ابن عباس رضي الله عنه فيم قال لرجل يا نبطي أنه لا حد عليه * وعن عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن رجل قال لرجل يا نبطي ويا عبد بني فلان فلم ير عطاء فيه شيئا، وعن الشعبي أنه سئل عن رجل قال لعمري يا نبطي فلم ير الشعبي في ذلك شيئا وقال: كلنا نبط وبه يقول أصحابنا * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق فنتبعه فوجدنا الزهري يقول في نفي المرء عن أبيه أو عن نسبه كما أوردنا عنه قبل ذلك أن السنة على النافي في كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه السلام أن يأتي بأربعة شهداء فنظرنا هل نجد هذا الذي ذكر الزهري في كتاب الله تعالى؟ فلم نجده أصلا
وانما وجدنا فيه الحد ووجوب أربعة شهداء على من رمى المحصنات فوجدنا النافي انسانا عن نسبه فلم يرم محصنة أصلا، والزهري وان كان عندنا أحد الائمة الفضلاء فهو بشر يهم كما يهم غيره ويخطئ ويصيب بل وجدنا نص القرآن مخالفا لقول الزهري لانه يسقط الحد عمن رمى المحصنات إذا قال لابن أمه أو ابن كافرة يا ابن الزانية وأوجبه حيث ليس في القرآن ايجابه إذا قال له لست لابيك فسقط تعلقهم بذلك جملة، فان قالوا: النافي قاذف ولابد قلنا: لا ما هو قاذف ولا قدف أحدا وقد ينفيه عن نسبه بأنه استلحق وانه من غيرهم ابن نكاح صحيح فقد كانت العرب تفعل هذا فلا قذف ههنا اصلا وقد يكون نفيه له بأن أراد الاستكراه لامه وانها حملت به في حالة لا يكون للزنا فيه دخول كالنائمة توطأ أو السكرى أو المغمى عليها أو الجاهلة فقد بطل أن يكون النافي قاذفا جملة واحدة، ثم نظرنا هل في السنة لهم متعلق؟ فوجدنا ما ناه أحمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدى قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني حيوة بن شريح عن سالم بن غيلان عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سليمان بن يسار عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد رجلا ان دعا آخر يا ابن المجنون * قال أبو محمد: فنظرنا في هذا الخبر فوجدناه لا متعلق لهم به أصلا من وجوه، أولها إنه مرسل ولا تقوم بمرسل حجة، والثاني من طريق سالم بن غيلان التجيبي وهو مجهول لم يعدل.
وثالثها انه لو صح لم يكن فيه حجة لانه ليس فيه انه عليه السلام جلده الحد وانما فيه انه جلده فلا يحل أن يراد فيه أنه جلده الحد ونحن لا نأبى من ذلك من سب مسلما لانه منكر يغير باليد فبطل أن تكون لهم فيه حجة بل هو عليهم، وقد روى هذا الخبر يونس بن عبد الاعلى وهو أحفظ من سحنون واعرف بالحديث منه فلم يبلغه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن(11/267)
معاوية نا أحمد بن شعيب انا يونس بن عبد الاعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني بن حيوة بن شريح
عن سالم بن غيلان التجيبي عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال: ان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد رجلا ان دعا آخر يا ابن المجنون * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا أيضا كالذي ذكرنا قبل لانه ليس فيه أنه جلده الحد والحدود لا تقام بالظنون الكاذبة والزيادة في الحديث كذب وتبليغ الحد المذكور إلى ثمانين كذب بلا شك ممن قطع بذلك فبطل تعلقهم بهذا الخبر جملة ثم نظرنا في ذلك فوجدنا الله تعالى قد أوجب في القذف بالزنا الحد وجاءت به السنة الصحيحة وصح به الاجماع المتيقن فكان هذا هو الحق الذي لا شك فيه ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " وقد قال تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها) وقال تعالى: (ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين) فحرم الله تعالى العدوان وضرب الابشار بغير برهان من العدوان وحرم تعالى أن تتعدى حدوده واثبات حد بغير برهان تعد لحدود الله تعالى وبالله تعالى التوفيق * 2225 - مسألة - قذف المؤمنات من الكبائر وتعرض المرء لسب أبويه من الكبائر * قال أبو محمد رحمه: قال الله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) الآية * وقال تعالى: (والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش) الآية، وكما روينا من طريق مسلم نى هارون بن سعيد الايلي نا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن؟ قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات "، وقال الله تعالى: (ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة) الآية * قال أبو محمد رحمه الله: فصح ان قذف المؤمنات المحصنات البريئات من الكبائر
الموجبة للعنة في الدنيا والآخرة والعذاب العظيم في الآخرة ودخل فيها قذف الامة والحرة دخولا مستويا لان الله تعالى لم يخص مؤمنة من مؤمنة وبقي قذف الكافرة فوجدنا الله تعالى قال: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) الآية فهذه عموم تدخل فيه الكافرة والمؤمنة فوجب أن قاذفها فاسق الا أن يتوب * وروينا من طريق مسلم نا محمد بن الوليد بن عبد الحميد أنا محمد بن جعفر نا شعبة نا عبيد الله بن أبي بكر قال سمعت أنس بن مالك قال: " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر(11/268)
وسئل عن الكبائر فقال: الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين قال ألا انبئكم بأكبر الكبائر قول الزور أو قال شهادة الزور - قال شعبة: وأكبر ظني أنه قال - شهادة الزور " * ومن طريق مسلم أنا عمر بن محمد بن بكير الناقد نا اسماعيل بن علية عن سعيد الجريري نا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أنه قال: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألا أنبئكم بأكر الكبائر ثلاثا الاشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور أو قول الزور وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت " * قال أبو محمد رحمه الله: ليس شك الراوي بين قوله عليه السلام شهادة الزور أو قول الزور بمحيل شيئا من حكم هذين الخبرين فأي ذلك كان فالمعنى فهى واحد لا يختلف لان كل قول قاله المرء غير حاك فقد شهد به وكل شهادة يشهد بها المرء فقد قالها فالقول شهادة والشهادة قول وهذه الشهادة هي غير الشهادة المحكوم بها قال الله تعالى: (ستكتب شهادتهم ويسئلون) وقال تعالى: (فان شهدوا فلا تشهد معهم) فهذه الشهادة هي القول المقول لا المؤداة عند الحاكم بصفة ما وبالله تعالى التوفيق، فصح أن قذف الكافرة البريئة قول زور بلا خلاف من أحد وقول الزور من الكبائر كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم * روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا ليث بن سعد عن ابن الهادي عن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن العاص
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان من أكبر الكبائر شتم الرجل والدية قالوا: يا رسول الله وكيف يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه " فصح ان السب المذكور من الكبائر وان لم يكن قذفا * قال أبو محمد رحمه الله: وأما من رمى المرء بما فعل فليس قذفا لكنه غيبة ان كان غائبا وأذى ان كان حاضرا هذا ما لا خلاف فيه وبالله تعالى التوفيق * 2226 مسألة - من المحصنات الواجب بقذفهن ما أوجبه الله تعالى في القرآن * قال أبو محمد: قال الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم) الآية فكان ظاهر هذا أن المحصنات المذكورات هن النساء لان هذا اللفظ جاء بجمع المؤنث فاعترض علينا أصحاب القياس ههنا وقالوا لنا ان النص انما ورد بجلد الحد من قذف المرأة فمن أين لكم أن تجلدوا من قذف رجلا بالزنا؟ وما هذا الا قياس منكم وأنتم تنكرون القياس * قال أبو محمد رحمه الله: فأجابهم أصحابنا ههنا بأجوبة كل واحد منها مقنع كاف مبطل لاعتراضهم هذا الفاسد، والحمد لله رب العالمين، فأحد تلك الاجوبة ان من تقدم(11/269)
من أصحابنا قال: جاء النص بالحد على قذف النساء وصح الاجماع بحد من قذف رجلا والاجماع حق وأصل من أصولنا التي نعتمد عليها وقد افترض الله تعالى علينا اتباع الاجماع والاجماع ليس الا عن توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعض أصحابنا: بل نص الآية عام للرجال والنساء وانما أراد الله تعالى النفوس المحصنات قالوا وبرهان هذا القول ودليل صحته قول الله تعالى في مكان آخر: (والمحصنات من النساء) قالوا فلو كانت لفظة المحصنات لا تقع الا على النساء لما كان لقول الله تعالى: (من النساء) معنى وحاش لله من هذا فصح أن المحصنات يقع على النساء والرجال فبين الله تعالى مراده هنالك بأن قال من النساء واجمل الامر في آية القذف إجمالا قالوا (فان قال قائل):
ان قوله تعالى: (من النساء) كقوله تعالى: (وغرابيب سود) و (عشرة كاملة) (قلنا): لا يجوز أن يحمل كلام الله تعالى على تكرار لا فائدة أخرى فيه إلا بنص قرآن.
أو سنة.
أو اجماع وليس معكم شئ من هذا في دعواكم ان قوله تعالى: (من النساء) تكرار لا فائدة فيه * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا جواب حسن، وأما الاول فلا نقول به لانه حتى لو صح الاجماع على وجوب الحد على قاذف الرجل لما كان في الآية احتجاج وايجابنا الحد على قاذف العبد وقاذف الكافرة لانه لا اجماع على ذلك، وأما جوابنا الذي نعتمد عليه ونقطع على صحته وانه مراد الله تعالى بالبرهان الواضع فهو أن الله تعالى إنما أراد بقوله: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) الفروج المحصنات، برهان ذلك أن الاربعة الشهود المذكورين لا يختلف اثنان من الامة في أن شهادتهم التي يكلفونها هي أن يشهدوا بأنهم رأوا فرجه في فرجها والجا خارجا والاجماع قد صح بأن ما عدا هذه الشهادة ليست شهادة بزنا ولا يبرأ بها القاذف من الحد فصح أن الرمي المذكور إنما هو للفروج فقط، وأيضا برهان آخر كما روينا من طريق مسلم نا اسحق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - انا عبد الرزاق نا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: ما رأيت أشبه باللمم مما قال أبو هريرة فان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ان الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمني و وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " * قال أبو محمد رحمه الله: فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم الزنا الا للفرج فقط وأبطله عن جميع أعضاء الجسم أولها عن آخرها الا أن يصدقه فيها الفرج فصح يقينا أن النفس والقلب وجميع أعضاء الجسد حاش الفرج لا رمي فيها ولا قذف أصلا وأنه لا رمي الا للفروج(11/270)
فقط فإذ لا شك في هذا ولا مرية فالمراد من الله - تعالى: (والذين يرمون المحصنات)
هي بلا شك الفروج التي لا يقع الرمي الا عليها لا يكون الزنا المرمي به الا منها * قال أبو محمد رحمه الله: (فان قال قائل): ان المحصنات نعت ولا يفرد النعت عن ذكر المنعوت (قلنا): هذا خطأ لانه دعوى بلا برهان لان القرآن وأشعار العرب مملوء مما جاء في ذلك بخلاف هذا، قال الله تعالى: (والصائمين والصائمات) وقال الله تعالى: (ان المصدقين والمصدقات) ومثل هذا كثير مما ذكر الله تعالى النعت دون ذكر المنعوت، وقال الشاعر: * * ولا جاعلات العاج فوق المعاصم * فذكر النعت ولم يذكر المنعوت وما نعلم نحويا منع من هذا أصلا وإنما ذكرنا هذا لئلا يموه مموه ثم ان هذا الاعتراض راجع عليهم لان من قولهم أنه أراد النساء المحصنات فعلى كل حال قد حذف المنعوت واقتصر على النعت ولا فرق بين اقتصاره تعالى على ذكر المحصنات وحذف الفروج على قولنا أو حذف النساء على قولهم فسقط اعتراضهم جملة، وقولنا نحن الذي حملنا عليه الآية أولى من دعواهم لان قولنا يشهد له النص والاجماع على ما ذكرنا، وأما دعواهم أن الله تعالى أراد بذلك النساء فدعوى عارية لا برهان عليها لا من نص ولا اجماع لانهم يخصون تأويلهم هذا ويسقطون الحد عن قاذف نساء كثيرة كالاماء والكوافر والصغار والمجانين فقد أفسدوا دعواهم من قرب مع تعريها من البرهان وبالله تعالى التوفيق * 2227 مسألة - قذف العبيد والاماء - قال أبو محمد: اختلف الناس فيمن قذف عبدا أو امة بالزنا، فقالت طائفة: لا حد عليه كما روي عن النخعي.
والشعبي أنهما قالا جميعا: لا يضرب قاذف أم ولد، وعن حماد بن أبي سليمان قال: إذا قال رجل لرجل أمه أم ولد أو نصرانية لست لابيك لم يضرب لان النفي وقع على الام وعن ابن سيرين قال أراد عبيد الله بن زياد أن يضرب قاذف أم ولد فلم يتابعه على ذلك أحد، وقد روي عن عطاء.
والحسن.
والزهري لا حد على قاذف أم ولد * قال علي: وممن لم ير الحد على قاذف العبد والامة أبو حنيفة.
ومالك والاوزاعي.
وسفيان الثوري.
وعثمان البتي.
والحسن بن حي.
والشافعي.
وأصحابهم، وقالت طائفة: بايجاب الحد في ذلك نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر قال: إن أميرا من الامراء سأل ابن عمر عن رجل قذف أم ولد لرجل فقال ابن عمر: يضرب الحد صاغرا، وعن الحسن البصري قال: الزوج يلاعن الامة، وإن قذفها وهي أمة جلد لانها امرأته *(11/271)
قال أبو محمد: وبهذا يقول أصحابنا وهذا الاسناد عن ابن عمر من أصح اسناد يوجد في الحديث فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لنعلم الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى ولطفه فنظرنا في قول من لم ير الحد على قاذف الامة والعبد فلم نجد لهم شيئا يمكن أن يتعلقوا به الا ما روينا من طريق البخاري نا مسدد نا يحيى ابن سعيد القطان عن الفضيل بن غزوان عن ابن أبي نعم عن أبي هريرة قال: " سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: من قذف مملوكه وهو برئ مما قال جلد يوم القيامة الا أن يكون كما قال " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أنا عبد الله - هو ابن المبارك - عن الفضيل بن غزوان عن أبي نعم أنه حدثه أنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم " من قذف مملوكه بريئا مما قال أقيم عليه الحد يوم القيامة الا أن يكون كما قال " وعن الحسن عن ابن عمر قال: من قذف مملوكه كان لله تعالى في ظهره حد يوم القيامة إن شاء آخذه وان شاء عفى عنه * قال أبو محمد: ولعلهم يدعون الاجماع أو يقولون لا حرمة للعبد ولا للامة فكثيرا ما يأتون بمثل هذا فان ادعوا الاجماع أكذبهم ما روينا عن ابن عمر بأصح طريق وما نعلم قولهم عن أحد من الصحابة أصلا الا رواية لا نقف الآن على موضعها من أصولنا عن أبي بردة أنه كانت له ابنة من حرة.
وابنة من أم ولد فكانت ابنة الحرة تقذف ابنة أم الولد فأعتق أمها وقال لابنة الحرة أقذفيها الآن إن قدرت، وعن نفر من التابعين
قد ذكرناهم خالفوهم في أكثر أقوالهم، فأما الرواية عن أبي بردة فلا متعلق لهم بها لانه ليس فيها أنه لا حد فيها على قاذفها ولعل حاكم وقته كان لا يرى الحد على قاذف أم الولد فبطل تعلقهم بهذا، وأما قولهم لا حرمة للعبد ولا للامة فكلام سخيف والمؤمن له حرمة عظيمة ورب عبد جلف خير من خليفة قرشي عند الله تعالى، قال الله تعالى: (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى) الآية إلى قوله: (ان اكرمكم عند الله أتقاكم) والناس كلهم في الولادة أولاد آدم وامرأته ثم تفاضل الناس بأخلاقهم وأديانهم لا بأعراقهم ولا بأبدانهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأمولكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فسوى عليه السلام بين حرمة العرض من الحر والعبد نصا ولاسيما الحنيفيون الموجبون القود على الحر للعبد وعلى الحرة للامة فقد أثبتوا حرمتهما سواء * قال علي: اقوال لهم في هذه المسائل قد اختلف فيها فمن قال لامرأته.
زنيت في كفرك أو قال: زنيت وأنت أمة * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم ابن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس انه سأل ابن شهاب(11/272)
عن رجل قذف امرأته فقال لها: زنيت وأنت أمة أو نصرانية فقال ابن شهاب: ان لم يأت على ذلك بالبينة جلد الحد ثمانين، وبه يقول أبو حنيفة.
وسفيان.
ومالك.
والاوزاعي.
وأصحابهم، وقال الشافعي.
وأصحابه: لا حد عليه، قال أبو حنيفة.
وأصحابه.
وسفيان.
والشافعي.
وأصحابه: فيمن قال زنيت وأنت صغيرة أو قال زنيت وأنت مكرهة أن لا حد، وقال مالك: عليه الحد أيضا في قوله زنيت وأنت مكرهة * قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة.
وأصحابه فظاهر التناقض لانهم يقولون لا حد على قاذف الامة.
والكافرة.
والصغيرة، ثم فرقوا ههنا فحدوا من قال: زنيت وأنت أمة ولم يحدوا من قال: زنيت وأنت صغيرة (فان قالوا): انما قذفها وهي حرة مسلمة (قيل): وكذلك انما قذفها وهي بالغ (فان قالوا): ان المكرهة ليست زانية
وكذلك الصغيرة (قيل لهم): فالآن وجب عليه الحد إذا صح كذبه بيقين * 2228 مسألة - فيمن قذف صغيرا.
أو مجنونا.
أو مكرها.
أو مجبوبا.
أو رتقاء.
أو قرناء.
أو بكرا.
أو عنينا * قال أبو محمد: نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يزيد بن عياض الليثي عن ابن هشام أنه قال في صبية افترى عليها أو افترت، قال: إذا قاربت الحيض أو مسها الرجل جلد قاذفها الحد، وقال مالك: إذا بلغ مثلها أن يوطأ جلد قاذفها الحد وكذلك يجلد قاذف المجنون، وقال أبو حنيفة.
والشافعي.
وأصحابهما.
والحسن بن حي: لا حد على قاذف صغير.
ولا مجنون * قال علي: قال الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات) الآية، وقد قلنا: إن الاحصان في لغة العرب هو المنع وبه سمي الحصن حصنا يقال درع حصينة، وقد أحصن فلان ماله إذا أحرزه ومنع منه قال تعالى: (ولا يقاتلونكم جميعا الا في قرى محصنة) والصغار محصونون بمنع الله تعالى لهم من الزنا وبمنع أهليهم وكذلك المجانين وكذلك المجبوب والرتقاء.
والقرناء.
والعنين، وقد يكون كل هؤلاء محصنين بالعفة، وأما البكر والمكره فمحصنان بالعفة فإذا كل هؤلاء يدخلون في جملة المحصنات بمنع الفروج من الزنا فعلى قاذفهم الحد ولا سيما القائلون ان الحرية إحصان وكل حرة محصنة فان الصغيرة الحرة.
والمجنونة.
والرتقاء.
وسائر من ذكرناهم محصنون واسقاط الحد عن قاذفهم خطأ محض لااشكال فيه فما علمنا لهم حجة أكثر من أن قالوا: ان من قذف من ذكرنا فقد تيقنا كذبه (فقلنا لهم) صدقتم والآن حقا وجب الحد على القاذف إذ قد صح كذبه، وبالله تعالى التوفيق *(11/273)
قال أبو محمد: وهذا مكان عظمت فيه غفلة من أغفله لان القذف لا يخلو من أحد أوجه ثلاثة لا رابع لها، إما أن يكون صادقا، وقد صح صدقه فلا خلاف في أنه
لا حد عليه، أو يكون ممكنا صدقه وممكنا كذبه فهذا عليه الحد بلا خلاف لامكان كذبه فقط ولو صح صدقه لما حد أو يكون كاذبا، قد صح كذبه فالآن حقا طابت النفس على وجوب الحد عليه بيقين إذ المشكوك في صدقه أو كذبه لابد له من أحدهما ضرورة فلو كان صادقا لما صح عليه حد أصلا فصح يقينا إذ قد سقط الحد عن الصادق أنه باق على الكذب إذ ليس الا صادقا أو كاذبا، وهذا في غاية البيان والحمد لله رب العالمين * 2229 - مسألة - كافر قذف مسلما أو كافرا * قال أبو محمد: قد ذكرنا وجوب الحد على من قذف كافرا فإذا قذف الكافر مسلما فقد ذكرنا فيما سلف من كتابنا هذا وجوب الحكم على الكفار بحكم الاسلام لقول الله تعالى: (وان احكم بينهم بما أنزل الله) وبقوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وقد ذكرنا وجوب قتل من سب مسلما من الكفار لنقضهم العهد وفسخهم الذمة لقول الله تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فافترض الله تعالى إصغارهم فإذا خرجوا عن الصغار فلا ذمة لهم وإذا لم تكن لهم ذمة فقتلهم وسبيهم.
وأموالهم حلال وإذا سبوا مسلما فقد خرجوا عن الصغار واصغروا المسلم فقد برئت الذمة ممن فعل ذلك منهم ولا ذمة له * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى ابن معاوية نا وكيع نا اسحق بن خالد قال: سألت الشعبي عن يهودية افترت على مسلم قال تضرب الحد، وبه إلى وكيع حدثنا سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن قال شهدت الشعبي ضرب نصرانيا قذف مسلما فجلده ثمانين * قال أبو محمد: اما الحد فواجب بلا شك لانه حكم الله تعالى على كل قاذف والقتل واجب كما ذكرنا لنقض الذمة سواء كان رجلا أو امرأة لابد من قتلهما الا أن يسلما فيتركا عن القتل لا عن الحد (فان قال قائل).
هلا أوقفتم المرأة ولم تقتلوها لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء؟ ولانها إذا نقضت ذمتها بسبب المسلم فقد عادت
حربية وإذا عادت حربية فلا ذمة لها فليس عليها الا الاسترقاق (قلنا): وبالله تعالى التوفيق، ان حكم الحربي قبل التذمم غير حكمه بعد نقضهم الذمة لان حكمهم قبل التذمم المقاتلة فإذ قدرنا عليهم فاما المن.
وإما الفداء.
وإما القتل.
وإما الابقاء على الذمة هذا في الرجال وكذلك في النساء حاش القتل، وأما بعد نقض الذمة(11/274)
فليس الا القتل أو الاسلام فقط لقول الله تعالى: (وان نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر) فافترض الله تعالى قتالهم بعد نكث أيمانهم من بعد عهدهم حتى ينتهوا ولا يجوز أن يخص الانتهاء ههنا عن بعض ما هم عليه دون جميع ما هم عليه إذ لا دليل يوجب ذلك ونحن على يقين اننا إذا انتهوا عن الكفر فقد حرمت دماؤهم ولا نص معنا ولا اجماع على أنهم إن انتهوا عن بعض ما هم عليه دون بعض عادوا إلى حكم الاستبقاء وقد تقصينا هذا في كتاب الجهاد في مواضع من ديواننا، وحكم المرأة في ذلك حكمها إذا أتت بعد الذمة بشئ يبيح الدم من زنا بعد احصان.
أو قتل نفس.
أو غير ذلك وأما إذا قذف الكافر كافرا فليس الا الحد فقط على عموم أمر الله تعالى فيمن قذف محصنة بنص القرآن * قال أبو محمد رحمه الله: والعجب ممن يرى أنه لا حد على كافر إذا زنى بمسلمة ولا على كافرة إذا زنى بها مسلم ولا يرى الحد على كافر في شرب الخمر ثم يرى الحد على الكافر إذا قذف مسلما أو مسلمة فليت شعري ما الذي فرق بين أحكام هذه الحدود عندهم (فان قالوا): ان الحد في القذف حق للمسلم (قلنا لهم): وقولوا أيضا ان حد الكافر إذا زنى بمسلمة حق لابي تلك المسلمة ولزوجها وأمها ولا فرق، والعجب أيضا ممن قطع يد الكافر إذا سرق من كافر ثم لا يحده له إذا قذفه وهذه عجائب لا نظير لها خالفوا فيها نصوص القرآن وتركوا القياس الذي إليه يدعون.
وبه يحتجون إذ فرقوا بين هذه الاحكام ولم يقيسوا بعضها على بعض بغير دليل في كل ذلك وبالله تعالى التوفيق *
2230 - مسألة - فيمن قال لامرأة لم يجدك زوجك عذراء * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا، فقالت طائفة: لا حد في ذلك وليس قذفا، وكذلك لو قال رجل لامرأة تزوجها فلا يلاعن بهذا، وقالت طائفة: هو قذف ويحد ويلاعن الزوج * قال أبو محمد رحمه الله: احتج من رآه قذفا بما نا احمد بن محمد الطلمنكي قال: نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب نا احمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا محمد بن منصور الطوسي نا يعقوب بن ابراهيم بن سعد نا أبي عن ابن اسحق قال: وذكر طلحة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: تزوج رجل من الانصار امرأة من بني العجلان فبات عندها ليلة فلما أصبح لم يجدها عذراء فرفع شأنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعى الجارية فقالت: بل كنت عذراء فأمر بهما فتلاعنا وأعطاها المهر قال البزار: لا نعلمه روى إلا من هذا الطريق *(11/275)
قال على: وهذا ليس بشئ لوجهين، أحدهما ان ابن اسحق لم يصح سماعه لذلك من طلحة فهو منقطع، والثاني أن طلحة هذا لم ينسبه وهو والله أعلم طلحة بن عمرو المكى فهو الذي يروي عن أصحاب ابن عباس وهو مشهور بالكذب والا فهو على كل حال مجهول فسقط التعلق بهذا الخبر * قال أبو محمد رحمه الله: وذهاب العذرة يكون بغير الزنا أو بغير وطئ كوقعة أو غير ذلك فلما لم يكن ذهاب العذرة زنا لم يكن الرمي به رميا ولا قذفا فإذ ليس رميا ولا قذفا فلا حد فيه ولا لعان لان الله تعالى انما جعل الحد واللعان بالزنا لا بما سواه، وبالله تعالى التوفيق، وهو قول أصحابنا وغيرهم، وبهذا نقول * 2231 مسألة - التعريض هل فيه حد أو تحليف أم لا حد فيه ولا تحليف؟ * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في التعريض أفيه حد أم لا؟ فقالت
طائفة: فيه حد القذف كاملا كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر قال: ان عمر كان يجلد في التعريض بالفاحشة، وبه إلى عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة عن صفوان.
وأيوب عن عمر بن الخطاب أنه حد في التعريض قال ابن أبي مليكة: والذي حد عمر في التعريض - هو عكرمة بن عامر بن هشام ابن عبد مناف بن عبد الدار - هجا وهب بن زمعة بن الاسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى فعرض به في هجائه * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب سمعت معاوية بن مصالح يحدث عن كثير بن الحرث عن القاسم مولى عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب جلد في التعريض وقال: ان حمى الله لا ترعى حواشيه * وبه إلى ابن وهب أخبرني مالك.
وعمرو بن الحرث، قال مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، وقال عمرو عن يحيى بن سعيد الانصاري قالت عمرة.
ويحيى أن رجلين استبا في زمان عمر بن الخطاب فقال أحدهما: ما أبي بزان ولا أمي بزانية فاستفتى في ذلك عمر بن الخطاب فقال قائل مدح أباه وأمه وقال آخرون قد كان لابيه وأمه مدح سوى هذا نرى أن يجلد الحد فجلده عمر ثمانين * وبه إلى ابن وهب أخبرني رجل من أهل العلم أن مسلمة ابن مخلد جلد الحد في التعريض، وبه إلى ابن وهب أخبرني سعيد بن أيوب عن عطاء عن عمرو بن دينار عن أبي صالح الغفاري أن عمرو بن العاص جلد رجلا الحد كاملا في(11/276)
ان قال لآخر يا ابن ذات الداية * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا غير واحد عن جابر عن طريف العكلي عن علي بن أبي طالب قال: من عرض عرضنا له بالسوط، وبه إلى وكيع نا سفيان الثوري عن عاصم عن ابن سيرين عن سمرة قال من عرض عرضنا له *
حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج قال: سمعت محمد بن هشام يقول: قال رجل في إمارة عمر بن عبد العزيز لرجل الك تسري على جاراتك قال: والله ما أردت الا نخلات كان يسرقهن فحده عمر بن عبد العزيز * قال أبو محمد: وبايجاب الحد في التعرض يقول مالك وهو قول ربيعة أيضا، وقال آخرون لا حد في التعريض كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر بن قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن قالت: نازع رجل رجلا فقال: أما أبي فليس بزان ولا أمي بزانية فرفع إلى عمر فشاور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما نرى عليه حدا مدح أباه وأمه فضربه عمر، وبه إلى وكيع نا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال عبد الله بن معسود: لا حد إلا في اثنين أن يقذف محصنة أو ينفي رجلا من أبيه * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابراهيم بن محمد عن اسحاق بن عبد الله عن مكحول ان معاذ بن جبل.
وعبد الله بن عمرو بن العاص قالا جميعا: ليس يحد الا في الكلمة التي لها مصرف وليس لها الا وجه واحد * وبه إلى ابراهيم بن محمد عن صاحب له عن الضحاك بن مزاحم عن علي بن أبي طالب قال: إذا بلغ الحد لعل وعسى فالحد معطل * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله ابن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال أن رجلا شاتم رجلا فقال يابن شامة الوذر - يعني ذكور الرجال - فقال له عثمان اشهد عليه اشهد عليه فرفعه إلى عمر فجعل الرجل يقع في عثمان فينال منه فقال عمر: أعرض عن ذكر عثمان فجعل لا ينزع فعلاه عمر بالدرة وقال أعرض عن ذكر عثمان وسأل عن أم الرجل فإذا هي قد تزوجت أزواجا فدرأ عنه الحد * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار - بندار - نا محمد بن جعفر
- غندر - نا شعبة عن أبي ميمونة سلمة بن المحبق نا ابن أبي ميمونة نا سلمة بن المحبق قال: قدمت المدينة فعقلت راحلتي فجاء انسان فأطلقها فجئت(11/277)
فلهزت (1) في صدره وقلت يا نائك أمه فذهب بي إلى أبي هريرة وامرأته قاعدة فقالت لي امرأته لو كنت عرضت ولكنك أقمحت قال فجلدني أبو هريرة الحد ثمانين فقلت لعمرك إني يوم أجلد قائما ثمانين سوطا انني لصبور * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن أحمد نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية ناوكيع نا اسرائيل عن جابر عن عامر الشعبي في رجل قال لرجل انك تقود الرجال إلى امرأتك قال التعزير وليس يحد، وبه إلى وكيع نا سفيان عن المغيرة عن ابراهيم النخعي قال: في التعريض عقوبة، وبه إلى وكيع نا سفيان الثوري عن اسماعيل بن أبي خالد عن عامر الشعبي قال: لو قال له ادعاك عشرة لم يضرب * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج قال: قلت لعطاء التعريض قال ليس فيه حد قال عطاء.
وعمرو بن دينار فيه نكال قال ابن جريج قلت له يستخلف ما أراد كذا وكذا قال: لا قال ابن جريج: وقلت لعطاء رجل قال لاخيه ابن أبيه لست بأخي قال: لا يحد، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في رجل قال لآخر يا ابن العبد أو أيها العبد قال انما عنيت به عبد الله قال يستحلف بالله ما أراد إلا ذلك ولا حد عليه فان نكل جلد، قال الزهري: فلو قال لآخر يا ابن الحائك يا ابن الخياط يا ابن الاسكاف يعيره ببعض الاعمال قال يستحلف بالله ما أراد نفيه وما أراد الا عمل أبيه فان حلف ترك وان نكل حد، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن اسماعيل بن أبي خالد أنه سئل عن رجل قال لآخر إنك لدعي قال ليس عليه حد، ولو قال له ادعاك ستة لم يكن عليه حد، قال قتادة: لو قال رجل لرجل إني أراك زانيا عزر ولم يحد والتعريض كله يعزر فيه في قول قتادة، وعن سعيد بن المسيب قال انما جعل الحد على من نصب الحد نصبا *
قال أبو محمد رحمه الله: وبأن لا حد في التعريض يقول سفيان الثوري.
وابن شبرمة.
والحسن بن حي.
وأبو حنيفة.
والشافعي.
وأبو سليمان.
وأصحابهم فلما اختلفوا كما ذكرنا نظرنا فوجدنا من رأى الحد فيه يقول هذا فعل عمر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم * قال علي: وهذا لا متعلق لهم به لانه قد صح الخلاف في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم نصا كما ذكرنا أيضا من طريق وكيع، نعم وعن عمر رضي الله عنه ادرءوا الحد عمن قال لآخر يا ابن شامة الوذر، وأما علي بن أبي طالب.
وسمرة فانه جاء عنهما من عرض عرضنا له وليس في هذا بيان أنهما أرادا الحد فبطل تعلقهم بفعل عمر.
__________
(1) قال في الصحاح اللهز الضرب بجمع اليد في الصدر مثل اللكز(11/278)
وعلي.
وسمرة رضي الله عنهم جملة فنظرنا هل لهم حجة غير هذا؟ فوجدناهم يذكرون قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا) الآية قالوا وكان الكفار يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم راعنا يريدون من الرعونة وهذا تعريض فنهى عن التعريض * قال أبو محمد: وهذا حجة عليهم لا لهم لوجوه، أولها اننا لم نخالفهم في أن التعريض لا يجوز فيحتجوا بهذا وانما خالفناهم في هل فيه حد أم لا؟ وليس في هذه الآية لو صح استدلالهم بها الا النهي عن التعريض فقط وليس فيها ايجاب حد فيه أصلا فظهر تمويههم بالآية، والثاني ان الله تعالى لم يحد الذين عرضوا بهذا التعريض فكيف يحتجون بها في ايجاب الحد، والثالث ان الله تعالى انما نهى عن قول راعنا من لا يظن به تعريض أصلا فهم الصحابة رضي الله عنهم فصح يقينا أنه لم ينه عزوجل عن لفظة راعنا من أجل التعريض بل كما شاء تعالى لا لعلة أصلا والحد في ذلك ساقط لا ينسند أصلا فبطل تعلقهم بالآية جملة وصح انها حجة عليهم وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: فلما بطل قول من رأى الحد في التعريض وجب أن ننظر في قول
الطائفة الاخرى فوجدناهم يذكرون قول الله تعالى: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم) إلى قوله تعالى: (حتى يبلغ الكتاب أجله) ففرق عزوجل بين حكم التصريح وبين حكم التعريض تفريقا لا يختل على ذي حس سليم، وإذا كانا شيئين مختلفين ليس لاحدهما حكم الآخر فلا يجوز البتة ان يجعل في احدهما ما جعل في الآخر بغير نص ولا اجماع، وذكروا ما روينا من طريق مسلم نى أبو الطاهر وحرملة واللفظ لحرملة قالا جميعا: نا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة " أن أعرابيا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان امرأتي ولدت غلاما أسود وأنا أنكره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وسلم هل لك من ابل؟ قال نعم قال ما ألوانها قال حمر قال فهل فيها من أورق؟ قال: نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فانى هو فقال لعله يارسول الله نزعه عرق له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لعله نزعه عرق له " * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال نى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ولدت امرأتي غلاما أسود وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ألك ابل؟ قال: نعم قال ما ألوانها؟ قال حمر قال أفيها أورق؟ قال نعم فيها ذود ورق قال مم ذاك ترى؟ قال لا أدري لعله أن يكون نزعه عرق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لعله أن يكون نزعه عرق " ولم يرخص له في الانتفاء منه * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب(11/279)
أخبرني اسحق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - أخبرني النضر بن شميل نا حماد بن سلمة أنا هارون بن زياد عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير عن ابن عباس " أن رجلا قال يا رسول الله ان تحتي امرأة جميلة لا ترد يد لامس قال طلقها قال اني لا أصبر عنها قال فأمسكها " * قال أبو محمد رحمه الله: فهذه الاحاديث كلها في غاية الصحة موجبة انه لا شئ في التعريض أصلا لان الاعرابي الذي ذكر أن امرأته ولدت ولدا أسود وعرض
بنفيه وكان من بني فزارة ذكر ذلك الزهري فلم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حدا ولا لعانا وكذلك الذي قال ان امرأتي لا ترد يد لامس فلم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حدا ولا لعانا، وقد أوجب عليه السلام الحد واللعان على من صرح، وكذلك قوله عليه السلام: " لولا ما سبق من كتاب الله لكان لي ولها شأن " وقال عليه السلام: " لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمت هذه " تعريض صحيح وأنكر للمنكر دون تصريح لكن بظن لا يحكم به ولا يقطع به، وكذلك قول ابن عباس: تلك امرأة كانت تظهر السوء في الاسلام تعريض صحيح * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا اسحاق بن ابراهيم نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عائشة قالت: " اختصم سعد بن أبي وقاص.
وعبد بن زمعة في ابن زمعة فقال سعد: أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة فانظر ابن أمة زمعة فهو ابني.
وقال عبد هو ابن أمة أبي ولد على فراش أبي فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شبها بينا بعتبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة " فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أشار إشارة لم يقطع بها بل خاف وظن أنه من ماء عتبة ولم ير حدا على سعد بن أبي وقاص إذ نسب ولد زمعة إلى أخيه، فهذه آثار رواها من الصحابة رضي الله عنهم جماعة عائشة.
وأبو هريرة.
وأنس.
وابن عباس فصارت في حد التواتر موجبة للعلم مبطلة قول من رأى إن في التعريض حدا بل صح بها أن من عرض لغير سبب لكن لشكوى على حديث الاعرابي أو تورعا على حديث ابن وليدة - زمعة - أو إنكارا للمنكر على حديث ابن عباس.
وعلى حديث أنس فلا شئ في ذلك أصلا لا إثم ولا كراهية ولا إنكار لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك، وقيل بحضرته فلم ينكروه * (وأما طريق الاجماع) فان الامة كلها لا تختلف والمالكيون في جملتهم على أن من أظهر السوء من رجل.
أو امرأة كانفراد الاجنبيين ودخول الرجل منزل المرأة تسترا فواجب على المسلمين إنكار ذلك ورفعه إلى الامام، وهذا بيقين تعريض وإلا فأي
شئ ينكرون من ذلك، والعجب كل العجب أنهم يرون الحد في التعريض وهم(11/280)
يصرحون بالقذف ولا يرون في ذلك شيئا وذلك إقامتهم حد الزنا على الحبلى وما ثبت قط عليها زنا فهم يدعون أنهم يسقطون الحدود بالشبهات وهذان مكانان أقاموا الحد بالشبهات فيهما.
وهما حد القذف على من عرض ولم يصرح.
وحد الزنا على من حملت ولا زوج لها ولا سيد، وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: وصح أن لا حد في التعريض أصلا فان قال المعرض به: أحلفه ما أراد قذفي لم يكن له ذلك ولا يحلف ههنا أصلا لانه لم يقذفه وانما ادعي عليه أنه أراد قذفه فقط، ولا خلاف بين أحد من الامة كلها في أن من ادعى على آخر أنه أضمر قذفه ولم يقذفه فانه لا تحليف في ذلك لصحة الاجماع على أن من أضمر قذفا ولم ينطق به فانه لا حد في ذلك أصلا حتى أقر بذلك امرؤ على نفسه وهذا المعرض فلم ينطق بالقذف ولا شئ في ذلك أصلا.
وأما من ادعي عليه أنه صرح بالقذف وهو منكر فلا تحليف في ذلك أيضا لان الحد في ذلك من حدود الله تعالى وحقوقه لا من حقوق الآدميين فانما يحلف بالله ما أذيتك.
ولا شتمتك ويبرأ، وبالله تعالى التوفيق * 2232 - مسألة - من قذف إنسانا قد ثبت عليه الزنا وحد فيه أو لم يحد * قال أبو محمد: قد جاءت في هذا آثار كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب قال: إذا جلد الرجل في حد ثم أونس منه تركه فعيره به إنسان نكل، وبه إلى عبد الرزاق نا ابن جريج عن عطاء قال: على من أشاع الفاحشة نكل وإن صدق، وعن الزهري قال: لو أن رجلا أصاب حدا في الشرك ثم أسلم فعيره به رجل في الاسلام نكل، وعن يحيى
ابن سعيد الانصاري أنه قال: دخل رجلان على عمر بن عبد العزيز فقال أحدهما: إنه ولد زنا فطأطأ الآخر رأسه فقال عمر: ما يقول هذا؟ فسكت واعترف فأمر عمر بالقائل ذلك له فلم يزل يجأ قفاه حتى خرج من الدار، وعن ابن شهاب أنه قال: لا نرى على من قذف رجلا جلد الحد بعد أن يحلف القاذف بالله ما أردت حين قلت له ما قلت الا الامر الذي جلد فيه الحد، وقال ابن شهاب في رجل قال لآخر يا ابن الزانية وكانت جدته قد زنت أنه يحلف بالله الذي لا إله الا هو أنه لم يرد إلا جدته التي أحدثت ثم لا يكون عليه شئ، وعن سفيان الثوري أنه قال في الرجل يجلد الحد فيقول له رجل يا زاني قال: يستجب بالدرة ويعزر ومنا من يقول إذا أقيم الحد جلد من(11/281)
قذفه وممن قال بحلده ابن أبي ليلى * قال أبو محمد.
والذي نقول به، وبالله تعالى التوفيق أن الله تعالى قال: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) وقد ذكرنا فيما سلف من كتابنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي تزني أمته: " فليجلدها ولا يثرب " فصح أن التثريب على الزاني حرام.
وأن إشاعة الفاحشة حرام ولا يحل بلا خلاف أذى المسلم بغير ما أمر الله تعالى أن يؤذي به فصح من هذا أن من سب مسلما بزنا كان منه.
أو بسرقة كانت منه أو معصية كانت منه وكان ذلك على سبيل الاذى لا على سبيل الوعظ والتذكير الجميل سرا لزمه الادب لانه منكر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع فان لم يستطع فلبسانه " فهذا الحديث بيان ما قدمنا نصا لان فيه اباح تغيير المنكرات باليد واللسان فمن بكت آخر بما فعل على سبيل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو محسن.
ومن ذكره على غير هذا الوجه فقد أتى منكرا ففرض على الناس تغييره لان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم قال: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فصح أن عرض كل أحد حرام الا حيث أباحه النص أو الاجماع وسواء عرض
العاصي وغيره وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: فان قذف انسان انسانا قد زنى بزنا غير الذي ثبت عليه وبين ذلك وصرح فعلى القاذف الحد سواء حد المقذوف في الزنا الذي صح عليه أو لم يحد لانه محصن عن كل زنا لم يثبت عليه، وقد قلنا ان الاحصان هو المنع فمن منع بشئ أو امتنع منه فهو محصن عنه فإذ هو محصن فعليه الحد بنص القرآن * 2233 - مسألة - فيمن انتفى من أبيه - قال علي: نا محمد بن سعيد ابن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن أن ابا بكر الصديق رضي الله عنه أتى برجل انتفي عن أبيه فقال: أبو بكر اضرب الرأس فان الشيطان في الرأس * قال ابو محمد: يلزم القائلين بايجاب الحد في النفي عن الاب أو عن النسب أن يقيم حد القذف كاملا على من انتفى من أبيه أو على من نفى ولده من نفسه والا فقد تناقضوا، وأما نحن فقد بينا قبل أن ههنا التعزير فقط ولا حد في ذلك، وبالله تعالى التوفيق * 2234 مسألة من قال لآخر أنت ابن فلان ونسبه إلى عمه.
أو خاله.
أو زوج أمه أو أجنبي *(11/282)
قال أبو محمد: قال قوم: في كل هذا الحد وهو خطأ ولكن الحكم في هذا أن ما كان من ذلك على سبيل الحق والخير فهو فعل حسن وقول حسن، وأما ما كان من ذلك مشاتمة.
أو أذى.
أو تعريضا ففيه التعزير فقط ولا حد في ذلك، برهان ما ذكرنا قول الله تعالى حاكيا عن ولد يعقوب عليه السلام إذ قالوا: (نعبد إلهك وإله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق) فجعلوا عمه اسماعيل عليه السلام أبا له ولم ينكر الله تعالى ذلك ولا يعقوب عليه السلام وهو نبي الله تعالى، وقال تعالى:
(ملة أبيكم ابراهيم) وقد علمنا يقينا أن في المسلمين خلائق ليس لابراهيم عليه السلام في ولادتهم نسب، وأما زوج الام فان أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا قال: نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا ابراهيم بن سعيد الجوهري نا أبو أسامة نا محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف أن أبا طلحة صنع طعاما للنبي صلى الله عليه وسلم فأرسل أنس بن مالك فجاء حتى دخل المسجد - ورسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه - فقال: " دعانا أبوك؟ فقال: نعم قال: قوموا " قال: أنس فأتيت أبا طلحة فذكر الحديث * حدثنا حمام نا ابى مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه قال: " كانت أم عمير بنت سعد عند الجلاس بن سويد فقال الجلاس بن سويد في غزوة تبوك، إن كان ما يقول محمد حقا لنحن أشر من الحمير فسمعها عمير فقال: والله إني لاخشى إن لم أرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل القرآن فيه وأن أخلط بخطبته ولنعم الاب هو لي فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فدعا النبي عليه السلام الجلاس فعرفه فتحالفا فجاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا فلم يتحرك أحد - كذلك كانوا يفعلون لا يتحركون إذا نزل الوحي - فرفع عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر) إلى قوله: (فان يتوبوا يك خيرا لهم) فقال الجلاس استتب لي ربي يا رسول الله فاني أتوب إلى الله وأشهد له بصدق قال عروة فما زال عمير منها بعلياء حتى مات " * قال أبو محمد: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عن الربيب أب وينسب إلى الرجل ابن امرأته فيقول له أبوك وهذا أنس.
وعمير بن سعد من أهل اللغة والديانة يقولان بذلك * قال أبو محمد: وهذا قول أبي حنيفة.
وأبي سليمان - وأصحابنا.
وبه نأخذ * 2236 - مسألة - فيمن قال لآخر يا لوطي.
أو يا مخنث - قال علي:(11/283)
انا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا أبو هلال عن قتادة أن رجلا قال لابي الاسود الدؤلي يا لوطي قال يرحم الله لوطا، وبه إلى أبي هلال عن عكرمة في رجل قال لآخر يا لوطي قال عكرمة ليس عليه حد، وعن الزهري.
وقتادة أنهما قالا جميعا في رجل قال لرجل يا لوطي أنه لا يحد، وبه يقول أبو حنيفة.
وأبو سليمان.
وأصحابنا: وقال آخرون: لا حد في ذلك إلا أن يبين كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق أخبرني ابن جريج قال قلت لعطاء في رجل قال لآخر يا لوطي: قال: لا حد عليه حتى يقول: إنك لتصنع بفلان، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن ابراهيم النخعي أنه قال في رجل قال لآخر يا لوطي: قال: نيته يسأل عما أراد بذلك، وقالت طائفة: عليه الحد كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سعيد بن حسان عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة أن رجلا قال لرجل يا لوطي فرفع إلى عمر بن عبد العزيز فجعل عمر يقول يا لوطي يا محمدي فكأنه لم ير عليه الحد وضربه بضعة عشر سوطا ثم أرسل إليه من الغد فأكمل له الحد، وبه إلى وكيع نا أبو هلال عن الحسن البصري في الرجل يقول للرجل يا لوطي قال: عليه الحد، وبه إلى وكيع عن الحسن ابن صالح بن حي عن منصور عن ابراهيم النخعي في فعل قوم لوط قال.
يجلد من فعله ومن رمى به، وبه إلى وكيع عن اسرائيل عن جابر عن عامر الشعبي في الرجل يقول للرجل يا لوطي قال: يجلد * قال أبو محمد: قول ابراهيم.
والشعبي يجلد ليس فيه بيان أنهما أرادا الحد وقد يمكن أن يريدا جلد تعزير وبايجاب الحد على من رمى به يقول مالك.
والشافعي وهو الخارج على قول أبي يوسف.
ومحمد بن الحسن *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا وجب أن ننظر في ذلك فوجدنا هذه المسألة - يعني من رمى آخر بأنه ينكح الرجال.
أو بأنه ينكحه الرجال - إنما هي معلقة بالواجب في قوم لوط فان كان زنا فالواجب في الرمي به حد القذف بالزنا وان كان ليس زنا فلا يجب في الرمي به حد القذف بالزنا وسنستقصي الكلام في هذه المسألة إن شاء الله تعالى في باب مفرد له إثر كلامنا في حد السرقة.
وحد الخمر.
ولا حول ولا قوة الا بالله * وهو ليس عندنا زنا فلا حد في الرمي به، وأما أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن فهو عندهما زنا أو مقيس على الزنا فالحد عندهما في القذف به، وأما مالك.
والاشهر من أقوال الشافعي(11/284)
فهو عندهم خارج من حكم الزنا لانهما يريان فيه الرجم أحصن أو لم يحصن فإذ هو عندهم ليس زنا، وانما حكمه المحاربة أو الردة لانه لا يراعى فيه احصان من غيره فكان الواجب على قولهما أن لا يكون فيه حد الزنا وهو مما تناقضوا فيه أفحش تناقض فلم يتبعوا فيه نصا ولا قياسا (فان قالوا): ان الرمي بذلك حرام (قلنا): نعم وإثم ولكن ليس كل حرام.
وإثم تجب فيه الحدود: فالغصب حرام ولا حد فيه.
وأكل الخنزير حرام ولا حد فيه، والرمي بالكفر حرام ولا حد فيه، وأما من قال لآخر يا مخنث فان القاضي حمام بن احمد قال: نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال لرجل من الانصار يا يهودي فاضربوه عشرين ومن قال لرجل يا مخنث فاضربوه عشرين " * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا ليس بشئ وذلك لانه مرسل والمرسل لا تقوم به حجة، ثم هو أيضا من رواية ابراهيم بن أبي يحيى وهو في غاية السقوط، ولو كان هذا صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاوجبناه حدا ولكنه لا يصح فلا يجب القول به ولا حد في شئ مما ذكروا وانما هو التعزير فقط للاذى لانه منكر وتغيير المنكر واجب
لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالله تعالى التوفيق * 2237 مسألة - من رمى انسانا ببهيمة * قال أبو محمد رحمه الله: حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب نا ابن أبي ذئب عن الزهري انه قال: من رمى انسانا ببهيمة فعليه الحد * وبه إلى ابن وهب نا ابن سمعان عن الزهري قال: من رمى بذلك - يعني ببهيمة - جلد ثمانين * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: من قذف رجلا ببهيمة جلد حد الفرية، وقالت طائفة: لا حد في ذلك كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر الجعفي قال: سألت الشعبي عن رجل قذف ببهيمة أو وجد عليها قال ليس عليه حد * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ربيعة أنه قال فيمن يقذف ببهيمة؟ قال قد قذف بقول كبير والقائل أهل للنكال الشديد ورأي السلطان فيه، وأما الحنيفيون.
والمالكيون.
والشافعيون.
وأصحابنا الظاهريون فلا يرون في ذلك حدا أصلا وهذا تناقض من الحنيفيين.
والمالكيين.
والشافعيين في ذلك إذ يرون الحد على من قذف بفعل قوم لوط ولا يرون الحد على(11/285)
من قذف ببهيمة وكل ذلك مختلف فيه كما أوردنا وكل ذلك لا نص في ايجاب الحد في الرمي به وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: وهم لا يجدون عن احد من الصحابة ايجاب حد على من رمى انسانا بفعل قوم لوط ونحن نوجدهم عن الصحابة رضي الله عنهم ايجاب حد حيث لا يوجبونه كما نذكر ان شاء الله تعالى * 2238 مسألة - فيمن فضل على أبي بكر الصديق أو افترى على القرآن كما نا أحمد بن عمر بن أنس العذري نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا ابراهيم بن محمد الدينوري
نا محمد بن احمد بن الجهم نا أبو قلابة نا محمد بن بشار - بندار - نا محمد بن جعفر - غندر - نا شعبة عن حصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى أن الجارود بن العلاء العبدي قال: أبو بكر خير من عمر فقال رجل من ولد حاجب بن عطارد عمر خير من أبي بكر فبلغ عمر فضرب بالدرة الحاجبي حتى شغر (1) برجله وقال: قلت عمر خير من أبي بكر ان أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أخير الناس في كذا وكذا من قال غير ذلك وجب عليه حد المفتري * قال أبو محمد رحمه الله: هكذا في كتاب العذري من ولد حاجب بن عطارد - وهو خطأ - والصواب من ولد عطارد بن حاجب بن زرارة * قال علي: انما أخبر عمر في هذا الخبر أن أبا بكر أخير الناس في كذا وكذا أشياء ذكرها لا على العموم وقد يكون المرء خيرا في شئ ما من آخر خير منه في أشياء فقد عذب بلال في الله تعالى بما لم يعذب أبو بكر وجالد على ما لم يجالد أبو بكر وأبو بكر خير منه على العموم وفي أشياء غير هذا كثيرة، وبالسند المذكور إلى ابن الجهم نا محمد بن بشر نا الهيثم.
والحكم قالا جميعا: نا شهاب بن حراش عن الحجاج بن دينار عن أبي معشر عن ابراهيم قال سمعت: علقمة ضرب بيده على منبر الكوفة قال سمعت عليا عليه السلام يقول: بلغني أن قوما يفضلونني على أبي بكر.
وعمر من قال شيئا من هذا فهو مفتر عليه ما على المفتري، وبه إلى ابن الجهم نا أبو قلابة نا الحجاج ابن المنهال نا محمد بن طلحة عن أبي عبيدة بن حجل أن علي بن أبي طالب قال لا أوتي برجل فضلني على أبي بكر.
وعمر إلا جلدته حد المفتري * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا اسماعيل ابن أبي خالد عن عامر الشعبي قال.
استشارهم عمر في الخمر فقال عبد الرحمن بن عوف
__________
(1) شغر الكلب برجله إذا رفعها ليبول(11/286)
من افترى على القرآن أرى أن يجلد ثمانين * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد ابن عثمان نا احمد بن خالد نا على بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن عطاء ابن السائب عن جحادة بن دثار أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شربوا الخمر بالشام وآل يزيد بن أبي سفيان كتب فيهم إلى عمر فذكر الحديث، وفيه أنهم احتجوا على عمر بقول الله تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا) فشاور فيهم الناس فقال لعلي ماذا ترى؟ فقال: أرى أنهم قد شرعوا في دين الله ما لم يأذن به فان زعموا انها حلال فاقتلهم فانهم قد أحلوا ما حرم الله تعالى وان زعموا أنها حرام فاجلدهم ثمانين ثمانين فقد افتروا على الله الكذب وقد أخبر الله تعالى بحد ما يفتري به بعضنا على بعض * قال أبو محمد رحمه الله: هم يعظمون - يعني الحنيفيين.
والمالكيين - قول الصاحب وحكمه إذا وافق تقليدهم وأهواءهم وهم ههنا قد خالفوا الصحابة رضي الله عنهم فلا يرون على من فضل عمر على أبي بكرحد الفرية ولا على من فضل عليا عليهما حد الفرية ولا يرون على من افترى على الله تعالى وعلى القرآن حد الفرية لكن يرون القتل ان بدل الدين أو لا شئ ان كان متأولا هذا وهم يحتجون بقول علي.
وعبد الرحمن في هذين الخبرين في اثبات ثمانين في حد الخمر نعم وفي اثبات القياس وقد خالفوهما في إيجاب حد الفرية على من افترى على الله كذبا فلئن كان قول علي.
وعبد الرحمن حجة في ايجاب حد الخمر وفي القياس فانه حجة في ايجاب حد الفرية على من افترى على الله تعالى كذبا وعلى القرآن، ولئن كان قولهما ليس بحجة في ايجاب حد الفرية على من افترى على الله تعالى.
وعلى القرآن فما قولهما حجة في ايجاب القياس ولا في ايجاب ثمانين في الخمر ولا فرق وبالله تعالى التوفيق، وهذا يليح لمن أنصف نفسه انه ليس كل فرية يجب فيها الحد فإذ ذلك كذلك فلا حد الا في الفرية بالزنا لصحة النص والاجماع على ذلك وبالله تعالى التوفيق * 2239 مسألة - عفو المقذوف عن القاذف - قال أبو محمد رحمه الله:
حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ربيعة أنه قال في رجل قال للامام افترى على فلان أو رمى أمي فيقول الامام أفعلت؟ فيقول نعم قد فعلت فيقول الآخر قد أعفيته فينبغي للامام أن يقول للمفترى عليه أنت أبصر ولا يكشفه لعله يكشف غطاء لا يحل كشفه فان عاد يلتمس ذلك الحد كان ذلك له، وبه إلى ابن وهب نى مالك بن انس أن زريق بن الحكم حدثه قال: افترى رجل يقال له مصباح على ابنه فقال له يا زاني فرفع ذلك إلى(11/287)
فأمرت بجلده فقال والله لئن جلدته لاقرن على نفسي بالزنا فلما قال ذلك لي اشكل علي فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز أذكر ذلك له فكتب عمر الي أن أجز عفوه في نفسه قال زريق فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز في الرجل يفتري عليه أبواه أيجوز عفوه عنهما؟ فكتب عمر الي خذ له بكتاب الله تعالى الا أن يريد سترا * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن اسماعيل بن أمية أخبرني زريق بن حكيم أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه في رجل قذف ابنه أن أجلده الا أن يعفو ابنه عنه، قال ابن زريق فظننت أنها للاب خاصة فكتبت إلى عمر أراجعه للناس عامة أم للاب خاصة؟ فكتب الي بل للناس عامة، وقال آخرون لا عفو في ذلك لاحد كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن عمر بن عبد العزيز عن عمر بن الخطاب قال: لا عفو في الحدود عن شئ منها بعد أن تبلغ الامام فان اقامتها من السنة، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر.
وابن جريج كلاهما عن الزهري قال: إذا بلغت الحدود السلطان فلا يحل لاحد أن يعفو عنها قال ابن جريج.
ومعمر - يعني الفرية - وقد روي هذا القول عن الحسن البصري، وبه يقول أبو سليمان.
وأصحابنا وهو قول الاوزاعي.
والحسن بن حي، وقال أبو حنيفة.
وأصحابه لا يجوز العفو عن الحد في القذف وروي عن أبي يوسف في أحد قوليه.
وعن الشافعي.
وأصحابه.
واحمد بن حنبل.
وأصحابه أن العفو في ذلك جائز قبل
بلوغ الامر إلى الامام وبعد بلوغه إليه، وقال مالك فيمن قذف آخر فثبت ذلك عند الامام فأراد المقذوف أن يعفو عن القاذف قال: لا يجوز له العفو الا أن يريد سترا على نفسه خوف أن يثبت عليه ما رمى به فيجوز عفوه حينئذ قال مالك: فان أراد المقذوف أن يؤخر اقامة الحد على القاذف له أو لابويه كان ذلك له ويأخذه به متى أحب قال فان عفا عنه ثم أراد أخذه لم يكن له أخذه به * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فوجدنا هذا الاختلاف مرجعه إلى أحد وجهين لا ثالث لهما، إما أن يكون الحد في القذف من حقوق الله تعالى كالحد في الزنا.
والحد في الخمر.
والحد في السرقة.
والحد في المحاربة، وإما أن يكون من حقوق الناس كالقصاص في الاعضاء.
والجنايات على الاموال فان كان الحد في القذف من حقوق الله تعالى كسائر الحدود فلا يجوز لاحد عفو فيه لانه لا حق له فيه ولا فرق بين من سرق مال إنسان.
أو زنى بأمته وافترى عليه أو بامرأة أكرهها.
وسرق مالا من مالها.
وافترى عليها فلم يختلفوا في أنه ليس للرجل أن يعفو عن الزنا بأمته فيسقط عنه حد الزنا بذلك ولا لهما أن يعفوا عمن(11/288)
سرق مالهما أو قطع عليهما الطريق فيسقط عنه حد السرقة بذلك.
وحد المحاربة، والمفرق بين القذف وبين ما ذكرنا متحكم في الدين بلا دليل وان كان الحد في القذف من حقوق الناس فعفو الناس عن حقوقهم جائز، فنظرنا في قول مالك فوجدناه ظاهر التناقض لانه ان كان حد القذف عنده من حقوق الله تعالى فلا يجوز عفو المقذوف أراد سترا أو لم يرد لان الله تعالى لم يجعل له إسقاط حد من حدود الله تعالى وان كان من حقوق الناس فالعفو جائز لكل أحد في حقه أراد سترا أو لم يرد ويقال لمن نصر هذا القول الظاهر الخطأ: ما الفرق بين هذا وبين من عفا عن الزاني بأمته وهو يريد تسترا على نفسه خوف أن يقيم الواطئ لها بينة بأنها له غصبها منه الذي
هي بيده الآن؟ وبين من عفا عن سارق متاعه وهو يريد سترا على نفسه خوف أن يقيم الذي سرقه منه بينة عدل بأن الذي كان بيده سرقه منه وأنه مال من مال هذا الذي سرقه آخر فهل بين شئ من هذا كله فرق؟ هذا ما لا يعرف أصلا فسقط هذا القول جملة لتناقضه ولتعريه من الادلة ولانه قول لا يعرف عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن أحد من التابعين، ثم نظرنا في قول أبي حنيفة فوجدناه قد تناقض لانه جعله من حقوق الله تعالى ولم يجز العفو عنه أصلا فأصاب في ذلك ثم تناقض مناقضة ظاهرة فقال لا حد على القاذف الا أن يطالبه المقذوف فجعله بهذا القول من حقوق المقذوف وأسقطه بأن لم يطلبه وهذا تخليط ظاهر * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا لا حجة لهم فيه وقد نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد نا محمد بن أبي عدي عن محمد بن اسحاق عن عبد الله ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت: لما نزل عذرى قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فأمر بالمرأة والرجلين فضربوا حدهم * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام حد القذف ولم يشاور عائشة أمنا رضي الله عنها أن تعفو أم لا؟ فلو كان لها في ذلك حق لما عطله عليه السلام وهو أرحم الناس وأكثرهم حضا على العفو فيما يجوز فيه العفو فصح أن الحد من حقوق الله تعالى لا مدخل للمقذوف فيه أصلا ولا عفو له عنه، وأما من طريق الاجماع فان الامة مجمعة على تسمية الجلد المأمور به في القذف حدا ولم يأت نص ولا اجماع بأن لانسان حكما في اسقاط حد من حدود الله تعالى فصح أنه لا مدخل للعفو فيه، وأما من طريق النظر فلو كان من حقوق الناس لكان العفو المذكور في ذلك لا يجوز البتة الا من المقذوف فيما قذف به لا فيما قذف به غيره من(11/289)
أبيه.
وامه لانه لا خلاف في أنه لا يجوز عفو أحد عن حق غيره وهم يجيزون عفو
المرء عن قاذف أبيه الميت وأمه الميتة وهذا فساد وتناقض من القول والقوم أهل قياس وقد اتفقوا على أنه لا عفو للمسروق منه في قطع يد سارقه ولا للمقطوع عليه في الطريق في العفو عن القاطع عليه للمحارب له ولا للمزني بامرأته وأمته عن الزاني بهما فأي فرق بين حد القذف وحد السرقة ولا للمقطوع عليه الطريق في العفو عن القاطع، وأما ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم فان عمر جلد أبا بكرة.
ونافعا.
وشبل ابن معبد إذ رآهم قذفة ولم يشاور في ذلك المغيرة ولا رأى له حقا في عفو أو غيره فبطل قول من رأى العفو في ذلك جملة وبالله تعالى التوفيق * 2240 مسألة - في من قال لامرأته يا زانية فقالت زنيت معك أو قال ذلك لرجل فقال أنت أزنى مني * قال أبو محمد رحمه الله: حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن قتادة قال في من قال لامته يا زانية فقالت زنيت بك قال: تجلد تسعين، وبه إلى حماد بن سلمة عن أبي حرة عن الحسن في امرأة حرة قالت لآخر: زنيت بك قال تجلد حدين * قال أبو محمد: إذا قال الرجل للمرأة أو قالت المرأة للرجل زنيت بك فهذا اعتراف مجرد بالزنا وليس قذفا لانه من قال هذا اللفظ فانما أخبر عن نفسه أنه زنى ولم يخبر عن المقول له بزنا أصلا وقد يزني الرجل بالمرأة وهي سكرى.
أو مجنونة.
أو مغلوبة.
أو وهي حاملة وهو عالم وتزني المرأة بالرجل كذلك وكمن ابتاع أمة فإذا بها حرة فهي زانية وليس هو زانيا فقائل هذا القول ان قاله معترفا فعليه حد الزنا فقط ولا شئ عليه غير ذلك وان قاله لها شاتما فليس قاذفا ولا معترفا فلا حد عليه لا للزنا ولا للقذف ولكن يعزر للاذى فقط فلو قال لها زنينا معا أو قالت له ذلك فهذا ان كان قاله شاتما فهو قذف صحيح عليه حد القذف فقط وان قاله معترفا فعليه حد الزنا فقط،
وكذلك على المرأة ان قالت ذلك ولا فرق * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم ابن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري.
وربيعة قالا جميعا فيمن قال لآخر اني أراك زانيا فقال له الآخر أنت أزنى مني وهما عفيفان فانهما يجلدان الحد معا زاد ربيعة لا يكون رجل أزنى من رجل حتى يكون زانيا.
وقال مالك يضربان الحد جميعا *(11/290)
قال أبو محمد رحمه الله: أما قول ربيعة لا يكون رجل أزنى من رجل حتى يكون زانيا فخطأ والمستعمل في اللغة غير.
هذا قال الله تعالى: (الله خير أما يشركون) ولا خير أصلا فيما يشركون، وقال تعالى: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) وليس في القرار في النار خير أصلا ولا فيها من حسن المقيل لا كثير ولا قليل نعوذ بالله منها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كتاب الله أحق وشرط الله أوثق " وليس في شرط لغير الله شئ من الثقة ولا في غير كتاب الله تعالى في الدين شئ من الحق، وأما السنة والاجماع فهما داخلان في كتاب الله تعالى لان كل ذلك عدل الله تعالى فنظرنا في هذا فوجدنا من قال لآخر أنت أزنى مني ليس فيه اعتراف على نفسه بالزنا وانما هو قذف صحيح فواجب جلده حد القذف وبالله تعالى التوفيق * 2241 مسألة - فيمن ادعت أن فلانا استكرهها - قال علي: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري.
وقتادة قالا جميعا في امرأة قذفت رجلا بنفسها أنه غلبها على نفسها والرجل ينكر ذلك وليس لها بينة فانها تضرب حد الفرية * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا قتادة أن رجلا استكره امرأة فصاحت فجاء مؤذن فشهد لها عند عمر بن عبد العزيز أنه سمع صياحها فلم
يجلدها * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني عميرة بن أبي ناجية عن يزيد بن أبي حبيبة عن عمر بن عبد العزيز أنه أتنه امرأة فقالت ان فلانا استكرهني على نفسي فقال: هل سمعك أحد أو رآك؟ قالت لا فجلدها بالرجل - وهو عمرو بن مسلم.
أو اسحاق بن مسلم مولى عمرو بن عثمان - قال ابن وهب: سألت مالكا عن المرأة تقول ان فلانا أكرهني على نفسي قال ان كان ليس مما يشار إليه بذلك جلدت الحد وان كان مما يشار إليه بالفسق نظر في ذلك * قال أبو محمد رحمه الله: ههنا يرون عليه السجن الطويل والادب وغرم مهر مثلها وهذا أقوال تدور على وجوه إما جلدها حد القذف إن لم يكن لها بينة - وهو قول الزهري.
وقتادة - وإما اسقاط الحد عنها بشهادة واحد أنه سمع صياحها فقط - وهو عن عمر بن عبد العزيز - والا فتجلد.
وإما أن يدرأ عنها الحد بأن يرى معها خاليا ويؤثر فيه أثرا أو يسمع صياحها وهو قول ربيعة وهو أيضا قول يحيى بن(11/291)
سعيد الانصاري وزاد أن يعاقب الرجل المدعى عليه ان كان ذلك أشد العقوبة إن ظهر بشئ مما ذكرنا والا فالحد على المرأة حد القذف، وإما أن ينظر فان كان المدعى عليه من أهل العافية جلد حد القذف.
وان كان ممن يشار إليه بالفسق فلا شئ عليها ويسجن هو ويطال سجنه ويغرم مهر مثلها - وهو قول مالك - * قال أبو محمد رحمه الله: أما قول مالك فظاهر الخطأ لانه فرق في الادعاء بين المشار إليه بالخير.
والمشار إليه بالفسق ولم يوجب الفرق بين شئ من ذلك قرآن.
ولا سنة.
ولا اجماع.
ولاقياس.
ولا قول صاحب، وقد أجمعت الامة كلها على أن رجلا يدعى دينا على آخر والمدعى عليه منكر فانه يحلف ولو أنه أحد الصحابة رضي الله عنهم.
وقد قضى باليمين على عمر.
وعثمان.
وابن عمر.
وغيرهم رضى الله عنهم
ولا أجد أفضل منهم ولا أبعد من التهمة والدعوى بجحد المال.
والظلم.
والغصب كالدعوى بالغلبة في الزنا ولا فرق لان كل ذلك حرام ومعصية وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أعطى قوم بدعواهم لا دعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على من ادعى عليه " وقال عليه السلام لصاحب من اصحابه اختصما: " بينتك أو يمينه " وقد أجمعت الامة ومالك معهم على أن مسلما برا فاضلا عدلا ولو أنه أحد الصحابة رضي الله عنهم ادعى مالا على يهودي.
أو نصراني ولا بينة له إن اليهودي.
أو النصراني يبرأ من ذلك بيمينه وأن الكافر لو ادعى ذلك على المسلم لا حلف له فكيف يقضى لها بدعواها فيغرمه مهرها من أجل أنه فاسق ولا فاسق افسق من كافر قال الله تعالى: (الكافرون هم الفاسقون) فهذان وجهان من الخطأ، وثالث وهو القضاء عليه بالسجن والعقوبة دون بينة وهذا ظلم ظاهر لا خفاء به، ورابع هو أنه لا يخلو من أن يكون يصدقها أو يكذبها ولا سبيل إلى قسم ثالث فان كان يصدقها فينبغي له ان يقيم عليها حد الزنا وإلا فقد تناقض وضيع حدا لله تعالى وان كان يكذبها فبأي معنى يسجنه ويغرمه مهر مثلها فيؤكلها المال بالباطل ويأخذ ماله بغير حق، وخامس وهو أنه إن تكلمت وكان المدعى عليه معروفا بالعافية جلدها حد القذف وإن مكثت فظهر بها حمل رجمها إن كانت محصنة وهذا ظلم ما سمع بأشنع منه وحرج في الدين لم يجعله الله تعالى قط فيه ولا يحفظ عن أحد فرق هذا التفريق قبل مالك وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في ذلك فوجدنا الله تعالى يقول: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا الله تعالى قد أوجب الحد على من(11/292)
رمى أحدا بالزنا إلا أن يأتي ببينة ثم نظرنا في التي تشتكي بانسان أنه غلبها على نفسها فوجدناها لا تخلو من أن تكون قاذفة أو تكون غير قاذفة فان كانت قاذفة فالحد واجب
عليها بلا شك إذ لا خلاف في أن قاذف الفاسق يلزمه الحد كقاذف الفاضل ولا فرق، والقذف هو ما قصد به العيب والذم وهذه ليست قاذفة إنما هي مشتكية مدعية واذ ليست قاذفة فلا حد للقذف عليها ولكن تكلف البينة فان جاءت بها أقيم عليه حد الزنا وإن لم تأت بها فلا شئ عليه أصلا لا سجن ولا أدب ولا غرامة لان ماله محرم وبشرته محرمة ومباح له المشي في الارض، قال الله تعالى: (فامشوا في مناكبها) (فان قال قائل): فان لم تكن بينة فاقضوا عليه باليمين بهذا الخبر (قلنا): وبالله تعالى التوفيق ان دعواها انتظم حقا لها وحقا لله تعالى ليس لها فيه دخول ولا خروج فحقها هو التعدي عليها وظلمها وحق الله تعالى هو الزنا فواجب أن يحلف لها في حقها فيحلف بالله ما تعديت عليك في شئ ولا ظلمتك وتبرأ ذمته ولا يجوز أن يحلف بالله ما زنى لانه لا خلاف في أن أحدا لا يحلف في حق ليس له فيه مدخل، ولا يختلف اثنان في أن من قال انك غصبتني وزيدا دينارا فانه إنما يحلف له في حقه من الدينار لا في حق زيد وهكذا في كل شئ، وأما الفرق بين الذم والشكوى فانهم لا يختلفون فيمن قال لآخر ابتداء أو في كلام بينهما يا ظالم يا غاصب انه مسئ، فمن قائل عليه الادب، ومن قائل للآخر أن يقول له مثل ذلك ولا يختلفون فيمن شكا بآخر فقال ظلمني وأخذ مالي بغير حق أنه لا شئ عليه وأنه ليس مسيئا بذلك فصح الفرق بين الشكوى وبين الاعتداء بالسب والقذف وبالله تعالى التوفيق * 2242 مسألة - فيمن قذف وهو سكران - قال أبو محمد رحمه الله: قد ذكرنا في مواضع كثيرة حكم السكران وأنه غير مؤاخذ بشئ أصلا الا حد الخمر فقط الا أننا نذكر عمدة حجتنا في ذلك باختصار إن شاء الله تعالى * قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فشهد الله تعالى وهو أصدق شاهد أن السكران لا يدري ما يقول وإذا لم يدر ما يقول فلا شئ عليه ولم يختلف أحد من الامة في أن امرءا لو نطق بلفظ لا يدري معناه وكان معناه كفرا.
أو قذفا.
أو طلاقا فانه لا يؤاخذ
بشئ من ذلك فإذا كان السكران لا يدري ما يقول فلا يجوز أن يؤاخذ بشئ مما يقول قذفا كان أو غير قذف (فان قالوا): كان هذا قبل تحريم الخمر (قلنا).
نعم فكان ماذا؟ والامة كلها مجمعة بلا خلاف من أحد منها على أن حكم هذه الآية باق لم ينسخ وأنه لا يحل لسكران أن يقرب الصلاة حتى يدري ما يقول.
وكذلك لا يختلف اثنان(11/293)
من ولد آدم في أن حال السكران في أنه لا يدري ما يقول باق كما كان لم يحله الله تعالى عن صفته (فان قالوا): هو أدخل ذلك على نفسه (قلنا): نعم وهذا لا فائدة لكم فيه لوجوه، أولها أن هذا تعلل لا يوجب حكما لانه لم يأت بهذا التعليل قرآن.
ولا سنة.
ولا اجماع.
والثاني إنا نسألكم عمن أكره على شرب الخمر ففتح فمه كرها بأكاليب وصب فيه الخمر حتى سكر فان هذا لا خلاف في أنه غير آثم ولا في أنه لم يدخله على نفسه فينبغي أن يكون حكمه عندكم بخلاف حكم من أدخله على نفسه فلا تلزموا هذا المكره شيئا مما قال في ذلك السكر وإلا فقد تناقضتم، والثالث إنا نسألكم عمن شرب البلاذر فجن، أو تزيد نقطع عصب ساقيه فأقعد أيكون لذلك المجنون حكم المجانين في سقوط جميع الاحكام عنه أو تكون الاحكام لازمة له من أجل أنه أدخل ذلك على نفسه؟ وهل يكون للذي أبطل ساقيه عمدا أو أشرا ومعصية لله تعالى حكم المقعد في الصلاة وسقوط الحج وغير ذلك أم لا يسقط عنه شئ من ذلك من أجل إدخاله ذلك على نفسه؟ فمن قولهم بلا خلاف ان لهما حكم سائر المجانين وسائر القاعدين فبطل تعلقهم بأن السكران أدخل ذلك على نفسه، وقد صح أن حمزة رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولعلي بن أبي طالب.
وزيد بن خالد هل أنتم إلا عبيد لآبائي وهو سكران فلم يعنفه على ذلك ولو قالها صحيحا لكفر بذلك وحاش له من ذلك، فصح أن السكران إذا ذهب تمييزه فلا شئ عليه لا في القذف ولا في غيره لانه مجنون لا عقل له * (فان قالوا): قد جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم إذا شرب سكر وإذا
سكر هذى وإذا هذى افترى وإذا افترى جلد ثمانين (قلنا): حاشى لله أن يقول صاحب هذا الكلام الفاسد هم والله أجل.
وأعقل.
وأعلم من أن يقولوا هذا السخف الباطل ويكفي منه اجماعهم على أن من هذى فلا حد عليه ولو كفر أو قذف فهم يحتجون بما هم أول مخالف له وأحضر مبطل لحكمه ونعوذ بالله مثل هذا، وسنتكلم ان شاء الله تعالى في ابطال هذا الخبر من طريق اسناده ومن تخاذله وفساده في كلامنا في حد الخمر من ديواننا هذا ان شاء الله تعالى (فان قالوا): ومن يدري أنه سكران ولعله تساكر (قيل لهم): قولوا هذا بعينه في المجنون ومن يدري أنه مجنون ولعله متحامق وأنتم لا تقولون هذا بل تسقطون عنه الاحكام والحدود فالحال التي تدري في المجنون أنه مجنون بمثلها يدرى في السكران أنه سكران ولا فرق وهي أنه إذا بلغ من نفسه من التخليط في كلامه وأفعاله حيث يوقن أنه لا يبلغه من نفسه المميز الصاحي حياء من مثل تلك الحال فهذا بلا شك أحمق وسكران كما قال الله تعالى: (حتى تعلموا ما تقولون)(11/294)
فمن خلط في كلامه فليس يعلم ما يقول وبالله تعالى التوفيق * 2243 مسألة - الاب يقذف ابنه.
أو ام عبيده.
أو أم ابنه * قال أبو محمد رحمه الله: قد ذكرنا حكم عمر بن عبد العزيز يحد من قذف ابنه وأوجب الحد في ذلك مالك.
والاوزاعي.
وأبو سليمان.
واصحابنا، وقالت طائفة: لا حد على الاب في ذلك كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا أبو يعقوب الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال إذا افترى الاب على الابن فلا يحد، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عمن سمع الحسن يقول ليس على الاب لابنه حد، وبه يقول أبو حنيفة.
والشافعي.
وأحمد بن حنبل.
وأصحابهم.
والحسن بن حي.
واسحق بن راهويه، وقال سفيان الثوري في الاب يقذف ابنه انهم يستحبون الدرأ عنه، وقال في المرأة تزني وهي محصنة وتقتل ولدها إنه يدرأ عنها الحد *
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فنظرنا في قول من رأى انه لا يحد الاب لابنه فوجدناهم يقولون قال الله تعالى: (وبالوالدين احسانا ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) قالوا وليس من الاحسان.
ولا من البر ضربهما بالسياط ولا هذا من خفض الجناح لهما من الرحمة وقاسوا أيضا اسقاط الحدود في القذف عن الوالد في قذفه لولده على إسقاطهم القود عنه ان قتله واسقاطهم القصاص عنه لولده فيما دون النفس على إسقاطهم الحد عنه في سرقته من ماله وعلى إسقاطهم الحد في زناه بأم ولده * قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم لهم غير هذا أصلا وكل هذا لا حجة لهم فيه على ما نبين ان شاء الله تعالى، أما وصية الله تعالى بالاحسان إلى الابوين بأن لا يقال لهما أف ولا ينهرا ويخفض لهما جناح لذل من الرحمة فحق لا يحيد عنه مسلم وليس يقتضي شئ من ذلك إسقاط الحد عنه في القذف لولده لانه لا يختلف الناس في أن إما ماله والد قدم إليه في قذف أو في سرقة أو في زنا أو في قود فان فرضا على الوالد إقامة الحد على والده في كل ذلك وان ذلك لا يسقط عنه ما افترض الله تعالى له عليه من الاحسان والبر وان لا ينهره ولا يقل له أف وأن يخفض له جناح الذل من الرحمة وأن يشكر له ولله عزوجل وقد قال الله عزوجل: (أشداء على الكفار رحماء بينهم) وقد أمر مع ذلك باقامة الحد على من أمرنا برحمته، وقال تعالى: (وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين) الآية ولا خلاف بين أحد من الامة في أن ذا القربى يحد في قذف ذي القربى وأن ذلك لا يضاد الاحسان المأمور به بل إقامة الحد على الوالدين فمن دونهما إحسان اليهما وبر بهما لانه حكم الله تعالى الذي لولاه لم يجب برهما(11/295)
فسقط تعلقهم بالآيات المذكورات وأما قياسهم إسقاط حد القذف على اسقاطهم عن الوالد حد الزنا في زناه بأمة ولده وعلى اسقاطهم عنه حد السرقة في سرقة مال ولده وعلى اسقاطهم القود عنه في قتله إياه وجرحه إياه في اعضائه فهذا قياس والقياس كله باطل لانه
قياس للخطأ على الخطأ ونظر للباطل بالباطل واحتجاج منه لقول لهم فاسد بقول لهم آخر فاسد لا يتابعون عليه ولا أوجبه نص.
ولا اجماع بل الحدود والقود واجبان على الاب للولد في كل ما ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق، فلما سقط قولهم لتعريه عن البرهان رجعنا إلى القول الثاني فوجدناه صحيحا لان الله تعالى قال: (والذين يرمون المحصنات) الآية فلم يقل تعالى الا الوالد لولده (وما كان ربك نسيا) فلو أن الله تعالى أراد تخصيص الاب باسقاط الحد عنه لولده لبين ذلك ولما اهمله حتى يتفطن له من لا حجة في قوله فصح يقينا أن الله تعالى إذ عم ولم يخص فانه أراد أن يحد الوالد لولده والولد لوالده بلا شك ووجدناه تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين) فأوجب الله تعالى القيام بالقسط على الوالدين والاقربين كالاجنبيين فدخل في ذلك الحدود وغيرها، وبالله تعالى التوفيق * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عمر بن عبد العزيز عن عمر ابن الخطاب قال: لا عفو عن الحدود ولا عن شئ منها بعد أن تبلغ الامام فان إقامتها من السنة فهذا قول صاحب لا يعرف له مخالف منهم وهم يعظمون مثل هذا إذا خالف تقليدهم وقد خالفوه ههنا لان عمر بن الخطاب عم جميع الحدود ولم يخص * قال أبو محمد رحمه الله: وكذلك اختلفوا فيمن قذف أم ابنه فقال أبو حنيفة وأصحابه.
والشافعي.
وأصحابه: ليس للولد أن ياخذ أباه بذلك، وقال مالك: له أن يأخذه بذلك، وقال أبو حنيفة.
والشافعي.
وأصحابهما فيمن قذف ام عبد له ليس له أن يأخذ عبده الحد في ذلك، وقال أبو ثور.
وأبو سليمان.
وأصحابنا: له أن يأخذه بذلك والكلام في هاتين المسألتين كالكلام في التي قبلهما وقد بينا أن حد القذف حد لله تعالى لا للمقذوف فإذ هو كذلك فأخذه واجب على كل حال قام به
من قام به من المسلمين لان الله تعالى أمر بجلد القاذف ثمانين لم يشترط به قائما من الناس دون غيره فكان تخصيص من خص بعض القائمين به دون بعض قولا في غاية الفساد وهو قول مخترع لهم ما نعلم أحدا من الصحابة رضي الله عنهم قال به ولا له(11/296)
حجة أصلا لا من قرآن.
ولا من سنة.
ولا اجماع.
ولا قياس.
ولا معنى، وما كان هكذا فهو ساقط وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: والحكم عند الحنيفيين في اسقاط الحد عن الجد إذا قذف ولد الولد كالحكم في قاذف الابوين الادنين، والعجب بأن الحنيفيين قد فرقوا بين حكم الولد وبين حكم ولد الولد في المرتد فجعلوا ولد المرتد يجبر على الاسلام ولا يقتل وجعلوا ولد ولده لا يجبر ولا يقتل، وفرق أبو يوسف ومحمد بن الحسن.
والشافعي بين الاب في الميراث وبين الجد فمن أين وقع لهم التناقض ههنا فسووا بين الاب والجد وبين الابن وابن الابن؟ والقوم أصحاب قياس بزعمهم وهذا تناقض لا نظير له وبالله تعالى التوفيق * 2244 مسألة - من نازع آخر فقال له الكاذب بيني وبينك ابن زانية أو قال ولد زنا أو زنيم أو زان فقد قال قائلون لا حد عليه * قال أبو محمد: ان كان قال ذلك مبتدئا قبل أن ينازعه الآخر فلا حد على القائل لانه لم يقذف بعد أحدا وان قال ذلك بعد المنازعة فهو قاذف له بلا شك فعليه الحد لان المنازع له كاذب عنده بلا شك وهكذا لو قال: من حضر اليوم على هذا الطريق فهو ابن زانية وقد كان حضر من هنالك أحد فهو قاذف له بلا شك فعليه الحد فلو قال ذلك في المستأنف فلا حد عليه لانه إذا لفظ بذلك لم يكن قاذفا ومن المحال أن يصير قاذفا وهو ساكت بعد أن لم يكن قاذفا إذا نطق وهذا باطل لا خفاء به وبالله تعالى التوفيق * 2245 مسألة - من قذف أجنبية وامرأته ثم زنت الاجنبية وامرأته
بعد القذف فعليه حد القذف كاملا للاجنبية ولا بد ويلاعن ولا بد ان أراد أن ينفي حمل زوجته أو ان ثبت عليها الحد فان أبى وقد جلد للاجنبية فالحمل لاحق به ولا شئ على زوجته لا لعان.
ولا حد.
ولا حبس.
ولا عليه بعد لانه قد حد وإن كان لم يجلد لاعن ان أراد أن ينفي الحمل عنه فان أبى جلد الحد فان التعن والتعنت المرأة جلد حد الزنا، وجملة هذا ان من قذفه قاذف ثم زنى المقذوف لم يسقط ذلك الزنا ما قد وجب من الحد على قاذفه لانه زنا غير الذي رماه به فهو إذا رمى رامي محصن أو محصنة فعليه الحد ولابد ولا يسقط حد قد وجب الا بنص أو اجماع ولا نص ولا اجماع ههنا أصلا على سقوطه بعد وجوبه بنص، وكذلك القول في الزوجة ولا فرق أنه يجلد لها للقذف وان زنت الا أن يلاعن وتحد هي للزنا ولا بد وبالله تعالى التوفيق *(11/297)
2246 مسألة - من قال لآخر يا زاني فقال له انسان صدقت أو قال نعم.
فان أبا حنيفة وجميع أصحابه الا زفر بن الهذيل قالوا: لا حد على القائل صدقت قالوا: فلو قال له صدقت هو كما قلت حدا جميعا قال زفر في كلتا المسألتين يحدان جميعا * قال أبو محمد رحمه الله: لا فرق بين المسألتين ومن قال أنه في قوله له صدقت يمكن أن يصدقه في غير رميه بالزنا قيل له وكذلك قوله صدقت هو كما قلت ممكن أن يعني بذلك قولا آخر قاله هذا القاذف من غير القذف ولا فرق * قال أبو محمد رحمه الله: والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق أنه ان تيقن أن القائل صدقت أو نعم.
أو هو كما قلت.
أو أي والله انه سمع القذف وفهمه فهو مقر بلا شك وعليه الحد وكذلك من قيل له أبعت دارك من زيد بمائة دينار؟ فقال نعم أو قال صدقت.
أو قال أي والله.
أو ما أشبه هذا فانه اقرار صحيح بلا شك أو قال ذلك مجاوبا لمن قال له طلقت امرأتك.
أو أنكحت فلانة.
أو وهبت أمرا
كذا وكذا فهكذا في كل شئ وان وقع شك أسمع القذف أو لم يسمعه وفهمه.
أو لم يفهمه فلا حد في ذلك لانه قد يهم ويظن أنه قال كلاما آخر وهكذا في جميع ما ذكرنا من غير ذلك ولا فرق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فصح أنه لا يحل ان يستباح شئ مما ذكرنا الا بيقين لا اشكال فيه وبالله تعالى التوفيق * 2247 مسألة - من قال لآخر فجرت بفلانة أو قال فسقت بها فان أبا حنيفة.
والشافعي.
وأصحابهما قالوا: لا حد في ذلك * قال أبو محمد رحمه الله: ان كان لهذين اللفظين وجه غير الزنا فكما قالوا وان كان لا يفهم منهما غير الزنا فالحد في ذلك فلما نظرنا فيهما وجدناهما يقعان على اتيانها في الدبر فسقط الحد في ذلك وكذلك لو قال جامعتها حراما ولا فرق * قال علي: فلو أخبر بهذا عن نفسه لم يكن معترفا بالزنا كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * 2248 مسألة - ومن قال لآخر زنيت بكسر التاء أو قال لامرأة زنيت بفتح التاء فان كان غير فصيح حد ولا بد وان كان فصيحا يحسن هذا المقدار من العربية سئل من خاطبت فان قال خاطبت غيرها أو قال خاطبت غيره فلا شئ عليه لان هذا هو ظاهر كلامه لان خطاب المؤنث لا يكون الا بكسر التاء فإذا خاطبها بفتح التاء فلم يخاطبها وخطاب الرجل بفتح التاء فإذا خاطبه بكسرها فلم يخاطبه وان أقر أنه خاطبها بذلك حد لانه حينئذ قاذف لها وبالله تعالى التوفيق *(11/298)
2249 مسألة - من قذف انسانا قد زنى المقذوف وعرف أنه صادق في ذلك فجميع العلماء على أنه لا يحل طلبه بذلك الحد الا مالكا فانه قال له طلبه * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا قول ظاهر الفساد بين الحوالة لا خفاء به لانه لا خلاف في أن من عرف صدقه في القذف فلا حد عليه فإذا عرف المقذوف أن قاذفه
صادق فقد عرف أنه لاحد عليه فمطالبته إياه ظلم بيقين واباحة طلبه له إباحة للظلم المتيقن ولا فرق بين هذا وبين شهود سمعوا القاذف وهم يعلمون صدقه بلا خلاف في أنهم لا يحل لهم أن يشهدوا بالقذف لان شهادتهم تؤدي إلى الظلم وكذلك من كان له أب فقتل أبوه انسانا ظلما وأخذ ماله ظلما فأن ولد المقتول المأخوذ ماله فقتل قاتل أبيه وأخذ ماله الذي كان لابيه فانه لا يحل لولد هذا المستقاد منه أن يطلب المستقيد لا بدم ولا بما أخذ من ماله الذي أخذ منه بباطل واسترجعه منه بحق ومن فرق بين شئ من هذه الوجوه فهو مخطئ وقد قال تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) الآية فحرم الله تعالى القيام بغير القسط وكذلك قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وليس في الاثم والعدوان اكثر من أن يدرى أن قاذفه لم يكذب ثم يطالبه بما يطالب به أهل الكذب وبالله تعالى التوفيق * (فان قالوا): انه قد أذاه (قلنا): نعم وليس في الاذى حد وانما فيه التعزير فقط * 2250 مسألة - قال أبو محمد رحمه الله: من قذف زوجته فأخذ في اللعان فلما شرع فيه ومضى بعضه.
أقله.
أو أكثره.
أو جله أعاد قذفها قبل أن تتم هي التعانها فلا بد له من ابتداء اللعان لان الله تعالى يقول: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء الا أنفسهم) الآية فلم يجعل الله تعالى الالتعان الا بعد رمي الزوجة فلا بد بعد رمي الزوجة بأن يأتي بما أمر الله تعالى به كما أمر به وهي ما لم تتم التعانها بعد تمام التعانه زوجته كما كانت فهو في تجديد قذفها رامي زوجته فلا بد له من شهادة أربع شهادات والخامسة فان أبى ونكل حد المقذوف ولا بد فان رماها بزنا يتيقن أنه كاذب فيه حد ولا لعان أصلا لان الله تعالى يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وليس من الاثم والعدوان أكثر من أن يكلف أن يأتي بأيمان كاذبة يوقن من حضر أو الحاكم أنه فيها قاذف فهذا عون على الاثم والعدوان وقال تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) وهي مع ذلك امرأته كما كانت ولا
فرقة الا بعد أن يتم التعانهما على ما ذكرنا، فلو رماها وأيقن الحاكم أنه صادق فلا يحل له الحكم باللعان أيضا لكن يقام الحد عليها وهي امرأته كما كانت يرثها وترثه لما ذكرنا(11/299)
من أنه لا فرقة الا بعد التعانهما فصح بهذا أنه لا لعان فيمن رمى امرأته بزنا ممكن أن يكون فيه صادقا ويمكن أن يكون فيه كاذبا فأما إذا تيقن كذبه فلا يحل تعطيل واجب حد الله عنه ولا يحل عونه على الايمان الكاذبة الآثمة ولا يحل أمره بها وبالله تعالى التوفيق * 2251 مسألة - من قذف جماعة أو وجد يطأ النساء الاجنبيات مرة بعد مرة.
أو وجد يسرق مرات.
أو رؤي يشرب الخمر مرات فشهد بكل ذلك فأقام بينة على صدقه في قذفه من قذف الا واحدا أو صدقه جميعهم الا واحدا فعليه الحد في القذف ولا بد لان الحد في قذف ألف أو في قذف واحد حد واحد ولا مزيد على ما قدمنا وكذلك لو أقام بينة على أن جميع أولئك اللواتي وجد يطأهن إماؤه الا واحد فعليه حد الزنا ولا بد لان الحد في الزنا بألف أو في الزنا بواحدة حد واحد ولا مزيد على ما قدمنا وكذلك لو أقام بينة على كل ما سرق أنه ماله أخذه حاش بعض ذلك فانه يقطع به ولا بد لان الحد في ألف سرقة وفي سرقة واحدة حد واحد على ما قدمنا، وكذلك لو أقام البينة على أن كل ما شرب من ذلك كان في غير عقله أو كان في ضرورة لعلاج أو غيره الا مرة واحدة فعليه جلد الاربعين ولا بد لان الحد في شرب ألف مرة وفي جرعة حد واحد كما قدمنا وبالله تعالى التوفيق * - كتاب المحاربين - 2252 مسألة - قال الله تعالى: (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) الآية * قال أبو محمد: فاختلف الناس من هو المحارب الذي يلزمه هذا الحكم؟
فقالت طائفة: المحارب المذكور في هذه الآية هم المشركون، روي عن ابن عباس وغيره كما نا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا ابراهيم بن حماد نا اسمعيل ابن اسحاق نا محمد بن أبي بكر - هو المقدمي - نا يحيى.
وخالد - هما القطان - وأبو الحرث كلاهما عن أشعث عن الحسن البصري في قول الله تعالى.
(انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) الآية قال نزلت في أهل الشرك، وبه إلى اسماعيل نا يحيى بن عبد الحميد الحماني نا هشيم عن جويبر عن الضحاك قال كان قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا في الارض فخير الله تعالى نبيه عليه السلام فيهم ان شاء أن يقتل وان شاء أن يصلب وان شاء قطع أيديهم وأرجلهم من(11/300)
خلاف، وبه إلى اسماعيل نا محمد بن أبي بكر نا اشعث نا سفيان أنه بلغه عن الضحاك ابن مزاحم في هذه الآية قال: نزلت في أهل الكتاب * وبه إلى اسماعيل نا محمد بن عبيد.
وابراهيم الهروي قال محمد: نا محمد بن ثور وقال ابراهيم: نا سفيان ثم اتفق محمد بن ثور.
وسفيان كلاهما عن معمر عن قتادة.
وعطاء الخراساني قالا جميعا في قول الله تعالى: (الا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) هذه الآية لاهل الشرك فمن أصاب من المشركين شيئا من المسلمين وهو لهم حرب فأخذ مالا وأصاب دما ثم تاب من قبل أن يقدر عليه أهدر عنه ما مضى، نا حمام القاضي نا ابن مفرج نا ابو علي الحسن ابن سعد نا أبو يعقوب الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال.
قال لي عطاء بن أبي رباح.
وعبد الكريم: المحاربة شرك قال ابن جريج: وأقول أنا لا أعلم أحدا يحارب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أشرك، وقالت طائفة: هو المرتد كما نا أبو سعيد الجعفري نا محمد بن علي الادفوي نا أبو جعفر أحمد بن محمد بن اسماعيل النحوي عن عبد الله ابن أحمد بن عبد السلام عن أبي الازهر نا روح بن عبادة عن ابن جريج نا هشام ابن عروة عن أبيه قال: إذا خرج المسلم فشهر سلاحه ثم تلصص ثم جاء تائبا أقيم
عليه الحد ولو ترك لبطلت العقوبات إلا أن يلحق ببلاد الشرك ثم يأتي تائبا فتقبل منه، وقالت طائفة: اللص ليس مسلما كما نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله بن أبي جعفر قال سألت نافعا مولى ابن عمر عن لص مسلم أو كافر أتى مسلما وأراد أن يأخذ ماله ويهريق دمه قال لو كنت أنا امتنعت هذا الذي يستغيلني ليهريق دمي ويأخذ مالي ليس بمسلم، وقالت طائفة: كل لص فهو محارب كما نا حمام ابن مفرج نا الحسن بن سعد نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الكريم أو غيره عن الحسن البصري.
وسعيد بن جبير قالا جميعا: من خرب فهو محارب * قال أبو محمد: الخارب اللص نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي قال: اللص محارب لله ولرسوله فاقتله فما أصابك فيه من شئ من دمه فعلي، وقالت طائفة: لا يكون المحارب الا من أخاف السبيل كما نا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا ابراهيم بن حماد نا اسمعيل بن اسحق نا يحيى بن عبد الحميد الحماني نا سفيان بن عيينة عن عمار الدهني قال: جاء مسعر بن فدكي - وهو متنكر - حتى دخل على بن طالب فما ترك آية من كتاب الله فيها تشديد الا سأله عنها وهو يقول له توبة قال وان كان مسعر بن فدكي(11/301)
قال وان كان مسعر بن فدكي قال فقلت له فأنا مسعر بن فدكي فأمنى قال أنت آمن قال وكان يقطع الطريق ويستحل الفروج، وبه إلى اسماعيل بن اسحق نا محمد بن أبي بكر نا عمر ابن علي عن مجاهد عن الشعبي عن سعيد بن قيس الهمداني أن حارثة بن بدر التميمي كان عدوا لعلي وكان يهجوه فأتى الحسن.
والحسين.
وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم ليأخذوا له أمانا فأبى علي أن يؤمنه قال سعيد: فانطلقت إلى علي فقلت: (ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا) قال: (أن يقتلوا أو يصلبوا
أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) الآية قلت الا ماذا؟ قال: (الا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) قلت فان حارثة بن بدر قد تاب من قبل أن تقدر عليه قال: هو آمن قال: فانطلقت بحارثة إلى علي فآمنه * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا الحسن بن سعد نا أبو يعقوب الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وعطاء الخراساني قالا جميعا في هذه الآية: (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) قال هذه الآية في اللص الذي يقطع الطريق فهو محارب * قال أبو محمد: ثم اختلف هؤلاء، فقالت طائفة: حيث ما قطع الطريق في مصر أو غيره فهو محارب كما كتب إلى أبو المرجى بن ذروان المصري نا أبو الحسن الرحبي نا مسلم الكاتب نا عبد الله بن أحمد بن المغلس قال ذكر وكيع عن الحكم بن عطية قال سألت الحسن عن رجل ضرب رجلا بالسيف بالبصرة قال كانوا يقولون من شهر السلاح فهو محارب * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن الزبير قال طاوس سمعته يقول: من رفع السلاح ثم وضعه محارب فدمه هدر، قال وكان طاوس يرى هذا أيضا * حدثنا عبد الرحمن بن سلمة الكناني نا أحمد بن خليل نا خالد بن سعد نا احمد بن خالد نا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف فقيه أهل مصر نا سعيد بن أبي مريم نا سليمان ابن بلال نى علقمة بن أبي علقمة عن أمه أن غلاما كان لباني فكان باني يضربه في أشياء يعاقبه فيها فكان الغلام يعادي سيده فباعه فاني فلقيه الغلام يوما ومع الغلام سيف يحمله وذلك في إمرة سعيد بن العاصي فشهر الغلام السيف على باني وتفلت به عليه فأمسكه عنه الناس فدخل باني على عائشة فأخبرها بما فعل به العبد فقالت عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أشار بحديدة إلى أحد من المسلمين يريد قتله فقد وجب دمه " فذكر الحديث، وفيه أن الغلام قتل * حدثنا يحيى بن عبد الرحمن ابن مسعود نا احمد بن دحيم نا حماد بن ابراهيم نا اسماعيل بن اسحق نا علي بن عبد العزيز(11/302)
المديني نا محمد بن علي بن مقدم عن سفيان بن حسين عن يعلي بن مسلم عن أبي الشعثاء - جابر ابن زيد - عن ابن عباس قال إذا تسور عليهم في بيوتهم بالسلاح قطعت يده ورجله، وبه إلى اسماعيل نا نصر بن علي الجهضمي نا خالد بن الحرث عن أشعث عن الحسن قال إذا طرقك اللص بالليل فهو محارب، وبه إلى اسماعيل نا محمد بن أبي بكر المقدمي نا محمد بن سوار عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: إذا دخل عليك ومعه حديدة فهو محارب قال اسماعيل: ونا نصر بن علي نا حرب بن ميمون عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: إذا طرقك اللص بالليل فهو محارب، وبهذا يأخذ الشافعي.
وأبو سليمان.
وأصحابهما، واختلف فيه قول مالك فمرة قال لا تكون المحاربة الا في الصحراء ومرة قال تكون المحاربة في الصحراء وفي الامصار، وقال سفيان: لا تكون المحاربة إلا في الصحراء، وقال أبو حنيفة.
وأصحابه: لا تكون المحاربة في مدينة ولا في مصر ولا بقرب مدينة.
ولا بقرب مصر ولا بين مدينتين ولا بين الكوفة والحيرة ثم روي عن أبي يوسف أنه قال إذا كابروا أهل مدينة ليلا كانوا في حكم المحاربة، وقال أبو حنيفة من شهر على آخر سلاحا ليلا أو نهارا فقتل المشهور عليه عمدا فلا شئ عليه فان شهر عليه عصا نهارا في مصر فقتله عمدا قتل به وان كان في الليل في مصر أو في مدينة أو في طريق في غير مدينة فلا شئ على القاتل * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن نطلب الحق من أقوالهم لنعلم الصواب فنتبعه بمن الله تعالى فنظرنا فيما تحتج به كل طائفة لقولها فنظرنا فيما احتج به من قال ان المحارب لا يكون الا مشركا أو مرتدا فوجدناهم يذكرون ما نا عبد الله ابن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب النسائي أخبرنا العباس بن محمد انا أبو عامر العقدي عن ابراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد بن عمير عن عائشة أم المؤمنين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا باحدى ثلاث خصال زان محصن
يرجم أو رجل قتل متعمدا فيقتل أو رجل يخرج من الاسلام فيحارب الله ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الارض " وبما ذكره ابن جريج آنفا من قوله ما نعلم احدا حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أشرك * قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا فيما احتجوا به من ذلك فوجدنا الخبر المذكور لا يصح لانه انفرد به ابراهيم بن طهمان وليس بالقوي، وأما قول ابن جريج ما نعلم أحدا حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أشرك فان محاربة الله تعالى ومحاربة رسوله عليه السلام تكون على وجهين، أحدهما من مستحل لذلك فهو كافر باجماع الامة كلها(11/303)
لا خلاف في ذلك الا ممن لا يعتد به في الاسلام وتكون من فاسق عاص معترف بجرمه فلا يكون بذلك كافرا لكن كسائر الذنوب من الزنا والقتل والغصب وشرب الخمر وأكل الخنزير والميتة والدم.
وترك الصلاة.
وترك الزكاة.
وترك صوم شهر رمضان.
وترك الحج فهذا لا يكون كافرا لما قد تقصيناه في كتاب الفصل وغيره، ويجمع الحجة في ذلك أنه لو كان فاعل شئ من هذه العظائم كافرا بفعله ذلك لكان مرتدا بلا شك ولو كان بذلك مرتدا لوجب قتله لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل من ارتد وبدل دينه وهذا لا يقوله مسلم * قال أبو محمد: (فان قال قائل): أننا لا نسلم أن من عصى بغير الكفر لا يكون محاربا لله تعالى ولرسوله عليه السلام (قلنا له): وبالله تعالى التوفيق قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) الآية كتب إلى أبو المرجي بن ذروان قال: نا أبو الحسن المرحبي نا أبو مسلم الكاتب نا عبد الله بن أحمد بن المغلس نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا حماد بن خالد الخياط نا عبد الواحد - مولى عروة - عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: " من آذى لي وليا
فقد استحل محاربتي " وقال الله تعالى: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) إلى قوله: (وأصلحوا بين أخويكم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تقتل عمارا الفئة الباغية " فصح أنه ليس كل عاص محاربا ولا كل محارب كافرا ثم نظرنا في ذلك أيضا فوجدنا الله تعالى قدحكم في المحارب ما ذكرنا من القتل أو الصلب أو قطع الايدي والارجل من خلاف أو النفي من الارض وإسقاط ذلك كله عنه بالتوبة قبل القدرة عليه فلو كان المحارب المأمور فيه بهذه الاوامر كافرا لم يخل من ثلاثة أوجه لا رابع لها.
إما أن يكون حربيا مذ كان، وإما ان يكون ذميا فنقض الذمة وحارب فصار حربيا، وإما أن يكون مسلما فارتد إلى الكفر لابد من أحد هذه الوجوه ضرورة ولا يمكن ولا يوجد غيرها فلو كان حربيا مذ كان فلا يختلف من الامة اثنان في أنه ليس هذا حكم الحربيين وانما حكم الحربيين القتل في اللقاء كيف أمكن حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ومن كان منهم كتابيا في قولنا وقول طوائف من الناس أو من كان منهم من أي دين كان ما لم يكن عربيا في قول غيرنا أو يؤسر فيكون حكمه ضرب العنق فقط بلا خلاف كما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة ابن أبي معيط.
والنضر بن الحرث.
وبني قريظة، وغيرهم أو يسترق.
أو يطلق(11/304)
إلى أرضه كما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال الحنفي.
وأبا العاصي بن الربيع وغيرهما، أو يفادي به كما قال الله تعالى: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها) أو نطلقهم أحرارا ذمة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر، فهذه أحكام الحربيين بنص القرآن.
والسنن الثابتة.
والاجماع المتيقن ولا خلاف في أنه ليس الصلب ولا قطع الايدي والارجل ولا النفي من أحكامهم فبطل أن يكون المحارب المذكور في الآية حربيا كافرا وان كان ذميا فنقض العهد فللناس فيه أقوال ثلاثة لا رابع لها: أحدها
أنه ينتقل إلى حكم الحربيين في كل ما ذكرنا، والثاني أنه محارب حتى يقدر عليه فيرد إلى ذمته كما كان ولا بد، والثالث أنه لا يقبل منه الا الاسلام أو السيف، وقد فرق بعض الناس بين الذمي ينقض العهد فيصير حربيا وبين الذمي يحارب فيكون له عندهم حكم المحارب المذكور في الآية لا حكم الحربي فصح بلا خلاف أن الذمي الناقض لذمته المنتقل إلى حكم أهل الحرب ليس له حكم المحارب المذكور في الآية بلا خلاف، ويبين هذا قول الله تعالى: (فان نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا ائمة الكفر) إلى قوله: (لعلهم ينتهون) فأمر الله تعالى بقتالهم إذا نكثوا عهدهم حتى ينتهوا وهذا عموم يوجب الانتهاء عن كل ما هم عليه من الضلال وهذا يقتضي ولابد أن لا يقبل منهم الا الاسلام وحده ولا يجوز أن يخص بقوله تعالى: (حتى ينتهوا) انتهاء دون انتهاء فيكون فاعل ذلك قائلا على الله تعالى ما لا علم له به وهذا حرام، قال الله تعالى: (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) وان كان المحارب المذكور في الآية مرتدا عن اسلامه فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم المرتد بقوله: " من بدل دينه فاقتلوه " وبينه الله تعالى بقوله: (ان الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم) فصح يقينا أن حكم المرتد الذي أوجب الله تعالى في القرآن وعلى لسان رسوله عليه السلام هو غير حكمه تعالى في المحارب فصح يقينا أن المحارب ليس مرتدا، وأيضا فلا خلاف بين أحد من الامة في أن حكم المرتد المقدور عليه ليس هو الصلب ولا قطع اليد والرجل ولا النفي من الارض فصح بكل ما ذكرنا أن المحارب ليس كافرا أصلا إذ ليس له شئ من أحكام الكفر ولا لاحد من الكفار حكم المحارب والرواية عن ابن عباس فيها الحسن بن واقد و ليس بالقوي وهو أيضا من قول ابن عباس لا مسندا فإذ قد صح ما ذكرنا يقينا فقد ثبت بلا شك أن المحارب انما هو مسلم عاص فإذ هو كذلك فالواجب أن ننظر ما المعصية(11/305)
التي بها وجب أن يكون محاربا وأن يكون له حكم المحارب فنظرنا في جميع المعاصي من الزنا.
والقذف.
والسرقة.
والغصب.
والسحر.
والظلم.
وشرب الخمر.
والمحرمات.
أو أكلها.
والفرار من الزحف.
والزنا.
وغير ذلك فوجدنا جميع هذه المعاصي ليس منها شئ جاء نص أو اجماع في أنه محارب فبطل ان يكون فاعل شئ منها محاربا، وأيضا فان جميع المعاصي التي ذكرنا والتي لم نذكر لا تخلو من أحد وجهين لا ثالث لها، إما أن يكون فيها نص بحد محدود أو لا يكون فيها نص بحد محدود فالتي فيها النص بحد محدود فهي الردة.
والزنا.
والقذف.
والخمر.
والسرقة.
وجحد للعارية وليس لشئ منها الحكم المذكور في الآية في المحارب فبطل أن يكون شئ من هذه المعاصي محاربة وهذا أيضا إجماع متيقن، واما ما ليس فيه من الله تعالى حد محدود لا في القرآن ولا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل لاحد أن يلحقها بحد المحاربة فيكون شارعا في الدين ما لم يأذن به الله تعالى وهذا لا يحل بل قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فوجب يقينا أن لا يستباح دم أحد.
ولا بشرته.
ولا ماله.
ولا عرضه الا بنص وارد فيه بعينه من قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اجماع متيقن من الصحابة رضي الله عنهم راجع إلى توقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم * فبطل أن يكون شئ من المعاصي المذكورة هي المحاربة فإذ لا شك في هذا فلم يبق الا قاطع الطريق والباغي فهما جميعا مقاتلان والمقاتلة هي المحاربة في اللغة فنظرنا في ذلك فوجدنا الباغي قد ورد فيه النص بأن يقاتل حتى يفئ فقط فيصلح بينه وبين المبغي عليه فخرج الباغي عن أن يكون له حكم المحاربين فلم يبق الا قاطع الطريق ومخيف السبيل فهذا مفسد في الارض بيقين، وقد قال جمهور الناس أنه هو المحارب المذكور في الآية ولم يبق غيره وقد بطل كما قدمنا أن يكون كافرا ولم يقل أحد من أهل الاسلام في أحد من أهل المعاصي أنه المحارب المذكور في الآية الا قاطع الطريق المخيف فيها أو في اللص فصح
أن مخيف السبيل المفسد فيها هو المحارب المذكور في الآية بلا شك وبقي أمر اللص فنظرنا فيه بعون الله تعالى فوجدناه ان دخل مستخفيا ليسرق.
أو ليزني.
أو ليقتل ففعل شيئا من ذلك مختفيا فانما هو سارق عليه ما على السارق لا ما على المحارب بلا خلاف أو انما هو زان فعليه ما على الزاني لا ما على المحارب بلا خلاف أو انما هو قاتل فعليه ما على القاتل بنص القرآن والسنة فيمن قتل عمدا وان كان قد خالف في هذا قوم خلافا لا تقوم به حجة فان اشتهر أمره ففر وأخذ فليس محاربا لانه لم يحارب أحدا وانما هو(11/306)
عاص فقط ولا يكون عليه له حكم المحاربة لكن حكم من فعل منكرا فليس عليه الا التعزير وان دافع وكابر فهو محارب بلا شك لانه قد حارب وأخاف السبيل وأفسد في الارض فله حكم المحارب كما قال الشعبي.
وغيره * قال أبو محمد رحمه الله: وأما قول من قال: لا تكون المحاربة الا في الصحراء أو من قال: لا تكون المحاربة في المدن الا ليلا فقولان فاسدان، ودعوتان ساقطتان بلا برهان لا من قرآن.
ولا من سنة صحيحة.
ولا سقيمة.
ولا من اجماع.
ولا من قول صاحب.
ولا من قياس.
ولا من رأي سديد، وما يبعد أن يكون فيهم من هان عنده الكذب على الامة كلها، فيقول: من حارب في الصحراء فقد صح عليه اسم محارب * - ومن كتاب المحاربين - قال أبو محمد رحمه الله: فان اعترض معترض في أن المحارب لا يكون الا من شهر السلاح بما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب أنا اسحاق بن راهويه ارنا الفضل بن موسى نا معمر عن عبد الله بن طاوس عن ابن الزبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من شهر سيفه ثم وضعه فدمه هدر " قال اسحاق: ارناه عبد الرزاق بهذا الاسناد مثله ولم يرفعه يريد أنه جعله من كلام ابن الزبير قال ابن شعيب: وأنا أبو داود نا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن الزبير قال: من رفع السلاح
ثم وضعه فدمه هدر * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية اخبرني أحمد بن شعيب أنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرني ابن وهب أنا مالك.
وأسامة بن زيد.
ويونس ابن يزيد أن نافعا أخبرهم عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حمل علينا السلاح فليس منا " * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا كله حق وآثار صحاح لا يضرها إيقاف من أوقفها الا أنه لا حجة فيها لمن لم ير المحارب الا من حارب بسلاح لان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما ذكر في هذين الاثرين من وضع سيفه وشهر سلاحه فقط وسكت عما عدا ذلك فيهما ولم يقل عليه السلام أن لا محارب الا من هذه صفته فوجب من هذين الاثرين حكم من حمل السلاح وبقي حكم من لم يحمل السلاح أن يطلب في غيرهما ففعلنا فوجدنا ما ناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد ابن علي نا مسلم بن الحجاج نا زهير بن حرب ثنا عبد الرحمن بن مهدي نا مهدي ثنا ابن ميمون عن غيلان بن جرير عن زياد بن رياح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(11/307)
صلى الله عليه وسلم في حديثه: " ومن خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس مني " فقد عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تسمع الضرب ولم يقل بسلاح ولا غيره فصح أن كل حرابة بسلاح أو بلا سلاح فسواء قال: فوجب بما ذكرنا أن المحارب هو المكابر المخيف لاهل الطريق المفسد في سبيل الارض سواء بسلاح.
أو بلا سلاح أصلا سواء ليلا.
أو نهارا في مصر.
أو في فلاة.
أو في قصر الخليفة.
أو الجامع، سواء قدموا على أنفسهم إماما.
أو لم يقدموا سوى الخليفة نفسه فعل ذلك بجنده أو غيره منقطعين في الصحراء.
أو أهل قرية سكانا في دورهم أو أهل حصن كذلك.
أو أهل مدينة عظيمة.
أو غير عظيمة كذلك واحدا كان أو أكثر كل من حارب المار وأخاف السبيل بقتل نفس.
أو أخذ
مال.
أو لجراحة.
أو لانتهاك فرج فهو محارب عليه وعليهم - كثروا أو قلوا - حكم المحاربين المنصوص في الآية لان الله تعالى لم يخص شيئا من هذه الوجوه إذ عهد الينا بحكم المحاربين (وما كان ربك نسيا) ونحن نشهد بشهادة الله تعالى أن الله سبحانه لو أراد أن يخص بعض هذه الوجوه لما أغفل شيئا من ذلك.
ولا نسيه ولا أعنتنا بتعمد ترك ذكره حتى يبينه لنا غيره بالتكهن والظن الكاذب * 2253 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: قال قوم يجب أن يعطى المحاربون الشئ الذي لا يجحف بالمقطوع عليهم ورأوا ذلك في جميع الاموال لغير المحاربين * قال أبو محمد رحمه الله: والذي نقول: وبالله تعالى نتأيد أنه لا يجوز أن يعطوا على هذا الوجه شيئا قل أم كثر سواء محاربا كان أو شيطانا لقول الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان)، ولقوله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) * 2254 مسألة قال أبو محمد رحمه الله فلا يخلو أخذ المال بالوجه المذكور من الظلم والغلبة بغير حق من احد وجهين لا ثالث لهما.
إما أن يكون برا وتقوى.
أو يكون إثما وعدوانا ولا خلاف بين أحد من الامة في أنه ليس برا ولا تقوى ولكنه إثم وعدوان بلا خلاف والتعاون على الاثم والعدوان حرام لا يحل * حدثنا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا أبو كريب محمد بن العلاء نا خالد - يعني ابن مخلد - نا محمد بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت ان جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال:(11/308)
فلا تعطه مالك قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار "، وبه إلى مسلم نا الحسن بن
علي الحلواني.
ومحمد بن نافع قالا جميعا: نا عبد الرزاق أرنا ابن جريج أنا سليمان الاحوال أن ثابتا - مولى عمر بن عبد الرحمن - أخبره أنه لما كان بين عبد الله بن عمرو ابن العاصي وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان تيسروا للقتال ركب خالد بن العاصي إلى عبد الله بن عمرو بن العاصي فوعظه خالد فقال عبد الله بن عمرو: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قتل دون ماله فهو شهيد " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب أنا عمرو بن علي نا عبد الرحمن ابن مهدي نا ابراهيم بن سعد عن أبيه - هو سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قاتل دون ماله فقتل فهو شهيد ومن قاتل دون دمه فهو شهيد ومن قاتل دون أهله فهو شهيد " * وبه إلى أحمد بن شعيب أنا محمد بن رافع.
ومحمد بن اسماعيل بن ابراهيم قال: نا سليمان - هو ابن داود الهاشمي - نا ابراهيم - هو ابن سعد ابن ابراهيم - عن أبيه عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد "، وبه إلى أحمد بن شعيب أنا القاسم بن زكريا بن دينار نا سعيد بن عمرو الاشعثي نا عمرو - هو ابن القاسم - عن مطرف - هو ابن أبي طريف - عن سوادة - هو ابن أبي الجعد - عن أبي جعفر قال: كنت جالسا عند سويد بن مقرن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل دون مظلمته فهو شهيد " نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا ابراهيم بن أحمد البلخي نا الفربري نا البخاري نا محمد بن عبد الله بن المثنى الانصاري نا أبي نا ثمامة بن عبد الله بن أنس " أن أنسا حدثه أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم على المسلمين والتي أمر الله عزوجل بها رسوله صلى الله عليه وسلم فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعط "
وذكر الحديث * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر من سئل ماله بغير حق أن لا يعطيه وأمر أن يقاتل دونه فيقتل مصيبا سديدا أو يقتل بريئا شهيدا ولم يخص عليه السلام مالا من مال، وهذا أبو بكر الصديق.
وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما(11/309)
يريان السلطان في ذلك وغير السلطان سواء وبالله تعالى التوفيق * - ذكر ما قيل في آية المحاربة - 2255 مسألة قال علي: قال قوم: آية المحاربة ناسخة لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين ونهى له عن فعله بهم واحتجوا في ذلك بما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار عن الوليد عن الاوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أنس بن مالك " أن نفرا من عكل قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتوا ابل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فقتلوا راعيها واستاقوها فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ولم يحسمهم وتركهم حتى ماتوا فأنزل الله تعالى: (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) الآية * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب أنا أحمد بن عمرو بن السرح أنا ابن وهب أخبرني الليث بن سعد عن ابن عجلان عن أبي الزناذ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله تعالى في ذلك فأنزل الله تعالى (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) الآية * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى نا عبد الصمد - هو ابن عبد الوارث بن سعيد التنوري - نا هشام - هو الدستوائي - عن قتادة عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة *
قال أبو محمد رحمه الله: كل هذا لا حجة لهم فيه ولا يجوز أن يقال في شئ من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله أنه منسوخ إلا بيقين مقطوع على صحته، وأما بالظن الذي هو أكذب الحديث فلا فنقول: وبالله تعالى التوفيق: أما الحديث الذي صدرنا به من طريق أبي قلابة عن أنس فليس فيه دليل على نسخ أصلا لا بنص ولا بمعنى وانما فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع أيدي العرنيين وأرجلهم ولم يحسمهم وسمل أعينهم وتركهم حتى ماتوا فأنزل الله تعالى آية المحاربة وهذا ظاهر أن نزول آية المحاربة ابتداء حكم كسائر القرآن في نزوله شيئا بعد شئ أو تصويبا لفعله عليه السلام بهم لان الآية موافقة لفعله عليه السلام في قطع أيديهم وأرجلهم وزائدة على ذلك تخييرا في القتل أو الصلب.
أو النفي وكان ما زاده رسول الله صلى الله عليه وسلم على القطع من السمل وتركهم لم يحسمهم حتى ماتوا قصاصا بما فعلوا بالرعاء كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية(11/310)
نا أحمد بن شعيب أنا الفضل بن سهل الاعرج - مرزوقي ثقة - نا يحيى بن غيلان - ثقة مأمون - نا يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك قال: إنما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعين أولئك العرنيين لانهم سملوا أعين الرعاء وقد ذكر في الحديث الذي أوردنا أنهم قتلوا الرعاء فصح ما قلناه من أن أولئك العرنيين اجتمعت عليهم حقوق.
منها المحاربة.
ومنها سملهم أعين الرعاء.
وقتلهم إياهم، ومنها الردة فوجب عليهم إقامة كل ذلك إذ ليس شئ من هذه الحدود أوجب بالاقامة عليهم من سائرها ومن أسقط بعضها لبعض فقد أخطأ.
وحكم بالباطل.
وقال بلا برهان.
وخالف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وترك أمر الله تعالى بالقصاص في العدوان بما أمره به في المحاربة فقطعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحاربة.
وسملهم للقصاص.
وتركهم كذلك حتى ماتوا يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا لانهم كذلك قتلواهم الرعاء فارتفع الاشكال والحمد لله كثيرا * وأما حديث أبي الزناد فمرسل ولا حجة في مرسل ولفظه منكر جدا لان فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاتبه
ربه في آية المحاربة وما يسمع فيها عتاب أصلا لان لفظ العتاب انما هو مثل قوله تعالى: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) ومثل قوله تعالى: (عبس وتولى أن جاءه الاعمى) الآيات، ومثل قوله تعالى: (لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم)، وأما آية المحاربة فليس فيها أثر للمعاتبة، وأما حديث قتادة عن أنس في الحث على الصدقة والنهي عن المثلة فحق وليس هذا مما نحن فيه في ورد ولا صدر وانما يحتج بمثل هذا من يستسهل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مثل بالعرنيين وحاش لله من هذا بل هذا نصر لمذهبهم في ان من قتل بشئ ما لم يجز أن يقتل بمثله لانه مثلة وهم يرون على من جدع أنف إنسان وفقأ عيني آخر.
وقطع شفتي ثالث.
وقلع أضراس رابع.
وقطع أذني خامس أن يفعل ذلك به كله ويترك فهل في المثلة أعظم من هذا لو عقلوا عن أصولهم الفاسدة؟ وحاش لله أن يكون شئ أمر الله تعالى به أو فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلة إنما المثلة ماكان ابتداء فيما لا نص فيه، وأما ما كان قصاصا أو حدا كالرجم للمحصن، وكالقطع أو الصلب للمحارب فليس مثلة وبالله تعالى التوفيق * وقد روينا من طريق مسلم ما ناه عبد الله بن يوسف نا احمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا احمد بن محمد نا احمد بن علي نا مسلم ابن الحجاج نا يحيى بن يحيى التميمي أرنا هشيم عن عبد العزيز بن صهيب.
وحميد كلاهما عن أنس بن مالك: " أن ناسا من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا فصحوا ثم مالوا على الرعاء فقتلوهم وارتدوا عن الاسلام وساقوا ذود رسول الله(11/311)
صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا علي بن حجر نا اسماعيل بن علية نا حميد عن أنس قال: " قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ناس من عرينة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو خرجتم إلى ذودنا فكنتم فيها فشربتم من ألبانها
وأبوالها ففعلوا فلما صحوا قاموا إلى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلوه ورجعوا كفارا واستاقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في طلبهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم " * قال ابو محمد رحمه الله: فهذه كلها آثار في غاية الصحة وبالله تعالى التوفيق * - المحارب يقتل - 2256 مسألة هل لولي المقتول في ذلك حكم أم لا؟ * قال أبو محمد رحمه الله: نا حمام نا ابن مفرج نا الحسن بن سعد نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: إن في كتاب لعمر بن الخطاب والسلطان ولي من حارب الدين وان قتل أباه.
أو أخاه فليس إلى طالب الدم من أمر من حارب الدين وسعى في الارض فسادا شئ، وقال ابن جريج: وقال لي سليمان بن موسى مثل هذا سواء سواء حرفا حرفا، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: عقوبة المحارب إلى السلطان لا تجوز عقوبة ولي الدم ذلك إلى الامام قال وهو قول أبي حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وأحمد.
وأبي سليمان.
وأصحابهم * قال أبو محمد رحمه الله: وبهذا نقول لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الخبرين اللذين رويناهما من طريق ابن عباس ذكرناهما في كتاب الحج.
وكتاب الصيام.
وباب وجوب قضاء الحج الواجب.
وقضاء الصيام الواجب عن الميت: " اقضوا الله فهو أحق بالوفاء دين الله أحق أن يقضى " وبقوله عليه السلام في حديث بريدة: " كتاب الله أحق وشرط الله أوثق " * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اجتمع حقان أحدهما لله، والثاني لولي المقتول كان حق الله تعالى أحق بالقضاء، ودينه أولى بالاداء، وشرطه المقدم في الوفاء على حقوق الناس فان قتله الامام أو صلبه للمحاربة كان للولي اخذ الدية في مال المقتول لان حقه في القود قد سقط فبقي حقه في الدية أو العفو عنها على ما بينا في كتاب القصاص(11/312)
ولله الحمد، فان اختار الامام قطع يد المحارب ورجله أو نفيه أنفذ ذلك وكان حينئذ للولي الخيار في قتله.
أو الدية.
أو المفاداة.
أو العفو لان الامام قد استوفى ما جعل الله تعالى له الخيار فيه وليس ههنا شئ يسقط حق الولي إذ ممكن له ان يستوفي حقه بعد استيفاء حق الله تعالى، ولقد تناقض ههنا الحنيفيون.
والمالكيون أسمج تناقض لانهم لا يختلفون في الحج.
والصيام.
والزكاة.
والكفارات.
والنذور بأن حقوق الناس أولى من حقوق الله تعالى.
وأن ديون الغرماء أوجب في القضاء من ديون الله تعالى.
وأن شروط الناس مقدمة في الوفاء على شروط الله تعالى وقد تركوا ههنا هذه الاقوال الفاسدة، وقدموا حقوق الله تعالى على حقوق الناس وبالله تعالى التوفيق * 2257 مسألة - (مانع الزكاة) قال أبو محمد رحمه الله: نا أحمد بن محمد ابن الجسور نا أحمد بن الفضل الدينوري نا ابو جعفر - محمد بن جرير الطبري - نا الحرث أنا محمد بن سعد نا محمد بن عمر الواقدي نى عبد الرحمن بن عبد العزيز عن حكيم بن حكيم ابن عباد بن حنيف عن فاطمة بنت خشاف السلمية عن عبد الرحمن بن الربيع الطفري وكانت له صحبة قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل من أشجع تؤخذ صدقته فجاءه الرسول فرده فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب إليه فان لم يعط صدقته فاضرب عنقه " قال عبد الرحمن: فقلت لحكيم ما أرى أبا بكر قاتل أهل الردة الا على هذا الحديث؟ فقال: أجل * قال أبو محمد رحمه الله: هذا حديث موضوع مملوء آفات من مجهولين.
ومتهمين وحكم مانع الزكاة انما هو أن تؤخذ منه أحب أم كره فان مانع دونها فهو محارب فان كذب بها فهو مرتد فان غيبها ولم يمانع دونها فهو آت منكرا فواجب تأديبه أو ضربه حتى يحضرها أو يموت قتيل الله تعالى إلى لعنة الله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع " وهذا منكر ففرض على
من استطاع أن يغيره كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * 2258 مسألة - هل يبادر اللص أم يناشد؟ - قال أبو محمد رحمه الله: نا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل الدينوري نا محمد بن جرير الطبري نا محمد ابن بشار.
ومحمد بن المثنى قالا جميعا: نا أبو عامر العقدي نا عبد العزيز بن المطلب عن أخيه الحكم بن المطلب عن أبيه - هو المطلب بن حنطب - بن فهيذ بن مطرف الغفاري " أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله سائل إن عدا على عاد فأمره أن ينهاه ثلاث مرات قال: فان أبى على؟ فأمره بقتاله وقال عليه السلام: إن قتلك فأنت في الجنة وإن قتلته فهو في النار "(11/313)
حدثنا يوسف بن عبد البر النمري نا عبد الله بن محمد بن يوسف بن أحمد الضبي نا العقيلي نا جدي نا يعلى بن أسد العمي نا محمد بن كثير السلمي - هو القصاب - عن يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدار حرم فمن دخل عليك حرمك فاقتله " * قال أبو محمد رحمه الله: الحديث الاول ليس بالقوي ففيه الحكم بن المطلب ولا يعرف حاله، والخبر الثاني فيه محمد بن كثير القصاب - وهو ذاهب الحديث وليس بشئ * قال أبو محمد رحمه الله: والمعتمد عليه في الاخبار التي صدرنا بها في كتابنا في المحاربين من إباحة القتل دون المال وسائر المظالم لكن إن كان على القوم المقطوع عليهم أو الواحد المقطوع عليه أو المدخول عليه منزله في المصر ليلا أو نهارا في أخذ ماله أو في طلب زنا أو غير ذلك مهلة فالملشدة فعل حسن لقول الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) فان لم يكن في الامر مهلة ففرض على المظلوم أن يبادر إلى كل ما يمكنه به الدفاع عن نفسه وان كان في ذلك اتلاف نفس اللص والقاطع من أول وهلة فان كان على يقين من أنه ان ضربه ولم يقتله ارتدع فحرام عليه قتله فان لم يكن على يقين من هذا فقد صح اليقين بان مباحا له الدفع والمقاتلة فلا شئ عليه ان قتله من أول ضربة أو بعدها قصدا إلى مقتله أو إلى غير مقتله
لان الله تعالى قد أباح له المقاتلة والمدافعة قاتلا ومقتولا وبالله تعالى التوفيق، فأما لو كان اللص من الضعف بحيث لا يدافع أصلا أو يدافع دفاعا يوقن معه أنه لا يقدر على قتل صاحب الدار فقتله صاحب المنزل فعليه القود لانه قادر على منعه بغير القتل فهو متعد * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا موسى بن اسماعيل نا سفيان الثوري عن مسلم الضبي قال: قال ابراهيم النخعي: إن خشيت أن يبتدرك اللص فابدره * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا نظير قولنا والحمد لله رب العالمين * قال أبو محمد رحمه الله: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر قال: قلت للزهري أن هشام بن عروة أخبرني أن عمر بن عبد العزيز - إذ هو عامل على المدينة في زمان الوليد بن عبد الملك - قطع يد رجل ضرب آخر بالسيف فضحك الزهري وقال لي أو هذا مما يؤخذ به؟ انما كتب الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز أن يقطع يد رجل ضرب آخر بالسيف قال الزهري: فدعاني عمر بن عبد العزيز واستفتاني في قطعه فقلت له أرى أن يصدقه الحديث ويكتب إليه أن صفوان بن المعطل ضرب حسان ابن ثابت بالسيف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقطع النبي عليه السلام يده وضرب فلان فلانا بالسيف زمن مروان فلم يقطع مروان يده وكتب إليه عمر بذلك فمكث(11/314)
حينا لا يأتيه رجع كتابه ثم كتب إليه الوليد أن حسانا كان يهجو صفوان ويذكر أمه ونساء أخر قد قاله الزهري: وذكرت أن مروان لم يقطع يده ولكن عبد الملك قطع يده فاقطع يده.
قال الزهري فقطع عمر يده وكان من ذنوبه التي كان يستغفر الله تعالى منها * قال أبو محمد رحمه الله: إن كان رفع السيف على سبيل اخافة الطريق فهو محارب عليه حكم المحارب، وان كان لعدوان فقط لا قطع طريق فعليه القصاص فقط إلى المجروح فان لم يكن هنالك جرح فلا شئ الا التعزير فقط وبالله تعالى
التوفيق * 2259 مسألة - قطع الطريق من المسلم على المسلم وعلى الذمي سواء، وذلك لان الله تعالى انما نص على حكم من حاربه وحارب رسوله صلى الله عليه وسلم أو سعى في الارض فسادا ولم يخص بذلك مسلم من ذمي (وما كان ربك نسيا) وليس هذا قتلا للمسلم بالذمي ومعاذ الله من هذا لكنه قتل له بالحرابة ويمضي دم الذمي هدرا، وكذلك القطع على امرأة.
أو صبي.
أو مجنون كل ذلك محاربة صحيحة يستحق بها ما ذكرنا من حكم المحاربة، وأما الذمي ان حارب فليس محاربا لكنه ناقض للذمة لانه قد فارق الصغار فلا يجوز الا قتله ولابد أو يسلم فلا يجب عليه شئ أصلا في كل ما أصاب من دم.
أو فرج.
أو مال إلا ما وجد في يده فقط لانه حربي لا محارب وبالله تعالى التوفيق، وأما المسلم يرتد فيحارب فعليه أحكام المحارب كلها على ما ذكرنا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين الذين اقتص منهم قودا.
وأقام عليهم حكم المحاربة وكانوا مرتدين محاربين متعدين وبالله تعالى التوفيق * 2260 مسألة - (صفة الصلب للمحارب) قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في صفة الصلب الذي أمر الله تعالى به في المحارب فقال أبو حنيفة: والشافعي: يضرب عنقه بالسيف ثم يصلب مقتولا - زاد الشافعي - ويترك ثلاثة أيام ثم ينزل فيدفن، وقال الليث بن سعد.
والاوزاعي.
وأبو يوسف: يصلب حيا ثم يطعن بالحربة حتى يموت.
وقال بعض أصحابنا الظاهرين: يصلب حيا ويترك حتى يموت وييبس كله ويجف فإذا يبس وجف أنزل فغسل وكفن وصلي عليه ودفن * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها لنعلم الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى ومنه فنظرنا في ذلك فوجدنا(11/315)
من قال يقتل ثم يصلب مقتولا يحتجون بما ذكرناه قبل في كتاب الدماء من ديواننا كيف يكون القود من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة " ومن قوله عليه السلام: " أعف الناس قتلة أهل الايمان "، ومن نهيه عليه السلام أن يتخذ شيئا فيه الروح غرضا ولعنه عليه السلام من فعل ذلك، وقد ذكرنا هذه الاحاديث هنالك بأسانيدها فأغنى عن اعادتها، وقالوا طعنه على الخشبة ليس قتلة حسنة ولا عفيفة، وهو اتخاذ الروح غرضا فهذا لا يحل ونظرنا فيما احتج به من رأى قتله مصلوبا فوجدناهم يقولون.
ان الله تعالى انما أمرنا بالقتل عقوبة وخزيا للمحارب في الدنيا فإذ ذلك كذلك فالعقوبة والخزي لا يقعان على ميت وانما خزي الميت في الآخرة لا في الدنيا فلما كان ذلك كذلك بطل أن يصلب بعد قتله ردعا لغيره فعارضهم الاولون بأن قالوا: يصلب بعد قتله ردعا لغيره فعارضهم هؤلاء بأن قالوا ليس ردعا وانما هو عقوبة للفاعل وخزي بنص القرآن وفي صلبه ثم قتله أعظم الردع أيضا * قال أبو محمد رحمه الله: هذا كل ما احتجب به الطائفتان معا والتي احتجت به كلتا الطائفتين حق الا أنه أنتجوا منه ما لا توجبه القضايا الصحاح التي ذكروا فمالوا عن شوارع الحق إلى زوائغ التلبيس والخطأ * قال أبو محمد رحمه الله: وذلك على ما نبين ان شاء الله تعالى فنقول: ان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد: " ان أعف الناس قتلة أهل الايمان "، " وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة "، " ولعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا " والنهي عن ذلك فهو كله حق كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهو كله مانع من أن يقتل بعد الصلب برمح أو برمي سهام.
أو بغير ذلك كما ذكرنا وانما في هذه الاحاديث وجوب الفرض في احسان قتله ان اختار الامام قتله فقط وليس في شئ من هذه الاخبار وجوب صلبه بعد القتل ولا اباحة صلبه بعد القتل البتة لا بنص ولا باشارة، فاما احسان
القتل فحق، وأما صلبه بعد القتل فدعوى فاسدة ليس في شئ من الآثار التي ذكروا ولا غيرها فبطل بيقين لا شك فيه احتجاجهم بهذه الاخبار في النكتة التي عليها تكلموا وهي الصلب بعد القتل أو قبله وسقط قولهم إذ تعرى من البرهان * قال أبو محمد رحمه الله: ثم نظرنا فيما احتجت به الطائفة الثانية الموجبة قتله بعد الصلب فوجدناهم يقولون ان الصلب عقوبة وخزي في الدنيا كما قال الله تعالى وأن الميت لا يخزي في الدنيا بعد موته ولا يعاقب بعد موته قولا صحيحا لا شك فيه، ووجدناهم(11/316)
يقولون إن الردع يكون بصلبه حيا قولا أيضا خارجا عن أصولهم إلا أنه ليس في شئ من ذلك كله إيجاب قتله بعد الصلب كما قالوا ولا إباحة ذلك أيضا وانما في كل ما قالوه إيجاب الصلب فقط فأقحموا فيه القتل بعد الصلب جريا على عادتهم في التلبيس والزيادة بالدعاوي الكاذبة على النصوص ما ليس فيها فبطل قولهم أيضا لما ذكرنا * قال أبو محمد رحمه الله: فلما بطل القولان مما وجب الرد إلى القرآن والسنة كما افترض الله تعالى علينا بقوله عزوجل: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) ففعلنا فوجدنا الله تعالى قد قال: (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) الآية كلها فصح يقينا أن الله تعالى لم يوجب قط عليهم حكمين من هذه الاحكام ولا اباح أن يجمع عليهم خزيان من هذه الاخزاء في الدنيا وانما أوجب على المحارب أحدها لا كلها.
ولا اثنين منها.
ولا ثلاثة فصح بهذا يقينا لا شك فيه أنه ان قتل فقد حرم صلبه وقطعه ونفيه وانه إن قطع فقد حرم قتله وصلبه ونفيه وانه ان نفي فقد حرم قتله وصلبه وقطعه، وانه ان صلب فقد حرم قتله وقطعه ونفيه لا يجوز البتة غير هذا فحرم بنص القرآن صلبه ان قتل وحرم أيضا بنص القرآن قتله ان صلب، وحرم هذا الوجه أيضا بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرنا " من أن أعف الناس قتلة أهل الايمان " " وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة " و " لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا " والنهي عن ذلك فلما حرم قتله مصلوبا بيقين لما ذكرنا من وجوب اللعنة
على من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا وحرم صلبه بعد القتل لما ذكرنا أنه لا يجوز عليه جمع الامرين معا وجب ضرورة أن الصلب الذي أمر الله تعالى به في المحارب انما هو صلب لا قتل معه ولو لم يكن هكذا لبطل الذي أمر الله تعالى به ولكان كلاما عاريا من الفائدة أصلا وحاش لله تعالى من أن يكون كلامه تعالى هكذا ولكان أيضا تكليفا لما لا يطاق وهذا باطل فصح يقينا أن الواجب أن يخير الامام صلبه ان صلبه حيا ثم يدعه حتى ييبس ويجف كله لان الصلب في كلام العرب يقع على معنيين أحدهما من الايدي والربط على الخشبة قال الله تعالى حاكيا عن فرعون (ولاصلبنكم في جذوع النخل) والوجه الآخر التيبيس قال الشاعر: يصف فلاة مضلة * بها جيف الحسرى فأما عظامها * فبيض وأما جلدها فصليب يريد أن جلدها يابس، وقال الآخر: جذيمة ناهض في رأس نيق * ترى لعظام ما جمعت صليبا يريد ودكا سائلا * قال أبو محمد رحمه الله: فوجب جمع الامرين معا حتى إذا أنفذنا أمر الله تعالى فيه وجب به ما افترضه الله تعالى للمسلم على المسلم من الغسل.
والتكفين.(11/317)
والصلاة.
والدفن على ما قد ذكرنا قبل هذا (فان قال قائل) أليس الرجم اتخاذ ما فيه الروح غرضا وكذلك قولكم في القود بمثل ما قتل؟ (فجوابنا) وبالله تعالى التوفيق نعم وهما مأمور بهما قد حكم عليه السلام بكليهما فوجب أن يكونا مستثنيين مما نهى عنه من اتخاذ الروح غرضا، فأما الرجم فبالنص والاجماع، وأما القود فبالنص الجلي في رضخ رأس اليهودي وفي العرنيين كما قلتم أنتم ونحن في أن القصاص من قطع الايدي.
والارجل.
وسمل الاعين.
وجدع الانف والاذان.
وقطع الشفاه والالسنة.
وقلع الاضراس حق واجب انفاذه مستثنيين من المثلة المحرمة ولا فرق * (فان قال قائل): فانكم قد سمعتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعف الناس
قتلة اهل الايمان " و " إذا قتلتم فأحسنوا القتلة " وأنتم تقتلونه أوحش قتلة وأقبحها جوعا وعطشا وحرا وبردا (فنقول): وما قتلناه أصلا بل صلبناه كما أمر الله تعالى وما مات الا حتف أنفه وما يسمى هذا في اللغة مقتولا (فان قالوا): فانكم تقولون فيمن سجن انسانا ومنعه الاكل والشرب حتى مات أنه يسجن ويمنع الاكل والشرب حتى يموت فهذا قتل بقتل (فنقول): ان هذا ليس قتلا ولا قود بقتل بل هو ظلم وقود من الظلم فقط، وبرهان ذلك أن رجلا لو اتفق له أن يقفل بابا بغير عدوان فإذا في داخل الدار انسان لم يشعر به فمات هنالك جوعا وعطشا أنه لا كفارة على قافل الباب أصلا ولا دية على عاقلته لانه ليس قاتلا (فان قيل): انكم تمنعونه الصلاة والطهارة (قلنا): نعم لان الله تعالى إذ أمر بصلبه قد علم أنه ستمر عليه أوقات الصلوات فلم يأمرنا بازالة التصليب عنه من أجل ذلك (وما كان ربك نسيا) فلا يسع مسلما ولا يحل له أن يعترض على أمر الله تعالى (لا معقب لحكمه) (ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون) * (صفة القتل في المحارب) 2261 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: لا خلاف على أن القتل الواجب في المحارب انما هو ضرب العنق بالسيف فقط، وأما قطعه فان الله تعالى قال: (أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) فصح بهذا أنه لا يجوز قطع يديه ورجله معا لانه لو كان ذلك لم يكن القطع من خلاف وهذا أيضا اجماع لا شك فيه فقال قوم: يقطع يمين يديه ويسرى رجليه ثم يحسم بالنار ولا بد * قال أبو محمد: أما الحسم فواجب لانه ان لم يحسم مات وهذا قتل لم يأمر الله تعالى(11/318)
به وقد قلنا: انه لا يحل أن يجمع عليه الامران معا لان الله تعالى انما أمر بذلك بلفظ (أو) وهو يقتضي التخيير ولا بد، ولو أراد الله تعالى جميع ذلك لقال: أن
يقتلوا ويصلبوا وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وهكذا قوله تعالى: (فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة) وقوله تعالى: (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) (فان قال قائل): فان العرب قد قالت: جالس الحسن.
أو ابن سيرين.
وكل خبزا.
أو تمرا، وقال تعالى: (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) (قلنا): اما قول الله تعالى: (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) فهو على ظاهره، وهو عليه السلام منهي أن يطيع الآثم وإن لم يكن كفورا وكل كفور آثم وليس كل آثم كفورا فصح ان ذكره تعالى للكفور تأكيد أبدا والا فالكفور داخل في الآثم.
وأما قول العرب: جالس الحسن.
أو ابن سيرين.
وكل خبزا.
أو تمرا فنحن لا نمنع خروج اللفظ عن موضوعه في اللغة بدليل وانما نمنع من إخراجه بالظنون والدعوى الكاذبة وانما صرنا إلى ان قول القائل: جالس الحسن.
أو ابن سيرين إباحة لمجالستهما معا ولكل واحد منهما بانفراده وكذلك قولهم كل خبزا.
أو تمرا أيضا ولا فرق بدليل أوجب ذلك من حال المخاطب ولو لا ذلك الدليل لما جاز إخراج (أو) عن موضوعها في اللغة أصلا وموضوعها إنما هو التخيير أو الشك والله تعالى لا يشك فلم يبق الا التخيير فقط * قال أبو محمد: ولو قطع القاطع يسرى يديه ويمنى رجليه لم يمنع من ذلك عمدا فعله أو غير عامد لان الله تعالى لم ينص على قطع يمنى يديه دون يسرى وانما ذكر تعالى الايدي والارجل فقط (وما كان ربك نسيا) ومن ادعى ههنا إجماعا فقد كذب على جميع الامة ولا يقدر على أن يوجد ذلك عن أحد من الصحابة أصلا وما نعلمه عن احد من التابعين وبالله تعالى التوفيق * - كتاب السرقة - 2262 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) فوجب القطع في السرقة بنص القرآن.
ونص السنة واجماع الامة، ثم اختلف الناس في مواضع من حكم السرقة نذكرها إن شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة الا بالله * 2263 مسألة - ذكر ما السرقة وحكم الحرز أيراعى أم لا؟ *(11/319)
قال أبو محمد رحمه الله: قالت طائفة: لا قطع الا فيما أخرج من حرزه، وأما ان أخذه من غير حرزه ومضى به فلا قطع عليه.
وكذلك لو أخذ وقد أخذه من حرز فادرك قبل أن يخرجه من الحرز ويمضي به فلا قطع عليه كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا ابن جريج عن سليمان بن موسى.
وعمرو بن شعيب قال سليمان: أن عثمان، وقال عمرو بن شعيب: أن ابن عمر ثم اتفقا لا قطع على سارق حتى يخرج المتاع * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن سليمان بن موسى أن عثمان قضى أنه لا قطع على سارق وان كان قد جمع المتاع فأراد أن يسرق حتى يحمله ويخرج به، وبه إلى ابن جريج عن عمرو بن شعيب أن سارقا نقب خزانة المطلب بن وداعة فوجد فيها قد جمع المتاع ولم يخرج به فأتى به إلى ابن الزبير فجلده وأمر به أن يقطع فمر بابن عمر فسأل فأخبر فأتى ابن الزبير فقال: امرت به ان يقطع؟ فقال: نعم قال فما شان الجلد؟ قال: غضبت فقال ابن عمر: ليس عليه قطع حتى يخرج به من البيت أرأيت لو رأيت رجلا بين رجلي امرأة لم يصبها أكنت حاده؟ قال: لا قال: لعله قد كان نازعا تائبا وتاركا للمتاع * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن احمد بن مفرج نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن علي بن سليمان عن مكحول عن عثمان بن عفان قال: لا تقطع يد السارق وان وجد معه المتاع ما لم يخرج به عن الدار * وبه إلى ابن وهب سمعت الشمر بن نمير يحدث عن الحسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن ابي طالب قال في الرجل يوجد في البيت - وقد نقبه -
معه المتاع أنه لا يقطع حتى يحمل المتاع فيخرج به عن الدار * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا زكريا عن الشعبي قال: ليس على السارق قطع حتى يخرج المتاع، وعن عطاء سأله ابن جريج السارق يوجد في البيت قد جمع المتاع ولم يخرج به قال: لا قطع عليه حتى يخرج به، وعن ربيعة أنه قال.
من أخذ في دار قوم معه سرقة قد خرج عن مفاتيح البيت الذي أخذ السرقة منه فعليه القطع ومن لم يوجد معه شئ فلا قطع عليه وان كان يريد السرقة، وعن عدي بن أرطاة أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز في رجل نقب بيت قوم حتى دخل البيت فجمع متاعهم فأخذوه في البيت قد جمع المتاع فكتب إليه عمر ابن عبد العزيز أنه لم ينقب البيت ويجمع المتاع لخير فعاقبه عقوبة شديدة ثم احبسه ولا تدع أن تذكرنيه، وعن ابن شهاب أنه قال انما السرقة فيما أحصن فما كان محصنا(11/320)
في دار.
أو حرز.
أو حائط.
أو مربوط.
فاحتل رباطه فذهب به فتلك من السرقة التي يقطع فيها قال: فمن سرق طيرا من حرز له معلق فعليه ما على السارق * قال أبو محمد رحمه الله: وبهذا يقول سفيان الثوري.
وأبو حنيفة.
ومالك والشافعي.
وأحمد بن حنبل.
وأصحابهم.
واسحق بن راهويه: وقالت طائفة: عليه القطع سواء من احرز سرق أو من غير حرز كما نا أحمد بن أنس العذري نا عبد الله ابن الحسين بن عقال - هو الزبيري - نا ابراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن أحمد بن الجهم نا موسى بن اسحاق نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو خالد عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال: بلغ عائشة أم المؤمنين أنهم يقولون: إذا لم يخرج السارق المتاع لم يقطع فقالت عائشة: لو لم أجد الا سكينا لقطعته، وبه إلى ابن الجهم نا محمد بن رمح نا يزيد بن هرون أنا سليم بن حيان نا سعيد ابن مسلم قال: كان عبد الله بن الزبير يلي صدقة الزبير فكانت في بيت لا يدخله أحد
غيره وغير جارية له ففقد شيئا من المال فقال للجارية: ما كان يدخل هذا المكان غيري وغيرك فمن أخذ هذا المال؟ فأقرت الجارية فقال لي.
يا سعيد انطلق بها فاقطع يدها فان المال لو كان لم يكن عليها قطع * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم نا أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن المغيرة ابن مقسم قال: ذكر عند ابراهيم النخعي قول الشعبي في السارق لا يقطع حتى يخرج بالمتاع فأنكره ابراهيم * حدثنا حمام بن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني أبو بكر قال: نا خالد بن سعيد بن المسيب.
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنهما سئلا عن السارق يسرق فيطرح السرقة ويوجد في البيت الذي سرق منه لم يخرج فقالا جميعا: عليه القطع، وقد روي هذا أيضا عن الحسن البصري رواه روح بن عبادة عن أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن قال: إذا جمع السارق المتاع ولم يخرج به قطع * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا عبد العزيز بن أبي سعيد المزني أن عمرو بن أبي سيارة المزني كان قائما يصلي من الليل فسمع خشفة في البيت فظن انها الشاة ثم استيقن أن في البيت لصوصا فأخذ السيف فقام على باب البيت فإذا كارة وسط البيت فخرج عليه مثل الجمل المحجرم فضرب بالثياب وجهه وحذفه عمرو بالسيف(11/321)
حذفة ونادى مواليه وعبيده على الرجل فقد أثقلته وأقام بمكانه يرى أن في البيت آخرين فأدركوه وهو تحت ساباط لبني ليث يشتد فأخذوه فجاءوا به إلى عبيدالله بن أبي بكرة فقال: اني رجل قصاب واني أدلجت من أهلى أريد الجسر لاجيز غنما لي وأن عمرا ضربني بالسيف فبعث عبيد الله إلى عمرو فسأله فقال: بل دخل على بيتي وجمع
المتاع فشهد عليه فقطع عبيد الله بن أبي بكرة يده * قال أبو محمد رحمه الله: وبه يقول أبو سليمان.
وجميع أصحابنا: ومن هذا أيضا المختلس فان الناس اختلفوا فيه فقالت طائفة: لا قطع عليه كما حدثنا محمد بن سعيد ابن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد ابن المثني نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن دثار بن يزيد عن عبيد بن الابرص أن علي بن أبي طالب أتي برجل اختلس من رجل ثوبا فقال: انما كنت ألعب معه قال: تعرفه؟ قال نعم فلم يقطعه * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى ابن معاوية نا وكيع نا مالك بن أنس عن الزهري أن رجلا اختلس طوقا فسئل عنها مروان زيد بن ثابت فقال: ليس عليه قطع * وعن معمر عن الزهري قال: اختلس رجل متاعا فأراد مروان أن يقطع يده فقال له زيد بن ثابت: تلك الخلسة الظاهرة لا قطع فيها لكن نكال وعقوبة * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن اسماعيل بن مسلم عن الحسن عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن الخلسة فقال: تلك الدعوة المقلة لا قطع فيها * وعن الشعبي أن رجلا اختلس طوقا فأخذوه - وهو في حجرته فرفع إلى عمار ابن يسار - وهو على الكوفة - فكتب إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه أنه عادى الظهيرة ولا قطع عليه * وعن عدي بن أرطاة أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز في رجل اختلس طوقا من ذهب كان في عنق جارية نهارا فكتب إليه عمر بن عبد العزيز أن ذلك عادى ظهر (1) ليس عليه قطع فعاقبه * وعن الحسن البصري في الخلسة لا قطع فيها * وعن قنادة لا قطع على المختلس ولكن يسجن ويعاقب - وهو قول النخعي.
وأبي حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وأحمد بن حنبل.
وأصحابهم: - وبه يقول اسحاق بن راهويه: وقالت طائفة: عليه القطع كما نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون
__________
(1) من عدا يعدو على الشى عاذا اختلسه، والظهر - بفتح الظاء المعجمة اظهر من الاشياء(11/322)
نا ابن وهب عن قباث بن رزين أنه سمع علي بن رباح اللخمي يقول: السنة أن تقطع اليد المستخفية ولا تقطع اليد المعلنة * وعن عطاء بن أبي رباح أنه قال: تقطع يد السارق المستخفي المستتر ولا تقطع يد المختلس المعلن * ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الاعلى عن هشام أن عدي بن أرطاة رفع إليه رجل اختلس خلسة فقال إياس بن معاوية: عليه القطع * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فنظرنا في قول من لم ير القطع الا في أخذ من حرز فوجدناهم يذكرون ما ناه عبد الله ابن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا قتيبة بن سعيد نا الليث بن سعد عن محمد ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن التمر المعلق؟ فقال: من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة (1) فلا شئ عليه ومن خرج بشئ منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق شيئا منه بعد أن يؤوه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثله والعقوبة " * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد نا أبو عوانة عن عبيد الله بن الاخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كم تقطع اليد؟ فقال: لا تقطع اليد في تمر معلق فإذا ضمه الجرين قطعت في ثمن المجن ولا تقطع في حريسة الجبل فإذا أواه المراح قطعت في ثمن المجن " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب عن الحرث
ابن مسكين قراءة عليه وأحمد يسمع عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحرث عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: " أن رجلا من مزينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف ترى في حريسة الجبل؟ قال: هي ومثلها والنكال وليس في شئ من لماشية قطع الا فيما أواه المراح فبلغ ثمن المجن ففيه قطع اليد وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال قال: يا رسول الله كيف ترى في التمر المعلق؟ قال: هو ومثله والنكال وليس في شئ من التمر المعلق قطع الا فيما أواه الجرين فما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد ابن شعيب أنا عبد الله بن عبد الصمد بن علي عن مخلد عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس على خائن ولا مختلس قطع " * نا عبد الله
__________
(1) - هو بضم الخاء المعجمة - معطف الازار وطرف الثوب(11/323)
ابن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن حاتم نا سويد بن نصر أنا عبد الله بن المبارك عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم درأ عن المنتهب والمختلس والخائن القطع " * قال أبو محمد رحمه الله: فقالوا لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم القطع على مختلس ولا على خائن فسقط بذلك القطع عن كل من اؤتمن وسقط القطع عن حريسة الجبل والتمر المعلق حتى يؤويهما الجرين والمراح وهو حرزهما وقالوا: ما وجد في غير حرز فانما هو لقطة قد أبيح أخذها وتحصينها، وقالوا: قد جاء عن عمر بن الخطاب.
وعلي بن أبي طالب.
وزيد بن ثابت أنه لا قطع على مختلس ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف فدل ذلك على اعتبار الحرز فنظرنا في ذلك فوجدناه لا حجة لهم في شئ منه * أما الخبران اللذان ذكرنا فلا يصح منهما ولا واحد.
أما حديث حريسة
الجبل.
والتمر المعلق فانه لا يصح لان أحد طريقيه من سعيد بن المسيب مرسل والاخرى هي أيضا أسقط مرسلة من طريق ابن أبي حسين ولا حجة في مرسل.
والاخرى مما انفرد به عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهي صحيفة لا يحتج بها فهذا وجه يسقط به، ودليل آخر أنه لو صح لكان عليهم لا لهم لانهم كلهم - يعني الحاضرين من المخالفين - مخالفون لما فيه من ذلك أن فيه أن من خرج بشئ من التمر المعلق ففيه غرامة مثليه وهم لا يقولون بهذا، وكذلك إذا أواه الجرين فلم يبلغ ثمن المجن ففيه أيضا غرامة مثليه وهم لا يقولون بهذا أيضا.
وفيه أيضا أن في حريسة الجبل غرامة مثلها وأن فيها غرامة مثليها وأن فيها إن أواه المراح فلم يبلغ ثمن المجن غرامة مثليها فهم قد خالفوا هذا الخبر الذي احتجوا به في أربعة مواضع من أحكامه فكيف يستجيز ذو ورع يدري أن كلامه محسوب عليه وأنه محاسب به يخاف لقاء الله تعالى.
ويهاب عقابه أن يحتج بخبر هو يصححه ويخالفه في أربعة أحكام من أحكامه على من لا يصححه أصلا فلا يراه حجة وهل في التعجيل بالاثم والفضيحة العاجلة أكثر من هذا، فان ادعوا في ترك هذه الاحكام الاربعة إجماعا كذبوا لان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد حكم بها بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف منهم له مخالف ولا يدرى منهم عليه منكر فأضعف قيمة الناقة المنتحرة للمزني على رقيق حاطب التي سرقوها وانتحروها، وقد روينا من طرق منها ما ناه أحمد بن محمد بن الجسور نا قاسم بن أصبغ نا مطرف بن قيس نا يحيى بن بكير نا مالك بن أنس عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة للمزني - رجل من مزينة -(11/324)
فانتحروها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمر عمر لكثير بن الصلت أن يقطع أيديهم قال عمر: اني أراك تجيعهم والله لاغرمنك غرما يشق عليك ثم قال للمزني كم ثمن ناقتك؟ قال: أربعمائة درهم قال عمر: فأعطه ثمانمائة درهم *
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا اثر عن عمر كالشمس، وأما حديث سعيد بن المسيب وهم يعدون مثل هذا إجماعا إذا وافق أهواءهم، وقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه وغيره نحو هذا في اتلاف الاموال كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبان بن عثمان أن أباه عثمان أغرم في ناقة محرم أهلكها رجل فأغرمه الثلث زيادة على ثمنها قال الزهري: ما أصيب من أموال الناس ومواشيهم في الشهر الحرام فانه يزاد الثلث لهذا في العمد، فهذا أثر في غاية الصحة عن عثمان رضي الله عنه ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم.
وقال به الزهري بعد ذلك وهم لا يبالون بدعوى الاجماع في أقل من هذا جرأة على الكذب ثم لا يبالون بمخالفة ما يقرون بأنه أجماع * قال أبو محمد رحمه الله: نقول وبالله تعالى التوفيق أن الخبر الذي رواه أبو الزبير عن جابر لم يروه أحد من الناس عن جابر إلا أبو الزبير فقط وأبو الزبير مدلس ما لم يقل فيه نا أو انا لا سيما في جابر فقد أقر على نفسه بالتدليس فيه كما نا يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري قال: نا عبد الله بن محمد بن يوسف الازدي نا اسحق بن أحمد الصيدلاني نا أبو جعفر العقيلي (1) نا زكريا بن يحيى الحلواني نا احمد بن سعيد بن أبي مريم نا عمى ونا محمد بن اسماعيل نا الحسن بن علي نا سعيد بن أبي مريم نا الليث بن سعد قال: قدمت مكة فجئت أبا الزبير فدفع الي كتابين فانقلبت بهما فقلت في نفسي لو عاودته فسألته أسمع هذا كله من جابر؟ فرجعت إليه فقلت له: هذا كله سمعته من جابر فقال منه ما سمعته ومنه ما حدثت عنه فقلت له أعلم لي ما سمعت منه فأعلم لي على هذا الذي عندي * قال علي: فما لم يروه الليث عن أبي الزبير أو لم يقل فيه نا أو أنا فهو منقطع فقد صح أن هذا الحديث لم يسمعه أبو الزبير من جابر، وأما احتجاجهم بما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم في المختلس فان الرواية في ذلك عن زيد بن ثابت لا تصح لانها عن الزهري عنه منقطعة ولم يسمع الزهري من زيد كلمة * وأما الرواية عن عمر.
وعمار بن ياسر في ذلك فانها منقطعة لانها عن الشعبي عنهما ولم يولد الشعبي إلا بعد قتل عمر بن الخطاب
رضي الله عنه ولم يكن يعقل إذ مات عمار بن ياسر * وأما الرواية عن علي في ذلك فهي من طريقين إحداهما عن سماك بن حرب وهو يقبل التلقين.
والاخرى من طريق بكير بن
__________
(1) وجد في هامش نسخة رقم (14) مانصه " هذا الحديث ممن بعد العقيلى إلى آخره منقول من كتاب العقيلى إذ لم يوجد في كتاب المحلى ولا في الايصال لكن دل عليه كلام أبى محمد في المحلى وغيره.
والله أعلم *(11/325)
أبي السبط المكفوف وقد روي نحوه عن قتادة.
وعفان ولا يعرف حاله إلا أن القول في المختلس لا يخلو من أحد وجهين.
إما أن يكون اختلس جهارا غير مستخف من الناس فهذا لا خلاف فيه أنه ليس سارقا ولا قطع عليه أو يكون فعل ذلك مستخفيا عن كل من حضر فهذا لا خلاف بيننا وبين الحاضرين من خصومنا في أنه سارق وأن عليه القطع فبطل كل ما تعلقوا به وعرى قولهم في مراعاة الحرز عن أن يكون له حجة أصلا * وأما قولهم أن الشئ إذا لم يكن محرزا فهو لقطة فخطأ لان اللقطة إنما هي ما سقط عن صاحبه وصار بدار مضيعة.
وكذلك الضالة، وأما ما كان غير مهمل ولا ساقط فقد بطل عن أن يكون لقطة أو ضالة وقد جاء في اللقطة والضالة نصوص لا يحل تعديها فلا مدخل للسارق فيها فنحن إنما نكلمهم في سارق من حرز لا في ملتقط ولا في آخذ ضالة فان الملتقط مختلس فسقط هذا الاعتراض الفاسد * قال أبو محمد رحمه الله: فوجب أن ننظر في القول الثاني فوجدنا الله تعالى يقول (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) فوجب بنص القرآن أن كل من سرق فالقطع عليه وأن من اكتسب سرقة فقد استحق بنص كلام الله تعالى جزاء لكسبه ذلك قطع يده نكالا وبالضرورة الحسية.
وباللغة يدري كل أحد يدري اللغة أن من سرق من حرز أو من غير حرز فانه سارق وأنه قد اكتسب سرقة لا خلاف في ذلك فإذ هو سارق مكتسب سرقة فقطع يده واجب بنص القرآن ولا يحل أن يخص القرآن بالظن الكاذب ولا بالدعوى العارية من البرهان فان من قال: ان
الله تعالى إنما أراد في هذه الآية من سرق من حرز فانه مخبر عن الله تعالى والمخبر عن الله تعالى بما لم يخبر به عن نفسه ولا أخبر به عنه نبيه صلى الله عليه وسلم فقد قال على الله تعالى الكذب وقال ما لا يعلم وقفا ما لا علم له به وهذا عظيم جدا، وقد أوردنا عن عائشة.
وابن الزبير وسعيد بن المسيب.
وعبد الله بن عبيد الله.
والحسن.
وابراهيم النخعي.
وعبيد الله بن أبي بكرة القطع على من سرق وان لم يخرج به من الحرز * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا نص القرآن، وأما من السنن فروينا من طريق البخاري نا أبو الوليد - هو الطيالسي - والليث - هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة " ان قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فذكر الحديث، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فخطب فقال: يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم إنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها " * ومن طريق البخاري نا موسى بن اسماعيل نا عبد الواحد الاعمش قال: سمعت أبا صالح سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله(11/326)
صلى الله عليه وسلم: " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده " * قال أبو محمد رحمه الله: فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع السارق جملة ولم يخص عليه السلام حرزا من غير حرز (وما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى) (وما كان ربك نسيا)، وقال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) وقال تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم) ونحن نشهد بشهادة الله تعالى ان الله عزوجل لو أراد أن لا يقطع السارق حتى يسرق من حرز ويخرجه من الدار لما أغفل ذلك ولا أهمله ولا أعنتنا بأن يكلفنا علم شريعة لم يطلعنا عليه ولبينه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إما في الوحي.
وإما في النقل المنقول فإذ لم يفعل الله تعالى ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فنحن نشهد.
ونبت.
ونقطع بيقين لا يمازجه شك أن الله تعالى لم يرد قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم اشتراط الحرز في السرقة وإذ لا شك في ذلك
فاشتراط الحرز فيها باطل بيقين لا شك فيه وشرع لما لم يأذن الله تعالى به وكل ما ذكرنا فانما يلزم من قامت عليه الحجة ووقف على ما ذكرنا لان من سلف ممن اجتهد فأخطأ مأجور وبالله تعالى التوفيق، وأما الاجماع فانه لا خلاف بين أحد من الامة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشئ ليس له، وان السارق هو المختفي بأخذ ما ليس له وأنه لا مدخل للحرز فيما اقتضاه الاسم فمن أقحم في ذلك اشتراط الحرز فقد خالف الاجماع على معنى هذه اللفظة في اللغة وادعى في الشرع ما لا سبيل له إلى وجوده ولا دليل على صحته * وأما قول الصحابة: فقد أوضحنا أنه لم يأت قط عن أحد منهم اشتراط الحرز أصلا وانما جاء عن بعضهم حتى يخرج من الدار، وقال بعضهم: من البيت وليس هذا دليلا على ما ادعوه من الحرز مع الخلاف الذي ذكرنا عن عائشة.
وابن الزبير في ذلك فلاح أن قولنا قول قد جاء به القرآن والسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالله تعالى التوفيق * - مسائل من هذا الباب - 2264 مسألة فيمن سرق من بيت المال.
أو من الغنيمة * قال أبو محمد رحمه الله: نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال: ان رجلا سرق من بيت المال فكتب فيه سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب فكتب عمر إليه ان لا قطع عليه لان فيه نصيبا * وبه إلى وكيع نا سفيان - هو الثوري - عن سماك بن حرب عن عبيد بن الابرص أن علي بن أبي طالب أتى برجل قد سرق من(11/327)
الخمس مغفرا فلم يقطعه علي وقال: ان له فيه نصيبا * وبه يقول ابراهيم النخعي.
والحكم بن عتيبة.
وأبو حنيفة.
والشافعي.
وأصحابهما، وقال مالك.
وأبو ثور.
وأبو سليمان.
وأصحابهم: عليه القطع *
قال أبو محمد رحمه الله: انما احتج من لم ير القطع في ذلك بحجتين.
احداهما أن له فيه نصيبا مشاعا، والثانية أنه قول صاحبين لا يعرف لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهم.
أما الاحتجاج بانه قول طائفة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف فان هذا يلزم المالكيين المحتجين بمثل هذا إذا وافق أهواءهم التاركين له إذا اشتهوا وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما احتجاجهم بأن له في ذلك نصيبا فهذا ليس حجة في اسقاط حد الله تعالى إذ ليست هذه القضية مما جاء به القرآن ولا مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مما أجمعت عليه الامة فلا حجة لهم في غير هذه العمد الثلاث وكونه له في بيت المال وفي المغنم نصيب لا يبيح له أخذ نصيب غيره لانه حرام عليه باجماع لا خلاف فيه، وبقول الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) فإذ نصيب شريكه عليه حرام فلا فرق بين سرقته إياه وبين سرقته من اجنبي لا نصيب له معه وهم يدعون القياس وهم يقولون إن الحرام إذا امتزج مع الحلال فانه كله حرام كالخمر مع الماء.
ولحم الخنزير يدق مع لحم الكبش وغير هذا كثير ويرون الحد على من شرب خمرا ممزوجة بماء حلال فما الفرق بينه وبين من سرق شيئا بعضه له حلال وبعضه حرام لغيره؟ * قال أبو محمد رحمه الله: فلما لم نجد في المنع من قطع من سرق من المغنم.
أو من الخمس.
أو من بيت المال حجة أصلا لا من قرآن.
ولا سنة.
ولا إجماع وجب أن ننظر في القول الآخر فوجدنا الله تعالى يقول: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوجب القطع على السارق جملة ولم يخص الله تعالى ولا رسوله عليه السلام سارقا من بيت المال من غيره ولا سارقا من المغنم ولا سارقا من مال له فيه نصيب من غيره (وما كان ربك نسيا) ولو أن الله تعالى أراد ذلك لما أغفله ولا أهمله، والعمل في ذلك أن ننظر فيمن سرق من شئ له فيه نصيب من بيت المال.
أو الخمس.
أو المغنم
أو غير ذلك فان كان نصيبه محدودا معروف المقدار كالغنيمة أو ما اشترك فيه ببيع أو ميراث.
أو غير ذلك.
أو كان من أهل الخمس نظر فان أخذ زائدا على نصيبه مما يجب في مثله القطع قطع ولا بد فان سرق أقل فلا قطع عليه الا أن يكون منع حقه(11/328)
في ذلك أو احتاج إليه فلم يصل إلى أخذ حقه الا بما فعل ولا قدر على أخذ حقه خالصا فلا يقطع إذا عرف ذلك وانما عليه أن يرد الزائد على حقه فقط لانه مضطر إلى أخذ ما أخذ إذا لم يقدر على تخليص مقدار حقه والله تعالى يقول: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) وبالله تعالى التوفيق * 2265 مسألة - فيمن سرق من الحمام، نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله ابن نصر نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن بلال بن سعد ان رجلا سرق برنسا من الحمام فرفع إلى أبي الدرداء فلم ير عليه قطعا، وبه يقول أبو حنيفة.
وأصحابه، وقال مالك.
وأحمد.
واسحق.
وأبو ثور.
وأبو سليمان، وأصحابهم عليه القطع إذا كان هنالك حافظ * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا مما تناقض فيه الحنيفيون.
والمالكيون لانهم يعظمون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف من الصحابة إذا وافق آراءهم وقد خالفوا ههنا قول أبي الدرداء ولا يعرف له من الصحابة مخالف * قال أبو محمد رحمه الله: وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) وهذا سارق فالقطع عليه بنص القرآن ولو أراد الله تعالى تخصيص ذلك لما أغفله * 2266 مسألة - فيمن سرق من مسجد، قال قوم: لا قطع على من سرق من مسجد، وقالت طائفة: إذا كان هنالك حافظ لذلك الشئ أو كانت الابواب مغلقة قطع والا فلا، وكذلك لو قلع باب المسجد فان كان مغلقا مضبوطا قطع والا
فلا، وهكذا القول في باب الدار - وهو قول مالك - وقال أصحابنا: القطع في كل ذلك واجب والاصل في ذلك أمر الحرز كما ذكرنا وقد بطل قول من قال بمراعاة الحرز فالواجب قطع من سرق من مسجد بابا كان مغلقا أو غير مغلق.
أو حصيرا.
أو قنديلا.
أو شيئا وضعه صاحبه هنالك ونسيه كان صاحبه معه أو لم يكن إذا أخذه مستترا بأخذه لنفسه لا ليحفظه على صاحبه وذلك لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * 2267 مسألة - هل على النباش قطع أم لا؟ - قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في النباش فقالت طائفة: عليه القتل، وقالت طائفة: تقطع يده ورجله، وقالت طائفة: تقطع يده فقط، وقالت طائفة: يعزر أدبا ولا شئ عليه غير ذلك، وأما من رأى عليه القتل فكما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن صفوان بن سليم أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم(11/329)
وجد رجلا يختفي في القبور فقتله فأهدر عمر بن الخطاب دمه، وأما من رأى قطع يده ورجله فكما روينا بالسند المذكور إلى ابن جريج قال: قال لي عمرو بن دينار: قطع عباد بن عبد الله بن الزبير يد غلام ورجله اختفى * قال أبو محمد رحمه الله: عباد هذا من التابعين أدرك عائشة نعم وجده الزبير وجمهور الصحابة رضي الله عنهم، وأما من رأى قطع يده فقط فكما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن ابراهيم بن محمد بن أبي يحيى أخبرني عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر بين ربيعة أنه وجد قوما يختفون القبور باليمن فكتب إلى عمر بن الخطاب فكتب إليه عمر ان يقطع أيديهم * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن عثمان نا احمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا حجاج بن المنهال نا هشيم عن سهيل بن أبي صالح قال: شهدت عبد الله بن الزبير قطع يد النباش، وبه إلى الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة أن الشعبي.
والنخعي.
ومسروق بن الاجدع.
وزاذان.
وأبا ذرعة بن عمر.
وعمرو بن حزم قالوا في النباش ادا أخذ المتاع: قطع، وعن ابراهيم النخعي قال: إذا سرق النباش قدر ما يقطع فيه فعليه القطع، وعن الشعبي أنه سئل عن النباش فقال: نقطع في أمواتنا كما نقطع في احيائنا * قال أبو محمد رحمه الله: والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق ان كل هذا لا معنى له لكن الفرض هو ما افترض الله تعالى ورسوله عليه السلام الرجوع إليه عند التنازع إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا تعالى يقول: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوجب القطع على من سرق بقوله عليه السلام: " لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها " ووجدنا السارق في اللغة التي نزل بها القرآن وبها خاطبنا الله تعالى هو الآخذ شيئا لم يبح الله تعالى له اخذه فيأخذه متملكا له مسخفيا به فوجدنا النباش هذه صفته فصح أنه سارق واذ هو سارق فقطع اليد على السارق فقطع يده واجب، وبه نقول: واما من راى قتله.
أو قطع يده ورجله فما نعلم له حجة الا أن يكونوا رأوه محاربا وليس ههنا دليل على أنه محارب أصلا لانه لم يخف طريقا فليس له حكم المحارب ودماؤنا حرام فدم النباش حرام، وبالله تعالى التوفيق * 2268 مسألة - ما يجب فيه على آخذه القطع - قال أبو محمد رحمه الله: تنازع الناس في أشياء فقال قوم: لا قطع في سرقتها، وقال قوم: فيها القطع من ذلك التمر.
والجمار.
والشجر.
والزرع *(11/330)
قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن خالد نى أبي نا سلمة بن عبد الملك الغوصي عن الحسن - هو ابن صالح ابن حي - عن يحيى بن سعيد الانصاري عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لاقطع في ثمر.
ولا كثر -
والكثر الجمار - وفي هذا آثار كثيرة لم نذكرها لئلا نطول بذكرها ولو صحت لوجب الاخذ بها بذلك وللزم حينئذ أن لا يقطع في شئ من الثمر والحبوب سواء حصد أو لم يحصد جد أو لم يجد كان في المخازن أو لم يكن لعموم هذا اللفظ.
ولان الله تعالى سمى اليابس ثمرا فقال: (ومن ثمرات النخيل والاعناب) فسمى الله تعالى ما تثمره الشجرة والنخلة والزرع ثمرا بقوله تعالى: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان) الآية إلى قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) فوجب الحق فيه يوم حصاده - والحصاد لا يكون الا في اليابس - وأما ساق الشجر.
والنخل.
وأغصانه فلا يقع عليه اسم ثمر أصلا لا في لغة.
ولا في شريعة، واختلف المتأخرون في هذا فقال سفيان الثوري: لا قطع فيما يفسد من يومه من الطعام مثل الثريد واللحم وما أشبهه لكن يعزر وإذا كانت الثمرة في شجرتها لم تقطع اليد في سرقتها لكن يعزر، قال أبو حنيفة: لا يقطع في شئ من الابل.
ولا البقر.
ولا الغنم.
ولا الخيل.
ولا البغال.
ولا الحمير.
إذا سرق كل ذلك من المرعى فإذا كانت في المراح أو في الدور ففيها القطع، ولا يقطع في شئ من الفواكه الرطبة كانت في الدور أو في الشجر في حرز كانت أو في غير حرز وكذلك البقول كلها.
وكذلك ما يسرع إليه الفساد من اللحم والطعام كله كان في حرز أو في غير حرز ولا قطع في الملح، ولا في التوابل.
ولا في الزروع كلها فإذا يبس الزرع وحمل إلى الاندر أو إلى البيوت وجب القطع في سرقة شئ منه إذا بلغ ما يجب فيه القطع، وقال مالك: كل ما كان من الفواكه في اشجاره والزرع في مزرعته فلا قطع في شئ منه وكذلك الانعام في مسارحها فإذا أحرزت الانعام في مراح أو دار ففيها القطع، فإذا جمع الزرع في أندره أو في الدور ففيه القطع، وإذا جنيت الفواكه وأدخلت في الحرز ففيها القطع، وكذلك تقطع في البقول والفواكه كلها وفي اللحم.
وفي كل شئ إذا كان في حرز، وهذا قول الشافعي أيضا: وقال أبو
ثور: إذا كانت الفواكه في أشجارها رطبة أو غير رطبة وكان الفسيل في حائطه، وكان كل ذلك محرزا ممنوعا ففيه القطع، وقال فيما عدا ذلك بقول مالك.
والشافعي(11/331)
وقال مالك: والشافعي.
وأبو ثور في البعير.
أو الدابة تسرق من الفدان: ففيه القطع، وقال أصحابنا في كل ما ذكرنا القطع محرزا كان أو غير محرز إذا سرقه السارق ولم يأخذه معلنا * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا نظرنا في ذلك، ونظرنا في قول أبي ثور فوجدناه صحيحا إلا اشتراطه الحرز فقط فان الحرز لا معنى له على ما بينا قبل، وقول أبي ثور هذا انما صح لموافقته عموم قول الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وبحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع السارق عموما دون اشتراط حرز.
وقول أبي ثور: مخالف للاحاديث المذكورة قبل هذا لانها واهية.
ولا حجة الا في صحيح، ثم نظرنا في قول مالك.
والشافعي: فوجدنا حجتهما إنما هي خبر عمرو بن شعيب.
وابن المسيب، وخبر حميد بن قيس.
وعبد الرحمن بن عبد الله لا حجة لهما غيرهما وقد بينا أن هذه الاخبار في غاية الوهي وأن الاحتجاج بالواهي باطل، وقد قلنا إن هذه الاخبار لا تصح ولو صحت لما كان في شئ منها دليل على ما ادعاه من ادعاه من الحرز بل كان الواجب حينئذ أن لا يقطع في شئ مما يقع عليه اسم ثمر ولا اسم كثر وأن يقطع في ذلك إن أواه الجرين رطبا كان أو غير رطب فهذا كان يكون الحكم لو صح الخبر وما عدا هذا فباطل بظن كاذب فإذ لم تصح الآثار أصلا فالواجب ما قاله أصحابنا من أن القطع واجب في كل ثمر وفي كل كثر معلقا كان في شجره أو مجذوذا أو في جرين كان أو في غير جرين إذا أخذه سارقا له مستخفيا بأخذه غير مضطر إليه وبغير حق له فان القطع في كل طعام كان مما يفسد أو لا يفسد إذا أخذه على وجه السرقة غير مشهور بأخذه.
ولا حاجة إليه.
ولا عن حق أوجب له أخذه
فان القطع واجب في الزرع إذا أخذ من فدانه.
أو هو بأندره على وجه السرقة مستترا أو مختفيا بأخذه لا عن حاجة إليه ولا عن حق له، وأما الماشية فالقطع فيها أيضا كذلك الا أن تكون ضالة يأخذها معلنا فيكون محسنا حيث أبيح له أخذها وعاصيا لا سارقا حيث لم يبح له أخذها فلا قطع ههنا لانه ليس سارقا، وانما القطع على السارق وعمدتنا في ذلك قول الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع السارق عموما، وبالله تعالى التوفيق * 2269 مسألة - الطير فيمن سرقها، قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في القطع في الطير إذا سرق كالدجاج.
والاوز.
وغيرها، فقالت طائفة: لا قطع في شئ من ذلك كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ(11/332)
نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن جابر بن يزيد الجعفي عن عبد الله بن يسار قال: أتى عمر بن عبد العزيز برجل قد سرق.
دجاجا فأراد أن يقطعه فقال أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف كان عثمان يقول: لا قطع في طير فخلى عمر سبيله * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن عبد الله بن يسار قال: أراد عمر بن عبد العزيز أن يقطع سارقا سرق دجاجة فقال له أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: أن عثمان بن عفان قال: لا قطع في طير، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عثمان بن عفان قال: لا قطع في طير * وبه يقول أبو حنيفة.
وأحمد بن حنبل.
وأصحابهما.
واسحق بن راهويه: وقالت طائفة: القطع فيه إذا سرق من حرز وهو قول مالك.
والشافعي.
وأصحابهما: وقالت طائفة: القطع فيها على كل حال إذا سرقت * قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا فيما اختلفوا من ذلك فوجدنا من احتج بقول
من لم ير القطع فيه فوجدناهم يقولون: إن ابطال القطع فيه قد روي عن عثمان بن عفان ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة وادعى بعضهم أنه روى نحو ذلك عن علي وهذا لا يعرف وقالوا إن الاصل فيه أنه تافه في الاصل مباح فإذا كان مملوكا لم يقطع سارقه إذا كان ما هذا وصفه لم يقطع سارقه، والطير إذا كان مباحا أو كان فرخا فلا قيمة له وانما تصير له القيمة بعد ما يصير مملوكا بالتعليم فهذا كل ما موهوا به ما لهم شبهة غير ذلك وكل ذلك لا حجة لهم فيه أصلا * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد عري قولهم من حجة وكان الطير مالا من الاموال فقد تعين ذلك ملكا لصاحبه كالدجاج.
والحمام وشبهها وجب فيه القطع بقول الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وبايجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القطع على من سرق، ولم يخص الله تعالى ولا رسوله عليه السلام من ذلك طيرا ولا غيره وتالله لو أراد الله تعالى الذي يعلم سر كل من خلق.
وكل ما هو كائن وحادث من حركة أو نفس.
وكلمة أبد الابد.
وكل ما لا يكون لو كان كيف كان يكون أن يخص من القطع من سرق الطير لما أغفل ذلك ولا أهمله فنحن نشهد بشهادة الله تعالى أن الله تعالى لم يرد قط إسقاط القطع عن سارق الطير بل قد أمر الله تعالى بقطعه نصا.
والحمد لله رب العالمين * 2270 مسألة - (الصيد) قال أبو محمد رحمه الله: يتعلق بهذا الباب(11/333)
أمر الصيد فان أبا حنيفة لا يرى القطع في الصيد إذا تملك أصلا ولا يرى القطع فيمن سرق إبلا متملكا من حرزه، ولا على من سرق كذلك غزالا.
أو خشفا.
أو ظبيا.
أو حمارا وحشيا.
أو أرنبا.
أو غير ذلك من الصيد، ورأى مالك.
والشافعي.
وأصحابهما القطع في كل ذلك على حسب الاختلاف الذي أوردناه عنهم في مراعاة الحرز * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا مكان ما نعلم للحنيفيين فيه حجة أصلا ولا أنه
قال به أحد قبل شيخهم بل هو خرق للاجماع، وخلاف للقرآن مجرد إلا أنهم ادعوا أنهم قاسوه على الطير * (فان قالوا): إن الصيد يشبه الطير في أنهما حيوان وحشي مباح في أصله * (قيل لهم): فأسقطوا على هذا القياس القطع عمن سرق ياقوتا.
أو ذهبا أو فضة.
أو نحاسا.
أو حديدا.
أو رصاصا.
أو قذديرا.
أو زئبقا.
أو صوف البحر لان هذا كله أجسام مباحة في الاصل غير متملكة كالصيد ولا فرق فهذا تشبيه أعم من تشبيهكم وعلة أعم من علتكم، وأيضا فانهم قد نقضوا هذا القياس فلم يقيسوا قاتل الدجاج الانسي على الصيد المحرم في الاحرام، ولا قاسوا الانعام.
والخيل عند من يبيحها على ذوات الاربع من الصيد.
وكان هذا كله نصا واجماعا متيقنا فصح أن القطع واجب على من سرق صيدا متملكا كما هو واجب في سائر الاموال، وبالله تعالى التوفيق * 2271 مسألة - فيمن سرق خمرا لذمي.
أو لمسلم.
أو سرق خنزيرا كذلك.
أو ميتة كذلك * قال أبو محمد رحمه الله: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: من سرق خمرا من أهل الكتاب قال عطاء: زعموا في الخمر.
والخنزير يسرقه المسلم من أهل الكتاب يقطع من أجل أنه حل لهم في دينهم وإن سرق ذلك من مسلم فلا قطع عليه * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال: من سرق خمرا من أهل الكتاب قطع، وقالت طائفة: لا قطع عليه في ذلك ولكن يغرم لها مثلها وهذا قول شريح.
وسفيان الثوري.
ومالك.
وأبي حنيفة.
وأصحابهم: وقالت طائفة: لا قطع عليه في ذلك ولا ضمان وهو قول الشافعي.
وأحمد وأصحابهما وبه يقول أصحابنا: * قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في ذلك فرأينا قول من أوجب الضمان وأسقط
القطع في غاية الفساد لانه لا يخلو الخمر.
والخنزير من أن يكونا مالا للذمي له قيمة.(11/334)
أو لا يكونا مالا له، ولا سبيل إلى قسم ثالث أصلا فان كانت الخمر.
والخنزير مالا للذمي لهما قيمة فالقطع فيهما واجب على أصولهم إذا بلغ كل واحد منهما ما فيه القطع وان كان الخمر.
والخنزير لا قيمة لهما وليسا مالا للذمي فبأي وجه قضوا بضمان ما لا قيمة له ولا هو مال وهل هذا منهم الا قضاء بالباطل؟ وإيكال مال بغير حق لا سيما وهم يقولون: ان المسلم إن سرق خمرا لمسلم.
أو خنزيرا لمسلم فلا قطع ولا ضمان لانهما ليسا مالا له ولا لهما قيمة، والعجب كله كيف يقضون بضمانهما عليه وهو لاسبيل له إلى قضائهما لانه عندهم مما يكال أو يوزن ففيهما المثل عندهم، ثم نظرنا في قول من رأى القطع في ذلك والضمان وقول من لا يرى في ذلك لا قطعا ولا ضمانا فنظرنا فيمن رأى القطع والضمان فلم نجد لهم حجة أصلا إلا أن قالوا: إنها مال لهم ولها قيمة عندهم فقلنا: لهم اخبرونا أبحق من الله تملكوها واستحقوا ملكها وشربها أم بباطل؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث (فان قالوا): بحق وأمر من الله تعالى كفروا بلا خلاف وهم لا يقولون هذا.
ويلزمهم أن يقولوا أن دين اليهود والنصارى حق وهذا لا يقوله مسلم أصلا قال الله تعالى: (ان الدين عند الله الاسلام) وقال تعالى: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) فإذا قد صح ما قلنا وصح أن الله تعالى حرم شرب الخمر على كل مسلم وكافر.
وحرم بيعها على كل مسلم وكافر.
وحرم ملكها على كل مسلم وكافر بقوله تعالى آمرا للرسول عليه السلام ان يقول: (يا أيها الناس اني رسول الله اليكم جميعا) وبقوله عليه السلام " كل مسكر حرام وان الذي حرم شربها حرم بيعها " ثبت أنها ليست مالا لاحد وأنه لا قيمة لها اصلا.
وكذلك الخنزير للتحريم الوارد فيه جملة فإذ قد حرم ملكها جملة كان من سرقها لم يسرق مالا لاحد لا قيمة لها أصلا ولا سرق شيئا يحل ابقاؤه جملة فلا شئ عليه والواجب هرقها على كل حال لمسلم وكافر.
وكذلك قتل
الخنازير، وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: واما من سرق ميتة فان فيها القطع لان جلدها باق على ملك صاحبها يدبغه فينتفع به ويبيعه (فان قيل): ما الفرق بين الخنزير والميتة أوجبتم القطع في الميتة من اجل جلدها ولم توجبوا القطع في الخنزير فهلا أوجبتموه من اجل جلده وجلده وجلد سائر الميتات سواء في جواز الانتفاع به وبيعه إذا دبغ؟ * (فجوابنا) أن الفرق بينهما في غاية الوضوح ولله الحمد وهو أن الميتة كانت في حياتها متملكة لصاحبها بأسرها فلما ماتت سقط ملكه عن لحمها.
وشحمها.
ودمها ومعاها.
وفرثها.
ودماغها.
وغضاريفها لان كل هذا حرام مطلق التحريم وبقي(11/335)
ملكه كما كان على ما أباح الله تعالى له الانتفاع به منها وهو الجلد.
والشعر.
والصرف والوبر.
والعظم فلا يخرج عن ملكه الا باباحته إياه لانسان بعينه أو لمن أخذه ويعلم ذلك بطرحه الجميع وتبريه منه فهو ما لم يطرحه مالك لذلك فان سرق فانما سرق شيئا متملكا ملكا صحيحا ومال من مال مسلم.
أو ذمي فالقطع فيه، وأما الخنزير فلا يقع عليه في حياته ملك لاحد لانه رجس محرم جملة فمن سرقه حيا.
أو ميتا فانما أخذ مالا لا مالك له وما لا يحل لاحد تملكه فجلده لمن بادر إليه.
وأخذه.
ودبغه فإذا دبغ صار حينئذ ملكا من مال متملكه من سرقه فعليه فيه القطع، والقطع واجب في عظام الفيل كما ذكرنا والميتات كلها كذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " انما حرم أكلها " حاش عظم الخنزير وشعره وكل شئ منه حرام جملة لا يحل لاحد تملك شئ منه الا الجلد فقط بالدباغ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما إهاب دبغ فقد طهر " وبالله تعالى التوفيق * 2272 مسألة - فيمن سرق حرا صغيرا.
أو كبيرا * قال أبو محمد رحمه الله: لا نعلم خلافا في ان من سرق عبدا صغيرا لا يفهم أن عليه القطع، واختلف الناس فيمن
سرق عبدا كبيرا يتكلم، وفيمن سرق حرا صغيرا أو كبيرا، فأما العبد الصغير الذي لا يفهم فان الذي سرقه سارق مال فعليه القطع، وأما من سرق العبد الذي يفهم فانما أسقط عنه القطع من أسقطه لانه لولا أنه أطاعه ما أمكنه سرقته إياه * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا لا ينبغي أن يطلق اطلاقا لان في الممكن أن يسرقه وهو نائم.
أو سكران.
أو مغمى عليه.
أو متغلبا عليه متهددا بالقتل فلا يقدر على الامتناع.
ولا على الاستغاثة فإذا كان هكذا فهي سرقة صحيحة قد تمت منه واذ هي صحيحة فالقطع عليه بنص القرآن * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرت أن عمر بن الخطاب قطع رجلا في غلام سرقه، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن اسماعيل عن الحسن البصري قال: من سرق صغيرا حرا.
أو عبدا قطع، قال ابراهيم النخعي: يقام الحد على الكبير وليس على الصغير من شئ - يعني أنه يقطع الكبير في سرقة الصغير - وبه إلى عبد الرزاق عن معمر قال سألت الزهري عمن سرق عبدا أعجميا لا يفقه قال: يقطع، وبالقطع في سرقة العبد الصغير يقول أبو حنيفة.
ومحمد بن الحسن.
ومالك.
والشافعي.
واحمد.
وأصحابهم.
واسحق.
وأصحابنا.
وسفيان الثوري.
وذكر عن أبي يوسف انه استحسن أن لا يقطع، وأما من سرق حرا فان حمام بن احمد نا قال: نا ابن مفرج(11/336)
نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرت أن عليا قطع البائع بائع الحر وقال: لا يكون الحر عبدا، وقال ابن عباس: ليس عليه قطع وعليه شبيه بالقطع الحبس، وقال أبو حنيفة: وسفيان.
وأحمد.
وأبو ثور: لا قطع على من سرق حرا صغيرا كان أو كبيرا، وقال مالك.
واسحاق بن راهويه: على من سرق حرا صغيرا القطع، وذكر هذا عن الحسن البصري.
والشعبي * قال أبو محمد رحمه الله: وقد جاء في هذا أثر لا علينا أن نذكره لان الحنيفيين
يأخذون بأقل منه إذا وافقهم، وهو كما نا القاضي عبد الله بن عبد الرحمن بن جحاف المعافري بسلنسيه نا محمد نا ابراهيم بطليطلة نا بكر بن العلاء القشيري بمصر نا زكريا بن يحيى الساجي البصري نا القاسم بن اسحق الالصاري نا أبي نا عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى برجل كان يسرق الصبيان فأمر به فقطع * قال أبو محمد رحمه الله: فليس فيه تخصيص حر من عبد، وبالله تعالى التوفيق * 2273 مسألة - من سرق المصحف، قال أبو محمد رحمه الله: قال أبو حنيفة.
وأصحابه.
لا قطع على من سرق مصحفا سواء كانت عليه حلية فضة تزن مائتي درهم.
أو أكثر: أو أقل.
أو لم تكن، وقال مالك.
والشافعي.
وأصحابنا عليه القطع * قال أبو محمد رحمه الله: واحتج من لم ير القطع بأن قال: إن له فيه حق التعليم لانه ليس له منعه عمن احتاج إليه قال: فلما كان له فيه حق كان كمن سرق من بيت المال قال والفضة تبع لانها تدخل في بيعه كما يدخل في بيعه الجلد والدفتان وهذا كلام في غاية الفساد والباطل أول ذلك قولهم: لان له فيه حق التعليم وقد كذب انما حق المتعلم في التلقين فقط لا في مصحف الناس أصلا إذ لم يوجبه قرآن.
ولا سنة.
ولا اجماع، وانما فرض على الناس تعليم بعضهم بعضا القرآن تدريسا وتحفيظا وهكذا كان جميع الصحابة رضي الله عنهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا خلاف من أحد أنه لم يكن هنالك مصحف، وانما كانوا يلقنه بعضهم بعضا ويقرئه بعضهم بعضا فمن احتاج منهم أن يقيد ما حفظ كتبه في الاديم.
وفي اللخاف.
والالواح: والاكتاف فقط فبطل قوله ان للسارق حقا في المصحف وصح أن لصاحب المصحف منعه من كل أحد إذ لا ضرورة بأحد إليه * قال ابو محمد رحمه الله: فصح أن القطع واجب في سرقة المصحف كانت عليه حلية أو لم تكن لقول الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) *(11/337)
قال أبو محمد رحمه الله: ويلزمهم أن لا يوجبوا القطع على من سرق كتب العلم وهذا خطأ بل القطع في كل ذلك واجب، وبالله تعالى التوفيق * 2274 - مسألة - سراق اختلف الناس في وجوب القطع عليهم * قال أبو محمد رحمه الله: قال أبو حنيفة.
وأصحابه لا يقطع من سرق صليبا أو وثنا ولو كان من فضة.
أو ذهب قال: فان سرق دراهم فيها صور أصنام أو صور صلبان فعليه القطع لان ذلك يعبد وهذا لا يعبد * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا خطأ.
وتناقض.
واحتجاج فاسد، أما الخطأ فاسقاط الحد الذي افترض الله تعالى من القطع على السارق، وانما وجب القطع على سارق الصليب لانه سرق جوهرا لا يحل له أخذه، وانما الواجب فيه كسره فقط وأما ملك جوهره فصحيح، ولا فرق بينه وبين من سرق إناء ذهب وإناء فضة والنهي قد صح عن اتخاذ آنية الفضة والذهب كما صح عن اتخاذ الصليب والوثن ولا فرق والقطع واجب في كل ذلك لانه لم يسرق الصورة ولا شكل الاناء وانما سرق الجسم الحلال تملكه وانما الواجب في الآنية المذكورة.
والصلبان.
والاوثان الكسر فقط فان كان الصليب.
أو الوثن من حجر لا قيمة له أصلا بعد الكسر فلا قطع فيه أصلا لما ذكرناه قبل من قول عائشة رضي الله عنها أن يد السارق لم تكن تقطع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشئ التافه وسنستقصي الكلام في ذلك ان شاء الله تعالى في كلامنا في مقدار ما يقطع فيه السارق، وأما التناقض فظاهر أيضا لانه لا فرق بين صورة وصورة بلا برهان وكلاهما محرم تصويره ومتوعد عليه بالعذاب الشديد يوم القيامة، وأما فساد احتجاجه بأن الصليب يعبد والصورة التي في الدراهم لا تعبد فان الهند يعبدون البقر كما يعبد النصارى الصليب ويعظمونها كما يعظم الصليب ولا فرق فيلزمه أيضا أن لا يقطع في سرقة البقر (فان قالوا): اننا نحن لا نعبدها (قلنا لهم): واننا نحن أيضا
لا نعبد الصليب ولا نعظمه، والحمد لله رب العالمين، والعجب كل العجب من اسقاط أبي حنيفة القطع عن سارق الصليب وهو يقتل المسلم إذا قتل عابد الصليب فلئن كان لعابد الصليب من الحرمة عندهم ما يستباح به دم المسلم فان لمال عابد الصليب من الحرمة ما تستباح به يد سارقه والصليب مال من ماله هذا على أن النهي قد صح أن لا يقتل مؤمن بكافر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم وعن الله تعالى في القرآن إذ يقول: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) واذ يقول تعالى: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون) ولم يأت نهي قط عن قطع يد من سرق مال كافر ذمي بل أمر الله تعالى(11/338)
بقطعه في عموم قوله: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وقد علم الله تعالى أن السارق يسرق من مسلم ومن ذمي فنحن نقسم بالله تعالى أنه لو أراد استثناء سارق مال الذمي لما سكت عن ذلك ولا نسيه ولبينه كما بين لنا أن لا يقتل مؤمن بكافر، وبالله تعالى التوفيق * 2275 مسألة - إحضار السرقة، قال أبو محمد رحمه الله.
قال المالكيون: من أقر بسرقة دراهم كثيرة أو قليلة أو غير ذلك فان القطع لا يجب بذلك الا حتى يحضر ذلك الشئ الذي أقر بسرقته * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا أيضا خطأ لانه رد لما أمر الله تعالى به من قطع السارق ولم يشترط إحضار السرقة (وما كان ربك نسيا) لكن الواجب قطعه ولا بد ثم يلزمه إحضار ما سرق ليرد إلى صاحبه ان عرف أو ليكون في جميع مصالح المسلمين إن لم يعرف صاحبه فان عدم الشئ المسروق ضمنه على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى * قال أبو محمد رحمه الله: ولا نعلم لمن خالف هذا حجة أصلا فان تعلقوا بما ناه عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أن طارقا كان جعله ثعلبة الشامي على المدينة يستخلفه فأتى بانسان
متهم بسرقة فجلده فلم يزل يجلده حتى اعترف بالسرقة فأرسل إلى ابن عمر فاستفتاه فقال ابن عمر: لا تقطع يده حتى يبرزها، فهذا لا حجة لهم فيه لان من أقر تحت العذاب وبالتهديد فلا قطع عليه وسواء ابرز السرقة أو لم يبرزها لانه قد يكون أودعت عنده وهو يدري أنها سرقة أو لا يدري فلا يكون على المودع في ذلك قطع أصلا ويحتمل قول ابن عمر هذا - أي حتى يبرز - قولته مجردة من الاقرار بالضرب مع أنه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكم قولة لابن عمر قد خالفوها بلا برهان، فان ذكروا ما روينا بالسند المذكور إلى ابن وهب قال: أخبرني يحيى بن أيوب قال: كتب إلى يحيى بن سعيد يقول من اعترف بسرقة ثم أتى مع ذلك بما يصدق اعترافه فذلك الذي تقطع يده، ومن اعترف على تهدد وتخوف ثم لم يأت بما يصدق اعترافه فان ناسا يزعمون أن يقطعوا في مثل هذا، وبه إلى ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة قال من اعترف بعد امتحان فلم يوجد ذلك عنده ولم يوجد ما يصدقه من عمله فان اعترافه لم يكن متصلا ولا إقامته على الاعتراف خشية أن يكون عليه من البلاء ما قد دفع عنه من البلاء باعترافه فنرى أن لا يؤخذ باعترافه الا أن يأتي وجه البينة والمعرفة أنه صاحب تلك السرقة وهذا لا حجة لهم فيه لان من أقر بسرقة فلا يخلو من أن يكون أقر بلا تهديد ولا عذاب.
أو أقر بتهديد وعذاب(11/339)
فان أقر بتهديد وعذاب فلا قطع عليه أصلا أحضر السرقة.
أو لم يحضرها إذ قد يدرى موضعها، أو جعلت عنده فلا قطع عليه، وان كان أقر بلا تهديد ولا عذاب فالقطع عليه اخرج السرقة.
أو لم يخرجها لما ذكرنا قبل، وأما قول ربيعة ان لا يؤخذ المكره باعتراف إلا أن يأتي وجه البينة والمعرفة انه صاحب تلك السرقة فقول صحيح لا شك فيه انه إذا جاء ببيان يتيقن به دون شك انه سرقها فالقطع واجب وسواء حينئذ أقر تحت العذاب أو دون عذاب وكذلك لو عذب أو أقر وجاءت بينة تشهد بأنهم رأوه يسرق لوجب قطع يده بالسرقة لا باقراره، وقد قلنا: إن إحضار الشئ المسروق ليس بيانا في انه هو سرقه
وانما هو ظن ولا يحل قطع يد مسلم بالظن، قال الله تعالى: (ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث " * قال أبو محمد رحمه الله: وقد روينا عن ابي بكر الصديق بحضرة عمر بن الخطاب وسائر الصحابة رضي الله عنهم انه قطع الا قطع باقرار مجرد دون احضار السرقة وان السرقة انما وجدت عند الصائغ أو عنده وقد يمكن ان توضع في رحله بغير علمه * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر.
وسفيان الثوري كلاهما عن الاعمش عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن ابيه قال: جاء رجل إلى علي بن ابي طالب فقال: اني سرقت فرده فقال: اني سرقت فقال: شهدت على نفسك مرتين فقطعه، قال عبد الرحمن: فرأيت يده في عنقه معلقة، وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء: رجل شهد على نفسه مرة واحدة قال: حسبه * قال ابو محمد رحمه الله: انما اوردنا هذا لئلا يشغبوا فيما يذكرونه من احضار السرقة بما ذكرنا عن ابن عمر فأوجدناهم عن علي اصح مما وجدوا لابن عمر قطعا بغير احضار السرقة وكذلك عن عطاء والا فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال ابو محمد رحمه الله: وقال بعض من لا يرى درأ الحد عن السارق برجوعه انه ان اقر ثم رجع فلا قطع عليه لكن يغرم السرقة الذي اقر أنه سرقها منه وهذا تناقض وخطأ لانه لم يقر له بشئ الا على وجه السرقة (قلنا): فلا يخلو اقراره ذلك ضرورة من احد وجهين لا ثالث لهما، اما ان يكون صادقا في انه سرق منه ما ذكر أو يكون كاذبا في ذلك، فان كان صادقا فقد عطلوا الفرض إذ لم ينفدوا عليه ما أمر الله تعالى به من قطع يد السارق، وان كان كاذبا فقد ظلموه إذ غرموه ما لم يجب له عنده فقط، ولا(11/340)
صح اقراره به فهم بين تعطيل الفرض.
أو ظلم في اباحة مال محرم وكلاهما لا يحل
وبالله تعالى التوفيق * 2276 مسألة - اختلاف الشهادة في ذلك * قال أبو محمد رحمه الله: قال الشافعي.
وأبو يوسف.
ومحمد بن الحسن.
وأبو ثور: ان اختلف الشاهدان فقال أحدهما سرق بقرة، وقال الآخر: بل ثورا، أو قال أحدهما سرق بقرة حمراء.
وقال الآخر بل سوداء، أو قال أحدهما: سرق يوم الخميس، وقال الآخر: بل يوم الجمعة فلا قطع عليه، فان قال أحدهما: سرق بقرة حمراء، وقال الآخر: بل سوداء فعليه القطع وقال مالك: إن قال أحد الشاهدين: سرق يوم الخميس، وقال الآخر: بل يوم الجمعة، وقال اثنان: زنى يوم الخميس، وقال اثنان: بل يوم الجمعة فقد بطل عنه حد السرقة وحد الزنا قال فلو قال أحدهما قذف زيدا يوم الجمعة، وقال الآخر: قذفه يوم الخميس.
أو قال أحدهما: شرب الخمر يوم الخميس، وقال الآخر: بل يوم الجمعة فعليه حد القذف وحد الخمر وهذا كله تخليط، وإنما أوردناه لنرى بعون الله تعالى من نصح نفسه وأراد الله تعالى به خيرا بطلان أقوالهم في التشبيه الذي هو عندهم أصل لقياسهم الباطل وأنه من ميزه لم يعجز أن يعارض عللهم بمثلها أو بأقوى منها فنقول لجميعهم: أخبرونا عمن شهد عليه شاهدان بأنه سرق بقرة حمراء، وقال الآخر بيضاء، وعمن شهد عليه شاهدان بأنه قذف زيدا، وقال أحدهما: أمس، وقال الآخر: بل اليوم.
أو قال أحدهما: شرب خمرا أمس، وقال الآخر: بل اليوم أهذه الشهادة على سرقة واحدة.
أو على سرقتين مختلفتين، وعلى قذف واحد أم على قذفين متغايرين.
وعلى شرب واحد أم على شربين مفترقين (فان قالوا): بل على سرقة واحدة.
وشرب واحد.
وقذف واحد كابروا العيان لانه لا يشك ذو حس سليم في أن شرب يوم الخميس ليس هو شرب يوم الجمعة وانما هو شرب آخر وان سرق بقرة صفراء ليس هي سرقة بقرة سوداء، وانما هي سرقة أخرى (وان قالوا): بل هي سرقتان مختلفتان.
وشربان مختلفان وقذفان مختلفان متغايران (قيل لهم): فأي فرق بين هذا وبين الشهادات بزنا مختلف أو بسرقة ثور.
أو بقرة
أو باختلاف الشهادة في المكان وهذا ما لا سبيل لهم منه إلى التخلص أصلا لا بنص قرآن.
ولا سنة صحيحة.
ولا اجماع.
ولا قول صاحب.
ولا قياس.
ولا رأي سديد فسقط بيقين قول من فرق بين الاحكام التي ذكرنا ولم يبق الا قول من ساوى بينهما فراعى الاختلاف في كل ذلك.
أو لم يراع الاختلاف في شئ من ذلك * قال أبو محمد رحمه الله: فوجدنا من راعى الاختلاف في كل ذلك يقول: إذا(11/341)
اختلف الشاهدان في صفة المسروق.
أو في زمانه.
أو في مكانه فانما حصل من قولهم فعلان متغايران فإذ ذلك كذلك فانما حصل على فعل شاهد واحد ولا يجوز القطع بشاهد واحد وكذلك القذف فلا يجوز اقامة حد قذف.
ولا حد خمر بشاهد واحد فهذه حجتهم ما لهم حجة غيرها فنظرنا فيها فوجدناها لا تصح لان الذي ينبغي أن يضبط في الشهادة ويطلب به الشاهد انما هو ما لا تتم الشهادة الا به والذي ان نقص لم تكن شهادة فهذا هو الذي ان اختلف الشاهد فيه بطلت الشهادة لانها لم تتم، وأما ما لا معنى لذكره في الشهادة.
ولا يحتاج إليه فيها.
وتتم الشهادة مع السكوت عنه فلا ينبغي أن يلتفت إليه، وسواء اختلف الشهود فيه.
أو لم يختلفوا.
سواء ذكروه.
أو لم يذكروه واختلافهم فيه كاختلافهم في قصة أخرى ليست من الشهادة في شئ ولا فرق فلما وجب هذا كان ذكر اللون في الشهادة لا معنى له وكان أيضا ذكر الوقت في الشهادة في الزنا.
وفي السرقة.
وفي القذف.
وفي الخمر لا معنى له.
وكان أيضا ذكر المكان في كل ذلك لا معنى له فكان اختلافهم في كل ذلك كاتفاقهم كسكوتهم ولا فرق لان الشهادة في كل ذلك تامة دون ذكر شئ من ذلك وانما حكم الشهادة وحسب الشهود أن يقولوا: أنه زنى بامرأة أجنبية نعرفها أولج ذكره في قبلها رأينا ذلك فقط وما نبالي قالوا: أنها سوداء.
أو بيضاء.
أو زرقاء.
أو كحلاء مكرهة.
أو طائعة.
أمس أو اليوم.
أو منذ سنة بمصر.
أو ببغداد وكذلك لو اختلفوا في لون ثوبه حينئذ.
أو لون عمامته، وكذلك حسبهم أن يقولوا: سرق رأسا من البقر
مختفيا بأخذه ولا عليهما أن يقولا: أقرن.
أو اعضب.
أو أبتر.
أو وافي الذنب ابيض أو اسود، وهكذا في القذف.
وشرب الخمر ولا فرق، فصح ان الشهادة في كل ذلك تامة مع اختلاف الشهود وما لا يحتاج إلى ذكره في الشهادة إذا اقتضت شهادتهم وجود الزنا منه.
أو وجود السرقة.
أو وجود القذف منه أو وجود شرب الخمر منه فقط لانهم قد اتفقوا في ذلك، وهذا هو الموجب للحد فانما أوجب الله تعالى الحد في كل ذلك بوقوع الزنا ووجوب السرقة أو القذف وأثبت الاربعة الزنا فقد وجب الحد في ذلك بنص القرآن.
والسنة ولم يقل الله تعالى قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم لا تقبلوا الشهادة حتى يشهدوا على زنا واحد في وقت واحد في مكان واحد وعلى سرقة واحدة لشئ واحد في وقت واحد في مكان واحد (وما كان ربك نسيا) وتالله لو أراد الله تعالى ذلك لما أهمله ولا أغفله حتى يبينه فلان وفلان وحاش لله من هذا، فصح ان ما اشترطوه من ذلك خطأ لا معنى له، وبالله تعالى التوفيق * فليعلموا أن قولهم لا نعلمه عن احد من الصحابة رضي الله عنهم ولا نذكره عن تابع الا شيئا ورد عن قتادة *(11/342)
حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في رجل شهد عليه رجل انه سرق بأرض وشهد عليه آخر بأنه سرق بأرض أحرى قال: لا قطع عليه، وقد صح عن بعض التابعين ممن نعلمه أعلى من قتادة خلاف هذا كما نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا احمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا هشام بن عروة بن الزبير عن ابيه قال: تجوز شهادة الرجل وحده في السرقة، وقد ذكرنا مثل هذا عن عبيد الله بن ابي بكرة وان كنا لا نقول به ولكن ليريهم أن تمويههم بأنها شهادة واحدة على فعل واحد كلام فاسد وبالله تعالى التوفيق * 2277 مسألة - القطع في الضرورة - قال أبو محمد رحمه الله: نا حمام
نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي حدثنا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير قال: قال عمر بن الخطاب: لا تقطع في عذق.
ولا في عام السنه، وبه إلى معمر عن إبان أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب في ناقة نحرت فقال له عمر: هل لك في ناقتين عشراوين مرتعتين سمينتين بناقتك؟ فانا لا نقطع في عام السنة - والمرتعتان الموطأتان - * قال أبو محمد: من سرق من جهد أصابه فان أخذ مقدار ما يغيث به نفسه فلا شئ عليه وانما أخذ حقه فان لم يجد الا شيئا واحدا ففيه فضل كثير كثوب واحد أو لؤلؤة.
أو بعير.
أو نحو ذلك فأخذه كذلك فلا شئ عليه أيضا لانه يرد فضله لمن فضل عنه لانه لم يقدر على فضل قوته منه، فلو قدر على مقدار قوته يبلغه إلى مكان المعاش فأخذ أكثر من ذلك وهو ممكن لا يأخذه فعليه القطع لانه سرق ذلك عن غير ضرورة، وأن فرضا على الانسان أخذ ما اضطر إليه في معاشه فان لم يفعل فهو قاتل نفسه وهو عاص لله قال الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) وهو عموم لكل ما اقتضاه لفظه، وبالله تعالى التوفيق * 2278 مسألة - من سرق من ذي رحم محرمة - قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس فيمن سرق من مال كل ذي رحم محرمة فقال مالك.
وأبو حنيفة.
والشافعي.
وأحمد بن حنبل.
وأصحابهم.
وسفيان الثوري.
واسحق: ان سرق الابوان من مال ابنهما.
أو بنتهما فلا قطع عليهما، قال الشافعي: وكذلك الاجداد والجدات كيف كانوا لا قطع عليهم فيما سرقوه من مال من تليه ولادتهم، وقال: هؤلاء كلهم حاشى مالكا.
وأبا ثور لا قطع على الولد ولا على البنت فيما سرقاه من(11/343)
مال الوالدين.
أو الاجداد.
أو الجدات، قال مالك.
وأبو ثور: عليهما القطع في ذلك، وقال الثوري.
وأبو حنيفة.
واصحابه: لا قطع على كل من سرق مالا
لاحد من رحمه المحرمة، وقال أصحابنا: القطع واجب على من سرق من ولده.
أو من والديه.
أو من جدته.
أو من جده.
أو من ذي رحم محرمة.
أو غير محرمة واتفقوا كلهم أنه يقطع فيما سرق من ذي رحمه غير المحرمة، وفيما سرق من أمه من الرضاعة، وابنته وابنه من الرضاعة وأخوته من الرضاعة * قال ابو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق فنتبعه بعون الله تعالى فنظرنا في قول من أسقط القطع عن الابوين في مال الولد إذا سرقه فوجدناهم يحتجون بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: " أنت ومالك لابيك " قالوا: فانما أخذ ماله وقالوا: لو قتل ابنه لم يقتل به ولو زنى بأمة ابنه لم يحد لذلك فكذلك إذا سرق من ماله قال وفرض عليه ان يعفف أباه إذا احتاج إلى الناس فله في ماله حق بذلك، وقالوا له في ماله حق إذا احتاج إليه كلف الانفاق عليه، وقالوا قال الله تعالى: (وبالوالدين احسانا) وقال تعالى: (ان اشكر لي ولوالديك) وقال تعالى: (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما) إلى قوله: (كما ربياني صغيرا) فليس قطع أيديهما فيما أخذ من ماله رحمة، فهذا كل ما شغبوا به في كل ذلك وكل ذلك لا حجة لهم في شئ منه بل هو عليهم كما نبين ان شاء الله تعالى * أما ما ذكروا من القرآن فحق الا أنه لا يدل على ما ادعوا من اسقاط القطع فيما سرقوا من مال الولد ولا على اسقاط الجلد والرجم أو التغريب إذا زنى بجارية الولد ولا على اسقاط الحد إذا قذف الولد ولا على اسقاط المحاربة إذا قطع الطريق على الولد * أما قوله تعالى: (وبالوالدين احسانا) فان الله تعالى أوجب الاحسان اليهما كما أوجبه علينا أيضا لغيرنا قال الله تعالى: (وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والجار ذي القربى) الآية فان كانت مقدمة الآية حجة بوجوب الاحسان إلى الابوين في اسقاط القطع عنهما إذا سرقا من مال الولد فهي حجة أيضا ولا بد في اسقاط القطع عن كل ذي قربى وعن ابن السبيل وعن
الجار الجنب.
والصاحب بالجنب إذا سرقوا من أموالنا وهذا ما لا يقولونه فظهر تناقضهم وبطل احتجاجهم بالآية، وأيضا فالامر بالاحسان ليس فيه منع من إقامة الحدود بل إقامتها عليهم من الاحسان إليهم بنص القرآن لقول الله تعالى: (ان الله يأمر بالعدل والاحسان) وقد أمرنا باقامة الحدود فاقامتها على من أقيمت عليه(11/344)
احسان إليه وإنها تكفير وتطهير لمن أقيمت عليه وهم لا يختلفون في أن إماما لو كان له أب أو أم فسرقا فان فرضا عليه إقامة القطع عليهما فبطل تمويههم بالآية جملة وصح أنها حجة عليهم * وأما قوله تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك) فحق ومن الشكر اقامة أمر الله تعالى عليهما وليس يقتضي شكرهما اسقاط ما أمر الله تعالى به فيهما والذي أمر بشكرهما تبارك اسمه هو الذي يقول: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين) فصح أمر الله تعالى بالقيام عليهم بالقسط وبأداء الشهادة عليهم ومن القيام بالقسط إقامة الحدود عليهم وبالله تعالى التوفيق، وهكذا القول في قوله تعالى: (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما) الآية فليس في شئ من هذا اسقاط الحد عنهم في سرقة من مال الولد ولا في غير ذلك والله تعالى يقول: (أشداء على الكفار رحماء بينهم) ولم يكن وجوب الرحمة لبعضنا مسقطا لاقامة الحدود بعضنا على بعض فبطل تعلقهم بالآيات المذكورات جملة * وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنت ومالك لابيك " فقد أوضحنا ذلك أن ذلك خبر منسوخ قد صح نسخه بآيات المواريث وغيرها، وأول من يحتج بهذا الخبر فالحنيفيون.
والمالكيون.
والشافعيون لانهم لا يختلفون في أن الاب إذا أخذ من مال ابنه درهما وهو غير محتاج إليه فانه يقضى عليه برده أحب أم كره كما يقضى بذلك على الاجنبي ولا فرق ولو كان مال الولد للوالد لما قضى عليه برد ما أخذ منه فإذ قد صح أن هذا الخبر منسوخ وصح أن مال الولد للولد لا للوالد فقد صح أنه كمال الاجنبي ولا فرق *
(فان قالوا) ان للوالدين حقا في مال الولد لانهما إذا احتاجا أجبر على أن ينفق عليهما وعلى أن يعف أباه فإذ له في ماله حق فلا يقطع فيما سرق منه فهذا تمويه ظاهر ولم يخالفهم أحد في أن الوالدين إذا احتاجا فأخذا من مال ولدهما حاجتهما باختفاء أو بقهر أو كيف أخذاه فلا شئ عليهما فانما أخذا حقهما وانما الكلام فيهما إذا أخذا ما لا حاجة بهما إليه إما سرا وإما جهرا فاحتجاجهما بما ليس من مسألتهما تمويه وهم لا يختلفون فيمن كان له حق عند أحد فأخذ من ماله مقدار حقه فانه لا يقطع ولا يقضى عليه برده فلو كان وجوب الحق للابوين في مال الولد إذا احتاجا إليه مسقطا للقطع عنهما إذا سرقا من ماله ما لا يحتاجان إليه ولا حق لهما فيه لوجب ضرورة أن يسقط القطع عن الغريم الذي له الحق في مال غريمه إذا سرق منه ما لا حق له فيه وهذا لا يقولونه فبطل ما موهوا به من ذلك والحمد لله رب العالمين * وأما قولهم: لو قتل ابنه لم يقتل به ولو قطع له عضوا وكسره لم يقتص منه ولو قذفه لم يحد له ولو زنى بأمته لم يحد(11/345)
فكذلك إذا سرق من ماله لم يحد فكلام باطل واحتجاج للخطأ بالخطا بل لو قتل ابنه لقتل به ولو قطع له عضوا أو كسره لاقتص منه ولو قذفه لحد له ولو زنى بأمته لحد كما يحد الزاني وقد بينا كل هذا في أبوابه في كتاب الدماء.
والقصاص.
وحد الزنا وحد القذف * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ لم يبق لهم حجة أصلا فالواجب أن نرجع عند التنازع إلى ما افترض الله تعالى على المسلمين الرجوع إليه إذ يقول: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا الله تعالى يقول: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوجب القطع على من سرق، وقال: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فلم يخص الله تعالى في ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ابنا من أجنبي ولا خص في الاموال مال أجنبي من مال
ابن (وما كان ربك نسيا) وبيقين ندري أن الله تعالى لو أراد تخصيص الاب من القطع لما أغفله ولا أهمله قال تعالى: (تبيانا لكل شئ) فصح أن القطع واجب على الاب والام إذا سرقا من مال ابنهما ما لا حاجة بهما إليه ثم نظرنا في قول من احتج به من رأى اسقاط القطع عن الابن إذا سرق من مال أبويه وعن كل ذي رحم محرمة فوجدناهم يحتجون بقول الله تعالى: (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو من بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم) الآية إلى قوله تعالى: (أو صديقكم) قال: فأباحة الله تعالى الاكل من بيوت هؤلاء يقتضي إباحة دخول منازلهم بغير إذنهم فإذا جاز لهم دخول منازلهم بغير إذنهم لم يكن مالهم محرزا عنهم ولا يجب القطع في السرقة من غير حرز، وقالوا أيضا فان اباحة الاكل من أموالهم تمنعهم وجوب القطع لما لهم فيه من الحق كالشريك قالوا: وأيضا فان على ذي الرحم المحرمة أن ينفق على ذي رحمه عند الحاجة فصار له بذلك حق في ماله بغير بدل فأشبه السارق من بيت المال قالوا: ولما كان محتاجا إلى ما ينفقه عليه لا حياء نفسه كان ذلك لازما في جميع أعضائه فلذلك يسقط القطع عن اليد * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا كل ما موهوا به ولا حجة لهم في شئ منه أصلا على ما نبين ان شاء الله تعالى، فأما الآية فحق ولا دليل فيها على ما ذكروا بل هي حجة عليهم وقد كذبوا فيها أيضا أما كونها لا دليل فيها على ما ادعوه فانه ليس فيها اسقاط القطع على من سرق من هؤلاء لا بنص ولا بدليل وانما فيها اباحة الاكل لا اباحة الاخذ بلا خلاف من أحد من الامة (فان قالوا): قسنا الاخذ على الاكل (قلنا لهم):(11/346)
القياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لان القياس عند القائلين به قياس الشئ على نظيره في العلة أو في شبه بوجه ما، ولا يجوز عند أحد من الامة لا مجيز قياس ولا مانع قياس الضد على ضده ولا مضادة أكثر من التحريم والتحليل وأنتم مجمعون
معنا ومع الناس على أن الاخذ لعروض الاخ.
والاخت.
والعم.
والعمة.
والخال.
والخالة.
والاب والام.
والصديق من بيوتهم ونقل ما فيها حرام وان الاكل حلال فكيف استحللتم قياس حكم الحرام الممنوع على حكم الحلال المباح، واما قولهم في الآية وكذبهم فيها قول هذا الجاهل المقدم ان إباحة الله تعالى الاكل من بيوت هؤلاء يقتضي إباحة دخول منازلهم بغير اذنهم فليت شعري اين وجدوا هذه في هذه الآية أو في غيرها فيدخل الصديق منزل صديقه بغير اذنه هذا عجب من العجب أما سمعوا قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم) إلى قوله تعالى: (فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) فنص الله تعالى على انه لا يدخل بالغ أصلا على أحد الا باذن ودخل في ذلك الاب والابن وغيرهما حاش ما ملكت أيماننا والاطفال فانهم لا يستأذنون الا في هذه الاوقات الثلاثة فقط وبالله تعالى التوفيق * 2279 مسألة - سرقة أحد الزوجين من الآخر * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا، فقالت طائفة: لا قطع في ذلك كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: بلغني عن الشعبي قال: ليس على زوج المرأة في سرقة متاعها قطع، وقال أبو حنيفة.
وأصحابه: لا قطع على الرجل فيما سرق من مال امرأته ولا على المرأة فيما سرقت من مال زوجها، وقال مالك.
واحمد بن حنبل.
واسحق.
وأبو ثور: على كل واحد منهما القطع فيما سرق من مال الآخر من حرز، وقال الشافعي ثلاثة أقوال: أحدها كقول أبي حنيفة.
والآخر كقول مالك، والثالث أن الزوج إذا سرق من مالها قطعت يده وان سرقت هي من ماله فلا قطع عليها * قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا نظرنا في ذلك فوجدنا من لا يرى القطع يحتج بما رويناه من طريق مسلم نا محمد بن رمح نا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالامير الذي على الناس
راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولدها وهي مسئولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " وهكذا رواه عبد الله بن عمر بن حفص(11/347)
وحماد بن زيد.
وأيوب السختياني.
والضحاك بن عثمان.
وأسامة بن زيد كلهم عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد فيه كما روينا بالسند المذكور إلى مسلم نى حرملة نى ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر هذا الحديث وزاد فيه " والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته " قالوا فكل واحد من الزوجين أمين في مال الآخر فلا قطع عليه كالمودع وزاد بعض من لا يعبأ به في هذا الحديث زيادة لا نعرفها ولفظا مبدولا وهو المرأة راعية في مال زوجها والرجل راع في مال امرأته * قال أبو محمد رحمه الله: وكل هذا لا حجة لهم فيه اصلا، أما الخبر المذكور فحق واجب لا يحل تعديه وهو أعظم حجة عليهم لانه عليه السلام أخبر أن كل من ذكرنا راع فيما ذكر وأنهم مسئولون عما استرعوا من ذلك فإذ هم مسئولون عن ذلك فبيقين يدري كل مسلم أنه لم تبح لهم السرقة والخيانة فيما استودعوه وأسلم إليهم وأنهم في ذلك ان لم يكونوا كالاجنبيين والاباعد ومن لم يسترع فهم بلا شك أشد إثما وأعظم جرما وأسوأ حالة من الاجنبيين وأن ذلك كذلك فأقل أمورهم أن يكون عليهم ما على الاجنبيين ولا بد فهذا حكم هذا الخبر على الحقيقة، وأيضا فانهم لا يختلفون أن على من ذكرنا في الخيانة ما على الاجنبيين من الزام رد ما خانوا وضمانه وهم أهل قياس بزعمهم فهلا قاسوا ما اختلف فيه من السرقة والقطع فيها على ما اتفق عليه من حكم الخيانة ولكنهم قد قلنا انهم لا النصوص اتبعوا ولا القياس احسنوا، وأيضا فليس في هذا الخبر دليل أصلا على ترك القطع في السرقة والقول في الزيادة
التي زادوها سواء كما ذكرنا لو صحت ولا فرق، وأما قولهم إن كليهما كالمودع وكالماذون له في الدخول فأعظم حجة عليهم لانهم لا يختلفون أن المودع إذا سرق مما لم يودع عنده لكن من مال لمودع آخر في حرزه وأن المأذون له في الدخول لو سرق من مال محرز عنه للمدخول عليه الاذن له في الدخول لوجب القطع عليهما عندهم بلا خلاف فيلزمهم بهذا التشبيه البديع بالضد أن لا يسقطوا القطع عن الزوجين فيما سرق احدهما من الآخر الا فيما اؤتمن عليه ولم يحرز منه وان لم يجب القطع على كل واحد منهما فيما لم يأمنه صاحبه عليه وأحرز عنه كالمودع والمأذون له في الدخول ولا فرق، وهذا قياس لو صح قياس ساعة من الدهر * قال أبو محمد رحمه الله: فبطل كل ما موهوا به من ذلك والحمد لله رب العالمين، ثم نظرنا في ذلك في قول من فرق بين الزوج والزوجة فرأى عليه القطع إذا سرق من(11/348)
مالها ولم ير عليها القطع إذا سرقت من ماله فوجدناهم يقولون ان الرجل لا حق له في مال المرأة أصلا فوجب القطع عليه إذا سرق منه شيئا لانه في ذلك كالاجنبي فوجدنا المرأة لها في ماله حقوقا من صداق ونفقة وكسوة وإسكان وخدمة فكانت بذلك كالشريك ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لهند بنت عتبة إذ أخبرته أن أبا سفيان لا يعطيها ما يكفيها وولدها فقال لها عليه السلام: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " قالوا فقد أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها على مال زوجها تأخذ منه ما يكفيها وولدها فهي مؤتمنة عليه كالمستودع ولا فرق قالوا: والزوج بخلاف ذلك لان الله تعالى قال: (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) الآية، وقال تعالى: (فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) فبين الله تعالى تحريم القليل من مالها والكثير عليه * قال أبو محمد رحمه الله: أما قولهم إن لها في ماله حقوقا من صداق ونفقة وكسوة واسكان وخدمة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلق يدها على ماله حيث كان من حرز أو غير
حرز لتأخذ منه ما يكفيها وولدها بالمعروف إذا لم يوفيها وإياهم حقوقهم فنعم كل هذا حق واجب وهكذا نقول ولكن لا يشك ذو مسكة من حس سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطلق يدها على ما لا حق لها فيه من مال زوجها ولا على أكثر من حقها فإذ لا شك في ذلك فاباحة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لاخذ الحق والمباح ليس فيه دليل أصلا على اسقاط حدود الله تعالى على من أخذ الحرام غير المباح ولو كان ذلك لكان شرب العصير الحلال مسقطا للحد عنه إذا تعدى الحلال منه إلى المسكر الحرام ولا فرق بين الامرين فإذ ذلك كذلك فلها ما أخذت بالحق وعليها ما افترض الله تعالى من القطع فيما أخذت بوجه السرقة للحق الواجب حكمه وللمباح حكمه وللباطل المحرم حكمه (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وهي في ذلك كالاجنبي سواء سواء يكون له حقوق عند السارق فمباح له أن يأخذ حقه ومقدار حقه من مال الذي له عنده الحق من حرز أو من غير حرز نعم ويقاتله عليه ان منعه ويحل له بذلك دمه وهو مأجور في كل ذلك فان تعمد أخذ ما ليس له بحق فان تعمد أخذه بافساد طريق فهو محارب له حكم المحارب وان أخذه مجاهرا غير مفسد في الارض فله حكم الغاصب وإن اخذه مختفيا فله حكم السارق.
والمحارب هذا والزوجة في مال زوجها كذلك لان الله تعالى لم يخص إذ أمر بقطع السارق والسارقة الا أن تكون زوجة من مال زوجها ولا يكون زوج من مال زوجته (وما كان ربك نسيا) فصح يقينا أن القطع فرض واجب على الاب والام إذا سرقا من مال ابنهما وعلى الابن والبنت إذا سرقا من مال أبيهما.
وأمهما ما لم يبح لهما أخذه وهكذا(11/349)
كل ذي رحم محرمة أو غير محرمة إذا سرق من مال ذي رحمه أو من غير ذي رحمه ما لم يبح له أخذه فالقطع على كل واحد من الزوجين إذا سرقا من مال صاحبه ما لم يبح له أخذه كالاجنبي ولا فرق إذا سرق ما لم يبح وهو محسن ان أخذ ما أبيح له أخذه من حرز أو من غير حرز وبالله تعالى التوفيق *
2280 مسألة - هل يقطع السارق في أول مرة أم لا؟ * قال أبو محمد رحمه الله: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد ربه بن أبي أمية أن الحرث بن عبد الله بن أبي ربيعة حدثه.
وابن سابط الاحول " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بعبد قد سرق فقيل يا رسول الله هذا عبد سرق وأخذت معه سرقته وقامت البينة عليه (1) فقال رجل يا رسول الله هذا عبد بني فلان أيتام ليس لهم مال غيره فتركه قال ثم أتى به الثانية سارقا ثم الثالثة ثم الرابعة كل ذلك يقول فيه كما قيل له في الاول قال ثم أتى به الخامسة فقطع يده ثم أتى به السادسة فقطع رجله ثم السابعة فقطع يده، ثم الثامنة فقطع رجله " قال الحارث: أربع بأربع فأعفاه الله أربعا وعاقبه أربعا * قال أبو محمد رحمه الله: هذا مرسل ولا حجة في مرسل ولقد كان يلزم الحنيفيين.
والمالكيين القائلين بأن المرسل كالمسند أن يقولوا به لا سيما وهم يقولون بوجوب درء الحدود بالشبهات ولا شبهة أقوى من خبر وارد يعملون بمثله إذا اشتهوا وتالله ان هذا الخبر على وهيه لارفع أو مثل خبر ابن الحبشي الذي خالفوا له ظاهر القرآن وأيمن من خبر المسور الذي أسقطوا به ضمان ما أتلف بالباطل من مال المسروق منه وخالفوا به القرآن في ايجابه تعالى الاعتداء على المعتدي بمثل ما اعتدى به وأباحوا به المال بالباطل وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: فقطع السارق واجب في أول مرة بعموم القرآن كما ذكرنا وحسبنا الله ونعم الوكيل * 2281 مسألة - مقدار ما يجب فيه قطع السارق (2) * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في مقدار ما يجب فيه قطع يد السارق فقالت طائفة: يقطع في كل ما له قيمة قل أو كثر، وقالت طائفة: اما من الذهب فلا تقطع اليد فيه الا في ربع دينار فصاعدا وأما من غير الذهب ففي كل ما له قيمة قلت أو كثرت
وقالت طائفة: لا تقطع اليد الا في درهم أو ما يساوي درهما فصاعدا، وقالت طائفة:
__________
(1) في النسخة رقم 14 وقامت عليه البينة (2) في النسخة رقم 14 مقدار ما يجب فيه القطع(11/350)
لا تقطع اليد الا في درهمين أو ما يساوي درهمين فصاعدا، وقالت طائفة: أما من الذهب فلا تقطع اليد الا في ربع دينار فصاعدا.
وأما من غير الذهب فلا تقطع اليد الا فيما قيمته ثلاثة دراهم فان ساوى ربع دينار أو نصف دينار فأكثر ولم يساو لرخص الذهب ثلاثة دراهم فلا تقطع اليد فيه وان ساوى ثلاثة دراهم ولم يساو عشر دينار لغلاء الذهب فلا قطع فيه، وقالت طائفة.
اما من الذهب فلا تقطع اليد في أقل من ربع دينار.
وأما من غير الذهب فكل ما يساوي ربع دينار فصاعدا ففيه القطع فان ساوى عشرة دراهم أو أكثر أو أقل ولا يساوي ربع دينار لغلاء الذهب أو ساوى ربع دينار ولم يساو نصف درهم لرخص الذهب فالقطع في كل ذلك، وقالت طائفة: اما من الذهب فلا قطع في أقل من ربع دينار وتقطع في ربع دينار فأكثر، وأما من غير الذهب فان ساوى ربع دينار ولم يساو ثلاثة دراهم أو ساوى ثلاثة دراهم ولم يساو ربع دينار قطع في كل ذلك وان لم يساو ربع دينار ولا ثلاثة دراهم فلا قطع فيه، وقالت طائفة: لا تقطع اليد الا في أربعة دراهم أو ما يساويها فصاعدا، وقالت طائفة: لا تقطع اليد الا في ثلث دينار أو ما يساويه فصاعدا، وقالت طائفة لا تقطع اليد الا في خمسة دراهم أو ما يساويها فصاعدا، وقالت طائفة: لا تقطع اليد الا في دينار ذهب أو ما يساويه فصاعدا، وقالت طائفة: لا تقطع اليد الا في دينار ذهب أو عشرة دراهم أو ما يساوي أحد العددين فصاعدا فان لم يساو لا دينارا ولا عشرة دراهم لم تقطع * وقالت طائفة: لا تقطع اليد الا في عشرة دراهم مضروبة أو ما يساويها فصاعدا ولا تقطع في أقل * قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في ذلك فوجدنا مارويناه من طريق البخاري
نا عمر بن حفص بن غياث نا أبي نا الاعمش قال: سمعت أبا صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده " فكان هذا أيضا نصا بينا جليا على أنه لا حد فيما يجب القطع فيه في السرقة الا ان يأتي نص آخر مبين لذلك فوجدنا ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا الربيع بن سليمان نا أشعث نا الليث بن سعد عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن " فعم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل سرقة ولم يخص عددا من عدد(11/351)
ولو أنه عليه السلام أراد مقدارا من مقدار لبينه كما بين ذلك في النهبة في الحديث المذكور فخص ذات الشرف التي يرفع الناس إليه أبصارهم ولم يخص في الزنا ولا في السرقة ولا في الخمر فكانت هذه النصوص المتواترة المتظاهرة المترادفة موافقة لنص القرآن الذي به عرفنا الله تعالى مراده منا فنظرنا هل نجد في السنة تخصيصا لشئ من هذه النصوص؟ فوجدنا الخبر الذي ذكرناه من طريق عروة.
وعمرة.
والزهري.
وأبي بكر ابن حزم كما نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد ابن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا الوليد بن شجاع أرنى ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة.
وعمرة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقطع يد السارق الا في ربع دينار فصاعدا " * وبه إلى مسلم نا بشر بن الحكم العبدي نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن الهادي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تقطع يد السارق الا في ربع دينار فصاعدا " *
قال ابو محمد رحمه الله: فخرج الذهب بهذا الخبر عن جملة الآية وعن عموم النصوص التي ذكرنا قبل ووجب الاخذ بكل ذلك وان يستثنى الذهب من سائر الاشياء فلا تقطع اليد الا في ربع دينار بوزن مكة فصاعدا ولا تقطع في أقل من ذلك من الذهب خاصة، ثم نظرنا هل بحد نصا آخر فيما عدا الذهب؟ إذ ليس في هذا الخبر ذكر قيمة ولا ثمن اصلا ولا دليل على ذلك ولا فيه ذكر حكم شئ غير عين الذهب فإذا يونس ابن عبد الله قد حدثنا قال: نا عيسى بن أبي عيسى - هو يحيى بن عبد الله بن يحيى - قال: نا احمد بن خالد نا محمد بن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبد الرحيم بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ان يد السارق لم تكن تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ادنى من ثمن حجفة أو ترس كل واحد منهما يومئذ ذو ثمن وان يد السارق لم تكن تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشئ التافه فكان هذا حديثا صحيحا تقوم به الحجة وهو مسند لانها ذكرت عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع يد السارق الا فيه لانه لا يشك أحد لا مؤمن ولا كافر في أنه لم يكن في المدينة حيث كانت عائشة وحيث شهدت الامر أحد يقطع الايدي في السرقات ويحتج بفعله في الاسلام الا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فصح بهذا الخبر أحكام ثلاثة.
احدها أن القطع انما يجب في سرقة ما سوى الذهب فيما يساوي ثمن حجفة أو ترس قل ذلك أو كثر دون تحديد.
والثاني أن ما دون ذلك مما لا قيمة له أصلا وهو التافه لا يقطع فيه أصلا، والثالث بيان كذب من ادعى ان ثمن المجن الذي فيه(11/352)
القطع انما هو مجن واحد بعينه معروف وهو الذي سرق فقطع فيه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لان عائشة أخبرت بأن المراعى في ذلك ثمن حجفة أو ترس، وكلاهما ذو ثمن فلم يخص الترس دون الحجفة ولا الحجفة دون الترس وأخبرت أن كليهما ذو ثمن دون تحديد الثمن فصح ما قلناه يقينا، وأما قولنا في الدينار أنه بوزن مكة فلما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم مما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد
ابن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا احمد بن سليمان الزهراني نا أبو نعيم - هو الفضل بن دكين - نا سفيان - هو الثوري - عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحى عن طاوس عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة فالمثقال المكي إثنان وثمانون حبة من حب الشعير المجمل لا تنتخب كبيرة ولا تتحر صغيرة فربع دينار وزنه عشرون حبة ونصف حبة لا قطع في أقل من ذلك من الذهب المحض الصرف الذي لا ينضاف إليه خلط يظهر له فيه أثر قل أو كثر من ورق أو نحاس أو غير ذلك وبالله تعالى التوفيق * 2282 مسألة ذكر أعيان الاحاديث الواردة في القطع باختصار * قال أبو محمد رحمه الله: أما حديث ابن عمر قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجن ثمنه ثلاثة دراهم فلم يروه أحد إلا نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا رواه عنه الثقات الائمة أيوب السختياني وموسى بن عقبة.
وأيوب بن موسى.
وحنظلة بن أبي سفيان الجمحى.
وعبيد الله بن عمر بن حفص.
واسماعيل بن أمية.
واسماعيل بن علية.
وحماد بن زيد.
ومالك بن أنس.
والليث بن سعد.
ومحمد بن اسحق.
وجويرية بن أسماء وغير هؤلاء ممن لا يلحق بهؤلاء ولا يختلف في اللفظ إلا أن بعضهم قال: قيمته وبعضهم قال: ثمنه.
ورواه بعض الثقات أيضا عن حنظلة بن أبي سفيان عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قيمته خمسة دراهم، وجاء حديث لم يصح لان راويه أبو حرمل ولا يدرى من هو أن جارية سرقت ركوة خمر لم تبلغ ثلاثة دراهم فلم يقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما القطع في ربع دينار فلم يرو إلا عن عائشة رضي الله عنها، وروي عنها على ثلاثة أضرب.
أحدها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا قطع إلا في ربع دينار " والثاني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في ربع دينار أو قال: القطع في ربع دينار.
والثالث أنه عليه السلام لم يقطع في أقل من ثمن المجن حجفة أو ترس لا في الشئ التافه أو قطع في مجن ولم يرو هذه الالفاظ باختلافها عنها رضي الله عنها الا القاسم بن محمد.
وعروة بن الزبير.
وعمرة بنت عبد الرحمن.
وامرأة عكرمة لم تسم لنا.
فأما القاسم فأوقفه على عائشة من لفظها ولم يسنده
لكن أنها قالت: السارق تقطع يده في ربع دينار، وانكر عبد الرحمن ابنه على من رفعه(11/353)
وخطأه.
وأما من قال: لا قطع الا في ربع دينار فلم يروه أحد نعلمه إلا يونس عن الزهري عن عروة.
وعمرة عن عائشة مسندا.
وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة مسندا.
ومحمد بن عبد الرحمن عن عمرة عن عائشة مسندا، وأما الذين رووا القطع في ثمن المجن لا في التافه الذي هو أقل من ثمن المجن وتحديد هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وامرأة عكرمة عن عائشة مسندا، وأما حديث العشرة دراهم أو الدينار فليس فيه شئ أصلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي أن يجوز التموية فيه على أحد انما فيه موصولا به ذكر العشرة دراهم من قول عبد الله بن عمرو بن العاصي ولا يصح عنه أيضا ومن قول عبد الله بن عباس بن عبد الله وهو قول سعيد بن المسيب وأيمن كذلك وهو عنهم صحيح الا حديثا موضوعا مكذوبا لا يدرى من رواه من طريق ابن مسعود مسندا لا قطع الا في ربع دينار أو عشرة دراهم وليس فيه مع عليه ذكر القيمة أصلا * 2283 مسألة - ذكر ما يقطع من السارق * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس فيما يقطع من السارق، فقالت طائفة: لا تقطع الا اليد الواحدة فقط ثم لا يقطع منه شئ، وقالت طائفة: لا يقطع منه الا اليد والرجل من خلاف ثم لا يقطع منه شئ، وقالت طائفة: تقطع اليد ثم الرجل الاخرى، وقالت طائفة: تقطع يده ثم رجله من خلاف ثم رجله الثانية (واختلفوا أيضا) كيف تقطع اليد وكيف تقطع الرجل وماذا يفعل به إذا لم يبق له ما يقطع وأي اليدين تقطع وسنذكر ان شاء الله تعالى كل باب من هذه الابواب والقائلين بذلك وحجة كل طائفة ليلوح الحق ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، فأما من قال: لا تقطع الا يده فقط فكما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء سرق الاولى قال: تقطع كفه قلت فما قولهم أصابعه قال لم أدرك الا قطع الكف كلها قلت
لعطاء سرق الثانية قال: ما أرى ان تقطع الا في السرقة الاولى اليد فقط قال الله تعالى: (فاقطعوا أيديهما) ولو شاء أمر بالرجل ولم يكن الله تعالى نسيا، هذا نص قول عطاء، وأما من قال: تقطع اليد ثم اليد ولا تقطع الرجل فروى عن ربيعة وغيره، وبه قال بعض أصحابنا، وأما من قال: تقطع يده ثم رجله من خلاف فقط ثم لا يقطع منه شئ فكما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن أبي الضحى قال: كان علي بن أبي طالب لا يزيد في السرقة على قطع اليد والرجل قال وكيع: ونا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة ان علي بن أبي طالب أتى بسارق فقطع يده ثم أتى به فقطع رجله ثم أتى(11/354)
به الثالثة فقال اني استحيي أن اقطع يده فبأي شئ يأكل أو اقطع رجله فعلى أي شئ يعتمد؟ فضربه وحبسه * وبه إلى وكيع نا اسرائيل عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن ابن عابد الازدي قال: أتى عمر بن الخطاب برجل اقطع اليد والرجل - يقال له سدوم - فأران أن يقطعه فقال له علي بن أبي طالب: إنما عليه قطع يده ورجله فحبسه عمر * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار قال: كتب نجدة بن عامر إلى ابن عباس السارق يسرق فتقطع يده ثم يعود فتقطع يده الاخرى قال الله تعالى: (فاقطعوا أيديهما) قال ابن عباس: بلى ولكن يده ورجله من خلاف، قال عمرو بن دينار: سمعته من عطاء منذ أربعين سنة * قال أبو محمد رحمه الله: هذا إسناد في غاية الصحة ويحتمل قول ابن عباس هذا وجهين.
أحدهما بلى ان الله تعالى قال هذا ولكن الواجب قطع يده ورجله ويحتمل أيضا بلى ان الله تعالى قال هذا وهو الحق ولكن السلطان يقطع اليد والرجل وهذا الوجه الثاني هو الذي لا يجوز أن يحمل قول ابن عباس على غيره البتة لانه لا يجوز أن يكون ابن عباس يحقق أن هذا قول الله تعالى ثم يخالفه ويعارضه إذ لا يحل ترك أمر الله تعالى
الا لسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخة لما ورد في القرآن واردة من عند الله تعالى بالوحي إلى نبيه عليه السلام فمن الباطل الممتنع ان يخالف قول ابن عباس قول الله تعالى برأيه أو بتقليده لرأي أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبعد الناس من ذلك وقد دعاهم إلى المباهلة في العول وغيره، وقال في أمر متعة الحج وفسخه بعمرة ما أراكم الا سيخسف الله بكم الارض أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر.
وعمر، ومن المحال أن يكون عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة في ذلك ولا يذكرها وقد أعاذه الله تعالى من ذلك، ومن المحال أن يسمعه عطاء ويفهم عنه ان عنده في قطع الرجل سنة ينبغي لها ترك القرآن ثم يأبى عطاء من قطع الرجل في السرقة كما ذكرنا عنه ويتمسك بالقرآن في ذلك ويقول: (وما كان ربك نسيا) لو شاء الله تعالى أمر بالرجل، فصح يقينا ان ابن عباس لم يرد بقوله بلى ولكن اليد والرجل الا لتصحيح قطع اليدين فقط على حكم الله تعالى في القرآن وأن قوله ولكن اليد والرجل انما أخبر عن فعل أهل زمانه فقط، وعن الزهري وسالم وغيره انما قطع أبو بكر الصديق رجله وكان مقطوع اليد قال الزهري: فلم يبلغنا في السنة الا قطع اليد والرجل لا يزاد على ذلك، وعن ابراهيم النخعي قال كانوا يقولون لا يترك ابن آدم مثل البهيمة ليس له يد يأكل بها ويستنجي بها وهو قول حماد بن أبي سليمان.
وسفيان الثوري.
وأحمد بن حنبل.
وأصحابهم *(11/355)
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في قول من رأى قطع يد السارق الواحدة فقط ثم لا يقطع منه شئ.
وقول من رأى قطع اليد بعد اليد فقط ولم ير قطع الرجل في ذلك أصلا فوجدناهم يقولون: قال الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقطع اليد الا في ربع دينار فصاعدا "، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده "
وقالت عائشة رضي الله عنها لم تكن الايدي تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشئ التافه فهذا القرآن والآثار الصحاح الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت بقطع الايدي لم يأت فيها للرجل ذكر، وقال تعالى: (اتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم) وقد بينا أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قطع رجل السارق شئ أصلا ولو صح لقلنا به، وما تعديناه ولم يرو في قطع الرجل شئ الا عن أبي بكر.
وعمر.
وعثمان.
وعلي.
ويعلى بن منبه.
فأما الرواية عن عثمان فلا تصح.
وأما الرواية عن أبي بكر قد جاء عنه أنه أراد قطع الرجل الثانية في السرقة الثالثة وهم لا يقولون بهذا، وصح عن علي أنه لم ير قطع الرجل الثانية ولا اليد الثانية فصح الاختلاف عنهم في ذلك رضي الله عنهم * وما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم.
ومحمد ابن أبي بكر عن أبيه قال: أراد أبو بكر قطع الرجل بعد اليد والرجل فقال عمر: السنة في اليد، فهذا عمر رضي الله عنه لم ير السنة الا في اليد * قال أبو محمد رحمه الله: فانبلج الامر ولله الحمد * وقد روينا من طريق البخاري نا يحيى بن بكير نا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة أن ابن عباس كان يحدث أن رجلا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة وذكر الحديث وأن أبا بكر رضي الله عنه عبر تلك الرؤيا وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابي بكر رضي الله عنه: " أصبت بعضا وأخطأت بعضا " فكل أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطئ ويصيب * (فان قال قائل): قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " (قلنا): سنة الخلفاء رضي الله عنهم هي اتباع سنته عليه السلام وأما ما عملوه باجتهاد فلا يجب اتباع اجتهادهم في ذلك، وقد صح عن أبي بكر.
وعمر.
وعثمان.
وعلي.
وابن الزبير.
وخالد بن الوليد.
وغيرهم القود من اللطمة(11/356)
والحنيفيون.
والمالكيون.
والشافعيون لا يقولون بذلك، وأما نحن فليس الاجماع عندنا الا الذي تيقن أنهم أولهم عن آخرهم قالوا به وعملوه وصوبوه دون سكوت من أحد منهم، ولا خلاف من أحد منهم فهذا حقا هو الاجماع وبالله تعالى التوفيق * فإذ إنما جاء القرآن.
والسنة بقطع يد السارق لا بقطع رجله فلا يجوز قطع رجله أصلا وهذا ما لا اشكال فيه والحمد لله، فوجب من هذا إذا سرق الرجل أو المرأة أن يقطع من كل واحد منهما يدا واحدة فان سرق أحدهما ثانية قطعت يده الثانية بالنص من القرآن.
والسنة فان سرق في الثالثة عذر وثقف ومنع الناس ضره حتى يصلح حاله وبالله تعالى التوفيق * 2284 مسألة - صفة قطع اليد - قد ذكرنا عن علي رضي الله عنه في قطع الاصابع من اليد وقطع نصف القدم من الرجل.
وذكرنا قول عمر رضي الله عنه وغيره في قطع كل ذلك من المفصل، وأما الخوارج فرأوا في ذلك قطع اليد من المرفق.
أو المنكب * قال أبو محمد رحمه الله: واحتجوا في ذلك بقول الله تعالى: (فاقطعوا أيديهما) قالوا: واليد في لغة العرب اسم يقع على ما بين المنكب إلى طرف الاصابع وهذا وان كان ايضا كما ذكرنا عنهم فان اليد أيضا تقع على الكف وتقع على ما بين الاصابع إلى المرفق فإذ ذلك كذلك فانما يلزمنا أقل ما يقع عليه اسم يد لان اليد محرمة قطعها قبل السرقة ثم جاء النص بقطع اليد فواجب أن لا يخرج من التحريم المتيقن المتقدم شئ الا ما تيقن خروجه ولا يقين الا في الكف فلا يجوز قطع أكثر منها، وهكذا وجدنا الله تعالى إذ أمرنا في التيمم بما أمر إذ يقول تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) ففسر رسول الله صلى الله عليه وسلم مراد الله تعالى بذكر الايدي ههنا وانه الكفان فقط على ما قد أوردناه،
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم الفرق بين حد الحر.
وبين حد العبد على ما قد ذكرناه، فإذ قد نص عليه السلام على أن حد العبد بخلاف حد الحر فهذا عموم لا ينبغي أن يخص منه شئ بغير نص ولا اجماع فالواجب ان سرق العبد أن تقطع أنامله فقط وهو نصف اليد فقط وان سرق الحر قطعت يده من الكوع وهو المفصل، وأما في المحاربة فتقطع يد الحر من المفصل ورجله من المفصل وتقطع من العبد أنامله من اليد ونصف قدمه من الساق كما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نأخذ من قول كل قائل(11/357)
ما وافق النص ونترك ما لم يوافقه وبالله تعالى التوفيق * (1) 2285 مسألة - قطع اليد فيمن جحد العارية * قال أبو محمد رحمه الله: روينا من طريق مسلم نا عبد بن حميد نا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وذكر الحديث * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت: " كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع فتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم اسامة النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أسامة الا أراك تكلم في حد من حدود الله ثم قام عليه السلام خطيبا فقال انما هلك من كان قبلكم بانه إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها فقطع يد المخزومية " * وعن نافع عن ابن عمر قال: " كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فامر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها " قال عبد الله بن احمد بن حنبل سألت أبي فقلت له تذهب إلى هذا الحديث فقال: لا أعلم شيئا يدفعه وقال تقطع يد المستعير إذا جحد ثم أقر * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب انا عثمان بن عبد الله بن الحسن ابن حماد نا عمرو بن هاشم أبو مالك عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن نافع عن
__________
(1) وجد في هامش نسخة رقم 14 ما نصه * وأما أي اليدين تقطع؟ فان عبد الله بن ربيع ثنا قال ثنا ابن مفرج ثنا قاسم بن اصبغ ثنا ابن وضاح ثنا سحنون ثنا ابن وهب عن مخرمة بن بكير بن الاشج عن أبيه عن نافع مولى ابن عمر قال: سرق سارق بالعراق في زمان على بن أبى طالب فقدم ليقطع يده فقدم السارق يده اليسرى ولم يشعروا فقطعت فأخبر على ابن أبى طالب خبره فتركه ولم يقطع يده الاخرى وبهذا يقول مالك.
وأبو حنيفة وقال بعض أصحابنا على متولى القطع دية اليد وقال قائلون تقطع اليمنى، واحتجوا أن الواجب قطع اليمنى واحتجوا في ذلك بقراءة ابن مسعود (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما) والقراءة غير صحيحة وادعوا إجماعا وهو باطل يرده قطع على الشمال عن اليمين واكتفاؤه بذلك فلو وجب قطع اليمين لما أجزأ عن ذلك قطع الشمال كما لا يجزئ الاستنجاء باليمين ولا الاكل بالشمال ولا نص الا وجوب قطع اليد أو الايدي في الكتاب والسنة الا أننا نستحب قطع اليمين للاثر عنه عليه السلام أنه كان يحب التيمن في شأنه كله * انتهى وقد أشار الناسخ إلى أن هذا ما ذكره وجده في نسخة أخرى فنقله *(11/358)
ابن عمر قال: " ان امرأة كانت تستعير الحلى للناس ثم تمسكه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتتب إلى الله ورسوله وترد ما تأخذ على القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها " * قال أبو محمد رحمه الله: وكان من اعتراض من انتصر لهذا القول ان قال في الحديث الذي رويتم الحديث الذى رويتم مختلف فيه فروى بعضهم ان تلك المخزومية سرقت كما روينا من طريق مسلم نا محمد بن رمح نا الليث - هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة " أن قريشا اهمهم شأن المخزومية التى سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه الا اسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلمه اسامة فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب فقال يا أيها الناس انما هلك الذين من قبلكم انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " * ومن طريق مسلم نا حرملة أخبرني ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم " ان قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: من يجترئ عليه الا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فيها اسامة بن زيد فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتشفع في حد من حدود الله؟ فقال أسامة: استغفر لى يا رسول الله فلما كان العشى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب فأثنى على الله تعالى بما هو أهله ثم قال: أما بعد فانما هلك الذين من قبلكم انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وان سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذى نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطع يدها " فهؤلاء يرون أنها سرقت، قالوا: ومن الدليل على أنها امرأة واحدة وقصة واحدة وأنها سرقت وان من روى استعارت قد وهم أن في جمهور هذه الآثار انهم استشفعوا لها بأسامة بن زيد وان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم انكر ذلك عليه ونهاه أن يشفع في حد من حدود الله تعالى ومن المحال أن يكون أسامة ابن زيد رضي الله عنه قد نهاه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يشفع في حد من حدود الله تعالى ثم يعود فيشفع في حد آخر مرة أخرى، وقالوا: إن المستعير خائن ولا قطع على خائن لاسيما وقد نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب قال: سمعت ابن جريج(11/359)
يحدث عن أبى الزبير المكي عن جابر بن عبد الله " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس
على الخائن ولا على المختلس ولا على المنتهب قطع " قال: وتحتمل رواية من روى أنها استعارت فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعها أنهم أرادوا التعريف بأنها هي التي كانت استعارت الحلى وسرقت فقطعت للسرقة لا للعارية، قالوا: وهذا كما روى " افطر الحاجم والمحجوم " ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي خلف الصف فأمره باعادة الصلاة، قالوا: وليس من أجل الحجامة أخبر بأنهما أفطرا لكن بغير ذلك وليس من أجل الصلاة خلف الصف أمره بالاعادة لكن بغير ذلك * قال أبو محمد رحمه الله: هذا كل ما شغبوا به قد تقصيناه وكل ذلك لا حجة لهم في شئ منه على ما نبين ان شاء الله تعالى فنقول: وبالله تعالى التوفيق * أما كلامهم في اختلاف الرواية عن الزهري فلا متعلق لهم به لان معمرا.
وشعيب ابن أبي حمزة روياه عن الزهري وهما في غاية الثقة والجلالة وكذلك أيوب بن موسى كلهم يقولون: انها كانت تستعير المتاع فتجحده فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فأمر بقطع يدها وأخبر أنه حد من حدود الله تعالى ولم يضطرب على معمر في ذلك ولا على شعيب بن أبي حمزة وان كانا خالفهما الليث.
ويونس بن أبى يزيد.
واسماعيل ابن أمية.
واسحق بن راشد فان الليث قد اضطرب عليه أيضا وكذلك على يونس ابن يزيد فان الليث.
ويونس.
واسماعيل.
واسحق ليسوا فوق معمر.
وشعيب في الحفظ وقد وافقهما ابن أخى الزهري عن عمه، وأما تنظيرهم في ذلك بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم " أفطر الحاجم والمحجوم " وبأمره صلى الله عليه وسلم الذي صلى خلف الصف باعادة الصلاة فما زادوا على أن فضحوا أنفسهم واستحلوا في الكذب الذي لا يستسهله مسلم لانهم يقولون: انهما أفطرا لانهما كانا يغتابان الناس فقيل لهم فمن اغتاب الناس وهو صائم أفطر عندكم قالوا: لا وهذه مضاحك وشماتة الاعداء واستخفاف بأوامر النبي صلى الله عليه وسلم مع الكذب عليه أن يقول عليه السلام: " أفطر الحاجم والمحجوم " فيقولون هم لم يفطر واحد منهما، فان قيل لهم أتكذبون
النبي صلى الله عليه وسلم في قوله افطرا؟ قالوا: افطرا بغير ذلك وهو الغيبة، فان قيل لهم أتفطر الغيبة؟ قالوا لا فرجعوا إلى ما فروا عنه كيدا لاهل الاسلام ولم اغتر بهم من الضعفاء المخاذيل * واما حديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم في المصلى خلف الصف وحده باعادة الصلاة فلو لم يرو أحد عشر من الصحابة بالاسانيد الثابتة أمره صلى الله عليه وسلم باقامة الصفوف والتراص فيها والوعيد على خلاف ذلك لامكن أن يعذروا بالجهل فكيف ولا عذر لهم(11/360)
لانه لا يجوز لمسلم أن يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لامته: أفطر الحاجم والمحجوم " وأمر المصلى خلف الصف وحده باعادة الصلاة ثم لا يبين لهم الوجه الذي أفطرا به ولا الوجه الذي أمر من أجله المصلى خلف الصف باعادة الصلاة، فهذا طعن على النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحل لمسلم أن يظن أنه عليه السلام أمره بالاعادة لامر لم يبينه علينا.
وأما قولهم أن المستعير الجاحد خائن ولا قطع على خائن والحديث بذاك عن جابر وقد ذكرنا قبل فساد هذا الخبر في صدر كلامنا في قطع السارق، وأن ابن جريج لم يسمعه من أبى الزبير وأن أبا الزبير لم يسمعه من جابر لانه قد أقر على نفسه بالتدليس فسقط التعلق بهذا الخبر والحمد لله رب العالمين * قال أبو محمد رحمه الله: فنقول وبالله تعالى نستعين ان رواية من روى أنها استعارت فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها.
ورواية من روى أنها سرقت فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها صحيحان لا مغمز فيهما لان كليهما من رواية الثقات التي تقوم بها الحجة في الدين على ما أوردنا، والعجب كله فيمن يتعلل في رد هذه السنة بهذا الاضطراب وهم يأخذون بحديث " لا قطع إلا في ربع دينار " وبحديث " القطع في مجن ثمنه عشرة دراهم " وهما من الاضطراب بحيث قد ذكرناه وذلك الاضطراب أشد من الاضطراب في هذا الخبر بكثير أو يأخذ بخبر ابن عمر قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجن ثمنه ثلاثة دراهم وليس فيه بيان أن ذلك حد القطع
وقد عارضه مثله في الصحة من القطع في ربع دينار * قال أبو محمد رحمه الله: فان في هذا الوجه من الاضطراب ليس علة في شئ من الاخبار فلنقل بعون الله تعالى إن في هاتين الروايتين اللتين إحداهما استعارت المتاع فجحدت فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعها وفي الاخرى انها سرقت فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها يخلو من أن يكونا في قصتين اثنتين في امرأتين متغايرتين أو يكونا في قصة واحدة في امرأة واحدة فان كانت في قصتين وفي امرأتين فقد انقطع الهذر وبطل الشغب جملة ويكون الكلام في شفاعة أسامة فيهما جميعا على ما قد ذكرنا من البيان من أنه شفع في السرقة فنهى ثم شفع في المستعيرة وهو لا يعلم أن حد ذلك أيضا القطع على أننا لو شئنا القطع فانهما امرأتان متغايرتان وقضيتان اثنتان لكان لنا متعلق بخلاف دعاويهم المجردة من كل علقة الا من المجاهرة بالباطل والجسر على الكذب لكان كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج قال: أخبرني عكرمة بن خالد(11/361)
المخزومي أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومى أخبره " ان امرأة جاءت إلى امرأة فقالت ان فلانة تستعيرك حليا - وهي كاذبة - فأعارتها إياه فمكثت لا ترى حليها فجاءت التي كذبت على فيها فسألتها حليها فقالت ما استعرت منك شيئا فرجعت إلى الاخرى فسألتها حليها فأنكرت أن تكون استعارت منها شيئا فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فدعاها فقالت والذى بعثك بالحق ما استعرت منها شيئا فقال: اذهبوا فخذوه من تحت فراشها فأخذ وأمر بها فقطعت " قال ابن جريج: وأخبرني بشر بن تميم أنها أم عمرو بنت سفيان بن عبد الاسد قال ابن جريج: لا اخذ غير هالا اخذ غيرها قال ابن جريج: وأخبرني عمرو بن دينار قال: أخبرني الحسن بن محمد بن علي بن أبى طالب قال: " سرقت امرأة فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه عمرو بن أبى سلمة فقال للنبى صلى الله عليه وسلم: أي إنها عمتي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها " قال عمرو بن دينار: فلم أشك حين قال
حسن: قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: إنها عمتى إنها بنت الاسود بن عبد الاسد * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا ابن جريج يحكي عن عمرو بن دينار أنه لا يشك ان التى سرقت بنت الاسود بن عبد الاسد ويخبر عن بشر التيمي ان التي استعارت هي بنت سفيان بن عبد الاسد وهما ابنتا عم مخزوميتان عمهما أبو سلمة بن عبد الاسد رضى الله عنه زوج أم سلمة رضى الله عنها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنا نقول وبالله تعالى التوفيق هبك انها امرأة واحدة وقصة واحدة فلا حجة فيها لان ذكر السرقة انما هو من لفظ بعض الرواة لا من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ذكر الاستعارة وإنما لفظ النبي صلى الله عليه وسلم لو كانت فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتها فهذا يخرج على وجهين يعني ذكر السرقة أحدهما أن يكون الراوي يرى ان الاستعارة سرقة فيخبر عنها بلفظ السرقة، والوجه الآخر هو أن الاستعارة ثم الجحد سرقة صحيحة لا مجازا لان المستعير إذا أتى على لسان غيره فانه مستخف بأخذ ما أخذ من مال غيره يورى بالاستعارة لنفسه أو لغيره ثم يملكه مستترا مختفيا فهذه هي السرقة نفسها دون تكلف فكان هذا اللفظ خارجا عما ذكرنا أحسن خروج وكان لفظ من روى العارية لا يحتمل وجها آخر أصلا * قال أبو محمد رحمه الله: فتقطع يد المستعير الجاحد كما تقطع من السارق سواء سواء من الذهب في ربع دينار لا في أقل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا " وفي غير الذهب في كل ماله قيمة: قلت أو كثرت لانه قطع في مال أخذ اختفاء لا مجاهرة وتقطع المرأة كالرجل لاجماع الامة كلها على أن حكم الرجل في ذلك كحكم المرأة ومن مسقط القطع عنها ومن موجب القطع عليها ولا قطع في ذلك(11/362)
الا ببينة تقوم بالاخذ والتمليك مع الجحد أو الاقرار بذلك فان عاد مرة أخرى قطعت اليد الاخرى لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقطع يدها وهذا عموم لان المستعير طلبه العارية مستخفيا بمذهبه في أخذه فكان سارقا فوجب عليه القطع وحسبنا الله ونعم الوكيل *
2286 مسألة - قطع الدراهم - نا عبد الله بن محمد بن علي الباجى نا احمد بن خالد نا أبو عبيد بن محمد الكشوري نا محمد بن يوسف الحذافي نا عبد الرزاق نا داود بن قيس أخبرني خالد بن أبي ربيعة أن ابن الزبير حين قدم مكة وجد رجلا يقرض الدراهم فقطع يده * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب انا عبد الجبار بن عمر عن أبي عبد الرحمن التيمي قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز وهو إذ ذاك أمير على المدينة فأتى برجل يقطع الدراهم وقد شهد عليه فضربه وحلقه وأمر به فطيف به وأمره أن يقول هذا جزاء من يقطع الدراهم ثم أمر به أن يرد إليه فقال أما اني لم يمنعني من أن أقطع يدك الا أني لم أكن تقدمت في ذلك قبل اليوم وقد تقدمت في ذلك فمن شاء فليقطع * قال أبو محمد رحمه الله: وروينا من طريق سعيد بن المسيب أنه قال وددت أني رأيت الايدى تقطع في قرض الدنانير والدراهم * قال أبو محمد رحمه الله: معنى هذا أنه كانت الدارهم يتعامل بها عددا دون وزن فكان من عليه دراهم أو دنانير يقرض بالجلم من تدويرها ثم يعطيها عددا ويستفضل الذي قطع من ذلك * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا عمل ابن الزبير - وهو صاحب - لا يعرف له مخالف من الصحابة رضى الله عنهم والحنيفيون يجعلون نزحه زمزم من زنجى وقع فيها حجة واجماعا لا يجوز خلافه في نصر باطلهم في أن الماء ينجسه ما وقع فيه وان لم يغيره وليس في خبرهم أن زمزم لم تكن تغيرت ولعلها قد كانت تغيرت ولعل الماء كان فيها قدر أقل من قلتين كما يقول الشافعي، وكيف وقد صح أن المؤمن لا ينجس وهم يحتجون بهذا واسقاطهم السنة الثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من غسل ميتا فليغتسل فهم يحتجون بأن المؤمن لا ينجس حيث لا مدخل له فيه وليس الغسل من غسل الميت تنجيسا من الميت ولا كرامة بل هو طاهر ان كان مؤمنا لكنها شريعة كالغسل من
الايلاج وان كان كلا الفرجين طاهرا، وكالغسل من الاحتلام، فان ذكروا ما ناه عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الملك بن عبد العزيز أن عبد الله بن الزبير ضرب رجلا في قطع(11/363)
الدنانير والدراهم قلنا وبالله تعالى التوفيق هذا لا يخالفه ما ذكرنا عنه قبل لان هذا ليس فيه أنه قرض مقدار ما يجب فيه القطع فلا يلزمه قطع وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأت عنه عليه السلام ايجاب القطع في قرض الدنانير.
والدراهم، ولا يقع عليه اسم سارق ولا مستعير وبالله تعالى التوفيق * 2287 مسألة - في تحريم الخمر واختلاف الناس في حد شاربها * قالت طائفة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرض فيها حدا وانما فرضه من بعده، وقالت طائفة: لا حد فيها أصلا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرض فيها حدا * وقالت طائفة: بل فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها حدا، ثم اختلفوا فقالت طائفة ثمانين، وقالت طائفة: أربعين فأما من قال لم يوقت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم حدا فانهم ذكروا في ذلك ما ناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا ابراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا عبد الله ابن عبد الوهاب الحجبي أنا خالد بن الحرث نا سفيان الثوري نا أبو حصين قال: سمعت عمير بن سعد النخعي يقول: سمعت علي بن أبي طالب قال: ما كنت لاقيم حدا على أحد فيموت فأجد في نفسي الا صاحب الخمر فانه لو مات وديته وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه * قال أبو محمد رحمه الله: هكذا ناه عبد الرحمن بن عبد الله * وبه إلى البخاري نا قتيبة بن سعيد نا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب السختياني عن عبد الله بن أبي مليكة عن عقبة بن الحرث أنه قال: جئ بالنعيمان أو ابن النعيمان فأمر من كان في البيت أن يضربوه فكنت أنا فيمن ضربوه بالنعال * وبه إلى البخاري نا قتيبة
نا أبو ضمرة نا أنس بن عياض عن يزيد بن الهادي عن محمد بن ابراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل شرب فقال اضربوه قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده ومنا الضارب بنعله والضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله قال: لا تقولوا هذا لا تعينوا عليه الشيطان " * وبه إلى البخاري نا مكي بن ابراهيم عن أبي الجعد عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال: " كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبى بكر وصدرا من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين " * وبه إلى البخاري نا يحيى بن بكير نى الليث بن سعد نا خالد بن يزيد عن سعيد بن هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أن رجلا على عهد(11/364)
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشرب فأتى به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه فو الله ما علمته إلا يحب الله ورسوله فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك سنته ثم جلد أبو بكر في الخمر أربعين ثم جلد عمر أربعين صدرا من إمارته ثم جلد عثمان الحدين كليهما ثمانين وأربعين ثم أثبت معاوية الحد ثمانين * قال أبو محمد رحمه الله: فمن تعلق بزيادة عمر رضى الله عنه ومن زادها معه على وجه التعزير وجعل ذلك حدا واجبا مفترضا فيلزمه أن يحرق بيت بائع الخمر ويجعل ذلك حدا مفترضا لان عمر فعله وأن ينفى شارب الخمر أيضا ويجعله حدا واجبا لان عمر فعله، فان قال قد قال عمر: لا أغرب بعده أحدا قيل وقد جلد عمر أربعين وستين في الخمر بعد أن جلد الثمانين بأصح اسناد يمكن وجوده، ويلزمهم
أن يحلقوا شارب الخمر بعد الرابعة كما فعل عمر فلا يحدونه أصلا، ويلزمهم ان يوجبوا جلد ثمانين أيضا ولا بد على من فضل عليا على أبي بكر أو على عمر أو على من فضل عمر على أبي بكر لان عمر وعليا قالا ذلك بحضرة الصحابة ويلزمهم أن يجلد حدا واجبا كل من كذب على الله تعالى وعلى القرآن والا فقد تناقضوا بالباطل فظهر فساد قولهم * قال أبو محمد رحمه الله: وصح بما ذكرنا أن القول بجلد أربعين في الخمر هو قول أبي بكر.
وعمر.
وعثمان.
وعلي.
والحسن بن علي.
وعبد الله بن جعفر بحضرة جميع الصحابة رضي الله عنهم، وبه يقول الشافعي.
وأبو سليمان.
وأصحابهما: وبه نأخذ وبالله تعالى التوفيق * 2288 مسألة هل يقتل شارب الخمر بعد أن يحد فيها ثلاث مرات أم لا؟ قال أبو محمد رحمه الله: (1) اختلف الناس في شارب الخمر يحد فيها ثم يشربها
__________
(1) وجد في هامش نسخة رقم 14 زيادة غير موجودة في بقية النسخ وهاك نصها * قال ابو محمد رحمه الله: الخمر حرام بنص القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجماع الامة فمن استحلها ممن سمع النص في ذلك وعلم بالاجماع فهو كافر مرتد حلال الدم والمال فاما القرآن فقوله تعالى: (إنما الخمر) إلى قوله تعالى: (فاجتنبوه) فامر تعالى باجتناب الرجس جملة واخبر تعالى أن الخمر من الرجس ففرض اجتنابها لان أوامر الله تعالى على الفرض حتى يأتي نص آخر يبين أنه ليس فرضا، وقال تعالى: (إنما حرم ربى >(11/365)
فيحد فيها ثانية ثم يشربها فيحد فيها ثالثة ثم يشربها الرابعة فقالت طائفة: يقتل، وقالت طائفة: لا يقتل، فأما من قال يقتل فكما نا احمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد ابن قاسم نا جدى قاسم بن أصبغ نا الحرث - هو ابن أبي أسامة - نا عبد الوهاب ابن عطاء أنا قرة بن خالد عن الحسن بن عبد الله بن النصري عن عبد الله بن عمرو
ابن العاصي أنه قال ائتوني برجل أقيم عليه حد في الخمر فان لم أقتله فانا كاذب، وقال مالك.
والشافعي.
وأبو حنيفة.
وغيرهم: أن لا قتل عليه وذكروا ذلك عن عمر بن الخطاب.
وسعد بن أبي وقاص * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب ان ننظر في ذلك فوجدنا من رأى قتله كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا موسى ابن اسماعيل ثنا أبو سلمة انا ابان - هو ابن يزيد العطار - عن عاصم - هو ابن أبي النجود - عن أبي صالح السمان عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ثم ان شربوا فاجلدوهم ثم ان شربوا فاقتلوهم " * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن عاصم بن أبى النجود عن ذكوان - هو ابو صالح السمان - عن معاوية ان النبي صلى الله عليه وسلم قال في شارب الخمر: " ان شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب الرابعة فاضربوا عنقه " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب انا محمد بن رافع نا عبد الرزاق نا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من شرب الخمر فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه ثم إذا شرب في الرابعة - ذكر كلمة معناها - فاقتلوه " * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من شرب الخمر فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه ثم إذا شرب فاقتلوه " * قال أبو محمد رحمه الله: فهذان طريقان في نهاية الصحة وقد روي من طريق آخر لا يعتمد عليها ولو ظفر ببعضها المخالفون من الحاضرين لطاروا به كل مطير * من ذلك
__________
< الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغى بغير الحق) فنص تعالى على تحريم الاثم وقال تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير) فصح أن الاثم حرام وأن
في الخمر اثما وأن مواقعها مواقع إثم فهو مواقع المحرم نصا * وأما من السنة فمعلوم مشهور * تمت هذه النسخة والحمد لله كثيرا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله *(11/366)
ما ناه احمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا محمد بن أيوب الصموت نا احمد بن عمر بن عبد الخالق البزار نا محمد بن يحيى القطعي نا الحجاج ابن المنهال نا حماد بن سلمة عن جميل بن زياد عن نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر فاجلدوه ثلاثا فان عاد في الرابعة فاقلتوه " * حدثنا عبد الله ابن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا اسحق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - أنا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن المغيرة بن مقسم عن عبد الرحيم بن ابراهيم عن عبد الله ابن عمر بن الخطاب ونفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر فاجلدوه ثم ان شرب فاجلدوه ثم ان شرب فاجلدوه ثم ان شرب فاقتلوه " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب انا محمد بن يحيى ابن عبد الله نا محمد بن عبد الله الرقاشي نا يزيد بن زريع عن محمد بن اسحق عن عبد الله ابن عتبة عن عروة بن مسعود عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شرب الخمر فاجلدوه ثم ان شرب فاجلدوه ثم ان شرب فاجلدوه ثم ان شرب فاقتلوه " * حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث انا ابو بكر بن احمد بن خالد نا أبي نا ابن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة عن شبابة بن سوار عن ابن أبي ذئب عن الحرث ابن عبد الرحمن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سكر فاجلدوه ثم إذا سكر فاجلدوه ثم ان سكر فاضربوا عنقه " * حدثنا احمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدى قاسم بن اصبغ نا احمد بن زهير نا ابراهيم بن عبد الله انا هشام انا مغيرة بن معبد بن خالد عن عبد بن عبد عن معاوية رفع الحديث قال: " من شرب الخمر فاضربوه فان عاد فاضربوه فان
عاد فاقتلوه " قال احمد بن زهير: هكذا قال عبد بن عبد - وعبد بن عبد هو أبو عبد الله الجدلي - قال أحمد بن زهير سألت يحيى بن معين عن أبي عبد الله الجدلي قال هو فلان ابن عبد كوفي ثقة من قيس لم يحفظ يحيى اسمه * قال أبو محمد رحمه الله: وقد روى هذا الحديث أيضا شرحبيل بن أوس.
وعبد الله بن عمرو بن العاص.
وأبو غطيف الكندي كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد رحمه الله: وأقل من هذا يجعلون فيما وافقهم نقل تواتر كقول الحنيفيين في شرب النبيذ المسكر وكاعتماد المالكيين في ابطال السنن الثابتة في التوقيت في المسح على رواية أبي عبد الله الجدلي وغير ذلك لهم كثير * قال أبو محمد رحمه الله: فكانت الرواية في ذلك عن معاوية.
وأبى هريرة(11/367)
ثابتة تقوم بها الحجة وبالله تعالى التوفيق، فنظرنا فيما احتج به المخالفون فوجدناهم يقولون: ان هذا الخبر منسوخ وذكروا في ذلك ما نا عبد الله بن ربيع نا محمد ابن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا عبيد الله بن سعد بن ابراهيم بن سعد نا عمى - هو يعقوب بن سعد - نا شريك عن محمد بن اسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا شرب الرجل فاجلدوه فان عاد فاجلدوه فان عاد فاجلدوه فان عاد الرابعة فاقتلوه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل منا فلم يقتله * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن موسى نا زياد بن عبد الله البكائي نى محمد بن اسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر فاضربوه فان عاد فاضربوه فان عاد فاضربوه فان عاد في الرابعة فاضربوا عنقه - فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيمان أربع مرات - " فرأى المسلمون أن الحد قد وقع وأن القتل قد رفع * حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا اسماعيل بن اسحق
نا أبو ثابت نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد أخبرني ابن شهاب أن قبيصة بن ذؤيب حدثه أنه بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لشارب الخمر: " ان شرب فاجلدوه ثم ان شرب فاجلدوه ثم ان شرب فاجلدوه ثم ان شرب فاقتلوه - فأتى برجل قد شرب ثلاث مرات فجلده ثم أتى به في الرابعة فجلده ووضع القتل عن الناس، قال محمد بن عبد الملك قد نا أبو إسماعيل محمد بن اسماعيل الترمذي نا سعيد بن أبي مريم أنا سفيان بن عيينة قال: سمعت ابن شهاب يقول لمنصور بن المعتمر من وافد أهل العراق بهذا الخبر - يعني حديث قبيصة بن ذؤيب هذا * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا ابراهيم بن أحمد الفربري نا البخاري نا يحيى بن بكير نى الليث نى خالد بن يزيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب " أن رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشرب فأتى به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلعنوه فو الله ما علمته إلا يحب الله ويحب رسوله " وذكروا الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنى بعد احصان أو نفس بنفس " فلا يجوز أن يقتل أحد لم يذكر في هذا الخبر *(11/368)
قال أبو محمد رحمه الله: فلو أن المالكيين.
والحنيفيين.
والشافعيين احتجوا على أنفسهم بهذا الخبر في قتلهم من لم يبح الله تعالى قتله قط ولا رسوله عليه السلام كقتل المالكيين بدعوى المريض وقسامة اثنين في ذلك وقتلهم.
والشافعيين من فعل فعل قوم لوط ومن أقر بفرض صلاة وقال لا أصلى.
وكقتل الحنيفيين.
والمالكيين الساحر وكل هؤلاء لم يكفر.
ولا زنى وهو محصن.
ولا قتل نفسا فهذا كله نقض احتجاجهم
في قتل شارب الخمر في الرابعة بقول النبي صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد رحمه اله: هذا كل ما احتجوا به وذكروا عن الصحابة ما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن محمد بن راشد عن عبد الكريم ابن أبي أمية بن أبي المخارق عن قبيصة بن ذؤيب أن عمر بن الخطاب جلد أبا محجن في الخمر ثماني مرات وروى نحو ذلك عن سعيد أيضا وكل ذلك لا حجة لهم فيه على ما نبين ان شاء الله تعالى * وأما حديث جابر بن عبد الله في نسخ الثابت من الامر بقتل شارب الخمر في الرابعة فانه لا يصح لانه لم يروه عن ابن المنكدر أحد متصلا الا شريك القاضي.
وزياد بن عبد الله البكائى عن محمد بن اسحاق عن ابن المنكدر وهما ضعيفان * وأما حديث قبيصة بن ذؤيب فمنقطع ولا حجة في منقطع * وأما حديث زيد بن أسلم الذي من طريق معمر عنه فمنقطع، ثم لو صح لما كانت فيه حجة لانه ليس فيه أن ذلك كان بعد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتل فإذ ليس ذلك فيه فاليقين الثابت لا يحل تركه للضعيف الذي لا يصح ولو صح لكان ظنا فسقط التعلق به جملة ولو أن انسانا يجلده النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر ثلاث مرات قبل أن يأمر بقتله في الرابعة لكان مقتضى أمره صلى الله عليه وسلم استئناف جلده بعد ذلك ثلاث مرات ولابد لانه عليه السلام حين لفظ بالحديث المذكور أمر في المستأنف بضربه ان شرب ثم بضربه ان شرب ثانية ثم بضربه ثالثة ثم بقتله رابعة هذا نص حديثه وكلامه عليه السلام فانما كان يكون حجة لو بين فيه أنه أتى به أربع مرات بعد أمره عليه السلام بقتله في الرابعة وهكذا القول سواء سواء في حديث عمر الذى من طريق سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم * قال أبو محمد رحمه الله: فأما نحن فنقول وبالله تعالى التوفيق: ان الواجب ضم أوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم كلها بعضها إلى بعض والانقياد إلى جميعها والاخذ بها وأن لا يقال في شئ منها هذا منسوخ الا بيقين، برهان ذلك قول الله تعالى.
(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) فصح أن كل ما أمر الله تعالى به أو رسوله صلى الله عليه وسلم
ففرض علينا الاخذ به والطاعة له ومن ادعى في شئ من ذلك نسخا فقوله مطرح(11/369)
لانه يقول لنا لا تطيعوا هذا الامر من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم فواجب علينا عصيان من أمر بذلك إلا أن يأتي نص جلي بين يشهد بأن هذا الامر منسوخ أو اجماع على ذلك أو بتاريخ ثابت مبين أن أحدهما ناسخ للآخر وأما نحن فان قولنا هو ان الله تعالى قد تكفل بحفظ دينه وأكمله ونهانا عن اتباع الظن فلا يجوز البتة أن يرد نصان يمكن تخصيص أحدهما من الآخر وضمه إليه الا وهو مراد الله تعالى منها بيقين وأنه لا نسخ في ذلك بلا شك أصلا ولو كان في ذلك نسخ لبينه الله تعالى بيانا جليا ولما تركه ملتبسا مشكلا حاش لله من هذا * قال أبو محمد رحمه الله: فلم يبق الا أن يرد نصان ممكن أن يكون أحدهما مخصوصا من الآخر لانه أقل معاني منه وقد يمكن أن يكون منسوخا بالاعم ويكون البيان قد جاء بأن الاخص قبل الاعم بلا شك فهذا إن وجد فالحكم فيه النسخ ولا بد حتى يجئ نص آخر أو إجماع متيقن على أنه مخصوص من العام الذي جاء بعده، برهان ذلك أن الله تعالى قال في كتابه: (تبيانا لكل شئ) وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتبين للناس ما نزل إليهم) والبيان بلا شك هو ما اقتضاه ظاهر اللفظ الوارد ما لم يأت نص آخر أو اجماع متيقن على نقله عن ظاهره فإذا اختلف الصحابة فالواجب الرد إلى ما افترض الله تعالى الرد إليه إذ يقول: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية، وقد صح أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله في الرابعة ولم يصح نسخه ولو صح لقلنا به ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * 2289 مسألة الخليطين - قد ذكرنا فيما يحل ويحرم من الاشربة أن التمر والرطب.
والزهو.
والبسر.
والزبيب هذه الخمسة خاصة دون سائر الاشياء يحل أن ينبذ كل واحد منهما على انفراده ولا يحل أن ينبذ شئ منها مع شئ آخر لا منها ولا من سائرها في العالم وأنه لا يحل أن يخلط نبيذ شئ بعد طيبه أو قبل طيبه لا بشئ آخر ولا
بنبيذ شئ آخر لا منها ولا من غيرها أصلا وأما ما عدا هذه الخمسة فجائز أن ينبذ منها الشيئان والاكثر معا وأن يخلط نبيذ اثنين منها فصاعدا أو عصير اثنين فصاعدا وبينا السنن الواردة في ذلك فمن شرب من الخليطين المحرمين مما ذكرنا شيئا لا يسكر فقد شرب حراما كالدم والبول ولا حد في ذلك لانه لم يشرب خمرا ولا حد الا في الخمر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر فاجلدوه " وللآثار الثابتة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر، ولقوله عليه السلام: " كل مسكر خمر " فان لم يكن خمرا فلا حد فيه وإنما فيه التعزير فقط لانه أتى منكرا، وأما كل خليطين مما ذكرنا من غير ذلك إذا أسكر فهو خمر وعلى شاربه حد الخمر لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق *(11/370)
2290 مسألة - متى يحد السكران؟ أبعد صحوه أم في حال سكره؟ * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فروى عن عمر بن عبد العزيز.
والشعبي أنهما قالا: لا يحد حتى يصحو، وبه قال سفيان الثوري.
وأبو حنيفة، وقالت طائفة: يجلد حين يؤخذ وما نعلم لمن قال يؤخر حتى يصحو إلا أن قالوا ان الجلد تنكيل وإيلام والسكران لا يعقل ذلك * قال أبو محمد رحمه الله: واحتج من رأى أن الحد حين يؤخذ بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق عتبة بن الحرث.
وأنس بن مالك.
وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بالشارب فأقر فضربه ولم ينتظر ان يصحو والنظر لا يدخل على الخبر الثابت فالواجب أن يحد حين يؤتى به إلا أن يكون لا يحس أصلا ولا يفهم شيئا فيؤخر حتى يحس وبالله تعالى التوفيق * 2291 مسألة - فيمن جالس شراب الخمر أو دفع ابنه إلى كافر فسقاه خمرا * قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا احمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان
عن الحسن البصري ان ابن عامر قال: لا أوتي برجل دفع ابنه إلى يهودي أو نصراني فسقاه خمرا إلا جلدت أباه الحد، وبه إلى حماد بن سلمة انا هشام بن عروة عن أبيه أن مروان بن الحكم أتى برجل صائم دعا قوما فسقاهم الخمر ولم يشرب معهم فجلدوا الحد وجلده معهم * قال أبو محمد رحمه الله: ليس هذا مما يعبأ به وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " وقد بينا أن لا حد الا على زان.
أو مرتد.
أو محارب.
أو قاذف.
أو سارق.
أو مستعير جاحد.
أو شارب خمر، وأما من سقى غيره الخمر فلا حد عليه لان بشرته حرام ولم يأت باباحتها بايجاب الحد عليه لا قرآن.
ولا سنة صحيحة.
ولا سقيمة.
ولا اجماع.
ولا قول صاحب * قال أبو محمد رحمه الله: لقد يلزم من رأى القود بالقتل على الممسك انسانا حتى قتل ظلما ومن رأى الحد في التعريض قياسا على القذف ومن رأى الحد على فاعل فعل قوم لوط قياسا على الزنا أن يرى الحد على ساقى القوم الخمر قياسا على شاربها والا فقد تناقضوا في قياسهم وبالله تعالى التوفيق * 2292 مسألة -: من اضطر إلى شرب الخمر * قال أبو محمد رحمه الله:(11/371)
من أكره على شرب الخمر أو اضطر إليها لعطش.
أو علاج.
أو لدفع خنق فشربها أو جهلها فلم يدر أنها خمر فلا حد على أحد من هؤلاء، اما المكره فانه مضطر وقد قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) وقد قال تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) فصح أن المضطر لا يحرم عليه شئ مما اضطر إليه من طعام.
أو شراب، وأما الجاهل فانه لم يتعد ما حرم الله تعالى عليه ولا حد إلا على من علم التحريم، ولا يختلف اثنان من الامة في أنه من دست إليه غير امرأته فوطئها وهو لا يدري من هي يظن أنها زوجته فلا حد عليه، وأما من قرأ
القرآن فبدله جاهلا فلا شئ عليه * قال تعالى: (لانذركم به ومن بلغ) فصح أنه لا حد إلا على من بلغه التحريم وعلى من عرف أن الزنا حرام فقصده عمدا وبالله تعالى التوفيق * 2293 مسألة - حد الذمي في الخمر * قال أبو محمد رحمه الله: قد بينا في مواضع جمة مقدار الحكم على أهل الذمة كالحكم على أهل الاسلام لقول الله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) ولقوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) قال الحسن بن زياد: لا حد على الذمي إلا أن يسكر فان سكر فعليه الحد * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا تقسيم لا وجه له لانه لم يوجبه قرآن.
ولا سنة ولا اجماع وبالله تعالى التوفيق * 2294 مسألة: قال أبو محمد رحمه الله: جائز بيع العصير ممن لا يوقن أنه يبقيه حتى يصير خمرا فان تيقن أنه يجعله خمرا لم يحل بيعه منه أصلا وفسخ البيع لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وبيقين ندري أنه من باع العنب.
أو التين أو الخمر ممن يتخذه خمرا فقد أعانه على الاثم والعدوان وهذا محرم بنص القرآن وإذ هو محرم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " * قال أبو محمد رحمه الله: ومن كسر إناء خمر أو شق زق خمر ضمنه لانه لم يصح في ذلك أثر وأموال الناس محرمة وقد يغسل الاناء ويستعمل فيما يحل فافساده إفساد للمال (فان قيل): أن أبا طلحة.
وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم كسروا خوابى الخمر (قلنا): لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في ذلك(11/372)
الخبر أنه عليه السلام عرف ذلك فأقره والحديث الذي فيه شق الزقاق لا يصح لانه
من رواية طلق ولا يدرى من هو عن شراحيل بن نكيل وهو مجهول * قال أبو محمد رحمه الله: ومن طرح في الخمر سمكا وملحا فجعلها مريا فقد عصى الله تعالى وعليه التعزير لاستعماله الخمر الذي لا يجوز استعمالها ولا تحل في شئ أصلا ولا يحل فيها شئ الا الهرق فان أدرك ذلك وللخمر ريح.
أو طعم.
أو لون هرق الجميع، وهكذا كل مانع خلط فيه خمر وان لم يدرك ذلك الا وقد استحالت ولم يبق لها أثر فلا يفسد شئ من ذلك وهو حلال أكله وبيعه وهو لمن سبق إليه من الناس لا لمن يطرح الخمر فمتى سقط ملك صاحبه عنه وإذا سقط عنه ملكه لم يرجع إليه الا بنص أو اجماع وبالله تعالى التوفيق * - مسائل التعزير وما لا حد فيه - 2295 مسألة - قال أبو محمد رحمه الله: فقد قلنا أنه لا حد لله تعالى محدود ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم الا في سبعة أشياء وهي الردة.
والحرابة قبل أن يقدر عليه.
والزنا.
والقذف بالزنا.
وشرب المسكر سكر أو لم يسكر.
والسرقة.
وجحد العارية، وأما سائر المعاصي فان فيها التعزير فقط - وهو الادب - ومن جملة ذلك أشياء رأى فيها قوم من المتقدمين حدا واجبا نذكرها ان شاء الله تعالى ونذكر حجة من رأى فيها الحد وحجة من لم يره ليلوح الحق في ذلك بعون الله تعالى كما فعلنا في سائر كتابنا وتلك الاشياء: السكر.
والقذف بالخمر.
والتعريض.
وشرب الدم.
وأكل الخنزير والميتة.
وفعل قوم لوط.
وإتيان البهيمة.
والمرأة تستنكح البهيمة.
والقذف بالبهيمة.
وسحق النساء.
وترك الصلاة غير جاحد لها.
والفطر في رمضان كذلك.
والسحر * ونحن إن شاء الله تعالى ذاكرون كل ذلك بابا بابا * 2296 مسألة (السكر) قال أبو محمد: أباح أبو حنيفة شرب نقيع الزبيب إذا طبخ.
وشرب نقيع التمر إذا طبخ.
وشرب عصير العنب إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه وإن أسكر كل ذلك فهو عنده حلال ولا حد فيه ما لم يشرب منه القدر الذي يسكر وان سكر
من شئ من ذلك فعليه الحد وان شرب نبيذ تين مسكر.
أو نقيع عسل مسكر.
أو عصير تفاح مسكر.
أو شراب قمح.
أو شعير.
أو ذرة مسكر فسكر من كل ذلك أو لم يسكر فلا حد في ذلك أصلا * قال أبو محمد رحمه الله: وهم يقولون ان الحدود لا تؤخذ قياسا أصلا فنقول(11/373)
لهم: أين وجدتم هذا التقسيم أفي قرآن أم في سنة صحيحة.
أو سقيمة أو موضوعة.
أو في اجماع أو دليل اجماع، أم في قول صاحب، أم في قول أحد قبلكم، أم في قياس، أم في رأي يصح؟ فلا سبيل لهم إلى وجود ذلك في شئ مما ذكرنا لانهم (ان قالوا) حرم الله تعالى الخمر في القرآن (قلنا) نعم فمن أين وجدتم أنتم الحد في السكر مما ليس خمرا عندكم بل هو حلال عندكم طيب وهو مطبوخ عصير العنب إذا ذهب ثلثاه ونقيع الزبيب ونقيع التمر إذا طبخا ولا خمر ههنا أصلا (فان قالوا): جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم السكران إذ أتى به ورووا حديث الخمر بعينها والسكر من غيرها أو من كل شراب وأشربوا في الظروف ولا تسكروا وما كان في معنى هذه الاخبار (قلنا لهم): وبالله تعالى التوفيق فأنتم أول من خالف ذلك فانكم لا ترون الحد على من وجد سكران وأيضا فهل وجدتم أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله مماذا سكر فان قال له من نبيذ عسل أو شراب شعير أو شراب ذرة أطلقه وقد كان كل ذلك موجودا كثيرا على عهده عليه السلام وان قال له من نبيذ تمر أو نقيع زبيب.
أو عصير عنب حده هل جاء هذا قط في نقل صادق أو كاذب؟ فأنى لكم هذا التقسيم السخيف فعنه سألناكم وعن تحريمكم به وتحليلكم وعن إباحتكم به الاشياء المحرمة أو اسقاطكم حدود الله تعالى الواجبة؟ (فان قالوا): قد صح الاجماع على حد الشارب بعصير العنب الذي لم يطبخ إذا سكر واختلف فيما عداه (قلنا لهم) فمن أين أوجبتم الحد على من سكر من نبيذ التمر مطبوخا كان أو غير مطبوخ ومن نبيذ الرطب كذلك ومن نبيذ الزهو ومن نبيذ البسر ومن نبيذ الزبيب كذلك ولا إجماع في وجوب الحد عليه وقد روينا
عن الحسن وغيره انه لا حد على السكران من النبيذ وكذلك عن ابراهيم النخعي وهو قول ابن أبي ليلى ولا يجدون أبدا قول صاحب ولا قول تابع بمثل هذا التقسيم وكذلك من اضطر إلى الخمر لعطش أو لاختناق فشرب منها مقدار ما يزيل عطشه أو اختناقه وذلك حلال له عندنا وعندهم فسكر من ذلك وهذا لا يقولونه فصح يقينا أن السكر لا حد فيه أصلا وانما الحد والتحريم في المسكر سكر منه أو لم يسكر وقد نجد من يسكر من ثلاثة أرطال أو أربعة سكرا شديدا ونجد من لا يسكر من أزيد من عشرين رطلا من خمر ولا تتغير له حالة أصلا، وأما القذف بشرب الخمر فقد ذكرناه قبل هذا بأبواب وقد رجاء بن حيوة وغيره إيجاب الحد فيه وبينا أن الحد لا يجب في ذلك إذ لم يأت به قرآن.
ولا سنة.
ولا اجماع وبالله تعالى التوفيق، وأما التعريض في القذف فقد ذكرناه في كلامنا في حد القذف وتقصينا هنالك أنه لا حد في التعريض لانه لم يوجب الحد فيه قرآن ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صحيحة ولا سقيمة.
ولا اجماع لان الصحابة رضى الله عنهم اختلفوا(11/374)
في ذلك وليس قول بعضهم أولى من قول بعض وذكرنا صحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي أخبره أن امرأته ولدت ولدا اسود وهو يعرض بنفيه وفي الذي أخبره عليه السلام ان امرأته لا ترد يد لامس فلم يوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حد القذف وبالله تعالى التوفيق * 2297 مسألة - شرب الدم.
وأكل الخنزير.
والميتة * قال أبو محمد رحمه الله: انا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج قلت لعطاء رجل وجد يأكل لحم الخنزير وقال اشتهيته أو مرت به بدنة فنحرها وقد علم انها بدنة أو امرأة افطرت في رمضان أو أصاب امرأته حائضا أو قتل صيدا في الحرم متعمدا أو شرب خمرا فترك بعض الصلاة فذكر جملة فقال عطاء ما كان الله نسيا لو شاء لجعل ذلك شيئا يسميه ما سمعت في ذلك بشئ ثم رجع إلى أن قال إذا فعل
ذلك مرة ليس عليه شئ وإذا عاود ذلك فلينكل، وذكر الذي قبل امرأته والذي أصاب أهله في رمضان، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: إذا أكل لحم الخنزير ثم عرضت له التوبة فان تاب والا قتل، وبه إلى معمر عن الزهري في رجل أفطر في رمضان فقال إذا كان فاسقا من الفساق نكل نكالا موجعا ويكفر أيضا وان كان فعل ذلك انتحالا لدين غير الاسلام عرضت عليه التوبة * وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري في أكل لحم الخنزير في كل ذلك حد كحد الخمر، والذي نعرفه من قول أبى حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وأصحابهم.
وأصحابنا انه يعذر فقط فهذه في الخنزير خمسة أقوال، قول فيه الحد كحد الخمر وقول فيه انه لا شئ فيه أصلا وهو قول سفيان الثوري وأول قولي عطاء.
والثالث انه يستتاب فان تاب والا قتل وهو قول قتادة، والرابع انه لا شئ عليه في أول مرة فان عاد عزر، وقولة خامسة انه يعزر * قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا فيما يحتج به من رأى أن في ذلك حدا فلم نجد لهم شيئا الا القياس فلما كانت الخمر مطعومة محرمة فيها حد محدود وجب أن يكون كل مطعوم محرم فيه حد محدود كالخمر قياسا عليها، وهذا أصح قياس في العالم ان صح قياس يوما ما * وطائفة قالت: لم يفرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الصحابة أجمعت على فرضه فصار واجبا بالاجماع، وطائفة قالت: انما فرضت قياسا على حد القذف لانها تؤدي إلى السكر فيكون فيه القذف * فأما الفرقة التي قالت: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض حد الخمر فمن أصلهم أن يقاس المسكوت عنه على المنصوص عليه وهؤلاء يقيسون مس الدبر على مس الذكر لان كليهما عندهم فرج(11/375)
ولا يشك ذو حس سليم أنه لو صح القياس فان قياس شرب الدم.
وأكل الخنزير.
والميتة على شرب الخمر أصح من قياس الدبر على الذكر وكلهم يقيسون حكم ماء الورد والعسل تموت فيه الفأرة أو القطاة فلا تغير منه لونا ولا طعما ولا ريحا على السمن
تموت فيه الفأرة وقياس الخنزير.
والدم.
والميتة على الخمر أصح من كل قياس لهم ولو صح يوما ما، وأما القطاة فليست كالفأرة لان القطاة تؤكل والفأرة لا تؤكل والقطاة تجزى في الحل والاحرام ولا يحل قتلها هنالك والفأرة لا تجزى ويحل قتلها هنالك وكذلك ماء الورد والعسل ليس كالسمن لان العسل عند بعضهم فيه الزكاة والسمن لا زكاة فيه وماء الورد لا ربا فيه عند بعضهم والسمن فيه الربا عند جميعهم فظهر تركهم القياس الذي به يحتجون وأنهم لا يحسنونه ولا يطردونه * وأما الطائفة التي تقول ان الصحابة رضي الله عنهم فرضوا حد الخمر والقياس أيضا لازم لهم كما لزم الطائفة المذكورة وأما الطائفة التي قالت ان حد الخمر انما فرض قياسا على حد القذف والقياس لهؤلاء ألزم لانه كما جاز أن يفرض حد الخمر قياسا على حد القذف فكذلك يفرض حد أكل الخنزير والميتة وشرب الدم قياسا على حد الخمر وجمهورهم يجيزون القياس على المقيس فوضح ما قلناه من فساد أقوالهم * ثم نظرنا في قول من قال يستتاب فان تاب والا قتل فوجدناه قد حكم له بحكم الردة عنده وهذا خطأ لانه قول بلا برهان، ولا يجوز أن يحكم على مسلم بالكفر من أجل معصية أتى بها الا أن يأتي نص صحيح أو اجماع متيقن على أنه يكون بذلك كافرا وان ذلك الفعل كفر وليس معنا نص ولا اجماع على أن آكل الخنزير والميتة والدم غير مستحل لذلك كافر ولكنه عاص مذنب فاسق إلا أن يفعل ذلك مستحلا له فيكون كافرا حنيئذ لان معاندة ما صح الاجماع عليه من نصوص القرآن وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر لا خلاف فيه فسقط هذا القول لما ذكرنا ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله الا الله وأني محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويوتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحق الاسلام وحسابهم على الله " * 2298 مسألة - تارك الصلاة عمدا حتى يخرج وقتها * قال أبو محمد رحمه الله: ذهب مالك.
والشافعي إلى أن من قال: الصلاة حق فرض الا أني لا أريد أن أصلي فانه يتأنى به حتى يخرج وقت الصلاة ثم يقتل *
وقال أبو حنيفة.
وأبو سليمان.
وأصحابهما لا قتل عليه لكن يعزر حتى يصلي * قال أبو محمد رحمه الله: أما مالك.
والشافعي فانهما يريان تارك الصلاة الذي ذكرنا مسلما لانهما يورثان ماله ولده ويصليان عليه ويدفنانه مع المسلمين ولا يفرقان بينه وبين(11/376)
امرأته وينفذان وصيته ويورثانه من مات قبله من ورثته من المسلمين فإذ ذلك كذلك فقد سقط قولهما في قتله لانه لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد احصان أو نفس بنفس وتارك الصلاة متعمدا كما ذكرنا لا يخلو من أن يكون بذلك كافرا أو يكون غير كافر فان كان كافرا فهم لا يقولون بذلك لانهم لو قالوه للزمهم أن يلزموه حكم المرتد في التفريق بينه وبين امرأته وفي سائر أحكامه فإذ ليس كافرا.
ولا قاتلا.
ولا زانيا محصنا.
ولا محاربا.
ولا محدودا في الخمر ثلاث مرات فدمه حرام بالنص فسقط قولهم بيقين لا اشكال فيه والحمد لله رب العالمين * فان احتجوا بالخبر الثابت الذي ذكرناه آنفا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحق الاسلام وحسابهم على الله "، وبقول الله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) قالوا: ولايجوز تخلية من لم يصل ولم يزك، وذكروا ما روينا من طريق مسلم نا هداب بن خالد نا همام بن يحيى نا قتادة عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم قال: فمن رضي وتابع قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا " * ومن طريق مسلم نا داود ابن رشيد نا الوليد بن مسلم نا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أخبرني مولى بني فزارة زريق بن حيان أنه سمع سليم بن قرظة ابن عم عوف بن مالك الاشجعي يقول سمعت
عوف بن مالك يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة لا ما أقاموا فيكم الصلاة " وذكر باقي الخبر، والحديثين اللذين فيهما نهيت عن قتل المصلين فأولئك الذين نهاني الله عن قتلهم، ولا لعله يكون يصلي، ومن طريق مسلم نا قتيبة نا عبد الواحد - هو ابن زياد - عن عمارة بن القعقاع نا عبد الرحمن بن أبي نعم قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول: " بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها " وذكر الحديث، وفيه " فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الازار فقال يا رسول الله اتق الله فقال: ويلك ألست أحق أهل الارض ان يتقى الله؟(11/377)
قال ثم ولى الرجل فقال خالد بن الوليد يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: لعله يكون يصلي " * قال أبو محمد رحمه الله: ومن طريق مسلم نا مناد بن السري نا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن أبى نعم عن أبى سعيد الخدرى قال: " بعث علي بن أبى طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها " فذكر الخبر، وفيه فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس فقال اتق الله يا محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن يطع الله ان لم أطعه؟ أيأمنني على أهل الارض ولا تأمنني ثم أدبر الرجل فاستأذن رجل من القوم في قتله - يرون أنه خالد بن الوليد - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج من ضئضئ هذا قوم يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الاسلام ويدعون أهل الاوثان يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لاقتلنهم قتل عاد " * قال أبو محمد رحمه الله: فأخبر عليه السلام أنه يقاتل الناس حتى يقولوا لا إله
إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك حرمت دماؤهم فصح أنهم ان لم يفعلوا ذلك حلت دماؤهم ونهى عن قتل الائمة ما صلوا فصح أنهم ان لم يصلوا قوتلوا، وصح أن القتل بالصلاة حرام فواجب أنه بغير الصلاة حلال، وصح أنه نهى عن قتل المصلين فصح أنه لم ينه عن قتل غير المصلين ما نعلم لهم حجة في إباحة قتل من لا يصلي غير هذا وكله لا حجة لهم فيه على ما نبين ان شاء الله تعالى، اما الآية فان نصها قتال المشركين حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ولا يختلف اثنان من الامة في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يدعو المشركين إلى الايمان حتى مات إلى رضوان الله تعالى وكرامته وأنه في كل ذلك لم يثقف من أجابه إلى الاسلام حتى يأتي وقت صلاة فيصلي ثم حتى يحول الحول فيزكي ثم يطلقه هذا ما لا يقدر أحد على دفعه (وأما الاحاديث في ذلك) فأما حديث أم سلمة.
وعوف بن مالك رضى الله عنهما فلا حجة لهم في ذلك فانه ليس فيه الا المنع من قتل الولاة ما صلوا ولسنا معهم في مسألة القتال وانما نحن معهم في مسألة القتل صبرا وليس كل من جاز قتله إذا قدر عليه قتل، قال الله تعالى: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) إلى قوله تعالى: (المقسطين) فأمر الله تعالى بقتال البغاة من المؤمنين إلى أن يفيئوا ثم حرم قتلهم إذا فاءوا وهكذا كل من منع حقا من أي حق كان ولو أنه فلس وجب عليه لله تعالى أو لآدمي وامتنع دون أدائه فانه قد حل قتاله لانه باغ على أخيه وباغ في الدين، وكذلك كل من امتنع من عمل لله تعالى لزمه وامتنع دونه ولا فرق فإذا قدر عليهم أجبروا على أداء ما عليهم بالتعزير والسجن كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن اتى منكرا(11/378)
فلا يزال يؤدب حتى يؤدى ما عليه أو يموت غير مقصود إلى قتله وحرمت دماؤهم بالنص والاجماع وتارك الصلاة الممتنع منها واحد من هؤلاء إن امتنع قوتل وأن لم يمتنع لم يحل قتله لانه لم يوجب ذلك نص ولا اجماع بل يؤدب حتى يؤديها أو يموت كما قلنا غير مقصود إلى قتله ولا فرق، فصح أن هذين الحديثين حديث أم سلمة، وحديث عوف
إنما هو في باب القتال للائمة لا في باب القتل المقدور عليه لا يصلي، وأما حديث أبى سعيد الخدري لعله يصلي فانما فيه المنع من قتل من يصلي وليس فيه قتل من لا يصلي أصلا بل هو مسكوت عنه وإذا سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم فلا يحل لاحد أن يقوله عليه السلام ما لم يقل فيكذب عليه ويخبر عن مراده بما لا علم له به فيتبوأ مقعده من النار * قال أبو محمد رحمه الله: وأما نهيت عن قتل المصلين وأولئك الذين نهاني الله عنهم فنعم لا يحل قتل مصل الا بنص وارد في قتله وليس فيه ذكر لقتل من ليس مصليا إذا أقر بالصلاة أصلا وقد قلنا: أنه لا يحل لاحد أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ويقال لمن جسر على هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الذي نقول فان قال نعم كذب جهارا وان قال لم يقل لكنه دل عليه قيل له أين دليلك على ذلك؟ فلا سبيل له إلى دليل أصلا الا ظنه الكاذب فلم يبق لهم دليل أصلا لا من قرآن.
ولا من سنة.
ولا من اجماع ولا قول صاحب.
ولا قياس.
ولا رأي صحيح وما كان هكذا من الاقوال فهو خطأ بلا شك * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا الكلام كله انما هو مع من قال بقتله وهو عنده غير كافر وأما من قال بتكفيره بترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها فليس هذا مكان الكلام فيه معهم فسيقع الكلام في ذلك متقصى في كتاب الايمان من الجامع ان شاء الله عزوجل * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد بطل هذا القول فانا نقول وبالله تعالى التوفيق: انه قد صح على ما ذكرنا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع " فكان هذا أمرا بالادب على من أتى منكرا أو الامتناع من الصلاة.
ومن الطهارة من غسل الجنابة.
ومن صيام رمضان.
ومن الزكاة.
ومن الحج.
ومن أداء جميع الفرائض كلها.
ومن كل حق لآدمي بأي وجه كان كل ذلك منكر بلا شك
وبلا خلاف من أحد من الامة لان كل ذلك حرام والحرام منكر بيقين فصح بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة ضرب كل من ذكرنا باليد وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن(11/379)
لا يضرب في التعزير أكثر من عشرة على ما نورد في باب كم يكون التعزير ان شاء الله تعالى، فإذ ذلك كذلك فواجب أن يضرب كل من ذكرنا عشر جلدات فان أدى ما عليه من صلاة أو غيرها فقد برئ ولا شئ عليه وان تمادى على الامتناع فقد أحدث منكرا آخر بالامتناع الآخر فيجلد أيضا عشرا وهكذا أبدا حتى يؤدى الحق الذي عليه لله تعالى أو يموت غير مقصود إلى قتله ولا يرفع عنه الضرب أصلا حتى يخرج وقت الصلاة وتدخل أخرى فيضرب ليصلى التي دخل وقتها وهكذا أبدا إلى نصف الليل فإذا خرج وقت العتمة ترك لانه لا يقدر على صلاة ما خرج وقتها ثم يجدد عليه الضرب إذا دخل وقت صلاة الفجر حتى يخرج وقتها ثم يترك إلى أول الظهر ويتولى ضربه من قد صلى فإذا صلى غيره خرج هذا إلى الصلاة ويتولى الآخر ضربه وبالله تعالى التوفيق حتى يترك المنكر الذي يحدث أو يموت فالحق قتله وهو مسلم مع ذلك وبالله تعالى التوفيق * 2299 مسألة - فعل قوم لوط: قال أبو محمد رحمه الله: فعل قوم لوط من الكبائر الفواحش المحرمة كلحم الخنزير.
والميتة.
والدم.
والخمر.
والزنا.
وسائر المعاصي من احله أو أحل شيئا مما ذكرنا فهو كافر مشرك حلال الدم والمال * وانما اختلف الناس في الواجب عليه فقالت طائفة: يحرق بالنار الاعلى والاسفل، وقالت طائفة: يحمل الاعلى والاسفل إلى أعلا جبل بقرية فيصب منه ويتبع بالحجارة، وقالت طائفة: يرجم الاعلى والاسفل سواء أحصنا أو لم يحصنا، وقالت طائفة: يقتلان جميعا، وقالت طائفة: أما الاسفل فيرجم أحصن أو لم يحصن، وأما الاعلى فان أحصن رجم وان لم يحصن جلد جلد الزنا، وقالت طائفة: الاعلى والاسفل كلاهما سواء أيهما أحصن رجم وأيهما لم يحصن جلد مائة كالزنا، وقالت طائفة:
لا حد عليهما ولا قتل لكن يعزران فالقول الاول كما نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني ابن سمعان عن رجل أخبره قال: جاء ناس إلى خالد بن الوليد فأخبروه عن رجل منهم أنه ينكح كما توطأ المرأة وقد أحصن فقال أبو بكر عليه الرجم وتابعه أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم على ذلك من قوله فقال علي: يا أمير المؤمنين إن العرب تأنف من عار المثل وشهرته أنفا لا تأنفه من الحدود التي تمضي في الاحكام فأرى أن تحرقه بالنار فقال أبو بكر: صدق أبو حسن وكتب إلى خالد بن الوليد أن أحرقه بالنار ففعل قال ابن وهب: لا أرى خالدا أحرقه بالنار إلا بعد أن قتله لان النار لا يعذب بها الا الله تعالى، قال ابن حبيب: من أحرق بالنار فاعل فعل قوم لوط لم يخطئ * وعن(11/380)
ابن حبيب نامطرف بن عبد الله بن عبد العزيز بن أبي حازم عن محمد بن المنكدر.
وموسى بن عقبة.
وصفوان بن سليم أن خالد بن الوليد كتب إلى ابي بكر الصديق أنه وجد في بعض سواحل البحر رجلا ينكح كما تنكح المرأة وقامت عليه بذلك البينة فاستشار أبو بكر في ذلك اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أشدهم فيه يومئذ قولا علي بن أبي طالب قال: ان هذا ذنب لم يعص به من الامم الا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم أرى أن تحرقهما بالنار فاجتمع رأي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحرقه بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن احرقه بالنار ثم حرقهما ابن الزبير في زمانه ثم حرقهما هشام بن عبد الملك ثم حرقهما القسري بالعراق * حدثنا اسماعيل بن دليم الحضرمي قاضي ميورقة قال نا محمد بن أحمد بن الخلاص نا محمد بن القاسم بن شعبان نى محمد بن اسماعيل بن أسلم نا محمد بن داود بن أبي ناجية نا يحيى بن بكير عن عبد العزيز بن أبي حازم عن داود بن أبي بكر.
ومحمد بن المنكدر.
وموسى بن عقبة.
وصفوان بن سليم أنه وجد في بعض ضواحي البحر رجل ينكح
كما تنكح المرأة قال أبو إسحاق: كان اسمه الفجاة فاستشار أبو بكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثل حديث عبد الملك الذي ذكرنا حرفا حرفا نصا سواء * وأما من قال يصعد به إلى أعلى جبل في القرية فكما نا أحمد بن اسماعيل بن دليم نا محمد بن أحمد بن الخلاص نا محمد بن القاسم بن شعبان نا أحمد بن سلمة بن الضحاك عن اسماعيل بن محمود بن نعيم نا معاذ نا عبد الرحمن نا حسان بن مطر نا يزيد بن مسلمة عن أبي نضرة عن ابن عباس سئل عن حد اللوطي فقال: يصعد به إلى أعلى جبل في القرية ثم يلقى منكسا ثم يتبع بالحجارة * وأما من قال يرجم الاعلى والاسفل أحصنا أو لم يحصنا فكما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا ابن أبي ليلى عن القاسم بن الوليد المهراني عن يزيد بن قيس أن عليا رجم لوطيا * حد ثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أنه سمع مجاهدا.
وسعيد بن جبير يحدثان عن ابن عباس أنه قال في البكر يوجد على اللوطية أنه يرجم، وعن ابراهيم النخعي انه قال: لو كان أحد ينبغي له أن يرجم مرتين لكان ينبغي للوطي أن يرجم مرتين، وعن ربيعة أنه قال: إذا أخذ الرجل لوطيا رجم لا يلتمس به احصان ولا غيره، وعن الزهري أنه قال على اللوطي الرجم أحصن أو لم يحصن * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن(11/381)
وهب أخبرني الشمر بن نمير.
ويزيد بن عياض بن جعدة.
ومن أثق به، وكتب إلى ابن أبي سبرة قال الشمر: عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبى طالب، وقال يزيد بن عياض بن جعدة عن عبد الملك بن عبيد عن سعيد بن المسيب: وقال ابن أبى سبرة: سمعت أبا الزناد، وقال الذي يثق به عن الحسن ثم اتفق على.
وسعيد بن المسيب.
وأبو الزناد.
والحسن كلهم مثل قول الزهري
المذكور، وبه يقول الشافعي - وهو قول مالك.
والليث واسحاق بن راهويه - وأما من قال: يقتلان فكما روينا عن ابن عباس قال: اقتلوا الفاعل والمفعول به، وأما من قال: هو كالزنا يرجم المحصن منهما ويجلد غير المحصن مائة جلدة فكما نا أحمد بن اسماعيل بن دليم نا محمد بن أحمد بن الخلاص نا محمد بن القاسم بن شعبان نا أحمد بن سلمة.
والضحاك عن اسماعيل بن محمد بن نعيم نا معاذ بن الحرث نا عبد الرحمن بن قيس الضبي عن اليماني بن المغيرة نا عطاء بن أبى رباح قال شهدت عبد الله بن الزبير وأتى بسبعة أخذوا في اللواط فسأل عنهم فوجد أربعة قد احصنوا فأمر بهم فأخرجوا من الحرم ثم رجموا بالحجارة حتى ماتوا وجلد ثلاثة الحد وعنده ابن عباس.
وابن عمر فلم ينكرا ذلك عليه، وعن الحسن البصري أنه قال في الرجل يعمل عمل قوم لوط ان كان ثيبا رجم وان كان بكرا جلد، وأما من قال ان الفاعل ان كان محصنا فانه يرجم وان كان غير محصن فانه يجلد مائة وينفى سنة، وأما المنكوح فيرجم أحصن أو لم يحصن فقول ذهب إليه أبو جعفر محمد بن علي بن يوسف أحد فقهاء الشافعيين، وأما من قال لا حد في ذلك فكما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر.
وأبى اسحق الشيباني كلاهما عن الحكم ابن عتيبة أنه قال فيمن عمل عمل قوم لوط يجلد دون الحد، وبه يقول أبو حنيفة.
ومن اتبعه.
وأبو سليمان.
وجميع أصحابنا * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتج به من رأى حرقه بالنار فوجدناهم يقولون انه اجماع الصحابة ولا يجوز خلاف إجماعهم * (فان قيل): فقد روي عن علي.
وابن عباس.
وابن الزبير.
وابن عمر بعد ذلك الرجم أو حد الزنا وغير ذلك (قيل) هذا لا يجوز لانه خلاف لما أجمعوا فهذا كل ما ذكروا في ذلك لا حجة لهم غير هذا ووجدناه لا تقوم به حجة لانه لم يروه الا ابن سمعان عن رجل أخبره لم يسمعه أن أبا بكر.
وعبد الملك بن حبيب عن مطرف عن أبي حازم عن
محمد بن المنكدر.
وموسى بن عقبة.
وصفوان بن سليم.
وداود بن بكر أن أبا بكر.(11/382)
وابن شعبان عن محمد بن العباس بن أسلم عن محمد بن داود بن أبى ناجية عن يحيى بن بكير عن ابن أبى حازم عن ابن المنكدر.
وموسى بن عقبة.
وصفوان بن سليم.
وداود بن بكر أن أبا بكر فهذه كلها منقطعة ليس منهم أحد أدرك أبا بكر، وأيضا فان ابن سمعان مذكور بالكذب وصفه بذلك مالك بن أنس.
ووجه آخر وهو أن الاحراق بالنار قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك كما نا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك الخولاني نا محمد بن بكر نا أبو داود نا سعيد بن منصور نا المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي عن أبي الزناد عن محمد بن حمزة بن عمرو الاسلمي عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية وقال: ان وجدتم فلانا فاحرقوه بالنار فوليت فناداني فرجعت فقال: ان وجدتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فانه لا يعذب بالنار الا رب النار " ثم نظرنا في قول من رأى قتلهم فوجدناهم يحتجون بما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق نا ابن الاعرابي نا الدبري نا أبو داود نا عبد الله بن محمد النفيلي نا عبد العزيز بن محمد - هو ابن محمد الدراوردي - عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص نى سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " اقتلوا الفاعل والمفعول به " وبه إلى ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك، وبه إلى يحيى بن أيوب عن رجل حدثه عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن جابر بن عبد الله " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه " وهذا الرجل - هو عباد بن كثير - * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا كل ما موهوا به وكله ليس لهم منه شئ يصح،
أما حديث ابن عباس فانفرد به عمرو بن أبي عمرو - وهو ضعيف.
وابراهيم بن اسماعيل ضعيف، وأما حديث أبي هريرة فانفرد به القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص - وهو مطرح في غاية السقوط - * وأما حديث جابر فعن يحيى بن أيوب - وهو ضعيف - عن عباد ابن كثير - وهو شر منه - * وأما حديث ابن أبي الزناد فابن أبي الزناد ضعيف.
ومحمد بن عبد الله مجهول - وهو أيضا مرسل - فسقط كل ما في هذا الباب ولا يحل سفك دم يهودي.
أو نصراني من أهل الذمة نعم.
ولا دم حربي بمثل هذه الروايات فكيف دم مسلم فاسق.
أو تائب، ولو صح شئ مما قلنا منها لقلنا به ولما استجزنا خلافه أصلا وبالله تعالى التوفيق، ثم نظرنا في قول من قال: يرجمان معا أحصنا(11/383)
أو لم يحصنا فوجدناهم يحتجون بأنه هكذا فعل الله بقوم لوط قال الله تعالى: (وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك) واحتجوا من الآثار التي ذكرنا آنفا بما ناه أحمد بن اسماعيل بن دليم نا محمد بن أحمد بن الخلاص نا محمد بن القاسم بن شعبان نى محمد بن أحمد عن يونس بن عبد الاعلى.
وأبى الربيع ابن ابي رشدين أنا عبيد الله بن رافع عن عاصم بن عبيد الله عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الذى يعمل عمل قوم لوط فارجموا الاعلى والاسفل " وقال فيه: وقال: " أحصنا أو لم يحصنا " فهذا كل ما شغبوا به قد تقصيناه وكله لا حجة لهم فيه على ما نبين ان شاء الله تعالى * أما فعل الله تعالى في قوم لوط فانه ليس كما ظنوا لان الله تعالى قال: (كذبت قوم لوط بالنذر إنا أرسلنا عليهم حاصبا) إلى قوله تعالى: (فذوقوا عذابي ونذر) وقال تعالى: (إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين) وقال تعالى: (انه مصيبها ما أصابهم) الآية، فنص تعالى نصا جليا على أن قوم لوط كفروا فأرسل عليهم الحاصب فصح أن الرجم الذى أصابهم لم يكن للفاحشة وحدها لكن للكفر ولها فلزمهم أن لا يرجموا
من فعل فعل قوم لوط إلا أن يكون كافرا وإلا فقد خالفوا حكم الله تعالى فأبطلوا احتجاجهم بالآية إذ خالفوا حكمها، وأيضا فان الله تعالى أخبر أن امرأة لوط أصابها ما أصابهم وقد علم كل ذي مسكة عقل أنها لم تعمل عمل قوم لوط فصح أن ذلك حكم لم يكن لذلك العمل وحده بلا مرية * (فان قالوا): أنها كانت تعينهم على ذلك العمل (قلنا): فارجموا كل من أعان على ذلك العمل بدلالة أو قيادة والا فقد تناقضتم وابطلتم احتجاجكم بالقرآن وخالفتموه، وأيضا فان الله تعالى أخبر أنهم راودوه عن ضيفه فطمس أعينهم فيلزمهم ولا بد أن يسملوا عيون فاعلي فعل قوم لوط لان الله تعالى لم يرجمهم فقط لكن طمس أعينهم ثم رجمهم، فإذ لم يفعلوا هذا فقد خالفوا حكم الله تعالى فيهم وأبطلوا حجتهم، ويلزمهم أيضا ان يطمسوا عينى كل من راود آخر.
ويلزمهم أيضا أن يحرقوا بالنار من نقص المكيال والميزان لان الله تعالى أحرق بالنار قوم شعيب في ذلك.
ويلزمهم أن يقتلوا من عقر ناقة آخر لان الله تعالى أهلك قوم صالح إذ عقروا الناقة إذ لا فرق بين عذاب الله تعالى قوم لوط بطمس العيون والرجم إذ أتوا تلك الفاحشة وبين إحراق قوم شعيب إذ بخسوا المكيال والميزان وبين إهلاكه قوم صالح إذ عقروا الناقة قال الله تعالى: (ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها) إلى آخر السورة،(11/384)
ثم نظرنا في قول من لم ير في ذلك حدا فوجدناهم يحتجون بقول الله تعالى: (ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ولا يزنون) إلى قوله: (إلا من تاب) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا باحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان أو نفسا بنفس " وقال عليه السلام: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فحرم الله تعالى دم كل امرئ مسلم وذمي إلا بالحق ولا حق الا في نص.
أو اجماع، وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الدم إلا بما أباحه به من الزنا بعد الاحصان.
والكفر بعد الايمان.
والقود.
والمحدود في الخمر ثلاثا.
والمحارب قبل أن يتوب وليس فاعل فعل قوم لوط واحدا من هؤلاء فدمه حرام الا بنص أو اجماع وقد قلنا أنه لا يصح أثر في قتله نعم ولا يصح أيضا في ذلك شئ عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم لان الرواية في ذلك عن أبي بكر.
وعلي.
والصحابة انما هي منقطعة.
وإحداها عن ابن سمعان عن مجهول.
والاخرى عمن لا يعتمد عل روايته، وأما الرواية عن ابن عباس.
فاحداهما عن معاذ بن الحرث عن عبد الرحمن بن قيس الضبي عن حسان بن مطر - وكلهم مجهولون - والرواية عن ابن الزبير.
وابن عمر مثل ذلك عن مجهولين فبطل أن يتعلق أحد في هذه المسألة عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم بشئ يصح، وأما من رأى دون الحد فالحكم بن عتيبة * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد صح ذلك أنه لا قتل عليه ولا حد لان الله تعالى لم يوجب ذلك ولا رسوله عليه السلام فحكمه انه أتى منكرا فالواجب بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تغيير المنكر باليد فواجب أن يضرب التعزير الذي حده رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك لا أكثر ويكف ضرره عن الناس فقط كما روينا من طريق البخاري نا مسلم بن ابراهيم نا هشام - هو الدستوائي - نا يحيى - هو ابن أبي كثير - عن عكرمة عن ابن عباس قال " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال أخرجوهم من بيوتكم وأخرج فلانا وأخرج فلانا " وأما السجن فلقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وبيقين يدرى كل ذي حس سليم أن كف ضرر فعلة قوم لوط الناكحين والمنكوحين عن الناس عون على البر والتقوى وأن أهمالهم عون على الاثم والعدوان فوجب كفهم بما لا يستباح به لهم دم.
ولا بشرة.
ولا مال * قال أبو محمد رحمه الله: فان شنع بعض أهل القحة والحماقة أن يقول إن ترك قتلهم ذريعة إلى هذا الفعل (قيل لهم) وترككم أن تقتلوا كل زان ذريعة إلى اباحة الزنا منكم وترككم أن تقتلوا المرتد وان تاب تطريق منكم وذريعة إلى إباحتكم الكفر.
وعبادة الصليب.
وتكذيب القرآن.
والنبي عليه السلام.
وترككم قتل آكل الخنزير.
والميتة.(11/385)
والدم.
وشارب الخمر تطريق منكم وذريعة إلى اباحتكم أكل الخنزير.
والميتة.
والدم.
وشرب الخمر.
انما هذا انتصار منهم بمثل ما يهذرون به (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل انما السبيل) الآية ونعوذ بالله من أن نغضب له باكثر مما غضب تعالى لدينه أو أقل من ذلك أو أن نشرع بآرائنا الشرائع الفاسدة ونحمد الله تعالى كثيرا على ما من به علينا من التمسك بالقرآن.
والسنة وبالله تعالى التوفيق * 2300 مسألة - فيمن أتى بهيمة، قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس فيمن أتى بهيمة، فقالت طائفة: حده حد الزاني يرجم إن أحصن ويجلد ان لم يحصن، وقالت طائفة: يقتل ولا بد، وقالت طائفة: عليه أدنى الحدين أحصن أو لم يحصن، وقالت طائفة: عليه الحد إلا أن تكون البهيمة له، وقالت طائفة: يعزر ان كانت البهيمة له وذبحت ولم تؤكل وان كانت لغيره لم تذبح، وقالت طائفة: فيها اجتهاد الامام في العقوبة بالغة ما بلغت، وقالت طائفة: ليس فيه الا التعزير دون الحد، فالقول الاول كما نا أحمد بن عمر بن أنس نا أبو ذر نا عبد الله بن احمد بن حموية السرخسي نا ابراهيم بن خريم ابن فهر الشاشي نى عبد بن حميد انا يزيد بن هرون أنا سفيان بن حسين عن أبي علي الرحبي عن عكرمة قال سئل الحسن بن علي - مقدمه من الشام - عن رجل أتى بهيمة فقال: ان كان محصنا رجم، وعن عامر الشعبي انه قال في الذي يأتي البهيمة أو يعمل عمل قوم لوط قال عليه الحد، وعن الحسن البصري أنه قال في الذي يأتي البهيمة ان كان ثيبا رجم وان كان بكرا جلد - وهو قول قتادة.
والاوزاعي.
وأحد قولي الشافعي - والقول الثاني: عن ابن الهادي قال: قال ابن عمر في الذي يأتي البهيمة: لو وجدته لقتلته - وهو قول أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: تقتل البهيمة أيضا، والقول الثالث عن معمر عن الزهري في الذي يأتي البهيمة قال: عليه أدنى الحدين أحصن أو لم يحصن، والقول الرابع عن ربيعة أنه قال في الذي يأتي البهيمة هو المبتغي ما لم يحلل الله له فرأى الامام فيه العقوبة بالغة
ما بلغت فانه قد أحدث في الاسلام أمرا عظيما - وهو قول مالك - والقول الخامس عن ابن عباس في الذي يأتي البهيمة: لا حد عليه، وعن الشعبي مثله، وعن عطاء في الذي يأتي البهيمة فقال ما كان الله نسيا ان ينزل فيه ولكنه قبيح فقبحوا ما قبح الله - وهو قول أصحابنا - وأحد قولي الشافعي * قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فنظرنا فيما قال به أهل القول الاول فلم نجد لهم الا أنهم قاسوه على الزنا فقالوا هو وطئ محرم والقياس كله باطل الا أنه يلزم على من أولج في حياء بهيمة الغسل وان لم ينزل ويجعله كالوطئ في الفرج ولا(11/386)
فرق، وفي القول الثاني فوجدناهم يحتجون بما رويناه كما نا حمام نا عباس بن اصبغ نا محمد ابن عبد الملك بن أيمن نا الحرث بن أبي أسامة نا عبد الوهاب - هو ابن عطاء الخفاف - نا عباد - هو ابن منصور - عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الذي يأتي البهيمة: " اقتلوا الفاعل والمفعول به " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا النفيلي - هو عبد الله بن محمد - نا عبد العزيز - هو ابن محمد الدراوردي - عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه - قلت ما شأن البهيمة؟ قال ما أراه قال ذلك إلى أنه كره أكل لحمها وقد عمل بها ذلك العمل " * حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت الرقي نا احمد بن عمر بن عبد الخالق البزار نا اسماعيل بن مسعود الجحدري نا محمد بن اسماعيل بن أبى فديك نا ابراهيم بن اسماعيل - هو ابن أبى حبيبة - عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اقتلوا مواقع البهيمة اقتلوا الفاعل والمفعول به ومن عمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول " * حدثنا عبد الله ابن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي
نا عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لعن الله من عمل عمل قوم لوط ثلاث مرات لعن الله من واقع بهيمة من وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة " فقيل لابن عباس ما شأن البهيمة؟ قال ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا ولكن أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن يؤكل من لحمها أو ينتفع بها وقد عمل بها ذلك العمل * قال أبو محمد رحمه الله: لا حجة لهم غير ما ذكرنا وقد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا ضعف هذه الآثار لان عباد بن منصور.
وعمرو بن أبى عمرو.
واسماعيل بن ابراهيم ضعفاء كلهم ولو صحت لقلنا بها ولجارينا عليها ولما حل خلافها فإذ لا تصح فلا يجوز القول بها إلا أنه قد كان لازما للحنيفيين.
والمالكيين القول بها على أصولهم فانهم احتجوا بأسقط منها في ايجاب حد الخمر ثمانين في مواضع جمة، ثم نظرنا في قول من قال: عليه أدنى الحدين فوجدناه لا حجة له أصلا ولا نعرف له وجها فسقط، ثم نظرنا في قول من قال يحد وتقتل البهيمة فوجدناه في غاية الفساد، ثم نظرنا في قول من قال عليه العقوبة برأى الامام بالغة ما بلغت فوجدناه خطأ لان الله تعالى قد زم الامور ولم يهملها ولم يطلق الائمة على دماء الناس ولا أعراضهم.
ولا أبشارهم.
ولا أموالهم بل قد تقدم إليهم على لسان(11/387)
رسوله عليه السلام فقال: " إن دماءكم وأموالكم وأبشاركم عليكم حرام " ولعل رأى الامام يبلغ إلى خصائه.
أو إلى أخذ ماله.
أو إلى قتله.
أو إلى بيعه فان منعوا من هذا سئلوا الفرق بين ما منعوا من هذا وبين ما أباحوا من غير ذلك ولا سبيل لهم إليه فحصل هذا القول لا حجة لقائله، ثم نظرنا في القول الذي لم يبق غيره - وهو ان عليه التعزير فقط - فوجدناه صحيحا لانه قد أتى منكرا فان الله تعالى يقول: (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) إلى قوله تعالى: (العادون) ولا خلاف بين أحد من الامة أنه لا يحل أن تؤتى البهيمة أصلا ففاعل ذلك فاعل منكر
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغيير المنكر باليد فعليه من التعزير ما نذكره ان شاء الله تعالى * 2301 مسألة - من قذف آخر ببهيمة.
أو بفعل قوم لوط * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا، فقالت طائفه: عليه حد القذف كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: من قذف آخر ببهيمة جلد حد الفرية، قال أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي: ليس عليه حد الفرية * قال أبو محمد رحمه الله: من جعل إتيان البهيمة زنا فقد طرد أصله وكذلك من جعل فعل قوم لوط زنا فقد طرد أصله إذ جعل في القذف بهما حد الزنا وقد بينا أنهما ليسا زنا فالقذف بهما ليس هو القذف الموجب للحد وانما هو أذى فقط ففيه التعزير * وأما المالكيون فانهم وافقونا على أن فعل قوم لوط ليس زنا وأن إتيان البهيمة ليس زنا فساووا بينهما في هذا الباب ثم انهم جعلوا في القذف بفعل قوم لوط حد القذف بالزنا ولم يجعلوا في القذف باتيان البهيمة حد القذف بالزنا وهذا تناقض (فان قالوا): ان فعل قوم لوط أعظم من الزنا (قيل لهم): هبكم أنه كالكفر فهلا جعلتم في القذف بالكفر حد الزنا على هذا الاصل الفاسد؟ وهذا لا مخلص منه (فان قالوا): هو زنا ولكنه أعظم الزنا فجعل فيه أعظم حدود الزنا لان المزني بها قد تحل يوما من الدهر وفعل قوم لوط لا يحل المفعول به ذلك للفاعل أبدا فهو أعظم بلا شك (قيل لهم): هذا يبطل من وجوه، أحدها أن الزاني بحريمته من نسب أو رضاع لا يحل له أبدا فاجعلوا فيه أغلظ حدود الزنا على هذا الاصل، والثاني أن يقال لهم واطئ أجنبية في دبرها أتى منها ما لا يحل له أبدا فان تزوجها فاجعلوا فيه على هذا الاصل أغلظ حدود الزنا، والثالث أن يقال لهم أيضا:(11/388)
آتى البهيمة آتى ما لا يحل له أبدا فقد ساوى فعل قوم لوط في هذه العلة التي عللتم بها قولكم فهلا جعلتم فيه أغلظ الحدود في الزنا أيضا ولا فرق ثم رجعنا إلى قولهم ان فعل قوم لوط أعظم الزنا فنقول لهم: أننا قد أوضحنا أن الزنا باللغة.
وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقع على فعل قوم لوط وقد بينا أنه ليس زنا ولا أعظم من الزنا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الذنب أعظم؟ فقال: كلاما - معناه الشرك ثم قتل المرء ولده مخافة أن يطعم معه ثم الزنا بحليلة الجار - فصح أن الزنا بحليلة الجار أعظم من فعل قوم لوط بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يحل لاحد رده، وبالله تعالى التوفيق * 2302 مسألة - الشهادة فيما ذكرنا * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس قال قوم منهم الشافعي.
وقوم من أصحابنا: أنه لا يقبل في فعل قوم لوط وإتيان البهيمة أقل من أربعة شهود، وقال ابو حنيفة.
وأصحابه: يقبل في ذلك اثنان * قال أبو محمد: أما من جعل هذين الذنبين زنا فقد طرد أصله وقد أوضحنا بالبراهين الواضحة أنهما ليسا من الزنا أصلا فليس لهما شئ مما خص به حكم الزنا واحتج بعض أصحابنا في ذلك بأن قالوا: ان الابشار محرمة الا بنص أو اجماع، ولم يجمعوا على إباحة بشرة فاعل فعل قوم لوط وبشرة آتي البهيمة بتعزير ولا بغيره الا بأربعة شهود فلا يجوز استباحتهما بأقل * قال أبو محمد رحمه الله: فيلزم من راعى هذا أن لا يحكم بقود أصلا إلا باربعة شهود لانه لم يجمع على إباحة دم المشهود عليه بالقتل بأقل من أربعة شهود عدول فان قال بذلك كله قائل كان الكلام معه من غير هذا وهو أن يقال له قد صح الاجماع الصادق القاطع المتيقن على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقبول البينة في جميع الاحكام أولها عن آخرها وحد في بعض الاحكام عددا وسكت عن بعضها فإذ لا شك في ذلك
فهذان الحكمان وغيرهما قد أيقنا أن الله تعالى أمرنا بانفاذ الواجب في ذلك بشهادة البينة فالواجب في ذلك قبول ما وقع عليه اسم بينة إلا أن يمنع نص من شئ من ذلك فيوقف عنده وقد منع النص من قبول الكافر والفاسق وأخبر النص أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل وأن الصبيان غير مخاطبين بشئ من الاحكام فخرج هؤلاء من حكم الشهادة حسب ما أخرجهم النص فقط، وأيضا فان الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) الآية فصح أن هذا حكم(11/389)
من الله تعالى وارد في كل ما يحكم به على أحد في دمه.
وماله.
وبشرته وفي كل حكم فلولا النص الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بيمين الطالب مع الشاهد الواحد وصح أنه عليه السلام لم يحكم بشهادة الشاهد الواحد دون يمين معها لوجب قبول شاهد واحد بالآية المذكورة الا حيث جاء النص باثنين أو أربعة فلما كان هذان الحكمان لا يجوز فيهما تحليف الطالب لانهما ليسا حقا واحدا وانما هما لله تعالى وجب أن لا يجوز فيهما إلا ما قال قائلون باجازته وهو شهادة اثنين.
أو أربع نسوة.
أو رجل وامرأتين كسائر الاحكام * وأما الزنا وحده فلا يقبل فيه أقل من أربعة بالنص الوارد في ذلك وبالله تعالى التوفيق * 2303 مسألة (السحق) قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في السحق فقالت طائفة: تجلد كل واحدة منهما مائة كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق نى ابن جريج أخبرني ابن شهاب قال أدركت علماءنا يقولون في المرأة تأتى المرأة بالرفعة وأشباهها يجلدان مائة الفاعلة والمفعول بها * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب بمثل ذلك، ورخصت فيه طائفة كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق أنا ابن جريج أخبرني من أصدق عن الحسن البصري أنه كان لا يرى بأسا بالمرأة تدخل شيئا تريد الستر تستغنى به عن
الزنا، وقال آخرون هو حرام ولا حد فيه وفيه التعزير * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فنظرنا في قول الزهري فلم نجد له حجة أصلا إلا أن يقول قائل كما جعل فعل قوم لوط أشد الزنا فجعلوا فيه أعظم حد في الزنا فكذلك هذا أقل الزنا فجعل فيه أخف حد الزنا * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا قياس لازم واجب على من جعل الرجم في فعل قوم لوط لانه أعظم من الزنا ولا مخلص لهم من هذا أصلا وأن يجعلوا السحق أيضا أشد الزنا كفعل قوم لوط فيلزمهم أن يجعلوا فيه الرجم كما جعلوا في فعل قوم لوط ولابد لان كلا الامرين عدول بالفرج إلى ما لا يحل أبدا ولكن القوم لا يحسنون القياس ولا يعرفون الاستدلال ولا يطردون أقوالهم ولا يلزمون تعليلهم ولا يتعلقون بالنصوص، وهلا قالوا ههنا ان الزهري أدرك الصحابة وكبار التابعين؟ فلا يقول هذا الا عنهم ولا نعرف خلافا في ذلك ممن يرى تحريم هذا العمل فيأخذون بقوله كما كانوا يفعلون لو وافق تقليدهم *(11/390)
قال أبو محمد رحمه الله: وأما نحن فان القياس باطل عندنا ولا يلزم اتباع قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم والسحق والرفعة ليسا زنا فإذ ليسا زنا فليس فيهما حد الزنا ولا لاحد أن يقسم برأيه أعلى وأخف فيقسم الحدود في ذلك كما يشتهي بل هو تعد لحدود الله تعالى وشرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى وهو يقول تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وانما يلزم هذا من قامت عليه الحجة فتمادى على الخطأ ناصرا للتقليد * قال أبو محمد رحمه الله: واذ لم يأت بمثل قول الزهري قرآن.
ولا سنة صحيحة فالابشار محرمة والحدود فلا حد في هذا أصلا وبالله تعالى التوفيق.
فان ذكروا
ما ناه أحمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدى قاسم بن أصبغ نا محمد بن وضاح نا هشام بن خالد نا بقية بن الوليد نى عثمان بن عبد الرحمن نى عنبسة بن سعيد نا مكحول عن واثلة بن الاسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " السحاق زنا بالنساء بينهن " فان هذا لا يصح لانه عن بقية - وبقية ضعيف - ولم يدرك مكحولا.
وواثلة فهو منقطع ثم لو صح لما كان فيه ما يوجب الحكم بالحد في ذلك لانه عليه السلام قد بين في حديث الاسلمي ما هو الزنا الموجب للحد وانما هو إتيان الرجل من المرأة حراما ما يأتي من أهله حلالا، وأخبر عليه السلام أن الاعضاء تزني وأن الفرج يكذب ذلك أو يصدقه فصح أن لا زنا بين رجل وامرأة الا بالفرج الذي هو الذكر في الفرج الذي مخرج الولد فقط، ولقد كان يلزم هذا الخبر من رأى برأيه أن فعل قوم لوط أعظم الزنا فانه ليس معهم فيه نص أصلا ولو وجدوا مثل هذا لطغوا وبغوا فسقط هذا جملة واحدة، ثم نظرنا في قول الحسن في إباحة ذلك فوجدناه خطأ لان الله تعالى يقول: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) إلى قوله: (العادون) وصح بالدليل من القرآن.
وبالاجماع أن المرأة لا تحل لملك يمينها وأنه منها ذو محرم لان الله تعالى أسقط الحجاب عن أمهات المؤمنين عن عبيدهن مع ذى محارمهن من النساء فصح أن العبد من سيده ذو محرم فالمرأة إذا أباحت فرجها لغير زوجها فلم تحفظه فقد عصت الله تعالى بذلك وصح أن بشرتها محرمة على غير زوجها الذي أبيحت له بالنص فإذا أباحت بشرتها لامرأة أو رجل غير زوجها فقد أباحت الحرام، وقد روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا زيد بن الحباب - هو العكلي - نا الضحاك بن عثمان - هو الحزامي - أخبرني زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله(11/391)
صلى الله عليه وسلم قال: " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفض
الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفض المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد " * حدثنا أحمد بن قاسم نا ابي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن اصبغ نا محمد بن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة نا ابو الاحوص - هو سلام بن سليم - عن منصور ابن المعتمر عن أبى وائل - هو شقيق بن سلمة - عن عبد الله بن مسعود قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباشر المرأة المرأة في ثوب واحد - لعل أن تصفها إلى زوجها كأنه ينظر إليها * وبه إلى قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار - بندار - أنا محمد بن جعفر - غندر - نا شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال * قال أبو محمد رحمه الله: فهذه نصوص جلية على تحريم مباشرة الرجل الرجل والمرأة المرأة على السواء فالمباشرة منها لمن نهى عن مباشرته عاص لله تعالى مرتكب حرام على السواء فإذا استعملت بالفروج كانت حراما زائدا ومعصية مضاعفة والمرأة إذا أدخلت فرجها شيئا غير ما أبيح لها من فرج زوجها أو ما ترد به الحيض فلم تحفظ فرجها واذ لم تحفظه فقد زادت معصية فبطل قول الحسن في ذلك وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد صح أن المرأة المساحقة للمرأة عاصية فقد أتت منكرا فوجب تغيير ذلك باليد كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " من رأى منكرا أن يغيره بيده " فعليها التعزير * قال أبو محمد رحمه الله: فلو عرضت فرجها شيئا دون أن تدخله حتى ينزل فيكره هذا ولا اثم فيه وكذلك الاستمناء للرجال سواء سواء لان مس الرجل ذكره بشماله مباح ومس المرأة فرجها كذلك مباح باجماع الامة كلها فإذ هو مباح فليس هنالك زيادة على المباح الا التعمد لنزول المني فليس ذلك حراما أصلا لقول الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) وليس هذا مما فصل لنا تحريمه فهو حلال لقوله تعالى:
(خلق لكم ما في الارض جميعا) الا أننا نكرهه لانه لس من مكارم الاخلاق ولا من الفضائل، وقد تكلم الناس في هذا فكرهته طائفة وأباحته أخرى كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان عن مجاهد قال: سئل ابن عمر عن الاستمناء؟ فقال ذلك نائك نفسه، وبه إلى سفيان الثوري عن الاعمش عن أبي رزين عن أبي يحيى عن ابن عباس أن رجلا قال له إني أعبث بذكري(11/392)
حتى أنزل قال أف نكاح الامة خير منه وهو خير من الزنا، واباحه قوم كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني ابراهيم بن أبي بكر عن رجل عن ابن عباس أنه قال وما هو الا أن يعرك أحدكم زبه حتى ينزل الماء * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار - بندار - أنا محمد بن جعفر - غندر - نا شعبة عن قتادة عن رجل عن ابن عمر أنه قال إنما هو عصب تدلكه، وبه إلى قتادة عن العلاء بن زياد عن أبيه أنهم كانوا يفعلونه في المغازى يعني الاستمناء يعبث الرجل بذكره يدلكه حتى ينزل قال قتادة: وقال الحسن في الرجل يستمنى يعبث بذكره حتى ينزل قال: كانوا يفعلون في المغازي، وعن جابر بن زيد أبي الشعثاء قال هو ماؤك فاهرقه - يعني الاستمناء -، وعن مجاهد قال كان من مضى يأمرون شبابهم بالاستمناء يستعفون بذلك قال عبد الرزاق: وذكره معمر عن أيوب السختياني أو غيره عن مجاهد عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا بالاستمناء، وعن عمرو بن دينار ما أرى بالاستمناء بأسا * قال أبو محمد رحمه الله: الاسانيد عن ابن عباس.
وابن عمر في كلا القولين مغموزة لكن الكراهة صحيحة عن عطاء والاباحة المطلقة صحيحة عن الحسن.
وعن عمرو بن دينار.
وعن زياد أبي العلاء.
وعن مجاهد ورواه من رواه من هؤلاء عمن أدركوا وهؤلاء كبار التابعين الذين لا يكادون يروون الا عن الصحابة رضي
الله عنهم * قال أبو محمد رحمه الله: وقد جاء في المرأة تفتض المرأة بأصبعها آثار كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج عن عطاء عن علي بن أبى طالب والحسن بن علي أن الحسن أفتى في امرأة افتضت أخرى بأصبعها وأمسكها نسوة لذلك أن العقل بينهن وقضى علي بذلك، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور.
ومغيرة قال منصور عن الحكم بن عتيبة: وقال مغيرة عن ابراهيم، ثم اتفق الحكم: وابراهيم عن علي.
والحسن أن الحسن أفتى في امرأة افتضت امرأة بأصبعها أن عليها والممسكات الصداق بينهن هكذا قال المغيرة، وقال الحكم في روايته على المفتضة وحدها واتفقا أن عليا قضى بذلك، وعن الزهري لو افتضت امرأة باصبعها غرمت صداقها كصداق امرأة من نسائها، وعن عياض بن عبيد الله قاضي أهل مصر كتب إلى عمر بن عبد العزيز في صبي افترع صبية بأصبعه فكتب إليه عمر لم يبلغني في هذا شئ وقد جمعت لذلك فاقض فيه برأيك فقضى لها على الغلام بخمسين دينارا *(11/393)
قال أبو محمد رحمه الله: هذا عن علي مرسل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فلا يجوز أن يقضى ههنا بصداق لانه ليس زواجا ولا صداق الا في نكاح زواج إذ لم يوجبه في غير ذلك نص ولا اجماع فسواء كان المتفض بأصبعه رجلا أو امرأة لا غرامة في ذلك أصلا لان الله تعالى لم يوجب في ذلك غرامة.
ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، فان شنعوا بأن هذا قول علي.
والحسن بن علي (قلنا لهم) فان هذين الخبرين ليس فيهما إيجاب نكال على المفتض والمفتضة أصلا وأنتم توجبون في ذلك الادب وهذا خلاف منكم لما تشنعون به من حكم علي.
والحسن رضي الله عنهما وعار هذا وإثمه إنما يلزم من أوجب فرضا اتباع ما روي عن الصاحب ثم هو مع ذلك أول مخالف له وأما نحن فلا يلزم عندنا اتباع أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط فلا حرج علينا في مخالفة
ما لا نراه واجبا ولكن على المفتض بأصبعه امرأة والمفتضة بأصبعها امرأة ومدخل شئ في دبر آخر التعزير لان كل ما ذكرنا معصية ومنكر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " وهؤلاء قد انتهكوا بشرة محرمة فأتوا منكرا ومن أتى منكرا ففرض عليه تغييره باليد كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فواجب على من فعل ذلك أو غيره من المنكرات التعزير على ما نذكره ان شاء الله تعالى بعد هذا * قال أبو محمد رحمه الله: ولم يقل أحد نعلمه إن في شئ من هذا حد زنا ولا حدا محدودا ولا فرق بينه وبين سائر ما أوجبوا فيه الحدود مما لا نص فيه يصح وبالله تعالى التوفيق * 2304 مسألة - السحر - قال أبو محمد رحمه الله: إختلف الناس في السحر، فقالت طائفة: يقتل الساحر ولا يستتاب - والسحر كفر - وهو قول مالك - وقال أبو حنيفة: يقتل الساحر، وقال الشافعي: وأصحابنا: ان كان الكلام الذي يسحر به كفرا فالساحر مرتد وان كان ليس كفرا فلا يقتل لانه ليس كافرا، وذكر عن المتقدمين في ذلك أشياء كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا لدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار قال ان عمر بن الخطاب كتب إلى جزي بن معاوية عم الاحنف ابن قيس - وكان عاملا لعمر بن الخطاب - ان أقتل كل ساحر وكاتب بجالة كاتب جزى قال بجالة فأرسلنا فوجدنا ثلاث سواحر فضربنا أعناقهن، وبه إلى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن أبى الجعد قال ان قيس بن سعد قتل ساحرا، وعن نافع عن ابن عمر أن جارية لحفصة سحرتها فاعترفت بذلك فأمرت بها عبد الرحمن بن زيد فقتلها(11/394)
فأنكر ذلك عليها عثمان فقال له ابن عمر ما تنكر على أم المؤمنين امرأة سحرت واعترفت فسكت عثمان، وعن أيوب السختياني عن نافع ان حفصة سحرت فأمرت عبيد الله
أخاها فقتل ساحرتين، وعن العطاف بن خالد المخزومي أبو صفوان قال رأيت سالم ابن عبد الله وهو واقف على جدار بيت لبنى أخ له يتامى أتاه غلمة أربعة ومعهم غلام هو أشف منهم فقال يا أبا عمر أنظر ما يصنع هذا قال: وماذا يصنع؟ قال فسل خيطا من ثوبه فقطعه وسالم ينظر إليه فجمعه بين اصبعين من أصابعه ثم تفل عليه مرتين أو ثلاثا ثم مده فإذا هو صحيح ليس به بأس فسمعت سالما يقول لو كان لي من الامر شئ لصلبته، وعن يحيى بن سعيد الانصاري أن خالد بن المهاجر بن خالد قتل نبطيا سحر - يعني ذميا - وعن يحيى بن أبي كثير قال ان غلاما لعمر بن عبد العزيز أخذ ساحرة فألقاها في الماء فطفت فكتب إليه عمر بن عبد العزيز أن الله لم يأمرك ان تلقيها في الماء فان اعترفت فاقتلها، وعن ابن شهاب قال يقتل ساحر المسلمين ولا يقتل ساحر أهل الكتاب لان النبي صلى الله عليه وسلم سحره رجل من اليهود يقال له ابن أعصم.
وامرأة من خيبر يقال لها زينب فلم يقتلهما * قال أبو محمد رحمه الله: فهؤلاء عمر بن الخطاب.
وحفصة.
وعبد الله ابناه.
وعبيد الله ابنه.
وعثمان.
وقيس بن ربيعة.
ومن التابعين سالم بن عبد الله.
وخالد بن المهاجر.
وعمر بن عبد العزيز.
وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وأما من خالف هذا فكما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن مالك بن أنس عن محمد ابن عبد الرحمن - هو أبو الرجال - عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة أم المؤمنين اعتقت جارية لها عن دبر وانها سحرتها واعترفت بذلك وقالت أحببت العتق فأمرت بها عائشة ابن أخيها أن يبيعها من الاعراب ممن يسئ ملكتها وقالت ابتع بثمنها رقبة فاعتقها، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الانصاري عن أبى الرجال عن عمرة قالت: مرضت عائشة فطال مرضها فذهب بنو اخيها إلى رجل فذكروا له مرضها فقال انكم لتخبروني خبر امرأة مطبوبة فذهبوا ينظرون فإذا جارية لها قد سحرتها وكانت قد دبرتها فقالت لها ما اردت مني قالت أردت أن تموتي حتى أعتق قالت فان لله علي أن
تباع من أشد العرب ملكة فباعتها وأمرت بثمنها أن يجعل في مثلها، وعن ربيعة بن عطاء أن رجلا عبدا سحر جارية عربية وكانت تتبعه فرفع إلى عروة بن محمد - وكان عامل عمر بن عبد العزيز - فكتب إليه عمر بن عبد العزيز أن يبيعه بغير أرضها وأرضه ثم ادفع ثمنه إليها وقد ذكرنا عن عثمان رضي الله عنه انكار قتل الساحر *(11/395)
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في قول من رأى قتل الساحر فوجدناهم يقولون: قال الله تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) الآية قالوا: فسمى الله تعالى السحر كفرا بقوله: (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) قال فيعلمون بدل من كفروا فتعليم السحر كفر، وأيضا بقوله تعالى: (انما نحن فتنة فلا تكفر) وأيضا بقوله تعالى: (ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) وبقوله.
(ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون) وذكروا ما ناه حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن اسماعيل بن مسلم عن الحسن قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " حد الساحر ضربه بالسيف " * وبه إلى عبد الرزاق عن ابراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تعلم السحر قليلا أو كثيرا كان آخر عهده من الله " * حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن جهيم نا ابراهيم بن حماد نا اسماعيل بن اسحق نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن أبى العلاء " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جانب عقبة ذات ليلة فنزل فجعل يرتجز ويقول: * جندب وما جندب * والاقطع الخبر الخبر * فلما أصبح قال أصحابه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأينا راجزا أحسن رجزا منك الليلة فما جندب والاقطع؟ قال: أما جندب فرجل من أمتي يضرب ضربة يبعث بها أمة وحده يوم القيامة وأما الاقطع فرجل تقطع يده فتدخل الجنة قبل
جسده ببرهة من الدهر " فكانوا يرون أن الاقطع زيد بن صوحان قطعت يده يوم اليرموك قبل يوم الجمل مع علي، وأما جندب فهو الذي قتل الساحر * قال نا حماد ابن سلمة نا أبوعمران - هو الجونى - أن ساحرا كان عند الوليد بن عقبة فجعل يدخل في بقرة ثم يخرج منها فرآه جندب فذهب إلى بيته فالتفع على سيفه فلما دخل الساحر جوف البقرة ضربهما وقال: (أتأتون السحر وأنتم تبصرون) فاندفع الناس وتفرقوا وقالوا: حرورى فسجنه الوليد وكتب به إلى عثمان بن عفان فكان يفتح له بالليل فيذهب إلى أهله فإذا أصبح رجع إلى السجن قال: فيرون أن جندبا صاحب الضربة * قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم لهم شيئا غير ما ذكرنا قد تقصيناه لهم غاية التقصي وأتينا بما لم نذكره أيضا وكل ذلك لا حجة لهم في شئ منه على ما نبين ان شاء الله تعالى فنقول وبالله تعالى التوفيق، أما ما ذكروه من أقوال الصحابة رضي الله عنهم فلا حجة لهم في شئ منه، أما قول عمر رضي الله عنه فانه خبر صحيح عنه أخذوا(11/396)
ما اشتهوا منه وتركوا سائره وهو خبر ناه حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر.
وسفيان بن عيينة كلاهما عن عمرو بن دينار قال: سمعت بجالة كاتب جزى يحدث أبا الشعثاء.
وعمرو بن أوس عند صفة زمزم في إمارة المصعب ابن الزبير قال: كنت كاتبا لجزى - عم الاحنف بن قيس - فأتى كتاب عمر قبل موته.
بسنة اقتلوا كل ساحر وفرقوا بين كل ذي رحم محرم من المجوس وانههم عن الزمزمة قال: فقتلنا ثلاث سواحر قال وصنع طعاما كثيرا وعرض السيف ثم دعا المجوس فألقوا وقر بغل أو بغلين من ورق أخلة كانوا يأكلون بها وأكلوا بغير زمزمة قال: ولم يكن عمر أخذ من المجوس الجزية حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس أهل هجر فهكذا الحديث، والمالكيون.
والحنيفيون يخالفون عمر في هذا الخبر فيما لا يحل خلافه فيه من أمره بأن يفرق بين كل ذي رحم
محرم من المجوس لان هذا هو أمر الله تعالى إذ يقول تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) فهو إذ يقول تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) فقال الحنيفيون.
والمالكيون: لا يفرق بين مجوسي وبين حريمته وتؤخذ الجزية من كل من ليس كتابيا من العجم فخالفوا القرآن.
وعمر بن الخطاب حيث لا يحل خلافه وقلدوه بزعمهم حيث حكم فيه بما أداه إليه اجتهاده مما لم يرد فيه قرآن ولا صحت به سنة فهذا عكس الحقائق - والزمزمة كلام تتكلم به المجوس عند أكلهم لا بد لهم منه ولا يحل في دينهم أكل دونه - وهو كلام تعظيم لله تعالى يتكلمون به في أفواههم خلقة وشفاهم مطبقة لا يجوز عندهم خلاف ذلك - ولهم خشبات صغار يستعملونها عند ذلك - واخلة يأكلون بها - وهذا حمق منهم وتكلف، وبالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن عبد الرحمن عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب أخذ ساحرا فدفنه إلى صدره ثم تركه حتى مات - وهم لا يأخذون بهذا نفسه من حكم عمر في الساحر - وحتى لو التزموا قول عمر كله لكان إذ صح خلاف عائشة له في ذلك ولما كان قوله اولى من قولها ولا قولها أولى من قوله فالواجب عند التنازع الرجوع إلى ما افترض الله تعالى الرجوع إليه من القرآن والسنة فسقط تعلقهم بعمر في ذلك، وأما حديث قيس بن سعيد أنه قتل ساحرا فقد يمكن أن يكون ذلك الساحر كافرا أضر بمسلم فقتله وهكذا نقول وأيضا فقد صح خلاف ذلك عن عائشة رضي الله عنه فسقط تعلقهم بحديث قيس، وأما حديث حفصة.
وابن عمر فقد قلنا انه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نظرنا في(11/397)
الآثار التي ذكروا في ذلك فوجدنا خبر الحسن مرسلا ولا حجة في مرسل ولو صح لما كان لهم فيه متعلق أصلا لانه إنما فيه حد الساحر ضربة بالسيف وليس فيه قتله والضربة قد تخطئ فتجرح فقط وقد تقتل فهم قد خالفوا هذا الخبر وأوجبوا قتله ولا بد، وأما
خبر جندب ففي غاية السقوط أول ذلك أنه مرسل لا يدرى ممن سمعه أبو العلاء فلم يبق الا الآية فوجب النظر فيها ففعلنا بعون الله تعالى وابتدأنا بأولها من قوله تعالى: (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) وقولهم يعلمون بدل من كفروا فنظرنا في ذلك فوجدناه ليس كما ظنوا وأن قولهم هذا دعوى بلا برهان بل القول الظاهر هو أن الكلام تم عند قوله تعالى: (كفروا) وكملت القصة وقامت بنفسها صحيحة تامة (ولكن الشياطين كفروا) ثم ابتدأ تعالى قصة أخرى مبتدأة وهو قوله تعالى: (يعلمون الناس السحر) فيعلمون ابتداء كلام لا بدل ثم لو صح أن يعلمون بدل من كفروا ولم يحتمل غير ذلك أصلا لما كان لهم فيه حجة البتة لان ذلك خبر من الله تعالى عن أن ذلك كان حكم الشياطين بعد أيام سليمان عليه السلام وذلك شريعة لا تلزمنا وحكم الله تعالى في الشياطين حكم خارج من حكمنا وكل حكم لم يكن في شريعتنا فلا يلزمنا بل قد صح أن حكم الجن اليوم في شريعتنا غير حكمنا كما قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لهم الروث والعظام طعاما والروث حرام عندنا وحلال لهم فكيف وإذا احتمل ظاهر الآية معنيين فلا يجوز حملها على أحدهما دون الآخر الا ببرهان وقد بينا أن كلا الوجهين لا حجة لهم فيه أصلا، وأيضا فان نص قولهم ان الشياطين كفروا بتعليم الناس السحر وهم يزعمون أن الملكين يعلمان الناس السحر ولا يكفر الملكان عندهم بذلك فقد أقروا باختلاف حكم تعليم السحر وأنه يكون كفرا ولا يكون كفرا بذلك فإذ قد قالوا ذلك فمن أين لهم أن حكم الساحر من الناس الكفر قياسا على الشياطين دون أن لا يكون كفرا قياسا على الملكين؟ فكيف والقياس كله باطل فصح أنه لا حجة لهم في تكفير الساحر من الناس بأن الشياطين يكفرون بتعليمه هذا لو صح لهم أن كفر الشياطين لم يكن الا بتعليمهم الناس السحر خاصة وهذا لا يصح لهم أبدا بل قد كفروا قبل ذلك فكان تعليمهم الناس السحر ضلالا زائدا ومعصية حادثة أخرى وهذا هو مقتضى ظاهر الآية الذي لا يجوز أن يحال عنه البتة الا بالدعوى العارية من البرهان وبالله تعالى التوفيق، ثم صرنا إلى قول الله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى
يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) فوجدناهم لا حجة لهم فيه أصلا بوجه من الوجوه لانه إنما في هذا الكلام النهي عن الكفر جملة ولم يقولا فلا تكفر بتعلمك السحر ولا بعلمك السحر هذا ما لا يفهم من الاية أصلا، وهكذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ترجعوا(11/398)
بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " إنما هو نهي أن يكفروا ابتداء وعن أن يرتدوا فقط لا انهم بقتل بعضهم بعضا يكونون كفارا وهذا بين لا خفاء به وبالله تعالى التوفيق * وكل من أقحم في هذه الآية ان قوله تعالى حاكيا عن القائلين (انما نحن فتنة فلا تكفر) ان مرادهما لا تكفر بتعلمك ما نعلمك فقد كذب وزاد في القرآن ما ليس فيه وما لا دليل عليه أصلا، ثم صرنا إلى قوله تعالى: (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) فوجدنا هذا أبعد من أن يكون لهم فيه شبهة يموهون بها من كل ما سلف لانه لم يختلف أحد من أهل السنة في أن من فرق بين امرأة وزوجها لا يكون كافرا بذلك بل قد وجدنا المالكيين.
والحنيفيين يفرقون بين المرء وزوجه بما لم يأذن الله تعالى به قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم كالشروط الفاسدة.
والتخيير.
والتمليك والعناية.
وعدم النفقه، وأعجب من ذلك كله إباحة الحنيفيين لمن طالت يده من الفساق.
ولمن قصرت يده منهم أن يأتي إلى من عشق امرأة رجل من المسلمين أن يحمل السوط على ظهره حتى ينطق بطلاقها مكرها فإذا اعتدت أكرهها الفاسق على أن تتزوجه بالسياط أيضا حتى تنطق بالرضا مكرهة فكان ذلك عندهم نكاحا طيبا وزواجا مباركا وطئا حلالا يتقرب به إلى الله تعالى وتالله ما في الذي شنعه الله تعالى من التفريق بين المرء وزوجه أعظم إثما ولا أشنع حراما ولا أبعد من رضاء الله تعالى ولا أدنى من رأى إبليس ومن الشياطين من هذا التفريق الذي أمضوه وأجازوه ونسأل الله إلى العافية من مثل هذا وشبهه وقد نجد النمام يفرق بين المرء وزوجه فلا يكون بذلك كافرا فمن أين وقع لهم أن يكفروا الساحر بذلك؟ فبطل تعلقهم بهذا النص جملة وهكذا القول في قوله تعالى:
(وما هم بضارين به من احد إلا باذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) إذ ليس كل ما ضر المرء يكون به كافرا بل يكون عاصيا لله تعالى لا كافرا ولا حلال الدم، ثم صرنا إلى قوله تعالى: (ولقد علموا لمن اشتراه) إلى قوله تعالى: (لو كانوا يعلمون) فوجدناهم لا حجة لهم في تكفير الساحر ولا في اباحة دمه أصلا لان هذه الصفة قد تكون في مسلم باجماعهم معنا كما روينا من طريق مسلم نا شيبان بن فروخ نا جرير بن حازم نا نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخر " * قال أبو محمد رحمه الله: وهم لا يختلفون في أن لباس الحرير ليس كفرا ولا يحل قتل لابسه فبطل تعلقهم بهذه الآية ولله الحمد، فنظرنا أن يكون لهم في الآية متعلق أصلا ولا في شئ من القرآن.
ولا من السنن الصحاح.
ولا في السنن الواهية(11/399)
ولا في اجماع.
ولا في قول صاحب.
ولا في قياس.
ولا نظر.
ولا رأى سديد يصح بل كل هذه الوجوه مبطلة لقولهم فلما بطل قول من رأى أن يقتل الساحر جملة وقول من ادعى أن السحر كفر بالجملة وجب ان ننظر في القول الثالث فوجدنا الله تعالى يقول: (ولا تقتلوا أنفسكم) وقال تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) إلى قوله: (فخلوا سبيلهم) وقال تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) وقال تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فصح بالقرآن.
والسنة أن كل مسلم فدمه حرام الا بنص ثابت أو اجماع متيقن فنظرنا هل نجد في السحر نصا ثابتا بتبيان ما هو؟ فوجدنا من طريق مسلم نا هرون بن سعيد الايلي نا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي
حرم الله الا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات " فكان هذا بيانا جليا بأن السحر ليس من الشرك ولكنه معصية موبقة كقتل النفس وشبهها فارتفع الاشكال ولله الحمد، وصح أن السحر ليس كفرا وإذا لم يكن كفرا فلا يحل قتل فاعله لان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا باحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان ونفس بنفس " فالساحر ليس كافرا كما بينا ولا قاتلا ولا زانيا محصنا ولا جاء في قتله نص صحيح فيضاف إلى هذه الثلاث كما جاء في المحارب والمحدود في الخمر ثلاث مرات فصح تحريم دمه بيقين لا اشكال فيه * ووجدنا أيضا من طريق البخاري نا عبد الله بن محمد سمعت سفيان بن عيينة يقول: ان هشام بن عروة حدثهم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن - قال ابن عيينة وهذا أشد ما يكون من السحر - فقال يا عائشة.
أعلمت أن الله أفتأنى فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للآخر ما بال الرجل؟ فقال: مطبوب قال: ومن طبه قال لبيد بن أعصم - رجل من بني زريق حليف اليهود وكان منافقا - قال وفيم؟ قال في مشط ومشاطة قال وأين؟ قال في جف طلعة ذكر تحت راعونة في بئر ذروان قال فأتى البئر حتى استخرجه قال فهذه البئر التي رأيتها كأن ماءها نقاعة الحناء وكأن نخلها رءوس الشياطين قال: فاستخرج فقلت أفلا تنشرت؟ قال أما الله فقد شفاني وأكره أن أثير على الناس شرا " *(11/400)
قال أبو محمد: فهذا خبر صحيح، وقد عرف الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم من سحره فلم يقتله (فان قيل): فان في هذا الحديث انه كان منافقا وفى بعض رواياته أنه كان يهوديا وأنتم تقولون ان الكافر إذا أضر بمسلم وجب قتله وبرئت منه الذمة وأن المنافق إذا عرف وجب قتله (قلنا): اننا كذلك نقول لان
البرهان قام بذلك * وأما الذمي إذا أضر بمسلم فلقول الله تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فانما حرمت دماء أهل الكتاب بالتزام الصغار فإذا فارقوا الصغار فقد برئت ذمتهم وسقط تحريم دمائهم وعادت حلالا كما كانت لان الله تعالى أباح دماءهم أبدا إلا بالصغار فإذا لم يكن الصغار فدماؤهم لم تحرم وهم إذا أضروا بمسلم فلم يصغروهم وقد أصغروه فدماؤهم حلال، وأما المنافق فإذا عرف أنه كافر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه " فهذا المنافق أو اليهودي نحن على يقين لا مرية فيه أنه لم يكن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بعد بقتل من بدل دينه ولا بقتل من لم يلتزم الصغار من أهل الذمة، برهان ذلك لا يشك أنه من في قلبه مقدار ذرة من إيمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعمد عصيان ربه فلو أمره ربه تعالى بقتلهم لانفذ ذلك فإذ لم يقتله عليه السلام فبيقين نقطع ونبت أن ذلك كان قبل نزول الآية بقتل أهل الكتاب ما لم يؤدوا الجزية مع الصغار وقبل أن ينزل عليه الامر بقتل من بدل دينه * (فان قالوا): قولوا كذلك في الساحر (قلنا): نعم هكذا نقول وهو أن الساحر بهذا الخبر حرام الدم وكذلك اليهودي يضر بالمسلم فكيف بسيد أهل الاسلام صلى الله عليه وسلم، وكذلك من أعلن الاسلام وأسر الكفر ثم صح أمر الله تعالى بتحريم دماء أهل الكتاب بالجزية مع الصغار وإباحتها بعدم ذلك وصح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل من بدل دينه فصرنا إلى ذلك ولم يأت أمر صحيح بقتل الساحر فبقى على تحريم الدم فارتفع الاشكال جملة وبالله تعالى التوفيق * 2305 مسألة - التعزير * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في مقدار التعزير فقالت طائفة: ليس له مقدار محدود وجائز أن يبلغ به الامام ما رآه وان يجاوز به الحدود بالغا ما بلغ - وهو قول مالك - وأحد أقوال أبي يوسف وهو قول أبي ثور.
والطحاوي من أصحاب أبي حنيفة - * وقالت طائفة: التعزير
مائة جلدة فأقل، وقالت طائفة: أكثر التعزير مائة جلدة الا جلدة، وقالت طائفة: أكثر التعزير تسعة وسبعون سوطا فأقل - وهو أحد أقوال أبي يوسف، وقالت(11/401)
طائفة: أكثر التعزير خمسة وسبعون سوطا فأقل - وهو قول ابن أبي ليلى، وأحد أقوال أبي يوسف، وقالت طائفة: أكثر التعزير ثلاثون سوطا، وقالت طائفة: أكثر التعزير عشرون سوطا، وقالت طائفة: لا يتجاوز بالتعزير تسعة - وهو قول بعض أصحاب الشافعي، وقالت طائفة: أكثر التعزير عشرة أسواط فأقل لا يجوز أن يتجاوز به أكثر من ذلك - وهو قول الليث بن سعد، وقول أصحابنا * قال أبو محمد رحمه الله: فمما روى في القول الاول ما ناه أحمد بن عمر بن أنس نا الحسن بن يعقوب نا سعد بن فحلون نا يوسف بن يحيى نا عبد الملك بن حبيب قال: قال لى مطرف بن عبد الله ثقة: أتى هشام بن عبد الله المخزومى - وهو قاضي المدينة ومن صالح قضاتها - برجل خبيث معروف باتباع الصبيان قد لصق بغلام في ازدحام الناس حتى أفضى فبعث به هشام إلى مالك وقال: أترى أن أقتله قال وكان هشام شديدا في الحدود فقال مالك: أما القتل فلا ولكن أرى أن تعاقبه عقوبة موجعة فقال: كم؟ قال: ذلك اليك فأمر به هشام فجلد أربع مائة سوط وابقاه في السجن فما لبث أن مات فذكروا ذلك لمالك فما استنكر ولا رأى أنه أخطأ * قال أبو محمد رحمه الله: وذكر محمد بن سحنون بن سعيد في كتابه الذي جمع فيه أحكام أبيه أيام ولايته قضاء مدينة القيروان لابن الاغلب قال: شكى إلى أبي رجل يأتي زوجته أنه غيب عنه ابنته وحال بينه وبينها فبعث في أبي الجارية قال أين ابنتك امرأة هذا؟ فقال والله ما أتتني ولا أدري اين هي ولا لها عندي علم قال: فأمر به فحمله إلى وسط السوق وضرب مائة سوط ثم سجنه ثم أخرجه مرة ثانية وجلده في وسط السوق مائة سوط، ثم أنا أشك اذكر الثالثة أو الرابعة أم لا قال فمات الرجل من الضرب في السجن ثم وجد ابنته في بعض
الشعاب عند قوم من أهل الفساد، وأما القول الثاني فكما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني هشام بن عروة عن أبيه أن يحيى بن عبد الرحمن ابن حاطب حدثه قال توفى عبد الرحمن بن حاطب وأعتق من صلى من رقيقه وصام وكانت له نوبية قد صلت وصامت وهي أعجمية لم تفقه فلم يرعه الا حملها وكانت ثيبا فذهب إلى عمر فزعا فحدثه فقال أنت الرجل لا تأتي بخير فأرسل إليها عمر فسألها فقال: أحبلت؟ قالت نعم من مرعوش بدرهمين فصادف ذلك عنده عثمان.
وعليا.
وعبد الرحمن بن عوف فقال: اشيروا علي وكان عثمان جالسا فاضطجع فقال علي.
وعبد الرحمن: قد وقع عليها الحد فقال: أشر علي يا عثمان قال: قد أشار عليك أخواك قال: أشر علي أنت قال عثمان: أراها تستهل به كأنها لا تعرفه فليس الحد إلا على من علمه فأمر بها عمر فجلدت مائة(11/402)
ثم غربها ثم قال: صدقت والذي نفسي بيده ما الحد الا على من علمه، وبه إلى عبد الرزاق عن محمد بن راشد قال: سمعت مكحولا يحدث أن رجلا وجد في بيت رجل بعد العتمة ملففا في حصير فضربه عمر مائة، وبه إلى عبد الرزاق نا ابن جريج نا جعفر بن محمد عن أبيه عن علي انه كان إذا وجد الرجل مع المرأة في لحاف واحد جلدهما مائة كل انسان منهما، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن الاعمش عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال أتى ابن مسعود برجل وجد مع امرأة في لحاف فضربهما لكل واحد منهما أربعين سوطا فذهب أهل المرأة وأهل الرجل فشكوا ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال عمر لابن مسعود ما يقول هؤلاء؟ قال: قد فعلت ذلك، وأما القول الثالث: فروينا عن سعيد بن المسيب، ورويناه أيضا عن ابن شهاب قال: ان عمر بن الخطاب ضرب رجلا دون المائة وجد مع امرأة في العتمة، وأما من قال ثلاثون سوطا فلما رويناه عن سفيان بن عيينة عن جامع عن شقيق قال كان لرجل على ام سلمة ام المؤمنين حق فكتب إليها يخرج عليها فأمر عمر بأن يجلد ثلاثين جلدة، وأما من قال عشرون سوطا فكما روينا
عن وكيع.
وعبد الرحمن ثم اتفقا كلاهما عن سفيان الثوري عن حميد الاعرج عن يحيى بن عبد الله بن صيفي أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى لا يجلد في تعزير أكثر من عشرين سوطا * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فنظرنا في قول من أسقط التعزير جملة ومن رأى أنه يزاد فيه على عشر جلدات إذ لم يبق غير هذين القولين إذ سائر الاقوال قد سقط التعلق بها جملة واحدة فوجدنا المنع منه جملة كما جاء عن عمر بن الخطاب.
وعن عطاء هو كان الاصل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " لكن لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع فان لم يستطع فبلسانه " كان ذلك مطلقا لتغيير المنكر باليد فكان هذا أمرا مجملا لا ندري كيفية ذلك التغيير باليد كيف هو لان التغيير باليد يكون بالسيف.
وبالحجر.
ويكون بالرمح.
ويكون بالضرب، وهذا لا يقدم عليه إلا ببيان من الله تعالى على لسان رسوله عليه السلام، ثم نظرنا في قول مالك فوجدناه أبعد الاقوال من الصواب لانه لم يتعلق بقرآن.
ولا بسنة.
ولا بدليل اجماع.
ولا بقول أحد من الصحابة رضى الله عنهم.
ولا برأي سديد فنظرنا في ذلك فوجدنا ما ناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا ابراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا عبد الله بن يوسف نا الليث - هو ابن سعد(11/403)
نى يزيد بن أبى حبيب عن بكير بن عبد الله عن سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله بن أبي بردة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يجلد فوق عشر جلدات الا في حد من حدود الله تعالى " فكان هذا بيانا جليا لا يحل لاحد أن يتعداه، وقد روينا عن سفيان الثوري عن أبي حصين عن أبي عامر قال: أتى علي ابن أبي طالب برجل وجد تحت فراش امرأة فقال اذهبوا به فقلبوه ظهرا لبطن في
مكان منتن فانه كان في مكان شر منه * ومن طريق محمد بن المثنى نا الضحاك بن مخلد عن سفيان الثوري عن أبي اسحاق الشيباني عن رجل أن رجلا جاء إلى علي بن أبي طالب بمستعد عليه فقال: هذا احتلم على أمي البارحة فقال له علي اذهب فأقمه في الشمس واضرب ظله * قال أبو محمد رحمه الله: ومن أتى منكرات جمة فللحاكم أن يضربه لكل منكر منها عشر جلدات فأقل بالغا ذلك ما بلغ لان الامر في التعزير جاء مجملا فيمن أتى منكرا أن يغير باليد وليس هذا بمنزلة الزانى الذي قد صح الاجماع والنص أن الايلاج والتكرار سواء ولا كالشرب الذي قد صح الاجماع والنص على أن الجرعة والسكر سواء ولا كالسرقة التي قد صح الاجماع بأن سارق ربع دينار وسارق أكثر من ذلك سواء ولا كالقذف الذي قد صح النص بأن قاذف واحد أو أكثر من واحد سواء، وبالله تعالى التوفيق * 2306 مسألة - هل يقال ذوو الهيئات عثراتهم؟ وكيف يتجاوز عن مسئ الانصار رضي الله عنهم؟ * قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك الخولاني نا محمد بن بكير البصري.
نا أبو داود السجستاني.
وجعفر بن مسافر التنيسي نا ابن أبي فديك عن عبد الملك بن زيد - من ولد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل - عن محمد ابن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم الا الحدود " * حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد ابن عبد الملك بن أيمن نا أبو عبد الله نا سعيد بن منصور نا أبو بكر بن نافع مولى العمريين قال: سمعت أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قالت عمرة: قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم " * حدثنا أحمد بن قاسم نا محمد بن قاسم ابن أصبغ نا أبي نا جدي نا مضر بن محمد نا مخلد بن مالك نا عبد الرحمن بن محمد بن أبي
الرجال عن ابن أبي ذئب أخبرني عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه جرح(11/404)
مولى له فاستعدى عليه ابن حزم - وهو والي المدينة - فقال ابن حزم: سمعت جدتي عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم - أو زلانهم " وأنت ذو هيئة وقد أقلتك - * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي نا عبد الرحمن بن مهدي نا عبد الملك بن زيد المديني عن أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم " * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن حاتم أنا سويد - هو ابن نصر - أنا عبد الله - هو ابن المبارك - عن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تجاوزوا عن زلة ذي الهيئة " * قال أبو محمد رحمه الله: حديث عبد الملك كان يكون جيدا لو لا أن محمد ابن أبي بكر مقدر أنه لم يسمعه من عمرة لان هذا الحديث انما هو عن أبيه أبي بكر عن عمرة وأما أبو بكر بن نافع - فهو ضعيف ليس هو بشئ - وليس هو أبا بكر ابن نافع مولى ابن عمر ذلك عال ثقة وهذا متأخر وأحسنها كلها حديث عبد الرحمن بن مهدي فهو جيد والحجة به قائمة * ومن طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر أنا شعبة سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الانصار كرشي وعيبتي والناس سيكثرون ويقلون فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم " * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا ابراهيم بن احمد نا الفربري نا البخاري نا محمد بن يحيى ابو علي الصائغ نا شاذان - اخو عبدان - نا ابي نا شعبة بن الحجاج عن هشام بن زيد قال سمعت انس بن مالك يقول: " مر أبو بكر.
والعباس بمجلس من مجالس الانصار وهم يبكون فقال ما يبكيكم؟ فقالوا ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا فدخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك قال فخرج النبي
صلى الله عليه وسلم وقد عصب رأسه بحاشية برد فصعد المنبر - ولم يصعده بعد ذلك اليوم - فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أوصيكم بالانصار فانهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم "، وبه إلى البخاري نا احمد بن يعقوب نا ابن المغلس قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن عباس يقول: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ملحفة متعصبا بها على منكبيه وعليه عصابة دسماء حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فان الناس يكثرون وتقل الانصار حتى يكونوا كالملح في الطعام " (فان قال قائل): فكيف تجمع هذه الآثار مع قوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع " ومع ما حدثكموه(11/405)
عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا ابراهيم بن احمد نا الفربري نا البخاري نا عبدان - هو ابن عثمان - انا عبد الله بن المبارك انا يونس - هو ابن يزيد - عن الزهري أخبرني عروة عن عائشة قالت: ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شئ يؤتى إليه حتى ينتهك من حرمات الله فينتقم لله عزوجل * قال أبو محمد رحمه الله: (فنقول): وبالله تعالى التوفيق: إن جميعها كلها حق ممكن ظاهر وذلك ما كان من إساءة لا تبلغ منكرا وجب أن يتجاوز فيها عن الانصاري في التعزير ولم يخفف عن غيرهم وما كان من حد خفيف أيضا عن الانصار ما لا يخفف عن غيرهم مثل أن يجلد الانصاري في الخمر بطرف الثوب وغيره باليد أو بالجريد والنعال ويقال ذو الهيئة - وهو الذي له هيئة علم وشرف - عثرة في جفا ونحو ذلك ما لم يكن حدا أو منكرا فلا بد من اقامة الحدود والتعزير وبالله تعالى التوفيق * 2307 مسألة هل يقتل القرشي فيما يوجب القتل من رجم المحصن إذا زنى.
والقود.
والحرابة.
والردة، وإذا شرب الخمر بعد ان حد فيها ثلاث مرات أم لا؟ * قال أبو محمد رحمه الله: نا احمد بن محمد بن الجسور نا أبو بكر أحمد بن الفضل
الدينوري نا محمد بن جرير الطبري نا عبد الله بن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري نى عمي يعقوب بن ابراهيم نى شعبة بن الحجاج عن عبد الله بن ابي السفر عن عامر الشعبي عن عبد الله بن مطيع بن الاسود عن ابيه مطيع - أخي بني عدي بن كعب وكان اسمه العاصي فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيعا - قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يقول: " لا تغزى مكة بعد هذا العام أبدا ولا يقتل رجل من قريش بعد هذا العام صبرا " * حدثنا احمد بن محمد بن الجسور نا احمد بن الفضل بن بهرام نا محمد بن جرير نى عبد الله بن محمد الزهري نا سفيان - هو ابن عيينة - عن زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن الشعبي قال: قال الحرث بن مالك بن البرصاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تغزى مكة بعد اليوم أبدا " * حدثنا احمد بن محمد بن الجسور نا احمد بن الفضل نا محمد بن جرير نى نصر بن عبد الرحمن الازدي نا محمد بن عبيد عن زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن عامر الشعبي عن الحرث بن مالك بن برصاء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يقول: " لا تغزى بعدها إلى يوم القيامة " * قال أبو محمد رحمه الله: الحارث هذا - هو الحارث بن مالك بن قيس بن عود بن جابر بن عبد مناف بن كنانة بن سجع بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناف ابن كنانة - لا يعرف للشعبي سماع من عبد الله بن مطيع وعبد الله بن مطيع هذا قتل مع(11/406)
عبد الله بن الزبير في الحصار الاول ولا يعرف له أيضا سماع من الحرث بن مالك بن البرصاء فحصل الخبران منقطعين ولا حجة في منقطع، ثم لو صح لكان المراد بذلك أنه عليه السلام لا يغزوها أبدا ولا يقتل هو قرشيا بعد ذلك اليوم صبرا، فهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، وبرهان صحة هذا التأويل هو قول الله تعالى: (ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فان قاتلوكم فاقتلوهم) فأخبر تعالى أننا سنقاتل فيه ونقتل ونقتل * روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد.
وأبو بكر بن أبي شيبة.
واسحق
- هو ابن ابراهيم - واللفظ لقتيبة قال اسحق أخبرنا، وقال الآخران نا جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد الله بن القبطية قال.
دخل الحرث بن أبي ربيعة: وعبد الله ابن صفوان.
وانا معهما على أم سلمة أم المؤمنين فقالت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث فإذا كان ببيداء من الارض خسف بهم فقلت يا رسول الله فكيف بمن كان كارها؟ قال.
يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته " * قال أبو محمد رحمه الله: اسقطنا من هذا الخبر كلاما لبعض رواته ليس من الحديث في شئ وهو غلط وهو أنه ذكر أن ذلك كان أيام ابن الزبير وهو خطأ لان أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها ماتت أيام معاوية فانما الغرض من الحديث كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا كلام من دونه فلا حجة فيه * ومن طريق مسلم نا عمرو بن محمد الناقد نا سفيان ابن عيينة عن امية بن صفوان سمع جده عبد الله بن صفوان يقول: أخبرتني حفصة انها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ليؤمن هذا البيت جيش يغزونه حتى إذا كانوا ببيداء من الارض يخسف بهم بأوسطهم وينادي أولهم آخرهم ثم يخسف بهم فلا يبقى الا الشريد الذي يخبر عنهم " * ومن طريق مسلم نى محمد بن حاتم بن ميمون نا الوليد بن صالح نا عبيد الله ابن عمرو نا يزيد بن ابي انيسة عن عبد الملك العامري عن يوسف بن ماهك اخبرني عبد الله ابن صفوان عن ام المؤمنين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سيعوذ بهذا البيت قوم ليس لهم منعة ولا عدد ولا عدة يبعث إليهم جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الارض خسف بهم " قال يوسف: واهل الشام يومئذ يسيرون إلى مكة قال عبد الله بن صفوان: اما والله ما هو بهذا الجيش * ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا يونس بن محمد نا القاسم بن الفضل الحدائي عن محمد بن زياد عن عبد الله بن الزبير قال: ان عائشة قالت: " عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه فقلنا يا رسول الله صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله قال: العجب أن ناسا من أمتي يؤمون هذا البيت لرجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم فقلنا: يا رسول الله فان الطريق قد تجمع الناس قال: نعم فيه(11/407)
المستبصر.
والمجبر.
وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى حتى يبعثهم الله على نياتهم " * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا خبر صحيح في غاية الصحة عن ثلاثة من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وعن ابن الزبير - وهو صاحب - قد أنذر النبي صلى الله عليه وسلم بأن مكة تغزى بعده، وأما قتل القرشي صبرا فلما روينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا ابن أبي عدي عن عثمان بن غياث عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الاشعري قال.
" بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من حوائط المدينة استفتح رجل فذكر الحديث، وفيه ثم استفتح رجل آخر فقال: افتح وبشره بالجنة على بلوى تكون قال: فذهبت فإذا عثمان بن عفان قال: ففتحت له وبشرته بالجنة فقلت الذي قال فقال اللهم صبرا والله المستعان " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك الخولاني نا محمد بن بكر نا أبو داود السجستاني نا مسدد نا يزيد بن زريع.
ويحيى بن سعيد القطان واللفظ له قالا جميعا: نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك حدثهم " أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا فتبعه أبو بكر.
وعمر.
وعثمان فرجف بهم فضربه نبي الله صلى الله عليه وسلم برجله اثبت أحد فانما عليك نبي وصديق وشهيدان " * قال أبو محمد رحمه الله: وأنذر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الكعبة يهدمها ذو السويقتين من الحبشة وهذا لا يكون الا بعد غزوها بلا شك وقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها تغزى بعده وصرح بأن عثمان تصيبه بلوى كما ترى فهذا أنذر بأنه سيقتل وهو قرشي وصح يقينا أن حديث الشعبي عن ابن مطيع وعن الحرث بن برصاء لو صح وهو لا يصح لكان معناه أنه عليه السلام لا يغزوها بعد يومه ذلك أبدا إلى يوم القيامة وانه عليه السلام لا يقتل قرشيا صبرا بعد ذلك اليوم إلى يوم القيامة وهكذا كان فإذ هذا معنى ذلك الحديث لو صح بلا شك فقد ثبت أن القرشي كغير القرشي في أن يقتل إذا وجب
عليه القتل صبرا كما يقتل غيره وأن الحدود تقام عليه كما تقام على غير قرشي ولا فرق مع أن هذا أمر مجمع عليه بيقين لا شك فيه وبالله تعالى التوفيق * 2308 مسألة - من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الله تعالى.
أو نبيا من الانبياء أو ملكا من الملائكة.
أو إنسانا من الصالحين هل يكون بذلك مرتدا إن كان مسلما أم لا؟ وهل يكون بذلك ناقضا للعهد إن كان ذميا أم لا؟ * قال أبو محمد: اختلف الناس فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم.
أو نبيا من الانبياء ممن يقول أنه مسلم، فقالت طائفة: ليس ذلك كفرا، وقالت طائفة: هو كفر(11/408)
وتوقف آخرون في ذلك.
فأما التوقف فهو قول أصحابنا: وأما من قال أنه ليس كفرا فاننا روينا باسناد غاب عنا مكانه من روايتنا إلا أن علي بن أبي طالب قال: لا أوتي برجل قذف داود عليه السلام بالزنا الا جلدته حدين، وأما من قال: أنه كفر فأباح دمه بذلك فان عبد الله بن ربيع قال: نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن العلاء نا أبو بكر نا أبو معاوية عن الاعمش عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أبي برزة قال: تغيظ أبو بكر على رجل فقلت من هو يا خليفة رسول الله؟ قال: لم؟ قلت له لاضرب عنقه إن أمرتني بذلك قال: أو كنت فاعلا قال: قلت نعم قال فذكرت كلمة معناها لاذهب عظم كلمتي التي قلت غضبه ثم قال: ما كانت لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا محمد ابن اسماعيل الترمذي نا الحميدي نا يعلي بن عبيد نا الاعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي برزة قال: مررت على أبي بكر الصديق وهو متغيظ على رجل من أصحابه فقلت: يا خليفة رسول الله من هذا الذي تغيظ عليه؟ قال: ولم تسأل عنه؟ قلت لاضرب عنقه قال: فو الله لاذهب غضبه ما قلت ثم قال: ما كان لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى عن أبي داود الطيالسي
نا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا نصر - هو حميد بن هلال - يحدث عن أبي برزة قال: أتيت على أبي بكر الصديق وقد أغلظ لرجل فرد عليه فقلت: ألا أضرب عنقه؟ فانتهرني وقال: إنها ليست لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا ابو داود نا عفان نا يزيد بن زريع نا يونس بن عبيد عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مطرف بن الشخير عن ابي برزة الاسلمي قال: كنا عند ابي بكر فغضب على رجل من المسلمين فاشتد غضبه جدا فلما رأيت ذلك قلت: يا خليفة رسول الله اضرب عنقه؟ فلما ذكرت القتل أضرب عن ذلك الحديث اجمع إلى غير ذلك من النحو قال: فلما تفرقنا ارسل إلى فقال: يا ابا برزة ما قلت؟ قال: ونسيت الذي قلت: فقلت له: ذكرنيه فقال: أما تذكر ما قلت؟ قلت: لا والله قال: رأيت حين رأيتني غضبت على الرجل فقلت اضرب عنقه يا خليفة رسول الله أما تذكر ذلك أو كنت فاعلا ذلك؟ قلت نعم والله ولئن أمرتني فعلت قال: والله ما هي لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: (فان قيل): هذا خبر رواه عن عمرو بن مرة.
مرة عن سالم ابن ابي الجعد.
ومرة عن ابي البختري وكلاهما عن ابي برزة (قلنا): فكان ماذا؟ كلهم(11/409)
ثقة سمعه من كل واحد فحدث به كذلك.
وعمرو بن مرة من الجلالة والثقة بحيث لا يغمزه بمثل هذا الا جاهل (فان قيل): ان معنى قول ابي بكر هذا انما هو ما كان لاحد ان يطاع في سفك دم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (قلنا): نعم واراد ايضا معنى آخر كما روينا مبينا بلا إشكال * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار أنا معاذ بن معاذ العنبري نا شعبة عن ثوبة العنبري قال: سمعت أبا السوار القاضي عبد الله بن قدامة يحدث عن أبي برزة قال: أغلظ رجل لابي بكر الصديق قلت: ألا أقتله؟ فقال أبو بكر: ليس هذا
إلا لمن شتم النبي صلى الله عليه وسلم فبين أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنه لا يقتل من شتمه لكن يقتل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم وقد علمنا أن دم المسلمين حرام إلا بما أباحه الله تعالى به ولم يبحه الله تعالى قط الا في الكفر بعد الايمان.
أو زنا المحصن.
أو قود بنفس مؤمنة.
أو في المحاربة.
وقطع الطريق.
أو في المدافعة عن الظلمة.
أو في الممانعة من حق.
أو فيمن حد في الخمر ثلاث مرات ثم شربها الرابعة فقط، وقد علمنا أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم فبيقين ندري أنه لم يزن.
ولا شرب خمرا.
ولا قصد ظلم مسلم.
ولا قطع طريقا فلم يبق الا أنه عند أبى بكر كافر * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن خالد عن حميد عن عمر بن عبد الله عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ابن زيد بن الخطاب أنه كان على الكوفة لعمر بن عبد العزيز فكتب إلى عمر بن عبد العزيز اني وجدت رجلا بالكوفة يسبك وقامت عليه البينة فهممت بقتله.
أو قطع يديه.
أو قطع لسانه.
أو جلده ثم بدا لي أن أراجعك فيه فكتب إليه عمر بن عبد العزيز سلام عليك أما بعد والذي نفسي بيده لو قتلته لقتلتك به ولو قطعته لقطعتك به ولو جلدته لاقدته منك فإذا جاءك كتابي هذا فاخرج به إلى الكناسة فسبه كالذي سبني أو أعف عنه فان ذلك أحب الي فانه لا يحل قتل امرئ مسلم يسب أحد من الناس الا رجلا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
واحمد بن حنبل.
واسحق بن راهويه.
وسائر أصحاب الحديث.
وأصحابهم إلا أنه بذلك كافر مرتد * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها لنعلم الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى وتأييده فوجدنا من قال لا يكون بذلك كافرا يحتجون بما روينا من طريق مسلم نا زهير بن حرب نا جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود لما كان يوم خيبر " آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا في القسمة فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله تعالى فأتيت(11/410)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان كالصرف، ثم قال: من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ يرحم الله موسى لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر " وبما روينا من طريق البخاري نا عمرو بن حفص بن غياث نا أبى عن الاعمش نا سفيان قال: قال عبد الله بن مسعود كأنى أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكى نبيا من الانبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول رب اغفر لقومي فانهم لا يعلمون * قال أبو محمد: وكل هذا لا حجة لهم فيه، أما القائل في قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه قسمة ما عدل فيها ولا أريد بها وجه الله تعالى فقد قلنا إن هذا كان يوم خيبر وأن هذا كان قبل أن يأمر الله تعالى بقتل المرتدين وليس في هذا الخبر أن قائل هذا القول ليس كافرا بقوله ذلك فإذ ليس ذلك في الخبر فلا متعلق لهم به، وأما حديث النبي الذى ضربه قومه فأدموه فكذلك أيضا ومعنى دعاء ذلك النبي عليه السلام لهم بالمغفرة إنما هو بأن يؤمنوا فيغفر الله تعالى لهم ويبين أنهم كانوا كفارا به قوله فانهم لا يعلمون فصح أنهم كانوا لا يعلمون بنبوته فصح أن كلا الخبرين لا حجة لهم فيه، وأما سب الله تعالى فما على ظهر الارض مسلم يخالف في أنه كفر مجرد إلا ان الجهمية.
والاشعرية وهما طائفتان لا يعتد بهما يصرحون بأن سب الله تعالى وإعلان الكفر ليس كفرا قال بعضهم: ولكنه دليل على أنه يعتقد الكفر لا أنه كافر بيقين بسبه الله تعالى وأصلهم في هذا أصل سوء خارج عن إجماع أهل الاسلام وهو أنهم يقولون الايمان هو التصديق بالقلب فقط وان أعلن بالكفر.
وعبادة الاوثان بغير تقية ولا حكاية لكن مختارا في ذلك الاسلام * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا كفر مجرد لانه خلاف لاجماع الامة ولحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وجميع الصحابة ومن بعدهم لانه لا يختلف احد لا كافر ولا مؤمن في أن هذا القرآن هو الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وذكر أنه وحي من الله تعالى وان كان قوم كفار من الروافض ادعوا أنه نقص منه وحرف فلم يختلفوا ان جملته كما ذكرنا ولم يختلفوا في أن فيه التسمية بالكفر والحكم بالكفر قطعا على من نطق بأقوال معروفة كقوله تعالى:
(لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم) وقوله تعالى: (ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم) فصح أن الكفر يكون كلاما وقد حكم الله تعالى بالكفر على ابليس وهو عالم بأن الله خلقه من نار وخلق آدم من طين وأمره بالسجود لآدم وكرمه عليه وسأل الله تعالى النظرة إلى يوم يبعثون ثم يقال لهم إذ ليس شتم الله تعالى كفرا عندكم فمن أين قلتم انه دليل على الكفر؟ (فان قالوا) لانه محكوم على قائله بحكم الكفر (قيل لهم): نعم محكوم عليه بنفس قوله لا بمغيب ضميره الذي لا يعلمه الا الله تعالى(11/411)
فانما حكم له بالكفر بقوله فقط فقوله هو الكفر ومن قطع على أنه في ضميره وقد أخبر الله تعالى عن قوم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم فكانوا بذلك كفارا كاليهود الذين عرفوا صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم وهم مع ذلك كفار بالله تعالى قطعا بيقين إذ أعلنوا كلمة الكفر * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد سقط هذا القول فالواجب أن ننظر فيما احتجت به الطائفة القائلة إن من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أو نبيا من الانبياء.
أو ملكا من الملائكة عليهم السلام فهو بذلك القول كافر سواء اعتقده بقلبه أو اعتقد الايمان بقلبه فوجدناهم يذكرون قول الله تعالى: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) الآية، وقوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) قال فقضى الله عزوجل وقسم وحكم أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر ثم لا يجد في نفسه حرجا من شئ مما قضى به ويسلم تسليما، قالوا وبضرورة الحس والمشاهدة ندري أن من سب الله تعالى أو النبي صلى الله عليه وسلم أو ملكا من الملائكة أو نبيا من الانبياء على جميعهم السلام أو شيئا من الشريعة أو استخف بشئ من ذلك كله فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى به من تعظيم
الله تعالى واكرام الملائكة والنبيين وتعظيم الشريعة التي هي شعائر الله تعالى فصح أنه لم يؤمن فقد كفر إذ ليس الا مؤمن أو كافر قالوا: وقد نص الله تعالى باحباط عمل من رفع صوته على صوت النبي صلى الله عليه وسلم واحباط العمل لا يكون الا بالكفر فقط ورفع الصوت على صوت النبي صلى الله عليه وسلم يدخل فيه الاستخفاف به عليه السلام والسب له والمعارضة من حاضر وغائب قالوا: وكان قوله تعالى في المستهزئين بالله وبآياته ورسوله أنهم كفروا بذلك بعد إيمانهم فارتفع الاشكال وصح يقينا أن كل من استهزأ بشئ من آيات الله وبرسول من رسله فانه كافر بذلك مرتد، وقد علمنا أن الملائكة كلهم رسل الله تعالى قال الله تعالى: (جاعل الملائكة رسلا) وكذلك علمنا بضرورة المشاهدة أن كل ساب وشاتم فمستخف بالمشتوم مستهزئ به فالاستخفاف والاستهزاء شئ واحد * قال أبو محمد رحمه الله: ووجدنا الله تعالى قد جعل ابليس باستخفافه بآدم عليه السلام كافرا لانه إذ قال: (أنا خير منه) فحينئذ أمره تعالى بالخروج من الجنة ودحره وسماه كافرا بقوله (وكان من الكافرين)، وحدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد(11/412)
ابن عبد الملك بن ايمن نا أبو محمد حبيب البخاري - هو صاحب أبي ثور ثقة مشهور - نا محمد بن سهل سمعت علي بن المديني يقول: " دخلت على أمير المؤمنين فقال لي أتعرف حديثا مسندا فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم فيقتل؟ قلت: نعم فذكرت له حديث عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل عن عروة بن محمد عن رجل من بلقين قال: " كان رجل يشتم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يكفيني عدوا لي؟ فقال خالد بن الوليد: أنا فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم إليه فقتله فقال له أمير المؤمنين ليس هذا مسندا هو عن رجل فقلت: يا أمير المؤمنين بهذا يعرف هذا الرجل وهو اسمه وقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه وهو مشهور معروف
قال فأمر لي بألف دينار " * قال أبو محمد رحمه الله: هذا حديث مسند صحيح وقد رواه علي بن المديني عن عبد الرزاق كما ذكره، وهذا رجل من الصحابة معروف اسمه الذي سماه به أهله رجل من بلقين فصح بهذا كفر من سب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه عدو لله تعالى وهو عليه السلام لا يعادي مسلما قال تعالى: (المؤمنون بعضهم أولياء بعض) فصح بما ذكرنا أن كل ما سب الله تعالى أو استهزأ به أو سب ملكا من الملائكة أو استهزأ به أو سب نبيا من الانبياء أو استهزأ به أو سب آية من آيات الله تعالى أو استهزأ بها والشرائع كلها وللقرآن من آيات الله تعالى فهو بذلك كافر مرتد له حكم المرتد، وبهذا نقول وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: ويبين هذا ما رويناه من طريق مسلم نى زهير بن حرب نا عفان بن مسلم نا حماد بن سلمة أنا ثابت البناني عن أنس " أن رجلا كان يتهم بأم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: اذهب فاضرب عنقه فأتاه علي فإذا هو في ركي يتبرد فيها فقال له علي اخرج فناوله يده فأخرجه فإذا هو مجبوب - ليس له ذكر - فكف علي عنه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله انه لمجبوب ما له ذكر " * قال أبو محمد رحمه الله: هذا خبر صحيح وفيه من آذى النبي صلى الله عليه وسلم وجب قتله وان كان لو فعل ذلك برجل من المسلمين لم يجب بذلك قتله * (فان قال قائل): كيف يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله دون أن يتحقق عنده ذلك الامر لا بوحي ولا بعلم صحيح ولا ببينة.
ولا باقرار؟ وكيف يأمر عليه السلام بقتله في قصة بظن قد ظهر كذبه بعد ذلك وبطلانه؟ وكيف يأمر(11/413)
عليه السلام بقتل امرئ قد أظهر الله تعالى براءته بعد ذلك بيقين لا شك فيه؟
وكيف يأمر عليه السلام بقتله ولا يأمر بقتلها والامر بينه وبينها مشترك؟ * قال أبو محمد رحمه الله: وهذه سؤالات لا يسألها الا كافرا أو انسان جاهل يريد معرفة المخرج من كل هذه الاعتراضات المذكورة * قال أبو محمد رحمه الله: الوجه في هذه السؤالات بين واضح لا خفاء به والحمد لله رب العالمين ومعاذ الله أن يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل أحد بظن بغير اقرار أو بينة أو علم مشاهدة أو وحي أو أن يأمر بقتله دونها لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم يقينا أنه برئ وأن القول كذب فأراد عليه السلام أن يوقف على ذلك مشاهدة فأمر بقتله لو فعل ذلك الذي قيل عنه فكان هذا حكما صحيحا فيمن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علم عليه السلام ان القتل لا ينفذ عليه لما يظهر الله تعالى من براءته وكان عليه السلام في ذلك كما أخبر به عن أخيه سليمان عليه السلام، وقد روينا من طريق البخاري نا أبو اليمان - هو الحكم بن نافع - أنا شعيب - هو ابن أبي حمزة - نا أبو الزناد قال ان عبد الرحمن الاعرج حدثه " أنه سمع أبا هريرة يقول انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مثلى ومثل الناس - فذكر كلاما - وفيه أنه عليه السلام قال: وكانت امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن احداهما فقالت صاحبتها انما ذهب بابنك وقالت الاخرى انما ذهب بابنك فتحاكما إلى داود عليه السلام فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان عليه السلام فأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها فقضى به للصغرى - قال أبو هريرة: والله ان سمعت بالسكين الا يومئذ وما كنا نقول الا المدية " * قال أبو محمد رحمه الله: فبيقين ندري أن سليمان عليه السلام لم يرد قط شق الصبي بينهما وانما أراد امتحانهما بذلك وبالوحي فعل هذا بلا شك وكان حكم داود عليه السلام للكبرى على ظاهر الامر لانه كان في يدها وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراد قط انفاذ قتل ذلك المجبوب لكن أراد امتحان علي في انفاذ أمره وأراد
اظهار براءة المتهم وكذب التهمة عيانا وهكذا لم يرد الله تعالى انفاذ ذبح اسماعيل ابن ابراهيم صلى الله عليهما وسلم إذ أمر أباه بذبحه لكن أراد الله تعالى اظهار تنفيذه لامره فهذا وجه الاخبار والحمد لله رب العالمين، فصح بهذا أن كل من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتد يقتل ولا بد وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: نا أحمد بن اسماعيل بن دليم الحضرمي نا محمد بن أحمد(11/414)
ابن الخلاص نا محمد بن القاسم بن شعبان نا الحسن بن علي الهاشمي نى محمد بن سليمان الباغندي نا هشام بن عمار قال: سمعت مالك بن أنس يقول من سب أبا بكر.
وعمر جلد ومن سب عائشة قتل قيل له: لم يقتل في عائشة؟ قال: لان الله تعالى يقول في عائشة رضي الله عنها: (يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ان كنتم مؤمنين) قال مالك: فمن رماها فقد خالف القرآن ومن خالف القرآن قتل * قال أبو محمد رحمه الله: قول مالك ههنا صحيح وهي ردة تامة وتكذيب لله تعالى في قطعه ببراءتها وكذلك القول في سائر أمهات المؤمنين ولا فرق لان الله تعالى يقول: (الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون) فكلهن مبرءات من قول إفك والحمد لله رب العالمين * قال أبو محمد رحمه الله: وأما الذمي يسب النبي صلى الله عليه وسلم فان أصحابنا.
ومالكا وأصحابه قالوا: يقتل ولابد - وهو قول الليث بن سعد - وقال الشافعي: يجب أن يشترط عليهم أن لا يذكر أحد منهم كتاب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم بما لا ينبغي أو زنى بمسلمة أو تزوجها فان فعل شيئا من ذلك أو قطع الطريق على مسلم أو أعان أهل الحرب بدلالة على المسلمين أو اوى عينا لهم فقد نقض عهده وحل دمه وبرئت منه ذمة الله تعالى وذمة المسلمين فتأول عليه قوم أنه ان لم يشترط هذا عليهم لم يستحل دمهم بذلك *
قال علي رحمه الله: وهذا خطأ ممن تأول ذلك عليه لانه لا يختلف عنه ولا عن غيره في الذمي يقطع الطريق على المسلمين أنه قد حل بذلك دمه تقدم إليهم بذلك وشرط لهم أو لم يشترط ذلك لهم، وروي عن بعض المالكيين أن الذمي إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم بغير ما به كفر يقتل فاستدل بعض الناس أنه لا يقتل إذا سبه بتكذيب * وقال سفيان.
وأبو حنيفة.
واصحابه: إن سب الذمي الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم بأى شئ سبه فانه لا يقتل لكن ينهى عن ذلك، وقال بعضهم: يعزر، وقد روى عن ابن عمر أنه يقتل ولا بد.
واحتج الحنيفيون لضلالهم وإفكهم بما ناه عبد الرحمن ابن عبد الله بن خالد نا ابراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا محمد بن مقاتل أنا عبد الله ابن المبارك أنا شعبة عن هشام بن زيد قال: سمعت أنس بن مالك يقول: " مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السام عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك فقال عليه السلام أتدرون ما يقول؟ قال السام عليك قالوا يا رسول الله: ألا نقتله؟ قال: لا إذا سلم عليكم اهل الكتاب فقولوا وعليكم " * ومن طريق البخاري نا أبو نعيم(11/415)
عن ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: " استأذن رهط من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك فقلت بلى وعليكم السام واللعنة فقال: يا عائشة ان الله رفيق يحب الرفق في الامر كله قلت أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: قلت وعليكم " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا يحيى بن حبيب بن عدي نا خالد بن الحرث نا شعبة عن هشام بن زيد بن أنس عن أنس بن مالك " أن امرأة يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجئ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت لاقتلك قال: ما كان الله ليسلطك على ذلك - أو قال علي - فقالوا ألا نقتلها؟ فقال: لا " *
قال أبو محمد: فقالوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمع قول اليهود له السام عليك - وهذا قول لو قاله مسلم لكان كافرا بذلك وقد سمت اليهودية طعاما لتقتله ولو أن مسلما يفعل ذلك لكان بذلك كافرا فلم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا قتلها، وحديث لبيد بن الاعصم إذ سحره صلى الله عليه وسلم فلم يقتله * قال ابو محمد: ما نعلم لهم حجة غير هذا أصلا وكل هذا لا حجة لهم في شئ منه على ما نبين ان شاء الله تعالى، اما الاحاديث التي فيها قول اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم السام عليك فليس بشئ لان السام إنما هو الموت كما روينا من طريق البخاري نا يحيى بن بكير نا الليث - هو ابن سعد - عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب أخبره أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
وسعيد بن المسيب " أن أبا هريرة أخبرهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحبة السوداء: شفاء من كل داء الا السام " قال ابن شهاب والسام الموت فمعنى السام عليك الموت عليك وهذا كلام حق وان كان فيه جفاء لان الله تعالى يقول: (انك ميت وانهم ميتون) وقال تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) وإنما يحصل بالجفاء على النبي صلى الله عليه وسلم الكفر من المسلم وبكفره يحل دمه والذمي كافر ولم يقل أنه لجفائه على النبي صلى الله عليه وسلم يكون كافرا بجفائه بل كان كافرا وهو كافر ولا يحل دمه بكفره إذا صحت نيته لكن بمعنى آخر غير الكفر وهكذا القول في لبيد بن الاعصم الزرقي اليهودي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سم اليهودية لطعامه صلى الله عليه وسلم ولا فرق انما يحصل من ذلك الكفر لمن فعله بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين والذميون كفار قبل ذلك ومعه وليس بنفس كفرهم حلت دماؤهم في ذلك إذا تذمموا فالمسلم يقتل بكفره إذا أحدث كفرا بعد اسلامه والذمي لا يقتل وان أحدث في كل حين كفرا حادثا غير كفره بالامس إذا كان من نوع الكفر(11/416)
الذي تذمم عليه فنظرنا في المعنى الذي وجب به القتل على الذمي إذا سب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو استخف بشئ من دين الاسلام فوجدناه انما هو نقضه الذمة لانه انما
تذمم وحقن دمه بالجزية على الصغار قال الله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله) الآية إلى قوله (وهم صاغرون) وقال تعالى: (وان نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر) فكان هاتان الآيتان نصا جليا لا يحتمل تأويلا في بيان ما قلنا من أن أهل الكتاب يقاتلون ويقتلون حتى يعطوا الجزية وعلى أنهم إذا عوهدوا وتم عهدهم وطعنوا في ديننا فقد نقضوا عهدهم ونكثوا أيمانهم وعاد حكم قتالهم كما كان، وبضرورة الحس والمشاهدة ندري أنهم ان أعلنوا سب الله تعالى أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شئ من دين الاسلام أو مسلم من عرض الناس فقد فارقوا الصغار بل قد أصغرونا وأذلونا وطعنوا في ديننا فنكثوا بذلك عهدهم ونقضوا ذمتهم وإذا نقضوا ذمتهم فقد حلت دماؤهم.
وسبيهم.
وأموالهم بلا شك * قال أبو محمد رحمه الله: وسم اليهودية للنبي صلى الله عليه وسلم كان يوم خيبر بلا شك وهو قبل نزول براءة بثلاثة أعوام، وكذلك نقول في قول أولئك اليهود السام عليك للنبي صلى الله عليه وسلم.
وفي سحر لبيد بن الاعصم إياه وان هذا كله كان قبل أن يؤمر بأن لا يثبت عهد الذمي الا على الصغار وأن كل ذلك إذ كانت المهادنة جائزة لهم لان المعنى في حديث السام والسحر هو معنى حديث سم الشاة سواء سواء، وحديث سم الشاة منسوخ بلا شك بما في سورة براءة من أن لا يقروا الا على الصغار فحديث السام والسحر بلا شك منسوخان بل اليقين قد صح بذلك لان معناهما منسوخ ولا يحل العمل بالمنسوخ ولا يجوز البتة أن يكونا بعد نزول براءة لانه من المحال أن ينسخ الله تعالى شيئا بيقين ثم ينسخ الناسخ ويعيد حكم المنسوخ ولا يصحبه من البيان ما يرفع الشك ويرفع الظن ويبطل الاشكال هذا أمر قد أمناه ولله الحمد (فان قال قائل): كيف تقولون هذا وأنتم تقولون أن من سم اليوم طعاما لاحد من المسلمين فلا قتل عليه.
وأن من سحر مسلما فلا قتل عليه.
وان اليهود يقولون لنا اليوم السام عليكم ولا قتل عليهم فما نراكم
تحكمون الا بما ذكرتم أنه منسوخ (فجوابنا) وبالله تعالى التوفيق * أننا لم نقل إن هذه الاحاديث نسخ منها إلا ما يوجبه حكم خطابهم للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة وحكم سم طعامه خاصة وحكم قصده بالسحر خاصة، فهذا هو الذي نسخ وحده فقط ولا مزيد لان الغرض تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وأن لا يجعل دعاؤه عليه السلام(11/417)
كدعاء بعضنا بعضا باق أبدا على المسلم والكافر، فقد علمنا أن قوله الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " اعدل يا محمد " كان ردة صحيحة لانه لم يوقره ولا عظمه كما أمر ورفع صوته عليه فحبط عمله ولو أن مسلما أو ذميا يقول لابي بكر الصديق رضي الله عنه فمن دونه اعدل يا أبا بكر لما كان فيه شئ من النكرة ولا من الكراهة واليهود ان قالوا لنا السام عليكم أو قالوا الموت عليكم لقلنا لهم صدقتم ولا خفاء في هذا، وكذلك لو خاصمونا في حق يدعونه فرفعوا أصواتهم علينا ما كان في ذلك نكرة وهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الاسلام وغيرهم كفر ونقض للذمة، وكذلك إذا سحرنا ساحر مسلم أو كافر فلم يزد على أن كاذنا كيدا لا يفلح معه قال الله تعالى: (إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) وليس بالكيد تنتقض الذمة لانهم لم يفارقوا به الصغار وهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قصد به كفرا ونقض للذمة لانه خلاف التعظيم المفترض له خاصة دون غيره وكذلك سم الطعام لنا ليس فيه إلا إفساد مال من أموالنا إن كان لنا أو كيد من فاعله إن كان الطعام له وليس بافساد المال والكيد تنتقض الذمة ولا يكفر بذلك أحد إلا من عامل بذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فهو كفر ونقض للذمة لانه خلاف التعظيم المفترض له علينا وعلى جميع أهل الارض جنها وإنسها وكذلك لو أن مسلما أو ذميا لم يسلم لحكم حكم به أبو بكر رضي الله عنه فمن دونه باجتهاده فيما لا نص فيه ولا إجماع ولا رضى بذلك القول لم يكن عليه في ذلك حرج ولا إثم ولو أنهما لم يسلما لحكم حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان ذلك كفرا من المسلمين بنص
صوته عليه فحبط عمله ولو أن مسلما أو ذميا يقول لابي بكر الصديق رضي الله عنه فمن دونه اعدل يا أبا بكر لما كان فيه شئ من النكرة ولا من الكراهة واليهود ان قالوا لنا السام عليكم أو قالوا الموت عليكم لقلنا لهم صدقتم ولا خفاء في هذا، وكذلك لو خاصمونا في حق يدعونه فرفعوا أصواتهم علينا ما كان في ذلك نكرة وهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الاسلام وغيرهم كفر ونقض للذمة، وكذلك إذا سحرنا ساحر مسلم أو كافر فلم يزد على أن كاذنا كيدا لا يفلح معه قال الله تعالى: (إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى) وليس بالكيد تنتقض الذمة لانهم لم يفارقوا به الصغار وهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قصد به كفرا ونقض للذمة لانه خلاف التعظيم المفترض له خاصة دون غيره وكذلك سم الطعام لنا ليس فيه إلا إفساد مال من أموالنا إن كان لنا أو كيد من فاعله إن كان الطعام له وليس بافساد المال والكيد تنتقض الذمة ولا يكفر بذلك أحد إلا من عامل بذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فهو كفر ونقض للذمة لانه خلاف التعظيم المفترض له علينا وعلى جميع أهل الارض جنها وإنسها وكذلك لو أن مسلما أو ذميا لم يسلم لحكم حكم به أبو بكر رضي الله عنه فمن دونه باجتهاده فيما لا نص فيه ولا إجماع ولا رضى بذلك القول لم يكن عليه في ذلك حرج ولا إثم ولو أنهما لم يسلما لحكم حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان ذلك كفرا من المسلمين بنص القرآن واخراجا لهم عن الايمان ولكان ذلك نقضا للذمة من الذمي لانه خروج عن الصغار وطعن في الدين وهذا بين ولله الحمد كثيرا * تم الجزء الحادى عشر من كتاب المحلى لابن حزم وبه تم الكتاب والحمد لله أولا وآخرا وأسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ابراز كتب مفيدة تنفع المسلمين كما وفقنا لغيره من الكتب النافعة وصلى الله على محمد وآله وصحبه ومن عمل بشرعه من العالمين اللهم آمين آمين(11/418)