برب هذه البنية ما أردت بقولك حبلك على غاربك الفراق؟ فقال له الرجل: لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك أردت بذلك الفراق، قال عمر: هو ما أردت * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ليث بن أبى سليم عن مجاهد أن رجلا قال لامرأته في زمن عمر: حبلك على غاربك ثلاث مرات فاستحلفه عمر بين الركن والمقام فقال: أردت الطلاق ثلاثا فامضاه عليه * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك بن أبى سليمان العرزمى عن عطاء بن أبى رباح أن رجلا قال لامرأته: حبلك على غاربك فسأل ابن مسعود؟ فكتب إلى عمر فكتب عمر بان يوافيه بالموسم فوافاه وذكر الحديث * ومن طريق الكشورى عن الحذافى عن عبد الرزاق نا معمر عن الزهري قال:
استحلف معاوية (1) في دم بين الركن والمقام، وذكر الشافعي بغير اسناد ان عبد الرحمن ابن عوف أنكر التحليف عند الكعبة الا في دم أو كثير من المال، وأما فعل معاوية المذكور فاننا رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن معاوية أحلف مصعب بن عبد الرحمن بن عوف.
ومعاذ بن عبيد الله بن معمر.
وعقبة ابن جعونة بن شعوب الليثى في دم اسماعيل بن هبار بين الركن والمقام، وهؤلاء مدنيون استجلبهم إلى مكة (2) * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الله بن أبى السفر عن الشعبى عن شريح قال: يستحلف أهل الكتاب بالله حيث يكرهون * وبه إلى سفيان عن أيوب السختيانى عن ابن سيرين أن كعب بن سوار أدخل يهوديا الكنيسة ووضع التوراة على رأسه واستحلفه بالله * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أيوب السختيانى عن ابن سيرين ان كعب بن سوار كان يحلف أهل الكتاب - يعنى النصارى - يضع الانجيل على رأسه ثم يأتي به إلى المذبح فيحلفه بالله * ومن طريق ابى عبيد نا محمد بن عبيد عن اسحق بن أبى ميسرة قال: اختصم إلى الشعبى مسلم ونصراني فقال النصراني: احلف بالله فقال له الشعبى: لا يا خبيث قد فرطت في الله ولكن اذهب إلى البيعة فاستحلفه بما يستحلف به مثله * ومن طريق مالك عن داود بن الحصين أنه سمع أبا غطفان (3) ابن طريف المرى (4) يقول: اختصم زيد بن ثابت.
وابن مطيع إلى مروان في دار فقضى مروان على زيد باليمين على المنبر فقال له زيد: أحلف له مكاني فقال له مروان: لا والله الا في مقاطع الحقوق فجعل زيد يحلف ان حقه لحق ويأبى أن يحلف على المنبر فجعل مروان يعجب من زيد * وقد روى أن عمر بن عبد العزيز أحلف عمال سليمان عند الصخرة في بيت المقدس * ومن طريق الكشورى عن الحذافى عن عبد الرزاق عن
__________
(1) في النسخة رقم 16 استحلف عمر وهو غلط (2) في النسخة رقم 14 اشخصهم إلى مكة (3) في النسخة رقم 14 ابا غطفان بالعين المهملة وهو غلط (4) في النسخة رقم 14 المزني وهو غلط(9/384)
اسرائيل عن سماك بن حرب عن الشعبى أن ابا موسى الاشعري أحلف يهوديا بالله تعالى فقال الشعبى: لو أدخله الكنيسة فهذا يوضح أن أبا موسى لم يدخله الكنيسة * ومن طريق أبى عبيد نا ازهر السمان عن عبد الله بن عون عن نافع أن ابن عمر كان وصى رجل فأتاه رجل بصك قد درست اسماء شهوده فقال ابن عمر: يا نافع اذهب به إلى المنبر فاستحلفه فقال: يا ابن عمر أتريد أن تسمع في الذى يسمعني ثم يسمعني ههنا؟ فقال ابن عمر: صدق فاستحلفه وأعطاه ياه * قال أبو محمد: ليس في هذا ان ابن عمر كان يرى رد اليمين على الطالب وقد يكون ذلك الصك براءة من حق على ذلك الرجل فحقه اليمين الا أن يقيم بينة بالبراءة * ومن طريق وكيع عن شريك عن جابر عن رجل من ولد أبى الهياج ان على بن أبى طالب بعث ابا الهياج قاضيا إلى السواد وأمر ان يحلفهم بالله ففى هذا عن عمر بن الخطاب.
وابن مسعود جلب رجل من العراق إلى مكة للحكم واحلافه عند الكعبة واستحلاف معاوية في دم بين الركن والمقام وانكار عبد الرحمن بن عوف الاستحلاف عند الكعبة الا في دم أو كثير من المال.
وعن شريح والشعبى استحلاف الكفار حيث يعظمون وكذلك كعب ابن سور وزاد وضع التوراة على رأس اليهودي والانجيل على رأس النصراني، وعن مروان ان الاستحلاف بالمدينة عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم * وعن عمر بن عبد العزيز استحلاف العمال عند صخرة بيت المقدس، وعن ابن عمر.
وعلى.
وزيد.
وابى موسى الاشعري الاستحلاف بالله فقط حيث كان من مجلس الحاكم وعن ابن عمر.
وزيد في غاية الصحة وكذلك عن أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود على ما نذكره بعد هذا ان شاء الله تعالى * وأما بماذا يحلفون فقد ذكرنا قبل هذا في باب الحكم بالنكول تحليف عثمان لابن عمر بالله فقط، وعن زيد بن ثابت الحلف بالله لقد باع العبد وما به داء يعلمه، وذكرنا آنفا عن على.
وابى موسى استحلاف الكفار بالله فقط، وعن زيد بن ثابت الحلف بالله فقط وهو عنه وعن عثمان في غاية الصحة، ومن طريق أبى عبيد نا هشيم انا المغيرة
ابن مقسم قال: كتب عمر بن عبد العزيز في أهل الكتاب ان يستحلفوا بالله * ومن طريق سعيد بن منصور انا اسماعيل بن سالم سمعت الشعبى يقول في كلام كثير ان لم يقيموا البينة فيمينه بالله * ومن طريق أبى عبيد عن مروان بن معاوية الفزارى عن يحيى بن ميسرة عن عمرو بن مرة قال: كنت مع أبى عبيدة (1) بن عبد الله بن مسعود وهو قاضى فاختصم إليه مسلم.
ونصراني فقضى باليمين على النصراني فقال له المسلم استحلفه
__________
(1) في النسخة رقم 14 كنت عند أبى عبيدة(9/385)
لى في البيعة فقال له أبو عبيدة: استحلفه بالله وخل سبيله، ونحوه عن عطاء * وعن مسروق استحلافهم بالله فقط، ومن طريق ابراهيم النخعي يستحلفون بالله ويغلظ عليهم بدينهم * وعن شريح أنه كان يستحلفهم بدينهم وقد ذكرناه قبل عن الشعبى * وأما المتأخرون فان أبا حنيفة قال: يستحلف المسلم والكافر في مجلس الحاكم فأما المسلم فيستحلف بالله الذى لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الذى يعلم من السر ما يعلم من العلانية ويستحلف اليهودي بالله الذى أنزل التوارة على موسى ويستحلف النصراني بالله الذى أنزل الانجيل على عيسى ويستحلف المجوسى بالله الذى خلق النار وكل هذا هو قول الشافعي الا انه لم يذكر في التحليف الطالب الغالب وراى أن يحلف في عشرين دينارا أو في جراح العمد عند المقام بمكة وعند منبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأن يحلف سائر أهل البلاد في جوامعهم، وأما ما دون عشرين دينارا ففى مجلس الحاكم، ورأى أن يحلف الكفار حيث يعظمون، وقال مالك: يحلفون في ثلاثة دراهم فصاعدا في مكة عند المقام.
وفى المدينة عن منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما سائر أهل البلاد فحيث يعظم من الجوامع وتخرج المرأة المستورة لذلك ليلا وأما ما دون ثلاثة دراهم ففى مجلس الحاكم ويحلف المسلم والكافر بالله الذى لا اله الا هو، وقال أحمد بن حنبل: يحلف المسلم بالله في مجلس الحاكم في المصحف وأما الكافر فكما
قال الشافعي فيهم سواء سواء، وما روينا مثل قول مالك الا عن شريح من طريق سعيد ابن منصور نا هشيم انا داود عن الشعبى عن شريح أنه قال في كلام كثير ويمينك بالله الذى لا إله إلا هو يعنى على المطلوب * قال أبو محمد: أما قول أبى حنيفة.
والشافعي فيما يستحلف به المسلم فما ندرى من أين أخذاه ولا متعلق لهم فيه لا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا سقيمة ولا بقول أحد قبل أبى حنيفة، وقال بعضهم: قلنا على سبيل التأكيد في اليمين فقلنا: ما هذا بتأكيد لان الله تعالى إذا ذكر باسمه اقتضى القدرة والعلم وانه لم يزل وانه خالق كل شئ واقتضى كل ما يخبر به عن الله تعالى، فان أردتم أن تسلكوا مسلك الدعاء والتعبد فكان أولى بكم أن تزيدوا ما زاده الله تعالى إذ يقول: (الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون) الآية فزيدوا هكذا حتى تفنى أعماركم وتنقطع انفاسكم وانما نحن في مكان حكم لا في تفرغ لذكر وعبادة ثم اغرب شئ زيادة أبى حنيفة في اسماء الله تعالى الطالب الغالب فما ندرى من أين وقع عليه (1) ومن كثر كلامه
__________
(1) أورد على المصنف قول الله تعالى في يوسف (والله غالب على امره) فقد جاء من اسمائه الغالب وفيه نظر للمتأمل(9/386)
بما لم يؤمر به ولا ندب إليه كثر خطؤه ونعوذ بالله من الضلال، فان قالوا: قصدنا بذلك التغليظ قلنا: فاجلبوهم من العراق وغيرها إلى مكة فهو أشد تغليظا كما روى عن عمر أو حلفوهم في المصحف كما قال أحمد بن حنبل فهو أشد تغليظا وحلفوهم بما ترونه أيمانا من الطلاق والعتاق وصدقة المال فهو عندكم اغلظ وأوكد من اليمين بالله، فاى شئ قالوا رد عليهم في هذه الزيادت التى زادوها ولا فرق أو نقول: حلفوهم بعليه لعنة الله ان كان كاذبا قياسا على الملاعن أو ردوا عليه الايمان كذلك وأما قوله وقول الشافعي أن يحلف النصراني بالله الذى انزل الانجيل على عيسى فعجب، ولا ندرى من أين اخذاه فما في الامر لهم بهذه اليمين قرآن.
ولا سنة صحيحة.
ولا سقيمة ولا قول صاحب أصلا، وأعجب
شئ جهل من يحلفهم بهذا وهم لا يعرفونه ولا يقرون به ولا قال (1) نصراني قط ان الله أنزل الانجيل على عيسى وانما الانجيل عند جميع النصارى لا نحاش منهم أحدا اربعة تواريخ ألف أحدها متى، وألف الآخر يوحنا وهما عندهم حواريان، وألف الثالث ماركش.
والف الرابع لوقا وهما تلميذان لبعض الحواريين عند كل نصراني على ظهر الارض، ولا يختلفون ان تأليفها كان على سنين من رفع عيسى عليه السلام، فان قالوا: حلفناهم بما هو الحق قلنا: فحلفوهم بالقرآن فهو حق فان قالوا: هم لا يقرون به قلنا: وهم لا يقرون بان الانجيل أنزله الله تعالى على عيسى عليه السلام ولا فرق، وأما تحليفهم اليهود بالله الذى أنزل التوراة على موسى فانهم موهوا في ذلك بالخبرين الصحيحين، أحدهما من طريق البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه يهودى محمم مجلود فدعا رجلا من علمائهم فقال: انشدك بالله الذى أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزانى في كتابكم؟ قال: لا ولولا انك نشدتني بهذا ما أخبرتك بحد الرجم، والاخر من طريق أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهودي: نشدكم بالله الذى أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن قالوا: يحمم ويجبه وشاب منهم ساكت وذكر الحديث * قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لان هذا التحليف لم يكن في خصومة وانما كان في مناشدة ونحن لا نمنع المناشد ان ينشد بما شاء من تعظيم الله عزوجل، وليس فيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم امر أن يحلف هكذا فكان من ألزم ذلك في التحليف شارعا ما لم بأذن به الله تعالى: وأما قول مالك يستحلف المسلم والكافر بالله الذى لا اله الا هو فانهم عولوا في ذلك على خبر رويناه من طريق أبى داود نا مسدد نا أبو الأحوص نا عطاء بن السائب عن أبى يحيى عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رجل احلفه احلف بالله الذى لا اله الا
__________
(1) في النسخة رقم 16 وما قال(9/387)
هو ماله عندك شئ) *
قال أبو محمد: هذا حديث ساقط لوجهين، أحدهما انه عن أبى يحيى وهو مصدع الاعرج وهو مجرح قطعت عرقباه في التشيع، والثانى ان أبا الاحوص لم يسمع من عطاء بن السائب الا بعد اختلاط عطاء وانما سمع من عطاء قبل اختلاطه سفيان: وشعبة.
وحماد بن زيد والاكابر المعروفون، وقد روينا هذا الخبر من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عطاء بن السائب عن أبى يحيى عن ابن عباس قال: جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للمدعى: أقم البينة فلم يقم وقال للآخر: احلف فحلف بالله الذى لا اله الا هو فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ادفع حقه (1) وستكفر عنك لا اله الا هو ما صنعت) فسفيان الذى صح سماعه من عطاء يذكر ان الرجل حلف كذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يحلف كذلك، وعلى كل حال فابو يحيى لا شئ ثم العجب انه لو صح لكان خلافا لمذهب مالك في حكم الحاكم بعلمه بلا بينة ثم هو حديث منكر مكذوب فاسد لان من الباطل المحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره باليمين الكاذبة وهو عليه الصلاة والسلام يدرى انه كاذب فيأمره بالكذب حاش لله من هذا، وعلى خبر آخر من طريق شعبة عن عطاء بن السائب عن أبى البخترى عن عبيدة السلمانى عن ابن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن رجلا حلف بالله الذى لا اله الا هو كاذبا فغفر له) * قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لانه ليس فيه نص ولا دليل على وجوب الحلف بذلك في الحقوق أصلا بل هو ضد قولهم انهم زادوا ذلك تأكيدا وتعظيما (2) فعلى هذا الخبر ماهى الا زيادة تخفيف موجبة للمغفره للكاذب في يمينه مسهلة على الفساق ان يحلفوا بها كاذبين ونحن لا ننكر أن يكون تعظيم الله تعالى والتوحيد له يوازن ما شاء الله أن يوازنه من المعاصي فيذهبها قال تعالى: (ان الحسنات يذهبن السيئات) وذكروا حديثا آخر رويناه من طريق أحمد بن شعيب انا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثنى أبى نا ابراهيم عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق فقال له أسرقت؟ فقال لا والله الذى
لا اله الا هو فقال عيسى عليه السلام: آمنت بالله وكذبت بصرى) * قال أبو محمد: وحتى لو صح هذا فليس فيه أن عيسى عليه السلام أمره بان يحلف كذلك في خصومة ثم لو كان ذلك فيه فشريعة عيسى عليه السلام لا تلزمنا انما يلزمنا ما أتانا به محمد صلى الله عليه وسلم *
__________
(1) في النسخة رقم 14 ادفع له (2) في النسخة رقم 16 وتغليظا(9/388)
وذكروا الخبر الذى رويناه أيضا من طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن هشام (1) الحرانى نا محمد بن سلمة عن أبى عبد الرحيم عن زيد بن أبى أنيسة عن أبى اسحاق عن عمرو ابن ميمون الاودى عن ابن مسعود فذكر (أنه قتل أبا جهل يوم بدر قال: ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: الله الذى لا اله إلا هو قلت: الله الذى لا إله إلا هو قال: الله الذى لا إله الا هو قلت: الله الذى لا إله إلا قال: انطلق فاستثبت فانطلقت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان جاءكم يسعى مثل الطير يضحك فقد صدق فانطلقت فاستثبت ثم جئت وأنا أسعى مثل الطير أضحك فأخبرته فقال: انطلق فأرني مكانه فانطلقت معه فاريته مكانه فحمد الله وقال.
هذا فرعون هذه الامة) * قال على: وهذا خبر لا متعلق لهم به اصلا لوجوه، منها انه (2) اسناد متكلم فيه والصحيح انه انما قتل أبا جهل ابنا عفراء ثم انها لم تكن خصومة انما كانت مناشدة ثم ان كانت مناشدة النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود توجب أن لا يكون التحليف في الحقوق الا كذلك فان تكراره عليه الصلاة والسلام مناشدته يوجب أن تتكرر اليمين (3) على الحالف في الحقوق وهذا باطل فبطل ما تعلقتم به * قال أبو محمد: فلم يبق لهم حجة أصلا في ايجابهم هذه الزيادة في التحليف، فان قالوا: هي زيادة خير قلنا: نعم فألزموه الصدقة وأن يصلى أربع ركعات فكل ذلك زيادة خير ولا يحل لاحد أن يلزم آخر فعل شئ معين من الذكر والبر الا بقرآن أو سنة
يوجب نصهما ذلك والا فالموجب ما لا نص في ايجابه عاص لله عزوجل متعد لحدوده.
قال أبو محمد: ووجب أن ننظر فيما يشهد (4) بصحة قولنا من النصوص فوجدنا الله عزوجل يقول: (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله ان ارتبتم) وقال تعالى: (فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما) وقال تعالى: (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) وقال تعالى (ويدرأ عنها العذاب ان تشهد أربع شهادات بالله) وقال تعالى: (وأقسموا بالله جهد ايمانهم) وقال تعالى: (قل إى وربى) فلم يأمر الله تعالى قط أحدا بان يزيد في الحلف على بالله شيئا فلا يحل لاحد ان يزيد على ذلك شيئا موجبا لتلك الزيادة * حدثنا يونس بن عبد الله نا أبو بكر بن أحمد بن خالد نا أبى نا على بن عبد العزيز نا أبو عبيد نا اسماعيل بن جعفر هو المقرى - نا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان حالفا فلا يحلف الا بالله)، وهذا نص جلى على ابطال زيادتهم وايجابهم من ذلك خلاف ما أمر الله تعالى به في القرآن والسنة، وصح انه عليه الصلاة
__________
(1) في النسخة رقم 16 انا عمرو بن عبد الرحيم بن هشام وهو غلط (2) في النسخة رقم 16 احدها انه (3) في النسخة رقم 16 مناشدة يكون اليمين (4) في النسخة رقم 14 ان ننظر ما يشهد(9/389)
والسلام كان يحلف (لا ومقلب القلوب) فصح ان أسماء الله تعالى كلها يحلف الحالف بأيها شاء * قال أبو محمد: هذا مما خالفوا فيه عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت مما صح عنهما وما روى عن أبى موسى.
وعلى ولا يعرف لهم من الصحابة رضى الله تعالى عنهم مخالف في ذلك أصلا وبالله تعالى التوفيق * وما وجدنا قول أبى حنيفة في ذلك عن أحد قبله، وأما قول مالك فعن شريح وحده كما ذكرنا، وأما قول مالك.
والشافعي من حيث يحلف الناس فقول لم يوجبه قرآن.
ولا سنة.
ولا رواية سقيمة، وقلدوا فيها مروان وخالفوا زيد بن ثابت.
وابن عمر، وهذا عجب جدا: وخالفوا عمر بن الخطاب في جلبه رجلا
من العراق ليحلف بمكة بحضرة الصحابة بالعراق.
وبالحجاز ومعاوية في جلبه من المدينة إلى مكة بحضرة الصحابة وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق أهواءهم وما نعلم لقولهم سلفا من الصحابة تعلقوا به الا أنهم شغبوا باخبار نذكرها ان شاء الله تعالى * روينا من طريق مالك عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبى وقاص عن عبد الله بن نسطاس عن جابر ابن عبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف عند منبرى (1) هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار * ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرني ابراهيم بن يعقوب نا ابن أبى مريم أنا عبد الله بن منيب بن عبد الله بن أبى امامة بن ثعلبة أخبرني أبى عن عبد الله بن عطية عن عبد الله بن أنيس أنا ابو امامة بن ثعلبة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف عند منبرى هذا بيمين كاذبة يستحل بها مال امرئ مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله تعالى منه عدلا ولا صرفا) * ومن طريق ابن وضاح عن أبى بكر ابن أبى شيبة نا أبو الأحوص عن سماك عن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه (ان رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض.
وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمدعى: ألك بينة؟ قال لا قال.
فملك يمينه فقال: يا رسول الله انه فاجر ليس يبالى ما حلف ليس يتورع من شئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لك منه الا ذلك قال فانطلق ليحلف له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اما والله لئن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن معمر نا حبان هو ابن هلال نا أبو عوانة عن عبد الملك هو ابن عمير عن علقمة هو ابن وائل عن وائل بن حجر (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول للمدعى في ارض: بينتك قال: ليس لى قال: يمينه قال: إذا يذهب بمالى قال: ليس لك الا ذلك فلما قام (2) ليحلف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع
__________
(1) في النسخة رقم 16 (على منبرى) (2) في النسخة رقم 16 فلما جاء وما هنا أنسب بما بعد(9/390)
ارضا ظالما لقى الله يوم القيامة وهو عليه غضبان) *
قال أبو محمد: هذا كل ما شغبوا به فأما خبر علقمة بن وائل فان راوي لفظة انطلق سماك بن حرب وهو ضعيف يقبل التلقين ثم ليس فيه أنه انطلق إلى المنبر وقد يريد انطلق في كلامه ليحلف ولا فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالانطلاق ولا بالقيام ولا حجة في فعل أحد دون ان يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الخبران الاولان فليس فيهما الا تعظيم اليمين عند منبره عليه الصلاة والسلام فقط وليس فيهما انه أمر عليه الصلاة والسلام بأن لا يحلف المطلوب الا عنده ونحن لم نخالفهم في هذا ولو كان هذان الخبران يوجبان أن لا يحلف المطلوب الا عند منبره عليه الصلاة والسلام لكان مالك.
والشافعي قد خالفاه في موضعين، أحدهما أنهما لا يحلفان عنده الا في مقدار ما من المال لا في أقل منه فليت شعرى أين وجدا هذا؟ وليس في هذين الخبرين تخصيص الحلف عنده في عدد دون عدد بل فيه نص التسوية بين القليل والكثير في ذلك كما حدثنا حمام نا عبد الله بن محمد ابن على الباجى نا عبد الله بن يونس نا بقى بن مخلد نا أبو بكر بن أبى شيبة نا عبد الله بن نمير نا هاشم بن هاشم بن عتبة أخبرني عبد الله بن نسطاس انه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحلف أحد عند منبرى هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر الا تبوأ مقعده من النار) فظهر خلافهم لهذا الخبر نفسه، والموضع الآخر انهما يحلفان من بعد في غيره من الجوامع فقد خالفا هذا الخبر أيضا، ولئن جاز أن لا يحلف من بعد عنه عليه انه لجائز فيما قرب أيضا ولا فرق وليس للبعد والقرب حد في الشريعة الا أن يحد حاد برأيه فيزيد في البلاء والشرع بما لم يأذن (1) به الله تعالى، وقد نجد من يشق عليه المشى لضعفه مائة ذراع ومن لا يشق عليه مشى خمسين ميلا فظهر فساد قولهم جملة، وايضا فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصح طريق من هذين الخبرين ما روينا من طريق مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن معبد بن كعب بن مالك عن أخيه عبد الله ابن كعب عن أبى امامة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار قالوا: وان كان شيئا يسيرا يا رسول الله قال:
وان كان قضيبا من أراك) قالها ثلاثا * وروينا من طريق البزار نا أحمد بن منصور نا عبد الرحمن بن يونس نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبى صالح عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة فذكر فيهم ورجل حلف على يمين بعد صلاة العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم) *
__________
(1) في النسخة رقم 14 (لما لم يأذن)(9/391)
قال أبو محمد: فان كان تعظيم الحلف عند منبره عليه الصلاة والسلام موجبا لان لا يحلف المطلوبون الا عنده فان تعظيمه عليه الصلاة والسلام الحلف بعد صلاة العصر موجب أيضا أن لا يحلف المطلوبون الا في ذلك الوقت، وهذا خلاف قولهم، ثم العجب كله قياسهم سائر الجوامع على مسجده صلى الله عليه وسلم ولا خلاف في انه لا فضل لجامع في سائر البلاد على سائر المساجد وانه لو جعل مسجد آخر جامعا وترك التجميع في الجامع لما كان في ذلك حرج أصلا ولا كراهة، فمن أين خرجت هذه القياسات الفاسدة؟ فان قالوا: فعلنا ذلك ليزدجر المبطل قلنا: فافعلوا ذلك في القليل والكثير فان الوعيد جاء في ذلك كله في القرآن والسنة سواء حتى في قضيب من أراك الا ان كان القليل عندكم خفيفا فهذا مذهب النظام.
وأبى الهذيل العلاف.
وبشر بن المعتمر وهم القوم لا يتكثر بهم، وايضا فان المحق قد يخشى السمعة والشهرة في حمله إلى الجامع فيترك حقه فقد حصلتم بنظركم على ابطال الحقوق وأف لهذا نظرا * قال أبو محمد: فصح أنه لو وجبت اليمين في مكان دون مكان وفى حال دون حال لبينها عليه الصلاة والسلام فإذ لم يبين ذلك فلا يخص باليمين مكان دون مكان ولا حال دون حال، وأما مقدار ما يرى فيه مالك.
والشافعي التحليف في الجوامع فقد ذكرنا أن الشافعي ذكر أن عبد الرحمن بن عوف أنكر التحليف عند الكعبة الا في دم أو كثير من المال، وهذا ليس بشئ لوجوه، أولها انها رواية ساقطة لا يدرى لها أصل ولا منبعث
ولا مخرج، ثم لو صحت فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أن عبد الرحمن مات زمن عثمان رضى الله عنهما فوالى مكة يومئذ كان بلا شك من الصحابة لقرب العهد فليس قول عبد الرحمن أولى من قول غيره من الصحابة ثم لم يحد عبد الرحمن في كثير المال ما حده مالك والشافعي وما نعلم أحدا سبق مالكا إلى تحديد ذلك بثلاثة دراهم ولا من سبق الشافعي إلى تحديده بعشرين دينارا، فان قيل ان في ثلاثة دراهم تقطع اليد فيها قلنا: ومن حد ذلك انما حد قوم بربع دينار واما بثلاثة دراهم فلا، ويعارض هذا تحديد الشافعي بان عشرين دينارا تجب فيها الزكاة فمن أين وقع لهم تخصيص ذلك دون مائتي درهم التى صح فيها النص؟ أو يعارضهم آخرون بمقدار الدية وهذا كله تخليط لا معنى له، ويقال لهم: أترون ما دون ما تقطع فيه اليد أيتساهل في ظلم المسلمين فيه حاش لله من هذا، وقد وجدنا ألف ألف دينار تؤخذ غصبا فلا يجب فيها قطع والغصب والسرقة سواء في أنهما ظلم وأخذ مال بالباطل ولعل الغاصب أعظم اثما لاهتضامه المسلم علانية بل لا نشك في أن غاصب دينار أعظم اثما من سارق ربع دينار وفى المسلمين من الدرهم عنده عظيم لفقره وفيهم من ألف دينار(9/392)
عنده قليل ليساره فظهر فساد هذه الاقوال بيقين لا اشكال فيه والحمد لله رب العالمين * بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب الشهادات 1785 مسألة ولا يجوز أن يقبل في شئ من الشهادات من الرجال والنساء الا عدل رضى، والعدل هو من لم تعرف له كبيرة ولا مجاهرة بصغيرة والكبيرة هي ما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرة أو ما جاء فيه الوعيد، والصغيرة ما لم يأت فيه وعيد * برهان ذلك قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) وليس الا فاسق أو غير فاسق فالفاسق هو الذى يكون منه الفسق والكبائر كلها فسوق فسقط قبول خبر الفاسق فلم يبق الا العدل وهو من ليس بفاسق، وأما الصغائر فان الله عزوجل قال: (ان تجتنبوا كبائر ما تنهون
عنه نكفر عنكم سيئاتكم) فصح أن ما دون الكبائر مكفرة باجتناب الكبائر وما كفره الله تعالى وأسقطه فلا يحل لاحد أن يذم به صاحبه ولا أن يصفه به، وكذلك من تاب من الكفر فما دونه فانه إذا سقط عنه بالتوبة ما تاب عنه لم يجز لاحد ان يذمه بما سقط عنه ولا ان يصفه به * وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: كل مسلم فهو عدل حتى يثبت عليه الفسق كما روينا من طريق أبى عبيد قال: نا كثير بن هشام قال: نا جعفر بن برقان قال: كتب عمر إلى أبى موسى المسلمون عدول بعضهم على بعض الا مجربا عليه شهادة زور أو مجلودا في حد أو ظنينا في ولاء أو قرابة * وحدثناه أيضا أحمد بن عمر بن أنس العذري قال نا أبو ذر الهروي.
وعبد الرحمن (1) بن الحسن الفارسى قال أبو ذر: نا الخليل ابن أحمد القاضى السجستاني نا يحيى بن محمد بن صاعد نا يوسف بن موسى القطان نا عبيد الله ابن موسى نا عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه ان عمر كتب إلى أبى موسى فذكره كما هو، وقال عبد الرحمن بن الحسن الفارسى: نا القاضى أحمد بن محمد الكرخي نا محمد بن عبد الله العلاف نا أحمد بن على بن محمد الوراق نا عبد الله بن أبى سعد نا محمد بن يحيى ابن أبى عمر المدنى نا سفيان عن ادريس بن يزيد الاودى عن عبد الله بن أبى بردة بن أبى موسى الاشعري عن أبيه قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الاشعري فذكره كما أوردناه * قال أبو محمد: في هذه الرسالة ببعض هذه الاسانيد وقس الامور بعضها ببعض، وفى بعضها واعرف الاشباه والامثال وعليها عول الحنيفيون.
والمالكيون.
والشافعيون
__________
(1) في النسخة رقم 14 عن عبد الرحمن وهو غلط(9/393)
في الحكم بالقياس ثم لم يبالوا بخلافها في أن المسلمين عدول بعضهم على بعض الا مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة فالمالكيون.
والشافعيون مجاهرون بخلاف هذا والمسلمون عندهم على الرد حتى تصح العدالة، وأما أبو حنيفة فالمسلمون عنده على
العدالة حتى يطعن الخصم في الشاهد فإذا طعن فيه الخصم توقف في شهادته حتى تثبت له العدالة فهذا كله بخلاف قول عمر فمرة قوله حجة ومرة قوله ليس بحجة وهذا كما ترى، فان قيل: قد رويتم من طريق أبى عبيد نا الاشجعى عن سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم النخعي قال: العدل (1) من المسلمين الذى لم تظهر منه ريبة * ومن طريق البخاري نا الحكم بن نافع هو أبو اليمان نا شعيب هو ابن أبى حمزة عن الزهري نا حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: أن ناسا كانوا يؤخذون بالوحى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وان الوحى قد انقطع وانما نأخذكم الان بما ظهر من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس لنا من سريرته شئ الله يحاسبه في سريرته ومن اظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وان قال ان سريرته حسنة قلنا هذا خبر صحيح عن عمر وكل ما ذكرنا عنه فمتفق على ما ذكرنا من أن كل مسلم فهو عدل ما لم يظهر منه شر وكذلك قول ابراهيم وكذلك ما روى من أن عمر قيل له: ان شهادة الزور قد فشت فقال: لا يوسر رجل في الاسلام بغير العدول معناه على ظاهره ان العدول هم المسلمون الا من صحت عليه شهادة زور * حدثنا بذلك حمام عن الباجى عن عبد الله بن يونس نا بقى بن مخلد نا أبو بكر بن أبى شيبة نا وكيع نا المسعودي عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه قال قال عمر بن الخطاب: الا لا يوسر أحد في الاسلام بشهود الزور فانا لا نقبل الا العدول * روينا من طريق ابن أبى شيبة نا ابن أبى زائدة عن صالح بن حى عن الشعبى قال: تجوز شهادة الرجل المسلم ما لم يصب حدا أو تعلم عليه خربة في دينه * ومن طريق ابن ابى شيبة نا عباد بن العوام عن عوف عن الحسن انه كان يجيز شهادة من صلى الا أن يأتي الخصم بما يجرحه به، فان قيل.
قد رويتم من طريق ابن ابى شيبة نا جرير عن منصور عن ابراهيم لا يجوز في الطلاق شهادة ظنين ولا متهم قلنا: قد يمكن ان يكون خص الطلاق لقول الله تعالى فيه: (إذا طلقتم السناء فطلقوهن لعدتهن) إلى قوله تعالى: (وأشهدوا ذوى عدل منكم) فلم يجز في الطلاق بالنص
الا من عرف لا من يتهم * قال أبو محمد: احتج من ذهب إلى ان المسلمين عدول حتى تصح الجرحة بانه قبل
__________
(1) في النسخة رقم 16 العدالة بدل العدل(9/394)
البلوغ برئ من كل جرحة فلما بلغ مسلما فالاسلام خيربل هو جامع لكل خير فقد صح منه الخير فهو عدل حتى يوقن منه بضد ذلك فقلنا: إذا بلغ المسلم فقد صار في نصاب من يكتب له الخير ويكتب عليه الشر ولا يمكن أن يكون أحد سلم من ذنب قال تعالى: (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة) وقال تعالى: (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) فصح أنه لا أحد الا وقد ظلم نفسه واكتسب اثما فإذ قد صح هذا ولا بد فلا بد من التوقف في خبره وشهادته حتى يعلم أين أحلته ذنوبه في جملة الفاسقين فتسقط شهادته بنص كلام الله تعالى: (ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) أم في جملة المغفور لهم ما أذنبوا وما ظلموا فيه أنفسهم وما كسبوا من اثم بالتوبة أو باجتناب الكبائر والتستر بالصغائر بفضل الله تعالى علينا * قال أبو محمد: وقال أبو يوسف: من سلم من الفواحش التى تجب فيها الحدود وما يشبه ما يجب فيه الحدود من العظائم وكان يؤدى الفرائض وأخلاق البر فيه أكثر من المعاصي قبلنا شهادته لانه لا يسلم عبد من ذنب، وان كانت المعاصي أكثر من اخلاق البر رددنا شهادته ولا نجيز شهادة من يلعب بالشطرنج ويقامر عليها، ولا من يلعب بالحمام ويطيرها.
ولا من يكثر الحلف بالكذب * قال أبو محمد: هذا كلام متناقض لانه بناه على كثرة الخير وكثرة الشر وهذا باطل لانه من ثبت عليه زنا مرة فهو فاسق حتى يتوب ثم رد الشهادة باللعب بالحمام وما ندرى ذلك محرما ما لم يسرق حمام الناس، وقال الشافعي: إذا كان الاغلب والاظهر من أمره الطاعة والمروءة قبلت شهادته وإذا كان الاغلب من أمره المعصية وخلاف المروءة
ردت شهادته * قال أبو محمد: كان يجب أن يكتفى بذكر الطاعة والمعصية وأما ذكره المروءة ههنا ففضول من القول وفساد في القضية لانها ان كانت من الطاعة فالطاعة تغنى عنها وان كانت ليست من الطاعة فلا يجوز اشتراطها في امور الديانة إذ لم يأت بذلك نص قرآن ولا سنة، وقال مالك في رواية محمد بن عبد الحكم عنه: من كان أكثر أمره الطاعة ولم يقدم على كبيرة فهو عدل وهو (1) قول أبى سليمان.
وأصحابنا وهو الحق كما بينا وبالله تعالى التوفيق * 1786 مسألة ولا يجوز أن يقبل في الزنا أقل من أربعة رجال عدول مسلمين أو مكان كل رجل امرأتان مسلمتان عدلتان فيكون ذلك ثلاثة رجال وامرأتين أو
__________
(1) في النسخة رقم 16 (وهذا)(9/395)
رجلين وأربع نسوة أو رجلا واحدا وست نسوة أو ثمان نسوة فقط، ولا يقبل في سائر الحقوق كلها من الحدود والدماء وما فيه القصاص والنكاح والطلاق والرجعة والاموال الا رجلان مسلمان عدلان أو رجل وامرأتان كذلك أو أربع نسوة كذلك ويقبل في كل ذلك حاشا الحدود رجل واحد عدل أو امرأتان كذلك مع يمين الطالب، ويقبل في الرضاع وحده امرأة واحدة عدلة أو رجل واحد عدل فأما وجوب قبول اربعة في الزنا فبنص القرآن ولا خلاف فيه قال تعالى: (الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) وأما قبول رجلين في سائر الحقوق كلها أو رجل وامرأتين في الديون المؤجلة فان الله تعالى قال: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) إلى قوله: (استشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء وقال تعالى: (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) إلى قوله (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوى عدل منكم) وادعى
قوم ان قبول عدلين من الرجال في سائر الاحكام قياسا على نص الله تعالى في الطلاق والرجعة: واختلفوا في قبول شهادة النساء منفردات في شئ من الاشياء وفى قبولهن مع رجل فيما عدا الديون المؤجلة، واختلف القائلون بقبولهن منفردات في كم يقبل منهن في ذلك، واختلفوا أيضا في الشاهد ويمين الطالب فقال زفر صاحب أبى حنيفة: لا يجوز قبول النساء منفردات دون رجل في شئ اصلا لا في ولادة ولا في رضاع ولا في عيوب النساء ولا في غير ذلك وأجازهن مع رجل في الطلاق.
والنكاح.
والعتق * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن برد عن مكحول قال: لا تجوز شهادة النساء الا في الدين، وروينا ضد هذا عن الشعبى كما روينا من طريق ابن أبى شيبة نا ابن أبى زائدة عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى قال: من الشهادات شهادة لا يجوز فيها الا شهادات النساء * ومن طريق الزهري قال: مضت السنة أن تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن، وروينا من طريق ابن أبى سبرة عن موسى بن عقبة عن القعقاع عن ابن عمر لا تجوز شهادة النساء وحدهن الا على ما لا يطلع عليه غيرهن من عورات النساء وحملهن وحيضهن * ومن طريق ابراهيم بن أبى يحيى عن ابن ضميرة عن أبيه عن جده عن على لا تجوز شهادة النساء بحتا حتى يكون معهن رجل * وعن عطاء مثل هذا * وعن عمر بن عبد العزيز مثله صح عنهما.
وعن سعيد بن المسيب.
وعبد الله بن عتبة لا تقبل النساء الا فيما لا يطلع عليه غيرهن، وروينا من طريق الحسن بن عمارة عن الزهري.
والحكم بن عتيبة قال الزهري: عن سعيد(9/396)
ابن المسيب عن عمر وقال الحكم: عن على ثم اتفق عمر.
وعلى على أنه لا تجوز شهادة النساء في الطلاق ولا في النكاح ولا في الدماء ولا الحدود * ومن طريق ابن وهب عن اسماعيل بن عياش عن الحجاج بن ارطاة عن الزهري مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين بعده انه لا تجوز شهادة النساء في الحدود والنكاح والطلاق، وصح عن
ابراهيم النخعي أنه لا تجوز شهادة النساء في الطلاق ولا في النكاح ولا في الحدود، وأجاز شهادة امرأتين مع رجل في العتق.
والوصية.
والدين، وصح عن الحسن البصري لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في جراح العمد ولا في الطلاق ولا في النكاح لا مع رجل ولا دونه وانها جائزه في جراح الخطأ وفى الوصايا وفى الديون مع رجل وفيما لا بد منه * وعن ابن المسيب لا تجوز شهادة النساء في قتل ولا في حد ولا في طلاق ولا نكاح * وعن قتادة لا تجوز شهادة النساء في طلاق ولا في نكاح، وعن الزهري لا تقبل شهادة النساء في حد ولا طلاق ولا نكاح ولا عتق وأجازها في الوصايا في الديون وفى القتل * وعن عمر بن عبد العزيز لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، وعن ربيعة لا تجوز شهادة النساء في طلاق ولا نكاح ولا حد ولا عتق وتجوز في البيوع وفى كل حق يتراضون فيه ويتعاطون المعروف عليه، وعن محمد بن الحنفية تجوز شهادة النساء في الدية وصح عن شريح أنه اجاز شهادة امرأتين في عتاقة مع رجل، وصح عن الشعبى قبول شهادة رجل وامرأتين في الطلاق وجراح الخطأ ولم يجز شهادة النساء في جراح عمد ولا في حد، وصح عن أبى الشعثاء جابر بن زيد قبول النساء مع رجل في الطلاق والنكاح وصح عن اياس بن معاوية قبول امرأتين في الطلاق، وعن حماد بن ابى سليمان لا تقبل النساء في الحدود * ومن طريق الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين أن شريحا أجاز شهادة اربع نسوة على رجل في صداق امرأة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن هشام بن حجير عمن يرضى كأنه يريد طاوسا قال: تجوز شهادة النساء في كل شئ مع الرجال الا الزنا من أجل أنه لا ينبغى أن ينظرن إلى ذلك * ومن طريق أبى عبيد نا يزيد هو ابن هارون عن جرير بن حازم عن الزبير بن الخريت عن أبى لبيد قال: ان سكرانا طلق امرأته ثلاثا فشهد عليه أربع نسوة فرفع إلى عمر بن الخطاب فأجاز شهادة النسوة وفرق بينهما * ومن طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى عن حراش بن مالك الجهضمى نا يحيى بن عبيد عن أبيه أن رجلا من عمان تملا من الشراب
فطلق امرأته ثلاثا فشهد عليه نسوة فكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب فأجاز شهادة النسوة وأبت عليه الطلاق * ومن طريق محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى نا سفيان بن عيينة(9/397)
نا أبو طلق عن امرأة ان امرأة أوطأت صبيا فقتلته فشهد عليها أربع نسوة فأجاز على بن أبى طالب شهادتهن * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا حفص بن غياث عن أبى طلق عن أخته هند بنت طلق قالت: كنت في نسوة وصبى مسجى فقامت امرأة فمرت فوطئته فقالت أم الصبى: قتلته والله فشهد عند على عشر نسوة أنا عاشرتهن فقضى على عليها بالدية وأعانها بألفين * ومن طريق ابى عبيد نا هشيم عن حجاج بن أرطاة عن عطاء قال: أجاز عمر ابن الخطاب شهادة النساء مع الرجال في الطلاق والنكاح * ومن طريق أبى عبيد نا يزيد عن حجاج عن عطاء بن أبى رباح أنه أجاز شهادة النساء في النكاح * ومن طريق محمد ابن المثنى نا أبو معاوية - وهو محمد بن حازم الضرير - عن أبيه عن عطاء بن أبى رباح قال: لو شهد عندي ثمان نسوة (1) على امرأة بالزنا لرجمتها * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج عن عطاء بن أبى رباح قال: تجوز شهادة النساء مع الرجال في كل شئ وتجوز على الزنا امرأتان وثلاثة رجال * ومن طريق ابن أبى شيبة نا اسماعيل بن علية عن عبد الله ابن عون عن محمد بن سيرين أن رجلا ادعى متاع البيت فجاء أربع نسوة يشهدن فقلن: دفعنا إليه الصداق وقلنا: جهزها فقضى شريح عليه بالمتاع وقال له: ان عقرها من مالك هذا في غاية الصحة * وأما المتأخرون فان سفيان الثوري قال في أحد قوليه: تقبل المرأتان مع رجل في القصاص وفى الطلاق والنكاح وكل شئ حاش الحدود ويقبلن منفردات فيما لا يطلع عليه الا النساء وقال عثمان البتى.
وسفيان في أحد قوليه يقبلن مع رجل في الطلاق والنكاح وكل شئ حاش الحدود والقصاص ويقبلن منفردات فيما لا يطلع عليه الا النساء ولا يقبل في الرضاع الا رجل وامرأتان: وقال الحسن بن حى: لا تجوز
شهادة النساء مع رجل في الحدود وتصدق المرأة وحدها في الولادة انها ولدت هذا الولد ويلحق نسبه وان لم يشهد لها بذلك أحد سواها، وقال ابن أبى ليلى: يقبلن منفردات في عيوب النساء وما لا يطلع عليه الا النساء ولا يقبل في الرضاع إلا رجل وامرأتان أو رجلان، وقال الليث بن سعد: يقبلن منفردات فيما لا يطلع عليه الرجال ولا يقبلن مع رجل لا في قصاص ولا حد ولا طلاق ولا نكاح، وتجوز شهادة امرأتين ورجل في العتق والوصية، وقال أبو حنيفة: تقبل شهادة امرأتين ورجل في جميع الاحكام أولها عن آخرها حاش القصاص والحدود ويقبلن في الطلاق والنكاح والرجعة مع رجل ولا يقبلن منفردات لا في الرضاع ولا في انقضاء العدة بالولادة ولا في الاستهلال
__________
(1) في النسخة رقم 16 ثمانية نساء(9/398)
لكن مع رجل ويقبلن في الولادة المطلقة.
وعيوب النساء منفردات، قال أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن: ويقبلن منفردات في انقضاء العدة بالولادة وفى الاستهلال، وقال مالك: لا تقبل النساء مع رجل ولا دونه في قصاص ولا حد ولا طلاق ولا نكاح ولا رجعة ولا عتق ولا نسب ولا ولاء ولا احصان، وتجوز شهادتهن مع رجل في الديون والاموال والوكالة والوصية التى لا عتق فيها ويقبلن منفردات في عيوب النساء والولادة والرضاع والاستهلال وحيث يقبل شاهد ويمين الطالب فانه يقضى فيه بشهادة امرأتين ويمين الطالب ويقضى بامرأتين مع أيمان المدعى في القسامة، وقال الشافعي: تقبل شهادة امرأتين مع رجل في الاموال كلها وفى العتق لانه مال وفى قتل الخطأ وفى الوصية لانسان بمال ولا يقبلن في اصل الوصية لا مع رجل ولا دونه ويقبلن منفردات فيما لا يطلع عليه الا النساء، وقال أبو عبيد: لا تقبل النساء مع رجل الا في الاموال خاصة وقال أبو سليمان: لا يقبلن مع رجل إلا في الاموال خاصة * وأما اختلافهم في عدد ما يقبل منهن حيث يقبلن منفردات فروينا عن عمر بن
الخطاب كما ذكرنا ان مكان كل شاهد رجل امرأتان فلا يقبل فيما يقبل فيه رجلان الا اربع نسوة، وعن على بن أبى طالب مثل ذلك وهو قول الشعبى والنخعي في أحد قوليهما وعطاء.
وقتادة في قوله جملة.
وابن شبرمة.
والشافعي.
وأصحابه.
وابى سلمان وأصحابه الا أنهم قالوا: تقبل في الرضاع امرأة واحدة، وقال عثمان البتى: لا يقبل فيما يقبل فيه النساء منفردات الا ثلاث نسوة لا أقل، وقالت طائفة: تقبل امرأتان في كل ما يقبل فيه النساء منفردات وهو قول الزهري الا في الاستهلال خاصة فانه يقبل فيه القابلة وحدها، وقال الحكم بن عتيبة: يقبل في ذلك كله امرأتان وهو قول ابن أبى ليلى.
ومالك وأصحابه.
وأبى عبيد، وقالت طائفة: تقبل امرأة واحدة * روينا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه انه أجاز شهادة القابلة وحدها، وروينا ذلك عن أبى بكر.
وعمر رضى الله عنهما في الاستهلال وان عمر ورث بذلك، وهو قول الزهري.
والنخعي.
والشعبى في أحد قوليهما، وهو قول الحسن البصري.
وشريح.
وأبى الزناد، ويحيى بن سعيد الانصاري.
وربيعة.
وحماد بن أبى سليمان، قال: وان كانت يهودية كل ذلك قالوه في الاستهلال الا الشعبى وحمادا فقالا في كل ما لا يطلع عليه الا النساء، وهو قول الليث بن سعد، وقال سفيان الثوري: يقبل في عيوب النساء وما لا يطلع عليه الا النساء المرأة واحدة وهو قول أبى حنيفة وأصحابه، وصح عن ابن عباس.
وروى عن عثمان وعلى أمير المؤمنين.
وابن عمر.
والحسن البصري.
والزهرى، وروى عن ربيعة.(9/399)
ويحيى بن سعيد.
وأبى الزناد.
والنخعي.
وشريح.
وطاوس.
والشعبى الحكم في الرضاع بشهادة امرأة واحدة وان عثمان فرق بشهادتهما بين الرجال ونسائهم وذكر الزهري ان الناس على ذلك، وذكر الشعبى ذلك عن القضاة جملة: وروى عن ابن عباس أنها تستحلف مع ذلك، وصح عن معاوية انه قضى في دار بشهادة أم سلمة أم المؤمنين رضى الله عنها ولم يشهد بذلك غيرها، وروينا عن عمر.
وعلى.
والمغيرة بن شعبة.
وابن عباس
انهم لم يفرقوا بشهادة امرأة واحدة في الرضاع وهو قول أبى عبيد قال: أفتى في ذلك بالفرقة ولا أقضى بها، وروينا عن عمر أنه قال: لو فتحنا هذا الباب لم تشأ امرأة ان تفرق بين رجل وامرأته الا فعلت، وقال الاوزاعي: اقضي بشهادة امرأة واحدة قبل النكاح وامنع من النكاح ولا أفرق بشهادتهما بعد النكاح * قال أبو محمد: فكان من حجة من لم ير قبول النساء منفردات ولا قبول امرأة مع رجل الا في الديون المؤجلة فقط ان قالوا: أمر الله تعالى في الزنا بقبول اربعة وفى الديون المؤجلة برجلين أو رجل وامرأتين وفى الوصية في السفر باثنين من المسلمين أو باثنين من غير المسلمين يحلفان مع شهادتهما، وفى الطلاق والرجعة بذوى عدل منا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في التداعي في أرض: (شاهداك أو يمينه ليس لك الا ذلك) فلم يذكر الله تعالى ولا رسوله عليه الصلاة والسلام عدد الشهود وصفتهم الا في هذه النصوص فقط فوجب الوقوف (1) عندها وان لا تتعدى وأن لا يقبل فيما عدا ذلك الا ما اتفق المسلمون على قبوله * قال أبو محمد: ما نعلم أحدا ممن يخالفنا اتبع في اقواله في الشهادات النصوص الثابتة من القرآن ولا من السنن ولا من الاجماع ولا من القياس ولا من الاحتياط ولا من قول الصحابة رضى الله عنهم فكل أقوال (2) كانت هكذا فهى متخاذلة متناقضة باطل لا يحل القول بها في دين الله تعالى، ولا يجوز الحكم بها.
في دماء المسلمين وفروجهم وأبشارهم وأموالهم وذلك اننا هبك أمسكنا الآن عن الاعتراض على احتجاجهم بالنصوص المذكورة لكن لنريهم بحول الله تعالى وقوته مخالفتهم لها جهارا، اما أبو حنيفة فأجاز شهادة النساء في النكاح.
والطلاق.
والرجعة مع رجل وليس هذا في شئ من الآيات بل فيها (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوى عدل منكم) فمن أعجب شأنا ممن يرى خبر اليمين مع الشاهد خلافا لقول الله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) ولا يرى قوله باجازة امرأتين
__________
(1) في النسخة رقم 16 وجب الوقف (2) في النسخة رقم 16 وكل اقوال(9/400)
مع رجل خلافا لقوله تعالى: (وأشهدوا ذوى عدل منكم) فان قالوا: ان أمرأة عدلة ورجلا عدلا يقع عليهما ذوى عدل منا قلنا: وشهادة ثلاثة رجال وامرأتين في الزنا يقع عليهم وعلى واحدة منهما أربعة شهداء ولا فرق، ثم قبلوا شهادة المرأة واحدة حيث تقبل النساء منفردات ولم يقبلوها في الرضاع حيث جاءت السنة بقبولها وبه قال جمهور السلف، فان قالوا: قسنا ذلك على الديون المؤجلة قلنا: فقيسوا الحدود في ذلك والقصاص على الديون المؤجلة ولا فرق، فان ادعوا اجماعا على أن لا يقبلن في الحدود أكذبهم عطاء فان قالوا: خالف جمهور العلماء قلنا: وأنتم خالفتم في أن لا يقبلن النساء منفردات في الرضاع جمهور العلماء، وأما مالك فقاس بعض الاموال على الديون المؤجلة ولم يقس عليها العتق، وقبل امرأتين لا رجل معهما مع يمين الطالب في الاموال والقسامة وما نعلم له سلفا في هذا روى عنه هذا القول وخالف جمهور العلماء في رد شهادة امرأة واحدة في الاستهلال وفى قبوله امرأتين حيث تقبل النساء منفردات، وأما الشافعي فقاس الاموال على الديون المؤجلة فيقال له: هلا قست سائر الاحكام على ذلك؟، وما الفرق بين من قال: أقيس على ذلك كل حكم لانه حكم وحكم وبين قولك أقيس على ذلك الاموال كلها لانه مال ومال وهل ههنا الا التحكم؟ فهذا خلافهم للنصوص.
وللقياس.
ولقول السلف وليس منهم أحد راعى الاجماع لاننا قد ذكرنا عن زفر أنه لا يقبل النساء منفردات في شئ من الاشياء وقد حدثنا يونس بن عبد الله نا أبو بكر بن أحمد بن خالد [ نا أبى ] (1) نا على بن عبد العزيز نا أبو عبيد نا هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قال: الشهادة على القتل أربعة كالشهادة على الزنا، وليت شعرى من أين قاسوا القتل.
والقصاص.
والحدود على ما يقبل فيه رجلان فقط دون أن يقيسوها على الزنا الذى هو أشبه بها لانه حد وحد ودم ودم أو على ما يقبل فيه رجل وامرأتان لانه حكم وحكم وشهادة وشهادة؟ فظهر فاسد قولهم
بيقين فإذ قد سقطت الاقوال المذكورة فان وجه الكلام والصدع بالحق هو ان الله تعالى أمرنا عند التبايع بالاشهاد فقال تعالى: (وأشهدوا إذا تبايعتم) وأمرنا إذا تداينا بدين مؤجل ان نكتبه وان نشهد شهيدين من رجالنا أو رجلا وامرأتين مرضيتين وأمرنا عند الطلاق والمراجعة باشهاد ذوى عدل منا وليس في شئ من هذه النصوص ذكر ما نحكم به عند التنازع في ذلك والخصام من عدد الشهود إذ قد يموت الشهادان أو أحدهما أو ينسيان أو أحدهما أو يتغيران أو أحدهما، فمن اعجب شأنا أو أضل سبيلا ممن خالف أمر الله تعالى في الآيات المذكورة جهارا فقال: إذا تبايعتم فليس عليكم أن تشهدوا
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16(9/401)
وإذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فلا تكتبوه ان شئتم ولا تشهدوا عليه أحد ان أردتم ثم أراد التمويه بالنص المذكور فيما ليس فيه منه شئ فخالف الآية فيما فيها وادعى عليها ما ليس فيها نعوذ بالله من البلاء، فسقط تعلقهم بالنصوص المذكورة * وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك) فان الحنيفيين والمالكيين والشافعيين أول من يضم إلى هذا النص ما ليس فيه فيجيزون في الاموال كلها رجلا وامرأتين وليس ذلك في القرآن الا في الديون المؤجلة فقط فقد زادوا على ما في هذا الخبر بقياسهم الفاسد وأما نحن فطريقنا في ذلك غير طريقهم لكن نقول وبالله تعالى نستعين: قد صح عنه عليه الصلاة والسلام ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعمر.
والاعمش كلاهما عن ابى وائل ان الاشعث دخل على عبد الله بن مسعود وهو يحرثهم بنزول قول الله تعالى: (ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) فقال الاشعث: في نزلت وفى رجل خاصمته في بئر فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ألك بينة؟ قلت: لا قال: فليحلف) فوجدناه عليه الصلاة والسلام قد كلف المدعى مرة شاهدين ومرة بينة مطلقة فوجب أن تكون البينة كل ما قال قائل من المسلمين انه بينة ووجدنا الشاهدين العدلين يقع عليهما اسم
بينة فوجب قبولهما في كل شئ حاش حيث ألزم الله تعالى اربعة فقط ووجدناه عليه الصلاة والسلام قال: ما رويناه من طريق مسلم بن الحجاج نا محمد بن رمح انا الليث - هو ابن سعد - عن ابن الهادى عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال في حديث: فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل * ومن طريق البخاري نا سعيد بن أبى مريم انا محمد بن جعفر أخبرني زيد - هو ابن أسلم عن عياض بن عبد الله عن أبى سعيد الخدرى (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلنا: بلى يا رسول الله فقطع عليه الصلاة والسلام بان شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فوجب ضرورة أنه لا يقبل حيث يقبل رجل لو شهد الا امرأتان وهكذا ما زاد، فان قيل فهلا قبلتم بهذا الاستدلال رجلا واحدا فقد صح ذلك عن شريح، ومطرف ابن مازن.
وزرارة بن اوفى أو شهادة أمرأة واحدة فقد قبلها معاوية قلنا: منعنا من ذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد فلو جاز قبول واحد حيث لم يقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت اليمين فضولا وحاش له من ذلك فصح أنه لا يجوز قبول رجل واحد ولا امرأة واحدة إلا في الهلال كما ذكرنا (1) في كتاب الصيام فقط.
وفى الرضاع لما روينا من طريق عبد الله بن ربيع نا محمد بن ابان البلخى.
ويعقوب بن ابراهيم قالا جميعا: نا اسماعيل
__________
(1) في النسخة رقم 14 (على ما ذكرنا)(9/402)
ابن ابراهيم - هو ابن علية عن أيوب السختيانى عن ابن أبى مليكة حدثنى عبيد بن أبى مريم عن عقبة بن الحارث قال ابن أبى مليكة: وقد سمعته من عقبة بن الحارث ولكني لحديث عبيد أحفظ، وقال: (تزوجت امرأة فجاءت امرأة سوداء فقالت: انى قد أرضعتكما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله انى تزوجت امرأة فجاءت امرأة سوداء فقالت: انى قد أرضعتكما وهى كاذبة فأعرض عنى فأتيته من قبل وجهه فقلت: انها كاذبة فقال: كيف بها وقد زعمت أنها أرضعتكما دعها عنك) *
قال أبو محمد: فنهى النبي صلى الله عليه وسلم تحريم، وروينا (1) من طريق الحذافى نا عبد الرزاق قال: نا ابن جريج قال: (قال ابن شهاب: جاءت أمرأة سوداء إلى أهل ثلاثة أبيات تناكحوا فقلت: هم بنى وبناتي ففرق عثمان رضى الله عنه بينهم * وروينا عن الزهري أنه قال: فالناس يأخذون اليوم بذلك من قول عثمان في المرضعات إذا لم يتهمن * ومن طريق قتادة عن جابر بن زيد أبى الشعثاء عن ابن عباس قال: تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع * قال أبو محمد: وأما الخبر (2) الذى صدرنا به من قول الزهري مضت السنة من النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن أبى بكر.
وعمر ان لا تجوز شهادة النساء في الطلاق.
ولا في النكاح ولا في الحدود فبلية لانه منقطع من طريق اسماعيل بن عياش وهو ضعيف عن الحجاج بن أرطاة وهو هالك * وأما الرواية عن عمر لو فتحنا هذا الباب لم تشأ امرأة أن تفرق بين رجل وامرأته الا فعلت ذلك فهو عن الحارث الغنوى وهو مجهول أن عمر، وايضا فان هذا كلام بعيد عن عمر قول مثله لانه لا فرق بين هذا وبين أن لا يشاء رجلان قتل رجل واعطاء ماله لآخر وتفريق امرأته عنه الا قدرا على ذلك بأن يشهدا عليه بذلك، وبضرورة العقل يدرى كل أحد انه لا فرق بين امرأة وبين رجل وبين رجلين وبين أربعة رجال وبين أربعة نسوة في جواز تعمد الكذب والتواطئ عليهم وكذلك الغفلة ولو حينا إلى هذا لكان النفس أطيب على شهادة ثمانى نسوة منها على شهادة اربعة رجال، وهذا كله لا معنى له انما هو القرآن والسنة ولا مزيد، وأما من احتج بتخصيص ما لا يجوز ان ينظر إليه الرجال (3) فباطل وما يحل للمرأة من النظر إلى عورة المرأة الا كالذى يحل للرجل من ذلك ولا يجوز ذلك الا عند الشهادة أو الضرورة كنظرهم إلى عورة الزانيين والرجال والنساء في ذلك سواء وبالله تعالى التوفيق * وأما اليمين مع الشاهد فروينا عن عمر بن الخطاب أنه قضى باليمين مع الشاهد الواحد *
__________
(1) في النسخة رقم 16 (كما روينا) (2) في النسخة رقم 16 (وأما القول) (3) في النسخة رقم 14
(الا الرجال)(9/403)
ومن طريق ابن وهب عن أنس بن عياض أخبرني ضمرة ان جعفر بن محمد أخبرهم قال: سمعت أبى يقول للحكم بن عتيبة: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد وقضى بها على بين أظهركم * ومن طريق هشيم عن حصين بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عتبة ابن مسعود قضى عليه بدين لانسان أقام شاهدا واحدا وأحلفه مع شاهده، وصح عن عمر بن عبد العزيز.
وعبد الرحمن بن عبد الحميد وعن شريح، وروى عن جماعة منهم سليمان بن يسار.
وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
وأبو الزناد.
وربيعة.
ويحيى بن سعيد الانصاري.
واياس بن معاوية.
ويحيى بن يعمر.
والفقهاء السبعة.
وغيرهم وهو قول مالك.
والشافعي الا أنهما لا يقضيان بذلك الا في الاموال، وجاء عن عمر بن عبد العزيز أنه قضى بذلك في جراح العمد والخطأ ويقضى به مالك أيضا في القصاص في النفس ولا يقضى به في العتق والشافعي يقضى به في العتق، وروينا انكار الحكم به عن الزهري، وقال: هو بدعة مما أحدثه الناس أول من قضى به معاوية، وقال عطاء: أول من قضى به عبد الملك بن مروان، وأشار إلى انكاره الحكم بن عتيبة، وروى عن عمر ابن عبد العزيز الرجوع إلى ترك القضاء به لانه وجد أهل الشام على خلافه ومنع منه ابن شبرمة.
وأبو حنيفة.
واصحابه * قال أبو محمد: قد ذكرنا بطلان التعلق في رد هذا الحكم وغيره بالتعلق بقول الله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) وبقوله تعالى: (وأشهدوا ذوى عدل منكم) في الفصل الذى قبل هذا وكذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: (شاهداك أو يمينه) وسائر ما تعلقوا به في منع الحكم بيمين وشاهدا أهذار، والعجب اعتراضهم في هذا بقول الزهري أول من قضى بذلك معاوية وهم قد أخذوا بقيمة أحدثها معاوية في زكاة الفطر ولا يصح فيها أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم *
قال أبو محمد: وروينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن ابى شيبة نا محمد بن بشر.
وعبد الله بن نمير قالا جميعا: نا سيف بن سليمان أخبرني قيس بن سعد عن عمرو ابن دينار عن ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد) * نا أحمد ابن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدى قاسم بن أصبغ نا محمد بن سليمان المنقرى نا مسدد.
ومحمد بن المثنى، و عبد الله بن عبد الوهاب قالوا كلهم: نا عبد الوهاب ابن عبد المجيد الثقفى عن جعفر بن محمد بن أبيه عن جابر بن عبد الله (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد) * ومن طريق أبى داود نا ابو المصعب نا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة(9/404)
(ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد) قال ابو داود: وزادني الربيع بن سليمان في هذا الخبر قال: انا الشافعي عن عبد العزيز بن محمد الدراوردى قال: فذكرت ذلك لسهيل بن أبى صالح فقال: أخبرني ربيعة وهو ثقة عندي انى حدثته اياه ولا احفظه قال عبد العزيز: وقد كانت أصابت سهيلا علة أذهبت بعض عقله (1) ونسى بعض حديثه فكان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه [ عن أبى هريرة ] (2) * قال أبو محمد: فهذه آثار متظاهرة لا يحل الترك لها فالواجب أن يحكم بذلك في الدماء.
والقصاص والنكاح.
والطلاق.
والرجعة والاموال حاشا الحدود لان ذلك عموم الاخبار المذكورة ولم يأت في شئ من الاخبار منع من ذلك، وأما الحدود فلا طالب لها الا الله تعالى ولا حق للمقذوف في اثباتها ولا في اسقاطها ولا في طلبها، وكذلك المسروق منه والمزنى بامرأته أو حريمته أو أمته أو غير ذلك فليس لذلك كله طالب بلا يمين في شئ منها، وقال الشافعي: ان في بعض الآثار ان النبي صلى الله عليه وسلم حكم بذلك في الاموال وهذا لا يوجد أبدا في شئ من الآثار الثابتة وبالله تعالى التوفيق * والعجب من أصحاب أبى حنيفة يقولون دهرهم كله: المرسل.
والمسند.
سواء
في كل بلية يقولون بها ثم يردون خبر جابر هذا بان غير الثقفى أرسله وانه روى مرسلا من طريق سعيد بن المسيب وغيره فاعجبوا العدم الحياء ورقة الدين، وعجب آخر وهو أنهم يقضون بالنكول في الدماء والاموال فيعطون المدعى بلا شاهد ولا يمين لكن بدعواه المجردة وان كان يهوديا أو نصرانيا برأيهم الفاسد ويردون الحكم باليمين والشاهد ويقضون بالعظائم بشهادة امرأتين دون يمين الطالب بآرائهم الفاسدة واختيارهم المهلك وينكرون الحكم بشهادة امرأتين مع يمين الطالب وبشهادة رجل مع يمين الطالب وينكرون الحكم بشهادة مسلم ثقة مع يمين الطالب وهم يقضون بشهادة يهوديين أو نصرانيين حيث لم يأت بذلك نص قرآن ولا سنة صحيحة ويضعفون سيف بن سليمان وهو ثقة وهم آخذ الناس برواية كل كذاب كجابر الجعفي.
وغيره، ويحتجون بمغيب ذلك عن الزهري وعطاء، وقد غاب عنهما حكم زكاة الذهب وزكاة البقر أو علماه ورأياه منسوخا فلم يلتفتوا هنالك إلى قولهما وقلدوهما ههنا وهذا كما ترون ونسأل الله العافية؟ ورأى مالك.
والشافعي ان لا يقضى باليمين والشاهد الا في الاموال قال مالك: وفى القسامة وهذا لا معنى له لانه تخصيص للخبر بلا دليل * 1787 مسألة ولا يجوز ان يقبل كافر أصلا لا على كافر ولا على مسلم
__________
(1) في النسخة رقم 16 بعض حفظه (2) الزيادة من النسخة رقم 16(9/405)
حاش الوصية في السفر فقط فانه يقبل في ذلك مسلمان أو كافران من أي دين كانا أو كافر وكافرتان أو أربع كوافر ويحلف الكافر ههنا مع شهادتهم ولا بد بعد الصلاة أي صلاة كانت ولو أنها العصر لكان أحب الينا بالله لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله انا إذا لمن الآثمين، ثم يحكم بما شهدوا به، فان جاءت بينة مسلمون بان الكافر كذبوا حلف المسلمان الشاهدان أو المسلم والمرأتان أو الاربع نسوة بالله لشهادتنا أحق من شهادة اولئك وما اعتدينا انا إذا لمن الظالمين ثم يفسخ ما شهد به الكفار *
برهان ذلك قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) والكافر فاسق فوجب أن لا يقبل، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ان أنتم ضربتم في الارض) الآية فوجب أخذ حكم الله تعالى كله وان يستثنى الاخص من الاعم ليتوصل بذلك إلى طاعة الجميع ومن تعدى هذا الطريق فقد خالف بعض أوامر الله تعالى وهذا لا يحل * وروينا من طريق محمد بن اسحق عن أبى النضر عن زاذان مولى ام هانئ عن ابن عباس عن تميم الدارى في قول الله عزوجل: (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) الآية قال: برئ الناس منها غيرى وغير عدى بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام فأتيا إلى الشام وقدم عليهما بديل (1) بن ابى مريم مولى بنى سهم ومعه جام من فضة [ يريد به الملك ] (2) هو عظم تجارته فمرض فأوصى اليهما قال تميم: فلما مات أخذنا [ ذلك ] الجام فبعناه بألف ثم اقتسمناه انا وعدى بن بداء فلما قدمنا دفعناه إلى اهله فسألوا عن الجام؟ فقلنا: ما دفع الينا غير هذا فلما أسلمت بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم [ المدينة ] تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم البنية؟ فلم يجدوا فأحلفه بما يعظم به على اهل دينه [ فحلف ] فأنزل الله عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) الآية فحلف عمرو بن العاصى وواحد منهم فنزعت الخمسمائة درهم من عدى بن بداء * ومن طريق يحيى بن أبى زائدة عن محمد بن أبى القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن ابيه عن ابن عباس قال: كان تميم الدارى.
وعدى بن بداء يختلفان إلى مكة للتجارة فخرج معهم رجل من بنى سهم فتوفى بأرض ليس فيها مسلم فأوصى لهما فدفعا تركته إلى أهله وحبسا جاما من فضة مخوصا بالذهب ففقده أولياؤه فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كتمنا ولا اطلعنا ثم عرف الجام بمكة فقالوا:
__________
(1) في النسخ يزيد وهو غلط (2) الزيادة من التفسير(9/406)
اشتريناه من تميم.
وعدى فقام رجلان من أولياء السهمى فحلفا بالله ان هذا لجام السهمى ولشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا انا إذا لمن الظالمين فأخذ الجام وفيهم نزلت هذه الآية * وبقولنا يقول جمهور السلف * روينا من طريق عائشة أم المؤمنين رضى الله عنهما أن سورة المائدة آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها حلالا فحللوه وما وجدتم فيها حراما فحرموه، وهذه الآية في المائدة فبطل أنها منسوخة (1) وصح أنها محكمة * ومن طريق ابن عباس أنه قال في هذه الآية: هذا لمن مات وعنده المسلمون فأمره الله عزوجل أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين ثم قال عزوجل: (أو آخران من غيركم ان أنتم ضربتم في الارض) فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين فأمره الله تعالى أن يشهد على وصيته رجلين من غير المسلمين فان ارتيب بشهادتهما (2) استحلفا بعد الصلاة بالله لا نشترى بشهادتنا ثمنا قليلا فإذا اطلع الاوليان على الكافرين كذبا حلفا بالله ان شهادة الكافرين باطل وانا لم نغدر * ومن طريق ابن عباس أيضا في قوله تعالى: (أو آخران من غيركم) قال: من غير المسلمين من أهل الكتاب * وروينا من طريق سعيد ابن منصور.
وزياد بن أيوب قالا جميعا: نا هشيم أنا زكريا بن أبى زائدة عن الشعبى أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا فلم يجد أحدا من المسلمين يشهد على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب فاتيا أبا موسى الاشعري فاخبراه وقدما بتركته ووصيته فقال أبو موسى: هذا أمر لم يكن بعد الذى كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحلفهما بعد العصر بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيبا وانها لوصية الرجل وتركته فامضى أو موسى شهادتهما * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن أبى اسحق السبيعى عن أبى ميسرة هو عمرو بن شرحبيل قال: لم ينسخ من سورة المائدة شئ * ومن طريق وكيع عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب في قول الله عزوجل: (أو آخران من غيركم) قال: من أهل الكتاب * ومن طريق سعيد بن منصور
نا هشيم أنا سليمان التيمى عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى: (أو آخران من غيركم) قال: من غير أهل ملتكم * ومن طريق وكيع عن عبد الله بن عون عن ابن سيرين عن عبيدة السلمانى في قول الله تعالى: (أو آخران من غيركم) قال: من غير أهل الملة * ومن طريق سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي عن شريح قال: لا تجوز شهادة المشركين على المسلمين الا في وصية ولا تجوز في وصية الا أن يكون مسافرا * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الاعمش عن ابراهيم النخعي
__________
(1) في النسخة رقم 14 فبطل ان تنسخ (2) في النسخة رقم 14 فان ارتيبت شهادتهما(9/407)
عن شريح قال: لا تجوز شهادة اليهودي والنصراني الا في السفر ولا تجوز في السفر الا في الوصية * ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله الطحان عن داود الطائى عن الشعبى عن شريح قال: إذا مات الرجل في أرض غربة ولم يجد مسلما فأشهد من غير المسلمين شاهدين فشهادتهما جائزة فان جاء مسلمان فشهدا (1) بخلاف ذلك أخذ بشهادة المسلمين وتركت شهادتهما * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا المغيرة عن ابراهيم النخعي في قول الله تعالى: (أو آخران من غيركم) قال: من غير أهل ملكتم * ومن طريق شعبة نا ابو بشر هو جعفر بن ابى وحشية عن سعيد بن جبير قال: (أو آخران من غيركم) قال: إذا كان بارض الشرك فأوصى إلى رجل من أهل الكتاب فانهما يحلفان بعد العصر فان اطلع بعد حلفهما على أنهما خانا حلف أولياء الميت انه كان كذا وكذا واستحقوا * ومن طريق اسماعيل بن اسحق القاضى قال: نا محمد بن أبى بكر المقدمى نا عمر بن على المقدمى عن الاشعث عن الشعبى (أو آخران من غيركم) قال: من اليهود والنصارى * ومن طريق اسماعيل أيضا نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد عن ابن أبى نجيح عن مجاهد قال: (اثنان ذوا عدل منكم) من أهل
الملة (أو آخران من غيركم) قال: من غير أهل الملة * ومن طريق اسماعيل نا محمود ابن خراش نا هشيم نا سليمان التيمى عن أبى مجلز في قول الله تعالى: (أو أخر ان من غيركم) قال من غير أهل الملة * ومن طريق اسماعيل نا ابراهيم بن الحجاج نا عبد الوارث ابن سعيد نا اسحاق بن سويد عن يحيى بن يعمر في قول الله تعالى: (أو آخران من غيركم) قال: من غير أهل الملة * ومن طريق الطحاوي نا محمد بن خزيمة نا حجاج بن المنهال.
وعثمان ابن الهيثم قال الحجاج: نا أبو هلال الراسبى وقال عثمان: نا عوف بن أبى جميلة كلاهما عن محمد بن سيرين في قوله تعالى: (أو آخران من غيركم) قال: من غير المسلمين * فهؤلاء أم المؤمنين.
وابو موسى الاشعري وابن عباس، وروى أيضا نحو ذلك عن على رضى الله عنهم ولا مخالف لهم من الصحابة رضى الله عنهم، ومن التابعين عمرو ابن شرحبيل.
وشريح.
وعبيدة السلمانى.
وابراهيم النخعي.
والشعبى.
وسعيد بن جبير.
وسعيد بن المسيب ومجاهد.
وابو مجلز.
وابن سيرين.
ويحيى بن يعمر.
وغيرهم كابن أبى ليلى.
وسفيان الثوري.
ويحيى بن حمزة.
والاوزاعي.
وابى عبيد.
وأحمد ابن حنبل.
وجمهور أصحاب الحديث وبه يقول ابو سليمان وجميع أصحابنا وخالفهم
__________
(1) في النسخة رقم 16 يشهدا(9/408)
آخرون فروينا عن الحسن أنه قال: (أو آخران من غيركم) من غير قبيلتكم، وروى عن الزهري نحو هذا وانه قال: من أهل الميراث وانه توقف في ذلك وروى ايضا عن عكرمة، وروينا عن زيد بن أسلم أنها منسوخة، وعن ابراهيم ايضا مثل ذلك * قال أبو محمد: أما دعوى النسخ فباطل لا يحل أن يقال في آية أنها منسوخة لا تحل طاعتها والعمل بها الا بنص صحيح أو ضرورة مانعة وليس ههنا شئ من ذلك ولو جاز مثل هذا لما عجز أحد عن أن يدعى فيما شاء من القرآن انه منسوخ وهذا لا يحل، وأما من قال: من غير قبيلتكم فقول ظاهر الفساد والبطلان لانه ليس في أول الآية خطاب
لقبيلة دون قبيلة انما أولها (يا أيها الذين آمنوا) ولا يشك منصف في أن غير الذين آمنوا هم الذين لم يؤمنوا ولكنها من الحسن زلة عالم لم يتدبرها، وقال المخالفون: نحن نهينا (1) عن قبول شهاده الفاسق.
والكافر أفسق الفساق فقلنا: الذى نهانا عن قبول شهادة الفاسق هو الذى أمرنا بقبول شهادة الكافر في الوصية في السفر فنقف عند أمريه (2) جميعا وليس أحدهما بأولى بالطاعة من الآخر.
ومن عجائب الدنيا التى لا نظير لها أن المحتجين بهذا هم هم الحنيفيون.
والمالكيون، والشافعيون، فأما الحنيفيون فاجازوا شهادة الكافر في كل شئ بعضهم على بعض بغير أمر من الله تعالى بذلك بل خالفوا القرآن في نهيه عن قبول نبأ الفاسق ثم خالفوه في قبول الكافر في السفر فأعجبوا لهذه الفضائح والمضادة لله تعالى * وأما المالكيون فاجازوا شهادة طبيبين كافرين حيث لا يوجد طبيب مسلم بغير أمر من الله تعالى بذلك بل خالفوا القرآن في كلا الوجهين كما ذكرنا، وقال بعضهم: الوصية يكون فيها اقرار بدين فلما نسخ ذلك من الآية دل على نسخ سائر ذلك فقلنا: كذبتم ما سمى الله تعالى قط الاقرار بالدين وصية لان الوصية من الثلث والاقرار بالدين من رأس المال وما دخل قط الاقرار بالدين في الوصية ولا نسخ من الآية شئ، ثم لهم بعد هذا أهذار يشبه تخليط المبرسمين لا معنى لها، وهذا مما خالفوا فيه جمهور العلماء والصحابة ولا مخالف لهم من الصحابة وهم يعظمون ذلك إذا وافق أهواءهم، وذكروا خبرا رويناه من طريق عمر بن راشد اليمامى عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تجوز شهادة ملة على ملة الا ملة محمد فانها تجوز على غيرهم) * قال أبو محمد: عمر بن راشد ساقط، وهذا خبر أول من خالفه أبو حنيفة لانه يجيز شهادة اليهودي على النصراني (3) ومالك فانه يجيز شهادة الكفار الاطباء على المسلمين ولا ندرى من أين وقع لهم هذا التخصيص للاطباء (4) دون سائر من يضطر إليه
__________
(1) في النسخة رقم 14 قد نهينا (2) في النسخة رقم 16 عندما امر به (3) في النسخة رقم 14 اليهود على النصارى (4) في النسخة رقم 16 وقع لهم تخصيص الاطباء(9/409)
في الشهادات من النكاح.
والطلاق.
والدماء [ والحدود ] (1) والاموال.
والعتق؟ وما نعلم هذا التفريق عن أحد قبله، وأما شهادة الكافر في غير ذلك فطائفة منعت من ذلك جملة وهو قولنا، وطائفة أجازتها على الكافر ولم يراعوا اختلاف مللهم، وطائفة أجازت شهادة كل ملة على مثلها ولم تجزها على غير مثلها (2) فأما قولنا فقد ذكرناه عن جماعة من السلف، واما القول الثاني فصح من طريق يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن عمرو بن ميمون بن مهران عن عمر بن عبد العزيز أنه أجاز شهادة نصراني على مجوسي أو مجوسي على نصراني، وصح من طريق شعبة عن حماد بن ابى سليمان أنه قال: تجوز شهادة النصراني على اليهود واليهود على النصراى هم كلهم أهلا لشرك، وصح أيضا هذا عن الشعبى.
وشريح.
وابراهيم النخعي، ومن طريق ابن أبى شيبة نا زيد بن الحباب عن عون بن معمر عن ابراهيم الصائغ قال: سألت نافعا هو مولى ابن عمر عن شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض؟ فقال: تجوز * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال: سألت الزهري عن شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض فقال: تجوز وهو قول سفيان الثوري.
ووكيع.
وأبى حنيفة وأصحابه.
وعثمان البتى، والثالث كما روينا من طريق أبى عبيد عن أبى الاسود عن ابن لهيعة عن عمرو بن الحارث عن قتادة ان على (3) ابن أبى طالب قال: تجوز شهادة النصراني على النصراني * ومن طريق أبى عبيد عن عبد الله بن صالح عن الليث عن يوس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري قال: تجوز شهادة النصراني على النصراني واليهودى على اليهودي ولا تجوز شهادة أحدهما على الآخر * ومن طريق ابن وهب عن معاوية بن صالح أنه سمع يحيى بن سعيد الانصاري يقول لا تجوز شهادة النصراني على اليهودي ولا شهادة اليهودي على النصراني * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة * وربيعة بن أبى عبد الرحمن كلاهما قال: تجوز شهادة اليهودي على اليهودي ولا تجوز على النصراني ولا تجوز شهادة النصراني على اليهودي *
ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة لا تجوز شهادة اليهودي على النصراني ولا النصراني على اليهودي * ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن علية عن يونس عن الحسن قال: إذا اختلفت الملل لم تجز شهادة بعضهم على بعض * ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن ادريس عن الليث عن عطاء قال: لا تجوز شهادة اليهودي على النصراني ولا النصراني على المجوسى ولا ملة على غير ملتها الا المسلمون * ومن طريق وكيع عن سفيان عن داود عن الشعبى لا تجوز شهادة ملة على ملة الا المسلمين * ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن علية عن معمر
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 14 على غير ملتها (3) في النسخة رقم 16 عن على(9/410)
عن الزهري قال: لا تجوز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض * ومن طريق ابن أبى شيبة نا حفص عن أشعث نا حماد عن ابراهيم النخعي قال: لا تجوز شهادة أهل ملة الا على أهل ملتها اليهودي على اليهودي والنصراني على النصراني * ومن طريق وكيع عن عمر بن راشد عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف لا تجوز شهادة ملة على ملة الا المسلمين قال وكيع: وهو قول ابن أبى ليلى * قال أبو محمد: وهو قول الاوزاعي.
والليث: والحسن بن حى * قال على: فروى كلا القولين كما أوردنا عن حماد بن أبى سليمان.
والزهرى.
والشعبى * والنخعي، وروى القول الاول عن نافع وروى الثاني عن يحيى بن سعيد الانصاري.
وأبى سلمة بن عبد الرحمن.
وربيعة الرأى.
وقتادة والحسن.
وعطاء * قال أبو محمد: ولا يصح عن على أصلا لانه عن ابن لهيعة ثم هو أيضا منقطع، قال على: أما قول أبى حنيفة فلم يرو لا صحيحا ولا سقيما عن أحد من الصحابة فهو خلاف لكل ما جاء في هذه المسألة عن الصحابة، وأما مالك فخالف شيوخه المدنيين ابا سلمة بن عبد الرحمن.
ونافعا.
والزهرى.
وربيعة.
ويحيى بن سعيد الانصاري وهم يعظمون هذا إذا وافق رأى صاحبهم، واحتج من أجاز قبول شهادة بعضهم على بعض بما
روينا من طريق الطحاوي نا روح بن الفرج نا يحيى بن سليمان الجعفي نا عبد الرحيم بان سليمان الرازي نا مجالد عن الشعبى عن جابر قال في حديث اليهوديين اللذين زنيا لليهود ائتونى بالشهود فشهد أربعة منهم على ذلك فرجمهما النبي صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: مجالد هالك روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان أنه قال: لو شئت ان يجعلها لى مجالد كلها عن الشعبى عن مسروق عن عبد الله لفعل، وعن شعبة استخير الله وادمر على مجالد، وعن أحمد بن حنبل أن مجالدا يزيد في الاسناد: وعن ابن معين مجالد لا يحتج بحديثه والعجب كله من احتجاجهم بقول الله تعالى: (إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية) وهم أول مخالف لهذه الآية، وقالوا: ظاهرها جوازها على المسلمين والكافر في كل شئ ثم نسخت عن المسلمين فبقيت على الكفار * قال أبو محمد: وهذا تجليح منهم بالكذب على الله تعالى جهارا مرارا، احداها دعوى النسخ بلا برهان، والثانية قولهم: ان ظاهرها جواز شهادتهم في كل شئ وليس في الآية الا عند حضور الموت حين الوصية فقط ثم تحليفهما ثم تحليف المسلمين الشاهدين بخلاف شهادتهما فما رأيت أقل حياء ممن قال ما ذكرنا، ونعوذ بالله من الخذلان والاستخفاف بالكذب على القرآن، والثالثة قولهم: نسخت عن المسلمين وبقيت على(9/411)
الكفار وهذا باطل لان الدين كله واحد علينا وعلى الكفار ولا يحل لاحد أن يحكم عليهم ولا لهم الا بحكم الاسلام لنا وعلينا الا حيث جاء النص بالفرق بيننا وبينهم وبالله تعالى التوفيق * 1788 مسألة وشهادة العبد والامة مقبولة في كل شئ لسيدهما ولغيره كشهادة الحر والحرة ولا فرق، وقد اختلف الناس في هذا فصح ما روينا من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عثمان بن عفان قضى في الصغير يشهد بعد كبره والنصراني بعد اسلامه والعبد بعد عتقه انها جائزة ان لم تكن ردت عليهم،
ورينا من طريق عمرو بن شعيب.
وعطاء عن عمر بن الخطاب مثل ذلك، وروينا ذلك في شهادة العبد من طريق عبد الرزاق عن أبى بكر عن عمرو بن سليم عن ابن المسيب عن عمر * ومن طريق الحجاج بن ارطاة عن عطاء عن ابن عباس لا تجوز شهادة العبد * ومن طريق أبى عبيد عن حسان بن ابراهيم الكرماني عن ابراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر لا تجوز شهادة المكاتب ما بقى عليه درهم، وروينا من طريق ابن أبى شيبة عن ابن المبارك.
ووكيع قال ابن المبارك: عن ابن جريج عن عطاء، وقال وكيع.
عن زكريا بن ابى زائدة عن الشعبى قالا جميعا: لا تجوز شهادة العبد * ومن طريق ابن ابى شيبة عن ابن المبارك عن محمد بن راشد عن مكحول لا تجوز شهادة العبد * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن ابن أبى نجيح عن مجاهد قال: (شهيدين من رجالكم) قال: من الاحرار قال وكيع: ولا يجيز سفيان شهادة عبد وهو قول وكيع * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عيسى بن يونس.
ووكيع.
وعبد الرحمن بن مهدى.
ومعاذ بن معاذ قال عيسى: عن الاوزاعي عن الزهري، وقال وكيع: عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن ابراهيم النخعي، وقال عبد الرحمن بن مهدى: عن حماد بن سلمة وأبى عوانة قال أبو عوانة: عن عمر بن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه وقال حماد بن سلمة: عن قتادة عن شريح، وقال معاذ بن معاذ: عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني عن الحسن البصري قالوا كلهم في العبد يؤدى الشهادة فترد ثم يعتق فيشهد بها انها لا تجوز الا الحسن.
والحكم فانهما قالا: انها تجوز * ومن طريق أبى عبيد عن عبد الرحمن بن مهدى عن اسرائيل بن يونس عن منصور عن مجاهد قال أهل مكة.
وأهل المدينة: لا يجيزون شهادة العبد * ومن طريق شعبة عن مغيرة عن ابراهيم قال: لا تجوز شهادة المكاتب ولا يرث * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة إذا شهد العبد فردت شهادته ثم اعتق فشهد بها لم تقبل، وروى ذلك عن فقهاء(9/412)
المدينة السبعة وهو قول أبى الزناد وبه يقول أبو حنيفة (1) ومالك.
والشافعي.
وابن أبى ليلى.
والحسن بن حى.
وأبو عبيد.
وأحد قولى ابن شبرمة وأجازت طائفة شهادة العبد في بعض الاحوال وردتها في بعض كما روينا من طريق اسماعيل ابن اسحق القاضى نا على بن المدينى.
وسليمان بن حرب.
وابراهيم الهروي، قال على عن جرير عن منصور عن ابراهيم عن شريح، وقال سليمان: عن أبى عوانة عن مطرف بن طريف عن الشعبى، وقال الهروي: عن هشام انا مغيرة عن ابراهيم أنهم ثلاثتهم كانوا يجيزون شهادة العبد في الشئ اليسير، ومن طريق عبد الرزاق نا محمد بن يحيى المازنى عن سفيان الثوري عن ابراهيم النخعي قال: لا تجوز شهادة العبد لسيده وتجوز لغيره * ومن طريق جابر الجعفي عن الشعبى في العبد يعتق بعضه ان شهادته جائزة، واجازت طائفة شهادته في كل شئ كالحر كما روينا من طريق ابن أبى شبية نا حفص بن غياث النخعي عن أشعث عن الشعبى قال: قال شريح: لا تجوز شهادة العبد فقال على: لكنا نجيزها فكان شريح بعد ذلك يجيزها الا لسيده، وبه إلى ابن أبى شيبة نا حفص بن غياث عن المختار بن فلفل قال: سألت انس بن مالك عن شهادة العبد؟ فقال: جائزة * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن عمار الدهنى قال: شهدت شريحا شهد عنده عبد على دار فاجاز شهادته فقيل: انه عبد فقال شريح: كلنا عبيد واماء * ومن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبى نا عبد الرحمن بن مهدى نا حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين انه كان لا يرى بشهادة المملوك بأسا إذا كان عدلا * ومن طريق ابن الجهم عن اسماعيل بن اسحق القاضى نا عارم بن الفضل نا عبد الله بن المبارك عن يعقوب عن عطاء بن أبى رباح قال: شهادة العبد.
والمرأة جائزة في النكاح.
والطلاق، كتب إلى عبد الله بن عبد الواحد عن الحسن بن عبد الواحد قال: نا أبو مسلم الكاتب نا عبد الله بن أحمد بن المغلس نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبى نا عفان بن مسلم قال: نا حماد بن سلمة قال: سئل إياس ابن معاوية عن شهادة العبد؟ قال: انا أرد شهادة عبد العزيز بن صهيب على الانكار لردها *
قال أبو محمد: وهو قول زرارة بن أوفى.
وعثمان البتى.
وأبى ثور.
وأحمد بن حنبل.
واسحاق بن راهويه.
وأبى سليمان.
وأصحابهم.
وأحد قولى ابن شبرمة.
قال على: أما قول عمر.
وعثمان الذى صدرنا به فهو على الحنيفيين.
المالكيين.
والشافعيين لا لهم لانهم خالفوهما في الصبى يشهد فيرد ثم يبلغ فيشهد فقالوا: يقبل، ومن الباطل أن يكون بعض قول عمر.
وعثمان حجة وبعضه غير حجة: وهذا تلاعب بالدين ممن سلك هذا
__________
(1) في النسخة رقم 16 وهو قول ابى حنيفة(9/413)
الطريق وهو عن ابن عباس لا يصح لانه عن الحجاج بن ارطاة فلم يبق لهم الا ابن عمر وقد صح خلافه عن أنس فبطل تعلقهم بالآثار وبقى الاحتجاج بالقرآن والسنة * قال أبو محمد: أما قول مجاهد ومن اتبعه شهيدين من رجالكم من الاحرار فباطل وزلة عالم وتخصيص لكلام الله تعالى بلا برهان، وبالضرورة يدرى كل ذى حس سليم أن العبيد رجال من رجالنا وان الاماء نساء من نسائنا قال تعالى: (نساؤكم حرث لكم) فدخل في ذلك بلا خلاف الحرائر والاماء فظهر فساد هذا القول، وانما خاطب الله تعالى في أول الآية الذين آمنوا والعبيد بلا خلاف منهم فهم في جملة المخاطبين بالمداينة والاشهاد والشهادة، واحتج بعضهم بقول الله تعالى: (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) * قال أبو محمد: تحريف كلام الله تعالى عن مواضعه مهلك في الدنيا والآخرة ولم قل تعالى: ان كل عبد فهو لا يقدر على شئ انما ضرب الله تعالى المثل بعبد من عبادة هذه صفته وقد توجد هذه الصفة في كثير من الاحرار ومن نسب غير هذا إلى الله تعالى فقد كذب عليه جهارا وأتى بأكبر الكبائر لان الله تعالى لا يقول الا حقا وبالمشاهدة نعرف كثيرا من العبيد أقدر على الاشياء من كثير من الاحرار، ونقول لهم: هل يلزم العبيد الصلاة.
والصيام والطهارة ويحرم عليهم من المآكل والمشارب والفروج كل ما يحرم على الاحرار فمن قولهم: نعم فقد اكذبوا أنفسهم وشهدوا بأنهم يقدرون
على أشياء كثيرة فبطل تعلقهم وتمويههم بهذه الآية، وقالوا: (ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا) قالوا: والعبد لا يقدر على أداء الشهادة لانه مكلف خدمة سيده فقلنا: كذب من قال هذا بل هو قادر على أداء الشهادة كما يقدر على الصلاة وعلى النهوض إلى من يتعلم منه ما يلزمه من الدين، ولو سقط عن العبد القيام بالشهادة لشغله بخدمة سيده لسقط ايضا عن الحرة ذات الزوج لشغلها بملازمة زوجها، وقال بعضهم: العبد سلعة وكيف تشهد سلعة فقلنا: فكان ماذا؟ تشهد السلعة كما يلزم السلعة الصلاة والصيام والقول بالحق، وما نعلم لهم في هذه المسألة متعلقا لا بقرآن ولا بسنة ولا رواية صحيحة ولا سقيمة ولا نظر ولا معقول ولا قياس الا بتخاليط في غاية الفساد.
واهذار باردة وقد تقصينا هذا في كتاب الايصال والحمد لله رب العالمين * قال أبو محمد: وكل نص في قرآن أو سنة في شئ من أحكام الشهادات فكلها شاهدة بصحة قولنا إذ لو أراد الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام تخصيص عبد من حر في ذلك لكان مقدورا عليه وما كان ربك نسيا، قال تعالى: (ممن ترضون من الشهداء) وقال تعالى: (وان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند(9/414)
ربهم جنات عدن تجرى من تحتها الانهار خالدين فهيا أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه) فلم يختلف مسلمان قط في أن هذا خير يدخل فيه العبيد والاماء كدخول الاحرار والحرائر وحرام على كل أحد أن لا يرضى عمن أخبر الله تعالى أنه قد رضى عنه فإذ قد رضى الله عنه العبد المؤمن العامل بالصالحات ففرض علينا ان نرضى عنه واذ فرض علينا أن نرضى عنه ففرض علينا قبول شهادته، واما من ردها لسيده فانه قال: قد يجبره سيده على الشهادة له قلنا: لو كان هذا مانعا من قبول العبد لسيده لكان مانعا من قبول أحد من المسلمين للامام إذا شهد له لان الامام أقدر على رعيته من السيد على عبده لان العبد تعديه جميع الحاكم على سيده إذا تظلم منه ويحولون بينه وبين اذاه ولا يقدر أحد
على أن يحول بين الامام والرجل من رعيته فظهر فساد قول مخالفينا والحمد لله رب العالمين * 1789 مسألة وكل عدل فهو مقبول لكل أحد وعليه كالاب والام لابنيهما ولابيهما والابن والابنة للابوين.
والاجداد.
والجدات والجد.
والجدة لبنى بنيهما.
والزوج لامرأته.
والمرأة لزوجها وكذلك سائر الاقارب بعضهم لبعض كالاباعد ولا فرق، وكذلك الصديق الملاطف لصديقه والاجير لمستأجره والمكفول لكافله.
والمستأجر لاجيره.
والكافل لمكفوله والوصى ليتيمه وفيما ذكرنا خلاف، فروينا من طريق لا تصح عن شريح انه لا يقبل الاب لابنه ولا الابن لابيه ولا أحد الزوجين للآخر، وصح هذا كله عن ابراهيم النخعي وعن الحسن.
والشعبى في أحد قوليهما في الاب.
والابن، وروى عن الحسن.
والشعبى قول آخر وهو أن الولد يقبل لابيه ولا يقبل الاب لابنه لانه يأخذ ماله متى شاء وان الزوج يقبل لامرأته ولا تقبل هي له وهو قول ابن أبى ليلى.
وسفيان الثوري، ولم يجز الاوزاعي.
والثوري.
وأحمد بن حنبل.
وأبو عبيد الاب للابن ولا الابن للاب، وأجازوا الجد والجدة لاولاد بنيهما وأولاد بينهما لهما ولم يجز أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي أحدا من هؤلاء الا أن الشافعي أجاز كل واحد من الزوجين للآخر، وأما من روى عنه اجازة كل ذلك فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن أبى بكر بن أبى سبره عن أبى الزناد عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: قال عمر بن الخطاب.
تجوز شهادة الوالد لولده والولد لوالده ولاخ لاخيه، وعن عمرو بن سليم الزرقى عن سعيد بن المسيب مثل هذا وورى أن على بن أبى طالب رضى الله عنه شهد لفاطمة رضى الله عنها عند أبى بكر الصديق رضى الله عنه ومعه أم أيمن فقال له أبو بكر: لو شهد معك رجل أو امرأة أخرى لقضيت لها بذلك * ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري قال: لم يكن(9/415)
يتهم سلف المسلمين الصالح شهادة الوالد لولده ولا الولد لوالده ولا الاخ لاخيه ولا
الزوج لامرأته ثم دخل الناس بعد ذلك فظهرت منهم أمور حملت الولاة على اتهامهم فتركت شهادة من يتهم إذا كانت من قرابة وصار ذلك من الولد والوالد، والاخ والزوج والمرأة لم يتهم الا هؤلاء في آخر الزمان * ومن طريق أبى عبيد نا الحسن بن عازب عن جده شبيب بن غرقدة قال: كنت جالسا عند شريح فأتاه على بن كاهل وامرأة وخصم لها فشهد لها على بن كاهل وهو زوجها وشهد لها أبوها فاجاز شريح شهادتهما فقال الخصم: هذا أبوها وهذا زوجها فقال له شريح: هل تعلم شيئا تجرح به شهادتهما؟ كل مسلم شهادته جائزة * ومن طريق عبد الرزاق نا سفيان بن عيينة عن شبيب بن غرقدة قال: سمعت شريحا اجاز لامرأة شهادة أبيها وزوجها فقال الرجل: انه أبوها.
وزوجها فقال شريح: فمن يشهد للمرأة الا أبوها وزوجها * ومن طريق ابن أبى شيبة نا شبابة عن ابن ابى ذئب عن سليمان بن ابى سليمان قال شهدت لامى عند أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فقضى بشهادتي * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الرحمن بن عبد الله الانصاري قال: أجاز عمر عبد العزيز شهادة الابن لابيه إذا كان عدلا، فهؤلاء عمر بن الخطاب وجميع الصحابة.
وشريح.
وعمر بن عبد العزيز.
وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وبهذا يقول اياس بن معاوية.
وعثمان البتى.
واسحق بن راهويه: وأبو ثور.
والمزنى.
وأبو سليمان.
وجميع أصحابنا، ورأى الشافعي وأصحابه قبول شهادة الزوجين كل واحد منهما للآخر ورأى الاوزاعي ان لا يقبل الاخ لاخيه، وذكر ذلك الزهري عن المتأخرين من الولاة الذين ردوا الاب لابنه والابن لابيه وأحد الزوجين لصاحبه، وأجاز أبو حنيفة.
والشافعي الاخ لاخيه وأجازه مالك لاخيه الا في النسب خاصة، ورد مالك شهادة الصديق الملاطف لصديقه * قال أبو محمد: احتج المخالفون لنا بما روينا من طريق أبى عبيد نا مروان بن معاوية عن يزيد الجزرى قال: احسبه يزيد بن سنان عن الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي
صلى الله عليه وسلم لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ظنين في ولاء أو قرابة ولا مجلود في حد * قال أبو محمد: وهذا عليهم لا لهم لوجوه، أولها انه لا يصح لانه عن يزيد وهو مجهول فان كان يزيد بن سنان فهو معروف بالكذب ثم لو صح لكانوا أول مخالف له في موضعين أحدهما تفريقهم بين الاخ والاب.
وبين العم وابن الاخ.
وبين الاب والابن وكلهم سواء إذ هم متقاربون في التهمة بالقرابة وكلهم يجيز المولى لمولاه وهذا خلاف الخبر(9/416)
وكلهم يجيز المجلود في الحد إذا تاب وهو خلاف هذا الخبر فمن أضل سبيلا أو أفسد دليلا ممن يحتج بخبر هو حجة عليه وهو مخالف له، وذكروا ما رويناه عن وكيع عن عبد الله بن ابى حميد قال: كتب عمر إلى أبى موسى المسلمون عدول بعضهم على بعض الا مجلودا في حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أوفى قرابة والقول في هذا كالذى قبله من أنه لم يصح قط عن عمر ثم قد خالفوه كما ذكرنا سواء، والاثبت عن عمر قبول الاب لابنه * ومن عجائب الدنيا احتجاجهم في هذا بالخبر الثابت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: انت ومالك لابيك، ومن أمره هندا بأخذ قوتها من مال زوجها وهم أول مخالف لهذين الخبرين وهذا عجب جدا، وأما نحن فنصححهما ونقول: ليس فيهما منع من قبول شهادة الابن لابويه ولا من قبول الابوين له وان كان هو وماله لهما فكان ماذا؟ ونحن كلنا لله تعالى وأموالنا وقد أمرنا بان نشهد له عزوجل فقال عزوجل: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) وكل ذى حق فهو مأمور بأخذ حقه ممن هو له عنده متى قدر على ذلك أجنبيا كان أو غير أجنبي ومن لم يفعل ذلك فقد عصى الله عزوجل وأعان على الاثم والعدوان وقدر على تغيير منكر فلم يفعل بل أقر المنكر والباطل والحرام ولم يغير شيئا من ذلك، ومن أغرب ما وقع احتجاج بعضهم في هذا بقول الله تعالى: (أن اشكر لى ولوالديك) * قال أبو محمد: وهذه أعظم حجة عليهم لان من الشكر لهما بعد شكر الله تعالى أن يشهد لهما بالحق وليس من الشكر لهما أن يشهد لهما بالباطل (1)، وقد قال الله عزوجل:
(وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم) فقد سوى الله تعالى بين كل من ذكرنا في وجوب الاحسان إليهم فيلزم من اتهمه لذلك في الوالدين وفى بعض ذوى القربى والصاحب بالجنب وما ملكت يمينه ان يتهمه في سائرهم فلا يقبل شهادة أحدهم لقريب جملة ولا لجار ولا لابن سبيل ولا ليتيم ولا لمسكين والا فقد تلوثوا في التخليط بالباطل ما شاءوا فلم يبق في أيديهم الا التهمة والتهمة لا تحل، وبالضرورة ندرى أن من حملته قرابة أبويه وبنيه وامرأته على ان يشهد لهم بالباطل فمضمون منعه قطعا أن يشهد لمن يرشوه من الاباعد ولا فرق، وليس للتهمة في الاسلام مدخل ونحن نسألهم عن أبى ذر.
وأم: سلمة أم المؤمنين لو ادعيا على يهودى بدرهم بحق اتقضون لهما بدعواهما؟ فان قالوا: نعم خالفوا الله ورسوله عليه الصلاه والسلام واجماع الامة المتيقن وتركوا قولهم، وان قالوا: لا قلنا: سبحان الله والله ما على اديم الارض من
__________
(1) في النسخة رقم 14 بباطل (2) في النسخة رقم 14 وتركوا مذاهبهم(9/417)
يقول: انه مسلم يتهم أبا ذر.
وأم سلمة رضى الله عنهما أنهما يدعيان الباطل في الدنيا بأسرها فكيف في درهم على يهودى ثم نسألهم أتبرئون اليهودي الكذاب المشهور بالفسق بيمينه من دعواهما؟ فمن قولهم: نعم قلنا لهم: وهل مقر التهمة.
والظنة الا في الكفار المتيقن كذبهم على الله تعالى وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام؟ والعجب كله من اعطاء مالك: والشافعي المدعى المال العظيم بدعواه ويمينه وان كان أشهر في الكذب والمجون من حاتم في الجود إذا أبى المدعى عليه من اليمين واعطاء أبى حنيفة اياه ذلك بدعواه المجردة بلا بينة ولا يمين ولا يتهمونه برأيهم لا بقرآن ولا بسنة ثم يتهمون الناسك الفاضل البر التقى في شهادته لابنه أو لابيه بدرهم نبرأ إلى الله تعالى من هذه المذاهب التى لا شئ أفسد منها *
قال أبو محمد: وهم يشنعون بخلاف الصاحب لايعرف له مخالف وقد خالفوه ههنا ولا يعرف له من الصحابة مخالف، ثم قد حكى الزهري انه لم يختلف الصدر الاول في قبول الاب لابنه والزوجين أحدهما للآخر والقرابة بعضهم لبعض حتى دخلت في الناس الداخلة وهذا اخبار عن اجماع الصحابة (1) رضى الله عنهم فكيف استجازوا خلافهم لظن فاسد من المتأخرين، ثم ليت شعرى ما الذى حدث مما لم يكن والله لقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنافقون الذين هم شر خلق الله عزوجل والكفار.
والزناة والسراق.
والكذابون فما ندرى ما الذى حدث وحاش لله تعالى أن يحدث شئ يغير الشريعة ونحن نشهد بشهادة الله عزوجل انه تعالى لو أراد ان لا يقبل أحد ممن ذكرنا لمن شهد له لبينه وما أغفله فظهر فساد قول مخالفينا بيقين لا مرية فيه، وأعجب شئ أنهم أجازوا الاخ لاخيه! والزهرى يحكى عن المتأخرين اتهامهم له فقد خالفوا من تقدم ومن تأخر وكفى بهذا شنعة وبالله تعالى التوفيق * 1790 مسألة ومن شهد على عدوه (2) نظر فان كان تخرجه عداوته له إلى ما لا يحل فهى جرحة فيه ترد شهادته (3) لكل أحد وفى كل شئ وان كان لا تخرجه عداوته إلى مالا يحل فهو عدل يقبل عليه، وهذا قول أبى سليمان.
وأصحابنا، وقال أبو حنيفة: لا تجوز شهادة الاجير لمن استأجره في شئ أصلا وهو قول الاوزاعي، وقال مالك كذلك الا أن يكون عدلا مبرزا في العدالة الا ان يكون في عياله فلا تجوز شهادته له، وقال الشافعي: لا تجوز شهادة الاجير لمن استأجره فيما استأجره فيه خاصة وتجوز له فيما عدا ذلك وهو قول سفيان الثوري.
وأبى ثور، وكذلك قالوا في الوكيل سواء سواء،
__________
(1) في النسخة رقم 14 اخبار على جميع الصحابة (2) في النسخة رقم 14 على عدوه (3) في النسخة رقم 14 وترد به شهادته(9/418)
وقال مالك: ان كان منضافا إليه لم يقبل له ولمت جز شهادة العدو على عدوه، وقال أبو حنيفة.
ومالك: لا تقبل (1) شهادة الخصم لا للذى وكله ولا للذى وكل على أن يخاصمه، وقال أبو حنيفة.
والشافعي: تجوز شهادة الفقراء والسؤال، وقال مالك: لا تجوز الا في الشئ اليسير، وقال ابن أبى ليلى: لاتقبل شهادة فقير وأشار شريك إلى ذلك * قال أبو محمد: كل من ذكرنا في هؤلاء مقبولون لكل من ذكرن كالاجنبيين ولا فرق، واحتج المخالف بما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه لا تجوز شهادة ذى غمر على أخيه ولا تجوز شهادة الظنة ولا الاحنة (2) ولا شهادة خصم ولا ظنين ولا القانع من أهل البيت لهم، وصح عن شريح لا تجوز عليك شهادة الخصم ولا الشريك ولا الاجير لمن استأجره، وروى عن الشعبى ولم يصح لا أجيز شهادة وصى ولا ولى لانهما خصمان، وصح عن ابراهيم لا تجوز شهادة الشريك لشريكه فيما بينهما وتجوز له في غير ذلك وعن شريح (3) مضت السنة في الاسلام انه لا تجوز شهادة خصم ومن طريق ابن سمعان وهو كذاب لم يكن السلف يجيزون شهادة القانع * قال أبو محمد: القانع السائل وصح عن ربيعة ترد شهادة الخصم الظنين في خلائقه وشكله ومخالفته العدول في سيرته وان لم يوقف منه على غير ذلك وترد شهادة العدو على عدوه، وعن يحيى بن سعيد الانصاري ترد شهادة العدو على عدوه هذا كل ما يذكر في ذلك عمن سلف (4) * قال أبو محمد: أما الآثار في ذلك فكلها باطل لان بعضها مروى منقطع، ومن طريق اسحاق بن راشد وليس بالقوى، أو من طريق ابراهيم بن محمد بن أبى يحيى الاسلمي وهو مذكور بالكذب وصفه بذلك مالك وغيره.
أو من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهى صحيفة.
أو مرسل من طريق عبد الرحمن بن فروخ، أو مرسل من طريق اسحاق ابن عبد الله عن يزيد بن طلحة ولا يدرى من هما في الناس، أو مرسلان من طريق عبد الرحمن ابن أبى الزناد، ومن طريق ابن سمعان وقد كذبهما مالك وغيره أو من طريق يزيد الجزرى وهو مجهول فان كان ابن سنان فهو مذكور بالكذب، أو مرسل من رواية عبد الله بن صالح
وهو ضعيف، وكل هذا لا يحل الاحتجاج به، ثم لو صحت لكانت مخالفة لهم لان فيها ان لا تجوز شهادة ذى الغمر على أخيه مطلقا عاما وهو قولنا وهم يمنعونها من القبول على عدوه فقط ويجيزونها على غيره وهذا خلاف لتلك الآثار (5)، وأما شهادة الخصم فان المدعى لنفسه المخاصم لا تقبل دعواه لنفسه بلا شك فبطل تعلقهم بتلك الآثار لو صحت
__________
(1) في النسخة رقم 16 لا تجوز (2) هي الحقد وجمعها أحن (3) في النسخة رقم 14 وصح عن الزهري (4) في النسخة رقم 16 عن السلف (5) في النسخة رقم 16 لتلك الاخبار(9/419)
فكيف وهى لا تصح، ثم وجدنا الله تعالى قد قال: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) فأمرنا الله عزوجل بالعدل على اعدائنا فصح أن من حكم بالعدل على عدوه أو صديقه (1) أو لهما أو شهد وهو عدل على عدوه أو صديقه أو لهما فشهادته مقبولة وحكمه نافذ وبالله تعالى التوفيق، وما نعلم أحدا سبق مالكا إلى القول برد شهادة الصديق الملاطف، وأما من رد شهادة الفقير فعظيمة قال الله تعالى: (للفقراء الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا) إلى قوله: (أولئك هم الصادقون) فمن رد شهادة (2) هؤلاء لخاسر وأن من خصهم دون سائر الفقراء لمتناقض وبالله تعالى التوفيق *.
وما نعلم لهم في هذه الاقوال سلفا من الصحابة رضى الله عنهم اصلا، واطرف شئ قول ربيعة: ترد شهادة من خالف العدول في سيرته وان لم يوقف منه على غير ذلك فهذا عجب جدا لا ندرى من أين اطلقه في دين الله عزوجل * 1791 مسألة ولا تقبل شهادة من لم يبلغ من الصبيان لا ذكورهم ولا اناثهم ولا بعضهم على بعض ولا على غيرهم لا في نفس ولا جراحة ولا في مال ولا يحل الحكم بشئ من ذلك لا قبل افتراقهم ولا بعد افتراقهم، وفى هذا خلاف (3) كثير فصح عن ابن الزبير أنه قال: إذا جئ بهم عند المصيبة جازت شهادتهم: قال ابن أبى مليكة: فأخذ القضاة بقول ابن الزبير وأجاز بعضهم شهادتهم في خاص من الامر لا في كل شئ كما روينا عن قتادة عن
الحسن قال: قال على بن أبى طالب: شهاده الصبى على الصبى جائزة وشهادة العبد على العبد جائزة قال الحسن: وقال معاوية: شهادة الصبيان على الصبيان جائزة ما لم يدخلوا البيوت فيعلموا، وعن على مثل هذا أيضا، ومن طريق ابن أبى شيبة عن وكيع نا عبد الله ابن حبيب بن أبى ثابت عن الشعبى عن مسروق أن ستة غلمان ذهبوا يسبحون فغرق أحدهم فشهد ثلاثة على اثنين أنهما غرقاه وشهد اثنان على ثلاثة انهم غرقوه فقضى على ابن أبى طالب على الثلاثة خمسى الدية وعلى الاثنين ثلاثة أخماس الدية، وروينا أيضا نحو هذا عن مسروق، وروينا عن يحيى (4) بن سعيد القطان نا سفيان الثوري عن فراس عن الشعبى عن مسروق أن ثلاثة غلمان شهدوا على أربعة وشهد الاربعة على الثلاثة فجعل مسروق على الاربعة ثلاثة اسباع الدية وعلى الثلاثة أربعة أسباع الدية * وروينا أيضا عن ابن المسيب.
والزهرى جواز شهادة الصبيان بقولهم مع ايمان المدعى ما لم يتفرقوا وانه قضى بمثل ما قضى به على بن أبى طالب في دية ضرس * وعن أبى الزناد السنة أن يؤخذ في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح (5) مع أيمان المدعين، وعن عمر
__________
(1) في النسخة رقم 14 وصديقه (2) في النسخة رقم 14 فان من رد شهادة (3) في النسخة رقم 16 اختلاف (4) في النسخة رقم 16 ومن طريق يحيى (5) في النسخة رقم 14 يقول هم في الجراح(9/420)
ابن عبد العزيز أنه أجاز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح المتقاربة فإذا بلغت النفوس قضى بشهادتهم مع أيمان الطالبين، وعن ربيعة جواز شهادة بعض الصبيان على بعض ما لم يتفرقوا، وعن شريح ان شهادة الصبيان تقبل إذا اتفقوا ولا تقبل إذا اختلفوا، وانه أجاز شهادة صبيان في مأمومة، وعن ابن قسيط.
وأبى بكر بن حزم قبول شهادة الصبيان فيما بينهم ما لم يتفرقوا، وعن عروة بن الزبير تجوز شهادة الصبيان فيما بينهم وفى الجراح خاصة ويؤخذ بأول قولهم، وعن عطاء، والحسن تجوز شهادة الصبيان على الصبيان، وعن ابراهيم النخعي تجوز شهادة الصبيان بعضم على بعض
وقال: كانوا يجيزونها فيما بينهم، وقال ابن أبى ليلى: تجوز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في كل شئ، وقال مالك: تجوز شهادة الصبيان على الصبيان فقط ولا تجوز شهادتهم على صغير أنه جرح كبيرا ولا على كبير انه جرح صغيرا ولا تجوز الا في الجراح خاصة ولا تجوز شهادة الصبايا في شئ من ذلك أصلا ولا تجوز في شئ من ذلك شهادة من كان منهم عبدا فان اختلفوا لم يلتفت شئ من قولهم وقضى على جميعهم بالدية سواء * قال أبو محمد: ما نعلم عن أحد قبله فرقا بين صبى وصبية ولا بين عبد منهم من حر، وقالت طائفة، لا تقبل شهادتهم في شئ أصلا كما ذكرنا قبل عن عمر.
وعثمان في الصغير يشهد فترد شهادته ثم يبلغ فيشهد بتلك الشهادة انها لا تقبل، وصح عن ابن عباس من طريق ابن أبى مليكة لا تقبل شهادة الصبيان في شئ، وعن عطاء لا تجوز شهاده الغلمان حتى يكبروا، وعن القاسم بن محمد.
وسالم.
والنخعي مثل قول عطاء، وعن الحسن لا تقبل شهادة الغلمان على الغلمان وعن ابن سيرين لا تقبل شهادتهم حتى يبلغوا، وعن الشعبى.
وشريح انهما كانا يقبلانها إذا ثبتوا عليها حتى يبلغوا، وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري في غلمان شهد بعضهم على بعض بكسر يد صبى منهم فقال: لم تكن شهادة الغلمان فيما مضى من الزمان تقبل وأول من قضى بذلك مروان * قال أبو محمد: وبمثل قولنا يقول مكحول وسفيان الثوري.
وابن شبرمة.
واسحاق بن راهويه.
وأبو عبيدة.
وأبو حنيفة والشافعي.
وأحمد بن حنبل وأبو سليمان.
وجميع أصحابنا * قال على: لم نجد لمن أجاز شهادة الصبيان حجة أصلا لا من قرآن ولا من سنة ولا رواية سقيمة ولا قياس.
ولا نظر.
ولا احتياط بل هو قول متناقض لانهم فرقوا بين شهادتهم على كبير أو لكبير وبين شهادتهم على صغير أو لصغير، وفرق مالك بين الجراح وغيرها فلم يجزها في تخريق ثوب يساوى ربع درهم وأجازها في النفس والجراح وفرق بين الصبايا والصبيان وهذا كله تحكم بالباطل وخطأ لا خفاء به(9/421)
واقوال لا يحل قبولها من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف الصحابة في ذلك وحجة من قال بقولنا هو قول الله تعالى: (وأشهدوا ذوى عدل منكم) وقال (ممن ترضون من الشهداء) وليس الصبيان ذوى عدل ولا نرضاهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة فذكر الصبى حتى يبلغ) وليس في العجب أكثر من رد شهادة عبد فاضل صالح عدل رضى وتقبل شهادة صبيين لا عقل لهما ولا دين وفى هذا كفاية وبالله تعالى التوفيق * 1792 مسألة وحكم القاضى لا يحل ما كان حراما قبل قضائه ولا يحرم ما كان حلالا قبل قضائه انما القاضى منفذ على الممتنع فقط لا مزية له سوى هذا، وقال أبو حنيفة: لو ان أمرءا رشا شاهدين فشهدا له بزور ان فلانا طلق امرأته فلانة واعتق أمته فلانة وهما كاذبان متعمدان وان المرأتين بعد العدة رضيتا بفلان زوجا فقضى القاضى بهذه الشهادة فان وطئ تينك المرأتين حلال للفاسق الذى شهدوا له بالزور وحرام على المشهود عليه بالباطل، وكذلك من أقام شاهدى زور على فلان انه انكحه ابنته برضاها وهى في الحقيقة لم ترضه قط ولا زوجها اياه أبوها فقضى القاضى بذلك فوطؤه لها حلال * قال أبو محمد: ما نعلم مسلما قبله أتى بهذه الطوام ونبرأ إلى الله تعالى منها، وليت شعرى ما الفرق بين هذا وبين من شهد له شاهدا زور في أمة أنها أجنبية وانها قد رضيت به زوجا.
أو على حر أنه عبده فقضى له القاضى بذلك؟ وما علم مسلم قط قبل أبى حنيفة فرق بين شئ من ذلك، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام) * ومن طريق أحمد بن شعيب انا اسحاق بن ابراهيم نا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة أم المؤمنين رضى الله عنها أنه قال عليه الصلاة والسلام: (انكم تختصمون إلى وانما أنا بشر فلعل أحدكم أن يكون أعلم بحجته من بعض فاقضى له بما أسمع واظنه
صادقا فمن قضيت له بشئ من حق صاحبه (1) فانما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها) فإذا كان حكمه عليه الصلاة والسلام وقضاؤه لا يحل لاحد ما كان عليه حراما فكيف القول في قضاء أحد بعده (1) ونعوذ بالله تعالى من الخذلان * 1793 مسألة ولا يحل التأني في انفاذ الحكم إذا ظهر وهو قول الشافعي.
وأبى سليمان.
وأصحابنا، وقال أبو حنيفة: إذا طمع القاضى ان يصطلح الخصمان فلا
__________
(1) في النسخة رقم 14 فمن قضيت له من حق اخيه (2) في النسخة رقم 14 في قضاء من بعده(9/422)
بأس أن يردهما المرة والمرتين فان لم يطمع في ذلك فصل القضاء، وقال مالك: لا بأس بترديد الخصوم ثم رأى أن يجعل للمشهود عليه أو المدعى بينة غائبة أجل ثمانية أيام ثم ثمانية أيام ثم ثمانية أيام ثم تلزم ثلاثة أيام فذلك ثلاثون يوما لا يعد في الثمانية يوم تأجيل الحاكم * قال على: أما قول ابى حنيفة ففاسد لانه لا فرق بين ترديد مرتين وترديد ثلاث مرار أو أربع وهكذا ما زاد إلى انقضاء العمر والا فهاتوا برهانكم ان كنتم صادقين، وأما قول مالك فما نعلم أحدا قاله قبله مع عظيم فساده لانه لا فرق بين تأجيل ثلاثين يوما وبين تأجيل شهرين أو ثلاثة أو أربعة أو عام أو عامين أو أربعة أعوام وما الفرق بين من ادعى بينة على نصف شهر وبين من ادعاها بخراسان وهو بالاندلس أو ادعاها بالاندلس وهو بخراسان وهل هو الا التحكم بالباطل؟ * قال أبو محمد: واحتج بعضهم بالرواية عن عمر رددوا الخصوم حتى يصطلحوا فان فصل القضاء يورث الضغائن * قال على: هذا لا يصح عن عمر لان أحسن طرقه محارب بن دثار أن عمر.
ومحارب لم يدرك عمر، ثم لو صح لما كان فيه حجة لانه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ الله أن يصح هذا عن عمر لان فيه المنع جملة من انفاذ الحق لان علة توريث الضغائن موجودة في ذلك أبدا فان وجب أن يراعى وجب ذلك
أبدا وان لم يجب أن يراعى فلا يجب ذلك طرفة عين وعلى كل حال فقد خالفوه لانه لم يحد شهرا وشهرين وفى الرسالة المكذوبة عن عمر اجعل لمن ادعى حقا غائبا أو بنية أمدا ينتهى إليه فان احضر بينته إلى ذلك الامد اخذت له بحقه والا أوجبت عليه القضاء فانه أبلغ للعذر وأجلى للعمى * قال أبو محمد: وهذا لا يصح عن عمر وعلى كل حال فقد خالفه مالك لان عمر لم يحد في ذلك شهرا ولا أقل ولا أكثر من هذا كله لم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه رد خصوما بعد ما ظهر الحق (1) بل قضى بالبينة على الطالب وألزم المنكر اليمين في الوقت وأمر المقر بالقضاء في الوقت، وقال الله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) وقال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) وقال تعالى: (سارعوا إلى مغفرة من ربكم) فمن حكم بالحق حين يبدو إليه فقد قام بالقسط وأعان على البر والتقوى وسارع إلى مغفرة من ربه، ومن تردد في ذلك فلم يسارع إلى مغفرة من ربه ولا قام بالقسط ولا أعان على البر والتقوى * 1794 مسألة وإذا تداعى الزوجان في متاع البيت بعد الطلاق أو بغير
__________
(1) في النسخة رقم 14 (بعد ظهور الحق)(9/423)
طلاق أو تداعى الورثة بعد موتهما أو موت أحدهما فهو كله بينهما بنصفين مع الايمان سواء كان مما لا يصلح الا للرجال كالسلاح ونحوه أو مما لا يصلح الا للنساء كالحلي ونحوه أو كان مما لا يصلح للكل، وقد اختلف الناس في هذا كثيرا فروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري البيت للمرأة الا ما عرف للرجل * وبه إلى معمر عن ايوب السختيانى عن أبى قلابة مثل قول الزهري، ومن طريق عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمى عن أبيه عن الحسن قال: إذا مات الزوج فللمرأة ما أغلق عليه بابها * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: ليس للرجل الا سلاحه وثياب جلده، وقال ابن ابى ليلى: كل ما في البيت فللرجل الا ما كان على المرأة من الثياب.
والدرع.
والخمار،
وقال ابراهيم النخعي: ما كان من متاع الرجال فللرجل وما كان من متاع النساء فللمرأة وما صلح لهما فهو للحى منهما في موت أحدهما واما في الفرقة فهو للرجل وهو قول أبى حنيفة مع الايمان، فان كان أحدهما حرا والآخر مملوكا فالمال كله للحر مع يمينه، وقال محمد ابن الحسن كذلك الا في الموت فانه للرجل أو لورثته مع اليمين، وقال أبو يوسف: ما كان لا يصلح الا للنساء فانه يقضى منه للمرأة ما يجهز به مثلها إلى زوجها والباقى منه ومن غيره للرجل مع يمينه الموت والطلاق سواء في ذلك وقال عثمان البتى.
وعبد الله بن الحسن والحسن بن حى وزفر في أحد قوليه ما صلح للرجال فهو للرجل مع يمينه وما صلح النساء فللمرأة مع يمينها وما صلح لهما فبينهما بنصفين مع أيمانهما، وقال مالك: ما صلح للرجال فهو للرجل مع يمينه وما صلح للمرأة فهو للمراة مع يمينها وما صلح لهما فهو للرجل مع يمينه الموت والفرقة سواء.
قال أبو محمد: كل هذه آراء يكفى من فسادها تخاذلها وما نعلم لمالك أحدا تقدمه إلى قوله المذكور * قال على: إذا وجب عندهم القضاء بما لا يصلح الا للرجال للرجل وما لا يصلح الا للنساء للمرأة فأى معنى للايمان في ذلك إذ قد ثبت انه لمن قضوا له به وان كان لم يثبت له بعد فما أحدهما أولى به من الآخر * قال على: وقال سفيان الثوري.
والقاسم بن معاذ بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود.
وشريك.
وزفر في أحد قوليه.
والشافعي.
وأبو سليمان.
وأصحابهما كما قلنا نحن * قال أبو محمد: البيت بأيديهما فصح أنهما فيه سواء فكل واحد منهما ما بيده وله اليمين على الآخر فيما أدعى مما بيده وبالله تعالى التوفيق، ولم يختلفوا في أخ واخت تنازعا في متاع البيت أو أم وابنها ان كل ذلك بينهما بايمانهما ولا اختلفوا في اخوين ساكنين في بيت واحد أحدهما دباغ والآخر عطار فتدايعا فيما في البيت.
والدار فانه(9/424)
بينهما بأيمانهما ولم يقضوا للدباغ بآلات الدباغ ولا للعطار بمتاع العطر وهذا تناقض
لا خفاء به وبالله تعالى التوفيق * 1795 مسألة ويحكم على اليهود والنصارى والمجوس بحكم أهل الاسلام في كل شئ رضوا أم سخطوا أتونا أو لم يأتونا ولا يحل ردهم إلى حكم دينهم ولا إلى حكامهم أصلا * روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار قال: سمعت بحالة التميمي قال: اتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة وفرقوا بين كل ذى رحم محرم من المجوس وانههم عن الزمزمة قال ابن جريج: أهل الذمة إذا كانوا فينا فحدهم كحد المسلم * ومن طريق اسماعيل بن اسحق القاضى نا نصر ابن على نا عبد الاعلى عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن البصري في المواريث في أهل الذمة قال: يحكم عليهم بما في كتابنا وهو قول قتادة وأبى سليمان.
وأصحابنا، وروينا غير هذا كما روينا من طريق سماك بن حرب عن قابوس بن مخارق بن سليم عن أبيه أن محمد بن أبى بكر كتب إلى على بن أبى طالب في مسلم زنى بنصرانية فكتب إليه على بن أبى طالب أن يقام الحد على المسلم وترد النصرانية إلى أهل دينها وهو قول أبى حنيفة.
ومالك * قال أبو محمد: هذا لا يصح عن على لان فيه سماك بن حرب وهو يقبل التلقين، وقابوس بن المخارق وأبوه مجهولان فبطل أن يصح عن الصحابة رضى الله عنهم في هذا الباب غير ما روينا عن عمر، وقال المخالفون: قال الله تعالى: (لا اكراه في الدين) فإذا حكم عليهم بغير حكم دينهم فقد اكرهوا على غير دينهم فقلنا: ان كانت هذه الآية توجب أن لا حكم عليهم بغير حكم دينهم فانتم أول من خالفها فأقررتم على أنفسكم بخلاف الحق، وهذا عظيم جدا لانكم تعطونهم في السرقة بحكم ديننا لا بحكم دينهم وتحدونهم في القذف بحكم ديننا لا بحكم دينهم وتمنعونهم من انفاذ حكم دينهم بعضهم على بعض في القتل والخطأ وبيع الاحرار فقد تناقضتم، فان قالوا: هذا ظلم لا يقرون عليه فقلنا لهم: وكل ما خالفوا فيه حكم الاسلام فهو ظلم لا يقرون عليه، وقالوا قال الله تعالى: (فان جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) فقلنا: هذه منسوخة نسخها قوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما
أنزل الله) فقالوا هاتوا برهانكم على ذلك لنا: نعم روينا من طريق سفيان بن حسين عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد عن ابن عباس قال: نسخت من هذه السورة آيتان آية القلائد وقوله تعالى: (فان جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخيرا ان شاء حكم بينهم وان شاء أعرض عنهم فردهم إلى أحكامهم فنزلت (وان احكم بينهم بما أنزل الله) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما في كتابنا *(9/425)
قال أبو محمد: وهذا منسد لان ابن عباس أخبر بنزول الآية في ذلك وهو قول مجاهد.
وعكرمة، وأيضا فان الله تعالى يقول: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) والدين في القرآن واللغة يكون الشريعة.
ويكون الحكم.
ويكون الجزاء فالجزاء في الآخرة إلى الله تعالى لا الينا، والشريعة قد صح أن نقرهم على ما يعتقدون إذا كانوا أهل كتاب فبقى الحكم فوجب أن يكون كله حكم الله كما أمر، فان قالوا: فاحكموا عليهم بالصلاة.
والصيام.
والحج.
والجهاد.
والزكاة قلنا: قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلزمهم شيئا من هذا (1) فخرج بنصه وبقى سائر الحكم عليهم على حكم الاسلام ولا بد، وصح أنه عليه الصلاة والسلام قتل يهوديا قودا بصبية مسلمة ورجم يهوديين زنيا ولم يلتفت إلى حكم دينهم فقال بعضهم: بآبدة مهلكة وهى أن قالوا: انما أنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجم بحكم التوراة كما قال تعالى: (يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا) فقلنا: هذا كفر ممن قاله إذ جعله عليه الصلاة والسلام منفذا لحكم اليهود تاركا لتنفيذ حكم الله تعالى حاشا له من ذلك، وأيضا فهبك أنه كما قلتم فارجموهم أنتم أيضا على ذلك الوجه نفسه والا فقد جورتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الآية فانما هي خبر عن النبيين السالفين فيهم لانه ليسوا لنا بنبيين انما لنا نبى واحد فصح أنه غير معنى بهذه الآية ثم نقول لهم أخبرونا عن أحكام دينهم احق هي إلى اليوم محكم ام باطل منسوخ؟ ولا بد من احدهما فان قالوا: حق محكم كفروا جهارا وان قالوا بل باطل منسوخ قلنا: صدقتم وأقررتم على
انفسكم انكم رددتموهم إلى الباطل المنسوخ الحرام وفى هذا كفاية، وقال تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) وليس من القسط تركهم يحكمون بالكفر المبدل أو بحكم قد أبطله الله تعالى أو حرم القول به والعمل به، وقال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) ومن ردهم إلى حكم الكفر المبدل والامر المنسوخ المحرم فلم يعن على البر والتقوى بل أعان على الاثم والعدوان ونعوذ بالله من الخذلان، وقال تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) والصغار هو جرى أحكامنا عليهم فإذا ما تركوا يحكمون بكفرهم (2) فما أصغرناهم بل هم أصغرونا ومعاذ الله من ذلك * 1796 مسألة وفرض على الحاكم ان يحكم بعلمه في الدماء.
والقصاص.
والاموال، والفروج والحدود، وسواء علم ذلك قبل ولايته أو بعد ولايته، وأقوى ما حكم بعلمه لانه يقين الحق ثم بالاقرار ثم بالبينة، وقد اختلف الناس في هذا فروى عن أبى بكر الصديق قال: لو رأيت رجلا على حد لم أدع له غيرى حتى يكون معى شاهد غيرى،
__________
(1) في النسخة رقم 14 من ذلك (2) في النسخة رقم 16 يحكمون على كفرهم(9/426)
وان عمر قال لعبد الرحمن بن عوف: ارأيت لو رأيت رجلا قتل أو شرب أو زنى؟ قال: شهادتك شهادة رجل من المسلمين فقال له عمر: صدقت وانه روى نحو هذا عن معاوية.
وابن عباس * ومن طريق الضحاك أن عمر اختصم إليه في شئ يعرفه فقال للطالب: ان شئت شهدت ولم أقض وان شئت قضيت ولم أشهد، وقد صح عن شريح انه اختصم إليه اثنان (1) فأتاه أحدهما بشاهد فقال لشريح وأنت شاهدى أيضا فقضى له شريح مع شاهده بيمينه، وروى عن عمر بن عبد العزيز لا يحكم الحاكم بعلمه في الزنا، وصح عن الشعبى لا أكون شاهدا وقاضيا، وقال مالك.
وابن أبى ليلى في أحد قوليه.
وأحمد وأبو عبيدة.
ومحمد بن الحسن في أحد قوليه (2): لا يحكم الحاكم بعلمه في شئ أصلا، وقال حماد بن أبى سليمان: يحكم الحاكم بعلمه بالاعتراف في كل شئ الا في الحدود
خاصة، وبه قال ابن أبى ليلى في أحد قوليه، وقال أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن في أول قوليه يحكم بعلمه في كل شئ من قصاص وغيره الا في الحدود وسواء علمه قبل القضاء أو بعده: وقال أبو حنيفة: لا يحكم بعلمه قبل ولايته القضاء أصلا * [ وأما ما علمه بعد ولايته القضاء ] (3) فانه يحكم به في كل شئ الا في الحدود خاصة، وقال الليث: لا يحكم بعلمه الا أن يقيم الطالب شاهدا واحدا في حقوق الناس خاصة فيحكم القاضى حينئذ بعلمه مع ذلك الشاهد، وقال الحسن بن حى: كل ما علم قبل ولايته لم بحكم فيه بعلمه وما علم بعد ولايته حكم فيه بعلمه بعد أن يستحلفه وذلك في حقوق الناس وأما الزنا فان شهد به ثلاثة والقاضى يعرف صحة ذلك حكم فيه بتلك الشهادة مع علمه، وقال الاوزاعي: ان أقام المقذوف شاهدا واحدا عدلا وعلم القاضى بذلك حد القاذف، وقال الشافعي.
وأبو ثور.
وأبو سليمان.
وأصحابهم كما قلنا * قال أبو محمد: فنظرنا فيمن فرق بين ما علم قبل القضاء وما علم بعد القضاء فوجدناه قولا لا يؤيده قرآن.
ولا سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قياس.
ولا أحد قاله قبل أبى حنيفة وما كان هكذا فهو باطل بلا شك ثم نظرنا فيمن فرق بين ما اعترف به في مجلسه وبين غير ذلك مما عمله فوجدناه أيضا كما قلنا في قول أبى حنيفة وما كان هكذا فهو باطل الا أن بعضهم قال: انما جلس ليحكم بين الناس بما صح عنده قلنا: صدقتم وقد صح عنده كل ما علم قبل ولايته وفى غير مجلسه وبعد ذلك ثم نظرنا فيمن فرق بين ما شهد به عنده شاهد واحد وبين ما لم يشهد به عنده أحد فوجدناه ايضا كالقولين المتقدمين
__________
(1) في النسخة رقم 16 (انه اتاه اثنان) (2) في النسخة رقم 16 (في آخر قوليه) (3) الزيادة من النسخة رقم 16(9/427)
لانه في كل ذلك انما حكم بعلمه فقط وهو قولنا.
واما حاكم بشاهد واحد أو بثلاثة في الزنا فهذا لا يجوز.
واما شاهد حاكم معا ولم يأت نص ولا اجماع بتصويب هذا الوجه
خاصة، ثم نظرنا في قول من فرق بين الحدود وغيرها فوجدناه قولا لا يعضده قرآن ولا سنة وما كان هكذا فهو باطل، فان ذكروا (ادرءوا الحدود بالشبهات) قلنا: هذا باطل ما صح قط عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا فرق بين الحدود وغيرها في أن يحكم في كل ذلك بالحق فلم يبق الا قول من قال: لا يحكم الحاكم بعلمه في شئ وقول من قال: يحكم الحاكم بعلمه في كل شئ فوجدنا من منع من أن يحكم الحاكم بعلمه يقول: هذا قول أبى بكر: وعمر.
وعبد الرحمن.
وابن عباس.
ومعاوية، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة فقلنا: هم مخالفون لكم في هذه القصة لانه انما روى أن ابا بكر قال: انه لا يثيره حتى يكون معه شاهد آخر وهو قول عمر.
وعبد الرحمن أن شهادته شهادة رجل من المسلمين: فهذا يوافق من رأى ان يحكم في الزنا بثلاثة هو رابعهم وبواحد مع نفسه في سائر الحقوق، وايضا فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وايضا فقد خالفوا أبا بكر.
وعمر.
وعثمان.
وخالد بن الوليد.
وابا موسى الاشعري.
وابن الزبير في القصاص من اللطمة ومن ضربة السوط ومما دون الموضحة وهو عنهم أصح مما رويتم عنهم ههنا، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (شاهداك أو يمينه ليس لك الا ذلك) * قال أبو محمد: وهذا قد خالفه الماليكون المحتجون به فجعلوا له الحكم باليمين مع الشاهد واليمين مع نكول خصمه وليس هذا مذكورا في الخبر، وجعل له الحنيفيون الحكم بالنكول وليس ذلك في الخبر، وأمروه بالحكم بعلمه في الاموال التى فيها جاء هذا الخبر فقد خالفوه جهارا وأقحموا فيه ما ليس فيه، فمن أضل ممن يحتج بخبر هو أول مخالف له برأيه وأما نحن فنقول: أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: بينتك أو يمينه) ومن البينة التى لا بينة أبين منها صحة علم الحاكم بصحة حقه فهو في جملة هذا الخبر، واحتجوا بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام رأى رجلا يسرق فقال له عيسى: سرقت؟ قال: كلا والله الذى لا اله الا هو فقال عيسى عليه السلام: آمنت بالله وكذبت نفسي فقالوا: فعيسى عليه السلام لم يحكم بعلمه *
قال أبو محمد: ليس يلزمنا شرع عيسى عليه السلام وقد يخرج هذا الخبر على أنه رآه يسرق أي يأخذ الشئ مختفيا بأخذه فلما قرره حلف وقد يكون صادقا لانه أخذ ماله من ظالم له، وذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها) وهذا لا حجة لهم فيه لان علم الحاكم أبين بينة وأعدلها وقد تقصينا هذه المسألة(9/428)
في كتاب الايصال ولله تعالى الحمد * وبرهان صحة قولنا قول الله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) وليس من القسط أن يترك الظالم على ظلمه لا يغيره وأن يكون الفاسق يعلن الكفر بحضرة الحاكم والاقرار بالظلم.
والطلاق ثم يكون الحاكم يقره مع المرأة ويحكم لها بالزوجية والميراث فيظلم أهل الميراث حقهم وقد أجمعوا على أن الحاكم ان علم بجرحة الشهود ولم يعلم ذلك غيره أو علم كذب المجرحين لهم فانه يحكم في كل ذلك بعلمه فقد تناقضوا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه) والحاكم ان لم يغير ما رأى من المنكر حتى تأتى البينة على ذلك فقد عصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصح أن فرضا عليه أن يغير كل منكر علمه بيده وأن يعطى كل ذى حق حقه والا فهو ظالم وبالله تعالى التوفيق * 1797 مسألة وإذا رجع الشاهد عن شهادته بعد أن حكم بها أو قبل أن يحكم بها فسخ ماحكم بها فيه فلو مات أو جن أو تغير بعد أن شهد قبل أن يحكم بشهادته أو بعد ان حكم بها نفذت على كل حال ولم ترد * قال على: أما موته وجنونه وتغيره فقد تمت الشهادة صحيحة ولم يوجب فسخها بعد ثبوتها ما حدث بعد ذلك، وأما رجوعه عن شهادته فلو أن عدلين شهدا بجرحته حين شهد لوجب رد ما شهد به واقراره على نفسه بالكذب أو الغفلة أثبت عليه من شهادة غيره عليه بذلك، وقولنا هو قول حماد بن أبى سليمان.
والحسن البصري * 1798 مسألة واداء الشهادة فرض على كل من علمها الا أن يكون عليه حرج
في ذلك لبعد مشقة أو لتضييع مال أو لضعف في جسمه فليعلنها فقط قال تعالى: (ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا) فهذا على عمومه إذا دعوا للشهادة أو دعوا لادائها ولا يجوز تخصيص شئ من ذلك بغير نص فيكون من فعل ذلك قائلا على الله تعالى ما لا علم له به * 1799 مسألة فان لم يعرف الحاكم الشهود سأل عنهم وأخبر المشهود بمن شهد عليه وكلف المشهود له ان يعرفه بعد التهم، وقال للمشهود عليه: اطلب ما ترد به شهادتهم عن نفسك فان ثبت عنده عدالتهم قضى بهم ولم يتردد لما ذكرنا قبل وان جرحوا قبل الحكم لم يحكم بشهادتهم وان جرحوا عنده بعد الحكم بشهادتهم فسخ ما حكم به بشهادتهم لانه مفترض عليه رد خبر الفاسق وانفاذ شهادة العدل والتبين فيما لا يدرى حتى يدرى وبالله تعالى التوفيق * 1800 مسألة وجائز ان تلى المرأة الحكم وهو قول أبى حنيفة، وقد روى عن عمر بن الخطاب انه ولى الشفاء امرأة من قومه السوق، فان قيل: قد قال(9/429)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم اسندوا أمرهم إلى امرأة) قلنا انما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الامر العام الذى هو الخلافة * برهان ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (المرأة راعية على مال زوجها وهى مسئولة عن رعيتها) وقد أجاز المالكيون أن تكون وصية ووكيلة ولم يأت نص من منعها ان تلى بعض الامور (1) وبالله تعالى التوفيق * 1801 مسألة وجائز أن يلى العبد القضاء لانه مخاطب بالامر والمعروف والنهى عن المنكر، وبقول الله تعالى: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) وهذا متوجه بعمومه إلى الرجل والمرأة.
والحر.
والعبد، والدين كله واحد الا حيث جاء النص بالفرق بين المرأة.
والرجل.
وبين الحر والعبد فيستثنى حينئذ من عموم اجمال الدين، وقال مالك.
وأبو حنيفة: لا يجوز تولية العبد القضاء وما نعلم لاهل هذا القول حجة أصلا، وقد صح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق شعبة نا أبوعمران الجونى عن عبد الله بن الصامت عن أبى ذر أنه انتهى إلى الربذة وقد أقيمت الصلاة فإذا عبد يؤمهم فقيل له: هذا ابو ذر فذهب يتأخر فقال أبو ذر: أوصاني خليلي يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أسمع واطيع وان كان عبدا مجدع الاطراف، فهذا نص جلى على ولاية العبد وهو فعل عثمان بحضرة الصحابة لا ينكر ذلك منهم أحد * ومن طريق سفيان الثوري عن ابراهيم بن العلاء عن سويد بن غفلة قال قال لى عمر بن الخطاب: اطع الامام وان كان عبدا مجدعا، فهذا عمر لا يعرف له من الصحابة مخالف * 1802 مسألة وشهادة ولد الزنا جائزة في الزنا وغيره ويلى القضاء وهو كغيره من المسلمين ولا يخلو أن يكون عدلا فيقبل فيكون كسائر العدول أو غير عدل فلا يقبل في شئ أصلا، ولا نص في التفريق بينه وبين غيره وهو قول ابى حنيفة.
والشافعي.
وأحمد.
واسحق.
وأبى سليمان، وهو قول الحسن.
والشعبى.
وعطاء بن أبى رباح.
والزهرى، وروى عن ابن عباس.
وروى عن نافع لا تجوز شهادته.
وقال مالك: والليث: يقبل في كل شئ الا في الزنا.
وهذا فرق لا نعرفه عن أحد قبلهما: قال الله عزوجل: (فان لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم) وإذا كانوا اخواننا في الدين فلهم مالنا وعليهم ما علينا، فان قيل: قد جاء (ولد الزنا شر الثلاثة) قلنا: هذا عليكم (2) لانكم تقبلونه فيما عدا الزنا، وعنى هذا الخبر عندنا انه في انسان بعينه للآية التى ذكرنا ولانه قد كان فيمن لا يعرف أبوه ومن لا يعدله جميع أهل
__________
(1) في النسخة رقم 16 بعض الامر (2) في النسخة رقم 16 قلنا فهذا(9/430)
الارض من حين انقراض عصر الصحابة رضى الله عنهم إلى يوم القيامة وبالله تعالى التوفيق * 1803 مسألة ومن حد في زنا.
أو قذف أو خمر أو سرقة ثم تاب وصلحت حاله فشهادته جائزة في كل شئ وفى مثل ما حد فيه لما ذكرنا من أنه لا يخلو هذا من
أن يكون عدلا فلا يجوز رد شهادته لغيره وفى كل شئ الا حيث جاء النص ولا نعلمه الا في البدوى على صاحب القرية فقط أو لا يكون عدلا فلا يقبل في شئ وما عدا هذا فباطل وتحكم بالظن الكاذب بلا قرآن ولا سنة ولا معقول، وقالت طائفة في المحدود في القذف خاصة: لا تقبل شهادته أبدا وان تاب في شئ أصلا، وقال آخرون: لا تقبل شهادة من حد في خمر أو غير ذلك أصلا * فهذا القول قد جاء عن عمر في تلك الرسالة المكذوبة المسلمون عدول بعضهم على بعض الا مجلودا حدا أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة وهو قول الحسن بن حى وقد قلنا: لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نص في رد شهادة من ذكرنا فاما القول الثاني في تخصيص من حد في القدف فاننا روينا من طريق ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس شهادة القاذف لا تجوز وان تاب * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا أبو الوليد هو الطيالسي نا قيس عن سالم هو الافطس.
عن قيس بن عاصم كان أبو بكرة إذا أتاه رجل يشهده قال له: أشهد غيرى فان المسلمين قد فسقوني * وصح عن الشعبى في أحد قوليه.
والنخعي.
وابن المسيب في أحد قوليه.
والحسن البصري ومجاهد في أحد قوليه.
ومسروق في أحد قوليه.
وعكرمة في أحد قوليه ان القاذف لا تقبل شهادته أبدا وان تاب * وعن شريح المحدود في القذف لا تقبل له شهادة أبدا وهو قول ابى حنيفة.
واصحابه.
وسفيان وقال آخرون: ان تاب المحدود في القذف قبلت شهادته روينا ذلك عن عمر بن الخطاب من طريق أبى عبيد نا سعيد بن أبى مريم عن محمد بن سالم عن ابراهيم بن ميسرة عن سعيد ابن المسيب أن عمر بن الخطاب استتابهم يعنى أبا بكرة والذين شهدوا معه فتاب اثنان وأبى أبو بكرة أن يتوب وكانت شهادتهما تقبل وكان أبو بكرة لا تقبل شهادته * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا محمد بن كثير نا سليمان بن كثير عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب جلد أبا بكرة.
وشبل بن معبد.
ونافعا أبا عبد الله على قذفه المغيرة بن شعبة، وقال لهم: من تاب منكم قبلت شهادته * ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة بالزنا فجلدهم عمر وقال لهم: توبوا تقبل شهادتكم * ومن طريق على بن أبى طلحة عن ابن عباس القاذف إذا تاب فشهادته عند الله عزوجل في كتابه تقبل، وصح(9/431)
أيضا عن عمر بن عبد العزيز.
وأبى بكر بن محمد عن عمرو بن حزم.
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
وعطاء.
وطاوس.
ومجاهد.
وابن أبى نجيح.
والشعبى.
والزهرى: وحبيب بن أبى ثابت.
وعمر بن عبد الله بن أبى طلحة الانصاري وسعيد ابن المسيب.
وعكرمة.
وسعيد بن جبير.
والقاسم بن محمد.
وسالم بن عبد الله وسليمان بن يسار.
وابن قسيط.
ويحيى بن سعيد الانصاري وربيعة.
وشريح، وهو قول عثمان البتى.
وابن ابى ليلى.
ومالك.
والشافعي، وأبى ثور.
وأبى عبيد.
واحمد.
واسحق.
وبعض أصحابنا الا ان مالكا قال: لا تقبل بشهادته في مثل ما حد فيه ولا نعلم هذا الفرق عن أحد قبله، وأما أبو حنيفة فلا نعلم له سلفا في قوله الا شريحا وحده وخالف سائر من روى عنه في ذلك شئ لانهم لم يخصوا محدودا من غير محدود فقد خالف جمهور العلماء في ذلك * قال أبو محمد: احتج من منع من قبول شهادة القاذف وان تاب بخبر روينا فيه (أن هلال بن أمية إذ قذف امرأته قالت الانصار الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ويبطل شهادته في المسلمين) وهذا خبر لا يصح لانه انفرد به عباد بن منصور وقد شهد عليه يحيى القطان بانه كان لا يحفظ ولم يرضه، وقال ابن معين: ليس بذلك، ثم لو صح لما كان لهم فيه متعلق لانه ليس فيه انه ان تاب لم تقبل شهادته ونحن لا نخالفهم في أن القاذف لا تقبل شهادته، وأيضا فليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا حجة الا في كلامه عليه الصلاة والسلام، وأيضا فان ذلك القول منهم ظن لم يصح فما ضرب هلال ولا سقطت شهادته، وفى هذا كفاية، وذكروا خبرا فاسدا رويناه من طريق حجاج بن ارطاة عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون عدول بعضهم على بعض الا محدودا في قذف) (1) قال أبو محمد: هذه صحيفة وحجاج هالك ثم هم أول مخالفين له لانهم لا يقبلون الابوين لابنيهما ولا الابن لابويه ولا احد الزوجين للآخر ولا العبد.
وهذا خلاف مجرد لهذا الخبر، وأيضا فقد يضاف إلى هذا الخبر الا ان تاب بنصوص أخر، وذكروا قول الله تعالى: (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا) قالوا: فانما استثنى تعالى بالتوبة من الفسق فقط * قال أبو محمد: هذا تخصيص للاية بلا دليل (2) بل الاستثناء راجع إلى المنع من قبول شهادتهم من أجل فسقهم والى الفسق وهذا لا يجوز تعديه بغير نص *
__________
(1) في النسخة رقم 14 (في قرية) (2) في النسخة رقم 14 بلا برهان(9/432)
قال على: كل من روى عنه أن لا تقبل شهادته وان تاب فقد روى عنه قبولها الا الحسن.
والنخعي فقط، وأما الرواية عن ابن عباس فضعيفة والاظهر عنه خلاف ذلك، وأما الرواية عن أبى بكرة ان المسلمين فسقوني فمعاذ الله أن يصح ما سمعنا (1) ان مسلما فسق أبا بكرة ولا امتنع من قبول شهادته على النبي صلى الله عليه وسلم في أحكام الدين وبالله تعالى التوفيق * 1814 مسألة وشهادة الاعمى مقبولة كالصحيح، وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة كما قلنا، روى ذلك عن ابن عباس: وصح ذلك عن الزهري.
وعطاء والقاسم بن محمد.
والشعبى.
وشريح.
وابن سيرين.
والحكم بن عتيبة.
وربيعة.
ويحيى ابن سعيد الانصاري: وابن جريج.
وأحد قولى الحسن.
وأحد قولى اياس بن معاوية وأحد قولى ابن أبى ليلى، وهو قول مالك، والليث.
وأحمد وأسحاق.
وابى سليمان.
وأصحابنا، وقالت طائفة: تجوز شهادته فيما عرف قبل العمى ولا تجوز فيما عرف بعد العمى، وهو قول الحسن البصري.
وأحد قولى ابن أبى ليلى، وهو قول ابى يوسف.
والشافعي وأصحابه، وقالت طائفة: تجوز شهادته في الشئ اليسير * روينا ذلك من طريق ابراهيم النخعي قال: كانوا يجيزون شهادة الاعمى في الشئ الخفيف (2) وقالت طائفة: لا تقبل في شئ اصلا الا في الانساب وهو قول زفر رويناه من طريق عبد الرزاق عن وكيع عن أبى حنيفة ولا يعرف أصحابه هذه الرواية، وقالت طائفة: لا تقبل جملة روينا ذلك عن على بن أبى طالب: وعن اياس بن معاوية وعن الحسن.
والنخعي أنهما كرها شهادة الاعمى، وقال أبو حنيفة: لا تقبل في شئ اصلا لا فيما عرف قبل العمى ولا فيما عرف بعده * قال أبو محمد: أما من أجازه في الشئ اليسير دون الكثير فقول في غاية الفساد لانه لا برهان على صحته وما حرم الله تعالى من الكثير الا ما حرم من القليل وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (من اقتطع بيمينه مال مسلم ولو قضيبا من أراك أوجب الله له النار) وأيضا لانه ليس في العالم كثير الا بالاضافة إلى ما هو أقل منه وهو قليل بالاضافة إلى ما هو أكثر منه فهو قول لا يعقل فسقط، وأما من قبله في الانساب فقط فقسمة فاسدة فانه لا يعرف الانساب الا من حيث يعرف المخبرين بغير ذلك والمشهدين له منهم فقط فبطل هذا القول ايضا، وأما من لم يقبله لا فيما عرف قبل العمى ولا بعده فقول فاسد لا برهان على صحته أصلا، ولا فرق بين ما عرفه في حال صحته وبين ما عرفه الصحيح وتمادت صحته وبصره، فان قيل: هو قول روى عن على بن أبى طالب قلنا: هذا كذب ما جاء قط عن على انه قال: لا يقبل
__________
(1) في النسخة رقم 14 ما علمنا (3) في النسخة رقم 14 اللطيف(9/433)
فيما عرف قبل العمى، وما عرف هذا عن أحد قبل ابى حنيفة، وايضا فانه لا يصح عن على لانه من طريق الاسود بن قيس عن اشياخ من قومه أو عن الحجاج بن ارطاة وقد روى عن ابن عباس خلاف ذلك فسقط هذا القول.
وأما من أجازه فيما علم قبل العمى ولم يجزه فيما علم بعد العمى فانهم احتجوا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه سئل عن الشهادة؟
فقال: ألا ترى الشمس على مثلها فاشهد أو دع) قال أبو محمد: وهذا خبر لا يصح سنده لانه من طريق محمد بن سليمان بن مسمول وهو هالك عن عبيد الله (1) بن سلمة بن وهرام وهو ضعيف لكن معناه صحيح، وقالوا: الاصوات قد تشتبه والاعمى كمن أشهد في ظلمة أو خلف حائط ما نعلم لهم غير هذا * قال أبو محمد: ان كانت الاصوات تشتبه فالصور أيضا قد تشتبه، وما يجوز لمبصر ولا أعمى أن يشهد الا بما يوقن ولا يشك فيه، ومن أشهد خلف حائط أو في ظلمة فأيقن بلا شك بمن أشهده فشهادته مقبولة في ذلك، ولو لم يقطع الاعمى بصحة اليقين على من يكلمه لما حل له أن يطأ امرأته إذ لعلها أجنبية ولا يعطى أحدا دينا عليه إذ لعله غيره ولا أن يبيع من أحد ولا أن يشترى وقد قبل الناس كلام أمهات المؤمنين من خلف الحجاب، فان قالوا: انما حل له وطئ امرأته بغلبة الظن كما يحل له ذلك في دخولها عليه أول مرة ولعلها غيرها قلنا: هذا باطل ولا يجوز له وطؤها حتى يوقن أنها التى تزوج، وقد أمر الله تعالى بقبول البينة ولم يشترط أعمى من مبصر وما كان ربك نسيا.
وما نعلم في الضلالة بعد الشرك والكبائر أكبر ممن دان الله برد شهادة جابر بن عبد الله.
وابن أم مكتوم.
وابن عباس.
وابن عمر ونعوذ بالله من الخذلان * 1815 مسألة وكل من سمع انسانا يخبر بحق لزيد عليه اخبارا صحيحا تاما لم يصله بما يبطله أو بأنه قد وهب أمرا كذا لفلان أو أنه أنكح زيدا أو أي شئ كان فسواء قال له: اشهد بهذا على أو أنا أشهدك أو لم يقل له شيئا من ذلك أو لم يخاطبه أصلا لكن خاطب غيره أو قال له: لا تشهد على فلست أشهدك كل ذلك سواء وفرض عليه أن يشهد بكل ذلك.
وفرض على الحاكم قبول تلك الشهادة والحكم بها لانه لم يأت قرآن ولا سنة ولا قول أحد من الصحابة رضى الله عنهم ولا قياس بالفرق بين شئ من ذلك.
وقال أبو حنيفة لا يشهد حتى يقال له: اشهد علينا * قال أبو محمد: وكذلك ان قال الشاهد للقاضى: انا أخبرك أو انا أقول لك أو انا
اعلمك أو لم يقل انا أشهد فكل ذلك سواء وكل ذلك شهادة تامة فرض على الحاكم الحكم بها
__________
(1) في النسخ كلها عن عبد الله وهو غلط صححناه من ميزان الاعتدال(9/434)
لانه لم يأت قرآن ولا سنة ولا قول صاحب ولا قياس ولا معقول بالفرق بين شئ من ذلك وبالله تعالى التوفيق، فان قيل: ان القرآن.
والسنة وردا بتسمية ذلك شهادة قلنا: نعم وليس في ذلك انه لا يقبل حتى يقول: انا أشهد فقد جعلنا معتمدنا وجعلتم معتمدكم في رد شهادة الفاسق قول الله تعالى: (ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) فصح أن كل شهادة نبأ وكل نبأ شهادة وكلاهما خبر وكلاهما قول وكل ذلك حكاية وبالله تعالى التوفيق * 1806 مسألة والحكم بالقافة في لحاق الولد واجب في الحرائر والاماء وهو قول الشافعي، وأبى سليمان، وقال مالك: يحكم بشهادتهم في ولد الامة ولا يحكم به في ولد الحرة وهذا تقسيم بلا برهان، وقال أبو حنيفة: لا يحكم بهم في شئ * برهان صحة قولنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سر بقول مجزز المدلجى إذ رأى أقدام زيد ابن حارثة.
وابنه اسامة فقال: ان هذه الاقدام بعضها من بعض وهو عليه الصلاة والسلام لا يسر بباطل ولا يسر الا بحق مقطوع به، فمن العجب أن أبا حنيفة يخالف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه وينكر علما صحيحا معروف الوجه ثم يرى أن يلحق الولد بأبوين كل واحد منهما أبوه وبامرأتين كل واحدة منهما أمه فيأتى من ذلك بما لا يعقل، ولا جاء به قط قرآن.
ولا سنة، والعجب من مالك إذ يحتج بخبر مجزز المذكور ثم يخالفه لانه مجززا انما قال ذلك في ابن حرة لا في ابن أمة وبالله تعالى التوفيق * 1807 - مسألة - ولا يجوز الحكم الا ممن ولاه الامام القرشى الواجبة طاعته فان لم يقدر على ذلك فكل من أنفذ حقا فهو نافذ ومن أنفذ باطلا فهو مردود * برهان ذلك ما ذكرنا من وجوب طاعة الامام قبل فإذا لم يقدر على ذلك فالله تعالى
يقول: (كونوا قوامين بالقسط) وقال تعالى: (اعدلوا هو أقرب للتقوى) وهذا عموم لكل مسلم، وقد وافقنا المخالفون على أنه ليس كل من حكم فهو نافذ حكمه فوجب علهيم أن لا ينفذوا حكم أحد الا من أوجب القرآن ورسول الله صلى الله عليه وسلم نفاذ حكمه وبالله تعالى التوفيق * 1808 مسألة والارتزاق على القضاء جائز للثابت من قوله عليه الصلاة والسلام: (من أتاه (1) مال من غير مسألة أو اشراف نفس فليأخذه) وبالله تعالى التوفيق * 1809 مسألة وجائز للامام أن يعزل القاضى متى شاء عن غير خربة، قد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن قاضيا ثم صرفه حين حجة الوداع ولم يرجع
__________
(1) في النسخة رقم 14 للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله فيمن أتاه الخ(9/435)
إلى اليمن بعدها * 1810 - مسألة - ومن قال له قاض: قد ثبت على هذا الصلب أو القتل أو القطع أو الجلد أو أخذ مال مقداره كذا منه فأنذ ذلك عليه، فان كان المأمور من أهل العلم بالقرآن والسنن لم يحل له انفاذ شئ من ذلك ان كان الآمر له جاهلا أو غير عدل الا حتى يوقن انه قد وجب عليه ما ذكر له فيلزمه انفاذه حينئذ والا فلا: وان كان الامر له عالما فاضلا لم يحل له أيضا انفاذ أمره الا حتى يسأله من أي وجه وجب ذلك عليه فإذا أخبره فان كان ذلك موجبا عليه ما ذكر لزمه انفاذ ذلك وعليه أن يكتفى بخبر الحاكم العدل في ذلك، ولا يجوز له تقليده فيما رأى أنه فيه مخطئ، وأما الجاهل فلا يحل له انفاذ أمر من ليس عالما فاضلا، فان كان الآمر له عالما فاضلا سأله أوجب ذلك بالقرآن والسنة؟ فان قال: نعم لزمه انفاذ ذلك والا فلا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما الطاعة في المعروف) ولا يحل أخذ قول أحد بلا برهان وبالله تعالى التوفيق * 1811 - مسألة - ومن ادعى شيئا في يد غيره فان أقام فيه البينة أو أقام كلاهما
البينة قضى به للذى ليس الشئ في يده الا أن يكون في بينة من الشئ في يده بيان زائد بانتقال ذلك الشئ إليه أو يلوح بتكذيب بينة الآخر، وهو قول سفيان.
وأبى حنيفة.
وأحمد بن حنبل.
وأبى سليمان.
وقال مالك.
والشافعي: يقضى به للذى هو في يده.
وحجتهم أنه قد تكاذبت البينتان فوجب سقوطهما * قال أبو محمد: وليس كما قالوا بل بينة من الشئ في يده غير مسموعة لان الله تعالى لم يكلفه ببينة انا حكم الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام بان البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه قال عليه الصلاة والسلام: (بينتك أو يمينه ليس لك غير ذلك) فصح أنه لا يلتفت إلى بينة المدعى (1) عليه وبالله تعالى التوفيق * 1812 مسألة فلو لم يكن الشئ في يد أحدهما فأقام كلاهما البينة قضى به بينهما فلو كان في أيديهما معا فأقاما فيه بينة أو لم يقيما قضى به بينهما.
أما إذا لم يكن في ايديهما فانه قد ثبتت البينتان انه لهما فهو لهما واما إذا كان في أيديهما فان لم تقم لهما بينة فهو لهما لانه بأيديهما مع ايمانهما.
وأما إذا أقام كل واحد منهما بينة فان بينته لا تسمع فيما في يده كما قدمنا.
وقد شهدت له بينته بما في يد الآخر فيقضى له بذلك وبالله تعالى التوفيق * 1813 مسألة فان تداعياه وليس في أيديهما ولا بينة لهما أقرع بينهما على اليمين فايهما خرج سهمه حلف وقضى له به.
وهكذا كل ما تداعيا فيه مما يوقن بلا شك
__________
(1) في النسخة رقم 14 لا يلتفت بينة المدعى(9/436)
انه ليس لهما جميعا كدابة يوقن أنها نتاج احدى دابتيهما * وروينا من طريق أبى داود نا محمد بن منهال نا يزيد بن زريع نا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن سعيد بن أبى بردة ابن أبى موسى الاشعري عن أبيه عن جده أبى موسى أن رجلين ادعيا بعيرا أو دابة فاتيا به النبي صلى الله عليه وسلم ليس لواحد منهما بينة فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما * وبه إلى قتادة عن خلاس بن عمرو عن أبى رافع عن أبى هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختصم إليه رجلان
في متاع ليس لواحد منهما بينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استهما على اليمين ما كان أحبا ذلك أم كرها * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن على نا خالد بن الحارث نا سعيد هو ابن أبى عروبة عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن أبى رافع عن أبى هريرة (ان رجلين ادعيا دابة ولم تكن لهما بينة فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستهما على اليمين (1) * قال أبو محمد: فالقسمة بينهما حيث هو في أيديهما لانه لهما بظاهر اليد والقرعة حيث لا حق لهما ولا لاحدهما ولا لغيرهما فيه * ومن طريق أبى داود نا محمد بن بشار نا الحجاج بن المنهال نا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن أبى (2) بردة عن أبيه عن أبى موسى الاشعري أن رجلين ادعيا بعيرا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث كل واحد منهما شاهدين فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما بنصفين * ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرني على بن محمد بن على بن أبى المضاء قاضى المصيصة قال: نا محمد بن كثير عن حماد ابن سلمة عن قتادة عن النضر بن أنس بن مالك عن أبى بردة بن أبى موسى الاشعري عن ابيه أن رجلين ادعيا دابة وجداها عند رجل فأقام كل واحد منهما شاهدين انها دابته فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم بينهم بنصفين، فهذا نص على اقامة البينة من كل واحد منها: وليس في أيديهما أو وهو في ايديهما لانه إذا كان في أيديما معا فهو بلا شك لهم بظاهر الامر وإذا لم يكن في أيديهما فأقام كل واحد منهما فيه البينة فقد شهد به لهما وليست احدى البينتين أولى من الاخرى فالواجب قسمته في كل ذلك بينهما، وأما إذا لم يكن في أيديهما ولم يقم واحد منهما فيه البينة ولا كلاهما فهما مدعيان وليس لهما أصلا ولا لمدعى عليه سواهما، وكذلك إذا كان لا تجوز البينة أن تكون لهما جميعا لكن لاحدهما أو لغيرهما الا انه ليس في يد أحد غيرهما ولا في أيديهما أو كان في أيديهما جميعا ففى هذه المواضع يقرع على اليمين ولا تجوز قسمته بينهما فيكون ذلك ظلما مقطوعا به وقضية جور بلا شك فيها، وهذا لا يحل أصلا قال تعالى: (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) والجور المتيقن اثم وعدوان لا شك فيه وبالله تعالى التوفيق * وقد اختلف
__________
(1) في النسخة رقم 16 في اليمين (2) في النسخة رقم 16 عن أبى(9/437)
الناس في هذا فقال أبو حنيفة: إذا أقام كل واحد منهما البينة فسواء كان الشئ في أيديهما معا أو لم يكن في يد واحد منهما هو بينهما بنصفين مع أيمانهما، وكذلك إذا لم يقيما بينة والشئ في أيديهما معا وليس في أيديهما ولا مدعى له سواهما فايهما نكل قضى به للذى حلف، فان وقتت كلتا البينتين قضى به لصاحب الوقت الاول فان وقتت احدى البينتين ولم توقت الاخرى قضى به بينهما، قال أبو يوسف: قضى به للذى وقتت بينته، وقال محمد بن الحسن: بل للذى لم توقت بينته * قال أبو محمد: كل ما خالف مما ذكرنا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى أوردنا فهو باطل لانه قول بلا برهان، وقال مالك: يقضى باعدل البينتين * قال على: وهذا قول فاسد لانه لم يأت به برهان قرآن (1).
ولا سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا عن أحد من الصحابة ولا يؤيده قياس وانما كلفنا عدالة الشهود فقط ولا فضل في ذلك لاعدل البرية على عدل وهم مقرون بانه لو شهد الصديق رضى الله عنه بطلاق فانه لا يقضى بذلك فلو شهد به عدلان من عرض الناس قضى به، وأين ترجيح أعدل البينتين من هذا العمل؟ وهذا قول خالف فيه كل من روى عنه في هذه المسألة لفظة من الصحابة انما روى القول بأعدل البينتين عن الزهري وقال: فان تكافأت في العدالة اقرع بينهما وهم لا يقولون بهذا، وجاء عن عطاء والحسن وروى أيضا عن على بن أبى طالب تغليب أكثر البينتين عددا، وقال به الاوزاعي إذا تكافأ عددهما، واضطرب قول الشافعي في ذلك فمرة قال: يوقف الشئ ومرة قال: يقسم بينهما ومرة قال: يقرع بينهما، وقال أحمد بن حنبل.
واسحق بن راهويه.
وأبو عبيد: إذا ادعى اثنان شيئا ليس في أيديهما وأقام كل واحد منهما البينة العدلة اقرع بينهما وقضى بذلك الشئ لمن خرجت قرعته ولا معنى لاكثر البينتين ولا لاعدلهما *
قال أبو محمد: فان ذكر ذاكر ما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابراهيم بن محمد ابن أبى يحيى عن عبد الرحمن بن الحارث عن سعيد بن المسيب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا استوى الشهود أقرع بين الخصمين فهو عليهم لان فيه الاقراع ولا يقولون به * 1814 مسألة [ وتقبل ] (2) الشهادة على الشهادة في كل شئ ويقبل في ذلك واحد على واحد، واختلف الناس في هذا فقال أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن: تقبل الشهادة على شهادة الحاضر في المصر وان كان صحيحا، وقال مالك: لا تقبل على شهادة الحاضر الا أن يكون مريضا ولم يحد عنه مقدار المسافة التى إذا كان الشاهد بعيدا على قدرها
__________
(1) في النسخة رقم 14 لم يأت به قرآن (2) الزيادة من النسخة رقم 16(9/438)
قبلت الشهادة على شهادته، وقال أبو حنيفة.
والحسن بن حى.
وسفيان الثوري: لا تقبل شهادة على شهادة (1) الا إذا كان على مقدار تقصر إليه الصلاة * قال على: لم نجد لمن منع من قبول الشهادة على شهادة الحاضر حجة أصلا لا من قرآن ولا من سنة.
ولا قول أحد سلف.
ولا قياس.
ولا معقول لا سيما هذه الحدود الفاسدة وقد امرنا الله تعالى بقبول شهادة العدول والشهادة على الشهادة شهادة عدول فقبولها واجب، وكذلك لو بعدت جدا ولا فرق، واختلفوا أيضا في كم تقبل على شهادة العدول؟ فروينا عن على من طريق ابن ضميرة وهو مطرح انه لا يقبل على شهادة واحد الا اثنان، وعن ربيعة مثله وهو قول أبى حنيفة.
ومالك الا أنهما أجازا شهادة ذينك الاثنين ايضا على شهادة العدل الآخر: وقال الشافعي: لا بد من أخرى على شهادة الآخر فلا يقبل على شهادة اثنين الا اربعة ولا يقبل على شهادة أربعة في الزنا الا ستة عشر عدلا، وقالت طائفة: مثل قولنا روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدى نا عبد الله بن المبارك عن حكيم بن رزيق قال قرأت في كتاب عمر بن عبد العزيز إلى أبى أن اجز شهادة رجل على شهادة رجل آخر وذلك في كسر سن * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان ومعمر قال سفيان
عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي أنه كان يجيز شهادة رجل على شهادة رجل وقال معمر عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين عن شريح أنه كان يجيز شهادة رجل على شهادة رجل ويقول له اشهدني ذوى عدل، ورويناه عن الزهري والقضاة قبله ويزيد ابن أبى حبيب وهو قول الحسن البصري.
وابن أبى ليلى.
وسفيان الثوري.
والليث بن سعد.
وعثمان البتي وأحمد بن حنبل.
واحسق بن راهويه * قال أبو محمد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بينتك أو يمينه) ولا فرق بين واحد وبين اثنين في تبيين الحق بذلك كلاهما يجوز عليه ما يجوز على الواحد فكلما قال قائل من العلماء انه بينة فهو بينة الا أن يمنع من ذلك نص وانما هو خبر والخبر يؤخذ من الواحد الثقة، واختلفوا أيضا فيما يقبل فيه شهادة شاهد على شهادة شاهد فروينا من طريق فيها الحارث ابن نبهان وهو هالك عن الحسن بن عمارة وهو تالف عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب لم يسمع منه غير نعيه النعمان قال: لا تجوز شهادة على شهادة في حد ولا في دم ولا في طلاق ولا نكاح ولا عتق الا في المال وحده وروينا ذلك عن ابراهيم النخعي وصح عن الشعبى.
وقتادة والنخعي لا تجوز شهادة على شهادة في حد وهو قول الاوزاعي، ورويناه أيضا عن شريح، ومسروق والحسن وابن سيرين، وقال أبو حنيفة: تجوز في كل شئ الا الحدود والقصاص، وقال مالك والليث والشافعي: يجوز في كل شئ الحدود وغيرها *
__________
(1) في النسخة رقم 16 الشهادة على الشهادة(9/439)
قال أبو محمد: تخصيص حد أو غيره لا يجوز الا بنص ولا نص في ذلك هذا مما خالفوا فيه الرواية عن عمر لا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة، وهذا مما خالف فيه مالك جمهور العلماء وبالله تعالى التوفيق (1) * بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله عليه وسلم تسليما * كتاب النكاح 1815 مسألة وفرض على كل قادر على الوطئ ان وجد من أين يتزوج أو
يتسرى أن يفعل أحدهما ولا بد فان عجز عن ذلك فليكثر من الصوم (2) برهان ذلك ما رويناه من طريق البخاري نا عمر بن حفص بن غياث نا أبى نا الاعمش نا ابراهيم النخعي عن علقمة أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء) * ومن طريق مسلم نا محمد بن رافع نا حجين نا محمد بن المثنى نا ليث هو ابن سعد وعن عقيل هو ابن خالد عن ابن شهاب اخبرني سعيد بن المسيب أنه سمع سعد بن أبى وقاص يقول: اراد عثمان بن مظعون يتبتل فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول جماعة من السلف * روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله البلخى نا أبو سعيد مولى بنى هاشم نا حصين بن نافع المازنى قال: نى الحسن البصري عن سعيد بن هشام بن عامر أنه سال أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها عن التبتل؟ فقالت: لا تفعل اما سمعت قول الله تعالى: (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) فلا تتبتل * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري.
وابراهيم بن ميسرة كلاهما عن عبد الله ابن طاوس عن أبيه انه قال لرجل: لتتزوجن أو لاقولن لك ما قال عمر لابي الزوائد: ما يمنعك من النكاح الا عجز أو فجوز، وقد احتج قوم في خلاف هذا بقول الله تعالى: (وسيدا وحصورا) * قال أبو محمد: وهذا لا حجة فيه لاننا لم نأمر الحصور باتخاذ النساء انما أمرنا بذلك من له قوة على الجماع، وموهوا أيضا بخبرين، أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (خيركم في المائتين الخفيف الحاذ الذى لا أهل له ولا ولد) * والاخر من طريق حذيفة أنه قال: (إذا كان سنة خمس ومائة (فلان يربى أحدكم جرو كلب خير من أن يربى ولدا) *
__________
(1) إلى هنا انتهى الجزء الخامس من كتاب المحلى النسخة رقم 16 ووجد في آخره ما نصه - تم كتاب الاقضية والحمد لله رب العالمين ويتلوه ان شاء الله تعالى كتاب النكاح وكان الفراغ منه يوم الجمعة لاربع عشرة ليلة خلت من شهر شوال سنة تسع وسبعمائة وقد اجتهدت في كتابته غاية الاجتهاد في ضبط أسماء يجب
ضبطها وكتبته من نسختين صحيحتين وبالله أسأل المغفرة والعصمة انه ولى ذلك والقادر عليه وهو حسبى ونعم الوكيل (1) في النسخة رقم 16 فليلتزم الصوم ولعله تحريف من الناسخ(9/440)
قال أبو محمد: وهذان خبران موضوعان لانهما من رواية أبى عصام رواد بن الجراح العسقلاني وهو منكر الحديث لا يحتج به، وبيان وضعهما انه لو استعمل الناس ما فيهما من ترك النسل لبطل الاسلام والجهاد والدين وغلب أهل الكفر مع ما فيه من اباحة تربية الكلاب فظهر فساد كذب رواد بلا شك وبالله تعالى التوفيق * قال على: وليس ذلك فرضا على النساء لقول الله عزوجل: (والقواعد من النساء اللاتى لا يرجون نكاحا) وللخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك عن عتيك بن الحارث بن عتيك ان جابر بن عتيك أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله فذكر عليه الصلاة والسلام فيها والمرأة تموت بجمع شهيد * قال أبو محمد: وهى التى تموت في نفاسها والتى تموت بكرا لم تطمث * 1816 مسألة ولا يحل لاحد أن يتزوج أكثر من أربع نسوة اماء أو حرائر أو بعضهن حرائر وبعضهن اماء، ويتسرى العبد والحر ما أمكنهما الحر والعبد في ذلك سواء بضرورة وبغير ضرورة، والصبر عن تزوج الامة للحر أفضل (1) * برهان ذلك قول الله عزوجل: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر بن حماد نا مسدد نا يزيد نا معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختر منهن أربعا، فان قيل: فان معمرا اخطأ في هذا الحديث [ خطأ فاسدا ] (2) فاسنده قلنا: معمر ثقة مأمون فمن ادعى عليه أنه اخطأ فعليه البرهان بذلك ولا سبيل له إليه، وأيضا فلم يختلف في أنه لا يحل لاحد زواج اكثر من أربع نسوة أحد من أهل الاسلام، وخالف في ذلك قوم من الروافض لا يصح لهم عقد الاسلام وبقى
من هذه المسألة نكاح الحر الامة، وكم ينكح العبد، وهل يتسرى العبد؟ فاما نكاح الحر الامة فاختلف الناس في ذلك، فروينا عن على ولم يصح لا ينبغى لحر أن يتزوج أمة وهو يجد طولا يتزوج به حرة فان فعل فرق بينهما * وعن ابن عباس من ملك ثلثمائة درهم وجب عليه الحج وحرم عليه نكاح الامة (3) * وعن أبى هريرة.
وابن عباس ولم يصح عنهما ما ان يخف نكاح الامة على الزنا الا قليلا، وصح عن جابر بن عبد الله من وجد صداق حرة فلا ينكح امة ولا تنكح الامة على الحرة وتنكح الحرة على الامة، وعن عمر بن الخطاب انه كتب إليه يعلى بن منبه في رجل تحته امرأتان حرتان وأمتان مملوكتان فكتب إليه عمر فرق بينه وبين الامتين * وعن ابن عباس: وابن عمر
__________
(1) في النسخة رقم 14 الامة للحر والعبد أفضل (2) الزيادة من النسخة رقم 16 (3) في النسخة رقم 14 الاماء(9/441)
أنهما كرها أن تنكح امة على حرة يجمع بينهما * وعن ابن مسعود لا تنكح الامة على الحرة الا المملوك، وصح عن ابن عباس قال: تزويج الحرة على الامة المملوكة طلاق المملوكة وبه يقول الشعبى، وروينا عن مجاهد أنه قال: مما وسع الله تعالى به على هذه الامة نكاح الامة والنصرانية وان كان موسرا، وروينا عن عبد الرزاق قال: سألت سفيان الثوري عن نكاح الامة؟ فقال: لم ير على به بأسا * قال أبو محمد: وهو قول عثمان البتى وقال أبو حنيفة: جائز للحر المسلم واجد الطول وللعبد ان ينكحا الامة الا أن يكون عنده حرة قال: فان كانت في عصمته حرة مسلمة أو كتابية لم يجز له نكاح الامة البتة لا باذن الحرة ولا بغير اذنها فان فعل فسخ نكاح الامة وكذلك لو تزوج أمة وقد طلق زوجته الحرة ثلاثا أو أقل ما دامت في عدتها وجائز عنده نكاح الحرة على الامة ما لم يتجاوز بالجميع أربعا، وقال مالك: لا يجوز للحر نكاح أمة الا باجتماع الشرطين أن لا يجد صداق حرة.
وأن يخشى العنت فان تزوجها على حرة فسخ نكاح الامة ثم رجع عن ذلك فاباح نكاح الامة المؤمنة
خاصة للفقير وللموسر الحر والعبد، قال: فان كانت عنده حرة فتزوج أمة عليها خيرت الحرة فان شاءت أقامت عنده وان شاءت فارقته قال: فان رضيت بذلك فله أن يتزوج عليها تمام أربع من الاماء أن شاء ولا خيار للحرة بعد، قال: ويتزوج العبد الامة على الحرة، وقال الشافعي: لا يجوز نكاح الحر الواجد صداق حرة مؤمنة أو كتابية لامة فان لم يجد طولا لحرة وخشى مع ذلك العنت فله نكاح أمة مؤمنة واحدة لا أكثر، وقال مرة: ان لم يجد صداق حرة مسلمة ووجد صداق حرة كتابية فله نكاح الامة المسلمة * قال أبو محمد: أما قول أبى حنيفة فهو عار من الادلة جملة وان كان قد وافق في بعضه بعض السلف فقد خالف قول سائرهم وليس قول أحد بأولى من قول غيره الا بيان قرآن أو سنة، وأما قول مالك الاول.
وقول الشافعي الآخر فقد يظن أنهما تعلقا بالقرآن وأما قولاهما المشهوران عنهما فخلاف للقرآن لان قول مالك في منع الحر نكاح الامة بأن تكون عنده حرة واباحته له نكاح الامة إذا لم تكن عنده حرة وان كان مستطيعا لطول ينكح به الحرة المسلمة ليس تقتضيه الآية أصلا ولا جاءت به سنة قط الا أن يتعلق هو وأبو حنيفة بما روينا من طريق سعيد بن منصور نا اسماعيل بن ابراهيم عمن سمع الحسن يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح الامة على الحرة فهذا منقطع في موضعين هالك وايضا فليس فيه تخيير الحرة كما ذكر مالك،(9/442)
وأما تخييره الحرة في البقاء تحت زوجها الحر أو فراقه إذا تزوج عليها أمة فقول فاسد لا دليل على صحته ولا نعلم أحدا قال به قبله، وأما منع الشافعي من وجد طولا لنكاح حرة كتابية من نكاح الامة فقول لا تقتضيه الآية فسقطت هذه الاقوال كلها إذ ليست موافقة للقرآن ولا لشئ من السنن * قال أبو محمد: فالمرجوع إليه إذا اختلف السلف رضى الله عنهم هو القرآن قال عز
وجل: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بايمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن باذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشى العنت منكم وان تصبروا خير لكم) فنظرنا في مقتضى هذه الآية فوجدنا فيها حكم من لم يجد الطول وخشى العنت فاباح نكاح الامة المؤمنة له وان الصبر خير لنا فقلنا بذلك كله فنظرنا في حكم من يجد الطول ولم يخش العنت.
وفى نكاح المسلم الامة الكتابية فلم نجده فيه أصلا لا باباحة ولا بمنع ولا بكراهة بل هو مسكوت عنه فيها جملة فلم يجز لنا أن نحكم له منها بحكم من لا يجد الطول وخشى العنت وبحكم الامة المؤمنة لانه قياس على ما في الآية والقياس باطل ولم يجز لنا أن نحكم له منها بحكم مخالف لحكم من لا يجد الطول ويخشى العنت وبحكم الامة المؤمنة لانه ليس ذلك في الآية وكلاهما تعد لما في الآية واقحام فيها لما ليس فيها فوجب أن نطلب حكم من يجد الطول ولا يخشى العنت فوجدنا الله تعالى يقول: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) ووجدنا الله تعالى يقول: (وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم واماءكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) فكان في هذه الآية بيان جلى في اباحة نكاح الكتابيات جملة لم يخص تعالى حرة من أمة، وفى الآية الاخرى اباحة نكاح العبيد من المؤمنين عموما لم يخص تعالى حرة من أمة، واباحة نكاح الاماء المسلمات لم يخص حرا من عبد فكان في هاتين الآيتين بيان نكاح المسلم الغنى والفقير والعبد والحر عموما بكل حال للحرة المسلمة وللكتابية وللامة المسلمة والكتابية ولم يأت قط في سنة ولا في قرآن تحريم شئ من ذلك ولا كراهة فصح قلنا بيقين لا اشكال فيه * ومن عجائب الدنيا اباحة مالك نكاح الحر واجد الطول غير خائف العنت نكاح
الامة المسلمة ومنعه اياه نكاح الامة الكتابية وهذا تحكم في التعلق بالآية لا يجوز(9/443)
وبالله تعالى التوفيق، وكذلك اباحته نكاح الامة على الحرة للعبد ومنعه الحر من ذلك وهذا وان كان قد روى عن مسروق عن ابن مسعود ولم يصح عنه فقد أتى عن غيرهما من الصحابة رضى الله عنهم والتابعين خلاف ذلك وترك الفرق بين شئ من ذلك * (وأما كم ينكح العبد) فروينا عن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عمر بن الخطاب قال ينكح العبد اثنتين، وعن ابن جريج أخبرت ان عمر بن الخطاب سأل الناس كم ينكح العبد؟ فاتفقوا على أن لا يزيد على اثنتين * وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري.
وابن جريج قالا: نا جعفر بن محمد عن أبيه أن على بن أبى طالب قال: ينكح العبد اثنتين نا محمد ابن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن ليث بن أبى سليم عن عطاء قال: أجمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ان العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين وهو قول الحسن.
وعطاء.
وابى حنيفة.
والشافعي.
وأحمد وسفيان الثوري.
والليث بن سعد.
وغيرهم، وصح عن مجاهد، والزهرى أنه يتزوج اربعا وروى عن الشعبى ولم يصح عنه.
وعن عطاء أنه توقف في ذلك وبهذا يقول مالك.
وابو سليمان * قال أبو محمد: وهذا مما خالف فيه المالكيون صحابة لا يعرف لم من الصحابة مخالف وهذا مما يعظمونه إذا وافق أهواءهم * قال على: لا حجة في كلام أحد دون كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) فلم يخص عبدا من حر فهما سواء في ذلك وبالله تعالى التوفيق * وأما تسرى العبد فان الناس اختلفوا فروينا من طريق حماد بن سلمة.
ومعمر كلاهما عن أيوب السختيانى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرى ممالكيه يتسرون ولا ينهاهم *
ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن أبى معبد عن ابن عباس أنه قال لعبد له في جارية له استحلها (1) بملك اليمين، ولا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف لهذين وهو قول الشعبى، وابراهيم النخعي.
والحسن البصري.
وعطاء وصح ذلك عنهم وهو قول مالك.
وأبى سليمان وما نعلم خلافا في ذلك من تابع الا رواية غير مشهورة عن ابراهيم والحكم بن عتيبة، ورواية صحيحة عن ابن سيرين أنهم كرهوا للعبد أن يتسرى كراهية لا منعا ولم يجز ذلك أبو حنيفة.
ولا الشافعي * قال أبو محمد: وهم يعظمون خلاف الصاحب الذى لا يعرف له من الصحابة مخالف
__________
(1) في النسخة رقم 16 استحقها(9/444)
وقد خالفوا ههنا ابن عباس.
وابن عمر ولا يعرف لهما من الصحابة رضى الله عنهم مخالف فوجب (1) الرجوع إلى القرآن والسنة فوجدنا الله عزوجل يقول: (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين) فلم يخص تعالى حرا من عبد وقد تكلمنا فيما خلا من كتابنا على صحة ملك العبد لما له فاغنى عن ترداده وبالله تعالى التوفيق * 1817 مسألة وجائز للمسلم نكاح الكتابية وهى اليهودية.
والنصرانية.
والمجوسية بالزواج ولا يحل له وطئ أمة غير مسلمة بملك اليمين.
ولا نكاح كافرة غير كتابية أصلا * قال على: روينا عن ابن عمر تحريم نكاح نساء أهل الكتاب جملة، وروينا من طريق البخاري نا قتيبة بن سعيد نا الليث - هو ابن سعد - عن نافع ان ابن عمر سئل عن نكاح اليهودية والنصرانية؟ فقال: ان الله تعالى حرم المشركات على المؤمنين ولا أعلم من الاشراك شيئا أكثر من أن تقول المرأة ربها عيسى وهو عبد من عباد الله عز وجل، وأباح أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي نكاح اليهودية.
والنصرانية ووطئ الامة اليهودية والنصرانية بملك اليمين وحرموا نكاح المجوسية جملة ووطئها بملك
اليمين الا أن مالكا حرم زواج الأمة اليهودية والنصرانية وأباح نكاح المجوسية بملك اليمين وأباح اجبارها على الاسلام * قال أبو محمد: فوجب الرجوع إلى القرآن.
والسنة فوجدنا الله تعالى يقول: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) فلو لم تأت الا هذه الآية لكان القول قول ابن عمر لكن وجدنا الله تعالى يقول: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) فكان الواجب الطاعة لكلتى الآيتين وأن لا تترك احداهما للاخرى، ووجدنا من أخذ بقول ابن عمر قد خالف هذه الآية وهذا لا يجوز ولا سبيل إلى الطاعة لهما الا بأن يستثنى الاقل من الاكثر فوجب استثناء اباحة المحصنات من أهل الكتاب بالزواج من جملة تحريم المشركات ويبقى سائر ذلك على التحريم بالآية الاخرى لا يجوز غير هذا ووجدنا تحريم مالك.
والشافعي.
نكاح الامة الكتابية بالزواج مخالفا للآية لانها من جملة المحصنات من الذين أوتوا الكتاب لان الاحصان الحرية والاحصان العفة قال الله تعالى: (مريم ابنة عمران التى أحصنت فرجا) أي عفت فرجها، ولا يحل لاحد ان يخص بقوله
__________
(1) في النسخة رقم 14 فواجب(9/445)
تعالى: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) الحرائر دون العفائف من الاماء لانه يكون قائلا على الله تعالى ما لا علم له به وشارعا في الدين ما لم يأذن به الله تعالى ومدعيا بلا برهان وهذا لا يحل قال الله تعالى: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) وقال تعالى: (وان تقولوا على الله ما لا تعلمون) فمن لا برهان له على صحة قوله فلا صحة لقوله، وقد قدمنا ان تعلقهم بقول الله تعالى: (من فتياتكم المؤمنات) انما فيه اباحة نكاح الفتيات المؤمنات فقط وليس فيه منع من نكاح الفتاة الكتابية ولا اباحة لها
فوجب طلبه (1) من غير تلك الآية ولا بد ووجدنا اباحتهم وطئ الامة الكتابية بملك اليمين اقحاما في الآية ما ليس فيها بآرائهم لانه انما استثنى تعالى في الآية اباحة الكتابيات بالزواج خاصة بقوله تعالى: (إذا آتيتموهن أجورهن) وأبقى ما عدا ذلك على التحريم بنهيه تعالى عن نكاح المشركات حتى يؤمن ولم يأت قط قرآن.
ولا سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم باباحة كتابية بملك اليمين فهم في هذه القضية مخرجون من هذه الآية ما فيها من اباحة زواج العفائف من الكتابيات جملة لم يخص حرة من امة ويقحمون فيها ما ليس فيها ولا في غيرها من اباحة وطئ الامة الكتابية بملك اليمين، وممن قال بقولنا في ذلك جماعة من السلف، منهم ابن عمر كما روينا قبل عنه من تحريم الكوافر الكتابيات وغيرهن جملة فخرج من قوله ما اباحه القرآن بالزواج وبقى سائر قوله على الصحة وفيه تحريم الامة بلا شك بملك اليمين نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد ابن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا شريك عن أبى اسحاق السبيعى عن بكر بن ماعز عن الربيع ابن خيثم انه كان يكره أن يطأ الرجل المشركة حتى تسلم * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار بندار نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن موسى ابن أبى عائشة قال: سألت سعيد بن جبير.
ومرة الهمداني هو مرة الطبيب صاحب عبد الله بن مسعود فقلت: اصبت الامة [ من السبى ] (2) فقالا جميعا: لا تغشها حتى تغتسل وتصلى * نا محمد بن بن سعيد بن نبات نا عباس بن أصبغ نا محمد بن قاسم بن محمد نا جدى قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الاعلى هو ابن عبد الاعلى نا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن معاوية بن قرة عن ابن مسعود قال: اثنتا عشرة مملوكة أكره غشيانهن أمتك وأمها.
وأمتك وأختها.
وأمتك وطئها أبوك.
وامتك وطئها ابنك.
وأمتك عمتك من الرضاعة.
وأمة خالتك
__________
(1) في النسخة رقم 14 فوجب طلب ذلك (2) الزيادة من النسخة رقم 16(9/446)
من الرضاعة وأمتك وقد زنت وامتك وهى مشركة وأمتك وهى حبلى من غيرك * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان الضبعى أخبرني يونس بن عبيد أنه سمع الحسن البصري يقول: كنا نغزوا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أصاب الجارية أحدهم من الفئ فاراد أن يصيبها أمرها فغسلت ثيابها ثم علمها الاسلام وأمرها بالصلاة واستبرأها بحيضة ثم أصابها * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: لا يحل لرجل اشترى جارية مشركة أن يطأها حتى تغتسل وتصلى وتحيض عنده حيضة، فان ذكروا ما رويناه من طريق مسلم نا عبد الله بن عمر القواريرى نا يزيد بن زريع نا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن صالح أبى الخليل عن أبى علقمة الهاشمي عن ابى سعيد الخدرى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقى عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم واصابوا لهم سبايا فكان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن المشركين فانزل الله عزوجل: (والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم) أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن، فهذا لا حجة لهم فيه لوجهين أقطعهما أن سبى أوطاس كانوا وثنيين لا كتابيين لا يختلف في ذلك اثنان وهم لا يخالفوننا ان وطئ الوثنية بملك اليمين لا يحل حتى تسلم فانما في هذا الخبر لو صح اعلامهم أن عصمتهن من ازواجهن قد انقطعت إذا اسلمن وان كان لم يذكر ههنا الاسلام لكن ذكره تعالى في قوله: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن)، وواجب أن يضم كلام الله تعال بعضه إلى بعض * والوجه الثاني اننا روينا هذا الخبر من طريق مسلم ايضا فقال.
نا أبو بكر بن أبى شيبة.
ومحمد بن المثنى.
وابن بشار قالوا: انا عبد الاعلى هو ابن عبد الاعلى - عن سعيد.
هو ابن أبى عروبة عن قتادة عن أبى الخليل أن أبا علقمة الهاشمي حدث أن أبا سعيد الخدرى حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين سرية بمعنى الحديث المذكور فصح أن أبا الخليل لم يسمعه من ابى علقمة فهو منقطع، وقالوا: لم نجد في النساء من يحل نكاحها ولا يحل
وطؤها بملك اليمين فقلنا: هبك كان كما تزعمون فكان ماذا؟ ولا وجدنا في الفرائض في الصلاة ثلاث ركعات غير المغرب ولا وجدنا في الاموال شيئا يزكى من غيره الا الابل فلا ابرد من هذا الاحتجاج السخيف المعترض به على القرآن.
والصحابة رضى الله عنهم فكيف والحرائر كلهن من المسلمات يحل وطؤهن بالزواج ولا يحل وطؤهن بملك اليمين؟ وقال بعضهم: قال الله تعالى: (أما ما ملكت أيمانكم) فعم تعالى ولم يخص فدخلت في ذلك الكتابية فقلنا: فادخلوا بهذا العموم في الاباحة بملك(9/447)
اليمين وطئ الحائض والاخت من الرضاع.
واللام من الرضاع.
والام من الرضاع.
وأم الزوجة.
والتى وطئها الاب والاختين بملك اليمين، فان قالوا: قد خص ذلك آيات أخر قلنا: وقد خص الكتابية آية أخرى، فان ادعوا اجماعا أكذبهم قول طائفة من الصحابة رضى الله عنهم فمن بعدهم في الاختين بملك اليمين فظهر فساد قولهم وبالله تعالى التوفيق * وأما نكاح الكافرة غير الكتابية فلا يخالفنا الحاضرون في أنه لا يحل وطؤهن بزواج ولا بملك يمين * وأما المجوسية فقد ذكرنا في كتاب الجهاد.
وكتاب التذكية من كتابنا هذا ان المجوس أهل كتاب وإذا كانوا أهل كتاب فنكاح نسائهم بالزواج حلال، والحجة في أنهم أهل كتاب قول الله عزوجل: (فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) فلم يبح لنا ترك قتلهم الا بأن يسلموا فقط، وقال تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)، فاستثنى الله عزوجل أهل الكتاب خاصة باعفائهم من القتل بغرم الجزية مع اصغار من جملة سائر المشركين الذين لا يحل اعفائهم (1) الا أن يسلموا، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، ومن الباطل الممتنع
ان يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر به الا لو بين لنا أنهم غير أهل كتاب فكنا ندرى حينئذ انه فعل ذلك بوحى (2)، فان احتجوا بما روينا من طريق وكيع عن سفيان عن قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن على قال: (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الاسلام فمن أسلم قبل ومن أبى ضربت عليه الجزية على أن لا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة) فهذا مرسل ولا حجة في مرسل، وثانيه أنه ليس فيه أن قوله لا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة هو من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممن قال: انهم أهل كتاب جماعة من السلف حدثنى أحمد بن عمر بن انس العذري نا أبو ذر الهروي نا عبد بن احمد الانصاري نا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسى نا ابراهيم بن خريم نا عبد بن حميد نا الحسن بن موسى نا يعقوب بن عبد الله نا جعفر بن المغيرة عن ابراهيم بن أبزى قال: لما هزم الله تعالى أهل الاسفيذهار انصرفوا فجاءهم يعنى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فاجمعوا فقالوا: بأى شئ تجرى في المجوس من الاحكام فانهم ليسوا بأهل كتاب وليسوا بمشركين من مشركي العرب فتجرى فيهم
__________
(1) في النسخة رقم 14 (ابقاؤهم) (2) في النسخة رقم 14 (بالوحى)(9/448)
الاحكام التى أجريت في أهل الكتاب أو المشركين فقال على بن أبى طالب: بل هم أهل كتاب وذكر الخبر بطوله * نا محمد بن سعيد بن نبات نا عباس بن أصبغ نا محمد بن قاسم بن محمد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الاعلى بن عبد الاعلى نا سعيد بن أبى عروبة عن عبد الله الداناج قال: سمعت معبد الجهنى يحدث الحسن أن امرأة حذيفة كان مجوسية فجعل الحسن يقول: مهلا فقال انا والله دخلت عليها حتى كلمتها فقال لها: شابردخت قال: فحدث به الحسن بعد ذلك جده عبد الله بن ربيع التميمي نا عبد الله بن محمد ابن عثمان الاسدي نا أحمد بن خالد نا على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن عبد الله الداناج وأبى حرة قال عبد الله الداناج عن معبد الجهنى.
وقال أبو حرة عن
الحسن قالا جميعا: كانت امرأة حذيفة مجوسية * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: يعرض عليها الاسلام فان أبت فليصلبها ان شاء (1) وان كانت مجوسية ولكن يكرهها على الغسل من الجنابة * وبه إلى عبد الرزاق عن ابراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب قال: لا بأس أن يطأ الرجل جاريته المجوسية * قال أبو محمد: وقد ذكرنا في كتاب التذكية اباحه سعيد بن المسيب أكل ما ذبحه المجوسى ونحن وان كنا نخالف سعيدا.
وطاوسا في وطئ الامة المجوسية بملك اليمين فانما أتينا بهما لاباحتهما نكاح المجوسيات، ومن أباح نكاح المجوسية أبو ثور * قال أبو محمد: ومن أبين الخطاب أن يكون الله تعالى أمر ان لا تقبل جزية من مشرك الا من أهل الكتاب ولا ان تنكح مشركة الا الكتابية وان لا تؤكل ذبيحة مشرك الا كتابي ثم يفرق بين الاحكام المذكور فيمنع بعضها ويبيح بعضها وبالله تعالى التوفيق * 1818 مسألة ولا يحل لمسلمة نكاح غير مسلم أصلا ولا يحل لكافر أن يملك عبدا مسلما ولا مسلمة أمة اصلا * برهان ذلك قول الله عزوجل: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) وقال عزوجل: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا).
قال أبو محمد: والرق أعظم السبيل وقد قطعها الله عزوجل جملة على العموم ومن خالفنا في هذا ببيعهما إذا أسلما في ملك الكافر فنقول لهم: أرايتم طول مدة تعريضكم الامة والعبد للبيع إذا أسلما عند الكافر وقد تكون تلك المدة ساعة وتكون سنة أفى ملك الكافر هما ام ليس في ملكه؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث فان كانا في ملكه فلم تمنعونه من اتصال ملكه عليهما وقد أبحتموه (2) مدة ما وما برهانكم هذا الفرق الفاسد؟، وان
__________
(1) في النسخة رقم 16 فليضربها ان شاء (2) في النسخة رقم 16 وقد اتخذتموه(9/449)
قتلم: ليسا في ملكه ولا في ملك غيره قلنا: هذه صفة الحرية ومن هذه صفته فلا يحل بيعه ولا
احداث ملك عليه، فان قالوا: فانا نسألكم عن الذى تبيعونه لضرر أضربه أو في حق مال رجب عليه؟ قلنا: هو في ملك الذى يباع عليه وليس ملكه له حراما لانه لو قطع ضرره عنه لم يبع عليه ولو وجد له مال غير العبد أو الامة لم يباعا عليه وليس كذلك الكافر لانه ممنوع عندكم من تملك المسلم وبالله تعالى التوفيق * وقد اعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج إليه مسلما من عبيد أهل الكفر فتخصيصكم بذلك من خرج الينا مهم تحكم بلا دليل لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل: انما اعتقتكم لخروجكم فلا يجوز أن يقول عليه الصلاة والسلام ما لم يقل، فان قيل قد اشترى أبو بكر رضى الله عنه بلالا رضى الله عنه من كافر بعد اسلامه قلنا: كان ذلك بمكة في أول الاسلام قبل نزل الآية المذكورة كما أنكح عليه الصلاة والسلام بنته رضى الله عنها من أبى العاصى بن الربيع وهو كافر ومن عقبة بن أبى لهب قبل نزول تحريم ذلك فصح أن العبد.
والامة إذا أسلما وهما في ملك كافر فانهما حران في حين تمام اسلامهما وبالله تعالى التوفيق * 1819 مسألة وفرض على كل من تزوج ان يولم بما قل أو كثر * برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم عن يحيى بن يحيى.
وقتيبة.
وابى الربيع العتكى كلهم عن حماد بن زيد عن ثابت البنانى عن أنس بن مالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن ابن عوف أثر صفرة فقام: ماهذا؟ فقال: يارسول الله انى تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة) * ومن طريق مسلم نا أبو بكر ابن أبى شيبة نا عفان بن مسلم نا حماد بن سلمة انا ثابت البنانى عن أنس بن مالك فذكر نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية أم المؤمنين قال أنس: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمتها التمر والاقط والسمن * ومن طريق البخاري نا محمد بن يونس نا سفيان عن منصور بن صفية عن أمه صفية بنت شيبة قالت: أو لم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير، وهو قول أبى سليمان.
وأصحابنا * 1820 مسألة وفرض على كل من دعى إلى وليمة أو طعام أن يجب الا
من عذر فان كان مفطرا ففرض عليه أن يأكل فان كان صائما فليدع الله لهم فان كان هنالك حرير مبسوط أو كانت الدار مغصوبة أو كان الطعام مغصوبا، وأن كان هناك خمر ظاهر فليرجع ولا يجلس كما روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا هرون بن عبد الله الايلى نا حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع قال: سمعت عبد الله ابن عمر يقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجيبوا الدعوة إذا دعيتم لها) وكان ابن عمر(9/450)
ياتي الدعوة في العرس وغيره وكان يأتيها وهو صائم * ومن طريق عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختيانى عن نافع أن ابن عمر كان يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرسا كان أو نحوه) * ثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا عبد الرحمن بن أسد الكازرونى نا أبو يعقوب الدبرى نا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن مجاهد قال: ان ابن عمر دعى يوما إلى طعام فقال رجل من القوم: اما أنا فاعفني فقال له ابن عمر: لا عافية لك من هذا فقم * ومن طريق مسلم نا أبو بكر ابن أبى شيبة نا حفص بن غياث عن هشام عن ابن سيرين عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعى أحدكم فليجب فان كان صائما فليصل وان كان مفطرا فليطعم) وصح عن أبى هريرة (من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله) فان قيل: قد جاء في بعض الآثار إذا دعى إلى وليمة عرس فليجب قلنا: نعم لكن الاثار التى اوردنا فيها زيادة غير العرس مع العرس وزيادة العدل لا يحل تركها، فان قيل: فقد رويتم من طريق سفيان عن أبى الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: (إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب فان شاء طعم وان شاء ترك) قلنا: نعم وأبو الزبير لم يذكر في هذا (1) أنه سمعه من جابر ولا هو من رواية الليث عنه، وقد روينا عن الليث أنه وقف ابا الزبير على ما سمعه من جابر مما لم يسمعه منه قال الليث: فاعلم لى على ما أخذته عنه، وليس هذا الحديث مما أعلم له عليه فبطل الاحتجاج به، ثم لو صح لكان الخبر الذى فيه ايجاب
الاكل زائدا على هذا وزيادة العدل لا يحل تركها وبالله تعالى التوفيق * وجمهور الصحابة.
والتابعين على ما ذكرنا من ايجاب الدعوة * 1821 مسألة ولا يحل للمرأة نكاح ثيبا كانت أو بكرا الا باذن وليها الاب أو الاخوة أو الجد أو الاعمام أو بنى الاعمام وان بعدوا والاقرب فالاقرب أولى، وليس ولد المرأة وليا لها الا ان كان ابن عمها، ولا يكون في القوم (2) أقرب إليها منه، ومعنى ذلك أن يأذن لها في الزواج فان أبى أولياؤها من الاذن لها زوجها السلطان * برهان ذلك قول الله عزوجل: (وانكحوا الايامى منكم والصحالين من عبادكم وامائكم) وقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) وهذا خطاب للاولياء لا للنساء * وروينا من طريق ابن وهب نا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنكح المرأة بغير وليها فان نكحت فنكاحها باطل ثلاث مرات فان أصابها فلها مهرها بما
__________
(1) في النسخة رقم 14 فيه (2) في النسخة رقم 14 في قومها(9/451)
اصاب منها فان اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) وما حدثنا به أحمد بن محمد الطلمنكى نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت الرقى نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا أبو كامل نا بشر بن منصور نا سفيان الثوري عن أبى اسحق السبيعى عن أبى بردة بن ابى موسى الاشعري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح الا بولي) * وبه إلى البزار نا محمد ابن موسى الجرشى نا يزيد بن زريع نا شعبة بن الحجاج عن أبى اسحق السبيعى عن أبى بردة بن أبى موسى الاشعري عن ابيه هو أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا نكاح الا بولي) فاعترض قوم على حديث أم المؤمنين هذا بأن ابن علية روى عن ابن جريج أنه سأل الزهري عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه قالوا: وأم المؤمنين رضى الله عنها روى هذا الحديث عنها وقد صح عنها أنها كانت أنكحت بنت اخيها عبد الرحمن وهى بكر
وهو مسافر بالشام قريب الاوبة بغير أمره فلم يمضه بل أنكر ذلك إذ بلغه فلم تر عائشة ذلك مبطلا لذلك النكاح بل قالت للذى زوجتها منه وهو المنذر بن الزبير: اجعل أمرها إليه ففعل فانفذه عبد الرحمن قالوا: والزهرى هو الذى روى عنه هذا الخبر، وقد رويتم من طريق عبد الرزاق عن معمر أنه قال له: سألت الزهري عن الرجل يتزوج بغير ولى؟ فقال: أن كان كفؤا لها لم يفرق بينهما قالوا: فلو صح هذا الخبر لدل خلاف عائشة التى روته والزهرى الذى رواه لما فيه دليلا على نسخه فقلنا: أما قولكم: ان الزهري سأله عنه ابن جريج فلم يعرفه فان أبا سلمان داود بن بابشاد بن داود بن سليمان كتب إلى نا عبد الغنى بن سعيد الازدي الحافظ نا هشام بن محمد بن قرة الرعينى قال: نا أبو جعفر الطحاوي نا أحمد بن ابى داود عمران قال: نا يحيى بن معين عن ابن علية عن ابن جريج انه سأل الزهري عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه قال أبو محمد: وهذا لا شئ لوجهين، أحدهما ما حدثناه القاضى أبو بكر حمام ابن أحمد قال: نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا غيلان نا عباس نا يحيى ابن معين، حديث ابن جريج هذا قال عباس: فقلت له: ان ابن علية يقول: قال ابن جريج لسليمان بن موسى فقال: نسيت بعد فقال ابن معين: ليس يقول هذا الا ابن علية وابن علية عرض كتب ابن جريج على عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبى رواد فاصلحها له قال ابن معين: لا يصح في هذا الا حديث سليمان بن موسى * قال أبو محمد: فصح ان سماع ابن علية من ابن جريج مدخول، ثم أن الزهري انكره وان سليمان بن موسى نسيه فقد روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا ابن نمير قال قال لى عبدة وأبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت:(9/452)
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع قراءة رجل في المسجد فقال رحمه الله: لقد أذكرني آية كنت انسيتها) * نا احمد بن محمد بن الجسور نا وهب بن مسرة نا ابن وضاح نا أبو بكر بن
أبى شيبة نا وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن ذر بن عبد الله المرهبى عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه (ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر فأغفل آية فلما صلى قال: أفى القوم أبى بن كعب؟ فقال له أبى بن كعب: يا رسول الله أغفلت آية كذا أو نسخت؟ فقال عليه الصلاة والسلام: بل أنسيتها) * قال أبو محمد: فإذا صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نسى آية من القرآن.
ومن الزهري.
ومن سليمان.
ومن يحيى حتى لا ينسى؟ وقد قال عزوجل: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى) لكن ابن جريج ثقة فإذا روى لنا عن سليمان بن موسى وهو ثقة انه أخبره عن الزهري بخبر مسند فقد قامت الحجة به سواء نسوه بعد أن بلغوه وحدثوا به أو لم ينسوه، وقد نسى أبو هريرة حديث لا عدوى، ونسى الحسن حديث من قتل عبده، ونسى أبو معبد مولى ابن عباس حديث التكبير بعد الصلاة بعد أن حدثوا بها فكان ماذا؟ لا يعترض بهذا الا جاهل أو مدافع للحق بالباطل، ولا ندرى في أي القرآن أم في أي السنن أم في أي حكم العقول وجدوا؟ ان من حدث بحديث ثم نسيه ان حكم ذلك الخبر يبطل، ماهم الا في دعوى كاذبة بلا برهان.
وأما اعتراضهم بانه صح عن عائشة وعن الزهري رضى الله عنهما أنهما خالفا ما رويا من ذلك فكان ماذا؟ انما أمرنا الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وقامت حجة العقل بوجوب قبول ما صح عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبسقوط اتباع قول من دونه عليه الصلاه والسلام، ولا ندرى اين وجدوا أن من خالف باجتهاده مخطئا متأولا ما رواه أنه يسقط بذلك ما رواه ثم نعكس عليهم أصلهم هذا الفاسد فنقول: إذا صح أن أم المؤمنين رضى الله عنها.
والزهرى رحمه الله رويا هذا الخبر وروى عنهما أنهما خالفاه فهذا دليل على سقوط الرواية بانهما خالفا بل الظن بهما أنهما لا يخالفان ما روياه وهذا أولى لان تركنا ما لا يلزمنا من قولهما لما يلزمنا من روايتهما هو الواجب لا ترك ما يلزمنا مما روياه لما لا يلزمنا من رأيهما فكيف وقد كتب إلى داود بن بابشاد قال: حدثنى عبد الغنى
ابن سعيد نا هشام بن محمد بن قرة نا أبو جعفر الطحاوي نا الحسن بن غليب نا يحيى بن سليمان الجعفي نا عبد الله بن ادريس الاودى عن ابن جريج عن عبد الرحمن ابن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين انها أنكحت رجلا من بنى أخيها جارية من بنى أخيها فضربت بينهم سترا ثم تكلمت(9/453)
حتى إذا لم يبق الا النكاح امرت رجلا فانكح ثم قالت: ليس إلى النساء النكاح، فصح يقينا بهذا رجوعها عن العمل الاول إلى ما نبهت عليه من أن نكاح النساء لا يجوز واعترضوا في رواية أبى موسى أن قوما أرسلوه فقلنا فكان ماذا إذا صح الخبر مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قامت الحجة به ولزمنا قبوله فرضا ولا معنى لمن أرسله أو لمن لم يروه أصلا أو لمن رواه من طريق أخرى ضعيفة؟ كل هذا كأنه لم يكن وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: وممن قال بمثل قولنا جماعة من السلف كما روينا من طريق ابن وهب حدثنى عمرو بن الحارث عن بكير بن الاشج أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قال عمر ابن الخطاب: لا تنكح المرأة الا باذن وليها أو ذوى الرأى من أهلها أو السلطان * ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن معبد أن عمر ابن الخطاب رد نكاح امرأة نكحت بغير اذن وليها * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد الحميد بن جبير بن شيبة أن عكرمة بن خالد أخبره أن الطريق جمع ركبا فجعلت امرأة ثيب أمرها إلى رجل من القوم غير ولى فأنكحها رجلا فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فجلد الناكح والمنكح ورد نكاحها * ومن طريق محمد بن سيرين عن أبى هريرة ليس للنساء من العقد شئ لا نكاح الا بولي لا تنكح المرأة نفسها فان الزانية تنكح نفسها * ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى عن محمد ابن سيرين أن ابن عباس قال: البغايا اللاتى ينحكن أنفسهن بغير الاولياء * ومن طريق عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال: ولى عمر بن الخطاب ابنته
حفصة أم المؤمنين ماله وبناته ونكاحهن فكانت حفصة أم المؤمنين رضى الله عنها إذا أرادت أن تزوج امرأة أمرت أخاها عبد الله فيزوج * وروينا نحو هذا أيضا عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها.
وابن عمر.
وعمر بن عبد العزيز.
وابراهيم النخعي * وروينا عن الحاج بن منهال نا أبو هلال قال: سألت الحسن؟ فقلت: أبا سعيد امرأة خطبها رجل ووليها غائب بسجستان ولوليها ههنا ولى أيزوجها ولى وليها؟ قال: لا ولكن اكتبوا إليه قلت له: ان الخاطب لا يصبر قال: فليصبر قال له رجل: إلى متى يصبر؟ قال الحسن: يصبر كما صبر أهل الكف، وهو قول جابر بن زيد.
ومكحول، وهو قول ابن شبرمة.
وابن أبى ليلى.
وسفيان الثوري.
والحسن بن حى.
والشافعي.
وأحمد.
واسحاق.
وأبى عبيد.
وابن المبارك، وفى ذلك خلاف قديم.
وحديث كما حدثنا محمد بن سعيد بن بنات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار بندار نا أبو داود نا الطيالسي نا شعبة عن أبى اسحاق الشيباني.
وسفيان الثوري(9/454)
قال أبو إسحق: كانت فينا امرأة يقال لها: بحرية زوجتها أمها وكان أبوها غائبا فلما قدم ابوها أنكر ذلك فرفع ذلك إلى على فاجاز ذلك قال شعبة: وأخبرني سفيان الثوري انه سمع أبا قيس يحدث عن هذيل بن شرحبيل عن على بن أبى طالب بمثله * ومن طريق الحجاج ابن المنهال نا شعبة بن الحجاج قال: أخبرني سليمان الشيباني هو أبو إسحاق قال: سمعت القعقاع قال: انه تزوج رجل امرأة منا يقال لها: بحرية زوجتها اياه امها فجاء أبوها فأنكر ذلك فاختصما إلى على بن أبى طالب فأجازه والخبر المشهور عن عائشة أم المؤمنين انها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير، وعبد الرحمن غائب بالشام فلما قدم انكر ذلك فجعل المنذر أمرها إليه فاجازه * وروينا أن أمامة بنت أبى العاصى ابن أبى الربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها معاوية بعد قتل على رضى الله عنه وكانت تحت على فدعت بالمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فجعلت أمرها إليه
فانكحها نفسه فغضب مروان وكتب بذلك إلى معاوية فكتب إليه معاوية دعه واياها وصح عن ابن سيرين في امرأة لا ولى لها فولت رجلا أمرها فزوجها قال ابن سيرين: لا بأس بذلك المؤمنون بعضهم أولياء بعض * وعن عبد الرزاق عن ابن جريج أنه سأل عطاء عن امرأة نكحت بغير اذن ولاتها وهم حاضرون فقال: اما امرأة مالكة امر نفسها إذا كان بشهداء فانه جائز بغير أمر الولاة * وعن القاسم بن محمد في امرأة زوجت ابنتها بغير اذن أوليائها قال: ان أجاز الولاة ذلك إذا علموا فهو جائز، وروى نحو هذا عن الحسن أيضا، وقال الاوزاعي: ان كان الزوج كفؤا ولها من أمرها نصيب ودخل بها لم يكن للولى أن يفرق بينهما، وقال أبو ثور: لا يجوز أن تزوج المرأة نفسها ولا أن تزوجها امرأة ولكن ان زوجها رجل مسلم جاز المؤمنون اخوة بعضهم أولياء بعض وقال أبو سليمان: أما البكر فلا يزوجها الا وليها وأما الثيب فتولى أمرها من شاءت من المسلمين ويزوجها وليس للولى في ذلك اعتراض، وقال مالك: أما الدنيئة كالسوداء أو التى أسلمت أو الفقيرة أو النبطية أو المولاة فان زوجها الجار وغيره ممن ليس هو لها بولي فهو جائز وأما المرأة التى لها الموضع فان زوجها غير وليها فرق بينهما فان أجاز ذلك الولى أو السلطان جاز، فان تقادم امرها ولم يفسخ وولدت له الاولاد لم يفسخ، وقال أبو حنيفة.
وزفر جائز للمرأة ان تزوج نفسها كفؤا ولا اعتراض لوليها في ذلك فان زوجت نفسها غير كف ء فالنكاح جائز وللاولياء ان يفرقوا بينهما وكذلك للولى أن يخاصم فيما حطت من صداق مثلها، وقال أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن: لا نكاح الا بولي ثم اختلفا فقال أبو يوسف: ان تزوجت بغير ولى فأجازه الولى جاز فان(9/455)
أبى أن يجيز والزوج كفؤ أجازه القاضى ولا يكون جائز الا حتى يجيزه القاضى، وقال محمد بن الحسن: ان لم يجزه الولى استأنف القاضى فيه عقدا جديدا * قال أبو محمد: أما قول محمد بن الحسن.
وأبى يوسف فظاهر التناقض والفساد
لانهما نقضا قولهما لا نكاح الا بولي إذا أجازا للولى اجازة ما أخبرا أنه لا يجوز، وكذلك قول أبى حنيفة لانه أجاز للمرأة انكاح نفسها من غير كف ء ثم اجاز للولى فسخ العقد الجائز فهى أقوال لا متعلق لها بقرآن ولا بسنة لا صحيحة ولا سقيمة.
ولا بقول صاحب.
ولا بمعقول.
ولا قياس.
ولا رأى سديد، وهذا لا يقبل الا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى لا ينطق عن الهوى الا عن الوحى من الخالق الذى لا يسأل عما يفعل، واما من غيره عليه الصلاه والسلام فهو دين جديد يعذب الله به في الحشر * وأما قول مالك فظاهر الفساد لانه فرق بين الدنية وغير الدنية وما علمنا الدناءة الا معاصي الله تعالى، وأما السوداء والمولاة فقد كانت أم أيمن رضى الله عنها سوداء ومولاة ووالله ما بعد أزواجه عليه الصلاة والسلام في هذه الامة امرأة أعلى قدرا عند الله تعالى وعند أهل الاسلام كلهم منها، وأما الفقيرة فما الفقر دناءة فقد كان في الانبياء عليهم الصلاة والسلام الفقير الذى أهلكه الفقر وهم أهل الشرف والرفعة حقا وقد كان قارون.
وفرعون.
وهامان من الغنى بحيث عرف وهم أهل الدناءة والرذالة حقا، وأما النبطية فرب نبطية لا يطمع فيها كثير من قريش ليسارها وعلو حالها في الدنيا ورب بنت خليفة هلكت فاقة وجهدا وضياعا ثم قوله: يفرق بينهما فان طال الامر وولدت منه الاولاد لم يفرق بينهما فهذا عين الخطأ انما هو حق أو باطل ولا سبيل إلى ثالث فان كان حقا فليس لاحد نقض الحق اثر عقده ولا بعد ذلك وان كان باطلا فالباطل مردود أبدا الا أن يأتي نص من قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيوقف عنده، وما نعلم قول مالك هذا قاله أحد قبله ولا غيره الا من قلده ولا متعلق له بقرآن.
ولا بسنة صحيحة ولا بأثر ساقط ولا بقول صاحب ولا تابع ولا معقول ولا قياس ولا رأى له وجه يعرف * وأما قول أبى ثور: فان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فان اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) مانع من أن يكون ولى المرأة كل مسلم لان مراعاة اشتجار جميع من أسلم من الناس محال وحاش انه عليه الصلاة والسلام أن يأمر بمراعاة محال لا يمكن فصح أنه
عليه الصلاة والسلام عنى قوما خاصة يمكن أن يشتجروا في نكاح المرأة لا حق لغيرهم في ذلك، وقوله عليه الصلاة والسلام: فالسلطان ولى من لا ولى له بيان جلى بما قلنا (1)
__________
(1) في النسخة رقم 16 مما قلنا(9/456)
إذ لو أراد عليه الصلاة والسلام كل مسلم لكان قوله: (من لا ولى له) محالا باطلا وحاش له من فعل ذلك فصح أنهم العصبة الذين يوجدون لبعض النساء ولا يوجدون لبعضهن * وأما قول أبى سليمان فانما عول على الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: (البكر يستأذنها أبوها والثيب احق بنفسها من وليها) * قال أبو محمد: وهذا لو لم يأت غيره لكان كما قال أبو سليمان لكن قوله عليه الصلاة والسلام: (ايما امرأة نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل) عموم لكل امرأة ثيب أو بكر، وبيان هذا (1) القول أن معنى قوله عليه الصلاة السلام: (والثيب أحق بنفسها من ولها) انه لا ينفذ عليها أمره بغير اذنها ولا تنكح الا من شاءت فإذا أرادت النكاح لم يجز لها الا بأذن وليها فان أبى أنكحها السلطان على رغم انف الولى الابى، وأما من لم ير لولى معنى فانهم احتجوا بقول الله تعالى: (حتى تنكح زوجا غيره) وبقول الله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن) وقد قلنا: ان قوله تعالى: (وأنكحوا الايامى منكم) بيان في ان نكاحهن لا يكون الا باذن الولى، واحتجوا بأن أم حبيبة أم المؤمنين رضى الله عنها زوجها النجاشي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لا حجة لهم فيه لان الله تعالى يقول: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) فهذا خارج من قوله عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة نكحت (2) بغير اذن وليها فنكاحها باطل)، ووجه آخر وهو أن هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزائد على معهود الاصل لان الاصل بلا شك ان تنكح المرأة من شاءت بغير ولى فالشرع الزائد هو الذى لا يجوز تركه لانه شريعة واردة من الله تعالى كالصلاة بعد ان لم تكن والزكاة بعد ان لم تكن وسائر الشرائع ولا فرق، واحتجوا بخبر فيه ان عمر بن
أبى سلمة هو زوج ام سلمة أم المؤمنين رضى الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خبر انما رويناه من طريق ابن عمر بن أبى سلمة وهو مجهول، ثم لو صح لكان القول فيه كالقول في حديث أم حبيبة سواء سواء مع أن عمر بن أبى سلمة كان يومئذ صغيرا لم يبلغ، هذا لا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم بالاخبار فمن الباطل أن يعتمد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقد من لا يجوز عقده ويكفى في رد هذا كله ما حدثناه يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم بن خليل نا ابراهيم بن حماد نا اسماعيل بن اسحاق نا عارم هو محمد بن الفضل نا حماد بن زيد عن ثابت البنانى عن أنس بن مالك قال: لما نزلت في زينب بنت جحش (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) قال: فكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن اهلوكن
__________
(1) في النسخة رقم 14 وبين هذا (2) في النسخة رقم 14 تزوجت(9/457)
وزوجني الله عزوجل من فوق سبع سموات، فهذا إسناد صحيح مبين ان جميع نسائه عليه السلام انما زوجهن أولياؤهن حاش زينب رضى الله تعالى عنها فان الله تعالى زوجها منه عليه الصلاة والسلام، وصح بهذا ان معنى قول أم حبيبة رضى الله عنها ان النجاشي زوجها أي تولى أمرها وما تحتاج إليه وكان العقد بحضرته وقد كان هنالك أقرب الناس إليها عثمان بن عفان بن أبى العاصى بن أمية.
وعمرو وخالد ابنا سعيد بن العاصى بن أمية فكيف يزوجها النجاشي بمعنى يتولى عقد نكاحها وهؤلاء حضور راضون مسرورون آذنون في ذلك بيقين لا شك فيه؟ وأما تزويجه عليه الصلاة والسلام المرأة بتعليم سورة من القرآن فليس في الخبر أنه كان لها ولى أصلا فلا يعترض على اليقين بالشكوك، وهكذا القول في كل حديث ذكروه كخبر نكاح ميمونة أم المؤمنين وانما جعلت أمرها إلى العباس فزوجها منه عليه الصلاة والسلام، ونكاح أبى طلحة أم سليم رضى الله عنها على الاسلام فقط أنكحها اياه أنس بن مالك وهو صغير دون عشر سنين فهذا كله منسوخ بابطاله عليه الصلاة والسلام النكاح بغير ولى، وسائر الاحاديث التى فيها أن نساءا
أنكحن بغير اذن أهلهن فرد عليه الصلاة والسلام نكاحهن وجعل اليهن اجازة ذلك ان شئن فكلها أخبار لا تصح اما مرسلة واما من رواية على بن غراب وهو ضعيف، فظهر صحة قولنا وبالله تعالى التوفيق * وأما قولنا: إنه لا يجوز انكاح الابعد من الاولياء مع وجود الاقرب فلان الناس كلهم يلتقون في أب بعد إلى آدم عليه السلام بلا شك فلو جاز انكاح الابعد مع وجود الاقرب لجاز انكاح كل من على وجه الارض (1) لانه يلقاها بلا شك في بعض آبائها، فان حدوا في ذلك حدا كلفوا البرهان عليه ولا سبيل إليه فصح يقينا أنه لا حق مع الاقرب للابعد، ثم ان عدم فمن فوقه بأب هكذا ابدا ما دام يعلم لها ولى عاصب كالميراث ولا فرق * واما ان كان الولى غائبا فلا بد من انتظاره، فان قالوا: ان ذلك يضر بها قلنا: الضرروة لا تبيح الفروج وقد وافقنا المالكيون على انه ان كان للزوج الغائب مال ينفق منه على المرأة لم تطلق عليه وان أضرت غيبته بها في فقد الجماع وضياع كثير من أمورها، ووافقنا الحنيفيون في انه وان لم يكن له مال فانها لا تطلق عليه ولا ضرر أضر من عدم النفقة، ثم نسألهم في حد الغيبة التى ينتظرون الولى فيها من الغيبة التى لا ينتظرونه فيها فانهم لا يأتون الا بفضيحة وبقول لا يعقل وجهه وبالله تعالى نتأيد * 1822 مسألة وللاب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر ما لم تبلغ بغير اذنها ولا خيار لها إذا بلغت فان كانت ثيبا من زوج مات عنها أو طلقها لم يجز للاب ولا لغيره
__________
(1) في النسخة رقم 14 على ظهر الارض(9/458)
أن يزوجها حتى تبلغ ولا اذن لهما قبل أن تبلغ، وإذا بلغت البكر والثيب لم يجز للاب ولا لغيره أن يزوجها الا باذنها فان وقع فهو مفسوخ أبدا، فاما الثيب فتنكح من شاءت وان كره الاب، وأما البكر فلا يجوز لها نكاح الا باجتماع اذنها واذن أبيها، وأما الصغيرة التى لا أب لها فليس لاحد ان ينكحها لا من ضرورة ولا من غير ضرورة حتى تبلغ ولا لاحد أن ينكح مجنونة حتى تفيق وتأذن الا الاب في التى لم تبلغ وهى مجنونة
فقط وفى بعض ما ذكرنا خلاف، قال ابن شبرمة: لا يجوز انكاح الاب ابنته الصغيرة الا حتى تبلغ وتأذن، ورأى امر عائشة رضى الله عنها خصوصا للنبى صلى الله عليه وسلم كالموهوبة، ونكاح أكثر من أربع، وقال الحسن.
وابراهيم النخعي: انكاح الاب ابنته الصغيرة والكبيرة الثيب والبكر وان كرهتا جائز عليهما كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا منصور بن المعتمر.
وعبيدة قال منصور: عن الحسن وقال عبيدة: عن ابراهيم قالا جميعا: ان نكاح الاب ابنته بكرا أو ثيبا جائز، وروينا عن ابراهيم قولا آخر كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد الرحيم نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي قال: البكر لا يستأمرها أبوها والثيب ان كانت في عياله استأمرها * وقال مالك: أما البكر فلا يستأمرها أبوها بلغت أو لم تبلغ عنست أو لم تعنس وينفذ انكاحه لها وان كرهت وكذلك ان دخل بها زوجها الا أنه لم يطأها فان بقيت معه سنة وشهدت المشاهد لم يجز للاب أن ينكحا بعد ذلك الا باذنها وان كان زوجها لم يطأها قال: وأما الثيب فلا يجوز انكاح الاب ولا غيره عليها الا باذنها قال: والجد بخلاف الاب فيما ذكرنا لا يزوج البكر ولا غيرها الا باذنها كسائر الاولياء، واختلف قوله في البكر الصغيرة التى لا أب لها فأجاز انكاح الاخ لها إذا كان نظرا لها في رواية ابن وهب ومنع منه في رواية ابن القاسم، وقال أبو حنيفة وأبو سليمان: ينكح الاب الصغيرة ما لم تبلغ بكرا كانت أو ثيبا فإذا بلغت نكحت من شاءت ولا اذن للاب في ذلك الا كسائر الاولياء، ولا يجوز انكاحه لها الا باذنها بكرا كانت أو ثيبا، وقال أبو حنيفة: والجد كالاب في كل ذلك، وقال الشافعي: يزوج الاب والجد للاب ان كان الاب قد مات البكر الصغيرة ولا اذن لها إذا بلغت، وكذلك البكر والكبيرة ولا يزوج الثيب الصغيرة احد حتى تبلغ سواء باكراه ذهبت عذرتها أو برضى بحرام أو حلال، وأما الثيب الكبيرة فلا يزوجها الاب ولا الجد ولا غيرهما الا باذنها ولها أن
تنكح من شاءت إذا كانت بالغا *(9/459)
قال أبو محمد: الحجة في اجازة (1) انكاح الاب ابنته الصغيرة البكر انكاح أبى بكر رضى الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضى الله عنها وهى بنت ست سنين، وهذا أمر مشهور غنينا عن ايراد الاسناد فيه فمن ادعى أنه خصوص لم يلتفت قوله لقول الله عزوجل (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) فكل ما فعله عليه الصلاة والسلام فلنا ان نتأسى به فيه الا أن يأتي نص بأنه له خصوص (2)، فان قال قائل: فان هذا فعل منه عليه الصلاة والسلام وليس قولا فمن اين خصصتم البكر دون الثيب والصغيرة دون الكبيرة وليس هذا من أصولكم؟ قلنا: نعم انما اقتصرنا على الصغيرة البكر للخبر الذى رويناه من طريق مسلم نا ابن أبى عمر نا سفيان هو بان عيينة عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل سمع نافع بن جبير يخبر عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأذنها أبوها في نفسها واذنها صماتها) فخرجت الثيب صغيرة كانت أو كبيرة بعموم هذا الخبر وخرجت البكر البالغ به أيضا لان الاستئذان لا يكون الا للبالغ العاقل (3) للاثر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاث فذكر فيهم الصغير حتى يبلغ) فخرجت البكر التى لا أب لها بالنص المذكور أيضا فلم تبق الا الصغيرة البكر ذات الاب فقط، فان قيل: فلم لم تجيزوا انكاح الجد لها كالاب، قلنا: لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فلم يجز ان يخرج من هذا العموم الا ما جاء به الخبر فقط، وهو الاب الادنى، وبالخبر المذكور يبطل قول الحسن.
وابراهيم الذى ذكرنا آنفا، وأما قول مالك في التى بقيت مع زوجها أقل من سنة ولم يطأها ان أباها يزوجها بغير اذنها فان أتمت مع زوجها سنة وشهدت المشاهد لم يكن له أن يزوجها الا باذنها ففى غاية الفساد لانه تحكم لا يعضده قرآن.
ولا سنة.
ولا رواية ضعيفة.
ولا قول أحد قبله جملة.
ولا قياس.
ولا رأى له وجه *
وأما الحاق الشافعي الصغيرة الموطوءة بحرام بالثيب فخطأ ظاهر لاننا نسألهم ان بلغت فزنت أبكر هي في الحد أم ثيب، فمن قولهم: انها بكر فظهر فساد قولهم وصح أنها في حكم البكر، وأما من جعل للثيب والبكر إذا بلغت أن تنكح من شاءت وان كره أبوها ومن جعل للاب أن ينكحها وان كرهت فكلاهما خطأ بين للاثر الثابت الذى ذكرنا آنفا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأذنها أبوها) ففرق عليه الصلاة والسلام بين الثيب والبكر فجعل للثيب أنها أحق بنفسها من وليها فوجب بذلك انه لا أمر للاب في انكاحها وانها أحق بنفسها منه ومن
__________
(1) في النسخة رقم 16 في جواز (2) في النسخة رقم 14 (له خاصة) (3) في النسخة رقم 14 لبالغ عاقل(9/460)
غيره وجعل البكر بخلاف ذلك، وأوجب على الاب أن يستأمرها فصح أنه لا بد من اجتماع الامرين اذنها واستئذان أبيها، ولا يصح لها نكاح ولا عليها الا بهما جميعا، وقوله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) موجب ان لا يجوز على البالغة البكر انكاح أبيها بغير اذنها، وقد جاءت بهذا آثار صحاح * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية المروزى نا أحمد بن شعيب أخبرني معاوية بن صالح نا الحكم بن موسى نا شعيب بن اسحاق عن الاوزاعي عن عطاء بن أبى رباح عن جابر بن عبد الله ان رجلا زوج ابنته وهى بكر من غير أمرها فاتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما * قال أبو محمد: معاوية بن صالح هذا هو الاشعري ثقة مأمون ليس هو الاندلسي الحضرمي ذلك ضعيف وهو قديم * وبه إلى أحمد بن شعيب انا محمد بن داود المصيصى نا حسين بن محمد نا جرير بن حازم عن أيوب السختيانى عن عكرمة عن ابن عباس (أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ان أبى زوجنى وهى كارهة فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها) * نا أبو عمر أحمد بن قاسم قال: حدثنى أبى قاسم بن محمد بن قاسم قال: حدثنى جدى قاسم بن أصبغ نا محمد بن ابراهيم نا عمران نا دحيم نا ابن أبى ذئب عن نافع عن
ابن عمر قال: ان رجلا زوج ابنته بكرا فكرهت فاتت النبي صلى الله عليه وآله فرد نكاحها * نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا ابراهيم بن أحمد البلخى نا الفربرى نا البخاري نا معاذ بن فضالة نا هشام هو الدستوائى عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة حدثهم (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال.
لا تنكح الايم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله فكيف اذنها؟ قال ان تسكت) * قال أبو محمد: الآثار ههنا كثيرة وفيما ذكرنا كفاية، وقد جاء في رد انكاح الاب ابنته الثيب بغير اذنها حديث خنساء بنت خدام * قال على، وقال بعضهم: زوج النبي صلى الله عليه وسلم بناته ولم يستأذنهن فقلنا: هذا لا يعرف في شئ من الآثار أصلا وانما هي دعوى كاذبة بل قد جاءت آثار مرسلة بانه عليه الصلاة والسلام كان يستأمرهن وقد تقصينا في كتاب الايصال ما اعترض به من لا يبالى مما أطلق به لسانه في الآثار التى أوردنا مما لا معنى له من رواية بعض الناس لها بلفظ مخالف للفظ الذى روينا ونحو ذلك وكل ذلك لا معنى له، لان اختلاف الالفاظ ليس علة في الحديث بل ان كان روى جميعها الثقات وجب أن تستعمل كلها ويحكم بما اقتضاه كل لفظ منها ولا يجوز ترك بعضها لبعض لان الحجة قائمة بجميعها وطاعة كل ما صح عنه عليه الصلاة والسلام فرض على الجميع، ومخالفة شئ منه معصية لله عزوجل وان كان روى بعضها ضعيف فالاحتجاج به على(9/461)
ما رواه الثقات ضلال، وقد جاء مثل قولنا عن السلف * نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله ابن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا على بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة نا أيوب السختيانى عن عكرمة ان عثمان بن عفان كان إذا أراد أن ينكح احدى بناته قعد إلى خدرها فاخبرها ان فلانا يخطبها * نا حمام بن أحمد نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن معمر عن حبيب عن نافع قال: كان ابن عمر يستأمر بناته في نكاحهن * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه قال: تستأمر النساء
في ابضاعهن قال ابن طاوس: الرجال في ذلك بمنزلة البنات لا يكرهون واشد شأنا * وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عاصم عن الشعبى قال: يستأمر الاب البكر والثيب، وهو قول سفيان الثوري.
والاوزاعي.
والحسن بن حى.
وأبى حنيفة وأصحابه.
وأبى سليمان.
وأصحابنا وبالله تعالى التوفيق * وما نعلم لمن أجاز على البكر البالغة انكاح أبيها لها بغير اذنها متعلقا أصلا الا ان قالوا: قد ثبت جواز انكاحه لها وهى صغيرة فهى على ذلك بعد الكبر * قال أبو محمد: وهذا لا شئ لوجهين، أحدهما أن النص فرق بين الصغير والكبير بما ذكرنا من قوله عليه الصلاة والسلام: (رفع القلم عن ثلاثة فذكر الصغير حتى يكبر)، والثانى أن هذا قياس والقياس كله فاسد، واذ صححوا قياس البالغة على غير البالغة فليلزمهم أن يقيسوا الجد في ذلك على الاب وسائر الاولياء على الاب أيضا والا فقد تناقضوا في قياسهم، ويكفى من ذلك النصوص التى أوردنا في رد انكاح البكر بغير اذنها وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: وإذا بلغت المجنونة وهى ذاهبة العقل فلا اذن لها ولا أمر فهى على ذلك لا ينكحها الاب ولا غيره حتى يمكن استئذانها الذى أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم * 1823 مسألة ولا يجوز للاب ولا لغيره انكاح الصغير الذكر حتى يبلغ فان فعل فهو مفسوخ أبدا، وأجازه قوم ولا حجة لهم الا قياسه على الصغيرة * قال على: والقياس كله باطل ولو كان القياس حقا لكان قد عارض هذا القياس قياس آخر مثله وهو انهم قد أجمعوا على أن الذكر إذا بلغ لا مدخل لابيه ولا لغيره في انكاحه أصلا وانه في ذلك بخلاف الانثى التى له فيها مدخل اما باذن واما بانكاح واما بمراعاة الكفؤ، فكذلك يجب أن يكون حكمهما مختلفين قبل البلوغ * قال أبو محمد: قول الله عزوجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) مانع من جواز عقد احد على أحد الا أن يوجب انفاذ ذلك نص قرآن.
أو سنة ولا نص ولا(9/462)
سنة في جواز انكاح الاب لابنه الصغير وقد قال بهذا طائفة من السلف * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: إذا أنكح الصغيرين أبواهما فهما بالخيار إذا كبرا ولا يتوارثان ان ماتا قبل ذلك * وبه إلى معمر عن قتاده قال: إذا أنكح الصبيين (1) ابوهما فماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما قال معمر: سواء أنكحهما أبواهما أو غيرهما وهو قول سفيان الثوري وبالله تعالى التوفيق * 1824 مسألة وإذا أسلمت البكر ولو يسلم أبوها أو كان مجنونا فهى في حكم التى لا أب لها لان الله تعالى قطع الولاية بين الكفار والمؤمنين قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم) وقال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وصح في المجنون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة فذكر منهم المجنون حتى يفيق) وقد صح أنه غير مخاطب باستئمارها ولا بانكاحها وانما خاطب عزوجل أولى الالباب فلها أن تنكح من شاءت باذن غيره من أوليائها أو السلطان، وكذلك التى أسلم أبوها ولم تسلم هي فان أسلم أو أسلمت أو عقل رجعت إلى حكم ذات الاب لدخوله في الامر بانكاحها واستئذانها والامة الصغيرة بكرا كانت أو ثيبا ليس لها أب فلا يجوز لسيدها انكاحها لانه لم يأت ذلك الا في الاب فقط وليس لابيها وان كان حرا انكاحها الا باذن سيدها لانه بذلك كاسب على سيدها إذ هي مال من ماله، وقد قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) والبرهان على ما قلنا من أنه لا يجوز للسيد انكاح أمته التى لم تبلغ قول الله عزوجل: (وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم) والصغير لا يوصف بصلاح في دينه ولا يدخل في الصالحين وكل مسلم فهو من الصالحين بقوله لا اله لا الله محمد رسول الله * 1825 مسألة ولا اذن للوصي في انكاح أصلا لا لرجل ولا لامرأة صغيرين كانا أو كبيرين لان الصغيرين من الرجال والنساء قد ذكرنا أن الذكر منهما
لا يجوز أن ينكحه أب ولا غيره وان الانثى منهما لا يجوز أن ينكحها الا الاب وحده، وأما الكبيران فلا يخلوان (2) من ان يكونا مجنونين أو عاقلين فان كانا مجنونين فقد بينا انه لا ينكحهما أحد لا أب ولا غيره، وأما العاقلان البالغان فلا يجوزان يكون عليهما وصى على ما بينا في كتاب الحجر فأغنى عن اعادته، وممن قال: لا مدخل للوصي في الانكاح أبو حنيفة.
والشافعي.
وأبو سليمان.
واصحابهم، فان موه مموه بالخبر الذى رويناه من طريق وكيع عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبى لبيبة عن جده قال: قال
__________
(1) في النسخة رقم 16 الصغيرين (2) في النسخة رقم 14 فلا يخلو(9/463)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من منع يتيما له النكاح فزنى فالاثم بينهما) قلنا: هذا مرسل ولا حجة في مرسل، وأيضا فهو من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن أبى لبيبة وهو ضعيف، وأيضا فليس فيه للوصي ذكر، وقد يكون أراد سيد العشيرة يمنع يتيما من قومه النكاح ظلما * 1826 مسألة ومن أوصى إذا مات ان تزوج ابنته البكر الصغيرة أو البالغ فهى وصية فاسدة لا يجوز انفاذها * برهان ذلك ان الصغيرة إذا مات أبوها صارت يتيمة وقد جاء النص بان لا تنكح اليتيمة حتى تستأذن، وأما الكبيرة فليس لابيها أن يزوجها في حياته بغير اذنها فكيف بعد موته، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مات أحدكم انقطع عمله الا من ثلاث) وليس من تلك الثلاث، وهذا قول أبى حنيفة.
والشافعي.
وأبى سليمان وأصحابهم * 1827 مسألة ولا يجوز النكاح الا باسم الزواج أو الانكاح.
أو التمليك أو الامكان، ولا يجوز بلفظ الهبة ولا بلفظ غيرها لما ذكرنا أو بلفظ الاعجمية يعبر به عن الالفاظ التى ذكرنا لمن يتكلم بتلك اللغة ويحسنها * برهان ذلك قول الله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) وقوله تعالى: (وانكحوا الايامى منكم والصالحين
من عبادكم وامائكم) وقال عزوجل: (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) وروينا من طريق البخاري نا سعيد بن أبى مريم نا أبو غسان هو محمد بن مطرف المدنى حدثنى أبو حازم عن سهل بن سعد الساعدي (أن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم) فذكر الحديث والرجل الذى خطبها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وقد انكحناكها بما معك من القرآن) * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر.
وسفيان الثوري كلاهما عن أبى حازم عن سهل بن سعد الساعدي فذكر الحديث (وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل: قد ملكتكها بما معك من القرآن) وروينا أيضا من طربق عبد العزيز بن أبى حازم عن أبيه عن سهل بن سعد فقال فيه (فقد ملكتكها بما معك من القرآن) * قال أبو محمد: فان قيل: فقد روى هذا الحديث سفيان بن عيينة عن أبى حازم عن سهل فقال فيه (قد انكحتكها) ورواه زائدة.
وحماد بن زيد.
وعبد العزيز بن محمد الدراوردى كلهم عن أبى حازم عن سهل فقالوا فيه: (فقد زوجتكها فعلمها من القرآن) وهو موطن واحد.
ورجل واحد.
وامرأة واحدة قلنا: نعم كل ذلك صحيح * وروينا من طريق البخاري نا عبدة هو ابن سليمان الصفار نا عبد الصمد هو ابن عبد الوارث نا عبد الله بن المثنى نا ثمامة بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان(9/464)
إذا تكلم بالكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه، فصح أنها الفاظ (1) كلها قالها عليه الصلاة والسلام معلما لنا ما ينعقد به النكاح والحمد رب العالمين * وممن قال بهذا الشافعي.
وأبو سليمان، وقال أبو حنيفة.
ومالك: ان النكاح ينعقد بلفظ الهبة * قال أبو محمد: وهذا عظيم جدا لان الله تعالى يقول: (وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبى ان أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين) فصح أن النكاح بلفظ الهبة باطل لغير النبي صلى الله عليه وسلم، والعجب قولهم: ان الهبة المحرمة انما هي إذا كانت بلا صداق فكان هذا زائدا في الضلال والتحكم بالكذب والدعاوى في الدين *
ومن العجب ان أتوا إلى الموهوبة وقد قال الله تعالى انها لرسوله عليه الصلاة والسلام من دون المؤمنين فجعلوه عموما لغيره ثم أتوا إلى ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من اباحة النكاح بخاتم حديد وبتعليم شئ من القرآن فجعلوه خصوصا له فلو عكسوا أقوالهم لاصابوا ونسال الله العافية * 1828 مسألة ولا يتم النكاح الا باشهاد عدلين فصاعدا أو باعلان عام فان استكتم الشاهدان لم يضر ذلك شيئا * نا محمد بن اسماعيل العذري.
ومحمد بن عيسى قالا: نا محمد بن على الرازي المطوعى نا محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري قال: سمعت ابا بكر بن اسحق الامام يقول: حدثنى ابو على الحافظ قال الحاكم: ثم سألت ابا على فحدثني قال: نا اسحاق بن أحمد بن اسحاق الرقى نا أبو يوسف محمد بن أحمد بن الحجاج الرقى نا عيسى بن يونس نا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها وشاهدي عدل فنكاحها باطل وان دخل بها فلها المهر وان اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له) * قال أبو محمد: لا يصح في هذا الباب شئ غير هذا السند يعنى ذكر شاهدى عدل وفى هذا كافية لصحته، فان قيل: فمن أين اجزتم النكاح بالاعلان الفاشى وبشهادة رجل وامرأتين عدول وبشهادة أربع نسوة عدول؟ قلنا: أما الاعلان فلان كل من صدق في خبر فهو في ذلك الخبر عدل صادق بلا شك فإذا أعلن النكاح فالمعلنان له به بلا شك صادقان عدلان فيه فصاعدا وكذلك الرجل والمرأتان فيهما شاهدا عدل بلا شك لان الرجل والمرأة إذا أخبر عنهما غلب التذكير، وأما الاربع النسوة (2) فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل) وقد ذكرناه [ باسناده ] (3) في كتاب الشهادات والحمد لله رب العالمين، وقال قوم: إذا استكتم الشاهدان فهو
__________
(1) في النسخة رقم 14 (الفاظه) (2) في النسخة رقم 14 لاربع نسوة (3) الزيادة من النسخة رقم 16(9/465)
نكاح سر وهو باطل * قال أبو محمد: وهذا خطأ لوجهين، أحدهما انه لم يصح قط نهى عن نكاح السر إذا شهد عليه عدلان، الثاني انه ليس سرا ما علمه خمسة الناكح والمنكح والمنكحة والشاهدان قال الشاعر * ألا كل سر جاوز اثنين شائع * وقال غيره السر يكتمه الاثنان ببينهما * وكل سر عدا الاثنين منتشر ومن أباح النكاح يستكتم فيه الشاهدان أبو حنيفة.
والشافعي: وأبو سليمان.
وأصحابهم * 1829 مسألة والنكاح جائز بغير ذكر صداق لكن بأن يسكت جملة فان اشترط فيه ان لا صداق فهو نكاح مفسوخ أبدا * برهان ذلك قول الله عزوجل: (لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) فصحح الله عزوجل النكاح الذى لم يفرض فيه للمرأة شئ إذ صحح فيه الطلاق والطلاق لا يصح الا بعد صحة النكاح، وأما لو اشترط فيه ان لا صداق فهو مفسوخ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله عزوجل فهو باطل) وهذا شرط ليس في كتاب الله عزوجل فهو باطل بل في كتاب الله عزوجل ابطاله قال تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فإذ هو باطل فالنكاح المذكور لم تنعقد صحته الا على تصحيح ما لا يصح فهو نكاح لا صحة له، وبالله تعالى التوفيق * 1830 مسألة فإذا طلبت المنكحة التى لم يفرض لها صداق قضى لها به فان تراضت هي وزوجها بشئ يجوز تملكه فهو صداق لا صداق لها غيره فان اختلف قضى لها عليه بصداق مثلها احب هو أو هي أو كرهت هي أو هو * برهان ذلك انه لا خلاف في صحة ما يتراضيان به مما يجوز تملكه وانما خالف قوم في بعض الاعداد على ما نبين بعد هذا ان شاء الله تعالى، وقولهم ساقط نبينه بعد بحول الله تعالى وقوته، وأما القضاء عليه وعليها بمهر مثلها فانه قد أوجب الله عزوجل لها الصداق ولا بد من أن يقضى لها
به إذا طلبته، ولا يجوز أن يلزم ما طلبته هي إذ قد تطلب منه ما ليس في وسعه، وكذلك لا يجوز أن تلزم هي ما أعطاها إذ قد يعطيها فلسا ولم يأت نص بالزامها ذلك ولا بالزامه ما طلبت فإذ قد بطل هذان الوجهان فلم يبق الا صداق مثلها فهو الذى يقضى لها به وبالله تعالى التوفيق * 1831 مسألة ولا يجوز للاب أن يزوج ابنته الصغيرة باقل من مهر مثلها ولا يلزمها حكم أبيها في ذلك وتبلغ إلى مهر مثلها ولا بد * برهان ذلك انه حق لها بقول الله عزوجل:(9/466)
(وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فإذ هو حق لها ومن جملة مالها فلا حكم لابيها في مالها لقول الله عزوجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) ولا يجوز ان يقضى بتمام مهر مثلها على أبيها الا أن يضمنه مختارا لذلك في ماله لان الله تعالى يقول: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) والصداق بنص القرآن على الزوج لا على الاب فالقضاء به على الاب في ماله قضاء ظلم وجور وأكل مال بالباطل لا يحل، وقولنا في ذلك هو قول الشافعي.
وأبى سليمان.
وأبى يوسف: ومحمد بن الحسن، وأجاز ذلك عليها أبو حنيفة.
وزفر.
ومالك والليث * 1832 مسألة ولا يحل للعبد ولا للامة أن ينكحا الا باذن سيدهما فأيهما نكح بغير اذن سيده عالما بالنهي الوارد في ذلك فعليه حد الزنا وهو زان وهى زانية ولا يلحق الولد في ذلك * برهان ذلك ما روينا من طريق ابى داود نا أحمد بن حنبل.
وعثمان بن أبى شيبة واللفظ له كلاهما عن وكيع نا الحسن بن صالح عن عبد الله ابن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ايما عبد تزوج بغير اذن مولاه فهو عاهر) * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج عن عبد الله بن محمد ابن عقيل قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ايما عبد نكح بغير اذن سيده فهو عاهر) واسم العبد واقع على الجنس فالذكور والاناث من
الرقيق داخلون تحت هذا الاسم، وأيضا فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) والامة مال لسيدها فهى حرام عليه الا بانكاحها اياه بنص كلامه عليه الصلاة والسلام، وهو قول طائفة من السلف * روينا عن عمر ابن الخطاب إذا نكح العبد بغير اذن مواليه فنكاحه حرام * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر كان يرى انكاح العبد بغير اذن سيده زنا ويرى عليه الحد وعلى التى نكح إذا أصابها إذا علمت انه عبد ويعاقب الذين انكحوها * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن نافع أن ابن عمر أخذ عبدا له نكح بغير اذنه ففرق بينهما وابطل صداقه وضربه حدا * ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى عن نافع عن ابن عمر قال: إذا تزوج العبد بغير اذن سيده جلد الحد وفرق بينهما ورد المهر إلى مولاه (1) وعزر الشهود الذين زوجوه (2)، وهذا مسند في غاية الصحة عن ابن عمر رضى الله عنهما * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا مغيرة.
وعبيدة عن ابراهيم النخعي قال المغيرة في روايته عنه: إذا فرق المولى بينهما
__________
(1) في النسخة رقم 16 إلى المولى (2) في النسخة رقم 14 وجوه(9/467)
فما وجد عندها من عين مال غلامه فهو له وما استهلكه فلا شئ عليها، وقال عبيدة في روايته عنه: وما استهلكت فهو دين عليها قال هشيم: وهو القول * ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة.
وحماد بن أبى سليمان أنهما قالا في العبد يتزوج بغير اذن سيده انه يفرق بينهما وينتزع الصداق منها وما استهلكته كان دينا عليها * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن فراس عن عامر الشعبى في التى يتزوجها العبد بغير اذن سيده قال يؤخذ منها ما لم يستهلكه وما استهلكت فلا شئ، وممن قال لا يجوز ولا اجازة فيه للسيد لو أجازه الاوزاعي.
والشافعي، وقال أبو حنيفة.
ومالك: ان نكاح العبد بغير اذن سيده ليس زنا بل ان أجازه السيد جاز بغير تجديد عقد، وموهوا في ذلك فان قالوا:
ان الخبر الذى احتججتم به انه عاهر ليس فيه إذا وطئها وأنتم تقولون: إذا لم يطأها فليس عاهرا قلنا: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الخبر بلفظ (إذا نكح) كما أوردناه آنفا ونكح في اللغة التى خاطبنا الله تعالى بها وخاطبنا بها عليه الصلاة والسلام يقع على العقد ويقع على الوطئ فلا يجوز تخصيص أحد المعنيين دون الآخر فصح أنه عليه الصلاة والسلام انما جعله زانيا إذا تزوج ونكح وبالله تعالى التوفيق، والعجب انهم جعلوا تفريق السيد ان فرق طلاقا، وهذا خطأ فاحش من وجوه، احدها انه لا يخلو عقد العبد على نفسه بغير اذن سيده ضرورة من أحد وجهين لا ثالث لهما اما أن يكون صحيحا واما أن يكون باطلا، فان كان صحيحا فلا خيار للسيد في ابطال عقد صحيح وان كان باطلا فلا يجوز للسيد تصحيح الباطل وما عدا هذا فتخليط الا أن يأتي به فص فيوقف عنده، ويكفى من هذا انه قول لم يوجب صحته قرآن.
ولا سنة.
ولا قياس.
ولا رأى له وجه يعقل، ولا تصح في هذا رواية عن أحد من الصحابة غير التى روينا عن ابن عمر، وجاءت رواية لا تصح عن عمر.
وعثمان قد خالفوها أيضا وتعلقوا برواية واهية ننبة عليها ان شاء الله تعالى لئلا يموه بها مموه، وهى ما روينا من طريق وكيع عن العمرى عن نافع عن ابن عمر قال: إذا تزوج العبد بغير اذن سيده فالطلاق بيد السيد وإذا نكح باذن سيده فالطلاق بيد العبد * وروينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم قال: أنا ابن أبى ليلى.
والحجاج هو ابن أرطاة والمغيرة هو ابن مقسم ويونس هو ابن عبيد والحصين هو ابن عبد الرحمن واسماعيل بن أبى خالد، قال ابن أبى ليلى.
والحجاج عن نافع عن ابن عمر، وقال الحجاج أيضا: عن ابراهيم النخعي عن شريح وقال المغيرة عن ابراهيم النخعي، وقال يونس: عن الحسن البصري، وقال الحصين.
واسماعيل عن الشعبى ثم اتفق ابن عمر.
وشريح.
وابراهيم.
والحسن.
والشعبى.
قالوا كلهم: إذا(9/468)
تزوج بأمر مولاه فالطلاق بيده وإذا تزوج بغير امره فالامر إلى السيد ان شاء جمع
وان شاء فرق * قال أبو محمد: العمرى هو عبد الله بن عمر بن حفص وهو ضعيف، وابن أبى ليلى سيئ الحفظ ضعيف.
والحجاج هالك، ومن السقوط.
والباطل أن تعارض برواية هؤلاء عن نافع رواية مثل أيواب السختيانى.
وموسى بن عقبة ويونس بن عبيد عن نافع، والرواية عن شريح ساقطة لانها عن الحجاج بن أرطاة، وأما ابراهيم.
والشعبى.
فالرواية عنهما صحيحة الا أن أبا حنيفة.
ومالكا خالفاهما في قولهما في المهر فما نعلمهم تعلقوا الا بالحسن وحده * 1833 مسألة ولا تكون المرأة وليا في النكاح فان أرادت انكاح أمتها أو عبدها أمرت أقرب الرجال إليها من عصبتها ان يأذن لها في النكاح فان لم يكن لها عاصب فالسلطان يأذن لها في النكاح * برهان ذلك قول الله عزوجل: (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم) فصح يقينا أن المأمورين بانكاح العبيد وألاماء هم المأمورون بانكاح الايامى لان الخطاب واحد ونص الآية يوجب أن المأمورين بذلك الرجال في انكاح الايامى والعبيد والاماء فصح بهذا ان المرأة لا تكون وليا في انكاح أحد أصلا لكن لا بد من اذنها في ذلك والا فلا يجوز لقول الله تعالى: (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بايمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن باذن أهلهن) * 1834 مسألة ولا يحل للسيد اجبار أمته أو عبده على النكاح لا من اجنبي ولا من أجنبية ولا أحدهما من الآخر فان فعل فليس نكاحا * برهان ذلك قول الله عزوجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى قد ذكرناه باسناده: (لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا تنكح الثيب حتى تستأمر) وهو قول الشافعي.
وأبى سليمان، وقال أبو حنيفة في أحد قوليه: لا يزوج السيد عبده الا باذنه وله أن يزوج أمته بغير اذنها وهو قول الحسن بن حى، وروى عن سفيان الثوري انه يزوجهما بغير
اذنهنما (1)، وقال أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن.
له أن يزوج أمته من عبده وأن كرها جميعا، وروى هذا أيضا عن أبى حنيفة، وقال مالك: يكره الرجل أمته وعبده على النكاح ولا ينكح أمته الا بمهر يدفعه إليها فيستحل به فرجها ولا يزوج أمته الفارهة من عبده الاسود لا منظر له الا أن يكون على وجه النظر والصلاح يريد به عفة الغلام
__________
(1) في النسخة رقم 16 انه يزوج أمته بغير اذنها(9/469)
مثل أن يكون وكيله فان كان على وجه الضرر بالجارية لم يجز، قال: ويكره الرجل أمته المعتقة إلى سنين على النكاح * قال أبو محمد: أما قول مالك فظاهر التناقض لانه أجاز اكراه السيد لامته على النكاح ومنع من انكاحها الاسود إذا كان فيه ضرر عليها وأجازه ان كان وكيله وأراد عفته بذلك فاول ذلك انها دعاوى بلا برهان ثم المناقضة في منعه انكاحها اياه إذا كان فيه ضرر عليها ولا ضرر أعظم من الكراهة والا فلم خص الاسود لولا الكراهة له إذ لو راعى الضرر فقط لاستوى انكاحها من قرشي أبيض ومن أسودا إذا كان في ذلك ضرر من ضرب أو اجاعة غير الكراهة، وأما من فرق بين اكراه الامة فاجازه وبين اكراه العبد (1) فلم يجزه فانهم احتجوا بانه لما كان الطلاق إلى العبد كان النكاح إليه ولما كان للسيد احتباس بضع الامة لنفسه كان له أن يملك بضعها غيره * قال أبو محمد: وهذا قياس والقايس كله باطل، ثم لو صح شئ منه لكان هذا اسخف قياس في الارض لانهم لم يوافقوا على ان الطلاق بيد العبد بل جابر وابن عباس وغيرهما يقولان: الطلاق بيد السيد لا بيد العبد، وأما قياسهم تمليك بضع الامة لغيره كما له ان يحبسها لنفسه فسخف مضاعف لانه لا خلاف ان للرجل احتباس بضع زوجته لنفسه أفتراهم يقيسون على ذلك تمليك بضعها لغيره؟ ان هذا لعجب، وأما من أجاز اكراه العبد والامة سواء على النكاح فانهم احتجوا بان الله تعالى أمر بانكاح العبيد والاماء
ولم يشترط رضى، ذكروا ما روينا من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج نا أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول في الامة والعبد: لسيدهما ان يجمع بينهما ويفرق بينما * وبما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا جرير عن منصور عن ابراهيم قال: كانوا يكرهون المملوك على النكاح ويدخلونه على امرأته البيت ويغلقون عليهما الباب * قال أبو محمد: أما قوله تعالى: في انكاح العبيد والاماء فانه عطف عزوجل على أمره بالنكاح الايامى منا ولم يشترط فيهن رضاهن فليلزمهم (2) أن يجيزوا بذلك انكاح الحرة الثيب وان كرهت ان طردوا أصلهم الفاسد، فان شغبوا أيضا بقوله تعالى: (فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) إلى قوله تعالى (فأنكحوهن بأذن أهلهن) ولم يشترط رضاهن قلنا: وقد قال تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) ولم يشترط رضاهن، وكل هذا قد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن لا تنكح بكر حتى تستأذن ولا ثيب حتى تستأمر ولم يخص حرة من مملوكة:
__________
(1) في النسخة رقم 14 وبين انكاح العبد (2) في النسخة رقم 14 فيلزمهم(9/470)
(وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى * وما كان ربك نسيا * ولتبين للناس ما نزل إليهم) فهذا هو البيان الذى لا يحتاج إلى غيره لا كالآراء المتخاذلة والدعاوى الفاسدة، وأما خبر جابر فليس لهم فيه متعلق لان معنى قوله رضى الله عنه لسيدهما ان يجمع بينهما ويفرق فقول صحيح له أن يجمع بينهما بان يهبها له وله أن يفرق بينهما بان ينتزعها منه كما ينتزع سائر ماله وكسبه، وأما قول ابراهيم فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * 1835 مسألة وكل ثيب فاذنها في نكاحها لا يكون الا بكلامها بما يعرف به رضاها وكل بكر فلا يكون اذنها في نكاحها الا بسكوتها فان سكتت فقد أذنت ولزمها النكاح فان تكلمت بالرضا أو بالمنع أو غير ذلك فلا ينعقد بهذا نكاح عليها * برهان ذلك ما ذكرناه قبل من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في البكر: (اذنها صماتها) وما رويناه عن مسلم حدثنى عبيد الله بن عمر القواريرى نا خالد بن الحارث نا هشام هو
الدستوائي عن يحيى بن أبى كثير نا أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف نا أبو هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.
لا تنكح الايم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتي تستأذن قالوا: يارسول الله وكيف اذنها؟ قال: ان تسكت) * قال أبو محمد: فذهب قوم من الخوالف إلى أن البكر أن تكلمت بالرضى فان النكاح يصح بذلك خلافا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى الصحابة رضى الله عنهم فسبحان الذى أوهمهم أنهم أصح اذهانا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوقع في نفوسهم انهم وقفوا على فهم وبيان غاب عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوذ بالله عن مثل هذا، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه أبطل النكاح كما تسمعون عن البكر ما لم تستأذن فتسكت وأجازه إذا استأذنت فسكتت بقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تنكح البكر حتى تستأذن واذنها صماتها) وأما الصحابة فانهم كما أوردنا في الخبر المذكور آنفا لم يعرفوا ما اذن البكر حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه والا فكان سؤالهم عند هؤلاء فضولا وحاش لهم من ذلك فتنبه هؤلاء لما لم يتنبه له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نبه عنه عليه السلام وهذا كما ترون، وما علمنا أحدا من السلف روى عنه أن كلام البكر يكون رضى، وقد روينا عن عمر بن الخطاب.
وعلى وغيرهما ان أذنها هو السكوت، ومن عجائب الدنيا قول مالك: ان العانس البكر لا يكون اذنها الا بالكلام، وهذا مع مخالفته لنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ففى غاية الفساد لانه أوجب فرضا على العانس ما أسقطه عن غيرها فلوددنا أن يعرفونا الحد الذى إذا بلغته المرأة انتقل فرضها إلى ما ذكر، وبالله تعالى التوفيق *(9/471)
1836 مسألة والصداق.
والنفقة.
والكسوة مقضى بها للمرأة على زوجها المملوك كما يقضى بها على الحر ولا فرق سواء كانت حرة أو أمة والصداق للامة الا ان للسيد أن ينتزعه كسائر مالها * برهان ذلك قول الله عزوجل: (وآتوا السناء صدقاتهن
نخلة) وقوله تعالى في الايامى: (فانكحوهن باذن أهلهن وآتوهن أجورهن) فخاطب تعالى الازواج عموما لم يخص حرا من عبد وأوجب بنص كلامه الذى لا يعارضه الا مخذول ايتاء الصداق للامة لا لغيرها، وكذلك أوجب الله عزوجل النفقة والكسوة.
والاسكان على الازواج (1) للزوجات فان عجز العبد أو الحر عن الصداق أو بعضه وعن النفقة.
والكسوة أو بعضها فالصداق دين عليه في ذمته والنفقة.
والكسوة ساقطة عنه ويؤخذ كل ذلك من خراج العبد ومن سائر كسبه وهو قول الشعبى (2) كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا الشيباني هو أبو إسحق عن الشعبى قال: يبدأ العبد بنفقته على أهله قبل الذى عليه لمواليه (3) يعنى نفقة امرأته وقال أبو حنيفة.
وأصحابه: إذا تزوج العبد باذن مولاه فالمهر عليه فان دخل بها وجب بيعه في الصداق وفى النفقة فان فداه السيد فذلك له وان أسلمه للمرأة وجبت رقبته للمرأة ملكا وانفسخ النكاح قالوا: فلو أنكح عبده أمته فلا يحتاج في ذلك إلى صداق أصلا لا قبل الدخول ولا بعده، وقال مالك: المهر في ذمة العبد ويؤخذ من ماله ان وهب له ولا يؤخذ من خراجه فان لم يوجد له مال وهب له فهو دين في ذمته إذا أعتق، وقال الاوزاعي: المهر في ذمة الزوج إذا أعتق، وقال الليث: السيد ضامن لنفقة المرأة ان لم يكن للعبد مال فان كان للعبد فضل مال أخذت نفقة امرأته منه فان لم يكن له فضل مال عن خراجه فرق بينهما، وقال الشافعي: الصداق في ذمة العبد والنفقة عليه ان كان مأذونا له في التجارة * قال أبو محمد رضى الله عنه: تخصيص الشافعي المأذون له في التجارة لا وجه له وقد يكسب المال من غير التجارة لكن بعمل أو من صنيعة، وأما قول الليث: ان لم يكن للعبد عن خراجه فضل فرق بينه وبين امرأته فخطأ لانه لا يخفى من العبيد من له فضل عن خراجه ممن لا فضل له عنه لانه إذا جعل الخراج للسيد لا يخرج منه نفقة الزوجة فقد صار النكاح لغوا إذا تيقن ان الفسخ يتلوه (4) وأما تخصيص مالك ان تؤخذ النفقة
والصداق من غير خراجه فقول بلا برهان لان الخراج كسائر كسب العبد لا يكون
__________
(1) في النسخة رقم 14 على الزوج (2) في النسخة رقم 16 الشافعي وهو غلط يشهد له ما بعده (3) في النسخة رقم 14 قبل غلته لمواليه (4) في النسخة رقم 16 بعده(9/472)
للسيد فيه حق أصلا الا حتى يصح ملك العبد له باجازته أو ببيعه فيه، فإذا صح ملك العبد له كان للسيد حينئذ ان يأخذه منه ولا شك في أن السيد لم يملك قط من خراج العبد فلسا قبل أن يجب للعبد بعمله أو ببيعه فيه فإذا صار للعبد فليس السيد أولى به من سائر من له عند العبد حق كالزوجة والغرماء، وأما قول أبى حنيفة ففى غاية الفساد لانه أجاز نكاحا بلا صداق، وهذا خلاف القرآن كما أوردنا ثم جعل نكاحه الذى أمر الله تعالى به برضى سيده ووطئه لامرأته التى أباح الله تعالى وطأه لها ويأجره عليه جناية ودينا يباع فيه أو تسلم رقبته، ولا شك في أن رقبة العبد ملك للسيد فبأى شئ أباح لها مال السيد الذى حرمه الله تعالى عليها؟ وهذا كلام يغنى سماعه عن تكلف الرد عليه مع أنه قول لا يعلم أحد قاله قبلهم، وقد ذكر بعضهم في ذلك ما رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: لا بأس أن يزوج الرجل أمته عبده بغير مهر * قال أبو محمد: وهذا تمويه من الذى أورد هذا الخبر لان ابن عباس انما عنى بغير ذكر مهر وهذا جائز لكل احد حتى إذا طلبته أو طلبه ورثتها قضى لها أو لهم كما أمر الله تعالى بذلك * 1837 مسألة ولا يكون الكافر وليا للمسلمة ولا المسلم وليا للكافرة، الاب وغيره سواء والكافر ولى للكافرة التى هي وليته ينكحها من المسلم والكافر * برهان ذلك قول الله عزوجل: (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)، وقال تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) وهو قول من حفظنا قوله الا ابن وهب صاحب مالك قال: ان المسلم يكون وليا لابنته الكافرة في انكاحها من المسلم أو من
الكافر، وهذا خطأ لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * 1838 مسألة وجائز لولى المرأة أن ينكحها من نفسه إذا رضيت به زوجا ولم يكن احد أقرب إليها منه والا فلا وهو قول مالك.
وأبى حنيفة، وذهب الشافعي.
وأبو سليمان إلى أن لا ينكحها هو من نفسه، واحتجوا بان النكاح يحتاج إلى ناكح ومنكح فلا يجوز أن يكون الناكح هو المنكح، وقال أصحاب القياس منهم: كما لا يبيع من نفسه كذلك لا ينكح من نفسه * قال على: واحتجوا أيضا بما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا محمد ابن سالم عن الشعبى ان المغيرة بن شعبة خطب بنت عمه عروة بن مسعود فأرسل إلى عبد الله بن أبى عقيل فقال: زوجنيها فقال: ما كنت لافعل انت أمير البلد وابن عمها فارسل المغيرة إلى عثمان بن أبى العاصى فزوجها منه *(9/473)
قال أبو محمد: المغيرة هو ابن شعبة بن أبى عامر بن مسعود بن مغيث بن مالك ابن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف وعروة بن مسعود بن مغيث المذكور.
وعبد الله بن أبى عقيل بن مسعود بن عمرو بن عامر بن مغيث المذكور، وعثمان بن أبى العاصى لا يجتمع معهم الا في ثقيف لانه من ولد جشم بن ثقيف * ونا بهذا أيضا محمد ابن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير قال: ان المغيرة بن شعبة أمر رجلا ان يزوجه امرأة المغيرة أولى بها منه * قال أبو محمد: أما قولهم: ان النكاح يحتاج إلى ناكح ومنكح فنعم، وأما قولهم: انه لا يجوز ان يكون الناكح هو المنكح ففى هذا نازعناهم بل جائز أن يكون الناكح هو المنكح فدعوى كدعوى، وأما قولهم كما لا يجوز ان يبيع من نفسه فهى جملة لا تصح كما ذكروا بل جائز ان وكل ببيع شئ ان يبتاعه لنفسه إذا لم يحابها بشئ، وأما
خبر المغيرة فلا حجة فيمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبقى علينا أن نأتى بالبرهان على صحة قولنا فوجدنا ما رويناه من طريق البخاري نا مسدد عن عبد الوارث بن سعيد عن شعيب ابن الحبحاب عن أنس بن مالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها وأولم عليها بحيس) * قال أبو محمد: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج مولاته من نفسه وهو الحجة على من سواه، وأيضا فانما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ايما امرأة نكحت بغير اذن مولاها فنكاحها باطل) فمن أنكح وليته من نفسه باذنها فقد نكحت باذن وليها فهو نكاح صحيح ولم يشترط عليه الصلاة والسلام أن يكون المولى غير الناكح ولا بد فإذ لم يمنع منه عليه الصلاة والسلام فهو جائز قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فهذا مما لم يفصل علينا تحريمه، وقال تعالى: (وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم) فمن انكح أيمة من نفسه برضاها فقد فعل ما أمره الله تعالى به ولم يمنع عزوجل من أن يكون المنكح لايمة هو الناكح لها فصح انه الواجب وبالله تعالى التوفيق * 1839 مسألة ولا يحل للزانية أن تنكح أحدا لا زاينا ولا عفيفا حتى تتوب فإذا تابت حل لها الزواج من عفيف حينئذ ولا يحل للزاني المسلم أن يتزوج مسلمة لا زاينة ولا عفيفة حتى يتوب فإذا تاب حل له نكاح العفيفة المسلمة حينئذ، وللزاني المسلم أن ينكح (1) كتابية عفيفة وان لم يتب فان وقع شئ مما ذكرنا فهو مفسوخ أبدا فان نكح
__________
(1) في النسخة رقم 14 ان يتزوج(9/474)
عفيف عفيفة ثم زنى أحدهما أو كلاهما لم يفسخ النكاح بذلك، وقد قال بهذا طائفة من السلف كما روينا من طريق ابى بكر بن أبى شيبة نا وكيع عن عمرو بن مروان عن عبد الرحمن الصدائى عن على بن ابى طالب أن رجلا أتى إليه فقال: ان لى ابنة عم أهواها وقد كنت نلت منها فقال له على: ان كان شيئا باطنا يعنى الجماع فلا وان كان شيئا
ظاهرا يعنى القبلة فلا بأس * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبد الله بن ادريس الاودى عن ليث بن أبى سليم عن ابن سابط ان على بن أبى طالب أتى بمحدود تزوج غير محدودة ففرق بينهما * ومن طريق اسماعيل بن اسحق القاضى نا على بن عبد الله نا يحيى بن سعيد القطان نا شعبة نا قتادة.
والحكم بن عتيبة كلاهما عن سالم بن أبى الجعد عن أبيه عن ابن مسعود في الذى يتزوج المرأة بعد أن زنى بها قال ابن مسعود: لا يزالان زانيين * وبه إلى على بن عبد الله نا سفيان بن عيينة.
وعبد الرزاق قال عبد الرزاق: انا معمر ثم اتفق سفيان.
ومعمر قالا جميعا: انا الحكم بن ابان أنه سأل سالم بن عبد الله بن عمر عن الرجل يزنى بالمرأة ثم ينكحها؟ فقال سالم: سئل عن ذلك ابن مسعود فقال: (وهو الذى يقبل التوبة عن عباده) الآية * قال أبو محمد: القولان منه متفقان لانه انما اباح نكاحها بعد التوبة * ومن طريق ابن أبى شيبة نا وكيع عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى قال: قالت عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها: لا يزالان زانيين ما اصطحبا يعنى الرجل يتزوج امرأة زنى بها * ومن طريق ابن أبى شيبة نا اسباط عن مطرف عن ابى الجهم عن البراء بن عازب في الرجل يفجر بالمرأة ثم يريد نكاحها * (1) قال: لا يزالان زانين أبدا * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبد الاعلى عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن جابر بن عبد الله قال: إذا تابا وأصلحا فلا بأس يعنى الرجل يزنى بالمرأة ثم يريد نكاحها * ومن طريق اسماعيل بن اسحق نا عبد الواحد بن غياث نا أبو عوانة عن موسى بن السائب عن معاوية ابن قرة عن ابن عمر انه سئل عن رجل فجر بامرأة أيتزوجها؟ قال: ان تابا واصلحا * ومن طريق اسماعيل نا حجاج بن المنهال.
وسليمان بن حرب (2) قالا جميعا: نا حماد بن سلمة عن حبيب عن عطاء بن أبى رباح عن ابى هريرة قال: لا ينكح المجلود الا مجلودة * ومن طريق اسماعيل نا سليمان بن حرب نا أبو هلال نا قتادة عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: لقد هممت ان لا أدع احدا أصاب فاحشة في الاسلام يتزوج محصنة
فقال له أبى بن كعب: يا أمير المؤمنين: الشرك أعظم من ذلك فقد يقبل منه إذا تاب *
__________
(1) في النسخة رقم 14 يتزوجها (2) في النسخة رقم 14 سليم بن حرب وهو تحريف من النساخ يؤيده ما بعده(9/475)
ومن طريق اسماعيل نا على بن عبد الله نا سفيان بن عيينة قال: قال عبيد الله بن ابى يزيد سمعت ابن عباس يقول: الزانى لا ينكح الا زانية قال: هو حكم بينهما، وصح مثل هذا عن ابراهيم النخعي.
وسعيد بن المسيب.
وصلة بن اشيم.
وعطاء.
وسليمان بن يسار.
ومكحول.
والزهرى وابن قسيط.
وقتادة.
وغيرهم، وقد جاء اباحة نكاحهما عن أبى بكر.
وعمر.
وابن عباس.
وابن عمر * قال أبو محمد: والحجة لقولنا هو قول الله عزوجل: (الزانى لا ينكح الا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها الا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) فقال قوم: روى عن سعيد بن المسيب انه قال: يزعمون أنها نسخت بالآية التى بعدها (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبدكم وامائكم) * قال أبو محمد: وهذه دعوى بلا برهان ولا يجوز أن يقال في قرآن أو سنة: هذا منسوخ الا بيقين يقطع به لا بظن لا يصح وانما الفرض استعمال النصوص كلها، فمعنى قوله تعالى: (وانكحوا الايامى منكم) وقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى) الا ما حرم عليكم من الاقارب وغيرهن هذا ما لا شك فيه ونكاح الزانية ونكاح الزانى لمؤمنة مما حرم علينا فهو مستثنى من ذلك العموم بلا شك كاستثناء سائر ما حرم علينا من النساء، وقال آخرون: معنى ينكح ههنا يطأ ليس معناه يتزوج * قال أبو محمد: وهذه دعوى أخرى بلا برهان وتخصيص للآية بالظن الكاذب، ولو كان ما قالوه لحرم على الزوج وطئ زوجته إذا زنت وهذا لا يقولونه، فان قالوا: انما حرم وطؤها بالزنا فقط قلنا: وهذه زيادة في التخصيص بلا برهان ودعوى كاذبة بيقين إذ لا دليل عليها، وهذا لا يحل في دين الله عزوجل مع انه تفسير كاذب بيقين لاننا قد
نجد الزانى يستكره العفيفة المسلمة فيكون زانيا بغير زانية وحاش لله من أن نقول ما يدفعه العيان، وانما الرواية عن ابى بكر.
وعمر رضى الله عنهما بحضرة الصحابة فكما حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم نا ابراهيم بن حماد نا اسماعيل بن اسحق القاضى نا على بن عبد الله هو ابن المدينى نا يحيى بن زكريا بن أبى زائدة نا محمد ابن اسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: بينما أبو بكر الصديق في المسجد إذ جاء رجل فلاث عليه لوثا من كلام وهو دهش فقال أبو بكر لعمر: قم فانظر في شأنه فان له شأنا فقام إليه عمر فقال له: ان ضيفا ضافني فزنى بابنته فضرب عمر في صدره وقال له: قبحك الله ألا سترت على ابنتك فأمر بهما أبو بكر فضربا الحد ثم زوج أحدهما الآخر ثم أمر بهما أن يغربا حولا *(9/476)
قال أبو محمد: هذا لا حجة لهم فيه لان الاظهر انه كان بعد توبتهما وهو حجة علهم لان فيه أن أبا بكر غربهما حولا والحنيفيون لا يرون تغريبا في الزنا جملة، والمالكيون لا يرون تغيب المرأة في الزنا فهذا فعل أبى بكر.
وعمر بحضرة الصحابة رضى الله عنهم بخلافهم * وروينا من طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا على بن المدينى نا يزيد بن زريع نا حبيب هو المعلم قال: جاء رجل من أهل الكوفة إلى عمرو ابن شعيب فقال له: الا تعجب من الحسن يزعم ان المجلود الزانى لا ينكح الا مثله يتأول بذلك هذه الآية (الزانى لا ينكح الا زانية أو مشركة) فقال له عمرو بن شعيب: وما تعجب * نا سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبى هريرة أن (رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ينكح الزانى المجلود الا مثله)، وكان عبد الله بن عمرو ينادى به نداء * نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن ايمن نا بكر هو ابن حماد نا مسدد نا المعتمر هو ابن سليمان التيمى قال: سمعت أبى يقول: حدثنى الحضرمي بن لاحق عن القاسم ابن محمد بن أبى بكر الصديق عن عبد الله بن عمرو بن العاص (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
استأذنه رجل من المهاجرين في امرأة يقال لها: أم مهزول أو ذكر له أمرها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: الزانى لا ينكح الا زانية أو مشركة فأنزلت (والزانية لا ينكحها الا زان أو مشرك) * ومن طريق أبى داود نا موسى بن اسماعيل نا أبان هو ابن يزيد العطار عن يحيى هو ابن أبى كثير عن ابراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث ومهر البغى خبيث) * قال أبو محمد: لا يسمى في الديانة ولا في اللغة أجرة الزنا مهرا انما المهر في الزواج فإذا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهرها فقد حرم زواجها إذ لا بد في الزواج من مهر ضرورة هذا لا اشكال فيه فإذا تابت فليس مهرها مهر بغى فهو حلال ومن ادعى غير هذا فقد ادعى ما لا برهان له به فهو باطل وبالله تعالى التوفيق * وأما التى تزوجها عفيف وهى عفيفة ثم زنا أحدهما أو كلاهما فانما قلنا: انه لا يفسخ نكاحهما لما رويناه من طريق أحمد بن شعيب نا اسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه نا النضر بن شميل نا حماد بن سلمة أنا هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيدالله بن عمير عن ابن عباس (ان رجلا قال: يا رسول الله ان تحتي امرأة جميلة لا ترد يد لامس قال: طلقها قال: أنى لا اصبر عنها قال: فأمسكها) وقد أقر ماعز بالزنا وهو محصن فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أبكر أم ثيب؟ فقيل له: بل ثيب فأمر برجمه ولم يفسخ نكاحه * وقد جاء في هذا خلاف قديم * ورينا من طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا الحجاج بن(9/477)
المنهال نا حماد بن سلمة عن قتادة ان علي بن أبى طالب قال في البكر إذا زنى قبل أن يدخل باهله: جلد الحد وفرق بينه وبين اهله ولها نصف الصداق فان زنت هي جلدت وفرق بينهما ولا صداق لها * ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن ادريس الاودى هو عبد الله عن أشعث عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله قال: البكر إذا زنت جلدت وفرق بينها وبين زوجها وليس لها شئ * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبدة عن سعيد عن على بن ثابت عن
نافع عن ابن عمر قال: إذا رأى أحدكم أمرأته على فاحشة أو أم ولده فلا يقربنها، وهو قول الحسن.
وطاوس.
والنخعي.
وحماد بن أبى سليمان.
وغيرهم ولكن لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وههنا خبر لو صح لقلنا به * وريناه من طريق سعيد بن المسيب عن بصرة بن أكثم (ان امرأة زنت فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدها عبدا لزوجها) ولا نعلم لسعيد سماعا من بصرة، وقد قال بعضهم: نضرة * 1840 مسألة ولا يحل لاحد ان يخطب امرأة معتدة من طلاق أو وفاة، فان تزوجها قبل تمام العدة فسخ أبدا دخل بها أو لم يدخل طالت مدته معها أو لم تطل، ولا توارث بيهما ولا نفقة لها عليه ولا صداق ولا مهر لها، فان كان أحدهما عالما فعليه حد الزنى من الرجم والجلد، وكذلك ان علما جميعا ولا يلحق الولد به ان كان عالما وان كانا جاهلين فلا شئ عليهما فان كان أحدهما جاهلا فلا حد على الجاهل فان كان هو الجاهل فالولد به لاحق فإذا فسخ النكاح وتمت عدتها فله أن يتزوجها ان أرادت ذلك كسائر الناس الا أن يكون الرجل طلق امرأته فله أن يرتجعها في عدتها منه ما لم يكن طلاق ثلاث، وكذلك الرجل تكون تحته الامة ويدخل بها فتعتق فتخير فتختار فراقه ويفسخ نكاحه فتعتد بحمل أو بالاطهار أو بالشهور فله وحده دون سائر الناس أن يخطبها في عدتها منه فان رضيت به فله نكاحها ووطؤها * برهان ما قلنا قول الله عزوجل: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله انكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا الا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم مافى أنفسكم فاحذروه) * وأما قولنا: لا توارث ولا نفقة ولا كسوة ولا صداق بكل حال جهلا أو علما فلانه ليس نكاحها لان الله تعالى أحل النكاح ولم يحل هذا العقد بلا خلاف من أحد فإذ ليس نكاحا فلا توارث ولا كسوة ولا نفقة الا في نكاح، وأما الحاق الولد
بالرجل الجاهل فلا خلاف فيه، وأما وجوب الحد على العالم فلان الله تعالى يقول:(9/478)
(والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون) وهذه ليست زوجا ولا ملك يمين فهو عاهر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فلم يجعل عليه الصلاة والسلام الا فراشا أو عهرا، وهذه ليست فراشا فهو عهر والعهر الزنا وعلى الزانى الحد ولا حد على الجاهل المخطئ لقول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) ولقوله تعالى: (لانذركم به ومن بلغ) وهذا لم يبلغه فلا شئ عليه، وأما المعتقة تخير فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: (لو راجعتيه) وسنذكره في بابه ان شاء الله عزوجل * وأما قولنا: ان الناكح في العدة الواطئ فيها جاهلا كان أو عالما فحد وكان غير محصن ولم تحد هي لجهلها أو لم ترجم لانها كانت بكرا معتدة من وفاة فله أن يتزوجها بعد تمام عدتها التى تزوجها فيها فلان الله عزوجل ذكر لنا كل ما حرم علينا من النساء في قوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) الآية إلى قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) فلم يذكر لنا المنكوحة في العدة المدخول بها فيها في جملة ما حرم علينا ابتداء النكاح فيها بعد تمام عدتها فإذ لم يذكرها تعالى لا في هذه الآية ولا في غيرها ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وقد أحلها الله تعالى في القرآن نصا بقوله عزوجل: (واحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا باموالكم محصنين غير مسافحين) وقولنا هذا هو قول الحسن.
وحماد بن أبى سليمان.
وأبى حنيفة.
وأصحابه، وسفيان الثوري.
والشافعي.
وابى سليمان.
وأصحابهم، وقال سعيد بن المسيب.
وربيعة.
ومالك.
والليث.
والاوزاعي: لا تحل له أبدا.
وقال مالك.
والليث: ولا بملك اليمين، وما لمن قال هذا حجة أصلا الا شغيبتان، احداهما أنهم قالوا.
تعجل شيئا قبل وقته فواجب ان يحرم عليه في الابد (1) كالقاتل العامد يمنع الميراث.
قال أبو محمد: وهذا من أسخف قول يسمع قبل كل شئ من اين وضح لهم تحريم الميراث على القاتل ولا نص يصح فيه ولا اجماع؟ قد أوجب الميراث لقاتل العمد الزهري.
وسعيد بن جبير.
وغيرهما، ثم من اين لهم ان من تعجل شيئا قبل وقته وجب ان يحرم عليه ابدا، وأى نص جاء بهذا أو أي عقل دل عليه؟ ثم لو صح لهم ان القاتل يمنع من الميراث فمن اين لهم ان ذلك لتعجيله اياه قبل وقته؟ وكل هذا كذب وظن فاسد وتخرص بالباطل، ويلزمهم ان طردوا هذا الدليل السخيف ان يقولوا فيمن غصب مال موروثه: ان يحرم عليه في الابد لانه استعجله قبل وقته، وان يقولوا في امرأة
__________
(1) في النسخة رقم 14 أبدا(9/479)
سافرت في عدتها: ان يحرم عليها السفر ابدا.
ومن تطيب في احرامه: ان يحرم عليه الطيب ابدا: وان يقولوا فيمن اشتهى شيئا وهو صائم في رمضان فأكله أو وطئ جاريته أو أمته وهو صائم في رمضان أو وهى حائض: أن يحرم عليه ذلك الطعام في الابد وتحرم عليه تلك الامة أو امرأنه في الابد لانه تعجل كل ذلك قبل وقته، والذى يلزمهم أكثر من هذا * والثانية رواية عن عمر رضى الله عنه منقطعة منها ما حدثناه يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا صالح بن مسلم: قلت للشعبى: رجل طلق امرأته تطليقة فجاء آخر فتزوجها في عدتها؟ فقال الشعبى: قال عمر بن الخطاب: يفرق بينها وبين زوجها وتكمل عدتها الاولى وتأتنف من هذه عدة جديدة ويجعل صداقها في بيت المال ولا يتزوجها ابدا ويصير الاول خاطبا، وقال على بن أبى طالب: يفرق بينهما وتكمل عدتها الاولى وتستقبل من هذا عدة جديدة ولها الصداق بما استحل من فرجها ويصير كلاهما خاطبين قد أخبرتك بقول هذين فان أخبرتك برأى قبل عليه، وجاء هذا عن عمر من طرق ليس منها شئ يتصل، وروى خلافها كما
ذكرنا عن على.
وابن مسعود * قال أبو محمد: لا عجب أعجب من تعلق هؤلاء القوم بروايات منقطعة عن عمر قد خالفه على فيها فمن جعل قول أحدهما أولى من الآخر بلا برهان، وثانية انهم قد خالفوا عمر فيما صح عنه يقينا من هذه القضية إذ جعل مهرها في بيت المال كما روينا من طريق وكيع عن زكريا بن أبى زائدة.
واسماعيل بن أبى خالد كلاهما عن الشعبى عن مسروق أن امرأة نكحت في عدتها ففرق بينهما عمر وجعل مهرها في بيت المال وقال: نكاحها حرام ومهرها حرام * نا يونس بن عبد الله نا أبو بكر بن أحمد بن خالد نا أبى نا على بن عبد العزيز نا أبو عبيد القاسم بن سلام نا يزيد عن داود بن ابى هند عن الشعبى عن مسروق أو عن عبيد ابن نضلة عن مسروق شك داود في أحدهما، وقال رفع إلى عمر امرأة نكحت في عدتها فقال: لو أنكما علمتما لرجمتكما فضربهما أسواطا وفرق بينهما وجعل المهر في سبيل الله عزوجل وقال: لا أجيز مهرا لا أجيز نكاحه * قال أبو محمد: عبيد بن نضلة امام ثقة ومسروق كذلك فلا نبالي عن أيهما رواه وقد ثبت داود بن أبى هند على انه عن أحدهما بلا شك * قال على: فخالفوه في جعل مهرها في بيت المال وهو الثابت عن عمر فهان عليهم خلافه في الحق واتبعوه فيما لا برهان على صحته فيما قد خالفه فيه غيره من الصحابة كما أوردنا * وثالثة وهى انه قد صح رجوع(9/480)
عمر عن ذلك كما روينا عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى عن مسروق عن عمر قال: مهرها في بيت المال ولا يجتمعان يعنى التى نكحت في العدة ودخل بها الذى نكحها وقال سفيان: فأخبرني أشعث عن الشعبى عن مسروق ان عمر رجع عن ذلك وجعل لها مهرها وجعلهما يجتمعان فاى شئ أعجب من تماديهما على خلاف عمر في الثابت عنه من ان يجعل مهرها في بيت المال وعلى قوله قد رجع عمر عنها وكفى بهما خطأ * ورابعة انه قد صح عن عمر ما حدثناه حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي
نا الدبرى نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب بالجابية نكحت عبدها فانهرها عمر وهم أن يرجمها وقال لها: لا يحل لك مسلم بعده، فهذا أصح سند عن عمر بحضرة الصحابة ولم يلفتوا إليه ولجوا في الخطأ تقليد الخطأ مالك بعد رجوع عمر عنه ونسأل الله العافية * ومن عجائب الدنيا قولهم: من اشترى أمة فوجدها حاملا من زوج كان لها فمات بعد ان وطئها فانه لا يحل له أبدا ولا بملك اليمين، وقالوا: من تزوج امرأة لا زوج لها فدخل بها فوطئها ثم ظهر بها حمل من زنا أو من غصب كان بها قبل نكاحه فانها لا تحل له أبدا ما ندرى لماذا؟ وقال: من تزوج أمة أعتقت قبل ان تتم حيضة بعد عتقها فدخل بها حرمت عليه في الابد، فلجوا هذا اللجاج الفاسد ثم لم يلبثوا ان قالوا: من تزوج امرأة لها زوج قائم حى حاضر أو غائب يظنان انه قد مات أو يوقنان بحياته فدخل بها فوطئها انها لا تحرم عليه في الابد بل له ان يتزوجها ان طلقها الزوج أو مات وهذا هو المتسعجل قبل الوقت بلا شك وقالوا: من زنى بامرأة لم تحرم عليه في الابد فرأوا الزنا أخف من زواج الجاهل في العدة ورأوا ما لا حد فيه ولا اثم للجهالة أغلظ من الحرام المتيقن فهل في اعجب أكثر من هذا؟ ونسأل الله العافية * 1841 مسألة ومن انفسخ نكاحه بعد صحته بما يوجب فسخه فلها المهر المسمى كله فان لم يسم لها صداقا فلها مهر مثلها دخل بها أو لم يدخل * برهان ذلك قول الله عزوجل: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فالصداق واجب لها بصحة العقد دخل بها أو لم يدخل فإذا انفسخ فحقها في الصداق باق كما لو مات ولا فرق، ومن ادعى انه ليس لها في الفسخ قبل الدخول الا نصف الصداق فانما قاله قياسا على الطلاق قبل الدخول والقياس كله باطل ولو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا لان الطلاق فعل المطلق والفسخ ليس فعله فلا تشابه بين الفسخ والطلاق بل الفسخ بالموت أشبه لانهما يقعان بغير اختيار الزوج ولا يقع الطلاق الا باختياره، وكذلك من أسقط جميع الصداق في بعض وجوه الفسخ(9/481)
إذا جاء الفسخ من قبلها فقوله باطل لانه اسقاط لما أوجبه الله تعالى بلا برهان وبالله تعالى التوفيق * 1842 مسألة ومن طلق قبل أن يدخل بها فلها نصف الصداق الذى سمى لها، وكذلك لو دخل بها ولم يطأها طال مقامه معها أو لم يطل هذا في كل مهر كان بصفة غير معين كعدد.
أو وزن.
أو كيل أو شئ موصوف.
أو في مكان بعينه ان وجد صحيحا، وسواء كان تزوجها بصداق مسمى في نفس العقد أو تراضيا عليه بعد ذلك أو لم يتراضيا فقضى لها بمهر مثلها * برهان ذلك قول الله عزوجل: (وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) الآية، وفيما ذكرنا اختلاف قديم وحديث في دخوله بها ولم يطأها وفى ضياع المهر وفى الفرق بين كون الصداق مفروضا في العقد وبين تراضيهما عليه بعد العقد أو الحكم لها به عليه والتسوية بين ذلك كله، فاما الاختلاف في الفرق بين كون الصداق مفروضا في العقد وبين تراضيهما بعد العقد أو الحكم لها به عليه فان أبا حنيفة وأصحابه قالوا: انما يقضى لها بنصف الصداق إذا كان الصداق مفروضا لها في نفس العقد، وأما ان تراضيا عليه بعد ذلك أو اختلفا فيه فحكم عليه بمهر مثلها فههنا ان طلقها قبل الدخول فلاشئ لها الا المتعة، وقال مالك.
والشافعي.
وأبو سليمان واصحابهم: لها النصف في كل ذلك * قال أبو محمد: وبهذا نأخذ لان قول الله تعالى: (فنصف ما فرضتم) عموم لكل صداق في نكاح صحيح فرضه الناكح في العقد أو بعده ولم يقل عزوجل فنصف ما فرضتم في نفس العقد، والزائد لهذا الحكم مخطئ مبطل متعد لحدود الله تعالى، وأما الذى فرض عليه الحكم صداق مثلها فانه وان كان قد أبى من الواجب عليه في ذلك فحكم الله تعالى عليه بقوله الصادق: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) موجب عليه ان يفرض لها
أحد وجهين لا بد له من أحدهما ضرورة اما ما رضيت واما مهر مثلها فايهما لزمه برضاه أو بحكم حق فقد فرضه لها إذ عقد نكاحها يقينا في علم الله عزوجل وقد وجب لها في ماله وما نعلم لمن خالف هذا حجة أصلا، ونحن نشهد بشهادة الله تعالى ان الله تعالى لو اراد بقوله: (فنصف ما فرضتم) في نفس العقد خاصة لبينه لنا ولم يهمله حتى يبينه لنا أبو حنيفة وما هنالك، فإذ لاشك في هذا فقد أيقنا ان الله تعالى أراد بكل حال، وأما من دخل بزوجته ولم يطأها طال مقامه معها أو لم يطل فان الناس قد اختلفوا فيه * فروينا من طريق أبى عبيد نا اسماعيل بن ابراهيم عن عوف بن أبى جميلة عن زرارة بن أوفى قال: قضى(9/482)
الخلفاء الراشدون المهديون انه إذا أغلق الباب وأرخى الستر فقد وجب الصداق * ومن طريق وكيع عن موسى بن عبيدة عن نافع بن جبير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إذا أرخى الستر أو اغلق الباب فقد وجب الصداق * ومن طريق عبد الرزاق عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى هريرة قال: قال عمر بن الخطاب: إذا أرخيت الستر وغلقت الابواب فقد وجب الصداق، هذا صحيح عن عمر * ومن طريق ابى عبيد نا يزيد هو ابن هارون عن سعيد بن ابى عروبة عن قتادة عن الحسن عن الاحنف بن قيس عن عمر بن الخطاب.
وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما قالا جميعا: إذا أرخيت الستور فقد وجب الصداق * ومن طريق أبى عبيد نا سعيد بن عبد الرحمن الجمحى عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: إذا اغلق الباب وأرخى الستر فقد وجب الصداق * ومن طريق أبى عبيد نا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن سليمان بن يسار ان الحارث بن الحكم تزوج امرأة فقال عندها ثم راح وفارقها فأرسل مروان إلى زيد بن ثابت فقص عليه القصة فقال زيد: لها الصداق فقال مروان: أنه ممن لا يتهم فقال زيد بن ثابت: أرأيت لو حملت أكنت ترجمها؟ (1) قال:
لا فقال زيد بلى، قال أبو عبيد: وحدثناه أبو النضر عن الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الاشج عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت مثله، وفى آخره فلذلك تصدق، المرأة في مثل هذا * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الكريم عن ابن مسعود مثل قول على.
وعمر * ومن طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن ارطاة عن الركين بن الربيع عن حنظلة ان المغيرة بن شعبة قضى في امرأة عنين فرق بينهما بجميع الصداق * ومن طريق ابن وهب عن رجال من أهل العلم ان أنس بن مالك قال في التى دخل بها زوجها ولم يطأها: ان الصداق لها (2) وعليها العدة ولا رجعة له عليها وهو قول على بن الحسين، وروى عن سعيد بن المسيب، وصح عن سليمان بن يسار، وعن عروة بن الزبير قضى به في عنين، وعن عبد الكريم وزاد وان كانت حائضا، وعن عطاء مثل قول عبد الكريم وهو قول ابن أبى ليلى.
والاوزاعي.
وسفيان الثوري الا ان تكون رتقاء فلا يجب لها الا نصف الصداق، وصح أيضا عن الليث ابن سعد وهو قول الزهري.
وأحمد.
واسحاق وروينا عن عمر قولا آخر رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبى كثير ان عمر بن الخطاب قضى في
__________
(1) في النسخة رقم 16 (أرأيت لو حبلت ألست ترجمها) (2) في النسخة رقم 16 (لها الصداق)(9/483)
رجل اختلى بامرأة ولم يخالطها بالصداق كاملا يقول: إذا خلا بها ولم يغلق بابا ولا أرخى سترا، وعن ابراهيم النخعي قولا آخر رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة قال: قال ابراهيم النخعي: كان يقال: إذا رأى منها ما يحرم على غيره فلها الصداق، وقال أبو حنيفة: إذا خلا بها في بيتها وطئ أو لم يطأ فالمهر كله لها الا ان يكون أحدهما محرما أو احدهما مريضا أو كانت هي حائضا أو صائمة في رمضان فليس لها في كل ذلك الا نصف المهر فلو خلا بها وهو صائم صيام فرض (1) في ظهار أو نذر أو قضاء رمضان فعليه الصداق كله وعليها العدة فلو خلا بها في صحراء أو في مسجد أو
في سطح لا حجرة عليه فليس لها الا نصف الصداق * قال أبو محمد: هذه أقوال لم تأت قط عن أحد من السلف ولا جاء بها قرآن ولا سنة ولا قياس.
ولا رأى سديد، وقال مالك: إذا خلا بها فقبلها أو كشفها ثم طلقها واتفقا على أنه لم يطأها فان كان ذلك قريبا فليس لها الا نصف الصداق فان تطاول ذلك حتى أخلق ثيابها فلها المهر كله * قال أبو محمد: وهذا قول لا يحفظ عن أحد قبله، وليت شعرى كم حد هذا التطاول الناقل عن حكم القرآن وما حد الاخلاق لهذه الثياب (2)، وههنا قول آخر كما روينا من طريق وكيع عن الحسن بن صالح بن حى عن فراسن عن عامر الشعبى عن ابن مسعود قال: لها النصف وان جلس بين رجليها، ومن طريق سعيد بن منصور ثنا هشيم انا ليث هو ابن أبى سليم عن طاوس عن ابن عباس انه كان يقول في رجل دخلت عليه امرأته ثم طلقها فزعم انه لم يمسها: عليه نصف الصداق * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ليث عن طاوس عن ابن عباس قال: لا يجب الصداق وافيا حتى يجامعها ولها نصفه * ومن طريق أبى عبيد نا هشيم انا المغيرة بن مقسم عن الشعبى عن شريح قال: لم أسمع الله عزوجل ذكر في كتابه بابا ولا سترا إذا زعم انه لم يمسها فلها نصف الصدق * ومن طريق سعيد بن منصور نا اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى ان عمرو بن نافع طلق امرأته وكانت قد ادخلت عليه فزعم انه لم يقربها وزعمت انه قربها فخاصمته إلى شريح فقضى شريح بيمين عمرو بالله الذى لا اله الا هو ما قربتها وقضى عليه لها بنصف الصداق قال أبو محمد: كانت هذه المطلقة بنت يحيى بن الجزار * ومن طريق أبى عبيد نا معاذ هو ابن معاذ العنبري عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين انه كان لا يرى اغلاق الباب ولا أرخاء الستر شيئا * ومن طريق وكيع عن زكريا هو ابن أبى
__________
(1) في النسخة رقم 14 في صيام فرض (2) في النسخة رقم 14 (وما حد اخلاق هذه الثياب)(9/484)
زائدة عن الشعبى انه قال: لها نصف الصداق يعنى التى دخل بها ولم يقل: انه مسها * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن طاوس عن ابيه قال: لا يجب الصداق وافيا حتى يجامعها وان اغلق عليها الباب قلت له: فإذا وجب الصداق وجبت العدة قال: ويقول أحد غير ذلك؟ * ومن طريق حماد بن سلمة عن محمد بن اسحاق عن مكحول قال: لا يجب الصداق والعدة الا بالملامسة البينة: تزوج رجل جارية فأراد سفرا فأتاها في بيتها مخلية ليس عندها أحد من أهلها فأخذها فعالجها فمنعت نفسها فصب الماء ولم يفترعها فساغ الماء فيها فاستمر بها الحمل فثقلت بغلام فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فبعث إلى زوجها فسأله؟ فصدقها فعند ذلك قال عمر: من أغلق الباب أو أرخى الستر فقد وجب الصداق وكملت العدة * قال أبو محمد: وهو قول الشافعي.
وأبى ثور.
وأبى سليمان.
وأصحابهم * قال أبو محمد: أما قول أبى حنيفة.
ومالك فمخالفان لكل من ذكرنا من الصحابة ولا نعلم لهما حجة أصلا ولا سلفا في قولهما فلم يبق الا قول من قال: ان اغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب الصداق فوجدنا من ذهب إلى هذا القول يحتجون بقول الله تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) قالوا: فالصداق كله واجب لها (1) إلا أن يمنع منه اجماع * وكما روينا من طريق البخاري نا عمرو بن زرارة نا اسماعيل هو ابن علية عن أيوب السختيانى عن سعيد بن جبير ان ابن عمر قال له: فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوى بنى العجلان، وذكر الحديث، قال أيوب: فقال لى عمرو بن دينار ان في الحديث شيئا لا أراك تحدثه قال: قال الرجل.
مالى قال قيل: لا مال لك ان كنت صادقا فقد دخلت بها * قال أبو محمد: لا حجة في هذا (2) لان عمرو بن دينار لم يذكر من أخبره بهذا فحصل مرسلا ولا حجة في مرسل، وايضا فانما فيه قال: قيل وليس فيه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ذلك فسقط من كل وجه، وقد أسنده عمرو بن دينار ولم يذكر فيه هذا اللفظ لكن كما نا حمام بن احمد نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا محمد ابن اسماعيل الترمذي نا الحميدى نا سفيان بن عيينة نا عمرو بن دينار قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: للمتلاعنين (حسابكما على الله أحدكما كاذب فقال: يارسول الله مالى مالى قال: لا مال لك إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللت من فرجها) وذكر الحديث قالوا:
__________
(1) في النسخة رقم 16 فالصداق نحلة واجبة (2) في النسخة رقم 14 هذا لا حجة لهم فيه(9/485)
فالدخول بها استحلال لفرجها * قال أبو محمد: هذا تمويه بل حين العقد للنكاح يصح استحلاله لفرجها فلولا نص القرآن بأنه إن لم يمسها حتى طلقها فنصف الصداق فقط لكان الكل لها كما هو لها إن مات أو ماتت فوجب الوقوف عند ذلك، وهكذا القول قوله تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) ان هذه الآية الاخرى خصتها فلم يوجب الطلاق قبل المس الا نصف الصداق * وشغبوا أيضا بخبر ساقط (1) رويناه من طريق أبى عبيد نا أبو معاوية.
والقاسم بن مالك عن جميل بن يزيد الطائى عن زيد بن كعب الانصاري قال: (تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بنى غفار فلما دخل عليها رأى بكشحها (2) بياضا فقال: البسى عليك ثيابك وألحقي بأهلك) زاد القاسم بن مالك في روايته وأمر لها بالصداق كاملا * قال أبو محمد: جميل بن يزيد ساقط متروك الحديث غير ثفة.
ثم لو صح لم يكن لهم فيه حجة لانه لم يقل عليه الصلاة والسلام انه لها واجب بل هو تفضل منه كما قال عزوجل: (الا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) كما لو تقضلت هي فاسقطت عنه جميع حقها لاحسنت، وموهوا أيضا بخبر آخر ساقط رويناه أيضا من طريق ابى عبيد
نا سعيد بن أبى مريم.
وعبد الغفار بن داود قال سعيد: عن يحيى بن أيوب، وقال عبد الغفار: عن ابن لهيعة ثم اتق يحيى بن أيوب.
وابن لهيعة كلاهما عن عبيد الله بن أبى جعفر عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن يزيد عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كشف امرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق) وهذا لا حجة فيه لوجوه، أولها انه مرسل ولا حجة في مرسل، والثانى انه من طريق يحيى بن أيوب.
وابن لهيعة وهما ضعيفان، والثالث انه ليس فيه للدخول ذكر ولا أثر وانما فيه كشفها والنظر إلى عورتها وقد يفعل هذا بغير مدخول بها وقد لا يفعله في مدخول بها فهو مخالف لقول جميعهم ثم ليس فيه أيضا بيان انه في المتزوجة فقط بل ظاهره عموم في كل زوجة وغيرها فبطل أن يكون لهم تعلق جملة، وأما من تعلق (3) بانها لو حملت لحق الولد ولم تحد فلا حجة لهم في هذا لانه لم يدخل بها أصلا ولا عرف انه خلا بها لكن كان اجتماعه بها سرا ممكن فحملت فالولد لا حق ولا حد في ذلك اصلا لانها فراش له حلال مذ يقع العقد لا معنى للدخول في ذلك أصلا وقد تحمل من غير ايلاج لكن بتشفير بين الشفرين فقط * كل هذا لا يسمى مسا، فان تعلقوا بمن جاء ذلك عنه من الصحابة
__________
(1) في النسخة رقم 16 من طريق ساقط (2) في النسخة رقم 16 على كشحها (3) في النسخة رقم 14 من احتج(9/486)
رضى الله عنهم فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اختلفوا كما ذكرنا فوجب الرد عند التنازع إلى القرآن والسنة فوجدنا القرآن لم يوجب لها بعدم الوطئ الا نصف الصداق وبالله تعالى التوفيق * 1843 مسألة فان عدم الصداق بعد قبضها له بأى وجه كان تلف أو أنفقته لم يرجع عليها بشئ والقول قولها في ذلك مع يمينها فان وطئها قبل الدخول أو بعده فلها المهر كله * قال على: ان كان المهر شيئا بعينه فتلف في يد الزوج فان كانت قد طلبته منه فمنعها فهو غاصب وعليه ضمانه كله لها أو ضمان نصفه ان طلقها قبل الدخول، فان كان لم
يمنعها اياه فهو تالف من مال المرأة ولا ضمان على الزوج فيه ولا في نصفه وطئها أو طلقها قبل الوطئ، وان كان شيئا يصفه فهو ضامن له بكل حال أو لنصفه ان طلقه قبل الدخول فان كانت المرأة قد قبضته فسواء كان بعينه أو بصفة فان تلف عندها فهو من مصيبة الزوج ان طلقها قبل الدخول لان الله تعالى يقول: (فنصف ما فرضتم) فانما أوجب له الرجوع ان كان قد دفعه إليها بنصف ما دفع لا بنصف شئ غيره والذى دفع إليها هو الذى فرض لها سواء كان شيئا بعينه أو شيئا بصفة، ولو لم يكن الذى دفع إليها هو الذى فرض لها لكان لا يبرأ أبدا مما عليه فصح يقينا انه إذا دفع إليها غير ما فرض لها أو على الصفة التى عقد معها فقد دفع إليها ما فرض لها بلا شك، وإذا دفع إليها ما فرض لها فقد قبضت حقها فان تلف فلم تتعد ولا ظلمت فلا ضمان عليها فان أكلته أو باعته أو وهبته أو لبسته فأفنته أو أعتقته ان كان مملوكا فلم تتعد في كل ذلك بل أحسنت، وقال تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) فلا ضمان عليها لانها حكمت في مالها وحقها وانما الضمان على من أكل بالباطل * قال أبو محمد: فان بقى عندها النصف فهو له وكذلك لو بقى بيده النصف فهو لها فلو تعدت أو تعدى عليه ضمن أو ضمنت، وقال أبو حنيفة والشافعي.
في كل ما هلك بيدها من الصداق بفعلها أو بغير فعلها في ضامنة له قيمة نصفه ان طلقها قبل الوطئ وهذا قول فاسد لما وصفنا من أنه يقضى لها بنصف غير الذى فرض لها وهذا خلاف القرآن وقد قلنا: انها لم تعتد (1) فلا ضمان عليها.
وقال مالك: ما تلف بيدها من غير فعلها ثم طلقها قبل الدخول فلا شئ له عليها قال فلو أكلته أو وهبته أو كان مملوكا فاعتقته أو باعته ثم طلقها قبل الدخول ضمنت له نصف ما أخذت ان كان له مثل أو نصف قيمته ان كان مما لا مثل له فان كانت ابتاعت بذلك شورة فليس له الا نصف
__________
(1) في النسخة رقم 16 لم تتعد(9/487)
الشئ الذى اشترت * قال أبو محمد: وهذه مناقضات ظاهرة لانه فرق بين ما أكلت ووهبت واعتقت وبين ما تلف بغير فعلها ولا فرق بين شئ من ذلك لانها في كل ذلك غير متعدية ولا ظالمة فلا شئ له عليها، ثم فرق بين ما اعتقت وأكلت ووهبت وبين ما اشترت به شورة، وهذا قول لا يعضده برهان من قرآن ولا سنة صحيحة ولا من رواية سقيمة.
ولا من قول صاحب.
ولا من قياس، وادعوا في ذلك عمل أهل المدينة، وهذا احتجاج فاسد لانه ان كان ذلك عمل الائمة الذين كانوا بالمدينة رضى الله عنهم فيعيذهم الله تعالى من أن لا يأمروا بالحق عمالهم بالعراق والشام وسائر البلاد وهذا باطل مقطوع به ممن ادعاه عليهم، فان ادعوا انهم فعلوا فبدل ذلك اهل الامصار كانت دعوى فاسدة ولم يكن فقهاء الامصار أولى بالتبديل من تابعي المدينة وكل هذا باطل قد أعاذ الله جميعهم من ذلك (1) فصح أنه اجتهاد من كل طائفة قصدت به الخير وبالله تعالى التوفيق * 1844 مسألة ومن تزوج فسمى صداقا أو لم يسم فله الدخول بها أحبت أم كرهت ويقضى لها بما سمى لها أحب أم كره ولا يمنع من اجل ذلك من الدخول بها لكن يقضى له عاجلا بالدخول ويقضى لها عليه حسب ما يوجد عنده بالصداق فان كان لم يسم لها شيئا قضى عليه بمهر مثلها إلا أن يتراضيا بأكثر أو بأقل، وهذا مكان اختلف السلف فيه * روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابو الزبير أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس يقول: قال ابن عباس: إذا نكح المرأة وسمى لها صداقا فأراد أن يدخل عليها فليلق إليها رداءه أو خاتما ان كان معه * ومن طريق ابن وهب حدثنى يونس بن يزيد الايلى عن نافع عن ابن عمر قال: لا يصلح للرجل ان يقع على المرأة زوجه (2) حتى يقدم إليها شيئا من مالها ما رضيت به من كسوة أو عطاء قال ابن جريج: وقال عطاء وسعيد بن المسيب.
وعمرو هو ابن دينار لا يمسها حتى يرسل إليها بصداق أو فريضة قال عطاء.
وعمرو: ان
أرسل إليها بكرامة لها ليست من الصداق أو إلى أهلها فحسبه هو يحلها له، وقال سعيد بن جبير: اعطها ولو خمارا (3): وقال الزهري: بلغنا في السنة أن لا يدخل بامرأة حتى يقدم نفقة أو يكسو كسوة ذلك مما عمل به المسلمون، وقال مالك: لا يدخل عليها حتى يعطيها مهرها الحال فان وهبته له أجبر على أن يفرض لها شيئا
__________
(1) في النسخة رقم 14 قد أعاذهم الله تعالى جميعهم من ذلك (2) في النسخة رقم 14 (على امرأته) (3) في النسخة رقم 16 ولو جهازا(9/488)
آخر ولا بد * وذهب آخرون إلى اباحة دخوله عليها وان لم يعطها شيئا كما روينا من طريق ابى داود نا محمد بن يحيى بن فارس الذهلى نا عبد العزيز بن يحيى الحرانى نا محمد ابن سلمة عن ابى عبد الرحيم عن زيد بن أبى أنيسة عن يزيد بن أبى حبيب عن مرثد ابن عبد الله اليزنى هو أبو الخير عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة برضاهما فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقا ولم يعطها شيئا وكان ممن شهد الحديبية وكان من شهدها له سهم بخيبر فحضرته الوفاة فقال: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجنى فلانة ولم أفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا ولكني أشهدكم ان أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر قال: فاخذته فباعته بمائة ألف) * وروينا من طريق وكيع عن هشام الدستوائي عن سعيد بن المسيب قال: اختلف أهل المدينة في ذلك فمنهم من أجازه ولم ير به بأسا ومنهم من كرهه قال سعيد: واى ذلك فعل فلا بأس به يعنى دخول الرجل بالمرأة التى تزوج ولم يعطها شيئا * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر.
ويونس بن عبيد قال منصور: عن ابراهيم النخعي وقال يونس: عن الحسن ثم اتفقا جميعا على أنه لا بأس بان يدخل الرجل بامرأته قبل أن يعطيها شيئا * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري في الرجل يتزوج المرأة ويسمى لها صداقا هل يدخل عليها ولم يعطها شيئا؟ فقال الزهري: قال الله عزوجل: (ولا جناح
عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) فإذا فرض الصداق فلا جناح عليه في الدخول عليها وقد مضت السنة ان يقدم لها شئ من كسوة أو نفقة * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم ثنا حجاج عن أبى اسحق السبيعى ان كريب بن أبى مسلم وكان من أصحاب أبن مسعود تزوج امرأة على أربعة آلاف درهم ودخل بها قبل أن يعطيها من صداقها شيئا، وبهذا يقول سفيان الثوري.
والشافعي.
وأبو سليمان.
وأصحابهم، وقال الاوزاعي: كانوا يستحسنون ان لا يدخل بها حتى يقدم لها شيئا، وقال الليث: ان سمى لها مهرا فاحب إلى أن يقدم لها شيئا وان لم يفعل لم أر به بأسا، وقال أبو حنيفة: ان كان مهرها مؤجلا فله ان يدخل بها أحبت أم كرهت حل الاجل أو لم يحل، فان كان الصداق نقدا لم يجز له أن يدخل بها حتى يؤديه إليها فلو دخل بها فلها ان تمنع نفسها منه حتى يوفيها جميع صداقها * قال أبو محمد: أما تقسيم أبى حنيفة.
ومالك فدعوى بلا برهان لا من قرآن.
ولا من سنة.
ولا قياس.
ولا قول متقدم، ولا رأى له وجه فلم يبق الا قول من أباح دخوله عليها وان لم يعطها شيئا أو منع من ذلك فنظرنا في حجة من منع من ذلك فوجدناهم يحتجون بحديث فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عليا ان يدخل بفاطمة رضى الله عنهما(9/489)
حتى يعطيها شيئا * قال أبو محمد: وهذا خبر لا يصح لانه انما جاء من طريق مرسلة أو فيها مجهول أو ضعيف وقد تقصينا طرقها وعللها في كتاب الايصال الا ان صفتها كلها ما ذكرنا ههنا لا يصح شئ منها الا خبر من طريق أحمد بن شعيب انا عمرو بن منصور نا هشام بن عبد الملك الطيالسي نا حماد بن زيد عن أيوب السختيانى عن عكرمة عن ابن عباس (ان عليا قال: تزوجت فاطمة فقلت: يا رسول الله أبن لى؟ فقال: اعطها شيئا فقلت: ما عندي شئ قال فأين درعك الحطمية؟ قلت: هو عندي قال: فاعطها اياه) * قال أبو محمد: انما كان ذلك على انه صداقها لا على معنى انه لا يجوز الدخول الا
حتى يعطيها شيئا، وقد جاء هذا مبينا كما نا أحمد بن قاسم قال: نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم قال: حدثنى جدى قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير نا الحسن بن حماد نا يحيى بن يعمر الاسلمي عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن البصري عن أنس قال: قال على بن ابى طالب: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قد علمت قدمى في الاسلام ومناصحتي وانى وانى قال: وما ذاك يا على؟ قال: تزوجني فاطمة قال: وما عندك؟ قلت عندي فرسى ودرعى قال: اما فرسك فلا بد لك منها واما درعك فبعها قال: فبعتها باربعمائة وثمانين فاتيته بها فوضعتها في حجره ثم قبض منها قبضة وقال: يا بلال ابغنا بها طيبا) وذكر باقى الحديث، فهذا بيان ان الدرع انما ذكرت في الصداق لا من أجل الدخول لانها قصة واحدة بلا شك * قال أبو محمد: وقد جاء في هذا أثر كما روينا من طريق أبى عبيد نا عمر بن عبد الرحمن نا منصور بن المعتمر عن طلحة بن مصرف عن خيثمة بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا تزوج امرأة فجهزها إليه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن ينقد شيئا * قال على: خيثمة من أكابر أصحاب ابن مسعود وصحب عمر بن الخطاب رضى الله عنهم، قال على: قال الله عزوجل: (الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين) ولا خلاف بين أحد من المسلمين في انه من حين يعقد الزواج فانها زوجة له فهو حلال لها وهى حلال له فمن منعها منه حتى يعطيها الصداق أو غيره فقد حال بينه وبين امرأته بلا نص من الله تعالى ولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الحق ما قلنا ان لا يمنع حقه منها ولا تمنع هي حقها من صداقها لكن يطلق على الدخول عليها أحبت أم كرهت ويؤخذ مما يوجد له صداقها أحب أم كره، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم تصويب قول القائل: (اعط كل ذى حق حقه) وبالله تعالى التوفيق *(9/490)
1845 مسألة وكل نكاح عقد على صداق فاسد أو على شرط فاسد مثل أن
يؤجل إلى أجل مسمى أو غير مسمى أو بعضه إلى أجل كذلك أو على خمر أو على خنزير أو على ما يحل ملكه.
أو على شئ بعينه في ملك غيره.
أو على أن لا ينكح عليها.
أو ان لا يتسرى عليها.
أو أن لا يرحلها عن بلدها أو عن دارها.
أو أن لا يغيب مدة أكثر من كذا أو على أن يعتق أم ولده فلانة أو على أن ينفق على ولدها أو نحو ذلك فهو نكاح فاسد مفسوخ أبدا وان ولدت له الاولاد ولا يتوارثان ولا يجب فيه نفقة ولا صداق ولا عدة وهكذا كل نكاح فاسد حاش التى تزوجت بغير اذن وليها جاهلة فوطئها فان كان سمى لها مهرا فلها الذى سمى لها وان كان لم يسم لها مهرا فلها عليه مهر مثلها فان لم يكن وطئها فلا شئ لها، فان كان الصداق الفاسد.
والشروط الفاسدة انما تعاقداها بعد صحة عقد النكاح خاليا من كل ذلك فالنكاح صحيح تام ويفسخ الصداق ويقضى لها بمهر مثلها إلا أن يتراضيا بأقل أو أكثر فذلك جائز وتبطل الشروط كلها * برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) وهذه كلها شروط ليست في كتاب الله عزوجل فهو باطل وكذلك تأجيل الصداق أو بعضه لان الله تعالى يقول: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فمن شرط أن لا يؤتيها صداقها أو بعضه مدة ما فقد اشترط خلاف ما أمر الله تعالى به في القرآن، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) والخبران صحيحان مشهوران وقد ذكرناهما بأسانيدهما فيما سلف من كتابنا هذا، وكل ما ذكرنا فليس عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو باطل مردود بنص كلامه عليه الصلاة والسلام وبضرورة العقل يدرى كل ذى عقل ان كل ما عقدت صحته بصحة ما لا يصح فانه لا يصح، فكل نكاح عقد على أن لا صحة له الا بصحة الشروط المذكورة فلا صحة له، فإذ لا صحة له فليست زوجة وإذ ليست زوجة فان كان عالما فعليه حد الزنا ولا يلحق به الولد لان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فليس الا فراش
أو عهر فإذ ليست فراشا فهو عهر والعهر لا يلحق فيه ولد والحد فيه واجب، فان كان جاهلا فلا حد عليه والولد لاحق به لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بالحق ولم تزل الناس يسلمون وفى نكاحهم الصحيح والفاسد كالجمع بين الاختين ونكاح أكثر من أربع.
وامرأة الاب ففسخ عليه الصلاة والسلام كل ذلك وألحق فيه الاولاد فالولد لاحق بالجاهل لما ذكرنا * وأما استثناؤنا التى نكحت بغير اذن وليها فنكاحها باطل فللخبر(9/491)
الثابت الذى ذكرنا قبل باسناده من قوله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل:) إلى قوله عليه الصلاة والسلام: (فالمهر لها بما أصاب منها) وصح أيضا فلها مهرها (1) بما أصاب منها فقوله عليه الصلاة والسلام: (فالمهر لها) تعريف بالالف واللام وقوله عليه الصلاة والسلام: (فلها مهرها) اضافة المهر إليها فهذان اللفظان يوجبان لها المهر المعهود المسمى ومهرا يكون لها ان لم يكن هنالك مهر مسمى وهو مهر مثلها، ولا يجوز أن يحكم بهذا لكل نكاح فاسد لانه قياس والقياس كله باطل، وقوله عليه الصلاة والسلام: (ان دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام:) فصح يقينا أن ماله حرام عليها الا بنص قرآن.
أو سنة وما كان ربك نسيا، ونحن نشهد بشهادة الله عزوجل أن الله تعالى لو أراد أن يجعل في الوطئ في النكاح الفاسد مهرا لبينه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك في التى نكحت بغير اذن وليها، ولما اقتصر على هذه وحدها دون غيرها تلبسا على عبادة وحاش لله من هذا، فان قالوا: قال الله عزوجل: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وقال تعالى: (الحرمات قصاص) والوطئ في النكاح الفاسد اعتداء وحرمة منتهكة فالواجب أن يعتدى عليه في ماله بمثل ذلك وأن يقتص بمثل ذلك في ماله قلنا: قول الله عزوجل حق وانتاجكم منه عين الباطل لان الله تعالى أوجب أن يعتدى على المعتدى ويقتص من حرمته بمثل
ما اعتدى عليه في حرمته، وليس المال مثلا للفرج الا ان يأتي به نص فيوقف عنده، ولو كان هذا لوجب على من ضرب آخر أو شتمه أن يقتص من ماله مثل ذلك وأن يعتدى عليه في ماله ولوجب أيضا على من زنى بامرأة أو لاط بغلام مهر مثلها أو غرامة ما، وهذه أحكام الشيطان.
وطغاة العمال.
وفساق الشرط ليس أحكام الله تعالى ولا أحكام رسوله صلى الله عليه وسلم انما حكم الله تعالى وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تتعدى حدوده فإذا حكم بغرامة مال حكمنا بها وإذا لم يحكم بها لم نحكم بها وبالله تعالى التوفيق * وقد ذكرنا قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذى حدثناه محمد ابن سعيد بن نبات نا اسماعيل بن اسحاق النصرى نا عيسى بن حبيب نا عبد الرحمن ابن عبد الله بن يزيد المقرى نا جدى محمد بن عبد الله ثنا سفيان بن عيينة عن اسماعيل ابن أبى خالد عن الشعبى عن مسروق أن عمر بن الخطاب قال: (ان كان النكاح حراما فالصداق حرام) وذكرنا فعل ابن عمر في ابطاله صداق التى تزوجها عبده
__________
(1) في النسخة رقم 14 فلها المهر(9/492)
بغير اذنه كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى عن همام بن يحيى عن مطر الوراق عن نافع ان ابن عمر كان إذا تزوج عبده بغير اذنه جلده وفرق بينهما، وقال: أبحت فرجك ولم يجعل لها صداقا * وبه إلى عبد الرحمن بن مهدى عن حماد بن زيد عن عاصم الاحول قال: سمعت الحسن البصري يقول في الحرة التى تتزوج العبد بغير اذن سيده: أباحت فرجها لا شئ لها * وبه إلى محمد ابن المثنى نا ابو أحمد الزبيري نا سفيان الثوري عن داود بن أبى هند عن الشعبى قال: كل فرج لا يحل فلا مهر له * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني ابن أبى ليلى عن فقهائهم في التي ينكحها العبد بغير اذن سيده قال: يأخذ السيد منها
ما أصدقها غلامه عجلت قبل أن تعلم * وبه إلى عبد الرزاق (1) عن معمر عن الزهري عن سليمان بن يسار انه قال: في التى تنكح في عدتها: مهرها في بيت المال * ومن طريق وكيع عن شعبة بن الحجاج قال: سألت الحكم بن عتيبة: وحماد بن أبى سليمان عن العبد يتزوج الحرة بغير اذن مولاه؟ فقالا جميعا: يفرق بينهما ولا صداق لها ويؤخذ منها ما أخذت * ونحو هذا عن ابراهيم النخعي، وهو قول أبى سليمان.
واصحابنا، وأما مالك فانه فرق ههنا فروقا لا تفهم، فمنها نكاحات هي عنده فاسدة تفسخ قبل الدخول وتصح بعد الدخول، ومنها ما يفسخه قبل الدخول وبعد الدخول أيضا ما كان من قرب فإذا طال بقاؤه معها لم يفسخه، ومنها ما يفسخه قبل الدخول وبعد الدخول وان طال بقاؤه معها ما لم تلد له أولادا فان ولدت له أولادا لم يفسخه، ومنها ما يفسخه قبل الدخول وبعده وان طال بقاؤه معها وولدت له الاولاد.
وهذه عجائب لا يدرى أحد من أين قالها ولا نعلم احدا قالها قبله ولا معه الا من قلده من المنتمين إليه، ولا يخلو كل نكاح في العالم من أن يكون صحيحا أو غير صحيح، ولا سبيل إلى قسم ثالث فالصحيح صحيح ابدا الا أن يوجب فسخه قرآن أو سنة فيفسخ بعد صحته متى وقعت الحال التى جاء النص بفسخه معها، وأما الذى ليس صحيحا فلا يصح أبدا لان الفرج الحرام لا يحله الدخول به وطئه ولا طول البقاء على استحلاله بالباطل ولا ولادة الاولاد منه بل هو حرام ابدا، فان قالوا: ليس بحرام قلنا: فلم فسختم العقد عليه قبل الدخول إذا وهو صحيح غير حرام؟ وهذه أمور لا ندرى كيف ينشرح قلب من نصح نفسه لاعتقادها أو كيف ينطلق لسانه بنصرها؟ ونسأل الله العافية *
__________
(1) في النسخة رقم 14 وبه إلى عبد الرحمن(9/493)
وأما كل عقد صح ثم لما صح تعاقدا شروطا فاسدة فان العقد صحيح لازم واذ هو صحيح لازم فلا يجوز ان يبطل بغير قرآن.
أو سنة، ومحرم الحلال كمحلل الحرام
ولا فرق لكن تبطل تلك الشروط الفاسدة أبدا ويفسخ حكم من حكم بامضائها والحق حق والباطل باطل، قال الله تعالى: (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون) وقال تبارك وتعالى: (ويحق الله الحق بكلماته) وبالله تعالى التوفيق * 1846 مسألة وكل ما جاز ان يتملك بالهبة أو بالميراث فجائز ان يكون صداقا وان يخالع به وان يؤاجر به سواء حل بيعه أو لم يحل كالماء.
والكلب.
والسنور والثمرة التى لم يبد صلاحها والسنبل قبل أن يشتد لان النكاح ليس بيعا هذا ما لا يشك فيه ذو حس سليم * وقال بعض الغافلين: لا يحل الصداق بما لا يجوز بيعه (1) وهذا حكم فاسد بلا برهان لا من قرآن.
ولا سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قول صاحب.
ولا قياس.
ولا رأى له وجه يعقل، وليت شعرى ماذا باع أو ماذا اشترى أرقبتها؟ فبيع الحر لا يجوز أم فرجها؟ فهذا أبين في الحرام وهو قد استحل بكلمة الله تعالى فرجها الذى كان حراما عليه قبل النكاح كما استحلت بكلمة الله تعالى فرجه الذى كان حراما عليها قبل النكاح ففرج بفرج وبشرة ببشرة، وأوجب الله تعالى عليه وحده الصداق لها زيادة على استحلالها فرجه وليس البيع هكذا انما هو جسم يبادل بجسم أحدهما ثمن والآخر مبيع مثمون لا زيادة ههنا لاحدهما على الآخر، فوضح لكل ذى عقل سليم فساد قول من شبه النكاح بالبيع، وايضا فان البيع بغير ذكر ثمن لا يحل والنكاح بغير ذكر صداق حلال صحيح، والعجب أنهم يمنعون النكاح بصداق ثمرة لم يبد صلاحها قياسا على البيع ثم أجازوا النكاح بوصيف وبيت.
وخادم هكذا غير موصوف بشئ من ذلك، ولا يحل عندهم بيع وصيف ولا بيع بيت ولا بيع خادم غير معين بشئ من ذلك ولا موصوف، وهذا كما ترى ونعوذ بالله من التهوك في الخطأ في الدين * 1847 مسألة وجائز أن يكون صداقا كل ماله نصف قل أو كثر ولو أنه حبة بر أو حبة شعير أو غير ذلك، وكذلك كل عمل حلال موصوف كتعليم شئ من القرآن أو من العلم أو البناء أو الخياطة أو غير ذلك إذا تراضيا بذلك، وورد
في هذا اختلاف (2) كما روينا من طريق وكيع عن داود بن يزيد الاودى عن الشعبى عن على رضى الله عنه قال: لا يكون صداق أقل من عشرة * ومن طريق عبد الرزاق عن حسن صاحب له عن شريك عن داود بن يزيد الاودى عن الشعبى عن على بن أبى طالب
__________
(1) في النسخة رقم 16 بعض القائلين لا يجوز اصداق ما ليس يجوز بيعه (2) في النسخة رقم 14 خلاف(9/494)
رضى الله عنه قال: لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم * وبه إلى حسن المذكور أخبرني المغيرة عن ابراهيم النخعي قال: (أكره أن يكون المهر مثل أجر البغى ولكن العشرة دراهم والعشرون * وبه يقول أبو حنيفة.
وأصحابه * وعن ابراهيم روايتان غير هذه صحيحتان، احداهما رويناها من طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة عن ابراهيم النخعي قال: لا يتزوج الرجل على أقل من أربعين * والاخرى رويناها من طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي قال: السنة في النكاح الرطل من الفضة * وروينا من طريق شعبة عن أبى سلمة الكوفى قال: سمعت الشعبى يقول: كانوا يكرهون أن يتزوج الرجل على أقل من ثلاثة أواقى * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا حسام بن المصك عن أبى معشر عن سعيد بن جبير انه كان يحب أن يكون الصداق خمسين درهما * قال أبو محمد: أما الرواية عن الشعبى فساقطة لانها عن أبى سلمة الكوفى ولا يدرى من هو، ولو صحت لكانت هي والرويتان عن ابراهيم في الاربعين اما درهما.
واما أوقية.
واما دينارا، والرواية عن سعيد بن جبير قول بلا برهان وما كان هكذا فهو باطل.
وأما الرواية عن ابراهيم بالعشرة دراهم فساقطة لانها عن حسن صاحب عبد الرزاق ولا يدرى أحد من هو، والرواية عن على رضى الله عنه باطل لانها عن داود بن يزيد الاودى وهو في غاية السقوط كان الشعبى يقول: إذا رأى اختلاطه لا تموت حتى تكوى في رأسك ثلاث كيات قال الراوى:
فما مات حتى كوى في رأسه ثلاث كيات، ثم هي مرسلة لان الشعبى لم يسمع من على قط حديثا، واحتجوا لقولهم هذا الفاسد بخبرين موضوعين، أحدهما عن حرام ابن عثمان عن ابني جابر بن عبد الله عن أبيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صداق أقل من عشرة دراهم) والآخر عن بقية عن مبشر بن عبيد الحلبي عن الحجاج بن أرطاة عن عطاء.
وعمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا مهر دون عشرة دراهم) وقالوا: النكاح استباحة فرج وهو عضو منها فوجب أن لا يجوز الا بما تقطع فيه اليد، وقد احتج المالكيون بهذه التشغيبة (1) الساقطة أيضا * قال أبو محمد: لا حجة لهم غير ما ذكرنا، والحديثان المذكوران مكذوبان بلا شك، أحدهما من طريق حرام بن عثمان وهو في غاية السقوط لا تحل الرواية عنه، والآخر من طريق مبشر بن عبيد الحلبي وهو كذاب مشهور بوضع الكذب (2) على
__________
(1) في النسخة رقم 14 بهذه الشغيبة (2) في النسخة رقم 14 بوضع الحديث(9/495)
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجاج بن ارطاة وهو ساقط ولو صح لكانوا قد خالفوه لانهم يجيزون (1) النكاح على دينار لا يساوى عشرة دراهم فبطل كل ذلك والحمد لله رب العالمين * وأما قولهم: انه قياس على قطع يد السارق فهو أسخف قياس في العالم لانه لا شبه بين النكاح والسرقة، وأيضا فان اليد تقطع البته والفرج لا يقطع والنكاح طاعة والسرقة معصية، ولو قاسوا اباحة الفرج على اباحة الظهر في حد الخمر لكان أدخل في مخازي القياس وسخافاته (2) لان كليهما عضو مستور لا يقطع وقبل وبعد فما صح قط ان لا قطع في اقل من عشرة دراهم فو باطل متيقن على باطل وخطأ مشبه بخطأ فسقط هذا القول الفاسد، وقال مالك: لا يكون أقل من ثلاثة دراهم وقاسوه على قطع اليد، وقد مضى الكلام في سقوط هذا القول آنفا وما جاء نص قط بان لا قطع في أقل من ثلاثة دراهم انما صح النص لا قطع الا في ربع
دينار فصاعدا وهم لا يراعون في القطع ولا في الصداق ربع دينار في القيمة أصلا فلاح بطلان كل ما قالوه بيقين لا اشكال فيه * وموه المالكيون ايضا بان قالوا: قال الله عز وجل: (ومن لم يستطع منكم طولا ان ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) قالوا: فلو جاز الصداق بما قل أو كثر لكان كل احد واجد الطول لحرة مؤمنة * قال أبو محمد: لا ندرى على ما نحمل هذا القول من قائله الا اننا لانشك في انه لم يحضره فيه من الورع [ قليل ] (3) وتقوى الله تعالى حاضر لانهم لا يختلفون في انه لا يجوز ان يكون صداق الامة المتزوجة أقل من صداق الحرة فكيف يفرقون بعد هذا بين وجود الطول لنكاح حرة وبين وجود الطول لنكاح أمة ونعوذ بالله من التمويه في دين الله عزوجل بما ندرى انه باطل قاصدين إليه عمدا: وقال بعضهم: كيف يجوز أن يكون الصداق بما قل أو كثر ولا تكون المتعة في الطلاق الا محدودة؟ قلنا: لان الله تعالى لم يحد في الصداق حدا الا ما تراضيا به وحد في المتعة في الطلاق على الموسع قدره وعلى المقتر قدره فالفرق بين الامرين أوضح من الشمس عند من لا يتعدى حدود الله تعالى، وأعجب شئ قول بعضهم ان الله عزجل عظم أمر الصداق فلا يجوز أن يكون قليلا فقلنا: هذا العجب حقا انما عظم الله تعالى أمر الصداق في ايجاب ادائه وتحريم اخذه بغير رضاها وهذا موجود في كل حق قال الله عزوجل: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة
__________
(1) في النسخة رقم 16 لا يجيزون وهو غلط (2) في النسخة رقم 16 في مخارق القياس وسخافته (3) الزيادة من النسخة رقم 16 ولا شئ(9/496)
شرا يره) وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام (اتقوا النار ولو بشق تمرة) ولا عظيم اعظم من اتقاء النار، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم (من حلف على منبرى بيمين آثمة وجبت له (1) النار وان كان قضيبا من أراك) ثم أغرب شئ من أين وقع لهم ان ثلاثة دراهم
كثير وان ثلاثة دراهم غير حبة قليل؟، وتخليط هذه الطوائف أكثر من أن يحصيه الا محصى انفاسهم عزوجل * قال أبو محمد: فإذ قد ظهر بطلان اقوالهم (2) لا سيما قول مالك فانه لا نعرفه عن أحد من أهل العلم قبله، وقول أبى حنيفة لم يصح عن احد من أهل العلم قبله فلنورد البرهان على صحة قولنا قال الله عزوجل: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) وقال تعالى: (وآتوهن أجورهن بالمعروف) وقال تعالى: (وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فلم يذكر الله عزوجل في شئ من كتابه الصداق فجعل فيه حدا بل أجمله اجمالا وما كان ربك نسيا، ونحن نشهد بشهادة الله عزوجل في الدنيا ويوم يقوم الاشهاد ان الله عزوجل لو أراد أن يجعل للصداق حدا لا يكون أقل منه لما أهمله ولا أغفله حتى يبينه له أبو حنيفة.
ومالك، وحسبنا الله ونعم الوكيل * والسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روينا من طريق البخاري نا عبد الله بن يوسف انا مالك بن أنس.
وعبد العزيز بن أبى حازم عن أبيه عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه (فقام الرجل فقال: زوجنيها ان لم يكن لك بها حاجة قال: هل عندك شئ تصدقها؟ قال: ما عندي إلا إزارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان أعطيتها إياه جلست لا ازار لك فالتمس شيئا قال: ما أجد شيئا قال: التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال: أمعك من القرآن شئ؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا قال: قد زوجناكها بما معك من القرآن) * ومن طريق البخاري نا يحيى نا وكيع عن سفيان الثوري عن أبى حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: (تزوج ولو بخاتم من حديد) ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة نا الحسين بن على عن زائدة عن أبى حازم عن سهل بن سعد قال: (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يارسول الله قد وهبت نفسي لك فاصنع في ما شئت فقال له شاب عنده: يارسول الله
ان لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها قال: وعندك شئ تعطيها إياه؟ قال: ما أعلمه قال: فانطلق فاطلب فلعلك تجد شيئا ولو خاتما من حديد فأتاه فقال: ما وجدت
__________
(1) في النسخة رقم 14 أوجب الله له (2) في النسخة رقم 16 بطلان قولهم(9/497)
شيئا إلا ازارى هذا قال: ازارك هذا ان أعطيتها اياه لم يبق عليك شئ قال: اتقرأ أم القرآن؟ قال: نعم قال: فانطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن) * نا حمام بن احمد القاضى نا عبد الله بن محمد بن على الباجى نا عبد الله بن يونس المرادى نا بقى بن مخلد نا أبو بكر بن أبى شيبة نا الحسن بن على هو الجعفي عن زائدة عن أبى حازم عن سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا من امرأة على أن يعلمها سورة من القرآن * قال أبو محمد: والحديث مشهور ومنقول نقل التواتر (1) من طرق الثقات رويناه أيضا من طريق يعقوب بن عبد الرحمن القارى.
وعبد العزيز بن محمد الدراوردى وسفيان بن عيينة: وحماد بن زيد.
ومعمر: ومحمد بن مطرف.
وفضيل ابن سليمان: وغيرهم كلهم عن أبى حازم عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: فاعترض من لم يتق الله عزوجل ولا استحيا من الكذب في هذا فقال: انما كلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من حديد مزينا يساوى عشرة دراهم من فضة أو ثلاثة دراهم من فضة خالصة فقول يضحك الثكلى ويسئ الظن بقائله لانها مجاهرة بما لم يكن قط ولا خلقه الله عزوجل قط في العالم ان تكون حلقة من حديد وزنها درهمان تساوى ما ذكروا (2) ولا سيما في المدينة وقد علم كل ذى حظ من التمييز ان مرورهم ومساحيهم لحفير الارض وشوافرهم وفؤوسهم لقطع الحطب.
ومناجلهم لعمل النخل وحصاد الزرع.
وسككهم للحرث ومزابرهم للزرجون.
ودروعهم ورماحهم كل ذلك من حديد فمن اين استحلوا أن يخبروا عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكذبة السخيفة؟ ونسأل
الله العافية، وان من لجأ إلى المحال الممتنع في نصر باطله لقد يدل فعله هذا على صفات سوء في الدين.
والحياء.
والعقل، واعترضوا على ان يكون الصداق تعليم القرآن بخبر رويناه من طريق ابن أبى شيبة نا عفان بن مسلم نا ابان بن يزيد العطار حدثنى يحيى بن أبى كثير عن زيد بن أبى سلام (3) عن أبى راشد الحبرانى (4) عن عبد الرحمن بن شبل الانصاري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكوا به ولا تستكثروا به) وبالخبر الذى رويناه من طريق أبى ابن كعب انه علم رجلا القرآن فاهدى إليه فرسا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتحب ان تأتى الله في عنقك يوم القيامة نار)، وفى بعض ألفاظه (ان كنت تحب ان تطوق طوقا
__________
(1) في النسخة رقم 14 نقل الكافة (2) في النسخة رقم 16 ما ذكرنا (3) في النسخة رقم 14 عن زيد عن أبى اسلام (4) في النسخة رقم 14 الحرانى وهو غلط(9/498)
من نار فاقبلها) وفى بعضها (جمرة بين كتفيك تقلد بها أو تعلقها) * قال أبو محمد: وهذه آثار واهية لا تصح، أما حديث (لا تأكلوا به) فرواية أبى راشد (1) الحبرانى وهو مجهول، ثم لو صح لم تكن لهم به حجة لان الاكل أكلان اكل بحق وأكل بباطل فالاكل بحق حسن وقد مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه إلى المدينة كمصعب بن عمير وغيره يعلمون الانصار القرآن والدين وينفق الانصار عليهم قال الله تعالى: (هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) فأنكر الله عزوجل على من نهاهم عن النفقة على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد النكير * وأما حديث أبى بن كعب فان أحد طرقه في روايته الاسود بن ثعلبة وهو مجهول لا يدرى من هو، والاخرى من طريق أبى زيد عبد الله بن العلاء وهو مجهول لا يدرى من هو، والثالثة من طريق بقية وهو ضعيف فسقطت كلها، والصحيح من ذلك ضد هذا وهو ما رويناه من طريق البخاري نا سيدان (2) بن مضارب الباهلى نا أبو معشر
البراء هو يوسف بن يزيد حدثنى عبيد الله بن الاخنس أبو مالك عن ابن أبى مليكة عن ابن عباس (أن رجلا قال: يا رسول الله آخذ على كتاب الله أجرا؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله عزوجل) * ومن طريق أبى داود نا عبد الله بن معاذ نا أبى نا شعبة عن عبد الله بن أبى السفر عن الشعبى عن خارجة بن الصلت عن عمه (انه رقى مجنونا بأم القرآن فاعطاه اهله شيئا فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل فلعمري من أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق) فصح ان الاكل بالقرآن في الحق وفى تعليمه حق.
وان الحرام انما هو أن يأكل به رياء أو لغير الله تعالى، وموهوا بالخبر الساقط الذى رويناه من طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية نا أبوعرفجة الفاشى عن أبى النعمان الازدي قال: (زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على سورة من القرآن ثم قال: لا يكون لاحد بعدك مهرا) فهذا خبر موضوع فيه ثلاث عيوب، أولها انه مرسل ولا حجة في مرسل إذ رواه شعبة عن أيوب، والثانى ان أبا عرفجة الفاشى مجهول لا يدرى أحد من هو، والثالث ان أبا النعمان الازدي مجهول أيضا لا يعرفه أحد، وموه بعضهم بالخبر الذى فيه ان أبا طلحة تزوج أم سليم رضى الله عنهما على ان يسلم فلم يكن لها مهر غيره، وهذا لا حجة لهم فيه لوجهين، أحدهما ان ذلك كان قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدة لان أبا طلحة قديم الاسلام من أول الانصار اسلاما ولم
__________
(1) في النسخة رقم 14 فرواه أبو راشد (2) هو بكسر السين المهملة(9/499)
يكن نزل ايجاب إيتاء النساء صدقاتهن بعد، الثاني انه ليس في ذلك الخبر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ذلك، وقال بعضهم: هذا خاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: وهذا كذب * برهان ذلك قول الله عزوجل: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فكل ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فالفضل لنا والاجر والاحسان في ان نفعل كما فعل إئتساء به والمانع من ذلك مخطئ والراغب عن سنته ظالم لنفسه هالك
الا أن يأتي نص قرآن أو سنة ثابتة بأنه خصوصي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل ان يعمل به حيئنذ والعجب كله ان هؤلاء يأتون إلى ما عمله عليه الصلاة والسلام ولم يخبر المؤمنين انه خاص له فيقولون: هو خاص له ثم يأتون إلى نكاح الموهوبة وقد نص الله عزوجل عل أنها خالصة له عليه الصلاة والسلام دون المؤمنين فيقولون: هو عام لكل أحد نعوذ بالله مما ابتلوا به * وقال بعضهم: ارأيت ان طلقها قبل الدخول؟ فقلنا: ان كان قد علمها السورة التى أصدقها تعليمها فقد استوفت صداقها ولا سبيل لها إليه لانه عرض قد انقضى وان كان لم يعلمها اياه فعليه ان يعلمها نصفها فقط، وهذا لا يحرم على أحد يعنى تعليم امرأة أجنبية، وقد كلم أمهات المؤمنين الناس * قال أبو محمد: وقال بقولنا طائفة من السلف * روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن اسماعيل بن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: لو رضيت بسواك من أراك (1) لكان مهرا * ومن طريق وكيع عن الحسن بن صالح بن حى عن أبى هارون العبدى عن أبى سعيد الخدرى انه قال: (ليس على أحد جناح ان يتزوج بقليل ماله أو كثيره إذا استشهدوا وتراضوا) وروى عن عبد الرحمن بن مهدى عن صالح بن رومان عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله قال: (من اعطى في صداق امرأة مل ء حفنة (2) من سويق أو تمر فقد استحل) * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حميد عن أنس بن مالك ان عبد الرحمن بن عوف قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (تزوجت امرأة من الانصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم سقت إليها؟ قال: وزن نواة من ذهب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة) قال عبد الرزاق: فأخبرني اسماعيل بن عبد الله عن حميد عن انس قال: وذلك دانقان من ذهب * قال أبو محمد: الدانق سدس الدرهم الطبري وهو الاندلسي فالدانقان وزن ثلث درهم أندلسى وهو سدس المثقال من الذهب، وهذا خبر مسند صحيح، فان قيل: فقد رويتم من طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية نا حجاج هو ابن أرطاة عن قتادة
__________
(1) في النسخة رقم 14 سواك الاراك (2) في النسخة رقم 14 مل ء كفيه(9/500)
عن أنس في النواة المذكورة انها قومت بثلاث (1) دراهم قلنا: حجاج ساقط ولا يعارض بروايته رواية عبد الرزاق * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء انه قال في الصداق: أدنى ما يكفى خاتمه أو ثوب يرسله، قال ابن جريج.
وقال عمرو ابن دينار.
وعبد الكريم: ادنى الصداق ما تراضوا به * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن يزيد بن قسيط قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: لو اصدقها سوطا حلت له * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم ابن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا أبو أحمد الزبيري نا عبد العزير ابن أبى داود عن سعيد بن المسيب انه زوج أبنته ابن أخيه فقيل له: أصدق؟ فقال: درهمين * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا يونس بن عبيد عن الحسن انه كان يقول في الصداق: هو على ما تراضوا عليه من قليل أو كثير، ولا يؤقت شيئا، قال سعيد: ونا خالد بن عبد الله هو الطحان عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: ما تراضوا به عليه فهو صداق * ومن طريق سحنون عن عبد الله بن وهب أخبرني عثمان بن الحكم عن يحيى بن سعيد الانصاري انه قال: يحل المرأة ما رضيت به من قليل أو كثير، قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق.
وابن قسيط.
وربيعة بن أبى عبد الرحمن أنه يجوز من الصداق درهم * قال أبو محمد: وهو قول سفيان الثوري.
والاوزاعي.
والحسن بن حى: والليث بن سعد.
وابن أبى ليلى.
وابن وهب صاحب مالك.
والشافعي.
وأحمد بن حنبل.
واسحاق.
وأبى ثور.
وابى سليمان.
وأصحابهم، وجملة أصحاب الحديث (2) ممن سلف وخلف وبالله تعالى التوفيق * 1848 مسألة ومن أعتق أمته على أن يتزوجها وجعل عتقها صداقها لا صداق
لها غيره فهو صداق صحيح ونكاح صحيح وسنة فاضلة فان طلقها قبل الدخول فهى حرة ولا يرجع عليها بشئ فلو أبت أن تتزوجه بطل عتقها وهى مملوكة كما كانت * وفى هذا خلاف متأخر، قال أبو حنيفة.
ومحمد بن الحسن.
وزفر بن الهذيل.
ومالك.
وابن شبرمة.
والليث: لا يجوز ان يكون عتق الامة صداقها.
قال أبو حنيفة.
وزفر.
ومحمد: ومالك ان فعل فلها عليه مهر مثلها وهى حرة.
ثم اختلفوا ان ابت أن تتزوجه فقال أبو حنيفة.
ومحمد: تسعى له في قيمتها، وقال مالك.
وزفر: لا شئ له عليها * قال على: البرهان على صحة قولنا وبطلان قول هؤلاء الخبر المشهور الثابت الذى
__________
(1) في النسخة رقم 14 ثلاثة (2) في النسخة رقم 16 (وجملة من أصحاب الحديث)(9/501)
رويناه من طريق شتى كثيرة، منها من طريق البخاري، ومن طريق عبد الرزاق، ومن طريق حماد بن سلمة قال البخاري: ثنا قتيبة نا حماد بن زيد عن ثابت البنانى، وقال عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة، وقال حماد بن سلمة عن عبد العزيز بن صهيب، ثم اتفق ثابت.
وقتادة.
وعبد العزيز كلهم عن أنس بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها) قال قتادة في روايته: ثم جعل * قال أبو محمد: فاعترض من خالف الحق على هذا الخبر بأن قال: لا يخلو أن يكون تزوجها وهى مملوكة فهذا لا يجوز بلا خلاف أو يكون تزوجها بعد أن أعتقها فهذا نكاح بلا صداق * قال على: هذا أحمق كلام سمع لوجوه، أولها أنه اعتراض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا انسلاخ من الاسلام، والثانى أنه اعتراض مموه ساقط لاننا نقول لهم ما تزوجها الا وهى حرة بعد صحة العتق لها وذلك العتق الذى صح لها بشرط أن يتزوجها به هو صداقها قد أتاها اياه واستوفته ولا فرق بين هذا وبين من أعطى امرأة دراهم ثم خطبها فتزوجها على تلك الدراهم التى له عندها وهم لا ينكرون هذا، والثالث أنهم لو
سألوا أنفسهم هذا السؤال في أقوالهم الفاسدة لاصابوا؟ مثل توريثهم المطلقة ثلاثا في المرض فنقول لهم: لا يخلو من ان تكونوا ورثتموها وهى زوجة له أو وهى ليست بزوجة له ولا سبيل إلى قسم ثالث فان كانت زوجته فقد كان تلذذه بمباشرتها ونظره إلى فرجها حلال له مادام يجرى فيه الزوج وأنتم تحرمون عليه ذلك بتلا قطعا وان كانت ليست زوجا له ولا اما له ولا بنتا له ولا جدة له ولا بنت ابن له ولا اختا ولا معتقة ولا ذات رحم فهذا عين الظلم واعطاء المال بالباطل (1) فان ادعوا اتباع الصحابة قلنا: نحن أولى بالصواب وبوضوح العذر وبترك الاعتراض علينا إذ انما اتبعنا ههنا النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة أيضا.
والتابعين زيادة فكيف وقد كذبتم في دعواكم اتباع الصحابة في توريث المطلقة ثلاثا في المرض على ما نبينه ان شاء الله تعالى في بابه؟، وأقرب ذلك انه لم يصح عن عمر والمشهور عن عثمان انه لم يعده طلاقا وفى قولهم في ولد المستحقة: انهم احرار وعلى أبيهم قيمتهم.
فنقول لهم: لا يخلو من أن يكونوا احرارا أو عبيدا فان كانوا أحرارا فثمن الحر حرام كالميتة والدم وان كانوا عبيدا فبيع العبيد من غير رضا سيدهم حرام الا بنص، ومثل هذا لهم كثير جدا؟ وقال بعضهم: العتق ليس مالا فهو كالطلاق في أن العتق يبطل به الرق فقط والطلاق يبطل به النكاح فقط فلو انه طلقها على أن يكون
__________
(1) في النسخة رقم 16 عين الظلم والخطأ وأكل المال بالباطل(9/502)
طلاقها مهرا لها بعد ذلك فكذلك العتق * قال أبو محمد: وهذا قول في غاية الفساد والسخافة لانه قياس والقياس كله باطل، ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل لان قياس أصل على أصل آخر لا يجوز عندهم ولا شبه بين الطلاق والعتق لان العتق يبطل الرق كما قالوا: وأما الطلاق فقد كذبوا في قولهم أنه يبطل النكاح بل للمطلق الذى وطئها دون الثلاث ان يرتجعها فصح انه لم يبطل نكاحه بخلاف العتق الذى لا يجوز له ارتجاعه في الرق، وأيضا فان العتق اخراج
مال عن ملكه وليس الطلاق كذلك فبطل تمويههم البارد والحمد لله رب العالمين، وقال بعضهم: هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: هذا كذب ومخالفة لقول الله عزوجل: (لقد كان لكم في رسول أسوة حسنة) فكل فعل فعله عليه الصلاة والسلام لنا الفضل في الائتساء به عليه الصلاة والسلام ما لم يأت نص بانه خصوص فنقف عنده ولو قالوا هذا لانفسهم في اجازتهم الموهوبة التى لا تحل لغيره عليه الصلاة والسلام لوفقوا، وقال بعضهم: قد رويتم في ذلك ما كتب به اليكم داود بن بابشاذ قال: نا عبد الغنى بن سعيد الحافظ نا هشام بن محمد بن قرة نا أبو جعفر الطحاوي نا أحمد بن داود نا يعقوب بن حميد - وهو ابن كاسب قال: نا حماد بن زيد عن عبد الله بن عون قال: (كتب إلى نافع ان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ جويرية في غزوة بنى المصطلق فاعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها) أخبرني بذلك عبد الله بن عمر كان في ذلك الجيش قالوا: وابن عمر لا يرى ذلك فمحال أن يترك ما روى الا لفضل علم عنده بخلاف ذلك * قال أبو محمد: لو صح ما ذكروه من ان ابن عمر لم ير ذلك لما كانت فيه حجة لان الحجة التى أمرنا الله تعالى بها وباتباعها انما هي ما رووه لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ما رواه من رآه منهم (1) برأى اجتهد فيه وأصاب ان وافق النص فله أجران أو اخطأ إن خالف النص غير قاصد إلى خلافه فله أجر واحد، وقد افردنا في كتابنا المرسوم بالاعراب في كشف الالتباس بابا ضخما لكل واحدة من الطائفتين فيما تناقضوا فيه في هذا المكان فاخذوا برواية الصاحب وخالفوا رأيه الذى خالف به ماروى، والذى نعرفه عن ابن عمر فهو ما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم.
وجرير كلاهما عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي قال، (ان ابن عمر كان يقول في الرجل يعتق الجارية ثم يتزوجها كالراكب بدنته) قال ابراهيم وكان أعجب ذلك إلى أصحابنا ان يجعلوا عتقها صداقها
__________
(1) في النسخة رقم 14 لا ما رأه من رآه منهم(9/503)
فانما كره ابن عمر زواج المرء من أعتقها لله عزوجل فقط، فبطل كيدهم الضعيف في هذه المسألة * قال أبو محمد: والخبر المذكور عن ابن عمر كتب به إلى داود بن بابشاذ قال: نا عبد الغنى بن سعيد ثنا هشام بن محمد بن قرة نا أبو جعفر الطحاوي فذكر الحديث الذى ذكرنا آنفا، ثم قال: فقد روى هذا ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا ثم قال: هو من بعده عليه الصلاة والسلام في مثل هذا انه يجدد لها صداقا * نا بذلك سليمان بن شعيب نا الخصيب هو ابن ناصح حدثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مثل ذلك * قال أبو محمد: هذا نص كلام الطحاوي ولم يذكر كلام ابن عمر كيف كان ولعله لو اورده لكان خلافا لظن الطحاوي، وهذا الحديث ليس مما رواه أصحاب حماد بن سلمة الثقات عنه، والخصيب لا يدرى حاله وليس بالمشهور في اصحاب حماد ابن سلمه فهو أمر ضعيف من كل جهة، والخبر الاول من رواية ابن عمر لا من جويرية هو من رواية يعقوب بن حميد بن كاسب وهو ضعيف، وذكروا أيضا الخبر الذى رويناه من طريق محمد بن اسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة أم المؤمنين أن جويرية قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (انها وقعت في سهم ثابت بن قيس ابن الشماس أو ابن عم له وانها كاتبته وأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها وانه عليه الصلاة والسلام قال لها: أو خير من ذلك أقضى عنك كتابتك واتزوجك) قالوا: وليس هذا لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤدى كتابة مكاتبة لغيره ويتزوجها بذلك * قال أبو محمد: قبل كل شئ فان هذا خبر لا تقوم به حجة انما وريناه عن محمد بن اسحاق من طريقين ضعيفين، احدهما من طريق زياد بن عبد الله البكائى.
والآخر من طريق اسد بن موسى وكلاهما ضعيف ثم لو صح لكان لا يخلو من أن ثابت بن قيس وهبها
لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عرف رغبته عليه الصلاة والسلام فيها ولم تكن أدت من كتابتها بعد شيئا فبطلت الكتابة وصارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا يجوز أن يظن بثابت أو بصاحب غير هذا أصلا، وأيضا فلو لم يكن ذلك وتمادت على كتابتها حتى عتقت بأدائها أو بأداء رسول الله صلى الله عليه وسلم اياها عنها لكانت مولاة ثابت وهذا لم يقله أحد قطعا ولا اختلف أحد من أهل العلم في انها لم تكن مولاة ثابت أصلا فوضح سقوط ما رواه أسد.
وزياد وبطل تعلقهم بهذه الملفقات التى لا تغني من الحق شيئا، وموهوا ايضا بما حدثناه حمام بن أحمد نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا اسماعيل(9/504)
ابن اسحاق نا يحيى بن عبد الحميد الحمانى نا أبو بكر بن عياش نا أبو حصين عن أبى بردة عن أبى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ايما امرئ أعتق أمته ثم تزوجها بمهر جديد فله أجران) فهذا لفظ سوء انفرد به يحيى الحمانى وهو ضعيف جدا عن أبى بكر بن عياش وهو ضعيف، والخبر مشهور من رواية الثقات ليس فيه بمهر جديد أصلا، ثم لو صح لم تكن فيه حجة أصلا لانه ليس فيه انه لا يجوز له نكاحها الا بمهر جديد، ونحن لا نمنع من أن يجعل لها مهرا آخر بل كل ذلك جائز، وهذا الخبر رويناه من طرق * منها من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن صالح بن حيان عن الشعبى عن ابى بردة بن أبى موسى الاشعري عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له جارية فاحسن ادبها وعلمها فاحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران اثنان) * ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله نا مطرف هو بن طريف عن الشعبى عن أبى بردة عن أبى موسى الاشعري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الذى يعتق أمته ثم يتزوجها (1) فله أجران) ليس في شئ من ذلك ذكر مهر جديد * [ اخبرنا أبو عمر بالسند المتقدم إلى مسلم قال: نا يحيى بن يحيى نا هشيم عن صالح بن صالح الهمدنى عن الشعبى قال: رأيت رجلا من خراسان يسأل الشعبى فقال: يا أبا عمرو
ان من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق امته ثم تزوجها: فهو كالراكب بدنته فقال الشعبى.
حدثنا أبو بردة هو عامر بن عبد الله بن قيس هو أبو موسى الاشعري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من اهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدق به (2) فله أجران.
وعبد مملوك أدى حق الله عليه وحق سيده فله أجران ورجل كانت له أمة فغذاها فاحسن غذاءها ثم ادبها فاحسن أدبها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران) ثم قال الشعبى للخراساني: خذ هذا الخبر (3) بغير شئ فقد كان الرجل يرحل فيما دون هذا إلى المدينة، قال مسلم: ونا أبو بكر بن ابى شيبة نا عبدة بن سليمان ونا ابن أبى عمر حدثنا سفيان ونا عبد الله بن معاذ قال: حدثنى أبى قال: نا شعبة كلهم عن صالح بن صالح بهذا الاسناد نحوه ] (4) * قال أبو محمد: هذا كل ما شغبوا به انما هو أباطيل، وممن قال بقولنا (5) من السلف طائفة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبى اسحاق السبيعى عن الحارث عن على بن أبى طالب أنه قال فيمن أعتق أمته ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها
__________
(1) في النسخة رقم 16 أعتق أمته ثم تزوجها (2) في صحيح مسلم وصدقه (3) في صحيح مسلم خذ هذا الحديث (4) من قوله أخبرنا أبو عمر بالسند المتقدم إلى هنا زيادة من النسخة رقم 16 (5) في النسخة رقم 14 بمثل قولنا(9/505)
قال: (له أجران) وقد روى أيضا عن ابن مسعود.
وأنس * ومن طريق سعيد ابن منصور نا هشيم أنا يحيى بن سعيد الانصاري.
والمغيرة.
ويونس هو ابن عبيد وجابر قال يحيى: عن سعيد بن المسيب وقال المغيره: عن ابراهيم.
وقال يونس: عن الحسن وقال جابر: عن الشعبى قالوا كلهم: لا بأس بأن يجعل عتقها صداقها، قال هشيم: وأنا عبد الملك بن أبى سليمان عن عطاء بن أبى رباح أنه كان يقول: (إذا قال الرجل لامته قد أعتقتك وتزوجتك فهى امرأته وان قال: أعتقك واتزوجك فاعتقها ان شاءت تزوجته وان شاءت لم تتزوجه، وكان الحسن يكره غير هذا كما روينا من طريق
أبى داود الطيالسي عن شعبة عن منصور بن زاذان عن الحسن البصري أنه كره أن يعتق الرجل أمته لوجه الله ثم يتزوجها * قال أبو محمد: وروى مثله عن أنس بن مالك.
وابن مسعود.
وجابر بن زيد.
وابراهيم * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم قال: كانوا يكرهون ان يعتق أمته ثم يتزوجها ولا يرون بأسا أن يجعل عتقها صداقها * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد الانصاري.
وعبد الله ابن طاوس قال يحيى: عن سعيد بن المسيب وقال ابن طاوس: عن أبيه قالا جميعا: لا بأس ان يجعل عتقها صداقها، قال طاوس: ذلك حسن * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: لا بأس ان يعتق الرجل أمته فيتزوجها ويجعل عتقها صداقها * وبه إلى معمر عن قتادة قال: إذا أعتق الرجل أمته وجعل عتقها مهرها ثم طلقها قبل ان يدخل بها فلا شئ لها، وابن جريج يقول: ان طلقها سعت له في نصف قيمتها، وهو قول عطاء * قال أبو محمد: فهؤلاء على.
وأنس.
وأبن مسعود.
وسعيد بن المسيب وابراهيم.
ومن لقيه ابراهيم من شيوخه.
والشعبى وعطاء بن أبى رباح.
وطاوس.
وأبو سلمة ابن عبد الرحمن.
وقتادة.
وغيرهم وهو قول سفيان الثوري.
والاوزاعي.
والحسن ابن حى وأبى يوسف القاضى خالف في ذلك اصحابه ووفق.
والشافعي.
وأحمد وأبى ثور وبعض أصحابنا وما نعلم للمخالفين سلفا الا تلك الرواية الساقطة عن ابن عمر التى لم يبين فيها كيف كان لفظه ولا كيف كان لفظ نافع الذى ذكر ذلك عنه، وشيئا ربما ذكروه * رويناه من طريق سعيد بن منصور قال: نا هشيم انا يونس عن ابن سيرين انه كان يحب ان يجعل مع عتقها شيئا ما كان.
قال أبو محمد: انما هذا استحباب من ابن سيرين والا فهذا القول يدل على انه كان(9/506)
يجيز ان يجعل عتقها صداقها فقط وبالله تعالى التوفيق * وأما قولنا: ان طلقها قبل الدخول فلا شئ له عليها لان الذى فرض لها هو عتقها وهو شئ قد تم فلا يستدرك وتكليف الغرامة هو ايجاب غير نصف ما فرض لها فلا يجوز واما ان لم تتزوجه فانه عتق لم يتم انما هو عتق بشرط ان تتزوجه فيكون صداقها فإذا لم تتزوجه فلا صداق لنكاح لم يتم فهو باطل، واما ان تزوجته فقد تم النكاح وصح العتق لصحة النكاح الذى عتق به وبالله تعالى التوفيق * 1849 مسألة ولا يجوز ان تجبر المرأة على ان تتجهز إليه بشئ أصلا لا من صداقها الذى أصدقها ولا من غيره من سائر مالها، والصداق كله لها تفعل فيه كله ما شاءت لا اذن للزوج في ذلك ولا اعتراض وهو قول أبى حنيفة.
والشافعي.
وأبى سليمان.
وغيرهم، وقال مالك: ان اصدقها دنانير أو دراهم أجبرت على أن تبتاع بكل ذلك شورة من ثياب ووطاء وحلى تتجمل به له ولا يحل له ان تقضى منها دينا عليها الا ثلاثة دنانير فاقل فان أصدقها نقار ذهب أو نقار فضه فهو لها ولا تجبر على أن تبتاع بها شورة أصلا، فان أصدقها حليا اجبرت على أن تتحلى به له فان أصدقها ثيابا ووطاء أجبرت على أن تلبسها بحضرته ولم تجب لها عليه كسوة حتى تمضى مدة تخلق فيها تلك الثياب، فان أصدقها خادما انثى أجبرت على أن تخدمها ولم يكن لها بيعها وان أصدقها عبدا فلها ان تفعل فيه ما شاءت من بيع أو غيره، فلو أصدقها دابة.
أو ماشية.
أو ضيعة أو دارا أو طعاما لم يكن للزوج في كل ذلك رأى وهو لها تفعل فيه ما شاءت من بيع أو غيره وليس للزوج ان ينتفع بشئ من ذلك ولا ان ينظر فيه الا باذنها ان شاءت * قال أبو محمد: قول مالك هذا يكفى من فساده عظيم تناقضه وفرقه بين ما فرق من ذلك بلا برهان من قرآن.
ولا من سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قول أحد نعلمه قبله ولا قياس ولا رأى له وجه.
واطرف شئ اباحته لها قضاء الثلاثة دنانير والدينارين في دينها فقط لا أكثر من ذلك فليت شعرى ان كان صداقها الفى دينار أو كان صداقها دينارا
واحد كيف العمل في ذلك ان هذا لعجب * قال أبو محمد: وبرهان صحة قولنا قول الله تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) فافترض الله عزوجل على الرجال أن يعطوا السناء صدقاتهن نحلة ولم يبح للرجال منها شيئا الا بطيب أنفس النساء فأى بيان بعد هذا نرغب أم كيف تطيب نفس مسلم على مخالفة هذا الكلام لرأى فاسد متخاذل متنافر لا يعرف لقائله فيه سلف، ووجدنا الله عزوجل قد أوجب للمرأة حقوقا في مال(9/507)
زوجها أحب أم كره وهى الصداق والنفقة والكسوة.
والاسكان ما دامت في عصمته.
والمتعة ان طلقها ولم يجعل للزوج في مالها حقا أصلا لا ماقل ولا ما كثر ولا شئ أطرف من اسقاطهم عن الزوج الكسوة ما دام يمكنها أن تكتسي من صداقها ولم يسقط عنه النفقة مادام يمكنها أن تنفق على نفسها من صداقها فهل سمع باسقط من هذا الفرق الفاسد؟.
وشغب بعضهم بقول الله عزوجل: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض) فقلنا: صدق الله عزوجل، ولا يحل تحريف الكلم عن مواضعه ولا أن نقول عليه عزوجل ما لم يقل فهذا من أكبر الكبائر، وليس في هذه الآية ذكر لقيامه على شئ من مالها ولا للحكم برأيه ولا للتصرف فيه وانما فيها انه قائم عليها يسكنها حيث يسكن ويمنعها من الخروج إلى غير الواجب ويرحلها حيث يرحل، ثم لو كان في الآية لما ادعيتم لكنتم أو مخالفين لها لانكم خصصتم بعض الصدقات دون بعض ودون سائر مالها كل ذلك تحكم (1) بالباطل بلا برهان، وشغبوا أيضا بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لاربع لحسنها ومالها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) * وهذا عجب جدا لا نظير له أول ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر أن تنكح لمالها ولا ندب إلى ذلك ولا صوبه بل انما أورد ذلك اخبارا عن فعل الناس فقط، وهذه أفعال الطماعين المذموم فعلهم في ذلك بل في الخبر نفسه الانكار لذلك بقوله عليه الصلاة والسلام:
(فاظفر بذات الدين) فلم يأمر بأن تنكح بشئ من ذلك الا للدين خاصة لكن الواجب أن تنكح المرأة الزوج لماله لان الله تعالى أوجب لها الصداق عليه والنفقة والكسوة، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان النهى عن أن تنكح المرأة لمالها كما حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكى نا ابن مفرج القاضى نا محمد بن أيوب الرقى نا البزار نا سلمة بن شبيب نا عبد الله ابن يزيد عن عبد الله بن عمرو بن العاصى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنكحوا النساء لحسنهن فلعل حسنهن يرديهن ولا تنكحوهن لاموالهن فلعل أموالهن يطغيهن وانكحوهن للدين ولامة سوداء خرماء ذات دين أفضل) ثم أنهم أول مخالفين لما موهوا به لانه ليس في نكاح المرأة لمالها لو أبيح ذلك أو ندب إليه شئ مما أتوا به من التخليط في الفرق بين صداق فضة مضروبة وذهب مضروب وبين سبائك فضة وذهب غير مضروبة، والفرق بين أصداق ثياب.
ووطاء.
وجوهر.
وخادم، وبين اصداق حرير.
وقطن.
وكتان.
وصوف.
ودابة.
وماشية.
وعبد.
وطعام، والفرق بين قضاء ثلاثة دنانير من دينها فأقل وبين قضائها أكثر من ذلك فوضح عظيم فساد تخليط هذه الاقوال وبالله
__________
(1) في النسخة رقم 16 وهذا تحكم(9/508)
تعالى التوفيق * وربما يموهون بما نذكره مما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا همام ابن يحيى أنا قتادة عن جلال بن أبى الجلال العتكى عن أبيه أن رجل خطب إلى رجل ابنته من امرأة عربية فأنكحها اياه فبعث إليه بابنة له أخرى أمها أعجمية فلما دخل بها علم بعد ذلك فأتى معاوية فقص عليه فقال: معضلة ولا ابا حسن وكان على حربا لمعاوية فقال الرجل لمعاوية فأذن لى أن آتيه فاذن له معاوية فأتى الرجل على بن أبى طالب فقال: السلام عليك يا على فرد عليه السلام فقص عليه القصة فقضى على على أبى الجارية بان يجهز ابنته التى أنكحها اياه بمثل الصداق الذى ساق منها لاختها بما أصاب من فرجها وأمره أن لا يمس امرأته حتى تنقضي عدة أختها، قال الحجاج بن المنهال: وأخبرني
هشيم قال: أخبرني المغيرة عن ابراهيم النخعي أن رجلا تزوج جارية فأدخل عليه غيرها فقال ابراهيم: للتى دخل بها الصداق الذى ساق وعلى الذى غره أن يزف إليه امرأته بمثل صداقها * قال أبو محمد: هذا كله عليهم لا لهم لانه ليس في شئ من هذين الخبرين ان للزوج في ذلك حقا ولا اربا انما فيهما أن يضمن للتى زوجت منه وزف إليه غيرها صداقها الذى استهلك لها وأعطى لغيرها بغير حق وهكذا نقول، ثم هم يخالفون هذه الرواية عن على في موضعين، أحدهما انه جعل للتى زفت إليه الصداق الذى سمى لاختها وهم لا يقولون بهذا بل انما يقضون لها بصداق مثلها، والموضع الثاني أمر على له أن لا يطأ التى صح نكاحه معها الا حتى تنقضي عدة الاخرى التى زفت إليه وهم لا يقولون بهذا، فمن المقت والعار والاثم تمويه من يوهم أنه يحتج بأثر هو أول من يخالفه ونعوذ بالله من الخذلان، هذا مع أن الجلال بن أبى الجلال غير مشهور * وبما أخبرناه أحمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدى قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير نا الحسن بن حماد نا يحيى بن يعلى عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن عن أنس فذكر خطبة على فاطمة رضى الله عنهما (وان عليا باع درعه باربعمائة وثمانين قال: فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعتها في حجره فقبض منها قبضة فقال: يا بلال أبغنا بها طيبا وأمرهم أن يجهزوها) قال: فجعل لنا سرير مشروط بالشريط ووسادة من أدم حشوها ليف ومل ء البيت كثيبا * قال أبو محمد: وهذا حجة عليهم لانه لا تبلغ قبضة في طيب وسرير مشروط بالشريط ووسادة من أدم حشوها ليف عشر اربعمائة درهم وثمانين درهما فظهر فساد قولهم والحمد لله رب العالمين *(9/509)
1850 مسألة وعلى الزوج كسوة الزوجة مذ يعقد النكاح ونفقتها وما
تتوطاه وتتغطاه وتفترشه واسكانها كذلك أيضا.
صغيرة كانت أو كبيرة.
ذات أب أو يتيمة غنية أو فقيرة دعى إلى البناء أو لم يدع نشزت أو لم تنشز.
حرة كانت أو أمة بوأت معه بيتا أو لم تبوأ * برهان ذلك ما رويناه من طريق أبى داود نا موسى بن اسماعيل نا حماد ابن سلمة نا أبو قزعة الباهلى عن حكيم بن معاوية القشيرى قال: (قلت يارسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: ان تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر الا في البيت) قال أبو محمد: أبو قزعة هذا هو سويد بن حجير ثقة روى عنه شعبة.
وابن جريج.
وحماد بن سلمة.
وابنه قزعة.
وغيرهم * ومن طريق مسلم نا الحجاج نا اسحق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - عن حاتم بن اسماعيل عن جعفر بن محمد بن على بن الحسين عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في عرفة يوم عرفة (1): (فاتقوا الله في النساء فانكم اخذتموهن بامان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم احدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، فعم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل النساء ولم يخص ناشزا من غيرها ولا صغيرة ولا كبيرة ولا أمة مبوأة بيتا (2) من غيرها وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى وما كان ربك نسيا * نا يونس بن عبد الله نا أحمد ابن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا عبيد الله بن عمر أخبرني نافع عن ابن عمر قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الاجناد ان انظروا إلى من طالت غيبته ان يبعثوا بنفقة أو يرجعوا، وذكر باقى الخبر فلم يستثن عمر امرأة من امرأة * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة عن امرأة خرجت من بيت زوجها غاضبة (3) هل لها نفقة؟ قال: نعم *
قال أبو محمد: وروينا عن نحو خمسة من التابعين: لا نفقة لناشز: وهذا قول خطأ ما نعلم لقائله حجة، فان قيل: ان النفقة بازاء الجماع والطاعة قلنا: لا بل هذا القول كذب، وأول من يبطله (4) أنتم، أما الحنيفيون.
والشافعيون فيوجبون النفقة
__________
(1) في النسخة رقم 14 في خطبته بعرفة (2) في النسخة رقم 14 (مبوأة بيت) (3) في النسخة رقم 14 (عاصية) (4) في النسخة رقم 14 وأول من يسقطه(9/510)
على الزوج الصغير على الكبيرة ولا جماع هنالك ولا طاعة، والحنيفيون، والمالكيون والشافعيون يوجبون النفقة على المجبوب والعنين ولا خلاف في وجوب النفقة على المريضة التى لا يمكن جماعها وقد بين الله عزوجل ما على الناشز فقال: (واللاتي تخافون بنشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) فاخبر عزوجل انه ليس على الناشز الا الهجر والضرب ولم يسقط عزوجل نفقتها ولا كسوتها فعاقبتموهن أنتم بمنعها حقها وهذا شرع في الدين لم يأذن به الله فهو باطل، فان قالوا: انها ظالمة بنشوزها قلنا: نعم وليس كل ظالم يحل منعه من ماله الا ان يأتي بذلك نص والا فليس هو حكم الله هذا حكم الشيطان وظلمة العمال والشرط، والعجب كله انهم لا يسقطون قرضا اقرضته اياه من أجل نشوزها فما ذنب نفقتها تسقط دون سائر حقوقها ان هذا لعجب عجيب، وقال بوجوب النفقة على الصغيرة سفيان الثوري.
وابو سليمان وأصحابنا، وما نعلم لمن أسقطها حجة أصلا فهو باطل بلا شك قال الله عزوجل: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) فصح أن من لا برهان له على صحة قوله فقوله باطل وقال مالك: لا نفقة على الزوج الا حتى يدعى إلى البناء * قال أبو محمد: هذا الحكم دعوى مجردة لا برهان على صحتها لا من قرآن.
ولا من سنة ولا قول صاحب.
ولا قياس.
ولا رأى صحيح وقد بينا ان السنة الثابتة جاءت بخلافه فهو ساقط وبالله تعالى التوفيق *
1851 مسألة ولا يحل لاب البكر صغيرة كانت أو كبيرة أو الثيب ولا لغيره من سائر القرابة أو غيرهم حكم في شئ من صداق الابنة أو القريبة ولا لاحد ممن ذكرنا أن يهبه ولا شيئا منه لا للزوج طلق أو أمسك ولا لغيره فان فعلوا شيئا من ذلك فهو مفسوخ باطل مردود أبدا، ولها أن تهب صداقها أو بعضه لمن شاءت ولا اعتراض لاب ولا لزوج في ذلك هذا إذا كانت بالغة عاقلة وبقى لها بعده غنى والا فلا، ومعنى قوله عزوجل: (فنصف ما فرضتم الا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) انما هو أن المرأة إذا طلقها زوجها قبل أن يطأها وقد كان سمى لها صداقا رضيته فلها نصف صداقها الذى سمى لها الا أن تعفو هي فلا تأخذ من زوجها شيئا منه وتهب له النصف الواجب لها أو يعفو الزوج فيعطيها الجميع فأيهما فعل ذلك فهو أقرب للتقوى، وهذا مكان اختلف فيه السلف فقالت طائفة: الذى بيده عقدة النكاح هو الزوج كما قلنا * روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا جرير بن حازم سمعت عيسى بن عاصم يقول: سمعت شريحا يقول: سألني على بن أبى طالب عن الذى بيده عقدة النكاح؟(9/511)
فقلت: هو الولى فقال على: بل هو الزوج * ومن طريق حماد بن سلمة عن على بن زيد عن عمار بن أبى عمار عن ابن عباس قال: هو الزوج * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن صالح بن كيسان أن نافع بن جبير بن مطعم تزوج امرأة فطلقها قبل أن يبنى بها فأكمل لها الصداق وتأول قول الله عزوجل: (الذى بيده عقدة النكاح) يعنى الزوج * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ايوب السختيانى عن محمد بن سيرين عن شريح قال: هو الزوج * نا أحمد بن عمر العذري نا مكى بن عيسون نا أحمد بن عبد الله بن رزيق نا أحمد بن عمرو بن جابر نا محمد بن حماد الطهراني (1) نا عبد الرزاق عن قتادة.
وابن أبى نجيح قال قتادة: عن سعيد بن المسيب وقال ابن أبى نجيح: عن مجاهد قالا جميعا سعيد ابن مسيب.
ومجاهد: الذى بيده عقدة النكاح هو الزوج * ومن طريق الحجاج بن المنهال
نا أبو عوانة عن أبى بشر هو جعفر بن اياس بن أبى وحشية عن سعيد بن جبير قال الذى بيده عقدة النكاح هو الزوج، وقال مجاهد.
وطاوس.
وأهل المدنية: هو الولى، قال: فأخبرتهم بقول سعيد بن جبير فرجعوا عن قولهم * ومن طريق ابن ابى شيبة حدثنى عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى نا عبيدالله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر أنه قال الذى بيده عقدة النكاح الزوج * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا ابراهيم ابن حمزة نا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن عمير مولى غفرة أنه سمع محمد بن كعب القرظى يقول: الذى بيده عقدة النكاح هو الزوج * ومن طريق اسماعيل نا محمد بن أبى بكر المقدمى نا معتمر بن سليمان التيمى (2) عن ليث عن عطاء بن أبى رباح الذى بيده عقدة النكاح هو الزوج * ومن طريق قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد ابن المثنى نا عبد الاعلى نا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة قال: الذى بيده عقدة النكاح هو الزوج * ومن طريق اسماعيل نا على بن المدينى نا سفيان بن عيينة عن ابن شبرمة قال: هو الزوج، وهو قول الاوزاعي.
وسفيان الثوري.
والليث بن سعد وأبى حنيفة.
والشافعي.
وأبى ثور.
وأبى سليمان.
وأصحابهم، وقالت طائفة: هو الولى [ جملة ] (3)، صح ذلك عن ابن عباس أنه ان عفا وليها الذى بيده عقدة النكاح وضنت جاز وان ابت، وصح أيضا عن جابر بن زيد كان يقول: أو يعفو أبوها أو اخوها ان كان وصولا وان كرهت المرأة، وصح أيضا عن عطاء.
وعلقمة.
وابراهيم النخعي.
والشعبى.
والحسن البصري.
وابى الزناد.
وعكرمة مولى ابن عباس، وروينا عن ابن عباس قولا لم
__________
(1) هو بكسر الطاء المهملة وفى النسخة رقم 16 بالظاء المعجمة وهو غلط (2) في النسخة رقم 16 معمر ابن سليمان التيمى وهو غلط (3) الزيادة من النسخة رقم 16(9/512)
يصح عنه لانه من طريق الكلبى انه ولى البكر جملة، وصح عن الزهري قول آخر وهو أنه الاب جملة، وقول خامس رويناه من طريق مالك عن ربيعة، وزيد بن أسلم انه
السيد يعفو عن صداق أمته والاب خاصة في ابنته البكر خاصة يجوز عقده عن صداقها وهو قول مالك * قال أبو محمد: فنظرنا في هذه الاقوال فوجدنا قول ربيعة وزيد بن أسلم.
ومالك اظهرها فسادا وأبعدها عن مقتضى الآية جملة ونحن نشهد بشهادة الله عزوجل ان الله تعالى لو أراد بقوله: (أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح) سيدا لامة.
وولد البكر خاصة لما ستره ولا كتمه فلم يبينه في كتابه ولا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فان قيل: هذان لا يصح نكاح الامة والبكر الا بعقدهما قلنا: نعم ولا يصح أيضا الا برضى الزوج والا فلا فله في ذلك كالذى للسيد وللاب سواء سواء فمن جعلهما أولى بان يكون بأيديهما عقدة النكاح من الزوج مع تخصيص الآية بلا برهان من قرآن.
ولا سنة صحيحة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قول صاحب.
ولا قياس.
ولا رأى له وجه فسقط هذا القول جملة وسقط بسقوطه قول الزهري انه الاب أيضا جملة وكذلك سقط أيضا القول الذى صح عنه انه ولى البكر جملة: ثم نظرنا في قول من قال: انه الولى فوجدنا الاولياء قسمين أحدهما من ذكرنا من أب البكر وسيد الامة فكان حظ هذين في كون عقدة النكاح بأيديهما كحظ الزوج في كون عقدة النكاح بيده سواء سواء وقد يسقط حكم الاب في البكر بان يكون كافرا وهى مؤمنة أو هو مؤمن وهى كافرة أو بان يكون مجنونا ويسقط أيضا حكم السيد في أمته بان يكون صغيرا أو مجنونا والقسم الثاني سائر الاولياء الذين لا يلتفت إليهم لكن ان أبوا أخراج الامر عن أيديهم وعقد السلطان نكاحها فهؤلاء حظ الزوج في كون عقدة النكاح بيده أكمل من حظ الاولياء المذكورين فوجدنا أمر الاولياء مضطربا كما ترى ثم انما هو العقد فقط ثم لا شئ بأيديهم جملة من عقدة النكاح بل هي إلى الزوج ان شاء امضاها وان شاء حلها بالطلاق ووجدنا أمر الزوج ثابتا في أن عقدة كل نكاح بيده ولا تصح الا بارادته بكل حال ولا تحل الا بارادته فكان أحق باطلاق هذه الصفة عليه بلا شك، ثم البرهان القاطع قول الله عزوجل: (ولا
تكسب كل نفس الا عليها) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فكان عفو الولى عن مال وليه كسبا على غيره فهو باطل وحكما في مال غيره فهو حرام، فصح انه الزوج الذى يفعل في مال نفسه ما أحب من عفو أو يقضى بحقه وبالله تعالى التوفيق * 1852 مسألة ولا يحل نكاح الشغار وهو أن يتزوج هذا ولية هذا على(9/513)
أن يزوجه الآخر وليته أيضا سواء ذكرا في كل ذلك صداقا لكل واحدة منهما أو لاحداهما دون الاخرى أو لم يذكرا في شئ من ذلك صداقا كل ذلك سواء يفسخ أبدا ولا نفقة فيه ولا ميراث ولا صداق ولا شئ من أحكام الزوجية ولا عدة، فان كان عالما فعليه الحد كاملا ولا يلحق به الولد وان كان جاهلا فلا حد عليه والولد له لاحق وان كانت هي عالمة بتحريم ذلك فعليها الحد وان كانت جاهلة فلا شئ عليها * قال أبو محمد: واختلف الناس في هذا فقال مالك: لا يجوز هذا النكاح ويفسخ دخل بها أو لم يدخل، وكذلك لو قال: أزوجك ابنتى على أن تزوجني ابنتك بمائة دينار فلا خير في ذلك، وقال ابن القاسم: لا يفسخ هذا ان دخل بها، وقال الشافعي: يفسخ هذا النكاح إذا لم يسم في ذلك مهرا فان سميا لكل واحدة منهما مهرا أو لاحداهما دون الاخرى ثبت النكاحان معا وبطل المهر الذى سميا وكان لكل واحدة منهما مهر مثلها ان مات أو وطئها أو نصف مهر مثلها ان طلق قبل الدخول، وقال الليث.
وأبو حنيفة.
وأصحابه: هو نكاح صحيح ذكرا لكل واحدة صداقا أو لاحداهما دون الاخرى أو لم يذكرا صداقا أصلا أو اشترطا وبينا انه لا صداق في ذلك قالوا: ولكل واحدة في هذا مهر مثلها والظاهر من قولهم: انهما ان سميا صداقا انه ليس لهما إلا المسمى * قال أبو محمد: والذى قلنا به هو قول اصحابنا فوجب النظر فيما اختلفوا فيه فوجدنا في ذلك ما رويناه من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة نا ابن نمير عن عبيدالله بن عمر عن أبى الزناد عن الاعرج عن ابى هريرة قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار)
والشغار ان يقول الرجل للرجل: زوجنى ابنتك وأزوجك ابنتى أو زوجنى أختك وأزوجك أختى، وقد رويناه أيضا مسندا صحيحا من طريق جابر.
وابن عمر.
وأنس.
وغيرهم فكان هذا تحريما من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبطل قول من سواه، فنظرنا في أقوال من خالف فاما قول ابن القاسم انه يصح بعد الدخول فقول قد تقدم تبيينا لفساده وتعريه من البرهان جملة.
وأما أبو حنيفة.
والشافعي.
واصحابهما فانهم قالوا: انما فسد هذا النكاح لفساد صداقه فقط، ثم اختلفوا فقال الشافعي: والصداق الفاسد يفسخ فكان نكاح كل واحدة منهما صداقا للاخرى فهما مفسوخان، قال: فان سميا لاحداهما صداقا صح ذلك النكاح وصح نكاح الاخرى لصحة صداقه * قال أبو محمد: فكان هذا قولا فاسدا لانه ان كان هذا العقد الذى سمى فيه الصداق صحيحا فهو صداق صحيح فلا معنى لفسخه واصلاحه بصداق آخر إذا، فان قال قائل: بل هو فاسد قلنا: فقل بقول أبى حنيفة الذى يجيز كل ذلك ويصلح الصداق وإلا فهى(9/514)
مناقضة ظاهرة، ثم نظرنا في قول أبى حنيفة فوجدناه ظاهر الفساد (1) لمخالفة حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارا * قال أبو محمد: ودعوى الشافعي انه انما نهى عن الشغار لفساد الصداق في كليهما دعوى كاذبة لانها تقويل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل وهذا لا يجوز، فان ذكروا ما رويناه من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر قال: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار ان يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته ليس بينهما صداق) وما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ثابت البنانى وآخر معه هو يزيد الرقاشى - عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا شغار في الاسلام) والشغار أن يبدل الرجل الرجل أخته بأخته بغير ذكر صداق وذكر باقى الحديث (2)، قلنا: أما هذان الخبران فهما خلاف قول أبى حنيفة.
واصحابه كالذى قدمنا ولا فرق.
وأما الشافعي فلا حجة له في هذين الخبرين
لوجهين، احدهما انه وان ذكر فيهما صداق أو لاحداهما فانه يبطل ذلك الصداق جملة بكل حال وليس هذا في هذين الخبرين فقد خالف ما فيهما، والوجه الآخر وهو الذى نعتمد عليه وهو ان هذين الخبرين انما فيهما تحريم الشغار الذى لم يذكر فيها صداق فقط وليس فيه ذكر الشغار الذى ذكر فيه الصداق لا بتحريم ولا باجازة ومن ادعى ذلك فقد ادعى الكذب وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله قط فوجب أن نطلب حكم الشغار الذى ذكر فيه الصداق في غير هذين الخبرين فوجدنا خبر أبى هريرة.
وجابر قد وردا بعموم الشغار وبيان انه الزواج بالزواج ولم يشترط عليه الصلاة والسلام فيهما ذكر صداق ولا السكوت عنه فكان خبر أبى هريرة زائدا على خبر ابن عمر.
وخبر أنس زيادة عموم لا يحل تركها * قال أبو محمد: وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) ووجدنا الشغار ذكر فيه صداق أو لم يذكر قد اشترطا فيه شرطا ليس في كتاب الله عزوجل فهو باطل بكل حال * وروينا من طريق أبى داود السجستاني نا محمد بن فارس نا يعقوب بن ابراهيم بن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف نا أبى عن محمد بن اسحق نا عبد الرحمن بن هرمز الاعرج قال: ان العباس بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب أنكح ابنته عبد الرحمن بن الحكم بن أبى العاصى بن أمية وأنكحه عبد الرحمن ابنته وكانا جعلا صداقا فكتب معاوية إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما، وقال معاوية في كتابه: هذا الشغار الذى نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم *
__________
(1) في النسخة رقم 14 عظيم الفساد (2) في النسخة رقم 14 باقى الخبر(9/515)
قال أبو محمد: هذا معاوية بحضرة الصحابة لا يعرف له منهم مخالف يفسخ هذا النكاح وان ذكرا فيه الصداق ويقول: انه الذى نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتفع الاشكال جملة والحمد لله رب العالمين.
والعجب كله من تشنيع الحنيفيين بخلاف الصاحب
الذى يدعون أنه لا يعرف له مخالف من الصحابة رضى الله عنهم كدعواهم ذلك في نزح زمزم من زنجى مات فيها فنزحها ابن الزبير وغير ذلك ثم لم يلتفتوا ههنا إلى ما عظموه وحرموه هنالك وهذا خبر صحيح لان عبد الرحمن بن هرمز ممن أدرك أيام معاوية وروى عن ابى هريرة وغيره وشاهد هذا الحكم بالمدينة وبالله تعالى التوفيق، لا سيما في مثل هذه القصة المشهورة بين رجلين عظيمين من عظماء بنى هاشم.
وبنى أمية يأتي به البريد من الشام إلى المدينة هذا ما لا يخفى على أحد من علماء أهلها والصحابة يومئذ بالشام والمدينة أكثر عددا من الذين كانوا أحياء أيام ابن الزبير بلا شك * وروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: سئل عطاء عن رجلين أنكح كل واحد منهما أخته بان يجهز كل واحد منهما بجهاز يسير لو شاء أخذ لها أكثر من ذلك؟ فقال: لا نهى عن الشغار: فقلت له: انه قد أصدقها كلاهما قال: لا قد ارخص كل واحد منهما على صاحبه من أجل نفسه فقلت لعطاء: ينكح هذا ابنته بكذا وهذا ابنته بكذا بصداق كلاهما يسمى صداقه وكلاهما أرخص على أخيه من أجل نفسه؟ قال: إذا سما صداقا فلا بأس فان قال: جهز وأجهز فلا ذلك الشغار، قلت: فان فرض هذا وفرض هذا قال: لا * قال أبو محمد: ففرق عطاء بين النكاحين يعقد أحدهما بالآخر ذكرا صداقا أو لم يذكرا فابطله وبين النكاحين لا يعقد أحدهما بالاخر فأجازه، وهذا قولنا وما نعلم عن أحد من الصحابة والتابعين خلافا لما ذكرنا * قال أبو محمد: فان خطب أحدهما إلى الآخر فزوجه ثم خطب الآخر إليه فزوجه فذلك جائز ما لم يشترط ان يزوج أحدهما الآخر فهذا هو الحرام الباطل، والعجب أن يعضهم احتج بأن قال: ان هذا بمنزلة النكاح يعقد على أن يكون صداقه خمرا أو خنزيرا فقلنا: نعم وكل ذلك مفسوخ باطل أبدا لانه عقد على أن لا صحة لذلك العقد الا بذلك المهر وذلك المهر باطل فالذي لا يصح الا بصحة باطل باطل بلا شك وبالله تعالى التوفيق *
1853 مسألة ولا يصح نكاح على شرط أصلا حاش الصداق الموصوف في الذمة أو المدفوع أو المين وعلى أن لا يضربها في نفسها ومالها امساك بمعروف أو تسريح احسان واما بشرط هبة أو بيع أو أن لا يتسرى عليها أو أن لا يرحلها أو غير ذلك كله فان(9/516)
اشترط ذلك في نفس العقد فهو عقد مفسوخ وان اشترط ذلك بعد العقد فالعقد صحيح والشروط كلها باطل سواء عقدها بعتق أو بطلاق أو بأن أمرها بيدها أو أنها بالخيار كل ذلك باطل، وكذلك ان تزوجها على حكمه أو على حكمها أو على حكم فلان فكل ذلك عقد فاسد، وقد أجاز بعض ذلك (1) قوم * وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن الاشعث تزوج امرأة على حكمها ثم طلقها قبل أن يتفقا على صداق فجعل لها عمر صداق امرأة من نسائها، وهذا منقطع عن عمر لان ابن سيرين لم يولد إلا بعد موت عمر رضى الله عنه * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أنه قال فيمن تزوج على حكمه: انه ليس لها الا ما حكم به الزوج، وقال أبو حنيفة: ومالك.
والاوزاعي: ان اتفقا على شئ إذا تزوجها على حكمها أو حكمه جاز فان لم يتفقا قال أبو حنيفة.
والاوزاعي: فلها مهر مثلها، وقال مالك: يفسخ قبل الدخول ولها مهر مثلها بعد الدخول * قال أبو محمد: هذا شرط فاسد لانه مجهول قد يمكن أن تحتكم هي بجميع ما في العالم وقد يمكن أن يحتكم هو بلاشئ فما كان هكذا فهو شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل والنكاح عليه باطل مفسوخ فاما (2) ان اشترطا ذلك بعد عقد النكاح (3) فالعقد صحيح ولها مهر مثلها إلا أن يتراضيا بأقل أو أكثر، وقول مالك يفسخ النكاح ان لم يتفقا خطأ لانه فسخ نكاح صحيح بغير أمر من الله تعالى بذلك ولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم * روينا من طريق البخاري نا عبيد الله بن موسى عن زكريا هو ابن أبى زائدة عن سعد بن ابراهيم عن عبد الرحمن بن عوف عن أبى سلمة بن عبد الرحمن
ابن عوف عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فانما لها ما قدر لها)، فمن اشترط ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو شرط باطل وان عقد عليه نكاح فالنكاح باطل، ومن ذلك أن لا يشترط لها أن لا يرحلها فاختلف الناس في ذلك فروينا من طريق سعيد بن منصور نا حماد بن زيد عن أيوب السختيانى عن اسماعيل بن عبد الله بن أبى المهاجر عن عبد الرحمن بن غنم أنه شهد عند عمر رجلا أتاه فأخبره انه تزوج امرأة وشرط لها دارها فقال له عمر: لها شرطها فقال له رجل عنده: هلكت الرجال إذ لا تشاء امرأة تطلق زوجها إلا طلقته فقال عمر: المسلمون على شروطهم عند مقاطع حقوهم * وبه إلى سعيد نا سفيان هو ابن عيينة نا عبد الكريم الجزرى عن أبى عبيد أن معاوية أتى في ذلك فاستشار عمرو بن العاصى فقال: لها شرطها
__________
(1) في النسخة رقم 16 بعض كلام (2) في النسخة رقم 14 وأما (3) في النسخة رقم 14 بعد العقد(9/517)
وهو قول القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله.
وجابر بن زيد، وروى عن شريح، وقال آخرون بابطال ذلك كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا ابن وهب أخبرني عمرو ابن الحارث عن كثير بن فرقد عن سعيد بن عبيد بن السباق أن رجلا تزوج على عهد عمر ابن الخطاب فشرط لها ان لا يخرجها فوضع عمر عنه الشرط وقال: المرأه مع زوجها * وبه إلى سفيان عن ابن أبى ليلى عن المنهال بن عمرو عن عباد عن على بن أبى طالب في الرجل يتزوج المرأة يشترط لها دارها فقال: شرط الله قبل شرطها * ومن طريق سعيد بن منصور.
نا هشيم انا مغيرة.
ويونس قال مغيرة: عن ابراهيم وقال يونس: عن الحسن قالا جميعا: يجوز النكاح ويبطل الشرط، وقال أبو حنيفة.
ومالك: يبطل الشرط الا أن يكون معلقا بطلاق أو بعتاق أو بأن يكون أمرها بيدها أو بتخييرها * قال على: هذا قول لم يأت عن أحد من الصحابة فهو خلاف لكل ما روى عنهم في ذلك *
قال أبو محمد: احتج من قال بالزام هذه الشروط بما روينا من طريق أحمد بن شعيب انا عيسى بن حماد زغبة أخبرنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير عن عقبة ابن عامر الجنهى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان أحق الشروط ان توفوا به ما استحللتم به الفروج) * قال أبو محمد: هذا خبر صحيح ولا متعلق لهم به لانهم لا يختلفون معنا ولا مسلم على ظهر الارض في انه ان شرط لها ان تشرب الخمر أو ان تأكل لحم الخنزير أو ان تدع الصلاة أو أن تدع صوم رمضان أو أن يغنى لها أو ان يزفن لها ونحو ذلك ان كل ذلك كله باطل لا يلزمه، فقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد قط في هذا الخبر شرطا فيه تحريم حلال أو تحليل حرام أو اسقاط فرض أو ايجاب غير فرض لان كل ذلك خلاف لاوامر الله تعالى ولاوامره عليه الصلاة والسلام: واشتراط المرأة ان لا يتزوج أو ان لا يسترى أو ان لا يغيب عنها أو ان لا يرحلها عن دارها كل ذلك تحريم حلال وهو وتحليل الخنزير والميتة سواء في ان كل ذلك خلاف لحكم الله عزوجل فصح انه عليه الصلاة والسلام انما أراد شرط الصداق الجائز الذى أمرنا الله تعالى به وهو الذى استحل به الفرج لا ما سواه، وأما تعليق ذلك كله بطلاق أو بعتاق أو تخييرها أو تمليكها أمرها فكل ذلك باطل لما ذكرنا في كتاب الايمان من كتابنا هذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفا فلا يحلف الا بالله) فصح ان من حلف بغير الله تعالى فليس حالفا ولا هي يمينا وهو باطل ليس فيه الا استغفار الله تعالى والتوبة فقط ولما نذكره بعد هذا ان شاء الله عزوجل من(9/518)
أن تخيير الرجل امرأته أو تمليكه اياها أمرها كل ذلك باطل لان الله تعالى لم يوجب قط شيئا من ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وصح عنه عليه الصلاة والسلام انه قال: (من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد) فكل ذلك باطل ولا يكون للمرأة خيار في فراق زوجها أو البقاء معه إلا حيث جعله الله تعالى في المعتقة ولا تملك المرأة أمر نفسها ابدا
فسقط كل ما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * ولا يجوز النكاح على أن يكون الصداق وصيفا غير موصوف أو خادما غير موصوفة.
أو بيتا غير موصوف ولا محدود وكل ذلك يبطل النكاح ان عقد عليه لانه مجهول لا يعرف ما هو فلم يتفقا على صداق معروف بل على مالها ان تقول قيمة كل ذلك ألف دينار ويقول هو: بل عشرة دنانير وان تعاقدا ذلك بعد صحة النكاح فالنكاح صحيح والصداق فاسد ويقضى لها بمهر مثلها ان لم يتراضيا على أقل أو أكثر، روينا اجازة ذلك عن ابراهيم النخعي، وصح عن ابن شبرمة انه قال.
من تزوج على وصيف فانه يقوم عربي.
وهندى وحبشي وتجمع القيم ويقضى لها بمثلها، وقال أبو حنيفة: لها في الوصيف الابيض خمسون مثقالا فان اعطاها وصيفا يساوى خمسين دينارا من ذهب لم يكن لها غيره وإلا فيقضى عليه بتمام خمسين دينارا من ذهب ويقضى لها في البيت بأربعين دينارا من ذهب وفى الخادم بأربعين دينارا من ذهب * قال أبو محمد: في هذين القولين عجب يغنى ايراده عن تكلف الرد عليه لما فيهما من التحكم البارد بالرأى الفاسد في دين الله تعالى، وقال مالك.
والشافعي: لها الوسط من ذلك، قال على: وهذا عجب آخر وليت شعرى كم هذا الوسط؟ ومن الوصفاء ما يساوى خمسمائة دينار ومنهم من لا يساوى عشرين دينارا، فظهر فساد هذه الآراء والحمد الله رب العالمين * 1854 مسألة قال أبو محمد: ولا يجوز نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل وكان حلالا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نسخها الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم نسخا باتا (1) إلى يوم القيامة، وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من السلف رضى الله عنهم منهم من الصحابة رضى الله عنهم أسماء بنت أبى بكر الصديق.
وجابر بن عبد الله.
وابن مسعود.
وابن عباس: ومعاوية بن أبى سفيان، وعمرو بن حريث.
وابو سعيد الخدرى.
وسلمة.
ومعبد ابناء أمية بن خلف، ورواه جابر بن عبد الله عن جميع
الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومدة أبى بكر.
وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر، واختلف
__________
(1) في النسخة رقم 16 تاما(9/519)
في اباحتها عن ابن الزبير.
وعن على فيها توقف.
وعن عمر بن الخطاب انه انما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط وأباحها بشهادة عدلين، ومن التابعين طاوس.
وعطاء.
وسعيد بن جبير.
وسائر فقهاء مكة أعزها الله، وقد تقصينا الآثار المذكورة في كتابنا الموسوم بالايصال، وصح تحريمها عن ابن عمر.
وعن ابن ابى عمرة الانصاري، واختلف فيها عن على.
وعمر.
وابن عباس.
وابن الزبير، وممن قال بتحريمها وفسخ عقدها من المتأخرين أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وأبو سليمان، وقال زفر: يصح العقد ويبطل الشرط * قال أبو محمد: لقد صح تحريم الشغار.
والموهوبة فأباحوها وهى في التحريم أبين من المتعة (1) ولكنهم لا يبالون بالتناقض، ونقتصر من الحجة في تحريمها على خبر ثابت وهو ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة الجهنى عن أبيه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) فذكر الحديث وفيه فقال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب ويقول: من كان تزوج امرأة إلى أجل فليعطها ما سمى لها ولا يسترجع مما أعطاها شيئا ويفارقها فان الله قد حرمها عليكم إلى يوم القيامة) * قال أبو محمد: ما حرم إلى يوم القيامة فقد أمنا نسخه، وأما قول زفر ففاسد لان العقد لم يقع إلا على أجل مسمى، فمن أبطل هذا الشرط وأجاز العقد فانه ألزمهما عقدا لم يتعاقداه قط ولا التزماه قط لان كل ذى حس سليم يدرى بلا شك أن العقد المعقود إلى أجل هو غير العقد الذى هو إلى غير أجل [ بلا شك ] (2) فمن الباطل ابطال عقد تعاقداه والزامهما عقدا لم يتعاقداه وهذا لا يحل البتة إلا أن يأمرنا به الذى أمرنا
بالصلاة والزكاة والصوم والحج لا أحد دونه وبالله تعالى التوفيق * 1855 مسألة ولا يحل نكاح الام ولا الجدة من قبل الاب أو من قبل الام وان بعدتا ولا البنت ولا بنت من قبل البنت أو من قبل الابن وان سفلتا ولا نكاح الاخت كيف كانت ولا نكاح بنت أخ أو بنت أخت وان سفلتا ولا نكاح العمة والخالة وان بعدتا ولا نكاح أم الزوجة ولا جدتها وان بعدت ولا أم الامة التى حل له وطؤها ولا نكاح جدتها وان بعدت * قال أبو محمد: قال الله عزوجل.
(حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت) إلى قوله تعالى (وأمهات نسائكم)
__________
(1) في النسخة رقم 16 وهو ابين في التحريم من المتعة (2) الزيادة من النسخة رقم 16(9/520)
قال على: والجدة كيف كانت أم أب أو أم جد أو أم جد جد أو أم أم جد أو جدة أم أو أم أم كل هؤلاء أم قال تعالى: (كما أخرج أبويكم من الجنة) والاخت تكون شقيقة وتكون لاب وتكون لام وبنت البنت.
وبنت الابن.
وبنت ابن البنت.
وبنت بنت الابن وهكذا كيف كانت كل هؤلاء بنت قال عزوجل: (يا بنى آدم) وقال صلى الله عليه وسلم في الحيض: (هذا شئ كتبه الله على بنات آدم) وبنت بنت الاخ وبنت ابن الاخ كلهن بنات أخ.
وبنت بنت الاخت.
وبنت ابن الاخت كل هؤلاء بنت أخت وأخت الجد من الاب.
واخت جد الجد من الاب كلهن عمة.
وأخت الجد من الام وأخت الجدة من قبل الاب والام كلهن خالة.
والزوجة.
والامة التى حل وطؤها للرجل كلهن من نسائه، وكل هذا لا خلاف فيه بين أحد من المسلمين الا الامة وابنتها بملك اليمين فان قدما أحلوهما (1) * 1856 مسألة وكل ما حرم من الانساب.
والحرم التى ذكرنا فانه يحرم بالرضاع كالمرأة التى ترضع الرجل فهى أمه وأمها جدته وجداتها من قبل ابيها وامها
كلهن ام له وكل من ارضعته فهن اخواته واخوته ومن تناسل منهم فهن بنات اخوته وبنات اخواته وعمات التى أرضعته وخالاتها خالاته كما ذكرنا وعمات أبيه من الرضاعة عماته وهكذا في كل شئ * روينا من طريق مالك بن دينار عن سليمان ابن يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما حرمته الولادة حرمه الرضاع) * 1857 مسألة ولا يحل الجمع في استباحة الوطئ بين الاختين من ولادة أو من رضاع كما ذكرنا لا بزواج ولا بملك يمين ولا إحداهما بزواج والاخرى بملك يمين ولا بين العمة وبنت أختيها ولا بين الخالة وبنت أختها كما قلنا في الاختين سواء سواء، فمن اجتمع في ملكه اختان أو عمة وبنت أخيها أو خالة وبنت اختها فهما جميعا عليه حرام حتى يخرج احداهما عن ملكه بموت أو بيع أو هبة أو غير ذلك من الوجوه أو حتى تزوج احداهما بأى هذا الوجوه كان حل له وطئ الباقية، فان رجعت إلى ملكه الاخرى رجعت حراما كما كانت وبقيت الاولى حلالا كما كانت فان أخرجها عن ملكه أو زوجها أو ماتت حلت له التى كانت حراما عليه وكذلك ان ماتت الزوجة أو طلقها ثلاثا أو قبل الدخول حل له زواج الاخرى وكذلك ان طلقها طلاقا رجعيا فتمت عدتها منه * برهان ذلك قول الله عز وجل: (وأن تجمعوا
__________
(1) في النسخة رقم 14 أجازوهما(9/521)
بين الاختين إلا ما قد سلف).
قال أبو محمد: معناه انه تعالى غفر لهم ما قد سلف من ذلك لانه تعالى ابقاهم عليه * قال على: لم يختلف الناس في تحريم الجمع بين الاختين بالزواج واختلفوا في الجمع بينهما بملك اليمين فطائفة أحلتهما وطائفة توقفت في ذلك وطائفة قالت: يطأ ايتهما شاء فإذا وطئها حرمت عليه الاخرى فصح عن ابن عباس.
وعكرمة ما رويناه من طريق
عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار ان عكرمة مولى ابن عباس كان لا يرى بأسا ان يجمع بين أختين والمرأة وابنتها يعنى بملك اليمين وأخبره عكرمة ان ابن عباس كان يقول: لا تحرمهن عليك قرابة بينهن انما يحرمهن عليك القرابة بينك وبينهن، قال عمرو بن دينار: وكان ابن عباس يعجب من قول على حرمتهما آية وأحلتهما آية ويقول: إلا ما ملكت أيمانكم هي مرسلة قال على: وبه يقول أبو سليمان وأصحابنا * قال أبو محمد: فهذا قول من أحلهما وقول على في التوقف وصح عن عمر كما روينا من طريق سعيد بن منصورنا سفيان هو ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود عن أبيه قال: (سئل عمر عن الجمع بين أم وابنتها؟ فقال عمر: ما أحب أن يجيزهما جميعا وقال ابن عتبة: فوددت أن عمر كان أشد في ذلك مما هو عبد الله بن عتبة أدرك عمر وجاء أيضا عن عثمان كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب اخبرني قبيصة بن ذئيب أن نيارا الاسلمي استفتى عثمان في امرأة وأختها بملك اليمين فقال عثمان: أحلتهما آية وحرمتهما آية أخرى ولم أكن لافعل ذلك * وروينا التوقف أيضا عن ابن عباس ورويناه ايضا من طريق وكيع عن اسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع قال: (سألت ابن الحنفية عن الاختين المملوكتين؟ فقال: حرمتهما آية وأحلتهما آية، والقول الثالث قاله أبو حنيفة ومالك.
والشافعي، واما القول الذى قلنا به فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الكريم الجزرى عن ميمون بن مهران عن ابن عمر انه سئل عن الامة يطؤها سيدها ثم يريد أن يطأ أختها قال: لا حتى يخرجها عن ملكه، وقال سفيان عن غير واحد من أصحابه: أنهم قالوا: إذا زوجها فلا بأس باختها وكان ابن عمر يكره ذلك وان زوجها * نا محمد بن سعيد بن نبات أنا أحمد بن عون الله نا قاسم ابن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار بندار نا محمد بن جعفر
غندر نا شعبة عن المغيرة بن مقسم عن الشعبى قال: قيل لعبد الله بن مسعود أن(9/522)
ابن عامر قال: لا بأس أن يجمع بين الاختين المملوكتين فقال ابن مسعود: لا يقربن واحدة منهما * وبه إلى المغيرة عن ابراهيم النخعي قال: إذا كان عند الرجل مملوكتان أختان فلا يغشين واحدة منهما حتى يخرج الاخرى عن ملكه قال شعبة: وقال الحكم بن عتيبة وحماد بن أبى سليمان: من عنده أختان مملوكتان لا يطأ واحدة منهما ولا يقربنها حتى يخرج احداهما عن ملكه * ومن طريق سعيد بن منصور نا حماد بن زيد عن أيوب السختيانى عن عبد الله بن أبى مليكة أن رجلا سأل عائشة أم المؤمنين عن أمة له قد كبرت وكان يطؤها ولها ابنة ايحل له أن يغشاها؟ فقالت لها أم المؤمنين: أنهاك عنها ومن أطاعنى * ومن طريق سعيد بن منصور قلت لسفيان بن عيينة حدثك مطرف عن أبى الجهم عن أبى الاخضر عن عمار قال: يحرم من الاماء ما يحرم من الحرائر إلا العدد قال سفيان: نعم ورويناه أيضا عن على * قال أبو محمد: أما من توقف فلم يلح له البيان فحكمه التوقف وأما من احلهما فانه غلب قول الله عزوجل: (الا ما ملكت ايمانكم) على قوله تعالى: (وأن تجمعوا بين الاختين) فخص ملك اليمين من هذا النهى، وكذلك فعلوا في قوله تعالى: (وأمهات نسائكم) ولا حجة لهم غير هذا فنظرنا في ذلك فوجدنا النصين لا بد من تغليب احدهما على الآخر بان يستثنى منه اما كما قال من ذكرنا فيكون معناه وأن تجمعوا بين الاختين وأمهات نسائكم الا ما ملكت أيمانكم، واما كما قلنا نحن فيكون معناه الا ما ملكت أيمانكم الا أن تكونا اختين أو ام امرأة حلت لكم أو عمة وبنت أخيها أو خالة وبنت أختها فإذا لا بد من احد الاستثناءين وليس احدهما أولى من الآخر الا ببرهان ضروري واما بالدعوى فلا فطلبنا هل للمغلبين المستثنين ملك اليمين من تحريم الاختين والام وابنتها والعمة وبنت أخيها.
والخالة وبنت أختها برهان فلم نجده أصلا الا أن بعضهم
قال: قد علمنا ان الله عزوجل لم ينهنا قط عن الجمع بين الاختين في الوطئ لانه غير ممكن ومحال ان يخاطبنا الله تعالى بالمحال أو أن ينهانا عن المحال فصح انه تعالى انما نهانا عن معنى يمكن جمعهما فيه وليس الا الزواج لان جمعهما في ملك اليمين جائز حلال بلا خلاف فقلنا: صدقتم انه تعالى لم ينهانا عن المحال من الجمع بينهما في الوطئ وأخطأتم في تخصيصكم بنهيه الزواج فقط لانه تخصيص للآية بلا برهان بل نهانا عن الجمع بينهما بالزواج.
وباستحلال وطئ أيتهما شاء وبالتلذذ منهما معا فهذا ممكن فهلموا دليلا على تخصيصكم الزواج دون ما ذكرنا فلم نجده عندهم أصلا فلزمنا ان نأتى ببرهان على صحه استثنائنا والا فهى دعوى ودعوى فوجدنا قول الله عزوجل: (الا ما ملكت أيمانكم) لا خلاف(9/523)
بين أحد من الامة كلها قطعا متيقنا في انه ليس على عمومه بل كلهم مجمع قطعا على انه مخصوص لانه لا خلاف ولا شك في أن الغلام من ملك اليمين وهو حرام لا يحل وان الام من الرضاعة من ملك اليمين والاخت من الرضاعة من ملك اليمين وكلتاهما متفق على تحريمهما أو الامة يملكها الرجل قد تزوجها أبوه ووطئها وولد له منها حرام على الابن ثم نظرنا في قوله تعالى: (وأن تجمعوا بين الاختين)، (وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتى في حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن)، (ولا تنكح المشركات حتى يؤمن) ولم يأت نص ولا اجماع على أنه مخصوص حاش زواج الكتابيات فقط فلا يحل تخصيص نص لا برهان (1) على تخصيصه واذ لا بد من تخصيص ما هذه صفتها أو تخصيص نص آخر لا خلاف في أنه مخصوص فتخصيص المخصوص هو الذى لا يجوز غيره، وبهذه الحجة احتج ابن مسعود في هذه المسألة كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا اسماعيل بن ابراهيم انا سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين أنه سمع عبد الله بن عتبة بن مسعود يقول: لم يزالوا بعبد الله بن مسعود حتى أغضبوه يعنى في الاختين بملك اليمين فقال ابن مسعود: ان حملك مما ملكت يمينك وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: واما من أباح له أن يطأ أي الاختين المملوكتين له شاء وحينئذ تحرم عليه التى لم يطأ فقول في غاية الفساد لانه لا يخلو قائل هذا القول من أن يقول: أنهما قبل أن يطأ أحداهما حرام جميعا فهذا قولنا أو أنهما جميعا حينئذ حلال فهذا قول ابن عباس.
وعكرمة ومن وافقهما وكلا القولين خلاف قول هذا القائل أو يقول: أن احداهما بغير عينها حلال له والاخرى حرام فهذا باطل قطعا لوجهين، أحدهما قول الله عزوجل: (قد تبين الرشد من الغى) فمحال أن يحرم الله تعالى علينا ما لم يبينه لنا وكذلك قوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فلا شك في أن ما حرمه الله تعالى علينا قد فصله لنا وهم يقولون ان احداهما حرام لم يفصل لنا تحريمها * والوجه الثاني أن هذا التقسيم أيضا باطل على مقتضى قولهم لانهم يبيحون له وطئ أيتهما شاء وهذا يقتضى تحليلهما جميعا لا تحريم احداهما لانه من المحال تخيير أحد في حرام وحلال الا أن يأتي نص قرآن أو سنة بذلك فيوقف عنده واما بالرأى الفاسد فلا فصح قولنا يقينا وبطل ما سواه والحمد لله رب العالمين.
والخبر المشهور من طريق أبى هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أن لا يجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وعلى هذا جمهور الناس الا عثمان البتى فانه اباحه * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا مجاهد بن موسى
__________
(1) في النسخة رقم 16 بلا برهان(9/524)
نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها) قال أحمد بن شعيب: وأنا قتيبة بن سعيد نا الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن عراك بن مالك عن أبى هريرة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها) * 1858 مسألة وجائز للاخ أن يتزوج امرأة أخيه التى مات أخوه عنها أو طلقها بعد انقضاء عدتها أو اثر طلاق الاخ لها ان لم يكن وطئها، وكذلك للعم
وللخال أن يتزوج أيهما كان امرأة مات عنها ابن الاخ أو ابن الاخت أو طلقاهما بعد تمام العدة أو أثر طلاق لم يكن قبله وطئ، وكذلك لابن الاخ ولابن الاخت أن يتزوجا امرأة العم أو الخال بعد موتهما أو طلاقهما بعد العدة أو أثر طلاق لم يكن قبله وطئ هذا لا نص في تحريمه وكل ما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال قال عزوجل: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) بعد ذكره تعالى ما حرم علينا من النساء وبالله تعالى التوفيق * 1859 مسألة ولا يجوز للولد زواج امرأة أبيه ولا من وطئها بملك اليمين أبوه وحلت له لا يحل له وطوها أو التلذذ منها بزواج أو بملك يمين وله تملكها الا أنها لا تحل له أصلا، وكذلك لا يحل للرجل زواج امرأة ولا وطؤها بملك اليمين إذا كانت المرأة ممن حل لولده وطؤها أو التلذذ منها بزواج أو بملك يمين أصلا، والجد في كل ما ذكرنا وان علا من قبل الاب أو الام كالاب ولا فرق، وابن الابن وابن الابنة وان سفلا كالابن في كل ما ذكرنا ولا فرق: قال أبو محمد: اما من عقد فيها الرجل زواجا فلا خلاف في تحريمها في الابد على أبيه وأجداده وعلى بنيه وعلى من تناسل من بنيه وبناته أبدا، وأما من حلت للرجل بملك اليمين فان وطئها فلا نعلم خلافا في تحريمه على من ولد وعلى من ولده وفيما لم يطأها خلاف نذكر منه ان شاء الله عزوجل ما تيسر لنا ذكره من ذلك ذكرت طائفة أنها تحرم على ولده وآبائه بتجريده لها فقط كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول قال جرد عمر بن الخطاب جارية فنظر إليها ثم نهى بعض ولده أن يقربها * ومن طريق حماد بن سلمة أنا الحجاج بن أرطاة عن مكحول ان عمر اشترى جارية فجردها ونظر إليها فقال له ابنه: اعطنيها فقال: انها لا تحل لك انما يحرمها عليك النظر والتجريد * ومن طريق سعيد بن منصور نا فضيل عن هشام هو ابن حسان عن الحسن البصري قال: ان جردها الاب حرمها على الابن وان جردها الابن حرمها على الاب * قال أبو محمد: هذا صحيح عن الحسن ولا يصح عن عمر لانه من طريق مكحول وهو(9/525)
منقطع، وقالت طائفة: لا يحرمها الا اللمس والنظر كما روينا من طريق سعيد بن منصور عن فضيل عن هشام عن ابن سيرين ان مسروقا قال في مرضه الذى مات فيه: ان جاريتي هذه لم يحرمها عليكم الا اللمس والنظر قال سعيد: ونا أبو عوانة عن ابراهيم بن محمد بن المنتشر عن ابيه ان مسروقا قال عند موته عن جارية له لم أصب منها الا ما حرمها على ولدى اللمس والنظر * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن ابن أبى نجيح عن مجاهد قال: يحرم الوالد على ولده والولد على والده ان يقبلها أو يضع يده على فرجها أو فرجه على فرجها أو يباشرها * ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير عن المغيرة عن ابراهيم قال: كانوا يرون ان القبلة واللمس يحرم، الام والبنت وهو قول ابن أبى ليلى.
والشافعي.
وأصحابه، وقالت طائفة: يحرمها على الولد والوالد النظر كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو شهاب عن يحيى بن سعيد هو الانصاري عن القاسم ابن محمد بن عبد الله بن ربيعة ان اباه ربيعة وكان بدريا أوصى بجارية له ان لا يقربها بنوه وقال: لم أصب منها شيئا الا انى نظرت منظرا اكره ان ينظروه منها * قال أبو محمد: هذا وهم من أبى شهاب انما هو عبد الله بن عامر بن ربيعة كذا رويناه من طرق شتى * منها من طريق سعيد بن منصور نا سفيان هو ابن عيينة عن يحيى بن سعيد الانصاري عن القاسم بن محمد عن عبد الله.
وعبد الرحمن ابني عامر بن ربيعة وكان ابوهما بدريا انه أوصى بجارية له ان يبيعوها ولا يقربوها كأنه اطلع منها مطلعا كره ان يطلعوا منها على مثل ما اطلع، وذهبت طائفة إلى أن اللمس لشهوة أو النظر إلى فرجها لشهوة يحرمها كما روينا من طريق عبد الرزاق عن أبى حنيفة عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي قال: (إذا قبل الرجل المرأة من شهوة أو مس أو نظر إلى فرجها لم تحل لابيه ولا لابنه) * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: إذا نظر الرجل إلى فرج امرأة من شهوة لم تحل لابيه ولا لابنه وبهذا يقول أبو حنيفة
وقال مالك: إذا نظر إلى شئ من محاسنها لشهوة حرمت في الابد على الولد كالساق والشعر والصدر وغير ذلك، وقال سفيان: إذا نظر إلى فرجها حرمت على ولده، وقالت طائفة: مثل قولنا كما روينا من طريق أبى عبيد نا أبو اليمان عن أبى بكر بن عبد الله بن أبى مريم عن مكحول قال: ايهما ملك عقدتها فقد حرمت على الآخر يعنى الاب والابن * ومن طريق ابى عبيد نا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب ان ابن شهاب الزهري قال: إذا ملك الرجل عقدة المرأة حرمت على ابيه وابنه * قال أبو محمد: من ملك الرقبة فقد ملك العقدة، ونا محمد بن سعيد بن نبات(9/526)
نا احمد بن عبد البصير نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن ابن محمد المحاربي قال: سمعت ليث بن أبى سليم يقول عن الحكم بن عتيبة قال: من ملك جارية ملكها ابوه قبله لم يحل له فرجها، وقالت طائفة: لا يحرمها على الولد إلا الوطئ فقط كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري.
وقتادة قالا جميعا.
لا يحرمها عليهم الا الوطئ يعنيان اماء الآباء على الابناء * قال أبو محمد: اما من حرمها بالمس للشهوة دون ما دون ذلك أو بالنظر إلى الفرج خاصة دون ما دون ذلك أو بالنظر إلى محاسنها لشهوة دون ما عدا ذلك فاقوال لا دليل على صحة شئ منها انما هي آراء مجردة لا يؤيدها قرآن.
ولا سنة.
ولا رواية ساقطة.
ولا قياس، واما صحة قولنا فللخبر الذى حدثناه احمد بن قاسم نا قاسم بن محمد ابن قاسم قال نا جدى قاسم بن أصبغ نا احمد بن زهير نا عبد الله بن جعفر نا عبد الله ابن عمرو الرقى عن زيد بن ابى أنيسة عن عدى بن ثابت عن يزيد بن البراء عن أبيه البراء ابن عازب قال: لقيني عمى ومعه راية فقلت: اين تريد؟ قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة ابيه فأمرني ان اضرب عنقه) * قال أبو محمد: الامة الحلال للرجل امرأة له وطئها أو لم يطأها نظر إليها أو لم
ينظر إليها وقال الله عزوجل: (وحلائل ابنائكم الذين من اصلابكم) والحلائل جمع حليلة والحليلة فعيلة من الحلال فكل امرأة حلت لرجل فهى حليلة له وبالله تعالى التوفيق * 1860 مسألة واما من تزوج امرأة ولها ابنة أو ملكها ولها ابنة فان كانت الانبة في حجره ودخل بالام مع ذلك وطئ أو لم يطأ لكن خلا بها بالتلذذ لم تحل له ابنتها ابدا فان دخل بالام ولم تكن الابنة في حجره أو كانت الابنة في حجره ولم يدخل بالام فزواج الابنة له حلال، واما من تزوج امرأة لها ام أو ملك امة تحل له ولها ام فالام حرام عليه بذلك ابد الابد وطئ في كل ذلك الابنة أو لم يطأها * برهان ذلك قول الله تعالى: (وربائبكم اللاتى في حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) فلم يحرم الله عزوجل الربيبة بنت الزوجة (1) أو الامة الا بالدخول بها وان تكون هي في حجره فلا تحرم الا بالامرين معا لقوله تعالى بعد ان ذكر ما حرم من النساء (واحل لكم ما وراء ذلكم) وما كان ربك نسيا، وكونها في حجره ينقسم قسمين، أحدهما سكناها معه في منزله.
وكونه
__________
(1) في النسخة رقم 14 (ولد الزوجة)(9/527)
كافلا لها، والثانى نظره إلى امورها نحو الولاية لا بمعنى الوكالة فكل واحد من هذين الوجهين يقع به عليها كونها في حجره واما امها فيحرمها عليه بالعقد جملة قول الله تعالى: (وامهات نسائكم) فاجملها عزوجل فلا يجوز تخصيصها * وفى كل ذلك اختلاف قديم وحديث، ذهبت طائفة إلى أن الام لا تحرم الا بالدخول بالابنة كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس عن على بن أبى طالب أنه سئل في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها أله أن يتزوج أمها؟ فقال على: هما بمنزلة واحدة يجريان مجرى واحدا ان طلق الابنة قبل الدخول بها (1) تزوج أمها وان تزوج أمها
ثم طلقها قبل أن يدخل بها تزوج ابنتها وهذا صحيح عن على رضى الله عنه * نا أحمد بن عمر ابن أنس العذري نا أبو ذر الهروي نا عبد الله بن احمد بن حمويه السرخسى نا ابراهيم ابن خريم نا عبد بن حميد أنا عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل هو قاضى صنعاء قال: قال ابن الزبير: الربيبة.
والام سواء لا بأس بهما إذا لم يكن دخل بالمرأة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو بكر بن حفص هو ابن عمر بن سعد ابن أبى وقاص عن مسلم بن عويمر من بنى بكر بن عبد مناة من كنانة أنه أخبره أنه أنكحه أبوه امرأة بالطائف قال فلم أمسها حتى توفى عمى عن أمها وامها ذات مال كثير فقال لى ابى: هل لك في أمها؟ قال: فسألت ابن عباس وأخبرته الخبر؟ فقال: انكح امها وذكر باقى الخبر * ومن طريق اسماعيل بن اسحق نا ابن أبى أويس حدثنى عبد الرحمن ابن أبى الموالى عن عبد الحكم بن عبد الله بن أبى فروة أن رجلا من بنى ليث يقال له ابن الاجدع تزوج جارية شابة فهلكت قبل أن يدخل بها فخطب أمها فقالت له: نعم ان كنت أحل لك فجاء ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم من أرخص له وذكر باقى الخبر * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبى فروة عن أبى عمر الشيباني عن ابن مسعود أن رجلا من بنى شمخ بن فزارة تزوج امرأة ثم رأى أمها فعجبته فاستفتى ابن مسعود فأفتاه أن يفارقها ثم يتزوج أمها فتزوجها وولدت له اولادا وذكر باقى الخبر على ما نورده بعد هذا ان شاء الله تعالى وبه يقول مجاهد، وغيره، وطائفة قالت باباحة نكاح أم الزوجة التى لم يدخل بها إذا طلق الابنة ولم يبحه ان ماتت كما روينا من طريق اسماعيل بن اسحق القاضى نا سليمان بن حرب نا حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت قال في رجل طلق امرأته قبل ان يدخل بها فأراد ان يتزوج امها قال: ان طلقها قبل ان يدخل بها تزوج امها وان ماتت لم يتزوج امها *
__________
(1) في النسخة رقم 14 قبل أن يدخل بها(9/528)
ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب ان زيد ابن ثابت قال: ان طلق الابنة قبل ان يدخل بها توج امها وان ماتت لم يتزوج امها * وطائفة فرقت بين الام والابنة روينا ذلك عن عمر بن الخطاب.
وابن عمر.
وزيد بن ثابت وابن عباس.
وطائفة من الصحابة.
وطائفة توقفت في كل ذلك كما روينا من طريق اسماعيل بن اسحق القاضى نا ابن أبى أويس نا عبد الرحمن بن أبى الموالى عن عبد الحكم بن عبد الله بن أبى فروة أن رجلا من بنى ليث يقال له ابن الاجدع تزوج جارية فهلكت ولم يدخل بها فخطب أمها فقالت: نعم ان كنت أحل لكل فسأل ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم من أرخص له ومنهم من نهاه وقال: إن الله عزوجل قد عزم في الام وأرخص في الربيبة فلما اختلفوا عليه كتب إلى معاوية فأخبره ارخاص من أرخص له ونهى من نهاه فكتب إليه معاوية قد جاءني كتابك وفهمت الذى فيه وانى لا أحل لك ما حرم الله عليك ولا أحرم عليك ما أحل الله لك، ولعمري ان النساء كثير ولم يزده على ذلك فجاء بكتاب معاوية فقرأه على الذين سألهم فكلهم قال: صدق معاوية قال: فانصرف عن المرأة ولم يتزوجها * قال أبو محمد: قول الله عزوجل: (وربائبكم) معطوف على ما حرم هذا ما لا شك فيه وقوله عزوجل: (اللاتى في حجوركم) نعت للربائب لا يمكن غير ذلك البتة، وقوله تعالى: (من نسائكم اللاتى دخلتم بهن) من صلة الربائب (1) لا يجوز غير ذلك البتة إذ لو كان راجعا إلى قوله تعالى: (وأمهات نسائكم) لكان موضعه أمهات نسائكم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن وهذا محال في الكلام، فصح أن (2) الاستثناء في الربائب خاصة وامتنع أن يكون راجعا إلى أمهات النساء وبالله تعالى التوفيق * واختلفوا أيضا في الربيبة فقالت طائفة: إذا دخل بأمها فقد حرمت البنت عليه سواء كانت في حجره أو لم تكن * روينا عن جابر بن عبد الله ان ماتت قبل ان يمسها نكح ابنتها ان شاء * ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن ان عمران بن الحصين
سئل عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل ان يدخل بها؟ فقال عمران: لا تحل له امها دخل بها أو لم يدخل بها فان طلق الام قبل ان يدخل بها تزوج ابنتها وبه يقول أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي، وقالت طائفة: بمثل قولنا كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابراهيم بن عبيد بن رفاعة أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النصرى قال: كان عندي امرأة قد ولدت لى فتوفيت فوجدت عليها فلقيت على بن ابى طالب فقال
__________
(1) في النسخة رقم 16 من جهة صفة الربائب (2) سقط لفظ ان من النسخة رقم 14(9/529)
لى: مالك؟ قلت: توفيت المرأة قال: ألها ابنة؟ قلت: نعم قال: كانت في حجرك قلت: لا هي في الطائف قال: فانكحها قلت: واين قوله تعالى: (وربائبكم اللاتى في حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن) قال: انها لم تكن في حجرك وانما ذلك إذا كانت في حجرك * ومن طريق أبى عبيد نا حجاج هو ابن محمد عن ابن جريج قال: أخبرني ابراهيم بان ميسرة ان رجلا من بنى سوأة يقال له: عبيد الله بن معبد اثنى عليه خيرا أخبره ان أباه أو جده نكح امرأة ذات ولد من غيره فاصطحبا ما شاء الله عزوجل ثم نكح امرأة شابة فقال له أحد بنى الاولى: قد نكحت على امنا وكبرت فاستغنيت عنها بامرأة شابة فطلقها قال: لا والله الا ان تنكحني ابنتك قال: فطلقها وأنكحه ابنته ولم تكن في حجره ولا أبوها ابن العجوز المطلقة قال: فجئت سفيان بن عبد الله فقلت له: استفت لى عمر ابن الخطاب قال: لتجئ معى فادخلني على عمر فقصصت عليه الخبر فقال عمر: لا بأس بذلك واذهب فسل فلانا ثم تعال فاخبرني قال ولا أراه الا عليا قال فسألته فقال لا بأس بذلك * قال أبو محمد: لا يجوز تخصيص شرط الله عزوجل بغير نص * قال أبو محمد: وقد قال قوم قوله تعالى: (اللاتى دخلتم بهن) انما عنى الجماع صح ذلك عن ابن عباس.
وطاوس.
وعمرو بن دينار.
وعبد الكريم الجزرى، وروى عن ابن مسعود ان القبلة للام التى تتزوج تحرم ابنتها، وروى عن عطاء وصح عنه ان
الدخول هو ان يكشف ويفتش ويجلس بين رجليها في بيته أو في بيت أهلها قال: فلو غمز ولم يكشف لم تحرم ابنتها عليه بذلك، وروى عن عطاء أيضا انه الدخول فقط وان لم يفعل شيئا * قال أبو محمد: وشغب المخالفون الذين لا يراعون كون الربيبة في حجر زوج أمها مع دخوله بها بآثار فاسدة * منها خبر منقطع من طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن المثنى ابن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ايما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح ابنتها فان لم يدخل بها فلينكحها) وهذا هالك منقطع ويحيى بن أيوب.
والمثنى ضعيفان * وبخبر عن وهب بن منبه ان في التوارة مكتوبا (من كشف عن فرج امرأة وابنتها فهو ملعون) وهذا طريف جدا * وبخبر من طريق ابن جريج أخبرت عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن أم الحكم قال: (قال رجل يارسول الله زنيت بامرأة في الجاهلية افانكح ابنتها؟ قال: لا أرى ذلك ولا يصلح لك ان تنكح امرأة تطلع من ابنتها على ما تطلع عليه منها) وهذا منقطع في موضعين * ومن طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن ابن جريج (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: في الذى يتزوج المرأة فيغمزها(9/530)
لا يزيد على ذلك أن لا يتزوج ابنتها) وهذا أشد انقطاعا * وبالخبر الثابت من طريق أم حبيبة أم المؤمنين رضى الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلغني انك تخطب درة بنت أبى سلمة فقال لها عليه الصلاة والسلام: والله لو لم تكن ربيبتي ماحلت لى انها لابنة أخى من الرضاعة) قالوا فلم يذكر كونها في حجره فقلنا: ولا ذكر دخوله بها أيضا انما في هذا الخبر كونها ربيبة له فقط وبعقد النكاح تكون ربيبته ولا يختلفون في ان ذلك لا يحرمها عليه ان يتزوجها فكيف وهذا خبر هكذا رواه سفيان بن عيينة وغيره عن هشام بن عروة، ورواه من ليس دون هشام فزاد بيانا كما رويناه من طريق أبى داود السجستاني نا عبد الله بن محمد النفيلى نا زهير بن معاوية عن هشام بن عروة عن
عروة عن زينب بنت أبى سلمة ان أم حبيبة قالت: (يا رسول الله في حديث طويل لقد أخبرت انك تخطب بنت أبى سلمة قال: بنت أبى سلمة قلت: نعم قال: اما والله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لى انها ابنة أخى من الرضاعة) وهكذا رواه أبو أسامة: ويحيى بن زكريا ابن أبى زائدة.
والليث بن سعد كلهم عن هشام بن عروة فاثبتوا فيه ذكره عليه الصلاة والسلام كونها في حجره، وهكذا رويناه أيضا من طريق البخاري نا أبو اليمان الحكم بن نافع أخبرنا شعيب هو ابن أبى حمزة عن الزهري أخبرني عن عروة بن الزبير ان زينب بنت أم سلمة أخبرته أن أم حبيبة بنت أبى سفيان أخبرتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر، وفيه (لو انها لم تكن ربيبتي في حجري) ولا شك ولا خلاف في انه خبر واحد في موطن واحد عن قصة واحدة أسقط بعض الرواة لفظة أثبتها غيره ممن هو مثله وفوقه في الحفظ فلا يحل الاحتجاج بالانقص على خلاف ما في القرآن، وموهوا بحماقات مثل ان قالوا: أراد الله عزوجل بقوله: (في حجوركم) على الاغلب * قال أبو محمد: هذا كذب على الله تعالى واخبار عنه عزوجل بالباطل، ومثل قولهم هذا كقوله تعالى: (انا احللنا لك أزواجك اللاتى آتيت أجورهن) وليس ذلك بمحرم عليه اللاتى لم يؤتهن أجورهن فقلنا: لو لم يأت نص آخر باحلال الموهوبة والتى لم يفرض لها فريضة لما حلت الا اللاتى يؤتيهن أجورهن وأنتم لا نص في ايديكم يحرم التى لم تكن في حجره من الربائب، ومثل قولهم كل تحريم له سببان فان أحدهما إذا انفرد كان له تأثير * قال على: وهذا كذب مجرد بل لا تأثير له دون اجتماعه في السبب المنصوص عليه معه، وادعوا أن ابراهيم بن عبيد الذى روى عن على اباحة ذلك مجهول * قال على: بل كذبوا هو مشهور ثقة روى مسلم وغيره عنه في الصحيح فوضع(9/531)
فساد قولهم بيقين والحمد الله رب العالمين *
1861 مسألة وجائز للرجل ان يجمع بين امرأة وزوجة أبيها وزوجة ابنها وابنة عمها لحا لانه لم يأت نص بتحريم شئ من ذلك، وهذا قول أبى حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وابى سليمان، وكذلك تحل له امرأة زوج امه، وفى هذا خلاف قديم لا نعلم احدا يقول به الآن وكذلك يجوز نكاح الخصى.
والعقيم.
والعاقر لانه لم يأت نص بنهي عن شئ من ذلك وبالله تعالى التوفيق * 1862 مسألة ولا يحرم وطئ حرام نكاحا حلالا الا في موضع واحد وهو ان يزنى الرجل بامرأة فلا يحل نكاحها لاحد ممن تناسل منه أبدا واما لو زنى الابن بها ثم تابت لم يحرم بذلك نكاحها على ابيه وجده ومن زنى بامرأة لم يحرم عليه إذا تاب ان يتزوج أمها أو ابنتها والنكاح الفاسد والزنا في هذا كله سواء.
برهان ذلك قول الله عزوجل: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * قال أبو محمد: النكاح في اللغة التى نزل بها القرآن يقع على شيئين، أحدهما الوطئ كيف كان بحرام أو بحلال، والآخر العقد فلا يجوز تخصيص الآية بدعوى بغير نص من الله تعالى أو من رسوله صلى الله عليه وسلم، فأى نكاح نكح الرجل المرأة حرة أو أمة بحلال أو بحرام فهى حرام على ولده بنص القرآن وقد بينا أن ولد الولد ولد بقوله تعالى: (يا بنى آدم) وهذا قول أبى حنيفة.
وجماعة من السلف ولم يأت نص بتحريم نكاح حلال من أجل وطئ حرام فالقول به لا يحل لانه شرع لم يأذن به الله عزوجل.
وممن روينا عنه أن وطئ الحرام يحرم الحلال روينا ذلك عن ابن عباس وانه فرق بين رجل وامرأنه بعد ان ولدت له سبعة رجال كلهم صار رجلا يحمل السلاح لانه كان أصاب من أمها ما لا يحل، وعن مجاهد: لا يصلح لرجل فجر بامرأة ان يتزوج أمها * ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة قال: قال ابراهيم النخعي: إذا كان الحلال يحرم الحرام فالحرام اشد تحريما.
وعن ابن معقل هي لا تحل له في الحلال فكيف تحل له في الحرام * ومن طريق وكيع عن جرير بن حازم عن قيس بن سعد عن مجاهد قال: إذا
قبلها أو لامسها أو نظر إلى فرجها من شهوة حرمت عليه أمها وابنتها * ومن طريق وكيع عن عبد الله بن مسيح قال: سألت ابراهيم النخعي عن رجل فجر بامرأة فأراد أن يشترى أمها أو يتزوجها فكره ذلك * وعن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سأل عكرمة مولى ابن عباس عن رجل فجر بامرأة أيصلح له أن يتزوج جارية أرضعتها هي بعد ذلك؟ قال: لا.
وعن الشعبي ما كان في الحلال حراما فهو في الحرام حرام.
وعن سعيد بن المسيب(9/532)
وأبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: وعروة بن الزبير فيمن زنى بامرأة أنه لا يصلح له أن يتزوج ابنتها ابدا وهو قول سفيان الثوري؟ نعم ولقد روينا من طريق البخاري قال: يروى عن يحيى الكندى عن الشعبى.
وابى جعفر محمد بن على بن الحسين قالا جميعا: من أولج في صبى فلا يتزوج أمه وبه يقول الاوزاعي حتى أنه قال: من لاط بغلام لم يحل للفاعل أن يتزوج ابنة المفعول به، وقال أبو حنيفة.
وأصحابه إذا لمس لشهوة حراما أو نظر إلى فرجها لشهوة لم يحل له نكاح أمها ولا ابنتها وحرم نكاحها على أبيه وابنه أبدا، وهو احد قولى مالك الا أنه لا يحرم فيه الا بالوطئ فقط * وخالفهم آخرون فلم يحرموا بوطئ حرام نكاحا حلالا روينا ذلك أيضا عن ابن عباس * ومن طريق حماد بن سلمة أنا يحيى بن يعمر قال: لا يحرم الحرام الحلال * ومن طريق أبى عبيد نا يحيى بن سعيد هو القطان نا ابن أبى ذئب عن خاله الحارث ابن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب.
وعروة بن الزبير قالا جميعا: الحرام لا يحرم الحلال * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه سئل عمن فجر بامرأة؟ فقال لا يحرم الحرام الحلال * ومن طريق مجاهد.
وسعيد بن جبير قالا جميعا: لا يحرم الحرام الحلال وهو أحد قولى مالك، وهو قول الليث بن سعد.
والشافعي.
وأبى سليمان.
وأصحابهما.
وأصحابنا * قال أبو محمد: احتج المانعون من ذلك بالقياس على عموم قوله عز وجل:
(ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) وبمرسلين في أحدهما ابن جريج أخبرت عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن أم الحكم ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن امرأة كان زنى بها في الجاهلية أينكح الآن ابنتها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لا أرى ذلك ولا يصلح لك ان تنكح امرأة تطلع من ابنتها على ما اطلعت عليه منها) والآخر فيه الحجاج ابن ارطاة عن أبى هانئ قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها ولا ابنتها).
قال أبو محمد: أما القياس على الآية فالقياس كله باطل وأما الخبران فمرسلان ولا حجة في مرسل لا سيما وفى أحدهما انقطاع آخر، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن أم الحكم مجهول، وفى الآخر الحجاج بن ارطاة وهو هالك عن أبى هانئ وهو مجهول وقد عارضهما خبر آخر لا نورده احتجاجا به لكن معارضة للفاسد بما ان لم يكن أحسن منه لم يكن دونه وهو ما روى من طريق عبد الله بن نافع عن المغيرة بن اسماعيل عن عثمان بن عبد الرحمن الزهري عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة (ان رسول الله(9/533)
صلى الله عليه وسلم سئل عمن اتبع امرأة حراما أينكح ابنتها أو امها؟ فقال: لا يحرم الحرام وانما يحرم ما كان نكاحا حلالا: وموهوا ايضا بأن قالوا: من وطئ امته أو امرأته حائضا أو أحدهما محرم أو معتكف أو في نهار رمضان أو أمته الوثنية أو ذمية عمدا ذاكرا فانه وطئ حراما ولا خلاف في انه وطئ محرم لامها وابنتها ومحرم لها على آبائه وبنيه فكذلك كل وطئ حرام * قال أبو محمد: وليس كما قالوا بل وطئ فراشا حلالا وانما حرم لعلة لو ارتفعت حل ولا خلاف في أنه لا حد عليه لانه لم يطأ الا زوجته أو ملك يمين صحيح، فلاح الفرق بين الامرين وبالله تعالى التوفيق * وموهوا أيضا بأن قالوا: من وطئ في عقد فاسد بجهل أو بغيره فهو وطئ محرم وهو يحرم أمها وابنتها ويحرمها على أبيه وابنه *
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم في صحته لا من قرآن.
ولا من سنة ولا حجة في سواهما ونحن نقول: انها حلال لولده أن ينكحها وحلال له نكاح أمها وابنتها لانها ليست زوجة له ولا ملك يمين ولا تحرم عليه أمها ولا ابنتها ولا تحرم على والده لانها ليست من حلائل ابنه ولا من نسائه ولو كانت كذلك لما حل أن يفسخ نكاحه منها ولتوارثا فلما لم يكن بينهما ميراث صح أنها ليست من نسائه وانما تحرم على الابن فقط لانها مما نكح أبوه ان كان وطئها والا فلا تحرم عليه.
وموهوا ايضا بأن قالوا: من وطئ أمة مشتركة بينه وبين غيره فهو وطئ حرام وهى تحرم بذلك على أبيه وابنه وتحرم عليه امها وابنتها * قال أبو محمد: وهذا باطل بل هو زنا محض وما وجدنا في دين الله تعالى امرأة تحل أن يتداولها رجلان هذه أخلاق الكلاب وملة الشيطان لا أخلاق الناس ولا دين الله عزوجل ولا تحرم بذلك عليه أمها ولا ابنتها ولا تحرم على ابنه انما تحرم على الاب فقط لما قدمنا وبالله تعالى التوفيق * وموهوا بأن قالوا: إذا اجتمع الحرام والحلال غلب الحرام فقول لا يصح ولا جاء به قرآن ولا سنة قط، ويلزم من صحح هذا القول أن يقول: ان من زنى بامرأة لم يحل له نكاحها ابدا لانه قد اجتمع فيها حرام وحلال * وموه بعضهم بحديث ابن وليدة زمعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحقه بزمعة وأمر سودة بان تحتجب عنه * قال أبو محمد: قد رمنا أن نفهم وجه احتجاجهم بهذا الخبر فما قدرنا عليه وهى شغيبة باردة مموهة والخبر صحيح ظاهر الوجه وهو أنه صلى الله عليه وسلم الحقه بزمعة بظاهر ولادته على فراش زمعة وافتى أخته أم المؤمنين رضي الله عنها بان لا يراها خوف أن(9/534)
يكون من غير نطفة أبيها واحتجاب المرأة عن أخيها شقيقها مباح إذا لم تقطع رحمه ولا منعته رفدها لم يمنع من ذلك قط نص وبالله تعالى التوفيق، واذ قد بطل كل ما شغبوا
تحل أن يتداولها رجلان هذه أخلاق الكلاب وملة الشيطان لا أخلاق الناس ولا دين الله عزوجل ولا تحرم بذلك عليه أمها ولا ابنتها ولا تحرم على ابنه انما تحرم على الاب فقط لما قدمنا وبالله تعالى التوفيق * وموهوا بأن قالوا: إذا اجتمع الحرام والحلال غلب الحرام فقول لا يصح ولا جاء به قرآن ولا سنة قط، ويلزم من صحح هذا القول أن يقول: ان من زنى بامرأة لم يحل له نكاحها ابدا لانه قد اجتمع فيها حرام وحلال * وموه بعضهم بحديث ابن وليدة زمعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحقه بزمعة وأمر سودة بان تحتجب عنه * قال أبو محمد: قد رمنا أن نفهم وجه احتجاجهم بهذا الخبر فما قدرنا عليه وهى شغيبة باردة مموهة والخبر صحيح ظاهر الوجه وهو أنه صلى الله عليه وسلم الحقه بزمعة بظاهر ولادته على فراش زمعة وافتى أخته أم المؤمنين رضي الله عنها بان لا يراها خوف أن(9/535)
يكون من غير نطفة أبيها واحتجاب المرأة عن أخيها شقيقها مباح إذا لم تقطع رحمه ولا منعته رفدها لم يمنع من ذلك قط نص وبالله تعالى التوفيق، واذ قد بطل كل ما شغبوا به والحمد لله رب العالمين فلنأت بالبرهان على صحة قولنا وهو أن الله عزوجل فصل لنا ما حرم علينا من الناكح إلى أن أتم ثم قال تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) فمن حرم شيئا من غير ما فصل تحريمه في القرآن فقد خالف القرآن وحرم ما أحل الله تعالى وشرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى وهذا عظيم جدا وبالله تعالى التوفيق * (تم) تم ولله الحمد طبع الجزء التاسع من كتاب المحلى للامام المجتهد حافظ العصر العلامة أبى محمد على المشهور بابن حزم الاندلسي ويتلوه الجزء العاشر مفتتحا ب - كتاب الرضاع - فأسأل الله تيسير اتمام طبعه انه على ما يشاء قدير وبالاجابة جدير(9/535)
المحلى - ابن حزم ج 10
المحلى
ابن حزم ج 10(10/)
المحلى تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الاصولي، قوي العارضة شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والاصول والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الاندلس أبي محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456 ه.
طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الاستاذ الشيخ أحمد محمد شاكر الجزء العاشر دار الفكر(10/1)
بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب الرضاع 1863 مسألة ومن كانت له امرأتان أو أمتان أو زوجة وأمة فأرضعت احداهما بلبن حدث لها من حمل منه رجلا رضاعا محرما وأرضعت الاخرى بلبن حدث لها من حمل منه امرأة كذلك لم يحل لاحدهما نكاح الآخر أصلا، وكل من أرضعت الرجل حرمت عليه لانها أمه من الرضاعة وحرم عليه بناتها لانهن اخواته سواء في ذلك من ولدت قبله أو من ولدت بعده من الرضاعة وحرمت عليه اخواتها لانهن خالاته من الرضاعة وحرمت عليه أماتها لانهن جداته وحرم عليه اخوات زوج التى أرضعته بلبنها من حمل منه لانهن عماته من الرضاعة وحرمت عليه أمهاته
لانهن جداته وحرم عليه من أرضعت امرأته بلبن حدث لها من حمل منه لانها من بناته، وكذلك يحرم على الرجل الذى أرضعت امرأته، وحكم التى ترضع امرأته كحكم ابنتها التى ولدتها ولايجمع بين الاختين من الرضاعة * برهان ذلك قول الله عزوجل فيما حرم من النساء: (وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة) فدخل في هذا كل ما ذكرنا وما لم نذكر وبالله تعالى التوفيق، وكل هذا فلا خلاف فيه الا في خمسة مواضع وهى لبن الفحل.
وصفة الرضاع المحرم.
وعدد الرضاع المحرم.
ورضاع الكبير.
والرضاع من ميتة * 1864 مسألة لبن الفحل يحرم وهو ما ذكرنا آنفا من أن ترضع امرأة رجل ذكر أو ترضع امرأته الاخرى انثى فتحرم احداهما على الاخرى، وقد رأى قوم من السلف هذا لا يحرم شيئا كما صح عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها رويناه من طريق أبى عبيدنا اسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو بن علقمة عن عبد الرحمن بن القاسم ابن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تأذن لمن ارضعته اخواتها وبنات أخيها(10/2)
ولا تأذن لمن أرضعته نساء اخوتها وبنى اخوتها، ومثله طريق مالك عن عبد الرحمن ابن القاسم ان أباه حدثه بذلك عن عائشة أم المؤمنين * ومن طريق سعيد بن منصورنا عبد العزيز بن محمد الدراوردى قال: أخبرني ربيعة.
ويحيى بن سعيد.
وعمرو بن عبد الله.
وأفلح بن حميد كلهم عن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق قال: كان يدخل على عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها من أرضعته بنات أبى بكر ولا يدخل عليها من أرضعته نساء أبى بكر * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خصيف عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر أنه قال: لا بأس بلبن الفحل * ورويناه أيضا من طريق جابر بن عبد الله: ومن طريق أبى عبيدنا اسماعيل بن جعفر عن محمد
ابن عمرو عن أبى عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الاسود ان أمه زينب بنت أم سلمة أم المؤمنين أرضعتها أسماء بنت أبى بكر الصديق امرأة الزبير قالت زينب: فارسل إلى عبد الله بن الزبير يخطب ابنتى أم كلثوم على أخيه حمزة بن الزبير وكان حمزة بن الكلبية فقلت لرسوله: وهل تحل له؟ انما هي بنت أخيه فارسل إلى ابن الزبير انما تريدين المنع انا وما ولدت اسماء اخوتك وما كان من ولد الزبير من غير اسماء فليسوا لك باخوة فارسلي فاسألى عن هذا فارسلت فسألت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا: ان الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا فانكحتها اياه فلم تزل عنده حتى هلكت * ومن طريق الحجاج بن المنهال ناحماد بن سلمة نا يحيى بن سعيد الانصاري أن حمزة بن الزبير بن العوام تزوج ابنة زينب بنت أم سلمة وقد ارضعت اسماء بنت أبى بكر زينب بنت أم سلمة بلبن الزبير قال يحيى بن سعيد: وكانت امرأة سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قد ارضعت حمزة بن عبد الله بن عمر فولد لسالم بن عبد الله من امرأة أخرى غلام اسمه عمر فتزوج بنت حمزة بن عبد الله بن عمر * ومن طريق سعيد بن منصورنا عبد العزيز بن محمد الدراوردى أخبرني عمرو بن حسين مولى قدامة بن مظعون أن سالم ابن عبد الله بن عمر زوج ابنا له أختا له من أبيه من الرضاعة * ومن طريق عبد الرزاق ووكيع قال عبد الرزاق: عن سفيان الثوري عن الاعمش وقال: وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة قالا جميعا عن ابراهيم النخعي قال: لا بأس بلبن الفحل * ومن طريق حماد بن سلمة أنا محمد بن عمرو عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أنه سأل سعيد بن المسيب: وعطاء بن يسار.
وسليمان بن يسار.
وأبا سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف قالوا كلهم: انما يحرم من الرضاعة ماكان من قبل النساء ولا يحرم ما كان من قبل الرجال * ومن طريق أبى عبيد نا أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير عن(10/3)
محمد بن عمرو عن يزيد بن عبد الله بن قسيط فذكره عنهم وزاد فيهم أبا بكر بن سليمان
ابن أبى حشمة، وروى أيضا عن مكحول.
الشعبى * ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله الواسطي عن خالد الحذاء عن بكر بن عبد الله عن أبى قلابة أنه لم يكن يرى بلبن يرى بلبن الفحل بأسا * ومن طريق سعيد بن منصور نا عبد العزيز بن محمد أخبرني أفلح ابن حميد قال قلت للقاسم بن محمد بن محمد بن أبى بكر الصديق أن فلانا من آل أبى فروة أراد أن يزوج غلاما أخته من أبيه من الرضاعة فقال القاسم: لا بأس بذلك * وذهب آخرون إلى التحريم به كما روينا من طريق أبى عبيدنا اسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى عبيدة بن عبد الله بن زمعة ان أمه زينب بنت أم سلمة أم المؤمنين أرضعتها اسماء بنت أبى بكر الصديق امرأة الزبير بن العوام قالت زينب: فكان الزبير يدخل على وأنا امتشط فيأخذ بقرن من قرون رأسي فيقول: أقبلي على فحدثيني أرى أنه أبى وما ولد فهم اخوتى * ومن طريق أبى عبيدنا عبد الرحمن بن مهدى عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عمرو بن الشريد عن ابن عباس أنه سئل عن رجل كانت له امرأتان أرضعت احداهما جارية والاخرى غلاما أيحل أن يتناكحا؟ فقال ابن عباس: لا اللقاح واحد * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان نا عباد بن منصور قال: سألت القاسم ابن محمد بن أبى بكر الصديق.
وطاوسا.
وعطاء بن أبى رباح.
والحسن البصري فقلت: امرأة أبى أرضعت بلبان أخوتي جارية من عرض الناس ألى أن أتزوجها؟ فقال القاسم: لا ابوك أبوها.
وقال عطاء.
وطأوس.
والحسن: هي أختك * ومن طريق عبد الرحمن ابن مهدى نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن مجاهد أنه كره لبن الفحل * ومن طريق سعيد بن منصور.
وأبى عبيد قالا: ناهشيم أن عبد الله بن سبرة الهمداني أنه سمع الشعبي يكره لبن الفحل * ومن طريق حماد بن سلمة أنا هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه في رجل أرضعت امراة أبيه امرأة وليست أمه اتحل له؟ قال عروة: لا تحل له * ومن طريق مالك عن ابن شهاب قال: الرضاعة من قبل الام تحرم * ومن طريق أبى عبيدنا عبد الله بن ادريس الاودي عن الاعمش قال: كان عمارة.
وابراهيم.
وأصحابنا لا يرون بلبن الفحل بأسا حتى أتاهم الحكم بن عتيبة بخبر أبى القعيس * قال أبو محمد: هكذا يفعل أهل العلم لا كمن يقول: أين كان فلان وفلان عن هذا الخبر؟ وهو قول سفيان الثوري.
والاو زاعى.
والليث بن سعد.
وأبى حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وأبى سليمان.
وأصحابهم، وتوقف فيه آخرون كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا اسماعيل بن ابراهيم هو ابن علية أنا عباد بن منصور قال:(10/4)
سألت مجاهدا عن جارية من عرض الناس أرضعتها امرأة أبى أترى لى ان أتزوجها؟ فقال: اختلف فيها الفقهاء فلست أقول شيئا، وسألت ابن سيرين فقال: مثل قول مجاهد * قال أبو محمد: فنظرنا في ذلك فوجدنا مارويناه من طريق مسلم بن الحجاج نا حرملة بن يحيى التجيبى أنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة ابن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها أخبرته (أنه جاء أفلح أخو أبى القعيس ليس يستأذن عليها بعد الحجاب وكان أبوالقعيس أبا عائشة من الرضاعة (قالت عائشة: فقلت: والله لا آذن لافلح حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فان أبا القعيس هو الذى أرضعني ولكن ارضعتني امرأته فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يارسول الله ان أفلح أخا أبى القعيس جاء يستأذن على فكرهت أن آذن له حتى استأذنك قالت: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ائذنى له) * ونا محمد بن سعيد بن نبات نا اسماعيل بن اسحاق النصرى أنا عيسى ابن حبيب القاضى نا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى حدثنى جدى محمد ابن عبد الله نا سفيان بن عيينة عن الزهري وهشام بن عروة كلاهما عن عروة عن عائشة أم المؤمنين يزيد أحدهما على صاحبه قالت: (جاء عمى بعد ما ضرب الحجاب فاستأذن على فلم آذن له فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنى له فانه عمك فقلت: يا رسول الله فانما أرضعتني المرأة ولم يرضعنى الرجل قال: تربت يمينك ائذنى له فانه عمك) * ومن طريق مسلم نا عبد الله ابن معاذ العنبري نا أبى نا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة
أم المؤمنين قالت: (استأذن على افلح بن قعيس فابيت ان آذن له فأرسل إلى انى عمك أرضعتك امرأة أخى فأبيت ان آذن له فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: ليدخل عليك فانه عمك) فكان هذا خبرا لا تجوز مخالفته وهو (1) زائد على ما في القرآن * وأما الحنيفيون والمالكيون.
فتناقضوا ههنا اقبح تناقض لان كلتا الطائفتين تقول: إذا روى الصاحب خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عن ذلك الصاحب خلاف ما روى فهو دليل على نسخ ذلك الخبر، قالوا ذلك في مواضع، منها ما روى عن جابر في ولد المدبرة انه يعتق في عتقها ويرق في رقها فادعوا ان هذا خلاف لما روى عن جابر (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبرا، والعجب انه ليس خلافا لما روى بل هو موافق لبيع المدبر لان فيه يرق برقها * قال أبو محمد: وهذا خبر لم يروه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الا عائشة وحدها وقد
__________
(1) في النسخة رقم 16 وهذا (2) في النسخة رقم 14 لما روى جابر(10/5)
صح عنها خلافه فاخذوا بروايتها وتركوار أيها ولم يقولوا تخالفه الالفضل علم عندها، وقالوا: لا ندري لاى معنى لم يدخل عليها من ارضعته نساء اخوتها * قال أبو محمد: فكان هذا عجبا جدا يثبت عنها كما أوردنا انه كان لايدخل عليها من أرضعته نساء أبى بكر ونساء اخوتها، ونساء بنى اخوتها بأصح اسناد وانه كان يدخل (1) عليها من أرضعته اخواتها وبنات اخواتها فهل ههنا شئ يمكن ان يحمل هذا عليه؟ الا أن الذين اذنت لهم رأتهم ذوى محرم منها وان الذين لم تأذن لهم لم ترهم ذوى محرم منها ولكنهم لا يستحيون من المجاهرة بالباطل ومدافعة الحق بكل ما جرى على ألسنتهم من غث ورث ونعوذ بالله من الضلال * وقال بعضهم: للمرأة ان تحتجب ممن شاءت من ذوى محارمها فقلنا: ان ذلك لها الا أن تخصيصها رضى الله عنه بالاحتجاب
عنهم من أرضعته نساء أبيها ونساء اخوتها ونساء بنى اخواتها دون من أرضعته اخواتها وبنات اخواتها لا يمكن الاللوجه الذى ذكرنا لاسيما مع تصريح ابن الزبير وهو اخص الناس بها بأن لبن الفحل لا يحرم، وأفتى القاسم (2) بذلك فظهر تناقض أقوالهم والحمد لله رب العالمين، وعهدنا بالطائفتين تعترض كلتاهما عن الخبر الثابت بالمسح على العمامة وعلى رضاع سالم بانها زيادة على ما في القرآن ولاشك في أن التحريم بلبن الفحل زيادة على ما في القرآن ولم يجئ مجئ التواتر فظهر أيضا تناقضهم ههنا، وعهدنا بالطائفتين تقولان: ان ما كثر به البلوى لم يقبل فيه خبر الواحد وراموا بذلك الاعتراض على الخبر الثابت من أن البيعين لابيع بينهما حتى يتفرقا ولبن الفحل مما تكثر به البلوى وقد خالفته الصحابة وأمهات المؤمنين هكذا جملة وابن الزبير.
وزينب بنت أم سلمة.
والقاسم.
وسالم.
وسعيد بن المسيب.
وعطاء بن يسار.
وسليمان بن يسار.
وأبو سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف.
وأبو بكر بن سليمان بن أبى حثمة.
وابراهيم النخعي.
وأبو قلابة.
ومكحول.
وغيرهم فهلا قالوا ههنا.
لو كان صحيحا ما خفى على هؤلاء وهو مما تكثر به البلوى كما قالوا في خبر التفرق في البيع وما نعلمه خفى عن أحد من الصحابة والتابعين الا عن ابراهيم النخعي وحده، فظهر بهذا فساد أصولهم الفاسدة التى ذكرنا وانها لا معنى لها وانما هي اعتراض على الحق بالباطل ونعوذ بالله من الخذلان * 1865 مسألة ولو أن رجلا تزوج امرأتين فارضعتهما امرأة رضاعا محرما حرمتا جميعا وانفسخ نكاحهما إذ صارتا بذلك الرضاع أختين أو عمة وبنت أخ أو خالة وبنت أخت أو حريمة امرأة له لانهما معا حدث لهما التحريم فلم تكن احداهما أولى
__________
(1) في النسخة رقم 16 لا يدخل (2) في النسخة رقم 14 فتيا القاسم(10/6)
بالفسخ من الاخرى وكذلك لو دخل بهما فارضعت احداهما الاخرى رضاعا محرما ولا فرق فلو لم يدخل بهما فأرضعت احداهما الاخرى رضاعا محرما انفسخ نكاح التى
صارت أما للاخرى وبقى نكاح التى صارت لها ابنة صحيحا لان الله تعالى قال: (وربائبكم اللاتى في حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) فصارت بنت امرأته التى لم يدخل بها ولا هي في حجرة فثبت نكاحها وصارت الاخرى من أمهات نسائه فحرمت جملة وبالله تعالى نتأيد * 1866 مسألة: وأما صفة الرضاع المحرم فانما هو ما امتصه الراضع من ثدى المرضعة بفيه فقط، فاما (1) من سقى لبن امرأة فشربه من اناء أو حلب في فيه فبلعه أو أطعمه بخبز أو في طعام أو صب في فمه أو في انفه أو في اذنه أو حقن به فكل ذلك لا يحرم شيئا ولو كان ذلك غذاء، دهره كله * برهان ذلك قول الله عزوجل: (وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فلم يحرم الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى نكاحا الا بالارضاع والرضاعة والرضاع فقط ولا يسمى ارضاعا الاما وضعته المرأة المرضعة من ثديها في فم الرضيع يقال أرضعته ترضعه ارضاعا ولا يسمى رضاعة ولا رضاعا الا اخذ المرضع أو الرضيع بفيه الثدى وامتصاصه اياه تقول: رضع يرضع رضاعا ورضاعة، وأما كل ما عدا ذلك مما ذكرنا فلا يسمى شئ منه ارضاعا ولا رضاعة ولا رضاعا انما هو حلب وطعام وسقاء وشرب وأكل وبلع وحقنة وسعوط وتقطير، ولم يحرم الله عزوجل بهذا شيئا، فان قالوا.
قسنا ذلك على الرضاع والارضاع قلنا: القياس كله باطل ولو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل وبالضرورة يدرى كل ذى فهم أن الرضاع من شاة أشبه بالرضاع من امرأة لانهما جميعا رضاع من الحقنة بالرضاع ومن السعوط بالرضاع وهم لا يحرمون بغير النساء فلاح تناقضهم في قياسهم الفاسد وشرعهم بذلك ما لم يأذن به الله عزوجل * قال أبو محمد: وقد اختلف الناس في هذا فقال الليث بن سعد: لا يحرم السعوط لبن المرأة ولا يحرم أن يسقى الصبى لبن المرأة في الدواء لانه ليس برضاع انما الرضاع
بامص من الثدى هذا نص قول الليث وهذا قولنا وهو قول أبى سليمان وأصحابنا * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أرسلت إلى عطاء أسأله عن سعوط للبن للصغير وكحله به أيحرم؟ قال: ما سمعت انه يحرم، وقال أبو حنيفة.
واصحابه:
__________
(1) في النسخة رقم 14 بفمه فقط وأما(10/7)
لا يحرم الكحل للصبى باللبن ولا صبه في العين أو الاذن ولا الحقنة به ولا مداواة الجائفة به ولا المأمومة به ولا تقطيره في الاحليل قالوا: فلو طبخ طعام بلبن امرأة حتى صار مرقة نضجة وكان اللبن ظاهرا فيها غالبا عليها بلونه وطعمه فاطعمه صغير الم يحرم ذلك عليه نكاح التى اللبن منها ولا نكاح بناتها وكذلك لو ثرد له خبز في لبن امرأة فاكله كله لم يقع بذلك تحريم أصلا فلو شربه كان محرما كالرضاع * وأما الخلاف في ذلك فانه قال أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي: السعوط.
والوجور يحرمان كتحريم الرضاع وقد تناقضوا في هذا على ما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى، وروينا عن الشعبى ان السعوط والوجور يحرمان * قال أبو محمد: احتج أهل هذه المقالة بان قالوا: صح عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انه قال: (انما الرضاعة من المجاعة) قالوا: فلما جعل عليه الصلاة والسلام الرضاعة المحرمة ما استعمل لطرد الجوع كان ذلك موجودا في السقى والاكل فقلنا: هذا لاحجة لكم فيه لوجهين، احدهما ان المعنى الذى ذكرتم لاي وجود في السعوط لانه لا يرفع به شئ من الجوع.
فان لجوا وقالوا: بل يدفع قلنا لاصحاب أبى حنيفة: ان حظ السعوط من ذلك كحظ الكحل والتقطير في العين باللبن سواء سواء لان كل ذلك واصل إلى الحلق إلى الجوف فلم فرقتم بين الكحل به وبين السعوط به؟ هذا وأنتم تقولون: ان من قطر شيئا من الادهان في اذنه وهو صائم فانه يفطر وكذلك ان احتقن فان كان ذلك يصل إلى الجوف فلم لم يحرموا به في اللبن يحقن بها أو يكتحل به وان كان لا يصل إلى الجوف
فلم فطرتم به الصائم؟ وهذا تلاعب لاخفاء به، وقال مالك: ان جعل لبن المرأة في طعام وطبخ وغاب اللبن أو صب في ماء فكان الماء هو الغالب فسقى الصغير ذلك الماء أو اطعم ذلك الطعام لم يقع به التحريم، وأيضا فانهم يحرمون بالنقطة تصل إلى جوفه وهى لا تدفع عندهم شيئا من المجاعة (1) فظهر خلافهم للخبر الذى موهوا بأنهم يحتجون به، والوجه الثاني ان هذا الخبر حجة لنا لانه عليه الصلاة والسلام انما حرم بالرضاعة التى تقابل بها المجاعة ولم يحرم بغيرها شيئا فلا يقع تحريم بما قوبلت به المجاعة من أكل أو شرب أو وجور أو غير ذلك الا أن يكون رضاعة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن يتعد حدود الله فاولئك هم الظالمون) فان موهوا بما روينا من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج انا عبد الكريم ان سالم بن أبى الجعد مولى الاشجعى حدثه ان أباه أخبره انه سأل على بن أبى طالب فقال: انى اردت ان أتزوج امرأة وقد سقتني من لبنها وأنا كبير تداويت به
__________
(1) في النسخة رقم 14 من الجوع وما هنا أنسب بلفظ الحديث(10/8)
فقال له على: لا تنكحها ونهاه عنها، وكان على بن أبى طالب يقول: ان سقته امرأته من لبن سريته أو سقته سريته من لبن امرأته لتحرمها عليه فلا يحرمها ذلك * قال أبو محمد: هذا عليهم لا لهم لان فيه رضاع الكبير والتحريم به وهم لا يقولون بذلك، وفيه ان رضاع الضرائر لا يحرم عند على وهم لا يقولون بهذا * 1867 مسألة قال أبو محمد: وان ارتضع صغير أو كبير من لبن ميتة أو مجنونة أو سكرى خمس رضعات فان التحريم يقع به لانه رضاع صحيح، وقال الشافعي: لا يقع بلبن الميتة رضاع لانه نجس، قال على: هذا عجب جدا ان يقول في لبن مؤمنة انه نجس وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (المؤمن لا ينجس) وقد علمنا ان المؤمن في حال موته وحياته سواء هو طاهر في كلتا الحالتين، ولبن امرأة بعضها وبعض الطاهر طاهر الا أن يخرجه عن الطهارة نص فيوقف عنده ثم يرى لبن الكافرة طاهرا يحرم وهو
بعضها، والله تعالى يقول: (انما المشركون نجس) وبعض النجس نجس بلاشك، فان قيل: فأنتم تقولون: ان لبن الكافرة نجس بلاشك وانتم تجيزون مع ذلك استرضاع الكافرة قلنا: لان الله تعالى أباح لنا نكاح الكتابية وأوجب على الام رضاع ولدها وقد علم الله تعالى أنه سيكون لنا أولاد منهن (وما كان ربك نسيا) الا اننا نقول: ان غير الكتابية لا يحل لنا استرضاعها لانها ليست مما أبيح لنا اتخاذهن أزواجا وطلب الولد منهن فبقى لبنها على النجاسة جملة وبالله تعالى التوفيق * ثم نقول: لو خالط لبن المرضعة دم ظاهر من فم المرضع أو غير ذلك من المحرمات لحرم كما يحرم الذى لم يخالطه شئ من ذلك لاننا قد بينا في كتاب الطهارة من كتابنا هذا وغيره أن النجس والحرام إذا خالطهما الطاهر الحلال فان الطاهر طاهر والنجس نجس والحلال حلال والحرام حرام فالمحرم هو اللبن لاما خالطه من حرام أو نجس ولكل شئ حكمه وبالله تعالى التوفيق، ولبن المشركة انما ينجس هو وهى بذلك لدينها النجس فلو أسلمت لطهرت كلها فلا رضاعها حكم الارضاع في التحريم لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * 1868 مسألة ولا يحرم من الرضاع الا خمس رضعات تقطع كل رضعة من الاخرى أو خمس مصات مفترقات كذلك أو خمس ما بين مصة ورضعة تقطع كل واحدة من الاخرى هذا إذا كانت المصة تغنى شيئا من دفع الجوع والا فليست شيئا ولا تحريم شيئا، وهذا مكان اختلف فيه السلف فروى عن طائفة أنه لا يحرم الا عشر رضعات لا أقل من ذلك كما روينا من طريق مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله بن عمر أخبره أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ارسلت به إلى أم كلثوم أختها بنت أبى بكر الصديق (م 2 - ج 10 المحلى)(10/9)
وهى ترضع فقالت: أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل على قال سلم: فأرضعتني ثلاث رضعات ثم مرضت أم كلثوم فلم ترضعني فلم أكن أدخل على عائشة أم المؤمنين
من أجل أن أم كلثوم لم تتم لى عشرا من الرضعات * ومن طريق مالك عن نافع عن صفية بنت أبى عبيد أنها أخبرته أن حفصة أم المؤمنين أرسلت عاصم بن عبد الله بن سعد إلى أختها فاطمة بنت عمر ترضعة عشر رضعات ليدخل عليها وهو صغير ففعلت فكان يدخل عليها * قال أبو محمد: عاصم بن عبد الله بن سعد هذا هو مولى عمر بن الخطاب * ثنا أحمد ابن محمد الطلمنكى نا ابن مفرج نا أحمد بن فراس نا محمد بن على بن يزيدنا سعيد بن منصور نا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن ابراهيم بن عقبة قال: سألت عروة بن الزبير عن الرضاع فقال: كانت عائشة لا ترى شيئا دون عشر رضعات فصاعدا، فدل هذا على أنه قول عروة لانه أجاب به الذى استفتاه، وقد روى أيضا سبع رضعات كما حدثنا أحمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدى قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير بن حرب نا عبيد الله بن عمر القواريرى نا معاذ بن هشام الدستوائى حدثنى أبى عن قتادة عن أبى الخليل صالح بن أبى مريم عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: انما يحرم من الرضاع سبع رضعات * قال أبو محمد: الاول عنها أصح وهذا قد رواه من هو أحفظ من أبى الخليل ومن يوسف بن ماهك كما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابراهيم بن عقبة ان سأل عروة بن الزبير عن صبى شرب قليلا من لبن امرأة فقال له عروة: كانت عائشة تقول: لا تحرم دون سبع رضعات أو خمس، وطائفة قالت: بخمس، رضعات كما قلنا نحن كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها أنها قالت: لا تحرم دون خمس رضعات معلومات * قال أبو محمد: هذا يخرج على أنها كانت تأخذ لنفسها بعشر رضعات ولغيرها بخمس رضعات * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد ابن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا محمد بن أبى عدى عن حنظلة بن أبى سفيان
الجمحى عن سالم بن عبد الله بن عمر عن زيد بن ثابت قال: لا تحرم الرضعة والرضعتان والثلاث وهو قول الشافعي.
وأصحابه، وطائفة قالت: لا يحرم أقل من ثلاث رضعات وهو قول سليمان بن يسار.
وسعيد بن جبير.
وأحمد بن حنبل.
واسحق ابن راهويه.
وأبى عبيد.
وأبى ثور.
وابن المنذر.
وأبى سليمان.
وجميع أصحابنا،(10/10)
وظن قوم أنه يدخل في هذا القول ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب نا أحمد بن حرب الموصلي نا أبو معاوية الضرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين.
وعبد الله بن الزبير قالا جميعا: لا تحرم المصة ولا المصتان * ومن طريق سعيد بن منصور ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن ابراهيم بن عقبة قال: سألت سعيد بن المسيب عن الرضاع؟ فقال: لا أقول كما يقول ابن عباس.
وابن الزبير كانا يقولان: لا تحرم المصة ولا المصتان * قال أبو محمد: كل هذا ليس فيه بيان أنهم كانوا يحرمون بالثلاث، وقالت طائفة: لا يحرم من الرضاع الاما فتق الامعاء وأخصب الجسم كما روينا من طريق أحمد بن شعيب ارنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد التنورى حدثنى أبى يعنى عبد الوارث نا حسين هو المعلم نامكحول عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين قالت: ليس بالمصة والا بالمصتين بأس انما الرضاع ما فتق الامعاء * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج عن ثور هو ابن زيد عن عمرو بن شعيب ان سفيان بن عبد الله كتب إلى عمر بن الخطاب يسأله ما يحرم من الرضاع؟ فكتب إليه أنها لا يحرم منها الضرار والعفافة والملجة، والضرار أن ترضع المرأة الولدين كى تحرم بينهما، والعفافة الشئ اليسير الذى يبقى في الثدى، والملجة اختلاس المرأة ولد غيرها فتلقمه ثديها.
قال ابن جريج: وأخبرني محمد بن عجلان ان عمر بن الخطاب أتى بغلام وجارية أرادوا ان يناكحوا بينهما قد علموا ان امرأة ارضعت احدهما فقال لها عمر: كيف ارضعت
الآخر؟ قالت: مررت به وهو يبكى فارضعته أو قالت فأمصصته فقال عمر: ناكحوا بينهما فانما الرضاعة الخصابة * ومن طريق عبد الرزاق نامعمر.
وابن جريج قالا جميعا: نا هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن الحجاج بن الحجاج الاسلمي انه استفتى أبا هريرة فقال له أبو هريرة: لا يحرم الا ما فتق الامعاء يعنى من الرضاع * ومن طريق وكيع عن اسماعيل بن ابى خالد عن أبى عمر الشيباني عن عبد الله بن مسعود قال: لا يحرم من الرضاع الاما انبت اللحم وانشز العظم وبه يؤخذ * قال أبو محمد: هكذا نص الحديث نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري عن ابى حصين عن ابى عطية الوادعى ان ابن مسعود قال: انما الرضاع ما أنبت اللحم والعظم فبلغ ذلك أبا موسى الاشعري فقال: لا تسألوني عن شئ مادام هذا الحبرين أظهركم * ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد الانصاري(10/11)
أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: لارضاع الا ما أنبت اللحم والدم * وذهبت طائفة إلى التحريم بما قل أو كثر ولو بقطرة صح ذلك عن ابن عمر.
وعن ابن عباس في أحد قوليه، وروى عن على بن أبى طالب.
وابن مسعود منقطعا دونهما * وعن جابر ابن عبد الله كذلك أيضا، وصح عن سعيد بن المسيب في أحد قوليه، وصح أيضا عن عطاء.
وعروة.
وطاوس، وروى عن الحسن.
والزهرى.
ومكحول.
وقتادة.
وربيعة.
والقاسم.
وسالم.
وقبيصة بن ذؤيب، وهو قول أبى حنيفة.
ومالك.
والاوزاعي.
والليث بن سعد.
وسفيان الثوري، فنظرنا فيما احتج به من ذهب إلى سبع رضعات فلم نجد لهذا القول متعلقا فسقط ثم نظرنا فيما احتج به من ذهب إلى عشر رضعات فوجدناهم يذكرون ما كتب به إلى أبو المرجى على بن عبد الله بن زرواز نا أبو الحسن محمد بن حمزة الرحبى نا أبو مسلم الكاتب نا أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن المغلس قال نا عبد الله بن احمد
ابن حنبل قال.
نا أبى نا يعقوب بن ابراهيم الزهري نا أبى هو ابراهيم بن سعد عن ابن اسحق قال تى الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين ان سهلة بنت سهيل اتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: ان سالما كان منا حيث علمت كنا نعده ولدا وكان يدخل على فلما أنزل الله عزوجل فيه وفى اشباهه أنكرت وجه أبى حذيفة إذ رآه يدخل على قال: فارضعيه عشر رضعات ثم ليدخل عليك كيف شاء فانما هو ابنك * قال أبو محمد: وهذا اسناد صحيح الا انه لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما، أحدهما ان يكون ابن اسحاق وهم فيه لانه قد روى هذا الخبر عن الزهري من هو أحفظ من بن اسحق وهو ابن جريج فقال فيه: أرضعيه خمس رضعات على ما نورده بعد هذا ان شاء الله عزوجل، أو يكون محفوظا فتكون رواية ابن اسحق صحيحة ورواية ابن جريج صحيحة فيكونان خبرين اثنين فإذا كان ذلك فالعشر الرضعات منسوخات على ما نورد بعد هذا ان شاء الله تعالى فسقط هذا الخبر إذ لا يخلو ضرورة من أن يكون وهما أو منسوخا لابد من أحدهما، ثم نظرنا فيما احتج به من حرم بثلاث رضعات لا بأقل فوجدناهم يحتجون بالخبر المشهور من طرق شتى، منها ما رويناه من طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا اسماعيل بن ابراهيم هو ابن علية عن أيوب السختيانى عن ابن أبى مليكة عن عبد الله بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحرم المصة ولا المصتان " وهكذا رواه أصحاب شعبة عن شعبة عن ايوب السختيانى عن ابن أبى مليكة عن عائشة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تحرم المصة ولا المصتان " *(10/12)
قال أبو محمد: ابن أبى مليكة أدرك أم المؤمنين فسمعه منها ومن ابن الزبير عنها فحدث به كذلك وهو الثقة المأمون المشهور، ومن طريق أحمد بن شعيب انا محمد بن عبد الله بن بزيغ نا يزيد هو ابن زريع نا سعيد هو ابن أبى عروبة عن قتادة قال: كتبنا إلى
ابراهيم النخعي نسأله عن الرضاع؟ فكتب ان أبا الشعثاء المحاربي حدثنا ان عائشة أم المؤمنين حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (لا تحرم الخطفة ولا الخطفتان) * ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرني عبيد الله بن فضالة بن ابراهيم النسائي نا مسلم بن ابراهيم نا محمد بن دينار نا هشام بن عروة عن ابيه عن ابن الزبير عن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الاملاجة ولا الاملاجتان) * ومن طريق أحمد بن شعيب اخبرني شعيب بن يوسف النسائي عن يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة أخبرني ابى عن عبد الله بن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحرم المصة ولا المصتان) * قال أبو محمد: ابن الزبير سمع اباه وخالته أم المؤمنين فرواه عن كل واحد منهما وله أيضا صحبة والا فليخبرنا المقدم على نصر الباطل ودفع الحق ومؤثر رأيه على ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتهم من رواة هذه الاخبار، وقد صح أيضا من طريق أبى هريرة كما روينا من طريق احمد بن شعيب انا محمد بن منصور الطوسى نا يعقوب هو ابن ابراهيم بن سعد نا أبى عن محمد بن اسحق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله ابن الزبير عن الحجاج بن الحجاج الاسلمي عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحرم من الرضاع المصة ولا المصتان ولا يحرم منه الا ما فتق الامعاء من اللبن " وصح أيضا من طريق أم الفضل أم عبد الله بن العباس كما روينا من طريق مسلم نا اسحاق هو ابن راهويه ويحيى بن يحيى.
وعمرو الناقد كلهم عن المعتمر بن سليمان التيمى واللفظ ليحيى قال: نا المعتمر بن سليمان عن أيوب هو السختيانى عن أبى الخليل هو صالح ابن أبى مريم عن عبد الله بن الحارث هو ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحرم الاملاجة ولا الاملاجتان " * ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة عن عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن أبى الخليل عن عبد الله بن الحارث ان أم الفضل حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصة ولا المصتان ": ورويناه أيضا من طريق
مسلم نا ابن أبى عمرنا بشرين السرى نا حماد بن أبى سملة عن قتادة عن أبى الخليل الضبعى عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحرم الاملاجة ولا الاملاجتان " * وناه حمام بن أحمدنا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك(10/13)
ابن أيمن نا جعفر بن محمد الصائغ نا عفان بن مسلم ناوهيب بن خالد نا أيوب السختيانى عن صالح أبى الخليل الضبعى عن عبد الله بن الحارث عن أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحرم الاملاجة ولا الا ملاجتان) قالوا: فهذه آثار صحاح رواها أم المؤمنين.
وأم الفضل.
والزبير.
وأبو هريرة.
وابن الزبير كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت مجئ التواتر قالوا: فهى مستثناة من عموم قول الله عزوجل: (وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) وبقى ما زاد على التحريم * قال أبو محمد: صدقوا في أنها في غاية الصحة ولكن لو لم يرد غيرها لكان القول ما قالوا لكن قد جاء غير هذه مما سنذكره الآن إن شاء الله عزوجل، ثم نظرنا فيما احتج به من لم يحد المحرم من الرضاع إلا بما أغنى من الجوع فوجدنا هم يحتجون بما رويناه من طريق مسلم نا هناد بن السرى نا أبو الأحوص عن اشعث بن أبى الشعثاء عن أبيه عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: انظرن من اخوتكن من الرضاعة فانما الرضاعة من المجاعة) ورويناه أيضا من طريق شعبة.
وسفيان الثوري.
وزائدة كلهم عن أشعث بن ابى الشعثاء عن أبيه عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم (انما الرضاعة من المجاعة) وقد أوردنا أيضا قبل من طريق أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من انه لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الامعاء، ورويناه أيضا من طريق شريح بن النعمان عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن الحجاج بن الحجاج الاسلمي عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: وهذان أثران في غاية الصحة والحجة بهما قائمة، ثم نظرنا فيما
احتج به من قال: لا يحرم من الرضاع أقل من خمس رضعات فوجدنا ما رويناه من طريق حماد بن سملة عن يحيى بن سعيد الانصاري.
وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق كلاهما عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين قالت: نزل القرآن ان لا يحرم الا عشر رضعات ثم نزل بعد وخمس معلومات هذا لفظ يحيى بن سعيد، ولفظ عبد الرحمن قالت: (كان مما نزل من القرآن ثم سقط لا يحرم من الرضاع الا عشر رضعات ثم نزل بعد وخمس معلومات) * ومن طريق القعنبى عن مالك عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: (كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن فتوفى رسول الله صلى الله عليه وآله وهن مما يقرأ من القرآن) * وروينا أيضا معناه من طريق مسلم نا القعنبى.
ومحمد بن المثنى قال ابن المثنى نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى، وقال:(10/14)
القعنبى: نا سليمان بن بلال ثم اتفق سليمان: وعبد الوهاب كلاهما عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين قالت: لما نزل في القرآن عشر رضعات معلومات ثم نزل أيضا خمس معلومات * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أنا ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين (ان أبا حذيفة تبنى سالما وهو مولى امرأة من الانصار كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث من ميراثه حتى انزل الله عزوجل: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فان لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم) فردوا إلى آبائهم فمن لم يعرف له اب فمولى واخ في الدين فجاءت سهلة فقالت: يارسول الله: (انا كنا نرى سالما ولدا يأوى معى ومع أبى حذيفة ويرانى فضلا وقد أنزل الله فيه ما قد علمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضعيه خمس رضعات) فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة * قال أبو محمد: وهذان خبران في غاية الصحة وجلالة الرواة وثقتهم ولا يسع
أحدا الخروج عنهما، وهذا الخبر من رواية ابن جريج يبين وهم رواية ابن اسحق لهذا الخبر فذكر فيه عشر رضعات أو نسخة إذ قد يمكن أن يكون عليه الصلاة والسلام أفتاها بالعشر قبل أن ينزل التحريم بالخمس ثم أفتاها بالخمس بعد نزولها وقد لا يكون بين الامرين الا بعض ساعة، ثم نظرنا فيما احتج به من رأى أن التحريم بقليل الرضاعة وكثيرها فوجدناهم يحتجون بقول الله عزوجل: (وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) قالوا: فعم الله عزوجل ولم يخص، ثم ذكروا آثارا صحاحا مثل قوله عليه الصلاة والسلام في بنت حمزة: انها ابنة أخى من الرضاعة، وقوله صلى الله عليه وسلم في بنت أبى سلمة: أنها ابنة أخى من الرضاعة وقوله عليه السلام لعائشة أم المؤمنين في عمها من الرضاعة: انه عمك فليلج عليك وفى عم حفصة أم المؤمنين: أرى فلانا يعنى عمها من الرضاعة وبالخبر الثابت في أمر سالم مولى أبى حذيفة ورويناه من طريق سفيان بن عيينة.
وسفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين * ومن طريق أيوب السختيانى.
وابن جريج عن ابن أبى مليكة عن القاسم ابن محمد عن عائشة أم المؤمنين * ومن طريق مالك بن أنس.
ويونس بن يزيد.
وجعفر بن ربيعة كلهم عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين، ومن طريق شعبة عن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة أم المؤمنين.
عن عائشة أم المؤمنين كلهم لم يذكروا الا ارضعيه فقط دون ذكر عدد، وذكروا قوله عليه الصلاة والسلام: (انما الرضاعة من المجاعة ولا يحرم من الرضاع الا ما فتق الامعاء) قالوا: فلم يذكر عليه الصلاة والسلام(10/15)
في كل ذلك عددا، وذكروا مما لاخير فيه خبرا رويناه من طريق ابن وهب عن مسلمة ابن على عن رجال من أهل العلم عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن أم الفضل بنت الحارث قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحرم من الرضاعة؟ فقال: الرضعة والرضعتان) * قال أبو محمد: أما هذا الخبر فخبر سوء موضوع ومسلمة بن على فساقط لا يروى
عنه قد أنكر الناس على بن وهب الرواية عنه ثم ذكره عمن لم يسمه فلا معنى لان يشتغل بالباطل * وأما الاخبار الثابتة التى ذكرنا قبل والآية المذكورة فان كل ذلك حق لكن لما جاءت رواية الثقات التى ذكرنا بانه لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان وانه انما يحرم خمس رضعات كانت هذه الاخبار زائدة على ما في تلك الآية وفي تلك الاخبار وكانت رواية ابن جريج في حديث أبى حذيفة أرضعيه خمس رضعات هي زائدة (1) على رواية من ذكرنا، وابن جريج ثقة لا يجوز ترك زيادته التى انفرد بها، وقد فعل المخالفون لنا مثل هذا حيث يجب ان يفعل وحيث لا يجب أن يفعل كتركهم عموم القرآن في قطع السارق لرواية فاسدة في العشرة الدراهم ولرواية صالحة في ربع الدينار وكزيادة المالكيين التدلك في الغسل على ما في القرآن لغير نص وكزيادة الحنيفيين الوضوء بالنبيذ ومن الرعاف والقئ لروايات في غاية الفساد وترك الزيادة التى يرويها العدل خطأ لا تجوز لانها رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة فمن خالفها فقد خالف أمره عليه الصلاة والسلام فهذا لا يجوز * واعترضوا بالآثار التى جاءت بخمس رضعات محرمات بما رويناه عن طاوس أنه قال: كان لازواج النبي صلى الله عليه وسلم رضاعات محرمات ولسائر النساء رضاعات معلومات، ثم ترك ذلك بعد (2) وانه سئل عز قول من يقول: لا يحرم من الرضاع دون سبع رضعات ثم صار إلى خمس، وقال طاوس: قد كان ذلك فحدث بعد ذلك امر جاء بالتحريم المرة الواحدة تحرم * قال أبو محمد: هذا قول طاوس لم يسنده إلى صاحب فضلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل هذا لا تقوم به حجة ولا يحل القطع بالنسخ بظن تابعي: وقالوا أيضا: قول الراوى فمات عليه الصلاة والسلام وهو مما يقرأ من القرآن قول منكر وجرم في القرآن ولا يحل أن يجوز أحد سقوط شئ من القرآن بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: ليس كما ظنتم انما معنى قول عبد الله بن أبى بكر في روايته لما ذكرتم ثم أي انه عليه الصلاة والسلام مات وهو مما يقرأ مع القرآن بحروف الجر يبدل بعضها من بعض، ومما يقرأ من
القرآن الذى بطل ان يكتب في المصاحف وبقى حكمه كالآية الرجم سواء سواء فبطل
__________
(1) في النسخة رقم 16 هي زيادة (2) في النسخة رقم 16 ثم نزل بعد ذلك(10/16)
اعتراضهم المذكور، واعترضوا على الخبر الثابت الذى فيه (لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الرضعة ولا الرضعتان) بأن قالوا: هو خبر مضطرب في سنده فمرة عن عائشة ومرة عن الزبير فقلنا: فكان ماذا هذا قوة للخبر أن يروى من طرق وما يعترض بهذا في الآثار الا جاهل بما يجب في قبول النقل الثابت لانه اعتراض لادليل على صحته أصلا انما هو دعوى فاسدة، والعجب كله أنهم يعيبون الاخبار الثابتة بنقلها مرة عن صاحب ومرة عن آخر ثم لا يفكر الحنيفيون في أخذهم بحديث ايمن فيما تقطع فيه يد السارق، وهو حديث ساقط مضطرب فيه أشد الاضطراب ولا يفكر المالكيون في أخذهم في ذلك بحديث ربع الدينار، وفى الصدقة في الفطر بخبر ابى سعيد وكلاهما أشد اضطرابا من خبر الرضعتين ولكنهم يتعلقون بما أمكنهم، وقالوا: عروة ابن الزبير أحد رواة ذلك الخبر وقد روى عنه أن قليل الرضاع وكثيره لا يحرم فقلنا: فكان ماذا انما الحجة في روايته لا رأيه، وقد أفردنا في كتابنا المعروف بالاعراب اضطراب الطائفتين في هذا المعنى وأخذهم برواية الراوى وتركهم لرأيه في خلافه لما رواه * وذكروا أيضا اعتراضات في غاية الفساد والغثاثة لا يخفى سقوطها على ذى فهم عمدتها ما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق، فوجب الاخذ بهذه الاخبار، ولما كان عليه الصلاة والسلام قد أخبر أنه لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصة ولا المصتان علمنا أن المصة غير الرضعة فمن ذلك قلنا: ان استنفاد الراضع ما في الثديين متصلا رضعة واحدة وان المصة لا تحرم الا إذا علمنا أنها قد سدت مسدا من الجوع ولا يوقن بوصولها إلى الامعاء وان اليسير من ذلك الدى لا يسد مسدا من الجوع ولا يوقن بوصوله إلى الامعاء لا يحرم شيئا اصلا وبالله تعالى التوفيق *
1869 مسألة ورضاع الكبير محرم ولو أنه شيخ يحرم كما يحرم رضاع الصغير (1) ولا فرق، وهذا مكان اختلف الناس فيه فطائفة قالت: يحرم من الرضاع في الصغر ولا يحرم في الكبر ولم يحدوا حدا في ذلك كما روينا من طريق مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حاش عائشة وحدها كن يرين رضاع سالم مولى أبى حذيفة خاصة له فدل ذلك على أنهن كن يرين لا يحرم الارضاع الصغير لارضاع الكبير دون ان يرد عنهن في ذلك حد * ومن طريق مالك عن عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر وقد سأله رجل عن رضاع الكبير فقال له ابن عمر: قال عمر بن الخطاب: انما الرضاعة رضاعة الصغير * ومن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: لا رضاعة الا ما أرضع في الصغر ولا رضاعة لكبير *
__________
(1) في النسخة رقم 16 من رضاع الصغير.
(م 3 - ج 10 المحلى)(10/17)
وقالت طائفة: لا يرم من الرضاع إلا ما كان في المهد كما روينا من طريق أبى داود حدثنى أحمد بن صالح حدثنى عنبسة حدثنى يونس هو ابن يزيد عن ابن شهاب حدثنى عروة بن الزبير أبى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بالرضاعة أحد حتى يرضع في المهد * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب قال: لا رضاع الا ما كان في المهد * وقالت طائفة: لا يحرم من الرضاع الا ما كان قبل الفطام وأما بعد الفطام فلا كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن أم سملة أم المؤمنين رضى الله عنها سئلت هل يحرم الرضاع بعد الفطام؟ فقالت: لارضاع بعد فطام * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن أبى حصين عن أبى عطية الوادعى أن رجلا مص من ثدى امرأته فدخل اللبن في حلقه فسأل ابا موسى
الاشعري عن ذلك؟ فقال له أبو موسى: حرمت عليك امرأتك ثم سأل ابن مسعود عن ذلك قال أبو عطية ونحن عنده فقام ابن مسعود وقمنا معه حتى أتى أبا موسى الاشعري فقال: أرضيعا ترى هذا؟ انما الرضاع ما أنبت اللحم والعظم فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شئ مادام هذا الحبرين أظهركم، فتبين ههنا أنه انما يحرم مدة تغذى الرضيع باللبن * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جويبر عن الضحاك عن النزال هو ابن سبرة عن على بن أبى طالب قال: لارضاع بعد الفصال * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عمن سمع من ابن عباس يقول: لارضاع بعد الفطام * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الحسن.
والزهرى.
وقتادة قالوا: لارضاع بعد الفصال قال معمر: وأخبرني من سمع عكرمة يقول ذلك ويقول: الرضاع بعد الفطام مثل الماء يشربه وبه يقول الاوزاعي وقال: ان فطم وله عام واحد واستمر فطامه ثم رضع في الحولين لم يحرم هذا الرضاع الثاني شيئا قال: فان تمادى رضاعه ولم يفطم قبل الحولين فانه ما كان في الحولين فانه يحرم وما كان بعدهما فانه لا يحرم وان تمادى الرضاع * وقالت طائفة: لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الامعاء كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان هو ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن الحجاج بن الحجاج الاسلمي عن أبى هريرة قال: لارضاع الا ما فتق الامعاء * وقالت طائفة: لا يحرم من الرضاع الا ما كان في ثلاثة اعوام واما ما رضع بعد الثلاثة الاعوام فلا يحرم، وهذا قول زفر بن الهذيل * وقالت طائفة: لا يحرم من الرضاع الا ما كان في عامين وستة أشهر فما
__________
(1) في النسخة رقم 16 وشهرين(10/18)
كان بعد ذلك فانه لا يحرم وهو قول أبى حنيفة * وقالت طائفة: لا يحرم من الرضاع الا ما كان في عامين وشهرين فما كان بعد ذلك لم يحرم وهذا قول مالك، وهذه
الاقوال الثلاثة قول أبى حنيفة.
وزفر.
ومالك، ما نعلم أحدا من أهل العلم قال بشئ منها قبل المذكورين ولا معهم الا من قلدهم اتباعا لهواهم ونعوذ بالله من الفتنة * وقالت طائفة: لا يحرم من الرضاع الا ما كان في الحولين، وأما الرضاع بعدهما فلا يحرم كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي عن ابن مسعود قال: لارضاع بعد حولين * ومن طريق أبى عبيدنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: لارضاع الا في الحولين * ومن طريق مالك عن ابراهيم بن عقبة أنه سأل سعيد بن المسيب.
وعروة بن الزبير عن الرضاعة؟ فقالا جميعا: كل ما كان في الحولين وان كانت قطرة واحدة فهى تحرم وما كان بعد الحولين فانما هو طعام يأكله * ومن طريق أبى عبيدنا عبد الرحمن ابن مهدى عن سفيان الثوري عن اسحق الشيباني قال: سمعت الشعبى يقول: ما كان من سعوط أو وجورا أو رضاع في الحولين فهو يحرم وما كان بعد الحولين لم يحرم شيئا، وهو قول ابن شبرمة.
وسفيان الثوري.
والشافعي.
وأبى يوسف.
ومحمد بن الحسن: وأبى سليمان.
وأصحابنا، ورواه ابن وهب عن مالك ثم رجع إلى الذى ذكرنا قبل لانه هو المأثور عنه في موطئه الذى قرئ.
عليه إلى أن مات * قال أبو محمد: وقالت طائفة: ارضاع الكبير والصغير يحرم كما ذكرنا قبل عن أبى موسى وان كان قد رجع عنه * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عبد الكريم أن سالم (1) بن أبى الجعد مولى الاشجعى أخبره ان أباه أخبره أنه سأل على بن أبى طالب فقال: ان أردت أن أتزوج امرأة وقد سقتني من لبنها وأنا كبير تداويت به فقال له على: لا تنكحها ونهاه عنها * ومن طريق مالك عن ابن شهاب أنه سئل عن رضاع الكبير؟ فقال: أخبرني عروة بن الزبير بحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل بأن ترضع سالما مولى أبى حذيفة خمس رضعات وهو كبير ففعلت فكانت تراه ابنا لها قال عروة: فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فيمن كانت
تحب أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أختها ام كلثوم وبنات أخيها يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج قال: سمعت عطاء بن أبى رباح وسأله رجل فقال: سقتني امرأة من لبنها بعدما كنت رجلا
__________
(1) في النسخة رقم 16 عبد الكريم بن سالم وهو غلط(10/19)
كبيرا أفأنكحها؟ قال عطاء: لاقال ابن جريج فقلت له: وذلك رأيك قال: نعم كانت عائشة تأمر بذلك بنات أخيها وهو قول الليث بن سعد * قال أبو محمد: أما قول أبى حنيفة.
وزفر.
ومالك فلا خفاء بفسادها الا على قول من يقول في النهار.
انه ليل مكابرة ونصرا للباطل، ومن عجائب الدنيا قول بعض المفتونين لما قال الله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) دل ذلك على ان ههنا حولين ناقصين وأشار إلى عددها بالشمس * قال أبو محمد: فجمع هذا القول مخالفة عزوجل ومكابرة الحس أما مخالفة الله عزوجل فانه يقول: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم) فنص تعالى على ان عدة الشهور عنده هي التى منها أربعة حرم وانه في كتاب الله يوم خلق السموات والارض وان ذلك هو الدين القيم ولا يمكن أن تكون الاشهر الحرم الا في الاشهر العربية القمرية فمن خالف ذلك فقد خالف الدين القيم ونسب إلى الله تعالى الكذب من انه أمر أن يراعى عدد الحولين بالعجمية، وأما مكابرة العيان فانه ليس بين الحولين الاعجميين المعدودين بالشمس وقطعهما للفلك وبين الحولين العربيين المعدودين بالقمر والا اثنان وعشرون يوما، فالزيادة على ذلك إلى تمام شهرين لا ندري من اين اتت والقطع بالتحريم والتحليل في دين الله عزوجل بمثل هذا لا يحل، وأما من حد ذلك بما كان في المهد فكلام أيضا لا تقوم بصحته حجة لامن قرآن ولا من سنة ولا من اجماع ولا من قياس ولامن
رواية ضعيفة فسقط هذا القول، وأما من حد ذلك بما كان في الصغر فان الصغر يتمادى إلى بلوغ الحلم لانه قبل ذلك لا تلزمه الحدود ولا الفرائض وهذا حد لا يوجبه قرآن ولاسنة، وأما من حد ذلك بالفطام فانهم احتجوا بقول الله عزوجل: (فان أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) * قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه التحريم إذ ليس للتحريم في هذه الآية ذكر ولا في تراضيهما بالفصال تحريم لان يرتضع الولد بعد ذلك انما فيها انقطاع النفقة الواجبة على الاب في الرضاع وليس بانقطاع حاجة الصبى إلى الرضاع ينقطع التحريم برضاعه ان رضع اذلم يأت بذلك قرآن ولاسنة، واحتجوا بخبر رويناه من طريق أحمد ابن شعيب انا قتيبة بن سعيدنا أبو عوانة نا هشام بن عروة عن فاطمه بنت المنذر عن أم سلمة أم المؤمنين قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الامعاء في الثدى وكان قبل الفطام) *(10/20)
قال أبو محمد: هذا خبر منقطع لان فاطمة بنت المنذر لم تسمع من أم سلمة أم المؤمنين لانها كانت اسن من زوجها هشام باثنى عشر عاما وكان مولد هشام سنة ستين فمولد فاطمة على هذا سنة ثمان وأربعين وماتت أم سلمة سنة تسع وخمسين وفاطمة صغيرة لم تلقها فكيف ان تحفظ عنها ولم تسمع من خالة أبيها عائشة أم المؤمنين شيئا وهى في حجرها انما أبعد سماعها من جدتها اسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنهم * وموهوا أيضا بخبرين ساقطين أحدهما من طريق معمر عن جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن على عن النبي صلى الله عليه وآله (لارضاع بعد الفصال) والآخر من طريق معمر أيضا عن حرام بن عثمان عن عبد الرحمن.
ومحمد ابني جابر بن عبد الله عن أبيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر كلاما كثيرا وفيه ولا رضاع بعد الفطام، وهذان خبران لا يجوز التشاغل بهما لان جويبرا ساقط والضحاك ضعيف.
وحرام بن عثمان
هالك بمرة فسقط كل ما تعلقوا به وبالله تعالى التوفيق وسقطت الاقوال كلها الاقول مزراعي الحولين وقول من لم يراع في ذلك حدا أصلا فنظرنا فيمن راعى الحولين فوجدناهم يحتجون بقول الله عزوجل: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) وبقوله عزوجل: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)، وبقوله عزوجل: (حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين) فقالوا: قد قطع الله عزوجل ان فصال الرضيع في عامين وان رضاعه حولان كاملان لمن أراد ان يتم الرضاعة قالوا: فلا رضاع بعد الحولين أصلا لان الرضاعة قد تمت وإذا انقطع الرضاع انقطع حكمه من التحريم وغير ذلك * قال أبو محمد: صدق الله تعالى وعلينا الوقوف عند ما حد عزوجل ولو لم يأت نص غير هذا لكان في هذه النصوص متعلق لكن قد جاء في ذلك ما رويناه من طريق مسلم نا عمرو الناقد.
وابن أبى عمر، قالا جميعا: نا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم ابن محمد بن أبى بكر الصديق عن ابيه عن عائشة أم المؤمنين (قالت جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله انى أرى في وجه أبى حذيفة من دخول سالم وهو حليفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ارضعيه فقالت: وكيف ارضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد علمت أنه رجل كبير) * ومن طريق مسلم نا اسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه ومحمد بن أبى عمرو اللفظ له قال: نا عبد الوهاب الثقفى عن أيوب هو السختيانى عن ابن أبى ملكية عن القاسم بن محمد بن أبى بكر عن عائشة أم المؤمنين أن سالما مولى ابى حذيفة كان مع أبى حديفة وأهله في بيتهم فأتت يعنى سهلة بنت سهيل إلى النبي(10/21)
صلى الله عليه وسلم فقالت: ان سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوا وانه يدخل علينا وانى أظن أن في نفس أبى حذيفة من ذلك شيئا فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذى في نفس أبى حذيفة) * ومن طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر
غندر نا شعبة عن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سملة قالت: قالت أم سملة لعائشة رضى الله عنهما أنه يدخل عليك الغلام الايفع الذى ما أحب أن يدخل على فقالت عائشة: أما لك في رسول اله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؟ أن امرأة أبى حذيفة قالت: يا رسول الله ان سالما يدخل على وهو رجل وفى نفس أبى حذيفة منه شئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضعيه حتى يدخل عليك * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين قالت: جاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن سالما كان يدعى ابن أبى حذيفة وان الله قد أنزل في كتابه ادعوهم لآبائهم وكان يدخل على وانا فضل (1) ونحن في منزل ضيق فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعي سالما تحرمي عليه قال الزهري: قال بعض أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ندري لعل هذه كانت رخصة لسالم خاصة قال الزهري: فكانت عائشة تفتى بأنه يحرم الرضاع بعد الفصال حتى ماتت * قال أبو محمد: فهذه الاخبار ترفع الاشكال وتبين مرادا لله عزوجل في الآيات المذكورات أن الرضاعة التى (2) تتم بتمام الحولين أو بتراضى الابوين قبل الحولين إذا رأيا في ذلك صلاحا للرضيع أنها هي الموجبة للنفقة على المرضعة والتى يجبر عليها الابوان أحبا أم كرها، ولعمري لقد كان في الآية كفاية في هذا لانه تعالى قال: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) فأمر تعالى الوالدات بارضاع المولود عامين وليس في هذا تحريم الرضاعة بعد ذلك ولا أن التحريم ينقطع بتمام الحولين وكان قول الله تعالى: (وأمهاتكم اللاتى ارضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) ولم يقل تعالى في حولين ولا في وقت دون وقت زائدا على الآيات الاخر وعموما لا يجوز تخصيصه إلا بنص يبين أنه مخصص له لا بظن ولا بمحتمل لابيان فيه، وكانت هذه الآثار قد جاءت مجئ التواتر رواها نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أوردنا.
وسهلة بنت سهيل من المهاجرات وزينب بنت أم سلمة، ورواه من التابعين القاسم بن محمد.
وعروة بن الزبير.
وحميد
ابن نافع، ورواه عن هؤلاء الزهري.
وابن ابى ملكية.
وعبد الرحمن بن القاسم.
ويحيى بن سعيد الانصاري.
وربيعة، ورواه عن هؤلاء أيوب السختيانى.
وسفيان
__________
(1) أي متبذلة في ثياب مهنتي (2) في النسخة رقم 16 الرضاع الذى وهو لا يناسب ما بعده(10/22)
الثوري.
وسفيان بن عيينة.
وشعبة.
ومالك.
وابن جرير.
وشعيب بن أبى حمزة.
ويونس بن يزيد.
وجعفر بن ربيعة.
وسليمان بن بلال.
ومعمر.
وغيرهم، ورواه عن هؤلاء الناس الجماء الغفير فهو نقل كافة لا يختلف مؤالف ولا مخالف في صحته فلم يبق من الاعتراض الا أن يقول قائل: هو خاص لسالم كما قال بعض أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فليعلم من تعلق بهذا أنه ظن ممن ظن ذلك منهن رضى الله عنهن، وهكذا جاء في الحديث أنهن قلن: ما نرى هذا الاخاصا لسالم وما ندري لعله رخصة لسالم فإذ هو ظن بلاشك فان الظن لا يعارض بالسنن (1) قال تعالى: (ان الظن لا يغنى من الحق شيئا) وشتان بين احتجاج أم سلمة رضى الله عنها باختيارها وبين احتجاج عائشة رضى الله عنها بالسنة الثابتة وقولها لها: أما لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم اسوة حسنة؟ وسكوت أم سملة يبنئ برجوعها إلى الحق عن احتياطها، ومن أعجب العجائب (2) أن المخالفين لنا ههنا يقولون: ان المرسل كالمسند، وقد رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرضعن الكبير دخل عليهن فكان ذلك لهن خاصة، وقال آخرون: هذا منسوخ بنسخ التبني * قال أبو محمد: وهذا باطل بيقين لانه لا يحل لاحدان يقول في نص ثابت هذا منسوخ إلا بنص ثابت مبين غير محتمل فكيف وقول سهلة رضى الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أرضعه وهو رجل كبير؟ بيان جلى لانه بعد نزول الآيات المذكورات وباليقين ندرى أنه لو كان خاصة لسالم أو في التبني الذى نسخ لبينه عليه الصلاة والسلام كما بين لابي بردة في الجذعة إذ قال له تجزئك ولا تجزى.
أحدا بعدك، وقال بعض
من لا يخاف الله تعالى (3) فيما يطلق به لسانه: كيف يحل للكبير أن يرضع ثدى امرأة اجنبية * قال أبو محمد: هذا اعتراض مجرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى أمر بذلك والقائل بهذا لا يستحى من أن يطلق أن للمملوكة أن تصلى عريانة يرى الناس ثدييها وخاصرتها وان للحرة أن تتعمد أن تكشف من شفتي فرجها مقدار الدرهم البغلى تصلى كذلك ويراها الصادر والوارد بين الجماعة في المسجد وان تكشف أقل من ربع بطنها كذلك ونعوذ بالله من عدم الحياء وقلة الدين (4) * قال أبو محمد: وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (انما الرضاعة من المجاعة) حجة لنا بينة
__________
(1) في النسخة رقم 14 لا تعارض به السنن (2) في النسخة رقم 16 ومن أعجب العحب (3) في النسخة رقم 14 وقال بعض من لا يبالي بخلاف الله (4) في النسخة رقم 14 ورقة الدين(10/23)
لان للكبير من الرضاعة في طرد المجاعة نجوما للصغير فهو عموم لكل رضاع إذا بلغ خمس رضعات كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال على: فصح أن عائشة رضى الله عنها كان يدخل عليها الكبير إذا أرضعته في حال كره أخت من أخواتها الرضاع المحرم ونحن نشهد بشهادة الله عزوجل ونقطع بأنه تعالى لم يكن ليبيح سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتهكه من لا يحل له مع قوله تعالى: (والله يعضمك من الناس) فنحن نوقن ونبت بأن رضاع الكبير يقع به التحريم وليس في امتناع سائرهن من أن يدخل عليهن بهذه الرضاعة شئ ينكر لان مباحا لهن ان لايدخل عليهن من يحل له الدخول عليهن وبالله تعالى التوفيق * 1870 مسألة وان حملت امرأة ممن يلحق ولدها به فدر لها اللبن ثم وضعت فطلقها زوجها أو مات عنها فتزوجها آخر أو كانت أمة فملكها آخر فما أرضعت فهو ولد للاول لا للثاني فان حملت من الثاني فتمادى اللبن فهو للاول الا ان يتغير ثم يعتدل فانه إذا تغير فقد بطل حكم الاول وصار للثاني [ والحمد لله رب العالمين ] (1) *
1871 مسألة واهل الاسلام كلهم أخوة لا يحرم على ابن من زنجية لغية نكاح ابنة الخليفة الهاشمي والفاسق الذى بلغ الغاية من الفسق المسلم ما لم يكن زانيا كفؤ للمسلمة الفاضلة، وكذلك الفاضل المسلم كفؤ للمسلمة الفاسقة ما لم تكن زانية والذى نختاره فنكاح الاقارب بعضهم لبعض وقد اختلف الناس في هذا فقال سفيان الثوري.
وابن جريج.
والحسن بن حى.
وابن أبى ليلى.
والمغيرة بن عبد الرحمن المخزومى صاحب مالك.
واسحاق بن راهويه: يفسخ نكاح المولى للعربية، وقال أبو حنيفة: ان رضيت القرشية بالمولى ووفاها صداق مثلها أمر الولى أن ينكحها فان أبى أنكحها القاضى، وقال مالك.
والشافعي.
وأبو سليمان: كقولنا * قال أبو محمد: احتج المخالفون بآثار ساقطة والحجة قول الله تعالى: (انما المؤمنون اخوة) وقول تعالى مخاطبا لجميع المسلمين: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) وذكر عزوجل ما حرم علينا من النساء ثم قال تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) وقد انكح رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب أم المؤمنين زيدا مولاه وأنكح المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وانما تخيرنا نكاح الاقارب لانه فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكح بناته الامن بنى هاشم وبنى عبد شمس، وقال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة) وبالله تعالى التوفيق، وأما قولنا في الفاسق.
والفاسقة فيلزم من خالفنا أن لا يجيز للفاسق أن ينكح الا فاسقة وأن لا يجيز للفاسقة أن ينكحها الا فاسق وهذا
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 14(10/24)
لا يقوله أحد، وقد قال الله تعالى: (انما المؤمنون اخوة) وقال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وبالله تعالى التوفيق * 1872 مسألة وتزويج المريض الموقن بالموت أو غير الموقن مريضة كذلك أو صحيحة جائز ويرثها وترثه مات من ذلك المرض أو صح ثم مات، وكذلك
للمريضة الموقنة وغير الموقنة ان تتزوج صحيحا أو مريضا ولها في كل ذلك الصداق المسمى كالصحيحين ولا فرق، وقال مالك: يفسخ نكاح المريض قبل الدخول وبعد الدخول فان لم يدخل بها فلا شئ لها فان دخل بها فلها صداق مثلها في ثلث ماله بما استحل من فرجها ولا ميراث لها منه البتة قال: فان مات قبل أن يفسخ نكاحها فعليها الا حداد ولا ميراث لها قال: فان صح من مرضه وقد كان دخل بها فارى أن يفارقها، وقال مرة أخرى: ان صح من مرضه جاز النكاح قال: وكذلك لا يجوز للمريضة ان تتزوج ولا يرثها الذى يتزوجها دخل بها أو لم يدخل ولها الصداق عليه ان دخل بها قال: ومن طلق امرأته وهى حامل طلاقا بائنافلا يجوز لهما ان يتراجعا إذا أتمت ستة أشهر وهذا تقسيم لا نعرفه عن أحد قبله وممن قال: لا يجوز نكاح المريض عطاء بن أبى رباح الا أنه قال: ان صح من مرضه جاز ذلك النكاح ويحيى بن سعيد الانصاري قال صداق التى تتزوج المريض في ثلثه واختلف عن ربيعة فروى عنه ابن سمعان وهو ضعيف ان صداقها في ثلثه ولا ميراث لها قال ابن سمعان: وقضى بهذا أبو بكر بن عمر بن حفص في نكاح بنت المعتمر بن عياض الزهري، وروى عن ربيعة معمر وهو ثقة ان صداقها وميراثها في ثلثه قال معمر: وهو قول ابن أبى ليلى * قال أبو محمد: وهو قول الليث بن سعد.
وعثمان البتى، وراعى آخرون المضارة كما روينا من طريق أبى عبيدنا عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن خالد بن أبى عمران قال سألت القاسم بن محمد.
وسالم بن عبد الله عن تزويج المريض فقالا جميعا: ان لم يكن مضارا جاز تزويجه وان كان مضارا لم يجز ولها نصف الصداق في ثلث ماله قالا فان خلا بها فلها الصداق من الثلث * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في نكاح المريض قال: ليس له أن يدخل الاضرار على أهل الميراث ولا نرى أن ترثه ان فعل ذلك ضرارا قال معمر: وقال قتادة: ان كان تزوجها من حاجة إليها في خدمته أو في قيام بأمره فانها ترثه، وقال آخرون بمثل قولنا كما روينا
من طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي عن ابن مسعود قال: لو لم يبق من أجلى إلا عشرة أيام اعلم أن أموات في آخرها يومالى فيهن (م 4 ج 10 المحلى)(10/25)
طول للنكاح لتزوجت مخافة التفتنة * ومن طريق ابن أبى شيبة نا محمد بن بشر عن أبى رجاء عن الحكم بن زيد عن الحسن قال قال معاذ بن جبل في مرضه الذى مات فيه زوجوني انى أكره أن القى الله عزوجل عزبا * ومن طريق أبى عبيد.
وسعيد بن منصور قالا جميعا: نا أبو معاوية هو الضرير عن هشام بن عروة عن أبيه قال: دخل الزبير على قدامة ابن مظعون يعوده فبشر الزبير بجارية وهو عنده فقال له قدامة: زوجنيها فقال له الزبير وما تصنع بجارية صغيرة وأنت على هذه الحال؟ فقال له قدامة ان أنا عشت فابنة الزبير وان مت فأحق من ورثتني قال عروة فزوجها اياه * ومن طريق سعيد بن منصورنا عبد العزيز بن محمد الدراوردى أخبرني موسى بن عقبة عن نافع مولى ابن عمر قال: تزوج عبد الرحمن بن أبى ربيعة بنت عم له في مرضه لترثه فمات فورثته وذلك في زمن عثمان ابن عفان * ومن طريق عبد الرزاق نى ابن جريج قال موسى بن عقبة عن نافع مولى ابن عمر قال: تزوج عبد الله بن أبى ربيعة بن المغيرة المخزومى بنت حفص بن المغيرة عمه وهو مريض لتشرك نساءه في الميراث * قال أبو محمد: عبد الله له صحبة صحيحة * ومن طريق أبى عبيد.
وسعيد بن منصور قالا جميعا: نا هشيم عن أبى اسحاق الشيباني عن الشعبى قال سعيد في روايته سمعت الشعبى يقول: تزويج المريض جائز وشراؤه وبيعه * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا يونس بن عبيد عن الحسن البصري انه كان يقول: يجوز تزويج المريض في مرضه * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي قال: نكاح المريض جائز ولا يحسب من الثلث * ومن طريق عبد الرزاق عن
سفيان الثوري قال: نكاح المريض جائز على مهر مثلها وهو قول أبى حنيفة.
والشافعي.
وأصحابهما وكلهم يرى الصداق من رأس ماله وهو قول ابن شبرمة.
والاوزاعي.
والحسن بن حى.
وأبى سليمان وجميع أصحابنا، ورأى الحسن بن حى: وأبو سليمان أن لها الصداق المسمى لها من رأس ماله * قال على: وتزويج شيخنا أبو الخيار مسعود بن سليمان رضى الله عنه قبل موته بسبع ليال وهو مريض يائس من الحياة ودخل بها احياء للسنة * قال أبو محمد: عهدنا با لمالكيين يعظمون خلاف الصاحب الذى لايعرف له من الصحابة رضى الله عنهم مخالف، وهذا مما خالفوا فيه ابن مسعود.
ومعاذ بن جبل.
والزبير.
وقدامة بن مظعون.
وعبد الله بن أبى ربيعة بحضرة جميع الاحياء من الصحابة لا ينكر ذلك أحد وفي خلافة عثمان *(10/26)
قال أبو محمد: أباح الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم النكاح ولم يخص في القرآن.
ولا في السنة صحيحا وصحيحة من مريض ومريضة وما كان ربك نسيا، وما نعلم للمخالف حجة أصلا لامن قرآن.
ولا سنة.
ولا قول صاحب.
ولا من رأى يعقل غير أن بعضهم احتج بأنه ليس له أن يدخل على أهل الميراث من يشركهم فيه * قال أبو محمد: وأهل هذا القول يقولون: ان أقر في مرض موته وهو موقن بالموت بابن امة له لم يزل يقول انه عبده فأقر عند موته انه ابنه فان اقراره نافذ ويرث ماله فأجازوا ان يدخل على أهل الميراث من يحرمهم الكل ومنعوه أن يدخل عليهم من يحطهم اليسير وهذا غاية التخليط، ولم يختلفوا أن رجلا مريضا يائسا من الفاقة والعيش ابتاع جارية وأشهد الناس على نفسه انه انما يبتاعها ليطلب منها الولد ليمنع بذلك ورثته الميراث فوطئها فحملت ان ذلك جائز مباح، فان قالوا: انها قد تحمل وقد لاتحمل قلنا والتى تزوج في مرضه قد تموت هي قبله فيرثها فيزيد بذلك الورثة
في ميراثهم وليت شعرى أيمنعون المسلم المريض من زواج مملوكة أو ذمية لا يرثانه أم لا؟ وهل يمنعون المريض الذى لا شئ له من الزواج؟ ولابد لهم من ترك أصلهم الفاسد ضرورة أو التناقض وقالوا: قسنا نكاح المريض على طلاقه فقلنا: قستم الخطأ على الخطأ ثم اخطأتم في القياس لانكم أجزتم طلاق المريض وورثتموه بعد ذلك فان أردتم اصابة القياس فأجيزوا نكاحه وامنعوه الميراث مع ذلك وهذا مما ترك فيه الحنيفيون القياس الذى هو عندهم أصل لا يجوز تركه، ومن العجائب أن مالكا يفسخ نكاح الامة الفارة كما يفسخ نكاح الصحيحة للمريض ولا يدع للفارة مما سمى لها إلا ثلاثة دراهم ويجعل للتى تزوجت المريض جميع مهر مثلها فهل يسمع بأعجب من هذا التحكم بلا برهان * 1873 مسألة وان حملت المرأة من زنا أو من نكاح فاسد مفسوخ أو كان نكاحها صحيحا ففسخ لحق واجب أو كانت أمة فحملت من سيدها ثم اعتقها أو مات عنها فلكل من ذكرنا أن تتزوج قبل أن تضع حملها الا أنه لا يحل للزوج ان يطأها حتى تضع حملها كل ذلك بخلاف المطلقة أو المتوفى عنها وهى حامل، فهاتان لا يحل لهما الزواج البتة حتى يضعا حملهما وحاش المعتقة الحاملة تختار نفسها فان نكاح هذه مفسوخ ولا يحل لها أن تنكح حتى تضع حملها * برهان ذلك ان الحامل المطلقة أو المتوفى عنها هي معتدة بنص القرآن وقد حرم الله عزوجل نكاح المعتدة جملة حتى تتم عدتها واما سائر من ذكرنا فلم يأت في القرآن ولا في السنة ايجاب عدة عليهن ولا على أحد منهن الا على المعتقة تختار نفسها فقط وإذا لم تكن المرأة في عدة ولا ذات زوج(10/27)
فلها أن تتزوج الا أن يمنع من ذلك نص ولا نص يمنع ههنا من الزواج ولا يحل بالنص وطئ حامل الا أن يكون الحمل منه * وقد اختلف الناس فيها فقال أبو حنيفة.
والشافعي.
ومحمد بن الحسن.
وأبو يوسف.
في أحد قوليه: للحامل من زنا ان تتزوج ولا يطؤها حتى تضع حملها وقال أبو حنيفة: وان خرجت الينا الحربية مسلمة وهى حامل من زوجها
فلها أن تتزوج ولكن لا يحل له وطؤها حتى تضع حملها * قال أبو محمد: وهو قول أصحابنا وقال زفر: على الزانية العدة كاملة وقال مالك: لا تتزوج الحامل من زنا حتى تضع حملها ولا ان كانت غير حامل الا حتى تعتد ثلاثة قروء * قال على: وممن روى عنه مثل قولنا عمر بن الخطاب روينا من طريق مالك عن أبى الزبير قال: خطبت إلى رجل أخته فذكر أنها أحدثت يعنى زنت فبلغ ذلك عمر فضربه أو كاد يضربه، وقال: مالك وللخبر قال ابن وهب، وأخبرني عمرو بن الحارث بهذا الخبر عن أبى الزبير وفيه أن عمر قال له: انكح واسكت * قال أبو محمد: فهذا عمر أمرها بالنكاح ولم يستثن حتى تتم عدة ولا ان كانت حاملا * ومن طريق اسماعيل بن اسحق نا على بن عبد الله نا سفيان بن عيينة نا عبيد الله بن ابى يزيد عن أبيه قال: تزوج سباع بن ثابت بنت موهب بن رباح وله ابن من غيرها ولها بنت من غيره ففجر الغلام بالجارية فظهر بها حمل فسئلت فاعترفت فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فاعترفا فحدهما وحرض على أن يجمع بينهما فابى الغلام، فهذا عمر يبيح للحامل من زنى الزواج بحضره الصحابة رضى الله عنهم لايعرف له مخالف منهم وهم يعظمون مثل هذا لو ظفروا به، وشغب المخالفون بان قالوا: قال الله عزوجل: (واولات الاحمال أجهلن أن يضعن حملهن) وبخبر رويناه عن سعيد بن المسيب أن رجلا يقال له نضرة بن أكتم تزوج امرأة فلما غشيها وجدها حبلى فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان صداقها لزوجها وان ما في بطنها عبد له وأمر بها فجلدت مائة وفرق بينهما * قال أبو محمد: لاعجب أعجب من أن يكون المحتج بهذا الخبر أول مخالف لكل ما فيه واما نحن فلو السند لقلنا به ولكنه منقطع بين سعيد ونضرة ولا حجة في منقطع، وقد روينا من طريق أبى داود نا ابن أبى السرى نا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له:
نضرة قال: تزوجت امرأة بكرا في سترها فدخلت عليها فإذا في حبلى فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لها الصداق بما استحللت من فرجها والولد عبد لك وإذا ولدت فاجلدوها *(10/28)
قال أبو محمد: ولم يذكر ههنا تفريقا وهو أقرب إلى ان يموه باسناده إلا أنه لا يعلم لسعيد بن المسيب سماع من نصرة أو نضرة فبطل الاحتجاج به ولو صح لقلنا به، وأما قول الله عزوجل: (وأولات الاحمال اجلهن أن يضعن حملهن) فانما جاء في المطلقة قال الله عزوجل: (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وهذا مردود على أول السورة في المطلقات ومحمول عليه ما بعده من قوله تعالى: (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) الآيات كلها وانما وجب ذلك في المتوفى عنها بخبر سبيعة الاسلمية وقالوا: قسنا المنفسخة النكاح بعد صحته أو لفساده في ذلك على المطلقة قلنا: القياس كله باطل ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل لان القياس عن القائلين به انما هو أن يحكم للشئ بحكم نظيره وليس النكاح الصحيح الحلال نظيرا للفاسد الحرام الذى لا يحل عقده ولا اقراره بل هو ضده فهو باطل لانسبة بينه وبين الطلاق على أصول أصحاب القياس، وأما التى انفسخ نكاحها بعد صحته فان الفسخ لانسبة بينه وبين الطلاق لان الطلاق لا يكون الا باختيار الزوج، وأما الفسخ فلا يراعى اختياره في ذلك * قال أبو محمد: وكذلك الامة الحامل من سيدها يموت عنها أو يعتقها أو تحمل من زنا لاعدة عليها وقد ثبت أن المرأة التى لازوج لها ولاهى في عدة ولا هي أم ولد فان انكاحها حلال وبالله تعالى التوفيق * 1874 مسألة ومن كان عنده اربع زوجات فطلق احداهن ثلاثا وهى حامل منه أو غير حامل وقد وطئها إذ كانت في عصمته أو انفسخ نكاحها منه فله أن يتزوج اثر طلاقه لها رابعة أو أختها أو عمتها أو خالتها أو بنت أخيها أو بنت أختها
ويدخل بها فأما في الطلاق الرجعى فلا يحل له ذلك ما دامت في عدتها وقولنا في هذا هو قول روى عن عثمان بن عفان.
وزيد بن ثابت، وصح عن الحسن.
وسعيد بن المسيب.
وخلاس بن عمرو.
وعروة بن الزبير.
والقاسم بن محمد.
وعطاء.
والزهرى.
ويزيد ابن عبد الله بن قسيط.
وعبد الله بن أبى سلمة.
وربيعة.
وابن ابى ليلى.
وعثمان البتى.
والليث بن سعد.
ومالك.
والشافعي.
وأصحابهما.
وأبى ثور.
وأبى عبيد.
وأبى سليمان.
وأصحابه وهو الاشهر من قول الاوزاعي ولم يجز ذلك جماعة من السلف، وروى عن على بن أبى طالب وصح عن ابن عباس: وعن سعيد بن المسيب أيضا وأحد قولى أبى عبيدة بن نضيلنة.
وعبيدة السلمانى، وصح عن الشعبى.
والنخعي وغيرهم وهو قول أبى حنيفة وأصحابه.
وسفيان الثوري.
والحسن بن حى.
وأحمد بن حنبل.
وأحد(10/29)
قولى الاوزاعي، وصح عن الحسن اباحة ذلك الا أن تكون التى طلق حبلى * قال أبو محمد: ما نعلم لمن منع من ذلك حجة الا أنهم موهوا بقول الله عزوجل: (وأن تجمعوا بين الاختين) قالوا: وهذا جامع بينهما في لحاق حملهما به وفى وجوب نفقتهما واسكانهما عليه، وقالوا: لا يجوز أن يجتمع ماؤه في خمس نسوة ولا في أختين ما نعلم لهم غير هذا * قال على: أما قولهم إنهما يجتمعان في نفقته عليهما واسكانه لهما فلسنا نساعدهم على ذلك، ثم لو كان كما قالوا ما ضر ذلك شيئا لان الله تعالى لم يمنع من الجمع بينهما في شئ الا في استحلال الوط.
فقط ولا فرق بين اجتماعهما في لحاق حملهما به وبين اجتماعهما في لحاق ابنيهما به، وأما اجتماع مائه في خمس نسوة أو في ثمان أو في أختين فلا نعلم نصا من قرآن ولا سنة منعا من ذلك انما منع الله تعالى من نكاح أكثر من أربع نسوة ومن الجمع بين الاختين في عقد نكاح أو استحلال وطئ فقط وقد فصل الله تعالى لنا ما حرم علينا من النساء ثم قال: (واحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم) *
ومن طريف تناقض الحنيفيين ههنا أن أبا حنيفة قال من أعتق أم ولد لم يحل له أن يتزوج أختها ولا عمتها ولا خالتها ولا بنت أخيها ولا بنت أختها حتى تتم المعتقة عدتها ثلاث حيض قال: وله أن يتزوج أربعا قبل انقضاء عدتها فأجاز ان يجتمع ماؤه في أربع زوجات وخامسة معتدة منه ومنع من كل ذلك زفر * 1875 مسألة ولا يحل لاحد أن يتزوج مملوكته قبل أن يعتقها ولا لامرأة أن تتزوج مملوكها قبل ان تعتقه فان اعتقته جاز لهما التناكح ان تراضيا كالأجنبي ولا فرق وهذا لا خلاف فيه من احد لان الله تعالى قال: (الا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم) ففرق تعالى بين الصنفين فلا يجوز اجتماع صنفين فرق الله تعالى بينهما * 1876 مسألة وجائز للرجل أن يتزوج أمة والده التى لا تحل لوالده وأمة ولده التى لا تحل لولده وأمة أمه وأمة ابنته، وجائز للعبد نكاح أم سيده وبنت سيده وأخت سيده إذا كان كل ذلك باذن سيده وما نعلم لمن منع من ذلك حجة أصلا الا أن بعضهم قال قديرثها وترثه فينفسخ النكاح فقلنا.
نعم فكان ماذا؟ أو قد تشتريه ويشتريها ولا فرق * برهان صحته ذلك قول الله عزوجل: (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم) فلم يستثن الله تعالى احدا ممن ذكرنا (وما كان ربك نسيا) ونعوذ بالله من اعتقاد من يظن أنه يستدرك بعقله شيئا لم يشرعه ربه تعالى * 1877 مسألة ومن أراد أن يتزوج امرأة حرة أو أمة فله أن ينظر(10/30)
منها متغفلا لها وغير متغفل إلى ما بطن منه وظهر ولايجوز ذلك في أمة يريد شراءها ولا يجوز له أن ينظر منها الا إلى الوجه والكفين فقط لكن يأمر امرأة تنظر إلى جميع جسمها وتخبره * برهان ذلك قول الله عزوجل: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) فافترض الله عزوجل غض البصر جملة كما افترض حفظ الفرج فهو عموم لا يجوز أن يخص منه الا ما خصه نص صحيح وقد خص النص نظر
من أراد الزواج فقط كما روينا من طريق أبى داودنا مسدد نا عبد الواحد بن زياد نا محمد بن اسحق عند اود بن الحصين عن واقد بن عبد الرحمن هو ابن سعد بن معاذ عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) قال جابر فخطبت امرأة من بنى سلمة فكنت أتخبئ تحت الكرب حتى رأيت منها بعض ما دعاني إليها، وقد رويناه أيضا من طرق صحاح من طريق أبى هريرة.
والمغيرة بن شعبة فكان هذا عموما مخرجا لهذه الحال من جملة ما حرم من غض البصر، وأما النظر إلى الجارية يريد ابتياعها فلا نص في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حجة فيما جاء عن سواء * وقد اختلف الناس في ذلك فصح عن ابن عمر اباحة النظر إلى ساقها وبطنها وظهرها ويضع يده على عجزها وصدرها ونحو ذلك عن على ولم يصح عنه، وصح عن أبى موسى الاشعري اباحة النظر إلى ما فوق السرة ودون الركبة، وروى عن سعيد بن المسيب، وروينا عن الاسود بن يزيد انه لم يستجز النظر إلى ساقها * قال أبو محمد: فبقى أمر الابتياع على وجوب غض البصر، وأما الوجه والكفان فقد جاء فيهما الخبر المشهور الذى أوردناه في غير هذا المكان من أمر الخثعمية التى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحج عن أبيها؟ وان الفضل بن العباس جعل ينظر إلى وجهها فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل عنها ولم يأمرها بستر وجهها ففي هذا اباحة النظر إلى وجه المرأة لغير اللذة، وأما الكفان فروينا من طريق مسلم نا عبيد الله بن معاذ العنبري نا ابى نا شعبة عن عدى هو ابن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم اضحى أو فطر فصلى ركعتين ثم أتى النساء ومعه بلال فامرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقى خرصها وتلقى سخابها) * ومن طريق أبى داود نا أحمد بن حنبل نا عبد الرزاق.
ومحمد بن بكر قالا جميعا: انا ابن جريج أخبرني عطاء قال: (سمعت جابر بن عبد الله يقول: ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فبدا بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب ثم نزل فأتى النساء فذكرهن(10/31)
وبلال باسط ثوبه يلقين فيه النساء صدقة تلقى المرأة فتخها) * قال أبو محمد: الفتخ خواتم كباركن يحبسنها في أصابعهن فلولا ظهور اكفهن ما أمكنهن القاء الفتخ * 1878 مسألة ولا يحل لاحد أن ينظر من اجنبية لا يريد زواجها أو شراءها ان كانت أمة لتلذذ الا لضرورة فان نظر في الزنا إلى الفرجين ليشهد بذلك فمباح له لانه مأمور باداء الشهادة قال عزوجل: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) ولا سبيل لهم إلى أداء الشهادة في الزنا الا بصحة النظر إلى الفرجين والتثبت في ذلك، وأما في غير ذلك فالوجه والكفان كما قدمنا آنفا عند الشهادة عليها أولها أو منها، وجائز لذى المحمر أن يرى جميع جسم حريمته كالام والجدة والبنت وابنة الابن والخالة والعمة وبنت الاخ وبنت الاخت وامراة الاب وامرأة الابن حاش الدبر والفرج فقط، وكذلك النساء بعضهن من بعض، وكذلك الرجال بعضهم من بعض * برهان ذلك قول الله تعالى: (ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو ابنائهن أو ابناء بعولتهن أو اخوانهن أو بنى اخوانهن أو بنى اخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير اولى الاربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) الآية فذكر الله عزوجل في هذه الآية زينتهن زينة ظاهرة تبدى لكل واحد وهى الوجه والكفان على مابينا فقط وزينة باطنة حرم عزوجل ابداءها الا لمن ذكر في الآية ووجدناه تعالى قد ساوى في ذلك بين البعولة والنساء والاطفال وسائر من ذكرنا في الآية، وقد اوضحنا في كتاب الصلاة ان المرأة كلها عورة الا الوجه والكفين فحكم العورة سواء فيما ذكرنا الا مالا خلاف فيه من انه لا يحل لغير الزوج النظر إليه من الفرج والدبر، ولم نجد لافي قرآن.
ولا سنة.
ولا معقول فرقا بين الشعر والعنق والذرع والساق.
والصدر، وبين البطن.
والظهر والفخذ الا انه لا يحل لاحد ان يتعمد النظر إلى شئ من امرأة لا يحل له لا الوجه ولا غيره الا لقصة تدعو إلى ذلك لا يقصد منها منكر بقلب أو بعين، وقد روينا عن طاوس كراهة نظر الرجل إلى شعرا بنته وامه واخته ولا يصح عن طاوس، وصح عن ابراهيم ان لا ينظر من ذات المحرم الا إلى ما فوق الصدر وهذا تحديد لا برهان على صحته، وليس هذا مكان رأى ولا استحسان لان المخالفين لنا ههنا باهوائهم لا يختلفون في انه لا يحل النظر إلى زينة شعر العجوز السوداء الحرة ولعل النظر إليها يقذى العين ويميت تهييج النفس، ويجيزون النظر لغير لذة إلى وجه الجارية الجميلة الفتاة ويديها، وقد(10/32)
صح في ذلك ما رويناه من طريق مسلم بن الحجاج نا قتيبة بن سعيد نا الليث هو ابن سعد عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله قال: ان أم عطية أم المؤمنين استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة فاذن لها فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طيبة ان يحجمها، قال: حسبت ان كان أخاها من الرضاعة أو غلاما لم يحتلم * قال أبو محمد: هذا خبر في غاية الصحة لانه من رواية الليث عن أبى الزبير عن جابر وقد روينا باصح طريق ان كل ما رواه الليث عن أبى الزبير عن جابر فان أبا الزبير أخبره انه سمعه عن جابر موأما قول الرواى حسبت انه كان اخاها من الرضاعة أو غلاما لم يحتمل فانما هو ظن من بعض رواة الخبر ممن دون جابر ثم هو أيضا ظن غير صادق لان أم سلمة رضى الله عنها ولدت بمكة وبها ولدت أكثر اولادها، وأبو طيبة غلام لعبض الانصار بالمدينة فمحال ان يكون اخاها من الرضاعة وكان عبدا مضروبا عليه الخراج كما روينا من طريق مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طيبة فامر له بصاع من تمروامر أهله ان يخففوا من خراجه ولا يمكن أن يحجمها الا حتى يرى عنقها وأعلى ظهرها مما يوازى أعلى كتفيها *
1879 مسألة وحلال للرجل ان ينظر إلى فرج امرأته زوجته وامته التى يحل له وطؤها، وكذلك لهما ان ينظرا إلى فرجه لاكراهية في ذلك أصلا * برهان ذلك الاخبار المشهورة من طريق عائشة.
وأم سلمة.
وميمونة أمهات المؤمنين رضى الله عنهن أنهن كن يغتسلن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة من اناء واحد، وفى خبر ميمونة بيان انه عليه الصلاة والسلام كان بغير مئزر لان في خبرها انه عليه الصلاة والسلام أدخل يده في الاناء ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله فبطل بعد هذا ان يلتفت إلى رأى احد، ومن العجب ان يبيح بعض المتكلفين من أهل الجهل وطئ الفرج ويمنع من النظر إليه، ويكفى من هذا قول الله عزوجل: (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين) فأمر عزوجل بحفظ الفرج الا على الزوجة وملك اليمين فلا ملامة في ذلك وهذا عموم في رؤيته ولمسه ومخالطته، وما نعلم للمخالف تعلقا الا بأثر سخيف عن امرأة مجهولة عن أم المؤمنين ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط وآخر في غاية السقوط عن أبى بكر بن عياش: وزهير بن محمد، كلاهما عن عبد الملك بن ابى سليمان العرزمى، وهؤلاء ثلاث الاثافي والديار البلاقع أحدهم كان يكفى في سقوط الحديث * 1880 مسألة ولا يحل لمسلم أن يخطب على خطبة مسلم سواء ركنا وتقاربا (م 5 - ج 10 المحلى)(10/33)
أو لم يكن شئ من ذلك الا أن يكون أفضل لها في دينه وحسن صحبته فله حينئذ أن يخطب على خطبة غيره ممن هو دونه في الدين وجميل الصحبة أو الا ان يأذن له الخاطب الاول في أن يخطبها فيجوز له ان يخطبها حينئذ أو الا ان يدفع الخاطب الاول الخطبة فيكون لغيره ان يخطبها حينئذ أو الا أن ترده المخطوبة فلغيره ان يخطبها حينئذ والا فلا * برهان ذلك ما رويناه من طريق مسلم حدثنى أبو الطاهر انا عبد الله بن وهب عن
الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة انه سمع عقبة بن عامر على المنبر يقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن ان يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر) ففى هذا الخبر تحريم الخطبة على خطبة المسلم حتى يذر * ومن طريق أحمد بن شعيب انا ابراهيم بن الحسن المصيصى نا حجاج هو ابن محمد قال: قال ابن جريج: سمعت نافعا يحدث ان ابن عمر كان يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يبيع بعضكم على بيع بعض ولا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب * قال أبو محمد: وأما إذا ردته المخطوبة فقد وجب عليه قطع الخطبة لان في تماديه الاضرار بها والظلم لها في منعه بذلك غيره من خطبتها فكل خطبة تكون معصية فلا حكم لها وأما إذا كان فوقه في دينه وحسن صحبته فلحديث فاطمة بنت قيس المشهور: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: من خطبك؟ قالت: معاوية ورجل من قريش آخر فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما معاوية فانه غلام من غلمان قريش لا شئ له وأما الآخر فانه صاحب شر لاخير فيه أنكحي أسامة قالت: فكرهته فقال لها ذلك ثلاث مرات فنحكته) * وروينا من طريق مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود بن سفيان عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس فذكرت حديثها وفيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: فإذا حللت فاذنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبى سفيان واباجهم خطباني فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لامال له انكحي اسامة بن زيد قالت: فكرهته ثم قال انكحي اسامة فنكحته جعل الله فيه خيرا واغتبطت) * قال أبو محمد: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشار عليها بالذى هو أجمل صحبة لها من أبى جهم الكثير الضرب للنساء، وأسامة أفضل من معاوية، فان قيل.
وما يدريك ان هذا الخبر كان قبل خبر النهى عن أن يخطب أحد على خطبة أخيه قلنا: قد صح
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصحية) وهذا حكم(10/34)
باق إلى القيامة، ومن أنصح النصائح أن يكون مريد يريد خطبة امرأة قد خطبها من هو أحسن صحبتة وأفضل دينا من الذى خطبها قبله فيخطبها هو ما أما ان ترك خطبتها من اجل الخاطب قبله فقط فما نصح المسلمة ولقد غشها وهذا لا يجوز وقد علمنا ان معاوية فتى من بنى عبد مناف في غاية الجمال والحلم واسامة مولى كلبى أسود كالقار فبالضرورة ندرى أنه لافضل له عليه الا بالدين الذى هو نهاية الفضل عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في غاية النصيحة لجميع المسلمين بلاشك، وأما من قال: ان ذلك إذا ركناو تقاربا فدعوى فاسدة باطل لانه لم يعضدها قرآن ولاسنة ولا أجماع ولاقول صاحب ولانظر صحيح أنما هو رأى ساقط فقط * 1881 مسأله ولا يحل التصريح بخطبة امرأة في عدتها وجائز ان يعرض لها بما تفهم منه انه يريد نكاحها * برهان ذلك قول الله عزوجل: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا الا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) إلى قوله (فاحذروه) فاباح تعالى التعريض ومنع من المواعدة سرا * قال أبو محمد: ومن التعريض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ذكرناه آنفا لفاطمة بنت قيس: (إذا حللت فاذنيني) وقد صح أيضا أنه عليه الصلاة والسلام قال: لا تفوتيني بنفسك * روينا من طريق أبى داود نا قتيبة بن سعيد أن محمد بن جعفر حدثهم قال: نا محمد نب عمرو عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم * ومن التعريض ما رويناه عن ابن عباس أن يقول ان أريد الزواج ولوددت أن الله تعالى يسر لي امرأة صالحة ونحو هذا * 1882 مسألة ولا يحل نكاح من لم يولد بعد فمن فعل ذلك لم يلزمه لانه
لا يدرى أيولد له ابنة أم ابن أم ميتة * 1883 مسألة ولا يحل نكاح غائبة الا بتوكيل منها على ذلك ولا يحل انكاح غائب الا بتوكيل منه ورضا لقول الله عزوجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة أم المؤمنين رضى الله عنها وهى بأرض الحبشة وهو بالمدينة برضاهما معا * 1884 مسألة ومن تزوج مملوكة لغيره باذن السيد أو بغير اذنه سواء ادعت أنها حرة أو لم تدع فكل ما ولدت منه فهم عبيد لسيدها لا يجبر على قبول فداء فيهم الا ان ما كان من ذلك بغير اذن سيدها فعليها حد الزنا وليس نكاحا والولد لاحقون(10/35)
بالرجل كان جاهلا، وقال أبو حنيفة: من تزوج امرأة على انها حرة فوجدت مملوكة وقد ولدت منه أولادا فاولاده منها أحرار وعليه قيمة الاحياء منهم يوم الحكم ويرجع بما غرم من ذلك على من غره ان كان غره غيرها أو عليها ان كانت هي غرته وعليه صداقها لسيدها ولا يرجع به على من غره ولا عليها ولا شئ عليه فيمن مات منهم الا أن يكون قتل فأخذ الاب ديته فان كان الاب معسرا فلا شئ عليه ولا على أولاده، وقال مالك: هن أحرار وعلى أبيهم قيمة الاحياء منهم يوم الحكم ولا شئ عليه فيمن مات منهم قبل ذلك فان مات الاب قبل الحكم فلا شئ على الاولاد وهم أحرار، وقال مرة أخرى: عليهم قيمة أنفسهم وكذلك ان كان أبوهم عديما، وقال الشافعي: هم أحرار وعلى أبيهم قيمتهم يوم ولدوا سواء من مات منهم ومن عاش * قال أبو محمد: اعجبوا لما في هذه الاقوال من الفضائح لا يمكن البتة أن تكون الاولاد الا أحرارا أو مماليك ولا سبيل إلى قسم ثالث فلعمري لان كانوا أحرارا مذ ولدوا فما يحل لسيد أمهم أخذ قيمة حر ولا يحل أن يغرم أبوهم في قيمتهم ثمنا اصلا * روينا من طريق البخاري نابشر بن مرحوم نا يحيى بن سليم عن اسماعيل بن أمية
عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاثة انا خصمهم يوم القيامة فذكر فيهم ورجل باع حرا فأكل ثمنه) وان كانوا مماليك فما يحل لاحد اجبار انسان على بيع مماليكة بغير نص من قرآن أو سنة عز رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عجب آخر وهو الزامه قيمة الاحياء منهم دون من مات منهم ثم ارتجاعه بما غرم على من غره من قمية الاولاد ولا يردونه بما غرم من الصداق فأتو بغريبة قالوالانه قد استعاض بضعها فقلنا وقد استعاض أولادا أحرارا فلا تردوه على من غره بذلك * قال أبو محمد: وقد جاءت عن السلف في هذا آثار روينا من طريق حماد بن سلمة عن حميد قال: باع رجل جارية لابيه فتسراها المشترى فولدت له أولادا فجاء أبوه فخاصمه إلى عمر بن الخطاب فردها وولدها إليه فقال المشترى: دع لى ولدى فقال: دع له ولده، ورويناه بلفظ يدل على ان عمر قضى بالخلاص على البائع كما روينا من طريق سعيد بن منصورنا هشيم قال: انا حميد الطويل عن الحسن أن رجلا باع جارية لابيه وأبوه غائب فلما قدم أبى ان يجيز بيع ابنه وقد ولدت من المشترى فاختصموا إلى عمر بن الخطاب فقضى للرجل بجاريته وأمر المشترى ان يأخذ بيعه بالخلاص فلزمه فقال أبو البائع: مره فليخل عن ابني فقال عمر: وأنت فخل عن ابنه * قال أبو محمد: هذه شفاعة من عمر رضى الله عنه لانه قد قضى له بملكهم(10/36)
أو قضى منه بالخلاص * ونا محمد بن سعيد بن نبات نا عباس بن أصبغ نا محمد بن قاسم بن محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى عبد الاعلى - هو ابن عبد الاعلى النغلبى - نا سعيد - هو ابن أبى عروبة - عن قتادة عن خلاس بن عمرو قال: ان أمة اتت طيئا فزعمت أنها حرة فتزوجها رجل منهم فولدت له أولادا ثم ان سيدها ظهر عليها فقضى لها عثمان بن عفان أنها واولادها لسيدها وان لزوجها ما ادرك من متاعه وجعل فيهم الملة أو السنة كل رأس برأسين قال قتادة: وكان الحسن يقول: في كل رأس رأس *
ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن منصور بن المعتمر عن الحكم بن عتيبة ان امرأة باعت هي وابن لها جارية لزوجها فولدت الجارية للذى ابتاعها ثم جاء زوجها فخاصم إلى على بن أبى طالب وقال: لم أبع ولم اهب فقال له على: قد باع ابنك وامرأتك فقال: ان كنت ترى لى حقا فاعطني قال على: فخذ جاريتك وابنها ثم سجن المرأة وابنها حتى تخلصا له فلما رأى ذلك الزوج سلم البيع فهؤلاء عمر.
وعثمان.
وعلى أئمة الهدى قد قضوا بأولاد المستحقة رقيقا لسيد امهم ولا يعرف لهم في ذلك مخالف من الصحابة رضى الله عنهم الا رواية ساقطة عن على رويناها من طريق ابن أبى شيبة عن أبى بكر ابن عياش عن مطرف عن الشعبى عن على في رجل اشترى جارية فولدت منه أولادا ثم اقام رجل البينة انها له قال: ترد عليه ويقوم عليه ولدها فيغرم الذى باعه بما عز وهان، وابن عياش ضعيف وهم يشنعون خلاف مثل هذا إذا وافق أهواءهم وقد خالفوهم ههنا، وأما نحن فلا نحتج ههنا ولا في غير هذا المكان جملة الا بقرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما نورد من ذلك تبكيتا لمن يحتج به إذا وافق هواه ولا يحتج به إذا خالفه، وهذا هو التلاعب بالدين، وقال عزوجل: (والذين هم لفروجهم حافظون الاعلى أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " وجاء حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من بعده بلا خلاف من أحد من اهل الاسلام بان ولد ما يملكه المرء من اناث الاماء وسائر الحيوان فانه ملك لمالك أمه فنسأل المخالفين عن هذه الغارة أو المبيعة بغير اذن مالكها اهى زوجة للذى ولدت له أو ملك يمين له أم ليست له زوجة ولا ملك يمين ولابد له من أحدهما؟ فلا يختلفون انها ليست له زوجة ولا ملك يمين وانها انما هي ملك مالكها الذى لم يبعها ولا أخرجها عن ملكه ولا أذن لها في النكاح وانها مال من ماله فإذ لا شك في هذا فلا يجوز لاحد الحكم باخراج أمته أو مماليكه مما ولدت عن يده بغير قرآن أو سنة، وهذا غاية البيان وبالله تعالى التوفيق *(10/37)
قال أبو محمد: وقد جاء عن الصحابة رضى الله عنهم والتابعين أشياء نذكر منها ان شاء الله عزوجل ما يصلح لهذا المكان * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: قال لى عمر بن الخطاب: اعقل عنى ثلاثا الامارة شورى وفي وفد العرب مكان كل عبد عبد وفي ابن الامة عبدان * قال أبو محمد: هذا في الصحابة عن عمر رضى الله عنه؟ نزلة مالو سمعناه منه ولا فرق وبالله لو ظفروا خصومنا بمثل هذا ما ترددوا ولا استخاروا الله تعالى لو وافق تقليدهم ان يقولوا: مثل هذا لا يقال بالرأى فلا شك في أنه توفيق كما قالوا في قول عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها في ابتياع زيد بن أرقم العبد وبيعه لا ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عون عن غاضرة العنبري قال اتينا عمر بن الخطاب في نساء سعين في الجاهلية فأمر ان يقوم أولادهن على آبائهم ولا يسترقوا - يعنى اما زنين في الجاهلية - فولدن من الزنا * ومن طريق ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: قضى عمر بن الخطاب في فداء ولد الرجل من أمته قوم مكان كل جارية ومكان كل غلام غلام، قال ابن وهب: وأخبرني مالك انه بلغه ذلك عن عمر عثمان * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: قضى عمر بن الخطاب في فداء سبى العرب بستة فرائض وقضى عمر بن عبد العزيز في ذلك في كل رأس أربعمائة درهم * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن يحيى الغساني قال: كتب عمر بن عبد العزيز ان عمر بن الخطاب قضى في فداء سبى العرب في كل رأس أربعمائة درهم * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال سمعت سليمان بن موسى يذكر ان عمر بن الخطاب قضى في ولد الامة تخبر انها حرة فينكحها احدهم فتلد له ان على آبائهم مثل كل ولد له من الرقيق في الشبر والذرع قفال ابن جريج: فقلت له فان كان أولاده حسانا قال لا يكلف مثلهم في الحسن انما يكلف في الذرع * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن محمد بن مسلم
الطائفي عن ابراهيم بن ميسرة قال: نكح رجل أمة فولدت له فكتب في ذلك إلى عمر ابن عبد العزيز فكتب ان يفادى أولاده قال ابن مفرج في غير كتاب ابن الاعرابي بوصيفين أحمرين كل واحد باثنين فهؤلاء كلهم لا يرون الفداء الا اما بغلام مكان الذكر أو بجارية مكان الانثى واما بغلامين مكان غلام ذكر، وروينا عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء في ولد الغارة يقارب أبوهم فيهم * ومن طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن كثير عن شعبة عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم في الغارة قال صداقها على الذى غره، وقال حمام بن أبى سليمان مثل ذلك، وقال الحكم فكاك ولدها على الاب ولا(10/38)
نعلم عن صاحب ولا تابع غير ما أوردنا فخالف الحنيفيون: والمالكيون، والشافعيون كل هؤلاء لاختراع لهم فاسد وبايجاب القيمة التى لم تأت من احد نعلمه قبل أبن حنيفة ثم اتبعه مالك والشافعي.
وقد جاء في ذلك اثران نذكرهما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان ابن عيينة عن زكريا - هو ابن أبى زائدة - عن الشعبى قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبى العرب في الجاهلية ان فداء الرجل ثمان من الابل وان في الانثى عشر قال سفيان: فاخبرني مجالد عن الشعبى ان ذلك شكى إلى عمر بن الخطاب فجعل فداء الرجل أربعمائة درهم * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن عكرمة مولى ابن عباس قال: قضى النبي صلى الله عليه وسلم في فداء رقيق العرب من أنفسهم في الرجل إذا سبى في الجاهلية بثمان من الابل وفى ابن الامة بوصيفين وصيفين لكل انسان منهم ذكر وانثى وقضى في سبية الجاهلية بعشر من الابل وفي ولدها من العبد بوصيفين يفديه موالى أمه وهم عصبتها لهم ميراثها وميراثه ما لم يعتق أبوه وقضى في سبى الاسلام بستة من الابل في الرجل والمرأة والصبى فذلك فداء العرب فان تعلقوا بما روينا من طريق عبد الرزاق عن أبى بكر ابن عياش قال: أبو حصين عن الشعبى لما استخلف عمر بن الخطاب قال: ليس على عربي ملك ولسنا بنازعين من يد أحد شيئا اسلم عليه ولاكنا نقومهم الملة قلنا:
أنتم أول مخالف لهذا فتوجبون الملك للعلج على أولاد العربي والقرشي إذا تزوج أمته باذنه ولا يمكنكم دعوى اجماع ههنا لان سعيد بن المسيب.
والاوزاعي.
وسفيان الثوري.
وأبا ثور.
واسحق بن راهويه كلهم يقول عن عمر في العبد يتزوج أمة رجل باذن سيدها ان أولاده منها أحرار لارق عليهم ولا على أبيهم فداؤهم وهو قول الشافعي بالعراق * قال أبو محمد: ان من تعلق في رد السنة الثابتة برواية شيخ من بنى كنانة عن عمر البيع عن صفقة أو خيار وبرواية مجالد عن الشعبى لا يؤمن أحد بعدى جالسا ثم خالف رواية سفيان بن عيينة عن زكريا عن الشعبى التى ذكرنا ورواية ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن عمر ومرسل عكرمة لمنحوس الحظ من الصواب ونعوذ بالله من الضلال * ومن طرائف ما يأتون به احتجاجهم في هذه المسألة بأنه انما اعتق ولد الغارة والمستحقة لان أباهم على ذلك دخل فقلنا: ان هذا العجب فكان ماذا وفى أي كتاب الله عزوجل وجد ثم أم في أي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج ملك فرج وما ولد عن ملك مالكهم قهر من أجل أن الواطئ له بغير حق على ذلك دخل فحسبك بهذا القول هجنة وبالله تعالى نتأيد *(10/39)
1885 مسألة ولا يحل للمرأة التبرج ولا التزين للخروج إذا خرجن لحاجة قال الله عزوجل: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى) وقد ذكرنا في كتاب الصلاة امر النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج النسأء إلى الصلاة أن يخرجن تفلات (1) * 1886 مسألة وفرض على الرجل أن يجامع امرأته التى هي زوجته وأدنى ذلك مرة في كل طهران قدر على ذلك والا فهو عاص لله تعالى * برهان ذلك قول الله عزوجل: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) وروينا من طريق أبى عبيد نا يزيد بن محمد بن اسحاق عن محمد بن اسحق عن يعقوب بن عبد الرحمن عن عبد الله بن
عامر بن ربيعة قال انا لنسير مع عمر بن الخطاب بالرف من جمدان إذ عرضت له امرأة من خزاعة شابة فقالت: يا أمير المؤمنين انى امرأة أحب ما تحب النساء من الولد وغيره ولى زوج شيخ ووالله برحنا حتى نظرنا إليه يهوى شيخ كبير فقال لعمر: يا أمير المؤمنين انى لمحسن إليها وما الوها فقال له عمر أتقيم لها طهرها فقال: نعم، فقال لها عمر: انطلقي مع زوجك والله ان فيه لما يجزى أو قال يغنى المرأة المسلمة * قال أبو محمد: ويجبر على ذلك من أبى بالادب لانه اتى منكرا من العمل * ومن طريق البزار نا محمد بن بشار بندار نا جعفر بن عون نا أبو العميس - هو عتبة ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود - عن عون بن أبى جحيفة عن أبيه أن سلمان الفارسى قال: لابي الدرداء: (ان لجسدك عليك حقا وان لاهلك عليك حقا أعط كل ذى حق حقه صم وافطر وقم ونم وأت أهلك) فأخبر أبو الدرداء بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قول سلمان * 1887 - مسألة - وفرض على الامة والحرة ان لا يمنعا السيد والزوج الجماع متى دعاهما ما لم تكن المدعوة حائضا أو مريضة تتأذى بالجماع أو صائمة فرض فان امتنعت لغير عذر فهى ملعونة * روينا من طريق مسلم نا ابن أبى عمر مروان - هو ابن معاوية الفزارى - عن يزيد بن كيسان عن أبى حازم عن أبى هريرة: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذى نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه الا كان الذى في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها، * نا حمام نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر بن حماد نا مسدد نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - نا شعبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا باتت المرأة مهاجرة إلى زوجها أو فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع * ومن طريق أحمد
__________
(1) أي تاركات للطيب(10/40)
ابن شعيب أنا هناد بن السرى عن ملازم بن عمرو نا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن على قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا دعى الرجل زوجته لحاجته فلتأته وان كانت على التنور) * 1888 مسألة: والعدل بين الزوجات فرض، وأكثر ذلك في قسمة الليالى ولا يجوز ان يفضل في قسمة الليالى حرة على أمة متزوجة ولا مسلمة على ذمية فان عصته حل له هجرانها حتى تطيعه وضربها بما لم يؤلم ولا يجرح ولا يكسر ولا يعفن فان ضربها بغير ذنب أقيدت منه ولا يجوز له المبيت عند أمته ولا عند أم ولده ولا في دار غيره الا بعذر * برهان ذلك قول الله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم الا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) وقول الله عزوجل: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) وقال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) فلم يبح الله عزوجل هجرانها في المضجع الا إذا خاف نشوزها وانما أباح الضرب ولم يبح الجراح ولا كسر العظام ولا تعفين اللحم، وقال تعالى: (والحرمات قصاص) فصح انه ان اعتدى عليها بغير حق فالقصاص عليه * وروينا من طريق أحمد بن شعيب انا عمرو بن على نا عبد الرحمن - هو ابن مهى - نا همام - هو ابن يحيى - عن قتادة عن النضر بن أنس بن مالك بن نهيك عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له امرأتان يميل لاحداهما على الاخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل) فلم يخص عليه الصلاة والسلام حرة متزوجة من أمة متزوجة ولا مسلمة من ذمية وامر عزوجل من خاف ان يعدل ان يقتصر على واحدة من الزوجات أو ان يقتصر على ما ملكت يمينه، فصح انه ليس عليه ان يعدل بين امائه، وكل ما قلنا فهو قول أبى سليمان.
وأصحابنا، وقال ابراهيم النخعي: لا فضل للزوجة المسلمة على الكتابية في القسمة وهو قول مالك.
والليث.
وأبى حنيفة.
والشافعي، وقال
أبو حنيفة: من كانت له زوجة حرة وزوجة مملوكة فللحرة ليلتان وللملوكة ليلة * وروينا ذلك عن على.
ومسروق.
ومحمد بن على بن الحسين.
والشعبى، والحسن وعطاء.
وسعيد بن جبير.
وسعيد بن المسيب.
وعثمان البتى.
والشافعي.
وقال مالك.
والليث.
وابو سليمان: القسمة لهما سواء، واحتج من رأى للحرة يومين وللامة يوما بانه روى في ذلك حديث مرسل وانه عن على ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة رضى الله عنهم، وانه قول جمهور السلف، وقالوا: لما كانت عدة الامة (م 6 - ج 10 المحلى)(10/41)
وحدها نصف عدة الحرة وحدها وجب أن تكون قسمتها نصف قسمة الحرة * قال أبو محمد: المرسل لاحجة لهم فيه، وعهدنا بهم يردون السنن الثابتة في المسح العمامة وما يحرم من الرضاعات بأنها زائدة على ما في القرآن وتركوا ههنا عموم أمر الله تعالى بالعدل بين النساء عموما بخبر ساقط مرسل مخالف لعموم القرآن ولا حجة في احد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خالفوا طائفة من الصحابة منهم على فيمالا يعرف لهم فيه مخالف منهم في القضاء بولد الامة المستحقة لسيد أمه أو فدائه برأس أو رأسين والزام البائع الخلاص وخالفوهم وجمهور السلف في ذلك أيضا، وأما قياس القسمة على العدة فباطل لان القياس كله باطل ونعارضهم بقياس أدخل في الايهام من قياسهم وهو أنه لما كانتا في النفقة سواء وجب أن يكونا في القسمة سواء، وبالله تعالى التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل * الايلاء 1889 مسألة ومن حلف بالله عزوجل أو باسم من اسمائه تعالى ان لا يطأ امرأته أو أن يسوءها أو أن لا يجمعه واياها فراش أو بيت سواء قال ذلك في غضب أو في رضا لصلاح رضيعها أو لغير ذلك استثنى في يمينه أو لم يستثن فسواء
وقت وقتا ساعة فاكثر إلى جميع عمره أو لم يوقت الحكم في ذلك واحد، وهو أن الحاكم يلزمه أن يوقفه ويأمره بوطئها ويؤجل له في ذلك أربعة أشهر من حين يحلف سواء طلبت المرأة ذلك أو لم تطلب رضيت ذلك أو لم ترض فان فاء في داخل الاربعة الاشهر فلا سبيل عليه وان أبى لم يعترض حتى تنقضي الاربعة الاشهر فإذا تمت أجبره الحاكم بالسوط على أن يفئ فيجامع أو يطلق حتى يفعل أحدهما كما أمره الله عزوجل أو يموت قتيل الحق إلى مقت الله تعالى الا أن يكون عاجزا عن الجماع لا يقدر عليه أصلا فلا يجوز تكليفه مالا يطيق لكن يكلف أن يفئ بلسانه ويحسن الصحبة والمبيت عندها أو يطلق ولابد من أحدهما، ولا يجوز أن يطلق عليه الحاكم فان فعل لم يلزمه طلاق غيره، وسواء استثنى في يمينه أو لم يستثن، ومن آلى من اجنبية ثم تزوجها لم يلزمه حكم الايلاء لكن يجبر على وطئها كما قدمنا قبل، ومن حلف في ذلك بطلاق أو عتق أو صدقة أو مشى أو غير ذلك فليس موليا، وعليه الادب لانه حلف بما لا يجوز الحلف به * برهان ذلك قول الله عزوجل: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فان فاؤا فان الله غفور رحيم وان عزموا الطلاق فان الله سميع(10/42)
عليم) فهذه الآية تقتضي كل ما قلنا لان الالية هي اليمين وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان حالفا فلا يحلف الا بالله " فصح ان من حلف بغير الله تعالى فلم يحلف بما أمره الله عزوجل به فليس حالفا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد " ولم يخص الله تعالى بالحكم المذكور من وقت ممن لم يوقت ولا من استثنى ممن لم يستثن ولا من طلبته امرأته ممن لم تطلبه وهو حق الله عزوجل في عبده لا لها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده "، والآبي من الفيئة أو الطلاق بعد الاربعة الاشهر معلن بالمنكر فواجب تغييره باليد ما دام مظهرا للمنكر ولا يجوز أن يعارض بشئ قبل انقضاء الاربعة الاشهر لانه نص
الاية، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرا فهجرهن كلهن شهرا ثم راجعهن فمن فعل كذلك فلا شئ عليه إذا فاء قبل انقضاء الاربعة الاشهر والعاجز عن الجماع إذا حلف مول من امرأته لان الله تعالى لم يخص بذلك جماعا من غيره فواجب أن يكلف من الفيئة ما يطيق وهو مطيق على الفيئة بلسانه ومراجعته مضجعها وحسن صحبتها، وقال تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) وقال عزوجل: (وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم) فمنع عزوجل من كل شئ الا عزيمته الطلاق، فصح ان طلاق الحاكم عليه فضول وباطل وتعد لحدود الله عز وجل، ومن الباطل أن يطلق عليه غيره أو أن يفئ عنه غيره وانما أوجب الله عزوجل الحكم المذكور على من آلى من امرأته لا على من آلى ممن ليست من نسائه وإذا لم يلزم الحكم حين كون ما يوجبه لم يلزمه بعد ذلك الا بنص وبالله تعالى التوفيق * فان طلقها ثم راجعها فقد سقط عنه حكم الايلاء لانه قد فعل ما أمر الله عزوجل ومن فعل ما أمره الله تعالى فقد احسن قال الله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) وفي كثير مما ذكرنا خلاف قد رأى قوم ان الهجرة بلا يمين له حكم الايلاء * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الاصم ان ابن عباس قال له: ما فعلت اهلك عهدي بها لسنة سيئة الخلق قال: أجل والله لقد خرجت وما اكلمها فقال له ابن عباس: عجل السير ادركها قبل أن تمضى اربعة اشهر فان مضت فهى تطليقة، وصح عن ابن عباس ما رويناه من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج انا أبو الزبير انه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس انه قال: الايلاء هو ان يحلف ان لا يأتيها أبدا وصح عن عطاء أن الايلاء انما هو ان يحلف بالله على الجماع أربعة اشهر فاكثر فان لم يحلف فليس إيلاءا، وممن قال مثل قولنا بعض السلف كما روينا(10/43)
من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي قال: إذا
حلف بالله ليغيظنها.
أو ليسؤنها.
أو ليحرمنها.
اولا يجمع رأسه ورأسها.
فهو إيلاء * ومن طريق عبد الرزاق عن خصيف عن الشعبى قال: كل يمين حالت بين الرجل وبين امرأته فهى إيلاء، وممن قال بقولنا في الايمان بعض السلف كما روينا من طريق شعبة عن عبد الخالق عن حماد بن أبى سليمان في رجل قال لامرأته: انت على كظهر أمي ان قربتك قال ليس بشئ، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء في رجل قال لامرأته: أنت طالق ان مسستك أربعة اشهر قال عطاء: ليس ذلك بايلاء ليس الطلاق بيمين فيكون إيلاء، وخالف في ذلك آخرون كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أبى الشعثاء قال: ان قال: أنت على حرام أو أنت كأمى أو أنت طالق ان قربتك فهو إيلاء، وقال أبو حنيفة: ان حلف بطلاق أو عتاق أو حج أو عمرة أو صيام فهو إيلاء فان حلف بنذر صلاة أو بان يطوف أسبوعا أو بأن يسبح مائة مرة فليس موليا، وهذا كلام يغنى سماعه عن تكلف الرد عليه * وممن قال مثل قولنا في المدة طائفة كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا محمد نبن كثير عن سفيان الثوري عن ليث بن أبى سليم عن وبرة فيمن حلف ان لا يقرب امرأته عشرة ايام فلم يقربها حتى مضت ثلاثة أشهر فاتوا في ذلك ابن مسعود فجعله إيلاء، قال سفيان.
وقال ابن أبى ليلى.
وغيره: إذا آلى يوما أو ليلة فهو ايلاء * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء انه سئل عمن حلف ان لا يقرب امرأته شهرا فمكث عنها خمسة أشهر فقال عطاء: ذلك ايلاء سمى أجلا أو لم يسمه فإذا مضت أربعة اشهر كما قال عزوجل فهى واحدة يريد هي تطليقة * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتداة فيمن حلف أن لا يقرب امرأته عشرة أيام فتركها أربعة أشهر فهو إيلاء * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا يونس بن عبيد عن الحسن البصري انه كان يقول: إذا قال الرجل لامرأته والله لا أقربها الليلة فتركها أربعة أشهر فان كان تركها ليمينه فهو إيلاء * ورويناه ايضا عن ابراهيم
النخعي وبه يقول اسحق بن ابراهيم بن راهويه وصح خلاف هذا عن ابن عباس كما ذكرنا، وعن طاوس إذا حلف دون أربعة اشهر فليس إيلاء وهو قول سعيد بن جبير وأحد قولى عطاء وهو قول سفيان الثوري.
وأبى حنيفة.
وأصحابه، وقال مالك.
والشافعي.
وأبو ثور.
وأحمد بن حنبل.
وأصحابهم: لا يكون موليا من حلف ان لا يقربها أربعة أشهر فأقل انما المولى من حلف على أكثر من أربعة اشهر *(10/44)
قال أبو محمد: كلا القولين خلاف لنص الآية انما ذكر الله تعالى الايلاء من نسائهم دون توفيق ثم حكم بالتوقيف والتربص أربعة أشهر ثم حكم بعد انقضاء الاربعة الاشهر بالزام الفيئة أو الطلاق.
وأما من قال: لا ايلاء الا ما كان في غضب فروينا ذلك عن على كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا داود بن أبى هند عن سماك بن حرب عن أبى عطية الاسدي قال: قلت لعلى بن أبى طالب: تزوجت امرأة أخى وهى ترضع ابن أخى فقلت: هي طالق ان قربتها حتى تفطمه قال على: انما أردت الاصلاح لك ولابن أخيك فلا ايلاء عليك انما الايلاء ما كان في الغضب * قال أبو محمد: ونا يونس بن عبيد عن الحسن أنه كان يقول: مثل ذلك قال هشيم: ونا أبو وكيع عن أبى فزارة عن ابن عباس قال: انما جعل الايلاء في الغضب، وممن لم يراع ذلك ابراهيم النخعي.
وابن سيرين روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا القعقاع بن يزيد الضبي أنه قال لمحمد بن سيرين في قول من يقول: انما الايلاء في الغضب فقال: لا أدرى ما يقولون قال الله تبارك وتعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فان فاءوا فان الله غفور رحيم وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم) * قال أبو محمد: صدق أبو بكر رحمه الله وهو قول أبى حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وأبى سلمان.
وأصحابهم، وأما الاختلاف في هل يقع طلاق بمضي الاربعة
الاشهر أم لا يقع بذلك طلاق؟ فالذين قالوا بمضي الاربعة الاشهر يقع الطلاق فكما روينا من طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا أبو بكر بن أبى شيبة نا عبد الله بن المبارك عن معمر عن عطاء الخراساني عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عثمان بن عفان.
وزيد بن ثابت قالا في الايلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهى تطليقة وهى أملك بنفسها * ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس بن عمر وان على بن أبى طالب قال: إذا آلى منها فمضت الاربعة الاشهر فقد بانت منه ولا يخطبها غيره * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا أبو بكر بن أبى شيبة نا أبو معاوية - هو الضرير - عن الاعمش عن حبيب بن أبى ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عمر.
وابن عباس قالا جميعا: إذا آلى فلم يفئ حتى تمضى الاربعة الاشهر فهى تطليقة بائنة قال اسماعيل: ونا سليمان ابن حرب نا حماد بن زيد عن أيوب السختيانى قلت لسعيد بن جبير: أكان ابن عباس يقول في الايلاء إذا مضت أربعة أشهر فهى تطليقة بائنة وتتزوج ولا عدة عليها؟ قال: نعم * ومن طريق وكيع عن المسعودي عن على بن بزيمة عن أبى عبيدة بن عبد الله(10/45)
ابن مسعود عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: إذا آلى منها فمضت أربعة أشهر فهى تطليقة بائنة ويخطبها في عدتها ولا يخطبها غيره * قال أبو محمد: هذا خلاف قول ابن عباس لان ابن عباس رأى انقضاء العدة مع انقضاء الاربعة الاشهر، ورأى ابن مسعود أنها تبتدئ العدة بعد انقضاء الاربعة الاشهر وبقول ابن عباس يقول جابر بن زيد * ورويناه من طريق سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد قال: إذا آلى الرجل فمضت أربعة أشهر فليس عليها عدة، ويقول ابن مسعود يقول مسروق كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا المغيرة عن الشعبى.
عن مسروق أن رجلا استفتاه في ايلائه من امرأته فقال له مسروق، إذا مضت الاربعة الاشهر بانت منك بتطليقة وتعتد بثلاث
حيض فتخطبها ان شئت وشاءت ولا يخطبها غيرك * ورويناه ايضا عن شريح وبه يقول عطاء، وممن صح عنه أنها تطليقة بائنة الحسن البصري.
وابراهيم النخعي.
وقبيصة بن ذئيب.
وعكرمة مولى ابن عباس.
وعلقمة.
والشعبى وبه يقول أبو حنيفة.
واصحابه.
وابن جريج.
وسفيان الثوري.
وابن أبى ليلى.
والاوزاعي، ويرى أبو حنيفة ان تعتد بعد انقضاء الاربعة الاشهر، وقالت طائفة منهم بمضي الاربعة الاشهر تقع عليها تطليقة رجعية كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: قال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام في الايلاء: إذا مضت أربعة اشهر فهى تطليقة وهو أحق بها وبه يقول الزهري ومكحول، وروى عن سعيد بن المسيب ولم يصح عنه، وأما من قال: يوقف بعد الاربعة الاشهر فكما روينا من طريق سعيد بن منصور نا عبد العزيز بن محمد الدراوردى انا يحيى بن سعيد الانصاري عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت لا ترى الايلاء شيئا حتى يوقف * ومن طريق اسماعيل بن أسحق نا نصر بن على الجهضمى نا سهل بن يوسف.
ومحمد بن جعفر غندر كلاهما عن شعبة عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير قال: ان عمر بن الخطاب قال في الايلاء: إذا مضت أربعة أشهر فهى امرأته * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن مسعر ابن كدام عن حبيب بن أبى ثابت عن طاوس عن عثمان بن عفان قال: يوقف المولى فاما ان يفئ واما أن يطلق * ومن طريق اسماعيل بن اسحق نا عبد الله بن مسلمة - هو القعنبى - نا سليمان بن بلال عن عمر بن حسين ان عثمان بن عفان كان لا يرى الايلاء شيئا وان مضى أربعة اشهر حتى يوقف، وصح عن على كما روينا من طريق سعيد ابن منصور نا هشيم انا الشيباني - هو أبو إسحق - عن بكير بن الاخنس عن مجاهد(10/46)
عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال: شهدت على بن أبى طالب أوقف رجلا عند الاربعة الاشهر بالرحبة اما أن يفئ وأما أن يطلق * ومن طريق اسماعيل بن اسحق نا على
ابن عبد الله المدينى نا جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب عن أبى البخترى عن على ابن أبى طالب قال: إذا آلى الرجل من امرأته وقف عند تمام الاربعة الاشهر، وقيل له: اما تفئ واما تعزم الطلاق ويجبر على ذلك * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: يوقف المولى عند انقضاء الاربعة الاشهر فاما أن يفئ.
واما أن يطلق * ومن طريق حماد بن سلمة أنا قتادة عن سعيد بن المسيب والقاسم ابن محمد بن أبى بكر وطاوس.
ومجاهد كلهم أن أبا الدرداء قال: يوقف في الايلاء عند انقضاء الاربعة الاشهر فاما أن يطلق واما أن يفئ * ومن طريق سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يقول في الايلاء: يوقف وهو قول سعيد بن المسيب وطاوس.
ومجاهد.
والقاسم بن محمد بن أبى بكر كلهم صح عنه ان المولى يوقف فاما ان يفئ واما أن يطلق، وصح ذلك عن عمر بن عبد العزيز.
وعروة بن الزبير.
وأبى مجلز.
ومحمد بن كعب كلهم يقول يوقف * ومن طريق اسماعيل بن اسحق نا سليمان ابن حرب نا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سليمان بن يسار قال: أدركت الناس يقفون صاحب الايلاء إذا مضت أربعة أشهر فاما أن يفئ واما أن يطلق وهو قول سليمان بن يسار وهو قول مالك.
والشافعي.
وأبى ثور.
وابى عبيد.
وأحمد.
واسحق.
وأبى سليمان.
وأصحابهم الا ان مالكا.
والشافعي في أحد قوليه يقولان: يطلق الحاكم عليه ان أبى ثم اختلفا فقال الشافعي: له أن يراجعها ما دامت في عدتها فان وطئها فذلك سقوط الايلاء وان لم يطأها عاد عليه التوقيف أربعة أشهر من ذى قبل، فان فاء والا طلق عليه الحاكم ثم له أن يراجعها فان وطئها سقط الايلاء والا عاد عليه التوقيف أربعة أشهر ثم يطلق عليه الحاكم وتحرم عليه الا بعد زوج * قال على: وهذا قول فاسد لانه يصير التوقيف في الايلاء بلا شك عاما كاملا وهذا خلاف القرآن وإذا بطل التوقيف بطل الايلاء الذى أوجبه بلا شك وقال مالك: له
أن يراجعها فان وطئها سقط عنه الايلاء وان لم يطأها بانت عنه عند تمام عدتها من طلاق الحاكم * قال أبو محمد: وهذا كلام لا ندري كيف قاله قائله إذ ليس في الباطل اكثر من اجازة كون امرأة في عصمة زوج صحيح الزوجية وهى في عدة من طلاق غيره عليه وما(10/47)
نعلم في أي دين الله تعالى وجد هذا * واعلموا أن قول مالك لم يقله أحد قبله ولا قاله أحد غيره الا من ابتلى بتقليده.
ثم أن قوله الذى اتبعه عليه الشافعي من أن يطلق عليه غيره لم يحفظ قط عن أحد قبل مالك وهو قول مخالف للقرآن وللسنن كلها وللقياس والمعقول، أما القرآن فان الله عزوجل يقول: (وان عزموا الطلاق) فجعل عزيمة الطلاق إلى الزوج المولى لا إلى غيره، وقال عزوجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فمن الباطل ان يطلق احد على غيره لا حاكم ولا غير حاكم، وأما السنن فانها انما جاءت في مواضع معروفة بفسخ النكاح وأما بطلاق احد عن غيره فلا أصلا، وكل من روى عنه في هذا كلمة فانما قال بقولنا إما أن يفئ واما أن يطلق فالواجب أن يجبر على أيهما شاء ولابد، وأما القياس فلا أدرى من أين اجازوا ان يطلق الحاكم على المولى ولم يجيزوا ان يفئ عنه ولا فرق بين الامرين، فان قالوا: لا يحل للحاكم ان يستحل فرج امرأة سواه فيكون زنا قلنا له: ولا يحل له ان يبيح فرج امرأة سواه لغير زوجها بأن يطلقها عليه فيكون اباحة للزنا ولا فرق، فان قالوا: أي فرق بين ان يفسخ نكاحه وبين ان يطلقها عليه قلنا: ولا فرق وما أجزنا قط أن يفسخ الحاكم نكاح امرأة في العالم عن زوجها ومعاذ الله من ذلك انما قلنا: كل نكاح اوجب الله تعالى في القرآن أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فسخه فهو مفسوخ سواء أحب الحاكم ذلك أو كرهه ولا مدخل للحاكم في ذلك ولا رأى له فيه انما الحاكم منفذ بقوة سلطانه كل ما أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم ومانع من العمل بما لم يأمر الله تعالى به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فقط
وكل ما حكم به الحاكم، مما عدا ما ذكرنا فهو باطل مردود مفسوخ ابدا * 1890 مسألة والعبد.
والحر في الايلاء كل واحد منهما من زوجته الحرة أو الامة المسلمة أو الذمية الكبيرة أو الصغيرة سواء في كل ما ذكرنا لان الله عزوجل عم ولم يخص (وما كان ربك نسيا) وروينا عن عمر بن الخطاب ولم يصح عنه لانه من طريق عبد الرزاق عن ابراهيم بن محمد بن أبى يحيى عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل أبى طلحة عن سفيان بن يسار عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال قال عمر بن الخطاب: إيلاء العبد شهران * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج بلغني عن عمر ايلاء العبد شهران، وروينا عنه أيضا إيلاء الامة شهران ولا يصح أيضا لانه من طريق سعيد ابن منصور عن حبان بن على عن ابن أبى ليلى عن عبد الكريم عن ابن سيرين ان عمر، قال: طلاق الامة تطليقتان وإيلاؤها شهران، وصح عن عطاء ان لا إيلاء للعبد دون سيده وهو شهران وبه يقول الاوزاعي.
والليث.
ومالك.
واسحاق، فان موهوا(10/48)
بعمر قلنا: وقد جاء عن عمر الايلاء من الامة شهران وجاء عنه لا ينكح العبد الا اثنتين فخالفتموه وهذا تلاعب، وقالت طائفة: الحكم في ذلك للنساء فان كانت حرة فايلاء زوجها الحر والعبد عنها أربعة اشهر وان كانت أمة فايلاء زوجها الحر والعبد عنها شهران وهو قول ابراهيم النخعي.
وقتادة.
وسفيان الثوري، وأبى حنيفة وأصحابه، وقالت طائفة: ايلاء الحر والعبد من الزوجة الحرة والامة سواء وهو أربعة اشهر وهو قول الشافعي.
وأحمد بن حنبل.
وأبى ثور.
وأبى سليمان.
وأصحابهم * قال أبو محمد: لا حجة لاحد من القرآن * 1891 مسألة: ومن آلى من أربع نسوة له بيمين واحدة وقف لهن كلهن من حين يحلف فان فاء إلى واحدة سقط حكمها وبقى حكم البواقى فلا يزال يوقف لمن لم يفئ إليها حتى يفئ أو يطلق وليس عليه في كل ذلك الا كفارة واحدة لانها يمين
واحدة على أشياء متغايرة ولكل واحدة حكمها وهو مول من كل واحدة منهن (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * 1892 مسألة: ومن آلى من أمته فلا توقيف عليه لان الله عزوجل قال: (وان عزموا الطلاق) فصح ان حكم الايلاء انما هو فيمن تلزمه فيها الفيئة أو الطلاق وليس في المملوكة طلاق أصلا فصح انه في المتزوجات فقط وبالله تعالى التوفيق * 1893 مسألة وأما قولنا فيمن آلى من أجنبية ثم تزوجها انه ليس عليه حكم الايلاء فلان الله عزوجل انما قال: (للذين يؤلون من نسائهم) فمن آلى من اجنبية فلم يول من أحد من نسائه فلا إيلاء.
عليه، فان قيل: قد صارت من نسائه قلنا: من المحال ان يسقط الحكم حين ايجابه ويجب حين لم يجب ولم يوجب ذلك نص وارد ولا جاءت به سنة ولان التربص لا يكون الا حيث يؤخذ بالفيئة، ولا يجوز ذلك في أجنبية وبالله تعالى التوفيق * تم كتاب الايلاء بحمد الله تعالى وحسن عونه وصلى الله عليه سيدنا محمد وعلى آله وسلم * بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب الظهار 1894 مسألة ومن قال من حر أو عبد لامرأته أو لامته التى يحل له وطؤها: انت على كظهر امى، أو قال لها: أنت منى بظهر امى أو كظهر أمي أو مثل ظهر أمي فلا شئ عليه ولا يحرم بذلك وطؤها عليه حتى يكرر القول بذلك مرة أخرى فإذا قالها مرة ثانية وجبت عليه كفارة الظهار وهى عتق رقبة، ويجزى في ذلك المؤمن والكافر (م 7 - ج 10 المحلى)(10/49)
والذكر والانثى والمعيب والسالم فمن لم يقدر على رقبة فعليه صيام شهرين متتابعين ولا يحل له ان يطأها ولا ان يمسها بشئ من بدنه فضلا عن الوطئ الا حتى يكفر بالعتق أو بالصيام فان أقدم أو نسى فوطئ قبل ان يكفر بالعتق أو بالصيام أمسك عن الوطئ حتى يكفر ولا
بد، فان عجز عن الصيام فعليه ان يطعم ستين مسكينا متغايرين شبعهم، ولا يحرم عليه وطؤها قبل الاطعام ولا يجب شئ مما ذكرنا الا بذكر ظهر الام ولا يجب بذكر فرج الام ولا بعضو غير الظهر ولا بذكر الظهر أو غيره من غير الام لا من ابنة ولا من أب ولا من أخت ولا من اجنبية والجدة ام * برهان ذلك قول الله عزوجل: (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم ان أمهاتهم) الآية إلى قوله تعالى: (والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا: فتحرير رقبة من قبل ان يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل ان يتماسا فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا) فهذه الآية تنتظم كل ما قلناه لان الله عزوجل لم يذكر الا الظهر من الام ولم يوجب تعالى الكفارة في ذلك الا بالعود لما قال وأوجب عتق الرقبة ولم يخص كافرة من مؤمنة ولا معيبة من صحيحة ولا ذكرا من أنثى ولا كبيرا من صغير (وما كان ربك نسيا)، وشرط الله عزوجل في العتق والصيام قبل التماس ولم يشترط ذلك في الكفارة بالاطعام (لا يضل ربى ولا ينسى) تبيانا لكل شئ، ولا يجزى التكرار على اقل من ستين مسكينا لانهم ليسوا ستين مسكينا ولا خلاف في الاشباع ولم يشترط تعالى طعاما دون طعام ولم يخص تعالى حرا من عبد ولا زوجة من أمة، وفيما ذكرنا خلاف ذهب قوم إلى ان الظهار من الامة لا تجب فيه كفارة روى ذلك عن الشعبى في قول له وعكرمة ولم يصح عنهما وصح عن مجاهد في أحد قوليه.
وابن أبى مليكة، وهو قول أبى حنيفة.
والشافعي.
وأحمد.
واسحق.
وأصحابهم الا ان أحمد قال في الظهار من ملك اليمين كفارة يمين، وقالت طائفة: ان كان يطأ الامة فعليه كفارة الظهار ان كان لا يطؤها فلا كفارة ظهار عليه صح هذا القول عن سعيد بن المسيب.
والحسن البصري في أحد قوليهما، وقالت طائفة: الظهار من الامة كالظهار من الحرة صح ذلك عن سعيد بن المسيب.
والحسن.
وسليمان بن يسار.
ومرة الهمداني.
وابراهيم النخعي.
وسعيد بن جبير.
والشعبى وعكرمة.
وطاوس.
والزهرى.
وقتادة.
وعمرو بن دينار.
ومنصور بن المعتمر، وهو قول مالك.
والليث.
والحسن بن حى.
وسفيان الثوري.
وأبى سليمان.
وجميع أصحابهم * قال أبو محمد: احتج القائلون بأنه ليس ظهارا بأن قالوا: قسناه على الايلاء،(10/50)
قال على: القياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل والتحكم لانه ليس قياس ذكر النساء في الظهار على ذكر النساء في الايلاء بأولى من قياس ذكر النساء في الظهار على ذكر النساء فيما حرم الله عزوجل علينا إذ يقول: (وأمهات نسائكم) فدخل في ذلك باجماع منا ومنهم الاماء مع الحرائر، والعجب انهم يقولون: ان أضعف النصوص أولى من القياس، وهذا مكان تركوا فيه عموم القرآن لقياس فاسد وليس في الظهار علة تجمعه بالايلاء فيجوز القياس عليها عند أصحاب القايس، وأتوا بأهذار بعد هذا لا معنى لذكرها لانها سخافات وحماقات، وقالت طائفة: الظهار يجب بقول مرة واختلفوا في معنى العود لما قالوا، فقالت طائفة مرة العود لما قالوا هو الوطئ نفسه فلا تجب عليه كفارة الظهار حتى يطأها فإذا وطئها لزمته الكفارة والامساك عن وطئها حينئذ، صح ذلك عن طاوس.
وقتادة.
والحسن.
والزهرى * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قول الله عزوجل: (ثم يعودون لما قالوا) قال: جعلها عليه كظهر أمه ثم يعود فيطؤها فتحرير رقبة * ومن طريق ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال في قوله عزوجل: (ثم يعودون لما قالوا) قال: يعود لمسها * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه في قوله عزوجل: (ثم يعودون لما قالوا) قال: جعلها عليه كظهر أمه ثم يعود فيطؤها فتحرير رقبة، وقالت طائفة: إذا تكلم بالظهار فقد لزمه كفارة كما روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن ابن أبى نجيح عن طاوس قال: إذا تكلم بالظهار فقد لزمه وهو قول سفيان الثوري.
وعثمان البتى قال البتى: ان ماتت لم يصل إلى ميراثها حتى يكفر وان
وطئها كفر، وقالت طائفة: العود ههنا ارادة الوطئ فمن ظاهر من امرأته لم يلزمه كفارة الوطئ حتى يريد وطئها فإذا اراد وطأها فحينئذ لزمته الكفارة فان بدا له عن وطئها سقطت عنه الكفارة فان أراد عادت عليه الكفارة فان بداله سقطت عنه، وهكذا ابدا، وهو قول مالك في أشهر قوليه وروى عن عبد العزيز الماجشون وما نعلم هذا عن أحد قبلهما وهو أسقط الاقوال لتعريه عن الادلة ولانه ايجاب وابطال للدعوى بلا معنى، وقالت طائفة: معنى العود أن الظهار يوجب تحريما لا ترفعه الا الكفارة الا أنه ان لم يطأها مدة طويلة حتى ماتت فلا كفارة عليه سواء أراد في خلال ذلك وطئها أو لم يرد فان طلقها ثلاثا فلا كفارة عليه فان تزوجها بعد زوج عاد عليه حكم الظهار ولا يطؤها حتى يكفر وهذا قول أبى حنيفة قال: والظهار قول كانوا يقولونه في الجاهلية فنهوا عنه فكل من قاله فقد عاد لما قال *(10/51)
قال أبو محمد: وهذا قريب في الفساد من قول مالك لانه تحكم بالباطل ولعب وكذب ظاهر لان الذين يقولونه في الاسلام لم يقولوه قط في الجاهلية وانما قال عز وجل: (ثم يعودون لما قالوا) ولم يقل لما قال غيرهم، وذكر هذين القولين يغنى عن تكلف الرد عليهما لظهور فسادهما وانهما شرع لم يأذن به الله تعالى وانهما لا يحفظان عن أحد قبل أبى حنيفة.
ومالك، وقالت طائفة: العود هو أن يظاهر منها ثم يمسكها مدة بقدر أن يقول فيها: أنت طالق فلا يطلقها في تلك المدة فإذا فعل ذلك فقد عاد لما قال ولزمته الكفارة ماتت أو عاشت طلقها بعد ذلك أو لم يطلقها فان طلقها أثر ظهاره منها فلا كفارة ظهار عليه وهذا قول الشافعي.
وبعض أصحابنا، وروى أشهب عن مالك انه قال: إذا ظاهر من امرأته ثم أمسكها وعزم على وطئها فقد لزمته الكفارة ولا تسقط عنه بعد ماتت أو عاشت، وقالت طائفة: كقولنا روى عن بكير بن الاشج.
ويحيى بن زياد الفراء، وقد روى نحوه عن عطاء *
قال أبو محمد: جميع الاقوال التى قدمنا انما هي دعاوى لا توافق في اللغة التى بها خاطبنا الله عزوجل وبها نزل القرآن ما يقع عليه لفظة العود (1) لما قال وما كان هكذا فهو باطل بيقين نعنى من فسر العود بالوطئ أو بارادة الوطئ أو بالامساك إذ ليس شئ من هذا عود لما قال، وكذلك من قال: انه يوجب تحريما لا يرفعه الا الكفارة لان الله تعالى لم يوجب الكفارة بالظهار وحده لكن به وبالعود لما قال هذا نص القرآن * قال أبو محمد: ولم يبق إلا قولنا وهو أن يعود لما قال ثانية ولا يكون العود للقول الا بتكريره لا يعقل في اللغة غير هذا، وبهذا جاءت السنة كما روينا من طريق سليمان ابن حرب.
ومحمد بن الفضل عارم كلاهما عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن جميلة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت وكان به لمم فكان إذا اشتد لممه ظاهر منها فأنزل الله عزوجل فيه كفارة الظهار * قال أبو محمد: هذا يقتضى التكرار ولابد ولا يصح في الظهار الا هذا الخبر وحده الا خبرا نذكره بعد هذا ان شاء الله عزوجل وكل ما عدا ذلك فساقط اما مرسل واما من رواية من لاخير فيه كما بينا في كتاب الايصال والحمد لله رب العالمين * واختلفوا فيما يجزى في ذلك من الرقاب، فقالت طائفة: لا يجزى في ذلك عتق الكتابى وهو قول مالك، وقال أصحابنا.
وأبو حنيفة: يجزى وانما قال المالكيون ذلك قياسا على رقبة كفارة قتل الخطأ *
__________
(1) في النسخة رقم 16 لفظ العود(10/52)
قال أبو محمد: وهذا خطأ لان القياس باطل ولو كان حقا لكان هذا [ منه ] (1) باطلا لانهم جمعوا بين الكفارتين في ان لا يجزى فيهما كافر ولم يجمعوا بينهما ولا قاسوا احداهما على الاخرى في تعويض الاطعام من الصيام لمن عجز عن الصيام وهذا تحكم لا يسوغ لاحد، فان قالوا: لم يذكر تعويض الصيام في كفارة القتل انما
ذكر في الظهار فقلنا: ولا ذكرت المؤمنة الا في كفارة القتل ولم تذكر في الظهار فاما قسوا كل واحدة على الاخرى واما أن لا تقيسوا [ كل ] (2) واحدة منهما على الاخرى، وأما قياسكم احداهما على الاخرى في بعض ما فيها دون سائر ما فيها فتحكم فاسد ومناقضة ظاهرة، وقال أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي في الرقبة المعيبة اقوالا في غاية الفساد، ولا ندرى ما ذنب المعيب عندهم فلم يجيزوا عتقه في واجب، فان قالوا: السالم اكثر ثمنا قلنا: والبيضاء الجميلة أكثر من السوداء الذميمة فلا تجيزوا في ذلك السوداء الذميمة، وجملة الامر فانما هي آراء فاسدة ونعوذ بالله من التحكم في الدين بمثلها * وقد روينا عن النخعي.
والشعبى ان عتق الاعمى يجزى في ذلك، وعن ابن جريج ان الاشل يجزى، وقالت طائفة: ان ظاهر بذات محرم فهو ظهار وان ظاهر بغير ذات محرم فليس ظهارا، روينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن الحسن البصري قال: من ظاهر من ذات محرم فهو ظهار * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء من ظاهر بذات محرم أو بأخت من الرضاعة فكل ذلك كأمه لا تحل له حتى يكفر فان ظاهر ببنت خاله فليس ظهارا، ورويناه عن الشعبى وهو قول أبى حنيفة.
وأحد قولى الشافعي، وللشافعي قول آخر هو أشهر أقواله وهو ان كل من ظاهر بامرأة حل له نكاحها يوما من الدهر فليس ظهارا ومن ظاهر بامرأة لم يحل له نكاحها قط فهو ظهار، وقال مالك: من ظاهر بذات محرم أو بأجنبية أو بابنة فهو كله ظهار، وروينا عن الشعبى لا ظهار إلا بأم أو جدة وهو قول رواه أيضا أبو ثور عن الشافعي وبه يقول أبو سليمان.
وأصحابنا * قال أبو محمد: يقال لمن قال: لا ظهار الا من ذات محرم من اين خصصتم ذوات المحارم؟ فان قالوا: لانهن محرمات كالام قلنا: والاب أيضا محرم كالام وجميع الرجال كذلك، فان قالوا: ليسوا من النساء والام من النساء قلنا: ولا ذوات المحارم أمهات والام هي التى ولدته فما الفرق بين قياس وقياس، ويقال لمن قال بالظهار
من كل اجنبية ومن الاب أيضا: من اين قستم الظهار بالاب على الظهار بالام ولم تقيسوا
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16 (2) الزيادة من النسخة رقم 16(10/53)
ظهار المرأة من الرجل على ظهار الرجل من المرأة؟ وقد قال بهذا جماعة كلهم اجل من مالك.
وأبى حنيفة كما روينا من طريق أحمد بن حنبل نا هشيم انا مغيرة - هو ابن مقسم - عن ابراهيم النخعي ان عائشة بنت طلحة بن عبيدالله قالت: ان تزوجت مصعب بن الزبير فهو على كظهر امى فسألت أهل المدينة فرأوا ان عليها الكفارة قال الاثرم: فقلت لاحمد بن حنبل: اتكفر؟ قال: نعم تكفر، فهذا كما يرى أهل المدينة في زمن مصعب هذا قديم * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة عن ابراهيم النخعي ان عائشة بنت طلحة ظاهرت من المصعب بن الزبير ان تزوجته فتزوجته فسألت الفقهاء وهم متوافرون؟ فأمرت بكفارة * ورويناه أيضا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبى اسحاق الشيباني.
واشعث بن عبد الملك الحمراني قال أبو إسحق عن الشعبى.
وقال الحمراني عن محمد بن سيرين كلاهما بمثل حديث ابراهيم * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن شبرمة قال قالت بنت طلحة: مصعب بن الزبير ان نكحته فهو على كظهر ابيها ثم نكحته فسألت عن ذلك أصحاب ابن مسعود؟ فقالوا: تكفر * وبه إلى معمر عن الزهري في امرأة قالت لزوجها: هو عليها كأبيها فقال الزهري: قالت منكرا من القول وزورا فنرى أن تكفر بعتق رقبة أو بصوم شهرين متتابعين أو تطعم ستين مسكينا ولا يحول بينها وبين زوجها ان يطأها * وروينا من طريق سفيان الثوري عن عمرو بن عامر النهدي عن الحسن البصري انه كان يرى تظاهر المرأة من الرجل ظهارا، وهو قول الاوزاعي.
والحسن بن حى.
والحسن بن زياد اللؤلؤي * فان قالوا: كان الظهار طلاق الجاهلية والطلاق إلى الرجال قلنا: ومن اين صح عندكم ان الظهار كان طلاق الجاهلية؟ فكيف وانتم تجيزون ان يكون الطلاق بيد
المرأة إذا جعله الرجل بيدها فقولوا كذلك في الظهار وهذا كله يبين فساد القياس وتناقضه * وقالت طائفة منهم سفيان الثوري.
والشافعي: ان ظاهر برأس أمه أو يدها فهو ظهار، وقال أبو حنيفة: ان ظاهر بشي لا يحل له ان ينظر إليه من أمه فهو ظهار وان ظاهر بشئ يحل له ان ينظر إليه من أمه فليس ظهارا * قال أبو محمد: وكل هذه مقاييس فاسدة ليس بعضها أولى من بعض، وكذلك قياس قول مالك ذكره ابن القاسم أن ما ظاهر به من أعضاء أمه فهو ظهار والحق من ذلك ما ذكرنا من أن لا نتعدى النص الذى حده الله تعالى قال الله تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وقال أبو حنيفة: ان كرر الاطعام على مسكين واحد ستين يوما أجزأه *(10/54)
قال أبو محمد: هذا خلاف ايجاب الله تعالى ستين مسكينا، وأما من شرع في الصوم فوطئ ليلا قبل أن يتمهن (1) أو وطى.
قبل أن يكفر بعتق أو بصوم فروى عن أبى يوسف أنه لا يكفر لانه لا يستطيع على الكفارة، وقال آخرون: ليس عليه الا كفارة واحدة كما روينا عن وكيع عن هشام الدستوائى عن قتادة عن سعيد ابن المسيب في المظاهر يجامع قبل أن يكفر قال: يمسك حتى يكفر * ومن طريق وكيع أيضا عن الصلت بن دينار قال: سألت عشرة من الفقهاء عن المظاهر يجامع قبل أن يكفر فقالوا: كفارة واحدة قال وكيع: وهم الحسن.
وابن سيرين.
ومورق العجلى.
وبكر بن عبد الله المزني.
وقتادة.
وعطاء.
وطاوس.
ومجاهد.
وعكرمة قال وكيع: والعاشر أراه نافعا وهو قول ابراهيم النخعي.
والشعبى، وقالت طائفة: عليه كفارتان كما روينا من طريق ابن أبى شيبة نا عبد الاعلى.
ويزيد بن هرون قال عبد الاعلى: عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن رجاء بن حيوة (2) عن قبيصة بن ذويب عن عمرو بن العاصى، وقال يزيد بن هرون عن التيمى بلغني عن ابن عمر ثم اتفق عمرو
ابن العاص.
وابن عمر في المظاهر يطؤها قبل أن يكفر قالا جميعا عليه كفارتان * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن قبيصة بن ذوئيب في المظاهر يطؤها قبل أن يكفر قال عليه كفارتان قال معمر: وهو قول قتادة أيضا وهو قول سعيد ابن جبير.
والحكم بن عتيبة.
وعبيد الله بن الحسن القاضى، وقالت طائفة: عليه ثلاث كفارات كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم ارنا يونس بن عبيد.
وعبيدة قال يونس: عن الحسن وقال عبيدة: عن ابراهيم قالا جميعا في الذى يظاهر ثم يطؤها قبل ان يكفر: عليه ثلاث كفارات * قال أبو محمد: كان القول قول أبى يوسف لولا الخبر الذى روينا من طريق أحمد ابن شعيب انا الحسن بن حريث ارنا الفضل بن موسى عن معمر عن الحكم بن ابان عن عكرمة عن ابن عباس " أن رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله انى ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقربها حتى تفعل ما أمر الله عزوجل " * قال أبو محمد: فوجب الوقوف عند أمره صلى الله عليه وسلم قال على: هذا خبر صحيح من رواية الثقات لا يضره ارسال من أرسله * قال أبو محمد: وأما من شرع في الصوم فوطئ قبل التى ظاهر عليها ليلا قبل أن
__________
(1) أي أيام الصوم، وفي النسخة رقم 14 قبل أن يتمها (2) في النسخة رقم 14 جابر بن حيوة وهو غلط(10/55)
يتم الشهرين فان مالكا قال: يبتدئ الشهرين من ذى قبل، وقال أبو حنيفة.
والشافعي يتمهما بانيا على ما صام منهما، وهذا هو صحيح إذ انما كان الواجب أن يكون الشهران يتمان قبل الوطئ فإذ لا سبيل إلى ذلك بعد فلا يكون ما بقى منهما بعد الوطئ وما مضى منهما قبل الوطئ خير من أن يقصد إلى ان يكونا بكمالهما بعد الوطئ وأما ظهار العبد ففيه اختلاف روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن ابراهيم
النخعي قال في العبد يظاهر من امرأته انه ان صام شهرا أجزأ عنه * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء في عبد ظاهر من امرأة قال: ينتظر الصوم ولا ظهار لعبد دون سيده، وقال آخرون كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يونس ابن عبيد عن الحسن البصري في العبد المظاهر يصوم شهرين وان اذنوا له في العتق جاز وله أن يطعم * وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن ليث بن أبى سليم عن مجاهد في تكفير العبد قال: ليس على العبد الا الصوم والصلاة، وقال طاوس كقولنا كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة قال قلت: لعبد الله ابن طاوس: ما كان أبوك يقول في ظهار العبد قال: كان يقول عليه مثل كفارة الحر، وقال أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي: يصوم شهرين ولا يجزيه العتق * قال على: لم يخص الله عزوجل حرا من عبد، (وما كان ربك نسيا) * 1895 مسألة ومن ظاهر من أجنبية ثم كرره ثم تزوجها فليس عليه ظهار ولا كفارة، وقد اختلف الناس في هذا فروينا من طريق مالك عن سعيد ابن عمرو بن سليم الزرقى عن القاسم بن محمد قال: جعل رجل امرأة كظهر أمه ان تزوجها فقال له عمر بن الخطاب: ان تزوجتها فلا تقربها حتى تكفر، وهو قول عطاء.
وسعيد بن المسيب.
والحسن.
وعروة بن الزبير صح ذلك عنهم، وهو قول أبى حنيفة.
ومالك.
وأحمد بن حنبل.
وأصحابهم.
وسفيان الثوري.
واسحاق، وقالت طائفة: كما قلنا روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان لا يرى الظهار قبل النكاح شيئا ولا يرى ايضا الطلاق قبل النكاح شيئا وهذا في غاية الصحة عن ابن عباس * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الحسن.
وقتادة قالا جميعا: ان ظاهر قبل ان ينكح فليس بشئ وهو قول الشافعي.
وأبى سليمان * قال أبو محمد: قال الله تعالى: (الذين يظاهرون من نسائهم) فانما جعل الكفارة على من ظاهر من امرأته ثم عاد لما قال ولم يجعل تعالى ذلك على من ظاهر من غير امرأته،
فان قيل: فانه إذا تزوجها فهو مظاهر منها وهى امرأته قلنا: انما الظهار حين النطق به(10/56)
لا بعد ذلك، ومن الباطل ان لا يلزم الحكم للقول حين يقال ثم يلزم حين لا يقال، ومن علق ظهاره بشئ يفعله مثل ان يقول: أنت كظهر أمي ان وطأتك أو قال: ان كلمت زيدا وكرر ذلك فليس ظهارا فعل ذلك الشئ أو لم يفعله لانه لم يمض الظهار ولا التزمه حين نطق به، وكل ما لم يلزم حين التزامه لم يلزم في غير حال التزامه الا أن يوجب ذلك نص ولا نص ههنا * 1896 مسألة: ومن ظاهر ثم كرر ثانية ثم ثالثة فليس عليه الا كفارة واحدة لان الثانية بها وجبت الكفارة كما قدمنا وحصلت الثالثة منفردة لا توجب شيئا فان كرر رابعة فعليه كفارة اخرى وهكذا القول في كل ما اعاد من الظهار لان بتكراره ثانية تجب الكفارة وتلزم فيكون فيما بعدها مبتدئا للظهار فان كرره وجبت كفارة أيضا وبالله تعالى التوفيق، وقد جاءت في هذا آثار روينا من طريق عبد الرزاق عن مطرف عن سعيد عن قتادة عن خلاس عن على بن أبى طالب قال: إذا ظاهر في مجلس واحد مرارا فكفارة واحدة وان ظاهر في مقاعد شتى فعليه كفارات شتى والايمان كذلك وهو قول قتادة.
وعمرو بن دينار صح ذلك عنهما، وقال آخرون: ليس في كل ذلك الا كفارة واحدة روينا عن طاوس.
وعطاء.
والشعبى قالوا: إذا ظاهر الرجل من امرأته خمسين مرة فانما عليه كفارة واحدة، وصح مثله عن الحسن.
وعطاء وهو قول الاوزاعي، وقالت طائفة: كفارة واحدة سواء كان ذلك في مجلس واحد أو في مجالس شتى ما لم يكفر فان كفر ثم ظاهر فكفارة اخرى * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن الحسن قال: إذا ظاهر مرارا وان كان في مجالس شتى فكفارة واحدة ما لم يكفر، والايمان كذلك قال معمر: وهو قول الزهري * قال أبو محمد: وهو قول مالك، وقال أبو حنيفة: ان كان كرر الظهار في مجلس
واحد ونوى التكرار فكفارة واحدة وان لم تكن له نية فلكل ظهار كفارة، وسواء كان ذلك في مجلس واحد أو في مجالس شتى * قال على: لا نعلم هذا عن أحد قبل أبى حنيفة وبالله تعالى التوفيق، وهذه أقوال لا برهان على صحتها لا من قرآن ولا سنة.
ولا من قياس وبالله تعالى التوفيق * 1897 مسألة ومن لزمته كفارة الظهار لم يسقطها عنه موته ولا موتها ولا طلاقه لها وهى من رأس ماله ان مات أوصى بها أو لم يوص لانها من ديون الله عزوجل فهى مقدمة على ديون الناس * 1898 مسألة فمن عجز عن جميع الكفارات فحكمه الاطعام ابدا أيسر (م 8 - ج 10 المحلى)(10/57)
بعد ذلك أم لم يوسر قوى على الصيام أو لم يقو وذلك لانه إذا عجز عن العتق والصيام فقد استقر عليه الاطعام بنص القرآن ولم يعوض الله عزوجل منه شيئا أصلا فهو حكم من عجز عن العتق والصوم ومن عجز عن شئ لم يوقت الله عزوجل له آخر فهو لازم ابدا لان أمره تعالى واجب لا يسقطه شئ ومن كان حين لزومه كفارة ظهار له قادرا على عتق رقبة لم يجزه غيرها أبدا وان افتقر فأمره إلى الله عزوجل لان فرض الله تعالى عليه بالعتق قد استقر فلا يحيله شئ ومن كان عاجزا عن الرقبة قادرا على صوم شهرين متصلين لا يحول بينهما رمضان ولا بيوم لا يحل صيامه واتصلت قوته كذلك إلى انقضاء المدة المذكورة فلم يصمها ثم عجز عن الصوم إلى ان مات لم يجزه اطعام ولا عتق ابدا، فان صح صامهما وان مات صامهما عنه وليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " فلو لم تتصل صحته وقوته على الصيام جميع المدة التى ذكرنا فان أيسر في خلالها فالعتق فرضه ابدا فان لم يوسر فالاطعام فرضه ابدا وبالله تعالى التوفيق *
العنين 1899 - مسألة - ومن تزوج امرأة فلم يقدر على وطئها سواء كان وطئها مرة أو مرارا أو لم يطأها قط فلا يجوز للحاكم ولا لغيره ان يفرق بينهما أصلا ولا ان يؤجل له أجلا وهى امرأته ان شاء طلق وان شاء أمسك، وفي هذا خلاف قديم وحديث روينا عن عثمان بن عفان أنه أمره بفراقها دون توقيف ولا تأجيل وهو منقطع سليمان بن يسار أن عثمان * وروينا من طريق ابى عبيد نا يزيد بن عيينة ابن عبد الرحمن عن أبيه أنه حضر سمرة بن جندب قد شكت إليه امرأة ان زوجها لا يصل إليها فكتب في ذلك سمرة إلى معاوية فكتب إليه معاوية ان يزوجه امرأة ذات جمال ودين ويدخله عليها ثم يسألها فان ذكرت انه لا يطؤها أمره بفراق التى شكت به ففعل فحكت انه لا يجامع فأمره بفراقها، وقول ثالث صح من طريق شعبة عن المغيرة عن ابراهيم النخعي قال في العنين يؤجل قلت: كم يؤجل؟ قال: يؤجل فكلما كرر عليه كم يؤجل لم يزده على يؤجل، وقول رابع رويناه من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن شعبة عن المغيرة بن مقسم عن الشعبى ان الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة أجل رجلا لم يستطع أن يأتي امرأته عشرة أشهر، وقول خامس رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب جعل للعنين أجل سنة واعطاها صداقها وافيا، وروينا عن عمر بن الخطاب انه قال: ان لم يصبها في السنة فرق بينهما ولا يصح عن عمر هذا أصلا لانها اما عن ضعفاء واما(10/58)
منقطعة، ومن جملتها ان عمر بن الخطاب.
وعبد الله بن مسعود قضيا في العنين أن ينتظر به سنة * ثم تعتد بعد السنة عدة المطلقة وهو أحق بأمرها في عدتها، وعن ابن مسعود أيضا تؤجل سنة فان وصل إليها والا فرق بينه وبين امرأته ولا يصح * وروينا أيضا عن المغيرة بن شعبة أنه يؤجل سنة ثم يفرق بينهما ولها الصداق وعليها العدة ولا
يصح ذلك، وعن على أيضا أنه أجله سنة ثم فرق بينهما ولا يصح ذلك وصح عن الحسن البصري.
وابراهيم النخعي يؤجل سنة ولها الصداق كاملا، وصح عن سعيد بن المسيب انه يؤجل سنة فان مسها والا فرق بينهما.
وروى هذا عن القضاه هكذا جملة.
وربيعة.
وشريح القاضى.
وعمرو بن دينار.
وحماد بن أبى سليمان، وهو وقل الاوزاعي.
والليث.
والحسن بن حى.
وأبى حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وأصحابهم، ثم اختلفوا فقال أبو حنيفة: هذا ان صدقها واما إذا خالفها فان كانت بكرا نظر إليها النساء وان كانت ثيبا فالقول قول الزوج ولا يؤجل لها ولا يفرق بينهما * وقال المالكيون: القول قوله مع يمينه ان ادعى أنه يطؤها * وقال الشافعي: القول قول الزوج مع يمينه فان نكل حلفت هي وفرق بينهما، وان قال النساء: هي بكر حلفت مع ذلك وفرق بينهما فان نكلت حلف هو وبقيت معه ثم اختلفوا فقال هؤلاء: ان كان قد وطئها ولو مرة فلا كلام لها ولا يؤجل لها، وقال أبو ثور: متى عن عنها أجل سنة ثم فرق بينهما وان كان قد وطئها قبل ذلك * وروى عن طائفة مثل قولنا كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الانصاري أن رجلا زوج ابنته من ابن اخ له وكان عنينا فقال له عمر: قد آجرك الله ووفر لك ابنتك * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا شعبة عن أبى اسحق السبيعى قال: سمعت هانئ بن هانئ قال: رأيت امرأة جاءت إلى على بن أبى طالب فقالت: هل لك في امرأة ليست بأيم ولا بذات بعل؟ قال وجاء زوجها فقال: لا تسأل عنها الا مبيتها فقال له على: الا تستطيع أن تصنع شيئا قال: لا قال ولا من السحر قال لا قال له على: هلكت وأهلكت اما أنا فلست مفرقا بينكما اتقى الله واصبري * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان نا أبو إسحاق عن هانئ ابن هانئ قال: كنت عند على بن أبى طالب فقامت إليه امرأة فقالت له: هل لك إلى امرأة لا أيم ولا ذات بعل قال: وأين زوجك؟ فقالت: هو في القوم فقام شيخ يجنح فقال ما تقول هذه المرأة قال: سلها هل تنقم في مطعم أو ثياب فقال على: فما من شئ قال
لا قال ولا من السحر قال لا قال هلكت وأهلكت قالت فرق بينى وبينه قال: اصبري فان الله تعالى لو شاء لابتلاك باشد من ذلك * ومن طريق أبى عبيدنا عبد الله بن المبارك(10/59)
عن معمر عن ابن أبى نجيح عن مجاهد انه قال في الرجل يتزوج المرأة ثم يعرض له الداء قال: هي امرأته لا تنزع منه، وروى عن الحكم بن عتيبة انها امرأته لا تؤجل له ولا يؤجل لها ولا يفرق بينهما وبه يقول أبو سليمان.
وأصحابنا * قال أبو محمد: احتج من ذهب إلى مثل قول عثمان انه امره بفراقها دون توقيف بخبر رويناه من طريق أبى داود نا أحمد بن صالح نا عبد الرزاق انا ابن جريج أخبرني بعض بنى أبى رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم عن عكرمة عن ابن عباس قال: " طلق عبد يزيد ابو ركانة واخوته أم ركانة واخوته ونكح امرأة من مزينة فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما يغنى عنى الاكما تغنى هذه الشعرة الشعرة اخذتها من رأسها ففرق بينى وبينه فأخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله حمية "، فذكر الحديث " وفيه انه عليه الصلاة والسلام قال له: طلقها ففعل قال: راجع امرأتك أم ركانة واخوته فقال: انى طلقتها ثلاثا يارسول الله قال قد علمت ارجعها وتلا (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) "، واحتجوا بفعل عثمان وقالوا: انما تزوجته للوطئ فإذا عدمته فهو ضرر بها والضرر ممنوع لا حجة لهم غير ما ذكرنا * قال أبو محمد: اما الخبر فضعيف لانه عمن لم يسم ولا عرف من بنى أبى رافع فهو لا يصح وايضا فان عبد يزيد لم تكن له قط صحبة ولا اسلام وانما الصحبة لركانة ابنه فسقط التمويه به، واما فعل عثمان فقد قلنا انه لا يصح عنه وقد جاء عن غيره من الصحابة رضى الله عنهم خلاف ذلك فليس الاحتجاج ببعضهم أولى من الاحتجاج باآخر منهم * وأما قولهم: انما نكحته للوطئ فعدمه ضرر عليها فنعم ان الممتنع من ذلك وهو قادر عليه مضار فواجب منعه من ذلك، واما العاجز فقد قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا
وسعها) فوجب أن لا يكلف العنين ما لا يقدر عليه، وأما قول أبى حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
في تأجيل السنة ثم التفريق بينهما فقول فاسد لا دليل على صحته لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من شئ يصح عن أحد من الصحابة ولا من قياس.
ولا من رأى له وجه يعقل اما الرواية عن عمر فلا تصح لانها مرسلة اما من طريق سعيد بن المسيب عن عمر ولا سماع له من عمر الا نعيه النعمان بن مقرن، وعن الشعبى.
والحسن عن عمر ولم يولد الشعبى الا بعد موت عمر ولا ولد الحسن الا لعامين بقيا من حياة عمر.
وعن عبد الكريم.
وعطاء عن عمر ولم يولدا الا بعد موت عمر.
وعن يحيى بن سعيد ولم يولد الا بعد موت عمر بنحو خمس وعشرين سنة، وعن يحيى بن عبد الرحمن الانصاري، وهو مجهول، وقد روينا عن عمر من طريق(10/60)
سعيد بن منصور نا هشيم أنا عبد الله بن عون عن ابن سيرين عن أنس بن مالك أن عمر ابن الخطاب بعث رجلا على بعض السقاية فتزوج امرأة وكان عقيما فقال له عمر: أعلمتها أنك عقيم قال لا قال فانطلق فأعلمها ثم خيرها، وروى أيضا أنه رضى الله عنه أجل مجنونا سنة فان أفاق والا فرق بينه وبين امرأته وهم يخالفون عمر في كل ذلك فمن أين وجب تقليده في العنين دون العقيم والمجنون؟ وأما الرواية عن ابن مسعود فانما جاءت من طريق عبد الكريم الجزرى ولم يولد الا بعد موت ابن مسعود * أو من طريق حصين بن قبيصة وهو مجهول، وأما الرواية عن على فمن طريق يزيد ابن عياض بن جعدية وهو مذكور بالكذب ووضع الحديث * ومن طريق الحسن ابن عمارة وهو متروك الحديث جملة هالك * ومن طريق الضحاك بن مزاحم وهو لا شئ، وأما الرواية عن الصحابة جملة فمن طريق شريك وهو مدلس عن جابر الجعفي وهو كذاب مشهور بذلك فاسد الدين يقول بالرجعة، وأما الرواية عن المغيرة ابن شعبة فمن طريق أبى طلق العائدى.
وأبى النعمان وهما مجهولان لا يدريهما أحد،
وعن الحجاج بن أرطاة وهو ساقط مطرح عن رجل لا يعرف اسمه ولا يدرى من هو عن حنظلة بن نعيم وهو مجهول فسقط كل ما تعلقوا به، ثم لو صح كل ذلك لكان قد روى عن عثمان.
وعلى.
وسمرة.
ومعاوية خلاف ذلك وليس بعضهم أولى بأخذ قوله من بعض، وأيضا فان في الرواية عن عمر.
وابن مسعود ان عليها العدة وهو أملك بها ما دامت في عدتها وهم لا يقولون بذلك وأيضا فليس عن أحد من المذكورين انه ان وطئها مرة واحدة فلا كلام لها ولا توقيف وصح انهم مخالفون لكل من روى عنه في ذلك كلمة من الصحابة رضى الله عنهم ولا متعلق لهم بضرر فقد الجماع لانها إذا كلفوها صبر سنة فلا فرق بين صبر سنة وبين صبر سنتين وهكذا ما زاد ثم أشد ذلك قولهم ان وطئها مرة في الدهر فلا كلام لها والضرر في ذلك أشد منه في التى لم يطأها قط، من قال غير هذا فقد جاهر وكابر الضرورة والحس * قال أبو محمد: وبرهان صحة قولنا هو ان كل نكاح صح بكلمة الله عزوجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد حرم الله تعالى بشرتها وفرجها على كل من سواه فمن فرق بينهما بغير قرآن أو سنة ثابتة فقد دخل في صفة الذين ذمهم الله تعالى بقوله: (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) ونعوذ بالله من هذا، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قولنا كما روينا من طريق مسلم نا أبو الطاهر.
وحرملة بن يحيى واللفظ له قال: أنا ابن وهب اخبرني يونس - هو ابن يزيد - عن الزهري نى عروة بن الزبير أن عائشة(10/61)
زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رفاعة القرظى طلق امرأته فتزوجت بعده عبد الرحمن ابن الزبير فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله انها كانت تحت رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وانه والله ما معه الا مثل هذه الهدبة وأخذت بهدبة من جلبابها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا وقال: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوب عسيلتك " وذكر الحديث *
قال أبو محمد: فهذه تذكر ان زوجها لم يطأها وان احليله كالهدبة لا ينتشر إليها وتشكو ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتريد مفارقته فلم يشكها ولا اجل لها شيئا ولا فرق بينهما وفي هذا كفاية لمن عقل * فاعترض بعض المخالفين في هذا الاثر الصحيح بآثار واهية احدها من طريق ابن نافع عن مالك عن المستورد بن رفاعة عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير " ان رفاعة بن شموال طلق امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فنكحا عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع ان يغشاها فقارقها فاراد رفاعة ان ينكحها وهو زوجها الاول فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لك حتى تذوقي عسيلته " * قال أبو محمد: وهذا منقطع لا حجة فيه ثم عن المستورد بن رفاعة عن الزبير بن عبد الرحمن وهما مجهولان وهو خبر غير معروف عن مالك ثم لو صح لما كان فيه اعتراض على الخبر الذى احتججنا به لاننا لاننكر ان يطلقها عبد الرحمن مختارا فبطل تمويههم به جملة * والخبر الثاني رواه ابن قانع راوي كل بلية عن يحيى بن محمد البخترى الذى لا يعرف من هو عن هدبة بن خالد عن وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة " ان امرأه رفاعة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم " وذكر الحديث إلى قوله " فلا تحلين له حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته فقالت: يا رسول الله انه قد جاءني هبة واحدة " * ورويناه أيضا من طريق ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن أبى الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بحديث امرأة رفاعة القرظى فذكرت فيه انها قالت: فانه يا رسول الله قد جاءني هبة " * قال أبو محمد: عبد الرحمن بن أبى الزناد في غاية الضعف ثم لو صح كل هذا لكان لا متعلق لهم فيه لانه ليس في شى.
من هذين الخبرين الساقطين، " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انه انما أسقط التأجيل أو التفريق من اجل تلك الهبة ولا ان عائشة قالت ذلك " فصح انها كهانة كاذبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما جاء لفظ الهبة صحيحا في حديث رويناه من طريق البخاري نا محمدنا أبو معاوية - هو الضرير - نا هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: " طلق رجل امرأته فتزوجت زوجا غيره فطلقها(10/62)
وكانت معه مثل الهدبة فلم تصل منه إلى شئ تريده فلم تلبث ان طلقها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ان زوجي طلقني وانى تزوجت زوجا غيره فدخل بى ولم يكن معه الا مثل الهدبة فلم يقربني الا هبة واحدة ولم يصل منى إلى شئ أفأحل لزوجي الاول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحلين لزوجك الاول حتى يذوق الآخر عسيلتك وتذوقي عسيلته " * قال أبو محمد: ونحن لا نمنع ان يطلقها العنين ان شاء انما نمنع وننكر ان يفرق بينهما على كره أو ان يؤجل عاما ثم يفرق بينهما فهذا هو الباطل الذي لم يصح قط عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم لا ولا جاء قط في قرآن ولا سنة ولا في رواية فاسدة ولا أوجبه قياس ولا معقول، فان قالوا: قد أمر الله عزوجل في الايلاء بالتوقيف ثم الاجبار على الفيئة أو الطلاق قلنا: نعم أربعة اشهر فأين السنة واين التفريق؟ ثم انتم أول من لا يقيس على المولى من امتنع من وطئ امرأته عامدا من غير ايلاء بيمين فلا توقفونه ولا تؤجلونه فظهر فساد كل ما تعلقوا به وفساد قولهم جملة، وقد ذكرنا من روى عنه من الصحابة رضى الله عنهم والتابعين والحمد لله رب العالمين * 1899 مسألة: وإذا تزوج الرجل بكرا حرة أو أمة مسلمة أو كتابية وله زوجة أخرى حرة أو أمة فعليه (1) ان يخص البكر بمبيت سبع ليال عندها ثم يقسم فيعود ولا يحاسبها بتلك السبع ولا بشئ منها فان تزوج ثيبا حرة أو أمة وعنده زوجة أخرى حرة أو أمة مسلمة أو كتابيه فله ان يخصها بمبيت ثلاث ليال ثم يقسم ويعدل ولا يحاسبها بتلك الثلاث فان زاد على الثلاث أقام عند غيرها كما أقام عندها سواء سواء ويسقط (2) حكمها في التفضيل ولا يحل له في كل ما ذكرنا كانت عنده زوجة غيرها أو لم يكن ان يتخلف عن صلاة الجماعة في المسجد ولا عن صلاة الجمعة فان فعل فهى معصية وجرحة فيه كسائر الناس ولا فرق، ولا يجوز له ان يخص امرأه من نسائه بان
تسافر معه الا بقرعة * برهان ذلك ما رويناه عن طريق البزارنا محمد بن معمر نا يعلى بن عبيدنا محمد بن اسحاق عن أيوب السختيانى عن ابى قلابة عن أنس بن مالك " ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل للبكر سبعا وللثيب ثلاثا " * ونا أحمد بن قاسم قال: أخبرني قاسم بن محمد بن قاسم ناجدى قاسم بن أصبغ نا أبو قلابة - هو عبد الملك بن يزيد الرقاشى - نا أبو عاصم - هو الضحاك ابن مخلد - نا سفيان الثوري عن أيوب السختيانى.
وخالد الحذاء كلاهما عن أبى قلابة - هو عبد الله بن يزيد الجرمى - عن أنس بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا " * وقد روينا
__________
(1) في النسخة رقم 16 " فله " (2) في النسخة رقم 14 " وسقط "(10/63)
بأن انسأ قال: هي السنة وكل ذلك حق والذى ذكرنا بيان واضح في اسناده * ومن طريق مسلم نا عبد الله بن مسلمة - هو القعنبى - نا سليمان - يعنى ابن بلال - عن عبد الرحمن بن حميد عن عبد الملك بن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أم سلمة حين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فأراد أن يخرج أخذت بثوبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان شئت زدتك وحاسبتك به للبكر سبع وللثيب ثلاث) * ومن طريق مالك عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك ابن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها: ليس بك على أهلك هو ان ان شئت سبعت عندك وان شئت ثلثت ثم درت قالت: ثلث) * وروينا هذا الخبر بين الاسناد من طريق أحمد بن شعيب نا يعقوب بن ابراهيم.
ومحمد بن بشار قالا جميعا: نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن سفيان الثوري حدثنى محمد بن أبى بكر - هو ابن محمد بن عمرو ابن حزم - عن عبد الملك بن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن أم سلمة أم المؤمنين (ان النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثا وقال: ليس بك على
أهلك هو ان ان شئت سبعت لك وان سبعت لك سبعت لنسائي) وبه يقول انس بن مالك.
وابراهيم النخعي.
والشعبى.
ومالك.
والشافعي.
واحمد بن حنبل.
واسحاق ابن راهويه.
وأبو ثور.
وأبو عبيد.
وأبو سليمان.
وجميع أصحابهم * وذهبت طائفة إلى غير ذلك وهو ان للبكر ثلاث ليال وللثيب ليلتان روينا ذلك عن عبد الرزاق عن ابن جريج أنه سأل عطاء عن ذلك فقال عطاء: يؤثرون عن أنس ابن مالك انه قال: للبكر ثلاث وللثيب ليلتان) * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: للبكر ثلاث وللثيب ليلتان * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال: يمكث عند البكر ثلاثا ثم يقسم وعند الثيب يومين ثم يقسم وهو قول خلاس بن عمرو.
وسفيان الثوري.
والاوزاعي، وقالت طائفة: لا يقيم عند ثيب ولا بكر الا ما يقيم عند غيرهما ممن عنده وهو قول الحكم بن عتيبة.
وحماد بن أبى سليمان.
وأبى حنيفة.
واصحابه، واحتج من ذهب إلى قول الحسن.
وابن المسيب بخبر رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب.
ومحمد بن اسحق قالا جميعا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للبكر ثلاث).
قال أبو محمد: هذا مرسل ولا حجة فيه فسقط.
هذا القول، ووجدنا من ذهب إلى(10/64)
قول أبى حنيفة يحتجون بما يجب من العدل بين النساء، وبالخبر الثابت الذى فيه " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كانت له امرأتان فمال إلى احداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " * قال أبو محمد: الذى قال هذا القول هو الذى حكم للبكر بسبع زائدة وللثيب بثلاث زائدة، ولا يحل لاحدان يترك قولا له عليه الصلاة والسلام لقول له آخر ما دام يمكن استعمالهما جميعا بأن يضم بعضها إلى بعض أو بأن يستثنى بعضها من بعض ومن تعدى
هذا فهو عاص لله عزوجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم * ومن عجائب الدنيا ان الحنيفيين المخالفين بأهوائهم الفاسدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ههنا يوجبون في القسمة للزوجة الحرة ليلتين وللزوجة الامة ليلة وهذا هو الميل حقا والجور صراحا لاسيما مع قولهم ان للحرة اليهودية والنصرانية ليلتين وللامة المسلمة ليلة ولا يستحيون من هذا التفصيل بالباطل، وقال بعضهم: قد جاء في ذلك أثر عن الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا لا يعرف ثم لو صح لكان لا يجوز الاخذ به لانه مرسل * وعجب آخر وهو انهم يجيزون لمن له زوجة حرة مسلمة وأمة نصرانية أن يقسم للحرة ليلة ولمملوكة اليهودية ثلاث ليال فاعجبوا لهذه الفضائح، ولهم ههنا اعتراضات تشهد بقلة حياء المعترض بها ورقة دينه كتعلقهم بقوله عليه الصلاة والسلام: " ان سبعت لك سبعت لسنائى " فقالوا: هذا حديث يوجب التسوية ونسوا أنفسهم في قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الخبر نفسه: " وان شئت ثلثت ودرت " فاعترضوا بعقولهم الركيكة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلوه العدل والحساب، وقالوا: انما كان ينبغى لو سبع عندها أن يحاسبها بالاربع ليال الزائدة على الثلاث التى هي حقها * قال أبو محمد: وهذا من الحمق ورقة الدين في النهاية القصوى لانه لا يجب حق لاحد الا ان يوجبه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فالذي أوجب لها ثلاث ليال تخص بها دون ضرتها هو الذى أسقطها ان سبع عندها لا يعترض عليه الا كافر نعوذ بالله من الضلال * قال أبو محمد: فان قالوا: فما قولكم ان أقام عند الثيب أكثر من ثلاث وأقل من سبع أو اكثر من سبع أو أقام عند البكر الثيب اكثر من سبع ولها ضرة أو ضرائر زوجات قلنا: نعم اما ان أقام عند الثيب أكثر من ثلاث وأقل من سبع فلا يحاسبها الا بما زاد على الثلاث واما ان أقام عندها أو عند البكر اكثر من سبع فانه يحاسب الثيب بجميع ما أقام عندها ويوفى ضرتها أو ضرائرها مثل ذلك كله ولا يناسب
(م 9 - ج 10 المحلى)(10/65)
البكر الا بما زاد على السبع فقط * برهان ذلك ان الثلاث حق الثيب والسبع حق البكر فما زاد على هذين فهو ظلم يحاسبها به ولا يسقط حق الثيب في أن تخص بالثلاث الا حيث أسقطه الله عزوجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فقط وليس ذلك الا أن يسبع لها وزاد على السبع لان الزيادة على السبع تسبيع وزيادة، وقد سقط حقها في الثلاث بالتسبيع فإذا سقط لم يعد بالزيادة على السبع وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: واحتجوا لقولهم: يقسم للحرة ليلتين وللزوجة المملوكة ليلة برواية [ فاسدة ] (1) رويناها من طريق سعيد بن منصور نا هشيم ارنا ابن أبى ليلى عن المنهال بن عمرو عن ذر.
أو عباد بن عبد الله الاسدي عن على انه كان يقول: إذا تزوج الحرة على الامة قسم للامة الثلث وللحرة الثلثان، وهذا لا يصح لان ابن أبى ليلى سيئ الحفظ والمنهال ضعيف، وروى عن المغيرة بن مقسم انه قال: لم يثبت للمنهال شهادة في الاسلام ولكنه صحيح من قول ابراهيم.
وسعيد بن المسيب.
ومسروق.
والشعبى.
والحسن البصري، وروى عن عطاء.
وسعيد بن جبير.
ومحمد بن على بن الحسن وهو قول عثمان البتى.
والشافعي، وقال مالك.
والليث.
وأبو سليمان: القسم بينهما سواء * قال أبو محمد: لا حجة في احد دون رسول (2) الله صلى الله عليه وسلم، وقد توعد عليه الصلاة والسلام كما أوردنا قبل على الميل إلى زوجة دون أخرى ولم يخص حرة من أمة ولا مسلمة من كتابيه، واحتجوا من قياسهم الفاسد بان قالوا: لما كانت عدة الامة نصف عدة الحرة وجب ان يكونا في القسم (3) كذلك * قال أبو محمد: وهذا في غاية الفساد اول ذلك اننا لا نوافقهم على ان عدة الامة نصف عدة الحرة ثم على قولهم المختلط لا يختلفون ان عدة الامة الحامل كعدة الحرة الحامل فهلا جعلوا القسمة لهما سواء من اجل تساويهما في العدة المذكورة، ويقولون: ان عدة الامة
بالاقراء ثلاثا عدة الحرة فهلا قسموا لها الثلثين من قسم الحرة لما ذكرنا ولا خلاف في ان الامة لا ترث وان الحرة ترث فهلا جعلوا الامة لا قسمة لها كما لا ميراث لها وكما لا شهادة لها عندهم ولكنهم في اهذارهم مئل الغريق بما أحس تعلق * واحتجوا في قولهم الفاسد: ان للزوج ان يقسم للحرة ليلة ثم يبيت ثلاث ليلال حيث شاء بروايات ساقطة عن كعب بن سوار انه حكم بذلك بحضرة عمر بن الخطاب فأعجب عمر بذلك، وهذا لا يصح لانه انما رواه عن عمر الشعبى.
وقتادة.
وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 16 في احد مع رسول الخ (3) في النسخة رقم 14 في القسمة(10/66)
عوف وكلهم لم يولد الا بعد موت عمر ثم لو صح لما كان في احد حجة غير رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم، وأما التخلف عن صلاة الجماعة فقد ذكرناه في كتاب الصلاة من ديواننا هذا وغيره ايجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وتوعده بحرق بيوت المتخلفين عنها لغير عذر، وقد تزوج عليه الصلاة والسلام واصحابه فما منهم من أحد تخلف في التسبيع والتثليث عن صلاة الجماعة والجمعة وانما هي ضلالة احدثها الشيطان، وأما السفر بامرأة من زوجاته أو بامرأتين أو بثلاث فلا يكون الا بالقرعة لانه ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روينا من طريق مسلم نا اسحاق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - عن أبى نعيم الفضل بن دكين نا عبد الواحد بن أيمن حدثنى ابن أبى مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج أقرع بين نسائة فطارت القرعة على عائشة: وحفصة فخرجتا معه " * قال أبو محمد: فان خرج بها كما ذكرنا بقرعة لم يحاسبهن بلياليهن معه في السفر لانه خرج بهن بحق لا بميل ولا بحيف فان خرج بها بغير قرعة حاسبهن بتلك الليالى ولزمه فرضا وان يوفى التى لم يسافر بها عدد تلك الليالى، وهذا قول الشافعي.
وأبى سليمان،
وقال أبو حنيفة.
ومالك.
وأصحابهما: يخرج بها بغير قرعة * قال أبو محمد: وهذا باطل لان العدل بين الزوجات فرض كما أوردنا فلا يجوز (2) تخصيص شئ من ذلك الا ما خصه نص ولم يخص النص الا السفر بالقرعة فقط فما عدا ذلك فهو ظلم وبالله تعالى التوفيق، فان قيل: ان له أن لا يسافر بواحدة منهن قلنا نعم وهو عدل بينهن في المنع فليس بذلك مائلا إلى احداهن واما إذا سافر بغير قرعة بواحدة منهن فقد مال إليها وهذا ظلم لا يحل وبالله تعالى التوفيق * 1901 مسألة ولا يجوز للرجل ان يقسم لام ولده ولا لامته مع زوجة ان كانت، وهذا لا خلاف فيه وبرهانه قول الله تعالى: (فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) فلم يجعل لملك اليمين حقا يجب فيه العدل فإذ لا حق لهن في القسمة فلا يجوز ان يشارك في الواجب من لا حق له فيه مع من له فيه حق فلو طابت نفس الزوجة بذلك فله حينئذ ان يقسم لامته لانه حق الزوجة طابت بتركه نفسا لكن له ان يطأ أمته متى شاء كما فعل عليه الصلاة والسلام بمارية في يوم أي نسائه شاء دون قسمة وبالله تعالى التوفيق * 1902 مسألة وحد القسمة للزوجات من ليلة فما زاد إلى سبع لكل واحدة
__________
في النسخة رقم 14 " دون رسول الله " (2) في النسخة رقم 16 فلا يحل(10/67)
ولا يجوز له أن يزيد على سبع، وقال قوم: لا يزيد على ثلاث لكل واحدة، وقالت طائفة: لا يزيد على ليلة لكل واحدة روينا ذلك عن محمد بن المنذر النيسابوري نا بذلك عنه أحمد بن محمد بن الجسور عن منذر بن سعيد القاضى عن محمد بن ابراهيم بن المنذر * قال أبو محمد: برهان صحة قولنا ما ذكرناه في الباب الذى قبل هذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لام سلمة رضى الله عنها: ان سبعت لك سبعت لنسائي فصح أن للزوج أن يسبع وما دون السبع جائز بجواز السبع لانه بعض السبع، وأما الزيادة على السبع فممنوع
لما ذكرنا قبل من وجوب العدل بينهن فلو جاز اكثر من سبع لكان له أن يبيت عند الواحدة ما شاء ولو أعواما ويقول: سأقسم للاخرى مثل ذلك وهذا باطل وظلم، فصح أنه لا يجوز من عدد الليالى الا ما أجازه النص فقط ولولا هذا الاثر ما أجزنا أكثر من ليلة وبالله تعالى التوفيق وليلة ليلة أحب الينا لانه كذلك جاءت الآثار الثابتة من قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لامهات المؤمنين رضى الله عنهن * 1903 مسألة وان وهبت المرأة ليلتها لضرتها جاز ذلك فان بدا لها فرجعت في ذلك فلها ذلك، برهان ذلك ما روينا من طريق أحمد بن شعيب نا اسحق - هو ابن راهويه - أنا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن سودة بنت زمعة لما كبرت قالت: يا رسول الله جعلت يومى منك لعائشة فكان عليه الصلاة والسلام يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة، وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام استأذن نساءه في مرضه الذى مات فيه أن يمرض في بيت عائشة فاذن له في ذلك، وأما قولنا: ان لها الرجوع في ذلك.
فلان كل يوم هو غير اليوم الذى قبله بلا شك ولا تجوز هبة مجهول فانما هو اباحة حادثة في ذلك اليوم إذا جاء فلها أن لا تحدث تلك الاباحة وان تتمسك بحقها الذى جعله الله تعالى لها وبه عزوجل نتأيد * 1904 مسألة وجائز للرجل أن يطأ جميع زوجاته وامائه في فور واحد فان تطهر بين كل اثنتين فهو أحسن وان لم يغتسل الا في آخرهن فحسن لا كراهة في ذلك * روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة - عن معمر عن ثابت البنانى عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلام: " كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة ثم يغتسل مرة " * قال أبو محمد: الاماء من نساء الرجل قال الله عزوجل: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) نا أحمد بن محمد بن الجسور نا وهب بن مسرة نا محمد بن وضاح نا أبو بكر بن ابى شيبة عن يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن فلان بن(10/68)
أبى رافع عن عمته سلمى بنت أبى رافع عن أبى رافع " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في ليلة واحدة فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلا قال فقلت له: يا رسول الله لو اغتسلت غسلا واحدا قال: هذا اطهر واطيب، أو قال وأنظف " * قال على: ولو لم يأت هذا الخبر لكان الغسل بين كل اثنتين منهن حسنا لانه لم يأت عن ذلك نهى وبالله تعالى التوفيق * 1905 مسألة ولا يحل الوطئ في الدبر أصلا لا في امرأه ولا في غيرها أما ما عدا النساء فاجماع متيقن وأما في النساء ففيه اختلاف اختلف فيه عن ابن عمر.
وعن نافع كما روينا من طريق أحمد بن شعيب ارنا الربيع بن سليمان بن داود نا اصبغ ابن الفرج ثنا عبد الرحمن بن القاسم قال قلت لمالك: ان عندنا بمصر الليث بن سعد يحدث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر: انا نشترى الجوارى فنحمض لهن قال: وما التحميض؟ قال: نأتيهن في أدبارهن قال ابن عمر: اف أف اف أو يعمل هذا مسلم؟ فقال لى مالك: فاشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد بن يسار انه سأل ابن عمر فقال: لا بأس به * ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرني على بن عثمان بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن نفيل نا سعيد بن عيسى حدثنى المفضل نا عبد الله بن سليمان عن كعب بن علقمة عن ابى النضرانه أخبره انه قال لنافع مولى ابن عمر قد اكثر عليك القول انك تقول عن ابن عمر انه أفتى بان تؤتى النساء في أدبارهن فقال نافع: لقد كذبوا على وذكروا في ذلك أحاديث لو صحت لجاءنا ما ينسخها على ما نذكره ان شاء الله عزوجل، واحتجوا بقول الله تعالى: (نساءكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شتم) * قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لان أنى في لغة العرب التى نزل بها القرآن انما هي بمعنى من اين لا بمعنى أين فإذ ذلك كذلك فانما معناه من اين شئتم قال الله عزوجل: (يا مريم أنى لك هذا) بمعنى من اين لك هذا، وقالوا: لو حرم من المرأة شئ لحرم جميعها *
قال أبو محمد: هذا كما قالوا لو لم يأت نص بتحريمة، وقالوا: وطئ المجموعة جائز وربما مال الذكر إلى الدبر قال على: إذا لم يتمكن من وطئ المجموعة الا بالايلاج في الدبر فوطئها حرام * قال أبو محمد: فنظرنا في ذلك فوجدنا ما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور.
وعبد الله ابن ربيع قال أحمدنا وهب بن مسرة نا ابن وضاح نا أبو بكر بن أبى شيبة، وقال عبد الله نا محمد بن معاوية انا أحمد بن شعيب نا عبد الله بن سعيد أبو سعيد الاشج ثم اتفق الاشج.
وابن أبى شيبة قالا جميعا: نا أبو خالد الاحمر عن الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان(10/69)
عن كريب عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في دبر " هذا لفظ رواية عبد الله بن ربيع.
ورواية أحمد " في دبرها " لم يختلفا في غير ذلك * وبه إلى أحمد بن شعيب انا محمد بن منصور نا سفيان هو الثوري حدثنى يزيد ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ان الله لا يستحى من الحق لا تأتوا النساء في ادبارهن " * قال أبو محمد: وهذان خبران صحيحان تقوم الحجة بهما ولو صح خبر في اباحة ذلك لكان هذان ناسخين له لان الاصل ان كل شئ مباح حتى يأتي تحريمه، فهذان الخبران وردا بما فصل الله تحريمه لنا وقد جاء تحريم ذلك عن أبى هريرة وعلى ابن أبى طالب.
وابى الدرداء.
وابن عباس.
وسعيد بن المسيب.
وأبى سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف.
وطاوس.
ومجاهد، وهو قول أبى حنيفة: والشافعي.
وسفيان الثوري وغيرهم، وما رويت اباحه ذلك عن أحد الا عن ابن عمر وحده باختلاف عنه.
وعن نافع باختلاف عنه: وعن مالك باختلاف عنه فقط وبالله تعالى التوفيق * 1906 مسألة ولا يحل لاحد ان يطأ امرأة حبلى من غيره فان فعل ادب فان كانت امة له اعتق عليه ما ولدت من ذلك الحمل ولابد ولا تعتق هي بذلك * برهان
ذلك ما روينا من طريق مسلم حدثنى محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن يزيد بن حميد قال: سمعت عبد الرحمن بن جبير يحدث عن أبيه جبير بن نفير عن أبى الدرداء " ان النبي صلى الله عليه وسلم أتى بامرأة مجح على باب فسطاط فقال له: يزيد ان يلم بها فقالوا: نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد همت ان ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له كيف يستخدمه وهو لا يحل له * قال أبو محمد: لا يصح في تحريم وطئ الحامل خبر غير هذا فإذ لم يحل له فقد حرم عليه ملكه واذ حرم عليه ملكه فهو حرام إذ ليس الا مملوك أو حر، وأما تأديب من فعل ذلك فلانه أتى منكرا وبالله تعالى التوفيق * 1907 مسألة: ولا يحل العزل عن حرة ولا عن أمة * برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم نا عبيدالله بن سعيد نا المقبرى - هو عبد الله بن يزيد - نا سعيد بن أبى أيوب حدثنى أبو الاسود - هو يتيم عروة - عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة قالت: " حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس فسألوه عن العزل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك الوأد الخفى وقرأ (وإذا المؤودة سئلت) * قال أبو محمد: هذا خبر في غاية الصحة، واحتج من اباح العزل بخبر ابى سعيد(10/70)
الذى فيه لا عليكم أن لا تفعلوا قال على: هذا خبر إلى النهى أقرب وكذلك قال ابن سيرين، واحتجوا بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم قول يهود هو المؤودة الصغرى وباخبار أخر لا تصح * قال أبو محمد: يعارضها كلها خبر جدامة الذى أوردنا وقد علمنا بيقين ان كل شئ فأصله الاباحة لقول الله تعالى: (الذى خلق لكم ما في الارض جميعا) وعلى هذا كان كل شئ حلالا حتى نزل التحريم قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فصح أن خبر جدامة بالتحريم هو الناسخ لجميع الاباحات المتقدمة التى لا شك في أنها قبل البعث
وبعد البعث وهذا أمر متيقن لانه إذ أخبر عليه الصلاة والسلام انه الوأد الخفى والوأد محرم فقد نسخ الاباحة المتقدمة بيقين، فمن ادعى أن تلك الاباحة المسنوخة قد عادت وان النسخ المتيقن قد بطل فقد ادعى الباطل وقفى مالا علم له به وأتى بما لا دليل له عليه قال تعالى: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) وقد جاءت الاباحة للعزل صحيحة عن جابر بن عبد الله.
وابن عباس.
وسعد بن أبى وقاص.
وزيد بن ثابت.
وابن مسعود، وصح المنع منه عن جماعة كما روينا عن حماد بن سلمة عن عبيدالله بن عمر عن نافع أن ابن عمر كان لا يعزل وقال: لو علمت أحدا من ولدى يعزل لنكلته * قال أبو محمد: لا يجوز أن ينكل على شئ مباح عنده * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن عاصم بن بهدلة عن زربن حبيش ان على بن ابى طالب كان يكره العزل ورويناه أيضا من طريق شعبة عن عاصم عن زرعن على نا يونس بن عبد الله نا أحمد ابن عبد الله بن عبد البصير نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا سليمان التيمى عن أبى عمرو الشيباني عن عبد الله بن مسعود أنه قال في العزل هي الموءودة الخفية * وروينا هذا الخبر من طريق سعيد بن منصور قال نا معتمر بن سليمان التيمى حدثنى أبو عمرو الشيباني عن ابن مسعود أنه قال في العزل هي الموءودة الصغرى * وبه إلى محمد بن بشار نا عبد الرحمن بن مهدى نا شعبة نا يزيد بن خمير عن سليمان بن عامر قال: سمعت أبا امامة الباهلى يقول وقد سئل عن العزل فقال: ما كنت أرى مسلما يفعله * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أرنا ابن عون قال حدثنى نافع عن ابن عمر قال: ضرب عمر على العزل بعض بينه * ومن طريق سعيد ابن منصور نا هشيم أرنا يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر ابن الخطاب.
وعثمان بن عفان ينكران العزل * قال أبو محمد: سماع سعيد عن عثمان صحيح، وصح أيضا عن الاسود بن يزيد.
وطاوس *(10/71)
1908 مسألة والاحسان إلى النساء فرض ولا يحل تتبع عثراتهن ومن قدم من سفره ليلا فلا يدخل بيته الا نهارا ومن قدم نهارا فلا يدخل الا ليلا الا أن يمنعه مانع عذر * برهان ذلك قول الله عزوجل (وعاشروهن بالمعروف) وقول الله عزوجل: (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) * قال أبو محمد: إذ حرم التضييق عليهن فقد أوجب تعالى التوسيع عليهن وافترض ترك ضرهن * روينا من طريق مسلم نا اسحاق بن ابراهيم عن حاتم ابن اسماعيل عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فذكر كلاما كثيرا وفيه فاتقوا الله في النساء فانكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم أحدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " * قال أبو محمد: لم يعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فراش المضجع ذلك أمر يجب فيه الرجم على المحصنة فلا يؤمر فيه بضرب غير مبرح وانما عنى عليه الصلاة والسلام بلا شك كل ما افترش في البيوت وهذا نهى عن أن يدخل في مسكنه أو في بيته من لا يريد دخوله منزله من رجل أو امرأة فقط، وهذا يأتي مبينا في المسألة التى تأتى بعد هذه * ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة نا حسين بن على عن زائدة عن مسرة عن أبى حازم عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر كلاما وفيه " فاستوصوا بالنساء خيرا " * ومن طريق أحمد بن شعيب أرنا عمر بن منصور نا أبو نعيم عن سفيان الثوري عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم " * ومن طريق البخاري نا أبو النعمان - هو محمد بن الفضل عارم - نا هشيم نا سيار عن الشعبى عن جابر بن عبد الله قال: قفلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة فلما ذهبنا لندخل قال: امهلوا حتى تدخلوا ليلا لكى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة " فان قيل: هذا تعارض قلنا: كلا بل قد بين عليه
الصلاة والسلام في كلا الخبرين مراده ذكر في الخبر الاول ان لا يدخل ليلا فيتبع بذلك عثرة ان كانت أو لم تكن فصح ان ذلك في الذى جاء ليلا وبين عليه الصلاة والسلام في الآخر ان يمهل من اتى نهارا حتى يدخل ليلا بعد ان يتصل خبره باهله فتستحد وتمتشط، ولا ينسب التعارض إلى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الا كافر ولا ينسبه إلى الصحابة الا مبتدع ولا ينسبه إلى الائمة ومن دونهم الا منحرف القلب عن السنن ونعوذ بالله من كل ذلك *(10/72)
1909 مسألة: وللمرأة ان تتصدق من مال زوجها غير مفسدة لكن بما لا يؤثر في ماله سواء أذن في ذلك أم نهى أحب ام كره * برهان ذلك ما رويناه من طريق مسلم نا محمد بن رافع نا عبد الرزاق نا معمر عن همام بن منبه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصم المرأة وبعلها شاهد الا باذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد الا باذنه وما انفقت من كسبه من غير امره فان نصف أجره له " * ومن طريق أحمد ابن شعيب أخبرني احمد بن حرب نا أبو معاوية عن الاعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا انفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها اجرها وله مثله بما كسب ولها بما انفقت وللخازن مثل ذلك من غير ان ينقص من اجورهم شئ " لا قال أبو محمد: هذا اللفظ زائد على ما رويناه من طريق منصور عن شقيق في هذا الخبر فقال فيه " من طعام بيتها " * قال أبو محمد: فاعترض بعض أهل الجرأه على مخالفة السنن بان قالوا هذا من رواية أبى هريرة وقد سئل أبو هريرة هل تصدق المرأة من بيت زوجها؟ فقال: لا الا شئ من قوتها فالاجر بينهما ولا يحل لها ان تصدق من بيت زوجها الا باذنه " * قال أبو محمد: هذه الفتيا من أبى هريرة انما رويناها من طريق عبد الملك بن أبى سليمان العرزمى وهو متروك عن عطاء عن أبى هريرة فهى ساقطة فلا يعارض بها رواية
همام بن منبه عنه الا جاهل أو فاسق مجاهر بالباطل وهو يعلمه * ومن طريق مسلم حدثنى محمد بن حاتم.
وهارون بن عبد الله قالا جميعا: نا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج أخبرني ابن أبى مليكة ان عباد بن عبد الله بن الزبير أخبره عن اسماء بنت أبى بكر الصديق " أنها قالت: يارسول الله ليس لى شئ الا ما ادخل على الزبير فهل على جناح ان أرضخ بما يدخل على؟ فقال: ارضخى ما استطعت ولا توكى فيوكى الله عليك " * قال أبو محمد: سماع حجاج من ابن جريج ثابت ولكنه هكذا يقول قال ابن جريج، وممن قال بهذا أم المؤمنين رضى الله عنها كما روينا من طريق محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى نا سفيان بن عيينة عن اسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم عن امرأته انها سمعت عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها وسألتها امرأة فقالت اطعم من بيت زوجي فقالت أم المؤمنين: ما لم تقى مالك بماله قال الله عزوجل: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) وقال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة من أمرهم) فإذا أباح ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا رأى للزوج في المنع منه أصلا * 1910 مسألة ولا يلزم المرأة أن تخدم زوجها في شئ أصلا لا في عجن.
(م 10 - ج 10 المحلى)(10/73)
ولا طبخ.
ولا فرش.
ولا كنس.
ولا غزل.
ولا نسج.
ولا غير ذلك أصلا ولو أنها فعلت لكان أفضل لها، وعلى الزوج يأتيها بكسوتها مخيطة تامة وبالطعام مطبوخا تاما وانما عليها ان تحسن عشرته ولا تصوم تطوعا وهو حاضر الا باذنه ولا تدخل بيته من يكره وان لا تمنعه نفسها متى اراد وان تحفظ ما جعل عندها من ماله * وقال أبو ثور: على المرأة ان تخدم زوجها في كل شئ ويمكن أن يحتج لذلك بالاثر الثابت عن على بن أبى طالب قال: " شكت فاطمة مجل يديها من الطحين وانه أعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سأله خادما " * وبالخبر الثابت من طريق اسماء بنت أبى بكر قالت: كنت اخدم
الزبير خدمة البيت وكان له فرس وكنت اسوسه كنت احتش له وأقوم عليه * وبالخبر الثابت من طريق اسماء أيضا انها كانت تعلف فرس الزبير وتسقى الماء وتجزم غربه وتعجن وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثى فرسخ وان رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيها وهى تنقله قال: فإذا خدمت هاتان الفاضلتان هذه الخدمة الثقيلة فمن بعدهما يترفع عن ذلك من النساء * قال أبو محمد: لا حجة لاهل هذا القول في شئ من هذه الاخبار لانه ليس في شئ منها ولا من غيرها انه عليه الصلاة والسلام امرهما بذلك انما كانتا متبرعتين بذلك وهما أهل الفضل والمبرة رضى الله عنهما ونحن لا نمنع من ذلك ان تطوعت المرأة به انما نتكلم على سر الحق الذى تجب به الفتيا والقضاء بالزامه، فان قيل، قد قال الله تعالى: (فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) قلنا: أول الآية بين فيما هي هذه الطاعة قال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) فصح أنها الطاعة إذا دعاها للجماع فقط، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجب على الرجل للمرأة وقد ذكرناه قبل هذه المسألة بمسألتين، ومن ألزم المرأة خدمة دون خدمة فقد شرع ما لم يأذن به الله تعالى، وقال: ما لا يصح ومالا نص فيه وكذلك بين عليه الصلاة والسلام أن لهن علينا رزقهن وكسوتهن بالمعروف، فصح ما قلناه: من أن على الزوج أن يأتيها برزقها ممكنا لها اكله وبالكسوة ممكنا لها لباسها لان مالا يوصل إلى أكله ولباسه الا بعجن وطبخ.
وغزل.
ونسج.
وقصارة.
وصباغ.
وخياطة فليس هو رزقا ولا كسوة هذا ما لا خلاف فيه في اللغة والمشاهدة، واما حفظ ما جعل عندها ففرض بلا خلاف * 1911 مسألة ولا يحل للمرأة أن تحلق رأسها إلا من ضرورة لا محيد منها ولا أن تصل في شعرها شيئا أصلا لا من شعرها ولا من شعر انسان غيرها أو من شعر(10/74)
حيوان أو صوف أو غير ذلك، وهو من الكبائر ولا يحل لها أن تفلج أسنانها ولا أن تنتف الشعر من وجهها ولا أن تشم بالنقش والكحل أو غيره شيئا من جسدها فان فعلت فهى ملعونة هي والتى تفعل بها ذلك * برهان ذلك ما رويناه من طريق أحمد ابن شعيب أنا محمد بن موسى الجرشى نا أبو داود - هو الطيالسي - نا همام - هو ابن يحيى - عن قتادة عن خلاس عن على " قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها فان اضطرت إلى ذلك فقد قال الله تعالى: (وقد فصل لكم حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) " * ومن طريق احمد بن شعيب انا محمد بن المثنى نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن هشام ابن عروة قال: حدثنى فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبى بكر الصديق قالت: جاءت امرأه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ان لى ابنة عروسا وانها اشتكت فتمزق شعرها فهل على جناح ان وصلت لها فيه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله الواصلة والمستوصلة " * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام نا أبو داود - هو الطيالسي - عن سفيان الثوري عن مصنور عن ابراهيم النخعي عن علقمة بن عبد الله بن مسعود قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله " * 1912 مسألة ولا بأس بكذب أحد الزوجين للاخر فيما يستجلب به المودة كما روينا من طريق أحمد بن شعيب نا أبو صالح محمد بن زنبور المكى نا ابن ابى حازم - هو عبد العزيز بن عبد الوهاب بن أبى بكر - عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا أعده كذبا الرجل يصلح بين الناس يقول القول يريد الصلاح والرجل يقول القول في الحرب والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها " * 1913 مسألة ولا يحل النفح بالباطل كما روينا من طريق البخاري ثنا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن اسماء
بنت أبى بكر الصديق " أن امرأة قالت يا رسول الله ان لى ضرة فهل على جناح أن تشبعت من زوجي غير الذى يعطى فقال عليه الصلاة والسلام: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور " * 1914 مسألة وجائز للصبايا خاصة اللعب بالصور ولا يحل لغيرهن والصور محرمة الا هذا والا ما كان رقما في ثوب * روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبى شيبة وعمر والناقد قالا جميعا: نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيدالله(10/75)
ابن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن ابى طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة " ومن طريق مسلم نا قتيبة نا الليث هو ابن سعد - عن بكير - هو ابن الاشج - عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد عن أبى طلحة الانصاري " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة " ثم اشتكى زيد ابن خالد فعدناه فإذا على بابه ستر فيه صورة فقلت لعبيد الله الخولانى ربيب ميمونة أم المؤمنين ألم يخبرنا زيد عن الصورة فقال عبيدالله: ألم تسمعه حين قال: الا رقما في ثوب * ومن طريق أحمد بن شعيب أرنا محمد بن رافع النيسابوري نا حجين - هو ابن المثنى - نا عبد العزيز بن أبى سلمة الماجشون عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين " قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرب إلى صواحبي يلعبن معى باللعب البنات الصغار " * 1915 مسألة والاستتار بالجماع فرض لقول الله عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم) الآية، والحديث بذلك لا يجوز * 1916 مسألة وحلال للرجل من امرأته الحائض كل شئ حاش الايلاج
فقط، وهذا أمر قد اختلف الناس فيه * روينا من طريق اسماعيل بن اسحق نا محمد ابن أبى خداش نا مروان بن معاوية نا جعفر بن الزبير عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبى أمامة - هو الباهلى - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال عمر بن الخطاب: كنا نضاجع النساء في المحيض وفي الفرش واللحف من قلة فاما إذ وسع الله الفرش واللحف فاعتزلوهن كما أمر الله تعالى * نا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أبو اسماعيل محمد بن اسماعيل الترمذي نا سفيان بن عيينة نا منبوذ المكى عن أمه قالت: كنا عند ميمونة فدخل عليها ابن عباس فقالت له ميمونة: أي بنى مالى أراك شعث الرأس فقال: ان مرجلتي حائض وذكر الحديث * واحتج من ذهب إلى هذا بقول الله عزوجل: (قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) وبخبر رويناه من طريق أبى داود ثنا محمد بن سعيد نا سعيد بن عبد الجبار نا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن أبى اليمان عن أم درة عن عائشة أم المؤمنين قالت: كنت إذا حضت نزلت عن المثال إلى الحصير فلم تقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ندن منه حتى نطهر * وهذا لا شئ لانه من طريق أم درة وهى مجهولة لا تدرى * وذهبت طائفة إلى ان له من السرة فصاعدا(10/76)
فقط وليس له ما دون ذلك كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبى اسحق السبيعى عن عاصم البحلى ان نفرا سألوا عمر بن الخطاب عما يحل للرجل من امرأته حائضا؟ فقال عمر: لك ما فوق الازار لا تطلعن على ما تحته حتى تطهر * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن موسى عن نافع ان ابن عمر أرسل إلى عائشة أم المؤمنين يستفتيها في الحائض يباشرها فقالت عائشة: نعم نجعل على سفلتها ثوبا * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن ابن سيرين عن شريح قال: لك ما فوق السرة قال معمر: وسمعت قنادة يقول: لك ما فوق الازار * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن سليمان ابن موسى قال: ما تحت الازار خرام * وبه إلى ابن جريج عن عطاء قال: تباشر الحائض
زوجها إذا كان على جزلتها السفلى ازار سمعنا ذلك * واحتج أهل هذه المقالة بخبر رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: " وأما ما للرجل من امرأته وهى حائض فما فوق الازار * قال أبو محمد: وهذا خبر رويناه من طرق صحاح إلى رجل يسمى عاصم بن عمرو البجلى الكوفى عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاصم هذا لم يسمعه من عمر لاننا رويناه من طريق أبى اسحق السبيعى عن عاصم بن عمرو عن عمير مولى عمر وعمير هذا مجهول، ورويناه أيضا من طريق شعبة عن عاصم المذكور عن جرل عن القوم الذين سألوا عمر عن ذلك * وبخبر آخر من طريق أبى داود نا هارون بن محمد بن بكار نا مروان - يعنى ابن محمد - نا الهيثم بن حميدنا العلاء بن الحارث عن حزام بن حكيم عن عمه انه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل لى من امرأتي وهى حائض: قال: لك ما فوق الازار، وهذا لا يصح لان حزام بن حكيم ضعيف.
وهو الذى روى غسل الانثيين من المذى، ومروان بن محمد الذى روى عنه ضعيف أيضا * وبخبر رويناه من طريق أبى داود نا هشام بن عبد الملك اليزنى (1) حدثنى بقية بن عبد الوليد عن سعيد - هو ابن عبد الله الاغطش عن عبد الرحمن بن عائذ الازدي قال هشام - وهو ابن قرط الازدي أمير حمص - عن معاذ ابن جبل قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهى حائض؟ فقال: ما هو فوق الازار والتعفف عن ذلك أفضل وهذا خبر لا يصح لانه من طريق بقية وهو ضعيف عن سعيد بن عبد الله الاغطش وهو مجهول لا يعرف * وبخبر من طريق ابن أبى شيبة نا عبد الرحيم نا محمد بن كريب عن كريب عن ابن عباس انه سئل عن المرأة الحائض ماذا يحل لزوجها؟ قال: سمعنا والله أعلم ان كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كذلك لا يحل له ما فوق الازار، وهذا حديث كما ترى غير مسند * ومن طريق ابن الجهم نا محمد بن
__________
(1) هو بفتح التحتانية والزاى ثم نون، وفي النسخة رقم 14 " البرتى " وهو غلط(10/77)
الفرج نا عبد الله بن عمر عن أبى النضر عن أبى سلمة عن عائشة سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما يحل للرجل من امرأته - يعنى الحائض - قال: ما فوق الازار وهذا لا يصح لانه من طريق العمرى الصغير وهو ضعيف فسقط هذا الخبر (1) والحمد لله رب العالمين، وقد جاء خبر من طريق الليث بن سعد عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن ندبة مولاة ميمونة عن ميمونة رضى الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر الحائض من نسائه إذا كان عليها ازار يبلغ أنصاف الفخذين أو الركبتين محتجزه * وعن ابن وهب بلغني عن عائشة.
وأم سلمة امى المؤمنين مثل هذا، وهذا منقطع * وعن ندبة وهى مجهولة ولو صح لم تكن فيه حجة ولا متعلق لاحد لانه فعل لا أمر، وذهبت طائفة إلى انه لا يباشرها الا وبينهما ثوب * روينا عن وكيع عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلمانى ما للرجل من امرأته الحائض؟ فقال: الفراش واحد واللحاف شتى وان لم يجد بدا من أن يرد عليها من طرف ثوبه رد عليها * واحتج أهل هذا القول بما رويناه من طريق مسلم نا هرون بن سعيد نا ابن وهب ارنا مخرمة - هو ابن بكير - عن أبيه عن كريب مولى ابن عباس قال: سمعت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معى وانا حائض وبيني وبينه ثوب * ونا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا أبو خليفة الفضل بن الحباب - هو مولى بنى جمح - نا مسدد نا أبو عوانة عن عمر بن أبى سلمة (2) بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تنام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى حائض وبينهما ثوب * قال أبو محمد: سماع مخرمة بن بكير عن أبيه لا يصح كما نا يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الله بن محمد بن يوسف الازدي نا محمد بن اسحاق الصيدلانى نا العقيلى نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبى نا حماد بن خالد الخايط قال: أخرج إلى مخرمة بن بكير كتابا وقال لى: هذه كتب أبى لم أسمع منها شيئا، واما خبر عائشة أم المؤمنين ففيه عمر ابن ابى سلمة وهو ضعيف لم يوثقه أحد، وذهب أبو حنيفة.
وأبو يوسف.
ومالك.
ومن قلده إلى أنه مباح له ما فوق السرة وما تحت الركبة ويحرم عليه ما بين السرة والركبة وما نعلم لهذا القول متعلقا اصلا فوجب تركه، ولا يموهن مموه بالاخبار التى فيها كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الحائض من نسائه ان تتزر ثم يباشرها فان الازار قد يبلغ إلى الكعبين وقد يبلغ إلى انصاف الفخذين * وذهبت طائفة إلى مثل قولنا كما نا عبد الله بن ربيع نا
__________
(1) في النسخة رقم 14 هذا الباب (2) في النسخة رقم 14 عن عمرو بن أبى سلمة بالواو وهو تصحيف(10/78)
محمد بن معاوية نا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحى نا أبو الوليد الطيالسي نا الليث ابن سعد عن بكير بن عبد الله بن الاشج عن أبى مرة مولى عقيل بن أبى طالب عن حكيم بن عقال سألت أم المؤمنين عائشة ما يحرم على الرجل من امرأته إذا كان صائما؟ قالت: فرجها قلت: فما يحرم عليه منها إذا كانت حائضا؟ قالت: فرجها وهو قول أم سلمة أم المؤمنين * ومن طريق حماد بن سلمة عن عبيدالله بن محمد بن عقيل عن ابن عباس قال للرجل من امرأته وهى حائض كل شئ الا مخرج الدم * ومن طريق وكيع عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى قال: يباشر الرجل الحائض إذا كف عنها الاذى * ومن طريق وكيع عن مالك بن مغول عن عطاء بن أبى رباح أنه قال في الحائض لا بأس أن يأتيها زوجها فيما دون الدم * ومن طريق وكيع عن عطاء بن أبى رباح عن الحكم بن عتيبة أنه قال في الحائض لا بأس: أن يضع الرجل فرجه عليه ما لم يدخله - يعنى على فرجها - * وبه إلى وكيع عن الربيع عن الحسن البصري أنه كان لا يرى بأسا ان يقلب فخذي الحائض، وهو قول مسروق، وابراهيم النخعي.
وسفيان الثوري.
ومحمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة.
وأبى سليمان.
وجميع أصحابنا وهو المشهور عن الشافعي * قال أبو محمد: قد بينا سقوط جميع الاقوال التى قدمنا الا هذا القول وقول من تعلق بالاية فنظرنا في هذا القول فوجدنا ما روينا من طريق مسلم نا زهير بن حرب
نا عبد الرحمن بن مهدى نا حماد بن سلمة أرنا ثابت - هو البنانى - عن أنس بن مالك فذكر حديثا، وفيه فأنزل الله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض) إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اصنعوا كل شئ الا النكاح " * قال أبو محمد: فهذا خبر في غاية الصحة وهو بيان للآية بين عليه الصلاة والسلام إثر نزولها مراد ربه تعالى فيها، وصح بهذا قول من قال من العلماء: ان معنى قوله عزوجل في المحيض: انما هو موضع الحيض ولا شك في هذا لانه عليه الصلاة والسلام بين مراد ربه تعالى في الآية ولم ينسخها ولم ينسخها قال الله عزوجل: (لتبين للناس ما نزل إليهم) وبالله تعالى التوفيق * 1917 مسألة ومن وطئ حائضا عامدا أو جاهلا فقد عصى الله تعالى في العمد وليس عليه في ذلك شئ لا صدقة ولا غيرها الا التوبة والاستغفار، وقد قال قائلون في ذلك بكفارة كما روينا عن ابن عباس ان وطئها في الدم فدينار وان وطئها في انقطاع الدم فنصف دينار * وعن قتادة ان كان واجدا فدينار وان لم يجد فنصف(10/79)
دينار * وعن عطاء من وطئ حائضا يتصدق بدينار، وقد روى عن محمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة، ورأى أحمد بن حنبل أنه مخير بين دينار أو نصف أو نصف دينار، ووجدنا أهل هذه المقالة يحتجون بخبر رويناه من طريق مقسم عن ابن عباس مسندا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقسم ضعيف * ورويناه أيضا من طريق شريك عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريك.
وخصيف ضعيفان * ومن طريق فيها عبد الملك بن حبيب عن المكفوف عن أيوب بن خوط عن قتادة عن ابن عباس مسندا وعبد الملك.
وايوب هالكان والمكفوف مجهول * ومن طريق عبد الملك ابن حبيب عن أصبغ بن الفرج عن السبيعى عن زيد بن عبد الحميد أن عمر سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: تصدق بدينار، وعبد الملك هالك والسبيعى مجهول، ولا يظن
جاهل انه أبو إسحق مات أبو إسحق قبل أن يولد أصبغ بدهر، وهو أيضا مرسل وقد رواه الاوزاعي أيضا مرسلا وفيه تصدق بخمسى دينار * وذهبت طائفة ان عليه مثل كفارة من وطئ في رمضان كما روينا من طريق أحمد بن شعيب انا محمد بن عبد الاعلى نا المعتمر - هو ابن سليمان التيمى - قال: قرأت على فضيل عن أبى جريز ان أيفع حدثه ان سعيد بن جبير أخبره عن ابن عباس انه قال: " من افطر في رمضان فعليه عتق رقبة أو صوم شهر أو اطعام ثلاثين مسكينا " قلت ومن وقع على امرأته وهى حائض أو سمع اذان الجمعة ولم يجمع ليس له عذر قال: كذلك عتق رقبة * ومن طريق عبد الرزاق نا هشام - هو ابن حسان - عن الحسن البصري انه كان يقيس الذى يقع على الحائض بالذى يقع على امرأته في رمضان * واحتج أهل هذه المقالة بخبر رويناه من طريق أحمد ابن شعيب أخبرني محمود بن خالد نا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمى قال: سمعت على بن بذيمة يقول: سمعت سعيد بن جبير يقول: سمعت ابن عباس يقول قال رجل: يا رسول الله انى أصبت امرأتي وهى حائض فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يعتق رقبة، قال ابن عباس: وقيمة الرقبة يومئذ دينار * ورويناه أيضا من طريق موسى بن أيوب عن الوليد بن مسلم عن جابر عن على بن بذيمة باسناده * قال أبو محمد: موسى بن أيوب.
وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم ضعيفان فسقط كل ما في هذا الباب، ولقد كان يلزم القائلين بالقياس أن يقيسوا واطئ الحائض على الواطئ في رمضان لانهما معا وطئا فرجا حلال العين لم يحرم الا بحال الصوم أو حال الحيض فقط ولكن هذا مما تناقضوا فيه لا سيما وهم يحتجون بأضعف من هذا الخبر، وأما نحن فلو صح شئ من كل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلنا به فلما لم يصح فيه شئ لم يجب(10/80)
منه شئ لانه شرع لم يأمر الله تعالى به * وممن قال بقولنا ابن سيرين صح عنه أنه قال: يستغفر الله وليس عليه شئ، وصح أيضا مثل ذلك عن ابراهيم النخعي.
وعطاء.
ومكحول وهو قول مالك.
وأبى حنيفة.
والشافعي.
وأبى سليمان وأصحابهم * 1918 مسألة وإذا رأت الحائض الطهر فان غسلت فرجها فقط أو توضأت فقط أو اغتسلت كلها فاى ذلك فعلت حل وطؤها لزوجها الا أنها لا تصلى حتى تغتسل كلها بالماء، وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: لا يحل له وطؤها الا حتى تغسل جميع جسدها، روينا ذلك عن مجاهد وابراهيم النخعي.
والقاسم ابن محمد.
وسالم بن عبد الله.
ومكحول.
والحسن.
وسليمان بن يسار.
والزهرى.
وربيعة * ورويناه عن عطاء.
وميمون بن مهران وهو قول مالك.
والشافعي.
وأصحابهما، وذهب أبو حنيفة.
وأصحابه إلى أن الحائض ان كانت ايامها عشرة فانها بانقضاء العشرة يحل لزوجها وطؤها وان لم تغسل فرجها ولا توضأت ولا اغتسلت فان كانت أيامها أقل من عشرة فانها إذا رأت الطهر لم يحل لزوجها وطؤها الا باحد وجهين اما أن تغتسل كلها واما أن يمضى عليها وقت صلاة فان مضى لها وقت صلاة حل له وطؤها وان لم تغتسل ولا غسلت فرجها ولا توضأت * قال أبو محمد: لا قول أسقط من هذا لانه تحكم بالباطل بلا دليل أصلا ولا نعلم أحدا قاله قبل أبى حنيفة ولا بعده الا من قلده، وذهب قوم إلى مثل قولنا كما روينا من طريق عبد الرزاق أرنا ابن جريج.
ومعمر قال ابن جريج عن عطاء وقال معمر عن قتادة ثم اتفق عطاء.
وقتادة فقالا جميعا في الحائض إذا رأت الطهر فانها تغسل فرجها ويصيبها زوجها، وروينا عن عطاء انها إذا رأت الطهر فتوضأت حل وطؤها لزوجها وهو قول أبى سليمان.
وجميع أصحابنا * قال أبو محمد: ربما يموه مموه بالخبر الذى رويناه من طريق عبد الكريم عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ان أتاها - يعنى الحائض - وقد أدبر الدم عنها ولم يغتسل فنصف دينار " فقد قلنا: ان مقسما ضعيف ولم يلق عبد الكريم مقسما فهو لا شي ولا سيما والمالكيون والشافعيون لا يقولون بهذا الخبر، ومن
الباطل ان يحتج المرأ بخبر هو أول مبطل له ولعلهم أن يقولوا: لا يجوز له وطؤها الا أن تجوز لها الصلاة * قال أبو محمد: وهذا خطأ لان الوطئ ليس معلقا بالصلاة فقد تكون المرأة جنبا فيحل وطؤها ولا تحل لها الصلاة وتكون معتكفة ومحرمة وصائمة فتصلى ولا يحل وطؤها (م 11 ج 10 المحلى)(10/81)
قال أبو محمد: فإذ لا بيان في شئ من هذا الا في الآية فالواجب الرجوع إليها قال الله تعالى: (فلا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) فوجدناه عزوجل لم يبح وطئ الحائض الا بوجهين اثنين وهى أن تطهر وان تطهر لان الضمير الذى في تطهرن راجع بلا خلاف من أحد ممن يحسن العربية إلى الضمير الذى في يطهرن والضمير الذى في يطهرن راجع إلى الحيض فكان معنى يطهرن هو انقطاع الحيض وظهور الطهر لانه لم يضف الفعل اليهن وكان معني يطهرن فعلا يفعلنه لانه رد الفعل اليهن فوجب حمل الآية على مقتضاها وعمومها لا يجوز غير ذلك ولا يجوز تخصيصها ولا الاختصار على بعض ما يقع عليه لفظها دون كل ما يقع عليه بالدعوى الكاذبة فيكون اخبارا عن مراد الله تعالى بما لم يخبر به عزوجل عن مراده، وهذا حرام ونحن نشهد بشهادة الله عزوجل أنه تعالى لو أراد بعض ما يقع عليه اسم (تطهرن) دون سائر ما يقع عليه لاخبرنا به ولبينه علينا ولما وكلنا إلى التكهن والظنون، وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فقد فصل لنا عزوجل ما حرم علينا من وطئ الحائض وأنه حرام ما لم يطهرن فيطهرن، فصح ان كل ما يقع عليه اسم الطهر بعد أن يطهرن فقد حللن به والوضوء تطهر بلا خلاف وغسل الفرج بالماء تطهر كذلك وغسل جميع الجسد تطهر فبأى هذه الوجوه تطهرت التى رأت الطهر من الحيض فقد حل به لنا اتيانها وبالله تعالى التوفيق *
1919 مسألة ولباس المرأة الحرير والذهب في الصلاة وغيرها حلال على أنه قد اختلف في ذلك فلم يجوز (1) ذلك قوم لهن كما روينا من طريق أحمد ابن شعيب حدثنا أبو بكر بن على المروزى نا شريح بن يونس نا هشيم عن أبى (2) بشر عن يوسف بن ماهك " أن امرأه سألت ابن عمر عن الحرير فقال لها ابن عمر: من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " * ومن طريق مسلم نا ابن أبى شيبة نا عبيد بن سعيد عن شعبة عن خليفة بن كعب أبى ذبيان قال: سمعت عبد الله بن الزبير يخطب يقول: " ألا لا تلبسوا نساءكم الحرير فان من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن أيوب السختيانى عن ابن سيرين أن أبا هريرة كان يقول لابنته: " لا تلبسي الذهب فانى أخاف عليك حر اللهب " * ومن طريق وكيع عن مبارك - هو ابن فضالة - عن الحسن أنه كره الذهب للنساء، واحتج أهل هذه المقالة بخبر من طريق الحسن " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - يعنى النساء - أهلكهن الاحمران
__________
(1) في النسخة رقم 14 فلم يجز (2) في النسخة رقم 16 عن أبى كثير(10/82)
الذهب والزعفران " وهذا مرسل لا حجة فيه، وبخبر رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عائشة قلابين من فضة ملونين بذهب فأمرها أن تلقيهما وتجعل قلابين من فضة وتصفرهما بالزعفران " وهذا مرسل ولا حجة في مرسل * وبخبر رويناه من طريق شعبة.
وسفيان.
والمعتمر بن سليمان.
وجرير كلهم عن منصور بن المعتمر عن ربعى بن خراش عن امرأته عن اخت حذيفة قالت: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا معشر النساء أما لكن في الفضة ما تحلين أما انه ليس من امرأة تلبس ذهبا تظهره إلا عذبت به " وهذا عن امرأة ربعى وهى مجهولة، ولقد كان يلزم المالكيين والحنيفيين الآخذين برواية امرأة أبى اسحق عند أم ولد زيد بن أرقم فحرموا به الحلال أن يقول بهذا الخبر والافهم متناقضون * وبخبر فيه ليث بن
أبى سليم وهو ضعيف عن شهرين حوشب وهو مثله أو أسقط منه عن اسماء بنت يزيد بن السكن قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأى على سوارين من ذهب وخواتم من ذهب فقال لى عليه الصلاة والسلام: اتحبين ان يسورك الله بسوارين من نار وخواتم من نار قالت: لا قال فانزعي هذين أتعجز أحداكن أن تتخذ حلقتين أو تومتين من فضة ثم تلطخهما بعبير أو ورس أو زعفران " * وخبر آخر فيه محمود بن عمرو الانصاري عن شهر أن أسماء بنت يزيد بن السكن حدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيا امرأة تقلدت قلادة من ذهب قلدة في عنقها مثلها من النار يوم القيامة وايما امرأة جعلت في أذنها خرصا من ذهب جعله الله في اذنها من النار يوم القيامة " ومحمود بن عمرو ضعيف * وآخر من طريق أبى زيد عن أبى هريرة " أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجأئته امرأة عليها سواران من ذهب فقال عليه الصلاة والسلام: سوارن من نار فقالت: ما ترى في طوق من ذهب قال: طوق من نار قالت: فما ترى في قرطين من ذهب قال قرطان من نار " وأبو زيد مجهول * وبخبر صحيح رويناه من طريق أحمد بن شعب أخبرني الربيع بن سليمان بن داود نا اسحاق بن بكر حدثنى أبى عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم: " رأى عليها مسكتى ذهب فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: الا أخبرك بما هو أحسن من هذا لو نزعت هذا وجعلت مسكتين من ورق ثم صفرتهما بزعفران كانتا حسنتين " وهذا الخبر حجة لنا لانه ليس في هذا الخبر أنه صلى الله عليه وسلم نهاها عن مسكتى الذهب إنما فيه أنه عليه الصلاة والسلام اختار لها غيره ونحن نقول بهذا * واحتجوا بخبر رويناه من طريق أبى داود نا عبد الله بن مسلمة - هو القعنبى - نا عبد العزيز بن محمد(10/83)
الدراوردى عن أسيد بن أبى أسيد البراد عن نافع عن ابن عباس عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحب أن يحلق جبينه حلقة من نار فليحلقه حلقة من
ذهب ومن أحب أن يطوق جبينة طوقا من نار فليطوقه طوقا من ذهب.
ومن أحب أن يسور جبينه بسوار من نار فليسوره سوارا من ذهب ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها " * قال أبو محمد: هذا مجمل يجب ان يخص منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الذهب حرام على ذكور أمتى حلال لاناثها) لانه أقل معان منه ومستثني بعض ما فيه * وذكروا ما رويناه من طريق احمد بن شعيب نا وهب بن بيان نا ابن وهب ارنا عمرو بن الحارث ان ابا عشانة حدثه انه سمع عقبة بن عامر يخبر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يمنع أهله الحلية والحرير ويقول: ان كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسو هما في الدنيا " * قال أبو محمد: أبوعشانة غير مشهور بالنقل ثم (1) لو صح لكان عاما للرجال والنساء يخصه الخبر الذى فيه " ان الذهب والحرير حرام على ذكور أمتى حلال لاناثها " * وحديث آخر من طريق احمد بن شعيب أرنا عبيدالله بن سعيد نا معاذ بن هشام - هو الدستوائي - نا أبى عن يحيى بن أبى كثير حدثنى زيد - هو ابن سلام - عن أبى سلام - هو ممطور الحبشى عن أبى اسماء الرحبى - هو عمرو بن مرثد - قال: ان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " جاءت ابنة هبيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ - قال معاذ كذا في كتاب أبى أي خواتم كبار - فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب يديها فدخلت على فاطمة تشكو ذلك إليها فنزعت فاطمة سلسلة من ذهب في عنقها فقالت.
هذه أهداها أبو حسن فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلسلة في يدها فقال (2): ايسرك ان تقول الناس ابنة رسول الله وفي يدك سلسلة من نار ثم خرج ولم يقعد فأرسلت فاطمة بالسلسله إلى السوق فباعتها واشترت بثمنها غلاما وذكر كلمة معناها فاعتقته فحدث بذلك صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد لله الذى نجا فاطمة من النار) * قال أبو محمد: أما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدى بنت هبيرة فليس فيه انه عليه الصلاة والسلام انما ضربها من أجل الخواتم ولا فيه أيضا ان تلك الخواتم كانت من ذهب، ومن زاد هذين المعنيين في الخبر فقد كذب بلا شك وقفا مالا علم له به وما لم
يخبر به راوي الخبر وهذا حرام بحت وقد يمكن ان يكون عليه الصلاة والسلام ضرب يديها لانها ابرزت عن ذراعيها ما لا يحل لها ابرازه أو لغير ذلك مما هو عليه الصلاة أعلم به، وأما قوله " أيسرك ان يقول الناس ابنة رسول الله وفي يدك سلسلة من نار " فظاهر اللفظ الذى ليس يفهم (1) في النسخة رقم 14 ولو (2) وفي النسخة رقم 14 فقال يا فاطمة ايضرك(10/84)
منه سواه أنه عليه الصلاة والسلام انما أنكر امساكها اياها بيدها ليس في لفظ الخبر نص بغير ذها ولا دليل عليه، وليس فيه انه عليه الصلاة والسلام نهاها عن لباسها ولا عن تملكها هذا لا شك فيه، وقد يمكن أنه عليه الصلاة والسلام علم أنها لم تزكها وكانت مما تجب فيه الزكاة كما قال عزوجل: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) * والله أعلم لاى وجه أنكر كون السلسلة في يدها رضى الله عنها الا أنه ليس فيه البتة تحريم لباسها لها بل فيه نصا أنه عليه الصلاة السلام أباح لها ملكها يقينا لا شك فيه لانه جوز بيعها للسلسلة وجوز للمشترى لها منها شراءها ولو ان لباسها حراما أو ملكها لم يجز للذى اشتراها شراؤها وأما امساكها باليد الذى في هذا الخبر انكاره فقد نسخ بيقين لا شك فيه لايجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في الذهب واباحته عليه الصلاة والسلام بيع الذهب بالذهب مثلا بمثل وزنا بوزن واباحته عليه الصلاة والسلام بيع قلادة الذهب التي أصيبت بخيبر بعد أن أمر بنزع الخرز عنها.
وبيع الذهب بالذهب مثلا بمثل ولم يحرم بيع القلادة التى فيها الذهب ولا ابتياعها ولا أمر بكسرها، ولا خلاف في ان ايجاب الزكاة في الذهب واباحة بيعه بالذهب مثلا بمثل باق إلى يوم القيامة لم ينسخ، واما قوله عليه الصلاة والسلام إذ بلغه بيع فاطمة رضى الله عنها السلسلة الذهب وابتياعها بثمنها غلاما فاعتقته: " الحمد لله الذى أنقذ فاطمة
من النار " فالذي لا شك فيه فهو أنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مارويناه من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيدنا الليث - هو ابن سعد - عن ابن الهاد عن عمر بن على بن الحسين عن سعيد بن مرجانة عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من النار حتى فرجه بفرجه " فنحن على يقين من أن الله تعالى أنقذها من النار بعتقها للغلام، ومن ادعى أنه انما أنقذها من النار ببيعها السلسلة فقد قفاما لا علم له به وقال: ما لا دليل له عليه ولا برهان عنده بصحته وما ليس في الخبر منه نص ولا دليل الا الظن الذى هو أكذب الحديث، وقد جاء في كراهة مس حلى الذهب أثر صحيح كما روينا من طريق أبى داود نا ابن نفيل - هو عبد الله بن محمد بن نفيل - نا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين قالت: " قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حلية من عند النجاشي أهداها له فيها خاتم من ذهب فيه فص حبشي قالت: فاخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود(10/85)
معرضا أو ببعض أصابعه ثم دعى أمامة بنت أبى العاص ابنة ابنته زينب فقال: تحلى بهذا يا بنية " فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كره مس خاتم الذهب فلعله كرهه لفاطمة أيضا ومع ذلك حلاه أمامة بنت أبى العاص * قال أبو محمد: والحاكم على كل ذلك هو ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن على نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - ويزيد - هو ابن زريع - ومعتمر - هو ابن سليمان التيمى - وبشر بن المفضل قالوا كلهم: نا عبيدالله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر عن سعيد بن أبى هند عن أبى موسى الاشعري " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أحل لاناث أمتى الحرير والذهب وحرمه على ذكورها " * ورويناه أيضا من طريق حماد بن سلمة.
وعبد الوهاب بن عبدالميجد الثقفى.
وأبى معاوية الضرير.
وحماد بن مسعدة كلهم عن عبيدالله بن عمر باسناده إلا أنهم اقتصروا على ذكر الحرير فقط الا حماد
ابن سلمة فانه ذكر الحرير والذهب، ورويناه أيضا من طريق سعيد بن أبى عروبة ومعمر كلاهما عن أيوب السختيانى عن نافع باسناده وذكر الحرير والذهب وهو (1) أثر صحيح لان سعيد بن أبى هند ثقة مشهور روى عنه نافع وموسى بن ميسرة * ومن طريق أبى داود نا أحمد بن حنبل نا يعقوب - هو ابن ابراهيم بن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - نا أبى عن ابن اسحاق قال: إن نافعا مولى ابن عمر حدثنى عن عبد الله بن عمر قال " إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في أحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس أو الزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من معصفر أو حذاء أو حلى أو سراويل أو قميص أو خف " فعم رسول الله صلى الله عليه وسلم لها جميع الحلى ولو كان الذهب حراما عليهن لبينه عليه الصلاة والسلام بلا شك فإذ لم ينص على منعه فهذا حلال لهن وبالله تعالى التوفيق * وبهذا تقول جماعة من السلف * روينا من طريق حماد بن سلمة وقتادة قال قتاده عن على بن عبد الله البارقى وقال حماد عن عقبة ابن وشاح كلاهما عن ابن عمر أنهما سألاه عن الحرير والذهب فقال يكرهان للرجال ولا يكرهان للنساء * ومن طريق شعبة عن سليمان بن (2) أبى المغيرة البزاز عن سعيد ابن جبير قال: رأى حذيفة صبيانا عليهم قمص حرير فنزعه عن الغلمان وأمر بنزعه عنهم وتركه على الجوارى، وهو قول أبى حنيفة.
والشافعي.
ومالك.
وأبى سليمان وأصحابه * 1920 مسألة: والتحلى بالفضة واللؤلؤ والياقوت والزمرد حلال في كل شئ للرجال والنساء ولا نخص شيئا الا آنية الفضة فقط فهى حرام على الرجال
__________
(1) وفي النسخة رقم 16 وهذا (2) في النسخة رقم 14 سليمان بن المغيرة والصحيح ما في الاصل(10/86)
والنساء على خبر البراء بن عازب وقد ذكرناه في كتاب الصلاة لان الله عزوجل يقول: (خلق لكم ما في الارض جميعا) وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فلم يفصل عزوجل تحريم التحلى بالفضة في ذلك فهي حلال، وقد خص قوم بالاباحة
حلية السيف والمنطقة والخاتم والمصحف وهذا تخصيص لا برهان على صحته (1) فهو دعوى مجردة، وأما اللؤلؤ فقد قال الله عزوجل: (ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر) * قال على: ولا يخرج من البحر الا اللؤلؤ فهو بنص القرآن حلال للرجال والنساء وبالله تعالى التوفيق * 1921 مسألة: وإذا شجر بين الرجل وامرأته بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها عن حال الظالم منهما وينهيا إلى الحاكم ما وقفا عليه من ذلك ليأخذ الحق ممن هو قبله ويأخذ على يدى الظالم، وليس لهما ان يفرقا بين الزوجين لا بلخع ولا بغيره * برهان ذلك قول الله عزوجل: (وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله وحكما من أهلها أن يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما) * قال أبو محمد: الاهل القرابة هم من الاب والام والاهل أيضا الموالى كما روينا في حديث ابى طيبة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أهله ان يخففوا عنه من خراجه " وقال عز وجل: (أن يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما) فلا يخلو ضرورة الضمير الذى في بينهما من أن يكون راجعا إلى الزوجين وهكذا نقول (2) أو يكون راجعا إلى الحكمين فنص الآية أنه انما يوفق الله تعالى بينهما ان ارادا اصلاحا والاصلاح هو قطع الشر بين الزوجين، فان قيل قد قال الله عزوجل: (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما ان يصلح بينهما صلحا والصلح خير) يعنى الطلاق وقد قرئ أن يصلحا قلنا نعم وانما رد عزوجل هذا الصلح إلى اختيار الزوجين لا إلى غيرهما وعليهما ولا يعرف في اللغة ولا في الشريعة.
أصلحت بين الزوجين أي طلقتها عليه، وقد اختلف السلف في هذا فقالت: طائفة لهما أن يفرقا كما روينا أن عثمان بعث ابن عباس ومعاوية حكمين بين عقيل بن أبى طالب وامرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقيل لهما أن رأيتما ان تفرقا فرقتما وهذا خبر لا يصح لانه لم يأت الا منقطعا، ورويناه عن ابن عباس أيضا من طريق يحيى بن عبد الحميد الحمانى - وهو ضعيف - وصح عن على بن أبى طالب أنه قال للحكمين بين الزوجين:
عليكما ان رأيتما أن تفرقا فرقتما وان رأيتما أن تجمعا جمعتما * وصح عن أبى سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف.
والشعبى.
وسعيد بن جبير.
والحكم بن عتبة، وعن ربيعة
__________
(1) في النسخة رقم 14 لا برهان (2) وفي النسخة رقم 14 هكذا القول(10/87)
وشريح، وروى عن طاوس والنخعي وهو قول مالك.
والاوزاعي.
وأبى سليمان واصحابنا الا ابن المغلس وقال آخرون: ليس للحكمين أن يفرقا.
نا أحمد بن عمر بن أنس العذري نا أبو ذر الهروي نا عبد الرحمن (1) عن أحمد بن حموية السرخسى نا ابراهيم ابن خريم نا عبد بن حميد الكشى نا يزيد بن هرون نا هشام - هو ابن حسان - عن الحسن البصري قال: لهما - يعنى الحكمين - أن يصلحا وليس لهما أن يفرقا، وبه إلى عبد بن حميد نا يونس عن شيبان - هو ابن فروح - عن قتادة في قول الله عزوجل: * (وإن خفتم شقاق بينهما) الآية قال قتادة: انما بعث الحكمان ليصلحا فان أعياهما ذلك شهدا على الظالم بظلمه وليس بايديهما الفرقة ولا يملكان ذلك * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن انسانا قال له: أيفرق الحكمان؟ قال عطاء: لا الا أن يجعل الزوجان ذلك بأيديهما، وهو قول أبى حنيفة.
والشافعي.
وأبى الحسن بن المغلس، وصح عن سعيد بن جبير ان التفريق إلى الحاكم بما ينهيه إليه الحكمان * قال أبو محمد: ليس في الآية ولا في شئ من السنن أن للحكمين أن يفرقا ولا ان ذلك للحاكم، وقال عزوجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فصح أنه لا يجوز أن يطلق أحد على أحد ولا أن يفرق بين رجل وامرأته الا حيث جاء النص بوجوب فسخ النكاح فقط ولا حجة في قول احد (2) دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * النفقات 1922 مسألة وينفق الرجل على امرأته من حين يعقد نكاحها دعى إلى البناء أو لم يدع ولو أنها في المهد ناشزا كانت أو غير ناشز غنية كانت أو فقيرة
ذات أب كانت أو يتيمة بكرا أو ثيبا حرة كانت أو أمة على قدر ماله فالموسر خبز الحوارى واللحم وفاكهة الوقت على حسب مقداره والمتوسط على قدر طاقته والمقل أيضا على حسب طاقته * برهان ذلك ما قد ذكرنا باسناده قبل من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في النساء: " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " وهذا يوجب لهن النفقة من حين العقد، وقال قوم: لا نفقة للمرأة الا حيث تدعى إلى البناء بها وهذا قول لم يأت به قرآن ولا سنة ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأى له وجه، ولا شك في أن الله عزوجل لو أراد استثناء الصغيرة والناشز لما أغفل ذلك حتى يبينه له غيره حاش
__________
(1) في النسخة رقم 14 نا عبد الله بن أحمد (2) في النسخة رقم 16 " في أحد "(10/88)
لله من ذلك، وقدنا يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد ابن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا عبيدالله بن عمر أخبرني نافع عن ابن عمر قال: " كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الاجناد أن انظروا من طالت غيبته أن يبعثوا (1) نفقة أو يرجعوا أو يفارقوا فان فارق فان عليه نفقة ما فارق من يوم غاب) * قال أبو محمد: ولم يخص عمر ناشزا من غيرها * ومن طريق شعبة سألت الحكم بن عتيبة عن ا مرأة خرجت من بيت زوجها غاصبة (2) هل لها نفقة؟ قال: نعم، وقال أبو سليمان.
وأصحابه.
وسفيان الثوري: النفقة واجبة للصغيرة من حين العقد عليها * قال أبو محمد: وما نعلم لعمر في هذا مخالفا من الصحابة رضى الله عنهم، ولا يحفظ منع الناشز من النفقة عن احد من الصحابة إنما هو شئ روى عن النخعي.
والشعبى.
وحماد بن أبى سليمان.
والحسن.
والزهرى وما نعلم لهم حجة الا أنهم قالوا: النفقة بازاء الجماع فإذا منعت الجماع منعت النفقة *
قال أبو محمد: وهذه حجة أفقر إلى ما يصححها مماراموا تصحيحها به وقد كذبوا في ذلك ما النفقة والكسوة الا بازاء الزوجية فإذا وجدت الزوجية فالنفقة والكسوة واجبتان * قال أبو محمد: والعجب كله استحلالهم ظلم الناشز في منع حقها من أجل ظلمها للزوج في منع حقه وهذا هو الظلم بعينه والباطل صراحا، والعجب كله أن الحنيفيين لا يجيزون لمن ظلمه انسان فأخذ له مالا فقدر على الانتصاف من مال يجده لظالمه أن ينتصف ورأوا منع الناشز النفقة والكسوة ولا يدرى لماذا، وقد تناقضوا في حجتهم المذكورة فرأوا النفقة للمريضة التى لا يمكن وطؤها فتركوا قولهم إن النفقة بازاء الجماع * قال أبو محمد: ويكسر الرجل امرأته على قدر ماله فالموسر يؤمر بأن يكسوها الخز وما أشبهه والمتوسط جيد الكتان والقطن، والمقل على قدره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وهذا هو المعروف من مآكل الناس وملابسهم، وقد روينا من طريق احمد بن شعيب ارنا عمران بن بكار الحمصى نا أبو اليمان - هو الحكم بن نافع - أرنا شعيب بن أبى حمزة قال: سئل الزهري عن لباس النساء الحرير: فقال؟ أخبرني أنس بن مالك " أنه رأى على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم برد حرير " (3) وقال الله عزوجل: " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر
__________
(1) في النسخة رقم 14 " أن يبعث " وهو لا يناسب ما بعده (2) في النسخة رقم 14 " عاصية " (3) في النسخة رقم 16 " ثوب حرير " (م 12 - ج 10 المحلى)(10/89)
عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) فان كان في بلد لا يأكلون فيه الا التمر أو التين أو بعض الثمار أو اللبن أو السمك قضى لها بما يقتاته أهل بلدها كما ذكرنا، وأكثر النفقة عندنا رطلان بالبغدادي * ثنا احمد ابن محمد بن الجسور نا وهب بن مسرة نا ابن وضاح نا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا أبو
الاحوص - هو سلام (1) بن سليم الكوفى - عن أبى إسحاق السبيعى عن أبى الاحوص عوف ابن مالك بن فضالة الجشمى قال: (دخل أبى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثياب أسمال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما لك من مال؟ فقال: بل من كل المال قد أتانى الله من الابل والبقر والغنم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فلير عليك مما أتاك الله) ففي هذا الخبر أن يلبس الانسان على حسب ماله ونعمة الله تعالى عليه (2) * 1923 مسالة: وليس على الزوج أن ينفق على خادم لزوجته ولو أنه ابن الخليفة وهى بنت خليفة إنما عليه أن يقوم لها بمن يأتيها بالطعام والماء مهيأ ممكنا للاكل غدوة وعشية وبمن يكفيها جميع العمل من الكنس والفرش وعليه أن يأتيها بكسوتها كذلك لان هذه صفة الرزق والكسوة ولم يأت نص قط بايجاب نفقة خادمها عليه فهو ظلم وجور، وأما من كلفها العجين والطبخ ولم يكلفها حياكة كسوتها وخياطتها فقد تناقض وظهر خطؤه وبالله تعالى التوفيق * 1924 مسألة: وإنما تجب لها النفقة مياومة لانه هو رزقها فان تعدى من أجل ذلك وأخر عنها الغداء أو العشاء ادب على ذلك فان اعطاها أكثر فان ماتت أو طلقها ثلاثا أو طلقها قبل أن يطأها أو اتمت عدتها وعندها فضل يوم أو غداء أو عشاء قضى عليها برده إليه وهو في الميتة من رأس مالها لانه ليس من حقها قبله وإنما جعله عندها عدة لوقت مجئ استحقاقها اياه فإذا لم يأت ذلك الوقت ولها عليه نفقة فهو عندها امانة والله تعالى يقول: (إن الله يامركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) ولا ظلم أكثر من أن لا يقضى عليها برد ما لم تستحقه قبله * وأما الكسوة فانها إذا وجبت لها فهي حقها واذ هو حقها فهو لها فسواء ماتت إثر ذلك أو طلقها ثلاثا أو أتمت عدتها أو طلقها قبل أن يطأها ليس عليها ردها لانه لو وجب عليها ردها لكانت غير مالكة لها حين تجب لها ولهذا باطل، وكذلك لو أخلقت ثيابها أو اصابتها وليست من مالها فهى لها فإذا جاء الوقت الذى يعهد في مثله اخلاق تلك الكسوة فهى لها ويقضى لها عليه باخرى فلو امتهنتها ضرارا
أو فسادا حتى أخلقت قبل الوقت الذى يعهد فيه اخلاق مثلها فلا شئ لها عليه
__________
(1) في النسخة رقم 16 " هو سالم " وهو تصحيف (2) في النسخة رقم 16 " عنده "(10/90)
انما عليه رزقها وكسوتها بالمعروف والمعروف هو الذى قلنا * وأما الوطاء والغطاء فبخلاف ذلك لان عليه اسكانها فإذ عليه اسكانها فعليه من الفرش والغطاء ما يكون دافعا لضرر الارض عن الساكن فهو له لان ذلك لا يسمى كسوتها وبين ذلك الخبر الذى أوردناه قبل مسندا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهونه " فنسب عليه السلام الفرش إلى الزوج فواجب عليه أن يقوم لها به وهو للزوج لا تملكه هي ومن قضى لها باكثر من نفقة المياومة فقد قضى بالظلم الذى لم يوجبه الله عزوجل ونسأله عن أن يحد في ذلك حدا فاى حد حد من جمعة أو شهر أو سنة كلف البرهان على ذلك من القرآن أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجده * فان ذكر ذاكر ما رويناه من طريق البخاري نا محمد نا وكيع عن سفيان بن عيينة قال أخبرني معمرنا ابن شهاب عن مالك بن أوس الحدثان عن عمر بن الخطاب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بنى النضير ويحبس لاهله قوت سنتهم " * ورويناه أيضا من طريق أبى داود نا أحمد بن عبدة نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري باسناده * ومن طريق مسلم أنا على ابن مسهر نا عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى أزواجه كل سنة ثمانين وسقا من تمر وعشرين وسقا من شعير " قلنا: ليس في هذا بيان أنه كان يدفعه اليهن مقدما فهو جائز وجائز أيضا أن يعطيه اياهن مياومة أو مشاهرة ونحن لم نمنع من ذلك ان طابت نفسه به، فان فعل الحاكم ذلك فتلف بغير عدوان منها أو بعد وان فهى ضامنة له لانها أخذت ما ليس حقا لها وحكم الحاكم لا يحل مال أحد لغيره ولا يسقط حق ذى حق فلو تطوع هو بذلك دون قضاء قاض فتلف بغير عدوان منها فعليه نفقتها ثانية وكسوتها ثانية كذلك لانها لم تتعد فلا شئ عليها وحقها باق
قبله إذ لم يعطه اياها بعد * 1925 مسألة: ويلزمه اسكانها على قدر طاقته لقول الله تعالى: (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) * 1926 مسألة ولا يلزمه لها حلى ولا طيب لان الله عزوجل لم يوجبهما عليه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم * 1927 - مسألة - ومن منع النفقة والكسوة وهو قادر عليها فسواء كان غائبا أو حاضرا هو دين في ذمته يؤخذ منه أبدا ويقضى لها به في حياته وبعد موته ومن رأس ماله يضرب به مع الغرماء لانه حق لها فهو دين قبله * 1928 - مسألة - فمن قدر على بعض النفقة والكسوة فسواء قل ما يقدر عليه(10/91)
أو كثر الواجب أن يقضى عليه بما قدر ويسقط عنه مالا يقدر فان لم يقدر على شئ من ذلك سقط عنه ولم يجب أن يقضى عليه بشي فان أيسر بعد ذلك قضى عليه من حين يوسر ولا يقضى عليه بشئ مما أنفقته على نفسها من نفقة أو كسوة مدة عسره لقول الله عزوجل: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها) فصح يقينا ان ما ليس في وسعه ولا آتاه الله تعالى اياه فلم يكلفه الله عزوجل اياه وما لم يكلفه الله تعالى فهو غير واجب عليه وما لم يجب عليه فلا يجوز أن يقضى عليه به ابدا أيسر أو لم يوسر: وهذا بخلاف ما وجب لها من نفقة أو كسوة فمنعها اياها وهو قادر عليها، فهذا يؤخذ به أبدا أعسر بعد ذلك أو لم يعسر لانه قد كلفه الله تعالى اياه فهو واجب عليه فلا يسقطه عنه اعساره لكن يوجب الاعسار أن ينظر به إلى الميسرة فقط لقوله عزوجل: (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * 1929 - مسألة - ولو أن الزوج يمنعها النفقة أو الكسوة أو الصداق ظلما أو لانه فقير لا يقدر لم يجز لها منع نفسها منه من أجل ذلك لانه وان ظلم فلا يجوز لها أن تمنعه حقا له قبلها
انما لها أن تنتصف من ماله ان وجدته له بمقدار حقها " كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هند بنت عتبة إذ قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل ممسك (1) لا يعطينى ما يكفيني أفآخذ من ماله بغير علمه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف " رويناه هكذا من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق البخاري قال نا محمد بن المثنى قال نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبى عن عائشة أم المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: * 1930 - مسألة - فان عجز الزوج عن نفقة نفسه وامرأته غنية كلفت النفقة عليه ولا ترجع عليه بشئ من ذلك ان أيسر الا أن يكون عبدا فنفقته على سيده لا على امرأته وكذلك ان كان للحر ولد أو والد فنفقته على ولده أو والده الا أن يكونا فقيرين * برهان ذلك قول الله عز وجل: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك) * قال على: الزوجة وارثة فعليها نفقته بنص القرآن: * قال أبو محمد: ونفقة الزوجة على العبد كما هي على الحر لان الله تعالى إذ أوجب على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم (نفقة النساء وكسوتهن على أزواجهن لم يخص حرا من عبد واذ قال الله تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) ولم يخص تعالى حرا من عبد وما كان ربك نسيا،
__________
(1) وفي نسخة رقم 14 مسيك(10/92)
وفيما ذكرنا خلاف نذكر منه ما تيسر ان شاء الله تعالى * فمن ذلك أن ابا يوسف قال: في المرأة البالغة المريضة التى لم يدخل بها زوجها أنه لا نفقة لها عليه إذا كان مرضها يمنع من وطئها فان بنى بها وهى كذلك فله أن يردها ولا ينفق عليها حتى يقدر على جماعها فان أمسكها فعليه نفقتها قال: فان مرضت عنده بعد أن دخل بها صحيحة فعليه نفقتها وليس له ردها قال فان (1) بنى بالرتقاء فعليه نفقتها وليس له ردها، وهذه
مناقضات طريفة في السخافة جدا، وقال: ان سجنت المرأة أو حيل بينها وبين زوجها كرها فلا نفقة لها عليه، وقد ذكرنا قول عمر في وجوب النفقة على الغائب مدة مغيبه وان طاق، وروينا من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد قال سئل ابن شهاب عن المرأة تنفق على نفسها من الذى لها وتتسلف قال نرى أن يؤخذ به زوجها بالسداد الا أن يكون له بينة أنه وضع لها ما يصلحها، قال يونس: وهو قول ربيعة * قال أبو محمد: هذا الحق لانه ان ادعى أنه أنفق فهو مدع لسقوط حق لها ثبت قبله فالبينة عليه واليمين عليها وهو قول الحسن البصري.
والشافعي.
وأبى سليمان، وروينا عن ابراهيم النخعي ما انفقت من مالها فلا شئ لها فيه وما استدانت فهو على الزوج وهذا تقسيم لا يقوم بصحته برهان، وقال ابن شبرمة: لا نفقة للمرأة الا إذا شكت إلى الجيران فمن حين تشكو تجب لها النفقة ويؤخذ بها الزوج وهذا تحديد فاسد، وصح عن شريح أن امرأة قالت له: ان زوجي غاب وانى استدنت دينارا فانفقته على نفسي فقال لها شريح: أكان أمر بذلك قالت لا قال فاقضى دينك، وقال أبو حنيفة: لا نفقة للمرأه الا أن يفرضها لها السلطان * قال أبو محمد: قد فرضها لها سلطان السلاطين وهو الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فبطل رأى أبى حنيفة، وقال مالك: من غاب ثم قدم فطلبته امرأته بالنفقة فان أقامت لها بينة بانها أقر لها بأنه لم يبعث إليها بشئ (1) قضى لها والا فلا نفقة لها الا من يوم ترفعه * قال أبو محمد: وهذه أيضا قضية لا دليل على صحتها ولا يدرى بماذا سقط حقها الواجب لها بدعواه وأما من لم يقدر على النفقة فقد اختلف الناس في حكمه فقالت طائفة: يسجن فلا يطلق ولا يكلف طلاقا وهذا قول عبيدالله بن الحسن العنبري قاضى البصرة * قال أبو محمد: ليت شعرى لماذا يسجن، وقالت طائفة: يجبر على ان ينفق أو يطلق كما روينا عن عبد الرزاق عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: (كتب عمر إلى أمراء الاجناد ادعوا فلانا وفلانا ناسا قد انقطعوا عن المدينة
__________
(1) في النسخة رقم 14 " فلو بنى " (2) في النسخة رقم 14 شيئا(10/93)
ورحلوا عنها اما أن يرجعوا إلى نسائهم واما أن يبعثوا بنفقة اليهن واما أن يطلقوا ويبعثوا بنفقة ما مضى " * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب قال: إذا لم يجد الرجل ما ينفق على امرأته أجبر على طلاقها * قال أبو محمد: فنظرنا فيما يحتج به أهل هذه المقالة بما روينا من طريق البزار نا عمرو بن على نا أبو معاوية الضرير نا الاعمش عن ابى صالح عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (افضل الصدقة ما ابقت غنى واليد العليا خير من اليد السفلى تقول امرأتك انفق على أو طلقني) * قال أبو محمد: فنظرنا في هذا الخبر فوجدناه هذه الزيادة ليست عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * برهان ذلك ما رويناه من طريق البخاري نا عمر بن حفص بن غياث نا أبى ثنا الاعمش نا أبو صالح حدثنى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول تقول المرأة اما أن تطعمني واما أن تطلقني) وذكر باقى الخبر قالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا هذا من كيس أبى هريرة فبطل الاحتجاج بهذا الخبر، فان قالوا: هو من قول أبى هريرة فهو قول صاحبين عمر وأبى هريرة قلنا: أما أبو هريرة فانه انما حكى قول المرأة ولم يقل ان هذا هو الواجب في الحكم، وأما عمر فلا حجة لهم فيه لانه لم يخاطب بذلك الا أغنياء قادرين على النفقة وليس في خبر عمر ذكر حكم المعسر بل قد صح عنه اسقاط طلب المرأة للنفقة إذا أعسر بها الزوج على ما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى، وقالت طائفة: يطلقها عليه الحاكم ثم اختلفوا فقال مالك: يؤجل في عدم النفقة شهرا أو نحوه فان انقضى الاجل وهى حائض أخر حتى
تطهر وفي الصداق عامين ثم يطلقها عليه الحاكم طلقة رجعية فان ايسر في العدة فله ارتجاعها، وقالت طائفة: لا يؤجل الا يوما واحدا ثم يطلقها الحاكم عليه، وممن روينا عنه نحو هذا جماعة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن أبى الزناد قال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال: يفرق بينهما قلت سنة قال نعم سنة * ومن طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبى الزناد وعبد الجبار بن عمر عن ابى الزناد قال شهدت عمر بن عبد العزيز يقول لزوج امرأة شكت إليه أنه لا ينفق عليها اضربوا له أجل شهر أو شهرين فان لم ينفق عليها إلى ذلك الاجل فرقوا بينه وبينها قال: أبو الزناد فسألت عنها سعيد بن المسيب فقال في الاجل(10/94)
والتفريق مثل قول عمر بن عبد العزيز، ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن محمد ابن عبد الرحمن أن رجلا شكا إلى عمر بن عبد العزيز أنه أنكح ابنته رجلا لا ينفق عليها فأرسل إلى الزوج فاتى فقال: أنكحني وهو يعلم أنه ليس لى شئ فقال له عمر بن عبد العزيز: انكحته وأنت تعرف فما الذى أصنع اذهب بأهلك * ومن طريق ابن وهب عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد الانصاري قال: " من تزوج وهو غنى ثم احتاج فلم يجد ما ينفق على امرأته فرق بينهما " * ومن طريق ابن وهب عن مالك قال ان من أدركت كانوا يقولون إذا لم ينفق الرجل على امرأته فرق بينهما قيل لمالك: قد كانت الصحابة يعسرون ويحتاجون قال مالك: ليس الناس اليوم كذلك انما تزوجته رجاء * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة.
وحماد بن أبى سليمان قالا جميعا: إذا لم يجد ما ينفق على امرأته فرق بينهما * قال أبو محمد: لم نجد لاهل هذه المقالة حجة أصلا الا تعلقهم بقول سعيد ابن المسيب أنه سنة * قال أبو محمد: قد صح عن سعيد بن المسيب قولان كما أوردنا أحدهما يجبر على مفارقتها والآخر يفرق بينهما وهما مختلفان فايهما السنة وأيهما كان السنة
فالآخر خلاف السنة بلا شك ولم يقل سعيد انها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى لو قاله لكان مرسلا لا حجة فيه فكيف وانما أورد بلا شك أنه سنة من دونه عليه الصلاة والسلام، ولعله أراد ما روينا من فعل عمر بن الخطاب الذى هو مخالف لقول من يحتج بقول سعيد هذا، والعجب كله ممن يحتج فيما يفرق به بين الزوجين بقول سعيد إنه سنة وهم لا يلتفتون ما حدثنا به محمد بن سعيد بن عمر بن نبات نا عباس بن أصبغ نا محمد بن قاسم ابن محمد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الاعلى نا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن خلاس بن عمرو " أن عثمان بن عفان قضى في فداء ولد الامة الغارة بانها حرة الملة أو السنة كل رأس رأسين " ولا يلتفتون ما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور نا وهب ابن مسرة نا محمد بن وضاح نا أبو بكر بن أبى شيبة نا عبد الاعلى عن سعيد - هو ابن أبى عروبة - عن مطر الوراق عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص قال: " لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد عدة المتوفى عنها " والصحيح الثابت من طريق البخاري نا محمد بن كثير نا سفيان عن سعد - هو ابن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - عن طلحة بن عبيدالله بن عوف قال: " صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقال لتعلموا أنها سنة " * ومن طريق أحمد بن شعيب ارنا
__________
في النسخة رقم 14 بن سعيد بن نبات(10/95)
قتيبة بن سعيد ارنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن ابى أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال: " السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الاولى مخافتة ثم يكبر والتسليم عند الآخرة " فمن أعجب ممن يرى قول سعيد بن المسيب في قضية اختلف عنه فيها هي سنة حجة ولا يرى قول أبى أمامة بن سهل هي السنة حجة وهو مثل سعيد في ادراك الصحابة رضى الله عنهم فكيف بعثمان.
وعمرو بن العاص.
وابن عباس وكل واحد منهم لا يدرك سعيد يوما من أيامه أبدا وكلهم أعلم بالسنة من سعيد بلا شك وهذا تحكم
في الدين بالباطل، وأما الرواية عن عمر بن عبد العزيز.
وسعيد بن المسيب في تأجيل شهر أو شهرين فساقطة جدا لانها من طريق عبد الرحمن بن أبى الزناد وعبد الجبار بن عمر وكلاهما لا شئ * ومن أعجب العجب قول مالك للذى احتج عليه في هذه المسألة بأن الصحابة كانوا يحتاجون ويعسرون بقوله ليس الناس اليوم كذلك انما تزوجته رجاء فجمع هذا القول وجوها من الخطأ، منها مخالفة امر الصحابة وما مضوا عليه باقراره والاعتراف بان الناس ليسوا كذلك اليوم فكيف يجوز له أن يجيز حكما يقربان الناس فيه على خلاف ما مضى عليه الصحابة ثم من له بذلك ومن أين عرف تبدل الناس في هذه القصة وما يعلم أحد فيها ان الناس على خلاف ما كانوا عليه عصر الصحابة لان كل من تزوج من الصحابة فانما تزوجته المرأه للجماع والنفقة بلا شك فما الناس اليوم الا كذلك، ثم قوله انما تزوجته رجاء فيقال له: فكان ماذا وأى شئ في هذا مما يحيل حكم ما مضى عليه الصحابة رضى الله عنهم؟ واحتج الشافعيون عليهم بحجة ظاهرة وهى أن قالوا إذا كلفتموها صبر شهر فلا سبيل إلى عيش شهر بلا أكل فأى فرق بين ذلك وبين تكليفها الصبر أبدا * قال أبو محمد: وهذا اعتراض صحيح الا أنه يقال أيضا للشافعيين إذا طلقتموها عليه فانه لا صبر عن الاكل فانتم تكلفونها العدة وهى ربما كانت أشهرا فقد كلفتموها الصبر بلا نفقة مدة لا يعاش فيها بلا اكل ولا فرق فظهر فساد هذا القول جملة * واحتجوا أيضا على أصحاب أبى حنيفة لا علينا بأن قالوا: قد اتفقنا على التفريق بين من عن عن امرأته وبينها بضرر فقد الجماع فضرر فقد النفقة أشد فقال لهم أصحاب أبى حنيفة: قد اتفقنا نحن وأنتم على انه ان وطئها مرة ثم عن عنها انه لا يفرق بينهما فيلزمكم أن لا تفرقوا بين من انفق عليها مرة واحدة فاكثر ثم أعسر بنفقتها فيلزمكم ان لا تفرقوا بينهما * قال أبو محمد: كلا الطائفتين تركت قياسا الفا.
في هذه المسألة، قال أبو محمد:(10/96)
وقالت طائفة كقولنا كما روينا من طريق مسلم نا زهير بن حرب نا روح بن عبادة نا زكريا بن اسحاق أرنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال: " دخل أبو بكر.
وعمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجداه جالسا حوله نساؤه واجما ساكنا فقال أبو بكر: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتنى النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم وقال: هن حولي كما ترى يسألننى النفقة فقام أبو بكر على عائشة يجأ عنقها وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم ما ليس عنده فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا ما ليس عنده ثم اعتزلهن عليه الصلاة والسلام شهرا " وذكر الحديث * قال أبو محمد: إنما أوردنا هذا لما فيه عن أبى بكر.
وعمر رضى الله عنهما من ضربهما ابنتيهما إذ سألتا النبي صلى الله عليه وسلم نفقة لا يجدها واذ ضرب أبو بكر امرأته إذ سألته نفقة لا يجدها، ومن المحال المتيقن ان يضربا طالبة حق ومثل هذا لو وجده المخالفون لنا لعظم تسلطهم به، وأما نحن فلا نحتج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رواه أبو الزبير عن جابر لم يقل فيه انه سمعه منه * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج سالت عطاء عمن لم يجد ما يصلح امرأته من النفقة فقال: ليس لها الا ما وجدت ليس لها الا ما وجدت ليس لها أن يطلقها * ومن طريق حماد بن سلمة عن غير واحد عن الحسن البصري: " أنه قال في الرجل يعجز عن نفقة امرأته قال تواسيه وتتقى الله عزوجل وتصبر وينفق عليها ما استطاع " * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال: سألت الزهري عن رجل لا يجد ما ينفق على امرأته أيفرق بينهما قال يستأنا به ولا يفرق بينهما وتلا (لا يكلف الله نفسا الا ما أتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا) قال معمر: وبلغني عن عمر بن عبد العزيز مثل قول الزهري سواء، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري في المرأة يعسر زوجها بنفقتها قال: هي امرأة ابتليت فلتصبر ولا تأخذ بقول من فرق بينهما وهو قول ابن شبرمة:
وأبى حنيفة.
وأبى سليمان.
وأصحابهما * قال أبو محمد: برهان صحة قولنا قول الله عزوجل (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) وقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وبالله تعالى التوفيق * 1931 مسألة وينفق الرجل والمرأة على مماليكهما من العبيد والاماء أن يطعمه شبعه مما يأكله اهل بلده ويكسوه مما يطرد عنه الحر والبرد ولا يكون به مثلة بين الناس لكن مما يلبس مثل ذلك المكسو في ذلك البلد مما تجوز فيه الصلاة (م 13 - ج 10 المحلى)(10/97)
ويستر العورة (1) وفرض عليه مع ذلك أن يطعمه مما يأكل ولو لقمة وأن يكسوه مما يلبس ولو في العيد ويجبر السيد على ذلك فان أبى أو أعسر بيع من ماله ما ينفق به على من ذكرنا في الا باية واما في العسر فيباع عليه العبد والامة ان لم يكن بايديهما عمل يكون له أجرة يقوم منها مؤونته فانه يؤاجر حينئذ ولا يباع ولا تعتق أم الولد من عدم النفقة لكن يجبر كما قلنا ان كان له مال فان لم يكن له مال كلفت ما يكلف فقراء المسلمين * برهان ذلك ما رويناه من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر نا شعبة عن واصل الاحدب عن المعرور بن سويد أن أبا ذر اخبره " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم قال اخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فان كلفتموهم فاعينوهم عليه " * ومن طريق مسلم نا هارون بن معروف نا حاتم بن اسماعيل عن يعقوب بن مجاهد أبى حزرة القاص عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت أن أبا اليسر قال له: انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الرقيق: " أطمعوهم مما تأكلون والبسوهم (2) مما تلبسون قال: ابو اليسر: فكان ان أعطيته من متاع الدنيا أهون على من أن يأخذ من حسناتي يوم
القيامة " فهذا أبو اليسر يرى هذا الامر فرضا * ومن طريق مسلم حدثنى أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح أرنا ابن وهب أرنا عمرو بن الحارث أن بكير بن الاشج حدثه عن العجلان مولى فاطمة عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل الا ما يطيق " * ومن طريق البخاري نا حفص بن عمر - هو الحوضى - نا شعبة عن محمد بن زياد قال: سمعت ابا هريرة يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم: يقول " إذا أتى احدكم خادمه بطعامه فليواكله أكلة أو اكلتين أو لقمة أو لقمتين فانه ولى حره وعلاجه " * قال أبو محمد هذه الاحاديث تجمع ما قلنا، وقد صح نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة، واما قولنا: انه ان غاب أو ابى بيع عليه من ماله فلقول الله عزوجل: (كونوا قوامين بالقسط) وكل من لزمت المسلم نفقته فقد وجب له حق في ماله ففرض علينا ايصاله إليه وتوفيته اياه فإذا لم يقدر على ذلك الا ببيع عرض أو عقار بيع ذلك لقول الله عزوجل: (واحل الله البيع): فمن لم يبع من مال من عليه حق ما يوصله به العبد أو غيره إلى حقه فقد عصى الله تعالى في قوله عزوجل: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) ومن أبر البر ايفاء ذى الحق
__________
(1) في النسخة رقم 14 ويستر عورته (2) في النسخة رقم 14 واكسوهم(10/98)
حقه ومن الاثم والعدوان منع ذي الحق حقه، وأما بيع المملوك ان لم يكن لسيده مال ينفق منه عليه.
ولا كان بيد العبد عمل يؤاجر به أو مؤاجرة المملوك ان كان بيده عمل تقوم منه نفقته وكسوته فلما قد ذكرنا قبل من أن أبا طيبة كان لمواليه عليه خراج بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه أمرهم أن يخففوا عنه من خراجه * ورويناه من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد ناليث - هو أبن سعد - عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله قال: " اعتق رجل من بنى عذرة عبدا له عن دبر فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: ألك مال غيره؟ قال: لاقال من يشتريه منى فاشتراه نعيم بن النحام بثمانمائة درهم فدفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وقال له: ابدأ بنفسك فتصدق عليها فان فضل شئ فلا هلك فان فضل عن أهلك شئ فلذى قرابتك فان فضل عن ذى قرابتك شئ فهكذا وهكذا يقول فيمن بين يديك وعن يمينك وعن شمالك " * قال أبو محمد: كل ما رواه الليث بن سعد عن ابى الزبير عن جابر فقد سمعه أبو الزبير من جابر كما نا يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الله بن محمد بن يوسف نا اسحق بن محمد نا العقيلى نا محمد بن اسماعيل نا الحسن بن على الحلواني نا سعيد بن أبى مريم نا الليث بن سعد قال: " قدمت على أبى الزبير فدفع إلى كتابين فسألته كل هذا سمعته من جابر بن عبد الله فقال منه ما سمعت ومنه ما حدثت فقلت: أعلم لى على كل ما سمعت منه فاعلم لى على هذا الذى عندي، وقد قال قوم: لم بعتم العبد إذا أعسر السيد بنفقته أو بنفقة أهله أو بنفقة نفسه ولم تطلقوا الزوجة ولم تعتقوا أم الولد بعدم النفقة؟ قلنا: حق من له النفقة عليه هو واجب في ماله وعبده وأمته مال من ماله فيباعان في كل حق عليه ليعطى كل ذى حق حقه كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما قال عزوجل: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) ومن منع أحدانفقته الواجبة له فقد بخس شيئا هو له، وأما الزوجة وأم الولد فليستا مالا من ماله لكن حقهما في ماله فان لم يكن له مال فحقهما في مال أنفسهما فان لم يكن لهما مال فحقهما في سهم المساكين والفقراء من الصدقات بنص القرآن لانهما حينئذ من جملة المساكين أو الفقراء يعلم ذلك بالمشاهدة فأى وجه للطلاق والعتق ههنا لو أنصف المعاندون أنفسهم * 1932 مسألة ويجبر أيضا على نفقة حيوانه كله أو تسريحه للرعى ان كان يعيش من المرعى فان ابى بيع عليه كل ذلك * برهان ذلك ما رويناه من طريق البخاري نا موسى نا أبو عوانة نا عبد الملك عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية " ان نبى الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال(10/99)
واضاعة المال " وذكر الحديث * قال أبو محمد: فاضاعة المال حرام واثم وعدوان بلا خلاف، ومنع المرء حيوانه مما فيه معاشه أو اصلاحه اضاعة لما له فالواجب منعه من ذلك لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) والاحسان إلى الحيوان بر وتقوى فمن لم يعن على اصلاحه فقد أعان على الاثم والعدوان وعصى الله تعالى، وقال أبو حنيفة: لا يباع عليه حيوانه لكن يؤمر بالاحسان إليه فقط ولا يجبر على ذلك * قال أبو محمد: وهذا ضلال ظاهر كما ذكرنا واحتج له بعض مقلديه بضلال آخر قال: لا يجبر على حفظ ماله إذا أراد اضاعته كما لا يجبر على سقى نخله * قال أبو محمد: وهذا عجب آخر بل يجبر على سقى النخل ان كان في ترك سقيه هلاك النخل وكذلك في الزرع * برهان ذلك قول الله عزوجل: (وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) * قال أبو محمد: فمنع الحيوان مالا معاش له إلا به من علف أورعى وترك سقى شجر الثمر والزرع حتى يهلكا - هو بنص كلام الله تعالى - فساد في الارض واهلاك للحرث والنسل والله تعالى لا يحب هذا العمل فمن أضل ممن ينصر هذه الاقوال الفاسدة العائدة بالفساد الذى لا يحبه الله تعالى، فان قيل: فأنتم لا تجبرون أحدا على زرع أرضه إذا لم يرد ذلك قلنا: انما نتركه وذلك إذا كان معاش غيره يغنى عن زرعها وهذا بلا شك صلاح للارض واحمام لها، وأما إذا لم يكن له غنى عن زرعها فانما بجبره على زرعها ان قدر على ذلك أو على اعطائها بجزء مما يخرج منها ولا نتركه يبقى عالة على المسلمين باضاعته لماله ومعصيته لله عزوجل بذلك وبالله تعالى نستعين * النفقات على الاقارب
1933 مسألة: فرض على كل أحد من الرجال والنساء الكبار والصغار ان يبدأ بما لابد منه ولا غنى عنه به من نفقة وكسوة على حسب حاله وماله ثم بعد ذلك يجبر كل أحد على النفقة على من لا مال له ولا عمل بيده مما يقوم منه على نفسه من أبويه وأجداده وجداته وان علوا وعلى البنين والبنات وبينهم وان سفلوا والاخوة والاخوات والزوجات كل هؤلاء يسوى بينهم في إيجاب النفقة عليهم ولا يقدم منهم أحد على أحد قل ما بيده بعد موته أو كثر لكن يتواسون فيه فان لم يفضل له عن نفقة نفسه شئ لم يكلف أن يشركه في ذلك احد ممن ذكرنا، فان فضل عن هؤلاء بعد كسوتهم ونفقتهم شئ أجبر على النفقة على ذوى رحمه المحرمة(10/100)
وموروثيه ان كان من ذكرنا لا شئ لهم ولا عمل بأيديهم تقوم مؤنتهم منه وهم الاعمام والعمات وان علواو الاخوال والخالات وان علوا وبنو الاخوة وان سفلوا والموروثون هم من لا يحجبه أحد عن ميراثه ان مات من عصبة أو مولى من أسفل فان حجب عن ميراثه لوارث فلا شئ عليه من نفقاتهم ومن مرض ممن ذكرنا كلف أن يقوم بهم وبمن يخدمهم وكل هؤلاء فمن قدر منهم على معاش وتكسب وان خس فلا نفقة لهم الا الابوين والاجداد والجدات والزوجات فانه يكلف أن يصوتهم عن خسيس الكسب ان قدر على ذلك ويباع عليه في كل ما ذكرنا ما به عنه غنى من عقاره وعروضه وحيوانه ولا يباع عليه من ذلك ما ان بيع عليه هلك رضاع فما كان هكذا لم يبع الا فيما في نفسه إليه ضرورة ان لم يتداركها بذلك هلك ولا يشارك الوالد أحد في النفقة على ولده الادنين فقط، وهذا مكان اختلف فيه فقالت طائفة: لا يجبر أحد على نفقة احدكما حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري نا أبو ذر الهروي نا عبد الله بن أحمد بن حموية السرخسى نا ابراهيم بن خريم نا عبد بن حميد الكسى نا قبيصة عن سفيان الثوري عن أشعث عن الشعبى قال: ما رأيت أحدا أجبر أحدا على أحد
- يعنى على نفقته - وقالت طائفة: لا ينفق احد الا على الوالد الادنى والام التى ولدته من بطنها فان هذين - يعنى الابوين - يجبر الذكر والانثى من الولد على النفقة عليهما إذا كانا فقيرين ويجبر الرجل دون المرأة على النفقة على الولد الادنى الذكر حتى يبلغ فقط وعلى البنت الدنيا وان بلغت حتى يزوجها فقط ولا تجبر الام على نفقة ولدها وان مات جوعا وهى في غاية الغني قال: ولا ينفق على أبويه الا ما فضل عن نفقته ونفقة زوجته وهذا قول مالك ومن قلده، وقالت طائفة: يجبر على النفقة على الابوين والاجداد والجدات وان بعدوا وعلى بنيه وبناته ومن تناسل منهم وان سفل ولا يجبر على نفقة أحد غير من ذكرنا، وهو قول الشافعي ومن قلده، وقد أشار في بعض كلامه إلى أن المرأة لا تجبر على نفقة أب ولا أم ولا غيرهما وقالت طائفة: لا يجبر أحد الا على كل ذي رحم محرمة وهو قول حماد بن أبى سليمان وبه يقول أبو حنيفة الا أنه تناقض تناقضا شنيعا فقال: يجبر الرجل على النفقة على أولاده الصغار المحتاجين خاصة ذكورا كانوا أو اناثا فان كانوا كبارا محتاجين أجبر على نفقة الاناث منهم ولم يجبر على نفقة الذكور الا أن يكونوا زمنى فان كانوا زمنى محتاجين اجبر على النفقة عليهم وكذلك يجبر على نفقة الصغار المحتاجين من الذكور والاناث والكبار الفقيرات من النساء خاصة وان لم يكن زمنات والكبار المحتاجين إذا(10/101)
كانوا زمنى والا فلا كل ذلك من ذوى رحمه المحرمة إذا كان وارثا لهم خاصة، ولا يجبر على نفقة ذى رحم محرمة إذا لم يكن هو وارثا له ولا على نفقة موروثه إذا لم يكن ذا رحم محرمة منه قال: ولا يشارك الوالد في النفقة على ولده أحد ولا يشارك الولد في النفقة على والديه أحد فان كان جماعة وارثون ذوو رحم محرمة ممن ذكرنا أنه يجبر على النفقة أجبروا كلهم على النفقة عليه على قدر مواريثهم منه قالوا: فان اختلفت أديانهم لم يلزم أحدا منهم نفقة على من دينه خلاف دينه الا الولد على أبويه المخالفين له في
دينه والا الوالد الكافر على نفقة أولاده الصغار خاصة الذين صاروا مسلمين باسلام أمهم قال: ولا يجبر فقير على نفقة أحد الا الوالد على أولاده الصغار والا الزوج على نفقة زوجته والا الرجل الفقير والمرأة الفقيرة على نفقة أمهما الفقيرة قال: ولا يجبر الابن الفقير على نفقة أبيه الفقير الا أن يكون الاب زمنا فيجبر حينئذ على النفقة عليه * قال أبو محمد: ليت شعرى كيف يمكن اجبار فقير على نفقة أحد ان هذا لعجب ثم لوددنا ان نعرف حد هذا الفقر عندهم من الغنى الذى يوجبون به النفقة على من ذكروا قبل ثم نسوا ما قالوا فقالوا: ان كان له خال وابن عم موسران وهو فقير زمن أو صغير صحيح فقير فنفقته على خاله دون ابن عمه قالوا: فان كان رجل معسر زمن وله ابنة معسرة وله أخ شقيق واخ لاب وأخ لام موسرون فنفقتة ونفقة ابنته على الشقيق فقط قالوا: فلو كان مكان الابنة ابن معسر زمن كبير كانت نفقة الاب خمسة أسداسها على شقيقه وسدسها على أخيه للام ولا شئ من ذلك على أخيه للاب وكانت نفقة الابن على عمه شقيق أبيه فقط فاعجبوا لهذا الهوس وهم لا يورثون الاب ولا الابن وكل ذى رحم محرمة، قالوا: ومن كان فقيرا زمنا وله أب موسر وابن موسر فنفقته على الابن دون الاب ولهم تخليط كثير طويل غث يكفى من بيان سقوطه ما ذكرنا ونسأل الله تعالى العافية، وقالت طائفة: بمثل قولنا كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني عمرو بن شعيب أن سعيد ابن المسيب أخبره أن عمر بن الخطاب وقف بنى عم منفوس كلالة بالنفقة عليه، ومن طريق اسماعيل بن إسحاق نا على - هو ابن المدينى - نا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب حبس عصبة صبى ان ينفقوا عليه الرجال دون النساء * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا أبو بكر ابن ابى شيبة نا حميد بن عبد الرحمن هو الرؤاسى عن الحسن - هو ابن حى - عن مطرف(10/102)
- هو ابن طريف - عن اسماعيل - هو ابن علية - عن الحسن البصري عن زيد بن ثابت قال: إذا كان عم وام فعلى العم بقدر ميراثه وعلى الام بقدر ميراثها * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين أن عبد الله بن عتبة بن مسعود جعل نفقة الصبى من ماله وقال لوارثه أما إنه لو لم يكن له مال أخذناك بنفقة ألا ترى انه تعالى يقول: (وعلى الوارث مثل ذلك)، ومن طريق اسماعيل نا مسدد نا عبد الله بن يزيد - هو المقرى - نا حيوة بن شريح عن جعفر بن ربيعة أن قبيصة بن ذؤيب قال في قول الله عزوجل: (وعلى الوارث مثل ذلك) قال: رضاع الصبى * نا أحمد بن عمر بن أنس نا أبو ذر الهروي نا عبد الله بن أحمد بن حموية نا ابراهيم بن خريم نا عبد ابن حميد نا روح - هو ابن عبادة - عن هشام بن حسان عن الحسن البصري قال: نفقة الصبى إذا لم يكن له مال على وارثه قال الله عزوجل: (وعلى الوارث مثل ذلك) وبه إلى روح بن عبادة عن ابن جريج قلت: لعطاء أيجبر وارث الصبى وان كره بأجر مرضعته إذا لم يكن للصبى مال؟ فقال: أفتدعه يموت، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء (وعلى الوارث مثل ذلك) فقال عطاء: هو وارث المولود عليه مثل ذلك أي مثل ما ذكر، ومن طريق اسماعيل نا مسدد نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن أشعث - هو ابن عبد الملك الحمراني - عن الحسن البصري في قوله تعالى: (وعلى الوارث مثل ذلك) قال: النفقة * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا محمد بن أبى بكر - هو المقدمى - ثنا حسان بن ابراهيم عن ابراهيم الصائغ أنه سأل عطاء عن يتيم له عصبة أغنياء أيجبرون على أن ينفقوا عليه قال عطاء: نعم ينفقون عليه بقدر ما كانوا يرثونه لو مات وترك مالا، ومن طريق عبد بن حميد أرنا سعيد بن عامر عن هشام الدستوائى عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي قال: يجبر الرجل إذا كان موسرا على نفقة أخيه إذا كان معسرا * ونا عبد الله بن
ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا على بن عبد العزيز نا الحجاج ابن المنهال نا أبو عوانة عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي قال: كان أصحابنا يقولون: إذا كان المال كثيرا فينفق على الصغير من نصيبه - يعنى من الميراث - ان كان المال قليلا أنفق على الصغير من جميع المال، ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا مسدد نا هشيم نا منصور عن قتادة قال: يجبر كل انسان منهم بقدر ما يرث - يعنى في النفقة على الموروث -، وبه إلى اسماعيل نا عبد الواحد بن غياث نا أبو عوانة عن اسماعيل بن سالم عن الشعبى قال: (وعلى الوارث مثل ذلك) قال رضاع(10/103)
الصغير، ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا على بن عبد الله وابن المدينى نا سفيان ابن عيينة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد (وعلى الوارث مثل ذلك) على الوارث مثل ما على أبيه أن يسترضع له، ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن منصور ابن المعتمر عن ابراهيم النخعي عن شريح القاضى أنه قال في رضاع الصبى يموت أبوه: انه من جميع المال، ومن طريق ابن وهب عن الليث بن سعد عن خالد بن يزيد أن زيد بن أسلم قال في قول الله عزوجل: (وعلى الوارث مثل ذلك) قال: هو ولى الميت * قال أبو محمد: فهؤلاء عمر بن الخطاب.
وزيد بن ثابت لا يعرف لهما من الصحابة رضى الله عنهم مخالف، ومن التابعين عبد الله بن عتبة بن مسعود.
وقيصة بن ذؤيب.
والحسن البصري.
وعطاء بن أبى رباح.
وابراهيم النخعي.
وأصحاب ابن مسعود.
وقتادة.
والشعبى.
ومجاهد.
وشريح.
وزيد بن أسلم.
وهو قول الضحاك بن مزاحم.
وسفيان الثوري.
وعبد الرزاق * قال أبو محمد: أما قول أبى حنيفة ففي غاية الفاسد لانها تقاسيم كثيرة سخيفة لم يوجبها قرآن ولا سنة ولا رواية سقيمة ولا قياس ولا احتياط ولا معقول ولا قال بها أحد قبله، وأما قول مالك فما نعلمه أيضا عن أحد قبله ولا نعلمه يحتج له بشئ
مما ذكرنا الا أن يموه مموه بان يقول: قد أجمع على وجوب النفقة على الابوين والولد الصغار واختلف فيما عدا ذلك * قال أبو محمد: وهذا باطل لاننا قد ذكرنا الرواية عن الشعبى أنه لا يجبر أحد على نفقة أحد مع أنه لا يدعى ضبط الاجماع الا كاذب على الامة كلها مع أنه قول لا يؤيده قرآن ولا سنة وكذلك قول الشافعي ولا فرق، وأما قول حماد فانه خص ذوى الرحم المحرمة دون الموروث بلا دليل فلم يبق الا قولنا وهو قول جمهور السلف فوجدنا الله تعالى يقول: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) والخبر الذى رويناه قبل من طريق احمد بن شعيب عن قتيبة عن الليث بن سعد عن أبى الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ابدأ بنفسك فتصدق عليها فان فضل شئ فلاهلك فان فضل عن أهلك شئ فلذى قرابتك فان فضل عن ذى قرابتك شئ فهكذا وهكذا " فأوجب الله عزوجل حقا لذى القربى وللمساكين وابن السبيل واوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم العطية للاقارب، فان قال المخالف: حقه الصلة وترك القطيعة قلنا: نعم هذا حقه والصلة هي أن لا يدعه يسأل ويتكفف أو يموت جوعا أو بردا أو ضياعا أو يضحى للشمس والمطر والربح والبرد وهو ذو فضلة من مال هو عنها(10/104)
في غني وليس في القطيعة شئ أكثر من أن يدعه كما ذكرنا، فان قالوا: انه قد قرن ذوى القربى بالمساكين وابن السبيل قلنا: نعم وحق المساكين عل كل من بحضرتهم أن يقوموا بهم فرضا يجبرون على ذلك ويقضى الحاكم عليهم به وكذلك حق ابن السبيل ضيافته فان قيل: من هم ذوو القربى هؤلاء؟ قلنا: كل من على ظهر الارض منتسلون من آدم عليه السلام وامرأته ابنا بعد ابن وولادة بعد ولادة إلى أب الانسان الادنى وأمه فلا بد من حد يبين من هم ذوو القربى الذين أوجب الله عزوجل لهم الحق من غيرهم فنظرنا في ذلك فوجدنا ما روينا من طريق أبى داود نا محمد بن كثير أرنا
سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبى هريرة قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقال رجل: يارسول الله عندي دينار؟ فقال تصدق به على نفسك قال عندي آخر قال تصدق به على ولدك قال عندي آخر قال: تصدق به على زوجتك أو قال على زوجك قال عندي آخر قال تصدق به على خادمك قال: عندي آخر قال أنت أعلم * وروينا هذا الخبر من طريق أحمد بن شعيب أرنا عمر بن على نا محمد بن المثنى قالا جميعا نا يحيى بن سعيد القطان عن ابن عجلان قال: نا سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تصدقوا فقال رجل يارسول الله عندي دينار قال تصدق به على نفسك قال: عندي آخر قال تصدق به على زوجتك قال عندي آخر قال تصدق به على ولدك قال عندي آخر قال تصدق به على خادمك قال عندي آخر قال أنت أبصر " * قال أبو محمد: فاختلف سفيان.
ويحيى.
فقدم سفيان الولد على الزوجة وقدم القطان الزوجة على الولد وكلاهما ثقة فالواجب أن لا يقدم الولد على الزوجة ولا الزوجة على الولد بل يكونان سواء لانه قد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرر كلامه ثلاث مرات فممكن أن يكرر فتياه عليه الصلاة والسلام ههنا كذلك فمرة قدم الولد ومرة قدم الزوجة فصارا سواء مع قوله عليه الصلاة والسلام لهند بنت عتبة إذ سألته اباحة من مال أبى سفيان زوجها بغير علمه فقال النبي عليه الصلاة والسلام: " خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف " فقرن بينها وبين الولد سواء ثم وجدنا ما رويناه من طريق أبى بكر بن أبى شيبة ثنا عبد الله بن نمير نا يزيد بن زياد بن أبى الجعد نا أبو صخرة جامع بن شداد عن طارق بن عبد الله المحاربي قال: " دخلنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول: يا أيها الناس يد المعطى العليا وابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك " وهذه أخبار (م 14 - ج 10 المحلى)(10/105)
صحاح من رواية الثقات فاخبر عليه الصلاة والسلام آمرا بان يبدأ بمن يعول وهم الابوان والاخوة فصح يقينا أن هؤلاء مبدون مع الولد والزوجة وقد بينا قبل أن كل جدة أم.
وكل جد أب.
وكل ابن ابنة وابن ابن وابنة ابن وابنة ابنة كلهم ابن وابنة فصح نصا ما قلنا، وأن بعد هؤلاء الادنى الادنى وفي هؤلاء يدخل كل ذى رحم محرمة من عم وعمة وخال وخالة وابن أخت وبنت أخت وابن أخ وابنة أخ يقينا ثم وجدنا قول الله عزوجل: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك) * فصح بهذا أن النفقة على الوارث مع ذوى الرحم المحرمة وخرج من ليس ذا رحم محرمة ولا وارثا من هذا الحكم ومن تخصيصه بالنفقة منه أو عليه لانه كسائر من أدلته الولادات ولادة بعد ولادة إلى آدم عليه السلام ولادة بأولى من التى فوقها بأب فلم يجز ايجاب فرض اخراج المال عن يد مالكه إلى آخر الا بنص جلى ولا نص الا فيمن ذكرنا ولا يحل لاحد ان يخص ولادة أكثر ممن ذكرنا بغير نص فان عم أوجب النفقة على جميع ولد آدم والنصوص كلها لا توجب ذلك الا في خاص منها لتفريقه عزوجل بين ذوى القربى وبين المساكين، والمساكين من ولد آدم بلا شك فصح ان الحق الواجب انما هو لبعض ذوى القربى من ولادات بعض الآباء والاجداد دون بعض فصح ما قلنا ولله الحمد، وقد اعترض بعض المخالفين في قوله تعالى: (وعلى الوارث مثل ذلك) فقالوا: معنى ذلك ان عليه ان لا يضار وذكروا ذلك من طريق لا تصح عن ابن عباس لانها اما مرسلة واما من طريق فيها أشعث بن سوار وهو ضعيف وصح عن الشعبى أن معناه لا يضار ولا غرم عليه، وروينا عن عبد الله بن مغفل والزهرى وربيعة وأبى الزناد ان رضاع الصغير في حصته من مال أبيه وعن سعيد بن المسيب يرد الميراث لاهله *
قال أبو محمد: هذا كله تمويه من المخالف وكل هذا حق وبه نقول وهو خلاف قول المخالف لان قول القائل على الوارث أن لا يضار قول صحيح وليس في المضارة أكثر من أن يموت موروثه جوعا وبردا وهو غنى فلا يرحمه بأكلة ولا بشئ يستره به ويمنع منه الموت من البرد وهذا عين المضارة بلا شك عند أحد، وأما قول من قال: ان رضاع الصغير في نصيبه فقول صحيح إذا كان له ميراث من مال ونحن لم نوجب مئونته على وارثه الا إذا لم يكن له مال أصلا * قال أبو محمد: وقد قال قوم: إن للمرأة أن ترمى ولدها إلى أبيه ان كانت مطلقة(10/106)
والى عصبته ان كانت متوفى عنها وان لزوجها أن يمنعها رضاع ولدها من غيره * قال أبو محمد: هذا كله باطل مخالف للقرآن قال الله عزوجل: (والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها لا تضار والده بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك) فوجب اجبار الام أحبت أم كرهت على ارضاع ولدها حولين كاملين كما أمر الله عزوجل أحب زوجها أم كره وأن تجبر على أن لا تضار بولدها ولا ضرار أكثر من منعه رضاعها ولا يباح لامرأة ولو أنما بنت الخليفة غير هذا الا المطلقة فانها ان تعاسرت هي وأبو الصغير بان لا يتفقا على أجرة يتراضيان بها وكان مع ذلك يقبل ثدى غيرها فهذه يسترضع المطلق لها أخرى أخذا بقوله تعالى: (فان ارضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وان تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا) وهذا كله كلام الله عزوجل فلا سمعا ولا طاعة لمن عند عنه * وروينا من طريق حماد بن سلمة قال أخبرني يحيى بن محمد بن ثابت بن قيس بن الشماس في المختلعة من جده ثابت بن
قيس الشماس " أنها كانت جميلة بنت أبى السلول وأنها ولدت غلاما فجعلته في ليف وأرسلت به إلى ثابت بن قيس أن خذ عنى صبيك فاتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه واسترضع له وسماه محمدا " * قال أبو محمد: هذا نص ما قلنا كانت مختلعة مطلقة أبغض الناس فيه معاشرة له * قال أبو محمد: ولا يجوز ان كان الورثة كثيرا أن ينفقوا على المحتاج الاعلى عددهم لا على قدر مواريثهم لان النص سوى بينهم بايجاب ذلك عليهم فلا تجوز المفاضلة بينهم، وقال بعضهم: من هو هذا الوارث أهو وارث الاب الميت أم وارث الذى تجب له النفقة؟ قلنا: هذا تعسف وتكلف يأثم السائل عنه لانه لا ذكر لوالد المنفق عليه في الآية انما قال عزوجل: (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك) ففي الوارث ضمير وهو أنه يقتضى موروثا ولابد والضمير راجع إلى الذى له الحكم والذى منع أبواه من المضارة به هو الولد بلا شك ولا معنى لاختلاف الدينين في ذوى الرحم خاصة، وأما في الوارثة فلا ميراث مع اختلاف الدينين لانه لم يأت بذلك نص، واما قولنا انه ان كان لكل من ذكرنا كسب يقوم به بنفسه وان كان خسيسا من الكسب فليس على الانسان أن يقوم بنفقتهم(10/107)
حينئذ الا الآباء والامهات والزوجات فقط فان هؤلاء فرض عليه أن يصونهم عن ذلك لقول الله عزوجل حيث يقول: (اما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) * قال أبو محمد: وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من الكبائر وليس في العقوق اكثر من ان يكون الابن غنيا ذا حال ويترك اباه أو جده يكنس الكنف أو يسوس الدواب ويكنس الزبل أو يحجم أو يغسل الثياب للناس أو يوقد في الحمام
ويدع امه أو جدته تخدم الناس وتسقى الماء في الطرق فما خفض لهما جناح الذل من الرحمة من فعل ذلك بلا شك، وقال تعالى: (وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت ايمانكم) * قال أبو محمد: وقد اثبت الله عزوجل في النفوس كلها اختلاف وجوه الاحسان إلى من ذكر في هذه الآية وجاءت النصوص ببيان ذلك فالاحسان إلى الابوين الصبر لجفائهما وتوقيرهما وتعظيمهما وطاعتهما ما لم يأمرا بمعصية قال تعالى (ان اشكر لى ولوالديك إلى المصير وان جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) فهما وان امرا بالشرك فواجب مع ذلك ان يصحبا بالمعروف وهذا يقتضى كل ما قلنا: والاحسان إلى ذي القربى ان يدفع عنهم الاذى.
وان يكرمهم ويحوطهم ويقوم في امورهم وأن لا يسلمهم إلى ضرر والاحسان إلى المساكين الصدقة بالفضل حتى يشبعوا أو يكتسبوا أو يكون لهم مرقد يأوون إليه ومن يقوم بمرضاهم والاحسان إلى اليتامى ورحمتهم وتعليمهم والقيام بهم حتى لا يضيعوا، والاحسان إلى الجار كف الاذى والبر واللقاء بالبشر والاكرام وحمايتهم من الظلم، وكذلك الاحسان إلى الصاحب بالجنب نحو ذلك، والاحسان إلى ما ملكت ايماننا اطعامهم مما نأكل وكسوتهم مما نلبس وكل ذلك بالمعروف وأن لا نكلفهم ما لا يطيقون وأن لا يسبوا في غير واجب وأن لا يضربوا في غير حق فهذا كله واجب يعصى الله تعالى من ترك شيئا من ذلك: وأما صيانة الزوجة فلانه قد أوجب الله تعالى نفقتها وكسوتها واسكانها والقيام عليها وان كانت اغنى من الزوج وهذا يقتضى صيانتها عن كل خدمة وكل عمل له أو لغيره، وأما كل من عدا الزوجة فلا نفقة لهم ولا كسوة ولا اسكان الا أن يكون لهم من المال أو الصنعة ما يقومون منه على أنفسهم ولا معنى لمراعاة الزمانة في ذلك ان لم يأت به قرآن ولا سنة، فان قاموا ببعض ذلك وعجزوا عن البعض وجب على من ذكرنا أن يقوم بما عجزوا عنه فقط(10/108)
ويلزم المرأة كل ما ذكرنا كما يلزم الرجل الا نفقة الولد فما دام الاب قادرا عليها فليس على المرأة من ذلك شئ هذا عمل جميع أهل الاسلام قديما وحديثا فان عجز الاب عن ذلك أو مات ولا مال لهم فحينئذ يقضى بنفقتهم وكسوتهم على امهم لقول الله عزوجل (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده) وليس في المضارة شئ أكثر من ان تكون غنية وهم يسألون على الابواب ولان الاوامر المذكورة التى جاءت مجيئا واحدا لم يخص بها رجل من امرأة * وروينا من طريق البخاري نا موسى بن اسماعيل نا وهب - هو ابن خالد - نا هشام - هو ابن عروة - عن ابيه عن زينب بنت أم سلمة أم المؤمنين عن أمها أم سلمة قالت: " قلت يارسول الله هل لى من أجر في بنى أبى سلمة أن أنفقت عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا انما هم بنى قال: نعم لك أجر ما أنفقت عليهم "، فهذه أم المؤمنين تخبر أنها تنفق على بنيها وليست بتاركتهم يضيعون انما هم بنوها ولم ينكر عليه الصلاة والسلام ذلك ولا أخبرها أن ذلك ليس واجبا عليها وبالله تعالى التوفيق، وليس على الولد أن ينفق على زوجة أبيه ولا على أم ولده إذ لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة انما عليه أن يقوم بمطعم أبيه وملبسه ومئونة خدمته فقط وبالله تعالى التوفيق * (ما يفسخ به النكاح بعد صحته ومالا يفسخ به) 1934 مسألة لا يفسخ النكاح بعد صحته بجذام حادث ولا ببرص كذلك ولا بجنون كذلك ولا بان يجد بها شيئا من هذه العيوب ولا بان تجده هي كذلك ولا بعنانة ولا بداء فرج ولا بشئ من العيوب ولا بعدم نفقة ولا بعدم كسوة ولا بعدم صداق ولا بانقضاء الاربعة الاشهر في الايلاء ولا بزواج أمة على حرة ولا بزواج حرة على أمة ولا بزنا يحدث من أحدهما ولا بزناه بحريمتها كامها أو جدتها أو بنتها أو بنت ابنها أو بنت ابنتها أو أختها أو خالتها أو عمتها ولا بزناها بابنه ولا بتفريق الحكمين ولا بتخييره اياها اختارت نفسها أو لم تختر ولا بان يقول لها أنت على حرام أو قال: أنت على كالميتة والخنزير والدم ولا بهبته اياها لاهلها قبلوها أو لم يقبلوها
ولا بخروجها من أرض الحرب غير مسلمة ولا ببيع الامة ذات الزوج ولا ببيع العبد ذى الزوجة ولا بفقد الزوج لانه لا يدرى أين هو وهما في كل ذلك باقيان على الزوجية كما كان، وفي كل ما ذكرنا خلاف قد ذكرنا منه ما شاء الله تعالى أن نذكره ونذكر أيضا ان شاء الله تعالى ما لم نذكره قبل فمن ذلك * 1935 مسألة روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد الانصاري سمعت سعيد بن المسيب يقول قال عمر بن الخطاب ايما امرأة تزوجت بها جنون(10/109)
أو جذام أو برص فدخل بها فاطلع على ذلك فلها مهرها بمسيسه اياها وعلى الولى الصداق بما دلس كما غره * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أرنا يحيى بن سعيد نا سعيد بن المسيب ان عمر بن الخطاب قال: ايما رجل تزوج امرأة فدخل بها (1) فوجدها برصاء أو مجنونة أو مجذومة فلها الصداق بمسه اياها ويرجع على من غره بها فذهب إلى هذا الاوزاعي.
وأبو عبيد فرأيا جواز النكاح وان الزوج يرجع مع ذلك بالصداق على من غره، وذهب قوم إلى فساده قبل الدخول وجوازه بعد الدخول لما روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن مطرف عن الشعبى عن على ايما امرأة نكحت وبها برص أو جنون أو جذام أو قرن فزوجها بالخيار ما لم يمسها ان شاء أمسكت وان شاء طلق وان مسها فلها المهر بما استحل من فرجها * ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة ان على بن أبى طالب قال في المجنونة والمجذومة والبرصاء وذات القرن ان دخل بها فهى امرأته وان علم بها قبل ان يدخل فرق بينهما * ومن طريق عبد الملك بن حبيب حدثنى الحزامى واسماعيل ابن ابى أويس وأصبغ بن الفرج قال اسماعيل عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن على بن ابى طالب، وقال الحزامى عن سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وقال أصبغ عن ابن وهب.
عن عمر.
وعلى.
وابن عباس.
وسعيد بن المسيب.
وابن شهاب.
وربيعة قالوا كلهم: لا ترد النساء الا من العيوب الاربعة الجنون والجذام
والبرص والداء في الفرج * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا محمد بن سالم عن الشعبى في الذى يجد امرأته برصاء أو مجنونة أو مجذومة أو ذات قرن ان دخل بها فلها مهرها وان علم قبل الدخول ان شاء امسك وان شاء فارق بغير طلاق فهذان قولان، أحدهما انه ان دخل بها فلها مهرها ويرجع به على من غره وهو قول روى عن عمر ومرة روى عنه يرجع على وليها، وقول آخر انه يفسخ ان شاء قبل الدخول وأما بعد الدخول فهى امرأته ان شاء طلق وان شاء أمسك وهو قول روى عن على.
والشعبى كما أوردنا ورواية عن عمر.
وعلى.
وابن عباس.
وابن المسيب.
والزهرى.
وربيعة انه لا يرد النكاح الا من العيوب الاربعة من الجنون والجذام والبرص وداء الفرج، ولم يذكر في هذه الرواية قبل دخولها ولا بعده ولا حكم الصداق، وذهب قوم إلى انه يخلى لها شئ من صداقها كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء بلغنا انه لا يجوز في بيع ولا نكاح المجنونة والمجذومة والبرصاء والعفلاء قال ابن جريج: فقلت له فواقعها وبها بعض الاربع وقد علم الذى بها
__________
(1) وفي النسخة رقم 16 فوجدها برصاء(10/110)
فكتمه - يعنى وليها - قال ما أراه الا قد غرم من صداقها بما أصاب منها الا شيئا يسيرا قلت: فأنكحها غير ولى قال ترد إلى صداق مثلها، ومن طريق أبى عبيدنا يزيد عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى عن شريح انه كان يعوض البرصاء شيئا، وذهب قوم الا أنه لا يجوز نكاح من بها شئ من ذلك كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا حماد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد قال: اربع لا يجوز في بيع ولا نكاح المجذومة والمجنونة والبرصاء والعفلاء * ومن طريق ابى عبيدنا ابن ابى مريم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب قال: قال ابن شهاب لا يجوز بين المسلمين نكاح برصاء ولا مجنونة ولا عفلاء، وذهبت طائفة إلى أنه لا يجوز نكاحها فان دخل بها ووطئها
جاز كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن أبى الشعثاء جابر بن زيد قال: أربع لا يجزين في نكاح ولا بيع الا أن يسمى فان سمى فهى منه المجنونة.
والمجذومة.
والبرصاء.
والعفلاء فان مسها جازت وان غر * وذهبت طائفة إلى أن الولى ان أنكر أن يكون عرف ذلك أحلف وبرئ وصح النكاح كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: ان كان الولى علم غرم والا استحلف بالله ما علم ثم هو على الزوج يعنى الصداق، ومن طريق أبى عبيدنا هشيم أرنا يونس ابن عبيد عن الحسن قال ان علم الولى العيب فالصداق عليه كما غره منها وان لم يعلم فهى امرأته ان شاء طلق وان شاء أمسك * ومن طريق أبى عبيد ثنا عبد الله بن صالح عن يحيى بن أيوب عن عمرو بن قيس عن عدى بن عدى ان عمر بن عبد العزيز كتب إليه في امرأة حلقاء تزوجها رجل - وهى التى في فرجها عظم انما له مثل مدخل المرود تبول منه - فكتب عمر بن عبد العزيز ان كان الذين زوجوه علموا الذى بها فأغرمهم صداقها لزوجها وان كانوا لم يعلموه فليس عليهم الا ان يحلفوا بالله ما علمنا ذلك * ومن طريق عبد الرزاق عن عبد الرحمن عن المثنى بن الصباح ان عدى بن عدى قال: كتبت إلى عمر بن عبد العزيز في امرأة مرتتقة لا يقدر عليها الرجال فكتب إلى أن استحلف الولى ما علم فان حلف فأجز النكاح وان لم يحلف فاحمل عليه الصداق * ومن طريق ابن وهب عن عامر بن مرة عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن فذكر كلاما معناه فيمن تزوج من بها جذام أو برص أو داء فرج أن الولى ان حلف انه ما علم بذلك فلا غرامة عليه ويرد على الزوج صداقه الا أن تعاض هي من ذلك بشئ، ومن طريق ابن وهب حدثنى عبد الاعلى بن سعيد الجيشانى أن محمد بن عكرمة المهرى حدثه انه تزوج امرأة فدخل بها فرأى باصل فخذيها وضحا من بياض فقال لها: خذى عليك(10/111)
ملحفتك ثم كلم عبد الله بن يزيد بن خدام فكتب له إلى عمر بن عبد العزيز فكتب عمر
في ذلك أن يستحلف الزوج في المسجد بالله ما تلذذ منها بشئ مذ رأى ذلك ويحلف اخوتها أنه لم يعلموا بالذى بها قبل أن يزوجوها فان حلفوا فأعط المرأة ربع الصداق، وذهبت طائفة إلى ان العمى وغير ذلك من العيوب كذلك كما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال: إذا تزوجها برصاء أو عمياء فدخل بها فلها الصداق ويرجع على من غره * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ايوب السختيانى عن محمد بن سيرين قال خاصم رجل إلى شريح فقال ان هؤلاء قالوالى انا نزوجك أحسن الناس فجاؤني بامرأة عمشاء فقال شريح: ان كان دلس لك بعيب لم يجز، وروى عن الزهري انه يرد النكاح من كل داء عضال * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال في هذه العيوب في النكاح ما كان يشبهها فهو مثلها وهو قول أبى ثور، وذهبت طائفة إلى أن المرأة يرد بذلك نكاحها إذا وجدته في زوجها * نا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبى ثابت عن عمرو بن شعيب قال: وجدت في كتاب عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: إذا عبث المعتوه بامرأته طلق عليه وليه * ومن طريق ابن وهب أخبرني مالك انه بلغه عن سعيد بن المسيب انه قال.
ايما امرأة تزوجت رجلا به جنون أو ضرر فانها تخير فان شاءت قرت وان شاءت فارقت، وقال مالك: ترد المراة من الجنون والجذام والبرص وداء الفرج إذا تزوجها ولم يعلم بذلك فان دخل بها فلها الصداق ويرجع به على وليها ان كان أخا أو أبا بما دلسا عليه فان كان الذى زوجها ابن عمها أو مولى لا علم لهم بشئ من أمرها فلا غرم عليهم ويرد الصداق الا قدر ما يستحل به مثلها وهو ربع دينار فقط، قال: وللمرأة مثل ذلك إذا تزوجها وبه هذه الاشياء إذا كان الجذام الذى به بينا ولا يفرق بينها وبين الابرص، قال مالك: ولا ترد الا من العيوب الاربعة لا ترد من العمى
ولا من السواد الا أن يشترط صحتها فترد ولا شئ عليه من الصداق قبل الدخول وأما بعد الدخول فلها الصداق ويرجع به على الولى الذى أنكحها وكذلك ان تزوجها على نسب فوجدها لغير رشدة، وقال الليث: في الجنون والجذام والبرص وداء الفرج مثل قول مالك قال الليث: والاكلة كالجذام، وقال الشافعي: ترد من الجنون والجذام والبرص والقرن فاما قبل الدخول فلا شئ لها وأما بعد الدخول فلها مهر مثلها وبه(10/112)
قال الحسن بن حى الا أنه قال: لها المهر المسمى، وذهبت طائفة إلى انه لا رد له فيها ولا رد لها فيه بشئ من هذه العيوب ولا من غيرها لا قبل الدخول ولا بعده وانه ان طلق قبل الدخول فلها نصف الصداق ولها بعد الوطئ جميعه كما روينا من طريق وكيع عن اسماعيل بن ابى خالد عن الشعبى قال قال على بن ابى طالب: " ايما رجل تزوج امرأة مجنونة أو جذماء أو برصاء أو بها قرن فهى امرأته ان شاء طلق وإن شاء أمسك " وبه إلى وكيع عن سفيان الثوري عن حماد بن ابى سليمان عن ابراهيم النخعي قال: الحرة لا ترد من عيب * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم ارنا المغيرة عن ابراهيم انه كان يقول: هي امرأته ان شاء أمسك وإن شاء طلق دخل بها أو لم يدخل بها ليس الحرائر كالاماء الحرة لا ترد من داء * ومن طريق وكيع عن سفيان عن عمرو بن ميمون عن عمر بن عبد العزيز فيمن تزوج فدلس له فيها بعيب قال: ليس لك الا امانة اصهارك * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد نا أيوب السختيانى قال: كتبت إلى ابى قلابة أسأله عن رجل تزوج امرأة فعرض لها طب أو جنون قال: هذه امرأة ابتليت فلتصبر، ومن طريق سعيد بن منصور نا اسماعيل بن عياش نا ابن جريج عن عطاء انه قال فيمن تزوج فلما دخل بها بدا لها منه برص وجذام قال عطاء: لا تنزع عنه وهو قول أبى الزناد.
وأبى حنيفة.
وابى يوسف.
وابن أبى ليلى.
وسفيان الثوري.
وأبى سليمان.
وأصحابنا * قال أبو محمد: أما المالكيون والشافعيون فقد خالفوا كل ما روى في ذلك عن
الصحابة رضى الله عنهم.
اما عمر فخالفوه في خمسة مواضع * اولها حكم عمر ان يرجع بصداقها على ولهيا فقال مالك: لا يرجع على وليها الا ان يكون ابا أو أخا فان كان ابن عم أو مولى لم يرجع عليه بشئ، وقال الشافعي: لا يرجع على وليها بشئ أبا كان أو غيره * وثانيها قول مالك ليس لها أن دخل بها وكان المزوج لها غير أبيها وأخيها الا ربع دينار فقط، وقال الشافعي: ترد إلى صداق مثلها وعمر يمضيه كله لها * وثالثها انهم لا يردون من العمى وعمر قد سوى بينه وبين البرص بالرواية التى جاءت عنه انه رد بالجذام وبالجنون والبرص فان كانت تلك حجة فهذه حجة وان لم تكن هذه حجة فتلك ليست حجة وإلا فهو تلاعب بالدين، فان قالوا: لم تبلغ تلك الرواية مالكا والشافعي قلنا: فقد بلغتكم فقولوا بها وارجعوا عن تلك والا فاحتجاجكم بعمر تلاعب (كبر مقتا عند الله ان تقولوا مالا تفعلون) * ورابعها انهم يردون النكاح بذلك قبل الدخول ولم يأت بذلك عن عمر في شئ من الروايات الا رواية مكذوبة من طريق عبد الملك بن حبيب وهو هالك عن اصبغ بن الفرج عن ابن وهب (م 15 - ج 10 المحلى)(10/113)
أن عمر * وانما جاءت سائر الروايات برجوعه بالصداق على وليها فقط كما يقول الاوزاعي.
وأبو عبيدة * وخامهسا انه روى عن عمر كما أوردنا في المعتوه يعبث بامرأته انه يطلقها منه وليه وهم لا يقولون بهذا، فمن أقدم على خلاف عمر في خمسة مواضع أيجوز له أن يقلد عمر في موضع واحد مما جاء عنه وهو الرجوع على بعض الاولياء؟ وأما الشافعي فلا ولا في موضع واحد وانما على رضى الله عنه فانما جاءت عنه ثلاث روايات، احداها انه لا رد في شئ من ذلك وهو قولنا، والثانية من تلك الطريق انه مخير قبل الدخول بين فسخ أو امضاء وأنه لا خيار لا بعد الدخول وهى امرأته ان شاء طلق وان شاء أمسك وهو قول الاوزاعي عن الشعبى، ورواية ثالثة في غاية
السقوط لانها عن الحسين بن عبد الله بن ضميرة - ولا تجوز الرواية عنه - أن النكاح مردود جملة والمالكيون والشافعيون مخالفون لجميع هذه الاقوال، وأما ابن عباس فهى من رواية عبد الملك بن حبيب وهو هالك وانما فيه أيضا رد النكاح جملة دون ذكر صداق أو شئ منه فبطل تعلق هاتين الطائفتين بشئ مما ررى عن أحد من الصحابة في ذلك ولاح خلافهم له جملة وقد أتينا من قول مالك.
والشافعي في ذلك بما لا يحفظ عن أحد قبلهما فمن ذلك قول مالك ترد إلى ربع دينار وقول الشافعي ترد إلى صداق مثلها وبقى الكلام مع من لعله يتعلق في ذلك بما روى عمن ذكرنا من الصحابة رضى الله عنهم فأول ذلك انه لا يصح في ذلك شئ عن أحد من الصحابة، وأما الرواية عن عمر وعلى فمنقطعة، وعن ابن عباس من طريق لا خير فيه ثم لو صح لكان لا حجة فيه لانه لا حجة في قول احد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اختلاف تلك الروايات على انقطاعها فقد جاء عن على ما يوافق قولنا فليس ما روى من خلاف ذلك حجة انما هو قول كقول، ووجدنا بعض المتأخرين منهم قد احتج في ذلك بان النكاح يشبه البيوع والبيوع ترد بالعيوب فوجب رد النكاح بذلك * قال أبو محمد: وهذا قول لا يسوغ التمويه به الا لمن قال بقول أبى ثور.
والزهرى.
وشريح، وأما المالكيون والشافعيون فلا لانهم خصوا أربعة عيوب دون سائر العيوب وهذا ترك للقياس المذكور جملة ثم نقول لمن قال بقول أبى ثور ما ندرى في أي وجه يشبه النكاح البيوع بل هو خلافه جملة لان البيع نقل ملك وليس في النكاح ملك أصلا والنكاح جائز بغير ذكر صداق في عقده ولا يجوز البيع بغير ذكر ثمن والخيار جائز عندهم في البيع مدة مسماة ولا يجوز في النكاح، والبيع بترك رؤية المبيع وترك وصفه باطل لا يجوز أصلا والنكاح بترك رؤية المنكوحة وترك وصفها جائز والنكاح(10/114)
عند المالكيين جائز على بيت وخادم ووصفاء غير موصوفين ولا يجوز
ذلك في البيوع فبطل تشبيه النكاح بالبيع جملة، وقال بعضهم: لا يجوز توفية حقوق النكاح مع الجنون ولا تطيب النفس على مجامعة برصاء أو مجذومة ولا يقدر على جماع قرناء وانما تزوجها للجماع فقلنا: ولا تجوز توفية حقوق النكاح مع الفسق والنشز وسوء الخلق ومع البكم والصمم ومع ضعف العقل فردوا منها، فان قالوا: قد يتوب من الفسق قلنا: وقد يبرأ من الجنون واما طيب النفس على الجماع فوالله ان نفس كل احد لا تطيب على من بها في خافى جسدها لمعة من برص ومن يمسها صرع في الشهر مرة منها على الزانية وعلى العجوز السوداء الشوهاء وعلى من بها اكلة في وجهها أو اثلول ضخم أو حدب في الصدر أو الظهر أو بكم هذا ما لا شك فيه عند أحد وكل هذه آراء فاسدة انما هو النكاح كما أمر الله عزوجل ثم امساك بمعروف أو تسريح باحسان الا أن يأتي نص صحيح فيوقف عنده، وقد ذكر بعضهم الخبر الذى فيه " وفر من المجذوم فرارك من الاسد " قلنا: ليس على الامر بالفرار ثم لو كان كذلك فافسخوا النكاح بحدوثه بعدهما بعد سنين وهم لا يفعلون هذا، وأيضا فمن أين أضفتم إليه الابرص، وقال بعضهم: لا يؤمن من المجنون قتل صاحبه قلنا هذا في الفاسق بلا شك اخوف فردوا النكاح بالفسق فلاح فساد قولهم جملة، فان موه مموه روينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية الضرير نا جميل بن زيد الطائى عن زيد بن كعب بن عجرة قال: " تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بنى غفار فلما دخلت عليه ووضعت ثيابها رأى بكشحها بياضا فقال: البسى ثيابك والحقى باهلك " قال أبو معاوية: فحدثنا رجل عن جميل بن زيد عن زيد بن كعب بن عجرة انه صلى الله عليه وسلم أمر لها بالصداق * قال أبو محمد: هذا من رواية جميل بن زيد وهو مطرح متروك جملة عن زيد ابن كعب وهو مجهول لا يعلم لكعب بن عجرة ولد اسمه زيد ثم هو مرسل، ثم لو صح لم يكن مخالفا لقولنا لاننا لا نمنع الزوج من الطلاق قبل الدخول وبعده ان شاء *
قال أبو محمد: فان اشترطا السلامة في عقد النكاح فوجد عيبا أي عيب كان فهو نكاح مفسوخ مردود لا خيار له في اجازته ولا صداق فيه ولا ميراث ولا نفقة دخل أو لم يدخل لان التى أدخلت عليه غير التى تزوج ولان السالمة غير المعيبة بلا شك فإذا لم يتزوجها فلا زوجية بينهما * قال أبو محمد: واما الحنيفيون فقد تاقضوا ههنا لانهم قلدوا روايات لا تصح(10/115)
عن عمر وعثمان في الفسخ بالعنانة وتوريث المطلقة ثلاثا وهذه روايات كتلك عن عمرو الخلاف هنالك موجود كما هو ههنا ولا فرق وبالله تعالى التوفيق * 1936 مسألة وأما من فسخ النكاح بزناه بحريمتها أو بزنا ابنه بها فلما روينا من طريق سفيان الثوري عن الاغربن الصباح عن خليفة بن الحصين عن ابى نصر عن ابن عباس ان رجلا قال له أنه اصاب ام امرأته فقال له ابن عباس (حرمت عليك امرأتك) وذلك بعد أن ولدت امرأته سبعة أولاد كلهم بلغ مبلغ الرجال، ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن ابى عروبة عن قتادة عن الحسن عن عمران بن الحصين انه قال: من فجر بام امرأته فقد حرمت عليه امرأته، فصح هذا القول عن عطاء.
والحسن.
والحكم بن عتيبة.
وحماد بن أبى سليمان.
وإبراهيم النخعي.
والشعبى.
ومن طريق وكيع عن جرير بن حازم عن قيس بن سعد عن مجاهد قال إذا قبلها أو لامسها أو نظر إلى فرجها من شهوة حرمت عليه امها وابنتها وهو قول ابى حنيفة، وصح عن جابر بن زيد إذا زنى باخت امرأته حرمت عليه امرأته، وصح ايضا عن قتادة ولم يرها تحرم الا بالوطئ لا بالمباشرة، وصح أيضا عن طاوس، وروى عن سعيد بن المسيب.
وعروة بن الزبير.
وأبى سلمة بن عبد الرحمن.
وعبد الله بن مغفل.
وهو قول سفيان الثوري.
والاوزاعي.
واحد قولى مالك وقال آخرون: لا تحرم عليه صح ذلك عن ابن عباس رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان والحجاج بن المنهال قال يحيى انا هشام الدستوائى، وقال الحجاج: نا حماد بن سلمة
ثم اتفق هشام وحماد كلاهما عن قتاده عن عكرمة عن ابن عباس انه قال فيمن زنا بأم امرأته بعد أن دخل بامرأته تخطأ حرمتين ولم تحرم عليه امرأته، ومن طريق الحجاج بن المنهال نا همام بن يحيى بن قتادة عن الحلال بن ابى العتكى عن ابيه عن على بن ابى طالب (انه أتاه رجل فأخبره أنه تزوج ابنة رجل مسماة بعينها فأدخل عليه أختها فأمره برد التى أدخلت عليه وان يدخل عليه التى تزوجت وان لا يقربها حتى تتم عدة التى أدخلت عليه أولا، وروينا من طريق هشيم خبرا غير هذا كما أوردناه ثم قال بأثره: أرنا يونس عن الحسن انه كان يقول ذلك وأنا عبيدة عن ابراهيم انه كان يقول ذلك * قال أبو محمد: وأنا اتهمت هذه الرواية عن ابراهيم وروى عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ومجاهد وسعيد بن جبير وصح عن الزهري ويحيى بن يعمر وهو قول الشافعي.
وابى سليمان وأصحابهما وأحد قولى مالك وقد تقدم كلامنا في هذه المسألة فأغنى عن ترداده * 1937 مسألة ومن خير امرأته فاختارت نفسها أو اختارت الطلاق(10/116)
أو اختارت زوجها أو لم تختر شيئا فكل ذلك لا شئ وكل ذلك سواء ولا تطلق بذلك.
ولا تحرم عليه ولا لشئ من ذلك حكم ولو كرر التخيير وكررت هي اختيار نفسها أو اختيار الطلاق ألف مرة وكذلك ان ملكها أمر نفسها أو جعل أمرها بيدها ولا فرق، فصح عن عمر بن الخطاب.
وابن مسعود فيمن جعل أمر امرأته بيدها فطلقت نفسها ثلاثا أو طلقته ثلاثا انها طلقة واحدة رجعية، وصح أيضا عن زيد بن ثابت.
وعن مجاهد.
وعمر بن عبد العزيز وقول آخر وهو أن القضاء ما قضت صح ذلك عن عثمان بن عفان، ومن طريق سعيد بن منصور عن ابن عمرو من طريق غيره عن عبد الله بن الزبير، وروى عن على وابن عمر منقطعا عنهما وصح عن عبد الله بن الحارث بن أبى ربيعة.
وعمر بن عبد العزيز.
وسعيد بن المسيب وصح عن أم سلمة.
وعائشة أمي المؤمنين وقريبة أخت أم سلمة.
وعبد الرحمن بن أبى
بكر الصديق أن جعل أمرها بيدها فردته إلى زوجها فهى امرأته كما كانت، وقول ثالث ان اختارت الفراق أو نفسها فهى واحدة بائنة وان ردته إلى زوجها فاختارته فهى طلقة رجعية صح عن على.
وزيد بن ثابت.
ورجال من الصحابة، وعن الحسن البصري وقول اربع ان القضاء ما قضت وله أن يناكرها فيحلف ويقضى له بما حلف انه نواه وتكون طلقة رجعية، ورى عن عمر بن الخطاب ولم يصح وصح عن ابن عمر وصح عن القاسم بن محمد ومروان، وقول خامس وهو ثلاث بكل حال صح عن الحسن وعن رجال من الصحابة رضى الله عنهم وفيه أثر مسند، وقول سادس من جعل أمر امرأته بيد آخر فطلقها فليس بشئ، روى عن ابن مسعود، وقول سابع من قال لامرأته أمرك بيدك فقال قد حرمت عليك فهى واحدة رويناه من طريق سعيد بن منصور عن القاسم بن محمد وليس يصح عنه، وروينا من طريق ابن ليلى عن الشعبى أن أمرك بيدك واختارى نفسك سواء في قول زيد.
وابن مسعود.
وعلى وصح عن الشعبى انه قوله وعن النخعي، وأما المتأخرون فان أبا حنيفة قال: أمرك بيدك والتمليك والتخيير سواء فإذا ملكها أمرها أو قال اختاري أو قال أمرك بيدك ثم قال لم أنو طلاقا فان كان في غضب فيه ذكر طلاق أو ليس فيه ذكر طلاق لم يصدق وان كان في رضا لم يلزمه شئ مما تقضى به هي فان كان في غضب فردت إليه أمرها فلا شئ وهى امرأته فلو كان في غضب فطلقت نفسها لم يلتفت لما قالت لكن هو يسأل عن نيته فان قال: نويت الثلاث فهى طالق ثلاثا الا في اختاري فانها لا تكون الا واحدة بائنة سواء نوى ذلك أو أقل أو نوى طلاق رجعيا أو لم ينوه، وان قال: نويت اثنتين أو قال نويت الطلاق بلا عدد أو قال نويت واحدة بائنة أو قال: نويت واحدة رجعية(10/117)
أو قال لم أنو طلاقا أصلا فكل هذا سواء ولا يلزمه في كل ذلك الا واحدة بائنة ولابد فاعلموا ان كل ماموه به عن الصحابة والتابعين رضى الله عنهم فباطل وانه في قوله هذا لم
يوافق أحدا منهم وهو قول ما سبق إليه ولم يعرف عن أحد قبله ولا دليل له على شئ منه لا من نص ولا من قياس ولا من قول يعقل، وأما مالك فقال: أمرك بيدك والتمليك سواء، قال ومن قال: لامرأته أمرك بيدك فقالت قد قبلت فقد طلقت الا أن تقول هي لم أرد طلاقا قال: فلو جعل امر امرأته بيد امرأة له أخرى فطلقتها ثلاثا فهى طالق ثلاثا وله أن يناكرها فيقول لم أرد الا واحدة أو يقول لم أرد الا اثنتين فالقول قوله مع يمينه وتكون واحدة بائنة، قال: فلو قال لامرأته قد وليتك امرك ان شاء الله فقالت هي قد فارقتك ان شاء الله فهو طلاق فلو قال لها: ما كنت الا لاعبا أو قالت هي ما كنت الا لاعبة ما أردنا طلاقا فالقول قول الرجل مع يمينه قال: فلو قال لها: أمرك بيدك فأخذت شقة ومضت إلى أهلها وخرج هو إلى سفر ولم يكن غير هذا قالوا قد طلقت قال: فلو قال أمرك بيدك أو ملكها فطلقت نفسها واحدة فقال هو لم أنو الا ثلاثا لم يلزمه الا واحدة فاعلموا ان هذا القول أيضا غير موافق لقول أحد من الصحابة ولا من التابعين الا رواية عن عمر لم تصح رويناها من طريق عبد الرزاق عن محمد بن راشد عن عبد الكريم أبى أمية ان رجلا جعل امر امرأته بيدها في زمان عمر بن الخطاب فطلقت نفسها ثلاثا فقال: هو والله ما جعلت امرها الا واحدة فترافعها إلى عمر فاستحلفه عمر بالله الذى لا اله الا هو ما جعلت أمرها بيدها الا واحدة فحلف فردها عمر عليه، محمد بن راشد متكلم فيه وعبد الكريم أبو أمية غير ثقة ولم يدرك عمر والصحيح عن عمر خلاف ذلك كما ذكرنا من أقواله والاسانيد في ذلك قد ذكرناها في كتاب الايصال وانما قصدنا ههنا الاخصتار، وأما سائر تقاسيمه فلا سلف له فيها، وأيضا فان هذه الرواية عن عمر خالفه فيها لان عمر جعلها رجعية وجعلها مالك بائنة فخرج عن قول جميعهم وكذلك أيضا جعلها مروان.
والقاسم بن محمد رجعية، وقد روينا ذلك أيضا من طرق ثابتة عن ابن عمر - يعنى المناكرة - من سعيد بن منصور فصح أنه رأى مجرد لا دليل عليه لا من نص ولا من قول متقدم ولا من قياس ولا من رأى يعقل، وقال سفيان
الثوري.
والشافعي: هو ما نوى فان قال لم انو طلاقا فهو كما قال وكذلك ان ردت الامر إليه فان طلقت نفسها أو اختارت نفسها فأى شئ قالت لم يلزمه الا طلقة واحدة رجعية فقط وهكذا قالا في التخيير والتمليك * قال أبو محمد: وكل هذه الاقاويل آراء لا دليل على صحة شئ منها، وقد تقصينا من(10/118)
روى عنه من الصحابة رضى الله عنهم انه يقع به طلاق قلم يكونوا بين من صح عنه ومن لم يصح عنه الا سبعة ثم قد اختلفوا كما ترى وليس قول بعضهم اولى من قول بعض ولا أثر في شئ منها الا أثرا رويناه من طريق احمد بن شعيب ارنا على بن نصر الجهضمى نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد قال: قلت لايوب السختيانى هل علمت أحدا قال في أمرك بيدك انها ثلاث غير الحسن؟ قال لا اللهم غفرا الا ما حدثنى قتادة عن كثير مولى ابن سمرة عن ابى سلمة عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث قال أيوب فلقيت كثيرا مولى ابن سمرة فسألته فلم يعرفه فرجعت إلى قتادة فاخبرته فقال: نسى * قال أبو محمد: كثير مولى ابن سمرة مجهول ولو كان مشهورا بالثقة والحفظ لما خالفنا هذا الخبر وقد أوقفه بعض رواته على أبى هريرة والذى نقول به هو قول أبى سليمان وأصحابنا فهو مارويناه من طريق أبى عبيدنا أبو بكر بن عياش نا حبيب بن أبى ثابت (أن رجلا قال لامرأة له ان أدخلت هذا العدل البيت فأمر صاحبتك بيدك فأدخلته ثم قالت هي طالق فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأبانها منه فمروا بعبدالله بن مسعود فأخبروه فذهب بهم إلى عمر فقال يا أمير المؤمنين ان الله تعالى جعل الرجال قوامين على النساء ولم يجعل النساء قوامات على الرجال فقال عمر فما ترى قال أراها امرأته قال عمر: وأنا أرى ذلك فجعلها واحدة) * قال أبو محمد: قد يمكن أن يكون عمرا مضى حكمه وإلا فقد رجع إلى قول ابن مسعود في ان لا ينفذ طلاق من جعل امر امرأته بيده * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن
جريج قلت لعطاء: رجل قال لامرأته امرك بيدك بعد يوم أو يومين قال ليس هذا بشئ قلت فارسل إليها رجلا أن امرها بيدها يوما أو ساعة قال ما أدرى ما هذا ما أظن هذا شيئا قلت لعطاء أملكت عائشة حفصة حين ملكها المنذر بن الزبير أمرها فقال عطاء لا انما عرضت عليهم أيطلقها أم لا ولم يملكها أمرها، وأما التمليك فقد صح عن ابن عمر انه قال القضاء ما قضت وله أن يناكرها فان ناكرها حلف وله ما نوى، وروى عنه قول آخر لم يصح عنه القضاء ما قضت ولا قول له وهو قول عطاء.
وعمر بن عبد العزيز.
والزهرى، وروى عنه قول ثالث أن التمليك نفسه طلاق رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ان ابن عمر قال: من ملك امرأته طلقت وعصى ربه وهو قول الحسن، وقول رابع صح عن زيد بن ثابت ان ملكها نفسها فطلقت نفسها ثلاثا فهى واحدة رجعية وقد ذكرنا قول سفيان والشافعي وابى حنيفة في التمليك ولمالك في التمليك أقوال لم نذكرها نذكرها ان شاء الله تعالى وهى انه قال: من ملك امرأته(10/119)
أمرها فسواء كانت بالغا أو غير بالغ إذا كان مثلها يفهم ما يجعل إليها فهى طالق ثلاثا وله أن يناكرها فان ردت أمرها إليه فلا حكم لها فان طلقت نفسها أكثر من واحدة فقال لم أملكك الا واحدة أو يقول لم أرد الطلاق فهذه هي المناكرة ويحلف هو فتكون طلقة واحدة بائنة، قال فلو قال لم أنو عددا من الطلاق فهى طالق ثلاثا قال فلو قال لامرأته قد ملكتك أمرك فليس له أن يرجع عن ذلك وليس له أن يوقفها هو لتقض أو لتترك انما القضاء إليها حتى يوقفها السلطان فتقض أو تترك فيبطل ما جعل إليها ان تركت * قال أبو محمد: لم يوافق في هذا الا قولا من أقوال ثلاثة لابن عمر في المناكرة خاصة وسائر اقواله في ذلك لا سلف له فيها وقد خالفه زيد صح ذلك عنه وليس في التمليك ايجاب طلاق عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم الا عن ابن عمر وزيد فقط
وذكره بعض الناس عن فضالة بن عبيد والذى نقول به هو ما رويناه من طريق أبى عبيدنا عبد الغفار بن داود عن ابن لهيعة عن يزيد بن ابى حبيب ان رميسة الفراسية كانت تحت محمد بن عبد الرحمن بن ابى بكر الصديق فملكها امرها فقالت انت طالق ثلاث مرات فقال عثمان بن عفان اخطأت لاطلاق لها الا أن المرأة لا تطلق ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج اخبرني أبو الزبير أن مجاهدا أخبره " ان رجلا جاء إلى ابن عباس فقال: ملكت امرأتي فطلقتني ثلاثا فقال ابن عباس خطأ الله نوءها عليك انما الطلاق لك عليها وليس لها عليك " وهذا في غاية الصحة عن ابن عباس * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج سألت عبد الله بن طاوس كيف كان أبوك يقول في رجل ملك امرأته أمرها أتملك ان تطلق نفسها أم لا؟ قال كان يقول ليس إلى النساء طلاق فقلت له فكيف كان أبوه يقول في رجل ملك رجلا أمر امرأته ايملك الرجل أن يطلقها قال لا وهو قول ابى سليمان وجميع أصحابنا، وأما التخيير فصح ان عمر بن الخطاب قال: ان اختارت نفسها فواحدة رجعية وإن اختارت زوجها فهى امرأه كما كانت، وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم عن زاذان أن على بن ابى طالب خالف عمر في ذلك ثم رجع إلى قول عمراذ ولى الخلافة، وروينا هذا القول عن ابن عباس ولم يصح عنه وصح عن عطاء وعمر بن عبد العزيز وابراهيم وصح عن جابر بن عبد الله ان اختارت نفسها فواحدة وقول آخر وهو ان اختارت نفسها فواحدة بائنة وان اختارت زوجها فواحدة رجعية فان كرر ذلك ثلاث مرات كل ذلك تختاره طلقت ثلاثا فان وطئها قبل زوج يتزوجها فعليه الرجم(10/120)
روينا ان عليا رجع عن موافقة عمر إلى هذا القول إذ ولى الخلافة من طريق وكيع ابن الجراح.
والحجاج بن المنهال كلاهما عن جرير بن حازم.
عن عيسى بن عاصم عن زاذان عن على، وصح هذا القول عن قتادة وصح عن على أيضا أنها ان اختارت
نفسها لم يجز له ولا لغيره أن يخطبها في العدة من تلك الطلقة، روينا هذه الزيادة من طريق حماد بن سلمة.
عن قتادة.
عن خلاس بن عمر وان على بن أبى طالب قال: ان اختارت نفسها فهى واحدة ولا يخطبها هو ولا من سواه الا بعد انقضاء العدة وان اختارت زوجها فهى واحدة وهو أحق بها، وقول ثالث صح عن زيد بن ثابت وهو ان اختارت نفسها فثلاث وان اختارت زوجها فواحدة رجعية، وبه يقول مسروق كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا داود بن أبى هند.
عن الشعبى عن مسروق أنه كان يقول من قول زيد ان اختارت نفسها فثلاث وان اختارت زوجها فواحدة، وقول رابع وهو أنه إذا خيرها فطلقت نفسها ثلاثا فهى واحدة رويناه هكذا أيضا من طريق سفيان بن عيينة.
عن أبى الزناد.
عن القاسم بن محمد ابن أبى بكر الصديق.
عن زيد بن ثابت قال إذا خير الرجل امرأته فطلقت نفسها ثلاثا فهى واحدة * ومن طريق عبد الرزاق.
عن معمر.
عن يحيى بن أبى كثير قال: خير محمد بن أبى عتيق امرأته فطلقت نفسها ثلاثا فسأل زيد بن ثابت فجعلها زيد واحدة وهو أملك برجعتها قال: فذكرت ذلك لايوب فقال: بلغني نحو هذا عن زيد * وقول خامس رويناه عن ابن مسعود من طريق لا تصح لان فيها جابرا الجعفي وهو كذاب ان خيرها مرة ثم مرة ثم مرة وهى ساكتة فقالت في المرة الثالثة قد اخترت نفسي فهى طالق ثلاثا * وروينا عن ابراهيم النخعي والشعبى أنهما قالا: ان كرر تخييرها ثلاث مرات فاختارت واحدة فهى طالق ثلاثا، وان خيرها مرة واحدة فاختارت ثلاث تطليقات فهى طلقة واحدة، وقول سادس رويناه عن جابر بن زيد في التى يخيرها زوجها القضاء ما قضت، وصح عن ابن مسعود.
وجابر بن عبد الله.
والنخعي.
والشعبى.
وجابر بن زيد.
ومكحول.
وعطاء ان قامت من مجلسها قبل أن تقضى فلا قضاء لها * وروينا عن عمر بن الخطاب.
وعلى بن أبى طالب.
وزيد بن ثابت.
وأيوب السختيانى.
والزهرى أن التخيير والتمليك سواء، وقول
سابع وبه نقول * رويناه من طريق سفيان بن عيينة.
عن عمرو بن دينار.
عن عكرمة.
عن ابن عباس أنه سئل عن رجل جعل أمر امرأته بيدها فقالت: أنت طالق أنت طالق أنت طالق فقال ابن عباس: خطأ الله نوءها لا أدرى ما الخيار * (م 16 - ج 10 المحلى)(10/121)
قال أبو محمد: هذا أصح ما روى في ذلك عن ابن عباس، وأما الزيادة التى رواها قوم في هذا الخير من أن ابن عباس قال: لو قالت انا طالق ثلاثا لكان كما قالت أو الا طلقت نفسها ثلاثا فلا يصح لانه انما رواها الحكم بن عتيبة وحبيب بن أبى ثابت ومنصور وكلهم لم يلق ابن عباس، وروينا هذا أيضا من طريق عمرو بن دينار عن ابن عباس الا قالت انا طالق انا طالق وهذا خبر لم يسمعه عمرو من ابن عباس لانه إنما رواه عن عكرمة بخلاف هذا عن ابن عباس وبهذا يقول أبو سليمان.
وأصحابنا * قال أبو محمد: وقد ذكرنا قول سفيان والشافعي في التخيير آنفا وأما أبو حنيفة فقال ان قال لها اختاري فخيرها ثم قال لم أرد طلاقا فان كان ذلك في رضا لم يجر فيه ذكر طلاق كان القول قوله مع يمينه ولا خيار لها فان كان في غضب فيه ذكر طلاق أو ليس فيه ذكر طلاق أو كان في رضا ذكر فيه طلاق لم يلتفت إلى دعوى الزوج وكان لها الخيار فان اختارت زوجها فهى امرأته وبطل خيارها وان اختارت نفسها فهى طالق واحدة بائنة لا تكون رجعية أصلا ولا أكثر من واحدة سواء نوى هو أكثر من واحدة أو لم ينو اختارت هي أكثر من واحدة أو اختارت واحدة رجعية ثم لهم من التخاليط في حركاتها وأعمالها أشياء يطول ذكرها الا أنها من عجائب الدنيا قد ذكرناها في كتاب الايصال، وقال مالك: ان خيرها فاختارته فهى امرأته وقد بطل خيارها فان اختارت نفسها فهى طالق ثلاثا ولابد سواء قالت أردت الطلاق أو قالت لم أرد الطلاق وليس له ان يناكرها ولا يلتفت إلى نيته أصلا فلو طلقت نفسها واحدة أو اثنتين فليس بشئ ولا يلزمه ذلك وليس
لها الا اختيار زوجها أو أن تطلق نفسها ثلاثا ولابد الا أن يخيرها وقد عزم على طلاقها أو مخالعتها فههنا ان اختارت نفسها فهى طلقة واحدة بائنة وكذلك لو قال لها اختاري طلقة فليس لها الا طلقة واحدة رجعية هذا كله في المدخول بها فان خيرها قبل ان يدخل بها فهى ان اختارت نفسها طلقة واحدة فقط فلو قالت التى لم يدخل بها قد اخترت نفسي بثلاث طلقات فقال هو لم أرد الا واحدة فهى واحدة، وقال فلو قالت المدخول بها قد قبلت امرى لم يكن طلاقا الا أن تقول هي أردت الطلاق فيكون ثلاثا ولابد لا أقل من ذلك فلو قالت له قد خليت سبيلك فهى ثلاث ولابد، واختلف قوله في المخيرة تقوم من مجلس التخيير قبل ان تختار فمرة قال بطل خيارها بخلاف التمليك ثم رجع فقال بل لها الخيار حتى توقف فتختار أو تترك فلو وطئها مكرهة لم يبطل خيارها فلو وطئها طائعة بطل خيارها * قال أبو محمد: ذكر هذه الاقوال يغنى عن تكلف الرد عليها لشدة اختلاطها(10/122)
وبالجملة فلم يقل أحد قبله بهذه التقسيمات وإنما تعلق بقول من أحد أقوال ثلاثة رويت عن زيد في أن اختارت نفسها فهى ثلاث فقط وخالفه في ذلك القول نفسه في الفرق بين المدخول بها وغير المدخول بها وفي تسوية زيد بين التخيير والتمليك فبطل تعلقه بزيد وقد خالف هذا القول قول لزيد آخر وقول لعمر وقول لعلى، وكل هذه الاقوال لا حجة في تصحيحها من قرآن ولا ستة ولا معقول ولا قول متقدم لم يخالفه فيه من هو مثله ولا قياس ولا رأى له وجه يعقل، واحتج من رأى أن التخيير له تأثير في الطلاق بان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساءه * قال أبو محمد: أما المالكيون فلا متعلق لهم بذلك أصلا لانهم يقولون: لا يكون التخيير الا في البقاء أو في الطلاق الثلاث ويقولون ان طلاق الثلاث بدعة ومعصية فكيف يجوز عندهم أن يخير رسول الله صلى الله عليه وسلم في انفاذ معصية حاش لله من هذا، وقال
بعضهم: انما خيرهن بين الدنيا والآخرة فقلنا قد بطل تعلقكم في أن للتخيير تأثيرا في الطلاق بتخييره صلى الله عليه وسلم نساءه إذ لم يخيرهن تخييرا عندكم يكن به ان اخترن الطلاق طوالق، وأما غيرهم فنقول لهم الآية نفسها تبطل دعواكم لان نصها (وان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) فانما نص الله تعالى أنه عليه الصلاة والسلام ان أردن الدنيا ولم يردن الآخرة طلقهن حينئذ من قبل نفسه مختارا للطلاق لا أنهن طوالق بنفس اختيارهن الدنيا ومن ادعى غير هذا فقد حرف كلام الله عزوجل واقحم في حكم الآية كذبا محضا ليس فيها منه نص ولا دليل * وموه بعضهم باخبار موضوعة منها ما رويناه من طريق ابن وهب.
عن عبد الجبار بن عمر.
ويحيى بن عبد الله كلاهما عن ربيعة ان واحدة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم اختارت نفسها فكانت البتة.
وعبد الجبار بن عمر.
ويحيى بن عبد الله هالكان ثم هو مرسل * ومن طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن الزهري ان النبي صلى الله عليه وسلم إذ خير نساءه تخيرت امرأة منهن نفسها فذهبت.
وعبد الجبار قد بينا أمره وهو مرسل أيضا، ومن طريق ابن وهب.
عن ابن لهيعة.
عن يزيد بن ابى حبيب.
عن عمرو بن شعيب بنحو ذلك قال: وهى بنت الضحاك العامري، ابن لهيعة لا شئ ولا مرسل ايضا وما تزوج عليه الصلاة والسلام قط بنت الضحاك العامري، ويوضح كذب هذه الفضائح الخبر الثابت الذى رويناه من طرق * منها من طريق مسلم حدثنى حرملة بن يحيى نا ابن وهب حدثنى يونس بن يزيد.
عن ابن شهاب اخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان عائشة قالت(10/123)
فذكرت نزول آية التخيير وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاها عليها فقالت انى أريد الله ورسوله والدار الآخرة قالت: ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت * ومن طريق مسلم نا اسحاق بن منصور نا عبد الرحمن - هو ابن مهدى -.
عن سفيان الثوري عن عاصم الاحول.
واسماعيل بن أبى خالد.
عن الشعبى عن مسروق.
عن عائشة أم المؤمنين
قالت: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعده طلاقا * قال أبو محمد: قد تقصينا كل هذه الآثار وأرينا عظيم كذب من ادعى الاجماع في شئ من ذلك ووقفنا على أنه ليس في التخيير شئ الا عن عمر.
وعلى وزيد أقوال خالف فيها كل واحد منهم صاحبه وأثر لا يصح عن ابن مسعود وآثار ساقطة عن ابن عباس والثابت عنه كقولنا أنه لا معني للتخيير أصلا وأنه ليس في التمليك الا أقوال مختلفة عن زيد وابن عمر فقط لا ثالث لهما من الصحابة رضى الله عنهم الا قولا ذكر عن فضالة بن عبيد فيه أن القضاء ما قضت * وأثران من طريق عثمان وابن عباس موافقان لقولنا وأنه ليس في أمرك بيدك الا أقوال مختلفة عن عمر.
وعلى.
وزيد.
وعثمان.
وابن عمر.
وابن عمرو.
وابى هريرة.
وابن مسعود.
وابن الزبير ورجال لم يسموا من الصحابة رضى الله عنهم.
وفي بعض هذه قول عن جابر بن عبد الله لم يوافق مالك أحدا منهم الا رواية عن ابن عمر صحت عنه في المناكرة فقط.
ومثلها عن عمر لم تصح عنه ولم يوافق أبو حنيفة منهم أحدا ووافقنا نحن قولا روى عن ابن مسعود.
وعمر * قال أبو محمد: لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم واذ لم يأت في القرآن ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان قول الرجل لامرأته أمرك بيدك أو قد ملكتك أمرك أو اختاري يوجب أن تكون طالقا.
أو أن لها أن تطلق نفسها أو أن تختار طلاقا فلا يجوز أن يحرم على الرجل فرج أباحه الله تعالى له ورسوله صلى الله عليه وسلم بأقوال لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا في غاية البيان والحمد لله رب العالمين * 1938 مسألة: ومن قال لامرأته أنت على حرام أو زاد على ذلك فقال كالميتة والدم ولحم الخنزير، أو ما قال من ذلك فهو كله باطل وكذب ولا تكون بذلك عليه حراما وهى امرأته كما كانت نوى بذلك طلاقا أو لم ينو، وقد اختلف الناس في هذا فقال على.
وزيد بن ثابت.
وابن عمر: هي بذلك القول طالق ثلاثا.
وهو قول
الحسن.
ومحمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى وروى عن الحكم بن عتيبة وقول آخر انها بذلك حرام عليه ولم يذكروا طلاقا صح هذا عن على بن أبى طالب.
وعن رجال(10/124)
لم يسموا عن الصحابة رضى الله عنهم.
وعن أبى هريرة، وصح عن الحسن.
وخلاس بن عمرو.
وجابر بن زيد.
وقتادة انهم أمروه باجتنابها فقط، وقول ثالث روى عن ابن مسعود ان كان نوى في التحريم الطلاق والا فهو يمين وهو قول الحسن.
وطاوس.
والشافعي.
والزهرى، وقول رابع رويناه عن ابراهيم قال: كان أصحابنا يقولون في الحرام ان نوى ثلاثا فهى ثلاث وان نوى واحدة فهى واحدة بائنة وهو قول سفيان الا أنه قال: وان نوى يمينا فهى يمين وان لم ينو شيئا فهى كذب لا شئ فيها، وقول خامس عن ابراهيم ان نوى واحدة أو لم ينو شيئا فهى واحدة بائنة وان نوى ثلاثا فثلاث، وقد روينا من طريق وكيع عن الحسن بن حى عن المغيرة عن ابراهيم وان نوى اثنتين فهى اثنتان، وقول سادس هو طلقة واحدة رويناه عن عمر وبه يقول حماد بن أبى سليمان * وقول سابع وهو انه ظهار فيه كفارة الظهار صح ذلك عن ابن عباس من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن منصور ابن المعتمر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال في الحرام والنذر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا، ومن طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن منصور بن المعتمر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الرجل إذا قال حرام على ان آكل أو قال هذا الطعام على حرام؟ قال: يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا وهو قول أبى قلابة.
وسعيد بن جبير.
ووهب بن منبه، وهو قول عثمان البتى.
واحمد بن حنبل، وقول ثامن وهو أن التحريم يمين فيه كفارة يمين، ثم اختلف هولاء فقالت طائفة منهم هي يمين مغلظة ليس فيها الا عتق رقبة روينا ذلك عن ابن عباس، وقال آخرون هي يمين فقط كما روينا من طريق عبد الرزاق
عن معمر عن يحيى بن أبى كثير: وأيوب السختيانى كلاهما عن عكرمة ان عمر بن الخطاب قال: هي يمين يعنى التحريم * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا المقدمى نا حماد بن زيد عن صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر قال: الحرام يمين * نا عبد الله ابن ربيع نا محمد بن معاوية القرشى نا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحى نا أبو الوليد الطيالسي نا الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن عبد الله بن هبيرة عن قبيصة بن ذئيب قال: سألت زيد بن ثابت وابن عمر عمن قال لامرأته انت على حرام؟ فقالا جميعا كفارة يمين * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد ان ابن مسعود قال في التحريم هي يمين يكفرها، ومن طريق مسلم نا زهير بن حرب نا اسماعيل بن ابراهيم عن هشام الدستواثى قال: كتب إلى يحيى بن أبى كثير يحدث عن(10/125)
يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الحرام يمين يكفرها.
وروى أيضا ذلك عن أبى بكر الصديق.
وعائشة أم المؤمنين وهو قول عكرمة.
وعطاء روينا ذلك من طريق عبد الرزاق.
عن ابن جريج قلت لعطاء من قال لامرأته انت على حرام؟ قال يمين قال ابن جريج فقلت له وإن كان اراد الطلاق قال قد علم مكان الطلاق قال عطاء ولو قال انت على كالدم أو كلحم الخنزير؟ قال عطاء هو كقوله: انت على حرام وهو قول مكحول.
وقتادة كقول عطاء في كل ما ذكرناه * ومن طريق قتادة عن الحسن ان قال كل حلال على حرام فهى يمين وبهذا كان يفتى قتادة وهو قول الشعبى * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري.
عن داوود بن أبى هند.
عن سعيد بن المسيب قال: " الحرام يمين يكفرها " وهو قول سليمان بن يسار.
وجابر بن زيد وسعيد بن جبير * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا جرير بن حازم قال: سألت نافعا مولى ابن عمر عن الحرام اطلاق هو؟ قال لا أو ليس قد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته فأمره الله عزوجل ان يكفر يمينه ولم يحرمها عليه، وروى عن طاوس أيضا فهو قول الاوزاعي.
وأبى ثور.
وروينا عن الحسن انه قال هو في غير
الزوجة يمين، وقول تاسع وهو التوقف كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان نا اسماعيل بن ابى خالد عن الشعبى قال: يقول رجال في الحرام هي حرام حتى تنكح زوجا غيره ولا والله ما قال ذلك على انما قال على: ما أنا بمحلها ولا بمحرمها عليك إن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر، وقول عاشر عن ابى حنيفة فانه قال إذا قال لامرأته أنت على حرام فان نوى طلقة واحدة أو طلقتين أو طلاقا دون عدد فهو في كل ذلك طلقة واحدة بائنة لا اكثر فان نوى ثلاثا فهى ثلاث فان نوى يمينا فهى يمين فيه كفارة يمين فان لم ينو شيئا فهو ايلاء فيه حكم الايلاء فان نوى الكذب صدق في الفتيا ولم يكن شيئا ولا ينوى في القضاء بل يكون ايلاء ولابد ولا يكون ذلك ظهارا اصلا سواء نواه وقال ذلك أو لم ينوه ولا قاله: وقول حادى عشر قاله مالك وهو انه من قال لامرأته: أنت على حرام فان كان مدخولا بها فهى ثلاث طلقات لا ينوى في ذلك فان كانت غير مدخول بها فانه ينوى فان قال نويت واحدة فهى واحدة وان قال نويت اثنتين فهى اثنتان وان قال نويت ثلاثا فهى ثلاث قال: فان قال ذلك لغير امرأته فليس بشئ سوا قال ذلك لامته أو لطعام قال فلو قال كل حل على حرام لم يحرم عليه بذلك شئ إلا زوجته فقط فان قال استثنيت نسائى أو امرأتي في نفسي صدق في ذلك، وقول ثانى عشر ليس التحريم بشئ لا في الزوجة ولا في غيرها ولا يقع بذلك طلاق اصلا ولا ايلاء ولا ظهار ولا تحريم ولا تجب في ذلك كفارة أصلا كما روينا من طريق البخاري نا الحسن بن الصباح سمع الربيع بن نافع(10/126)
نا معاوية - هو ابن سلام - عن يحيى بن أبى كثير عن يعلى بن حكيم.
عن سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس يقول: إذا حرم امرأته ليس بشئ لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم اسوة حسنة * ومن طريق وكيع.
عن اسماعيل بن أبى خالد.
عن الشعبى.
عن مسروق قال: ما أبالى حرمت امرأتي أو قصعة من ثريد * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن صالح بن مسلم.
عن الشعبى أنه قال: في تحريم المرأة لهى أهون على من نعلي *
ومن طريق عبد الرزاق.
عن ابن جريج.
أخبرني عبد الكريم.
عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: ما أبالى حرمتها يعنى امرأته أو حرمت ماء النهر * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا همام بن يحيى أنا قتادة أن رجلا جعل امرأته عليه حراما فسأله عن ذلك حميد بن عبد الرحمن الحميرى؟ فقال له حميد: قال الله عزوجل: (فإذا فرغت فانصب والى ربك فارغب) وأنت رجل تلعب فاذهب فالعب، وهو قول أبى سليمان وجميع أصحابنا * قال أبو محمد: أما قول مالك.
وأبى حنيفة فما نعلم أحدا قبلهما قال بما قالا من تقسيم ما قسماه مع أنه لا يؤيد قولهما قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ولا قياس ولا رأى له وجه وما يدرى أحد وجه التفريق بين تحريم الزوجة وبين تحريم الامة وغيرها والامة تحرم بالعتق كما تحرم الزوجة بالطلاق.
وكما يحرم المتاع بالصدقة به وببيعه وقد تحل المطلقة ثلاثا بعد زوج فهلا قالوا بتحريمها في الابد كما قالوا في الناكح في العدة يدخل بها فكان يكون قد أتم في التحريم وكذلك لا يعلم أحد وجه التفريق بين تحريم الزوجة التى أحلها الله عزوجل وبين تحريم الطعام الذى أحله الله تعالى، وقد سوى بين الامرين عطاء.
وغيره.
وأطرف شئ تفريقهم بين المدخول بها وغير المدخول بها وحجتهم في ذلك أن التى لم يدخل بها تبينها الواحدة فقلنا: لهم والمدخول بها عندكم أيضا تبينها الواحدة البائنة فما الفرق ان هذا العجب، وكذلك قول أبى حنيفة ان نوى اثنتين فهى واحدة بائنة وان نوى ثلاثا فهى ثلاث.
واحتجوا في ذلك بان الطلاق البائن لا يرتدف على الطلاق البائن ونسوا قولهم: ان الخلع طلاق بائن وأنه ان طلقها في عدتها لحقتها طلقة أخرى بائنة فاعجبوا لتناقضهم.
وكذلك قوله ان نوى ايلاء أو لم ينو شيئا فهو ايلاء.
وان نوى الظهار لم يكن ظهارا ليت شعرى من أين خرج هذا الفرق، وكذلك قول الشافعي ان نوى طلاقا فهو طلاق وان نوى ايلاء لم يكن ايلاء وان نوى ظهارا لم يكن ظهارا
وهذا فرق لا يعرف وجهه، فان قيل للظهار وكالايلاء ألفاظ لا يكونان الا بها قلنا:(10/127)
وللطلاق لفظ لا يكون الا به فان قالوا قد يكون الطلاق بغير لفظ الطلاق قلنا: وقد يكون الظهار عندكم بغير ظهر الام، وقد يكون الايلاء عندكم بغير ذكر الالية بالله تعالى ولا فرق * قال أبو محمد: وسائر الاقوال الموجبة للطلاق ولليمين وللظهار وللايلاء كلها أقوال لم تأت في نص قرآن ولا في سنة ولا حجة في سواهما بل وجدنا الله تعالى يقول: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) فأنكر الله تعالى تحريم ما أحله له والزوجة مما أحل الله فتحريمها منكر والمنكر مردود لاحكم له الا التوبة والاستغفار، وقال عزوجل: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) فمن قال لامرأته الحلال له بحكم الله عزوجل هي حرام فقد كذب وافترى ولا تكون عليه حراما بقوله لكن بالوجه الذى حرمها الله تعالى به صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " فتحريم الحلال احداث حدث ليس في أمر الله عزوجل فوجب أن يرد، ولا فرق بين قول القائل امرأتي على حرام وبين قوله امرأة زيد لى حلال، ولا فرق بين من حرم على نفسه لحم الكبش وبين من أحل لنفسه لحم الخنزير، فصح أن التحريم باطل ولا حكم للباطل الا ابطاله والتوبة منه وبالله تعالى التوفيق، وكذلك قوله لها انت على كالميتة والدم ولحم الخنزير وكل ذلك كذب بل هي حلال كالماء ولا تكون حراما بهذا القول وبالله تعالى تتأيد * 1939 مسالة: ومن ذلك من قال لامرأته قد وهبتك لاهلك فاننا روينا عن على بن أبى طالب من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس بن عمرو ان على بن أبى طالب قال: في المرأة توهب لاهلها ان قبلوها فواحدة بائنة وان ردوها
فواحدة وهو أحق بها يعنى برجعته، ومن طريق الحجاج بن المنهال نا يزيد بن ابراهيم - هو التسترى - نا الحسن - هو البصري - قال: كان رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: ان وهب امرأته لاهلها فأمسكوها فقد بانت منه وان هم ردوها عليه فهى واحدة وهو أحق بها، وروى هذا القول عن ابراهيم النخعي وقول آخر وهو مروى عن على ايضا وهو أنه ان قبلوها فهى واحدة وان لم يقبلوها فليس بشئ، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أشعث عن الشعبى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال يعنى في الموهوبة ان قبلوها (1) فواحدة بائنة وان لم يقبلوها فليس بشئ، وقال عطاء ان قبولها فواحدة بائنة
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 فواحدة باسقاط بائنة(10/128)
وان لم يقبلوها فليس بشئ، وقول ثالث كما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة.
عن الحسن ان زيد بن ثابت قال: ان قبلوها فهى ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وان ردوها فواحدة وهو أحق بها وهذا قول الحسن، وقول رابع رويناه من طريق سعيد بن منصور.
عن اسماعيل بن عياش.
عن عبد الله بن عبيد الله الكلاعى.
وعبد العزيز بن عبيدالله قال الكلاعى عن مكحول وقال عبد العزيز.
عن الشعبى.
عن مسروق ثم اتفق مسروق ومكحول فيمن وهب امرأته لاهلها قالا جميعا ان قبولها فهى طلقة وهو أملك بها وان لم يقبلوها فلا شئ، وروينا هذا أيضا عن الزهري وهو قول احمد بن حنبل.
واسحق بن راهويه، وقول خامس كما روينا عن سعيد بن منصور انا المعتمر بن سليمان التيمى.
عن منصور.
عن ابراهيم قال: كان يقال في الموهوبة لاهلها تطليقة قال سعيد وأرناه أبو عوانة.
عن منصور.
عن ابراهيم بمثله وزاد لا ندرى ابائنة أم رجعية، وقول سادس روى عن ربيعة.
ويحيي بن سعيد.
وأبى الزناد فيمن وهب امرأته لاهلها قالوا: هي ثلاث قبلوها أو ردوها، وقول سابع قاله الاوزاعي قال: هي طلقة واحدة قبلوها أو ردوها، وقول ثامن وهو قول الليث بن سعد من وهب
امرأته لاهلها فالقضاء ما قضوا فان كان وهبها لهم وهو لا ينتظر قضاءهم فهو طلاق البتة، وقول تاسع رويناه عن مالك وهو انه قال: من وهب امرأته لاهلها فان كانت مدخولا بها فهى طالق ثلاثا قبلوها أو لم يقبلوها وان كانت غير مدخول بها فهى واحدة فقط قبلوها أو ردوها، وقول عاشر رويناه عن الشافعي قال: من وهب امرأته لاهلها فله نيته في الفتيا والقضاء فان قال: لم أنو طلاقا لم يلزمه طلاق وان قال نويت ثلاثا فهى ثلاث وان قال نويت اثنتين فهى اثنتان رجعيتان وان قال نويت واحدة فهى واحدة رجعية، وقول حادى عشر وهو قول أبى حنيفة قال: ان قال لامرأته قد وهبتك لاهلك.
أو قال لابيك.
أو قال لامك.
أو قال للازواج فان كان هذا في غضب أو جوابا لها إذ سألته الطلاق ثم قال لن أنو الطلاق صدق ولم يلزمه طلاق في الفتيا وفي القضاء وان قال نويت بذلك الطلاق فان نوى ثلاثا فهى ثلاث وان نوى اثنتين بائنتين أو رجعيتين أو واحدة بائنة أو رجعية لم يكن في كل ذلك الا واحده بائنة فقط لا أكثر قال فلو قال لها وهبتك لخالتك أو قال لزيد أو لفلان وذكر أجنبيا فليس ذلك بشئ ولا يلزمه بذلك طلاق سواء نوى بذلك طلاقا ثلاثا أو أقل أو لم ينو طلاقا كان ذلك في غضب أو في جواب سؤالها اياه الطلاق أو لم يكن ولا معنى لحكم أهلها الذين وهبها لهم في ذلك، وقول ثانى عشر وهو أن كل ذلك باطل لا يلزمه به طلاق (م 17 - ج 10 المحلى)(10/129)
اصلا نواه أو لم ينوه وهو قول أبى ثور.
وأبى سليمان.
واصحابنا * قال أبو محمد: اما قول ابى حنيفة فآبدة من أوابد الدهر وتفريق ما سمع بأسخف منه كل ذلك بلا دليل يعقل ولا قياس يضبط ولا رأى له وجه ولا نعلمه عن أحد قبله لا سيما إذا اضيف هذا القول إلى قوله الذى ذكرناه في التخيير والتمليك وتلك التفاريق السخيفة، وأما قول مالك بين المدخول بها وغير المدخول بها في التفريق
فما يعلم عن أحد قبله وما ندرى من اين وقع لهم بالهبة أن تكون طالقا ثلاثا، وقالوا المدخول بها لا يحرمها الا الثلاث فقلنا: وقد يحرمها عندكم الواحدة البائنة فان قالوا يتزوجها إذا شاء وشاءت وفي الثلاث يتزوجها بعد زوج وكذلك غير المدخول بها يتزوجها في البائنة ان شاء وشاءت وهلا حرمتموها في الابد كما فعلتم بالمدخول بها في عدتها * قال أبو محمد: وسائر الاقوال لا نعلم لشئ منها برهانا لا قرآنا ولا سنة ولا حجة في سواهما وما كان هكذا فلا يجوز القول به، ومن الباطل أن يهب حرة أو أمة غيره فهبته فاسدة والفاسد لا حكم له الا بابطاله والتوبة إلى الله عزوجل منه فصح الذى قلنا وبالله تعالى نتأيد * 1940 مسألة: ومن باع عبده وله زوجة فهى زوجته كما كانت ومن باع امته ولها زوج فهى زوجته كما كانت وقد اختلف الناس في ذلك كما روينا من طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم قال: سئل ابراهيم النخعي عن الامة تباع ولها زوج فقال كان عبد الله بن مسعود يقول بيعها طلاقها ويتلو هذه الآية (والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم) نا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عبد البصير نا قاسم ابن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري.
عن حماد بن ابى سليمان.
عن ابراهيم النخعي.
عن ابن مسعود أنه قال في قول الله تعالى: (والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم) ذوات الازواج من المسلمين والمشركين لا ومن طريق وكيع.
عن المبارك بن فضالة عن الحسن البصري عن ابى ابن كعب قال بيعها اطلاقها * انا يونس بن عبد الله نا احمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا احمد ابن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا سليمان التيمى.
عن أبى مجلز.
عن أنس بن مالك قال: بيع الامة طلاقها قال انس: (والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم) قال ذوات البعول * ومن طريق عبد الرزاق.
عن معمر.
عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة أن جابر بن عبد الله قال: بيعها(10/130)
طلاقها * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقول: بيع الامة هو طلاقها * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا يونس ابن عبيد عن الحسن قال أيهما بيع فهو طلاق يعنى العبد من زوجته والامة من زوجها * نا محمد بن سعيد بن نبات نا عباس بن أصبغ نا محمد بن قاسم ابن محمد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الاعلى نا سعيد بن أبى عروبة عن قتاده عن الحسن البصري انه قال في الامة بيعها طلاقها يعنى من زوجها وبيعه طلاقها يعنى من زوجته * ومن طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: إذا زوج عبده من أمته فالطلاق بيد العبد وإذا اشترى أمة ولها زوج فالطلاق بيد المشترى، وقالت طائفة ان بيعت الامة فهو طلاقها من زوجها وان بيع العبد وله زوجة لم تطلق بذلك، كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
وابن ابى نجيح قال الزهري: عن سعيد بن المسيب وقال ابن أبى نجيح: عن مجاهد قالا جميعا: بيعها طلاقها فان بيع العبد لم تطلق هي حينئذ، وروينا عن الحسن البصري ان العبد إذا أبق وله زوجة فانها طالق باباقة العبد، روينا ذلك من طريق سعيد بن منصور نا هشيم ارنا منصور عن الحسن انه كان يقول: اباق العبد طلاقه، وذهبت طائفة إلى قول آخر كما روينا من طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا مسددنا المعتمر ابن سليمان قال: سمعت أبى يحدث عن أبى مجلز عن أنس بن مالك قال في قول الله عزوجل (والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم) قال المحصنات ذوات الازواج من الحرائر واذ هو لا يرى بأسا بما ملكت اليمين أن ينتزع الرجل الجارية من عبده فيطؤها، وبه إلى اسماعيل نا أبو بكر بن أبى شيبة نا محمد بن جعفر غندر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قول الله عزوجل: (الا ما ملكت ايمانكم) قال ينتزع الرجل وليدته امرأه عبده * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء أنتزع أمتى من
عبد قوم آخرين أنكحتها اياه؟ قال نعم وارضه قلت: أبى الاصداقه قال هوله كله فان أبى فانتزعها ان شئت، ومن حر انكحتها اياه ثم رجع عطاء فقال: لا تنتزعها من الحر وان اعطيته الصداق فلا تستخدمها ولا تبعها، وذهب آخرون إلى أن بيع الامة ليس طلاقا وان بيع العبد أو اباقه ليس طلاقا لزوجته ولا للسيد ان ينتزع امته من عبده إذا زوجها منه، روينا عن عمر بن الخطاب أنه ليس بيع الامة طلاقا لها من زوجها، وصح أن ابن عمر ان سأله رجل فقال: اشتريت جارية لها زوج افأطؤها فقال له ابن عمر: أتريد ان أحل لك الزنا؟ وصح هذا أيضا عن عبد الرحمن بن عوف وعن(10/131)
عثمان.
وعلى.
وسعد بن ابى وقاص.
وبه يقول أبو حنيفة: (1) ومالك.
والشافعي.
واحمد وابو سليمان وأصحابهم * قال أبو محمد: احتج من رأى بيعها طلاقها بقول الله عزوجل: (والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم) قالوا فحرم الله تعالى علينا كل محصنة الا ما ملكت ايماننا فهى حلال لنا من جملة المحصنات والمحصنات هن ذوات الازواج فصح انهن إذا كن ذوات أزواج فملكناهن انهن لنا حلال ولا يحللن لنا الا بان يحرمن على أزواجهن إذ كون الفرج حلالا لاثنين معا ممنوع في الديانة قالوا: وسواء في ذلك المبيعات والمسبيات لان الآية على عمومها، وقالت طائفة: انما عنى الله عزوجل بذلك المسبيات خاصة، روينا ذلك عن على بن أبى طالب من طريق ابراهيم عنه وابراهيم لم يدركه ولا لقيه، وعن ابن عباس من طريق اسرائيل بن يونس وهو ضعيف، وروينا عن ابن عباس أيضا كل ذات زوج عليك حرام من طريق يحيى بن عبد الملك (2) الحمانى وهو ضعيف عن شريك وهو مدلس * قال أبو محمد: أما من جعل بيع الامة طلاقها واحتج بقوله تعالى: (الا ما ملكت ايمانكم) فوجدناها قد خصها خبر صحيح وهو بيع بريرة وابتياع عائشة ام المؤمنين لها
ولها زوج اسمه مغيث فلم يكن بيعها طلاقا لها ثم اعتقتها ام المؤمنين بعد ابتياعها لها فلم يكن ذلك أيضا طلاقا لها بل خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ في البقاء في زوجيتة أو في فراقه فصح بذلك ان بيع الامة ليس طلاقا لها وصح بهذا ان قوله تعالى: (الا ما ملكت ايمانكم) استثناء منقطع معناه لكن ما ملكت ايمانكم ما لم يحرم عليكم كذوات المحارم وذوات الازواج والكوافر فما عدا هؤلاء فحلال لكم، وأما من قال: بيع العبد طلاق لزوجته الامة فلا نعلم له شيئا يتعلق به فسقط هذا القول والحمد لله رب العالمين، ثم نظرنا في المسبية مع زوجها أو دونه أو يسبى هو دونها أو خرجت إلى أرض المسلمين ولها زوج في ارض الحرب فوجدناها لا تخلو من أن تكون إذ سبيت أو خرجت إلى أرض المسلمين مختارة بقيت على دينها الكتابى أو غير الكتابى أو اسلمت لا تخلو ضرورة من أحد هذين الوجهين ولا ثالث هناك فان كانت لم تسلم فقد بينا في صدر كلامنا في النكاح من كتابنا هذا أن وطئ الامة الكافرة كتابية كانت أو غير كتابية بملك اليمين لا يحل أصلا فأغنى عن اعادته لقول الله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو اعجبتكم) ولم يخص الله تعالى من هذا
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 اسقاط مالك والصواب اثباته (2) وفي النسخة رقم 16 الحرانى(10/132)
التحريم الا ما كان بالزواج فقط بقوله تعالى: (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) وقد صح أن عقود نكاحات الكفار صحاح ومنها كانت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضى الله عنهم وما صح فلا سبيل لابطاله الا بنص فصح انها ما لم تسلم المسبية ذات الزوج فهى على زوجيتها سواء بقى في دار الحرب أو سي معها، وأما قول من قال إن اختلاف الدارين يقطع عصمة النكاح فقول باطل فاسد لانه دعوى مجردة لم يؤيدها قط قرآن ولا سنة وقد تكلمنا في صدر كتابنا هذا في الخبر الوارد من طريق أبى سعيد الخدرى إذ
أصابوا سبايا أوطاس فتحرجوا من غشيانهن فأنزل الله عزوجل: (والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم) فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن وبينا انهن بيقين متفق عليه وثنيات من سبايا هوازن ووطؤهن لا يحل للمسلمين حتى يسلمن بلا خلاف مناومن الحاضرين من المخالفين وبنص تحريم المشركات حتى يؤمن، فصح أن مراد الله تعالى بذلك إذا اسلمن * قال أبو محمد: فإذا أسلمن فلا يخلون ضرورة من أن يكون زوج من أسلم منهن سبى معها أو لم يسب بل هو في ارضه فان كان معها أو في أرضه ولم يسلم قبل اسلامها ان كانت كتابية أو مع اسلامها كائنا ما كان دينها فقد انفسخ نكاحها منه على ما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى فإذا انفسخ نكاحها باسلامها دون اسلام زوجها فقد حل فرجها لسيدها المسلم حينئذ بنص القرآن والسنة بلا خلاف فان أسلم زوجها مع اسلامها كائنا ما كان دينها أو أسلم قبل اسلامها وهى كتابية فهما في كل ما ذكرنا باقيان على زوجيتهما لما ذكرنا من أن كل نكاح صح بتصحيح الله تعالى اياه فانه لا يحل لاحد فسخه الا بنص قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة ولا سبيل إلى وجود شئ من ذلك في فسخ نكاح المسبية بعد اسلامها دون اسلام زوجها فقط، وقد قال أبو حنيفة: إذا سبى الزوجان فهما على نكاحهما حتى يخرجا إلى دار الاسلام فإذا صارا فيها انفسخ النكاح وهذا قوله أوله صحيح وآخره في غاية الفساد لان اختلاف الدارين لا يحرم نسبا ولا يحله، وقال مالك: ان جاء أهل الحرب بسبي فيه زوجان فهما على نكاحهما * قال أبو محمد: كل قول ما لم يؤيده قرآن ولاسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتة فهو باطل بيقين لا شك فيه وبالله تعالى التوفيق * 1941 مسألة: ومن فقد فعرف أين موضعة أو لم يعرف في حرب فقد(10/133)
أو في غير حرب وله زوجة أو ام ولد وأمة ومال لم يفسخ بذلك نكاح امرأته أبدا وهى امرأته حتى يصح موته أو تموت هي ولا تعتق ام ولده ولا تباع امته ولا يفرق ماله لكن ينفق على من ذكرنا من ماله فان لم يكن له مال بيعت الامة وقيل للزوجة ولام الولد انظرا لانفسكما فان لم يكن لهما مال مكتسب انفق عليهما من سهم الفقراء والمساكين من الصدقات كسائر الفقراء ولا فرق، وقد اختلف الناس في ذلك فصح عن عمر بن الخطاب انه قال امرأة المفقود تعتد أربع سنين من طرق، منها من طريق حماد بن سلمة عن عاصم الاحول وسليمان التيمى قال عاصم عن ابى عثمان النهدي عن عمر، وقال سليمان عن أبى عمر والشيبانى عن عمر وكلاهما أدرك عمر وسمع منه * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى نا خالد الحذاء عن ابى نضرة عن عبد الرحمن بن ابى ليلى قال: شهدت عمر خير مفقودا تزوجت امرأته بينها وبين المهر الذى ساقه إليها * قال أبو محمد: انما أوردنا هذا ليصح سماع عبد الرحمن لذلك من عمر، ومن طريق حماد بن سلمة عن ثابت البنانى عن عبد الرحمن بن ابى ليلى أن رجلا فقد امرأته فأتت عمر بن الخطاب بعد أربع سنين فسأل قومها فصدقوها فأمرها أن تعتد اربع سنين من ذى قبل ثم تزوجت فجاء زوجها وذكر الخبر قال: فخيره عمر بين الصداق وبين امرأته فاختار الصداق * ومن طريق حماد بن سلمة عن داود بن ابى هند عن أبى نضرة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى ان امرأة فقدت زوجها فأتت عمر فسأل جيرانها وقومها فصدقوها فقال لها: اعتدى اربع سنين وتزوجي فجاء زوجها بعد ذلك فخيره عمر بين الصداق وبين امرأته * ومن طريق عبد الرازق عن معمر عن ثابت البنانى عن عبد الرحمن بن ابى ليلى قال: فقدت امرأة زوجها فمكثت أربع سنين ثم ذكرت أمرها لعمر بن الخطاب فأمرها أن تتربص أربع سنين من حين رفعت أمرها إليه فان جاء زوجها والا تزوجت فتزوجت بعد ان مضت السنوات الاربع ولم تسمع له بذكر ثم جاء زوجها فاخبر بالخبر فأتى إلى عمر فقال له
عمر: ان شئت رددنا اليك امرأتك وان شئت زوجناك غيرها قال: بل زوجنى غيرها * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا داود بن ابى هند عن ابى نضرة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى أن رجلا من الانصار خرج ليلا فاستبته الجن فطالت غيبته فأتت امرأته عمر بن الخطاب فأخبرته فأمرها ان تعتد اربع سنين ففعلت فأمرها أن تتزوج ففعلت وقدم زوجها الاول فخيره عمر بين امرأته وبين الصداق فاختار امرأته ففرق عمر بينهما وردها إليه *(10/134)
قال أبو محمد: هذا الذى لا يصح عن عمر غيره أصلا وهو أن تبتدئ بتربص اربع سنين من حين ترفع أمرها إلى الامام فإذا أتمت الاربع سنين تزوجت ان شاءت فان جاء زوجها وقد تزوجت فهو مخير بين صداقها الذى أعطاها وبين أن ترد إليه امرأته ويفسخ نكاح الآخر أو يزوجه الامام زوجة أخرى * وروينا نحو هذا عن ابن عباس وابن عمر من طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن أبى بشر عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد عن ابن عباس.
وابن عمر قالا جميعا في امرأة المفقود: تنتظر أربع سنين، قال ابن عمر: ينفق عليها فيها من مال زوجها لانها حبست نفسها عليه، قال ابن عباس: إذا يجحف ذلك بالورثة ولكن تستدين فان جاء زوجها أخذت من ماله فان مات قضت من نصيبها من الميراث ثم قالا جميعا ينفق عليها بعد الاربع سنين اربعة أشهر وعشرا من جميع المال * قال أبو محمد: هذا صحيح عن ابن عباس وابن عمر، وروى عن عمر غير هذا من طريق لا تصح فيها الحجاج بن ارطاة ان عمر أمر امرأة المفقود أن تتربص أربع سنين من حين ترفع أمرها إليه فإذا أتمتها طلقها وليه (1) عنه ثم تعتد بعد ذلك اربعة اشهر وعشرا ثم تتزوج فان جاء زوجها وقد تزوجت خيره عمر بينها وبين صداقها * وروى عن عمر غير هذا كله أيضا من طرق لا تصح لان فيها
عبد الملك بن أبى سليمان العرزمى وهى أيضا مرسلة عن عبيد بن عمير قال: فقدت امرأة زوجها فأتت عمر بن الخطاب فأمرها أن تتربص اربعة أعوام ففعلت ثم جاءته فأمرها أن تعتد اربعة أشهر وعشرا ثم أتته فدعى ولى المفقود فأمره ان يطلقها فطلقها فأمرها أن تعتد ثلاثة قروء ففعلت ثم أتته فاباح لها الزواج فتزوجت فجاء زوجها المفقود فخيره عمر بين امرأته تلك وبين الصداق فاختار الصداق فأمر له عمر بالصداق، وروى عن عمر أيضا قول رابع لا يصح لانه مرسل من طريق مالك بن يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب قال: ان عمر بن الخطاب قال: أيما امرأة فقدت زوجها فانها تنتظره أربع سنين ثم تعتد اربعة أشهر وعشرا ثم تحل، وروينا من طريق الحسن عن عمر مثل ذلك، ومن طريق الزهري وعطاء وعمرو بن دينار عن عمر مثل ذلك، وروينا عن عمر أيضا غير ذلك كله من طريق ضعيفة فيها المنهال بن عمرو ان عمر بن الخطاب أتته امرأة فقدت زوجها مذ ثلاثة أعوام وثمانية أشهر فأمرها عمر أن تتم أربع سنين ثم تعتد عدة المتوفى عنها ثم
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 وليها والصواب ما هنا(10/135)
تتزوج ان شاءت * قال أبو محمد: وقد جاء من طريق سعيد بن المسيب.
وعمرو بن دينار.
والزهرى غير ما ذكرنا آنفا عنهم كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار قال: ان عمر بن الخطاب امر ولى المغيب عنها زوجها أن يطلقها * ومن طريق عبد الرازق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان قضيا في المفقود أن امرأته تتربص أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا بعد ذلك ثم تتزوج فان جاء زوجها الاول خير بين الصداق وبين امرأته *
قال أبو محمد: ليس معمر دون مالك: وأما الزهري (1) فأحفظ من يحيى بن سعيد ورواية سعيد هذه عن عثمان صحيحة لانه أدركه وجالسه وقتل عثمان رضى الله عنه وابن المسيب له عشرون سنة، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال اخبرني عطاء الخراساني أن ابن شهاب أخبره أن عمر وعثمان قضيا في ميراث المفقود أنه يقسم من يوم تمضى الاربع السنون وتستقبل امرأته عدة اربعة أشهر وعشرا، ومن طريق سعيد بن منصور ثنا سفيان - هو ابن عيينة - عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة ان امرأة فقدت زوجها فلبثت ما شاء الله تعالى ثم أتت عمر بن الخطاب فأمرها أن تتربص أربع سنين فلم يجئ فأمر عمر وليه أن يطلقها ثم أمرها أن تعتد فإذا انقضت عدتها فان جاء زوجها خيره بينها وبين الصداق، ومن طريق حماد بن سلمة (2) عن أيوب السختيانى عن أبى المليح الهذلى أن رجلا ركب البحر فتيه به فتزوجت امرأته وأمهات أولاده وقسم ميراثه فقدم بعد ذلك فارتفعوا إلى عثمان بن عفان فخير الرجل بين امرأته وبين الصداق ورد عليه أمهات أولاده وجعل في أولادهن الفداء فلما قتل عثمان رضى الله عنه ارتفعوا إلى على بن ابى طالب فقضى بمثل قضاء عثمان، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى أن أبا المليح بن اسامة سئل عن امرأة المفقود؟ فقال أبو مليح: حدثتني سهمية بنت عرم الشيبانية أنها فقدت زوجها في غزاة غزاها فلم يدر أهلك أم لا فتربصت أربع سنين ثم تزوجت فجاء زوجها الاول فركب هو وزوجها الثاني إلى عمان فأخبراه، فقال عثمان يخير الاول بين امرأته وبين صداقها فلم يلبث ان
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 فهو احفظ (2) وفي النسخة رقم 14 نا أيوب(10/136)
قتل عثمان فركبا (1) إلى على بالكوفة فقال: ما أرى إلا ما قال عثمان قالت: فاختار الصداق فأعنت زوجي بألفين وكان الصداق أربعة آلاف ورد أمهات اولاده كن
تزوجن بعده ورد اولادهن معهن علمي انه قاله، ومن طريق حماد بن سلمة ارنا قتادة عن خلاس بن عمرو أن على بن أبى طالب قال: امرأة المفقود تعتد اربع سنين ثم يطلقها الولى ثم تعتد اربعة أشهر وعشرا فإذا جاء زوجها خير بين امرأته وبين الصداق وهذا صحيح عن على * قال أبو محمد: وأما التابعون فروينا من طريق الحجاج بن المنهال نا الربيع ابن حبيب قال سألت الحسن البصري عن المفقود زوجها؟ فقال تعتد اربع سنين ثم يطلقها وليه ثم تعتد اربعة أشهر وعشرا عدة المتوفى عنها زوجها ثم تتزوج ان شاءت فان جاء زوجها فهو بالخيار فان شاء امرأته وان شاء صداقها الذى كان أصدقها * ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة أن الحسن كان يخير المفقود بين الصداق الاول وبين امرأته قال قتادة، وقال الخلاس بن عمرو: يخير بين الصداق الآخر وبين امرأته * ومن طريق حماد بن سلمة أرنا عطاء بن السائب قال: بينما أنا عند ابراهيم النخعي وعنده رجل من أصحاب السابرى حزين كئيب فقلت ما شأن ذا فقال (2) النخعي قدم زوج امرأته فقلت فكيف يصنع قال يخير بين الصداق وبين امرأته فان اختار الطلاق أقام هذا على امرأته ولا تعتد منه لان الماء ماؤه وان اختار امرأته اعتدت من هذا قال عطاء: فاخبرت بذلك الحكم بن عتيبة فقال: لا يكون شئ من هذا الا وفيه عدة، ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج عن عطاء بن أبى رباح في امرأة المفقود قال: تتربص اربع سنين من يوم يتكلم ثم يطلقها وليه (3) يأخذ بالوثاق ولا يمنع زوجها تلك الطلقة وان كانت البتة فان جاء فاختارها أن يراجعها فتعتد عدة الوفاة فان جاء فاختارها اعتدت من الآخر وان اختار صداقها غرمته هي من مالها ولم تعتد من الآخر وقرت عنده كما هي، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في امرأة المفقود يأتي وقد تزوجت ان المرأة تغرم الصداق، ومن طريق ابى عبيدنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد عن أيوب بن موسى عن مكحول
في امرأة المفقود إذا قدم الاول كانت امرأته ان شاء واعتدت من زوجها الذى هي عنده وان شاء فله ما أصدقها * ومن طريق ابى عبيدنا محمد ابن ابى عدى عن داود
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 فركب بالافراد والصواب التثنية (2) وفي النسخة رقم 14 فقال لى النخعي (3) وفي النسخة رقم 16 من يوم يتكلم بطلاقها وليه (م 18 - ج 10 المحلى)(10/137)
ابن أبى هند عن الشعبى قال: لولا ان عمر خير المفقود لرأيته احق بها إذا شاء * ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدى بن ارطاة امرأة المفقود تعتد اربع سنين، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن داود بن أبى هند عن سعيد بن المسيب قال: إذا فقد في الصف تربصت به سنة وإذا فقد في غير صف فاربع سنين: وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: إذا مضت اربع سنين من حين ترفع امرأة المفقود أمرها فانه يقسم ماله بين ورثته * ومن طريق ابن وهب عن عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه قال في الذى يحضر القتال فلا يدرى أسر أم قتل فانى أرى أن تعتد امرأته عدة المؤجلة أربع سنين واربعة أشهر وعشرا ثم تنكح ان شاءت * ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة في المفقود يتلوم لطلبه فلا يوجد له خبر فذلك الذى يضرب الامام لامرأته فيما بلغنا ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها يقولون: ان جاء زوجها في عدتها أو بعد العدة ما لم تنكح فهو أحق بها فان نكحت بعد العدة ودخل بها فلا سبيل له عليها، ومن طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ربييعة قال إذا فرق السلطان بينهما فلا سبيل للاول عليها ولا رجعة دخل بها أو لم يدخل، وروينا غير هذا كله عن على ابن أبى طالب وغيره كما روينا من طريق أبى عبيدنا جرير عن منصور بن المعتمر عن الحكم بن عتيبة قال قال على بن أبى طالب (1) إذا فقدت المرأة زوجها لم
تتزوج حتى يقدم أو تموت * ومن طريق أبى عبيد أيضا نا هشيم انا سيار عن الشعبى قال قال على بن أبى طالب إذا جاء زوجها الاول فلا خيار له وهى امرأته * ومن طريق أبى عبيدنا على بن معبد (2) عن عبد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزرى عن سعيد بن جبير قال قال على بن أبى طالب في امرأة المفقود تزوج هي امرأة الاول دخل بها الآخر أو لم يدخل * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: بلغني عن ابن مسعود أنه وافق على بن أبى طالب في امرأة المفقود على أنها تنتظره أبدا * ومن طريق سعيد بن منصور ثنا هشيم أخبرنا سيار عن الشعبى انه كان يقول في امرأة المفقود ان جاء الاول فهى امرأته ولا خيار له قال هشيم وهو القول قال هشيم وأرنا اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى أنه قال في امرأة المفقود إذا تزوجت فحملت من زوجها الآخر ثم بلغها ان زوجها الاول حى (3) يفرق بينها وبين زوجها الآخر فان مات زوجها الاول فانها تعتد من هذا الآخر بقية حملها فإذا وضعت اعتدت من
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 وغيره كما روينا (2) وفي النسخة رقم 16 على بن سعيد (3) وفي النسخة رقم 14 أنه يفرق(10/138)
الاول اربعة أشهر وعشر أو ورثته * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة امقسم عن ابراهيم النخعي في امرأة المفقود قال: هي مبتلاة فلتصبر * ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير عن مغيرة عن النخعي مثل قول على في امرأة المفقود لا تتزوج حتى يستبين أمره * ومن طريق شعبة أنه سمع حماد بن أبى سليمان يقول قال عمر في امرأة المفقود تخير وقال على هي امرأته قال حماد وعمر أحب إلى من على وقول على أعجب إلى من قول عمر، وممن قال لا تؤجل امرأة المفقود ولا يفرق بينه وبينها القاضى ابن أبى ليلى.
وابن شبرمة.
وعثمان البتى.
وسفيان.
الثوري.
والحسن بن حى.
وأبو حنيفة.
والشافعي.
وأبو سليمان وأصحابهم، وقال الشافعي.
وأبو سلمان من حكم بتأجيلها ثم فسخ النكاح منه وأمرها أن تعتد ثم تزوجت
فانه يفسخ كل ذلك وترد إلى الاول كما كانت، وقال الاوزاعي في القوم يلقون العدو فيفقدون فلا يدرى أقتلوا أم أسروا فان نساءهم يعتدون عدة المتوفى عنها زوجها ثم يتزوجن كتب بذلك عمر بن الخطاب، وعلى هذا مضى أمر الناس، وقال الليث بن سعد في امرأة المفقود: انها تؤجل فان جاء زوجها المفقود ووجدها تزوجت فهو أولى بها وترد إليه، وقال مالك: تنتظر امرأة المفقود أربع سنين من حين ترفع أمرها إليه ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا فان كان الزوج عبدا أجلت عامين ثم تعتد كما ذكرنا فان جاء زوجها قبل أن تتزوج فهى امرأته كما كانت وان جاء وقد تزوجت فلا سبيل له إليها دخل الثاني بها أو لم يدخل ثم رجع مالك فقال: هو أولى بها ما لم يدخل بها الثاني ولا خيار للاول قال: وانما هذا في المفقود في غير الحرب فاما الذى فقد في الحرب فلم يعرف أميت هو أم حى فلا تؤجل امرأته ولا يفرق بينه وبينها قال: ولا يقسم مال المفقود ولا تعتق أمهات أولاده حتى يأتي من الزمان ما يعرف أنه لا يعيش إليه، وقال أحمد.
واسحاق تتربص امرأة المفقود أربعة أشهر وعشرا بعد أربعة أعوام ثم تتزوج قالا جميعا والمفقود الذى تؤجل امرأته هو المفقود في الحرب أو في البحر أو يفقد من منزله، وأما من غاب عن أهله فلم يدر ما فعل فلا تؤجل امرأته * قال أبو محمد: اختلف السلف في اثنى عشر موضعا من هذه القضة وهى من المفقود والتأجيل.
ومن متى يبدأ التأجيل.
وكم التأجيل.
وهل بعد التأجيل طلاق الولى.
وهل بعد ذلك عدة الوفاة.
وحكم تخيير الزوج ان قدم.
وفيما ذا تخير.
وعلى من غرم الصداق ان اختاره.
واى صداق يكون.
وهل يقسم ميراثه.
وهل تعتق أمهات أولاده فاما من المفقود فان كل من روى عن هفي هذا شئ لم يفرق بنى أحوال الفقد وهم(10/139)
عمر.
وعثمان.
وعلى.
وابن مسعود.
وابن عباس.
وابن عمر، ومن التابعين الحسن.
وخلاس بن عمرو.
وابراهيم النخعي.
والحكم بن عتيبة وعطاء والزهرى ومكحول
والشعبى وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب وقتادة وأبو الزناد وربيعة وحماد ابن أبى سليمان.
وابن أبى ليلى.
وابن شبرمة.
وعثمان البتى.
وسفيان الثوري.
وهشيم والحسن بن حى.
والاوزاعي.
والليث وأبو حنيفة والشافعي.
وداود وأصحابهم حاشا مالكا واحمد واسحاق فان مالكا قال الحكم في المفقود في الحرب ولا نعلم هذا عن أحد قبل مالك، وقال أحمد واسحاق ليس هذا الحكم فيمن خرج عن أهله ففقد.
وأما التأجيل فان كل من ذكرنا روى التأجيل حاشا روايات عن على وابن مسعود ورواية عن الشعبى ورواية عن النخعي وحماد بن ابى سليمان وابن ابى ليلى وابن شبرمة وعثمان للبتى وسفيان الثوري والحسن بن حى وابى حنيفة والشافعي وداود واصحابهم، واما متى يبدأ التاجيل في قول من قال به فان اكثر من ذكرنا يرى مبدأه من حين يرفع امرها إلى الامام حاشا رواية ضعيفة عن عمر انه امرها باتمام اربع سنين من حين غاب، وقال بعضهم: تربص اربع سنين ولم يحدوا من حين تبدأ * وأما كم التأجيل فان من ذكرنا يراه أربع سنين الا سعيد بن المسيب ومالكا قال سعيد: أرى ان تؤجل امرأة من فقد في الصف سنة ومن فقد في غير الصف اربع سنين، وقال مالك ان كان عبدا أجلت له عامين ولا يعلم هذا عن أحد قبله، واما طلاق الولى بعد التاجيل فانه صح عن عمر بن الخطاب.
وعلى بن ابى طالب والحسن.
وعطاء، واما هل بعد ذلك عدة وفاه فانه قد ذكرنا عن عمرو عثمان.
وعمر بن عبد العزيز تربص اربعة اعوام ثم تتزوج دون ذكر عدة وفاة، وصح عن عثمان وابن عباس وابن عمر وعلى والحس وعطاء وابى الزناد وربيعة انها تعتد ايضا عدة الوفاة وفي بعض تلك الروايات انها تعتد ايضا من الطلاق، واما تخيير الزوج إذا قدم فثابت عن عمر وعثمان وعلى ولم يرو عن صاحب رأى التأجيل خلاف ذلك وصح ايضا عن الحسن وخلاس وابراهيم وعطاء والحكم بن عتيبة والزهرى ومكحول والشعبى، وروينا عن كل من ذكرنا عنه تخيير الزوج انه يخير بين زوجته وبين
الصداق الا رواية عن عمر صحيحة انه خيره بين زوجته وبين ان يزوجه من اخرى واختلف بعضهم فيمن يغرم الصداق ان اختاره الزوج فقال جمهور من ذكرنا: يغرمه الزوج الآخر وقال الزهري: تغرمه المراة.
واختلفوا ايضا أي الصداق يقضى له به ان اختاره فقال جمهورهم: صداقه الذى كان اصدقها هو وقال خلاس بن(10/140)
عمرو بل صداق الزوج الآخر، واختلفوا هل تعتق امهات أولاده فقال قتادة تعتق امهات اولاده إذا ابيح لزوجته الزواج وانما قضى بذلك في خلافة عثمان رضى الله عنه وقال بعضهم: لا يعتقن، واختلفوا في ميراثه هل يقسم فروينا ان في خلافة عثمان رضى الله عنه قسم ميراثه إذا أبيح لامرأته الزواج * قال أبو محمد: أما المالكيون.
والحنيفيون.
والشافعيون فانه تناقضوا ههنا أقبح تناقض فاما الشافعيون فقلدوا عمر في رواية لم تصح عنه قط في تأجيل امرأة العنين واخراجها عن عصمته بغير قرآن ولا سنة ثم خالفوا ههنا عمر وعثمان وعليا وابن عباس وابن عمر فيما صح عنهم من تأجيل امرأة المفقود وهذا عجب جدا وكذلك فعل الحنيفيون أيضا وقد ردوا تقليد ما لم يصح عن عمر في توريث المطلقة ثلاثا وهذا تلاعب بالدين وبالتحريم والتحليل، ولئن كان عمر هنا لك حجة انه ههنا لحجة وان لم يكن ههنا حجة فما هو هنا لك حجة، فان قالوا: قد خالفه على ههنا.
قلنا وقد خالفه على في اجل العنين ولا فرق، وقد خالفه عبد الرحمن بن عوف.
وعبد الله بن الزبير في توريث المبتوتة في المرض وكلا القولين موجب فسخ نكاح لم يوجب الله تعالى فسخه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما المالكيون فانهم خالفوا الثابت عن عمر من أنه أمر وليه بطلاقها وانه خير الزوج إذا أتى بينها وبين الصداق وقلدوه فيما لم يصح عنه قط من أن تعتد بعد ذلك عدة الوفاة، فان قالوا: قد صح ذلك.
عن على وابن عباس وابن عمر قلنا: وقد صح عن عمر تخيير الزوج إذا جاء بينها
وبين الصداق فمن أين وقع لكم تقليد بعض الصحابة في بعض هذه القضية بلا دليل أصلا لا من قرآن ولا من سنة ولا من قياس؟ ومخالفة بعضهم فيها نفسها وهذا تحكم في الدين بالباطل، فلا ندرى من أين وقع لهم تقليد بعض ما روى عن عمر دون سائر ما روى عنه بلا برهان أصلا؟ قال على: لا حجة في أحد دون الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ولا يحل تحريم فرج اباحه الله تعالى للزوج وتحليله لمن حرمه الله تعالى عليه من سائر الرجال بغير قرآن ولا سنة، وأما الصحابة رضى الله عنهم فقد فازوا وهم والله مأجورون في كل ما قالوه قاصدين به الحق وانما الشأن فيمن قال قولا في الدين لم يأت به قرآن ولا سنة، فإذا قيل له من أين قلته؟ قال لان عمر وعثمان قاله فإذا قيل لهم ففى هذه القضية نفسها لهما قول خالفتموه هو اصح عنهما من الذى زعمتم انكم احتججتم بهما فيه لجوا على تقليدهم اعراضا عن الحق بلا برهان أصلا *(10/141)
قال أبو محمد: فإذ لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز فسخ نكاح أحد بمغيبة ولا ايجاب عدة ممن لم يصح موته ولا أن يطلق أحد عن غيره وبالله تعالى التوفيق، ومن العجب قول مالك ان جاء الزوج قبل أن تتزوج فهو أولى بها وهى امرأته كما كانت فيقال لمن قلده ومن أين قلت هذا وأنت قد قطعت عصمته منها وأبحت لها ان تنكح من شاءت وكيف تردها إلى أجنبي قد أبحت لها نكاح زوج سواه من أجل تأخيرها نكاحا قد أبحته لها عادت إلى زوج قد فسخت نكاحها منه؟ هذا مع أنه قول لا يحفظ عن أحد قبل مالك فاعجبوا لهذا الاختيار ثم يقال لهم: ومن أين قلتم في أحد قوليه أنه ان جاء الزوج وهى قد تزوجت فلا سبيل له إليها من أجل عقد قد كان لها مباحا إذ رددتها إليه بكل حال فقولوا لنا أي شئ أحدثه عقدها النكاح من تحريمها على زوجها ممن لم تحدثه اباحتك لها ذلك العقد فأجزت عقدها ثم
قوله الثاني من أنه ان جاء الزوج وقد تزوجت الا أنه لم يدخل بها فهى زوجة الاول وان جاء بعد دخول الثاني بها فلا سبيل له عليها فقولوا لنا هل دخل الزوج الثاني على زوجته أو على أجنبية فان قالوا على زوجته قلنا فمن أين ابحتم فرج زوجته التى احللتم له الدخول بها لانسان قد فسختم نكاحه منها وحرمتموها عليه وعقد تم نكاحها مع غيره وان قالوا بل دخل على غير زوجته ومن أين استحللتم ان تبيحوا له وطئ غير زوجته فلاح يقينا انها أقوال فاسدة متخاذلة خطأ لا شك فيها، وقد قال بعضهم انما فعلنا ذلك بما روى عن عمر ذلك في أي كنف فقلنا هذا تمويه آخر وهلا فعل عمر ذلك في أي كنف الا إذا طلق امرأته وأعلمها بالطلاق ثم راجعها ولم يعلمها بالرجعة فمن الذى ادخل هذه القضية في تلك مع أن هذين القولين جميعا لا يحفظان عن احد من أهل العلم انه قاله قبل مالك ولا يجدونه أبدا فاعجبوا لفحش هذا التقليد إذ قلدوا قولا لا يعرف أحد قاله قبل مالك خالفوا فيه كل قول لصاحب أو تابع رأوا في تلك القصة التى أوهموا فيها انهم يحتجون ببعض الصحابة رضى الله عنهم وبالله تعالى التوفيق * بسم الله الرحمن الرحيم * وبالله توفيقي واليه متابى 1942 مسألة: ما يقع به فسخ النكاح بعد صحته * وهى ثمانية أوجه فقط أحدها أن تصير حريمة (1) برضاع وقد ذكرنا ذلك، والثانى أن يطأها أبوه أو جده بجهالة أو بقصد إلى الزنا وقد ذكرنا ذلك، والثالث أن يتم التعانة والتعانها، والرابع أن تكون أمة فتعتق فلها الخيار في فسخ نكاحها من زوجها أو ابقائه،
__________
(1) في النسخة رقم 14 حريمته(10/142)
والخامس اختلاف الدينين إلا في جهة واحدة وهى أن يسلم الزوج وهى كتابية فانهما يبقيان على نكاحهما وينقسم (1) اختلاف دينهما في غير الوجه الذى ذكرنا خمسة أقسام، احدها أن يسلم هو وهى كافرة غير كتابية، وثانيها أن تسلم هي وهو
كافر كتابي أو غير كتابي فلو أسلما معا فهما على نكاحهما، وثالثها ان يرتد هو دونها، ورابعها أن ترتد هي دونه، وخامسها أن يرتدا معا ففى كل هذه الوجوه ينفسخ نكاحهما سواء أسلم أثر اسلامها أو اسلمت أثر اسلامه أو راجع الاسلام أو راجعت الاسلام أو راجعاه معا لا ترجع إليه في كل ذلك إلا برضاهما وبصداق وبولي واشهاد ولا يجب ان يراعى في ذلك شئ من عدة ولا عرض اسلام وقد أوضحنا كل هذا في كتاب الجهاد من ديواننا هذا والحمد لله وحده، والسادس أن يملكها أو بعضها، والسابع أن تملكه أو بعضه، والثامن موته أو موتها ولا خلاف في ذلك فلنذكر هنا ان شاء الله تعالى ما لم نذكره بعد وهو اللعان وتخيير المعتقة * (اللعان) 1943 مسالة: صفة اللعان هو ان من قذف امرأته بالزنا هكذا مطلقا أو بانسان سماه سواء كان قد دخل بها أو لم يدخل بها كانا مملوكين أو أحدهما مملوكا والآخر حرا أو مسلمين أو هو مسلم وهى كتابية أو كانا كتابيين أو كان محدودا في قذف أو في زنا أو هي كذلك أو كلاهما أو أحدهما أعمى أو كلاهما أو فاسقين أو أحدهما ادعى رؤية أو لم يدع فواجب على الحاكم أن يجمعهما في مجلسه طلبت هي ذلك أو لم تطلبه طلب هو ذلك أو لم يطلبه لا رأى لهما في ذلك ثم يسأله البينة على ما رماها به فان أتى ببينة عدول بذلك على ما ذكرنا في الشهادة بالزنا أقيم عليها الحد فان لم يأت بالبينة قيل له التعن فيقول بالله انى لمن الصادقين بالله انى لمن الصادقين بالله انى لمن الصادقين بالله انى لمن الصادقين، هكذا يكرر بالله انى لمن الصادقين أربع مرات ثم يأمر الحاكم من يضع يده على فيه ويقول له انها موجبة فان ابى فانه يقول وعلى لعنة الله ان كنت من الكاذبين فإذا اتم هذا الكلام سقط عنه الحد لها والذى رماها به فان لم يلتعن حد حد القذف فإذا التعن كما ذكرنا قيل لها ان التعنت والا حددت حد الزنا فتقول بالله انه لمن الكاذبين بالله انه لمن الكاذبين بالله انه لمن الكاذبين بالله
انه لمن الكاذبين تكرر بالله انه لمن الكاذبين أربع مرات ثم تقول وعلى غضب الله ان كان لمن الصادقين ويأمر الحاكم من يوقفها عند الخامسة ويخبرها بأنها موجبة
__________
(1) وفي النسخة رقم 16 وينفسخ باختلاف دينهما لعله خطا من النساخ(10/143)
لغضب الله تعالى عليها فإذا قالت ذلك برئت من الحد وانفسخ نكاحها منه وحرمت عليه أبد الآبد لا تحل له اصلا لا بعد زوج ولا قبله ولا وان أكذب نفسه لكن أن أكذب نفسه حد فقط، وأما ما لم يتم (1) هو اللعان أو تتمه هي فهما على نكاحهما فلو مات أحدهما قبل تمام اللعان لتوارثا ولا معنى لتفريق الحاكم بينهما أو لتركه لكن بتمام اللعان تقع الفرقة، فان كانت هي صغيرة أو مجنونة حد هو حد القذف ولابد ولا لعان فان كان هو مجنونا حين قذفها فلا حد ولا لعان ويتلاعن الاخرسان كما يقدران بالاشارة فان كانت المرأة الملاعنة حاملا فبتمام الالتعان منهما جميعا ينتفى عنه الحمل ذكره أو لم يذكره إلا أن يقر به فيلحقه ولاحد عليه في قذفه لها مع اقراره بأن حملها منه إذا التعن فلو صدقته هي فيما قذفها به وفي ان الحمل ليس منه حدث ولا ينتفى عنه ما ولدت بل هو لا حق به فان لم يلاعنها حتى وضعت حملها فله أن يلاعنها لدرء الحد عن نفسه، وأما ما وردت فلا ينتفى عنه بعد أصلا فلو طلقها وقذفها في عدتها منه لا عنها فلو قذفها وهى اجنبية حد ولا تلاعن ولا يضره امساكها ووطؤها بعد أن قذفها بل يلاعنها متى شاء وبالله تعالى التوفيق * 1944 مسألة: وأما قولنا ان كل زوج قذف امرأته فانه يلاعنها إذ ذكرنا صفة اللعان فلقول الله عزوجل: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) فلم يخص عزوجل حرا من عبد ولا أعمى من بصير ولا صالحا من فاسق ولا امرأة كافرة من مؤمنة ولا حرة من أمة ولا فاسقة من صالحة ولا محدودا من غير محدود ولا محدودة من غير محدودة (وما كان
ربك نسيا) وقال أبو حنيفة: ان كان أحدهما مملوكا أو كافرا فلا لعان وهذا تحكم بالباطل وتخصيص القرآن برأيه الفاسد، فان قالوا قال الله تعالى: (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) والعبد لا شهادة له قلنا: باطل ما قلتم بل شهادته كشهادة الحر وانتم لا تجيزون شهادة الاعمى ولا شهادة الفاسق وتوجبون اللعان لهما، وروينا عن الشعبى (2) لا يلاعن من لا شهادة له * قال أبو محمد: وهذه قضية فاسدة لا يصححها قرآن ولا سنة والله تعالى وان كان سماها شهادة فليست من سائر الشهادات التى يراعى فيها العدل من الفاسق لان تلك الشهادات لا يحلف فيها الشاهد بها وشهادات اللعان ايمان وسائر الشهادات لا يقبل في اكثرها إلا اثنان وشهادة اللعان انما هي من واحد وسائر الشهادات لا يقبل فيها
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 ما لم يتم اللعان باسقاط لفظ هو فالاولى اثباتها (2) وفي النسخة رقم 16 يلاعن(10/144)
المرء لنفسه وشهادة اللعان انما هي لنفسه ليدرأ عنها الحد وليوجبه على المرأة فبطل أن يكون اللعان حكم سائر الشهادات، وأما قولنا: ان التعن سقط عنه الحد والا حدت هي فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث اللعان: " البينة والا حد في ظهرك " وقوله انه رماها بانسان بعينه فحدوا حد يسقط التلاعن فلما رويناه من طريق احمد بن شعيب انا عمران (1) بن يزيد الدمشقي نا مخلد بن الحسين الازدي نا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن انس بن مالك قال: أول لعان كان في الاسلام أن هلال بن أمية قذف شريك بن السحماء (2) بامرأته فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أربعة شهداء والا فحد في ظهرك يكرر ذلك مرارا فقال له هلال: والله يا رسول الله ان الله ليعلم انى لصادق ولينزلن الله عليك ما يبرئ به ظهرى من الجلد فبينما هم كذلك إذ نزلت آية اللعان فدعا هلالا (فشهد أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين والخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين) ثم دعيت المرأة فشهدت
أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين، فلما كان في الرابعة أو الخامسة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفوها فانها موجبة فتلكات حتى ما شككنا أنها ستعترف ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت على اليمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروها فان جاءت به ابيض (3) سبطا قضى (4) العينين فهو لهلال بن امية وان جاءت به آدم (5) جعدا (6) ربعا (7) حمش (8) الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به آدم جعدا ربعا حمش الساقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا ما سبق من كتاب الله لكان لى ولها شأن، وليس في الآية ما يزيده مالك وغيره في اليمين من قول الذى لا إله إلا هو ولا غير ذلك ولا فرق بين هذه الزيادة وبين أن يزيد خالق السموات والارض الذى رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها وما أشبه ذلك من الثناء على الله عزوجل الذى من قاله أجر ومن تركه في يمينه لم يحرج، وانما يقضى على الناس بما أمر به الله لا بما لا يلزم في ذلك الوقت وان كان اجرا، وقوله عزوجل: (ويدرأ عنها العذاب ان تشهد اربع شهادات بالله) فان فيه اشارة إلى عذاب معلوم لانه بألف التعريف ولامه ولا نعلم عذابا في الزنا الا الحد، وأما السجن كما قال أبو حنيفة واصحابه فلا، ومن
__________
(1) وفي النسخة رقم 16 عمرو بن يزيد 2 وفي النسخة رقم 14 السحماء 3 سبط بكسر السين وسكون الباء ممتد الاعضاء نام الخلق 2 قضئ العينين فاسدها 4 آدم شديد السمرة 5 الجعد في صفات الرجال يكون مدحا وذما فالمدح معناه شديد الاسر والخلق أو جعد الشعر ضد السبط.
الذم معناه القصير المتردد الخلق وقد يطلق على البخيل ايضا ولعله صلى الله عليه وسلم أراد المدح 6 ربعا متوسط القامة 7 حمش الساقين دقيقهما (م 19 - ج 10 المحلى)(10/145)
طريق احمد بن شعيب انا على بن ميمون الرقى عن سفيان عن عاصم بن كليب عن ابيه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر المتلاعنين باللعان أمر رجلا أن يضع يده
على فيه عند الخامسة وقال: انها موجبة، ولا معنى لزيادة من زاد في يمين المتلاعنين أن يقول: هو انى لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وأن تقول هي: إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا لان الله تعالى كفانا بما أمرنا به في القرآن عن تكلف هذه الزيادة (وما كان ربك نسيا) وكل رأى زادنا شيئا في الدين لم يأت به أمر الله تعالى فنحن نرغب عن ذلك الرأى ونقذفه في الحش (1) لانه شرع في الدين لم يأذن به الله عزوجل، فان قالوا ربما نوى انه لمن الصادقين في شهادته بالتوحيد ونوت هي انه لمن الكاذبين في قصة أخرى: قلنا هبك أنهما نويا ذلك فوالله ما ينتفعان بذلك وان يمينهما بما أمر الله تعالى في مجاهرة أحدهما فيه بالباطل موجب عليه اللعنة وعليها الغضب نويا ما قلتم أو لم ينويا ولا يموه على علام الغيوب بمثل هذا * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا همام بن يحيى نا أيوب السختيانى ان سعيد بن جبير حدثه عن ابن عمر قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين أخوى بنى العجلان * ومن طريق أبى داود والبخاري قال أبو داود: نا احمد بن حنبل وقال البخاري: نا على بن عبد الله قالا جميعا نا سفيان - هو ابن عيينة - أنه سمع عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير يقول سمعت ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين " حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها " * قال أبو محمد: قد رويته عن سفيان قال سفيان حفظته من عمرو بن دينار: فتفريق رسول الله صلى الله عليه وسلم يغنى عن تفريق كل حاكم بعده، وقوله عليه الصلاة والسلام " لا سبيل لك عليها " منع من ان يجتمعا أبدا بكل وجه ولم يقل عليه الصلاة والسلام ذلك بنص الخبر الا بعد تمام التعانهما جميعا فلا يقع التفريق الا حينئذ، وقد روينا ان المصعب بن الزبير لم يوجب التفريق بين المتلاعنين وهو قول عثمان البتى، وقال أبو حنيفة لا يقع التفريق بتمام اللعان الا حتى يفرق بينهما الحاكم وإذا فرق الحاكم بينهما فهى طلقة بائنة فكان هذا عجبا ونقول لهم فان أبى الحاكم من التفريق أيبقيان على زوجيتهما هيهات حاكم
الحكماء قد فرق فتفريق من بعده أو تركه التفريق ونبيب (2) تيس في الحزن (3) سواء وقال الشافعي بتمام التعان الرجل يقع التفريق وينتفى الولد وهذه ايضا دعوى بلا برهان وقال مالك
__________
(1) الحش بفتح الحاء الكنيف وموضع قضاء الحاجة (2) نبيب التيس صوته (3) الحزن بفتح الحاء وسكون الزاي ما غلظ من الارض(10/146)
كما قلنا وهو قول الاوزاعي والليث: وأما قولنا ان كانت صغيرة أو مجنونة حد للقذف ولا لعان في ذلك لان الصغيرة والمجنونة لا يكون منهما زنا أصلا لان الزنا معصية لله عزوجل وهاتان لا تقع منهما معصية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رفع القلم عن ثلاث " كر الصغير حتى يبلغ.
والمجنون حتى يفيق، وإذا وجب الحد حيث لا يوقن بكذبه فاسقاطه عن القاذف حين يوقن بكذبه خطأ والحد بنص القرآن واجب على كل من رمى منا بالزنا، وأما الاخرس فان الله عزوجل يقول: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وليس في وسعه الكلام فلا يجوز ان يكلف اياه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أمرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم " فصح أنه يلزم كل أحد مما أمر الله تعالى به ما استطاع والاخرس يستطيع الافهام بالاشارة فعليه أن يأتي بها، وكذلك من لا يحسن العربية يلتعن بلغته بالفاظ يعبر بها عما نص الله تعالى عليه والعجب من زيادات أبى حنيفة برأيه زيادات في غاية السخف على ما في آية اللعان وهو يرد أو امر رسول الله صلى الله عليه وسلم واعماله كالمسح على العمامة واليمين مع الشاهد وغير ذلك بانها زيادة على ما في القرآن فاى ضلال يفوق هذا، وأما قولنا انه بتمام التعانه والتعانها ينتفى عنه لحاق حملها الا أن يقربه وسواء ذكره أو لم يذكره إذا انتفى عنه قبل ذلك فلما رويناه من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر قال " ان النبي صلى الله عليه وسلم لا عن بين رجل وامرأته فانتفى عن ولده ففرق بينهما وألحق الولد بالمرأة " * ومن طريق مسلم حدثنى حرمله ابن يحيى أنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سهل بن سعد قال: ان
عويمرا العجلاجنى فذكر حديث اللعان وفيه " فكانت حاملا فكان الولد إلى أمه "، وأما قولنا: انه لم يلاعنها حتى ولدت لاعن لاسقاط الحد فقط ولا ينتفى ولدها منه فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الولد لصاحب الفراش، فصح أن كل من ولد على فراشه ولد فهو ولده الا حيث نفاه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: أو حيث يوقن بلا شك انه ليس هو ولده ولم ينفه عليه الصلاة والسلام الا وهى حامل باللعان فقط فيبقى ما عدا ذلك على لحاق النسب ولذلك قلنا ان صدقته في أن الحمل ليس منه فان تصديقها له لا يلتفت إليه لان الله تعالى يقول: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فوجب ان اقرار الابوين لا يصدق على نفى الولد فيكون كسبا على غيرهما وانما نفى الله عزوجل الولد ان كذبته الام والتعنت هي والزوج فقط فلا ينتفى في غير هذا الموضع، والعجب كله ان المخالفين لنا ههنا يقولون ان اتفقا جميعا على ان الحمل من غيره أو على أن الولد من غيره لم يصدقا ولم ينفه الا بلعان فليت شعرى من أين وقع لهم هذا إذا ألغوا تصديقهما(10/147)
فلم ينفوا نسبه الا بلعان فإذ لا معنى لتصديقهما له فلا يجوز اللعان الا حيث حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيث أمر الله تعالى به في القرآن وهو إذا رماها بالزنا فقط وبالله تعالى التوفيق، واما إذا قذفها وهى في عدتها من طلاق رجعى منه أنه يلاعنها متى رفع الامر للامام ولو أنها عند زوج آخر فلانه قذفها وهى زوجة له والله تعالى يقول: (والذين يرمون أزواجهم) فانما يراعى الرمى بنص القرآن فان كان لزوجة لاعن ابدا إذ لم يحد الله تعالى للعان وقتا لا يتعداه، وان كان الرمى في عدة من طلاق ثلاث أو وهى غير زوجة له ثم تزوجها فالحد ولابد ولا لعان في ذلك لانه لم يرم زوجة له انما رمى زوجة اجنبية فالحد بنص القرآن وأما قولنا ولا يضره امساكه اياها بعد رميه لها أو بعد اقراره بأنها زنت يقينا وعلم بذلك ولا يضره وطؤه لها فلان الله عزوجل لم يذكر ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فهو شرط فاسد وشرع
لم يأذن الله تعالى به * 1945 مسألة: فان تزوج رجلان بجهالة امرأة في طهر واحد أو ابتاع احدهما امة من الآخر فوطئها وكان الاول قد وطئها أيضا ولم يعرف أيهما الاول ولا تاريخ النكاحين أو الملكين فظهر بها حمل فأتت بولد فانه ان تداعياه جميعا فانه يقرع بينهما فيه فأيهما خرجت قرعته الحق به الولد وقضى عليه لخصمه بحصته من الدية ان كان واحدا فنصف الدية وان كان ثلاثة فلهما ثلثا الدية وان كانوا اربعة فثلاثة أو باع الدية وهكذا الحكم فما زاد سواء كان المتداعيان اجنبيين أو قريبين أو أبا وابنا أو حرا وعبدا فان كان احدهما مسلما والآخر كافرا ألحق بالمسلم ولابد بلا قرعة فان تدافعاه جميعا أو لم ينكراه ولا تداعياه فانه يدعى له بالقافة (1) فان شهد منهم واحد عالم عدل فاكثر من واحد بأنه ولد هذا ألحق به نسبه فان الحقه واحد أو اكثر باثنين فصاعدا طرح كلامهم وطلب غيرهم ولا يجوز ان يكون ولد واحد ابن رجلين ولا ابن امرأتين وكذلك ان تداعت امرأتان فاكثر ولدا فان كان في يد احداهما فهو لها (2) وان كان في أيديهن كلهن أو لم يتداعياه ولا انكرتاه أو تدافعتاه دعى له القافة كما قلنا * برهان ذلك ما رويناه من طريق الليث ابن سعد.
عن ابن شهاب.
عن عروة بن الزبير.
عن عائشة أم المؤمنين قالت: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: الم ترى ان مجززا نظر إلى زيد بن حارثة وأسامه بن زيد فقال: ان بعض هذه الاقدام لمن
__________
(1) القافة الجماعة الذين يعرفون الشبه والاثر (2) وفي النسخة رقم 14 فهو ابنها(10/148)
بعض، ومن طريق أحمد بن شعيب.
أرنا اسحاق بن ابن اهيم - وهو ابن راهويه - نا سفيان - هو ابن عيينة - عن الزهري عن عروة.
عن عائشة أم المؤمنين قالت: " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا فقال: يا عائشة ألم ترى أن مجززا (1) المدلجى دخل
على وعندي أسامة بن زيد فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة وقد غطيا رؤسهما وبدت أقدامهما فقال: هذه أقدام بعضها من بعض " * ومن طريق مسلم نا منصور بن أبى مزاحم نا ابراهيم بن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت: " دخل قائف ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد واسامة ابن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان فقال: ان هذه الاقدام بعضها من بعض فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأعجبه " * ومن طريق ابى داود نا عمرو بن عثمان الحمصى نا الوليد - هو ابن مسلم - عن الاوزاعي.
عن يحيى بن أبى كثير.
عن أبى قلابة عن أنس بن مالك فذكر حديث العرنيين وقتلهم الرعاء وأخذهم ابل النبي صلى الله عليه وسلم قال أنس فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قافة في طلبهم فاتى بهم وذكر الحديث، فصح ان القيافة علم صحيح يجب القضاء به في الانساب والآثار، روينا من طريق عبد الرزاق.
عن معمر.
عن الزهري في رجل وقع على امرأة لعبده وهى أمته قال فدعى لهما القافة: فان عروة ابن الزبير أخبرني أن عمر بن الخطاب دعى القافة في رجلين اشتركا في الوقوع على امرأة في طهر واحد وادعيا ولدها فالحقه بأحدهما، قال الزهري: أخذ عمر ابن الخطاب ومن بعده بنظر القافة في مثل هذا، ومن طريق عبد الرزاق.
عن معمر عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين قال: اختصم إلى أبى موسى الاشعري في ولد (2) ادعاه دهقان.
ورجل من العرب فدعا القافة فنظروا إليه فقالوا للعربي: أنت أحب الينا من هذا العلج ولكن ليس بابنك فخل عنه فانه ابنه * ثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا أبو أحمد الزبيري نا سفيان الثوري.
عن عبد الكريم الجزرى.
عن زياد بن ابى زياد قال انتفى ابن عباس من ولد له فدعاله (3) ابن كلدة القائف فقال له أما انه ولده فادعاه ابن عباس * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج نا يحيى بن سعيد
القطان (4) وأبو الزناد كلاهما عن سعيد بن المسيب قال: ان كان له ولد فليدع له بالقافة، وبه يقول قتادة.
وغيره.
ومالك.
والشافعي.
وجمهور أصحابنا الا ان مالكا
__________
(1) وفي النسخة رقم 16 إلى مجرز وهو تصحيف (2) في النسخة رقم 16 في رجل والاولى في ولد (3) وفي النسخة رقم 14 فدعا به (4) وفي النسخة رقم 16 الانصاري(10/149)
قال: لا يحكم بقول القافة الا في ولد أمة لا في ولد حرة وهذا خطأ لان الاثر الذى أوردنا آنفا من قول مجزز المدلجى في أسامة بن زيد رضى الله عنهما الذى هو عمدة مالك وعمدتنا في الحكم بالقافة انما جاء في ابن حرة لا في ابن أمة، ولم ير أبو حنيفة ولا أصحابه الحكم بالقافة، واحتجوا في ذلك بانه حكم بالظن وهم يشرعون الشرائع ويبطلون أحكام الله تعالى وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم بالقياس الذى يقرون بانه ظن وقد كذبوا ما حكم القافة بظن بل بعلم صحيح يتعلمه من طلبه وعنى به وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بالظن ثم مع هذا كله يحكمون بجهل ابى حنيفة إذ يلحق الولد بامرأتين يجعل كل واحدة منهما أمه التى ولدته ويورثه منهما ميراث الابن من الام ويورثهما منه ميراث الام من الولد ويحرم عليه اخواتهما جميعا فهذا هو الرعونة حقا والجهل الاعمى لا ما سر به رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وحكم به الصحابة رضى الله عنهم، ولا يخرج عن حكم القافة شئ الا موضع واحد وهو الرجلان فصاعدا يتداعيان الولد فان ههنا ان لم تكن بينة ولا عرف لايهما كان الفراش والا اقرع بينهما كما ذكرنا لما روينا من طريق عبد الله أو عن سفيان الثوري.
عن صالح بن حى.
عن عبد خير الحضرمي عن زيد بن أرقم قال: كان على باليمن فاتى بامرأة وطئها ثلاثة في طهر واحد فسأل اثنين أتقران لهذا بالولد فلم يقرا ثم سال اثنين اتقران لهذا بالولد فلم يقرا ثم سأل اثنين حتى فرغ فاقرع بينهم فالزم الولد للذى خرجت له القرعة وجعل عليه ثلثى الدية فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه *
قال أبو محمد: لا يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن ينكر ما يرى أو يسمع مالا يجوز البتة الا أن يكون سرورا به وهو عليه الصلاة والسلام لا يسر الا بالحق ولا يجوز أن يسمع باطلا فيقره وهذا خبر مستقيم السند نقلته كلهم ثقات والحجة به قائمة ولا يصح خلافه البتة فان قيل: انه خبر اضطرب في اسناده فارسله شعبة عن سلمة بن كهيل عن الشعبى عن مجهول ورواه أبو إسحاق عن رجل من حضرموت عن زيد بن ارقم قلنا: هذا العجب فكان ماذا قد وصله سفيان وليس هو دون شعبة عن صالح بن حى وهو ثقة عن عبد خير وهو ثقة عن زيد بن ارقم وان من يتعلل بهذا ثم يرد السنة برواية شيخ من بنى كنانة ان هذا لعظيم المجاهرة وقد كان ينبغى أن يردعه الحياء عن الرضى به لا سيما أبا حنيفة وأصحابه القائلين ان ادعى الولد اثنان وهو في ايديهما فهو ابنهما يرثانه ويرثهما ثم اختلفوا فافتضحوا في اخلاتفهم كما افتضحوا في اتفاقهم في ولد ادعاه ثلاثة نفر فصاعدا فقال أبو حنيفة: هو ابنهم كلهم ولو كانوا ألفا وقال محمد:(10/150)
ابن الحسن يكون ابن ثلاثة ولا يكون ابن اكثر، وقال أبو يوسف: لا يكون إلا ابن اثنين فقط لا ابن أكثر فهذا هو الفحش والسخام والضلال لا اتباع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموهوا في الحاقهم الولد باثنين برواية ساقطة عن عمر لانها مرسلة من طريق سعيد بن المسيب عن عمر ولم يحفظ سعيد عن عمر شيئا الانعى النعمان بن مقرن على المنبر مع ان فيها أنه حكم مع القافة بذلك، ومن طريق ابراهيم النخعي عن عمر ولم يدركه اصلا، ومن طريق ابن سيرين عن عمر أنه توقف فيه ورواية عن على فيها قالوس بن أبى ظبيان وهو ضعيف، وفيها أنه (1) للثاني منكما، والثابت (2) عن عمر في ذلك مارويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال: ان رجلين ادعيا ولدا فدعا عمر القافة واقتدى في ذلك ببصر القافة وألحقه بأحد الرجلين وعروة قد اعتمر مع عمر، ورواية أخرى من طريق حماد
ابن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال هشام: وسمعته يحدث أبى قال: ان رجلين وقعا بامرأة في الجاهلية فولدت غلاما فلما كان عمر ادعياه جميعا فدعا عمر رجلا من بنى كعب فقال: انظر فاستبطن واستظهر فقال والذى اكرمك بالخلافة لقد اشترك فيه جميعا فضربه عمر بالدرة حتى اضطجع وقال له عمر لقد ذهب بك النظر إلى غير مذهب ثم دعا عمر بالمرأة فسألها فقالت هذا كان يطأنى فإذا كان يطأنى حماني من الناس حتى إذا استمر بى الحمل خلابى (3) فاهرقت دما كثيرا فجاءني هذا فوطئني فلا أدرى من أيهما هو فقال الكعبي: الله أكبر شركاء فيه ورب الكعبة فقال عمر: أما انا فقد رأيت ثم قال للغلام اختر أيهما شئت قال يحيى بن عبد الرحمن: فلقد رأيت حين سفع احدهما بيد الغلام ثم ذهب به ورواية من طريق شعبة عن توبة العنبري عن الشعبى عن ابن عمر قال اشترك رجلان في طهر امرأة فولدت غلاما (4) فدعا عمر بالقافة فقالوا قد أخذ الشبه منهما جميعا فجعله عمر بينهما * قال أبو محمد: توبة العنبري ضعيف متفق على ضعفه، ثم هذا كله بخلاف قولهم لانه حكم بالقافة وقول ابن عمر جعله بينهما ليس فيه انه ألحقه بنسبهما لكن الظاهر من قوله جعله بينهما أي وقفه بينهما حتى يلوح له فيه وجه الحكم لا يجوز أن يظن بعمر غير هذا وما نعرف الحاق الولد باثنين عن أحد من المتقدمين إلا عن ابراهيم
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 للباقي ولعله غلط (2) وفي النسخة رقم 14 والثالث وهو غلط (3) وفي النسخة رقم 14 خلانى (4) وفي النسخة رقم 4 اسقاط لفظ غلام(10/151)
النخعي ولا حجة في احد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم والثابت عنه عليه الصلاة والسلام يكذب جواز كون ولد من منى أبوين، وهو الذي رويناه من طريق مسلم نا أبو بكر ابن أبى شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير كل واحد منهما يقول نا أبو معاوية - هو
الضرير - ووكيع قالا جميعا: نا الاعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود نا رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح " وذكر الحديث فصح يقينا أن ابتداء العدد من حين وقوع النطفة وبلا شك أن الدقيقة التى تقع فيها النطفة في الرحم هي غير الدقيقة التى يقع فيها منى الواطئ الثاني فلو جاز ان يجمع الماءان فيصير منهما ولد واحد لكان العدد مكذوبا فيه لانه ان عد من حين وقوعه النطفة الاولى فهو للاول وحده فلو استضاف إليه الثاني لابتدأ العدد من حين حلول المنى الثاني فكان يكون في بعض الاربعين يوما نقص وزيادة بلا شك وهم أولى بالكذب وأهله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق، والعجب انهم قالوا لم يحكم أبو حنيفة بأن الولد يكون ابن امرأتين محققا أن كل واحدة منهما ولدته لكن أوجب لكل.
واحدة منهما حق الاومة فقلنا: وهذا جور وظلم وباطل بلا شك أن يوجب لغير أم حكمه أم بلا نص قرآن ولا سنة ولا قول أحد من خلق الله تعالى قبله إلا الرأى الفاسد ونسأل الله العافية، وأما قولنا ان تداعى في الولد مسلم وكافر ألحق بالمسلم فلقول الله عزوجل: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) والثابت من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة) ورويناه أيضا على الملة حتى يكون أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه أو يشركانه، فلا يجوز أن ينقل عما ولد عليه من الفطرة التى ولد عليها إلا بيقين كون الفراش لكافر بلا اشكال وبالله تعالى التوفيق * 1946 مسألة: وإذا كانت مملوكة لها زوج عبد أو حر ولو انه قرشي فاعتقت في واجب أو تطوع أو بتمام اداء مكاتبتها أو بأى وجه عتقت فانها تخير فان اختارت فراقه فلها ذلك وان اختارت أن تقر عنده فلها ذلك وقد بطل خيارها وعليها العدة في اختيارها فراقه كعدة الطلاق وليس في شئ من وجوه الفسخ عدة اصلا الا في هذا المكان
وعدة الوفاة في موت الزوج فقط فان ارادا جميعا ان يتناكحا لم يجز إلا برضاهما وباشهاد وصداق وولى وله ذلك في عدتها وليس ذلك لغيره حتى تتم عدتها ولا يسقط خيارها إذا اعتقت طول بقائها معه ولا وطؤها لها برضاها أو بغير رضاها ولا(10/152)
عليها بأن الخيار لها فإذا أوقفت فلابد لها من أن تختار فراقه أو البقاء معه ولا تترك تتأنى في ذلك اصلا، برهان ذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تخييره بريرة إذ أعتقتها عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها * وفي سائر ما ذكرنا خلاف قال قوم انها تخير تحت العبد ولا تخير تحت الحر، وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: ان اعتقت تحت حر فلا خيار لها، وصح عن الحسن، والزهرى، وأبى قلابة.
وعطاء وصفية بنت ابى عبيد.
وعروة بن الزبير وينسب قوم ذلك إلى ابن عباس ولا نعلم هذا عنه، وهو قول ابن ابى ليلى.
والاوزاعي.
ومالك.
والليث.
والشافعي.
وابى ثور.
واحمد بن حنبل.
واسحاق بن راهويه.
وابى سليمان.
وجميع أصحابهم، وقالت طائفة كقولنا كما روينا من طريق ابى داود نا محمد بن كثير أنا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي عن الاسود بن يزيد عن عائشة أم المؤمنين قالت: " ان زوج بريرة كان حرا حين أعتقت وخيرت فقالت: ما أحب أن أكون معه وأن لى كذا وكذا " ومن طريق احمد بن شعيب نا عمرو بن على نا الثقفى - هو عبد الوهاب بن عبد المجيد - نا عبيدالله بن عمر مذ ستون سنة عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن بريرة انها قالت كانت في ثلاث سنن.
فذكرت الحديث وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة اشتريها واشترطي لهم الولاء فانما الولاء لمن اعتق فاعتقتني فكان لى الخيار * قال أبو محمد: فعمت بريرة ولم تخص تحت عبد من حر، ومن طريق سعيد ابن منصورنا هشيم أنا ابن أبى ليلى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يجعل لها الخيار على الحر، وبه يقول هشيم، ومن طريق الحجاج بن المنهال.
نا يزيد بن زريع نا خالد
الحذاء عن أبى قلابة قال قال عمر بن الخطاب: " إذا أعتقت الامة فلها الخيار ما لم يطاها زوجها " فعم عمر ولم يخص عبدا من حر، ومن طريق حماد بن سلمة.
عن حماد بن أبن سليمان.
عن ابراهيم النخعي أنه قال في الامة تعتق تحت زوج: فهى عليه بالخيار حرا كان أو عبدا ولو أنه هشام بن عبد الملك، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة.
عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه في الامة تعتق تحت زوج أنها تخير ولو كانت تحت قرشي، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عاصم عن الشعبى قال: " إذا اعتقت تحت حر فلها الخيار " * ومن طريق معمر عن أيوب السختياني عن ابن سيرين إذا اعتقت عند حر فلها الخيار * ومن طريق عبد الرزاق.
عن ابراهيم بن يزيد.
عن عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب قال: كان زوج بريرة حرا: ومن طريق عبد الرزاق.
عن أبن جريح.
عن حسين بن مسلم قال: إذا (م 20 - ج 10 المحلى)(10/153)
اعتقت عند حر فلها الخيار * قال أبو محمد: واحتج من لم يوجب لها الخيار الا تحت العبد بما روينا من طريق البخاري نا قتيبة بن سعيد نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى عن أيوب السختيانى عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان زوج بريرة أسود يقال له مغيث عبد النبي فلان كأنى أنظر إليه وذكر باقى الخبر * نا يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الوارث بن سفيان نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن نو وضاح نا يوسف بن عدى نا عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبى عروبة عن أيوب السختيانى.
وقتادة كلاهما.
عن عكرمة.
عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا حين أعتقت، ومن طريق أبى داود.
نا عثمان بن أبى شيبة نا جرير.
عن هشام بن عروبة.
عن أبيه.
عن عائشة أم المؤمنين في قصة بريرة وكان زوجها عبدا فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها ولو كان حرا لم
يخيرها * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا اسحاق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - انا المغيرة بن سلمة نا وهيب عن عبيدالله بن عمر عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت: " كان زوج بريرة عبدا " * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا اسحاق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - نا حماد بن مسعدة نا ابن موهب عن القاسم بن محمد قال كان لعائشة أم المؤمنين غلام وجارية قالت فاردت أن أعتقهما فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابتدى بالغلام قبل الجارية * ومن طريق احمد بن شعيب انا احمد بن عبد الواحد نا مروان نا الليث نا عبيدالله بن ابى جعفر عن الحسن بن عمرو بن أمية الضمرى أنه حدثه أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثوه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت فهى بالخيار ما لم يطأها زوجها " * وقالوا من طريق النظر كل عقد نكاح صحيح فلا يجوز فسخه إلا بيقين، وقال أصحاب القياس منهم انما جعل لها الخيار لفضل الحرية على الرق فإذا ساواها فلا خيار لها هذا كل ما احتجوا به * قال أبو محمد: وكل هذا لا حجة لهم فيه أما الآثار بأنه كان عبدا فقد اختلف في ذلك عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها كما أوردنا وانما روى هذا الخبر عنها ثلاثة الاسود.
وعروبة.
والقاسم فأما الاسود فلم يختلف عنه عن أم المؤمنين أنه كان حرا، وأما عروة فروى عنه كما أوردنا انه كان عبدا وقد روى عنه ايضا خلاف ذلك * نا احمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدى قاسم بن اصبغ نا احمد بن يزيد المعلم نا موسى بن معاوية نا جرير عن هشام بن عروبة عن ابيه عن عائشة أم المؤمنين،(10/154)
قالت: كان زوج بريرة حرا فتعارضت الرواية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين، وأما القاسم بن محمد فروينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن اسماعيل بن علية نا يحيى بن أبى بكير أنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن
أبيه عن عائشة فذكرت ان زوج بريرة كان عبدا ثم قال عبد الرحمن بعد ذلك ما أدرى (1) فاضطربت الرواية عن أم المؤمنين وبقيت رواية ابن عباس أنه كان عبدا حين اعتقت وقد عارضتها الرواية عن أم المؤمنين أنه كان حرا حين اعتقت فتركنا الكلام في ذلك حتى تتكلم في حديث عبيدالله بن أبى جعفر.
وحديث ابن موهب عن القاسم بن محمد ان شاء الله عزوجل * قال أبو محمد: أما الخبر الذى فيه أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت فهى بالخيار ما لم يطأها زوجها فانما هو من طريق حسن بن عمرو بن أمية وهو مجهول لا يعرف فسقط التعلق به، ثم لو صح لما كان فيه حجة ان لا تخير تحت حر انما فيه حكم عتقها تحت العبد فقط وسكت فيه عن عتقها تحت الحر فان صح في خبر آخر ما يوجب عتقها (2) تحت الحر وجب المصير إليه، وأما حديث ابن موهب عن القاسم بن محمد عن عائشة انه كان لها عبد جارية فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تبدأ في العتق بالغلام قبل الجارية فانه خبر لا يصح، ورينا عن العقيلى انه قال وقد ذكر هذا الخبر فقال: هذا خبر لا يعرف إلا لعبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب وهو ضعيف فسقط التعلق به * قال أبو محمد: ثم لو صح لما كان فيه حجة لانه ليس فيه انهما كانا زوجين فاقحام القول بالدعوى كذب، ثم لو صح انهما كانا زوجين فليس فيه أنه عليه الصلاة والسلام أمر بذلك ليسقط خيار الزوجة واقحام هذا في ذلك الخبر كذبة بائنة وهذا عظيم لا يستجزيه من يهاب الكذب لا سيما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه يوجب النار، وقد يمكن لو صح الخبر أن يكون أمرها أن تبدأ بعتق العبد لقول الله عزوجل: (وللرجال عليهن درجة) ولقوله تعالى حاكيا عن أم مريم: (وليس الذكر كالانثى) وللخبر الذى رويناه من طريق ابى داود عن حفص بن عمر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن ابى الجعد عن شرحبيل بن السمط انه قال لكعب
ابن مرة أو مرة بن كعب حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 ما أدرى ما أدرى بالتكرار (2) وفي النسخة رقم 16 وتخييرها والصواب عتقها لان السياق يقتضيه(10/155)
كلاما وفيه " أيما امرئ اعتق مسلما وأيما امرأة اعتقت امرأة وأيما رجل اعتق امرأتين مسلمتين الا كانت فكاكة من النار يجزى بكل عظم (1) منها عظما من عظامه " فالاجر في عتق الذكر مضاعف فسقط هذا الخبر جملة ونحن نوقن بلا شك انه عليه الصلاة والسلام لا يتحيل في اسقاط حق أوجبه ربه تعالى للمعتقة فبطل تعلقهم به بيقين لا اشكال فيه، واما قولهم لا يحل فسخ عقد نكاح صحيح الا بيقين فصدقوا ولولا اليقين ما قلنا به، واما قول اصحاب القياس انما جعل لها الخيار تحت العبد لفضل الحرية على الرق فهذه دعوى كاذبة لا يجدونها ابدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعوذ بالله من الاقدام على ان ننسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى الله تعالى انه انما فعل امر كذا من اجل امر كذا مما لم يخبر الله تعالى به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم الا ان هذا لهو الكذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بلا شك (2) ونسأل الله العافية * قال أبو محمد: فلم يبق الا تعارض الرواية عن ابن عباس كان زوج بريرة عبدا إذا أعتقت للرواية عن أم المؤمنين " كان زوج بريرة حرا إذ اعتقت " وكلا الروايتين صحيحة لا سيما رواية الاسود عن عائشة أم المؤمنين وتعارض الرواية عن عروة في ذلك وكل ذلك معارض لرواية القاسم فوجدنا كل ذلك متفقا لا تكاذب فيه وما دام يمكن تأليف روايات الثقات فلا يحل أن ينسب الكذب إلى بعضهم أو الوهم، فاعلموا أن من قال كان عبدا ومن قال كان حرا يصح على انه كان عبدا قبل ثم أعتق فصار حرا الا انه لا يخرج هذا في الرواية عن ابن عباس انه كان عبدا حين اعتقت لكنه يخرج على أنه كان يدريه عبدا أو لم يعلم بحريته، وروت
عائشة رضى الله عنها ما كان في علمها من الزيادة أنه كان حرا حين أعتقت وليس في رواية عثمان بن أبى شيبة ولو كان حرا ما خيرها انه من كلام أم المؤمنين وقد يمكن ان يكون من قول من دونها فإذ ذلك كذلك فلا يجوز ان ينسب إليها قول بظن ولا يختلف مالكى ولا شافعي.
ولا حنبلي.
ولا ظاهري في أن عدلين لو شهدا بان هذا نعرفه عبدا مملوكا وشهد عدلان آخران اننا ندريه حرا فان الحكم يجب بقول من شهد بالحرية لانه شهد بفضل علم كان عنده ثم ندع هذا كله فنقول: هبكم أنه لم يرو أحد أنه كان حرا بل لم يختلف (3) الرواه في أنه كان عبدا حين أعتقت هل جاء قط في شئ من الاخبار الثابتة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انما خيرتها لانها تحت عبد ولو كان زوجها حرا ما خيرتها هذا أمر لا يجدونه ابدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) في النسخة رقم 14 عظمين (2) وفي النسخة رقم 14 اسقاطه (3) وفي النسخة رقم 14 لم تختلف الرواية(10/156)
لا في رواية صحيحة ولا سقيمة فإذ لا سبيل إلى وجود هذا أبدا فقد صح أنه عليه الصلاة والسلام لما أعتقت بريرة خيرها في البقاء مع زوجها أو فراقه فهذا لا شك فيه فلا يجوز تعديه ولا زيادة حكم فيه، ولا فرق بين من ادعى أنه عليه الصلاة والسلام انما خيرها لانه كان عبدا وبين آخر ادعى أنه لم يخيرها الا لانه كان اسود وبين ثالث ادعى أن تخييرها انما كان لان اسمه مغيث، وكل هذه ظنون كاذبة لا يحل القول بها ولا الحكم بها وانما الحق أن المعتقة خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين فراق زوجها والبقاء معه ولا مزيد فواجب ان تخير كل معتقة ولا مزيد وبالله تعالى التوفيق، ومما اختلف فيه هل ينقطع خيارها بوطئ زوجها لها أم لا؟ فروينا من طريق حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن أبى قلابة أن عمر بن الخطاب قال في أمر بريرة ان غشيها زوجها فلا خيار لها وهذا منقطع، ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن سليمان بن يسار قال: أعتقت حفصة أم المؤمنين جارية يقال لها زبراء ثم قالت لها اعلمي أنه ان
وطئك فلا خيار لك، وبه كان يقول سليمان بن يسار، وصح عن قتادة والزهرى ونافع مولى ابن عمر، وذهب آخرون إلى أنها ان وطئها وهى لا تعلم أن لها الخيار لم يسقط بذلك خيارها وان علمت فقد سقط خيارها، روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبى قلابة أن عمر بن الخطاب قال إذا جامعها بعد أن تعلم أن لها الخيار فلا خيار لها وهذا منقطع * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرت عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن ابن عمر قال ان أصابها وقد عرفت فليس لها خيار وان أصابها ولم تعرف فان لها الخيار إذا علمت وان اصابها ألف مرة حتى يشهد العدول أنها قد علمت أن لها الخيار وهذا منقطع، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج اخبرت عن ابن مسعود أنه قال: ان أعتقت عند عبد ولم تعلم أن لها الخيار أو لم تخير حتى عتق زوجها أو يموت أو تموت توارثا، وهذا شديد الانقطاع وبه يقول سعيد بن المسيب، وقول آخر وآخر في درجة، روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال إذا أعتقت وزوجها معها في مجلس وهى تعلم حتى تقوم فلا خيار لها فان ادعت أنها لم تعلم استحلفت ثم خيرت قال سفيان وبه يقول ناس ان لها الخيار ابدا حتى يقفها الامام فيخيرها بلغني هذا عنه * قال أبو محمد: فهذا سفيان الثوري يذكر مثل قولنا عمن معه أو من قبله وقد قال ابن مسعود كما أوردنا أنها قد تبقى معه ولا تختار حتى يموت أو تموت، وقال أبو حنيفة وأصحابه لها الخيار ما لم تعلم فإذا علمت فلا خيار لها الا ما دامت في المجلس(10/157)
فوجدناهم يحتجون بالخبر الذى ذكرناه قبل من طريق الحسن بن عمرو بن أمية وقد بينا سقوطه، وذكروا أيضا أثرا آخر من طريق أبى داود نا عبد العزيز بن يحيى - هو أبو الأصبغ الحرانى - حدثنى محمد - يعنى ابن سلمة - عن محمد بن اسحاق عن ابى جعفر وابان بن صالح وهشام بن عروة قال أبو جعفر: ان بريرة وقال ابان عن مجاهد
أن بريرة وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن بريرة عتقت ثم اتفقوا كلهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرها وقال لها ان قربك فلا خيار لك * قال أبو محمد: أبو الأصبغ الحرانى ضعيف منكر الحديث، قال أبو محمد: وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل لها الخيار فلا يجوز أن يسقطه وطؤه ولا طول مقامه (1) معها إذ لم يصح بذلك نص ولا يبطل حكمه عليه الصلاة والسلام بالآراء ولا حجة في أحد دونه عليه الصلاة والسلام وبالله تعالى التوفيق، قال قوم: لا تخير المكاتبة إذ اعتقت صح عن ابراهيم النخعي ان أعانها زوجها في كتابتها فلا خيار لها، وصح عن الحسن لا خيار للمكاتبة إذا أعتقت وهو قول عطاء وأبى قلابة.
والزهرى، وصح عن ابن سيرين.
والشعبى.
ورويناه عن جابر بن زيد أن لها الخيار، وبه يقول أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وأبو سليمان وأصحابهم وبه نقول: وقال سفيان الثوري ان تزوجها بعد الكتابة فلا خيار لها وان تزوجها قبل الكتابة أو كانت معه فلها الخيار * قال أبو محمد: خير رسول الله صلى الله عليه وسلم المعتقة ولم يخص مكاتبة من غيرها فلا يجوز أن يخص معتقة من معتقة * ومما اختلفوا فيه هل اختيارها فراق زوجها فسخ أو طلاق؟ فصح عن قتادة انها واحدة بائنة، ورويناه عن عمر بن عبد العزيز وهو قول أبى حنيفة، ومالك وأصحابهما، عن عطاء انها طلقة واحدة، وصح انه فسخ لا طلاق عن حماد بن أبى سليمان، وابراهيم النخعي، ورويناه عن طاوس وهو قول الشافعي: واحمد بن حنبل، واسحاق بن راهويه.
وابى سليمان.
واصحابهم * قال أبو محمد: التسمية في الشريعة ليست إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قط فراق المعتقة لزوجها طلاقا ولا جعل له من أحكام الطلاق غير العدة وحدها فلا يحل تسميته طلاقا، قال تعالى: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الانفس، وقد جاءهم من ربهم
الهدى) فصح انه ليس طلاقا، لكنه فراق أو فسخ أو نقض نكاح وكل اسم يعبر به عن بطلان عصمة النكاح فقط وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 مقامها معه(10/158)
ومما اختلفوا فيه ان تخيرت قبل الدخول فراقه ماذا لها من الصادق؟ فقال قوم لا صداق لها صح ذلك عن الزهري وصح عن قتادة لها نصف الصداق وقال أصحابنا: لها الصداق كله * قال أبو محمد: إذ قد بينا انه ليس طلاقا فقد بطل قول من قال لها نصف الصداق لان الله عزوجل لم يجعل لها نصف الصداق إلا في الطلاق قبل المس فقط ووجدناه عز وجل قال: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فصح ان الصداق لها فلا يسقطه شئ ولا شيئا منه إلا حيث أسقط الله (1) عزوجل النصف في الطلاق قبل المس وما عدا ذلك فظلم لا شك فيه، فان قيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " هو لها بما استحللت من فرجها " قلنا: نعم وعقد نكاحها استحلال لفرجها، ولم يقل عليه الصلاة والسلام انه لها بوطئك لها فوجب أن لها جميع الصداق وكذلك في كل منفسخة النكاح قبل الدخول بلعان أو بأن تصير حريمته برضاع أو بأن يطأها أبوه أو جده أو ابنه بجهالة أو بزنا أو بأن تسلم هي وهو كافر أو بأن يسلم هو وهى غير كتابية أو بأن ترتد هي أو هو أو كلاهما، أو بأن تموت هي أو هو وقد اختلف في اسلامها دونه أبطل قوم صداقها بذلك وهذا عون للشيطان وصد عن الاسلام وهل صداقها الا كدين لها قبله من سائر ديونها ولا فرق * قال أبو محمد: ولا متعة لها في شئ من ذلك لان الله تعالى لم يجعل المتعة إلا في الطلاق فقط (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * 1947 مسألة: ومن كانت تحته امة فملكها أو بعضها قل الجزء الذى ملك منها أو كثر بأى وجه ملك ذلك من ميراث أو ابتياع أو هبة أو اجارة أو غير ذلك فقد انفسخ
نكاحه منها أثر الملك بلا فصل وسواء أخرجها عن ملكه أثر ذلك بعتق أو غير ذلك أو لم يخرجها، وكذلك من كانت متزوجة بعبد فملكته أو بعضه بأى وجه ملكت ذلك من وجوه الملك فقد انفسخ نكاحها منه بلا فصل، وسواء اخرجته عن ملكها اثر ذلك بعتق أو غير ذلك أو لم تخرجه فلو ملك الامة ابن زوجها أو أبو زوجها أو أم زوجها أو عبد زوجها أو ملك العبد أبو امرأته أو ابنها أو أمها أو عبدها أو ابوها (2) لم ينفسخ النكاح بشئ من ذلك، وكذلك لو ابتدأ الرجل نكاح أمة أبيه التى لم تحل لابيه قط، أو امة ابنه التى لم تحل لابنه قط أو امة امه أو أمة ابنته أو امة امته أو امة عبده أو ابتدأت امرأة نكاح عبد ابيها أو عبد ابنها أو عبد امها أو عبد ابنتها أو عبد عبدها أو عبد امتها لكان كل ذلك حلالا جائزا، برهان ذلك قول الله عزوجل: (والذين هم لفروجهم
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 (اسقطه الله) وعلى كل العبارة فيها اضطراب فلينظر (2) وفي النسخة رقم 14 أو أمتها(10/159)
حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) فلم يبح الله تعالى الا زوجة أو ملك يمين وفرق بينهما، وكل اسمين فرق الله عزوجل بينهما فلا يجوز أن يقال هما شئ واحد إلا بنص يوجب ذلك أو ضرورة توجبه ولا نص هنا ولا ضرورة توجب وقوع اسم الزوجة واسم ملك اليمين على امرأة واحدة لرجل واحد وبهذا الاستدلال حرم على الرجل أن يتزوج امته دون أن يعتقها أو يخرجها عن ملكه وحرم على المرأة أن تتزوج عبدها دون ان تعتقه أو تخرجه عن ملكها وكذلك محال ان يكون بعضها زوجه له وبعضها ملك يمين له لما ذكرنا من الآية فإذ قد صح ما ذكرنا فقد وجب ان الملك ينافى الزوجية فلا يجوز أن يجتمعا فوجب من هذا انه إذا ملكها أو بعضها فهى ملك يمين له أو بعضها فلا يكون زوجها لها ولا يكون بعضها زوجة له فصح انفساخ النكاح بلا شك وكذلك قوله تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) إلى قوله
(أو ما ملكت أيمانهن) ففرق عزوجل بين الزوج وبين ملك يمين المرأة فوجب أن لا يكون ملك يمينها زوجها أصلا وبالله تعالى التوفيق * وروينا من طريق سعيد بن منصور نا اسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن عبيد الكلاعى عن مكحول في امرأة ورثت زوجها وهو عبد عن بعض ولدها قال: لا تحل له وقال على بن ابى طالب يؤمر بطلاقها وقد صح عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة وابراهيم النخعي ان اعتقته بعد ان ملكته فهما على نكاحهما * قال أبو محمد: وهذا خطأ لانه لو كان ذلك لكان النكاح.
صحيحا ولو طرفة عين ولو صح طرفة عين لصح بعد ذلك وامة الابن ليست أمة لابيه ولا لابنه لان الله تعالى قال: (والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين) فلو كانت أمة الولد لابيه لكانت حراما على الولد (1) وهكذا نقول في أمة العبد وعبد (2) الامة لا يكون شئ من ذلك ملكا للسيد الا أن ينتزع ذلك من ملك العبد فيصير ملكا له حينئذ، فان احتج محتج بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انت ومالك لابيك " قلنا: هذا منسوخ بالمواريث وبالآية التى ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * 1948 مسألة: ولا عدة في شئ من وجوه الفسخ الذى ذكرنا الا في الوفاة وفي المعتقة التى تختار فراق زوجها لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما بالعدة ولم يأمر غيرهما بعدة ولا يجوز امرها بذلك لانه شرع لم يأذن به الله تعالى ولا يجوز قياس الفسخ
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 اسقاطها والصواب اثباتها (2) وفي النسخة رقم 14 وامة الامة(10/160)
على الطلاق لانهما مختلفان لان الطلاق لا يكون إلا بلفظ المطلق واختياره والفسخ يقع بغير لفظ الزوج أحب أم كره فكيف والقياس كله باطل * وروينا من طريق البخاري نا ابراهيم ابن موسى نا هشام بن يوسف عن ابن جريج قال: قال عطاء عن ابن عباس كانوا إذا هاجرت امرأة من دار الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح،
فهذا ابن عباس يحكى أن هذا فعل الصحابة جملة فلا يجوز خلافه وبذلك جاء النص قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بايمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن) إلى قوله (ولا جناج عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن) فلم يوجب عزوجل عليهن عدة في انفساخ نكاحهن من ازواجهن الكفار باسلامهن وبالله تعالى التوفيق * (كمل كتاب النكاح والحمد لله رب العالمين) بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب الطلاق 1949 مسألة: من الطلاق من اراد طلاق امرأة له قد وطئها لم يحل له أن يطلقها في حيضتها ولا في طهر وطئها فيه فان طلقها طلقة أو طلقتين في طهر وطئها فيه أو في حيضتها لم ينفذ ذلك الطلاق وهى امرأته كما كانت الا أن يطلقها كذلك ثالثة أو ثلاثة مجموعة فيلزم فان طلقها في طهر لم يطأها فيه فهو طلاق سنة لازم كيفما اوقعه ان شاء طلقة واحدة وان شاء طلقتين مجموعتين وان شاء ثلاثا مجموعة، فان كانت حاملا منه أو من غيره فله أن يطلقها حاملا وهو لازم ولو أثر وطئه اياها (1) فان كان لم يطأها قط فله ان يطلقها في حال طهرها وفي حال حيضتها ان شاء واحدة وان شاء اثنتين وان شاء ثلاثا فان كانت لم تحض قط أو قد انقطع حيضها طلقها ايضا كما قلنا في الحامل متى شاء، وفيما ذكرنا اختلاف في ثلاثة مواضع، احدها هل ينفذ الطلاق الذى هو بدعة مخالف لامر الله عزوجل أم لا ينفذ، والثانى هل طلاق الثلاث بدعة ام لا؟ والثالث صفة طلاق السنة * برهان ما قلنا قول الله عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها) فأباح عزوجل طلاق التى لم تمس بالوطئ ولم يحد في طلاقها وقتا ولا عددا فوجب من ذلك أن هذا حكمها.
وان دخل بها وطال مكثها معه ولا أشفرها (2) فحملت من ذلك لانه لم يمسها ولا تكون بذلك محصنة لان الله تعالى لم يستثن
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 اسقاط لفظ اياها (2) في نسخة ولو أشفرها أي جامعها بين شفريها (م 21 - ج 10 المحلى)(10/161)
شيئا من ذلك (وما كان ربك نسيا) والمفرق بين هذه الاحكام متناقض شارع من الدين ما لم يأذن به الله عزوجل، فان قيل فمن اين حكمتم بذلك في الكتابيات إذا طلقهن المؤمنون وأنتم تبطلون القياس؟ قلنا لقول الله تعالى: (وان احكم بينهم بما أنزل الله) وبقوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وأخص من هذا كله بجواب هذا السؤال قوله تعالى: (لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تقرضوا لهن فريضة) الآية فعم عزوجل جميع النساء ولم يخص مؤمنة من كافرة، فهذا قوله عزوجل في غير الموطوءة واما في الموطوءة فقول الله عزوجل: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا ان يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك امرا) والعدة لا تكون من الطلاق إلا في موطوءة فعلمنا الله عزوجل كيف يكون طلاق الموطوءة واخبرنا ان تلك حدود الله وان من تعداها ظالم لنفسه فصح ان من ظلم وتعدى حدود الله عزوجل ففعله باطل مردود لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " فصح أن الطلاق المذكور لا يكون إلا للعدة كما امر الله عزوجل فنظرنا بيان مراد الله عزوجل بقوله: (فطلقوهن لعدتهن) فوجدنا ما رويناه من طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا ابى نا عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: " طلقت امرأتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مره فليراجعها ثم ليدعها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى فإذا طهرت فليطلقها قبل أن يجامعها أو يمسكها فانها العدة التى امر الله ان تطلق لها النساء " فكان هذا بيانا
لا يحل خلافه وقد روى هذا الخبر بنقصان عما أوردناه، منها ما رويناه من طريق شعبة عن قتادة قال سمعت يونس بن جبير قال سمعت ابن عمر يقول طلقت امرأتي وهى حائض فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مره فليراجعها فإذا طهرت فان شاء طلقها " * قال أبو محمد: وروينا الاخذ بهذا عن عطاء قال على وزيادة العدل لا يحل ترك الاخذ بها وهو خبر واحد عن قصة واحدة في مقام واحد، واما طلاق الحامل فكما روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن ابى شيبة نا وكيع عن سفيان الثوري عن محمد بن عبد الرحمن مولى لطلحة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر انه طلق امرأته وهى حائض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو(10/162)
حاملا.
وأما التى لم تحض أوقد انقطع حيضها فان الله عزوجل اجمل لنا اباحة الطلاق وبين لنا طلاق الحامل وطلاق التى تحيض ولم يحد لنا تعالى في التى لم تحض ولا في التى انقطع حيضها حدا فوجب انه تعالى اباح طلاقها متى شاء الزوج إذ لو كان له عزوجل في وقت طلاقها شرع لبينه علينا، ثم اختلف الناس في الطلاق في الحيض ان طلق الرجل كذلك أو في طهر وطئها فيه هل يلزم ذلك الطلاق ام لا؟ * قال أبو محمد: ادعى بعض القائلين بهذا أنه اجماع قال أبو محمد: وقد كذب مدعى ذلك لان الخلاف في ذلك موجود وحتى لو لم يبلغنا لكان القاطع على جميع أهل الاسلام بما لا يقين عنده به ولا بلغه عن جميعهم كاذبا على جميعهم، روينا من طريق عبد الرزاق عن وهب بن نافع أن عكرمة أخبره أنه سمع ابن عباس يقول: الطلاق على أربعة أوجه وجهان حلال ووجهان حرام فأما الحلال فأن يطلقها من غير جماع أو حاملا مستبينا حملها، وأما الحرام فأن يطلقها حائضا أو حين يجامعها لا يدرى أيشتمل الرحم على الولد أم لا؟ *
قال أبو محمد: ومن المحال أن يخبر ابن عباس عما هو جائز بأنه (1) حرام * ومن طريق ابن وهب أخبرني جرير بن حازم.
عن الاعمش أن ابن مسعود قال: من طلق كما أمر الله تعالى فقد بين الله تعالى له ومن خالف فانا لا نطيق خلافه: نا يونس بن عبيدالله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى نا عبيدالله ابن عمر عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهى حائض قال ابن عمر لا يعتد لذلك، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الله بن طاوس عن أبيه أنه كان لا يرى طلاقا ما خالف وجه الطلاق ووجه العدة وكان يقول وجه الطلاق أن يطلقها طاهرا عن غير جماع وإذا استبان حملها * نا محمد بن سعيد بن نبات نا عباس بن أصبغ نا محمد بن قاسم نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا حمام بن يحيى عن قتادة عن خلاس بن عمرو أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهى حائض قال لا يعتد بها * قال أبو محمد: والعجب من جرأة من ادعى الاجماع على خلاف هذا وهو لا يجد فيما يوافق قوله في امضاء الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه كلمة عن احد من الصحابة رضى الله عنهم غير رواية عن ابن عمر قد عارضها ما هو أحسن منها عن ابن عمر وروايتين ساقطتين عن عثمان.
وزيد بن ثابت، احداهما.
ويناها من
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 أن يجيزا ابن عباس ما يخبر بانه حرام، والمعنى فيهما واحد(10/163)
طريق ابن وهب عن ابن سمعان عن رجل أخبره أن عثمان بن عفان كان يقضى في المرأة التي يطلقها زوجها وهى حائض أنهلا تعتد بحيضتها تلك وتعتد بعدها ثلاثة قروء، والاخرى من طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن قيس بن سعد مولى ابن علقمة عن رجل سماه عن زيد بن ثابت أنه قال فيمن طلق امرأته وهى حائض:
يلزمه الطلاق وتعتد بثلاث حيض سوى تلك الحيضة * قال أبو محمد: بل نحن اسعد بدعوى الاجماع ههنا لو استجزنا ما يستجيزون ونعوذ بالله من ذلك، وذلك انه لا خلاف بين أحد من أهل العلم قاطبة وفي جملتهم جميع المخالفين لنا في ذلك في أن الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه بدعة نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفة لامره عليه الصلاة والسلام فإذ لاشك في هذا عندهم فكيف يستجيزون الحكم بتجويز البدعة التى يقرون أنها بدعة وظلالة أليس بحكم المشاهدة مجيز البدعة مخالفا لاجماع القائلين بأنها بدعة؟ * قال أبو محمد: واحتجوا من الآثار بما رويناه من طريق ابن وهب نا ابن أبى ذئب أن نافعا أخبرهم عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهى حائض فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم ان شاء أمسك بعد ذلك وان شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التى أمر الله تعالى ان تطلق لها النساء وهى واحدة * ومن طريق مسلم حدثنى اسحق بن راهويه أنا يزيد بن عبد ربه نا محمد بن حرب حدثنى الزبيري عن الزهري عن سالم عن أبيه فذكر طلاقه لامرأته وهى حائض وقال في آخره فراجعتها وحسبت لها التطليقة التى طلقتها، وبما في بعض تلك الآثار من قول ابن عمر.
ما يمنعى أن أعتد بها وفي بعضها فمه أرأيت ان عجز واستحمق، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال أرسلنا إلى نافع وهو يترجل (1) في دار الندوة ذاهبا إلى المدينة ونحن مع عطاء هل حسبت تطليقة عبد الله بن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم.
وذكر بعضهم رواية من طريق عبد الباقي بن قانع.
عن أبى يحيى الساجى نا اسماعيل بن أمية الذراع.
نا حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب.
عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من طلق في بدعة الزمناه بدعته " * قال أبو محمد: كل هذا لا حجة لهم فيه.
أما حديث أنس المذكور فموضوع بلا
شك لم يروه أحد من أصحاب حماد بن زيد الثقات انما هو من طريق اسماعيل بن أمية
__________
(1) يسرح شعره(10/164)
الذراع فان كان القرشى الصغير البصري وهو بلا شك فهو ضعيف متروك.
وان كان غيره فهو مجهول لا يعرف من هو، ومن طريق عبد الباقي بن قانع راوي كل كذبة المنفرد بكل طامة وليس بحجة لانه تغير بآخرة ثم لو صح ولم يصح قط لكان لا حجة فيه لانه كان معنى قوله ألزمناه بدعته أي أثمها كما قال عزوجل: (وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه) وليس فيه أنه يحكم عليه بامضاء حكم بدعته وتجويزها في الدين وهذا هو الظاهر كما يقولون هم فيمن باع بيعا لا يحل أو نكح نكاحا ببدعة وفي سائر الاحكام ولا فرق، وأما خبر نافع فموقوف عليه ليس فيه أنه سمعه من ابن عمر فبطل الاحتجاج به، واما ما روى عن ابن عمر فمه أرأيت ان عجز واستحمق فلا بيان في هذا اللفظ بان تلك الطلقة عدت له طلقة والشرائع لا تؤخذ بلفظ لا بيان فيه بل قد يحتمل أن يكون اراد الزجر عن السؤال عن هذا والاخبار بانه عجز واستحمق في ذلك والاظهر فيما هذه صفته أن لا يعتد به وأنه سقطة (1) من فعل فاعله لانه ليس في دين الله تعالى حكم نافذ يستحمق الحاكم به ويعجز بل كل حكم في الدين فالمنفذ له مستغفل كيس والحمد لله رب العالمين، وأما ما روى من قوله ما يمنعنى أن أعتد بها وقوله وحسبت لها التطليقة التى طلقتها فلم يقل فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبها تطليقة ولا انه عليه الصلاة والسلام هو الذى قال له اعتد بها طلقة انما هو اخبار عن نفسه، ولا حجة في فعله ولا فعل أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما حديث ابن أبى ذئب الذى في آخره وهى واحدة فهذه لفظة أتى بها ابن أبى ذئب وحده ولا نقطع على أنها من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممكن أن تكون من قول من دونه عليه الصلاة والسلام والشرائع لا تؤخذ بالظنون، ثم لو صح يقينا
أنها من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان معناه وهى واحدة أخطأ فيها ابن عمر أو وهى قضية واحدة لازمة لكل مطلق، والظاهر أنه من قول من دون النبي صلى الله عليه وسلم مخبرا بان ابن عمر كان طلقها طلقة واحدة وقد ذكرنا قبل الرواية الصحيحة من طريق عبيدالله بن عمر.
عن نافع.
عن ابن عمر فيمن طلق امرأته حائضا انه لا يعتد بذلك ويكفى من هذا كله المسند البين الثابت الذى رويناه من طريق أبى داود السجستاني قال نا أحمد بن صالح نا عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر قال أبو الزبير وأنا أسمع كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا فقال ابن عمر: طلق عمر امرأته وهى حائض على عهد
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 ساقط(10/165)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ان ابن عمر طلق امرأته وهى حائض قال عبد الله: فردها على ولم يرها شيئا؟ وقال: إذا طهرت فليطلق إذا شاء أو ليمسك وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن) * قال أبو محمد: وهذا مما قرئ ثم رفعت لفظة في قبل وأنرل الله تعالى (لعدتهن) وهكذا رويناه من طريق الدبرى.
عن عبد الرزاق.
عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع ابن عمر وسأله عبد الرحمن بن أيمن فذكره نصا وهذا اسناد في غاية الصحة لا يحتمل التوجيهات والحمد لله رب العالمين، وقال بعضهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمراجعتها دليل على انها طلقة يعتد بها فقلنا.
ليس ذلك دليلا على ما زعمتم لان ابن عمر بلا شك إذ طلقها حائضا فقد اجتنبها فانما امره عليه الصلاة والسلام برفض فراقه لها وأن يراجعها كما كانت قبل بلا شك، وقال بعضهم: الورع الزامه تلك الطلقة إذ قد يطلقها بعد ذلك طلقتين فتبقى عنده ولعلها مطلقة ثلاثا فقلنا: بل هذا ضد الورع إذ
تبيحون فرجها لاجنبي بلا بيان، وانما الورع أن لا تحرم على المسلم امرأته التى نحن على يقين من أن الله عزوجل أباحها له وحرمها على من سواه الا بيقين، وأما بالظنون والمحتملات فلا وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: والعجب كله أنهم ان وجدوا في الطلاق في الحيض ما يشغبون به مما ذكرنا فأى شئ وجدوا في طلاقه اياها في طهر وطئها فيه.
فان قالوا: قسناه على الطلاق في الحيض قلنا: هذا باطل من القياس ولو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل لانه قياس الشئ على ضده طهر على حيض فكيف والقياس كله باطل.
فان قالوا انكم تلزمونه الطلاق في الحيض وفي طهر مسها فيه إذا كان طلاقا ثالثا أو ثلاثا مجموعة وفي غير المدخول بها بكل حال قلنا: نعم لان قول الله عزوجل (فطلقوهن لعدتهن) لا اشكال في انه تعالى انما أمر بذلك في المدخول بها فيما كان من الطلاق دون الثلاث، وفي هذين الوجهين أفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر ولم يامر قط عزوجل بذلك في غير مدخول بها ولا فيمن طلق ثالثة أو ثلاثة مجموعة وليس في غير المدخول بها عدة طلاق فيلزم أن يطلق لها كما بينا بنص القرآن وقوله تعالى: (لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك امرا فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وليس هذا في طلاق الثلاث * ومن طريق عبد الرزاق.
نا معمر.
عن أيوب السختيانى.
عن نافع.
عن ابن عمر " انه طلق امرأته واحدة وهى حائض " وذكر الحديث *(10/166)
ومن طريق مسلم نا محمد بن رمح نا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر " أنه طلق أمراته وهى حائض تطليقة واحدة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده حيضه أخرى ثم يمهلها حتى تطهر من حيضتها فان أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء، قال ابن عمر: أانت طلقت امراتك مرة أو مرتين.
فان رسول الله
صلى الله عليه وسلم أمرك بذلك وان كنت طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك وعصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك * قال أبو محمد: قد يمكن أن ابن عمر أراد بالمعصية من طلقها كذلك دون الثلاث، وأما الاختلاف في طلاق الثلاث مجموعة أهو بدعة ام لا؟ فزعم قوم أنها بدعة ثم اختلفوا فقالت طائفة منهم لا يقع البتة لان البدعة مردودة، وقالت طائفة منهم: بل يرد إلى حكم الواحد المأمور بان يكون حكم الطلاق كذلك، وقالت طائفة: بل تقع كما هو ويؤدب المطلق كذلك، وقالت طائفة: ليست بدعة ولكنها سنة لا كراهة فيها واحتج من قال انها تبطل بقول الله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) الآيات وبقوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن) إلى قوله تعالى (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) وبقوله تعالى (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) قالوا: فلا يكون طلاقا الا ما كان بهذه الصفة، قالوا ومعنى قول الله تعالى (الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) أي مرة بعد مرة كما تقول سير به فرسخان، وذكروا ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب انا سليمان بن داود أنا ابن وهب أنا مخرمة - هو ابن بكير بن الاشج - عن أبيه قال سمعت محمود بن لبيد قال: " أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ثم قال: أيلعب بكتاب الله وانا بين أظهركم فقال رجل فقال يا رسول الله ألا أقتله " قال أحمد بن شعيب: لا أعلم أحدا رواه غير مخرمة * قال أبو محمد: أما قولهم البدعة مردودة فصدقوا ولو كانت بدعة لوجب أن ترد وتبطل، وأما الآيات فانما نزلت فيمن طلق واحدة أو اثنتين فقط تم نسألهم عمن طلق مرة ثم راجع ثم مرة ثم راجع ثانية ثم ثالثة اببدعة أتى فمن قولهم لا بل بسنة فنسألهم أتحكمون له بما في الآيات المذكورات فمن قولهم لا بلا خلاف فصح ان المقصود في الآيات المذكورات من اراد ان يطلق طلاقا رجعيا فبطل احتجاجهم بها
في حكم من طلق ثلاثا، وأما قولهم معنى قوله: (الطلاق مرتان) ان معناه مرة بعد(10/167)
مرة فخطأ بل هذه الآية كقوله تعالى: (نؤتها اجرها مرتين) أي مضاعفا معا وهذه الآية أيضا تعليم لما دون الثلاث من الطلاق وهو حجة لنا عليهم لانهم لا يختلفون يعنى المخالفين لنا في أن طلاق السنة هو أن يطلقها واحدة ثم يتركها حتى تنقضي عدتها في قول طائفة منهم وفي قول آخرين منهم أن يطلقها في كل طهر طلقة وليس شئ من هذا في هذه الآية وهم لا يرون من طلق طلقتين متتابعتين في كلام متصل طلاق سنة فبطل تعلقهم بقوله تعالى: (الطلاق مرتان)، وأما خبر محمود بن لبيد فمرسل ولا حجة في مرسل ومخرمة لم يسمع من ابيه شيئا، وأما قول من قال ان الثلاث تجعل واحدة فانهم احتجوا بما رويناه من طريق مسلم نا محمد بن رافع نا عبد الرزاق انا معمر عن ابن طاوس عن ابيه عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابى بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب ان الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه اناة فلو امضيناه عليهم فامضاه عليهم، وروينا من طريق الدبرى عن عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه ان أبا الصهباء قال لابن عباس: ألم تعلم انها كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابى بكر وصدرا من امارة عمر قال نعم * ومن طريق احمد بن شعيب أنا سليمان بن سيف الحرانى نا أبو عاصم هو النبيل عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أن أبا الصهباء قال لابن عباس: الم تعلم ان الثلاث كانت تجعل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وصدرا من خلافة عمر ترد إلى الواحدة قال نعم، ورويناه أيضا من طريق مسلم عن اسحاق بن راهويه نا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن ايوب السختيانى عن ابراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس، وبما رويناه من طريق ابى داود نا احمد بن صالح نا عبد الرزاق نا ابن جريج اخبرني بعض بنى أبى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلق عبد يزيد أبو ركانة
واخوته ام ركانة فذكر الحديث وفيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: راجع امرأتك ام ركانة واخوته فقال انى طلقتها ثلاثا يارسول الله قال قد علمت ارجعها وتلى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * قال أبو محمد: ما نعلم لهم شيئا احتجوا به غير هذا وهذا لا يصح لانه عن غير مسمى من بني ابى رافع ولا حجة في مجهول وما نعلم في بنى ابى رافع من يحتج به الا عبيدالله وحده وسائرهم مجهولون، واما حديث طاوس عن ابن عباس الذى فيه ان الثلاث كانت واحدة وترد إلى الواحدة وتجعل واحدة فليس شئ منه انه عليه الصلاة والسلام هو الذى جعلها واحدة أو ردها إلى الواحدة ولا أنه عليه الصلاة والسلام علم بذلك فأقره(10/168)
ولا حجة الا فيما صح انه عليه الصلاة والسلام قاله أو فعله أو علمه فلم ينكره وانما يلزم هذا الخبر من قال في قول أبى سعيد الخدرى: كنا نخرج في زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من كذا واما نحن فلا والحمد لله رب العالمين * وأما من قال: انها معصية وأنها تقع فانهم موهوا بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن عبيدالله ابن الوليد الوصافى العجلى عن ابراهيم - هو ابن عبيدالله بن عبادة بن الصامت - عن داود عن عبادة بن الصامت قال: " طلق جدى امرأة له ألف تطليقة فانطلق ابى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما اتقى الله جدك اما ثلاث فله واما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم.
ان شاء الله عذبه وان شاء غفر له ": ورواه بعض الناس عن صدقة بن ابى عمران عن ابراهيم بن عبيدالله بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال: " طلق بعض آبائى امرأته فانطلق بنوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يارسول الله ان أبانا طلق أمنا الفافهل له من مخرج؟ فقال ان أباكم لم يتق الله فيجعل له مخرجا بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبع وتسعون اثم في عنقه " * وخبر روى من طريق محمد بن شاذان عن معلى بن منصور عن شعيب بن رزيق ان عطاءا الخراساني حدثهم عن الحسن قال
نا عبد الله بن عمر " أنه طلق امرأته وهى حائض ثم أراد أن يتبعها تطليقتين أخريين عند القرأين الباقيين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله انك قد اخطأت السنة "، وذكر الخبر وفيه، فقلت يارسول الله لو كنت طلقتها ثلاثا أكان لى أن أراجعها؟ قال: لا كانت تبين وتكون معصية والخبر الذى ذكرناه آنفا من طريق اسماعيل ابن أمية الذراع عن حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلق في بدعة الزمناه بدعته * وذكروا عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكرناه آنفا من قول عمر في حديث طاوس ان الناس قد استعجلوا امرا كانت لهم فيه اناة فلو امضيناه عليهم، ومن طريق عبد الرزاق عن اسماعيل بن ابى عبد الله اخبرني عبيدالله ابن العيزار أنه سمع أنس بن مالك يقول: كان عمر إذا ظفر بمن طلق ثلاثا أوجع رأسه * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: من طلق امرأته ثلاثا طلقت وعصى ربه، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: كان ابن عباس إذا سئل عمن طلق امرأته ثلاثا قال لو اتقيت الله لجعل لك مخرجا * قال أبو محمد: لا نعلم لهم شيئا يشغبون به الاهذا، وكله لا حجة لهم فيه، أما حديث عبادة بن الصامت ففى غاية السقوط لانه اما من طريق يحيى بن العلاء وليس بالقوى (م 22 - ج 10 المحلى)(10/169)
عن عبيدالله بن الوليد الوصافى وهو هالك عن ابراهيم بن عبيدالله بن عبادة بن الصامت وهو مجهول لا يعرف ثم هو منكر جدا لانه لم يوجد قط في شئ من الآثار ان والد عبادة رضى الله عنه أدرك الاسلام فكيف جده وهو محال بلا شك: ثم الفاظه متناقضة في بعضها أما ثلاث فلك وهذا اباحة للثلاث وبعضها بخلاف ذلك، واما حديث ابن عمر ففي غاية السقوط لانه عن رزيق بن شعيب أو شعيب بن رزيق الشامي وهو ضعيف
وقد ذكرنا ضعف اسماعيل بن أمية الذراع وجهالته فبطل ما شغبوا به، ولم يبق بأيديهم شئ والحمد لله رب العالمين * وأما ما ذكروا عن الصحابة رضى الله عنهم فالرواية عن عمر نرى الناس قد استعجلوا شيئا كانت لهم فيه اناة فلا دليل فيه على ان طلاق الثلاث معصية اصلا وهو صحيح عن ابن عمر ولا حجة في احد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: ولا اضعف من قول من يقرانه ينفذ البدعة ويحكم بما لا يجوز بغير نص من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: ثم وجدنا من حجة من قال ان الطلاق الثلاث مجموعة سنة لا بدعة قول الله تعالى: (فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) فهذا يقع على الثلاث مجموعة ومفرقة ولا يجو أن يخص بهذه الآية بعض ذلك دون بعض بغير نص وكذلك قوله تعالى: (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) عموم لاباحة الثلاث والاثنين والواحدة، وقوله تعالى: (وللمطلقات متاع بالمعروف) فلم يخص تعالى مطلقة واحدة من مطلقة اثنتين ومن مطلقة ثلاثا، ووجدنا ما رويناه من طريق مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي اخبره عن حديث التعان عويمر العلاجنى مع امرأته وفي آخره انه قال كذبت عليها يارسول الله ان امسكتها فطلقها ثلاثا قبل ان يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: وانا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: لو كانت طلاق الثلاث مجموعة معصية لله تعالى لما سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيان ذلك فصح يقينا انها سنة مباحة، وقال بعض أصحابنا: لا يخلو من أن يكون طلقها وهى امرأته أو طلقها وقد حرمت عليه ووجب التفريق بينهما فان كان طلقها وهى امرأته فليس هذا قولكم لان قولكم انها بتمام اللعان تبين عنه إلى الابد وان كان طلقها اجنبية فانما نحن فيمن طلق امرأته لا فيمن طلق اجنبية.
فقلنا: انما طلقها وهو يقدر انها امرأته هذا مالا شك فيه احد فلو كان ذلك معصية لسبقكم رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى هذا الاعتراض فانما حجتنا كلها في ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الانكار على من طلق ثلاثا(10/170)
مجموعة امرأة يظنها امرأته ولا يشك انها في عصمته فقط، فان قالوا: ليس كل مسكوت عن ذكره في الاخبار يكون ترك ذكره حجة.
فقلنا: نعم هو حجة لازمة الا أن يوجد بيان في خبر آخر لم يذكر في هذا الخبر فحينئذ لا يكون السكوت عنه في خبر آخر حجة * ومن طريق البخاري نا محمد بن بشار نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن عبيدالله بن عمر نا القاسم بن محمد بن أبى بكر عن عائشة أم المؤمنين قالت ان رجلا طلق امرأته ثلاثا فتزوجت فطلق (1) فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحل للاول؟ قال: لا حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الاول فلم ينكر عليه الصلاة والسلام هذا السؤال ولو كان لا يجوز لاخبر بذلك * وخبر فاطمة بنت قيس المشهور، رويناه من طريق يحيى بن أبى كثير اخبرني أبو سلمة ابن عبد الرحمن ان فاطمة بنت قيس أخبرته أن زوجها ابن حفص بن المغيرة المخزومى طلقها ثلاثا ثم انطلق إلى اليمن فانطلق خالد بن الوليد في نفر فاتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة أم المؤمنين فقالوا: ان ابن حفص طلق امرأته ثلاثا فهل لها من نفقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لها نفقة وعليها العدة وذكر باقى الخبر * ومن طريق مسلم نا اسحاق بن منصور نا عبد الرحمن - هو ابن مهدى - عن سفيان الثوري عن ابى بكر ابن أبى الجهم قال: سمعت فاطمة بنت قيس فذكرت حديث طلاقها قالت: " واتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كم طلقك؟ قلت ثلاثا فقال: صدق ليس لك نفقة " وذكرت باقى الخبر * ومن طريق مسلم نا محمد بن الثمنى نا حفص بن غياث نا هشام بن عروة عن أبيه عن فاطمة بنت قيس قالت: " قلت يارسول الله ان زوجي طلقني ثلاثا وانا أخاف ان يقتحم على قال: فأمرها فتحولت "، ومن طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن الشعبى عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثا قال: " ليس لها سكنى ولا نفقة " فهذا نقل تواتر عن فاطمة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
اخبرها هي ونفر سواها بأن زوجها طلقها ثلاثا وبأنه عليه الصلاة والسلام حكم في المطلقة ثلاثا ولم ينكر عليه الصلاة والسلام ذلك ولا أخبر بأنه ليس بسنة، وفي هذا كفاية لمن نصح نفسه، فان قيل: ان الزهري روى عن ابى سلمة هذا الخبر فقال فيه انها ذكرت انه طلقها آخر ثلاث تطليقات، وروى الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة أن زوجها ارسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها فذكر الخبر وفيه فأرسل مروان إليها قبيصة بن ذؤيب فحدثته وذكر باقى الخبر، قلنا: نعم هكذا رواه الزهري فاما روايته من طريق عبيدالله بن عبد الله فمنقطعة لم يذكر عبيدالله ذلك
__________
(1) هكذا في النسخ والمعنى فطلقها الزوج الثاني(10/171)
عنها ولا عن قبيصة عنها انما قال: ان فاطمة طلقها زوجها وان مروان بعث إليها قبيصة فحدثته، وأما خبره عن أبى سلمة فمتصل إلا أن كلا الخبرين ليس فيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته هي ولا غيرها بذلك انما المسند الصحيح الذى فيه انه عليه الصلاة والسلام سأل عن كمية طلاقها وانها أخبرته فهى التى قدمنا أولا، وعلى ذلك الاجمال جاء حكمه عليه الصلاة والسلام، وكذلك كل لفظ روى به خبر فاطمة من أبت طلاقي وطلقها البتة وطلقها طلاقا باتا وطلاقا بائنا فليس في شئ منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه اصلا فسقط كل ذلك وثبت حكمه عليه الصلاة والسلام على ما صح انه أخبر به من أنه طلقها ثلاثا فقط: (وأما الصحابة رضى الله عنهم) فان الثابت عن عمر الذى لا يثبت عنه غيره ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل نا زيد بن وهب انه رفع إلى عمر بن الخطاب برجل طلق امرأته الفا فقال له عمر: أطلقت امرأتك؟ فقال انما كنت ألعب فعلاه عمر بالدرة وقال: انما يكفيك من ذلك ثلاث فانما ضربه عمر على الزيادة على الثلاث وأحسن عمر في ذلك وأعلمه ان الثلاث تكفى ولم ينكرها، ومن طريق وكيع عن الاعمش عن حبيب بن ابى ثابت جاء رجل إلى على
ابن أبى طالب فقال: انى طلقت امرأتي ألفا فقال له على: بانت منك بثلاث واقسم سائرهن بين نسائك فلم ينكر جمع الثلاث، ومن طريق وكيع عن جعفر بن برقان عن معاوية بن ابى يحيى قال جاء رجل إلى عثمان بن عفان فقال: طلقت امرأتي الفا فقال بانت منك بثلاث فلم ينكر الثلاث * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عباس: طلقت امرأتي ألفا فقال له ابن عباس: ثلاث تحرمها عليك وبقيتها عليك وزرا اتخذت آيات الله هزوا فلم ينكر الثلاث وأنكر ما زاد * والذى جاء عنه من قوله لمن طلق ثلاثا ثم ندم لو اتقيت الله لجعل لك مخرجا وهو على ظاهره نعم ان اتقى الله جعل له مخرجا وليس فيه ان طلاقه الثلاث معصية، ومن طريق عبد الرزاق.
عن معمر عن الاعمش.
عن ابراهيم.
عن علقمة قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: انى طلقت امرأتي تسعا وتسعين فقال له ابن مسعود: ثلاث تبينها وسائرهن عدوان، وهذان خبران في غاية الصحة لم ينكر ابن مسعود.
وابن عباس الثلاث مجموعة اصلا وانما أنكرا الزيادة على الثلاث، * ومن طريق أحمد ابن شعيب أنا عمرو بن على نا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن أبى اسحاق السبيعى عن أبى الاحوص.
عن عبد الله بن مسعود قال: طلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع، وهذا في غاية الصحة عن ابن مسعود فلم يخص طلقة من طلقتين من ثلاث(10/172)
فان قيل: قد روى الاعمش.
عن ابى اسحق.
عن أبى الاحوص.
عن ابن مسعود وفيه فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى، قلنا نعم: هذا أيضا سنة وليس فيه ان ما عدا ذلك حرام وبدعة، فان قيل: قد رويتم من طريق حماد بن زيدنا يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين قال: قال على بن أبى طالب: لو أن الناس أخذوا بامر الله تعالى في الطلاق ما يبيح رجل نفسه في امرأة أبدا يبدأ فيطلقها تطليقة ثم يتربص ما بينها وبين أن تنقضي عدتها فمتى ما شاء راجعها قلنا: هذا منقطع عنه لان ابن سيرين لم يسمع
من على كلمة، ثم ليس فيه أيضا أن ما عدا ذلك معصية ولا بدعة لا يعلم عن الصحابة رضى الله عنهم غير ما ذكرنا، وأما التابعون فروينا من طريق وكيع.
عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى قال: قال رجل لشريح القاضى: طلقت امرأتي مائة فقال بانت منك بثلاث وسبع وتسعون اسراف ومعصية فلم ينكر شريح الثلاث وانما جعل الاسراف والمعصية ما زاد على الثلاث، ومن طريق عبد الرزاق.
عن معمر.
عن قتادة.
عن سعيد بن المسيب قال: طلاق العدة أن يطلقها إذا طهرت من الحيضة بغير جماع * قال أبو محمد: فلم يخص واحدة من ثلاث من اثنتين لا يعلم عن أحد من التابعين أن الثلاث معصية صرح بذلك الا الحسن.
والقول بان الثلاث سنة هو قول الشافعي وأبى ذر وأصحابهما * واما صفة طلاق السنة فقد ذكرنا قول ابن مسعود آنفا في ذلك من طريق الاعمش.
عن أبى اسحاق وآخر من طريق على بن أبى طالب وهو أن ابن مسعود قال: يطلقها في طهر لم يمسها فيه ثم يدعها حتى تحيض فإذا طهرت طلقها اخرى ثم يدعها حتى تحيض فإذا طهرت طلقها ثالثة، وقال على: له ان يطلقها ثم يدعها حتى تتم عدتها أو يراجعها في العدة ان شا، ومثل قول ابن مسعود الذى ذكرنا قول رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ومثله عن معمر عن الزهري وعن قتادة عن ابن المسيب ومثله من طريق عبد الرزاق عن ابى حنيفة عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي وزاد فان كانت يئست من المحيض فليطلقها عند كل هلال تطليقة وهو قول الشعبى * وممن كره أن يطلقها أكثر من واحدة.
الليث.
والاوزاعي.
ومالك.
وابو حنيفة.
وعبد العزيز بن الماجشون.
والحسن بن حى.
وابو سليمان واصحابهم، واما قولنا في طلاق الحامل والتى لم يطأها والتى لم تحض والتى يئست من الحيض فان النصوص التى ذكرنا قبل وانما جاءت في اللواتى عدتهن الاطهار، وأما الحامل فليس لها اقراء تراعى: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اوردناه قبل في صدر كلامنا في الطلاق: ثم ليطلقها طاهرا(10/173)
أو حاملا فبين عليه الصلاة والسلام في الطاهر ان لا يطأها في ذلك الطهر قبل ان يطلقها واجمل طلاق الحامل (1) (وما كان ربك نسيا) واما التى لم يطأها فلا عدة له عليها بنص القرآن فليست من اللاتى قال الله تعالى فيهن (فطلقوهن لعدتهن) فله أن يطلقها كما أباح الله تعالى متى شاء قال تعالى: (لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن) وأما التى لم تحض قط أو التى انقطع حيضها فقد قال من ذكرنا انه يطلقها عند استهلال الهلال وهذا شئ لا نوجبه لانه لم يات بايجابه قرآن ولا سنة، فان قيل: ألم يقل الله عزوجل: (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن) قلنا نعم وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الشهر تسعة وعشرون يوما " فمن حيث ابتدا بالعدة فإذا أتم تسعة وعشرين يوما فهو شهر * برهان ذلك قول الله عزوجل (يتربصن بانفسهن أربعة اشهر وعشرا) فاوجب عزوجل ما قلنا وهو أن يبدأ بعدد الشهور من أي يوم أو ليلة شاء العاد أو من حيث تجب العدة بالوفاة أو بالشهور وبالله تعالى التوفيق * 1950 مسألة: ومن قال: أنت طالق ونوى اثنتين أو ثلاثا فهو كما نوى سواء قال ذلك ونواه في موطوءة أو في غير موطوءة، برهان ذلك أننا قد ذكرنا ان طلاق الثلاث مجموعة سنة وان اسم الطلاق يقع عليها وعلى الثنتين وعلى الواحدة فإذ ذلك كذلك فهو ما نوى من عدد الطلاق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى " فان لم ينو عددا من الطلاق فهو واحدة لانها أقل الطلاق فهى اليقين الذى لا شك فيه أنه يلزم ولا يجوز أن يلزم زيادة بلا يقين وهو قول مالك.
والليث.
والشافعي، وقال أبو حنيفة.
وأبو سليان.
وسفيان.
والاوزاعي: يلزمه واحدة لا أكثر وبالله تعالى التوفيق * 1951 مسألة: فلو قال لموطوءة أنت طالق أنت طالق فان نوى التكرير لكلمته الاولى واعلامها فهى واحدة، وكذلك إن لم ينو بتكراره شيئا فان نوى بذلك ان
كل طلقه غير الاخرى فهى ثلاث إن كررها ثلاثا وهى اثنتان ان كررها مرتين بلا شك فلو قال لغير موطوءة منه أنت طالق أنت طالق أنت طالق فهى طلقة واحدة فقط لان تكراره للطلاق وقع وهى في غير عدة منه إذ لا عدة على غير موطوءة بنص القرآن وهى أجنبية بعد وطلاق الاجنبية باطل، واختلف الناس في هذا فقالت طائفة كما قلنا وقالت طائفة: ان كان وصل كلامه ولم يقطع بعضه عن بعض فهى ثلاث لازمة وان كان فرق بين كلامه بسكتة فهى طلقة واحدة فقط، وقالت طائفة: إن كان ذلك في مجلس واحد فهى كلها لوازم سواء فرق بين كل
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 الطاهر وهو غلط(10/174)
طلاقين بسكتة أو لم يفرق وإن كان ذلك في مجالس شتى لم يلزم من الطلاق إلا ما كان في المجلس الاول فقط، فممن روينا عنه مثل قولنا من طريق سعيد بن منصور نا عتاب بن بشير عن خصيف عن زياد بن ابى مريم عن ابن مسعود فيمن طلق امرأته ثلاثا ولم يكن دخل بها قال هي ثلاث فان طلقها واحدة ثم ثنى ثم ثلث لم يقع عليها لانها قد بانت بالاولى، وصح هذا عن خلاس.
وابراهيم النخعي في أحد اقواله.
وطاوس.
والشعبى.
وعكرمة.
وابى بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
وحماد بن أبى سليمان، ورويناه عن مسروق، ورويناه من طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن مطرف بن طريف، قال: سألت الحكم بن عتيبة عمن قال لامرأته أنت طالق أنت طالق أنت طالق؟ يعنى ولم يكن دخل بها قال تبين بالتطليقة الاولى والثنتان التى أتبع ليستا بشئ فقلت له: عمن تحفظه قال عن على بن أبى طالب.
وعبد الله بن مسعود.
وزيد بن ثابت، ورويناه أيضا عن ابن عباس وهو قول سفيان الثوري: والحسن بن حى.
وابى حنيفة.
والشافعي.
وابى ثور.
وأبى عبيد.
وأحمد بن حنبل.
وأبى سليمان.
وأصحابهم، والقول الثاني رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا المغيرة عن ابراهيم النخعي فيمن قال لغير المدخول بها انت
طالق أنت طالق أنت طالق وقالها متصلة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فان قال انت طالق ثم سكت ثم قال أنت طالق ثم سكت ثم قال أنت طالق بانت بالاولى ولم تكن الاخريان شيئا.
ومثله سواء سواء عن عبد الله بن مغفل المزني وهو قول مالك.
والاوزاعي.
والليث، والقول الثالث رويناه من طريق الحجاج بن المنهال نا عبد العزيز بن عبد الصمد قال قال لى منصور حدثت عن ابراهيم النخعي أنه كان يقول: إذا قال للتى لم يدخل بها في مجلس واحد أنت طالق أنت طالق أنت طالق فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فان قام من مجلسه ذلك بعد ان طلق طلقة واحدة ثم طلق بعد ذلك فليس بشئ وقد جاءت روايات لا بيان فيها منها ما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء ابن أبى رباح.
وجابر بن زيد قالا جميعا: إذا طلقت البكر ثلاثا فهى واحدة، ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا منصور - هو ابن المعتمر - ان آخر قول الحسن فيمن طلق امرأته ثلاثا قبل الدخول بها انه ان شاء خطبها، ومن طريق مالك.
عن يحيى بن سعيد الانصاري.
عن النعمان بن أبى عياش: عن عطاء بن يسار أنه سئل عمن طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها؟ قال: طلاق البكر واحدة * قال أبو محمد: لم يخصوا مفرقة من مجموعة والله أعلم بمرادهم، ومنها أيضا ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن عمر بن راشد عن يحيى بن أبى كثير عن محمد بن(10/175)
عبد الرحمن بن ثوبان قال: طلق رجل من مزينة امرأته ثلاثا قبل الدخول فسأل ابن عباس وعنده أبو هريرة؟ فقال أبو هريرة: واحدة تببنها وثلاث تحرمها فصوبها ابن عباس وهذا لا يصح لان عمر بن راشد ضعيف * ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن النعمان بن أبى عياش أن عبد الله قال فيمن طلق امرأته البكر واحدة تبينها وثلاث تحرمها ونحوه عن ام سلمة أم المؤمنين وعلى بن أبى طالب فلم يبنوا مفرقة أم مجموعة * قال أبو محمد: أما من فرق بين قوله ذلك في مجلس وبين قوله ذلك في مجلسين
فدعوى بلا برهان، وكذلك من فرق بين قوله ذلك متصلا.
وبين تفريقه بين ذلك بالسكوت هو أيضا قول لا دليل على صحته فهو ساقط فصح قولنا لانه بتمام قوله لها أنت طالق بانت وحل لها زوج غيره ولو مات لم ترثه ولو ماتت لم يرثها وليس في عدة منه فطلاقه لها لغو ساقط وبالله تعالى التوفيق * 1952 مسألة: فلو قال لغير موطوءة منه أنت طالق ثلاثا فان كان نوى في قوله أنت طالق انها ثلاث فهى ثلاث فان لم ينو ذلك لكن نوى الثلاث إذ قال ثلاثا لم تكن طلاقا الا واحدة لان بتمام قوله أنت طالق بانت منه فصار قوله ثلاثا لغوا لا معنى له وبالله تعالى التوفيق * 1953 مسألة: وطلاق النفساء كالطلاق في الحيض سواء سواء لا يلزم الا أن يكون ثلاثا مجموعة أو آخر ثلاث قد تقدمت منها اثنتان، برهان ذلك أنه ليس الا حيض أو طهر وقد ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الطلاق في الحيض وأمر بالطلاق في طهر لم يجامعها فيه أو حاملا، ولا خلاف في أن دم النفاس ليس طهرا ولا هو حمل فلم يبق الا الحيض فهو حيض ولم يصح قط نص بان النفاس ليس حيضا بل لا خلاف في أن له حكم الحيض من ترك الصلاة والصوم والوطئ وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دم الحيض أسود يعرف فصح ان كل دم أسود ظهر من فرج المرأة فهو حيض ما لم يتجاوز أمد الحيض وما لم يكن في حمل، وصح أنه عليه الصلاة والسلام قال لام سلمة وعائشة أمي المؤمنين رضى الله عنهما.
إذ حاضت كل واحدة منهما أنفست قالت نعم فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحيض نفاسا، وممن قال بقولنا طائفة من السلف كما روينا من طريق وكيع عن جرير بن حازم.
وسفيان الثوري قال جرير عن قيس بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الاشج عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت، وقال سفيان: عن ابن جرير عن عطاء قال زيد.
وعطاء إذا طلق الرجل امرأته وهى نفساء لم تعتد بدم نفاسها في عدتها، وقال غيرهما: غير هذا(10/176)
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن عثمان بن مطر عن سعيد بن أبى عروبة قال: قال مطر الوراق عن الحسن في التى تطلق وهى حائض ثلاثا قال: تعتد به قرءا من اقرائها، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء، قال: يكره أن يطلق امرأته حائضا كما يكره أن يطلقها نفساء * قال أبو محمد: ولو أن امرءا طلق امرأته في طهر لم يمسها فيه طلاقا رجعيا فحملت من زنا، أو.
من إكراه أو من شبهة بجهالة فانها تنتقل إلى عدة الحامل فتنقضى عدتها بوضع حملها لانها زوجته بعد ترثه ويرثها ويلحقها إيلاؤه وظهاره.
ويلاعنها ان قذفها فهى مطلقة من ذوات الاحمال، وقد قال تعالى: (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن)، وكذلك تنتقل إلى عدة الحامل الوفاة ان مات، وسواء حملت في الطهر الاول أو الثاني أو الثالث، فان كان الطلاق ثلاثا أو آخر ثلاث أو معتقة تخيرت فراقه لم تنتقل إلى عدة الوفاة، ولا إلى عدة.
لكن ان حملت في الطهر الاول عدت جميع حملها قرءا ثم عدت نفاسها حيضا، ثم تأتى بقرائن بعده، ولا فرق بين اعتدادها به قرءا ولو لم يبق منه الا طرفة عين وبين اعتدادها به ولو لمن يمض منه إلا طرفة عين، لان بعض الطهر طهر، فان حملت في الطهر الثاني عدت مدة حملها قرءا ثانيا، ثم نفاسها حيضا ثم عليها أن تأتى بقرء ثالث فان حملت في الطهر الثالث عدت مدة حملها قرءا فإذا وضعت حملها بأول دم يظهر منها تمت عدتها، وحلت للازواج لانها قد لزمها الاعتداد بالاقراء بنص القرآن فلا يسقط عنها، فلو كانت ممن لا تحيض فكان طلاقها بائنا كما ذكرنا، أو كانت معتقة فاختارت فراقه فانها تتمادى على عدة الشهور وتحل للازواج بتمامها، ولا معنى للحمل حينئذ، وكذلك لو حملت بعد موته فانها تتمادى على عدتها أربعة أشهر وعشر ليال.
ثم تحل للازواج بتمامها، ولا يراعى الحمل وانما نعنى بقولنا تحل للازواج أنها يحل لها الزواج، وأما الوطئ فلا ألبتة حتى تضع
حملها ثم تطهر من دم نفاسها، وبالله تعالى التوفيق * 1954 مسألة: ومن طلق امرأته ثلاثا كما ذكرنا لم يحل له زواجها الا بعد زوج يطأها في فرجها بنكاح صحيح في حال عقله وعقلها ولابد، ولا يحلها له وطئ في نكاح فاسد، ولا وطئ في دبر ولا وطئها في نكاح صحيح وهى في غير عقلها باغماء أو بسكر أو بجنون ولا وهو كذلك فان بقى من حسه أو من حسها في هذه الاحوال أو في النوم ما تدرك به اللذة أحلها ذلك إذا مات ذلك الزوج أو طلقها أو انفسخ نكاحها منه بعد صحته.
وكذلك ان كان النكاح صحيحا ثم وطئها في حال لا يحل فيه الوطئ من (م 23 - ج 10 المحلى)(10/177)
صوم فرض منه أو منها أو إحرام كذلك أو اعتكاف كذلك، أو وهى حائض فكل ذلك لا يحلها، ويحلها العبد يتزوجها والذمى ان كانت هي ذمية، ولا يحلها ان كانت أمة وطئ سيدها لها، برهان ذلك قول الله عزوجل: (فلا تحل من بعد حتى تنكح زوجا غيره فان طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعها ان ظنا أن يقيما حدود الله) ففى هذه الآية عموم كل زوج ولا يكون زوجا الا من كان زواجه صحيحا.
وأما من تزوج بخلاف ما أمره الله عزوجل فليس زوجا ولا عقده زواجا وفيها تحليل رجعته لها بعد طلاق الزوج.
وبقى أمر الوطئ وأمر موت الزوج الثاني وانفساخ نكاحه فوجدنا ما رويناه من طريق أبى داود السجستاني نا مسددنا أبو معاوية عن الاعمش عن ابراهيم النخعي عن الاسود عن عائشة أم المؤمنين قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته تعنى ثلاثا فتزوجت غيره فطلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الاول؟ قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحل للاول حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها، ففى هذا الخبر زيادة عموم حلها له بالوطئ لا بغيره فدخل في ذلك موته وانفساخ نكاحه بعد صحته ودخل في عموم ذوق العسيلة كل
ما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق * وانما قلنا إن وطئ السيد لا يحلها لزوجها المطلق لها لانه ليس زوجا وانما احلها له تعالى بعد أن تنكح زوجا غيره، وفي كثير مما ذكرنا خلاف من ذلك عن سعيد بن المسيب قال: كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا داود بن أبى هند عن سعيد بن المسيب في المطلقة ثلاثا ثم تتزوج قال سعيد: أما الناس فيقولون حتى يجامعها وأما أنا فانى أقول: إذا تزوجها بتزويج صحيح لا يريد بذلك إحلالا فلا بأس أن يتزوجها الاول * قال أبو محمد: كان ينبغى لمن يقول في رده حديث المسح على العمامة وحديث الخمس رضعات إن هذا زائد على القرآن فلا يجوز أن يؤخذ منه الا ما جاء مجئ تواتر أن يقول بقول سعيد ههنا لان خبر عائشة في ذوق العسيلة زائد على ما في القرآن لم يأت إلا من طريق عائشة رضى الله عنها التى من قبلها جاء خبر الخمس رضعات.
ولا فرق * ومن طريق ابن عباس وروى غير صحيح من طريق أنس وابن عمر.
وكذلك ينبغى لمن قال برد السنة الثابتة في أن لا يتم بيع الا بأن يفترقا عن موضعهما فانه مما تكثر به البلوى ان يقول بقول سعيد، ويقول هذا مما تكثر به البلوى فلو صح ما خفى عن سعيد وجاء عن الحسن أنها لا تحل لزوجها الاول وان وطئها الثاني الا حتى ينزل فيها.
ولقد ينبغى للمالكيين القائلين إن التحريم يدخل بأرق الاسباب.
ولا يدخل(10/178)
التحليل إلا باغلظ الاسباب أن يقول بقول الحسن هذا ولكن تناقضهم أكثر من ذلك.
واختلفوا في المسلم يطلق الكتابية ثلاثا فتتزوج كتابيا ويطأها ثم يموت.
فقال الحسن البصري.
والزهرى.
وسفيان الثوري.
وأبو حنيفة.
والشافعي وأبو سليمان وأصحابهم انها قد حلت للاول، وقال ربيعة ومالك: لا يحلها وما نعلم لهم شغبا الا قولهم ليس له طلاق فقلنا: فكان ماذا أي شئ في ذلك مما يمنع من احلالها إن مات أو انفسخ نكاحه منها ثم نسألهم إن تزوجها ووطئها ثم أسلم ولم
يطأها بعد اسلامه ثم طلقها أيحلها له أم لا فان قالوا لا يحلها له بطل تعليلهم بأنه لا طلاق له إذ قد صح طلاقه وان قالوا بل يحلها نقضوا قولهم في أن وطئ الزوج الكتابى لا يحلها، وأما اختلافهم في النكاح الفاسد فجمهور الناس على هذا الا شيئا روى عن الحكم بن عتيبة انه يحلها، وهذا خطأ لانه ليس زوجا ولو كان زوجا ما حل ان يفرق بينهما بلا معني إلا فساد عقده فقط.
وأما الاختلاف في هل يحلها وطئ سيدها ان كانت أمة.
فروينا من طريق الحجاج بن المنهال نا يزيد بن زريع نا خالد عن مروان الاصفر عن ابى رافع، قال دخلنا على عثمان أمير المؤمنين فسألناه عن رجل كانت تحته أمة فطلقها فبانت منه فخلف عليها سيدها ثم خلا عنها وعنده زيد ابن ثابت.
ورجل آخر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا جميعا لا بأس به، ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن أن زيد بن ثابت.
والزبير بن العوام كانا لا يريان بأسا بالامة يطلقها زوجها فيتسراها سيدها ثم يتزوجها زوجها قالا جميعا إذا لم يرد السيد بذلك احلالها فليس به بأس * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن أشعث بن عبد الملك الحمراني.
عن الحسن البصري.
عن زيد بن ثابت قال السيد زوج، ومن طريق عبد الرزاق.
عن ابن جريج.
عن عطاء.
عن ابن عباس في العبد يبت الامة انه يحلها ان يطأها سيدها.
قال عطاء: من كانت زوجته أمة فبتها ثم ابتاعها قبل ان تنكح غيره فحلال له وطؤها فان وطئها ثم أعتقها فله ان يتزوجها فان أعتقها قبل أن يطأها لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وهذا تقسيم لا برهان على صحته، وروينا خلاف هذا عن غيرهم كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا يزيد بن زريع نا خالد - هو الحذاء - عن الحكم بن عتيبة.
عن على بن أبى طالب قال: حتى تحل له من حيث حرمت عليه يعنى الامة تطلق فيطأها سيدها دون ان تتزوج زوجا آخر.
وبه إلى خالد الحذاء عن أبى معشر.
عن ابراهيم النخعي.
عن عبيدة السلمانى.
عن ابن مسعود قال لا تحل له الا من حيث حرمت عليه وصح عن مسروق انه رجع إلى هذا(10/179)
القول بعد أن أفتى بقول زيد.
وأما هل تحل لسيدها بملك اليمين إذا اشتراها بعد ان كانت زوجته وطلقها ثلاثا فقد ذكرنا آنفا عن عطاء، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء رجل بت أمة ثم ابتاعها ولم تنكح بعده أحدا أتحل له قال نعم كان ابن عباس يقوله، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر.
عن اسماعيل بن أمية.
عن ابن قسيط أن كثيرا مولى الصلت طلقها تطليقتين ثم اشتراها فأعتقها فقال زيد بن ثابت لو كنت وطئتها بالملك حلت له ولكن لا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك * ومن طريق حماد بن سلمة عن زياد الاعلم عن الحسن مثل قول زيد وعطاء سواء سواء.
وصح عن غيرهم خلاف ذلك، روينا انه لا تحل لسيدها بملك اليمين إذا اشتراها بعد أن طلقها ثلاثا عن عثمان وزيد بن ثابت: وصح عن جابر بن عبد الله.
وعن على بن أبى طالب انه كره ذلك وصح عن مسروق.
والنخعي.
وعبيدة السلمانى: والشعبى.
وابن المسيب وسليمان بن يسار * قال أبو محمد: ولا يحل للسيد ان يرى من عورتها شيئا الا ما يرى من حريمته ولا ان يتلذذ بها لقول الله عزوجل (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) فعم تعالى ولم يخص بخلاف الكتابية والحائض والصائمة فرضا والمحرمة لان هؤلاء انما حرم نكاحهن فقط وهو الوطئ وبالله تعالى التوفيق 1955 مسألة: فلو رغب المطلق ثلاثا إلى من يتزوجها ويطأها ليحلها له فذلك جائز إذا تزوجها بغير شرط لذلك في نفس عقده لنكاحة اياها فإذا تزوجها فهو بالخيار ان شاء طلقها وان شاء أمسكها فان طلقها حلت للاول فلو شرط في عقد نكاحها أنه يطلقها إذا وطئها فهو عقد فاسد مفسوخ أبدا ولا تحل له به ولا فرق بين هذا وبين ما ذكرنا قبل في كل نكاح فاسد * قال أبو محمد: وقال بعض القائلين: لا تكون حلالا إلا بنكاح رغبة لا ينوى به
تحليلها للذى طلقها واحتجوا في ذلك بأثر رويناه من طريق احمد بن شعيب نا عمرو بن منصور نا أبو نعيم - هو الفضل بن دكين - عن سفيان الثوري عن أبى قيس - هو عبد الرحمن ابن ثروان - عن هذيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة والواصلة والموصولة وآكل الربا ومؤكله والمحل والمحلل له وهذا خبر لا يصح في هذا الباب سواه ثم آثار بمعناه الا أنها هالكة اما من طريق الحارث الاعور الكذاب أو من طريق اسحاق الفروى ولا خير فيه *(10/180)
قال أبو محمد: اختلف الناس في المحلل الآثم الملعون والمحلل له الآثم الملعون من هما: فروينا من طريق وكيع.
عن سفيان الثوري.
عن المسيب بن رافع.
عن قبيصة (1) بن جابر قال قال عمر بن الخطاب: لا أوتى بمحل ولا بمحلل الا رجمته، ومن طريق ابن وهب أخبرني يزيد (2) بن عياض بن جعدبة أنه سمع نافعا يقول: ان رجلا سأل ابن عمر عن التحليل فقال له ابن عمر: عرفت عمر بن الخطاب لو رأى شيئا من ذلك لرجم فيه * قال أبو محمد: يزيد بن عياض بن جعدبة كذاب مذكور بوضع الحديث، وعن عبد الرزاق.
عن سفيان الثوري.
عن عبد الله بن شريك العامري قال سمعت ابن عمر يسأل عمن طلق امرأته ثم ندم فاراد أن يتزوجها رجل يحللها له؟ فقال له ابن عمر كلاهما زان ولو مكثا عشرين سنة، ومن طريق وكيع.
عن أبى غسان المدنى عن عمر بن نافع.
عن أبيه أن رجلا سأل ابن عمر عمن طلق امرأته ثلاثا فتزوجها هذا السائل عن غير مؤامرة منه أتحل لمطلقها قال ابن عمر: لا إلا بنكاح رغبة كنا نعده سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن طريق ابن وهب أخبرن الليث بن سعد.
عن محمد بن عبد الرحمن المرادى انه سمع ابا مرزوق (3) التجيبى يقول: إن رجلا طلق امرأته ثلاثا ثم ندما وكان له جار فاراد أن يحلل بينهما بغير علمهما فسألت
عن ذلك عثمان فقال له عثمان لا الا بنكاح رغبة غير مدالسة، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الاعمش عن عبد الله بن مرة عن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال: آكل الربا ومؤكله وشاهداه وكاتبه إذا علموا به والواصلة والمستوصلة ولاوى الصدقة والمعتدى والمرتد أعرابيا بعد هجرته عن خالد الحذاء عن مروان الاصفر عن أبى رافع قال: سئل عثمان وعلى وزيد بن ثابت عن الامة هل يحلها سيدها لزوجها إذا كان لا يريد التحليل يعنى إذا بت طلاقها؟ فقال عثمان وزيد نعم.
فقام على غضبان وكره قولهما، وعن على لعن المحلل والمحلل له.
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري ومعمر كلاهما عن الاعمش عن مالك بن الحارث عن ابن عباس: أن رجلا ساله عمن طلق امرأته كيف ترى في رجل يحلها له فقال ابن عباس من يخادع الله يخدعه.
وصح عن قتادة.
والحسن.
والنخعي قالوا ان نوى واحد من الناكح أو المنكح (4) أو المرأة التحليل فلا يصلح فان طلقها فلا تحل للذى طلقها.
ويفرق بينهما إذا كان نكاحه
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 عن جابر ولعله غلط (2) وفي النسخة رقم 16 زيد (3) وفي النسخة رقم 16 مروان (4) هكذا في النسخ ولعله المنكح له(10/181)
على وجه التحليل.
وروى عن الحسن انه سئل عن ذلك؟ فقال: اتق الله ولا تكن مسمار نار في حدود الله.
وانه قال: كان المسلمون يقولون: هو التيس المستعار.
وعن سعيد بن جبير المحلل ملعون.
وروى أيضا عن سعيد بن المسيب وطاوس.
وروينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أيضا.
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا مغيرة ويونس بن عبيد قال مغيرة: عن ابراهيم وقال يونس عن الحسن ثم ذكره نصا كما أوردناه.
وقال سفيان الثوري ان تزوجها ليحلها للذى طلقها فاعجبته.
قال سفيان يجدد نكاحا، وقال مالك ان نوى الزوج الثاني ان يتزوجها ليحلها للاول فهو نكاح فاسد مفسوخ ولها عليه المهر الذى سمى لها.
ولا تحل بوطئه
للاول.
وذهب آخرون إلى اجازة ذلك.
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن هشام - هو ابن حسان - عن محمد بن سيرين قال: أرسلت امرأة إلى رجل فزوجته نفسها ليحلها لزوجها فأمره عمر بن الخطاب ان يقيم عليها ولا يطلقها وأوعده أن يعاقبه ان طلقها.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه انه كان لا يرى باسا بالتحليل إذا لم يعلم أحد الزوجين به، وقال الليث بن سعد: ان تزوجها ثم فارقها لترجع إلى زوجها ولم يعلم المطلق ولا هي بذلك.
وانما كان ذلك منه احتسابا فلا باس بان ترجع إلى الاول فان بين الثاني ذلك للاول بعد دخوله بها لم يضره ذلك.
وهو قول سالم بن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد بن أبى بكر.
وصح عن عطاء فيمن نكح امرأة عامدا محللا ثم رغب فيها فامسكها قال لا بأس بذلك.
وروينا عن الشعبى لا باس بالتحيل إذا لم يامر به الزوج وبه يقول الشافعي وأبو ثور قالا جميعا: المحلل الذى يفسد نكاحه هو الذى يعقد عليه في نفس عقد النكاح انه انما يتزوجها ليحلها ثم يطلقها.
فاما من لم يشترط ذلك عليه في عقد النكاح فهو عقد صحيح لا داخلة فيه سواء شرط ذلك عليه قبل العقد أو لم يشترط.
نوى ذلك في نفسه أو لم ينوه.
قال أبو ثور وهو ماجور.
وأما أبو حنيفة وأصحابه فروى بشر بن الوليد عن ابى يوسف عن ابى حنيفة مثل قول الشافعي سواء سواء.
وروى أيضا عن محمد بن الحسن عن أبى يوسف عن أبى حنيفة أنه إذا نوى الثاني تحليلها للاول لم تحل له بذلك، وهو قول ابى يوسف ومحمد.
وروى عن زفر بن الهذيل وابى حنيفة انه وان اشترط عليه في نفس العقد أنه انما يتزوجها ليحلها للاول، فانه نكاح صحيح ويحصنان به ويبطل الشرط وله أن يمسكها فان طلقها حلت للاول.
وروى ذلك عن زفر عن ابى حنيفة والحسن ابن زياد *(10/182)
قال أبو محمد: أما احتجاج المالكيين بمن ذكرنا من الصحابة رضى الله عنهم
فهو كله عليهم لا لهم أما عمر فلم يأت عنه بيان من هو المحلل الملعون الذى يستحق الرجم فليسوا أولى به من غيرهم ثم قد خالفوا عمر في ذلك فلا يرون فيه الرجم.
ثم قد أوردنا عن عمر اجازة طلاق المحلل فبطل تعلقهم به.
وكذلك الرواية عن على وابن مسعود ليس فيها عنهما: أي المحللين هو الملعون ونحن نقول ان الملعون هو الذى يعقد نكاحه معلنا بذلك فقط، وأما عثمان وزيد فهم مخالفون لهما في تلك الفتيا بعينها في أن وطئ السيد بملك اليمين يحللها للذى بتها ومن الباطل أن يحتج بقولهم في موضع ولا يحتج به في آخر، هذا تلاعب بالدين.
واما ابن عمر فقد خالفوه في انه زنا.
وأما ابن عباس فليس عنه بيان أن النكاح فاسد ولا انها لا تحل به وكم قضية خالفوا فيها ابن عباس مع انه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واما الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لعن المحلل والمحلل له فنعم كل ماقاله عليه الصلاة والسلام فهو حق الا أننا وجميع خصومنا لا نختلف في أن هذا اللفظ منه عليه الصلاة والسلام ليس عموما لكل محل ولكل محلل له ولو كان ذلك وأعوذ بالله وقد أعاذنا الله تعالى من ذلك للعن كل واهب وكل موهوب له وكل بائع وكل مبتاع له وكل ناكح وكل منكح لان هؤلاء كلهم محلون لشئ كان حراما ومحلل لهم أشياء كانت حراما عليهم، هذا ما لا شك فيه فصح يقينا أنه عليه الصلاة والسلام انما أراد بعض المحلين وبعض المحلل لهم فإذا هذا كالشمس وضوحا ويقينا لا يمكن سواه فلا يحل لمسلم أن ينسب إليه عليه الصلاة والسلام أنه أراد أمر كذا إلا بيقين من نص وارد لا شك فيه والا فهو كاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقول له ما لم يقله ومخبر عنه بالباطل فإذ هذا كله يقين فالمحل المعلون والمحلل له كذلك انما هما بلا شك من أحل حراما لغيره بلا نص: ثم نظرنا هل يدخل في ذلك من تزوج وفي نيته أن يحلها لمطلقها ثلاثا أم لا يدخل: فوجدنا كل من يتزوج مطلقة ثلاثا فانه بوطئه لها محل والمطلق محلل له نوى ذلك أو لم ينوه فبطل ان يكون داخلا في هذا الوعيد لانه حتى انه اشترط ذلك عليه قبل العقد فهو لغو من القول ولم ينعقد النكاح الا صحيحا بريا من كل شرط بل كما أمر الله عزوجل: وأما بنيته لذلك فقد قلنا فيها الآن
ما كفى، والعجب ان المخالفين لنا يقولون فيمن تزوج امرأة وفي نيته أن لا يمسكها إلا شهرا ثم يطلقها إلا أنه لم يذكر ذلك في عقد النكاح فانه نكاح صحيح لا داخلة فيه وهو مخير ان شاء طلقها وان شاء أمسكها وانه لو ذكر ذلك في نفس العقد لكان عقدا فاسدا مفسوخا فأى فرق بين ما أجاز وبين ما منعوا منه وليس هذا قياسا لاحد الناكحين على صاحبه لكنه كله باب واحد يبين حكمه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى قد ذكرناه باسناده عفى لامتي عما حدثت به(10/183)
أنفسها ما لم يخرج ذلك بقول أو عمل لا سيما وقد جاء في ذلك الخبر الثابت عنه عليه الصلاة والسلام من قوله للتى طلقها رفاعة القرظى وتزوجها عبد الرحمن بن الزبير أتريدين ان ترجعي إلى رفاعة لاحتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته أو كما قال عليه الصلاة والسلام فلم يجعل عليه الصلاة والسلام إرادتها الرجوع إلى الذى طلقها ثلاثا مانعا من رجوعها إذا وطئها الثاني فصح بذلك قولنا وبقى قولهم وتأويلهم عاريا من كل برهان ودعوى لا حجة على صحتها: وصح ان المحلل الملعون هو الذى يتزوجها ببيان انه انما يتزوجها ليحلها ثم يطلقها ويعقدان النكاح على هذا فهذا حرام مفسوخ ابدا لانهما تشارطا شرطا يلتزمانه ليس في كتاب الله تعالى اباحة التزامه وقد قال عليه الصلاة والسلام " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل " وصح أن كل عقد نكاح أو غيره عقد على ان لا صحة له بصحة ما لا صحة له فهو باطل لا صحة له وبالله تعالى نتايد: فان ذكروا ما حدثناه احمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدى قاسم بن اصبغ نا اسماعيل بن اسحاق نا اسحاق بن محمد الفروى نا ابراهيم بن اسماعيل الفروى عن داود حدثنى عكرمة عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المحلل فقال " لا نكاح الا نكاح رغبة لا نكاح الا نكاح رغبة لا نكاح دلسة ولا مستهزى بكتاب الله تعالى ثم تذوق العسيلة " فهذا حديث موضوع لان اسحاق بن محمد الفروى ضعيف جدا متروك الحديث.
ثم عن ابراهيم بن اسماعيل وهو بلا شك إما ابن مجمع واما ابن أبى حبيبة وكلاهما انصاري مدنى ضعيف لا يحتج بهما: ثم لو صح لم يكن فيه علينا حجة لانهم لا يأتوننا بأى المحللين أراد
عليه السلام وقد ببنا قبل انه عليه الصلاة والسلام لم يرد كل محلل وانما في هذا الخبر انه لا نكاح الا نكاح رغبة وهذا نكاح رغبة في تحليلها للمسلم كما أمر الله عزوجل (حتى تنكح زوجا غيره) وهو زوج غيره بلا شك وكما بين عليه الصلاة والسلام حتى يذوق كل واحد منهما عسيلة الآخر فهو إذا وطئها قد ذاق كل واحد عسيلة الآخر وفيه لا نكاح دلسة وليس هذا نكاح دلسة.
انما الدلسة ان يدلس له بغير التى تزوج أو الذى يتزوج لا رغبة في نكاح لكن ليضربها في نفسها أو مالها وهم يبيحون نكاح من لا تنكح الا لمالها أو لحسبها أو لوجاهة أبيها أو أخيها لا رغبة فيها وهذا تناقض منهم وفيه ولا مستهزئ بكتاب الله عزوجل وهذان ليس منهم احد مستهزئا بكتاب الله عزوجل بل كل واحد منهم طائع لكتاب الله عزوجل عاملون به ممتنعون من خلافه إذ قصوا مالا يحل له مراجعتها الا بما امر الله تعلى به إنما المستهزئ بكتاب الله عزوجل من يخالف ما فيه أو لو تزوجها قبل زوج فصح ان هذا الخبر على سقوطه عليهم لا لهم، وخبر آخر رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج ومعمر أن ابن شهاب اخبرهما عن عروة بن(10/184)
الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها أخبرته بخبر امرأة رفاعة القرظى إذ طلقها ثلاثا وذكرها للنبى صلى الله عليه وسلم أنه ليس معه الا مثل هدبة من ثوبها وقوله عليه الصلاة والسلام تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلتك، ثم روينا عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين انها قالت: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسلم فقعدت ثم جاءته بعد فأخبرته أنه قد مسها فمنعها ان ترجع إلى زوجها الاول وقال اللهم ان كان (1) إنما بها أن يحلها لرفاعة فلا يتم له نكاحها مرة أخرى تم أتت أبا بكر وعمر في خلافتهما فمنعاها * قال أبو محمد: فهذه حجة قاطعة لنا عليهم لان فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبطل نكاحها لعبد الرحمن مع تقديره أنه انما يريد احلالها لرفاعة لكن لما أنكرت أن عبد
الرحمن وطئها ثم لما علمت أنها لا تحل له الا بعد ان يطأها عبد الرحمن رجعت عن ذلك الانكار وأقرت بانه وطئها، وقوله عليه الصلاة والسلام ان كان انما بها ان يحلها لرفاعة فلا يتم له نكاحها مرة أخرى انما هو بلا شك انه لا يتم لرفاعة نكاحها مرة أخرى: والمالكيون لا يختلفون إذا لم تكن نية الزوج الثاني احلالها للاول وكانت هي لم تنو قط بزواجها اياه الا لتحليلها للاول فانها تحل بذلك العقد وبالوطئ فيه وهذا خلاف لهذا الخبر بيقين وانما في هذا الخبر انها لا تصدق إذا أنكرت مس الثاني لها ثم علمت أنها لا تحل له الا بوطئة اياها فأقرت بأنه وطئها وبهذا نقول انها لا تصدق الا حتى يجتمع اقرارها واقرار الزوج بالوطئ أو تقوم بوطئه لها بينة وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: ولو أخذ لذلك أجرة فهى أجرة حرام فرض ردها قال أبو محمد: وما نعلم لمن خالف قولنا حجة أصلا لا من قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا قياس ولا سيما قول مالك الذى خص نية الزوج الثاني دون نيتها ودون نية المطلق * 1956 مسألة: لا يقع طلاق الا بلفظ من أحد ثلاثة ألفاظ: إما الطلاق واما السراح واما الفراق مثل أن يقول أنت طالق أو يقول مطلقة أو قد طلقتك أو أنت طالقة أو أنت الطلاق أو أنت مسرحة أو قد سرحتك أو أنت السراح أو أنت مفارقة أو قد فارقتك أو أنت الفراق هذا كله إذا نوى به الطلاق فان قال في شئ من ذلك كله لم انو الطلاق صدق في الفتيا ولم يصدق في القضاء في الطلاق وما تصرف منه وصدق في سائر ذلك في القضاء ايضا *
__________
(1) هكذا في النسخ والمعنى انما نزل بها ووطئها (م 24 - ج 10 المحلى)(10/185)
برهان ذلك قوله عزوجل (ثم طلقتموهن) وقوله تعالى (فطلقوهن * وللمطلقات
متاع) وقوله تعالى (وسرحوهن سراحا جميلا) وقوله تعالى (فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) وقوله تعالى (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف).
(وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته) لم يذكر الله تعالى حل الزوج للزوجة الا بهذه الالفاظ فلا يجوز حل عقدة عقدت بكلمة الله عزوجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الا بما نص الله عزوجل عليه (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه): واما قولنا ان نوى مع ذلك الطلاق فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى " وأما تفريقنا بين ألفاظ الطلاق فلم يوجب أن اعى قوله فيها: لم أنو الطلاق في القضاء خاصة وراعينا ذلك في الفاظ السراح والفراق فلان لفظة الطلاق وما تصرف منها لا يقع في اللغة التى خاطبنا الله عزوجل بها في احكام الشريعة الا على حل عقد الزواج فقط لا معنى آخر البتة فلا يجوز أن يصدق في دعواه في حكم قد ثبت بالبينة عليه وفي اسقاط حقوق وجبت يقينا للمرأة بالطلاق قبله وراعينا دعواه تلك في الفتيا لانه قد يريد لفظا آخر فيسبقه لساني إلى ما لم يرده فإذا لم يعرف ذلك إلا بقوله فقوله كله مقبول لا يجوز أخذ بعضه وإسقاط بعضه، وأما الفاظ السراح والفراق فانها تقع في اللغة التى بها خاطبنا الله عزوجل في شرائعه على حل عقد النكاح وعلى معان أخر وقوعا مستويا ليس معنى من تلك المعاني أحق بتلك اللفظة من سائر تلك المعاني فيكون أنت مسرحة أي أنت مسرحة للخروج إذا شئت وبقوله قد فارقتك وأنت مفارقة في شئ مما بينهما ما لم توافقه فيه فلما كان ذلك كذلك لم يجز أن يحكم بحل عقد صحيح بكلمة الله عزوجل بغير يقين ما يوجب حلها وبالله تعالى التوفيق * 1957 مسألة: وما عدا هذه الالفاظ فلا يقع بها طلاق ألبتة نوى بها طلاقا أو لم ينو.
لا في فتيا ولا في قضاء مثل الخلية والبرية وأنت مبرأة وقد بارأتك وحبلك على غاربك والحرج وقد وهبتك لاهلك أو لمن يذكر غير الاهل والتحريم والتخيير والتمليك.
وهذه الفاظ جاءت فيها آثار مختلفة الفتيا عن نفر من الصحابة
رضى الله عنهم.
ولم يأت فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ أصلا ولا حجة في كلام غيره عليه الصلاة والسلام لا سيما في أقوال مختلفة ليس بعضها أولى من بعض.
فاما التحريم والتخيير والتمليك وقد وهبتك فقد ذكرناها قبل ونذكرها هنا ان شاء الله عزوجل ما يسر لنا من أقوال السلف في سائر الالفاظ التى لم نذكرها قبل وههنا أيضا ألفاظ جاءت فيها آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وهى البائن والبتة واعتدى والحقى باهلك وأمرك(10/186)
بيدك: فأما امرك بيدك فقد ذكرناه قبل فلابد من ذكر الآثار التى جاءت في سائر هذه الالفاظ وبيان حكمها ان شاء الله عزوجل وههنا ايضا الفاظ لم يأت في شئ منها أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا صحيح ولا سقيم ولا عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم ولكن جاءت فيها فتاوى مختلفة عن نفر من التابعين فنذكر ان شاء الله عزوجل من ذلك ما يسر الله تعالى لنا ذكره، واما الالفاظ التى لم يأت فيها أثر لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم ولا عن أحد من التابعين رحمهم الله وانما جاءت فيها فتاوى عن فقهاء الامصار بآرائهم فلا معنى للاشتغال بها لانه لا يستحل تفريق نكاح مسلم واباحة فرج مسلمة لغير من أباحه الله تعالى له الا مقلد ضال بتقليده مستهلك هالك ونعوذ بالله من الخذلان * 1958 مسألة: في الالفاظ التى جاءت فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى ألحقى بأهلك.
واعتدى والبتة.
والبائن.
فاما ألحقى باهلك فكما روينا من طريق البخاري ثنا الحميدى ثنا سفيان الثوري قال: حدثنى الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين " أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها قالت أعوذ بالله منك قال لها لقد عذت بعظيم ألحقى باهلك " * قال أبو محمد: وليس في هذا الخبر حجة لمن ادعى ان ألحقى باهلك لفظ يقع به الطلاق لما رويناه من طريق البخاري نا أبو نعيم هو الفضل بن دكين نا عبد
الرحمن بن الغسيل.
عن حمزة بن أبى أسيد.
عن ابيه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أوتى بالجونية فأنزلت في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل في نخل ومعها دابتها فدخل عليه الصلاة والسلام عليها فقال لها هبى لى نفسك قالت وهل تهب الملكة نفسها لسوقة فاهوى ليضع يده عليها لتسكن فقالت أعوذ بالله منك فقال قد عذت بمعاذ ثم خرج فقال يا أبا أسيد اكسها رازقيتين (1) وألحقها باهلها: ومن طريق مسلم حدثنى محمد بن سهل نا ابن أبى مريم - هو سعيد - نا محمد - هو ابن مطرف أبو غسان - أخبرني أبو حازم عن سهل بن سعد قال ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب فامر أبا أسيد أن يرسل إليها فارسل إليها فقدمت فنزلت في أجم (2) بنى ساعدة فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كلمها قالت أعوذ بالله منك قال قد أعذتك منى فقالوا لها أتدرين من هذا قالت لا قالوا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءك ليخطبك قالت أنا كنت أشقى من ذلك.
فهذه كلها أخبار عن قصة واحدة في امرأة واحدة في مقام واحد
__________
(1) تثنية رازقية وهي ثياب كتان بيض (2) أجم بضمتين جمعها آجام وهي الحصون(10/187)
فلاح انه عليه الصلاة والسلام لم يكن تزوجها بعد وانما دخل عليها ليخطبها فبطل تعلقهم بقوله عليه الصلاة والسلام ألحقى باهلك ثم لو صح أنه عليه الصلاة والسلام كان قد تزوجها فليس فيه أنه عليه الصلاة والسلام ذكر انه انما طلقها بقوله ألحقى باهلك.
ولا تحل النكاحات الصحاح الا بيقين.
وقد روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا سليمان بن داود نا ابن وهب عن يونس بن يزيد قال قال ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن ابن كعب بن مالك أن عبد الرحمن بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديث تخلفه عن تبوك فذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه يأمره أن يعتزل امرأته قال فقلت لرسوله أطلقها أم ماذا أفعل قال لابل اعتزلها فلا تقربها قال كعب فقلت لامرأتي ألحقى باهلك فكوني فيهم حتى يقضى الله في هذا الامر فهاذا كعب لم ير
ألحقى باهلك من ألفاظ الطلاق ولا يعرف له مخالف في ذلك من الصحابة رضى الله عنهم، وروينا عن قتادة أيضا أنه ليس ذلك شئ: وجاءت عن التابعين في ذلك آثار، روينا عن الشعبى.
والحسن: ان من قال لامرأته.
الحقى باهلك فهو على ما نوى وهو قول مالك.
والشافعي.
وصح عن الحسن: ان نوى طلاقا فهى واحدة رجعية، والا فليس بشئ: ورويناه عن الشعبى ايضا: وروى عن عكرمة انها طلقة واحدة رجعية فقط: وعن الزهري انها طلقة واحدة وقال أبوحبيفة واصحابه ان نوى واحدة أو اثنتين فهى طلقة واحدة بائنة ولابد وان نوى ثلاثا فهى ثلاث وان لم ينو طلاقا فليس طلاقا.
قال زفر: وان نوى اثنتين فهى اثنتان.
واما البائن ففيه الخبر الثابت من طريق احمد بن شعيب انا احمد بن عبد الله بن الحكم نا محمد بن جعفرنا شعبة عن ابى بكر بن أبى الجهم قال دخلت على فاطمة بنت قيس فذكرت الحديث وفي آخره وكان زوجها طلقها طلاقا بائنا * قال أبو محمد: وهذا لا حجة فيه لانه ليس من لفظها انما هو من لفظ من دونها، وليس فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع هذه اللفظة فجعلها طلاقا، ولا حجة فيمن دونه عليه الصلاة والسلام، وقد ذكرنا في باب طلاق الثلاث مجموعة كيف كان طلاق فاطمة بنت قيس واختلف عن السلف في ذلك فصح عن على ما رويناه عن شعبة نا عطاء ابن السائب حدثنى أبو البحتري عن على بن ابى طالب انه قال في البائنة هي ثلاث، ومن طريق قتادة عن الحسن عن زيد بن ثابت انه قال في البائنة هي ثلاث.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الحسن والزهرى انهما كانا يجعلان البائنة بمنزلة الثلاث.
وهو قول ابن ابى ليلى والاوزاعي، وابو عبيد، وروينا غير هذا كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان(10/188)
الثوري عن حماد بن ابى سليمان عن ابراهيم النخعي أن عمر بن الخطاب قال في البائنة: هي طلقه واحدة وهو أحق بها، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أن عمرو بن دينار قال في
البائنة هي طلقة واحدة ويدين، قال ابن جريج فقلت له فان نوى بها ثلاثا قال هي واحدة ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس - هو ابن عباد - عن عطاء بن أبى رباح انه قال في البائنة هي واحدة وهو أحق بها، وهو قول أبى ثور إلا أنه قال لا ينوى، وسواء نوى ثلاثا أو اثنتين أو واحدة وهو قول اسحاق بن راهويه.
وابى سليمان إلا أنهما قالا ان قال لم أنو طلاقا لم يكن طلاقا، وقول ثالث رويناه من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن ابى سليمان عن ابراهيم النخعي قال في البائنة هي واحدة بائنة.
وقول رابع له نيته فان نوى ثلاثا فهى ثلاث، وان نوى اثنتين فهى اثنتان، وان نوى واحدة فواحدة، وان قال لم أنو طلاقا فليس طلاقا رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء وهو قول الشافعي، وقول خامس وهو انه في المدخول بها ثلاث ولابد وفي غير المدخول بها واحده فقط وروى عن ربيعة وهو قول الليث بن سعد، وقول سادس انها في المدخول بها ثلاث، ولابد وفي غير المدخول بها ما نوى من واحدة أو اثنتين أو ثلاث وهو قول مالك وأصحابه، ولا نعلم هذا القول عن احد ممن قبله، وقول سابع انه ان قال لها ذلك في غضب أو في غير غضب ما لم يكن في ذكر طلاق فانه ينوى، فان قال لم أنو طلاقا فليس طلاقا، وان قال نويت طلاقا بلا عدد، أو قال نويت واحدة رجعية أو قال نويت واحدة بائنة، أو قال نويت اثنتين رجعيتين أو بائنتين فهى في كل ذلك طلقة واحدة بائنة ولابد، فلو كان ذلك في ذكر طلاق فكذلك سواء سواء إلا أنه لا يصدق في قوله لم أنو طلاقا قفط، وهو قول أبى حنيفة، وأبى يوسف ومحمد بن الحسن، وقول ثامن وهو قول سفيان الثوري مثل قول أبى حنيفة سواء سواء في كل ما ذكرنا إلا أنه لم يفرق بين ذكر طلاق وغير ذكره ولا بين غضب وغيره.
وقول تاسع وهو قول زفر بن الهذيل مثل قول ابى حنيفة، إلا انه قال: ان نوى اثنتين فهى اثنتان باثنتان ولابد.
وأما البات والبتة فروينا من طريق مسلم نا عبيدالله بن معاذ العنبري نا أبى نا شعبة ثنا أبو بكر - هو ابن ابى الجهم - انه دخل على فاطمة بنت قيس فحدثته أن زوجها طلقها طلاقا باتا، ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة نا محمد بن بشر نا محمد بن عمرو نا أبو سلمة بن
عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس قالت كنت عند رجل من بنى مخزوم فطلقني البتة وذكرت الحديث، ومن طريق مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود بن سفيان عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن ابا عمرو بن حفص طلقها البتة فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطت (1) فقال والله مالك علينا من شئ فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 فسخطته(10/189)
ذلك له فقال لها ليس لك عليه نفقة، وذكرت الحديث، ومن طريق مسلم نا عمرو الناقد نا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت: جاءت امرأة رفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وانما معه مثل هدبة الثوب فقال عليه الصلاة والسلام: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك * ومن طريق احمد بن شعيب أنا عمرو بن على انا يزيد بن زريع نا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن امرأة رفاعة قالت: يا رسول الله انى كنت تحت رفاعة فطلقني البتة وذكرت الحديث كما أوردناه آنفا حرفا حرفا، ومن طريق ابى داود نا أبو ثور ابراهيم بن خالد الفقيه نا محمد بن ادريس الشافعي حدثنى عمى محمد بن على بن شافع عن عبد الله بن على بن السائب عن نافع عن عجير بن عبد يزيد عن ركانة بن عبد يزيد أنه طلق امرأته سهمية البتة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: والله ما أردت بذلك الا واحدة فقال له عليه الصلاة والسلام: والله ما أردت الا واحدة فقال: ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم * ومن طريق ابى داود نا سليمان بن داود العتكى نا جرير بن حازم عن الزبير بن سعيد هو الهاشمي عن جده انه اطلق امرأته البتة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما أردت؟ قال واحدة قال الله قال الله قال عليه الصلاة والسلام هو على ما أردت * وأما من دونه عليه الصلاة والسلام فمن طريق شعبة نا عطاء بن السائب أخبرني أبوالبخترى (1) عن
على بن ابى طالب انه قال في البتة هي ثلاث، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال في البتة هي ثلاث: ومن طريق ابن وهب أخبرنا مسلمة ابن على عن محمد بن الوليد الزبيدى (2) عن الزهري قال: من بت امرأته لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
قال الزبيدى وقال الخلفاء مثل ذلك هذا منقطع ورويناه ايضا منقطعا عن عمر ابن الخطاب وعن ابن عباس والقاسم بن محمد وربيعة ومكحول والحسن ولا يصح شئ من ذلك الا عن على وابن عمر، وصح عن الزهري وقتادة وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز، وروى عن سعيد بن المسيب.
وهو قول ابن ابى ليلى.
والاوزاعي.
وأبى عبيد.
وقول ثانى رويناه من طريق شعبة عن ابى اسحاق الشيباني عن عبد الله بن شداد بن الهادى عن عمر ابن الخطاب قال: البتة واحدة وهو احق بها، ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج اخبرني عمرو بن دينار أخبرني محمد بن عباد بن جعفر المخزومى ان المطلب بن حنطب جاء إلى عمر بن الخطاب فقال له: انى قلت لامرأتي أنت طالق البتة فتلا عمر:
__________
(1) وفي النسخة رقم 16 البحترى (2) وفي النسخة رقم 16 الزهري والاولى الزبيدى(10/190)
(يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) ثم تلا: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم) الواحدة تبت ارجع إلى أهلك، وصح هذا عن ابان بن عثمان.
وسعيد بن جبير، وأبى ثور، وابى سليمان إلا ان أبا سليمان قال: ان لم ينو طلاقا فليس طلاقا فان نوى ثلاثا أو اثنتين فهى واحدة رجعية، وقول ثالث إنه ينوى فيكون ما نوى، صح ذلك عن شريح وهو قول الشافعي وأصحابه، وقول رابع صح عن ابراهيم النخعي ان البتة ان نواها طلقة فهى واحدة بائنة، وان نواها ثلاثا فهى ثلاث، وقول خامس وهو انه ان قال ذلك لمدخول بها، فهى ثلاث ولابد، وان قالها لغير مدخول بها فهو على ما نوى ان واحدة فواحدة وان اثنتين فاثنتان وان ثلاثا فثلاث وان لم ينو عددا فهى ثلاث، وهو قول مالك ولا يعرف هذا عن احد من السلف قبله نعنى هذا الفرق،
وقول سادس انه ان قال ذلك في ذكر طلاق فان نوى واحدة أو اثنتين أو لم ينو عددا فهى واحدة بائنة، فان قال لم انو طلاقا لم يصدق فان قال لها ذلك في غير ذكر طلاق فكذلك سواء سواء إلا أنه ان قال: لم أنو طلاقا صدق.
وهو قول ابى حنيفة واصحابه الا زفر بن الهذيل فانه وافقهم في كل ذلك إلا انه قال ان نوى اثنتين فهى اثنتان باثنتان * قال أبو محمد: وقد قلنا ونقول لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما في أقوال مختلفة لا برهان على صحة شئ منها فلم يبق الا الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم: فأما التى من طريق فاطمة فقد بينا قبل أنه قد صح أن طلاق زوجها لها كان ثلاثا هكذا أو آخر ثلاث فوجب ضرورة أن قول من قال في خبرها البتة أوبت طلاقها أو بائنا أنه انما عنى من عند نفسه آخر ثلاث طلقات فبطل التعلق بها: وأما حديث امرأة رفاعة فكذلك أيضا لما رويناه من طريق مسلم نا عبد بن حميدنا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين أن رفاعة القرظى طلق امرأته فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ان رفاعة طلقها آخر ثلاث تطليقات وذكرت الخبر ففسر عبد الرزاق عن معمر ما أجمله غيره: وصح ان طلاقه لها كان آخر ثلاث تطليقات: ثم نظرنا في خبر ركانة فوجدناه من طريق عبد الله ان على بن يزيد عن نافع.
عن عجير وكلاهما مجهول: ولو صح لقلنا به مبادرين إليه: ثم نظرنا في حديث الزبير بن سعيد فوجدناه ضعيفا والزبير هذا متروك الحديث فبطل التعلق بكل أثر في هذه المسألة ولا يحل تحريم فرج على من أباحه الله عزوجل له واباحته لمن حرمه الله عليه بغير قرآن ولاسنة لا سيما قول مالك وأبى حنيفة لا يعرف أحد قال بهما قبلهما (واما اعتدى) فان بعض من لا يبالى بنصر ضلاله بأن يورد الكذب المفترى على(10/191)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ادعى ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لسودة أم المؤمنين اعتدى فكان طلاقا ثم راجعها *
قال أبو محمد: وهذا كذب موضوع ما صح قط ان رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق امرأة من نسائه الا حفصة فقط ثم راجعها.
وأما سودة فلا.
انما جاء فيها انها وهبت يومها وليلتها لما أسنت لعائشة رضى الله عنها: وجاء انه عليه الصلاة والسلام اراد فراقها فلما رغبت إليه عليه الصلاة والسلام في امساكها وتجعل يومها وليلتها لعائشة لم يفارقها فبقى من دونه عليه الصلاة والسلام فذكر عن ابن مسعود انها طلقة: وصح هذا أيضا عن ابراهيم.
ومكحول.
والاوزاعي.
وصح عن عطاء انه طلاق: وصح عن قتادة انها طلقة واحدة فان كررها ثلاث مرات فهى ثلاث تطليقات إلا ان يقول أردت افهامها فهو كما قال وروى عن الشعبى هي واحدة نوى ثلاثا أو أقل: وعن الحسن ان قال أنت طالق اعتدى فهى اثنتان إلا ان ينوى واحدة وكان قتادة يجعلها اثنتين.
وقال أبو حنيفة: ان نوى بقوله اعتدى طلاقا فهو طلاق وان قال لم أنه طلاقا فان كان في غير غضب وفي غير ذكر طلاق صدق وان كان في ذكر طلاق أو في غضب لم يصدق ولزمته طلقة واحدة رجعية سواء قال لم أنو طلاقا أو قال نويت طلاقا بلا عدد أو قال نويت طلقة رجعية أو قال نويت بائنة أو قال نويت طلقتين رجعيتين أو قال نويت طلقتين بائنتين أو قال نويت ثلاثا قالوا فان قال لها اعتدى اعتدى اعتدى فان قال نويت طلقة واحدة أو قال لم أنو شيئا فهى ثلاث ولابد: وان قال نويت بالاولى طلاقا ونويت بالاثنتين الحيض صدق قالوا فان قال: اعتدى ثلاثا سئل عن نيته فان قال نويت واحدة تعتد لها ثلاث حيض صدق قال أبو محمد: هذه شرائع لا تقبل من أحد الا من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى الذى لا يسأل عما يفعل وأما من دونه فهى ضلالات ووساوس وتلاعب ونعوذ بالله من الخذلان مع ان هذه التقاسيم الفاسدة لم تحفظ عن أحد سلف قبل أبى حنيفة: وقال مالك ان قال لامرأته اعتدى فانه ينوى فان قال لم أنو طلاقا لم يصدق ولزمته طلقة رجعية: وكذلك ان نوى طلاقا بغير عدد: فان قال نويت اثنتين فهى اثنتان وان قال نويت ثلاثا فهى ثلاث وهذا أيضا تقسيم لا يعرف عن أحد قبله فإذ ليس في هذا أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل ابطال نكاح صحيح وتحريم فرج واحلاله بآراء فاسدة بغر نص وبالله تعالى التوفيق * واما الالفاظ
التى فيها آثار عن الصحابة رضى الله عنهم لا عن النبي صلى الله عليه وسلم فهى الخلية وقد خلوت منى والبرية وقد بارأتك وأنت مبرأة وحبلك على غاربك والحرج والتخيير والتمليك وقد وهبتك فاما التحريم والتخيير والتمليك وقد وهبتك فقد ذكرناها ونذكر البواقى ها هنا ان شاء الله تعالى (فمن ذلك الخلية) روينا من طريق عبد الله بن احمد بن حنبل.
عن أبيه.
عن محمد(10/192)
ابن جعفر عن شعبة.
عن عطاء بن السائب.
عن أبى البخترى.
عن على بن أبى طالب قال في الخلية انها ثلاث: ومن طريق حماد بن سلمة عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال في الخلية انها ثلاث وهذا (1) قول ابن أبى ليلى.
وأبى عبيد وقول ثان كما روينا من طريق عبد الرزاق.
عن سفيان الثوري عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي.
ان عمر بن الخطاب قال في الخلية هي واحدة وهو أحق بها وصح عن الزهري وقتادة انهما قالا جميعا في الخلية وخلوت عنى (2) هي واحدة رجعية، وصح عن الحسن أيضا.
وعن عطاء، وهو قول أبى ثور، وقول ثالث كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن مروان الاصفر قال قال رجلا لامرأته ان خرجت فأنت خلية فخرجت ففرق معاوية بن أبى سفيان بينهما فهذا تفريق فقط ولم يذكر انه طلاق، وقول رابع كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن زياد الاعلم عن الحسن قال في الخلية قال هي واحدة بائنة، وقول خامس صح عن ابراهيم النخعي انه قال كان أصحابنا يقولون الخلية ان نوى واحدة فهى واحدة بائنة، وان نوى ثلاثا فهى ثلاث، ومن طريق وكيع عن الحسن بن حر عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي قال في الخلية ان نوى اثنتين فهى اثنتان، وصح عن شريح انه قال يدين فان نوى واحدة فهى واحدة بائنة، وصح عن عطاء انه قال نت خلية أو خلوت منى سواء هي سنة لا يدين وهى طلاق، وصح عن عمرو بن دينار انما هي واحدة ويدين نوى طلاقا أو لم ينو وعن مروان وعمر بن عبد العزيز انه ينوى ويلزمه ما نوى وهو قول الشافعي واسحاق ابن راهويه، وقول سادس روى عن ربيعة في الخلية انها ثلاث في المدخول بها وفي غير
المدخول بها واحدة، وقول سابع قاله مالك وهو ان الخلية في المدخول بها ثلاث ولابد وفي غير المدخول بها ان نوى ثلاثا فثلاث وان نوى اثنتين فهى اثنتان وان نوى واحدة فواحدة ولا يعرف هذا التقسيم عن أحد قبله، وقول ثامن قاله أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري ان نوى بالخلية ثلاثا فهى ثلاث وان نوى واحدة أو اثنتين فهى واحدة بائنة فقط قال أبو حنيفة: واصحابه فان قال لم انو طلاقا فان كان في ذكر طلاق لم يصدق ولزمته واحدة بائنة وان كان في غير ذكر طلاق صدق سواء كان في غير غضب أو في غضب * قال أبو محمد: ان من الشنع تفريقه بين الغضب وغير الغضب وتسويته مرة بينهما وهذا كله لا يعرف عن احد قبله، وقد قلنا: ان تحريم الفروج المحللة وتحليل الفروج المحرمة لا يحل لاحد بغى نص قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واما البرية وانت مبرأة منى وقد بارأتك وقد برئت منى: فروينا من طريق عبد الله بن احمد
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 وهو قول (2) في النسخة رقم 14 منى (م 25 - ج 10 المحلى)(10/193)
ابن حنبل عن ابيه عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عطاء بن السائب عن أبى البخترى عن على بن ابى طالب انه قال في البرية هي ثلاث، ومن طريق حماد بن سلمة عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر انه قال في البرية هي ثلاث، ومن طريق قتادة.
عن الحسن عن زيد بن ثابت قال البرية ثلاث، وصح عن قتادة.
والزهرى ان البرية ثلاث، وصح عن الحسن ايضا ففرق الزهري وقتادة بين الخلية وبين البرية كما ذكرنا، وهو قول ابن وهب صاحب مالك، وقول ثانى كما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن حماد بن ابى سليمان عن ابراهيم النخعي ان عمر بن الخطاب قال في البرية هي واحدة وهو أحق بها وروينا عن ابن عباس ان البرية واحدة وهو قول ابى ثور وابى سليمان واصحابنا.
وبعض أصحاب مالك، وقول ثالث صح عن ابراهيم
النخعي انه قال كان أصحابنا يقولون في البرية هي واحدة بائنة، وقول رابع كما روينا صحيحا عن ابراهيم النخعي قال كان اصحبانا يقولون في البرية ان نوى ثلاثا فثلاث وان نوى واحدة فواحدة بائنة، وصح عن ابراهيم ايضا وان نوى اثنتين فاثنتان وهو قول الشعبى.
وعطاء.
وعمرو بن دينار والشافعي.
وقول خامس قاله ربيعة في المدخول بها ثلاث ولابد وفي غير المدخول بها واحدة، وقول سادس قاله مالك في البرية في المدخول بها ثلاث ولابد وفي غير المدخول بها واحدة الا ان ينوى اكثر فيكون ما نوى، وقول سابع قاله أبو حنيفة واصحابه: الازفر.
وسفيان الثوري ان نوى ثلاثا فهى ثلاث وان نوى واحدة رجعية أو بائنة أو اثنتين رجعيتين أو بائنتين فهي واحدة بائنة لا أكثر، قال أبو حنيفة: وأصحابه ان قال لم أنو طلاقا فان كان في ذكر طلاق لم يصدق فان كان في غير ذكر طلاق فهو مصدق سواء كان ذلك في ذكر غضب أو في غير ذكر غضب، وقال زفر گذلك الا أنه قال وان نوى اثنتين فهى اثنتان بائنتان * قال أبو محمد: لا نعلم قول مالك وأبى حنيفة عن أحد قبلهما ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وسواء عندهم البرية وقد بارأتك وأنت مبرأة الا رواية عن ابن القاسم صاحب مالك فانه قال من قال قد بارأتك فهى واحدة بائنة في المدخول بها * قال أبو محمد: لا يحل تحريم فرج محلل بحكم الله عزوجل وتحليل فرج محرم بحكمه تعالى بغير نص وبالله تعالى التوفيق، واما الحرج فصح عن على انه قال إذا قال أنت طالق طلاق الحرج فهى ثلاث، وصح عن الحسن أيضا وعن الزهري في أحد قوليه، وقول ثان عن عمر بن الخطاب هي واحدة وهو أحد قولى الزهري، وقول ثالث قال سفيان الثوري له نيته وهو قول اسحاق بن راهويه *(10/194)
قال أبو محمد: قد قلنا إنه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما حبلك على غاربك فروينا عن مالك أن عمر كتب أن يجلب إلى مكة رجل من العراق قال لامرأته:
حبلك على غاربك فأحلفه عند الكعبة ماذا أراد فقال أردت الفراق فقال له عمر: فهو ما أردت فجمع هذا الحكم ثلاثة أوجه، أحدها التحليف، والثانى الاستجلاب فيه من العراق إلى مكة، والثالث انه على ما نوى وروينا عن على انه على ما نوى، وقول ثان قاله مالك حبلك على غاربك في المدخول بها ثلاث وفي غير المدخول بها واحدة ولا يعرف هذا عن أحد قبله، وأما الالفاظ التى لم تأت منها لفظة عن صاحب من الصحابة رضى الله عنهم وانما جاء فيها أقوال عن نفر من التابعين فنذكر منها ما يسر الله تعالى لذكره ان شاء الله عزوجل * فمنها قد أعتقتك فروينا عن عطاء ان نوى الطلاق فهو طلاق والا فليس شيئا، وصح عن الحسن فيمن قال لامرأته أنت عتيقة قال: هي واحدة وقال قتادة: ان قال لها أنت حرة فله ما نوى.
وأما قد أذنت لك فتزوجي فصح عن ابراهيم أنه ليس بشئ، وصح عنه أيضا ان لم ينو طلاقا فليس بشئ.
وعن الشعبى أقل من هذا يكون طلاقا، وصح عن قتادة انها طلقة: وروى عن الحسن هي طلقة رجعية * واما اخرجي عن بيتى ما يجلسك لست لى بامرأة فصح عن الحسن انه قال من كررها ثلاثا فهى واحدة وينوى، واما لا حاجة لى فيك فصح عن ابراهيم انه قال له نيته، وعن الحسن ان نوى الطلاق فهى طلقة وعن مكحول ليس بشئ، ومن طريق وكيع عن شعبة سألت الحكم بن عتيبة.
وحماد بن أبى سليمان عمن قال لامرأته إذ هبى حيث شئت لا حاجة لى فيك فقالا جميعا: ان نوى طلاقا فهى واحدة رجعية * واما استبرئي واخرجي واذهبي فصح عن الحسن في جميعها ان نوى الطلاق فهى طلقة، وصح أيضا عن الحسن فيمن عن الحسن فيمن قال لامرأته اذهبي فلا حاجة لى فيك انها ثلاث * واما قد خليت سبيلك لا سبيل عليك فروينا عن ابراهيم والشعبى ولم يصح عنهما هي طلقة بائنة.
وصح عن الحكم بن عتيبة له نيته، وصح عن الحسن في لا سبيل لى عليك ان نوى طلاقا فهى واحدة رجعية والا فليس بشئ رويناه أيضا عن الشعبى * وأما من قال: لست لى بامرأة فروينا عن ابراهيم انه قال ما أراه ان كرر ذلك ثلاثا أراد
الا الطلاق، وصح عن قتادة ان اراد بذلك طلاقا فهو طلاق وتوقف فيها سعيد بن المسيب * وأما افلجى (1) فروينا عن طاوس ان نوى طلاقا فهو طلاق * وأما شأنكم بها فروينا عن القاسم بن محمد أنه قال رأى الناس انها طلقة، وعن مسروق.
وطاوس
__________
(1) اطفري وفوزي يقال فلج فلوجا من باب قعد أي ظفر وفاز بما طلب(10/195)
وابراهيم ما أريد به الطلاق فهو طلاق * قال أبو محمد: لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: فان قالوا: الورع له أن يفارقها.
قلنا انما الورع لكل مفت في الارض أن لا يحتاط لغيره بما يهلك به نفسه وأن لا يستحل تحريم فرج امرأة على زوجها واباحته لغيره بغير حكم من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى: (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا باذن الله)، وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن طاوس عن ابن عباس انه كان لا يرى الفداء طلاقا حتى يطلق قال ابن عباس: الا ترى انه عزوجل ذكر الطلاق من قبله ثم ذكر الفداء فلم يجعله طلاقا ثم قال في الثالثة (فان طلقها فلا تحل له من بعد) فهذا ابن عباس بأصح اسناد عنه لا يرى طلاقا الا بلفظ الطلاق أو ما سماه الله عزوجل طلاقا وهذا هو قولنا وقد ذكرنا خلاف ابى حنيفة ومالك لكل من روى عنه في ذلك شئ من الصحابة رضى الله عنهم وما قالاه مما لم يقله أحد قبلهما بغير نص في ذلك أصلا * 1959 مسألة: ولا تجوز الوكالة في الطلاق لان الله عزوجل يقول: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فلا يجوز عمل أحد عن أحد إلا حيث أجازه القرآن أو السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز كلام أحد عن كلام غيره إلا حيث أجازه القرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأت في طلاق أحد عن أحد بتوكيله إياه قرآن ولا سنة فهو باطل، والمخالفون لنا أصحاب قياس بزعمهم وبالضرورة يدرى كل احد
أن الطلاق كلام والظهار كلام واللعان كلام والايلاء كلام، ولا يختلفون في أنه لا يجوز أن يظاهر أحد عن احد، ولا أن يلاعن أحد عن احد ولا أن يولى أحد عن أحد لا بوكالة ولا بغيرها فهلا قاسوا الطلاق على ذلك؟ ولكن لا النصوص يتبعون ولا القياس يحسنون، وكل مكان ذكر الله تعالى فيه الطلاق فانه خاطب به الازواج لا غيرهم فلا يجوز أن ينوب غيرهم عنهم لا بوكالة ولا بغيرها لانه كان يكون تعديا لحدود الله عزوجل، وقد قال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) وقال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم فلا خيار لاحد في خلاف ما جاء به النص وما نعلم اجازة التوكيل في الطلاق عن أحد من المتقدمين الا عن ابراهيم والحسن * 1960 مسألة: ومن كتب إلى امرأته بالطلاق فليس شيئا، وقد اختلف الناس في هذا، فروينا عن النخعي والشعبى والزهرى إذا كتب الطلاق بيده فهو طلاق(10/196)
لازم وبه يقول الاوزاعي، والحسن بن حى.
واحمد بن حنبل.
وروينا عن سعيد بن منصور نا هشيم أنا يونس ومنصور.
عن الحسن.
في رجل كتب بطلاق امرأته ثم محاه فقال ليس بشئ الا أن يمضيه أو يتكلم به * وروينا عن الشعبى مثله.
وصح أيضا عن قتادة، وقال أبو حنيفة: ان كتب طلاق امرأته في الارض لم يلزمه طلاق وان كتبه في كتاب ثم قال لم أنو به طلاقا صدق في الفتيا ولم يصدق في القضاء وقال مالك: ان كتب طلاق امرأته فان نوى بذلك الطلاق فهو طلاق وان لم ينو به طلاقا فليس بطلاق وهو قول الليث.
والشافعي * قال أبو محمد: قال الله تعالى (الطلاق مرتان) وقال تعالى: (فطلقوهن لعدتهن) ولا يقع في اللغة التى خاطبنا الله تعالى بها ورسوله صلى الله عليه وسلم اسم تطليق على أن يكتب انما يقع ذلك على اللفظ به فصح ان الكتاب ليس طلاقا حتى يلفظ به إذ لم يوجب ذلك نص
وبالله تعالى التوفيق * 1961 مسألة: ويطلق من لا يحسن العربية بلغته باللفظ الذى يترجم عنه في العربية بالطلاق ويطلق الابكم والمريض بما يقدر عليه من الصوت أو الاشارة التى يوقن بها من سمعهما قطعا انهما أراد الطلاق، برهان ذلك قول الله عزوجل (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " فصح ان ما ليس في وسع المرء ولا يستطيعه فقد سقط عنه وانه يؤدى مما أمر به ما استطاع فقط وبالله تعالى التوفيق * 1962 مسألة: ومن طلق امرأته وهو غائب لم يكن طلاقا وهى امرأته كما كانت يتوارثان ان مات احدهما وجميع حقوق الزوجية بينهما سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها ثلاثا أو أقل الا حتى يبلغ إليها فإذا بلغها الخير من تصدقه أو بشهادة تقبل في الحكم فحينئذ يلزمها الطلاق ان كانت حاملا أو طاهرا في طهر لم يمسها فيه * برهان ذلك قول الله عزوجل: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) فهذه صفة طلاق المدخول بها.
وقال تعالى: (لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحون سراحا جميلا) وقال تعالى: (ولا تضاروهن لتضيقوا(10/197)
عليهن وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فهذه صفة طلاق غير المدخول بها ويدخل فيه طلاق الثلاث المجموعة وآخر الثلاث وبالضرورة يوقن كل ذى حس سليم أن من طلقها فلم يبلغها الطلاق فقد ضارها ومضارتها حرام ففعله مردود
باطل والمعصية لا تنوب عن الطاعة وبالضرورة يوقن كل أحد ان من فعل ذلك فلم يسرحها سراحا جميلا.
ومن لم يطلق للعدة ولم يحص العدة فلم يطلق كما أمره الله تعالى ومن لم يطلق كما أمره الله تعالى فلم يطلق أصلا (فان ذكر ذاكر) ما رويناه من طريق احمد بن شعيب قال أنا عبيدالله بن سعيد أبو قدامة السرخسى نا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن أبى بكر - هو ابن ابى الجهم - قال سمعت فاطمة بنت قيس تقول ارسل إلى زوجي بطلاقي فشددت على ثيابي ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال كم طلقك قلت ثلاثا وذكر الحديث قلنا: نعم وهذا قولنا ولم نقل قط انه لا يلزمها الطلاق إذا بلغها وسنذكر ان شاء الله تعالى في باب العدد من قال من السلف ان من طلقها زوجها وهو غائب فانها لا تلزمها العدة الا من حين يبلغها الخبر، وهذا يدل على انها لم يلزمها الطلاق إلا من حين لزمتها العدة لا قبل ذلك إذ لا يجوز في دين الاسلام أن يحال بزمان بين الطلاق وبين أول عدتها ولا يجوز أن تكون امرأة ذات زوج موطوءة منه خارجة عن الزوجية بطلاقه وفي غير عدة هذا خلاف القرآن والسنة فكيف وقد جاء خبر فاطمة بخلاف ما ذكر أبو بكر بن أبى الجهم كما روينا من طريق مسلم حدثنى محمد بن رافع نا حسين بن محمد نا شيبان - هو ابن فروخ - عن يحيى - هو ابن ابى كثير - أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان فاطمة بنت قيس أخبرته أن أبا حفص بن المغيرة طلقها ثلاثا ثم انطلق إلى اليمن وذكرت الخبر فان قيل: فأنتم لا تجيزون الطلاق إلى أجل ولا الطلاق بصفة وتحتجون بان كل طلاق لا يقع حين يوقع فمن المحال ان يقع حين لم يوقع فكيف أجزتم طلاق الغائب.
قلنا: لان الله عزوجل علمنا الطلاق في كل صنف من المطلقات وفي المطلقة الصغيرة التى لم تخاطب والمجنونة وهما لا يلزم خطابهما بالطلاق وقد يطلق المطلق عند باب الدار ويبعث إليها الخبر وعلى أذرع منها وإذا جاز ذلك فلا فرق بين الطلاق في البعد ولو أقصى المعمور وبين الطلاق خلف حائط وليس ذلك طلاقا إلى أجل انما هو كله طلاق لازم إذا بلغها أو بلغ أهلها ان
كانت ممن لا تخاطب فيقع بذلك حل النكاح كما يقع بالفسخ ولا فرق وبالله تعالى التوفيق * 1963 مسألة: ومن طلق في نفسه لم يلزمه الطلاق * برهان ذلك الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " عفى لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تخرجه بقول أو عمل "(10/198)
أو كما قال عليه الصلاة والسلام فصح ان حديث النفس ساقط ما لم ينطق به وكذلك العتق في النفس والمراجعة في النفس والهبة والصدقة في النفس والاسلام في النفس كل ذلك ليس بشئ: وللسلف في ذلك ثلاثة أقوال، أحدها كما قلنا روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء قال إذا طلق في نفسه فليس بشئ * وبه إلى ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبى الشعثاء جابر بن زيد قال إذا طلق في نفسه فليس بشئ ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ليس طلاقه ولا عتاقه في نفسه شيئا قال ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار ان رجلا طلق امرأته في نفسه فانتزعت منه فقال جابر بن زيد لقد ظلم: وروينا ذلك أيضا عن الشعبى * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة والحسن قالا جميعا: من طلق في نفسه فليس طلاقه ذلك بشئ وبه يقول أبو حنيفة.
والشافعي.
وأبو سليمان وأصحابهم * وقول ثان كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر قال سئل عنها ابن سيرين فقال أليس قد علم الله ما في نفسك قال بلى قال فلا أقول فيها شيئا فهذا توقف، وقول ثالث انه طلاق روى عن الزهري ورواه أشهب عن مالك * قال أبو محمد: الفرض والورع أن لا يحكم حاكم ولا يفتى مفت بفراق زوجة عقد نكاحها بكتاب الله عزوجل وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بغير قرآن أو سنة ثابتة، واحتج من ذهب إلى هذا القول بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الاعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى " * قال أبو محمد: وهذا الخبر حجة لنا عليهم لانه عليه الصلاة والسلام لم يفرد فيه
النية عن العمل ولا العمل عن النية بل جمعهما جميعا ولم يوجب حكما بأحدهما دون الآخر، وهكذا نقول.
ان من نوى الطلاق ولم يلفظ به أو لفظ به ولم ينوه فليس طلاقا الا حتى يلفظ به وينويه الا ان يخص نص شيئا من الاحكام بالزامه بنية دون عمل أو بعمل دون نية فنقف عنده وبالله تعالى التوفيق، واحتجوا أيضا بأن قالوا انكم تقولون من اعتقد الكفر بقلبه فهو كافر وان لم يلفظ به وتقولون ان المصر على المعاصي عاص آثم معاقب بذلك، وتقولون ان من قذف محصنة في نفسه فهو آثم، ومن اعتقد عداوة مؤمن ظلما فهو عاص لله عزوجل وان لم يظهر ذلك بقول أو فعل ومن أعجب بعلمه أو راءى فهو هالك، قلنا أما اعتقاد الكفر فان القرآن قد جاء بذلك نصا قال تعالى: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بافواههم ولم تؤمن قلوبهم) فخرج هؤلاء بنصوص القرآن والسنن عما عفى عنه وأيضا(10/199)
فان العفو عن حديث النفس انما هو عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم فضيلة لهم بنص الخبر، ومن أسر الكفر فليس من أمته عليه الصلاة والسلام فهو خارج عن هذه الفضيلة، وأما المصر على المعاصي فليس كما ظننتم صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه " فصح ان المصر الآثم باصراره هو الذى عمل السيئة ثم أصر عليها، فهذا جمع نية السوء والعمل السوء معا، وأما من قذف محصنة في نفسه فقد نهاه الله عزوجل عن الظن السوء وهذا ظن سوء فخرج عما عفى عنه بالنص ولا يحل أن يقاس عليه غيره فيخالف النص الثابت في عفو الله عزوجل عن ذلك، واما من اعتقد عداوة مسلم فان لم يضربه بعمل ولا بكلام فانما هو بغضة والبغضة التى لا يقدر المرء على صرفها عن نفسه لا يؤاخذ بها فان تعمد ذلك فهو عاص لانه مأمور بموالاة المسلم ومحبته فتعدى ما أمره الله تعالى به فلذلك أثم وهكذا الرياء والعجب قد صح النهى عنهما، ولم يأت نص قط بالزام طلاق أو عتاق أو رجعة أو هبة أو صدقة بالنفس
لم يلفظ بشئ من ذلك فوجب انه كله لغو وبالله تعالى التوفيق * 1964 مسألة: ومن طلق وهو غير قاصد إلى الطلاق لكن أخطأ لسانه فان قامت عليه بينة قضى عليه بالطلاق وان لم تقم عليه بينة لكن أتى مستفتيا لم يلزمه الطلاق * برهان ذلك قول الله عزوجل: (ليس عليكم جناح فيما اخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انما الاعمال بالنيات، وانما لكل امرئ ما نوى " فصح أن لا عمل الا بنية ولا نية إلا بعمل، وأما إذا قامت بذلك بينة فانه حق قد ثبت وهو في قوله لم أنو الطلاق مدع ذلك الحق الثابت فدعواه باطل، روينا من طريق وكيع عن ان ابى ليلى عن الحكم بن عتيبة عن خيثمة ابن عبد الرحمن قال: قالت امرأة لزوجها سمنى فسماها الظبية قالت ما قلت شيئا قال فهات ما أسميك به قالت سمني خلية طالق قال فانت خلية طالق فاتت عمر بن الخطاب فقالت ان زوجي طلقني فجاء زوجها فقص عليه القصة فأوجع عمر رأسها وقال لزوجها: خذ بيدها واوجع رأسها * قال أبو محمد: أما مثل هذا فحتى لو قامت به بينة لم يكن طلاقا، وروى قولنا عن إياس بن معاوية، وقال مالك إذا قال أنت طالق البتة وهو يريد أن يحلف على شئ ثم بدا له فترك اليمين فليست طالقا لانه لم يرد أن يطلقها، وهو قول الليث بن سعد، وقال الشافعي ما غلب المرء على لسانه بغير اختيار منه لذلك فهو كلا قول لا يلزمه به طلاق ولا غيره، قال أبو حنيفة.
وأصحابه: من أراد أن يقول شيئا لامرأته فسبقه(10/200)
لسانه فقال: انت طالق لزمه الطلاق في القضاء وفي الفتيا وبينه وبين الله عزوجل، وكذلك لو أراد أن يقول: أنت طالق ثلاثا ان دخلت الدار فقال: أنت طالق ثلاثا ثم بدا له عن اليمين أو قطع به عن ذلك قاطع فلم يلفظ بما أراد أن يقول فهى طالق في الفتيا والقضاء وبينه وبين الله عزوجل سواء دخلت الدار أو لم تدخل، قال
أبو حنيفة: فلو أراد أن يقول انت حرة ان دخلت الدار فقال أنت حرة ثم بدا له عن اليمين أو قطعه عنه قاطع فهى حرة في الفتيا وفي القضاء وبينه وبين الله عزوجل دخلت الدار أو لم تدخل فلو أراد أن يقول لها كلاما فأخطأ فسبقه لسانه فقال انت حرة قال أبو حنيفة: لا تكون بذلك حرة ولا يلزمه العتق بخلاف الطلاق وبخلاف المسألة في العتق التى ذكرنا آنفا، وقال أصحابه كل ذلك سواء * قال أبو محمد: أما قول ابى حنيفة ففى غاية الفساد والمناقضة، وأما قول مالك فمناقض لقوله في التحريم وفي حبلك على غاربك وسائر ما رأى التحريم يدخل فيه بأرق الاسباب وبالله تعالى التوفيق * 1965 مسألة: ولا يلزم المشرك طلاقه وأما نكاحه وبيعه وابتياعه وهبته وصدقته وعتقه ومؤاجرته فجائز كل ذلك، برهان ذلك قول النيى عليه الصلاة والسلام: " من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد " وقول الله عزوجل: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) فصح بهذين النصين أن كل من عمل بخلاف ما أمر الله عز وجل به أو رسوله صلى الله عليه وسلم فهو باطل لا يعتد به، ولا شك في أن الكافر مأمور بقول لا إله الا الله محمد رسول الله ملزم ذلك متوعد على تركه بالخلود بين اطباق النيران فكل كلام قاله وترك الشهادة المذكورة فقد وضع ذلك الكلام غير موضعه فهو غير معتد.
فان قيل فمن اين أجرتم سائر عقوده التى ذكرتم.
قلنا اما النكاح فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز نكاح أهل الشرك وأبقاهم بعد اسلامهم عليه وأما بيعه وابتياعه فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعامل تجار الكفار، ومات عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودى في اصواع شعير، واما مؤاجرته فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم استأجر ابن ارقط ليدل به إلى المدينة وهو كافر وعامل يهود خيبر على عمل ارضها وشجرها بصنف ما يخرج الله عزوجل من ذلك، واما هبته وصدقته وعتقه فلقول حكيم بن حزام " يا رسول الله اشياء كنت اتحنث بها في الجاهلية من عتاقة وصلة رحم وصدقة
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت على ما اسلفت من خير " فسمى عليه الصلاة والسلام كل ذلك خيرا واخبر انه معتد له به فبقى الطلاق لم يأت في امضائه نص فثبت على اصله (م 26 - ج 10 المحلى)(10/201)
المتقدم.
فان قيل فقد قال الله تعالى: (وان احكم بينهم بما انزل الله اليك) قلنا نعم، وهذا الذى حكمنا به بينهم هو مما انزل الله تعالى كما ذكرنا، وقد اختلف الناس في هذا فرويناه من طريق قتادة ان رجلا طلق امرأته طلقتين في الجاهلية وطلقة في الاسلام فسأل عمر فقال له عمر لا آمرك ولا انهاك.
فقال له عبد الرحمن بن عوف لكننى آمرك ليس طلاقك في الشرك بشئ وبهذا كان يفتى قتادة، وصح عن الحسن وربيعة وهو قول مالك وابى سليمان واصحابهما، وصح عن عطاء.
وعمرو بن دينار.
وفراس الهمداني.
والزهرى.
والنخعي.
وحماد بن ابى سليمان إجازة طلاق المشرك وهو قول الاوزاعي.
وأبى حنيفة.
والشافعي وأصحابهما، فان قيل: فقد رويتم من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: لقد طلق رجال نساء في الجاهلية ثم جاء الاسلام فما رجعن إلى أزواجهن * قال أبو محمد: هذا لا حجة فيه لوجوه، أولها انه مرسل، وأين عمرو بن دينار من الجاهلية.
وثانيها انه ليس فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم منع من ذلك، وثالثها انا لم نمنع نحن من أن يكون قوم رأوا ان ذلك نافذ ولا حجة في ذلك الا أن يعلمه عليه الصلاة والسلام فيقره * 1966 مسالة: وطلاق المكره غير لازم له * وقد اختلف الناس في هذا فروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سليمان الشيباني عن على بن حنظلة عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب ليس الرجل بأمين على نفسه إذا أخفته أو ضربته أو أوثقته، ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى عن عبد الملك بن قدامة الجمحى حدثنى
أبى ان رجلا تدلى بحبل ليشتار عسلا فأتت امرأته فقالت له لا قطعن الحبل أو لتطلقني فناشدها الله تعالى فأبت فطلقها فلما ظهر أتى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال له عمر: ارجع إلى امرأتك فان هذا ليس بطلاق، ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن ان على بن أبى طالب كان لا يجيز طلاق المكره، ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ثابت الاعرج قال سألت ابن عمرو ابن الزبير عن طلاق المكره فقالا جميعا ليس بشئ، ومن طريق الحجاج بن المنهال نا هشيم نا عبيدالله بن طلحة الخزاعى نا أبو يزيد المدنى عن ابن عباس قال ليس لمكره ولا لمضطر طلاق، ومن طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن المبارك عن الاوزاعي عن يحيى بن أبى كثير عن ابن عباس انه كان لا يرى طلاق المكره شيئا(10/202)
وصح عن الحسن البصري طلاق المكره لا يجوز وهو أحد قولى عمر بن عبد العزيز، وصح أيضا عن عطاء.
وطاوس وأبى الشعثاء جابر بن زيد.
وعن الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن المغيرة عن ابراهيم قال الطلاق ما عنى به الطلاق وهو قول مالك.
والاوزاعي.
والحسن بن حى.
والشافعي.
وأبى سليمان.
وأصحابهم وأحد قولى الشافعي * وروى خلاف ذلك عن عمر كما روينا عن سعيد بن منصور نا فرج بن فضالة حدثنى عمرو بن شراحيل المعافرى ان امرأة سلت سيفا فوضعته على بطن زوجها وقالت والله لانفذنك أو لتطلقني فطلقها ثلاثا فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فامضى طلاقها: وعن ابن عمر روينا عنه انه سأله رجل فقال له انه وطئ فلان على رجلى حتى أطلق امرأتي فطلقتها فكره له الرجوع إليها، وهذا يخرج على انه لم ير ذلك اكراها، وروى أيضا عن عمر بن عبد العزيز وروينا عن على بن أبى طالب كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه وقد روينا عنه قبل ابطال طلاق المكرة.
وروى أيضا عن ابراهيم وصح عن أبى قلابة.
والزهرى.
وقتادة.
وسعيد بن جبير وبه أخذ أبو حنيفة واصحابه،
وقول ثالث وهو ان طلاق المكره ان اكرهه اللصوص لم يلزمه وان أكرهه السلطان لزمه رويناه عن الشعبى، وقول رابع رويناه عن ابراهيم انه قال ان اكره ظلما على الطلاق فورك إلى شئ آخر لم يلزمه فان لم يورك لزمه ولا ينتفع الظالم بالتوريك وهو أحد قولى سفيان * قال أبو محمد: احتج من أجازه بخبر رويناه من طريق بقية عن الغازى بن جبلة عن صفوان بن عمرو الاصم الطائى عن رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن رجلا جلست امرأته على صدره وجعلت السكين على حلقه وقالت له طلقني أو لاذبحنك فناشدها الله تعالى فابت فطلقها ثلاثا فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال لا قيلولة في الطلاق " ومن طريق سعيد بن منصور حدثنى الوليد بن مسلم عن الغازى بن جبلة الجبلانى انه سمع صفوان يقول ان رجلا جلست امرأته على صدره فوضعت السكين على فؤاده وهى تقول لتطلقني أو لاقتلنك فطلقها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام لا قيلولة في الطلاق، وهذا خبر في غاية السقوط، صفوان منكر الحديث، وبقية ضعيف، والغازي بن جبله مغموز.
وذكروا خبرا آخر من طريق عطاء بن عجلان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل الطلاق جائز الا طلاق المعتوه المغلوب على عقله " وهذا شر من الاول لان عطاء بن عجلان مذكور بالكذب: والعجب ان المحتجين به أول المخالفين له لاصل فاسد لهم، اما أصلهم فانهم يقولون(10/203)
في الاخبار الثابتة إذا خالف شيئا منها راويه فهو دليل على سقوطه وهذا خبر انما ذكر من طريق ابن عباس والثابت عن ابن عباس ابطال طلاق المكره كما ذكرنا آنفا، واما خلافهم له فانهم.
لا يجيزون طلاق الصبى الذى لم يبلغ وعموم هذا الخبر الملعون يقتضى جوازه كما يقتضى عندهم جواز طلاق المكره: فان ادعوا في ابطال طلاق الصبى الاجماع على عادتهم في استسهال الكذب في دعوى الاجماع بين كذبهم
ما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبى اسحاق عمن سمع على بن أبى طالب انه كان يقول: " اكتموا الصبيان النكاح " ومن طريق الحجاج بن المنهال نا هشيم أنا المغيرة عن ابراهيم انه كان لا يهاب شيئا من أمر الغلام الا الطلاق، ومن طريق وگيع عن هشام الدستوائى عن قتادة عن سعيد بن المسيب في طلاق الصبى قال: إذا صام رمضان وأحصى الصلاة جاز طلاقه، ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم النخعي قال: كانوا يكتمون الصبيان النكاح إذا زوجوهم مخافة الطلاق، فان قيل ففي هذا الخبر وكان إذا وقع لم يره شيئا قلنا: نعم هذه حكاية عن ابراهيم لا عن أصحابه الذين حكى عنهم كتمان الصبيان زواجهم مخافة الطلاق * واحتجوا ايضا بآثار فيها " ثلاث جدهن جدوهزلهن جد.
النكاح.
والطلاق.
والرجعة " وهى أخبار موضوعة لانها انما فيها حكم الهاذل والجاد لاذكر للمكره فيها، وبعد فانما رويناها من طريق عبد الرحمن بن حبيب بن أدرك وهو منكر الحديث مجهول لان قوما قالوا عن عبد الرحمن بن حبيب وقوما قالوا حبيب بن عبد الرحمن وهو مع ذلك متفق على ضعف روايته، أو من طريق وكيع عن سفيان عن أبى اسحاق عن أبى بردة " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بال رجال يلعبون بحدود الله يقول احدهم قد طلقت ثم راجعت " وهذا مرسل ولا حجة في مرسل وليس فيه أيضا جواز طلاق مكره.
أو عن الحسن ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من طلق لاعبا أو أنكح لاعبا أو نكح لاعبا أو اعتق لاعبا فقد جاز " ولا حجة في مرسل وليس فيه أيضا لطلاق مكره أثر، ومن طريق فيها ابراهيم بن محمد بن أبى ليلى وهو مذكور بالكذب ثم ليس فيه الا من طلق لاعبا أو أعتق لا عبا وليس فيه للمكره ذكر، أو من طريق ابن جريج ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا فاحش الانقطاع ثم ليس للمكره ذكر وانما فيه من نكح لاعبا أو طلق لاعبا، وان قالوا هو طلاق: قلنا كلا ليس طلاقا انما الطلاق ما نطق به المطلق مختارا بلسانه قاصدا بقلبه كما أمر الله تعالى وأنتم تسمون نكاح المتعة ونكاح
عشر نكاحا فأجيزوه لذلك فإذ قد بطل كل ماموهوا به فعلينا ايراد البرهان بحول الله(10/204)
وقوته على بطلان طلاق المكره: فمن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى " فصح ان كل عمل بلا نية فهو باطل لا يعتد به وطلاق المكره عمل بلا نية فهو باطل وانما هو حاك لما أمر ان يقوله فقط ولا طلاق على حاك كلاما لم يعتقده وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله تجاوز لى عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " رويناه من طريق الربيع بن سليمان المؤذن نا بشر بن بكر عن الاوزاعي عن عطاء بن أبى رباح عن عبيد بن عمير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أعظم تناقضهم انهم يجيزون طلاق المكره ونكاحه وانكاحه ورجعته وعتقه ولا يجيزون بيعه ولا ابتياعه ولا هبته ولا اقراره.
وهذا تلاعب بالدين ونعوذ بالله من الخذلان * 1967 مسالة: ومن قال: ان تزوجت فلانة فهى طالق أو قال فهى طالق ثلاثا فكل ذلك باطل وله أن يتزوجها ولا تكون طالقا، وكذلك لو قال كل امرأة أتزوجها فهى طالق وسواء عين مدة قريبة أو بعيدة أو قبيلة أو بلدة كل ذلك باطل لا يلزم، وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة يلزمه كل ذلك، وقالت طائفة ان عين قبيلة أو بلدة أو امرأة أو مدة قريبة يعيش إليها لزمه فان عم لم يلزمه، وقالت طائفة يكره له أن يتزوجها فان تزوجها لم نمنعه، ولم نفسخه، فممن روى عنه قولنا كما رويناه من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن ان على بن ابى طالب قال: " لا طلاق إلا من بعد نكاح وان سماها فليس بطلاق "، ومن طريق ابى عبيدنا هشيم نا المبارك بن فضالة عن الحسن عن على بن ابى طالب انه سئل عن رجل قال: ان تزوجت فلانة فهى طالق فقال على ليس طلاق الا من بعد ملك، ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول قال ابن عباس: " لا طلاق إلا من بعد نكاح " قال عطاء: فان حلف بطلاق ما لم ينكح فلا شئ، قال ابن جريج: بلغ ابن عباس ان ابن مسعود يقول: ان طلق ما لم ينكح فهو
جائز فقال ابن عباس: اخطأ في هذا.
ان الله عزوجل يقول: (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن) ولم يقل إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن، ومن طريق وكيع عن ابن ابى ذئب عن محمد بن المنكدر.
وعطاء بن ابى رباح كلاهما عن جابر بن عبد الله يرفعه " لا طلاق قبل نكاح " وصح عن طاوس.
وسعيد بن المسيب.
وعطاء.
ومجاهد.
وسعيد بن جبير، ورعوة بن الزبير.
وقتادة.
والحسن.
ووهب بن منبه.
وعلى بن الحسين.
والقاسم بن عبد الرحمن.
وشريح القاضى، وروى أيضا عن عائشة أم المؤمنين وعكرمة، وهو قول سفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن مهدى والشافعي واصحابه.
واحمد واصحابه واسحاق بن راهويه وأبى سليمان وأصحابه وجمهور أصحاب الحديث.
وأما من كره ذلك ولم يفسخه(10/205)
كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد الانصاري عن القاسم بن محمد بن ابى بكر فيمن قال: كل امرأة أتزوجها فهى طالق فكرهه، وهو قول الاوزاعي، وروى عنه أنه قال: ان تزوجها لم آمره بفراقها، وان كان لم يتزوجها لم آمره ان يتزوجها.
وهو قول سفيان الثوري فقيل له أحرام هو؟ فقال ومن يقول انه حرام من رخص فيه أكثر ممن شدد فيه.
وبه يقول أبو عبيد * والقول الثالث في الفرق بين التخصيص والعموم روينا من طريق مالك عن سعيد ابن عمرو بن سليم عن القاسم بن محمد أن رجلا قال: ان تزوجت فلانة فهى على كظهر أمي فتزوجها فقال له عمر بن الخطاب لا تقربها حتى تكفر * قال أبو محمد: ليس هذا موافقا لهم لانه قد روى عن عمر أنه وان عم فهو لازم نذكره بعد هذا ان شاء الله عزوجل.
بلغني عن ابن مسعود أنه قال: من قال: كل امرأة أنكحها فهى طالق ان لم يسم قبيلة أو قرية أو امرأة بعينها فليس بشئ وقد ذكرناه قبل عن ابن مسعود مجملا، ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن محمد بن قيس - هو المرهبى - قال: سألت ابراهيم النخعي عن رجل قال في امرأة ان تزوجتها فهى طالق
فذكر ابراهيم عن علقمة أو عن الاسود ان ابن مسعود قال: هي كما قال: ثم سألت الشعبى وذكرت له قول ابراهيم النخعي فقال صدق، ومن طريق أبى عبيد عن هشيم أنا مغيرة عن ابراهيم النخعي فيمن قال: كل امرأة أتزوجها فهى طالق قال: ليس بشئ هذا رجل حرم المحصنات على نفسه فليتزوج قال: فان سماها أو نسبها أو سمى مصرا أو وقت وقتا فهى كما قال * ومن طريق وكيع عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى قال: ان قال كل امرأة أتزوجها فهى طالق فليس بشئ فان وقت لزمه، ومن طريق ابى عبيدنا محمد بن كثير عن حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء قال: من قال ان تزوجت فلانة فهى طالق فهى كما قال: وهو قول الحكم بن عتيبة.
وربيعة.
والحسن بن حى.
والليث بن سعد.
ومالك وأصحابه، والقول الرابع انه يلزمه وان عم، روينا من طريق عبد الرزاق عن ياسين الزيات عن ابى محمد عن عطاء الخراساني عن ابى سلمة ابن عبد الرحمن أن رجلا قال: كل امرأة أتزوجها فهى طالق فقال له عمر بن الخطاب هو كما قلت ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فيمن قال كل امرأة أتزوجها فهى طالق، وكل أمة اشتريها فهى حرة قال الزهري هو كما قال: ومن طريق ابى عبيدنا يحيى بن سعيد القطان ويزيد بن هارون كلاهما عن يحيى بن سعيد الانصاري قال: كان القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمرو عمر بن عبد العزيز يرون الطلاق قبل النكاح كما قال، ومن(10/206)
طريق ابى عبيدنا مروان عن شجاع عن خصيف قال: سألت مجاهدا عن قول من قال: طلق قبل أن (1) يملك فعابه مجاهد وقال ماله (2) طلاق إلا بعد ما ملك وهو قول عثمان البتى وأبى حنيفة * قال أبو محمد: فنظرنا فيما احتج به من اجازه بكل حال فوجدنا قائلهم قال: لا تخالفوننا فيمن قال لامرأته أنت طالق إذا بنت منى انه ليس شيئا فصح ان الطلاق معلق بالوقت الذى أضيف إليه *
قال أبو محمد: هذا فاسد لانه لم يخرج الطلاق كما أمر بل لم يوقعه حين نطق به وأوقعه حيث لا يقع فهو باطل فقط، وقالوا قسناه على النذر.
قلنا: القياس كله باطل ثم لو صح لكان هذا منه باطلا لان النذر جاء فيه النص ولم يأت في تقديم الطلاق قبل النكاح نص.
والنذر شئ يتقرب به إلى الله عزوجل وليس الطلاق مما يتقرب به إلى الله عزوجل ولا مما ندب الله تعالى عباده إليه وحضهم عليه وهم لا يخالفوننا في أن من قال على نذر لله تعالى أن أطلق زوجتى انه لا يلزمه طلاقها، وهذا يبطل عليهم تمويههم في ذلك بقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) لان الطلاق عقد لا يلزم الوفاء به لمن عقده على نفسه.
بمعنى عقد ان يطلق إلا أنه لم يطلق فليس الطلاق من العقود التى أمر الله تعالى بالوفاء بها قبل أن توقع وقالوا قسناه على الوصية * قال أبو محمد: وهذا من أرذل قياساتهم وأظهرها فسادا الا ان الوصية نافذة بعد الموت ولو طلق الحى بعد موته لم يجز والوصية قربة إلى الله عزوجل بل هي فرض والطلاق ليس فرضا ولا مندوبا إليه وما وجدنا لهم شغبا غير هذا، وهو قول لم يصح عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم لان الرواية عن عمر موضوعة فيها ياسين وهو هالك وأبو محمد مجهول ثم هو منقطع بين أبى سلمة وعمر.
ثم نظرنا في قول من الزمه ان خص ولم يلزمه إن عم فوجدناه فرقا فاسدا ومناقضة ظاهرة، ولم نجدلهم حجة أكثر من قولهم إذا عم فقد ضيق على نفسه.
فقلنا ما ضيق بل له في الشراء فسحة ثم هبك انه قد ضيق فاين وجدتم أن الضيق في مثل هذا يبيح الحرام، وأيضا فقد يخاف في امتناعه من نكاح التى خص طلاقها ان تزوجها أكثر مما يخاف لو عم لكلفه بها فوضح فساد هذا القول لتعريه عن البرهان جملة، ووجدناه أيضا لا يصح عن أحد من الصحابة لانه اما منقطع.
واما من طريق محمد بن قيس المرهبى وليس بالمشهور، ثم رجعنا إلى قولنا فوجدنا الله تعالى يقول: " إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " وقال تعالى: (يا أيها
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 ما لم يملك (2) وفي النسخة رقم 14 ما طلق(10/207)
الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) فلم يجعل الله تعالى الطلاق الا بعد عقد النكاح، ومن الباطل أن لا يقع الطلاق حين إيقاعه، ثم يقع حين لم يوقعه إلا ببرهان واضح.
ووجدناه انما طلق اجنبية وطلاق الاجنبية باطل، والعجب ان المخالفين لنا أصحاب قياس بزعمهم ولا يختلفون فيمن قال لامراته ان طلقتك فانت مرتجعة منى فطلقها انها لا تكون مرتجعة حتى يبتدئ النطق بارتجاعه لها ووجدناهم لا يختلفون فيمن قال إذا قدم ابى فزوجيني من نفسك فقد قبلت نكاحك فقالت هي وهى مالكة أمر نفسها وأنا إذا جاء أبوك فقد تزوجتك ورضيت بك زوجا فقدم أبوه فانه ليس بينهما بذلك نكاح أصلا ولا يختلفون فيمن قال لآخر إذا كسبت مالا فانت وكيلى في الصدقة به فكسب مالا فانه لا يكون الآخر وكيلا في الصدقة به إلا حتى يبتدئ اللفظ بتوكيله فلا ندرى من أين وقع لهم جواز تقديم الطلاق والظهار قبل النكاح وحسبنا الله ونعم الوكيل، وكذلك لا يختلفون فيمن قال لآخر زوجنى ابنتك ان ولدت لك من فلانة فقال الآخر: نعم قد زوجتك ابنتى ان ولدتها لى فلانة فولدت له فلانة ابنة فانها لا تكون له بذلك زوجة، وقد جاء انفاذ هذا النكاح عن ابن مسعود والحسن، رويناه من طريق حماد ابن سلمة أخبرني يحيى بن سعيد التيمى عن الشعبى عن ابن مسعود بذلك وقضى لها بصداق احدى نسائها ولا يعرف لابن مسعود في ذلك مخالف من الصحابة رضى الله عنهم، ولا يختلفون فيمن قال لآخر: إذا وكلتني بطلاق امرأتك فلانة فقد طلقتها ثلاثا ثم وكله الزوج بطلاقها انها لا تكون بذلك طالقا ولا يختلفون فيمن قال ان تزوجت فلانة فهى طالق ثلاثا فتزوجها فطلقها إثر تمام العقد ثلاثا ثم أتت بولد لتمام ستة أشهر من حين ذلك فانه لا حق به، وهذه كلها مناقضات فاسدة وبالله تعالى التوفيق * 1968 مسألة: وطلاق السكران غير لازم، وكذلك من فقد عقله بغير الخمر،
وحد السكر هو أن يخلط في كلامه فيأتى بما لا يعقل وبما لا يأتي به إذا لم يكن سكران وان أتى بما يعقل في خلال ذلك لان المجنون قد يأتي بما يعقل ويتحفظ من السلطان ومن سائر المخاوف، وأما من ثقل لسانه وتخبل مخرج كلامه وتخبلت مشيته وعربد فقط إلا أنه لم يتكلم بما لا يعقل فليس هو سكران، برهان ذلك قول الله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فبين الله تعالى ان السكران لا يعلم ما يقول: فمن لم يعلم ما يقول فهو سكران، ومن علم ما يقول فليس بسكران.
ومن خلط فاتى بما يعقل ومالا يعقل فهو سكران لانه لا يعلم(10/208)
ما يقول، ومن أخبر الله تعالى انه لا يدرى ما يقول فلا يحل أن يلزم شيئا من الاحكام لا طلاقا ولا غيره لانه غير مخاطب إذ ليس من ذوى الالباب، وقد اختلف الناس في هذا فممن روى عنه خلاف ما قلنا كما روينا من طريق عبد الرحمن ابن مهدى عن خراش بن مالك الجهضمى حدثنى يحيى بن عبيد عن أبيه ان رجلا من أهل عمان تملا من الشراب فطلق امرأته ثلاثا فشهد عليه نسوة فكتب إلى عمر بذلك فأجاز شهادة النسوة وأثبت عليه الطلاق، ومن طريق أبى عبيدنا يزيد بن هارون عن جرير بن حازم عن الزبير بن الخريت عن أبى لبيد ان رجلا طلق امرأته وهو سكران فرفع إلى عمر بن الخطاب وشهد عليه أربع نسوة ففرق عمر بينهما، ومن طريق أبى عبيدنا ابن أبى مريم - وهو سعيد - عن ناجية بن أبى بكر عن جعفر بن ربيعة عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ان معاوية أجاز طلاق السكران، ورويناه عن ابن عباس من طرق لم تصح لان في احدى طريقيه الحجاج بن ارطاة وفي الاخرى ابراهيم بن أبى يحيى، وصح عن النخعي.
وابن سيرين.
والحسن.
وميمون بن مهران.
وحميد بن عبد الرحمن.
وعطاء وقتادة.
والزهرى.
الا أنه فرق بين أحكامه.
وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال يجوز طلاق السكران وعتقه ولا
يجوز نكاحه ولا شراؤه ولا بيعه: ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب يجوز طلاق السكران ولا تجوز هبته ولا صدقته، وصحت اجازة طلاق السكران عن الشعبى.
ومجاهد.
وسعيد بن المسيب.
وجابر بن زيد.
وعمر بن عبد العزيز.
ورويناه عن عطاء بن أبى رباح.
وسليمان بن يسار.
وهو قول ابن شبرمة وتوقف في نكاحه وأجاز ابن أبى ليلى كلا الامرين.
وممن أجاز طلاقه سفيان الثوري.
والحسن ابن حى.
والشافعي في احد قوليه، وقال مالك: طلاق السكران ونكاحه وجميع أفعاله جائزة الا الردة فقط فلا يحكم له في شئ من أموره بحكم المرتد.
وروى عنه ابن وهب يجوز طلاقه ولا يجوز نكاحه: وقال مطرف بن عبد الله صاحب مالك لا يلزم السكران شئ ولا يؤاخذ بشئ الا بأربعة أشياء لا خامس لها هكذا قال ثم سماها فقال الطلاق.
والعتق.
والقتل.
والقذف فدل ذلك على انه لا يحد للزنا ولا للسرقة * وقال أبو حنيفة وأصحابه: يجوز طلاقه وجميع أفعاله الا الردة، وقال محمد بن الحسن ولا اسلامه ان كان كافرا.
ولا اقراره بالحدود، وقال أبو يوسف: كل ذلك له لازم واما من روى عنه مثل قولنا فكما روينا من طريق ابن أبى شيبة نا وكيع عن ابن أبى ذئب عن الزهري عن أبان بن عثمان عن أبيه عثمان قال ليس لمجنون ولا لسكران طلاق، وقد روينا (م 27 - ج 10 المحلى)(10/209)
رجوع الزهري.
وعمر بن عبد العزيز إلى هذا، ومن طريق وكيع عن رباح بن أبى معروف عن عطاء بن ابى رباح قال طلاق السكران لا يجوز * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه لا يجوز طلاق السكران، وصح عن القاسم بن محمد أنه لا يجوز طلاقه وانه لا يقطع ان سرق إلا أن يكون معروفا بالسرقة * ومن طريق أبى عبيدنا هشيم انا يحيى بن سعيد الانصاري أن عمر بن عبد العزيز أتى بسكران طلق امرأته، فاستحلفه بالذى لا إله إلا هو لقد طلقها، وهو
لا يعقل فحلف فرد إليه امرأته وضربه الحد، قال يحيى بن سعيد: وبهذا يقول القاسم بن محمد بن ابى بكر وصح عن يحيى بن سعيد الانصاري وحميد بن عبد الرحمن، ورويناه عن ربيعة وهو قول عبيدالله بن الحسن.
والليث بن سعد.
وأحد قولى الشافعي وقول اسحاق بن راهويه.
وأبى ثور.
والمزنى.
وابى سليمان وجميع أصحابهم (1) وبه يقول أبو جعفر الطحاوي.
وابو الحسن الكرخي من شيوخ الحنيفيين، وقال عثمان البتى لا يلزمه عقد ولا بيع ولاحد الا حد الخمر فقط، وان زنا وقذف وسرق، وقال الليث: لا يلزمه طلاق ولا بيع ولا نكاح ولا عتق ولا شئ بقوله، وأما ما عمل ببدنه من قتل أو سرقة أو زنا فانه يقام عليه كل ذلك فنظرنا فيما يحتج به من خالف قولنا فوجدناهم يقولون: هو أدخل على نفسه ذهاب عقله بمعصيته لله عزوجل فقلنا فكان ماذا؟ ومن أين وجب إذا أدخل ذلك على نفسه أن يؤاخذ بما يجنى في ذهاب عقله؟ وهذا ما لا يوجد في قرآن ولا سنة، ولا خلاف بينكم فيمن تردى ليقتل نفسه عاصيا لله عزوجل فسلمت نفسه إلا أنه سقط على رأسه ففسد عقله، وفيمن حارب وأفسد الطريق فضرب في رأسه ففسد عقله أنه لا يلزمه شئ مما يلزم الاصحاء وهو الذى أدخل على نفسه الجنون بأعظم المعاصي ثم لا يختلفون فيمن أمسكه قوم عيارون فضبطت يداه ورجلاه وفتح فمه بكلوب وصب فيه الخمر حتى سكرانه مؤاخذ بطلاقه وهو لم يدخل على نفسه شيئا ولا عصى، فظهر فساد اعتراضهم وموهوا بالاخبار التى فيها ثلاث هزلهن جد وليس فيها على سقوطها للسكران ذكر ولا دليل عليه، واحتجوا بالخبر الموضوع لا قيلولة في الطلاق، ولو صح هذا لكان ذلك في طلاق من طلاقه طلاق ممن يعقل كما يقولون في طلاق الصبى والمجنون، وبالخبر الكاذب كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه * قال أبو محمد: قد بينا سقوطه آنفا في باب طلاق المكره ثم لو صح لم يكن لهم فيه حجة لانهم لا يجيزون طلاق من لم يبلغ وليس بمعتوه، وأما السكران الذى لا يدرى ما يتكلم
__________
(1) وفي النسخة رقم 14 وجميع اصحابنا(10/210)
به فهو معتوه بلاشك لان المعتوه في اللغة هو الذى لا عقل له، ومن لا يدرى ما يتكلم به فلا عقل له فهو معتوه بأى وجه كان، وقالوا قد روى عن على.
وعبد الرحمن بحضرة الصحابة إذا شرب سكروا إذا سكر هذى وإذا افترى وإذا افترى جلد ثمانين * قال أبو محمد: وهذا خبر مكذوب قد نزه الله تعالى عليا.
وعبد الرحمن عنه لانه لا يصح اسناده ثم عظيم ما فيه من المناقضة لان فيه ايجاب الحد على من هذى، والهاذى لا حد عليه، وهلا قلتم إذا هذى كفر، وإذا كفر قتل؟ وقالوا بنفس السكر يجب عليه الحد فالطلاق كذلك، قلنا كذبتم ما وجب قط بالسگر حد لكن بقصده إلى شرب ما يسكر كثيره فقط سواء سكر أو لم يسكر * برهان ذلك أن من سكر ممن اكره على شربها لا حد عليه، وقالوا: هو مخاطب بالصلاة فطلاقه لازم له.
قلنا كذبتم بل نص القرآن يبين انه غير مخاطب بالصلاة بل هو منهى عنها حتي يدرى ما يقول، وقالوا: لو كان ذلك لكان من شاء قتل عدوه سكر فقتله، ومن يدرى انه سكران فقلنا فقولوا إذا باقامة الحدود على المجانين لانه لو سقط عنهم الحد لكان من شاء قتل عدوه تحامق، ومن يدرى انه أحمق، لكن نقول لا يخفى السكران من المتساكر ولا الاحمق من المتحامق، ومما يوضح صحة قولنا يقينا الخبر الثابت الذى رويناه من طريق البخاري نا عبدان.
واحمد بن صالح قال عبدان بن عبد الله بن المبارك، وقال احمد: نا عنبسة كلاهما أخبره يونس بن يزيد عن الزهري أخبرني على بن الحسين أن الحسين بن على أخبره ان عليا قال في حديث طويل قال فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزه فيما فعل يعنى إذ عقر شار في على وهو يشرب مع قوم من الانصار، قال على: فإذا حمزه ثمل محمرة عيناه فقال له حمزة: هل أنتم الا عبيد لابي؟ فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم أنه ثمل فنكص عليه الصلاة والسلام على عقبيه القهقرى فخرج وخرجنا معه، فهذا حمزة رضى الله عنه يقول وهو سكران ما لو قاله غير سكران لكفر، وقد أعاذه الله من ذلك فصح ان السكران غيره مؤاخذ بما يفعل جملة
وأما من فرق فلم يلزمه الردة والزمه غير ذلك فمتناقض القول، باطل الحكم بيقين لا اشكال فيه، وبالله تعالى التوفيق * 1969 مسألة: واليمين بالطلاق لا يلزم، وسواء بر أو حنث لا يقع به طلاق ولا طلاق الا كما أمر الله عزوجل ولا يمين الا كما أمر الله عزوجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم برهان ذلك قول الله عزوجل: (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) وجميع المخالفين لنا ههنا لا يختلفون في ان اليمين بالطلاق والعتاق والمشى إلى مكة وصدقة المال فانه لا كفارة عندهم في حنثه في شئ منه الا بالوفاء بالفعل، أو الوفاء باليمين، فصح(10/211)
بذلك يقينا انه ليس شئ من ذلك يمينا إذ لا يمين الا ما سماه الله تعالى يمينا، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رويناه من طريق ابى عبيد نا اسماعيل بن جعفر نا عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كان حالفا فلا يحلف الا بالله " فارتفع الاشكال في أن كل حلف بغير الله عزوجل فانه معصية وليس يمينا، وهذا مكان اختلف فيه، فصح عن الحسن فيمن قال لامرأته أنت طالق ان لم أضرب غلامي فأبق الغلام قال: هي امرأته ينكحها ويتوارثان حتى يفعل ما قال.
فان مات الغلام قبل أن يفعل ما قال فقد ذهبت منه امرأته، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن مطر الوارق عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب في رجل طلق امرأته ان لم يفعل كذا؟ قال: لا يقرب امرأته حتى يفعل ما قال.
فان مات قبل أن يفعل فلا ميراث بينهما، وصح خلاف هذا عن طائفة من السلف كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء في رجل قال لا مرأته أنت طالق ان لم أتزوج عليك قال ان لم يتزوج عليها حتى تموت أو يموت توارثا، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن غيلان بن جامع عن الحكم بن عتيبة قال في الرجل يقول لامرأته أنت طالق ان لم أفعل كذا ثم مات أحدهما قبل أن يفعل فانهما يتوارثان.
قال سفيان الثوري إنما وقع الحنث بعد الموت *
قال أبو محمد: هذا عجب: ميت يحنث بعد موته وقد تقصينا هذا في كتاب الايمان من كتابنا هذا * وممن روى عنه مثل قولنا كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن رجلا تزوج امرأة وأراد سفرا فأخذه أهل امرأته فجلعها طالقا ان لم يبعث بنفقتها إلى شهر فجاء الاجل ولم يبعث إليها بشئ فلما قدم خاصموه إلى على فقال على اضطهدتموه حتى جعلها طالقا فردها عليه، ومن طريق عبد الرزاق عن هشام ابن حسان عن محمد بن سيرين عن شريح انه خوصم إليه في رجل طلق امرأته إن أحدث في الاسلام حدثا فاكترى بغلا إلى حمام أعين فتعدى به إلى اصبهان فباعه واشترى به خمرا فقال شريح: ان شئتم شهدتم عليه أنه طلقها فجعلوا يرددون عليه القصة ويردد عليهم فلم يره حدثا * قال أبو محمد: لا متعلق لهم بما روى من قول على رضى الله عنه اضطهدتموه لانه لم يكن هناك اكراه انما طالبوه بحق نفقتها فقط فانما أنكر على اليمين بالطلاق فقط ولم ير الطلاق يقع بذلك.
وكذلك لا متعلق لهم بما في خبر شريح من قول أحد من رواه فلم يره حدثا فانما هو ظن من محمد بن سيرين أو من هشام بن حسان وهو ظن خطأ أو ما نعلم في الاسلام أكثر ممن تعدى من حمام أعين وهو على أميال يسيرة(10/212)
دون العشرة من الكوفة إلى اصبهان وهى أيام كثيرة من الكوفة ثم باع بغل مسلم ظلما واشترى بالثمن خمرا، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج اخبرني ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول الحلف بالطلاق ليس شيئا، قلت أكان يراه يمينا؟ قال لا أدرى، فهؤلاء على بن ابى طالب وشريح.
وطاوس لا يقضون بالطلاق على من حلف به فحنث ولا يعرف لعلى في ذلك مخالف من الصحابة رضى الله عنهم * قال أبو محمد: والطلاق بالصفة (1) عندنا كما هو الطلاق باليمين كل ذلك لا يلزم، وبالله تعالى التوفيق، ولا يكون طلاقا الا كما أمر الله تعالى به وعلمه وهو القصد إلى الطلاق، واما
ما عدى ذلك فباطل وتعد لحدود الله عزوجل، وقد ذكر نا قول عطاء فيمن حلف بطلاق امرأته ثلاثا ان لم يضرب زيدا فمات زيد أو مات هو أنه لا طلاق عليه أصلا وانه يرث امرأته ان ماتت وترثه ان مات وهو قول أبى ثور، وقال سفيان الطلاق يقع بعد الموت وهذا خطأ ظاهر: وقال الشافعي: الطلاق يقع عليه والحنث في آخر أوقات الحياة وهذه دعوى بلا برهان، وقال مالك: يوقف عن امرأته وهو على حنث حتى يبر وهذا كلام فاسد لانه ان كان على حنث فهو حانث فيلزمه أن تطلق عليه امرأته أو ان تلزمه الكفارة باليمين بالله والا فليس حانثا وإذا لم يكن حانثا فهو على بر لابد من أحدهما ولا سبيل إلى حال ثالثة للحالف أصلا فصح ان قوله هو على حنث كلام لا يعقل وبالله تعالى التوفيق * وليت شعرى لاى شئ يوقف عن امرأته ولا تخلو من احد وجهين إما ان تكون حلالا له فلا يحل توقفه عن الحلال أو تكون حراما فلا تحرم عليه الا بالحنث فليطلقها عليه ثم نقول لهم من أين أجزتم الطلاق بصفة ولم تجيزوا النكاح بصفة والرجعة بصفة كمن قال إذا دخلت الدار فقد راجعت زوجتى المطلقة أو قال فقد تزوجتك وقالت هي مثل ذلك وقال الولى مثل ذلك ولا سبيل إلى فرق وبالله تعالى التوفيق * 1970 مسألة: من قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق أو ذكر وقتا ما فلا تكون طالقا بذلك لا الآن ولا إذا جاء رأس الشهر: برهان ذلك انه لم يأت قرآن ولا سنة بوقوع الطلاق بذلك وقد علمنا الله الطلاق على المدخول بها وفي غير المدخول بها وليس هذا فيما علمنا (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وأيضا فان كان كل طلاق لا يقع حين ايقاعه فمن المحال أن يقع بعد ذلك في حين لم يوقعه فيه، وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة من طلق إلى أجل لم يقع [ بذلك ] (2) الطلاق الا إلى ذلك الاجل كما روينا
__________
(1) وفي النسخة رقم 16 " والطلاق بالصيغة " (2) الزيادة من النسخة رقم 16(10/213)
من طريق أبى عبيد نا يزيد بن هارون عن الجراح بن المنهال (1) نا الحكم - هو ابن عتيبة - ان ابن عباس كان يقول: من قال لامرأته أنت طالق إلى رأس السنة انه يطأها ما بينه وبين رأس السنة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء من قال لامرأته أنت طالق إذا ولدت فله أن يصيبها ما لم تلد ولا يطلق حتى يأتي الاجل (2) وكذلك من قال أنت طالق إلى سنة * ومن طريق أبى عبيدنا يزيد بن هارون عن حبيب بن أبى حبيب عن عمرو ابن هرم عن جابر بن ريد ابى الشعثاء قال هي طالق إلى الاجل الذى سمى وتحل له ما دون ذلك * ومن طريق أبى عبيدنا هشيم أنا مغيرة عن ابراهيم النخعي فيمن وقت في الطلاق وقتا، قال: إذا جاء ذلك الوقت وقع، ورويناه أيضا عن الشعبى * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية عن عبيدة عن الشعبى مثل قول ابراهيم، وروى أيضا عن عبد الله بن محمد بن الحنيفة، وروينا عن سفيان الثوري قال: من قال لامرأته إذا حضت فأنت طالق فانها إذا دخلت في الدم طلقت عليه قال: فان قال لها متى حضت حيضة فأنت طالق فلا تطلق حتى تغتسل من آخر حيضتها لانه يراجعها حتى تغتسل وبأن.
لا يقع الطلاق المؤجل الا إلى أجله يقول أبو عبيد.
واسحاق بن راهويه والشافعي واحمد.
وأبو سليمان.
واصحابهم، وقول آخر وهو ان الطلاق يقع في ذلك ساعة يلفظ به، روينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب فيمن طلق امرأته إلى أجل قال: يقع الطلاق ساعتئذ ولا يقربها * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا منصور.
ويونس عن الحسن انه كان لا يؤجل في الطلاق وروينا عن الزهري من طلق إلى سنة فهى طالق حينئذ * ومن طريق أبى عبيد عن هشيم عن يحيى بن سعيد الانصاري انه كان لا يؤجل في الطلاق اجلا، وروى عن ربيعة وهو قول الليث وأحد قولى أبى حنيفة وهو قول زفر، وقول ثالث كما روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن قتادة عن الحسن انه قال إذا قال أنت طالق إذا كان كذا لامر لا يدرى أيكون أم لا فليس بطلاق حتى يكون ذلك ويطأها فان ماتا قبل
ذلك توارثا (3) فان قال أنت طالق إلى سنة فهى طالق حين يقول ذلك وهو قول مالك، وقول رابع روى عن ابن أبى ليلى فيمن قال لامرأته انت طالق إلى رأس الهلال قال اتخوف ان يكون قد طلقها فوجدنا من حجة من قال بأنه وقع (4) عليه الطلاق الآن ان قالوا هذا الطلاق إلى أجل فهو باطل كالنكاح إلى أجل فقلنا لهم فلم قلتم انه ان قال ان دخلت
__________
(1) في النسخة رقم 16 " الحجاج بن المنهال " وهو غلط (2) في النسخة رقم 14 " في الاجل " (3) في النسخة رقم 14 قبل ما أجل توارثا (4) في النسخة رقم 14 في حجة من أوقع الخ(10/214)
الدار فأنت طالق انها لا تطلق إلا بدخول الدار فانه طلاق إلى أجل فاوقعتموه حين لفظ به، وبهذا نعارضهم في قولهم ان ظاهر أمره انه ندم إذ قال أنت طالق فاتبع ذلك بالاجل فيلزمهم ذلك فيمن قال أنت طالق ان دخلت الدار وهو قول صح عن شريح فألزمه الطلاق دخلت الدار أو لم تدخله، وقالوا إذا قال أنت طالق فالطلاق مباح فانه اتبعه أجلا فهو شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل فقلنا: بل ما طلاقه الا فاسد لا مباح إذ علقه بوقت ولا يجوز الزامه بعض ما التزم دون سائره فظهر فساد هذا القول ويكفى من هذا انه تحريم فرج بالظن على من أباحه الله تعالى له باليقين ونعوذ بالله من هذا، ولم نجد لمن فرق بين الاجل الآتى والابد وبين الاجل الذى لا يأتي حجة أصلا غير دعواه لا سيما وهم يفسدون النكاح إذا أجل الصداق إلى أجل قد يكون وقد لا يكون بعكس قولهم في الطلاق وكلا الامرين اجل ولا فرق، وأيضا فقد يأتي الاجل الذى قالوا فيه: انه يجئ وهو ميت أو وهى ميتة أو كلاهما أو قد طلقها ثلاثا فظهر فساد هذا القول جملة وبالله تعالى التوفيق * وهم يشنعون خلاف الصاحب الذى لا يعرف له مخالف وقد خالفوا ههنا ابن عباس، وأيضا فانهم يوقعون عليه طلاقا لم يلتزمه قط وهذا باطل ثم لو عكس عليهم قولهم فقيل بل تطلق عليه إذا أجل أجلا قد يكون
وقد لا يكون ساعة لفظه بالطلاق ولا تطلق عليه إذا أجل أجلا يأتي ولابد لما كان بينهم فرق أصلا وبالله تعالى التوفيق * ثم نظرنا فيما يحتج به من أجاز ذلك وجعل الطلاق يقع إذا جاء الاجل لا قبل ذلك بان قال: قال الله تعالى: (أوفوا بالعقود) فقلنا: انما هذا في كل عقد امر الله تعالى بالوفاء به أو ندب إليه لا في كل عقد جملة ولا في معصية، ومن المعاصي ان يطلق بخلاف ما أمر الله تعالى به فلا يحل الوفاء به وقالوا " المسلمون عند شروطهم " وهذا كالذى قبله لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل " والطلاق إلى أجل مشترط بشرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل وقالوا: نقيس ذلك على المداينة إلى أجل والعتق إلى أجل فقلنا: القياس باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا لان المداينة والعتق قد جاء في جوازهما إلى أجل النص ولم يأت ذلك في الطلاق، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا لانكم مجمعون على ان النكاح إلى اجل لا يجوز وان ذلك النكاح باطل فهلا قستم الطلاق إلى أجل على ذلك وقالوا: قد أجمعوا على وقوع الطلاق عند الاجل لان من أوقعه حين نطق به فقد أجازه فالواجب المصير إلى ما اتفقوا عليه فقلنا: هذا باطل وما أجمعوا قط على ذلك لان من اوقع الطلاق حين لفظ به المطلق لم يجز قط(10/215)
ان يؤخر ايقاعه إلى أجل (1) والذين أوقعوه عند الاجل لم يجيزوا ايقاعه حين نطق به وقالوا: هذا قول صاحب (2) لا يعرف له من الصحابة مخالف فقلنا: هذا من رواية أبى العطوف الجراح بن المنهال الجزرى وهو كذاب مشهور بوضع الحديث فبطل هذا القول ايضا والحمد لله رب العالمين * 1971 مسألة: ومن جعل إلى امرأته ان تطلق نفسها لم يلزمه ذلك ولا تكون طالقا طلقت نفسها أو لم تطلق لما ذكرنا قبل من ان الطلاق إنما جعله الله تعالى للرجال لا للنساء *
1972 مسألة: ولا يكون طلاقا بائنا (3) ابدا الا في موضعين لا ثالث لهما، احدهما طلاق غير الموطوءة لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) والثانى طلاق الثلاث مجموعة أو مفرقة لقوله تعالى: (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) واما ما عدا هذين فلا أصلا لقوله تعالى: (وبيوتهن احق بردهن في ذلك) ولقوله تعالى: (فامسكوهن بمعروف أو فاروقوهن بمعروف) وقال تعالى فإذا بلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) فجعل إلى الزوج في العدة ان يراجعها أو يترك، وممن قال بذلك الشافعي.
وابو سليمان.
وأصحابهما، الا ان الشافعي رأى الخلع طلاقا بائنا، وليس عندنا كذلك وسنتكلم فيه في بابه ان شاء الله تعالى، فممن قال لامرأته انت طالق طلقة لا رجعة لى فيها عليك بل تملكين بها نفسك، فان الناس اختلفوا في ذلك، فقال أبو حنيفة.
والشافعي.
واصحابهما.
وابن وهب صاحب مالك: هي طلقة يملك فيها زوجها رجعتها، وقوله بخلاف ذلك لغو، وقالت طائفة هي ثلاث، وهو قول ابن الماجشون صاحب مالك، وقالت طائفة هي كما قال.
وهو قول ابن القاسم صاحب مالك، والذى نقول به انه كلام فاسد لا يقع به طلاق أصلا لانه لم يطلق كما أمره الله عز وجل.
ولا طلاق الا كما أمر الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " والطلاق الرجعى هو الذى يكون فيه الزوج مخيرا ما دامت في العدة بين تركها لا يراجعها حتى تنقضي عدتها فتملك امرها فلا يراجعها الا بولي ورضاها وصداق وبين ان يشهد على ارتجاعها فقط فتكون زوجته أحبت أم كرهت بلا ولى ولا صداق لكن باشهاد فقط.
ولو مات احدهما قبل تمام العدة وقبل المراجعة ورثه الباقي
__________
(1) في النسخة رقم 16 " إلى الاجل " (2) في النسخة رقم 16 وهو قول الصاحب (3) في النسخة رقم 14 (ولا تكون طالقا بائنا)(10/216)
منهما.
وهذا لا خلاف فيه من أحد من الائمة، والبائن هو الذى لا رجعة له عليها الا أن تشاء هي في غير الثلاث بولي وصداق ورضاها ونفقتها عليه في الطلاق الرجعى ما دامت في العدة ويلحقها طلاقه * 1973 مسألة: ومن قال أنت طالق ان شاء الله أو قال الا أن يشاء الله أو قال الا أن لا يشاء الله فكل ذلك سواء ولا يقع بشئ من ذلك طلاق * برهان ذلك قول الله عزوجل: (ولا تقولن لشئ انى فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله)، وقال تعالى: (وما تشاءون الا أن يشاء الله) ونحن نعلم ان الله تعالى لو أراد امضاء هذا الطلاق ليسره لاخراجه بغير استثناء فصح انه تعالى لم يرد وقوعه إذ يسره لتعليقه بمشيئته عز وجل، وقد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة كما قلنا كما روينا من طريق ابى عبيد نا معاذ بن معاذ عن ورقاء بن عمر عن ابن طاوس عن أبيه فيمن قال لامرأته أنت طالق ان شاء الله قال له ثنياه * ومن طريق وكيع عن الاعمش عن ابراهيم النخعي فيمن قال لامرأته انت طالق ان شاء الله قال لا يحنث * ومن طريق وكيع عن أبيه عن الليت قال: اجتمع عطاء.
ومجاهد.
وطاوس.
والزهرى على ان الاستثناء في كل شئ جائز * ومن طريق وكيع عن حكيم أبى داود عن الشعبى فيمن قال انت حر ان شاء الله تعالى قال لا يحنث * ومن طريق الحكم بن عتيبة فيمن قال أنت طالق ان شاء الله له ثنياه، وعن ابى مجلز مثل ذلك وهو قول عطاء.
وحماد بن ابى سليمان.
وسعيد بن المسيب * ومن طريق عبد الرزاق عن ابى حنيفة عن حماد بن ابى سليمان عن ابراهيم قال: إذا قال ان لم أفعل كذا فامرأتي طالق ان شاء الله فحنث لم تطلق امرأته وبه كان يأخذ أبو حنيفة وعبد الرزاق قال والناس عليه، وقال سفيان الثوري من قال امرأتي طالق ان كلمت فلانا شهرا إلا أن يبدو لى انه ان وصل الكلام فله استثناؤه فان قطعه وسكت ثم استثنى فلا استثناء له، وقال الاوزاعي في أحد قوليه ان قال ان فعلت كذا فانت طالق ان شاء الله فالاستثناء جائز ولا يقع الطلاق، وكذلك العتاق، وبه يقول الشافعي.
وأصحابه وابو ثور وعثمان
البتى واسحاق وابو سليمان وأصحابنا، وقال آخرون: لا يسقط الطلاق بالاستثناء، كما روينا من طريق ابى عبيد نا سعيد بن عفير حدثنى الفضل بن المختار عن أبى حمزة قال سمعت ابن عباس يقول: إذا قال لامرأته أنت طالق ان شاء الله فهي طالق، وقد صح هذا عن سعيد بن المسيب والحسن الشعبى والزهرى وقتادة ومكحول وهو أحد قولى الاوزاعي ومالك.
والليث.
وأحد قولى ابن ابى ليلى، وروى عن ابن أبى ليلى ان طلق واستثنى فالطلاق واقع وان اخرجه مخرج اليمين فله استثناؤه، وقال (م 28 - ج 10 المحلى)(10/217)
مالك فان قال: انت طالق ان شاء زيد أو قال الا أن لا يشاء زيد أو الا أن يشاء زيد فانها لا تطلق الا أن يشاء زيد، واحتجوا في ذلك بأن مشيئة زيد تعرف ومشيئة الله تعالى لا تعرف * قال أبو محمد: وهذا باطل بل مشيئة زيد لا يعرفها أبدا أحد غيره وغير الله تعالى لانه قد يكذب، وأما مشيئة الله تعالى فمعروفة بلا شك لان كل ما نفذ فقد شاء الله تعالى كونه وما لم ينفذ فلا نشك أن الله تعالى لم يشأ كونه وهذا مما خالف فيه الحنيفيون وتشنيعهم بمخالفة صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف * 1974 مسألة ومن طلق امرأته ثم كرر طلاقها لكل من لقيه مشهد أو مخبرا فهو طلاق واحد لا يلزمه أكثر من ذلك، وهذا مما لا خلاف فيه لانه لم ينو بذلك طلاق آخر * 1975 مسألة: ومن أيقنت امرأته أنه طلقها ثلاثا أو آخر ثلاث أو دون ثلاث ولم يشهد على مراجعته اياها حتى تمت عدتها ثم أمسكها معتديا ففرض عليها أن تهرب عنه ان لم تكن لها بينة فان اكرهها فلها قتله دفاعا عن نفسها والا فهو زنا منها ان امكنته من نفسها وهو أجنبي كعابر السبيل فحكمه في كل شئ حكم الأجنبي *
1976 مسألة: وطلاق المريض كطلاق الصحيح، ولا فرق مات من ذلك المرض أو لم يمت منه فان كان المريض ثلاثا أو آخر ثلاث أو قبل أن يطأها فمات أو ماتت قبل تمام العدة أو بعدها أو كان طلاقا رجعيا فلم يرتجعها حتى مات أو ماتت بعد تمام العدة فلا ترثه في شئ من ذلك كله ولا يرثها أصلا وكذلك طلاق الصحيح للمريضة، وطلاق المريض للمريضة، ولا فرق، وكذلك طلاق الموقوف للقتل والحامل المثقلة، وهذا مكان اختلف الناس فيه فقول اول فيه أنه ليس طلاقا كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا ابن مفرج نا عبد الله بن جعفر بن الورد نا يحيى بن ايوب ابن بادى العلاف نا يحيى بن بكير نا الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر قال: ان عبد الرحمن بن عوف طلق امرأة له كلبية في مرضه الذى مات فيه فكلمه عثمان ليراجعها فتلكأ عليه عبد الرحمن فقال عثمان: قد اعرف انما طلقها كراهية أن ترث مع أم كلثوم وانى والله لاقسمن لها ميراثها، وان كانت أم كلثوم اختى قال نافع: وكان آخر طلاقها تطليقة في مرضه، فهذا عثمان يأمر عبد الرحمن بمراجعتها بعد أن طلقها آخر طلاقها في مرضه، فصح انه لم يكن يراه طلاقا، فكل ما روى عن عثمان بعد هذا فهو مردود إلى هذا، وجاء عن عثمان أيضا ان عبد الرحمن بن مكمل طلق(10/218)
بعض نسائه بعد ان أصابه فالج ثم مات بعد سنتين فورثها منه عثمان، وصح عنه أنه ورث أمرأة عبد الرحمن بن عوف الكلبية وقد طلقها وهو مريض آخر ثلاث تطليقات ثم مات بعد أن أتمت عدتها فقيل لعثمان لم تورثها من عبد الرحمن، وقد علمت انه لم يطلقها ضرارا ولا فرارا من كتاب الله عزوجل فقال عثمان: أردت أن تكون سنة يهاب الناس الفرار من كتاب الله عزوجل، وقول آخر ترثه ويرثها كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عمن سمع الحسن يقول: يتوارثان ان مات من مرضه ذلك، وقول ثالث ترثه وان صح ثم مات من مرض آخر * روينا من
طريق ابى عبيد نا عبد الله بن صالح نا الليث بن سعد عن يونس بن يزيد عن الزهري أنه سئل عمن طلق امرأته وهو مريض فبتها فصح أياما وهى في العدة ثم مرض ثم مات من وجع آخر أو عادله وجعه قال الزهري: نرى حين طلقها وهو مريض انها في قضاء عثمان ترثه، وبهذا يقول سفيان الثوري والاوزاعي.
وزفر بن الهذيل وأحمد بن حنبل، واسحاق بن راهويه كلهم يقول: إذا طلقها وهو مريض، ثم صح ثم مات قبل انقضاء عدتها فانها ترثه، وقال الاوزاعي: ان ملكها نفسها وهو مريض فطلقت نفسها لم ترثه وان طلقها وهو مريض باذنها ورثته، وقول رابع رويناه من طريق سعيد بن منصور نا اسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة انه سأل أباه عروة عمن طلق امرأته البتة وهو مريض؟ فقال عروة: لا يتوارثان إلا أن يكون بها حبل أو يطلق مضارة فيموت وهى في العدة منه * وقول خامس ان طلق ثلاثا وهو مريض ولم يصح حتى مات فانها ترثه ما لم تنقض عدتها منه فان مات بعد أن انقضت عدتها لم ترثه، كما روينا من طريق ابن ابى شيبة نا يزيد بن هارون انا سعيد بن ابى عروبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة انها قالت في المطلقة ثلاثا وهو مريض ترثه ما دامت في العدة * قال أبو محمد: لم يسمع ابن ابى عروبة من هشام بن عروة شيئا * ومن طريق ابن ابى شيبة نا حاتم بن اسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه ان حسين بن على طلق امرأته وهو مريض فورثته * ومن طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن عبيدة بن مغيث عن ابراهيم النخعي عن عمر بن الخطاب أنه قال: الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا ورثته ما كانت في العدة وبه يقول ابراهيم * ومن طريق ابى بكر بن ابى شيبة نا جرير بن عبد الحميد عن المغيرة عن ابراهيم عن شريح قال: أتانى عروة البارقى من عند عمر في الرجل يطلق امرأته ثلاثا في مرضه انها ترثه مادامت في العدة ولا يرثها وبه يقول ابراهيم *(10/219)
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا مغيرة عن ابراهيم فيمن طلق امرأته وهو مريض ثلاثا قبل ان يدخل بها قال: لها نصف الصداق، ولا ميراث لها ولا عدة عليها، قال هشيم: وبهذا نقول * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة عن ابراهيم عن ابن عمر قال: إذا طلق امرأته ثلاثا، وهو مريض ورثت في العدة * قال أبو محمد: هكذا في كتابي عن محمد بن سعيد بن عمر ولا أراه الا وهما وانه انما هو عمر والله أعلم: كذلك رويناه من طريق سفيان.
وشعبة * ومن طريق ابن أبى شيبة نا حفص بن غياث.
عن داود.
والاشعث.
عن الشعبى.
وشريح قالا إذا طلق ثلاثا في مرضه ورثته ما دامت في العدة، وقال أبو حنيفة وأصحابه فان خيرها أو ملكها أو خالعا وهو مريض.
أو حلف بطلاقها ثلاثا وهو صحيح فحنثته وهو مريض فمات لم ترثه.
فلو بارز رجلا في القتال أو قدم ليقتل فطلقها ثلاثا ورثته فلو طلقها وهو مريض ولم يكن دخل بها لم ترثه فلو أكرهها ابوه فوطئها في مرض ابنه فمات لم ترثه (1) * ومن طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته ثلاثا في مرضه فقال عثمان: لئن مت لا ورثتها منك قال: قد علمت ذلك فمات في عدتها فورثها عثمان في عدتها * ومن طريق عبد الرزاق.
عن ابن جريج أخبرني ابن أبى مليكة أنه سأل عبد الله بن الزبير فقال له ابن الزبير: طلق عبد الرحمن بن عوف بنت الاصبع الكلبية فبتها ثم مات فورثتها عثمان في عدتها ثم ذكر ابن الزبير قوله نفسه * نا على بن عباد الانصاري نا محمد بن عبد الله بن محمد بن يزيد اللخمى نا بن مفرج نا احمد بن عبد الرحيم الاسدي نا عمرو بن ثوبان نا محمد بن يوسف الفريابى نا سفيان الثوري عن أيوب السخيتانى عن محمد بن سيرين قال: من طلق وهو مريض طلاقا بائنا فانها ترثه ما دامت في العدة * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر وابن جريج كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه قال: إذا طلقها مريضا فبتها فانقضت العدة فلا ميراث بينهما وصح عن شريح فيمن طلق مريضا
فمات فانها ترثه ما كانت في العدة فبلغ ذلك سعيد بن المسيب فلم ينكره وهو قول الشعبى.
والحارث العكلى.
وحماد بن أبى سليمان، وروى عن ربيعة.
وطاوس.
والليث ابن سعد.
وسفيان الثوري والاوزاعي.
وابن شبرمة.
وأبى حنيفة.
وأصحابه * وقول سادس من روى عنه ان المطلقة في المرض ترث هكذا جملة لم يبين في العدة فقط أم بعدها فكما روينا من طريق ابن وهب أخبرني رجال من أهل العلم ان على بن ابى طالب قال: المطلقة في المرض ترث * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبيدالله بن عثمان بن
__________
(1) قوله وقال أبو حنيفة وأصحابه فان خيرها - إلى هنا مؤخر في النسخة رقم 14(10/220)
أبى الاسود عن عطاء قال: لو مرض سنة لورثتها منه، والاصح عن عطاء انها ترثه في العدة ولا ترثه بعدها * ومن طريق ابن أبى شيبة نا يزيد بن هارون عن أشعث عن محمد بن سيرين قال: كانوا يقولون: لا يختلفون فيمن فرمن كتاب الله رد إليه يعنى فيمن طلق امرأته وهو مريض * وقول سابع من قال: ترثه بعد العدة ما لم تتزوج فكما نا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عبد الله بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري عن حبيب بن أبى ثابت عن شيخ من قريش عن أبى بن كعب فيمن طلق امرأته ثلاثا في مرضه قال لا ازال أورثها منه حتى يبرأ أو تتزوج أو تمكث سنة أو قال ولو مكثت سنة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء الرجل يطلق إمرأته مريضا ثم يموت من وجعه ذلك قال عطاء: ترثه وان انقضت عدتها منه إذا مات في مرضه ذلك ما لم تنكح * ومن طريق أبى عبيدنا يزيد بن هارون عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى في التى يطلقها وهو مريض قال ترثه وان كان إلى سنتين ما لم تتزوج وقال أبو عبيد: وسمعت أبا يوسف القاضى يقول عن ابن أبى ليلى انه قال في المطلقة في المرض ترثه ما لم تتزوج وهو قول شريك القاضى.
واحمد بن حنبل.
واسحاق.
وأبى عبيد * وقول ثامن وهو لمن قال انها لا ترثه إلا ما دامت في العده وانها تنتقل إلى عدة الوفاة وقاله أيضا بعض من ورثها بعد العدة كما روينا من طريق أبى عبيد نا يحيى بن زكريا بن أبى زائدة عن أبيه عن الشعبى: قال باب من الطلاق جسيم إذا ورثت المرأة اعتدت ترثه ما لم تنكح قبل موته فإذا ورثته اعتدت أربعة أشهر وعشرا * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي قال: إذا طلق الرجل امرأته وهو مريض فمات ورثته واستأنفت العدة أربعة أشهر وعشرا، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري ان كانت أربعة أشهر وعشرا أكثر من حيضتها أخذت بالاربعة الاشهر والعشر وان كان الحيض أكثر أخذت بالحيض * قال أبو محمد: وهذا هو قول أبى حنيفة.
ومحمد بن الحسن، وقال أبو يوسف تتمادى على الحيض فقط ولا تنتقل إلى عدة الوفاة، وقول تاسع وهو قول من قال ترثه في العدة وبعد العدة ولم يخص ان لم تتزوج ولا قال وان تزوجت فكما روينا من طريق ابن وهب اخبرني موسى بن يزيد عن الزهري حدثنى طلحة بن عبد الله بن عوف ان عبد الرحمن بن عوف عاش حتى حلت تماضر ثم ورثها عثمان منه بعد ما حلت(10/221)
وهكذا رويناه من طريق سعيد بن منصور نا عباد بن عباد المهلبى نا هشام بن عروة عن أبيه، ومحمد بن عمرو بن علقمة كلاهما عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان أباه طلق امرأته في مرضه فمات بعد ما حلت فورثها عثمان * واختلف عن عمر بن أبى سلمة عن أبيه فروى عنه أبو عوانة انه كان ذلك في العدة: وروى عنه هشيم كان ذلك بعد العدة، وعمر ضعيف * ومن طريق ابن وهب أخبرني يزيد بن عياض بن جعدبة عن عبد الكريم بن الحارث عن مجاهد انه قال إذا طلق المريض امرأته قبل ان يدخل بها فلها ميراثها منه ونصف الصداق، ومن طريق ابن وهب أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال يقال: إذا طلق امرأته وهو وجع وقد فرض لها ولم يمسها فلها نصف
صداقها وترثه، ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا سهل بن يوسف عن حميد عن بكر عن الحسن فيمن طلق امرأته ثلاثا في مرضه فمات وقد انقضت عدتها فانها ترثه * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا يونس بن عبيد.
ومنصور كلاهما عن الحسن فيمن طلق امرأته وهو مريض قبل ان يدخل بها؟ قال: لها الصداق كله والميراث وعليها العدة.
ومن طريق حماد بن سلمة عن عثمان البتى.
وحميد.
وأصحاب الحسن قالوا: ترثه بعد انقضاء العدة، وقول عاشر رويناه من طريق ابن وهب اخبرني رجال من أهل العلم ان ربيعة قال في المطلقة ثلاثا في المرض ترثه وان نكحت بعده عشرة أزواج، وبهذا يقول مالك ومن قلده، وروى أيضا عن الليث بن سعد، وقال مالك: ان طلقها مريضا قبل الدخول بها فلها الميراث ولها نصف الصداق ولا عدة عليها وقال: ان خيرها وهو مريض فاختارت نفسها فطلقت ثلاثا أو اختلعت منه وهو مريض ثم مات من مرضه فانها ترثه قال: وكذلك لو حلف بطلاقها ثلاثا ان دخلت دار فلان وهو صحيح فمرض (1) فتعمدت دخول تلك الدار فطلقت ثلاثا أو مات من مرضه فانها ترثه، قال وكذلك من قال وهو صحيح: إذا قدم أبى فأنت طالق ثلاثا فقدم أبوه وهو مريض فطلقت ثلاثا ثم مات هو فانها ترثه، قال: ومن قاتل في الزحف أو حبس للقتل فطلق امرأته ثلاثا فانها ترثه قال: والمحصور ان طلق ثلاثا لم ترثه قال: فلو ارتد وهو مريض لم ترثه، وقول حادى عشر كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: طلق غيلان بن سلمة الثقفى نساءه وقسم ماله بين بنيه وذلك في خلافة عمر فبلغه ذلك فقال له عمر: طلقت نساءك وقسمت مالك بين بنيك قال نعم قال له عمر: والله لارى
__________
(1) في النسخة رقم 14 ثم مرض(10/222)
الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فألقاه في نفسك فلعلك أن لا تمكث إلا قليلا
وايم الله لئن لم تراجع نساءك وترجع في مالك لا ورثتهن منك إذا مت ثم لآمرن بقبرك فليرجمن كما يرجم قبر أبى رغال قال: فراجع نساءه وماله، قال نافع: فما لبث الا سبعا حتى مات * وأما المحصور فروينا من طريق ابن أبى شيبة قال نا عباد بن العوام عن أشعث عن الشعبى ان أم البنين بنت عتبة بن حصن كانت تحت عثمان فلما حوصر طلقها وكان قد أرسل إليها يشترى منها ثمنها فأبت فلما قنل أتت على بن أبى طالب فذكرت ذلك له فقال على تركها حتى إذا أشرف على الموت طلقها فورثها * وقول ثانى عشر وهو من لم يورث المبتوتة في المرض روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن أبى مليكة انه سأل عبد الله بن الزبير عن المبتوتة يعنى في المرض قال فقال لى ابن الزبير طلق عبد الرحمن بن عوف بنت الاصبغ الكلبية ثلاثا (1) ثم مات وهى في عدتها فورثها عثمان، قال ابن الزبير: فاما أنا فلا أرى ان ترث المبتوتة * ومن طريق أبى عبيد نا يحيى بن سعيد القطان نا ابن جريج عن ابن أبى مليكة قال: سألت عبد الله ابن الزبير عمن طلق امرأته ثلاثا وهو مريض؟ فقال ابن الزبير: أما عثمان فورث ابنة الاصبغ الكلبية وأما أنا فلا أرى ان ترث مبتوتة * ومن طريق سعيد بن منصور.
والحجاج بن المنهال قالا جميعا: نا أبو عوانة نا عمر بن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه فذكر حديث أبيه وان امرأته تماضر بنت الاصبغ بن زياد بن الحصين أرسلت إليه تسأله الطلاق فقال إذا طهرت يعنى من حيضها فلتؤذنى فطهرت فأرسلت إليه وهو مريض فغضب وقال: هي طالق البتة لا رجعة لها فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات فقال عبد الله بن عوف: لا أورث تماضر شيئا هذا لفظ الحجاج، وقال سعيد بن منصور في روايته فقال عبد الرحمن: لا أورث تماضر شيئا ثم اتفقا فارتفعوا لى عثمان فورثها وكان ذلك في العدة * ومن طريق أبى عبيدنا أبو أحمد الزبير عن سفيان الثوري عن ليث عن طاوس عن ابن عباس في الذى يطلق امرأته ثلاثا في مرضه قبل أن يدخل بها قال: ليس لها ميراث ولها نصف الصداق * ومن طريق قتادة ان على
ابن أبى طالب قال: لا ترث المبتوتة * ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير بن عبد الحميد عن المغيرة بن مقسم عن الحارث العكلى قال: من طلق امرأته طلقتين في صحته فطلقها الثالثة للعدة في مرضه لم ترثه لانه لم تعتد وبأن لا ترث المطلقة المبتوتة في المرض
__________
(1) في النسخة رقم 14 " الكلبية فبتها "(10/223)
يقول الشافعي.
وأبو سليمان.
وأصحابهما * قال أبو محمد: احتج من رأى توريث المبتوتة في المرض بأن قالوا: فر بذلك عما أوجب الله تعالى لها في كتابه في الميراث فوجب أن يقضى عليه (1) وعلى من لايتهم بذلك لئلا يكون ذريعة إلى منع الحقوق * قال أبو محمد: فنقول وبالله تعالى نتأيد ما فر قط عن كتاب الله تعالى.
بل أخذ بكتاب الله واتبعه، لان الله تعالى أباح الطلاق وقطع بالثلاث وبالطلاق قبل الوطئ جميع حقوق الزوجية من النفقة واباحة الوطئ والتوارث فأين ههنا الفرار من كتاب الله تعالى؟ انما كان يفرعن كتاب الله تعالى لو قال: لا ترث منى شيئا دون أن يطلقها بل الفرار من كتاب الله تعالى هو توريث من ليست زوجة ولا أما ولا جدة ولا ابنة ولا ابنة ابن ولا اختار ولا معتقة، ولكن اجنبية لم يجعل الله تعالى قط لها ميراثا، وكيف يجوز أن تورث بالزوجية من ان وطئها رجم أو من قد حل لها زواج غيره أو من هي زوجة لغيره، هذا هو خلاف كتاب الله تعالى حقا بلا شك، وأيضا فان كانت ترثه بالزوجية فواجب أن يرثها بالزوجية كما يقول الحسن: إذ من الباطل المحال الممتنع أن تكون هي امرأته، ولا يكون هو زوجها فان قالوا ليست امرأته قلنا: فلم ورثتموها ميراث زوجة، وهذا عجب جدا، وهذا أكل المال بالباطل بلا شك * ومن العجب قولهم فر بميراثها، وأى ميراث لها من صحيح لعلها هي تموت قبله، ورب صحيح يموت قبل ذلك المريض، وقد يبرأ من مرضه، فما وجب لها قط إذ طلقها ميراث يفر به عنها
تم من العجب توريث الحنيفيين المبتوتة ممن حبس للقتل أو بارز في حرب وليس مريضا ومنعهم الميراث التى أكرهها أبو زوجها على أن وطئها في مرض زوجها وليس لزوجها في ذلك عمل اصلا ولا طلقها مختارا قط، وتوريث المالكيين المختلعة والمختارة نفسها والقاصدة إلى تحنيثه في مرضه في يمينه، وهو صحيح بالطلاق، وهو كاره لمفارقتها وهى مسارعة إليه مكرهة له على ذلك، وما في العجب أكثر من منعهم المتزوجة في المرض من الميراث الذى أوجبه الله تعالى لها يقينا بالزوجية الصحيحة وتوريثهم المطلقة ثلاثا في المرض فورثوا بالزوجية من ليست بزوجة ومنعوا ميراث الزوجة من هي زوجته وحسبنا الله ونعم الوكيل * وروينا من طريق ابن وهب اخبرني مالك وعمرو بن الحارث.
والليث بن سعد.
ومخرمة بن بكير، ويونس بن يزيد، قال مالك والليث وعمر وكلهم عن يحيى بن سعيد الانصاري عن محمد بن يحيى بن حبان، وقال مخرمة عن أبيه عن سليمان
__________
(1) في النسخة رقم 14 أن يمضى عليه(10/224)
ابن يسار، وقال يونس واللفظ له: أنا الزهري أن رجلا من الانصار يقال له حبان بن منقذ كانت تحته هند بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وامرأة من الانصار فطلق الانصارية وهى ترضع ابنه وهو صحيح فمكثت سبعة أشهر أو قريبا من ثمانية أشهر لا تحيض ثم مرض حبان فقيل به: انها ترثك ان مت قال: احملوني إلى أمير المؤمنين عثمان فحمل إليه فذكر له شأن امرأته وعنده على بن ابى طالب رضى الله عنه، وزيد بن ثابت فقال لهما عثمان: ما تريان؟ قالا جميعا: نرى انها ترثه ان مات ويرثها ان ماتت فانها ليست من القواعد اللائى يئسن من المحيض، وليست من اللائى لم يحضن فهى عنده على حيضها ما كانت من قليل أو كثير وانه لم يمنعها من أن تحيض الا الرضاع فرجع حبان فانتزع ابنه منها فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ثم حاضت أخرى في الهلال ثم توفى حبان على رأس السنة أو قريبا منها فشرك عثمان بين المرأتين في الميراث وأمر
الانصارية أن تعتد عدة الوفاة، وقال للهاشمية هذا رأى ابن عمك هو أشار علينا به يعنى على بن ابى طالب قال ابن وهب: انا بشر بن بكر عن الاوزاعي عن ابن شهاب قال: ان عثمان قضى أن نختلج منها ولدها حتى تحيض اقراءها، قال ابن وهب اخبرني خالد بن حميد المهرى عمن أخبره عن ابن شهاب ان عثمان أرسل إلى زيد بن ثابت يشاوره في امر حبان بن منفذ فقال زيد اختلج ابنه منها ترجع الحيضة ففعل عثمان وذكر الخبر وبه يقول مالك * قال أبو محمد: هذا حقا هو الفرار من كتاب الله عزوجل أن تمنع رضاع ولدها ليتعجل حيضها فتتم عدتها وتبطل ميراثها وانما كان الوجه إذ هو عندهم فار من كتاب الله أن يبطلوا الطلاق الذى به اراد منعها الميراث كما فعل المالكيون في نكاح المريض، وأما تجويزهم الطلاق وابقاؤهم الميراث فمناقضة ظاهرة الخطا، وقد أوردنا قبل عن عثمان انه لم يجز ذلك الطلاق إذ أمر عبد الرحمن بمراجعتها بعد أن طلقها ثلاثا، ويقال لهم أترون عبد الرحمن بن عوف فرمن كتاب الله تعالى حاشى له من ذلك، فمن قولهم انما فعل ذلك بمن لا يظن به الفرار لقطع الزريعة فقلنا فهلا قلتم بقول ابى حنيفة في ان من اكرهها أبو زوجها على الوطئ انها ترث لانه قد يمكن أن يدس الزوج أباه لذلك ليمنعها الميراث فرب فاسق يستسهل هذا في حريمته فيكون قطعا للذريعة، وهلا ان كنتم مالكيين قلتم بذلك في المرتد في مرضه إذ قلتم: لا نتهمه انه ارتد فرارا من ميراثها فكم من الناس فر إلى ارض الحرب وارتد لغضب غضبه وليغيظ جاره باذاه له وهذا كله تناقض لا خفاء به فكيف من ارتد لئلا ترثه ثم راجع(10/225)
الاسلام.
وهلا ورثوها منه.
وان ماتت قبله فلا فوق بين توريثها وهى ميتة وبين توريثها بالزوجية وهى اجنبية زوجة لغيره لو وطئها هو لرجم ورجمت، فان قالوا: لم يأت بهذا أثر قلنا: ولا جاء في المبارز اثر فهلا قستم هذا على
المطلقة كما قستم ذلك على المطلق، ولا ورثتموها من المرتد فقد قال بتوريث مال المرتد لورثته من المسلمين طائفة من السلف ولا ندرى ما قولهم في مريض تحته مملوكة فأعقتت في مرضه فاختارت فراقه، وفي مملوك تحته حرة فطلقها بتانا وهو مريض ثم أعتق هو وفي مسلم تحته كتابية فطلقها في مرضه ثلاثا ثم اعتدت وأسلمت في عدتها أو بعد عدتها.
أو بعد ان تزوجت.
وأيضا فان الفرار بالميراث عنها يدخل في طلاق الصحيح كما يدخل في طلاق المريض، وقد يموت الصحيح قبل المريض فليورثوها ممن طلقها ثلاثا وهو صحيح ثم مات بغتة أو من مرض أصابه، وأيضا فلا يختلفون فيمن به حبن (1) قاقل.
أو جرح فانتثرت حشوته فتحامل فوطئ جارية له فحملت وهو يهتف بانه انما وطئها لتحمل فيحرم عصبته الميراث انها ان حملت وولدت حرمت العصبة (2) الميراث، فان قالوا وقد لا تحمل قلنا: وهو قد يفيق وهى قد تموت قبله وهلا وضعوا الظن في الفرار من كتاب الله تعالى حيث هو أليق به فيقولوا إذا طلقها ثلاثا وهو مريض فانما فر عن كتاب الله تعالى فيما أوجب لها من النفقة والكسوة الواجب لها كل ذلك فيلزمونه الكسوة والنفقة أبدا فلم يفعلوا وأعملوا ظنهم في أنه فرعنها بميراث لم يجب لها قط ولا يختلفون في أن من أقر في مرضه الذى مات فيه بولد أنه يلحقه ويرث ويمنع عصبته الميراث ويحط الزوجة من ربع إلى ثمن فهلا قالوا انما فعل ذلك ليحطها من الميراث * وأما الحنيفيون فانهم أمضوا فراره عن كتاب الله عزوجل إذ قطعوا ميراثها بعد العدة فجعلوه ينتفع بفراره عن كتاب الله تعالى في موضع، ولا ينتفع به في موضع آخر فهذا التخليط والخبط وانقطاع العدة متولد من الطلاق الذى هو فعله، ويقال لهم: قد أجزتم نكاح المريض وهو اضرار باهل الميراث في ادخال من يشركهم فيه.
فهلا إذ أجزتم طلاق المريض أمضيتم حكمه في قطع الميراث، ويقال للمالكيين: من أين ورثتم المخنثة لزوجها في مرضه وهو لم يفر قط بميراثها ولا طلقها في مرضه وكيف يجوز أن يقاس غير فار على فار، وأعجب شئ قول
المالكيين في التى يطلقها زوجها وهو مريض ولم يدخل بها أنها ترثه، وليس لها الا نصف الصداق فهلا قالوا: أنه فر بنصف صداقها فيقضوا لها بجميعه كما قال الحسن
__________
(1) الحبن والحبنة كالدمل (2) في النسخة رقم 14 " حرم عصبته "(10/226)
وهلا قالوا فيمن قال لامرأته ان دخلت دار زيد فانت طالق ثلاثا، وهو صحيح فاعتلت هي فأمرت من حملها فدخلت دار زيد وقالت: انما أفعل هذا لئلا يرثنى فهذه فارة بميراثها فهلا وروثه منها بعلة الفرار ولكنهم لا يتمسكون بنص ولا بقياس ولا بعلة، وعجب آخر وهو أنهم قالوا: ان صح لم ترثه فجعلوه ينتفع بفراره من كتاب الله عز وجل ان صح، وهذا تلاعب ولم يأت قط عن أحد من الصحابة انه ان صح لم ترثه الا عن أبى وحده وقد خالفه المالكيون في قوله الا أن تتزوج وخالفه الحنيفيون في توريثها منه بعد العدة والقوم متلاعبون بلا شك، وقال بعضهم: لما كان المرض يحدث لصاحبه احكاما لم تكن له في الصحة فيمنع من أكثر من ثلث ماله في الصدقة والعتق والهبة كان الطلاق كذلك فقلنا: هذا احتجاج للخطأ بالخطأ، وما وجب قط منع المريض من جميع ماله بل هو كالصحيح سواء سواء، وحتى لو كان ما قلتم فمن اين وجب أن يكون الطلاق مقيسا على ذلك وما نعلم دليلا على ذلك لا من نص ولا من اجماع ولا من قول متقدم ولا من معقول الا دعوى كاذبة فبطل هذا ايضا بيقين ولا يعجز أحد عن أن يدعى ما شاء، وقد تكلمنا على هذا في كتاب الهبات من ديواننا هذا فأغنى عن اعادته، وقالوا: هذا قول جمهور الصحابة رضى الله عنهم فقلنا كذب من قال هذا أشنع كذب انما جاءت في ذلك روايات مختلفة متناقضة عن خمسة.
من الصحابة فقط.
عمر.
وعثمان.
وعلى.
وعائشة أم المؤمنين.
وأبى بن كعب.
، أما الرواية عن على فساقطة مفضوحة ولم تصح قط لانها عن ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن على ثم ليس عنه الا المطلقة في المرض ترث ونحن نقول أنها ترث ما لم تكن مبتوتة
وليس فيه أنها ترث في العدة دون ما بعد العدة ولا أنها ترث الا أن يصح فهي رواية على سقوطها غير موافقة لتحكم الحنيفيين والمالكيين فكيف وقد أوردنا عن على مثلها لا ترث مبتوتة وأوردنا عنه انه ورث المرأة التى طلقها عثمان وهو محصور وهم كلهم لا يقولون بهذا، والرواية عن عائشة أم المؤمنين لا تصح لان سعيد بن أبى عروبة لم يسمع من هشام بن عروة شيئا قط فلا ندرى عمن أخذه وهو مخالف لقول المالكيين فهو عليهم لا لهم فسقطت هذه الرواية * والرواية عن أبى ساقطة لا تصح لانها من طريق شيخ من قريش لا يدرى من هو، ثم هي مخالفة للحنيفيين والمالكيين جميعا لان فيها الا أن تتزوج فبطل تعلقهم بما هم أول مخالفين له والرواية عن عمر منقطعة لانها عن ابراهيم عن عمر، وفي بعض رواياتي عن ابن عمر وهو وهم وكلاهما غير متصلة لان ابراهيم لم يسمع قط من عمر ولا من ابن عمر كلمة وانما تصح من الطريق التى أوردنا عن(10/227)
ابراهيم عن شريح مع أن كل ما روى في ذلك عن عمر مخالف للمالكيين لانها كلها لا ترث الا في العدة فليس للحنيفيين غير هذه الرواية وحدها وكم قصة خالفوا فيها الطائفة من الصحابة لايعرف لهم فيها مخالف كقول عمر في امرأة المفقود وغير ذلك نعم وفي هذه الرواية نفسها لان فيها كان فيما جاء به عروة البارقى إلى شريح من عند عمر ابن الخطاب ان جروح الرجال والنساء سواء الا الموضحة [ والسن فيما جاء ] (1) فعلى النصف، وإذا طلق امرأته ثلاثا ورثته ما دامت في العدة، ومن الباطل أن يكون بعض كتاب عمر حجة وبعضه ليس بحجة لانهم كلهم لا يقولون بهذا، وقد أوردنا عن عمر بأصح طريق أنه قال: لغيلان بن سلمة وقد طلق نساءه وهو صحيح لئن مت لاورثتهن منك وهم لا يقولون بهذا فكيف وقد صح خلاف عمر في هذا عن ابن الزبير.
وعبد الله بن عوف أخى عبد الرحمن بن عوف وله صحبة، وروى عن على مثل قولنا، وعن عبد الرحمن بن عوف * وأما الرواية عن عثمان
فقد ذكرنا انه لم يره طلاقا وانه أمره بمراجعتها، وهذا خلاف الطائفتين معا، ثم اضطربت رواية الثقات عنه فروى عنه عبد الله بن الزبير.
وحماد بن سلمة عن هشام ابن عروة عن أبيه عروة بن الزبير أنه لم يورثها إلا في العدة، وكذلك روى أبو عوانة عن عمر بن ابى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن ابى سلمة، وروى عروة بن الزبير.
ومحمد بن عمرو بن علقمة عن ابى سلمة.
وطلحة بن عبد الله بن عوف.
وهشيم عن عمر بن ابى سلمة عن أبى سلمة.
وابن المسيب أنه ورثها منه بعد العدة، فاحدى الروايتين مخالفة للحنيفيين، ولا شك في ان احداهما وهم لا ندرى أيتهما هي، ولا يجوز الحكم بقضية قد صح الوهم فيها فلا يدرى كيف وقعت، وقد روينا عن عثمان أن زيدا (2) طلق امرأته وبه فالج فعاش سنتين ثم مات فورثها منه، وهم لا يختلفون في أن المفلوج لا يرثه بذلك المرض من طلقها فيه فسقط تعلقهم بعثمان، والعجب ان الحنيفيين يقولون انها ان سألته الطلاق في مرضه فطلقها انها لا ترثه، والثابت عن عبد الرحمن انه لم يطلقها إلا بعد ان سألته الطلاق حتى غضب فخالفوا عثمان في ذلك، فلم يبق لهم من الصحابة رضى الله عنهم متعلق، فان قيل: قد رويتم عن جعفر بن محمد عن أبيه ان الحسين بن على طلق امرأته وهو مريض فورثته، قلنا: هذه رواية لا حجة فيها أول ذلك انها منكرة لان فيها أن الحسين طلق امرأته وهو مريض فروثته، والحسين رضى الله عنه لم يمت حتف انفه، انما مات مقتولا فصح انه قد كان صح من ذلك المرض فهذا مخالف
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 14 " ان رجلا " بدل زيدا(10/228)
للطائفتين، ثم هي منقطعة لان محمد بن على بن الحسين لم يدرك الحسين ولا الحسن ثم ليس فيه من هو المورث لها ولا ان الحسين أخبر أنها ترثه وقال بعضهم قد رويتم أن عثمان قال لعبد الرحمن لئن مت لا ورثنها منك فقال عبد الرحمن: لقد علمت، قالوا فدل ذلك على موافقته لعثمان في ذلك فقلنا: كلاما دل ذلك قط على موافقته
لعثمان في ذلك بل انما فيه مما لا يحتمل سواه قد علمت ما أعلمني به انه من رأيك فبطل كل ما شغبوا به عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم في ذلك والحمد لله رب العالمين * واعترض بعضهم على الرواية الثابتة عن ابن الزبير انه لا ترث مبتوتة بما حدثناه سعيد بن عبد البر البلنسى قال: نا عبد الله بن أبي زيد المالكى نا ابن عثمان نا محمد بن احمد بن الجهم نا محمد بن شاذان نا معلى بن منصور نا هشيم عن الحجاج بن ارطاة عن ابن أبى مليكة عن عبد الله بن الزبير قال: طلق ابن عوف امرأته الكلبية وهو مريض ثلاثا فمات ابن عوف فورثها منه عثمان قال ابن الزبير: لولا أن عثمان ورثها لم أر لمطلقة ميراثا * قال أبو محمد: الحجاج بن ارطاة هالك ساقط ولا يعترض بروايته على رواية الامام المشهور ابن جريج عن ابن أبي مليكة الا جاهل أو مجاهر بالباطل مجادل به ليدحض به الحق، وهيهات له من ذلك، وما يزيد من فعل هذا على أن يبدى عن عواره وجهله أو قلة ورعه ونعوذ بالله من الظلال، فبطل (1) كل ما موهوا به في ذهه المسألة، وصح انها خطأ محض، وصح ان المبتوتة في المرض أو المطلقة فيه ولم يطأها لا ميراث لهما أصلا، وكذلك المطلقة طلاقا رجعيا في المرض إذا لم يراجعها حتى مات فلا ميراث لها، وحتى لو أقر علانية انه انما فعل (2) ذلك لئلا ترثه، ولا حرج عليه في ذلك لانه فعل ما أبيح له من الطلاق الذى قطع الله تعالى الموارثة بينهما وقطع به حكم الزوجية بينهما، وكذلك ان طلق وهو موقوف للقتل في حق أو باطل أو للرجم في زنا، ولا فرق لانه لم يأت نص قط بين طلاق هؤلاء وبين غيرهم بفرق، ولا يجوز أن يرث بالزوجية الا زوجة أو زوج ترثه حيث يرثها ولا فرق، ولا يرث بالبنوة الا ابن أو ابنة، ولا يرث بالابوة إلا أب، ولا يرث بالامومة إلا أم ولا فرق بين شئ من ذلك، والمفرق بين ذلك مؤكل مالا بالباطل ومن صح عنه انه قضى بذلك من الصحابة رضى الله عنهم فمأجور بكل حال من خطا أو صواب وانما الشأن فيمن قلد بعض ما اجتهدوا فيه،
وخالفهم في بعضه تحكما في الدين بالهوى والباطل وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في النسخة رقم 14 (فسقط) (2) في النسخة رقم 16 (انما يفعل)(10/229)
1977 مسألة: وطلاق العبد بيده لا بيد سيده، وطلاق العبد لزوجته الامة أو الحرة، وطلاق الحر لزوجته الامة أو الحرة كل ذلك سواء لا تحرم واحدة ممن ذكرنا على مطلق ممن ذكرنا إلا بثلاث تطليقات مجموعة أو مفرقة لا بأقل أصلا * برهان ذلك قول الله عزوجل (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) وقال تعالى: (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن)، وقال تعالى: (وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) فسوى تعالى بين طلاق كل ناكح من حر أو عبد عربي أو عجمى أو مريض أو صحيح وما كان ربك نسيا، ونحن نشهد بشهادة الله عزوجل انه تعالى لو أراد أن يفرق بين شئ من ذلك لما أهمله ولا أغفله ولا غشنا (1) بكتمانه ولبينه لنا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فإذ لم يفعل ذلك فوالله ما أراد الله قط فرقا بين شئ من ذلك، وبالآيات التي ذكرنا صح ان الطلاق بيد الناكح لا بيد سواه فدخل في ذلك الحر والعبد دخولا مستويا بلا شك، وقد وافقنا المالكيون والحنيفيون والشافعيون على هذا، ووافقنا الحنيفيون على ان الحرة لا تحرم على زوجها العبد إلا بثلاث تطليقات، ووافقنا الشافعيون والمالكيون على ان الامة لا تحرم على زوجها الحر الا بثلاث تطليقات وخالفونا (2) في الامة تحت العبد، وقول الله تعالى: (فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) بعد قوله تعالى: (الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) قاض لقولنا بالصواب، وشاهد بانه الحق قطعا لانه تعالى لم يخص بذلك حرا من عبد، وفيما ذكرنا خلاف نذكر منه ان شاء الله تعالى ما يسر بفضله لذكره، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم * روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس كان يقول: طلاق العبد بيد
سيده ان طلق جاز، وان فرق فهى واحدة إذا كانا له جميعا، فان كان العبد له والامة لغيره طلق السيد أيضا ان شاء * وحدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عبد الله بن عبد البصير نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن ابن مهدى عن سفيان الثوري.
عن عبد الكريم الجزرى.
عن عطاء.
عن ابن عباس قال: ليس طلاق العبد ولا فرقته بشئ * قال أبو محمد: ههنا عم الحرة والامة * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج انا أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول في الامة والعبد: سيدهما يجمع بينهما ويفرق * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن ابى الشعثاء
__________
(1) في النسخة رقم 14 (ولا عنتنا) (2) في النسخة رقم 14 " وخالفوا "(10/230)
أنه قال: لا طلاق لعبد إلا باذن سيده، فان طلق اثنتين لم يجزه سيده ان شاء * ومن طريق وكيع عن اسماعيل بن ابي خالد عن الشعبى قال: أهل المدينة لا يرون للعبد طلاقا إلا باذن سيده، فهذا قول، وقول ثان كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني هشام بن عروة قال: سألنا عروة يعني أباه عن رجل انكح عبده أمته هل يصلح له أن ينتزعها منه بغير طيب نفس العبد؟ قال: لا ولكن إذا ابتاعه وقد أنكحه، وقول ثالث كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أنه قال لعطاء: انتزع أمتى من عبد قوم آخرين، وقد أنكحتها اياه قال نعم وارضه قلت أبي الا صداقه كله قال: هو له كله فان ابي فانتزعها ان شئت ومن حر أنكحتها اياه ثم رجع عطاء فقال: لانتزعها من الحر، وان أعطيته الصداق ولا تستخدمها ولا تبعها * وقول رابع من طريق منقطعة عن عمر بن الخطاب إذا نكح العبد بغير اذن مواليه فنكاحه حرام، فان نكح باذن مواليه فالطلاق بيد من يستحل الفرج * ومن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر ان أذن السيد لعبده أن يتزوج فانه لا يجوز لامرأته طلاق إلا أن يطلقها العبد
[ وإن أبي ] (1) أن يأخذ أمة غلامه أو أمة وليدته فلا جناح عليه * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أن أببا معبد أخبره أن عبدا كان لابن عباس وكانت له امرأة جارية لابن عباس فطلقها فبتها فقال ابن عباس لا طلاق لك فارتجعها (2) فابى قال عبد الرزاق: نا معمر عن سماك بن الفضل أن العبد سأل ابن عمر فقال له: لا ترجع إليها، وان ضرب رأسك، وصح عن سعيد بن جبير الطلاق بيد العبد، وصح عن سعيد بن المسيب إذا انكح السيد عبده فليس له أن يفرق بينهما، وصح عن شريح.
والحسن.
وابراهيم.
ان الطلاق بيد العبد، وهو قول أبي حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وأبي سليمان.
وأصحابهم * واما بكم تحرم الامة تحت العبد من عدد الطلاق أو الحرة وبكم تحرم الامة والحرة تحت الحر؟ فروينا من طريق اسحاق بن أحمد نا العقيلى نا عبد الله بن احمد بن حنبل نا أبي نا محمد بن جعفر غندر نا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن علي ابن أبي طالب أنه قال: السنة بالنساء يعنى الطلاق والعدة قال: همام لا أشك فيه ولا أمترى * قال أبو محمد: وهو قول قتادة ومن طريق سعيد بن منصور نا عبد الرحمن ابن زياد.
عن شعبة.
عن أشعث بن سوار عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود
__________
(1) في النسخة رقم 14 (العبد فاما أن يأخذ الخ) (2) في النسخة رقم 14 فارجعها(10/231)
قال: السنة بالنساء الطلاق والعدة * ومن طريق عبد الرزاق عن محمد بن يحيى، وغير واحد عن عيسى.
عن الشعبى.
عن اثنى عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: الطلاق [ بالرجال (1) ] والعدة بالمرأة * ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان وداود.
وقتادة.
قال حماد بن أبي سليمان عن ابراهيم وقال داود عن الشعبي وقال قتادة، عن الحسن قالوا كلهم: العبد يطلق الحرة ثلاثا وتعتد ثلاث حيض والحر
يطلق الامة تطليقتين وتعتد حيضتين * ومن طريق الحجاج بن المنهال.
نا حماد بن زيد نا أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين والحسن قالا جميعا: الطلاق والعدة بالنساء * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: يطلق المملوك الحرة ثلاثا ويطلق الحر المملوكة تطليقتين * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا ابن علية.
عن أيوب السختيانى.
عن نافع قال تبين الامة من الحر والعبد بتطليقتين قال أيوب: وثبت عند ابن عباس الطلاق والعدة بالنساء * ومن طريق ابن أبي شيبة نا زيد بن الحباب عن سيف.
عن مجاهد قال: إذا كانت الحرة تحت العبد فطلاقها ثلاث وعدتها ثلاث حيض، وإذا كانت الامة تحت الحر فطلاقها اثنتان وعدتها حيضتان * ومن طريق الحجاج بن المنهال: نا شعبة عن الحكم بن عتيبة: والاعمش قال الحكم عن ابراهيم أنه سأل عبيدة السلماني عمن كان تحته امة فطلقها ثنتين ثم اشتراها أن يأتيها فأبي، وقال الاعمش عن أبي الضحى عن مسروق فيمن كانت تحته امة فطلقها اثنتين ثم اشتراها فكره أن يأتيها وبه يقول سفيان الثوري.
والحسن ابن حي.
وأبو حنيفة.
وأصحابه: فهم على - وصح عنه - وابن مسعود وابن عباس واثنى عشر من الصحابة رضي الله عنهم ولا يصح عن أحد منهم لانه اما منقطع، وأما عن أشعث بن سوار وعيسى الحناط وكلاهما ضعيف وهو صحيح عن قتادة: والنخعي والشعبي.
ومسروق.
وعبيدة.
والحسن: وابن سيرين.
ونافع مولي ابن عمر.
ومجاهد، وقالت طائفة: بخلاف ذلك: كما روينا من طريق ابن وهب.
عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أخبرني قبيصة من ذوئيب أنه سمع زيد بن ثابت يقول ان كان الرجل حرا وامرأته أمة ثلاث تطليقات واعتدت حيضتين وان كان عبدا وامرأته حرة طلق تطليقتين واعتدت ثلاث حيض * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريح عن أيوب السختياني نا رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذوئيب عن عائشة أم المؤمنين ان غلاما طلق امرأته وهى حرة تطليقتين فسال عائشة فقالت: لا تقربها * ومن طريق
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16(10/232)
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قضى عثمان بن عفان في مكاتب طلق امرأته وهى حرة تطليقتين انها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره * ومن طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن زياد بن سمعان ان عبد الله بن عبد الرحمن الانصاري أخبره عن نافع عن أم سلمة أم المؤمنين مثل قول عثمان وزيد لا ومن طريق ابن أبي شيبة نا وكيع عن هشام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس انه كان يقول الطلاق بالرجال والعدة بالنساء، ومن طريق ابن أبي شيبة نا علي بن مسهر عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: إذا كانت الحرة تحت العبد فقد بانت [ منه ] بتطليقتين وعدتها ثلاث حيض وإذا كانت الامة تحت الحر فقد بانت منه بثلاث وعدتها حيضتان * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء * ومن طريق ابن ابى شيبة عن وكيع عن الشعبى عن مكحول قال: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريح عن عطاء قال: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء * ومن طريق ابن وهب أخبرني رجال من أهل العلم عن القاسم بن محمد.
وسالم بن عبد الله.
وأبي سلمة بن عبد الرحمن.
وعمر بن عبد العزيز.
ويحيى بن سعيد.
ويزيد ابن قسيط.
وعبد الرحمن بن عبد الله بن الهدير.
وربيعة.
وأبي الزناد.
وسليمان بن يسار ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان.
وعمرو بن شعيب الطلاق بالرجال والعدة بالنساء وهو قول مالك: والشافعي فهم زيد بن ثابت.
وعثمان.
وابن عباس.
وابن عمر ولا يصح عن غيرهم: وسعيد بن المسيب.
وعطاء.
وسائر ذلك منقطع، وقالت طائفة: الحكم للرق خاصة كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: الحر يطلق الامة تطليقتين وتعتد حيضتين والعبد يطلق الحرة تطليقتين وتعتد ثلاث حيض وبه يقول عثمان البتي، وذهبت طائفة إلى
مثل قولنا كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا اسماعيل بن اسحاق النصري نا عيسى بن حبيب نا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري نا جدي محمد ابن عبد الله نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد مولي ابن عباس عن ابن عباس ان عبدا له طلق امرأته طلقتين فأمره ابن عباس ان يراجعها فاني فقال له ابن عباس: هي لك فاستحلها بملك اليمين، وبه يأخذ أبو سليمان وجميع أصحابنا * قال أبو محمد: شغبت الطائفة الاولى بما روينا من طريق أبي داود.
نا محمد ابن مسعود نا أبو عاصم عن ابن جريج.
عن مظاهر بن اسلم.
عن القاسم بن محمد عن (م 30 - ج 10 المحلى)(10/233)
عائشة ام المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " طلاق الامة تطليقتان وقرؤها حيضتان " قال أبو عاصم: حدثنى به مظاهر عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم الا انه قال " وعدتها حيضتان " نا حمام نا يحيى بن مالك بن عائذ نا ابن ابى غسان نا أبويحيى زكريا بن يحيى الساجى نا محمد بن اسماعيل بن سمرة الاحمسي نا عمر بن شبيب المسلى نا عبد الله ابن عيسى عن عطية عن ابن عمر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاق الامة ثنتان وعدتها حيضتان " وقالوا لما اتفقنا مع المالكيين والشافعيين على ان عدة الامة نصف عدة الحرة وكان الطلاق هو الموجب للعدة وجب ان يكون طلاقها نصف طلاق الحرة قالوا: ولما كان حد العبد والامة الزانيين نصف حد الحر والحرة سواء زنيا بحر أو بحرة أو بعبد أو أمة، ولما كان حد الامة القاذفة للحر والعبد وللامة والحرة نصف حد الحرة وجب أن يكون الطلاق لها كذلك ما نعلم لهم حجة غير هذا * قال أبو محمد: الاثران ساقطان لان أحدهما من طريق مظاهر بن اسلم وهو ضعيف، وفي الثاني عمر بن شبيب المسلي وعطية وهما ضعيفان ضعف مظاهرا أبو عاصم الذي روي عنه والبخاري وضعف عطية سفيان الثوري.
واحمد بن حنبل، وضعف
عمر بن شبيب ابن معين والساجي فسقط التعلق بهما * وأما قياسهم الطلاق على القذف والزنا والعدة فهلا قاسوه على ما اتفق عليه جميع أهل الاسلام من ان عدة الامة بوضع الحمل كعدة الحرة ومن ان حد العبد والامة في القطع في السرقة وفي الحرابة كل ذلك سواء كالحر والحرة لاسيما والحنيفيون يقولون: ان اجل العبد العنين من زوجه الامة والحرة كأجل الحر وصيام العبد في الظهار كصيام الحر وفي كفارة اليمين كذلك فبطل هذا القول، ثم نظرنا فيما احتجت به الطائفة الثانية فوجدنا ما روينا من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج قال: كتب إلى عبد الله بن زياد بن سمعان ان عبد الله بن عبد الرحمن الانصاري أخبره عن نافع عن أم سلمة أم المؤمنين ان غلاما لها طلق امرأة له حرة تطليقتين فاستفتت أم سلمة النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك * وقالوا لما كان حد العبد نصف حد الحر وجب ان يكون طلاقه نصف طلاق الحر * قال أبو محمد: أما القياس فعارضه قياس الطائفة الاولى وكل ذلك باطل ودعوى بلا حجة ويقال لهم: هلا قستم طلاق العبد على مساواته للحر في حد السرقة والحرابة وعلى ما أباح له مالك من زواج أربع كالحر وعلى ما جعل الشافعي أجله في الايلاء كاجل الحر وعلى صيامه في الكفارات لاسيما وكلهم متناقض إذا احتجوا بزعمهم(10/234)
لكون طلاق العبد أو الامة نصف طلاق الحر والحرة، وقد أبطلوا في ذلك لان طلاق العبد عند احدى الطائفتين طلقتا وطلاق الامة عند الطائفة الاخرى ثلاثا طلاق الحر والحرة وما وجدنا حدا يكون للعبد ثلثى حد الحر، فان قالوا: لم يقدر على طلقة ونصف قلنا فاسقطوا ما عجزتم عنه وحرموها بطلقة، وأما الخبر ففى غاية الفساد لان ابن سمعان مذكور بالكذب.
وعبد الله بن عبد الرحمن مجهول مع ان هذا الاثر الساقط يعارض ذينك الاثرين الساقطين فهى متدافعة متكاذبة لا يحل القول بشئ
منها، وتالله لو صح شئ منها لما سبقونا إليه ولا إلى القول به ولكن القول بالباطل لا يحل كما لا تحل مخالفة الحق وبالله تعالى التوفيق * وأما من غلب عليه الرق فما نعلم لهم حجة الا ان جمعوا قياس الطائفتين فيقال لهم: ما الفرق بينكم وبين من غلب الحرية وهل هي الا دعوى كدعوى؟ فان قيل ان ابن عباس انما أمر غلامه ان يراجع زوجته الامة بعد ان طلقها طلقتين لانه لا يري طلاق العبد شيئا قلنا قد أعاذ الله ابن عباس من التدليس بل روي عنه عطاء لا طلاق للعبد، وقد روي عنه أبو معبد ان طلاقه جائز وكلاهما ثقة مأمون فإذ لا نص في الفرق بين طلاق العبد وطلاق الحر ولا بين طلاق الامة وطلاق الحرة فلا يحل تخصيص القرآن في ان الطلاق لا يحرم الا بثلاث في حر أو عبد أو حرة أو أمة بالدعوي بلا برهان وبالله تعالى نتأيد * (الخلع) 1978 مسألة: الخلع وهو الافتداء إذا كرهت المرأة زوجها فخافت أن لا توفيه حقه أو خافت أن يبغضها فلا يوفيها حقها فلها أن تفتدي منه ويطلقها ان رضى هو والا لم يجبر هو ولا اجبرت هي انما يجوز بتراضيهما، ولا يحل الافتداء إلا بأحد الوجهين المذكورين، أو باجتماعهما، فان وقع بغيرهما فهو باطل ويرد عليها ما أخذ منها وهى امرأته كما كانت، ويبطل طلاقه ويمنع من ظلمها فقط ولها أن تفتدي بجميع ما تملك وهو طلاق رجعي إلا أن يطلقها ثلاثا أو آخر ثلاث، أو تكون غير موطوءة فان راجعها في العدة جاز ذلك أحبت أم كرهت، ويرد ما أخذ منها إليها ويجوز الفداء بخدمة محدودة، ولا يجوز بمال مجهول لكن بمعروف محدود مرئي معلوم أو موصوف * قال أبو محمد: واختلف الناس في الخلع فلم تجزه طائفة، واختلف الذين أجازوه فقالت طائفة: لا يجوز إلا باذن السلطان، وقالت طائفة: هو طلاق، وقالت طائفة: ليس طلاقها ثم اختلف القائلون انه طلاق فقالت طائفة: هو رجعي كما قلنا، وقالت طائفة: هو بائن، وقالت طائفة: لا يجوز إلا بما أصدقها لا بأكثرها، وقالت(10/235)
طائفة منهم: فان أخذ اكثر أحببنا له أن يتصدق به، وقالت طائفة: يجوز بكل ما تملك وقالت طائفة: لا يجوز الخلع إلا مع خوف نشوزه واعراضه أو أن لا تقيم معه حدود الله تعالى، وقالت طائفة: يجوز بتراضيهما.
وان لم يكن هنالك خوف نشوز أو خوف أن لا تقام حدود الله تعالى، وقالت طائفة: لا يجوز الخلع إلا بان يجد على بطنها رجلا وقالت طائفة: لا يجوز الخلع الا بأن تقول لا أطيع لك أمرا ولا أغتسل لك من جنابة، واختلفوا في الخلع الفاسد فقالت طائفة: ينفذ ويتم، وقالت طائفة يرد ويفسخ فأما من قال: لا يجوز الخلع فكما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا عقبة بن ابي الصهباء قال سألت بكر بن عبد الله المزني عن الخلع قال: لا يحل له ان يأخذ منها قلت فقول الله عز وجل في كتابه: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) قال: نسخت هذه وذكر ان الناسخ لها قوله تعالى: (وان اردتم استبدال زوج مكان زوج، وآتيتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا اتأخذونه بهتانا واثما مبينا) وكيف تأخذونه، وقد افضى بعضكم إلى بعض وأخذنا منكم ميثاقا غليظا) * قال أبو محمد: واحتج من ذهب إلى هذا بما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد ابن اسحاق بن السليم نا ابن الاعرابي نا محمد بن اسماعيل الصائغ نا عفان بن مسلم نا حماد نا أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي اسماء الرحبي عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنه " * وبما روينا من طريق احمد بن شعيب نا اسحق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - انا المخزومى هو المغيرة ابن سلمة - نا وهيب عن أيوب السختياني عن الحسن البصري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: " المنتزعات (1) والمختلعات هن المنافقات " قال الحسن: لم أسمعه من أبي هريرة * قال أبو محمد: فسقط بقول الحسن أن تحتج بذلك الخبر.
وأما الخبر الاول
فلا حجة فيه في المنع من الخلع لانه انما فيه الوعيد على السائلة الطلاق من غير بأس وهكذا نقول وليس في البأس أعظم من أن يخاف الا يقيم حدود الله في الزوجة، وأما الآيتان فليستا بمتعارضتين انما في التي نزع بها بكر تحريم أخذ شئ من صداقها اثما مبينا وبهتانا.
وهذا لا شك فيه.
وليس فيهما نهى عن الخلع أصلا.
وقال تعالى: (فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) وفي الآية الاخرى حكم بطيب النفس منها (2) فليس اثما ولا عدوانا.
وما كان هكذا فلا يحل [ القول به ولا ] (3) أن يقال فيه ناسخ أو
__________
(1) في النسخة رقم 14 " المتبرعات " (2) في النسخة رقم 14 " بطيب نفسها " (3) الزيادة من النسخة رقم 16(10/236)
منسوخ الا بنص بل الفرض الاخذ بكلا الآيتين لا ترك احداهما للاخرى ونحن قادرون على العمل بهما بأن نستثني احداهما من الاخرى * قال أبو محمد: قال الله عزوجل: (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما والصلح خير)، وقال تعالى: (فان خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) فهاتان الآيتان قاضيتان على كل ما في الخلع.
وأما من منع منه بغير اذن السلطان فروينا من طريق وكيع عن يزيد بن ابراهيم التستري وربيع - هو ابن صبيح - كلاهما عن الحسن البصري قال: لا يكون خلع الا عند السلطان * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد نا يحيى - هو ابن عتيق - أنه سمع محمد بن سيرين يقول كانوا يقولون لا يجوز الخلع الا عند السلطان، ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير قال: لا يكون الخلع الا حتى يعظها فان اتعظت والا ضربها فان اتعظت والا ارتفعا إلى السلطان فيبعث حكما من أهلها وحكما من أهله يرفع كل واحد منهما إلى السلطان ما يسمع من صاحبه فان رأى ان يفرق فرق.
وان رأى أن يجمع جمع * قال أبو محمد: وهذا كله لا حجة على تصحيحه قال تعالى: (قل هاتوا برهانكم
ان كنتم صادقين) * وأما من قال الخلع ليس طلاقا فاحتج بما (1) نا محمد بن سعيد بن نبات نا ابن مفرج نا عبد الله بن جعفر ابن الورد نا يحيى بن أيوب بن بادى العلاف نا يحيى ابن بكير نا الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر انه سمع ربيع ابنة معوذ بن عفراء وهى تخبر عبد الله بن عمر انها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان فجاء عمها إلى عثمان فقال: ان ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل، فقال عثمان: لتنتقل ولا ميراث بينهما لها ولا عدة عليها الا انها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حمل فقال عبد الله بن عمر: فعثمان أخبرنا واعلمنا، فهذا عثمان والربيع ولها صحبة وعمها وهو من كبار الصحابة وابن عمر كلهم لا يري في الفسخ عدة * ومن طريق احمد بن حنبل نا يحيى بن سعيد هو القطان عن سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: الخلع تفريق وليس بطلاق * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس انه سأله ابراهيم بن سعد عن رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه اينكحها؟ قال ابن عباس: نعم ذكر الله الطلاق قي أول الآية وفي آخرها والخلع بين ذلك * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن طاوس قال: كان أبي لا يري الفداء طلاقا ويجيزه بينهما، وقال ابن جريج
__________
(1) في النسخة رقم 14 " فلما حدثناه "(10/237)
أخبرني عمرو بن دينار انه سمع عكرمة ابن عباس يقول: ما أجازه المرء فليس بطلاق * وروينا من طريق عبد الله بن احمد بن حنبل قال: رأيت أبي كأنه يذهب إلى قول ابن عباس ان الخلع ليس طلاقا وهو قول اسحاق بن راهويه.
وأبي ثور.
وأبي سليمان وأصحابه * وأما من قال: انها تطليقة فكما روينا من طريق حماد بن سلمة عن هشام ابن عروة عن أبيه عن جمهان ان أم بكرة الاسلمية كانت تحت عبد الله بن أسيد فاختلعت منه فندما فارتفعا إلى عثمان بن عفان فأجاز ذلك وقال: هي واحدة الا ان
تكون سميت شيئا فهو على ما سميت * ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة نا على بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن طلحة بن مصرف عن ابراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود قال لا تكون طلقة بائنة الا في فدية أو ايلاء، ورويناه من طريق لا تصح عن على بن أبي طالب وبهذا يقول الحسن.
وسعيد بن المسيب.
وعطاء.
وشريح.
والشعبى وقبيصة بن ذوئيب.
ومجاهد.
وأبو سلمة بن عبد الرحمن.
وابراهيم النخعي.
والزهري.
ومكحول.
وابن أبي نجيح.
وعروة بن الزبير.
والاوزاعي.
وسفيان الثوري.
وأبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي * قال أبو محمد: أما احتجاج من احتج بان الله تعالى ذكر الطلاق ثم الخلع ثم الطلاق فنعم هو في القرآن كذلك الا أنه ليس في القرآن انه ليس طلاقا ولا انه طلاق فوجب الرجوع إلى بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرنا في ذلك فوجدنا ما روينا من طريق مالك عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة انها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الانصارية فذكرت اختلاعها من زوجها ثابت بن قيس بن الشماس وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لثابت: خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها * ومن طريق احمد بن شعيب نا محمد بن يحيى المروزي حدثنى شاذان بن عثمان أخو عبدان نا أبي نا على بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير أخبرني محمد بن عبد الرحمن ان ربيع بنت معوذ بن عفراء أخبرته فذكرت اختلاع امرأة ثابت بن قيس منه وان اخاه شكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت فقال له خذ الذي لها وخل سبيلها قال: نعم فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تتربص حيضة واحدة وتلحق بأهلها * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة مولى ابن عباس قال: اختلعت امرأة ثابت بن قيس من زوجها فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة، قالوا: فهذا يبين ان الخلع ليس طلاقا لكنه فسخ * قال أبو محمد: أما حديث عبد الرزاق الذي ذكرنا آنفا فساقط لانه مرسل وفيه(10/238)
عمرو بن مسلم وليس بشئ وأما خبر الربيع وحبيبة فلو لم يأت غيرهما لكانا حجة قاطعة لكن روينا من طريق البخاري نا ازهر بن جميل نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي نا خالد - هو الحذاء - عن عكرمة عن ابن عباس " ان امرأة ثابت بن قيس اتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني اكره الكفر في الاسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " فكان هذا الخبر فيه زيادة على الخبرين المذكورين [ والزيادة ] (1) لا يجوز تركها، واذ هو طلاق فقد ذكر الله عزوجل عدة الطلاق فهو زائد على ما في حديث الربيع والزيادة لا يجوز تركها وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: الا ان الحنيفيين والمالكيين: لا يجوز لهم الاحتجاج بهذا الخبر على اصولهم الفاسدة لان من قولهم إذا خالف الصاحب ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم دل على نسخه أو ضعفه كما فعلوا في رواية عائشة.
وابن عباس " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " وهذا الخبر لم يأت الا من طريق ابن عباس والثابت عن ابن عباس ما ذكرنا آنفا من ان الخلع ليس طلاقا وأما نحن فلا نلتفت إلى شئ من هذا انما هو ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا به والحمد لله رب العالمين * (وأما هل الخلع) طلاق بائن أو رجعى فقالت طائفة: هي طلقة بائنة كما ذكرنا عن ابن مسعود آنفا، وروينا من طريق وكيع عن على بن المبارك عن يحيى بن ابى كثير قال: كان عمر ان بن الحصين.
وابن مسعود يقولان في التي تفتدي من زوجها بمالها يقع عليها الطلاق ما دامت في العدة وخالف ذلك غيرهما كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء انه قال فيمن طلق بعد الفداء لا يحسب شيئا من اجل انه طلق امرأة لا يملك منها شيئا اتفق على ذلك ابن عباس وابن الزبير في رجل اختلع من امرأته ثم طلقها بعد الخلع فانه لا يحسب شيئا قالا جميعا: اطلق امرأته انما طلق من لا يملك
قال ابن جريج: وزعم ابن طاوس عن ابيه انه كان يقول ان طلقها بعد الفداء جاز، وقال أبو حنيفة: هو طلاق بائن ويلحقها طلاقه، ما دامت في العدة، وقال مالك والشافعي هو طلاق بائن ولا يلحقها طلاقه في العدة * وأما من قال: ان الخلع طلاق رجعى فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب انه قال في المختلعة ان شاء ان يراجعها فليردد عليها ما أخذ منها في العدة وليشهد على رجعتها، قال معمر وكان الزهري يقول ذلك قال قتادة وكان الحسن يقول لا يراجعها الا بخطبة *
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16 وليست بشئ(10/239)
قال أبو محمد: قد بين الله تعالى حكم الطلاق وان بعولتهن أحق بردهن وقال: (فامسكوهن بمعروف، أو فارقوهن بمعروف) فلا يجوز خلاف ذلك، وما وجدنا قط في دين الاسلام عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم طلاقا بائنا لا رجعة فيه الا الثلاث مجموعة أو مفرقة أو التى لم يطأها ولا مزيد واما عدا ذلك فآراء لا حجة فيها * وأما رده ما أخذ منها فانما أخذه لئلا تكون في عصمته فإذا لم يتم لها مرادها فمالها الذى لم تعطه الا لذلك مردود عليها الا أن يبين عليها انها طلقة له الرجعة فيها فترضى فلا يرد عليها شيئا، وبالله تعالى التوفيق * واما ما يجوز فيه الفداء فقالت طائفة: لا يجوز الفداء الا بما اصدقها لا بأكثر فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمى عن ليث بن ابى سليم عن الحكم بن ابى عتيبة أن على بن ابى طالب قال: لا يأخذ منها فوق ما اعطاها، وهذا لا يصح عن على لانه منقطع وفيه ليث * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر.
وابن جريج قالا نا ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول: لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها قال ابن جريج: وقال لى عطاء ان أخذ زيادة على صداقها فالزيادة مردودة إليها، وقال معمر عن الزهري: لا يحل له أن يأخذ من امرأته أكثر مما اعطاها * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا أبو بكر - هو المقدمى نا عمر بن أيوب عن جعفر بن
برقان عن ميمون بن مهران قال: من أخذ منها أكثر مما أعطاها فلم يسرح باحسان، وقال الاوزاعي: كانت القضاة لا تجيز أن يأخذ منها إلا ما ساق إليها، وقالت طائفة: بكراهة ذلك كما روينا من طريق وكيع عن أبي حنيفة عن عمار بن عمران الهمداني عن أبيه ان على بن أبى طالب كره أن يأخذ منها أكثر مما اعطاها * ومن طريق وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة.
وحماد بن أبي سليمان أنهما كرها أن يأخذها في فداء امرأته منها أكثر مما ساق إليها * * ومن طريق وكيع عن سفيان عن أبي حصين عن عامر الشعبى أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما اعطاها، وقالت طائفة: يكره أن يأخذ منها كل ما أعطاها * كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبدالكرمى الجزري عن سعيد بن المسيب قال: لا أحب أن يأخذ منها كل ما أعطاها حتى يدع لها ما يغنيها (1) وقالت طائفة: يأخذ منها كل ما معها فما دون ذلك إذا تراضيا به، كما روينا من طريق حماد بن سلمة با أيوب السختياني عن كثير بن أبى كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة إن امرأة نشزت على زوجها فرفعها إلى عمر بن الخطاب فذكر القصة وأن عمر قال لزوجها اخلعها ولو من قرطها * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله ابن محمد بن عقيل بن ابى طالب أن الربيع بنت معوذ بن عفراء حدثته انها اختلعت من
__________
(1) في النسخة رقم 14 ما يعيشها(10/240)
زوجها بكل شئ تملكه فخاصمه في ذلك إلى عثمان بن عفان فاجازه وأمره أن يأخذ عقاص رأسها فما دونه * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع ان ابن عمر جاءته مولاة لامرأته اختلعت من كل شئ لها وكل ثوب لها حتى من نقبتها، وصح عن عكرمة.
وابراهيم.
ومجاهد، وهو قول مالك.
والشافعي.
وابى سليمان وأصحابهم، وقال ابو حنيفة: لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها فان فعل فليتصدق بالزيادة * قال أبو محمد: احتجت الطائفة الاولى بما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال لي عطاء " اتت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله انى
أبغض زوجي وأحب فراقه قال فتردين إليه حديقته التى اصدقك؟ قالت نعم وزيادة من مالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما زيادة من مالك فلا ولكن الحديقة قالت: نعم " فقضى عليه الصلاة والسلام بذلك على الزوج، وروي أيضا عن ابن جريج عن ابى الزبير * قال أبو محمد: وهذا مرسل، ولقد كان يلزم المالكيين القائلين بأن المرسل كالمسند أن يقولوا به ولا حجة عندنا في مرسل فسقط القول المذكور، ثم نظرنا في القول الثاني فوجدنا ما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عبد الله بن عبد البصير نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا مؤمل بن اسماعيل عن ابن جريج عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يأخذ في الخلع أكثر مما اعطاها، وهذا مرسل فسقط الاحتجاج به، ولم نجد لقول ابن المسيب متعلقا اصلا، وأما قول ابي حنيفة ففي غاية الفساد لانه لا يخلو اخذه الزيادة على ما أعطاها في صداقها من أن يكون حراما أو مباحا فان كان حراما فواجب رده إليها كما قال عطاء، وان كان مباحا فلم امروه بالصدقة بالزيادة دون سائر ماله وهذا ظاهر الخطأ، والعجب أنهم يردون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت بدعواهم انه زائد على ما في القرآن كالمسح على العمامة والاستنشاق وغير ذلك ثم يأخذون بكلام ساقط متناقض مخالف لما في القرآن ليس معهم فيه إلا رأى ابى حنيفة فقط فوجب الاخذ بعموم قوله تعالى: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) ومن العجب تمويه بعضهم بقوله تعالى: (وآتيتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) وقوله تعالى: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله) * قال أبو محمد: نعم لا يحل له أن يأخذ مما آتاها شيئا إلا أن تطيب نفسها به ثم حكم آخر: (ان خافا أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) عموم لا يحل تخصيصه بالدعاوي الكاذبة، وقال بعضهم: من أخذ أكثر مما أعطى فلم يسرح باحسان فقلنا لا فرق بين أخذه كل ما أعطاها أو بعض ما أعطاها أو أكثر مما أعطاها بغير حق (م 31 ج 10 المحلى)(10/241)
فحينئذ يكون غير مسرح باحسان أن يأخذ كل ذلك حيث أباح الله تعالى له أخذه فهو مسرح باحسان، ولو أباح الله له قتلها لكان محسنا في ذلك، فان قيل انتم تمنعون من أن يتصدق بجميع ماله أو بما لا يبقى لنفسه غنى بعده، ومن أن يصدق الرجل بماله كله وتبيحون لها أن تعطى مالها كله قلنا: انما نتبع في ذلك أمر الله تعالى فجاء النهى عن الصدقة إلا بما ابقى غنى وبأن لا يصدقها ازاره إذ لا غنى به عنه وجاء النص بأن لا جناح عليهما فيما افتدت به فوقفنا عند كل ذلك ولم نعترض على أوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم بالرأى وبالله تعالى التوفيق * (وأما الحال التى يجوز فيها الفداء) فروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى قال: كان أبو قلابة يرى أن المرأة إذا فجرت فاطلع زوجها على ذلك فليضربها حتى تفتدي * قال أبو محمد: وهذا لا معنى له إذا رأى ذلك وهى محصنة حل له قتلها * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا مسدد نا المعتمر بن سليمان التيمى سمعت أبى يقول: ان أبا قلابة.
ومحمد بن سيرين كانا يقولان: لا يحل الخلع حتى يحد على بطنها رجلا قال الله تعالى: (إلا أن يأتين بفاحشة مبنية) * قال أبو محمد: هذا في الاخراج من البيوت في العدة لا في الخلع * ومن طريق حماد بن سلمة انا حميد أن بكر بن عبد الله المزني سأل الحسن عمن رأى امرأته يقبلها رجل غيره قال: قد حل له أن يخلعها، روينا عن على ولا يصح يطيب الخلع للرجل إذا قالت: والله لا أبرلك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولا أغتسل لك من جنابة، ولا أكرم لك نفسا، فيها اسرائيل وهو ضعيف عن جابر وهو كذاب، وعنه أيضا من طريق فيها ابراهيم ابن ابى يحيى يحل خلع المرأة ثلاثا إذا افسدت عليك ذات يدك أو دعوتها لتسكن إليها فأبت أو خرجت بغير اذنك * ومن طريق حماد بن سلمة أخبرني مروان الاصغر عن حميد بن عبد الرحمن الحميرى قال: لا يصح الخلع حتى تقول المرأة: والله لا أطيع لك أمرا، ولا اغتسل لك من جنابة * ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء ومجاهد قال احدهما:
لا يصح الخلع حتى لا تغتسل له من جنابة، ولا تطيع له أمرا ولا تبر له قسما، وقال الآخر لو فعلت هذا كفرت ولكن حتى تقول لا ابرلك قسما ولا أغتسل لك من جنابة ولا أطيع لك أمرا * ومن طريق وكيع عن يزيد بن ابراهيم عن الحسن قال: الخلع إذا قالت والله لا أغتسل لك من جنابة.
وكل هذا لا برهان على صحته * ومن طريق وكيع عن اسماعيل ابن ابى خالد عن الشعبى إذا كرهت المرأة زوجها فليأخذ منها * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري لا يحل له أخذ شئ من الفدية حتى يكون النشوز من قبلها ان(10/242)
تظهر له البغضاء وتسئ عشرته وتعصى أمره، ولا يحل له أن يأخذ أكثر مما أعطاها * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج اخبرني ابن طاوس عن ابيه في الخلع قال: قال الله عزوجل: (ان خافا أن لا يقيما حدود الله) ولم يكن يقول قول السفهاء لا يحل له حتى تقول لا أغتسل لك من جنابة لكن ان يخافا أن لا يقيما حدود الله تعالى فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة * قال أبو محمد: هذا هو الحق لقوله تعالى الذى ذكرنا وبالله تعالى التوفيق، وقال الشافعي: الخلع جائز بتراضيهما وان لم يخف منهما نشوزا ولا اعراضا ولا خافا أن لا يقيما حدود الله تعالى وهذا خطأ لانه قول بلا برهان، وأما الخلع الفاسد فقد أجازه قوم وما أعلم لهم حجة وكيف يجوز عمل فاسد، والله تعالى يقول: (ان الله لا يصلح عمل المفسدين) وقال أبو حنيفة: لا يحل له أن يأخذ منها شيئا وهو مضاربها فان فعل لزمه الطلاق وجاز له ما أخذ * قال أبو محمد: في هذا القول عجب لئن كان لا يحل له أن ياخذه فما يحل له إذا أخذه ولئن كان يحل له إذا أخذه انه ليحل له أن يأخذه وما عدا هذا فوساوس * وقال الزهري ومالك لا يحل له أن يأخذ منها شيئا وهو مضار لها فان فعل لزمه الطلاق ويرد ما أخذ وهذه أيضا مناقضة لانه ان لزمه الطلاق وجب له تملك ما أخذه عوضا عن الطلاق وان
لم يجب له تملك ما أخذه عوضا من الطلاق لم يلزمه الطلاق لانه لم يطلق طلاقا مطلقا بل طلاقا بعوض لولاه لم يطلق، وقال قتادة: ان أخذه منها وهو مضار لها يرد ما أخذ وله ان يرجع إليها مادامت في العدة ولا يرجع إليها بعد انقضاء العدة الا برضاها وهذا خطأ لانه ان كان الطلاق له لازما فالذي أخذ له ملك الا ان كان يقول ان طلاق الخلع طلاق رجعى فقد قلنا إذا لم يصح العوض الذى لم يعقد الطلاق الا عليه لم يصح الطلاق الذى لا وقوع له بصحة ملك المطلق لما أخذ عوضا من الطلاق، وقول عطاء انه ان افتدت منه وكانت له مطاوعة فانها ترجع إليه ومالها لها الا ان تكون الثالثة فتذهب، روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عنه فهو أيضا خطأ لما ذكرنا في بطلان قول قتادة ومالك وقول طاوس هو الحق رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال: ان أخذ فداءها - ولا يحل له أخذه - رجع إليها مالها ورجعت إليه ولم تذهب بنفسها ومالها وهذا الذى لا يجوز غيره لما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق * 1979 مسألة: ومن خالع على مجهول فهو باطل لانه لا يدرى هو ما يجب له عندها ولا تدريه هي فهو عقد فاسد وكل طلاق لم يصح الا بصحة مالا صحة له فهو(10/243)
غير صحيح وإذا كان غير صحيح فلم يطلق أصلا، والعجب كله احتجاجهم في خلاف هذا بقول الله عزوجل (فلا جناح عليها فيما افتدت به)، قالوا: هذا عموم فقلنا: نعم عموم لما يحل عقده وملكه لا للحرام ولو كان ذلك لجاز ان يفتدى من زوجته بأن يزنى بها متى أراد وبزق خمر ويصح له ملكه وبأن لا يصلى وما اشبه ذلك * 1980 مسألة: والخلع على عمل محدود جائز لدخوله تحت قوله تعالى: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) هذا إذا كان ذلك العمل مباحا تجوز المعاوضة فيه بالاجازة وغيرها وبالله تعالى التوفيق * 1981 مسألة: ومن خالع امرأته خلعا صحيحا لم يسقط بذلك عنه نفقتها وكسوتها
واسكانها في العدة الا أن تكون ثلاثة مجموعة أو مفرقة ولا يسقط بذلك عنه ما بقى عليه من صداقها قل أو كثر، وللمخالفين ههنا اقوال طريفة قال أبو حنيفة ان طلقها على مال يأخذه منها فانه لا يبرأ من شئ من حقوقها قبله سواء كانت من قبل النكاح أو من قبل غيره قال: فان بارأها على مال يأخذه منها فانه يسقط بذلك عنه جميع حقوقها التى لها عليه من قبل النكاح خاصة كالصداق والمتعة فان كانت قد قبضت المهر فهو لها ولا يرجع عليها بشئ سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها قال: ولا يبرأ من نفقتها واسكانها في العدة فان ابرأته في عقد الخلع من النفقة والسكنى مدة عدتها برئ من النفقة ولم يبرأ من السكنى * قال أبو محمد: ايراد هذا التقسيم يغنى من الرد عليه ونسأل الله العافية، وقال مالك ان افتدت منه قبل الدخول بعشرة دنانير لم يكن لها ان تبيعه بنصف المهر فلو سألته أن يطلقها على شئ من صداقها رجعت عليه بنصف ما بقى، وهذا كلام يغنى ذكره عن تكلف الرد عليه لانه ظلم صراح واسقاط حق لم تسقطه والعجب من اسقاطهم الف دينار لها قبله من صداقها من اجل انها افتدت منه بدينار ولا يسقطون عنه بذلك درهما استقرضته منه، وهذه تخاليط ناهيك بها، وبالله تعالى نستعين * 1982 مسألة: ولا يجوز أن يخالع عن المجنونة ولا عن الصغيرة أب ولا غيره لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) وقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم) فمخالعة الاب أو الوصي أو السلطان عن صغيرة أو كبيرة كسب على غبره وهذا لا يجوز، واستحلال الزوج مالها بغير رضى منها أكل مال بالباطل فهو حرام وبالله تعالى التوفيق * 1983 مسألة ولا يجوز الخلع على أن تبريه من نفقة حملها أو من رضاع ولدها وكل ذلك باطل لانه غير معلوم القدر وقد يزيد السعر وقد ينقص ولانه لم يجب لها بعد فمخالعتها بمالا تملكه باطل وظلم، ومن عجائب الدنيا اجازة أبي حنيفة أن(10/244)
تخالعه على خمر أو خنزير وهما مسلمان ومنع مالك من النكاح بثمرة ظاهرة قبل ان تنضج وبزرع لم يسنبل وهو يجيز الخلع على ما يثمر نخلها وان لم يكن فيها ثمرة ولا يرى لها غير ذلك وحسبنا الله ونعم الوكيل * المتعة 1984 - مسألة - المتعة فرض على كل مطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو آخر ثلاث وطئها أو لم يطأها فرض لها صداقها أو لم يفرض لها شيئا ان يمنعها، وكذلك المفتدية أيضا ويجبره الحاكم على ذلك احب أم كره ولا متعة على من انفسخ نكاحه منها بغير طلاق ولا يسقط التمتع عن المطلق مراجعته اياها في العدة ولا موته ولا موتها والمتعة لها أو لورثتها من رأس ماله يضرب بها مع الغرماء وان تعاسر في المتعة قضى على الموسر لها سواء كان عظيم اليسار أو ذا فضلة عن قوته وقوت أهله خادم يستقل بالخدمة وعلى من لا فضلة عنده عن قوت أهله ونفسه ثلاثون درهما بالعراقي وهو الدرهم الذى تجب الزكاة فيه، وقد ذكرناه في كتاب الزكاة، ويقضى على المقل ولو بمد أو بدرهم على حسب طاقته * برهان ذلك قول الله تعالى: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) وقوله تعالى: (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين) فعم عزوجل كل مطلقة ولم يخص، واوجبه حقا لها على كل متق يخاف الله تعالى، وقد اختلف الناس في وجوبها فروي عن طائفة انها ليست واجبة روينا ذلك من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن فقهاء المدينة السبعة * قال أبو محمد: عبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف وهو قول ابن أبي ليلى وعبد العزيز ابن أبي سلمة الماجشون.
ومالك، ومن عجائب الدنيا احتجاج من قلده لقولهم هذا بان الله تعالى انما أوجبها على المتقين والمحسنين لا على غيرهم فقلنا لهم: فهبكم صادقين في ذلك أتوجبونها أنتم على من أوجبها الله تعالى عليه من المتقين والمحسنين أم لا فان قالوا
لا أقروا بخلافهم لقول الله تعالى وأبطلوا احتجاجهم المذكور، وان قالوا نعم تركوا مذهبهم، وقالت طائفة: هي فرض على المتقين والمحسنين واحتجوا بظاهر كلام الله تعالى كما روينا من طريق حماد بن زيد عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين قال: شهدت شريحا وأتوه في متاع فقال لا تأب ان تكون من المتقين قال: انى محتاج قال لا تاب ان تكون من المحسنين قال أيوب قلت لسعيد بن جبير: لكل مطلقة متاع؟ قال:(10/245)
نعم ان كان من المتقين ان كان من المحسنين، قال أيوب: وسأل عكرمة رجل فقال: انى طلقت امرأتي فهل على متعا قال ان كنت من المتقين فنعم * قال أبو محمد: كل مسلم هو على أديم الارض فهو بقوله لا إله إلا الله محمد رسول الله من جملة المتقين بقوله ذلك، وايمانه ومن جملة المحسنين، ولله تعالى أن يخلده في النار ان لم يسلم فكل مسلم في العالم فهو محسن متق من المحسنين المتقين ولو لم يقع اسم محسن ومتق إلا على من يحسن ويتقى في كل أفعاله لم يكن في الارض محسن ولا متق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لابد لكل من دونه من تقصير واساءة لم يكن فيها من المحسنين ولا من المتقين فكان على هذا يكون كلام الله تعالى حقا على المحسنين حقا على المتقين فارغا ولغوا وباطلا، وهذا لا يحل لاحد أن يعتقده، ولا فرق بين قوله تعالى من المحسنين ومن المتقين، وبين قوله تعالى من المسلمين ومن المؤمنين، والمعنى في كل ذلك واحد، ولا فرق * فان ذكروا ما رويناه من طريق وكيع عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب نسخت هذه الآية: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة) التى بعدها (وللمطلقات متاع بالمعروف) قلنا: لا يصدق أحد على ابطال حكم آية منزلة إلا بخبر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف وليس في الآية التى ذكر شئ يخالف التى زعم انها نسختها فكلتاهما حق، وقالت طائفة لا تجب المتعة الاللتى طلقت قبل أن توطأ، وإن لم يسم لها صداق فهذه تجب لها المتعة فرضا كما روينا من طريق اسماعيل بن اسحاق نا على بن عبد الله
ابن المدينى نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس قال: إذا فوض إلى الرجل فطلق قبل أن يمس فليس لها إلا المتاع * قال أبو محمد: ليس في هذا دليل على انه لم يكن يرى لغيرها المتعة إلا أن هذا القول قول سفيان الثوري والحسن بن حى.
والاوزاعي.
وأبى حنيفة.
وأصحابه إلا أن الاوزاعي قال: لا متعة على عبد إلا أن أبا حنيفة قال: من تزوج ولم يذكر مهرا ثم فرض لها مهرا برضاه وبرضاها وقد فرض لها القاضى مهر المثل ثم طلقها قبل أن يدخل بها فان ذلك المهر يبطل ولا يجب لها إلا المتعة * قال أبو محمد: وهذا فاسد جدا، وقول بلا برهان اسقاط فرض أمر به الله تعالى بعد التزامه أو الزامه بغير حق، واحتج هؤلاء بقول الله تعالى: (لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) * قال على: لو لم يكن إلا هذه الآية لكان قولهم هذا حقا، لكن قول الله تعالى: (وللمطلقات متاع بالمعروف) جامع لكل مطلقة مفروض لها أو غير مفروض لها(10/246)
مدخول بها أو غير مدخول بها، ولم يقل عزوجل في أول الآية التى نزعوا بها انه لا متعة لغيرها فظهر بطلان قولهم والحمد لله رب العالمين * وقالت طائفة: لكل مطلقة متعة إلا التى طلقت قبل أن تمس وقد فرض لها بحسبها نصف ما فرض لها بما روينا من طريق حماد بن سلمة انا عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: لكل مطلقة متعة إلا التى لم يدخل بها * ومن طريق ابن وهب نا الليث.
ومالك قالا جميعا: نا نافع ان ابن عمر كان يقول: لكل مطلقة متعة التى تطلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا إلا أن تكون امرأة طلقها زوجها قبل أن يمسها وقد فرض لها فريضة فحسبها فريضتها وان لم يكن فرض لها فليس لها إلا المتعة وهو قول شريح.
ومجاهد، وصح عن ابراهيم، ورويناه عن القاسم بن محمد.
وعبد الله ابن أبي سلمة *
قال أبو محمد: ويبطل هذا القول ان الله تعالى إذ ذكر ان لها نصف ما فرض لها لم يقل ولا متعة لها، وقد أوجب لها المتعة بقوله الصادق: (وللمطلقات متاع بالمعروف) وهذه مطلقة فلها المتعة فرضا مع نصف ما فرض لها، وقول غريب رويناه من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة قال: انما يؤمر بالمتاع من لا ردة عليه ولا تحاص الغرماء ليست على من ليس له شئ، وهذا قول لا برهان على صحته فهو ساقط، وطائفة قالت كقولنا كما روينا من طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن موسى بن ايوب الغافقي عن اياس ابن عامر انه سمع على بن ابى طالب يقول: لكل مطلقة متعة * ومن طريق ابن وهب عن مالك عن الزهري قال: لكل مطلقة متعة * ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد قال: سئل ابن شهاب عن المملكة والمخيرة؟ فقال ابن شهاب: كل مطلقة في الارض لها متاع * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال للمختلعة المتعة التى جمعت والتى لم تجمع سواء * ومن طريق حماد بن زيد عن ايوب السختيانى عن سعيد بن جبير قال: لكل مطلقة متعة وتلا: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المنقين) * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابى قلابة قال: لكل مطلقة متعة * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج عن معمر عن ابى قلابة قال: لكل امرأة افتلتت نفسها من زوجها فلها المتعة * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حمادبن أبي سليمان عن ابراهيم النخعي قال: للمختلعة المتعة * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا يونس بن عبيد عن الحسن قال: لكل مطلقة متاع * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال: للمملوكة واليهودية.
والنصرانية المتعة إذا طلقت * قال أبو محمد: من عجائب أصحاب القياس ان الله عزوجل أوجب العدة على كل(10/247)
متوفى عنها زوجها من الزوجات وعلى كل مطلقة موطوءة منهن وعلى المعتقة المختارة فراق زوجها، وأوجب المتعة للمطلقات جملة فقاسوا بآرائهم كل من ليست له زوجة
لكن وطئت بعقد مفسوخ فاسد لا يوجب ميراثا على الزوجة الصحيحة الزواج في إيجاب العدة عليهما وأسقطوا كثيرا من المطلقات عن إيجاب المتعة لهن فهل سمع بأعجب من فساد هذا العمل، ونسأل الله العافية * (وأما مقدار المتعة) فروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع ان ابن عمر قال: ادنى ما أراه يجزى في المتعة ثلاثون درهما * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن اسماعيل بن أمية عن عكرمة عن ابن عباس قال: أعلى المتعة الخادم، ودون ذلك النفقة والكسوة * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عمرو بن عبيد عن الحسن في المتعة للمطلقة: قال ليس فيها شي مؤقت يمتعها على قدر الميسرة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: لا أعلم للمتعة وقتا قال الله تعالى: (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره)، وقال أبو حنيفة: اعلى ما يجبر عليه من المتعة عشرة دراهم وادنى ذلك خمسة دراهم، وهذا قول لا دليل عليه وهبك انه قاس العشرة دراهم على ما تقطع فيه اليد فعلى أي شئ قاس الخمسة دراهم * قال أبو محمد: لو أن الله تعالى وكل المتعة إلى المتمتع لوقفنا عند أمره عزوجل والزمناه ذلك كما يفعل في ايتاء المكاتب من مال المكاتب (1) لكنه تعالى ألزمه على قدر اليسار والاقتار فلزمنا فرضا ان نجعل متعة الموسر غير متعة المقتر ولابد ولم نجد في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدا وجب حمل ذلك على المعروف عند المخاطبين بذلك فوجب بهذا الرجوع إلى ما صح عن الصحابة رضى الله عنهم في ذلك كما فعلنا في جزاء الصيد فما كان هو المعروف عندهم في المتعة فهو الذى أراد الله عزوجل بلا شك إذ لابد لما أمر الله تعالى به من بيان فقد كان فيهم رضى الله عنهم الموسر المتناهى كعبد الرحمن ابن عوف وغيره وكان ابن عباس.
وابن عمر موسرين دون عبد الرحمن، ومما يبين وجوب الرجوع إلى ما رأه الصحابة رضى الله عنهم انه متعة بالمعروف كما قلنا في النفقة والكسوة إذ قال الله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله
لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) وقد وافقنا المخالفون على هذا وكلا النصين واجب اتباعه، وما نا (2) محمد بن سعيد بن نبات نا ابن مفرح نا عبد الله بن جعفر بن الورد
__________
(1) في النسخة رقم 16 " يفعل في أمة المكاتب لكنه " الخ (2) في النسخة رقم 16 " بما ناه "(10/248)
نا يحيى بن أيوب بن بادى العلاف نا يحيى بن بگير نا الليث بن سعد عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن فاطمة بنت قيس نفسها قالت: طلقني أبو عمرو بن حفص البتة ثم خرج إلى اليمن ووكل بها عياش بن أبي ربيعة فارسل إليها عياش بعض النفقة فسخطتها فقال لها عياش: مالك علينا نفقة ولا سكنى هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسليه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما قال؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لك نفقة ولا مسكن ولكن متاع بالمعروف واخرجي عنهم " وذكرت باقى الخبر، فهذا غاية البيا ان المتعة مردودة إلى ما كان معروفا عندهم يومئذ فقد ذكرنا قول ابن عمر.
وابن عباس، وروينا من طريق سعيد بن منصور نا عبد الرحمن بن زياد نا شعبة عن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت حميد بن عبد الرحمن بن عوف يحدث عن أمه هي أم كلثوم بنت عقبة من المهاجرات الفواضل لها صحبة انها قالت كأنى انظر إلى جارية سوداء حممها عبد الرحمن بن عوف امرأته أم أبي سلمة حين طلقها في مرضه قال سعيد بن منصور: نا هشيم نا مغيرة عن ابراهيم قال: العرب تسمى المتعة التحميم، فقد افتق ابن عباس.
وعبد الرحمن بحضرة الصحابة رضى الله عنهم لا يعرف لهما في ذلك مخالف من الصحابة رضى الله عنهم على ان متعة الموسر المتناهى خادم سوداء فان زاد على ذلك فهو محسن كما فعل الحسن بن على وغره فان كانت غير مطيقة للخدمة فليست خادما فعلى هذا المقدار يجبر الموسر إذا أبى أكثر من ذلك، وأما المتوسط فيجبر على ثلاثين درهما أو قيمتها إذ لم يأت عن
أحد من الصحابة رضى الله عنهم أقل من ذلك كما روينا آنفا عن ابن عباس.
وابن عمر إذ رأيا ذلك هو المعروف، وأما المقتر فأقلهم من لا يجد قوت يومه أو لا يجد زيادة على ذلك فهذا لا يكلف حينئذ شيئا لكنها دين عليه فإذا وجد زيادة على قوته كلف أن يعطيها ما تنتفع به ولو في أكلة يوم كما أمر الله عزوجل إذ يقول: (وعلى المقتر قدره) وبالله تعالى التوفيق * 1985 مسألة: ومن الرجعة من طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين فاعتدت ثم تزوجت زوجا وطئها في فرجها ثم مات عنها أو طلقها ثم راجعها الذى كان طلقها ثم طلقها لم تحل له الا حتى تنكح زوجا آخر يطأها في فرجها ان كان طلقها قبل ذلك طلقتين فان كان انما طلقها طلقة واحدة فانه تبقى لها فيها طلقة هي الثالثة، وقالت طائفة: ان الذى تزوجها بعد طلاق الاول قد هدم طلاقه كما يهدم الثلاث فانه يهدم ما دونها، (م 32 - ج 10 المحلى)(10/249)
فممن روى عنه القول الاول كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب ان أبا هريرة قال فيمن طلق امرأته طلقة فاعتدت ثم تزوجت ثم طلقها الثاني فتزوجها الاول فطلقها طلقتين انها قد حرمت عليه ووافقه على ذلك على.
وأبى بن كعب * ومن طريق عبد الرزاق عن مالك.
وسفيان بن عيينة كلاهما عن الزهري قال: سمعت سعيد بن المسيب.
وحميد ابن عبد الرحمن.
وعبيدالله بن عبد الله بن عتبة.
وسليمان بن يسار كلهم قال سمعت أبا هريرة يقول: سمعت عمر يقول: أيما امرأة طلقها زوجها طلقة أو طلقتين ثم تزوجت غيره فمات أو طلقها ثم تزوجها الاول فانها عنده على ما بقى من طلاقه لها * ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن عمران بن الحصين مثله، وصح ايضا عن ابن عمر في أحد قوليه عن حماد بن سلمة عن عبيدالله بن عمر عن نافع
عنه، وروى أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص ونفر من الصحابة رضى الله عنهم وهو قول الحسن: وابن ابى ليلى.
وسفيان الثوري.
والحسن بن حى.
ومحمد بن الحسن.
ومالك.
والشافعي.
وأبي سليمان وأصحابهم، وروينا القول الثاني من طرق منها ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: نكاح جديد وطلاق جديد، وعن ابن عمر في احد قوليه من طريق عبد الرزاق ووكيع قال وكيع عن اسماعيل بن أبي خالد عن الشعبى وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه ثم اتفقا عن ابن عمر قال: نكاح جديد وطلاق جديد، ورويناه أيضا عن ابن مسعود وهو قول عطاء.
وشريح.
وابراهيم.
وأصحاب ابن مسعود.
وعبيدة السلماني.
وأبى حنيفة.
وزفر.
وأبي يوسف فنظرنا فيما احتج به أهل هذه المقالة فلم نجد لهم أكثر من أن قالوا: اننا لم نختلف ان نكاح زوج آخر يهدم الثلاث ولا شك في انه إذا هدمها فانه قد هدم الواحدة من جملتها والاثنتين من جملتها، ومن المحال أن يهدمها مجموعة ولا يهدمها متفرقة * قال أبو محمد: فقلنا: لم يهدم قط طلاقا انما هدم التحريم الواقع بتمام الثلاث مفرقة أو مجموعة فقط ولا تحرم بالطلقتين ولا بالواحدة بهدمه وقلنا لهم: أنتم قد حملتم العاقلة نصف عشر الدية فأكثر ولم تحملوها أقل من نصف العشر، ولا شك انها إذا حملت نصف العشر فقد حملت في جملته أقل منه فقالوا: انما حملناها ما ثقل فقلنا: ومن لكم بان نصف العشر فصاعدا هو الثقل دون أن يكون الثلث هو الثقل أو الكل، وأيضا فرب جان يعظم عليه ويثقل ربع عشر الدية لقلة ماله وآخر تخف عليه الدية(10/250)
كلها لكثرة ماله ثم السؤال باق عليكم إذ حملتموها ما ثقل فالاولى أن تحملوها ما خف وكل هذا لا معنى له انما الحجة في ذلك قول الله تعالى: (فان طلقها) يعنى في الثالثة (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) فلا يجوز تعدى حدود الله تعالى
والقياس كله باطل، وبالله تعالى التوفيق * 1986 مسألة وقد قلنا: ان المطلقة طلاقا رجعيا فهى زوجة للذى طلقها (1) ما لم تنقض عدتها يتوارثان ويلحقها طلاقه وايلاؤه وظهاره ولعانه (2) ان قذفها وعليه نفقتها وكسوتها واسكانها فإذ هي زوجته فحلال له أن ينظر منها إلى ما كان ينظر إليه منها قبل أن يطلقها وان يطأها إذ لم يأت نص بمنعه من شئ من ذلك وقد سماه الله تعالى بعلا لها إذ يقول عزوجل: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) * قال أبو محمد: فان وطئها لم يكن بذلك مراجعا لها حتى يلفظ بالرجعة ويشهدو يعلمها بذلك قيل تمام عدتها فان راجع ولم يشهد فليس مراجعا لقول الله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوى عدل منكم) فرق عزوجل بين المراجعة والطلاق والاشهاد فلا يجوز افراد بعض ذلك عن بعض وكان من طلق ولم يشهد ذوى عدل أو راجع ولم يشهد ذوى عدل متعديا لحدود الله تعالى، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فان قيل قد قال الله عزوجل: (واشهدوا إذا بايعتم) وقال تعالى في الدين المؤجل (واستشهدوا شهدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) فلم اجزتم البيع المؤجل وغيره إذا لم يشهد عليه وقال تعالى: (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فاشهدوا عليهم) فلم اجزتم الدفع إلى اليتم ماله إذا بلغ تميزا دون اشهاد قلنا ثم نجز دعواه للدفع الا حتى يأتي بالبينة وقضينا باليمين على اليتيم ان لم يأت المولى بالبينة على انه قد دفع إليه ماله ولكن جعلناه عاصيا لله تعالى ان حلف حانثا فقط كما جعلنا المرأة التى لم يقم للزوج بينة بطلاقها ولا برجعتها عاصية لله عزوجل ان حلفت حانثة عالمة بانه قد طلقها أو راجعها واما أجازتنا البيع المؤجل وغيره وان لم يشهدا عليه فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " انهما بالخيار ما لم يتفرقا فإذا تفرقا أو خير احدهما الآخر فاختار البيع فقد تم البيع " أو كما قال عليه الصلاة والسلام مما قد ذكرناه في كتاب البيوع من ديواننا هذا وغيره بنصه واسناده
والحمد لله رب العالمين، وهو في كل ذلك عاص لله عزوجل ان لم يشهد في البيع المؤجل
__________
(1) في النسخة رقم 14 زوجة الذى طلقها (2) في النسخة رقم 16 " ويلاعنها "(10/251)
وغيره وفي دفع المال لليتيم (1) إذا بلغ مميزا وفي طلاقه وفي رجعته إذا لم يفعل كما أمره الله عزوجل * وقد اختلف الناس في الوطئ في العدة أيكون رجعة أم لا نعم وفيما دون الوطئ فروينا عن الحكم بن عتيبة وسعيد بن المسيب ان الوطئ رجعة وصح هذا أيضا عن ابراهيم النخعي.
وطاوس.
والحسن.
والزهرى.
وعطاء ورويناه عن الشعبي وروى عن ابن سيرين وهو قول الاوزاعي وابن أبي لبلى وقال مالك.
واسحاق بن راهويه ان نوى بالجماع الرجعة فهى رجعة وان لم ينو به الرجعة فليس رجعة قالا جميعا: وأما ما دون النكاح فليس رجعة وان نوى به الرجعة * قال أبو محمد: هذا تقسيم لا حجة على صحته أصلا، وقال الحسن بن حى.
وسفيان الثوري.
وأبو حنيفة: الجماع رجعة نوى به الرجعة أو لم ينو وكذلك اللمس، قال سفيان وأبو حنيفة إذا كان لشهوة والا فلا قال أبو حنيفة: والنظر إلى الفرج بشهوة رجعة قال فلو قبلته لشهوة أو لمسته لشهوة واقر هو بذلك فهى رجعة فلو جن فقبلها لشهوة فهى رجعة فلو جامعته مكرها فهي رجعة ولا يكون ما دون الجماع باكراه رجعة * قال أبو محمد: هذه الاقوال في غاية الفساد لانها شرع في الدين بغير قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا قياس له وجه ولا رأى له في السداد حظ ولا سبقه إليها أحد نعلمه، وقال جابر بن زيد.
وأبو قلابة.
والليث بن سعد.
والشافعي الوطئ فما دونه لا يكون رجعة نوى به الرجعة أو لم ينو ولا رجعة الا بالكلام * قال أبو محمد: لم يأت بان الجماع رجعة قرآن ولا سنة ولا خلاف في ان الرجعة بالكلام رجعة فلا يكون رجعة الا بما صح أنه رجعة وقال تعالى (فامسكوهن بمعروف) والمعروف ما عرف به ما في نفس الممسك الراد ولا يعرف ذلك الا بالكلام
وبالله تعالى التوفيق وقد قال قوم ان معنى قول الله تعالى (فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف) انما معناه مقاربة بلوغ الاجل * قال أبو محمد: وهذا خطأ وباطل بلا شك لانه اخبار عن الله تعالى بأنه أراد ما لم يخبرنا عزوجل بأنه أراده ولا أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى (وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله مالا تعلمون) وأيضا فلو كان ما قالوا لكان لا إمساك له إلا قرب بلوغ أقصى العدة (1) وهذا مالا يقولونه لاهم ولا غيرهم قال أبو محمد: معناه بلا شك فإذا بلغن أجلهن أجل عدتهن * برهان ذلك ان من أول
__________
(1) في النسخة رقم 14 إلى اليتيم (2) في النسخة رقم 14 بلوغ انقضاء العدة(10/252)
العدة إلى آخرها وقت لرده إياها ولامساكه لها ولا قول أصح من قول صححه الاجماع المتيقن من المخالف والموالف * قال أبو محمد: واما قولنا انه ان راجع ولم يشهد أو أشهد ولم يعلمها حتى تنقضي عدتها غائبا كان أو حاضرا وقد طلقها واعلمها واشهد فقد بانت منه ولا رجعة له عليها إلا برضاها بابتداء نكاح بولي واشهاد وصداق مبتداء سواه تزوجت أو لم تتزوج دخل بها الزوج الثاني أو لم يدخل فان أتاها الخبر وهى بعد في العدة فهى رجعة صحيحة * برهان ذلك قول الله تعالى (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون الا أنفسهم) وقال تعالى: (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن) وهذا عين المضارة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " فمضارته مردودة باطل، وأيضا فان الله تعالى سمى الرجعة امساكا بمعروف قال تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) فالرجعة هي الامساك ولا تكون بنص كلام الله تعالى إلا بمعروف والمعروف هو اعلامها واعلام أهلها ان كانت صغيرة أو مجنونة فان لم يعلمها لم يمسك بمعروف ولكن بمنكر إذ منعها حقوق الزوجية من النفقة والكسوة
والاسكان والقسمة فهو امساك فاسد باطل ما لم يشهد باعلامها فحينئذ يكون بمعروف وكذلك قال الله تعالى عزوجل (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ان أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف) * قال أبو محمد: إنما يكون البعل أحق بردها (1) إن أراد اصلاحا بنص القرآن ومن كتمها الرد أو رد بحيث لا يبلغها فلم يرد اصلاحا بلا شك بل أراد الفساد فليس ردا ولا رجعة أصلا * وقد اختلف الناس في هذا على خمسة أقوال فالقول الاول كما روينا من طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة ان عمر بن الخطاب قال في امرأة طلقها زوجها فاعلمها ثم راجعها ولم يعلمها حتى تنقضي عدتها فقد بانت منه، ومن طريق سعيد بن منصور نا المعتمر بن سليمان عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي قال: قال عمر بن الخطاب إذا طلق امرأته فاعلمها طلاقها ثم راجعها فكتمها الرجعة حتى انقضت العدة فلا سبيل له عليها * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرنا عمرو بن دينار أخبرني الشعثاء جابر بن زيد قال: تماريت أنا ورجل من القراء يطلقها الرجل ثم يرتجعها فيكتمها رجعتها فقلت: أنا ليس له شئ فسألنا شريحا القاضى فقال ليس له إلا فسوة الضبع * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا يونس بن عبيد عن ابن سيرين قال: سأل رجل عمران بن
__________
(1) في النسخة رقم 14 أحق برجعتها(10/253)
الحصين فقال: انه طلق ولم يشهد وراجع ولم يشهد فقال له عمران: طلقت بغير عدة وراجعت في غير سنة فاشهد على ما صنعت * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أخبرني عبيدة عن الحسن بن رواح قال: سألت سعيد بن المسيب عن رجل طلق سرا وراجع سرا فقال: طلقت في غير عدة وارتجعت في عما اشهد على ما صنعت * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا منصور عن الحسن قال إذا طلق امرأته ثم راجعها في غيب أو مشهد ولم يعلمها بالرجعة حتى انقضت العدة فلا سبيل له عليها، فهذا قول وقول ثان رويناه
من طريق ابن وهب عن مالك قال بلغني ان عمر بن الخطاب قال في الذى يطلق امرأته وهو غائب ثم يراجعها ولا يبلغها مراجعته وقد بلغها طلاقه انها ان تزوجت ولم يدخل بها زوجها الآخر أو دخل فلا سبيل إلى زوجها الاول إليها، وقال مالك: وهذا احب ما سمعت إلى فيها وفي المفقود * ومن طريق ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال مضت السنة في الذى يطلق امرأته ثم يراجعها فيكتمها رجعتها حتى تحل فتنكح زوجا غيره فانه ليس له من أمرها شئ ولكنها من زوجها الآخر، قال ابن وهب، وأخبرني مخرمة ابن بكير عن أبيه عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ونافع مثله وصح أيضا من طريق ابن سمعان عن الزهري مثل ذلك إذا كانا في بلد واحد، وقال ثالث من طريق ابن وهب قال مالك: الامر الذى لااختلاف فيه انه إذا دخل بها زوجها الآخر قبل ان يدركها الاول فلا سبيل له إليها ودلك الامر عندنا في هذا وفي المفقود يعنى في الذى طلقها واعلمها ثم راجعها واشهد ولم يبلغها قال ابن القاسم: ثم رجع مالك عن ذلك وقال زوجها الاول أحقبها قال ابن القاسم أما انا فأرى انها ان دخل بها زوجها فلا سبيل له إليها فان لم يدخل بها فهى للاول قال أبو محمد: انما أوردنا هذا لنرى المشغبين (1) بقول مالك: الامر عندنا والامر الذى لا اختلاف فيه عندنا حجة واجماع لا يحل خلافه، وهذا مالك قد رجع عن قول ذكر انه الامر عندهم والامر الذى لا اختلاف فيه فحسبهم وحسبكم، وروينا من طرق عن عمر گلها منقطعة لانها عن ابراهيم عن عمر أو عن الحسن بن مسلم عن عمر أو عن سعيد بن المسيب عن عمر أو عن أبي الزناد ان عمر قال فيمن طلق امرأته ثم سافر وأشهد على رجعتها قبل انقضاء العدة ولا علم لها بذلك حتى تزوجت انه ان ادركها قبل ان يدخل بها فهى امرأته وان لم يدركها حتى دخل بها الثاني فهى امرأة الثاني حكم بذلك في أبى كنف وهو قول الليث.
والاوزاعي، وقول رابع رويناه من طريق
__________
(1) في النسخة رقم 14 المشنعين(10/254)
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء فيمن طلق ثم ارتجعها واشهد فلم تأتها الرجعة حتى تزوجت قال ان اصيبت فلا شئ للاول فيما بلغنا يقال ذلك فان نكحت ولم تصب فالاول احق بها وبه يقول عبد الكريم، وقول خامس رويناه من طريق وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة قال: قال على بن أبي طالب إذا طلق الرجل امرأته ثم راجعها ولم يعلمها فهى امرأته إذا اشهد، ومن طريق سفيان الثوري عن منصور ابن المعتمر عن الحكم بن عتيبة عن على بن أبي طالب انه قال فيمن طلق امرأته ثم غاب فكتب إليها برجعتها فضاع الكتاب حتى انقضت عدتها فان زوجها الاول احق بها دخل بها الآخر أو لم يدخل، ومن طريق حماد بن أبي سليمان.
وقتادة عن على مثله، ومن طريق ابراهيم عن على في أبى كنف مثله وهو قول الحكم بن عتيبة ثم وجدناه متصلا عن على كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عياش بن اصبغ نا محمد بن قاسم بن محمد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الاعلى نا سعيد - هو ابن ابى عروبة - عن قتادة عن خلاس بن عمرو ان رجلا طلق امرأته واعلمها وأرجعها واشهد شاهدين وقال: اكتما على فكتما حتى انقضت عدتها فاتفعوا إلى على بن أبى طالب فأجاز الطلاق وجلد الشاهدين واتهمهما * قال أبو محمد: ثم نظرنا في هذه الرواية فوجدناها لا حجة فيها لمن ذهب إلى هذا القول لانه ليس فيها الا اجازه الطلاق لا اجازة الرجعة * قال أبو محمد: ليس الا هذا القول أو الذى تخيرناه وما عداهما فخطأ لا اشكال فيه لان زواجها أو دخوله بها أو وطؤه لها لا يفسخ شئ من ذلك نكاحا صحيحا وبالله تعالى التوفيق * وانما هو صحة الرجعة أو فسادها.
وبقول على الذى ذكرنا يقول سفيان الثوري.
وأبو حنيفة.
والشافعي.
وأبو سليمان.
وأصحابهم * 1987 - مسلة -: ونجمع ههنا ما لعنا ذكرناه مفرقا وهو انه لا يكون طلاق
لا يملك فيه المطلق الرجعة ما دامت في العدة الا طلاق الثلاث مجموعة أو مفرقة وطلاق التى لم يطأها المطلق سواء طلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثا الا انه فيما دون الثلاث ان رضى هو وهى فلهما ابتداء النكاح بولي واشهاد وصداق وهذا حكم الفسخ كله، وأما طلاق الموطوءة واحدة أو اثنتبن فللمطلق مراجعتها أحبت أم كرهت بلا صداق ولا ولى ولكن باشهاد فقط وهذا مالا خلاف فيه وبالله تعالى التوفيق *(10/255)
العدد 1988 - مسألة -: العدد ثلاث أما من طلاق في نكاح وطئها فيه مرة في الدهر فأكثر وأما من وفاة سواء وطئها أو لم يطأها وأما المعتقة إذا اختارت نفسها وفراق زوجها فان هذه خاصة دون سائر وجوه الفسخ عدتها عدة المطلقة سواء سواء، وأما سائر وجوه الفسخ والتى لم يطأها زوجها فلا عدة على واحدة منهن ولهن أن ينكحن ساعة الفسخ وساعة الطلاق * برهان ذلك ان عدة الطلاق والوفاة مذكورة في القرآن وكذلك سقوط المسقوطة العدة عن التى طلقت ولم يطأها المطلق في ذلك النكاح، وأما المعتقة تختار فسخ نكاحها فكما روينا من طريق أبى داود نا عثمان بن أبي شيبة نا عفان بن مسلم نا همام بن يحيى عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ان زوج بريرة كان عبدا اسود اسمه مغيث فخيرها يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد * قال أبو محمد: فلو كانت عدة غير المذكورة في القرآن لبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك وانما قلنا: انها عدة الطلاق لانها عدة من حى لا من ميت فصح إذ أمرها عليه.
الصلاة والسلام بان تعتد من فراقها له وهو حى انها العدة من مفارقة الحى بلا شك، وأما سائر وجوه الفسخ سواء كانت من نكاح صحيح أو من عقد فاسد فلا عدة في شئ من ذلك لانه لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة ولا حجة فيما سواهما ولا يكون طلاق الا في نكاح صحيح وكذلك لا عدة من وفاة من ليس عقد زواجه
صحيحا لان الله تعالى لم يوجب عدة طلاق له أو وفاة الا من زوج ومن عقده فاسد ليس زوجا فلا طلاق له واذ لا طلاق له فلا عدة من فراقه واذ ليس زوجا فلا عدة من وفاته (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) فان قالوا: قسنا كل فسخ على المعتقة تختار فراق زوجها قلنا: القياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لان جميع وجوه الفسخ لاخيار فيه للمنفسخ نكاحها الا المعتقة فقد أجمعوا بلا خلاف على مفارقة حكمها لحكم سائر المنفسخ نكاحهن والعدة الواجبة انما هي حكم أمر الله تعالى به ليس شئ منها لاستبراء الرحم * برهان ذلك ان المخالفين لنا في هذا لا يخالفوننا في ان العدة على الصغيرة الموطؤة التى لا تحمل والعجوز الكبيرة التى لا تحمل في الطلاق والوفاة ولو خالفونا في الطلاق في الصغيرة لكان قول الله تعالى (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن) حاكما بصحة قولنا وبطلان قولهم، ومعنى قوله تعالى (ان ارتبتم) انما هو ان ارتبتم كيف يكون حكمها(10/256)
لا يجوز غير ذلك لان الائى يئسن من المحيض لا يشك أحد في أنه لا يرتاب فيها بحمل، وكذلك لا يختلفون في ان الخصى الذى بقى له من الذكر ما يولج فان على امرأته العدة وهو بلا شك لا يكون له ولد ابدا، وكذلك لا يختلفون في أن من وطئ امرأته مرة ثم غاب عنها عشرات سنين ثم طلقها ان العدة عليها، ولاشك في انها لاحمل بها ولو كانت العدة خوف الحمرا لاجزأت حيضة واحدة وبالله تعالى التوفيق * 1989 مسألة وعدة المطلقة الموطوءة التى تحيض ثلاثة قروء وهى بقية الطهر الذى طلقها فيه.
ولو أنها ساعة أو اقل أو اكثر ثم الحيضة التى تلى بقية ذلك الطهر ثم طهر ثان كامل ثم الحيضة التى تليه، ثم طهر ثالث كامل فإذا رأت أثره أول شئ من الحيض فقد تمت عدتها ولها أن تنكح حينئذ ان شاءت، واختلف الناس في هذا، فقالت طائفة كما قلنا: وقالت طائفة الاقراء الحيض مع اتفاق الجميع على الطاعة لقوله عزوجل: (والمطلقات
يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء لا يحل لهن أن يكتمن) * قال أبو محمد: القروء جمع قرء والقرء في لغة العرب التى بها نزل القرآن يقع على الطهر ويقع على الحيض، ويقع على الطهر والحيض * نا بذلك أبو سعيد الجعفري نا محمد بن على المقرى نا أبو جعفر احمد بن محمد بن اسماعيل النحاس النحوي نا أبو جعفر الطحاوي نا محمد بن محمد بن حسان نا عبد الملك بن هشام نا أبو زيد الانصاري قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول فذكره كما أوردنا، وقال الاعشى: أفى كل عام أنت جاشم عزوة * تشد لاقصاها غريم عزائكا مورثة مالا وفى الاصل رفعة * لما ضاع فيها من قروء نسائكا فاراد الاطهار، وقال آخر: يا رب دى ضغن على قارض * له قروء كقروء الحائض فاراد الحيض وممن روى عنه مثل قولنا جماعة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت قال: إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها * وبه إلى الزهري عن عورة عن عائشة أم المؤمين مثل قول زيد نصا قال الزهري وهو قول ابى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وبه يأخذ الزهري * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن نافع عن ابن عمر مثل قول زيد المذكور نصا، وهو قول ابان بن عثمان والقاسم بن محمد بن أبى بكر وبه يقول مالك.
والشافعي.
وابو ثور.
وابو سليمان، وأصحابهم، وقال بعض هؤلاء: إذا رأت أول الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها، ولايجوز لها أن تتزوج حتى ترى الطهر من تلك (م 33 - ج 10 المحلى)(10/257)
الحيضة كما روينا من طريق سيعد بن منصور نا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: إذا حاضت الثالثة فقد برئت منه إلا أنها
لا تتزوج حتى تطهر * ومن طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سالم ابن عبد الله بن عمر قال إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد ذهبت منه.
قال يحيى فقلت له أتتزوج في الحيضة الثالثة؟ قال: لا، روى هذا القول عن اسحاق بن راهويه * وتوقفت في ذلك طائفة كما روينا عن الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد عن ايوب السختيانى عن نافع عن سليمان بن يسار قال: طلق رجل امرأته طلقة أو طلقتين فلما دخلت في الحيضة الثالثة مات فطلبت ميراثه فاتى معاوية بن ابى سفيان في ذلك فارسل في ذلك إلى رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فضالة بن عبيد فلم يجد عندهم بذلك علما.
واضطرب في ذلك احمد بن حنبل فمرة قال: الاقراء الاطهار، ومرة قال: الاقراء الحيض ومرة توقف في ذلك، واختلف القائلون بأنها الحيض فقالت طائفة له الرجعة ما كانت في الحيضة الثالثة فإذا رأت الطهر منها فلا رجعة له عليها كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن مسلم عن طاوس قال: يراجعها ما كانت في الدم وهو قول سعيد بن جبير، روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير قال: هو أحق بها ما كانت في الدم وهو قول ابن شبرمة.
والاوزاعي، وروينا عن بعض الصحابة ما يدل على ذلك.
كما روينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر قال: عدة الامة حيضتان وعدة الحرة ثلاث حيض * ومن طريق الزهري عن قبيصة بن ذوئيب عن زيد بن ثابت مثل ذلك سواء سواء، وقالت طائفة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن رفيع عن معبد الجهنى قال: إذا غسلت فرجها من الحيضة الثالثة فقد بانت منه، وقالت طائفة إن له أن يرتجعها ما لم تغتسل من الحيضة الثالة كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن منصور عن ابراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود انه كان عند عمر بن الخطاب فاتته امرأة مع رجل فقالت: طلقي ثم تركني حتى إذا كنت في آخر ثلاث حيض وانقطع عنى الدم وضعت غسلى ونزعت ثيابي فقرع الباب وقال: قد رجعتك فقال عمر لابن مسعود: ما تقول فيها؟ فقال أراه أحق بها ما دون أن
تحل لها الصلاة فقال له عمر: نعم ما رأيت وأنا أرى ذلك، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن على بن ابى طالب قال لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل لها الصلاة * ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن رجلا طلق امرأته طلقة فلما أرادت أن تغتسل من الحيضة الثالثة راجعها(10/258)
فاختصما إلى أبى موسى الاشعري فاستحلفها بالله الذى لا إله إلا هو لقد حلت لها الصلاة فابت أن تحلف فردها إليه وصح مثله أيضا عن ابن مسعود، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن رفيع عن ابى عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: أرسل عثمان إلى أبى بن كعب في ذلك فقال أبى بن كعب: أرى انه احق بها حتى تغتسل من حيضتها الثالثة وتحل لها الصلاة قال فما اعلم عثمان الا أخذ بذلك * ومن طريق وكيع عن محمد بن راشد عن مكحول عن معاذ بن جبل.
وابى الدرداء مثله، ومن طريق وكيع عن عيسى الحناط عن الشعبى عن ثلاثة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخير فالخير منهم أبو بكر.
وعمر.
وابن عباس انه أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، ومن طريق عبد الرزاق عن عمر بن راشد عن يحيى بن ابى كثير أن عبادة بن الصامت قال: لاتبين حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وتحل لها الصلوات (1) وصح هذا عن عطاء بن ابى رباح وعبد الكريم الجزرى وسعيد بن المسيب والحسن بن حى وسوى في ذلك بين المسلمة والذمية، وقال شريك ابن عبد الله القاضى: ان فرطت في الغسل عشرين سنة فله الرجعة عليها * قال أبو محمد: هذا ظاهر ما روينا عن الصحابة آنفا نعنى القائلين هو أحق بها ما لم تغتسل وتحل لها الصلوات.
وقالت طائفة كما روينا عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن اسماعيل بن مسلم عن الحسن البصري قال إلا أن ترى الطهر ثم تؤخر اغتسالها حتى تفوتها تلك الصلاة فان فعلت فقد بانت حينئذ، وبه يقول سفيان الثوري وأبو حنيفة، وقال أبو حنيفة واصحابه: ان كانت حيضتها عشرة أيام فبتمامها تنقضي عدتها ولا تحل
للازواج اغتسلت أو لم تغتسل رأت الطهر أو لم تره قالوا: وأما الذمية فبانقطاع الدم من الحيضة الثالثة تنقضي عدتها وتحل للازواج كانت عدتها عشرا أو أقل من عشر اغتسلت أو لم تغتسل قالوا: وأما المسلمة (2) التى حيضها أقل من عشرة أيام فله الرجعة عليها ما لم تغتسل كلها ولو لم يبق لها من الغسل الا عضو واحد كامل قالوا: وكان القياس انه ان بقى لها عضو كامل لم تغسل أن لا يكون له عليها رجعة قالوا: ولكن ندع القياس ونستحسن أن يكون له عليها الرجعة فان لم يبق (3) لها أن تغسل إلا بعض عضو فلا رجعة له عليها وقد حل لها الزواج، ولابي حنيفة قول آخر وهو انه ان بقى عليها من العضو أكثر من قدر الدرهم (4) البغلى [ فله الرجعة عليها فان بقى عليها منه قدر الدرهم البغلى ] (5) فلا رجعة له عليها ولا يحل لها الزواج حتى تغسل تلك اللمعة قال: فلو رأت الطهر من الحيضة
__________
(1) في النسخة رقم 14 " تحل لها الصلاة " (2) في النسخة رقم 16 المسنة (3) في النسخة رقم 14 فلو لم يبق (4) في النسخة رقم 14 ان بقى عليها منه قدر الدرهم الخ (5) الزيادة من النسخة رقم 16(10/259)
الثالثة وهى مسافرة لاماء معها فتيممت فله عليها الرجعة ما لم تصل قال: فلو وجدت ماء قد شرب منه حمار ولم تجد غيره فاغتسلت به أو تيممت فلا رجعة له عليها ولا يحل مع ذلك لها الزواج * قال أبو محمد: أما قول أبى حنيفة ففي غاية الفساد.
وهو قول لا يعرف عن أحد قبله.
وكذلك تحديد من حد انقطاع العدة بأن يمضي لها وقت صلاة فلا تغتسل لانه قول لا دليل على صحته أصلا لا من قرآن ولا من سنة ولا رواية صحيحة [ ولا سقيمة ] (1) ولا قول صاحب، وكذلك قول من قال حتى تغسل فرجها من الحيضة الثالثة فسقطت هذه الاقوال كلها ولا يبقى إلا قول من قال هو أحق بها ما لم تغتسل وتحل لها الصلاة، وقول من قال: ان بطهرها من الحيضة الثالثة تتم عدتها وهو قولنا فوجدنا حجة من قال: هو احق بها ما لم تحل لها الصلوات يحتجون بأنه صح عن عمر بن الخطاب.
وعلى بن ابى طالب.
وابن مسعود،
وروى عن ابى بكر الصديق.
وابى موسى الاشعري.
وأبى بن كعب.
ومعاذ بن جبل.
وابى الدرداء.
وابن عباس.
وعبادة بن الصامت.
وغيرهم.
وان لم يصح عنهم قالوا: ومثل هذا لا يقال بالرأى * قال أبو محمد: وما نعلم لهم شغبا غير هذا وهو باطل لانه لا يحل ان يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن الذى اخبر عليه الصلاة والسلام انه أكذب الحديث ما لم يأت عنه عليه الصلاة والسلام لاسيما والثابت عن عمر وابن مسعود ما ذكرنا قبل من أنه رأى رأياه لا عن اثر عندهما انهما قالاه.
ومع ذلك فلا يفرح الحنيفيون بهذا الشغب فهم أول مخالف للصحابة في هذا المكان لان الثابت عمن ذكرنا من الصحابة رضى الله عنهم ان له الرجعة ما لم تحل لها الصلاة وهم يقطعون عنه الرجعة قبل ان تحل لها الصلاة إذا بقى لها شئ من أعضاء جسدها ولو قدر الدرهم * قال أبو محمد: وقد خالف من ذكرنا هذا من رأى من الصحابة أن بدخولها في الحيضة الثالثة تتم عدتها فبطل هذا القول أيضا بلا شك إذ لا دليل على صحته من قرآن ولا سنة ولا رواية سقيمة فلم يبق إلا قول من قال [ ان ] (2) بانقطاع الدم من الحيضة الثالثة تتم عدتها وهو قول من قال: الاقراء الحيض فوجدنا من حجتهم انه لو كان القرء الطهر لكانت العدة قرأين وشيئا من قرء.
والله تعالى أوجب ثلاثة قروء فصح انها الحيض التى تستوفي ثلاث منها كاملك * قال أبو محمد: وليس كذلك بل بعض القرء قرء بلا شك وبعض الحيض حيض *
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16 (2) الزيادة من النسخة رقم 16(10/260)
قال أبو محمد: وذكروا ما روينا من طريق ابى داود نا محمد بن مسعود نا أبو عاصم عن ابن جريج عن مظاهر بن أسلم عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلاق الامة طلقتان وعدتها حيضتان * ونا حمام نا يحيى بن مالك بن عائذ نا أبو الحسن
ابن ابى غسان نا أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجى نا محمد بن اسماعيل بن سمرة الاحمسي نا عمر بن شبيب المسلى نا عبد الله بن عيسى عن عطية عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " طلاق الامة ثنتان وعدتها حيضتان " * قال أبو محمد: هذان خبران ساقطان لا يجوز الاحتجاج بهما لان مظاهر ابن أسلم ضعيف.
وكذلك عمر بن شبيب.
وعطية ضعيفان لا يحتج بهما ولو صح احدهما أو كلاهما لما خالفناه * قال أبو محمد: فان ذكر ذاكر الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: " للمستحاضة إذا اتاك قرؤك فلا تصلى وإذا مر القرء تطهري ثم صلى من القرء إلى القرء " والخبر الثابت عنه عليه السلام انه أمرها أن تترك الصلاة قدر اقرائها وحيضتها قلنا: لم ننكر ان الحيض يسمى قرءا كما انكم لا تنكرون أن الطهر يسمى قرءا وانما اختلفنا في أي ذلك هو المراد من قوله تعالى: (ثلاثة قروء) وقالوا انما أمر الله تعالى بطلاق النساء لاستقبال العدة قالوا فلو كان القرء هو الطهر لكان مطلقا في العدة فقلنا: هذا خطأ من حكمكم وبنائكم على مقدمة صحيحة.
ونعم انما أمر الله تعالى بالطلاق في استقبال العدة فلو كانت العدة التى هي الاقراء الحيض لكان بين الطلاق وبين أول العدة مدة ليست فيها معتدة وهذا باطل * قال أبو محمد: فسقط كل ما احتجوا به وبقى قولنا فوجدنا حجة من قال به ما روينا من طريق البخاري نا اسماعيل بن عبد الله نا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهى حائض فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مرة فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم ان شاء أمسك بعد وإن شاء طلق فتلك العدة التى أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء " فاشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطهر وأخبر انه العدة التى أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء فصح ان القرء هو الطهر.
وأيضا فان العدة واجبة فرضا أثر الطلاق بلا مهلة فصح انها الطهر المتصل بالطلاق
الحيض الذى لا يتصل بالطلاق ولو كان القرء هو الحيض لوجب عندهم على أصلهم فيمن طلق حائضا ان تعتد بتلك الحيضة قرءا.
وقد قال بذلك الحسن كما روينا من طريق عبد الرزاق بن عثمان بن مطر عن سعيد بن ابى عروبة عن مطر(10/261)
الوراق عن الحسن فيمن طاق امرأته ثلاثا وهى حائض انها تعتد بها من اقرائها، وقال ابن ابى عروبة وحدثني قتادة.
وأبو معشر قال قتادة عن سعيد بن المسيب وقال أبو معشر عن ابراهيم قالا جميعا لا تعتد بها * قال أبو محمد: وأى القولين كان مراد الله تعالى فالاقراء الاطهار أم الحيض فان قولنا يقتضيهما (1) جميعا لان الطلاق يقع في الطهر فهو قرء ثم الطهر الثاني ثم الثالث وبين الطهر الاول والثانى حيض ثم بين الثاني والثالث حيض ثم دفعة حيض آخر الثلاث (2) وقد قلنا ان بعض الحيض حيض وبعض الطهر طهر وبعد القرء قرء فهى ثلاثة أقراء بكل حال وبقول الحسن نقول ان طلقها ثلاثا وهى حائض فانها تعتد بتلك الحيضة ثم بالطهر الذى يليها ثم بالحيضة الثانية ثم بالطهر الثاني ثم بالحيضة الثالثة فإذا رأت الطهر منها فهو طهر ثالث حلت به للازواج وهكذا القول في عدة الامة التى تعتق فتختار فراق زوجها ان كانت حين ذلك حائضا ولافرق وكذلك نقول في المطلقة ثلاثا في طهر مسها فيه وفى المعتقة تختار فراق زوجها انهما يعتدان بذلك الطهر قرءا، وقد صح عن الزهري انها لا تعتد به لكن بثلاثة أقراء مستأنفة * 1990 مسألة فان اتبعها في عدتها قبل انقضائها طلاقا بائنا ولم تكن عدتها تلك من طلاق ثلاث مجموعة ولا من طلقة ثالثة فعليها أن تبتدى العدة من أولها فان طلقها بعد ثنتين ثالثة فتبتدئ العدة أيضا ولابد وكذلك لو راجعها في عدتها فوطئها أو لم يطأها ثم طلقها فانها تبتدئ العقدة (3) ولابد وروينا مثل قولنا عن طائفة من السلف كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر وغيره عن قتادة ان جابر بن
عبد الله وخلاس بن عمرو قالا جميعا في المطلقة في العدة تعتد من الطلاق الآخر ثلاث حيض، وروينا عن ابن مسعود انها تبنى على عدتها من الطلاق الاول وهو قول ابراهيم النخعي.
وسعيد بن المسيب.
والحسن.
وأبى قلابة وبه قال الزهري.
وقتادة * قال أبو محمد: وبه يقول أبو حنيفة ومالك.
والشافعي الا ان أبا حنيفة.
ومالكا وأحد قولى الشافعي في التى يراجعها في العدة ثم يطلقها قبل أن يطأها انها تستأنف العدة، وقال الشافعي: مرة تبنى على عدتها من الطلاق الاول وهو قول عطاء * قال أبو محمد: ما نعلم لهم حجة من قرآن ولا من سنة أصلا ولا متعلق لهذه الطوائف فيما جاء عن ابن مسعود في ذلك لانه خبر حدثناه عبد الله بن ربيع
__________
(1) في النسخة رقم 14 ينتظمهما (2) في النسخة رقم 14 أثر الثالت (3) في النسخة رقم 14 في العدة(10/262)
قال نا محمد بن معاوية القرشى نا احمد بن شعيب أنا محمد بن يحيى بن أيوب المروزى نا حفص هو ابن غياث نا الاعمش عن أبى اسحاق عن أبى الاحوص عن عبد الله بن مسعود قال: طلاق السنة يطلقها تطليقة وهى طاهرة في غير جماع فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ثم تعتد بعد ذلك بحيضة قال الاعمش فسألت ابراهيم النخعي فقال مثل ذلك * قال أبو محمد: كل هؤلاء الطوئف مخالفون لما صح عن ابن مسعود ههنا انه السنة لانهم كلهم يكرهون أن يتبعها طلاقا في العدة والماكيون (1) والشافعيون لا يرون الحيض عدة، ولا عجب أعجب ممن يحتج بقول سعيد بن المسيب في دية أصابع المرأة هي النسة يا ابن أخى ولا يحتج بقول ابن مسعود ههنا ان السنة * قال أبو محمد: وأما نحن فلا حجة عندنا فيما عدانص قرآن وسنة ثبت (2) حكمها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجتنا لقولنا ههنا هو ان الله عزوجل انما أسقط
العدة عن المطلقة غير الممسوسة فقط وأوجبها على المطلقة الممسوسة وأمر الله تعالى من طلق ان يطلق للعدة وجعل العدة على التى تحيض ثلاثة قروء وعلى التى لا تحيض لصغر أو كبر ثلاثة أشهر وحكم تعالى انها امرأته ما لم تنقض عدتها منه يتوارثان ويلحقها طلاقه فهو إذا طلقها ثانية مطلق امرأته الموطوءة منه في ذلك النكاح بلا شك فعليها أن تبتدئ العدة من أثره بلا فصل، ومن الباطل ان يتقدم شئ من العدة قبل الطلاق كما من الباطل طلاق (3) موطوءة بلا عدة أو طلاق موطوءة يكون قرءا واحدا أو قرأين ولا بد لمخالفينا ههنا من احد هذه الوجوه الثلاثة وهى كلها باطل بيقين، وكذلك من المحال ان تبنى المرتجعة على عدة قد بطلت بالرجعة إذ من الباطل (3) ان تكون مرتجعة وهى بعد الارتجاع في العدة وبالله تعالى التوفيق * 1991 مسألة: فان كانت المطلقة حاملا من الذى طلقها أو من زنا أو باكراه فعدتها وضع حملها ولو اثر طلاق زوجها لها بساعة أو أقل أو أكثر وهو آخر ولد في بطنها فإذا وضعته كما ذكرنا أو أسقطته فقدا نقضت عدتها وحل لها الزواج وكذلك المعتقة وهى حامل تتخير فراق زوجها ولا فرق، وكذلك المتوفى عنها زوجها وهى حامل منه أو من زنا أو من اكراه فان عدتها تنقضي بوضع آخر ولد في بطنها ولو وضعته أثر موت زوجها ولها أن تتزوج ان شاءت، وكذلك لو أسقطته ولا
__________
(1) في النسخة رقم 14 فاما المالكيون (2) في النسخة رقم 14 أو نص حكم ثبت (3) في النسخة رقم 14 ان طلاق (4) في النسخة رقم 14 ومن الباطل(10/263)
فرق * برهان ذلك قول الله عزوجل: (وأولات الاحمال اجلهن ان يضعن حملهن) فلم يخص عزوجل كون الحمل منه أو من غيره، وسواء وطئها الزوج أو لم يطأها لان الله تعالى قال ما ذكرنا وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها) *
قال أبو محمد: فاحتمل أن يستثنى هذه من الاولى فيكون المراد وأولات الاحمال أجلهن ان يضعن حملهن الا اللواتى لم تمسوهن وهن حوامل منكم من تشفير أو من غيركم، واحتمل أن تستثنى الاولى من هذه فيكون المراد ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها الا ان يكن حوامل منكم أو من غيركم فواجب أن تنظر أي الاستعمالين أو أي الاستثناءين هو الحق إذ قد ضمن عزوجل بيان ذلك فيما انزل الينا من شرائعه فوجدنا خبر عبد الله بن عمر في طلاق امرأته وقد ذكرناه في اول مسألة من الطلاق في كتابنا هذا باسناده فوجدنا فيه انه صلى الله عليه وسلم قال: مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا منه وفيه أيضا إذا طهرت فليطلق أو ليمسك وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن) * قال أبو محمد: نصح ان طلاق الحامل جائز عموما إذ هذا منه عليه الصلاة والسلام تعليم لكل مطلق إلى يوم القيامة سواء كان الحمل منه أو من غيره لانه عليه الصلاة والسلام لم يخص حاملا من حامل من غيره وان تلك الحال هو قبل عدتها فوجبت العدة عليها بما ذكرنا ولم يجز أن يسقط هذا الحكم الا بيقين ولا يقين في سقوطه الا في المطلقة التى لم يطأها وليست حاملا فقط وإذا صح ان عليها العدة فقد وجب ضرورة ان له الرجعة عليها مادامت في العدة من طلاقه وعليه النفقة ويتوارثان ويلحقها إيلاؤه وظهره ويلاعنها لقوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك) وبقوله تعالى (فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وبالله تعالى التوفيق، وكذلك نقول: انه ان طلقها وعدتها بالاقراء أو بالشهور ثم حملت قبل تمام العدة منه أو من غيره بزنا أو باكراه فانها تنتقل عدتها إلى وضع ذلك الحمل فإذا وضعت فقد تمت عدتها وكذلك لو مات فحملت في عدتها من وفانه من زنا أو إكراه فان عدتها تنتقل إلى عدة الحامل بوضع الحمل لان كل ذلك داخل في عموم قوله تعالى: (وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وقد غلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع
الحمل في الوفاة على الاربعة الاشهر والعشر كما روينا من طريق احمد بن شعيب أنا حسين ابن منصور بن جعفر النيشابوري أنا جعفر بن عون نا يحيى بن سعيد هو الانصاري(10/264)
أخبرني سليمان بن يسار أخبرني أبو سملة بن عبد الرحمن بن عوف قال: بعثنا كريبا - هو مولى ابن عباس - إلى أم سلمة أم المؤمنين فجاءنا من عندها أن سبيعة وضعت بعد وفاه زوجها بأيام فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزوج، وأما قولنا آخر ولد في بطنها فلقول الله عزوجل (أجلهن أن يضعن حملهن) فمتى ما بقى من حملها شئ من بطنها لم تضع حملها * قال أبو محمد: ولمحمد بن الحسن قول ههنا نذكره ليحمد الله تعالى سامعه على السلامة، وهو انه قال: إذا خرج من بطن المرأه من الولد النصف فقد تمت عدتها لا يعد في ذلك النصف فخذاه ولا ساقاه ولا رجلاه ولا رأسه، وقال أبو يوسف: من قال لامته وهى تلد: أنت حرة فان كانت حين قوله ذلك قد خرج نصفه الذى فيه رأسه فهى حرة والولد حر وان كانت قد خرج نصف بدنه سوى رأسه فالولد مملوك وهى حرة روى عنها ذلك جميعا هشام بن عبيدالله الراوى في سماعه منهما * قال أبو محمد: فليعجب سامع هذا من هذا الاختلاط أتراه البائس كان من الغرارة بحيث لا يدرى انه متى خرج رأس المولود ومنكباه فانه في أسرع من كر الطرف يسقط كله فمتى يتفرغ لتكسير صلب المولود ومساحته حتى يعلم أخرج نصفه أم أقل أم أكثر وانه متى خرج رأسه ومنكباه فانه لا يمكن البتة ان يتم قوله أنت حرة حتى يقع جميعه، أتراه خفى عليه انها المسكينة في ذلك الوقت أشغل من ذات النجيبين ان العجب ليكثر من نسبة من هذا مقدار علمه إلى شئ من العلم وحسبنا الله ونعم الوكيل، فان بقى من المشيمة ولو شئ فهى في العدة بعد لانها من حملها المتولد مع الولد سواء سواء *
1992 - مسألة - فان مات في بطنها فلا تنقضي عدتها إلا بطرح جميعه ولو لم يبق منه الا اصبع أو بعضها لانها ما لم تضع جميعه فلم تضع حملها وبالله تعالى التوفيق * 1993 - مسألة - فان كانت المطلقة لا تحيض لصغر أو كبر أو خلقة ولم تكن حاملا وكان قد وطئها فعدتها ثلاثة أشهر من حين بلوغ الطلاق إليها أو إلى أهلها ان كانت صغيرة لقول الله تعالى: (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن) وهذا قول أبى حنيفة.
والشافعي.
وأبى سليمان.
وأصحابهم يعنى لزوم ذلك للصغيرة والكبيرة، وقال مالك: لاعدة على الصغيرة جدا * قال أبو محمد: ولا نعلم أحدا قال بهذا قبله وهو قول فاسد لوجوه، أحدها انه (م 34 - ج 10 المحلى)(10/265)
تخصيص للقرآن مخالف لحكمه، وثانيها انه أوجب عليها عدة الوفاة ولو انها في المهد واسقط عنها عدة الطلاق وهى موطوءة مطلقة وهذا تناقض ظاهر الفساد، وثالثها أنه لم يحد منتهى الصغر الذى أسقط فيه عنها عدة الطلاق من مبدأ وقت الزمها فيه العدة وهذا تلبيس لاخفاء بفساده ومزج للفرض بما ليس فرضا ويكفى من هذا كله انه قول لادليل على صحته لامن قرآن ولاسنة ولا رواية سقيمة ولا رواية فاسدة ولاقياس ولا رأى له وجه ولاقول سلف وما كان هكذا فهو ساقط بيقين * 1994 مسألة فان طلقها في استقبال أول ليلة من الشهر مع تمام غروب الشمس اعتدت حتى يظهر هلال الشهر الرابع فإذا ظهر حلت من عدتها فان طلقها قبل ذلك أو بعده لزمها أن تعتد سبعا وثمانين ليلة بمثلهن من الايام كملى إلى مثل الوقت الذى لزمتها فيه العدة ولا يلغى كسر اليوم ولا كسر الليلة لانه لا يجوز أن يكون بين أول عدتها وبين وقت لزوم العدة لها فرق أصلا لا ما قل ولا ما كثر، فإذا أتمت ما ذكرنا
حلت لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الشهر تسع وعشرون " وقد ذكرناه في كتاب الصيام باسناده، فان قيل: انه قد لزمتها عدة بيقين فلا تخرج منها إلا بيقين قلنا: هذا وضع فاسد لكن قد لزمتها عدة بوحى الله عزوجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيقين من قبل الوحى الذى ذكرنا لابيقين مطلق من ظن كاذب أو قول قائل فلا نخرج من ذلك إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى هو اليقين حقا، وقد بين عليه الصلاة والسلام ان الشهر تسع وعشرون فلا يحل أن يزاد على ذلك شئ بوسوسة لاأصل لها، (وما كان ربك نسيا) * 1995 مسألة وقد قلنا: ان أسقطت الحامل المطلقة أو المتوفى عنها زوجها أو المعتقة المتخيرة فراق زوجها حلت، وحد ذلك أن تسقطه علقة فصاعدا، وأما إن أسقطت نطفة دون العلقة فليس بشئ ولا تنقضي بذلك عدة * برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن ابى شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا جميعا: نا أبو معاوية ووكيع قالا جميعا: نا الاعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة " وذكر باقى الخبر * ومن طريق مسلم نا أبو الطاهر أحمد بن عمر بن السرح انا ابن وهب أنا عمرو بن الحارث عن ابى الزبير المكى أن عامر بن واثلة حدثه انه سمع حذيفة بن اسيد الغفاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى " وذكر باقى الخبر *(10/266)
قال أبو محمد: معناه خلق الجملة التى تنقسم بعد ذلك سمعا وبصرا وجلدا ولحما وعظاما فصح ان أول خلق المولود كونه علقة لاكونه نطفة وهى الماء * 1996 مسألة فان طلقت التى لم تحض قط ثم حاضت قبل تمام العدة سواء إثر طلاقها أو في آخر الشهر (1) فما بين ذلك تمادت على العدة بالشهور فإذا أتمتها حلت ولم
تلتفت إلى الحيض، وكذلك لو حملت منه أو من غيره اثر طلاقها أو قبل انقضاء الثلاثة الاشهر [ فلو مات هو قبل انقضاء الثلاثة الاشهر ] (2) ابتدأت عدة الوفاة كاملة * برهان ذلك قول الله عزوجل: (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن) فانما أوجب الله عزوجل عليها عدة ثلاثة أشهر اثر وجوب العدة عليها من الطلاق فلا يبطل ما أوجبه الله تعالى عليها بدعوى لم يأت بها قط نص، فان قيل فالله تعالى قد أوجب الاقراء بقوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء) وقال تعالى أيضا: (واولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) وهذه زوجة مطلقة قلنا: انما أوجب الله تعالى ما ذكرتم على ذوات الاقراء وعلى ذوات الحمل وهذه إذ لزمتها عدة هذا الطلاق انما كانت بيقين من اللائى يئسن أو من اللائى لم يحضن ولم تكن أصلا من ذوات الاقراء ولا من ذوات الحمل، ومن الباطل المتين والمحال الممتنع أن يلزم الله تعالى العدة بالاقراء من لاقرء لها حين وجوب العدة عليها أو يلزم العدة بالحمل من ليست ذات حمل حين وجوب العدة عليها كما ان من الباطل أن يحول بين وقت وجوب العدة من الطلاق أو الموت وتبين العدة وقت ليس من العدة لقوله عليه الصلاة والسلام: " فطلقوهن لقبل عدتهن " وقد ذكرناه قبل هذا باسناده إلا أن يأتي بذلك نص جلى فيوقف عنده، وأيضا فان القرء انما هو ما بين الحيضتين من الطهر فحالها قبل أن تحيض وبعد اليأس من المحيض ليس قرء فبطل أن تعتد بالاقراء من لم تطلق في استقبال قرء هي فيه وهى وان كان ولدها منه لاحقا به لانها زوجته بعد فقد قلنا: ان وطأه لها ليس رجعة ولا طلاقا فتبتدئ العدة منه، وقد ادعى قوم الاجماع ههنا، وهذا باطل لانهم لا يقدرون على إيراد كلمة في ذلك عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم انما جاءت في ذلك آثار عن ثمانية من التابعين فقط وهم عطاء.
ومجاهد.
وسعيد بن المسيب.
والزهرى.
والحسن.
وقتادة.
والنخعي.
والشعبى، ومثل هذا لا يعده اجماعا إلا من استجاز الكذب على الامة *
__________
(1) في النسخة رقم 16 في آخر الاشهر (2) الزيادة في النسخة رقم 16(10/267)
قال أبو محمد: ثم استدركنا النظر في قول الله تعالى: (1) (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقوله تعالى: (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن) فوجدنا المعتدة إذا حاضت في العدة فليست من اللائى يئسن من المحيض ولا من اللائى لم يحضن بلا شك بل هي من اللائى حضن فوجب ضرورة ان عدتها ثلاثة قروء، ومن الباطل أن تكون من اللائى يحضن وتكون عدتها الشهور فصح أن حكم الاعتداد بالشهور قد بطل وان كان بعض العدة، وصح انها تنتقل إلى الاقراء، أو إلى وضع الحمل إن حملت، وأما انتقالها إلى عدة الوفاة ان كان الطلاق رجعيا فقط وإلا فلا فلانها زوجة ترثه ويرثها فهى متوفى عنها فيلزمها بالوفاة عدة الوفاة، وبالله تعالى التوفيق * 1997 مسألة: وأما المستحاضة التى لا يتميز دمها ولاتعرف أيام حيضتها فان كانت مبتدأة لم يكن لها أيام حيض قبل ذلك بعدتها فعدتها ثلاثة أشهر لانها لم يصح منها حيض قط فهى من اللائى لم يحضن فان كانت ممن كان لها حيض معروف فنسيته أو نسيت مقداره ووقته فعليها أن تتربص مقدارا توقن فيه انها قد أتمت ثلاثة أطهار وحيضتين وصارت في الثالثة ولابد، فإذا مضى المقدار المذكور فقد حلت لانها من ذوات الاقراء بلا شك فعليها اتمام ثلاثة قروء وأما إذا تميز دمها فأمرها بين إذا رأت الدم الاسود فهو حيض، واذ رأت الاحمر أو الصفرة فهو طهر، وكذلك التى لا يتميز دمها إلا أنها تعرف أيامها فانها تعتد إذا جاءت أيامها التى كانت تحيض فيها حيضا وبأيامها التى كانت تطهر فيها طهرا، وقد ذكرنا برهان ذلك في كتاب الحيض في الطهارة من ديواننا هذا فأغنى عن اعادته، وهى أخبار ثابتة عن رسول الله صلى الله عيله وسلم بما ذكرنا، وأما المستريبة فان كانت عدتها بالاقراء أو بالشهور فأتمتها إلا أنها تقدر
أنها حامل وليست مؤقتة بذلك ولا بأنها ليست حاملا، فهذه امرأة لم توقن انها من ذوات الاقراء قطعا ولا توقن انها من ذوات الشهور حتما ولا توقن انها من ذوات الاحمال (2) بتلا هذه صفتها بلا شك نعمل ذلك حسا ومشاهدة فإذا هي كذلك فلا بدلها من التربص حتى توقن انها حامل فتكون عدتها وضع حملها أو توقن انها ليست حاملا فتتزوج ان شاءت إذا أيقنت انها لاحمل بها لانها قد تمت عدتها المتصلة بما أوجبها الله تعالى من الطلاق، اما الاقراء واما المشهور، وبالله تعالى التوفيق * وأقصى ما يكون التربص من آخر وطئ وطئها زوجها خمسة أشهر فلا سبيل إلى أن تتجاوزها
__________
(1) في النسخة رقم 14 ثم استدركنا فوجدنا الله تعالى قال الخ (2) في النسخة رقم 14 من أولات الحمل(10/268)
إلا وهى موقنة بالحمل أو ببطلانه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبر بأنه بعد أربعة أشهر ينفخ فيه الروح وإذا نفخ فيه الروح فهو حى وإذا كان حيا فلا بد له ضرورة من حركة، وأما المختلفة الاقراء فلابد لها من تمام اقرائها بالغة ما بلغت لاحد لذلك لان الله تعالى أوجب عليها أن تتربص ثلاثة قروء ولم يجعل الله تعالى لذلك حدا محدودا (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) فان حاضت حيضة ثم لم تحض أو حاضت حيضتين ثم لم تحض أو انتظرت الحيضة الاولى فلم تأتها بعد ان كانت قد حاضت في عصمة زوجها أو قبلها فلا بدل لهؤلاء كلهن من التربص أبدا حتى يحضن تمام ثلاث حيض كما أمر الله عزوجل أو حتى يصرن في حد اليأس من المحيض فإذا صرن فيه استأنفن ثلاثة أشهر ولابد لان الله تعالى لم يجعل العدة ثلاثة أشهر إلا على اللواتى لم يحضن وعلى اليائسات من المحيض، وهذه ليست واحدة منهما فإذا صارت من اليائسات فحينئذ دخلت في أمر الله تعالى لها بالعدة بثلاثة أشهر، هذا نص كلام الله عزوجل وحكمه والحمد لله رب العالمين * وفيما ذكرنا اختلاف روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن حبان بن منقذ طلق امرأته وهو صحيح وهى ترضع فمكثت سبعة أشهر لا تحيض يمنعها الرضاع
الحيض ثم مرض حبان بعد أن طلقها بأشهر فقالوا له: انها ترثك ان مت فامر أن يحمل إلى عثمان فحمل إليه فذكر له شأن امرأته وعنده على بن ابى طالب.
وزيد بن ثابت فسألهما عثمان؟ فقالا جميعا: نرى أن ترثه ان مات وانه يرثها ان ماتت فانها ليست من القواعد اللائى يئسن من المحيض ولا من الابكار اللائى لم يحضن * نا يونس بن عبد الله نا احمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا احمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان عن أشعث بن عبد الملك الحمراني عن محمد بن سيرين ان عمر بن الخطاب، وعبد الله ابن مسعود قالا جميعا في الشابة تطلق فلا تحيض: انها تنتظر حتى تيأس من المحيض، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري ومعمر كلاهما عن منصور بن المعتمر.
وحماد بن ابى سليمان كلاهما عن ابراهيم النخعي عن علقمة انه طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم ارتفعت حيضتها ستة عشر شهرا ثم ماتت فقال له عبد الله بن مسعود: حبس الله على ميراثها وورثة منها هذا في غاية الصحة عن ابن مسعود وقد روينا هذا بعينه عن ابن عباس.
وابن عرم إلا أنه من طريق ابن وهب عن ابن سمعان * ومن طريق محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد العزيز بن عبد الصمد العمى قال: سألت منصور بن المعتمر عمن طلق امرأته فحاضت حيضة ثم يئست من المحيض قال: تسنأنف العدة حينئذ بثلاثة أشهر قال: وسألته عن امرأة شابة طلقت فلم(10/269)
تحض من مرض أو ارتفع حيضها قال: تعتد بالحيض ما كان وسأتله عن جارية حاضت حيضة وطلقت فلم تحض سنتين قال عدتها الحيض ما كان * ومن طريق ابن وهب أنا عقبة ابن نافع عن خالد بن يزيد عن عطاء بن ابى رباح انه سأل عن مطلقة لا تحيض في السنة إلا مرة قال: اقراؤها ما كانت * ومن طريق ابن وهب عن مالك عن الزهري مثل ذلك * ومن طريق ابن وهب أخبرني يونس عن ابى الزناد قال: ينبغى لها أن تعتد ثلاث حيض ولو كانت في عشر سنين إذا كانت تحيض ولها شباب * ومن طريق وكيع عن الربيع بن
صبيح.
ويزيد بن ابراهيم - هو التسترى - عن الحسن البصري قال: تعتد بالحيض وان كانت لا تحيض في السنة إلا مرة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال عطاء تعتد اقراءها ما كانت تقاربت أو تباعدت، قال ابن جريج وهو قول عبد الكريم قال عطاء فان وجدت في بطنها كالحشة لا تدري أفى بطنها ولد ام لا فلا تعجل بنكاح حتى تستبين أنه ليس في بطنها ولد * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: إذا كانت تحيض فعدتها على حيضتها تقاربت أو تباعدت، ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج اخبرني عمرو بن دينار عن أبى الشعثاء جابر بن زيد أنه كان يقول تعتد أقراؤها ما كانت * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن داود بن ابى هند عن الشعبى في المرأة تحيض حيضا مختلفا ان عدتها الحيض وان لم تحض في كل سنة إلا مرة * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا عبيدة عن ابراهيم قال: إذا كانت تحيض فعدتها بالحيض وان حاضت في كل سنة مرة، ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار في التى لا تحيض في السنة إلا مرة قال اقراؤها ما كانت وهو قول ابى حينفة وسفيان الثوري والشافعي وابى سليمان وأصحابهم.
وابى عبيد، وقال الليث في المتخلفة الاقراء * قال أبو محمد: فكل هؤلاء يقولون مثل قولنا وههنا قول ثان كما روينا من طريق مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر بن الخطاب أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعت حيضتها فانها تنتظر تسعة أشهر فان بان بها حمل فذلك والا اعتدت بعد التسعة الاشهر ثلاثة أشهر ثم حلت، وصح مثل هذا عن الحسن البصري، وسعيد بن المسيب * ومن طريق مالك عن ابن شهاب - هو الزهري - عن سعيد بن المسيب مثل قول عمر في المستحاضة تعتد سنة * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: إذا كانت في الاشهر مرة يعنى الحيض فعدتها سنة، وقول ثالث كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن عكرمة انه سئل عن التى تحيض فيكثر دمها حتى لا تدري كيف حيضتها(10/270)
قال تعتد ثلاثة أشهر وهى الريبة التى قال الله عزوجل: (ان ارتبتم) قضى بذلك ابن عباس.
وزيد بن ثابت * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو ابن دينار عن طاوس قال: إذا كانت تحيض حيضا مختلفا اجزا عنها ان تعتد ثلاثة أشهر * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عكرمة قال: إذا كانت تحيض حيضا مختلفا فانه ريبة عدتها ثلاثة أشهر قال قتادة: تعتد المستحاضة ثلاثة أشهر * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة - عن عمرو بن دينار عن جابر ابن زيد قال إذا كانت تحيض في كل سنة مرة يكفيها ثلاثة أشهر * قال أبو محمد: اختلف بن جريج.
وسفيان بن عيينة على عمرو بن دينار في هذا كما أوردنا فذكر سفيان عن جابر بن زيد ثلاثة أشهر وعن طاوس اقراؤها ما كانت، وذكر ابن جريج عن جابر بن زيد اقراؤها ما كانت وعن طاوس ثلاثة أشهر * وأما المتأخرون فان الليث بن سعد قال: عدة المستحاضة في الطلاق والوفاة سنة، وقال الاوزاعي: ان ارتفع حيض المطلقة ثلاثة أشهر اعتدت سنة، وقال احمد.
واسحاق: عدة المستحاضة الاقراء ان عرفت أو قاتها والا فسنة، وقال مالك: ان لم تحض المطلقة تسعة أشهر متصلة استأنفت عدة ثلاثة أشهر فان أتمتها ولم تحض فقد تمت العدة وحلت للازواج وان حاضت قبل تمامها عدت كل ذلك قرءا واحدا ثم تنتظر الحيض فان لم تحض تسعة أشهر استأنفت عدة ثلاثة أشهر فان لم تحض حتى تتمها تمت عدتها وان حاضت فيها عدت كل ذلك قرءا ثانيا ثم تنتظر تسعة أشهر فان لم تحض اعتدت ثلاثه أشهر فان حاضت فيها أو أتمتها دون أن ترى حيضا فقد تمت عدتها قال أبو محمد: كل هذه الاقوال لاحجة لتصحيحها من قرآن ولا من سنة ولا رواية ضعيفة ولا قياس ولا رأى يصح ولا رواية تصح عن صاحب انما جاء في ذلك الرواية التى ذكرنا عن عمر مع انها لا تصح لان سعيد بن المسيب لم يسمع
من عمر الا نعيه النعمان بن مقرن وقد روينا عن عمر خلاف ذلك كما أوردنا آنفا فما الذى جعل احدى الروايتين عنه أولى من الاخرى، وقال مالك انما تبتدى بتربص التسعة الاشهر من حين ارتفعت حيضتها لامن حين طلقها زوجها الا التى رفعتها حيضتها إثر طلاقها فهذه تعتد التسعة الاشهر من حين طلقت قال: والمستحاضة كذلك عتدها سنة الحرة والامة سواء، وكذلك التى ارتفع حيضها من مرض الامة والحرة سواء قال واما التى ارتفع حيضها من أجل الرضاع فانها بخلاف ذلك ولا تتم عدتها الا بتمام ثلاثة اقراء كائنة ما كانت، قال واما المرتابة فانها تقيم حتي تذهب(10/271)
الريبة أو يصح الحمل قال: وأقصى تربصها تسعة أشهر * قال أبو محمد: هذه تقاسيم لاتحفظ عن أحد قبله، فان شغبوا بالرواية التى هي عن على وزيد بحضرة عثمان قلنا: لم يقولوا ان ذلك من أجل الرضاع انما بينوا انها ليست من اللائى لم يحضن ولا من اللائى لم يئسن (1) من المحيض فلا يحل ان يقولوا ما لم يقولوا وبالله تعالى التوفيق * 1998 - مسألة - وسواء فيما ذكرنا تقارب الاقراء أو تباعدها لاحد في ذلك الا انه لاتصدق المراة في ذلك إذا أنكر الزوج قولها الا بأربع عدول من النساء عالمات يشهدن انها حاضت حيضا اسود ثم طهرت منه هكذا ثلاثة اقراء أو بشهادة امرأتين كذلك مع يمينها لان الله عزوجل لم يحد في ذلك حدا ولا رسوله صلى الله عليه وسلم (وما كان ربك نسيا) * ومن الباطل المتيقن ان يكون تعالى اراد أن يكون للاقراء مقدار لا يكون أقل منه ثم يسكت عن ذلك ليكلفنا علم الغيب الذى حجبه عنا أو يكلنا إلى الظنون الكاذبة والاقوال الفاسدة التى لا يشك في بطلانها واما ان لاتصدق في ذلك إذا أنكر الزوج فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بالبينة على من ادعى وهى مدعية بطلان حق ثابت لزوجها في رجعتها أحبت أم كرهت فلا تصدق الا
ببينة عدل * روينا من طريق وكيع عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى قال: جاءت امرأة إلى على بن ابى طالب قد طلقها زوجها فادعت انها حاضت ثلاث حيض في شهر فقال على لشريح قل فيها فقال شريح ان جاءت ببينة ممن يرضى دينه وأمانته من بطانة أهلها انها حاضت في شهر ثلاثا طهرت عند كل قرء وصلت فهى صادقة والا فهى كاذبة، فقال على: قالون - يعنى أصبت بالرومية - * ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة قال ان امرأة طلقت فحاضت في نحو من أربعين ليلة ثلاث حيض فاختصموا إلى شريح فرفعهم إلى على بن أبى طالب فقال على: أن شهد أربعة من نسائها ان حيضها كان هكذا أبانت منه والا فلتعتد ثلاث حيض في ثلاثة أشهر * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن المغيرة عن ابراهيم النخعي في امرأة حاضت في شهر أو أربعين ليلة ثلاث حيض قال.
إذا شهدت لها العدول من النساء انها قد رأت ما يحرم عليها الصلاة من طموث النساء الذى هو الطموث المعروف فقد خلا أجلها (2) * قال أبو محمد: هذا كله قولنا وقد رويت رواية نذكرها ان شاء الله تعالى
__________
(1) في النسخة رقم 16 ولا من اللائى يئسن (2) في النسخة رقم 16 فقد حل أجلها(10/272)
روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري.
وسفيان بن عيينة قال سفيان الثوري: عن الاعمش عن أبى الضحى عن مسروق وعن ابى بن كعب، وقال ابن عيينة: عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قالا ميعا من الامانة ان المرأة أؤتمنت على فرجها * ومن طريق وكيع عن حماد بن زيد عن أيوب السختيانى عن سليمان بن يسار انه ذكر عنده النساء فقال: لم نؤمر بفتحهن * قال أبو محمد: صدق أبى رضى الله عنه.
وعبيد بن عمير في ان المرأة أؤ تمنت على فرجها وكذلك الرجل أيضا كل أحد موكل في دينه الذى يغيب عن الناس به إلى أمانته وليس في هذا ما يوجب تصديقها على ابطال حق زوجها في الرجعة لقول الله
تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) وكذلك قول سليمان بن يسار لم نؤمر بفتح النساء قول صحيح ما نازعه في ذلك أحد، وتكليفها البينة على انها حاضت كتكليف البينة على عيوب النساء الباطنة ولا فرق * قال أبو محمد: ثم اختلف هؤلاء فروى عن أبى حنيفة لاتصدق في انقضاء العدة في أقل من ستين يوما ولا تصدق النفساء في أقل من خمسة وثمانين يوما، وقال أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن.
وسفيان في احد قوليه.
ومالك في موجب أقواله لاتصدق في انقضاء العدة في أقل من تسعة وثلاثين يوما * قال أبو محمد: هذا أقيس على أصولهم لانه يجعلها مطلقة في آخر طهرها ثم ثلاث حيض كل حيضة من ثلاثة أيام وهو أقل الحيض عندهم وطهران كل طهر خمسة عشر يوما وهو أقل الطهر عندهم، واختلفوا في النفساء فقال أبو يوسف: لا أصدقها في أقل من خمسة وستين يوما، وقال محمد بن الحسن: لا أصدقها في أقل من أربعة وخمسين يوما وساعة، وقال الحسن بن حى: لاأصدق المعتدة بالاقراء في أقل من خمسة وأربعين يوما، وقال الاوزاعي: لا أصدقها في أقل من أربعين يوما وقال أبو عبيد: ان لم تأت ببينة لم تصدق في أقل من ثلاثة أشهر، وعلى أحد أقوال الشافعي لاتصدق في أقل من اثنين وثلاثين يوما وبعض يوم لان أقل الحيض عنده في هذا القول يوم وأقل الطهر خمسة عشر يوما * قال أبو محمد: قال الله عزوجل: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) فصح ان هذه الاختلافات ليست من عند الله عزوجل لاشك في ذلك واذ ليست من عند الله فليست بشئ وانما أتوا في ذلك لتحديدهم أقل الحيض وأقل الطهر ومن الباطل تحديد شئ لم يحده الله عزوجل فهو شرع لم يأذن به الله تعالى، فان قالوا (م 35 - ج 10 المحلى)(10/273)
قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم " تحيض في علم الله ستا أو سبعا " قلنا: لا يصح ولو صح لكان عليكم لا لكم لانكم لا تقولون بهذا التحديد في أقل الحيض ولا في اكثره، فان قالوا: صح انه عليه الصلاة السلام قال: " انظري عدد الايام والليالي التى كنت تحيضين " قلنا: لاشك في انه عليه الصلاة والسلام انما أمر بذلك من كانت تحيض أياما وليالي وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام قال: " إذا اتاك قرؤك فلا تصلى فإذا مر القرء فتطهري ثم صلى من القرء إلى القرء " فلم يجعل عليه الصلاة والسلام لذلك حدا لا يكون أقل منه فصح ان ذلك الخبر لمن لها أيام وليالي معروفة، فهذا الآخر لمن لم يبلغ الليالى ولا الايام كل خبر على ظاهره دون تكلف تأويل فاسد أو ترك احدهما للآخر وبالله تعالى الوفيق * فان قيل ان الله تعالى جعل ثلاثة أشهر بازاء ثلاثة اقراء قلنا: نعم وليس ذلك بموجب انه لا يكون قرؤ في أقل من شهر ولا في أكثر منه وأنتم أول مبطل لهذه الحجة لانكم تجيزون كون قرءين في شهر واحد وتجيزون أن يكون قرء واحد أكثر من ثلاثة أشهر فبطل كل ما شغبوا به، فان قالوا: لا تظهر البراءة من الرحم في نصف شهر فأقل قلنا ولا في ثلاثة أشهر وكلكم يجعل العدة تتم بالاقراء في أقل من ثلاثة أشهر، واما مالك فانه قال: الحيض متى ظهر تركت الصلاة والصوم وحرم وطؤها على زوجها فمتى رأت الطهر منه صلت وصامت وحلت لزوجها الا ان ذلك لا يكون طهرا تعتد به في العدة * قال أبو محمد: وهذا في غاية الفساد إذ من المحال ان يكون حيضا وطهرا يحيل حكم الصلاة والصيام واباحة الوطئ وتحريمه ولايكون حيضا وطهرا يعد قرءا في العدة هذا قول لاخفاء بفساده لانه خلاف للقرآن والسنن ولقول كل من سلف، وما نعلم لابي حنيفة ومالك انهما تعلقا في هذه المسألة بقول أحد من السلف فوجب الرجوع إلى كلام الله عزوجل وبيان رسوله صلى الله عليه وسلم فوجدناه تعالى قال: (ثلاثة قروء) ولم يحد في ذلك بعدد أيام لا تتجاوز (وما كان ربك نسيا) وأمر عليه الصلاة والسلام
إذا أقبلت الحيضة ان تدع الصلاة فإذا ادبرت صلت وصامت وحلت لبعلها، وقال عليه الصلاة والسلام: " دم الحيض اسود يعرف فإذا أقبل فدعى الصلاة " ولم يحد عليه الصلاة والسلام في ذلك حدا فلا يجوز لاحد التحديد في ذلك الا انه ان انكر زوجها ذلك لم تصدق الا ببينه عدل كما ذكرنا وكذلك ان ادعى الزوج ان عدتها قد تمت وقالت: هي لم تتم فالزوج غير مصدق الا ببينة وهى مصدقة مع يمينها لانها مدعى عليها وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: وقد شغب بعضهم في تصديقها في انقضاء عدتها بقول الله تعالى:(10/274)
(ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في ارحامهن ان كن يؤمن بالله واليوم الآخر) * قال أبو محمد: وليس في هذه الآية دليل على وجوب تصديقها ولا ندرى من أين وقع لهم ان هذه الآية توجب تصديقها؟ وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن مجاهد في تفسير هذه الآية قال: لا يحل لها ان تقول انا حبلى وليست حبلى ولا لست حبلى وهى حبلى ولا أنا حائض وليست حائضا ولا لست حائضا وهى حائض وعن عطاء قال: الولد لا تكتمه ولا أدرى لعل الحيضة معه * قال أبو محمد: المدعية انها قد أتمت عدتها لم تكتم شيئا خلقه الله تعالى في رحمها انما ادعت انه تعالى قد خلق حيضها وهى اما كاذبة واما صادقة فلا مدخل لها فيما في الآية من تحريم كتمان ما خلق الله في رحمها وليس في ان ذلك لا يحل لها ما يسقط حق الزوج الذى أوجبه الله تعالى له في الرجعة * قال أبو محمد: ولو ادعت انها حامل وأنكر الزوج ذلك عرض عليها من القوابل من لا يشك في عدالتهن أربع ولا بد فان شهدن بحملها قضى بما يوجبه الحمل وان شهدن بان لاحمل بها بطلت دعواها فلو شهدن بحلمها ثم صح انهن كذبن أو أو همن قضى عليها برد ما أخذت من الزوج من نفقة وكسوة وبالله تعالى التوفيق *
1999 مسألة: وعدة الوفاة والاحداد فيها يلزم الصغيرة ولو في المهد، وكذلك المجنونة وهو قول مالك.
والشافعي، وقال أبو حنيفة: عليها العدة ولا احداد عليها قال: لانها غير مخاطبة * قال أبو محمد: ان كان ذلك عنده حجة مسقطة للاحداد فينبغي أن يسقط بذلك عنها العدة لان الله تعالى يقول: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا).
والصغيرة غير مخاطبة وكذلك المجنونة ولا تتربص بنفسها، وأما نحن فحجتنا في ذلك ما رويناه من طريق البخاري نا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن عبد الله بن ابى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن حميد بن نافع عن زينب بنت ابى سلمة أنها اخبرته أنها سمعت أم سلمة أم المؤمنين تقول: قالت امرأة: يا رسول الله ان ابنتى توفى عنها زوجها.
وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا لا انما هي أربعة أشهر وعشر، وذكرت الخبر فلم يخص عليه الصلاة والسلام كبيرة من صغيرة ولا عاقلة من مجنونة ولا خاطبها بل خاطب غيرها فيها، فهذا عموم زائد على ما في القرآن، فان ابتدأت بالعدة من أول ليلة من الشهر مشت اربعة اهلة وعشر ليل من الهلال الخامس فإذا طلع الفجر من اليوم العاشر فقد تمت عدتها وحلت للازواج لانه تعالى قال وعشرا(10/275)
فهو لفظ تأنيث فهو لليالي ولو اراد الايام لقال وعشرة، وان بدأت بالعدة قبل ذلك أو بعده فعدتها مائة ليلة وست وعشرون ليلة بما بينها من الايام فقط لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الشهر تسعة وعشرون " ولايجوز أن يحال بين أيام شهر واحد بما ليس منه هذا محال بلاشك والله تعالى التوفيق * 2000 مسألة وفرض على المعتدة من الوفاة أن تجتنب الكحل كله لضرورة أو لغير ضرورة ولو ذهبت عيناها لاليلا ولانهارا، وأما الضماد فمباح لها وتجتنب أيضا فرضا كل ثوب مصبوغ مما يلبس في الرأس أو على الجسد أو على شئ منه سواء في ذلك
السواد والخضرة والحمرة والصفرة وغير ذلك إلا العصب وحده وهى ثياب موشاة تعمل بالمين فهو مباح لها، وتجتنب أيضا فرضا الخضاب كله فلا تقربه كله جملة وتجتنب الامتشاط حاش التسريح بالمشط فقط فهو حلال لها، وتجتنب أيضا فرضا الطيب كله فلا تقربه حاشى شيئا من قسط أو اظفار عند طهرها فقط ومباح لها أن تلبس بعد ذلك ما شاءت من حرير أبيض أو أصفر من لونه الذى لم يصبغ وصوف البحر الذى هو لونه، والقطن الابيض، والكتان الابيض من دبق مضر والمروى وغير ذلك، ومباح لها أن تلبس المنسوج بالذهب والحلى كله من الذهب والفضة والجوهر والياقوت والزمرد وغير ذلك وتدخل الحمام وتغسل رأسها بالخطمى والطفل فهى خمسة أشياء تجتنبها فقط * برهان ذلك ما حدثناه احمد بن قاسم نا ابى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدى قاسم بن اصبغ نا محمد بن اسماعيل نا محمد بن كثير العبدى نا سفيان الثوري عن عبد الله بن ابى بكر.
وأيوب بن موسى.
ويحيى بن سعيد الانصاري كلهم عن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة " أن ابنة النحام توفى عنها زوجها فاتت امها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ان ابنتى تشتكى عينها أفأكحلها؟ قال لا قالت: انى أخشى أن تنفقئ عينها قال وإن انفقأت) وذكرت الخبر * قال أبو محمد: زينب لها صحبة وقد ذكرناه قبل هذا عن زينب عن أمها أم المؤمنين رضى الله عنها * ومن طريق احمد بن شعيب أنا حسين بن محمد الزارع البصري نا خالد بن الحارث نا هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لاتحد المرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فانها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمتشط ولا تمس طيبا إلا عند طهرها حين تطهر نبذة من قسط واظفار " * ومن طريق احمد بن شعيب انا محمد بن منصور المكى نا سفيان نا عاصم عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية ان رسول(10/276)
الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ولا تكتحل ولا تختضب ولا تلبس ثوبا مصبوغا " فهذه هي الآثار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى جامعة لكل ما ذكرنا، وههنا آثار لا تصح ننبه عليها ان شاء الله تعالى لئلا يخطئ بها من لايعرف وههنا * منها خبر من طريق ابراهيم بن طهمان حدثنى بديل عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلى " * قال أبو محمد: في هذا الخبر ذكر الحلى، ولا يصح لان ابراهيم بن طهمان ضعيف ولو صح لقلنا به، والاحداد واجب على الذمية لقول الله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) وبقوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) والدين الحكم فواجب أن يحكم عليهم بحكم الاسلام وهو لازم لهم وبتركهم إياه استحقوا الخلود ومن قال انه لا يلزمهم دين الاسلام فقد فارق الاسلام، ويلزم الاحداد الامة المتوفى عنها زوجها كالحرة * ومن الآثار التى ذكرنا اثر رويناه من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت المغيرة بن الضحاك يقول: أخبرتني أم حكيم بنت اسيد عن امها ان زوجها تو في عنها فارسلت مولاتها إلى أم سملة أم المؤمنين تسألها عن كحل الجلاء فقالت: لا تكتحل به إلا لامر لابد منه يشتد عليك وتمسحينه بالنهار فان النبي صلى الله عليه وسلم دخل على حين توفى أبو سلمة وقد جعلت على عينى صبرا فقال: ما هذا يا أم سلمة؟ قلت: يا رسول الله انما هو صبر ليس فيه طيب فقال: انه يشبب [ كذا ] الوجه فلا تجعلينه إلا بالليل وتنزعينه بالنهار ولا تمتشطى بالطيب ولا بالحناء فانه خضاب قلت بأى شئ امتشط يا رسول الله؟ قال بالسدر تغلفين به رأسك " أم حكيم مجهولة وامها أشد إيغالا في الجهالة * وجاء في ذلك عن الصحابة رضى الله عنهم صح عن ابن عمر لا تكتحل ولا تطيب ولا تختضب ولا تلبس المعصفر ولا ثوبا مصبوغا إلا بردا ولا تزين بحلى ولا تلبس
شيئا تريد به الزينة ولا تكتحل بكحل تريد به الزينة إلا أن تشتكى عينها، وصح عنه أيضا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر لا تمس المتوفى عنها زوجها طيبا ولا تختضب ولا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا الا ثوب عصب تتجلبب به وهذا قولنا، وصح عن أم عطية أن لا تلبس في الاحداد الثياب المصبغة إلا العصب وأن لا تمس طيبا إلا أدناه في الطهر القسط والاظفار * وروينا من طريق سعيد بن منصور ناهشيم أنا هشام بن حسان عن ابن سيرين وحفصة عن أم(10/277)
عطية قالت في المتوفى عنها زوجها أنها لا تمس خضابا ولا تكتحل بكحل زينة ولا تلبس ثوبا مصبوغا ولا تمس من الطيب إلا أدنى الطيب نبذة من قسط واظفار عند ظهرها * وقد روينا عن أم سلمة أم المؤمنين لا تكتحل وان فقأت عينها، وهذا قولنا، وروينا عن ابن عباس انها تجتنب الطيب والزينة، وروينا عن أم سلمة أم المؤمنين من طريق عبد الرزاق عن معمر عن بديل العقيل عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة أم المؤمنين المتوفى عنها زوجها لا تلبس من الثياب المصبغة شيئا ولا تكتحل ولا تلبس خاتما (1) ولا تختضب ولا تطيب * وعن ابن عباس أو سعيد بن المسيب المتوفى عنها زوجها لا تمس طيبا ولا تلبس ثوبا مصبوغا ولا تكتحل ولا تلبس الحلى ولا تختضب * ومن طريق لا تصح عن عائشة أم المؤمنين لان فيها ابن لهيعة، لا تلبس المتوفى عنها معصفرا ولا تقرب طيبا ولا تكتحل ولا تلبس حليا وتلبس ان شاءت ثياب العصب (2) * اما التابعون فصح عن عطاء ان المتوفى عنها لا تلبس صباغا ولا حليا وتنهى عن الطيب والزينة، ولا تكتحل باثمد دن فيه زينة ولا تحضض (3) فان فيه زعموا ورسا، وتكتحل بالصبر ان شاءت فان كان عليها حلى فضة فلا تنزعة ان شاءت وان لم يكن عليها فلا تلبسه تريد به الزينة فان اضطرت إلى الاثمد أو الطيب فلها أن تتداوى به، وكان يكره الذهب لها ولغيرها إلا أن يكون خاتما قال: ولها ان تمتشط بالحناء والكتم قال: وليس القسط
والاظفار طيبا ولاتزين هودجها ان ركبت فيه ورأى المروى والهروى زينة ورأى اللؤلؤ زينة قال: فان كان عليها خواتم فضة فيها فصوص يواقيت أو غيره فلها أن تلبسه قال: فان توفى زوج الصغيرة فلاهلها أن يزينوها ويطيبوها * ورى عن سعيد بن المسيب وعمرة بنت عبد الرحمن.
وعروة بن الزبير.
وعطاء.
ويحيى بن سعيد الانصاري وربيعة انها لا تلبس حليا ولا ثوبا مصبوغا بشئ من الاصباغ.
وصح عن عروة بن الزبير المتوفى عنها زوجها لا تكتحل ولا تختضب ولا تمتشط ولا تلبس ثوبا فيه ورس أو زعفران ولا تلبس الحرمة إلا العصب، وصح عن الزهري قال: يكره للمتوفى عنها العصب والسواد ولا تلبس الثياب المصبغة ولا تلبس حليا ولاطيبا.
وصح عن ابراهيم النخعي المتوفى عنها لا تمس الصفرة ولا الطيب ولا تكتحل بكحل زينة لكن بزور أو صبر إلا أن ترمد فتكتحل: وصح عن عروة بن الزبير أن امراة مات زوجها قالت له: ليس لى الا هذا الخمار وهو مصبوغ ببقم فقال.
اصبغيه بسواد * وأما المتأخرون فان أبا حنيفة وأصحابه قالوا: تمتنع من الزينة والطيب والكحل
__________
(1) في النسخة رقم 14 حليا (2) هو ضرب من برود اليمن (3) هو بظم الضاد الاولى وفتحها دواء(10/278)
والثياب المصبوغة بالورس والزعفران والعصفر خاصة ولا تدهن بزيت أصلا سواء مطيبا كان أو غير مطيب وأبا حوالها الخز الاحمر.
وقال مالك: تجتنب الزينة كلها والحلى الخاتم وغيره ولا تلبس الخز ولا العصب إلا العصب الغليظ خاصة ولا ثوبا مصبوغا إلا بسواد، ولا تكتحل أصلا ولاتقرب شيئا من الطيب ولادهنا مطيبا بريحان أو غيره ولا تمتشط بحناء ولا بتكتم ولا بشئ يختمر في الرأس لكن بالسدر وما أشبهه وتدهن بالزيت والشيرج، وقال الشافعي: تجتنب الزينة كلها والدهن كله الزيت وغيره في الرأس وغيره ولا تكتحل بما فيه زينة، ولا بأس بالكحل الذى لازينة فيه فان اضطرت إلى ما فيه زينة منه جعلته ليلا ومسحته نهارا كالصبر ونحوه، وتجتنب كل صباغ فيه زينة وتلبس
البياض والمصبوغ بالسواد والخضرة المقاربة للسواد وما ليس بزينة وتجتنب الطيب * قال أبو محمد: كل هذه الاقوال خطأ لاخفاء به لانها ليس بشئ منها برهان يصححه لا قرآن ولاسنة، ولاسيما قول ابى حنيفة في تخصيص ما صبغ بورس أو زعفران أو عصفر خاصة، وقول مالك في اجتناب العصب إلا الغليظ منه، وقول الشافعي في تخصيص الاصباغ فانها أقوال لا تعرف عن أحد قبلهم ولا معنى (1) لها اصلا، فان قيل: المعنى في الاحداد اجتناب الزينة قلنا: حاشى لله من ذلك والله لو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لما عجز عن كلمة واحدة يقولها ولا يطول بذكر الصباغ إلا العصب وبذكر الطيب الا القسط والاظفار عند الطهر خاصة وبذكر الكحل والامتشاط والاختضاب خاصة وهو عليه الصلاة والسلام قد أوتى جوامع الكلم، ومن الباطل المتيقن أن ينسب إليه عليه الصلاة والسلام انه أراد الزينة فلم يسمها ولم يرد الا بعد الصباغ فسماه عموما هذه الباطل الذى لاشك فيه والكذب المقطوع به، وكل قول عرى من البرهان فهو باطل * فان قالوا: انما قصد بالاحداد الحزن قلنا: هذا الكذب لو كان ذلك لكان واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم الذى لاحزن أوجب من الحزن عليه صلى الله عليه وسلم ثم على الابوين ولو أن امرأة اعلنت بأنها لم تسر قط كسرورها بموت زوجها لما كان عليها في ذلك اثم ولا ملامة إذ لم تقصر في حقوق التبعل (2) في حياته ولو كان للحزن عليه لكان مباحا لها بعد العدة والحزن عليه بعد العدة ليس محظورا، ولايجوز لها الاحداد كثر من المدة المذكورة، وههنا قول آخر كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن حميد ان الحسن البصري كان يقول: المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها زوجها يكتحلان ويمتشطان ويطيبان ويختضبان وينتعلان ويضعان ما شاءتا * ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة أن المتوفى عنها لاتحد *
__________
(1) في النسخة رقم 16 " فلا معنى " (2) في النسخة رقم 16 " في حقوق الله تعالى "(10/279)
قال أبو محمد: واحتج أهل هذه المقالة بما نا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عون الله
نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر (1) نا شعبة نا الحكم بن عتيبة عن عبد الله بن شداد بن الهادى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لامرأة جعفر ابن ابى طالب: إذا كان ثلاثة أيام فالبسي ما شئت أو إذا كان بعد ثلاثة أيام * شعبة شك، ومن طريق حماد بن سلمة نا الحجاج بن ارطاة عن الحسن بن سعيد عن عبد الله بن شداد ان اسماء بنت عميس استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تبكى على جعفر وهى امرأته فأذن لها ثلاثة أيام ثم بعث إليها بعد ثلاثة ايام أن تطهري واكتحلي * قال أبو محمد: هذا منقطع ولا حجة فيه لان عبد الله بن شداد لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قال على: ولقد كان يلزم الآخذين بالمرسل إذا وافق آراءهم الفاسدة وردوا به السنن الثابتة كصلاة الامام قاعدا لمرض بالاصحاء، وكايجاب العهدة أن يأخذوا بهذا.
ولاسيما والاحداد روته أم سلمة أم المؤمنين انه عليه الصلاة والسلام أمر به أثر موت ابى سلمة ولا خلاف في أن موت ابى سلمة كان قبل قتل جعفر رضى الله عنهما بسنتين ولكنهما لا يبالون بالتناقض * قال على: ان غسل الثوب المصبوغ حتى لا يبقى فيه أثر صباغ فليس مصبوغا فلها لباسه * 2001 مسألة فلو النزمت المرأة هذا ثلاثة أيام على أب أو اخ أو ابن أو أم أو قريب أو قريبة كان ذلك مباحا لما روينا من طريق البخاري نا عبد الله بن يوسف نا مالك عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبى سلمة انها أخبرته أنها سمعت أم حبيبة.
وزينب بنت جحش أمي المؤمنين يقولان انهما سمعتا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج اربعة أشهر وعشرا " * 2002 مسألة: وليس على المطلقة ثلاثا احداد اصلا وهو قول عطاء، ومالك.
وابى سليمان، وقال غيرهم خلاف ذلك كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: تحد المبتوتة كما تحد المتوفى عنها فلا تمس طيبا ولا تلبس ثوبا
مصبوغا ولا تكتحل ولا تختضب ولا تلبس الحلى، وقال الزهري المبتوتة لاتحدث حليا (2) فان كان عليها حلى لم تنزعه ولا تمس طيبا وتمتشط بالحناء والكتم وتدهن بالدهن الذى ينش بالريحان، وكره الزهري الذى فيه الافاويه (3) * ومن طريق ابن ابى شيبة نا عبد الوهاب بن عبيد المجيد الثقفى عن أيوب السختيانى قال: كتب إلى عطاء
__________
(1) في النسخة رقم 14 نا غندر (2) في النسخة رقم 16 لا تتخذ حليا (3) في النسخة رقم 16 الافواه(10/280)
الخراساني قال: سألت سعيد بن المسيب.
وفقهاء المدينة عن المطلقة والمتوفى عنها زوجها؟ فقالوا: تحدان وتتركان التكحيل والتخضيب والتطيب والزينة * ومن طريق أبى بكر ابن ابى شيبة نا جرير عن المغيرة عن ابراهيم قال: المطلقة لا تكتحل بكحل زينة * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا أبو داود - هو الطيالسي - عن حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين قال: المطلقة ثلاثا لا تكتحل ولا تختضب * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا غندر عن شعبة عن الحكم في المطلقة ثلاثا لا تكتحل ولاتزين وهى عنده أشد من المتوفى عنها * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة عن ابراهيم النخعي انه كان يكره الزينة للتى لا رجعة له عليها من المطلقات، وبقول ابراهيم النخعي يقول الشافعي ولم يوجبه وأوجبه سفيان الثوري.
والحسن بن حى.
وأبو حنيفة.
واصحابه.
وأبو عبيد.
وابو ثور * قال أبو محمد: حجة من اوجب الاحداد على المطلقة ثلاثا ان قالوا هي مفارقة لزوجها كالمتوفى عنها فيجب ان يكون حكمهما واحدا * قال على: ما نعلم لهم شغبا غير هذا وهو شغب فاسد لان القياس كله باطل، ثم يقال لهم: هلا أوجبتم الاحداد على الملاعنة والمختلعة والمطلقة عندكم طلاقا بائنا فكل هؤلاء عندكم مفارقات لازواجهن، وأيضا فقد سمى الله عزوجل المطلقة طلافا رجعيا مفارقة لزوجها بتمام عدتها إذ يقول تعالى: (فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) ولا خلاف في انه
لااحداد عليها لافى العدة ولا بعد العدة، وقد فرق الله تعالى بين ما جمعوا بينه فجعل عدة المتوفى عنها اربعة أشهر وعشرا وعدة المبتوتة ثلاثة قروء أو ثلاثة اشهر فلاح فساد من قاس احداهما على الاخرى وبالله تعالى التوفيق * وهذا مما نقض فيه مالك تعظيمه مخالفة فقهاء المدينة وجمهور المتقدمين * 2003 مسألة فان اغفلت المعتدة الا حداد المذكور حتى تنقضي العدة فان كان من جهل فلا حرج وان كان عمدا فهى عاصية لله عزوجل ولا تعيد ذلك لان وقت الاحداد قد مضى ولا يجوز عمل شئ في غير موضعه وفى غير وقته * قال أبو محمد: ان كانت عدة المتوفى عنها وضع حملها فلا بد لها من الاحداد أربعه اشهر فأقل ولا نوجبه عليها بعد ذلك لان النصوص كلها انما جاءت بأربعة أشهر وعشر فقط، وقد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ام سبيعة الاسلمية بأن تنكح من شاءت إذ وضعت حملها اثر موت زوجها بليال وقد تشوفت للخطاب فلم ينكر ذلك عليها، فصح انه لااحداد عليها بعد انقضاء حملها قبل الاربعة الاشهر والعشر ولم (م 36 - ج 10 المحلى)(10/281)
نجد نصا بايجابه عليها ان تمادى الحمل أكثر من أربعة أشهر وعشر فان وجد فالقول به واجب والا فلا وبالله تعالى التوفيق * ثم استدركنا إذ تدبرنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق خبر أم عطية انها تجتنب ما ذكر اجتنابه دون ذكر أربعة أشهر وعشر فكان العموم أولى أن تضع جملها * 2004 مسألة: وتعتد المتوفى عنها والمطلقة ثلاثا أو آخر ثلاث والمعتقة تختار فراق زوجها حيث احببن ولاسكنى لهن لاعلى المطلق ولا على ورثة الميت ولا على الذى اختارت فراقه ولانفقة ولهن ان يحججن في عدتهن وان يرحلن حيث شئن، وأما كل مطلقة للذى طلقها عليها الرجعة مادامت في العدة فلا يحل لها الخروج من
بيتها الذى كانت فيها إذ طلقها ولها عليه النفقة والكسوة فان كان خوف شديد أو لزمها حد فلها ان تخرج حينئذ والا فلا أصلا لاليلا ولانهارا البتة الا لضرورة لا حيلة فيها * برهان ذلك قول الله عزوجل: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) فهذه صفة الطلاق الرجعى لاصفة الطلاق البات، وأما الطلاق البات فكما روينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري عن سلمة ابن كهيل عن الشعبى عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثا ليس لها سكنى ولا نفقة * نا حمام بن احمد نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله ابن احمد بن حنبل نا أبى ناهشيم ارباسيار.
وحصين - هو ابن عبد الرحمن - والمغيرة - هو ابن مقسم - واسماعيل بن ابى خالد داود بن ابى هند كلهم عن الشعبى قال: دخلت على فاطمة بنت قيس فسألتها عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فقالت: طلقها زوجها البتة قالت: فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكنى والنفقة فلم يجعل لى سكنى ولانفقة وأمرني ان اعتد في بيت ابن أم مكتوم * ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا عبد العزيز بن أبى حازم ويعقوب - هو ابن عبد الرحمن - القارى كلاهما عن أبى حازم عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن فاطمة بنت قيس " انه طلقها زوجها قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لانفقة لك ولاسكنى " * ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة نا وكيع نا سفيان الثوري عن أبى بكر بن أبى الجهم العدوى قال: سمعت فاطمة بنت قيس تقول ان زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها النبي صلى الله عليه وسلم(10/282)
سكنى ولانفقة * ومن طريق مسلم حدثنى محمد حاتم بن ميمون.
ومحمد بن رافع
وهارون بن عبد الله واللفظ له قال ابن حاتم انا يحيى بن سعيد القطان، وقال ابن رافع: نا عبد الرزاق، وقال هارون: نا حجاج بن محمد ثم اتفق يحيى.
وعبد الرزاق، وحجاج كلهم عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير المكى " أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: طلقت خالتي فارادت ان تجد نخلها فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم بل اذهبي فجدى نخلك فانك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا " * ومن طريق ابى داود السجستاني نا أحمد بن حنبل نا يحيى هو ابن سعيد القطان عن ابن جريج حدثنى أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال: " طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجد نخلها فنهاها رجل فاتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: اخرجي فجدى نخلك فعسى أن تصدقي منه أو تفعلي خيرا " * قال أبو محمد: أما خبر فاطمة فمنقول نقل الكافة قاطع للعذر وأما خبر جابر ففى غاية الصحة، وقد سمعه منه أبو الزبير ولم يخص لها ان لا تبيت هنا لك من أن تبيت وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى، وما كان ربك نسيا، ولا يسع أحدا الخروج عن هذين الاثرين لبيانهما وصحتهما، ولم يصح في وجوب السكنى للمتوفى عنها اثر أصلا، والمنزل لا يخلو من أن يكون ملكا للميت أو يكون ملكا للميت أو ملكا لغيره، فان كان ملكا لغيره وهو مكترى أو مباح فقد بطل العقد بموته فلا يحل لاحد سكناه إلا باذن صاحبه وطيب نفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " وان كان ملكا للميت فقد صار للغرماء أو للورثة أو للوصية فلا يحل لها مال الغرماء.
والورثة والموصى لهم لما ذكرنا، وانما لها منه مقدار ميراثها ان كانت وارثة فقط، وهذا برهان قاطع لائح وما عدا هذا فظلم لاخفاء به، وهذا مكان كثر فيه اختلاف الناس فطائفة قالت بقولنا كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن ابن عباس قال: تعتد المبتوتة حيث شاءت قال ابن جريج: وأخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول: تعتد المبتوتة حيث شاءت * ومن طريق عبد الرزاق قال: انا معمر عن الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ان
فاطمة بنت قيس قالت: قال الله عز وجل: (لا تخرجوهن من بيوتهن) قالت: هذا كان لمن كانت له رجعة فأى أمر يحدث بعد الثلاث قال لنا عبيدالله بن عبد الله: فطلق عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو غلام شاب بنت سعيد بن زيد بن عمرو في امارة مروان وأمها بنت قيس فانتقلتها خالتها فاطمة بنت قيس * ومن طريق ابن ابى شيبة نا الثقفى هو عبد الوهاب بن عبد المجيد عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: ان الربيع اختلعت(10/283)
من زوجها فاتى معوذ هو - ابن عفراء - عثمان بن عفان فسأله أتنتقل؟ قال: نعم تنتقل * قال أبو محمد: انم أوردنا هذا لان المختلعة عندهم طلاقها بائن وعليها العدة وأما نحن فهى عندنا مطلقة طلاقا رجعيا لا تخرج فيه من موضعها الذى طلقها فيه حتى تتم عدتها، فهؤلاء من الصحابة رضى الله عنهم، وأما التابعون فروينا من طريق سعيد ابن منصور ناهشيم أنا يونس - هو ابن عبيد - عن الحسن البصري انه كان يقول: المطلقة ثلاثا، والمتوفى عنها لاسكنى لهما ولا نفقة وتعتدان حيث شاءتا، ومن طريق عبد الرزاق عن محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس.
وعطاء قالا جميعا: المبتوتة والمتوفى عنها يحجان يعتمران وينتقلان ويبيتان * ومن طريق عبد الرزاق [ عن محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس ] (1) وسفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن انه قال: تحج المبتوتة في عدتها، ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختيانى عن عكرمة أنه قال: في المطلقة ثلاثا لها أن تنتقل قال الله عزوجل: (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) فأى أمر بعد الثلاث انما [ جاء ] (2) ذلك في الواحدة والاثنتين * نا حمام أنا عباس ابن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن ايمن نا عبد الله بن احمد بن حنبل نا ابى قال الشعبى: المطلقة ثلاثا لاسكنى لها ولانفقة، قال احمد وبه أقول * قال أبو محمد: وبه يقول اسحاق بن راهوية.
وابو سليمان وجميع أصحابنا * وأما المتوفى عنها فروينا من طريق حماد بن سلمة أنا قيس - هو ابن عباد - عن عطاء بن ابى رباح
عن عائشة أم المؤمنين أنها حجت بأختها أم كلثوم امرأة طلحة بن عبيدالله في عدتها في الفتنة، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين انها كانت تفتى المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها وخرجت بأختها أم كلثوم حين قتل عنها طلحة بن عبيدالله بن عبد الله إلى مكة في عمرة ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج اخبرني عطاء عن ابن عباس أنه قال: انما قال الله عزوجل تعتد أربعة أشهر وعشرا ولم يقل: تعتد في بيتها فلتعتد حيث شاءت، ومن طريق اسماعيل ابن اسحاق القاضى نا على بن عبد الله - هو ابن المدينى - نا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن اربعة اشهر وعشرا) ولم يقل يعتددن في بيوتهن تعتد حيث شاءت قال سفيان: قاله لنا ابن جريج كما اخبرنا هذا يبين أن عطاء سمعه من ابن عباس * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول: تعتد المتوفى عنها حيث شاءت، ومن طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16 (2) الزيادة من النسخة رقم 16(10/284)
اسماعيل بن ابى خالد عن الشعبى أن على بن ابى طالب كان يرحل المتوفى عنهن في عدتهن، ومن طريق عبد الزراق عن ابن جريج عن عطاء قال: لا يضر المتوفى عنها أين اعتدت، وقد ذكرناه قبل هذا الباب عن الحسن * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا على بن عبد الله - هو ابن المدينى - نا سفيان بن عيينة عن عمر بن دينار، عن عطاء وابى الشعساء جابر بن زيد قالا جميعا: المتوفى عنها تخرج في عدتهما حيث شاءت * ومن طريق اسماعيل ابن اسحاق نا أبو بكر بن ابى شيبة نا عبد الوهاب الثقفى عن حبيب المعلم قال: سألت عطاء عن المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها ايحجان في عدتهما؟ قال نعم، وكان الحسن يقول مثل ذلك * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا أبو ثابت المدنى نا ابن وهب انا عمرو بن الحارث
عن بكير بن الاشج قال سألنا سالم بن عبد الله بن عمر عن المرأة يخرج بها زوجها إلى بلد فيتوفى الزوج فقال تعتد حيث توفى عنها زوجها أو ترجع إلى بيت زوجها حتى تنقضي عدتها، قال ابن وهب، واخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن ابى حبيب عن القاسم بن محمد بهذا، قال ابن وهب: وأخبرني ابن لهيعة عن حسين بن ابى حكيم أن امرأة مزاحم لما توفى عنها زوجها بخناصرة سألت عمر بن عبد العزيز أامكث حتى تنقضي عدتي؟ فقال لها: بل الحقى بقرارك ودار ابيك فاعتدى فيها، وبه يقول ابن وهب انا يحيى بن أيوب عن يحيى ابن سعيد الانصاري انه قال في رجل توفى بالاسكندرية ومعه امرأته وله بالفسطاط دار فقال: ان أحبت أن تعتد حيث توفى زوجها فلتعتد وان أحبت أن ترجع إلى دار زوجها وقراره بالفسطاط فتعتد فيها فلترجع، وبه يقول أبو سليمان وجميع اصحابنا، وقول آخر كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء في المبتوتة ان كانت غير حبلى فلا نفقة لها وينفق على الحبلى من أجل ولده * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عطاء وقتادة قالا جميعا في المبتوتة: لها النفقة حتى تضع حملها * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه لانفقة للمبتوتة إلا أن تكون حاملا * ومن طريق ابن وهب اخبرني عمرو بن الحارث عن يزيد بن ابى حبيب أن عمر بن عبد العزيز أمر بالنفقة على المبتوتة الحامل حتى تضع حملها ثم يعطيها أجر الرضاع ثم يمتعها * ومن طريق ابن وهب أخبرني ابن سمعان ان ابن قسيط أخبره ان ابن المسيب كان يقول: لانفقة للمبتوتة إلا أن تكون حاملا فلها النفقة حتى تضع حملها ويقول: هذا في كتاب الله عزوجل وهى السنة، وعلى ذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصح عن ربيعة لانفقة لها إلا أن تكون حاملا فان قضى لها بالنفقة لحملها ثم ظهر انه لاحمل بها ردت ما أخذت من النفقة وبايجاب النفقة لها ان كانت حاملا وبايجاب السكنى بكل حال (1) يقول مالك.
__________
(1) في النسخة رقم 16 تأخير هذه الجملة إلى ما بعد قوله وعبد الرحمن بن مهدى(10/285)
والشافعي وأبو عبيد.
وعبد الرحمن بن مهدى * وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن ابن ابى ليلى انه قال في المطلقة والحامل لها السكنى والنفقة وقول ثالث لها السكنى ولا نفقة لها، أتى قوم في هذا بآثار نذكرها وهو كما روينا من طريق عبد الرزاق أخبرني ابن جريج عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير قال ان عائشة أنكرت ذلك على فاطمة بنت قيس يعنى انتقال المطلقة ثلاثا * ومن طريق سعيد من ومنصور نا أبو معاوية نا الأعمش عن ابراهيم بن مسروق قال جاء رجل إلى ابن مسعود فقال انى طلقت امرأتي ثلاثا فابت ان تعتد في بيتها قال: لا تدعها قال: أبت الا الخروج قال: فقيدها قال: ان لها أخوة غليظة رقابهم قال استعن عليهم بالسلطان (1) * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: لا تنتقل المبتوتة من بيت زوجها حتى يخلو أجلها * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا أبو بكر بن ابى شيبة نا يزيد بن هارون عن سعيد بن ابى عروبة عن يعلى بن أبى حكيم عن نافع عن ابن عمر قال في المتبوتة: انه لانفقة لها * ومن طريق عبد الرزاق عن ابراهيم بن محمد - هو ابن ابى يحيى - عن جعفر بن محمد عن أبيه أن على بن ابى طالب قال في المبتوتة: لانفقة لها، ومن طريق وكيع عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال: قلت لسعيد بن المسيب: المطلقة ثلاثا أين تعتد؟ قال في بيت زوجها * ومن طريق سعيد بن منصور نا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في المطلقة في بيت مكترى قال تعتد فيه وعلى زوجها الكراء، وأما المتوفى عنها فكما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد عن سعيد بن المسيب أن عمر رد نسوة من ذى الحليفة حاجات أو معتمرات توفى عنهن أزواجهن، ومن طريق عبدالزراق نا ابن جريج أنا حميد الاعرج عن مجاهد قال: كان عمر وعثمان يرجعانهن حواج أو معتمرات من الجحفة، ومن ذى الحليفة، ومن طريق عبد الزراق عن معمر عن ايوب عن يوسف بن ماهك عن أمه مسيكة ان امرأة متوفى عنها زارت أهلها في عدتها فضربها الطلق فأتوا عثمان فقال: احملوها إلى بيتها
وهى تطلق، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: كانت له ابنة تعتد من وفاة زوجها فكانت تأتيهم بالنهار فتتحدث إليهم فإذا كان الليل أمرها أن ترجع إلى بيتها، ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا أبو بكر بن ابى شيبة ناوكيع عن على ابن المبارك عن يحيى بن ابى كثير عن ابن ثوبان أن عمر رخص للمتوفى عنها أن تأنى أهلها بياض يومها وأن زيد بن ثابت لم يرخص لها إلا في بياض يومها أو ليلتها، ومن طريق
__________
(1) في النسخة رقم 14 استعد عليهم السلطان(10/286)
عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي عن علقمة قال: سأل ابن مسعود نساء من همدان نعى اليهن ازوجهن فقلن انا نستوحش فقال ابن مسعود: يجتمعن بالنهار ثم ترجع كل امرأة منهن إلى بيتها بالليل * ومن طريق الحجاج ابن المنهال نا أبو عوانة عن منصور عن ابرهيم ان امرأة بعثت إلى ام سلمة ام المؤمنين ان ابى مريض وانا في عدة أفآتيه امرضه؟ قالت نعم ولكن بيتى أحد طرفي الليل في بيتك * ومن طريق حماد بن سلمة ارنا هشام بن عروة ان اباه قال: المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها الا ان ينتوى أهلها فتنتوى معهم * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم ارنا اسماعيل بن ابى خالد عن الشعبى انه سئل عن المتوفى عنها أتخرج في عدتها فقال: كان اكثر اصحاب ابن مسعود اشد شئ في ذلك يقولون لا تخرج وكان الشيخ يعين على بن ابى طالب رضى الله عنه يرحلها * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء، وجابر بن زيد كلاهما قال في المتوفى عنها لا تخرج * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم ارنا يحيى بن سعيد هو الانصاري ان القاسم بن محمد.
وسالم بن عبد الله وسعيد بن المسيب قالوا في المتوفى عنها لا تخرج حتى تنقضي عدتها * ومن طريق وكيع عن الحسن بن صالح عن المغيرة عن ابراهيم انه قال في المتفوى عنها لا بأس بأن تخرج بالنهار ولا تبيت عن بيتها، ومن
طريق سعيد بن منصور نا جرير عن المغيرة عن ابراهيم في المتوفى عنها في بيت بأجرة قال: ان احسن ان يعطى الكراء وتعتد في البيت الذى كانت فيه، انما أورد بالكلام ابراهيم لقوله في صفة الخروج وفي الكراء والا فان قوله ان لها السكنى والنفقة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج سمعت يحيى بن سعيد الانصاري يقول في امر المتوفى عنها قال: فنحن على ان تظل يومها اجمع حتى الليل في غير بيتها ان شاءت وتنقلب * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا أبو ثابت المدينى عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث ان بكيرا - هو ابن الاشج - حدثه ان ابنة هبار بن الاسود توفي عنها زوجها فارادت الحج وهى في عدتها فسألت سعيد بن المسيب؟ فنهاها ثم أمرها غيره بالحج فخرجت كما كانت بالبيداء صرعت فانكسرت * قال أبو محمد: من العجب احتجاج أهل الجهل بهذا على انها عقوبة، وتالله (1) لو جرت هذه القصة أو غيرها على ما ظنوا لكان أولى بذلك عسكر مسرف بن عقبة الموقعون بأهل المدينة يوم الحرة المحاربون لمكة (2) وقد امتحن سعيد بن المسيب رحمه
__________
(1) في النسخة رقم 16 وبالله (2) في النسخة رقم 16 المحاربون لله(10/287)
الله بأشد من محنة هذه المرأة، والمحن للمسلم أجر وتكفير، وقد يمهل الله تعالى الكفار والفساق إلى يوم القيامة، روى عن ربيعة ولم يصح ان المتوفى عنها تنتوى مع أهلها وان كانت في موضع خوف فانها لا تقيم فيه، وصح عن الزهري في الذى يبتدئ فيموت ان امرأته ترجع إلى بيت زوجها إذا لم تكن في مسكن تسكنه * ومن طريق حماد بن زيد عن أبوب السختيانى عن محمد بن سيرين ان امرأة توفى عنها زوجها وهى مريضة فنفلها أهلها ثم سألوا فكلهم يأمرهم ان ترد إلى بيت زوجها قال ابن سيرين فرددناها في نمط * وبه يقول مالك.
والشافعي.
وعبد الرحمن بن مهدى.
وأبو عبيد، وقول رابع ان لهما السكنى والنفقة كما نا احمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدى قاسم بن
أصبغ نا محمد بن شاذان نا المعلى بن منصور نا يعقوب - هو أبو يوسف القاضى - وحفص بن غياث قالا عن ابراهيم عن الاسود عن عمر بن الخطاب انه كان يجعل للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة زاد حفص مادامت في عدتها، رويناه من طريق سعيد ابن منصور نا أبو معاوية نا الاعمش عن ابراهيم قال كان عمر بن الخطاب وعبد الله ابن مسعود يجعلان للمطلقة ثلاث السكنى والنفقة * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الاعمش عن ابراهيم عن شريح في المطلقة ثلاثا قال: لها السكنى والنفقة وبه إلى سفيان عن حماد بن أبى سليمان قال: للمطلقه ثلاثا السكنى والنفقة، ومن طريق وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن ابراهيم النخعي قال المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة.
ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا أبو بكر بن أبو شيبة نا حميد عن الحسن ابن صالح بن حى عن السدى عن الشعبى في المطلقة ثلاثا قال: لها السكنى والنفقة وهو قول سفيان الثوري.
والحسن بن حى.
وأبى حنيفة وأصحابه، وأما المتوفى عنها الحامل فطائفة قالت ان كانت وارثة فمن نصيبها حاملا كانت أو غير حامل فان لم تكن وارثة فمن نصيب ذى بطنها ان كان وارثا فان لم يكونا وارثين فمن مالها نفسها ان كان لها مال والا فهى أحد فقراء المسلمين، فان مات ذو بطنها قبل ان يخرج حيا ردت ما أنفق عليها من نصيبه إلى الورثة، وتفسير قولنا: ان لم يكن وارثا ان تكون أسلمت بعد موت زوجها وهو كافر فيكون هو مسلما باسلام أمه ولا يرث كافرا مسلم، وهذا قولنا، وقالت طائفة: ان كان المال كثيرا انفق عليها من نصيبها وان كان قليلا فمن جميع المال، وقالت طائفة: نفقتها من جميع المال، وقالت طائفة: وارثة كانت أو لم تكن نفقتها عليها من مالها ان كان لها مال ومن سؤالها ان كان لامال لها لا من ميراثها ولا من ميراث ذى بطنها ولا من جميع المال، فالقول الاول(10/288)
كما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله قال: نفقة
المتوفى عنها الحامل من نصيبها ومن طريق حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن عباد بن أبى ذكوان أن ابن عباس قال في المتوفى عنها الحامل نفقتها من نصيبها.
ومن طريق وكيع عن الربيع عن عطاء قال: المتوفى عنها من نصيبها ينفق على الحامل ومن طريق وكيع عن شعبة عن الحكم ابن عتيبة في الحامل المتوفى عنها قال: ينفق عليها من نصيبها * ومن طريق حماد بن سلمة ان زيادا الاعلم أخبره عن محمد بن سيرين انه ارسل إلى عبد الملك بن يعلى قاضى البصرة في الحامل المتوفى عنها فقال: نفقتها من نصيبها * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم ارنا يونس عن الحسن قال: نفقتها من نصيبها * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو شهاب عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى في المتوفى عنها وبلغها الخبر وقد انفقت من ماله قال: يحسب ما انفقت من ماله من يوم مات فيجعل من نصيبها، وبه يقول أبو حنيفة.
واحمد.
وأبو سليمان وجميع أصحابهم وهو احد قولى الشافعي واحد قولى سفيان * ومن طريق وكيع عن جعفر بن برقان عن الزهري قال: قال قبيصة بن ذوئيب في الحامل المتوفى عنها لو أنفقت عليها من غير نصيبها انفقت عليها من مال ذى بطنها، والقول الثاني كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن منصور عن ابراهيم النخعي قال في الحامل المتوفى عنها كان أصحابنا يقولون: ان كان المال كثيرا أمر ان ينفق عليها من نصيبها وان كان قليلا انفق عليها من جميع المال، والقول الثالث انقسم القائلون به أقساما فقالت طائفة ان ورثت فمن نصيب ذى بطنها وان لم ترث فمن جميع المال، وقالت طائفة: نفقة الحامل المتوفى عنها من جميع المال، وقالت طائفة: لها النفقة من رأس المال حاملا كانت أو غير حامل ما كانت في العدة كما روينا من طريق سعيد بن منصور ارنا هشيم يونس عن الحسن انه كان يقول في أم الولد إذا مات عنها سيدها وهى حامل ان ولدته حيا فنفقتها من نصيبه وان كان ميتا فمن جميع المال قال يونس: كان ابن سيرين يقول: ينفق عليها من جميع المال كان ذلك رأيه حتى ولى تركة ابن اخ له مات وترك ام ولده حاملا فكره ان يعمل فيها برأيه فأرسل إلى عبد الملك
ابن يعلى قاضى البصرة فقال: لانفقة لها، والقول الثاني كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال سئل ابن شهاب عن المتوفى عنها على من نفقتها؟ فقال: كان ابن عمر يرى نفقتها حاملا كانت أو غير حامل من جميع المال الذى ترك زوجها فأبى الائمة ذلك وقضوا ان لانفقة لها * قال أبو محمد: التهويل بخلاف الائمة ههنا كلام فارغ لانه لم يكن في الائمة (م 37 - ج 10 المحلى)(10/289)
بعد أبى بكر.
وعمر.
وعثمان.
وعلى.
أحد يعدل ابن عمر، ولاشك في ان الزهري بم يكن الاربعة المذكورين انما عين من بعدهم الذين أبوا قول ابن عمر * نا محمد بن سعيد ابن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن سفيان بن حسين قال سمعت الزهري يحدث عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال في الحامل المتوفى عنها زوجها نفقتها من جميع المال * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أشعث عن الشعيب أن على بن ابى طالب وابن مسعود كانا يقولان: النفقة من جميع المال للحامل * نا محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عبد الله بن عبدالصير نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري عن حبيب بن ابى ثابت قال سألت سالم بن عبد الله بن عمر عن الحامل المتوفى عنها؟ فقال: قد كنا ننفق عليها حتى نبتم ما نبتم * وبه إلى الخشنى نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان حدثنى ام داود الوابشية قالت توفى زوجي وأنا حبلى في ثلاثة أشهر فخاصمني أهله إلى شريح فعرض لى خمسة عشر درهما من جميع المال في كل شهر وقال: هذه لك حتى تلدي فإذا ولدت فان امسكته فلك مثلها، ورويناه أيضا من طريق وكيع عن أم داود المذكورة وزاد حتى تعظمى، ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن منصور عنابراهيم عن شريح قال: ينفق على الحامل المتوفى عنها من جميع المال،
ومن طريق وكيع عن شعبة عن قنادة وحماد بن ابى سليمان.
والمغيرة قال المغيرة عن ابراهيم قالوا كلهم في الحامل المتوفى عنها: ينفق عليها من جميع المال، ومن طريق حماد بن سلمة أنا قتادة عن ابى العالية وخلاس بن عمرو قالا جميعا في المتوفى عنها زوجها وهى حامل أن نفقتها من جميع المال، ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا سيار عن الشعيب في المتوفى عنها الحامل قال: ينفق عليها من جميع المال، ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن.
وعطاء بن ابى رباح قالا جميعا في المتوفى عنها وهى حامل أن نفقتها من جميع المال وهو قول أيوب السختيانى وابن ابى ليلى.
والحسن بن حى.
وأبى عبيد واحد قولى سفيان.
وأحد قولى الشافعي، وقال مالك: لا ينفق عليها من نصيبها ولا من نصيب ذى بطنها ولامن جميع المال حتى تضع ولا ينتصف الغرماء من ديونهم حتى تضع، وقال الاوزاعي: ان كانت المتوفى عنها الحامل زوجة فلا نفقة لها على الورثة، وإن كانت أم ولد فنفقتها من جميع المال حتى تضع، وقال الليث: ينفق على أم الولد الحامل إذا مات سيدها من جميع المال.
فان ولدت جعل ما أنفق عليها من حصة ولدها، وإن لم تلد قضى عليها برد ما أعطيت.
وقال أبو حنيفة: تخرج المتوفى عنها نهارا وترجع ليلا إلى منزلها.
وأما المطلقة المبتوتة(10/290)
فلا تخرج لاليلا ولانهارا * قال أبو محمد: أما قول ابى حنيفة هنا (1) فظاهر الفساد وتقسيم لادليل على صحته.
وكذلك قول الاوزاعي.
وقول مالك.
وأظهرها فسادا قول مالك في منعه الغرماء ولاحظ للمورثة إلا فيما بقى للغرماء فان لم يبق للغرماء شئ فلا شئ للورثة فلاى معنى يمنعون حقهم الواجب كذلك كل من له حق متيقن في الميراث فمنعه مما لابد له من أن يقع في حصته ظلم متيقن لا يدرى من أين وقع لهم.
وقد أكثرنا مساءلتهم عن ذلك فما وجدنا لهم متعلقا إلا أنهم قالوا: لابد من اثبات الموت وعدة الورثة.
ومن تقديم ناظر على المولود فقلنا لهم.
هذا قول فاسد باطل.
بل من ذلك ألف بد.
أما الورثة فلا معنى لاثبات
الموت أصلا بل يقتضى لهم بحقوقهم حيا كان أو ميتا: وأما الورثة فلا معنى لا ثبات عددهم فيما لاشك انه (2) يقع لكل واحد منهم.
وأما ما يقع له أو لا يقع لكثرة الورثة أو قلتهم.
وبولادة ذكر أو أنثى فهذا يوقف ولابد حتى يتيقن كيف يكون حكمه.
وأما من أوجب النفقة من جميع المال للمتفوى عنها أو للمبتوتة فخطأ لاخفاء به لان مال الميت ليس له بل قد صار لغيره فلا يجوز أن ينفق على امرأته أو أم ولده من مال الغرماء أو من مال الورثة أو مما اوصى به لغيرهما.
وهذا عين الظلم والمبتوتة ليست له زوجة فهى والاجنبية سواء فأخذه بالنفقة عليها لا يجوز.
ونذكر ان شاء الله تعالى شغب من أوجب للمبتوتة السكنى والنفقة أو السكني دون النفقة أو خص الحامل بذلك.
نبين بعون الله تعالى فساد كل ذلك وبه عزوجل نتأيد.
أما قول من قال لانفقة لها ولا سكنى إلا أن تكون حاملا فانهم احتجوا بقول الله تعالى: (وان كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وائتمروا بينكم بمعروف وان تعاسرثم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه زرقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) الآية قالوا وهذا عموم لكل مطلقة حامل * قال أبو محمد: هذا لاحجة لهم فيه لانهم سكتوا عن أول الآية.
وهو قوله عزوجل: (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن.
وإن كن اولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) فالتى (3) أمر الله عزوجل بالنفقة عليها ان كانت حاملا هي التى (4) أمر باسكانها ولافرق فمن أوجب النفقة دون السكنى فقد قال بلا دليل وبطل قوله ولم يبق إلا قولنا.
أو قول من أوجب لها السكنى والنفقة إن كانت حاملا.
وسنبين وجه الحق في ذلك ان شاء الله تعالى *
__________
(1) في النسخة رقم 14 " هذا " بدل هنا (2) في النسخة رقم 16 " فيما لا يشك ان " (3) في النسخة رقم 16 فانما (4) في النسخة رقم 16 إن التى كانت حاملا(10/291)
واحتجوا أيضا بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: أخبرني عبيدالله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: أرسل مروان قبيصة بن ذوئيب إلى فاطمة بنت قيس يسألها فاخبرته انها كانت تحت أبى عمرو بن حفص المخزومى فذكر الحديث وانه طلقها آخر ثلاث تطليقات إذ خرج إلى اليمن مع على بن ابى طالب وان عياش بن ابى ربيعة.
والحارث بن هشام قالا: والله مالها نفقة إلا أن تكون حاملا قال: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لانفقة لك إلا أن تكوني حاملا.
واستأذنته في الانتقال فاذن لها * قال أبو محمد: هذه اللفظة إلا أن تكوني حاملا لم تأت إلا من هذه الطريق ولم يذكرها احد ممن روى هذا الخبر عن فاطمة غير قبيصة.
وعلة هذا الخبر أنه منقطع لم يسمعه عبيدالله بن عبد الله لامن قبيصة ولا من مروان فلا ندرى ممن سمعه.
ولا حجة في منقطع ولو اتصل لسارعنا إلى القول به فبطل هذا والحمد لله رب العالمين، ثم نظرنا في قول من أوجب (1) للمبتوتة السكنى دون النفقة فوجدنا هم يحتجون بالنص المذكور ولا حجة لهم فيه لمن تأمله لان الله عزوجل ابتدأ قوله الصادق: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) إثر قوله تعالى في بيان العدد (2) إذ يقول عزوجل: (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ذلك أمر الله أنزله اليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرا أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) إلى قوله تعالى: (من وجدكم) الآية كما أوردنا ونحن لا نختلف في ان هذه العدة للمبتوتة كما هي لغير المبتوتة ولافرق، فوجب ضرورة أن يكون قوله تعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن اولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) أراد به تعالى جميع المطلقات من
مبتوتة ورجعية أو أراد أحد القسمين هذا ما لاشك فيه فان قلتم: انه تعالى أراد كلا القسمين قلنا لكم: فيجب على هذا ان غير المبتوتة لانفقة لها إلا أن تكون حاملا كما قلتم في المبتوتة ولابد لان النص عندكم فيهما جميعا.
وهذا خلاف قولكم فبطل هذا القول، فان قالوا أراد المبتوتات فقط قلنا: هذا خطأ من وجهين، أولهما أنه دعوى بلا برهان وتخصيص لقرآن بلا دليل وهذا لا يحل، والوجه الثاني ان السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صحت
__________
(1) في النسخة رقم 16 فيمن اوجب (2) في النسخة رقم 14 في بيان العدة(10/292)
في خبر فاطمة بنت قيس بأنه لانفقة لها ولا سكنى، ومعاذ الله أن يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف القرآن إلا أن يكون نسخا أو مضافا إلى ما في القرآن وليس هذا مضافا إلى ما في الآية، ولا يحل أن يقال هذا نسخ إلا بيقين لا بالدعوى فبطل هذا القول.
فان قالوا: أراد الله عز وجل الرجعيات فقط قلنا: صدقتم وهذا قولنا وبرهاننا على ذلك خبر فاطمة بنت قيس وأوجبنا النفقة على المطلقة طلاقا رجعيا ليست بحامل لانها زوجته يرثها وترثه بلا خلاف، وقد جاء النص بان للزوجات النفقة والكسوة بنص قد ذكرناه قبل في ذكرنا حكم النفقات وأخذنا حكم الرضاع المبتوتة والمنفسخة النكاح والتى يلحق ولدها في نكاح فاسد من وقوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) الآيات كما هي على ما نذكر بعد هذا في بابه ان شاء الله تعالى، فهذه براهين ضرورية قاطعة لامحيد عنها وبالله تعالى التوفيق، فسقط القول المذكور والحمد لله رب العالمين * (وأما ما تعلقوا به عن الصحابة والتابعين) فانما هم عمر وابن مسعود وهم مخالفون لهما لان الثابت عنهما ان للمبتوتة النفقة وهم لا يقولون بذلك، ومن الباطل ان يحتجوا بهما في موضع ولا يرونهما حجة في آخر، وابن عمر وعائشة أم المؤمنين * ومن التابعين سعيد بن المسيب.
ونفر منهم قال بعضهم: لانفقة لها الا ان تكون حاملا ولم يذكروا السكنى، وذكر بعضهم السكنى دون
النفقة، فلما ابن عمر فقد صح عنه ان نفقة المتوفى عنها من جميع المال وهم يخالفونه، ومن الباطل ان يكون حجة حيث اشتهوا غير حجة حيث لا يشتهون، وأما أم المؤمنين فقد خالفوها في اخراجها المتوفى عنها زوجها، ومن الباطل ان تكون حجة في موضع وغير حجة في آخر ولم يأت عنها أيضا انها لانفقة لها، والرواية عن على ساقطة لانها من طريق ابراهيم بن أبى يحيى وهو مذكور بالكذب وهى منقطعة أيضا ثم لم يأت عنه لانفقة لها، وأما سعيد بن المسيب فانما جاء عنه ايجاب السكنى للمبتوتة ولم يأت عنه ولا عن عائشة ولا عن على انه لانفقة لها على الزوج فحصل قولهم عاريا من البرهان من قرآن أو سنة أو قول أحد من الصحابة الا ابن عمر وحده، وما كان هكذا فلا شك في بطلانه وسقوطه والحمد لله رب العالمين، فلم يبق إلا قولنا وقول من اوجب للمبتوتة السكنى والنفقة فنظرنا في قولهم فلم نجد لهم شيئا يشغبون به الا الاعتراض في خبر فاطمة بنت قيس وبنوا انهم ان سقط ذلك الخبر كانت الآيات المذكورات محمولات على كل مطلقة مبتوتة أو غير مبتوتة * قال أبو محمد: فاعترضوا في ذلك الخبر بما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن(10/293)
جريج أخبرني ابن شهاب عن عروة بن الزبير ان عائشة أم المؤمنين انكرت ذلك على فاطمة بنت قيس نعنى انتقال المطلقة ثلاثا * ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد ان يحيى بن سعيد بن العاصى طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم فانتقلها عبد الرحمن فارسلت عائشة إلى مروان بن الحكم - وهو أمير المدينة - اتق الله واردد المرأة إلى بيتها فقال مروان: أو ما بلغك (1) شأن فاطمة بنت قيس فقالت عائشة: لا يضرك ان لانذكر حديث فاطمة * ومن طريق البخاري نا محمد نا غندر نا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين انها قالت ما لفاطمة ألا تتقى الله - تعنى في قولها لاسكنى ولا نفقة - * ومن طريق البخاري
نا عمرو بن عباس نا ابن مهدى نا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه ان عروة قال لعائشة أم المؤمنين: ألم تسمعى في قول فاطمة فقالت اما انه ليس لها خير في ذكر هذا الحديث * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا نصر بن على نا أبى عن هارون عن محمد بن اسحاق قال أحسبه عن محمد بن ابراهيم ان عائشة قالت لفاطمة بنت قيس: انما أخرجك هذا تعنى اللسان * قال أبو محمد: أما هذا الخبر فساقط لاوجه للاشتغال به لانه مشكوك في اسناده كما أوردنا ثم منقطع أيضا لم يسمع محمد بن ابراهيم عائشة أم المؤمنين قط فلا يرد الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الا مظلم الجهل أو رقيق الدين ونعوذ بالله من كليهما، ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا أبو ثابت المدينى نا ابن وهب نا ابن أبى الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: عابت ذلك عائشة أشد العيب وقالت: ان فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها النبي صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: وهذا باطل لانه من رواية ابن أبى الزناد وهو ضعيف أول من ضعفه جدا مالك بن أنس، ومن تأمل هذا الخبر والذى قبله علم أنهما متكاذبان لانها ان كان اخراجها من أجل لسانها كما في ذلك الخبر فقد بطل هذا الذى فيه انها كان في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك ارخص لها النبي صلى الله عليه وسلم إذ لاشك انها إذا كانت بين قوم تؤذيهم بلسانها فليست في مكان وحشن أو إذا كانت في مكان وحش يخاف عليها فيه فلا شك انه ليس هنالك قولم تؤذيهم بلسانها فتخرج لذلك ويأبى الله الا فضيحة الكاذبين (فهذا ما تعلقوا به عن عائشة أم المؤمنين) وذكرو اماناه حمام بن احمدنا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا مطلب نا أبو صالح - هو عبد الله بن صالح - كاتب
__________
(1) في النسخة رقم 14 " اما بلغك "(10/294)
الليث حدثنى الليث بن سعد حدثنى جعفر عن ابن هرمز عن أبى سلمة بن عبد الرحمن
ابن عوف قال: كان محمد بن أسامة بن زيد يقول كان أسامة إذا ذكرت فاطمة شيئا من ذلك - يعنى من انتقالها في عدتها - رماها بما في يده * قال أبو محمد: وهذا ساقط لان روايه عبد الله بن صالح كاتب الليث وهو ضعيف جدا ثم لو صح لما كان الا انكار أسامة لذلك كانكار عائشة.
وعمر رضى اله عنهما، وسيأتى الكلام في ابطال الاحتجاج بذلك ان شاء الله تعالى إذا تقصينا كل ما موهوا به ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم * ومن طريق سعيد ابن منصور نا أبو معاوية نا الاعمش عن ابراهيم قال: كان عمر بن الخطاب إذا ذكر عنده حديث فاطمة بنت قيس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها ان تعتد في غير بيت زوجها قال: ما كنا نعتد في ديننا بشهادة امرأة * قال أبو محمد: هذا باطل بلا شك لانه منقطع ولم يولد ابراهيم الا بعد موت عمر بسنين وما اخذ ابراهيم هذا الا عمن لاخير فيه بلاشك، والعجب كله من قبيح (1) مجاهرة من يحتج بهذا من الحنيفيين.
والمالكيين.
والشافعيين وهم اول مبطل لما فيه منسوب إلى عمر من ان لا نعتد في ديننا بشهادة امرأة وهم لا يختلفون في ان السنن تؤخذ عن المرأة كما تؤخذ عن الرجل الا يستحى من الاحتجاج بهذا عن عمر من يجيز شهادة الافابلة وحدها في الرضاع والولادة وعيوب النساء والمرأة الواحدة الحرة أو الامة في هلال رمضان أترون كل هذا ليس من الدين ومن خالف القرآن جهارا في قول الله تعالى (واحل الله البيع وحرم الربا) وقوله تعالى (إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه) محرم ذلك برواية امرأة مجهولة لا يدرى احد من هي امرأة أبى اسحاق عن أم محبة أم ولد زيد بن أرقم ومن أباح منزلة الورثة من غير حق وخالف السنة الثابتة في ان أموال الناس محرمة الا باذنهم برواية امرأة مجهولة لا تعرف [ من هي ] (2) وهى زينب بنت كعب فاوجبوا السكنى بروايتها للمتوفى عنها ولم يلتفتوا حينئذ إلى عمل عائشة أم المؤمنين أليس هذا عجبا؟ فان قالوا قد اتصل من بين ابراهيم وعمر في هذا
الحديث كما حدثكم احمد بن قاسم قال: نا ابى قاسم بن محمد بن قاسم نا جدى قاسم بن أصبغ نا محمد بن شاذان نا المعلى بن منصور نا أبو يوسف القاضى عن الاعمش عن ابراهيم عن الاسود عن عمر انه قال: لا يجوز في دين المسلمين قول امرأة قلنا: الآن زاد وهى هذا الاسناد وقد علمتم محل أبى يوسف عند الذين شاهدوه وعرفوه من أئمة المسلمين
__________
(1) في النسخة رقم 16 " من قبح " (2) الزيادة من النسخة رقم 16(10/295)
وعلماء الحديث كابن المبارك.
وعبد الله بن ادريس.
وأبى نعيم الفضل بن دكين.
ووكيع ابن الجراح.
ويزيد بن هارون.
واحمد بن حنبل وغيرهم، وقد روى هذا الخبر عن الاعمش الثقة حفص بن غياث بهذا الاسناد فلم يذكر فيه هذه الفضيحة التى انما هي مذهب الخوارج والمعتزلة، ثم لا عليكم ان كنتم تحتجون بهذا الكلام وتصححونه عن عمر فخذوا به لانكم أول مخالف له وان عصيتموه واطرحتموه وان تجيزوا القول به فبأى وجه استحللتم الاحتجاج به؟ لقد كان ينبغى للحياء والدين وخوف العار والنار أن يمنع كل ذلك من مثل هذا ولكن.
من يضلل الله فلا هادى له * وذكروا ما روينا من طريق مسلم نا محمد بن عمرو بن جبلة نا أبو أحمد - هو الزبيري - نا عمار بن زريق عن أبى اسحاق قال: كنت مع الاسود بن يزيد في المسجد الاعظم ومعنا الشعيب فحدث الشعيب بحديث فاطمة بنت قيس " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولانفقة ثم أخذ الاسود كفا من حصا فحصبه به فقال: ويلك تحدث بمثل هذا قال عمر: لانترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا تدرى هل حفظت أم نسيت لها السكنى والنفقة قال الله عزوجل: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينه) " قال مسلم ونا احمد بن عبدة نا أبو داود نا سليمان بن معاذ عن أبى اسحق بهذا الاسناد نحو حديث أبى احمد عن عمار بن زريق * ومن طريق أبى داود السجستاني نا نصر بن على أخبرني أبو احمد هو الزبيري نا عمار بن زريق عن
ابى اسحاق السبيعى قال: كنت في المسجد الجامع مع الاسود بن يزيد فذكر ان فاطمة بنت قيس أتت عمر فقال عمر: ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة: لا ندري أحفظت أم نسيت * ومن طريق احمد بن شعيب نا أبو بكر بن اسحاق نا أبو الجواب الاحوص بن جواب نا عمار هو ابن زريق عن الشعبى عن فاطمة بنت قيس فذكر الحديث فحصبه الاسود وقال: ويحك لم تفتى بمثل هذا؟ قال عمر لها ان جئت بشاهدين يشهدان انهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم والا لم نترك كتاب الله لقول امراة (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا أن يأتين بفاحشة مبينة) قلنا: هذا كله صحيح فاما قول عمر ماگنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري احفظت أم نسيت فان هذا يجمع ثلاثة معان أما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهى بيد فاطمة بنت قيس ونحن نشهد بشهادة الله تعالى قطعا انه لم يكن عند عمر في ذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير عموم سكنى المطلقات فقط ولا يحل لمسلم ان يظن بعمر رضى الله عنه في ذلك حكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولابينة للناس ويأتى به لما في هذا من عظيم الوعيد في القرآن وههنا أمر قريب جدا نحن قد صرحنا بأنه لم يكن في ذلك عند عمر سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتمها ولم ينصها ويبينها(10/296)
فليصرحوا بأنه كان عند عمر في ذلك سنة عن رسول الله صلى الله وعليه وسلم لم يخبر بنصها الناس حتى يروا من منا الذى يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأينا يضيف إلى عمر ما قد نزهه الله تعالى عنه ولا نقنع منهم إلا بالقطع بأنه كان عنده رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ان للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة مدة العدة، وأما كتاب الله تعالى فقد بينه إذ أتى بالآية المذكورة وهى حجة لفاطمة عليه لان فيها (لا ندري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) فهل يشك أحد في أن هذه الآية في الطلاق الرجعى خاصة ولو ذكر عمر بذلك لرجع كما رجع عن قوله إذ منع من ان يزيد أحد على
أربعمائة درهم في صداق امرأة حين ذكرته امرأة بقول الله تعالى: (وآتيتم احداهن قنطارا) فتذكر ورجع وكما ذكره أبو بكر إذ سل سيفه وقال: لا يقولن: أحد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مات الا ضربته بالسيف فلما تلى عليه أبو بكر قول الله تعالى: (انك ميت وانهم ميتون) سقط إلى الارض، وبهذا احتجت فاطمة نصا كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ان فاطمة قالت حين بلغها قول مروان في هذا الخبر بينى وبينكم كتاب الله عزوجل قال الله تعالى (فطلقوهن لعدتهن) إلى قوله سبحانه (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) قالت فأى أمر يحدث بعد الثلاث وأما قوله لقول امرأة لا ندري احفظت أم نسيت فاما أمكن من النسيان على فاطمة فهو ممكن على عمر بلاشك، وأقرب ذلك تذكير عمار له بامر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما جميعا بالتيمم من الجنابة لمن لم يجد الماء فلم يذكر عمر ذلك وثبت على انه لا يصلى حتى يجد الماء، وقد ذكرناه من طريق البخاري في كتبنا وكما نسى ذكرنا آنفا فليس جواز النسيان مانعا من قبول رواية العدل الذى قد افترض الله تعالى قبول روايته ولو كان ذلك لوجب على أصول خصومنا ترك خبر الواحد جملة ورد شهادة كل شاهد في الاسلام لجواز النسيان في هذا، فمن أضل ممن يحتج بما هو أول مبطل له عصبية ولجاجا في الباطل، وهكذا القول في قوله لما: ان جئت بشاهدين يشهدان انهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم أول مخالف لهذا ولو لزم هذا فاطمة للزم عمر في كل ما حدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل أحد من الصحابة ولافرق، فمن اضل ممن يموه على المسلمين باشياء هو يدين الله تعالى بخلافها وبطلانها ونعوذ بالله من الخذلان * فان قيل: فقد رويتم من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن ابى سليمان انه اخبر ابراهيم النخعي بحديث الشعبى عن فاطمة بنت قيس فقال له ابراهيم: ان عمر أخبر بقولها فقال: لسنا بتاركي آية من كتاب الله تعالى، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لعلها (م 38 - ج 10 المحلى)(10/297)
أوهمت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهما السكنى والنفقة قلنا: هذا مرسل لان ابراهيم لم يولد إلا بعد موت عمر بسنين.
ثم لو صح لما كانت فيه حجة لانه ليس فيه ان عمر سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " للمطلقة ثلاث السكنى والنفقة " وقد يمكن أن يسمعه عليه السلام يقول للمطلقة السكنى والنفقة فيحمل ذلك على عمومه، وهذا لا يجوز بل يجب استعمال ذلك مع حديث فاطمة ولا بد فيستثنى الاقل من الاكثر ولايجوز رد نص ثابت بين الا بنص ثابت بين لا بمشكلات لا تصح وبمجملات (1) لابيان فيها فلم يبق من كل ذلك إلا ان عمر أنكر على فاطمة فقط مع ان هذا الخبر الساقط لا يرضاه المالكيون ولا الشافعيون، وموهوا أيضا بما روينا من طريق ابن وهب اخبرني ابن سمعان ان ابن قسيط أخبره ان ابن المسيب كان يقول: إذا طلق الرجل امرأته وهو صحيح سوى ثلاثا فلا نفقة لها إلا أن تكون حاملا فينفق عليها حتى تضع حملها للحامل المطلقة النفقة في كتاب الله عزوجل وعلى ذلك كان أصحاب رسول الله عليه وسلم وهى السنة * قال أبو محمد: هذا في غاية السقوط لان ابن سمعان مذكور بالكذب أسقطه مالك وغيره، وأما احتجاجه بأن لها النفقة في كتاب الله عزوجل فانما النفقة في كتاب الله تعالى للمطلقة الرجعية وأما قوله على ذلك كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل من روينا عنه في ذلك شيئا فانما هم على ان لها النفقة حاملا أو غير حامل أو على انه لانفقة لها أصلا الا ابن عمر وحده، وأما الرجعية فلا شك ان لها النفقة عند اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واما قوله وهى النسة فقد قالها في دية اصابع المرأة فلم يلتفت إلى قوله في ذلك الحنيفيون والشافعيون، وقال من هو خير منه ما روينا من طريق أبى داود نا محمد بن كثير نا سفيان عن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن طلحة بن عبد الله ابن عوف قال صليت مع ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقال: انها من السنة فلم يلتفت إلى قوله ذلك الحنيفيون والمالكيون، فمن أضل ممن يدين بتصحيح
قول لم يثبت عن سعيد بن المسيب هي السنة والا يصدق القول الثابت عن ابن عباس هي السنة الا هكذا فليكن الباطل والضلال * وذكروا ما روينا من طريق ابى داود نا احمد بن زهير نا احمد بن يونس نا زهير نا جعفر ابن برقان نا ميمون بن مهران قال: قلت لسعيد بن المسيب فاطمة بنت قيس طلقت فخرجت من بيتها فقال سعيد: تلك المرأة فتنت الناس انها كانت لسنة فوضعت على يدى ابن ام الكتوم *
__________
(1) في النسخة رقم 14 ومحتملات(10/298)
قال أبو محمد: هذا مرسل لا ندري من اخبر سعيدا بذلك فهو ساقط، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثا ليس لها سكنى ولانفقة الذى أوردنا قبل بأصح اسناد يبطل هذه الظنون الكاذبة كلها ويبين انه ليس ذلك في فاطمة وحدها بل في كل مطلقة ثلاثا * وذكروا ماناه حمام نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن ايمن نا مطلب نا ابو صالح - هو عبد الله بن صالح كاتب الليث - حدثنى الليث حدثين عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن فذكر حديث فاطمة ثم قال: فانكر الناس عليها ما كانت تحدث من خروجها من قبل ان تحل * قال أبو محمد: وهذا ساقط لانه من رواية عبد الله بن صالح وهو ضعيف جدا كما ذكرنا قبل، ولا ندرى من هؤلاء الناس وانما ندرى ان الحجة تقوم على الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم لا أن الحجة تقوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وانكار من انكر ذلك من الناس هو الذى يجب ان ينكر حقا * وذكروا ما روينا من طريق مسلم نا اسحاق بن ابراهيم ارنا عبد الرزاق ارنا معمر عن الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة فذكر حديث فاطمة هذا فقال مروان:
لم يسمع هذا الحديث الا من امرأة سنأخذ بالعصمة التى وجدنا الناس عليها * قال أبو محمد: لو ان مروان تورع هذا الورع حيث شق عصى المسلمين وخرج على ابن الزبير امير المؤمنين بلا تأويل ولا تمويه فأخذ بالعصمة التى وجد جميع الناس واهل الاسلام عليها من القول بامامة ابن الزبير من اقصى اعمال افريقية إلى أقصى خراسان حاشى اهل الاردن لكان أولى به وانجى له في آخرته، وقد ذكرنا اختلاف الصحابة رضى الله عنهم فيما ادعى فيه العصمة * واحتجوا بما روينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا حفص بن غياث نا هشام بن عروة عن ابيه عن فاطمة بنت قيس قالت: " قلت يارسول الله: ان زوجي طلقني ثلاثا وانا اخاف ان يقتحم على قال فأمرها فتحولت " * قال أبو محمد: هذا كما ترون فتأملوا قوله فأمرها فتحولت ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من كلام فاطمة لان نصه قال فأمرها فتحولت فصح انه من كلام عروة، ولا يخلو هذا الخبر من ان يكون لم يسمعه عروة من فاطمة فيكون مرسلا، ويوضح ذلك انه ما خبرنا به يونس به عبد الله بن مغيث قال نا محمد بن احمد بن خالد نا أبى نا محمد بن وضاح نا أبو بكر بن ابى شيبة عن حفص بن غياث عن هشام بن(10/299)
عروة عن أبيه قال: قالت فاطمة بنت قيس: يا رسول الله انى اخاف ان يقتحم على فأمرها ان تتحول، فان كان هذا هو اصل الخبر فهو منقطع ولا حجة في منقطع أو يكون عروة سمعه من فاطمة فلا حجة فيه أيضا لانه ليس فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انما أمرك بالتحول من أجل خوفك أن يقتحم عليك إذا لم يقل عليه الصلاة والسلام هذا فلا يحل لمسلم يخاف النار ان يقول انه عليه الصلاة والسلام انما أمرها بالتحول من أجل ذلك لانه اخبار عنه عليه الصلاة والسلام بما لم يخبر به عن نفسه، وعلى كل حال فقد صح من طريق أبى سلمة بن عبد الرحمن.
والشعبى.
وأبى بكر به أبى الجهم
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لاسكنى لها ولا نفقة أفترون النفقة سقطت خوف الاقتحام عليها هذا كله خدش في المصفا، وقوله عليه الصلاة والسلام بل المطلقة ثلاثا لاسكنى لها ولا نفقة يغنى عن هذا كله وعن تكلف الظنون الكاذبة وبالله تعالى التوفيق، فمل يبق الا انكار عمر، وعائشة أم المؤمنين عليها فكان ماذا فقد وافقها جابر بن عبد الله.
وابن عباس.
وعياش بن أبى ربيعة، وغيرهم من الصحابة رضى الله عنهم فما الذى جعل رأى عائشة وعمر أولى من رأى من ذكرنا، فكيف ولا حجة في شئ من ذلك إنما لحجة على كل أحد ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نعلن ونهتف ونصرح ان رأى أم المؤمنين.
وعمر أمير المؤمنين لا نأخذ به إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافه، ولا يحل الاخذ برأيهما حينئذ ولا ان يقول أحد عندهما في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة كتماها فليصرحوا هم بأن يقولوا: ان رأى عمر.
وأم المؤمنين أحق ان يتبع مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يروا حالهم عند الله تعالى وعند أهل الاسلام وليت شعرى اين كان عنهم هذا الانقياد لام المؤمنين عائشة إذ لم يلتفتوا قولها بتحريم رضاع الكبير إذ قد نسبوا إليها ما قد برأها الله تعالى (1) عنه من انها تولج حجاب الله تعالى الذى ضربه على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا يحل له ولوجه، فهذه هي العظيمة التى تقشعر منها جلود المؤمنين، وفي اباحتها للمتوفى عنها ان تعتد حيث شاءت، وأين كانوا من هذه الطاعة لعمر رضى الله عنه إذ خالفوه في المسح على العمامة وجعلوه يفتى بالصلاة بغير وضوء، وما قد جمعناه عليهم مما قد خالفو هما فيه (2) في كتاب أفردناه لذلك إذا تأمله المتأمل رآهم كأنهم مغرمون بخلاف الصاحب فيما وافق فيه السنة وتقليده في رأى وهم فيه أبدا ولكن من لم يعد كلامه من عمله كثر كلامه بالباطل وحسبنا الله ونعم الوكيل، فصح خبر فاطمة كالشمس لانها من المهاجرات المبايعات الاول كما روينا من طريق مسلم [ نا عبد الوارث بن
__________
(1) في النسخة رقم 14 ما قد نزهها الله تعالى وهو يناسب ما سبق (2) في النسخة رقم 16 قد خالفونا فيه(10/300)
عبد الصمد بن عبد الوارث وحجاج بن الشاعر كلاهما عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عبد الوارث بن سعيد التنورى عن الحسن بن زكران نا أبو بريرة ] (1) عن عامر الشعبى انه سأل فاطمة بنت قيس وهى من المهاجرات الاول وذكر الحديث * قال أبو محمد: قد شهد الله عزوجل لكلهم بالصدق قال عزوجل: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وينصرون الله وسوله أولئك هم الصادقون) فمن أضل ممن يكذب منهم أحدا ونسأل الله العافية، والحمد لله رب العالمين * ولم نجد لاحد خلافه (وقالوا) في خبر خالة جابر انما أمرها عليه الصلاة والسلام بالخروج على أن لا تبيت هنالك فكان هذا كذبا مستسهلا، واخبارا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالافتراء بلا دليل، ولعمري لو لم يأت اثر لكان الواجب أن لانفقة لمبتوتة، ولا سكنى لانها أجنبية ليست له بزوجة فلا حق لها في ماله لا في اسكان ولا في نفقة والعدة شئ ألزمها الله تعالى إياها لامدخل للزوج (2) في اسقاطه ولا الزيادة فيه.
وبالله تعالى التوفيق * وأما المتوفى عنها فان من أوجب لها السكنى احتجوا بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سعيد بن اسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب عن فريعة بنت مالك أن زوجها قتل بالقدوم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن لها أهلا فأمرها أن تنتقل فلما أدبرت دعاها فقال أمكثى في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله أربعة أشهر وعشرا * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن لكعب بن عجرة قال: حدثتني عمتى وكانت تحت أبى سعيد الخدرى أن فريعة حدثتها ان زوجها خرج في طلب أعلاج حتى إذا كان بطرف القدوم وهو جبل أدركهم فقتلوه فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن زوجها قتل وانه تركها في مسكن ليس له واستأذنته في الانتقال فاذن لها فانطلقت حتى إذا كانت بباب الحجرة أمر بها فردت فأمرها أن لا تخرج حتى يبلغ الكتاب أجله * ومن طريق مالك عن سعد بن اسحاق
ابن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة عن الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبى سعيد الخدرى فذكره، وفيه (3) قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلى في بنى خدرة (4) فان زوجي لم يتركني في مسكن يملكه، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال لها: أمكثى في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قال: فاعتدت فيه اربعة أشهر وعشرا * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد الله بن كثير قال: قال مجاهد
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 16 للخروج (3) في النسخة رقم 14 " فذكر فيه " (4) في النسخة رقم 16 في بيت خدره(10/301)
" استشهد رجال يوم أحد فجاء نساؤهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: انا نستوحش يارسول الله بالليل فنبيت عند أحدانا حتى إذا أصبحنا تبددنا (1) في بيوتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن حتى إذا أردتن النوم فلتؤب كل امرأة منكن إلى بيتها " * قال أبو محمد: أما حديث مجاهد فمنقطع لاحجة فيه، وأما حديث فريعة ففيه زينب بنت كعب بن عجرة وهى مجهولة لا تعرف، ولا روى عنها أحد غير سعد ابن اسحاق وهو غير مشهور بالعدالة على إن الناس أخذوا عنه هذا الحديث لغرابته ولانه لم يوجد عند أحد سواه فسفيان يقول سعيد ومالك وغيره يقولون سعد والزهرى يقول عن ابن لكعب بن عجرة فبطل الاحتجاج به إذ لا يحل أن يؤخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما ليس في اسناده مجهول ولا ضعيف ثم لو صح لكان الحنيفيون والمالكيون مخالفين له لان مالكا يقول: ان كان المنزل ليس للميت فان كان بكراء فهى أولى به وان كان ليس إلا اسكانا أو كان قد تمت فيه مدة الكراء فلصاحب المنزل إخراجها منه، ولو طلب منها الكراء فغلى عليها لم يلزمها ان تكريه ولا يلزم الورثة أن يكروه لها من مال الميت * وقال أبو حنيفة: لاسكنى لها في مال الميت أصلا سواء كان المنزل له أو بكراء فقد
خالفوا نص هذا الخبر، ومن المحال احتجاج قوم بخبر هم أول عاصين له (2)، وموهوا فيما صح من ذلك عن عائشة أم المؤمنين، وعلى بن ابى طالب بما رويناه من طريق اسماعيل ابن اسحاق نا سليمان بن حرب نا حماد بن زيد قال سمعت أيوب السختيانى ذكر له نقله أم كلثوم بنت على فقال أيوب انما نقلها من دار الامارة، وقال حماد: وسمعت جرير ابن حازم يحدث أيوب بحديث عطاء أن عائشة حجت بأختها أم كلثوم في عدتها من طلحة ابن عبيدالله فقال أيوب: انما نقلتها إلى بلادها * وبه إلى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال: كانت عائشة تخرج المرأة من بيتها إذا توفى عنها زوجها لا ترى به بأسا وأبى الناس الا خلافها فلا نأخذ بقولها وندع قول الناس * قال أبو محمد: لا ندري من هؤلاء الناس والشرط ناس ولا حجة في الناس على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم انما كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم هو الحجة على الناس، وقد حرم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كل أحد على سواه إلا بحق، ومنزل الميت اما للغرماء وأما للورثة بعد الوصية ليس لامرأته فيه حق ان كانت وارثة الا مقدار حصتها فقط، وما عدا ذلك فحرام عليها إلا بطيب انفس الورثة، وأما كلام
__________
(1) في النسخة رقم 16 تبرزنا (2) في النسخة رقم 16 أول عاص له(10/302)
أيوب فزلة عالم قد حذر منها قديما، وأما تمويه المحتج به وهو يدرى بطلانه فمصيبة، أما قوله نقلها عن دار الامارة فوافضيحتاه.
وهل كان في المدينة قط دار امارة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأبى بكر.
عمر.
وعثمان.
وعلى.
ومعاوية، وهل سكن كل واحد من هؤلاء الا في دار نفسه لكن لما رأى أيوب رحمه الله دار الامارة بالبصرة ظن أنها بالمدينة كذلك وأن عمر ابن الخطاب سكن في دار الامارة بالمدينة فيا للعجب، وكذلك قوله عن عائشة أم المؤمنين انما نقلتها إلى بلادها فهذه طامة أخرى هو يسمع حجت بها في عدتها ويقول: نقلتها إلى بلادها وهى المدينة، وهل يخفى على أحد انه ضد قول أيوب وانها انما نقلتها عن بلادها
وهى المدينة وعن الموضع الذى قتل فيه زوجها طلحة رضى الله عنه وهو البصرة إلى مكة التى ليست لها بلدا، ولكن من ذا عصم من الخطأ من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى تكفل الله تعالى له بالعصمة * وأما تهويلهم بعمر.
وعثمان فانما الرواية عنهما في ذلك وعن أم سلمة وزيد منقطعة ونحن نأتيهم عنهم بمثلها سواء سواء قد أوردنا في تلك الرواية نفسها ان زيد بن ثابت أرخص للمتوفى عنها أن تبقى عن منزلها بياض يومها أو ليلتها، وهذا خلاف قولهم، وعن أم سلمة ان تبقى عن منزلها احد طرفي الليل فليت شعرى ما الفرق بين الطرف الواحد والطرف الثاني، وأما عمر فروينا من طريق سعيد بن منصور نا يحيى بن سعيد - هو القطان - عن أيوب بن موسى عن سعيد بن المسيب أن امرأة توفى عنها زوجها فكانت في عدتها فمات أبوها فسئل لها عمر بن الخطاب فرخص لها أن تبيت الليلة والليلتين وهذا خلاف قوله، فمرة عمر حجة ومرة ليس بحجة من مثل تلك الرواية نفسها، وقد ذكرنا الرواية الثابتة عن ابن عمر نفقة المتوفى عنها من جميع المال، وقول سالم ابنه كنا ننفق عليهن حتى نبتم ما نبتم فتركوا هذا كله وتركوا.
عمر.
وعثمان وأم المؤمنين.
وابن مسعود حيث أحبوا وشنعوا بخلافهم وان خالف ما جاء عنهم السنن الثابتة حيث احبوا ووالله قسما برا ما اتبع الحاضرون منهم قط عمر وعثمان ولا ابن عمر ولا ابن مسعود، ولا عائشة، وما اتبعوا الا أبا حنيفة.
ومالكا.
والشافعي، ثم لا مؤونه عليهم في انكار ما يعرفونه من أنفسهم من ذلك ويعلمه الله تعالى والناس منهم وبالله تعالى نعوذ من مثل هذا وحسبنا الله ونعم الوكيل * 2005 مسألة والامة المعتدة لا تحل لسيدها حتى تنقضي عدتها لقول الله تعالى: (ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا) والسر النكاح، والسر أيضا ضد الاعلان وكلاهما ممنوع بنص الآية ولا خلاف في هذا * 2006 مسألة ولاعدة من نكاح فاسد * برهان ذلك انها ليست مطلقة ولا متوفى عنها، ولم يأت بايجاب عدة عليها قرآن ولاسنة ولا حجة في سواهما *(10/303)
2007 مسألة ولا عدة على أم ولد ان أعتقت أو مات سيدها ولا على أمة من وفاة سيدها أو عتقه لها لانه لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة، ولهما أن ينكحا متى شاءتا لانه لاعدة عليهما وما كان ربك نسيا، إلا أنها ان خافت حملا تربصت حتى توقن بأن بها حملا أو انها لاحمل بها، وقد اختلف في هذا فقول أول كما نا حمام نا عباس بن أصبغ.
نا محمد بن عبد الملك بن ايمن نا محمد بن اسماعيل الصائغ نا عبد الله بن بكر السهمى نا سعيد - يعنى ابن ابى عروبة - عن مطر الوراق عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاصى قال: لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عدة أم الولد إذا توفى عنها سيدها عدة الحرة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن عمرو بن العاص قال في المعتقة عن دبر إذا كان سيدها يطؤها وان لم تلد فعدتها إذا مات عنها أربعة أشهر وعشر * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن ابن مهدى نا سفيان الثوري عن ثور بن زيد عن رجاء بن حيوة أن عمرو بن العاص قال: عدة أم الولد ثلاثة قروء * وبه إلى عبد الرحمن بن مهدى نا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو قال: ان عمر بن عبد العزيز.
والزهرى قالا جميعا: عدة أم الولد من وفاة سيدها أربعة أشهر وعشر * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عدة أم الولد من وفاة سيدها أربعة أشهر وعشر فان كانت أمة يطؤها ولم تلد له فمات فتستبرأ بشهرين وخمس ليال * ومن طريق حماد بن سلمة أخبرنا حميد قال: سألت الحسن البصري عن عدة أم الولد إذا توفى عنها سيدها قال: تعتد أربعة أشهر وعشرا * وبه إلى حميد عن عمارة عن سعيد بن جبير قال: عدة أم الولد إذا توفى عنها سيدها أربعة أشهر عشر * وبه إلى حماد أخبرنا قيس عن مجاهد في أم الولد إذا توفى عنها سيدها قال: تعتد أربعة أشهر وعشرا * وبه إلى حماد أنا داود - هو ابن ابى هند - عن سعيد بن المسيب قال في أم الولد يتوفى عنها
سيدها عدتها أربعة أشهر وعشر، ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حمام بن يحيى قال: سئل قتادة عن عدة أم الولد إذا توفى عنها سيدها فقال: قال سعيد بن المسيب.
وخلاس بن عمرو.
وأبو عياض: عدتها عدة الحرة أربعة أشهر وعشر * ومن طريق حماد بن سلمة أرنا محمد بن عمرو عن عبادة بن نسى ان عبد الملك بن مروان كتب إليه في أم ولد تزوجت قبل أن تمضى لها أربعة أشهر وعشر ان يفرق بينهما ويعزرهما وهو قول محمد بن سيرين.
والاوزاعي.
واسحاق بن راهوية، وقول ثنا يجعل عدتها في العتق والوفاة ثلاثة قروء، روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن المبارك عن الحجاج بن ارطاة عن الحكم(10/304)
ابن عتيبة عن على بن أبى طالب قال: عدة السرية ثلاث حيض * ومن طريق سعيد ابن منصورنا يزيد بن هارون عن حجاج بن ارطاة عن الشعبى عن على بن أبى طالب.
وابن مسعود قالا جميعا في أم الولد: عدتها إذا مات عنها سيدها ثلاثة قروء * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء فيمن اعتق سرية وهى حبلى قال: تعتد ثلاث حيض وهى امرأة حرة وقاله أيضا عمرو بن دينار، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبى اسحاق الشيباني عن الحكم بن عتيبة قال: الامة يصيبها سيدها فلم تلد له فاعتقها فعدتها ثلاثة أشهر * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبى ثابت عن ابراهيم النخعي قال: عدة السرية إذا اعتقت أو مات عنها سيدها ثلاث حيض وهو قول سفيان.
وأبى حنيفة.
أصحابه.
والحسن بن حى، واستحب لها الاحداد، وقول ثالث كما روينا من طريق حماد بن سلمة ارنا داود ابن أبى هند عن الشعبى ان ابن عمر قال في عدة أم الولد إذا اعتقها سيدها في مرضه ثم توفى فانها تعتد ثلاث حيض فان لم يعتقها فحيضة واحدة، وقول رابع روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم ارنا داود عن الشعبى عن ابن عمر قال: تعتد حيضة واحدة - يعنى أم الولد قال هشيم: وارنا اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى قال:
عدتها حيضة واحدة قال اسماعيل بن أبى خالد: وهو قول أبى قلابة.
وروينا من طريق مالك عن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد وذكر ان ابن يزيد بن عبد الملك فرق بين رجال ونسائهم وكن أمهات أولاد فتزوجن بعد حيضة أو حيضتين ففرق بينهم حتى يعتددن أربعة أشهر وعشرا فقال القاسم: عدة أم الولد إذا توفى عنها سيدها حيضة، وروى أيضا عن مكحول وهو قول الشافعي: وأبى عبيد وقول خامس عدتها حيضة فان لم تحض فثلاثة أشهر وهو قول مالك * قال أبو محمد: لقد كان يلزم الحنيفيين والمالكيين القائلين: ان المرسل كالمسند أن يقولوا بما روينا عن عمرو بن العاص، ومن العجب قولهم في قول سعيد ابن المسيب في دية أصابع المرأة هي السنة ان هذا اسناد تقوم به الحجة ولم يقولوا ذلك في قو عمرو بن العاص في عدة أم الولد لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم فياليت شعرى من أولى بمعرفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولى ان يصدق عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سعيد بن المسيب، والعجب انهم يدعون العمل بالقياس وهم قد قاسوا العقد الفاسد المفسوخ الذى لا يحل عندهم اقراره على النكاح الثابت الصحيح في ايجاب العدة فيهما ولم يقيسوا ام الولد المتوفى عنها على الزوجة المتوفى عنها، والعجب (م 39 - ج 10 المحلى)(10/305)
من احتجاج الحنيفيين بان الله تعالى لم يجعل عدة الوفاة الا على الزوجة ولم يحتجوا على أنفسهم بان الله تعالى لم يجعل العدة بالاقراء وبالشهور الا على مطلقة ولكنهم قوم لا يفقهون * قال أبو محمد: لو صح خبر عمرو مسندا لسارعنا إلى القول به، وفيه أيضا مطر وهو سيئ الحفظ، وأما قول مالك فما نعلم له سلفا إذ عوض من حيضة واحدة ثلاثة أشهر بلا برهان *
قال أبو محمد: لم يوجب الله تعالى قط عدة إلا على زوجة متوفى عنها أو مطلقة أو مخيرة إذا اعتقت فاختارت فراق زوجها وما كان ربك نسيا ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، وقياس من ليست زوجة على زوجة باطل بكل حال وبالله تعالى التوفيق * 2008 مسألة: وعدة الامة المتزوجة من الطلاق والوفاة كعدة الحرة سواء سواء ولا فرق لان الله عزوجل علمنا العدد في الكتاب فقال: (والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء)، قال تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر عشرا) وقال تعالى: (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * قال أبو محمد: وقد علم الله عزوجل إذ أباح لنا زواج الاماء انه يكون عليهن العدد المذكورات فما فرق عزوجل بين حرة ولا أمة في ذلك وما كان ربك نسيا، ونعوذ بالله تعالى من الاستدراك على الله عزوجل والقول عليه بما لم يقل ومن أن نشرع في الدين ما لم يأذن به الله، وقد اختلف في هذا فروينا من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد عن عمرو بن أوس الثقفى ان عمر بن الخطاب قال: لو استطعت ان اجعل عدة الامة حيضة ونصفا لفعلت فقال له رجل: يا أمير المؤمنين فاجعلها شهرا ونصفا * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر ابن عبد الله يقول: جعل لها عمر حيضتين يعنى الامة المطلقة * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عمر بن الخطاب قال: ينكح العبد اثنتين ويطلق تطليقتين وتعتد الامة حيضتين فان لم تحض فشهرين.
وقال فشهرا ونصفا * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن المغيرة عن ابراهيم النخعي عن ابن مسعود(10/306)
قال: يكون عليها نصف العذاب ولا يكون لها نصف الرخصة * ومن طريق حماد ابن سملة عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ابن عمر قال: الحر يطلق الامة تطليقتين وتعتد حيضتين * ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أخبرني قبيصة بن ذوئيب انه سمع زيد بن ثابت يقول: عدة الامة حيضتان * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن محمد بن عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: ينكح العبد اثنتين وعدة الامة حيضتان، قال معمر: وهو قول الزهري * ومن طريق عبد الزراق عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب عدة الامة حيضتان قال معمر: وهو قول الزهري، ومن طريق عبد الرزاق عن داود ابن قيس قال: سألت سالم بن عبد الله بن عمر عن عدة الامة قالك حيضتان وان كانت لا تحيض فشهر ونصف * ومن طريق ابن وهب عن أساسة بن زيد عن زيد بن أسلم عدة الامة حيضتان * ومن طريق ابن وهب أخبرني رجال من أهل العلم ان نافعا.
وابن قسيط.
ويحيى بن سعيد.
وربيعة.
وغير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين عدة الامة حيضتان * ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبى سليمان.
وقتادة وداود بن أبى هند قال حماد عن ابراهيم النخعي وقال قتادة عن الحسن وقال داود: عن الشعبى قالوا كلهم.
عدة الامة حيضتان * ومن طريق ابن وهب أخبرني هشام بن سعد عن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق قال: عدة الامة حيضتان قال القاسم مع ان هذا ليس في كتاب الله عزوجل ولا نعلمه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن قد مضى أمر الناس على هذا * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء في عدة الامة صغيرة أو قاعدا قال: قال عمر بن الخطاب: شهر ونصف * ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن السميب.
وأبى قلابة انهما قالا جميعا: الامة إذا طلقت وهى لا تحيض تعتد شهرا ونصفا * ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن
أبى سليمان عن ابراهيم النخعي قال: عدة الامة التى طلقت ان شاءت شهرا ونصفا وان شاءت شهرين وان شاءت ثلاثة أشهر * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عدة الامة شهر ان لكل حيضة شهر، ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد ابن زيد عن عمرو بن دينار قيل له ان ابن جريج يقول عن عطاء في عدة الامة التى لا تحيض خمس وأربعون ليلة فقال عمرو: اشهد على عطاء انه قال: عدتها شهر ان إذا كانت لا تحيض، وقال أبو حنيفة.
وأصحابه.
وسفيان الثوري.
والحسن بن حى.
والشافعي.
وأصحابه: عدة الامة المطلقة التى لا تحيض شهر ونصف، وقالوا كلهم:(10/307)
عدتها حيضتان الا الشافعي فانه قال: طهران فإذا رأت الدم من الحيضة الثانية فهو خروجها من العدة * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الكريم البصري عن مجاهد قال: عدة الامة التى لا تحيض ثلاثة أشهر * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد قال: قال الحسن: عدة الامة التي لا تحيض ثلاثة أشهر * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن صدقة بن يسار قال: خاصمت إلى عمر بن عبد العزيز في أمة لم تحض فجعل عدتها ثلاثة أشهر * ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة قال في الامة حاضت أو لم تحض أو قعدت: ينتظر بها ثلاثة أشهر لا نعلم براءتها الا براءة الحرة ههنا، قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب وابن شهاب.
وبكير بن الاشج وغيرهم ان عدة الامة التى يئست من المحيض والتى لم تبلغ ثلاثة أشهر وهو قول مالك.
وأصحابه.
والليث ابن سعد * قال أبو محمد: وروى عن ابن عمر.
وسعيد بن المسيب.
وسليمان بن يسار.
وربيعة.
ويحيى بن سعيد.
وبان قسيط من طرق ساقطة عدة الامة من الوفاة شهران وخمس ليال، وصح ذلك عن عطاء.
وقتادة.
والزهرى وهو قول أبى حنيفة.
والشافعي.
ومالك.
وأصحابهم، وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين قال: ما أرى عدة الامة إلا كعدة الحرة الا ان تكون مضت في ذلك سنة فالسنة أحق ان تتبع، وذكر عن احمد بن حنبل ان قول مكحول ان عدة الامة في كل شئ كعدة الحرة وهو قول أبى سليمان وجميع أصحابنا * قال أبو محمد: احتج من رأى ان عدتها حيضتان بما روينا من طريق أبى داود هو السجستاني نا محمد بن مسعود نا أبو عاصم عن ابن جريج عن مظاهر بن أسلم عن القاسم بن محمد بن أبى بكر عن عائشة ام المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: طلاق الامة تطليقتان وقرؤها حيضتان * وبماناه حمام بن احمد نا يحيى بن مالك بن عائذ نا عبد الله بن أبى غسان نا أبويحيى زكريا بن يحيى الساجى نا محمد بن اسماعيل ابن سمرة نا عمر بن شيب المسلى نا عبد الله بن عيسى عن عطية عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: " طلاق الامة ثنتان وعدتها حيضتان " * قال أبو محمد: ما تعلقوا من الآثار الا بهذا، وهذان الخبر ان لا يسوغ للمالكبين ولا للشافعيين الاحتجاج بهما لانهما مبطلان لمذهبهما لان الطلاق عندهما الرجال، والاقراء الاطهار فان صححوهما لزمهما ترك مذهبهما في ذلك وان أبطلوهما(10/308)
فقد كفونا مؤنتهم في هذين الخبرين * وأما الحنيفيون فانهم احتجوا بهما وهما ساقطا لان أحدهما من طريق مظاهر بن أسلم وهو في غاية الضعف والسقوط، والعجب ان الحنيفيين من أصولهم ان الراوى إذا خالف خبرا رواه أو ذكر له فلم يعرفه فانه دليل على سقوط ذلك الخبر احتجوا بذلك في خبر اليمين مع الشاهد وبالخبر الثابت من مات وعليه صيام صام عنه وليه، وفي الخبر الثابت أيما امراة نكحت بغير اذن مواليها فنكاحها باطل، وفي الخبر الثابت في رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، وفي الخبر الثابت في غسل الاناء من ولوغ الكلب سبعا، ثم يتعلقون بهذا
الخبر الساقط الذى لاخير فيه، وقد صح عن القاسم بن محمد كما ذكرنا آنفا ان الحكم بأن عدة الامة حيضتان لم يأت به سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويردون الاخبار بأنها زائدة على ما في القرآن كما فعلوا في الخبر الثابت بالمسح على العمامة ثم يحتجون بهذين الخبرين الساقطين وهما مخالفان لما في القرآن حقا فاعجبوا لعظيم تناقض هؤلاء القوم، والخبر الثاني من طريق عمر بن شيب المسلى.
وعطية وهما متفق على ضعفهما فلا يحل الاخذ بهما ولو صحا لما سبقوا إلى القول بهما وقالوا: وهو قول جمهور السلف الصالح من الصحابة والتابعين * قال أبو محمد: وهذا أيضا لا يمكن المالكيين ولا الشافعيين الاحتجاج بهذا لانهم مخالفون لكل من جاء عنه في ذلك قول من الصحابة رضى الله عنهم لان الثابت عن عمر بن الخطاب وابنه.
وزيد بن ثابت والمأثور عن ابن مسعود أن عدة الامة حيضتان وهذا خلاف قول المالكيين.
والشافعيين.
وإذا جاز عندهم أن يخطئ الصحابة في مئية الاقراء من الامة فلا ننكر على من قال بذلك في كمية عدتها * وأما الحنيفيون فانما صح ذلك عن عمر.
وابنه.
وزيد فقط، وايضا فان عمر قد بين انه رأى منه ولا حجة في رأى وقد صح عن عمر.
وابنه.
وزيد التحذير من الرأى ولا حجة في رأى أحد، وعمر يقول: لو استعطت أن أجعل عدتها حيضة ونصفا لفعلت، وما ندرى كيف هذا وأى امتناع في أن يقول إذا رأت جمهور الحيضة وفورها قد أخذ في الانحطاط فقد حلت لانه بلاشك قد مضى نصف الحيضة، وقد قلنا: لاحجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا فيما خلا من المسائل في كتابنا هذا قبل هذه المسألة ما قالوه مما خالفوا فيه بآرائهم جمهور الصحابة رضى الله عنهم بل كل من روى عنه في ذلك قول مما لايعرف ان أحدا قاله قبلهم كثيرا جدا كقولهم فيما يحل به وطئ الحائض إذا رأت الطهر، وكقولهم في صفة الاحداد وغير ذلك كثيرا جدا، وقد قلنا: لاحجة في قول أحد دون القرآن(10/309)
والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * واحتجوا بأنه لما كان حد الامة نصف حد الحرة وجب أن تكون عدتها نصف عدة الحرة * قال أبو محمد: وهذا قياس والقياس كله باطل ثم لو صح القياس لكان هذا منه أفسد قياس وأشده بطلانا لم نبينه عليه ان شاء الله تعالى، والعجب فيما روى ولم يصح عن ابن مسعود أيجعلون عليها نصف العذاب ولا يجعلون لها نصف الرخصة؟ وأن هذا لبعيد عن رجل من عرض الناس فكيف عن مثل بن مسعود رضى الله عنه لانه يقال لقائل هذا القول ومصوبه ما نحن جعلنا عليها نصف العذاب ولا نحن نجعل لها نصف الرخصة بل الله تعالى جعل عليها نصف العذاب حيث شاء ولم يجعل لها نصف الرخصة وما كان ربك نسيا، ثم هبك لو جعلنا نحن عليها نصف العذاب وكان ذلك مباحا لنا أن نجعله فمن أين وجب علينا أن نجعل لها نصف الرخصة إن هذا لعجب لا نظير له * وأما فساد هذا القياس فان قياس هذه العدة على حد الزنا فاسد لانه لاشبه بين الزنا الموجب للحد وبين موت الزوج وطلاقه، والقياس عندهم باطل إلا على شبه بين المقيس والمقيس عليه فصح على أصولهم بطلان هذا القياس فكيف عند من لا يجيز القياس أصلا، والحمد لله رب العالمين ثم فساد آخر وهو أنهم أوجبوا القياس على نصف الحد في الامة وهم لا يختلفون في ان حد الامة في قطع السرقة كحد الحرة فمن أين وجب أن تقاس العدة عندهم على حد الزنا دون أن يقيسوه على حد السرقة؟ ثم هلا قاسوا عدة الامة من الطلاق والوفاة بالاقراء وبالشهور على ما لا يختلفون فيه من أن عدتها من كل ذلك إن كانت حاملا كعدة الحرة فلئن صح القياس يوما فان قياس العدة من الوفاة والطلاق على العدة من الوفاة والطلاق لاشك عند من عنده أدنى فهم أولى من قياس العدة على حد الزنا فلاح فساد قياسهم في ذلك كظهور الشمس يوم صحو والحمد لله رب العالمين * ثم العجب كله من قياس مالك عدة الامة من الوفاة على عدتها عنده بالاقراء ثم لم يقس عدة الامة بالشهور من الطلاق على عدتها بالشهور من الوفاة بل جعل عدة الامة بالشهور من الطلاق كعدة الحرة ولا فرق،
وهذه مناقضات وأقوال فاسدة لاتخفى على ذى حظ من فهم، ثم عجب آخر وهو أنهم جعلوا عدة الامة من الوفاة نصف عدة الحرة من الوفاة شق الانملة ثم اختلفوا فجعل ابو حنيفة والشافعي عدة الامة بالشهور من الطلاق نصف عدة الحرة بالشهور من الطلاق وجعل مالك عدة الامة من الطلاق بالشهور كعدة الحرة من الطلاق بالشهور سواء سواء، ثم جعلوا ثلاثتهم عدة الامة بالاقراء ثلثى عدة الحرة بالاقراء فهل في التلاعب أكثر من هذا مرة نصف عدة الحرة ومرة مثل عدة الحرة ومرة ثلثى عدة الحرة كل هذا بلا قرآن(10/310)
ولا سنة ولاقياس يعقل، وكل هذا قد اختلف فيه السلف وقبل وبعد فعلى أي شئ قاسوا قولهم في عدتهما بالاقراء ثلثى عدة الحرة وحسبنا الله ونعم الوكيل، والحمد لله كثيرا على توفيقه إيانا للحق وتيسيره للصواب، ولقد كان يلزمهم إذ قاسوا عدة الامة على حدها أن لا يوجبوا عليها إلا نصف الطهارة ونصف الصلاة ونصف الصيام قياسا على حدها، والذى يلزمهم أكثر مما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * 2009 مسألة وتعتد المطلقة غير الحامل والحامل المتوفى عنها من حين يأتيها خبر الطلاق وخبر الوفاة وتعتد الحامل المتوفى عنها من حين موته فقط * برهان ذلك قول الله عزوجل: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا)، وقوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقال تعالى: (فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن) فلابد من أن يفضون إلى العدة من الوفاة والقروء.
وعدة الاشهر بنية لها وتربص منهن وإلا فذلك عليهن باق، وأما الحامل فان الله تعالى يقول: (وأولات الاحمال أجلهن ان يضعن حملهن) فليس ههنا فعل أمرن بقصده والنية له لكن المطلقة الحامل خرجت من ذلك بما ذكرنا قبل من أنه لا يكون طلاق الغائب طلاقا أصلا حتى يبلغها فاغنى ذلك عن إعادته وبقيت المتوفى عنها على وضع الحمل أثر موت الزوج وبالله تعالى التوفيق، وفي هذا خلاف قديم صح عن ابن عمر.
وابن عباس انها تعتد من
يوم مات أو طلق، ورويناه عن ابن مسعود من طريق ابن ابى شيبة نا أبو الأحوص سلام بن سليم عن ابى اسحاق عن أبى الاحوص عن ابن مسعود، وصح أيضا عن سعيد بن المسيب.
والنخعي.
والشعبى.
وعطاء.
وطاوس.
ومجاهد.
وسعيد بن جبير.
وأبى الشعئاء جابر ابن زيد.
والزهرى.
وسليمان بن يسار وأبى قلابة.
ومحمد بن سيرين.
وعكرمة.
ومسروق.
وعبد الرحمن بن يزيد، وهو قول ابى حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وأصحابهم، وقال آخرون غير ذلك كما ناه محمد بن سعيد بن نبات نا احمد بن عوف الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخضنى نا محمد بن بشار بندار نا أبو داود الطيالسي نا شعبة عن ابان بن ثعلبة عن الحكم بن عتيبة عن أبى صادق عن ربيعة بن ناجد عن على بن أبى طالب في المتوفى عنها قال: عدتها من يوم يأتيها الخبر * ومن طريق وكيع عن أبى الاشهب عن الحسن البصري قال: تعتد من يوم يأتيها الخبر * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري.
ومعمر قال سفيان عن يونس بن عبيد وقال معمر عن أيوب ثم اتفق يونس وأيوب كلاهما عن الحسن في الطلاق والموت تعتد من يوم يأتيها من زوجها الخبر زاد أيوب في روايته ولها النفقة قال معمر: وقاله قتادة * ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن(10/311)
خلاس بن عمرو قال: تعتد من يوم يأتيها الخبر، وقال آخرون: من يوم تقوم البينة كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب.
وأبى الشعثاء جابر ابن زيد.
وأبى قلابة قالوا كلهم في امرأة جاءها طلاق أو موت قالوا: تعتد من يوم قامت البينة * ومن طريق ابن ابى شيبة نا أبو خالد الاحمر الثقفى - هو عبد الوهاب ابن عبد المجيد - قال أبو خالد عن داود عن سعيد بن المسيب.
والشعبى، وقال عبد الوهاب عن يزيد عن مكحول قالواكلهم في الرجل يطلق أو يموت إذا قامت البينة فتعتد من يوم يموت وان لم تقم لها بينة فمن يوم يأتيها الخبر * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال: قال حماد بن أبى سليمان.
ومنصور بن المعتمر عن
ابراهيم النخعي قال: ما أكلت بعد موته وهى لا تدري بموته، فهو لما ما حبست نفسها عليه، وصح عن الشعبى أنه يؤخذ منها إلا قدر ميراثها * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال: لا يتوارثان ولا رجعة له عليها في قول الفريقين جميعا قاله قتادة عن على.
وابن مسعود * قال أبو محمد: لم يدرك قتادة عليا ولا ابن مسعود ولا وجدنا ذلك عن غيره، الذى نقول به انهما يتوارثان وله الرجعة عليها ما لم يبلغها طلاقه بالثلاث ولا ترد ما اكلت في الطلاق لانها زوجته ما لم يبلغها أو يأتيها الخبر، وأما في الموت فبخلاف ذلك وترد ما اكلت لانها أكلت مال الورثة أو مال الغرماء ولا حق لها عندهم انما حقها في مال الزوج فما دام المال ماله فحقها فيه باق وبالله تعالى التوفيق * 2010 - مسألة - وإذا تنازع الزوجان في متاع البيت في حال الزوجية أو بعد الطلاق أو تنازع أحدهما مع ورثة الآخر بعد الموت أو ورثتهما جميعا بعد موتهما فكل ذلك سواء وكل ذلك بينهما مع أيمانهما أو يمين الباقي منهما أو ورثة الميت منهما أو ايمان ورثتهما معا وسواء في ذلك السلاح والحلى ومالا يصلح إلا للرجال أو الا للنساء أو للرجال والنساء إلا ما على ظهر كل واحد منهما فهو له مع يمينه، وقد اختلف السلف في هذا على أقوال، فقول كما روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن الزهري أنه قال في تداعى الزوجين البيت بيت المرأة إلا ما عرف للرجل * ومن طريق معمر عن أيوب السختيانى عن ابى قلابة في ذلك مثل قول الزهري * ومن طريق عبد الرزاق نا معتمر بن سليمان التيمى عن أبيه عن الحسن البصري قال للمرأة ما أغلق عليه بابها إذا مات زوجها * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيا الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: ليس للرجل الا سلاحه وثياب جلده * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: أما ما أحدث الرجل من متاع فهو له إذ أقام عليه البينة *(10/312)
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا منصور عن الحسن في رجل طلق امرأته أو مات
عنها.
- وقد أحدثت في بيته أشياء - فقال الحسن: لها ما أغلقت عليه بابها الا سلاح الرجل ومصحفه، وقالت طائفة: غير هذا كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا منصور عن ابن سيرين قال: ما كان من صداق فهو لها وما كان من غير صداق فهو ميراث، وقول ثالث كل شئ للرجل الا ما على المرأة من الثياب أو الدرع والخمار وهو قول ابن أبى ليلى، وقول رابع كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد الله ابن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى ثنا الضحاك بن مخلد - هو أبو عاصم - عن سفيان الثوري عن عبيدة بن مغيث عن ابراهيم النخعي أنه قال في الرجل إذا مات فادعت المرأة متاع البيت أجمع قال: ان كان من متاع الرجل فهو للرجل وأما ما كان من متاع النساء فهو للمرأة وما كان مما يكون للرجل وللمرأة فهو للباقى منهما فان كان فرقة وليس موتا فهو للرجل، وقول خامس كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا سويد بن عبد العزيز قال: سألت ابن شبرمة عن تداعى الزوجين فقال: متاع النساء للنساء ومتاع الرجال للرجال (1) وما كان من متاع يكون للرجال والنساء فهو بينهما، وسألت ابن ابى ليلى عن ذلك فقال مثل قول ابن شبرمة وزاد في الحياة والموت * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا من سمع ابن ذكوان المدنى وعثمان البتى يقولان: ما كان للرجال والنساء فهو بينهما، وهو قول عبيدالله بن الحسن.
والحسن بن حى.
وأحد قولى زفر وأوجبوا الايمان مع ذلك كله، وقول سادس كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم عن ابن شبرمة.
وابن أبى ليلى قالا جميعا: ما كان للرجال فهو للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة وما كان مما يكون للرجال والنساء فهو للرجل (2) وهو قول الحكم وهو قول مالك الفرقة والموت سواء في ذلك عنده ويحلف كل واحد منهما في كل ذلك * وقول سابع كما روينا من طريق سعيد ابن منصور ناهشيم أخبرنا من سمع الحكم بن عتيبة وسعيد بن اشوع يقولان ما كان للرجال فهو للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة وما كان للرجال والنساء فهو للمرأة وبهذا يقول
هشيم * وقول ثامن كما روينا من طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا غندر عن شعبة عن حماد انه سئل عن متاع البيت فقال: ثياب المرأة للمرأة وثياب الرجل للرجل وما تشاجرا فيه ولم يكن لهذا ولا لهذا [ بينة ] (3) فهو للذى في يديه، وقال أبوحينفة: إن كان أحد الزوجين
__________
(1) في النسخة رقم 16 ومتاع الرجل للرجل (2) في النسخة رقم 14 مما يكون للرجل والمرأة فهو للرجل (3) الزيادة من النسخة رقم 14 (م 40 - ج 10 المحلى)(10/313)
مملوكا والآخر حرا فالمال كله لمن كان منهما حرامع يمينه، وكذلك قال أبو يوسف، محمد إلا أن يكون العبد مأذونا له في التجارة فهو كالحر في حكمه في ذلك، ثم اختلفوا فقال أبو يوسف: فان كانا حرين أو مكاتبين أو مأذونين لهما في التجارة أو أحدهما حرا والآخر مكاتبا أو مأذونا له في التجارة أو مسلمين أو أحدهما فانه يقضى للمرأة بمثل ما تجهز به إلى زوجها فما بقى بعد ذلك فسواء كان مملا يصلح إلا للرجال أو لا يصلح الا للنساء أو يصلح للرجال والنساء فكل ذلك للرجل مع يمينه في الفرقة والموت، وقال أبو حنيفة في كل هؤلاء: ما كان من متاع الرجال فهو للرجل مع يمينه وما كان من متاع النساء فهو للمرأة مع يمينها هذا في الفرقة والموت، وما صلح للرجال والنساء فهو للرجل مع يمينه في الفرقة وهو للباقى منهما أيهما كان، ووافقه على كل ذلك محمد بن الحسن إلا في الموت فانه جعل ما يصلح للرجال والنساء للرجل أو لورثته مع يمينه أو أيمانهم * وقول تاسع كما قلنا نحن وهو قول سفيان الثوري.
والقاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود القاضى، وشريك بن عبد الله القاضى.
والشافعي.
وأبى سليمان وأصحابهما.
وأحد قولى زفر بن الهذيل.
وقول الطحاوي * قال أبو محمد: احتج من قال بأن ما صلح للرجال فهو للرجل وما صلح للنساء فهو للمرأة بما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا سويد بن عبد العزيز الدمشقي نا أبو نوح
المدنى من آل أبى بكر قال نا الحضرمي رجل قد سماه عن على بن أبى طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه آله وسلم: " متاع النساء للنساء ومتاع الرجال للرجال " * قال أبو محمد: هذا خبر موضوع مكذوب لا يحل لاحد أن يرويه إلا على بيان وضعه، سويد بن عبد العزيز مذكور بالكذب، وأبو نوح لا يدرى أحد من هو، والحضرمى مثل ذلك ثم لو صح لكان غير حجة لهم لان ظاهره أن لكل أحد متاعه الذى بيده لانه لم يقل فيه ان اختلف الزوجان ولا قال فيه ما صلح للرجال ولا ما صلح للنساء وانما فيه متاع النساء ومتاع الرجال، والمتاع هو متاع المرء الذى في ملكه سواء صلح له أو لم يصلح له وإذا لم يخص به اختلاف الزوجين فليس لاحد أن يخص هذا الباب دون اختلاف الاخ والاخت فبطل تمويههم بهذا الخبر المكتوب * قال أبو محمد: ولا يختلف المخالفون لنا من الحنيفيين والمالكيين في أخ واخت ساكنين في بيت فتداعيا ما فيه انه بينهما بنصفين مع أيمانهما ولم يحكموا في ذلك بما حكموا به في الزوجين: وكذلك لم يختلفوا في عطار ودباغ أو بزار ساكنين في بيت في أن كل مافى البيت بينهما مع أيمانهما ولم يحكموا ان ما كان من عطر فللعطار وما كان من(10/314)
آلة الدباغ فللدباغ وما كان من آلة البز فللبزاز فظهر تناقضهم وفساد قولهم بيقين وانه ظن كاذب وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث " * برهان صحة قولنا أن يد الرجل ويد المرأة على ما في البيت الذى يسكناه أو دار سكناهما أي شئ.
كان فليس أحدهما أولى به فهو لهما إذ هو بأيديهما مع ايمانهما ولا ننكر ملك المرأة للسلاح ولاملك الرجل للحلى وبالله تعالى التوفيق * الاستبراء 2011 مسألة قال أبو محمد: وقد ذكرنا في كتاب اللعان من ديواننا هذا حكم الولد يدعيه اثنان فصاعدا إذا لم يعرف ايهم (1) كان معها أو لاسواء من أمة
كان أو من حرة (2) ونذكر ههنا ان شاء الله تعالى حكم ذلك إذا كان يعرف أيهما الاول من الازواج أو السادات في ملك اليمين * قال أبو محمد: من كانت له جارية يطؤها وهى ممن تحيض فاراد بيعها فالواجب عليه أن لا يبيعها حتى تحيض حيضا يتيقنه، وكذلك إن أراد انكاحها أو هبتها أو صداقها فان كانت ممن لا تحيض فلا يبعها حتى يوقن انه لاحمل بها ثم على الذى انتقل ملكها إليه أن لايطاها حتى يستبرئها بحيضة ويوقن انها حيضة أو حتى يوقن انه لاحمل بها إلا أن يصح عنده انها قد حاضت عند الذى انتقل ملكها عنه حيضا متيقنا وانه لم يخرجها عن ملكه حتى أيقن أنه لاحمل بها فليس عليه أن يستبرئها حينئذ ولا يجوز أن يجبر على مواضعتها على يدى ثقة ولا أن يمنع منها لان كلا الامرين شرط ليس في كتاب الله تعالى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل شرط ليس في كتاب الله عزوجل فهو باطل "، وقد أباح الله تعالى ملك اليمين فلا يلح منع المالك من أمته، والعجب أن المالكيين الموجبين للمواضعة متفقون على أنه لا ينتفع بذلك متى ظهر بها حمل، فأى معنى لعمل لا فائدة فيه ولا تنقطع الريبة دون أن يوجبه نص * قال أبو محمد: ولا يجب في البكر استبراء أصلا فان ظهر بها عند المشترى أو الذى انتقل ملكها إليه أو الذى تزوجها حمل بقيت بحسبها حتى تضع أو حتى توقن بأن الحمل كان قبل انتقال ملكها إليه فان تيقن بذلك فسخ البيع والهبة والاصداق والنكاح وردت إلى الذى كانت له فان كان تزوجها وهى أمة أمر بأن لا يطأها حتى تضع ولم يفسخ النكاح لما قد ذكرناه في كتاب النكاح من ديواننا هذا، وجملته أنه لاعدة على أمة من غير زوج فإذا لم تكن في عدة فنكاحها جائز فان لم يوقن ذلك حتى تضع نظر فان كان
__________
(1) في النسخة رقم 14 " أيهما " (2) في النسخة رقم 14 أو من زوجة(10/315)
وضعها لاقل من تسعة أشهر من حين أنكر الاول وطئها أو لاقل من ستة أشهر
من حين وطئها الثاني.
فالولد للاول بلاشك وان ولدته لاكثر من تسعة أشهر بطرفة عين من حين وطئها الثاني فالولد للثاني بلا شك، فان ولدته لاكثر من تسعة أشهر من حين أمكن الاول وطئها ولاقل من ستة أشهر من حين وطئها الثاني فهو غير لاحق بالاول ولا بالثاني وهو مملوك للثاني ان كانت أمه أمة إلا أنها يعتق عليه ولابد لما ذكرنا في كتاب العتق فلو ولدته لاقل من تسعة أشهر من حين أمكن الاول وطئها ولاكثر من ستة أشهر من حين وطئها الثاني فهو للاول ولا بد لان فراشه كان قبل فراش الثاني فلا ينتقل عنه إلا بنص أو يقين من ضرورة مشاهدة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الولد لصاحب الفراش " فإذ لاشك في هذا فلا يجوز أن يبطل الفراش الاول الذى هو المتيقن ويصح فراش ثان بظن لكن بيقين لا مجال للشك فيه، فان تيقن بضؤلة خلقته انه لستة أشهر أو سبعة أشهر أو ثمانيه وكانت هذه المدة قد استوفتها عند الثاني وتيقن بذلك أنه ليس للاول فهو للثاني بلا شك، ولا يجوز أن يكون حمل أكثر من تسعة أشهر ولا أقل من ستة أشهر لقول الله تعالى (وحمله فصاله ثلاثون شهرا) وقال تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) فمن ادعى ان حملا وفصالا يكون في أكثر من ثلاثين شهرا فقد قال الباطل والمحال ورد كلام الله عزوجل جهارا * وقد قال أبو حنيفة: يكون الحمل عامين، واحتج له أصحابه بحديث فيه الحارث بن حصيرة وهو هالك ان ابن صياد ولد لسنتين وهذا كذب وباطل، وابن حصيرة هذا شيعي يقول برجعة على إلى الدنيا، (وذكروا) أيضا ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الاعمش عن أبى سفيان عن اشياخ لهم عن عمرانه رفع إليه امرأة غاب عنها زوجها سنتين فجاء وهى حبلى فهم عمر برجمها فقال له معاذ بن جبل: يا أمير المؤمنين.
ان يك السبيل لك عليها فلا سبيل لك على ما في بطنها فتركها عمر حتى ولدت غلاما قد نبتت ثناياه فعرف زوجها شبهه فقال عمر: عجز النساء أن تكون مثل معاذ لولا معاذ هلك عمر *
قال أبو محمد: وهذا أيضا باطل لانه عن أبى سفيان وهو ضعيف عن اشياخ لهم وهم مجهولون، ومن طريق سعيد بن منصور نا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن جميلة بنت سعد عن عائشة أم المؤمنين قالت: ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل هذا المغزل جميلة بنت سعد مجهولة لا يدرى من هي فبطل هذا القول والحمد لله رب العالمين، وقالت طائفة: لا يكون الحمل أكثر من أربع سنين رويناه عن سعيد بن المسيب(10/316)
من طريق فيها على بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وهو قول الشافعي ولا نعلم لهذا القول شبهة تعلقوا بها أصلا، وقالت طائفة: يكون الحمل خمس سنين ولا يكون أكثر أصلا وهو قول عباد بن العوام والليث بن سعد، وروى عن مالك أيضا ولا نعلم لهذا القول متعلقا أصلا * وقالت طائفة: يكون الحمل سبع سنين ولايكون أكثر وهو قول الزهري.
ومالك، واحتج مقلدوه بان مالكا ولد لثلاثة أعوام وان نساء بنى العجلان ولدن لثلاثين شهرا وان مولاة لعمر بن عبد العزيز حملت ثلاث سنين وان هرم بن حيان الضحاك بن مزاحم حمل بكل واحد منهما سنتين.
وقال مالك: بلغني عن امرأة حملت سبع سنين * قال أبو محمد: وكل هذه أخبار مكذوبة (1) راجعة إلى من لا يصدق ولا يعرف من هو، ولايجوز الحكم في دين الله تعالى بمثل هذا * وممن روى عنه مثل قولنا عمر بن الخطاب كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني يحيى ابن سعيد الانصاري انه سمع سعيد بن المسيب يقول: قال عمر بن الخطاب أيما رجل طلق امرأته فحاضت حيضه أو حيضتين ثم قعدت فلتجلس تسعة أشهر حتى يستبين حملها فان لم يستبن حملها في تسعة أشهر فلتعتد بعد التسعة الاشهر ثلاثة أشهر عدة التى قد قعدت عن المحيض * قال أبو محمد: فهذا عمر لا يرى الحمل أكثر من تسعة أشهر وهو قول محمد
ابن عبد الله بن عبد الحكم.
وأبى سليمان.
وأصحابنا * قال على: الا ان الولد قد يموت في بطن أمه فيتمادى بلا غاية حتى تلقيه متقطعا في سنين فان صح هذا فانه حمل صحيح لا تنقضي عدتها الا بوضعه كله (2) الا انه لا يوقف له ميراث ولا يلحق اصلا لانه لاسبيل إلى أن يولد حيا ولو سعت عند تيقن ذلك في اسقاطه بدوا لكان مباحا لانه ميت بلا شك وبالله تعالى التوفيق * وأما ولد الزوجة لاأكثر من تسعة أشهر من آخر وطئ وطئها زوجها فهو متيقن بلا لعان، وكذلك ان ولدته لافل من ستة أشهر إلا أن يكون سقطا فهو له وتصير الامة به أم ولده وتنقضي به عدة المطلقة والمتوفى عنها، وأما استبراء الامة المنتقلة الملك فقد اختلف في ذلك ايضا كما روينا من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج قال: قال عطاء: تداول ثلاثة من التجار جارية فولدت فدعا عمر بن الخطاب القافة فالحقوا ولدها بأحدهم ثم قال عمر: من ابتاع جارية قد بلغت المحيض فليتربص بها
__________
(1) في النسخة رقم 14 " كاذبة " (2) في النسخة رقم 14 بوضع كله(10/317)
حتى تحيض فان كانت لم تحض فليتربص بها خمسا واربعين ليلة * ومن طريق الحجاج ابن المنهال نا هشيم ارنا الحجاج ومنصور قال الحجاج عن عطاء.
وقال منصور عن سعيد ابن المسيب قالا جميعا: تستبرأ الامة التى لم تحض بشهر ونصف * وقول ثان كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري.
ومعمر قال سفيان عن فراس عن الشعبى عن علقمة عن ابن مسعود، وقال معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قالا جميعا: تستبرأ الامة بحيضة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: كم عدة الامة تباع؟ قال: حيضة، وقاله أيضا عمرو بن دينار * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في الامة تباع وقد حاضت قال: يستبرئها الذى باعها ويستبرئها الذى اشتراها بحيضة أخرى وقال به الثوري * ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن في
الامة إذا باعها سيدها وهو يطؤها قال: يستبرئها بحيضة قبل ان يبيعها ويستبرئها المشترى بحيضة أخرى وهو قول الشافعي.
وأبى سليمان، وقول ثالث كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا هشيم نا منصور عن الحسن انه سئل عن استبراء الامة التى لم تحض قال: تستبرأ بثلاثة أشهر فاتينا ابن سيرين فسألناه عن ذلك فقال ثلاثة أشهر قال هشيم: وأرنا خالد الحذاء عن أبى قلابة قال: تستبرأ الامة بثلاثة أشهر * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: إذا كانت الامة عذراء لم يستبرئها ان شاء قال أيوب: يستبرئها قبل ان يقع عليها * وبه إلى معمر عن قتادة قال في أمة عذراء اشتراها من امرأة قال: لا يستبرئها فان اشتراها من رجل فليستبرئها، وقال سفيان الثوري.
تستبرى.
التى لم تبلغ كما تستبرئ العجوز، وقال أبو حنيفة.
وأصحابه: لايطأ الرجل الجارية يشتريها حتى يستبرئها بحيضة فان كانت لا تحيض فشهر ولا يحل له ان يتلذذ منها بشئ قبل الاستبراء قالوا: فلو اشتراها فلم يقبضها حتى حاضت لم يجز له ان يعد تلك الحيضة استبراء بل يستبرئها بحيضة أخرى ولابد.
قالوا فلو زوجها من رجل لم يكن عليه ان يستبرئها لاهو ولا الناكح إلا في رواية الحسن بن زياد عن أبى حنيفة فانه قال: لا يطؤها حتى يستبرئها بحيضة واختلفوا في التى تحيض تباع فترتفع حيضتها لامن حمل يعرف بها قال أبو حنيفة.
وأبو يوسف لا يطؤها حتى تمضى أربعة أشهر.
وقال محمد بن الحسن: لا يطؤها حتى يمضى عليها شهران وخمس ليال ثم رجع فقال: لا يطؤها حتى تمضى لها أربعة أشهر وعشر ليال.
وقال زفر: لا يطؤها حتى يمضى لها سنتان وهو قول سفيان الثوري، وهذه أقوال في غاية الفساد لانها بلا برهان.(10/318)
قال أبو محمد: واحتج من رأى الاستبراء كما ذكرنا بما رويناه من طريق أبى داود نا عبيدالله بن عمر بن ميسرة نا يزيد بن زريع نا سعيد - هو ابن أبى عروية - عن
قتادة عن صالح بن رستم الخزاز عن أبى علقمة الهاشمي عن أبى سعيد الخدرى ان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابوا سبايا بأوطاس فكان الناس تحرجوا من غشيانهن من اجل ازواجهن من المشركين فانزل الله عزوجل: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن * ومن طريق أبى داود نا عمرو بن عون ارنا شريك عن قيس بن وهب عن أبى الوداك عن أبى سعيد الخدرى رفعه انه قال في سبايا اوطاس: لا توطأ حامل حتى تضع ولاغير ذات حمل حتى تحيض، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن طاوس أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا في بعض مغازيه لا يقعن رجل على حامل ولا على حائل حتى تحيض، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن زكريا عن الشعبى أصاب المسلون سبايا يوم أوطاس فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لا يقعوا على حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة، لا نعلم ورد في هذا غير ما ذكرنا * قال أبو محمد: حديث طاوس.
والشعبى مرسلان ولا حجة في مرسل، وخبر أبى الوداك ساقط لان أبى الوداك وشريكا ضعيفان ثم لو صحت لكانت حجة على من احتج بها لان فيها المنع من وطئ التى ليست حاملا حتى تحيض وهم لا يقولون بهذا بل يحدون حدودا ليست في هذه الآثار، ومن الكبائر مخالفة أثر يحتج به المرء ويصححه وأما اخبر أبى علقمة فهو الذى لا يصح في هذا الباب غيره فليس فيه ذكر للاستبراء أصلا لا بنص ولا بدليل فيه اباحة وطئ المحصنات إذا ملكنا هن فقط فهو عليهم لا لهم، وأما الذى في آخره أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن فلا شك في انه ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلى مراتبه ان يكون من كلام أبى سعيد ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لو صح انه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يصح أبدا لما كانت لهم فيه حجة لانه انما فيه إذا انقضت عدتهن، والعدة المعروفة في الدين ليست الا أربعة أشهر وعشرا في الوفاة وثلاثة قروء للتى تحيض من المطلقات أو ثلاثة أشهر للتى لم تحض أو لا تحيض من المطلقات
أو وضع الحمل لمطلقة أو متوفى عنها ولا مزيد، وهم ههنا جعلوا الاستبراء بحيضة وليس هذا عدة فبطل ان يكون لهم متعلق فيه أصلا، وأما مالك فانه رأى الاستبراء بالمواضعة في علية الرقيق ولم يرها في الوحش ولم يجز اشتراط النقد في ذلك ورأى نفقتها مدة المواضعة على البائع، ورأى ما حدث فيها مدة المواضعة على البائع ورأى(10/319)
المواضعة في البكر ولم ير مع هذا كله ان المواضعة تبرئ من الحمل وهذه أقوال لا تعرف عن أحد قبله وهى مع ذلك في غاية المناقضة والفساد (1)، وأول ذلك ايجابه فرضا شرط المواضعة وهو شرط ليس في كتاب الله عزوجل وأبطل شرط نقد الثمن وهو حق للبائع مأمور في القرآن بايفائه إياه إذ يقول الله تعالى (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) وقوله تعالى: (الا ان تكون تجارة عن تراض منكم) وثانيها فرقه بتفريقه في ذلك بين العالية والوخش وهذا عجب جدا أتراهم يجهلون ان الوخش يحمل كما تحمل العالية ولا فرق، وثالثها ايجابه النفقة على البائع وهذا أكل مال بالباطل ولا يخلو ان يكون صح بينهما بيع أو لم يصح فان كان صح بينهما بيع فأن شئ يوجب النفقة على البائع على أمة غيره وان كان لم يصح بينهما بيع فلاى معنى أوجب المواضعة، فان قالوا: ربما ظهر بها حمل فبطل البيع قلنا: هذا لا يؤمن عندكم بعد الحيضة في المواضعة فاوجبوا في ذلك نفقتها على البائع والا فقد ظهر فساد قولكم يقينا، وكذلك لا يؤمن ظهور عيب يوجب الرد ولافرق، ورابعها إيجابه ما حدث فيها مدة المواضعة على البائع فيلزمه فيها ما ألزمناه في ايجابه النفقة على البائع سواء سواء، وروينا من طريق حماد بن سلمة ارنا على بن يزيد عن أيوب بن عبد الله اللخمى عن ابن عمر قال: وقعت في سهمي جارية يوم جلولاء كأن عنقها ابريق فضه قال ابن عمر: فما ملكت نفسي ان جعلت أقبلها والناس ينظرون فقد أجاز التلذذ بل الاستبراء وبالله تعالى التوفيق * 2012 مسألة ومن استلحق ولد خادم له باعها ولم يكن عرف قبل ذلك
ببينة انه وطئها أو باقرار منه قبل بيعه لها بوطئه إياها لم يصدق ولم يلحق به سواء باعها حاملا أو حدث الحمل بها بعد بيعه لها أو باعها دون ولدها أو باع ولدها دونها كل ذلك سواء فلو صح ببينة عدل انه وطئها قبل بيعه لها أو بأنه أقر قبل ان يبيعها بوطئه لها فان ظهر بها حمل كان مبدؤه قبل بيعه لها بلا شك فسخ البيع بكل حال وردت إليه أم الولد ولحق به ولدها أحب أم كره أقر به أو لم يقر، وكل أمة لانسان صح انه وطئها ببينة أو باقرار منه فانه يلحق به ما ولدت أحب أم كره ولا ينتفع بان يدعى استبراء أو بدعواه العزل، وبالله تعالى التوفيق.
برهان ذلك قول الله عزوجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم واموالكم عليكم حرام " ولا شك في ان الامة قد صح ملكها أو ملك ولدها أو ملكهما للمشترى فقد منع الله عزوجل من قبول
__________
(1) في النسخة رقم 14 في غاية السقاطة والفساد(10/320)
دعوى البائع في ابطال ملك المشترى بالملك لانه كاسب على غيره ومدعى في مال سواء بلا بينة، وقال مالك: ان باعها حاملا ثم ادعى ان ولدها منه فسخ البيع قال: فلو ادعاه وقد اعتقت لم يفسخ العتق والا ابتياع المعتق لها * قال أبو محمد: وهذه مناقضة لاخفاء بها لانه إذا صدق في دعواه ففسخ بها ملك مسلم وصفقته فواجب ان يصدق ويفسخ بها عتق الامة ولا فرق.
بين لم يجز أن يصدق في فسخ العتق فانه لا يجوز ان يصدق في فسخ صفقة مسلم وابطال ملكه وبالله تعالى نتأيد * فان قالوا: البيع يفسخ بالعيب قلنا: والعتق يفسخ بالاستحقاق واما إذا صح وطؤه لها إذا كانت في ملكه أو صح حينئذ اقراره بوطئها * فبرهان قولنا في لحاق الولد به وفسخ العتق والبيع والايلاد فيهما ما روينا من طريق ابى داود السجستاني نا مسدد نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين
قالت: اختصم سعد بن أبى وقاص.
وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابن أمة زمعة فقال ابن زمعة: أخى ابن أمة أبى ولد على فراش أبى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الولد للفراش احتجبي منه يا سودة هو أخوك يا عبد " * نا احمد بن قاسم نا أبى قاسم بن محمد بن قاسم ثنا جدى قاسم بن أصبغ نا احمد بن زهير بن حرب نا أبى نا جرير عن المغيرة ابن مقسم عن أبى وائل عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الولد لصاحب الفراش " * نا حمام بن احمد نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر ابن حماد التيمرتى نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن محمد بن زياد انه سمع أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: " الولد لصاحب الفراش " * قال أبو محمد: فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولد لصاحب الفراش بعد موته في أمة لم يحفظ اقرار سيدها بذلك الولد ولو أقر به لم يحتج عبد بن زمعة لسوى ذلك وحكم عليه الصلاة والسلام بأن الامة فراش وان الولد لصاحب الفراش، وانما تكون الامة فراشا إذا صح ان سيدها افترشها ببينة بذلك أو ببينة باقراره بذلك، وليس أمره عليه الصلاة والسلام سودة أم المؤمنين بالاحتجاب منه بكادح في ذلك أصلا ولا احتجاب الاخت عن أخيها بمبطل اخوته لها البتة لانه ليس فرضا على المرأة رؤية أخيها لها انما الفرض عليها صلة رحمه فقط ولم يأمرها عليه الصلاة والسلام قط بأن لاتصله.
ومن ادعى ذلك فقد كذب وقد قال عليه الصلاة والسلام: هو أخوك يا عبد وهذا يكفى من له عقل، وقد قال بعض من لا يبالي بما اطلق به لسانه من الكذب في الدين: انما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: " هو لك يا عبد " أي هو (م 41 - ج 10 المحلى)(10/321)
عبدك فقلنا: الثابت انه قال: هو أخوك كما أوردنا، ولو قضى به عبدا لم يلزمها ان تحتجب عنه بنص القرآن فاعجبوا لهذل هؤلاء القوم فوجب ما قلنا نصا والحمد لله رب
العالمين.
وإذا صح ان الحمل منه فواجب فسخ بيع الحر وبيع أم الولد وفسخ عتق من أعتقهما وفسخ إيلاد من أولدها بعد ذلك وبالله تعالى التوفيق.
وبهذا جاء الاثر عن السلف، روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر.
وابن جريج كلاهما عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: بلغني ان رجالا منكم يعزلون فإذا حملت لاجارية قال: ليس منى والله لاأوتى برجل منكم فعل ذلك إلا ألحقت به الولد فمن شاء فليعزل ومن شاء لا يعزل، ومن طريق عبد الرزاق عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن صفية بنت أبى عبيد ان عمر بن الخطاب قال: من كان منكم يطأ جاريته فليحصنها فان احدكم لايقر باصابته جاريته إلا الحقت به الولد، وما نعلم في هذا خلافا لصاحب إلا ما روينا من طريق محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى نا سفيان بن عيينة عن أبى الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت ان اباه كانت له جارية يعزل عنها وانها جاءته بحمل فانكر ذلك وذكر الحديث، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن ابن ذكوان هو أبو الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت قال: كان زيد بن ثابت يقع على جارية له وكان يعزلها فلما ولدت انتفى من ولدها وضربها مائة ثم اعتق الغلام * ومن طريق عبد الرزاق عن محمد بن عمر وأخبرني عمرو بن دينار ان ابن عباس وقع على جارية له وكان يعز لها فانتفى من ولدها * قال أبو محمد: وقال أبو حنيفة: لا يلحق ولد الامة بسيدها سواء كانت أم ولد أو لم تكن إلا بأن يدعيه وإلا فهو منتف عنه، وقال مالك: يلحق به لوطئه إياها الا ان يدعى انها استبرأت ثم لم يطاها * قال أبو محمد: كل ما روى في هذا الباب عن الصحابة مخالف لقولهما، والعجب كله ان هذين قولان بلا دليل اصلا لا من قرآن ولا من سنة ولا من رواية سقيمة ولا من قول صاحب.
ولا من قياس.
ولا من رأى له وجه * والعجب كله ان مالكا لا يرى الاستبراء يمنع من الحمل ثم يراه ههنا ينفى النسب به وهذا أعجب من العجب *
2013 - مسألة - والولد يحلق في النكاح الصحيح.
والعقد الفاسد بالجاهل ولا يلحق بالعالم بفساده ويلحق في الملك الصحيح وفى المتملكة بعقد فاسد بالجاهل ولا يلحق بالعالم بفساده لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحق الناس بمن ولدوا ممن تزوجوا من النساء وممن تملكوا في الجاهلية، ولا شك في أنه كان فيهم من نكاحه فاسد وملكه فاسد، ونفى أولاد الزنا جملة بقوله عليه الصلاة والسلام: " وللعاهر الحجر " فصح ما قلنا، وأما(10/322)