المقدمة
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فمن الدلائل التي تعرف بها عافية الأمة ، ورجحان عقلها ، ويقظة قلبها ، ووعيها : موقفها من المؤسسين الأوائل لكيانها ونهضتها .
فالأمة الحية المحترمة هي التي تنصف روادها وأئمتها وبناتها وصانعي مجدها .
تنصفهم بأن تذكرهم دوما كما يذكر المرء الوفي - بالحب والتقدير - والديه ، ومعلميه ، وذوي الفضل عليه .
وتنصفهم بأن تجدد - دوما - المعاني والمبادئ الحية التي عاشوا من أجلها وماتوا في سبيلها .
وتنصفهم بأن تعصم نفسها من مثلب الجحود ، وتطهر روحها من الاستغراق في الحاضر وحده .
وتنصفهم بأن تدعو لهم بالرحمة والمغفرة وحسن الثواب ، وبأن تردد مع الخلف المؤمن الوفي :
{ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ } [ الحشر الآية : 10 ] .
والإمام محمد بن سعود - رحمه الله - هو أحد الرواد الكبار ، والبناة العظام في تاريخ أمتنا الخاص والعام .(1/1)
فقد قيضه الله تعالى لكي ينهي - بتوفيق الله - حقبة عصيبة تراكمت فيها البدع والمظالم والجهالة ، وانحرفت عقائد كثير من المسلمين ، ولكي يبدأ عهدا جديدا قوامه عقيدة التوحيد الصافية ، وشريعة الإسلام الخالدة العادلة ، لقد نصر الإمام دعوة الإسلام ، وسخر سلطانه ووسائل ملكه لتجديد دعوة التوحيد ، وتطبيق أحكام ا لشريعة .
وكان ذلك ثمرة لما وهبه الله من بصر سديد ، وخبرة رشيدة في أحوال الأمة ، وأسباب فوضاها وضلالها .
إن من أكبر أسباب تخلف الأمة ، ومن أهم عوامل ضلالها : التجافي الذي وقع بين الدين والسلطان .
لقد قضى الترابط المنهجي بين أحكام الإسلام ومقاصده ، بالتلازم المبدئي والعملي بين شريعة الإسلام ، والسلطة السياسية التي ينبغي أن تنهض على أساس تلك الشريعة ، وهذا ما اصطلح علماء الأمة وفقهاؤها على تسميته بالسياسة الشرعية .
وما وقعت المفاسد ، وما حصل التدهور ، إلا حين انفك ذلك التلازم .(1/2)
هنالك عزم الإمام على بداية عهد جديد ، هو : أن الدولة ليست سوى وسيلة لتحقيق الأهداف الإسلامية ، وتهيئة مناخ الاستقامة للناس : { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } [ الحج الآية : 41 ] .
وكان الإمام يعلم أن الملك الذي يعضد بالدين الحق . إنما ينهض على أساس مكين من الهيبة والتوقير والولاء والوفاء والتمكين والأمن :
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } [ النور الآية : 55 ] .
ومن سنن الله التي لا تتخلف : أنه - سبحانه - لا يضيع أجر من أحسن عملا ، فمن بركات نصر الإمام للدعوة الإسلامية أن مكن الله له في الأرض ، وأن جعل الحكم الإسلامي باقيا في عقبه .(1/3)
ولا يذكر الإمام محمد بن سعود ، إلا ويذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله تعالى - فقد جمع بين الرجلين العظيمين :
عقد النية والعزم على تجديد الدين ، ودعم سلطانه في قلوب الناس وعقولهم .
إحياء التلازم المنهجي والعملي بين الشريعة الإسلامية ، وبين السلطان السياسي القائم على أساس الشريعة .
الجهاد المشترك لتحقيق تلك المقاصد الجليلة .
ولئن انحرفت السياسة انحرافا شديدا حين ابتعدت عن هدي الدين . فإن الدعوة الإسلامية فقدت - من جراء ذلك الابتعاد - أقوى مؤيد ونصير - بعد الله سبحانه - وهو قوة الحكم وإمكاناته .
ومن هنا كان الإمام محمد بن عبد الوهاب يعلم أن النصير القوي ، والحصن المتين للدعوة الإسلامية - بعد عون الله - هو السلطة السياسية الإسلامية . فالدعوة بمعناها الشامل تنتظم : تمكين عقيدة التوحيد ، وترسيخها ، وإقامة الحدود ، وتوفير الأمن ، وصون الأعراض والدماء والأموال ، ولا يتحقق ذلك إلا بسلطان الحكم والدولة :(1/4)
{ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ }{ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [ المائدة الآيتان 49 - 50 ] .
وهكذا شاد الإمام ملكا أسس على التقوى ، ونصر بالحكم ، وصار مثالا عمليا لمعاني التوحيد والعزم والجهاد والتعاون والتناصر . . .
ومن الحقائق الاجتماعية والتاريخية : أن الأعمال المخلصة العظيمة لا ينحصر تأثيرها وعطاؤها في الدائرة الزمنية التي وقعت فيها ، بل يمتد تأثيرها وإيحاؤها وعطاؤها إلى حقب زمنية تالية عبر عشرات السنين ، أو عبر قرون كاملة .
لقد تجدد النموذج على يد رجل عظيم هو :
الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - .(1/5)
نعم : إن النموذج الجديد أكثر سعة ، وأضخم مسؤوليات ، وأشد تعقيدا ، نظرا لتعقد الظروف والملابسات . ولكن المهم هنا هو القاعدة المطردة في النموذجين . . قاعدة نصرة دين الله بالعلم الشرعي والحكم الشرعي معا .
نظر الملك عبد العزيز - رحمه الله - فوجد الزمن قد استدار كهيئته في عهد الإمامين - محمد بن سعود ، ومحمد بن عبد الوهاب - قبل حركة الإصلاح والتجديد .
فعادت كثير من البدع والخرافات ، وانتشر كثير من الظلم والجهالة ، وعمت الفوضى وعدم الأمن ، والتمزق والفرقة والشتات .
هنالك عزم الملك على التغيير والتجديد والجهاد ، فقاد الأمة وسارت خلفه . وفي غضون سنوات معدودة ، استطاع بعون الله توحيد هذه البلاد - التي تكاد تكون قارة كاملة في سعتها - تحت راية التوحيد . . فنصر دعوة الله ، ومكن لها ، وطبق الشريعة الإسلامية ، فكان الأمن والاستقرار والهيبة والولاء .
وكان العلماء يوجهون الأمة ، ويدعمون الحكم الشرعي ، ويؤيدونه بالعلم والنصح .(1/6)
وبنظر ثاقب من جلالة الملك عبد العزيز - رحمه الله - وسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - عالم المملكة وفقيهها إذ ذاك ، بدأت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية . فهما اللذان وضعا نواتها الأولى ، ولبنتها الأساسية ، وما تزال تكبر وتتسع ، حتى أصبحت على ما هي عليه الآن ، متخصصة في خدمة المبادئ والقيم والأهداف التي جاهد الإمام محمد بن سعود في سبيلها .
لقد أصبحت هذه الجامعة من كبريات الجامعات الإسلامية ، متميزة في مناهجها وبرامجها وأصالتها ، وواجهة حضارية للمملكة العربية السعودية ، الدولة التي تأسست على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وجاهد قادتها وحكامها في رفع راية : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ونصروا الإسلام ، وأعزوا المسلمين ، وبذلوا جهدهم وطاقتهم في سبيل دينهم وأمتهم ووطنهم .
لقد بذر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن والشيخ محمد بن إبراهيم - رحمهما الله - بذرة هذه الجامعة ، وتعاهدها من بعدهما الملك سعود ، والملك فيصل ، والملك خالد - رحمهم الله جميعا - وهي اليوم في قلب خادم الحرمين الشريفين ، وسمو ولي عهده ووجدانهما دعما ورعاية واهتماما .(1/7)
نعم تخصصت هذه الجامعة في خدمة المبادئ والقيم والأهداف التي جاهد الإمامان ، محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب في سبيلها .
لقد خرجت آلاف العلماء من أبناء المملكة . وأبناء المسلمين من غيرها ، الذين درسوا كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما خلفه العلماء المجتهدون من العلوم والآثار ، وبخاصة علماء السلف ، الذين جاهدوا في الله حق جهاده ؛ لكي يبقى الإسلام وعلومه وتوجيهاته نقية صافية يهتدي بها من آمن بالله ، ويسترشد بها من دعي إليه ، وتزيل الحيرة والشك من قلوبهم ، وتقف سدا منيعا أمام أهل الأهواء والزيغ والبدع .
نعم درس مشايخ هذه الجامعة أقوال علماء السلف وأراءهم ، من أمثال أئمة المذاهب الأربعة أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، ومن أمثال ابن كثير ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، ومحمد بن عبد الوهاب ، وغيرهم - رحمهم الله جميعا - وجزاهم عن الإسلام وعلومه وأمته خير الجزاء .
لقد اعتنت هذه الجامعة بعلوم الكتاب والسنة ، وبعلوم العقيدة والفقه ، وبعلوم اللغة العربية .
وذلك كله وفقا لما كان عليه السلف في الفهم والاستنباط ، مع الآخذ بتقنيات العصر ، ومناهج البحث المتطورة .(1/8)
فلم تفرط في حق ، ولم تنسق إلى ترهات ، ولم تنخدع بما انخدع به غيرها ، فكانت درة في جبين الجامعات الإسلامية .
وجهت طلابها إلى الأبحاث والدراسات ، والتحقيق في مجال نشر العقيدة السلفية الصحيحة ، ونشر مؤلفات العلماء المخلصين الصادقين ، فصدر عنها المئات من الأبحاث ، ورسائل الدراسات العليا ، والكتب المحققة .
أقامت حلقات علمية متخصصة ، ومؤتمرات وندوات في داخل الجامعة ، وأسهمت بعلمائها في ندوات ولقاءات في خارجها . تخدم علوم السلف ، وتبين الحق الذي ينبغي أن يأخذ به الناس .
حرصت على بيان حقيقة دعوة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وأنها الدعوة إلى دين الله الذي أرسل به خاتم رسله محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأنها ما دعا إليه من سبقه من الأئمة والدعاة من حث الناس على الاهتداء بالكتاب والسنة ، والابتعاد عن البدع والخرافات التي شابت كثيرا من تصورات الناس في مختلف أماكن المسلمين .
دعوة لإفراد الله بالعبادة ، واجتناب كل ما يؤثر في ذلك أو يناقضه ، كما دعا رسل الله كلهم إلى ذلك :(1/9)
{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } . [ النحل الآية : 36 ] .
وآخرهم وأفضلهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - الذي قال لأمته : { أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } . [ هود الآية : 2 ] .
ومن أبرز ما قامت به هذه الجامعة المباركة في هذا المجال تنظيم حلقة علمية في عام 1400هـ . التقى فيها عدد كبير من العلماء والباحثين ، من مختلف أنحاء العالم ، وفرت لهم الجامعة قبل حضورهم الإنتاج العلمي الكبير للإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - محققا وموثقا ، فاطلعوا عليه ودرسوه ، وتحاوروا فيما بينهم ، بكل حرية وتجرد ، وتبين لهم الحق الذي دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وأثر دعوته العظيمة في إصلاح أحوال المسلمين ، لا في المملكة العربية السعودية وحدها ، ولكن في العالم الإسلامي كله .
وقد كان لتلك الحلقة أثر كبير في تعريف الناس بالدعوة المباركة وصاحبها وعلمائها ، وجهود قادة المملكة العربية السعودية في تأييدها ، والتمكين لها .(1/10)
إن الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - إمام جاهد في سبيل الله ، وأيد هذه الدعوة المباركة ، ومكن لها .
وإن جامعة الإمام ، وهي تحمل اسم الإمام المجاهد ، مؤسس الدولة السعودية الأولى ، وتتخصص في خدمة المبادئ ، والقيم التي جاهد من أجلها .
قامت - ولا زالت تقوم - برسالة عظيمة ، تجاه الإسلام وعلومه ، وتجاه دعوة الإصلاح التي تحققت وانطلقت على يد مصلحين كبيرين ، هما الإمام محمد بن سعود ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وقامت - ولا زالت تقوم - بخدمة أهداف المملكة العربية السعودية ، وتنتهز كل مناسبة لذلك ، معتمدة على الله وحده ، ثم على عون قادة المملكة وولاة الأمر فيها ، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين ، وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله -(1/11)
إن من أهم المناسبات المباركة التي شهدتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وضع حجر الأساس لمدينتها الجامعية الضخمة ، على يد خادم الحرمين الشريفين ، الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ، في يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأولى من عام 1402 هـ . حيث أذن - حفظه الله ونصر به دينه - بالبدء في المباني الجديدة ، للجامعة ووجه باعتماد ما يلزم لذلك من نفقات ، وتابع بنفسه ذلكم الإنجاز العظيم ، الذي تحقق - والحمد لله - على أرض الواقع ، ونقل الجامعة إلى موقع متميز ، تتوفر فيه كل الوسائل المعينة على البحث والتحصيل والدراسة .
وتحقق للجامعة بفضل الله ، ثم برعاية خادم الحرمين الشريفين ، الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ، وسمو ولي عهده الأمين الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ما جعلها مفخرة لا للمملكة العربية السعودية وحدها ، بل للأمة العربية والإسلامية ، وكان ذلك في وقت قياسي ، فجزاهما الله خيرا ، وأعظم لهما المثوبة والأجر .(1/12)
وأشيد بهذه المناسبة بمساندة وجهود العديد من رجال الدولة والمسؤولين في مدينة الرياض ، وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود ، أمير منطقة الرياض ، الذي كان نعم العون ، والمتابع والمذلل لكثير من العقبات ، حتى أصبح الحلم حقيقة ، ونعمت الجامعة ورجالها وأبناؤها بمدينة مكتملة المرافق ، والخدمات .
لقد رأت الجامعة بمناسبة ذلك اليوم التاريخي أن تصدر كتابا عن حياة الإمام محمد بن سعود وجهاده ، إسهاما علميا وفكريا في إنصاف رواد الأمة وأئمتها وبناتها . فكان هذا الكتاب ، وكان هذا العنوان الذي تم اختياره ، لتطابقه مع الواقع : الإمام محمد بن سعود ، دولة الدعوة والدعاة .
حقا : إن دولة الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - هي دولة الدعوة والدعاة ، قامت على دعوة الإسلام النقية الشاملة الخاتمة ، كما في الكتاب والسنة ، تلك الدعوة التي جددها المصلح المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا .
وهي دولة الدعاة إلى الله ، ترعاهم ، وتمكن لهم ، وتعينهم على قيامهم بواجب التعليم والتوجيه والدعوة .(1/13)
لقد كان إعداد الدعاة والعلماء ، وإرسالهم إلى المدن والقرى ، وإلى البوادي والحواضر ، وإلى مختلف بلاد المسلمين ، سنة حميدة سارت عليها دولة الإمام محمد بن سعود ، واستمرت في الدولة السعودية ، إلى عهد موحدها وباني نهضتها في القرن الرابع عشر الهجري ، الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الذي اهتم - رحمه الله - اهتماما خاصا بالعلم والدعاة ، فوفر لهم متطلبات الدرس والتحصيل ، وطبع الكتب ، وبعث الرسائل ، وأوفد الدعاة والعلماء إلى مختلف مناطق المملكة ، وإلى مختلف أماكن العالم ، حيث تكون الحاجة .
وتكامل الأمر واستتم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ، وسمو ولي عهده الأمين ، حفظهما الله ، ونصر بهما دينه ، وأعلى بهما كلمته .(1/14)
فأنشئت الجامعات والمعاهد الإسلامية ، وأقيمت مؤسسات الدعوة ، ومراكزها في الداخل والخارج ، وأرسل الدعاة والعلماء إلى مختلف بلاد العالم ، وأقيمت المراكز والمساجد في أوروبا والأمريكتين وأستراليا وآسيا وإفريقيا على نفقة المملكة ، وأسست المنظمات والهيئات الإسلامية ، وقدم لها الدعم الوافي ، كرابطة العالم الإسلامي ، ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، وغيرهما ، وعقدت المؤتمرات والملتقيات لمفكري المسلمين وعلمائهم ودعاتهم .
واستقدم أبناء المسلمين للدراسة في جامعات المملكة ومدارسها ومعاهدها .
لقد وفرت السبل المناسبة للدعوة والدعاة . وبهذا يحق أن تكون المملكة العربية السعودية ، " دولة الدعوة والدعاة " وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم .
ومن أبرز مظاهر اهتمام المملكة بالدعوة ، إنشاء وزارة خاصة للدعوة والشؤون الإسلامية بعامة ، هي : " وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد " تقوم بتنفيذ سياسة المملكة العربية السعودية في مجال اختصاصها ، في داخل المملكة وخارجها .(1/15)
ولما لاطلاع الدعاة المنتسبين لهذه الوزارة ، والمتعاونين معها ، والعاملين في الحقل الإسلامي بعامة ، على شيء من سيرة الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - المؤسس الأول للدولة السعودية ، وجهوده وجهاده في سبيل الدعوة إلى الله ، وإقامة دولة إسلامية ، تحكم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
لما لذلك من أهمية وفائدة ، فقد رأيت من المناسب إعادة طبع هذا الكتاب الذي أشرفت على إعداده وقدمت له ، حينما كنت مديرا لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، تلك الجامعة المباركة ، صاحبة الجهود الجليلة في خدمة الإسلام والمسلمين ، مع بعض التصويبات والتنقيحات القليلة ، شاكرا لها ولرجالها في الماضي والحاضر تعاونهم وجهودهم ، وسائلا الله لهم المزيد من فضله وتوفيقه .(1/16)
لقد عرَّف هذا الكتاب باختصار بالإمام محمد بن سعود - رحمه الله - من حيث نسبه وصفاته ، وبالأوضاع السياسية والدينية والاجتماعية في نجد قبل ظهور دعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وباللقاء التاريخي بين الرجلين المصلحين المجاهدين ، وما ترتب عليه من آثار على الدعوة ، وإمارة الدرعية ، وجهاد الإمام محمد بن سعود في سبيل نشر الدعوة ، وموقف أمراء المدن والمناطق المحيطة بالدرعية من الدعوة ، وجهود الإمام محمد بن سعود في تأسيس الدولة السعودية الأولى ، وتثبيت أركانها ، وتطبيق شريعة الله فيها ، ومدى انتشار الدعوة عند وفاة الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - .
وفي الختام أتوجه إلى رب العزة والجلال ، داعيا إياه أن يأخذ بنواصينا إلى الخير ، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى ، وأن يجعل الأعمال خالصة لوجهه الكريم ، صوابا وفق شرعه القويم .(1/17)
كما أسأله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين ، وسمو ولي عهده الأمين ، وسمو النائب الثاني ، وأعوانهم على الخير ، ويجزل لهم الأجر والمثوبة على جهودهم العظيمة وجهادهم في سبيل نصرة الإسلام ، وإعزاز الدعاة والعلماء ، وأن يزيدهم من فضله وتوفيقه ، وأن يحفظ المملكة وقادتها وشعبها من كل مكروه ، وأن يوفق جميع المسلمين إلى العمل بكتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والاهتداء بهديه ، فهو ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
عبد الله بن عبد المحسن التركي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد(1/18)
الأوضاع السياسية والدينية والاجتماعية قي نجد قبل ظهور الدعوة السلفية
بدأ الضعف يدب في كيان الدولة العثمانية منذ أوائل القرن الثالث عشر الهجري - أواخر القرن الثامن عشر الميلادي - نتيجة فساد الكثير من النظم الداخلية من ناحية ، وللحروب الكثيرة التي شنتها الدولتان الروسية والنمساوية عليها ؛ بغية تصفية ممتلكاتها في أوروبا أولا ، ثم القضاء عليها ثانيا . فنشأت ما يسمى بالمسألة الشرقية التي شغلت أذهان ساسة أوروبا طوال القرن التاسع عشر الميلادي . وقد انعكس هذا الضعف بصور متفاوتة على البلدان العربية الخاضعة للحكم العثماني ، وظهر ذلك في شكل حركات تمرد وانفصال عن الدولة ، أو حركات إصلاح للحيلولة دون سقوط أكبر دولة إسلامية في ذلك الوقت ، ومن ثم انهيار الولايات العربية التابعة لها ، ووقوعها فريسة للاستعمار الأوروبي المتربص بها ، والطامع في ثروتها .
وبتناول أوضاع شبه الجزيرة العربية في تلك الفترة يتضح أن كل ما كان يهم الدولة العثمانية من هذا الكيان الجغرافي الكبير ، هو التمركز في مواقع استراتيجية معينة تحمي مصالحها في تلك المنطقة .(1/19)
ومن هذه المواقع اليمن المتحكم في مدخل البحر الأحمر الجنوبي . فالتمركز فيه أمر مهم بالنسبة للعثمانيين ، إذ يتيح لهم إغلاق البحر الأحمر في وجه الخطر البر تغالي ، ومن ثم حماية الأراضي المقدسة في مكة والمدينة .
كذلك كان الحجاز الموقع الاستراتيجي الثاني في شبه الجزيرة ؛ لما يضفيه هذا الإقليم على السلطان العثماني من مجد وفخار ، هذا بالإضافة إلى أنه يمكن الدولة العثمانية من السيطرة على طريق الحج الآتي من الشام .
ويأتي الأحساء في المرتبة الثالثة من الأهمية بالنسبة للدولة ، نظرا إلى ما له من إمكانات اقتصادية وعسكرية على الرغم من أنه قد استقل بإدارته بنو خالد منذ عام 1080هـ / 1670م ، ولم يكن للدولة العثمانية سوى السيادة الاسمية فحسب .(1/20)
أما إقليم نجد فلم يحظ باهتمام الدولة العثمانية ، نظرا إلى بعده عن المناطق الاستراتيجية الثلاث التي أشرنا إليها ، ولأسباب أخرى كثيرة (1) ، ومن ثم يدخل في قائمة التقسيمات الإدارية التي وضعتها الدولة العثمانية في أوائل القرن الحادي عشر الهجري - أوائل القرن السابع عشر الميلادي - وظلت معتمدة حتى القرن الثالث عشر الهجري - التاسع عشر الميلادي - (2) وترتب على ذلك أن خلا إقليم نجد من الولاة العثمانيين (3) ، ومن النفوذ العثماني .
وفيما يتعلق بالأوضاع السياسية في نجد ، فقد اتسمت بالتفكك السياسي ، وبالصراع على السلطة بين عدد من الأسر كانت تحكم هذا الإقليم . فكل أمير كان يحكم بلدة معينة مستقلا بذاته عن غيره (4) ، وعلاقته بجيرانه كانت سيئة في أغلب الأحيان ، وكانت القوة هي الفيصل فيما يحدث بينهم من نزاع ، تأكيدا للمثل المشهور " نجد لمن طالت قناته " (5) .
ولم تكن صلة القربى تجدي في حسم هذا النزاع ، سواء بين أفراد الأسرة الواحدة (6) أم بين القبائل المختلفة ، بل لقد بلغ هذا النزاع ، وهذا التفتت السياسي إلى حد أن تقاسم أربعة حكام حكم بلدة واحدة (7) .
_________
(1) عبد الكريم الغرايبة : قيام الدولة السعودية العربية ، ص 26 .
(2) عبد الرحيم عبد الرحمن : الدولة السعودية الأولى ، ط 1 ، ص 26 .
(3) ساطع الحضري : البلاد العربية والدولة العثمانية ، ص 38 ، 239 .
(4) lady Anne blunt ,A pligrimage to nejd . P . xIII
(5) عبد الله العثيمين : نجد منذ القرن العاشر الهجري حتى ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب . ( الحلقة الأولى ) مجلة الدارة ، العدد الأول ، السنة الرابعة ، ص 27 .
(6) ابن بشر : عنوان المجد في تاريخ نجد ، ط 1 ، ص 220 ، 224 .
(7) المصدر نفسه ، ص 164 .(1/21)
ومن يطلع على المصادر التي سجلت وقائع الفترة التي سبقت قيام الدولة السعودية الأولى " تواجهه حقيقة مروعة ، هي أن تلك الإمارات كانت دائما في صراع مستمر ، وتنافست على السلطة ، ومرابطة دائمة ، وثأر لا ينقطع " (1) .
وقد لخص العجلاني هذا الوضع بقوله : " فبداوة تسلب وتقتل ، وتفرض على المدن المتفرقة الإتاوة ، وتهدد سلامتها ، وتقطع الطرق ، وحروب متصلة وغدر " (2) . والحقيقة أن تلك المنازعات التي لم تنقطع بين الحكام كانت تؤدي مهمتين أساسيتين :
الأولى : أنهم كانوا يجدون فيها حلا لكثير من مشكلاتهم السياسية (3) ، وليس هذا فحسب ، بل يجدون فيها أيضا الحل لمشكلاتهم الاقتصادية ، في بلد شح فيه الرزق ، وعز فيه الثراء (4) ، يتمثلون في ذلك بقول الشاعر :
بسفك الدما يا جارتي تحقن الدما ... وبالقتل تنجو كل نفس من القتل
أما المهمة الثانية : فهي إيجاد نوع من التوازن في القوى السياسية بحيث " تبطل فيه قواتهم بعضها مفعول البعض الآخر " (5) . ومثال ذلك أن العيينة كاظما أقوى تلك الإمارات ( 1096 - 1138هـ ) ، ومع ذلك فإنها لم تستطع أن تخل بميزان القوة السياسي والعسكري لصالحها (6) .
_________
(1) عبد الله الشبل : تاريخ نجد والدولة السعودية الأولى ، ج 1 ، ص 49 .
(2) منير العجلاني : تاريخ البلاد العربية السعودية ، ج 1 ، ص 75 .
(3) العثيمين : المرجع السابق ، ص 24 .
(4) أمين الريحاني : تاريخ نجد وملحقاته ، ج 1 ، ص 50
(5) جاكلين بيرين : اكتشاف جزيرة العرب ، ص 182 .
(6) العثيمين : المرجع السابق ، ص 22 .(1/22)
هذا فيما يتعلق بعلاقة تلك الإمارات بعضها ببعض ، أما فيما يختص بعلاقة الحاكم بالمحكومين ، فهي علاقة تقوم على الظلم والجور بصفة عامة ، ويؤكد لنا تلك الحقيقة المؤرخ النجدي ابن بشر ، إذ يقول : " ورؤساء البلدان وظلمتهم لا يعرفون إلا ظلم الرعايا والجور " (1) وكذلك يصف صاحب لمع الشهاب تلك الأوضاع السيئة بقوله : " إن بلاد نجد وقبائلها إذا قلت لا ضابط لها محتو على الكل ، ولا هناك رئيس قاهر يردع الظالم وينصر المظلوم " (2) .
وإذا أنعمنا النظر في هذا القول نجد أن تفشي الظلم أمر عادي ، في مجتمع لا يتم الوصول فيه إلى مركز القوة إلا عن طريق استخدام العنف .
كما أن الاحتفاظ بالسلطة والنفوذ يستلزمان استعمال أسلوب البطش سبيلا لتحقيق هذه الغاية ، ومن ثم " فلم يكن هناك قانون أو شريعة إلا ما قضت به أهواء الأمراء وعمالهم (3) .
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، فإن دخول الدولة العثمانية في طور الانحطاط ساعد على انتشار الجهل ، وتفشي الأمية ، ووقوع " الأمة الإسلامية تحت وطأة الجمود الفكري والتخلف العلمي " (4) فلم تكن الدولة العثمانية قادرة على الوقوف في وجه هذا التدهور حتى لو أرادت ذلك .
_________
(1) ابن بشر : المصدر السابق ، ج 1 ، ص 20 .
(2) لمع الشهاب ، ص 33 .
(3) حافظ وهبة : جزيرة العرب في القرن العشرين ، ط 5 ، ص 320 .
(4) عبد الله الشبل : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 52(1/23)
وإذا استعرضنا أشهر الإمارات العربية الموجودة بنجد والمناطق المحيطة به ، نرى آل معمر في العيينة ، وآل سعود في الدرعية ، وآل زامل في الخرج ، ودهام بن دواس في الرياض ، وبني خالد في الأحساء ، والأشراف في الحجاز ، والسعدون فيما وراء النهر ، ولم يكن آل سعود وقتذاك يحكمون أقوى تلك الإمارات ، ويعتبر محمد بن سعود من أبرز أمراء الدرعية ، إذ استقرت الأمور فيها بعد أن تولى حكمها ( 1139 هـ / 1762م ) (1) . وقد أشار إلى هذا الاستقرار ابن غنام (2) ورده إلى حسن سياسة أميرها محمد بن سعود .
تنقسم المدة التي حكمها محمد بن سعود إلى فترتين : الأولى : وهي فترة الإمارة ، وتمتد من 1139هـ / 1726 م إلى 1157هـ / 1744م . والفترة الثانية : وهي فترة الإمامة ، وتشمل بقية حكمه ، أي من 1157هـ / 1744 م إلى 1179 هـ / 1765 م .
والفترة الأولى من حكم الأمير - وهي تقرب من عشرين عاما - لا نعرف عنها شيئا ؛ إذا ذكر لنا المصادر عنها ما يستحق الذكر ، ولكننا نستنتج منها أن تمتع الأمير بهذه المدة الطويلة من الحكم ، يدل على قدرة الرجل على تحقيق الأمن والاستقرار لإمارته ، ونجاحه في القضاء على أطماع ودسائس المنافسين له في الداخل والخارج (3) .
_________
(1) غرايبة : المرجع السابق ، ص 51 .
(2) ابن غنام : روضة الأفكار والأفهام ، ج 2 ، ص 32 .
(3) العجلاني : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 63 .(1/24)
كما أن المصادر التاريخية لا تمدنا بالمعلومات الكثيرة عن نشوء الدرعية ، ولكن مما لا شك فيه ، أن المؤرخ محمد بن عمر الفاخري من أول من أعطانا بعض الملامح عن تلك النشأة . فيذكر في أخبار عام 850 هـ يقول : " وفيها قدم مانع بن ربيعة المريدي على ابن درع صاحب حجر والجزعة من بلده القديمة ، وهي الدرعية التي عند القطيف ، وهو من قبيلته ، فأعطاه المليبيد وغصيبة المعروفة ، فنزلها وعمرها واتسع العمارة فيها والغرس في نواحيها وعمروها ذريته من بعده وجيرانه " (1) .
وتفسير ذلك أن مانعا المريدي جد الأسرة السعودية كان يقيم في بلدة يقال لها الدرعية ناحية القطيف ، ولسبب ما ترك هذه البلدة ، ورحل إلى ابن عمه ، ابن درع ، وكان مستقرا في حجر اليمامة ، فأقطعه المليبيد وغصيبة حيث أقام بلدة الدرعية .
كانت الدرعية عند مجيء الشيخ محمد بن عبد الوهاب إليها بلدة صغيرة تضم بين جنباتها سبعين بيتا (2) ، وعدد سكانها في ذلك الوقت لم يكن يصل إلى الألف نسمة . وكان أميرها محمد بن سعود على علاقة حسنة بأمير العيينة عثمان بن معمر ، وكذلك بأمير الرياض دهام بن دواس (3) .
_________
(1) محمد بن عمر الفاخري : الأخبار النجدية - دراسة وتحقيق وتعليق د / عبد الله الشبل ص 60 .
(2) لمع الشهاب : ص 30 .
(3) ابن غنام : المصدر السابق ، ص 89 .(1/25)
أما من الناحية الدينية فيصف لنا ابن غنام ما كان عليه المسلمون بعامة ، وأهل نجد بخاصة في مطلع القرن الثاني عشر الهجري ، من بعد عن الدين الحنيف ، فقد " ارتكسوا في الشرك ، وارتدوا إلى الجاهلية ، وانطفأ في نفوسهم نور الهدى ، لغلبة الجهل عليهم ، واستعلاء ذوي الأهواء والضلال . فنبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، واتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم من الضلالة ، وقد ظنوا أن آباءهم أدرى بالحق ، وأعلم بطريق الصواب " (1) .
_________
(1) المصدر نفسه ، ص 10 .(1/26)
الإمام محمد بن سعود
نسبه : يعتبر الإمام محمد بن سعود آخر أمراء الدرعية ، وأول الأئمة من آل سعود ، ومؤسس الدولة السعودية الأولى ، واستطاع بجهاده أن يوحد معظم الأجزاء الوسطى من نجد تحت راية التوحيد .
أما نسبه فهو محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع ، " ويجمع المؤلفون على أن مانعا ينحدر من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان " (1) . والمصادر التي بين أيدينا لا تدلنا على تاريخ ميلاده . ويذكر صاحب لمع الشهاب أن نسب محمد بن سعود " يرجع إلى وائل ، ووائل إلى ربيعة ، وربيعة بن مضر " (2) وللإمام محمد بن سعود زوجتان : الأولى هي موضى بنت ابن ( وهطان ) وهي من أسرة من آل كثير ، ولا تزال فروع تلك الأسرة معروفة في بلاد نجد ، وهي من آل فضل الذين كانوا يسيطرون على الجزيرة ، من بلاد الشام حتى جنوب الجزيرة خلال القرن الثامن إلى القرن الحادي عشر الهجري . وآل فضل من قبيلة طيئ المعروفة . والثانية بنت الشيخ محمد بن عبد الوهاب . أنجب أولادا ذكورا ، هم : فيصل وسعود ، وقد استشهدا في حياته ، وعبد العزيز وعبد الله .
_________
(1) العجلاني : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 67 .
(2) لمع الشهاب : ص 46 .(1/27)
وقد أشير من قبل إلى كيفية مجيء مانع من منطقة القطيف إلى ابن درع رئيس حجر والجزعة ( 850 هـ / 1446م ) لما كان بينهما من صلة نسب ومصاهرة ، حيث أقطعه أرضا قامت عليها بلدة الدرعية التي توسعت على حساب آل يزيد وآل دغيثر بعد ذلك (1) وفي عهد مقرن بن مرخان أصبحت الدرعية عاصمة لهذه الإمارة .
_________
(1) H . ST . YOHN,PHILP,SAUDI ARABIA P . G(1/28)
خلقه : أجمعت المصادر التاريخية التي تحت أيدينا على أن الإمام محمد بن سعود كان على خلق كريم ، يقول ابن غنام : " كان الأمير محمد بن سعود بحسن السيرة معروفا ، وبالوفاء وحسن المعاملة موصوفا ، ومشهورا بذلك ، دون من هنالك " وهذا القول يدلنا على أن الإمام محمد بن سعود كان يتحلى بحسن السيرة والوفاء قبل أن ينصر الدعوة السلفية التي تجددت على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب . كذلك يدلل ابن بشر على شجاعة الإمام بقوله : " ولم يخش لوم اللائمين ، ولا كيد الأعداء المحاربين . . . فشمر في نصرة الإسلام بالجهاد ، وبذل الجهد والاجتهاد ، فقام في عداوته الأصاغر والأكابر ، وجروا عليه المدافع والقنابر ، فلم يثن عزمه ما فعل المبطلون " (1) .
ويصف صاحب لمع الشهاب ما كان عليه الإمام من كرم فيقول : " ذكر الثقات من المخبرين عن شأن محمد بن سعود أنه كان رجلا كثير الخيرات والعبادة . . . وكان كريم الطبيعة ، ميسر الرزق ، له أملاك كثيرة من نخل وزروع ، وله عدد من المواشي ، قيل من سخاوته أن الرجل يأتيه من البلدان ، فيطلب منه شيئا كثيرا لوفاء دين عليه ، فإذا عرف أنه محق أعطاه إياه " (2) .
_________
(1) ابن بشر : المصدر السابق ، ج 1 ، ص 3 .
(2) لمع الشهاب : ص 45 .(1/29)
ومن حسن خلقه أنه يحفظ الجميل ولا ينساه أو يتناساه (1) ويركز صاحب لمع الشهاب على صفة الوفاء ، ويستشهد على ما يقول بوفاء الإمام وأولاده من بعده للعهد الذي قطعوه للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ولم يخرجوا عليه أبدا (2) بل لقد استشهد ولداه : فيصل ، وسعود ، خلال جهاده من أجل نصرة الدعوة ، فلم تلن له قناة ، ولم يزده ذلك إلا إصرارا على بذل المزيد من الجهد والمال والرجال في سبيل نصرة دين الله .
أما عن شجاعته فيذكر مانجان أنه لم يتخلف عن المعارك إلا بسبب اعتلال صحته وكبر سنه (3) . وعلى الرغم من أن شجاعته ليست موضع شك أو جدال ، إلا أن الإمام لم يتخلف لهذا السبب وحده ، وإنما كان يسند لابنه عبد العزيز قيادة بعض الحملات تدريبا له على القتال ، وعلى تحمل مسؤولية نشر الدعوة .
وخلاصة القول : أنه " لو لم يكن من الفضل إلا تبنيه للدعوة الإصلاحية ، واحتضانه لصاحبها ، وجهاده في سبيل نشرها لكان رصيدا ضخما من الفضل والمجد والفخار " (4) .
_________
(1) نفس المصدر .
(2) نفس المصدر .
(3) العجلاني : المصدر السابق ، ج 1 ، ص 132 .
(4) حسين خزعل : حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب .(1/30)
مؤازرته للدعوة : قبل البدء في بيان جهود الإمام محمد بن سعود في مؤازرة الدعوة ، ينبغي توضيح الأسباب التي دفعت الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى اختيار الدرعية لتكون المنطلق الجديد للدعوة بعد العيينة ، لا سيما أن الشيخ قد بدأ دعوته كما نعرف في حريملاء ، وعندما وجد أن هذه البلدة ليست المكان المناسب لنشر دعوته انتقل إلى العيينة ، ولم يكن انتقاله إليها إلا بعد دراسة لأوضاعها دراسة أقنعته بأنها أرض صالحة لنشر دعوته ، خصوصا بعد أن أبدى له أميرها عثمان بن معمر استعداده لتبني الدعوة والعمل على نشرها . وقد انتقلت الدعوة في العيينة من مرحلة الدعوة بالقول والجدال بالتي هي أحسن ، إلى مرحلة التطبيق العملي لأحكام الإسلام .(1/31)
ولكن هذا التطبيق أزعج المعارضين للشيخ ودعوته ، فأرسل حاكم الأحساء سليمان بن محمد بن غدير الحميدي الخالدي إلى أمير العيينة أمرا بطرد الشيخ من بلده ، وإلا قطع عنه خراجه ووظائفه ، ومنع جباته من تحصيل ما له من النخيل في الأحساء ، ومنع تجاره من ارتياد منطقته والمتاجرة معها (1) ، (2) ، فكان طبيعيا بعد نجاح الدعوة في العيينة أن يفكر الشيخ محمد مليا في الأمر قبل أن ينتقل بدعوته إلى بلدة أخرى . فإذا كان اختياره بعد هذا التفكير قد وقع على الدرعية ، فإنما جاء ذلك بعد دراسة للموضوع من مختلف جوانبه . فلم يكن التجاؤه إلى الإمام محمد بن سعود من قبيل الصدفة ، لأن وضع أمانة نشر الدعوة في يديه ليس بالأمر الهين . فما هي الأسباب التي أقنعت الشيخ بالإقدام على هذه الخطوة الجريئة ؟ :
أولا : وجد الشيخ محمد بثاقب نظره أن قوة الدرعية في ازدياد مطرد (3) إذا ما قورنت بقوة الإمارات الأخرى المحيطة بها ، فقد استطاعت الدرعية في غزوة سعدون رئيس الأحساء التي وجهها إليها عام 1132هـ .
ثانيا : كانت الدرعية أقرب البلدان المناسبة للدعوة إلى العيينة .
ثالثا : استقرار الحكم فيها كما سبق أن أوضحنا .
_________
(1) لمع الشهاب : ص 124 ،
(2) لمع الشهاب : ص 124 ،
(3) ابن بشر : المصدر السابق ، ج 1 ، ص 18 .(1/32)
رابعا : ما عرفه الشيخ من حسن سيرة صاحب الدرعية .
خامسا : وجود أنصار لدعوة الشيخ من بين رجالاتها ، مثل إخوة الأمير محمد بن سعود ، وهم الأمير ثنيان ، والأمير مشاري ، والأمير فرحان ، والأمير الصغير عبد العزيز بن محمد بن سعود ، وآل سويلم وغيرهم .
سادسا : كان الشيخ كبير الثقة في الحصول على المساعدة والحماية من الأمير محمد بن سعود ، لا سيما أن عدوهما واحد ، ألا وهو حاكم الأحساء الذي ضغط على عثمان بن معمر أمير العيينة لطرده .
هذا من ناحية الشيخ .
أما من ناحية محمد بن سعود فكان طبيعيا أن يؤوي إليه صاحب الدعوة تحديا لأمير الأحساء الذي سبق أن هاجم الدرعية من قبل .
سابعا : لقد أدرك الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما كان يتمتع به الأمير محمد بن سعود من صفات " الرجل المحارب الفذ " (1) والدعوة في ذلك الوقت كانت في حاجة شديدة إلى اليد القوية التي تساندها وتؤازرها .
لكل هذه الأسباب وقع اختيار الشيخ على الأمير محمد بن سعود ، ليكون الحامي للدعوة والمدافع عنها ، ولتكون الدرعية مركز الدعوة ، ونقطة انطلاقها إلى مكان في داخل الجزيرة العربية وخارجها .
_________
(1) لمع الشهاب : ص 34 .(1/33)
اللقاء التاريخي بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب
أورد كل من ابن غنام ، وابن بشر ، وصاحب لمع الشهاب تفاصيل هذا اللقاء التاريخي بين الأمير محمد بن سعود ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب بطرق مختلفة ، فاتفقوا في بعض التفاصيل ، واختلفوا في البعض الآخر ، وإن كان مضمون اللقاء فيما أورده الثلاثة واحدا في مجمله . فيذكر ابن غنام - وهو أقرب الثلاثة إلى الشيخ ؛ لأنه أحد تلاميذه ، وممن أخلصوا في نشر دعوته - وإن كانت روايته مقتضبة : أن الشيخ خرج " سنة سبع أو ثمان وخمسين ومائة وألف من العيينة إلى بلدة الدرعية ، فنزل في الليلة الأولى على عبد الله بن سويلم ، ثم انتقل في اليوم التالي إلى دار تلميذه الشيخ أحمد بن سويلم . فلما سمع بذلك الأمير محمد بن سعود ، قام من فوره مسرعا إليه ، ومعه أخواه : ثنيان ومشاري ، فأتاه في بيت أحمد بن سويلم ، فسلم عليه ، وأبدى له غاية الإكرام والتبجيل ، وأخبره أنه يمنعه بما يمنع به نساءه وأولاده " (1) .
_________
(1) ابن غنام ، روضة الأفكار .(1/34)
فأخبره الشيخ بما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته - رضوان الله عليهم - من بعده ، وبما أمروا به ونهوا عنه ، وكيف أعزهم الله بالجهاد " وتطرق إلى ما عليه نجد وقتذاك من مخالفة لشرع الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن بدع وشرك وظلم وفرقة .
ويقول ابن غنام : " فلما تحقق الأمير محمد بن سعود من معرفة التوحيد ، وعلم ما فيه من المصالح الدينية والدنيوية ، قال له : يا شيخ إن هذا دين الله ورسوله الذي لا شك فيه ، فأبشر بالنصرة لك ولما أمرت به ، والجهاد لمن خالف التوحيد ، ولكن أريد أن أشترط عليك اثنتين : نحن إذا قمنا في نصرتك ، والجهاد في سبيل الله ، وفتح الله لنا ولك البلدان ، أخاف أن ترتحل عنا وتستبدل بنا غيرنا ، والثانية : أن لي على الدرعية قانونا آخذه منهم في وقت الثمار ، وأخاف أن تقول : لا تأخذ منهم شيئا .
فقال الشيخ : أما الأولى فابسط يدك : الدم بالدم ، والهدم بالهدم .
وأما الثانية : فلعل الله يفتح لك الفتوحات فيعوضك الله من الغنائم ما هو خير منها " (1) .
_________
(1) نفس المصدر .(1/35)
ويعلق الدكتور عبد الله العثيمين على الشرط الثاني : بأن إجابة الشيخ لم تكن حاسمة ، وإنما هي مجرد رجاء إلى الله أن يعوض محمد بن سعود بما هو أفضل منها ، وذلك ، " لأن الشيخ قارن بين المصلحة العامة لدعوته وبين مسألة جزئية كان واثقا من حلها مستقبلا بسهولة " (1) .
وتتفق رواية صاحب لمع الشهاب مع رواية ابن غنام في بعض التفاصيل ، فهي أقرب إليها من رواية ابن بشر ، حيث ذكر صاحب اللمع : " أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما خرج بأسرته من العيينة متجها إلى الدرعية ، وسمع محمد بن سعود بالأمر ، وكان قد علم بأمر الدعوة قبل ذلك ، فجاء إليه وصافحه ، وقال له : هذه القرية قريتك ، فلا تخش أعداءك ، والله لو انطبقت علينا جميع نجد ما أخرجناك عنا " (2) .
_________
(1) عبد الله العثيمين : الشيخ محمد بن عبد الوهاب .
(2) لمع الشهاب : ص .(1/36)
ويختلف ابن بشر في روايته لهذا الحدث الكبير عن رواية سابقيه ، فيذكر أن الشيخ قد وصل الدرعية وقت العصر ، ونزل ببيت محمد بن سويلم العريني ، وتوافد عليه الناس ، فخشي ابن سويلم على نفسه من محمد بن سعود فطمأنه وهدأ من روعه وأراد الناس " أن يخبروا محمد بن سعود ويشيروا عليه بنصرته فهابوه ، فأتوا إلى زوجته موضي بنت ابن ( وهطان ) وكانت ذات عقل ومعرفة ، فأخبروها بمكان الشيخ ، وصفة ما يأمر به وينهى عنه ، فوقر في قلبها معرفة التوحيد ، وقذف الله في قلبها محبة الشيخ ، فلما دخل عليها زوجها محمد أخبرته بمكانه ، وقالت : إن هذا الرجل أتى إليك ، وهو غنيمة ساقها الله لك ، فأكرمه واغتنم نصرته ، فقبل قولها ، وألقى الله سبحانه في قلبه للشيخ المحبة ، فأراد أن يرسل إليه ، فقالوا : سر إليه برجلك في مكانه ، وأظهر الاحتفاء به ، لعل الناس أن يكرموه ، فسار إليه محمد ، فدخل عليه في بيت ابن سويلم ورحب به ، وقال : أبشر ببلاد خير من بلادك ، وأبشر بالعز والمنعة " (1) .
_________
(1) ابن بشر : المصدر السابق ، ج 1 ، ص 11 ، 12 .(1/37)
فرد عليه الشيخ قائلا : " وأنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين ، وهذه كلمة التوحيد التي دعت إليها الرسل كلهم . فمن تمسك بها وعمل بها ونصرها ملك بها العباد والبلاد ، وأنت ترى بلاد نجد كلها قد أطبقت على الشرك والجهل والفرقة والاختلاف ، وقتال بعضهم بعضا ، فأرجو أن تكون إماما يجتمع عليه المسلمون وعلى ذريتك من بعدك " (1) .
ثم يوالي ابن بشر سرد بقية الحديث الذي دار بين الرجلين كما أورده ابن غنام سابقا .
_________
(1) المصدر نفسه : ( النسخة المخطوطة ) الورقة 8 .(1/38)
ومما تجدر ملاحظته : أن منيرا العجلاني قد استبعد أن عالما في شهرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب يصل إلى الدرعية دون علم من أميرها محمد بن سعود ، ويعتقد أن الشيخ " لم يخرج من العيينة إلا بعد أن دعته الدرعية إليها " (1) ويستند في هذا الاعتقاد على ما ذكره المؤرخ الفرنسي مانجان الذي استقى معلوماته من آل سعود وآل الشيخ الذين نفوا إلى مصر بعد سقوط الدولة السعودية الأولى ، حيث يقول : إنه عندما علم أنصار الشيخ في الدرعية بحرج موقف شيخهم في العيينة ، حدثوا أميرهم محمد بن سعود في هذا الأمر ، فأرسل إليه من يدعوه إليه ، ويعده بالحماية والمنعة (2) . وإذا ما صحت الأقوال التي نسبها ابن بشر إلى موضي بنت ابن ( وهطان ) زوجة محمد بن سعود " فإنها تدلك على بعد نظر عجيب " (3) .
_________
(1) العجلاني : المصدر السابق ، ص 91 .
(2) العجلاني : المصدر السابق ، ج 1 ، ص 91 .
(3) ابن بشر : - المرجع السابق .(1/39)
وعلى أي حال سواء دعي الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية أم لا ، فإن النهاية التي أوردها المؤرخون الثلاثة هي الاتفاق بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب على " نصر دين الله ورسوله والجهاد في سبيله ، وإقامة شرائع الإسلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر " (1) . وبذلك ضمن الشيخ القوة والسلطان في مؤازرة دعوته والعمل على إعلاء كلمة الحق سبحانه وتعالى ، وحقق بذلك ما ورد في الأثر : " إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " .
وقد ترتب على هذا الاتفاق نتائج عظيمة نجملها فيما يلي :
أولا : بعد هذا الاتفاق الذي عرف باسم اتفاق الدرعية عام 1157 هـ . بدأت " النواة الأولى في بناء صرح الدولة السعودية الأولى ، وعلو شأن آل سعود " (2) . وكان ابن بشر على حق حينما بدأ تاريخه لنجد في العصر الحديث بانتقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية . فهذا الحدث جعل نجدا " تكتشف نفسها ، وتعي رسالتها ، وتصنع وحدتها ، وتبني نهضتها " (3) .
_________
(1) العجلاني : المصدر السابق ، ج 1 ، ص 90 .
(2) غرايبة : المرجع السابق ، ص 43 .
(3) نفس المصدر .(1/40)
ثانيا : بانتقال الشيخ إلى الدرعية لحق به أتباعه ، إما للاضطهاد الذي لحق ببعضهم ، أو لخوفهم من أن يحدث مستقبلا إذا ما زاد خطر الدعوة ، أو للاستفادة من علم الشيخ والتفقه في الدين (1) وقد واجهت الدرعية مشكلة كبيرة من تدفق هؤلاء الوافدين على البلدة الصغيرة المحدودة الموارد ، ولكنها اهتدت لبعض الحلول ، منها : أن هؤلاء المهاجرين كانوا يشتغلون بالليل ويتقاضون أجرا على ذلك ، ويتفرغون بالنهار لتلقي العلم (2) ، كذلك اقتفى الشيخ أثر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - حين قوَّى أواصر الإخوة الإسلامية بين المهاجرين وأهالي الدرعية (3) ، كما لجأت الدرعية إلى الاستفادة من هؤلاء المهاجرين في إنشاء جيش قوي (4) . لا سيما أن هؤلاء كانوا متحمسين للدعوة ، وعلى استعداد لبذل أرواحهم في سبيلها ، ومع ذلك فقد استدان الشيخ مبلغا كبيرا من المال للإنفاق عليهم (5) .
ولم يدم هذا الضيق طويلا ، فما أن بدأت حركة التجديد الديني ، وتوالت الفتوحات حتى تدفقت الخيرات على الدرعية ، وتبدل الحال غير الحال ، بحيث أصبحت الدرعية عند وفاة الإمام محمد بن سعود ( 1179هـ / 1765 م ) من أكبر مدن نجد ، وأغناها ، وأقواها (6) .
_________
(1) عبد الحميد البطريق - الوهابية دين ودولة - مجلة كلية البنات عين شمس 1964م .
(2) العجلاني : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 103 .
(3) العثيمين : المرجع السابق ، ص 63 .
(4) ابن بشر : المرجع السابق ، ج 1 ص 13 .
(5) حسين خزعل : المرجع السابق ص164 .
(6) العثيمين : المرجع السابق ص 65 .(1/41)
وقد ازداد ازدهارها ونموها في عهد الإمام سعود ( 1218 - 1229هـ / 1803 - 1814 م ) حين زارها ابن بشر ، ووصفها بقوله : " ولقد رأيت الدرعية بعد ذلك في زمن سعود - رحمه الله تعالى - وما فيه أهلها من الأموال وكثرة الرجال والسلاح المحلى بالذهب والفضة الذي لا يوجد مثله ، والخيل والجياد والنجايب العمانيات ، والملابس الفاخرة ، وغير ذلك من الرفاهيات ، ما يعجز عن عده اللسان " (1) .
ثالثا : أصبحت الدرعية حاضرة الدولة الجديدة المركز الرئيسي للدعوة ، ففيها تلقى الدروس ، ويعد الدعاة الذين سيلقى على كاهلهم تعليم الناس العقيدة الإسلامية الصحيحة ، ومنها توفد الرسل إلى مختلف أنحاء الجزيرة ، وتبعث الرسائل إلى الحكام والعلماء التي تشرح وتوضح حقيقة الدعوة وأهدافها . فكانت الدرعية - دون مبالغة - كخلية النحل تموج بالنشاطات العلمية الاجتماعية والسياسية (2) .
_________
(1) ابن بشر : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 13 .
(2) غرايبة : المرجع السابق ، ص 52 .(1/42)
رابعا : أشرنا من قبل إلى أن المنازعات والحروب التي كانت تنشأ من حين لآخر بين بلدان نجد قد أوجدت نوعا من التوازن في القوى ، بحيث لم تستطع بلدة بعينها أن تفرض سلطانها على جيرانها . ولكن هذا الاتفاق الذي تم في الدرعية قد أخل بهذا التوازن الثابت لصالح الدعوة (1) . فلم تستطع قوى المعارضة أن تصمد أمام التحالف الجديد ، رغم كثرة الحروب وضراوتها (2) .
خامسا : استغرقت فترة إرسال البعوث العلمية والرسائل عامين من 1157هـ إلى 1159هـ ، وقد وجدت الدولة السعودية من خلال ردود الفعل لتلك الرسائل والبعوث أن الدعوة باللسان والقلم ينبغي أن تدعم بجهد آخر هو : نصرة الدين بالجهاد الشامل وبالشوكة القتالية ، ومن ثم أخذت تعد نفسها للقتال ، وتهيئ الظروف المناسبة لذلك ، عن طريق إعداد قواها الحربية والاقتصادية والسياسية لهذا الأمر الجلل .
_________
(1) نفس المصدر .
(2) الشبل : الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ص50 .(1/43)
جهاده في سبيل نشر الدعوة :
أدرك الإمام محمد بن سعود الهدف من قيام دولته الإسلامية في هذه الإمارة الصغيرة ( الدرعية ) ألا وهو الدعوة لدين الله ، والعودة بالإسلام إلى ، نقائه الأول في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي عهد الخلفاء الراشدين - رضوان الله عليهم - أي " إقامة مجتمع إسلامي متكامل ، يؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة " (1) ومعنى هذا : أن الهدف كان واضحا أمامه تمام الوضوح ، ألا وهو توحيد نجد تحت كلمة : " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ، لم يحد عن هذا الطريق الذي رسمه لنشر الدعوة ، ولذا كان على الإمارات النجدية أن تختار أحد أمرين : إما أن تدخل في الدعوة عن قناعة وإيمان ، وإما أن يحملها على ذلك عن طريق الجهاد ، وكانت الظروف السياسية مواتية للإمام محمد بن سعود لتحقيق هدفه ، إذ كانت المنطقة في ذلك الوقت بعيدة عن أي سلطة قوية ، " ولهذا كانت ميدانا قابلا لتحقيق كثير من النجاح العسكري في بداية الأمر دون تدخل خارجي " (2) .
_________
(1) جاكلين بيرين : المرجع السابق ، ص 181 .
(2) NIEBUHR TRAVELS THROUGH ARABIA AND OTHER COUNTRIES IN THE EAST VOL II . PP 1314132 .(1/44)
وكان عليه أن يدخل أولا الإمارات القريبة منه في الدعوة حتى يأمن جانبها ، ويحمي ظهره إذا ما اضطر إلى الذي الدخول في صراع سياسي وحربي خارج حدود نجد ، وقد أثمرت جهود الدولة الجديدة في ميدان الدعوة ، إذ أبدت بعض بلدان نجد ، مثل حريملاء ومنفوحة وغيرهما استعدادا للانضمام إلى الدرعية ، بينما عارضت بلدان أخرى مثل الرياض .
وكان العامل الديني يأتي في المقام الأول من بين العوامل التي كانت وراء انضمام بعض البلدان أو معارضة البعض الآخر ، فالبلدان التي آزرت ، الدعوة ، وانضمت إلى الدولة رأت في عملها هذا حماية لها من البلدان التي عارضت الدعوة ، ورفضت الانضمام إلى الدولة ، بسبب خشية أمرائها من ضياع استقلالهم في حال ما إذا انصهروا في بوتقة المجمع الجديد ، والدولة الجديدة .
وضح موقف الإمارات النجدية للإمام محمد بن سعود ، وكان عليه أن يجمع شتات لإمارات المؤيدة للدعوة حول الدرعية ، وبذلك استطاع أن يغير ميزان القوى لصالحه .
أما من ناحية الإعداد للحرب ، فقد اهتم الإمام اهتماما كبيرا بتنمية موارد دولته .(1/45)
وبخصوص إعداد الجند للقتال ، فقد بذلت دولة الدرعية جهودا مضنية في سبيل تدريبهم وتسليحهم ماديا ومعنويا ، وخضع هؤلاء لنظام عسكري صارم في التدريب الشاق الطويل ، يعودهم على الصمود والمقاومة لفترات طويلة ، مع إجادة استخدام البنادق الحديثة (1) ، وهم الذين اعتادوا على الكر والفر ، وعدم الثبات .
وبدأ جهاد الإمام بن سعود في صورة مناوشات مع القوى المجاورة له ؛ لأن خطرها على الدعوة أشد من القوى البعيدة عنه ، وكان هدفه من وراء ذلك توحيد نجد تحت لواء : " لا إله إلا الله محمد رسول الله " . وقد تفاوت قادة تلك القوى في عدائهم للدعوة ، فمنهم من استمر في مقاومتها زهاء ثمانية وعشرين عاما ، كدهام بن دواس في الرياض ، ومنهم من قاوم بعض الوقت ، مثل عثمان بن معمر في العيينة .
وعلى أي حال كان على الدرعية مواصلة ضرب تلك القوى لإخضاعها ، أو على الأقل إضعافها ، وإشعارها بصفة دائمة بقوة الدرعية ، حتى لا تصبح تلك القوى مصدر خطر على الدعوة ، إذا ما هوجمت من عدو خارج ، أو إذا ما فكر الإمام في إرسال قواته لنشر الدعوة في مناطق نائية .
_________
(1) الشبل : تاريخ نجد ص 65 .(1/46)
موقف عثمان بن معمر من الدولة السعودية
كان على الإمام أن يواجه أول ما يواجه موقف عثمان بن معمر ، وحسده للدرعيه على ما تبوأته من مركز ممتاز ، جاء نتيجة ما فرط في أمر الشيخ ، وقد أقلقه ما أضفته الدعوة على الدرعية من قوة ومنعة ، وما رآه من هجرة أسراب من الناس ، ومنهم بعض وجوه العيينة إلى الدرعية (1) ، وأثر ذلك في زيادة قوتها واتساع رقعتها .
وعندما حاول إصلاح ما أفسدت يداه ، وأن يرجع الشيخ إلى العيينة ، باءت محاولته بالفشل ، فأخذ يكيد للدرعية دون جدوى ، وعلى الرغم من ذلك ، فعندما رجع إلى الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب تائبا ، قبلا توبته وأسندا إليه قيادة قوات الدعوة برفقة الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود " لملء ما يشعر به ابن معمر من فراغ نفسي وسياسي ، وليمنحاه شرف هذه القيادة ، لعلها تمحو ما في نفسه من غصة ومرارة ، وقاد بالفعل أربع حملات : اثنتين على الرياض ، واثنتين على ثرمداء وحريملاء .
_________
(1) العثيمين : المرجع السابق ، ص 65 .(1/47)
لم يصدق ابن معمر في توبته ، وعاد إلى ما كان عليه من تدبير للمكايد ، وذلك حينما اتفق مع كل من إبراهيم بن سليمان - أمير ثرمداء - وابن سريط - رئيس قبيلة الظفير - ليقوموا بالهجوم على الدرعية (1) وكان جزاء عمله هذا أن قام نفر من جماعته فقتلوه بعد صلاة الجمعة عام 1163هـ ، " وذكروا أنهم تحققوا منه نقض العهد وموالاة الأعداء وممالأتهم " (2) . وبذلك تخلصت الدولة من مكايد ابن معمر ، ليتفرغ الإمام للقضاء على مقاومة خصمه العنيد دهام بن دواس أمير الرياض .
_________
(1) غرايبة : المرجع السابق ، ص 45 .
(2) عبد اللطيف الدهيش : ( الإمام محمد بن سعود ) مجلة كلية التربية ، جامعة الملك عبد العزيز ، العدد الخامس رجب 1400هـ .(1/48)
موقف دهام بن دواس من الدولة السعودية
مما لا شك فيه أن دهاما يعد من أقوى خصوم الدرعية ومن ألد أعدائها في منطقة نجد ، فقد جاهر الدعوة بالعداء منذ أن اتخذت الجهاد سبيلا لنشرها ، ولم يقتصر خطره على المقاومة فحسب ، وإنما تعداها إلى تشجيع البلدان التي انضوت تحت لواء الدعوة على الخروج عليها ، هذا فضلا عن مساندته خصوم الدعوة أينما وجدوا ، ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، وقد دامت الحرب بينه وبين الدرعية ثمانيا وعشرين سنة ، كان نصيب الإمام محمد بن سعود منها نحو عشرين سنة .
ولا بد من عرض للصراع بين الدرعية والرياض دون الدخول في تفاصيل المعارك التي وقعت بين الطرفين وذلك لسببين :
الأول : أن سرد التفاصيل سيطيل البحث ، وليس هذا من أهدافنا .
والسبب الثاني : كثرة المعارك بحيث إنه لم تخل سنة من حدوث معركة أو معركتين ، وربما أكثر من ذلك . فيما عدا سنوات الهدنة بطبيعة الحال (1) ولذا فإن التركيز سيكون على طبيعة هذا الصراع ، وعلى أهم المعارك التي دارت رحاها بين الجانبين .
_________
(1) الشبل : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 96 .(1/49)
إن الصراع بين البلدين قد اتخذ شكل حرب الاستنزاف للطاقات البشرية والمادية لكل منهما (1) فكل منهما كان يحرص على مهاجمة الآخر ، والقضاء عليه . فالإمام محمد بن سعود كان يريد لراية التوحيد أن ترفرف على ربوع نجد بما فيها الرياض أهم معاقل المعارضة للدعوة . وكان موقنا من أن استقرار الدعوة في قلب نجد لا يمكن أن يتم إلا بالقضاء على أقوى خصومها ، ألا وهو دهام بن دواس . وإن لم يستطع فعلى الأقل يعمل على إضعافه ، وكسر شوكته ، والحد من خطره .
أما من ناحية دهام فقد وجد في الدرعية خطرا يهدد سيادته ونفوذه ، ورأى أن نمو قوتها ، وازدياد نفوذها لن يتم إلا على حساب قوته ونفوذه .
هذا فضلا عن أن الدرعية أصبحت فعلا مركز الثقل السياسي والاقتصادي والحربي في المنطقة . وكان لهذا أثره غير المباشر في إضعاف شأن الرياض . ومن ثم اتضح لدهام أنه إذا لم يعمل باستمرار على الحد من تيار الدعوة ، والوقوف في وجهه ، فإنه سيجرف الرياض لا محالة ، شأنها في ذلك شأن سائر البلدان الأخرى التي انضوت تحت لواء الدعوة ، وبذلك يزول نفوذه وتضيع هيبته .
_________
(1) المصدر نفسه ، ص 97 .(1/50)
ولقد تميز هذا الصراع الطويل بين الجانبين بالافتقار إلى المعارك الكبيرة الحاسمة ، فلم يستطع أي منهما أن يهزم الآخر هزيمة ساحقة ، بل استمرت الحرب سجالا بين الطرفين ، وإن كانت تميل إلى صالح الدرعية حتى مل دهام الحرب ، وآثر في نهاية الأمر الفرار من الرياض بأهله وعشيرته ، تاركا إياها تنعي من بناها ، بعد أن هجرها أغلبية أهلها . فصراع دهام كان صراعا دمويا مدمرا للرياض (1) .
ومن سمات هذا الصراع أيضا أنه رغم دخول بلدان العيينة ، ومنفوحة ، وضرمى ، وحريملاء ، والعمارية ، والقويعية ، والحوطة ، والجنوبية ، والمحمل ، وثادق ، والقصب ، والفرعة ، في طاعة الدرعية ، إلا أن هذه البلدان - بتحريض من دهام - كثيرا ما كانت تخرج عن تلك الطاعة ، وتنضم إلى أعداء الدرعية .
وقد ألقى هذا العمل عبئا ثقيلا على كاهل الإمام ، فلم يصبح مطالبا بمحاربة أعدائه فحسب ، وإنما صار مطالبا بإرجاع هؤلاء الذين تنكروا لما قطعوه على أنفسهم من عهود الولاء ، إلى حظيرة الدعوة مرة أخرى .
_________
(1) نفس المصدر .(1/51)
كما اتسم هذا الصراع بالخداع من جانب دهام ، فهو كلما أحس بضعف قوته أو بحاجته إلى الراحة ، لجأ إلى عقد هدنة تمنحه فرصة التقاط الأنفاس ، وإعادة ترتيب قواته من جديد . حتى إذا ما شعر بشيء من القوة ، أو إذا ما تعرضت الدرعية لخطر خارجي نقض الهدنة ، وانقض على الدرعية من جديد . وقد حدث هذا مرتين ، الأولى سنة 1167هـ / 1753 م ، والثانية 1177هـ / 1763 م ، وقد دامت كل منهما فترة قصيرة .
ومما يثير الحيرة والدهشة أن يشترك دهام مع الإمام محمد بن سعود في محاربة خصوم الدعوة خلال فترة الهدنة ، زيادة في إيهام أنصار الدعوة بصدق توبته .(1/52)
يروي لنا ابن غنام أن بدء الصراع بين الإمام محمد بن سعود ودهام بن دواس أمير الرياض كان في عام 1159هـ عندما هاجم الأخير بلدة منفوحة التي كانت تابعة للدرعية وقتذاك ، تعاونه قبيلة الظفير . وتم الهجوم ليلا ، وأخذ رجاله يعيثون فيها فسادا وقتلوا عددا كبيرا من أهلها . ولكنه فشل في الاستيلاء عليها ، وارتد عنها جريحا خاسرا بعدما أرسل إليها الإمام بنجدة تحت قيادة ابنه عبد الله (1) فكان هذاالهجوم الاستفزازي من قبل دهام هو بداية الصراع الطويل بين الطرفين . ويقال : إن اختيار منفوحة بالذات لهذا الهجوم ربما كان يرجع إلى محاولة دهام استعادتها بعد أن خرج منها مطرودا هو وإخوته . فعز عليه أن تدين منفوحة لآل سعود بالولاء ، وهو أحق بها منهم (2) .
_________
(1) ابن غنام : المصدر السابق .
(2) نفس المصدر .(1/53)
ورأى الإمام أن يرد على العدوان بالمثل ، وأن يبين لدهام أن الدرعية قوية وقادرة على أن ترى الصاع صاعين ، فأرسل بعضا من رجاله ، اقتحموا الرياض ليلا ، ووصلوا إلى قصر الأمير ، وألحقوا به بعض الأضرار ، وعادوا للدرعية دون خسارة تذكر (1) . وتوالت بعد ذلك الهجمات من الجانبين ، فغزا دهام بلدة العمارية ، وفتك بأميرها عبد الله بن علي ، وهي من البلدان الموالية للدعوة ، مما دفع الإمام إلى مهاجمة دهام بمساعدة أهل عرقة عند منطقة تسمى " فيضة لبن " وفيها هزم جيش الدرعية .
ما كان الإمام ليسكت على تلك الهزيمة فسرعان ما أعد جيشا من أهل الدرعية والعيينة والقرى المجاورة لهما تحت قيادة عثمان بن معمر ، والتقى الفريقان في موضع يسمى " الوشام " ودار بينهما قتال شديد ، هزم على أثره دهام ، وقتل عشرة من رجاله (2) . وشجع هذا النصر الإمام على الخروج ببعض رجاله ، وأهل عرقة ، وهاجم الرياض نفسها ، وقتل من رجال دهام عشرة آخرين ، وسميت " بوقعة العبيد " .
_________
(1) عبد اللطيف الدهيش : المرجع السابق .
(2) نفس المرجع .(1/54)
ساء دهام ما حققته الدرعية من نصر ، فأعد في عام 1160هـ جيشا من حضر وبدو للانتقام من الدرعية ، وقسم هذا الجيش قسمين : القسم الأول : مهمته مهاجمة الدرعية ، والقسم الثاني : عليه أن يختبئ خارجها . وعندما اشتبك القسم المهاجم مع قوات الدرعية ، تظاهر بالتقهقر والانسحاب فتبعهم المدافعون من أنصار الإمام خارج البلدة ، وما هي إلا لحظات حتى أطبقت عليهم قوات الكمين ، ودار قتال شديد انتهى بمقتل ابني الإمام محمد بن سعود : فيصل ، وسعود .
لا شك أن قتل ولدي الإمام سيكون له أثره في اشتداد القتال بعد ذلك . ففي نفس السنة سار الإمام بأهل الدرعية ، وأهل منفوحة ، وأهل حريملاء ، وهاجم الرياض على أمل القضاء على قوة دهام . ولكن خبر هذا الهجوم نقل إلى دهام عن طريق شخص يدعى ( أبو شيبة ) من أهل حريملاء ، فاستعد له دهام ، ولذا لم يؤد الهجوم إلى النتيجة المرجوة منه ، وكانت حصيلة المعركة تكافؤ الطرفين في الخسارة . وعرفت هذه المعركة بوقعة " دلقة " أو " الشراك " .(1/55)
وتوالت المعارك بين الجانبين فحدثت بينهما " وقعة البنية " عام 1161هـ ، و " وقعة الحبونية " عام 1162 هـ ، و " البطيحاء " عام 1163 هـ . وفي عام 1167هـ / 1754 م مل دهام الحرب ، " وطلب من الإمام محمد بن سعود المهادنة ، وبذل له خيلا وسلاحا ، وأن يقيم شرائع الإسلام في بلده " (1) ، فأجيب إلى طلبه ، وتمت الهدنة الأولى بين الطرفين " ومن المرجح أن هذه الخطوة التي اتخذها دهام قد أقنعت الكثيرين بضعف المعارضة النجدية لدعوة الشيخ محمد وأنصارها بدرجة كبيرة " (2) .
سرعان ما نقض دهام الهدنة في السنة التالية 1168 هـ مباشرة ، وحدثت بين الجانبين ( وقعة الدار ) ، وقتل من أتباع دهام عدد كبير .
وفي عام 1171هـ / 1757 م قامت الدرعية ببناء حصن (3) الغذوانة غرب الرياض ، ليكون نقطة انطلاق للهجمات المتكررة للقوات السعودية على الرياض ، " ولكن هذا الحصن في الواقع لم يأت بالثمرة المرجوة منه في الوقت القريب " (4) .
_________
(1) ابن بشر : المصدر السابق ، ج 1 ، ص 28 .
(2) ابن بشر : المصدر السابق ، ج 1 ، ص 28 .
(3) المصدر نفسه ، ص 40 .
(4) عبد الرحيم : الدولة السعودية الأولى : 61 .(1/56)
واستمرت المعارك المتبادلة بين الطرفين من جديد حتى عام 1177هـ ، حين شعر دهام بحاجته للهدنة مرة ثانية ، فتظاهر بالندم ، وأرسل إلى الإمام محمد بن سعود ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب " وبايعهما على دين الله ورسوله ، والسمع والطاعة ، وساق ألفي أحمر نكالا " (1) . ويذكر ابن غنام أنهما وافقاه على ما طلب " علمهما بأنه لا يفي بوعده ، لكنهما لا يسعهما أن يصدا أحدا من طريق الحق والرشاد " (2) .
ويبدو أن هناك سببا آخر دفع الإمام إلى قبول الهدنة للمرة الثانية ، وهي حاجة الدولة السعودية إلى الاستقرار ، وإلى الاهتمام بالشؤون الداخلية من تنمية موارد الدولة ، والصرف على التعليم . وكلها أمور تحتاج إلى أموال وإلى تفرغ ، والمعارك تستنفذ معظم موارد الدولة ، ناهيك عن تجنيد كل طاقاتها للحرب .
_________
(1) العثيمين : موقف سليمان بن سحيم من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب . مجلة كلية الآداب ، جامعة الرياض 7 / 1978 م .
(2) ابن غنام : تاريخ نجد : 119 .(1/57)
وفي عام 1179هـ عند وفاة الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - وتولية ابنه عبد العزيز الإمامة من بعده نقض دهام الهدنة التي استمرت قرابة عامين ، وبدأت الجولة الثالثة من الصراع في صورة هجمات متبادلة غير حاسمة . ولكنها كانت كبيرة الفائدة على المدى الطويل ؛ إذ استطاعت أن تستنفذ القوى المادية والبشرية للرياض ، لدرجة دفعت بدهام بن دواس في نهاية الأمر إلى اليأس من الحصول على أي نصر حاسم على الدرعية . حدث هذا في عام 1187هـ / 1773 م عندما هاجم الإمام عبد العزيز الرياض ، وأعمل الهدنة في أبراجها ، وقتل من أهلها عددا من الرجال . وكاد الإمام أن يفتح البلدة ، ولكنه آثر الرجوع إلى الدرعية بعد أن " كان الذل قد جلل دهام بن دواس ، وملأ الرعب قلبه ، ففقد الأمل ، وانتوى الجلاء عن الرياض ، وقضى أياما وهو يعد للرحيل العدة . فجمع أعيان بلده وأخبرهم بعزمه ، فحاولوا أن يثنوه عنه فلم يفلحوا . فانفضوا من حوله ، فازداد رعبا وذعرا " (1) . ومن ثم غادرها هو وأسرته ليلا إلى الأحساء ، وبذلك لخصت الدرعية من أقوى خصومها ومن أشدهم بأسا بعد أن قدمت الكثير من المال والرجال .
_________
(1) المصدر نفسه ، ص 135 .(1/58)
وقتل في هذه الحرب نحو أربعة آلاف رجل : ألف وسبعمائة من أنصار الدعوة ، وألفان وثلاثمائة من أهل الرياض ، وبلغ عدد الغزوات خمسا وثلاثين غزوة (1) . ويقال : إن أمير الأحساء قد لام دهاما على فراره ، فرد عليه بقوله : " إني صبرت على مجابهة الدرعية 28 سنة ، فقاتلها 28 يوما " (2) .
_________
(1) حمد الجاسر : مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ ، ط 1 ، دار اليمامة 1386 هـ / 1966 م .
(2) العثيمن : كيف كان ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، مجلة العرب 1398 ، ص 34 ، 35 .(1/59)
موقف أمير الأحساء من الدولة السعودية
كان ازدياد قوة الدرعية من الأمور التي أثارت حسد حاكم الأحساء ، لا سيما أن هذا الحاكم كان له نفوذ سياسي في بعض القرى النجدية ، وقد رأينا من قبل كيف استخدم نفوذه هذا في الضغط على حاكم العيينة عثمان بن معمر لطرد الشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما كان مقيما بها . ومنذ أن لجأ الشيخ إلى الدرعية ، وبدأت حركة الجهاد من أجل نشر الدعوة أخذ نفوذ حكومة الأحساء يتقلص من منطقة العارض ، مما زاد في قلقها . هذا بالإضافة إلى استنجاد زعماء المعارضة بحاكم الأحساء عريعر بن دجين ، فهب لنجدتهم مدفوعا بعوامل سياسية ودينية (1) .
ومن زعماء المعارضة ، علماء من خصوم الدعوة ، والذين بذلوا جهودا مضنية لجذب الزعماء السياسيين إلى جانبهم في هذه المعركة بوسيلتين :
الأولى : عن طريق إقناعهم بأن الدعوة تعمل لإفساد عقائد العامة ، والثانية : بإخافة هؤلاء الزعماء ، فأسروا إليهم بأن من أهداف الدعوة إثارة العامة على الخاصة والأمراء (2) .
_________
(1) Niebuhr : opt Cit p 132. .
(2) العثيمين : المرجع السابق .(1/60)
هاجم عريعر الدرعية في عام 1172هـ بقوات تتكون من أهل الأحساء ، وبني خالد ، وبعض أهل الرياض ، والخرج ، وسدير ، والوشم ، وحاصرها فترة من الوقت . ودارت مناوشات بين الجانبين في الجبيلة . ولكن قوات عريعر لم تستطع اقتحامها لقوة تحصيناتها ، ودفاع أهلها الباسل (1) . وفي الوقت نفسه طلب أهل ثادق والمحمل من الدولة السعودية العفو والصلح ، على أن يدفعوا له " نكالا من ثمرة الزرع والتمر " فقبلت الدولة ، وعينت عليهم ساري بن عبد الله بن سويلم (2) ولم يكن هناك بد من انسحاب قوات عريعر دون أن تصيب شيئا من الكسب أو النصر (3) ، بل على العكس من ذلك ، فإن نتيجة هذه المعركة قد أثبتت علو شأن الدرعية ، وانخفاض الوزن السياسي والحربي والمعنوي لعريعر وأعوانه ، مما شجع الإمام محمد بن سعود على إرسال قوات تحت قيادة ابنه عبد العزيز لمهاجمة الأحساء عام 1176هـ - لابقصد فتحه ؛ لأن الدرعية لم تكن على استعداد لذلك - وإنما للنيل من قوات عريعر في عقر داره ، ولتثبت له أن قوات الدرعية قادرة على مهاجمته ، والرد عليه الصاع صاعين . وكان لهذا الهجوم أثره في إخلاد المعارضة إلى السكون في داخل نجد ، وأن يطلب رأس المعارضة دهام بن دواس الصلح مع
_________
(1) ابن غنام : المصدر السابق ، ص 111 .
(2) ابن بشر : المصدر السابق ، ج 1 ، ص 42 .
(3) ابن غنام : المرجع السابق ، ص 112 ، وابن بشر : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 42 .(1/61)
الدرعية ، ودفع غرامة مقدارها ألف أحمر (1) .
_________
(1) ابن بشر : - المرجع السابق ، ج 1 ، ص 56 .(1/62)
مهاجمة حاكم نجران للدرعية
ما كادت الدرعية تفرغ من تهديد الأحساء حتى فوجئت بتهديد خارجي يأتيها من الجنوب أشد وأقوى مما تعرضت له من قبل . وفي نفس الوقت لم يكن متوقعا من حاكم نجران حسن بن هبة الله المكرمي . وإذا بحثنا عن الدوافع وراء إرسال حملة عسكرية على الدرعية في ذلك الوقت نجد هناك سببين لهذا العمل :
السبب الأول : أن حاكم نجران حسنا الذي خلف والده هبة الله المكرمي أراد أن يثأر لبعض أوضاعه الذين أساءت دولة الدرعية معاملتهم قبل ذلك بنحو عشرين عاما (1) . وخلاصة ما حدث : أن سليمان بن محمد بن غرير حاكم الأحساء الأسبق كان قد أرسل قافلة للحج تحت حمايته ، فتعرضت لها قبيلة مطير التابعة لدولة الدرعية ، وهاجمتها ، وسرقت أموال الحجيج ، وقتلت بعض كبار الشخصيات فيها (2) .
أما السبب الثاني : فهو استنجاد أهل " قذلة " بحسن بن هبة الله لإنقاذهم من قوات الإمام محمد بن سعود التي أنزلت بهم عقابا صارما لهجومهم على فريق من سبيع ممن يسكنون " الحائر " الموالية للدعوة . ورأى حاكم نجران أن الفرصة مواتية لتحقيق الهدفين .
_________
(1) غرايبة : المرجع السابق ، ص 55 .
(2) Raply winder : saudio Arabia in the ninteenth century p. 6 .(1/63)
استجاب حاكم نجران لاستغاثة أهل " قذلة " ، وسار على رأس جيش كثيف نحو الحائر ، وفرض عليها الحصار . وفي الوقت نفسه أعد الإمام محمد بن سعود جيشا كبير العدد تحت قيادة ابنه عبد العزيز ، ويذكر ابن غنام أن هذا الجيش كان يتكون من شباب " معتدين بأنفسهم ، معجبين بقوتهم ، مزهوين بكثرة عددهم . وكل ذلك يوجب عقاب الله " (1) وقد هب كل سكان العارض في ذلك الوقت للدفاع عن أنفسهم ومواجهة هذا الغزو الأجنبي ، بصرف النظر عن موقفهم من آل سعود (2) .
دارت بين الفريقين معركة ضارية ، انتهت بهزيمة عبد العزيز بسبب النزول إلى ميدان مكشوف (3) ومنيت الدرعية بخسائر كبيرة ، فقتل من رجالها أربعمائة ، وأسر ثلاثمائة (4) .
وبعد انتهاء المعركة وقبل أن يغادر الحاكم النجراني نجدا ، حاول دهام بن دواس أن يستميل إليه حاكم نجران بالهدايا والأموال للاستمرار في محاربة الدرعية ، ولكنه لم يفلح ، وفي الوقت نفسه اتصل بعريعر حاكم الأحساء يحثه على غزو نجد في هذه الفترة البالغة الحرج بالنسبة لحكومة الدرعية . فما كان من عريعر إلا أن أرسل للحاكم النجراني يطلب منه البقاء لحين قدومه .
_________
(1) ابن غنام : المرجع السابق ، ص 121 .
(2) غرايبة : المرجع السابق ، ص 55 .
(3) الشبل : تاريخ نجد ، ج 1 ، ص 153 .
(4) ابن غنام : المرجع السابق ، ص 121 .(1/64)
كانت إذا قوى المعارضة الثلاث قد اتفقت فيما بينها على اللقاء في نجد للإجهاز على الدولة السعودية دفعة واحدة ، ولم تكن هذه الدولة من القوة بحيث يستطيع قهر هؤلاء جميعا ، ولكن مشيئة الله حالت دون اجتماع قوى الشر قي وقت واحد .
وفي الوقت نفسه قدم زيد بن زامل ، وفيصل بن سويط على الزعيم النجراني لتهنئته بالنصر ، ويعدانه بالأموال الجزيلة إذا ما بقي ولم يرحل .
حدث كل هذا في الوقت الذي بذلت فيه الدولة السعودية كل جهد لإنهاء الموقف الذي يعرض الدعوة للانهيار ، قبل أن يلتئم شمل الأعداء بنجد ، فأسرعت بالتفاوض مع حاكم نجران لتسليم الأسرى ، وإرضائه بالأموال والهدايا ؛ ليعود إلى بلده في أسرع وقت ممكن ، وبذلك تمكن الإمام محمد بن سعود بكياسته وحسن تدبيره ، في أواخر أيام حياته أن ينقذ الدعوة من خطر محقق ، وأن يوصل سفينة الدولة إلى بر الأمان .(1/65)
ولذا لم يعر حاكم نجران نداءات أعداء الدعوة من أمثال حاكم الأحساء ، ودهام بن دواس أذنا مصغية . فمن وجهة نظره قد حققت حملته أهدافها ، فثأر لأتباعه ، ونال الكثير من المغانم والأموال والهدايا ، ولم يكن يطمع في أكثر من ذلك ، فليس من أهدافه احتلال الدرعية أو الاستيلاء عليها ، وبناء على ذلك لم يمكث الحاكم النجراني بنجد إلا نحو خمسة عشر يوما .
أما عن عريعر حاكم الأحساء فقد خرج مع بني خالد ، وأهل الأحساء ، " وجميع أهل نجد سوى العارض وشقراء وضرمى " (1) معللا النفس بالقيام بعمل مشترك مع حاكم نجران للقضاء على الدرعية بعد أن منيت بهزيمة ساحقة ، ولكنه ما كاد يبلغ رمال الدهناء حتى علم برحيل حاكم نجران ، فاستاء لهذا الأمر أيما استياء ، لأنه كان يعتبر الحاكم النجراني حليفه الطبيعي . وقد راسله ليستوقفه ، ولكن الحاكم النجراني أبى البقاء بعد اتفاقه مع حكومة الدرعية ، وتحقيقه ما يريد .
_________
(1) ابن بشر : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 48 .(1/66)
رأى عريعر بعد انسحاب حاكم نجران أن يجمع حوله القوى المعارضة للدرعية للقيام بعمل حربي يحفظ ماء وجهه ، خشية أن يعود إلى بلاده صفر اليدين . فتقدم بقواته نحو " سمحان " ، و " الزلال " واتخذهما مقرا لجنوده ، وبدأ في محاصرة الدرعية بعد أن انضم إليه دهام بن دواس ورجاله وأهل منفوحة ، وبدأت مدفعية عريعر تضرب تحصينات الدرعية ، ولكنها لم تنل منها شيئا ، وذلك لقوة تلك التحصينات من ناحية ، ولعدم خبرة الجيش الأحسائى في استخدام المدفعية من جهة أخرى (1) .
أما عن القوات السعودية فقد اندفعت من وراء أسوار الدرعية لملاقاة قوات عريعر في العراء ، ولكنها سرعان ما ارتدت ثانية إلى داخل الأسوار جاذبة معها جزءا من جيش عريعر ، حيث دارت معركة بين الطرفين انتصرت فيها قوات الدرعية .
_________
(1) ابن غنام : المرجع السابق ، ص 122 .(1/67)
رغب عريعر في الانسحاب بقواته بعد فشل حملته لولا تحريض أهل " الحريق " له بالاستمرار في القتال . وقد استجاب لطلبهم ، وقام بتقسيم قواته إلى ثلاثة أقسام : يهاجم القسم الأول " الزلال " ، والقسم الثاني " سمحان " ، والثالث قرى " قصير " . وأحاط عبد العزيز بن محمد علما بتلك الخطة قبل تنفيذها ، فاستعد للأمر ، ودارت معركة بين الجيشين ، انتصر فيها جيش الدرعية ، واضطر عريعر إلى الانسحاب بعد أن أنهكت الحرارة قواته ، فضلا عن قلة الماء ونقص المؤن وبعد الشقة . كما كان للعامل النفسي أثره الكبير في اتخاذ قرار الانسحاب (1) .
وقبل الانتهاء من موضوع الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الحق ، تحسن الإشارة إلى الأسلوب الذي كان يلجأ إليه الإمام محمد بن سعود في مقاومة أعداء الدعوة ، وهو أسلوب كان يتيح له الانتصار عليهم بأقل الخسائر الممكنة . فكان يلجأ إلى إرهابهم وإلقاء الرعب في قلوبهم ، ليستسلموا دون كبير مقاومة ، ودون خسائر تذكر . ومن أمثلة ذلك : إطلاق النار بغزارة وبكثافة شديدة لإيهام الأعداء بكثرة العدد والعدة .
_________
(1) الشبل : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 108 .(1/68)
كذلك كان الإمام إذا ما فتح بلدا من البلدان بنى فيه قلعة غير القلعة التي قد تكون به ، ويختار لها الموقع الحصين ، ويزودها بخمسمائة أو ألف محارب من أتباعه المخلصين للدعوة ، وكان يطلق عليهم اسم " الأمناء " ، ويرتب لهم المؤن والذخيرة التي تكفيهم سنتين أو ثلاث سنوات . ثم تحاط القلعة بخندق ؛ لتكون بمأمن من الهجوم المفاجئ (1) ، وكانت مهمة القلعة الدفاع عن البلد الذي أنشئت فيه ، ومنطلقا للهجوم على أعداء الدعوة في أي وقت يشاء .
وإذا ما تتبعنا الحملات التي أرسلها الإمام ضد خصومه ، نجد أن قيادتها في بداية الأمر كانت للإمام محمد بن سعود نفسه ، ثم لعثمان بن معمر ، ولكن معظمها كانت تحت قيادة الأمير عبد العزيز بن الإمام . ولم يكن هذا عن ضعف أو وهن من الإمام (2) ، وإنما عن حسن تدبير للأمور ، إذ إن ، تعريض رأس الدولة للمخاطر العديدة قبل أن تستقر الدعوة في النفوس ، ليس في صالحها على الإطلاق (3) .
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فقد رأى الإمام بثاقب نظره أن يدرب ابنه وخليفته من بعده على القيام بالمهام الكبيرة أثناء حياته ؛ ليعيش مشكلات الدولة الجديدة التي سيكون إمامها مستقبلا ، هذا فضلا عن حماسة الشباب وفتوته .
_________
(1) العجلاني : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 125 .
(2) لمع الشهاب : ص 36 .
(3) خزعل : المرجع السابق ، ص 271 .(1/69)
تأسيس الدولة السعودية الأولى
لا شك أن لقاء الدرعية عام 1157هـ بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وإعلان ميثاقها كانا ميلادا للدولة السعودية الأولى ، وبداية لتاريخ نجد في العصر الحديث ، بل بداية لنهضة دينية وسياسية كبرى في شبه الجزيرة العربية . والحقيقة أن نجدا كانت في حاجة ماسة إلى حركة سياسية تجمع شتات إماراتها المتفرقة ، وقبائلها المتنازعة تحت لواء واحد ، لتتمتع بالأمن والاستقرار . وكانت الظروف مهيأة لنجاح تلك الحركة ، منها بعد المنطقة عن أية سلطة مركزية قوية (1) خصوصا وأن الإمارة التي أخذت على عاتقها تنفيذ هذه الحركة تمتاز بحكم مستقر ، وأن حاكمها " ينتمي إلى سلالة مضى على حكمها للبلدة أكثر من قرنين " (2) .
وساعد على قيام الدولة السعودية أن نجدا كانت تفتقر إلى دولة قوية مرهوبة الجانب ، فلما أن تهيأت للدرعية الأسباب التي جعلت فيها دولة ذات مثل عليا ، يضحي أبناؤها بأنفسهم من أجل نشرها والذود عنها ، أخذت تتجمع الصفوف وتتوحد البلدان ، فتنشأ وحدة أولا في العارض ، ثم وحدة في نجد (3) ومن بعدها توحيد معظم شبه الجزيرة العربية تحت راية التوحيد .
_________
(1) العثيمين : نجد منذ القرن العاشر - مجلة الدارة - العدد 3 .
(2) المصدر نفسه .
(3) غرايبة : المرجع السابق ، ص 44 .(1/70)
ومن توفيق الله لقادة هذه الدعوة أنهم لم يتعرضوا لهجوم خارجي قرابة الثلاثة عشر عاما الأولى من بداية الدعوة ، في الوقت الذي كانوا يجاهدون فيه خصومهم في نجد ، ويعملون على تثبيت أقدامهم فيها . بحيث إنهم عندما تعرضوا لقوى خارجية قاوموها من مركز قوة ومن قواعد ثابتة . زد على ذلك أن الدولة السعودية الناشئة لم تلفت إليها أنظار العالم الخارجي إلا في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر الميلادي (1) .
كان التعاون وثيقا بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وكان التنسيق بينهما تاما إلى الحد الذي قال عنه فيلبي : إنهما كما لو كانا شخصية واحدة لها وظيفتان في الحياة (2) هذا التعاون الصادق هو الذي حول الدرعية من مجرد إمارة صغيرة إلى دولة قوية مترامية الأطراف في فترة زمنية قصيرة بالنسبة لذلك العصر .
_________
(1) العجلاني : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 40 .
(2) فيلبي : تاريخ نجد ، ترجمة الديراوي .(1/71)
وقد بدأ الإمام يضع نظم الدولة في الوقت نفسه الذي كان يمتشق فيه الحسام ؛ لنشر الدعوة والتصدي لخصومها ، وما أكثرهم . أي أن المهمتين قد سارتا جنبا إلى جانب . فالبلاد المفتوحة كانت في حاجة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في كل شؤونها (1) ويذكر بنو ميشان : أن الأسس الثلاثة التي تقوم عليها الدولة في العصر الحديث ، وهي الأرض ، والشعب ، والهدف ، قد توافرت للدرعية ، فهناك الإمارة المستقلة ذات الحدود المعروفة ، والسكان الذين يعيشون في كنفها ، والهدف المحدد الذي دعا إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب والذي تبنته السلطة الحاكمة ، ألا وهو العمل على إعادة المسلمين إلى الاسلام الصحيح .
وبناء على ما تقدم كان قيام الدولة السعودية أمرا طبيعيا .
وقد هيأت وحدة العقيدة أذهان الناس لتقبل الخضوع لسلطة إدارية واحدة قوية ، كل همها نشر الدعوة الحقة ، وتطبيق الشريعة ، وتنفيذ حدود الله .
وفي حقيقة الأمر فقد وضع الإمام محمد بن سعود نظاما محكما لإدارة شؤون دولته الفتية ، مستمدا من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
ويمكن أن نجمل هذا النظام في النقاط التالية :
_________
(1) العجلاني : المرجع السابق ، ج 1 ، ص 101 - 127 .(1/72)
أولا : ألغى الإمام أسلوب الحكم العشائري الذي كان سائدا ، وأحل محله نظاما إسلاميا ، دستوره الكتاب والسنة .
ثانيا : جعل الجهاد لإعلاء كلمة الله شعار دولته الجديدة ، وبذلك حول طاقات الأهالي المهدرة في الغارات العشائرية القديمة التي كان الهدف منها العدوان والسلب والنهب إلى عمل مشروع ، القصد منه رفع راية : " لا إله إلا الله محمد رسول الله " خفاقة على كل شبه الجزيرة .
ثالثا : أبطل الإتاوة التي كانت تفرض على الناس بغير وجه حق ، واستبدل بها الموارد الشرعية للدولة ، ويوضع الدخل في بيت المال ، حيث يخضع لمراقبة من قبل بعض المختصين لضبط الدخل والمنصرف .
رابعا : عين قضاة في البلدان المفتوحة للفصل في الخصومات بين الناس بالحق . وبذلك انتهى الاحتكام إلى القوة لفض المنازعات بين المتخاصمين .
خامسا : في البلدان المفتوحة كان يعين الإمام لكل بلد حاكما . أما رؤساء القبائل فقد تركهم يمارسون مهمتهم طالما ظلوا خاضعين للسلطة ، وفي حالة تمرد أحدهم يعزل من منصبه ، ويعين مكانه رئيس آخر .(1/73)
سادسا : وجه الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب جل عنايتهما لدفع حركة التعليم دفعات قوية إلى الأمام ، فأصبحت الدرعية مركز النشاط العلمي في نجد ، تهفو إليها أفئدة الناس من كل صوب وحدب ، طلبا للعلم على أيدي الشيخ . وخيرة علماء الدعوة . كما كانت مركزا لتخريج الدعاة ، ومنطلقا لتبليغ الدعوة لكل سكان الجزيرة العربية . وكان الطلبة يتلقون تعليمهم دون مقابل ، بل كانت تصرف لهم نفقة جارية من بيت المال ، ويعطى المتفوقون جوائز سخية (1) .
سابعا : نظرا للأخطار الجسيمة التي أحاطت بنشوء الدولة الإسلامية منذ أن أعلنت مبدأ الجهاد عام 1159هـ . فقد كان النظام فيها شبه عسكري فبنيت القلاع والحصون ، وحفرت الخنادق ، وحشدت الأسلحة ، ودرب الشباب على أعمال القتال ، وكانت الدرعية تضع شروطا صارمة لمن ينتظم في سلك الحاميات العسكرية ، من أهمها الإيمان بالدعوة ، والتفاني في خدمتها بالنفس والنفيس ، ويتم ذلك بعد تجربة واختبار . أي أن التدين والخلق الكريم كانا أساسين هامين في من ينتمي إلى جند الدعوة .
_________
(1) Blent : p . xIv .(1/74)
أما عن نفقات الجيش ، فكانت تدفع إلى بعض أهل المدن من بيت المال ، وأما المتطوعون من رجال القبائل فكانوا يعدون من المجاهدين ، لا يتقاضون نفقة معينة (1) وكان على كل رئيس قبيلة أن يزود الإمام بعدد من المجاهدين بأسلحتهم مؤنهم إذا ما طلب منه ذلك .
ونتيجة لكل تلك المتغيرات نجح الإمام محمد بن سعود في " نقل الأعراب من جفاء البداوة إلى لين الإسلام ومعشر الحضر ، الأمر الذي لم يحققه أي نظام في التاريخ " (2) . والمقصود هنا التاريخ الحديث بطبيعة الحال .
وهذا النجاح قد أخاف الدولة العثمانية التي فشلت في تحقيق الأمن والنظام في بلاد ألفته واعتادت عليه .
_________
(1) حسين خزعل : المرجع السابق ، ص 270 ، 271 .
(2) غرايبة : المرجع السابق ، ص 92 .(1/75)
مدى انتشار الدعوة عند وفاة الإمام
توفي الإمام المجاهد محمد بن سعود - رحمه الله - في عام 1179 هـ / أوائل أكتوبر 1765 م بعد حملتي نجران والأحساء ، وترك لابنه عبد العزيز ملكا ضم منطقة العارض باستثناء الرياض ، والمحمل ، وبعض بلدان الوشم ، مثل شقراء ، وثرمدا ، وبعض بلدان سدير : العودة ، وجلاجل ، والحوطة .
ولا شك أن الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - قد مات بعد أن أدى واجبه على أحسن ما يكون الأداء ، وأنجز أكبر عمل وهب له حياته وجهده ، ألا وهو توطيد أركان الدعوة ، وتثبيت أقدامها (1) وشاهد نشوء أول دولة عربية إسلامية مستقلة في قلب نجد .
_________
(1) محمد الفهد العيسى ( مدينة الدرعية القاعدة الأولى للدولة السعودية ) مجلة العرب ج 7 محرم 1397 هـ .(1/76)
مؤازرة آل سعود للدعوة
أدرك الشيخ محمد بن عبد الوهاب منذ بداية الأمر أهمية الاعتماد على القوة والسلطان في مناصرة دعوته ، إذ كان له في دعوة ابن تيمية - رحمه الله - من قبل العظة والعبرة . ولذا فقد بحث له عن نصير أسوة بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ووجد عند الإمام محمد بن سعود نعم النصرة والعون ، فقد آمن بما دعا إليه الشيخ من ضرورة إرجاع المسلمين إلى الإسلام الصحيح ، الإسلام النقي من كل أدران الشرك ، وما علق به على مر العصور من بدع وخرافات ظنها المسلمون أنها جزء من الدين . وبذلك وضع الإمام محمد بن سعود الأساس السليم الذي سار على هديه خلفاؤه من بعده . وأصبح ما تضمنه لقاء الدرعية الهدف الأسمى لآل سعود ، فسعوا جاهدين لنشر دعوة التوحيد بالأسلوب العلمي وبالطريقة التي تتلاءم مع كل زمان ومكان ، لا يخافون في الحق لومة لائم ، التزاما بمبدأي الإيمان بأن ما يدعون إليه هو الحق ، والوفاء بما قطعوه على أنفسهم من عهد (1) وفوق هذا ثقتهم بنصر الله :
_________
(1) الشبل : الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ص 49 .(1/77)
{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } [ النور الآية : 55 ] .(1/78)
مصادر ومراجع الكتاب
- ابن بشر ، عثمان : عنوان المجد في تاريخ نجد ، جزءان ، مطبعة الرياض الحديثة ، الرياض .
- ابن بشر ، عثمان : عنوان المجد في تاريخ نجد مخطوطة ومصورة من نسخة المتحف البريطاني رقم 7781 .
- ابن غنام ، حسين بن أبي بكر : تاريخ نجد المسمى " روضة الأفكار والإفهام ، لمرتاد حال الإمام ، وتعداد غزوات ذوي الإسلام " صوره وحققه الدكتور ناصر الدين الأسد ، مطبعة المدني ، ط القاهرة 1381 هـ / 1961م .
- الأهل ، عبد العزيز سيد : داعية التوحيد محمد بن عبد الوهاب ، بيروت 1974 م .
- بيرين ، جاكلين : اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم ، نقله للعربية قدري قلعجي ، دار الكتاب بيروت .
- الجاسر ، حمد : مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ ، ط 1 دار اليمامة ، الرياض 1386 هـ / 1966م .
- الحصري ، ساطع : البلاد العربية والدولة العثمانية ، بيروت 1960 م .
- خزعل ، حسين خلف الشيخ : حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ط 2 ، بيروت 1391 هـ .
- الريحاني ، أمين بن فارس : تاريخ نجد وملحقاته - المطبعة العلمية - القاهرة .
- ستودارد ، لوثروب : حاضر العالم الإسلامي - ترجمة عجاج نويهض - تعليق شكيب .(1/79)
- سعيد ، أمين : سيرة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، دارة الملك عبد العزيز ، الرياض 1395 هـ أرسلان ، مطبعة الحلبي ، 1352 هـ القاهرة .
- الشبل ، عبد الله بن يوسف ( دكتور ) : تاريخ نجد والدولة السعودية الأولى ، الجزء الأول ، الرياض . الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - حياته ودعوته ، من مطبوعات أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض ، رجب 1399 هـ .
- عبد الرحيم ، عبد الرحيم عبد الرحمن ( دكتور ) : الدولة السعودية الأولى 1745 - 1818م / 1158هـ - 1233هـ ، ط 2 ، معهد البحوث والدراسات العربية ، القاهرة 1976 م .
- العثيمين ، عبد الله الصالح ( دكتور ) : الشيخ محمد بن عبد الوهاب - حياته وفكره ، نشر دار العلوم الرياض . القاهرة .
- العجلاني ، منير ( دكتور ) : تاريخ البلاد العربية السعودية ، الجزء الأول ( الدولة السعودية الأولى ) . دار الكتاب العربي ، بيروت .
- غرايبة ، عبد الكريم ( دكتور ) : قيام الدولة السعودية العربية - معهد البحوث والدراسات العربية ، القاهرة 1974 م .(1/80)
- الفاخري ، محمد بن عمر : الأخبار النجدية - دراسة وتحقيق وتعليق الدكتور عبد الله بن يوسف الشبل ، لجنة البحوث والتأليف والترجمة والنشر ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، الرياض .
- فيلبي ، سان جون : تاريخ نجد ، ترجمة : الديراوي .
- مؤلف مجهول : لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب - تحقيق الدكتور أبو حلكة ، بيروت .
- وهبة ، حافظ جزيرة العرب في القرن العشرين ، ط 5 ، القاهرة 1387 هـ / 1967 م .(1/81)
الدوريات
- البطريق ، عبد الحميد ( دكتور ) : " الوهابية دين ودولة " - مجلة كلية البنات - جامعة عين شمس ، القاهرة 1964 م .
- الدهيش ، عبد اللطيف ( دكتور ) : " الإمام محمد بن سعود " مجلة كلية التربية ، جامعة الملك عبد العزيز ، العدد الخامس رجب 1400هـ / مايو 1980م .
- العثيمين ، عبد الله الصالح ( دكتور ) : " نجد منذ القرن العاشر الهجري حتى ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب " مجلة الدارة - السنة الأولى ، العدد الرابع ، ذي الحجة 1395 هـ / ديسمبر 1975 م .
مجلة الدارة - السنة الثالثة ، العدد الثالث في شوال 1397 هـ / سبتمبر 1977 م .
مجلة الدارة - السنة الرابعة ، العددان ، الأول والثالث في ربيع الثاني 1398هـ / 1978م . شوال 1398 / 1978 م .
" نيبور ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب " - مجلة كلية العلوم الاجتماعية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، العدد الثاني / 1398 / 1978 م .
" موقف سليمان بن سحيم من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب " مجلة كلية الآداب . جامعة الرياض 7 / 1978 هـ .
كيف كان ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، مجلة العرب 1398 هـ .(1/82)
العيسي ، محمد الفهد : " نشوء مدينة الدرعية " ، مجلة العرب ، السنة الأولى . شوال 1386 هـ / شوال 1386هـ / كانون الثاني 1967 م .
" الدرعية قبل الدعوة " مجلة العرب ، السنة الأولى ذو الحجة 1386 هـ / آذار 1967 م .(1/83)
المصادر والمراجع الأجنبية
Burckhardt, John Lewtes, Tarvels in Arabia, London 1819 .
BURCKHARDT, John Lewtes, Notes on the Bedoums and Wahabys . 2vols, London,1831
. Blunt, Lady Anne, A Pilgrimage to Nejd, the cradle of Arab race, 2vols, 2nd edit London,1881 .
Doughty, Charlesm . , Travels in Arabia De serta . 2 vols N . Y . 1946 .
Philby, S . J . , Saudi Arabia, London,1955 .
Neibuhr, C, Travels through Arabia and Other Countries in the East, trs into English byR . Heron,Edinburgh . 1791 .
Winder, R . B . , Saudi Arabia in the ninteenth Centnry, London, 1965 .(1/84)