العالم بفساد عقد النكاح أو عقد المالك فهو عاهر عليه الحد فلا يلحق به الولد والولد يلحق بالمرأة إذا زنت وحملت به ولا يحلق بالرجل ويرث أمه وترثه لانه عليه الصلاة والسلام والحق الولد بالمرأة في اللعان ونفاه عن الرجل والمرأة في استلحاق الولد بنفسها كالرجل بل هي أقوى سببا في ذلك لما ذكرنا من أنه يلحق بها من حلال كان أو من حرام ولانه لاشك منها إذا صح انها حملته وبالله تعالى التوفيق * الحضانة 2014 - مسألة - الام أحق بحضانة الولد الصغير والابنة الصغيرة حتى يبلغا المحيض أو الاحتلام أو الانبات مع التمييز وصحة الجسم سواء كانت أمة أو حرة تزوجت أو لم تتزوج رحل الاب عن ذلك البلد أو لم يرحل والجدة أم فان لم تكن الام مأمونة في دينها ودنياها نظر للصغير أو الصغيرة بالاحوط في دينهما ثم دنياهما فحيثما كانت الحياطة لهما في كلا الوجهين وجبت هنا لك عند الاب أو الاخ أو الاخت أو العمة أو الخالة أو العم أو الخال، وذو الرحم أولى من غيرهم بكل حال والدين مغلب على الدنيا فان استووا في صلاح الحال فالام والجدة ثم الاب والجد ثم الاخ والاخت ثم الاقرب فالاقرب والام الكافرة أحق بالصغيرين مدة الرضاع فإذا بلغا من السن والاستغناء ومبلغ الفهم فلا حضانة لكافرة ولا لفاسقة * برهان ذلك قول الله عزوجل: (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فأما الام فانه في يدها لانه في بطنها ثم في
حجرها مدة الرضاعة بنص قول الله عزوجل: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) فلا يجوز نقله أو نقلها عن موضع جعلهما الله تعالى فيه بغير نص ولم يأت نص صحيح قط بأن الام ان تزوجت يسقط حقها في الحضانة ولا بأن الاب ان رحل عن ذلك البلد سقط حق الام في الحضانة، روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد، وزهير بن حرب قالا جميعا: نا جرير بن حازم عن عمارة بن القعقاع عن ابى زرعة عن أبى هريرة " قال: قال رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال ثم من؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أبوك "، ومن طريق مسلم نا ابو كريب محمد بن العلاء الهمداني نا ابن فضيل عن أبيه عن عمارة بن القعقاع عن ابى زرعة عن ابى هريرة قال: " قال رجل: يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك داناك " فهذا نص جلى على إيجاب الحضانة لانها صحبة، وأما تقديم الدين فلقول الله عزوجل: (تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وقوله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) وقوله تعالى: (وذروا ظاهر الاثم وباطنه) فمن ترك الصغيره والصغيرة حيث يدربان على سماع الكفر(10/323)
ويتمرنان على جحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ترك الصلاة والاكل في رمضان وشرب الخمر والانس إليها حتى يسهل عليهما شرائع الكفر أو على صحبة من لاخير فيه والانهماك على البلاء فقد عاون على الاثم والعدوان ولم يعاون على البر والتقوى ولم يقم بالقسط ولاترك ظاهر الاثم وباطنه وهذا حرام ومعصية، ومن ازالهما عن المكان الذى فيه ما ذكرنا إلى حيث يدربان على الصلاة الصوم وتعلم القرآن وشرائع الاسلام والمعرفة بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتنفير عن الخمر والفواحش فقد عاون على البر والتقوى ولم يعاون على الاثم والعدوان وترك ظاهر الاثم وباطنه وأدى الفرض في ذلك * وأما مدة الرضاع فلا نبالي عن ذلك لقول الله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن
حولين كاملين) ولان الصغيرين في هذه السن ومن زاد عليها بعام أو عامين لافهم لهما ولا معرفة بما يشاهدان فلا ضرر عليهما في ذلك، فان كانت الام مأمونة في دينها والاب كذلك فهى أحق من الاب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ذكرنا ثم الجدة كالام فان لم تكن مأمونة لا الام ولا الجدة في دينها أو تزوجت غير مأمون في دينه وكان الاب مأمونا فالاب أولى ثم الجد، فان لم يكن احد ممن ذكرنا مأمونا في دينه وكان للصغير أو الصغيرة أخ مأمون في دينه أو أخت مأمونة في دينها فالمأمون أولى وهكذا في الاقارب بعد الاخوة فان كان اثنان من الاخوة أو الاخوات أو الاقارب مأمونين في دينهما مستويين في ذلك، فان كان أحدهما أحوط للصغير في دنياه فهو أولى فان كان احدهما احوط في دينه والآخر احوط في دنياه فالحضانة لذى الدين لما ذكرنا قبل ولقول الله تعالى: (انما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما) وتفسير الحياطة في الدنيا أن يكون أحدهم أشد رفاهية في عيشه ومطعمه وملبسه ومرقده وخدمته وبره واكرامه والاهتبال به فهذا فهى احسان إلى الصغير والصغيرة فواجب أن يراعى بعد الدين لقوله تعالى: (وبالوالدين احسانا وبذي القربى) وروينا من طريق وكيع عن الحسن بن عتبة عن سعيد بن الحارث قال: اختصم خال وعم إلى شريح في صبى فقضى به للعم فقال الخال: أنا أنفق عليه من مالى فدفعه إليه شريح وهذا نص قولنا * قال أبو محمد: فان استووا الاخوات أو الاخوة في كل ذلك أو الاقارب فان تراضوا في أن يكون الصغير أو الصغيرة عند كل واحد منهم مدة فذلك لهم فان كان في ذلك ضرر على الصغير أو الصغيرة فان كان تقدم كونه عند أحدهم لم يزل عن يده فان(10/324)
ابوا فالقرعة، وأما قولنا إن الامة والحرة سواء فلان القرآن والسنة لم يأت في أحدهما
نص في التفريق بينهما فالحكم فيما لانص فيه شرع لم يأذن به الله تعالى، وأما قولنا سواء رحل الاب أو لم يرحل فلانه لم يأت نص قرآن ولاسنة بسقوط حضانة الام من أجل رحيل الاب فهو شرع باطل ممن قال به وتخصيص للقرآن والسنن التى اوردنا ومخالف لهما بالرأى الفاسد وسوء نظر للصغيرين واضرار بهما في تكليف الحل والترحال والازالة عن الام والجدة، وهذا ظلم لاخفاء به وجور لاشك فيه، وأما قولنا انه لا يسقط حق الام في الحضانة بزواجها إذا كانت مأمونة وكان الذى تزوجها مأمونا فللنصوص التى ذكرنا، ولم يخص عليه الصلاة والسلام زواجها ولما روينا من طريق البخاري نا يعقوب بن ابراهيم بن كثير نا ابن علية نا عبد العزيز عن أنس بن مالك قال: " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ليس له خادم فأخذ ابو طلحة بيدى فانطلق بى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله أن أنسا غلام كيس فليخدمك قال فخدمته في السفر والحضر " وذكر الخبر، فهذا أنس في حضانة أمه ولها زوج وهو ابو طلحة بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا فرق في النظر والحياطة بين الربيب زوج الام والربيبة زوجة الاب بل في الاغلب الربيب أشفق وأقل ضررا من الربيبة وانما يراعى في كل ذلك الدين ثم صلاح الدنيا فقط * واحتج المانعون من ذلك بما روينا من طريق عبد الرزاق انا ابن جريج انا أبو الزبير عن رجل صالح من أهل المدينة عن ابى سلمة بن عبد الرحمن قال: " كانت امرأة من الانصار تحت رجل من الانصار فقتل عنها يوم أحد وله منها ولد فخطبها عم ولدها ورجل آخر إلى أبيها فانكح الآخر فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسلم فقالت.
أنكحني أبى رجلا لا أريده وترك عم ولدى فيأخذ من ولدى فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أباها فقال له: أنت الذى لانكاح لك اذهبي فانكحى عم ولدك " * قال أبو محمد: هذا مرسل وفيه مجهول ومثل هذا لا يحتج به وذكروا ما روينا من طريق ابى داود نا محمود بن خالد السلمى نا الوليد - هو ابن - مسلم عن ابى عمرو
الاوزاعي حدثنى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدة عبد الله بن عمرو " ان امرأة طلقها زوجها وأراد انتزاع ولده منها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي " وهذه صحيفة لا يحتج بها، وقد ذكرنا في كتابنا الموسوم بالاعراب، وفي كتاب الايصال ما تركوا فيه رواية عمرو بن شعيب عن ايبه عن جده ولم يعبوه إلا بأنه صحيفة، فان قيل: فهلا قلتم: الخالة كالجدة لقول الله عزوجل: (ورفع ابويه على العرش)(10/325)
وانما كانت خالته واباه، قلنا لم يأت قط نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انها كانت خالته وانما هي من اخبار بنى اسرائيل وهى ظاهرة الكذب، ولعلها كانت امه من الرضاعة فهما ابوان على هذا، فان قيل: فقد رويتم عن ابى داود نا عباد بن موسى نا اسماعيل بن جعفر عن اسرائيل عن ابى اسحاق عن هانئ وهبيرة عن على بن ابى طالب فذكر اخذه بنت حمزة من مكة وان جعفر بن ابى طالب قال: ابنة عمى وخالتها عندي فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال: الخالة بمنزلة الام قلنا: لا يصح لان اسرائيل ضعيف وهانئ وهبيرة مجهولان فان قيل فقد رويتم من طريق ابى داود نا محمد بن عيسى نا سفيان عن ابى فروة عن عبد الرحمن بن ابى ليلى " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ببنت حمزة لجعفر لان خالتها عنده قلنا هذا مرسل ولا حجة في مرسل، وابو فروة - هو مسلم بن سالم الجهنى - وليس بالمعروف، فان قيل: قد حدثكم يوسف بن عبد الله النمري قال نا عبد الله بن محمد يوسف الازدي نا اسحاق بن احمد نا العقبلى نا احمد بن داود نا عمران الحصنى نا يوسف بن خالد السمتى نا ابو هريرة المدنى عن مجاهد عن ابى هريرة " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخالة ام " قلنا: هذا أسقط من ان يشتغل به لان فيه يوسف بن خالد السمتى وهو مرغوب عنه متروك مذكور بالكذب، وابو هريرة المدنى لا يدرى احد من هو، فان قيل: فقد حدثكم احمد بن محمد الطلمنكى نا محمد بن أحمد ابن مفرج نا محمد بن ايوب الصموت نا احمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا محمد بن
المثنى نا ابو عامر العقدى نا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن يزيد بن عبد الله يعنى ابن الهادى عن محمد بن ابراهيم عن نافع بن عجيز عن ابيه عن على بن ابى طالب انه اختصم هو واخوه جعفر وزيد بن حارثة في حضانة بنت حمزة " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اما الجارية فأقضى بها لجعفر تكون مع خالتها وانما الخالة ام " قلنا: نافع بن عجير وابوه عجير مجهولان، ولا حجة في مجهول إلا ان هذا الخبر بكل وجه حجة على الحنيفيين والمالكيين والشافعيين لان خالتها كانت متزوجة بجعفر وهو اجمل شاب في قريش وليس هو ذا محرم من بنت حمزة ونحن لاننكر قضاءه عليه الصلاة والسلام بها لجعفر من اجل خالتها لان ذلك احوط لها، فان قيل: فهلا قلتم بتخييره إذا أعقل لما حدثكم به حمام بن احمد نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن ايمن نا احمد بن زهير بن حرب نا ابى نا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن هلال بن ابى ميمونة عن أبى ميمونة قال: شهدت ابا هريرة خير غلاما بين ابيه وامه فقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه، ومن طريق ابى بكر بى أبى شيبة ناوگيع عن على بن المبارك(10/326)
عن يحيى بن ابى كثير عن ابى ميمونة عن ابى هريرة " أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد طلقها زوجها فأرادت أن تأخذ ولدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استهما عليه ثم قال عليه الصلاة والسلام للغلام تخير أيهما شئت فاختار امه قلنا: أبو ميمونة هذا مجهول ليس هو والد هلال الذى روى عنه ثم إذا تدبر لم تكن فيه حجة لانه ليس فيه انه لو تخير أباه قضى له به، وأيضا فنحن لاننكر تخييره إذا كان أحد الابوين أرفق به، ولاشك في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخير بين خير وشر ولاشك في انه عليه الصلاة والسلام لا يخير إلا بين خيرين، وكذلك نحن على يقين من أنه عليه الصلاة والسلام لا يترك أحدا على اختياره ما هو فساد له في دينه أو في حالته فقد يسوء اختيار الصغير لنفسه ويميل إلى الراحة والاهمال فلا شك في أنه عليه الصلاة والسلام ان كان خير الصبى فلم ينفذ اختياره إلا وقد اختار الذى
يجب ان يختار لا يجوز غير ذلك أصلا.
فان قيل: فقد ذكر تم ما حدثكم عبد الله ابن ربيع التميمي نا محمد بن معاوية القرشى نا احمد بن شعيب النسائي نا محمود بن غيلان نا عبد الرزاق ارنا سفيان هو الثوري عن عثمان التبين عن عبد الحميد الانصاري عن أبيه عن جده " انه لما أسلم وأبت امرأته ان تسلم فجاء ابن لها صغير لم يبلغ ثم خيره عليه الصلاة والسلام بينهما فاختار أمه فقال: اللهم اهده فذهب إلى أبيه " قلنا: هذا خبر لم يصح قط لان الرواة له اختلفوا فقال عثمان البتى: عبد الحميد الانصاري عن أبيه عن جده، وقال مرة أخرى: عبد الحميد بن يزيد بن سملة ان جده أسلم، وقال مرة أخرى: عبد الحميد بن سلمة عن أبيه عن جده، وقال عيسى: عبد الحميد بن جعفر أخبرني ابى عن جدى رافع بن سنان، وكل هؤلاء مجهولون ولا يجوز تخيير بين كافر ومسلم أصلا، فهذا ما يذكر من الآثار في هذا الباب * وأما ما جاء عن السلف فيه فروينا من طريق الزهري وعكرمة انه قضى بحضانة ابن لعمر بن الخطاب لام الصبى واقل: هي أحق به ما لم تتزوج وكان عمر نازعها فيه وخاصمها إلى ابى بكر وهذان منقطعان * ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن غير واحد من الانصار وغيرهم ان أم عاصم بن عمر تزوجت فقضى أبو بكر بعاصم لام أمه وقد كان عمر يخاصمها فيه وهذا لا شئ لان ابن لهيعة ساقط فكيف وهو عمن لا يدرى * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس ان عمر خاصم امرأته أم ابنه عاصم إلى أبى بكر إذ طلقها وقال: انا أحق به فقال له أبو بكر: ريحها وحرها وفراشها خير له منك حتى يشب ويختار لنفسه وقضى أبو بكر لها به * ومن طريق القاسم بن محمد ان أبا بكر قضى لجدة عاصم بن عمر ام أمه(10/327)
وقد جاذبها عمر فيه، وهذا منقطع، فهذا ما يعرف عن ابى بكر رضى الله عنه.
وأما عمر رضى الله عنه فروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد
ابن عمير قال: خير عمر غلاما بين ابيه وامه فاختار امه فانطلقت به * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن اسماعيل بن عبيدالله عن عبد الرحمن ابن غنم قال: اختصم إلى عمر بن الخطاب في غلام فقال: هو مع أمه حتى يعرب عنه لسانه فيختار * ومن طريق حماد بن سلمة عن الاغر بن سويد عن عمير بن سعيد ان عمر مقضى بالولد للعم دون الام ثم رده إلى الام، فهذا ما بلغنا عن عمر رضى الله عنه، وأما على رضى الله عنه فروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان نا يونس بن عبيدالله الحرمى حدثنى عمارة بن ربيعة انه خاصم فيه أمه وعمه إلى على بن أبى طالب قال: فخيرني على ثلاثا كلهن اختار أمي ومعنا أخ لى صغير فقال لعلى: هذا إذا بلغ مبلغ هذا خير * وأما ابو هريرة فقد ذكرنا عنه التخيير قبل، فهذا ما حضرنا فيه عن الصحابة رضى الله عنهم.
وروينا عن عمرو ابن عمر إذا بعتم اخوين فلا تفرقوا بينهما * واما التابعون فروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ايوب السختيانى عن محمد بن سيرين عن شريح قال: الام ارفق والاب احق وقضى ان الصبى مع امه إذا كانت الدار واحدة ويكون معهم من النفقة ما يصلحهم * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن اجلح ان شريحا قضى بالصبى للجدة إذا تزوجت امه * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزرهى قال: الام احق بالولد ما لم تتزوج فإذا تزوجت اخذه ابوه * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج سمعت عطاء سئل عن ولد المكاتب والعبد من الحرة فقال: الام احق به لانها حرة * ومن طريق ابن وهب عن الليث بن سعد قال: نا يحيى بن سعيد ان المرأة إذا طلقت فهى اولى بالولد الذكر والانثى ما لم تتزوج فإذا خرج الوالد إلى ارض يسكنها كان اولى بالولد وان كانوا صغارا وان هو خرج غازيا أو تاجرا فالام احق (1) بولدها إلا ان يكون غزا غزوة انقطاع.
لا نعلم عن تابع غير ما ذكرنا.
وما نعلم استثناء الزواج في الام إلا عن شريح.
والزهرى.
ويحيى بن سعيد الانصاري إلا ان الزهري قضى به في ذلك
للاب وقضى به شريح للجدة.
فان قالوا: لعل الزهري قضى به للاب إذا لم يكن له جدة ولا خالة قلنا.
ولعل شريحا إنما قضى به للجدة إذا لم يكن للولد اب وما وجدنا إباحة رحيل الاب بالولد الا عن يحيى بن سعيد وحده وكلام شريح في ذلك
__________
(1) في النسخة رقم 14 أولى(10/328)
وليس بالبين أفيكون أكذب ممن ادعى الاجماع في هذا ونعوذ بالله من الخذلان واستسهال الكذب * واما المتأخرون فان سفيان الثوري قال: ان تزوجت الام فالخالة احق، وقال الاوزاعي: إذا تزوجت الام فالجدة للاب احق بالولد فان لم تكن فالعم احق بالولد من جدته أم أمه (1) فان طلقت الام لم ترجع إلى الحضانة، وقال الليث بن سعد: الام أحق بالابن حتى يبلغ ثمانى سنين وبالابنة حتى تبلغ ثم الاب أولى بهما إلا أن تكون الام غير مرضية فتنتزع الابنة منها قبل ذلك.
وقال الحسن بن حى: الام أولى حتى تكعب (2) الابنة وييفع الغلام (3) فيخير ان بين ابويهما فأيهما اختار قضى له بذلك، ثم ان بدا للولد والا بنة بعد ذلك فارادا الرجوع إلى الآخر فذلك لهما فان تزوجت الام فلا حق لها في الحضانة فان طلقت قبل وقت تخيير الولد والابنة (4) عادت على حقها في الحضانة قال: فإذا بلغت الابنة وهى مأمونة فلها أن تسكن حيث شاءت كذلك الابن إذا بلغ وأونس رشده، وقال أبو حنيفة: الام أحق بالابن والابنة الصغيرين ثم الجدة ام الام ثم ام الاب ثم الاخت الشقيقة ثم الاخت للام ثم اختلف قوله فمرة قال ثم الخالة ثم الاخت للاب ثم العمة وبه يأخذ زفر، ومرة قال ثم الاخت للاب ثم الخالة ثم العمة وبه يأخذ أبو يوسف، ثم لم يختلف قوله في ان الخالة الشقيقة أحق من الخالة للاب وان الخالة للاب أحق من الخالة للام والخالة للام أحق من العمة الشقيقة، والعمة الشقيقة أحق من العمة للاب وأن العمة للاب أحق من العمة للام، وقال أبو حنيفة: والكافرة والمؤمنة
سواء قال: فالام والجدتان أحق بالجارية حتى تحيض وبالغلام حتى يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس ثيابه وحده، وأما الاخوات والخالات والعمات فهن أحق بالجارية والغلام حتى يأكلا وحدهما ويشربا وحدهما ويلبسا ثيابهما وحدهما فقط، ولا حق لمن ذكرنا في الحضانة ان تزوجن إلا أن يكون زوج الجدة هو الجد ويكون زوج سائر من ذكرنا ذا رحم محرمة من الجارية والغلام فلا يسقط بذلك حق الحضانة لهن قال: وبعد كل من ذكر نا تجب الحضانة للاب ثم لاب الاب ثم للاخ الشقيق ثم للاخ للاب ثم للعم الشقيق ثم للعم للاب قال: ولا حق في الحضانة للاخ للام ولا للعم للام ولا للجد للام ولا للخال جملة ولا للرجل تكون قرابته من قبل الام، وقد روى عن زفران الخالة أولى من الجدة للاب وان الاخت الشقيقة والاخت للام سواء
__________
(1) في بعض النسخ أم أبيه (2) يقال كعبت الجارية من باب دخل بدا ثديها للنهود (3) يفع الغلام شب (4) فان طلقها قبل تخيير الولد أو الابنة (م 42 - ج 10 المحلى)(10/329)
لاتقدم احداهما على الاخرى قالوا: فان امت (1) أو طلقت احدى من ذكرنا رجعت على حقها في الحضانة.
وقال مالك: الام أحق بحضانة الولد ثم الجدة ام الام ثم الخالة ثم الجدة من قبل الاب ثم الاخت ثم العمة ثم ابنه الاخ قال: وكل هؤلاء أحق بالذكر حتى يبلغ الحلم وبالابنة حتى تزوج قال فان تزوجت الام سقط حقها في الحضانة فان كان زوج الجدة الجد لم يسقط حقها في الحضانة قال ثم بعد ابنة الاخ الاب ثم العصبة، وقال الشافعي: الام أحق بالابن والابنة ما لم تتزوج ثم الجدة من قبل الام وان علت ثم الاب ثم الجد ابو الاب وان علا ثم سائر العصبة الاخ وابن الاخ والعم وابن العم ثم الجدة أم الاب ثم أمهاتها ثم الجدة أم أب الاب ثم أمهاتها وان علت ثم الاخت الشقيقة ثم الاخت للاب ثم الاخت للام ثم الخالة الشقيقة ثم الخالة للاب ثم العمة
قال: فإذا بلغ الصغير سبع سنين وهو يعقل عقل مثله خير بين أبيه وأمه فحيث اختار جعل فان تزوجت الام خرجت عن الحضانة فان أمت عادت إلى حقها في الحضانة * واختلفوا في رحيل الاب فقال أبوحنيفية: ان كان النكاح وقع في مصر فارادت المرأة أن تشخص بولدها الصغار فالوالد أحق (2) فان سكنت في غير الموضع الذى وقع فيه عقد النكاح فأرادت الرجوع إلى المكان الذى وقع فيه عقد النكاح فلها ذلك وهى في ذلك أحق بهم من الاب ولها أن ترحل بهم إلى ما يقرب من المصر الذى وقع فيه عقد النكاح إن كان يمكن عصبة الولد أن ينهضوا إلى رؤية الصغير أو الصغيرة ويرجعوا من نهارهم، وقال ابن ابى ليلى: نحو ذلك وقال مالك: للاب أن يرحل ببنيه إذا كان راحلا رحلة اقامة لا رجوع له صغارا كانوا أو كبارا قال: والعصبة كالاب في ذلك إذا مات الاب قال: وليس للام أن ترحلهم إلا البريد ونحوه، وقال الليث والشافعي نحو ذلك * قال أبو محمد: كل ما ذكر نا من حق الحضانة في الزوجات فهو في المماليك المسبيين والمبيعين كل ذلك سواء سواء لان النصوص التى أوردنا تقتضي ذلك ولا يفسخ البيع لكن يخير من له ملك الصغير والصغيرة على أن يدعهما عند من له حضانتهما لانه لم يات نص بفسخ البيع، وقال أبو حنيفة لا يفرق بين الصغير والصغيرة وبين ذوى رحمها المحرمة فان بيع الصغير أو الصيغرة دون ذوى رحمها أو ذات رحمه لم يفسخ البيع قال أبو يوسف: يفسخ في الام والولد خاصة، وقال مالك.
والليث.
والشافعي: يفرق بين الصغيرين وبنى كل ذى رحم محرمة إلا الابوين فقط فلا يفرق بينهما وبين ولدهما، وقال أحمد بن حنبل لا يفرق بين الصغيرين من السى وبين ذوى رحمه المحرمة، وقال محمد بن عبد الله
__________
(1) يعنى بقيت أم ولد (2) في النسخة رقم 14 فالاب أحق(10/330)
ابن عبد الحكم لا يفرق بين الولد وأمه إن كان بالغا * قال أبو محمد: انما أوردنا هذه الاقوال ليوقف على تخاذلها وتناقضها وفسادها
استحسانات لا معنى لها وليظهر كذب من ادعى الاجماع في شئ من ذلك * وروينا من طريق شعبة نا عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن فروخ عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: إذا بعتم أخوين فلا تفرقوا بينهما * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا عثمان بن عمر عن ابن ابى ذئب عمن سمع سالم بن عبد الله بن عمر يذكر عن ابيه انه قال: إذا بعتم أخوين فلا تفرقوا بينهما قلت له إذا لا يعتدل القسم قال: لااعتدل، وعن عثمان رضى الله أن لا يباع السبى إلا أعشاشا، وعن عمر بن عبد العزيز فسخ البيع بخلاف ذلك * 2015 مسألة وإذا بلغ الولد أو الا بنة عاقلين فهما أملك بأنفسهما، ويسكنان أينما أحبا فان لم يؤمنا على معصية من شرب خمر أو تبرج أو تخليط فللاب أو غيره من العصبة أو للحاكم أو للجيران أن يمنعاهما من ذلك ويسكناهما حيث يشرفان على أمورهما، وقد ذكرنا قول ابى حنيفة، والحسن بن حى بمثل هذا * برهان صحة قولنا قول الله عزوجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) وتصويبه عليه الصلاة والسلام قول سلمان اعط كل ذى حق حقه ولا معنى للفرق بين الذكر والانثى في ذلك ولا لمراعاة زواج الابنة لانه شرع لم يأذن به الله تعالى وقد تزوج وهى في المهد وقد لا تتزوج وهى بنت تسعين سنة، ورب بكر أصلح وأنظر من ذوات الازواج وبضرورة الحس يدرى كل أحد أن الزواج لم يزدها عقلا لم يكن ولا صلاحا لم يكن وأما إذا ظهر من الذكر أو الانثى تخليط أو معصية فالمنع من ذلك واجب لقول الله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وقوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون) * 2016 مسألة وان كان الاب: والام محتاجين إلى خدمة الابن أو الابنة الناكح أو غير الناكح لم يجز للابن ولا للابنة الرحيل ولا تضييع الابوين
أصلا وحقهما أوجب من حق الزوج والزوجة فان لم يكن بالاب والام ضرورة إلى ذلك فللزوج ارحال امرأته حيث شاء مما لاضرر عليهما فيه * برهان ذلك قول الله عز وجل: (ان اشكر لى ولوالديك) فقرن تعالى الشكر لهما بالشكر له عزوجل، وقوله تعالى: (وان جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في(10/331)
الدنيا معروفا) فافترض الله عزوجل ان يصحب الابوين بالمعروف وان كانا كافرين يدعوانه إلى الكفر ومن ضيعهما فلم يصحبهما في الدنيا معروفا، وقول تعالى: (وبالوالدين احسانا إما يبلغن عندك الكبر أحد هما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) الآية، وقد ذكرنا آنفا قول الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال: أمك ثم امك ثم اباك، وقول عليه الصلاة والسلام: " عقوق الوالدين من الكبائر " وقد اختلف قوم فيما ذكرنا (1) واحتجوا باخبار ساقطة * منها خبر رويناه من طريق الحارث بن أبى أسامة عن يزيد بن هارون عن يوسف بن عطية عن ثابت البنانى عن أنس بن مالك أن رجلا غزا وترك امرأته في علو وأبوها في سفل وأمرها ان لا تخرج من بيتها فاشتكى ابوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره فقال لها: اتقى الله وأطيعي زوجك ثم كذلك إذ مات أبوها ولم تشهده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله غفر لابيك بطواعيتك لزوجك " يوسف بن عطية متروك الحديث ولا يكتب حديثه * ومن طريق مسدد عن عبد الواحد بن زياد عن ليث بن أبى سليم عن عطاء عن ابن عمر " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حق الرجل على زوجته؟ فقال كلاما منه ان لا تخرج من بيتها إلا باذنه فان فعلت لعنتها ملائكة الله وملائكة الرحمة وملائكة العذاب حتى ترجع إلى بيتها أو تتوب قيل يا رسول الله وان ظلمها قال: وان ظلمها، ليث ضعيف وحاش لله أن يبيح رسول الله صلى الله عليه وسلم الظلم وهى زيادة موضوعة ليست لليث بلا
شك * ومن طريق قاسم بن اصبغ نا ابن ابى العوام ثنا عبيد بن اسحاق - هو العطار - ناحيان بن على العنزي عن صالح بن حيان عن ابن بريدة عن بريدة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو كنت آمر بشرا أن يسجد لبشر لامرت المراة أن تسجد لزوجها تعظيما لحقه " * ومن طريق وكيع عن الاعمش عن ابى ظبيان عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله حرفا حرفا ليس فيه تعظيما لحقه * ومن طريق خلف بن خليفة عن حفص بن أخى أنس بن مالك عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو صلح لبشر أن يسجد لبشر لامرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظيم (2) حقه عليها " ومن طريق ابى داود نا عمرو بن عون انا اسحاق بن يوسف الازرق عن شريك بن عبد الله القاضى عن حصين عن الشعبى عن قيس بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو كت آمر أحدا أن يسجد لاحد لامرت النساء أن يسجدن لازواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق * نا احمد بن محمد بن أحمد
__________
(1) في النسخة رقم 14 وقد خالف قوم ما ذكرنا (2) في النسخة رقم 14 من عظم(10/332)
ابن الجسور نا احمد بن الفضل الدينورى نا محمد بن جرير الطبري نا ابراهيم بن المستمر نا وهب ابن جرير بن حازم نا موسى بن على بن رباح عن ابيه عن سراقة بن جعشم انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لو كنت آمر احدا ان يسجد لاحد لامرت المرأة أن تسجد لزوجها " * قال أبو محمد: كل هذا باطل.
أما حديث بريدة ففيه عبيد من اسحاق يعرف بعطار المطلقات كوفى يحدث بالباطل ليس بشئ وهو الذى اسند " معملوا صبيانكم شراركم " وهذا هو الكذب البحت لصحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " وأما حديث معاذ فمنقطع لان ابا ظبيان لم يلق معاذا ولا ادركه * واما حديث انس ففيه حفص بن اخى انس ولا يعرف لانس ابن اخ اسمه حفص ولا اخ لانس إلا البراء بن مالك من ابيه، وعبد الله بن ابى طلحة من امه ولا يعرف
لواحد منهما ولد اسمه حفص، وخلف بن خليفة ليس بالحافظ، وأما حديث سراقة ابن جعشم فمنقطع لان على بن رباح لم يدرك سراقة قط * وأما حديث قيس بن سعد ففيه شريك بن عبد الله القاضى وهو مدلس يدلس المنكرات عمن لاخير فيه إلى الثقات * ومن طريق احمد بن شعيب ارنا شعيب بن شعيب بن اسحاق نا عبد الوهاب حدثنى شعيب بن اسحاق نا الاوزاعي أخبرني يحيى - هو ابن سعيد الانصاري - ان بشير بن يسار أخبره ان عبد الله بن محصن أخبره عن عمة له " انها ذكرت زوجها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها عليه الصلاة والسلام: انظري أين أنت منه فانه جنتك أو نارك " * ومن طريق احمد بن شعيب أرنا قتيبة بن سعيد.
ومحمد بن منصور.
واحمد ابن سليمان.
ومحمد بن بشار.
ومحمد بن المثنى.
ويونس بن عبد الاعلى.
ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال قتيبة: نا الليث بن سعد وقال محمد بن منصور: نا سفيان ابن عيينة: وقال احمد بن سليمان نا يعلى ويزيد وقال ابن المثنى.
وابن بشار: نا يحيى ابن سعيد القطان وقال يونس نا ابن وهب ارنا مالك وقال ابن عبد الحكم نا شعيب ابن الليث نا الليث وقال يونس نا خالد عن سعيد بن أبى هلال ثم اتفق الليث.
وسفيان.
ويعلى.
ويزيد.
ويحيى.
ومالك.
وابن أبى هلال.
كلهم عن يحيى بن سعيد الانصاري عن بشير بن يسار عن حصين بن محصن عن عمة له عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، وهكذا رويناه من طريق حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد الانصاري عن حصين بن محصن فهذا كله لا يصح لان عبد الله بن محصن وحصين بن محصن مجهولان لا يدرى أحد منهما * ومن طريق احمد بن شعيب أرنا محمود بن غيلان نا أبو أحمد هو الزبيري نا مسعر هو(10/333)
ابن - كدام عن أبى عتبة عن عائشة أم المؤمنين قالت: " سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: زوجها قلت فأى الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال أمه " * قال أبو محمد: ابو عتبة مجهول لا يدرى من هو والقرآن كما أوردنا والثابت عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صدرنا به يبطل هذا * ومن طريق احمد بن شعيب ارنا احمد بن عثمان بن حكيم الكوفي نا جعفر بن عون حدثنى ربيعة بن عثمان عن محمد بن يحيى ابن حبان عن نهار العبدى - مدنى لا بأس به - عن أبى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة فلحستها ما دات حقه " ربيعة بن عثمان مجهول * ومن طريق خلف بن خليفة عن أبى هاشم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا اخبركم بنسائكم من اهل الجنة الودود الولود العؤود على زوجها التى إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها ثم تقول والله لاأذوق عضما حتى ترضى " هذا خبر لا بأس به وهكذا في كتابي عضما بالضاد وهو عظم القوس ولا مدخل له ههنا ومن طريق احمد بن شعيب أرنا عمرو بن منصور نا محمد محبوب نا سرار بن مجشر بن قبيصة البصري عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهى لاتستغنى عنه " قال احمد بن شعيب.
سرار بن مجشر ثقة هو ويزيد بن زريع مقدمان في سعيد بن أبى عروبة هكذا بالسين ورائين * قال أبو محمد: هذا حديث حسن والشكر لكل محسن واجب * ومن طريق احمد ابن شعيب ارنا عمرو بن على نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - نا ابن عجلان نا سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سئل عن خير النساء فقال: " التى تطيع زوجها إذا أمر وتسره إذا نظر وتحفظه في نفسها وماله " هذا خبر صحيح وقد صح ما روينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر نا شعبة عن زبيد الاليامى عن سعيد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن السلمى عن على بن أبى طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لاطاعة في معصية انما الطاعة في المعروف " * وأما السلف فروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: رجل غاب عن امرأته ولم تكن استأذنته في الخروج أتخرج في طواف الكعبة أو في عيادة مريض ذى رحم أو ابوها يموت؟ فأبى عطاء أن تخرج
في شئ (1) من ذلك، قال ابن جريج: واقول انا: تأتى كل ذى رحم قريب *
__________
(1) في النسخة رقم 16 " ان يرخص في شئ "(10/334)
الرضاع 2017 مسألة والواجب على كل والدة حرة كانت أو أمة في عصمة زوج أو في ملك سيد أو كانت خلوا منهما لحق ولدها بالذى تولد من مائه أو لم يلحق أن ترضع ولدها أحبت أم كرهت ولو انها بنت الخليفة وتجبر على ذلك الا أن تكون مطلقة فان كانت مطلقة لم تجبر على ارضاع ولدها من الذى طلقها إلا ان تشاء هي ذلك فله ذلك أحب ابوه أم كره أحب الذى تزوجها بعده أم كره فان تعاسرت هي وأبو الرضيع أمر الوالد بان يسترضع لولده امرأة اخرى ولابد إلا أن لا يقبل الولد غير ثديها فتجبر حينئذ احبت أم كرهت احب زوجها ان كان لها ام كره فان مات أبو الرضيع أو افلس أو غاب بحيث لا يقدر عليه اجبرت الام على ارضاعه الا ان لا يكون لها لبن أو كان لها لبن يضربه فانه يسترضع له غيرها ويتبع الاب بذلك ان كان حيا وله مال فان لم تكن مطلقة لكن في عصمته أو منفسخة النكاح منه أو من عقد فاسد.
بجهل فاتفق ابوه وهى على استرضاعه وقبل غير ثديها فذلك جائز فان اراد أبوه ذلك فابت هي الا ارضاعه فلها ذلك فإذا أرادت هي أن تسترضع له غيرها وأبى الوالد لم يكن لها ذلك وأجبرت على ارضاعه قبل غير ثديها أو لم يقبل غير ثديها الا ان لا يكون لها لبن أو كان لبنها يضر به فعلى الوالد حينئذ أن يسترضع لولده غيرها فان لم يقبل في كل ذلك الا ثدى امه أجبرت على ارضاعه ان كان لها لبن لا يضر به فان كان لا أب له اما بفساد الوطئ بزنا أو اكراه أو لعان أو بحيث لا يلحق بالذى تولد من مائه واما قد مات أبوه فالام تجبر على ارضاعه الا ان لا يكون لها لبن أو كان لها لبن يضر به أو ماتت أمه أو غابت حيث لا يقدر عليها فيسترضع له غيرها سواء في كل ذلك كان للرضيع مال أو لم يكن فان كان له أب أو أم فاراد الاب
فصاله دون رأى الام أو أرادت الام فصاله دون رأى الاب فليس ذلك لمن أراده منهما قبل تمام الحولين كان في ذلك ضرر بالرضيع أو لم يكن فان أرادا جميعا فصاله قبل الحولين فان كان في ذلك ضرر على الرضيع لمرض به أو لضعف بنيته أو لانه لا يقبل الطعام لم يجز ذلك لهما فان كان لاضرر على الرضيع في ذلك فلهما ذلك فان أرادا التمادي على ارضاعه بعد الحولين فلهما ذلك فا أراد احدهما بعد الحولين فصاله وأبى الآخر منهما فان كان في ذلك ضرر على الرضيع لم يجز فصاله وكذلك لو اتفقا على فصاله وان كان لاضرر على الرضيع في فصاله بعد الحولين فأى الابوين أراد فصاله بعد تمام الحولين فله ذلك هذا حق الرضيع والحق على الاب والام في ارضاعه * وأما الواجب(10/335)
للام في ذلك فان كان الولد لا يلحق نسبه بالذى تولد من مائه أو كان أبوه ميتا أو غائبا حيث لا يقدر عليه ولا وارث للرضيع فالرضاع على الام ولا شئ لها على أحد من أجل ارضاعه فان كانت في عصمته بزواج صحيح أو ملك يمين صحيح فعلى الوالد نفقتهما أو كسوتهما فقط كما كان قبل ذلك ولا مزيد، وان كانت في غير عصمته فان كانت أم ولده فاعتقها أو منفسخة النكاح بعد صحته بغير طلاق لكن بما ذكرنا قبل ان النكاح ينفسخ به بعد صحته أو وطوء بعقد فاسد بجهل يلحق فيه الولد بوالده أو طلقها طلاقا رجعيا وهو رضيع فلها في كل ذلك على والده النفقة والكسوة فقط ولا مزيد، فان كان فقيرا كلفت ارضاعه ولا شئ لها على الاب الفقير فان غاب وله مال وامتنع اتبع بالنفقة والكسوة متى قدر له على مال، فان كانت مطلقة ثلاثا وأتمت عدتها من الطلاق الرجعى بوضعه فلها على أبيه الاجرة في راضاعه فقط فان رضيت هي باجرة مثلها فان الاب يجبر على ذلك احب ام كره ولا يلتفت إلى قوله انا واجد من ترضعه بأقل أو بلا اجرة، فان لم ترض هي الا باكثر من اجرة مثلها وأبى الاب الا أجرة مثلها فهذا هو التعاسر وللاب حينئذ ان يسترضع غيرها لولده إلا ان لا يقبل غير
ثديها أو لا يجد الاب الا من لبنها مضر بالرضيع أو كان الاب لامال له فتجبر الام حينئذ على ارضاعه وتجبر هي والوالد على أجرة مثلها ا كان له مال والا فلا شئ عليه، وكل ما ذكرنا انه يجب على الوالد في الرضاع من اجرة أو رزق أو كسوة فهو واجب عليه كان للرضيع مال أو لم يكن كانت صغيرة زوجها أبوها أو لم تكن بخلاف النفقة على الفطيمة أو الفطيم، فان مات الاب فكل ما ذكرنا انه يجب على الوالد من كسوة أو نفقة أو اجرة وللرضيع وارث فهو على وارث الرضيع على عددهم لا على مقادير مواريثهم منه والام من جملتهم والزوج ان كان زوجها أبوها من جملتهم سواء كان للرضيع مال أو لم يكن بخلاف كسوته ونفقته إذا أكل الطعام فان لم يكن له وارث فرضاعه على الام وارثة كانت أو غير وارثة ولا شئ لها من اجل ذلك في مال الرضيع بخلاف وجوب نفقتها في ماله ان كان له مال ولا مال لها فان كانت مملوكة وولدها عبدا لسيدها أو لغير سيدها فرضاعه على الام بخلاف كسوته ونفقته إذا استغنى عن الرضاع فان كانت مملوكة وولدها حر فان كان له اب أو وارث فالنفقة والكسوة أو الاجرة على الاب أو على الوارث كما قدمنا فان لم يكن له اب ولا وارث فرضاعه على امه فان ماتت أو مرضت أو اضر به لبنها أو كانت لالبن لها ولامال لها فعلى بيت مال المسلمين فان منع فعلى الجيران يجبرهم الحاكم على ذلك وبالله تعالى التوفيق *(10/336)
قال أبو محمد: برهان كل ما ذكرنا منصوص في قول الله عزوجل: (والولدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها لاتضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فان ارادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليها وان اردتم ان تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا ان الله بما تعملون بصير) وفى قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم
النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك امرا فإذا بلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) فهذه صفة الطلاق الرجعى بلا شك، ثم ذكر الله تعالى العدة بالاقراء والشهور، ثم قال عزوجل: (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وان كن اولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) إلى قوله (سيجعل الله بعد عسر يسرا) وقد ذكرنا فيما سلف من كتابنا هذا ان قوله تعالى: (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن.
لتضيقوا عليهن وان كن أولات حمل فانفقوا علهين حتى يضعن حملهن) قد بين حديث فاطمة بنت قيس انه عزوجل انما اراد به المطلقات طلاقا رجعيا لا المطلقات ثلاثا فكل ما قلنا فانه منصوص في الآيات المذكورات بلا تأويل ونحن ان شاء الله تعالى ذاكرون بيان ذلك فصلا فصلا ولاحول ولاقوة الا بالله العلى العظيم * أما قولنا في أول المسالة الواجب على كل حرة أو أمة في عصمة زوج كانت أو في ملك سيد أو خلو منهما لحق ولدها بالذى تولد من مائه أو لم يلحق ان ترضع ولدها احبت ام كرهت ولو انها بنت الخليفة وتجبر على ذلك فلقول الله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن اراد أن يتم الرضاعة) وهذا عموم لا يحل لاحد ان يخص منه شيئا الا ما خصه نص ثابت والا فهو كذب على الله تعالى، فان قيل: هذا خبر لا أمر قلنا هذا أشد عليكم إذ أخبر عزوجل بذلك فمخالف خبره ساع في تكذيب ما أخبر الله عزوجل وفى هذا ما فيه، وهذا قول ابن أبى ليلى.
والحسن بن حى.
أبى ثور.
وأبى سليمان.
وأصحابنا وأختلف فيه عن مالك مرة قال مثل قولنا ومرة قال الشريفة لا تجبر على ذلك وهذا قول في غاية الفساد لان الشرف هو التقوى فرب هاشمية أو عبشمية بنت خليفة تموت هزلا ورب زنجية
(م 43 - ج 10 المحلى)(10/337)
أو بنت غية قد صارت حرمة ملك أو أمه، وقال أبو حنيفة: لاتجر الام على الرضاع وهذا خلاف مجرد للقرآن * واما قولنا الا ان تكون مطلقة فان كانت مطلقة فانها لا تجبر على ارضاع ولدها من الذى طلقها الا ان تشاء هي ذلك فان شاءت هي ذلك فذلك لها أحب ذلك الذى طلقها أو أبى احب ذلك زوج ان كان لها أو أبى فلقول الله تعالى في سورة الطلاق بعد ذكر المعتدات (فان ارضعن لكم فآتوهن أجور هن وائتمروا بينكم بمعروف وان تعاسرتم فسترضع له أخرى) فلم يخص تعالى ذات زوج من غيرها ولا جعل في ذلك خيارا للاب ولا للزوج بل جعل الارضاع إلى الامهات وفى هذا خلاف قديم * روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن ابى اسحاق الشيباني قال: أتى عبد الله بن عتبة بن مسعود في رجل تزوج امرأة ولها ولد ترضعه فابى الزوج أن ترضعه فقضى عبد الله بن عتبة أن لا ترضعه قلنا: حكم حكما لا دليل على صحته، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن احتج ههنا بهذا فنحن نذكر له ما رويناه من طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين قال اتى عبد الله بن عتبة بن مسعود في رضاع صبى فقضاه في مال الغلام وقال لوليه: لو لم يكن له مالا لالزمتك، ألا تقرأ [ وعلى الوارث مثل ذلك ] * وما ناد احمد بن عمر بن أنس العذري نا أبو ذر الهروي نا عبد الله بن أحمد بن حمويه نا ابراهيم بن خريم نا عبد بن حميد نا روح عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أن عبد الله بن عتبة بن مسعود قضى بنفقة الصبى في ماله وقال لوارثه: لو لم يكن له مال لقضيت بالنفقة عليك، ألا تقرأ (وعلى الوارث مثل ذلك) فقد قلد عبد الله بن عتبة في قول اخطأ فيه لا برهان له على صحته فليتبعه فيما أصاب فيه ووافق القرآن وهم لا يفعلون ذلك، فان قالوا: انما تزوجها للوطئ قلنا نعم فكان ماذا؟ وانما ولدته لترضعه فحق الصبى قبل حق الذى تزوجها بعد إن ولدته ولا يمنعه ارضاعها ولدها من
وطئه لها، وأما قولنا فان تعاسرت هي وأبو الرضيع أمر الوالد أن يسترضع لولده امرأة أخرى ولا بد فلقول الله عزوجل في الآية المذكورة: (وان تعاسرتم فسترضع له أخرى) والخطاب للآباء والامهات بنص القرآن (1) * واما قولنا إلا أن لا يقبل الولد غير ثديها فنجبر حينئذ على ارضاعه أحبت أم كرهت أحب زوجها أم كره أحب أبوه أم كره فلقول الله عزوجل: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) ولقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا
__________
(1) في النسخة رقم 14 بنص الآية(10/338)
على الاثم والعدوان) ولقوله تعالى: (لاتضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك) وهذه هي المضارة حقا، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله " رويناه من طرق شتى متواترة في غاية الصحة، منها من طريق وكيع عن إسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم عن جرير بن عبد الله البجلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * وأما قولنا: فان مات أبو الرضيع أو أفلس أو غاب بحيث لا يقدر عليه أجرت الام أيضا على ارضاعه إلا أن لا يقبل ثديها أو لا يكون لها لبن أو كان لبنها مما يضر به فانه يسترضع له غيرها فلما ذكرنا في الفصل الذى قبل هذا متصلا به نصا ويتبع الاب بذلك إن نكان حيا وله مال لان الحق عليه في ذلك * وأما قولنا فان لم تكن مطلقة لكن في عصمته أو منفسخة النكاح منه أو من عقد فاسد بجهل أو أم ولد اعتقت فاتفق أبوه وهى على استرضاعه وقبل غير ثديها فذلك جائر فلقول الله عزوجل: (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم) وهذا خطاب من الله تعالى لمن الاولاد لهم وهم الآباء والامهات بلاشك * وأما قولنا فان أراد أبوه ذلك وأبت الام الا أن ترضعه هي فلها ذلك فان أرادت هي أن تسترضع له غيره وأبى الولد لم يكن لها ذلك وأجبرت على ارضاعه فلان ارادة الاب والام لم يتفق على الاسترضاع له ولم يجعل الله تعالى ذلك الا
بارادتهما وأما قولنا إلا أن لا يكون لها لبن أو كان لها لبن يضر به فعلى الوالد حينئذ أن يتسرضع له غيرها فان لم يقبل في كل ذلك إلا ثدى أمه (1) أجبرت على ارضاعه إن كان لها لبن لا يضر به فلما ذكرنا آنفا من قوله تعالى: (لاتضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) مع سائر ما ذكرنا في ذلك الفضل * وأما قولنا فان كان لا أب له إما بفساد الوطئ زنا أو إكراه أو لعان أو بحيث لا يلحق بالذى تولد من مائه، وإما قد مات أبوه فالام تجبر على ارضاعه فلقول الله تعالى: (ولا تضار والدة بولدها) ولما ذكرنا مع هذه الآية في ذلك الفصل * وأما قولنا: إلا أن لا يكون لها لبن أو كان لها لبن يضر به أو ماتت أمه أو غابت حيث لا يقدر عليا فسترضع له غيره سواء كان في ذلك كله للرضيع مال أو لم يكن فلما ذكرنا من قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وما أوردنا في وجوب الرحمة * وأما قولنا فان كان له أب أو أم فاراد الاب فصاله دون رأى الام أو أرادت الام فصاله دون رأى الاب فليس ذلك لمن أراده منهما قبل تمام الحولين كان في الفصال (2) ضرر بالصغير أو لم يكن، فان أرادا جميعا فصاله قبل الحولين فان كان لاضرر في ذلك على الرضيع فلهما ذلك فان كان في ذلك
__________
(1) في النسخة رقم 16 الا ثدى الام (2) في النسخة رقم 16 في الفصل(10/339)
ضرر على الرضيع لمرض به أو لضعف بنيته أو لان لا يقبل الطعام لم يجز لهما ذلك فلقول الله عزوجل: (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) ولقوله تعالى: (فان أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) * واما مراعاة ضرر الرضيع فلما ذكرنا من قوله تعالى: (لاتضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) مع ما ذكرنا مع هذه الآية هنا لك * وأما قولنا فان أرادت الام أو الاب التمادي على ارضاع الرضيع بعد الحولين فلهما ذلك فلانه لم يأت نص بالمنع من ذلك ولا بأن هذه من حقوق زوج ان كان لها وهو صلة لابنها وقد أوجب
الله تعالى صلة الرحم فليس لاحد منعها مما أوجبه الله تعالى عليها للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لاطاعة في معصية " * وأما قولنا: فان كان الولد لا يلحق نسبه بالذى تولد من مائه أو كان أبوه ميتا أو غائبا حيث لا يقدر عليه ولا وارث للرضيع فالرضاع على الام ولا شئ لها على أحد من أجل الرضاعة لقول الله تعالى: (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) وليس ههنا مولود له ولا وارث فهو عليها فقط * وأما قولنا: فان كانت في عصمة الاب بزواج صحيح أو ملك يمين صحيح فعلى الوالد نفقتها وكسوتها كما كان قبل ذلك ولا مزيد فلقول الله عزوجل: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * وأما قولنا: فان كانت في غير عصمته فان كانت أم ولد فاعتقها أو منفسخة النكاح بعد صحته بغير طلاق لكن بما ذكرنا قبل ان النكاح ينفسخ به بعد صحته أو موطوءة بعقد فاسد بجهل يلحق فيه الولد بوالده أو طلقها طلاقا رجعيا وهو رضيع فلها في كل ذلك على والده النفقة والكسوة بالمعروف فقط وهو للمطلقة مدة عدتها فان كان فقيرا كلفت إرضاع الولد ولا شئ له على الاب الفقير فان غاب وله مال اتبع بالنفقة والكسوة متى قدر عليه أو على مال له، وكذلك ان امتنع وله مال لقوله عزوجل: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وإذا أوجب الله تعالى ذلك لها فهو دين عليه ان كان له مال فان لم يكن له مال فلقول الله عزوجل: (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) وإذا لم يكلف شيئا فلا يجوز أن يتبع ان أيسر بما لم يكلفه قط لكن ان أيسرو الرضاع متماد كلف من حين يوسر * وأما قولنا: فان كانت مطلقة ثلاثا أو أتمت عدة الطلاق الرجعى بوضعه فليس لها على أبيه اثر طلاقه لها ثلاثا أو آخر ثلاث أو اثر تمام عدتها من الطلاق الرجعى الا أجرة الرضاع فقط فلقول الله تعالى: (وان كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فان ارضعن لكم فآتوهن اجورهن) وقد بينا قبل ان هذا النص انما هو(10/340)
في المطلقات طلاقا رجعيا فقط بحديث فاطمة بنت قيس * وأما قولنا: فان رضيت هي بأجرة مثلها فان الاب يجبر على ذلك أحب أم كره.
ولا يلتفت إلى قوله: أنا أجد من يرضعه بأقل أو بلا اجرة، فلقوله تعالى: (فان ارضعن لكم فآتوهن اجورهن وائتمروا بينكم بمعروف وان تعاسرتم فسترضع له أخرى) فأوجب الله تعالى لهن الاجرة الا مع التعاسر والتعاسر في لغة العرب التى بها نزل القرآن فعل من فاعلين فإذا قنعت هي بأجرتها التى أوجبها الله تعالى لها بالمعروف فلم تعاسره وإذا لم تعاسره فهى على حقها في الاجرة المؤتمرة بالمعروف * وأما قولنا فان لم ترض هي إلا بأكثر من أجرة مثلها وأبى الاب إلا اجرة مثلها فهذا هو التعاسر وللاب حينئذ أن يسترضع لولده غيرها بأجرة مثلها أو بأقل أو بلا أجرة ان وجد * وأما قولنا إلا أن لا يقبل غير ثديها أو لا يجد الاب الا من لبنها مضر بالرضيع أو من تضيعه أو كان الاب لامال له فتجبر الام حيلئذ على ارضاعه وتجبر هي والوالد حينئذ على أجرة مثلها ان كان له مال والا فلا شئ عليه فلما ذكرنا من قول الله عزوجل: (وان تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا) ولما ذكرنا من قوله تعالى: (لاتضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) ولما ذكرنا من وجوب الرحمة، وأما قولنا كل ما ذكرنا انه يجب على الوالد في الرضاع من أجرة أو كسوة أو نفقة وهى الرزق فهو واجب عليه كان للرضيع مال أو لم يكن صغيرة كانت أو لم تكن زوجها أو بها أو لم يكن بخلاف النفقة على الفطيم أو الفطيمة فلان الله عزوجل أوجب كل ما ذكرنا ولم يستثن ان كان للرضيع مال ولا ان كانت صغيرة ولها زوج وما كان ربك نسيا * وأوجب عزوجل أن ينفق على كل أحد من ماله وعلى الزوج للزوجة ولايجوز ضرب أوامر الله تعالى بعضها ببعض لقوله تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * وأما قولنا فان مات الاب فكل ما ذكرنا انه
يحب على الوالد من نفقة أو كسوة أو أجرة فهو على وارث الرضيع ان كان له وارث على عددهم لا على قدر مواريثهم منه لو مات والام من جملتهم ان كانت ترثه ان مات وزوج الصغيرة المرضع أيضا من جملتهم إن كان يرثها لو ماتت سواء كان للرضيع أو الرضيعة (1) مال أو لم يكن بخلاف نفقتهما وكسوتهما بعد الفطام فلقول الله عزوجل (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لاتضار
__________
(1) في النسخة رقم 14 أو المرضعة(10/341)
والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك) فان قيل: إنما على الوارث ان لا يضار وقد روى ذلك عن ابن عباس من طريق فيها أشعث بن سوار وهو ضعيف قلنا نعم.
ومن المضارة ترك الرضيع يضيع، وكيف وقوله تعالى (مثل ذلك) لا يختلف أهل العلم باللغة العربية التى بها خاطبنا الله عزوجل في ان ذلك اشارة إلى الابعد لا إلى الاقرب فصح انه اشارة إلى الرزق والكسوة يقينا، وقد ذكرنا من قال بهذا في كتاب النفقات من ديواننا هذا فاغنى عن إعادته كعمر بن الخطاب.
وزيد بن ثابت.
وغيرهما، ولا حجة لمن خالف ذلك مع القرآن، وهذا مما خالفوا فيه عمر.
وزيد بن ثابت ولا يعرف لهما في ذلك مخالف من الصحابة رضى الله عنهم وهم يشنعون هذا إذا وافق اهواءهم * واما قولنا فان لم يكن له وارث فرضاعه على الام وارثة كانت أو غير وارثة لا شئ لها من أجل ذلك في مال الرضيع ان كان له مال بخلاف نفقته بعد الفطام ان كان له مال فلقول الله عزوجل (لاتضار والدة بولدها) ولقوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) * وأما قولنا: فان كانت مملوكة وولدها عبد لسيدها أو لغيره فرضاعه على الام بخلاف نفقته وكسوته بعد الفطام فلهذين النصين المذكورين أيضا وليس السيد وارثا لعبده لانه يأخذ ماله وان كان كافرا بعد موته * واما قولنا: فان كانت مملوكة وولدها حر فان كان له أب أو
وارث فالنفقة لها والكسوة والاجرة على الاب أو على الوارث كما قدمنا فان لم يكن له وارث فانفقة لها والكسوة والاجرة على الاب أو على الوارث كما قدمنا فان لم يكن له وارث فرضاعه على أمه فلما ذكرنا آنفا فأغنى عن إعادته وبالله تعالى التوفيق * وأما قولنا: فان ماتت أو مرضت أو اضر به لبنها أو كانت لالبن لها ولا مال لها فارضاعه على بيت المال فان منع فعلى الجيران يجبرهم الحاكم على ذلك فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ترك دينا أو ضياعا فالى أو على " أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ولقول الله تعالى: (وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب) وهذا من الاحسان المفترض المأمور به وبالله تعالى التوفيق * تم كتاب الطلاق وما دخل فيه والحمد لله كثيرا وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليما وحسبنا الله ونعم الوكيل * (كتاب الدماء والقصاص والديات) (بسم الله الرحمن الرحيم * وصلى الله على محمد وآله) 2018 مسألة: لاذنب (1) عند الله عزوجل بعد الشرك أعظم من شيئين
__________
(1) في النسخة رقم 16 قال أبو محمد رضى الله عنه: لا ذنب الخ بدل " مسألة "(10/342)
احدهما تعمد ترك صلاة فرض (1) حتى يخرج وقتها، والثانى قتل مؤمن أو مؤمنة عمدا بغير حق * أما الصلاة فقد ذكرناها في كتاب الصلاة * وأما القتل فقال عز وجل: (وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا الا خطأ) وقوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)، روينا من طريق البخاري نا على - هو ابن عبد الله - نا اسحاق بن سعيد بن عمر وبن سعيد بن العاصى عن أبيه عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما " قال البخاري: ونا احمد
ابن يعقوب نا اسحاق - هو ابن سعيد المذكور - عن أبيه انه سمعه يحدث عن ابن عمر انه قال: " ان من ورطات الامور التى لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله " * 2019 مسألة: والقتل قسمان عمد وخطأ * برهان ذلك الآيتان اللتان ذكرنا آنفا فلم يجعل عزوجل في القتل قسما ثالثا، وادعى قوم ان ههنا قسما ثالثا وهو عمد الخطأ وهو قول فاسد لانه لم يصح في ذلك نص أصلا وقد بينا سقوط تلك الآثار في كتاب الايصال والحمد لله رب العالمين، مع ان الحنيفيين والشافعيين القائلين بشبه العمد هم مخالفون لتلك الآثار الساقطة التى موهوا بها فيما فيها من صفة الدية وغير ذلك على ما بينا في غير هذا الموضع، وهو عندهم ينقسم قسمين، أحدهما ما تعمد به المرء مما قد يمات من مثله وقد لايمات من مثله * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا عمد وفيه القود أو الدية كما في سائر العمد لانه عدوان، وقال عزوجل: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) والثانى ما تعمد به مما لا يموت أحد أصلا من مثله فهذا ليس قتل عمد ولاخطأ ولا شئ فيه الا الادب فقط * ومن عجائب الاقوال ههنا ان الحنيفيين يقولون: من أخذ حجرا من قنطار فضرب متعمدا رأس مسلم ثم لم يزل يضربه به حتى شدخ رأسه كله فانه لاقود فيه وليس قتل عمد، وكذلك لو تعمد ضرب رأسه بعود غليظ حتى يكسره كله ويسيل دماغه ويموت ولافرق * وقال المالكيون من ضرب بيده في فخذ مسلم فمات المضروب أثر الضربة ففيه القود ويقتل الضارب * وسماع هذين القولين يكفى من تكلف الرد عليهما * قال أبو محمد: رضى الله عنه: فالخطأ من رمى شيئا فاصاب مسلما لم يرده بما قد يمات
__________
(1) في النسخة رقم 14 ترك الصلاة الفرض(10/343)
من مثله فمات المصاب أو وقع على مسلم فمات من وقعته فهذا كله لا خلاف في انه قتل خطأ لاقود فيه أو قتل في دار الحرب انسانا يرى انه كافر فإذا به مسلم أو قتل انسانا متأولا غير مقلد وهو يرى انه على الحق فإذا به على الخطأ * برهان قولنا (1) في القاتل في دار الحرب قول الله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) من ههنا بمعنى في لانه لا خلاف بين أحد في ان قوما كفارا حرببين أسلم منهم انسان وخرج إلى دار الاسلام فقتله مسلم خطأ فان فيه الدية لولده والكفارة فصح بذلك ما قلنا والحمد لله رب العالمين * وأما المتأول فلما روينا من طريق أبى داود السجستاني نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان نا ابن.
أبى ذئب حدثنى سعيد - هو ابن أي سعيد المقبرى - سمعت أبا شريح الكعبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وانى عاقله ومن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فاهله بين خيرتين أن يأخذوا العقل وبين ان يقتلوا) * قال أبو محمد رضى الله عنه: فلا شك ان خزاعة قتلوه متأولين ان لهم قتله وهكذا نقول فيمن قامت عليه الحجة من النص ثم قتل متماديا على تأويله الفاسد المخالف للنص أو على تقليد من تأول فأخطأ فعليه القود وهذا الخبر زائد على خبر اسامة بن زيد وخالد رضى الله عنهما في قنل خالد من قتل من بنى جذيمة متأولا، وفى قتل اسامة الرجل الذى قال لاإلا إلا الله، والزيادة لا يجوز تركها * 2020 مسألة ولا قود على مجنون فيما أصاب في جنونه ولا على سكرا فيما أصاب في سكره المخرج له من عقله ولا على من لم يبلغ ولا على أحد من هؤلاء دية ولا ضمان، وهؤلاء والبهائم سواء لما ذكرنا في الطلاق وغيره من الخبر الثابت في رفع القلمعن الصبى حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق (2) والسكران لا يعقل، وقد ذكرنا خبر حمزة رضى الله عنه في قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لو قاله في صحته لخرج بذلك ع الاسلام وعقره اقتى على رضى الله عنه فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ذلك ملامة ولا غرامة، وقال بعضهم: لو كان هذا ما شاء واحد أن يقتل احدا أو يفسد ماله الاتساكر حتى يبلغ ما يريد فقلنا لهم: فقولوا هذا الكلام في المجنون فقولوا لو كان هذا لما شاء أحد أن يقتل أحدا أو يتلف ماله الا تحامق وتجنن حتى يبلغ من ذلك ما يريد ولافرق، فقالوا: ومن يعرف انه سكران فقلنا ومن يعرف انه مجنون *
__________
(1) في النسخة رقم 16 برهان ذلك (2) في النسخة رقم 16 حتى يبرأ(10/344)
قال أبو محمد رضى الله عنه: والحق المتيقن في هذا ان الاحكام لازمة لكل بالغ حتى يوقن انه ذاهب العقل بجنون أو سكر * وأما ما لم يوقن ذلك فالاحكام له لازمة وحال ذهاب العقل بأحد هذين الوجهين لا يخفى على من يشاهده، وقد وافقنا المخالفون لنا في هذا المكان على ان لا يؤخذ السكران بارتداده عن الاسلام وهذا اشنع من كل ما سواه، فان قالوا: فهلا جعلتم في ذلك دية قلنا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم واموالكم واعراضكم وابشاركم عليكم حرام " فاموال الصبى والمجنون والسكران حرام بغير نص كتحريم دمائهم ولا فرق ولانص في وجوب غرامة عليهم اصلا، وجاءت عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك آثار أما الصبى فجاء عن على بن ابى طالب أثر بان ستة صبيان تغاطوا في النهر فغرق احدهم فشهد اثنان على ثلاثة وشهد الثلاثة على الاثنين فجعل على على الاثنين ثلاثه أخماس الدية وجعل على الثلاثة خمسى الدية وهذا لا يصح البتة لانه من رواية سلمة بن كهيل أو حماد بن ابى سليمان ان على بن ابى طالب وكلاهما لم يولد الا بعد موت على، ومن طريق الحجاج بن ارطاة وهو هالك ثم لو صح لكان المالكيون والحنيفيون والشافعيون مخالفين له وانما يكون الشئ حجة على من صححه لا على من لم يصححه، وروى ايجاب الغرامة على عاقلة الصبى الزهري.
وحماد بن ابى سليمان.
وابراهيم
النخعي.
وقتادة، وبه يقول أبو حنيفة، وروى عن ربيعة انه قال: إذا كان الصبى صغيرا جدا فلا شئ على عاقلته ولا في ماله وان كان يعقل فالدية على عاقلته.
وبه يقول مالك، وقال الشافعي: هي في ماله بكل حال * قال أبو محمد رضى الله عنه: فهذه مناقضات ظاهرة واقوال بلا دليل لا من قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا رواية عن صاحب أصلا ولا قياس وما كان هكذا فهو باطل متيقن، وقد اتفقوا على انه لا يجوز ان يقاس على العامد وقياسه على الخطأ باطل لو كان القياس حقا لانه لا يقاس عندهم الشئ إلا على نظيره ومشبهه ولا شبه بين العاقل البالغ وبين الصبى والمجنون أصلا فبطل كل ما قالوه وبالله تعالى التوفيق * وقد أجمعوا على سقوط الكفارة في ذلك عنه فلو كان القياس حقا لكان اسقاط الدية قياسا على سقوط الكفارة في ذلك أصح قياس يوجد ولكنهم لا النصوص يتبعون ولا القياس يحسنون ولا الصحابة يقلدون * وأما المجنون فحدثنا احمد بن عمر ابن انس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا ابراهيم بن محمد الدينورى نا محمد ابن احمد بن الجهم نا جعفر بن محمد الصائغ نا عفان - هو ابن مسلم - نا صخر بن (م 44 - ج 10 المحلى)(10/345)
جويرة عن نافع مولى ابن عمر قال: ان مجنونا على عهد ابن الزبير دخل البيت بخنجر فطعن ابن عمه فقتله فقضى ابن الزبير بان يخلع من ماله ويدفع إلى أهل المقتول * ومن طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه ان عبد الله بن الزبير قال: جناية المجنون في ماله * قال أبو محمد رضى الله عنه: وهذان الاثران في غاية الصحة * ومن طريق الحسين بن عبد الله بن ضمرة عن أبيه عن جده عن على قال: جناية الصبى والمجنون على عاقلتهما، وهذا لا يصح لان الحسين بن عبد الله وأباه وجده لاخير فيهم * ومن
طريق مالك عن يحيى بن سعيد الانصاري ان مروان كتب إلى معاوية في مجنون قتل رجلا فكتب إليه معاوية اعقله ولا تقدمنه، وهذا لا يصح لان يحيى بن سعيد الانصاري لم يولد إلا بعد موت معاوية وروينا عن سعيد بن المسيب.
وسليمان بن يسار على المجنون العقل، ولا يصح عنهما لانه عن مخرمة بن بكير عن أبيه ولم يسمع من أبيه شيئا، ورويناه أيضا عن يحيى بن سعيد الانصاري.
ومحمد بن جعفر بن الزبير جناية المجنون على عاقلته، ولا يصح عنهما لانه عمن لم يسم عنهما إلا انه صحيح عن الزهري.
وأبى الزناد، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خالف الحنيفيون والمالكيون.
والشافعيون في هذا ما صح عن ابن الزبير ولم يصح قط عن أحد من الصحابة خلافه، ولا حجة لهم فيما روى عن معاوية لانه ليس فيه ان الغرامة في مال المجنون ولا انها على عاقلته انما فيها انه أمر مروان بان يعقله وظاهر الامر انه عقله من بيت المال ولو فعل الامام هذا لكان حسنا وليس واجبا، وهذا مما خالفوا فيه النصوص، ومما صح عن الصاحب الذى لا يصح لقوله خلاف عن أحد منهم والقياس إذ قاسوا ما جنى المجنون القاصد على ضده وهو ما جناه العاقل المخطئ ولم يقيسوا اسقاط الدية على اسقاطهم الكفارة في ذلك وبالله تعالى التوفيق * فاما السكران (1) فروينا عن على بن أبى طالب ان سكارى تضاربوا بالسكاكين وهم أربعة فجرح اثنان ومات اثنان فجعل على دية الاثنين المقتولين على قبائلهما وعلى قبائل الذين لم يموتا وقاص الحيين من ذلك بدية جراحهما، وان الحسن بن على رأى ان يقيد للحيين للميتين ولم ير على ذلك، وقال: لعل الميتين قتل كل واحد منهما الآخر، وهذا لا يصح عن على لانه من طريق فيها سماك بن حرب عن رجل مجهول رواه حماد بن سلمة عن سماك فقال عن عبيد بن القعقاع، ورواه أبو الأحوص عن سماك فقال عن عبد الرحمن
__________
(1) في النسخة رقم 16 وأما السكران(10/346)
ابن القعقاع وكلاهما لا يدرى من هو، وسماك يقبل التلقين (1) ولو صح لكان مخالفا لقول الحنيفيين.
والشافعيين.
والمالكيين * ومن طريق يحيى بن سعيد الانصاري وعبد الرحمن بن أبى الزناد ان معاوية أقاد من السكران قال ابن أبى الزناد: وكان القاتل محمد بن النعمان الانصاري والمقتول عمارة بن زيد بن ثابت * قال أبو محمد رضى الله عنه: وهذا لا يصح لان يحيى لم يولد إلا بعد موت معاوية وعبد الرحمن بن ابى الزناد غاية الضعف أول من ضعفه مالك ولا نعلم في هذا الباب عن احد من الصحابة شيئا غير ما ذكرنا، وصح عن الزهري، وربيعة وبه يقول أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي يقاد من السكران، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا مما خالفوا فيه النصوص وما روى عن الصحابة والقياس كما ذكرنا * قال أبو محمد رضى الله عنه: روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ان في كتاب لابيه عن عمر بن الخطاب قال: لاقود ولا قصاص ولاحد ولا جراح ولاقتل ولانكال على من لم يبلغ الحلم حتى يعلم ماله في الاسلام وما عليه، وقد صح عن عثمان بن عفان ان السكران لا يلزمه طلاق فصح انه عنده بمنزلة المجنون وبهذا يقول أبو سليمان.
والمزنى.
والطحاوى وغيرهم، وإيجاب الغرامة شرع فإذا كان بغير نص قرآن أو سنة فهو شرع من الدين لم يأذن (2) به الله ونعوذ بالله من هذا * قال أبو محمد رضى الله عنه: إلا أن من فعل هذا من الصبيان أو المجانين أو السكارى في دم أو جرح أو مال ففرض ثقافه في بيت ليكف اذاه حتى يتوب السكران ويفيق المجنون ويبلغ الصبى لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وتثقيفهم تعاون على البر والتقوى واهمالهم تعاون على الاثم والعدوان وبالله تعالى التوفيق * 2021 مسألة وان قتل مسلم عاقل بالغ ذميا أو مستأمنا عمدا أو خطأ فلا قود عليه ولا دية ولا كفارة ولكن يؤدب في العمد خاصة ويسجن حتى يتوب كفا
لضرره * برهان ذلك قول الله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) إلى قوله تعالى: (وكان الله عليما حكيما) فهذا كله في المؤمن بيقين، والضمير الذى في (كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله) راجع ضرورة لا يمكن غير هذا إلى المؤمن المذكور أولا، ولا ذكر في هذه الآية لذمى أصلا ولا
__________
(1) في النسخة رقم 16 يقبل الندليس (2) في النسخة رقم 14 شرع من الدين ما لم يأذن(10/347)
لمستأمن فصح يقينا إن ايجاب الدية على المسلم في ذلك لا يجوز البتة، وكذلك إيجاب القود عليه ولافرق * وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة منهم أبو حنيفة يقاد المسلم بالذمي في العمد وعليه في قتله خطأ الدية والكفارة ولا يقتل بالمعاهد وإن تعمد قتله ولا نعمل له في قوله هذا سلفا أصلا * وقالت طائفة: منها مالك لايقاد المسلم بالذمي إلا أن يقتله غيلة أو حرابة فيقاد به ولابد، وعليه في قتله خطأ أو عمدا غير غيلة الدية فقط، والكفارة في الخطأ * وقالت طائفة منها الشافعي: لايقاد المسلم بالذمي أصلا لكن عليه في قتله إياه عمدا أو خطأ الدية والكفارة، وجاء في ذلك عن السلف ما روينا من طريق وكيع نا سفيان الثوري عن حماد بن ابى سليمان عن ابراهيم النخعي أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الحيرة فاقاده عمر بن الخطاب قال وكيع: ونا أبو الأشهب عن أبى نضرة بمثله سواء سواء، وهذا مرسل * نا محمد بن سعيد بن نبات نا قاسم بن أصبغ نا محمد ابن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الله بن ادريس الازدي عن ليث بن أبى سليم عن الحكم بن عتيبة أن على بن أبى طالب.
وابن مسعود قالا جميعا: من قتل يهوديا أو نصرانيا قتل به وهذا مرسل أيضا، وصح هذا عن عمر بن عبد العزيز كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن ميمون قال: شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز إلى بعض امرائه في مسلم قتل ذميا فأمره أن يدفعه إلى وليه فان شاء قتله وان شاء عفى عنه قال
ميمون: فدفع إليه فضرب عنقه وأنا أنظره، وصح أيضا عن ابراهيم النخعي كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي قال: المسلم الحر يقتل باليهودى والنصراني، وروى عن الشعبى مثل وهو قول ابن ابى ليلى.
وعثمان البتى وأحد قولى أبى يوسف، وقد اختلف عن عمر بن عبد العزيز في ذلك كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل قاضى اليمن قال: كتب عمر بن عبد العزيز في زياد بن مسلم وكان قد قتل هنديا باليمن أن أغرمه خمسمائة ولا تقده به * وقول آخر رويناه أيضا عن عمر بن الخطاب في المسلم يقتل الذمي ان كان ذلك منه خلقا وعادة وكان لصا عاديا فاقده به، وروى فاضرب عنقه وان كان ذلك في غضبة أو طيرة فاغرمه الدية، وروى فاغرمه أربعة آلاف، ولا يصح عن عمر لانه من طريق عبد الله بن محرز وهو مالك عن ابى مليح بن اسامة أن عمر وهذا مرسل * ومن طريق عبد العزيز بن عمر ابن عبد العزيز في كتاب لابيه ان عمر * ومن طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن القاسم بن ابى بزة أن عمر، وهذا مرسل * أو من طريق سوء فيها عبد الملك بن حبيب الاندلسي عن أسد بن موسى عن سعيد بن ابى عروبة عن عمرو بن دينار ان عمر وهذا(10/348)
مرسل * وقول آخر وهو انه لا يقتل المسلم بالذمي الا أن يقتله غيلة رويناه عن عثمان بن عفان من طريق هالكة مرسلة فيها عبد الملك بن حبيب الاندلسي عن مطرف عن ابن ابى ذئب عن مسلم بن جندب الهذلى قال: كتب عبد الله بن عامر إلى عثمان أن رجلا من المسلمين عدا على دهقان فقتله على ماله فكتب إليه عثمان أن اقتله به فان هذا قتل غيلة على الحرابة * ورويناه أيضا عن ابان بن عثمان.
وأبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.
ورجال كثير من أبناء الصحابة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن كل ذلك من رواية عبد الملك بن حبيب الاندلسي وفى بعضها ابن ابى الزناد وهو ضعيف وبعضها مرسل ولا يصح منها شئ، وقول آخر: لا يقتل به كما روينا بالرواية الثابتة من طريق شعبة
نا عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الحيرة فكتب عمر بن الخطاب أن يقاد به ثم كتب عمر كتابا بعده أن لا تقتلوه ولكن اعقلوه * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا سليمان بن حرب نا ماد بن زيد عن كثير ابن زياد عن الحسن البصري قال: قال عمر بن الخطاب: لا يقتل مؤمن بكافر، ومن طريق اسماعيل نا يحيى بن خلف نا أبو عاصم النبيل عن ابن جريج أخبرني ابن شهاب في قتل المسلم النصراني أن عثمان بن عفان قضى أن لا يقتل به وان يعاقب، ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رجلا مسلما قتل رجلا من اهل الذمة عمدا فدفع إلى عثمان بن عفان فلم يقتله به وغلظ عليه الدية كدية المسلم، قال الزهري: وقتل خالد ابن المهاجر - هو ابن خالد بن الوليد - رجلا ذميا في زمن معاوية فلم يقتله به وغلظ عليه الدية الف دينار * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا في غاية الصحة عن عثمان ولا يصح في هذا شئ غير هذا عن أحد من الصحابة الا ما ذكرنا عن عمر أيضا من طريق النزال بن سيرة، ومن طريق عبد الرزاق نا رباح بن عبد الله بن عمر أخبرني حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك يحدث أن يهوديا قتل غيلة فقضى فيه عمر بن الخطاب باثنى عشر الف درهم، ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا سليمان بن حرب نا أبو هلال نا الحسن البصري أن على بن أبى طالب قال: لا يقتل مؤمن بكافر، ورويت بذلك مرسلات من طريق الصحابة جملة، وعن ابى عبيدة بن الجراح.
ومعاذ بن جبل.
وزيد بن ثابت.
وأبى موسى الاشعري، ومن طريق عبد الزراق عن معمر عن يحيى بن ابى كثير عن عكرمة مولى ابن عباس قال في المسلم يقتل الذمي: لا يقتل به وفيه الدية * قال أبو محمد رضى الله عنه: وروى ايضا عن عمر بن عبد العزيز وهو قول(10/349)
سفيان الثوري.
وابن شبرمة.
والاوزاعي.
والشافعي.
واحمد بن حنبل.
وأبى ثور.
واسحاق.
وأبى سليمان.
ابن المنذر وجميع اصحابهم واليه رجع زفر بن الهذيل روينا ذلك من طريق أبى عبيد عن عبد الرحمن بن مهدى عنه * قال أبو محمد رضى الله عنه: أما قول أبى حنيفة في تفريقه بين الذمي والمعاهد فما نعلم له حجة لا من قرآن ولا من سنة ولا من رواية سقيمة ولا من رواية عن أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من قياس ولا من رأى له وجه فسقط بيقين، وكذلك وجدنا من فرق بين المرة وبين الاكثار من ذلك لاحجة لهم من قرآن ولا من سنة ولا من رواية سقيمة ولا من رواية ثابتة عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم، ولا من قياس ولا من رأى له وجه، وأما قول مالك في الفرق بين الغيلة وغيرها وكذلك أيضا سواء سواء الا انهم قالوا: انما قتلناه للحرابة فقلنا: انتم لا تقولون بالترتيب في حد الحرابة ولو قلتموه لكنتم متناقضين ايضا لانه لا خلاف بين احد ممن قال بالترتيب في أنه لا يقتل المحارب ان قتل في حرابة من لا يقتل به ان قتله في غير الحرابة وأنتم لا تقتلون المسلم بالذمي في غير الحرابة فظهر فساد هذا التقسيم بيقين وأما المشهور من قول المالكيين انهم يقولون بتخيير الامام في قتل المحارب أو صلبه أو قطعه أو نفيه فمن أين أوجبوا قتل المسلم بالذمي ولا بد في الحرابة وتركوا قولهم في تخيير الامام فيه فوضح فساد قولهم بيقين لااشكال فيه وانه لاحجة لهم أصلا وبالله تعالى التوفيق * ثم نظرنا في قول من قال يقتل المسلم بالذمي وبالمعاهد فوجدناهم يحتجون بقول الله عز وجل: (وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس) قالوا: هذا عموم وبقوله تعالى: (والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وقوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وقوله تعالى (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) وبقوله عزوجل: (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق) وبقوله تعالى: (كتب عليكم القصاص في القتلى) الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى) وقوله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد
جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا) قالوا: وذو العهد وان كان كافرا فانه قتل بغير حق فهو مظلوم بلاشك، وبالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما يودى واما يقاد) وبالخبر الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أيضا " لا يحل دم رجل مسلم الا ثلاثة نفر فذكر فيهم والنفس بالنفس " قال على وسنذكرهما بأسانيدهما ان شاء الله تعالى بعد هذا *(10/350)
قال أبو محمد رضى الله عنه: واحتجوا بما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن البيلمانى يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم انه أفاد مسلما قتل يهوديا وقال: انا احق من وفى بذمته، ورواه بعض الناس عن يحيى بن سلام عن محمد بن أبى حميد المدنى عن محمد بن المنكدر قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا أشياء ادعوا فيها الاجماع وهو ان عبيد الله بن عمر بن الخطاب لما مات ابوه رضى الله عنه قتل الهرمزان وكان مسلما وقتل جفينة وكان نصرانيا وقتل بنية صغيرة لابي لؤلؤة وكانت تدعى الاسلام فأشار المهاجرون على عثمان بقتله قالوا: فظاهر الامر انهم اشاروا بقتله بهم ثلاثتهم، وقالوا كما لا خلاف في ان المسلم يقطع ان سرق من مال الذمي والمستأمن فقتله بهما أولى لان الدم أعظم حرمة من المال، وقالوا لنا خاصة انتم تحدون المسلم ان قذف الذمي والمستأمن وتمنعون من قتله بقتله لهما وهذا عجب جدا * واحتجوا على الشافعيين بقولهم: ان قتل ذمى ذميا ثم اسلم فانه يقتل به عندكم ولا فرق بين قتلكم مسلما بكافر وبين قتلكم مسلما بكافر في المسألة الاخرى * قال أبو محمد رضى الله عنه: وكل هذا لاحجة لهم في شئ منه، أما قول الله عزوجل: (وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس) فان هذا مما كتب الله عزوجل في التوراة ولا تلزمنا شرائع من قبل نبينا عليه الصلاة والسلام، ثم لو صح اننا
ملزمون ذلك لكان القول في هذه الآية كالقول في الآيات الاخر التى ذكرناها بعدها وفى الاخبار الثابتة التى أوردنا، وفيها " أو نفس بنفس " وأيضا ففى آخر هذه الآية بيان انها في المؤمنين بالمؤمنين خاصة لانه قال عزوجل في آخرها: (فمن تصدق به فهو كفاره له) ولا خلاف بيننا وبينهم في ان صدقة الكافر على ولى الكافر الذمي المقتول عمد الا تكون كفارة له فبطل تعلقهم بهذه الآية، وأما قوله عزوجل (والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فان الخطاب في هذه الآيات للمؤمنين لا للكافرين فالمؤمنون هم المخاطبون في اول الآية وآخرها بأن يعتدوا على من اعتدى عليهم بمثل ما اعتدى به عليهم وليس فيها ان القصاص من الذمي للذمي بقول الله تعالى: (وان احكم بينهم بما انزل الله) لا بالآية المذكورة وأما قوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) فهو أيضا في المؤمن يساء إليه خاصة لان نصها (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفى واصلح فأجره على(10/351)
الله) ولا خلاف في ان هذا ليس للكفار ولا أجر لهم البتة، وأما قوله عزوجل: (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) فكذلك ايضا انما هو خطاب للمؤمنين خاصة يبين ذلك ضرورة قوله تعالى فيها: (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) ولاخير لكافر أصلا صبر أو لم يصبر قال الله عزوجل: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءا منثورا): وأما قوله تعالى: (ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق) وقوله تعالى: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا) وقوله تعالى: (ثم بغى عليه لينصرنه الله) وقوله عزوجل: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى) الآية * والاخبار الثابتة التى فيها " النفس بالنفس " و " من قتل له قتيل
فاما يودى وأما يقاد " فان كل ذلك يخص بقول الله عزوجل: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون) وبقوله تعالى: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) وبقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) فوجب يقينا ان المسلم ليس كالكافر في شئ أصلا ولا يساوية في شئ فإذ هو كذلك فباطل ان يكافئ دمه بدمه أو عضوه بعضوه أو بشرته ببشرته فبطل أن يستقاد للكافر من المؤمن أو يقتص له منه فيما دون النفس إذ لا مساواة بينهما أصلا، ولما منع الله عزوجل ان يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا وجب ضرورة أن لا يكون له عليه سبيل في قود ولا في قصاص أصلا ووجب ضرورة استعمال النصوص كلها إذ لا يحل ترك شئ منها * ومن فضائح الحنيفيين المخزية لقائلها في الدنيا والآخرة قطعهم يد المسلم بيد الذمي الكافر ومنعهم من قطع يد الرجل المسلم بيد المرأة الحرة المسلمة نعم ولا يقطعون يد الذمي الكلب ان تعمد قطع يد امرأه حرة مسلمة فاعجبوا لهذه المصائب مع قول الله عزوجل: (انما المؤمنون اخوة) فان اعترضوا في الآية المذكورة بما روينا من طريق سفيان الثوري عن الاعمش عن زرعن يسيع الكندى قال: جاء رجل إلى على بن ابى طالب فقال له: كيف تقرأ هذه الآية (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) وهم يقتلون يعنى المسلمين فقال على فالله يحكم بينهم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين يوم القيامة على المؤمنين سبيلا * قال أبو محمد رضى الله عنه: يسيع الكندى مجهول لا يدرى أحد من هو، وجواب هذا السائل ان هذه الآية حق واجب في الدنيا والآخرة انما منع الله تعالى من ان يكون للكافرين على المؤمنين سبيل بحق يجعله الله تعالى له ويأمر بانفاذه للكافر على المسلم(10/352)
في الدنيا ويوم القيامة، وأما بالظلم والتعدى فلم يؤمننا الله تعالى قط من ذلك كما أطلق أيدى الكفار فيما خلى على بعض الانبياء عليهم الصلاة والسلام فقتلوهم وعلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فجرحوا وجهه المقدس وكسروا ثنيته بنفسى هو وبأبى وأمى، وكما أطلق ألسنة
الحنيفيين وأيدي من وافقهم بايجاب الباطل في القصاص للكافر من المسلم وكل ذلك ظلم لم يأمر الله تعالى به ولا رضية قط ولاجعله حقا بل أنكره عزوجل أشد الانكار نعم وفى الآية التى فيها: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) وهذا نص جلى بانها في المؤمنين خصاة بعضهم في بعض فقط لانهم اخوة كلهم فاسقهم وصالحهم عبدهم وحرهم، وليس أهل الذمة اخوة لنا ولا كرامة لهم، وكذلك قوله تعالى: (فقد جعلنا لوليه سلطانا) فمعاذ الله أن يكون هذا لكافر والله ما جعل الله تعالى لهم قط بحكم دينه سلطانا بل جعل لهم الصغار قال عزوجل: (حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون) فان قالوا فإذ لا يساووننا فلم قتلتم الكافر بالمؤمن قلنا: ولا كرامة ان نقتله به قودا بل قتلناه لانه نقص الذمة وخالف العهد بخروجه عن الصغار، وكذلك نقتله ان لطم مسلما أو سبه ونستفئ جميع ماله بذلك ونسئ أهله وصغار ولده، فان قالوا: فلم تحكمون على المسلم برد ما غصبه من الذمي أو منعه إياه من المال؟ قلنا: ليس في هذا سبيل له على المسلم انما هي مظلمة يبرأ منها المسلم تنزيها له عن حبسها فقط * قال أبو محمد رضى الله عنه: ويوضح هذا غاية الوضوح ما رويناه من طريق أبى داود السجستاني قال: نا احمد بن حنبل نا يحيى بن سعيد القطان نا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن البصري عنقيس بن عباد قال: انطلقت انا وآخر ذكره إلى على بن أبى طالب فقلنا: هل عهد اليك رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال لا الا ما في كتابي هذا فإذا فيه (المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم ادناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) * نا حمام بن احمد بن حمام القاضى نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن احمد بن حنبل.
ومحمد بن اسماعيل الترمذي قال عبد الله: نا أبى وقال الترمذي.
نا الحميدى ثم اتفق احمد بن حنبل.
والحميدي واللفظ له قالا جميع نا سفيان بن عيينة نا مطرف بن طريف قال سمعت الشعبى يقول نا أبو جحيفة - هو السوائى - قال قلت لعلى بن أبى طالب: هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى القرآن؟ قال على: " لا والذى فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطى الله (م 45 - ج 10 المحلى)(10/353)
عبدا فهما في كتابه أو ما في الصحيفة قلت: وما في الصحيفة قال العقل وفكاك الاسير وان لا يقتل مسلم بكافر " * قال أبو محمد رضى الله عنه: وهذا لا يحل لمسلم خلافه، فاعترض فيه أهل الجهالة المضلة (1) بان قالوا: قد روى هذا الخبر من طريق احمد بن شعيب أنا محمد بن بشار نا الحجاج بن المنهال نا همام عن قتادة عن أبى حسان قال: قال على بن أبى طالب " ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا دون الناس الا صحيفة في قراب سيفى فلم يزالوا به حتى أخرجها فإذا فيها المؤمنون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده " قالوا فمرة رواه قتادة عن الحسن ومرة وراه عن أبى حسان مرسلا، وهذه علة في الخبر فقلنا فكان ماذا؟ ما جعل مثل هذا علة إلا ذو علة في دينه وما ندري في رواية قتادة للخبر مرة عن أبى حسان ومرة عن الحسن وجها يعترض به إلا من عدم الحياء وكابر عين الشمس * وقالوا أيضا قد رويتم من طريق وكيع نا أبو بكر الهذلى عن سعيد بن جبير قال: انما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل مسلم (2) بكافر ان أهل الجاهلية كانوا يتطالبون (3) بالدماء فلما جاء الاسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتل رجل من المسلمين بدم أصابه في الجاهلية " * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا عجب جدا، أبو بكر الهذلى كذاب مشهور ثم لو رواه أيوب عن سعيد بن جبير لما كانت فيه شبهة يتعلق بها مخالف للحق لانه اما رأى ما رآه سعيد بن جبير فهو كسائر الآراء لا يعترض بها على السنن ولا كرامة، واما
سمعه ممن لا يدرى [ من هو ] (4) فهذا أبعد له (5) من أن يتعلق به ثم لو صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكان هذا خبرا قائما بنفسه كوضعه عليه الصلاة والسلام دماء الجاهلية في حجة الوداع وكان في صحيفة على بن أبى طالب خبرا آخر قائما بنفسه لا يحل تخصيصه بذلك الخبر لانه عمل فاسد بلا برهان ودعوى بلا دليل وضرب للسنن بعضها ببعض كمن أباح اكل الخنزير وشرب الخمر بقول الله عزوجل: (وكلوا واشربوا) ولا فرق، وقالوا أيضا: قد رويتم هذا الخبر من طريق أبى داود السجستاني قال: نا مسلم بن ابراهيم نا محمد بن راشد نا سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقتل مؤمن بكافر فمن قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فان شاءوا قتلوه وان شاءوا أخذوا الدية " *
__________
(1) وفي النسخة المظلمة (2) في النسخة رقم 14 لا يقتل مؤمن (3) في النسخة رقم 14 يتظالمون (4) الزيادة من النسخة رقم 16 (5) في النسخة رقم 14 فهو أبعد له(10/354)
قال أبو محمد رضى الله عنه: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيفة لا يجوز الاحتجاج بها وهى مملوءة مناكير ثم لو صحت لما كانت لهم فيها حجة بل كانت تكون حجة لنا عليهم لان فيها ان لا يقتل مؤمن بكافر فهذه قضية صحيحة قائمة بنفسها وهى قولنا ثم فيها حكم من قتل عمدا فلو دخل في هذه القضية المؤمن يقتل الذمي عمدا لكانت مخالفة للحكم الذى قبلها وهذا باطل، فلو صحت لكانت بلا شك في المؤمن يقتل المؤمن عمدا لافيما قد أبطله قبل من أن يقتل مؤمن بكافر، وقالوا: معناه لا يقتل مؤمن بكافر حربى أو إذا قتله خطأ فكان هذا من أسخف ما أتوا به وكيف يجوز ان يظن هذا ذو مسكة عقل ونحن مندوبون إلى قتل الحربيين موعودون على قتلهم باعظم الاجر أيمكن ان يظن من به طباخ (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الحال وأمره عليه الصلاة والسلام بالجهاد يتكلف ان يخبرننا لا نقتل بالحربيين إذا قتلناهم ما شاء الله كان، وكذلك
القول في تأويلهم السخيف أنه عليه الصلاة والسلام أراد أن لا يقتل مؤمن بكافر إذا قتله خطأ هذا والله يقين الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الموجب للنار، وكيف يمكن ان يسع هذا في دماغ من به مسكة عقل أن يكون مذ بعث الله نبيه عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة قد أمنا أن يقتل منا أحد بألف كافر قتلهم خطأ ثم يتكلف عليه الصلاة والسلام اخبارنا بأن لا يقتل المؤمن بكافر قتله خطأ ثم لا يبين لنا ذلك إلا بكلام مجمل لا يفهم أحد منه هذا المعنى انما يأتي به المتكلفون لنصر الباطل واما رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى أعطى (2) جوامع الكلم وأمره ربه تعالى بالبيان لنا فلا ولاكرامة لقد نزهه الله عزوجل عن هذا وباعده عن أن يظن به ذلك مسلم * وقالوا في قوله عليه الصلاة والسلام: " لا يقتل مؤمن بكافر ولاذو عهد في عهده " تقديم وتأخير انما أراد أن يقول لا يقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر، وقد صح بلا خلاف وجوب قتل المعاهد بالذمي فصح انه انما أراد بالكافر الحربى * قال أبو محمد رضى الله عنه: وهذا كذب آخر على رسول الله صلى الله عليه وسلم موجب لصاحبه ولوج النار واللعنة إذ تحكموا في كلامه عليه الصلاة والسلام بلا دليل وليس إذا وجد نص قد قام البرهان بأن فيه تقديم وتأخيرا وجب أن يحكم في نص آخر بالتقديم والتأخير بلا دليل كما انه إذ وجد نص منسوخ لم يحل لاحد أن يقول في نص آخر لم يأت
__________
(1) يقال رجل ليس به طباخ أي قوة ولاسمن قال الشاعر: المال يغشى رجالا.
طباخ لهم * كالسيل يغشى أصول الديدن البالى (2) في النسخة رقم 14 أوتى(10/355)
دليل بأنه منسوخ، هذا منسوخ هذه صفة الكذابين الفساق المفترين على الله عزوجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بالكذب * وقالوا ان الشعبى هو أحد رواة ذلك الخبر (1) وهو يرى قتل المؤمن بالذمي فقلنا: هذا لم يصح قط عن الشعبى لانه لم يروه إلا ابن ابى ليلى وهو
شئ الحفظ، وداود بن يزيد الزغافرى وهو ساقط، ثم لو صح ذلك عنه لكان الواجب رفض رأيه واطراحه والاخذ بروايته لانه وغيره من الائمة موثوق بهم في أنهم لا يكذبون لفضلهم غير موثوق بهم بأنهم لا يخطئون بل كل أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير معصوم من الخطأ ولابد وليس يخطئ أحد في الدين إلا لمخالفة نص قرآن أو نص سنة بتأويل منه قصد به الحق فأخطأه، وقد أفردنا بابا ضخما (2) في كتابنا الموسوم بالاعراب فيما أخذ به الحنيفيون من السنن التى خالفها من رواها من الصحابة رضى الله عنهم، وهذا من ابرد ماموهوا به فهذا ما اعترضوا به قد أوضحنا سقوط أقوالهم فيه * وأما احتجاجهم بخبر ابن المنكدر.
وربيعة عن ابن البيلمان فمرسلان ولا حجة في مرسل، فان لجوا قلنا لهم دونكم مرسلا مثلهما نا حمام بن أحمد نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن شعيب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم قتل رجلا من أهل الكتاب أربعة آلاف درهم وانه ينفى من ارضه إلى غيرها " وذكر ان عمر بن عبد العزيز قضى بذلك، وأما قصة عبيدالله بن عمر بن الخطاب وقتله الهرمزان وجفينة وبنت ابى لؤلؤة فليس في الخبر نص ولا دليل على ان أحدا قال بقتل جفينة فبطل بذلك دعواهم وصح انه انما طولب بدم الهرمزان فقط وكان مسلما ولا خلاف في القود للمسلم من المسلم فلا يجوز أن يقحم في الخبر ما ليس فيه بغير نص ولا اجماع * وأما احتجاجهم بأنه كما يجب قطع يد المسلم إذا سرق مال ذمى فكذلك يجب قتله به فقياس فاسد والقياس كله باطل ثم لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل لان القود والقصاص للمسلم من الذمي حق للذمي عندهم له طلبه وله تركه والعفو عنه، وهذا هو السبيل الذى منع الله عز وجل منا ولم يجعلها لكافر على مسلم وليس كذلك القطع في السرقة ليس هو من حقوق المسروق منه المال ولا له طلبه دون غيره ولا له العفو عنه انما هو حق لله عزوجل أمر به شاء المسروق منه أو أبى فلا سبيل فيه للذمي على المسلم أصلا * وأما قولهم انا نحد المسلم
إذا قذف الذمي قلنا نعم وكذلك نحده إذا قذف الحربى ولافرق لما ذكرنا في القطع في السرقة من انه ليس كلا الامرين حقا للذمي ولا للمقذوف ولا للمسروق منه ولا لهما العفو عنه ولا طلبه دون سائر الناس انما الحد في القذف حق الله تعالى أمر به كما هو
__________
(1) في النسخة رقم 14 هو راوي هذا الخبر (2) في النسخة رقم 14 بابا محكما(10/356)
الحد في الخمر لذمى كانت أو لحربي ولا فرق، فان قالوا: انكم تغرمون المسلم المال إذا وجب للذمي قبله وتأخذونه من المسلم بالسجن والادب إذا امتنع من أدائه وهو قادر عليه قلنا نعم وليس هذا من القود والقصاص في شئ لان المال المأخوذ بغير حق هو محرم على آخذه كائنا من كان واذ هو كذلك فانما هو باطل منعناه منه وأزلناه عن يده كما نمنعه من قتل الذمي بلا حق ولا فرق ولو قدرنا على تكليفه احياء الذمي الذى قتل لفعلنا ذلك به فإذ لا يقدر عليه ذلك فلا شئ عليه إلا الادب لتعديه إلى ما حرم الله تعالى عليه فقط كما نؤدبه في غصبه ماله إذا لم يقدر على رده ولا على انصافه فقط وليس كل متعد إلى ما حرم على الله عزوجل يلزمه قتل ولاقطع عضو ولا قصاص * وأما احتجاجهم على من قال: إذا قتل ذمى ذميا ثم أسلم القاتل فالقود عليه باق فقد أخطأ هذا القائل بل قد سقط القود والقصاص عنه لانه قتل مؤمن بكافر.
وقد حرم الله تعالى ذلك على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعكس عليهم هذه القياسات الفاسدة فيقال لهم كما لا تحدون أنتم المسلم إذا قذف الذمي وتحدون الذمي إذا قذف المسلم فكذلك اقتلوا الذمي بالمسلم ولا تقتلوا المسلم بالذمي، هذا أصح قياس يكون لو كان القياس حقا لانها حرمة وحرمة * ومن غرائب القول احتجاج الحنيفيين في الفرق بين قاتل المستأمن فلا يقيدونه به وبين قاتل الذمي فيقيدونه به، فان قالوا: الذمي محقون الدم بغير وقت والمستأمن محقون الدم بوقت ثم يعود دمه حلالا إذا رجع إلى دار الحرب ولا ندرى من أين وجب اسقاط القود بهذا الفرق وكلاهما محرم الدم إذا قتل تحريما مساويا لتحريم الآخر، وانما
يراعى الحكم وقت الجناية الموجبة للحكم لابعد ذلك ولعل المستأمن لا يرجع إلى دار الحرب ولعل الذمي ينقض الذمة ويلحق بدار الحرب فيعود دمه حلالا ولافرق.
وحسبك بقوم هذا مقدار علمهم الذى به يحلون دماء المسلمين وحسبنا الله ونعم الوكيل * قال أبو محمد رضى الله عنه: وأما قولنا لادية على المسلم (1) في قتله الذمي عمدا ولا على عاقلته في قتله إياه خطأ ولا كفارة عليه أيضا فلما قد بينا قبل في أول كلامنا في هذه المسألة من ان الآية التى فيها إيجاب الدية والكفارة في قتل الخطأ انما هي في المؤمن المقتول خطأ فقط ولم يأت قط نص في ايجاب دية ولا كفارة في قتل الكافر الذمي خطأ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " ولايجوز على أصول أصحاب القياس أن يقاس الشئ الا على نظيره وليس الكافر نظير المؤمن (2) ولا مثلا فقياسه عليه باطل على أصول القائلين بالقياس.
والمانعين منه، وبالله تعالى
__________
(1) في النسخة رقم 14 على مسلم (2) في النسخة رقم 14 نظيرا للمسلم(10/357)
التوفيق * وانما أوجبنا الدية في قتل الكافر المسلم خطأ بعموم قول الله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ) الآية فعم بهذا قاتل المؤمن خطأ ولم يخص بذلك مؤمنا من كافر ولم يأت دليل من قرآن ولاسنة ولا اجماع يخص ذلك فوجب امضاؤها على عمومه، وأما هذه الآية فلا حجة لهم فيها أصلا لان نصها ان الله تعالى يقول: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الاخطأ) إلى قوله تعالى: (عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) فصح بنص هاتين الآيتين نصا جليا لا يمكن أن يتأول فيه شئ أن هذا الحكم انما هو في المؤمن المقتول خطأ نقط، ثم قال عزوجل: (فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) فصح بالضرورة التى لامدخل للشك فيها ان في كان من قوله تعالى: (فان كان من قوم) ضمير راجع إلى أول مذكور لا يمكن غير ذلك البتة فإذ لابد من هذا، والضمير في لغة العرب لا يرجع
الا إلى أقرب مذكور قبله الا ببرهان يدل على غير ذلك فليس في هذه الآيات أقرب مذكور ولا أبعد مذكور الا المؤمن المقتول خطأ فقط، فصح بيقين لا اشكال فيه ان مراد الله تعالى بقوله (وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) انه مؤمن يقتل خطأ كما قال الحسن.
وجابر بن زيد، وصح ان معنى قول الله تعالى (من قوم بينكم وبينهم ميثاق) انما هو في قوم إذا كان سكناه فيهم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم بأن لا يرث الكافر المسلم وأن الدية موروثة فبطل بيقين ان يرث الكفار الذميون ابن عمهم المؤمن * والدية في العمد انما وجبت بقول الله عزوجل: (يا أيها الذين آمنو كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما أن يودى وإما أن يقاد " فصح بنص القرآن والسنة انه لادية في العمد الا حيث يكون القود يقينا، وقد بينا انه لاقود من المسلم للذمي فإذ لاقود له منه فلا دية له عليه إذ لم يوجب الدية دون القود في العمد قط قرآن ولاسنة وبالله تعالى التوفيق * نا حمام نا أبو محمد الباجى نا عبد الله بن يونس نابقى بن مخلدنا أبو بكر بن أبى شيبة نا يحيى بن سعيد القطان عن أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن البصري قال: " إذا قتل المسلم الذمي فليس عليه كفارة * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا محمد بن المنهال نا يزيد ابن زريع نا يونس هو ابن يزيد عن الحسن انه كان لا يرى العتق الا في قتل المسلم الذمي وهو قول أبى عياض.
وجابر بن زيد، فان شغبوا بما ناه الطلمنكى نا ابن مفرج نا الصموت محمد بن أيوب نا البرار نا محمد بن معاوية الزنادى نا أبو داود نا يعقوب بن عبد الله(10/358)
ابن نجيد حدثنى ابى عن أبيه عن عمران بن الحصين قال: " ان رجلا من خزاعة قتل رجلا من هذيل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت قاتلا مؤمنا بكافر لقتلته فاخرجوا عقله " فان يعقوب وأباه وجده مجهولون
(وأما أدبه وسجنه) فالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المنع من أن يجلد أحد في غير حد أكثر من عشر جلدات، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع " وقتل الذمي بغير حق منكر فواجب تغييره باليد وقال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) فسجن القاتل منع له من الظلم وتعاون على البر والتقوى واطلاقه عون له على الاثم والعدوان وبالله تعالى التوفيق * 2022 مسألة وان قتل المسلم أو الذمي البالغان العاقلان مسلما خطأ فالدية واجبة على عاقلة القاتل وهى عشيرته وقبيلته وعلى القاتل في نفسه ان كان بالغا عاقلا مسلما عتق رقبة مؤمنه ولابد فان لم يقدر عليها لفقره فعليه صيام شهرين متتابعين لا يحول بينهما شهر رمضان ولا بيوم فطر ولا بيوم أضحى ولا بمرض ولا بأيام حيض ان كانت امرأة وذلك واجب على الذمي الا أنه لا يقدر في حاله تلك على عتق رقبة مؤمنة ولا على صيام حتى يسلم فان اسلم يوما ما لزمه العتق أو الصيام فان لم يسلم حتى مات لقى الله عزوجل وذلك زائد في اثمه وعذابه ولا يصوم عنه وليه، هذا كله نص القرآن الذى لا يجهله من له في العلم أقل حظ * واما كون الدية على عشيرته فلما روينا من طريق احمد بن شعيب أنا قنيبة بن سعيد نا الليث - هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن ابى هريرة " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم ان المرأة التى قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بان ميراثها لبنيها وزوجها وان العقل على عصبتها " * قال أبو محمد رضى الله عنه: وقال الحنيفيون.
والمالكيون: العقل على أهل الديوان وادعوا ان عمر قضى بذلك وذلك لا يصح ولو صح لما كانت فيه حجة لانه لاحجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيذ الله تعالى عمر من ان يكون يحيل حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدث حكما آخر بغير وحى من الله تعالى وهذا عظيم جدا *
قال أبو محمد رضى الله عنه: فمن لم يكن له من المسلمين خاصة عصبة فمن سهم الغارمين أو من كل مال موقوف لجميع مصالح المسلمين لقول الله عزوجل: (المؤمنون(10/359)
بعضهم أولياء بعض) ولا حظ في المال المذكور لكافر ذميا كان أو غيره، وبالله تعالى التوفيق * وأما قولنا: لا يحول بين الشهرين برمضان ولا باضحى ولا بمرض ولا أيام حيض فلان الله عزوجل أمر بهما متتابعين وأما إذا حال بينهم شئ مما ذكرنا فليسا متتابعين ولم يخص الله عز وجل حيلولة بغير عذر من حيلولة بعذر، وتؤخر المرأة صيامها حتى ترتفع حيضتها لانها لا تقدر على المتابعة فقرضها ان توخر حتى تقدر كالمريض وغيره ولو بدأهما في أول شعبان ثم سافر رمضان كله اجزاه اتمام الشهرين فيه ثم يقضى رمضان كما أمره الله تعالى، واما الذمي فان كل كافر من جن أو انس ففرض عليهم ترك كل دين والرجوع إلى الاسلام والتزام شرائعه لا يقول غير هذا مسلم لانه بهذا جاء القرآن وعليه حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم من خالفه ولم يؤمن به، وبذلك وجب الخلود في النار على من لم يسلم فإذ كل كافر فملزم دين الاسلام ومأمور به فحكمه لازم لهم وشرائعه كذلك الا ان منها مالا يقبل منهم حتى يسلموا كالصلاة هي فرض على الجنب وغير المتوضى الا انها لاتقبل منهما إلا حتى يغتسل الجنب ويتوضاء المحدث * وأما قولنا لا يصوم عن الكافر وليه بخلاف المسلم يموت وعليه صيام لانه لا يصوم الولى الا ما لو صامه الميت لاجزأه وليس هذا صفة الكافر وبالله تعالى التوفيق * 2022 مسألة: ومن قتل مؤمنا عمدا في دار الاسلام أو في دار الحرب وهو يدرى انه مسلم فولى المقتول مخير ان شاء قتله بمثل ما قتل هو به وليه من ضرب أو طعن أو رمى أوصب من حالق أو تحريق أو تغريق أو شدخ أو اجاعة أو تعطيش أو خنق أو غم أو وطئ فرس أو غير ذلك لاتحاش شيئا وان شاء عفى عنه أحب القاتل
أم كره لا رأى له في ذلك وليس عفوا لولى عن القود وسكوته عن ذكر الدية بذلك بمسقط للدية بل هي واجبة للولى وان لم يذكرها الا ان يلفظ بالعفو عن الدية أيضا وان شاء عفا عنه بما يتفقان عليه فههنا خاصة ان لم يرضه القاتل لم يلزمه ويكون للولى القود أو الدية فان أبى الولى الا أكثر من الدية لم يلزم القاتل أن يزيده على الدية وبرة فما فوقها * قال أبو محمد رضى الله عنه: وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: ليس لولى المقتول الا القود فقط أو العفو ولا تجب له الدية إلا برضى القاتل فان أبى الولى الا أكثر من الدية ولو اضعافا كثيرة فان رضى بذلك القاتل جاز ذلك والا فلا، صح هذا القول عن ابراهيم النخعي وعن أبى الزناد وهو قول أبى حنيفة.
وسفيان الثوري.
ومالك.
وابن شبرمة.
والحسن بن حى.
وأصحابهم، وصح قولنا عن ابن عباس روينا(10/360)
من طريق البخاري نا قتيبة بن سعيد نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عباس في قول الله عزوجل: (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) قال: كان في بنى اسرائيل القدوم لم تكن فيهم الدية قال فالعفو ان يقبل الدية في العمد يطلب بمعروف ويودى باحسان * ومن طريق حماد بن سلمة نا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس في الآية المذكورة هو العمد يرضى أهله بالدية اتباع من الطالب بالمعروف وأداء إليه من المطلوب باحسان، وصح أيضا عن مجاهد والشعبى.
وعن عمر بن عبد العزيز كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل قاضى صنعاء قال: كتب عمر ابن عبد العزيز في امرأة قتلت رجلا ان احب الاولياء ان يعفوا عفوا وان أحبوا ان يقتلوا قتلوا وان أحبوا ان يأخذوا الدية أخذوها وأعطوا امرأته ميراثها من الدية * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال يجبر القاتل على اعطاء الدية فان اتفقوا على ثلاث ديات فهو جائز انما اشتروا به صاحبهم وهو قول سعيد بن المسيب.
ومحمد ابن سيرين.
والاوزاعي.
والشافعي.
وأبى ثور.
واحمد بن حنبل.
واسحاق، وأبى سليمان.
وأصحابهم.
وجمهور أصحاب الحديث * قال أبو محمد رضى الله عنه: فنظرنا فيما احتج به أهل هذا القول فوجدنا قول الله عزوجل: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) فالضمير في قول تعالى له وفى من أخيه راجع إلى القاتل لا يجوز غير ذلك لانه هو الذى عفى له من ذنبه في قتل أخيه المسلم * وما روينا من طريق البخاري نا أبو نعيم - هو الفضل بن دكين نا شيبان عن يحيى - هو ابن أبى كثير - عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى هريرة فذكر حديثا وفيه " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما يودى وإما ان يقاد " * ومن طريق أبى داود السجستاني نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان نا ابن أبى ذئب نا سعيد بن أبى سعيد المقبرى قال: سمعت أبا شريح الكعبي يقول في خبر " فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فاهله بين خيرتين بين ان يأخذوا العقل وبين ان يقتلوا " فهذا نص جلى لا يحتمل تأويلا بان الخيار في الدية أو القود إلى ولى المقتول لا إلى القاتل، وقد وافقونا على انه ان عفى واحد من الاولياء فاكثر ان الدية واجبة للباقين احب القاتل ام كره وكذلك عندهم إذا بطل القود بأى وجه بطل كالاب قتل ابنه أو نحو ذلك فاى فرق بين امتناع القود بهذا وبين امتناعه بعفو الولى، قالوا: ولا يصح خلاف ابن عباس في ذلك عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم ثم نظرنا فيما يشغب به أهل القول الذى ذكرنا أولا فوجدناهم يحتجون بما روينا من طريق (م 46 - ج 10 المحلى)(10/361)
احمد بن شعيب أخبرني هلال بن العلاء نا سعيد بن سليمان نا سليمان بن كثير نا عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل في رميا أو عميا يكون بينهم بحجر أو بسوط أو عصى فعقله عقل خطأ ومن قتل عمدا فقود يديه فمن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله " وذكر الحديث * ومن طريق ابن وهب أخبرني سفيان الثوري
عن محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من اغتبط مؤمنا قتلا فهو موديه إلا ان يرضى ولى المقتول " وذكر الحديث وفى آخره " وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله والرسول " * وبماناه احمد ابن قاسم حدثنى أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدى قاسم بن أصبغ نا احمد بن زهير نا الحكم بن موسى نا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود الجزرى عن الزهري عن ابى بكر بن محمد بن عمرو بن ابن حزم عن ابيه عن جده " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب في كتابه إلى أهل اليمن مع عمرو بن حزم فمن اغتبط مؤمنا قتلا عن بينة فانه قود الا ان يرضى أولياء المقتول، وبما روينا من طريق أبى داود نا عبيدالله بن عمر بن ميسرة نا يحيى بن سعيد - هو القطان - عن عوف الاعرابي عن حمزة أبى عمرو العايذى الضبى حدثنى علقمة بن وائل حدثنى وائل بن حجر قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جئ بقاتل في عنقه النسعة فقال عليه الصلاة والسلام لمولى المقتول: أتعفو؟ قال لا قال أتأخذ الدية قال لا قال أفتقتل قال نعم، وفى آخر الحديث انه عليه الصلاة والسلام قال له: " اما انك ان عفوت عنه فانه يبوء باثمك واثم صاحبك " قال فعفى عنه، ومن طريق أبى داود نا محمد بن عوف الطائى نا عبد القدوس بن الحجاج ثنا يزيد بن عطاء الواسطي عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بقاتل فقال هل: هل لك من مال تؤدى ديته؟ قال: لا قال أفرأيت ان ارسلتك تسأل الناس تجمع ديته قال لا قال فمواليك يعطونك ديته؟ قال لا قال لولى المقتول خذه ثم قال عليه الصلاة والسلام اما انه ان قتله كان مثله وذكر باقى الحديث وفيه انه عليه الصلاة والسلام قال له " ارسله يبوء باثم صاحبك واثمه فيكون من أصحاب النار فارسله " * ومن طريق احمد بن شعيب أنا عيسى بن يونس الفاخورى نا ضمرة عن عبد الله بن شوذب عن ثابت البنانى عن أنس ابن مالك " ان رجلا أتى بقاتل وليه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام اعف عنه فابى فقال خذ الدية فابى قال: اذهب فاقتله فانك مثله " فذكر الحديث وفيه " انه ارسله " قالوا ففى حديث ابن عباس وعبد الرحمن بن أبى ليلى وعمرو بن حزم القود الا ان يرضى اولياء
المقتول، وفى حديث وائل بن حجر وأنس الفرق بين العفو وبين أخذ الدية قالوا فلو كانت الدية واجبة بالعفو وان لم يذكرها الولى العامي لاستغنى عليه الصلاة والسلام عن إعادة ذكرها،(10/362)
قالوا وفى احد حديثى وائل انه استشار القاتل في اعطاء الدية فلو كانت واجبة عليه ما استشاره في ذلك قالوا: وقد رويتم من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن طاوس قال في الكتاب الذى هو عند ابى هو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كالذى في حديث معمر وهى في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون وأربعون خلفة فتية سمينة إذا اصطلحوا في العمد فهو على ما اصطلحوا عليه قالوا فلم يذكر في العمددية وقالوا: قال الله عزوجل: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل مال امرئ مسلم بغير طيب نفس منه " قالوا فدل هذان النصان على ان مال القاتل لا يجوز أخذ شئ منه إلا بطيب نفس منه، وقالوا قال الله عزوجل: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وقال تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) قالوا: وليس مثل القتل الا القتل فلا مدخل للدية ههنا الا برضاهما معا، وقالوا قال الله عزوجل: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) قالوا: فلم يذكر عزوجل الا القتل فقط وقالوا: (لا يخلو ولى المقتول من أن يكون له القصاص أو يكون له أيضا أخذ الدية بدلا من القصاص، فان قلتم هذا قلنا لم نجد قط حقا لانسان أن يكون له أخذ بدل منه الا برضى الذى عليه الحق، فان قلتم له اما القصاص واما الدية قلنا: لو كان ذلك لكان ان عفى عن احدهما لم يجز عفوه لانه لم يجب له بعد بعينه وانما يجوز عفوه عنه إذا اختاره ثم عفى عنه بعد وجوبه له بعينه، وقالوا: قد روى عن عمر بن الخطاب كما رويتم من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: لايمنع السلطان ولى لادم ان يعفو ان شاء أو يأخذ العقل ان اصطلحوا عليه ولا يمنعه ان يقتل ان أبى الا القتل بعد أن يحق له القتل في العمد، واعترضوا في قول الله
عزوجل: (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع) وقالوا: ان الضمير الذى في له وفى من اخيه راجع إلى ولى المقتول لا إلى القاتل بمعنى فمن سمح له القاتل بالدية، واعترضوا في خبر أبى هريرة بأن قالوا: قد رويتم هذا الخبر بعينه بخلاف ذلك اللفظ لكن كما رويتم من طريق أحمد بن شعيب انا العباس بن الوليد بن مزيد ارنى ابى حدثنى الاوزاعي نا يحيى ابن ابى كثير حدثنى أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان أبا هريرة أخبره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما يقاد واما يفادى " * ومن طريق ابى بكر ابن ابى شيبة نا الحسن بن موسى عن شيبان عن يحيى بن أبى كثير أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان أبا هريرة أخبره في حديث " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما أن يقتل واما أن يفادى أهل القتيل " قالوا فلم يذكر دية.(10/363)
وهذا قولنا، واعترضوا في خبر أبى شريح الكعبي بأن قالوا: قد رويتموه كما حدثكم أحمد ابن قاسم نا ابى قاسم بن محمد بن قاسم بن قال حدثنى جدى قاسم بن اصبغ قال نا عبد الله بن روح نا يزيد بن هارون نا محمد بن اسحاق عن الحارث بن فضيل عن سفيان بن أبى العوجاء السلمى عن ابى شريح الخزاعى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصيب بدم أو خبل - والخبل الجراح - فهو بالخيار في احدى ثلاث أشياء اما أن يعفو وأما أن يقتص وإما أن يأخذ العقل " قالوا فلو وجبت الدية بالعفو وان لم تذكر لما كان لذكره عليه الصلاة والسلام للدية مع ذكر للعفو مخيرا بينهما معنى قالوا ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: " إما أن يقاد واما أن يعقل " ان يرضى القاتل كما تقول خذ بسلعتك كذا وكذا أي يرضى البائع.
هذا كل ما موهوا به قد تقصيناه لهم ولا حجة لهم في شئ منه على ما نذكر ان شاء الله عزوجل، ولا حول ولاقوة إلا بالله العلى العظيم * أما حديث سعيد بن سليمان عن سعيد بن كثير عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس فلا حجة لهم فيه لانه باجماع منا ومنهم لم يذكر فيه عفوا وانما ذكر فيه القود
فقط، فان قالوا: قد ذكر العفو في غير هذا المكان قلنا: وقد ذكرت الدية في غير هذا المكان ولا فرق، وزيادة العدل لا يجوز تركها، والحنيفيون يخالفون هذا الخبر لانهم لا يرون القود للولد من الوالد فخصه بلا برهان، وكذلك المالكيون لانهم لا يرون القود للعبد من الحر فخصوه أيضا بلا برهان * وأما حديث ابن ابى ليلى فمرسل ولا حجة في مرسل ثم هو عن محمد بن عبد الرحمن، وهو سيئ الحفظ * وأما حديث عمرو بن حزم فساقط لان سليمان بن داود الذى رواه عن الزهري ضعيف الحديث مجهول الحال قاله ابن معين وغيره، ثم لو صح هو وحديث ابن ابى ليلى لكانا حجة لنا لا لهم لان فيه إلا أن يرضى أولياء المقتول ونحن لاننكر هذا بل نقول انهم ان رضوا بالدية أو بأكثر من الدية فلهم رضاهم، وخبر أبى شريح.
وأبى هريرة ففيهما زيادة عدل على هذين الخبرين وزيادة عدلين لا يجوز تركها، وكم قضية في خبر عمرو بن حزم المذكور وقد خالفوها بآرائهم كما ذكرنا في كتاب الزكاة وبالله تعالى التوفيق * وأما حديثا وائل بن حجر فساقطان، أحدهما من رواية أبى عمرو العايذى وهو مجهول وقد روى عن عوف ايضا عن ابى عمرو الضبى فان لم يكن ذلك فهو ضعيف، وقد روى هذا الخبر مدلسا ونحن نبينه ان شاء الله عزوجل عليه لئلا يموه به على جاهل بعلوم الحديث وهو كما روينا من طريق احمد بن شعيب نا محمد بن اسماعيل بن ابراهيم نا اسحاق بن يوسف الازرق عن عوف الاعرابي عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: جئ بالقاتل وذكر(10/364)
الحديث نفسه فاسقط بين عوف وعلقمة أبا عمرو المذكور، والثانى من رواية سماك بن حرب وهو يقبل التلقين ثم لو صحا لكانا حجة لنا عليهم لان في أحدهما أنه عليه الصلاة والسلام قال لولى القاتل أتعفو؟ قال لا قال أفتاخذ الدية؟ قال: لا قال أفتقتل قال: نعم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار في العفو أو القود أو أخذ الدية لولى المقتول دون أن يستشير القاتل أو يلتفت إلى رضاء وهذا قولنا لاقولهم، والآخر أن فيه عليه الصلاة والسلام قال
للقاتل ألك مال تؤدى ديته قال: لاقال أفرأيت ان ارسلتك تسأل الناس تجمع ديته؟ قال: لا: قال فمواليك يعطونك ديته؟ قال لا " * قال أبو محمد رضى الله عنه: ومن لا مال له ولا يطمع في أن يجمع له الدية لا الناس ولا مواليه الذين لا شئ عليهم من جنايته فلا يجوز تكليفه مالا يطيق * واما خبر أنس فساقط لانه من طريق عبد الله بن شوذب وهو مجهول ثم لو صح لكان حجة لنا كما قلنا في خبر وائل لان فيه تخيير الولى بين أخذ الدية أو القود أو العفو فكيف وهما خبران موضوعان بلا شك لان فيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا يكن أن يقولوه من ايجاب النار على من أخذ حقه الذى أعطاه اياه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أمره عليه الصلاة والسلام اياه فقتل من نهاه عن قتله، فهذا تناقض قد نزه الله عزوجل نبيه صلى الله عليه وسلم عنه * وأما قولهم: لو كانت الدية واجبة بالعفو وان لم يذكر لما كررها عليه الصلاة والسلام فليس كما ظنوا وانما ذكر عليه الصلاة والسلام عفوا مطلقا عاما لاعفوا خاصا عن الدم فقط وكذلك نقول ان عفا عن الدم وحده خاصة فالدية باقية له وان عفا عفوا عاما عن الدم والدية فذلك له * وأما خبر ابن طاوس عن أبيه فمرسل ولا حجة في مرسل، ثم هو أعظم حجة على الحنيفيين والمالكيين لخلافهم لما فيه، أما الحنيفيون فالدية عندهم في شبه العمد بخلاف ما فيه لكن أرباعا جداع وحقاق وبنات لبون وبنات مخاض، وأما المالكيون فلا يرون في شبه العمد شيئا أصلا، فمن أعجب ممن بحتج بما هو أول مخالف له ويصححه على من لا يصححه ثم ليس فيه الا كما في العمد ما اصطلحوا عليه إذا اصطلحوا، ونحن نقول بهذا ولا نخالفه، وأما ذكرهم قول الله عزوجل: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفس منه " فصحيح كل ذلك وهو قولنا، وقد قال الله عزوجل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) فإذا أوجب الله تعالى الدية أو رسوله صلى الله عليه وسلم فقد وجب أحدهما على رغم انف الزاعم رضى الذى يؤخذ منه أو كره طابت نفسه أو خبثت كما قلنا، وقالوا في العاقلة(10/365)
والزكاة والنفقات الواجبات وغير ذلك، ولو انهم احتجوا على أنفسهم بهذين النصين حيث أوجبوا الدية على عاقلة الصبى.
والمجنون.
وان كرهوا ولم تطب أنفسهم ولارضوا ولا اوجبها الله تعالى قط ولا رسوله عليه الصلاة والسلام لكان أولى بهم وهذا هو الاكل للمال بالباطل حقا * وأما قوله عزوجل: (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به والحرمات قصاص) و (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فحق كل ذلك، وقوله عزوجل: (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اما أن يقاد وإما أن يودى " حكم زائد على تلك الآيات وأحكام الله عزوجل وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم كلها حق يضم بعضها إلى بعض ولا يحل خلاف شئ منها ولو أنهم احتجوا على أنفسهم بهذه الآيات حيث خالفوها من اسقاطهم القود للولد من أبيه واسقاط القود لمن لم يعف من أجل عفو واحد منهم واسقاط بعضهم القود للعبد من الحر لكان أولى بهم وأما قوله عزوجل: (فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) فحق وبه نقول إذا اختار القود فليقتل قاتل وليه ولا يحل له أن يسرف فيقتل غير قاتله وليس ههنا ذكر الدية التى قد ورد حكمها في نص آخر، وأما قولهم: لا يخلو ولى المقتول من أن يكون له القصاص أو أخذ الدية بد لا من القصاص قالوا: ولم نجد قط حقا لانسان يكون له أخذ بدل منه بغير رضى الذى عليه الحق فهذيان نسوا فيه أقوالهم الفاسدة إذ قالوا: من كسر قلب فضة لغيره فصاحب القلب يخير بين أخذ قلبه كما هو ولا شئ له وان شاء ضمن قيمته مصوغا غير مكسور من الذهب أحب الكسر أو أبى، وإذ قالوا من غصب ثو ب الآخر فقطعه قطعا استهلكه به كحرق أو خرق في بعضه فان صاحب الثوب مخير بين أن يأخذ ثوبه وقيمة نقصانه وان شاء اعطاه للغاصب والزمه قيمته صحيحا بخلاف الحكم لو قطعه قميصا وبخلاف القمح إذا طحنه دقيقا.
والدقيق إذا خبزه خبزا.
واللحم إذا طبخه أو شواه فلم يروا للمغصوب في كل هذا
الا قيمة ما غصب منه فقط، وجعلوا القميص والخبز والطبخ والشواء حلالا للغاصب بحكم ابليس اللعين، فهذه ابدال أوجبوها بآرائهم الفاسدة فرضا من حقوق واجبة بغير رضى الذى الزموها اياه ولا طيب نفسه، وأما نحن فلا نعترض على أحكام الله عزوجل وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه القضايا الخبيثة وبالله تعالى نتأيد، وأما قولهم: ان كان له القود أو الدية فلا يجوز عفوه عن أحدهما حتى يختاره فقول سخيف بل عفوه عن القود جائز وتبقى له النسية إلا أن العفو عنها كما امر الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وسلم كما انه إذا اختار القود فقد اسقط حقه في الدية وإذا اختار الدية فقد(10/366)
أسقط حقه في القود وإذا عفى عن القود بقى حكمه في القسم الآخر وهو الدية وبالله تعالى التوفيق * واما قولهم ان التخيير زيادة في النص ولا تجوز الزيادة في النص الا بما يجوز به النسخ فصحيح والنسخ جائز لما في القرآن بقرآن أو سنة ثابتة بخبر الواحد وهو جائز أيضا للسنة بالقرآن وبخبر ثابت من طريق الثقات أيضا، فلو انهم احتجوا على انفسهم بهذا القول حيث زادوا على النسخ بالاخبار الواهية لكان أولى بهم كالوضوء بالنبيذ ولا مسح على الجبائر والتدليك في الغسل، وكايجاب الديات في كثير من الاعضاء بقياس أو رواية ساقطة أو تقليد بغير نص وبالله تعالى التوفيق * وأما روايتهم ذلك عن عمر بن الخطاب فلا تصح لانها عن عمر بن عبد العزيز.
عن عمر ابن الخطاب ولم يولد عمر رحمه الله تعالى الا بعد موت عمر رضى الله تعالى عنه بنحو سبع وعشرين سنة، ولو صح لكان الثابت عن ابن عباس خلافا له * وأما تعلقهم (1) في قول الله عز وجل: (فمن عفى له من أخيه شئ) ان الضمير راجع إلى القاتل فدعوى كاذبة ومحال لا يجوز لانها دعوى بلا دليل وتكلف ظاهر البطلان مع أنه خلاف لقول المالكيين منهم لان في الآية (فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) فقالوا هم: بل نتبع بضرب مائة سوط ونفى سنة بلا نص أوجب ذلك أصلا ولا رواية عن صاحب
ولا يشك ذو فهم ان المعفو له من ديته في أخيه هو القاتل وأما ولى المقتول فلم يعف له شئ من أخيه وحتى لو كان معناه ما تأولوه بالباطل لكان مخالفا لاقوالهم لانه لا يوجب ذلك مراعاة رضى الولى بل كان يكون الخيار حينئذ للقاتل فقط وهذا لا يقوله أحد على ظهر الارض لاهم ولا غيرهم فصح ان تأويلهم في الآية محال باطل ممتنع لا يحل القول به أصلا والحمد لله رب العالمين * واما اعتراضهم في خبر أبى هريرة بأنه قد روى فيه أيضا أما ان يقاد واما أن يفادى أهل القتيل فصحيح وهو معنى ثالث وبه نقول وهو اتفاقهم كلهم القاتل وأولياء القتيل على فداء القاتل باكثر من الدية ولا يحل ترك شئ مما صح ولا ضرب بعضه ببعض فهذا هو التلاعب بالدين وكيد الاسلام جهارا ونعوذ بالله من ذلك، وليس ترك الصحيح مما في ذلك الخبر من ان يقاد أو يودى من أجل ما قد صح أيضا من ان يقاد أو يفاد بأولى من آخر خالف الحق فترك قوله عليه الصلاة والسلام أن يفادى من أجل قوله أو يودى وكل ذلكم باطل، فصح ان اخذ كل ذلك وضم بعضه إلى بعض هو الحق الذى لا يجوز خلافه، واما اعتراضهم في خبر أبى شريح برواية سفيان بن أبى العوجاء فسفيان مجهول لا يدرى من هو، ثم العجب
__________
(1) في النسخة رقم 14 واما تعللهم(10/367)
كله من احتجاجهم به وهم مخالفون ما فيه لان فيه ايجاب القود في الجراح جملة وهم لا يرون القود في شئ من الجراح الا في الموضحة وحدها فقط فيا للمسلمين في أي باب يقع احتجاج المرء على خصمه بما يخالف وهو يصححه وخصمه لا يصححه، ثم لو صح لكان حجة لنا عليهم لان فيه التخيير للمجروح أو لولى المقتول بين القود أو الدية أو العفو دون اشتراط رضى الجاني وهذا عجب آخر ورضى بالتموية المفتضح من قرب ونسأل الله تعالى العافية * وأما قولنا بان كل ما ذكرنا فهو من قتل عمدا مسلما في دار الحرب وهو يدرى انه مسلم في دار الحرب كما لو فعل ذلك في دار الاسلام ولا
فرق فلعموم نص القرآن والسنة التى أوردنا في ذلك ولم يخص احدى الدارين من الاخرى وما كان ربك نسيا، وهو قول مالك.
والشافعي.
أبى سليمان وجميع أصحابهم وبه نأخذ، واما أبو حنيفة فقال: ان قتل مسلم مسلما عمدا في أرض الحرب وكان المقتول غير ساكن في أرض الحرب فلا قود فيه أصلا انما فيه الدية، فان كان المسلم المقتول ساكنا في أرض الحرب فعلى قاتله عمدا وهو يدرى انه مسلم الكفارة فقط ولاقود فيه ولادية * قال أبو محمد رضى الله عنه: ولا ندرى من اين اخرج هذا القول السخيف ولا من تقدمه إليه، والعجب ان المبتلين من الله تعالى بتقليده موهوا في ذلك بما رويناه من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة نا ابو خالد الاحمر عن الاعمش عن أبى ظبيان عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصبحنا الحرقات من جهينة فادركت رجلا فقال: لاإله الا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقال لا اله الا الله وقتلته؟ قلت: يا رسول الله انما قالها خوفا من السلاح قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟ فمازال يكررها على حتى تمنيت انى اسلمت يومئذ ".
وبما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة فدعاهم إلى الاسلام فلم يحسنوا ان يقولوا اسلمنا فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا وجعل خالد فيهم اسرا وقتلا ودفع إلى كل رجل منا أسيرا حتى إذا أصبح يوما (1) أمرنا خالد بن الويد ان يقتل كل واحد منا (2) أسيره فقال ابن عمر: والله لاأقتل أسيرى ولا يقتل أحد من أصحابي أسيره فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له صنيع خالد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم ان ابرأ اليك مما صنع خالد ".
ومن طريق أبى داود
__________
(1) في النسخة رقم 16 أصبح يومنا (2) في النسخة رقم 14 كل رجل منا(10/368)
نا هناد بن السرى نا أبو معاوية عن اسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم عن جرير بن عبد الله البجلى قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم فاعتصموا بالسجود فاسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فامر لهم بنصف العقل وقال: أنا برئ من كل مسلم يقيم بين اظهر المشركين قالوا: يا رسول الله لم؟ قال: لاتراءى ناراهما (1) * قال أبو محمد رضى الله عنه: لا يصح في هذا الباب شئ غير هذه الاحاديث، وأما حديث اليمان والد حذيفة رضى الله عنهما ففيه زياد بن عبد الله البكائى وليس بالقوى * وأما حديث ملجم بن قدامة وقتله عامر بن الاضبط واعطاء النبي صلى الله عليه وسلم الدية فيه ومنعه من القود ففيه زياد بن ضميرة وهو مجهول بل انه يصح في حديث ملجم المذكور ماناه حمام بن أحمد نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن ايمن نا أحمد بن زهير بن حرب نا أبو بكر بن أبى شيبة نا أبو خالد الاحمر عن محمد بن اسحاق عن يزيد بن عبد الله ابن قسيط عن القعقاع عن عبد الله بن أبى حدود قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أطم فلقينا عامر بن الاضبط - هو أشجعي - فحيانا بتحية الاسلام فقام إليه الملجم بن جثامة - هو ليثى كنانى - فقتله ثم سلبه فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه فنزلت: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا) * قال أبو محمد رضى عنه: كل هذه الاخبار حجة عليهم لان خالدا لم يقتل بنى جذيمة الا متأولا انهم كفار، ولم يعرف ان قولهم: صبأنا صبأنا اسلام صحيح، وكذلك اسامة بلاشك وحسبك بمراجعته رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وقوله: انما قالها من خوف السلاح وهو والله الثقة الصادق (2) الذى ثبت انه لم يقل الا ما في نفسه، وكذلك السرية التى اسرعت بالقتل في خثعم وهم معتصمون بالسجود
واذ هم متأولون فهم قاتلوا خطأ بلا شك فسقط القود، ثم نظرنا فيهم فوجدناهم كلهم في دار الحرب في قوم عدو (3) لنا فسقطت الدية بنص القرآن ولم يبق الا الكفارة فلا بد من أحد أمرين ضرورة اما أنه عليه الصلاة والسلام أمرهم بها فسكت الراوى
__________
(1) يقال تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضا، والمعنى أنه يلزم المسلم ويجب عليه أن يباعد منزله عن منزل المشرك لئلا يرى نار شركه (2) في النسخة رقم 14 التقى الصادق (3) في النسخة رقم 16 في دار عدو (م 47 - ج 10 المحلى)(10/369)
عن ذلك، واما ان الآية التى فيها (وان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة) لم تكن نزلت بعد فلا شئ عليهم الا الاستغفار والدعاء إلى الله عزوجل فقط، فان قيل: كيف يقول متأولا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبرأ إلى الله تعالى من فعله؟ قلنا: نعم قد برئ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل خطأ خالف الحق ونحن نبرأ إلى الله عزوجل منه وان كان فاعله مأجورا أجرا واحدا ولم يبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خالد قط انما برئ من فعله وهكذا نقول نبرأ إلى الله عزوجل من كل تأويل أخطا فيه المتأول ولا نبرأ من المتأول ولو برئ عليه الصلاة والسلام من خالد لما أمره بعدها فصح قولنا والحمد لله رب العالمين، فان قيل: فما وجه اعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خثعما نصف الدية؟ قلنا: فعل ذلك تفضلا وصلة واستئلافا على الاسلام فقط ولو وجبت لهم دية لما منعهم عليه الصلاة والسلام منها وبرة فما فوقها فلما بطل احتجاج الحنيفيين لقولهم الخبيث بهذه الاخبار في اسقاط القود والدية عمن تعمد قتل مسلم يدرى انه مسلم وان كان ساكنا في أرض الحرب وفى اسقاطهم القود فقط عن المتعمد قتل المسلم في عسكر المسلمين في دار الحرب إذ قد صح انها كلها قتل خطأ لاقتل عمد فظهر فساد قولهم بيقين، فان قيل: فقد برئ عليه الصلاة والسلام من كل مسلم سكن بين أهل دار
الحرب قلنا: لو كان هذا مبيحا لتعمد قتله لبطل قولكم في ايجاب الكفارة في ذلك وانما معناه انه جان على نفسه بذلك فان قتله من لا يدرى انه مسلم فلا قود ولا دية انما فيه الكفارة فقط بنص القرآن ثم زادوا ضلالا فاحتجوا في ذلك بخبر ساقط موضوع ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقطع الايدى في السفر " فكان هذا عجبا لانهم أول مخالف لهذا الخبر فيقطعون الايدى في السفر فلا ندرى من أين وقع لهم تخصيص دار الحرب بذلك؟ ثم لو صح لهم ذلك لكان اسقاطهم القود والدية أو القود فقط على ترك قطع الايدى هوسا ظاهرا وقد أعاذ الله رسوله عليه الصلاة والسلام من أن يريد النهى عن القود والدية في قتل نفس المسلم عمدا في أرض الحرب فيدع ذكر ذلك ويقتصر على النهى عن قطع الايدى في السفر هذا لا يضيفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الا كذاب ملعون متعمد للكذب عليه عليه الصلاة والسلام * قال أبو محمد رضى الله عنه: وأما قولنا يقتل قاتل العمد بأى شئ قتل به فانه قد اختلف الناس في كل ذلك فقالت طائفة كما قلنا كما روينا من طريق أبى بكر ابن ابى شيبة نا حفص - هو ابن غياث - عن أشعث عن الشعبى قال: قال على بن أبى طالب العمد كله قود * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا عبد الرحيم عن أشعث عن(10/370)
الشعبى.
والحسن.
وابن سيرين.
وعمرو بن دينار قالوا كلهم: العمد قود * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عمن سمع الشعبى يقول: إذا مثل بالرجل ثم قتله فانه يمثل به ثم يقتل * ومن طريق حماد بن سلمة عن اياس بن معاوية قال: كل شئ يقتله فانه يقاد به نحو الحجر العظيم والخشبة العظيمة التى تقتل * ومن طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة أنه حدثه ان ابنا لصهيب أخذ ابنا لحاطب بن أبى بلتعة فضربه بخشبة معه حتى ظن انه قد قتله فذكر الحديث وانه مات منها وأن الصهيبى دفع إلى ولى حاطب فضربه بعصا معه في الرأس حيت تطايرت شؤون رأسه فمات، وعروة
ابن الزبير جالس لا ينكره، كان اسم الصهيبى الحسن بن عثمان وكان اسم الحاطبى يزيد بن المغيرة * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا سليمان بن حرب نا حماد بن سلمة عن أبى رجاء قال: قال قتادة ان قتل بحجر قتل بحجر وان قتل بخشبة قتل بخشبة وهو قول ابان بن عثمان.
وأبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم * ومن طريق حماد بن سلمة انا حميد عن ميمون بن مهران أن يهوديا قتله مسلم بفهر فكتب ميمون في ذلك إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إليه عمر يأمره بدفعه إلى أم اليهودي فدفعه إليها فقتلته بفهر * وبه يأخذ مالك.
والشافعي.
وأبو ثور.
وأحمد بن حنبل.
واسحاق.
وابن المنذر.
وأصحابهم.
وغيرهم، وقال مالك: إن قتله بحجر أو عصى أو بالنار أو بالتغريق قتل بمثل ذلك يكرر عليه أبدا حتى يموت، وقال الشافعي: ان ضربه بحجر حتى مات ضربه بحجر أبدا حتى يموت وان حبسه بلا طعام ولا شراب حتى يموت حبس مثل تلك المدة حتى يموت فان لم يمت قتل بالسيف، وهكذا ان غرقة وهكذا ان ألقاه من مهواة عالية، فان قطع يديه ورجليه فمات قطعت يدا القاطع ورجلاه فان مات والا قتل بالسيف * قال أبو محمد رضى الله عنه: ان لم يمت ترك كما هو حتى يموت لا يطعم ولا يسقى، وكذلك ان قتله جوعا أو عطشا جوع وعطش حتى يموت ولا بد ولا تراعى المدة أصلا، وقال ابن شبرمة: ان غمسه في الماء حتى يموت غمسته فيه حتى يموت وان قتله ضربا ضربته مثل ضربه لا أكثر من ذلك، وقد كانوا يكرهون المثلة ويقولون: السيف يجزئ من ذلك كله * قال أبو محمد رضى الله عنه: بل اضربه حتى يموت، وقالت طائفة: لا يقتل في كل ذلك الا بالسيف كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري انه قال: لاقود إلا بحديدة * ومن طريق وكيع نا سفيان عن المغيرة عن ابراهيم النخعي فيمن قتل بخشبة أو بالشئ قال: لا سيف محل ذلك * ومن طريق(10/371)
شعبة عن المغيرة عن ابراهيم لاقود الا بالسيف * ومن طريق ابى بكر بن أبى شيبة ناوكيع عن محمد بن قيس عن الشعبى لاقود الا بحديدة، وروى نحو هذا عن سفيان، وقال أبو حنيفة وأصحابه: بأى شئ قتله مما يوجب القود فلا يقاد الا بالسيف، وهو قول أبى سليمان * قال أبو محمد رضى الله عنه: ظاهر ما روينا عن الحسن.
والشعبى ايجاب القود بالسيف والرمح والسكين والمطرقة فنظرنا فيما احتجت به الطائفة الاولى فوجدنا هم يحتجون بقول الله عزوجل: (والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وبقوله عزوجل: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وبقوله تعالى: (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) وبقوله عزوجل: (ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق أولئك لهم عذاب اليم) وبقوله عزوجل: (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) وبقوله تعالى: (ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين) قالوا: فكلام الله تعالى كما أوردنا موجب ان الغرض القصاص في القتل فما دونه انما هو بمثل ما اعتدى به وأنه لا يحل تعدى ذلك إلى غير ما اعتدى به قالوا: فمن قتل بالسيف من قتل متعديا بغير السيف فقاتله بما لم يقتل به متعد ظالم بنص القرآن عاص لله عزوجل فيما أمر به، واحتجوا أيضا بما قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " قالوا: فمن قتل أحدا بغير السيف ظالما عامدا فبشرة غير القاتل (1) محرمة على المستقيد وغيره إذ قد صح تحريمها، ولم يأت نص ولا اجماع باباحتها وانما حل من بشرة القاتل ومن التعدي عليه مثل ما انتهك هو من بشرة غيره ومثل ما تعدى عليه به فقط ومن خالف هذا فهو كمن أفتى من فقئت عيناه ظلما بأن يجدع هو اشراف اذنى فاقى عينيه ولافرق، ومن طريق مسلم نا هداب بن خالد نا همام نا قتادة عن أنس بن مالك أن جارية قد وجد رأسها قد رضى بين حجرين فسألوها
من صنع هذا بك فلان فلان حتى ذكروا لها يهوديا فأومأت برأسها فاخذ اليهودي فأقر فامر النبي صلى الله عليه وسلم أن ترض رأسه بين الحجارة (2) ورواه أيضا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس ومعمر عن أيوب السختيانى عن أبى قلابة عن أنس * ومن طريق مسلم نا أبو جعفر محمد بن الصباح وأبو بكر بن أبى شيبة واللفظ له نا ابن علية عن الحجاج ابن أبى عثمان نا أبو رجاء مولى ابى قلابة حدثنى أنس بن مالك أن نفرا من عكل ثمانية قدموا
__________
(1) في النسخة رقم 14 فبشرة عنق القاتل (2) في النسخة رقم 14 يرض رأسه بالحجارة(10/372)
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الاسلام فاستوخموا الارض وسقمت أجسامهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا تخرجون مع راعينا في ابله فتصيبون من أبوالها والبانها؟ فقالوا بلى فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا فقتلوا الراعى وطردوا الابل فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم فادركوا فجئ بهم فامر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا " قال مسلم: حدثنى الفضل ابن سهل الاعرج مروزى نا يحيى بن غيلان نا يزيد بن زريع عن سليمان التيمى عن أنس بن مالك قال: انما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعين اولئك لانهم سملوا أعين الرعاء، فهذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره الذى لا يسع أحد الخروج عنه، ومن طريق أبى بكر ابن أبى شيبة نا عبد الرحمن بن سليمان نا إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العمد قود الا ان يعفو ولى المقتول " * ومن طريق البخاري نا أبو نعيم - هو الفضل بن دكين - نا شيبان عن يحيى - هو ابن أبى كثير - عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما أن يودى واما أن يقاد " * قال أبو محمد رضى الله عنه: القود في لغة العرب المقارضة بمثل ما ابتدأه به لا خلاف بين أحد في أن قطع اليد باليد والعين بالعين والانف بالانف والنفس بالنفس
كل ذلك يسمى قودا فقد صح يقينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرنا بالقود فانه انما أمرنا بأن يعمل بالمتعدى في القتل فما دونه مثل ما عمل هو سواء سواء، هذا أمر تقتضيه الشريعة واللغة ولابد، ثم نظرنا فيما احتجت به الطائفة الاخرى فوجدناهم يعولون على ماروينا من طريق ابى بكر بن أبى شيبة نا عيسى بن يونس عن أشعث.
وعمرو ابن عبيد عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لاقود الا بالسيف " * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا مرسل ولا يحل الاخذ بمرسل، وقالوا: الخبران عن أنس في الذين قتلوا الرعاء وفى الذى رضخ رأس الجارية فانما كانا إذ كانت المثلة مباحة ثم نسخها بتحريم المثلة، ويدل على ذلك أن في رواية أيوب عن أبى قلابة عن أنس لذلك الخبر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بأن يرجم حتى يموت فرجم حتى مات " * قالوا: والرجم قد لا يصيب الرأس فقد قتله بغير ما قتل هو به الجارية وقد رويتم من طريق أبى داودنا محمد بن المثنى نا معاذ بن هشام الدستوائى حدثنى أبى عن قتادة عن الحسن عن الصباح بن عمران - هو البرجمى - انه سمع سمرة بن جندب: وعمران يقولان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة * وروينا نحوه أيضا من(10/373)
طريق الحسن عن أبى برزة.
وأبى بكرة.
وأنس بن مالك.
ومعقل بن يسار كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: ما سمعناه عليه الصلاة والسلام قط خطبنا الا وهو يأمر بالصدقة وينهى عن المثلة، نا أحمد بن عمر العذري نا أحمد بن على بن الحسن الكسائي نا على بن غيلان الحرانى أنا المفضل بن محمد نا على بن زياد ثنا ابو قرة عن ابن جريج أخبرني اسماعيل بن علية عن معمر عن أيوب السختيانى عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه أو رجع عن دينه فاقتلوه ولا تعذبوا بعذاب الله أحدا يعنى بالنار " ونهى عليه الصلاة والسلام عن المثلة قالوا: والنهى عن المثلة ثابت من طرق قالوا: وقد رويتم من طريق البخاري.
نا موسى بن اسماعيل
نا همام عن قتادة عن أنس فذكر حديث الذين قتلوا الرعاء وقد أوردناه آنفا قال قتادة: فحدثني محمد بن سيرين أن ذلك كان قبل نزول الحدود * قال أبو محمد رضى الله عنه: لم نخالفهم قط في أن المثلة لا تحل لكن قلنا: انه لامثلة إلا ما حرم الله عزوجل وأما ما أمر به عزوجل وليس مثلة ليت شعرى ما الفرق عند هؤلاء القوم، بين من قتل عامدا ظالما بالحجارة فقتل هو كذلك فقالوا هذه مثلة وبين من زنا وهو محصن فقتل بالحجارة فقالوا: ليس هو مثلة إلا ان يستحى ذودين من هذا الكلام الظاهر فساده * فان قالوا: ان الله عزوجل أمر بالرجم في الزنا والاحصان، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: والله سبحانه وتعالى أمر بالاعتداء على المعتدى بمثل ما اعتدى به وبالمعاقبة بمثل ما عوقب به ظالما، وقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشدخ بالحجر من قتل ظالما كذلك، فهل من فرق؟ وليت شعرى على ما يعهد الناس أيكون مثلة أعظم من قطع اليد والرجل من خلاف وفق ء العينين وجدع الانف والاذنين وبرد الاسنان وقطع الشفتين وهم موافقون لنا على ان كل ذلك واجب ان يفعل بمن فعله بغيره ظالما فلو ترحموا التحكم لكان أولى، ولقد قالوا: ان من قطع الطريق فقطعت يده ورجله من خلاف فان قطع بعد ذلك الطريق لم تقطع يده الثانية ولا رجله ونظن انهم يقولون انه من قطع يد آخر ورجله انه تقطع يده ورجله، فان قالوا ذلك لاح تناقضهم وان لم يقولوه زادوا في الباطل ومنع الحق * وأما قول ابن سيرين كان ذلك قبل نزول الحدود فخطأ وكلام من لم يحضر تلك المشاهد ولا ذكر انه أخبره من شهدها فهو لا شئ، وحديث أنس الذى موهوا به لم يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قط يخطب الا نهى عن المثلة أعظم حجة عليهم في كذبهم انه ناسخ لفعله عليه الصلاة والسلام بالذين قتلوا الرعاء لان أنسا صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم(10/374)
ولازمه خادما له من حين قدم عليه السلام المدينة إلى حين موته صلى الله عليه وسلم فصح يقينا قطعا
بلا شك انه سمع انس خطبته عليه الصلاة والسلام ونهيه عن المثلة قبل فعله عليه الصلاة والسلام بالذين قتلوا الرعاء فبطل ضرورة أن يكون المتقدم ناسخا للمتأخر وبالله ان ضرب العنق بالسيف لاعظم مثلة ولقد شاهدناه فرأيناه منظرا وحشا وكأنه جسد بأربعة أفخاد فظهر فساد احتجاجهم بالمثلة وصح ان كل ما أمر به عليه الصلاة والسلام فليس هو مثلة انما المثلة من فعل مانهاه الله تعالى عنه متعديا ولا مزيد، وأما قولهم ان في رواية أيوب " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر به فرجم بالحجارة حتى مات، فلا شك ولا خلاف في ان تلك الروايات كلها هي في قصة واحدة في مقام واحد في انسان واحد فقول أيوب عن أبى قلابة عن أنس فامر به فرجم حتى مات، وقول شعبة عن هشام ابن زيد عن أنس فامر به فرض.
رأسه بين حجرين وقول همام عن قتادة عن أنس فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ترض رأسه بين الحجارة أخبار عن عمل واحد وإذا رض رأسه بين حجرين فقد رض بالحجارة وقد رجم رأسه حتى مات فبطل تعلقهم باختلاف الفاظ الرواة إذ كلها معنى واحد ولله تعالى الحمد وكلهم ثقة وإنما هذا تعلل في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالباطل * واحتجوا أيضا بما روى من طريق أبى داود نا مسلم بن ابراهيم نا شعبة، عن خالد الحذاء عن أبى قلابة عن أبى الاشعث عن شداد بن أوس قال: خصلتان سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فاحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " * قال أبو محمد رضى الله عنه: وهذا صحيح وغاية الاحسان في القتلة هو أن يقتله بمثل ما قتل هو وهذا هو عين العدل والانصاف والحرمات قصاص، وأما من ضرب بالسيف عنق من قتل آخر خنقا أو تغريقا أو شدخا فما أحسن القتلة بل انه أساءها أشد الاساءة إذ خالف ما أمر الله عزوجل به وتعدى حدوده وعاقب بغير ما عوقب به وليه والا فكله قتل وما الايقاف لضرب العنق بالسيف بأهون من الغم والخنق وقد لا يموت من عدة ضربات واحدة بعد أخرى هذا أمر قد شاهدناه ونسأل الله العافية، فعاد هذا الخبر
حجة عليهم * واحتجوا بما رويناه من طريق أبى داود نا أبو داود الطيالسي نا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس انه كان معه فقال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن تصبر البهائم " * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا من طريف ماموهوا به ومتى خالفنا هم في ان العبث بالبهائم وبغير البهائم لا يحل انما بهم ان يموهوا أنهم يحتجون وهم لا يأتون الا بما نهوا عنه وأما بالباطل نعم صبر البهائم لا يحل الا حيث أمر الله تعالى به من الذبح والنخر والرمى فيما شرد بالنبل والرماح وارسال الكلاب وسباع الطير عليها فهذا كله حلال حسن(10/375)
باجماع منا ومنهم وكذلك لا يحل العبث بابن آدم فإذا عبث هو ظالما اقتص منه بمثل فعله وكان حقا وعدلا، والعجب كله ان ضرب العنق صبر بلا شك والصلب أشنع الصبر وهم يرون كل ذلك فلو راجعوا الحق لكان أولى بهم، وهكذا القول فيما موهوا به مما رويناه من طريق عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الاشج عن يعلى قال: غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فقال أبو أيوب الانصاري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل الصبر * وذكروا ماروينا من طريق أبى داود نا سعيد بن منصور نا المغيرة بن عبد الرحمن الحذامى عن أبى الزناد حدثنى محمد بن حمزة الاسلمي عن أبيه " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية وقال: ان وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار ثم نادانى فرجعت إليه فقال: ان وجدتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فانه لا يعذب بالنار الا رب النار " * ورويناه أيضا من طريق أبى داود نا قتيبة بن سعيد ان الليث بن سعد حدثهم عن بكير بن الاشج عن سليمان بن يسار عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد رضى الله عنه: وهذا صحيح ولا يحل ان يحرق أحد بالنار ابتداء حتى إذا فعل المرء من ذلك ما حرمه الله تعالى عليه وجب القصاص عليه بمثل ما فعل كما أمر الله عزوجل * وذكروا ما روينا من طريق شعبة عن عدى بن ثابت عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا " * ومن طريق مسلم نا أبو كامل نا أبو عوانة عن أبى بشير عن سعيد بن جبير قال: " مر ابن عمر بنفر قد نصبوا دجاجة يرمونها فقال ابن عمر: لعن الله من فعل هذا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا " قال أبو محمد رضى الله عنه: ونحن نقول: لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا الا حيث أمر الله تعالى به من القصاص فمن استحق لعنة الله لفعله ذلك والاعتداء عليه بمثل ما اعتدى هو به وهم يوافقوننا في رمى العدو بالنبل والمجانيق واتخاذهم غرضا وهذا خراج عن ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا القول فيما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه نهى ان يقتل شئ من الدراب صبرا وقد علمنا أن نحر الابل وذبح الحيوان والقتل بالسيف في القصاص كل ذلك قتل صبر وكل ذلك خارج عن قتل الصبر المنهى عنه وهكذا سائر وجوه القصاص التى أمر الله تعالى به ولا فرق * وذكروا ما روينا من طريق أبى داود نا زياد بن أيوب نا هشيم عن سماك عن ابراهيم عن هنئ بن نويرة عن علقمة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(10/376)
" اعف الناس قتلة أهل الايمان " * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا وان لم يصح لفظه فان فيه هنى بن نويرة وهو مجهول فمعناه صحيح ولا أعف قتلة ممن قتل كما أمره الله عزوجل فاعتدى بمثل ما اعتدى المقتص منه على وليه ظلما وما اعف قط في قتلة من ضرب عنق من لم يضرب عنق وليه بل هو معتد ظالم فاعل ما لم يبحه الله تعالى قط * وموهوا أيضا بما روينا من طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا حجاج بن المنهال نا صالح المرى عن سليمان التيمى عن أبى عثمان النهدي عن أبى هريرة " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة رضى الله عنه حين استشهد فذكر كلاما وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال: والله مع ذلك لامثلن بسبعين منهم مكانك
فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعد بخواتيم سورة النحل (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا لو صح ولم يكن من طريق صالح المرى.
ويحيى الحمانى وأمثالهما لكان حجة لنا عليهم لان فيه انه عليه الصلاة والسلام أمر أن يعاقب بمثل ما عوقب به وهذه اباحة التمثيل بمن مثل بحمزة رضى الله عنه فانما نهاه الله عزوجل عن أن يمثل بسبعين منهم لم يمثلوا بحمزة وهذا قولنا لاقولهم * قال أبو محمد رضى الله عنه: وموهوا بخبر ساقط موضوع، وهو ما روى من طريق أسد بن موسى عن سليمان بن حيان عن يحيى بن أبى أنيسة عن أبى الزبير عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستانا بالجراح سنة " وأسد ضعيف، ويحيى بن أبى انيسة كذاب، ثم هم أول مخالف لهذا الخبر لانهم لا يرون الاستينا بالجراح سنة فكيف يستحل مسلم أو من له حياء أن يحتج بشئ هو أول مبطل له، وأول من لا يرى العمل بما فيه * وبحديث من طريق ابن المبارك عن عنبسة بن سعيد عن الشعبى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يستقاد من الجرح حتى يبرأ " * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا باطل لان عنبسة هذا مجهول وليس هو عنبسة ابن سعيد بن العاصى لان المبارك لم يدركه بل قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا * كما نا احمد بن محمد بن الجسور قال: نا وهب بن مسرة نا ابن وضاح نا أبو بكر بن ابى شيبة نا إسماعيل بن علية عن أيوب السختيانى عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: إن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستقيد فقيل له حتى تبرأ فابى وعجل فاستقاد فعنتت رجله وبرئت رجل المستقاد منه فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: ليس لك شئ انك أبيت، فصح ان تعجيل القود أو تأخيره إلى المجني عليه، فهذا ماموهوا به من (م 48 - ج 10 المحلى)(10/377)
الاخبار * واحتجوا من طريق النظر بأن قالوا: وجدنا من قطع يد آخر خطأ انه ان برئ فله دية اليد وان مات فله دية النفس ويسقط حكم اليد فوجب أن يكون العمد كذلك قياسا على الخطأ * قال أبو محمد رضى الله عنه: القياس كله باطل ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل لان القياس عند القائلين به لا يجوز إلا على نظيره لا على خلافه وضده والعمد ضد الخطأ فلا يجوز ان يقاس عليه عند من يقول بالقياس فكيف والقياس كله باطل * وقالوا: يلزمكم ان رمى انسان آخر بسهم فقتله أن ترموه بسهم فان لم يمت فبآخر ثم بآخر وكذلك ان اجافه أن يوالى عليه بالجوائف حتى يموت وهذا أكثر مما فعل، وهذا لا يجوز فقلنا: هذا تمويه فاسد وكلام محال بل يطعن بسهم مثله في الموضع الذى صادف فيه سهمه ظلما حتى يموت، وكذلك يجاف بجائفة موقن انه يموت منها ولا فرق ثم نعكس عليهم هذا السؤال فنقول لهم: ان ضرب بالسيف في عنقه فلم يقطع أو قطع قليلا فاعيد عليه مرارا وهذا أشد مما قلتم وأمكن فهو امر مشاهد يقع كثيرا جدا، وقالوا: أرأيتم ان استدبره بالاوتار فقلنا يستدبره بمثلها وما ذلك على الله بعزيز، فقالوا: فان نكحه حتى يموت قلنا يستدبره بوتد حتى يموت لان المثل محرم عليه وبالله تعالى التوفيق * (باب من الكلام في شبه العمد: وهو عمد الخطأ) قال أبو محمد رضى الله عنه: وقد ذكرناه قبل ولم نوضح فساد الاخبار التى موهوا بها وتناقض الطوائف الثلاث المالكيين والحنيفيين والشافعيين فيها فوجب أن نستدرك ذلك كما فعلنا في سائر المسائل وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: شغب الحنيفيون والشافعيون القاتلون بعمد الخطأ بما روينا من طريق شعبة وسفيان الثوري كلاهما عن جابر الجعفي عن أبى عازب عن النعمان ابن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل شئ خطأ إلا السيف وفى كل خطأ أرش " *
قال أبو محمد رضى الله عنه: جابر الجعفي كذاب وأول من شهد عليه بالكذب أبو حنيفة ثم لم يبال بذلك أصحابه فاحتجوا بروايته حيث اشتهوا، ثم العجب كله أن الحنيفيين والشافعيين مخالفون لهذا الخبر عاصون له فالشافعيون يرون القود في العمد بكل ما يمكن أن يمات من مثله، والحنيفيون يرون القود على من ذبح بليطة القصب وعلى من أحرق بالنار وعلى من خنق ثلاث مرات فصاعدا، وكل هذا ليس فيه قتل بالسيف فمن(10/378)
أضل ممن يحتج بما هو أول مخالف له، وأما المالكيون فانهم احتجوا بخلاف السنة الثابتة من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس جالسا آخر صلاة صلاها بأصحابه رضى الله عنهم برواية جابر الجعفي الكذب المذكور المرسلة أيضا " لا يؤمن أحد بعدى جالسا " ورأوه حينئذ حجة لازمة ترد به رواية أهل المدينة الثقات المسندة وآخر عمله عليه الصلاة والسلام إذا وافق رأى مالك ثم لم يكبر عليهم تكذيب جابر ورد روايته إذا خالف رأى ما لك فأى دين يبقى مع هذا، وهل هذا إلا اتباع الهوى ولا مزيد؟ * قال أبو محمد رضى الله عنه: وقد روى هذا الخبر أيضا من طريق عبد الباقي بن قانع راوي كل بلية وترك حديثه بآخرة عن محمد بن عثمان بن أبى شيبة عن عقبة بن مكرم عن يونس بن بكير عن قيس بن الربيع عن أبى حصين عن ابراهيم ابن بنت النعمان بن بشير عن النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل شئ خطأ إلا السيف ولكل خطأ أرش " * قال أبو محمد رضى الله عنه: عبد الباقي لا شئ: وقيس بن الربيع ضعفه ابن معين.
ومعين.
وعفان.
ووكيع، وترك حديثه القطان.
وعبد الرحمن بن مهدى وهو بعد عن ابراهيم ابن بنت النعمان الذى لا يدرى أحد من هو * واحتجوا أيضا بما رويناه من طريق ابى بكر بن ابى شيبة عن عبد الرحمن بن سليمان عن اسماعيل بن مسلم عن عمرو
ابن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العمد قود اليد الا أن يعفو ولى المقتول " وفيه فما كان من رمى أو ضربة بعصى أورمية بحجر فهو مغلظ في أسنان الابل، ورويناه أيضا من طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عمارة عن عمرو ابن دينار عن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قتل في رميا رميا بحجر أو ضربا بعصى أو سوط فعليه عقل الخطأ ومن قتل اعتباطا فهو قود "، ومن طريق ابن الاعرابي عن عبد الرزاق قال ابن الاعرابي: لعله عن ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه ان عنده كتابا جاء به الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه قتل العمية ديته دية الخطا الحجر والسوط والعصى ما لم يحمل سلاحا، ورويناه من طريق أحمد ابن شعيب أخبرني هلال بن العلاء نا سعيد بن سليمان نا سليمان بن كثير نا عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل في عميا أو رميا يكون بينهم بحجر أو بسوط أو بعصي فعقله عقل خطأ ومن قتل عمدا فقود يديه "، ومن طريق احمد بن شعيب نا محمد بن معمر بن كثير نا سليمان بن كثير عن عمرو بن(10/379)
دينار عن طاوس عن ابن عباس رفعه بنحوه، وما رويناه من طريق البزار نا محمد بن مسكين نا بكر بن مضر عن عمرو بن دينار قال: قال طاوس عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قتل في عمية بحجر أو عصى فهو خطأ عقله عقل خطأ ومن قتل عمدا فهو قود) * قال أبو محمد رضى الله عنه: كل هذا لاحجة لهم فيه، أما الخبر الذى صدرنا به من طريق ابن أبى شيبة ففيه اسماعيل بن مسلم وهو مخزومي مكى ضعيف ثم لو صح لكانوا كلهم مخالفين له، أما الحنيفيون فان في هذا الخبر ما كان من رمى أو ضربة بعصى أورمية بحجر فهو مغلظ في أسنان الابل وهم يقولون من رمى بسهم أو رمح ففيه القود ولم يخص في هذا الباب رميا من رمى بل فرق بين الرمي المطلق
والرمى بالحجر والضربة بالعصى فصح انه الرمى بالرمح والسهم وهم لا يقولون ذلك وكذلك خالفه الشافيعون أيضا في الرمى من كل مايمات من مثله، والمالكيون مخالفون له جملة، وأما خبر عبد الرزاق أما الاول ففيه الحسن بن عمارة وهو هالك وأما الثاني فمرسل ثم انه لوصحا جميعا لكانوا أيضا قد خالفوهما لان فيهما ان عقله عقل الخطا ولا يرى هذا أحد منهم، أما الحنيفيون والشافعيون فيغلظون فيه الدية في الابل بخلاف عقل الخطأ، وأما المالكيون فيرون فيه القود، وأما خبرا سليمان بن كثير.
وبكر بن مضر فصحيحان وبهما قول وهما خلاف قولهم لان فيهما ان من قتل في عمية أو عميا فهو خطأ عقله عقل خطأ فهذا قتيل لايعرف قاتله، واذ هو كذلك فليس فيه الا الدية وديته دية قتل الخطأ، وفيهما من قتل عمدا فهو قود فلم يخص عليه الصلاة والسلام سيفا من غيره ولا حديدة من غيرها بل أوجب فيه القود بمثل ما أصاب بيده وهو قولنا لاقولهم وبالله تعالى التوفيق * وموهوا أيضا بخبر رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " شبه العمد مغلظ ولا يقتل صاحبه " وذلك ان ينزو الشيطان (1) بين الناس فيكون رميا في عمياء عن غير ضغينة ولا حمل سلاح * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا مرسل لاحجة فيه وجميع الطوائف نقضت أصولها فيه، أما الحنيفيون فاقحموا فيه من تعمد قتل مسلم بالخنق أو بالتغريق أو بشدخ رأسه (2) بحجر فيه قنطار وليس هذا مما فسر في هذا الخبر في شئ، وأما
__________
(1) في النسخة رقم 16 " أن ينزل السلطان " وهو غلط (2) الزيادة من النسخة رقم 16 وقوله في عمياء تأنيث الاعمى يريد بها الضلالة والجهالة وقوله من غير ضغينة أي حقد ولا عداوة(10/380)
المالكيون فهم يقولون: المرسل كالمسند وهذا مرسل قد تركوه، والشافعيون لا يرون الاخذ بالمرسل وأخذوا ههنا بمرسل، وبما رويناه من طريق أبى داود نا
محمد بن يحيى بن فارس نا محمد بن بكار بن بلال أرنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه " قال محمد بن يحيى بن فارس: وزاد نا خليل عن ابن راشد في هذا الخبر باسناده وذلك مثل ان ينزو الشيطان بين الناس فيكون دما في عماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذه صحيفة مرسلة لا يجوز الاحتجاج بها، ثم انهم كلهم قد خالفوا ما في هذا الخبر، أما أبو حنيفة وأصحابه فيقحمون في هذا القسم خلاف ما في الخبر لانهم يجعلون من قتل في ضغينة وحمل سلاح فقتل بعمود حديد عمدا قصدا حكمه حكم من ذكر في هذا الخبر وهو خلافه جهارا ولم يدخل الشافعيون فيه من قتل في عميا قصدا بما قد يمات من مثله من عصا ونحوها وخالفه المالكيون جملة، وموهوا أيضا بما روينا من طريق شعبة عن أيوب السختيانى سمعت القاسم ابن ربيعة عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قتل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا مائة من الابل أربعون منها في بطونها أولادها * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا خبر مدلس سقط منه بين القاسم بن ربيعة وبين عبد الله بن عمر رجل كما رويناه من طريق احمد بن شعيب أنا يحيى بن حبيب ابن عربي نا حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر فيه هذا الخبر بعينه، وعقبة بن أوس مجهول لا يدرى من هو، ولا يصح للقاسم بن ربيعة سماع من عبد الله ابن عمرو.
وقد رويناه أيضا عن القاسم بن ربيعة بخلاف هذا كما نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا احمد بن زهير بن حرب ثنى ابى ثنا ابن علية عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن يعقوب بن أوس رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فقال: الا ان قتيل خطأ
العمد " قال خالد أو قال قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا منها أربعون في بطونها أولادها " * قال أبو محمد رضى الله عنه: يعقوب بن أوس مجهول لاصحبة له كما روينا هذا الخبر نفسه من طريق احمد بن شعيب انا اسماعيل بن مسعود - هو الجحدرى -(10/381)
نا بشر بن المفضل عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن يعقوب بن أوس عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر هذا الخبر نفسه، وقد رويناه أيضا من طريق أسقط من هذه كما روينا من طريق حماد بن سلمة.
وسفيان بن عيينة قال حماد أرنا على ابن زيد بن جدعان عن يعقوب السدوسى عن عبد الله بن عمرو هو ابن العاصى ان النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح فقال: " ألا ان دية العمد الخطأ بالسوط والعصا دية مغلظة مائة من الابل فيها أربعون خلفة في بطونها أولادها، وقال سفيان نا ابن جدعان سمعه من القاسم بن ربيعة عن ابن عمرو فذكره، وابن جدعان هذا هو على بن زيد ضعيف جدا، ويعقوب السدوسى مجهول ولم يلق القاسم بن ربيعة ابن عمرو قط فسقط جملة والحمد لله رب العالمين، ومع ذلك فان الطوائف الثلاث نقضت فيه اصولها، أما الحنيفيون حاشى محمد بن الحسن فلا يرون دية عمد الخطأ إلا خمسا وعشرين بنت مخاض.
وخمسا وعشرين بنت لبون.
وخمسا وعشرين حقاقا (1) وخمسا وعشرين جذعة بخلاف ما في هذا الخبر، وأما المالكيون فخالفوه كله، وأما الشافعيون فلا يرون ذلك في العصا التى يمات من مثل ضربتها ولا في الضرب بالسوط عمدا حتى يموت بل يرون في هذا القود خلافا لهذا الخبر مع انهم لا يقولون إلا بالمسند من رواية المشهورين، وليس هذا الخبر من هذا النمط، وشغبوا بخبر الهذليين المشهور الثابت لما فيه يأن احداهما ضربت الاخرى بحجر.
وفى بعض الروايات بعمود فسطاط فماتت هي وجنينها فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الغرة والدية على عاقلة الضاربة ثم افترقوا
فرقتين فقال أبو حنيفة ومن قلده: في هذا الخبر بيان ان من قتل آخر بعصا يمات من مثلها أو بحجر يمات منه فلا قود ولكنه عمد خطأ على العاقلة.
وقال أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن.
والشافعي.
وأصحابه: في هذا الخبر بيان ان من مات بما لايمات من مثله ففيه الدية على العاقلة * قال أبو محمد رضى الله عنه: أما قول من قال ان ذلك العمود والحجر كانا مما لايمات من مثله فقول ظاهر الفساد لان عمود فسطاط لا يمكن البتة ان يكون مما لايمات من الضرب في الشر بمثله فسقط هذا القول والحمد لله رب العالمين * وأما القائلون بان في هذا الخبر دليلا على ان العمود والحجر الذين يمات من مثلهما لاقود فيهما وان تعمد الضرب بهما في الشر لكن فيهما الدية على العاقلة فهذا ظن فاسد منهم يبين ذلك ما رويناه من طريق أبى داود، وأحمد بن شعيب قال أبو داود * نا محمد بن
__________
(1) في النسخة رقم 14 حقه(10/382)
مسعود نا أبو عاصم عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار انه سمع طاوسا عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب انه سال عن قضية النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين امرأتين فضربت احداهما الاخرى بمسطع فقتلتها وجنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة وان تقتل، وقال احمد بن شعيب أنا يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصى نا حجاج - هو ابن محمد - عن ابن جريج أخبرني عمر وبن دينار سمع طاوسا يحدث عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب فذكر مثله سواء سواء الا انه قال فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة وان تقتل بها، فهذا اسناد في غاية الصحة فقالوا: قد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل دية المضروبة على عاقلة القاتلة ولايجوز هذا فيما فيه القود قلنا: وقد صح انه عليه الصلاة والسلام أمر في ذلك بالقود، وكل أوامره حق ولا يجوز ترك شئ منها لشئ بل الغرض الجمع بين جميعها ووجه ذلك بين وهو انه
عليه الصلاة والسلام حكم في ذلك بحكم العمد إذ حكم بالقود ثم حكم فيه بحكم قتل الخطأ إذ حكم بالدية على العاقلة فلا يجوز ان يكون هذا الا بانه أخبر عليه الصلاة والسلام بأنها ضربتها فقتلتها فحكم بالقود على ظاهر الامر ثم صح ان ضربها لما كان خطأ عن غير قصد فرجع عليه الصلاة والسلام إلى الحكم بما يحكم به في قتل الخطأ إذ لا يحل أن يحمل حكمه عليه الصلاة والسلام إلا على الحق الذى لا يقتضى ما حكم عليه الصلاة والسلام فيه غير ما حكم به، وقد ادعى قوم ان ابن جريج أخطأ فيه، وقالوا: قد روى سفيان بن عيينة هذا الخبر عن عمرو بن دينار فلم يذكر فيه ما ذكر ابن جريج فقلنا: بل المخطئ من خطا الائمة برأيه الفاسد وإذ لم يرو ابن عيينة ماروى ابن جريج فكان ماذا ابن جريج أجل من ابن عيينة وكلاهما جليل وابن جريج زاد على ابن عيينة ما لم يعرفه ابن عيينة وزيادة العدل لا يحل ردها، وقد أتى قوم بما يملا الفم فقالوا: حمل بن النابغة لا يحتج بروايته فقلنا: هذا حكم ابليس ترد رواية حمل رضى الله عنه وهو صاحب ثابت الصحبة وقد أخذ عنه عمر أمير المؤمنين وكل من بحضرته من الصحابة رضى الله عن جميعهم، ويؤخذ بتخليط أبى حنيفة الذى لا يساوي الاشتغال به وحسبنا الله ونعم الوكيل * وقالوا قد قال بشبه العمد طائفة من الصحابة رضى الله عنهم همر بن الخطاب.
وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب وابن مسعود.
وزيد بن ثابت وأبو موسى الاشعري قالوا: ومثل هذا لا يقال بالرأى، وهو أيضا قول الجمهور من الفقهاء بعد الصحابة رضى الله عنهم كالنخعي والشعبى وعطاء وطاوس(10/383)
ومسروق والحكم بن عتيبة وعمر بن عبد العزيز والحسن وابن المسيب وقتادة.
والزهرى وأبى الزناد وحماد بن أبى سليمان، وهو أيضا قول جمهور الفقهاء كسفيان الثوري وابن شبرمة وعثمان البتى والحسن بن حى والاوزاعي وأبى حنيفة.
والشافعي وأصحابهما *
قال أبو محمد رضى الله عنه: لاحجة في أحد دون (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح في ذلك شئ عن أحد من الصحابة (2) رضى الله عنهم إلا عن على بن أبى طالب وعن زيد بن ثابت أما الرواية عن عمر بن الخطاب فمنقطعة لانها من طريق سفيان الثوري عن ابن أبى تجيح عن مجاهد أن عمر بن الخطاب قال في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة، وأما عن عثمان فانها من طريق عبد الرزاق عن عثمان بن مطر عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن سعيد ابن المسيب أن عثمان بن عفان قال في شبه العمد أربعون جذعة خلفة إلى بازل عامها وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون، وعثمان بن مطر ضعيف، وأما عن على فانها من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن ابى اسحاق السبيعى عن عاصم بن ضمرة عن على قال شبه العمد الضربة بالخشبة أو القذفة بالحجر العظيم * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن أبى اسحاق السبيعى عن عاصم بن ضمرة عن على قال في الخطأ شبه العمد الضرب بالخشبة والحجر الضخم ثلاث حقاق وثلاث جذاع وثلاث ما بين ثنية إلى بازل عامها، وأما عن زيد بن ثابت فمن طريق وكيع نا اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى قال: قال زيد ابن ثابت في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون مابين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة * ورويناه أيضا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبى اسحق الشيباني عن الشعيب عن زيد بن ثابت، وقد صح أيضا عن زيد بن ثابت غير هذا لكن مثل ماروينا عن عثمان كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عباس بن اصبغ نا محمد بن قاسم بن محمد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا محمد بن عبد الله الانصاري القاضى نا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت أنه قال في دية المغلظة: أربعون جذعة خلفة وثلاثون حقة وثلاثون بنات لبون، وأما الرواية عن أبى موسى الاشعري فمنقطعة عنه لانها من طريق ابن وهب عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم، وسليمان هو أبو إسحاق الشيباني - كلاهما عن الشعبى أن أبا موسى
الاشعري قال: دية شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى
__________
(1) في النسخة رقم 14 بعد (2) في النسخة رقم 16 في ذلك شئ عن الصحابة(10/384)
بازل عامها كلها خلفة والشعبى لم يدرك أبا موسى بعقله * واما ابن مسعود فرويناها عنه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد الكريم عن ابن مسعود انه قال: العمد السلاح وشبه العمد الحجر والعصا قال ابن جريج: وأخبرني محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى ان ابن مسعود قال: شبه العمد الحجر والعصا والسوط والدفعة وكل شئ عمدته به ففيه التغليظ، والخطأ أن يرمى شيئا فيخطئ به * ومن طريق وكيع وسعيد بن منصور قال وكيع: نا إسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى، وقال سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن منصور بن المعتمر عن النخعي ثم اتفق الشعبى.
والنخعي ان ابن مسعود قال في دية شبه العمد أرباعا خمس عشرون جذعة وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون بنات مخاض وخمس وعشرون بنات لبون * قال أبو محمد رضى الله عنه: ولم يولد الشعبى.
النخعي وابن ابى ليلى وعبد الكريم إلا بعد موت ابن مسعود * وأما التابعون فروى عن النخعي والشعبى رواية ساقطة فيها الحجاج بن ارطاة مثل قول على في دية شبه العمد، وقد صح عن عطاء.
والزهرى مثل القول الذى روينا عن عمر بن الخطاب.
وأبى موسى.
واحد قولى زيد بن ثابت، وصح أيضا عن طاوس.
وعطاء والحسن البصري وعن الزهري مثل القول الذى ذكرنا عن عثمان وأحد قولى زيد بن ثابت، وصح أيضا عن أبى الزناد من طريق ابن وهب عن يونس بن عبيد عنه فيمن عمد بآخر لاعبا معه أو ضربه بسوط أو عصا أو لاكزه أو رماه لاعبا فهذا هو شبه العمد فيه الدية مغلظة أرباعا كالذى روينا آنفا عن ابن مسعود سواء سواء، هذا كل ما نعلمه جاء عن الصحابة والتابعين في دية شبه العمد وعن الصحابة في صفة شبه العمد وجاء عن التابعين في صفة شبه العمد ما نذكره
ان شاء الله تعالى * صح عن ابراهيم شبه العمد كل شئ بعمد به بغير حديدة لكن بالحجر والخشبة ولا يكون إلا في النفس، وقد صح عن ابراهيم خلاف هذا على ما نذكره بعد هذا ان شاء الله عزوجل، وأما الحكم بن عتيبة فروينا عنه من طريق ساقطة في رجل ضرب آخر ضربتين بعصا فمات قال: دية مغلظة، وصح عن الحكم بن عتيبة من طريق شعبة عنه ان أعاد عليه الضرب بالعصا فمات فلا قود في ذلك وصح عن عطاء العمد السلاح كذلك بلغنا وشبه العمد الحجر والعصا سواء في ذلك النفس وما دون النفس ما علمنا غير ذلك، ولو أن رجلا كسر أسنان آخر بحجرا أو فقأ عينه بعود فانه لايقاد منه قال ابن جريج وأنا أقول بل يقاد منه لانه عمد وليس كمن شج آخر بحجر لا يريد قتله فمات من ذلك، وصح عن عطاء الدفعة يستقيد بها الرجل غيره ليس هذا شبه العمد، وصح (م 49 - ج 10 المحلى)(10/385)
عن طاوس العمد السلاح، وصح عن ابنه عبد الله بن طاوس من تعمد فضخ رأس آخر بحجر هذا عمد، وروينا عن سعيد بن المسيب من طريق عبد الرزاق عن ابى بكر بن عبيد الله عن عمرو بن سليم مولاهم عن المسيب قال العمد الحديدة ولو بابرة فما فوقها من السلاح، وروينا عن مسروق من طريق لاخير فيها ليس العمد إلا بحديدة، وصح عن عمر بن عبد العزيز من دمغ آخر بحجر أقيد منه فان رماه بالحجر فلا قود، وصح عن قتادة شبه العمد الضرب بالخشبة الضخمة والحجر العظيم، والخطأ أن يرمى انسان فيصيب غيره أو يرمى شيئا فيخطئ به وصح عن الحسن البصري لايقاد من ضارب إلا أن يضرب بحديدة، وفى الخطأ شبه العمد دية مغلظة، وصح عن حماد ابن أبى سليمان من خنق آخر حتى يموت فهو خطأ، ومن ضرب آخر بعصا فأعاد عليه الضرب بها فمات فعليه القود، روى كل ذلك عنه شعبة، والذى وعدنا أن نذكره عن ابراهيم.
والشعبى فروينا عن الشعيب من طريق لا تصح من خنق آخر فلم يقلع عنه حتى
يموت أقيد منه فلو رفع عنه ثم مات فدية مغلظة وروى عنه إذا أعاد عليه الضرب بالحجر والعاص فهو قود، وصح عن ابراهيم إذا خنقة حتى يموت أو ضربه بخشبة حتى يموت أقيد به فان تعمد ضربه بحجر ففيه القود * قال أبو محمد رضى الله عنه: وهذا قولنا وأما فقهاء الامصار فان ابن شبرمة قال: الدية في شبه العمد في مال الجاني فان لم يف ماله بها فعلى العاقلة وقال الاوزاعي: كذلك وفسر شبه العمد انه ان يضرب آخر بعصا أو سوط ضربة واحدة فيموت قال فان ثنى عليه فمات مكانه فهو قود، وقال الحسن بن حى مثل ذلك الا انه قال: ان ثنى عليه فلم يمت مكانه فهو شبه الحمد، والدية في ذلك على العاقلة، وقال سفيان الثوري: العمد ما كان بسلاح وفيه القود في النفس فيما دونها وشبه العمد هو ان يضربه بعصا أو سوط ضربة واحدة فيموت أو يحد عودا أو عظما فيجرح به بطن آخر فهذا لاقود فيه وليس فيما دون النفس عنده شبه عمد، وقال أبو حنيفة: لاقود الا فيما قتل بحديدة بقطع أو بليطة قصب أو أحرقه في النار حتى مات، ولو خنقه حتى يموت فلا قود في ذلك الا ان يخنق الناس مرارا فيقاد منه فلو شدخ رأسه عمدا بحجر عظيم حتى يموت أو غرقه في ماء بعيد القعر في نهر أو بحر أو بئر أو بركة حتى مات أو ضربه بخشبة ضخمة ابدا حتى مات أو فتح فمه كرها ورمى في حلقه سما قاتلا فمات فلا قود عليه في شئ من ذلك وانما فيه الدية كدية العمد كما روينا عن ابن مسعود.
وأبى الزناد(10/386)
على العاقلة وفى ماله الكفارة كقتل الخطأ قال: فلو هدم عليه هدما فمات عامدا لذلك فلا شئ عليه الا أن تقوم بينة بانه كان حيا حين الهدم ففيه حينئذ الدية والكفارة ونرى قوله كذلك فيمن طمس عليه بيتا حتى مات جوعا وجهدا * قال أبو محمد رضى الله عنه: قول أبى حنيفة من تأمله علم أنه مخالف لكل خبر روى في ذلك ولقول كل من ذكرنا إلا الرواية الساقطة عن ابن مسعود وما نعلم
أحدا وافق أبا حنيفة على ذلك الا ابا الزناد وخالفه في صفة شبه العمد وما نعلم مصيبة ولا فضيحة على الاسلام أشد ممن لم ير (1) القود فيمن يقتل المسلمين بالصخر والتغريق والشدخ بالحجارة ثم لاقود عليه ولا غرامة بل تكلف الديات في ذلك عاقلته مع عظيم تناقضه إذ لم ير عمد الخطأ الا في النفس ولم يره فيما دونها فان قال: لم ترد الاخبار إلا في النفس قلنا: قد خالفتها كلها فيما فيها كما بينا قبل وفساد تقسيمه الذى لاخفاء به ولم ير في ذلك تغليظا إلا في أسنان الا بل خاصة لا في الدنانير ولا في الدراهم فاين قياسه الذى يحرم به ويحلل ويترك له القرآن والسنن، ورأى عثمان البتى الدية في ذلك في مال الجاني ولم ير - هو يعنى البتى - وأبو يوسف ومحمد بن الحسن شبيه العمد الا من ضرب بما لايمات من مثله، وأما ما يمات من مثله ففيه عندهم القود وهو قول الشافعي، والدية عندهم في شبه العمد كما روينا آنفا عن عمر ابن الخطاب.
وأبى موسى الاشعري وزيد بن ثابت وعطاء وطاوس والحسن.
والزهرى، وممن روى عنه نحو قولنا جماعة كما روينا من طريق أبى بكر ابن أبى شيبة عن شريك بن عبد الله عن زيد بن جبير عن جروة بن حميل عن أبيه قال قال عمر ابن الخطاب: يعمد أحدكم إلى أخيه فيضربه بمثل آكلة اللحم لا أوتى برجل فعل ذلك فقتل الا اقدته به وروينا أيضا عنه انه أقاد من رجل جبذ شعر آخر حبذا شديدا فورم عنقه فمات من يومه * ومن طريق معمر عن سماك بن الفضل ان عمر ابن عبد العزيز أقاد من رجل خنق صبيا حتى مات، وصح عن عبيد بن عمير القود ممن قتل بحجر أو عصا وهو قول ربيعة ومالك وعبد العزيز بن أبى سلمة وأبى سليمان وأصحابنا * قال أبو محمد رضى الله عنه: أما المالكيون فقد تناقضوا ههنا لان المرسل عندهم كالمسند وخالفوا ههنا المراسيل وجمهور الصحابة وغيرهم، وأما قولنا: ان أبى الولى الا أكثر من الدية لم يلزم القاتل ذلك الا بتراض منه مع الولى والا فلا فلانه
__________
(1) في النسخة رقم 16 أشد من لا يرى(10/387)
لم يوجب ذلك للولى قرآن ولاسنة وانما ألزمنا القاتل ذلك إذا رضى به هو والولى فللاثر الصحيح الذى ذكرنا من قوله عليه الصلاة والسلام: " أو يفادى "، فهذا فعل من فاعلين فهو لازم بتراضيهما * 2023 مسألة: والدية في العمد والخطأ مائة من الابل فان عدمت فقيمتها لو وجدت في موضع الحكم بالغة ما بلغت من أوسط الابل بالغة ما بلغت وهى في الخطأ على عاقلة القاتل، وأما في العمد فهى في ما القاتل وحده وهى في كل ذلك حالة العمد والخطأ سواء لا أجل في شئ منها فمن لم يكن له مال ولا عاقلة فهى في سهم الغارمين في الصدقات وكذلك من لم يعرف قاتله والدية في العمد والخطأ أخماس ولابد عشرون بنت مخاض وعشرون بنو لبون وعشرون بنات لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة لا تكون البتة من غير الابل الحاضرة والبادية سواء فلو تطوع الغارم بان يعطيها كلها اناثا فحسن وكذلك إذا اعطاها أرباعا لاأكثر، وأما قولنا ان الدية في العمد والخطأ مائة من الابل فلقول الله عزوجل: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) والخبر الثابت الذى قد أوردناه قبل من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين اما أن يقاد وإما أن يأخذ العقل " * من طريق أبى هريرة وأبى شريح الكعبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فصح وجوب الدية في العمد والخطا ولا يمكن البتة أن يعلم معنى ما أمر الله عزوجل به ورسوله عليه الصلاة والسلام إلا من بيان القرآن أو السنة قال الله عزوجل: (لتبين للناس ما نزل إليهم) وليست لفظة العقل والدية من الالفاظ التى لها مقدار محدود في اللغة أو جنس محدود في اللغة أو أمد محدود في اللغة فوجب الرجوع في كل ذلك إلى النص فطلبنا ذلك فوجدنا الخبر الثابت المشهور الذى رويناه من طريق مسلم نا محمد
ابن عبد الله بن نمير نا أبى نا سعيد بن عبيد نا بشير بن يسار الانصاري عن سهل بن أبى حثمة الانصاري أنه أخبره أن نفرا منهم انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا أحدهم قتيلا وساق الحديث، وفيه " فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم أن يبطل دمه فوداه مائة من ابل الصدقة " * ومن طريق مالك بن أنس قال: حدثنى أبو ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبى حثمة انه أخبره عن رجال من كبراء قومه ان عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد اصابهم فاتى محيصة فاخبر ان عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في عين أو فقير فاتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه قالوا: والله ما قتلناه فذكر الخبر، وفى آخر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اما أن يدوا صاحبكم وإما أن(10/388)
يؤذنوا بحرب فذكر كلاما وفى آخره " فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ناقة ادخلت عليهم الدار فلقد ركضتنى منها ناقة حمراء " * قال أبو محمد رضى الله عنه: فصح أن الدية مائة من الابل، هذا حكم منه عليه الصلاة والسلام في دية حضرى ادعى على حضريين لافى بدوى فبطل أن تكون الدية من غير الابل، وايضا فقد صح ان الاجماع متيقن على ان الدية تكون من الابل واختلفوا في هل تكون من غير ذلك والشريعة لا يحل اخذها باختلاف لانص فيه، فان قيل فما وجه اعطائه صلى الله عليه وسلم الدية في هذا الخبر من ابل الصدقة ولم يدعى القتل إلا على يهود قلنا: وجه ذلك بين لاخفاء به، وهو أن عبد الله بن سهل رضى الله عنه قد صح قتله بلا شك ثم لاشك في انه قتل عمدا أو خطأ لابد من احدهما والدية واجبة في الخطأ بكل حال بنص القرآن وواجبة في العمد إذا بطل القود لما قدمنا من ان لوليه القود وقد بطل أو الدية وهى ممكنة والقود ههنا قد بطل لانه لايعرف قاتله فصحت الدية فيه بكل حال، ثم لابد ضرورة من ان يكون قاتله مسلما أو غير مسلم، ولسنا على يقين من ان قاتله غير مسلم والناس كلهم محمولون على الاسلام حتى يصح من
احد منهم كفر لقول الله عزوجل: (فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها) ولقوله عزوجل: (واذ اخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذرياتهم واشهدهم على انفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه: " كل مولود يولد على الملة وعلى هذه الفطرة حتى يكون ابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ويشركانه " وللخبر الثابت عن عياض بن حمار المجاشعى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى انه قال: " خلقت عبادي كلهم حنفاء فاجتالتهم (1) الشياطين عن دينهم " وقد ذكرنا كل ذلك باسناده في كتاب الجهاد وغيره، فالواجب ان يحمل قاتل عبد الله على الاسلام ولابد حتى يوقن خلافه ثم ان كان قاتل عبد الله قتله خطا فالدية على عاقلته وان كان قتله عمدا فالدية في ماله فهو غارم أو عاقلته وحق الغارمين في الصدقات بنص القرآن، قال الله عزوجل: (انما الصدقات للفقراء والمساكين والعالمين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله) فصح بهذا ما قلناه يقينا * وممن روى عنه ان الدية في الابل كقولنا ولم يرو عنه غير ذلك فطائفة كما روينا من طريق
__________
(1) هو بجم في أوله أي استخفتهم فجالوا معهم في الضلال، وفي النسخة رقم 14 فاختالتهم الشياطين بالخاء المعجمة ويؤيد ما هنا ما جاء لابن الاثير(10/389)
وكيع نا اسماعيل بن ابى خالد عن الشعبى عن زيد بن ثابت.
وعلى بن ابى طالب.
وعبد الله بن مسعود قالوا كلهم في الدية مائة من إلابل * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال في الدية مائة بعير أو قيمة ذلك من عسره * قال أبو محمد رضى الله عنه: يعنى من عسره في وجود الابل * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج انا ابن طاوس عن ابيه انه كان يقول على الناس اجمعين اهل القرية واهل البادية مائة من الابل فمن لم يكن عنده ابل فعلى اهل الورق الورق وعلى اهل
البقر البقر وعلى اهل الغنم الغنم وعلى اهل البز البز يعطون من أي صنف كان بقيمة الابل ما كانت ان ارتفعت أو انخفضت قيمتها يومئذ فمن اتقى بالابل من الناس فهو حق المعقول له الابل * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج ان عطاء بن أبى رباح قال له: كانت الدية الابل حتى كان عمر قال ابن جريج فقلت له فان شاء القروى أعطى مائة ناقة أو مائتي بقرة أو الفى شاة فقال عطاء: ان شاء أعطى الابل ولم يعط ذهبا هذا هو الامر الاول لا يتعاقل أهل القرى من الماشية غير الابل هو عقلهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا عطاء لم يأخذ قضاء عمر وقد عرفه إذ رأى انه رأى منه فقط لم يمضه الا على من رضيه لنفسه فقط * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا محمد بن المنهال نا يزيد بن زريع نا شعبة عن قتادة قال في كتاب عمر بن عبد العزيز الدية مائة بعير قيمة كل بعير مائة درهم فهذه صفة منه للابل * نا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن ابن مهدى نا سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي قال: كان يقتضى بالابل في الدية يقوم كل بعير عشرين ومائة درهم * قال أبو محمد رضى الله عنه: فهذه صفة منه للابل وهو قول الشافعي الذى ثبت عليه وهو قول المزني وابن المنذر وابى سليمان وجميع اصحابنا، وخالف ذلك قوم فقالت طائفة: الدية على اهل الابل الابل وعلى اهل الذهب الذهب وعلى اهل الورق الورق ولم يروا ان تكون الدية من غير هذه الاصناف، ثم اختلف هولاء فقالت طائفة: هي على اهل الورق اثنا عشر الف درهم، وقالت طائفة: بل عشرة آلاف درهم اتفقت الطائفتان على انها على اهل الذهب الف دينار، وقالت طائفة: الدية على أهل الابل من الابل وعلى أهل الذهب الف دينار وعلى أهل الورق الورق وعلى أهل البقر مائتا بقره وعلى أهل الغنم ألفا شاة وعلى اهل الحلل الفا حلة ولا تكون الدية الا من هذه الاصناف، وقالت طائفة: بمثل ذلك وزادوا ان الدية على أهل(10/390)
الطعام من الطعام فاما الذين قالوا على أهل الذهب الف دينار فروينا من طريق اسماعيل ابن اسحاق نا ابن أبى أويس عن عبد الرحمن بن ابى الزناد عن أبيه في كتاب السبعة انهم كانوا يقولون الدية على أهل الذهب الف دينار * ومن طريق اسماعيل أيضا نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد قال: قال مطر الوارق ثبتت الدية في الابل والدنانير والدراهم وسقطت في البقر * قال أبو محمد رضى الله عنه: وقول السبعة مقصور على ابن أبى الزناد وهو ضعيف أول من ضعفه مالك فمن العار والمقت على أصحابه ان يحتجوا برواية كان من قلدوه دينهم أول من أسقط روايته وأشار إلى تكذيبه، وأما قول مطر ففى غاية السقوط ليت شعرى ما الذى أثبت الدية في الدنانير والدراهم وأسقطها من البقر ان هذا لعجب وهو قول أبى حنيفة وزفر ومالك والليث، وأما اختلافهم في مقدار الدية من الورق فطائفة قالت: انها اثنا عشر الف درهم، روينا ذلك من طريق ابن أبى الزناد عن أبيه عن السبعة ورويناه أيضا من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه انه قال ذلك، وصح عن عروة بن الزبير والحسن البصري، وهو قول مالك.
واحمد واسحاق (واما الذين قالوا): عشرة آلاف درهم فروينا من طريق حماد بن سلمة عن حميد قال: كتب عمر بن عبد العزيز في الدية عشرة آلاف درهم وهو قول سفيان الثوري.
وأبى حنيفة واصحابه وأبى ثور صاحب الشافعي وقالت طائفة: بل هي ثمانية آلاف درهم على ما نورد بعد هذا ان شاء الله عزوجل * واما الذين قالوا: ان الدية ايضا تكون من البقر والغنم والحلل فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء الدية من البقر مائتا بقرة كان يقال على اهل البقر البقر وعلى اهل الشاء الشاء * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وقتادة قالا جميعا: الدية من البقر مائتا بقرة قال قتادة: الثنية فصاعدا قال قتادة على أهل الذهب الذهب وعلى أهل الورق
الورق وعلى اهل الغنم الغنم وعلى أهل البز الحلل، وهذا اسناد في غاية الصحة عن الزهري وقتادة ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل مكحول في الدية مائتا بقرة.
ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار سمعت طاوسا يقول: دية الحمير في ثلاثمائة حلة من حلل الثلاث، وقال ابن جريج: قلت لعطاء البدوى صاحب البقر والشاة أله أن يعطى ابلا ان شاء وانى كره المتبع؟ فقال المعقول له هو حقه له ماشية العاقل كائنة ما كانت لاتصرف إلى غيرها ان شاء * ومن طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن ابيه قال: على أهل الابل الابل وعلى اهل البقر(10/391)
البقر وعلى أهل الغنم الغنم وعلى أهل الحلل الحلل.
ومن طريق وكيع نا زكريا بن أبى زائدة عن الشعبى يعطى أهل المال المال وأهل الابل الابل وأهل الغنم الغنم في البعير الذكر خمس عشرة شاة وفى الناقة عشرون شاة.
ومن طريق وكيع نا أبو هلال عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال: كنا نأخذ عن البقر خمس شياه وعن الجزور عشر شياه، وممن قال تكون الدية من الابل ومن الذهب ومن الفضة ومن الغنم ومن البقر ومن الحلل الحسن البصري وهو قول سفيان الثوري وأبى يوسف ومحمد بن الحسن * قال أبو محمد رضى الله عنه: أما من اقتصر بالدية على الذهب والورق فقط ولم يرها في بقر ولاغنم ولا حلل فانهم شغبوا في ذلك بأن قالوا: قد أجمعوا على ان الدية تكون من الذهب ولافضة فصح بهذا انها توقيف وانها ليست ابدالا إذ لو كانت ابدالا لوجب أن تراعى قيمة الابل فتزيد وتنقص ولم يجمعوا على ان الدية تكون من بقر أو من غنم أو حلل ولم تجب أن تكون دية الا ما أجمعوا عليه * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا كذب بحت وما أجمعوا قط على ان الدية لا تكون من فضة ولا من ذهب ولا من غير الابل، وقد ذكرنا قول على.
وزيد وابن مسعود وطاوس وعطاء، وقولهما ان الدنانير والدراهم في ذلك انما
تكون بقيمة الابل زادت أو نقصت، وقول الشافعي وغيره في ذلك، وقد ذكرنا اختلاف قيمة الابل في قول عمر بن عبد العزيز.
وابراهيم النخعي فبطل بذلك دعواهم الكاذبة على جميع الامة في دعواهم انهم أجمعوا بل الحق في هذا أن يقال: لما صح الاجماع المتيقن والنص الثابت أن الدية تكون من الابل واختلفوا فيما عدا ذلك وجب أن لا تكون الدية الا مما أجمعوا عليه فقط، وموهوا أيضا بأن قالوا: لما كانت الدية من الابل ثم نقلت إلى الذهب والفضة على سبيل التقويم وكانت القيمة المعهودة لا تكون الا من الذهب والفضة وجب ان لا تكون الدية إلا من الذهب والفضة * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا الباطل الثاني يكذب باطلهم الذى موهوا قبل هذا به لان هنالك راموا أن يجعلوا الذهب والفضة في الدية توقيفا لابد لا بقيمة وهنا اقروا انها بدل بقيمة فلو استحى هؤلاء القوم من المجاهرة بالتخليط في نصر الباطل لكان خيرا لهم، ثم نقول لهم إذ قد أقررتم انها بدل بقيمة فهى على قدر ارتفاع القيمة وانخفاضها ولا ندرى أي شئ اتفقوا عليه في البدل والتقويم، وموهوا أيضا بأن قالوا لما صح ان الدية لا تكون من الخيل ولا من الحمير ولا من العروض وجب أن لا تكون أيضا من البقر ولا من الغنم ولا من الثياب *(10/392)
قال أبو محمد رضى الله عنه: وهذا قياس والقياس كله باطل، ثم نعكس عليهم قياسهم الفاسد فنقول لهم: لما صح عندكم أن الدية تكون من غير الابل وجب أن تكون من كل شئ إلا مما اتفقتم على أن لا تكون منه، وأيضا فان الابل حيوان تجب فيه الزكاة وقد صح أن الدية تكون منها فوجب أن يقاس عليها البقر والغنم لانهما حيوان يزكى، والحق من هذا هو أنه لما صح ان الدية لا تكون من الخيل ولا من الحمير ولا من العروض وجب أيضا أن لا تكون من الذهب ولا من الفضة ولا مما عدا ما جاء به النص والاتفاق، والعجب ان الحنيفيين يقولون: ان ضعيف الاثر أولى من القياس وههنا نقضوا
هذا الاصل الذى صححوه وشغب المالكيون منهم بآثار نذكرها ان شاء الله تعالى، وهى أثر رويناه من طريق زيد بن الحباب العكلى نا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالدية اثنى عشر الف درهم * قال أبو محمد رضى الله عنه: محمد بن مسلم الطائفي ساقط لا يحتج بحديثه * ومنها أثر رويناه من طريق أحمد بن شعيب انا محمد بن ميمون نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة سمعت مرة يقول عن ابن عباس " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باثنى عشر الف درهم " - ويعنى في الدية - * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا لاحجة فيه لان قوله في الخبر المذكور - يعنى في الدية - ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في الخبر بيان انه من قول ابن عباس فالقطع بأنه قوله حكم بالظن والظن أكذب الحديث فان كان من قول من دون ابن عباس فلا حجة فيه، وقد يقضى عليه الصلاة والسلام باثنى عشر الفا في دين أو في دية بتراضى الغارم والمقتضى له فان ليس في هذا الخبر بيان انه قضاء منه عليه الصلاة والسلام بأن الدية اثنا عشر الف درهم فلا يجوز أن يقحم في الخبر ما ليس فيه، والقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن كذب عليه، وهذا يوجب النار ونعوذ بالله مما أدى إليها، والذى رواه مشاهير أصحاب بن عيينه عنه في هذا الخبر فانما هو عن عكرمة لم يذكر فيه ابن عباس كما رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: قتل مولى لبنى عدى بن كعب رجلا من الانصار فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في ديته باثنى عشر الفا.
والمرسل لا تقوم به حجة * وذكروا أيضا ما رويناه من طريق الاوزاعي عن عمرو ابن سعيد عن يزيد الرقاشى عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لان أجلس مع قوم يذكرون الله عزوجل من بعد صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس أحب إلى من ان أعتق ثمانية من ولد اسماعيل دية كل واحد منهم اثنا عشر الفا " * (م 50 - ج 10 المحلى)(10/393)
قال أبو محمد رضى الله عنه: يزيد الرقاشى ضيعف لا يحتج به، وذكروا ما رويناه من طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ بخمسمائة إلى الف آية أصبح وله قنطار في الآخرة والقنطار دية احدكم اثنا عشر الفا " * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا مرسل ولا حجة في مرسل الا ان الحنيفيين نقضوا هاهنا أصولهم أقبح نقض لانهم يقولون: المرسل والمسند سواء وكلاهما أولى من النظر، وتركوا ههنا هذه المراسيل وهم يحتجون في نصر رأى أبى حنيفة بمثلها وباسقط منها فصح انهم متلاعبون لا تحقيق عندهم إلا في نصر رأى أبى حنيفة الذى رضوا به بدلا من القرآن ومن بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم * وقالوا: لعل هذه الآثار انما أراد فيها بذكر الاثنى عشر الفا انها وزن كل عشرة منها وزن ستة مثاقيل * قال أبو محمد رضى الله عنه: وهذا من أسخف كلام في الارض لان العشرة آلاف درهم عندهم لا يختلفون انها وزن سبعة آلاف مثقال ولا يختلف المالكيون في ان الاثنى عشر الف درهم هي وزن ثمانية آلاف مثقال وأربعمائة فعاد قولهم لعلها وزن ستة مثاقيل في العشرة هذيا نالم يعقل قط قديما ولا حديثا، وشغب المالكيون أيضا بخبر رويناه من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل انا عبد الله بن عون الخراز نا عفيف بن سالم الموصلي عن عبد الله بن المؤمل عن عبد الله بن أبى مليكة عن عائشة بنت طلحة قالت: كان حبان يطلع على عائشة أم المؤمنين فخرجت عليه مرة بعد مرة فأبى إلا أن يظهر فعدت عليه بحديدة فقتلته فأتيت في منامها فقيل لها أقتلت فلانا اما انه قد كان شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يطلع عليك لا حاسرا ولا متجردا إلا أنه كان يسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم فاخذها ما تقدم وما تأخر فذكرت ذلك لابيها فقال: تصدقي باثنى عشر الف درهم ديته *
قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا لا شئ عفيف بن سالم مجهول لا يدرى من هو، وعبد الله بن المؤمل هو المكى ضعيف لا يحتج به، وأشبه ما في هذا الباب فخبر رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان نا ابو يونس حاتم بن أبى صغيرة عن ابن أبى مليكة عن عائشة بنت طلحة من عائشة أم المؤمنين انها قتلت جانا فاتيت في منامها وقيل لها والله لقد قتلته مسلما قالت: لو كان مسلما لم يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل أو كان يدخل عليك الا وعليك ثيابك فاصبحت فزعة فأمرت باثنى عشر الف درهم فجعلتها في سبيل الله عزوجل *(10/394)
قال أبو محمد رضى الله عنه: لاحجة لهم في هذا لانه ليس في هذا الخبر انها قصدت بذلك قصد دية وجبت عليها فزيادة ذلك عليها كذب لا يحل وانما هي صدقة تصدقت بها، ولا يختلف المالكيون في أن القتل ليس إلا عمدا أو خطأ فان كان قتلها له خطأ فليس فيه انها كفرت بعتق رقبة وهى المفترضة في القرآن لا الاثنى عشر الف درهم وان كان قتلها له عمدا فهم لا يختلفون في أنه لادية في العمد انما هو القود أو العفو أو ما تراضوا عليه، ولاشك في أنها رضى الله عنها لم تراض مع عصبة الجنى على الاثنى عشر الف درهم فبطل أن يكون للدية ههنا مدخل وانما هي أحلام نائم لا يجوز أن تشرع بها الشرائع، والاظهر انها من حديث النفس فصح انها صدقة تطوع منها رضى الله عنها فقط لا يجوز غير ذلك أصلا، وموهوا بما روينا من طريق اسماعيل بن اسحاق نا ابراهيم بن الحجاج نا عبد الوارث بن سعيد التنورى نا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب ان عمر بن الخطاب جعل الدية على أهل الذهب الف دينار وهذا منقطع.
ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن أيوب بن موسى عن مكحول قال: توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والدية ثمانمائة دينار فخشى عمر من بعده فجعل الدية اثنى عشر الفا والف دينار *
قال أبو محمد رضى الله عنه: نشهد بشهادة الله عزوجل ان هذا كذب موضوع وقد أعاذ الله تعالى عمر رضى الله عنه من أن يبدل ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقر الحكم ثم مات أبو بكر رضى الله عنه عليه، واحمق الحمق قول من وضع هذا الخبر فخشى عمر بن بعده فجعلها الف دينار واثنى عشر الف درهم ليت شعرى ماذا خشى ممن بعده وكيف خشى من بعده ان ترك الدية ثمانمائة دينار ولم يخش من بعده إذ بلغها الف دينار أو اثنى عشر الفا هل في النوك أكثر من هذا الكلام؟ ما شاء الله كان لقد كيدت ملة الاسلام من كل وجه ويأبى الله الا ان يتم نوره، وتالله لو جاز لعمر ان يزيد فيما مضى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بعده لتجوزن لمن بعد عمر الزيادة على فعل عمر قطعا بل الزيادة على حكم عمر اخف من الزيادة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم أبى بكر بعده، ونحن نبرأ إلى الله تعالى من هذه الضلالة، وهذا عيب المرسل فتأملوه * ومن طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الانصاري ان عمر ابن الخطاب لما رأى أثمان الابل تختلف قال: لاقضين فيها بقضاء لا يختلف فيه بعدى فقضى على أهل الذهب الف دينار وعلى أهل الورق اثنى عشر الف درهم * قال أبو محمد رضى الله عنه: لم يولد يحيى بن سعيد الانصاري إلا بعد موت عمر(10/395)
بنحو نيف وأربعين عاما، وبالله الذى لا إله إلا هو ما قال عمر قط هذا الكلام وما كان في فضله رضى الله عنه ليقطع على ما يكون بعده لاسيما وقد ظهر كذب هذا القول الذى أضافوه إلى عمر فان الخلاف في ذلك لاظهر من أن يجهله من له أقل علم وهذا من عيوب المرسل فاحذروه * وذكروا ما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أرنا يونس ابن عبيد عن الحسن ان عمر بن الخطاب قوم الابل في الدية عشرين ومائة درهم كل بعير هذا مرسل، ثم انما ذكر قسمة لاحدا محدودا، ثم قد روى عن عمر غير هذا على ما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى * وذكروا ما روينا من طريق اسماعيل بن
اسحاق نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد عن ابن أبى نجيح عن أبيه ان امرأة قتلت في الحرم فجعل عثمان بن عفان ديتها ثمانية آلاف درهم دية وثلث دية * ومن طريق حماد بن سملة عن محمد بن اسحاق عن ابن ابى نجيح ان امرأة قتلت في الحرم فجعل عمثان ديتها ستة آلاف درهم والفين للحرم * قال أبو محمد رضى الله عنه: كلاتا الطائفتين مخالفة لهذا الحكم مبطلة له فمن أضل وأخزى ممن يموه في دين الله عزوجل بالاحتجاج بشئ هو اول مبطل له نعوذ بالله من الضلال، وموهوا بما روينا من طريق اسماعيل بن اسحاق نا سليمان بن حرب نا حماد بن سلمة عن حماد أبى الحسن حدثنى أبو سليمان انه شهد على بن ابى طالب قضى في ثنية امرأة على زوجها بثلاثمائة درهم قالوا: والثلاثمائة نصف عشر دية المرأة * قال أبو محمد رضى الله عنه: أبو سليمان مجهول لا يدرى أحد من هو، وقد روى أيضا من طريق الحارث الاعور عن على والحارث كذاب، ومن طريق حماد بن سلمة عن محمد ابن اسحاق عن الزهري ان رجلا بالكوفة قتل خطأ فقال أهل القاتل خذوا منا الابل وكانت الابل يومئذ رخاصا بعشرين وثلاثين فكتب المغيرة بن شعيبة في ذلك إلى معاوية فكتب إليه معاوية كيف أصنع بقضاء عمر في ذلك فقضى عليهم باثنى عشر الفا * قال أبو محمد رضى الله عنه: هذا مرسل من طريق ابن الجهم نا عبد الله بن احمد بن حنبل نا أبى نا اسماعيل بن عليه نا خالد هو الحذاء عن عكرمة قال قال أبو هريرة انى لاسبح كل يوم ثنتى عشرة الف تسبيحة قدر ديتي.
قال أبو محمد: هذا لاحجة لهم فيه لان أبا هريرة لم يقل ان الدية إثنا عشر الف درهم انما قال في اثنتى عشرة الف تسبيحة قدر ديتي ان انها يرجوان تكون فداءه من النار كما ان الدية فداء من القتل، ولا يشك أحد في أن التسبيح ليس دية، ثم لاحجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * ومن طريق حماد بن سلمة عن محمد بن اسحاق عن عبد الرحمن بن أبى زيد عن نافع بن جبير(10/396)
قال: قتل رجل في البلد الحرام في شهر حرام فقال ابن عباس: ديته اثنا عشر الف درهم وللشهر الحرام أربعة الاف وللبلد الحرام أربعة آلاف * قال أبو محمد رضى الله عنه: الحنيفيون والمالكيون مخالفون لهذا الحكم عاصون له فسقط ان يكون لهم تعلق بأحد من الصحابة رضى الله عنهم فعارضهم الحنيفيون فقالوا: قد رويتم من طريق وكيع عن ابن ابى ليلى عن الشعبى عن عبيدة السلمانى قال: وضع عمر بن الخطاب الديات فوضع عل أهل الذهب الف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم * قال أبو محمد رضى الله عنه: ابن أبى ليلى سيئ الحفظ فخبرهم ساقط كخبر المالكيين وليس الذى رواه المالكيون بأولى من هذا الحديث فتدافعت هذه الاخبار الساقطة مع تناقضها فوجب اطراحها وقال الحنيفيون قد صح اجماعنا على عشرة آلاف ذرهم فقلنا كذبتم وأفكتم قد روينا من طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن ارطاة عن مكحول ان عمر بن الخطاب جعل الدية ثمانية آلاف درهم فان قلتم هذا منقطع وعن الحجاج وهو ضعيف قلنا: وابن ابى ليلى وسائر ما روى في ذلك عن عمر منقطع أو ضعيف كما بينا قبل ولا فرق، وقالوا أيضا: قد صح ان الدينار في الزكاة بعشرة دراهم فوجب أن يكون في الدية كذلك * قال أبو محمد رضى الله عنه: قلنا كذبتم وافكتم لان ابن ابى ليلى وشريك بن عبد الله.
والحسن بن حى والشافعي وغيرهم لا يرون جمع الفضة إلى الذهب في الزكاة أصلا ولا يختلفون في ان من كان معه عشرون مثقالا من ذهب غير حبة ومائتا درهم فضة غير حبة وأقام كل ذلك عنده حولا كاملا فلا زكاة عليه في شئ من ذلك ثم أبو حنيفة الذى قلدتموه دينكم لا يرى جمع الذهب إلى الفضة في الزكاة إلا بالقيمة بالغة ما بلغت ولو انها درهم بدينار أو الف درهم بدينار وعطاء والزهرى وسليمان بن حرب وغيرهم يزكون الذهب بقيمة من الفضة بالغة ما بلغت فظهرت جرأتهم على الكذب نعوذ بالله من سوء مقامهم، وأما المالكيون فتناقضوا ههنا أقبح تناقض بلا برهان إذ قدروا دينار
الدية ودينار القطع في السرقة ودينار الصداق برأيهم باثنى عشر درهما وقدروا دينار الزكاة بعشرة دراهم وهذا تلاعب لاخفاء به وشرع في الدين لم يأذن به الله تعالى واستدركنا اعتراضا للحنيفيين والمالكيين وهو انهم قالوا لو كانت الدنانير والدراهم ابدا لا من الابل لكانت دينا بدين لان عمر قضى بها في ثلاث سنين قلنا: وعمر قضى بالدية حالة في قصة المدلجى التى هي أصح عنه من توقيته فيها ثلاث سنين فما الذى جعل رواية عنه لا تصح أولى من رواية عنه أخرى، والعجب انهم يأخذون بما روى عنه من(10/397)
ابدال خمسين دينار أو خمسمائة درهم من الغرة ولم يروه دينا بدين، يقول الحنيفيون فيمن تزوج على بيت وخادم ان لها في البيت خمسين دينارا وفى الخادم أربعين دينارا ولم يروه دينا بدين وما ندري نصا منع دينا بدين أصلا إنما ندرى النص الثابت المانع من بيع ما لم يقبض * قال أبو محمد: ثم نقول للطائفتين ان كانت الآثار السخيفة التى موهتم بها حجة عندكم فانكم قد افتضحتم في ذلك أقبح فضيحة لان بعضها وغيرها قد جاءت بما خالفتموه وأخذ به غيركم من فقهاء المدينة والكوفة كما ذكرنا كسعيد بن المسيب.
وعروة بن الزبير والزهرى والعشبى وأبى يوسف ومحمد بن الحسن القائلين بأن الدية تكون من البقر والغنم والحلل كما أوردنا قبل فمن ذلك ما روينا من طريق سعيد بن منصور ناهشيم انا محمد بن اسحاق سمعت عطاء بن ابى رباح يحدث " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض الدية في أموال المسلمين ما كانت فجعلها في الابل مائة بعير وفى البقر مائتي بقرة وفى الغنم الفى شاة وعلى أهل الذهب الذهب وعلى اهل الورق الورق، وجعل في الطعام شيئا لم يحفظه "، ومن طرق حماد بن سلمة عن محمد بن اسحاق عن عطاء بن ابى رباح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على أهل الابل مائة بعير وعلى اهل الحلل مائتي حلة وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء الفى شاة، ومن طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان عقله من الشاء فألفا شاة فهذه مراسيل احسن مما ذكرتم أو مثله، ومن طريق أبى داود السجستاني قرأت على سعيد ابن يعقوب الطالقاني حدثكم ابو تميلة يحيى بن واضح نا محمد بن اسحاق نا عطاء عن جابر بن عبد الله فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الدية على اهل الابل مائة بعير وعلى اهل الحلل مائتي حلة وعلى اهل البقر مائتي بقرة وعلى اهل الشاء الفى شاة وعلى اهل الطعام شيئا لاأحفظه * قال أبو محمد رضى الله عنه: لم يسنده إلا أبوتميلة يحيى بن واضح وليس بالقوى ولو صح لقلنا به، ومن طريق أبى داود نا صاحب لنا ثقة نا شيبان نا محمد بن راشد نا سليمان - هو ابن موسى - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل البقر مائتي بقرة ومن كان عقله في الشاء فالفا شاة، وفى المأمومة ثلث العقل ثلاثة وثلاثون من الابل وثلث أو قيمتها من الذهب أو الورق أو البقر أو الشاء والجائفة مثل ذلك ومن طريق ابى داود السجستاني نا يحيى بن حكيم نا عبد الرحمن بن عثمان نا الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله(10/398)
صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار ثمانية آلاف درهم دية أهل الكتاب يومئذ على النصف من دية المسلم وكانت كذلك حيت استخلف عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقام خطيبا فقال ألا ان الابل قد غلت ففرضها عمر على أهل الذهب الف دينار وعلى أهل الورق اثنى عشر الف درهم وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى اهل الشاء الفى شاة وعلى أهل الحلل مائنى حلة وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من أهل الدية قالوا فهذه أحاديث أحسن من التى موهوا بها في أن لدية تكون من الذهب والفضة فما الذى منعهم من ان يأخذوا بها وهم يأخذون برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا وافقت أهواءهم في تقليد مالك وابى حنيفة كاحتجاجهم بها في أن المرأة أولى بحضانة ولدها ما لم تنكح.
والمكاتب عبد ما بقى عليه درهم وفى الموضحة خمس وغير ذلك فاى دين يبقى مع هذا، ونسأل الله تعالى التوفيق والعافية * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بعير بكل أوقية بعير فذلك أربعة آلاف فلما كان عمر رخصت الورق وغلت الابل فجعلها عمر أوقية ونصفا ثم غلت الابل ورخصت الورق فجعلها عمر أوقيتين فذلك ثمانية آلاف ثم لم تزل الابل ترخص وتغلو حتى جعلها عمر اثنى عشر الف درهم أو الف دينار ومن البقر مائتي بقرة ومن الشاه الفى شاة * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن عكرمة قضى أبو بكر الصديق مكان كل بعير بقرتين - يعنى في الدية -، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قال أبو بكر الصديق من كان عقله في الشاء فكل بعير بعشر شياه * ومن طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن ارطاة عن مكحول ان عمر بن الخطاب جعل الدية ثمانية آلاف وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء الفى شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة * ومن طريق وكيع نا محمد بن عبد الرحمن بن ابى ليلى عن الشعبى عن عبيدة السلمانى قال: وضع عمر بن الخطاب الديات فوضع على أهل الذهب الف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل الابل مائه من الابل وعلى أهل البقر مائتي بقرة ثنية ومسنة وعلى أهل الشاء الفى شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة فهذا هو حديث الحنيفيين الذى لاحديث لهم غيره أفلا يستحيون من العار حسبنا الله ونعم الوكيل * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال في كتاب أبيه أن عمر بن الخطاب شاور السلف حين جند الاجناد فكتب ان على أهل الذهب الف دينار وعلى أهل الورق أثنى عشر الف درهم وعلى أهل الابل مائة من الابل وعلى اهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء الفى شاة(10/399)
وعلى أهل البز من البز من نسج اليمن بقيمة خمسة خمسة يعنى دنانير مائتي حلة أو قيمة ذلك
مما سوى الحلل، وقضى عثمان بن عفان في تغليظ الدية بأربعة الاف درهم، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال قال عمرو بن شعيب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيم الابل على أهل القرى أربعمائه دينار أو عدلها من الورق وبقيمتها على أثمان الابل فإذا غلت رفع في ثمنها وإذا هانت نقص من قيمتها على أهل القرى على ثمانمائة وقضى عمر بن الخطاب في الدية على أهل الورق اثنى عشر الفا وقال ان أرى الزمان تختلف فيه الدية تختفض فيه مرة من قيمة الابل وترتفع مرة وانى أرى المال قد كثروانى أخشى عليكم الحكام بعدى فان يصاب الرجل المسلم فتهلك ديته بالباطل وأن ترتفع ديته بغير حق فتحمل على أقوام مسلمين فتجتاحهم وليس على اهل القرى زيادة في تغليظ عقل ولا في الشهر الحرام ولا في الحرمة ولا على أهل القرى فيه تغليظ لا يزاد فيه على اثنى عشر الف درهم وعقل أهل البادية على أهل الابل مائة من الابل على اسنانها كما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أهل البقر مائتا بقرة وعلى اهل الشاء الفا شاة ولم أقسم على اهل القرى إلا عقلهم يكون ذهبا وورقا فيقام عليهم، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى على أهل القرى في الذهب الورق عقلا مسمى لا زيادة فيه أتبعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ولكنه كان يقيمه على اثمان الابل * قال أبو محمد رضى الله عنه: هكذا في كتابي عن حمام قضى عمر في الدية على أهل البقر إثنى عشر الفا وهو وهم بلاشك وانما هو قضى عمر في الدية على أهل الورق * قال أبو محمد: رضى الله عنه: هذا حديث المالكيين الذى موهوا ببعضه وتركوا سائره فان كانت تلك الميتات والنطائح حجة عندهم فهذه المنخنقات والموقوذات مثلها وبتمامها وأحسن منها، وان موهوا هنالك مما لا يصح مما ذكر عن أبى بكر وعمر وعثمان فهذا مثله عن أبى بكر وعمر وعثمان بالاحتجاج بذلك واطراح هذه ضلال وتلاعب بالدين وكلها لاخير فيه الوضع ظاهر في جميعها فقالوا: لعل ما روى من ذكر البقر والشاء والحلل انما كان على التراضي من الفريقين قلنا فلعل ما روى من ذكر ما لا يصح من الذهب والورق
انما كان على التراضي من الفريقين والا فما الفرق فصح ان لادية إلا من الابل أو قيمتها ان عدمت لو وجدت فقط، ولو شئنا أن تحتج بأحسن مما احتجوا به لذكرنا الحديث الذى أوردناه قبل من طريق قاسم بن أصبغ نا احمد بن زهير نا الحكم بن موسى نا يحيى ابن حمزة عن سليمان بن داود الجزرى عن الزهري عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن(10/400)
والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت باليمن وهذه نسختها فذكر فيه وفى النفس مائة من الابل ولم يذكر ذهبا ولا ورقا ولكن معاذ الله أن نحتج بما لا يصح وبالله تعالى التوفيق (1) * (بسم الله الرحمن الرحيم * رب يسر واختم بخير يا كريم) 2024 مسألة (2) من كتاب الايصال تكملة لما انتهى إليه أبو محمد من كتاب المحلى قال: واما الدية في قتل الخطأ فعلى العصبة وهم العاقلة، وهذا مما لا خلاف فيه إلا شئ ذكر عن عثمان البتى انه قال: لاأدرى ما العاقلة * قال أبو محمد: وقد يمكن أن يحتج لهذا القول بقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا ترز وازره وزر أخرى) * قال أبو محمد: لولا أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان هذا القول الذى لا يجوز خلافه ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى ولاه الله البيان عن مراده تعالى فقال: (لتبين للناس ما نزل إليهم) فوجدنا ماناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب أنا قتيبة
__________
(1) إلى هنا انتهى المجلد الخامس من كتاب المحلى لابن حزم رقم 14 من دار الكتب المصرية الاهلية، وبه ينتهى ما كتبه الامام العلامة أبو محمد على بن حزم ومات رحمه الله تعالى ولم يتمه، ووجد في آخر هذه النسخة ما نصه: تم الجزء الخامس من كتاب المحلى بشرح المجلى وبتمامه انتهى تأليف الامام الحافظ أبى محمد على بن احمد بن سعيد بن
حزم رحمه الله ورضى عنه آمين آمين * وكانت وفاته رحمه الله في سلخ شعبان سنة ست وخمسين واربعمائة، ويتلوه في الجزء السادس ان شاء الله تعالى - مسألة من كتاب الايصال - تكملة لما انتهى إليه أبو محمد من كتاب المحلى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما * ووجد في آخر نسخة رقم 45 هنا انتهى تأليف الفقيه ابى محمد مؤلفه وفجئة الموت فلم يتم تفسير المحلى وبقيت منه بقية يسيرة يجب انتساخها من الكتاب المسمى بالايصال الذى هو هذا مختصر منه، أعان الله على القربة إليه باقتفاء آثار رسوله ما عاد من تعدى حدوده منه انه منعم كريم * كمل هذا السفر المذكور بعون الله وتوفيقه، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليما * (2) وجد في هامش النسخة رقم 14 ما نصه: من هنا إلى آخر الجزء مختصر من كتاب الايصال لابي محمد بن حزم اختصره ولده أبو رافع وكمل به كتاب المحلى على ما ذكر عنه، والله تعالى أعلم * (م 51 - ج 10 المحلى)(10/401)
نا الليث بن سعد بن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبى هريرة قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بنى لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم ان المرأة التى قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقل على العصبة كما ترى فوجب الوقوف عند ذلك * وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: فمن لم تكن له عصبة فعلى بيت المال على ما نذكره في بابه ان شاء الله تعالى وبه نتأيد (اعتراض في قتل الذمي المسلم) قال أبو محمد: فان قال قائل: انكم تقولون ان الذمي إذا قتل مسلما عمدا بطلت ذمته وعاد حربيا وقتل ولابد واستفى ماله فكيف تقولون فيما حدثكم به عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا احمد
ابن محمد نا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج نا اسحاق بن منصور أنا بشر بن عمر قال: سمعت مالك بن أنس يقول: نى ابو ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبى حثمة أنه اخبره عن رجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما فابى محيصة فاخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطوح في عين أو فقير فاتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه قالوا: والله ما قتلناه ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر ذلك لهم ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل فذهب محيصة ليتكلم وهو الذى كان بخيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة: كبر كبر يريد السن فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إما أن يدوا صاحبكم وأما أن يؤذنوا بحرب وذكر باقى الخبر، فهذا قتل كافر لمؤمن وفيه الدية * قال أبو محمد: فجوابنا وبالله تعالى التوفيق اننا على يقين ولله الحمد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلزم أحدا دية الا قاتلا عمدا أو عاقلة قاتل خطأ أو من بيت مال المسلمين عمن لاعاقلة له فالزامه عليه السلام اليهود الدية لا يخلو بيقين لا إشكال فيه من أحد وجهين لا ثالث لهما اما أن يكونوا قاتلي عمد أو اما أن يكونوا عاقلة قاتلي خطا هذا ما لا يمكن أن يكون سواه فوجب أن ينظر أي الوجهين هو المراد في هذا المكان فنظر نا في ذلك فوجدنا حكم قاتل العمد بيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمه عند غير نا القود أو العفو فقط أو ما تصالحوا به وحكمه عند طائفة من أهل العلم أيضا بتخيير الولى بين القود أو العفو أو الدية وحكمه عندنا التخيير بين القود أو العفو أو الدية أو ما تصالحوا عليه فالقود على كل هذه الاقوال حكم قتل العمد والية بلا خلاف فيه في مال القاتل وحكم قاتل الخطأ الدية أو العفو عنها فقط فلما وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر قودا أصلا في هذه الرواية وما كان رسول الله(10/402)
صلى الله عليه وسلم ليغفل حقا للحارثيين إلا ويذكره لهم ولا يسكت عنه فيبطل حقهم علمنا أن حكمه بالدية بذلك لا يخلو من أحد وجهين من أن يكون قتل عمد ولا يعرف قاتله فبحكم فيه بحكم
ناقض الذمة أو قتل خطأ فان كان قتل عمد لايعرف قاتله فنحن على يقين من أنه عليه السلام لا يلزمهم دية لا تجب عليهم، ولا خلاف بين الحاضرين من خصومنا في أن العاقلة لا تؤدى عن قاتل عمد ولا أوجب ذلك نص فبطل هذا الحكم ولم يبق ألا أنه الوجه الثاني وهو قتل الخطأ، وهذا هو الحق لان القتل قد صح بلاشك، وممكن أن يكون بقصد وممكن أن لا يكون بقصد فلا يجوز أن يحكم عليهم بانهم قصدوه إلا ببرهان من بينة أو إقرار أو نص موجب لذلك فبقى أنهم لم يقصدوه وهذا هو الخطأ نفسه، ثم قول النبي صلى الله عليه وآله: " وإما أن يؤذنوا بحرب " دليل على صحة ما قلناه من أنهم بخروجهم عما يجب عليهم ينقضون الذمة ويعودون حربيين * قال على: فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم حكم الخطأ في القتل الموجود ان اعترفوا بذلك ثم أعلمهم حكم العمد في غير هذه الرواية وأعلمهم أنهم ان حلفوا على رجل منهم أسلم إليهم ولاح وجه الحديث، وبالله تعالى التوفيق * فان قال: فكيف تصنعون بالرواية الاخرى التى حدثكم بها عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد ابن على نا مسلم بن الحجاج نا عبيدالله بن عمر القواريرى نا حماد بن زيد نا يحيى بن سعيد الانصاري عن بشير بن يسار عن سهل بن أبى حثمة.
ورافع بن خديج أن محيصة بن مسعود.
وعبد الله بن سهل فذكر الحديث، وفيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته قالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف " وذكر باقى الخبر * قال أبو محمد: فان هذا القول حق ومعاذ الله ان نخالفه، بل هو نص قولنا، وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يدفع القاتل منهم برمته وهذا يقتضى قتله ويقتضى أيضا استرقاقه لانه عموم لا يخرجه منه شئ مما يقع عليه مقتضى لفظه إلا بنص أو اجماع وبالله تعالى التوفيق * (ديات الجراح (1) والاعضاء فيما دون النفس في العمد والخطأ) 2025 مسألة قال أبو محمد: فلنذكر الآن بعون الله تعالى وتأييده أن القصاص
واجب في كل ما كان بعمد من جرح أو كسر لايحاب القرآن ذلك في كل تعد وفى كل حرمة وفى كل عقوبة وفى كل سيئة وورود السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقى الكلام هل في ذلك العمد دية يتخير (2) المجني عليه فيها أو في القصاص أم لا؟ وهل في
__________
(1) في النسخة رقم 45 بسم الله الرحمن الرحيم * باب ديات الجراحة الخ (2) في النسخة رقم 14 بتخيير(10/403)
في الخطأ في ذلك دية مؤقتة أم لا؟ * قال على: فنظرنا في هذا فوجدنا الله تعالى يقول: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) * نا أحمد بن عمر بن أنس أنا الحسين بن عبد الله الجرجاني قال: نا عبد الرزاق بن احمد بن عبد الحميد الشيرازي قال: أخبرتنا فاطمة بنت الحسن بن الريان المخزومى وراق بكار بن قتيبة نا الربيع بن سليمان المؤذن نا بشر بن بكر عن الاوزاعي عن عطاء بن ابى رباح عن عبيد بن عمير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله تجاوز لى عن أمتى الخطا والنسيان وما استكرهوا عليه " * قال أبو محمد: وهذا حديث مشهور من طريق الربيع عن بشر بن بكر عن الاوزاعي بهذا الاسناد متصلا، وبهذا اللفظ رواه الناس هكذا، وقال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فصح بكل ما ذكرنا ان الخطا كله معفو عنه لا جناح على الانسان فيه وانما الاموال محرمة فصح من هذا أن لا يوجب على أحد حكم في جناية خطأ إلا ان يوجب ذلك نص صحيح أو اجماع متيقن والا فهو معفو عنه، وصح بذلك انه لا يجب على أحد غرامة في عمد ولا في خطا إلا أن يوجب ذلك نص صحيح أو اجماع متيقن وإلا فالاموال محرمة والغرامة ساقطة لما ذكرنا فان قال قائل: قد أوجب الله تعالى في قتل النفس خطا الدية كاملة وتحرير رقبة أو صيام شهرين متتابعين لمن لم يجد فإذا كان حكم النفس في الخطا
تجب فيه الدية فما دونها في الخطا كذلك تجب أيضا قلنا: وبالله تعالى التوفيق * هذا قياس والقياس كله باطل، ولو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل لوجوه أربعة أو لها أنه خطأ في القياس على أصول أصحاب القياس لانه يقال لهم: أنتم أصحاب تعليل فماذا تقولون لمن قال لكم على أصولكم ان النفس لا شئ أعظم من قتلها بعد الشرك عند الله تعالى فلذلك عظم أمرها وجعل في الخطا فيها كفارة وان كان لاذنب لقاتل النفس خطا بلا خلاف، وأما ما دون النفس فليس له عظم النفس عند الله تعالى ولا حرمتها فلا يجب في شئ من ذلك ما يجب في النفس إذ ليس فيما دون النفس العلة التى في النفس، والثانى انكم قد نقضتم هذا القياس وتركتموه جملة ففى بعض الجنايات جعلتم ديات مؤقتة وفى بعضها لم تجعلوا دية أصلا الا إما حكومة واما أجر الطبيب واما لا شئ وهذا نقض منكم لقياسكم ما دون النفس على النفس ولاقياس أفسد من قياس نقضه القائلون به، فان قلتم: انما أوجبنا دية مؤقتة حيث جاء نص عن(10/404)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا لهم: ان كان ذلك النص مما تقوم به الحجة لصحة اسنادة فالقول به فرض، والطاعة له واجبة، وان كان مما لا يصح كصحيفة عمرو بن حزم وصحيفة عمرو بن شعيب فلا حجة تقوم بشئ من ذلك، وأول من يشهد بهذا فأنتم لانكم تتركون كثيرا مما في تينك الصحيفتين، ومن المحال أن تجعلوا بعض حكم جاء مجيئا واحدا حجة وبعضه ليس بحجة بلا دليل أصلا الا توهين ذلك مرة إذا اشتهيتم ولم يوافق حكمها تقليدكم وتوثيقها مرة إذا اشتهيتم ووافق تقليدكم حكمها ونحن نبين بعد هذا ان شاء الله تعالى كل ذلك فصلا فصلا، وان قالوا: انما أوجبنا الدية المؤقتة حيث أوجبها الصحابة رضى الله عنهم قلنا وبالله تعالى التوفيق ان كان اوجب ذلك جميع الصحابة رضى الله عنهم فالسمع والطاعة لاجماعهم لان اجماعهم هوالحق المقطوع به على صحته وانه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى
وان كان هو قولا عن بعض الصحابة فانتم معشر الحاضرين من خصومنا مخالفون لذلك فقد جاء عن بعض الصحابة فيما دون الموضحة تحديد دية وانتم لا تقولون بذلك فالاضراب عما صححتموه خطأ وافساد لاحتجاجكم فصح انكم لم تتعلقوا ههنا بقياس ولا بقول صاحب ولا بنص صحيح ولا بنص تلتزمونه وان لم يصح وما كان من الاقوال هكذا فهو غير صحيح بيقين مقطوع على انه باطل عند الله تعالى بلاشك * والثالث انكم قد ابطلتم هذا القياس أيضا لان لانص في القرآن جاء في كفارة قتل النفس بالخطأ برقبة مؤمنة أو بصيام شهرين متتابعين لمن لم يجد مع الدية، فمن عجائب الدنيا أن تقيسوا ما دون النفس على النفس في ايجاب كفارة في بعض ذلك أو ايجاب بعض الدية في بعض ذلك ثم لا تقيسوا ما دون النفس على النفس في ايجاب كفارة في بعض ذلك حيث تجب الدية كاملة أو بعض كفارة في بعض ذلك حيث تجب بعض الدية فهذا تحكم في القياس ما سمع بأسقط منه، ولئن كان قياس ايجاب الدية أو بعضها فيما دون النفس على وجوب ذلك في النفس حقا فان قياس ايجاب الكفارة أو بعضها فيما دون النفس على وجوب ذلك في النفس لحق ولئن كان أحد القياسين المذكورين باطلا لا يجوز فان القياس الآخر باطل لا يجوز، وهذا مالاخفاء به عن ناصح لنفسه لاسيما والكفارة أوجب وأوكد من الدية لان الله تعالى لم يوجب الدية في القرآن الا وقد أوجب معها الكفارة وقد أوجب الله تعالى الكفارة وأسقط الدية قال تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله الا أن يصدقوا) ثم قال تعالى: (فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) فاوجب تعالى الكفارة في قتل الخطا الذى ذكر في القرآن(10/405)
فأوجب الدية (1) في موضعين وأسقط تعالى في الموضع الثالث، فان قالوا: ان الاجماع قد صح على اسقاط الكفارة في ذلك قلنا لهم: إذا صح هذا فان الاجماع قد أبطل
هذا القياس فلا يجوز استعماله أصلا في الدية ولا في الكفارة إذ هو كله قياس واحد وباب واحد، وأيضا فان جمهوركم لا يوجبون الكفارة في قتل العمد ولم يأت اجماع باسقاطها فقد تركتم القياس في هذا المكان دون أن يمنع منه اجماع * والوجه الرابع ان الله تعالى لم يوجب دية في كل قتل خطأ بل قد جاء قتل المؤمن خطا وهو من قوم عدو لنا ولا دية فيه فمن أين وقع لكم الحكم بالقياس على القتل الذى اوجب الله تعالى فيه دية دون أن تحكموا بالقياس على القتل الذى لم يوجب الله تعالى فيه دية؟ وما الفرق بينكم وبين من قال: بل لا تجب دية في شئ مما دون النفس نصاب خطا قياسا على قتل المؤمن خطا وهو من قوم عدو لنا فإذا كانت علتكم غير مطردة فالقياس على أصولكم لا يجوز عليها فبطل أن يكون فيما دون النفس دية لا بقياس ولا بقول صاحب ولا بنص صحيح لانه غير موجود ولا اضمان الاموال في الخطا بنص ملتزم وان لم يصح فان قال قائل: قال الله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) قالوا: والجراح وان كانت خطا فهى سيئة فجزاؤها مثلها والسيئتة المماثلة قد تكون بغرامة المال، فإذا لم يكن هناك قود كانت المماثلة بالغرامة قلنا: وبالله تعالى التوفيق * وأما قول الله تعالى (وجزاء سيئة سيئة مثلها) فحق، وأما قولكم ان جناية الخطا سيئة فباطل ما السيئة إلا ما نهى الله تعالى عنه وليس الخطا مما نهى الله تعالى عنه لان الله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وبالضرورة ندرى انه ليس في وسع أحد أن يمتنع من فعل الخطأ الذى لم يتعمده ولا قصده، فان قيل: قد اجتمعت الامة على ضمان ما اتلف من الاموال بالخطا وبالعدم فما الفرق بين ضمان الجنايات في الاموال وبين ضمان الجنايات في الاعضاء والجراحات؟ قلنا: وبالله تعالى التوفيق: ان هذا قياس والقياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لان الاجماع قد صح على ابطال هذا القياس لان لا خلاف بين أحد من الامة كلها في تضمين كل ما أصيب من الاموال قل أو كثر وليس كذلك الجنايات على الاعضاء والجراحات إذ
لا خلاف في أن كثيرا منها ليس فيه تضمين بدية مؤقتة [ محدودة ] (2) وكل قياس لم يطرد في نظرائه وكل علة لم تجر في معلولاتها فهما خطا عند أصحاب القياس وان المماثلة بين الاموال مدركة مضمونة معروفة اما بالقيمة واما بالكيل واما بالوزن
__________
(1) في النسخة رقم 45 واوجب الدية (2) الزيادة من النسخة رقم 45(10/406)
وأما بالذرع وأما بالصفة، ولا تدرك المماثلة بين الاعضاء والجراحات وبين الاموال أبدا الا بنص وارد من الله تعالى في ذلك، هذا أمر يعلم بالضرورة بل المماثلة ممتنعة في ذلك جملة لانه لا يجوز أن يمثل ما يتملك بما لا يحل تملكه فإذا الامر كذلك فلا سبيل إلى الحكم بالمماثلة في ذلك إلا مما صح فيه نص أو اجماع ومن فعل ذلك فقد أخطا بيقين إذ حكم بالمثلية في شيئين ليس احدهما مثلا للآخر وان تملك الاموال بالخطأ ممكن واسترجاعها باعيانها ممكن واسترجاع امثالها ان فاتت أعيانها ممكن والاعضاء والجراح لا يصح للجاني تملكها لاعمدا ولاخطأ ولا يصح استرجاعها أصلا ولا استرجاع أمثالها فقياس أحد هذين الوجيهن على الآخر قياس فاسد لانه قياس الضد على ضده في الحكم وانما يقول أصحاب القياس بقياس الشئ (1) على نظيره لاعلى ضده، وانهم قد أطبقوا على ابطال هذا القياس من حيث هو أقرب شبها بما قاسوه عليه وذلك انهم لا يختلفون فيمن غصب حرا فتملكه واسترقه فمات في تملكه فانه لا يضمنه ولا يضمن فيه قيمة ولادية الا أنه روى عن مالك ان باعه ففات فلم يقدر عليه أنه يودى ديته فان كان غصب الحر لا يقاس على غصب المال لا في الخطأ ولا في العمد بلا خلاف فالجراح وكسر العضو وقطعة أبعد من أن يقاس على الاموال، وهذا لاخفاء به والحمد لله رب العالمين * فان ذكروا ما حدثناه أبو عمر احمد بن قاسم في منزله بمدينة قرطبة عند مسجد القصارين قال: حدثنى ابى قاسم بن محمد بن قاسم حدثنى جدى قاسم بن أصبغ نا عبد الله بن روح نا يزيد بن هرون نا محمد بن اسحاق عن
الحارث بن فضيل عن سفيان بن أبى العوجاء السلمى عن أبى شريح الخزاعى قال قال.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصيب بدم أو خبل والخبل الجراح - فهو بالخيار في احدى ثلاث اما ان يعفو واما ان يقتص واما ان يأخذ العقل فان أخذ شيئا من ذلك ثم عدا بعد ذلك فان له النار خالدا فيها " * وحدثناه عبد الله بن ربيع قال نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر البصري نا سليمان بن الاشعث نا موسى بن اسماعيل نا حماد بن سلمة نا محمد بن اسحاق عن الحارث بن فضيل عن سفيان بن أبى العوجاء عن أبى شريح الخزاعى ان النبي صلى الله عليه وآله قال: " من أصيب بقتل أو خبل فانه يختار احدى ثلاث اما أن يقتص وأما أن يعفو واما أن ياخذ الدية فان أراد الرابعة فخذوا على يديه (2) فان اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم " نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد ابن عبد الملك بن أيمن نا حبيب بن خلف نا أبو ثور ابراهيم بن خالد نا يزيد بن هارون
__________
(1) في النسخة رقم 14 يقاس الشئ (2) في النسخة رقم 45 على يده(10/407)
نا محمد بن اسحاق عن الحارث بن فضيل عن سفيان عن أبى العوجاء عن أبى شريح الخزاعى قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصيب بقتل أو خبل - يعنى جراحا - فهو بخير النظرين ان أحب أن يعفو عفا وان أحب ان ياخذ الدية أخذ " قلنا: هذا لا يصح لانه لم يروه أحد الا سفيان بن أبى العوجاء السلمى وهو مجهول لا يدرى من هو ولا يعرف عنه غير هذا الحديث فلو صح لقلنا به منشرحة صدورنا بذلك ولما تركناه لقول أحد، وأما إذا لم يصح فلا يجوز الاخذ به، ثم لو صح لكان حجة على جميع الحاضرين ومخالفا لقولهم لانه انما جاء في جراح العمد وفيه القصاص منها جملة لم يستثن شيئا وكلهم لا يرى القود منها فيما دون الموضحة وجمهورهم لا يرى القود منها إلا في المواضحة فقد خالفوا هذا الحديث كما ترى، وأيضا انه قد جاء في العمد فقط كما ذكرنا لان فيه التخيير بين القود والدية ولا خلاف بين أحد من
الامة في ان القود ليس إلا في العمد فقط وفيه الخيار في الدية في العمد وكلهم أو جمهورهم لا يرى في قطع الاعضاء في العمد الا القود فقط وقد خالفوا هذا الخبر في هذا الوجه، وأيضا فان الحنيفيين والمالكيين لا يرون خيارا في قود أو دية في قتل العمد، وأيضا انه ليس فيه حكم شئ من جراح الخطا فلو صح هذا الخبر لكان وفاقه لنا أكثر من وفاقه لهم وكانوا مخالفين له من كل وجه * قال أبو محمد: فبطل كل ما شغبوا به في هذا الباب والحمد لله رب العالمين * فاما جنايات العمد وجراحه فان مالكا لا يرى فيها جملة إلا القود أو العفو فقط ولا يرى فيها (1) دية فات القود أو لم يفت إلا في قليل منها فيرى فيها الدية لامتناع القود ويرى في سائر جراحات الخطا الدية إلا قليلا منها فانه لا يرى فيها دية لكن حكومة، وهذا قول (2) أبى حنيفة.
وأصحابه والشافعي وأصحابه إلا في فروع اختلفوا فيها نبينها ان شاء الله تعالى، وهو أيضا قول أصحابنا وبه نأخذ إلا اننا لا نرى في شئ من ذلك دية ولا حكومة أمكن القود أو لم يمكن إلا أن ياتي به نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يثبت به اجماع متيقن وحتى لو غاب عنا في شئ من ذلك اجماع لم نعلمه لكنا بلا شك عند الله اعذر وأسلم وأخلص إذ لم نقتحم ما لم ندر ولم نقف ما ليس لنا به علم مما لو علمناه لقلنا به * قال على: ونحن ذاكرون الآن ان شاء الله تعالى ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ثم ما جاء عن الصحابة رضى الله تعالى عنهم في ذلك ثم ما جاء عن التابعين رحمهم الله في ذلك ثم
__________
(1) في النسخة رقم 14 فيه (2) في النسخة رقم 45 وهكذا قول(10/408)
ما تيسر من أقوال الفقهاء بعدهم إذ العمدة في الدين بعد القرآن وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم انما هو اجماع الصحابة رضى الله عنهم واختلافهم وليس كذلك من بعدهم * وقد روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن ابى شيبة نا عفان - هو ابن مسلم - نا حماد بن سمله انا ثابت البنانى
عن أنس " ان أخت الربيع أم حارثة جرحت انسانا فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: القصاص القصاص فقالت أم الربيع: يا رسول الله أيقتص من فلانة؟ والله لايقتص منها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله يا أم الربيع القصاص كتاب الله قالت: لا والله لايقتص منها أبدا قال: فما زالت حتى قبلوا الدية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان من عباد الله من لو أقسم على الله لابره " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق بن السليم نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا مسدد نا المعتمر - هو ابن سليمان - عن حميد الطويل عن أنس ابن مالك قال: " كسرت الربيع أخت أنس بن النضر ثنية امرأة فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقضى بكتاب الله تعالى القصاص فقال أنس بن النضر: والذى بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها اليوم فقال: يا أنس كتاب الله القصاص فرضوا بأرش أخذوه فعجب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: النبي صلى الله عليه وسلم ان من عباد الله من لو أقسم على الله لابره " قال أبو داود: سألت أحمد بن حنبل كيف يقتص من السن قال يبرده * وروينا من طريق البخاري نا محمد القزارى - هو ابو اسحاق - عن حميد الطويل عن أنس قال: " كسرت الربيع ونهى عمة أنس بن مالك ثنية جارية من الانصار فطلب القوم القصاص فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص فقال أنس بن النضر عم انس بن مالك: " والله لا تكسر ثنيتها يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس كتاب الله القصاص فرضى القوم وقبلوا الارض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان من عباد الله من لو أقسم على الله لابره " * قال أبو محمد: فهما حديثان متغايران وحكمان اثنان في قضيتين مختلفتين لجارية واحدة، أحد الحكمين في جراحة جرحتها أم الربيع انسانا فقضى عليه الصلاة والسلام بالقصاص من تلك الجراحة فحلفت أمها انها لايقتص منها فرضوا بالدية فابر الله تعالى قسمها، والحكم الثاني في ثنية امرأة كسرتها الربيع فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص في ذلك فحلف أنس بن النضر اخوها أن لايقتص منها فرضوا بأرش أخذوه وأبر الله تعالى قسمه فلاح كما ترى انهما حديثان جراحة وثنية ودية وارش وحلفت أمها في الواحدة
وحلف أخوها في الثانية وكان هذا قبل أحد لان أنس بن النضر رضى الله عنه قتل يوم احد بلا خلاف، وهذا الحديث بين واضح ان كل ما أخذه من له القصاص من جرح أو نفس فهو دية سواء كان ذلك شيئا مؤقتا محدودا وكان قد تراضوا به في ترك القصاص الواجب * (م 52 - ج 10 المحلى)(10/409)
برهان ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الذى قد ذكرناه في باب دية المكاتب فأغنى عن اعادته بمقدار ما أدى دية حر وبمقدار ما لم يؤد دية عبد فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعطى من قتل عبده دية وهو مختلف المقدار غير مؤقت فإذ ذلك كذلك فنحن على يقين من أن الذى جرحته الربيع قد أخذ ما لابدل اقتصاصه من الجرح ولم يأت قط ان الذى أخذ كان عددا مؤقتا محدودا في ذلك الجرح فإذ لم يأت ذلك فنحن على يقين وثلج (1) من الله تعالى انه لو كان في تلك الجراحة دية مؤقتة لا تزيد ولا تنقص وكان ذلك الحكم في جراحة ما دون جراحة أخرى لما طمس الله تعالى عنا ذلك ولاعفى (2) أثره حتى لا ينقله أحد حاش لله من هذا، وقد تكفل بأنه حافظ لذكر الذى أنزل على نبيه عليه الصلاة والسلام وهو الوحى الذى لا ينطق صلى الله عليه وسلم في الشريعة إلا منه، فصح أن تلك الدية التى أخذ الذى جرحت الربيع كان فداء عن القصاص فقط وبهذا نقول فوضح انه ليس في هذين الخبرين إلا أن القود جائز في كل جراحة وفى كسر السن وان المفاداة في كل ذلك جائزة بما تراضيا به على المجني عليه أو وليه والجانى لان القول في الدية المذكورة هو ما ذكرنا * وأما حديث حميد في كسر السن فانما فيه انهم رضوا بأرش أخذوه فقط وبالله تعالى التوفيق * نا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا سليمان بن الاشعث نا محمد ابن داود بن سفيان نا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ابا جهم بن حذيفة مصدقا فلاحه رجل في صدقته فضربه ابو جهم فشجه فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: القود يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكم كذا
وكذا فلم يرضوا فقالوا القود يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكم كذا وكذا فلم يرضوا فقال لكم كذا وكدا فرضوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انى خاطب العشية على الناس فمخبرهم برضاكم قالوا: نعم فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ان هؤلاء الليثيين اتونى يريدون القود ففرضت عليهم كذا وكذا فرضوا أرضيتم؟ قالوا: لافهم المهاجرون بهم فامرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفوا عنهم فكفوا عنهم فدعاهم فزادهم فقال أرضيتم؟ قالوا: نعم قال انى خاطب على المنبر فمخبرهم برضاكم قالوا: نعم فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال أرضيتم فقالوا نعم " * قال أبو محمد: فليس في هذا الحديث إلا ما جاء في حديث أنس الذى رواه ثابت وهو المفاداة في الشجة التى وجب فيها القود ولا مزيد، وفى هذا الخبر عذر الجاهل وانه لا يخرج من الاسلام بما لو فعله العالم الذى قامت عليه الحجة لكان كافر الان هؤلاء الليثيين
__________
(1) يقال ثلجت نفسه اطمأنت وبابه دخل وطرب (2) هو بالتشديد والتخفيف(10/410)
كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه كفر مجرد بلا خلاف لكنهم بجهلهم واعرابيتهم عذروا بالجهالة فلم يكفروا * ثنا حمام نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن ايمن نا محمد بن سليمان المنقرى نا سليمان بن داود نا يزيد بن زريع نا سعيد - هو ابن ابى عروبة - عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " في الاصابع عشر عشر " * قال أبو محمد: هذا حديث صحيح لا داخلة فيه المنقرى ثقة، وسليمان بن داود هو الهاشمي أحد الائمة من نظراء احمد بن حنبل ويزيد بن زريع لا يسأل عنه وسماعه من سعيد صحيح لانه سمع من أيوب، وقد روينا من طريق ابن وضاح نا موسى بن معاوية ناوكيع عن شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذه وهذه سواء " وجمع بين ابهامه وخنصره * ومن طريق ابى داود نا عباس بن عبد العظيم العنبري نا عبد الصمد بن عبد الوارث التنورى نا شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن
عباس: " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الاصابع سواء والاسنان سواء الثنية والضرس سواء هذه وهذه سواء) * قال أبو محمد: ما نعلم في الديات في الاعضاء أثرا يصح في توقيتها وبيانها إلا هذا وسائر ذلك انما يرجع فيه إلى الاجماع (1) والاستدلال منه ومن النص على ما نبين ان شاء الله تعالى * نا احمد بن محمد الطلمنكى نا محمد بن احمد بن مفرج نا ابراهيم بن أحمد ابن فراس نا محمد بن على بن زيد نا سعيد بن منصور نا هشيم انا ابن أبى ليلى - هو محمد ابن عبد الرحمن - عن عكرمة بن خالد المخزومى قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانف إذا استؤصل بالدية وفى اللسان الدية وفى الذكر الدية وفى العين خمسين وفى الرجل خمسين وفى الموضحة بخمس من الابل وفى المنقلة بخمس عشرة وفى الجائفة ثلث دية النفس وفى المأمومة ثلث دية النفس وفى الاسنان خمسا خمسا وفيما هنالك من الاصابع عشرا عشرا * نا احمد بن قاسم نا ابى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدى قاسم بن اصبغ نا احمد بن زهير ومحمد ابن سليمان المنقرى قالا جميعا: نا الحكم بن موسى نا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود الجزرى عن الزهري عن ابى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن (2) والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت باليمن وهذه نسختها، وكان في كتابه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فانه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول وفى النفس الدية مائة من الابل، وفى الانف إذا أوعب جدعا الدية وفى اللسان الدية وفى الشفتين الدية وفى البيضتين الدية
__________
(1) في النسخة رقم 14 انما يراجع فيه الاجماع (2) في النسخة رقم 14 فيه القصاص والسنن(10/411)
وفى الذكر الدية وفى الصلب الدية وفى العينين الدية وفى الرجل والواحدة نصف الدية وفى المأمومة ثلث الدية وفى المنقلة خمسة عشر من الابل وفى الجائفة ثلث الدية وفى كل أصبع من الاصابع من اليد والرجل عشرة من الابل وفى السن خمس من الابل وان
الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب الف دينار الدية " * وفى حديث احمد بن شعيب أنا عمرو بن منصور نا الحكم بن موسى - هو ابن صالح - ثقة نا يحيى بن حمزة عن سليمان ابن داود حدثنى الزهري عن ابى بكر بن محمد عمرو بن حزم عن أبيه عن جده " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت على أهل اليمن وهذه نسختها: " من محمد النبي إلى شرحبى بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قيل ذى رعين ومعافر وهمدان أما بعد " ثم ذكر نص الحديث حرفا حرفا لا زيادة فيه ولا نقص ولا تقديم ولا تأخير إلا أنه قال في الرجل الواحد، وقال: قتلا عن بينة، وفى هذه الاحاديث زيادة في الرواية وطول * قال أبو محمد: فيجمع هذا كله كتاب ابن حزم ومرسل عكرمة وحديث عمرو ابن شعيب وحديث زيد بن ثابت وحديث رجل من آل عمر، وحديث ابن طاوس عن أبيه، فاما حديث مسروق بن أوس عن ابى موسى، وحديث ابى ثميلة عن يسار المعلم عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس فلا حاجة بنا اليهما لانه ليس فيهما إلا ما في حديث يزيد بن زريع عن سعيد بن ابى عروبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس، والمعتمد عليه رواية شعبة.
وسعيد لصحتهما فقط وبالله تعالى التوفيق * أما حديث شعبة نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح ناموسى بن معاوية ناوكيع نا شعبة عن غالب التمار عن مسروق بن أوس بن مسروق عن ابى موسى قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الاصابع سواء " * قال أبو محمد: لم يسمعه غالب من مسروق * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب انا عمرو بن على نا محمد بن جعفر غندر نا سعيد بن ابى عروبة عن غالب التمار عن حميد بن هلال عن مسروق عن ابى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الاصابع سواء عشر " * وأما حديث ابن حزم.
وزيد بن ثابت ورجل من آل عمر وابن طاوس عن أبيه.
وخبر مكحول ومرسل عكرمة فانه لا يصح منها شئ * أما حديث ابن حزم فانه صحيفة ولا خير في اسناده لانه لم يسنده إلا سليمان بن داود الجزرى وسليمان بن قرم وهما لا شئ، وقد سئل يحيى بن معين عن سليمان الجزر ى الذى يحدث عن(10/412)
الزهري روى عنه يحيى بن حمزة فقال: ليس بشئ، وأما سليمان بن قرم فساقط بالجملة، وكذلك من طريق مالك بن عبد الله بن أبى بكر، ولا حجة في مرسل فسقط ذلك الكتاب جملة * قال أبو محمد: فظهر وهى هذه الاخبار كلها، وأما ما جاء في ذلك عن الصحابة رضى الله عنهم والتابعين ومن بعدهم * روينا من طريق الحجاج بن المنهال ناحماد ابن سلمة عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى فيما أقبل من الاسنان بخمسة أبعرة، وفى الاضراس بعيرا بعيرا فلما كان معاوية وقعت أضراسه فقال: أنا أعلم بالاضراس من عمر فجعلهن سواء * نا يوسف بن عبد الله النمري نا احمد بن محمد بن الجسور نا قاسم بن أصبغ نا مطرف بن قيس نا يحيى بن بكير نا مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى لعمر بن الخطاب عن عمر انه قضى في الضرس بجمل * وبه إلى مالك عن يحيى بن سعيد انه سمع سعيد بن المسيب يقول: قضى عمر بن الخطاب في الاضراس ببعير بعير، وقضى معاوية بن ابى سفيان في الاضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة، قال سعيد: فالدية تنقص في قضاء عمر وتزيد في قضاء معاوية فلو كنت أنا لجعلت في الاضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء، وقد جاء عن عمر غير هذا كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن الشعبى عن شرح أن عمر كتب إليه (1) ان الاسنان سواء * ومن طريق عبد الرزاق أيضا عن معمر عن ابن شبرمة ان عمر بن الخطاب جعل في كل ضرس خمسا من الابل * ومن طريق وكيع نا سفيان عن أبى اسحاق السبيعى عن
عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب قال في السن خمس من الابل * وعن وكيع نا مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس انه قال: الاسنان سواء اعتبروها بالاصابع عقلها سواء * ومن طريق عبد الرزاق عن مالك عن داود ابن الحصين عن أبى غطفان ان مروان أرسله إلى ابن عباس يساله ماذا جعل في الضرس؟ قال: فيه خمس من الابل قال فردني إلى ابن عباس قال: اتجعل مقدم الفم كالاضراس (2) قال: لو لم نعتبر ذلك الا بالاصابع عقلها سواء * قال أبو محمد: ادعى قوم ان معنى قول ابن عباس اعتبروها بالاصابع انما هو قيسوها بالاصابع وهذا باطل لاننا قد ذكرنا قبل هذه بنحو ورقتين في الآثار الرواية الثابتة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الاصابع سواء وان الاضراس سواء وان
__________
(1) في النسخة رقم 14 عن شريح انه كتب إليه (2) في النسخة رقم 14 مثل الاضراس(10/413)
الثنايا سواء، وقد ذكرنا آنفا اختلاف الصحابة في التفضيل بين الاسنان، وسنذكر في باب الاصابع اختلافهم في الاصابع فمن الباطل البحت أن يأمر ابن عباس بقياس الاضراس على الاصابع والنص قد جاء فيهما معا مجيئا واحدا والخلاف فيهما معا موجود وانما معنى قول ابن عباس اعتبروها بالاصابع انما هو انه كانوا يخالفونه فيرون المفاضلة بين الاسنان والاضراس لتفاضل منافعهما لا يرون ذلك في الاصابع وان كانت مختلفة المنافع فكان يبكتهم ابن عباس بذلك ويريهم تناقضهم في تعليلهم ويبطل تعليلهم بذلك ويأمرهم بأن يتفكروا فيها بقولهم في الاصابع لان العبرة في كلام العرب انما هو التفكر والتعجب والتدبر فقط * وأما التابعون فحدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم ابن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا هشام بن عروة عن ابيه انه كان يسوى بين الاسنان في الدية ويقول ان كان للثنية جمال فان للضرس منفعة * وبه إلى وكيع نا شعبة عن سلمة بن كهيل عن شريح قال: الاسنان سواء * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
وقتادة قالا جميعا: في كل سن خمس من الابل الاضراس والاسنان سواء * وبه إلى عبد الرزاق [ عن محمد بن راشد ] (1) قال سمعت مكحولا يقول.
الاصابع سواء والاسنان سواء، وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن سليمان بن موسى قال في كتاب لعمر بن عبد العزيز: في الاسنان خمس خمس من الابل * قال أبو محمد: وبهذا يقول أبو حنيفة.
ومالك والشافعي واحمد.
وأبو سليمان وأصحابهم وسفيان الثوري واسحاق بن راهويه، وهنا قول آخر كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عبد الله بن طاوس عن ابيه " ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى في السن بخمس من الابل " قال طاوس: وتفضل كل سن على التى تليها بما يرى أهل الرأى والمشورة * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبى طاوس قال: قلت لابي من أين يبدأ؟ قال الثنيتان خير من الاسنان.
قال ابن جريج: وأخبرني عمرو بن مسلم انه سمع طاوسا يقول: يفضل الناب في أعلى الفم وأسفله على الاضراس قال: وفى الاضراس صغار الابل * قال أبو محمد رضى الله عنه: وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء بن أبى رباح الاسنان قال عطاء في الثنيتين والرباعيتين [ والنابين ] (2) خمس خمس وفيما بقى بعيران بعيران أعلى الفم وأسفله سواء كل ذلك سواء والاضراس
__________
(1) الزيادة من النسخة 45 (2) الزيادة من النسخة 45(10/414)
سواء قال ابن جريج: قلت لعطاء اسنان المرأة تصاب جميعا قال خمسون * قال على: فهذه الاقوال كما أوردنا قول عن عمر.
وعلى.
ومعاوية.
وابن عباس رضى الله عنهم أن دية السن والضرس وسواء خمس خمس وهو قول عروة بن الزبير.
وشريح والزهرى وقتادة ومكحول وعمر بن عبد العزيز، وقول آخر ان
الثنايا (1) والرباعيات والانياب خمس خمس وفى سائر الاضراس وهى الطواحين بعير بعير وهو الثابت عن عمر بن الخطاب * وقول آخر ان الطواحين مفضلة على الثنايا والرباعيات وهو قول صح عن معاوية كما اوردنا، قول رابع وهو قول سعيد بن المسيب.
ومجاهد وعطاء ان في الاسنان خمسا خمسا وفى الاضراس بعيران بعيران، وقول آخر وهو ان في الثنية خمسا من الابل ثم تفضل على التى تليها وتفضل التى تليها على التى تليها وهكذا إلى آخر الفم وهو قول طاوس (2) * قال على: فلم يحصل من هذه المسألة الا على اخبار مرسلة لا تصح ولو صحت لكان الحاضرون من خصومنا مخالفين لها كما ذكرنا، ومن الباطل احتجاج المرء بخبر لا يراه على نفسه حجة وهو عنده حجة لاحجة على من لا يراه حجة في شئ أصلا * قال أبو محمد: لكنا نقول قول من يدرى ويوقن أن قوله وكتابه معروضان عليه [ في ] (3) يوم القيامة وهو مسئول عنهما ان الخطا في السكوت بالجهل أسلم من الخطأ في الحكم في الدين بالجهل بل السكوت لمن لم يعلم فرض عليه واجب والقول بما لا يعلم حرام على الناس فنقول وبالله تعالى التوفيق: وانه ان لم يصح في ايجاب الدية في الخطا في السن اجماع متيقن فلا يجب في ذلك شئ أصلا لما قد ذكرناه من قول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما اخطاتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم دأموالكم عليكم حرام " فلا يحل لاحد ايجاب غرامة على أحد الا أن يوجبها نص صحيح أو اجماع متيقن فاما النص الصحيح فقد أمنا وجوده بيقين ههنا فكل ما روى في ذلك منذ أربعمائة عام ونيف وأربعين عاما من شرق الارض إلى غربها قد جمعناه في الكتاب الكبير المعروف بكتاب الايصال ولله الحمد، وهو الذى أوردنا منه ما شاء الله تعالى فان وجد شئ غير ذلك فما لاخير فيه أصلا لكن مما لعله (4) موضوع محدث * واما الاجماع فلسنا نعرفه وقد قالت الملائكة لاعلم لنا الا ما علمتنا، ولو صح عندنا في ذلك اجماع لبادرنا إلى الطاعة له وما ترددنا في ذلك
__________
(1) في النسخة 45 وقال آخرون في الثنايا (2) الزيادة من النسخة رقم 45 (3) الزيادة من النسخة رقم 45 (4) في النسخة رقم 14 لكن بالعلة(10/415)
طرفة عين فمن صح عنده في ذلك اجماع فليتق الله ولا يخالفه ومن لم يصح عنده اجماع ولا نص ففرضه التوقف ولا يحل له ان يكذب فيدعى اجماعا * قال أبو محمد: ثم نقول وبالله تعالى التوفيق انه لو صح في ذلك اجماع بان فيه خمسا فوجه العمل في ذلك أنه لو صح الاجماع المتيقن على أن في الثنية خمسا من الابل فواجب كان (1) أن يكون في كل سن وكل ضرس خمس خمس لانه قد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الاسنان سواء الثنيه والضرس سوء " وهذا العموم لا يحل لاحد خلافه ولا تخصيصه فواجب حمله على ظاهره وانه في القصاص الذى أمر الله تعالى به في القرآن وأمر هو به عليه الصلاة والسلام بلا شك، وأما في العمد فجائز تراضى الكاسر والمكسور سنه.
والقالع والمقلوع سنه على الفداء في ذلك على ما صح وثبت في حديث الربيع وبالله تعالى التوفيق * الضرس تسود وترجف قال على: روينا من طريق عبد الرزاق عن الحجاج بن ارطاة عن مكحول عن زيد بن ثابت قال في السن يستأنا بها سنة فان اسودت ففيها العقل كاملا والا فما اسود منها فبالحساب * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد الكريم ان على ابن ابى طالب قال في السن تصاب فيخشون أن تسود ينتظر بها سنة فان اسودت ففيها قدرها وافيا وان لم تسود فليس فيها شئ، قال عبد الكريم: ويقولون: فان اسودت بعد سنة فليس فيها شئ * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز أن في كتاب لعمر بن عبد العزيز عن عمر بن الخطاب في السن خمس من الابل أو عدلها من الذهب أو الورق فان اسودت فقد تم عقلها فان كسر منها إذ لم
تسود فبحساب ذلك، وعن سعيد بن المسيب إذا اسودت السن فقد تم عقلها فان طرحت بعد ذلك ففيها العقل أيضا كاملا قال ابن وهب: وأخبرني يونس عن ربيعة بمثله (2) قال ابن وهب: وسمعت حنظلة بن أبى سفيان يقول: سمعت القاسم بن محمد يسأل عن سن كانت ترجف ولم تسود؟ قال: ففيها العقل كاملا * وعن عمر بن عبد العزيز انه كتب إلى الاجناد ان السن إذا اسودت فقد تم عقلها وما كسر منها بعد ذلك فبحساب ذلك، وعن ابن وهب انه قال: أخبرني عمر بن قيس عن عطاء بن أبى رباح انه سأله رجل عن رجل كسر سن رجل فاقيد منه فأخذ سنه
__________
(1) في النسخة رقم 45 فكان واجب (2) الزيادة من النسخة رقم 45(10/416)
فردها فثبت فخاصمه الآخر فقال: ليس له شئ * وعن شريح انه قال: في السن إذا كسرت يؤجل صاحبها سنة فان اسودت فديتها كاملة، وان لم تسود فبقدر ما نقص منها، وعن عطاء قال: ان سقطت سن أو اسودت أو رجفت قومت قال ابن جريج: وقال لى ابن شهاب: في السن إذا اسودت فقد تم عقلها وقال عبد العزيز بن أبى سلمة والليث إذا ضربت السن فاسودت ففيها عقلها كاملا فان طرحت بعد ذلك ففيها العقل كاملا مرة أخرى، وقال مالك: إذا اسودت السن فقد تم عقلها فان طرحت مرة أخرى فعقلها أيضا تام (1) وههنا قول آخر عن ابن عباس ان عمر بن الخطاب قال في السن [ السوداء ] (2) إذا سقطت ثلث ديتها * قال أبو محمد: وهذا هو الثابت عن عمر بن الخطاب لاتصال سنده، وجودة روايته واتصاله، حدثنا يونس بن عبد الله نا حمد بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا هشام الدستوائى نا قتادة عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب وبه يقول أحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه، وعن سعيد بن المسيب أنه قال: في السن السوداء ثلث الدية، وعن مجاهد أنه قال: إذا اسودت السن أو رجفت ثم طرحت فنصف قدرها، وان كان فيها
قدرها أول مرة وذكر ابن أبى نجيح عن مجاهد في السن السوداء ربع ديتها، وعن يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه قال في السن السوداء إذا كسرت خمس ديتها وفى كل عضو * قال أبو محمد: ففى اسودادها - كما ترى - أقوال اختلف فيها، أما التوقيت بثلث الدية ونصفها وربعها فقول لا يعضده قرآن ولاسنة والا إجماع وما كان هكذا فلا يجوز القول به فإذا كان سواد السن وأخضرارها واحمرارها وإصفرارها وصدعها وكسرها إذا كان كل ذلك خطأ لا قرآن جاء فيه بايجاب غرامة ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع على شئ من ذلك أصلا لم يجز أن يوجب في ذلك شئ أصلا لان الخطأ مرفوع بنص القرآن والاموال محرمة بالقرآن وبالسنة فلا يجوز البتة إيجاب غرامة في ذلك لانه إيجاب شرع والشرع لا يجب إلا بنص أو اجماع، وهذا مما لا يشك فيه ولا يتردد، والحمد لله رب العالمين * روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن مكحول قال: قال زيد بن ثابت في السن الزائدة ثلث ديتها، وعن الحسن البصري قال: فيها حكم، وبهذا يقول الثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم، وأما سن الصغير فروينا من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج بن ارطاة عن الوليد بن أبى مالك (3)
__________
(1) في النسخة رقم 14 " تاما " (2) الزيادة من النسخة رقم 45 (3) في النسخة رقم 14 الوليد بن مالك وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب (م 53 - ج 10 المحلى)(10/417)
عن أخيه أن عمر بن الخطاب قضى في سن صبى كسرت قبل أن يثغر (1) ببعير، وروينا من طريق عبد الرزاق عن أبى حنيفة قال: قال زيد بن ثابت في سن الصبى الذى لم يثغر عشرة دنانير * قال أبو محمد: وهى قيمة البعير عندهم في الدية.
قال عبد الرزاق قال معمر وهو قول بعض علماء الكوفة * وعن الحسن قال في سن الصبى إذا لم يثغر قال: ينظر فيه ذوا عدل فان نبتت جعل له شئ وان لم تنبت كان كسن الرجل * وعن سليمان بن يسار انه استفتى
في غلام لم يثغر أصيبت سنه هل فيها من عقل؟ قال: لا، وقال أبو حنيفة فيها حكومة، وقال مالك.
والشافعي: ان نبتت فلا شئ فيها، وقال مالك ان نبتت ناقصة أعطى بقدر نقصها عن التى تليها فان لم تنبت ففيها خمس فرائض، وهذا مما خالف فيه أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي عمر بن الخطاب.
وزيد بن ثابت رضى الله عنهما فيما روى عنهما في هذا الباب، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة رضى الله عنهم * قال أبو محمد: فإذ قد صح الخلاف في ذلك فلا يجوز أن يكلف أحد غرامة إلا بنص أو اجماع، ولا نص ولا إجماع في إيجاب شئ في سن الصبى فلا يجوز أن يجب في الخطأ في ذلك شئ أصلا وبالله تعالى التوفيق * (العين) قال أبو محمد: قد ذكرنا ان دية العين والعينين لم يأت إلا في صحيفة عمرو بن حزم.
وخبر رجل من آل عمر وخبر مكحول.
وطاوس وكلها لا يصح منها شئ لما ذكرنا ونذكر ان شاء الله تعالى ما يسر الله عزوجل لذكره مما جاء عن الصحابة رضى الله عنهم وعن التابعين رحمة الله عليهم * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري ومعمر كلاهما عن أبى اسحاق السبيعى عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب قال في العين النصف * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن عمر بن الخطاب قال: في العين نصف الدية أو عدل ذلك من الذهب أو الورق وفى عين المرأة نصف ديتها أو عدل ذلك من الذهب أو الورق، وأما عين الاعور ففى ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن عثمان نا أحمد بن خالد نا على بن عبد العزيز نا احتجاج بن المنهال ناحماد بن سلمة عن قتادة عن ابى مجلز قال: ان رجلا سأل ابن عمر عن أعور فقئت عينه خطأ فقال عبد الله بن صفوان: قضى فيها عمر بالدية كاملة فقال الرجل انى لست اياك اسأل انما اسأل ابن عمر فقال ابن عمر يحدثك عن عمر وتسألني * وبه إلى حماد بن سلمة
__________
(1) إذا سقطت رواضع الصبى قيل ثغر وهو مثغور فإذا نبتت قيل اثغر(10/418)
انا قتادة عن عبد ربه عن أبى عياض انه قال في رجل أعور فقأ عين صحيح العينين عمدا فقال قضى فيها الامير بالدية كاملة - يعنى عثمان - لان لايقتص من الاعور * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن ابن سمعان عن ابن عباس قال: دية عين الاعور الف دينار، وأخبرني مالك عن ابن شهاب انه كان يقول في عين الاعور الدية كاملة، قال مالك: بلغني عن سليمان بن يسار انه كان يقول ذلك قال ابن وهب: وأخبرني يونس ومالك عن ربيعة بن ابى عبد الرحمن مثل قال ابن وهب: وأخبرني عمر بن قيس.
ويزيد بن عياض.
وابن لهيعة قال عمر بن قيس عن عطاء عن على بن أبى طالب، وقال ابن لهيعة عن يزيد بن ابى حبيب عن محمد ابن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير، وقال يزيد بن عياض عن عبد الملك بن عبيد عن سعيد بن المسيب قالوا كلهم: مثل ذلك، وقال ابن وهب أخبرني الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد الانصاري انه قال: السنة ورأى الصالحين ان الاعور إذا فقئت عينه ثمن عين الاعور الف دينار، وانه إذا فقأ الاعور عين صحيح العينين غرم له ألف دينار * وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في عين الاعور الف دينار قال معمر: وقال قتادة والزهرى معا: إذا فقأ الاعور عين صحيح العينين عمدا أغرم الف دينار، وإذا فقأها خطأ أغرم خمسمائة دينار، وقال الزهري في رجل في احدى عينيه بياض فاصيبت عينه الصحيحة قال: نرى أن يزاد في عقل عينيه ما نقص من الاخرى التى لم تصب * وبه يأخذ الحسن البصري.
ومالك.
والليث.
وأحمد بن حنبل.
واسحاق بن راهويه، وقال آخرون: فيها نصف الدية كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز عن الحكم بن عتيبة عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال في عين الاعور خمسون * وعن مسروق انه قال: في عين الاعور نصاب أنا أدى قتيل الله فيها نصف الدية، وبه يقول الشعبى * وعن عبد الله بن مغفل انه سئل عن الرجل يفقأ عين (1) الاعور قال:
ما أنا فقأت عينه الاخرى فيها نصف الدية * وعن عطاء بن ابى رباح قال في عين الاعور نصف الدية * [ وعن ابراهيم النخعي أنه قال في عين العور تفقأ عينه خطأ قال: نصف الدية ] (2) * قال أبو محمد: قولنا في العين هو قولنا في السن سواء سواء، وانه انما جاءت في دية العين بالخطأ آثار وقد تقصيناها ولله الحمد ليس منها شئ يصح * وأما قول الصحابة رضى الله عنهم في ذلك فانما جاء ذلك عن عمر وعلى وعثمان وابن
__________
(1) في النسخة رقم 14 " فقأ عين " (2) الزيادة من النسخة رقم 45(10/419)
عمر.
وابن عباس وبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقط، وعن نفر من التابعين نحو العشرة، ومثل هذا لا يجوز أن يقطع به على جميع الامة إلا غافل أو مستسهل للكذب والقطع مما لاعلم له به فان صح اجماع متيقن في دية العين فنحن قائلون به، والا فقد حصلنا على السلامة فالاجماع المتيقن في هذا بعيد ممتنع أن يوجد في مثل هذا لان الاجماع حجة من حجج الله تعالى المتيقنة الظاهرة التى قد قطع الله تعالى به العذر وأبان بها الحجة وحسم فيها العلة، ومثل هذا لا يستتر على أهل البحث والحقائق لا تؤخذ بالدعاوي فإذ لا اجماع في ذلك فلا يجب في الخطا شئ لقول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) * قال أبو محمد: فاما قول مالك في أن في عين الاعور الدية فانه وان تعلق بما جاء وصح عن بعض الصحابة فانه قد تناقض في القياس، والعجب أن قولا ينسبه بعض أصحابه إليه من انه يرى ان القياس أقوى من خبر الواحد ثم ههنا قد ترك القياس الذى لو صح قياس في العالم (1) لكان هذا هو ذلك الذى يصح وهو انه فرق بين سمع امرئ لا يسمع إلا باذن واحدة ويد انسان اقطع ورجل اقطع فلم ير في كل ذلك إلا نصف الدية ورأى في عين الاعور الدية كاملة وليس لهم ان يدعوا في هذا اجماعا لان في هذا
اختلافا سنذكره ان شاء الله تعالى في باب يد الاقطع وسمع ذى الاذن الواحدة وبالله تعالى نتأيد، فان قالوا: انما قلنا ذلك لان عين الاعور هي بصره كله فالواجب في ذلك ما يجب في البصر كله قلنا لهم: هذا يبطل عليكم من وجهين أحد هما انه ان كان كما تقولون فيجب عليكم ان تقيدوه من عينى الصحيح معا لانه بصر ببصر لا على قولكم وأنتم لا تقولون ذلك (2) والثانى انه يقال لكم وسمع ذى الاذن الواحدة الصماء هو سمعه كله وهو له أنفع وأقوى وأقرب من تمام السمع من عين الاعور فان الاعور لا يرى إلا من جهة واحدة فقط فنما هو نصف بصره وكذلك يد الاقطع هي محل تصرفه ورجل الاقطع أيضا فاجعلوا في كل ذلك دية وأنتم لا تفعلون ذلك، ووجه ثالث وهو انه لا يجب على أصلكم هذا أن تقيدوا ذا عينين فقأ احداهما أعور فانتم تقيدون من الاعور ولا اجماع في هذا فقد أقدتم بصرا كاملا بنصف بصر، وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن عثمان بن سعيد عن قتادة عن أبى عياض ان عثمان بن عفان قضى في رجل أعور فقأ عين صحيح قال: لاقود عليه وعليه دية عينه، وقال سعيد بن المسيب: لايقاد من الاعور وعليه دية كاملة وان كان عمدا، وعن عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: الاعور يصيب عين انسان عمدا
__________
(1) في نسخة في الارض (2) في النسخة رقم 14 لا تقولون بهذا(10/420)
أيقاد منه؟ قال: ما أرى أن يقاد منه أرى له الدية وافية * وعن عبد الرزاق نا ابن جريج عن محمد بن ابى عياض أن عمر.
وعثمان اجتمعا على ان الاعور إذا فقأ عين آخر فعليه مثل دية عينيه، وقال على بن أبى طالب: أقام الله تعالى القصاص في كتابه العين بالعين وقد علم هذا فعليه القصاص فان الله تعالى لم يكن لينسى شيئا * قال أبو محمد: وأما الحنيفيون والشافعيون فانهم يعظمون خلاف الصاحب الذى يعرف له مخالف وهم قد خالفوا ههنا عمرو ابن عمر وعليا وابن عباس رضى الله عنهم ولا يعرف لهم في هذا من الصحابة رضى الله عنهم مخالف الا رواية ضعيفة قد ذكرناها
عمن لم يسم فكل طائفة تنقض أصلها وتهدم ما تبنى وما ينبغي أن يرضى لنفسه بهذا ذو ورع ونحمد الله تعالى على عظيم نعمه * (وأما العين العوراء) قال على: نذكر الآن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية وقال بهذا طائفة من السلف الطيب كما حدثنا يونس بن عبد الله نا احمد بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا هشام هو الدستوائى نا قتادة عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قضى في العين العوراء إذا فضخت واليد الشلاء إذا قطعت.
والسن السوداء إذا سقطت ثلث ديتها * وعن ابن عباس في العين العوراء إذا خسفت ثلث الدية، وقول آخر (1) روينا من طريق وكيع نا سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد هو الانصاري عن بكير بن عبداللهب الاشج عن سليمان بن يسار قال: قضى زى بن ثابت في العين القائمة إذا بخصت (2) بمائة دينار * وعن سعيد بن المسيب يقول في العين القائمة تبخص عشر الدية وقال به غيره كما روينا من طريق الحجاج ابن المنهال نا حماد بن سلمة نا محمد بن اسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط انه قال في العين القائمة إذا بخصت خمس ديتها وبه يقول الليث بن سعد وغيره وقول آخر كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج ومعمر قالا جميعا: نا ابن أبى نجيح عن مجاهد قال في العين القائمة التى لاتبصر ان ثقبت أو بخصت ففيها نصف قدر العين خمس وعشرون بعيرا من الابل وان كان قد أخذ نذرها أول مرة * وقول آخر كما روينا من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج نا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال في كتاب عمر بن عبد العزيز: ان كان لطمت العين فدمعت دموعا لاترقأ فلها ثلثا دية العين وان كانت دمعة لاتجف دمعها وهى دون الدمعة الاولى فنصف دية العين وان كانت دمعة من العين تسحل أحيانا وأحيانا يذهب فيها بصره ففيها خمسمائة دينار *
__________
(1) في النسخة رقم 14 وقال آخرون (2) بخص عينيه قلعها مع شحمتها وبابه قطع ولا نقل بخس(10/421)
وعن ابراهيم النخعي قال في العين العوراء القائمة إذا أصيبت الدية فإذا كانت مفقوءة قائمة فخسفت ففيها صلح * وعن ابراهيم النخعي من طريق جابر الجعفي في العين العوراء حكم وبه يقول أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وأصحابهم، وهو قول الزهري رويناه من طريق ابن وهب * قال أبو محمد: هذا من عجائب الدنيا ان الحنيفيين والمالكيين يدعون انهم يقولون برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا وافق أهواءهم وهم ههنا قد خالفوا رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعمر بن الخطاب.
وابن عباس في قول ثابت عنهما * قال على: نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ [ نا ابن وضاح ] (1) نا موسى بن معاوية نا وكيع نا هشام الدستوائى عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال في العين العوراء إذا تشترت ثلث الدية * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى امراء الاجناد أن يكتبوا إليه بعلم علمائهم قال: مما اجتمع عليه فقهاؤهم في شتر العين ثلث الدية * وروينا من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمه عن قتادة قال في التشتر في العين ربع الدية * قال أبو محمد: لو وجد المالكيون والحنيفيون أقل من هذا لما ترددوا وأى اجماع على أصولهم يكون أقوى من هذا الاجماع بهذا السند (2) الثابت إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز يكتب إلى امراء الاجناد يسألهم عن اجماعهم وهو خليفة لا يشذ عن طاعته مسلم في شئ من أقطار الارض كلها أولها عن آخرها من آخر الاندلس وطنجة إلى بلاد السودان إلى آخر السند وآخر خراسان وآخر أرمينية وآخر اليمن فما بين ذلك يجمع له فقهاؤهم على أن في شتر العين ثلث الدية ولكن ما على المهولين بالاجماع
مؤنة في خلاف هذا الاجماع فلا يرون في ذلك إلا حكومة، ولكن لله در الامام أبى عبد الله احمد بن حنبل رضى الله عنه إذ يقول ما حدثنا به حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن احمد بن حنبل قال: سمعت أبى يقول فيما يدعى فيه الاجماع هذا الكذب من ادعى الاجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا ولم ينه إليه فيقول لا نعلم الناس اختلفوا هذا دعوى بشر المريسى والاصم ولكن نقول لا نعلم الناس اختلفوا ولم يبلغني ذلك * قال أبو محمد: هذا هو الدين والورع لا الجسر بلا علم كما كان يقول الشعبى رحمه الله
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 45 (2) في النسخة رقم 45 بهذا الاسناد(10/422)
إذا سئل عن مسألة ماذا قال فيها الحكم البائس أجسر جسار اسميتك الفسفاس ان لم تقطع * قال على: إلا ما لا يختلف فيه مسلمان في أن من خالفه فليس مسلما فهذا اجماع صحيح كالاجماع على قول لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وكالصلوات الخمس وشهر رمضان والحج وجملة الزكاة، وما كان هكذا وما تيقن بلاشك علم جميع الصحابة وقولهم به وبالله تعالى التوفيق * (شفر العين) وأما شفر العين فقد روينا من طريق عبد الرزاق عن محمد بن راشد عن مكحول عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت انه قال في جفن العين ربع الدية، وعن الحسن البصري في كل شفر ربع الدية * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: اجتمع لعمر ابن عبد العزيز في شفر العين الاعلى إذا نتف نصف دية العين وفى شفر العين الاسفل إذا نتف ثلث دية العين، قال عبد العزيز بن عمر: وكتب أبى إلى أمراء الاجناد أن يكتبوا إليه بعلم علمائهم قال: وما اجتمع عليه فقهاؤهم في حجاج العين (1) ثلث
الدية * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال في كل شفر ربع الدية قطع ولم ينبت شعره * وبه إلى معمر عن بعض أصحابه عن الشعبى قال في كل شفر ربع دية العوض * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا احمد بن خالد نا على ابن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة نا داود بن أبى هند قال قال الشعبى في الجفن الاعلى ثلث دية العين وفى الجفن الاسفل ثلثا دية لانها ترد الحدقة وما قطع منها فيقدر ذلك، وعن الشعبى قال: كانوا لا يوقنون في الشعر شيئا، وقال أبو حنيفة.
وسفيان الثوري.
والشافعي وأصحابهم في كل جفن من أجفان العين نصف دية العين، قال الشافعي: فان نتفت الاهداب فلم تنبت ففيها حكومة، وقال مالك وأصحابه: ليس في شفر العين وحجابها الا اجتهاد الامام * قال أبو محمد: أما قول مالك فمخالف لاصول أصحابه لانهم يعظمون على خصومهم خلاف الصاحب الذى لايعرف له مخالف إذا وافق تقليدهم وههنا خالفوا قول زيد بن ثابت ولا يعرف له من الصحابة مخالف، ويحتجون بقول عمر بن عبد العزيز إذا خالف قول خصومهم ووافقهم وههنا خالفوا حكمه وقوله واجماع فقهاء الامصار وأهل عصره له لاصح اسناد يمكن أن يكون ثم أوجبوا غرامة حكومة
__________
(1) حجاج العين بفتح أوله ويكسر عظم ينبت عليه الحاجب(10/423)
في ذلك ولا يعرف هذا القول عن أحد قبلهم * قال على: وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون كلام الله تعالى.
وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم والا فالاموال محرمة فلا يجب ههنا في الخطأ شئ لقول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " * (فقأ عين انسان ثم مات الفاقئ)
قال على: حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سخنون نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن انه قال في رجل فقأ عين رجل فقام ابن عم له فقتل الفاقئ غضبا لابن عمه قال: يقتل القاتل بمن قتل ولا شئ للمفقوءة عينه وقد فاته القود قال ابن وهب: وبلغني عن ربيعة أنه قال في أعمى فقأ عين صحيح أو عينيه جميعا قال ما فيه مأخذ لقود عليه الدية * قال على: هاتان فتيتان متناقضتان لانه أوجب الدية في عين فقئت عمد الاجل امتناع القود في إحدى المسألتين ولم يوجب في الاخرى دية لاجل امتناع من القود أيضا هذا تناقض ظاهر لا يؤيده نص ولا قياس ولا خبر عن صاحب، والحق من هذا ان القود واجب ما أمكن كما أمر الله تعالى إذ يقول: (والحرمات قصاص) فإذا تعذر (1) القصاص بموت أو بعدم العضو أو بامتناع أو بفرار فان كان في ذلك دية مؤقتة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه واجبة لمن أراده مكان قصاصه الفائت لان النص اوجبها له وان لم تكن هناك دية مؤقتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة فلا شئ له لان الاحكام لا يوجبها الا الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو اجماع متيقن فإذ ذلك كذلك كما ذكرنا فاحدى فتيا ربيعة صواب والاخرى خطا فاما الصواب ففتياه في الذى فقأ عين آخر فوثب ابن عم المفقوءة عينه فقتل الفاقئ ان على القاتل القود [ ولا شئ للمفقوءة عينه لانه قد فاته القود ولم يكن له غير القود ] (1) وأما الخطا فقوله في أعمى فقا عين صحيح أو عينيه انه لاقود عليه وانما عليه الدية وذلك انه أوجب دية لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا قياس ولا نص صحيح ومنع القود الذى اوجبه الله تعالى في نص القرآن وبالله تعالى التوفيق * 2026 مسألة: جنى على عين ثم فقئت قال على: نا عبد الله بن ربيع
__________
(1) في النسخة رقم 14 فان تعذر (2) الزيادة من النسخة رقم 45(10/424)
نا محمد بن عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا على بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج بن ارطاة أن مسروقا وشريحا والشعبى وابراهيم النخعي قالوا في رجل فقئت عينه، وقد كان ذهب منها شئ انه يلقى عنه بقدر ما ذهب منها * قال على: هذا ليس فيه قرآن ولا سنة ولا اجماع، وهذه رواية ساقطة لانها عن الحجاج بن ارطاة، ولو صحت فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قلنا: ان الاموال محرمة إلا بنص أو اجماع فان كان كل ما ذكرنا خطأ فلا شئ فيه، وان كان عمدا فالقود ما أمكن وان أمكن ذهاب شئ من قوة البصر كما ذهب هو أنفذ ذلك بدوءا أو بما أمكن وان لم يمكن ذلك فقد قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فالواجب في ذلك الادب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع " ولقول الله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) فإذا عجزنا عن المثل الاخص لزمنا أن نأتى باقصى ما نقدر عليه من التماثل الآية المذكورة والادب والسجن سيئة فيهما جزاء سيئة أخرى عجزنا عن مثلها من نوعها الادنى، وبالله تعالى التوفيق * 2027 مسالة شج انسانا فذهب بصره فقال كان أعمى.
قال على: روينا من طريق ابى بكر بن ابى شيبة نا زيد بن الحباب عن سفيان الثوري عن خالد النيلى (1) عن الحكم بن عتيبة.
وحماد بن أبى سليمان انهما قالا في رجل شج رجلا فذهبت عينه.
من غير تلك الشجة فقال الحكم: ان شهدوا انها ذهبت من الضربة فهو جائز، وقال حماد: ان شهدوا أنه ضربه يوم ضربه وهى صحيحة فهو جائز * قال على: وان كان صحيحا فقد يمكن أن تذهب عينه من غير تلك الشجة فلابد من الشهادة في ذلك كما قال الحكم انها ذهبت من تلك الشجة فان شهد الشهود بذلك وكان عمدا فالقود في ذلك من كلا الامرين ومن العين فلابد من اذهاب عينه ومن شجه كما شج * قال على: برهان ذلك قول الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وهذا اعتداء منه بفعلين شجه واذهاب عين فلابد من القودين كليهما،
فان احتجوا بما رويناه من طريق أبى بكر بن أبى شية نا اسماعيل بن علية عن أيوب السختيانى عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فلم النبي صلى الله عليه وسلم يستقيد فقيل له حتى تبرأ فابى وعجل فاستقاد فعنتت رجله وبرئت رجل المستقاد منه فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ليس لك شئ قد أبيت، قلنا: هذا الخبر هو حجتنا
__________
(1) هو خالد بن دينار النيلى بكسر النون بعدها تحتانية نسبة إلى النيل بلد بين واسط والكوفة (م 54 - ج 10 المحلى)(10/425)
وعمدتنا وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمره بالتأخير حتى يبرأ فيقاد له بما تبلغه تلك الحال التى يبرأ عليها فأبى فاعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقه فلما عنتت رجله - والعنت البرؤ على عوج - (1) لم يمكن أن يستقيد من العوج أصلا فلا شئ له، ولو لا وجوب القود من كل ما يمكن لما كان لتأخيره معنى وبالله تعالى التوفيق * 2028 مسألة قول المتأخرين في جناية على عضو بطل منه عضو آخر * قال على: قال أبو حنيفة: إذا شج آخر موضحة فذهبت عيناه أو قطعت أصبعه فشلت أصبع له أخرى أو قطعت إحدى يديه فشلت الاخرى أيتهما كانت أو قطعت أصبعه فشلت يده أو قطع بعض أصبعه فبطلت الاصبع كلها أو شجه موضحة فصارت منقلة فلا قصاص في شئ من ذلك وعليه الارش، وقال أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن صاحباه: مثل هذا في العضو الواحد كالموضحة تصير منقلة أو قطع أنملة فشلت أصبعه قالا: وأما إذا شج موضحة فبطلت عينه أو قطع أصبعه فبطلت أصبع أخرى أو يد أخرى فعليه القصاص في الاولى وعليه الارش في الاخرى، وقد روى عن أبى يوسف.
ومحمد.
وأبى حنيفة أيضا انه ان قطع له أنملة فسقطت من المفصل أصبعه أو يده كلها من المفصل أو كسر بعض سنه فسقطت السن كلها كان القصاص في السن كلها في جميع اليد وفى جميع الاصابع وانه ان قطع أصبعه فسقطت الكتف من نصف الساعد وبرئ فلا قصاص له
كانه ابتدأ قطعها من نصف الساعد، وفرقوا بين الشلل والسقوط، وقال عثمان البتى: إذا فقأ عينه عمدا فذهبت العين الاخرى [ اقتص منه ] و (2) فقئت عينا الفاقى جميعا، وقال مالك: إذا قطع أصبعه فشلت يده فعليه لاقصاص من الاصبع وهل الارش في اليد، ويجتمع في قوله العقل والقصاص جميعا في عضو واحد، وقال الشافعي: ان قطع احدى انثيية فذهبت الاخرى اقتص منه في التى قطع وعليه الدية في الاخرى * قال أبو محمد: الحكم في هذا كله ما تيقن انه تولد من جناية العمد فبالضرورة ندرى انه كله جناية عمدو عدوان فالواجب في ذلك القود أو المفاداة سواء في ذلك النفس وما دونها، والعجب كله انهم كلهم أصحاب قياس بزعمهم وهم لا يختلفون في أن من قطع أصبع آخر فمات منها فان عليه القود في النفس ثم يمنع من منع منهم فيمن قطع اصبع آخر فذهبت كفه منها ان يقاد منه في الكف فهل في التناقض أفحش من هذا؟ وأما إذا أمكن أن تتولد الجناية الاخرى من غير الاولى فلا شئ فيها لاقود ولاغيره مثل أن يقطع له يدا فتشل له الاخرى فهذا ان لم يتيقن انه تولد من الجناية الاولى
__________
(1) في النسخة رقم 45 على عرج (2) الزيادة من النسخة رقم 45 وعليها فما بعدها تفسير لها(10/426)
فلسنا على يقين من وجوب شئ على الجاني وإذا لم نكن على يقين من انه يلزمه شئ فلا يجوز أن يلزم شيئا لا في بشرته ولا في ماله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " * قال على: وكان في أصحابنا فتى اسمه يبقى بن عبد الملك ضربه معلمه في صباه بقلم في خده فيبست عينه فهذا عمد يوجب القود لان الضربة كانت في العصبة المتصلة بالناظر وبالله تعالى التوفيق * 2029 مسألة من أمسك آخر حتى فقئت عينه أو قطع عضوه أو ضرب، قال على: نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب
أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب انه كان يقول في الرهط يجتمعون على الرجل فيمسكونه فيفقا أحدهم عينه أو يكسر رجليه أو يديه أو أسنانه أو نحو هذا انه يقاد من الذى باشر ذلك منه، وأما الآخرون الذين أمسكوه فيعاقبون عقوبة موجعة منكله فان استحب المصاب الدية كانت الدية عليهم كلهم يغرمونها جميعا سواء قال يونس: وقال ربيعة ان أحب الذى فقئت عيناه الدية فله اثنا عشر الف درهم في عينيه فان كان الذين أمسكوه انما أمسكوه ليفقأ عينيه فعليهم الدية جميعا وان كانوا أمسكوه ليصكه أو ليضربه لا يريدون بذلك فق ء عينيه فالدية على الذى فقأ عينيه دون أصحابه، قال ابن وهب.
قال ابن سمعان: قال ربيعة.
ان أراد القود أقيد منهم جميعا ممن باشر ذلك وممن أمسكه * قال أبو محمد: أما إيجاب الدية عليهم كلهم والمنع من القود منهم كلهم فخطأ لا إشكال فيه وتناقض ظاهر لانهم لا يخلو من أن يكونوا كلهم فقأه أو لم يفقاه كلهم لكن من باشره خاصة لاسبيل إلى قسم ثالث فان كانوا كلهم فقأ عينيه فالقود عليهم كلهم كما الدية عليهم كلهم ولافرق، وان كانوا ليس كلهم فقأه لكن المباشر خاصة فالزام الدية في ذلك من لم يفقا ولا كسر ولاقطع خطا، وهذا لاخفاء به * وأما قول ربيعة في إيجاب القود على جميعهم أو الدية على جميعهم فلم يتناقض ولكنه خطا لان الممسك آخر ليفقا عينيه أو ليقطع يده أو ليخصى أو ليجنى عليه أو ليضرب لا يقع عليه البتة في اللغة ولا في الشريعة اسم فاقئ ولا اسم قاطع ولا اسم كاسر ولا اسم ضارب، وإذا لم يكن شيئا من هذا فلا قود عليه في ذلك لان الله تعالى انما قال: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فبطل هذا القول بلاشك، وهذا مما خالف فيه مالك شيخيه ربيعة والزهرى، لانهما جعلا في جناية العمد في العين الخيار بين القود أو الدية وهو لا يرى فيها إلا القود فقط وهما كبشا المدينة *(10/427)
قال على: والحكم في هذا هو أن يقتص من الفاقئ والكاسر والقاطع والضارب
بمثل ما فعل ويعزر الممسك ويسجن على ما يراه الحاكم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده " ولامره صلى الله عليه وسلم بالتعزير في كل ما دون الحد عشرة أسواط فاقل على ما نذكره في باب التعزير ان شاء الله تعالى من كتاب الحدود، فان قال قائل: انكم تقولون فيمن أمسك آخر للقتل فقتل انه يسجن حتى يموت فهذا خلاف لما قلتم ههنا أم لا فجوابنا وبالله تعالى التوفيق: انه ليس ذلك مخالفا لشئ منه لان الحكم في هذا قول الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فكل من فعل فعلا يوصف به وكان به متعديا فانه يجب أن يعتدى عليه بمثله بأمر الله تعالى فالممسك آخر حتى قتل ممسك له وحابس حتى مات وليس قاتلا فالواجب أن يحبس حتى يموت فهو مثل ما اعتدى به، ولا نبالي بطول المدة من قصرها (1) إذ لم ايأت بمراعاة ذلك نص ولا اجماع وبالله تعالى التوفيق * 2030 مسألة عين الدابة، قال على: نا أبو عمر أحمد بن قاسم نا أبي قاسم ابن محمد بن قاسم أخبرني جدى قاسم بن اصبغ نا زكريا بن يحيى الناقد نا سعيد بن سليمان عن ابى أمية بن يعلى نا أبو الزناد عن عمرو بن وهب عن أبيه عن زيد بن ثابت ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض في الرأس إلا في ثلاث.
المنقلة والموضحة.
والآمة.
وفى عين الفرس بربع ثمنه * نا محمد ابن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا ابو جناب هو يحيى بن ابى حية الكلبى عن أبى عون محمد بن عبيدالله الثقفى عن شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه في فرس فقئت عينه أن يقوم الفرس ثم يكون في عينه ربع قيمته نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا على بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة انا عبد الملك بن عمير قال: ان دهقانا فقأ عين فرس لعروة بن الجعد فكتب سعد بن أبى وقاص إلى عمر بن الخطاب يساله عن ذلك فكتب عمر إليه أن خير الدهقان فان شاء أخذ الفرس وأعطى الشروى وان شاء أعطى ربع ثمنه فقوم الفرس عشرين الفا فغرم خمسة آلاف، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
عن عبد الكريم أن على بن ابى طالب قال في عين الدابة الربع يعنى ثمنها، عن محمد ابن سيرين أن شريحا قال في الدابة إذا فقئت عينها لصاحبها الشروى فان رضى جبرها بربع ثمنها، وعن ابن جريج قلت لعطاء عين الدابة قال الربع زعموا، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن مجالد عن الشعبى أن عمر بن الخطاب قضى في عين
__________
(1) في النسخة رقم 14 من طول المدة بقصرها(10/428)
جمل أصيبت بنصف ثمنه ثم نظر إليه بعد فقال ما أراه نقص من قوته ولا من هدايته فقضى فيه بربع ثمنه، وعن الحسن بن حى في عين الدابة ربع ثمنها فان قطع ذنبها أغرم ما نقصها، وقال أبو حنيفة.
وزفر في الفرس والبعير والبقرة تفقا عين كل واحد منهم ربع ثمنه فان فقأ عين شاة فليس في ذلك [ إلا ما نقصها وقال مالك.
والشافعي.
وزفر في احد قوليه ليس في كل ذلك ] (1) إلا ما نقص من الثمن فقط، وهو قول ابى سليمان.
وأصحابنا وقال الليث: ان فقأ عين دابة أو كسر رجلها أو قطع ذنبها فعليه ثمنها كلها أو مثلها * قال أبو محمد: أما الحديث المذكور فلا يصح لانه من رواية أبى أمية اسماعيل ابن يعلى الثقفى وليس بشئ، وأما الرواية في ذلك عن عمر بن الخطاب.
وسعد بن أبى وقاص.
وشريح.
وعطاء فثابته، وأما الرواية عن على بن أبى طالب أنه قضى في ذلك بنصف القيمة وعن عمر بمثل ذلك فواهيتان أما التى عن على فهى عمن لا يدرى عن محمدن بن جابر اليمامى وهو هالك عن جابر الجعفي وهو مفروغ منه * وأما التى عن عمر بن الخطاب فمثل ذلك لانها عن مجالد وهو ضعيف عن الشعبى عن عمر ولم يولد الشعبى إلا بعد موت عمر بنحو عشرة أعوام * قال أبو محمد: إلا أن المالكيين قد يحتجون باسقط من هذا الحديث إذا وافق تقليدهم كاحتجاجهم " بلا يؤمن أحد بعدى جالسا " وبحديث حرام في الاستظهار وبكثير جدا قد ذكرناه مفرقا وسنجمعه ان شاء الله تعالى *
قال على: وأما نحن فانه لاحجة عندنا إلا في نص قرآن أو سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اجماع متيقن لا خلاف فيه من أحد وليس في هذه المسالة شئ من هذه البراهين فإذ ذلك كذلك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فلا يجوز الزام فاقئ عين الدابة الا ما أوجبه نص أو اجماع، وقد قال الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فواجب بهذه الآية الزامه قيمة ما نقص فقط وبالله تعالى التوفيق * (الحاجب) 2031 مسألة: قال أبو محمد: قد اختلف الناس في الحاجبين نا حمام ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قضى أبو بكر الصديق في الحاجب إذا أصيب حتى يذهب شعره فقضى فيه موضحتين عشرا من الابل، وقال آخرون: غير هذا كما روينا بالاسناد المذكور
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 45(10/429)
إلى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرنا عبد الكريم انه بلغه عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الحاجب يتحصص شعره أن فيه الربع وفيما ذهب منه بالحساب فان أصيب الحاجب بما يوضح ويذهب شعره كان قدر الحاجب فقط ولم يكن للموضحة قدر فان أصيب بمنقولة كان قدر الحاجب والمنقولة جميعا، وروى عن زيد بن ثابت أن في الحاجب الواحد ثلث الدية، وقال الشعبى في الحاجبين الدية، وعن سعيد بن المسيب قال في الحاجبين إذا استوعبا الدية وفى أحدهما نصف الدية، وعن ابراهيم النخعي قال: كان يقال في كل اثنين من الانسان الدية وفى كل واحد النصف قلت الثنتين قال: لعل ذلك قال وفى كل واحد من الانسان الدية، وعن الشعبى قال: في كل اثنين من الانسان الدية * نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا احمد بن
خالد نا على بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة انا الحجاج بن ارطاة عن الحكم بن عتيبة أن شريحا قال في الحاجبين والشفتين واليدين والرجلين نصف الدية يعنى في كل واحد منهما وفى كل فرد في الانسان الدية، وهو قول الحسن البصري.
وقتادة وأبى حنيفة واحمد بن حنبل وأصحابهم، وقال آخرون فيها حكومة فقط، وهو قول مالك والشافعي وأصحابهما، وقال آخرون: لا شئ فيها كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء بن أبى رباح الحاجب يشتر قال لم أسمع فيه بشئ * قال أبو محمد: أما الحنيفيون والمالكيون والشافعيون فقد نقضوا ههنا أصولهم في تهويلهم بخلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم وهم ههنا قد خالفوا ما روى عن أبى بكر الصديق وزيد بن ثابت وسائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أقوال لم تحفظ قط عن صاحب وهذا قبيح جدا فاما الحنيفيون فانهم طردوا القياس ههنا إذ جعلوا في كل اثنين في الانسان الدية قياسا على اليدين والحاجبان اثنان، وأما قول مالك والشافعي فان أصحابهما لامؤنة عليهم في ادعاء الاجماع من الامة فيما لا يعرفون فيه خلافا نعم حتى انهم ليدعونه فيما فيه الخلاف مشهور كفعلهم في الموضحة على ما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى، ولا نعلم أحدا قال قبل مالك بقوله في الحاجبين حكومة.
هذا ولم يتبع فيه نص قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا قياس فينبغي لهم أن لا ينكروا على من قال بقول اتبع فيه القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أباح الله تعالى قط لمالك ولا لابي حينفة ولا للشافعي شيئا حرمه الله تعالى على غيرهم * قال على: فإذ لانص في الحاجبين يصح ولا اجماع فيما يتيقن فالواجب ان لا يجب(10/430)
فيهما في العمد الا القود أو المفاداة، وأما في الخطأ فلا شئ لان الاموال محرمة إلا بنص أو اجماع والحكومة غرامة فلا يجوز الزامها أحدا بغير نص ولا اجماع وهو
قول عطاء كما أوردنا * (الانف) 2032 مسألة: قال على: نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن أبى اسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة ن على بن أبى طالب اله قال في الانف الدية * وبه إلى وكيع نا اسرائيل عن جابر عن الشعبى قال في العرنين الدية * وبه إلى وكيع نا سلام عن المغيرة عن ابراهيم النخعي قال في المارن الدية، وعن يزيد بن عبد الله ابن قسيط انه قال: في الانسان خمس ديات الانف واللسان والذكر والصل والفؤاد، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عكرمة قال في الروثة النصف قال عبد الرزاق أحسبه ذكره عن عمر، وعن معمر عن أبى نجيح عن مجاهد قال في روثة الانف ثلث الدية * ومن طريق عبد الزراق عن ابن جريج عن ابن أبى نجيح عن مجاهد انه كان يقول في الروثة الثلث فإذا بلغ من المارن العظم فالدية وافية فان أصيب من الروثة الارنبة أو غيرها لم يبلغ العظم فبحساب الروثة * وعن ابن جريج عن سليمان ابن موسى أن عمر بن عبد العزيز قال: في الانف إذا أوعى جدعه الدية كاملة فما أصيب من الانف دون ذلك فبحساب ذلك * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبيه عن الشعبى قال: ما ذهب من الانف فبحسابه * نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا احمد بن خالد نا على بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد ابن سلمة عن الحجاج بن ارطاة عن مكحول انه قال في روثة الانف ثلث دية الانف وفى الجنابتين إذا خرمتا ثم لم تلتئما في كل واحد منهما ثلث دية الانف وفى الروثة ثلث دية الانف وفى قصبة الانف إذا انكسرت ثم انجبرت ثلاثة أبعرة * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق نا ابن جريج عن عثمان ابن سليمان ان عبدا كسر احدى قصبتي أنف رجل فرفع ذلك إلى عمر بن عبد العزيز
فقال عمرك وجدنا في كتاب لعمر بن الخطاب أيما عظم كسر ثم جبر كما كان ففيه حقتان فراجعه ابن سراقة فقال: ايما كسر أخذ من القصبتين فابى عمر الا ان يجعل فيه الحقتين * وبه إلى ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: ان كسر الانف كسرا يكون شيئا فسدس ديته وان كان المنخران منهما الشين فثلث دية(10/431)
المنخرين وان كان مارن الانف مهبورا هبرة فله ثلث الدية وان كان مهشوما ملتطيا يبح صوته كالعين فنصف الدية لعينيه وبحه خمسمائة دينار فان كان ليس فيه عيب ولا غش ولا ريح توجد منه فله ربع الدية، فان أصيب قصبة الانف فجافت وفيه شين ولا ريح ولا يوجد ريح شئ فالدية مائة وخمسة وعشرون دينارا.
وان ضرب أنفه فبرأ غير أنه لا يجد ريحا طيبة ولا ريح شئ فله عشر الدية، سمعت مولى لسليمان بن حبيب يحدث قال: قضى سليمان بن حبيب في الانف إذا وثن بعشرة دنانير وإذا كسر بمائة دينار، وبه إلى ابن جريج قال قلت لعطاء في الانف جائفة؟ قال: نعم قال ابن جريج: واخبرني ابن ابى نجيح عن مجاهد انه كان يقول في جائفة الانف ثلث الدية فان نفذت فالثلثان، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن عطاء الخراساني في الانف إذا خرم مائة دينار * قال أبو محمد: فحصل من هذا عن على أن في الانف الدية وكذلك عن الشعبى، وعن عمر بن عبد العزيز.
وعن ابن قسيط.
وعن ابراهيم ومجاهد في المارن الدية وهو كل ما دون العظم، وعن عمر بن عبد العزيز في المارن ثلث دية الانف، وعن الشعبى في العرنين الدية وهو ما دون المارن، وعن مجاهد في الروثة الثلث وهى دون العرنين وهو قول ابن حنبل واسحاق وقتادة وفى الارنبة بحساب ذلك وهو طرف الانف، وعن مجاهد مكحول في الروثة ثلث الدية وفى خرم جنبتى الانف إذا لم يلتئما في كل واحد من الخرمين ثلث دية الانف، وعن مكحول واسحاق
في الوترة ثلث دية الانف وهى الحاجزة بين ثقبت الانف، وفى قصبة الانف إذا كسرت ثم انجبرت ثلاثة أبعرة، وعن عمر بن الخطاب.
وعمر بن عبد العزيز في ذلك بعيران حقتان وفى كسر الثنتين عن عمر بن عبد العزيز سدس دية الانف فان كان في كلا المنخرين فثلث دية الانف وفى هشم الانف حتى يكون لاطيا يبح صوته نصف دية النفس وان لم يكن فيه ريح منتة ولا رشح فربع دية النفس وفى جائفته عشر دية وربع عشر دية، وفى جائفة الانف عن مجاهد ثلث دية النفس فان نفذت فالثلثان، وعن عطاء الخراساني في خرم الانف عشر الدية، وقال مالك فيما دون المارن من كل ما ذكرنا حكم، وبه قال الشافعي.
وأبو حنيفة * قال أبو محمد: وكل هذا لا يصح منه شئ والذى نقول به وبالله تعالى التوفيق: انه لاسبيل إلى أن يوجد في هذا خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلا فقد بحث عنه البحاث من أقصى خراسان إلى أدناها وأهل فارس وأصبهان وكرمان.
وسجستان(10/432)
والسند.
والجبال.
والرى.
والعراق.
وبغداد.
والبصرة.
والكوفة وسائر مدنها.
واذربيجان وأرمينية.
والاهواز ومكة والمدينة واليمن والجزيرة ومصر والشام والاندلس فما وجدوا شيئا مذ أربعمائة عام وأربعين سنة غير ما ذكرنا مما لا يصح عند أحد من أهل العلم بالحديث فبطل أن يكون هنا خبر ثابت تقوم به الحجة ولا قرآن في ذلك أصلا ونحن نوقن ان الله تعالى قد أقام الحجة من القرآن والسنن وأوضح الاجماع ايضاحا لا يخفى على أحد من مبتداه إلى منتهاه، وهذه الصفة معدومة ههنا * قال على: فقولنا ههنا الذى ندين الله تعالى به ونلقاه عليه أنه لو صح عندنا في ذلك أثر لقلنا به ولما خالفناه ولو صح عندنا في ذلك اجماع لقلنا به ولما ترددنا في الطاعة له فإذ لامنة في ذلك ولا اجماع فليس فيه الا القود في العمد أو المفاداة ولا شئ في الخطأ لقول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم)
وبالله تعالى التوفيق * (الشعر) 2033 مسألة: قال أبو محمد: نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا منهال بن خليفة العجلى عن أبى عبد الله سلمة بن تمام الشقرى قال: مر رجل بقدر فوقعت منه على رأس رجل فاحرقت شعره فرفع إلى على بن أبى طالب فأجله سنة فلم ينبت فقضى على عليه فيه بالدية * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية - هو الضرير - نا حجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت قال في الشعر الدية إذا لم ينبت، وقد احتجوا في كثير من هذه الابواب بهذه الرواية نفسها وهو قول الشعبى، وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة والحسن بن حى.
واحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه في شعر الرأس إذا لم ينبت الدية وفى شعر اللحية إذا لم ينبت الدية، وأما المالكيون والشافعيون فليس عندهم في ذلك إلا حكومة وهذا مما نقضوا فيه أصولهم في تشنيعهم خلاف الصاحب الذى لايعرف له مخالف وقد جاء ههنا عن على بن أبى طالب وزيد بن ثابت ما لا يعرف عن أحد من الصحابة ولا من التابعين مخالف، وهذا يريك انهم لا يضبطون أصلا وقد قال بعضهم: ليس للشعر أصل يرجع إليه في السنة فيقال لهم: ولا في شئ مما أوجبتم فيه الدية من الاعضاء أصل من السنة يصح حاش الاصابع فقط * (الشاربان) (م 55 - ج 10 المحلى)(10/433)
2034 مسألة: قال على (1) نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: اجتمع لعمر بن عبد العزيز أن من مرط الشارب ففية (2) ستون دينارا فان مرطا جميعا ففيهما مائة وعشرون دينارا، قال عبد الرزاق
وقال معمر: بلغني في الشاربين مائة وعشرون دينارا في كل واحد ستون دينارا * قال على: عهدنا بهم يحتجون بعمر بن عبد العزيز في البتة وغيرها فما لهم لا يتبعونه فيما اجتمع له عليه ههنا ولكنهم لا يتفق لهم قول الا في النادر وليس فيهما شئ عندنا في الخطأ لانه لانص في ذلك ولا اجماع الا القود في العمد فقط، وبالله تعالى التوفيق * (العقل) 2035 مسألة نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان - هو الثوري - عن عوف قال: سمعت شيخا يحدث في المسجد فجلسته فقالوا ذاك أبو المهلب عم أبى قلابة قال: رمى رجل رجلا بحجر في رأسه فذهب سمعه ولسانه وعقله ويبس ذكره فقضى فيه عمر باربع ديات وهو حى * وبه إلى سفيان عن ابن أبى نجيح عن مجاهد قال: في العقل الدية * ومن طريق عبد الرزاق عن محمد بن راشد عن مكحول عن قبيصة بن ذوئيب عن زيد بن ثابت قال في الرابية بعير وفى الباضعة بعيران وفى المتلاحمة ثلاثة أبعرة من الابل وفى السمحاق اربع وفى الموضحة خمس وفى الهاشمة عشر وفى المنقلة خمس عشرة وفى المأمومة ثلث الدية وفي الرجل يضرب حتى يذهب عقله الدية كاملة أو يضرب حتى يغن فلم يفهم الدية كاملة أو حتى يبح فلا يفهم الدية كاملة، وفى جفن العين ربع الدية، وفى حلمة الثدى ربع الدية * قال أبو محمد: وبه يقول سفيان الثوري.
وأبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وابن حنبل وأصحابهم، وهذا كالذى قبله وما فيه عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم الا أقل مما في العين العوراء وقد خالفه أبو حنيفة.
ومالك والشافعي فليت شعرى أي فرق بين الامرين الا الدعوى الكاذبة المفتضحة في الاجماع؟ وقد خالف المالكيون في هذا الخبر زيد بن ثابت في الدامية والباضعة والمتلاحمة والسمحاق والهاشمة وفى جفن العين وحلمة الثدى فما الذى جعل بعض قوله حجة وبعضه لاحجة؟ ان هذا
لعجب، فان قالوا: أخذنا بقول عمر في ذلك قيل لهم: فهلا أخذتم بقول عمر في العين العوراء والسن السوداء وسائر ما ذكرناه قبل؟ فمرة يكون قول عمر بن الخطاب
__________
(1) سقط من النسخة رقم 45 لفظ قال على (2) في النسخة رقم 45 ان مرط الشارب فيه(10/434)
وزيد حجة ومرة يكون قولهما لاحجة فيه، ونعوذ بالله من التدين بمثل هذه الاقوال * قال أبو محمد: فإذ لانص في العقل ولا اجماع يثبت فيه فلا شئ في ذهابه بالخطأ، وأما بالعمد فانما هي ضربة كضربة ولا مزيد فان لم يذهب عقل المتقص منه فلا شئ عليه فقد اعتدى بمثل ما اعتدى به عليه، وأيضا فالخبر في هذا عن عمر لا يصح لان أبا المهلب عبد الرحمن بن عمرو لم يدرك عمر بن الخطاب فزاد الامر وهنا على وهن * (اللحيان والذقن) 2036 مسألة: نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا احمد بن خالد نا على بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن مكحول انه قال: في اللحيين إذا كسر ثم انجبر سبعة أبعرة * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر وابن جريج كلاهما عن رجل عن الشعبى في اللحى إذا كسر أربعون دينارا، وعن عبد الرزاق عن معمر عن ابن جريج عن رجل عن سعيد بن المسيب قال في فقمى الانسان قال يثنى ابهامه ثم تجعل قبضتهما السفلى ويفتح فاه فيجعلها بين لحييه فما نقص من فتحة فاه من قصبة ابهامه السفلى فبالحساب * قال على: وهذا أيضا كسائر ما سلف ولا فرق ولا شئ في ذلك بالخطا وفيه القود بالعمد * (الاصابع) 2037 مسألة: قد ذكرنا الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتداء كلامنا في
باب الاعضاء، وانه عليه الصلاة والسلام صح عنه أنه قال: " الاصابع سواء هذه وهذه سواء " يعنى الخنصر والابهام وانه عليه الصلاة والسلام قال: " الاصابع عشر عشر " فهذا نص لا يسع احدا الخروج عنه * قال أبو محمد: وباليقين ندرى انه ليس ههنا الا عمد أو خطأ وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: " رفع عن أمتى الخطا " وصح قول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطاتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) فورد هذان النصان وكان ممكنا أن يستثنى كل واحد منها من الآخر يمكن أن يكون المراد ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ورفع عن أمتى الخطا الا في دية الاصابع.
وكان ممكنا ان يكون المراد في الاصابع عشر عشر في العمد خاصة لافى الخطا ولم يجز لاحد أن يصير إلى أحد الاستثناءين الا بيقين نص أو اجماع لانه خبر عن الله تعالى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم(10/435)
ولا يحل الخبر عن الله تعالى الا بنص ثابت في القرآن أو عن رسوله المبين عنه عليه السلام، ونحن على بصيرة ويقين من الله تعالى لا يدعنا في عمى من هذا الحكم في الدين لانه تعالى يقول: (تبيانا لكل شئ وهدى) وقال تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم) فنظرنا في ذلك ضارعين إلى الله تعالى في أن يليح لنا الحق في ذلك فلا هدى إلا من قبله تعالى فابتدانا بالعمد فوجدنا الناس مختلفين فطائفة قالت: لا شئ في العمد الا القود فقط ولا دية هنالك، وقالت طائفة: فيه القود أو الدية فوجدنا الاختلاف في وجوب الدية في العمد في ذلك ثم رجعنا إلى الخطا في ذلك فلم نجد اجماعا متيقنا على وجوب الدية في الخطا في ذلك ثم وجدنا القائلين بالدية في ذلك مختلفين فيما دون الثلث فطائفة قالت: هي في مال الجاني وطائفة قالت: هي على عاقلته فلم نجد اجماعا منهم أيضا في هذا ولم يجز أن يلزم الجاني غرامة لم يوجبها عليه نص ولا اجماع بل قد أسقط الله تعالى عنه الجناح بيقين في ذلك، ولم يجز أيضا أن تلزم عاقلته غرامة في ذلك بغير نص ولا اجماع بل النص مسقط عنهم ذلك بقول الله تعالى: (ولا تكسب
كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) فبطل بيقين أن يجب في الخطا في ذلك شئ لانه لانص يبين هذه العشرة على من هي وإذا لم يبين النص ولا الاجماع على من هي فمن الباطل المتيقن أن يكون الله تعالى يلزم غرامة من لا يبين لنا من هو الملزم إياها هذا امر نقطع ونبت ان الله تعالى لم يفعل بنا ذلك قط وهو تعالى القائل متفضلا علينا: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) والآمر تعالى لنا إذ يقول: (ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا) إلى قوله تعالى: (مالا طاقة لنا به) والقائل تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وبيقين ندرى انه ليس في وسع أحد ولا في طاقته ان يفهم مراد الله تعالى من غير ان يفهمه الله تعالى إياه فسقط أن يكون في الخطأ غرامة أصلا فيما دون النفس فسقط أن يكون في الخطأ في ذلك دية أصلا فرجعنا إلى العمد فلم يكن بد من ايجاب دية الاصابع كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم اما على العامد واما على المخطئ أو على عاقلة المخطئ وقد سقط أن يجب في ذلك على المخطئ أو على عاقلته شئ بنصوص القرآن التى أوردنا فلم يبق في ذلك الا العامد فالدية في ذلك واجبة على العامد بلا شك إذ لم يبق الاهو، وأيضا فان الله تعالى يقول: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وكان العامد مسيئا بسيئته فالواجب بنص القرآن أن يساء إليه بمثلها والدية إذ أوجبها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفى اساءة مسئ فهى مثل سيئة ذلك المسئ بلاشك، وكذلك الحدود إذا أمر الله تعالى بها أيضا فإذا فاتت المماثلة بالقود في الاصابع وجبت المماثلة بالدية في ذلك *(10/436)
(الخلاف في الاصابع) 2038 مسألة: قال أبو محمد: نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا احمد ابن خالد نا على بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في الابهام والتى تليها نصف دية اليد وفى الوسطى عشرة أبعرة وفى البنصر تسعة أبعرة وفى الخنصر ستة أبعرة * وبه إلى الحجاج بن
المنهال نا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في الابهام خمسة عشر بعيرا وفى السبابة عشرا وفى الوسطى عشرا وفى البنصر تسعا وفى الخنصر ستا وقد وافقه على ذلك غيره كما روينا بالسند المذكور إلى حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه انه قال في الابهام والتى تليها نصف الدية وجاء عن عروة بيان زائد عن أبيه قال: إذا قطعت الابهام والتى تليها ففيها نصف دية اليد وإذا قطعت احداهما ففيها عشر من الابل، وعن على بن أبى طالب قال: الاصابع عشر عشر، وعن الشعبى أنه قال: جاء رجل من مراد إلى شريح فقال: يا أبا أمية ما تقول في دية الاصابع؟ قال سواء في كل أصبع ما هنالك عشر من الابل فجمع المرادى بين ابهاميه وخنصريه وقال: يا سبحان الله سواء هاتان فقال شريح: نتبع ولا نبتدع.
فانك لن تضل ما أخذت بالاثر يدك وأذنك في اليد النصف وفى الاذن النصف والاذن يواريها الشعر والقلنسوة والعمامة وعن الشعبى قال: أشهد على مسروق وشريح انهما قالا: الاصابع سواء عشر عشر من الابل، وقد روينا هذا القول عن ابن عباس قبل، وعن زيد بن ثابت رضى الله عنهم * قال أبو محمد: وليعلم العالمون أنه لم يأت عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم أن هذه الدية في الخطاء واعجب من ذلك من لا يرى هذه الدية في العمد أصلا ولا يراها إلا في الخطأ فعكس الحق عكسا، ونحمد الله على السلامة * قال على: وأما مفاصل الاصابع فقد روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وعن رجل عن عكرمة عن عمر بن الخطاب في كل أنملة ثلث دية الاصبع، وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن سليمان بن موسى قال في كتاب عمر بن عبد العزيز إلى الاجساد في كل قصبة من قصب الاصابع قطعت أو شلت ثلث دية الاصابع (1) إلا ما كان من ابهامها فانما هي قصبتان ففى كل قصبة من الابهام نصف ديتها، وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم النخعي قال: في كل مفصل من الاصابع ثلث دية الاصبع إلا الابهام فانها مفصلان في كل مفصل النصف *
__________
(1) في النسخة رقم 45 الاصبع(10/437)
قال على: لا نعرف (1) في هذا خلافا والذى نقول به وبالله تعالى التوفيق: هو ان النبي صلى الله عليه وسلم وسلم حكم في كل أصبع بعشر من الابل فواجب بلا شك ان العشر المذكورة مقابلة للاصبع ففى كل جزء من الاصبع جزء من العشر فعلى هذا في نصف الاصبع نصف العشر وفى ثلث الاصبع ثلث العشر وهكذا في كل جزء وبالله تعالى التوفيق، وأما الاصبع تشل فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاصابع عشر عشر فهذا عموم لا يخرج عنه إلا ما أخرجه نص أو إجماع، وقد قيل: ان في شلل الاصبع ديته كاملة فالواجب القول بذلك لعموم النص الذى ذكرنا، وأما كسره فيفيق عنتا أو صحيحا إلا أنه لم يبطل فلا شئ في ذلك عندنا * قال أبو محمد: فهذا النص الذى ذكرنا يقتضى ان أصابع اليدين والرجلين سواء لعموم ذكره عليه الصلاة والسلام الاصابع * وروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن مكحول عن زيد بن ثابت انه قال: في الاصبع الزائدة ثلث دية الاصبع، وقال معمر: بلغني ان في الاصبع الزائدة.
والسن الزائدة ثلث ديتها وقال آخرون: فيها حكومة، وقال آخرون: لا شئ فيها فنظرنا فوجد نا النص عن النبي صلى الله عليه وسلم قد صح بأن في الاصبع عشرا من الابل، واسم أصبع يقع على زائدة ولم يخص عليه الصلاة والسلام أصبعا زائدة من غيرها وما كان ربك نسيا، ولو أراد ذلك لبينه فواجب أن يكون فيها ما في سائر الاصابع، وبالله تعالى التوفيق * 2039 مسألة: قال على: قد ذكرنا ما جاء في اليد تشل أو تقطع في كتاب ابن حزم وتلك الصحيفة وانه لا يصح شئ من ذلك، روينا من طريق الحجاج بن منهال نا حماد بن سلمة عن محمد بن اسحاق عن عمرو بن شعيب قال: كان في كتاب أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، ان في الرجل إذا يبست فلم يستطع ان يبسطها أو بسطها فلم يستطع أن يقبضها أو لم تنل الارض ففيها نصف الدية فان نال منها شئ الارض فبقدر ما نقص منها وفى
اليد إذا لم يأكل بها ولم يشرب بها ولم يأتزر بها ولم يستصلح بها: ففيها نصف الدية نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية ناوكيع نا سفيان الثوري عن ابى إسحاق السبيعى عن عاصم عن على بن ابى طالب قال في اليد النصف، وحدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز ابن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عمر بن عبد العزيز عن عمر بن الخطاب قال في اليد نصف الدية فما نقصت فبالحساب، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن قتادة، وعن رجل عن عكرمة في اليد إذا شلت ديتها كاملة *
__________
(1) في النسخة رقم 14 لا نعلم(10/438)
2040 مسألة في اختلافهم في موضع قطع اليد (1)، قال أبو محمد: نا يونس بن عبد الله بن مغيث نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا أبو عوانة عن مغيرة بن مقسم الضبى عن ابراهيم النخعي قال: ان قعطت اليد من الكف فنصف الدية، وان قطعت من المنكب فالدية، وعن عامر الشعبى من رواية جابر الجعفي قال: إذا قطعت اليد من المفصل ففيها نصف الدية، ومن المرفق ففيها الدية، وعن ابراهيم النخعي قال في اليد إذا قطعت من البراجم ففيها الدية، وكذلك لو قطعت من الرسغ أو من المرفق أو من المنكب كل ذلك الدية فقط * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء انه قال: في اليد تستأصل خمسون من الابل إذا قطعت من المنكب والرجل مثل ذلك قال ابن جريج قلت له من أين أمن المنكب أو من الكف؟ قال: بل من المنكب، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: سواء قطعت اليد من المنكب أو مما دونه إلى موضع السوار * قال أبو محمد: وهؤلاء الحاضرون من المخالفين من الحنيفيين والمالكيين والشافعيين.
لا يقولون بهذا الذى جاء عمن ذكرنا من الصحابة والتابعين فصح انه لاحجة في قولهم ولا
في قول غيرهم إلا ما صح به النص أو تيقن فيه الاجماع فقط، وقال مالك: ان قطعت أصبع أو ذهبت ثم قطعت الكف فله ديه ما بقى من الاصابع فقط فان قطعت أنملة ثم قطعت الف فله دية الاصابع كلها * قال على: هذا خطا ظاهر لان الانملة عنده لها حظها من العقل كما للاصبع فلاى شئ حظ (2) الاصبع ولم يحظ الانملة، فان قالوا: لقلتها قيل لهم: القليل والكثير من الحرام حرام [ والكبير من الكثير حرام ] (3) ولا يحل من أموال الناس قليل ولا كثير الا بحق، ولاسيما ان كان الذى أصاب الانملة فقضى عليه بعقلها هو الذى أصاب الكف بعد ذلك فقد اغرموه في الكف دية كاملة وثلث خمس الدية * (كسر اليد والزند) 2041 - مسألة - قال أبو محمد: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عكرمة بن خالد ان نافع بن علقمة أتى في رجل رجل كسرت فقال: كنا نقضى فيها بخمسمائة درهم حتى أخبرني عاصم بن سفيان أن سفيان بن عبد الله كتب إلى عمر بن الخطاب فكتب بخمس أواقى في اليد تكسر ثم تجبر وتستقيم قلت لعكرمة: فلا يكون فيها عوج ولا شلل قال: نعم قلت: فقضى فيها
__________
(1) في النسخة رقم 45 قطع اليدين (2) في النسخة رقم 14 حط الاصبع بالطاء المهملة (3) الزيادة من النسخة رقم 14(10/439)
ابن علقمة بمائتي درهم، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن ابن ابى ليلى عن عكرمة بن خالد عن رجل عن عمرانه قال: في الساق أو الذراع إذا انكسرت ثم جبرت فاستوت في غير عثم عشرون دينارا أو حقتان، وبه إلى عبد الرزاق نا ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عمر بن عبد العزيز قال: كتب سفيان بن عبد الله إلى عمر بن الخطاب - وهو عامله بالطائف - يستشيره في يد رجل كسرت فكتب إليه عمر بن الخطاب ان كانت جبرت صحيحة فله حقتان، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن
قتادة قال: إذا كسرت اليد أو الرجل وإذا كسرت الذراع أو العضد أو الفخذ أو الساق ثم جبرت فاستوت ففى كل واحد عشرون دينارا فان كان فيها عثم فأربعون دينارا، وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال لى عطاء في كسر الرجل واليد والترقوة ثم تجبر في ذلك شئ وما بلغني ما هو، وكان شريح يقول: إذا جبرت فليس فيها شئ، ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج عن مكحول قال في الرجل إذا كسر احد زنديه ثم انجبر ففيه عشرة أبعرة، وهذا مما خالف فيه الحنيفيون والمالكيون والشافعيون الرواية عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وهم يشنعون بخلاف الصحاب إذا وافق تقليدهم وبالله تعالى التوفيق * 2041 - مسألة - من قطعت يده في سبيل الله أو في غيره * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: من قطعت يده في سبيل الله تعالى ثم قطع انسان يده الاخرى غرم له ديتين، فان قطعت يده في حد وقطع انسان يده الاخرى غرم له دية التى قطع، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في رجل مقطوع اليد قطعت الاخرى بعد ذلك قال: لو أعطى عقل بدين رأيت ذلك غير بعيد من السداد ولم أسمع فيه سنة * قال أبو محمد: كان يلزم من قال بقول مالك في أن في عين الاعور دية عينين أن يقول بقول الزهري ولكنهم يتناقضون وأما نحن فلا نزيد على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الاصابع سواء قطعت الاخرى في سبيل الله تعالى أو في حد وما كان ربك نسيا، ولو ان الله تعالى أراد ذلك لما أهمله ولا أغفله ولبينه * (أصابع المرأة) 2042 - مسألة - وقد ذكرنا قبل اختلاف الناس في هذا وأن فيهم من رأى في أصبعها عشرا من الابل وفى اثنتين عشرين من الابل، وفى الثلاثة ثلاثين من الابل وفى الاربعة عشرين من الابل، وقول من رأى انها في كل ذلك على النصف من الرجل *(10/440)
قال على: فوجب علينا ما افترضه الله تعالى عند التنازع من الرد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه والصلاة والسلام ففعلنا فوجدناه صلى الله عليه وسلم قد قال: " الاصابع سواء هذه وهذه سواء " فصح يقينا ان أصابع المرأة سواء بنص حكمه عليه الصلاة والسلام وأن أصابع الرجل سواء بنص حكمه صلى الله عليه وسلم، فإذ ذلك كذلك، وقد صح الاجماع على أن في أربعة أصابع من المرأة فصاعدا نصف ما في ذلك من الرجل بلا خلاف فإذ بلا شك في هذا وقد حكم عليه الصلاة والسلام أن أصابعها سواء فواجب أن يكون في أصبعين نصف ما في الاربع بلاشك، وفى الاصبع الواحدة نصف ما في الاثنين وبالله تعالى التوفيق * (في اليد الشلاء) 2043 - مسألة - نا يونس بن عبد الله نا احمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا هشام الدستوائى نا قتادة عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال في العين العوراء إذا فضخت واليد الشلاء إذا قطعت والسن السوداء إذ سقطت: ثلث ديتها، ومن طريق وكيع نا ابو هلال محمد بن سليم الراسبى عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس قال في اليد الشلاء إذا قطعت: ثلث الدية، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن داود بن أبى عاصم عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قضى في اليد الشلاء إذا قطعت ثلث ديتها وفى الرجل الشلاء ثلث ديتها، وعن مجاهد قال في اليد الشلاء ثلث ديتها، وعن سعيد بن المسيب مثل ذلك وهو قول ابن شبرمة، وعن عبد الرزاق أنه قال في الاصبع الشلاء تقطع: نصف ديتها، وقال آخرون غير ذلك كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن محمد ابن اسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال في اليد الشلاء إذا قطعت خمس ديتها، وعن مسروق قال في اليد الشلاء حكم وعن النخعي مثل ذلك حكم، وعن ابن جريج قال في الاصبع الشلاء تقطع شئ لجمالها، وبه يقول أبو حنيفة ومالك الشافعي.
وأصحابهم *
قال أبو محمد: وقد جاء في هذا أثر كما روينا نا حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا أحمد بن ابراهيم بن محمدنا ابن عائذ نا الهيثم بن حميد نا العلاء - هو ابن الحارث - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في العين العوراء السادة لمكانها إذا طمست ثلث ديتها "، وفى اليد الشلاء إذا قطعت ثلث ديتها، وفى السن السوداء إذا نزعت ثلث ديتها * قال على: فجاء هذا الخبر كما ذكرنا، والحنيفيون.
والمالكيون والشافعيون يحتجون به إذا وافق أهواهم وجاء بمثل ما فيه الاثر الصحيح عن عمر بن الخطاب وابن (م 56 - ج 10 المحلى)(10/441)
عباس رضى الله عنهما، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة أصلا وقال بذلك سعيد بن المسيب ومجاهد، وهم يهولون ويشنعون بخلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم * في الرجلين 2044 - مسألة - وقد ذكرنا ما جاء عن ذلك في الاثر وانه لا يصح من ذلك شئ إلا ما جاء في الاصابع بالقول في أصابع الرجل كما قلنا في أصابع اليد سواء سواء لا يفترق شئ من الحكم في ذلك في جميع المسائل لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: " الاصابع سواء وفى الاصابع عشر عشر يعنى كل واحدة "، حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد ابن عثمان نا أحمد بن خالد نا على بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن عاصم ابن ضمرة عن على بن أبى طالب قال في الانف وفى اللسان الدية وفى الذكر الدية وفى العين النصف وفى الاذن النصف وفى اليد النصف وفى الرجل النصف، وبه إلى الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن محمد بن اسحاق عن عمرو بن شعيب قال: كان في كتاب أبى بكر.
وعمر أن في الرجل إذا يبست فلم يستطع أن يبسطها أو يبسطها فلم يستطع أن يقبضها أو لم تنل الارض فبقدر ما نقض منها، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: وفى الرجل نصف الدية أو عدل ذلك من الذهب أو الورق فإذا نقصت فبالحساب وعن ابن جريج عن عطاء في اليد تستأصل خمسون من الابل إذا قطعت من المنكب والرجل كذلك * قال على: الدية في ذلك للاصابع فقط على ما قلنا في اليد سواء سواء وبالله تعالى التوفيق * في اللسان 2045 مسألة قد ذكرنا الاثر في ذلك وانه لا يصح، نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال قضى أبو بكر الصديق رضى الله عنه في اللسان إذا قطع بالدية إذا نزع من أصله فان قطع من أسلته (1) فتكلم صاحبه ففيه نصف الدية، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن عكرمة قال: قضى ابو بكر في اللسان إذا قطع الدية فان قطعت اسلته فبين بعض الكلام ولم يبين بعضه فنصف الدية، وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال في اللسان إذا استؤصل دية كاملة وما أصيب من اللسان فبلغ أن بمنع الكلام ففيه الدية كاملة، ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن أبى
__________
(1) الاسلة مستدق اللسان والذراع كما في الصحاح(10/442)
اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على قال في اللسان الدية، وعن ابراهيم النخعي مثل ذلك * وعن سليمان بن موسى أنه قال في كتاب عمر بن عبد العزيز في الاجناد ما قطع من اللسان فبلغ أن يمنع الكلام كله ففيه الدية كاملة وما نقص دون ذلك فبحسابه * وعن مجاهد قال في اللسان الدية كاملة فان قطعت اسلته فتبين بعض الكلام فانه بحسبه بالحروف ان بين نصف الحروف فنصف الدية، وان بين الثلث فثلث الدية * وعن ابن جريج قال: قلت لعطاء: اللسان يقطع كله؟ قال الدية قلت فقطع منه ما يذهب الكلام ويبقى من اللسان
قال: ما أرى إلا أن فيه الدية إذا ذهب الكلام * وعن ابن جريج أخبرني ابن أبى نجيح ان اللسان إذا قطع منه ما يذهب الكلام ان فيه الدية قلت عمن؟ قال: هو قول القياس قال: فان ذهب بعض الكلام وبقى بعض فبحساب الكلام والكلام من ثمانية وعشرين حرفا قلت عمن؟ قال: لاأدرى * قال أبو محمد: وبايجاب الدية في اللسان وفى الكلام يقول أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي وأحمد وأصحابهم، وأما الاثر في ذلك فلا يصح، وأما الرواية عن أبى بكر.
وعمر رضى الله عنهما فان صححوها فرواية أبى بكر قد خالفوها لانه رضى الله عنه جعل في ذهاب أسلة اللسان نصف الدية، ومثل هذا لا يجوز ان يقطع فيه على انه اجماع إذ ليس فيه إلا أثر ان عن أبى بكر وعمر منقطعان، وثالث عن على وهم قد خالفوا أضعاف هذا في غير ما موضع، من ذلك قول عمر وابن عباس في العين العوراء واليد الشلاء، وقول على في السمحاق، وقول ابى بكر: وعمر وغيرهما في القود من اللطمة وغير ذلك كثير جدا، فالواجب أن لا يجب في اللسان إذا كان عمدا إلا القود أو المفاداة لانه جرح ولا مزيد، وأما الخطا فمرفوع بنص القرآن وبالله تعالى التوفيق * 2046 - مسألة - في لسان الاعجم (1) والاخرس قال أبو محمد: حدثنا أحمد بن عمر نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا ابراهيم بن محمد الدينورى نا ابن الجهم ناموسى ابن اسحاق الانصاري نا أبو بكر بن أبى شيبة نا محمد بن بكر عن ابن جريج عن قتادة قال في لسان الاخرس الثلث مما في لسان الصحيح * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن مكحول قال: قضى عمر بن الخطاب في لسان الاخرس يستأصل بثلث الدية، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال في لسان الاعجمي ثلث الدية، وهو قول ابن شبرمة، وقد روى عن ابراهيم النخعي أن فيه الدية كلها، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي واصحابهم ليس فيه إلا حكومة *
__________
(1) الاعجم الذى لا يفصح ولا يبين وان كان من العرب(10/443)
قال أبو محمد: وهذا مما خالفوا فيه الرواية عن عمر التى يحتجون بأضعف منها إذا وافق آراءهم ولا يروى في ذلك عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم خلاف لما جاء فيه عن عمر وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق آراءهم * قال على: لسان الاخرس كغيره والالم واحد، والقود واجب لقول الله تعالى: (والحرمات قصاص) أو المفادات وكذلك لسان الصغير، وبالله تعالى التوفيق * 2047 - مسألة - فيمن قطع يدا فيها آكلة أو قلع ضرسا وجعة أو متأكلة بغير اذن (1) صاحبها * قال أبو محمد: قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وقال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فالواجب استعمال هذين النصين من كلام الله تعالى فينظر فان قامت بينة أو علم الحاكم أن تلك اليد لا يرجى لها برؤ ولا توقف وانها مهلكة ولابد ولادواء لها إلا القطع فلا شئ على القاطع، وقد أحسن لانه دواء، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمداواة، وهكذا القول في الضرس إذا كان شديد الالم قاطعا به عن صلاته ومصالح أموره فهذا تعاون على البر والتقوى * نا محمد بن عمر العذري نا أبو ذر الهروي نا عبد الله ابن محمد الصيدلانى ببلخ نا عبد الرحمن بن أبى حاتم نا الحسن بن عرفة نا وكيع عن مسعر بن كدام وسفيان الثوري عن زياد بن علاقة عن يحيى بن أسامة بن شريك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تداووا فان الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد قالوا: وما هو يارسول الله؟ قال: الهرم " * قال على: فمن داوى أخاه المسلم كما أمره الله تعالى على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام فقد أحسن قال الله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) وأما إذا كان يرجى للاكلة برؤ أو توقف وكان الضرس تتوقف أحيانا ولا يقطع شغله عن صلاته ومصالح أموره فعلى القاطع والقالع القود لانه حينئذ متعد، وقد أمر الله تعالى
بالقصاص في القود * البحح والغنن والصعر والحدب 2048 - مسألة - قال أبو محمد: البحح هو خشونة تعرض من فضل نازل في أنابيب الرئة فلا يتبين الكلام كل البيان وقد يزيد حتى لاتبين أصلا، والغنن هو خروج الكلام من المنخرين، والصعر هو ميل الوجه كله إلى ناحية واحدة با نفتال ظاهر، والحدب تقوس وانحناء في فقرات الصلب أو فقرات الصدر وقد
__________
(1) في النسخة رقم 14 بغير ارادة(10/444)
يجتمعان معا، وقد يعرض للكبير كما يعرض للصغير نسأل الله العافية * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا على بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة نا الحجاج عن مكحول ان زيد بن ثابت قال في الحدب الدية كاملة وفى البحح الدية كاملة، وفى الصعر نصف الدية وفى الغنن بقدر ما غنن * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن غير واحد عن الحجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت قال في الصعر إذا لم يلتفت الدية كاملة، وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج اخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال قال عمر بن عبد العزيز في الصعر إذا لم يلتفت الرجل الا منحرفا نصف الدية خمسمائة دينار وبه يقول معمر، وقال احمد بن حنبل في الصعر الدية * قال أبو محمد: وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس في ذلك الا حكومة وهذا مما خالفوا فيه الرواية عن زيد بن ثابت ولا يعرف عن أحد من الصحابة خلافه، وأما نحن فنقول وبالله تعالى التوفيق: انه ان حديث كل ذلك من ضرب عمد اقتص بمثل ذلك بالغا ما بلغ فان حدث مثل ذلك والا فلا شئ على الجاني أكثر من أن يعتدى عليه بمثل ما اعتدى ولا يجوز أن يعتدى عليه بما لم يعتد هو به ولو قدرنا على أن نبلغه حيث بلغه هو بظلمه لفعلنا ولكن إذ عجزنا عن ذلك فقد سقط عنا ما لا يقدر عليه لقول الله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " وقد أمرنا عليه الصلاة والسلام بالقصاص جملة * (في الظفر) 2049 مسألة: نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا احمد بن خالد نا على ابن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت قال في الظفر إذا اعور بعير وإذا ثبت فخمسا بعير وفى كل مفصل من مفاصل الاصبع إذا انكسر ثم انجبر ثلثا بعير وفى قصبة الانف إذا انكسرت ثم انجبرت ثلاثة أبعرة * وعن ابن عباس انه قال.
في الظفر إذا اعور خمس دية الاصبع وبه يقول احمد بن حنبل.
واسحاق، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر وابن جريج قال معمر عن رجل عن عكرمة، وقال ابن جريج عن عمرو بن شعيب ثم اتفق عكرمة.
وعمرو ان عمر بن الخطاب قال في الظفر إذا اعرنجم وفسد قلوص * وبه إلى ابن جريج عن بعد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ان عمر بن عبد العزيز اجتمع له في الظفر إذا نزع فعر أو سقط أو اسود العشر من الدية عشرة دنانير * قال أبو محمد: هذا القلوص على أصلهم لانه عشر دية الاصبع من الابل * وبه إلى(10/445)
عبد الرزاق قال قال الحجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت في الظفر (1) يقلع ان خرج اسود أو لم يخرج ففيه عشرة دنانير وان خرج ابيض خمسة دنانير، وعن مجاهد انه قال ان اسود الظفر أو اعور فناقة * وعن مجاهد انه كان يقول: ان لم ينبت الظفر فناقة * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج نا محمد بن الحارث بن سفيان عن أذينة انه كان يقول في الظفر إذا طرحت فلم تنبت بنت مخاض فان لم يكن فابن لبون * وعن عطاء قال: سمعت في الظفر شيئا لاأدرى ما هو، وقال مالك والشافعي فيه حكومة * قال على: وما نعلم أحدا قبل مالك روى عنه القول بالحكومه ههنا، وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذ لانص في هذا ولا اجماع فلا شئ
فيه الا القود في العمد فقط أو المفاداة فانه جرح وأما في الخطا فلا شئ فيه وبالله تعالى التوفيق * (في الشفتين) 2050 مسألة نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا احمد بن خالد نا على بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا الحجاج عن مكحول عن زيد ابن ثابت قال في الحاجب ثلث الدى وفى الشفة العليا ثلث الدية وفى الشفة السفلى ثلثا الدية لانها ترد الطعام والشراب * وعن سعيد بن المسيب مثل ذلك * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قضى أبو بكر في الشفتين الدية مائة من الابل * ومن طريق الحجاج المنهال نا أبو عوانة عن أبى اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على قال: في احدى الشفتين النصف يعنى نصف الدية * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء الشفتان قال: خمسون من الابل * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال.
في احدى الشفتين نصف الدية، وروينا أيضا عن الشعبى وعن مجاهد قال: الشفتان سواء وانما تفضل السفلى في الابل * قال على: هذا مكان اختلف فيه على.
وزيد كما أوردنا ولا يصح في الشفتين نص ولا اجماع أصلا ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم والاموال محرمة، وأصحاب أبى حنيفة، ومالك والشافعي قد خالفوا ههنا زيد بن ثابت وخالفوا في كثير من الابواب المتقدمه صحابة لايعرف لهم مخالف منهم بلا حجة من قرآن ولا من سنة ولا من اجماع فالواجب في الشفتين القود في العمد أو المفاداة لانه جرح وأما في الخطأ فلا شئ لرفع الجناح عن المخطئ وتحريم الاموال إلا بنص أو اجماع وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في النسخة رقم 14 في الضرس(10/446)
(في السمع)
2051 مسألة: حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان عن عوف قال: سمعت شيخا يحدث في المسجد فجلسته فقالوا: ذاك أبو المهلب عم أبى قلابة قال: رمى رجل رجلا بحجر في رأسه فذهب سمعه ولسانه وعقله ويبس ذكره فقضى فيه عمر بن الخطاب بأربع ديات * قال على: ليس عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم شئ في السمع غير هذا وهو لا يصح لان أبا المهلب لم يدرك عمر أصلا، ولا في السمع أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا صحيح ولا سقيم، ولا يعرف فيه ايجاب الدية عن أحد من التابعين إلا قتادة وحده وقد خالفه غيره كما حدثنا حمام نا ابن مفرج عن ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق نا ابن جريج عن ابن أبى نجيح عن مجاهد قال في ذهاب السمع خمسون * وبه إلى ابن جريج عن عطاء قال لم يبلغني في السمع شئ وانما جاء عن عمر بن عبد العزيز.
وابراهيم النخعي وابن علاثة اختيار دعواه في أنه ذهب سمعه فقط لا إيجاب دية أصلا ونذكره لئلا يموه به مموه كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: ما اجتمع عليه لعمر بن عبد العزيز ان قال: لا أسمع في شئ يصاب به عمم به فاه ومنخريه فان سمع صرير في الاذن فلا بأس، وجاء إلى عمر بن عبد العزيز رجل فقال: ضربني فلان حتى صمت احدى أذنى فقال له: كيف تعلم ذلك؟ قال: ادع الاطبة فدعاهم فشموها فقالوا للصماء هذه الصماء * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال: بلغني عن ابراهيم وغيره قال: يختبر فينظر هل يسمع أم لا؟ * وعن عبد الرزاق عن معمر سألت ابن علاثة القاضى قلت الرجل يدعى على الرجل انه أصمه من ضربه كيف له أن يعلم ذلك؟ قال: يلتمس غفلاته فان قدر على شئ والا استحلف ثم أعطى فان ادعى صمما في احدى أذنيه دون الاخرى فانه بلغني أنه تحشى التى لم تصم وتلتمس غفلاته، وقال أبوحنيفية ومالك والشافعي وأصحابهم في ذهاب السمع الدية وهذا لانص فيه ولا اجماع لصحة وجود الخلاف كما ذكرنا، وقال أبو حنيفة في
ذهاب الشم: الدية * قال أبو محمد: وهذا ايجاب شريعة والشرائع لا يوجبها إلا الله تعالى في القرآن أو على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام فلا شئ في ذهاب السمع بالخطأ لان الاموال محرمة الا بنص أو اجماع، وأما في العمد فان أمكن القصاص منه بمثل ما ضرب فواجب ويصب في أذنه ما يبطل سمعه مما يؤمن معه موته فهذا هو القصاص *(10/447)
(الاذن) 2052 مسألة قد ذكرنا في صحيفة ابن حزم.
وحديث مكحول في الاذنين الدية وجاء في ذلك عن السلف، وقد روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان ابن عيينة عن عبد الله بن طاوس عن أبيه أن أبا بكر الصديق قضى في الاذن بخمس عشرة فريضة ولم يقض فيها أحد قبله، وقال يواريها الشعر والعمامة والقلنسوة * وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن عكرمة ان أبا بكر الصديق قضى في الاذن خسمة عشر من الابل وقال: انما هو شئ لا يضر سمعا ولا ينقص قوة يغيبها الشعر والعمامة * وبه إلى معمر عن قتادة قال: إذا قطعت الاذن قضى فيها أبو بكر بخمسة عشر من الابل فهذا قول * وعن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن عمر بن الخطاب قضى في الاذن إذا استؤصلت بنصف الدية، قال عبد الرزاق والناس عليه * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قضى عمر بن الخطاب في الاذن بنصف الدية أو عدل ذلك من الذهب والورق * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن أبى اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب قال: في الانف الدية وفى اللسان الدية وفى الذكر الدية وفى العين النصف وفى الاذن النصف وفى اليد النصف.
وفى الرجل النصف.
وفى احدى الشفتين النصف * وعن الشعبى عن شريح قال في الاذن نصف الدية * ومن طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج قال قال عطاء في الاذن إذا استؤصلت خمسون من الابل * وعن مجاهد إذا استؤصلت نصف الدية * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن علقمة ابن قيس قال قال ابن مسعود: كل زوجين ففيهما الدية وكل واحد ففيه الدية، وبه يقول ابراهيم النخعي وأبو حنيفة ومالك والشافعي واحد وأصحابهم * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا عبد الرحيم - هو ابن سليمان - وعبيد الله بن نمير كلاهما عن حجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت قال في شحمة الاذن ثلث دية الاذن * قال أبو محمد: وعهدنا بالمالكيين يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم وهم ههنا قد خالفوا أبا بكر.
وعمر وعلى بن أبى طالب وابن مسعود وزيد ابن ثابت فلم يقولوا بشئ مما روى عنهم ونقضوا اصولهم وانما أوردنا هذا لئلا يقولوا لنا: انما عنى هؤلاء الذين جاءت عنهم هذه الرويات بالاذن السمع فانهم كثيرا ما يتقحمون مثل هذا فاريناهم مالا عمل لهم به، ويقال لهم: الذى روى عن على في الانف الدية لعله أيضا انما عنى الشم فقط لا الانف الظاهر والرواية عن زيد في(10/448)
شحمة الاذن تبطل تأويلكم هذا * قال على: وأما نحن فلا حجة عندنا إلا في كلام الله تعالى أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أو اجماع متيقن لا مدخل للشك فيه وليس ههنا شئ من ذلك فلا شئ في الاذنين إلا القود أو المفاداة في العمد لانه جرح ولا شئ في الخطأ في ذلك (1) لما ذكرنا * (الذكر والانثيين) 2053 مسألة: قد ذكرنا ما جاء في ذلك في صحيفة عمرو بن حزم وصحيفة عمرو بن شعيب وخبر مكحول ورجل من آل عمر، وان كل (2) ذلك لا يصح منه شئ ونحن ذاكرون ان شاء الله تعالى ما جاء في ذلك عن السلف الطيب رضى الله عنهم * نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا على بن
عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن أبى اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب قال في الذكر الدية * نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح ناموسى بن معاوية نا وكيع عن سفيان عن عوف عن شيخ عن عمر مثله * وبه إلى وكيع نا سفيان عن أبى اسحاق عن عاصم ابن ضمرة عن على في احدى البيضتين النصف * وبه إلى وكيع نا سفيان عن عوف قال سمعت شيخا يحدث في المسجد فجلسته فقالوا: ذاك أبو المهلب عم أبى قلابة قال: رمى رجل رجلا بحجر في رأسه فذه بسمعه ولسانه وعقله ويبس ذكره فقضى عمر في ذلك باربع ديات * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قضى أبو بكر في ذكر الرجل مائة من الابل * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن أبى اسحاق السبيعى عن عاصم بن ضمرة عن على انه قضى في الحشفة بالدية كاملة * وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو ابن العاص عن عمر بن الخطاب انه حكم في البيضة يصاب صافيها الاعلى بسدس الدية، وعن مكحول يقول: قضى عمر في اليد الشلاء ولسان الاخرس وذكر الخصى يستأصل بثلث الدية.
وعن عمرو بن شعيب ان عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب يسأله عن امرأة أخذت بأنثى زوجها فجبذته فخرقت الجلد ولم تخرق الصفاق فقضى عليها بسدس الدية، ومن طريق ابى بكر بن أبى شيبة نا محمد بن فضيل عن ليث عن عمرو بن شعيب قال: كتب إلى عمر بن الخطاب في امرأة أخذت بأنثى زوجها فخرقت الجلد ولم تخرق الصفاق فقال عمر لاصحابه: ما ترون في هذا؟ قالوا: اجعلها في
__________
(1) في النسخة رقم 45 وليس في الخطأ في ذلك شئ (2) في النسخة رقم 14 وان كان (م 57 - ج 10 المحلى)(10/449)
منزلة الجائفة قال عمر: لكنى أرى غير ذلك أرى أن فيها نصف ما في الجائفة، وعن
ابن مسعود قال: كل زوجين ففيهما الدية وكل واحد ففيه الدية، وعن الشعبى عن ابن مسعود قال: الانثيان سواء، وعن زيد بن ثابت البيضتان سواء * (وأما التابعون) فروينا من طريق الحجاج بن المنال نا حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال في البيضة اليمنى ثلث الدية وفى اليسرى ثلثا الدية لان الولد يكون منها، وعن الشعبى عن مسروق قال: البيضتان سواء ففيهما الدية، وعن عطاء انه قال في الحشفة الدية إذا أصيبت قلت فاستؤصل الذكر قال فالدية قلت: أرأيت أن استؤصلت الحشفة ثم أصيب شئ مما بقى بعد؟ قال: جرح يرافيه قلت فذكر الذى لا يأتي النساء قال: مثل ما في ذكر الذى يأتي النساء قلت: الكبير الذى قد ذهب ذلك منه أليس يوفى قدره يعنى ديته قال: بلى قلت والبيضتان في كل بيضة خمسون خمسون قال مجاهد: لا يفصل بينهما، وعن قتادة في ذكر الذى لا يأتي النساء ثلث دية ذكر الذى ياتي النساء وكذلك يقيسه على لسان الاخرس والسن السوداء والعين القائمة، وعن ابراهيم في ذكر الخصى حكم فحصل في هذا الباب روايات عن أبى بكر وعمر وعلى وابن مسعود وزيد ان في الذكر الدية الا أن عمر جاء عنه وذكر الخصى ثلث دية وفى صفاق البيض سدس دية، وعمن بحضرته من الصحابة ثلث الدية، وجاء عن على.
وابن مسعود.
وزيد التسوية بين البيضتين، وجاء عن التابعين ما ذكرناه، وقال مالك: والثوري.
وأبو حنيفة في ذكر الصبى حكومة، وقال أبو حنيفة وأصحابه في ذكر [ الذى لا يأتي النساء حكومة وقال الشافعي ] (1) في ذكر الخصى والصبى والهرم والعنين الدية كاملة * قال أبو محمد: ليس في هذا الباب شئ الا عن خمسة من الصحابة رضى الله عنهم لا يصح عن أحد منهم شئ من ذلك إلا عن على وحده ومدعى الاجماع ههنا مقدم على الكذب على جميع الامة فان ذكروا في ذلك ما حدثناه حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه
ان عنده كتابا عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قطع الذكر ففيه مائة ناقة قد انقطعت شهوته وذهب نسله فهذا منقطع وان صححوه فانه يلزم به أن الدية لا تجب في ذكر العقيم ولا في ذكر الشيخ الكبير وهم لا يقولون بهذا، وقد خالفوا عمر في ذكر الخصى وللعين
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 45(10/450)
العوراء واليد الشلاء ثلث الدية وخالفوا سعيد بن المسيب في قوله أن في البيضة اليسرى ثلثى الدية وفى اليمنى ثلث الدية ولو كان هذا اجماعا لما استجاز ابن المسيب خلافه * قال على.
وأما قوله ان الولد من اليسرى فقد أخبرني احمد بن سعيد بن حسان ابن هداج العامري وكان ثقة مأمونا فاضلا انه أصابه خراج في البيضة اليسرى أشرف منه على الهلاك وسالت كلها ولم يبق لها أثر أصلا ثم برئ وولد له بعد ذلك ذكر وأنثى ثم أصابه خراج أيضا في اليمنى فذهب أكثرها ثم برى ولم يولد له بعدها شئ فإذ لا يصح في الدية في الذكر والانثيين شئ لانص ولا اجماع فالواجب أن لا يجب في ذلك شئ في الخطأ وأن يجب في ذلك القود في العمد أو المفاداة لانه جرح وبالله تعالى التوفيق * (الصلب والفقارات) 2054 مسألة نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قضى أبو بكر في صلب الرجل إذا كسر ثم جبر بالدية كاملة إذا كان لا يحمل (1) له وبنصف الدية ان كان يحمل له * وبه إلى ابن جريج ومعمر كلاهما عن رجل عن عكرمة ان أبا بكر.
وعمر قضيا (2) في الصلب إذا لم يولد له بالدية وان ولد له فنصف الدية * وبه إلى ابن جريج أخبرني محمد بن الحرث بن سفيان ان محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبى ربيعة قال: حضرت عبد الله بن الزبير قضى في رجل كسر صلبه فاحدودب هو ولم يقعده وهو يمشى محدود بابثلثى الدية * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال الشعبى: قضى زيد بن ثابت في
فقار الظهر كله بالدية كلها وهى الف دينار وهى اثنتان وثلاثون فقارة في كل فقارة احدى وثلاثون دينارا وربع دينار إذا كسرت ثم برئت على غير عثم فان برئت على عثم ففى كسر أحد وثلاثون دينارا وربع دينار وفى العثم ما فيه من الحكم المستقبل سوى ذلك * وعن مكحول انه قال في كل فقار أحد وثلاثون دينارا وربع دينار * وعن الزهري قال في الصلب إذا كسر الدية كاملة، وعن عطاء مثل ذلك، وعن سعيد بن جبير مثل ذلك، وهو قول الحسن البصري يزيد بن قسيط وبه يقول الثوري والشافعي إذا منعه المشى، وبه يقول (3) احمد.
واسحاق إذا لم يولد له وقد جاء في هذا أثر كما حدثنا حمام بن احمد نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق نا معمر عن ابن أبى نجيح عن مجاهد قال في الصلب إذا كسر
__________
(1) في النسخة رقم 45 ان كان لا يحبل له (2) في النسخة رقم 45 ان أبا بكر وعمر قضى (3) في النسخة رقم 45 وبه قال(10/451)
فذهب ماؤه الدية كاملة فان لم يذهب الماء فنصف الدية قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: فهذه رواية عن أربعة من الصحابة رضى الله عنهم لا يعلم لهم من الصحابة مخالف أبو بكر.
وعمر.
وابن الزبير.
وزيد وهى عن زيد غير صحيحة (1) ولا يقول بهذا الحنيفيون ولا المالكيون وهو تناقض فلا يرون في ضرب الصلب يقطع الولد شيئا ولا يرون في الفقارات أيضا ما جاء عن زيد بن ثابت فيها ولا يعرف له من الصحابة في هذا مخالف وهو أيضا عن جماعة من التابعين، ولا فرق بين سائر ما ذكرنا قبل، وفى هذا أيضا خبر مرسل كما أوردنا بالدية وان لم يولد له وبنصف الدية ان ولد له وهم يدعون الاخذ بالمرسل ولا يبالون بالتناقض والتشنيع على خصومهم (2) وهم يجعلون في كل واحد في الاسنان الدية قياسا على النفس وفى كل اثنتين الدية وفى كل أربع الدية وفى كل عشرة الدية فما بالهم لا يجعلون في الفقارات
كذلك كما جاء عن زيد وهذا مما نقضوا فيه القياس * قال على: وأما نحن فلا حجة عندنا في مرسل ولا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في هذا الباب خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم يصح ولا اجماع متيقن والاموال محرمة إلا ما أباحه نص أو اجماع والخطا مرفوع كما قد تقدم فليس في الصلب ولا في الفقارات في الخطأ شئ، وأما في العمد فالقود فقط ولا مفاداة فيه لانه ليس جرحا فان كان ذلك جرحا ففيه القود أو المفاداة على ما ذكرنا * (في الضلع) 2055 - مسألة - حدثنا احمد بن محمد بن الجسور نا احمد بن سعيد بن حزم نا عبيدالله بن يحيى نا أبى نا مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال: قضى في الضرس بجمل وفى الترقوة بجمل وفى الضلع بجمل، ومن طريق وكيع نا سفيان عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن اسلم مولى عمر ابن الخطاب قال: سمعت عمر يقول على المنبر في الضلع جمل وفى الضرس جمل وفى الترقوة جمل * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن ابى نجيح عن مجاهد قال: في الضلع إذا كسر بعير، وعن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن عمر بن الخطاب انه قضى في الضلع ببعير * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج بن ارطاة عن داود بن أبى عاصم عن سعيد بن المسيب انه قال في الترقوة بعير وفى الضلع بعير، قال حماد: وأخبرنا قتادة أن عبد الملك بن
__________
(1) في النسخة رقم 45 عن زيد صحيحة ويظهران النفى مرجوح (2) في النسخة رقم 14 على خصمهم(10/452)
مروان قضى في الضلع ببعير فان كان فيها أجور فبعير ان * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في الضلع إذا كسرت ثم جبرت عشرون دينارا فان كان فيها عثم فأربعون دينارا وفى ضلع المرأة إذا كسرت عشرة دنانير، وعن مسروق في الضلع
حكم، وقال الشافعي في أحد قوليه.
واحمد بن حنبل.
واسحاق بن راهويه: في الضلع بعير وفى الترقوة بعير، وقال مالك.
وأبو حنيفة.
وأصحابهما.
والشافعي في احد قوليه (1) ليس في ذلك الاحكم * قال أبو محمد: هذا اسناد في غاية الصحة عن عمر بن الخطاب يخطب به على المنبر بحضرة الصحابة رضى الله عنهم لا يوجد له منهم مخالف بأن الواجب في الضلع جمل، وفى الضرس جمل وقال به كل من عرف له قول في ذلك من ذلك من التابعين حاش مسروقا.
وقتادة فان قتادة أضعف فيه الدية فزاد على قول عمر ولم يخالفه في إيجاب دية في ذلك فاستسهل المالكيون: والحنيفيون خلاف كل ذلك بارائهم، وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه الرواية ليست إجماعا لانه قد يسكت الصاحب (2) لبعض المعاني، وقد يغيب النفر منهم، ولا اجماع الا ما تيقن ان كل واحد منهم علمه ودان به كالصلاة والزكاة والحج وصوم رمضان وسائر الشرائع التى قد تيقنا اجماعهم عليها فإذ لانص ولا اجماع ههنا فلا شئ في الضلع إذا كان خطأ لان الخطأ مرفوع بنص القرآن والسنة والاموال محرمة بنص القرآن والسنة فان كان عمدا ففيه القود فقط إلا أن يكون يجرح ففيه القود أو المفاداة على ما ذكرنا قبل، وبالله تعالى التوفيق * (الترقوة) 2056 مسألة قد ذكرنا قول عمر في الترقوة جمل في الباب الذى قبل هذا متصلا به وخطبته بذلك على المنبر فاغنى عن اعادته، وقول سعيد بن المسيب بمثل ذلك، وبه يقول أحمد واسحاق وقال به الشافعي في احد قوليه، وقول آخر رويناه من طريق الحجاج بن المنهال ابا الحجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت انه قال في الترقوة أربعة أبعرة، وعن الشعبى ومجاهد قالا جميعا في الترقوة ان كسرت أربعون دينارا، وعن عبد الرزاق في الترقوة عشرون دينارا، وقضى فيها عبد الملك بن مروان ببعيرين فان برئت وفيها أجور فأربعة أبعرة وعن سعيد بن جبير: في كل شئ من الاعضاء حكومة الا الترقوة
ففيها بعيران * قال أبو محمد: وهذا خلاف موجود ثابت في أنه ليس في شئ من الاعضاء
__________
(1) في النسخة رقم 14 في قوله (2) في النسخة رقم 45 يسكت الصحابة(10/453)
دية مؤقتة: والعينان والاسنان أعضاء فبطل دعوى الاجماع في ذلك، وعن مسروق في الترقوة حكم وفى الضرس حكم، وبه يأخذ أبو حنيفة ومالك والشافعي في أحد قوليه وأصحابهم، أما الرواية عن زيد فواهية لانه نقل الحجاج بن ارطاة وهو ضعيف ثم عن مكحول عن زيد ومكحول لم يدرك زيدا، وأما الرواية عن عمر فثابتة قالها على المنبر بحضرة الصحابة رضى الله عنهم، وهذا قد خالفه المالكيون والحنيفيون بآرائهم * قال على: وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس ههنا نص فلا يجب في الترقوة شئ في الخطأ لما ذكرنا [ وأما في العمد فالواجب في ذلك القصاص فقط الا ان كان جرحا فالقود أو المفاداة لما ذكرنا ] (1) قبل، وبالله تعالى التوفيق * (الثدى) 2057 مسألة نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا على عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج بن ارطاة عن مكحول أن زيد بن ثابت قال في حلمة ثدى الرجل إذا قطعت ثمن دية الثندوة وفى حلمة ثدى المرأة إذا قطعت ربع دية ثديها * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن محمد راشد عن مكحول عن قبيصة بن ذوئيب عن زيد بن ثابت قال في حلمة الثدى: ربع الدية، وروينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن عكرمة ان أبا بكر الصديق جعل في حلمة ثدى الرجل خمسين دينارا، وفى حلمة ثدى المرأة مائة دينار قال معمر: سمعت عطاء الخراساني يقول مثل ذلك، وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن
عمرو بن شعيب قال: قضى أبو بكر في ثدى المرأة بعشرة من الابل إذا لم يصب الا حلمة ثديها فإذا قطع من أصله فخمسة عشر من الابل، وعن الزهري قال في حلمة ثدى الرجل خمس من الابل وعن عطاء قال كم في حلمة الرجل؟ قال: لاأدرى، وعن الشعبى قال: في احد ثديى المرأه نصف ديتها، وعن ابراهيم النخعي قال: في ثدى المرأة الدية وفى ثدى الرجل حكومة، ومن طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن سليمان الشيباني عن الشعبى قال في ثدى المرأة الدية، وبه يقول سفيان الثوري.
ومالك.
وأبو حنيفة.
والشافعي.
واحمد.
وأصحابهم، وقال هؤلاء في ثدى الرجل حكومة، وقال أحمد واسحاق فيهما الدية كاملة * قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب الرجوع إلى ما أمر الله تعالى به الرجوع إليه من القرآن والسنة عند التنازع ففعلنا فلم نجد في ذلك نص قرآن ولاسنة
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 45(10/454)
لاصحيحة ولاسقيمة ولا اجماعا متيقنا وكل حكم لم يكن في هذه العمد فهو باطل [ بيقين ] (1) وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس في أقوال من ذكرنا من صاحب أو تابع سنة ولا قرآن ولا اجماع، وقد ذكرنا أن الاموال محرمة لقول الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم واموالكم عليكم حرام " فوجب أن لا يجب في الثديين (2) غرامة أصلا فان أصيبا خطا فلا شئ في ذلك لما ذكرنا وان كان عمدا ففيه القود.
وهذا قول أبى سليمان وجميع اصحابنا وبه نأخذ * قال على: فان قطع الرجل حلمة ثدى المرأة قطع ثديه كله لانه كله حلمة لاثدى له فان قعطت هي ثديه قطعت حلمتها فان قطع جميع ثديها عمدا قطع من جلده ما حوالى ثديه مقدار ذلك لقول الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * (افضاء الرجل المرأة)
2058 - مسألة - نا حمام نا عبد الله بن محمد بن على الباجى نا عبد الله بن يونس المرادى نا بقى بن مخلد نا أبو بكر بن أبى شيبة نا هشيم عن داود عن عمرو بن شعيب ان رجلا استكره امراة فافضاها فضربه عمر بن الخطاب الحد وغرمه ثلت ديتها * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن رجل عن عكرمة قال: قضى عمر بن الخطاب في المرأة إذا غلبت على نفسها فافضيت أو ذهبت عذرتها بثلث ديتها ولاحد عليها * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن قتادة في الرجل يصيب المرأة فيفضيها قال ثلث الدية، وقول آخر كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن عبد الله بن محرز عن قتادة أن زيد بن ثابت قال في المرأة يفضيها زوجها ان حبست الحاجتين والولد فثلث الدية، وان لم تحبس الحاجتين والولد فالدية كاملة، وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز [ ان عمر بن عبد العزيز ] (3) قال في افضاء المرأة الدية كاملة من أجل انها تمتنع اللذة والجماع * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد ابن سلمة أنا هشام بن عمرو الفزارى قال: شهدت عمر بن عبد العزيز إذ جاءه كتاب من عامله بنجران فلما قرأه قال: ما ترون في رجل ذى جدة وسعة خطب إلى رجل ذى فاقة بنته فزوجه اياها فقال: ادفعها إلى فانى أوسع لها فيما أنفق عليها فقال: إنى أخافك عليها أن تقع بها فقال: لا تخف لاأقربها فدفعها إليه فوقع بها فخرقها فهريقت دما وماتت؟ فقال عبد الله بن معقل بن مقرن غرم والله وقال عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان غرم والله
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 45 (2) في النسخة رقم 14 في الثدى (3) الزيادة من النسخة رقم 45(10/455)
فقال عمر بن عبد العزيز: أعقلا وصداقا، أعقلا وصداقا، وقال ابان بن عثمان بن عفان: ان كانت أدركت ما أدرك النساء فلا دية لها، وان لم تكن أدركت ما أدرك النساء فلها الدية فكتب عمر بذلك إلى الوليد بن عبد الملك ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا زيد ابن الحباب عن خالد بن عبد الله عن خالد الحذاء عن أبان بن عثمان أنه رفع إليه رجل تزوج
جارية فافضاها فقال فيها هو.
وعمر بن عبد العزيز: ان كانت ممن يجامع مثلها فلا شئ عليه وان كانت ممن لا يجامع مثلها فعليه ثلث الدية، وعن ابن جريج إذا كان لا يستمسك الغائط فعليه الدية كاملة وبه يقول سفيان الثوري وأبو ثور، وقال أبو حنيفة: مثل ذلك وزاد فإذا كان الغائط يستمسك فثلث الدية، ولا يعرف لمالك ولا للشافعي فيها قول * قال أبو محمد: أما المأثور في ذلك عن عمر بن الخطاب.
وزيد بن ثابت رضى الله عنهما فانه توقيف، والتوقيف (1) لا يؤخذ الا عن الله تعالى على لسان نبية صلى الله عليه وسلم، ولقد كان يلزم المالكيين المشنعين بقول الصاحب الذى لايعرف له مخالف أن يقولوا ههنا بقول عمر وزيد ولكن هذا مما تناقضوا فيه، وأما الحنيفيون فانهم طردوا أصلهم وقالوا ههنا بما روى عن عمر وزيد فهلا فعلوا ذلك في حلمة ثدى الرجل والمرأة، ولكن هذا يريكم تناقض القوم وأنهم لا يحققون أصلا * قال على: وأما نحن فنقول: ان كان ذلك وقع منه في زوجته من غير قصد فعاشت وبرئت فلا شئ في ذلك لانه مخطى وقد أباح الله تعالى له وطئ زوجته فلم يتعد حدود الله تعالى في ذلك، وان كان فعل ذلك عامدا وهو يدرى انها لاتحمل أو فعل ذلك بامة كذلك أو باجنبية فعليه القصاص ويفتق منه بحديدة مقدار (2) ما فتق منها متعديا وعليه في الاجنبية مع ذلك الحد ولاغرامة في شئ من ذلك أصلا، الا أن فعل ذلك مخطئا فماتت فالدية كاملة لانها نفس وبالله تعالى التوفيق * (من قطع من جلده شئ) 2059 - مسألة - نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد ناعلى بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج عن مكحول قال: إذا اختلف من جلدة الوجه والرأس مثل الدرهم ففيه ثلاثة أبعرة وان اختلف، من الجسد فبعير ونصف *
قال أبو محمد: هذا تحديد لم بأت به نص قرآن ولاسنة ولا اجماع فلا يجب
__________
(1) في النسخة رقم 45 فانه توقيت والتوقيت (2) في النسخة رقم 14 بقدر(10/456)
في ذلك شئ، وأما الحنيفيون.
والمالكيون.
والشافعيون فانهم أصحاب قياس بزعمها وهذا مكان يجب عليهم على أصولهم (1) أن يقيسوه على قولهم في الموضحة ولكنه مما تناقضو فيه، وأما نحن فالقصاص في ذلك في العمد وليس في الخطا في ذلك شئ لقول الله تعالى (وليس عليكم جناح فيما أخطاتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) وبالله تعالى التوفيق (الكسر إذا انجبر) 2060 - مسألة - نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا ابن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة نا قتادة عن سليمان بن يسار أن عمر الخطاب قضى في رجل كسرت يده أو رجله أو فخذه ثم انجبرت فقضى فيها بحقتين وعن حماد بن سلمة نا عمرو بن دينار قال: إن رجلا كسر احد زندية ثم انجبر فقضى فيه عمر بمائتي درهم، وعن حماد بن سلمة عن الحجاج عن عكرمة بن خالد المخزومى أن عمر ابن الخطاب قضى فيه ببعيرين، والبعيران بازاء المائتي درهم من حساب عشرة آلاف درهم وعن حماد بن سلمة أنا أيوب السختيانى وهشام بن حسان وحبيب بن الشهيد كلهم عن محمد بن سيرين أن شريحا قضى في الكسر إذا انجبر قال لا يزيده ذلك الا شدة يعطي أجر الطبيب وقدر ما شغل عن صنعته، وعن مكحول أنه قال في الصدع في العضد قد انجبر ثمانية أبعرة فإذا انكسر أحد زنديه ثم انجبر فعشرة أبعرة، وفى كل مفصل من مفاصل الاصبع إذا انكسر ثم انجبر ثلثا بعير، وفى الظفر إذا اعور بعير فإذا..فخمسا بعير، فهذه آثار جاءت عن عمر بن الخطاب وعن شريح وعن مكحول والحنيفيون والمالكيون والشافعيون قد خالفوا ما جاء عن عمر بآرائهم * قال أبو محمد: وليس في ذلك عندنا الا القصاص في العمد فقط وأما في الخطا فلا
لما قد ذكرنا من قول الله تعالى ومن قول رسوله عليه الصلاة والسلام * (المثانة إذا انفتقت) 2061 مسألة حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن نا على بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا قتادة عن أبى مجلز أنا في المثانة إذا فتقت: ثلث الدية ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن أزهر عن عون محمد بن عبيدالله الثقفى عن شريح قال في الفتق ثلث الدية * نا حمام نا ابن مفرج نا الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن الشعبى قال: في المثانة خرقت: ثلث الدية قال عبد الرزاق قال ابن جريج وأنا أقول: ان فيها إذا لم تمسك
__________
(1) في النسخة رقم 14 على اصلهم (م 58 - ج 10 المحلى)(10/457)
الدية كاملة قاله أهل الشام، وقال سفيان الثوري مثل ذلك، قال على: ليس في ذلك إلا القصاص في العمد أو المفاداة لانه جرح وليس في الخطأ شئ لما ذكرنا * (الورك) 2061 - مسألة - روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت قال في الورك إذا انكسرت ثم انجبرت: عشرة أبعرة وهو قول (1) صاحب لايعرف له مخالف من الصحابة، والحنيفيون والمالكيون والشافعيون يشنعون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم وأما نحن فليس عندنا إلا القود في العمد فقط وأما في الخطأ فلا شئ فيه * (المقعدة الشفران والاليتان والعفلة (2) والمنكب) 2062 - مسألة - نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الزراق عن ابن جريج عن عبد الكريم أنه قال في المقعدة إذا لم يستطع أن يمسك خلاه فالدية، وبه يقول
الثوري * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب أنه قال في الاليتين إذا قطعتا حتى يبدو العظم الدية كاملة وفى أحداهما نصف الدية، وعن ابراهيم النخعي في الاليتين الدية وبه إلى عبد الرزاق عن ابى جريج أخبرني محمد بن الحارث بن سفيان قال: يقضى في شفر قبل المرأة إذا اوعب حتى يبلغ العظم نصف ديتها وفى شفريها بديتها إذا بلغ العظم فان كانت عاقرا لاتحمل قال ابن جريج: واجتمع لعمر بن عبد العزيز في ركب المرأة (3) إذا قطع بالدية من أجل انها تمتنع من لذة الجماع، وقال عطاء: ما علمت في قبل المرأة شيئا ببلادنا قال ابن جريج: وأخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: اجتمع العلماء لابي في خلافته على أن في العفلة تكون من الضربة الدية كاملة لانها تمنع اللذة والجماع وعلى أن في المنكب إذا كسر ثم جبر في غير عثم (4) أربعون دينارا * قال على: وقال الشافعي في العفلة إذا بطل الجماع الدية وفى ذهاب الشفرين (5) كذلك، وقال أبو حنيفة.
والشافعي.
واحمد.
وأصحابهم في الاليتين: الدية، وكل هذا
__________
(1) في النسخة رقم 14 وهذا قول (2) العفلة والعفل - بالتحريك فيهما - شئ يخرج من قبل النساء وحياء الناقة شبيه بالادرة التى للرجال والمرأة عفلاء، والادرة نفحة الخصية (3) الركب - بالتحريك - منبت العانة قيل هو للمرأة خاصة، وقيل لهما (4) هو العظم المكسور إذا جبر على غير صحة (5) تثنية شفر حرف كل شئ شفرة وشفيرة وبالضم واحد اشفار العين وهى حروف الاجفان التي ينبت عليها الشعر وهو الهدب(10/458)
لانص فيه ولا اجماع فلا شئ في ذلك في الخطأ أما في العمد فالقصاص فيما أمكن (1) أو المفاداة فيما كان جرحا وبالله تعالى التوفيق * (العنق) 2063 - مسألة - نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق
عن سفيان الثوري عن أزهر عن أبى عون عن شريح قال في العنق ثلث الدية * قال على: لا شئ في ذلك في الخطا والقود في العمد ولا بد * (الدرس لبطن آخر حتى يسلح) 2064 - مسألة - نا حمام نا عبد الله بن محمد بن على الباجى نا عبد الله بن يونس نا بقى بن مخلد نا أبو بكر بن أبى شيبة نا يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الانصاري أن رجلين اختصما بالمدينة في زمن عمر بن عبد العزيز فقال أحدهما لصاحبه ضربته حتى سلح فقال: اشهدوا فقد والله صدق فارسل عمر بن عبد العزيز إلى سعيد بن المسيب يسأله عن رجل ضرب رجلا حتى سلح هل مضى في ذلك أثر أو سنة؟ فقال سعيد.
قضى فيها عثمان بثلث الدية قال سفيان وليس ذلك على العاقلة وقد روى عن عثمان في ذلك غير هذا كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن عمر بن عبد الله بن طلحة الخزاعى قال: كان رجل يقال له ابو عقاب كان عظيما سمينا فاخذه رجل قصير فوطئ في بطنه حتى خرئ فارسل عمر بن عبد العزيز إلى سعيد بن المسيب يسأله عن ذلك؟ فقال سعيد بن المسيب: قضى فيه عثمان بن عفان باربعين دينار أو باربعين فريضة * وعن حماد بن سلمة عن أبى الخطاب عن حميد بن يزيد عن نافع أن عثمان بن عفان قضى في ذلك باربعين بعيرا يعنى الذى ضرب حتى سلح * قال على: وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد ولا حكمه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم فليس عندنا في ذلك الا القصاص ضرب كضرب ولا مزيد والحدث ليس فعل الضارب بالمضروب فلا اعتداء عليه في ذلك والطبائع تختلف في الشدة والاسترخاء وبالله تعالى التوفيق * (الضرطة) 2065 مسألة: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن معمر عن اسماعيل بن أمية أن رجلا (2) كان يقص شارب عمر بن الخطاب
فافزعه عمر فضرط الرجل فقال عمر: أما انا لم نرد هذا ولكن سنعقلها فاعطاه
__________
(1) في النسخة رقم 14 ان امكن (2) اسماعيل هذا لم يدرك عمر، وان رجلا مجهول لا يدرى من هو *(10/459)
أربعين درهما قال: واحسبه قال: شاة أو عناقا * قال على: قد سمى عمر بن الخطاب الذى اعطى في ذلك عقلا والشافعيون.
والمالكيون والحنيفيون يخالفون هذا ولا يرونه اصلا وهذا تحكم وتلاعب في الدين لا يحل، فان كان ما روى عن الصاحب مما لايعرف له مخالف حجة فليلتزموا كل هذا وكل ما أوردناه فان فعلوا ذلك تركوا أكثر مذاهبهم وفارقوا من قلدوا دينهم وان كان ما روى عن الصاحب لايعرف له منهم مخالف ليس حجة فهذا قولنا فليتركوا التهويل على من خالف ذلك وليسقطوا الاحتجاج بما احتجوا به من ذلك * (الجبهة) 2066 مسألة: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز [ عن عمر بن عبد العزيز ] (1) انه قال في الجبهة إذا هشمت وفيها غوص من داخل مائة وخمسون دينارا فان كان بين الحاجبين كسر شان الوجه ولم تنتقل منه العظام فربع الدية وان كسرما بين الاذنين يصيب ما ضغ اللحيين وقد أذاه الشعر في تخوص لم يضر في الجرح ولم ينقل منه عظم ففيه مائة دينار * قال على: هذا أصح سند كما ترى إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله فلئن كان رأيا كما هو رأى بلا شك فلعمري أن رأى عمر بن عبد العزيز لاحق بالسداد بلا شك من رأى ابى حنيفة ومالك والشافعي، ولئن كان يطلق في ذى فضل يقول مثل هذا لا يقال بالرأى فهو توقيف فان عمر بن عبد العزيز لاحق بهذه المخرجة ممن ذكرنا، وأما نحن فنقول: إن عمر رحمه الله وغيره ممن سلف معذورن فيما أخطأوا فيه مأجورون
في اجتهادهم ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لانص فيه ولا اجماع فلا يجوز القول فيه وليس فيه الا القود في العمد فقط الا أن يكون جرحا فتكون فيه المفاداة ولا شئ فيه في الخطا وبالله تعالى التوفيق * (اللطمة) 2067 مسألة: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق قال: سمعت مولى لسليمان بن حبيب يخبر عن معمر قال: ان سليمان بن حبيب قضى في الصكة إذا احمرت أو اسودت أو اخضرت بستة دنانير * قال أبو محمد: هذا كالذى قبله ولا شئ في هذا الا القصاص فقط فلو قامت
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 45(10/460)
بينة في شئ مما ذكرنا انه أراد غيره مما أبيح له فهو خطا لا شئ فيه * (الجراح وأقسامها) 2068 - مسألة - قال أبو محمد: اولها الحارضة.
ثم الدامية ثم الدامعة ثم الباضعة ثم المتلاحمة ثم السمحاق وهى أيضا الملطا ثم الموضحة ثم الهاشمة ثم المنقلة ثم المأمومة وهى الآمة أيضا وفى الجوف وحده الجائفة وهى التى نفذت إلى الجوف، والحارضة التى تشق الجلد شقا خفيفا يقال: حرض القصار الثواب إذا شقه شقا لطيفا، والدامة هي التى ظهر فيها شئ من دم ولم يسل، والدامعة هي التى سال منها شئ من دم كالدمع، والباضعة هي التى شقت الجلد ووصلت إلى اللحم، والمتلاحمة هي التى شقت الجلد وشرعت في اللحم، والسمحاق هي الملطا وهى التى قطعت الجلد واللحم كله ووصلت إلى القشرة الرقيقة التى على العظم، والموضحة التى شقت الجلد اللحم وتلك القشرة وأوضحت عن العظم، والهاشمة التى قطعت الجلد واللحم والقشرة وأثرت في العظم فهشمت فيه، والمنقلة وهى المنقولة أيضا التى فعلت ذلك كله وكسرت العظم
فصار يخرج منها العظام، والمأمومة التى نفذت ذلك كله وشقت العظم كله فبلغت أم الدماغ، هذا الكلام كله هكذا حدثناه احمد بن محمد بن الجسور قال نا محمد بن عيسى بن رفاعة قال نا على بن عبد العزيز نا أبو عبيد عن الاصمعي وغيره فذكر كما ذكرنا * قال أبو محمد: فقال بعض السلف: كما قدمنا لاقصاص في العمد في شئ منها إلا في الموضحة وحدها وادعوا أن المماثلة في ذلك متعذرة، وقال آخرون: بل القصاص في كلها والمماثلة ممكنة كما أمر الله تعالى وقد ذكرنا بطلان قول من منع من القصاص فيها برأيه قبل فأغنى عن اعادته، يكفى من ذلك عموم قول الله تعالى: (والجروح قصاص) برفع الحاء، وقال تعالى: (والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وما كان ربك نسيا، فلو علم الله تعالى ان شيئا من ذلك لا تكمن فيه مماثلة لما أجعل لنا أمره بالقصاص في الجروح حملة ولم يخص شيئا فنحن نشهد بشهادة الله تعالى التامة الصادقة ونقطع قطع الموقن المصدق بكلام ربه تعالى أن ربنا عزوجل لو أراد تخصيص شئ من الجروح بالمنع من القصاص في العمد لبينها لنا كما أخبر تعالى عن كتابه انه أنزله تبيانا لكل شئ فإذ لم يفعل ذلك فنحن نقسم بالله تعالى قسما برا انه تعالى ما أراد قط تخصيص شئ من الجروح بالمنع من القصاص منه إلا في الاعتداء به وبالله تعالى التوفيق * 2069 - مسألة - من قتل عمدا فعفى عنه.
وأخذ منه الدية أو المفاداة *(10/461)
قال أبو محمد: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: يجلد مائة وينفى سنة كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عباس بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قال في الذى يقتل عمدا انه لا يقع القصاص عليه بجلد مائة قلت: كيف؟ قال في الحر يقتل عمدا أو في أشباه ذلك * وبه إلى ابن جريج عن عمرو بن شعيب أن عمر جلد حرا قتل عبدا مائة ونفاه عاما * وبه إلى ابن جريج عن
اسماعيل بن أمية قال: سمعت أن الذى يقتل عبدا يسجن سنة ويضرب مائة * وبه إلى ابن جريج عن ابن شهاب قال: ان قتل الحر عبدا عوقب بجلد وجيع وسجن وبعتق رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ولم تكن عليه عقوبة.
وقال الاوزاعي.
والليث.
ومالك: من قتل عمدا فعفى عنه الاولياء أو فادوه بالدية فانه يجلد مائة سوط مع ذلك وينفى سنة إلى أن قال مالك في القسامة يدعى على جماعة انهم لا يقسمون الا على واحد فان أقسموا عليه قتلوه وضرب الباقون كل واحد مائة سوط وينفوا كلهم سنة سنة.
وقال آخرون: لا شئ عليه كما نا حمام نا عبد الله بن محمد بن على الباجى نا عبد الله بن يونس نا بقى بن مخلد نا أبو بكر بن أبى شيبة نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عباس قال: كان في بنى اسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية قال الله تعالى: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والاثنى بالاثنى فمن عفى له من أخيه شئ)، فالعفو أن تقبل الدية في العمد ذلك تخفيف من ربكم ورحمة قال: فعلى هذا أن يتبع بالمعروف وعلى ذلك أن يؤدى إليه باحسان فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب اليم، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي.
وأحمد بن حنبل وأبو سلميان واصحابهم، وبه يقول اسحاق بن راهويه وسائر أصحاب الحديث فلما اختلفوا كما ذكر من نظرنا فيما احتجت به الطائفة الموجبة للادب والنفى في ذلك فوجدناهم يقولون أو من قال منهم: قال الله تعالى: (ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب) قال: فشبه الله تعالى القتل بالزنا ووجدنا الزنا فيه الرجم على المحصن فإذا لم يكن محصنا سقط عنه العقل ووجب عليه مائة جلدة ونفى سنة قالوا: فالواجب على من قتل فسقط عنه القتل مثل ذلك أيضا جلد مائة ونفى سنة، وذكروا ما حدثناه أحمد بن عمر بن أنس العذري نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا ابراهيم بن محمد نا محمد بن احمد بن الجهم نا محمد بن عبدوس نا أبو بكر بن أبى شيبة نا اسماعيل بن عياش عن اسحاق بن عبد الله بن أبى فروة عن عمرو بن شعيب.
وابراهيم بن عبد الله بن حنين قال
عمرو بن عن أبيه عن جده وقال ابراهيم عن أبيه عن على بن أبى طالب ثم اتفق على وجد عمرو(10/462)
ابن شعيب كلاهما قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل عبده متعمدا فجلده مائة ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمين ولم يقدمنه * قال أبو محمد: ما لهم شبهة غير هذا إلا ما ذكرنا آنفا في صدر هذا الباب عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وكل هذا لاحجة لهم فيه، أما تشنيعهم بذكر الله تعالى: (ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون) الآية وتنظيرهم ما يجب على القاتل بما يجب على الزانى ففاسد جدا وتحريف لكلام الله تعالى وحكمه عن مواضعه خطأ بحت من عدة وجوه، أولها أنه قياس والقياس كله باطل، والثانى أنه لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل لان الله تعالى لم يسو قط بين القاتل والزانى في الحكم وانما سوى بينهما في وعيد الآخرة فقط وليست أحكام الدنيا كاحكام الآخرة لان من تاب من كل ذلك فقد سقط عنه الوعيد في الآخره ولم يسقط عنه حكم للدنيا باتفاقهم معنا، والثالث أنه لا خلاف في أن حكم الزانى يراعى الاحصان في ذلك وعدم الاحصان ولا خلاف في انه لا يراعى ذلك في القتل * والرابع (1) ان حكم الزانى إذا وجب عليه القتل بلا خلاف ممن يعتد به القتل بالرجم خاصة وليس ذلك حكم القاتل إذا استقيد منه بلا خلاف إلا أن يكون قتل بحجر، والخامس أن الله تعالى قال في أول هذه الآية التى موهوا بايراد بعضها دون بعض (والذين لا يدعون مع الله الها آخر ويقتلون النفس التى حرم الله الا بالحق ولا يزنون) فيلزمهم إذا ساووا بين حكم القاتل والزانى لان الله تعالى قد ذكرهما معا في هذه الآية أن يساووا أيضا بين الكافر والقاتل والزانى لان الله تعالى قد ذكرهم كلهم معا وساوى بينهم بينهم في وعيد الآخرة الا من تاب فيلزمهم إذا أسلم الكافر والمرتد فراجع الاسلام أن يجلد مائة سوط وينفى سنة لان القتل قد سقط عنه كما قد سقط عن القاتل المعفو عنه وعن الزانى غير المحض، فان قالوا: الاجماع منع من ذلك قيل لهم فقد
أقررتم بان الاجماع منع من قياسكم الفاسد وأبطله فظهر فساد كلامهم هذا (2) وبالله تعالى التوفيق * وأما الخبر الذى تعلقوا به ففى غاية البطلان والسقوط لانه عن اسماعيل بن عياش وهو ضعيف جدا ولا سيما ماروى عن الحجازيين فلا خير فيه عند أحد من أهل العلم، ثم هو عن اسحاق بن عبد الله بن فروة (3) وهو متروك الحديث ولم يبق لهم الا التعلق بما روينا في ذلك عن عمر رضى الله عنه فنظرنا فيه فوجدناه لاحجة لهم فيه لانه لا يصح عن عمر أبدا لانه اما عن عمرو بن شعيب أن عمر، واما
__________
(1) في النسخة رقم 14 والثالث أنه لا خلاف في أنه لا يراعى ذلك في القتل والرابع الخ (2) في النسخة رقم 45 كلامكم هذا (3) في النسخة رقم 45 عبد الله بن ابى فروة(10/463)
عن العباس بن عبد الله أن عمر وكلاهما لم يولد إلا بعد موت عمر رضى الله عنه بدهر طويل، وأيضا فقد صح عن ابن عباس خلافه إذا صح الخلاف عن الصحابة رضى الله عنهم فليس قول بعضهم أولى من قول بعض فالواجب حينئذ الرجوع إلى ما أمر الله تعالى به عند التنازع إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) فكل قول عرى من الادلة فهو باطل بيقين قال الله تعالى: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) ثم نظرنا في قول من لم ير على المعفو عنه بالدية أو المفاداة أو العفو المطلق جلدا ولانفيا فوجدناهم يقولون: قال الله تعالى: (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) فاوجب الله تعالى نصا لاخفاء به أن من قتل عمدا فوجب عليه القصاص في القتل ثم عفى عنه على مال فواجب على الولى العافى أن يتبع القاتل المعفو عنه بالمعروف وأوجب الله تعالى على القاتل المعفو عنه أن يؤدى ما عفا عنه عليه باحسان وليس من المعروف والاحسان الضرب بالسياط والنفى عن الاوطان سنة، ووجدنا هم أيضا يذكرون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم واعراضكم وابشاركم عليكم حرام " فصح أن بشرة
القاتل محرمة بتحريم الله تعالى فلا يحل جلده ولانفيه إذ لم يوجب ذلك قرآن ولاسنة ولا اجماع ولا دليل من الادلة أصلا، وذكروا ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا احمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا احمد بن محمد نا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن حاتم نا سعيد بن سليمان نا هشيم نا اسماعيل بن سالم عن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه قال: " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد قتل رجلا فاقاد ولى المقتول منه فانطلق به وفى عنقه نسعة يجرها فلما أدبر الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القاتل والمقتول في النار " فاتى رجل إلى الرجل فقال له مقالة النبي صلى الله عليه وسلم فخلى عنه قال اسماعيل بن سالم: فذكرت ذلك لحبيب بن أبى ثابت فقال: حدثنى بن أشوع ان النبي صلى الله عليه وسلم انما سأله أن يعفو عنه فابى * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان عن عوف بن أبى جميلة (1) وجامع بن مطر الحبطى (2) قال عوف: حدثنى حمزة العائذى أبو عمر ثم اتفق جامع.
وحمزة كلاهما عن علقمة بن وائل بن حجر عن وائل قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم حين جئ بالقاتل يقوده ولى المقتول في نسعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولى المقتول: " أتعفو عنه؟ قال: لاقال له أتأخذ الدية؟ قال: لا قال: فتقتله؟ قال نعم: قال اذهب به فلما تولى من عنده دعاه
__________
(1) في النسخة رقم 14 عن عوف بن جمبلة وهو غلط (2) هو بفتح المهملة والموحدة بعدهما طاء مهملة(10/464)
قال له: أتعفو عنه؟ قال لا قال له فتأخذ الدية؟ قال: لاقال: فتقتله؟ قال: نعم قال اذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: أما انك ان عفوت عنه يبوء باثمه واثم صاحبك فعفا عنه وتركه قال فانا رأيته يجر نسعته "، قال يحيى بن سعيد القطان وقد ذكر هذين الحديثين فقال عن حديث جامع هو أحسن منه يعنى أنه أحسن من حديث حمزة * قال على: وهو كذلك لان حمزة العائذى شيخ مجهول لايعرف قاله ابن معين ولم
يوثقه أحد نعلمه، وأما جامع بن مطر فقال فيه احمد بن حنبل: لا بأس به وما علمنا أحدا جرحه وقد روى عنه ائمة.
يحيى.
وعبد الصمد بن عبد الوارث.
وحفص بن عمر الحوضى وغيرهم * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب أنا عمرو بن منصور نا حفص بن عمر - هو الحوضى - نا جامع بن مطر عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا عنده إذ جاءه رجل في عنقه نسعة فقال: " يا رسول الله ان هذا وأخى كانا في جب يحفرانها فرفع المنقار فضرب به رأس صاحبه فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعف عنه فابى وقام فقال: يا نبى الله ان هذا وأخى كانا في بئر يحفرانها فرفع المنقار فضرب بها رأس صاحبه فقتله قال: اعف عنه فابى ثم قام فقال: يا رسول الله هذا وأخى كانا في جب يحفرانها فرفع المنقار أراه قال فضرب به رأس صاحبه فقتله قال اعف عنه فابى قال: اذهب ان قتلته كنت مثله فخرج به حتى جاوز فناديناه اما تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع فقال: ان قتلته كنت مثله قال نعم اعف عنه فخرج يجر نسعته حتى خفى علينا " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب أنا عيسى بن يونس الفاخورى نا ضمرة عن عبد الله بن شوذب عن ثابت البنانى عن أنس " ان رجلا أتى بقاتل وليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: اعف عنه فابى فقال: خذ الدية فابى قال اذهب فاقتله فانك مثله فخلى سبيله فمر الرجل وهو يجر نسعته " * قال أبو محمد: أما حديث اسماعيل بن سالم: وجامع بن مطر كلاهما عن علقمة فجيدان تقوم الحجة بهما وفى كليهما اطلاق القاتل المعفو عنه ومسيره حتى غاب عنهم وخفى عنهم لاضرب ولا نفى، فصح قول من رأى أن لاجلد على القاتل ولا نفى إذا عفى عنه، وهو قول ابن عباس ولا يصح عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم خلاف له أصلا، وهذا مما يستشنعه المالكيون إذا وافق تقليدهم وإذا خالفه لم يبالوا به، وأما قول مالك بذلك في القسامة فما عرف قط عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم وبالله
(م 59 - ج 10 المحلى)(10/465)
تعالى التوفيق * 2070 مسألة: في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الاخبار " القاتل والمقتول في النار وان قتلته كنت مثله " * قال على: قد أيقنا ولله الحمد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول الا الحق المتيقن، وايقنا انه صلى الله عليه وسلم لا يقضى بباطل وهو يدرى أنه باطل فإذ لاشك في هذين الوجهين فالواجب علينا طلب وجه حكمه عليه الصلاة والسلام بالقود في هذه الاخبار واطلاقه على القتل في ذلك مع قوله الصادق ان قتله كان مثله والقاتل والمقتول في النار فان للسائل أن يقول: كيف يقضى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقود لا يحل له وهو يدرى أنه لا يحل له حاش لله من هذا واذ لا يجوز هذا فكيف يكون في النار ومثلا للقاتل من استقادكما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اقتص بالحق * قال أبو محمد: أما تفسير ابن أشوع الذى ذكرناه آنفا من طريق مسلم عنه ان ذلك كان ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله العفو عنه فابى فانه تفسير فاسد لا يجوز البتة لانه صلى الله عليه وسلم لا يخلو في ذلك من احد وجهين لا ثالث لهما إما أن يكون شافعا في العفو واما أن يكون امرا بالعفو فان كان شافعا فليس الممتنع من اسعاف شفاعته صلى الله عليه وسلم عاصيا لله تعالى كما فعلت بريرة إذ قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خيرها في البقاء مع زوجها أو فراقه فاختارت فراقه لو راجعتيه فانه أبو ولدك فقالت: أتأمرني يا رسول الله؟ قال: لا انما انا شافع فقالت.
لاأرجع إليه أبدا، فلا خلاف بين أحد من الامة أن بريرة رضى الله عنها لم تكن عاصية بذلك فان كان عليه الصلاة والسلام شافعا في هذا القاتل فليس الممتنع عاصيا فإذ ليس عاصيا فليس في النار ولاهو مثل القاتل الظالم وان كان صلى الله عليه وسلم آمرا فهو بيقين لا يأمر الا بواجب فرض، ومن الباطل أن يأمر عليه الصلاة والسلام بشئ ويطلق على خلافه ولا يمنع من الحرام الذى هو خلاف أمره وهذا هو
القضاء بالباطل وقد أبعده الله تعالى عن هذا، فان قالوا: هو أمر على الندب قلنا: لاراحة لكم في هذا لان من ترك قبول الامر بالندب الذى ليس فرضا فليس في النار ولا هو مثل القاتل الظالم فبطل تفسير بن أشوع، وهكذا القول فيما حدثنا عبد الله ابن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد ناعلى بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا على بن الحكم البنانى عن محمد بن زيد عن سعيد بن جبير قال: " ان الرجل قال يا رسول الله قتل أخى فدخل النار وان قتلته دخلت النار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله انه قتل أخاك فدخل النار بقتله إياه، وأنى نهيتك عن قتله فان قتلته دخلت النار بمعصيتك إياى " * قال أبو محمد: وهذا مرسل، والمرسل لا تقوم به حجة، والقول في ابطاله(10/466)
كالقول في حديث بن أشوع ولا فرق وبه إلى حماد عن حميد عن الحسن أنه كان يعنى بهذا الخبر ان قتلته فانت مثله كان يرى ذلك عاما، وكذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع نا ابن السليم نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا موسى بن اسماعيل نا عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني عن عطاء بن أبى ميمونة عن أنس بن مالك قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه شئ فيه قصاص الا أمر فيه بالعفو قال: فلو كان هذا أمر فرض وايجاب لحرم القصاص جملة، وهذا أمر متيقن أنه لا يقوله أحد من أهل الاسلام فان كان أمر ندب فلا يدخل النار ولا يكون ظالما من ترك الندب غير راغب عنه، فان تركه راغبا عنه فهو فاسق وربما كفر * قال على: والقول في هذا عندنا هو ما وجدناه في خبر آخر وهو الذى حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني الكوفى.
وأحمد بن حرب واللفظ له قالا: نا أبو معاوية عن الاعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة قال: قتل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع القاتل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه إلى ولى المقتول فقال القاتل يا رسول الله لا والله ما اردت قتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولى المقتول: أما انه ان كان صادقا ثم قتلته دخلت النار فخلى سبيله وكان مكتوفا فخرج يجر نسعته
فسمي ذا النسعة * قال أبو محمد: فهذا بيان الاخبار الواردة في هذا الحكم لا يجوز غير ذلك البتة وهو أنه حكم عليه الصلاة والسلام بالقود والقتل قصاصا بظاهر البينة أو الاقرار التام وهذا هو الحق المفترض على الحكام (1) المتيقن أن الله تعالى أمرهم به ولم يكلفهم علم الغيب فحكم النبي عليه الصلاة والسلام بالحق في ذلك فلما قال: ان لم أرد قتله وكان ذلك ممكنا أخبره عليه الصلاة والسلام بأنه ان كان كذلك فقاتله في النار وهو مثله لانه لا يحل له قتله حينئذ فصار حكمه عليه الصلاة والسلام حقا وقوله حقا كما قال أيضا عليه الصلاة والسلام: " فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذه فانما أقطع له قطعة من النار " وهو عليه الصلاة والسلام في ظاهر الحكم بالبينة أو الاقرار أو اليمين حاكم بالحق المتيقن (2) لا بالظن لكن بما أمره الله تعالى أن يحكم به ولابد وان كان الباطن بخلاف ذلك مما لو علمه عليه الصلاة والسلام لم ينفذه ولا تركه يمضى أصلا وبالله تعالى التوفيق، فان قيل: هذا وجه الجمع بين حكمه عليه الصلاة والسلام وقوله في ذلك فما وجه حكمه عليه الصلاه والسلام بان القاتل والمقتول في النار وأنه مثله وكيف يكون من قتل غير مريد للقتل في النار؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق * هذا اخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بغيب أعلمه الله تعالى اياه لانه عليه الصلاة والسلام لا يقول البتة الا الحق ولا
__________
(1) في النسخة رقم 14 على الحكم (2) في النسخة رقم 14 بالحق اليقين(10/467)
يقول بالظن قاصدا إلى ذلك ومن قال هذا عليه ونسبه إليه فهو كافر.
فنقول.
ان ذلك القاتل الذى لم يعمد القتل كان فاسقا من اهل النار بعمله غير هذا القتل أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على عاقبته فيه ولم يكن دمه يحل لهذا المستقيد لانه لم يعمد قتل أخيه فلو قتله على هذا الوجه لكان قاتلا بغير الحق ولاستحق النار ولكان ظالما كالمقتول إذ ليس كل ظالم يستحق القتل وبالله تعالى التوفيق * 2071 مسألة من قتل في الزحام أو لم يعرف من قتله أو أصابه سهم أو حجر لا يدرى
من رماه أو هرب قاتله * قال على: نا حمام نا عبد الله بن محمد بن على الباجى نا عبد الله بن يونس نا بقى بن مخلد نا أبو بكر بن أبى شيبة ناوكيع نا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن ابراهيم النخعي أن رجلا قتل في الطواف فاستشار عمر الناس فقال على ديته على المسلمين أو في بيت المال * وبه إلى وكيع نا وهب بن عقبة.
ومسلم بن يزيد بن مذكور سمعاه من يزيد بن مذكور قال: ان الناس ازدحموا في المسجد الجامع بالكوفة يوم الجمعة فافرجوا عن قتيل فوداه على بن أبى طالب من بيت المال * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الحكم بن عتيبة عن ابراهيم النخعي عن الاسود أن رجلا قتل في الكعبة فساأل عمر عليا، فقال: من بيت المال يعنى ديته * ومن طريق ابن وهب حدثنى سعيد بن عبد الله الثقفى عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب في رجلين ماتا في الزحام ان يوديا من بيت المال فانما قتله يد أو رجل، وقد روى هذا أيضا عن سعيد بن المسيب أيضا وعروة بن الزبير.
وقد روى غير هذا كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: من قتل في زحام فان ديته على الناس من حضر ذلك في جمعة أو غيرها * قال على: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب ان ننظر فيما تحتج به كل طائفة فوجدنا أهل القول الاول يحتجون بما حدثنا حمام نا ابن مفرج الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن العزيز عن كتاب لعمر بن عبد العزيز قال: بلغنا " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن قتل يوم أضحى أو يوم فطر فان ديته على الناس جماعة " لانه لا يدرى من قتله، وهذا خبر مرسل ولا حجة في مرسل والذى نقول به: ان من ضغط في زحام حتى مات من ذلك الضغط (1) فقد عرفنا أن الجماعة تلك بعينها كلهم قتله إذ كلهم تضاغطوا حتى مات من ضغطهم فإذ قد عرف قاتلوه فالدية واجبة على عواقلهم بلا شك، فان قدر على ذلك فهو عليهم وان جهلوه فهم غارمون حيث كانوا وحق الغارمين واجب في صدقات المسلمين وفى سائر
__________
(1) في النسخة رقم 14 من تلك الضغطة(10/468)
الاموال الموقوفة لجميع مصالح المسلمين لقول الله تعالى: (انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم) الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ترك دينا أو ضياعا فالى وعلى " وان كان مات من أمر لا يدرى من أصابة فديته واجبة على جميع الاموال الموقوفة لمصالح المسلمين لان مصيبه غارم أو عاقلته ولابد، وهذا هو نص الخبر وان كان لا يحتج به بارساله لكن معناه صحيح بالنصوص التى ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: وقد حدثناه حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن معمر قال: قضى هشام بن سليمان في قوم كانوا في ماء فتماقلوا فمات واحد منهم في الماء فشهد اثنان على ثلاثة وثلاثة على اثنين فقضى بديته على جميعهم * حدثنا حمام نا عبد الله بن محمد بن على الباجى نا عبد الله بن يونس نا بقى بن مخلد نا أبو بكر بن أبى شيبة نا محمد بن أبى عدى عن أشعث عن الحسن أنه قال في قوم تناضلوا فأصابوا انسانا لا يدرى أيهم أصابه؟ قال: الدية عليهم * ورويناه من طريق الحجاج ابن المنهال نا حماد بن سملة انا سلمة بن كهيل وحماد بن أبى سليمان ان على بن أبى طالب قضى في ستة غلمة كانوا يتغاطون في النهر فغرق أحدهم فشهد اثنان على ثلاثة انهم غرقوه وشهد ثلاثة على اثنين انهما غرقاه فجعلي على بن ابى طالب ثلاثة أخماس الدية على الاثنين وخمسى الدية على الثلاثة * قال على: أما الرواية عن على بن أبى طالب فلا تصح ولو صحت لكان جميع الحاضرين من خصومنا مخالفين لحكمه فيها، وأما القول عندنا فهو ان الله تعالى حرم الاموال الا بيقين الحق لقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان دماءكم وأموالكم واعراضكم عليكم حرام " فلا يصح قضاء بدية (1) على أحد الا حيث أوجبها نص [ قرآن أو سنة ] عن رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم فإذا مات انسان
في تغاظ أو نضال أو في وجه ماء فانه لا يحل أن يغرم من حضر شيئا من ديته ولا عواقلهم لاننا لا ندري أجميعهم قتله أو بعضهم واذ لا ندري من القاتل له فلا فرق بين الحاضرين وبين العابرين على السبيل والزامهم ديته أو عواقلهم ظلم لاشك فيه بل نوقن أن جميعهم لم يقتله فنحن على يقين من ان الزام جميعهم الدية ظلم لاشك فيه، فحق هذا أن يودى من سهم الغارمين أو من الاموال الموقوفة لمصالح جميع المسلمين لان الله تعالى افترض ديته بقوله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى
__________
(1) في النسخة رقم 14 فلا يحل قضاء بدية (2) في النسخة رقم 14 أوجبها نص صحيح عن رسول الله(10/469)
أهله) فلابد من دية مسلمة إلى أهله، وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى قد ذكرناه باسناده في مواضع من كتابنا هذا ولله الحمد " من قتل له قتيل بعد مقالتي هذه فاهله بين خيرتين بين أن يقتلوا أو يأخذوا العقل " أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فالعقل واجب على كل حال في العمد والخطأ ولا يخلو قتيل من احد هذين الوجهين * قال أبو محمد: وهكذا من أصابه حجر لا يدرى من رماه أو سهم كذلك ولا فرق، ولو أن امرءا خرج إليه عدو في طريق فقتله وجماعة ثقات ينظرون إلى ذلك الا انهم لا يعرفون القاتل من هو فلما رآهم القاتل هرب وصار خلف ربوة أو في بيت أو في خان فاتبعته الجماعة فوجدوا خلف الرابية أو الخان أو البيت جماعة من الناس أو اثنين فصاعدا فيهم ثقات وغير ثقات فسألوهم من دخل عندكم الساعة؟ فقال كل امرئ منهم لا ندري كل امرئ منا مشغول بامره فاما المالكيون يقولون: يقذف كل من كان في الخان وكل من كان في البيت وكل من كان خلف الرابية في السجن الدهر الطويل حتى يكون موتهم خيرا لهم من الحياة وهذا ظلم عظيم متيقن وخطا عند الله تعالى بلا شك لانهم على يقين من أنهم كلهم مظلمون الا واحد افقد أقدموا على ظلم الف انسان بيقين وهم يدرون أنهم ظالمون لهم خوف أن يفلت ظالم واحد لا يعرفونه بعينه *
قال أبو محمد: ويلزم من قال بهذا القول (1) على كل أن يقصد إلى أهل كل سوق فيقذفهم في الحبس لاننا ندرى أن فيهم آكل ربا بيقين وشارب خمر بيقين وكذلك يلزمهم في قتيل وجد في مدينة أو جزيرة ان يسجنوا جميع أهل تلك المدينة وأهل الجزيرة وإلا فقد تناقضوا أفحش تناقض، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أبطل هذا الحكم الفاسد بفعله (2) في أهل خيبر إذ قتل فيهم عبد الله بن سهل رضى الله عنه فما سجن أحد منهم بل قنع منهم بالايمان فقط على من ادعى عليه منهم أو بايمانهم * قال أبو محمد: ويبطل هذا أيضا قول الله تعالى: (ان يتبعون الا الظن وما تهوى الانفس) وقوله تعالى: (إن يتبعون إلا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث " فلا يحل لاحد الاقدام على أحد بالظن فكيف وهم ههنا قد اقدموا بالجور المحض والظلم المتيقن، والواجب في هذا أن لا يسجن واحذ منهم لكن من ادعى عليه حلف المدعون على حكم القسامة فان نكلوا حلف هو يمينا واحدة، وكذلك لو ادعوا على جماعة باعيانهم كل واحد منهم يحلف يمينا واحدة ويبرأ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء
__________
(1) في النسخة رقم 14 هذا القول (2) في النسخة رقم 14 بقوله(10/470)
قوم وأموالهم ولكن اليمين على من ادعى عليه " وان كان وجد في دار قوم أيضا حكم هناك بحكم القسامة وبالله تعالى التوفيق * 2072 مسألة فيمن أمر آخر بقطع يده أو بقتل ولده أو عبده أو بقتله نفسه * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا احمد بن خالد نا على ابن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حمادبن سملة عن عمرو بن دينار قال ان رجلا قال لعبد: اقطع أذنى وأنت شريكي في الدية ففعل فاختصموا إلى ابن الزبير فقامت البينة على قوله فابطل ديته *
قال على: قد أوجب الله تعالى في النفس الدية ان أرادها ولى المقتول على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وأوجب الله تعالى أيضا كذلك دية الاصابع على ما ذكرنا قبل، وحرم الله طاعة احد من الناس في معصية الله تعالى، وقد ذكرنا كل ذلك باسناده فيما سلف من ديواننا * حدثنا عبد الله بن يوسف نا احمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا احمد بن محمد نا احمد بن على نا مسلم بن الحجاج نا قتيبة ناليث - هو ابن سعد - عن عبيدالله - هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما احب أو كره، الا ان يؤمر بمعصية فان امر بمعصية فلا سمع ولاطاعة " * وبه إلى مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن زبيد عن سعد بن عبيد عن ابى عبد الرحمن السلمى عن على بن أبى طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " انما الطاعة في المعروف " * قال أبو محمد: فحرام على كل من أمر بمعصية أن يأتمر لها فان فعل فاسق عاص لله تعالى وليس له بذلك عذر وكذلك الآمر في نفسه بما لم يصح الله تعالى له فهو عاص لله تعالى فاسق ولاعذر للمأمور في طاعته بل الآمر والذى يؤمر سواء في ذلك فالواجب أن يجب للآمر انسانا بقطع يد الآمر نفسه بغير حق أو بقتل عبده أو بقتل ابنه ما يجب له لو لم يأمر بذلك من القود أو الدية لان وجود أمره بذلك باطل لاحكم له في الاباحة أصلا، وكذلك من أباح لآخر أن يقتله ففعل فلا ولياء المقتول القود أو الدية، وقد قال مالك من أمر آخر بقتل عبده فقتله فلا شئ على المأمور، وقال الشافعي: من أمر آخر بقطع يد الآمر فلا شئ على القاطع * قال على: وهذان القولان في غاية الفساد لما ذكرنا، والعجب أنهم أصحاب قياس بزعمهم وهم لا يختلفون فيمن أمر انسانا بأن يزنى بأمته نفسه ففعل أن الحد عليه، فان قالوا: ان له بعد قطع يده وقتل أبيه وغلامه أن يعفو وليس له أن يعفو بعد الزنا بأمته قيل(10/471)
لهم أن وقت العفو لم يأت بعد فليس له أن يعفو وهم لا يختلفون فيمن قال: من قتل ابن عمى فلان بن فلان فقد عفوت عنه فقتله قاتل فان له القود فبطل تظيرهم، وبالله تعالى التوفيق * 2073 مسألة في قول الله تعالى: (فمن تصدق به فهو كفارة له) قال الله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن، والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له) * قال على: من قرأوالعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص بالرفع في ذلك كله لا بالعطف على النفس بالنفس فهو حكم ثابت علينا لازم لنا، ومن قرأها بالنصب في كل ذلك فهو معطوف على ان النفس بالنفس وأن ذلك من حكم التوراة * قال أبو محمد: وكلتا القراءتين حق مشهور من عند الله تعالى فكلا المعنيين حق فكان ذلك مكتوبا في التوراة، وكل ذلك أيضا مكتوب علينا بحق فإذ ذلك كذلك فواجب أن ينظر في معنى قوله تعالى: (فمن تصدق به فهو كفارة له) فوجدنا ما ناه حمام نا عبد الله بن محمد بن على الباجى نا عبد الله بن يونس المرادى نا بقى بن مخلد نا أبو بكر بن أي شيبة ناوكيع عن سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن الهيثم بن الاسود عن عبد الله بن عمرو في قوله تعالى: (فمن تصدق به فهو كفارة له) قال: هدم عنه من ذنوبه مثل ذلك * قال أبو محمد: فهذا يدل على أنه كفارة لذنوب المجروح المتصدق بحقه * وبه إلى أبى بكر بن أبى شيبة نا هشيم عن مغيرة عن ابراهيم النخعي في قوله تعالى: (فمن تصدق به فهو كفارة له) قال للمجروح، وبه إلى أبى بكر بن أبى شيبة نا يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين عن الحسن قال: (فمن تصدق به فهو كفارة له) * قال للمجروح، وعن الشعبى قال للذى تصدق به * على: وقيل غير هذا كما روينا بالسند المذكور إلى أبى بكر ابن ابى شيبة نا الفضل بن دكين ويحى بن آدم عن سفيان الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: (فهو كفارة له) قال للمجروح وأجر
المتصدق على الله تعالى * وعن جابر بن زيد قال للمجروح، وعن مجاهد في قوله تعالى: (فهو كفارة له) وأجر المتصدق على الله * ومن طريق وكيع نا سفيان عن زيد بن أسلم انه سمعه يقول: ان عفا عنه أو اقتص منه أو قبل منه الدية فهو كفارة له * ومن طريق ابن ابى شيبة نا جرير ووكيع قال وكيع عن سفيان ثم التفق جرير وسفيان كلاهما عن منصور عن ابراهيم النخعي قال: كفارة للذى تصدق عليه واجر الذى أصيب على الله تعالى * قا أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب ان نفعل ما امرنا الله تعالى به(10/472)
إذ يقول: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا نص قوله تعالى: (فمن تصدق به فهو كفارة له) جاء بلغة العرب كما قال تعالى (بلسان عربي مبين) ووجدنا في لغة العرب الضمير راجعا ولابد إلى اقرب مذكور الا بدليل ووجدنا اقرب مذكور إلى (فهو كفارة له) الضمير الذى في تصدق به وهو ضمير المجني عليه المتصدق فلا يجوز اخراجه عن هذا الا بدليل ولا دليل على ذلك وأما المتصدق عليه فان الجاني فيما دون النفس إذا عفا عنه المجني عليه فان غفر له وتصدق بحقه عليه فلا شك في انه مغفور له ومكفر عنه لان صاحب الحق قد اسقط حقه قبله، واما إذا لم يغفر له ولكنه أخر طلبه إلى الآخرة واسقطه في الدنيا فبلا شك ندرى ان حقه باق له قبله وانه سيقتص يوم القيامة من حسناته، واما من قتل آخر فعليه حقان حق المقتول في ظلمه اياه وحق الولى في اخذ القود.
فان عفا الولى فانما عفا عن حق نفسه ولا عفو له في حق غيره - وهو المقتول - فحق المقتول باق عليه كما كان لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) وكما اخبر صلى الله عليه وسلم * روينا من طريق مسلم نا قتيبة.
وابن حجر قالا جميعا: نا اسماعيل - هو ابن جعفر - عن العلاء هو ابن عبد الرحمن - عن ابيه عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لادرهم له ولامتاع فقال: ان المفلس
من امتى يأتي يوم القيمة بصلاة وصيام وزكاة ويأتى قد شتم هذا وقذف هذا واكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار لتؤدن الحقوق إلى اهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " * ومن طريق البخاري نا عمر بن حفص بن غياث نا ابى نا الاعمش حدثنى شقيق قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: " قال النبي صلى الله عليه وسلم: اول ما يقضى بين الناس في الدماء " * وبه إلى البخاري نا اسماعيل - هو ابن ابى أويس - نا مالك عن سعيد ابن ابى سعيد المقبرى عن ابى هريرة " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كانت له مظلمة لاخيه فليتحلله منها فانه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل ان يؤخذ لاخيه من حسناته فان لم تكن له حسنات يؤخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه " * ومن طريق البخاري نا الصلت بن محمد نا يزيد بن زريع نا سعيد بن ابى عروبة عن قتادة عن ابى المتوكل الناجى ان ابا سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يخلص المؤمنون من النار فيحسبون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص (م 60 - ج 10 المحلى)(10/473)
لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لاحدهم أهدى إلى منزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا " قال على: وأما إذا قتل قودا فقد انتصف منه كما أمر الله تعالى فلا تبعة عليه، وبالله تعالى التوفيق * 2074 - مسألة - في امرأة نامت بقرب أبنها أو غيره فوجد ميتا * قال على: نا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم
عن ابراهيم النخعي في امرأة شربت دواء فالقت ولدها قال: تكفر، وقال في امرأة أنامت صبيها إلى جنبها فطرحت عليه ثوبا فاصبحت وقد مات قال أحب الينا أن تكفر * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح ناموسى بن معاوية نا وكيع نا مغيرة عن ابراهيم انه قال في امرأة غطت وجه صبى لها فمات في نومه فقال تعتق رقبة * قال أبو محمد: ان مات من فعلها مثل أن تجر اللحاف على وجهه ثم ينام فينقلب فيموت غما أو وقع ذراعها على فمه أو وقع ثديها على فمه أو رقدت عليه وهى لا تشعر فلا شك انها قاتلته خطأ فعليها الكفارة وعلى عاقلتها الدية أو على بيت المال وان كان لم يمت من فعلها فلا شئ عليها في ذلك ولا دية أصلا فان شكت أمات من فعلها أم من غير فعلها فلا دية في ذلك ولا كفارة لاننا على يقين من براءتها من دمه ثم على شك أمات من فعلها أم لا والاموال محرمة الا بيقين والكفارة ايجاب شرع والشرع لا يجب الا بنص أو اجماع فلا يحل أن تلزم غرامة ولا صياما ولا أن تلزم عاقلتها دية بالظن الكاذب وبالله تعالى التوفيق * 2075 - مسألة - هل بين الاجير ومستأجره قصاص * قال على: روى عن بعض التابعين ليس بين الاجير ومستأجره قصاص إلا أن يتعدى فيجب العقل بعد القسامة وهذا خطا لان الله تعالى لم يفرق بين المستاجر وغيره وليس الا خطأ أو عمد فلا شئ في الخطأ إلا ما أوجبه الله تعالى في النفس، وأما العمد ففيه القصاص سواء الاجير والمستاجر كما قال الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * 2076 مسألة - في ميراث الدية * قال على: اختلف الناس في كيف تورث الدية فقالت طائفة: الدية للعصبة، وقال آخرون: هي لجميع الورثة كما نا محمد بن سعيد(10/474)
ابن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا أبو معاوية محمد بن حازم الضرير عن ليس بن أبى سليم عن أبى عمرو العبدى عن على بن أبى طلب قال: تقسم الدية على ما يقسم عليه الميراث * وبه إلى قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية ناوكيع نا سفيان عن عمار عمن سمع عليا يقول: لقد ظلم من منع الاخوة من الام نصيبهم من الدية * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن سالم عن الشعبى عن عمر بن الخطاب أنه قال: يرث من الدية كل وارث والزوج والزوجة في الخطا والعمد * وبه إلى أبى بكر بن أبى شيبة نا جرير عن مغيرة عن ابراهيم قال في الرجل يقتل عمدا فيعفو بعض الورثة قال: لامرأته ميراثها من الدية * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا اسباط بن محمد عن هشام عن الحسن قال: ترث المرأة من دم زوجها * ومن طريق أبى بكر بن بى شيبة نا معن بن عيسى عن ابن أبى ذئب عن الزهري قالك إذا قبل العقل في العمد كان ميراثا ترثه الزوجة وغيرها * وعن أبى قلابة انه كان يتحدث أن الدية سبيلها سبيل الميراث * وعن الشعبى قال: الدية للميراث * وعن ابن جريج قال قلت لعطاء العقل كهيئة الميراث؟ قال: نعم قلت وترث الاخوة من الام منه؟ قال: نعم * وعن عمر بن عبد العزيز انه كتب في الاخوة من الام يرثون في الدية وكل وارث * قال أبو محمد: والقول الثاني كما حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب: ما أرى الدية إلا للعصبة لانهم يعقلون عنه فهل سمع أحد منكم في ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقال الضحاك بن سفيان الكلابي - وكان النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على الاعراب - كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امراة أشيم الضبابى من دية زوجها فاخذ عمر بذلك، وبه إلى عبد الرزاق نا معرم عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه كان لا يورث الاخوة من الام من الدية شيئا *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما اختلفوا فيه لنعلم حجة كل طائفة منهم فتبع الحق حيث كان بعون الله تعالى فوجدنا حجة من قال: لا يرث من الدية إلا العصبة ان ذكروا ما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان نا ابن أبى ذئب نا سعيد بن أبى سعيد المقبرى قال سمعت أبا شريج الكعبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين بين أن يأخذوا العقل وبين أن يقتلوا " *(10/475)
قال على: فوجدنا هذا الخبر لاحجة لهم فيه لان النبي صلى الله عليه وسلم جعل الدية لمن له أن يستقيد وأخبر أنهم أهله والاخوة للام والزوج والزوجة يقع عليهم اسم أهل على ما نذكر ان شاء الله تعالى في باب من له عن القود العفو أو القصاص، وقد صح النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما قلتم كما روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا ليث - هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة أنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بنى لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة غير أن المرأة التى قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها [ وزوجها ] (1) وأن العقل على عصبتها * قال أبو محمد: فصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالميراث لغير من قضى عليه بالعقل فبطل قولهم بيقين، وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الخطأ بان الدية لاهل المقتول مسلمة، وأن الدية في العمد لاهل المقتول واجبة لهم ان أرادوا أخذها، وصح انه ليس للقتل نوع الاعمد أو خطا فصحت الدية بيقين لاهل المقتول والزوجة من أهله كما روينا من طريق البخاري نا الاويسى نا ابراهيم - هو ابن سعد - عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال أخبرني عروة.
وابن المسيب.
وعلقمة بن وقاص وعبيدالله ابن عبد الله بن عتبة عن عائشة حين قال لها أهل الافك ما قالوا قالت: ودعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم على بن ابى طالب.
واسامة بن زيد حين استلبث الوحى يسألهما وهو يستشيرهما في فراق أهله فاما أسامة فاشار بالذى يعلم من براءة أهله وأما على فقال: لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير واسأل الجارية تصدقك فقال: هل رأيت من شئ ريبك قالت: ما رأيت شيئا (2) أكثر من انها جاريه حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتاتي الداجن فتأكله فقام على المنبر فقال: " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلى وانه (3) ما علمت من أهلى الا خيرا " ومن طريق عروة قال: لما أخبرت عائشة بالامر قالت: يا رسول الله أتاذن لى أن انطلق إلى أهلى؟ فاذن لها وأرسل معها الغلام، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمى زوجته أهلا وأخبر انها أهله وقد قالت له بريرة: تنام عن عجين أهلها وبلا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له في ذلك العجين نصيب فهو عليه الصلاة والسلام أهلها أيضا، وقد استاذنته في الانطلاق إلى أهلها وقد كان لها أخ لام معروف فصح أن هؤلاء كلهم داخلون في الاهل فإذ الدية بنص القرآن ونص السنة للاهل والزوجة والزوج والاخوة للام أهل فحظهم في الدية
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 45 (2) في النسخة رقم 14 امرا (3) في النسخة رقم 45 والله(10/476)
واجب كسائر الورثة، ولا خلاف بين أحد من الامة كلها في أن الدية موزونة على حسب المواريث لمن وجبت له، وعلى هذا اعتماد نا في توريث من ذكرنا من الدية، وأما الاحاديث الواردة في ذلك غير ما ذكرنا فواهية لا تصح وأحسن ما فيها حديث الضحاك بن سفيان الضبابى الكلابي الذى ذكرنا آنفا وهو منقطع لم يسمعه منه سعيد بن المسيب * قال أبو محمد: فلو أن امرءا نذر نذرا لله تعالى أن يتصدق بكل ما ورث عن فلان ثم قتل ذلك الفلان خطأ أو عمدا فانه لا يلزمه أن يتصدق بما يقع له من ديته في العمد والخطأ لانه لم يرثه عنه * 2077 مسألة فذكر ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في المقتتلين أن يحتجزوا *
حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاويه نا أحمد بن شعيب أنا اسحاق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - نا الوليد بن مسلم عن الاوزاعي حدثنى حصن حدثنى أبو سلمة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " وعلى المقتتلين أن يحتجزوا الاول فالاول وان كانت امرأة " * قال أبو محمد: فماج الناس في تفسير هذا الخبر، وجكى أحمد بن محمد الطحاوي أنه سأل عن تفسير هذا الخبر محمد بن عبد الله بن عبد الحكم.
وأحمد بن أبى عمران.
وابراهيم المزني فاما محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فلم يجبه بشئ واعترف له بأنه لا يدرى ما معناه، وأما أحمد بن أبى عمران فقال له: هذا يخرج منه جواز عفو النساء عن الدم، وأما المزني فقال له: معناه النهى عن القتال في غير الحق * قال أبو محمد: أما ابن عبد الحكم فاحسن إذ سكت عن شئ لم يتبين له وجهه، وأما ابن أبى عمران فقال قولا فاسدا لانه لا يفهم أحد من قول قائل على المقتتلين أن يحتجزوا الاول فالاول، وان كانت امرأة أنه يجوز عفو النساء من الدم أو لا يجوز وهذا سمج جدا، وما يعجز أحد من أن يدعى فيما شاء ما شاء إذا لم يحجزه ورع أو حياء، وأما المزني فانه قال الكلام الصحيح الذى لا يجوز لاحد أن يقول غيره وهو مقتضى لفظ الخبر ومفهومه الذى لا يفهم منه غيره وهو أنه واجب على المقتتلين أن ينحجز بعضهم عن بعض فلا يقتتلون وان يبدأ بالانحجاز الاول فالاول لان الاولين من المقتتلين هم المتصادمون قبل الذين من خلفهم فغرض الانحجاز واقع على الاول فالاول من المقتتلين ولو أنه امرأة لان القتال فيما بيننا محرم، هذا على أن الخبر لا يصح وحصن مجهول * 2078 مسألة فيمن له العفو عن الدم ومن لاعفو له * اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: العفو جائز لكل أحد ممن يرث وللزوجة والزوج وغيرهما ثان عفا أحد(10/477)
ممن ذكر نا فقد حرم القصاص ووجبت الدية لمن لم يعف، وقال آخرون: العفو للرجال
خاصة دون النساء، وقالت طائفة: من أراد القصاص فذلك له ولا يلتفت إلى من أراد الدية أو العفو ما لم يتفقوا على ذلك * فالقول الاول كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا الاعمش عن زيد بن وهب أن رجلا قتل امرأته ولها اخوة فعفا أحدهم فاجاز ذلك عمر بن الخطاب ورفع عن القاتل نصيب الذى عفا وغرمه نصيب الذى لم يعف قال سعيد: ونا سفيان بن عيينة.
وأبو عوانة كلاهما عن الاعمش عن زيد بن وهب بمثله * وروينا من طريق أبو بكر بن أبى شيبة نا وكيع نا الاعمش عن زيد بن وهب قال: رأى رجل مع امرأته رجلا فقتلها فرفع إلى عمر بن الخطاب فوهب بعض أخوتها نصيبه له فامر عمر سائرهم أن يأخذوا الدية * وعن ابراهيم النخعي في رجل قتل رجلا متعمدا فعفا بعض الاولياء فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال لعبدالله بن مسعود: قل فيها فقال: أنت احق أن تقول: يا أمير المؤمنين فقال عبد الله: إذا عفا بعض الاولياء فلا قود يحط عنه بحصة الذى عفا ولهم بقية الدية فقال عمر ذلك الرأى وافقت مافى نفسي * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الاعمش عن زيد بن وهب أن عمر بن الخطاب رفع إليه رجلا قتل رجلا فجاء أولياء المقتول فارادوا قتله فقالت أخت المقتول وهى امرأة القاتل: قد عفوت عن حصتي من زوجي فقال عمر: عتق الرجل من القتل * وعن ابراهيم قال: عفو كل ذى سهم جائز * وعن ابن جريج قال: قال عطاء في رجل قتل رجلا عمدا فعفا أحد بنى المقتول واب الآخر: فانه يعطى الذى لم يعف شطر الدية * وعن قتادة إذا عفا أحد الاولياء فانما تكون دية ويسقط عن القاتل بقدر حصة الذى عفا * وعن عمر بن عبد العزيز إذا عفا أحدهم فالدية * وأما القول الثاني فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: العفو إلى الاولياء ليس للمرأة عفو * ومن طريق أبى بكر بنأبى شيبة نا ابو خالد عن أشعث عن الزهري قال: صاحب الدم اولى بالعفو، وعن قتادة لا عفو للنساء فإذا
كانت الدية فلها نصيبها * وعن الحسن البصري ليس للنساء عفو * وعن عمر بن عبد العزيز لاعفو للمرأة في العمد * وعن ابراهيم النخعي ليس للزوج ولا للمرأة عفو * وعن الزهري.
وربيع.
وأبى الزناد قال ربيعة: ليس للام عفو والولى ولى حيث كان والبنت تعفو مع ولاة الدم ولا تعفو الولاة دونها، وقال الزهري: وليه أولى بذلك، وقال أبو الزناد: أما العفو فلولى المقتول ان شاء قتل وان شاء عفا *(10/478)
وأما المتأخرون فان أبا حنيفة.
وسفيان الثوري.
والحسن بن حى.
والاوزاعي.
والشافعي قالوا بما روى عن عمر بن الخطاب.
وابن مسعود أن لكل وارث عفوا ولا يقتل الا باجتماعهم على قتله، وقال ابن شبرمة، والليث: ليس للنساء عفو وقال ابن أبى ليلى لكل وارث عفو الا الزوج والزوجة فلا عفو لهما، وقال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا في الرجل يقتل عمدا وليس له ولاة الا النساء والعصبة فاراد العصبة أن يعفو عن الدم وأبى بنات المقتول فانه لاعفو للعصبة ويقتل به قاتله فان أراد بنات المقتول أن يعفون وأبى العصبة فلا عفو للبنات والقول ما قال العصبة ويقتل القاتل إذا لم يجتمع على العفو، وكذلك ان كانت له ابنة واحدة فارادت القتل وعفا العصبة فيقتل ولا عفو للعصبة، ورأى إذا كان للمقتول ابن وابنة أنه لاعفو للابنة مع الابن ولكن ان عفا الابن جاز على الابنة ورأى عفو الاقرب فالافرب من العصبة جائزا على الابعد منهم * قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائف لقولها لنعلم الحق من ذلك فنظر نا فيما قالت به الطائفة القائلة بان عفو كل ذى سهم جائز فوجدناهم يقولون بقول الله تعالى: (وان تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم) فلما كان العفو أقرب للتقوى وجب أن من دعى إلى من هو أقرب للتقوى كان قول أولى، وذكروا في ذلك ما روى عن أنس بن مالك أنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه شئ فيه قصاص الاأمر بالعفو
قالوا: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر في كل قصاص رفع إليه بالعفو فوجب أن يكون العفو مغلبا على القود، وهذا أيضا حكم قد جاء عن عمر.
وابن مسعود بحضرة الصحابة رضى الله عنهم ولا يعرف لهما مخالف فهذا كل ما احتجوا به ما نعرف لهم شيئا غيره أصلا، ثم نظرنا في قول من قال: العفو لجميع الورثة الا الزوج والزوجة فلم نجد لهم شبهة إلا ان يقولوا ليسا من العصبة ولا يعقلان مع العاقلة، ونظرنا في قول من قال: العفو للرجال خاصة دون النساء فلم نجد لهم شبهة أصلا الا ان يقولوا انهن لايرثن الولاء ولا الولاية في الانكاح فكذلك لا عفو لهن، وأما من قال بالفرق بين الزوجين وبين سائر الورثة من أجل ان الزوجين ليسا من العصبة فقول في غاية الفساد، ومن أين خرج لهم ان هذا الامر للعصبة وهذا حكم ما جاء به من عند الله تعالى أمر ولا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بالطل، واما انهما لا يعقلان مع العاقلة فنعم فكان ما ذا وما الذى أدخل حكم العاقلة في حكم العفو من الدم؟ والعاقلة إنما هي في القتل في الخطا خاصة والعفو إنما هو في العمد خاصة فما الذى جمع بين حكم العمد والخطا؟ ثم نظرنا في قول من رأى العفو للرجال دون النساء فوجدناه أيضا فاسدا لانه قياس، والقياس(10/479)
كله باطل ثم نظرنا في قول مالك فوجدناه في غاية التناقض بلا دليل اصلا لانه مرة غلب من دعى إلى القتل وذلك في الابنة مع العصبة فرأى أن دعا العصبة إلى القتل وعفت الابنة ان القول قول العصبة، واحتج بانها قد يدخلها زوجها إلى العفو وأمرها إلى الضعف وان عفا العصبة ودعت الابنة إلى القتل فالقول قول الابنة، واحتج بانها المصابة بابيها فمرة راعى ضعفها وادخال زوجها لها إلى العفو ولم يراع مصيبتها ومرة غلب من دعى إلى العفو، وذلك في البنين يعفو احدهم دون الآخرين (1) ومرة غلب الرجال على النساء وذلك في البنات مع الابن، وهذه أقوال ظاهرة التناقض يهدم بعضها بعضا لاحجة لشئ منها لافى قرآن ولاسنة صحيحة ولاسقيمة ولاقياس ولا في اجماع ولا في قول صاحب، فكان هذا القول أسقط من سائر الاقوال، ثم نظرنا في
حجة من أجاز عند كل وارث وغلبه فوجدناهم يقولون قال الله تعالى: (وان تعفوا أقرب للتقوى) وقال تعالى: (ولكم في القصاص حياة) فاعلي ما يريده أهل هذا القول أن يكون العفو أعظم أجرا والقصاص بلاشك مباح وإذا كان كلاهما مباحا فلا يجوز بلا خلاف أن يجبر على الافضل من لا يريده غير راغب فبطل ان يكون في هذه الآية دليل على سقوط حق من أراد القصاص إذا عفا أحد الورثة وهكذا القول في حديث أنس ان صح انه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم قط رفع إليه شئ فيه قصاص الا أمر فيه بالعفو لانه لم يختلف اثنان من الامة في أنه ان صح فانه امر ندب لا امر الزام فإذ ذلك كذلك فلا خلاف في أنه لا يجوز أن يجبر على الافضل من لا يريده غير راغب عنه إذا أراد ما أبيح له فبطل أن يكون لهم في هذا الخبر تعلق * قال أبو محمد: فلما سقطت هذه الاقوال كلها وتعرت من الادلة وجب علينا إذ تنازعوا أن نرجع إلى ما افترض الله تعالى علينا الرجوع إليه عند التنازع إذ يقول تعالى (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا الله تعالى قد قال: (ولكم في القصاص حياة) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل له قتيل فاهله بين خيرتين بين أن ياخذوا العقل وبين أن يقتلوا) فجعل الله تعالى القصاص حقا وجعل رسول الله عليه الصلاة والسلام أهل القتيل بين خيرتين إما أخذ العقل وأما القتل فساوى بين الامرين أيهما شاوا، وكما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن منصور أنا بشر بن عمر - هو الزهراني - (2) سمعت مالك بن أنس يقول: حدثنى أبو ليلى
__________
(1) في النسخة رقم 14 عن الاخرين (2) في النسخة رقم 14 بشر بن عمر وهو الزهري وهو غلط صححناه من تقريب التهذيب(10/480)
ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل بن أبى حثمة انه أخبره عن رجال من كبراء قومه ان عبد الله بن سهل.
ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما فأتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم محيصة واخبر أن عبد الله بن سهل قتل وطرح في عين أو فقير (1) فأتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه قالوا: والله ما قتلناه ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك ثم أقبل هو واخوه محيصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر اما ان يدوا صاحبكم وأما أن يؤذنوا بحرب فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في ذلك فكتبوا انا والله ما قتلناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم قولوا: لا وذكر الحديث * وبه إلى مسلم حدثنى عبيدالله بن عمر القواريرى نا حماد بن زيد نا يحيى بن سعيد عن بشير ابن يسار عن سهل بن أبى حثمة.
ورافع بن خديج " أن محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقا قبل خيبر فتفرقا في النخل فقتل عبد الله بن سهل فاتهموا اليهود فجاء أخوه عبد الرحمن وابنا عمه حويصة.
ومحيصة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه وهو أصغر منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كبر الكبر أو قال: ليبدأ الاكبر فتكلما في أمر صاحبهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقسم خمسون منكم على رجل عنهم فيدفع برمته فقالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف " وذكر باقى الخبر، ففى هذا الخبر الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الحق في طلب الدم لابن العم [ لسنه ] (2) كما جعله للاخ للاب الوارث دون ابن العم وانه عليه الصلاة والسلام بدأ ابن العم لسنه فبطل بهذا قول من راعى ان الحق للاقرب فالاقرب أو للوارث دون غيره وصح أن الحق للاهل كما جاء في القرآن والسنة الصحيحة وابن العم من الاهل بلاشك في لغة العرب وهذا هو الاجماع الصحيح لانه كان بعلم الصحابة بالمدينة إذ قتل مثل عبد الله بن سهل وقيام بنى حارثة في طلب دمه لا يمكن استتار مثله عن أحد من قومه وعن المهاجرين فادا الحق للجيمع سواء فمن الباطل أن يغلب أحدهم على الآخرين منهم الا بنص أو اجماع ولا نص ولا اجماع في ذلك، ثم نظرنا إذا عفا أحد الاهل ولم يعف غيره منهم بعد صحة الاتفاق من اجماع الامة على انهم كهم ان اتفقوا على القود نفذ وان اتفقوا على العفو نفذ وقيام البرهان على انهم ان اتفقوا على
الدية أو المفاداة نفذ ذلك فوجدنا القود والدية قد ورد التخيير فيهما ورودا واحدا ليس أحدهما مقدما على الآخر فلم يجز أن يغلب عفو العافى [ على ارادة من أراد القصاص ولا ارادة من أراد القصاص على عفو العانى ] (3) إلا بنص أو اجما ع ولا نص ولا اجماع
__________
(1) هو البئر (2) الزيادة من النسخة رقم 45 (3) الزيادة من النسخة رقم 45 (م 61 - ج 10 المحلى)(10/481)
في تغليب العافى فنظرنا في ذلك فوجدنا الله تعالى يقول (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) فوجب بهذه الآية أن لا يجوز عفو العافى عمن لم يعف ووجدنا القاتل قد حل دمه بنفس القتل كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد ابن بكر نا أبو داود سليمان بن حرب نا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد الانصاري عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف قال: كنا مع عثمان بن عفان رضى الله عنه - وهو محصور - فخرج الينا وهو متغير لونه فقال: يتواعدونى بالقتل آنفا وبم يقتلونني؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث رجل كفر بعد اسلامه أو زنى بعد احصان أو قتل نفسا بغير نفس فيقتل فوالله ما زنيت في جاهلية ولا اسلام قط ولا أحببت أن لى بدينى بدلا مذ هدانى الله تعالى ولا قتلت نفسا " * قال أبو محمد: فصح بقول النبي صلى الله عليه وسلم أن من قتل نفسا فقد خرج دمه من التحريم إلى التحليل بنفس قتله من قتل، فإذ صح هذا فالقاتل متيقن تحليل دمه والداعى إلى أخذ القود داع إلى ما قد صح بيقين وذلك له والعافي مريد تحريم دم قد صح تحليله بيقين فليس له ذلك الا بنص أو اجماع ومريد أخذ الدية دون من معه مريد اباحة أخذ مال والاموال محرمة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " والنص قد جاء باباحة دم القاتل كما قلنا بيقين قتله ولم يأت نص باباحة الدية الا بأخذ الاهل لها، وهذا لفظ يقتضى اجماعهم على أخذها فالدية ما لم يجمع الاهل على أخذها لا يحل أخذها إذ لم يبحها
نص ولا اجماع فبطل بيقين وصح أن من دعا إلى القود فهو له وهو قول مالك في البنات مع العصبة الا أنه ناقض في ذلك مع البنين والبنات وفى بعض البنين مع بعض * قال أبو محمد: والذى نقول به أن كل ذلك سواء وان الحكم للاهل وهم الذين يعرف المقتول بالانتماء إليهم كما كان يعرف عبد الله بن سهل بالانتماء إلى بنى حارثة وهم الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقسم منهم خمسون ويستحقون القود أو الدية وان من أراد منهم القود سواء كان ولدا أو ابن عم [ أو ابنة ] أو أختا أو غير ذلك من ام أو زوج أو زوجة أو بنت عم أو عمة فالقود واجب ولا يلتفت إلى عفو من عفا ممن هو أقرب أو أبعد أو أكثر في العدد لما ذكرنا فان اتفق الورثة كلهم على العفو فلهم الدية حينئذ ويحرم الدم فان أراد أحد الورثة العفو عن الدية فله ذلك في حصته خاصة إذ هو مال من ماله وبالله تعالى التوفيق * 2079 مسالة مقتول كان في أوليائه غائب أو صغير أو مجنون، اختلف الناس في هذا فقال أبو حنيفة: إذا كان للمقتول بنون وفيهم واحد كبير وغيرهم صغاران(10/482)
للواحد الكبير أن يقتل ولا ينتظر بلوغ الصغار قال: فان كان فيهم غائب لم يكن للحاضرين أن يقتلوا (1) حتى يقدم الغائب وهو قول الليث بن سعد * وبه يقول حماد بن أبى سليمان، وقال مالك مثل ذلك سواء سواء وزاد أن المقتول إذا كان له ولد صغير وأخ كبير أو أخت كبيرة فللاخ أو للاخت أن يقتلا قودا ولا ينتظر بلوغ الصغير، وكذلك للعصبة أيضا وهو قول الاوزاعي، ورأى مالك للعصبة إذا كان الولد صغير ان يصالحوا على الدية وينفذ حكمهم، وقال ابن أبى ليلى: والحسن بن حى.
وابو يوسف.
ومحمد.
والشافعي لا يستقيد الكبير من البنين حتى يبلغ الصغير، وروى هذا القول عن عمر بن عبد العزيز * قال أبو محمد: والظاهر من قولهم: ان المجنون كالصغير فلما اختلفوا كما ذكرنا
وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لنعلم الحق فنتبعه، فنظرنا في قول أبى حنيفة فوجدناه ظاهر التناقض إذا فرق بين الغائب والصغير ووجدنا حجتهم في هذا أن الغائب لا يولى عليه والصغير يولى عليه قالوا: وكما كان أحد الوليين (2) يزوج إذا كان هنالك صغير من الاولياء فكذلك يقتل، وقالوا: قد قتل الحسن بن على رضى الله عنهما عبد الرحمن بن ملجم قاتل على ولعلى بنون صغار وهم بحضرة الصحابة رضى الله عنهم دون مخالف يعرف له منهم * قال على: أما احتجاجهم بفعل الحسن بن على فهو لازم للشافعيين ولمن وافق من الحنيفيين أبا يوسف.
ومحمد بن الحسن لانهم يعظمون مثل هذا إذا وافق تقليدهم * قال أبو محمد: فلئن كان مثل هذا اجماعا فلقد شهد الحنيفيون على شيخهم بخلاف الاجماع فان كفروهما بهذا أو بدعوهما فما يحل لهم أخذ ديتهم عن كافر ولا عن مبتدع وان عذروهما في ذلك فلنا من العذر ماليعقوب ومحمد وقد بطل تشنيعهم في الابد بمثل هذا، وهذا واضح ولله الحمد * قال أبو محمد: فكان من اعتراض الشافعيين ان قالوا: ان الحسن بن على رضى الله عنهما كان اماما فنظر في ذلك بحق الامامة وقتله بالمحاربة لاقودا، وهذا ليس بشئ لان عبد الرحمن بن ملجم لم يحارب ولا أخاف السبيل وليس للامام عند الشافعيين ولا للوصي أن يأخذ القود لصغير حتى يبلغ فبطل تشنيعهم (3) إلا أن هذه القصة عائدة على الحنيفيين
__________
(1) في النسخة رقم 45 للحاضر أن يقتل (2) في النسخة رقم 14 أحد الاولياء (3) في النسخة رقم 14 شغبهم(10/483)
بمثل ما شغبوا به على الشافعيين سواء سواء لانهم والمالكيون لا يختلفون في أن من قتل آخر على تأويل فقود في ذلك ولا خلاف بين أحد من الامة في أن عبد الرحمن
ابن ملجم لم يقتل عليا رضى الله عنه الا متأولا مجتهدا مقدرا انه على صواب، وفى ذلك يقول عمر ابن حطان شاعر الصفرية: يا ضربة من تقى ما أراد بها * الا ليبلغ من ذى العرش رضوانا انى لاذكره حينا فاحسبه * أو في البرية عند الله ميزانا أي لاأفكر فيه ثم أحسبه، فقد حصل الحنيفيون من خلاف الحسن بن على على مثل ما شغبوا (1) به على الشافعيين وما ينقلون أبدا من رجوع سهامهم عليهم، ومن الوقوع فيما حفروه فظهر تناقض الحنيفيين والمالكيين في الفرق بين الغائب والصغير، وأما قولهم ان الصغير يولى عليه والغائب لا يول عليه فلا شبهة [ لهم ] (2) في هذا لان الغائب يوكل له أيضا كما يولى على الصغير، وأيضا فان الوصي عندهم لايقتص للصغير فبطل تمويههم جملة * قال أبو محمد: والذى نقول به قد قدمنا في الباب الذى قبل هذا ان القول قول من دعى إلى القود فللكبير وللحاضر العاقل أن يقتل ولا يستأنا بلوغ الصغير ولا افاقة المجنون ولا قدوم الغائب فان عفا الحاضرون البالغون لم يجز ذلك على الصغير ولا على الغائب ولا على المجنون بل هم على حقهم (3) في القود حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون فإذا كان ذلك فان طلب أحدهم القود قضى له به وان اتفقوا كلهم على العفو جاز ذلك حينئذ لما ذكرنا في الباب الذى قبل هذا وبالله تعالى التوفيق * قال على: فان مات الصغير أو الغائب أو المجنون كان حينئذ رجوع الامر إلى من بقى من الورثة ولا يلزم من عفا فلم ينفذ عفوه ذلك العفو الذى قد بطل بل له الرجوع فيه لانه لاحكم له في نص ولا اجماع وانما العفو اللازم عفو صح بامضائه نص أو اجماع فقط لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " ومن عفا دون سائر الاهل فقد عمل عملا ليس عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم فهو رد *
قال على: ومن مات من الاهل لم يورث عنه الخيار لان الخيار للاهل بنص حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن كان من الاهل فله الخيار ومن لم يكن من الاهل فلا خيار له أصلا إذ لم يوجب ذلك نص ولا اجماع والخيار ليس ما لا فيورث وانما جعل
__________
(1) في النسخة رقم 45 ما شنعوا (2) الزيادة من النسخة رقم 45 (3) في النسخة رقم 45 على فقههم(10/484)
الله الميراث فيما ترك الموروث والخيار ليس مالا موروثا ولو كان الخيار مالا موروثا لوجب فيه حق أهل الوصية بالثلث فدونه * قال أبو محمد: فان كان الوارث صغيرا أو مجنونا أو غائبا ولا وارث هنالك غيره فقد وجب القود بلا شك ولا تجب الدية ولا المفادات الا برضى الوارث أو بتراض منه ومن القاتل وقد علمنا ان الصغير والاحمق لارضى لهما والقود حق قد وجب لهما بيقين فاخذه واجب على كل حال يأخذه لهما الولى أو السلطان، وهكذا الغائب ولا فرق بين أخذ حظهم في القود وأخذ حظهم في الاموال والعفو جائز والابراء للغائب في كلا الامرين جوازا واحدا إذ كل ذلك حق له تركه، وكذلك القول في الصغير والمجنون سواء سواء وليس هذا قياسا ومعاذ الله من ذلك لكنه حكم واحد في حقين وجبا وجوبا واحدا ووجب لمن يجوز أمره العفو عنهما سواء سواء وليس أحدهما أصلا والثانى فرعا بل هما أصلان معا ولا أحدهما منصوصا عليه والآخر غير منصوص عليه بل كلاهما منصوص عليه لوجوب الانتصاف من القود ومن المال وبالله تعالى التوفيق * 2080 - مسألة - عفو الاب عن جرح ابنه الصغير أو استقادته له أو في المجنون كذلك * روينا من طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا حفص بن غياث عن أبى اسحاق الشيباني عن الشعبى قال: إذا وهب الشجة الصغيرة التى تصيب ابنه جازت عليه * قال على: تفريق الشعبى رحمه الله بين الشجة الصغيرة والكبيرة لا معنى له وقد قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) وحق الصغير والمجنون قد وجب
فلا يجوز أن يسقطه له غيره لانه كسب عليه وهذا مالا اشكال فيه، وقد أجمعوا على أن للاب والولى أن يطلبا وأن يقتصا كل حق للصغير والمجنون في مالهما وأنه ليس للاب ولا للولى في ذلك عفو ولا إبراء فهلا قاسوا أمر القصاص لهما على أمر المال ولكنهم لا القياس يحسنون ولا النص يتبعون * قال أبو محمد: والقول في ذلك ان الله تعالى قال: (والعين بالعين والانف بالانف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له) وقال تعالى: (والحرمات قصاص) وقال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) فصح بهذه النصوص أن القود قد وجب ولا بد وان العفو لا يصح الا برضى المجني عليه والصبى والمجنون لارضى لهما ولاعفو ولا أمر نافذ بصدقة فسقط هذا الوجه وبقى الذى وجب بيقين من القود فيستقيد له أبوه أو وليه أو وصيه ولابد، فان أغفل ذلك حتى بلغ الصبى وعقل المجنون كان له القود الذى قد وجب أخذه له بعد وحدث له جواز(10/485)
العفو ان شاء وليس للاب ولا للولى أخذ الدية ولا أن يفادى في شئ من الجروح لان كل هذا داخل على وجوب القود [ والعفو ] (1) لايكرن إلا برضى المجني عليه أو بتراض من الجاني والمجني عليه * 2081 - مسألة - هل يجوز عفو المجني عليه جناية يموت منها خطأ أو عمدا عن ديته وغيرها عن دمه أم لا؟ (2) * روينا من طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا حفص بن غياث عن أشعث بن سوار عن أبى بكر بن حفص قال: كان بين قوم من بنى عدى وبين حى من الاحياء قتال ورمى بالحجارة وضرب بالنعال فاصيب غلام من آل عمر فاتى على نفسه فلما كان قبل خروج نفسه قال: انى قد عفوت رجاء الثواب والاصلاح بين قومي فاجازه ابن عمر * وبه إلى أبى بكر بن أبى شيبة نا هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قال: إذا عفا الرجل عن قاتله في العمد قبل أن يموت فهو جائز،
وعن أبى طاوس قلت لابي يقتل عمدا أو خطأ فيعفو عن دمه قال: نعم، وعن الشعبى قال: إذا قتل الرجل فعفا عن دمه فليس للورثة أن يقتلوا * وعن ابن جريج قلت لعطاء: ان وهب الذى يقتل خطا ديته لمن قتله فانما له منها ثلثها انما هو مال يوصى به * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل قال: كتب عمر بن عبد العزيز أن لا يتصدق الرجل بديته فان قتل خطأ فالثلث من ذلك جائز إذا لم يكن له مال غيره * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن فيمن يضرب بالسيف عمدا ثم يعفو عنه قبل أن يموت قال: هو جائز وليس في الثلث، وقال هشام عن الحسن إذا كان خطا فهو في الثلث، ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا قبيصة بن عقبة نا سفيان عن ابن جريج عن أبى عبيدالله عن ابن عباس في رجل قطعت يده فصالح عليها ثم انتقضت به فمات قال: الصلح مردود ويؤخذ بالدية * قال أبو محمد: وأما المتأخرون فان أبا حنيفة وزفر قالا: إذا عفا عن الجراحة العمد أو الشجة وعما يحدث منها فهو جائز ولا شئ على القاتل فان عفا عن الجراحة أو القطع أو الشجة ثم مات فعليه الدية، قال أبو يوسف.
ومحمد: لا شئ على القاتل في كل ذلك، قالوا: فان عفا عن ديته في الخطا فذلك في الثلث، وقال مال: من صالح من جراحة أو من قطع ثم مات بطل الصلح ووجب القود فان عفا عن ديته في الخطأ فذلك في ثلثه، وقال سفيان الثوري: إذا
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 45 (2) في النسخة رقم 14 خطأ أو عمدا عن دمه أو عن ديته أم لا الخ *(10/486)
عفا عن الجراحة ثم مات فلا قود لكن يغرم الجاني الدية بعد أن يسقط منها أرش الجراحة، وقال الشافعي: إذا عفى عن الجراحة وعما يحدث منها من عقل أو قود ثم مات فلا قود، ثم اختلف قوله في الدية فمرة قال كقول سفيان الثوري الذى ذكرنا قبله ومرة قال
يؤخذ بجميع الدية، وقال الشافعي في أحد قوليه وبه يقول أبو ثور وأحمد واسحاق: لاعفو له في العمد * قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا نظرنا في ذلك ليعلم (1) الحق فنتبعه فوجدناهم يقولون قال الله تعالى: (والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له) وقال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفى وأصلح فاجره على الله) وقال تعالى: (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) الآية * وذكروا ما حدثنا حمام نا عبد الله بن محمد ابن الباجى نا عبد الله بن يونس نا بقى بن مخلد نا أبو بكر بن أبى شيبة نا محمد بن بشر نا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة أن عروة بن مسعود الثقفى دعا قومه إلى الله ورسوله فرماه رجل منهم بسهم فمات فعفا عنه فدفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجاز عفوه وقال: هو كصاحب ياسين * نا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا ابراهيم بن حماد نا اسماعيل بن اسحاق نا على بن عبد الله نا عمران بن ظبيان عن عدى بن ثابت قال: قال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من تصدق بدم فما دونه كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق به) * قال على: وقالوا: هذا حكم من عمر بحضرة الصحابة رضى الله عنهم ولا يعرف له منهم مخالف وقالوا: هذا هو المجني عليه فهو اولى بنفسه فهذا كل ما أوردوه في ذلك فنظرنا في الذى احتجوا به فوجدناه لاحجة لهم في شئ منه أصلا، أما قول الله تعالى: (فمن تصدق به فهو كفارة له) فانما قال تعالى ذلك عقب قول تعالى: (والعين بالعين) إلى قوله تعالى: (فهو كفارة له)، وهذا كله كلام مبتدأ بعد تمام قوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس) فانما جاء نص الله تعالى على الصدقة بالجروح بالاعضاء وهكذا نقول: ان للمجني عليه أن يتصدق بما أصيب به من ذلك فيبطل القود (2) جملة في ذلك وليس في هذه الآية حكم الصدقة بالدم في النفس لان النفس بالنفس انما هو في التوراة بنص الآية وليس ذلك خطابا لنا وانما خوطبنا بما بعده إذا قرئ كل ذلك
بالرفع خاصة فإذا قرئ بالنصب فليس خطابا لنا وكلا القراءتين حق من عند الله تعالى فبطل تعلقهم بهذه الآية، وأما قوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفى وأصلح
__________
(1) في النسخة رقم 14 فلما لختلفوا في ذلك نظرنا لنعلم (2) في النسخة رقم 14 فبطل القود(10/487)
فاجره على الله) وقوله تعالى: (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) الآية فهى بنصها بيان جلى بأنها انما هي فيما دون النفس لافى النفس لان المخاطب فيها بأن يعاقب بمثل ما عوقب به هو الذى عوقب نفسه هذا هو ظاهر الآية الذى لا يحل صرفها عنه بالدعوى، وهكذا نقول وليس فيها جواز العفو عن النفس أصلا وانما فيها جواز الصبر عن أن يعاقب بمثل ما عوقب به فقط، وأما قوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) إلى قوله: (فاجره على الله) فهو عموم يدخل في العفو عن النفس وما دونها وعفو الولى أيضا داخل فيها فان وجدنا منها دليلا يخص منها ما ذكروه وجب المصير إليه وإلا فقد صح قولهم * وأما حديث عروة بن مسعود رضى الله عنه فانما قام يدعو قومه إلى الاسلام وهم كفار حربيون قد حاربهم النبي صلى الله عليه وسلم ورجع عنهم وهم أطغى ما كانوا فتوجه إليهم عروة داعيا إلى الاسلام كما في نص الحديث المذكور فرموه فقتلوه ولا خلاف بين أحد من الامة في أنه لاقود على قاتله إذا أسلم ولا دية، فاى معنى للعفو ههنا؟ وهكذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بصاحب ياسين فبطل أن يكون لهم متعلق به أصلا وانما هي تموتهات يرسلونها لا يفكرون في المخرج منها يوم الموقف بين يدى الله تعالى * وأما حديث عدى بن ثابت فعهدنا باسماعيل يرد المسند الصحيح عن عدى بن ثابت إذا خالف رأيه فيمن سمع الاذان فارغا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر ويوهن روايته بأنه منكر الحديث، ومن أيقن أنه مسئول عن كلامه لاسيما في الدين ويفكر في قوله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) لم يجترئ على مثل هذا، وأقرب من هذه الفضيحة العاجلة عند من طالع أقوالهم والحمد لله على ما من
به من الاذعان للحق وترك العصبية للاقوال التى لا تغني عنا من الله شيئا لاهى ولا القائل بها * ثم نرجع إلى الحديث المذكور فنقول وبالله تعالى التوفيق: انه فيه عللا تمنع من الاحتجاج به، احدها انه من رواية عمر ان بن ظبيان وليس معروف العدالة قال أحمد: فيه نظر، والثانى أنه منقطع لان عدى بن ثابت لم يذكر سماعه اياه من الصاحب، والثالث اننا لا ندري ذلك الصاحب أصحت صحبته أم لا؟، والرابع أنه لو لو صح لكان عموما كما قلنا في قوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فاجره على الله) فان وجد دليل يخص من هذا العموم عفو المعقول عن دمه وديته جاز ذلك ووجب المصير إليه وتخصيص هذا العموم والا فواجب حملهما على عمومهما وبالله تعالى التوفيق * وأما قولهم انه قول ابن عمر بحضرة الصحابة رضى الله عنهم(10/488)
فلا حجة لهم في هذا لوجوه * أولها اننا قد ذكرنا ما خالفوا فيه جمهور الصحابة الذين لايعرف له منهم مخالف إذ لم يوافق آراءهم وأقرب ذلك حكم عمر بن الخطاب.
وابن عباس رضى الله عنهم في اليد الشلاء تقطع والسن السوداء تكسر بثلث دية فقول الصاحب إذا وافق أهواهم كان عندهم حجة لا يحل خلافها وإذا خالف أهواءهم وتقليدهم لم يكن عندهم حجة وحل خلافه وهذا حكم لا طريق للتقوى ولا للحياء إلى قاتله * وثانيها أنه عن أشعث بن سوار وهو ضعيف * وثالثها أنه منقطع أيضا لانه عن أبى بكر بن حفص ولم يدرك ابن عمر * ورابعها ان الامر لم يكن كذلك وهى قصة مشهورة وإنما كان بين اولاد الجهم بن حذيفة العدوى شر ومقاتلة فتعصبت بيوتات بنى عدى بينهم فاتى الغلام المذكور ليلا والضرب قد وقع بينهم في الظلام وهذا الغلام هو زيد بن عمر بن الخطاب وأمه أم كلثوم بنت على بن أبى طالب رضى الله عنهم فأصابه حجر لا يدرى من رماه وقد قيل ظنا إن خالد بن أسلم أخا زيد بن أسلم مولى
عمر بن الخطاب هو الذى ضربه وهو لا يعرف من هو في الظلمة وكان ابن عمر أخوه يقول له عند الموت: اتق الله يا زيد فانك لا تعرف من أصابك فانك كنت في ظلمة واختلاط فهكذا كانت قصته، وأما قولهم: انه هو المجني عليه فهو أولى بنفسه فتمويه ضعيف لان الجناية عليه التى هو أولى بها إنما هي ما كان حاكما فيها بعد حلولها به وهذا حق وانما ذلك فيما عاش بعدها فاختار ماله أن يختار وأما بعد موته فهو غير موجود عندنا بعد الموت ولا خيار له في جناية لم تحدث بعد * قال أبو محمد: فلما لم يبق لهم متعلق إلا قوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) ومن تصدق بدم نظرنا في ذلك فوجدنا قوله تعالى في قتل الخطا (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) إلى قول تعالى (ودية مسلمة إلى أهله) ووجدناه تعال يقول في قتل العمد (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) إلى قوله تعالى (انه كان منصورا) ولا قتل إلا عمد أو خطأ فصح أن الدية في الخطأ فرض أن تسلم إلى أهله فإذ ذلك كذلك فحرام على المقتول أن يبطل تسليمها الا من أمر الله تعالى بتسليمها إليهم وحرام على كل أحد أن ينفذ حكم المقتول في ابطال تسليم الدية إلى أهله فهذا بيان لا اشكال فيه وصح بنص كلام الله تعالى وحكمه الذى لايرد ان الله تعالى جعل لولى المقتول سلطانا وجعل إليه القود وحرم عليه أن يسرف فمن الباطل المتيقن أن يجوز للمقتول حكم في ابطال السلطان الذى جعله الله تعالى لوليه ومن الباطل البحت انفاد حكم المقتول في خلاف (م 62 - ج 10 المحلى)(10/489)
أمر الله تعالى، وهذا هو الحيف والاثم من الوصية، وكذلك جعل الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لاهل المقتول الخيار في القود أو الدية أو المفاداة فنشهد بشهادة الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم انه لا يحل للمقتول أن يبطل خيارا جعله الله ورسوله عليه الصلاة والسلام لاهله بعد موته وانه لا يحل لاحد انفاذ حكم المقتول في ذلك
وان هذا خطا متيقن عند الله تعالى، فكان بيقين عفو المقتول عن دية جعلها الله تعالى لاهله بعده لاله وعفوه عن قود أو دية أو مفاداة جعل الله فيها السلطان لاهله بعده لا له قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فكان عفو المقتول عن دية أوجب الله تعالى تسليمها إلى أهله وعن دم أو مال خير الله تعالى فيهما أهله بعده كسبا على أهله وهذا باطل بنص القرآن، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " والدية انما هي بنص القرآن وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل المقتول فحرام على المقتول التصرف في شئ من ذلك لانها مال أهله * قال أبو محمد: ولم يأت قط نص من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم على ان للمقتول سلطانا في القود نفسه ولا ان له خيارا في دية أو قود ولا ان له دية واجبة فبطل أن يكون له في شئ من ذلك حق أو رأى أو نظر أو أمر فإذ ذلك كذلك بلا شك فقوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فاجره على الله) انما هو فيما جنى عليه فيما دون النفس وفيما عفا عنه من جعل الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام العفو إليه وهم الاهل بعد موت المقتول وهكذا يكون القول في الخبر المذكور لو صح، وبرهان آخر أن لادية عوض من القود بلا شك في العمد وعوض من النفس في الخطا بيقين، ولا خلاف بين أحد من الامة في أن المقتول مادام حيا فليس له حق في القود فإذ لاحق له في ذلك فلا عفو له ولا أمر فيما لاحق له فيه، وكذلك من لم تذهب نفسه بعد لان الدية في الخطا عوض منها فلم يجب له بعد شئ فلا حق له فيما لم يجب بعد، وبيقين يدرى كل ذى عقل ان القود لا يجب ولا الدية الا بعد الموت وهو إذا لم يمت فلم يجب له بعد على القاتل لاقود ولا دية ولا على العاقلة وبيقين يدرى كل ذى حس سليم انه لاحق لاحد في شئ لم يجب بعد فإذا وجب كل ذلك بموته فالحكم حينئذ للاهل لاله * قال أبو محمد: فبطل ان يكون لمقتول خطا أو عمدا عفو أو حكم أو وصية في القود أو في الدية فإذ ذلك كذلك فانما هي مال للاهل حدث لهم بعد موته ولم يرثوه
قط عنه إذ لم يجب له قط شئ منه في حياته فمن الباطل أن يقضى دينه من مال الورثة الذى لم يملكه هو قط في حياته وان ينفذ فيه وصيته وهو وان كان انما وجب لهم من(10/490)
أجل موته فهو كمال مولى له مات أثر موته فوجب للورثة من أجل الميت ولم يجب قط للميت وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: فلو عفا الورثة أو أحدهم عن نصيبه من دية الخطا قبل موت المقتول أو عفوا كلهم عن القود قبل موت المقتول فهو كله باطل وذلك لانه لم يجب لهم بعد شئ من ذلك وانما يجب لم بموته فإذ ذلك كذلك فعقوهم لا شئ ولا يلزمهم والدية واجبة لهم أو العافي بعد موت المقتول وكذلك القود واجب لهم أيضا وهذا قول أبى حنيفة وأصحابه وما نراه الا قول المالكيين والشافعيين أيضا، فمن عجائب الدنيا أن يسقطوا عفو الورثة قبل أن يجب لهم القود أو الدية وهم أهل ذلك ومستحقوه بلا خلاف ثم يجيزون عفو المقتول في شئ لم يجب له قط في حياته وهى الديه والقود ولا يجب له أيضا بعد وفاته فهذا مقدار نظرهم وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: وأما من جنى عليه جرح أو قطع أو كسر فعفا عنه فقط أو عنه وعما يحدث عنه فعفوه عما يحدث منه باطل كما قدمنا لانه لم يجب له بعد، أما عفوه عما جنى عليه فهو جائز وهو له لازم وذلك لانه قد وجب له القود في الكسر أو المفاداة في الجراحة فان عفا فانما عفا عن حقه الذى وجب له بعد فان مات من ذلك أو حدث عنه بطلان عضو آخر فله القود في العضو الآخر لانه الآن وجب له ولاوليائه القتل بالسيف خاصة لا بمثل ما جنى على مقتولهم لان تلك الجنايات كان له القود فيها فعفا عنها فسقطت وبقى قتل النفس فقط ولا عفو له فيه فهو للورثة فلهم قتله واذ لهم قتله وبطل أن يقتص منه بمثل ما جنى عليه فلا خلاف في ان الجناية لم يقد منها فانما القتل بالسيف فقط، وهكذا لو استقاد المجني عليه مما جنى عليه الجاني ثم مات الجنى عليه فان الجاني يقتل بالسيف
فقط لانه قد استقيد منه في الجناية فلا يعتدى عليه باخرى * قال على: ولو أن جانيا جنى على انسان جناية قد يعاش منها أو لاسبيل إلى العيش منها فقام ولى هذا المجني عليه فقتل الجاني قبل موت المجني عليه فلاولياء الجاني المقتول قتل قاتل وليهم ثم ان مات المجني عليه فلا شئ في ذلك لان كل جناية لم يمت صاحبها حتى مات الجاني فلا شئ فيها لان القود قد بطل بموته وقد صار المال في حياة المجني عليه لغير الجاني وهم الورثة فهو مال من مالهم ولا حق له عندهم ولا مال للجاني أصلا فجنايته باطل، قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) وبالله تعالى التوفيق * 2082 مسألة والولى بعفو أو يأخذ الدية ثم يقتل * قال على:(10/491)
اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: يقتل كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب نا يونس قال سألت ابن شهاب عن رجل قتل رجلا ثم صالح فادى الدية ثم قتله؟ قال: نرى أن يقاد به صاغرا ولوليه أن يعفو عنه ان شاء * حدثنا حمام نا عبد الله بن محمد بن على الباجى نا عبد الله بن يونس نا بقى بن مخلد نا أبو بكر بن أبى شيبة نا عبد الرحمن بن مهدى عن القاسم بن الفضل عن هرون عن عكرمة في رجل قتل بعد أخذ الدية قال: يقتل أما سمعت قول الله تعالى: (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب اليم) وقالت طائفة: لا يقتل كما روينا بالسند المذكور إلى أبى بكر بن أبى شيبة نا عبد الرحمن ابن مهدى عن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن فيمن قتل بعد أخذ الدية قال: تؤخذ منه الدية ولا يقتل * قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق فنبتعه بعون الله تعالى ومنه فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: " من قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فاهله بين خيرتين إما أن يأخذوا العقل وإما أن يقتلوا "
أو كلاما هذا معناه، فصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل للاهل إلا أحد الامرين اما الدية وإما القود (1) ولم يجعل الامرين معا فإذا تقل فلا دية له وإذا أخذ الدية فلا قتل له هذا نص حكمه عليه الصلاة والسلام فوجدنا أهل المقتول لما عفوا وأخذوا الدية حلت لهم وصارت حقهم وبطل من كان لهم من القود ليس لهم جميع الامرين بالنص فإذا بطل حقهم في القد وبذلك حرم القود وحلت الدية، ولو لا أن القود حرم لما حلت الدية فإذا حرم القود فقد قتلوا نفسا محرمة حرمها الله تعالى واذ قتلوا نفسا محرمة فالقود واجب في ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرى مسلم الا باحدى ثلاث رجل كفر بعد إيمانه أوزنى بعد احصانه أو قتل نفسا بغير نفس " فان قيل: هذا قتل نفسا بنفس قيل له لا تحل النفس بالنفس إلا حيث أحلها الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وانما أحلها الله تعالى إذ اختاروا ذلك دون الدية، وأما إذا اختاروا الدية فقد حرم الله تعالى عليهم تلك النفس إذ لم يجعل لهم الا أحد الامرين، ومن ادعى في ذلك شيئا صح تحليله انه حرم فهو مبطل إلا أن يأتي (2) في دعواه ذلك بنص أو اجماع، وقد صح بيقين كون الدية لهم حلالا ومالا من مالهم إذا أخذوها وصح تحريم القود عليهم بذلك بلا خلاف إذ لا يقول أحد في الارض انهم يجمعون الامرين معا (3) الدية والقود فإذ لاشك فيما ذكرنا فمن ادعى ان الدم الذى قد صح تحريمه عليهم عاد حلالا لهم وأن
__________
(1) في النسخة رقم 45 وأما العفوا (2) في النسخة رقم 14 الا ان يدعى (3) في النسخة رقم 14 جميعا(10/492)
الدية التى أخذوا فحلت لهم قد حرمت عليهم لم يصدق إلا بقرآن أو سنة، ولا سبيل لهم إلى وجود ذلك، وبالله تعالى التوفيق * 2083 مسألة وهل يستقاد في الحرم؟ قال على: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: لايقاد في الحرم كما حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق نا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: من قتل أو سرق في الحرم
أو في الحل ثم دخل الحرم فانه لا يجالس ولا يكلم ولا يؤذى ويناشد حتى يخرج فيقام عليه الحد ومن قتل أو سرق فاخذ في الحل ثم أدخل الحرم فارادوا أن يقيموا عليه ما أصاب أخرجوه من الحرم إلى الحل فان قتل في الحرم أو سرق أقيم عليه في الحرم، وعاب ابن عباس على ابن الزبير في رجل أخذه في الحل ثم أدخله الحرم ثم اخرجه إلى الحل فقتله * وبه إلى عبد الرزاق حدثنى ابن عيينة عن ابراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس فيمن قتل في الحل ثم أدخل الحرم قال: لا يجالس ولا يكلم ولا يبايع ولا يؤذى يؤتى إليه فيقال يا فلان اتق الله في دم فلان اخرج من المحارم * نا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا ابراهيم بن حماد نا اسماعيل بن اسحاق نا على بن عبد الله بن المدينى نا سفيان بن عيينة أخبرني ابراهيم بن ميسرة وكان ثقة مأمونا قال: سمعت طاوسا يقول سمعت ابن عباس يقول: من أصاب حدثم دخل الحرم لم يجالس ولم يبايع ويأتيه الذى يطلبه فيقول: أي فلان اتق الله في دم فلان أخرج عن المحارم فإذا خرج أقيم عليه الحد * وبه إلى اسماعيل نا سليمان بن حرب نا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس في قول الله تعالى (مقام ابراهيم ومن دخله كان آمنا) قال إذا أحدث الرجل حدث ثم دخل الحرم لم يجالس ولم يبايع ولم يطعم ولم يسق حتى يخرج من الحرم فيؤخذ * ومن طريق عبد الرزاق قال: قال ابن جريج سمعت ابن أبى حسين يحدث عن عكرمة بن خالد قال: قال عمر ابن الخطاب: لو وجدت فيه - يعنى حرم مكة - قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه، قال ابن جريج: وحدثني أبو الزبير قال قال ابن عمر: لو وجدت فيه يعنى حرم مكة قاتل عمر ماندهته، وعن عطاء عن ابن عباس قال: لو وجدت قاتل أبى في الحرم ما عرضته قال عطاء: والشهر الحرام كذلك مثل الحرم في ذلك كله، وقال الزهري: من قتل في الحرم قتل في الحرم ومن قتل في الحل ثم دخل الحرم أخرج إلى الحل فقتل في الحل قال الزهري: تلك السنة وبه يقول أبو حنيفة.
وأحمد بن حنبل واسحاق * قال أبو محمد: وقد روى عن قوم خلاف هذا [ وشئ يظن أنه خلاف هذا ] (1)
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 14(10/493)
وهو كما حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا ابراهيم بن حماد نا اسماعيل ابن اسحاق نا عبد الله بن معاذ نا أبى نا أشعث - هو ابن عبد الملك - عن الحسن في قول الله تعالى: (ومن دخله كان آمنا) قال: كان الرجل في الجاهلية يقتل الرجل ثم يعلق في رقبته الصوفة ثم يدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول أو أبوه فلا يحركه * وعن قتادة في قول الله تعالى: (ومن دخله كان آمنا) قال كان ذلك في الجاهلية فاما اليوم فلو سرق فيه احد قطع وان قتل قتل ولو قدر على المشركين فيه قتلوا، وعن ربيعة بن أبى عبد الرحمن انه قال في رجل جرح رجلا في الحرم انه يقاد به وكذلك لو جرح في الحل أقيد به في الحرم وحيث وجد، وبه يقول مالك والشافعي وأبو سليمان وأصحابهم * قال أبو محمد: فهؤلاء من الصحابة عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وابن عباس.
وابن الزبير وأبو شريح على ما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى ولا مخالف لهم من الصحابة رضى الله عنهم، ومن التابعين عطاء وعبيد بن عمير ومجاهد وسعيد بن جبير.
والزهرى وغيرهم، ويخبر بذلك عن علمائهم وهم التابعون من أهل المدينة ويخبر ان السنة مضت بذلك فيما تعلق من تعلق بخلاف ذلك الا برواية (1) عن ربيعة وأما قتادة والحسن فليس في قولهما خلاف لمن ذكرنا لان الحسن انما أخبر عمن كان في الجاهلية ولم يقل ان الاسلام جاء بخلاف ذلك الا به، واما قتادة فلم يقل.
ان من اصاب في الحل دما أقيد به في الحرم فبطل تعلقهم فبطل تعلقهم بقتادة والحسن * قال أبو محمد: وجاهر بعضهم أقبح مجاهرة فذكر ما حدثناه أحمد بن عمر نا عبد الله بن الحسين نا ابراهيم بن محمد نا محمد بن الجهم نا أحمد بن الهيثم نا عباد بن العوام عن سفيان بن الحسين عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: آيتان نسختا من هذه السورة - يعنى المائدة - آية القلائد (وان جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) فموه
بأن هذا اختلاف من قول ابن عباس * قال أبو محمد: وهذا البهت الفاضح والكذب المجرد، ونعم أن قوله تعالى: (لاتحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا) قد قيل انه نسخ منه القلائد فقط كما حدثنا أبو سعيد الجعفري نا محمد بن على المقبرى نا أبو جعفر احمد بن محمد بن اسماعيل نا أبو جعفر الطحاوي نا سلمة بن شبيب نا عبد الرزاق نا معمر عن قتادة وذكر هذه الآية فقال: منسوخ كان الرجل في الجاهلية إذا خرج إلى الحج يقلد من الشعر فلا يعرض له أحد وإذا
__________
(1) في النسخة رقم 14 مضت بذلك فيما تعلق بذلك بخلاف الا برواية(10/494)
تقلد قلادة شعر لم يعرض له أحد وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت فامر الله تعالى أن لا يقاتل المشركون في الشهر الحرام ولا عند البيت ثم نسخها قول الله تعالى: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وهذا نص قول قتادة فهبك انه قد صح نسخ القلائد فاى شئ في ذلك مما يوجب أن من قال بنسخ القلائد فقد خالف ذلك من قوله قول من قال لايقام الحد في الحرم ولا يقتل أحد في الحرم لقد كان ينبغى لمن كان له دين أن يستحى من أن يعمى هذا العمى وأن يتبع هواه في الباطل هذا الاتباع، والقلائد ههنا إنما هي على ظاهرها قلائد الهدى التى لا يحل احلالها * قال أبو محمد: وعهدنا بالمالكيين والشافعيين يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم وهم قد خالفوا ههنا خمسة من الصحابة لايعرف لهم منهم مخالف وخالفوا القرآن والسنة الثابتة على ما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى، واعجب من هذا كله احتجاجهم بابن خطال وهو متعلق باستار الكعبة فهذه قصة نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على انها له خاصة ولا تحل لاحد بعده كما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى * قال على: قال الله تعالى: (مقام ابراهيم ومن دخله كان آمنا) وهذا أمر من الله
تعالى مخرجه مخرج الخبر هذا لا يخلو (1) القول من أن يكون خبرا أو أمرا فبطل أن يكون خبرا لاننا قد وجدنا القرامطة الكفرة لعنهم الله قد قتلوا فيه أهل الاسلام ووجدنا يزيد بن معاوية والفاسق الحجاج قد قتلا فيه النفوس المحرمة فصح يقينا أنه أمر من الله تعالى إذ لم يبق غيره * وأن من ادعى أن هذا انما هو خبر من الله تعالى عن الجاهلية فقد كذب لانه أخبر عن الله تعالى بما لم يقله قط وقد قال تعالى (وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) وقال تعالى (انما يأمركم بالسوء والفحشاء وان تقولوا على الله مالا تعلمون) حاش لله أن يكون الحرم له فضل في الجاهلية بخسه الله تعالى اياه في الاسلام بل ما زاد الله تعالى الحرم في الاسلام الا تعظيما وحرمة واكراما * وقد روينا من طريق البخاري نا عبيد بن اسماعيل نا أسامة عن هشام ابن عروة عن أبيه فذكر حديث الفتح وفيه " أن سعد بن عبادة قال لابي سفيان: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة المحرمة فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبى سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال ما قال؟ قال قال كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة " وذكر الحديث، واحتج بعضهم بما روينا من طريق البخاري نا محمد بن مقاتل أنا
__________
(1) في النسخة رقم 45 إذ لا يخلو(10/495)
عبد الله - هو ابن المبارك - نا يونس عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير قال " ان امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعون به (1) قال عروة فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تكلمني في حد من حدود الله قال أسامة فاستغفر لى يا رسول الله فلما كان العشبى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فاثنى على الله تعالى بما هو أهله ثم قال: أما بعد فانما هلك الناس قبلكم انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذى نفس محمد بيده لو
أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها " وذكرت عائشة الحديث * قال أبو محمد: وهذا لامتعلق لهم فيه لانه ليس في هذا الخبر انها قطعت يدها في الحرم فإذ ليس ذلك فيه فلا يجوز أن يعترض على نص القرآن ونص بيان السنن بظن لا حقيقة فيه، ولعل أمرها كان في غير الحرم أو في الطريق قال الله تعالى: (ان الظن لا يغنى من الحق شيئا) وأيضا فان هذا الخبر ظاهره الارسال، وقال بعض من لا يبالي بما أطلق به لسانه انما معنى قوله تعالى: (مقام ابراهيم ومن دخله كان آمنا) انما عن الصيد، وهذا مع أنه كذب على الله تعالى وجرأة على الباطل فضحية (2) في اللحن لانه لا يخبر (3) في لغة العرب بلفظة من الا عمن يعقل لا عن الحيوان غير الآدمى، فان قال قائل: انما هذا (4) في المقام وحده بنص الآية قيل له: ان الله تعالى لا يكلم عباده بالمحال ولا بما لا يمكن، وباليقين يدرى كل ذى حس سليم ان مقام ابراهيم حجر واحد لا يدخله احد ولا يقدر أحد على ذلك وانما مقام ابراهيم الحرم كله كما قال مجاهد انه قال مقام ابراهيم الحرم كله، فان قال قائل ان الله تعالى قال: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فان قاتلوكم فاقتلوهم) قلنا: نعم هكذا قال الله تعالى وبهذا نقول، ولا يحل قتال أحد لا مشرك ولاغيره في حرم مكة لكننا نخرجهم منه فان خرجوا وصاروا في الحل نفذنا عليهم ما يجب عليهم من قتل أو اسر أو عقوبة فان امتنعوا وقاتلونا قاتلناهم حينئذ في الحرم كما أمر الله تعالى وقاتلناهم فيه وهكذا نفعل بكل باغ وظالم من المسلمين ولا فرق، فان قالوا: فقد قال الله تعالى.
(فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) الآية قلنا: الذى قال هذا قال: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه) وكلامه كله حق وعهوده كلها فرض ولا يحل ترك شئ من كلامه
__________
(1) في النسخة رقم 14 يستشفعونه (2) في النسخة رقم 14 وفضيحة (3) في النسخة رقم 14 يجوز (4) في النسخة رقم 14 ان هذا *(10/496)
لشئ آخر إلا بنسخ متيقن فواجب علينا أن نستعمل مثل هذه النصوص ونجمعها وتستثنى الاقل منها من الاكثر إذ لا يحل غير ذلك فنحن نقتل المشركين حيث وجدنا هم الا عند المسجد الحرام فنحن إذا فعلنا هذا كنا على يقين من اننا قد أطعنا الله تعالى في كل ما أمرنا به ومن خالف هذا العمل فقد عصى الله تعالى في احدى الآيتين وهذا لا يحل أصلا وكما قلنا فعل امير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضى الله عنه فانه لما ابتدأه الفساق بالقتال في حرم مكة يزيد وعمرو بن سعيد والحصين بن نمير والحجاج ومن بعثه ومن كان معهم من جنود السلطان قاتلهم مدافعا لنفسه وأحسن في ذلك وبالله تعالى التوفيق * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا ابراهيم بن احمد نا الفربرى نا البخاري نا عثمان بن أبى شيبة نا جرير عن منصور بن المعتمر عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم افتتح مكة: " لاهجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا فان هذا بلد حرمه الله تعالى يوم خلق السموات والارض فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة وانه لم يحل القتال فيه لاحد قبلى ولم يحل لى إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها، قال العباس: يا رسول الله الا الاذخر فانه لقينهم ولبيوتهم قال الا الاذخر " * ومن طريق مسلم ابن الحجاج نا زهير بن حرب نا الوليد بن مسلم نا الاوزاعي عن يحيى بن أبى كثير حدثنى أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف نا أبو هريرة قال: " لما فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ان الله تعالى حبس الفيل عن مكة وسلط عليها رسوله والمؤمنين وانها لم تحل لاحد كان قبلى وانها حلت لى ساعة من نهار وانها لن تحل لاحد بعدى فلا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ولا تحل ساقطهتا الا لمنشد " وذكر باقى الحديث بذكر الاذخر، وقد روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد
نا ليث - هو ابن سعد - عن سعيد بن ابى سعيد عن أبى شريح العدوى انه قال لعمرو ابن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لى أيها الامير أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح سمعته اذناى ووعاء قلبى وأبصرته عيناى حين تكلم به أنه حمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: " ان مكه حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فان أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا: ان الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وانما أذن (م 63 - ج 10 المحلى)(10/497)
لى فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس وليبلغ الشاهد الغائب " قيل لابي شريح: ماذا قال لك عمرو؟ قال قال: انا أعلم بذلك منك يا أبا شريح ان الحرم لا يعيذ عاصيا ولافارا بخربة * قال أبو محمد: ولا كرامة للطيم الشيطان شرطى الفاسق يريد أن يكون أعلم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمعه ذلك الصاحب رضى الله عنه من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا لله وانا إليه راجعون على عظيم المصاب في الاسلام ثم على تضاعف المصيبة بمن شاهده يحتج في هذه القصة بعينها بقول الفاسق عمرو بن سعيد معارضة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يتكلم في دين الله تعالى ويغر الضعفاء بأنه عالم وما العاصى لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم الا الفاسق عمر بن سعيد ومن ولاه وقلده، وما حامل الخربة في الدنيا والآخرة الا هو ومن أمره وأيده وصوب قوله * قال أبو محمد: فهذا نفق تراتر ثلاثة من الصحابة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أبو هريرة وابن عباس وأبو شريح كلهم يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: (ان مكة حرمها الله تعالى) فبيقين ندرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرم مكة خصوصا القتال المحرم بالظلم لانه محرم في كل مكان في الارض لكنه عليه الصلاة والسلام نص على انه انما حرم القتال المأمور
به في غيرهالانه عليه الصلاة والسلام المقاتل في مكة ولا قتل إلا بحق ونهى عن ذلك القتال بعينه غيره وحرم أن يحتج به في مثله وقطع الايدى فيه سفك دم والقصاص كذلك فلا يحل فيها البتة، وقد شغب قوم بما روينا من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى قلت لما لك نا ابن شهاب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال: ان ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه) قال نعم: وهذا لاحجة لهم فيه لان هذا كان حين دخوله مكة عام الفتح وهى الساعة التى أحلها الله تعالى له ثم خبر عليه الصلاة والسلام في اليوم الثاني أنها قد عادت إلى حرمتها إلى يوم القيامة فإذ قد ارتفع الاشكال وجب تأمين من دخل مكة جملة من كل قتل وقصاص وحد، وبالله تعالى التوفيق * فان قال قاتل ممن يحتج لهذا القول ان الله تعالى يقول: (والحرمات قصاص) فمن انتهك حرمة في الحرم وجب ان ينتهك منه مثل ذلك في الحرم قلنا له: هذا عموم يخصه قول الله تعالى: (ومن دخله كان آمنا) ويخصه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريمها أن لا يسفك فيها دم أصلا إلا من قاتلنا فيه من المشركين وبالاجماع في الدفاع عن النفس الظلم فصح ان الله تعالى لم يرد قط ان من انتهك حرمة الحرم أن ننتهكها نحن ايضا قصاصا منه وأنه لايقام عليه حتى يخرج(10/498)
إلى الحل، وهذا قول عمر بن الخطاب.
وعبد الله بن عمر.
وابن عباس.
والشعبى.
وسعيد بن جيير.
والحكم بن عتيبة، وروى أيضا عن عطاء وبه نأخذ، وأما نهى الناس عن مبايعته ومكالمته فان الله تعالى يقول: (واحل الله البيع وحرم الربا) فلا يجوز منعه من البيع بغير نص ولا اجماع وكذلك امر الله تعالى بافشاء السلام فلا يجوز منعه الا بنص أو اجماع، فان احتجوا بقول عبد الرحمن بن فروخ قال: اشترى نافع بن عبد الحارث عامل عمر بن الخطاب على مكة من صفوان بن امية بن خلف دار السجن باربعة آلاف فان رضى عمر فالبيع له، وان لم يرض عمر فلصفوان أربع مائة قلنا: قد جاء لبعض السلف خلاف لهذا كما روى عن طاوس انه كره السجن بمكة، وقال: لا ينبغى أن يكون بيت عذاب
في بيت رحمة، وبهذا نأخذ، فان انكروا علينا خلاف عمر ونافع وصفوان في ذلك قلنا لهم: نحن لاننكر هذا إذا أوجبه قرآن أو سنة، ولكن إذ تنكرون هذا ولا يحل عندكم فكيف استجزتم خلافه في هذا الخبر نفسه في أنه نص عمر فله بيعه وإن لم يرض فلصفوان أربع مائة، وهذا عند جميع الحاضرين من المخالفين ربا محض فعاد الاثم عليهم والعار أيضا في خلافهم ما لا يستحلون خلافه إلى خلافهم عمر وابنه وأبا شريح وابن عباس وابن الزبير في أن لايقاد قوم بمكة أصلا ولا مخالف لهم من الصحابة رضى الله عنهم والقرآن معهم والسنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم يهتف بذلك على الناس ثانى يوم الفتح، فهذا هو الاجماع الثابت المقطوع به على جميع الصحابة انهم قالوا به، وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون قول الله تعالى وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه، وبالله تعالى التوفيق * 2084 مسألة هل يقام القصاص أو الحدود في الشهر الحرام أم لا؟ قال على: قال الله تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وقال تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) إلى قوله تعالى: (والفتنة أكبر من القتل) * قال أبو محمد: وق روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: أرأيت الرجل يقتل في الحرم أين يقتل قاتله؟ قال حيث شاء أهل المتقول قال فان قتل في الحل ولم يقتل في الحرم قال عطاء: وكذلك الشهر الحرام * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال شهر الله الاصم رجب قال: فكان المسلمون يعظمون الاشهر الحرم لان الظلم فيها اعظم قال: ومن قتل في شهر حلال أو جرح لم يقتل في شهر حرام حتى يجئ شهر حلال قال الله تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام)، وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء أن رجلا جرح في شهر حلال فاراد عثمان بن محمد بن أبى سفيان أن يقيده وهو(10/499)
أمير في شهر حرام فارسل إليه عبيد بن عمير وهو في طائفة من الدار لاتقده حتى
يدخل شهر حلال * قال أبو محمد: فهذا عبيد بن عمير والزهرى لا يريان أن يقاد في شهر حرام من جنى في شهر حلال وعن عطاء بن أبى رباح يرى من قتل في شهر حرام أن يقتل في شهر حرام فان قتل في شهر حلال لم يقد منه في شهر حرام فهؤلاء من أكابر التابعين وفقهاء مكة والمدينة * قال على: قال الله تعالى: (ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) فانما نهى الله تعالى فيها عن الظلم فكان الظلم فيها أو كد من الظلم في غيرها ولا يحل أن يزاد على الله تعالى ما لم يقل، ثم نظرنا في قوله تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام) فكان موجب هذه الآية إن من قتل أو جرح في شهر حرام فلم يظفر به إلا في شهر حلال فان ولى الاستقادة من الدم أو الجرح مخير ان شاء تأخيره إلى شهر حرام فذلك له بنص الآية وان لم يرد ذلك فهو بعض حقه تجافى عنه ولم تمنعه الآية من ذلك وبهذا نقول وبالله تعالى التوفيق وأما قوله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) انما هذا في القتال، وليس من القود في شئ * قال أبو محمد: ويحبس الذى وجب عليه القود فاخره المجني عليه أو ولى الدم حتى يأتي شهر حرام لانه قد وجب أخذه بما جنى فلا ينبغى تسريحه بل يوقف بلا خلاف للقود ويمنع من الانطلاق * قال أبو محمد: وأما الحدود فتقام في الشهر الحرام كلها من رجم وغيره لان الله تعالى لم يات عنه نص بالمنع من ذلك ولا من رسوله عليه الصلاة والسلام وتعجيل الطاعة المفترضة في اقامة الحدود واجب بيقين ندرى ان الله تعالى لو أراد تأخير ذلك عن الشهر الحرام لبينه تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك في الحرم بمكة فاذلم يفعل فنحن نشهد بشهادة الله تعالى أنه ما أراد قط أن لاتقاد الحدود إلا في الاشهر الحرم، وهكذا القول في حرم المدينة وما كان ربك نسيا، وبالله تعالى التوفيق *
2085 مسألة مقاتلة من مر أمام المصلى * قال على: من أراد المرور أمام المصلى إلى سترة أو غير سترة فاراد انسان أن يمر بينه وبين سترته أوبين يديه وان لم يكن إلى سترة فليدفعه فان اندفع وإلا فليقاتله فان دفعه فوافقت منية المريد للمرور فدمه هدر، ولا شئ فيه لاقود ولا دية ولا كفارة، وكذا إن كسر له عضو ولا فرق، فان وافق في ذلك منية المصلى ففيه القود أو الدية أو المفاداة * برهان ذلك ما رويناه من(10/500)
طريق أبى داود نا موسى بن اسماعيل نا سليمان - هو ابن المغيرة - عن حميد قال: قال أبو صالح: أحدثك عما رأيت من أبى سعيد وسمعته منه دخل أبو سعيد على مروان فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا صلى أحدكم إلى ما يستره من الناس فاراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره فان أبى فليقاتله فانما هو شيطان * وروينا من طريق أحمد بن شعيب انا محمد بن محمد بن مصعب الصوري نا محمد بن المبارك - هو الصوري - نا عبد العزيز زبن محمد - هو الدراوردى - عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدرى أنه كان يصلى فاراد ابن لمروان أن يمر بين يديه فدرأه فلم يرجع فضربه فخرج الغلام يبكى حتى أتى مروان فاخبره فقال مروان لابي سعيد: لم ضربت ابن أخيك؟ قال: ما ضربته انما ضربت الشيطان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا كان أحدكم في صلاته فاراد انسان يمر بين يديه فيدرأه ما استطاع فان أبى فليقاتله فانما هو شيطان " * ومن طريق مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال فان أبى فليقاتله فان معه القرين " ومن قاتل كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو محسن قال الله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) فإذ هو محسن فليس متعديا وإذ ليس متعديا فلا قود عليه ولا دية وليس قاتل خطا فتكون عليه كفارة فلو أمكنه دفعه فعمد قتله أقيد به لانه معتد حينئذ بما لم يؤمر، وأما المار بين يدى المصلى فمعتد بالمرور معتد بالمقاتلة فعلية القود وبالله تعالى التوفيق *
2086 مسألة الجماعة تضرب الواحد فيقتل ولا يدرى من أصابه منهم والمصطدمان ومن وقع على آخر ومن تعلق بآخر فسقط والحفارون والمتصارعان والمتلاعبان * قال أبو محمد: أما الجماعة تضرب الواحد فيموت ولا يدرى من منه اصابه فانه ان وجد مقتولا في دار قوم فادعى اهله على أهل تلك الدار وكان الذين ضربوه من اهل تلك الدار ففيه حكم القسامة على ما نذكره بعد هذا ان شاء الله تعالى، وان كان الذين ضربوه من غير اهل تلك الدار فليس ههنا حكم القسامة ولكن حكم التداعي فالبينة ههنا على مدعى الدم فان جاء بها فله القود وان لم يأت بها حلفوا له ان ادعى على جميعهم أو حلف له من ادعى عليه منهم وبرئوا وسنذكر هذا كله في باب القسامة * 2087 مسألة (1) وإذا اقتتل اثنان فقتل احدهما الآخر فقد قال قوم على الحى نصف الدية لانه مات المقتول من فعله وفعل غيره وهذا ليس بشئ لان
__________
(1) في النسخة رقم 45 قال على بدل مسألة(10/501)
المقتول وان كان عاصيا لله تعالى وفى النار لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النارى فانه ليس كل عاص يحل دمه ولا يغرم دية لكن القاتل الحى هو قاتل الآخر بلاشك فإذ هو قاتله بيقين عليه ما على القاتل لما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال سئل ابن شهاب عن اول من جعل على المصطدمين نصف عقله فقال ابن شهاب: نرى ان العقل تاما على الباقي منهما وتلك السنة فيما ادركنا * قال أبو محمد: فان جنى المقتول على قاتله جناية مات منها بعد موت المقتول فالقود واجب تعجيله على الحى إذ كانا ظالمين معا أو كان الحى منهما ظالما والمقتول مظلوما فيستقاد من الحى في نفسه وفى الجراح التى جرح المقتول بها أو تؤخذ الدية منه أو من ماله مات أو عاش ولا شئ في مال المقتول لادية ولا غيرها الا ان كان قطع له اصبعا
أو اصابع أو يدا أو رجلا فالدية في ذلك في مال الميت * برهان ذلك ان ما وجب في حياة الجاني من دية (1) فهى واجبة بعد فلا يسقطها موته إذ ما صح بيقين فلا يسقط بالدعوى وأما ما لم يجب في حياته بعد فبيقين ندرى ان ما له صار بموته لورثته أو للغراء بلا شك فإذ صار لهم فهو مال من ما لهم والدية لا تجب الا بموت المقتول فإذا وجبت بموته ولا مال للجاني فمن الباطل البحت المقطوع به ان تؤخذ دية من مال من لم يقتله ولا جنى عليه وكذلك دية القاتل (2) الذى قد مات قبل وجوب الدية عليه، والاحكام لا تلحق الموتى وانما تلحق الاحياء وبالله تعالى التوفيق: فهذا حكم الظالمين، وأما ان كان القاتل الحى مظلوما والمقتول ظالما فقد مضى إلى لعنة الله تعالى ولا شئ على القاتل الجارح لاقود ولادية لما سنذكره في كتاب أهل البغى * قال أبو محمد: وأما المصطدمان راجلين أو على دابتين أو السفينتين يصطدمان فروى عن الشعبى في السفينتين يصطدمان لا ضمان في شئ من ذلك، وقال الشافعي: لا يجوز فيه الا أحد قولين أما انه يضمن مدير السفينة نصف ما أصابت سفينته لغيره أو أنه لا يضمن البتة الا ان يكون قادرا على صرفها بنفسه أو ممن يطيعه فلا يفعل فيضمن والقول قوله مع يمينه أنه ما قدر على صرفها وضمان الاموال إذا ضمن في ذمته وضمان النفوس على عاقلته * قال أبو محمد: وقال بعض أصحابنا: إذا اصطدمت السفينتان بغير قصد من ركابها لكن بغلبة أو غفلة فلا ضمان في ذلك أصلا فان حملا سفينتهما على التصادم فهلكتا ضمن كل واحد نصف قيمة السفينة الاخرى لانها هلكت من فعلها ومن فعل
__________
(1) في النسخة رقم 14 من دمه (2) في المسخة رقم 14 ولا جنى عليه وهم ودية القاتل(10/502)
ركابها، وأما الفارسان يصطدمان فان أبا حنيفة.
ومالكا.
والاوزاعي والحسن بن حى قالوا: ان ماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر كاملة وقال عثمان البتى وزفر.
والشافعي: على كل واحد منهما نصف دية صاحبه وقال بعض أصحابنا: بمثل قول الشافعي في ذلك وكذلك أوجبوا ان هلكت الديتان أو احداهما فنصف قيمتها أيضا وكذلك لو رموا (1) بالمنجنيق فعاد الحجر على أحدهم فمات فان الدية على عواقلهم وتسقط منها حصة المقتول لانه مات من فعله وفعل غيره قالوا: فلو صدم أحدهما الآخر فقط فمات المصدوم فديته على عاقلة الصادم ان كان خطا وفى مال القاتل ان قتلت في العمد * قال أبو محمد: والقول في ذلك وبالله تعالى التوفيق أن السفينتين إذا اصطدمتا بغلبة ريح أو غفلة فلا شئ في ذلك لانه لم يكن من الركبان في ذلك عمل اصلا ولم يكسبوا على انفسهم شيئا وأموالهم وأموال عواقلهم محرمة الا بنص أو اجماع فان كانوا تصادموا وحملوا وكل أهل سفينة غير عارفة بمكان الاخرى لكن في ظلمة لم يروا شيئا فهذه جناية والاموال مضمونة لانهم تولوا افسادها وقال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وأما الانفس فعلى عواقلهم كلهم لانه قتل خطأ وان كانوا تعمدوا فالاموال مضمونة كما ذكرنا وعلى من سلم منهم القود أو الدية كاملة والقول في الفارسين أو الرجلين يصطدمان كذلك، وكذلك أيضا الرماة بالمنجنيق تقسم الدية عليه وعليهم وتودي عاقلته وعاقتلهم ديته سواء * برهان ذلك أنه في الخطأ قاتل نفسه مع من قتلها وقد ذكرنا قبل أن في قاتل نفسه الدية بنص قول الله تعالى [ في قاتل الخطأ فعم تعالى كل مقتول ولم يخص خطا وما كان ربك نسيا ] (2) * قال أبو محمد: ثم نرجع إلى مسألتنا فنقول: اما قولهم في المصطدمين ان الميت مات منهما من فعل نفسه ومن فعل غيره فهو خطأ والفعل انما هو مباشرة الفاعل وما يفعله فيه وهو لم يباشره بصدمة (3) غيره في نفسه شيئا ولا يختلفون فيمن دفع ظالما إلى ظالما آخر ليقاتله فقتل أحدهما الآخر ان على القاتل منهما القود أو الدية كلها ان فات القود ببعض العوارض وهو قد تسبب في موت نفسه بابتداء الفتال كما تسبب
في موت نفسه في الصدم ولا فرق وهذا تناقض منهم * قال أبو محمد: وكذلك القول في المتصارعين والمتلاعبين ولافرق، وما أباح الله
__________
(1) في النسخة رقم 45 وكذلك ان رموا (2) الزيادة من النسخة رقم 45 (3) في النسخة رقم 14 فصدمه(10/503)
تعالى في اللعب شيئا حظره في الجلد، وأما من سقط من علو على انسان فماتا جميعا أو مات الواقع أو الموقوع عليه فان الواقع هو المباشر لاتلاف الموقوع عليه بلاشك وبالمشاهدة لان الوقعة قتلت الموقوع عليه ولم يعمل الموقوع عليه شيئا فدية الموقوع عليه ان ملك على عاقلة الواقع ان لم يتعمد الوقوع عليه لانه قاتل خطأ فان تعمد فالقود واقع عليه أن سلم أو الدية وكذلك الديه في ماله ان مات الموقوع عليه قبله فان ماتا معا أو مات الواقع قبل فلا شئ في ذلك لما ذكر منا من أن الدية انما تجب بموت المقتول المجني عليه لاقبل ذلك فإذا مات في حياة قاتله فقد وجبت الدية أو القود في مال القاتل وإذا مات مع قاتله أو بعد قاتله فلم يجب له بعد شئ لاقود ولا دية في حياة القاتل فإذا مات فالقاتل غير موجود والمال قد صار للورثة، وهذا لاحق له عندهم وليس هكذا قتل الخطأ لان الدية لا تجب في مال الجاني، وانما تجب على عاقلته فسواء مات القاتل قبل المقتول أو معه أو بعده لا يسقط بذلك وجوب الدية إما على العاقلة ان علمت واما في كل مال المسلمين كما جاء في سهم الغارمين، وبالله تعالى التوفيق، ولا شئ لوارث الواقع ان مات في جميع هذه الوجوه لادية ولاغيرها لانه لم يجن أحد عليه شيئا، وسواء وقع على سكين بيد المدفوع عليه أو على رمح أو غير ذلك لا شئ في ذلك أصلا لانه ان عمد فهو قاتل نفسه عمدا ولا شئ في ذلك بلا خلاف وان كان لم يعمد فلم يباشر في نفسه جناية وانما هو قتيل حجر أو حديدة أو نحو ذلك وما كان هكذا فلا شئ في ذلك كله وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: وأما المتماقلون في الماء فان عرف أيهم غطسه في الماء حتى مات فان كان عمدا فالقود وان كان غير قاصد لكن غطس أحدهم فلما جاء ليخرج لقى ساقى آخر فمنعتاه الخروج غير قاصد لذلك فالدية على عاقلته وعليه الكفارة لانه باشر ذلك فيه غير قاصد فهو قتل خطأ، فان كان غطسه تغطيسة لايمات البتة من مثلها فوافق منيته فهذا لا شئ فيه لانه لم يقتله لاعمدا ولا خطأ بل مات بأجله حتف أنفه فان جهل من عمل ذلك به فمن ادعى عيه أحلف وبرئ وان لم تقم عليه بينة ولا قسامة ههنا لانه ليس مما حكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة * قال أبو محمد: والذى نقول به أن حكم القسامة واجب ههنا لانه هو الذى حكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة لان كلاتا الحالتين قتيل وجد ولم يقل عليه الصلاة والسلام انى حكمت بالقسامة من أجل الدار ولا من غير أجل الدار فلا يجوز أن يقول عليه الصلاة والسلام ما لم يقل لكن نحكم في نوع تلك الحال مثل حكمه فيها وبالله تعالى التوفيق *(10/504)
وكذلك من قتل في اختلاط قتال أو ليلا أو أين قتل وبالله تعالى التوفيق، ولو ان قوما حفروا في حائط بحق أو بباطل أو في معدن أو بئر فتردى عليهم الحائط أو الجرف فماتوا أو مات بعضهم فان كانوا عامدين قاصدين إلى هدمه على أنفسهم فهو قتل عمد والقود على من عاش أو دية كاملة لجميع من مات لكل واحد منهم دية لان كل واحد منهم قاتل نفس وهذا حكم قاتل النفس عمدا وان كانوا لم يقصدوا إلا العمل لاهدمه على أنفسهم فهم قتلة خطأ على عواقلهم كلهم دية دية لكل من مات فقط فان لم يكن لهم عواقل فمن سهم الغارمين أو من كل مال لجميع المسلمين ولو أن قوما وقفوا على جرف فانهار باحدهم فتعلق بمن يقربه وتعلق ذلك بآخر فسقطوا فماتوا فالمتعلق بصاحبه قاتل خطأ فالدية على عاقلة المتعلق فكان زيدا تعلق بخالد وتعلق خالد بمحمد فعلى عاقلة زيد دية خالد وعلى عاقلة خالد دية محمد فقط وكذلك أبدا لان المتعلق بانسان
إلى مهلكة قاتل خطأ إلا أن يتعمد بلا شبهة فهو قاتل عمد ليس فيه إلا لو خلص المتردى القود أو الدية أو المفاداة، فلو تعلقوا هكذا فوقعوا على أسد أو ثعبان فقتلهم فان كان خطأ فلا شئ في ذلك لانه ليس قاتل خطأ وانما قتلت البهيمة وان كان عمدا فعليه القود ان خلص ويرمى إلى مثل البهيمة حتى تقتله كما فعل هو بأخيه لقول الله تعالى: (والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * قال أبو محمد: روينا من طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا على بن مسهر عن سعيد ابن أبى عروبة عن قتادة عن خلاس قال: استأجر رجل أربعة رجال ليحفروا له بئر فحفروها فانخسفت بهم البئر فمات أحدهم فرفع ذلك إلى على بن ابى طالب فضمن الثلاثة ثلاثة أرباع الدية وطرح عنه ربع الدية * قال على: أما الاثر في وضع على الدية في قصة الحفارين فهى ثابتة عنه وهى موافقة لقول الشافعي.
وأصحابنا وهم يشنعون على من خالف الصاحب إذا وافق آراءهم وهم قد خالفوا ههنا الرواية الثابتة عن على ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة رضى الله عنهم وهذا يوضح عظيم تناقضهم وبالله تعالى التوفيق، وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم والحفارون كلهم باشر هدم ما انهار (1) على الذى هلك منهم فعلى عواقلهم كلهم عواقل الاحياء والاموات، وكذلك لو ماتوا كلهم دية دية لكل (2) من مات يعنى أن في كل ميت دية واحدة
__________
(1) في النسخة رقم 14 هدم ما انهدم (2) في النسخة رقم 14 لكان (م 64 - ج 10 المحلى)(10/505)
فقط تؤدى إلى عواقل جميعهم وعاقلة الميت في جملتهم وبالله تعالى التوفيق * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا عبد الاعلى عن معمر عن الزهري انه سئل عن اجراء استؤجروا ليهدموا حائطا فخر عليهم فمات بعضهم أنه يغرم بعضهم لبعض الدية على من بقى *
ومن طريق ابى بكر بن أبى شيبة نا وكيع ناموسى بن على بن رباح عن أبيه قال: جاء أعمى ينشد الناس في زمان عمر يقول: * يا أيها الناس لقيت منكرا * هل يعقل الاعمى الصحيح المبصرا * خرا معا كلاهما تكسرا * قال وكيع: كانوا يرون أن رجلا صحيحا كان يقود أعمى فوقعا في بئر فخر عليه فاما قتله واما جرحه فضمن الاعمى * ومن طريق ابن وهب نا الليث بن سعد أن عمر ابن الخطاب قضى في رجل أعمى قاده رجل فخرا معا في بئر فمات الصحيح ولم يمت الاعمى فقضى عمر على عاقلة الاعمى بالدية فكان الاعمى يتمثل بأبيات شعر قالها وهى التى ذكرناها آنفا قبل هذا، قال ابن وهب: سمعت مالكا يقول في البصير يقود الاعمى فيقع البصير في بئر ويقع الاعمى على البصير فيموت البصير فان دية البصير على عاقلة الاعمى * قال أبو محمد: الرواية عن عمر لا تصح في أمر الاعمى لانه عن على بن رباح.
والليث وكلاهما لم يدرك عمر أصلا، والقول في هذا عندنا ان من وقع على آخر فلا يخلو من أحد ثلاثه أوجه اما أن يكون دفعه غيره فمات الواقع أو الموقوع عليه، وأما ان يكون الموقوع عليه هو الذى جر الواقع فوقع عليه كبصير يقود أعمى وهو يمسكه فوقع البصير وانجبذ بجبذه الاعمى أو المريض فوقع عليه فمات الاسفل أو الاعلى أو يكون وقع من غير فعل أحد لكن عمد رمى نفسه أو لم يعمد لكن عثر إذ خر فان دفعه غيره فالدافع هو القاتل فان كان عمدا فعليه القود أو الدية أو المفاداة في أيهما مات فان كان خطأ فعلى عاقلته الدية وعليه الكفارة إذ هو القاتل خطأ والمدفوع حينئذ والحجر سواء فهذا وجه، وان كان المدفوع عليه وهو جبذ الواقع فان كان عامدا فهو قاتل عمد فان مات المجبوذ فعليه القود أو الدية أو المفاداة ووان مات هو فهو قاتل نفسه ولا شئ عى المجبوذ لانه لم يعمد ولا أخطا فان كان لم يعمد جبذه ولكن استمسك به
فوقع فمات فعلى عاقلة الجابذ دية المجبوذ ان مات والكفارة لانه قاتل خطأ فان مات هو فليس على المجبوذ شئ ولا على لانه ليس عامدا ولا مخطئا لكن على عاقلة الجابذ دية نفسه لانه فاتل نفسه خطأ فهذا وجه ثان، وان كان وقع من غير فعل احد فان كان عمدا(10/506)
فهو قاتل عمد ان سلم فالقود أو الدية أو المفاداة وان مات فهو قاتل نفسه عمدا ولا شئ على الموقوع عليه وان كان لم يعمد فهو قاتل خطا اما نفسه واما الآخر فالدية على عاقلته ولا بد وعليه ان سلم هو ومات الآخر كفارة وبالله تعالى التوفيق * والاعمى والبصير في ذلك سواء * 2088 - مسألة - من قال ان صوم الشهرين في كفارة قتل الخطا عوض من الدية والعتق ان لم يجد: قال على: نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم ابن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون ناموسى بن معاوية ناوكيع نا زكريا عن الشعبى قال: سئل مسروق عمن قتل مؤمنا خطأ (فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) إلى قوله تعالى (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) عن الرقبة وحدها أم عن الدية والرقبة؟ قال: من لم يجد فعن الدية والرقبة * وبه إلى وكيع نا اسرائيل عن جبر عن عامر قال: من لم يجد فعن الدية والرقبة * قال على: ذهب مسروق والشعبى ههنا إلى قول الله تعالى: (فمن لم يجد فصيام شهرى متتابعين) ان صح معناه فمن لم يجد الدية والرقبة * قال على: ولولا دليل نذكره ان شاء الله تعالى لكان القول قولهما، وذلك لانه عموم لا يجوز ان يخص إلا بدليل لكن لما علمنا أن الدية في قتل الخطأ ليست على القاتل وانما هي على عاقلته بطل ما قاله مسروق.
وعامر لان الدية لا نبالي وجدها القاتل أو لم يجدها فصح بذلك أن مراد الله تعالى بقوله: (فمن لم يجد) انما هو فيما ينظر فيه إلى وجود المكلف لافيما لا ينظر فيه إلى وجوده، وليس ذلك إلا في الرقبة التى هي واجبة عليه في صلب
ماله فان لم يجدها فالصيام كما أمر الله تعالى * قال أبو محمد: وأما من لا عاقلته له فالدية واجبة في ذلك على كل مال لجميع المسلمين لان الله تعالى افترض في قتل الخطأ دية مسلمة إلى أهل المقتول، وقد قال تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رفع عن أمتى الخطأ والنسيان " ووجدنا الناس قد اختلفوا هل دية الخطأ على القاتل المخطئ أم لا؟ فوجب بقول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) انه لا يلزمه الدية، وأيضا فان الله تعالى إذ أوجب الدية في ذلك لم يلزمها القاتل فلا سبيل إلى الزامه دية لم يلزمه الله تعالى إياها ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا إجماع الامة وقد صح النص والاجماع على الزامة الكفارة بالعتق أو الصيام فوقفنا عند النص والاجماع في ذلك وألزمنا الدية العاقلة بالنص والوارد في ذلك على ما نذكر في أبواب العاقلة ان شاء الله تعالى وألزمناها في كل مال *(10/507)
2089 مسألة من أمر غيره بقتل انسان فقتله المأمور * قال على: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: يقتل الآمر وحده، وقالت طائفة: يقتل المأمور وحده، وقالت طائفة: يقتلان جميعا، وقالت طائفة: لا يقتل واحد منهما فالقول الاول كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا على بن عبد العزيز نا الحجاج ابن المنهال نا حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس أن على بن أبى طالب قال: إذا أمر الرجل عبده أن يقتل رجلا فقتله فهو كسيفه وسوطه، أما السيد فيقتل، وأما العبد فيستودع في السجن * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء رجل أمر عبده فقتل رجلا فقال على الآمر سمعت أبا هريرة يقول: الحر الآمر ولا يقتل العبد، قال أبو هريرة.
أرأيت لو أن رجلا بعث بهدية مع عبده إلى رجل من أهداها؟ قال ابن جريج: فقلت فاجيره قال ذلك مثل عبده قلت فامر رجلا حرا أو عبدا لا يملكه وليسا بأجيرين قال: على المأمور إذا لم يملكهما إذا أمر حرا فقتل رجلا فانه يقتل القاتل
وليس على الآمر شئ * والقول الثاني كما روينا من طريق ابن وضاح نا موسى بن معاوية ناوكيع نا شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة.
وحماد بن أبى سليمان عن الرجل يامر الرجل فيقتل؟ فقالا جميعا: يقتل القاتل وليس على الآمر قود * وبه إلى وكيع نا سفيان الثوري عن جابر عن عامر الشعبى في الذى يأمر عبده فيقتل رجلا قال يقتل العبد وللشعبي كلام آخر زائد ويعاقب السيد * والقول الثالث هو قول قتادة أنهم يقتلان جميعا * والقول الرابع روينا عن سليمان بن موسى قال: لو أمر رجل عبدا له فقتل رجلا لم يقتل الآمر، ولكن يديه ويعاقب ويحبس فان أمر حرا فان الحر إن شاء أطاعه، وان شاء لا فلا يقتل الآمر * وأما المتأخرون فان سفيان الثوري قال: يقتل العبد ويعاقب (1) السيد الآمر، ولو أمر رجل صبيا بقتل انسان فقتله الصبى فالدية في مال الصبى ويرجع بها على الذى أمره ولا يقتل الآمر، وقال احمد بن حنبل: إن أمر عبده بقتل انسان قتل الآمر ويؤدب العبد فان أمر حرا فقتله فتل المأمور وحده، وبه قال إسحاق، وقال أبو حنيفة.
ومحمد بن الحسن في عبد محجور عليه أمر عبدا محجورا عليه أن يقتل رجلا فقتله فسيد القاتل بالخيار إن شاء دفع عبده إلى أولياء المقتول وان شاء فداه فان اعتق العبد الآمر رجع سيد المأمور عليه فاخذ منه قيمة عبده الذى أسلم أو الذى فداه، وقال أبو يوسف إذا أمر عبد عبدا باتلاف نفس أو مال فانه إذا أعتق الآمر لزمه المال المتلف بامره ولم يلزمه الدم
__________
(1) في النسخة رقم 14 ويؤدب(10/508)
المتلف بامره كما لو أقر بجناية أو دين في رقبة ثم اعتق فان الدين يلزمه ولا تلزمه الجناية.
وقال زفر والحسن بن زياد في عبد أمر صبيا بقتل انسان فقتله فعلى عاقلة الصبى الدية، ثم رجع بها عاقلة الصبى على سيد العبد فيقال له: ادفع العبد إلى العاقلة أو افده بالدية، وقال الشافعي: ان أمر حر عبد غيره بقتل انسان فقتله أو أمر بذلك صبيا أجنيبا فقتل
فان كان العبد والصبى يميزان أنه أجنبي وان طاعته ليست عليهما عوقب الآمر ولا قود عليه ولا دية، والقاتل ههنا هو العبد أو الصبى قال: فان كانا لا يميزان ذلك فعلى الآمر القود * قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب علينا أن ننظر في ذلك فنظرنا في قول ابى حنيفة وأصحابه فوجدنا لاحجة لهم في شئ منه بل هي أقوال متخاذلة ثم نظرنا في قول سفيان فوجدنا أيضا خطا لانه فرق بين السيد يامر عبده بقتل انسان فينفذ أمره فجعل العبد هو القاتل ولم ير السيد الآمر قاتلا، وأما قول الشافعي وأحمد.
وأبى سليمان فداخلة في أقوال من ذكرنا قبل من الصحابة والتابعين فتركنا أن نخصها بالذكر اكتفاء بكلامنا في تلك الاقوال الاربعة، وبالله تعالى التوفيق، وأما قول سليمان بن موسى لا يقتل الآمر ولا المأمور فخطا لان ههنا قتل عمد، وقد أوجب الله تعالى فيه القود، وأما قول الحكم.
وحماد والشعبى وابراهيم وأبى سليمان فانهم احتجوا بان القاتل هو المتولي للقتل المباشر للقتل فهو الذى عليه القود خاصة، وأما قول على.
وأبى هريرة رضى الله عنهما فانهما جعلا الآمر هو القاتل فهو الذى عليه القود وجعلوا المأمور آلة له مصرفة هذه حجتهم * قال أبو محمد: وقدموه أصحاب القياس ههنا بان هذا القول من على.
وأبى هريرة قياس يعنى قول على أن المأمور هو كسيف الآمر وسوطه وقول أبى هريرة أرأيت لو أرسل معه هدية من المهدى لها، وهذا لامتعلق لهم به لا هو من القياس لا في ورد ولا في صدر لان القياس عند جميع القائلين به انما هو حكم لمسكوت عنه بحكم منصوص عليه أو بحكم مختلف فيه بحكم مجمع عليه، وأن يرد الفرع إلى الاصل بنوع من الشبه، وليس ههنا شئ من هذه الوجوه أصلا فبطل باقرارهم أن يكون قياسا إذ بيقين ندرى أن المأمور ليس حكمه حكم السيف والسوط لان علينا رأى على المأمور السجن، ولا خلاف في أنه لاسجن على السيف ولا السوط فصح انه لم يحكم على قط للمأمور بالحكم في السيف
والسوط فبطل الايهام جملة * وأما قول أبى هريرة أرأيت لو أهدى معه هدية من الذى أهداها فكذلك أيضا، وما حكم أبو هريرة قط للقاتل المأمور بمثل الحكم في حامل الهدية بل(10/509)
الحكم فيهما مختلف بلا خلاف لان حامل الهدية ومهديها يشكران والآمر والقاتل يقتل ويلامان، وهذا لو كان قياسا لكان قياسا للشئ على ضده ولو كان قياسا لا يوجب اتفاقا في الحكم هذا هو ترك القياس حقا وانما هو تشبيه فقط * قال أبو محمد: ثم نرجع إلى المسألة التى كنا فيها فنقول انهم لما اختلفوا كما ذكرنا وجب علينا أن نفعل ما افترض الله تعالى علينا إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) ففعلنا فوجدنا ما روينا من طريق مسلم نا أبو الطاهر.
وحرمله قالا جميعا: نا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه سمع عبد الله بن عباس يقول: قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الله بعث محمدا بالحق فانزل عليه الكتاب وكان مما أنزل الله عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده * ومن طريق مسلم أيضا عن أبى هريرة " أنه أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنى زنيت " فذكر الحديث وفيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: من هل أحصنت؟ قال: نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فارجموه " * وعن ابراهيم النخعي قال: أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقا فقال له عمارة بن عقبة: أتستعمل رجلا من بقايا قتلة عثمان؟ فقال مسروق: حدثنا عبد الله بن مسعود " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل أبيك قال: من للصبية؟ قال: النار قال مسروق: فرضيت لك ما جعل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم " * ومن طريق مسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقطع يد المرأة التى سرقت فقطعت يدها " * قال على: ففى هذه الاخبار ان الآمر يسمى في اللغة [ التى بها نزل القرآن ] فاعلا في بعض الاحوال على حسب ما جاءت به اللغة فسمى عمر بن الخطاب بحضرة الصحابة
وهم الحجة في اللغة من أمر برجم آخر فرجم راجما للمرجوم وسمى أيضا نفسه راجما، وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم راجما وهو لم يحضر رجما كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب أنا أحمد بن سليمان الرهاوى نا يزيد بن هارون أنا محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن ابى هريرة قال: جاء ما عن بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله انى قد زنيت فذكر الحديث، وفيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انطلقوا به فارجموه فانطلقوا به فلما مسته الحجارة أدبر يشتد فلقيه رجل في يده لحى جمل فضربه فصرعه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فراره حين مسته الحجارة فقال: فهلا تركتموه؟ " * قال أبو محمد: وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قاطعا يد السارق وانما تولى القطع غيره، ولا يختلف اثنان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل عقبة بن أبى معيط وانما تولى قتله(10/510)
غيره بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا جاء عن على رضى الله عنه كما روينا عن الشعبى أن عليا جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال: جلدتك بكتاب الله ورجمتك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال على: فإذ من أمر بالقتل وكان متولى القتل مطيعا للآمر منفذا لامره ولولا أمره اياه لم يقتله يسمى في اللغة والشريعة قاتلا وقاطعا صح أنهما جميعا قاتلان وقاطعان وجالدان فإذ ذلك كذلك فعليهما جميعا ما على القاتل والقاطع والجالد من القود وسواء في ذلك المكره والآمر والمنطاع وهذا برهان ضروري لامحيد عنه * قال أبو محمد: فسواء أمر عبده أو عبد غيره أو صبيا أو بالغا أو مجنونا إذا كان متولى القتل أو الجناية بالقطع أو الكسر أو الضرب أو أخذ المال انما فعل كل ذلك بامر الآمر ولولا أمره لم يفعله فالآمر والمباشر فاعلان لكل ذلك جميعا وأما إذا أمره ففعل ذلك باختياره طاعة للآمر فالمباشر وحده القاتل والقاطع والكاسر والفاقئ والجانى فعليه القود وحده ولا شئ على الآمر لانه لا خلاف في أنه لا يقع عليه ههنا
اسم قاتل ولا قاطع ولا جالد ولا كاسر ولا فاقى، وانما الاحكام للاسماء فقط، وأما الصبى والمجنون فلا شئ عليهما والآمر هو القاتل القاطع الجالد الكاسر الفاقى فالقود عليه وحده وأما من أمر عبدا له أو لغيره أو حرا وكانوا جهالا لا يذرون تحريم ما أمرهم به فالآمر وحده هو القاتل الجاني في كل ذلك وعليه القود ولا شئ على الجاهل قال الله تعالى: (لانذركم به ومن بلغ) * قال أبو محمد: ولا فرق بين أمره عبده وبين أمر غيره ولا فرق بين أمر السلطان بين أمر غير السلطان لان الله تعالى انما افترض طاعة السلطان وطاعات السادات فيما هو طاعة لله تعالى وحرم طاعة المخلوقين في معصية الخالق كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انما الطاعة في الطاعة فإذا امر أحدكم بمعصية فلا سمع ولا طاعة "، وقد أوردناه باسناده في غير ما موضع * قال على: ومن أمر آخر بقتل نفسه فقتل نفسه بأمره فان كان فعل ذلك في نفسه مطيعا الآمر ولولا ذلك لم يقتل نفسه فالآمر قاتل وعليه القود كما قلنا في قتل غيره ولا فرق فلو أمره فقال اقتلني فقتله مؤتمرا لامره فهو أيضا قاتل وعليه القود وبالله تعالى التوفيق * 2090 مسألة: هل على الممسك للقتل قود ام لا، وكذلك الواقف الناظر والربيئة والمصوب (1) والدال والمتبع والباغى؟ * قال على: اختلف الناس في هذا فقالت
__________
(1) في النسخة رقم 14 والمصرف(10/511)
طائفة: يؤدب الممسك فقط وقالت طائفة: يقتل القاتل ويسجن الممسك حتى يموت، وقالت طائفة: يقتل الممسك أيضا فالقائلون بحبسه حتى يموت كما روينا من طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا عيسى بن يونس عن الاوزاعي عن يحيى بن أبى كثير قال: ان على بن أبى طالب اتى برجلين قتل أحدهما وأمسك الآخر فقتل الذى قتل وقال للذى أمسك: أمسكت للموت فانا أحبسك في السجن حتى تموت، والقول الثاني
كما روينا عن الحكم بن عتيبة وحماد بن ابى سليمان عن الممسك والقاتل فقالا جميعا: يقتل القاتل، وعن ابن شهاب أنه كان يقول في الرهط يجتمعون على الرجل فيمسكونه فيفقا أحدهم عينيه أو يكسر رجليه أو يديه أو أسنانه أو نحو هذا منه أنه يقاد من الذى يباشر ذلك منه ويعاقب الآخرون الذين أمسكوه عقوبة موجعة فان استحب المصاب كانت الدية عليهم كلهم يغرمونها جميعا سواء، وقال أبو حنيفة.
والشافعي: يقتل القاتل ويعاب الممسك * وأما القول الثالث فكما روينا من طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا محمد بن بكر عن ابن جريج قال: سمعت سليمان بن موسى يقول: الاجتماع فينا على المقتول هو أن يمسك الرجل ويضربه الآخر فهما شريكان عندنا في دمه يقتلان جميعا، وعن ربيعة أنه قال في الرهط يجتمعون على الرجل فيمسكونه فيفقأ أحدهم عينيه أو يكسر رجليه أو يديه أو أسنانه أو نحو هذا منه أنه يقاد من الذى باشر ومن الذى أمسك يقاد منهما جميعا، وبه يقول مالك في القتل ان أمسكة وهو يدرى انه يريد قتله فقتله فالقود عليهما جميعا وبه يقول الليث بن سعد * قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعرف صواب ذلك من خطاه فوجدنا من قال بقتل الممسك يقول قد جاء عن عمر لو تمالا عليه أهل صنعاء لقتلتهم * قال أبو محمد: وهذا لاحجة لهم فيه لانه ليس فيه ذكر للممسك أصلا ونعم ونحن نقول: لو باشر قتله أهل صنعاء لوجب قتلهم، والثانى أنه لاحجة في يقول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثالث أنا قد ذكرنا من أقوال عمر التى خالفوه فيها عشرات كخطبته على المنبر في الضرس جملا وفى الضلع جملا وفى الترقوة جملا وحكمه في العين العوراء بثلث ديتها وفى السن السوداء بثلث ديتها وفى اليد الشلاء بثلث ديتها كل ذلك عنه بأصح اسناد وأوضح بيان، فمن عجائب الدنيا أن يكون ما قال عمر رضى الله عنه وخطب به وحكم به بحضرة الصحابة لايعرف له عنهم مخالف فيه لا يكون حجة ويكون ما لم يقل ولا دل عليه ولا
اشار إليه حجة، وقد خالفه في ذلك غيره من الصحابة رضى الله عنهم لم صح ذلك عنه فيكف(10/512)
وهو لا يصح، فان قالوا: ان الممسك معين قلنا: نعم وما جاءت قط سنة ولا قرآن ولا قياس ولا قول صاحب بان المعين يقتل فبطل هذا القول لتعريه من الحجج، ثم وجدناه يبطله البرهان، وذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على أن لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث رجل ترك دينه أو زنى بعد احصان أو قتل نفسا، والممسك لا يسمى في اللغة ولا في الشريعة قاتلا، ثم سألناهم عن الممسك للمرأة حتى يزنى بها غيره أعليه حد الزنا ويسمى زانيا أم لا؟ فلا خلاف منهم في انه ليس زانيا ولا يسمى زانيا ولا عليه حد زنا فصح أنه لا يسمى الممسك باسم الفاعل على ما امسك له، فان ذكروا قول الوليد بن عقبة: فان لم تكونوا قاتليه فانه * سواء علينا ممسكوه وضاربه قيل لهم هذا قول جائر متعد مخبر عن نيته فقط لاعن اللغة ولا عن الديانة، وبرهان هذا قوله في هذا الشعر بعد هذا البيت: بنى هاشم ردوا سلاح ابن اختكم * ولا تنهبوه لا تحل مناهبه بنى هاشم كيف الهوادة بيننا * وعند على درعه ونجائبه فان لم تكونوا قاتليه فانه * سواء علينا قاتلوه وسالبه هم قتلوه كى يكونوا مكانه * كما غدرت يوما بكسرى مرازبه قال أبو محمد: حاش لله ومعاذ الله.
وأبى الله ان يكون عند على سلب عثمان ودرعه ونجائبه كما قال الوليد الكاذب، ومعاذ الله ان يكون على قتل عثمان لان يكون مكانه أو لشئ في الدنيا، وعلى اتقى لله من ان يقتل عثمان وعثمان اتقى لله من أن يقتله على، ثم لو احتججنا بهذا البيت لكان حجة لنا عليهم لان فيه: فان لم تكونوا قاتليه فانه * سواء علينا ممسكوه وضاربه
فقد اخبر أن الممسكين ليسوا قاتلين فهذا حجة عليهم وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: ثم نظرنا في غيره فوجدنا الممسك ليس قاتلا لكنه حبس انسانا حتى مات، وقد قال الله تعالى: (والحرمات قصاص) فكان الممسك للقتل سببا ومتعديا فعليه مثل ما فعل فواجب ان يفعل به مثل ما فعل فيمسك محبوسا حتى يموت وبهذا نقول وهو قول على بن أبى طالب ولا يعرف له مخالف من الصحابة رضى الله عنهم، وقد روى في ذلك أثر مرسل كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله ابن نصر نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع قال نا سفيان عن اسماعيل ابن أمية قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل يمسكه رجل وقتله آخر بأن يقتل القاتل (م 65 - ج 10 المحلى)(10/513)
ويحبس الممسك " * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني اسماعيل بن أمية خبرا أثبته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يحبس الصابر للموت كما حبس ويقتل القاتل " قال أبو محمد: تفريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حكم الحابس وبين حكم القاتل بيان جلى، وعهدنا بالحنيفيين والمالكيين يقولون إن المرسل والمسند سواء، وهذا مرسل من أحسن المراسيل وقد خالفوه ويشنعون على من خالف قول الصاحب إذا وافق أهواءهم وبالله تعالى التوفيق * 2091 مسألة هل في قتل العمد كفارة أم لا؟ قال على: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: على قاتل العمد كفارة كما هي على قاتل الخطأ وهو وقول الحكم بن عتيبة.
والشافعي، وقال مالك.
والليث: يعتق رقبة أو يصوم شهرين ويتقرب إلى الله تعالى بما أمكنه من الخير، وقال أبو حنيفة وأبو سليمان وأصحابنا: لا كفارة في ذلك ولكن يستغفر الله تعالى ويتوب إليه ويكثر من فعل الخير * قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الحق من ذلك
فنظرنا في قول مالك والليث فوجدناهما لا يخلو ان من أن يكونا رأيا ذلك واجبا أم لا فان كانا لم يرياه واجبا فاى معنى لتخصيصهما عتق رقبة أو صوم شهرين دون سائر وجوه البر من الجهاد وذكر الله تعالى والصدقة وإن كانا رأياه واجبا فقد خيراه بين العتق والصوم وليست هذه صفة الكفارة التى أمر الله تعالى بها في قتل الخطأ لان تلك مرتبة وهم قد خيروه فسقط هذا القول وبالله تعالى التوفيق، ثم نظرنا فيمن أوجب الكفارة في ذلك فوجدناهم يحتجون بما ثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى نا أبى نا ابن المبارك نا ابراهيم بن علية (1) عن الغريف بن عياش عن واثلة بن الاسقع قال: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم نفر من بنى سليم فقالوا: ان صاحبا لنا قد أوجب قال: فليعتق رقبة يفك الله بكل عضو منها عضوا منه من النار " قال أحمد بن شعيب وأرنا الربيع ابن سليمان المؤذن صاحب الشافعي نا عبد الله بن يوسف نا عبد الله بن سالم حدثنى ابراهيم بن أبى عليه قال: كنت جالسا باريحاء فمر بى واثلة بن الاسقع متوكئا على عبد الله بن الديلمى فاجلسه ثم جاء إلى فقال: عجبت مما حدثنى الشيخ - يعنى واثلة بن الاسقع - قلت ما حدثك؟ قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فاتاه نفر من بنى سليم فقالوا: ان صاحبا لنا (2) قد أوجب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه
__________
(1) في النسخة رقم 14 ابراهيم بن أبى علية (2) في النسخة رقم 14 ان صاحبنا(10/514)
من النار * وبما حدثنا (1) أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكى نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت الرقى نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا الحسن بن مهدى نا عبد الرزاق أنا إسرائيل عن النعمان عن عمر بن الخطاب قال: جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله انى وأدت بنات لى في الجاهلية فقال: أعتق عن كل واحدة منهن رقبة قال: يارسول الله انى صاحب إبل قال: فانحر عن كل واحدة منهن بدنة، وقالوا: لما أوجب الله تعالى على قاتل الخطأ - ولا ذنب له - كفارة في ذلك كان العامد المذنب
أحق بالكفارة * قال أبو محمد: أما حديث واثلة فلا يصح لان الغريف مجهول، وقد ظن وقوم أنه عبد الله بن فيروز الديلمى وهذا خطأ لان ابن المبارك نسب الغريف عن ابن علية فقال ابن عياش ولم يكن في بنى عبد الله بن فيروز احد يسمى عياشا وابن المبارك أوثق وأضبط من عبد الله بن سالم، ثم لو صح هذا الخبر لما كانت لهم فيه حجة لانه ليس فيه أنه كان قتل عمدا فإذ ليس فيه ذلك فلا شبهة لهم في هذا الحديث أصلا.
وانما فيه أن صاحبا لنا قد أوجب ولا يعرف في اللغة أن أوجب بمعنى قتل عمدا، فصار هذا التأويل كذبا مجردا ودعوى على اللغة لا تعرف، وقد يكون معنى أوجب أي أوجب لنفسه النار بكثرة معاصيه، ويكون معنى قد أوجب أي قد حضرت منيته فقد يقال هذا أوجب فلان بمعنى مات فبطل قولهم، وقد قال قوم ان سكوت النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر عن ذكر الرقبة أن تكون مؤمنة وعن تعويض الشهرين دليل على بطلان قول من أوجب الكفارة في قتل العمد * قال أبو محمد: وأما خبر عمر بن الخطاب فلا يصح لان في طريقه اسرائيل وهو ليس بالقوى وسماك بن حرب وكان يقبل التلقين، وأيضا فكان يكون في ايجاب ذلك على كل من قتل نفسا في الجاهلية وهو كافر حربى كما كان قيس بن عاصم المأمور بهذه الكفارة في هذا الحديث وهم لا يقولون بهذا أصلا فبطل تعلقهم بهذا الخبر، وأما الشافعي فانه وان كان اطرد منهم للخطأ في قولهم فقد أخطأ معهم فيه أيضا لان من أصلهم أن لا يقاس الشئ الا على نظيره وما يشبه لا على ضده ومالا يشبه فأخطأ ههنا في قياس العمد على الخطأ وهو ضده وأخطأ وا أيضا كلهم معه في قياسهم المخطئ في الصيد يقتله محرما على المحرم يقتله عامدا فقاسوا أيضا هنالك الخطأ على العمد وهو ضده، وأخطأ وا أيضا معه كلهم في قياسهم ترك الصلاة عمدا على تركها نسيانا وقد
__________
(1) في النسخة رقم 14 بما ناه(10/515)
شاركهما الشافعي أيضا في خطأ آخر في هذا الباب وهو قولهم كلهم: أن لا يقاس متعمد التسليم من الصلاة قبل اتمامها في ايجاب السجدتين عليه على المسلم من الصلاة قبل اتمامها نسيانا فهذه صفة القياس وصفة أقوالهم في قياساتهم كلها يهدم بعضها بعضا وينقض بعضها بعضا * قال أبو محمد: فإذ لاحجة في ايجاب الكفارة على قاتل العمد لامن قرآن ولا من سنة فان الله تعالى يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وقال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فصح أن الدين كل قد كمل وبينه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبيقين ندرى أنه لو كان في قتل العمد كفارة محدودة لبينها الله تعالى كما بين لنا الكفارة في قتل الخطأ، وكما بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجود القود أو الدية أو المفاداة في ذلك فإذ لم يخبرنا الله تعالى بشئ من ذلك ولا أوجبه هو ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فنحن نشهد بشهادة الله تعالى أنه ما أراد قط كفارة محدودة في ذلك ولكن الله تعالى يقول: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) إلى قوله تعالى (وكفى بنا حاسبين) وقال تعالى: (ان الحسنات يذهبن السئات) فمن ابتلى بقتل مسلم عمدا فقد ابتلى بأكبر الكبائر بعد الشرك وترك الصلاة ففرض عليه أن يسعى في خلاص نفسه من النار فليكثر من فعل الخير العتق والصدقة والجهاد والحج والصوم والصلاة وذكر الله تعالى فلعله يأتي من ذلك بمقدار يوازى اساءته في القتل فيسقط عنه ونسأل الله العافية * 2092 - مسألة - جارية أذهبت عذرة أخرى أو رجل فعل ذلك بجماع أو غيره * قال أبو محمد: نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا احمد بن خالد نا على بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا جعفر بن أبى وحشية
عن الشعبى ان جواري من أهل حمص كن يتزاورن ويتهادين فارن وأشرن فلعبن الاخرقة فركبت واحدة على الاخرى ونخستها الثالثة فوقعت فذهبت عذرتها فسأل عبد الملك بن مروان قبيصة بن ذؤيب.
وفضالة بن عبيد عن ذلك؟ فقالا جميعا: الدية ثلاثة أثلاث وتبقى حصتها لانها أعانت على نفسها فكتب إلى العراق فسأل عبد لله ابن معقل بن مقرن عن ذلك فقال برين من نطفها إلا من نخستها * وقال الشعبى مثل قول عبد الله، وقال الشعبى: لها العقر * وبه إلى حماد بن داود عن عبد الله بن قيس أن ثلاث جوار قالت احداهن: أنا الزوج وقالت الاخرى: أنا الزوجة وقالت الاخرى: أنا(10/516)
الاب فنخست التى قالت: أنا الزوج التى قالت أنا الزوجة فذهبت عذرتها فقضى عبد الملك بن مروان بالدية عليهن، وقال الشعبى: لها العقر * وبه إلى حماد نا حميد عن بكربن عبد الله أن جاريتين دخلتا الحمام فدفعت احداهما الاخرى فذهبت عذرتها فقال شريح: لها عقرها، وبه إلى حماد أنا داود بن أبى هند عن عمرو بن شعيب أن رجلا استكره جارية فافتضها فقال عمر بن الخطاب هي جائفة فقضى لها عمر بثلث الدية * قال أبو محمد: هاتان مسألتان في احداهما قول فضالة بن عبيد وهو صاحب من قضاة الصحابة رضى الله عنهم لايعرف له في ذلك مخالف منهم، والاخرى فيها قول عمر بن الخطاب ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة أيضا، وجميع الحاضرين المخالفين من المالكيين والحنيفيين والشافعيين مخالفون لهما في ذلك وهم يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم ولا يبالون به إذا خالف تقليدهم * قال على: أما المرأة تذهب عذرة المرأة بنخسة أو نحو ذلك فانه عدوان يقتص منها بمثل ذلك ان كانت بكرا فان كان ثيبا فقد عدمت ما يقتص منها فيه فليس الا الادب * برهان ذلك قول الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع "
فصح وجوب القود فيما قدر عليه وصح الادب باليد انكارا وتغييرا للمنكر فيما عجز عن القود فيه وبالله تعالى التوفيق، ولا غرامة في ذلك أصلا لان الاموال محظورة فلا تحل غرامة (1) بغير نص ولا اجماع، وكذلك لامدخل للعقر ههنا لان العقر هو المهر والمهر انما هو في النكاح لافيما عداه، وبالله لقد علم الله تعالى أن هذه المسألة ستقع وتكون ونحن نقسم بالله لو أراد الله تعالى أن تكون في ذلك غرامة لبينها ولما أغفلها فإذ لم يفعل تعالى ذلك فما اراد أن يجعل فيها غرما أصلا ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالله تعالى التوفيق * 2093 مسالة التنافس * قال على نا حمام نا عبد الله بن محمد بن على الباجى نا عبد الله بن يونس نا بقى بن مخلد نا أبو بكر بن أبى شيبة ناوكيع نا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال: أقبل رجل بجارية من القادسية فمر على رجل واقف على دابة فنخس الرجل الدابة فرفعت الدابة رجلها فلم تخطئ عين الجارية فرفع إلى سلمان بن ربيعة الباهلى فضمن الراكب فبلغ ذلك ابن مسعود فقال على الرجل إنما يضمن الناخس، وعن شريح يضمنها الناخس، وعن الشعبى مثل ذلك *
__________
(1) في النسخة رقم 14 فلا يجب ايجاب غرامة(10/517)
قال أبو محمد: فهذه مسألة اختلفوا فيها كما ترى سلمان بن ربيعة ضمن الراكب وابن مسعود ضمن الناخس * قال على: الناخس هو المباشر لتحريك الدابة فهو ضامن ما أصابت ففى المال الضمان وأما في الرجل فان كان قصدا إلى تحريكها لتضرب انسانا بعينه أو بعض جماعة علم بها الناخس فهو قاتل عمد وجان عليه القود في ذلك كله وعليه في النفس الدية أو المفاداة وان كان لا يدرى أن هنالك أحدا فهو قاتل خطأ والدية على العاقلة وعليه الكفارة وبالله تعالى التوفيق * 2094 مسألة فيمن قتل انسانا يجود بنفسه للموت * قال على: روينا من طريق
أبى بكر بن أبى شيبة نا يحيى بن أزهر نا زهير عن جابر عن الشعبى في رجل قتل رجلا قد ذهيت الروح من نصف جسده قال يضمنه * قال على: لا يختلف اثنان من الامة كلها في أن من قربت نفسه من الزهوق بعلة أو بجراحة أو بجناية بعمد أو خطأ فمات له ميت فانه يرثه وان كان عبدا فاعتق فانه يرثه ورثته من الاحرار وانه ان قدر على الكلام فاسلم وكان كافرا وهو يميز بعد فانه مسلم يرث أهله من المسلمين وانه ان عاين وشخص ولو يكن بينه وبين الموت الانفس واحد فمات من أوصى له بوصية فانه قد استحق الوصية ويرثها عنه ورثته فصح أنه حى بعد بلاشك إذ لا يختلف إثنان من أهل الشريعة وغيرهم في أنه ليس إلا حى أو ميت ولا سبيل إلى قسم ثالث فإذ هو كذلك وكنا على يقين من أن الله تعالى قد حرم اعجال موته وغمه ومنعه النفس فبيقين وضرورة ندرى ان قاتله قاتل نفس بلا شك فمن قتله في تلك الحال عمدا فهو قاتل نفس عمدا ومن قتله خطأ فهو قاتل خطأ وعلى العامد القود أو الدية أو المفاداة وعلى المخطئ الكفارة والدية على عاقلته وكذلك في أعضائه القود في العمد وبالله تعالى التوفيق * 2095 مسألة هل للولى عفو في قتل الغيلة أو الحرابة؟ قال على: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: لاعفو في ذلك للولى حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب نا ابن أبى الزناد عن أبيه انه قال في قتل الغيلة إذا بلغ الامام فليس لولى المقتول أن يعفو وليس للامام أن يعفو وانما هو حد من حدود الله تعالى * قال على: وبهذا يقول مالك، ورأى ذلك أيضا في قاتل الحرابه حتى انه رأى في ذلك أن يقتل المؤمن بالكافر، وقال آخرون: بل لوليه ما لولى غيره من القتل أو العفو أو الدية كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سماك بن الفضل أن عروة كتب(10/518)
إلى عمر بن عبد العزيز في رجل خنق صبيا على أوضاح له حتى قتله فوجدوه و الحبل
إلى يده فاعترف بذلك فكتب ان ادفعوه إلى أولياء الصبى فان شاءوا قتلوه، وبهذا يقول أبو حنيفة.
والشافعي.
وأبو سليمان.
وأصحابهم * قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الصواب إلى ذلك من الخطأ فوجدنا القائلين في ذلك بأنه ليس للولى عفو في ذلك يحتجون بما روينا من طريق مسلم نا عبد بن حميد نا عبد الرزاق انا معمر عن ايوب السختيانى عن أبى قلابة عن أنس ان رجلا من اليهود قتل جارية من الانصار على حلى لها ثم لقاها في القليب ورضخ رأسها بالحجارة فاخذ واتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقر فامر به ان يرجم فرجم حتى مات * ومن طريق مسلم نا هداب بن خالد نا همام نا قتادة عن أنس بن مالك ان جارية وجدت قد رض رأسها بين حجرين فسألوها من صنع هذا بك فلان فلان حتى ذكروا يهوديا فاومأت برأسها فاخذ اليهودي فاقر فامر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يرضوا رأسه بالحجارة * ومن طريق مسلم في حديث العرنيين فذكر الحديث وفيه " فقطعت أيديهم ارجلهم وسمل اعينهم ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا " * وذكروا ما حدثناه أحمد بن عمر نا الحسين بن يعقوب نا سعيد ابن فلحون نا يوسف بن يحيى المعافرى نا عبد الملك بن حبيب عن مطرف عن ابن أبى ذئب عن مسلم بن حبب الهذلى ان عبد الله بن عامر كتب إلى عثمان بن عفان ان رجلا من المسلمين عدا على دهقان فقتله على ماله فكتب إليه عثمان ان اقتله به فان هذا قتل غيلة على الحرابة * وبه إلى عبد الملك بن حبيب عن مطرف عن خاله الحارث ابن عبد الرحمن ان رجلا مسلما في زمان ابان بن عثمان بن عفان قتل نبطيا بذى حميت على مال معه فرايت ابان بن عثمان امر بالمسلم فقتل بالنبطى لقتله اياه غيلة فرأيته حتى ضربت عنقه * وعن عبد الملك بن حبيب عن مطرف عن ابن ابى الزناد عن ابيه انه شهد ابان بن عثمان إذ قتل مسلما بنصراني قتله قتل غيلة * قال على: فقالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل اليهودي ولم يجعل ذلك خيارا
لاولياء المقتول (1) وكذلك قتل العرنيين الذين قتلوا الرعاء قتل حرابة وغيلة ولم يذكروا أنه عليه الصلاة والسلام جعل في ذلك خيارا لاولياء الراعاء قالوا: وهذا عثمان رضى الله تعالى عنه قد قتل المسلم بالكافر إذ قتله غيلة ولم يجعل في ذلك خيارا لوليه ولا يعرف له في ذلك مخالف *
__________
(1) في النسخة رقم 14 لاولياء الجارية(10/519)
قال أبو محمد: ما نعلم لهم شيئا يشغبون به (1) الا هذا وكله لاحجة لهم في شئ منه أما حديث اليهودي الذى رضخ رأس الجارية على أوضاحها فليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشاور وليها ولا انه شاوره ولا أنه قال اختار لولى المقتول في الغيلة أو الحرابة فإذ لم يقل ذلك عليه الصلاة والسلام فلا يحل لمسلم أن ينسب ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكذب عليه ويقول عليه ما لم يقل فكيف وهذا الخبر حجة عليهم فانهم لا يختلفون (2) في ان قاتل الغيلة أو الحرابة لا يجوز البتة أن يقتل رضخا في الرأس بالحجارة ولا رجما وهذا مالا يقوله احد من الناس فصح يقينا إذ قتله رسول الله صلى الله عليه واله وسلم رضخا بالحجارة انه انما قتله قودا بالحجارة واذ قتله قودا بها فحكم قتل القود أن يكون بالخيار في ذلك أو العفو للولى وإذ ذلك كذلك بلا شك فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من قتل له قتيل فاهله بين خيرتين " إلى آخره، فنحن على يقين من أن فرضا على كل أحد أن يضم هذا الحكم إلى هذا الخبر وليس سكوت الرواة عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وليها بمسقط ما أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتل من تخيير وليه بل بلاشك في أنه عليه الصلاة والسلام لم يخالف ما أمر به، ولا يخلو هذا مما ذكرنا من قبول الزيادة المروية في سائر النصوص أصلا، ولو كان هذا الفعل تخصيصا أو نسخا لبينه عليه السلام فبطل تعلقهم، وبالله تعالى التوفيق * وأما حديث العرنيين فلا حجة لهم فيه أيضا لما ذكرنا في هذا الخبر سواء سواء من أنه ليس فيه أنه عليه الصلاة والسلام لم يشاور أولياء الرعاء إن كان
لهم أولياء ولا انه قال: لاخيار في هذا لولى المقتول فإذ ليس فيه شئ من هذا فلا حجة لهم ولا لنا بهذا الخبر في هذه المسألة خاصة فوجب علينا طلب حكمها بموضع آخر، ثم ان هذا الخبر حجة عليهم لما روينا من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى التميمي نا هشيم عن عبد العزيز بن صهيب وحميد عن أنس أن ناسا من عرينة قدموا وذكر الحديث وفيه أنهم قتلوا الرعاء وارتدوا عن الاسلام وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فبعث في آثارهم فاتى بهم فقطع ايديهم وارجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا * قال أبو محمد: فهؤلاء ارتدوا عن الاسلام والمالكيون هم على خلاف هذا الحكم من وجوه ثلاثة، أحدها انه لا يقتل المرتد عندهم ولا عندنا هذه القتلة اصلا، والثانى أنه لايقتص عندهم من المرتد وانما هو عندهم القتل أو الترك ان تاب، والثالث انهم يقولون باستتابة المرتد وليس في هذا الحديث ذكر استتابته
__________
(1) في النسخة رقم 14 يشنعون به (2) في النسخة رقم 14 لانهم لم يختلفوا(10/520)
البتة فعاد حجة عليهم ومخالفا لقولهم في هذه المسألة وغيرها * قال على: وأما الرواية عن عثمان فضعيفة جدا لانها عن عبد الملك بن حبيب وهو ساقط الرواية جدا ثم عن مسلم بن جندب ولم يدرك عثمان وأيضا فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فكم قصة خالفوا فيها عثمان رضى الله عنه باصح من هذا السند؟ كقضائه في ثلث الدية فيمن ضرب آخر حتى سلح ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة رضى الله عنهم، ومن المحال أن يكون ما لم يصح عنه حجة في إباحة الدماء ولايكون ما صح عنه حجة في غير ذلك * قال أبو محمد: فإذ قد بطل تعلقهم بالخبرين بما ذكر نا وبانه قد يكون للانصارية ولى صغير لاخيار له فاختار النبي صلى الله عليه وسلم القود هذا لو صح انه عليه الصلاة والسلام
لم يخير الولى فيكف وهو لا يصح أبدا، وكذلك الرعاء قد يمكن أن يكونوا غرباء لاولى لهم فالواجب الرجوع إلى قوله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية فوجدنا الله تعالى يقول: (كتب عليكم القصاص في القتلى) إلى قوله تعالى: (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) فعم تعالى كل قتل كما ذكر تعالى وجعل العفو ذلك للولى، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: " ومن قتل له قتيل بعد مقالتي هذه فاهله بين خيرتين " فذكر الدية أو القود أو المفاداة والدية لا تكون الا بالعفو عن القود بلا شك فعم عليه الصلاة والسلام ولم يخص ونحن نشهد بشهادة الله تعالى أن الله تعالى لو أراد أن يخص من ذلك قتل غيلة أو حرابة لما أغفله ولا أهمله ولبينه صلى الله عليه وسلم، ووجدنا الله تعالى قد حد الحربة أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض فلا تخلو هذه الآية من أن تكون على الترتيب أو التخيير فان كانت على الترتيب فالمالكيون لا يقولون بهذا وان كانت على التخيير - وهو قولهم - فليس في الآية ما يدعونه من أن قاتل الحرابة والغيلة لاخيار فيه لولى القتيل فخرج قولهم عن أن يكون له متعلق أو سبب يصح فبطل ما قالوه وبالله تعالى التوفيق * 2096 مسألة خلع الجاني * قال أبو محمد: نا عبد الرحمن بن عبد الله ابن خالد الهمداني نا ابراهيم بن أحمد ناالفربرى نا البخاري نا قتيبة بن سعيد نا أبو بشر اسماعيل بن ابراهيم الاسدي نا الحجاج بن أبى عثمان حدثنى أبو رجاء من آل أبى قلابة نا أبو قلابة أن عمر بن عبد العزيز جمع الناس وفيهم أبو قلابة فذكر حديثا وفيه (م 66 - ج 10 المحلى)(10/521)
أن أبا قلابة قال لعمر بن عبد العزيز وقد كانت هذيل خلعت خليعا لهم في الجاهلية فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء فانتبه له رجل منهم فحذفه بالسيف فقتله فجاءت هذيل
فاخذوا اليماني فرفعوه إلى عمر بن الخطاب بالموسم وقالوا: قتل صاحبنا فقال: انهم قد خلعوه فقال عمر: يقسم خمسون من هذيل ما خلعوه فاقسم تسعة وأربعون من هذيل وقدم رجل منهم من الشام فسألوه أن يقسم فافتدى يمينه منهم بالف درهم فادخلوا مكانه رجلا آخر فدفعه عمر إلى اخى المقتول فقرنت يده بيده قال: فانطلقا والخمسون الذين أقسموا حتى إذا كانوا بنخله أخذتهم السماء فدخلوا في غار في جبل فانهدم الغار على الخمسين الذين أقسموا فماتوا جميعا وأفلت القرينان فاتبعها حجر فكسر رجل أخى المقتول فعاش حولا ثم مات * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن أبى قلابة قال: خلع قوم من هذيل سارقا لهم كان يسرق الحجيج فقالوا قد خلعناه فمن وجده بسرقة فدمه هدر فوجدته رفقة من اهل اليمن يسرقهم فقتلوه فجاء قومه عمر بن الخطاب فحلفوا بالله ما خلعناه ولقد كذب الناس علينا فحلفهم عمر خمسين يمينا ثم أخذ عمر بيد رجل من الرفقة فقال: اقرنوا هذا إلى أحدكم حتى يودى دية صاحبكم ففعلوا فانطلقوا حتى إذا دنوا من أرضهم أصابهم مطر [ شديد ] واستتروا بجبل طويل [ وقد امسوا ] فلما نزلوا كلهم انقض عليهم الجبل فلم ينج منهم احد ولا من ركابهم الا الشريد وصاحبه فكان يحدث بما لقى قومه * قال أبو محمد: وعندنا بالمالكيين والحنيفيين يعظمون خلاف الصاحب الذى لايعرف له مخالف إذا وافق أهواءهم ويقولون ان المرسل كالمسند، وهذا من أحسن المراسيل إلى عمر بن الخطاب بحضرة الصحابة رضى الله عنهم لا مخالف له منهم ولانكير من أحدهم فيلزمهم على أصولهم أن يجيزوا خلع عشيرة الرجل له فلا يكون لهم طلب بدمه ان قتل وهذا ما لا يقولونه أصلا فقد هان عليهم خلاف هذا الاصل، وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذ لم يأت عنه اجازة خلع فالخلع باطل لا معنى له فكل جان بعمد فليس على عشيرته من جنايته تبعة، وكل جان بخطأ فكذلك الا ما أوجبه نص أو اجماع وبالله تعالى التوفيق *
2097 - مسألة - من استسقى قوما فلم يسقوه حتى مات * قال على: روينا من طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا حفص بن غياث عن الاشعث عن الحسن ان رجلا استسقى على باب قوم فابوا ان يسقوه فادركه العطش فمات فضمنهم عمر بن الخطاب ديته *(10/522)
قال أبو محمد: القول في هذا عندنا وبالله تعالى التوفيق هو ان الذين لم يسقوه ان كانوا يعلمون انه لاماء له البتة الا عندهم ولا يمكنه ادراكه أصلا حتى يموت فهم قتلوه عمدا (1) وعليهم القود بان يمنعوا الماء حتى يموتوا كثروا أو قلوا ولا يدخل في ذلك من لم يعلم بامره ولا من لم يمكنه أن يسقيه، فان كانوا لا يعلمون ذلك ويقدرون أنه سيدرك الماء فهم قتلة خطأ وعليهم الكفارة وعلى عواقلهم الدية ولابد * برهان ذلك قول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وقال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وقال تعالى: (والحرمات قصاص)، وبيقين يدرى كل مسلم في العالم أن من استقاه مسلم وهو قادر على أن يسقيه فتعمد أن لا يسقيه إلى أن مات عطشا فانه قد اعتدى عليه بلا خلاف من أحد من الامة وإذا اعتدى فواجب بنص القرآن أن يعتدى على المعتدى بمثل ما اعتدى به فصح قولنا بيقين لااشكال فيه وأما إذا لم يعلم لذلك فقد قتله إذ منعه مالا حياة له الا به فهو قاتل خطأ فعليه ما على قاتل الخطأ * قال أبو محمد: وهكذا القول في الجائع والعارى ولا فرق وكل ذلك عدوان وليس هذا كمن اتبعه سبع فلم يؤوه حتى أكله السبع لان السبع هو القاتل له ولم يمت في جنايتهم ولا مما تولد من جنايتهم ولكن لو تركوه فاخذوه السبع وهم قادرون على انقاذه فهم قتلة عمد، إذ لم يمت في شئ الا من فعلهم وهذا كمن أدخلوه في بيت ومنعوه حتى مات ولا فرق، وهذا كله وجه واحد وبالله تعالى التوفيق *
2098 مسألة دية الكلب * قال أبو محمد: نا أحمد بن عمر نا أبو ذر الهروي نا أحمد بن عبدان الحافظ النيسابوري في داره بالاهواز انا محمد بن سهل المقرى نا محمد ابن اسماعيل البخاري نا ابو نعيم - هو افضل بن دكين - قال لى قتيبة نا هشيم عن يعلى ابن عطاء عن اسماعيل - هو ابن جساس - انه سمع عبد الله بن عمرو قضى في كلب الصيد أربعين درهما * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يعلى بن عطاء عن اسماعيل بن جساس قال كنت عند عبد الله بن عمرو فسأله رجل ما عقل كلب الصيد قال: أربعون درهما قال: فما عقل كلب الغنم قال: شاة من الغنم قال: فما عقل كلب الزرع؟ قال: فرق من الزرع قال فما عقل كلب الدار؟ قال فرق من تراب حق على القاتل ان يؤديه وحق على صاحبه أن يقبله وهو ينقص من الاجر وفى الكلب الذى ينبح ولا يمنع زرعا ولا دارا ان طلبه صاحبه ففرق من تراب والله انا لنجد هذا في كتاب الله تعالى *
__________
(1) في النسخة رقم 14 قتلة عمد(10/523)
قال أبو محمد: فهذا حكم صاحب لايعرف له من الصحابة مخالف رضى الله عنه الا في الصائد خاصة لافيما سواه كما روينا عن عقبة بن عامر قال: قتل رجل في خلافة عثمان كلبا لصيد لايعرف مثله في الكلاب فقوم بثمانمائة درهم فالزمه عثمان تلك القيمة * قال أبو محمد: وبقى كلب الغنم.
وكلب الزرع وكلب الدار لا نعرف مخالفا في شئ منه (1) لعبد الله بن عمرو بن العاص وهم يعظمون خلاف الصاحب الذى لايعرف له مخالف من الصحابة ولاسيما مثل هذا وهم قد خالفوا ههنا عبد الله بن عمرو كما ترى بلا مؤونة، وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في الكلب إلا كلب مثله قال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) إلا أن يكون اسود ذانقطتين فلا شئ فيه أصلا، وقد أحسن من قتله وكذلك ان كان كلبا لا يغنى زرعا ولا ضرعا ولا صيدا فلا شئ فيه أصلا لان هذين ينهى عن اتخاذهما جملة، وبالله
تعالى التوفيق * 2099 - مسألة - اقالة ذى الهيئة عثرته * قال على: نا يوسف بن عبد الله النمري نا يوسف بن أحمد نا العقيلى نا الحسن بن على نا سعيد بن أبى مريم نا العطاف في عبد الرحمن بن محمد بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم " * نا أحمد بن عمر بن أنس نا أحمد ابن على الكسائي النحوي نا أحمد بن ابراهيم بن محمد السرى نا اسماعيل بن محمد بن قيراط نا سليمان بن عبد الرحمن نا عثمان نا عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبى بكر بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم " * قال على عن العقيلى: لا يصح في هذا شئ، والعطاف ضعيف وعبد الرحمن بن محمد مجهول ضعيف، وكذلك الاسناد الآخر أيضا ضعيف * قال على: وليس فيه اسقاط حد ولا قصاص، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمنون تتكافؤ دماؤهم " وقال الله تعالى: (انما المؤمنون اخوة) فإذا كانوا اخوة فهم نظراء في الحكم كله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انما هم كذلك بنو اسرائيل كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذى نفسي بيده لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها أو كما قال عليه الصلاة والسلام " مما قد ذكرناه باسناده فيما خلا وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في النسخة رقم 14 لا مخالف له يعرف في شئ منه(10/524)
قال أبو محمد: فلو صح هذا وهو لا يصح لكان ذلك محمولا على ظاهره في العثرة تكون مما لا يوجب حدا ولا حكما في قود أو قصاص وبالله تعالى التوفيق * 2100 - مسألة - قوم أقر كل واحد منهم بقتل قتيل وبرأ أصحابه * قال على:
روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في رجل اتهم بقتله رجلان اخوان فخاف أبوهما أن يقتلا فقال أبوهما: أنا قتلته فقال كل واحد من الآخوين أنا قتلته وبرأ بعضهم بعضا فقال الزهري في ذلك إلى أولياء المقتول فيحلفون قسامة الدم على أحدهم * قال أبو محمد: لسنا نقول هذا بل نقول: ان أولياء المقتول ان صدقوهم كلهم فلهم القود من جميعهم أو ممن شاءوا ولهم الدية على ما قدمنا أو المفاداة فان كذبوا بعضهم وصدقوا بعضهم فلهم على من صدقوه القود أو الدية أو المفاداة وقد برئ من كذبوه * برهان ذلك أنهم إذا صدقوهم كلهم فقد صح لهم حق القود أو الدية باقرار كل واحد منهم وكل حق وجب فلا يسقط الا بنص أو اجماع ومن أقر بحق فلا يجوز تحليف المقر له بالحق إذ انما يحلف المدعى عليه إذا أنكر لا المدعى فلا يجوز ههنا تحليف من صدقت دعواه وأما إذا كذبوا منهم بعضا فقد برؤوا من اكذبوه وسقط حكم الاقرار إذا لم يصدقه المقر له كسائر الحقوق ولا فرق، وكذلك لو كذبوهم كلهم فقد برى المقرون وبطل اقرارهم إذ قد أسقط المقر لهم حقهم في ذلك وبالله تعالى التوفيق * قال على: وقول المقر: انا وحدي قتلت فلانا ولم يقتله هذا معنى والآخر منكر لتبرئته اياه ومقر بقتل ذلك المقتول فواجب ان يلزم كل واحد منهما ما اقر به على نفسه لانه اقرار تام وتكون تبرئته لمن ابرأ باطلا لانه ليس عدلا فتقبل شهادته وحتى لو كان عدلا لما جاز ههنا قبول شهادته لان الشهادة إنما تقبل في الايجاب لافى النفى ولا يختلف إثنان في أن رجلا لو ادعى على زيد مالا أو حقا فشهد له عدول بأنه لا شئ له عنده لكانت شهادته فاسدة لا تقبل ولا تبرئ المشهود له بها الا بأن يزيدوا في شهادتهم ايجابا مثل أن يقولوا وذلك اننا ندرى انه أبرأه من الحق أو قد أداه إليه أو نحو هذا وبالله تعالى التوفيق *
2101 - مسألة - الخشبة تخرج من الحائط والقصار ينضح والقصاب كذلك واخراج شئ في طريق المسلمين والرحا والخفان والنعلان في المسجد والقاعد فيه والقنديل وظلال السوق ومن رش أمام بابه * *(10/525)
قال أبو محمد: روينا عن ابراهيم النخعي إذا أخرج الرجل الصلاية أو الخشبة في حائطة ضمن وعن وكيع نا سفيان عن عطاء بن السائب عن شريح أنه كان يضمن بورى السوق وعموده، وعن وكيع نا سفيان عن جابر عن عامر قال: إذا نضج القصار أو القصاب ضمن وعن الحسن ابى مسافر قال ان كنيفا وقع على صبى فقتله أو جرحه قال شريح: لو أتيت به لضمنته، وعن محمد النفيلى أن رجلا أخرج صلاية في حائطه فمزقت مزادة من ادم فضمنه شريح * ومن طريق الحجاج بن ارطاة عن الحكم بن عتيبة عن على بن أبى طالب قال: من أخرج رحا من ركن داره فعقرت رجلا ضمن * وعن الحجاج بن ارطاة عن قتادة عن شريح مثله * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن مجاهد عن أبيه قال قال على: من حفر بئرا أو فرض غورا ضمن، وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عطاء بن السائب قال: ضمن شريح البادى وظلال أهل السوق إذا لم يكن في ملكهم، وضمن أهل العمود، وعن الحكم بن عتيبة عن حماد بن أبى سليمان عن رجل توضأ وصب ماء في الطريق قال حماد: يضمن وقال الحكم لا يضمن، وعن شعبة عن الحكم وحماد في الرجل السوقى ينضح بين يدى بابه ماء فيمر به انسان فيزلق قال حماد: يضمن وقال الحكم: لا يضمن * قال أبو محمد: فهاذا عن على وشريح والنخعي وحماد، وقال الحسن بن حى: من أحدث في الطريق حدثا من نضح أو ماء أو حجر أو شيئا أخرجه من داره في الطريق من ظلة أو جناح فهو ضامن لما عطيب فيه، وقال الاوزاعي من اخرج كنيفا أو جذعا إلى الطريق فاعنت احدا ضمن ذلك وقال الليث: ان اخرج عودا أو حجرا
أو خشبة من جداره فمر به انسان فجرحه أو قتله فان كان لايعرف من صنيع الناس ضمن به وقال الشافعي: واضع الحجر في أرض لا يملكها ضامن وأما أبو حنيفة واصحابه فلهم ههنا اقوال طريفة نذكر منها ما يسر الله تعالى * فمنها أنه قال من قعد في مسجد في غير صلاة فعطب به انسان ضمن فان كان في صلاة لم يضمن وان كان في غير صلاة ضمن، وقال ابو يوسف ومحمد لا يضمن في كلا الوجهين، وقالوا كلهم من أخرج من داره ميزابا فسقط على انسان فقتله فان اصابه ما كان خارجا من الحائط ضمن وان أصابه ما كان في الحائط فلا شئ عليه فان جهل ما أصابه فالقياس أن لا يضمن ولكن قالوا: ندع القياس ونستحسن فنضمنه وان وضع في الطريق حجرا ضمن ما أصابه قالوا: فان استأجر رجلا على شئ يحدثه في فنائه فعطب به انسان ضمن المستأجر فلو استأجره ليحفر في غير فنائه فان الضامن لما يتلف بذلك الاجير *(10/526)
قال أبو محمد: أما عند اصحابنا فلا يضمن عندهم أحد في شئ من ذلك، فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب علينا أن ننظر في ذلك لنعلم الحق من ذلك فنتبعه فنظرنا في قول من قال بالتضمن فوجدناهم يذكرون ما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من اخرج من حده شيئا فأصاب انسانا فهو ضامن " * حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكى نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الرقى نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا عمرو بن مالك الصائغ عن الحسن عن أبى بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أخرج عن حده شيئا فاصاب به انسانا فهو ضامن "، وقد روى ذلك عن على ولا يعرف له مخالف من الصحابة رضى الله عنهم * قال أبو محمد: ما نعلم لهم شيئا غير هذا وكل هذا لا شئ، أما الخبر المذكور فلا يصح لانه مرسل عن الحسن والمرسل لاحجة فيه ولم يسنده أحد الا حماد بن مالك وليس بالقوى قاله البزار وغيره فسقط التعلق به، وأما الرواية عن على فباطلة لانها
عن الحجاج بن أرطاة و عبد الوهاب بن مجاهد وكلاهما في غاية السقوط ثم عن الحكم ومجاهد وكلاهما لم يدرك على بن أبى طالب فسقط الخبر جملة الا عن ابراهيم وشريح.
وحماد.
وقول عن الشافعي لا يصح، وقد صح عن الحكم في بعض ذلك انه لا يضمن * قال على: فلم يبقى للمضمنين حجة أصلا وقد صح أن الاموال محرمة فلا يحل الزام أحد غرامة لم يوجبها نص أو اجماع فوجب أن لا ضمان في شئ من ذلك وبالله تعالى التوفيق * 2102 مسألة: الحائط يقع فيتلف نفسا أو مالا * قال على: روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان عن جابر إلجعفى عن الشعبى عن شريح في الحائط إذا كان مائلا قال ان شهدوا عليه ضمن وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في الجدار إذا كان مائلا إذا شهدوا على صاحبه فوقع على انسان فقتله فانه يضمن، وعن ابراهيم النخعي مثل قول شريح في الجدار المائل، وقال آخرون غير هذا كما روينا من طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس هو ابن يزيد عن ابن شهاب أنه قال في الرجل مال جدار لجاره أو انصدع فقال له اكسر جدارك هذا فانا نخافه فابى عليه ثم ان الجدار سقط فقتل عبد الذى نهاه أو حرا من أهله قال لا نرى عليه شيئا وقد فرط وأساء، وأما المتأخرون فان ابن ابى ليلى قال: ان علم صاحب الجدار بميله وضعفه فتركه فهو ضامن وان لم يعلم لم يضمن، وبه يقول أبو ثور، وقال سفيان الثوري ان لم يشهدوا عليه لم يضمن وان كان معتدلا وهو مشقوق لم يجبر على نقضه، وقال اسحاق بن راهويه يضمن ما أصاب(10/527)
جداره اشهد عليه أو لم يشهد، وقال أبو حنيفة ومالك وأصحابهما والحسن بن حى: ان اشهد عليه بهذا ضمن وان لم يشهد عليه لم يضمن وقال الشافعي وأبو سليمان.
وأصحابهما: لا ضمان عليه اشهد عليه أو لم يشهد عليه، قال على: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى فنظرنا
فيمن فرق بين حكم الاشهاد عليه وحكم ترك الاشهاد عليه فلم نجد لهما متعلقا لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا اجماع ولا قول صاحب ولا قياس ولا نظر إلا أنهم قالوا قد روى عن جماعة من التابعين وهذا ليس بشئ لا ننا قد أوردنا مما خالفوافيه الطوائف من الصحابة رضى الله عنهم لايعرف لهم منهم مخالف كثيرا جدا فكيف ما اختلف فيه نفر من التابعين وقد أوردنا آنفا قول الزهري أنه لا ضمان عليه مع أن القوم بزعمهم أصحاب قياس ولا يختلفون فيمن وضع دابة في ملكة فخرجت فقتلت من غير فعله انه لا ضمان عليه اشهد أو لم يشهد عليه فما الفرق بين هذا وبين الجدار ينهدم من غير فعله فبطل هذا القول وظهر فساده وبالله تعالى التوفيق، ولم يبق إلا قول من ضمن ما أصاب الجدار أشهد عليه أو لم يشهد عليه أو قول من لم يضمنه ما أصاب أشهد عليه أو لم يشهد إذ قد صح أن التفريق بين الاشهاد وغير الاشهاد لا معنى له البتة فنظرنا في ذلك فوجدنا صاحب الجدار المائل لا يسمى قاتلا لم قتله الجدار في لغة العرب، وقد يكون غائبا باقصى المشرق والحائط باقصى المغرب فإذ لا يسمى قاتل عمد ولا قاتل خطأ فلادية في ذلك ولا كفارة ولاضمان لما تلف من مال إذ الاموال محرمة ولايجوز الحكم بغرامة على أحد لم يوجبها عليه نص ولا اجماع وبالله تعالى التوفيق * 2103 - مسألة - الجرة توضع إلى باب أو انسان يستند إلى باب فيفتح الباب فاتح فيفسد المتاع أو يقع الانسان فيموت * قال على: قال قوم بالتضمين في هذا وأسقط قوم فيه الضمان، والظاهر عندنا وبالله تعالى التوفيق انه ضامن للمتاع والدية على عاقلته الكفارة على لانه مباشر لاسقاط المتاع واسقاط المسند قاصدا إلى ذلك وان لم يعلم بخلاف ما ذكرنا قبل مما لم يباشر الاتلاف فيه ولو أنه فعل هذا عمدا لكان عليه القود وهذا والذى يزحم دابته في الطريق فيدفعها عن طريقه فتدوس انسانا أو تفسد متاعا فانه يضمن لانه مباشر للافساد ولا نبالي بتعدى مسند الجرة والمتكئ إلى الباب لو كانا متعديين فكيف ولا عدوان في هذا، ولو أن امرءا رقد ليلا في طريق فداسه انسان فقتله
وأسقط قوم فيه الضمان، والظاهر عندنا وبالله تعالى التوفيق انه ضامن للمتاع والدية على عاقلته الكفارة على لانه مباشر لاسقاط المتاع واسقاط المسند قاصدا إلى ذلك وان لم يعلم بخلاف ما ذكرنا قبل مما لم يباشر الاتلاف فيه ولو أنه فعل هذا عمدا لكان عليه القود وهذا والذى يزحم دابته في الطريق فيدفعها عن طريقه فتدوس انسانا أو تفسد متاعا فانه يضمن لانه مباشر للافساد ولا نبالي بتعدى مسند الجرة والمتكئ إلى الباب لو كانا متعديين فكيف ولا عدوان في هذا، ولو أن امرءا رقد ليلا في طريق فداسه انسان فقتله فانه قاتل خطا بلاشك وكذلك لو دخل دار انسان ليسرق فداسه صاحب المنزل فقتله(10/528)
فهو مباشر لقتله فعليه القود في العمد لانه لم يقتله محاربا له، والدية في ذلك والكفارة على العاقلة في غير العمد، وبالله تعالى التوفيق خاتمة الطبع تم بعون الله تعالى وحسن هدايته الجزء العاشر من كتاب المحلى للامام العلامة علامة المنقول والمعقول أبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم صاحب التصانيف المفيدة وكان تمام طبعه سلخ شهر رجب سنة 1352 من سنى الهجرة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وأكمل تحية، ويتلوه ان شاء الله تعالى الجزء الحادى عشر وبه يتم الكتاب، وافتتاحه على بعض النسخ التى جرينا عليها (مسائل من هذا الباب) وارجو الله إتمامه بحوله وقوته والشروع بتكميل كتاب (الكامل في التاريخ) للامام المؤرخ الشهير عز الدين أبى الحسن بن أبى الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الاثير الجزرى (م 67 - ج 10 المحلى)(10/529)
المحلى - ابن حزم ج 11
المحلى
ابن حزم ج 11(11/)
المحلى تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الاصولي، قوي العارضة شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والاصول والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الاندلس أبي محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456 ه.
طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الاستاذ الشيخ احمد محمد شاكر الجزء الحادي عشر دار الفكر(11/1)
بسم الله الرحمن الرحيم { مسائل من هذا الباب (1) } 2104 - مسألة - قال أبو محمد: من أغضب أحمق بما يغضب منه فقذف بالحجارة فقتل المغضب له أو غيره أو أعطى أحمق سيفا فقتل به قوما فلا شئ في كل ذلك لانه لم يباشر شيئا من الجناية ولا يسمى في اللغة قاتلا فلو أنه أمر الاحمق بقتل انسان بعينه فقتله فان كان الاحمق فعل ذلك طاعة له وكان ذلك معروفا فهو آمر فالآمر عليه القود وان كان لم يفعل طائعا له فلا شئ في ذلك لانه لم يكن لا عن أمره ولا عن فعله فلو رمى حجرا فاصاب ذلك الحجر حجرا فقلعه فتدهده ذلك الحجر فقتل وافسد فلا شئ في ذلك
لانه انما تولد عن رميه انقلاع الحجر فقط فهو ضامن لرده ان كان موضوعا لمعنى ما فقط وانما يضمن المرء ما تولد عن فعله ولا يضمن ما تولد عما تولد عن فعله، ولا يختلف اثنان من الامة في أن من رمى سهما يريد صيدا فاصاب انسانا أو مالا فاتلفه فانه يضمن، ولو أنه صادف حمار وحش يجرى فقتل انسانا أو سقط الحمار إذ أصابه السهم فقتل انسانا فانه لا يضمن شيئا، ولو أن انسانا يعمل في بئر وآخر يستقى فانقطع الحبل فوقعت الدلو فقتلت الذي في البئر فان كان ذلك لضعف الحبل فهو قاتل خطأ والدية على العاقلة وعليه الكفارة لانه مباشر لقتله، فلو غلب فلم يقدر على امساكه الدلو ففتح يديه فلا شئ عليه في ذلك لانه لم يباشر قتله ولا عمل شيئا * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم ابن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة (2) السبائى أن رجلا رمى حدأة فحرت الحدأة على صبى فقتلته قال هو على الذى رمى وكل شئ يكون من فعل رجل فهو عليه قال: وبلغني عن يحيي بن سعيد أنه قال في رجل مر برجل وهو يحمل على ظهره حجرا فسقط منه فاصاب رجلا فقتله فعليه دية المقتول قال سحنون: هذه مسألة سوء قال ابن وهب: وسمعت مالكا يقول في الرجل يمسك الحبل للرجل يتعلق به
__________
(1) في النسخة رقم 14 مسألة من هدا قال أبو محمد الخ بدل قوله مسائل من هذا الباب (2) في النسخة رقم 14 ابن ميسرة السبابى وهو غلط(11/2)
في البئر قال: ان انقطع الحبل فلا شئ عليه وان انفلت من يد الممسك فسقط المتعلق فمات فهو ضامن له * قال على: لسنا نقول بشئ من هذا كله أما الحدأة تقع فان الرامى بها لم يباشر القاءها كما ذكرنا وأما الذي سقط الحجر عن ظهره دون أن يكون هو ألقاه لكن ضعف أو عثر فلا شئ في ذلك، ولو أنه هو تعمد القاءه فمات به انسان فان كان عمدا وهو يدري فقاتل عمد وعليه القود وان كان لم يعرف أن هنالك انسانا فهو قاتل خطأ وعليه الكفارة وعلى عاقلته الدية لانه مباشر قتله بلا شك، وأما تعلق الرجل بحبل يمسك عليه
آخر فلا شئ في كل ذلك لا في انقطاع الحبل ولا في ضعف الممسك عن امساكه لانه في انقطاع الحبل جان على نفسه بجبذ الحبل فانما انقطع من فعله لا من فعل الواقف على البئر فاما انفلات الحبل فلم يتول الواقف على راس البئر ابقاءه لكن غلب عليه فلم يباشر فيه شيئا أصلا روينا من طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يزيد ابن عياض وابن لهيعة عن ابن ابي جعفر عن بكير بن الاشج أن عبد الله بن عمرو، وقال يزيد بن عياض عن عبد الملك بن عبيد عن مجاهد عن ابن عباس ثم اتفقا أن من سل سيفا على امرأة أو صبي ليفزعهما به فماتا منه ففيه دية الخطأ، قال علي: وهذا باطل لا يصح.
وابن لهيعة في غاية الضعف.
ويزيد بن عياض مذكور بالكذب وهذا العمل لا يختلفون في أن من فعله غير قاصد إلى افزاعهما ففزعا فماتا فلا شئ عليه ولا خلاف في أن النية والمعرفة لا يراعى شئ منهما في الخطأ بل هما مطرحان فيه ولا خلاف في أن القاتل إذا قصد به ونوى فانه عمد والذي سل سيفا على امرأة أو صبي يريد بذلك افزاعهما فماتا فبيقين يدري كل ذي عقل سليم أنه عامد قاصد اليهما بهذا الفعل فإذ لا خلاف في أنه ليس عليه قود ولا له حكم العمد الذي هو اقرب الصفات إلى فعله فمن المحال الممتنع أن يكون عليه حكم الخطأ الذي ليس لفعله فيه مدخل أصلا وهذا في غاية البيان وبالله تعالى التوفيق وليس فيه الا الادب فقط * 2105 مسألة من ادخل انسانا دارا فأصابه شئ قال علي: روينا من طريق ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا محمد بن قيس عن الشعبي قال: إذا أدخل الرجل الرجل داره فهو ضامن حتى يخرجه كما أدخله، وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في رجل دخل بيت رجل وفي البيت سكين فوطئ عليها فقتلته قال: ليس على صاحب البيت شئ * قال علي: وبقول الزهري نقول.
لان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(11/3)
" ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فلا يحل الزام أحد غرامة مال بغير نص أو اجماع وما لم يتيقن أن هذا الانسان جناه بعمد أو بخطأ فلا شئ عليه لان دمه وماله حرام فان وجد في داره مقتولا فله حكم القسامة وان ادعى وهو حي على صاحب الدار فعليه حكم التداعي وان لم يخرج إلا ميتا لا أثر فيه فالموت يغدو ويروح ولا شئ به إلا التداعي إذ قد يمكن أن يغم فلا يظهر فيه أثر فإذا أمكن فهو من باب التداعي ولو أيقنا أنه مات حتف أنفه لم يكن هنالك شئ أصلا، وبالله تعالى التوفيق * 2106 - مسألة - جنايات الحيوان والراكب والسائس والقائد * قال علي: قد ذكرنا الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله العجماء جرحها جبار، روينا من طريق ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا اسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: قال رجل لشريح ان شاة هذا قطعت غزلي فقال ليلا أو نهارا فان كان نهارا فقد برئ وان كان ليلا فقد ضمن ثم قرأ (إذ نفشت فيه غنم القوم) قال: انما كان النفش بالليل * قال علي: قال مالك.
والشافعي: ما أفسدت المواشي ليلا فهو مضمون على أهلها وما أفسدت نهارا فلا ضمان فيه، وروى عن سفيان الثوري مثل قول أبي حنيفة.
وقال أبو حنيفة: وأبو سليمان وأصحابهما لا ضمان على أرباب الماشية فيما أفسدت ليلا أو نهارا، ولا يضمنون أكثر من قيمة الماشية وروى عنه أنهم يضمنون ما أصابت نهارا، وقال الليث: يضمن أهل الماشية ما أصابت ليلا ولا يضمنون أكثر من قيمة الماشية * قال علي: احتج المضمنون ما جنت ليلا بما روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا معاوية بن هشام نا سفيان عن عبد الله بن عيسى عن الزهري عن حرام بن محيصة عن البراء بن عازب أن ناقة لاهل البراء أفسدت شيئا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان حفظ الثمار على أهلها بالنهار وضمن أهل الماشية ما أفسدت ماشيتهم بالليل، وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فافسدت فيه فقضى النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الاموال بحفظها بالنهار وعلى أهل المواشي
حفظها بالليل، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال ابن شهاب حدثني أبو أمامة ابن سهل " أن ناقة دخلت في حائط قوم فافسدته فذهب أصحاب الحائط إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الاموال حفظ أموالهم بالنهار، وعلى أهل الماشية حفظ مواشيهم بالليل وعليهم ما أفسدته "، وذكر بعض الناس أن الوليد بن مسلم روى هذا الحديث عن الزهري عن حرام بن محيصة أن البراء أخبره * قال علي: هذا خبر مرسل أحسن طرقه ما رواه مالك.
ومعمر عن سفيان(11/4)
عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن ناقة للبراء وما رواه ابن جريج عن الزهري عن أبي امامة ابن سهل أن ناقة دخلت، فلم يسند أحد قط من هاتين الطريقتين اللتين لو أسند منهما أو من احداهما لكان حجة يجب الاخذ بها وانما استند من طريق حرام بن سعد بن محيصة مرة عن أبيه ولا صحبة لابيه ومرة عن البراء فقط وحرام بن سعد بن محيصة مجهول لم يرو عنه أحد الا الزهري وما نعلم للزهري عنه غير هذا الحديث ولم يوثقه الزهري وهو قد يروي عمن لا يوثق كروايته عن سليمان بن قرم ونبهان مولى أم سلمة وغيرهما من المجاهيل والهلكى ولا يحل أن يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين الا بأن تعرف عدالته فسقط التعلق بهذا الخبر * قال علي: روينا من طريق أبي بكر بن ابي شيبة نا عبد الله بن ادريس الاودي عن حصين بن عبد الرحمن بن عامر الشعبي قال: اختصم إلى علي ابن ابي طالب في ثور نطح حمارا فقتله فقال علي بن ابي طالب ان كان الثور دخل على الحمار فقتله فقد ضمن وان كان الحمار دخل على الثور فقتله فلا ضمان عليه * قال علي: فهذا حكم من علي ابن أبي طالب رضي الله عنه والقول عندنا في هذا كله هو ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه من أن العجماء جرحها جبار وعملها جبار فلا ضمان فيما أفسده الحيوان من دم أو مال لا ليلا ولا نهارا وبالله تعالى التوفيق، فان أتى بها
وحملها على شئ وأطلقها فيه ضمن حينئذ لانه فعله ليلا كان أو نهارا وأما الحيوان الضارية فقد جاءت فيها آثار كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد الكريم أن عمر بن الخطاب كان يقول برد البعير أو البقرة أو الحمار أو الضواري إلى أهلهن ثلاثا إذا حظر الحائط ثم يعقرن قال ابن جريح: وأخبرني من نظر في كتاب عمر بن عبد العزيز في خلافته إلى الحجاج بن ذوئيب ان يحصن الحائط حتى يكون إلى نحو البعير، قال ابن جريج: وسمعت عبد العزيز بن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كان يأمر بالحائط أن تحظر ويسد الحظر من الضاري المدل ثم يرد إلى أهله ثلاث مرات ثم يعقر، قال ابن جريج وقلت لعطاء الحظر يسد ويحصن على الحائط ثم لا يمتنع من الضاري المدل ابلغك فيه شئ؟ قال لا * قال أبو محمد: فهذا حكم عمر بن الخطاب يرد الضاري ثلاث مرات إلى صاحبه دون تضمين ولم يخص ليلا ولا نهارا ثم يعقر فخالفوا كلا الحكمين من حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهم يعظمون أقل من هذا إذا وافق تقليدهم، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال: أخبرني اسماعيل بن ابي سعيد الصنعاني أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس(11/5)
يحدث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان أهون اهل النار عذابا رجل يطأ جمرة يغلي منها دماغه قال ابو بكر الصديق: وما كان ذنبه يا رسول الله؟ قال كانت له ماشية يعيث بها الزرع ويؤذيه وحرم الله الزرع وما حوله غلاة سهم فاحذروا ان لا يسحب الرجل ماله في الدنيا ويهلك نفسه في الآخرة فلا تسحبوا أموالكم في الدنيا وتهلكوا انفسكم في الآخرة * قال علي: وهذا مرسل ولا حجة في مرسل والقول عندنا في هذا ان الحيوان أي حيوان كان إذا أضر في افساد الزرع أو الثمار فان صاحبه يؤدب بالسوط ويسجن ان أهمله فان ثقفه فقد أدى ما عليه وان عاد إلى اهماله بيع عليه ولا بد
أو ذبح وبيع لحمه أي ذلك كان أعود عليه انفذ عليه ذلك، برهان ذلك قول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) ومن البر والتقوى المنع من أذى الناس في زرعهم وثمارهم ومن الاثم والعدوان اهمال ذلك فينظر في ذلك بما فيه حماية أموال المسلمين مما لا ضرر فيه على صاحب الحيوان بما لا يقدر على أصلح من ذلك كما أمر الله تعالى وأما من زرع في الشعواء أو حيث المسرح أو غرس هنالك غرسا فانه يكلف أن يحظر على زرعه وغرسه بما يدفع عن ذلك من بناء أو غيره إذ لا ضرر عليه في ذلك بل الحائط له ودفع الاضاعة عن ماله ولا يجوز ان يمنع الناس عن ارعاء مواشيهم هنالك كما لا يجوز أن يمنع هو من احياء ما قدر على احيائه من ذلك الموات وليس في طاقة أحد منع المواشي عن زرع أو ثمر في وسط المسرح فإذ ذلك ممتنع ليس في الوسع فقد بطل أن يكلفوا ضبطها أو منعها بقول الله تعالى: (لا تكلف نفس إلا وسعها) وهكذا القول فيما تعذر على أهل الماشية منع ماشيتهم منه في مرورها في طريقها إلى المسرح بين زرع الناس وثمارهم فان أهل الزرع والثمار يكلفون ههنا بحظير ما ولى الطريق من زروعهم وثمارهم، واما الثمار المتصلة من الزرع والغرس التي لا مسرح فيها فليس عليهم تكليف الحظر فمن اطلق مواشيه هنالك عامدا أو مهملا أدب الادب الموجع وبيعت عليه مواشيه ان عاد وضمن ما باشر اطلاقها عليه وبالله تعالى التوفيق، ولا يعقر الحيوان الضاري البتة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبح الحيوان الا لمأكلة ونهى عن اضاعة المال والعقر اضاعة فيما يؤكل لحمه وفيما لا يؤكل لحمه وبالله التوفيق * وأما القائد والراكب والسائق فان يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود قال نا أحمد بن دحيم نا ابراهيم بن حماد نا اسماعيل بن اسحاق نا ابراهيم الهروي نا هشيم نا اشعث عن محمد ابن سيرين عن شريح أنه كان يضمن الفارس ما اوطأت دابته بيد أو رجل ويبرئه من(11/6)
النفحة قال هشيم: وأنا يونس.
والمغيرة قال يونس عن الحسن البصري وقال المغيرة عن
ابراهيم أنهما كان يضمنان ما أوطأت الدابة بيد أو رجل ولا يضمنان من النفحة، عن ابراهيم وشريح انهما قالا: إذا نفحت الدابة برجلها فان صاحبها لا يضمن، وقال الحكم والشعبي يضمن ولا يطل دم المسلم، وعن محمد بن سيرين أن رجلا شرد له بعيران فاخذهما رجل فقرنهما في حبل فاخنق أحدهما فمات فقال شريح: انما أراد الاحسان لا يضمن إلا قائد أو راكب، وقال محمد بن سيرين في الدابة افزعت فوطئت يضمن صاحبها وإذا نفحت برجلها من غير أن تفزع لم يضمن، وعن الشعبي أنه سئل عن رجل أوثق على الطريق فرسا عضوضا فعقر فقال الشعبي يضمن ليس له أن يربط كلبا عضوضا على طريق المسلمين، وعن ابراهيم النخعي.
وشريح قالا جميعا يضمن الراكب والسائق والقائد، وعن ابي عون الثقفي (1) أن رجلين كانا ينشران ثوبا فمر رجل فدفعه آخر فوقع على الثوب فخرقه فارتفعوا إلى شريح فضمن الدافع وأبرأ المدفوع بمنزلة الحجر، وعن الشعبي قال: هما شريكان يعني الراكب والرديف، وعن الشعبي أيضا قال: من أوقف دابته في طريق المسلمين أو وضع شيئا فهو ضامن بجنايته، وعن ابراهيم النخعي.
والشعبي قالا جميعا: من ربط دابته في طريق فهو ضامن، وعن ابراهيم في رجل استعار من رجل فرسا فركضه حتى قتله قال: ليس عليه ضمان لان الرجل يركض فرسه، وعن عطاء قال: يغرم القائد والراكب عن يدها ما لا يغرمان عن رجلها قلت: كانت الدابة عادية فضربت بيدها انسانا وهي تقاد قال: نعم ويغرم القائد قلت: السائق يغرم عن اليد والرجل قال: زعموا فراددته قال: يقول الطريق الطريق، وعن قتادة قال: يغرم القائد ما أوطأت بيد أو رجل فإذا نفحت لم يغرم والراكب كذلك إلا أن تكون بالعنان فتنفح فيغرم، وعن الشعبي قال يضمن الرديف مع صاحبه وعن شريح قال يضمن القائد والسائق والراكب ولا يضمن الدابة إذا عاقبت قلت وما عاقبت؟ قال إذا ضربها رجل فاصابته، وعن مجاهد قال ركبت جارية جارية فنخستها أخرى فوقعت فماتت فضمن علي بن أبي طالب الناخسة والمنخوسة، وقال مالك.
والشافعي: يضمن السائق والقائد والراكب ما أصابت الدابة الا أن ترمح من غير فعلهم فلا ضمان عليهم، وقال مالك.
وأبو حنيفة: يضمن الرديف مع الراكب، وقال اسحاق بن راهوية: لا يضمن الرديف، وقال أحمد: أرجوا أن لا شئ عليه إذا كان أمامه من يمسك العنان *
__________
(1) في النسخة رقم 45 ابن عون الثقفى وهو غلط(11/7)
قال أبو محمد: فالواجب علينا عند تنازعهم ما افترض الله تعالى علينا إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) فنظرنا في الراكب فوجدناه مصرفا لدابته حاملا لها فما أصابت مما حملها عليه فان عمد فعليه القصاص في النفس فما دونها لانه متعد مباشر للجناية، وان كان مما لا يضمنه فان كان ذلك وهو لا يعلم بما بين يديه فهو إصابة خطأ يضمن المال وعلى عاقلته الدية في النفس وعليه الكفارة لانه قاتل خطأ وما أصابت برأسها أو بعضتها أو بذنبها أو بنفحتها بالرجل أو ضربت بيديها في غير المشي فليس من فعله فلا ضمان عليه فيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العجماء جرحها جبار ".
وأما القائد فان كان يمسك الرسن أو الخطام فهو حامل للدابة على ما مشت عليه فان عمد فالقود كما قلنا والضمان في المال وان لم يعمد فهو قاتل خطأ فالدية على العاقلة والكفارة عليه في ماله ويضمن المال فان كانت الدواب مقصورة بعضها إلى بعض كذلك فكذلك أيضا ولا فرق وسواء كان على الدابة المقودة راكب أو لم يكن لا ضمان على الراكب إلا أن حملها أو أعان فهو والقائد شريكان وإلا فلا فان كان القائد لا رسن بيده ولا عقال فلا ضمان عليه البتة لانه لم يتول شيئا ولا باشر فيما أتلف من دم أو مال شيئا أصلا وقد قال عليه الصلاة والسلام " العجماء جرحها جبار " وأما الرديف فان كان يمسك العنان هو وحده ولا يمسكه المتقدم فحابس العنان هو الضامن وحده وعليه في العمد القود وفي الخطأ الكفارة والدية على العاقلة ولا
ضمان ولا شئ على المتقدم إلا أن يعين في ذلك، وأما السائق فان حملها بضرب أو نخس أو زجر على شئ ما فان عمد فالقود والضمان وان لم يعمد فهو قاتل خطأ كما قلنا فان لم يحملها على شئ فلا ضمان عليه لانه لم يباشر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جرح العجماء جبار " ومن أوثق دابته على طريق المسلمين فلا ضمان عليه وكذلك لو أرسلها وهو يمشي وليس كل مسئ ضامنا، وقد علمنا وعلم كل مسلم ان عامل السلاح وبائعها في الفتن فمخالف ظالم ومسئ، ومعين بذلك على قتل الناس ولا خلاف في أنه لا ضمان عليه، فان قيل ان غيره هو المتولي قيل لهم والدابة هي المتولية أيضا وجرحها جبار وكذلك من حل دابة أو طائرا عن رباطها فلا ضمان عليه فيما أصابت لانه لم يعمد ولا باشر ولا تولى وأما من ركب دابة ولها فلو يتبعها فاصاب الفلو انسانا أو مالا فهو الحامل له على ذلك فان عمد فالقود وان لم يعمد فهو قاتل خطأ، برهان ذلك أنه في إزالته أمه عنه مستدع له إلى المشي وراءها فهو مباشر لاستجلابه فلو ترك الفلو اتباع أمه وأخذ يلعب أو خرج عن اتباعها فلا ضمان على راكب أمه أصلا وكذلك من استدعى بهيمة بشئ تأكله وهو يدري أن في طريقها متاعا تتلفه أو انسانا راقدا(11/8)
فانته فاتلفت في طريقها شيئا فالقود في العمد وهو قاتل خطأ ان لم يعمد وكذلك من أشلى (1) أسدا على انسان أو حنشا وليس كذلك من أطلقهما دون أن يقصد بهما انسانا لانه في اطلاقهما على الانسان مباشر لاتلافه قاصد لذلك وليس في اطلاقهما جانيا على أحد شيئا أصلا، وأما ما قاله شريح في قارن البعيرين فصحيح ولا ضمان على من فعل ما أبيح له فعله الا أن يوجب ذلك نص أو اجماع وأما ما جاء عن علي رضي الله عنه في تضمين الناخسة فصحيح لانها هي الملقية للاخرى في الارض وبالله تعالى التوفيق * 2110 مسألة.
من جناية الكلب وغيره ونفار الدابة وغير ذلك من الباب الذي قبل هذا.
قال علي: روينا من طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني الحارث بن نبهان عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن انس بن سيرين أن رجلا كان يسري (2)
بأمه فجاء رجل على فرس يركض فنفر الحمار من وقع حافر الفرص فوثب فوقعت المرأة فماتت فاستأذن عمر بن الخطاب فقال عمر رضي الله عنه ضرب الحمار؟ فقال لا فقال أصاب الحمار من الفرس شئ؟ قال: لا قال: أمك انت على اجلها فاحتسبها، قال ابن وهب: وأخبرني يونس انه سأل أبا الزناد عن عقل الكلب أو الفهد أو السبع الداجن أو الكبش النطاح أو نطح الثور أو البعير أو الفرس الذي يعض فيعقر مسكينا أو زامرا أو عابدا فقال أبو الزناد: ان قتل واحد من هذه الدواب أو أصاب كسر يد أو رجل أو فقأ عين أو أي أمر خرج من ذلك باحد من الناس فهو هدر قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العجماء جرحها جبار الا أن يكون قد استعدى في شئ من ذلك فأمره السلطان بايثاق ذلك فلم يفعل فان عليه أن يغرم ما حرج بالناس فاما ما أصيب به الدابة أو بشئ منها فلم يكن السلطان يتقدم إلى صاحبه فان على من أصابها غرم ما أصابها به، وقال مالك: فيمن اقتنى كلبا في دار البادية فعقر ذلك الكلب انسانا انه ان اقتناه وهو يدري أنه يفترس الناس فعقرهم فهو ضامن لما فرس الكلب * قال أبو محمد: أما الرواية عن عمر فهي وان لم تصح من طريق النقل فمعناها صحيح وبه نأخذ لان من لم بباشر ولا أمر فلا ضمان عليه والدابة إذا نفرت فليس للذي نفرت منه ذنب الا أن يكون نفرها عامدا فان عليه القود فيما فتلت إذا قصد بذلك ان تطأ الذي أصابت فان لم يكن قصد ذلك فهو قاتل خطأ والدية على العاقلة والكفارة عليه ويضمن المال في كلتا الحالتين إذا تعمد تنفيرها لانه المحرك لها، وأما قول أبي الزناد فصحيح كله لان جرح العجماء جبار بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم يتعمد اشلاء شئ من ذلك، واما قوله إلا أن يتقدم إليه
__________
(1) يقال أشلى الكلب على الصيد أغراه (2) في النسخة رقم 14 يسوق(11/9)
السلطان في ذلك فليس بشئ وتقدم السلطان لا يوجب غرامة لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وانما السلطان منفذ للواجب على من امتنع فقط وليس شارعا شريعة، وأما قول
مالك فخطأ أيضا لانه ليس علم المقتني للكلب (1) بأنه يفترس الناس بموجب (2) عليه غرامة لم يوجبها القرآن ولا السنة وهو وان كان متعديا باقتنائه فانه لم يباشر شيئا في الذي اتلفه الكلب، وهكذا من آوى رجلا قتالا محاربا فجنى جناية فهو وإن كان متعديا بايوائه إياه فليس مباشرا عدوانا في المصاب، وكل هذا باب واحد وليس قياسا ولكن خصومنا يقولون بقوله ويخالفونه في ذلك العمل نفسه فإذا جمعنا لهم القولين لاح لهم تناقضهم فيها فعلى هذا نورد مثل هذه المسائل لا على أنها حجة قائمة بنفسها وإنما الحجة في هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جرح العجماء جبار " وبالله تعالى التوفيق * روينا من طريق أبي بكر بن ابي شيبة نا عباد بن العوام عن حجاج عن قتادة عن كعب بن سوار أن رجلا كان على حمار فاستقبله رجل على بعير في زقاق فنفر الحمار فصرع الرجل فأصابه شئ فلم يضمن كعب بن سوار صاحب البعير شيئا * قال أبو محمد: وهذا كما قلنا، وعن سفيان الثوري عن طارق قال: كنت عند شريح فأتاه سائل فقال: اني دخلت دار قوم فعقرني كلبهم وخرق جرابي فقال: ان كنت دخلت باذنهم فهم ضامنون وان كنت دخلت بغير اذنهم فليس عليهم شئ * وعن الشعبي قال: إذا كان الكلب في الدار فأذن أهل الدار للرجل فعقره الكلب ضمنوا وان دخل بغير اذن فعقره فلا ضمان عليهم، وأيما قوم غشوا غنما في مرابضها فعقرتهم الكلاب فلا ضمان على اصحاب الغنم وان عرضت لهم الكلاب في الطريق فعقرتهم الكلاب في الطريق ضمنوا * وأما المتأخرون فان أبا حنيفة.
وسفيان الثوري.
والحسن بن حي.
والشافعي.
وأبا سليمان قالوا: من كان في داره كلب فدخل انسان باذنه أو بغير اذنه فقتله الكلب فلا ضمان في ذلك، وكذلك قال ابن أبي ذئب، وقد روى الواقدي نحو هذا عن مالك، وروى عنه ابن وهب: أنه قال ان أتخذ الكلب وهو يدري أنه يعقر الناس ضمن وأنه ان لم يعلم ذلك لم يضمن إلا أن
يتقدم إليه السلطان * قال أبو محمد: اشتراط تقدم السلطان أو علمه بأنه عقور لا معنى له لانه لم يوجب (3) هذا نص قرآن ولا سنة ولا اجماع، فان قيل: انه باتخاذه الكلب
__________
(1) في النسخة رقم 14 مقتني الكلب (2) في النسخة رقم 45 يوجب بدل بموجب (3) في النسخة رقم 14 لا يوجب(11/10)
العقور متعد وكذلك هو باتخاذه حيث لم يبح له اتخاذه متعد أيضا قلنا: هو متعد في اتخاذه في كلتا الحالتين ظالم إلا أنه ليس متعديا في إتلاف ما أتلف الكلب ولا أوجب الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم قط على ظالم غرامة مطلقة، وقد قلنا: إن التعدي الموجب للضمان أو للقود أو للدية هو ما سمى به المرء قاتلا أو مفسدا وليس كذلك إلا بالمباشرة أو بالامر وهي في اتخاذه الكلب كمن عمل سيفا وأعطاه لظالم أو اقتنى خمرا في خابية فجلس انسان إليها فانكسرت فقتلت الانسان فكل هذا ليس يسمى هذا الظالم قاتلا ولا متلفا فلا ضمان في شئ من ذلك، وعن ابراهيم النخعي أنه قال في رجل جمح به فرسه فقتل رجلا قال يضمن هو بمنزله الذي رمى بسهمه طائرا فأصاب رجلا فقتله * قال أبو محمد: إذا جمح به فرسه فان كان هو المحرك له المغالب له فانه يضمن كل ما جنى بتحريكه إياه في القصد القود وفيما لم يقصده ضمان الخطأ، وأما إذا غلبته دابته فلم يحملها على شئ فلا شئ عليه أصلا في كل ما أصابت ولو أن امرءا اتبع حيوانا ليأخذه فكل ما أفسد الحيوان في هروبه ذلك مما هو حامله عليه مما يوقن أن ذلك الحيوان إنما يراه ويهرب عنه فهو ضامن له ما عمد وقصد بالقود وما لم يقصد فالدية على العاقلة والكفارة عليه، وأما ما أتلف ذلك الحيوان في جريه وهو لا يراه فلا ضمان على متبعه وبالله تعالى التوفيق *
2111 مسألة: ولو أن انسانا هيج كلبا أو أطلق أسدا.
أو أعطى أحمق سيفا فقتل رجلا كل من ذكرنا فلا ضمان على المهيج ولا على المطلق ولا على المعطي السيف لانهم لم يباشروا الجناية ولا أمروا بها من يطيعهم فلو أنه أشلى الكلب على انسان أو حيوان فقتله ضمن المال وعليه القود مثل ذلك ويطلق عليه كلب مثله حتى يفعل به مثل ما فعل الكلب باطلاقه لانه هاهنا هو الجاني القاصد إلى إتلاف ما أتلف الكلب باغرائه، ولو أن امرأ حفر حفرة وغطاها وأمر انسانا أن يمشي عليها فمشى عليها ذلك الانسان مختارا للمشي عالما أو غير عالم فلا ضمان على آمره بالمشي ولا على الحافر ولا على المعطي لانهم لم يمشوه ولا باشروا اتلافه وإنما هو باشر شيئا باختياره ولا فرق بين هذا وبين من غر انسانا فقال له طريق كذا أمن هو؟ فقال له: نعم هو في غاية الامن وهو يدري أن في الطريق المذكور أسدا هائجا أو جملا هائجا أو كلابا عقارة أو قوما قطاعين للطريق يقتلون الناس فنهض السائل مغترا بخبر هذا الغار له فقتل وذهب ماله، وكذلك من رأى أسدا فأراد الهروب(11/11)
عنه فقال له انسان من غر به: لا تخف فانه مقيد فاغتر بقوله ومشى فقتله الاسد فهذا كله لا قود على الغار ولا ضمان أصلا في دم ولا مال لانه لم يباشر شيئا ولا اكره فلو أنه أكرهه على المشي على الحفرة فهلك فيها أو طرحه إلى الاسد أو إلى الكلب فعليه القود فلو طرحه إلى أهل الحرب أو البغاة فقلتوه فهم القتلة لا الطارح بخلاف طرحه إلى من لا يعقل لان من لا يعقل آلة للطارح وكذلك لو أمسكه لاسد فقتله أو لمجنون فقتله فالممسك ها هنا هو القاتل بخلاف امساكه إياه لقتل من يعقل وبالله تعالى التوفيق * 2112 مسألة: روينا من طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال في رجل طلب دابة فنادى رجلا احبسها
علي فصدمته فقتلته أو رماها فقتلها فقال ابن شهاب كلاهما يغرم، وبه إلى ابن وهب أخبرني الليث بن سعد.
وابن لهيعة: أن هشاما كتب في رجل ضم جارية إليه من دابة فضربتها في حجره ان على الرجل ديتها قال ابن لهيعة: والرجل مولى لنا كتب توبة بن نمر قاضي أهل مصر إلى هشام في ذلك فكتب بهذا فجعل الدية علينا، قال ابن وهب: وأخبرني الليث بن سعد أن هشاما كتب في رجل حمل صبيا فخر في مهواة فمات الصبي أن ضمانه على الحامل قال الليث: وعلى هذا الفتيا الناس، قال ابن وهب: وبلغني عن ربيعة أنه قال مثل ذلك قال: فان هلكا جميعا فلا عقل لهما * قال أبو محمد: لا حجة في قول مخلوق دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما الذي قال للرجل: احبس لي الدابة فصدمته فقتلته فلا ضمان على الذي أمره بحبسها لانه لم يتعد عليه ولا باشر فيه اتلافه فلو أن المأمور بحبس الدابة رماها فقتلها أو جنى عليها فهو ضامن على كل حال لانه فعل من إتلافها ومن الجناية عليها ما لم يبح الله تعالى له فعله فهو متلف بغير حق وجان بغير حق ومباشر لذلك قال الله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وكذلك لو أمره بقتلها أو الجناية عليها ففعل لضمن لانه أمره بما لا يحل وبما ليس له أن يأمره به فهو متعد بالامر والمأمور أيضا متعد بالائتمار فهو ضامن لمباشرته الجناية، وأما من ضم صبية من دابة فرمحتها الدابة فقتلتها فلا ضمان عليه لانه لم يباشر اتلافها وجرح العجماء جبار، وأما الذي حمل صبيا فسقط في مهواة فمات الصبي فان كان موته من وقوع حامله عليه فهو ضامن والضمان على العاقلة وعليه الكفارة لانه قاتل خطأ وان كان مات من الوقعة لامن وقوع حامله عليه فلا ضمان في ذلك، فلو مات الحامل حين وقوعه على الصبي أو قبل وقوعه عليه فلا ضمان على عاقلته لانه لا جناية على ميت وبالله تعالى التوفيق *(11/12)
2113 مسألة اللص يدخل على الانسان هل له قصد قتله؟ قال علي:
روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا عبد الله بن ادريس الاودي عن عبيدالله ابن عمر عن نافع قال: أصلت ابن عمر على لص بالسيف فلو تركناه لقتله * ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أيضا نا ابن علية عن أيوب السختياني عن حميد بن هلال عن حجير ابن الربيع قال: قلت لعمران بن الحصين أرأيت أن دخل على داخل يريد نفسي ومالي؟ قال عمران: لو دخل على داخل يريد نفسي ومالي لرأيت أن قد حل لي قتله * ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا عباد بن عوف - هو ابن أبي جميلة - عن الحسن البصري قال: اقتل اللص.
والحروري.
والمستعرض، وعن محمد بن سيرين أنه قال: ما علمت أن أحدا من المسلمين ترك قتال رجل يقطع عليه الطريق أو يطرقه في بيته تأثما من ذلك، وعن ابراهيم النخعي قال: إذا دخل اللص دار الرجل فقتله فلا ضرار عليه * وعن الشعبي قال: الرجل محارب لله ورسوله فاقتله فما أصابك من شئ فعلي * وعن ابن سيرين أنه قال: قلت لعبيدة أرأيت ان دخل على رجل يريد بيتي قال: ان الذي يدخل عليك بيتك لا يحل له منك ما حرم الله تعالى عليه ولكن يحل لك نفسه * وعن منصور أنه سأل ابراهيم عن الرجل يعرض للرجل يريد ماله أيقاتله؟ فقال ابراهيم: لو تركه لقتله * قال أبو محمد: روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا أبو كريب محمد بن العلاء نا خالد - يعني ابن مخلد - نا محمد بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أرأيت أن جاء رجل يريد أن يأخذ مالي قال: فلا تعطه مالك قال: أرأيت أن قاتلني؟ قال قاتله قال: أرأيت أن قتلني قال فانت شهيد قال أرأيت ان قتلته؟ قال: هو في النار * قال علي: فمن أراد أخذ مال انسان ظلما من لص أو غيره فان تيسر له طرده منه ومنعه فلا يحل له قتله فان قتله حينئذ فعليه القود، وأن توقع أقل توقع أن يعاجله اللص فليقتله ولا شئ عليه لانه مدافع عن نفسه، فان قيل: اللص محارب فعليه ما على المحارب قلنا:
فان كابر وغلب فهو محارب واختيار القتل في المحارب إلى الامام لا إلى غيره أو إلى من قام بالحق ان لم يكن هنالك امام وان لم يكابر ولا غلب لكن تلصص فليس محاربا ولا يحل قتله أصلا وبالله تعالى التوفيق * (صاحب المعبر يعبر بدواب) قال على: نا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي نا عبد الله بن يونس نا بقى بن مخلد(11/13)
نا أبو بكر بن أبي شيبة نا حميد بن عبد الرحمن عن حسن عن جابر عن عامر قال لي: صاحب المعبر يعبر بدواب فغرقت قال فلا ضمان عليه، قال علي: وهو كما قال إلا أن يباشر تعطيب المعبر أو تعطيب السفينة فيضمن، وبالله تعالى التوفيق * 2114 - مسألة - من استعان صبيا أو عبدا بغير اذن أهله فتلف: حدثنا محمد ابن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم ابن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا اسرائيل عن جابر عن الشعبي أنه قال في رجل أعطى صبيا فرسا فقتله قال يضمن الرجل * وبه إلى وكيع نا سفيان عن أشعث عن الحكم عن ابراهيم قال: من استعان عبدا بغير اذن أهله فعنت فهو ضامن، وعن الشعبي في عبد رجل أكرهه رجل فحمله على دابة فاوطأ رجلا فقتله قال يغرم الذي حمل العمد * قال أبو محمد: من استعان صغيرا حرا أو عبدا فعنت فهو ضامن، ومن استعان كبيرا حرا أو عبدا فعنت فهو غير ضامن * روينا من طريق أبي بكر بن ابي شيبة نا وكيع نا اسرائيل عن جابر عن الشعبي أنه قال في رجل اعطى رجلا فرسا فقتله انه لا يضمن الا أن يكون عبدا أو صبيا * وعن عوف ابن ابي جميلة قال: كان عمر بن حيان الحماني يصنع الخيل وانه حمل ابنه على فرس فخر فتقطر من الفرس فمات فجعلت ديته على عاقلته زمان زياد بالبصرة * وعن بكير بن الاشج أن ابن عمر قال: من حمل غلاما لم يبلغ الحلم بغير اذن أهله فسقط فمات فقد غرم * وعن مجاهد عن ابن عباس مثل قول ابن عمر هذا وقال:
يغرم ديته لو جرحه، وعن ربيعة.
وابي الزناد انهما قالا جميعا: من استعان غلاما لم يبلغ الحلم فهو لما أصابه ضامن، وقالا في الحر يملك نفسه ليس على أحد استعانة شئ إذا أتى ذلك طائعا قال ربيعة: إلا ان يستغفل أو يستجهل قال ابن وهب: وسمعت الليث يقول مثل قول ابي الزناد، وعن قتادة عن خلاس بن عمرو أن علي بن ابي طالب قال في الغلام يستعينه رجل ولم يبلغ خمسة أشبار فهو ضامن حتى يرجع وان استعانه باذن اهله فلا ضمان عليه، وعن ابراهيم النخعي قال: من استعان مملوكا بغير اذن مواليه ضمن * قال ابو محمد: فحصل من هذه الاقوال عن علي بن أبي طالب انه من استعان غلاما لم يبلغ خمسة أشبار بغير اذن اهله فهو له ضامن فان بلغ خمسة اشبار فلا ضمان عليه وان استعانه باذن اهله، وهذا صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن ابن عباس.
وابن عمر رضى الله عنهما من حمل غلاما بغير اذن اهله فسقط فمات فقد غرم الا انه لا يصح عنهما، أما عن ابن عمر فرواه ابن لهيعة وليس بشئ، وأما ابن عباس فرواه(11/14)
عنه يزيد بن عياض وهو مذكور بالكذب، وحصل عن الشعبي من أعطى صبيا فرسا فقتله فالمعطي ضامن، وعن ربيعة.
وأبي الزناد نحو ذلك، وعن حماد بن أبي سليمان نحو ذلك، فلم يفرق هؤلاء بين اذن اهله ولا بين غير اذنهم وحصل من قول الشعبي من استعان عبدا بالغا بغير اذن سيده فلا ضمان عليه ان تلف، وعن الزهري.
وعطاء نحوه، (وأما المتأخرون) فان ابا حنيفة.
وأبا يوسف ومحمد بن الحسن قالوا: من غصب صبيا حرا فمات عنده بحمى أو فجاة فلا شئ عليه فان اصابته صاعقة أو نهشته حية فديته على عاقلة الغاصب وكان زفر يقول: لا يضمن في شئ من ذلك، وقال سفيان الثوري: إذا ارسل صبيا في حاجة فجنى الصبي جناية قال: فليس على الذي ارسله شئ من جنايته قال: فإذا ارسل مملوكا في حاجة فجنى فان الجناية على الذي ارسله، قال فان استعمل اجيرا صغيرا في حاجة فاكله الذئب فلا شئ عليه، وقال الحسن بن حي: من امر صغيرا
أو مملوكا لغيره بأن يسقيه ماءا أو يناوله وضوءا فلا بأس بذلك قال فان عنتا في ذلك فعليه ضمانهما، وقال مالك: الامر الذي عليه الفقهاء منهم ان الرجل إذا استعان صغيرا أو عبدا مملوكا في شئ له بال فانه ضامن لما اصابهما إذا كان ذلك بغير اذن، وإذا أمر الرجل الصبي الحرأن ينزل في بئر أو يرقى في نخلة فهلك في ذلك ان الذي امره ضامن لما اصابه فان استعان كبيرا حرا فاعانه فلا شئ عليه إلا ان يستغفل أو يستجهل * قال أبو محمد: وقد روينا عن مالك ان من غصب حرا فباعه فطلب فلم يوجد انه يضمن ديته، واما الشافعي فلا نعلم له في هذا قولا، وقد روي عن ام سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها انها بعثت إلى معلم الكتاب ابعث لي غلمانا ينفشون صوفا ولا تبعث إلى حرا * قال ابو محمد: فلما اختلفو كما ذكرنا وجب ان ننظر في ذلك ليلوح الحق من ذلك فنتبعة بعون الله تعالى ومنه، فابتدأنا بما روي في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم، فاما الرواية عن ام سلمة رضي الله عنها في طلبها غلمانا ينفشون لها الصوف واشترطت ان لا يكون فيهم حر فليس فيه من حكم التضمين قليل ولا كثير فلا مدخل له في هذا الباب والله اعلم بمرادها، ولعل نفش الصوف كان بحضرتها فكرهت ان يراها حر من الصبيان، ولعله قد قارب البلوغ فلا يحل له ذلك ورؤية العبيد لها مباح ونفش الصوف لا يطيقه إلا من له قوة من الغلمان والله أعلم، ولا نقطع بهذا أيضا إلا أننا نقطع أنه ليس خبرها هذا من حكم التضمين * قال أبو محمد: ثم نظرنا في قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي لم(11/15)
يصح عن صاحب في هذا الباب شئ غيره فوجدناه حد مقدار الصبي في ذلك بخمسة أشبار وقد خالفه الحنيفيون: والمالكيون والشافعيون في ذلك، ومن الباطل أن يحتجوا على خصومهم بقول قد خالفوه هم *
قال أبو محمد: وبقيت الاقوال غيرها وهي تنقسم ثلاثة أقسام، أحدها تضمين من استعان عبدا أو صغيرا بغير اذن أهلهما وترك تضمينه ان استعانهما باذن أهلهما، والثاني تضمينه كيف ما استعانهما باذن أهلهما أو بغير اذنهما، والثالث قول الشعبي ان العبد الكبير لا يضمن من استعانه لكن من استعان الصغير ضمن (1) ثم نظرنا في قول أبي حنيفة.
وأصحابه فوجدناه في غاية الفساد لانه فرق في الصغير يغصب بين أن يموت حتف أنفه أو بحمى أو فجأة فلا يضمن غاصبه شيئا وبين أن يموت بصاعقة تحرقه أو حية تنهشه فيضمن ديته وهذا عجب لا نظير له، وهذا قول لا يعضده قرآن ولا سنة صحيحة ولا مستقيمة ولا اجماع.
ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأي سديد.
ولا معقول.
ولا احتياط، وما نعلم أحدا قال هذا القول قبله، وهذا مما انفرد به فسقط هذا القول بلا مرية، ثم نظرنا في قول مالك فوجدناه أيضا خطأ لانه فرق بين استعانة الصغير والعبد في الامر ذي البال فيضمن ومن استعانهما في الامر غير ذي البال فلا يضمن وهذا أيضا تقسيم لا يؤيده قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا اجماع ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأي سديد (2) ولا معقول، ولا يخلو مستعين الصغير (3) من أن يكون متعديا بذلك أو لا يكون متعديا فان كان متعديا فحكم العدوان في القليل والكثير سواء وان كان ليس متعديا فالقليل والكثير مما ليس عدوانا سواء، وكذلك إيجاب الدية على من باع حرا فلم يوجد الحر فهذا لا وجه له لانه لم يقتله، وأما قول الحسن بن حي فخطأ أيضا لانه لم ير بأسا أن يستسقى المرء الصبي وعبد غيره الماء أو يكلفهما ان يحملا له وضوءا ثم رأى عليه ضمانهما ان تلفا في ذلك فكيف يجعل الضمان فيما حدث من فعل قد أباحه لفاعله مما لم يباشر هو تلك الجناية هذا ظلم ظاهر، وأما قول سفيان فخطأ أيضا من وجوه، أولها أنه فرق بين الرجل يرسل الصغير والعبد لغيره في حاجته بغير اذن أهلهما فجنى كل واحد منهما جناية فيضمن المرسل جناية العبد الكبير ولا يضمنه
جناية الحر الصغير وهو قول لا يعضده شئ من الدلائل، والقول الثاني من أرسل
__________
(1) في النسخة رقم 14 " يضمن " (2) في النسخة رقم 14 صحيح وما هنا أولى (3) في النسخة رقم 45 المستعين للصغير(11/16)
صغيرا في حاجته فأكله الذئب فلا شئ عليه فان استأجرا أجيرا صغيرا في عمل شاق فتلف فيه ضمن وان كان الاجير كبيرا لم يضمن، فهذه فروق لم يأت بها نص ولا اجماع * قال ابو محمد: فنظرنا هل نجد في شئ من هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوجدنا من طريق البخاري نا عمرو بن زرارة نا اسماعيل بن ابراهيم عن عبد العزيز عن أنس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة اخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ان أنسا غلام كيس فليخدمك فخدمته في السفر والحضر فوالله ما قال لي لشئ صنعته لم صنعته هكذا؟ ولا لشئ لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا؟ فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وآله قد استخدم أنس بن مالك وهو يتيم ابن عشر سنين في الاسفار البعيدة والقريبة والغزوات المخيفة وفي الحضر (فان قال قائل): ان ذلك كان باذن أمه وزوجها وأهله قلنا له وبالله تعالى التوفيق: نعم قد كان هذا ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم اني انما استخدمته لاذن أهله لي في ذلك فإذ لم يقل ذلك عليه الصلاة السلام فاذنهم ترك اذنهم على السواء (1) وانما المراعى في ذلك حسن النظر للغلام فان كان ما استعانه في عمله للاجنبي نظرا له فهو فعل خير اذن أهله ووليه أم لم يأذنوا وان كان ليس له نظرا له فهو ظلم اذن أهله في ذلك أم لم يأذنوا * برهان ذلك قول الله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) وقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) ولم يأت بمراعات اذن أهل الغلام لا قرآن ولا سنة صحيحة ولا اجماع فبطل مراعات اذنهم بيقين ولم يبق إلا أن يكون المستعين
بالغلام ناظرا للغلام في تلك الاستعانة أو غير ناظر له فان كان ناظرا له فهو محسن واذ هو محسن فلا ضمان عليه فيما أصابه مما لم يجنه هو لقوله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) وان كان غير ناظر له في ذلك فهو ظالم له ولكن ليس كل ظالم يضمن دية المظلوم ألا تراهم لا يختلفون فيمن ظلمن انسانا حرا يسخره إلى مكان بعيد فتلف هنا لك فانه لا يضمنه الظالم له، ولا فرق هاهنا بين ظلم صغير أو كبير وقد قلنا: انه لادية الا على قاتل والمستعين الظالم لم يتلف المستعان في ذلك العمل فان المستعين له لا يسمى قاتلا له ولا مباشر قتله فلا ضمان عليه أصلا صغيرا كان أو كبيرا الا أن يباشر أو يامر باكراهه وادخاله البئر أو تطليعه في مهواة فيطلع كرها لا اختيار له في ذلك فهذا قاتل عمد عليه القود فظهر امر الصغير وبالله تعالى التوفيق * (واما العبد) يسخره غير سيده فان كان لم يكرهه لكن استعانه برغبة فاعانه فتلف فانه ايضا لم يباشر اتلافه
__________
(1) في النسخة رقم 14 وترك اذنهم سواء(11/17)
ولا ضمه بغصب فلا غرامة فيه أصلا ولكن عليه اجارة مثله لانه انتفع به في ذلك العمل وهو مال غيره فلا يحل له الانتفاع بمال غيره إلا بأذن رب المال قال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام "، فان غصب العبد فاستعمله أو أكرهه بالتهديد فقد غصب أيضا وقد ضمن مغتصبه كل ما أصابه عنده من أي شئ كان وان مات حتف أنفه من غير ما سخره فيه أو مما سخره فيه وعليه مع ذلك أجرة مثله لانه مال تعدى عليه هذا المكره فلزمه رده إلى صاحبه ولابد أو مثله ان فات لانه متعد والله تعالى يقول: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وان كان باذن أهله فلا شئ في ذلك لانه لم يتعد بخلاف الصغير الذي لا اذن لهم فيه إلا فيما هو حظ للصبي فقط والا في غيره سواء وبالله تعالى التوفيق *
مسألة: 2115 في قول الله تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) روينا من طريق أبي بكر بن ابي شيبة نا وكيع نا سفيان الثوري عن خصيف عن مجاهد عن ابن عباس في قول الله تعالى: (انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا) قال من أوبقها (1) (ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا) قال من كف عن قتلها * وبه إلى سفيان عن منصور عن مجاهد: (ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا) قال: من أبحاها من غرق أو حرق فقد احياها * وبه إلى وكيع نا العلاء بن عبد الكريم قال: سمعت مجاهدا يقول: (ومن احياها فكأنما أحيا الناس جميعا) قال: من كف عن قتلها فقد احياها * قال علي: هذا ليس في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ فيسلم له، والرواية عن ابن عباس فيها خصيف وليس بالقوي * قال أبو محمد: وهذا حكم انما كتبه الله تعالى على بني أسرائل ولم يكتبه علينا قال الله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض) الآية، قال علي: فهذا أمر قد كفيناه ولله الحمد إذ لو كتبه الله تعالى علينا لاعلمنا بذلك فله الحمد كثيرا وهذا والله أعلم إذ كتبه الله على بني اسرائيل فهو من الاصر الذي حمله على من قبلنا وامرنا تعالى ان ندعوه في ان لا يحمله علينا إذ يقول تعالى: (ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا) فإذ لم يكتبه الله تعالى علينا فلم نكلف معرفة كيفية الا ان الذي كتب الله تعالى علينا هو تحريم القتل
__________
(1) سقط لفظ " قال من اوبقها " من النسخة رقم 14 وكذلك وجد في النسخة اليمنية(11/18)
والوعيد الشديد فيه ففرض علينا اجتنابه واعتقاد انه من اكبر الكبائر بعد الشرك وهو مع ترك الصلاة أو بعده، ومما كتبه الله تعالى ايضا علينا استنقاذ كل متورط من الموت اما بيد ظالم كافر أو مؤمن متعد أو حية أو سبع أو نار أو سيل أو هدم أو حيوان أو من علة
صعبة نقدر على معاناته منها أو من اي وجه كان فوعدنا على ذلك الاجر الجزيل (1) الذي لا يضيعه ربنا تعالى الحافظ علينا صالح اعمالنا وسيئه، ففرض علينا ان ناتي من كل ذلك ما افترضه الله تعالى علينا.
وان نعلم انه قد أحصى اجرنا على ذلك من يجازي على مثقال الذرة من الخير والشر نسأل الله تعالى التوفيق لما يرضيه بمنه أمين وبالله تعالى نعتصم * مسألة 2116: من شق نهرا فغرق ناسا أو طرح نارا أو هدم بناء فقتل قال علي: من شق نهرا فغرق قوما فان كان فعل ذلك (2) عامدا ليغرقهم فعليه القود والديات من قتل جماعة وان كان شقه (3) لمنفعة أو لغير منفعة وهولا يدري انه لا يصيب به أحدا فما هلك به فهو قاتل خطأ والديات على عاقلته والكفارة عليه لكل نفس كفارة ويضمن في كل ذلك ما اتلف من المال وهكذا القول فيمن القى نارا أو هدم بناءا ولا فرق، وان عمد احراق قوم أو قتلهم بالهدم فعليه القود وان لم يعمد ذلك فهو قاتل خطا ولو ساق ماء فمر على حائط فهدم الماء الحائط فقتل فكما قلنا ايضا سواء سواء ولا فرق لان كل من ذكرنا مباشر لاتلاف ما تلف فان مات أحد بذلك بعد موت الجاني أو تلف به مال بعد موته فلا ضمان في ذلك لان الجناية حدثت بعده ولا جناية على ميت، ولو ان انسانا رمى حجرا أو سهما ثم مات اثر خروج السهم أو الحجر فأصاب الحجر أو السهم انسانا عمده أو لم يعمده فلا ضمان عليه ولا على عاقلته لان الجناية لم تكن الا وهو ممن لا فعل له بخلاف ما خرج خطأ ثم مات لان الجناية قد وقعت وهو حي فلو جن أثر رمي السهم أو الحجر فكموته ولا فرق، وكذلك لو اغمي عليه، واما النائم فبخلاف المغمى عليه والمجنون لانه مخاطب وهما غير مخاطبين الا انه لا عمد له فلو ان نائما انقلب في نومه على انسان فقتله فالدية على عاقلته والكفارة عليه في ماله لانه مخاطب وبالله تعالى التوفيق * 2117 - مسألة - قال علي: وأما من أوقد نارا ليصطلي أو ليطبخ شيئا أو
أوقد سراجا ثم نام فاشتعلت تلك النار فانلفت أمتعة وناسا فلا شئ عليه في ذلك أصلا، وقد جاءت في هذا آثار كما روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع عن شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة.
وحماد بن أبي سليمان عن رجل رمى نارا في دار قوم فاحترقوا
__________
(1) في النسخة رقم 14 الاجر الآجل (2) في النسخة رقم 45 يفعل ذلك (3) في النسخة رقم 14 فسقه(11/19)
قالا جميعا: ليس عليه قود ولا يقتل * وبه إلى وكيع عن عبد العزيز بن حصين عن يحيى بن يحيى الغساني قال: احرق رجل تبنا في فراح له فخرجت شررة من نار فاحرقت شيئا لجاره فكتبت إلى فيه عمربن عبد العزيز فكتب إلى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العجماء جرحها جبار وأرى ان النار جبار * قال علي: صدق رضي الله عنه النار عجماء فهي جبار * قال علي: فنظرنا هل روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ فوجدنا ما ناه أحمد بن محمد ابن عبد الله الطلمنكي قال نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الرقي الصموت نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا سلمة بن شبيب.
وأحمد بن منصور نا عبد الرزاق نا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " النار جبار " * نا عبد الله بن ربيع نا عمر ابن عبد الملك نا محمد بن بكر نا ابو داود نا جعفر بن مسافر نا زيد بن المبارك نا عبد الملك الصنعاني عن معمر عن همام بن منبه عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " النار جبار " * قال علي: وهذا خبر صحيح تقوم به الحجة ولا يحل خلافه فوجب بهذا أن كل ما تلف بالنار فهو هدر الا نارا أتفق الجميع على تضمين طارحها وليس ذلك إلا ما تعمد الانسان طرحها للافساد والاتلاف فهذا مباشر متعد فعليه القود فيما عمد قتله والدية على العاقلة في الخطأ، وأما نار أوقدها غير متعد فهي جبار كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا عموم لا يجوز تخصيصه (1) الا ما خصه نص أو اجماع، ولا اجماع إلا فيما ذكرنا من القصد وبالله تعالى التوفيق *
- 2118 - مسألة - ما جاء في الرجل * قال علي: جاء في الرجل أثر نذكره ونذكر ما قيل فيه ان شاء الله تعالى * نا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا عبد الله بن عبد الله بن اسد الباهلي نا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الرجل جبار " * نا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود نا عثمان بن أبي شيبة نا محمد بن يزيد نا سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الرجل جبار " قال أبو محمد: وجاء هذا أيضا عن بعض السف كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا اسماعيل بن اسحق النصري نا عيسى بن حبيب نا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري نا جدى محمد بن عبد الله بن يزيد نا سفيان بن عيينة نا أبو فروة - هو عروة بن الحارث - عن الشعبي قال: الرجل جبار * قال علي: فقال قوم: سفيان بن حسين ضعيف في الزهري، قال علي: وما ندري وجه هذا(11/20)
وسفيان بن حسين ثقة فمن ادعى عليه خطأ فليبينه وإلا فروايته حجة، وهذا اسناد مستقيم لاتصال الثقات فيه * قال أبو محمد: فاختلف الناس في هذا الخبر فقالت طائفة: معنى الرجل جبار انما هو ما أصابت الدابة برجلها، وقال آخرون: هو ما أصيب بالرجل عن غير قصد في الطواف وغيره * قال علي: وكلا التفسيرين حق لانهما موافقان للفظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يخص أحدهما دون الآخر لانه تخصيص بلا برهان (ودعوى) (1) بلا دليل فصح أن كل ما جنى برجل من انسان أو حيوان فهو هدر لا غرامة فيه ولا قود ولا كفارة الا ما صح الاجماع به بانه محكوم فيه بالقود كالتعمد لذلك وبالله تعالى التوفيق * 1119 مسألة: الجاني يستقاد منه فيموت أحدهما، قال علي: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: إذا مات المستقيد فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج قلت لعطاء: رجل استقاد من رجل قبل أن يبرأ ثم مات المستقيد من الذي أصابه قال أرى: أن يودى قلت: فمات المستقاد منه قال: أرى أن يودى قال ابن جريج: قال عمرو بن دينار: أظن أنه سيؤدى * وعن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: لو أن رجلا استقاد من آخر ثم مات المستقاد منه غرم ديته * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر.
وابن جريج عن ابن شهاب قال: السنة أن يودى - يعني المستقاد منه - * وبه إلى معمر عن الزهري في رجل أشل أصبع رجل قال يستقيد منه فان شلت اصبعه والا غرم له الدية * وعن عبد الرزاق عن هشيم عن أبي اسحاق الشيباني أو غيره شك عبد الرزاق في ذلك عن الشعبي في رجل جرح رجلا فاقتص منه ثم هلك المستقاد قال: عقله على المستقاد منه ويطرح عنه دية جرحه من ذلك فما فضل فهو عليه * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن شبرمة عن الحارث العقيلي في الذي يستقاد منه ثم يموت قال: يغرم ديته لان النفس خطأ، وعن ابراهيم النخعي عن علقمة أنه قال في المقتص منه أيهما مات ودى * ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة قال: استأذنت زياد بن جرير في الحج فسألني عن رجل شج رجلا فاقتص له منه فمات المقتص منه فقلت عليه الدية ويرفع عنه بقدر الشجة ثم نسيت ذلك فجاء ابراهيم فسألته فقال عليه الدية قال شعبة: فسالت الحكم وحمادا عن ذلك فقالا جميعا: عليه الدية، وقال حماد ويرفع عنه بقدر الشجة، وقال أبو حنيفة.
وسفيان الثوري.
وابن أبي ليلى: إذا اقتص من يد أو شجة فمات المقتص منه فديته على عاقلة المقتص له، وقد روى ذلك عن(11/21)
ابن مسعود وعن ابراهيم النخعي عن ابن مسعود * قال أبو محمد: الذي يقتص منه ديته غير أنه يطرح عنه دية جرحه، وقال آخرون: لا شئ في هلاك المتقص منه كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله
ابن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن المسيب قال قال عمر بن الخطاب في الرجل يموت في القصاص قتله كتاب الله تعالى أو حق لا دية له * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة نا قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي بن أبي طالب.
وعمر بن الخطاب قالا جميعا: من مات في قصاص أو حد فلا دية له * وبه إلى قتادة عن الحسن من مات في قصاص أوحد فلا دية له * ومن طريق ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا مسعر بن كدام.
وسفيان عن أبي حصين عن عمير بن سعد قال قال علي بن أبي طالب: ماكنت لاقيم على رجل حدا فيموت فأجد في نفسي منه شيئا إلا صاحب الخمر لو مات وديته * وعن الحسن البصري عن الاحنف بن قيس عن عمر بن الخطاب.
وعلي بن أبي طالب قالا جميعا في المتقص منه يموت قالا جميعا: قتله الحق ولا دية له * وعن سعيد بن المسيب مثل ذلك قتله الحق لا دية له، وعن أبي سعيد أن أبا بكر.
وعمر قالا: من قتله حد فلا عقل له، قال ابن وهب: وأخبرني الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد الانصاري أنه قال: من استقيد منه بمثل ما دخل على الناس منه فقتله القود فليس له عقل ولو أن كل من استقيد منه من حق قبله للناس فمات منه أغرمه المستقيد رفض الناس حقوقهم قال ابن وهب قال يونس قال ربيعة: ان مات الاول وهو المقتص قتل به الجارح المقتص منه وان مات الآخر وهو المقتص منه فبحق أخذ منه كان منه التلف وبه يقول مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة.
والشافعي.
وأبو يوسف.
ومحمد بن الحسن.
وابو سليمان * قال أبو محمد: فهذه ثلاثة أقوال، أحدها أنه ان مات المقتص ودى وان مات المقتص منه ودى ورفع عنه قدر جنايته وهو قول روى عن ابن مسعود كما أوردنا عن ابراهيم النخعي.
والشعبي.
وحماد بن أبي سليمان وبه يقول عثمان البتي.
وابن أبي ليلى، وقول آخر أنه يودى ولا يرفع عنه لجنايته شئ وهو قول عطاء.
وطاوس
وروى أيضا عن الحكم بن عتيبة وهو قول الزهري.
وعن عمرو بن دينار.
وأبي حنيفة.
وسفيان الثوري، وقول ثالث انه لا دية للمقتص منه، وروي عن أبي بكر.
وعمر رضي الله عنهما وصح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو قول الحسن.(11/22)
وابن سيرين.
والقاسم.
وسالم.
وسعيد بن المسيب.
ويحيى بن سعيد الانصاري.
وربيعة وهو قول مالك.
والشافعي.
وأبي يوسف.
ومحمد بن الحسن.
وأبي سليمان * قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الحق فنتبعه بعون الله تعالى فوجدنا من قال: انه يودي جملة فاما يرفع عنه بقدر جنايته وأما لا يرفع عنه بقدر جنايته يقولون: إن الله تعالى انما أوجب على القاطع والجارح والكاسر والفاقئ والضارب القود مما فعلوا فقط ولم يوجب عليهم قتلا فدماؤهم محرمة ولا خلاف في أن المقتص من شئ من هذا لو تعمد القتل للزمه القود فإذ هو كذلك فمات المقتص منه مما فعل به بحق فقد أصيب دمه خطأ ففيه الدية، وقالوا أيضا: ان من أدب امرأته فماتت ففيها الدية وهو انما فعل مباحا فهذا المقتص منه وان مات من مباح ففيه الدية * قال علي: ما نعلم لهم حجة غير هاتين فنظرنا في قول من أسقط الدية في ذلك فكان من حجتهم ان قالوا: ان القصاص مأمور به ومن فعل ما أمر به فقد أحسن واذ أحسن فقد قال الله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) واذ لا سبيل عليه فلا غرامة تلحقه ولا على عاقلته من أهله، وأما قياس المقتص على موت امرأته فالقياس باطل ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل لوجهين، أحدهما أنه قياس مموه وذلك من أدب امرأته فلا يخلو من أن يكون متعديا وضع الادب في غير موضعه أو غير متعد فان كان متعديا ففيه القود وان كان وضع الادب موضعه فلا سبيل إلى أن يموت من ذلك الادب الذي أبيح له إذ لم يبح له قط أن يؤدبها أدبا يمات من مثله ومن أدب هذا النوع من الادب
فهو ظالم متعد و القول عليه في النفس فما دونها لانه لا يجوز لاحد أن يجلد في غير حد أكثر من عشر جلدات على ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روينا من طريق البخاري نا عبد الله بن يوسف نا الليث بن سعد حدثني يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الاشج عن سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن جابر عن عبد الله عن أبي بردة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله تعالى " قالوا: فلم يبح له في العدد أكثر من عشر جلدات ولا أبيح له جلدها بما يكسر عظما ويجرح جلدا أو يعفن لحما لان كل هذا هو غير الجلد ولم يبح له إلا الجلد وحده، وبيقين يدري كل ذي حس سليم ان عشر جلدات لامرأة صحيحة غير مريضة ولا ضعيفة ولا سغيرة لا تجرح ولا تكسر وانه لا يموت منها أحد فان وافقت منية في خلال ذلك أو بعده فبأجلها ماتت ولا دية في ذلك ولا قود لاننا على يقين من(11/23)
أنها لم تمت من فعله أصلا وان تعدى في العدد أو ضرب بما يكسر أو يجرح أو يعفن فعفن أو جرح أو كسر فالقود في كل ذلك في العمد في النفس فما دونها والدية فيما لم يعمده وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: وأما قولهم: ان المقتص منه إنما أبيح عضوه أو بشرته ولم يبح دمه فصح أنه ان مات من ذلك فانه مقتول خطأ ففيه الديه فان هذا قول (1) غير صحيح لان القصاص الذي أمر الله تعالى بأخذه لا يخلو من أحد وجهين اما أن يكون مما يمات من مثله كقطع اليد أو شق الرأس أو كسر الفخذ أو غير ذلك أو يكون مما لا يمات من مثله كاللطمة وضربة (2) السوط ونحو ذلك، فان كان مما يمات من مثله فذلك الذي قصد فيه لانه قد تعدى بما قد يمات من مثله فوجب أن يتعدى عليه بما قد يمات من مثله فان مات فعلى ذلك بنى فيه وعلى ذلك بني هو فيما تعدى فيه والوجه الذي مات منه أمرنا الله تعالى أن نتعمده فيه فإذ ذلك كذلك فليس عدوانا،
واذ ليس عدوانا عليه فلا قود ولا دية لانه لم يقتل خطأ فان مات من عمد أمرنا الله تعالى أن نتعمده فيه ولم يكلفنا أن لا يموت من ذلك، ولو أن الله تعالى أراد ذلك لما أهمله ولا أغفله ولا ضيعه فإذ لم يبين لنا تعالى ذلك فبيقين ندري أنه تعالى لم يرده قط وان كان الذي اقتص به منه مما لا يمات منه أصلا فوافق منيته فانما مات بأجله ولم يمت مما عمل به فلا قود ولادية فان تعمد المقتص فتعدى على المقتص منه ما لم يبح له فهو متعد وعليه القود في النفس فما دونها وان أخطأ فأتى بما لم يبح له عمله فهو خطأ الدية على عاقلته وعليه الكفارة في النفس وبالله تعالى التوفيق * 2120 مسألة: من أفزعه السلطان فتلف قال علي: روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن مطر الوراق وغيره عن الحسن قال: أرسل عمر إلى امرأة مغنية كان يدخل عليها فأنكر ذلك فقيل لها أجيبي عمر فقالت: يا ويلها مالها ولعمر قال فبينما هي في الطريق فزعت فضمها الطلق فدخلت دارا فألقت ولدها فصاح الصبي صيحتين فمات فاستشار عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فشار عليه بعضهم ان ليس عليك شئ انما أنت وال ومؤدب قال: وصمت علي فاقبل عليه عمر فقال: ما تقول؟ فقال ان كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم وان كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك أرى أن ديته عليك لانك أنت فزعتها وألقت ولدها في سبيلك فامر عليا أن يقسم عقله على قريش يعني يأخذ عقله من قريش لانه اخطأ *
__________
(1) في النسخة رقم 45 " الدية فهذا قول " (2) في النسخة رقم 14 وضرب(11/24)
قال أبو محمد: فالصحابة رضي الله عنهم قد اختلفوا فالواجب الرجوع إلى ما أمر الله تعالى به بالرجوع إليه عند التنازع إذ يقول تعالى (1): (فان تنازعتم في شئ فروده إلى الله والرسول) الآية فوجدنا الله تعالى يقول: (كونوا قوامين بالقسط) * (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف) الآية،
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع فان لم يستطع فبلسانه " فصح أن فرضا على كل مسلم قدر على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومن المحال أن يفترض الله تعالى على الائمة أو غيرهم أمرا ان لم يعلموه عصوا الله تعالى ثم يؤاخذهم في ذلك ووجدنا هذه المبعوث فيه بعث فيها بحق ولم يباشر الباعث فيها شيئا أصلا فلا شئ عليه وانما كان يكون عليه دية ولدها لو باشر ضربها أو نطحها، وأما إذا لم يباشر فلم يجن شيئا أصلا ولا فرق بين هذا وبين من رمى حجرا إلى العدو ففزع من هويه انسان فمات فهذا لا شئ عليه وكذلك من بنى حائطا فانهدم ففزع انسان فمات وبالله تعالى التوفيق * 2121 مسألة: من سم طعاما لانسان ثم دعاه إلى أكله فأكله فمات، قال علي: ذهب قوم إلى أن من سم طعاما وقدمه إلى انسان وقال له: كل فأكل فمات فان عليه القود وهو قول مالك، وقال آخرون: ليس عليه القود لكن على عاقلته الدية، وقال آخرون: لا قود فيه ولا دية ولا كفارة وإنما عليه ضمان الطعام الذي أفسد ان كان لغيره والادب الا أن يوجره إياه فعليه القود وهو قول أصحابنا، ولم يختلف قول الشافعي في إيجاره إياه وهو يدري انه يقتل أن فيه القود وله فيه إذا لم يوجره إياه قولان، أحدهما كقول مالك، والاخر كقول أصحابنا * قال علي: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك [ لعل ] (1) في ذلك سنة جرت؟ فوجدنا ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا مخلد بن خالد نا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أن أم مبشر قالت للنبي (2) صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه مانتهم بك يا رسول الله فاني لا أتهم بابني إلا الشاة المسمومة التي أكل معك بخيبر قال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا لا أتهم بنفسي إلا ذلك فهذا أو ان قطع أبهري " قال أبو داود، وربما حدث عبد الرزاق بهذا الحديث مرسلا عن معمر عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما حدث به عن الزهري عن عبد الرحمن
__________
(1) في النسخة رقم 14 فقال تعالى (1) في النسخة رقم 45 جاءت النبي صلى الله عليه وسلم (2) الزيادة من النسخة رقم 45(11/25)
ابن كعب وذكر عبد الرزاق أن معمرا كان يحدثهم بالحديث مرة مرسلا فيكتبونه ويحدثهم مرة فيسنده فيكتونه، فلما قدم عليه ابن المبارك أسند له معمر أحاديث كان يوقفها * وبه إلى أبي داود نا أحمد بن حنبل نا ابراهيم بن خالد نا رباح عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أمه أم مبشر قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر معنى حديث مخلد بن خالد قال ابن الاعرابي: هكذا قال عن أمه وانما الصواب عن أبيه * وبه إلى أبي داود نا سليمان بن داود المهري نا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: كان جابر بن عبد الله يحدث " أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة ثم ساق القصة بطولها وفيها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: أسممت هذه الشاة؟ قالت: نعم فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها، وتوفى بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة " * به إلى أبي داود نا هرون بن عبد الله نا سعيد ابن سليمان نا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب.
وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة " ان امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة " * وبه إلى ابي داود نا يحيى بن حبيب بن عدي نا خالد بن الحارث نا شعبة نا هشام بن زيد عن انس بن مالك " ان امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجئ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك؟ فقالت: أردت لاقتلك قال: ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال علي فقالوا: ألا تقتلها؟ قال: لا قال أنس فما زلت أعرفها في لهواة رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: فجاءت هذه الآثار الصحاح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمت له اليهودية لعنها الله شاة واهدتها له مريدة بذلك قتله فاكل منها عليه السلام وقوم من اصحابه (1) فماتوا من ذلك، وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تقتلها؟ قال: لا فكانت هذه حجة قاطعة وأن لا قود
على من سم طعاما لا حد مريدا قتله فاطعمه إياه [ فمات منه ] (2) ولا دية عليه ولا على عاقلته ولا شئ، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبطل دم رجل من اصحابه قد وجب فيه قود أو دية فنظرنا هل للطائفة الاخرى اعتراض ام لا فوجدنا ما حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا ابو داود نا وهب بن بقية عن خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة " قال ابو داود: ونا وهب ابن بقية.
في موضع آخر عن خالد عن محمد بن عمرو عن ابي سلمة لم يذكر ابا هريرة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة زاد فاهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية سمتها فاكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها واكل القوم فقال: ارفعوا أيديكم فانها
__________
(1) في النسخة رقم 45 من الصحابة (2) الزيادة من النسخة رقم 45(11/26)
أخبرتني انها مسمومة فمات بشر بن البراء بن معرور الانصاري فارسل إلى اليهودية ما حملك على الذي صنعت؟ قالت: ان كنت نبيا لم يضرك وان كنت ملكا ارحت الناس معك فامر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت ثم قال في وجعه الذي مات منه فما زلت أجد من الاكلة التي أكلت بخيبر فهذا أوان قطع أبهري " * وما حدثناه احمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدى قاسم بن أصبغ نا محمد بن ابراهيم بن نعمان لقيته بقيروان افريقية ثنا ابراهيم بن موسى البزاز أو البزار شك قاسم بن أصبغ نا أبو همام نا عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها " يعني التي سمته * قال أبو محمد: فنظرنا في هذه الرواية (2) فوجدناها معلولة، أما رواية وهب ابن بقية فانها مرسلة ولم يسند منها وهب في المرة التي أسند الا انه صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فقط، وأما سائر الخبر فانه أرسله ولا مزيد هكذا في نص الخبر الذي أوردنا لما انتهى إلى آخر لفظه " ولا يأكل الصدقة " قال: وزاد فأتى بخبر الشاة مرسلا فقط ولا حجة في مرسل، وأما رواية قاسم فانها عن رجال مجهولين ابن نعمان القيرواني لا نعرفه.
وابراهيم
ابن موسى البزاز كذلك.
وأبو همام كثير لا ندري أيهم هو، وسعيد بن سليمان يروي من طريق عباد بن العوام مسندا إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعرض لليهودية التي سمته وهذا القيرواني يروي من طريق عباد بن العوام أنه عليه الصلاة والسلام قتلها فسقطت هذه الرواية جملة لجهالة ناقليها، ثم لو صحت لما كان فيها حجة لانها عن أبي هريرة كما أوردنا، وقد صح عن ابي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم لم يعرض لها، وكانت الرواية لو صحت وهي لا تصح مضطربة عن ابي هريرة مرة انه قتلها ومرة انه لم يعرض لها فلو صحت الرواية عن أبي هريرة في انه عليه الصلاة والسلام قتلها كما قد صح عن أبي هريرة انه عليه الصلاة والسلام لم يعرض لها لكان الكلام في ذلك لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها، اما أن تترك الروايتان معالتعا رضهما ولان احداهما وهم بلا شك لانها قصة واحدة في امرأة واحدة في سبب واحد، ويرجع إلى رواية من لم يضطرب عنه وهما جابر.
وأنس اللذان اتفقا على أنه عليه الصلاة والسلام لم يقتلها فهذا وجه، والوجه الثاني وهو ان تصح الروايتان معا فيكون عليه الصلاة والسلام لم يقتلها إذ سمته من أجل انها سمته فتصح هذه عن ابي هريرة وتكون موافقة لرواية جابر.
وأنس بن مالك ويكون عليه الصلاة والسلام قتلها لامر آخر والله أعلم به، أو يكون الحكم على وجه ثالث وهو أصح الوجوه وهو ان قول أبي هريرة رضي الله عنه قتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله لم يعرض لها رسول
__________
(1) في النسخة رقم 45 من هذه المسألة وهو تحريف(11/27)
الله صلى الله عليه وسلم انهما جميعا لفظ ابي هريرة لا يبعد الوهم عن الصاحب، وحديث أنس هو لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا يقره ربه تعالى على الوهم ولا على الخطا في الدين أصلا، وهذا ان انسانا ذكر أنه قبل له يارسول الله ألا تقتلها؟ فقال: لا فهذا هو المغلب المحكوم به الذي لا يحل خلافه فصح ان من أطعم آخر سما فمات منه أنه لا قود عليه ولا دية عليه ولا على عاقلته لانه لم يباشر فيه شيئا أصلا بل الميت
هو المباشر في نفسه، ولا فرق بين هذا وبين من غر آخر يوري له طريقا (1) أو دعاه إلى مكان فيه أسد فقتله، وقد صح الخبران رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوجب على الذي سمته وأصحابه فمات من ذلك السم بعضهم قودا ولا دية فبطل النظر مع هذا النص، ووجه آخر وهو انه لا يطلق على من سم طعاما لآخر فاكله ذلك المقصود فمات انه قتله إلا مجازا لا حقيقة، ولا يعرف في لغة العرب انه قاتل وانما يستعمل هذا العوام وليس الحجة الا في اللغة وفي الشريعة وبالله تعالى التوفيق * (وأما إذا أكرهه وأوجره (2) السم) أو أمر من يوجره فهو قاتل بلا شك ومباشر لقتله ويسمى قاتلا في اللغة وفي الاثر كما نا حمام حدثنا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك ابن ابمن نابكر بن حماد نا مسدد نا أبو عوانة عن الاعمش عن أبي صالح عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا فيها مخلدا أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا فيها مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردي في نار جهنم خالدا فيها مخلدا أبدا " * قال علي: فقد سمي رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب السم ليموت به قاتلا لنفسه فوجب أن يكون عليه القود وظهر خطأ من أسقط ههنا الوقود وبالله تعالى التوفيق * 2122 مسألة أحكام الجنين * قال علي: في الجنين احكام وهي ما في الجنين من الغرامة وما في صفة الجنين (3) وحكمه قبل نفخ الروح فيه أو بعد نفخه فيه والمرأة تولد على نفسها الاسقاط وان كان الجنين أكثر من واحد وان خرج حيا ثم مات والمجني عليها تلقى الجنين بعد موتها وامرأة داوت بطن حامل فالقت جنينا وهل في الجنين كفارة أم لا وجنين الامة وجنين الكتابية خرج بعض الجنين ولم يخرج كله.
وجنين الدابة، ونحن ان شاء الله تعالى ذاكرون كل ذلك بابا بابا، وبالله تعالى التوفيق * 2123 مسألة الحامل تقتل * قال علي: ان قتلت حامل بينة الحمل فسواء طرحت *
__________
(1) في النسخة رقم 45 " فاراه طريقا " (2) هو من الوجور - بفتح الواو وزان رسول -
الدواة يصب في الحلق (3) في النسخة رقم 14 وما صفة الجنين(11/28)
جنينها ميتا أو لم تطرحه فيه غرة ولا بد لما ذكرنا من انه جنين اهلك، وهذا قد اختلف الناس فيه كما نا حمام نا عبد الله بن محمد بن على الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقى بن مخلد نا ابو بكر بن ابي شيبة نا عبد الاعلى عن معمر عن الزهري انه كان يقول: إذا قتلت المرأة وهي حامل قال: ليس في فجنينها شئ حتى تقذفه وبهذا يقول مالك * قال علي: لم يشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين القاءه ولكنه قال عليه الصلاة والسلام في الجنين غرة عبد أو أمة كيف ما أصيب القى أو لم يلق ففيه الغرة المذكورة، وإذا قتلت الحامل فقد تلف جنينها بلا شك وبالله تعالى التوفيق * 2124 مسألة هل في الجنين كفارة أم لا؟ قال علي: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريح قال قلت لعطاء: ما على من قتل من لم يستهل؟ قال: أرى أن يعتق أو يصوم * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في رجل ضرب امرأته فاسقطت قال: يغرم غرة وعليه عتق رقبة ولا يرث من تلك الغرة شيئا هي لوارث الصبي غيره * وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة عن ابراهيم النخعي قال في المرأة تشرب الدواء أو تستدخل الشئ فيسقط ولدها قال: تكفر وعليها غرة * قال أبو محمد: فطلبنا هل لاهل هذا القول حجة ام لا فوجدناهم يذكرون ما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن عمر بن ذر قال: سمعت مجاهدا يقول: مسحت امرأة بطن امرأة حامل فاسقطت جنينا فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمرها أن تكفر بعتق رقبة يعني التي مسحت * قال علي: هذه رواية عن عمر رضى الله عنه ولا يعرف له في هذا مخالف من الصحابة رضى الله عنهم، وعهدنا بالحنيفيين.
والمالكيين والشافعيين يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم، وهذا حكم امام - وهو عمر بن الخطاب رضى الله عنه - بحضرة الصحابة
لا يعرف انه أنكره أحد منهم وهم إذا وجدوا مثل هذا طاروا به وشنعوا على خصومهم مخالفته وهم كما ترى قد استسهلوا خلافه ههنا وقد جعلوا حكما مأثورا عن عمر في تنجيم الدية في ثلاث سنين لا يصح عنه أصلا حجة ينكرون خلافها وجعلوا حكمه بالعاقلة على الدواوين حجة ينكرون خلافها ولم يجعلوا ايجابه ههنا الكفارة على التي مسحت بطن حامل فالقت جنينا ميتا بعتق رقبة حجة ههنا يقولون بها وهذا تحكم في الدين لا يستحله ذو ورع وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: أما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وان لم يأت بايجاب الكفارة في ذلك نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على العموم فلا(11/29)
يجوز أن يطلق على العموم القول بها لكنا نقول وبالله تعالى التوفيق: ان الله تعالى يقول: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقية مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى: (خلقت عبادي كلهم حنفاء) وقال تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على هذه الملة " وقد ذكرناه قبل باسناده فكل مولود فهو على الفطرة وعلى ملة الاسلام، فصح ان من ضرب حاملا فاسقطت جنينا فان كان قبل الاربعة الاشهر قبل تمامها فلا كفارة في ذلك لكن الغرة واجبة فقط لان رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بذلك ولم يقتل أحدا لكن أسقطها جنينا فقط واذ لم يقتل أحدا لا خطأ ولا عمدا فلا كفارة في ذلك إذ لا كفارة الا في قتل الخطأ ولا يقتل الا ذو روح وهذا لم ينفخ فيه الروح بعد وان كان بعد تمام الاربعة الاشهر وتيقنت حركته بلا شك وشهد بذلك أربع قوابل عدول فان فيه غرة عبدا أو أمة فقط لانه جنين قتل فهذه هي ديته والكفارة واجبة بعتق رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لانه قتل مؤمنا خطأ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الروح ينفخ فيه بعد مائة ليلة وعشرين ليلة، وقد
ذكرناه قبل وهذا نص القرآن، وقد وافقنا عليه عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فان قال قائل: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوجب ها هنا كفارة قلنا: لم يأت لها ذكر في حديث الجنين وليست السنن كلها مأخوذة من آية واحدة ولا من سورة واحدة ولا من حديث واحد، واذ أوجب الله تعالى في قتل المؤمن خطأ كفارة.
وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تعالى خلق عباده حنفاء كلهم فهو إذ خلق الله فيه الروح فهو مؤمن حنيف بنص القرآن ففيه الكفارة، وهذه الآية زائدة شرع على ما في حديث الجنين، وأوامر الله تعالى مقبولة كلها لا يحل رد شئ لشئ منها أصلا، ومن خالف هذا فقد عصى الله تعالى فيما أمر به، فان قيل: فأوجبوا فيه حينئذ مائة من الابل إذ هي الدية عندكم قلنا وبالله تعالى التوفيق: لا يجوز هذا لان الله تعالى انما قال فدية مسلمة إلى أهله ولم يبين لنا تعالى في القرآن مقدار تلك الدية لكن وكل تعالى ذلك إلى بيان رسوله صلى الله عليه وسلم ففعل عليه الصلاة والسلام فبين لنا صلى الله عليه وسلم ان دية من خرج إلى الدنيا فقتل مائة من الابل في الخبر الثابت إذ ودى بذلك عبد الله بن سهل رضى الله عنه، وبين لنا عليه الصلاة والسلام ان دية الجنين بنص لفظه عليه الصلاة والسلام غرة من العبيد أو الاماء وسماه دية كما أوردناه آنفا من طريق أبي هريرة رضى الله عنه بأصح اسناد يكون فكانت الدية مختلفة لبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك(11/30)
لنا وكانت الكفارة واحدة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين أحكام الكفارة في ذلك فلو أراد الله تعالى أن يكون حكم الكفارات في ذلك مختلفا لبين لنا ذلك على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذ لم يفعل ذلك فما أراد الله تعالى قط أن يختلف حكم شئ من ذلك * وهذه أمور ضرورية لا يسع أحدا مخالفتها وانما احتجنا إلى شهادة القوابل ليثبت عندنا أنها قد تجاوزت أربعة أشهر مائة وعشرين ليلة تامة والا فلو علمنا أنها قد تجاوزتها بما قل أو كثر لما احتجنا إلى شهادة أحد بالحركة لان أوثق
الشهود وأصدق الناس وأثبت العدول شهد عندنا أن الروح ينفخ فيه بعد المائة وعشرين ليلة فما يحتاج بعد شهادته عليه الصلاة والسلام إلى شهادة أحد والحمد لله رب العالمين (فان قال قائل): فما تقولون فيمن تعمدت قتل جنينها وقد تجاوزت مائة ليلة وعشرين ليلة بيقين فقتلته أو تعمد أجنبي قتله في بطنها فقتله فمن قولنا: أن القود واجب في ذلك ولابد ولا غرة في ذلك حينئذ إلا أن يعفى عنه فتجب الغرة فقط لانها دية ولا كفارة في ذلك لانه عمد وانما وجب القود لانه قاتل نفس مؤمنة عمدا فهو نفس بنفس وأهله بين خيرتين اما القود واما الدية أو المفادات كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن قتل مؤمنا وبالله تعالى التوفيق * 2125 - مسألة - المرأة تتعمد اسقاط ولدها * قال علي: نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا احمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد ابن سلمة عن الحجاج عن عبدة الضبي أن امرأة كانت حبلى فذهبت تستدخل فالقت ولدها فقال ابراهيم النخعي: عليها عتق رقبة ولزوجها عليها غرة عبد أو أمة * نا محمد بن سعيد ابن نبات نا عبد العزيز بن نصر نا قاسم ابن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي أنه قال في امرأة شربت دواء فاسقطت قال: تعتق رقبة وتعطى أباه غرة * قال أبو محمد: هذا أثر في غاية الصحة، قال علي: ان كان لم ينفخ فيه الروح فالغرة عليها وان كان قد نفخ فيه الروح فان كانت لم تعمد قتله فالغرة أيضا على عاقلتها والكفارة عليها وان كانت عمدت قتله فالقود عليها أو المفاداة في مالها، فان ماتت هي في كل ذلك قبل القاء الجنين ثم القته فالغرة واجبة في كل ذلك في الخطأ على عاقلة الجاني هي كانت أو غيرها وكذلك في العمد قبل أن ينفخ فيه الروح وأما ان كان قد نفخ فيه الروح فالقود على الجاني ان كان غيرها وأما ان كانت هي فلاقود ولا غرة ولا شئ لانه لا حكم على ميت وما له قد صار لغيره وبالله تعالى التوفيق *(11/31)
2126 مسألة فيمن القت جنينين فصاعدا، قال علي: حدثنا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقى بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا معن بن عيسى عن ابن ابي ذئب عن الزهري في امرأة ضربت فاسقطت ثلاثة اسقاط قال: أرى ان في كل واحد منهم غرة كما ان في كل واحد منهم الدية * ومن طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن يونس بن يزيد ان ربيعة قال في امرأة ضربت فالقت جنينين انه يدى كل واحد منهما بغرة عبد أو أمة، وقال الزهري: ان اسقطت ثلاثة ففي كل واحد منهم غرة تبين خلقه أو لم يتبين انه حمل * وبه إلى ابن وهب أخبرني الليث بن سعد الانصاري انه قال في الجنين إذا طرح ميتا غرة عبد أو وليدة فان كانا اثنين ففيهما غرتان * قال على: وبهذا نقول لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " دية جنينها عبد أو أمة وكل جنين ولو انهم عشرة فهو جنين لها ففي كل جنين غرة عبد أو أمة فلو قتلوا بعد الحياة ففي كل واحد دية وكفارة، وبالله تعالى التوفيق * 2127 - مسألة - من يرث الغرة؟ قال علي: اختلف الناس فيمن تجب له الغرة الواجبة في الجنين * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن المغيرة عن ابراهيم النخعي في امرأة شربت دواء فاسقطت؟ قال: تعتق رقبة وتعطى أباه غرة * نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب انه سئل في رجل ضرب امرأته فاسقطت لمن دية السقط؟ قال: بلغنا في السنة ان القاتل لا يرث من الدية شيئا فديته على فرائض الله تعالى ليس للذي قتله من ذلك شئ وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة.
وأبي حنيفة.
ومالك.
والشافعي * وقال آخرون: غير ذلك كمانا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا محمد بن قيس عن الشعبي أنه قال في رجل ضرب امرأته حتى أسقطت
قال الشعبي: عليه غرة يرثها يديه، وبهذا القول يقول أبو سليمان.
وجميع أصحابنا * قال علي: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق من ذلك فنتبعه فنظرنا في قول من رأى ان الغرة موروثة كمال تركه الميت فوجدناهم يقولون ان الغرة دية فهي كحكم الدية والدية قد صح انها موروثة على فرائض المواريث فالغرة كذلك وقالوا: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد ما يجب في الجنين عما يجب في أمه فجعل في الام دية.
وجعل في الجنين غرة فصح ان حكم الغرة كحكم دية النفس لا كحكم دية الاعضاء، وقالوا: قد صح الاتفاق على أن امرأ لو جنى عليه ما يوجب دية فمات فانه(11/32)
موروثة عنه فكذلك الجنين فيما وجب في الجناية له، وقالوا: لو كان واجبا أن تكون للام لوجب إذا جنى عليها فماتت ثم القت جنينا أن لا يجب فيه شئ لان الميت لا يستحق شيئا بعد موته * قال أبو محمد: هذا كل ما احتجوا به لا نعلم لهم حجة غير هذا، وكل هذا ليس لهم فيه حجة لما نذكره ان شاء الله تعالى، أما قولهم: ان الغرة دية فهي كحكم الدية وقد صح أن الدية.
موروثة على فرائض المواريث فالغرة كذلك فان هذا قياس والقياس كله فاسد، ثم لو صح القياس يوما ما لكان هذا منه باطلا لان حكم القياس عند القائلين به انما يرونه فيما عدم فيه النص لا فيما فيه النص، وأما النص فانما جاء في الدية الموروثة فيمن قتل عمدا أو خطأ لا فيمن لم يقتل أحدا، والجنين الذي لم ينفخ فيه الروح لم يقتل قط فقياس دية من لم يقتل على دية من قتل باطل لو كان القياس حقا لانه قياس الشئ على ضده فبطل هذا القياس وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: وأما نحن فان القول عندنا وبالله تعالى نتأيد هو أن الجنين ان تيقنا أنه قد تجاوز الحمل به مائة وعشرين ليلة فان الغرة موروثة لورثته الذين كانوا يرثونه لو خرج حيا فمات على حكم المواريث وان لم يوقن أنه تجاوز الحمل به مائة ليلة وعشرين
ليلة فالغرة لامه فقط * برهاننا على ذلك ان الله تعالى قال: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين " فذكر عليه الصلاة والسلام القود أو الدية أو المفادات على ما ذكرنا قبل فصح بالقرآن والسنة أن دية القتيل في الخطأ والعمد مسلمة لاهل القتيل والقتيل لا يكون إلا في حي نقله القتل عن الحياة إلى الموت بلا خلاف من أهل اللغة التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجنين بعد مائة ليلة وعشرين ليلة حي بنص خبر الرسول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم واذ هو حي فهو قتيل قد قتل بلا شك واذ هو قتيل بلا شك فالغرة التي هي ديته واجبة ان تسلم إلى أهله بنص القرآن وقد اتفقت الامة على أن الورثة الذين يسلم لهم الدية انهم يقتسمونها على سنة المواريث بلا خلاف، و أما إذا لم يوقن أنه تجاوز مائة ليلة وعشرين ليلة فنحن على يقين من انه لم يحيا قط فإذا لم يحيا قط ولا كان له روح بعد ولا قتل وانما هو ماء أو علقة من دم أو مضغة من عضل أو عظام ولحكم فهو في كل ذلك بعض أمه فإذ ليس حيا بلا شك فلم يقتل لانه لا يقتل موات ولا ميت واذ لم يقتل فليس قتيلا فليس لديته حكم دية القتيل لان هذا قياس والقياس كله باطل ولو كان حقا لكان هذ(11/33)
منه عين الباطل وانما يقاس عند أهل القياس الشئ على نظيره لا على ضده ومن ليس قتيلا فهو غير مشبه للقتيل فلا يجوز القياس ها هنا على أصول أصحاب القياس واذ ليس قتيلا فهو بعض ما أبعاضها ودم من دمها ولحم من لحمها وبعض حشوتها بلا شك فهي المجني عليها فالغرة لها بلا شك فان ماتت ثم طرحت الجنين ولم يوقن انه أتم عشرين ومائة ليلة فالجنين لورثة الام لانه بنفس الجناية وجب لها فهي موروثة عنها * قال أبو محمد: وان العجب ليكثر ممن يراعى في المولود الاستهلال فان لم يستهل لم يقد به ولا ورث منه ثم يورث منه الغرة وهو لم يحيا قط فكيف ان
يسهل، ونسألهم عن مولود ولد فرضع وتحرك ولم يستهل ثم قتل عمد أو خطأ ماذا ترون فيه؟ أغرة أم دية؟ فان قالوا: غرة أتوا بطريقة لم يقلها أحد قبلهم وان قالوا: بل دية أمة نقضوا أصولهم إذ جعلوا في قتل ميت دية كاملة أو قودا، فان قالوا: ليس ميتا قلنا لهم: قوى العجب أن لا تورثوا حيا، وكل هذه أقوال ينقض بعضها بعضا وبالله تعالى التوفيق * روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة.
ومحمد بن عبد الله بن نمير قال كل واحد منهما: نا وكيع.
وأبو معاوية قالا جميعا: نا الاعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: " يجمع أحدكم خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد " وذكر باقي الحديث * قال علي: وما لم يوقن تمام المائة والعشرين ليلة بجميع أيامها فهو على ما تيقناه من موايتته ولا يجوز ان نقطع له بانتقاله إلى الحياة عن الموايتة المتيقنة إلا بيقين وأما بالظنون فلا وبالله تعالى التوفيق * 1128 مسألة: جنين الامة من سيدها، قال علي: لا خلاف في أن جنين الامة من سيدها الحر مثل جنين الحرة ولا فرق، ثم اختلفوا في جنين الامة من غير سيدها الحر فقالت طائفة: فيه عشر قيمة أمه كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا حمد بن عبد البصير.
نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قال في جنين الامة عشر ثمن أمه * وبه يقول مالك.
والشافعي.
وأبو ثور: وأصحابهم.
وأحمد.
وأصحابه.
واسحاق بن راهويه، وقالت طائفة: فيه من ثمن أمه كقدر ما في جنين الحرة من دية أمه كما حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: جنين(11/34)
الامة في ثمن أمه بقدر جنين الحرة في دية أمه قال: فلو أعتق رجل جنين وليدته ثم قتلت الوليدة
قال: يعقل الوليدة ويعقل جنينها عبدا أيما كان تمام عتقه أن يولد ويستهل صارخا، وقالت طائفة: فيه نصف عشر ثمن أمه كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي.
ويحيى بن سعيد القطان كلاهما عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي قال في جنين الامة: نصف عشر ثمن أمه وهو قول ابن أبي ليلى.
والحجاج بن ارطاة وهو أيضا قول قتادة، وقالت طائفة: فيه نصف عشر قيمته (1) ان خرج ميتا فان خرج حيا فثمنه (2) كله وهو قول سفيان الثوري رويناه من طريق عبد الرزاق وهو قول الحسن بن حي، وقال أبو حنيفة.
ومحمد بن الحسن.
وزفر بن الهذيل ان كان جنين الامة ذكرا ففيه نصف عشر قيمته لو كان حيا وان كان انثى ففيها عشر قيمتها لو كانت حية، قال زفر: وعليه مع ذلك ما نقص أمه، وقال أبو يوسف: لا شئ في جنين الامة الا أن يكون نقص أمه ففيه ما نقصها، وقالت طائفة: فيه عشرة دنانير كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر.
وابن جريج قال معمر عن الزهري.
وقال ابن جريج عن اسماعيل بن أمية ثم اتفق الزهري.
واسماعيل كلاهما عن سعيد بن المسيب قال في جنين الامة عشر دنانير، وقالت طائفة فيه حكومة كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا احمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال ناحماد بن سلمة عن حماد بن اي سليمان قال: ينظر ما بلغ ثمن جنين الحرة من جميع ثمنها فان كانت عشرا أعطيت الامة عشرة، وان كانت خمسا وان كانت سبعا وان كانت ثمنها يعني فكذلك، وقالت طائفة.
في جنين الامة غرة عبد أو أمة كما في جنين الحرة ولا فرق كما روينا قبل عن ابن سيرين.
وعروة.
ومجاهد.
وطاوس.
وشريح والشعبي فانهم ذكروا الجنين وما فيه ولم يخصوا جنين حرة من أمة ولو كان عندهم في ذلك فرق لبينوه، ومن ادعى انهم أرادوا الحرة خاصة فقد كذب عليهم وحكى عنهم ما لم يقولوا ولا أخبروا به عن أنفسهم، ومن حمل قولهم على ما قالوه فبحق واجب يدخل فيه جنين الامة وغيره ولا فرق إذ هو مقتضى قولهم ليس فيه إلا ما ينقصها (3) فقط *
قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق من ذلك فنتعبه بعون الله تعالى ومنه فنظرنا في قول من رأى فيه عشر قيمة امه فلم نجد لهم حجة إلا أنهم قالوا: وجدنا الغرة المحكوم بها في جنين الهذلية قوم بخمسين دينارا وهو عشر دية أمه فوجب أن يكون في جنين الامة عشر قيمة دية أمه أيضا لان دية الامة قيمتها حتى ان
__________
(1) في النسخة رقم 14 ثمنه (2) في النسخة رقم 14 قيمته (3) في النسخة رقم 14 ما نقصها(11/35)
مالكا حمله هذا القياس على أن جعل في جنين الدابة عشر قيمتها وفي بيضة النعامة على المحرم عشر البدنة * قال على: فكان هذا الاحتجاج ساقطا لان تقويم الغرة بخمسين دينارا أو بالدراهم خطأ لا يجوز لانه لم يوجبه قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا صح عن صاحب، ثم نظرنا في قول ابراهيم النخعي.
وقتادة أن في جنين الامة نصف عشر ثمن امه فلم نجد لهم متعلقا فسقط هذا القول لتعريه عن الادلة ثم نظرنا في قول سفيان.
والحسن بن حي فوجدناه أيضا لا حجة لهم أصلا فسقط أيضا ثم نظرنا في قول ابي حنيفة: وزفر.
ومحمد بن الحسن فوجدناهم يقولون: لما كانت الغرة في جنين الحرة مقدرة بخمسين دينارا كان ذلك نصف عشر ديته لو خرج حيا وكان ذكرا أو عشر ديتها لو كانت انثى وخرجت حية فوجب في جنين الامة مثل ذلك أيضا لانه لو خرج حيا فقتل لكانت فيه القيمة * قال أبو محمد: هذا كل ما موهوا به وهذا كله (1) باطل على ما نذكر ان شاء الله تعالى فنقول وبالله تعالى التوفيق: ان قولهم لما كان ثمن الغرة في جنين الحرة خمسين دينارا وهو نصف عشر ديته لو خرج حيا وكان ذكرا وعشر ديتها لو خرجت حية وكانت انثى فوجب أن يكون ما في جنين الامة كذلك فباطل من وجوه، أولها انه قياس والقياس كله باطل،، الثاني انه لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل لان تقويم الغرة بخمسين دينارا باطل لم يصح قط في قرآن ولا سنة ولا عن أحد من الصحابة رضي
الله عنهم فصار قياسهم هذا قياسا للخطأ على الخطأ، والثالث انه لو صح لهم تقويم الغرة بخمسين دينارا فمن أين لهم ان المقصود في ذلك هو أن يكون نسبته من ديته أو من دية أمه؟ ويقال لهم: من أين لكم هذا؟ وهلا قلتم انها قيمة نافذة مؤقتة كالغرة ولا فرق ولكن أبوا الا التزيد من الدعاوي الفاسدة بلا برهان، والرابع ان يعارض قياسهم بمثله فيقال لهم: ما الفرق بينكم وبين ما روي عن مالك.
والحسن من أن الخمسين دينارا التي قومت بها الغرة في جنين الحرة انما اعتبر بها من دية أمه لا من دية نفسه فقالوا: ان كان جنين الامة ذكرا أو أنثى ففيه عشر قيمة أمه كما في جنين الحرة ذكرا كان أو أنثى عشر دية أمه فهل ههنا إلا دعوى مقابلة بمثلها تحكم بلا دليل؟ ثم نظرنا في قول حماد بن أبي سليمان أن فيه حكما فوجدناه أيضا قولا عاريا من الادلة فوجب تركه إذ ما لا دليل على صحته فهي دعوى ساقطة، ثم نظرنا في قول سعيد بن المسيب فوجدناه أيضا لا دليل على صحته فلم يجز القول به لان الله تعالى يقول: (قل هاتوا برهانكم
__________
(1) في النسخة رقم 14 كل هذا ماموهوا به وهو كله(11/36)
ان كنتم صادقين) فمن لا برهان له فلا يجوز الاخذ بقوله نظرنا في قول أبي يوسف.
وبعض أصحابنا أنه لا شئ في جنين الامة إلا ما نقصها فوجدناه أيضا قولا لا دليل على صحته، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين ما قد ذكرناه * قال أبو محمد رحمه الله: فلما سقطت هذه الاقوال [ كلها ] (1) وجب أن ننظر عند اختلاف القائلين بها ما افترض الله تعالى علينا إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا ما رويناه من طريق مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا ناوكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة قال: استشار عمر بن الخطاب في ملاص المرأة فقال المغيرة بن شعبة شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة فقال له عمر: ائتني بمن يشهد معك فشهد له محمد بن مسلمة * وما ناه أحمد بن محمد بن عبد الله
الطلمنكي نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت الرقي نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا محمد بن معمر البحراني نا عثمان بن عمر نا يونس بن يزيد نا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت احداهما الاخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام دية جنينها عبد أو أمة (2) وقضى بالدية على عاقلتها وورثها ولدها * قال أبو محمد: فحديث المغيرة.
ومحمد بن مسلمة عموم املاص كل امرأة وكذلك نص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة بأن دية جنينها عبد أو وليدة ولم يقل صلى الله عليه وسلم: ان هذا انما هو في جنين الحرة فلا يحل لاحد أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ما لم يقل ولا أن يخبر عنه بما لم يخبر به عن نفسه، ومن فعل هذا فقد قال عليه ما لم يقل، وهذا يوجب النار، فان قيل: انما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في جنين حرة قيل لهم انما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في جنين هذلية لحيانية تسمى مليكة قتلتها ضرتها أم عفيف فما الفرق بينكم في دعواكم بذلك لانه جنين حرة وبين ما قال بل لانه جنين هذلية؟ أو لانه جنين امرأة تسمى مليكة أو لان ضرتها قتلتها أو لان القاتلة اسمها أم عفيف، وهذا كله باطل وتخليط، وبالله تعالى التوفيق * 2128 - مسألة - جنين الذمية * قال أبو محمد رضي الله عنه: قال قائلون في جنين الذمية عشر ديتها وهذا قول انما قاسوه على قولهم في تقويم الغرة بخمسين دينارا وهو قول ظاهر الخطأ، والقول عندنا أن في جنين الذمية أيضا غرة عبد أو أمة يقضى على عاقلة الضارب به فيطلبون غلاما أو أمة كافرين فيدفعا به أو يدفعانها إلى من تجب له
__________
(1) الزيادة من النسخة اليمنية (2) في نسخة أو وليدة(11/37)
له فان لم يوجدا فبقيمة أحدهما لو وجد والقيمة في هذا وفي الغرة جملة إذا عدمت أقل ما يمكن إذ لا يجوز أن يلزم أحد غرامة إلا بنص أو إجماع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان
دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فاقل ما كانت تساوى الغرة لو وجدت واجب على العاقلة بالنص وما زاد على ذلك غير واجب لا بنص ولا اجماع فهو ساقط لا يجوز الحكم به، ولو أن ذميا ضرب امرأة مسلمة خطأ فاسقطت جنينا يكلف أن تبتاع عاقلته عبدا كافرا أو أمة كافرة ولابد ولا يجوز أن يبتاع عبدا مسلما ولا أمة مسلمة، والرقبة الكافرة تجزى في الغرة المذكورة سواء كان الجاني وعاقلته مسلمين أو كانوا كفارا وانما الواجب عبد أو أمة فقط كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى، وما كان ربك نسيا فلو أراد الله تعالى أن تكون الغرة مؤمنة لما أغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بيان ذلك كما لم يغفل، أو بين انه يجرى في ذلك ذكر أو أنثى، وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: وأما ما نقص الامة القاء الجنين فهو الواجب على الجاني في ماله ولابد زيادة على الغرة لانه مال أفسده فعليه ضمانه على ما قد ذكرنا، وبالله تعالى التوفيق * 2129 - مسألة - جنين البهيمة * قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم ابن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابي الزناد.
والزهري.
وربيعة قال ابو الزناد في جنين البهيمة نرى أن تقام البهيمة في بطنها ولدها ثم تقام بعد أن تطرح جنينها فيكون فضل ما بين ذلك على الذي أصابها حتى طرحت جنينها، وقال الزهري: نرى جنين البهيمة إلى الحكم بقيمة انما البهيمة سلعة من السلع، وقال ربيعة: لا أرى في جنين البهيمة شيئا أوسع من اجتهاد الامام * قال أبو محمد: القول في هذا عندنا هو قول ابي الزناد لانها جناية على مال فقيمة مثله، وأما قول الزهري.
وربيعة ان في ذلك اجتهاد الامام أو الحاكم فقول لا يصح لانه لا دليل يوجبه ولم يجعل الله تعالى ولا رسوله عليه الصلاة والسلام لا حد من
الائمة اجتهادا في اخذ مال من انسان واعطائه آخر بل قد حرم الله تعالى ذلك على لسان رسوله عليه السلام فليس لاحد أن يأخذ من أحد مالا يعطيه لآخر إلا بنص أو اجماع وبالله تعالى التوفيق * وقد روي عن مالك.
والحسن بن حي ان في جنين الفرس عشر قيمة أمه، وقال مالك في جنين البهيمة عشر قيمة أمها، وهذا كله ليس بشئ لانه قياس(11/38)
والقياس كله باطل * 2130 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: ولو ان كافرا ذميا قتل ذميا ثم اسلم القاتل بعد قتله المقتول أو قبل موت المقتول فلا قود على القاتل أصلا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتل مؤمن بكافر " قالوا: ودية المقتول ان اختاروا الدية قبل اسلام قاتل وليهم أو فادوه ثم أسلم بقيت الغرامة لهم عليه لانه مال استحقوه عنده والاموال تجب للكافر على المؤمن وللمؤمن على الكافر وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير أخذها صلى الله عليه وسلم لقوت أهله وقد ذكرناه باسناده قبل هذا.
فلو ان المجروح أسلم أيضا ثم مات وهو مسلم فالقود له واجب لانه مؤمن بمؤمن وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمنون تتكافأ دماؤهم " * قال أبو محمد رحمه الله: فلو أن مسلما جرح ذميا عمدا ظالما فاسلم الذمي ثم مات من ذلك الجرح فالقود في ذلك بالسيف خاصة ولا قود في الجرح لان الجرح حصل ولا قود فيه لانه كافر ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا، فلما أسلم ثم مات مسلما من جناية ظلم يمات من مثلها حصل مقتولا عمدا وهو مسلم ففيه ما جعل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على من قتل مؤمنا وبالله تعالى التوفيق، فلو أن صبيا أو مجنونا جرحا انسانا ثم عقل المجنون وبلغ الصبي ثم مات المجروح فلا شئ في ذلك لا دية ولا قود لانه مات من جناية هدر لا حكم لها، فان قيل قد قلتم في الذي يرمى حربيا ثم يسلم ثم يموت ان فيه الدية على العاقلة فكيف تجعلون الدية فيمن مات من جناية
مأمور بها ولا تجعلون الدية فيمن مات من جناية هذا فقد قلنا وبالله تعالى التوفيق، هكذا قلنا لان الجاني المأمور بتلك الجناية مخاطب مكلف ملزم في قتل الخطأ كفارة أو كفارة ودية على عاقلته وليس المجنون والصبي مخاطبين أصلا ولا مكلفين شريعة في قتل عمد ولا في قتل خطأ فسقط حكم كل ما عملا ولم يكن له في الشرع دخول ولم يسقط ما فعله المخاطب المكلف المأمور المنهي، ولو أن عاقلا قتل أو جرح ثم جن فمات المجروح من تلك الجناية فالقود على المجنون أو الدية في ماله ولا مفادات هنالك وذلك لان القود قد وجب عليه حين جنى وحكم تلك الجناية لازم له فلا يسقط عنه بذهاب عقله إذ لم يوجب ذلك نص قرآن ولا سنة ولا اجماع، وكذلك يقام عليه في جنونه حد لزمه في حال عقله ولا يقام عليه في حال عقله كل حد كان منه في حال جنونه بلا خلاف من الامة، والسكران مجنون * 2131 مسألة: كسر عظم الميت قال أبو محمد: رضى الله عنه نا عبد الله(11/39)
ابن ربيع نا محمد بن اسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا القعنبي نا عبد العزيز بن محمد - هو الدراوردي - عن سعد - هو ابن سعيد - عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كسر عظم (1) الميت ككسره حيا " * قال أبو محمد رحمه الله: هذا لا يسند إلا من طريق سعد بن سعيد الانصاري أخي يحيى بن سعيد وهم ثلاثة أخوة.
يحيى بن سعيد امام ثقة.
وعبد ربه بن سعيد لا بأس به وليس بالهنالك في الامامة.
وسعد بن سعيد وهو ضعيف جدا لا يحتج به لا خلاف في ذلك فبطل أن يتعلق (2) بهذا الحديث ولو صح لقلنا به في كسر العظم خاصة ولما كان لقول من قال: ان هذا في الحرمة معنى لانه كان يكون دعوى بلا دليل وتخصيصا بلا برهان * قال أبو محمد رحمه الله: فمن جرح ميتا أو كسر عظمه أو أحرقه فلا شئ عليه في ذلك أما القتل فلا شك فيه لانه ليس قاتلا وأما الجرح والكسر فلو وجد فيه خلاف
لوجب القصاص لانه عدوان وان صح الاجماع في أن لا قود في ذلك وجب الوقوف عند الاجماع وإلا فقد قال تعالى (والجروح قصاص) وهذا جرح وجارح، وقال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها)، وقال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وهذا الفعل بالميت سيئة اعتداء فالقصاص واجب في ذلك إلا أن يمنع منه اجماع، فان قيل: ان الله تعالى قال: (والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له) وقال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفى وأصلح فأجره على الله) فدل هذا (3) على أن ذلك كله للحي قلنا وبالله تعالى التوفيق: هذا لا حجة لكم فيه لوجهين، أحدهما أن الامر بالقصاص والاعتداء عموم ثم قد يخص بالعفو والصدقة بعض المعتدي عليهم دون بعض، والوجه الثاني انه تعالى لم يمنع بقوله تعالى الصادق: (فمن تصدق به فهو كفارة له) ولا بقوله الصادق: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) من أن يكون القصاص واجبا لمن لا عفو له ولا صدقة كالمجنون والصبي فيكون الميت داخلا في هذا العموم، ووجه ثالث وهو ان الله تعالى قال: (فمن عفا واصلح) وقال تعالى: (فمن تصدق به) ولم يقل تعالى فان تصدق المجروح وحده ولا قال فمن عفا من الذين العفو إليهم خاصة ولكن أجمل عزوجل الامر فجائز عفو المجني عليه وصدقته إذا كان ممن له عفو وصدقة وجائز عفو الولي إذا بطل أن يكون للمجني عليه عفو ويئس من ذلك، وأكثر الحاضرين من خصومنا يرون القطع على من سرق من ميت كفنه وبه نأخذ، وعلى من قذف ميتا
__________
(1) في النسخة رقم 14 كسر عظام (2) في النسخة رقم 14 فبطل التعلق (3) في النسخة رقم 14 فدل ذلك(11/40)
ومن الناس من يرى الحد على من زنى بميتة فان من فرق بين ما رأوه من ذلك وبين القود له من الجرح والكسر، وليس هذا قياسا لانه ليس بعض ذلك أصلا لبعض، بل كله باب واحد من عمل عملا
جاء النص بايجاب حكم على عامل ذلك العمل فواجب انفاذ ذلك الحكم على من عمل ذلك العمل * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا قول يؤيده النظر ويشهد له القرآن والسنن بالصحة وما نعلم ههنا قولا لاحد من الصحابة رضي الله عنهم يمنع منه فكيف ان يصح الاجماع من جميعهم على المنع منه، هذا امر لا سبيل إلى وجوده أبداو لو كان حقا لوجد بلا شك ولما اختفي فالواجب المصير إلى ما أوجبه القرآن والسنة وان لم يعلم قائل بذلك إذا لم يصح اجماع متيقن بتخصيص النص أو بنسخه وبالله تعالى التوفيق * 2133 مسألة (1) الوكالة في القود * قال أبو محمد رحمه الله: أمر الولي بأن يؤخذ له القود جائز لبراهين، أولها قول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) والقود بر وتقوى فالتعاون فيه واجب، وثانيها ما قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره بالقود من اليهودي الذي رضخ رأس الجارية بالحجر فكان أمره عليه السلام عموما لكل من حضر، وثالثها اجماع الامة على ان السلطان إذا أوجب له ما للولي من القتل فانه يأمر من يقتل والسلطان ولي من الاولياء فلا يجوز تخصيصه بذلك دون سائر الاولياء * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ ذلك كذلك فجائز إذا أمر الولي من يأخذ له القود أن يغيب فيستقيد المأمور وهو غائب إذ قد وجب القود بيقين أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يشترط حضور الولي في ذلك من مغيب وما كان ربك نسيا، فان غاب الولي ثم عفا فليس عفوه بشئ ولا شئ على القاتل ولا يصح عفو الولي إلا بان يبلغ ذلك المأمور بالقود ويصح عنده * برهان ذلك أن الله تعالى قد أباح للمأمور بأخذ القود وأن ياتمر للآمر له بذلك وأباح له دم المستفاد منه واعضاءه بيقين لا شك فيه فإذا عفا الولي في غير علم المأمور بالقود فهو مضار، والمضار متعد والمتعدي ظالم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس لعرق ظالم حق " فلا حق لذلك العفو الذي هو مضارة محضة وهو غير العفو الذي حض الله تعالى عليه ورسوله عليه السلام، لان العفو الذي حض الله تعالى عليه ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو طاعة وعفو المضارة معصية والمعصية غير الطاعة،
وهذا العفو بعد الامر هو عفو بخلاف العفو الذي أمر الله تعالى به نادبا إليه واذ هو غيره فهو باطل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد " فهو غير لازم لذلك العافي وهو باق على قوده، فلو بعث رسولا إلى المأمور بالقود فلا حكم له
__________
(1) حصل غلط سهوا في ترقيم المسائل المتقدمة واستدرك ذلك في هذه المسألة(11/41)
الا حتى يبلغ إليه فحينئذ يصح ويلزم العافي فان قتله المأمور بالقود بعد صحة الخبر عنده بعفو الولي فهو قاتل عمد أو خائن عهد وعليه القود، وكذلك لو جن الآمر ولا فرق فالاخذ بالقود واجب كما أمر به، وبالله تعالى التوفيق * 2134 مسألة من قطع ذكر خنثى مشكل وانثييه فسواء قال: انا امراة أو قال: أنا ذكر القود واجب لانه عضو يسمى ذكرا وانثيين، وكذلك لو قطعت امرأة شفريه ولا فرق، ومن كانت له سن زائدة أو اصبع زائدة فقطعها قاطع اقتص له منه من أقرب سن إلى تلك السن وأقرب اصبع إلى تلك الاصبع لانها سن وأصبع ولا فرق بين ان يبقى المقتص منه ليس له الا اربع اصابع ويبقى للمقتص له خمس أصابع، وبين أن يقطع من ليست له الا السبابة وحدها سبابة سالم الاصابع ولا خلاف في أن القصاص في ذلك ويبقى المقتص ذا اربع اصابع ويبقى المقتص منه لا أصبع له، وهكذا القول في الاسنان ولا فرق وبالله تعالى التوفيق * 2135 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: وإذا تشاح الاولياء في تولى قتل قاتل وليهم قيل لهم: ان اتفقتم على احدكم أو على أجنبي فذلك لكم والا أقرعنا بينكم فايكم خرجت قرعته تولى القصاص، وهذا قول الشافعي رحمه الله * قال أبو محمد رحمه الله: برهان هذا انه ليس بعضهم أولى من بعض ولا يمكن أن يتولى القود اثنان معا فإذ لابد من أحدهما أو من غيرهما بامرهما ولا سبيل إلى ثالث فأمر غيرهما بالقود اسقاط لحقهما معا في تولى ذلك الحكم والحكم ههنا بالقرعة اسقاط لحق أحدهما
وابقاء لحق الآخر ولا يجوز اسقاط حق ذي حق إلا لضرورة مانعة لا سبيل معها إلى توفية الحق فإذا كان ذلك سقط الحق لقول الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) ونحن محرم علينا منعهما من حقهما ونحن مضطرون إلى اسقاط حق أحدهما إذ لا سبيل إلى غير ذلك ولسنا مضطرين إلى اسقاط حقهما جميعا فلا يجوز لنا ما نضطر إليه فقد بطل أن نأمر غيرهما بغير رضاهما ولا يجوز أن نقصد إلى احدهما فنسقط حقه هكذا مطارفة فيكون جورا ومحاباة فوجبت القرعة ولابد لان الضرورة دفعت إليها ولا يحل إيقاف الامر حتى يتفقا لان في ذلك منعهما جميعا من حقهما وهذا لا يجوز وبالله تعالى التوفيق * 2136 مسألة من أخاف انسانا فقطع ساقه ومنكبه وأنفه وقتله فلولي المقتول أن يفعل به كل ذلك ويقتله وله أن يقتله دون ان يفعل به شيئا من ذلك، وله أن يفعل به كل ذلك أو بعضه ولا يقتله لكن يعفو عنه * قال أبو محمد رحمه الله: برهان ذلك ان كل هذه الافعال قد وجب له أن(11/42)
أن يفعلها قصاصا على ما قدمنا قبل، وهذا أيضا مندوب إلى العفو عن كل ذلك وعن بعضها فأي حقه فعل فذلك له وأي حقه ترك فذلك له، وقال الشافعي: له أن يقطع ذراعه ويخيفه على أن يقتله واما على أن لا يقتله فلا * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا خطأ لانه تخصيص لا برهان له به، فان قال في ذلك تعذيب له قلنا: نعم فكان ماذا؟ وإذا أباح له تعذيبه فاتى ببعض ما أبيح له وعفا عن البعض فقد أحسن في كل ذلك ولم يتعد وما وجدنا الله تعالى قط الزم استيفاء الحق كله ومنع من العفو عن بعضه، بل قد صح النص بخلاف قول الشافعي جملة وهو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين إذ قطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم قصاصا بما فعلوا بالرعاء وتركهم بالحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا، وقد قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وقد ذكرنا
هذا الحديث باسناده فيما سلف من كتابنا هذا فأغنى عن ترداده، وأبطلنا قول من قال كاذبا ان هذا كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كانت المثلة مباحة وبالله تعالى التوفيق * 2137 - مسألة - قال أبو محمد رضي الله عنه: من قطع أصبع آخر عمدا فسأل القود أقدنا له من حينه على ما ذكرنا قبل فان تأكلت اليد فذهبت وبرئ فله القود من اليد لانها تلفت بعدوان وظلم، وكذلك لو جرحه موضحة عمدا فذهبت منها عيناه اقتص له من الموضحة ومن العينين معا، وهكذا في كل شئ فلو مات منها قتل به لان كل ذلك تولد من جناية عدوان، وقال الشافعي: اما تعجيل القصاص من الاصبع والموضحة فنعم فان مات بعد ذلك فالقود في النفس واجب أيضا وأما ذهاب العينين واليد فقط فانما في ذلك الدية فقط، قال أبو محمد رحمه الله: وهذا خطأ ومناقضة ظاهرة ولا فرق بين ما تولد عن جنايته من ذهاب نفس أو ذهاب عضو إذ لم يفرق بين شئ من ذلك نص قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا نظر ولا قياس ولا قول صاحب، فلو أن المجني عليه قطع كف نفسه، خوف سرى الاكلة فلا ضمان على الجاني لان ذهاب اليد كان باختيار قاطعها لا من فعله ولعلها لو تركها تبرأ فلو قطع انسان أنملة لها طرفان فان قطع كل طرف في أصله قطع من يده أنملتان كذلك فلو قطع في الاصبع قبل افتراق الانملتين قطع له من ذلك الموضع فقط ولا مزيد ولا أرش له في الانملة الثانية لان الله تعالى يقول: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فالواجب أن يوضع منه الحديد حيث وضع ويذاق من الالم ما أذاق ولا مزيد قال الله تعالى: (ولا تعتدوا إن الله لا يجب المعتدين) وقال الشافعي: له في الاصبع القود وله في الاصبع الزائدة حكومة * قال أبو محمد رحمه الله: الحكومة(11/43)
غرامة مال والاموال محرمة إلا بنص أو اجماع * 2138 - مسألة - قال أبو محمد رحمه الله: من هدم بيتا على انسان أو ضربه
بسيف وهو راقد فقطع رأسه أو قال هدمت البيت وهو قد كان مات بعد أو قال: ضربته بالسيف وهو ميت لم يلتفت له ولا يمين على أوليائه في ذلك ووجب القود عليه بمثل ما فعل لان الميت قد صحت حياته بيقين فهو على الحياة حتى يصح موته ومدعي موته مدعي باطل وانتقال حال والدعوى لا يلتفت إليها الا ببينة وبالله تعالى التوفيق.
2139 - مسألة - ومن جرح جرحا يموت من مثله فتداوى بسم فمات فالقود على القاتل لانه وان مات من فعل نفسه وفعل غيره فكلاهما قاتل وعلى القاتل القود وان طرحه غيره فان اختاروا الدية فالدية كلها أيضا لازمة له على ما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق، وهو حسبنا * (كتاب العواقل والقسامة وقتل أهل البغي) (بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما) (العواقل) قال الفقيه أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب ابن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن رافع نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني ابو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله ثم كتب الله انه لا يحل يتوالي مولى رجل بغير اذنه * وبه إلى مسلم نا قتيبة نا الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم ان التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بان ميراثها لبنيها وزوجها وان العقل على عصبتها * وبه إلى مسلم نا اسحق بن ابراهيم الحنظلي نا جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي عن عبيد بن فضيلة عن المغيرة بن شعبة قال: ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط وهي حبلى فقتلتها واحداهما لحيانية فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة وغرة لما في بطنها فقال رجل من عصبة القاتلة أنغرم دية من لا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسجع كسجع الاعراب قال وجعل عليهم الدية * قال أبو محمد رحمه الله: فصح أن
الدية في قتل الخطأ وفي الغرة الواجبة في الجنين على عاقلة القاتل والجاني بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين من هم العاقلة الغارمة لدية الخطأ ولغرة الجنين وانهم أولياء الجاني الذين هم عصبته ومنتهاهم البطن الذي هو منهم على ما أوردنا آنفا من ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب على كل بطن عقوله *(11/44)
قال أبو محمد رحمه الله: وجمهور الناس يقولون: تغرم العاقلة المذكورة الدية إلا أنه قد اختلف عن عثمان البتي في ذلك فروى عنه أنه قال: لا أدري ما العاقلة وروى عنه أنه قال بما قلنا وجمهور الناس يقولون: هذه الآثار المعتمد عليها لصحتها، وقد جاءت آثار غير هذه لا بأس بذكر بعضها وان كانت لا حجة فيها لكن لتعرف * نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا ابن أبي ليلى عن الشعبي قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عقل قريش على قريش وعقل الانصار على الانصار، * نا حمام نا عبد الله بن محمد بن على الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقى بن مخلد نا ابو بكر بن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن مقسم عن ابن عباس قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والانصار أن يعقلوا معاقلهم ويفدوا عانيهم بالمعروف والاصلاح بين الناس.
فالاول منقطع وفيه ابن أبي ليلى وهو سئ الحفظ والثاني فيه حجاج بن أرطاة وهو ساقط، وفيه مقسم وهو ضعيف * (قال أبو محمد): فان قال قائل: كيف يجوز الحكم بان تغرم العاقلة جريرة غيرها وقد قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) وقال تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك: ما ناه عبد الله بن ربيع التميمي نا محمد بن معاوية الهاشمي نا احمد بن شعيب اخبرني هرون ابن عبد الله نا شقيق نى عبد الملك بن ابجر عن زياد بن لقيط عن أبي رمثة قال: أتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابي فقال: من هذا معك؟ فقال ابني أشهد به قال: اما انك لا تجني عليه ولا يجني عليك " * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب نا محمود ابن غيلان نا بشر بن السرى نا سفيان عن أشعث - هو ابن ابي الشعثاء عن الاسود ابن هلال عن ثعلبة بن زهدم اليربوعي قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء ناس من الانصار فقالوا: يا رسول الله هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع قتلوا فلانا في الجاهلية فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهتف بصوته " الا لا تجني نفس على أخرى " * وبه إلى محمود بن غيلان نا ابو داود الطيالسي نا شعبة عن أشعث بن ابي الشعثاء قال: سمعت الاسود بن هلال يحدث عن رجل من بني ثعلبة بن يربوع أن ناسا من بني ثعلبة بن يربوع أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع قتلوا فلانا رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي عليه السلام: " لا تجني نفس على أخرى " * قال أبو محمد رحمه الله: فجوابنا وبالله تعالى التوفيق، ان هذه الاحاديث(11/45)
وان كان في أسانيدها معترض فان معناها صحيح، وفي الآيات التي ذكرتم كفاية لانها منتظمة لمعنى هذه الاحاديث، ثم نقول وبالله تعالى التوفيق: نعم ان الله تعالى حكم بأن لا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى.
وان كل امرئ بما كسب رهين، ونعم لا يجني أحد على أحد ولا تجني نفس على أخرى ولكن الذي قال هذا كله وحكم به هو أيضا القائل: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) وهو المخبر لنا على لسان عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم انه قد عفا لنا عن الخطأ والنسيان وهو تعالى مع ذلك الموجب في قتل الخطأ دية وكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين لمن لم يقدر على الكفارة وهو الموجب على لسان رسوله عليه السلام على عصبة قاتل الخطأ وأهل بطه الذي ينتمي إليهم دية قتل المؤمن خطأ والغرة الواجبة في الجنين وكل قوله حق وكل حكمه واجب يضم بعض ذلك إلى بعض ويستثنى الاقل من الاكثر
ولا يحل لاحد أخذ بعض أوامره دون بعض ولاضرب أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضها ببعض إذ كلها فرض وحق وليس شئ منها أولى بالطاعة له من شئ آخر ولم يأت نص ولا اجماع في قتل العمد، ولايجوز تكليف أحد غرامة عن أحد إلا أن يوجبها نص أو اجماع * قال أبو محمد رحمه الله: فواجب ان ننظر من العصبة والبطن والاولياء الذين أوجب الله تعالى عليهم الدية في قتل الخطأ والغرة في الجنين فوجدنا الناس قد اختلفوا في ذلك فقالت طائفة: العاقلة هم من كان معه في ديوان واحد في العطاء كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر قال: سمعت الزهري أو بلغني عنه أنه قال: الثلث فما دونه في خاصة ماله يعني مال الجاني وما زاد على ذلك على أهل الديوان، وبه قال أبو حنيفة.
وأصحابه الدية في قتل الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين من يوم يقضى بها والعاقلة هم أهل ديوانه يؤخذ ذلك من أعطيانهم حتى يصيب الرجل منهم من الدية أربعة دراهم أو ثلاثة فان أصابه أكثر ضم إليهم أقرب القبائل إليهم في النسب من أهل الديوان، وان كان القاتل ليس من أهل الديوان فرضت الدية على عاقلته الاقرب فالاقرب في ثلاث سنين ويضم إليهم اقرب القبائل إليهم في النسب حتى يصيب الرجل من الدية ثلاثة دراهم أو أربعة، وقال سفيان الثوري: الدية تكون عند الاعطية على الرجال * وقال الحسن بن حي: العقل على رموس الرجال في أعطية المقاتلة، وقال الليث بن سعد: العقل على القاتل وعلى القوم الذين يأخذ معهم العطاء ولا يكون على قومه منه شئ، وقال مالك: الدية على القبائل على الغنى قدره ومن دونه على(11/46)
قدره وعقل الموالي يلتزمه أهل العاقلة شاءوا أم أبوا كانوا أهل ديوان أو منقطعين قد تعاقل الناس زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأبي بكر وانما كان الديوان في زمان عمر ابن الخطاب، فإذا انقطع الرجل من أهل البادية إلى القرى إلى المدينة وما يشبهها من
أمهات القرى فسكنها وثوى بها رأيت أن يضم عقله إلى قومه من أهل القرى فان لم يكن في القرية من يحمل عقله من قومه ضم إلى أقرب الناس بقبيلته من القبائل، وقال الشافعي.
وأبو سليمان.
وأصحابهما: العقل على ذوي الانساب دون أهل الديوان والحلفاء الاقرب فالاقرب من بني أبيه ثم من بني جده ثم من بني جد أبيه * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها بعد أن رجعت الاقوال في ذلك إلى ثلاثة أقوال فقط، أحدها قول أبى حنيفة ومن معه على أن العاقلة على أهل الديوان لا على عصبة الجاني، والآخر قول مالك ومن معه: ان العاقلة على قومه الذين معه في المدينة ونحوها لا على من كان منهم في البادية، والثالث قول الشافعي: وأبي سليمان.
ومن معهما ان العاقلة على الاقرب فالاقرب من عصبته من بني أبيه ثم من بني أجداده أبا فأبا فوجدنا من جعل العاقلة على أهل الديوان خاصة يقولون: ان الدية كانت على القبائل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلها عمر على الديوان: قالوا فان بطل (1) الديوان رجع الامر إلى ما كان عليه.
في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضى الله عنه لم نجد لهم شبهة غير هذه * قال ابو محمد رحمه الله: وهذا الذي قالوه باطل ان الذي ادعوه من أن عمربن الخطاب أبطل حكم العاقلة الذي حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جرى عليه أبو بكر بعده وأحدث حكما آخر فانه باطل لا أصل له وكذب مفترى ولعل مموها أن يموه في ذلك بما ناه محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى ابن معاوية نا وكيع عن سفيان الثوري عمن سمع الشعبي يقول جعل عمر الدية على العاقلة في الاعطية، فهذا مما لا متعلق لهم به لانه عمن لا يدري، وقد روينا عن يحيى بن سعيد أنه قال فيمن لم يسمه الثوري لو كان في شيخ الثوري خير لبرح به ثم هو عن الشعبي ولم يولد الشعبي إلا بعد موت عمر وقد جهدنا أن نجد هذا الذي قالوه عن عمر رضى
الله عنه فما وجدناه ولا له أصل البتة ورحم الله القائل: الاسناد من الدين ولو لا الاسناد لقال من شاء ما شاء، وان المحفوظ عن عمر خلاف هذا كما نا محمد بن سعيد بن نبات
__________
(1) في النسخة اليمنية فإذا قد بطلل(11/47)
نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا الربيع بن صبيح عن الحسن البصري ان عمر بن الخطاب قال لعلي بن أبى طالب في جناية جناها عمر عزمت عليك إلا قسمت الدية على بني أبيك فقسمها على قريش، فهذا حكم عمر.
وعلي بحضرة الصحابة رضي الله عنهم من المهاجرين والانصار ولا يعرف عليهما منكر منهم في قسم ما تغرمه العاقلة على القبيلة لا على أهل الديوان ولا على أهل المدينة خاصة كما قال مالك، وهم يحتجون باقل من هذا لو وجوده * وأما عمر رضى الله عنه فقد نرهه الله تعالى عن أن يبطل حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدث حكما آخر * قال أبو محمد رحمه الله: فسقط هذا القول ولاح فساده وضعف أصله وفرعه، ثم نظرنا في قول مالك فوجدناه قد احتج على من جعل الدية على أهل الديوان بما فيه الكفاية مما قد ذكرناه وتلك الحجة بعينها حجة عليه في قوله ان من نزع من أهل البدو إلى قرية من أمهات القرى كالمدينة وغيرها فان العاقلة عنه أهل القرى وأهله بالبادية وهذا ليس بشئ لانه لم يأت به سنة صحيحة ولا سقيمة ولا اجماع ولا قول صاحب وما علمناه قال به أحد قبل مالك وليس هذا مما يؤيده نظر ولا قياس فبطل * قال أبو محمد رحمه الله: فلم يبق إذ بطل هذان القولان الا القول الثالث وهو قول أصحابنا وهو الحق لموافقته ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الذي هو الحجة فوجب علينا أن ننظر فيما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ونرد إليه النوازل في ذلك كما امر الله تعالى فوجدناه صلى الله عليه وسلم قد كتب على كل بطن عقوله، وجاء حكمه صلى الله عليه وسلم في الدية وفي الغرة كما قد قدمنا، وجاء حكمه عليه السلام أن العاقلة هم الاولياء وهم العصبة
فصح بهذا ما قلناه، وأما الاثر الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم كتب على قريش عقوله وعلى الانصار عقوله فانه مرسل كما أوردناه ولا حجة في مرسل، فوجب أن نبدأ في العقل بالعصبة كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن لا نتجاوز البطن كما حد رسول الله صلى الله عليه وسلم وان لا يلتفت إلى ديوان ولا إلى أهل مدينة إذ لم يوجب ذلك نص قرآن.
ولا سنة.
ولا اجماع ولا قول صاحب ولا قياس لكن يكلف ذلك العصبة حيث كانوا إلى البطن فان جهلوا أو تعذر أمرهم لافتراق الناس في البلاد فان العصبة والبطن حينئذ من الغارمين وممن قد لزمتهم تلك الغرامة ووجبت في أموالهم فإذ هم من الغارمين فيودي فحقهم في الصدقات في سهم الغارمين فيودي عنهم من ذلك فهذا حكم العاقلة قد بيناه وأوضحناه * 2140 - مسألة - هل تحمل العاقلة الصلح في العمد أو الاعتراف بقتل الخطا أو العبد المقتول في الخطأ؟ قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا كما(11/48)
نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح.
نا موسى ابن معاوية.
نا وكيع.
نا عبدالمك بن حسين أبو مالك.
عن عبد الله بن أبى السفر عن الشعبي عن عمر بن الخطاب قال: العمد.
والعبد.
والصلح.
والاعتراف في مال الجاني لا تحمله العاقلة، وعن الشعبي قال: اصطلح المسلمون على أن لا يعقلوا عمدا ولا عبدا.
ولا صلحا.
ولا اعترافا، وعن ابراهيم النخعي قال: لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا.
ولا صلحا.
ولا اعترافا، وعن عمربن عبد العزيز الا أن يشاءوا، وعن أبي حنيفة عن حماد عن ابراهيم النخعي قال: لا تعقل العاقلة العمد ولا الصلح ولا الاعتراف ولا العبد، وعن ابن شهاب قال: مضت السنة ان العاقلة لا تحمل شيئا من العمد إلا أن تعينه عن طيب نفس.
قال مالك: وحدثني يحيى بن سيعد مثل ذلك، وعن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ليس على العاقلة عقل من قبل العمد إلا أن يشاءوا (1) ذلك انما عليهم عقل الخطأ، وقال أبو حنيفة.
والشافعي.
وابن شبرمة.
وسفيان الثوري.
والاوزاعي.
ومالك.
وأبو سليمان.
وأصحابهم: لا تحمل العاقلة شيئا من هذا كله * وقالت طائفة: لا تحمل العاقلة شيئا من هذا كله ولكن تعينه لما روى أن عمر بن الخطاب قال: ليس لهم أن يخذلوه عن شئ أصابه في الصلح، وعن الزهري وعليهم أن يعينوه، وقالت طائفة: غير هذا لما روي عن شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة.
وحماد بن أبي سليمان عن رجل حراستقبل مملوكا فتصادفا فماتا جميعا؟ فقالا جميعا: دية العبد على عاقلة الحر وليس على العبد شئ، وروي عن عطاء قال: ان قتل رجل عبدا خطأ فهو على عاقلته وان قتل دابة خطأ فهو على عاقلته، وعن ابن جريج أخبرني محمد بن نصر.
والصلت: ان رجلا بالبصرة رمى انسانا (2) ظن أنه كلب فقتله فإذا هو انسان فلم يدر الناس من قاتله فجاء عدي بن أرطاة فأخبره أنه قتله فسجنه وكتب فيه إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إليه انك بئس ما صنعت إذ سجنته وقد جاء من قبل نفسه فخل سبيله واجعل ديته على العشيرة، وزعم الصلت أنه من الازد القاتل والمقتول وان القاتل كان عاسايعس، وقال الزهري: العبد تحمل قيمته العاقلة * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجب به كل طائفة لنعلم الحق فنتبعه فنظرنا فيما احتج به من قال: لا تحمل العاقلة عمدا.
ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا فوجدناهم يقولون: ان هذا قول روي عن عمر.
وابن عباس رضى الله عنهما
__________
(1) في النسخة رقم 14 الا أن شاء وا (2) في النسخة رقم 14 رمى رجلا(11/49)
ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة وهذا لا حجة لهم فيه إذ لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نظرنا فيما احتج به أهل القول الثاني فوجدناهم يذكرون ما روي عن الزهري قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الكتاب الذي كتبه بين قريش والانصار: لا تتركوا مفرجا أن تعينوه في فكاك أو عقل، والمفرج كل ما لا تحمله
العاقلة وهذا مرسل يوجب أن يعين العاقلة فيما لم تحمل جميعه، وقد روي أيضا من عمر كما ذكرنا، وأما نحن فلا حجة عندنا في مرسل، فلما لم يكن فيما احتجوا به حجة وجب أن ننظر فيما اختلفوا فيه من ذلك فبدأنا بالعمد ما ألزم فيه دية أو صولح فيه فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فلم يجز أن نكلف عاقلة غرامة حيث لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله عليه السلام ولم يوجبها قط نص ثابت في العمد فوجب أن لا تحمل العاقلة العمد ولا الصلح في العمد، ثم نظرنا في الاعتراف بقتل الخطأ فوجدنا الله تعالى يقول: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) ووجدنا المقر بقتل الخطأ ليس مقرا على نفسه لان الدية فيما أقر به على العاقلة لا عليه فإذ ليس مقرا على نفسه فواجب أن لا يصدق عليهم إلا أننا نقول: انه ان كان عدلا حلف أولياء القتيل معه واستحقوا الدية على العاقلة فان نكلوا فلا شئ لهم، فلو أقر اثنان عدلان بقتل خطأ وجبت الدية على عواقلهما بلا يمين لانهما شاهدا عدل على العاقلة، وقد اختلف الناس (1) في هذا فقال أبو حنيفة: والشافعي.
والاوزاعي.
والثوري: الدية على المقر في ماله، وقال مالك: لا شئ عليه قال: وان لم يتهم بمن أقر له أقسم اولياء المقتول ووجبت الدية على العاقلة * ثم نظرنا في العبد يقتل خطأ هل تحمل قيمته العاقلة أم لا؟ فوجدنا من لم تحمله العاقلة لا حجة لهم إلا ما ذكرنا من أنه روي ذلك عن عمر.
وعن ابن عباس وهو قول لم يصح عن عمر كما ذكرنا لانه عن الشعبي عن عمر ولم يولد الشعبي إلا بعد موت عمر رضي الله عنه بسنين ولا نعلمه ايضا يصح عن ابن عباس وقد ذكرنا قضايا عظيمة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم خالفوها قد ذكرناها في غير ما وضع فالواجب الرجوع إلى ما أوجب الله تعالى عند التنازع إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد ابن معاوية نا أحمد بن شعيب نا القاسم بن زكريا نا سعيد بن عمرو نا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس ان مكاتبا قتل على عهد رسول
__________
(1) سقط لفظ الناس من النسخة رقم 14(11/50)
الله صلى الله عليه وسلم فأمر عليه السلام أن يودي ما أدى دية الحر وما لا دية المملوك وقد روي عن يحيى بن أبي كثير قال: ان علي بن أبي طالب.
ومروان كانا يقولان في المكاتب أنه يودي منه دية الحر بقدر ما أدى وما رق منه دية العبد فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الحجة في الدين سمى ما يودي في قتل العبد دية وسماه أيضا علي بن أبي طالب وهو حجة في اللغة دية، وقد صح عن النبي عليه السلام أن الدية في النفس في الخطأ على العاقلة، وصح الاجماع على أن في قتل العبد المؤمن خطأ كفارة بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين لمن لم يجد رقبة فصح بالنص والاجماع أن ما يودي في العبد دية والدية على العاقلة، وبهذا نقول، وأما الدية وسائر الاموال فلا لانه لا يسمى شئ من ذلك دية والاموال محظورة الا بنص أو اجماع وبالله تعالى التوفيق * 2141 مسألة مقدار ما تحمله العاقلة * قال أبو محمد رحمه الله: قالت طائفة: لا تحمل العاقلة من جنايات الخطا إلا ما كان أكثر من ثلث الدية فصاعدا فان كان أقل من الثلث أو كان الثلث فهو في مال الجاني، وقالت طائفة: لا تحمل العاقلة إلا ما كان ثلث الدية فصاعدا فما كان أقل من ثلث الدية (1) فهو في مال الجاني، وقالت طائفة: الثلث فصاعدا على العاقلة وما كان أقل من الثلث فعلى قومه خاصة، وقالت طائفة: لا تحمل العاقلة إلا ما كان نصف عشر الدية فصاعدا وما كان أقل فهو في مال الجاني، وقالت طائفة: ان جنت امرأة على رجل أو امرأة فبلغت ثلث ديتها كان على عاقلته وان بلغ أقل ففي ماله، وقالت طائفة: المراعى في ذلك المجني عليه فان كان امرأة فبلغ نصف عشر ديتها حملته عاقلة الجاني رجلا كان أو امرأة، وان كان المجني عليه رجلا فبلغ نصف عشر ديته فانه على عاقلة الجاني رجلا كان أو امرأة، وما كان دون ذلك ففي مال الجاني، وقالت طائفة: تحمل العاقلة ما قل أو كثر، وقالت طائفة: الحكم في ذلك على ما اتفقوا عليه، فان كان
تألفوا على الكثير فقط حملوا الكثير فقط ولم تحد (2) للقليل ولا للكثير حدا * قال أبو محمد: فالقول الاول كما روي عن الزهري قال الثلث فما دونه في خاصة ماله وما زاد فهو على العاقلة، والقول الثاني كما روي عن ابن وهب قال: أخبرني ابن سمعان قال: سمعت رجالا من علمائنا يقولون: قضى عمر بن الخطاب في الدية أن لا يحمل منها شئ على العاقلة حتى تبلغ ثلث الدية فانها على العاقلة عقل المأمومة والجائفة فإذا بلغت ذلك فصاعدا حملت على العاقلة * وعن سعيد بن المسيب.
وسليمان بن يسار مثله، وعن الزهري مثله، وقال عروة بن الزبير: ماكان من خطأ فليس على العاقلة منه شئ حتى يبلغ
__________
(1) في النسخة اليمنية أقل من الثلث (2) اي الطائفة المتقدمة(11/51)
ثلث الدية على ذلك أمر السنة، وعن الليث بن سعد أنه سمع يحيى بن سعيد يقول: ان من الامر القديم عندنا أن لا يكون على العاقلة عقل حتى يبلغ الجرح ثلث الدية، وعن ربيعة لا تحمل العاقلة ما دون الثلث إلا أن يصطلحوا على شئ * وعن ابن جريج.
ومعمر عن عبيد الله بن عمر قال: نحن مجتمعون أو قد كدنا أن نجتمع ان ما دون الثلث في ماله خاصة، وعن يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز قضى في مولى جرح فكان دون الثلث من الدية ولم يكن له شئ أن يكون دينا يتبع به، وبهذا يقول عبد العزيز ابن أبي سلمة، والقول الثالث قال مالك: ما بلغ ثلث الدية من الرجل من جناية الرجل جرح رجلا أو أمرأة فعلى العاقلة فان كان أقل من ذلك ففي ماله، وما بلغ ثلث دية المرأة فعلى العاقلة فما كان أقل ففي ماله سواء جرحت رجلا أو امرأة، والقول الرابع كما روي عن حماد بن أبي سليمان عن ابراهيم قال: لا تعقل العاقلة ما دون الموضحة، قال وكيع: وسمعت سفيان الثوري يقول: لا تعقل العاقلة موضحة المرأة إلا في قول من رآها كموضحة الرجل وهو قول ابن شبرمة، وأما القول الخامس فان ابا حنيفة وأصحابه قالوا به فراعوا المجني عليه قالوا: فان كان المجني عليه امرأة فبلغت الجناية نصف عشر ديتها فصاعدا فهي على العاقلة فان بلغت أقل فهي في مال الجاني رجلا كان أو امرأة فان كان المجني عليه رجلا فبلغت
الجناية نصف عشر ديته فصاعدا فهي على العاقلة فان بلغت أقل ففي مال الجاني رجلا كانت أو امرأة، والقول السادس كما روى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: إذا بلغ الثلث فهو على العاقلة وقال لي ذلك ابن أيمن ولا أشك انه قال فما لم يبلغ الثلث فعلى قوم الرجل خاصة، والقول السابع كما روي عن ابن وهب أخبرني يونس عن ابي الزناد قال: كل شئ من جراح أو دم كان خطأ فان عقل ما أتلفت عليه القبيلة من الخطأ على ما أئتلفوا عليه ان كانت الفتهم على الكثير وليست على القليل، فان عقل ما أئتلفوا عليه على العاقلة وعقل ما لم يأتلفوا عليه على الجارح في ماله، وليس بشئ من ذلك اصطلحت عليه القبيلة بأس، وقد كان عمر بن عبد العزيز الف معقلة قريش إذ كان أميرا على المدينة على أنهم يعقلون ثلث الدية فما فوقها، وأن ما دون ذلك يكون على الجارح في ماله، والقول الثامن قاله عثمان البتي.
والشافعي ان العاقلة تحمل ما قل أو كثر كما ذكرنا في الباب الذي قبل هذا من قول عطاء.
وغيره ان العاقلة تحمل ثمن العبد ولم يخص قليلا من كثير وهو قول الحكم بن عتيبة.
وحماد بن ابي سليمان.
وغيرهم * قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في قول من قال: ان الثلث فما دونه في مال الجاني وان ما زاد على العاقلة فوجدناه لا حجة لهم نعلمها أصلا فسقط هذا القول إذ كل قول(11/52)
لا حجة له فهو ساقط لا يجوز القول به، ثم نظرنا في القول الثاني فوجدناهم يذكرون ما رواه يونس بن يزيد عن ربيعة أنه قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم الف بين الناس في معاقلهم فكانت بنو ساعدة فرادى على معقلة يتعاقلون ثلث الدية فصاعدا ويكون ما دون ذلك على من اكتسب وجنى، قال ابن وهب: وحدثني عبد الجبار بن عمر عن ربيعة انه قال: عاقل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والانصار فجعل العقل بينهم إلى ثلث الدية * وما ناه حمام نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا الحرث ابن أبي أسامة نا محمد بن عمر الواقدي نا موسى بن شيبة عن خارجة بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن جده
قال: كنا في جاهليتنا وانما نحمل من العقل ما بلع ثلث الدية ونؤخذ به حالا فان لم يوجد عندنا كان بمنزلة الذي يتجازى فلما جاء الله تعالى بالاسلام كنا فيمن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعاقل بين قريش والانصار ثلث الدية، وروي عن عمر ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم * قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في هذا الاحتجاج فوجدناه لا تقوم به حجة لان الخبرين عن ربيعة مرسلان، أما المسند فهالك البتة لانه عن الحرث بن أبي أسامة وهو منكر الحديث ترك بآخرة، وهو أيضا عن الواقدي وهو مذكور بالكذب، ثم عن خارجة بن عبد الله بن كعب بن مالك وهو مجهول، ورب مرسل أصح من هذا قد تركوه كالمرسل في أن في العين العوراء ثلث ديتها.
وغير ذلك فسقط هذا القول * وأما كونه عن عمر رضى الله عنه فهو مرسل عن ابن سمعان وابن سمعان مذكور بالكذب، ثم لو صح لما كان في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة، وقد جاء عن عمر بما هو أصح من حكمه في عين الدابة ربع ثمنها وكتابه بذلك إلى القضاة في البلاد ومن خطبته على الصحابة رضى الله عنهم ان في الضلع جملا وفي الترقوة جملا، ومن الباطل أن يكون قول عمر قد صح عنه ليس حجة ويكون قول مكذوب لم يصح عنه حجة فسقط كل ما احتجوا به، ثم نظرنا في قول من قال: لا تحمل العاقلة ما دون نصف العشر من الدية فلم نجد لهم حجة إلا أن قالوا: ان الاموال لا تحملها العاقلة لانه ليس فيها أرش مؤقت لا يتعدى ووجدنا ثلث الدية تحملها العاقلة لان فيها أرشا معلوما لا يتعدى، فوجب أن يكون كذلك كل ما له أرش محدود فتحمله العاقلة وما لا ارش له محدود فلا تحمله العاقلة * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا ليس بشئ وقول كاذب وباطل موضوع، ولا ندري اين وجدوا هذا إلا بظنون، قال الله تعالى: (ان يتبعون إلا الظن وان(11/53)
الظن لا يغني من الحق شيئا) ثم نظرنا في تقسيم ابي حنيفة.
ومالك ومراعاة مالك ثلث دية المرأة إذا كانت هي الجانية أو ثلث دية الرجل إذا كان هو الجاني، ومراعاة أبي حنيفة نصف عشر الدية في المجني عليه خاصة رجلا كان أو امرأة فوجدناهما تقسيمين لم يسبق أبا حنيفة إلى تقسيمه في ذلك أحد نعلمه ولا سبق مالكا في تقسيمه هذا أحد نعلمه، ولئن جاز لابي حنيفة.
ومالك أن يقولا قولا برأيهما لا يعرف له قائل قبلهما فما حظر الله تعالى قط ذلك على غيرهما ولا أباح لهما من ذلك ما لم يبحه لكل مسلم دونهما لا سيما من قال بما أوجبه القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وان من صوب لمالك.
ولابي حنيفة قولا بالرأي لم يعرف ان أحدا قال به قبلهما (1) ثم أنكر على من قال متبعا لكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم قولا لم يأت عن أحد قبله انه قال به ولاصح اجماع بخلافه فما ترك للباطل شغبا، ثم نظرنا في قول من قال: ما كان ثلث الدية فصاعدا فعلى العاقلة وما كان أقل من ثلث الدية فعلى قوم الجاني خاصة فوجدناه لاحجة له فيه فسقط، ثم نظرنا فيما حكاه ابو الزناد من أن الحكم في ذلك انما هو على ما ائتلفت عليه القبائل وتراضت به فقط فوجدناه مخبرا عن حقيقة الحكم في هذه المسألة، وصح باخبار أبي الزناد أن هذا أمر لا سنة فيه وانما هو تراض فقط فهذا لا يجوز الحكم به قطعا في دين الله تعالى، ثم نظرنا في قول من قال: ان العاقلة تحمل القليل والكثير فوجدنا حجتهم ان قالوا: لما حملت الدية بالنص والاجماع كان حملها لبعض الدية وللقليل أولى إذ من حمل الكثير وجب أن يحمل القليل، وهذا قياس والقياس كله باطل * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا وصح أنها آراء مجردة لا سنة في شئ من ذلك ولا اجماع وجب الرجوع إلى ما افترض الله تعالى عند التنازع فوجدنا الله تعالى يقول: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) الآية، وقال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فوجب أن
لا تلزم العاقلة غرامة أصلا إلا حيث أوجبها النص والاجماع، وقد صح النص بايجاب دية النفس في الخطأ عليها وصح النص بايجاب الغرة الواجبة في الجنين على العاقلة أيضا ولم يأت نص ولا اجماع بأن تلزم غرامة في غير ما ذكرنا فوجب أن لا يجب عليها غرامة لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله عليه السلام، ولا يصح فيها كلمة عن صاحب (2) أصلا، وانما فيها آثار عن اثنى عشر من التابعين مختلفين غير متفقين، فصح أنها
__________
(1) في النسخة رقم 14 ان أحدا قاله قبلهما (2) في النسخة رقم 14 من صاحب(11/54)
اقوال عذر قائلها بالاجتهاد وقصد الخير، وبالله تعالى التوفيق * 2142 - مسألة - هل يغرم الجاني مع العاقلة أم لا؟ قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقال أبو حنيفة.
ومالك.
والليث.
وابن شبرمة: يغرم القاتل خطأ مع عاقلته، وقال الاوزاعي.
والحسن.
وأبو سليمان.
وأصحابنا: لا يدخل معهم في الغرامة، وقال الشافعي.
هي على العاقلة فما عجزت عنه العاقلة فهو في ماله * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها فوجدنا الموجبين على القاتل خطأ أن يغرم مع عاقلته يقولون: ان سعد بن طارق روى عن نعيم بن أبي هند عن سلمة بن نعيم أنه قال: قتلت يوم اليمامة رجلا ظننته كافرا فقال: اللهم اني مسلم برئ مما جاء به مسيلمة قال: فأخبرت بذلك عمر ابن الخطاب فقال: الدية عليك وعلى قومك * قالوا.
وروي هذا عن عمر بن عبد العزيز ولا يعرف لهما من السلف مخالف وقالوا: انما الغرم على العاقلة تغرم عنه على وجه النصرة له فهو أولى بذلك في نفسه ما نعلم لهم حجة غير هذا ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * ثم نظرنا في قول الشافعي فوجدناه لا حجة له أصلا لا من قرآن ولا من سنة ولا من قول صاحب ولا تابع ولا قياس ولا وجدناه لاحد قبله فسقط وبالله تعالى التوفيق * ثم نظرنا في قول الاوزاعي.
والحسن بن حي.
وأبي
سليمان فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم بالدية على عصبة العاقلة كما رويناه عن مسلم ابن الحجاج نا قتيبة - هو ابن سعيد - نا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة انه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم ان التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بان ميراثها لبنيها وزوجها وان العقل على عصبتها * ومن طريق مسلم نا اسحق ابن ابراهيم نا جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي عن عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة قال: ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط فقتلتها واحداهما لحيانية فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة وغرة لما في بطنها فقال رجل من عصبة القاتلة: أنغرم دية من لا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسجع كسجع الاعراب وجعل عليهم الدية " فهذا نص حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة الجانية من الدية جملة وان ميراثها لزوجها وبنيها لا مدخل للغرامة فيه والدية على عصبتها وهي ليست عصبة لنفسها لا في شريعة ولا في لغة فصح يقينا أنه لا يغرم الجاني(11/55)
خطأ من دية النفس ولا من الغرة شيئا * قال أبو محمد رحمه الله: فان عجزت العاقلة فالدية.
والغرة على جميع المسلمين في سهم العارمين من الزكاة لانهم غارمون فحقهم في سهم الغارمين بنص القرآن، ولان رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بالدية على أوليائها * وبرهان آخر وهو أن الاموال محرمة إلا بنص أو اجماع، وقد صح النص واجماع أهل الحق على أن العاقلة تغرم الدية، ولم يأت نص ولا اجماع بان القاتل يغرم معهم شيئا فلم يحل أن يخرج من ماله شئ، وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: والعجب من احتجاجهم بعمر رضى الله عنه وهم قد
خالفوه في هذا المكان نفسه وفي غيره فمها حضرنا ذكره من ذلك ما رويناه عن معمر عن قتادة أن رجلا فقأ عين نفسه خطأ فقضى له عمر بن الخطاب بالدية فيها على العاقلة وهم لا يقولون بهذا * 2143 مسألة كم يغرم كل رجل من العاقلة؟ * قال أبو محمد رحمه الله: قد قلنا: من العاقلة، ثم وجب النظر أيدخل فيها الصبيان والمجانين والنساء والفقراء أم لا؟ فنطرنا في ذلك بعون الله تعالى فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم انما قضى بالدية على العصبة وليس النساء عصبة اصلا ولا يقع عليهن هذا الاسم والاموال محرمة إلا بنص أو اجماع ولا نص ولا اجماع في إيجاب الغرم على نساء القوم في الدية التي تغرمها العاقلة، ثم نظرنا في الفقراء فوجدنا الله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (ولينفق ذو سعة من سعته) إلى قوله: (الا ما آتاها) فهذا عموم في كل نفقة في بر يكلفها المرء لا يجوز أن يخص بهذا الحكم نفقة دون نفقة لانها قضية قائمة بنفسها فلا يحل القطع لاحد بان الله تعالى انما أراد بذلك ما قبلها خاصة فصح يقينا أن الفقراء خارجون مما تكلفه العاقلة، ثم نطرنا في الصبيان والمجانين فوجدنا اسم عصبة يقع عليهم ولم نجد نصا ولا اجماعا على اخراجهم عن هذه الكلفة بل قد وجدنا أحكام غرامات الاموال تلزمهم كالزكاة التي قد صح النص بايجابها عليهم وأجمع الحاضرون من المخالفين معنا على ان زكاة ما أخرجت الارض والثمار عليهم وان زكاة الفطر عليهم وان النفقات على الاولياء والامهات عليهم ولم نحتج بهذا لانفسنا لكن على المخالفين لنا لانهم يزعمون أنهم أصحاب قياس وقد أجمعوا على وجوب كل ما ذكرناه في اموال الصبيان والمجانين فما الفرق بين لزوم النفقات والزكوات لهم وبين لزوم الدية مع سائر العصبة لهم؟ لا سيما وهم يرون الدية في مال الصبي والمجنون إذا قتل ويرون(11/56)
أروش الجراحات عليهم أيضا، وهذا تناقض لا خفاء به * فان قالوا: فأنتم لا ترون
الدية عليهم ولا عنهم فما جنوه ثم ترونها عليهم فيما جناه غيرهم قلنا: نعم لاننا لا نقول بالمقاييس في الدين، ولا أن الشريعة موضوعة على ما توجبه الآراء بل نكفر بهذا القول ونبرأ إلى الله تعالى منه، وقد وجدنا القاتل يقتل عددا من المسلمين ظلما فيعفو عنه أولياؤهم فيحرم دمه ويمضي سالما لا شئ عليه، ثم يسرق دينارا أو يزني بأمة سوداء فيعفو عنه رب الدينار وسيد السوداء فلا يسقط عنه القطع ولا القتل بالحجارة ان كان محصنا و أين هذا والدينار من قتل النفس المحرمة؟ ووجدناكم تقولون: ان زكاة الفطر على المرأة ولا تؤديها عن نفسها بل يؤديها عنها غيرها - وهو زوجها - ويقول الحنيفيون: الاضحية فرض على المرأة فلا تؤديها هي لكن يؤديها عنها زوجها، فإذا قلتم هذا حيث لم يوجبه الله سبحانه وتعالى ولا رسوله عليه السلام وأنتم أهل آراء وقياس في الدين فنحن أولى بان نقول ما أوجبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين * فان قيل فان احتجاجكم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاثة - فذكر - الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق " قلنا نحن ولله الحمد قائلون به ومسقطون عن الصبي والمجنون كل حكم ورد بخطاب أهل ذلك الحكم لانهما غير مخاطبين بيقين لا شك فيه فهما خارجان عمن خوطب بذلك الحكم ونحن نلزمهما كل غرامة في مال جاء الحكم في ذلك المال بغير خطاب لاهله والحكم ها هنا جاء بان النبي صلى الله عليه وسلم حكم بان الدية والغرة على عصبة القاتلة ولم يخاطب العصبة ولا التفت عليه السلام إلى اعتراض من اعترض منهم بل انفذ الحكم عليهم فنحن ننفذ الحكم بايجاب الدية في مال العصبة ولا نبالي صبيانا كانوا أو مجانين أو غيبا أو حاضرين ولم نوجب ذلك فيما جناه صبي أو مجنون لان الدية انما وجبت بنص القرآن فيما قتله مخاطب بالكفارة وليس هذا من صفات الصبيان والمجانين، والحمد لله رب العالمين * قال أبو محمد رحمه الله: ثم نظرنا في مقدار ما يؤخذ من كل انسان من العصبة فوجدنا قوما قالوا: لا يؤخذ من كل واحد إلا أربعة دراهم أو ثلاثة، وقوما قالوا:
يؤخذ من الغني نصف دينار ومن المقل ربع دينار فكانت هذه حدودا لم يأت بها حكم من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم فوجب أن لا يلتفت ووجب أن ننظر ما الواجب في ذلك فوجدنا الله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، وقال تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية وبالغرة(11/57)
على العاقلة فوجب أن يحملوا من ذلك ما يطيقون وما لا حرج عليهم فيه وما لا يبقون بعده في عسر فان الله تعالى لم يرد ذلك - أعني العسر بنا - قط فيؤخذ من مال المرء ما لا يبقى بعده معسرا أو يعدل بينهم في ذلك فيمن احتمل ماله أبعرة كثيرة ولم يجحف ذلك به كلف ذلك، ومن لم يحتمل الا جزءا من بعير كذلك أشرك بين الجماعة منهم في البعير هكذا حتى تتم الدية وهكذا في حكم الغرة وبالله تعالى التوفيق، انما ننظر إلى مال المرء منهم وعياله فيفرض الدية والغرة على الفضلات من أموالهم التي يبقون بعدها لو ذهبت أغنياء فيعدل بينهم في ذلك كما قال تعالى: (اعدلوا هو اقرب للتقوى) والعدل هو الاخذ بالسنة لا بان يساوي بين ذي الفضلة القليلة والفضلة الكثبرة فيؤخذ منهم سواء لكن يؤخذ من الكثير كثير ومن القليل قليل، وهذا قول أصحابنا وهو الحق وبالله تعالى التوفيق * 2144 مسألة: هل يعقل عن الحليف وعن المولى من أسفل أو من فوق؟ وعن العبد أم لا؟ وهل يعقل عمن أسلم على يديه أم لا؟ وهل ينتقل الولاء بالعقل أم لا؟ قال أبو محمد رحمه الله: قال قوم: يعقل عن المولى المعتق مواليه من فوق كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن حماد بن ابي سليمان عن ابراهيم قال: اختصم علي.
والزبير في موال لصفية.
فقضى عمر بن الخطاب بان الميراث للزبير والعقل
على علي، وعن ابراهيم النخعي في رجل أعتقه قوم وأعتق إباه آخرون قال: يتوارثون بالارحام والعقل على الموالي * وعن أبي موسى أنه كتب إلى عمر بن الخطاب ان رجلا يموت قبلنا وليس له رحم ولا ولي فكتب إليه عمر ان ترك ذا رحم فالرحم والا فالولاء والا فبيت المال يرثونه ويعقلون عنه، وعن مجاهد قال: ان رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال: ان رجلا أسلم على يدي فمات وترك ألف درهم فتحرجت منها فرفعتها اليك فقال: أرأيت لو جنى جناية على من كانت تكون؟ قال علي: قال فميراثه لك، وعن معمر عن الزهري قال قال عمر بن الخطاب: إذا والى الرجل رجلا فله ميراثه وعلى عاقلته عقله، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء أبي القوم أن يعقلوا عن مولاهم أيكون مولى من عقل عنه فقال: قال معاوية: اما ان يعقلوا عنه واما أن نعقل عنه وهو مولانا، قال عطاء: فان أبى أهله أن يعقلوا عنه وأبى الناس فهو مولى المصاب، وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال: إذا أبت العاقلة أن يعقلوا عن مولاهم اجبروا على ذلك، وعن ابراهيم النخعي إذا أسلم(11/58)
الرجل على يدي الرجل فله ميراثه ويعقل عنه، وعن الحكم بن عتيبة في رجل تولى قوما قال: إذا عقل عنهم فهو منهم * قال أبو محمد رحمه الله: وقالت طائفة: غير هذا كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن حميد أن مولى لبني جشم قتل رجلا خطأ فسأل عدي بن ارطاة الحسن البصري عن ذلك؟ فقال: لا تعقل العرب عن الموالي، وقال أبو حنيفة.
ومالك: تعقل العاقلة عن المولى والحليف، وقال أبو حنيفة: من والى غير من أعتقه لكن من أسلم على أيديهم فله أن ينتقل عنهم ويوالي غيرهم ما لم يعقلوا عنه فإذا عقلوا عنه فلا يمكنه الانتقال عنهم بولاية أبدا، وقال ابو سليمان وأصحابنا: لا تعقل العاقلة عن الموالي من أسفل ولا عن المولى من فوق ولا عن الحليف ولا عن العبد، فلما اختلفوا وجب أن نخلص أقوالهم ثم نذكر كل ما احتجت
به كل طائفة لقولها ليظهر الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى ومنه * (فكان الحاصل) من قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه ان الموالي من فوق يعقلون عن الموالي الذين أعتقوه أو أعتقه من هو منهم وأن ذوي الرحم أولى بالميراث من الموالي الذين أعتقوه ثم المعتقون ثم المسلمون، وظاهر هذا أن كل من ذكرنا يعقل عنه وان من أسلم على يد انسان فولاؤه له يرثه ويعقل عنه، وصح من قول معاوية أن الموالي من فوق يعقلون عمن أعتقوه فان أبوا عقل عنهم الامام وزال ولاؤه عن الذين أعتقوه إلى الذي عقل عنه وهذا صحيح عن معاوية ثابت لان عطاء بن أبي رباح أدركه، وصح عن ابراهيم النخعي أن المعتقين يعقلون عن مولاهم الذي اعتقوه وعمن أسلم على يدي رجل منهم، وصح عن الحسن أنه لا يعقل المعتقون عمن اعتقوا * قال ابو محمد رحمه الله: فوجب أن ننظر في طلب البرهان فيما اختلفوا فيه من ذلك مما أوجب الله تعالى علينا وهو القرآن والسنة فوجدنا من يقول: ان المعتقين يعقلون عمن أعتقوه يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مولى القوم منهم "، وقال عليه السلام: " كل حلف كان في الجاهلية فلم يزده إلاسلام إلا شدة " كما روينا من طريق مسلم نا أبو بكر ابن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير.
وأبو أسامة عن زكريا عن سعد بن ابراهيم عن أبيه عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا حلف في الاسلام وايما حلف كان في الجاهلية فلم يزده الاسلام الا شده " * ومن طريق مسلم نى زهير بن حرب نا اسمعيل بن ابراهيم - هو ابن علية - نا ايوب السختياني عن ابي قلابة عن ابي المهلب عن عمران بن الحصين قال كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فاسرت ثقيف رجلا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واسر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من(11/59)
من بني عقيل وأصابوا معه العضباء فاتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق فقال: يا محمد فاتاه فقال: ما شأنك؟ فقال بم اخذتني واخذت سابقة الحاج؟ قال: اعظاما لذلك اخذتك
بجريرة حلفائك ثقيف ثم انصرف فناداه يا محمد يا محمد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رفيقا فرجع إليه فقال: ما شأنك؟ فقال: اني مسلم قال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح وذكر باقى الحديث، قالوا: فإذ المولى من القوم والحليف من القوم وهم مأخوذون بجريرته فالعقل عليه * قال أبو محمد رحمه الله: وهذه الاخبار في غاية الصحة إلا انهم لا حجة لهم في شئ منها، أما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مولى القوم منهم " فحق لا شك فيه وليس كونه منهم موجبا أن يعقلوا عنه لانه صلى الله عليه وسلم قد قال أيضا: ابن أخت القوم منهم ولم يكن ذلك.
موجبا عندهم أن يعقلوا عنه كما روينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد ابن جعفر - هو غندر - نا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال: " جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصار وقال: أفيكم أحد من غيركم؟ قالوا: لا الا ابن أخت لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان ابن اخت القوم منهم " وذكر الحديث، فبطل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم: " مولى القوم منهم " أن يكون موجبا لان يعقل عنهم أو يعقلوا عنه إذ لا يقتضي قوله عليه السلام " مولى القوم منهم " أن يعقلوا عنه، وأما حديث عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعقبلي: " أخذتك بجريرة حلفائك من ثقيف " فلا حجة لهم فيه أصلا لوجوه، أحدها أنه صلى الله عليه وسلم لم يأخذ منه إذ أخذه مسلما حراما أخذه لو لا جريرة حلفائه بل أخذ كافرا حلالا أخذه ودمه وماله على كل حال إلا أنه تأكد أمره من اجل جريرة حلفائه فقط، ولسنا في هذه المسألة انما نحن في مسلمين حرام دماؤهم وأموالهم هل يؤخذون بجريرة حلفائهم أم لا، وثانيها أن مثل تلك الجريرة لا يختلف اثنان من أهل الاسلام في أنه لا يحل أن يؤخذ بها مسلم عن مسلم ولو ان حلفاء الانسان أو اخوانه أو آباه أو ولده يأسر رجلا من المسلمين أو يقطع الطريق لم يحل لاحد أن يأخذ حليفه ولا أخاه ولا ابنه ولا أباه عنه، وثالثها أن هذا قياس والقياس كله باطل لانه قياس الشئ على ضده وقياس
مؤمن على كافر وجناية قتل خطأ على اسر كفار لمؤمن وهذا تخليط ممن موه بهذا الخبر فحرفه عن موضعه، وأما حديث جبير بن مطعم لا حلف في الاسلام وكل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الاسلام الا شدة فلا متعلق لهم به لاننا لم نخالفهم في بقاء حلف الجاهلية وابطال الحلف في الاسلام فيحتجوا علينا بهذا الخبر، وانما الكلام(11/60)
هل يعقل الحلفاء بعضهم عن بعض أم لا وليس في هذا الخبر شئ من هذا المعنى وما معنى بقاء الحلف إذا قلنا: معناه ظاهر وهو أن يكونوا معهم كأنهم منهم فإذا غزوا غزوا معهم وإذا كانت لهم حاجة تكلموا فيها كما يتكلم الاهل وما أشبه ذلك، وأما ايجاب غرامة فلا، وقد روينا من طريق مسلم نا أبو جعفر بن محمد بن الصباح انا حفص بن غياث نا عاصم الاحول قال: قيل لانس بن مالك بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حالف بين قريش والانصار في داره، وفي حديث آخر لمسلم عن أنس في داره بالمدينة * قال علي رحمه الله: فهذا أعظم حجة في ابطال أن يعقل الحليف عن حليفه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم حالف بين قريش والانصار ولاحلف أقوى وأشد من حلف عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو عقل الحلفاء عن الحليف لوجب أن تعقل قريش عن الانصار والانصار عن قريش وهذا ما لا يقولونه * قال أبو محمد رحمه الله: فواجب أن نطلب معرفة الوقت الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلف في الاسلام فذكر عن عمر بن الخطاب من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال: ان كل حلف كان قبل الحديبية فهو مشدود.
وكل حلف كان بعد الحديبية فهو منقوض لان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وادع قريشا يوم الحديبية كتب عليه السلام حينئذ بينه وبينهم أنه من أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها دخل ومن أحب أن يدخل في عهد محمد صلى الله عليه وسلم وعقده دخل وقضى عثمان أن كل حلف كان قبل الهجرة فهو جاهلي ثابت
وكل حلف كان بعد الهجرة فهو في الاسلام وهو مفسوخ قضى بذلك في قوم من بني بهز من بني سليم، وقضى علي بن أبي طالب ان كل حلف كان قبل نزول لايلاف قريش فهو جاهلي ثابت وكل حلف كان بعد نزولها فهو اسلامي مفسوخ لان من حالف ليدخل في قريش بعد نزول لايلاف قريش ممن لم يكن منهم لم يكن بذلك داخلا فيهم قضى في ذلك في حلف ربيعة العقيلي في جعفي وهو جد اسحق بن مسلم العقيلي، وقال ابن عباس: كل حلف كان قبل نزول (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون) إلى قوله (فآتوهم نصيبهم) فهو مشدود وكل حلف كان بعد نزولها فهو مفسوخ، فوجب أن ننظر في الصحيح من ذلك، فأما قول عثمان رضي الله عنه ان حد انقطاع الحلف انما هو أول وقت الهجرة فلا يصح لان انسا روى كما ذكرنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حالف بين قريش والانصار بالمدينة، ولا يشك أحد في أن هذا الحلف كان بعد الهجرة، وأما قول عمر رضى الله عنه في تحديده انقطاع الحلف بيوم الحديبية فهذا(11/61)
أيضا متوقف لان حلف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والانصار كان بعد الهجرة ولا ندري أقبل الحديبية أم بعدها فأما نزول لايلاف قريش والآية الاخرى فما ندري متى نزلتا لان جبير بن مطعم - راوي كل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الاسلام الا شده - لم يسلم الا يوم الفتح فلا يحمل هذا الخبر الا على يوم الفتح والله أعلم، فبطل تعلقهم بهذه الاخبار جملة، قال أبو محمد رحمه الله: فوجب علينا أن نطلب حكم هذه المسائل من غيره هذه الاخبار فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قضى بالدية على العصبة هكذا جاء النص في خبر دية القاتلة فوجب أن تكون الدية على العصبة ومن هم العصبة؟ فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم بميراث القاتلة لبينها وزوجها وحكم بالدية على عصبتها فبطل أن تكون الورثة هم العصبة بخلاف ما قال الشعبي قال: العقل على من له الميراث فإذ ذلك كذلك فلعل محتجا يحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت
الفرائض فالاولى رجل ذكر فيقول.
ان هذا حكم المولى من فوق فيقال له: نعم هذا صحيح وهذا حكم المواريث لا حكم العاقلة لانه قد ترث بالولاء المرأة إذ أعتقت مولى لها وليست المرأة من العصبة * 2145 مسألة تعاقل أهل الذمة * روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا حفص بن غياث نا عمرو - هو ابن عبيد - أن الحسن كان يقول في المعاهد يقتل قال: ان كانوا يتعاقلون فعلى العواقل وان كان لافدين عليه في ماله وذمته * ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أيضا نا حفص بن غياث عن أشعث عن الشعبي في المعاهد يقتل قال ديته لمسلمين وعقله عليهم * ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أيضا نا محمد بن بشر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في رجل من أهل الذمة فقأ عين رجل مسلم قال: ديته على أهل طسوجه (1)، فهذه أقوال منها أن أهل اقليمه يعقلون عنه وهو ليس بشئ لان أهل طسوجة لا يسمون عصبة له بلا خلاف، وقول آخر ان عقله على المسلمين وهذا كذلك إذا لم تكن له عصبة فان كان له عصبة فعقل من قتل خطأو الغرة تجب عليه وعلى عصبته كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخص بذلك عربا من عجم بل جعل على كل بطن عقوله فعم، وما ينطق عن الهوى وما كان ربك نسيا * 2146 - مسألة - حكم ما جنى العبد في ذلك أن قتل العبد أو المدبر أو أم الولد أو المكاتب مسلما خطأ أو جنوا على حامل فاصيب جنينها فقد بينا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك وهو الذي قضاؤه من قضاء الله تعالى (2) أن الدية والغرة على
__________
(1) بفتح الطاء المهملة وضم السين المهملة المشددة الناحية (2) في النسخة رقم 14 من قضاء ربه تعالى(11/62)
عصبة الجاني في ذلك وان على كل بطن عقوله ولم يخص حرا من عبد (وما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى) وما كان ربك نسيا، ونحن نشهد بشهادة الله تعالى ان الله تعالى لو أراد أن يخص حرا من عبد لبينه ولما أهمله ولا اغفله وقد قال تعالى:
(لتبين للناس ما نزل إليهم) فكل ما لم يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا فصله فهو باطل ما أراده الله تعالى قط وقد حكم عليه السلام على كل بطن عقوله، والبطون هي الولادات أبا بعدأب فهي في العجم كما هي في العرب، وفي الاحرار كما هي في العبيد فواجب أن كل من كان من العبيد يعرف نسبه وله عصبة كقرشي أو عربي أو عجمي تزوج أمة فرق ولدها منها فان الدية على عصبته، فان قيل: انهم لا يرثونه قلنا: نعم وقد بينا أن الدية على العصبة لا على الورثة بنص حكم النبي عليه الصلاة والسلام وهو الحق المقطوع به عند الله تعالى وانه لم يرد قط غيره مما لم يأت به قرآن ولا سنة * 2147 مسألة: من لا عاقلة له، اختلف الناس في هذا فقالت طائفة على المسلمين كما روينا أن ابا موسى الاشعري كتب إلى عمربن الخطاب ان الرجل يموت بيننا ليس له رحم ولا مولى ولا عصبة فكتب إليه عمر ان ترك رحما فرحم والا فالمولى ولا فلبيت مال المسلمين يرثونه ويعقلون عنه، وقالت طائفة: عقله على عصبة أمه كما روينا أن علي بن أبي طالب لما رجم المرأة قال لاوليائها هذا ابنكم ترثونه ويرثكم وأن جنى جناية فعليكم * وعن ابراهيم قال: إذا لاعن الرجل امرأته فرق بينهما ولا يجتمعان أبدا وألحق الولد بعصبة أمه وترثه ويعقلون عنه * وعن ابراهيم أيضا - وهو النخعي - في ولد الملاعنة قال: ميراثه كله لامه ويعقل عنه عصبتها، وكذلك ولد الزنا وولد النصراني وأمه مسلمة وقالت طائفة: على من كان مثله كما روينا عن ميمون بن مهران أن رجلا من أهل الجزيرة أسلم وليس له موال فقتل رجلا خطأ فكتب عمر بن عبد العزيز ان اجعلو هادية على نحوه ممن اسلم، وقالت طائفة: على من كان مثله وقالت طائفة لا شئ في ذلك كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال زعم عطاء أن سائبة من سيب مكة أصابت انسانا فجاء إلى عمر بن الخطاب فقال له عمر: ليس لك شئ أرأيت لو شججته قال آخذ له منك حقه ولا تأخذ لي منه قال لا قال هو إذا الارقم ان يتركني القم وأن يقتلوني أنقم قال عمر: فهو الارقم (1) *
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في هذا فوجدنا الله سبحانه وتعالى يقول: (ومن قتل مؤمنا خطأ) الآية، ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
__________
(1) الا رقم هو الحية التى فيها سواد وبياض والاراقم حى من تغلب وهم جشم(11/63)
قضى مجملا في الجنين بغرة عبد أو أمة فكان هذان النصان عامين لكل من له عاقلة ولكل من لا عاقلة له ولا عصبة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ تضى بالدية والغرة على العصبة لم يقل: انه لا يجب من ذلك شئ على من لا عصبة له فإذ لم يقل وقضى بالغرة جملة وقضى الله تعالى بدية مسلمة إلى أهل المقتول خطأ عموما كان ذلك واجبا فيمن قتله خطأ من له عصبة ومن لا عصبة له، وكذلك الغرة فوجب أن لا تسقط الدية ولا الغرة ههنا أيضا إذ لم يسقطها نص من الله تعالى ولا من رسوله عليه السلام فنظرنا في هذه الاقوال فوجدنا من جعلها في مال الجاني أو على عصبة أمه أو على مثله ممن أسلم قد خص بالغرامة قوما دون سائر الناس وهذا لا يجوز لانه صلى الله عليه وسلم قال: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " فلم يجز أن يغرم أحد غرامة لم يأت بايجابها نصي ولا اجماع، ولم يقل الله تعالى ولا رسوله عليه السلام أن الدية يغرمها الاخوال ولا الجاني ولا من اسلم مع الجاني فلا يجوز تخصيصهم لانهم وغيرهم سواء في تحريم اموالهم * قال أبو محمد: رحمه الله فلم يبق الا قول من قال ان الدية والغرة في سهم الغارمين من الصدقات أو بيت مال المسلمين في كل مال موقوف لجميع مصالحهم فوجب القول بهذا لان الله تعالى اوجب الدية في كل مؤمن قتل خطأ وأوجب الغرة في كل جنين أصيب عموما إلا ولد الزنا وحده ومن لا يلحق بمن حملت به أمه فقط لان الولادات متصلة من آدم عليه السلام الينا وإلى انقراض الدنيا أبا بعد أب فكل من على ظهر الارض من ولد آدم فله عصبة يعلمها الله تعالى وان بعدوا عنه ولا بد الا من ذكرنا، فان كانت
العصبة مجهولة أو كانوا فقراء فبيقين ندري أن الله تعالى إذ أوجب عليهم الدية والغرة وخفي أمرهم فهم عند الله تعالى من الغارمين فحقهم في سهم الغارمين من الصدقات واجب فتؤدى عنهم من ذلك، وأما من لم يكن له أب كولد الزنا.
وابن الملاعنة ومن زفت إليه غير امرأته وولد المرأة من المجنون يغتصبها ونحو ذلك فهذا لا عصبة له بيقين أصلا لكن الله تعالى قد أوجب في قتل الخطا الدية وفي الجنين الغرة على جميع أهل الاسلام عاما لا بعضهم دون بعض فلا يجوز أن يخص بعضهم دون بعض، وهكذا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل إذ ودى عبد الله بن سهل رضي الله عنه من الصدقات مائة من الابل، وقد ذكرناه باسناده في كتاب القسامة إذ لم يعرف من قتله وبالله تعالى التوفيق * 2148 مسألة: القسامة * قال ابو محمد رحمه الله: اختلف الناس في القسامة(11/64)
على أقوال نذكر منها ما يسر الله تعالى منها إن شاء الله تعالى (1) على حسب ما وردت عمن جاء عنه في ذلك أثر عن الصحابة رضي الله عنهم، ثم عن التابعين رحمهم الله، ثم عمن بعدهم ان شاء الله تعالى، ثم نذكر حجة كل طائفة لقولها بعون الله تعالى ومنه ليلوح من ذلك الحق كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن عمر قال: لم يقد أبو بكر.
ولا عمر بالقسامة * روينا من طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا عبد السلام بن حرب عن عمرو - هو ابن عبيد - عن الحسن البصري أن أبا بكر والجماعة الاولى لم يكونوا يقيدون بالقسامة * ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع نا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال: انطلق رجلان من أهل الكوفة إلى عمر بن الخطاب فوجداه قد صدر عن البيت عامدا إلى منى فطاف بالبيت ثم أدركاه فقصا عليه قصتهما فقالا: يا أمير المؤمنين ان ابن عم لنا قتل نحن إليه شرع سواء في الدم وهو ساكت لا يرجع
ساكت لا يرجع اليهما شيئا حتى ناشداه الله فحمل عليهما ثم ذكراه الله فكف عنهما ثم قال عمر بن الخطاب: ويل لنا إذا لم نذكر (2) بالله وويل لنا إذا لم نذكر الله فيكم شاهدان ذواعدل يجيئان به على من قتله فنقيدكم منه والا حلف من يدرأكم بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا؟ فان نكلوا حلف منكم خمسون ثم كانت لكم الدية ان القسامة تستحق بها الدية ولا يقاد بها * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب استحلف امرأة خمسين يمينا ثم جعلها دية * ومن طريق عبد الرزاق عن أبى بكر بن عبد الله عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب أن عمر ابن الخطاب قال في القتيل يوجد في الحي يقسم خمسون من الحي الذي وجد فيه بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فان حلفوا بروا وان لم يحلفوا أقسم من هؤلاء خمسون بالله ان دمنا فيكم ثم يغرمون الدية * روينا من طريق البخاري نا قتيبة نا أبو بشر اسماعيل ابن ابراهيم الاسدي نا حجاج بن أبي عثمان نى أبو رجاء من آل أبي قلابة حدثني أبو قلابة أنه قال لعمر بن عبد العزيز كانت هذيل خلعوا حليفا لهم في الجاهلية وطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء فانتبه له رجل منهم فحذفه بالسيف فقتله فجاءت هذيل فاخذوا اليماني فرفعوه إلى عمربن الخطاب بالموسم وقالوا: قتل صاحبنا قال: انهم خلعوه قال: يقسم خمسون من هذيل ما خلعوا فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلا وقدم رجل من الشام فسألوه ان يقسم فافتدى يمينه منهم بألف درهم فأدخلوا مكانه آخر فدفعه عمر إلى أخى المقتول فقرنت يده بيده فانطلقا وذكر الخبر * وعن الضحاك عن محمد بن المنتشر
__________
(1) في النسخة رقم 14 بحوله وقوته (2) في النسخة اليمنية اذلم يذكر(11/65)
قال: ان قتيلا قتل باليمن بين حبين فأمرهم عمر بن الخطاب أن يقيسوا بين الحيين فكان إلى وداعة أقرب فأمرهم عمران يقسموا ثم يدوا، وعن الشعبي في قتيل وجد في وداعة باليمن فأدخل عمر بن الخطاب الحطيم منهم خمسين رجلا منهم
ثم استحلفهم رجلا رجلا بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فقال لهم: أدوا وحولوا فقالوا: يا أمير المؤمنين تغرمنا وتحلفنا؟ قال: نعم * ومن طريق اسمعيل بن اسحق القاضي نا اسماعيل بن أبي أويس نا أخي عن سليمان بن بلال عن صالح بن كيسان أخبرني ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز سأله عن القسامة؟ قال: فقلت له: كانت من أمر الجاهلية أقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن من سنتنا وما بلغنا أن القتيل إذا تكلم برئ أهله وان لم يتكلم حلف المدعى عليهم وذلك فعل عمربن الخطاب والذي أدركنا عليه الناس، وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عمربن الخطاب أنه قضى بالبينة على الطالب والايمان على المطلوب إلا في الدم، فهذا مما روي عن عمر رضي الله عنه * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: كتب إلى سليمان بن هشام يسئل عن رجل وجد مقتولا في دار قوم فقالوا: طرقنا ليسرقنا، وقال أولياؤه: كذبوا بل دعوه إلى منزلهم، ثم قتلوه قال الزهري: فكتب إليه يحلف من أولياء المقتول خمسون انهم لكاذبون ما جاء ليسرقهم وما دعوه الا دعاء ثم قتلوه فان حلفوا أعطوا القود وان نكلوا حلف من أولائك خمسون بالله لطرقنا ليسرقنا ثم عليهم الدية، قال الزهري: وقد قضى بذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه في ابن باقرة التغلبي أبى قومه أن يحلفوا فأغرمهم الدية، فهذا ما جاء عن عثمان رضي الله عنه * وروينا من طريق أبي بكر بن ابي شيبة نا عبد الرحمن بن سليمان عن محمد بن اسحاق عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أن علي بن أبي طالب كان إذا وجد القتيل بين قريتين قاس ما بينهما * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن محمد بن اسحق عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال قال علي بن أبي طالب: أيما رجل قتل بفلاة من الارض فديته من بيت المال لكي لا يطل دم في الاسلام، وأيما قتيل وجد بين قريتين فهو على أصقبهما - يعني أقربهما - * وعن علي بن أبي طالب أنه استحلف المتهم وتسعة وأربعين معه تمام خمسين، فهذا ما جاء في ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه *
ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا أبو معاوية عن مطيع عن فضيل بن عمرو عن ابن عباس أنه قضى بالقسامة على المدعى عليهم * ومن طريق عبد الرزاق عن ابراهيم - هو(11/66)
ابن أبي يحيى - عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا قسامة إلا أن تكون بينة يقول: لا يقتل بالقسامة ولا يطل دم مسلم.
هذا نص الحديث، فهذا ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه، وعن ابن الزبير أنه أقاد بالقسامة، وعن عبد الله بن أبي مليكة قال: سألني عمر بن عبد العزيز عن القسامة فأخبرته أن عبد الله بن الزبير أقاد بها.
وان معاوية لم يقد بها، وعن ابن المسيب أن القسامة في الدم لم تزل على خمسين رجلا فان نقصت قسامتهم أو نكل منهم رجل واحد ردت قسامتهم حتى حج معاوية فاتهمت بنو أسد بن عبد العزى مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري.
ومعاذ ابن عبيدالله بن معمر التبمي.
وعقبة بن جعونة بن شعوب الليثي بقتل اسماعيل بن هبار فاختصموا إلى معاوية إذ حج ولم يقم عبد الله بن الزبير بينة الا بالتهمة فقضى معاوية بالقسامة على المدعى عليهم وعلى اوليائهم فأبى بنوزهرة.
وبنو تيم.
وبنو ليث أن يحلفوا عنهم فقال معاوية لبني أسد: احلفوا فقال ابن الزبير نحلف نحن على الثلاثة جميعا فنستحق فأبى معاوية أن يقسموا الا على واحد فقصد معاوية القسامة فردها على الثلاثة الذين ادعى عليهم فحلفوا خمسين يمينا بين الركن والمقام فيرؤا وكان ذلك أول ما قصرت القسامة ثم قضى بذلك مروان.
وعبد الملك، ثم ردت القسامة إلى الامر الاول، وأما توحيد الايمان فروى عن سفيان الثوري عن عبد الله بن يزيد عن أبي مليح أن عمربن الخطاب ردد الايمان عليهم الاول فالاول * وأما التابعون فاننا روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الاعلى عن يونس بن عبيد عن الحسن في القتيل يوجد غيلة قال: يقسم من المدعى عليهم خمسون ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فان حلفوا فقد برؤا وان نكلوا أقسم من المدعين خمسون ان دمنا قبلكم ثم
يودوا، وعن الحسن يستحقون بالقسامة الدية ولا يستحقون بها الدم، وعن عبد الله ابن عمر أنه سمع أصحابا له يحدثون (1) أن عمر بن عبد العزيز برأ المدعى عليهم باليمين ثم ضمنهم العقل، وعن أبي مليكة أن عمربن عبد العزيز أقاد بالقسامة في امارته بالمدينة، وعن يحيى بن سعيد الانصاري أن عمر بن عبد العزيز لما رأى الناس يحلفونا على القسامة بغير علم استحلفهم وألزمهم الدية ودرأ عن القتل * وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز أنه ردد الايمان على سبعة نفر أحدهم جان، وعن شريح قال: تردد الايمان عليهم الاول فالاول، وعن محمد بن سيرين ان قوما ادعوا على قوم قتيلا فاستحلف شريح خمسين منهم فحلف
__________
(1) في النسخة اليمنية سمع أصحابه يتحدثون(11/67)
كل رجل منهم بالله ما قتلت ولا علمت قاتلا فاستحلفهم فقال شريح.
أثمهم وأنا أعلم فلم يتموا خمسين رجلا فردد عليهم أيمان نفر منهم تمام الخمسين، وعن ابراهيم قال: القود بالقسامة جور يستحق بها الدية ولا يقاد بها * ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن علية عن يحيى بن أبي اسحق قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يقول وقد تيسر قوم من بني ليث ليحلفوا الغد في القسامة فقال يا لعباد الله لقوم يحلفون على ما لم يروه ولم يحضروه ولم يشهدوه ولو كان لي من الامر شئ لعاقبتهم ولنكلتهم ولجعلتهم نكالا وما قبلت لهم شهادة، ومن طريق البخاري نا قتيبة نا أبو بشر اسماعيل بن ابراهيم الاسدي نا حجاج بن أبي عثمان نى ابو رجاء من آل بني قلابة نا أبو قلابة أن عمربن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس ثم إذن لهم، فدخلوا فقال ما تقولون في القسامة فقالوا: القود بها حق وقد اقادت بها الخلفاء فقال لي: ما تقول يا أبا قلابة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين عندك رؤس الاخيار واشراف العرب أرأيت لو ان خمسين منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه قد زنى لم يروه اكنت ترجمه؟ قال.
لا قلت أرأيت لو ان خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص
أنه سرق أكنت تقطعه ولم يروه؟ قال: لا قلت فوالله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قط إلا في إحدى ثلاث خصال رجل قتل بجريرة نفسه فقتل أو رجل زنى بعد احصان أو رجل حارب الله ورسوله وأرتد عن الاسلام.
قال الزهري: ودعاني عمر بن عبد العزيز فقال: يا بني أريدان أدع القسامة يأتي رجل من أرض كذا وآخر من ارض كذا فيحلفون فقلت له: ليس ذلك لك قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده وانك إن تركتها أو شك رجل ان يقتل عند بابك فيبطل دمه وأن للناس في القسامة حياة، وقال الزهري في رجل أتهم بقتله اخوان فخاف أبوهما أن يقتلا فقال: أنا قتلت صاحبكم فقال كل واحد من الاخوين أنا قتلته وبرأ بعضهم بعضا قال الزهري: أرى ذلك إلى أولياء الميت فيحلفون قسامة الدم على أحدهم، وعن ابن شهاب قال في ثلاثة اعترف كل واحد منهم بقتل انسان وبرأ صاحبه أن الاولياء يقسمون على واحد ويجلد الآخر ان مائة مائة ويسجنان سنة فان اصطلحوا على الدية فهي عليهم كلهم ويجلدون كلهم مائة مائة ويسجنون سنة، وعن سعيد ابن المسيب أخبرهم ان ربيعة بن يعقوب مولى بني سباع ضرب فاحتمل إلى أهله فسئل من ضربه فقال: ضربني ابنا بلسانة وابنا تولمانة فحفظ ذلك من قوله وشهد عليه ومات ربيعة فأخذ سعيد بن العاصي أولئك الرهط فسجنهم وقدم مروان أميرا على المدينة قال: فاختصموا إليه فسألهم البينة على كلام ربيعة وتسمية الرهط الذين سمى فجاؤا بالبينة على ذلك فأحلف عبد الله بن سباع.
وابنه محمدا.
وعطاه بن يعقوب في قريب من(11/68)
عشرة رهط من آل سباع عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين يمينا مرددة عليهم لقتل ابنا بلسانة وابنا تولمانة ربيعة بن يعقوب فحلفوا فدفع مروان ابني بلسانة وابني تولمانة إلى اولياء المقتول فقتلوهم * قال أبو محمد رحمه الله: فمن الصحابة رضي الله عنهم أبو بكر.
وعمر.
وعثمان: وعلي.
وابن عباس.
والمغيرة بن شعبة.
وابن الزبير.
ومعاوية.
و عبد الله بن عمرو بن العاصي.
وجملة الصحابة بالمدينة هكذا مجملا، فأما المسلمون
فهم تسعة، ومن التابعين الحسن.
وعمر بن عبد العزيز.
وشريح.
وابراهيم النخعي.
والشعبي.
وسعيد بن المسيب.
وقتادة.
وسالم بن عبد الله بن عمر.
وأبو قلابة.
والزهري.
وعروة بن الزبير.
ومروان بن الحكم.
وعبد الملك بن مروان.
وغيرهم وجمهور العلماء بالمدينة الذين روى عنهم التابعون هكذا مجملا كلهم مختلفون، والصحابة أيضا كذلك، وأكثر ما ذكرنا لا يصح على ما نبين إن شاء الله تعالى * قال أبو محمد رحمه الله: فالمأثور من ذلك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه انه لم يقد بالقسامة الا أنه لا يصح لانه مرسل انما هو عن عبيدالله بن عمر بن حفص.
وعن الحسن، وفي طريق الحسن عبد السلام بن حرب وهو ضعيف، وعن عمر رضي الله عنه أنه لم يقد بالقسامة وهو مرسل لا يصح كما ذكرنا، وروي عنه ايضا أنه طلب البينة من أولياء المقتول فان لم يجدوها حلف المدعي عليهم ولا شئ عليهم فان نكلوا حلف المدعون واستحقوا الدية، وهذا مرسل عنه لانه عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن عمر ولم يولد والد القاسم الا بعد موت عمر، وروي عنه أيضا البينة على المدعين والا حلف المدعى عليهم وبروا فقط الا أنه مرسل وروي عنه في قتيل وجد بين حيين أو قريتين أن يذرع إلى أيهما هو أقرب فالذي هو أقرب إليها حلفوا خمسين يمينا وغرموا الدية مع ذلك، ومثل هذا عن المغيرة ابن شعبة الا أنه مرسل لانه عن عمر.
والمغيرة من طريق الشعبي ولم يولد إلا بعد موت عمر بأزيد من عشرة أعوام أو نحوها وقبل الشعبي، وفي خبر المغيرة أشعث وهو ضعيف وروي عنه أنه حلف امرأة مدعية من دم مولى لها خمسين يمينا ثم قضى لها بالدية وهذا مرسل لانه عن أبي الزناد عنه.
وعن ابن المسيب عنه، وأما عثمان رضي الله عنه فانه روي عنه في قتيل وجد في دار قوم فأقروا بقتله وانه جاءهم ليسرقهم أن يحلف أولياء المقتول ولهم القود فان نكلوا حلف أهل الدار وغرموا الدية إلا أنه لا يصح لانه مرسل لانه من طريق الزهري ان عثمان ولم يولد الزهري الا بعد(11/69)
موته - أعني بعد موت عثمان -، وأما علي رضي الله عنه إذا وجد القتيل بين قريتين قاس ما بينهما وجعله على أقربهما وان وجد بفلاة من الارض فديته على بيت المال وانه أحلف المدعى عليه الدم وتسعة وأربعين معه الا أنه لا يصح لانه عن أبي جعفر ولم يولد أبو جعفر إلا بعد موت علي ببضعة عشر عاما، ومن طريق أخرى فيها الحارث الاعور وهو كذاب، والحجاج بن ارطاة وهو هالك، وأما ابن عباس فجاء عنه أنه قضى بالايمان على المدعى عليهم في القسامة وأن لا يقاد بها وان لا يطل دم مسلم الا أنه لا يصح لان احدى الطريقين عن مطيع وهو مجهول، والاخرى عن ابراهيم بن أبي يحيى وهو هالك، وأما ابن الزبير فصح عنه من أجل اسناد أنه أقاد بالقسامة وأنه رأى القود بها في قتيل وجد وانه رأي الحكم للمدعين بالايمان وأنه رأي أن يقاد بها من الجماعة للواحد روي ذلك عنه أوثق الناس سعيد بن المسيب وقد شاهد تلك القصة كلها.
وعبد الله بن أبي مليكة قاضي ابن الزبير، وأما معاوية فروي عنه تبدية أولياء المدعى عليهم بالايمان في القسامة فان نكلوا حلف المدعون على واحد فقط وأقيدوا به لا على أكثر فان نكلوا حلف المدعى عليهم بانفسهم خمسين يمينا تردد الايمان عليهم وحمله اياهم للتحليف من المدينة إلى مكة وهذا في غاية الصحة لانه رواه عنه سعيد بن المسيب وقد شهد الامر، وروي عنه أيضا انه بدأ المدعين بالايمان وأقاد بها ووافقه على ذلك أزيد من ألف من الصحابة رضي الله عنهم الا أن هذا لا يصح لان في الطريق عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف، وأما عبد الله بن عمرو فأنه روي عنه ان كل دعوى فان المدعى عليه يبدا باليمين الا في الدم فان المصاب إذا ادعى ان فلانا قتله فأولياؤه مبدؤن إلا ان هذا لا يصح لانه من طريق ابن سمعان وهو مذكور بالكذب هالك، وروي عن الجماعة الاولى ان لا قود بالقسامة الا أنه لا يصح لانه مرسل عن الحسن، وفي الطريق عبد السلام بن حرب وهو ضعيف، وروي أن الامر كان قديما قبل معاوية الا تردد الايمان
وانه ان نقص من الخمسين واحد بطلت القسامة وهو صحيح رواه سعيد بن المسيب وقد أدرك أيام عثمان.
وعلي رضي الله عنهما فهذا كل ما روي عن الصحابة رضي الله عنهم كله مختلف فيه غير متفق وكله لا يصح الا ما روي عن ابن الزبير.
ومعاوية وعن ابطال القسامة إذا لم يتم الخمسون فهو صحيح * (وأما التابعون) رحمهم الله فاما الحسن فصح عنه أن لا يقاد بالقسامة لكن يحلف المدعى عليهم بالله ما فعلنا ويبرون فان نكلوا حلف المدعون وأخذوا الدية هذا في القتيل يوجد، واما عمر بن عبد العزيز فجاء عنه يبدأ المدعى عليهم ثم أغرمهم الدية(11/70)
مع أيمانهم وهذا عنه صحيح وانه رجع إلى هذا القول وصح عنه أنه أقاد بالقسامة صحة لا مغمز فيها وانه بدأ المدعين بالايمان في القسامة وردد الايمان، وصح عنه أنه رجع عن القسامة جملة وترك الحكم بها، وصح عنه مثل حكم عمر بن الخطاب في اغرامه نصف الدية في نكول المدعين ونكول المدعى عليهم عن الايمان معا، وأما شريح فصح عنه تردد الايمان وان القتيل إذا وجد في دار قوم فادعي أهله على غير تلك الدار فقد بطلت القسامة ولا شئ لهم على احد الا ببينة، وأما ابراهيم النخعي فصح عنه أبطال القود بالقسامة لكن يبدأ بالمدعى عليهم فيحلفون خمسين يمينا ثم يغرمون الدية مع ذلك ورأى ترديد الايمان، وأما الشعبي فروي عنه في القتيل يوجد بين قريتين أنه على أقربهما إليه وفيه الدية وان وجد بدنه في دار قوم فعليهم دمه وان وجد رأسه في دار قوم فلا شئ فيه لا دية ولا غيرها الا أنه لا يصح عنه لانه عن من لم يسم أو عن صاعد اليشكري ولا نعرفه.
وأما سعيد بن المسيب فصح عنه أن القسامة على المدعى عليهم، وروي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بها ولو علم أن الناس يجترؤن عليها لم يقض بها، وهذا كلام سوء قد أعاذ الله تعالى سعيد ابن المسيب عنه، ورواية عن يونس بن يوسف وهو مجهول ورسول الله صلى
الله عليه وسلم لا يحكم من عند نفسه وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى، ولقد علم الله تعالى إذ أوحى إليه بأن يحكم في القسامة بما حكم به من الحق ان الناس سيجترءون على الكفر وعلى الدماء فكيف على الايمان وما كان ربك نسيا، وأما قتادة فصح عنه أن القسامة تستحق بها الدية ولا يقاد بها وأما سالم فصح عنه انكار القسامة جملة وان من حلف فيها يستحق ان ينكل وان لا تقبل له شهادة، وأما أبو قلابة فصح عنه انكار القسامة جملة.
وأما الزهري فصح عنه أن القسامة إذا لم تتم الخمسون في عدد المدعين بطلت ولا تردد الايمان فيها وأن ترديدها محدث.
وأما عروة بن الزبير.
وأبو بكر بن عمرو بن حزم.
وابان بن عثمان فانه روي عنهم ان ادعى المصاب على انسان انه قتله أو على جماعة فان أولياء المدعى يبدؤن فيحلفون خمسين يمينا على واحد وتردد عليهم الايمان ان لم يتموا خمسين يمينا فإذا حلفوا دفع إليهم الواحد فيقتلوه وجلد الآخرون مائة مائة وسجنوا سنة، وان عبد الملك بن مروان أول من قضى بان لا يقتل في القسامة الا واحد وكان من قبله يقتلون فيها الرهط بالواحد، وهذا كله خبر واحد ساقط لا يصح لانه انفرد بروايته عبد الرحمن بن أبي الزناد.
وابن سمعان معا وهما ساقطان، وأما أبو الزناد فروي عنه انه يبدأ في(11/71)
القسامة من له بعض بينة أو شبهة صح ذلك عنه، وأما ربيعة فصح عنه ان شهادة اليهود والنصارى والمجوس أو الصبيان أو المرأة يؤخذ بها في القتل ويبدأ معها أولياء المقتول، وكذلك دعوى المصاب دون بينة أصلا بالغا كان أو غير بالغ.
هكذا روى عنه ابن وهب فيبدأ أولياؤه فيحلفون خمسين يمينا وتردد عليهم الايمان ان لم يتموا خمسين ويستحقون القود، فان نكلوا حلف أولياء المدعى عليه خمسين يمينا ترددوا أيضا عليهم ويبرون ويبدأ المدعى عليه فلا قود ولا دية، فان نكلوا وجب لاولياء المقتول القود على من ادعوا عليه دون يمين *
(وأما مروان) فروي عنه إذا ادعى الجريح على قوم فان أولياءه يبدؤن فيحلفون خمسين يمينا وتكرر عليهم الايمان ثم يدفع إليهم كل من ادعوا عليه وان كانوا جماعة فيقتلون ان شاءوا ولم يصح هذا لانه من رواية ابن سمعان * وأما السالفون من علماء أهل المدينة جملة فانه روي عنهم ان من ادعي - وهو مصاب - ان فلانا قتله فان أولياءه يبدءون في القسامة فان لم يدع على أحد برئ المدعى عليهم، فان حلف الاولياء مع دعوى المصاب كان لهم القود فان عفوا عن الدم وأرادوا الدية فضى لهم بذلك وجلد المعفو عنهم مائة مائة وحبسوا سنة وان عفا الاولياء عن القود وعن الدية فلا ضرب على المعفو عنهم ولا سجن، فان نكلوا حلف المدعى عليه مع أوليائه خمسين يمينا فان نكلوا غرم المدعى عليه الدية في ماله خاصة، وان القسامة تكون مع شهادة الصبيان أو النساء أو اليهود أو النصارى كما قلنا في دعوى القتيل سواء سواء ولا فرق.
وان الايمان تردد في ذلك ان لم يتموا خمسين فان كان دعوى قتل عمد لم يجز ان يحلف في ذلك أقل من ثلاثة وان كانت دعوى قتل خطأ حلف في ذلك واحد ان لم يوجد غيره خمسين يمينا وأخذ الدية ويحلف في دعوى العمد من أراد القود وان لم يكن وارثا ولا يحلف في دعوى الخطأ الا من يرث، وكل هذا لا يصح لانه من رواية ابن سمعان وهو موصوف بالكذب * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا كل ما حضرنا ذكره انه روي عن أحد من التابعين في ذلك وقد ذكرناهم - وهم مختلفون - كما ترى غير متفقين * وأما المتأخرون فنذكر أيضا ان شاء الله تعالى من أقوالهم ما يسر الله تعالى * فاما سفيان الثوري فانه صح عنه أنه قال: ان وجد القتيل في قوم فالبينة على أولياء القتيل فان أتوا بها قضي لهم بالقود والا حلف المدعى عليهم خمسين يمينا وغرموا الدية مع ذلك * وقال معمر: من ضرب فجرح فعاش صميتا ثم مات فالقسامة تكون حينئذ فيحلف المدعون لمات(11/72)
من ضربه اياه، فان حلفوا خمسين يمينا كذلك استحقوا الدية وان نكلوا حلف من المدعى عليهم خمسون ما ما ت من ضربه اياه ويغرمون الدية مع ذلك في الجرح خاصة لا في النفس فان نكل الفريقان جميعا غرم المدعى عليهم نصف الدية ذهب إلى ما روي عن عمر، وقال معمر: قلت لعبيد الله بن عمر: اما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم أقاد بالقسامة؟ قال: لا قلت: فأبوبكر قال: لا قلت فعمر قال: لا قلت: فكيف تجترعون عليها فسكت، قال: معمر: فقلت ذلك لمالك فقال.
لا تضع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحيل لو ابتلى بها أقاد بها، وقال عثمان البتي فيمن ادعي عليه بقتيل وجد فيهم فالبينة على المدعين ويقضي لهم فن لم يكن لهم بينة حلف خمسون رجلا من المدعى عليهم وبرءوا ولا غرامة في ذلك ولا دية ولا قود، وقال أبو حنيفة.
وأصحابه: لا تكون القسامة بدعوى المصأب أصلا ولا قود في ذلك ولا دية لكن ان وجد قتيل في محلة وبه أثر وادعى الولي على أهل المحلة انهم قتلوه وادعوا على واحد بعينه منهم فان كانت لهم بينة عدل قضي لهم بها وان لم تكن لهم بينة حلف من المدعى عليهم خمسون رجلا من أهل الخطة لا من السكان ولا من الذين انتقل إليهم ملك الخطة بالشراء لكن على الذين كانوا مالكين لها في الاصل يختارهم الولي فان نقص منهم ردت عليهم الايمان فإذا حلفوا غرموا الدية مع ذلك فان نكلوا سجنوا أبدا حتى يقروا أو يحلفوا، وقال مالك: لا تكون القسامة الا بأن يقول المصاب: فلان قتلني عمدا فإذا قال ذلك ثم مات قبل أن يفيق حلف خمسون من أوليائه قياما في المسجد الجامع مستقبلين القبلة لقد قتله فلان عمدا فإذا حلفوا فان حلفوا على واحد فلهم القود منه، وان حلفوا على جماعة لم يكن لهم القود الا من واحد، ويضرب الباقون مائة مائة ويسجنون سنة فان شهد شاهد واحد عدل بأن فلانا قتل فلانا كانت القسامة أيضا كما ذكرنا، وكذلك ان شهد لوث من نساء أو غير عدول فان لم يكونوا خمسين ردت عليهم الايمان حتى يتم خمسين ولا يحلف في القسامة
أقل من اثنين فان كان القاتل فلان قتلني غير بالغ فلا قسامة في ذلك ولاقود ولا غرامة قال: فان نكل جميع أولياء القتيل حلف المدعى عليهم خمسين يمينا فان لم يبلغوا خمسين ردت الايمان عليهم فان لم يوجد الا المدعى عليه وحده حلف خمسين يمينا وبرئ فان نكل أحد ممن له العفو من الاولياء بطلت القسامة ووجبت الايمان على المدعلى عليهم ولا قسامة في قتيل وجد في دار قوم ولا غرامة ولا في دعوى عبد ان فلانا قتله، وفي دعوى المريض ان فلانا قتلني خطأ روايتان، احداهما ان في ذلك(11/73)
القسامة والاخرى لاقسامة في ذلك ولا في كافر، وقال الشافعي: لا قسامة في دعوى انسان ان فلانا قتلني أصلا سواء قال عمدا أو خطأ ولا غرامة في ذلك وانما القسامة في قتيل وجد بين دور قوم كلهم عدو للمقتول فادعى أولياؤه عليهم فان أولياء القتيل يبدؤن فيحلف منهم خمسون رجلا يمينا يمينا انهم قتلوه عمدا أو خطأ فان نقص عددهم ردت الايمان فان لم يكن إلا واحد حلف خمسين يمينا واستحقت الدية على سكان تلك الدور ولا يستحق بالقسامة قود أصلا وان شهد واحد عدل أو جماعة متواترة غير عدول ان فلانا قتل فلانا فتجب القسامة كما ذكرنا والدية أو وجد قتيل في زحام فالقسامة ايضا والدية كما ذكرنا، وقال أصحابنا: ان وجد قتيل في دار قوم اعداء له وادعي أولياؤه على واحد منهم حلف خمسون منهم واستحقوا القود أو الدية ولا قسامة الا في مسلم حر * قال أبو محمد رحمه الله: فهذه أقوال الفقهاء المتأخرين قد ذكرنا منها ما يسر الله تعالى ونذكر الآن الاخبار الصحاح الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم في القسامة مجموعة كلها في مكان واحد مستقصاة ليلوح الحق بها من الخطأ ولتكون شاهدة لمن أصاب ما فهيا بابه وفق للصواب بمن الله تعالى وشاهدة لمن خالف ما فيها بانه يسر للخطأ مجتهدا ان كان ممن سلف وعاصيا ان كان مقلدا وقامت الحجة عليه وانما جمعنا ما ذكرنا من أقوال الصحابة رضي الله عنهم ومن أقوال
التابعين رحمهم الله ومن أقوال الفقهاء بعدهم، ثم اتينا بالاحاديث الصحاح ما يسر الله تعالى منها الواردة في ذلك لان أحكام القسامة متداخلة في كل ذلك، وقد روينا من طريق البخاري نا أبو نعيم الفضل بن دكين نا سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار زعم أن رجلا من الانصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها ووجد احدهم قتيلا وقالوا للذين وجد فيهم: قتلتم صاحبنا قالوا: ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فانطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلا فقال: الكبر الكبر فقال لهم: تأتون بالبينة على من قتله قالوا: ما لنا بينة قال: فتحلفون خمسين يمينا فتستحقون صاحبكم أو قاتلكم قالوا: كيف نحلف ولم نشهد؟ قال: فتبريكم يهود بخمسين يمينا قالوا: وكيف نقبل أيمان قوم كفار قالوا: لا نرضى بايمان اليهود فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه بمائة من ابل الصدقة * ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا الليث بن سعد عن يحيى هو ابن سعيد الانصاري عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال يحيى: وحسبته قال وعن رافع بن(11/74)
خديج أنهما قالا: خرج عبد الله بن سهل بن زيد.
ومحيصة بن مسعود بن زيد حتى ادا كانا بخيبر تفرقا في بعض ما هنالك ثم إذا محيصة يجد عبد الله بن سهل قتيلا فدفنه ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وحويصة بن مسعود.
وعبد الرحمن بن سهل وكان أصغر القوم فذهب عبد الرحمن ليتكلم قبل صاحبيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كبر الكبر في السن فصمت وتكلم صاحباه وتكلم معهما فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مقتل عبد الله بن سهل فقال لهم: أتحلفون خمسين يمينا فتستحقون صاحبكم أو قاتلكم؟ قالوا: كيف نحلف ولم نشهد؟ قال: فتبريكم يهود بخمسين يمينا قالوا: وكيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم أعطاه عقله * ومن طريق مسلم نا عبد الله بن عمر القواريري نا حماد بن زيد
نا يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة.
ورافع بن خديج أن محيصة ابن مسعود.
وعبد الله بن سهل انطلقاقبل خيبر فتفرقا في النخل فقتل عبد الله بن سهل فاتهموا اليهود فجاء اخوة عبد الرحمن وابن عمه حويصة.
ومحيصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه - وهو أصغر القوم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر الكبر أو قال: ليبدأ الاكبر فتكلما في أمر صاحبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته قالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف قال: فتبريكم يهود بايمان خمسين منهم قالوا: يا رسول الله وكيف نقبل ايمان قوم كفار قال: فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله قال سهل: فدخلت مريدا لهم فركضتنى قال سهل: فدخلت مريدا لهم فركضتني ناقة من تلك الابل ركضة برجلها قال حماد: هذا أو نحوه * قال أبو محمد رحمه الله: فشك يحيى في رواية الليث هل ذكر بشير بن يسار.
ورافع بن خديج مع سهل ابن أبي حثمة أو لم يذكر ولم يشك في رواية حماد بن زيد عنه في أن رافعا روى عنه هذا الخبر بشير وكلا الرجلين ثقة حافظ و حماد أحفظ من الليث، والروايتان معا صحيحتان، فصح أن يحيى شك مرة هل ذكر بشير رافعا مع سهل أم لا وقطع يحيى مرة في أن بشيرا ذكر رافعا مع سهل ولم يشك فهي زيادة من حماد وزيادة العدل مقبولة * ومن طريق مسلم نا اسحق بن منصور نا بشير بن عمر قال: سمعت مالك ابن أنس * وناه أيضا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا أحمد ابن عمرو بن السرح.
ومحمد بن مسلمة قال أحمد: نا محمد بن وهب وقال محمد نا ابن القاسم ثم اتفق ابن وهب.
وابن القاسم.
وبشير بن عمر كلهم يقول: نا مالك ابن أنس نا أبو ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل بن أبي حثمة(11/75)
أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه ان عبد الله بن سهل.
ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما فأتى محيصة فاخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح
في عين أو في فقير فأتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه قالوا: والله ما قتلناه ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك ثم أقبل هو واخوه حويصة وهو اكبر منه وعبد الرحمن ابن سهل فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة: كبر كبر يريد السن فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اما أن يدوا صاحبكم واما أن يؤذنوا بحرب فكتب رسول الله إليهم في ذلك فكتبوا انا والله ما قتلناه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ قالوا: لا قال فتحلف لكم يهود قالوا: ليسوا مسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ناقة حتى دخلت عليهم الدار، قال سهل: فلقد ركضني منها ناقة حمراء * ومن طريق سفيان بن عيينة نا يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال: وجد عبد الله بن سهل قتيلا فجاء أخوه.
وحويصة.
ومحيصة وهما عما عبد الله بن سهل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكبر الكبر قالوا: يا رسول الله انا وجدنا عبد الله بن سهل قتيلا في قليب - يعني من قلب خيبر - قال النبي عليه الصلاة والسلام: من تتهمون؟ قالوا نتهم يهود قال: فتقسمون خمسين يمينا أن اليهود قتلته قالوا: وكيف نقسم على ما لم نر؟ قال فتبريكم اليهود بخمسين يمينا أنهم لم يقتلوه قالوا: وكيف نرضى بأيمانهم وهم مشركون فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده * ومن طريق مسلم نا ابو الطاهر نا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: حدثني ابو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبي عليه السلام عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الانصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية * ومن طريق أحمد بن شعيب ابا محمد بن هاشم البعلبكي نا الوليد بن مسلم نا الاوزاعي عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
وسليمان بن يسار عن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ان القسامة كانت في الجاهلية فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت
عليه وقضى بها بين أناس من الانصار في قتيل ادعوه على يهود خيبر * قال أبو محمد رحمه الله: فهذه الاخبار مما صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القسامة لم يصح عنه الا هي أصلا * 2149 - مسالة - هل يجب الحكم بالقسامة أم لا؟ قال أبو محمد(11/76)
رحمه الله: فذكرنا قول ابن عباس.
وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فنظرنا فيما يمكن أن يحتج به فوجدنا من طريق مسلم نا أبو الطاهر نا ابن وهب عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " وقوله عليه السلام للمدعى: " بينتك أو يمينه ليس لك الا ذلك " قالوا: فقد سوى الله تعالى على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام بين تحريم الدماء والاموال وبين الدعوى في الدماء والاموال وأبطل كل ذلك ولم يجعله الا بالبينة أو اليمين على المدعى عليه فوجب أن يكون الحكم في كل ذلك سواء لا يفترق في شئ أصلا لا في من يحلف ولا في عدد يمين ولا في اسقاط الغرامة الا بالبينة ولا مزيد، وهذا كله حق الا أنهم تركوا ما لا يجوز تركه مما فرض الله تعالى على الناس اضافته إلى ما ذكروا وهو ان الذي حكم بما ذكروا وهو المرسل الينا من الله تعالى هو الذي حكم بالقسامة وفرق بين حكمها وبين سائر الدماء والاموال المدعاة ولا يحل أخذ شئ من أحكامه وترك سائرها إذ كلها من عند الله تعالى وكلها حق وفرض الوقوف عنده والعمل به وليس بعض أحكامه عليه السلام أولى بالطاعة من بعض ومن خالف هذا فقد دخل تحت المعصية وتحت قوله تعالى: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) ولا فرق بين من ترك حديث بينتك أو يمينه لحديث القسامة وبين من ترك حديث القسامة لتلك الاحاديث * فان قالوا: الدماء حدود ولا يمين في الحدود قيل
لهم: ماهي من الحدود لان الحدود ليست موكولة إلى اختيار أحد ان شاء أقامها وان شاء عطلها بل هي واجبة لله تعالى وحده لا خيار فيها لاحد ولا حكم، وأما الدماء فهي موكولة إلى اختيار الولي ان شاء استقاد وان شاء عفا فبطل أن تكون من الحدود، وصح انها من حقوق الناس وفسد قول من فرق بينهما وبين حقوق الناس من الاموال وغيرها لا حيث فرق الله تعالى ورسوله عليه السلام بين الدماء والحقوق وغيرها وليس ذلك الا حيث القسامة فقط، وأما من جعل اليمين في دعوى الدم خمسين يمينا ولابد ولا أقل فلا حجة لهم الا أنهم قاسوا كل دعوى في الدم على القسامة والقياس كله باطل لانهم لم يحكموا للدعوى المجردة في الدم بحكم القسامة في غير هذا الموضع لان المالكيين والشافعيين يرون في القسامة تبدية المدعين ولا يرون تبديتهم في دعوى الدم المجردة والحنيفيون يرون ايجاب الغرامة مع الايمان في القسامة ولا يرون ذلك في دعوى الدم المجردة فصح أنهم قد تركوا قياس(11/77)
دعوى الدم المجردة على القسامة في شئ من أحكامها الا في عدد الايمان فقط، فظهر بذلك باطل قولهم، والقول عندنا هو ما قلناه من أن البينة في الدعاوي كلها دماء كانت أو غيرها سواء سواء، واليمين في كل ذلك سواء يمين واحدة فقط على من ادعى عليه الا في الزنا والقسامة ففي الزنا اربعة من الشهود فصاعدا لا أقل للنص الوارد في ذلك خاصة وفي القسامة خمسون يمينا لاأقل للنص الوارد في ذلك ويبقى كل ما عدا ذلك على عموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" بينتك أو يمينه ليس لك الا ذلك " وعلى قوله صلى الله عليه وسلم: " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على من ادعى عليه فلا يخرج من هذا الا ما اخرجه النص، ثم نظرنا في قول من قال: ان القسامة تكون بدعوى المريض أن فلانا قتله فلم نجد لهم شبهة أصلا الا ما ناه أحمد بن عمر نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا ابراهيم بن محمد الدينوري نا محمد ابن أحمد بن الجهم
نا اسمعيل بن اسحق نا ابن أبي اويس نا أخي عن سليمان بن بلال عن صالح بن كيسان أخبرني ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز دعاه فقال له؟ ما عندك في هذه القسامة: فقلت له: كانت من أمر الجاهلية فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعظيما للدماء وجعلها سترة لدمائهم ولكن من سنتها وما بلغنا فيها أن القتيل إذا تكلم برئ أهله وأن لم يتكلم حلف المدعى عليهم وذلك فعل عمر بن الخطاب وأن ذلك الذي أدركنا الناس عليه * قال أبو محمد: أن أهل هذه المقالة اكثروا واتوا بما ينسى آخره اوله حتى يغتر الجاهل فيظن أنهم اتوا بشئ وهم لم يأتوا بشئ اصلا وهذا سند فاسد لانه مرسل وفي اسناده ابو بكر بن ابي أويس وقد خرج عنه البخاري الا ان الموصلي الحافظ الاسدي ذكر ان يوسف بن محمد اخبره ان ابن ابي أويس كان يضع الحديث وهذه عظيمة الا أن الارسال يكفي في هذا الخبر ولو صح مسندا لم يكن لهم فيه متعلق لانه ليس فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى بالقسامة فيما يدعيه المقتول وانما فيه انها كانت من أمر الجاهلية فاقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعظيما للدماء ونحن لا ننكر هذا فإذا لم يكن عن النبي عليه السلام فلا حجة فيه، وأن المالكيين مخالفون لهذا الحكم ولا يرون فيه قسامة اصلا إذا لم يتكلم * وذكروا ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا محمد ابن يحيى بن عبد الله نا أبو معمر البصري نا عبد الوارث نا فطر أبو الهيثم نا أبو يزيد المدني عن عكرمة عن ابن عباس قال: أول القسامة كانت في الجاهلية كان رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى فانطلق معه في ابله فمر(11/78)
رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه.
فقال أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لاتنفر الابل فأعطاه عقالا يشد به جوالقه فلما نزلوا عقلت الابل الا بعيرا واحدا فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الابل؟ قال: ليس له عقال قال فأين عقاله؟ قال مر بي رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه فاستغاثني فقال
أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لاتنفر الابل فأعطيته عقاله فحذفه بعصى كان فيه أجله فمر به رجل من أهل اليمن فقال أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهد وربما أشهد قال: هل انت عني مبلغ رسالة من الدهر قال: نعم قال إذا شهدت الموسم فناد يا آل قريش فإذا أجابوك فناد يا آل بني هاشم فإذا أجابوك فسل عن أبي طالب فأخبره ان فلانا قتلني في عقال ومات المستأجر فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال.
ما فعل صاحبنا؟ قال مرض فاحسنت القيام عليه ثم مات فوليت دفنه فقال: أهل ذلك منك فمكث حينا ثم ان الرجل اليماني الذي كان أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم فقال: يا آل قريش فقالوا: هذه قريش قال يا بني هاشم قالوا: هذه بنو هاشم قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب قال أمرني فلان ان أبلغك رسالته ان فلانا قتله في عقال فأتاه أبو طالب فقال: اختر منا احدى ثلاث ان شئت أن تودي مائة من الابل فانك قتلت صاحبنا خطأ وان شئت حلف خمسون من قومك انك لم تقتله فان أبيت قتلناك به فأتى قومه فذكر ذلك لهم فقالوا: نحلف فاتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له فقالت: يا ابا طالب أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الايمان ففعل فاتاه رجل منهم فقال: يا أبا طالب أردت خمسين رجلا أن يحلفوا مكان مائة من الابل يصيب كل رجل بعيران فهذان بعيران فاقبلهما عني ولا تصبر يميني حيث تصبر الايمان فقبلهما وجاء ثمانية وأربعون رجلا حلفوا قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده ما حل الحول ومن الثمانية وأربعين عين تطرف * قال أبو محمد رحمه الله: فاضافوا إلى هذا الخبر الحديث الذي قد ذكرناه قبل هذا باوراق في باب الاحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسامة وهو ان القسامة كانت في الجاهلية فاقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها بين ناس من الانصار في قتيل ادعوه على يهود خيبر وهذا لا حجة لهم فيه بل هو حجة عليهم لان صفة القسامة التي حكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
بين ناس من الانصار في قتيل ادعوه على يهود قد ذكرناها وانما هي في قتيل وجد لا في مصاب ادعى أن فلانا قتله فهذا حجة عليهم * وأما حديث ابن عباس هذا فهو(11/79)
كله عليهم لا لهم، ولئن كان ذلك الخبر حجة فلقد خالفوه في ثلاثة مواضع وما فيه لهم حجة أصلا في شئ لان قول ذلك المقتول لم يتبين بشاهدين وانما أتى به رجل واحد وهم لا يرون القسامة في مثل هذا وان أبا طالب بدأ المدعى عليهم بالايمان وهم لا يقولون بهذا وان أبا طالب أقر أن ذلك القرشي قتل الهاشمي خطأ ثم قال: له فان أبيت من الدية أو من أن يحلف خمسون من قومك قتلناك به وهم لا يرون القود في قتل الخطأ فمن العجب احتجاجهم بخبر هم أول مخالف له، وأما نحن فلا ننكر أن تكون القاسمة كانت في الجاهلية في القتيل يوجد فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك بل هذا حق عندنا لصحة الخبر بذلك وبالله تعالى التوفيق * وذكروا أيضا - وهو من غامض اختراعهم - قول الله تعالى بعد أمره بني اسرائيل بذبح البقرة: (واذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى) وذكروا مع هذه الآية ما ناه أحمد بن عمر بن أنس العذري عن عبد الله بن الحسين بن عقال الزبيري نا ابراهيم بن محمد الدينوري نا محمد بن الجهم نا أبو بكر الوزان نا علي بن عبد الله - هو ابن المديني - نا يحيى بن سعيد القطان نا ربيعة بن كلثوم نا أبي عن سعيد بن جبير ان ابن عباس قال: ان أهل مدينة من بني اسرائيل وجدوا شيخا قتيلا في أصل مدينتهم فاقبل أهل مدينة أخرى فقالوا: قتلتم صاحبنا وابن أخ له شاب يبكى ويقول: قتلتم عمي فاتوا موسى عليه السلام فأوحى الله تعالى إليه أن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فذكر حديث البقرة بطوله قال: فاقبلوا بالبقرة حتى انتهوا بها إلى قبر الشيخ وهو بين المدينتين وابن اخيه قائم عند قبره يبكي فذبحوها فضرب ببضعة من لحمها القبر فقام الشيخ ينفض رأسه ويقول: قتلني ابن أخي طال عليه عمري وأراد أكل مالي
ومات * وبه إلى ابن الجهم نا محمد بن سلمة نا يزيد بن هارون نا هشام عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال: كان في بني اسرائيل عقيم لا يولد له وكان له مال كثير وكان ابن أخيه وارثه فقتله ثم احتمله ليلا حتى أتى به حي آخرين فوضعه على باب رجل منهم ثم أصبح يدعيه عليهم فاتوا موسى عليه السلام فقال: ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فذكر حديث البقرة فذبحوها فضربوه ببعضها فقام فقالوا: من قتلك؟ فقال: هذا لابن أخيه ثم مال ميتا فلم يعط ابن أخيه من ماله شيئا ولم يورث قاتل بعد * وبه إلى ابن الجهم نا الوزان نا علي بن عبد الله نا سفيان بن سوقة قال: سمعت عكرمة يقول: كان لبني اسرائيل مسجد له اثنا عشر بابا لكل سبط باب فوجدوا قتيلا قتل على باب فجروه إلى باب آخر فتداعوا قتله وتداري الشيطان فتحاكموا(11/80)
إلى موسى عليه السلام فقال: ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فذبحوها فضربوه بفخذها فقال قتلني فلان وكان رجلا له مال كثير وكان ابن أخيه قتله وفي حديث البقرة زيادة اقتصرتها * قال أبو محمد: رحمه الله: وكل ما احتجوا به من هذا فايهام وتمويه على المغترين، أما الآية فحق وليس فيها شئ مما في هذه الاخبار البتة وانما فيها ان الله تعالى أمر بني اسرائيل بذبح بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين مسلمة لاشية فيها غير ذلول تثير الارض ولا تسقى الحرث لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك، وانهم كانوا قتلوا قتيلا فتدارءوا فيه فأمرهم الله تعالى أن يضربوه ببعضها إذ ذبحوها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته، وليس في الآية اكثر من هذا لا أن المقتول ادعى على احد ولا انه قتل به ولا انه كانت فيه قسامة فكل ما أخبر الله تعالى به فهو حق وكل ما أقحموه بارائهم في الآية فهو باطل فبطل أن يكون لهم في الآية متعلق أصلا، ثم نطرنا في الاخبار التي ذكرنا فوجدناها كلها مرسلة لا حجة في شئ منها الا الذي صدرنا به فهو موقوف على ابن عباس، ولا حجة في احد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فبطل أن يكون لهم في شئ منها متعلق،
ثم لو صحت الاخبار المذكورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت كلها لا حجة لهم فيها لوجوه، أولها أن ذلك حكم كان في بني اسرائيل ولا يلزمنا ما كان فيهم فقد كان فيهم السبت.
وتحريم الشحوم وغير ذلك ولا يلزمنا الا ما أمرنا به نبينا عليه السلام قال الله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فضلت على الانبياء بست - فذكر فيها - أن من كان قبله أنما كان يبعث إلى قومه خاصة وبعث هو عليه السلام إلى الاحمر والاسود " فصح يقينا أن موسى عليه السلام وسائر الانبياء قبل محمد عليه السلام لم يبعثوا الينا فبيقين ندري أن شرائع من لم يبعث الينا ليست لازمة لنا وانما يلزمنا الاقرار بنبوتهم فقط، وثانيها انه لا يختلف اثنان من المسلمين في أنه لا يلزمنا في شئ من دعوى الدماء ذبح البقرة، وصح بطلان احتجاجهم بتلك الاخبار إذ ليس فيها أن يسمع من المقتول بعد أن تذبح بقرة ويضرب بها * وثالثها أن تلك الاخبار فيها معجزة نبي واحالة الطبيعة من احياء ميت فهم يريدون أن نصدق حيا قد حرم الله تعالى علينا تصديقه على غير نفسه ممكنا منه الكذب من اجل ان صدق بنو اسرائيل ميتا احياه الله تعالى بعد موته، وهذا ضد القياس بلا شك وضد ما في هذه الاخبار بلا شك، والامر بيننا وبينهم في هذه المسألة قريب فليرونا مقتولا رد الله تعالى روحه إليه بحضرة نبي أو بغير حضرته ويخبرنا بالشئ ونحن حينئذ نصدقه واما أن نصدق حيا يدعى على غيره فهو ابطل الباطل بعينه، فذكرهم لهذه الآية وهذه الاخبار قبيح(11/81)
لو تورع عنهم لكان أسلم ونسأل الله تعالى العافية * وذكروا ما روينا من طريق مسلم نا يحيى بن حبيب الحارثي.
ومحمد بن المثنى قال يحيى نا خالد بن الحارث وقال ابن المثنى نا محمد ابن جعفر، ثم اتفق خالد.
ومحمد كلاهما عن شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك أن يهوديا قتل جارية على أوضاح (1) لها فقتلها بحجر فجئ بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها رمق فقال لها:
اقتلك فلان؟ فأشارت برأسها ان لا ثم قال لها الثانية فأشارت برأسها أن لا ثم سألها الثالثة فقالت: نعم وأشارت برأسها فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجرين، قال أبو محمد رحمه الله: وهذا لا حجة لهم فيه لان هذا خبر رويناه بالسند المذكور إلى مسلم نا عبد بن حميد نا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن ابن قلابة عن انس أن رجلا من اليهود قتل جارية من الانصار على حلي لها ثم ألقاها في قليب ورضخ رأسها بالحجارة وأخذ فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به أن يرجم حتى يموت وهكذا رواه سعيد بن أبي عروبة.
وأبان بن يزيد العطار كلاهما عن قتادة عن أنس، فان قالوا: ان شعبة زاد ذكر دعوى المقتولة في هذه القصة وزيادة العدل مقبولة قلنا: صدقتم، وقد زاد همام ابن يحيى عن قتادة عن انس في هذا الخبر زيادة لا يحل تركها كما روينا من طريق مسلم نا هداب بن خالد نا همام عن قتادة عن أنس ان جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين فسألوها من صنع هذا بك؟ فلان فلان حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها فأخذ اليهودي فاقر فامر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بالحجارة، فصح أنه صلى الله عليه وسلم لم يقتل اليهودي الا باقراره لا بدعوى المقتولة، ووجه آخر وهو أنه لو صح لهم ما لا يصح أبدا من أنه عليه السلام انما قتله بدعواها لكان هذا الخبر حجة عليهم ولكانوا مخالفين له لانه ليس فيه ذكر قسامة اصلا، وهم لا يقتلون بدعوى المقتولة البتة الا حتى يحلف اثنان فصاعدا من الاولياء خمسين يمينا ولا بد، وأيضا فهم لا يرون القسامة بدعوى من لم يبلغ، والاظهر في هذا الخبر أنها كانت لم تبلغ لانه ذكر جارية ذات أوضاح وهذه الصفة عند العرب الذين بلغتهم تكلم انس انما يوقعونها على الصبية لا على المرأة البالغ، فبطل تعلقهم بهذا الخبر بكل وجه ولاح خلافهم في ذلك فوجب القول به ولا يحل لاحد العدول عنه، واعترض المالكيون ومن لا يرى القسامة في هذا بان قالوا: والقتيل قد يقتل ثم يحمله قاتله فيلقيه على باب انسان أو في دار قوم فجوابنا وبالله تعالى التوفيق ان هذا ممكن ولكن لا يعترض على
__________
(1) الاوضاح حلى من الدراهم الصحاح(11/82)
حكم الله تعالى.
وحكم رسوله عليه السلام بأنه يمكن أمر كذا وبيقين يدري كل مسلم أنه قد يمكن أن يكذب الشاهد ويكذب الحالف ويكذب المدعى أن فلانا قتله هذا أمر لا يقدر أحد على دفعه فينبغي على هذا القول الذي ردوا به حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالفوه أن لا يقتلوا أحدا بشهادة شاهدين فقد يكذبان وليس القود بالشاهدين اجماعا فيتعلق به لان الحسن يقول: لا يقبل في القود الا أربعة * ثم نرجع إلى مسألتنا فنقول وبالله تعالى التوفيق: أنه لا يحل لمسلم يدري أن وعد الله حق أن يعترض على ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم بان يقول: لا يجوز هذا الحكم لانه قد يمكن أن يرميه قاتله على باب غيره ونعم هذا ممكن أترى لو أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل أهل مدينة باسرها أو يقتل أمهاتنا وآبائنا وأنفسنا كما امر موسى عليه السلام قومه بقتل أنفسهم إذ أخبر الله تعالى بذلك في قوله: (فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم) أكان يكون في الاسلام نصيب لمن يعند عن ذلك ان هذا لعظيم جدا، والعجب كله ان ذلك الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم حكم ظاهر معلق في دم رجل من بني حارثه من الانصار على يهود خيبر وبينهما من المسافة ستة وتسعون ميلا مائة ميل غير أربعة أميال تتردد في ذلك الرسل وتختلف الكتب ويقع في ذلك التوعد بالحرب كما صح عنه عليه السلام انه قال: " اما ان يدوا صاحبكم أو يؤذنوا بحرب " فهذا أمر لا يشك ذو حس سليم من مؤمن أو كافر في أنه لم تخف هذه القصة ولا هذا الحكم على أحد من المسلمين بالمدينة ولا عن اليهود ولا اسلام يومئذ في غير المدينة إلا من كان مهاجرا بالحبشة أو مستضعفا بمكة لان ذلك كان قبل فتح خيبر لان في الحديث الثابت الذي أوردناه قبل من طريق سليمان ابن بلال عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار ان خيبر كانت يومئذ صلحا ولم تكن
قط صلحا بعد فتحها عنوة بل كانوا ذمة تجرى عليهم الصغار لا يسمون صلحا ولا يمكنون من أن يأذنوا بحرب، فصح يقينا أن ذلك الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم اجماع من جميع الصحابة رضي الله عنهم أولهم وآخرهم بيقين لا مجال للشك فيه * قال أبو محمد رحمه الله: فان قال قائل: فما تقولون في قتيل يوجد وفيه رمق فيحمل فيموت في مكان آخر أو في الطريق أو يموت أثر وجودهم له وفيه حياة؟ فجوابنا أنه لا قسامة في هذا وانما فيه التداعي فقط يكلف أولياؤه البينة سواء ادعى هو على أحد أو لم يدع، فان جاؤا بالبينة قضى لهم بما شهدت به بينتهم وان لم يأتوا بالبينة حلف المدعى عليهم يمينا واحدة ان كان واحدا فان كانوا أكثر من واحد(11/83)
حلفوا كلهم يمينا يمينا ولابد ويجبرون على ذلك أبدا * وبرهاننا على ذلك هو أن الاصل المطرد في كل دعوى في الاسلام من دم أو مال أو غير ذلك من الحقوق ولا نحاش شيئا هو ان البينة على المدعي واليمين على من ادعى عليه كما امر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: " لو أعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه "، وقوله صلى الله عليه وسلم: " بينتك أو يمينه " وهذان عامان، ولا يصح لاحد أن يخرج عنهما شيئا الا ما أخرجه نص أو اجماع ولا نص الا في القتيل يوجد فقط فمتى وجده حيا أحد من الناس فلا قسامة فيه البتة وبالله تعالى التوفيق * فان وجد لا أثر فيه فقد قلنا: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما حكم في مقتول وليس كل ميت مقتولا، فان تيقنا أنه قتل بأثر وجد فيه من ضرب أو شدخ أو خنق أو ذبح أو طعن أو جرح أو كسر أو سم فهو مقتول والقسامة فيه وان تيقنا أنه ميت حتف أنفه لا أثر فيه البتة فلا قسامة لانه ليست هي الحال التي حكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة وان أشكل أمره فأمكن أن يكون ميتا حتف أنفه.
وأمكن أن يكون مقتولا غمه بشئ وضعه على فيه
فقطع نفسه فمات فالقسامة فيه، فان قيل: لم قلتم هذا والاصل ان مات غير مقتول فلا قسامة فيه قلنا وبالله تعالى التوفيق: ان المقتول أيضا ممكن أن يكون قتل نفسه أو قتله سبع فلما كان امكان ما ذكرنا لا يمنع من القسامة لامكان أن يكون قد قتله من ادعى عليه انه قتله ووجبت القسامة لامكان أن يكون قتله من ادعى عليه أنه قتله فليس هذا قياسا فلا تكن غافلا متعسفا اننا قد قسنا احدهما على الآخر ومعاذ الله من ذلك لكنه باب واحد كله انما هو من وجد ميتا وادعى أولياؤه على قوم انهم قتلوه أو على واحد انه قتله وكان قتلهم له الذي ادعى أولياؤه عليهم ممكنا فهذه هي القصة التي حكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينها بالقسامة ففرض علينا أن نحكم فيها (1) بالقسامة إذا أمكن أن يكون من ادعى أولياؤه حقا وانما يبطل الحكم بالقسامة إذا أيقنا أن الذي يدعونه باطل بيقين لا شك فيه * قال أبو محمد رحمه الله: فسواء وجد القتيل في دار أعداء كفار أو أعداء مؤمنين أو أصدقاء كفار أو أصدقاء مؤمنين أو في دار اخيه أو ابنه أو حيث ما وجد فالقسامة في دلك وهو قول ابن الزبير.
ومعاوية بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لا يصح خلافهما عن أحد من الصحابة لانهما حكما بالقسامة في اسماعيل بن هبار وجد مقتولا
__________
(1) في النسخة رقم 14 ففرض علينا الحكم فيها(11/84)
بالمدينة وادعى قوم قتله على ثلاثة من قبائل شتى مفترقة الدور ولم يوجد المقتول بين اظهرهم وهم زهري.
وتيمي.
وليثي كناني، وبهذا نقول وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: وسواء وجد المقتول في مسجد أو في داره نفسه أو في المسجد الجامع أو في السوق أو بالفلاة أو في سفينة أو في نهر يجري فيه الماء أو في بحر أو على عنق انسان أو في سقف أو في شجرة أو في غار أو على دابة واقفة أو سائرة كل ذلك سواء كما قلنا، ومتى ادعى اولياؤه في كل ذلك على احد فالقسامة في
ذلك كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالله تعالى التوفيق * وأما قولهم: أن وجد بين قريتين فانه يذرع ما بينهما فالى أيهما كان أقرب حلفوا وغرموا مع قولهم: ان وجد في قرية حلفوا وودوا، فان تعلقوا في ذلك مما ناه يوسف ابن عبد الله النمري نا عبد الله بن محمد بن يوسف الازدي نا يوسف بن أحمد نا أبو جعفر العقيلي نا محمد بن اسماعيل نا اسماعيل ابن أبان الوراق نا أبو إسرائيل الملائي نا عطية - هو العوفي - عن أبي سعيد الخدري قال: " وجد قتيل بين قريتين فأمر النبي عليه السلام فقيس إلى أيهما أقرب فوجد أقرب إلى أحداهما بشبر فكأني أنظر إلى شبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمن النبي عليه السلام من كانت أقرب إليه " * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت أم عمرو بن سعد عند الجلاس بن سويد - هو ابن الصامت - فقال الجلاس في غزوة تبوك: أن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير فسمعها عويمر فقال.
والله اني لا شئ ان لم أرفعها إلى النبي عليه الصلاة والسلام ان ينزل القرآن فيه وإن اخلط بخطبته ولنعم الاب هو لي فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الجلاس فعرفه وهم يترحلون فلم يتحرك احد كذلك كانوا يفعلون لا يتحركون إذا نزل الوحي فرفع عن النبي عليه السلام فقال: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر) إلى قوله (فان يتوبوا يك خيرا لهم) فقال الجلاس: استتب إلى ربي فاني أتوب إلى الله وأشهد له بصدق (وما نقموا الا أن اغناهم الله ورسوله) قال عروة: كان مولى الجلاس قتل في بني عمرو بن عوف فأبى بنو عمرو بن عوف ان يعقلوه فلما قدم النبي عليه السلام جعل عقله على عمرو بن عوف قال عروة: فما زال عمير منها بعليا حتى مات * ونا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا محمد بن عبد الله الشعيبي عن مكحول أن قتيلا وجد في هديل فأتوا النبي صلى(11/85)
عن نفسه يمينا بالله تعالى ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ثم أغرمهم الدية * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا محمد ابن جعفر غندر نا شعبة عن حماد بن أبي سليمان عن ابراهيم النخعي قال: انما كانت القسامة في الجاهلية إذا وجد القتيل بين ظهراني قوم أقسم منهم خمسون ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فان عجزت الايمان ردت عليهم ثم عقلوا * وروينا من طريق اسماعيل الترمذي نا سعيد بن عمرو أبو عثمان نا اسماعيل بن عياش عن الشعبي عن مكمحول نا عمرو ابن أبي خزاعة أنه قتل فيهم قتيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل القسامة على خزاعة بالله ما قتلنا ولا نعلم قاتلا وحلف كل منهم عن نفسه وغرموا الدية، قالوا: وقد ذكرنا هذا عن عمر.
وعلي قبل * قال ابو محمد رحمه الله: وكل هذه الاقاويل فلا يجب الاشتغال بها على ما نبين أن شاء الله تعالى * أما الحديث الذي صدرنا به فهالك لانه انفرد به عطية بن سعيد العوفي وهو ضعيف جدا ضعفه هشيم.
وسفيان الثوري.
ويحيى بن معين.
واحمد بن حنبل، وما ندري احدا وثقه، وذكر عنه أحمد بن حنبل أنه بلغه عنه أنه كان يأتي الكلبي الكذاب فيأخذ عنه الاحاديث ثم يكنيه بأبي سعيد ويحدث بها عن ابي سعيد فيوهم الناس أنه الخدري، وهذا من تلك الاحاديث والله أعلم فهو ساقط، ثم هو أيضا من رواية ابي اسرائيل الملائي هو اسمعيل بن أبي اسحق فهو بلية عن بلية، والملائي هذا ضعيف جدا، وليس في الذرع بين القريتين خبر غير هذا البتة لا مسند ولا مرسل * أما حديث الجلاس بن سويد بن الصامت.
وعمير بن سعد فانه مرسل عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه انما فيه أن مولى الجلاس قتل في بني عمرو بن عوف وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر جعل عقله على بني عمرو بن عوف وليس في هذا انه وجد مقتولا فيهم ولا انه عليه السلام أوجب فيه قسامة وهذا خلاف قولهم وانما فيه انه قتل فيهم فقاتله منهم وإذا كان قاتله منهم فالعقل عليهم فهذه صفة قتل الخطأ وبه
نقول، فبطل تمويههم بهذا الخبر وبالله تعالى التوفيق * وأما حديث عمرو بن أبي خزاعة فهو مجهول ومرسل فبطل * وأما ما ذكروه عن عمربن الخطاب.
وعلي بن أبي طالب فقد قدمنا انه عن علي لا يصح البتة لانه عن ابي جعفر عنه فهو منقطع وعن الحارث الاعور وقد وصفه الشعبي بالكذب وفيه أيضا الحجاج بن ارطاة * وأما الرواية عن عمر فقد بينا أنها لا تصح، وما نعلم في القرآن ولا في السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في الاجماع ولا في القياس أن يحلف مدعى عليه ويغرم والقوم أصحاب(11/86)
قياس بزعمهم فهلا قاسوا الدعوى في الدم على الدعوى في المال وغير ذلك ولكن لا السنة أصابوا ولا القياس أحسنوا * 2150 - مسألة - وأما القسامة في العبد يوجد مقتولا فان الناس اختلفوا في ذلك فقال أبو حنيفة.
ومحمد بن الحسن: القسامة في العبد يوجد قتيلا كما هي في الحر وعليهم قيمته في ثلاث سنين لا يبلغ بها دية حر، وروي عن أبي يوسف لا قسامة فيه ولا غرامة وهو هدر، وهو قول مالك.
وأصحابه.
وابن شبرمة، وقال الاوزاعي: لا قسامة فيه ولكن يغرمون ثمنه وقال: زفر.
والشافعي فيه القسامة والقيمة إلا أن زفر قال: يقسمون ويغرمون قيمته، وقال الشافعي: يحلف العبد ويغرم القوم قيمته * قال أبو محمد: وقولنا فيه ان القسامة فيه كالحر سواء سواء في كل حكم من أحكامه، فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها فوجدنا من قال: لا قسامة في العبد يقولون: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما حكم بالقسامة في حر لا في عبد فلا يجوز أن نحكم بها الا حيث حكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: العبد مال كالبهيمة ولا قسامة في البهيمة ولا في سائر الاموال، وما نعلم لهم حجة غير هذه فلما نظرنا في ذلك وجدنا هاتين الحجتين لا متعلق لهم فيهما * (اما قولهم) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحكم بالقسامة إلا في حر فقد قلنا:
في هذا ما كفى ولم يقل عليه السلام: اني انما حكمت بهذا لانه كان حرا فنقول عليه ما لم يقل ويخبر عن مراده لما لم يخبر عليه السلام عن نفسه، وهذا تكهن وتخرص بالباطل وهذا لا يحل اصلا، والعبد قتيل ففيه القسامة كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مزيد * وأما قول من قال: ان العبد مال فلا قسامة فيه كما لا قسامة في البهيمة فقول فاسد لانه قياس والقياس كله باطل فالعبد وان كان مالا فأرادوا أن يجعلوا له حكم الاموال والبهائم من أجل أنه مال فان الحر ايضا حيوان كما ان البهيمة حيوان فينبغي أن نبطل القسامة في الحر قياسا على بطلانها في سائر الحيوان، وأيضا فلا خلاف في أن الاثم عند الله عزوجل في قتل العبد كالاثم في قتل الحر لانهما جميعا نفس محرمة وداخلان تحت قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) وليس كذلك قاتل البهيمة، فوجب على أصولهم أن نحكم للعبد إذا وجد مقتولا بمثل الحكم في الحر إذا وجد مقتولا لا بمثل الحكم في البهيمة لا سيما في قول الحنيفيين الموجبين للقود بين الحر والعبد في العمد فهذه تسوية بينهما صحيحة وكذلك في قول المالكيين والشافعيين الموجبين للكفارة في قتل العبد خطأ كما يوجبونها في قتل الحر خطأ(11/87)
بخلاف قتل البهيمة خطا فبطل كل ما شغبوا به وصح ان القسامة واجبة في العبد كما هي في الحر من طريق حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا من طريق القياس * وأما قول من الزم قيمة العبد من وجد بين أظهرهم دون قسامة فقول لا يؤيده قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا قياس ولا نظر وهو أكل مال بالباطل واغرام قوم لم يثبت قبلهم حق قال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) ولا قسامة في بهيمة وجدت مقتولة ولا في شئ وجد من الاموال مفسودا لان البهيمة لا تسمى قتيلا في اللغة ولا في الشريعة وانما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة في القتيل فلا يحل تعدي حكمه ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى،
والاموال محرمة الا بنص أو اجماع فالواجب في البهيمة توجد مقتولة أو تتلف وفي الاموال كلها ما أوجبه الله تعالى على لسان رسوله عليه السلام إذ يقول " بينتك أو يمينه ليس لك الا ذلك "، فالواجب في ذلك ان ادعى صاحب البهيمة توجد مقتولة أو صاحب المال اتلاف ماله على أحد ان يكلفه البينة فان اتى بها قضى له بها وان لم يأت بها حلف المدعى عليه ولابد ولا ضمان في ذلك الا ببينة أو اقرار وهذا حكم كل دعوى في دم أو مال أو غير ذلك حاش القتيل يوجد ففيه القسامة كما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم * واختلف الناس في الذمي يوجد قتيلا فقالت طائفة لا قسامة فيه ورأى أبو حنيفة فيه القسامة * قال أبو محمد رحمه الله: والقول فيه كما قلنا في العبد لان رسول الله صلى الله عليه وسلم وان كان انما حكم بالقسامة في مسلم ادعى على يهود خيبر فلم يقل عليه الصلاة والسلام: انما حكمت بها لانه مسلم ادعى على يهودي فلا يجوز ان يقول عليه الصلاة والسلام ما لم يقله لكنه عليه السلام حكم بها في قتيل وجد ولم يخص عليه السلام حالا من حال والذمي قتيل فالقسامة فيه واجبة إذا ادعاها أولياؤه على ذمي أو ذميين لانه ان ادعوها على مسلم فحتى لو صح ما ادعوه بالبينة فلا قود فيه ولا دية ولكن ان أرادوا أن يقسموا ويوديه الامام فذلك لهم لما ذكرنا، وقد اتفق القائلون بالقسامة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وان كان حكم بها في مسلم ادعى على يهود فان الحكم بها واجب في مسلم ادعى على مسلمين، وهذه غير الحال التي حكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسلم ادعى بالقسامة على أصولهم ولا فرق بين الحكم بها في مسلم على مسلمين وبين الحكم بها في ذمي على ذميين أو على مسلمين لعموم حكمه عليه السلام وانه لم يخص عليه السلام صفة من صفة وبالله تعالى التوفيق *(11/88)
2151 مسألة: فيمن يحلف بالقسامة * قال أبو محمد رحمه الله: اتفق القائلون بالقسامة على أنه يحلف فيها الرجال الاحرار البالغون العقلاء من عشيرة
المقتول الوارثين له، واختلفوا فيما وراء ذلك في وجوه، منها هل يحلف من لا يرث من العصبة أم لا.
وهل يحلف العبد في جملتهم أم لا.
وهل تحلف المرأة فيهم أم لا.
وهل يحلف المولى من فوق أم لا.
وهل يحلف المولى الاسفل فيهم أم لا.
وهل يحلف الحليف أم لا؟ فوجب لما تنازعوا ما أوجبه الله تعالى علينا عند التنازع إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا رسول الله عليه السلام قال في حديث القسامة الذي لا يصح عنه غيره كما قد تقصيناه قبل " تحلفون وتستحقون ويحلف خمسون منكم " فخاطب النبي عليه الصلاة والسلام بني حارثة عصبة المقتول، وبيقين يدري كل ذي معرفة أن ورثة عبد الله بن سهل رضي الله عنه لم يكونوا خمسين وما كان له وارث الا أخوه عبد الرحمن وحده وكان المخاطب بالتحليف ابني عمه محيصة.
وحويصة وهما غير وارثين له فصح أن العصبة يحلفون وان لم يكونوا وارثين وصح ان من نشط لليمين منهم كان ذلك له سواء كان بذلك أقرب إلى المقتول أو أبعد منه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب ابني العم كما خاطب الاخ خطابا مستويا لم يقدم أحدا منهم، وكذلك لم يدخل في التحليف الا البطن الذي يعرف المقتول بالانتساب إليه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخاطب بذلك الا بني حارثة الذي كان المقتول معروفا بالنسب فيهم ولم يخاطب بذلك سائر بطون الانصار كبني عبد الاشهل وبني ظفر وبني زعورا وهم أخوة بني حارثة فلا يجوز أن يدخل فيهم من لم يدخله رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد رحمه الله: فان كان في العصبة عبد صريح النسب فيهم الا أن أباه تزوج أمة لقوم فلحقه الرق لذلك فانه يحلف معهم ان شاء لانه منهم ولم يخص عليه السلام إذ قال خمسون منكم حرا من عبد إذا كان منهم كما كان عمار بن ياسر رضي الله عنه من طينته عنس ولحقه الرق لبني مخزوم وكما كان عامر بن فهيرة ازديا صريحا فلحقه الرق لان أباه تزوج فهيرة أمة أبي بكر رضي الله عنه وكما كان المقداد بن عمرو بهرانيا قحسا ولحقه الرق من قبل أمه وبالله تعالى التوفيق *
وأما المرأة فقد ذكرنا قبل أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه احلف امرأة في القسامة وهي طالبة فحلفت وقضى لها بالدية على مولى لها، وقال المتأخرون: لا تحلف المرأة أصلا، واحتجوا بانه انما يحلف من تلزمه له النصرة وهذا باطل مؤيد بباطل لان النصرة واجبة على كل مسلم بما روينا من طريق البخاري نا مسدد نا معتمر بن سليمان عن(11/89)
حميد عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنصر أخاك ظالما كان أو مظلوما قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يديه " * وروينا من طريق مسلم نا احمد بن عبد الله بن يونس نا زهير هو ابن معاوية نا أشعث - هو ابن أبي الشعثاء - نى معاوية بن سويد بن مقرن قال: دخلنا على البراء بن عازب فسمعته يقول: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس وابرار القسم أو المقسم ونصر المظلوم واجابة الداعي.
وأفشاء السلام " فقد أفترض الله تعالى نصر اخواننا قال الله تعالى: (انما المؤمنون اخوة) نعم ونصر أهل الذمة فرض قال الله تعالى: (وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر الا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) فقد صح انه ليس أحد أولى بالنصرة من غيره من أهل الاسلام فوجب أن تحلف المرأة ان شاءت، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يحلف خمسون منكم " وهذا لفظ يعم النساء والرجال، وانما ذكرنا حكم عمر لئلا يدعوا لنا الاجماع فاما الصبيان والمجانين فغير مخاطبين أصلا بشئ من الدين قال صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاث فذكر الصبي والمجنون مع انه اجماع أن لا يحلفا في القسامة متيقن لا شك فيه * وأما المولى من فوق والمولى من أسفل والحليف فان قوما قالوا: قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مولى القوم منهم - ومولى القوم من أنفسهم " وأثبت الحلف في الجاهلية قالوا: ونحن نعلم يقينا انه قد كان لبني حارثة موال من أسفل وحلفاء لا شك في ذلك ولا مرية فوجب أن يحلفوا معهم *
قال أبو محمد رحمه الله: أما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مولى القوم منهم ومن أنفسهم " فصحيح، وكذلك كون بني حارثة لهم الحلفاء والموالي من أسفل بلا شك إلا أننا لسنا على يقين من أن بني حارثة إذ قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم: " تحلفون وتستحقون ويحلف خمسون منكم " حضر ذلك القول في ذلك المجلس حليف لهم أو مولى لهم، ولو أيقنا انه حضر هذا الخطاب مولى لهم أو حليف لهم لقلنا بان الحليف والمولى يحلفون معهم واذ لا يقين عندنا انه حضر هذا الخطاب حليف ومولى فلا يجوز أن يحلف في حكم منفرد برسمه إلا من نحن على يقين من لزوم ذلك الحكم له * فان قيل: قد قال صلى الله عليه وسلم: " مولى القوم منهم " يغني عن حضور الموالي هنالك، والحليف أيضا يسمى في لغة العرب مولى كما قال عليه السلام للانصار أول ما لقيهم " أمن موالي يهود " يريد من حلفائهم قلنا وبالله تعالى التوفيق * قد قال عليه الصلاة والسلام ما ذكرتم، وقال أيضا: " ابن أخت القوم منهم " وقد أوردناه قبل باسناده(11/90)
في كتاب العاقلة ولا خلاف في أنه لا يحلف مع اخواله فنحن نقول: ان ابن أخت القوم منهم حق لانه متولد من امرأة هي منهم بحق الولادة والحليف والمولى أيضا منهم لانهما من جملتهم، وليس في هذا القول منه عليه السلام ما يوجب أن يحكم للمولى والحليف بكل حكم وجب للقوم، وقد صح اجماع أهل الحق على أن الخلافة لا يستحقها مولى قريش ولا حليفهم ولا ابن أخت القوم وان كان منهم والقسامة في العمد والخطأ سواء فيما ذكرنا فيمن يحلف فيها ولا فرق * 2152 - مسألة - كم يحلف في القسامة؟ اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: لا يحلف الا خمسون فان نقص من هذا العدد واحد فاكثر بطل حكم القاسمة وعاد الامر إلى التداعي، وقال آخرون: ان نقص واحد فصاعدا رددت الايمان عليهم حتى يبلغوا اثنين فان كان الاولياء اثنين فقط بطلت القسامة في العمد، وأما في
الخطأ فيحلف فيه واحد خمسين، وهو قول روي عن علماء أهل المدينة المتقدمين منهم * وقال آخرون: يحلف خمسون فان نقص من عددهم واحد فصاعدا ردت الايمان عليهم حتى يرجعوا إلى واحد فان لم يكن للمقتول الاولى واحد بطلت القسامة وعاد الحكم إلى التداعي، وهذا قول مالك، وقال آخرون: تردد الايمان وان لم يكن الا واحد فانه يحلف خمسين يمينا وحده وهو قول الشافعي وهكذا قالوا في أيمان المدعى عليهم انها تردد عليهم وان لم يبق الا واحد ويجبر الكسر عليهم فلما اختلفوا وجب أن ننظر فوجدنا من قال بترديد الايمان من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر ابن عبد العزيز ان في كتاب لعمر بن عبد العزيز " ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الايمان أن يحلف الاولياء فان لم يكن عدد عصبته تبلغ خمسين رددت الايمان عليهم بالغا ما بلغوا * ومن طريق ابن وهب أخبرني محمد بن عمرو عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسين يمينا ثم يحق دم المقتول إذا حلف عليه ثم يقتل قاتله أو تؤخذ ديته ويحلف عليه أولياؤه من كانوا قليلا أو كثيرا فمن ترك منهم اليمين ثبتت على من بقي ممن يحلف فان نكلوا كلهم حلف المدعى عليهم خمسين يمينا ما قتلناه ثم بطل دمه وان نكلوا كلهم عقله المدعى عليهم ولا يطل دم مسلم إذا ادعى الا بخمسين يمينا * قال أبو محمد رحمه الله: هذا لا شئ لانهما مرسلان والمرسل لا تقوم به حجة أما حديث عمر بن عبد العزيز ففيه أن يحلف الاولياء وهذا لا يقول به الحنيفيون فان تعلق به المالكيون.
والشافعيون.
قيل للمالكيين: هو أيضا حجة عليكم لانه ليس(11/91)
فيه أن لا يحلف الا اثنان، وأيضا فليس هو بأولى من المرسل الذي بعده من طريق ابن وهب وهو مخالف لقول جميعهم لان فيه ان نكل الفريقان عقله المدعى عليهم ولا يقول به مالكي.
ولا شافعي.
وفيه القود بالقسامة، ولا يقول به حنيفي.
ولا شافعي،
وفيه ترديد الايمان جملة دون تخصيص أن يكونا اثنين كما يقول مالك * قال أبو محمد رحمه الله: وأيضا فان القائلين بترديد الايمان في القسامة قد اختلفوا في الترديد فروينا عن عمر أنه ردد الايمان عليهم الاول فالاول معناه كأنهم كانوا أربعين فحلفوا أربعين يمينا فبقيت عشرة أيمان فحلف العشرة الذين حلفوا أولا فقط، وروى غير ذلك.
وانها تردد على الاثنين فالاثنين كما روينا من طريق ابن وهب قال قال ابن سمعان: سمعت من أدركت من علمائنا يقولون في القسامة تكون في الخطأ على الوارث فان لم يكن للمقتول خطأ الا وارث واحد حلف خمسين يمينا مرددة ثم يدفع إليه الدية، فان كانوا ابنين أو أخوين ليس له وارث غيرهما فطاع أحدهما بالقسامة وأبى الآخر فعلى الذي طاع بالقسامة خسمة وعشرون مرددة عليه ثم يدفع إليه نصف الدية وليس للاخر شئ فان كان الورثة ثلاثة رهط كانت القسامة عليهم أثلاثا فان لم تتفق الايمان عليهم جعل الفضل على الاثنين فالاثنين وان القسامة على الورثة بقدر الميراث وقد ذكرنا بالاسناد المتصل عن سعيد بن المسيب.
والزهري أن ترديد الايمان في القسامة لا يجوز وأنه أمر حدث لم يكن قبل.
وأن أول من ردد الايمان معاوية في القسامة وقد جاء في هذا خبر مرسل لو وجدوا مثله لطاروا به فصح أن لا قسامة الا بخمسين يحلفون أن فلانا قتل صاحبنا عمدا أو خطأ كيف ما علموا من ذلك فان نقص منهم واحد فصاعدا بطلت القسامة وعاد الامر الى حكم التداعي ويحلفون في مجلس الحاكم وهم قعود حيث كانت وجوههم بالله تعالى فقط لا يكلفون زيادة على اسم الله تعالى لقول النبي عليه السلام: " من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " ولا فرق بين زيادة الذي لا اله الا هو وزيادة الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر وكل هذا حكم لم يأت به عن الله تعالى نص ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم.
ولا أوجبه قياس.
ولا نظر، وكذلك لا يكلفون الوقوف عند اليمن ولا صروف وجوههم إلى القبلة ولا ينزعوا أرديتهم أو طيالستهم، وكل هذه
أحكام لم يأت بها نص قرآن.
ولا سنة لا صحيحة.
ولا سقيمة.
ولا قول صاحب.
ولا اجماع.
ولا قياس.
ولا نظر * فان قالوا: هو تهبيب ليرتدع الكاذب قيل له: وهو تشهير وأن أردتم التهبيب فاصعدوه المنار أو ارفعوه على المنار أو شدوا وسطه(11/92)
بحبل وجردوه في سراويل، وكل هذا لا معنى له ولا معنى لان يحلف في الجامع إلا أن كان مجلس الحاكم فيه أو لم يكن فيه على المحلف كلفة حركة لانه لم يأمر الله تعالى بذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة بل انما جاء ذلك عن عمر بن الخطاب.
ومعاوية أن عمر جلب المدعى عليهم في القسامة من اليمن إلى مكة ومن الكوفة إلى مكة ليحلفوا فيها، وعن معاوية ثابت أنه حملهم من المدينة إلى مكة للتحليف في الحطيم أو بين الركن والمقام، والمالكيون.
والحنيفيون.
والشافعيون مخالفون لهما رضي الله عنهما في ذلك وهم الآن يحتجون علينا بهما في الترديد الذي قد خالفوهما أيضا فيه نفسه وبالله تعالى التوفيق، ونجمع ههنا حكم القسامة إن شاء الله تعالى فنقول وبالله تعالى التوفيق: إذا وجد قتيل في دار قوم أو في صحراء أو في مسجد أو في سوق أو في داره.
أو حيث وجد فادعى أولياؤه على واحد أو على جماعة من أهل تلك الدار أو من غيرهم وأمكن أن يكون ما قالوه وادعوه حقا ولم يتيقن كذبهم في ذلك فانهم يحلفون خمسين بالغا عاقلا من رجل أو امرأة من عصبة المقتول لا نبالي ورثة أو غير ورثة بالله تعالى ان فلانا قتله أو أن فلانا وفلانا وفلانا اشتركوا في قتله، ثم لهم القود أو الدية أو المفاداة فان أبوا أن يحلفوا وقالوا: لا ندري من قتله بعينه حلف من أهل تلك المحلة خمسون كذلك أو من أهل تلك القبيلة يقول كل حالف منهم: بالله ما قلت ولا يكلف أكثر ويبرون فان نكلوا أجبروا كلهم على اليمين أحبوا أم كرهوا حتى يحلف خمسون منهم كما قلنا، ولا يجوز أن يكلفوا أن يقولوا: ولا علمنا قاتلا لان علم المرء بمن قتل فلانا انما هي شهادة فان أداها أدى ما عليه، فان قبل قبل فذلك
وان لم يقبل فلا حرج عليه، ولا يجوز أن يحلف أحد على شهادة عنده ليؤديها بلا خلاف، فان نقص عصبة المقتول واحد فاكثر من خمسين أو وجد القتيل وفيه حياة أو لم يرد الخسمون أن يحلفوا ولا رضوا بأيمان المدعى عليهم فقد بطلت القسامة فاما في نقصان العدد من خمسين وفي وجود القتيل حيا فليس في هذا الا حكم الدعوى ويحلف المدعى عليه واحدا كان أو اكثر يمينا واحدة فقط.
فان نكل أو نكلوا أجبروا على الايمان أحبوا أم كرهوا، وهكذا ان نقص عدد أهل المحلة المدعى عليهم فلا قسامة أصلا، وكذلك ان لم يحقق أولياء المقتول دعواهم وعصبته فان الحكم في ذلك واحد وهو ان لابد أن يؤدي المقتول حرا كان أو عبدا من بيت مال المسلمين أو من سهم الغارمين من الصدقات كما أمر الله تعالى (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) وكما قال النبي عليه السلام: " من قتل له بعد مقالتي(11/93)
هذه قتيل فأهله بين خيرتين إما أن يقاد أو أن يعقل " وليس القتل الواقع بين الناس الا خطأ أو عمدا فقط وفي كليهما الدية بحكم الله تعالى وحكم رسوله عليه الصلاة والسلام، وأيضا فان الخطأ يكون على عاقلة قاتل الخطأ من الغارمين وفي العمد يكون القاتل إذا قبلت منه الدية غارما من الغارمين فحظم في سهم الغارمين واجب أو في كل مال موقوف لجميع مصالح أمور المسلمين فهذا حكم كل مقتول بلا شك حتى يثبت أنه قتل لا عمدا ولا حطأ لكن بفعل بهيمة أو من له حكم البهيمة من المجانين أو الصبيان أو انه قتل نفسه عمدا وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: وبقي في القسامة خبر نورده ان شاء الله تعالى لئلا يغتر به مغتر بجهل ضعفه أو يظن ظان انه أغفل ولم يذكر فيكون نقصا من حكم السنة في القسامة، وهو كما ناه عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب قال: سمعت ابن سمعان يقول: أخبرني ابن شهاب عن عبد الله
ابن موهب عن قبيصة بن ذؤيب الكعبي أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فلقوا المشركين بأضم أو قريبا منه فهزم المشركون وغشى محلم بن جثامة الليثي عامر بن الاضبط الاشجعي فلما لحقه قال عامر: أشهد أن لا إله إلا الله فلم ينته عنه لكلمته حتى قتله فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى محلم فقال: أقتلته بعد ان قال لا إله الا الله فقال: يا رسول الله ان كان قالها فانما تعوذ بها وهو كافر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا ثقبت عن قلبه - يريد بذلك والله أعلم انما يعرب اللسان عن القلب - وأقبل عيينة بن بدر في قومه حمية وغضبا لقيس فقال: يا رسول الله قتل صاحبنا وهو مؤمن فأقدنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحلفون بالله خمسين يمينا على خمسين رجل منكم ان كان صاحبكم قتل وهو مؤمن قد سمع أيمانه ففعلوا فلما حلفوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعفوا عنه واقبلوا الدية فقال عيينة بن حصن انا نستحي أن تسمع العرب انا أكلنا ثمن صاحبنا وواثبه الاقرع بن حابس التميمي في قومه غضبا وحمية لخندف فقال لعيينة ابن حصن: بما ذا استطلتم دم هذا الرجل فقال: أقسم منا خمسون رجلا ان صاحبنا قتل وهو مؤمن فقال الاقرع: فسألكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعفوا عن قتله وتقبلوا الدية فابيتم فاقسم بالله ليقبلن من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعاكم إليه أو لآتين بمائة من بني تميم فيقسمون بالله لقد قتل صاحبكم وهو كافر فقالوا عند ذلك: على رسلك بل نقبل ما دعانا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله نقبل الذي دعوتنا إليه من الدية فدية أبيك عبد الله بن عبد المطلب فوداه رسول الله(11/94)
صلى الله عليه وسلم من الابل، قال أبو محمد رحمه الله: فهذا خبر لا ينسند ألبتة من طريق يعتد بها وانفرد به ابن سمعان وهو مذكور بالكذب بذكر قسامة خمسين على انه قتل مسلما وهو أيضا مرسل ولو صح لقلنا به فإذ لم يصح فلا يجوز الاخذ به وبالله تعالى التوفيق * 2153 - مسألة - في الدماء مشكل، قال أبو محمد رحمه الله: نا أحمد بن
محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل بن بهرام الدينوري نا محمد بن جرير الطبري ني عبيد الله بن سعد بن ابراهيم الزهري نا عمى - هو يعقوب بن ابراهيم بن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - نا شعبة بن الحجاج عن عبد الله بن أبي السفر عن عامر الشعبي عن عبد الله بن مطيع بن الاسود عن ابيه مطيع أخي بني عدي بن كعب وكان اسمه العاصي فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيعا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يقول: لا تغزى مكة بعد هذا العام أبدا ولا يقتل رجل من قريش بعد هذا العام صبرا أبدا * نا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل نا محمد بن جرير ني عبد الله بن محمد الزهري نا سفيان بن عيينة عن زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن الشعبي قال: قال الحارث ابن مالك بن البرصاء قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تغزى مكة بعد هذا العام أبدا " * نا أحمد بن محمد نا أحمد بن الفضل نا محمد بن جرير نا نصر بن عبد الرحمن الاودي نا محمد ابن عبيد عن زكريا عن الشعبي عن الحارث بن مالك بن البرصاء قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يقول: لا تغزى مكة بعدها إلى يوم القيامة " * قال علي رحمه الله: الاول حديث صحيح والآخر ان صح سماع الشعبي من الحرث ابن مالك فهما صحيحان والحرث هذا هو الحارث بن قيس بن عون بن جابر بن عبد مناف ابن كنانة بن شجع بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان * قال أبو محمد رحمه الله: ووجه هذه الاحاديث بين وهو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما اخبر بهذا عن نفسه انه لا يغزو مكة بعدها ابدا.
وانه لا يقتل بعدها رجلا من قريش صبرا أبدا وكان هذا كما قال عليه السلام فما قتل بعدها قرشيا * برهان هذا انه عليه السلام قد أنذر بقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأنذر بغزو الكعبة وهو كما روينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا ابن أبي عدي عن عثمان بن غياث عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الاشعري فذكر الحديث، وفيه " ان رجلا استفتح فجلس رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقال: افتح له وبشره بالجنة على بلوى تكون قال: فذهبت فإذا عثمان بن عفان ففتحت له وبشرته بالجنة وقلت الذي قال فقال: المهم صبرا والله المستعان "(11/95)
ومن طريق مسلم نا ابو بكر بن أبي شيبة.
وابن ابي عمر.
وحرملة بن يحيى، قال أبو بكر.
وابن ابي عمر: نا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد، وقال حرملة: نا ابن وهب اخبرني يونس - هو ابن يزيد - ثم اتفق زياد.
ويونس كلاهما عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة " * قال أبو محمد رحمه الله: فصح أن قوما من قريش سيقتلون صبرا ولا خلاف بين أحد من الامة كلها في أن قريشيا لو قتل لقتل ولو زنى وهو محصن لرجم حتى يموت وهكذا نقول فيه: لو ارتد أو حارب أو حد في الخمر ثلاثا ثم شرب الرابعة وكذلك قال الله تعالى: (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فان قاتلوكم فاقتلوهم) ولا خلاف بين أحد من الامة في أن مكة اعزها الله وحرسها لو غلب عليها الكفار أو المحاربون أو البغاة فمنعوا فيها من اظهار الحق ان فرضا على الامة غزوهم لا غزو مكة فان انقادوا أو خرجوا فذلك وان لم يمتنعوا ولا خرجوا انهم يخرجون منها فان هم امتنعوا وقاتلوا فلا خلاف في انهم يقاتلون فيها وعند الكعبة فكانت هذه الاجماعات وهذه النصوص وانذار النبي عليه السلام بهذم ذي السويقتين للكعبة، وبالضرورة ندري ان ذلك لا يكون البتة الا بعد غزو منه، وقد غزاها الحصين بن نمير.
والحجاج بن يوسف.
وسليمان بن الحسن الجياني لعنهم الله اجمعين وألحدوا فيها وهتكوا حرمة البيت، فمن رام للكعبة بالمنجنيق وهو الفاسق الحجاج وقتل داخل المسجد الحرام امير المؤمنين عبد الله بن الزبير.
وقتل عبد الله بن صفوان بن امية رضي الله عنهما وهو متعلق باستار الكعبة، ومن قالع للحجر الاسود، وسالب المسلمين المقتولين حولها وهو الكافر الملعون سليمان بن الحسن القرمطي فكان هذا كله مبينا اخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اخبر في حديث مطيع بن الاسود.
والحرث
ابن البرصاء، وانه عليه السلام انما اخبر بذلك عن نفسه فقط، وهذا من اعلام نبوته عليه السلام ان اخبر بانه لا يغزوها إلى يوم القيامة، وانه عليه السلام لا يقتل ابدا رجلا من قريش صبرا.
فكان كذلك، ولا يجوز ان يقتصر على بعض كلامه صلى الله عليه وسلم دون بعض، فهذا تحكم فاسد بل تضم اقواله عليه السلام كلها بعضها إلى بعض فكلها حق ولا يجوز ان يحمل قوله عليه السلام.
" لا تغزى مكة بعد هذا العام إلى يوم القيامة ولا يقتل قرشي صبرا بعد هذا اليوم على الامر لما ذكرنا من صحة الاجماع على وجوب قتل القرشي قودا أو رجما في الزنا وهو محصن على وجوب غزو من لاذ بمكة من اهل الكفر والحرابة والبغي *(11/96)
(فان قيل): انما منع بذلك من غزوها ظلما ومن قتل قرشي صبرا ظلما قلنا وبالله تعالى التوفيق: هذه أحكام لا يختلف فيها حكم مكة وغيرها ولا حكم قريش وغيرهم فلا يحل بلا خلاف أن تغزى بلد من البلاد ظلما ولا أن يقتل أحد من الامة ظلما وكان يكون الكلام حينئذ عاريا من الفائدة وهذا لا يجوز وبالله تعالى التوفيق * 2154 مسألة قتل أهل البغي قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) الآية فكان قتال المسلمين فيما بينهم على وجهين قتال البغاة وقتال المحاربين فالبغاة قسمان لا ثالث لهما، أما قسم خرجوا على تأويل في الدين فاخطئوا فيه كالخوارج وما جرى مجراهم من سائر الاهواء المخالفة للحق.
وأما قسم أرادوا لانفسهم دنيا فخرجوا على امام حق أو على من هو في السيرة مثلهم، فان تعدت هذه الطائفة إلى اخافة الطريق أو إلى ذ مال من لقوا أو سفك الدماء هملا انتقل حكمهم إلى حكم المحاربين وهم ما لم يفعلوا ذلك في حكم البغاة، فالقسم الاول من أهل
البغي يبين حكمهم ما نا هشام بن سعد الخير نا عبد الجبار بن أحمد المقرئ نا الحسن بن الحسين البجيرمي نا جعفر بن محمد الاصبهاني نا يونس بن حبيب نا أبو داود الطيالسي نا شعبة أخبني أيوب السختياني وخالد الحذاء كلاهما قا ل عن الحسن البصري أخبرتنا أمنا عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في عمار تقتلك الفئة الباغية * قال أبو محمد رحمه الله: وانما قتل عمارا رضي الله عنه أصحاب معاوية رضي الله عنه وكانوا متأولين تأويلهم فيه وان أخطئوا الحق مأجورون أجرا واحدا لقصدهم الخير ويكون من المتأولين قوم لا يعذرون ولا أجر لهم كما روينا من طريق البخاري نا عمر بن حفص بن غياث نا أبي نا الاعمش نا خيثمة نا سويد بن غفلة قال قال علي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " سيخرج قوم في آخر الزمان احداث الاسنان سفهاء الاحلام يقولون من قول خير البرية لا يجاوز ايمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فان في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة " وروينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد ابن ابي عدي عن سليمان - هو الاعمش - عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحالق هم شر الخلق أو من شر الخلق تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق " وذكر الحديث *(11/97)
قال أبو محمد رحمه الله: ففي هذا الحديث نص جلي بما قلنا وهو ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هؤلاء القوم فذمهم أشد الذم وانهم من شر الخلق وانهم يخرجون في فرقة من الناس فصح ان أولئك أيضا.
مفترقون وان الطائفة المذمومة تقتلها أدنى الطائفتين المفترقتين إلى الحق فجعل عليه السلام في الافتراق تفاضلا وجعل احدى الطائفتين المفترقتين لها دنو من الحق وان كانت الاخرى أولى به ولم يجعل للثالثة شيئا من الدنو إلى الحق، فصح ان التأويل يختلف فأي طائفة تأولت في بغيتها طمسا لشى ء من السنة كمن قام
برأي الخوارج ليخرج الامر عن قريش أو ليرد الناس إلى القول بابطال الرجم أو تكفير أهل الذنوب أو استقراض المسلمين أو قتل الاطفال والنساء واظهار القول بابطال القدر أو ابطال الرؤية أو إلى أن الله تعالى لا يعلم شيئا الا حتى يكون أو إلى البراءة عن بعض الصحابة أو ابطال الشفاعة أو إلى ابطال العمل بالسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا إلى الرد إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى المنع من الزكاة أو من أداء حق من مسلم أو حق لله تعالى فهؤلاء لا يعذرون بالتأويل الفاسد لانها جهالة تامة، وأما من دعا إلى تأويل لا يحل به سنة لكن مثل تأويل معاوية في أن يقتص من قتلة عثمان قبل البيعة لعلي فهذا يعذر لانه ليس فيه احالة شئ من الدين وانما هو خطأ خاص في قصة بعينها لا تتعدى، ومن قام لعرض دنيا فقط كما فعل يزيد بن معاوية.
ومروان بن الحكم.
وعبد الملك بن مروان في القيام على ابن الزبير، وكما فعل مروان بن محمد في القيام على يزيد بن الوليد وكمن قام أيضا عن مروان، فهؤلاء لا يعدرون لانهم لا تأويل لهم أصلا وهو بغي مجرد * وأما من دعا إلى أمر بمعروف أو نهي عن منكر واظهار القرآن والسنن والحكم بالعدل فليس باغيا بل الباغي من خالفه وبالله تعالى التوفيق، وهكذا إذا أريد بظلم فمنع من نفسه سواء اراده الامام أو غيره وهذا مكان اختلف الناس فيه فقالت طائفة: ان السلطان في هذا بخلاف غيره ولا يحارب السلطان وان أراد ظلما كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني ان رجالا سألوا ابن سيرين فقالوا أتينا الحرورية زمان كذا وكذا لا يسألون عن شئ غير انهم يقتلون من لقوا فقال ابن سيرين: ما علمت ان أحدا كان يتحرج من قتل هؤلاء تأثما ولا من قتل من أراد قتالك الا السلطان فان للسلطان نحوا وخالفهم آخرون فقالوا: السلطان وغيره سواء كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال.
أرسل معاوية بن أبي سفيان إلى عامل له أن يأخذ(11/98)
الوهط (1) فبلغ ذلك عبد الله بن عمرو بن العاص فلبس سلاحه هو ومواليه وغلمته وقال: اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول: من قتل دون ماله مظلوما فهو شهيد) * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار قال ان عبد الله بن عمرو بن العاص تيسر للقتال دون الوهط ثم قال.
ما لي لا اقاتل دونه وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من قتل دون ماله فهو شهيد: قال ابن جريج: وأخبرني سليمان الاحول ان ثابتا مولى عمر بن عبد الرحمن اخبره قال: لما كان بين عبد الله بن عمرو بن العاص وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان وتيسروا للقتال ركب خالد بن العاص - هو ابن هشام بن المغيرة المخزومي - إلى عبد الله بن عمرو فوعظه فقال له عبد الله بن عمرو بن العاص: أما علمت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قتل على ماله فهو شهيد " * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص بقية الصحابة وبحضرة سائرهم رضي الله عنهم يريد قتال عنبسة بن أبي سفيان عامل أخيه معاوية أمير المؤمنين إذ أمره بقبض الوهط ورأى عبد الله بن عمرو ان أخذه منه غير واجب وما كان معاوية رحمه الله ليأخذ ظلما صراحا لكن أراد ذلك بوجه تأوله بلا شك، ورأى عبد الله بن عمرو أن ذلك ليس بحق ولبس السلاح للقتال ولا مخالف له في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم، وهكذا جاء عن أبي حنيفة والشافعي.
وأبي سليمان.
وأصحابهم ان الخارجة على الامام إذا خرجت سئلوا عن خروجهم فان ذكروا مظلمة ظلموها أنصفوا والا دعوا إلى الفيئة فان فاؤا فلا شئ عليهم وان أبوا قوتلوا ولا نرى هذا الا قول مالك أيضا، فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن نرد ما اختلفوا فيه إلى ما افترض الله تعالى علينا الرد إليه إذ يقول تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) ففعلنا فلم نجد الله تعالى فرق في قتال الفئة الباغية على الاخرى بين سلطان وغيره بل أمر تعالى بقتال من بغى على أخيه المسلم عموما حتى يفئ إلى
أمر الله تعالى وما كان ربك نسيا، وكذلك قوله عليه السلام: " من قتل دون ماله فهو شهيد أيضا " عموم لم يخص معه سلطانا من غيره ولا فرق في قرآن ولا حديث ولا اجماع ولا قياس بين من أريد ماله أو أريد دمه أو أريد فرج امرأته أو أريد ذلك من جميع المسلمين وفي الاطلاق على هذا هلاك الدين وأهله، وهذا لا يحل بلا خلاف وبالله تعالى التوفيق.
__________
(1) الوهط ما كان لعمرو العاص *(11/99)
قال أبو محمد رحمه الله: ومن أسر من أهل البغي فان الناس قد اختلفوا فيه ايقتل أم لا؟ فقال بعض أصحاب أبي حنيفة: مادام القتال قائما فانه يقتل أسراهم فإذا انجلت الحرب فلا يقتل منهم أسير.
قال أبو محمد رحمه الله: واحتج هؤلاء بان عليا رضي الله عنه قتل ابن يثربي وقد أتى به أسيرا وقال الشافعي: لا يحل أن يقتل منهم أسير أصلا مادامت الحرب قائمة ولا بعد تمام الحرب وبهذا نقول.
برهان ذلك ان النبي صلى الله عليه وسلم قد صح عنه أنه قال: " لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث كفر بعد ايمان أو زنا بعد احصان أو نفس بنفس وأباح الله تعالى دم المحارب وأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم دم من حد في الخمر ثم شربها في الرابعة فكل من ورد نص باباحة دمه مباح الدم وكل من لم يبح الله تعالى دمه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم حرام الدم بقول الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " وأما احتجاجهم بفعل علي رضي الله عنه فلا حجة لهم فيه لوجوه، أحدها أنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني أنه لا يصح مسندا إلى علي رضي الله عنه، والثالث أنه لو صح لكان حجة عليهم لا لهم لان ذلك الخبر انما هو في ابن يثربي ارتجز يوم ذلك فقال: أنا لمن ينكرني ابن يثربي * قاتل عليا وهند الجمل ثم ابن صوحان على دين علي، فأسر فأتى به علي بن أبي طالب فقال له: استبقني فقال له
علي: أبعد اقرارك بقتل ثلاثة من المسلمين عليا وهندا وابن صوحان وأمر بضرب عنقه فانما قتله علي قودا بنص كلامه وهم لا يرون القود في مثل هذا فعاد احتجاجهم به حجة عليهم ولاح أنهم مخالفون لقول علي في ذلك ولفعله، والرابع انه قد صح عن علي النهي عن قتل الاسراء في الجمل وصفين على ما نذكر ان شاء الله تعالى فبطل تعلقهم بفعل علي في ذلك، وما نعلمهم شغبوا بشئ غير هذا، فان قالوا: قد كان قتله بلا خلاف مباحا قبل الاسار فهو على ذلك بعد الاسار حتى يمنع منه نص أو اجماع قلنا لهم: هذا باطل وماحل قتله قط قبل الاسار مطلقا لكن حل قتله مادام باغيا مدافعا فإذا لم يكن باغيا مدافعا حرم قتله وهو إذا أسر فليس حينئذ باغيا ولا مدافعا فدمه حرام، وكذلك لو ترك القتال وقعد مكانه ولم يدافع لحرم دمه وان لم يوسر وبالله تعالى التوفيق، وانما قال الله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) ولم يقل قاتلوا التي تبقي والقتال والمقاتلة فعل من فاعلين فانما حل قتال الباغي ومقاتلته ولم يحل قتله قط في غير المقاتلة والقتال فهذا نص القرآن وبالله تعالى التوفيق، فان قالوا(11/100)
نقيسه على المحارب قلنا: المحارب المقدور عليه يقتل ان رأى الامام ذلك قبل تمام الحرب وبعدها بلا خلاف في أن حكمه في كلا الامرين سواء، وأيضا فليس يختلف أحد في أن حكم الباغي غير حكم المحارب، وبالتفريق بين حكمها جاء القرآن * قال أبو محمد رحمه الله: واختلفوا أيضا في الاجهاز على جرحاهم والقول فيهم كالقول في الاسراء سواء لان الجريح إذا قدر عليه فهو أسير، وأما ما لم يقدر عليه وكان ممتنعا فهو باغ كسائر أصحابه، وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال قال علي بن أبي طالب: لا يذفف على جريح ولا يقتل أسير ولا يتبع مدبر، وكان لا يأخذ مالا لمقتول يقول: من اعترف شيئا فليأخذه * ومن طريق عبد الرزاق عن
يحيى بن العلاء عن جويبر قال: أخبرتني امرأة من بني أسد قالت: سمعت عمارا بعد ما فرغ علي من أصحاب الجمل ينادي لا تقتلن مدبرا ولا مقبلا.
ولا تذففوا على جريح ولا تدخلوا دارا ومن ألقى السلاح فهو آمن كالمأسور قد قدرنا أن نصلح بينه وبين المبغي عليه بالعدل وهو أن نمنعه من البغي بان نمسكه ولا ندعه يقاتل وكذلك الجريح إذا قدرنا عليه، ونص هذه الآية يقتضي تحريم دم الاسير ومن قدر عليه لان فيها ايجاب الاصلاح بينهما - نعني الباغي والمبغى عليه - ولا يجوز ان يصلح بين حي وميت وانما يصلح بين حيين فصح تحريم دم الاسير ومن قدر عليه من أهل البغي بيقين * واختلفوا هل يجوز اتباع مدبرهم؟ فقالت طائفة: لا يتبع المدبر منهم اصلا، وقال آخرون: أن كانوا تاركين للقتال جملة منصرفين إلى بيوتهم فلا يحل اتباعهم أصلا وأن كانوا منحازين إلى فئة أو لائذين بمعقل يمتنعون فيه أو زائلين عن الغالبين لهم من أهل العدل إلى مكان يأمنونهم فيه لمجئ الليل أو ببعد الشقة ثم يعودون إلى حالهم فيتبعون * قال أبو محمد رحمه الله: وبهذا نقول لانه نص القرآن لان الله تعالى افترض عليا قتالهم حتى يفيئوا إلى امر الله تعالى فإذا فاؤا حرم علينا قتلهم وقتالهم فهم إذا أدبروا تاركين لبغيهم راجعين إلى منازلهم أو متفرقين عما هم عليه فبتركهم البغي صاروا فائين إلى أمر الله فاذافاؤا إلى امر الله فقد حرم قتلهم وإذا حرم قتلهم فلا وجه لاتباعهم ولا شئ لنا عندهم حينئذ، وأما إذا كان أدبارهم ليتخلصوا من غلبة أهل الحق وهم باقون على بغيهم فقتالهم باق علينا بعد لانهم لم يفيئوا بعد إلى أمر الله تعالى، فان احتج محتج بما ناه عبد الله بن احمد الطلمنسكي نا احمد بن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت الرقي نا احمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا محمد بن معمر نا عبد الملك بن عبد العزيز(11/101)
انا كوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا ابن أم عبد هل تدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الامة؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال
لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيئها فان كوثر بن حكيم ساقط البتة متروك الحديث ولو صح لكان حجة لنا لان الهارب هو التارك لما هو فيه فاما المتخلص ليعود فليس هاربا وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: واختلفوا ايضا في قتال.
أهل البغي فقال بعض أصحاب الحديث: تقسم أموالهم وتخمس وبه قال الحسن بن حي أموال اللصوص المحاربين مغنومة مخمسة ما كان منها في عسكرهم، وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة: ما وجد في أيدي أهل البغي من السلاح والكراع فانه فئ يقسم ويخمس ولم ير ذلك في غير السلاح والكراع، وقال أبو حنيفة وسائر أصحابه: اما ما دامت الحرب قائمة فانه يستعان في قتالهم بما أخذ من سلاحهم وكراعهم خاصة فإذا تلف من ذلك شئ في حال الحرب فلا ضمان فيه فإذا وضعت الحرب أوزارها لم يوخذ شئ من أموالهم لا سلاح ولا كراع ولا غير ذلك يرد عليهم ما بقي مما قاتلوا به في الحرب من سلاحهم وكراعهم، وقال مالك.
والشافعي.
وأصحابنا: لا يحل لنا شئ من أموالهم لا سلاح ولا كراع ولا غير ذلك لا في حال الحرب ولا بعدها * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب ان ننظر في ذلك لنعلم الحق فنتبعه بعون الله تعالى فنظرنا فيما احتج به أبو حنيفة.
وأصحابه بان يستعمل سلاحهم وكراعهم مادامت الحرب قائمة فلم نجد لهم في ذلك حجة أصلا لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من قول صاحب ولا اجماع وما كان هكذا فهو باطل بلا شك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام " والسلاح والكراع مال من مالهم فهو محرم على غيرهم لكن الواجب أن يحال بينهم وبين كل ما يستعينون به على باطلهم لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) فصح بهذا يقينا أن تخليتهم يستعملون السلاح في دماء أهل العدل والكراع في قتالهم تعاون على الاثم والعدوان فهو محرم بنص القرآن، وصح أن الحيلولة بينهم وبين السلاح
والكراع في حال البغي تعاون على البر والتقوى، وأما استعماله فلا يحل لما ذكرنا الا ان يضطر إليه فيجوز حينئذ ومن اضطر إلى الدفاع عن نفسه بحق ففرض عليه ان يدفع الظلم عن نفسه وعن غيره بما أمكنه من سلاح نفسه أو سلاح غيره فان لم يفعل فهو ملق(11/102)
بيده إلى التهلكة وهذا حرام عليه فسقط قول أبي حنيفة وأصحابه، ثم نظرنا في قول أبي يوسف فلم نجد لهم شبهة الا خبرا رواه فطر بن خليفة عن محمد بن الحنفية أن عليا قسم يوم الجمل فيهم بين أصحابه ما قوتل به من الكراع والسلاح وهذا خبر فاسد لان فطرا ضعيف.
وذكروا أيضا ما كتب به إلى يوسف بن عبد البر النمري قال نا احمد بن محمد بن الجسور نا محمد بن عيسى بن رفاعة الخولاني نا بكر بن سهل نا نعيم بن حماد نا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي البختري.
والشعبي.
وأصحاب علي عن علي أنه لما ظهر على أصحاب الجمل بالبصرة يوم الجمل جعل لهم ما في عسكر القوم من السلاح فقالوا كيف تحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم ولا نساؤهم قال هاتوا سهامكم فأقرعوا على عائشة فقالوا نستغفر الله فخصمهم علي رضي الله عنه وعرفهم انها إذا لم تحل لم يحل بنوها وهذا ايضا اثره ضعيف ومداره على نعيم بن حماد وهو الذي روى باسناد أحسن من هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم " تفترق امتي على بضع وسبعين فرقة أشدها فتنة على امتي قوم يقيسون الامور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال فان أجازوه هنا فليجيزوه هناك، ثم لو صح لم يكن لهم فيه حجة لانه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم قولة لعلي رضي الله عنه قد خالفوها بآرائهم، ثم نظرنا فيما ذهب إليه الحسن بن حيي فلم نجد لهم علقة الا من طريق عبد الرزاق عن ابن عيينة عن أصحابه عن حكيم ابن جبير عن عصمة الاسدي قال: بهش الناس إلى علي فقالوا: أقسم بيننا نساءهم وذراريهم فقال علي عنتني الرجال فعنيتها وهذه ذرية قوم مسلمين في دارهم لا سبيل لكم عليهم ما اوت الدار من مال فهو لهم وما أجلبوا به عليكم في عسكرهم فهو لكم مغنم *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا خبر في غاية الفساد لان ابن عيينة رحمه الله رواه عن أصحابه الذين لا يدري من هم، ثم عن حكيم بن جبير وهو هالك كذاب فلم يبق الا من قال ان جميع اموالهم مخمسة مغنومة، وقول من قال: لا يحل منها شئ فنظرنا في تلك فوجدناهم يحتجون بما نابه حمام بن احمد قال نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك ابن ايمن نا أحمد بن زهير بن حرب نا عفان بن مسلم نا محمد بن ميمون نا محمد بن سيرين عن أخيه معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: " قال يخرج ناس من قبل المشرق يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه سيماهم التحليق والتسبيد " ومن طريق مسلم نى محمد بن المثنى نا محمد بن أبي عدي عن(11/103)
سليمان - هو الاعمش - عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قوما يكونون في أمته يخرحون في فرقة من الناس سيماهم التحالق وهم شر الخلق أو من شر الخلق تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق " وذكر باقي الخبر قالوا: وقد قال الله تعالى: (ان الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها اولئك هم شر البرية ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) قالوا: فمن الباطل المتيقن ان يكونوا مسلمين ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: انهم شر الخلق أو من شر الخلق، فالخلق والبرية سواء، قالوا: فإذ هم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم من شر الخلق وقد مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه أبدا فهم بيقين من المشركين الذين قال الله تعالى: انهم شر البرية لا من الذين آمنوا الذين شهد الله تعالى لهم انهم من خير البرية فأموالهم مغنومة مخمسة كأموال الكفار * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا قول صحيح واحتجاج صادق الا انه مجمل غير مرتب
والصحيح من هذا هو جمع الايات والاحاديث فمن خرج بتأويل هو فيه مخطئ لم يخالف فيه الاجماع ولا قصد فيه خلاف القرآن وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتعمد خلافهما أو يعند عنهما بعد قيام الحجة عليه أو خرج طالبا غلبة في دنيا ولم يخف طريقا ولا سفك الدم جذافا ولا اخذ المال ظلما فهذا هو الباغي الذي يصلح بينه وبين من بغى عليه على ما في آية البغاة وعلى ما قال عليه السلام من خروج المارقة بين الطائفتين من امته، احداهما باغية وهي التي تقتل عمارا والاخرى اولى بالحق وحمد عليه السلام من اصلح بينهما كما روينا من طريق البخاري نا صدقة نا ابن عيينة نا ابو موسى عن الحسن سمع ابا بكرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة واليه مرة ويقول: ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين، فان زاد الامر حتى يخيفوا السبيل ويأخذوا مال المسلمين غلبة بلا تأويل أو يسفكوا دما كذلك فهؤلاء محاربون لهم حكم المحاربة فان زاد الامر حتى يخرقوا الاجماع فهم مرتدون تغنم اموالهم كلها حينئذ وتخمس وتقسم وبالله تعالى التوفيق، ولا يحل مال المحارب ولا مال الباغي ولا شئ منه لانهما وان ظلما فهما مسلمان ولا يحل شئ من مال المسلم الا بحق وقد يحل دمه ولا يحل ماله كالزاني المحصن والقاتل عمدا وقد يحل ماله ولا يحل دمه كالغاصب ونحو ذلك وانما يتبع النص فما احل الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام من دم أو مال حل وما(11/104)
حرما من دم أو مال فهو حرام والاصل في ذلك التحريم حتى يأتي الحلال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " وبالله تعالى التوفيق * 2155 مسألة ما أصابه الباغي من دم أو مال اختلف الناس فيما أصابوه في حال القتال من دم أو مال أو فرج فقال أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وبعض اصحابنا: لا يؤاخذون بشئ من ذلك ولا قود في الدماء ولا دية ولا ضمان فيما اتلفوه
من الاموال الا أن يوجد بأيديهم شئ قائم مما أخذوه فيرد إلى أصحابه، وقال الاوزاعي ان كانت الفئتان إحداهما باغية والاخرى عادلة في سواد العامة فامام الجماعة المصلح بينهما يأخذ من الباغية على الاخرى ما أصابت منها بالقصاص في القتلى والجراحة كما كان أمر تينك الفئتين اللتين نزل فيهما القرآن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والى الولاة * قال أبو محمد رحمه الله: وقال بعض أصحابنا: القصاص عليهم وضمان ما أتلفوا كغيرهم فلما اختلفوا وجب أن ننظر في ذلك لنعم الحق فنتبعه بمن الله تعالى وطوله فوجدنا من قال: لا يؤاخذون بشئ يحتجون من طريق عبد الرزاق عن معمر اخبرني الزهري ان سليمان بن هشام كتب إليه يسأله عن امرأة خرجت من عند زوجها وشهدت على قومها بالشرك ولحقت بالحرورية فتزوجت فيهم ثم انها رجعت إلى قومها ثانية فكتب إليه أما بعد فان الفتنة الاولى ثارت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا كثير فاجتمع رأيهم على ان لا يقيموا على احد حدا في فرج استحلوه بتأويل القرآن الا ان يوجد شئ بعينه فيرد إلى صاحبه واني أرى ان ترد إلى زوجها وان يحد من افترى عليها * ومن طريق ابي بكر بن ابي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن معمر عن الزهري قال هاجت ريح الفتنة واصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون فاجتمع رأيهم على انه لا يقاد ولا يودي ما اصيب على تأويل القرآن الا ما يوجد بعينه، وعن سعيد بن المسيب انه قال: إذا التفت الفئتان فما كان بينهما من دم أو جراحة فهو هدر ألا تسمع إلى قوله تعالى: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) الآية حتى فرغ منها، قال: فكل طائفة ترى الاخرى باغية.
قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم لهم شبهة غير هذا وهذا ليس بشئ لوجهين، احدهما انه منقطع لان الزهري رحمه الله لم يدرك تلك الفتنة ولا ولد الا بعدها ببضع عشرة سنة، والثاني انه لو صح كما قال لما كان هذا الا رأيا من بعض الصحابة لا نصا ولا اجماعا منهم ولا حجة في رأي بعضهم دون بعض وانما افترض الله تعالى علينا
اهل الاسلام اتباع القرآن وما صح عن النبي عليه السلام أو ما أجمعت عليه الامة ولم(11/105)
يأمر الله تعالى قط باتباع ما أجمع عليه بعض أولى الامر منا وإذا وقعت تلك الفتنة فبلا شك ان الماضين بالموت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أكثر من الباقين ولقد كان اصحاب بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا وعدوا إذ مات عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فما وجد منهم في الحياة الا نحو مائة واحدة فقط فبطل التعلق بما رواه الزهري لو صح فكيف وهو لا يصح أصلا.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال أخبرني غير واحد من عبد القيس عن حميد بن هلال عن أبيه قال: لقد اتيت الخوارج وانهم لاحب قوم على وجه الارض الي فلم ازل فيهم حتى اختلفوا فقيل لعلي بن ابي طالب قاتلهم فقال لا حتى يقتلوا فمر بهم رجل استنكروا هيئته فثاروا إليه فإذا هو عبد الله ابن خباب فقالوا: حدثنا ما سمعت اباك يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: سمعته يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي والساعي في النار " قال: فاخذوه وأم ولده فذبحوهما جميعا على شط النهر فلقد رأيت دماهما في النهر كأنهما شراكان فأخبر بذلك علي بن أبي طالب فقال: أقيدوني من ابن خباب قالوا: كلنا قتلناه فحينئذ استحل قتالهم فقتلهم * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا أثر أصح من اثر الزهري أو مثله بان علي بن أبي طالب رأى القود على الخوارج فيمن قتلوه بتأويل القرآن بخلاف ما ذكر الزهري من اجماعهم فصح الخلاف في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم وبلا شك ندري أن القائلين من الصحابة رضي الله عنهم لابي بكر الصديق أن لا يقاتل أهل الردة اكثر عددا وأتم فضلا من الذين ذكر الزهري عنه انه اجماع لا يصح على ان لا يؤخذ أحد بدم أصابه على تأويل القرآن لا بقود ولا بدية وان لا يضمن احد ما لا اصابه على تأويل القرآن ولم يكن قولهم ذلك حجة يسوغ الاخذ بمثل ما قالوا: وانما رجع الامر فيما ذكر الزهري
اجماعا إلى حكم الوالي ولم يكن الا عليا والاشهر عنها إيجاب القود كما ذكرنا أو معاوية وانما كان الحق في ذلك بيد علي لا بيده وانما كان معاوية مجتهدا مخطئا مأجورا فقط وبالله تعالى التوفيق * وأما احتجاج ابن المسيب بان كل طائفة ترى الاخرى باغية فليس بشئ لان الله تعالى لم يكلنا إلى رأي الطائفتين لكن أمر من صح عنه بغى احداهما بقتال الباغية ولو كان ما قاله سعيد رحمه الله لما كانت احداهما أولى بالمقاتلة من الاخرى ولبطلت الآية وهذا لا يجوز *(11/106)
قال أبو محمد رحمه الله: والقول عندنا ان البغاة كما قدمنا في صدر كلامنا ثلاثة أصناف، صنف تأولوا تأويلا يخفى وجهه على كثير من اهل العلم كمن تعلق بآية خصتها أخرى أو بحديث قد خصه آخر أو نسخها نص آخر فهؤلاء كما قلنا معذورون حكمهم حكم الحاكم المجتهد يخطئ فيقتل مجتهدا أو يتلف مالا مجتهدا أو يقضي في فروج خطأ مجتهدا ولم تقم عليه الحجة في ذلك ففي الدم دية على بيت المال لا على الباغي ولا على عاقلته ويضمن المال كل من أتلفه ونسخ كل ما حكموا به ولا حد عليه في وطئ فرج جهل تحريمه ما لم يعلم بالتحريم، وهكذا ايضا من تأول تأويلا خرق به الاجماع بجهالة ولم تقم عليه الحجة ولا بلغته، وأما من تأول تأويلا فاسدا لا يعذر فيه لكن خرق الاجماع اي شئ كان ولم يتعلق بقرآن ولا سنة ولا قامت عليه الحجة وفهمها وتأول تأويلا يسوغ وقامت عليه الحجة وعند فعلى من قتل هكذا القود في النفس فما دونها والحد فيما أصاب بوطئ حرام وضمان ما استهلك من مال، وهكذا من قام في طلب دنيا مجردا بلا تأويل ولا يعذر هذا أصلا لانه عامد لما يدري انه حرام وبالله تعالى التوفيق، وهكذا من قام عصبية ولا فرق، وقد تكون الفئتان باغيتين إذا قامتا معا في باطل فإذا كان هكذا فالقود أيضا على القاتل من اي الطائفتين كان، وهكذا القول في المحاربين
يقتل بعضهم بعضا * قال أبو محمد رحمه الله: ونذكر البرهان في كل هذا فصلا فصلا، أما قولنا من لم تقم عليه الحجة فلا قود عليه ولا حد فلقول الله تعالى (لانذركم به) ومن بلغ فلا حجة الا على من بلغته الحجة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وجعفر بن ابي طالب ومن معه من افاضل الصحابة رضي الله عنهم بأرض الحبشة بينهم المهامه الفيح والبلاد البعيدة ولجة البحر والفرائض تنزل بالمدينة ولا تبلغهم الا بعد عام أو أعوام كثيرة وما لزمتهم ملامة عند الله تعالى ولا عند رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عند أحد من الامة فصح يقينا ان من جهل حكم شئ من الشريعة فهو غير مؤاخذ به الا في ضمان ما أتلف من مال فقط لانه استهلكه بغير حق فعليه متى علم ان يرده إلى صاحبه ان امكن وان لا يصر على ما فعل وهو يعلم، واما وجوب الدية في ذلك على بيت المال خاصة فلما ذكرناه في كتاب الدماء والقصاص لما رويناه من طريق ابي داود ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا ابن ابي ذئب نى سعيد هو ابن ابي سعيد المقبري قال سمعت ابا شريح الكعبي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انكم معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل واني عاقله فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين بين ان ياخذوا العقل وبين ان(11/107)
يقتلوا " وانما قتلوه متأولين يوم الفتح * واما من قامت عليه الحجة وبلغه حكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم وفهمه ولم يكن عنده الا العناد والتعلق إما بتقليد مجرد أو برأي مفرد أو بقياس فليس معذورا وعليه القود أو الدية وضمان ما اتلف والحد في الفرج لقول الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وهؤلاء مغتدون بلا شك فعليهم مثل ما اعتدوا به وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: وأما من قتلوه فقد قال قوم: أنه شهيد فلا يغسل ولا يصلى عليه لكن يدفن كما هو: وقال آخرون بل يغسل ويكفن ويصلى عليه: وبهذا
نأخذ لانهم وإن كانوا شهداء كما روينا من طريق احمد بن شعيب أنا عمرو بن علي نا عبد الرحمن بن مهدي نا ابراهيم بن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبيد الله بن عوف عن سعيد بن زيذ ابن عمرو بن نفيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل دونه ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد " ومن طريق احمد بن شعيب اخبرني محمد بن رافع.
ومحمد بن اسمعيل بن ابراهيم قالا: نا سليمان - هو ابن داود - الهاشمي نا ابراهيم - هو ابن سعد - عن أبيه عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبيد الله ابن عوف عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد " * ومن طريق احمد بن شعيب يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم " ومن قتل دون مظلمته فهو شهيد " * قال أبو محمد رحمه الله: فصح أن من قتله البغاة فانما قتل على أحد هذه الوجوه فهو في ظاهر الامر شهيد.
وليس كل شهيد يدفن دون غسل ولا صلاة.
وقد صح أن المبطون شهيد والمطعون شهيد والغريق شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد والمرأة تموت بجمع شهيد وصاحب الهدم شهيد وكل هؤلاء لا خلاف في أنهم يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم، والاصل في كل مسلم أن يغسل ويكفن ويصلى عليه إلا من خصه نص أو إجماع ولانص ولا اجماع إلا فيمن قتله الكفار في المعترك ومات في مصرعه فهؤلاء هم الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزملوا بدمائهم في ثيابهم ويدفنوا كما هم دون غسل ولا تكفين ولا يجب فرضا عليهم صلاة فبقي سائر الشهداء والموتى على حكم الاسلام في الغسل والتكفين والصلاة وبالله تعالى التوفيق * 2156 مسألة هل للعادل أن يعمد قتل أبيه الباغي أم لا؟ * قال أبو محمد رحمه الله: قال قائلون: لا يحل لمن كان من أهل العدل قتل أبيه أو(11/108)
أخيه أو ذي رحم من أهل البغي عمدا لكن إن ضربه ليصير بذلك غير ممتنع من أخذ الحق منه فلا حرج عليه في ذلك * قال أبو محمد رحمه الله: ولسنا نقول بهذا فان بر الوالدين وصلة الرحم انما أمر الله تعالى بهما ما لم يكن في ذلك معصية لله تعالى وإلا فلا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لاطاعة لاحد في معصية الله تعالى " وقد أمر الله تعالى بقتال الفئة الباغية ولم يخص بذلك ابنا من أجنبي وأمر باقلمة الحدود كذلك قال الله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) الآية.
(إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين) إلى قوله تعالى (ومن يتولهم فاولئك هم الظالمون) وقال تعالى: (لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) الآية، وقتال أهل البغي قتال في الدين إلا أننا لا نختار أن يعمد المرء إلى أبيه خاصة أو جده مادام يجد غيرهما فان لم يفعل فلا حرج، وهكذا القول في إقامة الحد عليهما وعلى الام والجدة في القتل والقطع والقصاص والجلد ولافرق: فأما إذا رأى العادل أباه الباغي أو جده يقصد إلى مسلم يريد قتله أو ظلمه ففرض على الابن حينئذ أن لا يشتغل بغيره عنه وفرض عليه دفعه عن المسلم بأي وجه أمكنه وإن كان في ذلك قتل الاب والجد والام، برهان ذلك ما رويناه من طريق البخاري نا سعيد بن الربيع نا شعبة عن الاشعث ابن سليم قال: سمعت معاوية بن سويد بن مقرن يقول: سمعت البراء بن عازب قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع فذكر عيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس ورد السلام ونصر المظلوم وإجابة الداعي وابرار المقسم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " انصر أخاك ظالما أو مظلوما قيل يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تمنعه تأخذ فوق يده " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه " فهذا أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لا يسلم المرء أخاه المسلم لظلم ظالم وان يأخذ فوق يد كل ظالم وان ينصر كل مظلوم فإذا رأى المسلم اباه الباغي أو ذا رحمه كذلك يريد ظلم مسلم أو ذمي ففرض عليه منعه من ذلك بكل مالا يقدر على منعه الا به من قتال أو قتل فما دون ذلك
على عموم هذه الاحاديث، وانما افترض الله تعالى الاحسان إلى الابوين وان لا ينهرا وأن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة فيما ليس فيه معصية الله تعالى فقط، وهكذا نقول انه لا يحل لمسلم له اب كافر أو ام كافرة ان يهديهما إلى طريق الكنيسة ولا ان يحملهما إليها، ولا أن يأخذ لهما قربانا ولا ان يسعى لهما في خمر لشريعتهما الفاسدة، ولا ان يعينهما على شئ من معاصي الله تعالى من زنا، أو سرقة، أو غير ذلك وان لا يدعه يفعل شيئا من ذلك وهو قادر على منعه قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا(11/109)
على الاثم والعدوان) وهذه وصية جامعة لكل خير في العالم * قال أبو محمد رحمه الله: وأما الفئتان الباغيتان معا فلا يحل للمسلمين الا منعهما وقتالهما جميعا لان كل واحدة منهما باغية على الاخرى فمن عجز عن ذلك وسعته البقية، وان يلزم منزله.
ومسجده.
ومعاشه ولا مزيد، وكلاهما لا يدعو إلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم نى عمرو الناقد نا سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: سمعت ابا هريرة يقول قال ابو القاسم صلى الله عليه وسلم: " من اشار إلى اخيه بحديدة فان الملائكة تلعنه، وحتى ان كان اخاه لابيه وامه " * ومن طريق مسلم نا محمد بن رافع نا عبد الرزاق نا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما نا ابو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فانه لا يدري احدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار " ومن طريق احمد بن شعيب انا محمود بن غيلان نا ابو داود الطيالسي عن شعبة أخبرني منصور - هو ابن المعتمر - قال: سمعت ربعيا - هو ابن حراش - يحدث عن ابي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أشار المسلم على اخيه بالسلاح فهما على حرف جهنم فإذا قتله خرا فيها جميعا " فهذه صفة الطائفتين إذا كانتا باغيتين ولا يمكن أن تكونا معا عادلتين، ونسأل الله تعالى العافية، وإنما قلنا أن يقاد للباغي إذا قوتل ليفئ
إلى امر الله فقط ولم نحله بغير هذا الوجه فمن قتل باغيا ليفئ إلى امر الله تعالى فقد قتله كما امره الله تعالى وكذلك لو قطع له عضوا في الحرب أو عقر تحته فرسا أو أفسد له لباسا في المضاربة فلا ضمان في شئ من ذلك لانه فعل كل ذلك كما امره الله تعالى ومن فعل كما امره الله تعالى فقد احسن، ومن أحسن فلا شئ عليه لقوله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) * 2157 مسألة احكام أهل البغي اختلف الناس في احكام أهل البغي فقال ابو حنيفة وأصحابه حاش الطحاوي انه ما حكم به قاضي أهل البغي فلا يجوز لقاضي اهل العدل ان يجيز ذلك ولا ان يقبل كتابه قالوا: وما أخذوه من صدقة فلا يأخذها الامام ثانيا لكن الافضل لمن أخذوها منه ان يؤديها مرة أخرى قالوا: وأما من مر عليهم من التجار فعشروه فان الامام يأخذه ثانية من التجار، وقال الشافعي: ينفذ كل قضية قضوها إذا وافقت الحق ويجري ما أخذوه من الزكاة وما اقاموا من الحدود وهو قول مالك، وقال ابو سليمان.
وأصحابنا لا ينفذ شئ من قضاياهم ولا بد من اعادتها ولا يجزي ما أخذوه من الصدقات ولا ما أقاموا من الحدود ولا بد من أخذ الصدقات ومن(11/110)
اقامة الحدود ثانية * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق فنتبعه بعون الله تعالى فنظرنا في قول ابي حنيفة فوجدناهم يحتجون بان قالوا: ان أخذ الصدقات انما جاء التضييع من قبل الامام فقد يجب عليه دفعهم، وأما من مر عليهم فقد عرض ماله للتلف * قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم لهم شبهة غير هذا وهذا لا شئ لانه لم يأت نص ولا اجماع بان تضييع الامام يسقط الحقوق الواجبات لله تعالى، وأيضا فكما أخذوا العشر ثانية ممن جعلوا ذنبه انه عرض ماله للتلف فكذلك يلزمهم ان يأخذوا الزكاة
ثانية ويجعلوا ذنب أهلها انهم عرضوا اموالهم للنلف فقد كان يمكنهم الهرب عن موضع البغاة أو يعذروا المعشرين * ثم نظرنا فيما احتج به مالك.
والشافعي فوجدناهم يقولون: انهم إذا حكموا بالحق كما امر الله تعالى وإذا اخذوا الزكاة كما امر الله تعالى وأقاموا الحدود كما أمر الله تعالى فقد تأدى كل ذلك كما امر الله تعالى وإذا تأدى كما امر الله تعالى فلا يجوز ان يقام ذلك على اهله ثانية فيكون ذلك ظلما * وقال بعضهم كما لا يؤاخذون بما اصابوا من دم أو مال فكذلك لا يؤاخذون هم ولا غيرهم بما حكموا أو أقاموا من حد أو أخذوا من مال صدقة أو غيرها بحق أو بباطل ولا فرق * قال ابو محمد رحمه الله: وهذا كله ليس كما قالوا وذلك اننا نسألهم فنقول لهم: ماذا تقولون: إذا كان الامام حاضرا ممكنا عدلا أيحل ان ياخذ صدقة دونه أو يقيم حدا دونه أو يحكم بين اثنين دونه ام لا يحل ذلك؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث، فان قالوا: هذا كله مباح خرقوا الاجماع وتركوا قولهم وأبطلوا الامانة التي افترضها الله تعالى وأوجبوا ان لا حاجة بالناس إلى امام وهذا خلاف الاجماع والنص، وان قالوا: بل لا يحل أخذ شئ من ذلك كله مادام الامام قائما فقد صح انه لا يحل أن يكون حاكما الا من ولاه الامام الحكم ولا أن يكون آخذا للحدود الا من ولاه الامام ذلك ولا أن يكون مصدقا الا من ولاه الامام اخذها فإذ ذلك كذلك فكل من أقام حدا أو أخذ صدقة أو قضى قضية وليس ممن جعل الله ذلك له بتقديم الامام فلم يحكم كما امره الله تعالى ولا اقام الحد كما امره الله تعالى ولا أخذ الصدقة كما امره الله تعالى فإذ لم يفعل دلك كما أمر فلم يفعل شيئا من ذلك بحق واذ لم يفعل ذلك بحق فانما فعله بباطل واذ فعله بباطل فقد تعدى، وقال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه آمرنا فهو رد " فإذ هو ظلم فالظلم لا حكم(11/111)
له إلا رده ونقضه فصح من هذا ان كل من أخذ منهم صدقة فعليه ردها لانه أخذها
بغير حق فهو متعد فعليه ضمان ما أخذ الا ان يوصله إلى الاصناف المذكورة في القرآن فإذا اوصلها إليهم فقد تأدت الزكاة إلى اهلها وبالله تعالى التوفيق، وصح من هذا ان كل حد أقاموه فهو مظلمة لا يعتد به وتعاد الحدود ثانية ولا بد وتؤخذ الدية من مال من قتلوه قودا وأن يفسخ كل حكم حكموه ولابد ويبين ما قلناه نصا ما روينا من طريق مسلم محمد بن نمير نا عبد الله - هو ابن أدريس - نا ابن عجلان ويحى بن سعيد الانصاري وعبيدالله بن عمر كلهم عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره.
وعلى اثرة علينا.
وأن لا ننازع الامر أهله وعلى أن نقول بالحق اين ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم * ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن نافع ثنا غندر ثنا شعبة عن زياد بن علاقة قال: سمعت عرفجة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه سيكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الامة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان " * قال أبو محمد رحمه الله: فصح أن لهذا الامر أهلا لا يحل لاحد أن ينازعهم إياه.
وأن تفريق هذه الامة بعد اجتماعها لا يحل فصح أن المنازعين في الملك والرياسة مريدون تفريق جماعة هذه الامة، وأنهم منازعون أهل الامر أمرهم فهم عصاة بكل ذلك فصح أن أهل البغي عصاة في منازعتهم الامام الواجب الطاعة وإذ هم فيه عصاة فكل حكم حكموه مما هو إلى امام وكل زكاة قبضوها مما قبضها إلى الامام وكل حد أقاموه مما إقامته إلى الامام فكل ذلك منهم ظلم وعدوان، ومن الباطل أن تنوب معصية الله تعالى عن طاعته، وأن يجزى الظلم عن العدل.
وأن يقوم الباطل مقام الحق.
وأن يغنى العدوان عن الانصاف فصح ما قلناه نصا ووجب رد كل ما عملوا من ذلك لقول النبي عليه السلام: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد فان لم يكن للناس امام ممكن فقد قلنا أن كل من قام بالحق حينئذ فهو نافذ فالبغاة إن كانوا مسلمين فكل ما فعلوه في ذل فهو نافذ، وأما ان كانوا
كفارا فلا ينفذ من حكم الكافر في دين الله تعالى شئ أصلا، وبالله تعالى التوفيق * 2158 مسألة هل يستعان على اهل البغي بأهل الحرب أو باهل الذمة أو بأهل بغي آخرين * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: لا يجوز أن يستعان عليهم بحربي ولا بذمي ولا بمن يستحل قتالهم، مدبرين وهذا قول الشافعي(11/112)
رضي الله عنه، وقال أصحاب أبي حنيفة: لا باس بان يستعان عليهم باهل الحرب وباهل الذمة وبامثالهم من أهل البغي، وقد ذكرنا هدا في كتاب الجهاد من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا لا نستعين بمشرك، وهذا عموم مانع من أن يستعان به في ولاية أو قتال أو شئ من الاشياء إلا ما صح الاجماع على جواز الاستعانة به فيه كخدمة الدابة أو الاستئجار.
أو قضاء الحاجة ونحو ذلك مما لا يخرجون فيه عن الصغار، والمشرك اسم يقع على الذمي والحربي * قال أبو محمد رحمه الله: هذا عندنا مادام في أهل العدل منعة فان أشفوا على الهلكة واضطروا ولم تكن لهم حيلة فلا بأس بان يلجئوا إلى اهل الحرب وأن يمتنعوا باهل الذمة ما أيقنوا أنهم في استنصارهم لا يؤذون مسلما ولا ذميا في دم أو مال أو حرمة مما لا يحل * برهان ذلك قول الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) وهذا عموم لكل من اضطر إليه إلا ما منع منه نص أو اجماع، فان علم المسلم واحدا كان أو جماعة أن من استنصر به من أهل الحرب أو الذمة يؤذون مسلما أو ذميا فيما لا يحل فحرام عليه أن يستعين بهما وان هلك، لكن يصبر لامر الله تعالى وان تلفت نفسه وأهله وماله أو يقاتل حتى يموت شهيدا كريما، فالموت لابد منه ولا يتعدى أحد أجله، برهان هذا أنه لا يحل لاحد ان يدفع ظلما عن نفسه بظلم يوصله إلى غيره، هذا ما لا خلاف فيه * وأما الاستعانة عليهم ببغاة أمثالهم فقد منع من ذلك قوم واحتجوا
بقول الله تعالى: (وما كنت متخذ المضلين عضدا) وأجازه آخرون وبه نأخذ لاننا لا نتخذهم عضدا ومعاذ الله ولكم نضربهم بامثالهم صيانة لاهل العدل كما قال الله تعالى: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا) وان أمكننا ان نضرب بين أهل الحرب من الكفار حتى يقاتل بعضهم بعضا ويدخل إليهم من المسلمين من يتوصل بهم إلى أذى غيرهم فذلك حسن، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله ينصر هذا الدين بقوم لا خلاق لهم " كما حدثنا عبد الله ابن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب اخبرني عمران بن بكار بن راشد ثنا ابو اليمان أنا شعيب - هو ابن أبي حمزة - عن الزهري اخبرني سعيد بن المسيب ان ابا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " وحدثنا عبد الله ابن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أنا محمد بن سهل بن عسكر ثنا عبد الرزاق أنا رياح بن زيد عن معمر بن راشد عن أيوب السختياني عن ابي قلابة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله ليؤيد هذا الدين باقوام لا خلاق لهم " * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا يبيح الاستعانة على اهل الحرب بأمثالهم وعلى أهل(11/113)
البغي بامثالهم من المسلمين الفجار الذين لا خلاق لهم، وأيضا فان الفاسق مفترض عليه من الجهاد ومن دفع اهل البغي كالذي افترض على المؤمن الفاضل فلا يحل منعهم من ذلك، بل الغرض أن يدعوا إلى ذلك، وبالله تعالى التوفيق * 2159 مسألة قال ابو محمد رحمه الله: ولو أن رجلا من اهل العدل قتل في الحرب رجلا من اهل العدل، ثم قال: حسبته من أهل البغي فان كان ما يقول ممكنا فالقول قوله مع يمينه ثم يضمن ديته في ماله لانه لم يقتله خطأ بل قتله عمدا قصدا إلى قتله إلا انه لم يعلم انه حرام الدم فلذلك لم يقد منه، وإن لم يمكن ما قال فعليه القود أو الدية باحتيار اولياء المقتول، وهكذا القول سواء سواء إذا قتله في أرض الحرب ولا فرق، وكذلك لو رجع الينا بعض اهل البغي تائبا فقتله رجل من اهل العدل وقال: اني ظننته دخل ليطلب
غرة فان نكل هؤلاء عن اليمين حبسوا حتى يحلفوا ولابد لان اليمين قد وجبت عليهم ولا قود أصلا لانه لم يثبت عليهم ما يوجب الوقد من التعمد وهم عالمون، وقال ابو حنيفة وأصحابه: إذا كانت جماعة من أهل العدل والسنة في عسكر الخوارج وأهل البغي فقتل بعضهم بعضا عمدا.
وجرح بعضهم بعضا عمدا، وأخذ بعضهم مال بعض عمدا فلا شئ في ذلك لا قود ولادية غلب اهل الجماعة والامام العدل عليهم بعد ذلك أو لم يغلبوا * قال أبو محمد رحمه الله: ما لهذا القول جواب إلا أنه حكم ابليس، ووالله ما ندري كيف انشرحت نفس مسلم لاعتقاد هذا القول المعاند لله تعالى ولرسوله عليه السلام، أو كيف انطلق لسان مؤمن يدري أن الله تعالى أمره ونهاه بهذا القول السخيف، ونسأل الله تعالى عافية كاملة كأن أصحاب هذا القول لم يسمعوا ما أنزل الله تعالى من وجوب القصاص في النفوس والجراح ومن تحريم الاموال في القرآن وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا قول ما نعلم فيه لابي حنيفة سلفا لا من صاحب ولا من تابع، ونبرأ إلى الله تعالى من هذا القول فانما موهوا بما روي من حديث عبيدالله بن عمر كما ثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وذكر قتل عمر قال: فاخبرني سعيد بن المسيب ان عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ولم نجرب عليه كذبة قط، قال حين قتل عمر بن الخطاب انتهيت إلى الهرمزان.
وجفينة.
وأبي لؤلؤة وهم بحي فتبعتهم فثاروا وسقط من بينهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه * وقال عبد الرحمن فانظروا بما قتل به عمر فوجدوه خنجرا على النعت الذي نعت عبد الرحمن فخرج عبيدالله بن عمر بن الخطاب مشتملا على السيف حتى أتى الهرمزان فقال اصحبني(11/114)
ننظر إلى فرس لي وكان الهرمزان بصيرا بالخيل فخرج بين يديه فعلاه عبيد الله بالسيف فلما وجد حد السيف قال: لا إله إلا الله فقتله، ثم أتى جفينة - وكان
نصرانيا - فلما اشرف له علاه بالسيف فضربه فصلب ما بين عينيه، ثم أتى ابنة أبي لؤلؤة جارية صغيرة تدعى الاسلام فقتلها فاظلمت الارض يومئذ على أهلها، ثم أقبل بالسيف صلتا في يده وهو يقول والله لا أترك في المدينة سبيا الا قتلته وغيرهم كأنه يعرض بناس من المهاجرين فجعلوا يقولون له: ألق السيف فابى ويهابونه أن يقربوا منه حتى أتاه عمرو بن العاصي فقال: أعطني السيف يابن اخي فاعطاه إياه ثم ثار إليه عثمان فاخذ برأسه فتناصبا حتى حجز الناس بينهما، فلما ولى عثمان قال: أشيروا علي في هذا الرجل الذي فتق في الاسلام ما فتق - يعني عبيد الله بن عمر - فاشار عليه المهاجرون أن يقتله وقال جماعة من الناس قتل عمر بالامس وتريدون أن تتبعوه ابنه اليوم أبعد الله الهرمزان.
وجفينة فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين ان الله قد أعفاك أن يكون هذا الامر ولك على الناس من سلطان انما كان هذا الامر ولا سلطان لك فاصفح عنه يا أمير المؤمنين قال: فتفرق الناس على خطبة عمرو وودى عثمان الرجلين والجارية، قال الزهري: واخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أباه قال: فيرحم الله حفصة أن كانت لمن شيع عبيد الله على قتل الهرمزان.
وجفينة: قال معمر: قال غير الزهري: قال عثمان أنا ولي الهرمزان.
وجفينة.
والجارية واني قد جعلتها دية * قال أبو محمد رحمه الله: وقد روينا عن احمد بن محمد عن احمد بن الفضل عن محمد ابن جرير باسناد لا يحضرني الآن ذكره ان عثمان أقاد ولد الهرمزان من عبيد الله بن عمر ابن الخطاب وأن ولد الهرمزان عفا عنه * قال أبو محمد رحمه الله: وأي ذلك كان فلا حجة لهم في شئ منه لان عبيد الله بن عمر لم يقتل من قتل في عسكر اهل البغي ولا في وقت كان فيه باغ من المسلمين على وجه الارض يعرف في دار الهجرة ومحلة الجماعة وصحة الالفة وفي أفضل عصابة وأعدلها، وهذا خلاف قولهم في المسألة التي تحن فيها من قتل في عسكر أهل البغي وهم لا يقولون باهدار القود عمن قتل في الجماعة بين موت إمام وولاية آخر فقد خالفوا عثمان ومن
معه في هذه القصة، وأيضا فان في هذا الخبر أن عثمان جلعها دية، وهذا خلاف قولهم لانهم لا يرون في ذلك دية، والواجب أن نحكم في كل ذلك كما نحكم في محلة الجماعة ولا فرق لان دين الله تعالى واحد في كل مكان وكل زمان وعلى كل لسان، وما خص الله تعالى بايجاب القود، وأخذ الحدود، وضمان الاموال، واقام الصلاة، وإيتاء(11/115)
الزكاة، وصوم رمضان، وسائر شرائع الاسلام مكانا دون مكان، ولا زمانا دون زمان ولا حالا دون حال، ولا أمة دون أمة، وبالله تعالى التوفيق * 2160 مسألة قال ابو محمد رحمه الله: ولو كان في الباغين غلاما لم يبلغ أو امرأة فقاتلا دوفعا فان أدى ذلك إلى قتلهما في حال المقاتلة فهما هدر لان فرضا على كل من اراده مريد بغير حق أن يدفع عن نفسه الضر كيف أمكنه ولا دية في ذلك ولا قود قال الله تعالى: (ولا تلقوا بايديكم إلى التهلكة) * قال أبو محمد رحمه الله: ولو أن اهل البغي سألوا النظرة حتى ينظروا في أمورهم فان لم يكن ذلك مكيدة فعليه أن ينظرهم مدة يمكن في مثلها النظر فقط وهذا مقدار الدعاء وبيان الحجة فقط، وأما ما زاد على ذلك فلا يجور لقول الله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما.
فان بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله)، فلم يفسح الله تعالى في ترك قتالهم الامدة الاصلاح فمن أبى قوتل، وأيضا فان فرضا على الامام انفاذ الحقوق عليهم وتأمين الناس من جميعهم وأن يأخذوهم بالافتراق إلى مصالح دينهم ودنياهم ومن قال غير هذا سألناه ماذا يقول: إن استنظروه يوما أو يومين أو ثلاثة، وهكذا نزيده ساعة ساعة، ويوما يوما حتى يبلغ ذلك إلى انقضاء اعمارهم، وفي هذا اهلاك الدين والدنيا والاشتغال بالتحفظ عنهم كما هو فرض عليه النظر فيه، فان حد في ذلك حدا من ثلاثة ايام أو غير ذلك كلف أن ياتي بالدليل على ذلك من القرآن أو من تحديد رسول الله
صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولا سبيل له إليه، فان ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاضى قريشا على أن يقيم بمكة ثلاثا، وجعل اجل المصراة ثلاثا.
وخيار المخدوع في البيع ثلاثا، وان الله تعالى اجل ثمود ثلاثة أيام قلنا لهم نعم: هذا حق، وقد جعل الله تعالى اجل المولى اربعة اشهر.
اجل المتوفى عنها زوجها في العدة اربعة اشهر وعشرا فما الذي جعل بعض هذه الاعذار اولى من بعض فكان ما حكم الله تعالى به فهو الحق، وكان ما أراده مريد ان يزيده في حكم الله تعالى برأيه وقياسه فهو الباطل، وبالله تعالى التوفيق * 2161 مسألة فان تحصن البغاة في حصن فيه النساء والصبيان فلا يحل قطع المير عنهم لكن يطلق لهم منه بمقدار ما يسع النساء والصبيان ومن لم يكن من أهل البغي فقط ويمنعون ما وراء ذلك، وجائز قتالهم بالمنجنيق والرمي ولا يحل قتالهم بنار تحرق من فيه من غير أهل البغي ولا بتغريق يغرقهم كذلك لقول الله تعالى: (ولا(11/116)
ثكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) وأما إذا لم يكن فيه إلا البغاة فقط ففرض أن يمنعوا الماء والطعام حتى ينزلوا إلى الحق وإلا فهم قاتلوا أنفسهم بامتناعهم من الحق، وكذلك يجوز أن توقد النيران حواليهم ويترك لهم مكان يتخلصون منه إلى عسكر أهل الحق لان هذه نار أوقدناها وما أطلقناه هم قادرون على الخلاص منها أن أحبوا ولا يحل احراقهم ولا تغريقهم دون أن يتخلصوا لان الله تعالى لم يأمر بذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما أمر بالمقاتلة فقط ولا يحل بأن يبيتوا إلا بأن نقبض عليهم، وأما من لم يقاتل فلا يحل قتله، وبالله تعالى التوفيق * 2162 مسألة * قال أبو محمد رحمه الله: قال قوم: ان امان العبد والمرأة والرجل الحر جائز لاهل البغي وهذا عندنا ليس بشئ لان أمان أهل البغي بأيديهم
متى تركوا القتال حرمت دماؤهم وكانوا اخواننا وما داموا مقاتلين باغين فلا يحل لمسلم اعطاؤهم الامان على ذلك فالامان والاجارة ههنا هدر ولغو وانما الامان والاجارة للكافر الذي يحل للامام قتله إذا أسروه واستبقاؤه لا في مسلم أن ترك بغيه كان هو ممن يعطى الامان ويجير، ولو أن أحدا من أهل البغي أجار كافرا جازت ايجارته كايحارة غيره ولا فرق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجير على المسلمين ادناهم ولو ان أهل البغي دخلوا غزاة إلى دار الحرف فواقعوا أهل العدل فقاتلوا معهم فغنموا فالغنيمة بينهم على السواء لانهم كلهم مسلمون ومن قتل من أهل البغي قتيلا من أهل الحرب فله سلبه لانه من جملة المخاطبين بذلك الحكم ولو ترك أهل الحرب من الكفار وأهل المحاربة من المسلمين على قوم من أهل البغي ففرض على جميع أهل الاسلام وعلى الامام عون أهل البغي وانقاذهم من أهل الكفر ومن أهل الحرب لان أهل البغي مسلمون، وقد قال الله تعالى: (نما المؤمنون اخوة) وقال تعالى: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) وقال تعالى: (أشداء على الكفار رحماء بينهم)، وأما أهل المحاربة من المسلمين فانهم يريدون ظلم أهل البغي في أخذ أموالهم والمنع من الظلم واجب قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) فمن ترك المحارب ولم يعن المطلوب فقد أهان المحارب على أثمه وعدوانه وهذا حرام، ولو أن أهل العدل وأهل البغي توادعوا وتعاطوا الرهان فهذا لا يجوز الا مع ضعف أهل العدل على المقاتلة لقول الله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) فما دمنا قادرين على المقاتلة لهم لم يحل لنا غيرها أصلا ولسنا في سعة من تركها ساعة(11/117)
فما فوقها فان ضعفنا عن ذلك فقد قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " فان قتلوا رهن أهل العدل لم يحل لنا قتل رهنهم لانهم مسلمون غير مقاتلين ولم يقتلوا لنا أحدا وإنما
قتل الرهن غيرهم وقد قال الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (تم كتاب البغي والحمد لله وحده) كتاب الحدود 2163 مسألة * قال أبو محمد رحمه الله: لم يصف الله تعالى حدا من العقوبة محدودا لا يتجاوز في النفس.
أو الاعضاء.
أو البشرة إلا في سبعة أشياء، وهي المحاربة.
والردة: والزنا.
والقذف بالزنا.
والسرقة: وجحد العارية.
وتناول الخمر في شرب أو أكل فقط وما عدا ذلك فلا حد لله تعالى محدودا فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونحن ان شاء الله ذاكرون ما فيه الحدود مما ذكرنا بابا بابا وبالله تعالى التوفيق، ثم نذكر ان شاء الله أشياء لا حد فيها، وأدعى قوم أن فيها حدودا وبالله تعالى نتأيد، ثم نذكر ان شاء الله تعالى قبل ذلك أبوابا تدخل في جميع الحدود أو في أكثرها فان جمعها في كتاب واحد أولى من تكرارها في كل كتاب من كتب الحدود وبالله تعالى التوفيق * وهو أيضا حصرها لمن يطلبها وأبين لاجتماعها في مكان واحد إذ ليس كتاب من كتب الحدود أولى بهذه الابواب من سائر كتب الحدود وبالله تعالى التوفيق، وهي الحديث الواردة لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " مع سائر ما ذكر فيه من الخمر.
والسرقة والنهبة وهل تقام الحدود في المساجد أم لا.
وهل الحدود كفارة أم لا.
واجتماع الحدود مع القتل والتوكيل في اقامة الحدود.
وهل ثقام الحدود بعلم الحاكم أم لا.
والسجن في التهمة والامتحان بالضرب والاعتراف بالاكراه.
وما الاكراه والاستنابة في الحدود، ومتى يقام الحد على الجارية والغلام واعتراف العبد بالحد والشهادة في الحدود والتأجيل في الحد والتعافي في الحدود قبل بلوغها إلى السلطان.
والترغيب في إمامة من قال: لا يؤاخذ الله عبدا ولى ذنبا ادرءوا الحدود بالشبهات الرجوع عن الاعتراف بالحد.
الاعتراض على الحاكم في حكمه بالحد هل يكشف ويسئل من ذكر عنه حد ام لا؟ هل تقام الحدود على الكفار ام لا.
كيف حد العبد من حد الحر.
كيف حد المكاتب؟ * 2164 مسألة لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا ترجعوا بعدي(11/118)
كفارا * قال ابو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن يوسف نا احمد بن فتح نا عبد الوهاب ابن عيسى نا احمد بن محمد نا احمد بن علي نا مسلم بن الحجاج ثنا حرملة بن يحيى بن عبيدالله ابن عمر التجيبي حدثني ابن وهب حدثني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن.
وسعيد بن المسيب يقولان قال أبو هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " * وبه إلى مسلم نا محمد بن المثنى.
ومحمد بن رافع قال ابن رافع: نا عبد الرزاق أنا سفيان بن عيينة وقال ابن المثنى: نا ابن أبي عدي عن شعبة، ثم اتفق شعبة.
وسفيان كلاهما عن سليمان - هو الاعمش - عن ذكوان أبي صالح عن أبي هريرة: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن والتوبة معروضة بعد " هذا لفظ شعبة، وقال سفيان في حديثه رفعه: نا احمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا محمد بن أحمد بن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقي ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا محمد بن عمر بن هياج نا عبد الله بن موسى القيسي نا مبارك بن حسان عن عطاء نا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقتل القاتل حين يقتل وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يختلس خلسة وهو مؤمن يخلع منه الايمان كما يخلع منه سرباله فإذا رجع إلى الايمان رجع إليه وذا رجع رجع إليه الايمان " نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب أنا عيسى بن حماد بن زغبة (1) نا الليث - هو ابن سعد - عن عقيل
ابن خالد عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر (2) حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة فيرفع الناس فيها إليه ابصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن " * ومن طريق احمد بن شعيب انا اسحاق بن منصور.
ومحمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري واللفظ له عن محمد بن كثير عن الاوزاعي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن [ وأبي سلمة بن عبد الرحمن ] (3) وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني
__________
(1) هو بضم الزاي وسكون الغين المعجمة بعدها موحدة وهو لقبه ولقب ابيه ايضا (2) في النسخة رقم 14 ولا يشرب الخمر شاربها (3) الزيادة من النسخة رقم 14(11/119)
وهو حين يزني مؤمن ولا يسرق السارق وهو حين يسرق مؤمن ولا يشرب الخمر وهو حين يشربها مؤمن ولا ينتهب نهبة يرفع الناس فيها ابصارهم وهو حين ينتهبها مؤمن " * ومن طريق احمد بن شعيب انا عبد الرحمن بن محمد بن سلام نا اسحق الازرق.
عن الفضل بن غزوان عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن " فقلت لابن عباس: كيف ينتزع الايمان منه؟ فشبك أصابعه، ثم أخرجها فقال هكذا فإذا تاب عاد إليه هكذا وشبك أصابعه * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: " لا يسرق سارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يزني زان حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الحدود - يعني الخمر - أحدكم حين يشربها وهو مؤمن والذي نفس محمد بيده لا ينتهب أحدكم نهبة ذاب شرف يرفع إليه المؤمنون اعينهم فيها وهو حين ينتهبها مؤمن ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن "، ثم قال أبو هريرة: " اياكم اياكم " * ومن طريق أبي بكر بن
أبي شيبة نا يزيد بن هرون عن محمد بن اسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن ابيه قال: كنا عند عائشة فمر جلبة على بابها فسمعت الصوت فقالت: ماهذا؟ فقالوا: رجل ضرب في الخمر فقالت: سبحان الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب - يعني الخمر - حين يشرب وهو مؤمن فاياكم واياكم " * قال أبو محمد رحمه الله: هذا أثر صحيح ثابت لا مغمز فيه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أم المؤمنين.
وابن عباس.
وأبو هريرة بالاسانيد التامة التي ذكرنا، ورواه عن أبي هريرة سعيد بن المسيب.
وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام.
وأبو سلمة.
وحميد ابنا عبد الرحمن بن عوف.
وعطاء بن يسار أخو سليمان بن يسار.
وعطاء بن أبي رباح.
وهمام بن منبه، ورواه عن ابن عباس عكرمة، وعن أم المؤمنين عباد بن عبد الله، ورواه عن هؤلاء الناس فهو نفل تواتر يوجب صحة العلم، وذكر فيه كما أوردنا القتل.
والزنا.
والخمر.
والسرقة.
والنهبة.
والغلول.
فاختلف الناس في تأويله وما هو هذا الايمان الذي يزايله حين مواقعته هذه الذنوب، فروينا من طريق عطاء عن أبي هريرة مسندا كما أوردنا آنفا انه يخلع منه الايمان كما يخلع سرباله فإذا رجع رجع إليه الايمان، وروينا عن ابن عباس كما اوردنا أنه فسر انتزاع الايمان منه بان شبك اصابع يديه بعضها في بعض، ثم زايلها قال وهكذا:، ثم ردها(11/120)
وقال: فإذا تاب عاد إليه، ورويناه أيضا في ذلك عن ابن عباس من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن ابراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس انه كان يعرض على مملوكه الباءة ويقول: من اراد منكم الباءة زوجته فانه لا يزني زان الا نزع الله منه ربقة الايمان فان شاء أن يرده إليه رده بعد وان شاء ان يمنعه منعه، وروينا من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: سمعت أبا هريرة يقول: لا يزني
الزاني وهو مؤمن حين يزني ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر وهو مؤمن حين يشرب قال: لا أعلمه الا قال وإذا اعتزل خطيئته رجع إليه الايمان قال: فراجعته فقال: لا اعلمه الا قال: فينتزع منه الايمان مادام على خطيئته فإذا فارقها رجع إليه الايمان * قال ابن جريج: واخبرني عثمان بن أبي سليمان انه سمع نافع بن جبير ابن مطعم يقول: لا يزني وهو مؤمن حين يزني فإذا زايله رجع إليه الايمان ليس إذا تاب منه ولكن إذا أخر عن العمل به، قال: وحسبته انه ذكر ذلك عن ابن عباس * وعن عبد الرزاق عن معمر اخبرني عبد الله بن طاوس عن ابيه فذكر هذا الحديث، وقال: فإذا فعل ذلك زال عنه الايمان يقول: الايمان كالظل، وذكر أيضا معمر هذا الحديث عن الزهري.
وقتادة.
وعن رجل عن عكرمة عن ابي هريرة وعن ابي هرون العبدي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذا نهي يقول حين هو مؤمن فلا يفعلن يعني لا يسرق ولا يزني ولا يغل * قال أبو محمد رحمه الله: فهذه التفاسير كلها ليس فيها الا مزايلة الايمان للفاعل حين الفعل ثم رجوعه في بعضها إليه إذا تاب وإذا ترك، وليس في شئ من هذه التفاسير بيان ما هو الايمان الزائل حين هذه المعاصي وقد علمنا ان كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الحق الواضح الذي لا حقيقة في غيره وان من فعل شيئا لم يكن حين فعله إياه مؤمنا فان الايمان قد فارقه بلا شك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن يجب علينا ان نعرف ما هذا الايمان الذي يزول عنه في حين ذلك الفعل لنعلم من ذلك حكم ذلك الفاعل بعون الله تعالى ومنه، فنظرنا في ذلك فوجدنا الناس في تفسير لفظة الايمان قد افترقوا على اربعة أقوال فقال اهل الحق: الايمان اسم واقع على ثلاثة معان أحدها العقد بالقلب.
والآخر النطق باللسان.
والثالث عمل بجميع الطاعات فرضها ونفلها واجتناب المحرمات * وقالت طائفة: مخطئة ان الايمان اسم واقع على معنيين وهما العقد بالقلب والنطق باللسان فقط وأن أعمال الطاعات واجتناب المحرمات انما هي شرائع الايمان وليست ايمانا،
وهذه مقالة وان كانت فاسدة فصاحبها لا يكفر * وقالت طائفتان قولين خرجا بهما(11/121)
إلى الكفر صراحا * احدهما جهم بن صفوان السمرقندي ومن قلده وأتم به فانهم قالوا الايمان هو التصديق بالفلب فقط وان اعلن الكفر وجحد النبوة وصرح بالتثليث وعبد الصليب في دار الاسلام دون تقية، والآخر محمد بن كرام السجستاني ومن اتبعه واقتدى به فانهم قالوا الايمان التصديق باللسان فقط وان اعتقد الكفر بقلبه، فلزم الطائفة الاولى ان ابليس مؤمن، وأن اليهود والنصارى الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنون أولياء الله تعالى من أهل الجنة لان كل هؤلاء عرفوا الله تعالى بقلوبهم وعرفوا صحة نبوة رسوله صلى الله عليه وسلم بقلوبهم وجدوه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل أو أن يكذب الله تعالى في أخباره بصحة علم ابليس بالله تعالى وبنبوة الانبياء عليهم السلام، ولزم الطائفة الثانية ان المنافقين الذين شهد الله تعالى بانهم من أهل النار مؤمنون اولياء الله تعالى من أهل الجنة وهذا كفر مجرد، وكلا القولين خرق للاجماع ومخالفة لاهل الاسلام * قال أبو محمد رحمه الله: فيلزم من قال: ان الايمان المزايل للزاني في حين زناه، وللقاتل في حين قتله، وللسارق في حين سرقته، وللغال في حين غلوله، وللشارب في حين شربه، وللمنتهب في حال نهبته، انه التصديق ان يقول: القاتل والزاني والغال والمنتهب والشارب قد بطل تصديقهم، ومن بطل تصديقه فهو كافر فيلزمه أن لا يؤخذ من أحد من هؤلاء زكاة ولا يترك يصلي في مسجد مع المسلمين ولا أن يدخل الحرم ولا أن يبتدئ نكاح مسلمة وان مات له قريب في تلك الحال أن لا يرثه، وهذا خلاف لاجماع الصحابة ومن يعتد به بعدهم وهم لا يقولون هذا يعني من لم يكن منهم * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله المذكور في هذا الحديث ان الزاني كافر ولا ان القاتل كافر ولا ان المنتهب كافر ولا ان الغال كافر، ولا ان
الشارب كافر، ولا ان السارق كافر، وصح أنهم لو كانوا كفارا للزمهم ما يلزم المرتد عن دينه من القتل وفراق الزوجة واستيفاء المال فبيقين ندري أنه عليه السلام لم يعن بذهاب الايماب المذكور ذهاب تصديقه، وأيضا فبضرورة الحس يدرى من واقع شيئا من الذنوب المذكورة من المسلمين من نفسه أن تصديقه لم يزل وانه كما كان وكل قول تكذبه الضرورة فهو قول متيقن السقوط فقد صح ما قلنا ان الايمان المزايل له في حال هذه الافاعيل إنما هو الايمان الذي هو الطاعة لله تعالى فقط، وهذا أمر مشاهد باليقين لان الزنا والقتل والغلول والنهبة وشرب الخمر ليس شئ منها طاعة لله تعالى فليست إيمانا فإذ ليس شئ منها إيمانا ففاعلها ليس مؤمنا بمعنى ليس مطيعا إذ لم(11/122)
يفعل الطاعة، لكنه عاص وفاسق ومن فعل الايمان فهو مؤمن، وكل من ذكرنا لم يفعل في فعله تلك الافعال إيمانا فليس مؤمنا، وهذا الحديث من الحجج القاطعة على ان الطاعات كلها إيمان، وأن ترك الطاعة ليس إيمانا، وبالله تعالى التوفيق * 2165 مسألة هل تقام الحدود في المساجد أم لا؟ * قال ابو محمد رحمه الله: نا احمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت نا أحمد بن عمرو ابن عبد الخالق البزار نا أبو نشيط محمد بن هرون والحسن بن عرفة قال ابو نشيط: نا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج نا سعيد بن بشير عن قتادة، وقال ابن عرفة: نا أبو حفص عمر بن عبد الرحمن الابار عن اسماعيل بن مسلم، ثم اتفق قتادة واسماعيل كلاهما عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقام الحدود في المساجد ولا يقتل بالولد الوالد " * قال أبو محمد رحمه الله: اسماعيل بن مسلم.
وسعيد بن بشير ضعيفان، وبه إلى البزار نا يونس بن صالح بن معاذ نا محمد بن عمر الواقدي نا اسحاق بن حازم عن ابي الاسود عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تقام الحدود في المساجد،
محمد بن عمر الواقدي ساقط مذكور بالكذب * ومن طريق ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا محمد بن عبد الله عن العباس بن عبد الرحمن بن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقام الحدود في المساجد " محمد بن عبد الله.
والعباس مجهولان، وعن وكيع نا مبارك عن ظبيان بن صبيح الضبي قال: قال عبد الله بن مسعود لا تقام الحدود في المساجد: ظبيان مجهول وعن وكيع نا سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: أتى عمر بن الخطاب رجل في حد فقال: أخرجاه من المسجد ثم اضرباه * قال أبو محمد رحمه الله: هذا خبر صحيح قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتطييب المساجد وتنظيفها، وقال تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) فوجب صون المساجد ورفعها وتنظيفها فما كان من اقامة الحدود فيه تقذير للمسجد بالدم كالقتل والقطع فحرام أن يقام شئ من ذلك في المسجد لان ذلك ليس تطييبا ولا تنظيفا، وكذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ما عز بالبقيع خارج المسجد، وأما ماكان من الحدود جلدا فقط فاقامته في المسجد جائز وخارج المسجد أيضا جائز الا أن خارج المسجد أحب الينا خوفا أن يكون من المجلود بول لضعف طبيعته أو غير ذلك مما لا يؤمن من المضروب، برهان ذلك قول الله تعالى: (وقد فصل لكم(11/123)
ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) فلو كان اقامة الحدود بالجلد في المساجد حراما لفصل لنا ذلك مبينا في القرآن على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وممن قال باقامة الحدود بالجلد في المساجد: ابن أبي ليلى وغيره وبه نأخذ، وبالله تعالى التوفيق * 2166 مسألة هل الحدود كفارة لمن أقيمت عليه أم لا؟ * قال أبو محمد رحمه الله: كل ما أصاب ذنبا فيه حد فأقيم عليه ما يجب في ذلك فقد سقط عنه ما أصاب من ذلك تاب أو لم يتب حاش المحاربة فان إثمها باق عليه
وان أقيم عليه حدها ولا يسقطها عنه إلا التوبة لله تعالى فقط، برهان ذلك ما رويناه من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد واسحاق بن ابراهيم ومحمد بن عبد الله بن نمير كلهم عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي ادريس الخولاني عن عبادة بن الصامت قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس: فقال: " تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق فمن وفا منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وان شاء عذبه " * وبه إلى مسلم حدثني اسماعيل بن سالم أنا هشيم انا خالد - هو الحذاء - عن أبي قلابة عن أبي الاشعث - هو الصنعاني - عن عبادة بن الصامت قال: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا يغتاب بعضنا بعضا فمن وفا منكم فأجره على الله ومن أتى منكم حدا فأقيم عليه فهو عقابه، ومن ستره الله عليه فأمره إلى الله ان شاء عذبه وان شاء غفر له * وأما تخصيصنا المحاربة من جميع الحدود فلقول الله تعالى: (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا) إلى قوله تعالى: (عذاب عظيم) فنص الله تعالى نصا لا يحتمل تأويلا على أنهم مع إقامة هذا الحد عليهم وانه لهم خزي في الدنيا ولهم مع ذلك في الآخرة عذاب عظيم * قال أبو محمد رحمه الله: فوجب استعمال النصوص كلها كما جاءت وأن لا يترك شئ منها لشئ آخر وليس بعضها أولى بالطاعة من بعض وكلها حق من عند الله تعالى ولا يجوز النسخ في شئ من ذلك، أما حديث عبادة فانه فضيلة لنا أن تكفر عنا الذنوب بالحد والفضائل لا تنسخ لانها ليست أوامر ولا نواهي وإنما النسخ في الاوامر والنواهي سواء وردت بلفظة الامر والنهي أو بلفظ الخبر ومعناه الامر والنهي، وأما الخبر المحقق فلا يدخل النسخ فيه ولو دخل لكان كذبا وهذا(11/124)
لا يجوز أن يظن بشئ من أخبار الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأما الآية في المحاربة فان وجوب العذاب في الآخرة مع الخزي في الدنيا باقامة الحد عليهم خبر مجرد من الله تعالى لا مدخل فيه للامر والنهي فأمن دخول النسخ في شئ من ذلك والحمد لله رب العالمين * قال أبو محمد رحمه الله: فان تعلق متعلق بما نا أحمد بن عمر العذري نا عبد الله ابن احمد بن حموية السرخسي نا ابراهيم بن دحيم نا عبدبن حميد الكشي ثنا عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أدري أتبع كان لعينا أم لا وما أدري ذو القرنين أنبيا كان أم لا وما أدري الحدود كفارات لاهلها أم لا؟ " وبما ثناه احمد بن عمر العذري نا محمد بن أبي سعيد بن سختوية الاسفرايني في داره بمكة ثنا عبد العزيز بن جعفر بن سعد انا احمد ابن زنحويه بن موسى نا داود بن رشيد نا سيف بن هرون عن اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما بايعت النساء فمن مات منا ولم يأت بشئ منهن ضمن له الجنة ومن مات منا وأتى بشئ فأقيم عليه الحد فحسابه على الله تعالى * قال أبو محمد رحمه الله.
أما حديث أبي هريرة فصحيح السند وما نعلم له في وقتنا هذا علة الا أن الذي لا نشك فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختلف قوله ولا يقول الا الحق وقد قال صلى الله عليه وسلم بأصح سند مما أوردنا آنفا من طريق عبادة: أن من أصاب من الزنا.
والسرقة.
والقتل.
والغصب شيئا فأقيم عليه الحد فهو كفارة له فمن المحال أن يشك رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ قد قطع به وبشر أمته به وهو وحي من الله تعالى أوحى إليه به والقول عندنا فيه أن أبا هريرة لم يقل أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام وقد سمعه أبو هريرة من أحد المهاجرين ممن سمعه ذلك الصاحب من
رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول البعث قبل أن يسمع عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ان الحدود كفارة فهذا صحيح بانه عليه السلام لا يعلم الا ما علمه الله تعالى ثم أعلمه بعد ذلك ما لم يكن يعلمه حينئذ وأخبر به الانصار إذ بايعوه قبل الهجرة والحدود حينئذ لم تكن نزلت بعد لا حين بيعة عبادة ولا قبل ذلك وانما نزلت بالمدينة بعد الهجرة لكن الله تعالى أعلم رسوله عليه السلام أنه سيكون لهذه الذنوب حدود وعقوبات وان كان لم يعلمه بها لكنه أخبره أنها كفارات لاهلها هذا هو الحق الدي لا يجوز غيره ان صح حديث أبي هريرة ولم تكن فيه علة، وأما حديث جابر فساقط لانه(11/125)
من رواية داود بن رشيد وهو ضعيف، ثم لو صح لكان القول فيه كالقول في حديث أبي هريرة الذي تكلمنا فيه آنفا والامر كان حينئذ في حديث جابر أبين لان اسلام جرير متأخر جدا بعد الفتح لم يدرك قط بيعة النساء التي كانت قبل القتال لان اسلام جرير كان بعد نزول المائدة فصار حديث عبادة قاضيا على كل ذلك ومخبرا عن الله تعالى ما ليس في سائر الاخبار من أن الحدود كفارة لاهلها حاش ما خصه الله تعالى منها * 2167 مسألة هل تسقط الحدود بالتوبة أم لا؟ * قال أبو محمد رحمه الله: قال قوم: ان الحدود كلها تسقط بالتوبة وهذه رواية رواها أبو عبد الرحمن الاشعري عن الشافعي قالها بالعراق ورجع عنها بمصر واحتج أهل هذه المقالة بما ناه عبد الله ابن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب أرنا محمد بن بشار نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن يزيد بن نعيم عن أبيه أن ماعز بن مالك أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقم على كتاب الله فأعرض عنه أربع مرات، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمه فلما مسته الحجارة خرج يشتد وخرج عبد الله بن أنس من نادى قومه بوظيف حمار فضربه فصرعه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بأمره فقال: " ألا تركتموه لعله يتوب
فيتوب الله عليه يا هذا لو سترته بثوبك كان خيرا لك " حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا محمد بن وضاح نا ابو بكر بن أبي شيبة نا عمرو بن حماد ابن طلحة عن أسباط بن نصر عن سماك عن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه أن امرأة وقع عليه رجل في سواد الصبح وهي تعمد إلى المسجد عن كره نفسها فاستغاثت برجل مر عليها وفر صاحبا، ثم مر عليها قوم ذوو عدد فاستغاثت بهم فأدركوا الذي استغاثت به وسبقهم الآخر فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته أنه وقع عليها وأخبره القوم أنهم أدركوه يشتد فقال إنما كنت اغثتها على صاحبها فادركني هؤلاء فأخذوني: قالت: كذب هو الذي وقع علي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اذهبوا به فارجموه " فقام رجل من الناس فقال: لا ترجموه وارجموني أنا الذي فعلت بها الفعل فاعترف فاجتمع ثلاثة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وقع عليها والذي أغاثها والمرأة فقال: " أما أنت فقد غفر الله لك وقال للذي أغاثها قولا حسنا " فقال له عمر ارجم الذي اعترف بالزنا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا إنه قد تاب إلى الله تعالى " وزاد ابن عمر في روايته لو " تابها أهل مدينة يثرب لقبل منهم " * نا ابو عمر أحمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد ابن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا الحرث بن أبي أسامة نا ابو النضر نا أبو معاوية عن(11/126)
ليث بن أبي سليم عن أبي بردة بن أبي موسى الاشعري عن ابي مليح بن اسامة الهذلي عن واثلة بن الاسقع قال: " شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأتاه رجل فقال يا رسول الله: اني أصبت حدا من حدود الله تعالى فأعرض عنه ثم أتاه الثانية فأعرض عنه ثم قالها الثالثة فأعرض عنه ثم اقيمت الصلاة فلما قضى الصلاة أتى الرابعة فقال أصبت حدا من حدود الله فأقم في حد الله قال: ألم تحسن الطهور أو الوضوء ثم شهد الصلاة معنا آنفا؟ اذهب فهي كفارتك " * ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة ثنا زيد بن الحباب عن عكرمة بن عمار نا شداد بن عبد الله عن الباهلي قال: " كنت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال له رجل: اني أصبت حمدا فأقم علي وأقيمت الصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ في المسجد ] (1) ثم خرج ومعه الرجل وتبعته فقال: يا رسول الله أقم على حدي فاني أصبته فقال: " أليس حين خرجت من منزلك توضأت فأحسنت الوضو.
وشهدت معنا الصلاة؟ قال نعم: قال: فان الله قد غفر لك ذنبك أو حدك " * قال أبو محمد رحمه الله: وقد روينا هذا الخبر وفيه " اني زنيت " كما ثنا المهلب ابن أبي صفرة الاسدي التميمي ثنا عبد الله بن ابراهيم الاصيلي نا محمد بن احمد الصواف نا احمد بن هرون بن روح البرذنجي نا محمد بن عبد الملك الواسطي نا عمرو بن عاصم عن همام بن يحيى عن اسحاق بن عبد الله بن ابي طلحة عن أنس " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله اني زنيت فأقم علي الحد " ثم أقيمت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد كفر عنك بصلاتك " * قال أبو محمد رحمه الله: وقالوا: قد قال الله تعالى: (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا) الآية إلى قوله: (الا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم) قالوا: فصح النص من القرآن وصح الاجماع بأن حد المحاربة تسقطه التوبة قبل القدرة عليهم فوجب أن تكون جميع الحدود من الزنا والسرقة والقذف وشرب الخمر كذلك لانها كلها حدود وقعت التوبة قبل القدرة على أهلها * قال أبو محمد رحمه الله: هذا كل ما يمكن أن يحتج به أهل هذه المقالة وذهب آخرون إلى أن التوبة لا تسقط الحدود واحتجوا بما ناه حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد ابن عبد الملك بن أيمن نا بكر - هو ابن حماد - نا مسدد نا يحيى - هو ابن سعيد القطان عن هشام الدستوائي نا يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب أن عمران ابن الحصين حدثه أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم حبلى من الزنا فقالت
__________
(1) الزيادة من النسخة اليمنية(11/127)
إني أصبت حدا فأقمه علي: فدعا وليها فقال: " أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها " ففعل فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال عمر: تصلي عليها وقد زنت؟ فقال: " لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم هل وجدت شيئا هو أفضل من أن جاءت بنفسها؟ " * ومن طريق مسلم نا محمد بن المثنى حدثني عبد الاعلى نا داود بن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رجلا من أسلم يقال له: ماعز بن مالك " أتى رسول الله صلى اله عليه وسلم فقال: اني أصبت فاحشة فأقمه علي: فرده النبي صلى الله عليه وسلم مرارا ثم سأل قومه فقالوا: ما نعلم به بأسا - فذكر باقى الحديث وفيه - فأمرنا رسول اله صلى الله عليه وسلم أن نرجمه فكان الناس فيه فرقتين قائل يقول هلك: لقد أحاطت به خطيئته وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده فقال اقتلني بالحجارة: قال فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة: ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جلوس فسلم ثم جلس فقال: " استغفروا لماعز بن مالك ".
فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم " * ومن طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا بشير بن المهاجر نا عبد الله بن بريدة عن أبيه " أن ماعز بن مالك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله اني قد ظلمت نفسي وزنيت واني أريد أن تطهرني فرده - فذكر الحديث، وفيه - فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول الله اني قد زنيت فطهرني وإنه ردها فلما كان الغد قالت: يا رسول الله لم تردني كما رددت ماعزا؟ فوالله اني لحبلى، قال: " أما الآن فاذهبي - وذكر باقي الخبر - فلما فطمته أتته بالصبي وفي يده كسرة خبز فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر إلى صدرها وأمر الناس فرجموها فأقبل خالد بن الوليد فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد فسبها فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها فقال: مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها
صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت " قالوا: فهذا ماعز قد صحت توبته قبل الرجم باخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وبانها مقبولة وهذه الغامدية والجهنية رضي الله عنهما قد تابتا أتم توبة وأصحها مقبولة من الله تعالى باخبار النبي عليه السلام ولم تسقط هذه التوبة عنهم الحد قالوا: وكذلك ايضا حد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قذقوا عائشة رضي الله عنها * قال ابو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا في ذلك كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك(11/128)
لنعلم الحق من ذلك [ فنتبعه ] (1) بعون الله تعالى ومنه * فنظرنا في الحديث الذي احتج به من رأى الحدود ساقطة بالتوبة فنظرنا في ذلك فوجدناه مرسلا فسقط التعلق به، ثم نظرنا في حديث علقمة بن واثل فوجدناه لا يصح لانه من طريق سماك بن حرب وهو يقبل التلقين شهد بذلك شعبة وغيره فسقط، ثم نظرنا في حديث واثلة بن الاسقع فوجدنا الاول من طريق فيها ليث بن أبي سليم وليس بالقوي * وأما حديث الباهلي فوجدناه من طريق عكرمة بن عمار وهو ضعيف جدا، قال قيل وقد رويتموه بأن فيه زينب: قلنا: نعم وفيه من لا يعرف رجاله، ثم أنه لو ثبت دون علة لما كانت فيه حجة لان فيه وجوها تمنع من استعماله، أحدها أن ممكنا أن يكون هذا قبل نزول حد الزنا ثم نزل حد الزنا فكان الحكم لايجاب الحد، فان قيل: وممكن أيضا أن يكون بعد نزول حد الزنا، ثم نزل حد الزنا فكان الحكم له ويكون ناسخا لما في حديث ماعز والغامدية والجهينية قلنا: ان الواجب إذا تعارضت الاخبار أن يؤخذ بالزائد والزائد هو الذي جاء بحكم لم يكن واجبا في معهود الاصل وكان معهود الاصل بلا شك أن لاحد على أحد تائبا كان أو غير تائب فجاء النص بايجاب الحدود جملة وكانت هذه النصوص زائدة على معهود الاصل، وجاء حديث ماعز والغامدية والجهينية فكان ما فيها من إيجاب الحد على التائب زائدا على ما في الخبر الذي فيه اسقاط الحد
عن التائب هذا لو كان في حديثهم ان الحد سقط عنه بالتوبة فكيف وليس هذا فيه وإنما فيه اسقاط الحد بصلاته فقط وهذا ما لا يقولونه [ بل هم يخالفون لهذا الحكم ] (2) فبطل تعلقهم بهذا الخبر وبتلك الاخبار جملة وبالله تعالى التوفيق * فان قالوا: هبكم أن حد الزنا قد وجدتم فيه وفي حد القذف اقامة الحد على من تاب فمن أين لم تسقطوا حد السرقة وحد الخمر بالتوبة ولا نص معكم في إقامتها على التائب منها؟ قلنا: ان النص قد ورد جملة باقامة الحدود في السرقة.
والخمر.
والزنا.
والقذف ولم يستثن الله تعالى تائبا من غير تائب ولم يصح نص أصلا باسقاط الحد عن التائب فإذا الامر كذلك فلا يحل أن يخص التائب من عموم أمر الله تعالى باقامة الحدود بالرأي والقياس دون نص ولا اجماع، فهذه عمدتنا في إقامة الحدود على التائب وغير التائب، وانما حديث ماعز والغامدية والجهينية مؤيد لقولنا في ذلك فقط ولو لم يأت ما احتجنا إليها مع الاوامر الواردة باقامة الحدود لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه " وقوله عليه السلام: " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم "
__________
(1) الزيادة من النسخة اليمنية (2) الزيادة من النسخة اليمنية(11/129)
ومع قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) ومع قوله تعالى: (فاجلدوهم ثمانين جلدة) ومع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا شرب الخمر فاجلدوه " الحديث فلم يخص عليه السلام شيئا من شئ مما أمر باقامة الحد عليه تائبا من غيره وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى وما كان ربك نسيا، ثم نظرنا أيضا في احتجاجهم على هؤلاء المذكورين بانهم قد أجمعوا على أن التوبة تسقط عذاب الآخرة وهو العذاب الاكبر فإذا أسقطت العذاب الاكبر فأحرى وأوجب أن تسقط العذاب الاقل الذي هو الحد في الدنيا فوجدنا هذا كله لازما لكل من ذكرنا لانهم أصحاب قياس بزعمهم ولو صح قياس يوما ما من الدهر لكانت هذه المقاييس أصح قياس في العالم وأين هذا من قياسهم الفاسد الحديد على الذهب في الربا.
وغزل القطن على الذهب والفضة في الربا.
وقياسهم فرج الزوجة على يد السارق وسائر قياساتهم الفاسدة التي لا تعقل، وأما نحن فلا يلزمنا هذا لان القياس كله باطل لا يحل القول بشئ منه في دين الله تعالى والحمد لله رب العالمين، وعذاب الآخرة غير عذاب الدنيا وليس إذا سقط أحدهما وجب أن يسقط الآخر إذ لم يوجب ذلك نص قرآن ولا سنة ولا اجماع وكثير من المعاصي ليس فيها في الدنيا حد كالغصب، ومن قال لآخر: يا كافر.
وكأكل لحم الخنزير.
وعقوق الوالدين وغير ذلك وليس ذلك بموجب أن يكون فيها في الآخرة عقاب بل فيها أعظم العقاب في الآخرة، فصح أن أحكام الدنيا غير متعلقة بأحكام الآخرة وبالله تعالى التوفيق * وقد احتجوا بقول الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) إلى قوله تعالى: (غفور رحيم) فوجدناهم لا حجة لهم في هذه الآية لان الله تعالى لم يسقط الحد بالتوبة مطلقة ولو أراد ذلك لقال الا الذين تابوا ولم يقل من بعد ذلك فلما قال تعالى من بعد ذلك بين لنا تعالى أن هذه التوبة لا تكون الا من بعد الجلد ثمانين واستحقاق اسم الفسوق ورد الشهادة لا قبل الجلد بنص القرآن فانما سقط بالتوبة بعد الجلد ما عدا الجلد لان الجلد قد نفذ فلا يسقط بعده بالتوبة الا الفسق وحكم قبول الشهادة فقط، وأيضا فبعد نزول هذه الآية جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسطح بن أثاثة.
وحسان بن ثابت.
وحمنة بنت جحش فبطل التعلق في اسقاط الحد بالتوبة المذكورة في الآية وصح أنه انما سقط بها ما عدا الحد وهو الفسق ورد الشهادة فقط فبطل كل ما شغب هؤلاء القوم به وصح أنه لا يسقط بالتوبة شئ من الحدود حاشا حد الحرابة الذي ورد النص بسقوطها بالتوبة قبل القدرة عليهم فقط وأما بالتوبة الكائنة منهم بعد القدرة عليهم أو مع القدرة عليهم فلا(11/130)
يسقط بذلك عنهم حد المحاربة أصلا لان النص لم يسقط الحد عنهم الا بالتوبة قبل القدرة عليهم فقط وبقي ما عدا ذلك على انفاذ ما أمر الله تعالى به فيه، وبالله تعالى التوفيق *
قال علي رحمه الله: والدليل عندنا في ذلك أن من أقر بحد ولم يقل ما هو فلا شئ عليه أصلا كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فان قال: علي حد فيه الجلد فقط لم يقم أيضا عليه جلد لانه قد يظن في فعله ذلك انه حد يوجب جلدا وليس كما يظن فإذ هو ممكن فلا يحل لنا بشرته باحلاله لنا اياها لان تحريم الله تعالى لها قبل احلاله الفاسد، ولو أن امرءا قال لآخر اضربني فقد أحللت لك بشرتي لم يحل ضربه أصلا لانه ليس له أن يحل من نفسه ما حرم الله تعالى منها ولا أن يحرم منها ما أحله الله تعالى ولو قال من صح عليه الجلد في القذف.
أو الزنا.
أو الخمر قد حرمت عليكم بشرتي لكان كلامه هذرا ولغوا وكذلك لو أحل لآخر قتل نفسه أو قطع يده أو أحلت المزأة فرجها لاجنبي أو حرم الرجل فرجه على امرأته أو حرمت هي فرجها عليه لكان كل ذلك باطلا ولا حرام الا ما حرم الله تعالى أو رسوله عليه السلام قال الله تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) فان قال: علي لله تعالى حد يوجب إما زنا وإما قذفا وإما شرب خمر فهذا لم يتحقق ولا أقر اقرارا صحيحا وليس عليه إلا حد الخمر لانه أقل الحدود الواجبة عليه بيقين، ولا يحل أن يزاد عليه شئ بالشك فلا يجوز أن يجلد شيئا حتى يتبين ما هو الحد الذي عليه ويصفه وصفا تاما * 2168 مسألة السجن في النهمة: قال أبو محمد رضي الله عنه: قال قوم: بالسجن في التهمة واحتجوا بما ثنا أحمد بن قاسم ثنا ابي قاسم بن محمد بن قاسم ثنا جدي قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن أبي العوام ثنا احمد بن حاتم الطويل ثنا ابراهيم بن خثيم بن عراك عن أبيه عن جده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة احتياطا أو قال استظهارا يوما وليلة * وبه إلى قاسم بن أصبع ثنا ابن وضاح حدثني محمد ابن آدم نا بن المبارك عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حبس في تهمة ثم خلى سبيله * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن بهز بن حكيم عن ابيه
عن جده معاوية بن حيدة قال: " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من قومه في تهمة فحبسهم فجاء رجل من قومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال: يا محمد على ما تحبس جيرتي؟ فصمت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ان ناسا يقولون انك لتنهى عن الشئ وتستخلي به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يقول؟ فجعلت أعرض بينهما بكلام مخافة أن يسمعها فيدعو على قومي(11/131)
دعوة لا يفلحون بعدها قال: فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى فهمها قال قد قالوها؟ وقال قائلها منهم: والله لو فعلتها لكان علي وما كان عليهم خلوا له عن جيرانه " * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني يحيى بن سعيد الانصاري عن عراك بن مالك قال: أقبل رجلان من بني غفار حتى نزلا منزلا بضجنان من مياه المدينة وعندها ناس من غطفان معهم ظهر لهم فأصبح الغطفانيون قد أضلوا بعيرين من ابلهم فاتهموا بهما الغفاريين فأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا أمرهم فحبس أحد الغفاريين وقال للآخر اذهب فالتمس فلم يكن إلا يسيرا حتى جاء بهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لاحد الغفاريين حسبت أنه المحبوس استغفر لي فقال: غفر الله لك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولك وقتلك في سبيله قال فقتل يوم اليمامة " * قال أبو محمد رحمه الله: وذهب إلى هذا قوم كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: كتب عمر بن عبد العزيز بن عبد الله كتابا قرأته إذا وجد المتاع مع الرجل المتهم فقال: ابتعته فاشدده في السجن وثاقا ولا تحله بكتاب أحد حتى يأتيه فيه أمر الله تعالى قال ابن جريج: فذكرت ذلك لعطاء فأنكره، وذهب آخرون إلى المنع من الحبس بالتهمة كما روينا من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة يقول: أخبرني عبد الله بن أبي عامر قال انطلقت في ركب حتى إذا جئنا ذا المروة سرقت عيبة لي ومعنا رجل متهم فقال أصحابي: يا فلان أردد عليه عيبته: فقال ما أخذتها: فرجعت إلى عمر بن الخطاب فاخبرته فقال: من أنتم؟: فعددتهم فقال اظنها صاحبها للذي اتهم: فقلت لقد أردت يا أمير المؤمنين أن تأتي به مصفدا:
فقال عمر: أتأتي به مصفودا بغير بينة لا أكتب لك فيها ولا أسألك عنها وغضب وما كتب لي فيها ولا سأل عنها فأنكر عمر رضي الله عنه أن يصفد أحد بغير بينة * قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في ذلك فوجدنا الاحاديث المذكورة لا حجة في شئ منها لان ابراهيم بن خثيم ضعيف.
وبهز بن حكيم ليس بالقوي.
وحديث عراك مرسل ثم لو صح لكان فيه الدليل على المنع من الحبس لاستغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فان ذكروا حديث المرأة الغامدية التي قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: طهرني قال: " ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه قالت لعلك تردني كما رددت ماعز بن مالك قالت: اني حبلى من الزنا: قال: أثيب أنت؟ قالت: نعم قال: فلا نرجمنك حتى تضعي ما في بطنك قال: فكفلها رجل من الانصار حتى وضعت فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية قال: إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه " فقال رجل من الانصار: الي رضاعه فرجمها " *(11/132)
قال أبو محمد رحمه الله: فهذا لا حجة لهم فيه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجنها ولا أمر بذلك، لكن فيه أن الانصاري تولى أمرها وحياطتها فقط * قال أبو محمد رحمه الله: فان ذكروا قول الله تعالى: " فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) فان هذا حكم منسوخ باجماع الامة * قال علي رحمه الله: فإذ لم يبق لمن رأى السجن حجة فالواجب طلب البرهان على صحة القول الآخر فنظرنا في ذلك فوجدنا من قال بسجنه لا يخلو من أحد وجهين، إما أن يكون متهما لم يصح قبله شئ، أو يكون قد صح قبله شئ من الشر، فان كان متهما بقتل أو زنا أو سرقة أو شرب أو غير ذلك فلا يحل سجنه لان الله تعالى يقول: (ان الظن لا يغني من الحق شيئا)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث " وقد كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتهمون بالكفر وهم المنافقون
فما حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أحدا، وبالله تعالى التوفيق * 2169 مسألة فيمن أصاب حدا مرتين فصاعدا * قال ابو محمد رحمه الله: اختلف الناس في ذلك كمن زنى مرتين فأكثر قبل أن يحد في ذلك أو قذف مرتين فأكثر قبل أن يحد في ذلك أو شرب الخمر مرتين فأكثر قبل أن يقام عليه الحد، أو سرق مرتين فأكثر عليه أن يحد في ذلك أو جحد عارية مرتين فأكثر قبل أن يقام عليه الحد في ذلك أو حارب مرتين فأكثر قبل أن يقام عليه الحد في ذلك، فقالت طائفة: ليس في كل ذلك إلا حد واحد فقط، وقالت طائفة: عليه لكل مرة حد * قال أبو محمد رحمه الله: فوجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق فنتبعه بعون الله تعالى، فنظرنا في قول من قال: لكل فعلة حد: فوجدناهم يحتجون بقول الله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وقال تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)، وقال تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن رافع ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن سهل بن ابي صالح عن أبيه عن ابي هريرة أنه قال: " من شرب الخمر فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه " وذكر باقي الخبر، قالوا: فوجب بنص كلام الله تعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم على من زنا الجلد المأمور به، وعلى من سرق قطع يده، وعلى من قذف الجلد المأمور به، وعلى من شرب الخمر الجلد المأمور به، فاستقر ذلك فرضا عليه فإذ ذلك كذلك فبيقين ندري أنه متى نى ثانية وجب عليه حد ثان، وإذا سرق ثانية وجب(11/133)
عليه بالسرقة الثانية قطع ثان، وإذا قذف ثانية وجب عليه حد ثان، وإذا شرب ثانية وجب عليه حد ثان ولابد، وهكذا في كل مرة * قال أبو محمد رحمه الله: أما قولهم ان الله تعالى قال: (الزانية والزاني) الآية،
وقوله تعالى: " والسارق والسارقة " الآية، وقوله تعالى (والذين يرمون المحصنات) الآية، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شرب فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه " فكل ذلك حق ويكفر من أنكر لفظه ومعناه، وأما قولهم فاستقر ذلك فرضا عليه فهذا وهم اصحابنا، ولسنا نقول بهذا لكن نقول: أنه لا يجب شئ من الحدود المذكورة بنفس الزنا ولا بنفس القذف ولا بنفس السرقة ولا بنفس الشرب لكن حتى يستضيف إلى ذلك معنى آخر وهو ثبات ذلك عند الحاكم باقامة الحدود إما بعلمه وإما ببينة عادلة، وإما باقراره، وأما ما لم يثبت عند الحاكم فلا يلزمه حد لا جلد ولا قطع أصلا، (برهان ذلك) هو انه لو وجبت الحدود المذكورة بنفس الفعل لكان فرضا على من أصاب شيئا من ذلك أن يقيم الحد على نفسه ليخرج مما لزمه أو أن يعجل المجئ إلى الحاكم فيخبره بما عليه ليؤدي ما لزمه فرضا في ذمته لا في بشرته، وهذا أمر لا يقوله أحد من الامة كلها بلا خلاف، أما اقامته الحد على نفسه فحرام عليه ذلك باجماع الامة كلها وأنه لا خلاف في أنه ليس لسارق أن يقطع يد نفسه بل ان فعل ذلك كان عند الامة كلها عاصيا لله تعالى فلو كان الحد فرضا واجبا بنفس فعله لما حل له الستر على نفسه ولا جاز له ترك الاقرار طرفة عين ليؤدي عن نفسه ما لزمه، وانما أمر الله تعالى ورسوله عليه السلام الائمة وولاتهم باقامة الحدود المذكورة على من جناها، وبيقين الضرورة ندري أن الله تعالى لم يأمرهم من ذلك إلا إذا ثبت ذلك عندهم وصح يقينا أن لكل زنا يزنيه، وكل قذف يقذفه، وكل شرب يشربه، وكل سرقة يسرقها، وكل حرابة يحارب، وكل عارية يجحدها قبل علم الامام بذلك فلم يجب عليه فيه شئ لكنا نقول: ان الله تعالى أوجب على من زنى مرة أو الف مرة ادا علم الامام بذلك جلد مائة وعلى القاذف، والسارق، والمحارب، وشارب.
الخمر، والجاحد مرة والف مرة حدا واحدا إذا علم الحاكم ذلك كله * قال أبو محمد رحمه الله: وأما ان وقع على من فعل شيئا من ذلك تضييع من الامام أو اميره لغير ضرورة ثم شرع في اقامة الحد فوقعت ضرورة منعت من
إتمامه فواقع فعلا آخر من نوع الاول، فقولنا وقول أصحابنا سواء يستتم عليه الحد الاول ثم يبتدئ في الثاني ولابد * برهان ذلك أن الحد كله قد وجب بعلم الامام أو(11/134)
أميره مع قدرته على اقامة جميع الحد ثم أحدث ذنبا آخر فلا يجزي عنه حد قد تقدم وجوبه * قال أبو محمد رحمه الله: ونسأل المخالفين عن قولهم فيمن زنا مرات أو شرب مرات.
أو قذف مرات انسانا واحدا، أو سرق مرات، أو حارب مرات وعلم الامام كل دلك وقدر على اقامة الحدود عليه ثم لم يحد حتى واقع ما ذكرنا فلم يوجبوا عليه إلا حدا واحدا، ما الفرق بين هذا وبين قول من قال منهم: ان افطر عامدا فوطئ أياما من شهر رمضان ان عليه لكل يوم كفارة، ومن حلف أيمانا كثيرة على أشياء مختلفة فعليه لكل يمين كفارة ومن قال منهم: إن ظاهر مرات كثيرة فان لكل ظهار كفارة، وقولهم كلهم: ان من أصاب وهو محرم صيودا فعليه لكل صيد جزاء بل قال بعضهم: إنه لو أصاب صيدا واحدا وهو قارن فعليه جزاءان، فان ادعوا في كفارة الافطار في رمضان اجماعا ظهر جهل من ادعى ذلك أو كذبه لان زفر بن الهذيل وغيره منهم يرى أن من أفطر بوطئ أو غيره جميع أيام شهر رمضان ولم يكفر فليس عليه إلا كفارة واحدة فقط، وهذا هو الواجب على قول سعيد بن المسيب لان المحفوظ عنه أن شهر رمضان كله صوم واحد من افطر يوما منه فعليه قضاء جميعه يقضي شهرا ولا بد، ومن أفطره كله فعليه شهر واحد أيضا ولا مزيد * 2170 مسألة فيمن أصاب حدا ثم لحق بالمشركين أو ارتد * قال ابو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد ثنا حميد بن عبد الرحمن عن ابيه عن ابي اسحق السبيعي عن جرير.
بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا ابق العبد إلى الشرك فقد حل دمه " *
قال أبو محمد رحمه الله: فبهذا نأخذ والعبد ههنا كل حر وعبد فكلنا عبيد الله تعالى تعالى ومن لحق بأرض الشرك بغير ضرورة فهو محارب، هذا أقل أحواله إن سلم من الردة بنفس فراقه جماعة الاسلام وانحيازه إلى ارض الشرك بما حدثنا يوسف بن عبد الله ابن عبد البر النمري ثنا خلف بن القاسم ثنا احمد بن سعد المهراني ثنا احمد بن عبد الجبار ثنا ابو معاوية محمد بن حازم عن اسماعيل بن ابي خالد عن قيس بن ابي حازم عن جرير ابن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا برئ من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين " * قال ابو محمد رحمه الله: وسنستقصي الكلام ان شاء الله تعالى في هذا في كتاب الردة من هذا الكتاب، فان قال قائل: انما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ها هنا مع ذكر(11/135)
العبد الاباق فصح انه انما عنى بذلك المماليك فقط، قلنا وبالله تعالى التوفيق: ليس الاباق لفظا موقوفا على المماليك الذين.
لنا فقط، بل كل من هرب عن سيده ومالكة فهو آبق، والله تعالى مالك الجميع والكل عبيده ومماليكه فمن هرب عن جماعة الله تعالى وعن دار دين الله تعالى إلى دار أعداء الله تعالى المحاربين لله عزوجل فهو آبق * برهان ذلك قول الله تعالى: (وان يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون) فقد سمى الله تعالى فعل يونس رسوله صلى الله عليه وسلم - وهو حر بلا خلاف - إذ فر عن أمر ربه تعالى اباقا فصح ان الاباق لكل حر وعبد، وبالله تعالى التوفيق * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد ابن معاوية ثنا احمد بن شعيب أنا محمد بن قدامة عن جرير عن المغيرة بن مقسم عن الشعبي قال: كان جرير بن عبد الله يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة وان مات مات كافرا فاق غلام لجرير فاخذه فضرب عنقه " * قال أبو محمد رحمه الله: ولا يسقط عن اللاحق بالمشركين لحاقه بهم شيئا من الحدود التي أصابها قبل لحاقه ولا التي أصابها بعد لحاقه لان الله تعالى أوجب
الحدود في القرآن على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أرسلها ولم يسقطها، وكذلك لم يسقطها عن المرتد ولا عن المحارب ولا عن الممتنع ولا عن الباغي إذا قدر على إقامتها عليهم وما كان ربك نسيا، ونحن نشهد بشهادة الله تعالى إن الله عزوجل لو أراد أن يستثني أحدا من هؤلاء لما سكت عن ذلك اعناتا لنا ولا أهمله ولا أغفله فإذ لم يعلمنا بذلك فنحن نقسم بالله تعالى أن الله تعالى ما أراد قط إسقاط حد أصابه لاحق بالشرك قبل لحاقه أو اصابه بعد لحاقه بهم أو أصابه مرتد قبل ردته أو بعدها وأن من خالف هذا فمخطئ عند الله تعالى بيقين لا شك فيه، وقد صح النص والاجماع باسقاطه وهو ما أصابه أهل الكفر ماداموا في دار الحرب قبل أو يتذمموا أو يسلموا فقط فهذا خارج بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل من أسلم منهم فلم يؤاخذهم بشئ مما سلف لهم من قتل أو زنا، أو قذف، أو شرب خمر.
أو سرقة، وصح الاجماع بذلك، فان قال قائل: فان الله تعالى يقول: (قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * وقال تعالى: (ومن يتولهم منكم فانه منهم) فصح بهذا أن المرتد من الكفار بلا شك فإذ هو منهم فحكمه حكمهم * وذكروا من طريق مسلم حدثنا محمد بن المثنى ثنا الضحاك - يعني أبا عاصم النبيل - أنا حيوة بن شريح ثنا يزيد ابن أبي حبيب عن ابن شمامة المهري ثنا مضر ثنا عمرو بن العاص في سياقة الموت يبكي طويلا فذكر الحديث وفيه قال: " فلما جعل الله الاسلام في قلبي أتيت رسول الله(11/136)
صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلابايعك فبسط يمينه فقبضت يدي فقال: ما لك يا عمرو؟ فقلت أردت ان اشترط: فقال: تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر لي قال: اما علمت ان الاسلام يهدم ما قبله وأن الهجرة تهدم ما قبلها وأن الحج يهدم ما قبله " وذكر باقي الكلام * ومن طريق مسلم حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون وابراهيم بن دينار واللفظ لابراهيم قال ثنا حجاج - هو ابن محمد - عن ابن جريج أخبرني يعلى بن مسلم أنه سمع
سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس " أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ان الذي تقول وتدعو إليه لحسن ولو تخبرنا إن لما عملنا كفارة فنزل (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) إلى قوله: (يلق أثاما) (وقل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) الآية * قال أبو محمد رحمه الله: تمام الآية الاولى إلى قوله: (حسنات) والاخرى (ان الله يغفر الذنوب جميعا) وكل هذا حق ولا حجة لهم فيه بل عليهم على ما نبين ان شاء الله تعالى * أما قول الله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) الآية فنعم هكذا نقول ولم نخالفهم في هذه الآية ولا هي مسألتنا وإنما مسألتنا هل تقام عليهم الحدود السالفة أم لا؟ وليس في هذه الآية من هذا حكم أصلا لا بنص من القرآن، ولا من السنة وان التائب منا مغفور له وأن ماعزا مغفور له والغامدية والجهنية.
مغفور لهما بلا شك، ولم تسقط عنهم مغفرة الله تعالى لهم ذنبهم حد الله تعالى الواجب في الدنيا وانما أسقطت مغفرة الله تعالى عنهم عذاب الآخرة فقط ولم يسقط عنهم الحد بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم مع علمه صلى الله عليه وسلم أنه مغفور لهم أقام علهيم حد الزنا الذي قد غفره الله تعالى لهم، وقد جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسطح بن أثاثة في القذف وهو بدري مغفور له وجلد النعمان في الخمر وهو بدري مغفور له، وجلد عمر رضي الله عنه بحضرة الحصابة رضي الله عنهم قدامة بن مظعون وهو بدري مغفور له، كل ما فعل في الخمر ولو تمت الشهادة على المغيرة لحده وهو حدبى مغفور له ما قد فعل، فصح أن المغفرة من الله تعالى لا تسقط الحدود الواجبة في الدنيا ومن خالف هذا وقال: إن التوبة تسقط الحدود كلها خالف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا، وقد تقصينا هذا في باب مفرد لذلك قبل هذا بأبواب يسيرة * وأما قول الله تعالى: (ومن يتولهم منكم فانه منهم) فلا حجة لهم في هذا أصلا لانه ليس فيها إسقاط
الحدود على من أبق إليهم أو ارتد وانما فيها أن المرتد من الكفار، وهذا لا شك(11/137)
فيه عند مسلم (فان قالوا): بلى ولكن لما كان منهم حكم له بحكمهم قلنا: لهم هذا واضح، وبرهان ذلك اجماعكم معنا على أن المرتد لا يقر على ردته بخلاف المشرك الكتابي الذي يقر على كفره إذا أدى الجزية صاغرا وتذمم، وأنه لا يقبل من المرتد جزية أصلا عندكم، وانه لا تنكح المرتدة بخلاف المشركة الكتابية، وانه لا تؤكل ذبيحة المرتد بخلاف المشرك الكتابي ولا يسترق المرتد إن سبى كما يسترق المشرك إن سبي فقد أقررتم ببطلان قياسكم الفاسد فأبطلتم أن يقاس المرتد على الكافر في شئ من هذه الوجوه ويلزمكم أن لا تقيسوه عليهم في سقوط الحدود فهو أحوط لقياسكم، ولاح أنهم في هذه المسألة لا النص من القرآن والسنة اتبعوا، ولا القياس طردوا، ولا تعلقوا بشئ أصلا، وبالله تعالى التوفيق * وصح أن قول الله تعالى: (ومن يتولهم منكم فانه منهم) إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين فان ادعوا أن المرتد لا تقبل منه جزية، ولا تؤكل ذبيحته، ولا يسترق اجماعا دل ذلك على جهل من ادعى ذلك أو كذبه * فقد صح عن بعض السلف أخذ الجزية منهم، وعن بعض الفقهاء أكل ذبيحته إن ارتد إلى دين صابئ، وأبو حنيفة وأصحابه يقولون: أن المرتدة إذا لحقت بارض الحرب سبيت واسترقت ولم تقتل ولو انها هاشمية أو عبشمية * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا بن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل أن عاملا لعمر بن عبد العزيز كتب إلى عمر بن عبد العزيز في رجل أسلم ثم ارتد فكتب إليه عمر بن عبد العزيز أن اسأله عن شرائع الاسلام فان كان قد عرفها فأعرض عليه الاسلام فان أبى فاضرب عنقه وإن كان لم يعرفها فغلظ عليه الجزية ودعه قال معمر: وأخبرني قوم من أهل الجزيرة أن
قوما أسلموا ثم لم يمكثوا إلا قليلا حتى ارتدوا فكتب فيهم ميمون بن مهران إلى عمر بن عبد العزيز فكتب عمر بن عبد العزيز ان رد عليهم الجزية ودعهم، وقد روى نحو هذا عن عمر بن الخطاب * قال أبو محمد رحمه الله: واما حديث عمر وبن العاص فهو عليهم أعظم حجة لان فيه تسوية النبي صلى الله عليه وسلم بين الاسلام والهجرة والحج في أن كل واحد منها يهدم ما قبله وهم لا يختلفون ولا أحد نعلمه في أن الجج لا يسقط حدا اصابه المرء قبل حجه ولم يتب منه ولم تطل مدته دونه فمن الباطل أن يتحكموا في حكم الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فيحملوا قوله عليه السلام: " ان الاسلام يهدم ما قبله " على أن الاسلام يسقط(11/138)
الحدود التى واقعها العبد قبل اسلامه ويجعل الحج لا يسقطها، وكلا الامرين جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيئا واحدا وأن هذا الخبر ضد قولهم في هذه المسألة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انما أخبر أن الاسلام يهدم ما قبله وان الهجرة تهدم ما قبلها وأن الحج يهدم ما قبله فقالوا هم: أن الردة إلى الكفر تهدم ما قبلها من الحدود الواجبة قياسا للكفر على الاسلام وأن الهجرة إلى الشيطان واللحاق بدار الكفر وأهل الحرب تهدم ما قبلها من الحدود قياسا على الهجرة إلى الله تعالى وإلى دار الاسلام وأن الحج لا يهدم ما قبله، وهذا عين العناد والخلاف والمكابرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم * وأما حديث عمر رضي الله عنه فانه لم يتكلم قط في ذلك الخبر في ثبات الحدود أو سقوطها وانما تكلم في المغفرة، وإذا قلنا: أن مغفرة الله تعالى للذنوب لا تسقط الحدود الواجبة في تلك الذنوب إلا حيث صح النص.
والاجماع باسقاطها فقط وليس ذلك إلا في الحربي الكافر يبتدئ الاسلام فقط، ونحن نقول: أن الاسلام والهجرة الصادقة إلى الله تعالى ورسوله عليه السلام.
وأن الحج المبرور يهدم ما قبله من الذنوب ومن صفة كل ما ذكرنا من الاسلام الحسن والهجرة الصادقة والحج المبرور
أن يتوب صاحب هذه الحال عن كل ذنب سلف قبله * برهان ذلك ما حدثنا به عبد الرحمن ابن عبد الله بن خالد نا ابراهيم بن احمد نا الفربرى نا البخاري نا خلاد بن يحيى نا سفيان بن منصور.
والاعمش كلاهما عن أبى وائل عن عبد الله بن مسعود قال: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية قال: " من أحسن في الاسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الاسلام أخذ بالاول والآخر " * قال ابو محمد رحمه الله: فحكم الاحسان في الاسلام هو التوبة من كل ذنب أسلفه أيام كفره، وأما من اصر على معاصيه فما أحسن في اسلامه بل أساء فيه، وكذلك من لم يهجر ما نهى الله تعالى عنه فليس تام الهجرة وكل حج أصر صاحبه على المعاصي فيه فلم يوف حقه من البر فليس مبرورا، وبالله تعالى التوفيق * 2171 مسألة الاستتابة في الحدود وترك سجنه * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق نا ابن جريج قال: حضرت عبد العزيز بن عبد الله جلد انسانا الحد في فرية فلما فرغ من ذلك قال له أبو بكر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن ربيعة: أن من الامر ان يستتاب عند ذلك فقال عبد العزيز للمجلود: تب فحسبنه أنه قال أتوب إلى الله: قال ابن جريج: واخبرني بعض علماء أهل المدينة انهم لا يختلفون أنه يستتاب كل من عمل عمل قوم لوط.
أو زنى، أو افترى، أو شرب، أو سرق أو حارب، قال عبد الرزاق: وخبرني أبو بكر(11/139)
عن غير واحد عن ابن المسيب انه قال: سنة الحد أن يستتاب صاحبه إذا فرغ من جلده قال سعيد بن المسيب: ان قال قد تبت وهو غير رضى لم تقبل شهادته * قال ابو محمد رحمه الله: وبهذا نقول لان التوبة فرض من الله تعالى على كل مذنب ولان الدعاء إلى التوبة فرض على كل مسلم قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم) الآية وإذا كان هذا الاصرار على الذنب حراما باجماع الامة كلها المتيقن فالتوبة والاقلاع فرض باجماع الامة كلها
لا خلاف في ذلك، قال الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) وقال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) الآية * قال أبو محمد رحمه الله: فلما كانت التوبة من سبيل الله تعالى المفترض سلوكها وكانت من الخير والمعروف كان فرضا على كل مسلم أن يدعو إليها بالنصوص التى ذكرنا واستتابة المذنب قبل إقامة الحد عليه واجبة لقول الله تعالى: (سارعوا إلى مغفرة من ربكم) فالمسارعة إلى الفرض فرض فان لم يستتبه الامام أو من حضره الا حتى أقيم عليه الحد فواجب أن يستتاب بعد الحد على ما ذكرنا فان لم يتب فأقيم عليه استتيب فان تاب اطلق ولا سبيل عليه بحبس أصلا لانه قد أخذ حق الله تعالى منه الذي لاحق له قبله سواه، فالزيادة على ذلك تعد لحدود الله تعالى وهذا حرام * 2172 مسألة قال ابو محمد رحمه الله: فان قال: لا أتوب فقد أتى منكرا فواجب أن يعزر على ما نذكره في كتاب التعزير ان شاء الله تعالى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان " فيجب أن يضرب أبدا حتى يتوب هذا ان صرح بأن لا يتوب، فإذا أدى ذلك إلى منيته فذلك عقيرة الله وقتيل الحق لا شئ على متولى ذلك لانه أحسن فيما فعل به، وقد قال الله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) فان سكت ولم يقل أتوب ولا لا أتوب فواجب حبسه واعادة الاستتابة عليه أبدا حتى ينطق بالتوبة فيطلق * برهان ذلك أنه قد صح منه الذنب ووجبت عليه التوبة ولا تعرف توبته الا بنطقه بها فهو ما لم ينطق بها وبالاصرار فممكن أن يتوب في نفسه وممكن أن لا يتوب فلما كان كلا الامرين ممكنا لم يحل ضربه لانه لم يأت بمنكر تيقن أنه أتى به ولم يجز تسريحه لان فرضا عليه دعاؤه إلى التوبة حتى يتوب ولا سبيل إلى امساكه وبالله تعالى التوفيق * وهكذا أبدا متى تاب ثم واقع الذنب أو غيره فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ان مرسلان في أنه استتاب السارق بعد قطع يده كما حدثنا حمام(11/140)
نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن ابن جريج.
وسفيان الثوري.
ومعمر قال ابن جريج.
وسفيان كلاهما عن أبي خصفة عن محمد بن عثمان بن ثوبان، وقال معمر: عن أيوب السختيانى قال أيوب.
وابن ثوبان: أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل سرق شملة فقيل يا رسول الله هذا سرق: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أخاله أسرقت؟ قال: نعم قال: فاذهبوا فاقطعوا يده ثم احسموها ثم ائتونى به فأتوه به فقال: انى أتوب إلى الله فقال: اللهم تب عليه " * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن ابن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع رجلا ثم أمر به فحسم قال له: " تب إلى الله تعالى فقال أتوب إلى الله تعالى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ان السارق إذا قطعت يده وقعت في النار فان عاد تبعها وان تاب استشالها " قال عبد الرزاق يقول استرجعها: * قال أبو محمد رحمه الله: هذان مرسلان ولا حجة في مرسل وانما الحجة فيما أوردنا من النصوص قبل، وانما أوردناهما لئلا يموه مموه بما فيهما من الاستتابة بعد القطع وبالله تعالى التوفيق * 2173 - مسألة - الامتحان في الحدود وغيرها بالضرب أو السجن أو التهديد * قال على رحمه الله: لا يحل الامتحان في شئ من الاشياء بضرب ولا بسجن ولا بتهديد لانه لم يوجب ذلك قرآن.
ولا سنة ثابتة.
ولا اجماع ولا يحل أخذ شئ من الدين الا من هذه الثلاثة النصوص (1) بل قد منع الله تعالى من ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فحرم الله تعالى البشر.
والعرض فلا يحل ضرب مسلم ولا سبه الا بحق أوجبه القرآن أو السنة الثابتة وقال تعالى: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) فلا يحل لاحد أن يمنع مسلما من المشى في الارض بالسجن بغير حق أوجبه قرآن أو سنة ثابتة، وأما من صح قبله حق ولواه ومنعه فهو ظالم قد تيقن ظلمه فواجب ضربه أبدا حتى يخرج مما عليه لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع " ولامره عليه السلام بجلد عشرة فأقل فيما دون الحد على ما نذكره في باب التعزير ان شاء الله تعالى وإنما هذا فيما صح أنه عنده أو يعلم مكانه لما ذكرنا، وأما من كلف اقرارا على غيره فقط وقد علم أنه يعلم الجاني فلا يجوز تكليفه ذلك لانها شهادة ومن كتم الشهادة فانه فاسق لقول الله تعالى: (فلا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثم قلبه) فإذ هو فاسق آثم فلا ينتفع بقوله لا يحل قبول شهادته حينئذ وهو مجرح بذلك أبدا ما لم يتب فلا
__________
(1) في النسخة اليمنية هذه الثلاثة الاصول(11/141)
يحل أن يهدد أحد ولا أن يروع بأن يبعث إلى ظالم يعتدي عليه، وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: ولا خلاف في أن كل هذا حرام في الذمي كما هو في المسلم فان ضرب حتى أقر فقد جاء عن بعض السلف في هذا ما حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح ناسحنون نا ابن وهب عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أن طارقا كان جعل ثعلبا الشامي على المدينة يستخلفه فأتى بانسان اتهم بسرقة فلم يزل يجلده حتى اعترف بالسرقة فأرسل إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب فاستفتاه فقال ابن عمر: لا تقطع يده حتى يبرزها * قال أبو محمد رحمه الله: اما ان لم يكن الا اقراره فقط فليس بشئ لان أخذه باقرار هذه صفته لم يوجبها قرآن ولا سنة ولا اجماع وقد صح تحريم بشرته ودمه بيقين فلا يحل شئ من ذلك إلا بنص أو اجماع فان استضاف إلى الاقرار أمر يتحقق به يقينا صحة ما أقر به ولا يشك في أنه صاحب ذلك فالواجب اقامة الحد عليه وله القود مع ذلك على من ضربه السلطان كان أو غيره لانه ضربه ظالما له دون أن يجب عليه ضرب وهو عدوان وقد قال الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه) الآية وليس ظلمه وما وجب عليه من حد الله تعالى أو لغيره بمسقط حقه
عند غيره في ظلمه له بل يؤخذ منه ما عليه ويعطى هو من غيره وهكذا قال مالك وغيره في السارق يمتحن فيخرج السرقة بعينها ان عليه القطع إذا كانت مما يقطع فيه إلا أن يقول دفعها إلى انسان أدفعها له وانما اعترفت لما أصابني من الضرب فلا يقطع * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا صحيح وبه نقول، وأما البعثة في المتهم وايهامه دون تهديد ما يوجب عليه الاقرار فحسن واجب كبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف اليهودي الذي ادعت الجارية التي رض رأسها فسيق إليه فلم يزل به عليه السلام حتى اعترف فأقاد منه وكما فعل علي بن أبي طالب إذ فرق بين المدعى عليهم القتل وأسر إلى أحدهم ثم رفع صوته بالتكبير فوهم الآخر أنه قد أقر ثم دعي بالآخر فسأله فأقر حتى أقروا كلهم فهذا حسن لانه لا اكراه فيه ولا ضرب، وقد كره هذا مالك ولا وجه لكراهيته لانه ليس فيه عمل محظور وهو فعل صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف ينكر ذلك وإنما الكره ما حدثنا يونس بن عبد الله نا احمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا احمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي عن أبيه عن الحارث بن سويد عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ما من كلام يدرأ عنى سوطا أو سوطين عند سلطان إلا تكلمت به *(11/142)
وعن شريح أنه قال: السجن كره والوعيد كره والقيد كره والضرب كره * قال أبو محمد رحمه الله: كل ما كان ضرارافي جسم أو مال أو توعد به المرء في ابنه أو أبيه أو أهله أو أخيه المسلم فهو كره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه " * ولما روينا من طريق البخاري نا مسدد نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن شعبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه " * 2174 - مسألة - الشهادة على الحدود * قال علي: نا محمد بن سعيد بن نبات
نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن علي بن كليب عن أبيه أن علي بن أبي طالب كان يأمر بالشهود إذا شهدوا على السارق أن يقطعوه يلون ذلك * قال أبو محمد رحمه الله: ليس هذا بواجب لانه لا يوجبه قرآن ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم ثابتة لكن طاعة الامام أو أميره واجبة فإذا أمر الامام أو أميره الشهود أو غيرهم أن يقطعه لزمتهم الطاعة، وبالله تعالى التوفيق * وبه إلى وكيع نا اسرائيل عن جابر الجعفي عن الشعبي في رجلين شهدا على ثلاثة أنهم سرقوا قال: يقطعون * قال علي رحمه الله: وهكذا نقول، ولو شهد عدلان على الف رجل أو أكثر بقتل أو بسرقة أو بحرابة أو بشرب خمر أو بقذف لوجب القود والقطع والحد في كل ذلك على جميعهم بشهادة الشاهدين ولا فرق بين شهادتهما عليهم مجتمعين وبين شهادتهما على كل واحد منهم على انفراده * قال أبو محمد رحمه الله: ولو أن عدلين شهدا على عدول بشئ مما ذكرنا وقال المشهود عليهم: نشهد عليهم بكذا وكذا مثل ما شهد به الشاهدان عليهم أو شيئا آخر لم يلتفت إلى شهادة المشهود عليهم أصلا ووجب انفاذ الحدود والحقوق عليهم بشهادة السابقين إلى الشهادة * برهان ذلك ان المشهود عليهم بما ذكرنا قد بطلت عدالتهم وصحت جرحتهم بشهادة العدلين عليهم بما شهدا به مما يوجب الحد فان من ثبت عليه ما يوجب الحد أو بعض المعاصي التي لا توجب حدا كالغصب وغيره فهو مجرح فاسق بيقين ولا شهادة لمجرح فاسق أصلا، فلو أن المشهود عليهم صحت توبتهم بعد ماكان منهم وجب بذلك أن تعود عدالتهم فإذا كان ذلك كذلك فان الشهادتين معا مقبولتان وينفذ على كلا الطائفتين شهدت به عليها الاخرى إلا أن كلتا الشهادتين شهادة واجبة قبولها بنص القرآن والسنة(11/143)
في أمره تعالى بالحكم بشهادة العدول وبالله تعالى التوفيق * فان شهدت كلتا الطائفتين على الاخرى معا لم تسبق احدى الشهادتين الاخرى إما عند حاكيمن وإما في عقدين عند حاكم واحد فهما أيضا شهادتان قائمتان صحيحتان فان كلتا الشهادتين تبطل بيقين لا شك فيه لانه ليست احداهما بأولى بالقبول من الاخرى فلو قبلناهما معا لكنا قد صرنا موقنين بأننا ننفذ الشهادة الآن دأبا حكما بشهادة فساق لان كل شهادة منهما توجب الفسق والجرحة على الاخرى والمنع من قبول الشهادة الاخرى، ولو حكمنا باحدى الشهادتين على الاخرى مطارفة لكان هذا عين الظلم والجور إذ لم يوجب ترجيح احداهما على الاخرى نص ولا اجماع، ومن أراد أن يرجح الشهادة ها هنا بأعدل البينتين أو باكثرهما عددا فهو خطأ من القول لانه لم يوجب الله تعالى قط شيئا من ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وسلم ولا أجمعت الامة عليه، والحكم بمثل هذا لا يجوز * 2175 - مسألة - من شهد في حد بعد حين * قال أبو محمد رحمه الله: نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية ثنا وكيع نا مسعر بن كدام عن أبي عون - هو محمد بن عبد الله الثقفي - قال عمر بن الخطاب: من شهد على رجل بحد لم يشهد به حين أصابه فانما يشهد على ضغن، قال علي: نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب قال: بلغني عن ربيعة أنه قال في رجل زنى في صباه واطلع على ذلك رهط عدول فلم يرفعوا أمره ولبث بذلك سنين وحسنت حالته ثم نازع رجلا فرماه بذلك وأتى على ذلك بالبينة واعترف فانه يرجم، لا يضع الحد عن أهله طول زمان ولا أن يحدث صاحب ذلك حسن هيئة، قال ابن وهب: يريد بصباه سفهه بعد الاحتلام * قال أبو محمد رحمه الله: وقال ابو حنيفة.
وأصحابه: ان شهد اربعة عدول أحرار مسلمون بالزنا بعد مدة فلا حد عليه * قال ابو يوسف: مقدار المدة المذكورة شهر واحد، وقالوا: ان شهد عليه عدلان مسلمان حران بسرقة بعد مدة فلا قطع عليه لكن يضمن ما شهد عليه بأنه سرقه ولو شهدا عليه بشرب خمر، فان كانت الشهادة وريح الخمر توجد منه
أو وهو سكران أقيم عليه الحد وان كانت تلك الشهادة بعد ذهاب الريح أو السكر فلا حد عليه إلا أن يكونوا حملوه إلى الامام في مصر آخر فزال الريح أو السكر في الطريق فانه يحد، ولو شهد عليه بعد مدة طويلة بقذف أو جراحة حد للقدف ووجب عليه حكم تلك الجراحة، وقال الشافعي.
وأصحابه وأصحابنا: يقام عليه الحد في كل ذلك، وقال الاوزاعي.
والليث.
والحسن بن حي مثل ذلك *(11/144)
قال أبو محمد رحمه الله: واذ قد بلغنا ههنا فلنتكلم بعون الله تعالى في حكم من اطلع على حد أهو في حرج ان كتم الشهادة أم في سعة من ذلك؟ فنقول: قال الله تعالى: (وأقيموا الشهادة لله)، وقال تعالى: (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) وقال تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثم قلبه) وقال تعالى: (ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا) ووجدنا ما روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا ليث - هو ابن سعد - عن عقيل عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة " * قال أبو محمد رحمه الله: فوجب استعمال هذه النصوص كلها فنظرنا في ذلك فوجدنا العمل في جمعها الذي لا يحل لاحد غيره لا يخلو من احد وجهين اما ان يخص عموم الآيات المذكورة بالخبر المدكور، واما أن يخص عموم الخبر المذكور بالآيات المذكورات إذ لا يمكن البتة غير هذا ولابد من احد العملين فان خصصنا عموم الآيات بالخبر كان القول في ذلك ان القيام بالشهادات كلها والاعلان بها فرض الا ما كان منها ستر المسلم في حد من الحدود فالافضل الستر وان خصصنا عموم الخبر بالآيات كان القول في ذلك ان الستر على المسلم حسن إلا ماكان من أداء الشهادات فانه واجب فنظرنا أي
هذين العملين هو الذي يقوم البرهان على صحته فيؤخذ به إذ لا يحل أخذ احداهما مطارفة دون الآخر ولا يجوز أن يكونا جمعا جميعا بل الحق في أحدهما بلا شك فنظرنا في ذلك بعون الله تعالى فوجدنا الستر على المسلم الذي ندبنا إليه في الحديث لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما إما يستره ويستر عليه في ظلم يطلب به المسلم فهذا فرض واجب وليس هذا مندوبا إليه بل هو كالصلاة والزكاة، وإما أن يكون في الذنب يصيبه المسلم ما بينه وبين ربه تعالى ولم يقل أحد من أهل الاسلام باباحة الستر على مسلم في ظلم ظلم به مسلما كمن أخذ مال مسلم بحرابة واطلع عليه انسان أو غصبه امرأته أو سرق حرا وما اشبهه فهذا فرض على كل مسلم أن يقوم به حتى يرد الظلامات إلى أهلها فنظرنا في الحديث المذكور فوجدناه ندبا لا حتما وفضيلة لا فرضا فكان الظاهر منه أن للانسان أن يستر على المسلم يراه على حد بهذا الخبر ما لم يسئل عن تلك الشهادة نفسها فان سئل عنها ففرض عليه اقامتها وأن لا يكتمها فان كتمها حينئذ فهو عاص لله تعالى وصح بهذا اتفاق الخبر مع الآيات.
وأن اقامة الشهادة لله تعالى وتحريم(11/145)
كتمانها وكون المرء ظالما بذلك فانما هو إذا دعى فقط لا إذا لم يدع كما قال تعالى: (ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا) ثم نظرنا في الخبر المذكور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حدثناه حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا ابراهيم بن محمد نا يحيى بن يعمر نا ابن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن ابي عمرة الانصاري - هو عبد الرحمن بن زيد بن خالد - " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا اخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها " * قال أبو محمد رحمه الله: فكان هذا عموما في كل شهادة في حد أو غير حد ووجدنا قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم أو الوالدين والاقربين) فسوى الله تعالى بين وجوب أداء المرء الشهادة على
نفسه وعلى والديه وأقاربه والاباعد فوجب من هذه النصوص أن الشهادة لا حرج على المرء في ترك أدائها ما لم يسألها حدا كان أو غيره فإذا سألها ففرض عليه أداؤها حدا أو غيره، وان من كان لانسان عنده شهادة والمشهود له لا يدري بها ففرض عليه اعلامه بها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولائمة المسلمين وعامتهم " فان سأله المشهود اداءها لزمه ذلك فرضا لما ذكرنا قبل من قول الله تعالى: (ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا) وان لم يسئل لم يلزمه أن يؤديها وبالله تعالى التوفيق * وأما من كانت عنده شهادة على انسان بزنا فقذف ذلك الزاني انسان فوقف القاذف على أن يحد للمقذوف ففرض على الشاهد على المقذوف الزاني أن يؤدي الشهادة ولا بد سئلها أولم يسئلها علم القاذف بذلك أو لم يعلم وهو عاص لله تعالى ان لم يؤدها حينئذ لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه " ولقوله عليه السلام: " أنصر أخاك ظالما كان أو مظلوما " فهذا إذا أدى الشهادة التي عنده بصحة ما قذف به معين على اقامة حد بحق غير ظالم به معين على البر والتقوى وان لم يؤدها معين على الاثم والعدوان وهو ظالم قد اسلمه للظلم إذ تركه يضرب بغير حق، فان ذكروا ما ناه يوسف ابن عبد الله وغيره قالوا: حدثنا محمد بن ا لجسور ثنا قاسم بن اصبغ نا مطرف بن قيس حدثنا يحيى بن بكير نا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب قال: أن رجلا من اسلم جاء إلى ابي بكر الصديق فقال: ان الاخر زنى فقال له ابو بكر: هل ذكرت ذلك لغيري؟ فقال: لا قال ابو بكر: فتب إلى الله واستتر بستر الله فان الله يقبل التوبة عن(11/146)
عباده فلم تقر نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب فقال له كما قال لابي بكر فقال له عمر كما قال له ابو بكر فلم تقر نفسه حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ان الاخر زنى قال سعيد بن المسيب: فاعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا كل ذلك يعرض عنه حتى إذا أكثر عليه بعث إلى
أهله فقال: أيشتكي أبه جنة؟ فقالوا: لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكر ام ثيب؟ فقالوا: بل ثيب فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم " قال سعيد: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من اسلم يقال له هزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك قال يحيى: فذكرت هذا الحديث في مجلس فيه يزيد بن نعيم بن هزال الاسلمي فقال يزيد: هزال جدي، وهذا الحديث حق، قال علي: فان هذا الحديث مرسل لم يسنده سعيد ولا يزيد بن نعيم ولا حجة في مرسل ولو انسند لما خرج منه إلا ان الستر وترك الشهادة افضل فقط هذا على أصول القائلين بالقياس إذا سلم لهم، وبالله تعالى التوفيق * 2176 - مسألة - اختلاف الشهود في الحدود * قال ابو محمد: فلما اختلفوا في ذلك فنظرنا في ذلك فالذي نقول به ان كل ما تمت به الشهادة ووجب القضاء بها فان كل ما زاده الشهود على ذلك فلا حكم له ولا يضر الشهادة اختلافهم كما لا يضرها سكوتهم عنه وان كل ما لا تتم الشهادة الا به فهذا هو الذي يفسدها اختلافهم فالشهادة إذا تمت من أربعة عدول بالزنى على انسان بامرأة يعرفونها أجنبية لا يشكون في ذلك، ثم اختلفوا في المكان أو في الزمان أو في المزني بها فقال بعضهم: أمس بامرأة سوداء، وقال بعضهم: بامرأة بيضاء اليوم فالشهادة تامة والحد واجب لان الزنا قد تم عليه ولا يحتاج في الشهادة إلى ذكر مكان ولا زمان ولا إلى ذكر التي زني بها فالسكوت عن ذكر ذلك وذكره سواء وكذلك في السرقة، ولو قال احدهما: أمس وقال الآخر: عام أول أو قال احدهما بمكة وقال الآخر ببغداد فالسرقة قد صحت وتمت الشهادة فيها ولا معنى لذكر المكان ولا الزمان ولا الشئ المسروق منه سواء اختلفا فيه أو اتفقا فيه أو سكتا عنه لانه لغو وحديث زائد ليس من الشهادة في شئ، وكذلك في شرب الخمر وفي القذف فالحد قد وجب ولا معنى لذكر المكان والمقذوف في ذلك والمسكوت عنه وذكره والاتفاق عليه والاختلاف فيه سواء * قال أبو محمد رحمه الله: ومن ادعى الخلاف في ذلك فيلزمه أن يراعى اختلاف
الشهود في لباس الزاني والسارق والشارب والقاذف فان قال احدهما: كان في رأسه قلنسوة وقال الآخر: عمامة أو قال احدهما: كان عليه ثوب أخضر، وقال الآخر: بل أحمر، وقال احدهما: في غيم وقال الآخر: في صحو فهذا كله لا معنى له، فان قال قائل: ان الغرض(11/147)
في مراعاة الاختلاف انما هو أن تكون الشهادة على عمل واحد فقط وإذا اختلفوا في المكان أو الزمان أو المقذوف أو المزني بها أو المسروق منه أو الشئ المسروق فلم يشهدوا على عمل واحد قلنا: من أين وقع لكم أن تكون الشهادة في كل ذلك على عمل واحد وأي قرآن أو سنة أو اجماع أوجب ذلك؟ وأي نظر أوجبه؟ وهذا ما لا سبيل إلى وجوده بل الغرض اثبات الزنا المحرم والفذف المحرم والسرقة المحرمة والشرب المحرم والكفر المحرم فقط ولا مزيد، وبيان ذلك قول الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء) الآية، فصح بهذه الآية أن الواجب انما هو اثبات الزنا فقط وهو الذي رماها به ولا معنى لذكره التي رماها ولا سكوته عنه فليس عليه أن يأتي بأكثر من أربعة شهداء على ان الذي رماها به من الزنا حق ولا نبالي عملا واحدا كان أو اربعة أعمال لان كل ذلك زنا، وكذلك ان شهد عليه بالقذف لمحصنة فقد ثبت عليه بالقرآن ثمانون جلدة ولم يحد الله تعالى أن يكون في الشهادة ذكر الزمان ولا ذكر المكان فالزيادة لهذا باطل بيقين لان الله تعالى لم يأمر به ولا بمراعاته، وكذلك قال الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) فحسبنا، وصحة الشهادة بانها سارقة أو أنه سارق، ولم نجد الله تعالى ذكر الزمان أو المكان أو المسروق منه أو الشئ المسروق فمراعاة ذلك باطل بيقين لا شك فيه، وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شرب الخمر فاجلدوه " فاوجب الجلد بشرب الخمر فإذا صحت الشهادة بشرب الخمر فقد وجب الحد بنص أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ولا معنى لمراعاة ذكر مكان أو زمان أو صفة الخمر أوصفة الاناء إذ لم يأت نص بذلك عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم وسلم فمراعاة ذلك
باطل بلا شك، والحمد لله رب العالمين * قال أبو محمد: وقد جاء نحو ذلك عن السلف كما حدثنا عبد بن ربيع حدثنا ابن مفرج حدثنا قاسم بن اصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب أنا السري بن يحيى قال: حدثنا الحسن البصري قال: شهد الجارود على قدامة بن مظعون أنه شرب الخمر - وكان عمر قد أمر قدامة على البحرين - فقال عمر للجارود: من يشهد معك؟ قال: علقمة الخصي فدعا علقمة فقال له عمر بم تشهد؟ فقال علقمة وهل تجوز شهادة الخصي قال عمر: وما يمنعه أن تجوز شهادته إذا كان مسلما قال علقمة: رأيته يقئ الخمر في طست قال عمر: فلا وربك ماقاءها حتى شربها فأمر به فجلد الحد فهذا حكم عمر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لايعرف له منهم مخالف في إقامة(11/148)
الحد بشهادتين مختلفتين إحداهما أنه رأه يشرب الخمر والاخرى أنه لم يره يشربها لكن رآه يتقيؤها وعهدناهم يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم وهم ههنا قد خالفوا عمر بن الخطاب.
والجارود.
وجميع من بحضرتهما من الصحابة فلا مؤنة عليهم وحسبنا الله ونعم الوكيل * 2177 - مسألة - الاقرار بالحد بعد مدة وأيهما أفضل الاقرار أم الاستتار به؟ قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في ذلك فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما اختلفوا فيه لنعلم الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى فنظرنا فيما احتجب به الطائفة المختارة للستر وأن جميع الامة متفقون على أن الستر مباح وأن الاعتراف مباح انما اختلفوا في الافضل ولم يقل أحد من أهل الاسلام أن المعترف بما عمل مما يوجب الحد عاص لله تعالى في اعترافه ولا قال أحد من أهل الاسلام قط: أن الساتر على نفسه ما أصاب من حد عاص لله تعالى فنظرنا في تلك الاخبار التي جاءت في ذلك فوجدناها كلها لا يصح منها شئ إلا خبرا واحدا في آخرها لا حجة لهم فيه على ما نبين
إن شاء الله تعالى، اما خبر هزال الذي صدرنا به من طريق شعبة عن محمد بن المنكدر عن ابن هزال عن أبيه فمرسل فلا حجة فيه لانه مرسل، وكذلك الذي من طريق ابن المبارك عن يحيى بن سعيد عن ابن المنكدر، ويزيد بن النعيم أيضا مرسل، وكذلك حديث مالك عن يحيى بن سعيد الانصاري مرسل أيضا، وحديث الليث عن يحيى ابن سعيد مرسل أيضا فبطل الاحتجاج برواية يحيى بن سعيد وبالله تعالى التوفيق * ثم نظرنا في هذا الخبر من طريق عكرمة بن عمار فوجدناه لا حجة فيه لوجهين، احدهما أنه مرسل، والثاني أن عكرمة بن عمار ضعيف ثم نظرنا فيه من طريق حبان بن هلال عن أبان ابن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن يزيد بن نعيم بن هزال الانصاري عن عبد الله بن دينار فوجدناه أيضا مرسلا، ثم نظرنا فيه من طريق ابن جريج عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عبد الله بن دينار فوجدناه أيضا مرسلا، ثم نظرنا فيه من رواية معمر عن أيوب السختياني عن حميد بن هلال فوجدناه أيضا مرسلا، ثم نظرنا فيه من رواية الحبلي عن أبي قلابة فوجدناه مرسلا * وأما حديث حماد بن سلمة ففيه أبو المنذر لا يدرى من هو، وأبو أمية المخزومي ولا يدرى من هو وهو أيضا مرسل، وحتى لو صح هذا الخبر لما كان لهم فيه حجة لانه ليس فيه إلا ما أخالك سرقت ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول الا الحق فلو صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للذي سيق إليه بالسرقة ما أخالك سرقت لكنا على يقين من أنه عليه السلام قد صدق في(11/149)
ذلك وأنه على الحقيقة يظن أنه لم يسرق وليس في هذا تلقين له ولا دليل على أن الستر أفضل فبطل تعلقهم بهذا الخبر جملة * وأما حديث مسلم في الاجهاد فلا حجة فيه لوجهين، أحدهما أنه من رواية محمد بن عبد الله بن أخي الزهري وهو ضعيف، والثاني أنه لو صح لما كانت لهم فيه حجة أصلا لان الاجهاد المذكور انما هو ما ذكره المرء مفتخرا به لانه ليس في هذا الخبر انه يخبر به الامام معترفا ليقام عليه كتاب
الله تعالى وانما فيه ذم المجاهرة بالمعصية وهذا لا شك فيه حرام، ثم نظرنا في حديث مسلم الذي رواه ابن شهاب عن أبي سلمة.
وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرض عن المعترف مرات " فوجدناه صحيحا لا داخلة فيه لاحد الا أنه لا حجة لهم فيه لان الناس في سبب اعراض رسول الله صلى الله عليه وآله عنه على قولين فطائفة قالت: انما أعرض عنه لان الاقرار بالزنا لا يتم الا بتمام أربع مرات، وطائفة قالت: انما أعرض عنه عليه السلام لانه ظن أن به جنونا أو شرب خمر ولم يقل أحد من الامة ان الحاكم إذا ثبت عنده الاقرار بالحد جاز له أن يستره ولا يقيمه فبطل تعلقهم بهذا الخبر وسنستقصي الكلام في تصحيح أحد هذين الوجهين بعد هذا ان شاء الله تعالى * قال أبو محمد: فلم يبق (1) لهذه الطائفة خبر يتعلقون به أصلا، ثم نظرنا (2) فيما روي في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم فوجدناه أيضا لا يصح منه شئ أما الرواية عن أبي بكر.
وعمر رضي الله عنهما في قولهما للاسلمي: استتر بستر الله فلا تصح لانها عن سعيد بن السميب مرسلة، وكذلك حديث ابراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن يزيد عن محمد بن عبد الرحمن أن أبا بكر فهو مرسل * قال أبو محمد: ثم نظرنا فيما احتجت به طائفة الاخرى فوجدنا الرواية عن الصحابة أن الطائفة منهم قالت: ما توبة أفضل من توبة ماعز جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده وقال: اقتلني بالحجارة، فصح هذا من قول طائفة عظيمة من الصحابة رضي الله عنهم بل لو قلنا: انه لا مخالف لهذه الطائفة من الصحابة رضي الله عنهم لصدقنا لان الطائفة الاخرى لم تخالفها وانما قالت: لقد هلك ماعز لقد أحاطت به خطيئته فانما أنكروا أمر الخطيئة لا أمر الاعتراف فوجدنا تفضيل الاعتراف لم يصح عن احد من الصحابة رضي الله عنهم خلافه * ثم نظرنا فيما احتجوا به من الآثار فوجدناها في غاية الصحة والبيان لان رسول الله صلى الله عليه وسلم حمد توبة ماعز
__________
(1) في النسخة اليمنية فلما لم يبق (2) في النسخة اليمنية أصلا نظرنا(11/150)
والغامدية وذكر عليه السلام أن توبة ماعز لو قسمت بين أمة لوسعتهم.
وان الغامدية لو تاب توبتها صاحب مكس لغفر له.
وأن الجهينية لو قسمت توبتها بين سبعين من اهل المدينة لوسعتهم، ثم رفع عليه السلام الاشكال جملة فقال: انها لم نجد أفضل من ان جادت بنفسها لله فصح يقينا ان الاعتراف بالدنب ليقام عليه الحد أفضل من الاستتار له بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا أفضل من جود المعترف بنفسه لله تعالى * قال أبو محمد رحمه الله: ومن البرهان على ذلك أيضا ما رويناه من طريق مسلم نا يحيى ابن يحيى.
وابو بكر بن ابي شيبة.
وعمرو الناقد.
واسحق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - ومحمد ابن عبد الله بن نمير كلهم عن سفيان بن عيينة واللفظ لعمرو، قال سفيان بن عيينة عن الزهري عن ابي ادريس الخولاني عن عبادة بن الصامت قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق فمن وفى منكم فاجره على الله ومن اصاب شيئا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له ومن أصاب شيئا فستره الله عليه فأمره إلى الله.
ان شاء عفى عنه وان شاء عذبه " قال علي رحمه الله: فارتفع الاشكال جملة والحمد لله رب العالمين وصح بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم واعلامه أمته ونصيحته اياهم بأحسن ما علمه ربه تعالى ان من أصاب حدا فستره الله عليه فان أمره إلى الله تعالى ان شاء عذبه وان شاء غفر له وأن من أقيم عليه الحد فقد سقط عنه ذلك الذنب، وكفره الله تعالى عنه، وبالضرورة ندري ان يقين المغفرة أفضل من التعزير في امكانها أو عذاب الآخرة وأين عذاب الدنيا كلها من غمسة في النار؟ نعوذ بالله منها فكيف من اكثر من ذلك * قال أبو محمد رحمه الله: فصح أن اعتراف المرء بذنبه عند الامام أفضل من الستر بيقين وان الستر مباح بالاجماع، وبالله تعالى التوفيق *
2178 - مسألة - تعافوا الحدود قبل بلوغها (1) إلى الحاكم * قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود نا سليمان بن داود المهري نا ابن وهب سمعت ابن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله ابن عمرو بن العاصي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب " نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا محمد ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب قال: سمعت ابن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب
__________
(1) في النسخة اليمنية تعافوا الحد قبل بلوغه(11/151)
عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب " * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا محمد بن جعفر نا سعيد - هو ابن أبي عزوبة - عن قتادة عن عطاء بن أبي رباح عن طارق بن مرقع عن صفوان بن أمية أن رجلا سرق بردة فرفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأمر بقطعه فقال: يا رسول الله قد تجاوزت عنه قال: " فلو لا كان هذا قبل أن تأتيني به يا أبا وهب - فقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم - " نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد ابن شعيب أنا هلال بن العلاء الرقي نا حسين نا زهير نا عبد الملك - هو ابن أبي بشير - نا عكرمة عن صفوان بن أمية أنه طاف بالبيت فصلى ثم لف رداء له في برده فوضعه تحت رأسه فنام فاتاه لص فاستله من تحت رأسه فأخذه فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان هذا سرق ردائي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أسرقت رداء هذا؟ قال: نعم قال: ذهبا ب فاقطعا يده - قال صفوان: ما كنت أريد أن تقطع يده في ردائي قال: فلو ما كان هذا قبل " * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب نا احمد بن عثمان بن حكيم نا عمرو عن اسباط عن سماك عن حميد بن اخت صفوان عن صفوان بن امية قال: كنت
نائما في المسجد على خميصة لي ثمن ثلاثين درهما فجاء رجل فاختلسها مني فأخذ الرجل فاتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به ليقطع فأتيته فقلت له: تقطعه من أجل ثلاثين درهما انا اضعه وانسئه ثمنها قال: فهلا كان هذا قبل ان تأتيني به " نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم ابن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن عمرو بن الحارث ان عمرو بن دينار المكي حدثه انه قيل لصفوان بن امية لا دين لمن لم يهاجر فاقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه فقال: ما اقدمك قال قبل لي: انه لا دين لمن لم يهاجر قال: " فاقسمت عليك لترجعن إلى أباطيح مكة ثم جئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل فقال: ان هذا سرق خميصتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقطعوا يده - قال: عفوت عنه يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا قبل ان تأتيني به " * نا يوسف بن عبد الله نا أحمد بن محمد بن الجسور نا قاسم بن أصبغ نا مطرف بن قيس نا يحيى بن بكير نا مالك نابن شهاب عن صفوان بن عبد الله ابن صفوان بن أمية أن صفوان بن أمية قيل له: انه من لم يهاجر هلك فقدم صفوان ابن أمية المدينة فنام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق فأخذ رداءه فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فامر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تقطع يده فقال صفوان: اني لم ارده بهذا هو عليه صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا قبل ان تأتيني به "؟ *(11/152)
قال أبو محمد رحمه الله: وجاء فيه أيضا عن بعض السلف كما رويناه بالسند المدكور إلى مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن الزبير بن العوام لقى رجلا قد أخذ سارقا وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفع له الزبير ليرسله فقال: لا حتى أبلغ به إلى السلطان فقال له الزبير: إذا بلغت به إلى السلطان فلعن الله الشافع والمشفع * قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم فوجدناها لا يصح منها شئ أصلا، أما الاول فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عمرو وهي صحيفة، وأما حديث صفوان فلا يصح فيه شئ أصلا لانها كلها منقطعة لانها عن عطاء.
وعكرمة.
وعمرو بن دينار.
وابن شهاب وليس منهم أحد أدرك صفوان، وأما عن عطاء عن طارق بن مرتفع (1) وهو مجهول، أو عن اسباط عن سمك عن حميد بن أخت صفوان وهذا ضعيف عن ضعيف عن مجهول * قال علي: فإذ ليس في هذا الباب أثر يعتمد عليه فالمرجوع إليه هو طلب حكم هذه المسألة من غير هذه الآثار فنظرنا في ذلك فوجدنا قد صح بالبراهين التي قد أوردنا قبل أن الحد لا يجب الا بعد بلوغه إلى الامام وصحته عنده فإذ الامر كذلك فالترك لطلب صاحبه قبل ذلك مباح لانه لم يجب عليه فيما فعل حد بعد ورفعه أيضا مباح إذ لم يمنع من ذلك نص أو اجماع فإذ كلا الامرين مباح فالاحب الينا دون أن يفتى به أن يعفا عنه ما كان وهلة ومستورا فان اذى صاحبه وجاهر فرفعه أحب الينا وبالله تعالي التوفيق * 2179 مسألة هل تدرأ الحدود بالشبهات أم لا؟ قال أبو محمد رحمه الله: ذهب قوم إلى أن الحدود تدرأ بالشبهات فأشدهم قولا بها واستعمالا لها أبو حنيفة وأصحابه ثم المالكيون ثم الشافعيون، وذهب أصحابنا إلى أن الحدود لا يحل أن تدرأ بشبهة ولا أن تقام بشبهة وانما هو الحق لله تعالى ولا مزيد فان لم يثبت الحد لم يحل أن يقام بشبهة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " وإذا ثبت الحد لم يحل أن يدرأ بشبهة لقول الله تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها) * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في اللفط الذي يتعلق به من تعلق أيصح أم لا؟ فنظرنا فيه فوجدناه قد جاء من طرق ليس فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم نص ولا كلمة وانما هي عن بعض أصحاب (2) من طرق كلها لا خير فيها
__________
(1) كذا في النسخ، وفي ميزان الاعتدال وتقريب التهذيب ابن مرقع (2) في النسخة رقم 14 عن بعض الصحابة(11/153)
كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن ابراهيم النخعي أن عمر بن الخطاب قال: ادرءوا الحدود ما استطعتم * وبه إلى سفيان الثوري عن القاسم بن عبد الرحمن قال قال ابن مسعود: اردءوا الحدود ما استطعتم، وعن ابي هريرة ادفعوا الحدود ما وجدتم مدفعا، وعن ابن عمر قال: ادفعوا الحدود بالشبهات * وعن عائشة ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم * وعن عمر بن الخطاب.
وابن مسعود كانا يقولان: ادرءوا عن عباد الله الحدود فيما شبه عليكم * قال أبو محمد رحمه الله: وهي كلها لا شئ، اما من طريق عبد الرزاق فمرسل، والذي من طريق عمر كذلك لانه عن ابراهيم عن عمر ولم يولد ابراهيم الا بعد موت عمر بنحو خمسة عشر عاما، والآخر الذي عن ابن مسعود مرسل لانه من طريق القاسم ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وأما أحاديث ابن حبيب ففضيحة لو لم يكن فيها غيره لكفى فكلها مرسلة * قال أبو محمد رحمه الله: فحصل مما ذكرنا أن اللفظ الذي تعلقوا به لا نعلمه روي عن أحد أصلا وهو ادرءوا الحدود بالشبهات لا عن صاحب ولا عن تابع الا الرواية الساقطة التي أوردنا من طريق ابراهيم بن الفضل عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر.
وابراهيم ساقط، وانما جاء كما ترى عن بعض الصحابة مما لم يصح ادرءوا الحدود ما استطعتم وهذا لفظ ان استعمل ادى إلى ابطال الحدود جملة على كل حال، وهذا خلاف اجماع أهل الاسلام وخلاف الدين وخلاف القرآن والسنن لان كل أحد هو مستطيع على أن يدرأ كل حد يأتيه فلا يقيمه فبطل أن يستعمل هذا اللفظ وسقط أن تكون فيه حجة لما ذكرنا، وأما اللفظ الآخر في ذكر الشبهات فقد قلنا: ادرءوا لا نعرفه عن أحد أصلا الا ما ذكرنا مما لا يجب أن يستعمل فقط لانه باطل لا أصل له، ثم لا سبيل لاحد إلى استعماله لانه ليس فيه بيان ما هي تلك الشبهات فليس
لاحد أن يقول في شئ يريد ان يسقط به حدا هذا شبهة الا كان لغيره أن يقول: ليس بشبهة ولا كان لاحد أن يقول في شئ لا يريد أن يسقط به حدا: ليس هذا شبهة الا كان لغيره أن يقول: بل هو شبهة، ومثل هذا لا يخل استعماله في دين الله تعالى انه لم يأت به قرآن.
ولا سنة صحيحة.
ولا سقيمة.
ولا قول صاحب.
ولا قياس.
ولا معقول مع الاختلاط الذي فيه كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: فان شغب مشغب بما رويناه من طريق البخاري(11/154)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم كان لما استبان أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من الاثم أو شك ان يواقع ما استبان والمعاصي حمى الله من يرتع حول الحمى يوشك ان يواقعه، فان هذ صحيح وبه نقول وهو عليهم لا لهم لانه ليس فيه الا ترك المرء ما اشتبه عليه فلم يدر ما حكمه عند الله تعالى في الذي له تعبدنا به، وهذا فرض لا يحل لاحد مخالفته، وهكذا نقول ان من جهل احرام هذا الشئ أم حلال؟ فالورع له ان يمسك عنه ومن جهل أفرض هو ام غير فرض؟ فحكمه ان لا يوجبه ومن جهل أوجب الحد ام لم يجب؟ ففرضه ان لا يقيمه لان الاعراض والدماء حرام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم واعراضكم وأبشاركم عليكم حرام "، واما إذا تبين وجوب الحد فلا يحل لاحد ان يسقطه لانه فرض من فرائض الله تعالى * قال ابو محمد رحمه الله: ما نعلم احدا أشد جسرا على اقامة الحد بالشبهات وحيث لا تجب اقامتها منهم ثم يسقطونها حيث أوجبها الله تعالى ورسوله عليه السلام ونحن ذاكرون من ذلك طرفا كافيا ان شاء الله تعالى، فأول ذلك النفس التي عظم الله تعالى أمرها وحرم قتلها الا بالحق، فأما المالكيون فقتلوا النفس المحرمة بدعوى من لعله يريد ان يشفي نفسه من عدوه مع ايمان رجلين من عشيرته وان كانا أفسق البرية وهم لا يعطونه بدعواه نواة معفونة ولو حلفوا مع دعواه الف يمين وكانوا أصلح البرية،
وهذا سفك الدم المحرم بالشبهة الفاسدة التي لا شبهة أبرد منها ويقتلون بشهادة اللوث غير العدل والقسامة ولا يعطون بشهادتهم فلسين ويقتلون الآبي عن الصلاة ان أقر بها وانها فرض، ويقتلون الممسك آخر حتى قتل.
ولا يحدون الممسك امرأة حتى يزني بها، ويقتلون الساحر دون استتابة وانما هي حيل وكبيرة كالزنا، ولا يقتلون آكل الربا، وقول الله تعالى فيه أشد من قوله في الساحر.
ويقتلون المستتر بالكفر ولا يدرءون عنه باعلانه التوبة ولا يقتلون المعلن بالكفر إذا أظهر التوبة ولا فرق، ويقتلون المسلم بالكافر إذا قتله غيلة ولا يجيزون في ذلك عفو الولي وهذا خلاف القرآن والسنة واقامة الحدود بالشبهة الفاسدة.
ويجلدون الفاتل المعفو عنه مائة جلدة وينفونه سنة، (وأما الحنيفيون) فيقتلون المسلم بالكافر خلافا على الله تعالى.
وعلى رسوله عليه السلام ومحافظة لاهل الكفر، ولا يقتلون الكافر إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة أهل الاسلام في أسواقهم ومساجدهم ولا يقتلون من أهل الكفر من سب الله تعالى جهارا بحضرة المسلمين، وهذه أمور نعوذ بالله منها، ويقتلون الذمي الذي قد حرم دمه إلا بالحق بشهادة كافرين.
وأما الزنا فان المالكيين يحدون بالحبل ولعله من(11/155)
اكراه، ويرجمون المحصن إذا وطئ امرأة أجنبية في دبرها أو فعل فعل قوم لوط محصنا كان أو غير محصن، ولا يحدون واطئ البهيمة ولا المرأة تحمل على نفسها كلبا وكل ذلك اباحة فرج بالباطل، ولا يحدون التي تزني وهي عاقلة بالغة مختارة بصبي لم يبلغ، ويحدون الرجل إذا زنى بصبية من سن ذلك الصبي، وان ابن القاسم لا يحد النصراني ولا اليهودي إذا زنى بمسلمة ويطلقون الحربي النازل عندنا بتجارة والمتذمم يغرم الجزية على تملك المسلمات اللواتي سباهن قبل تزوله وتذممه من حرائر المسلمات من القرشيات.
والانصاريات وغيرهن وعلي وطئهن وبيعن صراحا مباحا، وهذه قولة ما سمع بافحش منها *
2180 - مسألة - وأما السرقة فان المالكيين يقطعون فيها الرجلين بلا نص ثابت ولا اجماع، ويقطعون من دخل منزل انسان فاخرج منه ما يساوي ثلاثة دراهم وقال: ان صاحب الدار أرسلني في هذه الحاجة وصدقه صاحب الدار، ولا يلتفتون إلى شئ من هذا أو يقطعون يده مطارفة، ويقطعون جماعة سرقت ربع دينار فقط، ورأوا في أحد أقوالهم انه إذا غلط بالسارق فقطعت يساره انه تقطع اليد الاخرى فقطعوا يديه جميعا في سرقة واحدة وما عين الله تعالى قط يمنى من يسرى، والحنيفيون يقطعون فيها الرجل بعد اليد بغير نص ولا اجماع.
واما القذف فان المالكيين يحدون حد القذف في التعريض ويسقطون جميع الحدود بالقتل حاشي حد القذف، فان كانوا يسقطون سائر الحدود بالشبهة فما بالهم لا يسقطون حد القذف أيضا بالشبهة، وقالوا: انما فعلنا ذلك خوف أن يقال للمقذوف: لو لم يكن الذي قذفك صادقا لحد لك ففي أي دين وجدوها من قرآن أو سنة أو قياس؟ ويحدون شارب الخمر ولو جرعة منه خوف أن يقذف أحدا بالزنا وهو لم يقذف أحدا بعد فأي عجب في إقامة الحدود بلا شبهة، ويتعلقون برواية ساقطة عن بعض الصحابة قد أعاذهم الله تعالى من مثلها، ويحدون من قال لآخر: لست ابن فلان إذا نفاه عن أبيه، ويحدن من قذف امرأته بانسان سماه وان لاعن امرأته وهذه خلاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم مجرد، ويحدون من قذف انسانا نكح نكاحا فاسدا لا يحل مثله وهو عالم بالتحريم، هذا وهم يحدون من قذف امرأة مسلمة ظهر بها حمل وهم يقرون انهم لا يحلفون ولا يقطعون انه من زنا ومنهم من يرى الحد على من قال لآخر: زنت عينك أو زنت يدك وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن اليدين تزنيان وزناهما البطش والعينين تزنيان وزناهما النظر والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " وأما الخمر فان المالكيين يقيمون الحد فيه بالنكهة، وكل من له معرفة يدري ان من أكل الكمثري الشتوي(11/156)
وبعض أنواع التفاح أن نكهة فمه ونكهة شارب الخمر سواء، وأيضا فلعله ملا فمه منها
ولم يجرعها فبقيت النكهة أو لعله دلس عليه بها وهو لا يدري، ثم يجلدون هم والحنيفيون في الخمر ثمانين جلدة وجمهور الصحابة على ان الحد فيها اربعون فلم يدرعوا الاربعين.
الزائدة بالشبهة ولم يوجبها قرآن ولا سنة ولا اجماع، ويحدون ثمانين كما قلنا بفرية لم يفترها بعد فيقدمون له الحدود ولعله لا يقذف أحدا ابدا، ولا فرق بين هذا وبين أن يقدموا له حد زنا لم يكن منه، أو حد سرقة لم يكن منه، ويحدون هم والشافعيون الفاضل العالم المتأول احلال النبيذ المسكر ويقبلون مع ذلك شهادته ويأخذون العلم عنه ولا يحدون المتأول في الشغار والمنعة وان كان عالما بالتحريم.
ولا في الخليطين وان كان حراما كالخمرة * 2181 - مسألة - اعتراف العبد بما يوجب الحد: قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فنظرنا في ذلك فوجدنا أصحابنا يقولون: قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) والعبد مال من مال سيده فاعترافه بما يوجب ابطال بعض مال سيده كسب على غيره فلا يجوز بنص القرآن * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا احتجاج صحيح ان لم يأت ما يدفعه فنظرنا فوجدنا الله تعالى يقول: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين) فأمر الله تعالى بقبول شهادة المرء على نفسه وعلى والديه وأقربائه ولم يختلف الناس في أن شهادة المرء على نفسه مقبولة دون آخر معه دون يمين تلزمه سواء كان فاسقا أو عدلا مؤمنا كان أو كافرا وان شهادته على غيره لا تقبل الا بشرط العدالة وبأن يكون معه غيره أو يمين الطالب على حسب اختلاف الناس في ذلك ولم يخص الله تعالى عبدا من حر، فلما ورد هذان النصان من عند رب العالمين وجب أن ننظر في استعمالهما فوجدنا أصحابنا يقولون: هو شاهد على نفسه كاسب على غيره فلا يقبل، ووجدنا من خالفهم يقول: بل هو شاهد على نفسه كاسب عليها وان أدى ذلك إلى نقص في مال سيده ولم يقصد الشهادة على مال سيده فنظرنا في هذين الاستعمالين إذ
لابد من استعمال أحدهما فوجدنا قول أصحابنا في انه كاسب على غيره انما يصح بواسطة وبانتاج لا بنفس الاقرار ووجدنا قول من خالفهم يصح بنفس القصة لانه انما أقر على نفسه بنفس لفظه وهو ظاهر مقصده وانما يتعدى ذلك إلى السيد بتأويل لا بظاهر اقراره فكان هذا أصح الاستعمالين وأولاهما ولو كان ما قالوه أصحابنا لوجب أن لا يحد العبد في زنى ولا في سرقة.
ولا في خمر.
ولا في قذف.
ولا في حرابة وان قامت بذلك(11/157)
بينة وان لا يقتل في قود لانه في ذلك كاسب على غيره وفي الحد عليه اتلاف لمال سيده وهذا ما لا يقولونه لا هم ولاغيرهم * 2182 - مسألة - من قال: لا يؤاخد الله عبدا بأول ذنب * قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن قرة بن عبد الرحمن المعافري عن ابن شهاب قال: أتى أبو بكر الصديق بسارق فقال: اقطعوا يده فقال: أقلنها يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما سرقت قبلها فقال له أبو بكر: كذبت والذي نفسي بيده ما غافص الله مؤمنا بأول ذنب يعمله * وبه إلى ابن وهب عن سفيان الثوري عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: أتى عمر بن الخطاب بسارق فقال: والله ما سرقت قبلها فقال له عمر: كذبت ورب عمر ما أخذ الله عبدا عند أول ذنب * وبه إلى ابن وهب عن عبد الله ابن سمعان بهذا وأن علي بن أبي طالب قال له: الله أحلم من أن يأخذ عبده في اول ذنب يا أمير المؤمنين فأمر به عمر فقطع فلما قطع قام إليه علي بن أبي طالب فقال له: أنشدك الله كم سرقت من مرة؟ قال له: احدى وعشرين مرة - [ غافصة فاجأه وأخذه على غرة ] * قال أبو محمد رحمه الله: يفعل الله ما يشاء وكل أحكامه عدل وحق فقد يستر الله الكثير والقليل على من يشاء إما إملاء وإما تفضلا ليتوب ويأخذ بالذنب الواحد وبالذنوب عقوبة أو كفارة له لا معقب لحكمه ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون،
والاسنادان عن أبي بكر.
وعلي ضعيفان أحدهما مرسل والآخر مرسل ساقط والاسناد في ذلك عن عمر صحيح ولله الامر من قبل ومن بعد * 2183 - مسألة - هل تقام الحدود على أهل الذمة؟ * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا الخبر فجاء عن علي بن أبي طالب لا حد على أهل الذمة في الزنا وجاء عن ابن عباس لا حد على أهل الذمة في السرقة، وقال أبو حنيفة: لا حد على أهل الذمة في الزنا ولا في شرب الخمر وعليهم الحد في القذف وفي السرقة الا المعاهد في السرقة لكن يضمنها، وقال محمد بن الحسن صاحبه: لا أمنع الذمي من الزنا وشرب الخمر وأمنعه من الغناء، وقال مالك: لا حد على أهل الذمة في زنا ولا في شرب خمر وعليهم الحد في القذف والسرقة، وقال الشافعي.
وأبو سليمان وأصحابهما: عليهم الحد في كل ذلك * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا عبد الاعلى بن محمد نا الدبري نا عبد الرزاق نا الثوري أخبرني سماك بن حرب عن قابوس بن المخلوق عن أبيه قال: كتب محمد بن أبي بكر إلى علي بن أبي طالب يسأله عن مسلمين تزندقا.
وعن مسلم زنى بنصرانية.
وعن مكاتب مات وترك بقية من(11/158)
كتابته وترك ولدا أحرارا فكتب إليه علي أما اللذان تزندقا فان تابا والا فاضرب أعناقهما وأما المسلم الذي زنى بالنصرانية فاقم عليه الحد وارفع النصرانية إلى أهل دينها وأما المكاتب فأعط مواليه بقية كتابته وأعط ولده الاحرار ما بقي من ماله نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج.
وسفيان الثوري كلاهما عن عمرو بن دينار عن مجاهد أن ابن عباس كان لا يرى على عبد ولا على أهل الذمة حدا، وعن ربيعة أنه قال في اليهودي.
والنصراني: لا أرى عليهما في الزنا حدا قال: وقد كان من الوفاء لهم بالذمة أن يخلى بينهم وبين [ أهل ] دينهم وشرائعهم تكون ذنوبهم عليهم * قال أبوا محمد رحمه الله: فلما اختلفوا وحب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق فنتبعه فنظرنا في قول من قال: لاحد على ذمى فوجدناهم يقولون: قال الله تعالى: (فان جاءوك
فاحكم بينهم أو اعرض عنهم فان حكمت فاحكم بينهم بالقسط) ووجدناهم يقولون: قد عاهدناهم على الترك لهم على كفرهم وكان كفرهم يدخل فيه كل شريطة من احكامهم فوجب أن لا يعترض عليهم بخلاف ما عوهدوا عليه * قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم لهم حجة غير هذا فلما نظرنا في ذلك وجدناه لا حجة فيه للحنيفيين.
والمالكيين أصلا لان الآية المذكورة عامة لا خاصة وهم قد خصوا فاوجبوا عليهم الحد في السرقة وفى القذف لمسلم وفى الحرابة واسقطوا الحد في الزنا وفى الخمر فقط وهذا تحكم لم يوجبه قرآن ولا سنة لا صحيحة ولا سقيمه ولا اجماع ولا قول صاحب، (فان قالوا): السرقة ظلم ولا يقرون على ظلم مسلم ولا على ظلم ذمى والقذف حكم بينهم وبين المسلم، وإذا كان ذلك فلا خلاف في أنه يحكم في ذلك بحكم الاسلام قلنا لهم: وكذلك الزنا إذا زنوا بامرأة مسلم أو بأمته أو بامرأة ذمي أو أمته فانه ظلم للمسلم أو سيدها وظلم للذمي كذلك ولا يقرون على ظلم، وعلى كل حال فقد خصصتم الآية بلا دليل وتركتم ظاهرها بلا حجة، فان شغبوا بقول علي.
وابن عباس رضي الله عنهما في ذلك قلنا لهم: لا حجة لكم في ذلك لان الرواية عن علي في ذلك لا تصح لانها عن سماك بن حرب وهو ضعيف يقبل التلقين ثم عن قابوس بن المخارق وهو مجهول، ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة لانه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الرواية عن ابن عباس فابعد لانه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وانهم قد خالفوا ابن عباس في هذه القضية لان فيها لا حد على عبد وهم لا يرون هذا ولا حد على ذمي وهم يرون الحد عليه في القذف والسرقة * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد تعارضت الروايتان عن مجاهد عن ابن عباس(11/159)
فقد بطل التعلق باحداهما دون الاخرى ووجب ردهما إلى كتاب الله تعالى فلاي القولين شهد القرآن والسنة فهو الحق، وعلى كل حال فقد بطل كل قول شغب به الحنيفيون.
والمالكيون ولم يبق لهم حجة أصلا.
أما الآية فانها منسوخة ولو صح انها محكمة لما
كان لمن اسقط بها اقامة الحدود عليهم متعلق لانه انما فيها التخيير في الحكم بينهم لا في الحكم عليهم جملة واقامة الحدود حكم عليهم لا حكم بينهم فليس للحدود في هذه الآية مدخل اصلا بوجه من الوجوه فسقط التعلق بها جملة.
وأما عهود من عاهدهم على الحكم باحكامهم فليس ذلك عهد الله تعالى بل هو عهد ابليس.
وعهد الباطل.
وعهد الضلال ولا يعرف المسلمون عقودا ولا عهودا إلا ما أمر الله تعالى به في القرآن والسنة فهي التي أمر الله تعالى بالوفاء بها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل " وقال عليه السلام: " من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد " وان قالوا: قال الله تعالى: (لااكراه في الدين) قلنا: نعم ما نكرههم على الاسلام ولا على الصلوة ولا على الزكاة ولا على الصيام ولا الحج لكن متى كان لهم حكم حكمنا فيه بحكم الاسلام لقول الله تعالى: (وان احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع اهواءهم واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ما أنزل الله اليك) وقال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)؟ فافترض الله تعالى على لسان رسوله عليه السلام أن لا نتبع أهواءهم فمن تركهم واحكامهم فقد اتبع اهواءهم وخالف أمر الله تعالى في القرآن * 2184 - مسألة - حد المماليك * قال ابو محمد رحمه الله: الحدود كلها اربعة أقسام لا خامس لها، إما أماتة بصلب.
أو بقتل بسيف.
أو برجم بالحجارة وما جرى مجراها.
وإما نفي واما قطع واما جلد، وجاء النص واجماع الامة كلها على أن حد المملوكة الانثى في بعض وجوه الجلد وهو الزنا مع الاحصان خاصة نصف حد الحر والحرة في ذلك واتفقوا كلهم مع النص ان حد المماليك في القتل والصلب كحد الاحرار وجاء النص أيضا في النفي الذي ليس له أمد سواه، واختلفوا فيما عدا ذلك على ما نذكره ان شاء الله تعالى، فذهبت طائفة إلى ان حد الاماء والعبيد فيما عدا ما ذكرنا ولا نحاش شيئا كحد الاحرار سواء سواء، وهو قول أصحابنا، وقالت طائفة: حد العبيد والاماء في الجلد كله على النصف من حد الاحرار والحرائر وحد العبيد والاماء في
القطع كحد الاحرار والحرائر، فاختلف هؤلاء فطائفة تقول به في الاحرار ولا تقول به في العبيد والنساء والاماء والحرائر فالذين يقولون بالنفي المؤقت جملة اختلفوا فطائفة جعلت حد الاماء والعبيد فيه نصف حد الحر والحرة وهو قول الشافعي.
وأصحابه(11/160)
وطائفة جعلت فيه حد الاماء خاصة على النصف من حد الحرائر وجعلت فيه حد العبيد كحد الاحرار وهو قول أبي سليمان.
وأصحابنا، أما الطائفة التي لا تقول بالنفي المؤقت فهم أبو حنيفة.
وأصحابه، وأما الطائفة التي قالت به في الاحرار خاصة ولم يقولوا به في العبيد ولا في الاماء ولا في الحرائر فهم مالك وأصحابه * وقالت طائفة حد العبيد والاماء في جلد الزنا على نصف حد الاحرار والحرائر وحد العبيد والاماء في القذف كحد الحر والحرة وهو قول روي عن عمر بن عبد العزيز وغيره * قال ابو محمد رحمه الله: والذي نقول به ان حد المماليك ذكورهم وأناثهم في الجلد والنفي المؤقت والقطع على النصف من حد الحر والحرة وهو كل ما يمكن أن يكون له نصف وأما ما لا يمكن أن يكون له نصف من القتل بالسيف أو الصلب أو النفي الذي لا وقت له فالمماليك والاحرار فيه سواء * قال ابو محمد رحمه الله: فاما أقوال من ذكرنا فالتناقض فيها ظاهر لا خفاء به وما نعلم لهم شبهة أصلا وسنذكر أقوالهم ان شاء الله تعالى إلا أن يقول قائل: ان القطع لا يمكن تنصيفه فهو خطأ من قبل الآثار ومن قبل الحس والمشاهدة، فاما من قبل الحس والمشاهدة فان اليد معروفة المقدار فقطع نصفها ممكن ظاهر بالعيان وهو قطع الانامل فقط ويبقى الكف وقد وجدناهم يوقعون على الانامل خاصة حكم اليد فلا يختلفون فيمن قطعت أنامله كلها ان له دية يد فمن قطع الانامل خاصة فقد وافق النص لانه قطع ما يقع عليه اسم يد كما أمره الله تعالى وقطع نصف ما يقطع من الحر كما جاء النص أيضا على ما نذكره، وكذلك الرجل أيضا لها مقدار معروف فقطع نصفها ممكن وهو قطعها من
وسطها مع الساق فقط، وأما من طريق الآثار فحدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن علي بن أبي طالب كان يقطع اليد من الاصابع والرجل من نصف القدم، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن ابي المقدام قال: اخبرني من رأى علي بن أبي طالب يقطع يد رجل من المفصل، وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: كان عمر بن الخطاب يقطع القدم من مفصلها، وكان علي يقطع القدم قال ابن جريج: أشار لي عمرو إلى شطرها * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد جاء النص عن علي رضي الله عنه قطع اليد من المفصل وقطعها من الاصابع فالواجب حمل ذلك على خلاف التناقض الذي لا وجه له لكن على أن ذلك في حالين مختلفين، وهكذا القول في القدم أيضا * قال ابو محمد رحمه الله: والقوم أصحاب قياس بزعمهم، وقد صح النص(11/161)
والاجماع على أن حد الامة المحصنة في الزنى نصف حد الحرة المحصنة، وصح النص والاجماع أن حد العبد في القتل بالسيف والصلب كحد الحر وكذلك في النفي غير المؤقت فكان يلزمهم على أصولهم التي ينتمون إليها في القول بالقياس على أن يجعلوا ما اختلف فيه من القطع مردودا إلى أشبه الجنسين به فهذه عمدتهم التي اتفقوا عليها في القياس فإذا فعلوا هذا وجب أن يكون القطع مقيسا على الجلد لا على القتل ولا على النفي غير المؤقت وذلك ان القتل لا يتنصف وكذلك النفي غير المؤقت، وأما الجلد فيتنصف والقطع يتنصف فكان قياس ما يتنصف على ما يتنصف أولى من قياس ما يتنصف على ما لا يتنصف هذا أصح قياس لو صح شئ من القياس يوما ما * قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في ذلك ليلوح الحق من ذلك فنتبعه فوجدناهم يقولون قال الله تعالى في الاماء: (فإذا أحصن فان أتين بفاحشة.
فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) فكان هذا من الله تعالى لا يحل خلافه، وقال تعالى: (الزانية
والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) ولم يخص الله تعالى من ذلك إلا الاماء فقط وما كان ربك نسيا، وأبقى العبيد فلم يخص كما خص الاماء، ومن الباطل أن يريد الله تعالى أن يخص العبيد مع الاماء فيقتصر على ذكر الاماء ويمسك عن ذكر العبيد ويكلفنا من ذلك علم الغيب ومعرفة ما عنده مما لم يعرفنا به حاشى لله تعالى من هذا وكذلك قال الله عزوجل: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) فلم يخص تعالى ههنا امة من حرة ولا عبدا من حر ومن الباطل أن يريد الله تعالى أن لا تجلد العبيد والاماء في القذف ثمانين جلدة ويكون أقل من ذلك ثم يأمرنا بجلد من قذف ثمانين جلدة ولا يبين ذلك لنا أفي حر دون عبد وفي حرة دون أمة وهذا خلاف قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وقوله تعالى: (تبيانا لكل شئ) وقد قال الله تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها) فكان حد القذف من حدود الله تعالى وحد الزنا من حدود الله تعالى فلا يحل أن يتعدى ما حد الله تعالى منها وحد الله تعالى في القذف ثمانين وفي الزنا مائة فلا يحل لاحد أن يتعدى ما حد الله تعالى في أحدهما إلى ما حد الله تعالى في الآخر، فوضح بلا شك أن من حمل أحدهما على الآخر في عبد أو أمة أو حر أو حرة فقد تعدى حدود الله وسوى ما خالف الله تعالى بينهما، وقال الله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) فقلتم: إن الحر والعبد والامة سواء فاين زهق عنكم قياسكم الذي خالفتم به القرآن في حد العبد القاذف والامة القاذفة؟ ومن أين وجب أن تستسهلوا مخالفة قول الله تعالى: (فاجلدوهم ثمانين جلدة) قياسا(11/162)
على قوله تعالى: (فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وعظم عندكم أن تخالفوا قوله: (فاقطعوا أيديهما) قياسا على قوله: (فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) ان هذا لعجب جدا.
قال أصحابنا: ووجدنا الله تعالى يقول: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما
كسبا)، فكان من المحال أن يريد الله تعالى أن يكون حكم العبد والامة في ذلك بخلاف حكم الحر والحرة ثم لا يبينه هذا أمر قد تيقنا أن الله تعالى لا يكلفنا إياه ولا يريده منا قالوا: وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا شرب فاجلدوه " وجلد في الخمر حدا مؤقتا ولم يخص عليه السلام بذلك الحكم حرا من عبد ولا حرة من امة وهو المبين عن الله تعالى * قال ابو محمد رحمه الله: كل ما ذكره أصحابنا فهو حق صحيح إن لم تأت سنة ثابتة تبين صحة ما ذهبنا إليه، وأما إن جاءت سنة صحيحة توجب ما قلنا فالواجب الوقوف عند ما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين لنا مراد ربنا تعالى فنظرنا في ذلك فوجدنا ما ثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن اسماعيل ابن ابراهيم بن علية نا يزيد بن هرون أنا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب أنا محمد بن عيسى الدمشقي نا يزيد بن هرون أنا حماد بن سلمة عن قتادة وأيوب السختياني قال قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي بن ابي طالب، وقال أيوب عن عكرمة عن ابن عباس، ثم اتفق علي.
وابن عباس كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ويقام عليه الحد بقدر ما عتق منه ويرث بقدر ما عتق منه " * قال أبو محمد رحمه الله: هذا اسناد عجيب كأن عليه من شمس الضحى نورا ما ندري احدا غمزه بشئ إلا أن بعضهم ادعى أن وهيبا أرسله * قال ابو محمد رحمه الله: فكان ماذا إذا ارسله وهيب؟ قد أسند حكم المكاتب فيما ذكرنا وفي ديته حماد بن سلمة.
وحماد بن زيد عن أيوب وأسنده علي بن المبارك ويحيى بن ابي كثير عن عكرمة عن ابن عباس صلى الله عليه وسلم، وأيضا فان الحنيفيين والمالكيين متفقون على أن المرسل كالمسند ولا فرق، فعلى قولهم ما زاده ارسال وهيب بن خالد
الاقرة فإذ قد صح وثبت فقد وجب ضرورة بنص حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حدود المماليك جملة عموما لذكورهم وأناثهم مخالفة لحكم حدود الاحرار عموما لذكورهم(11/163)
واناثهم واذ ذلك كذلك فلا قول لاحد من الامة إلى أن حد المماليك على النصف من حدود الاحرار فكان هذا واجبا القول به وبهذا نقول، وبالله تعالى التوفيق * 2185 مسألة هل يقيم السيد الحدود على مماليكه أم لا؟ * قال ابو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: يقيم السيد جميع الحدود من القتل فما دونه على مماليكه، وقالت طائفة: يحد السيد مماليكه في الزنا والخمر والقذف ولا يحده في قطع قالوا: وإنما يحده إذا شهد عليه بذلك الشهود، وقالت طائفة: لا يحد السيد مملوكه في شئ من الاشياء وانما الحدود إلى السلطان فقط.
فالقول الاول كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع ان ابن عمر قطع يد غلام له سرق وجلد عبدا له زنى من غير أن يرفعهما * وبه إلى عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: ان جارية لحفصة سحرتها واعترفت بذلك فاخبرت بها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فقتلها فانكر ذلك عليها عثمان بن عفان فقال له ابن عمر: ما تنكر على أم المؤمنين امرأة سحرت فاعترفت فسكت عثمان * وبه إلى عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن نافع قال: أبق غلام لابن عمر فمر على غلمة لعائشة أم المؤمنين فسرق منهم جرابا فيه تمر وركب حمارا لهم فاتى به ابن عمر فبعث به إلى سعيد بن العاص - وهو أمير على المدينة - فقال سعيد: لا يقطع غلام ابق فارسلت إليه عائشة انما غلمتي غلمتك وانما جاع وركب الحمار ليبلغ عليه فلا تقطعه قال: فقطعه ابن عمر، وعن ابراهيم النخعي أن النعمان بن مقرن قال: لابن مسعود أمتي زنت قال: اجلدها قال: انها لم تحصن قال: احصانها اسلامها * قال شعبة: نا الاعمش عن ابراهيم بهذا وفيه جلدها خمسين، وعن عبد الله بن مسعود وغيره قالوا: ان الرجل يجلد مملوكته
الحدود في بيته، وأن النعمان بن مقرن سأل عبد الله ابن مسعود قال: أمتي زنت قال: اجلدها خمسين قال: انها لم تحصن قال ابن مسعود: احصانها اسلامها، وعن ابن وهب نا ابن جريج أن عمرو بن دينار أخبره أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تجلد وليدتها خمسين إذا زنت، وعن أنس بن مالك انه كان يجلد ولائده خمسين إذا زنين * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج نا عمرو بن دينار أن الحسن بن محمد بن الحنفية اخبره أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم جلدت أمة لها الحد زنت، وعن ابراهيم النخعي قال: كان علقمة.
والاسود يقيمان الحد على جواري قومهما * قال ابو محمد رحمه الله: وقد روي عن بعض من ذكرنا وغيرهم جواز عفو(11/164)
السيد عن مماليكه في الحدود كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن رجل عن سلام بن مسكين أخبرني عن حبيب بن أبي فضالة ان صالح بن كريز حدثه أنه جاء بجارية له زنت إلى الحكم بن أيوب قال: فبينا أنا جالس إذ جاء أنس بن مالك فجلس فقال: يا صالح ما هذه الجارية معك؟ قلت: جاريتنا بغت فأردت أن أرفعها إلى الامام ليقيم عليها الحد قال: لا تفعل رد جاريتك واتق الله واستر عليها قلت؟ ما أنا بفاعل حتى أرفعها قال له انس: لا تفعل وأطعني قال صالح: فلم يزل يراجعني حتى قلت له أردها على أن ما كان على من ذنب فأنت له ضامن فقال انس: نعم قال: فرددتها * وعن ابراهيم النخعي في الامة تزني قال: تجلد خمسين فان عفا عنها سيدها فهو أحب الينا قال عبد الرزاق وبه نأخذ * قال أبو محمد رحمه الله: وهذان أثران ساقطان لانهما عمن لم يسم، وأما من فرق بين ذات الزوج وغير ذات الزوج فكما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابيه قال: في الامة
إذا كانت ليست بذات زوج فظهر (1) منها فاحشة جلدت نصف ما على المحصنات من العذاب يجلدها سيدها فان كانت من ذوات الازواج رفع أمرها إلى الامام، وعن ربيعة أنه قال: احصان المملوكة أن تكون ذات زوج فيذكر منها فاحشة فلا يصدق عليها سيدهاء والزوج يذب.
عن ولده وعن رحمها وعن ما بيده فليس يقيم الفاحشة عليها الا بشهادة أربعة ولا يقيم الحد عليها إذا ثبت الا السلطان قال الله تعالى: (فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وأما من فرق بين الجلد في الزنى.
والخمر.
والقذف وبين القطع في السرقة فهو قول مالك، والليث: وما نعلمه عن أحد قبلهما * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا نظرنا في ذلك لنعلم الحق فنتبعه بمن الله تعالى فوجدنا ابا حنيفة.
وأصحابه يحتجون بما ناه عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن عثمان نا احمد ابن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن يحيى البكاء عن مسلم بن يسار عن أبي عبد الله رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان ابن عمر يأمرنا أن نأخذ عنه قال.
هو عالم فخذوا عنه فسمعته يقول: الزكاة والحدود والفئ والجمعة إلى السلطان.
وعن الحسن البصري أنه ضمن هؤلاء أربعا، الجمعة والصدقة.
والحدود.
والحكم، وعن ابن محيريز أنه قال: الحدود.
والفئ والزكاة.
والجمعة إلى السلطان *
__________
(1) في النسخة رقم (14) فذكر(11/165)
قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم لهم شبهة غير هذا وكل هذا لا حجة لهم فيه لانه ليس في شئ مما ذكروا أن لا يقيم الحدود على المماليك ساداتهم وإنما فيه ذكر الحدود عموما إلى السلطان، وهكذا نقول لكن يخص من ذلك حدود المماليك إلى ساداتهم بدليل أن وجد، ثم أيضا لو كان فيما ذكروه لما كانت فيه حجة لانه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد رحمه الله: وأما قول مالك.
والليث في التفريق بين الجلد والقطع والقتل فلا نعلم لهم أيضا حجة أصلا، ولا ندري لهم في هذا التفريق سلفا من صاحب.
ولا تابع، ولا متعلقا من قرآن.
ولا من سنة صحيحة، ولا سقيمة، ولعل بعضهم أن يقول: ان السيد له جلد عبيده وإمائه أدبا وليس له قطع أيديهم أدبا، فلما كان الحد في الزنا والخمر والقذف جلدا كان ذلك للسادات لانه حد وجلد * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا القول في غاية الفساد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى " فجلد الادب هو غير جلد الحد بلا شك، وبالله تعالى التوفيق * ثم نظرنا في قول ربيعة فوجدناه قولا لا تؤيده حجة لا من قرآن ولا من سنة صحيحة، أما قول ربيعة فان للزوج أن ينوب عنها فحجة زائفة جدا وما جعل الله تعالى للزوج اعتراضا ولا ذبا فيما جاءت السنة باقامته عليها * وأما من رأى السيد يقيم جميع الحدود على مماليكه فنظرنا فيه فوجدنا ما نا عبد الله بن يوسف نا احمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا احمد بن محمد نا احمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا عيسى بن حماد المصري نا الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر " * وعن مسلم أيضا نا القعنبي نا مالك عن ابن شهاب عن عبيدالله بن عتبة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الامة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: " ان زنت فاجلدوها ثم ان زنت فاجلدوها ثم ان زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير " قال ابن شهاب: والضفير الحبل، قال ابن شهاب: لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة، والاخبار فيما ذكرنا كثيرة جدا * قال أبو محمد رحمه الله: ثم نتكلم بعون الله تعالى فيما ذكرنا في الاخبار
المذكورة من بيع الامة التي تزني فنقول: ان الليث روى هذا الحديث عن سعيد(11/166)
ابن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة ان زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر، وهكذا رواه عبد الرزاق عن عبيدالله بن عمر عن سعيد بن ابي سعيد أنه سمع أبا هريرة، وهكذا أيضا رواه خالد بن الحارث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلم يذكروا زناها المرة الثالثة جلدا بل ذكروا البيع فقط، وعن أبي صالح عن أبي هريرة أن يقام الحد عليها ثلاث مرات ثم تباع بعد الثالثة مع الجلد، وهكذا رواه سفيان بن عيينة قال علي: فوجب أن يلغى الشك ويستقر البيع بعد الثالثة مع الجلد، والطرق كلها في ذلك في غاية الصحة، وكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو عن الله تعالى قال الله تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) فإذ ذلك كذلك فأمره صلى الله عليه وسلم بالبيع في الثالثة ندب * برهان ذلك أمره بالبيع في الرابعة لا يمكن البتة إلا هذا لانه لو كان أمره صلى الله عليه وسلم في الثالثة فرضا لما أباح حبسها إلى الرابعة * وأما البيع في الرابعة ففرض لابد منه لان أوامره صلى الله عليه وسلم على الفرض لقول الله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) الآية * قال أبو محمد رحمه الله: ويجبره السلطان على بيعها أحب أم كره بما ينتهي إليه العطاء فيها ولا يتأتى بها طلب زيادة ولا سوق كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تباع ولو بحبل من شعر أو ضفير من شعر إذا لم يوجد فيها إلا ذلك، فان زنت في خلال تعريضها للبيع أو قبل أن تعرض حدها أيضا لعموم أمره صلى الله عليه وسلم بجلدها ان زنت وكذلك إن غاب السيد أو مات فلا بد من بيعها على الورثة ضرورة، فان كانت لصغار جلدها الولي أو الكافل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في رواية مالك عن الزهري فاجلدوها فهو عموم لكل من قام به، ولا يلزم البيع في العبد إذا زنى لان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما أمر بذلك في الامة إذا زنت وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى، ومن يتعد
حدود الله فقد ظلم نفسه، وكذلك ان سرقت الامة أو شربت الخمر فانها تحد ولا يلزم بيعها لان النص انما جاء في زناها فقط وما كان ربك نسيا * قال أبو محمد رحمه الله: فلو اعتقها السيد إذا تبين زناها لم ينفذ عتقه بل هو مردود لانه مأمور ببيعها واخراجها عن ملكه فهو في عتقه اياها، أو كتابته لها، أو هبته اياها، أو الصدقة بها، أو اصداقها، أو اجارتها، أو تسليمها في شئ بصفة غير البيع مما شاء نقدا أو إلى أجل بدنانير أو بدراهم مخالف لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال عليه السلام: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وكذلك لو دبرها فمات أو أوصى بها فكل ذلك باطل ولابد من بيعها *(11/167)
قال أبو محمد رحمه الله.
ولا يجوز أن يقيم الحد السيد على مماليكه الا بالبينة أو باقرار المماليك أو صحة علمه ويقينه على نص قوله صلى الله عليه وسلم: " فتبين زناها " ولا يطلق على إقامة الحدود على المماليك الا أهل العدالة فقط من المسلمين * 2186 مسألة أي الاعضاء تضرب في الحدود؟ * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا وقال الله تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا الله تعالى يقول: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وقال عليه السلام: " إذا شرب فاجلدوه " وقال عليه السلام: " وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " وسنذكر كل ذلك ان شاء الله تعالى فلم نجد عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم أمرا بان يخص عضوا بالضرب دون عضو الا حد القذف وحده فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: " البينة والا حد في ظهرك " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا عمران بن يزيد المدمشقي نا مخلد بن الحسين الاسدي نا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال: ان أول لعان كان في الاسلام ان هلال بن أمية قذف شريك
ابن سحماء بامرأته فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " البينة وإلا حد في ظهرك " يردد ذلك عليه مرارا، فوجب أن لا يخص بضرب الزنا والخمر عضو من عضو إذ لو أراد الله تعالى ذلك لبينه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم الا أنه يجب اجتناب الوجه ولا بد والمذاكر والمقاتل * أما الوجه فلما روينا من طريق مسلم نا عمرو الناقد.
وزهير ابن حرب قالا جميعا: نا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه " * وأما المقاتل فضربها غرر كالقلب والانثيين ونحو ذلك ولا يحل قتله ولا التعريض به لما نخاف منه وبالله تعالى التوفيق * 2187 مسألة كيف يضرب الحدود أقائما أم قاعدا؟ اختلف الناس في ذلك وقال الله تعالى: (فان تنازعتم في شئ) الآية، أما من قال بان الحدود تقام على المحدود وهو قائم فانهم ذكروا في ذلك ما ناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا ابراهيم بن احمد نا الفربري نا البخاري نا اسماعيل بن عبد الله نا مالك عن نافع عن ابن عمر فذكر حديث اليهوديين اللذين رجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزنا، قال ابن عمر: فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة، وذكروا حديث أبي هريرة في جلده حد القذف الذي يقول في ذلك لعمرك إني يوم أضرب قائما ثمانين سوطا انني لصبور * ثم أتوا باطرف ما يكون(11/168)
من التخليط: فقالوا ان قول عمر بن الخطاب للجالد في الحد: اضرب واعط كل ذي عضو حقه دليل على أن المجلود كان قائما، وقال: فدل حديث اليهوديين على أن الرجل كان قائما وانها كانت قاعدة * قال أبو محمد رحمه الله: فكل هذا عليهم لا لهم على ما نبين ان شاء الله تعالى * أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فهم أول من عصاه وخالفه وقالوا: لا يحل أن يقام حد الزنا على يهودي ولا يهودية وحملوا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك على ما لم يقدموا
على اطلاقه بألسنتهم إما انه على معصية الله تعالى وإما انه على انفاذ لما في التوراة مما لا يجوز لهم انفاذه وانه على كل حال لم يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بأمر الله تعالى ولا بوحيه إليه ولا بحق يجب اتباعه فيه لا محيد لهم من هذا، فهذا الذي ظنوا من ذلك كذب بحت وما فيه دليل على أنه كان قائما ولا انها كانت قاعدة بل قد يحنى عليها وهو راكع وهو الاظهر أو وهو منكب قريب من الجلوس وهو ممكن جدا أيضا، وأما أن يحنى عليها وهو قائم وهي قاعدة فممتنع لا يمكن البتة ولا يتأتى ذلك وقد يمكن أن يكونا قائمين ويحنى عليها بفضل ما للرجل على المرأة من الطول وقد يمكن أن يكونا قاعدين * وأما حديث أبي هريرة فليس فيه ان أبا هريرة أوجب عليه أن يقوم قائما إذ جلده ولابد ولا أن المرأة بخلاف الرجل * قال ابو محمد رحمه الله: فإذ لانص في شئ من هذا ولا اجماع فقد أيقنا أن الله تعالى لو أراد أن يكون إقامة الحد على حال لا يتعدى من قيام أو قعود أو فرق بين رجل وامرأة لبينه على لسان رسوله عليه السلام، فصح أن الجلد في الزنا والقذف والخمر والتعزيز يقام كيف ما تيسر على المرأة والرجل قياما وقعودا فان امتنع أمسك وان دفع بيديه الضرب عن نفسه مثل أن يلقى الشئ الذي يضرب به فيمسكه أمسكت يداه * 2188 - مسألة - صفة الضرب * قال أبو محمد رحمه الله: أجاز قوم أن يسال الدم في جلد الحدود والتعزيز وهو لم يأت به عن الصحابة شئ من ذلك بل قد صح عن عمر رضي الله عنه مما قد ذكرناه قبل لا تجد فاجلدها ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم، والذي نقول به بل الضرب في الزنا والقذف والخمر والتعزير أن لا يكسر له عظم ولا أن يشق له جلد ولا أن يسال الدم ولا أن يعفن له اللحم لكن يوجع سالم من كل ذلك فمن تعدى فشق في ذلك الضرب أو أسال دما أو عفن لحما أو كسر له عظما فعلى متولي ذلك القود وعلى الآمر ايضا(11/169)
القود إن أمر بذلك * برهان ذلك قول الله تعالى: (قد جعل الله لكل شئ قدرا) فعلمنا يقينا أن لضرب الحدود قدرا لا يتجاوزه وقدرا لا ينحط عنه بنص القرآن فطلبنا ذلك فوجدنا أدنى أقداره أن يؤلم فما نقص عن الالم فليس من أقداره وهذا مالا خلاف فيه من أحد وكان أعلى أقداره نهاية الالم في الزنا مع السلامة من كل ما ذكرنا ثم الحطيطة من الالم على حسب ما وصفنا، فأما المنع من كل ما ذكرنا فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فحرمت إسالة الدم نصا إذ هرق الدم حرام الا ما أباحه نص أو اجماع ولا نص ولا اجماع على اباحة اسالة الدم في شئ من الحدود نعم ولا عن أحد من التابعين، وأما تعفن اللحم فقد نص رسول الله صلى الله عليه وآله على تحريم البشرة فلا يحل منها الا ما أحله نص أو اجماع وانما صح النص والاجماع على اباحتها للالم فقط وأما كسر العظام فلا يقول باباحته في ضرب الحدود احد من الامة بلا شك * قال أبو محمد رحمه الله: ومن خالفنا في هذه الاشياء سألناه الشدة الضرب في ذلك حد أم لا؟ (فان قالوا): لا تركوا قولهم وخالفوا الاجماع ولزمهم أن يبيحوا أن يجلد في كل ذلك بسوط مملوء حديدا أو رصاصا يقتل من ضربه وهذا لا يقوله أحد من الامة (وان قالوا): ان لذلك حدا وقدرا نقف عنده فلا يحل تجاوزه سئلوا عن ذلك فان حدوا فيه غير ما حددنا كانوا متحكمين في الدين بلا برهان، (فان قالوا): ان الحدود انما جعلت للردع (قلنا لهم): كلا ما ذلك كما تقولون انما ردع الله تعالى بالتحريم وبالوعيد في الآخرة فقط واما بالحدود فانما جعل الله تعالى كما شاء ولم يخبرنا الله تعالى انها للردع ولو كانت للردع كما تدعون لكان ألف سوط أردع من مائة ومن ثمانين.
ومن أربعين ومن خمسين، ولكان قطع اليدين والرجلين اردع من قطع يد واحدة ولكنا نقول: هي نكال وعقوبة وعذاب وجزاء وخزي كما قال الله تعالى في المحاربة:
(انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون) الآية.
وقال تعالى: (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وقال تعالى في القاذف: (ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا) الآية وقال تعالى: (والسارق والسارقة) الآية وقال تعالى: (الزانية والزاني) الآية وانما التسمية في الدين إلى الله تعالى لا إلى الناس فصح أنه تعالى جعلها كما شاء حيث شاء ولم يجعلها حيث لم يشأ * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد صح ما ذكرنا.
وصح مقدار الضرب الذي لا يتجاوز فقد صح أن من تجاوز ذلك المقدار فانه متعد لحدود الله تعالى وهو عاص بذلك ولا(11/170)
تنوب معصية الله تعالى عن طاعته فإذ هو متعد فعليه القود قال الله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه) الآية فضرب التعدي لا يتبعض بلا شك فإذ لا يتبعض وهو معصية فباطل أن يجزي عن الحد الذي هو طاعة لله تعالى فيقتص له منه، ثم يقام عليه الحد ولا بد وبالله تعالى التوفيق * 2189 مسألة - بأي شئ يكون الضرب في الحد؟ * قال أبو محمد رحمه الله: أما أهل الرأي.
والقياس فانهم قالوا: الحدود كلها بالسوط الا الشافعي رحمه الله قال: الا الخمر فانه يجلد فيها بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه جلد فيها * قال أبو محمد رحمه الله: احتج من رأى الجلد بالسوط ولا بد في الحدود بما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا معمر عن يحيى بن أبي كثير قال: " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله اني أصبت حدا فأقمه علي فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بسوط فأتي بسوط جديد عليه ثمرته قال: لا سوط دون هذا فأتي بسوط مكسور العجز فقال: لا سوط فوق هذا فأتي بسوط بين السوطين فأمر به فجلد " وذكر الخبر * وعن زيد بن أسلم " أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط فأتي بسوط مكسور فقال فوق هذا فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته
فقال: بين هذين فأتي بسوط قد ركب به ولان فأمر به فجلد " وذكر باقي الخبر حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت عبيد الله بن مقسم يقول: سمعت كريبا مولى ابن عباس يحدث أو يحدث عنه قال: " أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف على نفسه بالزنا ولم يكن الرجل أحصن فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سوطا فوجد رأسه شديدا فرده ثم أخذ سوطا آخر فوجده لينا فأمر به فجلد مائة " * وعن أبي عثمان النهدي قال: أتى عمر ابن الخطاب في حد ما أدري ما ذلك الحد فأتي بسوط فيه شدة فقال: أريد ما هو ألين فأتي بسوط لين فقال: أريد أشد من هذا فأتي بسوط بين السوطين فقال: اضرب ولا يرى إبطك * وعن أبي عثمان النهدي قال: أتي عمر بن الخطاب في حد فاتي بسوط فهزه فقال ائتوني بسوط ألين من هذا فأتي بسوط آخر فقال ائتوني بسوط أشد من هذا فاتي بسوط بين السوطين فقال اضرب ولا يرى ابطك واعط لكل عضو حقه * قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم له شبهة غير ما ذكرنا أما الآثار في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرسلة كلها ولا حجة في مرسل وأضعفها حديث مخرمة بن بكير لانه منقطع في ثلاثة مواضع لان سماع مخرمة من أبيه لا يصح وشك ابن مقسم(11/171)
أسمعه من كريب أم بلغه عنه ثم هو عن كريب مرسل ثم لو صح لما كان لهم في شئ منها حجة لانه ليس في شئ منها أن لا تجلد الحدود إلا بسوط هذه صفته وإنما فيه أن الحدود جائز أن يضرب بسوط هذه صفته فقط وهذا أمر لا نأباه فسقط تعلقهم بالآثار المذكورة * وأما الاثر عن عمر رضي الله عنه فصحيح إلا انه لا حجة لهم فيه ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سقط كل ما شغبوا به نظرنا فيما يجب في ذلك فوجدنا الله تعالى يقول في الزاني والزانية: (فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) إلى قوله تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) وقال تعالى:
(فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وقال عليه السلام: " على ابنك جلد مائة وتغريب عام " وقال تعالى في القاذف: (فاجلدوهم ثمانين جلدة) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها " وقال عليه السلام: " إذا شرب فاجلدوه " ونهى عليه السلام أن يجلد أكثر من عشر جلدات في غير حد فأيقنا يقينا لا يدخله شك أن الله تعالى لو أراد أن يكون الجلد في شئ مما ذكرنا بسوط دون سوط لبينه لنا على لسان رسوله عليه السلام في القرآن وفي وحي منقول الينا ثابت كما بين صفة الضرب في الزنا وكما بين حضور طائفة من المؤمنين للعذاب في ذلك فإذ لم يفعل ذلك تعالى فبيقين ندري أن الله تعالى لم يرد قط أن يكون الضرب في الحدود بسوط خاصة دون سائر ما يضرب به فإذ ذلك كذلك فالواجب أن يضرب الحد في الزنا والقذف بما يكون الضرب به على هذه الصفة بسوط أو بحبل من شعر أو من كتان أو من قنب أو صوف أو حلفاء أو غير ذلك أو تفر أو قضيب من خيزران أو غيره إلا الخمر فان الجلد فيها على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا معاذ بن هشام - هو الدستوائي - نا قتادة عن أنس بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال " * ومن طريق البخاري نا قتيبة بن سعيد نا أبو ضمرة أنس بن عياض عن يزيد بن الهادي عن محمد بن ابراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب فقال: " اضربوه " قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه وذكر الحديث * قال أبو محمد رحمه الله: فالجلد في الخمر خاصة يكون بالجريد والنعال.
والايدي وبطرف الثوب كل ذلك أي ذلك رأي الحاكم فهو حسن ولا يمتنع عندنا أن يجلد في الخمر أيضا بسوط لا يكسر ولا يجرح ولا يعفن لحما كما روينا من طريق مسلم نا أحمد ابن عيسى نا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحرث عن بكير بن الاشج قال:(11/172)
بينما نحن عند سليمان بن يسار إذ جاء عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله فحدثه قأقبل علينا فقال: حدثني عبد الرحمن بن جابر عن أبيه عن أبي بردة الانصاري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط الا في حد من حدود الله تعالى " فاقتضى هذا ان الضرب بالسوط جائز في كل حد وفي التعزير وضرب الخمر وبالله تعالى التوفيق * 2190 - مسألة - هل يجلد المريض الحدود أم لا؟ وان جلدها كيف يجلدها؟ * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: يعجل له ضرب الحد كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه ان عمر بن الخطاب أتي برجل يشرب الخمر وهو مريض فقال: أقيموا عليه الحد فاني أخاف أن يموت * قال أبو محمد رحمه الله: فاحتمل هذا أن يكون اشفاق عمر رضي الله عنه من أن يموت قبل أن يضرب الحد فيكون معطلا للحد، واحتمل أيضا من أن يكون يصيبه موت منه فنظرنا في ذلك فوجدنا محمد بن سعيد أيضا قال: نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان فذكر هذا الخبر وفيه أن عمر قال: اضربوه لا يموت، فبين هذا أن اشفاق عمر كان من كلا الامرين * قال أبو محمد رحمه الله: فإذا كان هذا فقد ثبت أنه أمر بأن يضرب ضربا لا يموت منه * وبه إلى وكيع نا سفيان عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه أنه كان يبر نذره بأدنى الضرب، وبه إلى وكيع نا سفيان عن ابن جريج عن عطاء الضغث للناس عامة في قوله تعالى: (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) * نا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا احمد بن دحيم نا ابراهيم بن حماد نا اسماعيل بن اسحق نا
اسمعيل بن أبي أويس عن أخيه عن سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن غلام لهم يفهم قال: اخبرني ذلك الغلام أن عروة حلف ليضربني كذا وكذا ضربة فاخذ بيده شماريخ فضربني بها جميعا * وبه إلى اسمعيل نا محمد بن عبيد نا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) قال عودا فيه تسعة وتسعون عودا والاصل تمام المائة فضرب به امرأته وكان يحلف ليضربنها فكانت الضربة تحلة ليمينه وتخفيفا عن امرأته، وهو قول الشافعي، وقالت طائفة:(11/173)
يؤخر جلده حتى يبرأ، وهو قول مالك * وجاء عن مجاهد في الآية المذكورة ما ناه يحيى ابن عبد الرحمن بن مسعود بالاسناد المذكور إلى اسماعيل بن اسحق نا علي بن عبد الله نا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: (وخذ بيدك ضعثا فاضرب به ولا تحنث) قال: هي لايوب خاصة * وقال عطاء: هي للناس عامة * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا نظرنا في ذلك لنعلم الحق فنتبعه بعون الله تعالى فوجدنا الطائفة المانعة من إقامة الحد عليه حتى يبرأ يحتجون بما ناه حمام نا عباس ابن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبي نا غندر نا شعبة قال: سمعت عبد الاعلى التغلبي يحدث عن أبي جميلة عن علي بن أبي طالب " أن أمة زنت فحملت فأتى على على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له: دعها حتى تلد أو قال حتى تضع ثم اجلدها " * وبه إلى أحمد بن حنبل نا وكيع نا سفيان عن عبد الاعلى التغلبي عن أبي جميلة الطهوي عن علي " أن خادما للنبي صلى الله عليه وسلم أحدثت (1) فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقيم عليها الحد فأتيتها فوجدتها لم تجف من دمها فأتيته فأخبرته فقال: إذا جفت من دمها فأقم عليها الحد أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " قالوا: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعجل جلد الخادم الحامل حتى تضع فتجلد الحد الذي أمر الله تعالى به، وكذلك التي لم تجف من دمها حتى يجف عنها دمها * ثم نظرنا في قول الطائفة الثانية
الموجبة تعجيل الحد على حسب ما يؤمن به الموت فوجدناهم يذكرون ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا أحمد بن يوسف النيسابوري.
ومحمد بن عبيد الله ابن يزيد بن ابراهيم الحراني - واللفظ له - قال أحمد: نا أحمد بن سليمان، وقال محمد بن عبيد الله: حدثني أبي ثم اتفق أحمد بن سليمان.
وعبيد الله بن يزيد: قالا نا عبد الله بن عمرو - هو الرقي - عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد زنى فأمر به فجرد فإذا رجل مقعد حمش الساقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبقى الضرب من هذا شيئا فدعا بأثاكيل فيها مائة شمروخ فضربه بها ضربة واحدة * نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا يزيد ابن محمد العقيلي بمكة نا عبد الرحمن بن حماد الثقفي نا الاعمش عن الشعبي عن علقمة عن ابن عباس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة ضعيفة لا تقدر أن تمتنع ممن أرادها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ممن؟ قالت: من فلان فذكرت رجلا ضعيفا أضعف منها فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئ به فسأله عن ذلك؟ فأقر مرارا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا أثاكيل مائة فاضربوه بها مرة واحدة *
__________
(1) في النسخة اليمنية " زنت "(11/174)
قال أبو محمد رحمه الله: حديث سهل بن سعد صالح تقوم به الحجة، فان قيل: ان هذا الخبر المعروف فيه اسرائيل كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن وهب الحراني نا محمد بن سلمة نى أبو عبد الرحيم - هو خال محمد بن سلمة - حدثني زيد - هو ابن أبي أنيسة - عن أبي حازم عن أبي امامة ابن سهل بن حنيف قال: جئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية - وهي حبلى - فسألها ممن حملك؟ فقالت: من فلان المقعد فجئ بفلان فادا رجل حمش الجسد ضرير فقال: والله ما يبقى الضرب من هذا شيئا فامر بأثا كيل مائة فجمعت فضرب بها ضربة واحدة
وهي شماريخ النخل الذي يكون فيها العروق، وفي آثار كثيرة يطول ذكرها جدا فتركناها لذلك * قال أبو محمد رحمه الله فلما جاءت الآثار كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فوجدنا حديث أبي جميلة عن علي صحيحا إلا أنه لا حجة لهم فيه أصلا لانه انما فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر الحد عن الحامل وعن التي لم تجف من دمها وهذا ليس مما نحن فيه في شئ لان الحامل ليست مريضة وانما خيف على جنينها الذي لا يحل هلاكه وحكم الصحيح أن تجلد بلا رأفة وحكم الجنين أن لا يتوصل إلى اهلاكه فوجب تأخير الجلد عنها جملة كما يؤخر الرجم أيضا من أجله، وأما التي لم تجف من دمها فان هذا كان أثر الولادة وفي حال سيلان الدم وهذا شغل شاغل لها ومثلها ان لا تجلد في تلك الحال كمن ذرعه القئ أو هو في حال الغائط أو البول ولا فرق وانقطاع ذلك الدم قريب انما هي ساعة أو ساعتان ولم يقل في الحديث إذا طهرت انما قال: إذا جفت من دمها فبطل أن يكون لهم في شئ من ذينك الحديثين متعلق أصلا، فإذ قد سقط ان يكون لتلك الطائفة متعلق فالواجب ان ننظر بعون الله فيما قالت به الطائفة الاخرى.
فنظرنا في الحديث الذي اوردنا من جلد المزمن المريض بشماريخ فيها مائة عثكول، فوجدنا الطريق الذي صدرنا به من طريق سهل بن سعد طريقا جيدا تقوم به الحجة ووجدناهم يحتجون بأمر أيوب صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد رحمه الله: أما نحن فلا نحتج بشريعة نبي غير نبينا صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) ولما قد أحكمنا في كتابنا الموسوم بالاحكام لاصول الاحكام * قال أبو محمد رحمه الله: وحتى لو لم يصح في هذا حد لكان قول الله تعالى:(11/175)
(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) موجبا أن لا يجلد أحد إلا على حسب طاقته من الالم وكان نصا جليا في ذلك لا يجوز مخالفته أصلا، وبضرورة العقل ندري أن ابن نيف وثلاثين قوي الجسم مصبر الخلق يحمل من الضرب من قوته ما لا يحمله الشيخ ابن ثمانين والغلام ابن خمسة عشر عاما وأربعة عشر عاما إذا بلغ وأصاب حدا، وكذلك يؤلم الشيخ الكبير والغلام الصغير من الجلد مالا يؤلم ابن الثلاثين الشاب القوي بل لا يكاد يحس إلا حسا لطيفا ما يؤلم ذينك الالم الشديد، وأن الذي يؤلم الشاب القوي لو قوبل به الشيخ الهرم والصغير النحيف من الجلد لقتلهما، هذا أمر لا يدفعه إلا مدافع للحس والمشاهدة، ووجدنا المريض يؤلمه أقل شئ مما لا يحسه الصحيح أصلا إلا كما يحس بثيابه التي ليس لحسه لها في الالم سبيل أصلا وعلى حسب شدة المرض يكون تألمه للكلام وللتلف وللمس اليد بلطف، هذا ما لا شك فيه أصلا ومن كابر هذا فانما يكابر العيان والمشاهدة والحس، فوجدنا المريض إذا أصاب حدا من زنا أو قذف أو خمر لابد فيه من أحد أمرين لا ثالث لهما إما أن يعجل له الحد وإما أن يؤخر عنه (فان قالوا) يؤخر (قلنا لهم): إلى متى؟ (فان قالوا) إلى أن يصح (قلنا لهم).
ليس لهذا أمد محدود وقد تتعجل الصحة وقد تبطئ عنه.
وقد لا يبرأ فهذا تعطيل للحدود وهذا لا يحل أصلا لانه خلاف أمر الله تعالى في إقامة الحدود فلم يبق إلا تعجيل الحد كما قلنا نحن، ويؤكذ ذلك قول الله تعالى: (سارعوا إلى مغفرة من ربكم) فصح أن الواجب أن يجلد كل واحد على حسب وسعه الذي كلفه الله تعالى أن يصبر له، فمن ضعف جدا جلد بشمراخ فيه مائة عثكول جلدة واحدة أو فيه ثمانون عثكالا كذلك.
ويجلد في الخمر إن اشتد ضعفه بطرف ثوب على حسب طاقة كل أحد ولا مزيد، وبهذا نقول ونقطع أنه الحق عند الله تعالى بيقين وما عداه فباطل عند الله تعالى وبه التوفيق * 2191 مسألة - بكم من مرة من الاقرار تجب الحدود على المقر؟ * قال أبو محمد
رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: باقراره مرة واحدة تجب إقامة الحدود وهو قول الحسن بن حي، وحماد بن أبي سليمان، وعثمان البتي، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وأبي سليمان.
وجميع أصحابهم، وقالت طائفة: لا يقام على أحد حد الزنا باقراره حتى يقر على نفسه أربع مرات ولا يقام عليه حد القطع والسرقة حتى يقربه مرتين وحد الخمر مرتين، وأما في القذف فمرة واحدة وهو قول روي عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة *(11/176)
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا نظرنا فيما احتجت به كل طائفة لقولها فنظرنا في قول من رأى أن الحد لا يقام في الزنا بأقل من أربع مرات فوجدناهم يحتجون بطريق مسلم نى عبد الملك بن شعيب عن الليث بن سعد نى أبي عن جدي نى عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
وسعيد بن المسيب كلاهما عن أبي هريرة أنه أتي برجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد - فناداه فقال: يا رسول الله اني قد زنيت فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه فقال.
يا رسول الله اني قد زنيت فأعرض عنه حتى كرر ذلك أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أبك جنون؟ " قال.
لا قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اذهبوا به فارجموه " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا محمد بن حاتم بن نعيم انا حبان - هو ابن موسى - انا عبد الله - هو ابن المبارك - عن حماد بن سلمة عن ابي الزبير عن عبد الرحمن بن مضاض عن ابي هريرة ان ماعزا اتى رجلا يقال له هزال فقال.
يا هزال ان الاخر قد زنى قال.
إيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان ينزل فيك قرآن فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه زنى فأعرض عنه ثم أخبره فأعرض عنه.
ثم اخبره فأعرض عنه أربع مرات فلما كانت الرابعة امر برجمه فلما رجم اتي إلى شجرة فقتل * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد
ابن شعيب انا محمد بن حاتم بن نعيم انا حبان - وهو ابن موسى - انا عبد الله بن المبارك عن زكريا ابي عمران البصري - هو ابن سليم - صاحب اللؤلؤي قال: سمعت شيخا يحدث عمرو بن عثمان القرشي قال نا عبد الرحمن بن ابي بكرة عن ابيه قال.
شهدت النبي عليه السلام وهو واقف على بغلته فجاءته امرأة حبلى فقالت: انها قد بغت فارجمها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " استتري بستر الله " فذهبت ثم رجعت إليه وهو واقف.
على بغلته فقالت: ارجمها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " استتري بستر الله " فرجعت ثم جاءت الثالثة - وهو واقف على بغلته - فأخذت باللجام فقالت: أنشدك الله الا رجمتها فقال: " انطلقي حتى تلدي " فانطلقت فولدت غلاما فجاءت به النبي صلى الله عليه وسلم فكفله النبي عليه السلام ثم قال: " انطلقي فتطهري من الدم " فانطلقت فتطهرت من الدم ثم جاءت فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى نسوة فأمرهن أن يستبرئنها وأن ينظرن أطهرت من الدم فجئن فشهدن عند النبي صلى الله عليه وسلم بطهرها فأمر لها عليه السلام بحفرة إلى ثندوتها ثم أقبل هو والمسلمون فقال.
بيده فأخذ حصاة كأنها حمصة فرماها بها ثم قال " للمسلمين ارموها وإياكم ووجهها " فرموها حتى طفيت فأمر باخراجها حتى صلى عليها * وروينا من(11/177)
طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير.
ابو بكر بن أبي شيبة كلاهما يقول.
ان عبد الله ابن نمير حدثه قال.
نا بشر بن المهاجر نا عبد الله بن بريدة عن أبيه " أن ماعز بن مالك الاسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال.
يا رسول الله اني قد ظلمت نفسي وزنيت واني أريد أن تطهرني فرده فلما كان من الغد أتاه فقال.
يا رسول الله اني قد زنيت فرده الثانية فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه فقال: أتعلمون بعقله بأسا أتنكرون منه شيئا؟ فقالوا.
ما نعلمه الا وفي العقل من صالحينا فيما نرى فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضا فسأل عنه فاخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم فجاءت الغامدية فقالت.
يا رسول الله اني قد زنيت فطهرني وأنه ردها فلما
كان الغد قالت.
يا رسول الله أتردني لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعزا فوالله اني لحبلى قال لها.
لا أما الآن فاذهبي حتى تلدي فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت.
هذا قد ولدته قال.
فاذهبي فارضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتت بالصبي في يده كسرة خبز قالت.
هذا يا رسول الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها " فهذا هو البيان الجلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم لاي شئ رد ماعزا لان الغامدية قررته عليه السلام على أنه رد ماعزا وأنه لا يحتاج إلى ترديدها لان الزنا الذي أقرت به صحيح ثابت وقد ظهرت علامته - وهي حبلها - فصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وأمسك عن ترديدها ولو كان ترديده عليه السلام ماعزا من أجل ان الاقرار لا يصح بالزنا حتى يتم أربع مرات لانكر عليها هذا الكلام ولقال لها.
لا شك إنما أردك كما رددت ماعزا لان الاقرار لا يتم الا باربع مرات وهو عليه السلام لا يقر على خطأ ولا على باطل فصح يقينا أنها صادقة فانها لا تحتاج من الترديد إلى ما احتاج إليه ماعز ولذلك لم يردها عليه السلام بعد هذا الكلام، وصح يقينا أن ترديده عليه السلام ماعزا انما كان لوجهين، أحدهما ما نص عليه السلام من تهمته لعقله فسأل عليه السلام قومه المرة بعد المرة هل به جنون؟ وسؤاله عليه السلام هل شرب خمرا كما روينا من طريق مسلم نا محمد ابن العلاء نا يحيى بن يعلى بن الحرث المحاربي عن غيلان بن جامع عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن يزيد عن أبيه قال.
" جاء ماعز بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له طهرني قال.
ويحك ارجع فاستغفر الله وتب قال فرجع غير بعيد ثم جاء فقال يا رسول الله: طهرني فقال.
له مثل ذلك حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيم أطهرك؟ قال: من الزنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أبه جنة(11/178)
فأخبر أنه ليس بمجنون فقال.
أشرب خمرا فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أزنيت؟ قال.
نعم فأمر به فرجم " وذكر باقي الخبر، والوجه الآخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتهمه أنه لا يدري ما المزني فردده لذلك وقرره كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أرنا سويد بن نصر أرنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس " أن الاسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فقال.
لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت " * وبه إلى أحمد بن شعيب أخبرني عبد الله بن الهيثم عن عثمان البصري ارنا وهب بن جرير بن حازم قال.
حدثني أبي قال.
سمعت يعلي ابن حكيم يحدث عن عكرمة عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز ابن مالك: ويحك لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟ قال.
لا قال فنكتها؟ قال.
نعم فعند ذلك أمر برجمه " فقد صح يقينا أن ترديد النبي عليه السلام لماعز لم يكن مراعاة لتمام الاقرار أربع مرات أصلا وانما كان لتهمته اياه في عقله وفي جهله ما هو الزنا فبطل تعلقهم بحديث ابن بريدة، والحمد لله رب العالمين * وأما حديث أبي هريرة من طريق ابن مضاض فان ابن مضاض مجهول لا يدري من هو، وقد جاء عن أبي هريرة خبر صحيح ببيان بطلان ظنهم نذكره بعد تمام كلامنا في هذه الاخبار ان شاء الله تعالى * وهو ما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا اسحق ابن ابرهيم - هو ابن راهويه - انا عبد الرزاق نا ابن جريج اخبرني ابو الزبير قال.
ان عبد الرحمن بن الصامت ابن عم ابي هريرة أخبره انه سمع ابا هريرة يقول.
جاء الاسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه أربع مرات بالزنا يقول.
أتيت امرأة حراما كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل في الخامسة فقال.
له أنكحتها؟ قال.
نعم قال.
فهل تدري ما الزنا؟ قال.
نعم أتيت منها حراما مثل ما يأتي الرجل من أهله حلالا قال.
فما تريد بهذا القول قال.
أريد أن تطهرني فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجم فرجم فسمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه.
انظروا إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب فسكت عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة فمر بجيفة حمار شائل برجليه فقال.
أين فلان وفلان؟ فقالا.
نحن يا رسول الله فقال لهم.
كلا من جيفة هذا الحمار فقالا.
يا رسول الله غفر الله لك من يأكل هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نلتما من عرض هذا آنفا أشد(11/179)
من هذه الجيفة فوالذي نفسي بيده انه الآن في أنهار الجنة * قال أبو محمد رحمه الله.
فهذا خبر صحيح، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتف بتقريره أربع مرات ولا باقراره أربع مرات حتى أقر في الخامسة ثم لم يكتف بذلك حتى سأله السادسة هل تعرف ما الزنا؟ فلما عرف عليه السلام أنه يعرف الزنا لم يكتف بذلك حتى سأله السابعة ما يريد بهذا إلا ليختبر عقله فلما عرف أنه عاقل صحيح العرض أقام عليه الحد، وفي هذا الخبر بيان بطلان الرأي من الصاحب وغيره لانه عليه السلام أنكر عليهما ما قالاه برأيهما مجتهدين قاصدين إلى الحق فهذا يبطل احتجاج من احتج بما روي عن بريدة، وبالله تعالى التوفيق * ومن طريق مسلم نا أبو غسان المسمعي نا معاذ - يعني ابن هشام الدستوائي - نى أبي عن يحيى بن أبي كثير نى أبو قلابة أن أبا المهلب حدثه عن عمران بن الحصين " ان امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم - وهي حبلى من الزنا - فقالت يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها وأمر بها فرجمت.
ثم صلى عليها فقال له عمر.
أتصلى عليها يا نبي الله وقد زنت؟ قال.
لقد تابت توبة لو قسمت بين أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟ " * ومن طريق
مسلم نا قتيبة نا الليث عن ابن شهاب عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما قالا " أن رجلين من الاعراب أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما يا رسول الله أنشدك الله ألا قضيت لي بكتاب الله فقال له الآخر.
وهو أفقه منه نعم فاقض بيننا بكتاب الله وإيذن لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قل فقال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته " وذكر الحديث وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له.
" والذي نفسي بيده لاقضين بينكما بكتاب الله أما الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغديا أنيس على امرأة هذا فان اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فامر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت " فوجدنا بريدة.
وعمران بن الحصين.
وأبا هريرة.
وزيد بن خالد كلهم قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إقامة الحد في الزنا على الغامدية والجهينية بغير ترديد وعلى امرأة هذا المذكور بالاعتراف المطلق وهو يقتضي ولابد رجمها بما يقع عليه اسم اعتراف وهو مرة واحدة فقط وصح أن كتاب الله يوجب ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقامة الحد في الزنا بالاعتراف المطلق دون تحديد عدد لقول رسول الله(11/180)
صلى الله عليه وسلم.
" لاقضين بينكما بكتاب الله تعالى " وأقسم على ذلك ثم قضى بالرجم في الاعتراف دون عدد فصح أنه إذا صح الاعتراف مرة أو الف مرة فهو كله سواء وان إقامة الحد واجب ولابد وبالله تعالى التوفيق * 2192 - مسألة - هل في الحدود نفي أم لا؟ قال ابو محمد رحمه الله: النفي يقع من الحدود في المحاربة بالقرآن وفي الزنا بالسنة وحكم به قوم في الردة وفي الخمر والسرقة * قال ابو محمد رحمه الله.
فنتكلم ان شاء الله تعالى في كل ذلك فصلا فصلا فنقول وبالله تعالى التوفيق.
قالت طائفة.
نفيه سجنه، وقالت طائفة.
ينفى ابدا من بلد إلى بلد، وقالت طائفة.
نفيه هو ان يطلب حتى يعجزهم فلا يقدروا عليه كما نا حمام نا ابن مفرج نا
ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابراهيم بن ابي يحيى عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس انه قال.
في المحارب ان هرب واعجزهم فذلك نفيه * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الكريم أو غيره قال.
سمعت سعيد بن جبير وابا الشعثاء جابر بن زيد يقولان.
انما النفي ان لا يدركوا فإذا ادركوا ففيهم حكم الله تعالى والا نفوا حتى يلحقوا ببلدهم، وعن الزهري انه قال فيمن حارب ان عليه ان يقتل أو يصلب أو يقطع أو ينفى فلا يقدر عليه، وعن الضحاك في قوله تعالى.
(أو ينفوا من الارض) قال: هو ان يطلبوا حتى يعجزوا * قال ابو محمد رحمه الله.
وبهذا يقول الشافعي.
وقال آخرون.
النفي حد من حدود المحارب كما كتب إلى المرجى بن زروان قال.
نا ابو الحسن الرحبي نا ابو مسلم الكاتب نا عبد الله بن احمد بن المغلس نا عبد الله بن احمد بن حنبل عن ابيه نا ابو معاوية نا حجاج عن عطية العوفي عن ابن عباس قال.
إذا خرج الرجل محاربا فاخاف الطريق واخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف، وإذا اخذ المال وقتل قطعت يده ورجله من خلاف ثم صلب، وإذا قتل ولم ياخذ المال قتل، وإذا اخاف الطريق ولم يأخذ مالا ولم يقتل نفي * قال ابو محمد رحمه الله: فنظرنا فيما يحتج به من قال.
ان النفي هو السجن فوجدناهم يقولون ان الله تعالى قال.
(أو ينفوا من الارض) قالوا.
والنفي في لغة العرب التي نزل بها القرآن هو الابعاد فصح ان الواجب إبعاده من الارض قالوا.
ولا يقدر على إخراجه من الارض جملة فوجب ان نفعل من ذلك أقصى ما نقدر عليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" إذ امرتكم بامر فانوا منه ما استطعتم " ولقول الله تعالى.
(فاتقوا الله ما استطعتم) فكان اقصى ما نستطيع من ذلك إبعاده عن كل ما قدرنا على إبعاده منه من الارض، وغاية ذلك السجن لانه ممنوع من جميع الارض حاشا ما كان سجنه الذي لم نقدر على منعه منه اصلا فلزمناما استطعنا من ذلك، وسقط عنا ما لم نستطع منه وانما قلنا حتى يحدث توبة لانه مادام(11/181)
مصرا على المحاربة فهو محارب فإذ هو محارب فواجب ان يجزى جزاء المحارب فالنفي
عليه باق ما لم يترك المحاربة بالتوبة فإذا تركها سقط عنه جزاؤها ان يتمادى فيه إذ قد جوزي على محاربته * قال ابو محمد رحمه الله.
ثم نظرنا في حجة من قال.
ينفى ابدا من بلد إلى بلد ان قال.
اننا إذا سجناه في بلد أو اقررناه فيه غير مسجون فلم ننفه من الارض كما امر الله تعالى بل عملنا به ضد النفي والابعاد وهو الاقرار والاثبات في الارض في مكان واحد منها وهذا خلاف القرآن فوجب علينا بنص القرآن أن نستعمل إبعاده ونفيه عن جميع الارض أبدا حسب طاقتنا وغاية ذلك ألا نقره في شئ منها مادمنا قادرين على نفيه من ذلك الموضع ثم هكذا أبدا ولو قدرنا على أن لا ندعه يقر ساعة في شئ من الارض لفعلنا ذلك ولكان واجبا علينا فعله مادام مصرا على المحاربة * قال أبو محمد رحمه الله.
فكان هذا القول أصح وأولى بظاهر القرآن لما ذكر المحتج له من أن السجن اثبات واقرار لا نفي، وما عرف قط أهل اللغة التي نزل بها القرآن وخاطبنا بها الله تعالى أن السجن يسمى نفيا ولا أن النفي يسمى سجنا بل هما اسمان مختلفان متغايران قال الله تعالى.
(فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) الآية، وقال تعالى.
(ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ودخل معه السجن فتيان) فما قال أحد.
لا قديم ولا حديث ان حكم الزواني كان النفي إذ أمر الله تعالى بحسبهن في البيوت ولا قال قط أحد أن يوسف عليه السلام نفي إذ حبس في السجن، فقد بطل قول من قال.
بالسجن جملة.
وعلى كل حال فالواجب أن ننظر في القولين اللذين هما إما نفيه إلى مكان غير مكانه واقراره هنالك أو نفيه أبدا.
فوجدنا من حجة من قال ينفى من بلد إلى بلد ويقر هنالك * [ ان قالوا: أنتم لا تقولون بتكرار فعل الامر بل يجزى عندكم ايقاعه مرة واحدة، وذا كررتم النفي أبدا فقد نضتم أصلكم * قال علي: وهذا الذي أنكروه داخل
عليهم بمنعهم المنفي من الرجوع إلى منزله فهم يقرون عليه استدامة تلك العقوبة فقد وقعوا فيما أنكروا بعينه نعم والتكرار أيضا لازم لمن قال بنفيه أو سجنه سواء سواء ] (1) * قال أبو محمد رحمه الله: فنقول إن المحارب الذي افترض الله تعالى علينا نفيه
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 14(11/182)
حربا على محاربته فانه مادام مصرا فهو محارب وما دام محاربا فالنفي حد من حدوده قال الله تعالى.
(ولم يصروا على ما فعلوا) فمن فعل المحاربة فبلا شك ندري أنه في حال نومه وأكله واستراحته ومرضه أنه محارب كما كان لم يسقط عنه الاسم الذي وسمه الله تعالى به وحق عليه الحد به * هذا ما لا خلاف فيه فهو بعد القدرة عليه في حال اصراره على المحاربة بلا شك لا يسقط عنه الاثم الا بتوبة أو نص أو اجماع فالحد باق عليه حتى يسقط بالتوبة أو يسقط عنه الحكم بالنص أو الاجماع فليس ذلك الا بقطع يده ورجله من خلاف بلا خلاف من أحد في أنه لا يجدد عليه قطع آخر ويمنع النص من أن يحدث له حدا آخر على ما سلف منه * قال أبو محمد رحمه الله.
ثم وجدنا من قال.
بنفيه وتركه في المكان الذي ينفيه إليه قد خالف القرآن في أنه أقره في ذلك المكان والاقرار خلاف النفي فقد أقروه في الارض فلم يبق إلا القول الذي صححنا وهو قول الحسن البصري، وبه نقول.
فالواجب أن ينفى أبدا من كل مكان من الارض وأن لا يترك يقر إلا مدة أكله ونومه وما لا بد له منه من الراحة التي ان لم ينلها مات.
ومدة مرضه لقول الله تعالى.
(وتعاونوا على البر والتقوى) فواجب أن لا يقتل وأن لا يضيع لكن ينفى أبدا حتى يحدث توبة فإذا أحدثها سقط عنه النفي وترك يرجع إلى مكانه فهذا حكم القرآن ومتى أحدث التوبة من قرب أو بعد سقط عنه النفي وبالله تعالى التوفيق * 2193 - مسألة - وأما نفي الزاني فان الناس اختلفوا فيه فقالت طائفة.
الزاني غير
المحصن يجلد مائة وينفى سنة الحر والحرة ذات الزوج وغير ذات الزوج في ذلك سواء وأما العبد الذكر فكالحر وأما الامة فجلد خمسين ونفي ستة أشهر وهو قول الشافعي.
وأصحابه.
وسفيان الثوري.
والحسن بن حي.
وابن أبي ليلى، وقالت طائفة.
ينفى الرجل الزاني جملة ولا تنفى النساء وهو قول الاوزاعي، وقالت طائفة.
ينفى الحر الذكر ولا تنفى المرأة الحرة ذات زوج كانت أو غير ذات زوج ولا الامة ولا العبد وهو قول مالك وأصحابه، وقالت طائفة.
لا نفي على زان أصلا لا على ذكر ولا على أنثى ولا حر ولا عبد ولا أمة وهو قول أبي حنيفة.
وأصحابه * قال أبو محمد رحمه الله.
ونحن ذاكرون ان شاء الله تعالى ما جاء في ذلك عن المتقدمين، فمن ذلك ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا محمد بن العلاء أبو كريب نا عبد الله بن ادريس الاودي سمعت عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن نافع عن ابن عمر قال.
" ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب وان أبا بكر ضرب وغرب وان عمر ضرب وغرب " * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن(11/183)
الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أن رجلا وقع على جارية بكر فأحبلها فاعترف ولم يكن أحصن فأمر به أبو بكر فجلده مائة ثم نفي * وعن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت أتى رجل إلى عمر بن الخطاب فأخبره ان اخته احدثت - وهي في سترها وانها حامل - فقال عمر.
امهلها حتى إذا وضعت واستقلت فآذني بها فلما وضعت جلدها مائة وغربها إلى البصرة عاما * ومن طريق مالك عن ابن شهاب ان عمر بن الخطاب غرب في الزنا سنة.
قال ابن وهب قال ابن هشاب: ثم لم يزل ذلك الامر تمضي به السنة حتى غرب مروان في امرته بالمدينة ثم ترك ذلك الناس، وعن ابن وهب اخبرني جرير ابن حازم عن الحسن بن عمارة عن العلاء بن بدر عن كلثوم بن جبير قال.
تزوج رجل منا
امرأة فزنت قبل أن يدخل بها فجلدها علي بن ابي طالب مائة سوط ونفاها سنة إلى نهر كربلاء فلما رجعت دفعها إلى زوجها وقال.
امرأتك فان شئت فطلق وان شئت فامسك * وعن ابن هشاب عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه ان حاطبا توفي واعتق من صلى من رقيقه وصام وكانت له وليدة نوبية قد صلت وصامت وهي اعجمية لم تفقه فلم يرعه الا حملها فذهب إلى عمر فزعا فقال له عمر: أنت الرجل الذي لا تأتي بخير فأرسل إليها عمر أحبلت؟ فقالت نعم من مرعوش بدرهمين فإذا هي تستهل به وصادفت عنده علي بن أبي طالب.
وعثمان بن عفان.
وعبد الرحمن بن عوف فقال: أشيروا علي وعثمان جالس فاضطجع فقال علي.
وعبد الرحمن قد وقع عليه الحال قال: أشر علي يا عثمان قال: قد أشار عليك أخواك قال: أشر علي أنت قال أراها تستهل به كأنها لا تعلمه وليس الحد الا على من علمه فأمر بها فجلدت مائة وغربها * وعن عطاء قال: البكر تجلد مائة وتنفى سنة، وعن عبد الله بن مسعود في البكر يزني بالبكر يجلدان مائة وينفيان سنة، وعن ابن عمر أنه حد مملوكة له في الزنا ونفاها إلى فدك * قال أبو محمد رحمه الله: وأما من لم ير ذلك فكما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن أبي حنيفة عن حمادبن أبي سليمان عن ابراهيم النخعي قال قال علي ابن ابي طالب في البكر يزني بالبكر فان حبسهما من الفتيان ينفيان، وعن ابراهيم النخعي أن علي بن أبي طالب قال في أم الولد إذا اعتقها سيدها أو مات فزنت انها تجلد ولا تنفى * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا نظرنا في ذلك لنعلم الحق فنتبعه بعون الله تعالى فنظرنا في قول من قال بالتغريب من حد الزنا يذكرون ما رويناه من طريق مسلم نا قتيبة نا ليث عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد(11/184)
ابن خالد أنهما قالا " ان رجلا من الاعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنشدك الله الا قضيت لي بكتاب الله فقال الخصم الآخر وهو افقه منه: نعم فاقض بيننا بكتاب الله
وائذن لي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل قال: ان ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته وأني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاء ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني انما على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لاقضين بينكما بكتاب الله الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغديا أنيس على امرأة هذا فان اعترفت فارجمها قال فغدا عليها فاعترفت فأمر بها فرجمت " * قال أبو محمد رحمه الله: وهكذا رويناه من طريق معمر.
وصالح بن كيسان.
ويونس بن زيد.
وسفيان بن عيينة.
ومالك بن أنس كلهم عن الزهري بهذا الاسناد * ومن طريق مسلم نا يحيى بن يحيى التميمي أنا هشيم عن منصور عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " * ومن طريق مسلم نا عمرو الناقد نا هشيم بهذا الاسناد مثله ومن طريق مسلم نا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار جميعا عن عبد الاعلى نا سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله عن عبادة بن الصامت قال: " كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا انزل عليه كرب لذلك وتربد له وجهه قال.
فأنزل عليه ذات يوم فبقي كذلك فلما سري عنه قال: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب والبكر بالبكر الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الاعلى نا يزيد - هو ابن زريع - نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انزل عليه كرب لذلك وتربد له وجهه فنزل عليه ذات يوم فلقي ذلك فلما سرى عنه قال: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " *
قال ابو محمد رحمه الله: ورواه أيضا شعبة.
وهشام الدستوائي كلاهما عن قتادة باسناده نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن اسمعيل ابن ابراهيم بن علية.
ومحمد بن يحيى بن عبد الله قال ابن علية: نا عبد الرحمن بن نا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، وقال محمد بن يحيى: أنا يعقوب بن ابراهيم بن(11/185)
سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنا أبي عن صالح بن كيسان ثم اتفق صالح.
وابن أبي سلمة كلاهما عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر فيمن لم يحصن إذا زنى بجلد مائة وتغريب عام، وبه إلى أحمد بن شعيب أنا محمد بن رافع نا حجير نا الليث عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى فيمن زنى ولم يحصن أن ينفى عاما مع اقامة الحد عليه * قال أبو محمد رحمه الله: فكانت هذه آثار متظاهرة رواها ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم.
عبادة بن الصامت.
وأبو هريرة.
وزيد بن خالد الجهني بايجاب تغريب عام مع جلد مائة على الزاني الذي لم يحصن مع اقسام النبي عليه السلام بالله تعالى في قضائه به أنه كتاب الله تعالى.
وكتاب الله تعالى هو وحيه وحكمه مع أن الله تعالى يقول في القرآن: (وما ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى) فهذا نص القرآن فان كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن وحي من الله تعالى يقوله، وقال تعالى: (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وفرق عليه السلام بين حد المملوك وحد الحر في حديث ابن عباس.
وعلى الذي أوردنا قبل في باب حد المماليك فصح النص أن على المماليك ذكورهم وأناثهم نصف حد الحر والحرة وذلك جلد خمسين ونفي ستة أشهر * قال أبو محمد رحمه الله: ثم نظرنا في قول من لم ير التغريب على النساء والمماليك
فوجدناهم يذكرون الخبر الذي قد أوردناه قبل باسناده فأغنى عن ترداده، وهو قوله عليه السلام: " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثرب " فلا حجة لهم فيه لانه خبر مجمل فسره غيره لانه انما فيه فليجلدها ولم يذكر فيه عدد الجلد كم هو، فصح انه انما أحال عليه السلام بيان الجلد المأمور به فيه على القرآن وعلى الخبر الذي فيه بيان حكم المملوك في الحدود فإذ هو كذلك فليس سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذكر التغريب في ذلك الخبر حجة في ابطال التغريب الذي قد صح أمره صلى الله عليه وسلم به فيمن زنا ولم يحصن، وكذلك ليس في سكوته صلى الله عليه وسلم عن ذكر عدد جلدها كم هو حجة في اسقاط ما قد صح عنه عليه السلام من ان حدها نصف حد الحرة، وأيضا فان هذا الخبر ليس فيه ان لا تغريب ولا أن التغريب ساقط عنها لكنه مسكوت عنه فقط.
وإذا لم يكن فيه نهي عن تغريبها فلا يجوز أن يكون هذا الخبر معارضا للاخبار التي فيها النفي وبالله تعالى التوفيق *(11/186)
قال أبو محمد رحمه الله: وقال بعضهم: ان حق السيد في خدمة عبده وأمته وحق أهل المرأة فيها فلا يجوز قطع حقوقهم بنفي العبد.
والامة.
والمرأة فيقال لهم: ليس بشئ لان حق الزوجة والولد أيضا في زوجها وابنهم فلا يجوز قطعه بنفيهم، فان ادعوا أن حديث عبادة منسوخ بقول الله تعالى: (الزانية والزاني) الآية، وقالوا: لان حديث عبادة " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " قالوا: صح أن هذا الخبر كان بعد قول الله تعالى.
(واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) الآية قال: فكان السبيل ما ذكر في حديث عبادة من الجلد والرجم والتغريب، ثم جاء قول الله تعالى: (الزانية والزاني) الآية فكان ناسخا لخبر عبادة * قال أبو محمد رحمه الله: هذا كلام جمع التخليط والكذب، أما التخليط فدعواهم النسخ، واما الكذب فهو التحكم منهم في أوقات نزول الآية وما في خبر عبادة بلا
برهان ونحن نبين ذلك بحول الله تعالى وقوته فنقول: ان دعواهم ان خبر عبادة كان قبل نزول الآية من أجل ما فيه " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " فظن منهم وقد حرم الله تعالى القطع بالظن بقوله تعالى: (ان يتبعون الا الظن وما تهوى الانفس) وقال تعالى: (وان الظن لا يغني من الحق شيئا) وبقوله صلى الله عليه وسلم: " اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث " لكن القول الصحيح في هذا المكان هو أن القطع بان حديث عبادة كان قبل نزول (الزانية والزاني) الآية، أو بان نزول هذه الآية كان قبل حديث عبادة فمن الممكن أن يكون حديث عبادة قبل نزول الآية المذكورة، وجائز أن يكون نزول الآية قبل حديث عبادة وكل ذلك سواء أي ذلك كان لا يعترض بعضه على بعض ولا يعارض شيئا منه شئ ولا خلاف بين الآية والحديث على ما نبين ان شاء الله تعالى فنقول: انه ان كان حديث عبادة قبل نزول الآية فقد صح ما في حكم حديث عبادة من الجلد والغريب والرجم وكانت الآية وردت ببعض ما في حديث عبادة وأحالنا الله تعالى في باقى الحد على ما سلف في حديث عبادة وكما لم تكن الآية مانعة عندهم من الرجم الذي ذكر في حديث عبادة قبل نزولها بزعمهم ولم يذكر فيها فكذلك ليست مانعة من التغريب الذي ذكر في حديث عبادة قبل نزولها بزعمهم ولم يذكر فيها ولا فرق، هذا هو الحكم الذي لا يجوز تعديه ان كان حديث عبادة قبل نزول الآية كما ادعوا، وان كان حديث عبادة بعد نزول الآية فقد جاء بما في الآية من الجلد وزيادة الرجم والتغريب وكل ذلك حق ولم يكن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة " قد جعل الله لهن سبيلا " بموجب أن يكون قبل نزول الآية ولا بد بل قد تنزل الآية(11/187)
ببعض الذي جعله الله تعالى لهن ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة تمام السبيل وهو الرجم والتغريب المضافان إلى ما في الآية من الجلد وبالله تعالى التوفيق * 2194 مسألة من أصاب حدا ولم يدر بتحريمه * قال أبو محمد رحمه الله:
من أصاب شيئا محرما فيه حد أو لا حد فيه وهو جاهل بتحريم الله تعالى له فلا شئ عليه فيه لا اثم ولا حد ولا ملامة لكن يعلم فان عاد أقيم عليه حد الله تعالى فان ادعى جهالة نظر فان كان ذلك ممكنا فلا حد عليه أصلا، وقد قال قوم بتحليفه ولا نرى عليه حدا ولا تحليفا وان كان متيقنا انه كاذب لم يلتفت إلى دعواه * قال أبو محمد: برهان ذلك قول الله تعالى: (لانذركم به ومن بلغ) فان الحجة على من بلغته النذارة لا من لم تبلغه، وقد قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وليس في وسع احد ان يعلم ما لم يبلغه لانه علم غيب وإذا لم يكن ذلك في وسعه فلا يكلف الله أحدا الا ما في وسعه فهو غير مكلف تلك القصة فلا اثم عليه فيما لم يكلفه ولا حد ولا ملامة وانما سقط هذا عمن يمكن أن يعلم ويمكن أن يجله فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام، وقد جاءت في هذا عن السلف آثار كثيرة كما روينا عن سعيد بن المسيب ان عاملا لعمر ابن الخطاب كتب إلى عمر يخبره أن رجلا اعترف عنده بالزنا فكتب إليه عمر ان سله هل كان يعلم أنه حرام فان قال.
نعم فأقم عليه الحد وان قال.
لا فاعلمه انه حرام فان عاد فاحدده * وعن الهيثم بن بدر عن حرقوص قال أتت امرأة إلى علي بن أبي طالب فقالت ان زوجي زنى بجاريتي فقال صدقت هي وما لها لي حل فقال له علي: اذهب ولا تعد كأنه درأ عنه الحد بالجهالة * 2195 مسألة المرتدين * قال أبو محمد رحمه الله: كل من صح عنه أنه كان مسلما متبرئا من كل دين حاش دين لاسلام ثم ثبت عنه أنه ارتد عن الاسلام وخرج إلى دين كتابي أو غير كتابي أو إلى غير دين فان الناس اختلفوا في حكمه فقالت طائفة: لا يستتاب وقالت طائفة: يستتاب.
وفرقت طائفة بين من أسر ردته وبين من أعلنها وفرقت طائفة بين من ولد في الاسلام ثم ارتد وبين من أسلم بعد كفره ثم ارتد ونحن ذاكرون ان شاء الله تعالى ما يسر الله تعالى لذكره فاما من قال: لا يستتابوا
فانقسموا قسمين فقالت طائفة: يقتل المرتد تاب أو لم يتب راجع الاسلام أو لم يراجع * وقالت طائفة.
ان بادر فتاب قبلت منه توبته وسقط عنه القتل وان لم تظهر توبته انفذ عليه القتل، وأما من قال: يستتاب فانهم انقسموا أقساما فطائفة(11/188)
قالت.
نستتيبه مرة فان تاب والا قتلناه، وطائفة قالت.
نستتيبه ثلاث مرات فان تاب والا قتلناه، وطائفة قالت.
نستتيبه شهرا فان تاب والا قتلناه، وطائفة قالت.
نستتيبه ثلاثة أيام فان تاب والا قتلناه، وطائفة قالت.
نستتيبه مائة مرة فان تاب والا قتلناه، وطائفة قالت.
يستتاب أبدا ولا يقتل، فأما من فرق بين المسر والمعلن فان طائفة قالت.
من أسر ردته قتلناه دون استتابة ولم نقبل توبته ومن أعلنها قبلنا توبته، وطائفة قالت: ان أقر المسر وصدق النية قبلنا توبته وان لم يقر ولا صدق النية قتلناه ولم نقبل توبته قال هؤلاء.
وأما المعلن فتقبل توبته، وطائفة قالت لا فرق بين المسر والمعلن في شئ من ذلك فطائفة قبلت توبتهما معا أقر المسر أو لم يقر، وطائفة لم تقبل توبة مسر ولا معلن * قال أبو محمد رحمه الله: واختلفوا أيضا في الكافر الذمي أو الحربي يخرجان من كفر إلى كفر، فقالت طائفة: يتركان على ذلك ولا يمنعان منه، وقالت طائفة: لا يتركان على ذلك أصلا ثم افترق هؤلاء فرقتين، فقالت طائفة: ان رجع الذمي إلى دينه الذي خرج عنه ترك والا قتل، وقالت طائفة: لا يقبل منه شئ غير الاسلام وحده والا قتل ولا يترك على الدين الذي خرج إليه ولا يترك أيضا ان يرجع إلى الذي خرج عنه لكن ان أسلم ترك وان أبى قتل ولا بد * قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار نى حماد بن مسعدة ناقرة - هو ابن خالد - عن حميد بن هلال عن أبي بردة ابن أبي موسى الاشعري عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن ثم ارسل معاذ بن جبل بعد ذلك فلما قدم قال.
يا أيها الناس أني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم اليكم فألقى له
أبو موسى وسادة ليجلس عليها فأتى برجل كان يهوديا فأسلم ثم كفر فقال معاذ: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فلما قتل قعد * ومن طريق البخاري نا يحيى ابن سعيد القطان عن قرة بن خالد قال: حدثني حميد بن هلال أخبرني أبو بردة بن أبي موسى الاشعري عن أبي موسى الاشعري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمن " ثم اتبعه معاذ بن جبل فلما قدم عليه ألقي له وسادة قال: وإذا رجل موثق فقال: ماهذا؟ قال: كان يهوديا فأسلم ثم تهود قال: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فأمر به فقتل في حديث * وعن أيوب السختياني عن عكرمة قال: أتى علي بن أبي طالب بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم(11/189)
" لا تعذبوا بعذاب الله " ولقتلتهم وذكر باقي الحديث * وعن أبي عمرو الشيباني أن رجلا من بني عجل تنصر فكتب بذلك عيينة بن فرقد السلمي إلى علي بن أبي طالب فكتب علي أن يؤتى به فجئ به حتى طرح بين يديه رجل أشعر عليه ثياب صوف موثوق في الحديد فكلمه علي فأطال كلامه وهو ساكت فقال: لا أدري ما تقول؟ غير أني أعلم أن عيسى ابن الله فلما قالها قام إليه علي فوطئه فلما رأى الناس أن عليا قد وطئه قاموا فوطئوه فقال علي: امسكوا فأمسكوا حتى قتلوه ثم أمر به علي فأحرق بالنار * وعن أنس بن مالك قال.
بعثني أبو موسى الاشعري بفتح تستر إلى عمر بن الخطاب فسألني عمر وكان نفر ستة من بكر بن وائل قد ارتدوا عن الاسلام ولحقوا بالمشركين فقال: ما فعل النفر من بكر؟ قال: فأخذت في حديث آخر لاشغله عنهم فقال.
ما فعل النفر من بكر بن واثل؟ قلت.
يا أمير المؤمنين قوم ارتدوا عن الاسلام ولحقوا بالمشركين ما سبيلهم إلا القتل فقال عمر: لان أكون أخذتهم سلما أحب الي مما طلعت عليه الشمس من صفراء أو بيضاء وذكر باقي الخبر * وأما من قال: يستتاب
مرة فان تاب والا قتل لما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبيه قال أخذ ابن مسعود قوما ارتدوا عن الاسلام من أهل العراق فكتب فيهم إلى عثمان فرد إليه عثمان أن أعرض عليهم دين الحق وشهادة أن لا اله الا الله فان قبلوها فخل عنهم وان لم يقبلوها فاقتلهم فقبلها بعضهم فتركه ولم يقبلها بعضهم فقتله * وعن أبي عمرو الشيباني قال: أتي علي بن أبي طالب بشيخ كان نصرانيا فأسلم ثم ارتد عن الاسلام فقال له علي: لعلك انما ارتددت لان تصيب ميراثا ثم ترجع إلى الاسلام؟ قال: لا قال.
فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن يزوجوكها فاردت أن تزوجها ثم تعود إلى الاسلام؟ قال: لا قال: فارجع إلى الاسلام قال لا حتى ألقى المسيح قال.
فامر به علي فضربت عنقه ودفع ميراثه إلى ولده المسلمين * وعن أبي عمرو الشيباني أن المسور العجلي تنصر بعد اسلامه فبعث به عتبة بن أبي وقاص إلى علي فاستتابه فلم يتب فقتله فسأله النصارى جيفته بثلاثين ألفا فأبى علي واحرقه * واما من قال يستتاب ثلاث مرات فلما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج اخبرني سليمان بن موسى انه بلغه عن عثمان بن عفان انه كفر انسان بعد ايمانه فدعاه إلى الاسلام ثلاثا فأبى فقتله * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج اخبرني حيان عن ابن شهاب انه قال إذا اشرك المسلم دعي إلى الاسلام ثلاث مرات فان أبى ضربت عنقه * واما من قال: يستتاب ثلاثة ايام فان تاب والا قتل فهو(11/190)
قول مالك.
وأصحابه، واحد قولي الشافعي * واما من قال يستتاب مرة فان تاب والا قتل فهو قول الحسن بن حي * واما من قال: يستتاب شهرا فكما روينا من طريق عبد الرزاق نا عثمان عن سعيد بن ابي عروبة عن ابي العلاء عن ابي عثمان النهدي ان عليا استتاب رجلا كفر بعد اسلامه شهرا فأبى فقتله * وقد روي هذا عن مالك وعن بعض اهل مذهبه * واما من قال: يستتاب شهرين فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن حميد بن
هلال عن أبي بردة قال: قدم على أبي موسى الاشعري معاذ بن جبل من اليمن وإذا برجل عنده فقال: ما هذا؟ فقال: رجل كان يهوديا فأسلم ثم تهود ونحن نريده على الاسلام منذ أحسبه قال: شهرين قال معاذ: والله لا أقعد حتى تضربوا عنقه فضربت عنقه ثم قال معاذ: قضاء الله ورسوله * حدثنا عبد الوهاب - هو ابن عطاء الخفاف - أنا سعيد عن أيوب عن حميد بن هلال أن معاذ بن جبل قدم على أبي موسى اليمن فوجد عنده رجلا قد تهود وعرض عليه أبو موسى الاسلام شهرين فقال معاذ: والله لا أجلس حتى أقتله قضاء الله ورسوله * وأما من قال: يستتاب أبدا دون قتل فلما نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا داود - هو ابن أبي هند - عن الشعبي عن أنس بن مالك أن أبا موسى الاشعري قتل جحينة الكذاب وأصحابه قال أنس: فقدمت على عمر بن الخطاب فقال: ما فعل جحينة وأصحابه قال: فتغافلت عنه ثلاث مرات فقلت: يا أمير المؤمنين وهل كان سبيل إلى القتل؟ فقال عمر: لو أتيت بهم لعرضت عليهم الاسلام فان تابوا وإلا استودعتهم السجن * وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر قال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن عبدالقاري عن أبيه قال: قدم مجزاة بن ثور أو شقيق بن ثور على عمر يبشره بفتح تستر فقال له عمر: هل كانت مغربة يخبرنا بها؟ قال: لا إلا أن رجلا من العرب ارتد فضربنا عنقه قال عمر.
ويحكم فهلا طينتم عليه بابا وفتحتم له كرة فأطعمتموه كل يوم منها رغيفا وسقيتموه كوزا من ماء ثلاثة أيام ثم عرضتم عليه الاسلام في الثالثة فلعله أن يرجع اللهم لم أحضر ولو آمر ولم أعلم * وأما من قال: أربعين يوما فلما روينا من طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن مسلمة بن علي عن رجل عن قتادة أن رجلا يهوديا أسلم ثم ارتد عن الاسلام فحبسه أبو موسى الاشعري أربعين يوما يدعوه إلى الاسلام فأتاه معاذ بن جبل فرآه عنده فقال: لا أنزل حتى تضرب عنقه فلم ينزل حتى ضربت عنقه * وأما من ارتد من كفر إلى كفر فان أبا حنيفة
ومالكا قالا جميعا يقر على ذلك ولا يعترض عليه، وقال الشافعي، وأبو سليمان،(11/191)
وأصحابهما: لا يقر على ذلك، ثم اختلف قول الشافعي: فمرة قال: ان رجع إلى الكفر الذي تذمم عليه ترك والا قتل إلا أن يسلم، ومرة قال: لا يقبل منه الرجوع إلى الدين الذي خرج عنه لا بد له من الاسلام أو السيف.
وبهذا يقول أصحابنا: * قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في قول من قال: انه يستتاب مرة فان تاب والا قتل فوجدناهم يقولون: قال الله تعالى: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) وقال تعالى: (وافعلوا الخير)، وقال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) الآية فكانت الاستتابة فعل خير ودعاء إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة ودعاء إلى الخير وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، فكان ذلك واجبا، وكان فاعله مصلحا.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي: لان يهدى الله بهداك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم، قالوا: فهذا لا ينبغي أن يزهد فيه، قالوا: وقد فعله علي.
وعثمان.
وابن مسعود، وروي عن أبي بكر، وعمر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم * قال أبو محمد رحمه الله: لا نعلم لهم حجة غير هذا أصلا فعارضهم من قال: لا أستتيبه بأن قالوا: بأن الدعاء إلى سبيل الله تعالى لا يخلو من أن يجب مرة أو عددا محدودا أو أكثر من مرة أو أبدا ما امتد العمر بلا نهاية ولا سبيل إلى قسم رابع قال.
فان قلتم انه يجب أبدا ما امتد العمر بلا نهاية تركتم قولكم وصرتم إلى قول من رأى أن يستتاب المرتد أبدا ولا يقتل وهذا ليس هو قولكم ولو كان لكنا قد أبطلناه آنفا، ولو كان هذا أيضا لبطل الجهاد جملة لان الدعاء كان يلزم أبدا مكررا بلا نهاية وهذا قول لا يقوله مسلم أصلا وليس دعاء المرتد - وهو أحد الكفار - بأوجب من دعاء غيره من أهل الكفر الحربيين فسقط هذا القول وبالله تعالى التوفيق *
(وان قلتم) إنه يجب عددا محدودا أكثر من مرة كنتم قائلين بلا دليل وهذا باطل لقول الله تعالى.
(قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) وليس قول من قال.
يستتاب مرتين بأولى ممن قال.
ثلاثة ولا ممن قال أربعا أو خمسا أو أكثر من ذلك، وكل هذه الاقوال بلا برهان فسقط هذا القول بلا شك فلم يبق الا قول من قال.
يدعى مرة فيقال له: إن من أسلم ثم ارتد قد تقدم دعاؤه إلى الاسلام حين أسلم بلا شك ان كان دخيلا في الاسلام أو حين بلغ وعلم شرائع الدين هذا ما لا شك فيه وقد قلنا ان التكرار لا يلزم فالواجب إقامة الحد عليه إذ قد اتفقنا نحن وأنتم على وجوب(11/192)
قتله ان لم يراجع الاسلام، فالاشتغال عن ذلك وتأخيره باستتابة ودعاء لا يلزمان ترك الاقامة عليه وهذا لا يجوز، قالوا.
ونحن لم نمنع من دعائه إلى الاسلام في خلال ذلك دون تأخير لاقامة الحق عليه ولا تضييع له وانما كلامنا هل يجب دعاؤه واستتابته فرضا أم لا؟ فهنا اختلفنا فأوجبتموه بلا برهان ولم نوجب نحن ولا منعنا * (فان قلتم): ندعوه مرة بعد الدعاء الاول السالف لم تكونوا بأولى ممن قال.
بل ادعوه مرة ثانية أيضا بعد هذه المرة، أو ممن قال.
بل الثالثة بعد الثانية، أو ممن قال.
بل الرابعة بعد الثالثة وهكذا أبدا فبطل بلا شك ما أوجبتم فرضا من استتابته مرة واحدة فأكثر، قال.
وأما قولكم فانه قد روي عن أبي بكر، وعمر، وصح عن عثمان، وعلي، وابن مسعود بحضرة الصحابة رضي الله عنهم فلا حجة لكم في هذا * أما الرواية عن أبي بكر فلا تصح لان الطريق في كلتي الروايتين عن ابن لهيعة وهو ساقط.
وأما الحكم في أهل الردة فهو أمر مشهور نقل الكواف لا يقدر احد على انكاره الا أنه لا حجة لكم فيه لان أهل الردة كانوا قسمين، قسما لم يؤمن قط كأصحاب مسيلمة.
وسجاح فهؤلاء حربيون لم يسلموا قط لا يختلف أحد في أنهم تقبل توبتهم واسلامهم والقسم الثاني قوم أسلموا ولم يكفروا بعد اسلامهم لكن منعوا الزكاة من أن يدفعوها إلى أبي بكر رضي الله عنه فعلى هذا قوتلوا،
ولا يختلف الحنيفيون.
ولا الشافعيون في أن هؤلاء ليس لهم حكم المرتد أصلا وهم قد خالفوا فعل أبي بكر فيهم ولا يسميهم أهل ردة، ودليل ما قلنا شعرا لحطيئة المشهور الذي يقول فيه: * أطعنا رسول الله ما كان بيننا * فيا لهفنا ما بال دين أبي بكر أيورثها بكرا إذا مات بعده * فتلك لعمر الله قاصمة الظهر وان التي طالبتم فمنعتم لكا * للنمر أو أحلى لدى من التمر فدا لبني بكر بن ذودان رحلى ونا * قتى عشية يحدي بالرماح أبو بكر فهو مقر برسول الله صلى الله عليه وسلم كما ترى فقد يمكن أن يكون الاشعث من هؤلاء وغيره وما يبعد أن يكون فيهم قوم ارتدوا جملة كمن آمر بطليحة ونحو هؤلاء الا أن هذا لا ينسند فلو صح لما كانت فيه حجة لان الخلاف في ذلك موجود بين الصحابة رضي الله عنهم ومن قال: بقتل المرتد ولا بد دون ذكر استتابة أو قبولها كما أوردنا عن معاذ.
وأبي موسى وأنس.
وابن عباس.
ومعقل بن مقرن، ومنهم من قال: بالاستتابة أبدا وايداع السجن فقط كما قد صح عن عمر مما قد أوردنا قبل ووجوب القتال هو حكم آخر غير وجوب القتل بعد القدرة فان قتال من بغى على المسلم أو منع حقا قبله وحارب دونه فرض واجب بلا خلاف ولا حجة في قتال أبي بكر رضي الله عنه أهل(11/193)
الردة لانه حق بلا شك ولم نخالفكم في هذا ولا يصح أصلا عن أبي بكر أنه ظفر بمرتد عن الاسلام غير ممتنع باستتابة فتاب فتركه أو لم يتب فقتله هذا ما لا يجدونه، وأما من بدل كفرا بكفر آخر * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس فيمن خرج من كفر إلى كفر فقال أبو حنيفة، ومالك.
وأصحابهما، وأبو ثور: أنهم يقرون على ذلك ولا يعترض عليهم وقال الشافعي، وأبو سليمان، وأصحابهما: لا يقرون على ذلك أصلا، ثم اختلفوا فقالت طائفة من أصحاب الشافعي.
ينبذ إليه عهده ويخرج إلى دار الحرب فان ظفر به بعد
ذلك فمرة قال.
ان رجع إلى دينه الكتابي الذي خرج منه أقر على حربيته وترك، ومرة قال: لا يترك بل لا يقبل منه الا الاسلام أو السيف.
وبهذا يقول أصحابنا.
الا أنهم لا يرون إلحاقه بدار الحرب بل يجبر على الاسلام والا قتل * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا نظرنا في ذلك فوجدنا من قال.
إنهم يقرون على ذلك يحتجون بقول الله تعالى.
(والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) وأمره تعالى أن يقول مخاطبا لجميع الكفار.
(قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد) إلى آخر السورة قالوا.
فجعل الله تعالى الكفر كله دينا واحدا قالوا.
وقد قال الله تعالى.
(لا إكراه في الدين) فكان هذا ظاهرا يمنع من اكراهه على ترك كفره قالوا.
ولا يخلوا إذا أجبر على ترك الكفر الذي خرج إليه من أحد وجهين ولا ثالث لهما، إما أن يجبر على الرجوع إلى دينه الذي خرج عنه كما قال الشافعي في أحد قوليه.
، أو يجبر على الرجوع إلى الاسلام كما قال هو في قوله الثاني، وأصحابكم.
فان أجبر على الرجوع إلى دينه فقد أجبر على اعتقاد الكفر وعلى الرجوع إلى الكفر، قالوا.
واعتقاد جواز هذا كفر، قالوا.
وان أكره على الرجوع إلى الاسلام فكيف يجوز أن يجبر على ذلك دون سائر أهل الكفر من أهل الذمة ولا فرق بينه وبينهم فهو كافر وهم كفار ولا فرق * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا كل ما شغبوا به من النصوص الا أن بعضهم قال: أرأيت من أحدث في نصرانية.
أو يهودية.
أو مجوسية رأيا لم يخرج به عن جملتهم أتجبرونه على ترك ذلك الرأي والرجوع إلى جملتهم أو إلى الاسلام؟ وأرأيتم من خرج من ملكية إلى نسطورية.
أو يعقوبية.
أو قادونية.
أو معدونية فدان بعبودية المسيح وأنه نبي الله وان الله تعالى وحده لا شريك له؟ أتجبرونه على الرجوع إلى التثليث، أو إلى الرجوع إلى القول بأن الله هو المسيح بن مريم؟، وكذلك من خرج من ربانية إلى عامانية،(11/194)
أو إلى عيسونية أتجبرونه على الرجوع عن الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى الكفر؟ * قال أبو محمد رحمه الله: هذا كل ما موهوا به من التشنيع وكل هذا عائد عليهم على ما نبين ان شاء الله تعالى، أما قول الله تعالى، (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) فحق ولا حجة لهم فيه لانه ليس فيه الا أنهم كلهم أولياء بعضهم لبعض فقط وليس في هذه الآية حكم إقرارهم، ولا حكم قتلهم، ولا حكم ما يفعل بهم في شئ من أمور بهم أصلا، وكذلك قوله تعالى.
(قل يا أيها الكافرون) إلى آخرها ليس فيها أيضا الا أننا مباينون لجميع الكفار في العبادة والدين وليس في هذه السورة شئ من أحكامهم.
لا من إقرارهم ولا من ترك إقرارهم، وقد قال الله تعالى مخاطبا لنا: (ومن يتولهم منكم فانه منهم) فمن تولاهم منا فهو منهم كما قال تعالى: ان بعضهم أولياء بعض فهلا تركوا المرتد إليهم منا على ردته؟ باخبار الله تعالى انه منهم فان لم تكن هذه الآية حجة في إقرار المرتد منا إليهم على ذلك فذانك النصان ليسا بحجة فيما أرادوا التمويه بايرادهما من أن الخارج منهم من كفر إلى كفر يقر على ذلك وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: وأما قول الله تعالى: (لا إكراه في الدين) فلا حجة لهم فيه لانه لم يختلف أحد من الامة كلها في ان هذه الآية ليست على ظاهرها لان الامة مجمعة على اكراه المرتد عن دينه.
فمن قائل يكره ولا يقتل، ومن قائل يكره ويقتل * (قان قالوا): خرج المرتد منا بدليل آخر عن حكم هذه الآية قلنا لهم وكذلك ان خرج المرتد منهم من فر إلى كفر بدليل آخر عن حكم هذه الآية والا فهو كما قلتم: وان المحتجين بقول الله تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) وبقول الله تعالى.
(لكم دينكم ولي دين) في أن الكفر كله ملة واحدة وشئ واحد هم أول من نقض الاحتجاج وخالفه وفرقوا بين أحكام أهل الكفر فكلهم مجمع معنا على أن من أهل الكفر من تنكح نساؤهم وتؤكل ذبائحهم وان منهم من لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم * قال أبو محمد رحمه الله: وأما قولهم: لا يخلو من أجبر على ترك الكفر الذي خرج إليه
من أحد وجهين.
إما أن يجبر على الرجوع إلى الكفر الذي خرج منه، وإما ان يجبر على الاسلام فنعم أنه لا يخلو من أحدهما والذي نقول به فانه يجبر على الرجوع إلى الاسلام ولا بد ولا يترك يرجع إلى الدين الذي خرج منه (وأما قولهم).
كيف يجوز أن يجبر على الاسلام مع ما ذكرنا فجوابنا وبالله تعالى التوفيق انه ان لم يقم برهان من القرآن والسنة على وجوب إجباره والا فهو قولكم * قال أبو محمد رحمه الله: وكذلك قولهم: ان خرج من فرقة من النصارى إلى فرقة(11/195)
أخرى فاننا لا نعترض عليهم على ما نبينه بعد ان شاء الله تعالى، فبقي الآن الكلام في احتجاجهم بقول الله تعالى.
(لا اكراه في الدين) فوجدنا الناس على قولين، أحدهما انها منسوخة، والثاني أنها مخصوصة، فأما من قال انها منسوخة فيحتج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل من الوثنين فيقال لهم.
وبالله تعالى التوفيق لم يختلف مسلمان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل من الوثنيين من العرب الا الاسلام أو السيف إلى أن مات عليه السلام فهو إكراه في الدين فهذه الآية منسوخة، وأما من قال انها مخصوصة فانهم قالوا.
انما نزلت في اليهود والنصاري خاصة كما روي عن عمر بن الخطاب انه قال لعجوز نصرانية أيتها العجوز أسلمي تسلمي ان الله تعالى بعث الينا محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق فقالت العجوز وانا عجوز كبيرة وأموت إلى قريب قال عمر.
اللهم اشهد لا اكراه في الدين، وبما روينا عن ابن عباس قال.
كانت المرأة تجعل على نفسها ان عاش ولدها تهوده فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الانصار فقالت الانصار.
لا ندع ابناءنا فأنزل الله تعالى (لا اكراه في الدين) فقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاتل الكفار إلى أن مات عليه السلام حتى أسلم من أسلم منهم، وصح عنه الاكراه في الدين ثم نزل بعد ذلك (فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) الآية إلى قوله تعالى.
(فخلوا سبيلهم) ونزل قوله تعالى.
(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) إلى قوله تعالى.
(حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فان قال قائل: فأين
أنتم من قوله تعالى.
(فانبذوا إليهم على سواء) فيقال لهم.
لا يختلف اثنان في أن هذه الآية نزلت قبل نزول براءة فإذ ذلك كذلك فان براءة نسخت كل حكم تقدم وأبطلت كل عهد سلف بقوله تعالى: (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله الا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) وانما كانت آية النبذ على سواء أيام كانت المهادنات جائزة.
وأما بعد نزول (فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) فلا يحل ترك مشرك أصلا إلا بأن يقتل أو يسلم أو ينبذ إليه عهده بعد التمكن من قتله حيث وجد إلا أن يكون من أبناء الذين أوتوا الكتاب فيقر على الجزية والصغار كما أمر الله تعالى أو يكون مستجيرا فيجار حتى يقرأ عليه القرآن ثم يرد إلى مأمنه ولا بد إلى أن يسلم ولا يترك أكثر من ذلك أو رسولا فيترك مدة أداء رسالته وأخذ جوابه ثم يرد إلى بلده وما عدا هؤلاء فالقتل ولا بد أو الاسلام كما أمر الله تعالى في نص القرآن وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فان ذكروا ما نا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا أحمد بن خالد نا عبيد الله بن محمد الكشوري نا محمد بن يوسف الحذافي نا عبد الرزاق نا ابن جريج قال: جديث رفع إلى علي في يهودي تزندق ونصراني نزندق قال.
دعوه يحول من دين إلى دين *(11/196)
قال أبو محمد رحمه الله: هذا لم يصح عن علي لانه منقطع ولم يولد ابن جريج الا بعد نحو نيف وثلاثين عاما من موت علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا حجة في احد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكم من قولة لعلي صحيحة قد خالفوها وبالله تعالى التوفيق * 2196 - مسألة - ميراث المرتد، قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في ميراثه فقالت طائفة.
هو لورثته من المسلمين كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد ابن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا موسى بن مسعود أبو حذيفة نا سفيان عن سماك بن حرب عن دثار بن يزيد بن عبيد بن الابرص الاسدي ان علي بن أبي طالب قال: ميراث المرتد لولده * وعن الاعمش عن الشيباني
قال: أتي علي بن أبي طالب بشيخ كان نصرانيا فأسلم ثم ارتد عن الاسلام فقال له علي: لعلك انما ارتددت لان تصيب ميراثا ثم ترجع إلى الاسلام قال: لا قال: فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن يزوجوكها فأردت أن تزوجها ثم تعود إلى الاسلام قال: لا قال: فارجع إلى الاسلام قال.
لا حتى ألقى المسيح فأمر به فضربت عنقه فدفع ميراثه إلى ولده من المسلمين * وعن ابن مسعود بمثله، وقالت طائفة.
بهذا منهم الليث بن سعد.
واسحق بن راهوية، وقال الاوزاعي: ان قتل في أرض الاسلام فما له لورثته من المسلمين، وقالت طائفة: ان كان له وارث على دينه فهو أحق به والا فماله لورثته من المسلمين كما روينا من طريق عبد الرزاق عن اسحق بن راشد أن عمر بن عبد العزيز كتب في رجل من المسلمين أسر فتنصر إذا علم ذلك ترث منه امرأته وتعتد ثلاثة قروء ودفع ماله إلى ورثته من المسلمين لا أعلمه قال.
إلا أن يكون له وارث على دينه في أرض فهو أحق به، وقالت طائفة: ميراثه لاهل دينه فقط كما روينا من طريق عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة قال: ميراث المرتد لاهل دين، قال عبد الرزاق.
أنبأنا ابن جريج قال.
الناس فريقان.
منهم من يقول.
ميراث المرتد للمسلمين لانه ساعة يكفر يوقف فلا يقدر منه على شئ حتى ينظر أيسلم أم يكفر؟ منهم النخعي.
والشعبي.
والحكم بن عتيبة، وفريق يقول.
لاهل دينه، وقالت طائفة.
ان راجع الاسلام فماله له وان قتل فماله لبيت مال المسلمين لا لورثته من الكفار قال بهذا ربيعة.
ومالك.
وابن أبي ليلى.
والشافعي، وقالت طائفة ان راجع الاسلام فماله له وان قتل فماله لورثته من الكفار، قال بهذا أبو سليمان.
وأصحابنا.
وقال أبو حنيفة وأصحابه.
ان قتل المرتد فماله لورثته من المسلمين وترثه زوجته كسائر ورثته وان فر ولحق بأرض الحرب وترك ماله عندنا فان القاضي يقضي بذلك ويعتق أمهات أولاده(11/197)
ومدبره ويقسم ماله بين ورثته من المسلمين على كتاب الله تعالى، فان جاء مسلما أخذ
من ماله ما وجد في أيدي ورثته ولا ضمان عليهم فيما استهلكوه، هذا فيما كان بيده قبل الردة، وأما ما اكتسبه في حال ردته ثم قتل أو مات فهو في، للمسلمين، وقالت طائفة.
مال المرتد ساعة يرتد لجميع المسلمين قتل أو مات أو لحق بأرض الحرب أو راجع الاسلام كل ذلك سواء وهو قول بعض أصحاب مالك: ذكر ذلك ابن شعبان عنه.
وأشهب * قال أبو محمد رحمه الله.
فلما اختلفوا نظرنا في ذلك فكان الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه لا يرث المسلم الكافر مانعا من توريث ولد المرتد وهم مسلمون مال أبيهم المرتد لانه كافر وهم مسلمون * نا بهذا الحديث جماعة ومن جملتهم ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحق بن السليم نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا مسدد نا سفيان عن الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان بن عفان عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال.
" لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " وهذا عموم منه عليه السلام لم يخص منه مرتد من غيره (وما كان ربك نسيا)، ولو أراد الله أن يخص المرتد من ذلك لما أغفله ولا أهمله بل قد حض الله تعالى على أن المرتد من جملة الكفار بقوله تعالى.
(ومن يتولهم منكم فانه منهم) فسقط هذا القول جملة وبالله تعالى التوفيق * 2197 - مسألة وصية المرتد وتدبيره، قال أبو محمد.
كل وصية أوصى بها قبل ردته أو في حين ردته بما يوافق البر ودين الاسلام فكل ذلك نافذ في ماله الذي لم يقدر عليه حتى قتل لانه ماله وحكمه نافذ فإذا قتل أو مات فقد وجبت فيه وصاياه بموته قبل أن يقدر على ذلك المال، وأما إذا قدرنا عليه قبل موته من عبد وذمي أو مال فهو للمسلمين كله لا تنفذ فيه وصية لانه إذا وجبت الوصية بموته لم يكن ذلك المال له بعد ولا تنفذ وصية أحد فيما لا يملكه * 2198 - مسألة - من صار مختارا إلى أرض الحرب مشاقا للمسلمين أمرتد
هو بذلك أم لا؟ ومن اعتضد بأهل الحرب على أهل الاسلام وان لم يفارق دار الاسلام أمرتد هو بذلك أم لا؟ * قال أبو محمد نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا محمد بن قدامة عن جرير عن مغيرة عن الشعبي قال.
كان جرير يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة وان مات مات كافرا فأبق غلام لجرير فاخذه فضرب عنقه * وبه إلى أحمد بن شعيب أنا قتيبة نا حميد بن(11/198)
عبد الرحمن عن أبيه عن أبي اسحاق عن الشعبي عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" إذا أبق العبد إلى الشرك فقد حل دمه " * ومن طريق مسلم نا علي بن حجر السعدي نا اسماعيل - يعني ابن علية - عن منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي عن جرير أنه سمعه يقول.
أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم قال منصور.
قد والله روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أكره أن يروي عني ههنا بالبصرة * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا هناد بن السري نا أبو معاوية - هو ابن أبي حازم الضرير - عن اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود فأسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل وقال: انا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قالوا.
يا رسول الله لا تتراءى ناراهما " * قال أبو محمد رحمه الله.
حديث الشعبي عن جرير الذي قدمنا هو من طريق منصور ابن عبد الرحمن عن الشعبي موقوف على جرير فلا وجه للاشتغال به، وهو من طريق مغيرة عن الشعبي مسند الا أن فيه أن العبد باقامته يكون كافرا فظاهره في المملوك لان الحر لا يوصف باباق في المعهود لكن رواية أبي اسحاق عن الشعبي في هذا الخبر بيان انه في الحر والمملوك وبيان الاباق الذي يكفر به وهو إباقه إلى أرض الشرك والعبد
واقع على كل أحد لان كل احد عبد الله تعالى كما روينا من طريق مسلم نا اسحاق بن ابراهيم الحنظلي أنا سفيان بن عيينة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول.
قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي " فقوله تعالى: إذا قال العبد عني به الحر والمملوك بلا شك والاباق مطلق على الحر أيضا قال الله تعالى (إذ أبق إلى الفلك المشحون) فأخبر تعالى عن رسوله الحر يونس بن متى صلى الله عليه وسلم انه أبق إذ خرج مغاضبا لامر ربه تعالى وقد علمنا ان من خرج عن دار الاسلام إلى دار الحرب فقد أبق عن الله تعالى.
وعن امام المسلمين وجماعتهم ويبين هذا حديثه صلى الله عليه وسلم انه برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين وهو عليه السلام لا يبرأ الا من كافر قال الله تعالى: (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) * قال أبو محمد رحمه الله.
فصح بهذا ان من لحق بدار الكفر والحرب مختارا محاربا لمن يليه من المسلمين فهو بهذا الفعل مرتد له احكام المرتد كلها من وجوب القتل عليه(11/199)
متى قدر عليه ومن اباحة ماله وانفساح نكاحه وغير ذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبرأ من مسلم، وأما من فر إلى أرض الحرب لظلم خافه ولم يحارب المسلمين ولا أعانهم عليهم ولم يجد في المسلمين من يجيره فهذا لا شئ عليه لانه مضطر مكره، وقد ذكرنا أن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب كان عازما على أنه ان مات هشام بن عبد الملك لحق بأرض الروم لان الوليد بن يزيد كان نذر دمه ان قدر عليه وهو كان الوالي بعد هشام فمن كان هكذا فهو معذور، وكذلك من سكن بأرض الهند والسند والصين والترك والسودان والروم من المسلمين فان كان لا يقدر على الخروج من هنالك لثقل ظهر أو لقلة مال أو لضعف جسم أو لامتناع طريق فهو معذور، فان كان هنالك محاربا للمسلمين معينا للكفار بخدمة أو كتابة فهو كافر وان كان انما يقيم هنالك لدنيا يصيبها وهو كالذمي
لهم وهو قادر على اللحاق بجمهرة المسلمين وأرضهم فما يبعد عن الكفر وما نرى له عذرا ونسأل الله العافية، وليس كذلك من سكن في طاعة أهل الكفر من الغالية ومن جرى مجراهم لان أرض مصر والقيروان وغيرهما فالاسلام هو الظاهر وولاتهم على كل ذلك لا يجاهرون بالبراءة من الاسلام بل إلى الاسلام ينتمون وان كانوا في حقيقة أمرهم كفارا، وأما من سكن في أرض القرامطة مختارا فكافر بلا شك لانهم معلنون بالكفر وترك الاسلام ونعوذ بالله من ذلك، وأما من سكن في بلد تظهر فيه بعض الاهواء المخرجة إلى الكفر فهو ليس بكافر لان اسم الاسلام هو الظاهر هنالك على كل حال من التوحيد والاقرار برسالة محمد صلى الله عليه وسلم والبراءة من كل دين غير الاسلام واقامة الصلاة وصيام رمضان وسائر الشرائع التي هي الاسلام والايمان والحمد لله رب العالمين، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا برئ من كل مسلم اقام بين أظهر المشركين " يبين ما قلناه وانه عليه السلام انما عنى بذلك دار الحرب وإلا فقد استعمل عليه السلام عماله على خيبر وهم كلهم يهود، وإذا كان أهل الذمة في مدائنهم لا يماذجهم غيرهم فلا يماذجهم غيرهم فلا يسمى الساكن فيهم لامارة عليهم أو لتجارة بينهم كافرا ولا مسيئا بل هو مسلم محسن ودارهم دار اسلام لا دار شرك لان الدار انما تنسب للغالب عليها والحاكم فيها والمالك لها، ولو أن كافرا مجاهدا غلب على دار من دور الاسلام وأقر المسلمين بها على حالهم الا أنه هو المالك لها المنفرد بنفسه في ضبطها وهو معلن بدين غير الاسلام لكفر بالبقاء معه كل من عاونه واقام معه وان ادعى أنه مسلم لما ذكرنا، وأما من حملته الحمية من أهل الثغر من المسلمين فاستعان بالمشركين الحربيين واطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين أو على اخذ أموالهم أو سبيهم فان كانت يده هي الغالبة(11/200)
وكان الكفار له كأتباع فهو هالك في غاية الفسوق ولا يكون بذلك كافرا لانه لم يأت شيئا أوجب به عليه كفرا قرآن أو اجماع وان كان حكم الكفار جاريا عليه فهو بذلك كافر
على ما ذكرنا فان كانا متساويين لا يجري حكم أحدهما على الآخر فما نراه بذلك كافرا والله أعلم، وانما الكافر الذي برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المقيم بين أظهر المشركين وبالله تعالى التوفيق * 2199 مسألة - من المنافقين، والمرتدين قال قوم: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرف المنافقين وعرف أنهم مرتدون كفروا بعد اسلامهم وواجهه رجل بالتجوير وأنه يقسم قسمة لا يراد بها وجه الله وهذه ردة صحيحة فلم يقتله قالوا: فصح أنه لا قتل على مرتد ولو كان عليه قتل لانفذ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنافقين المرتدين الذين قال الله تعالى فيهم: (إذا جاءك المنافقون) إلقوله تعالى: (فهم لا يفقهون) * قال أبو محمد: هذا كل ما احتجوا به ونحن ان شاء الله تعالى ذاكرون كل آية تعلق بها متعلق في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف المنافقين بأعيانهم، ومبينون بعون الله تعالى وتأييده أنهم قسمان، قسم لم يعرفهم قط عليه السلام، وقسم آخر افتضحوا فعرفهم فلا ذوا بالتوبة ولم يعرفهم عليه السلام أنهم كاذبون أو صادقون في توبتهم فقط، فإذا بينا هذا بعون الله تعالى بطل قول: من احتج بأمر المنافقين في أنه لا قتل على مرتد وبقي قول: من رأي القتل بالتوبة، وأما إنه لا يسقط بالتوبة والبرهان على الصحيح من ذلك، فنقول وبالله تعالى التوفيق، قال الله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر) إلى قوله تعالى: (فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين) فهذه أول آية في القرآن فيها ذكر المنافقين وليس في شئ منها دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفهم ولا على أنه لم يعرفهم فلا متعلق فيها لاحد من أهل القولين المذكورين: قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم) إلى قوله تعالى: (ان الله بما تعملون محيط) ففي هذه الآية دليل على أن هؤلاء القوم ممكن أن يكونوا معروفين لان الله تعالى اخبرنا أنهم من غيرنا بقوله تعالى: (من دونكم) فإذ هم من غيرنا فممكن أن يكونوا من اليهود مكشوفين، وممكن أن يكون قوله تعالى عنهم: (انهم قالوا آمنا) أي بما عندهم، وقد يمكن أيضا أن يكونوا من المنافقين
المظهرين للاسلام، وممكن ان الله تعالى أمرهم أن لانتخذهم بطانة إذا أطلعنا منهم على هذا، والوجه الاول أظهر وأقوى لظاهر الآية واذ كلتا هما ممكن فلا متعلق في هذه الآية لمن ذهب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرف المنافقين بأعيانهم ويدري ان باطنهم النفاق وقال تعالى.
(ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم) إلى قوله تعالى.
(حتى يحكموك فيما(11/201)
شجر بينهم) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا " في كتاب مسلم وغيره " إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وان صام وصلى وزعم انه مسلم " * ومن طريق مسلم أيضا نا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله ابن نمير قالا جميعا: نا عبد الله بن نمير نا الاعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر " فقد صح أن ههنا نفاقا لا يكون صاحبه كافرا، ونفاقا يكون صاحبه كافرا فيمكن أن يكون هؤلاء الذين أرادوا التحاكم إلى الطاغوت لا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مظهرين لطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عصاة بطلب الرجوع في الحكم إلى غيره معتقدين لصحة ذلك لكن رغبة في اتباع الهوى فلم يكونوا بذلك كفارا بل عصاة فنحن نجد هذا عيانا عندنا فقد ندعو نحن عند الحاكم إلى القرآن وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنهم باقرارهم فيأبون ذلك ويرضون برأي أبي حنيفة ومالك.
والشافعي هذا أمر لا ينكره أحد فلا يكونون بذلك كفارا، فقد يكون أولئك هكذا حتى إذا بين الله تعالى أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم وجب أن من وقف على هذا قديما وحديثا وإلى يوم القيامة فأبى وعند فهو كافر وليس في الآية أن أولئك عندوا بعد نزول هذه الاية فإذ لا بيان فيها فلا حجة فيها لمن يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفهم أنهم منافقون وأقرهم، وقال تعالى: (ويقولون
طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة) إلى قوله تعالى: (وكيلا) فهذا ليس فيه نص على أنهم كانوا يظهرون الايمان بل لعلهم كانوا كفارا معلنين، وكانوا يلتزمون الطاعة بالمسالمة فإذ لا نص فيها فلا حجة فيها لمن ادعى أنه عليه السلام كان يعرفهم ويدري أن عقدهم النفاق، وقال تعالى: (فما لكم في المنافقين فئتين) إلى قوله.
(وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا)، وقد روينا من طريق البخاري نا أبو الوليد - هو الطيالسي - نا شعبة عن عدي بن ثابت قال: سمعت عبد الله بن يزيد يحدث عن زيد بن ثابت قال.
لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رجع ناس ممن خرج معه وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فرقة تقول.
نقاتلهم، وفرقة تقول.
لا نقاتلهم فنزلت (فما لكم في المنافقين فئتين) فهذا إسناد صحيح، وقد سمى الله تعالى أولئك منافقين، وأما قوله تعالى في هذه الآية متصلا بذلك (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) إلى قوله تعالى: (فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) فقد كان يمكن أن يظن أنه تعالى عنى بذلك أولئك(11/202)
المنافقين وهو كان الاظهر لولا قوله تعالى.
(فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله) فهذا يوضح غاية الايضاح أنه ابتداء حكم في قوم آخرين غير أولئك المنافقين لان اولئك كانوا من سكان المدينة بلا شك وليس على سكان المدينة هجرة بل الهجرة كانت إلى دارهم، فإذا كان ذلك كذلك فحكم الآية كلها انها في قوم كفار لم يؤمنوا بعد وادعوا أنهم آمنوا ولم يهاجروا، وكان الحكم حينئذ ان من آمن ولم يهاجر لم ينتفع بايمانه وكان كافرا كسائر الكفار ولا فرق حتى يهاجر الا من أبيح له سكنى بلده كمن بأرض الحبشة والبحرين وسائر من أبيح له سكنى أرضه الا المستضعفين قال الله تعالى.
(والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) وقد قال تعالى.
(المؤمنون بعضهم أولياء بعض) فقد قطع الله تعالى الولاية بيننا وبينهم فليسوا مؤمنين وقال تعالى.
(الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا
فيم كنتم) إلى قوله (الا المستضعفين) الآية فان قال قائل.
معنى حتى يهاجروا في سبيل الله أي حتى يجاهدوا معكم بخلاف فعلهم حين انصرفوا عن احد وارادوا أن يجعلوا الآية كلها في المنافقين المنصرفين عن احد قيل له وبالله تعالى التوفيق، هذا ممكن ولكن قد قال تعالى.
(فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم) فأخبرونا هل فعل ذلك النبي عليه السلام فقتل الراجعين عن احد حيث وجدهم؟ وهل اخذهم ام لا؟ * (فان قالوا): قد فعل ذلك كذبوا كذبا لا يخفى على احد وما عند مسلم شك في انه عليه السلام لم يقتل منهم احدا ولا نبذ العهد إلى احد منهم (وان قالوا).
لم يفعل ذلك عليه السلام ولا المؤمنون (قيل لهم).
صدقتم ولا يحل لمسلم ان يظن ان النبي عليه السلام خالف امر ربه فأمره تعالى ان تولوا بقتلهم حيث وجدهم وبأخذهم فلم يفعل وهذا كفر ممن ظنه بلا شك (فان قالوا).
لم يتولوا بل تابوا ورجعوا وجاهدوا قيل لهم فقد سقط حكم النفاق عنهم بلا شك وحصل لهم حكم الاسلام بظاهر الآية بلا شك فقد بطل تعلقهم بهذه الآية جملة في انه عليه السلام كان يعرف المنافقين ولكن في قوله تعالى.
(إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم) إلى قوله تعالى.
(فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) بيان جلي بان هؤلاء لم يكونوا قط من الاوس ولا من الخزرج لانهم لم يكن لهم قوم محاربون للنبي عليه السلام ولا نسبوا قط إلى قوم معاهدين النبي عليه السلام بميثاق معقود هذا مع قوله تعالى.
(فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم) إلى قوله تعالى.
(سبيلا) فان هذا بيان جلي على أنهم من غير الانصار ومن غير المنافقين لكن من الكفار المجاهرين بالكفر الا ان يقول قائل.
ان قوله تعالى.
(الا الذين(11/203)
يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق) استثناء منقطع مما قبله في قوله.
(آخرين) وعلى كل حال فقد سقط حكم النفاق على اولئك ان كان هكذا.
(فان قيل).
فان كان الامر كما قلتم ان في قوله تعالى.
(ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) انه في قوم
من الكفار غير أولئك فحسبنا انه تعالى قد سمى اولئك الراجعين منافقين فصاروا معروفين قيل له وبالله تعالى التوفيق، قد قلنا ان النفاق قسمان قسم لمن يظهر الكفر ويبطن الايمان وقسم لمن يظهر غير ما يصر فما سوى الدين ولا يكون بذلك كافرا، وقد قيل لابن عمر.
انا ندخل على الامام فيقضي بالقضاء فنراه جورا فنمسك فقال.
انا معشر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نعد هذا نفاقا فلا ندري ما تعدونه انتم وقد ذكرنا قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا وان صلى وان صام وقال اني مسلم " فإذ الامر كذلك فلا يجوز ان نقطع عليهم بالكفر الذي هو ضد الاسلام الا بنص ولكنا نقطع عليهم بما قطع الله تعالى به من اسم النفاق والضلالة والاركاس وخلاف الهدى ولا نزيد ولا نتعدى ما نص الله تعالى عليه بآرائنا وبالله تعالى التوفيق، وقال الله تعالى.
(بشر المنافقين بان لهم عذابا اليما) إلى قوله.
(أجرا عظيما) * قال أبو محمد.
اما هؤلاء فمنافقون النفاق الذي هو الكفر فلا شك لنصه تعالى على انهم مذبذبون لا إلى المؤمنين ولا إلى المجاهرين بالكفر في نار جهنم وانهم اشد عذابا من الكفار بكونهم في الدرك الاسفل من النار ولكن ليس في شئ من هذه الآيات كلها انه عليه السلام عرفهم باعيانهم وعرف نفاقهم إذ لا دليل على ذلك فلا حجة فيها لمن ادعى انه عليه السلام عرفهم وعرف نفاقهم، ثم لو كان ذلك لكان قوله تعالى.
(ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار) إلى قوله تعالى.
(أجرا عظيما) موجبا لقبول توبتهم إذا تابوا وهم قد اظهروا التوبة والندم والاقرار بالايمان بلا شك فبطل عنهم بهذا حكم النفاق جملة في الدنيا وبقي باطن امرهم إلى الله تعالى، وهذه الآية تقضي على كل آية فيها نص بأنه عليه السلام عرف منافقا بعينه وعرف نفاقه قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصاري بعضهم) إلى قوله تعالى.
(فأصبحوا خاسرين) * قال أبو محمد رحمه الله: فأخبر الله تعالى عن قوم يسارعون في الذين كفروا
حذرا أن تصيبهم دائرة وأخبر تعالى عن الذين آمنوا انهم يقولون للكافرين: (أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم أنهم لمعكم) يعنون الذين يسارعون فيهم قال الله تعالى: (حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين) فهذا لا يكون الا خبرا عن قوم أظهروا(11/204)
الميل إلى الكفار فكانوا منهم كفارا خائبي الاعمال ولا يكونون في الاغلب الا معروفين لكن قوله تعالى: (فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) دليل على ندامتهم على ما سلف منهم وأن التوبة لهم معرضة على ما في الآية التي ذكرنا قبل هذه، وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) إلى قوله تعالى: (لا تعلمهم نحن نعلمهم) * قال أبو محمد: فهذه في المنافقين بلا شك، وقد نص الله تعالى على أن المسلمين لا يعلمونهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطب بهذا الخطاب مع المسلمين بلاشك فهو لا يعلمهم، والله تعالى يعلمهم، وقال تعالى: (لو كان عرضا قريبا وسفر قاصدا لاتبعوك) إلى قوله تعالى: (كارهون) * قال أبو محمد رحمه الله: ليس في أول الآية الا أنهم يحلفون كاذبين وهم يعلمون كذبهم في ذلك وأنهم يهلكون أنفسهم بذلك وهذه صفة كل عاص في معصيته، وفي الآية أيضا معاتبة الله تعالى نبيه عليه السلام على إذنه لهم، وأما قوله تعالى: (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر) إلى قوله تعالى: (يترددون) فان وجه هذه الآية التي يجب أن لا تصرف عنه إلى غيره بغير نص، ولا اجماع أنه في المستأنف لان لفظها لفظ الاستقبال، ولا خلاف في هذه الآية أنها نزلت بعد تبوك ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تبوك غزوة أصلا ولكنها نقطع على أنها لو كانت هنالك غزوة بعد تبوك وبعد نزول الآية فاستأذن قوم منهم النبي صلى الله عليه وسلم في القعود دون عذر لهم في ذلك لكانوا بلا شك مرتابة قلوبهم كفارا بالله تعالى
وباليوم الآخر مترددين في الريب فبطل تعلقهم بهذه الآية، ثم قوله تعالى: (ولو أرادوا الخروج لاعدوا له عدة) إلى قوله تعالى.
(كارهون) فهذه أخبار عما خلا لهم وعن سيأت اقترفوها وليس فيها شئ يوجب لهم الكفر حتى لو كانوا معروفين بأعيانهم وبالله تعالى التوفيق * وقوله تعالى: (ومنهم من يقول ائذن لي) إلى قوله تعالى: (وهم فرحون) * قال أبو محمد رحمه الله.
قد قيل: ان هذه الآية نزلت في الحر بن قيس وهذا لا ينسند البتة وانما هو منقطع من أخبار المغازي ولكن على كل حال يقال: هذا كان معروفا بلا شك وليس في الآية أنه كفر بذلك ولكنه عصى و (1) وأذنب، وبلى إن جهنم لمحيطة بالكافرين ولا يجوز أن يقطع بهذا النص على ان ذلك القائل كان من الكافرين، وأما الذي أخبر الله تعالى بأنه ان أصابت رسوله عليه السلام سيئته ومصيبته تولوا
__________
(1) هنا سقط كلمة في جميع الاصول التى بأيدينا(11/205)
وهم فرحون أو انه ان أصابته حسنة ساءتهم فهؤلاء كفار بلا شك وليس في الآية نص على أن القائل.
ائذن لي ولا تفتني كان منهم، ولا فيها نص على أنه عليه السلام عرفهم وعرف نفاقهم فبطل تعلقهم بهذه الآية، وقال تعالى: (قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يقبل منكم) إلى قوله.
(يفرقون) * قال أبو محمد: أما هؤلاء فكفار بلا شك مظهرون للاسلام ولكن ليس في الآية أنه عليه السلام عرفهم بأعيانهم ولا دليل فيها على ذلك أصلا وانما هي صفة وصفها الله تعالى فيهم ليميزوها من أنفسهم، وليس في قوله تعالى: (فلا يعجبك أموالهم ولا أولادهم)، دليل على أنه كان يعرفهم بأعيانهم وأنه كان يعرف نفاقهم بل قد كان للفضلاء من الانصار رضي الله عنهم الاموال الواسعة والاولاد النجباء الكثير كسعد بن عبادة.
وأبي طلحة وغيرهما فهذه صفة عامة يدخل فيها الفاضل الصادق والمنافق فأمر تعالى في الآية أن لا تعجبه أموالهم ولا أولادهم
عموما لان الله تعالى يريد أن يعذب المنافقين منهم بتلك الاموال ويموتوا كفارا ولا بد، وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى: (ومنهم من يلمزك في الصدقات) إلى قوله تعالى: (راغبون) * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا لا يدل البتة لا بنص، ولا بدليل على كفر من فعل هذا ولكنها معصية بلا شك، وقال تعالى.
(ومنهم الذين يؤذون النبي) إلى قوله تعالى.
(ذلك الخزي العظيم) قال.
وهذه الآية ليس فيها دليل على كفر من قال حينئذ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذن وانما يكون كافرا من قال.
ذلك وآذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول النهي عن ذلك، ونزول القرآن بأن من فعل ذلك فهو كافر، وان من حاد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فله نار جهنم خالدا فيها، فقد جاء أن عمر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله يا رسول الله إنك لاحب إلى من كل أحد الا نفسي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلاما معناه أنه لا يؤمن حتى يكون أحب إليه من نفسه فقال له عمر.
أما الآن فأنت أحب الي من نفسي * قال أبو محمد: لا يصح أن أحدا عاد إلى أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحادته بعد معرفته بالنازل في ذلك من عند الله تعالى الا كان كافرا ولا خلاف في أن امرءا لو اسلم ولم يعلم شرائع الاسلام فاعتقد ان الخمر حلال وان ليس على الانسان صلاة وهو لم يبلغه حكم الله تعالى لم يكن كافرا بلا خلاف يعتد به حتى إذا قامت عليه الحجة فتمادى حينئذ باجماع الامة فهو كافر، ويبين هذا قوله تعالى في الآية المذكورة:(11/206)
(يحلفون لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين) فقد أخبرهم تعالى أنهم إن كانوا مؤمنين فارضاء الله ورسوله أحق عليهم من ارضاء المسلمين فصح هذا بيقين، وبالله تعالى نستعين، وقال تعالى: (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون) قال وهذه
الآية أيضا لا نص فيها على قوم بأعيانهم فلا متعلق فيها لاحد في هذا المعنى، وقال تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب) إلى قوله تعالى: (كانوا مجرمين) * قال أبو محمد: هذه بلا شك في قوم معروفين كفروا بعد ايمانهم ولكن التوبة مبسوطة لهم بقوله تعالى: (إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين) فصح أنهم اظهروا التوبة والندامة واعترفوا بذنبهم.
فمنهم من قبل الله تعالى توبته في الباطن عنده لعلمه تعالى بصحتها، ومنهم من لم تصح توبته في الباطن فهم المعذبون في الآخرة، وأما في الظاهر فقد تاب جميعهم بنص الآية، وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى: (المنافقون والمنافقات) إلى قوله تعالى: (عذاب مقيم) قال: فهذه صفة عامة لم يقصد بها إلى التعريف لقوم بأعيانهم، وهذه حق واجب على كل منافق ومنافقة، وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) إلى قوله تعالى: (ولا نصير) قال.
فهذه آية أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بمجاهدة الكفار والمنافقين، والجهاد قد يكون باللسان والموعظة والحجة كما نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا موسى بن اسماعيل نا حماد - هو ابن سلمة - عن حميد عن انس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " * قال أبو محمد: وهذه الآية تدل على أن هؤلاء كانوا معروفين بأعيانهم وأنهم قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم، ولكن لما قال الله تعالى: (فان يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما) صح أن الله تعالى بدل لهم التوبة وقبلها ممن أحاطها منهم وكلهم بلا شك أظهر التوبة، وبرهان ذلك حلفهم وانكارهم فلا متعلق لهم في هذه الآية، وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله) إلى قوله تعالى: (يكذبون) قال وهذه أيضا صفة أوردها
الله تعالى يعرفها كل من فعل ذلك من نفسه وليس فيها نص ولا دليل على أن صاحبها معروف بعينه على أنه قد روينا أثرا لا يصح وفيه أنها نزلت في ثعلبة بن(11/207)
حاطب وهذا باطل لان ثعلبة بدري معروف وهذا اثر ناه حمام نا يحيى بن مالك ابن عائذ نا الحسن بن أبي غسان نا زكريا بن يحيى الباجي نى سهل السكري نا أحمد ابن الحسن الخراز نا مسكين بن بكير نا معان بن رفاعة السلامي عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة قال: جاء ثعلبة بن حاطب بصدقته إلى عمر فلم يقبلها وقال: لم يقبلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا أقبلها * قال ابو محمد: وهذا باطل بلا شك لان الله تعالى أمر بقبض ذكوات أموال المسلمين وأمر عليه السلام عند موته أن لا يبقى في جزيرة العرب دينان فلا يخلو ثعلبة من ان يكون مسلما ففرض على أبي بكر.
وعمر قبض ذكاته ولا بد ولا فسحة في ذلك وإن كان كافرا ففرض ان لا يقر في جزيرة العرب فسقط هذا الاثر بلا شك وفي رواته معان بن رفاعة، والقاسم بن عبد الرحمن، وعلي بن يزيد - وهو أبو عبد الملك الالهابي - وكلهم ضعفاء.
ومسكين بن بكير ليس بالقوي * وقال تعالى: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) إلى قوله تعالى: (الفاسقين) وقال تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) إلى قوله تعالى: (وماتوا وهم كافرون) * قال ابو محمد: قدمنا هذه الآية وهي مؤخرة عن هذا المكان لانها متصلة المعاني بالتي ذكرنا قبلها لانهما جميعا في امر عبد الله بن أبي.
ثم نذكر القول فيهما جميعا ان شاء الله تعالى * قال أبو محمد: هذه الآيات فيها انهم يلمزون المطوعين من المؤمنين ويسخرون منهم وهذا ليس كفرا بلا خلاف من أحد من اهل السنة، وأما قوله تعالى: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) إلى قوله تعالى: (الفاسقين) وقوله تعالى: (ولا تصل
على احد منهم مات أبدا) إلى قوله تعالى: (فاسقون) فان هذا لا يدل على تماديهم على الكفر إلى إن ماتوا ولكن يدل يقينا على أن فعلهم ذلك من سخريتهم بالذين آمنوا غير مغفور لهم لانهم كفروا فيما خلا فكان ما سلف من كفرهم موجبا أن يغفر لهم لمزهم المطوعين من المؤمنين وسخريتهم بالذين لا يجدون إلا جهدهم وإن تابوا من كفرهم وأنهم ماتوا على الفسق لا على الكفر بل هذا معنى الآية بلا شك، برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو أسامة نا عبيد الله - هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصا يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فقام عمر وأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(11/208)
يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما خيرني الله تعالى فقال: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) إلى قوله تعالى: (سبعين مرة) وسأزيد على " السبعين) قال: انه منافق فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) قال مسلم: نا محمد بن المثنى نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن عبيد الله بن عمر باسناده ومعناه وزاد " فترك الصلاة عليهم " * قال أبو محمد: ونا يوسف بن عبد الله بن عبد البر قال.
نا خلف بن القاسم نا ابن الورد نا ابن عبد الرحيم الرقي عن عبد الملك بن هشام عن زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن اسحق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال.
سمعت عمر بن الخطاب يقول: لما توفي عبد الله بن أبي دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه فقام إليه فلما وقف إليه يريد الصلاة تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله أتصلي على عدو الله عبد الله بن أبي؟ القائل كذا يوم كذا والقائل كذا في يوم كذا أعدد أيامه حتى إذا
أكثرت عليه قال: " يا عمر أخر عني إني قد خيرت فاخترت قد قيل لي: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت " قال: ثم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشى معه حتى قام على قبره حتى فرغ منه قال: فعجبت لي ولجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم فو الله ما كان الا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) إلى قوله تعالى: (وهم فاسقون) فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق حتى قبضه الله تعالى " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن المبارك نا حجير بن المثنى نا الليث بن سعد عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال.
" لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت ثم قلت.
يا رسول الله أتصلي على ابن أبي؟ وقال: يوم كذا كذا وكذا أعدد عليه فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال: إني خيرت فاخترت فلو علمت أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فما مكث الا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة المذكورتان قال عمر: فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم " والله أعلم * حدثنا احمد بن عمر بن أنس العذري نا أبو ذر الهروي نا عبد الله بن احمد بن حمويه السرخسي نا ابراهيم بن خريم نا عبد بن حميد أنا ابراهيم بن(11/209)
الحكم عن أبيه عن عكرمة قال: " لما حضر عبد الله بن أبي الموت قال ابن عباس: فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرى بينهما كلام فقال له عبد الله بن أبي: قد أفقه ما تقول ولكن من على اليوم وكفني بقميصك هذا وصل علي قال ابن عباس.
فكفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقميصه وصلى عليه والله أعلم أي صلاة كانت وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخدع إنسانا قط غير أنه قال يوم الحديبية: كلمة حسنة قال الحكم: فسألت عكرمة ما هذه الكلمة؟ فال
قالت قريش: يا أبا حباب إنا قد منعنا محمدا طواف هذا البيت ولكنا نأذن لك فقال لا لي في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد ابن شعيب أنا عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وسمع جابرا يقول: أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي وقد وضع في حفرته فوقف فأمر به فأخرج من حفرته فوضعه على ركبتيه وألبسه قميصه ونفث عليه من ريقه والله أعلم * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا كله يوجب صحة ما قلناه لوجوه، أحدها ظاهر الآية كما قلنا من أنهم كفروا قبل وماتوا على الفسق، والثاني ان الله تعالى قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن الاستغفار جملة للمشركين بقوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) إلى قوله تعالى: (أصحاب الجحيم) فلو كان ابن أبي وغيره من المذكورين ممن تبين للنبي عليه السلام انهم كفار بلا شك لما استغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا صلى عليه، ولا يحل لمسلم أن يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم انه خالف ربه في ذلك فصح يقينا أنه عليه السلام لم يعلم قط ان عبد الله بن أبي والمذكورين كفار في الباطن * روينا من طريق مسلم نا حرملة بن يحيى التجيبي نا عبد الله بن وهب أنا يونس عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب بن حور عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل.
وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل.
وعبد الله ابن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيدان عليه تلك المقالة حتى قال أبو طالب: آخر ما كلمهم به على ملة عبد المطلب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما والله لاستغفرن لك ما لم أنه عنك " فأنزل الله تعالى.
(ما كان للنبي والذين آمنوا) الآية * قال أبو محمد: فصح ان النهي عن الاستغفار للمشركين نزل بمكة بلا شك فصح يقينا انه عليه السلام لم يوقن أن عبد الله بن أبى مشرك ولو أيقن أنه مشرك لما صلى عليه
أصلا ولا استغفر له وكذلك تعديد عمر بن الخطاب مقالات عبد الله بن أبى سلول لا ولو(11/210)
كان عنده كافرا لصرح بذلك وقصد إليه ولم يطول بغيره، والثالث شك ابن عباس.
وجابر وتعجب عمر من معارضة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته على عبد الله بن أبى واقراره بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف منه، والرابع ان الله تعالى انما نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليهم والاستغفار لهم فقط ولم ينه سائر المسلمين عن ذلك وهذا لا ننكره فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلى على من له دين لا يترك له وفاء ويأمر المسلمين بالصلاة عليهم فصح يقينا بهذا ان معنى الآيات انما هو انهم كفروا بذلك من قولهم: وعلم بذلك النبي عليه السلام والمسلمون، ثم تابوا في ظاهر الامر فمنهم من علم الله تعالى ان باطنه كظاهره في التوبة ومنهم من علم الله تعالى أن باطنه خلاف ظاهره ولم يعلم ذلك النبي عليه السلام ولا أحد من المسلمين وهذا في غاية البيان وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى.
(فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله) إلى قوله تعالى: (وهم كافرون) قال فقوله تعالى.
(فرح المخلفون) الآية ليس فيها نص على أنهم كفروا بذلك ولكنهم أتوا كبيرة من الكبائر كانوا بها عصاة فاسقين وقد ذكر الله تعالى هؤلاء بأعيانهم في سورة الفتح وبين تعالى هذا الذى قلناه هنالك بزيادة على ما ذكرهم به ههنا فقال تعالى.
(سيقول لك المخلفون من الاعراب) إلى قوله تعالى: (عذابا أليما) فنص الله تعالى على أن أولئك المخلفين الذين أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ان لا يصلى على أحد منهم مات أبدا وانهم كفروا بالله وبرسوله والذين أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن لا تعجبه أموالهم ولا أولادهم وانه تعالى أراد أن تزهق أنفسهم وهم كافرون انهم مقبولة توبتهم ان تابوا في ظاهر أمرهم وفى الحكم بأن باطنهم ان من كان منهم صحيح التوبة مطيعا إذا دعى بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد فسيؤتيه أجرا عظيما وان من تولى عذبه الله تعالى عذابا أليما فصح ما قلناه من أنهم كفروا فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم كفروا ثم تابوا فقبل توبتهم ولم يعرف عليه السلام بعد التوبة من منهم الصادق في سر أمره
ولا من منهم الكافر في باطن معتقده وهذا هو الحق الذى لا يجوز غيره بشهادة النصوص كما أوردنا آنفا وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى: (وإذا انزلت سورة أن آمنوا بالله) إلى قوله تعالى: (فهم لا يفقهون) * قال أبو محمد رحمه الله: فهذه نص الآيات التي ذكرنا أيضا وقد تكلمنا فيها، وقال تعالى: (وجاء المعذرون من الاعراب) إلى قوله تعالى: (عذاب أليم) قال: وهذه الآية تبين ما قلناه نصا لانه تعالى أخبر ان بعضهم كفار إلا أن كلهم عصاة فأما المبطنون للكفر منهم فلم يعلمهم النبي عليه السلام ولا علمهم احد منهم الا الله تعالى فقط، وقال تعالى.
(انما السبيل على الذين يستأذنونك) إلى قوله: (عن القوم الفاسقين) *(11/211)
قال أبو محمد رحمه الله: وهذه كالتي قبلها وقد قلنا ان فيهم من كفر فأولئك الذين طبع الله على قلوبهم ولكن الله تعالى أرجى أمرهم بقوله تعالى.
(وسيرى الله عملكم ورسوله) فصح ما قلناه واتفقت الآيات كلها والحمد لله رب العالمين * وكذلك أخبر تعالى أن مأواهم جهنم جزاءا بما كانوا يكسبون وجهنم تكون جزاءا على الكفر وتكون جزاءا على المعصية وكذلك لا يرضى تعالى عن القوم الفاسقين وان لم يكونوا كافرين وقال تعالى: (الاعراب أشد كفرا ونفاقا) إلى قوله تعالى: (ان الله غفور رحيم) * قال أبو محمد: وهذه الآيات كلها تبين نص ما قلناه من أن فيهم كفارا في الباطن * قال أبو محمد رحمه الله: لا يعلم سرهم الا الله تعالى وأما رسوله عليه السلام فلا وقال تعالى.
(وممن حولكم من الاعراب منافقون) إلى قوله تعالى: (سميع عليم) * قال أبو محمد: هذه الآية مبينة نص ما قلناه بيانا لا يحل لاحد أن يخالفه من أن النبي عليه السلام لا يعلم المنافقين لا من الاعراب ولا من أهل المدينة ولكن الله تعالى يعلمهم وان منهم من يتوب فيعفو الله تعالى عنه، وان النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بأخذ زكوات جميعهم على ظاهر الاسلام، وقال تعالى.
(الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا) إلى قوله
تعالى: (الا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم) * قال أبو محمد رحمه الله: وهذه كالتى قبلها وفيها ان بنيانهم للمسجد قصدوا به الكفر ثم أظهروا التوبة فعلم الله تعالى صدق من صدق فيها وكذب من كذب فيها ونعم لا يزال بنيانهم الذى بنوا ريبة في قلوبهم الا أن تقطع قلوبهم، وقد قدم الله تعالى ان من أذنب ذنبا فممكن أن لا يغفره له أبدا حتى يعاقبه عليه، وهذا مقتضى هذه الآية وقال تعالى.
(وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول) إلى قوله تعالى: (لا يفقهون) * قال أبو محمد رحمه الله.
فهذه لا دليل فيها أصلا على أن القائلين بذلك معروفين بأعيانهم لكنها صفة وصفها الله تعالى يعرفونها من أنفسهم إذا سمعوها فقط، وقال تعالى: (ويقولون آمنا بالله وبالرسول) إلى قوله تعالى: (هم الفائزون) * قال أبو محمد.
ليس في هذه الآية بيان انهم معروفون بأعيانهم وانما هي صفة من سمعها عرفها من نفسه وهي تخرج على وجهين، أحدهما أن يكون من فعل ذلك كافرا وهو أن يعتقد النفار عن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدين بأن لا يرضى به فهذا كفر مجرد، والوجه الثاني ينقسم قسمين.
أحدهما أن يكون فاعل ذلك متبعا لهواه في الظلم ومحابات نفسه عارفا بقبح فعله في ذلك ومعتقدا ان الحق في خلاف فعله فهذا فاسق وليس كافرا، والثاني أن يفعل ذلك مقلدا لانسان في أنه قد شغفه تعظيمه إياه وحبه موهما نفسه انه(11/212)
على حق وهذه الوجوه كلها موجودة في الناس.
فأهل هذين القسمين الآخرين مخطئون عصاة وليسوا كفارا ويكون معنى قوله تعالى.
(وما أولئك بالمؤمنين) أي وما أولئك بالمطيعين لان كل طاعة لله تعالى فهو ايمان وكل ايمان طاعة لله تعالى فمن لم يكن مطيعا لله تعالى في شئ ما فهو غير مؤمن في ذلك الشئ بعينه وان كان مؤمنا في غير ذلك مما هو فيه مطيع لله تعالى، وقال تعالى.
(يا أيها النبي اتق الله) إلى قوله تعالى.
(عليما حكيما) *
قال أبو محمد رحمه الله: هذه الآية يقتضي ظاهرها أن اهواء الكافرين والمنافقين معروفة وهو أن يكفر جميع المؤمنين، قال تعالى: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) فإذ أهواؤهم معروفة ففرض على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى كل مسلم أن لا يطيعهم في ذلك مما قد عرف أنه مرادهم وإن لم يشيروا عليه في ذلك برأي ولا يجوز أن يظن ظان أن الكفار والمنافقين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم مشيرين عليه برأي راجين أن يتبعهم فيه فإذ الامر كذلك فليس في الآية بيان أن المنافقين كانوا معروفين بأعيانهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يدري أنهم منافقون ولكنهم معروفة صفاتهم جملة ومن صفاتهم بلا شك ارادتهم أن يكون كل الناس كفارا، وقال تعالى: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) الآية * قال أبو محمد رحمه الله: هذا ايضا ليس فيه بيان بأنهم قوم معروفين بأعيانهم وانما هو خبر عن قائلين قالوا ذلك: وقال تعالى: (واذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا) * قال أبو محمد: وهذا أيضا ممكن أن يقوله يهود وممكن أن يقوله أيضا قوم مسلمون خور اوجبنا، واذ كل ذلك ممكن فلا يجوز القطع من أجل هذه الآية على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرف أنهم منافقون، وأما قوله تعالى: (ويستأذن فريق منهم النبي) إلى قوله تعالى.
(وكان عهد الله مسئولا) فان هذا قد روي أنه كان نزل في بني حارثة وبني سلمة وهم الافاضل البدريون الاحديون ولكنها كانت وهلة في استئذانهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق.
وقولهم.
(ان بيوتنا عورة) وفيهما نزلت.
(إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما) كما نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا ابراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا علي بن عبد الله نا سفيان بن عيينة قال عمرو بن دينار.
سمعت جابر بن عبد الله يقول.
فبينا نزلت (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما) قال جابر.
نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة(11/213)
قال جابر.
وما نحب أنها لم تنزل لقوله تعالى.
(والله وليهما) * قال أبو محمد.
مع أنه ليس في الآية ان هذا كفر أصلا فبطل التعلق بها وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى.
(قد يعلم الله المعوقين منكم) إلى قوله تعالى.
(وكان ذلك على الله يسيرا) * قال أبو محمد: فهذه ليس فيها دليل على أنها في قوم معروفين بأعيانهم ولكنها صفة يعرفها من نفسه من سمع منهم هذه الآية الا أن قول الله تعالى بعدها بيسير.
(ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين ان شاء أو يتوب عليهم) بيان جلي على بسط التوبة لهم وكل هؤلاء بلا خلاف من احد من الامة معترف بالاسلام لائذ بالتوبة فيما صح عليهم من قول يكون كفرا ومعصية فبطل التعلق بهذه الآية لمن ادعى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرفهم بأعيانهم ويعرف أنهم يعتقدون الكفر في باطنهم قال الله تعالى.
(ولا تطع الكافرين والمنافقين) إلى قوله تعالى.
(وكفى بالله وكيلا) * قال أبو محمد: قد مضى قولنا في قوله تعالى: (ولا تطع الكافرين والمنافقين) وقال تعالى: (ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) لا يختلف مسلمان في أنه ليس على ترك قتال الكافرين وإصغارهم ودعائهم إلى الاسلام ولكن فيما عدا ذلك، وقال تعالى: (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض) إلى قوله تعالى: (ولن تجد لسنة الله تبديلا) * قال أبو محمد: هذه الآية فيها كفاية لمن عقل ونصح نفسه لان الله تعالى قطع بأنه إن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة ليغرين بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يجاورونه فيها إلا قليلا فأخبر تعالى انهم يكونون إن لم ينتهوا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا - واعراب - ملعونين - انه حال لمجاورتهم -
معناه لا يجاورونه إلا قليلا ملعونين، ولو أراد الله تعالى غير هذا لقال: ملعونون على خبر ابتداء مضمر ثم أكد تعالى بأن هذه هو سنته تعالى التي لا تتبدل فنسأل من قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم بأعيانهم وعلم نفاقهم هل انتهوا أو لم ينتهوا فان قال: انتهوا رجع إلى الحق وصح أنهم تابوا ولم يعلم باطنهم في صحة التوبة أو كذبها إلا الله تعالى وحده لا شريك له ولم يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا الظاهر الذي هو الاسلام أو كفرا رجعوا عنه فأظهروا التوبة منه وان قال: لم ينتهوا لم يبعد من الكفر لانه يكذب الله تعالى ويخبر أنه تعالى بدل سنته التي قد أخبر أنه(11/214)
لا يبدلها أو بدلها رسوله عليه السلام * قال أبو محمد: وكل من وقف على هذا وقامت عليه الحجة ثم تمادى فهو كافر لانه مكذب لله تعالى أو مجور لرسوله عليه السلام وكلا الامرين كفر * قال أبو محمد: ولقد بلغني عن بعض من خذله الله تعالى أنه تلا هذه الآية ثم قال: ما انتهوا ولا أغراه بهم * قال أبو محمد: نحن نبرأ إلى الله تعالى من هذا فان قائله آفك كاذب عاص لله تعالى لا يحل له الكلام في الدين ونسأل الله تعالى العافية، وقال تعالى: (ومنهم من يستمع اليك) إلى قوله تعالى: (واتبعوا أهواءهم) * قال أبو محمد: من عصى الله تعالى فقد طبع على قلبه في الوجه الذي عصى فيه ولو لم يطبع على قلبه فيه لما عصى فقد يمكن أن يكون هؤلاء منافقين فاعلانهم بالتوبة ماح لما تقدم في الظاهر والله أعلم بالباطن، وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى: (فإذا أنزلت سورة محكمة) إلى قوله تعالى: (فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم) * قال أبو محمد: وهذا كالذي قبله إما أن يكون هذا النظر يبين معتقدهم واظهارهم الاسلام توبة تصح به قبولهم على ظاهرهم وان لم يكن ذلك النظر دليلا يتميزون
به فهم كغيرهم ولا فرق، وقال تعالى: (ان الذين ارتدوا على أدبارهم) إلى قوله تعالى: (والله يعلم اسرارهم) * قال أبو محمد: هذه صفة مجملة لمن ارتد معلنا أو مسرا ولا دليل فيها على أنه عليه السلام عرف أنهم منافقون مسرون للكفر، وبالله تعالى التوفيق * قال تعالى: (أم حسب الذين في قلوبهم مرض) إلى قوله تعالى: (والله يعلم أعمالكم) * قال أبو محمد: قد بين الله تعالى: أنه لو شاء أراهم نبيه عليه السلام وهذا لا شك فيه ثم قال تعالى: (ولتعرفنهم في لحن القول) فهذا كالنظر المتقدم ان كان لحن القول برهانا يقطع به رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنهم منافقون فاظهارهم خلاف ذلك القول واعلانهم الاسلام توبة في الظاهر كما قدمنا وان كان عليه السلام لا يقطع بلحن قولهم على ضميرهم فانما هو ظن يعرفه في الاغلب لا يقطع به، وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: قد ذكرنا في براءة.
والفتح قول الله تعالى: (سيقول لك المخلفون) الآيات كلها وبينا أن الله تعالى وعدهم بقبول التوبة والاجر العظيم ان تابوا وأطاعوا لمن دعاهم بعد النبي عليه السلام إلى الجهاد، وبالله تعالى التوفيق *(11/215)
وقال تعالى: (قالت الاعراب آمنا) إلى قوله تعالى: (غفور رحيم) * قال أبو محمد: هذا دليل على أنهم استسلموا لله تعالى غلبة ولم يدخل الايمان في قلوبهم ولكن الله تعالى قد بسط لهم التوبة في الآية نفسها بقوله تعالى: (وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا) فاظهارهم الطاعة لله تعالى ولرسوله عليه السلام مدخل لهم في حكم الاسلام ومبطل لان يكون عليه السلام عرف باطنهم، وقال تعالى: (يوم يقول المنافقون والمنافقات) إلى قوله تعالى: (وغرتكم الاماني) * قال أبو محمد: فهذه حكاية عن يوم القيامة وإخبار بأنهم كانوا في الدنيا مع المسلمين وهذا يبين أنهم لم يكونوا معروفين عند النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند المسلمين وهذه
الآية يوافقها ما روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا زهير بن حرب نا يعقوب بن ابراهيم بن سعد نا أبي عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث: " فيجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه.
فيتبع من يعبد الشمس الشمس، ويتبع من يعبد القمر القمر، ويتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت وتبقى هذه الامة فيها منافقوها، وذكر الحديث، وقال تعالى: (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى) إلى قوله تعالى: (فبئس المصير) * قال أبو محمد: هؤلاء معروفون بلا شك ولكن التوبة لهم مبسوطة كما ذكرنا في سائر الآيات، وقال تعالى: (ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم) إلى قوله تعالى: (هم الخاسرون) * قال أبو محمد: وهذه صفة قوم لم يسلموا إلا أنهم يتبرءون من موالاة الكفار فان كانوا معروفين بالكفر فالتوبة لهم مبسوطة كما ذكر تعالى في سائر الآيات التي تلونا قبل، وبالله تعالى التوفيق * وقال تعالى: (ألم تر إلى الذين نافقوا) إلى قوله تعالى: (بأسهم بينهم شديد) * قال أبو محمد: هذا قد يكون سرا علمه الله منه وفضحه ولم يسم قائله ويمكن أن يكون قد عرف فالتوبة لهم مبسوطة كما ذكرنا في سائر الآيات، وقال تعالى: (إذا جاءك المنافقون) إلى قوله تعالى: (ولكن المنافقين لا يعلمون) * قال أبو محمد: هذا نزل في عبد الله بن أبي كما روينا من طريق البخاري نا عمرو ابن خالد نا زهير بن معاوية نا أبو إسحق - هو السبيعي - قال: سمعت زيد بن أرقم قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة فقال عبد الله بن أبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله وقال: لان رجعنا(11/216)
إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى عبد
الله بن أبي فاجتهد يمينه ما فعل فقالوا.
كذب زيد يا رسول الله فوقع في نفسي مما قال شدة حتى أنزل الله تعالى تصديقي في (إذا جاءك المنافقون) فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم فلووا رؤوسهم قال " وقوله.
(خشب مسندة) كانوا رجالا أجمل شئ كما روينا من طريق البخاري نا علي بن عبد الله نا سفيان قال عمرو بن دينار.
سمعت جابر بن عبد الله يقول.
كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الانصار فقال دعوها فانها منتنة فسمع ذلك عبد الله بن أبي فقال.
فعلوها أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقام عمر فقال.
يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم.
دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه قال سفيان.
فحفظته من عمر وقال.
سمعت جابرا قال.
كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم " * قال أبو محمد: أما قول الله تعالى.
(إذا جاءك المنافقون) إلى قوله تعالى.
(فهم لا يفقهون) فهم قوم كفروا بلا شك بعد ايمانهم وارتدوا بشهادة الله تعالى عليهم بذلك الا أن التوبة لهم بيقين مذكورة في الآية، وفيما رواه زيد بن أرقم من الحديث الثابت أما النص فقوله تعالى.
(يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم) وأما منع الله تعالى من المغفرة لهم فانما هو بلا شك فيما قالوه من ذلك القول.
لا في مراجعة الايمان بعد الكفر فان هذا مقبول منهم بلا شك * برهان ذلك ما سلف في الآيات التي قدمنا قبل وأيضا اطلاقهم فيه نبيه صلى الله عليه وسلم على الاستغفار لهم بقوله.
(سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم) وهم قد أظهروا الايمان بلا شك والله أعلم بنياتهم * برهان ذلك ما قد ذكرناه قبل من شك جابر وابن عباس وعمر رضي الله عنهم في ابن أبي بعينه صاحب هذه القصة، وكذلك الخبر عن جابر إذ قال عمر للنبي عليه السلام دعني أضرب عنق هذا المنافق - يعني عبد الله بن أبي - فليس في هذا دليل على أنه حينئذ منافق لكنه قد كان نافق بلا شك وقد قال عمر رضي الله عنه: مثل هذا في مؤمن برئ من النفاق جملة وهو حاطب بن بلتعة - وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " دليل بين على تحريم دم
عبد الله بن أبي بن سلول بقوله عليه السلام.
" دعه " وهو عليه السلام لا يجوز أن يأمر بأن يدع الناس فرضا واجبا، وكذلك قوله عليه السلام.
" لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " بيان جلي بظاهر لفظه مقطوع على غيبه بصحة باطن أن عبد الله بن أبي من جملة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بظاهر إسلامه وأنه من جملة الصحابة المسلمين الذين لهم حكم الاسلام والذين حرم الله تعالى دماءهم الا بحقها وبيقين ندري أنه لو حل دم(11/217)
ابن ابي لما حاباه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو وجب عليه لما ضيعه عليه السلام * ومن ظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل من وجب عليه القتل من أصحابه فقد كفر وحل دمه وماله لنسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الباطل، ومخالفة الله تعالى، والله لقد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الفضلاء المقطوع لهم بالايمان والجنة إذ وجب عليهم القتل كماعز، والغامدية، والجهينية رضي الله عنهم، فمن الباطل المتيقن، والضلال البحت، والفسوق المجرد بل من الكفر الصريح أن يعتقد أو يظن من هو مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل مسلمين فاضلين من أهل الجنة من أصحابه أشنع قتلة بالحجارة، ويقتل الحارث بن سويد الانصاري قصاصا بالمجدر بن خيار البلوي بعلمه عليه السلام دون أن يعلم ذلك أحد والمرأة التي أمر أنيسا برجمها إن اعترفت وبقطع يد المخزومية ويقول: " لو كانت فاطمة لقطعت يدها " وبقوله عليه السلام: " انما هلكت بنو اسرائيل بأنهم كانوا إذا أصاب الضعيف منهم الحد أقاموه عليه وإذا أصابه الشريف تركوه " ثم يفعل هو عليه السلام ذلك ويعطل اقامة الحق الواجب في قتل المرتد على كافر يدري أنه ارتد الآن ثم لا يقنع بهذا حتى يصلي عليه ويستغفر له وهو يدري أنه كافر وقد تقدم نهي الله تعالى له عن الاستغفار للكفار ونحن نشهد بشهادة الله تعالى بأن من دان بهذا واعتقده فانه كافر مشرك مرتد حلال الدم والمال نبرأ إلى الله تعالى منه ومن ولايته (1) من يظن به النفاق بلا خلاف فالامر فيمن
دونه بلاشك أخفى فارتفع الاشكال في هذه الآيات ولله الحمد، وصح أن عبد الله ابن أبي بعد أن كفرهو ومن ساعده على ذلك أظهروا التوبة والاسلام فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منهم ولم يعلم باطنهم على ما كانوا عليه من الكفر؟ أم على ما أظهروا من التوبة؟ ولكن الله تعالى عليم بذلك وهو بلا شك المجازي عليه يوم القيامة، وقال تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) * قال أبو محمد: هذا يخرج على وجهين لا ثالث لهما * أما من يعلم أنه منافق وكفر فانه عليه السلام يجاهده بعينه بلسانه والاغلاظ عليه حتى يتوب، ومن لم يعلم بعينه جاهده جملة بالصفة وذم النفاق والدعاء إلى التوبة، ومن الباطل البحت أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن فلانا بعينه منافق متصل النفاق ثم لا يجاهده فيعصي ربه تعالى ويخالف أمره ومن اعتقد هذا فهو كافر لانه نسب الاستهانة بأمر الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: هذا كل ما في القرآن من ذكر المنافقين قد تقصيناه والحمد لله رب
__________
(1) هنا سقط مقدار كلمتين في جميع الاصول(11/218)
العالمين، وبقيت آثار نذكرها الآن إن شاء الله تعالى * روينا من طريق البخاري نا سعيد بن عفير نى الليث - هو ابن سعد - نا عقيل عن ابن شهاب أخبرني محمود ابن الربيع الانصاري أن عتبان بن مالك ممن شهد بدرا قال في حديث: " فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأبو بكر حين ارتفع النهار.
قال: وحسبناه على خزيرة صنعناها له قال: فثاب في البيت رجال ذوو عدد فاجتمعوا فقال قائل منهم: أين مالك بن الدخشن - أو ابن دخشن - فقال بعضهم: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقل ذلك ألا تراه قد قال لا إله الا الله يريد بذلك وجه الله قال: الله ورسوله أعلم فانا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فان الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله تعالى " * حدثنا عبد
الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق بن السليم نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا عبد الله بن مسرة نا معاذ بن هشام الدستوائي نا أبي عن قتادة عن عبيد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقولوا للمنافق سيدا فانه ان يك سيدا فقد أسخطتم ربكم " * ومن طريق مسلم نا زهير بن حرب نا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن منصور ابن المعتمر عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا في القسمة فأعطى الاقرع بن حابس مائة من الابل، وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك، وأعطى ناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القمسة، فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما يعدل فيها وما أريد بها وجه الله قال فقلت: والله لاخبرن به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأتيته فأخبرته بما قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان كالصرف ثم قال: " من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر " قال ابن مسعود: قلت لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا * ومن طريق مسلم نا محمد بن المثنى.
ومحمد بن رمح قال محمد بن رمح بن المهاجر: أنا الليث ابن سعد عن يحيى بن سعيد الانصاري عن أبي الزبير عن جابر، وقال ابن المثنى: نا عبد الوهاب عن عبد الحميد الثقفي قال: سمعت يحيى بن سعيد الانصاري يقول: أنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله قال: أتى رجل بالجعرانة منصرفه من حنين وفي ثوبه بلال فضة - ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطي الناس فقال: يا محمد اعدل قال: " ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ " فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق فقال: " معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية " *(11/219)
ومن طريق البخاري نا محمد أنا مخلد بن يزيد أخبرنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار انه سمع جابر بن عبد الله يقول: " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه
ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصاريا فغضبت الانصار غضبا شديدا حتى تداعوا فقال الانصاري: يا للانصار، وقال المهاجري يا للمهاجرين فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية ما شأنهم؟ فأخبر بكسعة المهاجري الانصاري فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فانها خبيثة فقال عبد الله بن أبي بن سلول: قد تداعوا علينا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل فقال عمر بن الخطاب.
ألا تقتل يا نبي الله هذا الخبيث؟ - لعبد الله بن أبي - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " * ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا عبد الواحد - هو ابن زياد - عن عمارة بن القعقاع عن عبد الرحمن بن أبي نعم قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: " بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تخلص من ترابها فقسمها بين أربعة نفر.
عيينة بن بدر، والاقرع بن حابس، وزيد الخيل وشك في الرابع فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بها من هؤلاء فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال.
ألا تأمنوني وأنا أمين في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء، فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الازار فقال.
يا رسول الله اتق الله فقال.
ويلك أو لست أحق أهل الارض أن يتقي الله؟ ثم ولى الرجل فقال خالد بن الوليد.
يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ فقال.
لعله أن يكون يصلي، قال خالد.
وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم انه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أبي نضرة عن قيس بن عباد قلت: " لعمار أرأيت قتالكم هذا أرأي
رأيتموه فان الرأي يخطئ ويصيب؟ أو عهد عهد اليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال.
ما عهد الينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس كافة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسبه قال: حدثني حذيفة أنه قال: في أمتي اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط ثمانية منهم يكفيكهم الرسلة سراج من النار يظهر بين اكتافهم(11/220)
حتى ينجم من ظهورهم " * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا أبو أحمد - هو الزبيري - نا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن عياض بن عياض عن أبيه عن ابن مسعود قال: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر في خطبته ما شاء الله تعالى، ثم قال: ان منكم منافقين فمن سميت فليقم ثم قال: قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان حتى عد ستة وثلاثين ثم قال: ان منكم وان فيكم فسلوا الله العافية فمر عمر برجل مقنع قد كان بينه وبينه معرفة قال ما شأنك؟ فأخبره بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فقال له عمر: تبا لك سائر اليوم " * ومن طريق مسلم نا الحسن بن علي الحلواني نا ابن أبي مريم أنا محمد بن جعفر أخبرني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رجلا من المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم النبي عليه السلام اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب * ومن طريق مسلم نا زهير بن حرب أنا احمد الكوفي نا الوليد بن جميع نا أبو الطفيل قال: كان بين رجل من اهل العقبة وبين حذيفة ما يكون بين الناس فقال: أنشدك الله كم كان أصحاب العقبة فقال له القوم: أخبره إذ سألك قال - يعني حذيفة - كنا نخبر أنهم أربعة عشر فان كنت فيهم فقد كان القوم خمسة عشر وأشهد بالله ان اثنى عشر منهم حزب لله ولرسوله ويوم يقوم الاشهاد وعذر ثلاثة وعذر ثلاثة قالوا: ما سمعنا منادي رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولا علمنا بما أراد القوم * قال أبو محمد: ليست هذه العقبة العقبة الفاضلة المحمودة قبل الهجرة تلك كانت للانصار خالصة شهدها منهم رضي الله عنهم سبعون رجلا وثلاث نسوة ولم يشهدها أحد من غيرهم الا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده والعباس عمه وهو غير مسلم يومئذ لكنه شفقة على ابن أخيه * ومن طريق مسلم نا أبو كريب جعفر بن غياث عن الاعمش عن أبي سفيان عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من سفر فلما كان قرب المدينة هاجت ريح تكاد أن تدفن الراكب فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثت هذه الريح لموت منافق وقدم المدينة فإذا عظيم من المنافقين قد مات * قال أبو محمد: وأحاديث موقوفة على حذيفة فيها أنه كان يدري المنافقين وان عمر سأله أهو منهم؟ قال.
لا ولا أخبر أحدا بعدك بمثل هذا وان عمر كان ينظر إليه فإذا حضر حذيفة جنازة حضرها عمر وان لم يحضرها حذيفة لم يحضرها عمر(11/221)
وفي بعضها منهم شيخ لو ذاق ألما ما وجد له طعما كلها غير منسندة، وعن حذيفة قال: مات رجل من المنافقين فلم أذهب إلى الجنازة فقال.
هو منهم فقال له عمر.
أنا منهم قال.
لا، وعن محمد بن اسحاق نى عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الطفري قال.
قلت لمحمود بن لبيد هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم؟ قال.
نعم والله ان كان الرجل ليعرفه من أخيه ومن أبيه ومن بني عمه ومن عشيرته، ثم يلبس بعضهم بعضا على ذلك قال محمود.
" لقد أخبرني رجل من قومي عن رجل من المنافقين معروف نفاقه كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سار فلما كان من أمر الحجر ما كان ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا فأرسل الله السحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس أقبلنا عليه نقول.
ويحك أبعد هذا شئ؟ قال: سحابة مارة ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار حتى كان ببعض الطريق ضلت ناقته فخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبها وعند رسول الله
صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه يقال له عمارة بن حزم وكان عقيبا بدريا - وهو من بني عمرو بن مخزوم - وكان في رحل يزيد بن نصيب القينقاعي وكان منافقا فقال زيد وهو في رحل عمارة وعمارة عند النبي عليه السلام.
أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء ولا يدري أين ناقته؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمارة عنده: إن رجلا قال هذا محمد يخبركم انه نبي ويزعم أنه يخبركم بخبر السماء وهو لا يدري أين ناقته واني والله ما أعلم الا ما علمني الله وقد دلني عليها وهي في هذا الوادي من شعب كذا وكذا وقد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتوني بها فذهبوا فجاءوا بها فرجع عمارة بن حزم إلى رحله فقال.
والله لاعجب من شئ حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا عن مقالة قائل أخبره الله عنه كذا وكذا للذي قال زيد بن نصيب فقال رجل ممن كان في رحل عمارة ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد والله قال هذه المقالة قبل أن تأتي فأقبل عمارة على زيد يجافي عنقه ويقول يا آل عباد الله ان في رحلي الراهبة وما أشعر أخرج أي عدو الله من رحلي فلا تصحبني " وعن زيد بن وهب قال.
كنا عند حذيفة - وهو من طريق البخاري - فقال حذيفة.
ما بقي من أصحاب هذه الآية الا ثلاثة يعني قوله تعالى.
(قاتلوا ائمة الكفر) إلى قوله: (ينتهون) قال حذيفة.
ولا بقي من المنافقين الا أربعة فقال له اعرابي انكم أصحاب محمد تخبروننا بما لا ندري فما هؤلاء الذين ينقرون بيوتنا ويسرقون اعلافنا قال.
اولئك الفساق أجل لم يبق منهم الا اربعة شيخ كبير لو شرب الماء وجد له بردا *(11/222)
قال أبو محمد: هذا كل ما حضرنا ذكره من الاخبار وليس في شئ منها حجة أصلا، اما حديث مالك بن الدخشن فصحيح وهو أعظم حجة عليهم لان رسول الله صلى الله عليه وآله أخبر بأن شهادة التوحيد تمتع صاحبها وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نهيا عن قتال المصلين " * وأما حديث بريدة الاسلمي " لا تقولوا للمنافق سيدا "
فان هذا عموما لجميع الامة ولا يخفى هذا على أحد واذ الامر كذلك فإذا عرفنا المنافق ونهينا أن نسميه سيدا فليس منافقا بل مجاهر، وإذا عرفنا من المنافق ونحن لا نعلم الغيب ولا ما في ضميره فهو معلن لا مسر، وقد يكون هذا الحديث أيضا على وجه آخر وهو ان النبي عليه السلام قد صح عنه أن خصلا من كن فيه كان منافقا خالصا وقد ذكرناها قبل، وليس هذا نفاق الكفر لكنه منافق لاظهاره خلاف ما يضمره في هذه الخلال المذكورة في كذبه، وغدره.
وفجوره.
وأخلاقه.
وخيانته ومن هذه صفاته فلا يجوز أن يسمى سيدا ومن سماه سيدا فقد أسخط الله تعالى باخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك * وأما حديث ابن مسعود فان القائل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعدل ولا أراد وجه الله تعالى فما عمل فهو كافر معلن بلا شك، وكذلك القائل في حديث جابر إذ استأذن عمر في قتله إذ قال: اعدل يا رسول الله فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر عن ذلك واخبر بأنه لا يقتل أصحابه وكذلك أيضا في استئذان عمر في قتل عبد الله بن أبي أن هؤلاء صاروا باظهارهم الاسلام بعد أن قالوا ما قالوا: حرمت دماؤهم وصاروا بذلك من جملة أصحابه عليه السلام * قال أبو محمد: فهذا ما احتج به من رأى أن المرتد لا يقتل أصلا لان هؤلاء مرتدون بلا شك ولم يقتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قتل أصحابه الفضلاء كماعز والغامدية والجهينية إذ وجب القتل عليهم ولو كان القتل على هؤلاء المرتدين لما ضيع ذلك أصلا * قال ابو محمد: فنقول وبالله تعالى التوفيق انه لا خلاف بين أحد من الامة في أنه لا يحل لمسلم ان يسمى كافرا معلنا بأنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أنه من أصحاب النبي عليه السلام وهو عليه السلام قد أثنى على أصحابه فصح انهم أظهروا الاسلام فحرمت بذلك دماؤهم في ظاهر الامر وباطنهم إلى الله تعالى في صدق أو كذب فان كانوا صادقين في توبتهم فهم أصحابه حقا عند الناس ظاهرهم وعند الله تعالى باطنهم وظاهرهم فهم الذين أخبر رسول الله صلى اله عليه وسلم انهم لو انفق أحدنا مثل أحد ذهبا ما بلغ نصيف مد أحدهم
وان كانوا كاذبين فهم في الظاهر مسلمون وعند الله تعالى كفار، وهكذا القول في حديث(11/223)
أبي سعيد الذي قد ذكرناه إذ استاذنه خالد في قتل الرجل فقال لا لعله أن يكون يصلي فقد صح نهي النبي عليه السلام لخالد عن قتله ولو حل قتله لما نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك واخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبب المانع من قتله وهو أنه لعله يصلي فقال له خالد رب مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فأخبره أنه لم يبعث ليشق عن قلوب الناس فانما عليه الظاهر وأخبرنا عليه السلام انه لا يدري ما في قلوبهم وان ظاهرهم مانع من قتلهم اصلا، وقد جاء هذا الخبر من طريق لا تصح وفيه أنه عليه السلام امر أبا بكر.
وعمر بقتله فوجده يركع ووجده الآخر يسجد فتركاه وأمر عليا بقتله فمضى فلم يجده، وأنه عليه السلام قال: لو قتل لم يختلف من أمتي اثنان وهذا لا يصح أصلا ولا وجه للاشتغال به، وأما حديث عمار في أمتى اثنا عشر منافقا فليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفهم بأعيانهم وهو اخبار بصفة عن عدد فقط ليس فيهم بيان أنهم عرفوا باسمائهم فسقط التعلق بهذا الخبر وبالله تعالى التوفيق * وأما حديث ابن مسعود فانه لا يصح فان قد روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير بن حرب نا أبو نعيم عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن رجل عن أبيه عن ابن مسعود فذكر هذا الحديث وقال سفيان عن هذا الرجل الذي لم يسم عن أبيه أراه عياض بن عياض فقد أخبر أبو نعيم عن سفيان انه مشكوك فيه، ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة لانهم قد انكشفوا واشتهر أمرهم فليسوا منافقين بل هم مجاهرون فلابد من أحد أمرين لا ثالث لهما، اما ان يكونوا تابوا فحقنت دماؤهم بذلك، وإما أنهم لم يتوبوا فهو مما تعلق به من لا يرى قتل المرتد على ما ذكرنا * وأما حديث ابي سعيد فانما فيه أنهم ليسوا مأمونين من العذاب وهذا ما لا شك فيه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كفرهم * وأما حديث حذيفة
فساقط لانه من طريق الوليد بن جميع وهو هالك ولا نراه يعلم من وضع الحديث فانه قد روى أخبارا فيها ان أبا بكر.
وعمر.
وعثمان.
وطلحة.
وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم وإلقاءه من العقبة في تبوك وهذا هو الكذب الموضوع الذي يطعن الله تعالى واضعه فسقط التعلق به والحمد لله رب العالمين * وأما حديث جابر فراويه أبو سفيان طلحة بن نافع وهو ضعيف، ثم لو صح لما كانت فيه الحجة لانه ليس فيه الا هبوب الريح لموت عظيم من عظماء المنافقين فانما في هذا انكشاف أمره بعد موته فلم يوقن قط بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم نفاقه في حياته فلا يجوز أن يقطع بالظن على رسول الله صلى الله عليه وسلم *(11/224)
وأما الموقوفة على حذيفة فلا تصح ولو صحت لكانت بلا شك على ما بينا من أنهم صح نفاقهم وعاذوا بالتوبة ولم يقطع حذيفة ولا غيره على باطن امرهم فتورع عن الصلاة عليهم، وفي بعضها أن عمر سأله أنا منهم فقال له لا ولا أخبر أحدا غيرك بعدك وهذا باطل كما ترى لان من الكذب المحض أن يكون عمر يشك في معتقد نفسه حتى لا يدري أمنافق هو أم لا؟ وكذلك أيضا لم يختلف اثنان من أهل الاسلام في أن جميع المهاجرين قبل فتح مكة لم يكن فيهم منافق انما كان النفاق في قوم من الاوس والخزرج فقط فظهر بطلان هذا الخبر * وأما حديث محمود بن لبيد فمنقطع ومع هذا فانما فيه انهم كانوا يعرفون المنافقين منهم وإذ الامر كذلك فليس هذا نفا قابل هو كفر مشهور وردة ظاهرة هذا حجة لمن رأى أنه لا يقتل المرتد * واما حديث حذيفة لم يبق من أصحاب هذه الآية الا ثلاثة فصحيح ولا حجة لهم فيه لان في نص الآية أن يقاتلوا حتى ينتهوا فبيقين ندري أنهم لو لم ينتهوا لما ترك قتالهم كما أمر الله تعالى، وكذلك أيضا قوله أنه لم يبق من المنافقين الا أربعة فلا شك عند أحد من الناس أن أولئك الاربعة كانوا يظهرون الاسلام وأنه لا يعلم غيب القلوب الا الله تعالى فهم
ممن أظهر التوبة بيقين لا شك فيه ثم الله تعالى أعلم بما في نفوسهم * قال أبو محمد: ويبين هذا ما رويناه من طريق البخاري نا عمر بن حفص بن غياث نا أبي نا الاعمش نى ابراهيم النخعي عن الاسود قال: كنا في حلقة عبد الله بن مسعود فجاء حذيفة حتى قام علينا فسلم ثم قال: لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم قال الاسود: سبحان الله ان الله تعالى يقول: (ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار) فتبسم عبد الله بن مسعود وجلس حذيفة في ناحية المسجد فقام عبد الله فتفرق أصحابه فرماني حذيفة بالحصى فأتيته فقال حذيفة: عجبت من ضحكه وقد علم ما قلت لقد أنزل الله النفاق على قوم كانوا خيرا منكم ثم تابوا فتاب الله عليهم * روينا من طريق البخاري نا آدم بن أبي إياس نا شعبة عن واصل الاحدب عن أبي وائل شقيق ابن سلمة عن حذيفة بن اليمان قال: ان المنافقين اليوم شر منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا حينئذ يسرون واليوم يجهرون * قال أبو محمد: فهذان أثران في غاية الصحة في أحدهما بيان ان المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسرون وفي الثاني أنهم تابوا فبطل تعلق من تعلق بكل آية وكل خبر ورد في المنافقين وصح أنهم قسمان.
إما قسم لم يعلم باطن أمره فهذا لا حكم له في الآخرة.
وقسم علم باطن أمره وانكشف فعاذ بالتوبة قالوا: ان(11/225)
الذي جور رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال انه لم يعدل ولا أراد بقسمته وجه الله مرتد لا شك فيه منكشف الامر وليس في شئ من الاخبار انه تاب من ذلك ولا أنه قتل بل فيها النهي عن قتله قلنا: أما هذا فحق كما قلتم لكن الجواب في هذا ان الله تعالى لم يكن أمر بعد بقتل من ارتد فلذلك لم يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك نهى عن قتله ثم أمره الله تعالى بعد ذلك بقتل من ارتد عن دينه فنسخ تحريم قتلهم * برهان ذلك ما رويناه من طريق مسلم نا هناد بن السري نا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق
عن عبد الرحمن بن أبي نعيم عن أبي سعيد الخدري قال: " بعث علي - وهو باليمن - بذهيبة في تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر الاقرع ابن حابس الحنظلي.
وعيينة بن بدر الفزاري.
وعلقمة بن علاثمة العامري.
وزيد الخيل الطائي احد بني نبهان فذكر الحديث وفيه فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس فقال: اتق الله يا محمد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن يطع الله ان عصيته أيأمنني على أهل الارض ولا تأمنوني فاستأذن رجل في قتله - يرون أنه خالد بن الوليد - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان من ضئضئ هذا قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الاسلام ويدعون أهل الاوثان يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لاقتلنهم قتل عاد " * حدثنا هشام ابن سعيد أنا عبد الجبار بن أحمد نا الحسن بن الحسين البجيرمي نا جعفر بن محمد نا يونس ابن حبيب نا أبو داود الطيالسي نا سلام بن سليمان - هو أبو الأحوص - عن سعيد ابن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعيم عن أبي سعيد الخدري " أن عليا بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر بين عيينة ابن حصن بن بدر الفزاري.
وعلقمة بن علاثة الكلابي.
والاقرع بن حابس التميمي.
وزيد الخيل الطائي فغضبت قريش والانصار وقالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انما أعطيتهم أتألفهم فقام رجل غائر العينين محلوق الرأس مشرف الوجنتين ناتئ الجبين فقال: اتق الله يا محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن يطع الله ان عصيته أنا أيأمنني على أهل الارض ولا تأمنوني فاستأذن عمر في قتله فأبى ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يخرج من ضئضئ هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية يقتلون أهل الاسلام ويدعون أهل الاوثان والله لئن ادركتهم لاقتلنهم قتل عاد " *(11/226)
قال أبو محمد: فصح كما ترى الاسناد الثابت ان هذا المرتد استأذن عمر بن الخطاب.
وخالد بن الوليد في قتله فلم يأذن لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك واخبر عليه السلام في فوره ذلك انه سيأتي من ضئضئه عصابة ان ادركهم قتلهم وانهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية فقد خرج عنه ومن خرج عنه بعد كونه فدخوله كدخول السهم في الرمية فقد ارتد عنه فصح انذار النبي عليه السلام بوجوب قتل المرتد وانه قد علم عن الله تعالى انه سيأمر بذلك بعد ذلك الوقت فثبت ما قلناه من ان قتل من ارتد كان حراما ولذلك نهى عنه عليه السلام ولم يأذن به لا لعمر ولا لخالد ثم انه عليه السلام نذر بأنه سيباح قتله وانه سيجب قتل من يرتد فصح يقينا نسخ ذلك الحال وقد نسخ ذلك بما رويناه عن ابن عباس.
وابن مسعود.
وعثمان.
ومعاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد بطلت هذه المقالة من أن لا يقتل المرتد وصح أنه من قال انه تعلق بمنسوخ فلم يبق الا قول من قال يستتاب وقد ذكرناه * 2200 - مسألة - حد الزنا - قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى: (ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة) وقال تعالى: (ولا يزنون) الآية فحرم تعالى الزنا وجعله من الكبائر توعد فيه بالنار * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا ابراهيم بن أحمد نا الفربري نا البخاري نا محمد بن المثنى نا اسحاق بن يوسف نا الفضل بن غزوان عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن ولا يقتل حين يقتل وهو مؤمن " قال عكرمة قلت لابن عباس كيف ينتزع الايمان منه قال هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها فان تاب عاد إليه هكذا وشبك بين أصابعه * ومن طريق البخاري نا آدم نا شعبة عن الاعمش عن ذكوان - هو أبو صالح - عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني
حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن والتوبة معروضة " نا عبد الله بن ربيع التميمي نا محمد بن معاوية المرواني نا احمد بن شعيب انا اسحاق بن راهويه أنا الوليد بن مسلم عن الاوزاعي قال نى سعيد بن المسيب - وابو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كلهم حدثوني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف فيرفع المسلمون إليها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن " *(11/227)
قال أبو محمد رحمه الله: الايمان هو جميع الطاعة فأي طاعة أطاع العبد بها ربه فهي إيمان وهو بفعله إياها مؤمن وأي معصية عصى بها العبد ربه فليست إيمانا فهو بفعله إياها غير مؤمن والايمان والطاعة شئ واحد فمعنى ليس مؤمنا ليس مطيعا لله تعالى ولو كان نفي الايمان ههنا ايجابا للكفر لوجب قتل السارق ومن ذكر معه على الردة هذا لا يقوله أحد ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك ابن أيمن نا محمد بن اسماعيل الترمذي نا الحميدي نا سفيان بن عيينة عن الاعمش عن عبد الله ابن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله الا في احدى ثلاث رجل كفر بعد إيمانه أو زنى بعد احصانه أو نفس بنفس " * وقد روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال وهو محصور في الدار بم تقتلونني؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث رجل كفر بعد إيمان أو زنى بعد احصان أو قتل نفسا فقتل بها * قال أبو محمد رحمه الله: وعظم الله تعالى بعض الزنا على بعض وكله عظيم ولكن المعاصي بعضها أكبر من بعض فعظم الله الزنا بحليلة الجار وبامرأة المجاهد وزنا الشيخ * وروينا من طريق مسلم نا اسحاق بن ابراهيم أنا جرير عن منصور عن أبي وائل
عن عمرو بن شرحبيل عند عبد الله بن مسعود قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله تعالى قال ان تدعو لله ندا وهو خلقك قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قلت ثم أي قال أن تزاني بحليلة جارك " * وبه إلى مسلم نا أبو بكر ابن أبي شيبة نا وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم الا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء فما ظنكم؟ " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب نا محمد بن المثنى أنا محمد بن جعفر نا شعبة عن منصور قال سمعت ربعي ابن حراش يحدث عن زيد بن ظبيان رفعه إلى ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم ثلاثة الذين يبغضهم الله الشيخ الزاني والفقير المختال والغني الظلوم " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب نا محمد بن العلاء نا أبو معاوية عن الاعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم شيخ زان.
وملك كذاب.
وعامل مستكبر " * قال احمد بن شعيب ونا عبد الرحمن بن محمد بن سلام نا محمد بن ربيعة نا الاعمش(11/228)
عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال فيه الشيخ الزاني والامام الكذاب والعامل المختال " * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا أبو داود الحزامي نا عارم - هو محمد بن الفضل - نا حماد بن زيد نا عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اربعة يبغضهم الله البياع الحلاف والفقير المختال والشيخ الزاني والامام الجائر " * 2201 مسألة - ما الزنا؟ قال علي: قال الله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم) إلى قوله: (فاؤلئك هم العادون) وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.
" الولد للفراش
وللعاهر الحجر " وقد ذكرناه باسناده فيما تقدم فصح أنه ليس الوطئ الا مباحا لا يلام فاعله أو عهرا في غير الفراش وههنا وطئان آخران، أحدهما من وطئ فراشا مباحا في حال محرمة كواطئ الحائض والمحرمة والمحرم والصائم فرضا والصائمة كذلك والمعتكف والمعتكفة والمشركة فهذا عاص وليس زانيا باجماع الامة كلها الا أنه وطئ فراشا حرم بوجه ما فإذا ارتفع ذلك الوجه حل له وطئها، والثاني من جهل فلا ذنب له وليس زانيا فبعد هذين الوطئين فليس الا من وطئ امرأته المباحة بعقد نكاح صحيح أو بملك يمين صحيح يحل فيه الوطئ أو عاهر وهو من وطئ من لا يحل له النظر إلى مجردها وهو عالم بالتحريم فهذا هو العاهر الزاني وبالله تعالى التوفيق * 2202 - مسألة حد الزنا - قال علي رحمه الله: قال الله تعالى.
(واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) الآية إلى قوله تعالى: (فأعرضوا عنهما) * قال أبو محمد رحمه الله: فصح النص والاجماع على أن هذين الحكمين منسوخان بلا شك، ثم اختلف الناس فقالت طائفة: إن قوله تعالى: (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) ناسخ لقوله: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) إلى قوله تعالى: (أو يجعل الله لهن سبيلا) وحمل من قال هذا قوله عزوجل: (واللذان يأتيانها منكم) على أن المراد بها الزاني والزانية، وقال آخرون: ليس أحد الحكمين ناسخا للآخر لكن قوله تعالى: (فأمسكوهن في البيوت) هذا كان حكم الزواني من النساء ثيباتهن وابكارهن وقوله تعالى: (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) هذا حكم الزانين من الرجال خاصة الثيب منهم والبكر * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا قول ابن عباس وغيره كما نا أبو سعيد الجعفري نا محمد بن علي الادفوي المقري نا أبو جعفر احمد بن محمد بن اسماعيل النحوي نا بكر ابن سهل نا عبد الله بن صالح نا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس انه قال في قول الله تعالى: (واللاتي تأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة(11/229)
منكم فان شهدوا فأمسكوهن في البيوت) فكانت المرأة إذا زنت تحبس في البيت حتى تموت ثم أنزل الله تعالى بعد ذلك (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) وان كانا محصنين رجما فهذا السبيل الذي جعل الله لهما، قال ابن عباس: وقوله تعالى: (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) فكان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب النعال فأنزل الله تعالى بعد هذا (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فان كانا محصنين رجما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم * نا أبو سعيد الجعفري نا محمد بن علي الادفوي نا أبو جعفر أحمد بن محمد بن اسماعيل ثنا أحمد بن محمد أنا سلمة - هو ابن شبيب - نا عبد الرزاق نا معمر عن قتادة في قول الله تعالى: (فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) قال: نسختها الحدود، وقال قتادة أيضا: في قوله تعالى: (والذان يأتيانها منكم فآذوهما) نسختها الحدود * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا هو القول الصحيح لان قوله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) إلى قوله: (فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا) انما فيه حكم النساء فقط وليس فيها حكم الرجال أصلا، ثم عطف الله تعالى عليها متصلا بها قوله تعالى: (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) فكان هذا حكما زائدا للرجال مضافا إلى ما قبله من حكم النساء ولا يجوز البتة أن يقال في شئ من القرآن إنه منسوخ بكذا ولا أنه ناسخ لكذا الا بيقين لانه اخبار عن مراد الله تعالى ولا يمكن أن يعلم مراد الله تعالى منا الا بنص قرآن أو سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فانها بوحي من الله تعالى أو باجماع متيقن من جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوه عن توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك أو بضرورة وهو أن يتيقن تأخير أحد النصين بعد الآخر ولا يمكن استعمالهما جميعا فندري حينئذ بيقين أن الله تعالى أبطل حكم الاول بالنص الآخر، وكذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولا فرق، فمن أخبر عن مراد الله تعالى منا بشئ من دين الله
تعالى بغير أحد هذه الوجوه فقد أخبر عن الله تعالى بما لا علم له وهذا هو الكذب على الله تعالى بلا شك أخبر عنه بما لم يخبر به تعالى عن نفسه فصح يقينا أن حكم النساء الزواني كان الحبس في البيوت حتى يمتن أو يجعل الله لهن سبيلا بحكم آخر وان حكم الرجال الزناة كان الاذى هذا ما لا شك فيه عند أحد من الامة ثم نسخ هذا كله بالحدود بلا خلاف من أحد من الامة وليس معنا يقين بأن حبس الزواني من النساء نسخ بالاذى، ثم نسخ عنهن الاذى بالحد هذا ما لم يأت به قرآن ولا سنة(11/230)
ولا اجماع ولا أوجبته ضرورة فلم يجز القول به وبالله تعالى التوفيق * قال ابو محمد: فلما صح بالنص والاجماع أن الحبس والاذى منسوخان عن الزواني والزناة باليقين الذي لا شك فيه بالحدود وجب أن ننظر في الناسخ ما هو فوجدنا الناس قد أجمعوا على أن الحر الزاني والحرة الزانية إذا كانا غير محصنين فان حدهما مائة جلدة ثم اختلفوا فقالت طائفة: ومع المائة جلدة نفي سنة، وقالت طائفة: هذا على الرجل وأما المرأة فلا نفي عليها، وقالت طائفة: لا نفي في ذلك لا على رجل ولا على امرأة، ثم اتفقوا كلهم حاش من لا يعتد به بلا خلاف وليس هم عندنا من المسلمين فقالوا: ان على الحر والحرة إذا زنيا وهما محصنان الرجم حتى يموتا ثم اختلفوا فقالت طائفة: عليهما مع الرجم المذكور جلد مائة لكل واحد منهما، وقالت طائفة: ليس عليهما إلا الرجم ولا جلد عليهما، وقالت الازارقة من الخوارج ليس عليهما الا الجلد فقط ولا رجم على زان أصلا، ثم وجدنا الامة قد اتفقت بلا خلاف من أحد منهم على أن الامة إذا أحصنت فعليها خمسون جلدة * قال أبو محمد رحمه الله: ولا ندري أحدا أوجب عليها مع ذلك الرجم ولا يقطع على أن المنع من رجمها اجماع والله أعلم، ثم اختلفوا فقالت طائفة عليها نفي ستة أشهر مع الجلد، وقالت طائفة: لا نفي عليها مع ذلك أصلا ثم اختلفوا في الامة إذا لم تحصن وزنت فقالت طائفة: عليها خمسون جلدة ونفي ستة أشهر، وقالت طائفة:
ليس عليها الا خمسون جلدة فقط ولا نفي عليها، وقالت طائفة: لا شئ عليها لا جلد ولا نفي أصلا * ثم اختلفوا في حد العبد إذا زنى وهو محصن أو غير محصن فقالت طائفة: حده كحد الامة على حسب اختلافهم في النفي مع الجلد أو اسقاط النفي وقالت طائفة: حده كحد الحر الرجم أو النفي * واختلفوا في حد من بعضه حر وبعضه عبد إذا زنى من العبيد والاماء فقالت طائفة: حده حد العبد التام الرق أو الرجم والنفي والامة التامة الرق، وقالت طائفة: عليه من الجلد والنفي بحساب ما فيه من الحرية وبحساب ما فيه من الرق * قال أبو محمد رحمه الله: ونحن ان شاء الله تعالى ذاكرون جميع هذه المسائل مسألة مسألة ومتقصون ما احتجب به كل طائفة لقولها ومبينون بعون الله تعالى صواب القول في ذلك بالبراهين من القرآن والسنة كما فعلنا في سائر كتابنا هذا والحمد لله رب العالمين وبه تعالى نستعين ونعتصم * 2203 - مسألة - حد الحر والحرة غير المحصنين *(11/231)
قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) * قال أبو محمد رحمه الله: فجاء النص كما ترى ولم يختلف أحد من أهل القبلة في أن حكم الزاني الحر غير المحصن والزانية الحرة غير المحصنة وانما اختلف الناس في هل عليها نفي كما ذكرنا أم لا؟ وهذا باب قد تقصيناه في أبواب مجموعة صدنا بها قبل كلامنا في المرتدين ذكرنا فيها كل حكم يختص به حدان من الحدود فصاعدا وتقصينا هنالك الآثار بأسانيدها ونذكرها هنا ان شاء الله تعالى جملة مختصرة من ذلك وبالله تعالى التوفيق * فنقول إنه قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " البكر بالبكر جلد مائة
وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " وصح عنه عليه السلام من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر فيمن زنى ولم يحصن بجلد مائة وتغريب عام * وعن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بأن ينفى عاما مع إقامة الحد عليه وصح أنه عليه السلام قال للذي زنى ابنه بامرأة مستأجره: على ابنك جلد مائة وتغريب عام وعلى امرأة هذا الرجم "، وصح أن عمر بن الخطاب جلد امرأة زنت مائة جلدة وغربها عاما، وروي أيضا مثل ذلك عن علي بن أبي طالب وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ولم يرو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف ذلك الا رواية عن علي ليس على أم الولد نفي وانما قال في البكرين يزنيان حسبهما من الفتنة أن ينفيا، وعن ابن عباس من زنى جلد وأرسل * قال أبو محمد رحمه الله: فليس قول ابن عباس من زنى جلد وأرسل دليلا على أنه لا يوجب النفي عنده بل قد يكون قوله وأرسل يريد به أن يرسل إلى بلد آخر، وكذلك قول علي حسبهما من الفتنة أن ينفيا يخرج على ايجاب النفي وأن ذلك حسبهما من البلاء * قال الله تعالى: (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) إلى قوله تعالى: (وليعلمن الكاذبين) والرواية عنه في أن أم الولد لا تنفى إذا زنت لا تصح على ما ذكرنا قبل * قال أبو محمد رحمه الله: وكلا القولين دعوى بلا برهان ومن عجائب الدنيا أن يجعلوا الاربعين التي زادها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حد الخمر على سبيل التعزير حدا واجبا مفترضا وهو رضي الله عنه يجلد مرة أربعين، مرة ستين، ومرة ثمانين، وكذلك عثمان بعده، وعلي، وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم ثم يأتون إلى حد افترضه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فيجلعونه تعزيرا كل ذلك جرأة على الدعوى بلا برهان،(11/232)
وادعوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها " ولم يقل فلينفها دليلا على نسخ التغريب *
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا من الباطل المحض لان هذا خبر مجمل أحال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على غيره فلم يذكر نفيا ولا عدد الجلد فان كان دليلا على اسقاط التغريب فهو أيضا دليل على اسقاط عدد ما يجلد وان لم يكن دليلا على اسقاط عدد ما يجلد لانه لم يذكر فيه فليس أيضا دليلا على نسخ النفي وان لم يذكر فيه، والاخبار يضم بعضها إلى بعض وأحكام الله تعالى وأحكام رسوله عليه السلام كلها حق ولا يحل ترك بعضها لبعض بل الواجب ضم بعضها إلى بعض واستعمال جميعها * قال أبو محمد رحمه الله: وأما اسقاط مالك النفي عن العبيد والاماء والنساء واثباته إياه على الحر فتفريق لا دليل على صحته لان قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره قد ورد عموما بالنفي على كل من زنى ولم يحصن ولم يخص الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم امرأة من رجل ولا عبدا من حر وما كان ربك نسيا * وقد قال الله تعالى في الاماء (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) فصح أن عليهن من النفي نصف ما ينفى المحصن، وكذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقام الحد على المكاتب بنسبة ما أدى من حد الحر وبنسبة ما لم يؤد من حد العبد فبطل كل ما خالف حكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم وبالله تعالى التوفيق * * حد الحر والحرة المحصنين * 2204 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: قالت طائفة: الحر والحرة إذا زنيا وهما محصنان فانهما يرجمان حتى يموتا، وقالت طائفة: يجلدان مائة ثم يرجمان حتى يموتا، فأما الازارقة فليسوا من فرق الاسلام لانهم الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم بانهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فانهم قالوا لا رجم أصلا وانما هو الجلد فقط، فأما من روي عنه الرجم فقط دون جلد فكما نا محمد بن سعيد ابن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع عن يحيى بن أبى كثير السقا عن الزهري أن أبا بكر رضي الله عنه.
وعمر رجما ولم يجلدا *
وبه إلى وكيع نا العمري - هو عبد الله بن عمر - عن نافع عن ابن عمر قال: ان عمر رجم ولم يجلد * وبه إلى وكيع نا الثوري عن مغيرة عن ابراهيم النخعي قال: يرجم ولا يجلد * وعن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه كان ينكر الجلد مع الرجم(11/233)
وبه يقول الاوزاعي.
وسفيان الثوري.
وأبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وأبو ثور.
وأحمد بن حنبل.
وأصحابهم، وأما من روي عنه الرجم والجلد معا فكما نا أبو عمر احمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن سلمة بن كهيل عن الشعبي ان علي بن أبي طالب جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة فقال: أجلدها بكتاب الله وارجمها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك ابن أيمن نا اسماعيل بن اسحق القاضي نا عبد الواحد بن زياد نا حفص بن غياث عن الاعمش عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: رأيت علي ابن أبي طالب دعا بشراحة فجلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، فقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا اسماعيل بن أبي خالد عن عمرو بن مرة عن علي بن أبي طالب أنه قال: أجلدها بالكتاب وأرجمها بالسنة، وعن الشعبي عن أبي بن كعب أنه قال: في الثيب تزني أجلدها ثم أرجمها * وبه يقول الحسن البصري: كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن قال: أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة والرجم والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة " وكان الحسن يفتي به، وبه يقول الحسن بن حي.
وابن راهويه.
وأبو سليمان وجميع أصحابنا، وههنا قول ثالث: ان الثيب ان كان شيخا جلد ورجم فان كان شابا
رجم ولم يجلد كما روي عن أبي ذر قال: الشيخان يجلدان ويرجمان والثيبان يرجمان والبكران يجلدان وينفيان، وعن أبي بن كعب قال: يجلدون ويرجمون ولا يجلدون ويجلدون ولا يرجمون، وفسره قتادة قال الشيخ المحصن يجلد ويرجم إذا زنى والشاب المحصن يرجم إذا زنى والشاب إذا لم يحصن جلد، وعن مسروق قال: البكران يجلدان وينفيان.
والثيبان يرجمان ولا يجلدان والشيخان يجلدان ويرجمان * قال أبو محمد رحمه الله: وهذه أقوال كما ترى فأما قول من لم ير الرجم أصلا فقول مرغوب عنه لانه خلاف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان نزل به قرآن ولكنه نسخ لفظه وبقي حكمه، حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النجود عن ذر بن حبيش قال: قال لي أبي بن كعب كم تعدون سورة الاحزاب؟ قلت: إما ثلاثا وسبعين آية أو أربعا وسبعين(11/234)
آية قال: ان كانت لتقارن سورة البقرة أو لهي أطول منها وان كان فيها لآية الرجم قلت: أبا المنذر وما آية الرجم قال: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم * قال علي: هذا اسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه، وحدثنا أيضا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا معاوية بن صالح الاشعري أنا منصور - هو ابن ابي مزاحم - نا أبو حفص - هو عمر بن عبد الرحمن - عن منصور - هو ابن المعتمر - عن عاصم بن أبي النجود عن ذر بن حبيش قال.
قال لي أبي بن كعب: كم تعدون سورة الاحزاب قلت: ثلاثا وسبعين فقال أبي: إن كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول وفيها آية الرجم الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم، فهذا سفيان الثوري.
ومنصور شهدا على عاصم وما كذبا فهما الثقتان الامامان البدران وما كذب عاصم على ذر ولاكذب ذر على أبي *
قال أبو محمد رحمه الله: ولكنها نسخ لفظها وبقي حكمها ولو لم ينسخ لفظها لاقرأها أبي بن كعب ذرا بلا شك ولكنه أخبره بانها كانت تعدل سورة البقرة ولم يقل له أنها تعدل الآن فصح نسخ لفظها * قال علي: وقد روي هذا من طرق، منها ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب انا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن كثير بن الصلت قال: قال لي زيد بن ثابت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة " قال عمر: لما نزلت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت اكتبنيها قال شعبة كأنه كره ذلك فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم * قال علي رحمه الله: وهذا إسناد جيد * قال علي: وقد توهم قوم ان سقوط آية الرجم انما كان لغير هذا وظنوا انها تلفت بغير نسخ، واحتجوا بما ناه احمد بن محمد ابن عبد الله الطلمنكي نا ابن منفرج نا محمد بن ايوب الصموت نا احمد بن عمر بن عبد الخالق البزار نا يحيى بن خلف نا عبد الاعلى بن عبد الاعلى عن محمد بن اسحق عن عبد الله بن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.
وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن ابي بكر الصديق قال عبد الله عن عمرة بنت عبد الرحمن وقال عبد الرحمن عن ابيه، ثم اتفق القاسم ابن محمد.
وعمرة كلاهما عن عائشة ام المؤمنين قال: لقد نزلت آية الرجم والرضاعة(11/235)
فكانتا في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم تشاغلنا بموته فدخل داجن فأكلها * قال أبو محمد: وهذا حديث صحيح وليس هو على ما ظنوا لان آية الرجم إذ نزلت حفظت وعرفت وعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يكتبها نساخ القرآن في المصاحف ولا أثبتوا لفظها في القرآن، وقد سأله عمر بن الخطاب ذلك كما أوردنا
فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فصح نسخ لفظها وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها كما قالت عائشة رضي الله عنها فأكلها الداجن ولا حاجة بأحد إليها، وهكذا القول في آية الرضاعة ولا فرق * وبرهان هذا انهم قد حفظوها كما أوردنا فلو كانت مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم، وبالله تعالى التوفيق * فبيقين ندري أنه لا يختلف مسلمان في أن الله تعالى افترض التبليغ على رسوله صلى الله عليه وسلم وأنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ كما أمر قال الله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)، وقال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، وقال تعالى: (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله) وقال تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) فصح أن الآيات التي ذهبت لو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبليغها لبلغها ولو بلغها لحفظت ولو حفظت ما ضرها موته كما لم يضر موته عليه السلام كل ما بلغ فقط من القرآن وإن كان عليه السلام لم يبلغ أو بلغه فأنسيه هو والناس أو لم ينسوه لكن لم يأمر عليه السلام أن يكتب في القرآن فهو منسوخ بيقين من عند الله تعالى لا يحل أن يضاف إلى القرآن * قال أبو محمد رحمه الله: وقد روي الرجم عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا محمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري نا بشر بن عمر الزهراني نى مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال: إن الله بعث محمدا وانزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده وأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد آية الرجم في كتاب الله تعالى فيترك فريضة أنزلها الله وأن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف * وبه إلى أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور المكي نا سفيان بن عيينة عن الزهري
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول: قد خشيت(11/236)
أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضل بترك فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم حق على من زنى إذا أحصن وكانت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، وقد قرأناها (الشيخ والشيخ فارجموها البتة) وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا سليمان بن الاشعث نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة " * روينا من طريق مسلم نا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد نا أبي عن جدي نا عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه أتى رجل من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمسجد فناداه يا رسول الله اني زنيت فذكر الحديث وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " فهل أحصنت؟ قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فارجموه " * (مسألة) حد الامة المحصنة: قال أبو محمد: قال الله تعالى: (فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) فبيقين ندري أن الله تعالى اراد فإذا تزوجن ووطئن فعلين نصف ما على الحرائر المحصنات من العذاب، والحرة المحصنة فان عليها جلد مائة والرجم، وبالضرورة ندري أن الرجم لا نصف له فبقي عليهن نصف المائة فوجب على الامة المحصنة جلد خمسين فقط (فان قيل) فمن اين أوجبتم عليها نفي ستة أشهر أمن هذه الآية أم من غيرها؟ (فجوابنا) وبالله تعالى التوفيق أن القائلين ان على الامة نفي ستة أشهر قالوا: ان ذلك واجب عليهن من
هذه الآية، وقالوا: إن الاحصان اسم يقع على الحرة المطلقة فقط فان كان هذا كما قالوا فالنفي واجب على الآماء المحصنات من هذه الآية لان معنى الآية فعلين نصف ما على الحرائر من العذاب وعلى الحرائر هنا من العذاب جلد مائة ومعه نفي سنة أو رجم والرجم لا ينتصف أصلا لانه موت والموت لا نصف له أصلا، وكذلك الرجم لانه قد يموت المرجوم من رمية واحدة وقد لا يموت من ألف رمية وما كان هكذا فلا يمكن ضبط نصفه أبدا واذ لا يمكن هذا فقد أمنا ان يكلفنا الله تعالى ما لا نطيق لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم " أو كما قال عليه السلام: فسقط الرجم وبقي(11/237)
الجلد والنفي سنة وكلاهما له نصف فعلى الامة نصف ما على الحرة منها * قال أبو محمد رحمه الله: وان كان الاحصان لا يقع في اللغة إلا على الحرية فقط فالنفي لا يجب على الاماء من هذه الآية، وما نعلم الاحصان في اللغة العربية والشريعة يقع إلا على معنيين على الزواج الذي يكون فيه الوطئ فهذا اجماع لا خلاف فيه وعلى العقد فقط ولا نعلمه يقع على الحرة المطلقة فقط فلا يجوز أن يقع في الدين الا بيقين لانه اخبار عن الله تعالى ولا يحل لمن له تقوى أو عقل أن يخبر عن الله تعالى الا بيقين ولسنا والله نحن كمن يقول: ان الدين مأخوذ بالظنون فقط ولكن النفي واجب على الاماء إذا زنين من موضع آخر وهو الخبر الذي ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن اسماعيل بن ابراهيم ابن علية نا يزيد بن هرون أنا حماد ابن سلمة عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه " * وبه إلى أحمد بن شعيب أنا محمد بن عيسى الدمشقي نا يزيد بن هرون نا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني.
وقتادة قال قتادة: عن خلاس بن عمرو عن علي بن أبي طالب، وقال أيوب: عن عكرمة عن ابن عباس ثم اتفقا علي، وابن عباس كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ويقام عليه الحد بقدر ما عتق منه ويرث بقدر ما عتق منه " وهذا اسناد في غاية الصحة فوجب ضرورة أن يكون حد الامة بنسبته من حد الحرة عموما في جميع ماله نصف من حد الحرة فوجب ضرورة أن حد الامة المتزوجة نصف حد الحرة من النفي والجلد وأن لا يخص من ذلك شئ لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخص من ذلك ولا أحد من الامة أجمع على تخصيصه ولا جاء القرآن بتخصيصه فوجب نفيها ستة أشهر وجلدها خمسون جلدة وبالله تعالى التوفيق * 2205 - مسألة - حد المملوك إذا زنى، وهل عليه وعلى الامة المحصنة رجم أم لا؟ * قال أبو محمد: اختلف الناس في المملوك الذكر إذا زنى فقالت طائفة: إن حده حد الحر من الجلد والنفي والرجم كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الله بن ادريس الاودي نا ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال: قدمت المدينة وقد أجمعوا على عبد زنى وقد أحصن بحرة أنه يرجم الا عكرمة فانه قال: عليه نصف الحد قال مجاهد:(11/238)
واحصان العبد أن يتزوج الحرة واحصان الامة أن يتزوجها الحر وبهذا يأخذ أصحابنا كلهم، وقال أبو ثور: الامة المحصنة والعبد المحصن عليهما الرجم الا أن يمنع من ذلك اجماع، وقال الاوزاعي: إذا أحصن العبد بزوجة حرة فعليه الرجم وان لم يعتق فان كان تحته أمة لم يجب عليه الرجم إن زنى وإن عتق، وكذلك قال أيضا: إذا أحصنت الامة بزوح حر فعليها الرجم وان لم تعتق ولا تكون محصنة بزوج عبد، وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد: حد العبد المحصن وغير المحصن
والامة لا رجم في شئ من ذلك * قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فيما احتج به أصحابنا لقولهم فوجدناهم يقولون: (الزانية والزاني) الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " قالوا: فجاء القرآن والسنة بعموم لا يحل أن يخص منه إلا ما خصه الله تعالى ورسوله عليه السلام فوجدنا النص من القرآن والسنة قد صح بتخصيص الاماء من جملة هذا الحكم بأن على المحصنات منهن نصف ما على المحصنات الحرائر، وكذلك النص الوارد في الامة التي لم تحصن فخصصنا الاماء بالقرآن ولاسنة وبقي العبد وما كان ربك نسيا، وبيقين ندري أن الله تعالى لو أراد أن يخص العبيد لذكرهم كما ذكر الاماء ولما أغفل ذلك ولا اهمله والقياس كله باطل ودعوى بلا برهان، وكل ما يشغبون به في إثبات القرآن فحتى لو صح لهم وهو لا يصح لهم منه شئ أصلا لما كان في شئ منه إيجاب تخصيص القرآن به ولا إباحة الاخبار عن مراد الله تعالى إذ لا يجوز أن يعرف مغيب أحد بقياس قالوا: فوجب أن يكون حكم العبد كحكم الحر في حد الزنا، ثم نقول لاصحاب القياس قد أجمعتم على أن حد العبد كحد الحر في الردة وفي المحاربة وفي قطع السرقة فيلزمكم على أصولكم في القياس أن تردوا ما اختلف فيه من حكمه في الزنا إلى ما اتفقتم فيه من حكمه في الردة والمحاربة والسرقة بالقتل رجما والقتل صلبا أو بالسيف أشبه من القتل رجما بالجلد قالوا.
لا ولا سيما المالكيون المشغبون باجماع أهل المدينة وهذا اجماع الا عكرمة قد خالفوه * (فان قالوا) إن راوي هذا الخبر ليث بن أبي سليم وليس بالقوي (قلنا لهم): رب خبر احتججتم فيه لانفسكم بليث ومن هو دون ليث كجابر الجعفي عن الشعبي " لا يؤمن احد بعدي جالسا، وليث اقوى من جابر بلا شك، ثم نظرنا فيما احتج به أبو ثور فوجدنا من حجته أن قال:(11/239)
قال الله تعالى: (فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) (قلنا): أمر الله تعالى بالمخالفة بين حد الامة وحد الحرة فيما له نصف وليس ذلك الا الجلد والتغريب فقط وأما الرجم فلا نصف له أصلا فلم يكن للرجم في هذه الآية دخول اصلا ولا ذكر، وكذلك لم يكن له ذكر في قوله تعالى: (والزانية والزاني) الآية، ووجدنا الرجم قد جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أحصن، وكذلك جاء عن عمر رضي الله عنه.
وغيره من الصحابة الرجم على من أحصن جملة ولم يخص حرا من عبد ولا حرة من أمة فوجب أن يكون الرجم واجبا على كل من أحصن من حر أو عبد أو حرة أو أمة بالعموم الوارد في ذلك إلا أن جلد الامة نصف جلد الحرة ونفيها نصف أمد الحرة * قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في هذين الاحتجاجين فوجدناهما صحيحين إذ لم يرد نص صحيح يعارضهما فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال إذ أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه واقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه وقد ذكرناه باسناده في الباب الذي قبل هذا متصلا به فاغنى عن اعادته، فاقتضى لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه في هذا الخبر حكم المماليك في الحد بخلاف حكم الاحرار جملة إذ لو كان ذلك سواء لما كان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقام عليه الحد بحساب ما عتق منه معنى أصلا، ولكان المكاتب الذي عتق بعضه كأنه حر كله هذا خلاف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد صح أن حكم أهل الردة في الحدود خلاف حكم الحر فليس الا أحد وجهين لا ثالث لهما ولابد من أحدهما اما أن لا يكون على المماليك حد أصلا وهذا باطل بما أوردناه أيضا باسناده في الباب المتصل بهذا الباب واسناده * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب أنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام نا اسحق بن يوسف الازرق عن سفيان الثوري عن عبد الاعلى - هو ابن عبد الاعلى
التغلبي - عن ميسرة - هو ابن جميلة - عن علي بن أبي طالب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " فكان هذا عموما موجبا لوقوع الحدود على العبيد والاماء، واما أن يكون للمماليك حد مخالف لحكم حدود الاحرار وهذا هو الحق إذ قد بطل الوجه الآخر ولم يبق الا هذا، والحق في أحدهما ولابد مع ورود هذين النصين الذين ذكرنا من وجوب اقامة الحدود على ما ملكت أيماننا وانهم في ذلك بخلاف حدود الاحرار، فإذ قد وجب هذا بلا شك فلم يكن بد من تحديد حد المماليك بخلاف حكم الاحرار في الحدود، فقد صح اجماع القائلين بهذا القول وهم أهل الحق على أن(11/240)
حكم المماليك في الحد نصف حد الحر فكان هذا حجة صحيحة مع صحة الاجماع المتيقن على اطباق جميع أهل الاسلام على أن حد العبد والامة ليس يكون أقل من نصف حد الحر ولا أكثر من نصف حد الحر، ولم يأت بهذا نص قط فهذا اجماع صحيح متيقن على ابطال القول بأن يكون حد المملوك أو المملوكة أقل من نصف حد الحر أو اكثر من نصف حد الحر فبطل بالنصوص المذكورة * قال أبو محمد رحمه الله: فلو لا نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على اقامة الحدود على ما ملكت أيماننا لكانت الحدود عنهم ساقطة جملة فإذ قد صحت الحدود عليهم فلا يجوز أن يقام عليهم منها الا ما أوجبه عليه نص أو اجماع ولا نص ولا اجماع بوجوب الرجم عليهم ولا بايجاب ازيد من خمسين جلدة ونفي نصف سنة فوجب الاخذ بما أوجبه النص والاجماع واسقاط ما لا نص فيه ولا اجماع وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد رحمه الله: فصح بما ذكرنا أن قول الله تعالى: (والزانية والزاني فاجلدوا) الآية انما عنى بلا شك الاحرار والحرائر، وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم انما عنى به عليه السلام الاحرار والحرائر لا العبيد ولا الاماء، وأما من لم يصحح الحديث الذي
أوردنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يقام الحد على المكاتب بقدر ما عتق منه ولم يصحح الحكم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " ولم يعتمد في الرجم الا على الاحاديث الواردة في رجم ماعز.
والغامدية.
والجهينية رضي الله عنهم فانه لا مخلص لهم من دليل أبي ثور وأصحابنا ولا نجد البتة دليلا على اسقاط الرجم عن الامة المحصنة والعبد المحصن فان رجع إلى القياس فقال: أقيس العبد على الامة قيل له القياس كله باطل ولو كان حقا لما كان لكم ههنا وجه من القياس تتعلقون به في اسقاط الرجم أصلا لان قول الله تعالى: (فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) ليس فيه نص ولا دليل على اسقاط الرجم عنها ولا نجد دليلا على اسقاطه أصلا لا سيما من قال: احصانها هو اسلامها وأنه أيضا يلزمه أن تكون كل حرة مسلمة محصنة ولابد وان لم تتزوج قط لان احصانها ايضا اسلامها، ومن الباطل المحال أن يكون اسلام الامة احصانا لها ولا يكون اسلام الحرة احصانا لها فإذا وجب هذا ولابد فواجب أن تكون الآية المذكورة يعني قوله تعالى: (فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) اللواتي لم يتزوجن من الاماء والحرائر لان أهل هذه المقالة لا يرون(11/241)
المحصنات ههنا الا الحرائر اللواتي لم يتزوجن فهن عندهم اللواتي لعذابهن نصف، وأما الرجم الذى هو عندهم عذاب المتزوجات فقط لا عذاب عليهن عندهم غيره فلا نصف له فإذا لزمهم هذا واقتضاه قولهم فواجب أن تبقي الامة المحصنة بالزواج والحرة المحصنة بالزواج زعلي وجوب الرجم الذي انما وجب عندهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم من زأحصن فقط وبالله تعالى التوفيق * 2206 - مسألة - وجدت امرأة ورجل يطؤها فقالت: هو زوجي وقال هو: هي زوجتي وذلك لا يعرف *
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: لا حد عليهما كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا موسى بن معاوية نا وكيع نا داود بن يزيد الزعاوي عن أبيه أن رجلا وامرأة وجدا في حرب مراد فرفعا إلى علي بن أبي طالب فقال ابنة عمي تزوجتها فقال لها علي ما تقولين؟ فقال لها الناس قولي نعم فقالت نعم فدرأ عنهما، حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عون الله نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار بندار نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن الحكم بن عتيبة.
وحماد بن سليمان أنهما قالا في الرجل يوجد مع المرأة فيقول هي امرأتي انه لا حد عليه قال شعبة فذكرت ذلك لايوب السختياني فقال ادرءوا الحدود ما استطعتم * قال أبو محمد رحمه الله: وبه يقول أبو حنيفة، والشافعي، وقالت طائفة: عليهما الحد كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى ابن معاوية نا وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة عن ابراهيم النخعي في الرجل يوجد مع المرأة فيقول: هي امرأتي فقال ابراهيم: ان كان كما يقول لم يقم على فاجر حد، حدثنا محمد ابن سعيد بن نبات نا احمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة عن المغيرة عن ابراهيم النخعي في الرجل يوجد مع المرأة فيقول هي امرأتي قال: عليه الحد * حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم ابن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن غير واحد عن الاوزاعي قال: سألت ابن شهاب عن الرجل يوجد مع المرأة؟ فيقول تزوجتها فقال: يسأل البينة فان جاء ببينته والا وقع عليه الحد * وبه يقول مالك.
وأصحابه، وقال عثمان البتي: ان كانا لا يعرفان فلا حد عليهما فان كانا معروفين فان كان يرى قبل ذلك يدخل إليها ويذكر ذلك فلا حد عليه وان لم يكن شئ من ذلك فعليهما الحد * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب ان ننظر في ذلك فوجدنا(11/242)
من قال لا حد عليهما يحتج بأن قال: هو قول روي عن علي بن أبي طالب بحضرة الصحابة ولا مخالف له منهم فلا يجوز تعديه وقالوا ادرءوا الحدود بالشبهات وأوجب هذه شبهة قوية وقالوا لا خلاف بين أحد من الامة في أن رجلا لو وجد يطأ أمة معروفة لغيره فقال الذي عرف ملكها له قد كان اشتراها مني وقال هو كذلك وأقرت هي بذلك أنه لا حد عليهما فهذا مثله * قال أبو محمد رحمه الله: ما نعلم لهم حجة غير ما ذكرنا وكل هذا لا حجة لهم فيه، أما قولهم انه قول روي عن علي فهذا لا حجة لهم فيه لانه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يلزمنا، وأما قولهم: ادرءوا الحدود ما أمكنكم فقد ثبت بطلان هذا القول وانه لا يحل درء حد بشبهة ولا إقامته بشبهة في دين الله تعالى وانما هو الحق واليقين فقط ويكفي من بطلان قول من قال: ادرءوا الحدود بالشبهات إنه قول لم يأت به قرآن ولا سنة وانما جاء القرآن والسنة بتحريم دم المسلم وبشرته حتى يثبت عليه حد من حدود الله تعالى فإذا ثبت لم يحل درءه أصلا فيكون عاصيا لله تعالى، وأما قولهم في تنظيرهم ذلك بالامة المعروفة لانسان فيوجد معها رجل فيقول قد صارت إلي وملكتها ويقول سيدها بذلك ودعواهم الاجماع في ذلك قول بالظن لا يصح وما عهدنا قول مالك المشهور فيمن قامت عليه بينة بأنه اخرج من حرزه مالا مستترا بذلك فادعى ان صاحب ذلك الشئ أمره بذلك أو أنه وهبه وأقر صاحب المال بذلك بأنه لا يلتفت إلى ذلك بل تقطع يده ولا بد * قال أبو محمد رحمه الله: والذي نقول به أن من وجد مع امرأة يطؤها وقامت البينة بالوطئ فقال هو إنها امرأتي أو قال أمتي فصدقته في ذلك فان كان غريبين أو لا يعرفان فلا شئ عليهما ولا يعرض لهما ولا يكشفان عن شئ لان الاجماع قد صح بنقل الكواف ان الناس كانوا يهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم افذاذا ومجتمعين من اقاصي اليمن ومن جميع بلاد العرب بأهليهم ونسائهم وإمائهم وعبيدهم فما حيل بين أحد وبين من
زعم انها امرأته أو أمته ولا كلف احد على ذلك بينة، ثم على هذا إجماع جميع اهل الاسلام وجميع أهل الارض من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والى يومنا هذا لا يزال الناس يرحلون بأهليهم وإمائهم ورقيقهم ولا يكلف أحد منهم بينة على ذلك بل تصدق أقوالهم في ذلك مسلمين كانوا أو كفارا فإذ قد صح النص بهذا والاجماع فلا يجوز مخالفة ذلك فان كانت هي معروفة في البلد ومعروف أنه لا زوج لها فان أمكن ما يقول فلا شئ عليهما لان أصل دمائهما وأبشارهما على التحريم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن(11/243)
دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فلا يجوز اباحة ما حرم الله تعالى الا بيقين لا شك فيه وان كان كذبهما في ذلك متيقنا فالحد واجب عليهما وان قال هي أمتي وصدقه صاحبها الذي عرف ملكها له وأقر أنه قد كان وهبها له أو كان باعها منه صدق ولا شئ عليهما في ذلك فان كذبه حد إلا أن يأتي ببينة على صحة دعواه فلو قال: هي أمتي وقالت هي بل أنا زوجته أو قال هي زوجتي وقالت هي بل أنا أمته أو قالت بل أم ولده فقد اتفقا على صحة الفراش فلا حد في ذلك وهي على الحرية حتى يقيم هو بينة بملكه لها فان لم يفعل حلف لها فيما يدعيه من الزوجية وفرق بينهما لان الملك قد بطل إذا لم تقم بينة والناس على الحرية حتى يصح الرق والزوجية لم تثبت لا باقرارهما ولا ببينة وانما يحكم عليهما من الآن وأما إذا كانت أمة معروفة لانسان فأنكر سيدها خروجها عن ملكه إلى الذي وجد معها فالحد عليها وعلى الذي وجد معها الا أن يأتي ببينة على ذلك وله على سيدها اليمين ولا بد * 2207 - مسألة - فيمن وجد مع امرأة فشهد له ابوها أو اخوها بالزوجية * قال أبو محمد رحمه الله: فلو وجد يطأ امرأة معروفة وهو مجهول أو معروف فادعى هو وهي الزوجية وشهد لهما بذلك ابوها أو اخوها فان مالكا قال: عليهما الحد وقال اصحابنا: ان كان اللذان شهدا لهما عدلين صح العقد وبطل الحد وبهذا نأخذ
فان لم يكونا عدلين فالحد عليهما ما لم يكن على صحة النكاح بينة أو استفاضة لان اليقين صح أنهما غير زوجين وانها حرام عليه فلا ينتقل التحريم إلى التحليل ولا ينتقلان إلى حكم الزوجية الا بيقين من بينة أو استفاضة * 2208 - مسألة - هل يصلي الامام وغيره على المرجوم أم لا؟ * قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب ابن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن المثنى نا عبد الاعلى نا داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري " أن رجلا من أسلم يقال له ماعز ابن مالك رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا من العشى فقال: أو كلما انطلقنا غزاة في سبيل الله تخلف رجل في عيالنا له نبيب كنبيب التيس على أن لا أوتي برجل فعل ذلك الا نكلت به قال فما استغفر له ولا سبه " * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عبد الله بن أبي بكر أخبرني أيوب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف الانصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلى الظهر يوم أمر بماعز يرجم فطول الاوليين من الظهر حتى(11/244)
كاد الناس يعجزون عنها من طول القيام فلما انصرف أمر به فرجم فلم يقتل حتى رماه عمر ابن الخطاب بلحي بعير فأصاب رأسه فقتله فقال رجل لماعز حين فاضت نفسه أتصلي عليه يا رسول الله؟ قال: لا فلما كان الغد صلى الظهر فطول الركعتين الاولتين كما طولهما بالامس أو أخر بأشياء فلما انصرف قال: صلوا على صاحبكم فصلى عليه النبي عليه السلام والناس " * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابي سلمة عن جابر بن عبد الله " أن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فأعرض - فذكر الحديث وفيه - فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بالمصلى فلما أذلفته الحجارة فر فأدرك فرجم حتى مات فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خيرا
ولم يصل عليه " * قال أبو محمد رحمه الله: فذهب إلى هذا قوم فقالوا لا يصلي عليه الامام ويصلي عليه غيره، وذهب آخرون إلى أن الامام يصلي على المرجوم والمرجومة كسائر الموتى ولا فرق، روينا من طريق البخاري نا محمود نا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر قال: " ان رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع - مرات فذكر الحديث وفيه - فأمر به فرجم بالمصلي فلما أذلفته الحجارة فر فأدرك فرجم حتى مات فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيرا وصلى عليه " * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا مما اختلف فيه محمود بن غيلان.
واسحق بن ابراهيم الدبري على عبد الرزاق فرواية الدبري عنه في هذا الخبر ولم يصل عليه ورواية محمود عنه في هذا الخبر وصلى عليه فالله أعلم أيهما وهم * ومن طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا أبي نا عبد الله بن بريدة عن أبيه فذكر حديث الغامدية وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس فرجموها ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت * ومن طريق مسلم نا أبو غسان المسمعي نا معاذ - يعني ابن هاشم الدستوائي - نى أبي عن يحيى بن أبي كثير نى ابو قلابة أن أبا المهلب حدثه عن عمران ابن الحصين " أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا وذكر الحديث، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر بن الخطاب أتصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ قال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت بأفضل من أن جادت بنفسها لله؟ " ففي هذه الآثار صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجهينية بنفسه بلا خلاف وأمره بالصلاة على(11/245)
الغامدية بلا خلاف وصلاته على ماعز رضي الله عنه باختلاف، وهذه الآثار في غاية
الصحة وبهذا يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين رجم شراحة فقالوا كيف نصنع بها؟ قال اصنعوا بها كما تصنعون بنسائكم إذا متن في بيوتكم * قال أبو محمد رحمه الله: والذي نصنع بنسائنا إذا متن في بيوتنا هو أن يغسلن ويكفن ويصلي عليهن الامام وغيره هذا ما لا خلاف فيه من أحد من الامة وبالله تعالى التوفيق * 2209 - مسألة - في امرأة أحلت نفسها أو تزوج رجل خامسة أو دلست أو دلست بنفسها لاجنبي * قال أبو محمد رحمه الله: حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن اصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب انه قال في المرأة تقول للرجل اني حل لك فيمسها على ذلك فنلد منه انه يرجم ولا يرثه ذلك الولد * قال ابو محمد: ليس لاحد ان يحل ما حرم الله تعالى فاحلالها نفسها باطل وهو زنا محض وعليه الرجم والجلد ان كانا محصنين ولا يلحق في هذا ولد أصلا إذا لم يكن عقد فان كانا جاهلين فلا شئ عليهما وان كان احدهما جاهلا والآخر عالما فالحد على العالم دون الجاهل * وعن بكير بن الاشج انه قال في امرأة انطلقت إلى جاريتها فهيأتها بهيئتها وجعلتها في حجلتها وجاء زوجها فوطئها قال تنكل المرأة ولا جلد على الرجل وعلى الجارية حد الزنا ان كانت تدري ان ذلك لا يحل، ولو ان امرأة دلست نفسها لاجنبي فوطئها يظن انها امرأته فهي زانية ترجم وتجلد ان كانت محصنة أو تجلد وتنفى ان كانت غير محصنة ولا يلحق الولد في ذلك * قال ابو محمد: في امرأة وجدت مع رجل ولها زوج فقالت تزوجني نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: اخبرني بعض اهل الكوفة ان علي بن ابي طالب رجم امرأة كانت ذات زوج فجاءت ارضا فتروجت ولم تشك ان ما جاءها موت زوجها ولا طلاقه، وعن ابن شهاب انه قال نرى في امرأة
حرة كانت تحت عبد فتحولت ارضا اخرى فتزوجت رجلا قال: نرى عليها الحد ولا نرى على الذي تزوجها شيئا ولا على الذي أنكحها إن كان لا يعلم انها كان لها زوج * قال ابو محمد رحمه الله: واما من تزوج خامسة فان حماما قال: حدثنا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في الرجل يتزوج(11/246)
الخامسة قال: يجلد فان طلق رابعة من نسائه طلقة أو طلقتين ثم تزوج الخامسة قبل انقضاء عدة التي طلق جلد مائة * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال ابن شهاب: في رجل نكح الخامسة فدخل بها قال: ان كان قد علم ذلك ان الخامسة لا تحل رجم وان كان جاهلا جلد أدنى الحدين ولها مهرها بما استحل منها ثم يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا فان علمت رجمت ان أحصنت وجلدت ان لم تحصن فان لم تعلم ان تحته أربع نسوة فلا عقوبة عليها فان ولدت لم يرثه ولدها، وعن ابراهيم النخعي في الذي ينكح الخامسة متعمدا قبل ان تنقضي عدة الرابعة من نسائه أنه يجلد مائة ولا ينفى، وقال آخرون: غير هذا كما روي عن الاوزاعي قال: سألت ابن شهاب عن الرجل يتزوج الاخت على الاخت والخامسة وهو يعلم أنه حرام قال يرجم ان كان محصنا قال ابن وهب: وسمعت الليث يقول ذلك، وقال مالك، والشافعي، واصحابنا: يرجم الا ان يعذر بجهل * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فوجدنا من قال لا حد على من تزوج خامسة يحتج بما ذكرنا في أول الباب الذي قبل هذا متصلا به في الكلام في المرأة تتزوج ولها زوج والرد عليه قد ذكرناه هنالك أيضا بما جملته أنه ليس زواجا لان الله تعالى حرمه واذ ليس زواجا فهو عهر فإذ هو عهر فعليه حد الزنى وعليها كذلك ان كانا عالمين بأن ذلك لا يحل ولا يلحق فيه الولد أصلا فان كانا جاهلين فلا حد في ذلك لما ذكرنا ويلحق الولد وان كان أحدهما جاهلا والآخر
عالما فالحد على العالم ولا شئ على الجاهل، وأما من قال أنه يجلد أدنى الحدين فليس بشئ لما ذكرنا هنالك من أنه زان أو غير زان فان كان زانيا فعليه حد الزنا كاملا وان كان غير زان فلا شئ عليه لان بشرته حرام الا بقرآن أو بسنة وبالله تعالى التوفيق * 2210 - مسألة - امرأة تزوجت في عدتها ومن طلق ثلاثا قبل الدخول أو بعده ثم وطئ * قال أبو محمد رحمه الله: روي عن سعيد بن المسيب ان امرأة تزوجت في عدتها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فضربها دون الحد وفرق بينهما، وعن الشعبي أنه قال: في امرأة نكحت في عدتها عمدا قال: ليس عليها حد، وعن ابراهيم النخعي بمثله * قال أبو محمد رحمه الله: والاسناد إلى عمر منقطع لان سعيدا لم يلحق عمر رضي الله عنه سماعا الا نعيه النعمان بن مقرن على المنبر، ولا تخلو الناكحة في عدتها بأن تكون عالمة بأن ذلك لا يحل أو تكون جاهلة بأن ذلك محرم أو غلطت في العدة فان كانت جاهلة(11/247)
أو غلطت في العدة فلا شئ عليها لانها لم تعمد الحرام والقول قولها في الغلط على كل حال فان كانت عالمة بأن ذلك لم يحل ولم تغلط في العدة فهي زانية وعليها الرجم وقد يمكن أن يضربها عمر رضي الله عنه تعزيرا لتركها التعلم من دينها ما يلزمها فهو مكان التعزير، وأما من أسقط الحد في العمد في ذلك فانه ان طرد قوله لزمه المصير إلى قول أبي حنيفة في سقوط الحد عمن تزوج أمه وهو يدري أنها أمه وانها حرام وعمن تزوج ابنته كذلك أو أخته كذلك وتزوج نساء الناس وهن تحت أزواجهن عمدا دون طلاق ولا فسخ وهذا هو الاطلاق على الزنا بل هو الاستخفاف بكتاب الله تعالى، وأما من أسقط الحد في بعض ذلك واوجبه في بعض قاقض فان تعلقوا بعمر فقد قلنا إنه ليس في الاثر عن عمر انها كانت عالمة بانقضاء العدة ولا بالتحريم فلا متعلق لهم بذلك *
قال أبو محمد رحمه الله: والقول في ذلك كله واحد وهو أن كل عقد فاسد لا يحل فالفرج به لا يحل ولا يصح به زواج فهما أجنبيان كما كانا والوطئ فيه من العالم بالتحريم زنا مجرد محض وفيه الحد كاملا من الرجم أو الجلد أو التعزير ولا يلحق فيه ولد أصلا ولا مهر فيه ولا شئ من أحكام الزوجية وان كان جاهلا فلا حد ولا يقع في ذلك شئ من أحكام الزوجية إلا لحاق الولد فقط للاجماع وبالله تعالى التوفيق، وأما من طلق ثلاثا ثم وطئ فان كان عالما ان ذلك لا يحل فعليه حد الزنى كاملا وعليها كذلك لانها أجنبية فان كان جاهلا فلا شئ عليه ولا يلحق الولد ههنا أصلا لانه وطئ فيما لا عقد له معها لا صحيحا ولا فاسدا وبالله تعالى التوفيق * 2211 مسألة من تزوجت عبدها * قال أبو محمد رحمه الله: حدثنا محمد ابن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع عن سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن الحكم بن عتيبة ان عمر بن الخطاب كتب في امرأة تزوجت عبدها فعزرها وحرمها على الرجال * وبه إلى وكيع نا الاسود ابن شيبان عن أبي نوفل عن أبي عقرب قال: جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب فقالت يا أمير المؤمنين اني امرأة كما ترى غيري من النساء أجمل مني ولي عبد قد رضيت أمانته فأردت أن أتزوجه فبعث عمر إلى العبد فضربه ضربا وأمر بالعبد فبيع في أرض غربة، وعن ابن شهاب عن ابن سمعان قال: كان ابو الزبير يحدث عن جابر بن عبد الله الانصاري انه قال: جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب ونحن بالجابية نكحت عبدها فتلهف عليها وهم برجمها ثم فرق بينهما وقال للمرأة: لا يحل لك ملك يمينك * قال ابو محمد رحمه الله: القول في هذا كله واحد كل نكاح لم يبحه الله تعالى فلا(11/248)
يجوز عقده فان وقع فسخ أبدا لانه ليس نكاحا صحيحا جائز فان وقع فيه الوطئ فالعالم بتحريمه زان عليه الحد حد الزنا كاملا فهو أو هي أو كلاهما ومن كان جاهلا فلا شئ عليه
والولد فيه لاحق للاجماع ومن قذف الجاهل حد لانه ليس زانيا ولو كان زانيا لحد حد الزنا ولا يحل للمرأة عبدها فان وطئها فكما قلنا ان كانت عالمة ان هذا لا يحل فهي زانية وترجم ويجلدها ان كانت محصنة أو تجلد وتنفى ان كانت غير محصنة والعبد كذلك ولا يلحق الولد فان كانت جاهلة فلا شئ عليها ويلحق الولد بها أما التفريق فلا بد منه، واما التحريم على الرجال فلا يحرم بذلك لان الله تعالى لم يوجب ذلك، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فان أعتقته بشرط ان يتزوجها فالعتق باطل مردود لانه علق بشرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل وإذا بطل الشرط بطل عقد لم يعقد الا بذلك الشرط ولا يجوز انفاذ العقد لان العاقد له لم يعقده قط منفردا من الشرط فلا يحل ان بمضي عليه عقد لم يعقده على نفسه قط لانه لم يوجب عليه ذلك قرآن.
ولا سنة صحيحة.
ولا اجماع فان أعتقته بغير شرط ثم تزوجها زواجا صحيحا فهو جائز * قال أبو محمد رحمه الله: (فان قالوا): من أين أوجبتم الحد وعمر بن الخطاب لم يحد في ذلك ولا يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف؟ (قلنا): ان عمر رضي الله عنه قد هم برجمها فلولا أن الرجم عليها كان واجبا ما هم وإنما ترك رجمها إذ عرف جهلها بلا شك ونحن أيضا لا نرى حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إذ يحتجون بقول عمر رضي الله عنه فيلزمكم ان تحرموها على الرجال في الابد كما جاء عن عمر، وبالله تعالى التوفيق * 2212 مسألة - المحلل والمحلل له - قال ابو محمد رحمه الله: حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا شعبة عن الاعمش عن المسيب بن رافع عن قبيصة بن جابر الاسدي قال: قال عمر بن الخطاب: لاأوتي بمحلل أو محلل له الا رجمته * قال أبو محمد: عهدنا بالحنيفيين، والمالكيين، والشافعيين يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم وكلهم قد خالفوا عمر بن الخطاب وهم يقلدونه فيما هو
عنه من طريق لا تصح والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق أن كل نكاح انعقد سالما مما يفسده ولم يشترط فيه التحليل والطلاق فهو نكاح صحيح تام لا يفسخ وسواء اشترط ذلك عليه قبل العقد أو لم يشترط لان كل ناكح لمطلقة ثلاثا فهو محلل ولا بد فالتحليل المحرم هنا هو ما انعقد عقدا غير صحيح، وأما إذا عقد النكاح على شرط التحليل ثم(11/249)
الطلاق فهو عقد فاسد ونكاح فاسد فان وطئ فيه فان كان عالما أن ذلك لا يحل فعليه الرجم والحد لانه زنا وعليها إن كانت عالمة مثل ذلك ولا يلحق الولد فان كان جاهلا فلا حد عليه ولا صداق والولد لاحق وبالله تعالى التوفيق، وهكذا القول في كل عقد فاسد بالشغار.
والمتعة والعقد بشرط ليس في كتاب الله تعالى اي شرط كان وبالله تعالى التوفيق * 2213 مسألة - المستأجرة للزنا أو للخدمة والمخدمة * قال ابو محمد: حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج نى محمد بن الحرث بن سفيان عن ابي سلمة بن سفيان ان امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت: يا امير المؤمنين أقبلت اسوق غنما لي فلقيني رجل فحفن لي حفنة من تمر ثم حفن لي حفنة من تمر ثم حفن لي حفنة من تمر ثم أصابني فقال عمر: ما قلت؟ فأعادت فقال عمر بن الخطاب ويشير بيده: مهر مهر مهر ثم تركها * وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن الوليد بن عبد الله - وهو ابن جميع - عن ابي الطفيل ان امرأة اصابها الجوع فأتت راعيا فسألته الطعام فأبى عليها حتى تعطيه نفسها قالت: فحثى لي ثلاث حثيات من تمر وذكرت انها كانت جهدت من الجوع فأخبرت عمر فكبر وقال: مهر مهر مهر ودرأ عنها الحد * قال أبو محمد رحمه الله: قد ذهب إلى هذا أبو حنيفة ولم ير الزنا إلا ما كان مطارفة وأما ما كان فيه عطاء أو استئجار فليس زنا ولا حد فيه، وقال أبو يوسف.
ومحمد.
وأبو ثور.
وأصحابنا.
وسائر الناس، هو زنا كله وفيه الحد، وأما المالكيون.
والشافعيون فعهدنا بهم يشنعون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف إذا وافق تقليدهم وهم قد خالفوا عمر رضي الله عنه ولا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم بل هم يعدون مثل هذا إجماعا ويستدلون على ذلك بسكوت من بالحضرة من الصحابة عن النكير لذلك (فان قالوا): ان أبا الطفيل ذكر في خبره انها قد كان جهدها الجوع (قلنا لهم): وهذا أيضا أنتم لا تقولون به ولا ترونه عذرا مسقطا للحد فلا راحة لكم في رواية أبي الطفيل مع أن خبر أبي الطفيل ليس فيه أن عمر عذرها بالضرورة بل فيه أنه درأ الحد من أجل التمر الذي أعطاها وجعله عمر مهرا، وأما الحنيفيون المقلدون لابي حنيفة في هذا فمن عجائب الدنيا التي لا يكاد يوجد لها نظير ان يقلدوا عمر في اسقاط الحد ههنا بأن ثلاث حثيات من تمر مهر وقد خالفوا هذه القضية بعينها فلم يجيزوا في النكاح الصحيح مثل هذا وأضعافه مهرا بل منعوا من أقل من عشرة دراهم في ذلك فهذا هو الاستخفاف حقا والاخذ بما اشتهوا من قول الصاحب حيث اشتهوا وترك ما اشتهوا(11/250)
ترك من قول الصاحب إذا اشتهوا فما هذا دينا وأف لهذا عملا إذ يرون المهر في الحلال لا يكون الا عشرة دراهم لاأقل ويرون الدرهم فأقل مهرا في الحرام إلا أن هذا هو التطريق إلى الزنا وإباحة الفروج المحرمة وعون لابليس على تسهيل الكبائر وعلى هذا لا يشاء زان ولا زانية أن يزنيا علانية الا فعلا وهما في أمن من الحد بأن يعطيها درهما يستأجرها به للزنا فقد علموا الفساق حيلة في قطع الطريق بأن يحضروا مع أنفسهم امرأة سوء زانية وصبيا بغاء ثم يقتلوا المسلمين كيف شاءوا ولا قتل عليهم من أجل المرأة الزانية والصبي البغاء فكلما استوقروا من الفسق خفت اوزارهم وسقط الخزي والعذاب عنهم ثم علموهم وجه الحيلة في الزنا وذلك ان يستأجرها بتمرتين وكسرة خبر ليزني بها ثم يزنيان في أمن وذمام من العذاب بالحد الذي افترضه الله تعالى ثم علموهم الحيلة في وطئ الامهات والبنات بأن يعقدوا معهن نكاحا ثم يطؤنهن علانية آمنين من الحدود
ثم علموهم الحيلة في السرقة أن ينقب أحدهم نقبا في الحائط ويقف الواحد داخل الدار والآخر خارج الدار، ثم يأخذ كلما في الدار فيضعه في النقب، ثم يأخذه الآخر من النقب ويخرجان آمنين من القطع، ثم علموهم الحيلة في قتل النفس المحرمة بأن يأخذ عودا صحيحا فيكسر به رأس من أحب حتى يسيل دماغه ويموت ويمضي آمنا من القود ومن غرم الدية من ماله، ونحن نبرأ إلى الله تعالى من هذه الاقوال المعلونة وما قال أئمة المحدثين ما قالوا باطلا ونسأل الله السلامة ولو أنهم تعلقوا في كل ما ذكرنا بقرآن أو سنة لاصابوا بل خالفوا القرآن.
والسنة وما تعلقوا بشئ الا بتقليد مهلك ورأي فاسد.
واتباع الهوى المضل * قال أبو محمد رحمه الله: وحد الزنا واجب على المستأجر والمستأجرة بل جرمهما أعظم من جرم الزاني والزانية بغير استئجار لان المستأجر والمستأجرة زنيا كما زنى غير المستأجر ولا فرق وزاد المستأجر والمستأجرة على سائر الزنا حراما آخر وهو أكل المال بالباطل، وأما المخدمة فروي عن ابن الماجشون صاحب مالك أن المخدمة سنين كثيرة لا حد على المخدم إذا وطئها وهذا قول فاسد ومع فساده ساقط، أما فساده فاسقاطه الحد الذي أوجبه الله تعالى في الزنا، وأما سقوطه فتفريقه بين المخدمة مدة طويلة والمخدمة مدة قصيرة ويكلف تحديد تلك المدة المسقطة للحد التي يسقط فيها الحد فان حد مدة كان متزيدا من القول بالباطل بلا برهان، وان لم يحد شيئا كان محرما موجبا شارعا مالا يدري فيما لا يدري وهذه تخاليط نعوذ بالله منها، والحد كامل واجب على المخدم والمخدمة ولو أخدمها عمر نوح في قومه لانه زنا وعهر(11/251)
من ليست له فراشا، وبالله تعالى التوفيق * 2214 مسائل من نحو هذا - قال علي: من زنى بامرأة ثم تزوجها لم يسقط الحد بذلك عنه لان الله تعالى قد أوجبه عليه فلا يسقطه زواجه إياها وكذلك
إذا زنى بأمة ثم اشتراها وهو قول جمهور العلماء، وقال أبو حنيفة: لا حد عليه في كلتا المسألتين * قال أبو محمد رحمه الله: وهذه من تلك الطوام (فان قالوا): كيف نحده في وطئ امرأته وأمته (قلنا لهم): لم نحده في وطئه لهما وهما امرأته وأمته وإنما نحده في الوطئ الذي كان منه لهما وهما ليستا امرأته ولا أمته ثم يلزمهم على هذا الاعتلال الفاسد أن من قذف امرأة ثم تزوجها أن يلاعن ولا حد عليه وأنه إن زنى بها فحملت ثم تزوجها أو اشتراها أن يلحق به الولد والا فكيف ينفى عنه ولد امرأته منه أو ولد أمته منه (فان قالوا): ليس ابن فراش (قلنا): صدقتم ولذلك نحده على الوطئ السالف لانه لم يكن وطئ فراش * قال أبو محمد رحمه الله: ولو زنى بامرأة حرة أو أمة ثم قتلها فعليه حد الزنا كاملا والقود أو الدية والقيمة لانها كلها حقوق أوجبها الله تعالى فلا تسقطها الآراء الفاسدة، وروي عن أبي حنيفة أن حد الزنا يسقط إذا قتلها فما سمع بأعجب من هذه البلية أن يكون يزني فيلزمه الحد فإذا أضاف إلى كبيرة الزنا كبيرة القتل للنفس التي حرم الله تعالى سقط عنه حد الزنا نبرأ إلى الله تعالى من ذلك، ونحمده على السلامة منها كثيرا وبه نستعين * 2215 - مسألة - من وطئ امرأة أبيه أو حريمته بعقد زواج أو بغير عقد * قال أبو محمد: نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد ابن زهير نا عبد الله بن جعفر الرقي.
وابراهيم بن عبد الله قال الرقي: نا عتبة بن عمرو الرقى عن زيد بن أبى أنيسة عن عدي بن ثابت عن يزيد بن البراء بن عازب عن أبيه، وقال ابراهيم: نا هشيم عن أشعث بن سوار عن البراء بن عازب ثم اتفقا واللفط لهشيم قال: مر بي عمي الحرث بن عمرو وقد عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: أي
عم أين بعثك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا الخبر من طريق الرقيين صحيح نقي الاسناد،(11/252)
وأما من طريق هشيم فليست بشئ لان أشعث بن سوار ضعيف * وبه إلى أحمد بن زهير نا يوسف بن منازل نا عبد الله بن ادريس نا خالد بن أبي كريمة عن معاوية بن قرة عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أباه - هو جد معاوية - إلى رجل أعرس بامرأة أبيه فضرب عنقه وخمس ماله " قال أحمد بن ابراهيم: قال يحيى بن معين: هذا الحديث صحيح ومن رواه فأوقفه على معاوية فليس بشئ قد كان ابن ادريس أرسله لقوم وأسنده لآخرين، قال ابن معين: ويوسف بن منازل ثقة نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل.
وأبو قلابة قال أبو قلابة: حدثنا المغيرة بن بكار نا شعبة سمعت الربيع بن الركين يقول: سمعت عدي بن ثابت يحدث عن البراء قال: مر بنا ناس ينطلقون قلنا: أين تريدون قالوا: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل أتى امرأة أبيه أن نضرب عنقه * قال أبو محمد رحمه الله: هذه آثار صحاح تجب بها الحجة ولا يضرها أن يكون عدي بن ثابت حدث به مرة عن البراء.
ومرة عن يزيد بن البراء عن أبيه فقد يسمعه من البراء ويسمعه من يزيد البراء فيحدث به مرة عن هذا ومرة عن هذا، فهذا سفيان عن عيينة يفعل ذلك يروي الحديث عن الزهري مرة وعن معمر عن الزهري مرة قال: وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: من تزوج امه أو ابنته أو حريمته أو زنى بواحدة منهن فكل ذلك سواء وهو كله زنا والزواج كلا زواج إذا كان عالما بالتحريم وعليه حد الزنا كاملا ولا يحلق الولد في العقد وهو قول الحسن.
ومالك.
والشافعي.
وابي ثور وابي يوسف.
ومحمد بن الحسن صاحبي
ابي حنيفة: الا ان مالكا فرق بين الوطئ في ذلك بعقد النكاح وبين الوطئ في بعض ذلك بملك اليمين فقال: فيمن ملك بنت اخيه.
أو بنت اخته.
وعمته.
وخالته.
وامرأة ابيه.
وامرأة ابنه بالولادة.
وامه نفسه من الرضاعة.
وابنته من الرضاعة.
وأخته من الرضاعة وهو عارف بتحريمهن وعارف بقرابتهن منه ثم وطئهن كلهن عالما بما عليه في ذلك فان الولد لاحق به ولا حد عليه لكن يعاقب ورأي أن ملك أمه التي ولدته.
وابنته وأخته بأنهن حرائر ساعة يملكهن فان وطئهن حد حد الزنا، وقال أبو حنيفة: لا حد عليه في ذلك كله ولا حد على من تزوج أمه التي ولدته وابنته.
وأخته.
وجدته.
وعمته.
وخالته.
وبنت أخيه.
وبنت أخته عالما بقرابتهن منه عالما بتحريمهن عليه ووطئهن كلهن فالولد لاحق به والمهر واجب لهن عليه وليس عليه الا التعزير دون الاربعين فقط، وهو قول سفيان الثوري قالا: فان وطئهن بغير(11/253)
عقد نكاح فهو زنا عليه ما على الزاني من الحد * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال فيمن زنى بذات محرم يرجم على كل حال، وقال ابراهيم النخعي.
والحسن: حده حد الزنا، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن عوف - هو ابن أبي جميلة - نى عمرو ابن أبي هند قال.
ان رجلا أسلم وتحته أختان فقال له علي بن أبي طالب: لتفارقن احداهما أو لاضربن عنقك، وقال جابر بن زيد أبو الشعثاء.
وأحمد بن حنبل.
واسحاق بن راهويه كل من وطئ حريمته عالما بالتحريم عالما بقرابتها منه فسواء وطئها باسم نكاح أو بملك يمين.
أو بغير ذلك فانه يقتل ولا بد محصنا كان أو غير محصن * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الحق فنتبعه ان شاء الله فبدأنا بما احتج به أبو حنيفة ومن قلده لقوله فوجدناهم يقولون ان اسم الزنا غير اسم النكاح فواجب أن يكون له غير حكمه *
(فإذا قلتم): زنى بأمه فعليه ما على الزاني، (وإذا قلتم): تزوج أمه فالزواج غير الزنا فلا حد في ذلك وانما هو نكاح فاسد فحكمه حكم النكاح الفاسد من سقوط الحد ولحاق الولد ووجوب المهر وما نعلم لهم تمويها غير هذا وهو كلام فاسد.
واحتجاج فاسد.
وعمل غير صالح، أما قوله ان اسم الزنا غير اسم الزواج فحق لا شك فيه الا أن الزواج هو الذي أمر الله تعالى به وأباحه وهو الحلال الطيب والعمل المبارك، وأما كل عقد أو وطئ لم يأمر الله تعالى به ولا أباحه بل نهى عنه فهو الباطل والحرام والمعصية والضلال ومن سمى ذلك زواجا فهو كاذب آفك متعد وليست التسمية في الشريعة الينا ولا كرامة إنما هي إلى الله تعالى قال الله عزوجل: (ان هي الا أسماء سميتوها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) الآية * قال أبو محمد رحمه الله: أما من سمى كل عقد فاسد ووطئ فاسد - وهو الزنا المحض - زواجا ليتوصل به إلى اباحة ما حرم الله تعالى أو إلى إسقاط حدود الله تعالى إلا كمن سمى الخنزير كبشا ليستحله بذلك الاسم، وكمن سمى الخمر نبيذا أو طلاء ليستحلها بذلك الاسم، وكمن سمى البيعة والكنيسة مسجدا، وكمن سمى اليهودية إسلاما وهذا هو الانسلاخ من الاسلام ونقض عقد الشريعة وليس في المحال أكثر من قول القائل هذا نكاح فاسد وهذا ملك فاسد لان هذا كلام ينقض بعضه بعضا ولئن كان نكاحا أو ملكا فانه لصحيح حلال لان الله تعالى أحل الزواج والملك وقال تعالى: (الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) الآية فما كان زواجا وملك يمين فهو حلال طلق(11/254)
ومباح طيب ولا ملامة فيه ولا مأثم وكل ما كان فيه اللوم والاثم فليس زواجا ولا ملكا مباحا للوطئ ولا كرامة بل هو العدوان والزنا المجرد لا شئ الا فراش أو عهر حرام فان وجد لنا يوما ما أن نقول نكاح فاسد أو زواج فاسد أو ملك فاسد فانما هو حكاية أقوال لهم وكلام على معانيهم كما قال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة
مثلها)، وكما قال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (والله يستهزئ بهم)، وقد علم المسلمون أن الجزاء ليس بسيئة وان القصاص ليس عدوانا وأن معارضة الله تعالى على الاستهزاء ليس مذموما بل هو حق فصح من هذا أن كل عقد لم يأمر به الله تعالى فمن عقده فهو باطل وان وطئ فيه فان كان عالما بالتحريم عالما بالسبب المحرم فهو زان مطلق، وهكذا القول فيمن نكح نكاح متعة أو شغار أو موهوبة أو على شرط ليس في كتاب الله تعالى أو بصداق لا يحل.
من جهل التحريم في شئ من ذلك بأن لم تبلغه أو بتأويل لم تقم عليه الحجة في فساده فهو معذور لا حد عليه ومن قذفه فعليه الحد كمن دخل بلدا فتزوج امرأة لا يعرفها فوجدها أمه أو ابنته فهذا يلحق فيه الولد ولا يحد فيه حد بالاجماع * وبهذا بطل قول أبي حنيفة المذكور.
وقول مالك الذي وصفنا في وطئ الحريمة بملك اليمين والعجب كل العجب من احتجاج بعض من لقيناه من المالكيين بقوله تعالى: (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) (قيل لهم): ان كنتم تعلقتم بهذه الآية في إلحاق الولد بمن وطئ عمته وخالته وذوات محارمه فانها من ملك اليمين فأبيحوا الوطئ المذكور واسقطوا عنه الملامة جملة فهذا هو نص الآية فلو فعلوا ذلك لكفروا بلا خلاف من أحد واذ لم يفعلوا ذلك ولا أسقطوا الملامة ولا أباحوا له ذلك فقد ظهر تمويههم في إيراد هذه الآية في غير موضعها * قال أبو محمد رحمه الله: (فان قال قائل): فانتم تقولون إن المملوكة الكتابية لا يحل وطئها وإن وطئها فلا حد عليه والولد لاحق فما الفرق بين هذا وبين من وطئ أحدا من ذوات محارمه التي ذكرنا فأوجبتم في كل هذا حد الزنا ولم تلحقوا الولد، (قلنا): ان الفرق في ذلك هو أن الله تعالى أباح ملك اليمين جملة وحرم ذوات المحارم بالنسب والرضاع والصهر والمحصنات من النساء تحريما واحدا مستويا فحرمت أعيانهن كلهن تحريما واحدا ولم يحل منهن لمس ولا رؤية عرية ولا تلذذ أصلا لانهن
محرمات الاعيان، وقال تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) فانما حرم فيهن النكاح فقط والنكاح ليس الا عقد الزواج أو الوطئ فقط فإذا ملكناهن فلم تحرم علينا أعيانهن إذ لا نص في ذلك ولا اجماع وانما حرم وطئهن فقط وبقي سائر ذلك على(11/255)
التحليل بملك اليمين كالمملوكة.
والحائض.
والمحرمة.
والصائمة فرضا.
والمعتكفة فرضا.
والحامل من غير السيد ولا فرق، فلما لم يكن في واحدة من هؤلاء محرمة العين كن فراشا في غير الوطئ فكان الوطئ وان كان حراما فهو في فراش لم يحرم فيه الا الوطئ فقط وكل وطئ في غير محرم العين فليس عهرا ولا زنا وإنما العهر ما كان في محرمة العين فقط وبالله تعالى التوفيق * قال: ثم نظرنا فيمن أوجب الحد في وطئ الام بعقد النكاح كحد الزنا بغيرها من الاجنبيات وقول من أوجب في ذلك القتل أحصن أو لم يحصن فوجدنا الخبر في قتل من أعرس بامرأة أبيه ثابتا والحجة به قائمة فوجب الحكم به ولم يسع أحدا الخروج عنه فكان من قول المخالف في ذلك أن قالوا قد يمكن أن يكون ذلك الذي أعرس بامرأة أبيه قد فعل ذلك مستحلا له فان كان هذا فنحن لا نخالفكم في ذلك فقلنا لهم: ان هذه الزيادة ممن زادها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مجرد وعلى من روى ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم ولو كان ذلك لقال الراوي: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل ارتد فاستحل امرأة أبيه فقتلناه على الردة فإذ لم يقل ذلك الراوي فهو كذب مجرد، فهذه الزيادة ظن ما ليس فيه فصح أن من وطئ امرأة أبيه بعقد سماه نكاحا أو بغير عقدكما جاءت ألفاظ الحديث المذكور فقلته واجب ولا بد وتخميس ماله فرض ويكون الباقي لورثته ان كان لم يرتد أو للمسلمين ان كان ارتد (فان قالوا): لم نجد مثل هذا في الاصول (قلنا لهم): لا أصل عندنا الا القرآن والسنة والاجماع فهذا الخبر أصل في نفسه ولكن أخبرونا في اي الاصول وجدتم ان من تزوج أمه وهو يدري أنها أمه.
أو ابنته وهو يدري أنها ابنته أو اخته أو إحدى
من ذوات محارمه وهو يدري عالم بالتحريم في كل ذلك فوطئهن فلا حد عليه والمهر واجب لهن عليه والولد لاحق به فما ندري هذا إلا في غير الاسلام؟ * قال أبو محمد رحمه الله: وأما نحن فلا يجوز أن نتعدى حدود الله فيما وردت به فنقول: ان من وقع على امرأة أبيه بعقد أو بغير عقد أو عقد عليهما باسم نكاح وإن لم يدخل بها فانه يقتل ولابد محصنا كان أو غير محصن ويخمس ماله وسواء أمه كانت أو غير أمه دخل بها أبوه أو لم يدخل بها، وأما من وقع على غير امرأة أبيه من سائر ذوات محارمه كأمه التي ولدته من زنا أو بعقد باسم نكاح فاسد مع أبيه فهي أمه وليست امرأة أبيه.
أو اخته أو ابنته.
أو عمته.
أو خالته أو واحدة من ذوات محارمه بصهر.
أو رضاع فسواء كان ذلك بعقد أو بغير عقد هو زان وعليه الحد فقط،(11/256)
وان أحصن عليه الجلد والرجم كسائر الاجنبيات لانه زنا، وأما الجاهل في كل ذلك فلا شئ عليه * 2216 - مسألة - من أحل لآخر فرج أمته - قال أبو محمد رحمه الله: سواء كانت امرأة أحلت أمتها لزوجها أو ذي رحم محرم أحل أمته لذي رحمه أو أجنبي فعل ذلك فقد ذكرنا قول سفيان في ذلك وهو ظاهر الخطأ جدا لانه جعل الولد مملوكا لمالك أمه وأصاب في هذا ثم جعله لاحق النسب بواطئ أمه وهذا خطأ فاحش لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " * وبين عز وجل ما هو الفراش وما هو العهر؟ فقال تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون) إلى قوله تعالى: (العادون) فهذه التي أحل مالكها فرجها لغيره ليست زوجة له ولا ملك يمين للذي أحلت له وهذا خطأ لان الله تعالى يقول: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " وقد علمنا ان الذي احل الفرج لم يهب الرقبة ولا طابت نفسه باخراجها عن
ملكه ولا رضي بذلك قط فان كان ما طابت به نفسه من إباحة الفرج وحده حلالا فلا يلزمه سواه ولا ينفذ عليه غير ما رضي به فقط وان كان ما طابت به نفسه من إباحة الفرج حراما فانه لا يلزمه والحرام مردود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " فلا ينفذ عليه هبة الفرج، وأما الرقبة فلم يرض قط باخراجها عن ملكه فلا يحل اخذها له بغير طيب نفسه الا بنص يوجب ذلك أو اجماع * قال ابو محمد رحمه الله: فإذ الامر كما ذكرنا فالولد غير لاحق والحد واجب إلا ان يكون جاهلا بتحريم ما فعل وبالله تعالى التوفيق * 2217 مسألة - من احل فرج امته لغيره - نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: اخبرني عمرو بن دينار انه سمع طاوسا يقول قال ابن عباس: إذا احلت امرأة الرجل.
أو ابنته.
أو اخته له جاريتها فليصبها وهي لها فليجعل به بين وركيها قال ابن جريج: واخبرني ابن طاوس عن ابيه انه كان لا يرى به بأسا وقال: هو حلال فان ولدت فولدها حر والامة لامراته ولا يغرم الزوج شيئا، قال ابن جريج: واخبرني ابراهيم بن ابي بكر عن عبد الرحمن بن زادويه عن طاوس انه قال هو احل من الطعام فان ولدت فولدها للذي احلت له وهي لسيدها الاول قال ابن جريج: واخبرني عطاء بن ابي رباح قال: كان يفعل يحل الرجل(11/257)
وليدته لغلامه وابنه وأخيه وتحلها المرأة لزوجها، قال عطاء: وما أحب أن يفعل وما بلغني عن ثبت قال: وقد بلغني أن الرجل كان يرسل بوليدته إلى ضيفه * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا قول وبه يقول سفيان الثوري: وقال مالك.
وأصحابه لاحد في ذلك أصلا، ثم اختلف قوله في الحكم في ذلك فمرة قال: هي لمالكها المبيح ما لم تحمل فان حملت قومت على الذي أبيحت له، ومرة قال: تقام بأول وطئه
على الذي أبيحت له حملت أو لم تحمل، وقالت طائفة: إذا أحلت فقد صار ملكها للذي أحلت له بكليتها كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن معمر عن ابن مجاهد.
وعمرو بن عبيد قال ابن مجاهد عن أبيه: وقال عمرو عن الحسن: ثم اتفقا إذا أحلت الامة لانسان فعتقها له ويلحق به الولد * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله ابن قيس ان الوليد بن هشام أخبره أنه سأل عمر بن عبد العزيز فقال: امرأتي أحلت جاريتها لابيها قال: نهى له فهذا قول ثان، وذهب آخرون إلى غير هذا كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في الرجل يحل الجارية للرجل فقال ان وطئها جلد مائة أحصن أو لم يحصن ولا يلحق به الولد ولا يرثه وله أن يفتديه ليس لهم أن يمنعوه، وقال آخرون: بتحريم ذلك جملة كما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي اسحاق السبيعي عن سعيد بن المسيب قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: ان أمي كانت لها جارية وأنها أحلتها لي أن أطأها عليها قال: لا تحل لك الا من إحدى ثلاث: إما أن تتزوجها، وإما أن تشتريها، وإما أن تهبها لك، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن ابن عمر قال: لا يحل لك أن تطأ الا فرجا لك ان شئت بعت وإن شئت وهبت وان شئت أعتقت * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: لا تعار الفروج * قال أبو محمد رحمه الله: أما قول ابن عباس فهو عنه وعن طاوس في غاية الصحة ولكنا لا نقول به إذ لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) الآية إلى قوله (العادون) فقول الله أحق أن يتبع، وأما قول مالك فظاهر الخطأ وما نعلم أحدا قال به قبله ويبطل قوله في التقويم بما يبطل به قول من رأى أن الملك ينتقل بالاباحة إلا أن قول مالك: زاد ايجاب القيمة في ذلك، وأما قول عمر بن عبد العزيز.
والحسن.
ومجاهد قد تقدم ابطالنا إياه بأنه لا يحل أن يلزم المرء في ماله ما لم يلتزمه الا ان يلزمه
ذلك نص أو اجماع فمن أباح الفرج وحده فلم يبح الرقبة فلا يحل اخراج ملك الرقبة(11/258)
عن يده بالباطل وليس الا أحد وجهين لا ثالث لهما، أما جواز هبته فهو قول ابن عباس.
وأما ابطاله فهو قول ابن عمر: فالرقبة في كلا الوجهين باقية على ملك مالكها لا يحل سوى ذلك أصلا، وأما قول الزهري فخطأ أيضا لا يخلو وطئ الفرج الذي أحل له من أحد وجهين لا ثالث لهما، إما أن يكون زانيا فعليه حد الزنا من الرجم والجلد أو الجلد والتغريب أو يكون غير زان فلا شئ عليه، وأما الاقتصار على مائة جلدة فلا وجه له ولا يلحق الولد ههنا أصلا جاهلا كان أو عالما لانها ليست فراشا أصلا ولا له فيها عقد ولا مهر عليه أيضا لان ماله حرام الا بنص أو اجماع ولم يوجب عليه المهر ههنا نص ولا اجماع وعلى المحلل التعزير ان كان عالما فان كانوا جهالا أو أحدهم فلا شئ على الجاهل اصلا * 2218 مسألة - الشهود في الزنا لا يتمون أربعة - قال أبو محمد رحمه الله: قال قوم: إذا لم يتم الشهود أربعة حدوا حد القذف كما نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله ابن محمد بن عثمان نا احمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة أنا علي بن زيد بن جدعان عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أن أبا بكرة وزيادا ونافعا وشبل ابن معبد كانوا في دار أبي عبد الله في غرفة ورجل في أسف ذاك إذ هبت ريح ففتحت الباب ووقعت الشقة فإذا رجل بين فخذيها فقال بعضهم: قد ابتليا بما ترون فتعاهدوا وتعاقوا على أن يقوموا بشهادتهم فلما حضرت صلاة العصر أراد الرجل ان يتقدم فيصلي بالناس فمنعه ابو بكرة وقال لا والله لا تصلي بنا وقد رأينا ما رأينا فقال الناس: دعوه فليصل فانه الامير واكتبوا بذلك إلى عمر فكتبوا إلى عمر فكتب عمر بن الخطاب أن اقدموا علي فلما قدموا شهد عليه أبو بكرة.
ونافع.
وشبل وقال زياد: قد رأيت رعة سيه ورأيت ورأيت ولكن لا أدري أنكحها أم لا فجلدهم عمر الا زيادا
فقال أبو بكرة: ألستم قد جلدتموني قالوا: بلى قال: فأشهد بالله الف مرة لقد فعل فأراد عمر بن الخطاب ان يجلده الثانية فقال علي بن ابي طالب: ان كانت شهادة ابي بكرة شهادة رجلين فارجم صاحبك وإلا فقد جلد تموه * حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب قال شهد علي المغيرة بن شعبة ثلاثة بالزنا ونكل زياد فجلد عمر الثلاثة وقال لهم: توبوا تقبل شهادتكم فتاب اثنان ولم يتب ابو بكرة فكانت لا تقبل شهادته وابو بكرة اخو زياد لامه فحلف ابو بكرة أن لا يكلم زيادا ابدا فلم يكلمه حتى مات * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن بديل العقيلي عن ابي الوضاح قال: شهد ثلاثة نفر على رجل وامرأة(11/259)
بالزنا وقال الرابع: رأيتهما في ثوب واحد فان كان هذا زنا فهو ذاك فجلد علي الثلاثة وعزر الرجل والمرأة * قال أبو محمد رحمه الله: وبهذا يقول أبو حنيفة.
والشافعي.
وأصحابهما، وقال أبو ثور.
وأبو سليمان.
وجميع أصحابنا لا يحد الشاهد بالزنا أصلا كان معه غيره أو لم يكن * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها ليلوح الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى فوجدنا من قال: يحد الشهود إذا لم يتموا أربعة بأن ذكروا ما ناه حمام نا ابن المفرج نا ابن الاعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق نا ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قضاء الله ورسوله أن لا تقبل شهادة ثلاثة ولا اثنين ولا واحدا على الزنا ويجلدون ثمانين جلدة ولا تقبل لهم شهادة أبدا حتى يتبين للمسلمين منهم توبة نصوح واصلاح " * وقالوا: حكم عمر ابن الخطاب بحضرة على وعدة من الصحابة رضي الله عنهم لا ينكر ذلك عليه منهم أحد فكان هذا اجماعا، وهذا كل ما موهوا به ما نعلم لهم حجة غير هذا
الا أن بعضهم ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي رمى امرأته البينة والا حد في ظهرك * قال أبو محمد رحمه الله: وكل هذا لا حجة لهم فيه أما خبر عمرو بن شعيب فمنقطع أقبح انقطاع لانه لم يذكر من بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حجة عندنا في مرسل ولا عند الشافعي فلا يجوز لهم أن يحتجوا علينا به لاننا لا نقول به أصلا فيلزمونا إياه على أصلنا وهم لا يقولون به فيحتجوا به على أصولهم * قال أبو محمد رحمه الله: ثم نظرنا في قول من قال أنه لا حد على الشاهد سواء كان وحده لا أحد معه أو اثنين كذلك أو ثلاثة كذلك فوجدناهم يقولون قال الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " للقاذف البينة والا حد في ظهرك " فصح يقينا لامرية فيه بنص كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ان الحد انما هو على القاذف الرامي لا على الشهداء ولا على البينة، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا من شهركم هذا " فبشرة الشاهد حرام بيقين لا مرية فيه ولم يأت نص قرآن ولا سنة صحيحة بجلد الشاهد في الزنا إذا لم يكن معه غيره وقد فرق القرآن والسنة بين الشاهد من البينة وبين القاذف الرامي(11/260)
فلا يحل البتة أن يكون لاحدهما حكم الآخر فهذا حكم القرآن والسنة الثابتة * وأما الاجماع فان الامة كلها مجمعة بلا خلاف من أحد على أن الشهود إذا شهدوا واحدا بعد واحد فتموا عدولا أربعة فانه لا حد عليه * وكذلك أجمعوا بلا خلاف من أحد منهم لو أن ألف عدل قذفوا امرأة أو رجلا كذلك بالزنا مجتمعين أو مفترقين ان الحد عليهم كلهم حد القذف ان لم يأتوا بأربعة شهداء فان جاءوا بأربعة شهداء سقط الحد عن القذفة فقد صح الاجماع المتيقن الذي لا شك فيه * وأما المخالفون لنا في
الجملة على الفرق بين حكم القاذف وبين حكم الشاهد وان القاذف فليس شاهدا وان الشاهد ليس قاذفا فقد صح الاجماع على هذا بلا شك وصح اليقين ببطلان قول من قال بأن يحد الشاهد والشاهدان والثلاثة إذا لم يتموا أربعة لانهم ليسوا قذفة ولا لهم حكم القاذف وهذا هو الاجماع حقا الذي لا يجوز خلافه * وأما طريق النظر فنقول وبالله تعالى التوفيق: انه لو كان ما قالوا لما صحت في الزنا شهادة أبدا لانه كان الشاهد الواحد إذا شهد بالزنا صار قاذفا عليه الحد على أصلهم فإذ قد صار قاذفا فليس شاهدا فإذا شهد الثاني فكذلك أيضا يصير قاذفا وهذا فاسد كما ترى وخلاف للقرآن في إيجاب الحكم بالشهادة بالزنا وخلاف السنة الثابتة بوجوب قبول البينة في الزنا وخلاف الاجماع المتيقن بقبول الشاهدة في الزنا وخلاف الحس والمشاهدة في أن الشاهد ليس قاذفا والقاذف ليس شاهدا، وأيضا فنقول لهم أخبرونا عن الشاهد إذا شهد على آخر بالزنا وهو عدل ماذا هو الآن عندكم أشاهد أم قاذف أم لا شاهد ولا قاذف؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث فان قالوا: هو شاهد قلنا صدقتم وهذا هو الحق واذ هو شاهد فليس قاذفا حين نطق بالشهادة فمن المحال الممتنع أن يصير قاذفا إذا سكت ولم يأت بثلاثة عدول إليه وليس في المحال أكثر من أن يكون شاهدا لا قاذفا فإذا تكلم باطلاق الزنا عل المشهود عليه بم يصير قاذفا لا شاهدا إذا لم يتكم ولا نطق بحرف فهذا محال لا اشكال فيه وان قالوا هو قاذف فقد ذكروا وجوب الحد على القاذف بلا شك فقد وجب الحد عليه * 2219 - مسألة - شهد أربعة بالزنا على امرأة أحدهم زوجها * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: ليست شهادة ويلا عن الزوج كما روينا عن ابن عباس في أربعة شهداء شهدوا بالزنا على امرأة وأحدهم زوجها قال يلا عن الزوج ويحد الآخرون، وعن ابراهيم النخعي بمثله، وبه يقول مالك.
والشافعي.
والاوزاعي في أحد قوليه، وقال آخرون ان كانوا عدولا فالشهادة تامة وتحد المرأة(11/261)
كما روينا عن الحسن البصري في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها قال إذا جاءوا مجتمعين الزوج أجوزهم شهادة، وعن الشعبي أنه قال في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها انه قد جازت شهادتهم وأحرزوا ظهورهم، وقال الحكم ابن عتيبة: في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها حتى يكون معهم من يجئ بها وبهذا يأخذ أبو حنيفة.
والاوزاعي في أحد قوليه * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتج به كل قائل منهم لقوله فوجدنا كلتا الطائفتين تتعلق بقول الله تعالى: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء الا أنفسهم) وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لهلال بن أمية البينة والا حد في ظهرك " فنظرنا في هذين النصين فوجدناهما انما نزلا في الزوج إذا كان راميا قاذفا لا إذا كان شاهدا هذا نص الآية ونص الخبر فليس حكم الزوج إذا كان شاهدا لا قاذفا راميا فوجب أن نطلب حكم شهادة الزوج في غيرهما فوجدنا الله تعالى يقول: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم) فشرط الله تعالى على القاذف ان لم يأت بأربعة شهداء أن يجلد ولم يخص تعالى أولئك الاربعة الشهداء أن لا يكون منهم زوجها (وما كان ربك نسيا)، ولو أراد الله تعالى أن لا يكون الزوج أحد أولئك الشهداء لبين ذلك ولما كتمه ولا أهمله فإذا عم الله تعالى ولم يخص فالزوج وغير الزوج في ذلك سواء بيقين لا شك فيه فصح من هذا أن الزوج إذا قذف امرأته فعليه حد القذف الا أن يلاعن أو يأتي بأربعة شهداء سواه لانه قاذف ورام والقاذف والرامي مكلف أن يخلص نفسه بأربعة شهداء ولا بد، وهكذا الاجنبي ولا فرق إذا قذف فلا بد من أربعة غيره فان جاء الزوج شاهدا لا قاذفا فهو كالاجنبي الشاهد ولا فرق لا حد عليه ولا لعان أصلا لانه لم يرمها ولا قذفها فان كان عدلا وجاء معه بثلاثة شهود فقد تمت الشهادة ووجب الرجم عليها لانهم أربعة شهود كما أمر الله تعالى وبه نأخذ *
وأما اشتراط الحكم بن عتيبة من أن يكون معهم من يأتي بهم فلا معنى له لان الله تعالى لم يوجب ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا يخلو ذلك الخامس من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها إما أن يكون قاذفا وإما أن يكون شاهدا وإما أن يكون متطوعا لا قاذفا ولا شاهدا فان كان قاذفا فمن الحرام والباطل أن يلزم الشهود أن يأتي قاذفا يتقدمهم أو يأمر بقذف المحصنة والمحصن ليتوصل بذلك إلى اقامة الشهادة وان كان ذلك الخامس شاهدا فهذا ايجاب لخمسة شهود وهذا خلاف القرآن.
والسنة.
والاجماع، وان كان متطوعا لا قاذفا ولا شاهدا فهذا باطل لان الله تعالى لم يوجبه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم(11/262)
فسقط قول الحكم في ذلك * قال أبو محمد رحمه الله: فالحكم في هذا على ثلاثة أوجه إذا كان الزوج قاذفا فلا بد من أربعة شهود سواه وإلا حد أو يلاعن فان لم يكن قاذفا لكن جاء شاهدا فان كان عدلا ومعه ثلاثة عدول فهي شهادة تامة وعلى المشهود عليها حد الزنا كاملا وان كان الزوج غير عدل أو كان عدلا وكان في الذين معه غير عدل أو لم يتم ثلاثة سواه والشهادة لم تتم فلا حد على المشهود وليس الشهود قذفه فلا حد عليهم ولا حد على الزوج ولا لعان لانه ليس قاذفا وبالله تعالى التوفيق * 2220 مسألة - شهد أربعة بالزنا على امرأة وشهد أربعة نسوة انها عذراء * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: لا حد عليها كما روينا عن الشعبي أنه قال في أربعة رجال عدول شهدوا على امرأة بالزنا وشهد أربع نسوة بأنها بكر فقال: أقيم عليها الحد وعليها خاتم من ربها * قال أبو محمد رحمه الله: هذا على الانكار منه لاقامة الحد عليها، وقالت طائفة: تحد كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن اصبغ حدثنا ابن وضاح نا سحنون حدثنا ابن وهب عن الحرث بن نبهان في أربعة شهدوا بالزنا على امرأه
ونظر النساء إليها فقلن انها عذراء قال: آخذ بشهادة الرجال وأترك شهادة النساء وأقيم عليها الحد، وباسقاط الحد عنها يقول أبو حنيفة.
وأصحابه الازفر، وبه يقول سفيان الثوري.
والشافعي، وقال مالك.
وزفر بن الهذيل.
وأصحابنا تحد * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فوجدنا من رأي إيجاب الحد عليها يقول قد صحت البينة عليها بما يوجب الحد بنص القرآن فلا يجوز أن يعارض أمر ربه تعالى بشئ وما نعلم لهم حجة غير هذا فعارضهم الآخرون بأن قالوا: بأنه لا خلاف أنه إذا صح أن الشهود كاذبون أو واهمون فان الشهادة ليست حقا بل هي باطل ولا يحل الحكم بالباطل وانما أمر الله تعالى بانفاذ الشهادة إذا كانت حقا عندنا في ظاهرها لا إذا صح عندنا بطلانها، وهذه قد صح عندنا بطلانها فلا يجوز الحكم بها * قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) فواجب إذا كانت الشهادة عندنا في ظاهرها حقا ولم يأت شئ يبطلها ان يحكم بها وإذا صح عندنا انها ليست حقا ففرض علينا ان لا نحكم بها إذ لا يحل الحكم بالباطل هذا هو الحق الذي لا شك فيه، ثم نظرنا في الشهود لها انها عذراء فوجب أن يقرر(11/263)
النساء على صفة عذرتها فان قلن انها عذرة يبطلها إيلاج الحشفة ولابد وأنه صفاق عند باب الفرج فقد أيقنا بكذب الشهود وانهم وهموا فلا يحل انفاذ الحكم بشهادتهم وان قلن انها عذرة واغلة في داخل الفرج لا يبطها إيلاج الحشفة فقد أمكن صدق الشهود إذ بايلاج الحشفة يجب الحد فيقام الحد عليها حينئذ لانه لم نتيقن كذب الشهود ولا وهمهم وبالله تعالى التوفيق * 2221 مسألة كم الطائفة التي تحضر حد الزاني أو رجمه؟ * قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)
قال: (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين).
فصح أن عذاب الزناة الجلد ومع الجلد الرجم والنفي، ثم اختلف العلماء في مقدار الطائفة التي افترض الله تعالى ان تشهد العذاب المذكور فقالت طائفة: هي واحد من الناس فان زاد فجائز - وهو قول ابن عباس - كما روى الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: الطائفة رجل وبهذا يقول أصحابنا، وقالت طائفة: الطائفة اثنان فصاعدا كما روينا عن عطاء قال اثنان فصاعدا، وبه يقول اسحق بن راهويه، وقالت طائفة: ثلاثة فصاعدا كما روينا عن ابن شهاب، وقال ابن وهب: سمعت شمر بن نمير يحدث عن الحسين بن عبيد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب مثله سواء سواء ان الطائفة ثلاثة فصاعدا وبه يقول الشافعي في أحد قوليه، وقالت طائفة: الطائفة نفر دون أن يحدوا عددا كما روينا عن معمر عن قتادة انه سمع (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) قال نفر من المسلمين، وقالت طائفة: الطائفة أربعة فصاعدا كما روينا عن الليث بن سعد، وقالت طائفة: الطائفة خمسة فصاعدا كما روينا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وقالت طائفة: الطائفة عشرة كما روي عن الحسن البصري انه قال: الطائفة عشرة * قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك فوجدنا جميع الاقوال لا يحتج بها إلا قول مجاهد.
وابن عباس وهو أن الطائفة.
واحد فصاعدا فوجدناه قولا يوجبه البرهان من القرآن والاجماع واللغة فأما القرآن فان الله تعالى يقول: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى) الآية فبين تعالى نصا جليا أنه اراد بالطائفتين هنا الاثنين فصاعدا بقوله في أول الآية: (اقتتلوا) وبقوله تعالى: (فان بغت إحداهما على الاخرى) وبقوله تعالى في آخر الآية: (فأصلحوا بين أخويكم) وبرهان آخر وهو أن(11/264)
الله تعالى قال: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) وبيقين ندري أن الله تعالى لو أراد بذلك عددا من عدد لبينه ولاوقفنا عليه ولم يدعنا نخبط فيه عشواء حتى نتكهن فيه الظنون الكاذبة حاش لله تعالى من هذا وبالله تعالى التوفيق * 2222 مسألة حد الرمي بالزنا - وهو القذف - قال الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) إلى قوله تعالى: (غفور رحيم) * قال أبو محمد رحمه الله: ففي هذه الآية أحكام كثيرة يجب الوقوف عليها بأن تطلب علمها وان تعتقد وان يعمل بها بعون الله تعالى على ذلك فمنها معرفة ما هو الرمي الذي يوجب الحكم المذكور في الآية من الجلد واسقاط الشهادة والفسق وأن القذف من الكبائر ومن المحصنات اللواتي يجب برميهن الحكم المذكور في الآية من الجلد واسقاط الشهادة والفسق وعدد الجلد وصفته.
ومن المأمور بالجلد.
ومتى يمتنع من قبول شهادتهم وفيما ذا يمتنع من قبولها وفسقهم وما يسقط بالتوبة من الاحكام المذكورة وما صفة التوبة من ذلك ونحن ان شاء الله تعالى نذكر كل ذلك بعون الله تعالى بالبراهين الواضحة من القرآن والسنن الثابتة في ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله * 2223 مسئألة - ما الرمي.
والقذف؟ - قال أبو محمد رحمه الله: ذكر الله تعالى هذا الحكم باسم الرمي في الآية المذكورة وصح أن القذف والرمي اسمان لمعنى واحد لما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب نا اسحق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - أنا عبد الاعلى - هو ابن عبد الاعلى السلمي - قال: سئل هشام - هو ابن حسان - عن الرجل يقذف امرأته فحدثنا هشام عن محمد - يعني ابن سيرين - قال: سألت أنس ابن مالك عن ذلك وأنا أرى أن عنده من ذلك علما فقال أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا البراء بن مالك وكان أول من لاعن فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ثم قال: " أبصروه فان جاءت به أبيض فض العينين فهو لهلال ابن أمية وإن جاءت به اكحل جعدا أحمش الساقين فهو لشريك بن سحماء " قال أنس:
فأنبئت أنها جاءت به اكحل جعد أحمش الساقين * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد ابن معاوية عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال: أول لعان كان في الاسلام أن هلال بن أمية قذف شريك بن سحماء بامرأته فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أربعة شهداء وإلا حد في ظهرك " وذكر حديث اللعان * قال أبو محمد رحمه الله: فهذا أنس بن مالك حجة في اللغة وفي النقل في الديانة قد سمى الرمي قذفا مع أنه لا خلاف في ذلك من أحد من أهل اللغة ولا بين(11/265)
أحد من أهل الملة، وكذلك لا خلاف بين أحد من أهل الاسلام في أن الرمي المذكور في الآية المذكورة الموجب للجلد والفسق وسقوط الشهادة هو الرمي بالزنا بين الرجال والنساء ثم اختلف العلماء في الرمي بغير الزنا أيوجب حدا أم لا؟ فقالت طائفة: لا حد إلا في الرمي بالزنا فقط ولا حد في غير ذلك لا في نفي عن نسب أب أو جد ولا في رمي بلوطية ولا في رمي ببغاء ولا في رمي رجل بوطئ في دبر امرأة ولا في اتيان بيهمة ولا في رمي امرأة أنها أتيت في دبرها ولا في رميها ببهيمة ولا في رمي بكفر ولا بشرب خمر ولا في شئ أصلا، وهو قول اصحابنا، وقال قائلون في بعض ما ذكرنا ايجاب الجلد ونحن نذكر ان شاء الله تعالى ما يسر الله تعالى لذكره من ذلك وبيان الحق إن شاء الله تعالى وبه نستعين * 2224 مسألة النفي عن النسب - قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس فيمن نفى آخر عن نسبه فقالت طائفة: فيه الحد، وقالت طائفة: لا حد فيه فاما من أوجب فيه الحد فهو كما قال ابن مسعود لا حد إلا في اثنين أن يقذف محصنة أو ينفى رجلا عن أبيه وإن كانت أمه أمة، وعن الشعبي في الرجل ينفى الرجل من فخذه قال: ليس عليه حد إلا أن ينفيه من أبيه * وعن الشعبي.
والحسن قالا جميعا: يضرب الحد * وعن ابراهيم النخعي قال: من نفى رجلا عن أبيه كان أبوه ما كان فعليه الحد ومن
قال لرجل من بني تميم لست منهم وهو منهم أو لرجل من بني بكر لست منهم وهو منهم فعليه الحد.
وعن ابراهيم النخعي في رجل نفى رجلا عن أبيه قال له: لست لابيك وأمه نصرانية أو مملوكة قال لا يجلد، ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج قال: سمعت حفص بن عمر بن ربيع يقول كان بين أبي وبين يهودي مرافعة في القول في شفعة فقال أبي لليهودي يهودي بن يهودي فقال: أجل والله اني اليهودي ابن اليهودي إذ لا يعرف رجال كثير آباؤهم فكتب عامل الارض إلى عمر بن عبد العزيز - وهو عامل المدينة - بذلك فكتب فقال إن كان الذي قال له ذلك يعرف أبوه فحد اليهودي فضربه ثمانين سوطا * وعن ابن جريج أنه قال: سأل ابن شهاب عن رجل قيل له يا ابن القين ولم يكن أبوه قينا قال: نرى أن يجلد الحد، وأما من روي عنه انه لا حد في ذلك كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابراهيم بن محمد عن اسحق بن عبد الله عن محكول ان معاذ بن جبل.
وعبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما قالا جميعا: ليس الحد إلا في الكلمة ليس لها مصرف وليس لها إلا وجه واحد * وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال إذا بلغ الحد لعل وعسى فالحد معطل، وقد روي عن(11/266)