يباع الطعام) * ومن طريق ابن أيمن نا هشام نا أبو صالح حدثنى الليث بن سعد حدثنى ابن غنج (1) عن نافع عن ابن عمر أنه حدثه (أنهم كانوا يشترون الطعام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الركبان فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانهم الذى ابتاعوه فيه حتى ينقلوه إلى سوق الطعام) * قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لستة وجوه، أحدها أن المحتجين بهذا هم (2) القائلون بأن الصاحب إذا روى خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم خالفه أو حمله على تفسير ما فهو أعلم بما فسرو قوله حجة في رد الخبر، وابن عمر هو راوي هذا الخبر وقد صح عنه الفتيا بترك التلقى كما أوردنا آنفا والاخذ بما روى من النهى عن التلقى * وثانيها أن هذين خبران هم أول مخالف لنا فيهما فلا كراهة عندهم في بيع الطعام حيث ابتاعه، ولا أسوأ طريقة ممن يحتج بحجة هو أول مبطل لها ومخالف لموجبها * والثالث أنهما موافقان لقولنا لان معنى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يبلغوا به سوق الطعام هو نهى للبائع أن يبيعه وللمشترى أن يبتاعه حتى يبلغ به السوق، ومشهور غير منكور في لغة العرب بعت بمعنى ابتعت ويخرج خبر موسى بن عقبة على هذا أيضا، وأنه عليه السلام نهى البائعين أن يبيعوه في مكانهم الذى ابتاعه المشترون منهم، وهذا معنى صحيح لا داخلة فيه * والرابع أنه حتى لو كان فيهما نص على جواز تلقى الركبان وليس ذلك فيهما لكان النهى ناسخا ولا بد بيقين لا شك فيه لان التلقى كان مباحا بلا شك قبل النهى فكان هذان الخبران موافقين للحال المتقدمة بلا شك، وباليقين يدرى كل ذى فهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نهى عن التلقى فقد بطلت الاباحة
بلا شك فقد بطل حكم هذين الخبرين ونسخ لو صح فهيما إباحة التلقى فكيف وليس ذلك فيهما؟ وهذا برهان قاطع لامحيدعنه، ومن ادعى عود حكم قد نسخ فقد كذب وقفا مالا علم له به وادعى على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يبين كما أمر وان الدين مختلط لا يدرى أحد حرامه من حلاله من واجبه وحاش لله من هذا * وخامسها أن يضم هذا الخبران إلى اخبار النهى فيكون البائعون تخيروا امضاء البيع فأمر المبتاعون بنقله (3) حينئذ إلى السوق فتتفق الاخبار كلها ولا تحمل على التضاد * وسادسها اننا روينا هذا الخبر ببيان صحيح رافع للاشكال من طريق من هو أحفظ وأضبط من جويرية كما روينا من طريق البخاري نا مسدد نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن عبيدالله - هو ابن عمر - حدثه نافع عن عبد الله ابن عمر قال: كانوا يبتاعون (4) الطعام في اعلى السوق ويبيعونه في مكانه (5) فنهاهم
__________
(1) هو - بفتح الغين المعجمة والنون في آخر جيم - محمد بن عبد الرحمن (2) في النسخة 14 به (3) في النسخة 16 (وأمر المتبايعون أن ينقلوه) (4) في النسخة 14 والنسخة 16 يتبايعون وما هنا موافق لما في صحيح البخاري ج 3 ص 151 (5) في صحيح البخاري في مكانهم(8/451)
النبي (1) صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه * ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة.
ومحمد بن عبد الله بن نمير قال ابن أبى شيبة: نا على بن مسهر، وقال أبو بكر: نا أبى ثم اتفق على بن مسهر.
وعبد الله بن نمير كلاهما عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: (كنا نشترى الطعام من الركبان جزافافنها نا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه (2)) فهذا يبين أن البيع كان في السوق الا أنه في أعلاه وفى الجزاف خاصة فنهى المشترون (3) عن ذلك، واحتج أيضا بعضهم بشئ طريف جدا وهو أنه ذكر رواية عن هشام القردوسى عن ابن سيرين عن أبى هريرة وفيه فمن اشتراه فهو بالخيار، وقال: ان هذا اللفظ يوجب الخيار للمشترى أيضا * قال أبو محمد: وهذا مما جروابه على عادتهم الخبيثة في الايهام والتمويه بانهم يحتجون وهم
لا يأتون بشئ لان هذا الذى قاله هذا القائل باطل ولو جاء بهذا اللفظ لكان مجملا تفسره رواية أيوب عن ابن سيرين عن أبى هريرة لهذا الخبر نفسه وان الخيار انما هو للبائع وهكذا قال أبو هريرة.
وابن سيرين في فتياهما، ثم هبك لو صح خيار آخر للمشترى فاى منفعة لهم في هذا؟ وهم لا يقولون بهذا، فلو كان ههنا حياء.
أو ورع لردع عن التمويه بمثل هذا مما هو كله عليهم * قال أبو محمد: وقال بعض الناس: انما أمر عليه السلام بهذا حياطة للجلاب دون أهل الحضر * قال على: وقال بعضهم: بل حياطة على أهل الحضر دون الجلاب * قال أبو محمد: وكلا القولين فاسد وما حياطة النبي صلى الله عليه وسلم لاهل الحضر الا كحياطته للجلاب سواء سواء قال الله تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريض عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم) فهو عليه السلام ذو رأفة ورحمة بالمؤمنين كما وصفه ربه تعالى، ولم يفرق بين المؤمنين من أهل الحضر والمؤمنين من الجالبين وكلهم مؤمنون فكلهم (4) في رأفته ورحمته سواء ولكنها الشرائع يوحيها إليه باعثه عزوجل فيؤديها كما أمر لا يبدلها من تلقاء نفسه ولا ينطق عن الهوى، ولا علة لشئ من احكام الشريعة إلا ما قاله الله عزوجل: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) * (ولا يسئل عما يفعل وهم يسألون) * (لا معقب لحكمه) وما عدا هذا فباطل وافك مفترى، فان قال قائل: فما يقولون في خبر ابن عمر المذكور وهو صحيح وأنتم المنتسبون إلى القول بالسنن؟ قلنا: نعم ولله الحمد كثيرا وسنذكر الحكم الذى في هذه الخبر من نقل الطعام عن موضع ابتياعه وأنه في الجزاف خاصة بعد هذا ان شاء الله تعالى من خبر آخر، وأما هذا الخبر الذى
__________
(1) في صحيح البخاري رسول الله (2) الحديث اختصره المصنف انظر ج 1 ص 446 (3) في النسخة 16 فنهى المشترى (4) في النسخة 14 (وكلهم)(8/452)
ذكرنا ههنا فهو كما ذكرنا ولابد اما أمر للبائعين (1) وهم الركبان الجالبون له بان نهوا
عن ذلك البيع هنا لك ونهى المشترون (2) عن التلقى واما انه مفسوخ بالنهي عن التلقى أو في الجزاف خاصة كما في خبر عبيدالله لابد من أحد هذه الامور لما ذكرنا، ولا يحتمل غير هذين الوجهين أصلا، وبالله تعالى التوفيق * 1469 مسألة ولا يجوز أن يتولى البيع ساكن مصر أو قرية أو مجشر لخصاص (3) لا في البدو ولا في شئ مما يجلبه الخصاص إلى الاسواق.
والمدن.
والقرى أصلا ولا ان يبتاع له شيئا لا في حضر ولا في بدو، فان فعل فسخ البيع والشراء أبدا وحكم فيه بحكم الغصب ولا خيار لاحد في امضائه لكن يدعه يبيع لنفسه أو يشترى لنفسه أو يبيع له خصاص مثله ويشترى له كذلك لكن يلزم الساكن في المدينة.
أو القرية.
أو المجشرأن ينصح للخصاص في شرائه وبيعه ويدله على السوق ويعرفه بالاسعار ويعينه على رفع سلعته ان لم يرد بيعها وعلى رفع ما يشترى، وجائز للخصاص أن يتولى البيع.
والشراء لساكن المصر.
والقرية.
والمجشر، وجائز لساكن المصر.
والقرية.
والمجشر (4) أن يبيع ويشترى لمن هو ساكن في شئ منها * برهان ذلك ما رويناه من طريق مسلم نا زهير بن حرب نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى أن يبيع حاضر لباد) (5) * ومن طريق مسلم نا يحيى بن يحيى أنا هشيم عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين عن أنس بن مالك قال: نهينا أن يبيع حاضر لبادوان كان أخاه أو أباه * ومن طريق مسلم نا اسحاق ابن ابراهيم - هو ابن راهويه - نا عبد الرزاق أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتلقى الركبان وأن يبيع حاضر لباد) قال طاوس: فقلت لابن عباس: ما قوله حاضر لباد؟ قال: لا يكون (6) له سمسارا * ومن طريق أحمد ابن شعيب أنا ابراهيم بن الحسن نا حجاج - هو ابن محمد - قال: قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبع (7) حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) * ومن طريق ابن أبى شيبة نا شبابة عن ابن
أبى ذئب حدثنى مسلم الخياط عن ابن عمر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع حاضر لباد) فهذا نقل خمسة من الصحابة بالطرق الثابتة فهو نقل تواتر، وبه تأخذ الصحابة رضى الله عنهم كما روينا آنفا عن ابن عباس مفسرا مبينا * ومن طريق ابن أبى شيبة نا وكيع
__________
(1) في النسخة 16 أمر البائعين (2) في النسخة 16 المشترى (3) الخصاص جمع خص هو البيت من القصب أي صاحبه (4) يقال أصبح بنو فلان جشرا إذا كانوا يبيتون مكانهم في الابل لا يرجعون إلى بيوتهم (5) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 445 (6) في صحيح مسلم ج 1 ص 445 (لا يكن) (7) في سنن النسائي (لا يبيع) على الخير(8/453)
عن سفيان الثوري عن أبى موسى عن الشعبى كان المهاجرون يكرهون بيع حاضر لباد؟ قال الشعبى: وانى لا فعله (1) * قال أبو محمد: الاولى أن يحمل عليه قول الشعبى وانى لافعله أي انى أكرهه كما كرهوه * ومن طرق سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن مسلم الخياط أنه سمع أبا هريرة ينهى أن يبيع حاضر لباد * ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن عيينة عن مسلم الخياط أنه سمع أبا هريرة يقول: نهى أن يبيع حاضر لباد، وسمع عمر يقول: لا يبيع حاضر لباد * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبى حمزة عن ابراهيم النخعي قال: قال عمر بن الخطاب: دلوهم على السوق دلوهم على الطريق وأخبروهم بالسعر * ومن طريق أبى داود سمعت حفص بن عمر يقول: نا أبو هلال نا محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال: كان يقال: لا يبع حاضر لباد وهى كلمة جامعة لا يبيع له شيئا ولا يبتاع له شيئا * ومن طريق ابن أبى شيبة نا أبو أسامة عن عبد الله بن عون عن ابن سيرين عن أنس قال: لا يبع حاضر لباد * ومن طريق أبى داود نا موسى بن اسماعيل نا حماد بن سلمة عن محمد بن اسحاق عن سالم المكى أن أعرابيا حدثه أنه قدم بجلوبة [ له ] (2) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل على طلحة بن عبيدالله فقال له طلحة: ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد، ولكن اذهب إلى السوق فانظر من يبايعك فشاورني حتى آمرك أو أنهاك * فهؤلاء المهاجرون جملة.
وعمر بن الخطاب.
وأنس.
وابن عباس.
وابو هريرة.
وطلحة لا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضى الله عنهم، وهو قول عطاء.
وعمر بن
عبد العزيز * وروينا عن بعض التابعين خلافه (3) * روينا عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يشترى من الاعرابي للاعرابي قيل (4) له: فيشترى منه للمهاجر؟ قال: لا * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا أبو حرة (5) سمعت الحسن يقول: اشترى للبدوي ولا تبع له * ومن طريق ابن أبى شيبة نا أبو داود - هو الطياسى - عن اياس بن دغفل قرئ علينا كتاب عمر بن عبد العزيز لا يبع حاضر لباد * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن إبن ابى نجيح عن مجاهد قال: انما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد لانه أراد أن يصيب المسلمون من غرتهم فأما اليوم فلا بأس، وقال عطاء: لا يصلح اليوم * ومن طريق وكيع عن ابن خثيم قلت لعطاء: قوم من الاعراب يقدمون علينا أفنشترى لهم؟ قال: لا بأس * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة عن ابراهيم قال: كان يعجبهم أن يصيبوا
__________
(1) في النسخة 16 لا أفعله وهو غلط (2) الزيادة من سنن أبى داود، والجلوية بفتح الجيم ما يجلب للبيع من كل شئ (3) في النسخة 14 خلافا (4) لفظ له سقط من النسخة 14 (5) هو بالحاء المهملة واسمه واصل بن عبد الرحمن البصري وفى النسخة 14 أبو جرة بالجيم وهو تصحيف(8/454)
من الاعراب رخصة، وهو قول الاوزاعي، وسفيان الثوري.
وأحمد.
واسحاق.
والشافعي.
وأبى سليمان.
ومالك.
والليث، قال (1) الاوزاعي: لا يبيع له ولكن يشير عليه وليست الاشارة بيعا الا أن الشافعي قال: ان وقع البيع لم يفسخ، وقال الليث.
ومالك: لا يشير عليه، وقال مالك: لا يبع الحاضر أيضا لاهل القرى ولا بأس بأن يشترى الحضار للبادى انما منع من البيع له فقط، ثم قال: لا يبع مدنى لمصري ولا مصرى لمدني ولكن يشير كل واحد منهما على الآخر ويخبره بالسعر، وقال أبو حنيفة: يبيع الحاضر للبادى لا بأس بذلك * قال أبو محمد: أما فسخنا للبيع فانه بيع محرم من انسان منهى عن ذلك البيع وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وناقض الشافعي ههنا إذ لم
يبطل هذا البيع وأبطل سائر البيوع المنهى عنها بلا دليل مفرق، وأما من قال: ان النهى عن ذلك ليصاب غرة من البدوى وأنه نظر للحاضرة فباطل حاش لرسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا، وهو الذى قال فيه ربه تعالى: (بالمؤمنين رؤف رحيم) وأهل البدو مؤمنون كاهل الحضر فنظره وحياطته عليه السلام للجميع سواء، ويبطل هذا التأويل الفاسد من النظر الصحيح ان ذلك لو كان نظرا لاهل الحضر لجاز للحاضر أن يبيع للبادى من البادى وأن يشترى منه لنفسه وكلا الامرين لا يجوز، فصح أن هذه علة فاسدة وأنه لا علة لذلك أصلا الا الانقياد لامر الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم * وأما قول مالك فخطأ من جهات، أما تفريقه بين البيع للبادى فمنع منه وبين الشراء له فاباحه فخطأ ظاهر لان لفظة لا يبع يقتضى أن لا يشترى له أيضا كما قال أنس بن مالك وهو حجة في اللغة وفى الدين، والعرب تقول: بعت بمعنى اشتريت قولا مطلقا وإذا اشترى له من غيره فقد باع من ذلك الغير له يقينا بلا تكلف ضرورة، وقد قال تعالى: (فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) فحرموا الشراء كما حرموا البيع وأحلوا ههنا الشراء له وحرموا البيع له، وأما قول مالك: لا يبع لاهل القرى فخطأ لان اسم البادى لا يقع عند العرب على ساكن في المدن البتة وانما يقع على أهل الاخبية.
والخصوص المنتجعين مواقع القطر للرعى فقط، وأما تفريقه بين من كان من أهل الدين بمنزلة أهل المدن وبين سائر أهل القرى فخطأ ثالث بلا دليل أصلا * وأما قوله، لا يبع مدنى لمصري ولا مصرى لمدني فخطأ رابع لا دليل عليه البتة ولا نعلم أحدا قاله قبله، وانما تفريقه بين المدنى والمصري فرأى أن يشير كل واحد منهما على الآخر ولا يبيع له ولم ير أن يشير
__________
(1) في النسخة 16 (وقال)(8/455)
حاضر على أعرابي ولا يبيع له فخطأ خامس بلا دليل * فهذه وجوه خمسة مخالفة للخبر المذكور لا دليل على صحة شئ منها لا من قرآن.
ولا من سنة.
ولا من رواية سقيمة.
لا
من قياس: ولا من رأى له وجه.
ولا من قول أحد قبله (1) لا صاحب.
ولا تابع، وأما قوله: لا يشير الحاضر على البادى فان من قال بهذا احتج بما روى في بعض هذه الاخبار من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) * قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه أصلا ولا في هذا اللفظ ما توهموه من الميل على أهل البادية.
لا نص.
ولا أثر.
ولا شبهة بوجه من الوجوه لانه عليه السلام لم يقل: دعوا الحاضرين يرزقهم الله من أهل البادية انما قال: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض وأهل البدو من الناس كما أهل الحضر سواء سواء ولا فرق، فيدخل في هذا اللفظ رزق الله تعالى للبادى من الحاضر.
واللبادى من البادى وللحاضر من البادى وللحاضر من الحاضر دخولا مستويا لامزية لشئ من ذلك على شئ آخر منه فبطل ذلك الظن الكاذب، ولا يحل من بيع البادى والحاضر الا ما يحل من بيع الحاضر للحاضر ولا فرق * فان قالوا: انما نهى عن أن يبيع له قسنا على ذلك أن لا يشير عليه قلنا: القياس كله باطل ولو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لانكم تركتم أن تمنعوا من الشراء له قياسا على البيع له وهو بيع مثله وقستم الاشارة على البيع وليست منه في ورد ولا صدر، ولا يختلفون في أن امرءا لو شاور آخر بعد النداء للجمعة في بيع فأشار عليه لم يحرج ولا أتى مكروها ولو باع أو اشترى لعصى الله تعالى وان من حلف أن لا يبيع فأشار في أمر بيع لم يحنث، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه وللائمة ولجماعة المسلمين) والبادى من المسلمين فالنصحية له فرض، ولو أراد الله تعالى أن لا يشار عليه لنص على ذلك كما نص على البيع على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا النصيحة للبادى آنفا من طريق عمر بن الخطاب.
وطلحة بن عبيد الله ولا مخالف لهما في ذلك من الصحابة، وقد جاء في ذلك أثر كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن حكيم بن أبى يزيد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإذا استنصح الرجل
أخاه فلينصح له) * وأما أبو حنيفة فلم يحتج إلى تطويل لكن خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه عن أن يبيع حاضر لباد بنقل التواتر، وخالف ما جاء في ذلك عن الصحابة رضى الله عنهم دون أن يعرف لهم منهم مخالف وهم يشنعون بأقل من هذا،
__________
(1) في النسخة 16 (نعلمه)(8/456)
فمن أعجب ممن يرد هذه الآثار المتواترة المتظاهرة الصحاح من السنن.
وعن الصحابة ثم يقلد آثار أو اهية مكذوبة في جعل الآبق فلا يعللها ولا يتأول فيها هذا؟ وهم يطلقون في أصولهم ان الاثر وان كان ضعيفا فهو أقوى من النظر وحسبنا الله ونعم الوكيل * 1470 مسألة.
فان كان في حائط أنواع من الثمار من الكمثرى.
والتفاح.
والخوخ.
وسائر الثمار فظهر صلاح شئ منها من صنف دون سائر أصنافه جاز بيع كل ما ظهر من أصناف ثمار ذلك الحائط وان كان لم يطلب بعد إذا بيع كل ذلك صفقة واحدة فان أراد بيعه صفقتين لم يجز بيع ما لم يبدفيه شئ من الصلاح وإن كان قدبدا صلاح ذلك الصنف بعد حاشا ثمر النخل والعنب فقط فانه لا يجوز بيع شئ منه لا وحده ولا مع غيره إلا حتى يزهى ثمر النخل ويبدأ سواد العنب أو طيبه * برهان ذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، ولا يخلو هذا الصلاح الذى به يحل بيع الثمار بعد تحريمه من أن يكون عليه السلام أراد به ابتداء ظهور الطيب في شئ منه أو تناهى الطيب في جميعه أو له عن آخره.
أو في أكثره.
أو في أقله.
أو في جزء مسمى منه كنصف.
أو ثلث.
أو ربع.
أو عشر.
أو نحو ذلك لابد ضرورة من أحد هذه الوجوه، فمن المحال الممتنع الذى لا يمكن أصلا أن يريد عليه السلام أكثره أو أقله أو جزءا مسمى منه ثم لا ينص على ذلك ولا يبينه وقد افترض الله عزوجل عليه البيان فلا سبيل إلى أن يكلفنا شرعا لا ندرى ما هو لانه كان يكون عليه السلام مخالفا لامر ربه تعالى له بالبيان، وهذا ما لا يقوله مسلم، وأيضا فان ذلك
كان يكون تكليفا لنا مالا نطيقه من معرفة ما لم نعرف به وقد أمننا الله تعالى من ذلك بقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) فبطلت هذه الوجوه بيقين لامرية فيه ولم يبق إلا وجهان فقط، إما ظهور الصلاح في شئ منه وان قل.
واما عموم الصلاح لجميعه فنظرنا في لفظه عليه السلام فوجدناه حتى يبدو صلاحه فصح أنه ظهور الصلاح وبصلاح حبة واحدة يطلق عليه في اللغة أنه قدبدا صلاح هذا الثمر، فهذا مقتضى لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أنه عليه السلام أراد صلاح جميعه لقال: حتى يصلح جميعه، وأيضا فان جميع الثمار يبدو صلاح بعضه ثم يتتابع صلاح شئ شئ منه فلا يصح آخره الا ولو ترك أوله لفسدو ضاع بلا شك، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اضاعة المال، وأيضا فلا نعرف أحدا (1) قال هذا قديما ولا حديثا، ومازال الناس يتبايعون الثمار كل عام عملا عاما فاشيا ظاهرا بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) ثم كذلك كل عام في جميع أقطار أهل الاسلام ما قال قط أحد: إنه
__________
(1) في النسخة 4 (فلا يعرف احد) (2) في النسخة 16 (بعلمه عليه السلام) (م 5 8 ج 8 المحلى)(8/457)
لا يحل بيع الثمر إلا حتى يتم صلاح جميعه حتى لا يبقى منه ولاحبة واحدة * قال أبو محمد: فإذ الامر كما ذكرنا فبيع ثمار الحائط الجامع لا صناف الشجر صفقة واحدة بعد ظهور الطيب في شئ منه جائز وهو قول الليث بن سعد لانه بيع ثمار قد بدا صلاحها ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان ذلك لا يجوز الا في صنف واحد، ولو كان ذلك هو اللازم لما أغفل عليه السلام بيانه، وأما إذا بيع الثمر صفقتين فلا يجوز بيع ما لم يبدفيه شئ من الصلاح بعد سواء كان من صنف قدبدا الصلاح في غيره أو من صنف آخر لانه بيع ثمرة لم يبد صلاحها وهذا حرام، وانما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم الضمير - وهو الهاء الذى في صلاحه - إلى الثمر المبيع المذكور في الخبر بلا شك فصح ما قلناه يقينا، وأما النخل.
والعنب فقد خصهما نص آخر وهو نهيه عليه السلام عن بيع ثمر النخل حتى تزهى أو تحمر، وعن بيع العنب حتى يسود أو يبدو صلاحهه بدخوله في سائر الثمار وان كان (1) مما لا يسود، فلا يجوز بيع شئ من ثمار النخل والعنب الا حتى
يصير المبيع منهما في حال الازهاء أو ظهور الطيب فيه نفسه بالسواد أو بغيره، وبالله تعالى التوفيق * 1471 مسألة ولا يحل بيع فراخ الحمام في البرج مدة مسماة كسنة.
أو ستة أشهر.
أو نحو ذلك لانه بيع ما لم يخلق.
وبيع غرر لا يدرى كم يكون.
ولا أي صفة يكون فهو أكل مال بالباطل، وانما الواجب في الحلال في ذلك بيع ما ظهر منها بعد أن يقف البائع أو وكيله.
والمشترى أو وكيله عليها وان لم يعرفا أو أحدهما عددها أو يرها أحد من ذكرنا فيقع البيع بينهما على صفة الذى رآها (2) منهما، فان تداعيا بعد ذلك في فراخ فقال المشترى: كانت موجودة حين البيع فدخلت فيه، وقال الآخر: لم تكن موجودة حينئذ ولا بينة حلفامعا وقضى بها بينهما لانها في أيديهما معا هي بيد المشترى بحق الشراء للفراخ التى في البرج وهى بيد صاحب الاصل بحق ملكه للاصل من الامهات والمكان وبالله تعالى التوفيق، والا ان كان المشترى قبض كل الفراخ وعرف ذلك ثم ادعى أنه بقى له شئ هنا لك فهو للبائع وحده مع يمينه لانه مدعى عليه فيما بيده * 1472 مسألة وجائز بيع الصغار من جميع الحيوان حين تولد ويجبر كلاهما على تركها مع الامهات إلى أن يعيش دونها عيشا لا ضرر فيه عليها، وكذلك يجوز بيع البيض المحضونة ويجبر كلاهما على تركها إلى أن تخرج وتستغني عن الامهات * برهان ذلك قول الله عزوجل: (وأحل الله البيع) وأما ترك كل ذلك إلى أن يستغنى عن
__________
(1) في النسخة 14 (ان كان) (2) في النسخة 16 رآه(8/458)
الامهات فلقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) والنهى عن اضاعة المال.
والوعيد الشديد على من عذب الحيوان وأصبرها، وازالة الصغار عن الامهات قبل استغنائها عنها عذاب لها وقتل الا من ذبحها للاكل فقط على ما ذكرنا في كتاب ما يحل أكله وما يحرم وازالة البيض بعد أن تغيرت بالحضن عن حالها اضاعة للمال *
1473 مسألة ولا يحل بيع شئ من ثمر النخل من البلح.
والبسر.
والزهو.
والمنكث.
والحلقان.
والمعو.
والمعد.
والثغد.
والرطب بعضه ببعض من صنفه أو من صنف آخر منه ولا بالثمر لا متماثلا ولا متفاضلا لا نقداو لا نسيئة لا في رؤس النخل ولا موضوعا في الارض، ويجوز بيع الزهو.
والرطب بكل شئ يحل بيعه حاشا ما ذكرنا نقدا وبالدراهم والدنانير نقدا ونسيئة حاشا العرايا في الرطب وحده، ومعناها ان ياتي أو ان الرطب ويكون قوم يريدون ابتياع الرطب للاكل فابيح لهم أن يبتاعوا رطبا في رؤس النخل بخرصها تمرا فيما دون خمسة أوسق يدفع التمر إلى صاحب الرطب ولابد ولا يحل بتأخير ولا في خمسة أو سق فصاعدا ولا باقل من خرصها تمرا ولا باكثر فان وقع بما قلنا: انه لا يجوز فسخ أبدا وضمن ضمان الغصب * برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم نا ابن نمير: وزهير بن حرب قالا جميعا: نا سفيان بن عيينة نا الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) عن بيع الثمر بالتمر) * ومن طريق مسلم نا عبد الله بن مسلمة القعنبى نا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد الانصاري عن بشير بن يسار عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل دارهم منهم سهل بن أبى حثمة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر وقال: ذلك الربا) (2) * وصح أيضا من طريق رافع بن خديج.
وأبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (النهى عن بيع التمر بالتمر) والثمر يقتضى الاصناف التى ذكرنا، وصح النهى عن ذلك عن سعيد بن أبى وقاص، ولم يجز سعيد بن المسيب قفيز رطب بقفيز من جاف، وهو قول مالك.
والشافعي.
والليث.
وأبى يوسف.
ومحمد بن الحسن.
وأبى ثور.
وأبى سليمان، وهو الخارج من أقوال سفيان.
وأحمد.
واسحاق، وأجاز أبو حنيفة بيع الرطب بالتمر كيلا بمثله نقدا ولم يجزه متفاضلا ولا نسيئة وقال: انما يحرم بيع الثمر الذى في رؤوس النخل خاصة بالتمر ولم يجز ذلك لا في العرايا ولا في غيرها، واحتج له مقلدوه بما صح من طريق ابن عمر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة، والمزابنة أن
يباع ما في رؤس النخل من ثمر بتمر مسمى بكيل ان زاد فلى وان نقص فعلى) ومثله مسندا
__________
(1) في صحيح مسلم ج 1 ص 448 (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى) الخ والحديث فيه مطول (2) الحديث في صحيح مسلم ج 1 ص 449 مطولا(8/459)
أيضا من طريق أبى سعيد الخدرى * ومن طريق عطاء عن جابر بن عبد الله أنه فسر لهم المزابنة أنها بيع الرطب في النخل بالتمر كيلا * قال أبو محمد: لا حجة لهم في شئ من هذه الاخبار لا ننا لم ننازعهم في تحريم الرطب في رؤس النخل بالتمر كيلا نعم وغير كيل، ولانازعنا هم في أن هذا مزابنة فاحتجاجهم بها تمويه وايهام ضعيف وليس في شئ من هذه الاخبار ولا غيرها انه لا يحرم من بيع الثمر بالتمر الا هذه الصفة فقط ولا في شئ من هذا ان ما عدا هذا فحلال لكن كل ما في هذه الاخبار فهو بعض ما في حديث ابن عمر الذى صدرنا به، وبعض ما في حديث سهل بن أبى حثمة.
ورافع.
وأبى هريرة، وتلك الاخبار جمعت ما في هذه (1) وزادت عليها فلا يحل ترك ما فيها من زيادة الحكم من أجل أنها لم تذكر في هذه الاحاديث كما أن قول الله تعالى: (منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) ليس حجة في اباحة الظلم في غيرها، وهكذا جميع الشرائع أولها عن آخرها ليست كل شريعة مذكورة في كل حديث، وأيضا فاننا نقول لهم: من أين قلتم: ان المراد في تلك الاخبار التى فيها النهى عن بيع الثمر بالتمر انما هو ما ذكر في هذه الاخبار الاخر من النهى عن بيع الثمر في رؤس النخل بالتمر، وما برهانكم على ذلك؟ وهل زدتمونا على الدعوى المجردة الكاذبة شيئا؟ ومن أين وجب ترك عموم تلك الاخبار الثابتة من أجل أنه ذكر ى هذه بعض ما في تلك؟ فانهم (2) لا سبيل لهم إلى دليل أصلا لا قوى.
ولا ضعيف فحصلوا على الدعوى فقط، فان ادعوا اجماعا على ما في هذه كذبوا * وقد روينا من طريق ابن أبى شيبة نا ابن المبارك عن عثمان بن حكيم عن عطاء عن ابن عباس قال: الثمر بالتمر على رؤس النخل مكايلة إن
كان بينهما ديار أو عشرة دراهم فلا بأس به، وهذا خبر صحيح، وعثمان بن حكيم ثقة وسائر من فيه أئمة أعلام، وقد فسر ابن عمر المزابنة كما روينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر المزابنة.
والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا.
وبيع الكرم بالزبيب كيلا) * وحدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر - هو ابن حماد - نا مسدد نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن عبيدالله بن عمر أخبرني نافع (3) عن ابن عمر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر واشتراء العنب بالزبيب كيلا) فمن جعل تفسير ابن عمر باطلا وتفسير جابر.
وأبى سعيد صحيحا (4) بل كلاهما حق وكل ذلك مزابنة منهى عنها،
__________
(1) في النسخة 14 هذا (2) في النسخة 16 (فانه) (3) في النسخة 14 (بن عمر عن نافع) (4) إذا كان قوله فمن جعل استفهاما يكون قوله بعد صحيحا تاما، وإذا كان اسما موصولا مبتدءا أو شرطا فالكلام غير تام وكثيرا ما يقع مثل ذلك في كلام المصنف وتقديره (فغير صحيح) يدل عليه ما بعده والله أعلم(8/460)
وما عدا هذا فضلال وتحكم في دين الله تعالى بالباطل * والعجب كله من اباحة أبى حنيفة ومن قلده دينه ما قد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على النهى عن من بيع الرطب بالتمر.
وبيع التمر بالتمر.
وتحريمه ما لم يحرمه الله تعالى قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا جاء قط عنه نهى من بيع الجوز على رؤس أشجاره بالجوز المجموع، وهذا عجب جدا! وما رأينا قط سنة مضاعة الا والى جنبها بدعة مذاعة ونعوذ بالله من الخذلان * واحتجوا أيضا بان قالوا: لا يخلوا الرطب.
والتمر من أن يكونا جنسا واحدا أو جنسين فان كانا جنسا واحدا فالتماثل في الجنس الواحد جائز لا باحة رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر مثلا بمثل وان كانا جنسين فذلك فيهما أجوز لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اختلفت الاصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) * قال أبو محمد: فنقول لهم: الذى أباح التمر بالتمر متماثلا يدا بيد وأمرنا إذا
اختلفت الاصناف أن نبيع كيف شئنا إذا كان يدا بيد هو الذى نها نا عن بيع الرطب بالتمر جملة.
وعن بيع التمر بالتمر، وأخبرنا أنه الربا وليست طاعته في بعض ما أمر به واجبة وفى بعضه غير واجبة هذا كفر ممن قاله بل طاعته في كل ما أمر به واجبة لكن يا هؤلاء أين كنتم عن هذا الاستدلال الفاسد الذى صححتموه وعارضتم به سنة الله تعالى ورسوله عليه السلام؟ إذ حرمتم برأيكم الفاسد بيع الدقيق بالحنطة أو بالسويق جملة فلم تجيزوه لا متفاضلا ولا متماثلا.
ولا نقدا.
ولا نسيئة.
ولا كيلا.
ولا وزنا، وهلا قلتم لانفسكم: لا يخلوا الدقيق والحنطة.
والسويق من أن تكون جنسا واحدا أو جنسين أو ثلاثة أجناس، فان كانت جنسا واحدا فالتماثل في الجنس الواحد جائز لاباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحنطة بالحنطة مثلا بمثل، وإن كانت جنسين أو ثلاثة فذلك فيها أجوز لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اختلفت الاصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) فهذا المكان أولى بالاعتراض وبالرد وبالاطراح لاقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه، فقال قائل منهم: التفاضل في الدقيق بالحنطة موجود في الوقت وأما في الرطب بالتمر فلا يوجد إلا بعد الوقت فقلنا: فكان ماذا لو كان ما قلتم حقا؟ ومن أين وجب مراعاة التفاضل في الوقت أو بعده؟ فكيف والذى قلتم باطل؟ لان المماثلة بالكيل موجودة في الرطب بالتمر كما هي موجوده في الدقيق بالسويق.
وفى الدقيق بالحنطة في الوقت فلا تفاضل فيهما أصلا وإنما كان التفاضل موجودا في الدقيق بالسويق فيما خلا وبطل الآن ولا يقطع أيضا بهذا فبطل فرقكم الفاسد، وأيضا فانما أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر بالتمر مثلا بمثل، وبالمشاهدة ندرى أن الرطب ليس مثلا للتمر في صفاته * واحتجوا أيضا بأن قالوا: بيع التمر الحديث بالتمر القديم جائز وهو ينقص(8/461)
عنه فيما بعد فقلنا: نعم فكان ماذا؟ ومتى جعلنا لكم علة المنع من بيع الرطب بالتمر انما هي نقصانه إذا يبس؟ حاشا لله أن يقول هذا لان الاثر الذى من طريق سعد الذى فيه أينقص الرطب إذا جف (1) لا يصح لانه من رواية زيد بن أبى عياش وهو مجهول، ولو صح
لاذعناله ولقلنا به، وهذا التعليل منكم باطل وتخرص في دين الله تعالى لم يأت به قرآن.
ولا سنة وانما هو الطاعة لله تعالى ولرسوله عليه السلام فقط: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) ونقول لمن ادعى التعليل وانه هو الحكمة وما عداه عبث: أخبر ونا ما علة تحريم الميتة.
والدم.
ولحم الخنزير.
والخامسة في النكاح.
وسائر الشرائع؟ فلا سبيل لهم إلى وجود شئ أصلا فمن أين وجب أن تعلل بعض الشرائع بالدعاوي الكاذبة ولا تعلل سائرها؟ وما نعلم لابي حنيفة سلفا قبله في اباحة الرطب بالتمر ممن يحرم الربا في غير النسيئة، وقال مالك: بيع الرطب بالرطب جائز وهذا خطأ لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر بالتمر، وقال الشافعي كقولنا وبالله تعالى التوفيق، وأما العرايا روينا من طريق نافع عن ابن عمر قال: كانت العرايا أن يعرى الرجل في ماله النخلة والنخلتين * قال على: ليس في هذا بيان حكم العرايا، وروينا عن موسى بن عقبة أنه قال: العرايا نخلات معلومات يأيتها فيشتريها، وروينا عن يزيد بن ثابت.
ويحيى بن سعيد الانصاري.
ومحمد بن اسحق أنها النخلة والنخلتان والنخلات تجعل للقوم فيبيعون ثمرها بخرصها تمرا، وقال سفيان بن حسين.
وسفيان بن عيينة.
والاوزاعي.
وأحمد بن حنبل مثل هذا إلا أنهم خصوا بذلك المساكين يجعل لهم ثمر النخل فيصعب عليهم القيام عليها فأبيح لهم أن يبيعوها بما شاءوا من التمر * وروينا عن عبدربه بن سعيد الانصاري أن العرية الرجل يعرى النخلة أو يستثنى من ماله النخلة أو النخلتين يأكلها فيبيعهما بمثل خرصهما تمرا، وقال أبو حنيفة: العرية أن يهب الرجل رجلا آخر ثمرة نخلة أو نخلتين ثم ببدو له فيعطيه مكان ثمر ما أعطاه تمرا يابسا فيخرج بذلك عن اخلاف الوعد، وقال مالك: العرية أن يهب الرجل لآخر ثمر نخلة أو نخلتين أو نخلات من ماله ويكون الواهب ساكنا بأهله في ذلك الحائط فيشق عليه دخول المعرى في ذلك الحائط فله أن يبتاع منه ذلك الثمر بخرصه تمرا إلى الجداد، ولا يجوز عنده إلا نسيئة ولابد، وأما يدا بيد فلا، وأما قول الشافعي فأنه قال: العرية أن يأتي أو ان
الرطب وهناك قوم فقراء لا مال لهم ويريدون ابتياع رطب يأكلونه مع الناس ولهم فضول تمر من أقواتهم فأبيح لهم أن يشتروا الرطب بخرصها من التمر فيما دون خمسة أوسق تقدا
__________
(1) في النسخة 16 (إذا يبس)(8/462)
ولابد، وأما قولنا الذى ذكرنا فهو قول يحيى بن سعيد الانصاري.
وأبى سليمان وروينا من طريق مسلم نا محمد بن رمح بن المهاجر نا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد الانصاري قال: العرية أن يشترى الرجل ثمر النخلاف لطعام أهله رطبا بخرصها تمرا (1) * قال أبو محمد: أما قول ابن عمر.
وموسى بن عقبة فلا بيان فيهما، وأما قول زيد بن ثابت وأحد قولى يحيى بن سعيد.
وابن اسحاق.
وسفيان بن حسين.
والاوزاعي.
وأحمد فانه يحتج له بما روينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها من التمر (2) * قال على: ليس لهم في هذا الحديث حجة أصلا وانما فيه أن صاحب الرطب هو الذى يبيعه بخرصه تمرا ونحن هكذا نقول، وجائز عندنا أن نبيع الرطب كذلك الذى هو له والنخل معا، وجائز أن نبيعه أيضا كذلك من مالك (3) الرطب وحده بهبة أو بشراء أو بميراث أو باجازة أو باصداق، فهذا الخبر موافق لقولنا ولله الحمد، وليس فيه إلا صفة البائع فقط وليس فيه من هو المشترى، وأما من ذهب مذهب عبد ربه بن سعيد فانه يحتج له بما رويناه من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة نا أبو أسامة عن الوليد بن كثير حدثنى بشير بن يسار مولى بنى حارثة أن رافع بن خديج.
وسهل بن أبى حثمة حدثاه (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة الثمر بالتمر إلا أصحاب العرايا فانه أذن لهم) (4) * قال أبو محمد: وهذا لاحجة لهم فيه لانه ليس فيه بيان قولهم لا بنص ولا باشارة ولا بدليل وانما فيه أن أصحاب العرايا أذن لهم في التمر بالتمر فقط وهكذا نقول فبطل أن يكون لشئ من هذين القولين في شئ من هذين الخبرين حجة (5) ثم نظرنا في قول الشافعي فوجدناه
دعوى بلا برهان وانما ذكر فيه حديثا لا يدرى أحد منشأه ولا مبدأه ولا طريقه ذكره أيضا بغير اسناد فبطل أن يكون فيه حجة وحصل قوله دعوى بلا برهان - نعنى تخصيصه ان الذين أبيح لهم ابتياع الرطب بخرصه تمرا انماهم من لا شئ لهم يبتاعون به الرطب ليأكلوه فقط - ثم نظر نا في قول مالك فوجدنا قوله: ان العرية هي ثمر نخل تجعل لآخرين، وقوله: ان الذين جعلوه يسكنون بأهليهم في الحائط الذى فيه تلك النخل وقوله: ان أصحاب النخل ينادون بدخول الذين جعل لهم تلك النخل أقوالا ثلاثة لا دليل على شئ منها.
لا في قرآن.
ولا في سنة.
ولا في رواية سقيمة.
ولا في قول صاحب.
ولا تابع.
ولا قياس.
ولا لغة.
ولا رأى له وجه، وما نعلمه عن أحد قبله، ثم الشنعة (6) والاعجوبة
__________
(1) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 449 باطول من هذا (2 (سقط لفظ (من التمر) من الموطأ ج 2 ص 125 (3) في النسخة 14 (من ملك) (4) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 450 (5) سقط لفظ (حجة) من النسخة 14 (6) في النسخة 16 ثم السفه(8/463)
العظيمة قوله: ان ذلك لا يجوز الا نسيئة إلى الجداد ولا يجوز نقدا أضلا، وهذا هو الربا المحرم جهارا ثم إلى أجل مجهول ولا نعلم هذا عن أحد قبله، وهو حرام مكشوف لا يحل أصلا وانما حل ههنا الرطب بالتمر بالنص الوارد فيه فقط، ووجدنا النسيئة فيما فيه الربا حراما بكل وجه فلما حل بيع التمر بالتمر ههنا لم يجز الا يدا بيد ولا بد لانه لا بيع الا إما نقدا واما نسيئة فالنسيئة حرام لانه ربا في كل ما يقع فيه الربا بلا خلاف.
- ولانه شرط ليس في كتاب الله تعالى - يعنى اشتراط تأخيره فهو باطل فلم يبق الا النقد فلم يجز غيره وبالله تعالى التوفيق * ثم نظر نا في قول أبى حنيفة فوجدناه أبعد (1) الاقوال لانه خالف جميع الآثار كلها جهارا وأتى بدعوى لادليل عليها ولا نعلم أحدا قال بها قبله، والخبر في استثناء جواز بيع الرطب بالتمر لاهل العرايا خاصة منقول نقل التواتر رواه رافع وسهل.
وجابر.
وأبو هريرة، وزيد وابن عمر في آخرين سواهم كل من سمينا هو عنهم
في غاية الصحة فخالفوا ذلك بآرائهم الفاسدة * والبرهان لصحة قولنا هو ما رويناه من طرق جمة كلها ترجع إلى مالك أن داود ابن الحصين حدثه عن أبى سفيان مولى ابن أبى أحمد عن أبى هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق) يشك داود * قال أبو محمد: فاليقين واقع فيما دون خمسة أوسق بلا شك فهو مخصوص فيما حرم من بيع التمر بالتمر ولا يجوز ان يباح متيقن الحرام بشك، ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح ذلك في خمسة أوسق لحفظه الله تعالى حتى يبلغ الينا مبينا وتقوم به الحجة فلم يفعل الله تعالى ذلك فايقنا أنه لم يبحه نبيه عليه السلام قط في خمسة أوسق لكن فيما دونها بيقين، وبالله تعالى التوفيق * فلا يجوز لاحد أن يبلغ بذلك في عام واحد في صفقة واحدة ولا في صفقات خمسة أوسق أصلا لا البائع ولا المشترى (2) لانه يخالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم * ومن طريق مسلم بن الحجاج نا يحيى بن يحيى - هو النيسابوري - أنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد الانصاري أخبرني نافع أنه سمع [ عبد الله ] (3) بن عمر يحدث ان زيد بن ثابت حدثه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا) * ومن طريق مسلم نا عبد الله بن مسلمة القعنبى نا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد الانصاري عن بشير بن يسار عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل دارهم
__________
(1) في النسخة 14 أفسد (2) في النسخة رقم 16 لا لبائع ولا لمشتر (3) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 449(8/464)
منهم سهل بن أبى حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) (أنه نهى عن بيع التمر بالتمر وقال: ذلك الربا تلك المزابنة الا أنه رخص في بيع العرية والنخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا) *
قال أبو محمد: تحديد النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبى هريرة ما دون خمسة أو سق يقضى على هذه الاحاديث لانه ان كان في النخلتين خمسة أو سق لم يجزو ان كان في النخلات أقل من خمسة أوسق جاز ذلك فيها لان تحديد الخمسة الاوسق زيادة حكم.
وزيادة حد.
وزيادة بيان لا يجوز تركها وبالله تعالى التوفيق * 1474 مسألة فمن ابتاع كذلك رطبا للاكل ثم مات فورثت عنه.
أو مرض.
أو استغنى عن أكلها إلا أنه حين اشتراها كانت نيته أكلها بلا شك فقد ملك الرطب ملكا صحيحا ويفعل فيه ما شاء من بيع أن غيره وبالله تعالى التوفيق * 1475 مسألة ولا يجوز حكم العرايا المذكور في شئ من الثمار غير ثمار النخل كما ذكرنا، ولايجوز بيع شئ من الثمار سوى ثمر النخل بخرصها أصلا لا في رؤس النخل ولا مجموعة في الارض أصلا، ولا يحل أن يباع العنب بالزبيب كيلا لا مجموعا ولا في عوده ولا بيع الزرع بالحنطة لما روينا من طريق مسلم حدثنا يحيى بن معين.
وهارون ابن عبد الله قالا: نا أبو أسامة نا عبيدالله - هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع الزبيب بالعنب كيلا.
وعن كل ثمر بخرصه * ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة نا محمد بن بشر نا عبيدالله - هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر أنه أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الزرع بالحنطة كيلا) * ومن طريق مسلم نا قتيبة نا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة أن يبيع ثمر حائطه ان كانت نخلا بتمر كيلا وان كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا وان كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام) (2) * 1476 مسألة فان كان ثمر ما عدا ثمر النخل جاز أن يباع بيابس ورطب من صنفه ومن غير صنفه باكثر منه وباقل ومثله، وان يسلم في جنسه وغير جنسه ما لم يكن بخصره كما ذكرنا وما لم يكن زبيبا كيلا بعنب لان الله تعالى قال: (وأحل الله البيع) وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فلو كان حراما لفصل لنا تحريمه (وما كان ربك
نسيا) فان قيل: قد نهى عن الرطب باليابس وروى أنه عليه السلام سأل: أينقص الرطب إذا يبس؟ فقيل: نعم فنهى عن بيعه بالتمر قلنا: أما أينقص الرطب إذا يبس فان مالكا.
(1) في صحيح مسلم (أن رسول الله) الخ (2) في النسخة 16 (بكيل من طعام) وما هنا موافق لما في صحيح مسلم ج 1 ص 450 (م 59 ج 8 المحلى)(8/465)
واسماعيل بن أمية روياه عن عبيد الله بن يزيد عن زيد أبي عياش عن سعد، وقال مالك مرة: زيادة أبى عياش مولى بنى زهرة وهو رجل مجهول لا يدرى من هو، ثم لو صح لما وجب أن يكون ذلك علة لغير ما نص عليه فيه من الرطب بالتمروحده لانه كان يكون تعديا لحدود الله عزوجل، ومن العجب العجيب أن يكون صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا إلا السن والظفر أما السن فانه عظم وأما الظفر فانه مدى الحبشة) (1) فخالفه (2) الحنيفيون.
والمالكيون ولا يرون العظمية علة لما يمنع من أن يزكى به ولا يرى الشافعيون كون الذى يزكى به من مدى الحبشة علة في منع الذكاة به إلا في الظفر وحده، ثم يجعلون ما لم يصح عنه من (أينقص الرطب إذا يبس) علة في جميع الثمار وأى عجب أعجب من هذا!، وأما الرطب باليابس فلا يصح أصلا لانه أثر رويناه من طريق أبى صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث وهو ضعيف عن الليث بن سعد عن أسامة ابن زيد وهو ضعيف وغيره وهو مجهول عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود بن سفيان عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رطب بتمر؟ فقال: أينقص الرطب؟ قالوا: نعم قال: لا يباع الرطب باليابس) ومثل هذا لا يحل الاحتجاج به ولو صح لما ترددنا في الاخذ به، والعجب من الحنيفيين الآخذين بكل ضعيف.
ومرسل كالوضوء من القهقهة في الصلاة.
والوضوء بالنبيذ.
وغير ذلك! ثم يخالفون هذا المرسل.
وهذا الضعيف، وأيضا فان الشافعيين.
والمالكيين المدعين الاخذ بهذا الخبر قد خالفوه لانهم يبيحون بيع الرطب من التمر.
والتين.
والعنب باليابس من غير جنسه، وهذا خلاف لعموم الخبر، فان قالوا: انما أريد بذلك ما كان من جنسه قلنا: وما دليلكم على ذلك؟ وما الفرق بينكم وبين أبى حنيفة القائل: انما أريد بذلك ما كان في رؤس أشجاره فقط؟ وهل هي إلا دعوى بدعوى بلا برهان؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل * وروينا من طريق ابن أبى شيبة نا يحيى بن أبى زائدة عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى سعيد الخدرى قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة.
والمزابنة.
فالمحاقلة في الزرع والمزابنة في النخل) هذا نص لفظ أبى سعيد رضى الله عنه وهذا نص قولنا لانه لم ير المزابنة إلا في النخل وحده لا في سائر الثمار والحمد لله رب العالمين، وما نعلم له من الصحابة رضى الله عنهم مخالفا * ومن طريق مسلم نا عبد الله بن مسلمة القعنبى نا سليمان بن بلال عن يحيى - هو ابن سعيد الانصاري - عن بشير بن يسار عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ من
__________
(1) هي جمع مدية وهى السكين (2) في النسخة 16 فخالف(8/466)
أهل دارهم ] (1) منهم سهل بن أبى حثمة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع التمر بالتمر وقال: ذلك الربا تلك المزابنة الا أنه رخص في بيع العرية) وذكر الحديث * ومن طريق مسلم نا محمد بن رمح نا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة ان يبيع ثمر حائطه ان كانت نخلا بتمر كيلا وان كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا.
وان كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام)) (2) * قال أبو محمد: لامزابنة الا مابين النبي صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة رضى الله عنهم بعده أنه مزابنة ولا ما عدا ذلك فباطل وخطأ متيقن بلا شك وبالله تعالى التوفيق * 1477 - مسألة - فان قال قائل: فأنتم المنتمون إلى الاخذ بما صح من الآثار وقد رويتم من طريق ابن وهب أخبرني ابن جريج عن عطاء.
وأبى الزبير عن جابر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر حتى يطيب ولا يباع شئ منه إلا بالدنانير.
والدراهم)
ورويتموه أيضا من طريق سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا خبر في غاية الصحة قلنا وبالله تعالى التوفيق: نعم لان الثمار كلها إذا يبست جدت أو لم تجد فهى ثمار قد طابت بلا خلاف من أحد ولا خلاف في اللغة، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر ببيع التمر بالتمر يدا بيد كيلا بكيل مثلا بمثل وأمر ببيعه بغير صنفه كيف شئنا، فصح النص على جواز بيع التمر بما شئنا مما يحل بيعه فكان ما في هذا مضافا إلى ما في خبر جابر المذكور وزائدا عليه فكان ذلك لا تبيعوا الثمر إذا طاب إلا بالدنانير والدراهم.
وبما شئتم حاشا ما نهيتم عنه، وهذا هو الذى لا يجوز غيره، وقد صح الاجماع المتيقن المقطوع به على أن جميع الثمار بعد طيبها حكمها فيما يباع مما يجوز حكم التمر، وهذا برهان صحيح وبالله تعالى التوفيق، وما نعلم أحدا منع من بيع التمر بغير الدنانير والدراهم (3) وبالله تعالى التوفيق * 1478 مسألة الربا، والربا لا يكون إلا في بيع.
أو قرض.
أو سلم، وهذا ما لا خلاف فيه من أحد لانه لم تأت النصوص الا بذلك ولا حرام الا ما فصل تحريمه قال الله تعالى: (خلق لكم ما في الارض جميعا) وقال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) * 1479 - مسألة - والربا لا يجوز في البيع.
والسلم الافى ستة أشياء فقط.
في التمر.
والقمح.
والشعير.
والملح.
والذهب.
والفضة، وهو في القرض في كل شئ فلا يحل اقراض شئ ليرد اليك أقل ولا أكثر ولا من نوع آخر أصلا لكن مثل ما أقرضت
__________
(1) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 449 (2) الحديث في صحيح مسلم ج 1 ص 450 وفيه بعض تغيير في ألفاظه (3) في النسخة 16 (بغير الدينار والدراهم)(8/467)
في نوعه ومقدار، على ما ذكرنا في كتاب القرض من ديواننا هذا فأغنى عن اعادته، وهذا اجماع مقطوع به، والفرق بين البيع والسلم وبين القرض هو أن البيع.
والسلم يكونان
في نوع بنوع آخرو في نوع بنوعه ولا يكون القرض الا في نوع بنوعه ولابد، وبالله تعالى التوفيق، وكذلك الذى ذكرنا من وقوع الربا في الانواع الستة المذكورة في البيع والسلم فهو اجماع مقطوع به وما عدا الانواع المذكورة فمختلف فيه أيقع فيه الربا أم لا؟ * والربا من أكبر الكبائر قال تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بانهم قالوا: انما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا) وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) * ومن طريق مسلم نا هرون بن سعيد الايلى نا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن ثور بن زيد (1) عن أبى الغيث عن أبى هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات [ قيل: يا رسول الله وما هن؟ ] (2) قال: الشرك بالله.
والسحر.
وقتل النفس التى حرم الله الا بالحق.
وأكل مال اليتيم.
وأكل الربا.
والتولى يوم الزخف.
وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) * ومن طريق مسلم نا عثمان بن أبى شيبة نا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن المغيرة بن مقسم نا ابراهيم - هو النخعي - عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود قال: 0 (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله) (3) * قال أبو محمد: فإذ أحل الله تعالى البيع وحرم الربا فواجب طلب معرفته ليجتنب، وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) فصح أن ما فصل لنا بيانه على لسان رسوله عليه السلام من الربا أو من الحرام فهو ربا وحرام وما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال لانه لو جاز أن يكون في الشريعة شئ حرمه الله تعالى ثم لم يفصله لنا ولا بينه رسوله عليه السلام لكان تعالى كاذبا في قوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) وهذا كفر صريح ممن قال به، ولكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصيا لربه تعالى إذ أمره بالبيان فلم يبين (4) فهذا كفر متيقن ممن أجازه * وممن قال: لا ربا الا في الاصناف المذكورة طاوس.
وقتادة.
وعثمان البتى.
وأبو سليمان.
وجميع أصحابنا، واختلف الناس في هذا فقالت طائفة: ان هذه الاصناف الستة انما ذكرت لتكون دلالة على ما فيه الربا مما سواها مما يشبهها في العلة التى حيثما وجدت كان ما وجدت فيه ربا، ثم اختلفوا في تلك العلة وكل طائفة منها تبطل علة
__________
(1) في النسخة 14 (عن ثور بن يزيد) وهو غلط (2) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 27 (3) الحديث في صحيح مسلم ج 1 ص 469 باطول من هذا (4) في النسخة 16 (ولم يبين)(8/468)
الآخرين أو تنفيها فقالت طائفة: هي الطعم.
واللون * روينا من طريق ابن وهب عن يونس بين يزيد قال: سئل ابن شهاب عن الحمص بالعدس اثنان بواحد يدا بيد؟ فقال ابن شهاب: كل شئ خالف صاحبه باللون.
والطعم فلا أراده الا شبه الطعام، قال ابن وهب: وبلغني عن ابن مسعود.
ويحيى بن سعيد الانصاري.
وربيعة مثله * قال أبو محمد: فنظرنا في هذا فوجدناه قولا بلا دليل فسقط، وقد بين ابن شهاب أنه رأى منه والرأى إذا لم يسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو خطأ بلا شك، وقالت طائفة: هي وجوب الزكاة كما روينا من طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن أنه كان لا يرى بأسا بالتفاحتين بالتفاحة.
والخوخ مثل ذلك.
وكل ما لم تجز فيه الزكاة فنظر نا في هذا فوجدناه أيضا قولا بلا دليل ووجدنا الملح لا زكاة فيه.
والربا يقع فيه بالنص فبطل * قال على: ولا يعجز من قلد ربيعة في هذا عمار قدر عليه مالك.
والشافعي بزيادتهم في علتهم كما قال الشافعي: علة الربا الطعم.
والتثمين، وقول مالك: علة الربا الادخار فيما يؤكل والتثمين فهل هذا الاكقول من قلد ربيعة علة الربا بما فيه الزكاة والملحية؟ وهل هي الا دعوى كدعوى كلاهما بلا برهان؟ وقالت طائفة: بغير ذلك كما روينا من طريق عبد الرزاق نا عبد الله بن كثير عن شعبة سألت الحكم بن عتيبة عمن اشترى خمسة عشر جريبا من أرض بعشرة أجربة فقال: لا بأس به وكرهه حماد بن أبى سليمان ولا
ندرى ما علته في ذلك ولعلها الجنس، فلم يجز التفاضل في جنس واحد كائنا ما كان والله أعلم الا أنها دعوى ليست غيرها أصح منها ولا هي بأضعف من غيرها، وقد روى مثله (1) عن سعيد بن جبير وهو انه جعل علة الربا تقارب المنفعة في الجنس الواحد أو الجنسين، وقد روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا الربيع بن صبيح عن محمد بن سيرين قال: إذا اختلف النوعان فلا بأس إذا كان (2) يدا بيد واحدا باثنين * قال أبو محمد: وهذه أعم العلل فيلزم من قال منهم: بالعلة العامة أن يقول بها، وقال المالكيون: علة الربا هي الاقتيات.
والادخار في الجنس فما كان يدخر مما يكون قوتا في الاكل فالربا فيه نقدا ونسيئة، وما كان لا يقتات ولا يدخر فلا يدخل الربا فيه يدا بيد، وان كان جنسا واحدا لكن يدخل فيه الربا في النسيئة إذا كان جنسا واحدا، وهذه هي علة المتقدمين منهم، ثم رغب عنها المتأخرون منهم لانهم وجدوها تفسد عليهم لان الثوم.
أو البصل.
والكراث.
والكرويا.
والكسبر.
والخل.
والفلفل، نعم
__________
(1) في النسخة 14 (مثاله) (2) في النسخة 14 بما كان(8/469)
والملح الذى جاء فيه النص ليس منه شئ يكون قوتا أصلا بل بعضه يقتل إذا أكل منه مثل نصف وزن ما يؤكل مما يتقوت به كالملح.
والفلفل فلو أن انسانا أكل رطل فلفل في جلسة لقتله بلا شك، وكذلك الملح.
والخل الحاذق، وكذلك الثوم، ووجدوها تفسد عليهم أيضا في اللبن.
والبيض فانهما لا يمكن ادخارهما، والربا عندهم يدخل فيهما، ووجدوها أيضا تفسد عليهم في الكمون.
والشونيز.
والحلبة الرطبة.
والكسبر والكرويا ليس شئ من ذلك قوتا والربا عندهم في كل ذلك، فلما رأوا هذه العلة كذلك وهى علة من قلدوه دينهم اطرحوها ولم تكن عيهم مؤنة في استخراج غيرها بآرائهم ليستقيم لهم آراؤهم في الفتيا عليها فقال بعضهم: انما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى القوت وهو البر وأدون القوت وهو الملح ليدل على أن حكم ما بينهما كحكمهما *
قال أبو محمد: هذا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم مجرد بلا كلفة، وما ندرى كيف ينشرح صدر مسلم لا طلاق مثل هذا على الله تعالى.
وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم؟ ولو أطلق هذا المطلق مثله على سائس حماره بغير أن يخبره به عن نفسه لكان كاذبا مجرحا بذلك فكيف على الله تعالى وعلى نبيه عليه السلام؟ اللهم لك الحمد على عظيم نعمتك في تنفيرنا عن مثل هذا وشبهه، ثم لم يرض سائرهم هذه العلة وقالوا: ليس الملح دون (1) الاقوات بل الحاجة إليه أمس منها إلى الثوم.
والحلبة الرطبة.
والشونيز فارتادوا غيرها كمن يتحكم في بيدر تمره يأخذ ما استحسن ويترك ما لم يستحسن، فقالوا: العلة في الربا مختلفة فمنها الاقتيات والادخار كما قال أسلافهم قياسا على البر والشعير، ومنها الحلاوة.
والادخار كالزبيب والتين.
والعسل قياسا على التمر، ومنها التأدم.
والادخار قياسا على الملح، وهذا تعليل استصئنعه لهم محمد بن عبد الله (2) بن صالح الابهري، وهذا تعليل يفسد عليهم لان السلجم (3) والباذنجان.
والقرع.
والكرنب، والرجلة.
والقطف.
والسلق.
والجزر.
والقنبيط.
واليربز إدام الناس في الاغلب، وكثير من ذلك يدخر ولا يقع الربا فيه عندهم كاللفت.
والجزر.
والباذنجان، بل كل ذلك يجوز منه اثنان بواحد يدا بيد من جنس واحد فاطرح بعضهم هذه العلة ولم تعجبه لما ذكرنا فزاد فيها بان قال: ومنها الحلاوة.
والادخار مما يتفكه به.
ويصلح للقوت فلم يرض غيره منهم هذه العلة وقال: ليست بشئ لان الفلفل.
والثوم.
والكرويا.
والكمون ليس شئ منها يتفكه به ولا يصلح للقوت ولا يتأدم به ولا هو حلو، وأيضا فان العناب.
والاجاص المزبب والمكثرى المزبب.
والمخيطاء كلها حلو يتفكه به ويصلح لقوت، ولا يدخل الربا في
__________
(1) في النسخة 14 (أدون) (2) سقط جملة (بن عبد الله) من النسخة 14 (3) في النسخة 14 (بان السلجم)(8/470)
شئ منه عندهم فاحتاج إلى استعمال علة أخرى فقال: العلة هي الاقتيات.
والادخار وما يصلح به الطعام المتقوت به ليصح (1) له فيما ظن ادخال الكمون.
والكرويا.
والبصل.
والثوم.
والكراث.
والفلفل.
والخل فيما يقع فيه الربا قياسا على الملح لان الطعام يصلح بكل ذلك (2) * قال أبو محمد: وهذه أفسد العلل التى ذكروا وان كانت كلها فاسدة واضحة البرهان، برهان ذلك أن اصلاح الطعام بما ذكرنا من التوابل.
والخضراوات.
والخل لا يشبه اصلاحه بالملح أصلا لان الطعام المبطوخ ان لم يصلح بالملح لم يؤكل صلا ولا يقدر عليه أحد الا من قارب الموت من الجوع أو خافه، واما اصلاحه بالتابل.
والخضراوات المذكورة فما بالطعام إلى شئ منه حاجة الا عن بذخ (3) وأشر، وأيضا فان كل ذى حسن سليم في العالم يدرى بضرورة الحس ان اصلاح الطعام بالكرويا، والكمون.
والفلفل.
والكسبر.
والشونيز.
كاصلاحه بالدار صينى.
والخولنجان.
والقرفة.
والسنبل.
والزعفران ولا فرق بل اصلاحه بهذه أطيب له وأعبق.
وأصلح منه بتلك والربا عندهم لا يدخل في هذه، وبلا شك ان الضرورة في اصلاح الطعام بالماء أشد وأمس والربا عندهم لا يدخل في الماء بالماء وما نعلم لهم علة غير ما ذكرنا، وهذه العلل كلها ذكر بعضها عبد الله بن أبى زيد القيرواني، وذكر سائرها ابن القصار.
وعبد الوهاب بن على ابن نصر في كتبهم مفرقة ومجموعة * قال أبو محمد: وكلها فاسد بما ذكرنا من التخاذل وبانها موضوعة مستعملة، ويقال لهم: ما الفرق بين علتكم هذه وبين من قال: بل علة الربا ما كان ذا سنبل قياسا على البر: والشعير، وما كان ذا نوى قياسا على التمر، وما كان طعمه ملحيا قياسا على الملح.
وما كان معدنيا قياسا على الذهب.
والفضة، فان قالوا: لم يقل بهذا أحد قلنا: ولا قال بعللكم أحد قبلكم، فان قال قائل: هذه أيضا يكون مثلكم، وأيضا فمن أين خرج لكم أن تعللوا البر.
والشعير.
والتمر.
والملح؟ ولا تعللون الذهب.
والفضة وكلها جاء النص به سواء، فمن أين هذا التحكم يا هؤلاء؟ وهل هذا إلا شبه اللعب؟ وليس هذا مكان دعوى اجماع فقد علل الحنيفيون الذهب والفضة بالوزن وعللوا الاصناف
الاربعة بالكيل * قال على: وغيرهم لم يعلل شيئا من ذلك ولا بد من تعليل الجميع والقياس عليه أو ترك تعليل الجميع وترك القياس عليه والاقتصار على ما جاء به النص فقط وهذا ما لا مخلص لهم
__________
(1) في النسخة 14 (ليصلح) (2) في النسخة 16 (بذلك كله) (3) هو بالتحريك الفخر والتطاول، والاشر البطر، وقيل أشد البطر(8/471)
منه أصلا وقد أجهد نا أنفسنا في أن نجد لنظارهم شيئا يقوون به شيئا من هذه العلل يمكن ايراده وان كان شغبا فما قدر نا عليه في شئ من كتبهم وجهدنا أن نجدلهم شيئا نورده وان لم يوردوه كما نفعل بهم وبكل من خالفنا فانهم وان كانوا لم ينتبهوا له فلا يبعد أن ينتبه له منتبه فيشغب به فما قدرنا على ذلك، وأيضا فاننا لم نجد لما لك في تعليله المذكور الذى عليه بنى أقواله في الربا سلفا البتة لا من صاحب: ولا من تابع.
ولا من أحد قبله، ولهم تخاليط عظيمة في أقوالهم في الربا تقصيناها في غير هذا المكان ولم نذكرها ههنا لانه كتاب مختصر لكن يكفى من ايرادها أن ينظر كل ذى فهم كيف تكون أقوال بنيت (1) على هذه القواعد وفروع أنشئت من هذه الاصول؟ وبالله تعالى التوفيق * وقالت طائفة منهم أبو ثور.
ومحمد بن المنذر.
والنيسابوري وهو قول الشافعي في أول قوليه: علة الربا هي الاكل.
والشرب.
والكيل.
والوزن.
والتثمين، فما كان مما يوكل أو يشرب أو يكال أو يوزن لم يجزمنه من جنس واحد واحد باثنين لايدا بيدولا نسيئة وكذلك الذهب والفضة، وما كان يكال.
أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب، أو كان يؤكل أو يشرب مما لا يكال ولا يوزن فلا ربا فيه يدا بيد والتفاضل فيه جائز، فأجازوا الاترج في الاترج متفاضلا نسيئة، وكذلك كل ما لا يوزن ولا يكال مما يؤكل أو يشرب وكل ما يكال أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب ولا هو ذهب ولا فضة، وهذا القول صح عن سعيد بن المسيب ذكره مالك عن أبى الزناد عنه في موطأه
ولا نعلمه على أحد قبل سعيد ولا عن غيره من أهل عصره، وحجة أهل هذا القول أنهم ادعوا الاجماع عليه قالوا: وما عداه فمختلف فيه ولا دليل على وجوب الربا فيما عا ما ذكرنا * قال أبو محمد: ودعواهم ههنا باطل لان من ادعى الاجماع على أهل الاسلام وفيهم الجن.
والانس في مسألة لم يرو فيها قول عن ثمانية من الصحابة أصلا أكثرها باطل لا يصح.
ولا عن ثلاثه عشر من التابعين أصلا على اختلاف شديد بينهم فقد ادعى الباطل فكيف والخلاف في هذا أشهر من الشمس؟ لان ما لكا ومن وافقه لا يرون الربا في الماء ولا في كل ما يكال أو يوزن مما يؤكل ويشرب إذا لم يكن مقتاتا مدخرا، فلا يرون الربا في التفاح.
ولا في العناب.
ولا في حب القنب.
ولا في زريعة الكتان.
ولا في الكرنب.
ولا في غير ذلك وكله يوزن أو يكال ويؤكل فبطل هذا الاجماع المكذوب، وما وجدنا لهم حجة غير هذا أصلا ولا قدرنا على أن نأتى لهم بغير ها فبطل هذا القول لتعريه من البرهان
__________
(1) في النسخة 16 (ثبتت)(8/472)
وبالله تعالى التوفيق * وقالت طائفة: علة الربا انما هي الطعم في الجنس أو الجنسين.
والتثمين في الجنس أو الجنسين فما كان يؤكل.
ويشرب فلا يجوز متفاضلا أصلا ولا بنسيئة أصلا وانما يجوز فيه التماثل نقدا فقط إذا كان في جنس واحد فان كان من جنسين جاز فيه التماثل والتفاضل نقدا، ولم يجز فيهما النسيئة، وما كان لا يؤكل ولا يشرب ولا هو ذهب ولا فضة فالتماثل والتفاضل والنقدر والنسيئة جائز فيه جنسا كان أو جنسين فاجاز رطل حديد برطلى حديد إلى أجل، وكذلك في كل ما لا يؤكل ولا يشرب ولا هو ذهب ولا فضة، ومنع من بيع رطل سقمو نيا برطلى سقمونيا، وكذلك كل ما يتداوى به لانه يطعم على وجه ما، وهو قول الشافعي الآخر وعليه يعتمد أصحابه واياه ينصرون، واحتج أهل هذه المقالة
بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطعام بالطعام مثلا بمثل) من طريق معمر ابن عبد الله العدوى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: هكذا رويناه من طريق مسلم نا هرون بن معروف أنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو - هو ابن الحرث - أن أبا النضر حدثه ان بسر بن سعيد حدثه عن معمر ابن عبد الله العدوى قال: (كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الطعام بالطعام مثلا بمثل (1)) * قال على: وحرفه بعض متأخريهم ممن لا علم له بالحديث ولا ورع له يحجزه عن أن يتكلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يقله ولا جاء عنه وبما لاعلم له به فأطلقه اطلاقا بلا اسناد (2) فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يباع الطعام بالطعام الا مثلا بمثل) * قال أبو محمد: وهذا كذب بحت وتعمد لوضع الحديث ان لم يكن خطأ من جاهل، وما جاء هكذا قط ولا يوجد أبدا من طريق غير موضوعة * قال أبو محمد: ولا حجة لهم في الخبر المذكور لانه انما فيه الطعام بالطعام مثلا بمثل وليس فيه المنع عند مثلا بأكثر ولا اباحته انما هو مسكوت عنه فوجب طلبه من غير هذا الخبر، وأيضا فان لفظة الطعام لا تطلق في لغة العرب الا على البر وحده كما روينا من طريق أبى سعيد الخدرى - وهو حجة في اللغة - كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط فلم يوقع اسم الطعام الاعلى البر وحده، وأيضا فإذا كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطعام بالطعام مثلا بمثل) موجبا عندكم للمنع من بيع الطعام بالطعام أكثر من مثل بمثل فاجعلوا - ولابد - اقتصاره
__________
(1) الحديث في صحيح مسلم ج 1 ص 467 مطولا ذكر المصنف محل الشاهد منه (2) في النسخة 14 بلاسند (م 60 ج 8 المحلى)(8/473)
عليه السلام على ذكر الاصناف الستة مانعا من وقوع (1) الربا فيما عداها والا فقد تناقضتم * (فان قالوا): فما الفائدة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (2): (الطعام بالطعام مثلا
بمثل)؟ قلنا: أعظم الفائدة إن كنتم تتعدون باسم الطعام إلى كل ما يؤكل فان فيه إبطال قول المالكيين: لا يجوز تفاحة بتفاحة إلا حتى يوقن أيهما أكبر.
ولا الخضر بالخضر إلا حتى يوفن أيها أكثر وان كان لا يتعدى بلفظة الطعام البر ففيه اباحة بيع بر فاضل بأذنى وفاضل وأدنى بمتوسط إذا تماثلت في الكيل، وأيضا فلا يطلق عربي ولا مستعرب على السقمونيا اسم طعام لا باطلاق ولا باضافة، فان قالوا: قد تؤكل في الادوية قلنا: والصندل قد يؤكل في الادوية والطين الارمينى.
والاحمر.
والطفل كذلك والسبد.
واللؤلؤ.
وحجر اليهود كذلك، فأوقعوا الربا في كل ذلك وهم لا يفعلون هذا نعم وفى الناس من يأكل أظفاره.
وشعر لحيته: والرق أكلا ذريعا فأوقعوها في الطعام وأدخلوا الربا فيها لانهما قد يؤكلان (3) أيضا، واحتجوا أيضا بما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكى نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الرقى نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا يوسف بن موسى نا محمد بن فضيل نا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار.
وأبى سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبى سعيد الخدرى قال: (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما مختلفا فتبايعناه بيننا بزيادة فنها نا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأخذه إلا كيل بكيل) * وبما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أخبرني ابراهيم بن الحسن نا حجاج - هو ابن محمد - قال: قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تباع الصبرة من الطعام بالصبرة من الطعام ولا الصبرة من الطعام بالكيل من الطعام المسمى (4)) فهذان حديثان صحيحان الا انهما لاحجة لهم فيهما لان اسم الطعام لا يقع كما قلنا عند العرب مطلقا الا على البر فقط كما ذكرنا عن أبى سعيد الخدرى آنفا * (فان قيل): فقد قال الله عزوجل: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) فأراد تعالى ذبائحنا وذبائحهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام)) قلنا: لا نمنع من وقوع اسم الطعام على غير البر باضافة أو بدليل من النص على أن هذا الاحتجاج هو على الشافعيين لالهم لانهم لا يختلفون في أحد قوليهم ان
ذبائح أهل الكتاب وذبائحنا جائز بعضها ببعض متفاضلا، وفى قولهم الثاني: إنه لا يجوز بيع شئ منها بشئ أصلا حتى ييبس، وهذان القولان مخالفان لا حتجاجهم باطلاق اسم
__________
(1) في النسخة 16 (من ذكر) (2) في النسخة 14 قوله عليه السلام (3) كذا في جميع النسخ بالتثنية، والظاهر (لانها قد تؤكل) لان الضمير راجع إلى الاظفار.
والشعر، والرق - وهو الجلد الرقيق - وهى اصناف ثلاثة تنبه والله أعلم (4) في سنن النسائي ج 7 ص 270 بالكيل المسمى من الطعام(8/474)
الطعام على اللحوم وغيرها * قال أبو محمد: وهذان الخبران مخالفان لقول مالك.
وأبى حنيفة جملة ان حملاهما على أن الطعام واقع على كل ما يؤكل مبطلان لقولهما في الربا وبالله تعالى التوفيق * وأما حديث أبى سيعد فكما قلنا ويبطل أيضا احتجاجهم به بانه قد رواه عن ابن اسحاق من هو أضبط وأحفظ من ابن فضيل قتيبة كما روينا من طرق ابن أبى شيبة نا ابن نمير - هو عبد الله - نا محمد بن اسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدرى (قال: قسم فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما من التمر مختلفا بعضه أفضل من بعض فذهبنا نتزايد فيه فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الا كيلا بكيل) فبطل تعلقهم بذلك، وأيضا فانه لا خلاف بيننا وبينهم في أن ذلك الطعام الذى فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم انما كان صنفا واحدا اما تمرا.
واما شعيرا: واما برا: أو غير ذلك لان فيه نهيهم عن أن يبيعوه بعضه ببعض بزيادة هذا ما لا شك فيه فاذهو كذلك فتسميته بالطعام ليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمكن لهم أن ينازعونا في معناه ثم يحملوه على عمومه انما هو من كلام أبى سعيد، وقد أخبرنا عن أبى سعيد أنه لا يطلق اسم الطعام الا على البرثم لا يماروننا في أن حكم ذلك الخبر انما هو في ذلك المقسوم هذا نص مقتضى لفظ الخبر يقينا ضرورة ولابد فلا حجة لهم فيه في جميع أصناف ما يريدون أن يسموه طعاما الا بقياس فاسد ينازعون فيه وهم لا يدعون معرفة ما كان من صنف ذلك الطعام فيمكنهم عندنا أن يحتجوا علينا به لو
صح لهم أنه لم يكن برا.
ولا تمرا.
ولا شعيرا ويبطل تعلقهم به ان كان برا.
أو تمرا.
أو شعيرا لان هذا هو قولنا في هذه الاصناف الثلاثة فبطل تعلقهم بخبر أبى سعيد بيقين لا امكان في سواه ولله تعالى الحمد، واستدركنا في حديث جابر ما رويناه من طريق أحمد ابن شعيب قال: ونا به ابراهيم بن الحسن مرة أخرى فقال: نا حجاج قال: قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلتها (1) بالكيل المسمى من التمر، فقد أخبر أحمد بن شعيب أن ابراهيم بن الحسن حدثهم بذلك الحديث مرة أخرى فاخبر عنه أنه هو ذلك الحديث نفسه، وصح أن ابراهيم بن الحسن حدث به مرة على ما هو معناه عنده ومرة على ما سمعه وأيضا فان حجاج بن محمد لم يذكر فيه أنه سمعه من ابن جريج [ فظاهره الانقطاع ] (2) * وقد رويناه مسندا صحيحا من طريق مسلم بن الحجاج قال: نا [ أبو الطاهر ] (3) أحمد بن عمرو بن السرح أنا ابن وهب أخبرني ابن جريج أن أبا الزبير أخبره أنه سمع (4) جابر
__________
(1) في سنن النسائي ج 7 ص 270 (مكيلها) (2) الزيادة من النسخة 14 (3) الزيادة من صحيح مسلم ج 2 ص 447 (4) في صحيح مسلم قال: سمعت(8/475)
ابن عبد الله يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلتها بالكيل المسمى من التمر)، قال مسلم: وناه أيضا اسحاق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - أنا روح بن عبادة نا ابن جريج أنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فذكر مثله الا أنه لم يقل بالكيل المسمى في آخر الحديث، فهذا هو المتصل الصحيح، وصح بهذا كله أن ابراهيم بن الحسن اخطأ فيه مرة واستدرك أخرى أو حدث به مرة على معناه عنده ومرة كما سمعه كما رواه غيره وبالله تعالى التوفيق، فبطل التعلق بهذين الخبرين جملة، فان موهوا بما رويناه من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبى الزبير عن جابر قال: كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعطى الصاع من حنطة
بستة أصوع من تمر فاما سوى ذلك من الطعام فيكره ذلك إلا مثلا بمثل، فهذا لا شئ لانه من طريق ابن لهيعة وهو ساقط، ثم لو صح لكان موقوفا على جابر وليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم هو مخالف لقول المالكيين.
والشافعيين.
والحنيفيين جملة لانهم لا يمنعون من التفاضل في التمر مع غير البر ولا يتقتصرون في اباحة التفاضل في البر بالتمر خاصة كما في هذا الخبر، هذا كل ما يمكن أن يحتجوا به قد تقصيناه * وذكروا في ذلك عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما روينا من طريق ابن وهب عن يونس ابن يزيد عن ابن شهاب الزهري بلغنا أن عمر بن الخطاب قال: لا بأس أن تتبايعوا يدا بيد ما اختلفت ألوانه من الطعام يريد التمر بالقمح والتمر بالزبيب * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه قال: ما اختلفت ألوانه من الطعام فلا بأس به يدا بيد البر بالتمر.
والزبيب بالشعير وكرهه نسيئة، وكان يكره الطعام أن يباع شئ منه بشئ نظرة * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا الربيع بن صبيح عن عطاء بن أبى رباحأنه كان يكره أن يشترى شيئا من الفاكهة ما يكال بشئ من الطعام نسيئة * قال أبو محمد: أما قول عمر فمنقطع ثم لو صح (1) فقد روى عن عمر خلافه كما نذكر في ذكرنا قول أبى حنيفة إن شاء الله تعالى، ثم ليس فيه بيان بمنعه (2) من النظرة فيما عدا الستة الاصناف فبطل تعلقهم به، وأما حديث ابن عمر فلا حجة فيه وهو صحيح لانه كراهية لا تحريم ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى عنه خلافه على ما نذكر إن شاء الله تعالى في ذكرنا أقوال أبى حنيفة فعاد حجة عليهم لانه خلاف قولهم، ثم كم قصة خالفوا فيها عمر.
وابن عمر كتوريث عمر المطلقة ثلاثا في المرض، وقول عمر:
__________
(1) في النسخة 16 (ولو صح) (2) سقط لفظ بمنعه من النسخة 16(8/476)
وابن عمر فيمن أكل بظن أنه ليل فإذا به قد طلع الفجر إن صومه (1) تام ولا قضاء عليه،
وفى توريث ذوى الارحام.
وفي أن لا يقتل أحد قودا بمكة.
وفى أن لا يحج أحد على بعير جلال.
وفى غير ما قصة، فكيف ولم يأت عن عمر.
وابنه رضى الله عنهما وعن عطاء ههنا الا الكراهية فقط لا التحريم الذى يقدمون عليه بلا برهان أصلا؟ * وقد حدثنا محمد ابن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن بعض أصحابه عن ابن عمر قال: انه ليعجبنى أن يكون بين الحلال.
والحرام ستر من الحرام، وقد جاء عن عمر أنه خاف أن يزيد فيما نهى عنه من الربا أضعاف الربا المحرم خوفا من الوقوع فيه على ما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا يزيد بن زريع عن داود بن أبى هند عن عامر الشعبى أن عمر بن الخطاب قام خطيبا فقال: انا والله ما ندرى لعلنا نأمركم بأمور لا تصلح لكم ولعلنا ننهاكم عن أمور تصلح لكم وانه كان من آخر القرآن نزولا آيات الربا فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبينه لنا فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم * قال على: حاش لله من أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبين الربا الذى توعد فيه أشد الوعيد.
والذى أذن الله تعالى فيه بالحرب ولئن كان لم يبينه لعمر فقد بينه لغيره وليس عليه أكثر من ذلك ولا عليه أن يبين كل شئ لكن أحد لكن إذا بينه لمن يبلغه فقد بلغ ما لزمه تبليغه * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عيسى بن المغيرة عن الشعبى قال: قال عمر بن الخطاب: تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الربا، فبطل أن يكون لهم متعلق في شئ مما ذكرنا، وحصل قولهم لا سلف لهم فيه أصلا ولا نعرفه عن أحد قبلهم * وقالوا: انما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ستة أصناف أربعة مأكولة واثنتين هما ثمن الاشياء فقسنا على المأكولة كل مأكول ولم نقس على الاثمان شيئا فقلنا: هذا أول الخطأ ان كان القياس باطلا فما يحل لكم أن تقيسوا على الاربعة المأكولة المذكورة غيرها وان كان القياس حقا فما يحل لكم أن تدعوا الذهب.
والفضة دون أن تقيسوا عليهما كما فعلتم في الاربعة المأكولة ولا فرق فقيسوا على الذهب والفضة كل موزون كما فعل أبو حنيفة.
أو كل
معدني، فان أبيتم وعللنم الذهب والفضة بالتثمين قلنا: هذا عليكم لا لكم لان كل شئ يجوز بيعه فهو ثمن صحيح لكل شئ يجوز بيعه باجماعكم مع الناس على ذلك، ولا ندرى من أين وقع لكم الاقتصار بالشمين على الذهب.
والفضة ولا نص في ذلك ولا قول أحد من أهل الاسلام؟ وهذا خطأ في غاية الفحش.
ولازم للشافعيين.
والمالكيين
__________
(1) في النسخة 16 فان صومه(8/477)
لزوما لا انفكاك منه، وأيضا فما الذى جعل علتكم باولى من علة الحنيفيين الذين عللوا الاربعة الاصناف بالكيل.
والذهب.
والفضة بالوزن وقالوا: لم يذكر عليه السلام الا مكيلا أو موزونا، وهذا ما لا مخلص لهم (1) منه وحاش لله أن يكون ههنا علة لم يبينها الله في كتابه ولا على لسان رسوله عليه السلام بل تركنا في ضلال ودين غير تام ووكلنا إلى ظنون أبى حنيفة.
ومالك.
والشافعي التى (2) لا معنى لها هذا أمر لا يشك فيه ذوعقل والحمد لله رب العالمين، وقالت طائفة: علة (3) الربا هي الكيل والوزن في جنس واحد أو جنسين فقط فإذا كان الصنف مكيلا بيع بنوعه كيلا بمثله يدا بيد ولم يحل فيه التفاضل ولا النسيئة وجاز بيعه بنوع آخر من المكيلات متفاضلا يدا بيد ولا يجوز فيه النسيئة، وإذا كان موزونا جاز بيعه بنوعه وزنا بوزن نقدا ولايجوز فيه التفاضل ولا النسسيئة وجاز بيعه بنوع آخر من الموزونات متفاضلا يدا بيد ولا يجوز فيه النسيئة إلا في الذهب.
والفضة خاصة فانه يجوز أن يباع بفهما سائر الموزونات نسيئة (4) وجاز بيع المكيل بالموزون متفاضلا ومتماثلا نقدا ونسيئة كاللحم بالبر أو كالعسل بالتمر أو الزبيب بالشعير وهكذا في كل شئ، وهو قول أبى حنيفة.
وأصحابه، وقد رغب بعض المتأخرين منهم عن هذه العلة بسبب انتقاضها عليهم في الذهب والفضة بسائر (5) الموزونات فلجأ إلى أن قال: علة الربا هي وجود الكيل.
أو الوزن فيما يتعين فما زادو نا بهذا الا جنونا وكذبا بدعواهم ان الدنانير.
والدراهم لا تتعين وهذه مكابرة العيان، وأيضا فان علة
الذهب (6) والفضة عندهم تتعين وهم يجيزون تسليمه فيما يوزن فلم ينتفعوا بهذه الزيادة السخيفة في ازالة تناقضهم، ثم أتوا بتخاليط تشبه ما يأتي به من يغل لفساد عقله: قد تقصيناها في هذا المكان الا أن منها مخالفتهم السنة المتفق عليها من كل من يرى الربا في غير النسيئة فاجاز والتمرة بالتمرتين يدا بيد ويلزمهم أن يجيزوا تسليم ثلاث حبات من قمح في حبتين من تمر، وهذا خروج عن الاجماع المتيقن * قال أبو محمد: واحتجوا لقولهم هذا بما رويناه من طريق مسلم نا ابن قعنب عن سليمان - يعنى ابن بلال - عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث أن أبا هريرة.
وأبا سعيد حدثاه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث اخا بني عدى الانصاري فاستعمله على خيبر فقدم بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله انا لنشترى الصاع بالصاعين من الجمع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) سقط لفظ (لهم) من النسخة 14 (2) سقط لفظ التى من النسخة 14 (3) في النسخة 16 طوائف (4) في النسخة 14 (بنسيئة) (5) في النسخة 14 سائر (6) في النسخة رقم 14 فان حلى الذهب(8/478)
لا تفعلوا ولكن مثلا بمثل أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا وكذلك الميزان) (1) فاحتجوا بهذه اللفظة وهى قوله: كذلك الميزان * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى سعيد (قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض أهله فوجد عندهم تمرا أجود من تمرهم فقال: من أين هذا؟ فقالوا: أبدلنا صاعين بصاع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصلح صاعين بصاع ولا درهمين بدرهم) * ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن أبى زائدة عن محمد بن عمرو بن علقمة الليثى عن أبى سلمة ابن عبد الرحمن عن أبى سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: (لا يصلح درهم بدرهمين ولا صاع بصاعين) وهذان خبران صحيحان الا أنه لا حجة لهم فيهما على ما نبين ان شاء الله تعالى * وبما رويناه من طريق وكيع نا أبو جناب (2) عن أبيه عن ابن عمر قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - عند هذه السارية وهى يومئذ جذع نخلة -: (لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين ولا الصاع بالصاعين انى أخاف عليكم الرما - والرما الربا - زاد بعضهم فقال إليه رجل فقال: يا رسول الله الرجل يبيع الفرس بالافراس.
والنجيب (3) بالابل قال: لا بأس إذا كان يدا بيد) * وبما حدثناه احمد بن محمد الطلمنكى نا ابن مفرج نا ابراهيم بن أحمد بن فراس نا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري نا اسحاق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - نا روح نا حيان بن عبيدالله وكان رجل صدق قال: سألت أبا مجلز عن الصرف؟ فقال: يدا بيد كان ابن عباس لا يرى به بأساما كان منه يدا بيد فاتاه أبو سعيد فقال له: ألا تتق الله حتى متى يأكل النا س الربا؟ أو ما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: التمر بالتمر.
والحنطة بالحنطة.
والشعير بالشعير.
والذهب بالذهب.
والفضة بالفضة يدا بيد عينا بعين مثلا بمثل فما زاد فهو ربا؟ ثم قال: وكذلك ما يكال ويوزن أيضا فقال ابن عباس لابي سعيد: جزاك الله الجنة ذكرتني أمرا قد كنت أنسيته فانا أستغفر الله وأتوب إليه، فكان ينهى عنه بعد ذلك، وهذا كل ما احتجوا به ولا حجة لهم في شئ منه * أما حديث ابن أبى زائدة عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى سعيد ففانه رواه عن محمد ابن عمرو من هو أحفظ من ابن أبى زائدة وأوثق فزاد فيه بيانا كما حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكى نا ابن مفرج نا ابراهيم بن أحمد بن فراس نا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري نا اسحاق بن راهوية أنا الفضيل بن موسى.
والنضر بن شميل قالا جميعا: نا محمد بن عمرو عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى سعيد الخدرى قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرزقنا تمرا من تمر الجمع فنستبدل تمرا أطيب منه ونزيد في السعر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يصلح
__________
(1) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 467 (2) هو بالجيم وسيأتى قريبا ان اسمه يحيى بن أبى حية، وفى النسخ (أبو حباب بحاء مهملة بعدها باء موحدة وهو غلط (3) هو الفاضل من كل حيوان(8/479)
هذالا يصلح صاعين بصاع ولا درهمان بدرهم ولا الدينار بدينارين ولا الدرهم
بالدرهم لا فضل بينهما الاربا) * قال أبو محمد: فقوله عليه السلام: (لا يصلح هذا لا يصلح صاعين بصاع) إشارة إلى التمر المذكور في الخبر لا يمكن غير ذلك أصلا بدأ عليه السلام فقال: لا يصلح مشيرا إلى فعلهم ثم ابتدأ الكلام فقال: هذا لا يصلح صاعين بصاع فهذا ابتداء، ولا يصلح صاعين بصاع جملة في موضع خبر الابتداء وانتصب صاعين بصاع على التمييز لا يجوز غير ذلك أصلا لانه لو قال عليه السلام: لا يصلح هذا ثم ابتدأ الكلام بقوله: لا يصلح صاعين بصاع دون أن يكون في يصلح الثانية ضمير راجع إلى مذكور أو مشار إليه لكان لحنا لا يجوز البتة * ومن الباطل المقطوع به أن يكون عليه السلام يلحن ولا يحل احالة لفظ الخبر مادام يوجد له وجه صحيح فبطل تعلقهم بهذا الخبر ولله تعالى الحمد * وأما حديث سعيد بن المسيب عن أبى سعيد.
وأبى هريرة الذى فيه (وكذلك الميزان) فانهم جسروا ههنا على الكذب البحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قطعوا بأنه عليه السلام أراد أن يقول: لا يحل التفاضل في كل جنس من الموزونات بجنسه ولا النسيئة فاقتصر من هذا كله على ان قال: وكذلك الميزان * قال أبو محمد: انما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيان وأما بالاشكال في الدين والتلبيس في الشريعة فمعاذ الله من هذا وليس في التلبيس.
والاشكال أكثر من أن يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرم كل جنس ما يكال بشئ من جنسه متفاضلا أو نسيئة وكل جنس مما يوزن بشئ من جنسه متفاضلا أو نسيئة فيقتصر من بيان ذلك علينا وتفصيله لنا على أن يقول في التمر الذى اشترى بتمر أكثر منه: لا تفعلوا ولكن مثلا بمثل أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا، وكذلك الميزان وما خلق الله قط أحدا يفهم تلك الصنفين من هذا الكلام، ولا ركب الله تعالى قط هذا الكلام على تلك الخرافتين ولو أن انسانا من الناس أراد تلك الشريعتين اللتين أحتجوا لهما بهذا الكلام فعبر عنهما بهذا الكلام لسخرمنه ولما عده من يسمعه الا ألكن اللسان.
أو ما جنا من المجان.
أو سخيفا من النوكى، أفلا (1) يستحيون من هذه الفضائح الموبقة عند الله تعالى المخزية في العاجل ولكنا نقول قولا نتقرب به إلى الله تعالى ويشهد لصحته
كل ذى فهم من مخالف ومؤالف: وهو أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: وكذلك الميزان قول مجمل مثل قول الله تعالى: (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) نؤمن بكل ذلك ونطلب بيانه من نصوص أخرو لا نقدم بالظن الكاذب.
والدعوى الآفكة على أن نقول: أراد الله تعالى كذا وكذا وأراد رسوله عليه السلام معنى كذا لا يقتضيه ذلك اللفظ بموضوعه
__________
(1) في النسخة 16 اولا(8/480)
في اللغة فطلبنا ذلك فوجدنا حديث عبادة بن الصامت.
وأبى بكرة.
وأبى هريرة قد بين فيها مراده عليه السلام بقوله ههنا (وكذلك الميزان) وهو تفسيره عليه السلام هنا لك أنه لا يحل الذهب بالذهب الا وزنا بوزن ولا الفضة بالفضة إلا وزنا بوزن فقطعنا أن هذا هو مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (وكذلك الميزان) وشهدنا بشهادة الله تعالى أنه عليه السلام لو أراد غير هذا لبينه ووضحه حتى يفهمه أهل الاسلام ولم يكلنا إلى ظن أبى حنيفة ورأيه الذى لا رأى أسقط منه ولا إلى كهانة أصحابه الغثة التى حلوانهم عليها الخزية فقط قال تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم) (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فسقط تمويههم بهذا الخبر ولله تعالى الحمد، والعجب كل العجب من قولهم في البين الواضح من نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرطب بالتمر: أنه إنما أراد التى في رؤس النخل وليس هذا في شئ من الاخبار لان ذلك خبرو هذا آخر ويأتون إلى مجمل لا يفهم أحد منه الا ما فسره عليه السلام في مكان آخر فيزيدون فيه ويفسرونه بالباطل وبما لا يقتضيه لفظه عليه السلام أصلا * وأما حديث يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى سعيد لا يصلح صاعين بصاع فانهم قالوا: هذا عموم لكل مكيل * قال أبو محمد: وهذا خبر اختصره معمر عن يحيى بن أبى كثير أو وهم فيه بيقين لا اشكال فيه فرواه ابن أبى زائدة عن محمد بن عمر وأووهم فيه على ما ذكرنا قبل لان هذا خبر رواه عن يحيى بن أبى كثير باسناده الاوزاعي.
وهشام الدستوائى.
وشيبان بن فروخ وليس هشام والاوزاعي دون معمر ان لم يكن هشام أحفظ منه * فرويناه من طريق مسلم حدثنى
اسحق بن منصور نا عبيدالله (1) بن موسى عن شيبان * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا هشام ابن أبى عمار عن يحيى بن حمزة نا الاوزاعي * وحدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد ابن عبد الملك بن أيمن نا بكر بن حماد نا مسدد نا بشر بن المفضل نا هشام - هو الدستوائى - كلهم عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى سعيد الخدرى: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا صاعي تمر بصاع.
ولا صاعي حنطة بصاع.
ولا درهمين بدرهم (2)) قال الاوزاعي في روايته عن يحيى بن أبى كثير: حدثنى أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثنى أبو سعيد الخدرى وهذا هو خبر محمد بن عمرو نفسه * قال أبو محمد: فاسقط معمر ذكر التمر.
والحنطة، ومن البيان الواضح على خطأ معمر الذى لا شك فيه ايراده اللحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر بقوله: لا يصلح صاعين بصاع ووالله ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قط الا أن يشير إلى شئ فيكون ضميره في لا يصلح لا سيما والاوزاعي يذكر سماع يحيى بن أبى كثير من أبى سلمة.
وسماع أبى سلمة
__________
(1) في النسخة 16 عبد الله وهو غلط (2) في صحيح مسلم ج 1 ص 468 ولا درهم بدرهمين (م 61 ج 8 المحلى)(8/481)
من أبى سعيد لم يذكر ذلك معمر وهذا لا يكدح عندنا شيئا الا إذا كان خبرا واحدا اختلف فيه الرواة فان رواية الذى ذكر السماع أولى لا سيما ممن ذكر بتدليس ثم لو صح لهم لفظ ابن أبى زائدة.
ومعمر بلا زيادة من غيرهما ولا بيان من سواهما لما كان لهم فيه حجة لوجهين، أحدهما أنه ليس فيه ذكر جنس واحد ولا جنسين أصلا وهم يجيزون صاعي حنطة بصاع تمر وبكل ما ليسا من جنس واحد، وهذا خلاف عموم الخبر * فان قالوا: فسر هذا أخبار أخر قلنا: وكذلك فسرت أخبار أخر ما أجمله معمر، والوجه الثاني أن يقول: هذا في القرض لا في البيع نعم لا يجوز في القرض صاعان بصاع في شئ من الاشياء كلها وأما البيع فلا لان الله تعالى قول: (وأحل الله البيع) فان ادعوا اجماعا كذبوا لانهم يجيزون صاعي شعير بصاع بر والناس لا يجيزونه كلهم بل يختلفون في اجازته،
وصاعي حمص بصاع لبياء ولا اجماع ههنا فمالك لا يجيزه * فان قالوا: قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت الاصناف فبيعوا كيف شئتم) قلنا: صح أنه عليه السلام قال: فإذا اختلف هذه الاصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد، فانما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاصناف التى سمى في الحديث الذى ذكر هذا اللفظ في آخره ولا يحل أن ينسب إليه عليه السلام قول بظن كاذب، ويكفى من هذا أنهم مجمعون معنا على أن لفظة لا صاعين بصاع ليست على عمومها فقالوا هم: في كل مكيل من جنس واحد وقلنا نحن: هو في الاصناف المنصوص عليها فدعوى كدعوى، وبرهاننا نحن صحة النص على قولنا وبقى قولهم بلا برهان (1) فبطل تعلقهم بهذا الخبر ولله تعالى الحمد * وأما حديث ابن عمر فساقط لانه عن أبى جناب - وهو يحيى بن أبى حية الكلبى - ترك الرواية عنه يحيى القطان.
وعبد الرحمن بن مهدى وضعف وذكر بتدليس، ثم هو عن أبيه وهو مجهول جملة فبطل التعلق به، ثم لو صح لكان القول فيه كالقول في غيره مما ذكرنا آنفا مما خالفوا فيه عمومه * وأما حديث أبى سعيد الخدرى الذى أوردنا من طريق حيان بن عبيدالله عن أبى مجلز فلا حجة فيه لانه منقطع كما أوردنا لم يسمعه لا من أبى سعيد.
ولا من ابن عباس وذكر فيه أن ابن عباس تاب ورجع عن القول بذلك وهذا الباطل (2) وقول من بلغه خبر لم يشهده (3) ولا أخذه عن ثقة، وقد روى رجوع ابن عباس أبو الجوزاء رواه عنه سليمان ابن على الربعي وهو مجهول لا يدرى من هو، وروى عنه أبو الصهباء أنه كرهه، وروى عنه طاوس ما يدل على التوقف، وروى الثقة المختص به خلاف هذا كما حدثنا حمام نا عباس ابن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبى هشيم أنا أبو بشر -
__________
(1) في النسخة 14 بلا دليل (2) في النسخة 16 وهذا لقول بالباطل (3) في النسخة 16 لم يسنده(8/482)
هو جعفر بن أبى وحشية - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: ما كان الربا قط في هاء وهات، وحلف سعيد بن جبير بالله ما رجع عنه حتى مات، ثم هو أيضا من رواية
حيان بن عبيدالله وهو مجهول ثم لو انسند حديث أبى مجلز المذكور لما كانت لهم فيه حجة لان اللفظ الذى تعلقوا به من (وكذلك ما يكال ويوزن) ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما هو من كلام أبى سعيد لو صح، وهو أيضا عنه منقطع لان هذا خبر رواه نافع.
وأبو صالح السمان.
وأبو المتوكل الناجى.
وسعيد بن المسيب.
وعقبة بن عبد الغافر.
وأبو نضرة.
وأبو سلمة بن عبد الرحمن.
وسعيد الجريرى.
وعطاء بن أبى رباح كلهم عن أب سعيد الخدرى، وكلهم ذكروا أنهم سمعوه منه، وكلهم متصل الاسانيد بالثقات المعروفين إليهم ليس منهم أحد ذكر هذا اللفظ (1) فيه وهو بين في الحديث المذكور نفسه لانه لماتم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو مجلز: ثم قال فابتدأ الكلام المذكور من ذكر: (وكذلك كل ما يكال ويوزن) مفصولا عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم، وما يبعد أن يكون من كلام أبى مجلز وهو الاظهر فبطل من كل جهة، ولا يحل أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام بالظن الكاذب * قال أبو محمد: ثم العجب كله من احتجاجهم فيما ليس فيه منه نص ولا دليل ولا أثر، وخلافهم ليقين ما فيه منسوبا مبينا أنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم و سلم، وقد صح من غير هذا الخبر أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم (التمر بالتمر.
والحنطة بالحنطة.
والشعير بالشعير.
والذهب بالذهب.
والفضة بالفضة يدا بيد عينا بعين) فقالوا هم جهارا: نعم ويجوز غير عين بغير عين و يجوز عين بغير عين، نعم يجوز تمرة بتمرتين وبأكثر فهل بعد هذه الفضائح فضائح؟ أو يبقى مع هذا دين أو حياء من عار أو خوف نار نعوذ بالله من الضلال والدمار * قال أبو محمد:: وما يبين غاية البيان أن هذا اللفظ - نعنى وكذلك ما يكال ويوزن - ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم قطعا ببرهان واضح وهو أيضا مبطل لعلتهم بالوزن.
والكيل من طريق ضرورة الحس وبديهة العقل وصادق النظر فان من الباطل البحت أن يكون عليه السلام يجعل علة الحرام في الربا الوزن.
والكيل.
والتفاضل فيه وباعثه عزوجل يعلم
وهو عليه السلام يدرى وكل ذى عقل يعرف أن حكم المبيعات يختلف في البلاد أشد اختلاف فما يوزن في بلدة يكال في أخرى كالعسل.
والزيت.
والدقيق.
والسمن.
يباع الزيت والعسل ببغداد والكوفة وزنا ولا يباع شئ منها بالاندلس إلا كيلا، ويباع السمن
__________
(1) في النسخة 14 هذه اللفظة(8/483)
والدقيق في بعض البلاد كيلا ولا يباعان عندنا إلا وزنا والتين يباع برية كيلا ولا يباع باشبيلية وقرطبة الا وزنا وكذلك سائر الاشياء، ولا سبيل إلى أن يعرف كيف كان يباع ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلا، فحصل الربا لا يدرى ما هو حتى يجتنب ولا ما ليس هو فيستعمل (1)، وصار الحرام والحلال في دين الله تعالى أمشاجا مختلطين لا يعرف هذا من هذا أبدا، وحصلت الانواع المبيعة كلها التى يدخلون فيها الربا لا يدرون كيف يدخل الربا فيها؟ ولا كيف يسلم منه؟ نبرأ إلى الله تعالى من دين هذه صفته هيهات أين هذا القول الكاذب؟ من قول الله تعالى الصادق: (اليوم أكملت لكم دينكم) ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم هل بلغت؟ قالوا: اللهم نعم قال: اللهم اشهد) * فان رجعوا إلى أن يجعلوا لاهل كل بلد عادته حصل الدين لعبا إذا شاء أهل بلد ان يستحلوا الحرام ردوا كل ما كانوا يبيعونه بكيل إلى الوزن و ما كانوا يبيعونه بوزن إلى كيل (2) فحل لهم باختيارهم ما كان حراما أمس من التفاضل بين الكيلين أو بين الوزنين ما شاء الله كان وهذا بعينه أيضا يدخل على المالكيين.
والشافعيين لانهم إذا أدخلوا الربا في المأكول كله أو في المدخر المقتات سألناهم عن الاصناف المبيعة من ذلك وليست صنفا.
ولا صنفين بل هي عشرات كثيرة باى شئ يوجبون فيها التماثل أبا لكيل أم بالوزن؟ فاياما قالوا صاروا متحكمين بالباطل ولم يكونوا أولى من آخر يقول بالوزن فيما قالواهم فيه بالكيل أو بالكيل فيما قالوا هم فيه بالوزن فأين المخلص؟ أم كيف يبيع الناس ما أحل لهم من البيع؟ أم كيف يجتنبون ما حرم عليهم من الربا؟ وهذا من
الخطأ الذى لا يحيل على من يسره الله تعالى لنصيحة نفسه * وذكروا في ذلك عمن تقدم ما روينا من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه سمعت عمرو بن شعيب قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الاشعري أن لا يباع الصاع بالصاعين إذا كان مثله وان كان يدا بيد فان اختلف فلا بأس وإذا اختلف في الدين فلا يصلح.
وكل شئ يوزن مثل ذلك كهيئة المكيال * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان نا صدقة بن المثنى نا جدى - هو رباح بن الحرث - أن عمار بن ياسر قال في المسجد الاكبر: العبد خير من العبدين.
والامة خير من الامتين.
والبعير خير من البعيرين.
والثوب خير من الثوبين فما كان يدا بيد فلا بأس به انما الربا في النساء (3) الا ما كيل أو وزن * قال أبو محمد: وزاد بعضهم في هذا الخبر فلا يباع صنف منه بالصنف الآخر الا مثلا بمثل * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبد الاعلى عن معمر عن الزهري عن سالم ان ابن
__________
(1) في النسخة رقم 16 حتى يستعمل (2) في النسخة 16 بكيل إلى وزن (3) في النسخة 14 النسيئة(8/484)
عمر كان لا يرى بأسا فيما يكال يدا بيد واحدا باثنين إذا اختلف ألوانه * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن حماد بن أبى سليمان (1) عن النخعي.
وعن رجل عن الحسن قالا جميعا: سلف ما يكال فيما يوزن ولا يكال.
وسلف ما يوزن ولا يكال فيما يكال ولا يوزن * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن موسى بن أبى عائشة عن ابراهيم النخعي قال: ما كان من بيع واحد يكال مثلا بمثل فإذا اختلفت فزد وازدد يدا بيد، وان كان شيئا واحدا يوزن فمثلا بمثل فإذا اختلف فزد وازدد يدا بيد * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: كل شئ يوزن فهو يجرى مجرى الذهب والفضة وكل شئ يكال فهو يجرى مجرى البر.
والشعير * فاما الرواية (2) عن عمر فمنقطعة.
وعن الحسن كذلك، وأما قول عمار فغير موافق لقولهم لكنهم موهوا به لانه (3) لا يخلو قوله: الا ما كيل أو وزن من أن يكون استثناه من النساء الذى هو ربا أو يكون استثناء مما قال:
انه لا بأس به ما كان يدا بيد ولا سبيل إلى وجه ثالث، فان كان استثناه من النساء الذى هو ربا فهو ضد مذهبهم عينا وموجب أنه لا ربا الا فيما يكال أو يوزن في النسيئة، فان كان استثناه مما لا بأس به يدا بيد فهو أيضا ضد مذهبهم وموجب أنه لا يجوز ما كيل بما وزن يدا بيد، وأما الزيادة التى زادوها فلا يباع صنف منه بالصنف الآخر الا مثلا بمثل فهو ضد مذهبهم عيانا بكل حال، وأما قول ابن عمر فصحيح عنه وقد صح عنه خلافه كما ذكرنا في ذكرنا قول الشافعي فليس أحد قوليه باولى من الآخر مع أنه ليس فيه كراهية التفاضل فيما يكال ولا يوافقه سائر أقوالهم وما وجدنا قولهم يصح عن أحد قبلهم الا عن النخعي.
والزهرى فقد فبطل كل ما موهوا به من الآثار، فان قالوا: لم ينص عليه السلام الا على مكيل.
وموزون قلنا: ما الفرق بين هذا وبين من قال: لم ينص عليه السلام الا على مأكول أو ثمن، أو من قال: لم ينص عليه السلام الا على مقتات مدخر ومعدني وما يصلح به الطعام، أو من قال: لم ينص عليه السلام الا على ما يزكى وعلى مالح الطعم فقط، أو من قال: لم ينص عليه السلام الا على نبات.
ومعدني.
وجامد؟ فأدخل الربا في كل ما ينبت كالصبر وغير ذلك وأسقطه عن اللبن وما يتصرف منه وعن العسل.
واللحم.
والسمك فليس بعض هذه الدعاوى أولى من بعض، وكل هذا إذا تعدى به ما ورد فيه النص فهو تعد لحدود الله تعالى، وما عجز رسول الله صلى الله عليه وسلم قط عن أن يبين لنا مراده وحاش له من أن يكلنا في أصعب الاشياء من الربا المتوعد فيه بنار جهنم في الآخرة والحرب به في الدنيا إلى هذه الكهانات الكاذبة.
والظنون الآفكة ظلمات بعضها
__________
(1) في النسخة 16 سفيان وهو تصحيف (2) في النسخة 14 (فالرواية) (3) في النسخة 16 (انه)(8/485)
فوق بعض، ونحمد الله على السلامة * وعهدنا بهم يقولون: نحن على يقين من وجوب قطع اليد في عشرة دراهم وغير موقنين بوجوب قطعها في أقل، ونحن موقنون بتحريم عصير العنب إذا أسكر ولم
نوقن بتحريم ما عداه، ونحن موقنون بالقصر في ثلاث ولا نوقن به في أقل فلا نقول بشئ من ذلك حيث لا نوقنه، فهلا قالوا ههنا: نحن موقنون بالربا في الاصناف المنصوص عليها ولسنا على يقين منه في غيرها فلا نقول به حيث لا يقين معنا فيه؟؟ ولو فعلوا هذا ههنا وتركوا هنالك لوفقوا لانهم كانوا يتبعون السنن وبالله تعالى التوفيق، ثم لم يلبثوا ان نقضوا علتهم أقبح نقض فأجازوا تسليف الذهب.
والفضة فيما يكال.
وما يوزن، وأجازوا بيع آنية نحاس بآنية نحاس أو وزن منها ولم يجيزوا ذلك في آنية الذهب.
والفضة وكل ذلك سواء عندهم في دخول الربا فيه، ثم أجازوا بيع قمح بعينه بقمح بغير عينه.
أو تمر بعينه بتمر بغير عينه.
أو شعير بعينه بشعير بغير عينه فيقبض الذى بغير عينه ثم يفترقان قبل قبض الذى بعينه، وحرموا ذلك في ذهب بعينه بذهب بغير عينه وفى فضة بعينها بفضة بغير عينها ولا فرق بين شئ من ذلك لا في نص.
ولافى معقول، فأباحوا الربا جهارا ونعوذ بالله من الخذلان، فبطلت علة هؤلاء وبطل قولهم يقينا * 1480 مسألة قال أبو محمد: وههنا أشياء ذكرها القائلون بتعليل حديث الربا كلهم وهى أنهم ذكروا ما روينا من طريق وكيع نا اسماعيل بن أبى خالد عن حكيم بن جابر عن عبادة بن الصامت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول: الذهب بالذهب.
والفضة بالفضة.
الكفة بالكفة حتى خلص إلى الملح) قالوا: فهذا يدل على أنه عليه السلام ذكر غير ذلك * قال أبو محمد: وهذا باطل لوجوه * أولها أن هذا اللفظ لم يروه الا حكيم بن جابر وهو مجهول * والثانى أنه قد أسقط من هذا الخبر ذكر البر.
والتمر.
والشعير فبطل تقديرهم أنه ذكر أصنافا لم يذكرها غيره من الرواة * والثالث أن هذا الخبر رويناه من طريق بكر بن حماد عن مسدد عن يحيى بن سعيد القطان عن اسماعيل بن أبى خالد عن حكيم ابن جابر عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه: (حتى خص الملح) فلاح أنه لم يذكر غير تلك الاصناف * والرابع أن من الباطل المتيقن أن يذكر عليه السلام شرائع
مفترضة فيسقط ذكرها عن جميع الناس أولهم عن آخرهم من غير نسخ هذا خلاف قول الله تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى)، وقوله تعالى: (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) ولو جاز هذا لكان الدين لم يكمل والشريعة(8/486)
فاسدة قد ضاعت منها عنا أشياء ولكنا مكلفين مالا نقدر عليه ومأمورين بما لا ندريه أبدا، وهذه ضلالات ناهيك بها وباطل لا خفاء به * وذكروا ما روينا من طريق ابن وهب عن يزيد بن عياض عن اسحاق بن عبد الله عن جبير عن مالك بن أوس بن الحدثان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التمر بالتمر.
والزبيب بالزبيب.
والبر بالبر.
والسمن بالسمن.
والزيت بالزيت.
والدينار بالدينار.
والدرهم بالدرهم لا فضل بينهم) * قال أبو محمد: وهذا حديث موضوع مكذوب لا تحل روايته الا على بيان فضيحته لان مالك بن أوس لا يعرف له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجبير ابن أبى صالح مجهول لا يدرى من هو، واسحاق بن عبد الله - هو الفروى - متروك، ويزيد بن عياض - هو ابن جعدبة - مذكور بالكذب ووضع الاحاديث، ثم لو صح لم يكن لهم فيه حجة في ايجاب علة أصلا وانما كان يكون فيه زيادة ذكر الزيت.
والسمن.
والزبيب فقط، وأيضا فلو صح لكان المالكيون مخالفين له لانهم يجيزون الدرهم بأوزن منه على سبيل المعروف ولكان الحنيفيون مخالفين له لانهم يجيزون ثلاث تمرات بست تمرات.
وعشر حبات بر بثلاثين حبة بر، وكذلك في الشعير.
والملح والزبيب.
والملح، ولا يحل تحريم حلال خوف الوقوع في الحرام فيستعجل من فعل ذلك المعصية والوقوع في الباطل خوف أن يقع فيه غيره * ومن طريق وكيع نا ابراهيم ابن يزيد عن أبى الزبير عن جابر أنه كره مدى ذرة بمد حنطة نسيئة، ابراهيم متروك متهم وهذا كراهية (1) لا تحريم، ولا يدرى هل كره الكيل أو الطعام؟ وقد ذكرنا كل قول روى في هذا الباب عن المتقدمين وبينا خلافهم لها وأنهم قالوا في ذلك باقوال لاتحفظ عن أحد قبلهم، وأعجب شئ مجاهرة من لادين له بدعوى الاجماع على وقوع الربا فيما عدا الاصناف المنصوص عليها، وهذا كذب مفضوح من قريب، والله ما صح الاجماع
في الاصناف المنصوص عليها فكيف في غيرها، أو ليس ابن مسعود وابن عباس يقولان: لاربا فيما (2) كان يدا بيد؟ وعليه كان عطاء.
وأصحاب ابن عباس.
وفقهاء أهل مكة * وقد روينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية نا الاعمش عن ابراهيم التيمى عن الحرث بن سويد عن عبد الله بن مسعود قال: لا ربى فيما كان يدا بيد والماء من الماء * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا وكيع نا سفيان - هو الثوري - عن ابن جريج عن عطاء قال: لا بأس بأن يسلم ما يكال فيما يكال وما يوزن فيما يوزن انما هو طعام بطعام، وهذا نفس قولنا ومخالف لجميع قول هؤلاء، وقد صح عن طلحة بن
__________
(1) في النسخة 16 (وهذه كراهية) (2) في النسخة 16 (لاربا إلا فيما)(8/487)
عبيدالله اباحة بيع ذهب بفضة يقبض أحدهما ويتأخر قبض الآخر إلى أجل غير مسمى ولا يقدرون فيما عدا الستة الاصناف في الربا على كلمة الا عن سبعة من الصحابة رضى الله عنهم مختلفين كلهم مخالف لاقوال أبى حنيفة.
ومالك.
والشافعي، ليس عن أحد منهم رواية توافق أقوال هؤلاء صحيحة ولا سقيمة، وعن نحو اثنى عشر من التابعين مختلفين أيضا كذلك مخالفين لا قوالهم الا ابراهيم وحده فانه وافق قوله أصل أبى حنيفة، وأيضا فاكثر الروايات التى ذكرنا عن الصحابة والتابعين فواهية لا تصح، فمن يجعل مثل هذا إجماعا إلا من لادين له ولا عقل وبالله تعالى التوفيق * ووجدنا لبشربن غياث المريسى قولا غريبا وهو أن تسليم كل جنس في غير جنسه جائز كالذهب في الفضة.
والفضة في الذهب.
والقمح في الشعير.
والتمر في الملح.
وكل صنف منها في غيره وأن الربا لا يقع إلا فيما بيع بجنسه فقط، ثم لا ندرى أعم كل جنس في العالم قياسا على المنصوصات وهو الاظهر من قوله؟ أو خص المنصوصات فقط، وهذا قول مخالف لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا وجه للاشتغال به * 1481 مسألة (1) قال على: فإذ قد بطلت هذه الاقوال كلها فالواجب أن
نذكر البرهان على صحة قولنا بعون الله تعالى * روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد قال: نا الليث - هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه قال: أقبلت أقول: من يصطرف الدراهم؟ فقال طلحة بن عبيدالله - هو عند عمر بن الخطاب -: أرنا ذهبك ثم جئنا (2) إذا جاء خادمنا نعطك ورقك فقال عمر بن الخطاب: كلا والله لتعطينه ورقه أو لتردن إليه ذهبه فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الورق بالذهب ربا الاهاء وهاء (3) والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء.
والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء.
والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء) * ومن طريق مسلم نا عبيدالله بن عمر القواريرى نا حماد بن زيد عن أيوب السختيانى عن أبى قلابة نا أبو الأشعث عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (ينهى عن بيع الذهب بالذهب.
والفضة بالفضة.
والبر بالبر.
والشعير بالشعير والتمر بالتمر.
والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى) (4) * ومن طريق مسلم نا اسحاق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى عن أيوب السختيانى بنحوه * ومن طريق أحمد بن شعيب نا محمد بن المثنى نا عمرو ابن عاصم ناهمام - هو ابن يحيى - نا قتادة عن أبى الخليل عن مسلم المكى عن أبى الاشعث
__________
(1) سقط لفظ (مسألة) من النسخة 14 (2) في صحيح مسلم ج 1 ص 465 (تم ائتنا) (3) لفظه كجاء أي هاك وأهل الحديث يقولون بالقصر، وقال الخطابى، الصواب المد، وقال غيره، الوجهان جائزان والمد أشهر وهو حال أي الا مقولا منهما أي من المتعاقدين فيه خذو خذ أي يدا بيد (4) الحديث في صحيح مسلم ج 1 ص 465 مطولا(8/488)
الصنعانى عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب نبره وعينه وزنا بوزن.
والفضة بالفضة تبره وعينه وزنا بوزن.
والملح بالملح.
والتمر بالتمر.
والبر بالبر.
والشعير بالشعير كيلا بكيل فمن زاد (1) أو ازداد فقد أربى، ولا بأس ببيع الشعير بالبر والشعير أكثرهما يدا بيد) * قال أبو محمد: عمرو بن عاصم أنصارى ثقة معروف، وابو الخليل هو صالح بن
أبى مريم ثقة، ومسلم المكى هو مسلم بن يسار الخياط مولى عثمان رضى الله عنه ثقة، وقد روينا هذا أيضا من طرق صحاح فلا ربا إلا فيما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم المأمور بالبيان وما عدا ذلك فحلال وما كان ربك نسيا وبالله تعالى التوفيق * 1483 مسألة ولا يحل أن يباع قمح بقمح الا مثلا بمثل كيلا بكيل يدا بيد عينا بعين، ولا يحل أن يباع شعير بشعير الا كذلك، ولا يحل أن يباع تمر بتمر الا كذلك، ولا يحل أن يباع ملح بملح الا كذلك، وسواء معدنيه أو ما ينعقد منه من الماء كل ذلك لا يباع بعضه ببعض الا كما ذكرنا، وكذلك أصناف القمح فهى كلها قمح الاعلى.
والادنى.
والوسط سواء فيما قلنا، وكذلك أقسام الشعير، وكذلك أقسام التمر فان تأخر قبض أحد العينين فهو ربا حرام مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب سواء تأخر طرفه عين أو أكثر، والكثير والقليل من كل ما ذكرنا سواء فيما وصفنا، ولا يحل شئ مما ذكرنا من نوعه وزنا بوزن ولا وزنا بكيل ولا جزافا بجزاف.
ولا جزافا بكيل.
ولا جزافا بوزن لان كل هذا مقتضى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ذكرنا، ومفهومه وموضوعه في اللغة التى بها خاطبنا وبالله تعالى التوفيق * وقال أبو حنيفة.
والشافعي: جائز أن يباع منها شئ بغير عينه بمعين وبغير معين وجائز أن يتأخر التقابض عن وقت العقد ما لم يفترقا بابدانهما وان طال ذلك، وهذا خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم * روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا يزيد ابن ابراهيم نا محمد بن سيرين قال: نبئت أن عمر بن الخطاب قام يخطب فقال: يا أيها الناس ألا ان الدرهم بالدرهم والدينار بالدينار عين بعين سواء سواء مثلا بمثل، فهذا عمر بحضرة الصحابة لا يجيز في الدراهم والدنانير إلا عينا بعين ويرى أنها تتعين ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة فخالفوه * 1484 مسألة وجاز بيع كل صنف مما ذكرنا بالاصناف الاخر منها متفاضلا ومتماثلا وجزافا وزنا وكيلا كيف ما شئت إذا كان يدا بيد، ولا يجوز في ذلك التأخير
__________
(1) في سنن النسائي ج 7 ص 277 (والشعير بالشعير سواء بسواء مثلا بمثل فمن زاد) الخ (م 62 ج 8 المحلى)(8/489)
طرفة عين فأكثر لا في بيع ولا في سلم، وهذا مقتضى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ذكرنا وهو متفن عليه الا مالكا فانه لم يجز بيع الشعير بالقمح الا متماثلا كيلا بكيل، وأجازه أبو حنيفة.
والشافعي.
وأبو سليمان كما قلنا * برهان صحة قولنا ما روينا من طريق مسلم نا أبو كريب نا ابن فضيل - هو محمد - عن أبيه عن أبى زرعة بن عمرو بن جرير عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التمر بالتمر.
والحنطة بالحنطة.
والشعير بالشعير.
والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زادو استزاد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه) * ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة عن وكيع نا سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبى قلابة عن أبى الاشعث عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب.
والفضة بالفضة.
والبر بالبر.
والشعير بالشعير.
والتمر بالتمر.
والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد سواء بسواء (1) فإذا اختلفت هذه الاصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد)، وقد ذكرنا قبل هذه بمسألة نصه عليه السلام على جواز بيع الشعير بالبر متفاضلا ولا حجة في قول أحد دون رسول (2) الله صلى الله عليه وسلم * ومن طريق أحمد ابن شعيب نا محمد بن عبد الله بن بزيع (3) نا يزيد نا سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار.
وعبد الله بن عبيد (4) - هو ابن هرمز - قالا جميعا: إن عبادة بن الصامت حدثهم (قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالذهب.
والورق بالورق.
والبر بالبر.
والشعير بالشعير.
والتمر بالتمر إلا مثلا بمثل يدا بيد، وأمرنا أن نبيع الذهب بالورق والورق بالذهب.
والبر بالشعير.
والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا) زاد أحدهما في حديثه الملح بالملح ولم يقله الآخر (5)، فهذا أثر متواتر رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو هريرة.
وعبادة بن الصامت، ورواه عن أبى هريرة أبو زرعة بن عمرو ابن جرير.
وأبو حازم، ورواه عن عبادة بن الصامت أبو الاشعث الصنعانى.
وعبد الله ابن عبيد، ورواه عن أبى الاشعث أبو قلابة.
ومسلم بن يسار، ورواه عن مسلم بن يسار
أبو الخليل.
وابن سيرين، ورواه عن هؤلاء الناس * واحتج المالكيون بما روينا من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحرث أن أبا النضر حدثه أن بسر بن سعيد حدثه عن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلامه بصاع قمح وقال: بعه ثم اشتر به شعيرا فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع فلما جاء قال له معمر: لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده ولا
__________
(1) في صحيح مسلم ج 1 ص 466 تقديم وتأخير (2) في النسخة 14 احد غيره عليه السلام (3) في النسخة 14 (بزيغ) بالغين المعجمة وهو تصحيف (4) في سنن النسائي ج 7 ص 274 عبد الله بن عتيك وهو صحيح أيضا لانه يقال له: ابن عتيك.
وابن عتيق أيضا انظر تهذيب التهذيب ج 5 ص 212 (5) سقط بعض ألفاظ من الحديث من رواية المصنف له(8/490)
تأخذن إلا مثلا بمثل فأنى كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الطعام بالطعام مثلا بمثل قيل: فانه ليس مثله قال: انى أخاف أن يضارع * وبما رويناه من طريق مالك عن نافع عن سليمان بن يسار قال: قال عبد الرحمن بن الاسود بن عبد يغوث لغلامه خذ من حنطة.
أهلك [ طعاما ] (1) فابتع بها شعيرا ولا تأخذ إلا مثله * ومن طريق ابن أبى شيبة نا أبو داود الطيالسي عن هشام الدستوائى عن يحيى بن أبى كثير قال: أرسل عمر ابن الخطاب غلاما له بصاع من بريشترى له به صاعا من شعير وزجره أن زادوه أن يزداد * ومن طريق ابن أبى شيبة نا شبابة عن ليث عن نافع عن سليمان بن يسار عن سعد ابن أبى وقاص مثل هذا * ومن طريق مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد عن معيقيب مثل هذا أيضا، وهو قول أبى عبد الرحمن السلمى صح عنه ذلك وروى ولم يصح عن القاسم.
وسالم.
وسعيد بن المسيب، وصح عن ربيعة وأبى الزناد.
والحكم بن عتيبة.
وحماد ابن أبى سليمان.
والليث بن سعد قالوا: فهؤلاء عمر.
وسعد.
ومعيقيب.
وعبد الرحمن ابن الاسود.
ومعمر بن عبد الله خمسة من الصحابة رضى الله عنهم * قال على.
وجسر بعضهم فقال: لا يعرف لهم مخالف من الصحابة، وجسر آخر منهم فادعى إجماع
السلف في ذلك * قال على: ما لهم حجة غير هذا أصلا، فاما حديث معمر فهو حجة عليه لانهم يسمون التمر طعاما ويبيحون فيه التفاضل بالبر فقد خالفوا الحديث على تأويلهم باقرارهم ولا حجة لهم أصلا فيه لانه ليس فيه الا الطعام بالطعام مثلا بمثل وهذا مما لا نخالفهم فيه وفى جوازه وليس فيه أن الطعام لا يجوز بالطعام الا مثلا بمثل بل هذا مسكوت عنه جملة في خبر معمر.
ومنصوص على جوازه في خبر أبى هريرة.
وعبادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبطل تعلقهم به جملة وعاد حجة عليهم، وأما قول معمر من رأيه فلا متعلق لهم فيه لانه قد صرح بان الشعير ليس مثل القمح لكن تخوف أن يضارعه فتركه احتياطا لا ايجابا، وأما عن عمر فمنقطع، وكذلك عن معيقيب، وكم قصة خالوا فيها عمر.
وسعدا.
وأكثر من هذا العدد من الصحابة كالمسح على العمامة.
وعلى الجوربين.
والقود من الضربة.
واللطمة، وغير ذلك في كثير لا يعرف لهم فيه مخالف من الصحابة رضى الله عنهم نعم ومعهم السنن الثابتة وقد خالف من ذكرنا طائفة من الصحابة رضى الله عنهم كما روينا من طريق ابن أبى شيبة نا يزيد بن هرون عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن مسلم بن يسار عن أبى الاشعث الصنعانى أن عبادة بن الصامت قال: لا بأس ببيع الحنطة بالشعير والشعير
__________
(1) الزيادة من الموطأ ج 2 ص 144(8/491)
أكثر منه يدا بيد ولا يصلح نسيئة، فهذا عبادة أسنده وأفتى به * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبد الاعلى عن عمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر كان لا يرى بأسا فيما يكال واحدا باثنين يدا بيداذا اختلفت ألوانه * ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن فضيل عن أشعث عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله قال: إذا اختلف النوعان فلا بأس بالفضل يدا بيد * فهذه أسانيد أصح من أسانيد هم بخلاف قولهم وهو قول ابن مسعود.
وابن عباس بلا شك أنه صح عنهما أنه لا ربا في التفاضل أصلا وانما الربا في النسيئة * ومن طريق عبد
الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي أنه لم ير بأسا بجريبين من شعير بجريب من بر * ومن طريق ابن أبى شيبة نا جرير عن المغيرة بن مقسم عن الشعبى قال المغيرة: سألته وابراهيم عن أربعة أجربة من شعير بجريبين من حنطة فقالا جميعا: لا بأس به * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبد الاعلى عن معمر عن الزهري أنه كان لا يرى بأسا ببيع البر بالشعير يدا بيد أحدهما أكثر من الآخر * ومن طريق ابن أبى شيبة نا الفضل بن دكين عن أنيس (1) بن خالد التميمي (2) قال: سألت عطاء عن الشعير بالحنطة اثنين بواحد يدا بيد فقال: لا بأس به، فهؤلاء خمسة من الصحابة رضى الله عنهم صح عنهم جواز التفاضل في البر بالشعير، وطائفة من التابعين وهو قول سفيان.
وأبى حنيفة.
والشافعي، وأبى ثور.
وأحمد بن حنبل.
واسحاق.
وأبى سليمان، وإذا اختلف الناس فالمردود إليه هو القرآن.
والسنة.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جواز التفاضل في البر.
والشعير كما ذكرنا فلا قول لاحد معه، والعجب من مالك إذا يجعل ههنا وفى الزكاة البرو الشعير والسلت صنفا واحدا ثم لا يجيز لمن يتقوت البر اخراج الشعير أو السلت في زكاة الفطر، وقوله:.
أن يخرج كل أحد مما يأكل وهذا تناقض فاحش، وعجب آخر وهو أنه يجمع بين الذهب.
والفضة في الزكاة ويرى اخراج أحدهما عن الآخر في الزكاة المفروضة ويجيز ههنا أن يباع الذهب بالفضة متفاضلين، وهذا تناقض لا خفاء به، وما علم قط أحد لا في شريعة.
ولا في لغة.
ولا في طبيعة أن الشعير بر ولا أن البر شعير بل كل ذلك يشهد أنهما صنفان مختلفان كاختلاف التمر.
والزبيب.
والتين، ولا يختلفون في أن من حلف لا يأكل برا فأكل شعيرا أو لا يأكل شعيرا فأكل برا أو أن لا يشترى برا فاشترى شعيرا أو أن لا يشترى شعيرا فاشترى برا فانه لا يحنث، فهذه تناقضات فاحشة لا وجه لها أصلا.
لا من قرآن.
ولا سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قياس وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في النسخة 14 (عن أنس) وهو غلط (2) في النسخة 16 التيمى وهو غلط صححناه من لسان الميزان(8/492)
1485 مسألة وجائز بيع الذهب بالفضة سواء في ذلك الدنانير بالدراهم أو بالحلى أو بالنقار، والدراهم بحلى الذهب وسبائكه.
وتبره والحلى من الفضة بحلى الذهب وسبائكه.
وسبائك الذهب وتبره بنقار الفضة يدا بيد ولا بد عينا بعين ولابد متفاضلين ومتماثلين وزنا بوزن وجزافا بجزاف ووزنا بجزاف في كل ذلك لاتحاش شيئا ولا يجوز التأخير في ذلك طرفة عين لا في بيع ولا في سلم ويباع الذهب بالذهب سواء كان دنانير.
أو حليا.
أو سبائك.
أو تبرا وزنا بوزن عينا بعين يدا بيد لا يحل التفاضل في ذلك أصلا ولا التأخير طرفة عين لا بيعا ولا سلما، وتباع الفضة بالفضة دراهم أو حليا أو نقارا وزنا بوزن عينا بعين يدا بيد ولا يجوز التفاضل في ذلك أصلا ولا التأخير طرفة عين لا بيعا ولا سلما، ولا تجوز برادة أحدهما بمثلها من نوعها كيلا أصلا لكن بوزن ولا بد، ولا نبالي كان أحد الذهبين أجود من الآخر بطبعه أو مثله، وكذلك في الفضتين، وهذا مجمع عليه الا ما ذكرنا عن طلحة بن عبيدالله، والابيع الفضة بالفضة أو الذهب بالذهب فان ابن عباس.
وابن مسعود ومن وافقهما أجازوا فيهما التفاضل يدا بيد، والا أن أبا حنيفة.
والشافعي أجازا بيع كل ذلك بغير عينه وأجازا تأخير القبض ما لم يتفرقا بأبدانهما وقد ذكرناه عن عمر قبل هذا بخلاف قولهم، والا ان مالكا لا يجيز الجزاف في الدنانير ولا في الدراهم بعضها ببعض ويجيزه في المصوغ من أحدهما بالمصوغ من الآخر، ويجيز اعطاء درهم بدرهم أوزن منه على سبيل المكارمة * فأما قول مالك هذا.
وقول أبى حنيفة.
والشافعي فلا حجة لشئ منها لا من قرآن.
ولا من سنة.
ولا من رواية سقيمة.
ولا من قياس.
ولا من قول صاحب بل هو خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ذكرنا آنفا من امره عليه السلام أن نبيع الفضة بالذهب كيف شئنا يدا بيد * وأما قول ابن عباس فانه احتج بما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد ابن منصور عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن أبى المنهال قال: باع شريك لى ورقا
بنسيئة [ فجاءني فأخبرني ] (1) فقلت: هذا لا يصلح فقال: قد والله بعته في السوق وما عابه (2) على أحد فأتيت البراء بن عازب فسألته فقال: قدم [ علينا ] رسول الله صلى الله عليه وسلم [ المدينة ] ونحن نبيع هذا البيع فقال: ما كان يدا بيد فلا بأس به وما كان نسيئة فهو ربا [ ثم قال لى: ائت زيد بن أرقم ] فأتيت زيد بن أرقم فسألته فقال: مثل ذلك * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا قتيبة نا سفيان - هو ابن عيينة - عن عمرو - هو ابن دينار - عن أبى صالح السمان أنه سمع أبا سعيد الخدرى يقول في حديث: أن ابن عباس قال له أسامة بن زيد:
__________
(1) الزيادة من سنن النسائي ج 7 ص 280 (2) في النسخة 14 فماعابه(8/493)
أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انما الربا في النسيئة (1) * ومن طريق سعيد بن منصور حدثنى أبو معاوية - هو محمد بن حازم الضرير - عن الاعمش عن ابراهيم التيمى عن الحرث ابن سويد قال: قال عبد الله بن مسعود.
لاربا في يد بيد والماء من الماء، وصح عن ابن عمر انه قال بقول ابن عباس ثم رجع عنه * وروينا من طريق حجاج به المنهال نا جرير بن حازم قال: سألت عطاء بن أبى رباح عن الصرف؟ فقال: يا بنى ان وجدت مائة درهم بدرهم قدا فخذه * قال أبو محمد: حديث عبادة.
وأبى هريرة.
وعمر.
وأبى سعيد في أن الاصناف الستة كل صنف منها بصنفه ربا ان كان في أحد هما زيادة على وزن الآخر هو زائد حكما على حديث أسامة.
والبراء.
وزيد، والزيادة لا يحل تركها وبالله تعالى التوفيق * 1486 مسألة وجائز بيع القمح والشعير.
والتمر والملح بالذهب أو بالفضة يدا بيد ونسئية، وجائز تسليم الذهب أو الفضة بالاصناف التى ذكرنا لان النص جاء باباحة كل ذلك وبالله تعالى التوفيق * 1487 مسألة وأما القرض فجائز في الاصناف التى ذكرنا وغيرها وفى كل ما يتملك ويحل إخراجه عن الملك ولا يدخل الربا فيه إلا في وجه واحد فقط، وهو
اشتراط أكثر مما أقرض.
أو أقل مما أقرض.
أو أجود مما أقرض.
أو أدنى مما أقرض وهذا مجمع عليه، وهو في الاصناف الستة منصوص عليه كما أوردنا بأنه ربا وهو فيما عدا ها شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل، ويجوز إلى أجل مسمى ومؤخرا بغير ذكر أجل لكن حال في الذمة متى طلبه صاحبه أخذه، وقال مالك: لا يأخذه إلا بعد مدة ينتفع فيها المستقرض بما استقرض، وهذا خطأ لانه لم يأت به قرآن.
ولا سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قياس.
ولا قول أحد نعلمه قبله، وأيضا فانه حد فاسد لان الانتفاع لا يكون الا في ساعة (2) فما فوقها، وقال الله تعالى: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) والقرض أمانة ففرض أداؤها إلى صاحبها متى طلبها وبالله تعالى التوفيق * 1488 مسألة فان كان مع الذهب شئ غيره أي شئ كان من فضة أو غيرها ممزوج به أو مضاف فيه أو مجموع إليه في دنانير أوفى غيرها لم يحل بيعه مع ذلك الشئ ولا دونه بذهب أصلا لا بأكثر من وزنه ولا بأقل ولا بمثله الا حتى يخلص الذهب وحده خالصا، وكذلك ان كان مع الفضة شئ غيرها كصفر.
أو ذهب.
أو غيرهما ممزوج بها أو ملصق معها أو مجموع إليها لم يحل بيعها مع ذلك الشئ ولا دونه بفضة أصلا دراهم
__________
(1) الحديث في سنن النسائي اطول من هذا (2) في النسخة 14 لان الانتفاع يكون في ساعة(8/494)
كانت أو غير دراهم لا بأكثر من وزنها ولا بأقل ولا بمثل وزنها إلا حتى تخلص الفضة وحدها خالصة، سواء في كل ما ذكرنا السيف المحلى.
والمصحف المحلى.
والخاتم فيه الفص.
والحلى فيه الفصوص.
أو الفضة المذهبة.
أو الدنانير فيها خلط صفر أو فضة.
أو الدراهم فيها خلط ما، ولاربا في غير ما ذكرنا أصلا وكذلك إن كان في القمح شئ من غيره مخلوط به أو مضاف إليه من دغل أو غيره لم يجز بيعه بذلك الشئ ولا دونه بقمح صاف أصلا، وكذلك القول في الشعير فيه شئ غيره أو معه شئ غيره فلا يحل بيعه
بشعير محض وفى التمر يكون معه أو فيه شئ غيره أو معه فلا يحل بيعه بتمرمحض، وكذلك القول في الملح يكون فيه أو معه شئ غيره فلا يحل بيعه بملح صاف، وانما هذا كله إذا ظهر أثر الخلط في شئ مما ذكرنا، وأما ما لم يؤثر ولا ظهر له فيه عين ولا نظر أيضا فحكمه حكم المحض لان الاسماء إنما هي موضوعة على حسب الصفات التى بها تنتقل الحدود * برهان ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يباع الذهب والفضة بشئ من نوعهما الا عينا بعين وزنا بوزن، وأن لا يباع شئ من الاصناف الاربعة بشئ من نوعه إلا كيلا بكيل عينا بعين، فإذا كان في أحد الانواع المذكورة خلط أو شئ مضاف إليه فلا سبيل إلى بيعه بشئ من نوعه عينا بعين ولا كيلا بكيل ولا وزنا بوزن لانه لا يقدر على ذلك أصلا، فقال من أجاز ذلك: إذا علمنا وزنه أو كيله جاز بيعه بشئ من نوعه أكثر وزنا أو كيلا منه فيكون مقدار وزنه به أو مقدار كيله كذلك ويكون الفضل بذلك الشئ، مثال ذلك دينار فيه حبة فضة فيباع بدينار ذهب صرف فيكون من هذا الدينار الصرف دينار غير حبة بازاء الذهب الذى في ذلك الدينار الذى فيه حبة فضة ويكون ما زاد (1) على ذلك من ذهب هذا الدينار بالحبة الفضة، وكذلك الدرهم يكون فيه ربعه أو ثلثه أو نصفه صفرا فيباع بدرهم فضة محضة فيكون ما في هذا الدرهم من الفضة بازاء وزنه من ذلك الدرهم الآخر من الفضة ويكون الصفر الذى مع هذه الفضة بازاء ما بقى من ذلك الآخر من الفضة وهكذا في الاربعة الاصناف الباقية * قال أبو محمد: فقلنا: ان كنتم تخلصتم بهذه النية من الوزن فلم تتخلصوا من التعيين لانه يعرف أي فضة هذ الدرهم بعتم بفضة ذلك الآخر، وقد افترض رسول الله صلى الله عليه وآله أنه لا يحل ذلك الا عينا بعين فكيف وقد ورد في هذا نص؟ كما روينا من طريق مسلم نا أبو الطاهر [ أحمد بن عمرو بن سرح ] (2) انا ابن وهب أخبرني أبو هانئ الخولانى أنه سمع على بن رباح [ اللخمى ] يقول: سمعت فضالة بن عبيد يقول:
__________
(1) في النسخة 16 (فيكون بازائه) (2) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 467(8/495)
(أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها ذهب وخرز (1) وهى من المغانم تباع فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذى في القلادة فنزع وحده ثم قال لهم عليه السلام: الذهب بالذهب وزنا بوزن) * ومن طريق أبى داود نا محمد بن العلاء نا ابن المبارك عن سيعد بن يزيد - هو أبو شجاع - عن خالد بن أبى عمران (2) عن حنش الصنعانى عن فضالة بن عبيد الانصاري قال: (أتى رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حتى تميز بينه وبينه فقال: انما أردت الحجارة فقال عليه السلام: لا حتى تميز بينهما فرده حتى ميز بينهما)، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلتفت نيته في أنه انما كان غرضه الخرز ويكون الذهب (4) تبعا ولا راعى كثرة ثمن من قلتة، وأوجب التمييز والموازنة ولا بد، وفى هذا خلاف نذكر منه طرفا ان شاء الله تعالى * روينا من طريق شعبة نا عمارة بن أبى حفصة عن المغيرة بن حنين سمعت على بن أبى طالب - وهو يخطب - إذا أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين ان بأرضنا قوما يأكلون الربا قال على: وما ذلك؟ قال: يبيعون جامات مخلوطة بذهب وفضة بورق فنكس على رأسه وقال: لا أي لا بأس به * ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير بن عبد الحميد عن السماك بن موسى عن موسى بن أنس بن مالك عن أبيه أن عمر أعطاه آنية خسروانية مجموعة بالذهب فقال عمر: اذهب فبعها واشترط رضانا فباعها من يهودى بضعف وزنها ثم أخبر عمر فقال له عمر: اذهب فاردده لا إلا بزنته * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم عن مجالد عن الشعبى أن عبد الله بن مسعود باع نفاية بيت المال زيوفا وقسيانا (5) بدراهم دون وزنها * ومن طريق ابن أبى شيبة نا شريك ابن عبد الله عن ابراهيم بن مهاجر عن ابراهيم النخعي قال: كان خباب قينا وكان ربما اشترى السيف المحلى بالورق * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبد السلام بن حرب عن يزيد الدالانى عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: كنا نبيع السيف المحلى بالفضة ونشتريه *
ومن طريق ابن أبى شيبة نا وكيع عن اسرائيل عن عبد الاعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لا بأس ببيع السيف المحلى بالدراهم، فهؤلاء عمر.
وعلى، وأنس.
وابن مسعود.
وطارق.
وابن عباس.
وخباب الا أن عليا.
وخبابا.
وابن مسعود.
وطارقا.
وابن عباس لم يخصوا باكثر مما فيها من الفضة ولا أقل، وعمر راعى وزن الفضة وألغى الذهب الا أنه أجاز الصرف بخيار رضاه بعد افتراق المتصارفين، وأنس وحده راعى
__________
(1) في صحيح مسلم (فيها خرز وذهب) (2) في النسخة 16 أبى عمرو) وهو غلط (3) في سنن أبى داود (اتى النبي) الخ (4) في النسخة 14 (وكون الذهب) (5) هو جمع قسى الردئ كصبيان وصبى، يقال قست الدراهم تقسوا إذا زافت(8/496)
أكثر من الوزن وأجاز الخيار في الصرف * وممن بعدهم روينا من طريق أحمد بن حنبل عن يحيى بن ابى زائدة أخبرني ابن أبى غنية سألت الحكم بن عتيبة ألف درهم وستين درهما بألف درهم وخمسة دنانير؟ فقال: لا بأس به ألف بألف والفضل بالدنانير * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر.
وسفيان الثوري.
وحى بن عمر قال معمر: عن قتادة عن الحسن البصري، وقال سفيان: عن المغيرة عن ابراهيم النخعي، وقال حى: عن عبد الكريم أبى أمية (1) عن الشعبى ثم اتفق الحسن.
وابراهيم، والشعبى قالوا كلهم: لا بأس بالسيف فيه الحلية.
والمنطفة.
والخاتم ان يبتاعه بأكثر مما فيه أو بأقل ونسيئة * ومن طريق عبد الرزاق نا هشيم عن مغيرة سألت ابراهيم النخعي عن الخاتم أبيعه نسيئة فقال (2): أفيه فص؟ فقلت (3): نعم فكأنه هون فيه * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عثمان بن مطر عن هشام - هو ابن حسان - وسعيد بن أبى عروبة قال هشام: عن ابن سيرين وقال سعيد: عن قتادة ثم اتفق ابن سيرين.
وقتادة أنه لا بأس بشراء السيف المفضض.
والخوان المفضض.
والقدح بالدراهم * ومن طريق شعبة قال: سألت حماد بن أبى سليمان عن السيف المحلى يباع بالدراهم؟ فقال: لا بأس به، وروى هذا عن سليمان بن موسى.
ومكحول أيضا *
ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا حصين - هو أبو عبد الرحمن - عن الشعبى أنه كان لا يرى بأسا بالسيف المحلى يشترى نقدا ونسئية ويقول فيه: الحديد.
والحمائل * وروينا من طريق شعبة أنه سأل الحكم بن عتيبة عن السيف المحلى يباع بالدراهم؟ فقال: ان كانت الدراهم أكثر من الحلية فلا بأس به * وروينا مثله أيضا عن الحسن.
وابراهيم وهو قول سفيان، وروينا عن ابراهيم قولا ثالثا كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا جرير عن مغيرة عن ابراهيم في الذهب والفضة يكونان جميعا قال: لا يباع الا بوزن واحد منهما * قال أبو محمد: كأنه يلغى الواحد وقال الاوزاعي: إذا كانت الحلية تبعا وكان الفضل في النصل جاز بيعه بنوعه نقدا وتأخيرا، وقال مالك: ان كانت فضة السيف المحلى بالفضة.
أو المصحف كذلك.
أو المنطقة كذلك.
أو خاتم الفضة كذلك يقع في الثلث من قيمتها مع النصل.
والغمد.
والحمائل.
ومع المصحف.
ومع الفص، وكان حلى النساء من الذهب أو الفضة يقع الفضة أو الذهب في ثلث قيمة الجميع مع الحجارة فأقل جاز بيع كل ذلك بنوعه أكثر مما فيه ومثله وأقل نقدا ولا يجوز نسيئة، فان كانت أكثر من الثلث لم يجز أصلا، وهذا تناقض عظيم لان التفاضل حرام كالتأخير ولا فرق فان منع من أحدهما فليمنع من الآخروان أجاز أحدهما لانه تبع فليجز الآخر أيضا لانه تبع، وتحديده الثلث عجب آخرا
__________
(1) في النسخة رقم 16 عبد العزيز بن ابى امية وفى النسخة الحلبية عبد الكريم بن ابى امية (2) في النسخة رقم 14 قال (3) في النسخة رقم 14 قلت (م 63 ج 8 المحلى)(8/497)
وما عقل قط أحد أن وزن عشرة أرطال فضة تكون ثلث قيمة ما هي فيه يكون قليلا ووزن درهم فضة يكون نصف قيمة ماهى فيه يكون كثيرا، وهذا فاسد من القول جدا ولا دليل على صحته لا من قرآن.
ولا من سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قول أحد قبله نعلمه.
ولا قياس.
ولا رأى له وجه ولا احتياط، وقال أيضا: لا يجوز بيع غير ما ذكرنا يكون فيه فضة أو ذهب بنوع ما فيه منهما قل أو كثر كالسكين المحلاة بالفضة أو الذهب، والسرج كذلك،
وكل شئ كذلك إلا أن يكون ما فيه من الفضة أو الذهب إذا نزع لم يجتمع منه شئ له بال فلا بأس حينئذ ببيعه بنوع ما فيه من ذلك نقدا وبتأخير وكيف شاء * قال أبو محمد: شئ له بال كلام لا يحصل، وحبة ذهب أو فضة لها بال عند المساكين نعم وعند التجار وعند أكثر الناس، ولا يحل عنده ولا عندنا تزيدها في الموازنة فميا فيه الربا، ثم تفريقه بين السيف.
والمصحف.
والخاتم.
والمنطقة.
وحلى النساء في ذلك.
وبين السرح.
واللجام (1) والمهاميز.
والسكين.
وغير ذلك عجب جدا! * فان قالوا: لان ما ذكرنا قبل مباح اتخاذه قلنا: والدنانير مباح اتخاذها فأجيزوا بيعها مع غيرها بذهب إذا كانت ثلث القيمة فأقل، وأجاز مالك بدل الدنانير المحضة بالدنانير المغشوشة بالصفر أو الفضة كثر الغش أم قل كان الثلث أو أكثر أو أقل مثلا بمثل، وكذلك أجاز بدل الدراهم المغشوشة بالصفر وغيره بالدراهم الفضة المحضة مثلا بمثل كان الغش الثلث أو أكثر أو أقل، قال: فان كان ذلك باسم البيع لم يجزو هو يرى في المغشوشة الزكاة إذا بلغ وزنها بغشها (2) مائتي درهم أو بلغ وزن الدنانير عشرين دينارا وإن كانت الفضة أو الذهب فيهما أقل من العشر، وهذا تناقض آخر ولئن كان حكمها حكم الصافية في وجوب الزكاة فيها وكانت ورقافان بيع بعضها ببعض جائز لانها شئ واحد وورق ولئن كان بيع بعضها ببعض لا يجوز لانها ليست شيئا واحدا ولا هي ورق فان الزكاة فيها لا تجب لذلك سواء سواء، ثم الفرق بين البدل، وبين البيع عجب آخر ما سمعناه عن أحد قبله ولا ندرى من أين قاله؟ ولئن كان للبدل هنا غير حكم البيع ليجوزن الدينار بالدينارين على البدل لا على اسم البيع وهذه عجائب (3) كما تسمع، وقال أبو حنيفة: كل شئ محلى بفضة أو ذهب فجائز بيعه بنوع ما فيه من ذلك إذا كان الثمن أكثر مما في المبيع من الفضة أو الذهب ولايجوز بمثل ما فيه من ذلك ولا بأقل، قال ولابد من قبض ما يقع للفضة أو للذهب من الثمن قبل التفرق فكان هذا طريفا جدا ومخالفا للسنة كما ذكرنا قبل * وقال أبو حنيفة في الدراهم المغشوشة: إن كان الثلثان هو الصفر وكانت الفضة الثلث
__________
(1) في النسخة رقم 16 الخاتم (2) في النسخة رقم 16 (بعينها) (3) في النسخة رقم 14 (وهذا عجب)(8/498)
ولا يقدر على تخليصها لانه لا يدرى ان خلصت أيبقى الصفر ام يحترق؟ فلا بأس ببيعها بوزن جميعها فضة محصة وبأكثر من وزن جميعها أيضا ولا يجوز بيعها بمثل الفضة التى فيها ولا بأقل منها قال: فان كان نصفها صفرا أو نصفها فضة فان كانت الفضة هي الغالبة جاز بيعها بوزن جميعها من الفضة المحضة ولا تباع بأكثر من ذلك من الفضة وإن لم يكن أحدهما غالبا للآخر جاز بيعها حينئذ بمثل وزن جميعها فضة محضة وبأكثر وبأقل بعد أن تكون فضة الثمن أكثر من الفضة التى في الدراهم فان لم يدر أي الفضتين أكثر التى هي ثمن أم التى في الدراهم؟ فالبيع فاسد، قال: فان كان ثلثا الدراهم فضة وثلثها صفرا لم يجزان تباع بالفضة المحضة الا مثلا بمثل لا بأقل ولا بأكثر، وهذه وساوس لو قالها صبى في أول فهمه ليئس من فلاحه ولو جب أن يستعد له بغل ونعوذ بالله من البلاء، ومالهذه الاحكام وجه أصلا لا من قرآن.
ولا من سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قياس.
ولا رأى سديد.
ولا احتياط.
ولا سمعت عن أحد قبله، وحسبنا الله ونعم الوكيل * والعجب أنه مرة رأى الثلث ههنا قليلا ومرة رأى الربع كثيرا فيما ينكشف من بطن الحرة في الصلاة ومرة رأى مقدار الدرهم البغلى كثيرا فيما ينكشف من فخذها أو دبرها ومرة رأى النصف قليلا.
ومرة رأى مقدار ثلاثة أصابع من جميع الرأس كثيرا، وهذه تخاليط لا تعقل وتحكم في دين الله تعالى بالباطل * قال أبو محمد: وروى مثل قولنا عن طوائف من السلف كما روينا من طريق ابن أبى شيبة نا وكيع عن محمد بن عبد الله الشعيثى (1) عن أبى قلابة عن أنس قال: اتانا كتاب عمر بن الخطاب ونحن بارض فارس لا تبيعوا سيوفا فيها حلقة فضة بالدراهم * ومن طريق سعيد بن منصور نا مهدى بن ميمون عن محمد بن عبد الله بن أبى يعقوب حدثنى يحى الطويل عن رجل من همدان قال: سألت على بن أبى طالب فقلت: يا أمير
المؤمنين انه يكسد على الورق أفأصرفه بالزيادة والنقصان؟ قال: ذلك الربا العجلان * ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير عن مغيرة بن مقسم عن أبيه عن رجل من السمانين قال: قال على بن أبى طالب: إذا كان لاحدكم دراهم لا تنفق فليبتع بها ذهبا وليبتع بالذهب ما شاء * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم عن مجالد عن الشعبى أن عبد الله بن مسعود باع نفاية بيت المال زيوفا وقسيان (2) بدراهم دونها وزنها فنهاه عمر عن ذلك وقال: أو قد عليها حتى يذهب ما فيها من حديد أو نحاس وتخلص ثم بع الفضة بوزنها * ومن طريق مسلم بن الحجاج حدثنى أبو الطاهر نا ابن وهب عن عمرو
__________
(1) هو - بشين معجمة في أوله مضمومة ثم عين مهملة وآخرة ثاء مثناة - محمد بن عبد الله بن المهاجر النصرى ويقال العقيلى الدمشقي وفى النسخة رقم 16، والنسخة الحلبية الشعبى وهو تصحيف (2) سبق تفسيره قريبا(8/499)
ابن الحرث أن عامر بن يحيى [ المعافرى ] (1) أخبرهم عن حنش بن عبد الله الصنعانى أنه كان مع فضالة بن عبيد في غزوة فطارت لى ولاصحابي قلادة فيها ذهب وورق وجوهر فادرت أن اشتريها فسألت (2) فضالة ابن عبيد؟ فقال: انزع ذهبها فاجعله في كفة واجعل ذهبك في كفة ثم لا تأخذن الا مثلا بمثل فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثم ذكر الحديث * ومن طريق وكيع نا فضيل بن غزوان عن نافع قال: كان ابن عمر لا يبيع سرجا ولا سيفا فيه فضة حتى ينزعه ثم يبيعه وزنا بوزن * فهؤلاء عمر.
وعلى.
وابن عمر.
وفضالة بن عبيد * ومن التابعين كما روينا من طريق ابن أبى شيبة نا عبد الاعلى بن عبد الاعلى عن معمر عن الزهري أنه كان يكره أن يشترى السيف المحلى بفضة ويقول: اشتره بالذهب يدا بيد * ومن طريق ابن أبى شيبة نا إسماعيل بن ابراهيم - هو ابن علية - عن أيوب السختيانى أن محمد بن سيرين كان يكره شراء السيف المحلى الا بعرض * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا يونس عن ابن سيرين أنه كان يقول: إذا كانت الحلية فضة اشتراها بالذهب وان كانت الحلية ذهبا اشتراها بالفضة وان كانت
ذهبا وفضة فلا يشتريها بذهب ولا فضة واشتراها بعرض * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا الشيباني - هو ابو اسحاق - عن الشعبى عن شريح أنه أتى بطوق ذهب فيه جوهر فقال شريح: أزيلوا الذهب من الجوهر فبيعوا الذهب يدا بيد وبيعوا الجوهر كيف شئتم * ومن طريق وكيع نا زكريا - هو ابن أبى زائدة - عن الشعبى قال: سئل شريح عن طوق ذهب فيه فصوص اتباع بدنانير؟ قال: تنزع الفصوص ثم يباع الذهب بالذهب وزنا بوزن * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
وقتادة قال قتادة: عن ابن سيرين ثم اتفق ابن سيرين.
والزهرى قالا جميعا.
يكره أن يباع الخاتم فيه فضة بالورق * ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي أنه كان يكره أن يشترى ذهب وفضة بذهب، وقال حماد: فيمن أراد أن يشترى ألف درهم بمائة دينار ودرهم فمنع من ذلك وقال: لا ولكن اشتر ألف درهم غير درهم بمائة دينار، وكل ما قلناه فهو قول الشافعي.
وأحمد.
وجمهور أصحابنا وبالله تعالى التوفيق * 1489 مسألة فان كان ذهب وشئ آخر غير الفضة معه أو مركبا فيه جاز بيعه كما هو مع ما هو معه ودونه بالدراهم يدا بيد ولا يجوز نسيئة، وكذلك الفضة معها شئ آخر غير الذهب أو مركبا فيها أو هي فيه جاز بيعها مع ماهى معه أو دونه بالدنانير يدا بيد ولا يجوز نسيئة، وكذلك القمح معه تمر أو ملح أو شئ آخر فجائز بيعه مع الآخر
__________
(1) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 467 (2) في النسخة رقم 16 (وارسلت) وما هنا موافق لما في صحيح مسلم(8/500)
أو دونه بشعير يدا بيد ولا يجوز نسيئة (1)، وكذلك الشعير معه تمر أو ملح أو غير ذلك فجائز بيعه وما معه أو دونه بقمح نقدا لا نسيئة، وكذلك التمر معه شعير أو ملح أو غير ذلك فجائز بيعه معه أو دونه بقمح نقدا لا نسيئة، وكذلك الملح معه قمح أو شعير أو غير ذلك فجائز بيعه بالتمر نقدا لا بنسيئة * برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت هذه الاصناف فبيعوا
كيف شئتم إذا كان يدا بيد) فسقطت الموازنة والمكايلة.
والمماثلة.
وبقى النقد فقط وبالله تعالى التوفيق * روينا من طريق حماد بن سلمة نا الحجاج بن أرطاة عن جعفر بن عمرو بن حريث أن أباه اشترى من على بن أبى طالب ديباجة ملحمة بذهب بأربعة آلاف درهم بنساء فاحرقها فاخرج منها قيمة عشرين ألف درهم، وأجاز ربيعة بيع سيف محلى بفضة بذهب إلى أجل * قال على: لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مما تناقض فيه المالكيون: والحنيفيون خالفوا عمل على.
وعمرو بن حريث بحضرة الصحابة رضى الله عنهم * 1490 مسألة وأما الدراهم المنقوشة والدنانير المغشوشة فانه ان تبايع اثنان دراهم مغشوشة قد ظهر الغش فيها بدراهم مغشوشة قد ظهر الغش فيها فهو جائز إذا تعاقدا البيع على أن الصفر الذى في هذه بالفضة التى في تلك والفضة التى في هذه بالصفر الذى في تلك فهذا جائز حلال سواء تبايعا ذلك متفاضلا.
أو متماثلا.
أو جزافا بمعلوم أو جزافا بجزاف لان الصفر بالفضة حلال، وكذلك ان تبايعا دنانير مغشوشة بدنانير مغشوشة قد ظهر الغش في كليهما على هذه الصفة، فان تبايعا ذهب هذه بفضة تلك وذهب تلك بفضة هذه فهذا أيضا حلال متماثلا.
ومتفاضلا.
وجزافا نقدا ولابد لانه ذهب بفضة فالتفاضل جائز والتناقد فرض، وبالله تعالى التوفيق * 1491 مسألة وجائز بيع القمح بدقيق القمح.
وسويق القمح.
وبخبز القمح ودقيق القمح بدقيقه وبسويقه.
وبخبزه.
وسويقه بسويقه وبخبزه.
وخبز القمح بخبز القمح متفاضلا كل ذلك.
ومتماثلا.
وجزافا، والزيتون بالزيت والزيتون، والزيت بالزيت.
والعنب بالعنب وبالعصير وبخل العنب والزبيب بالخل يدا بيد وان يسلم كل ما ذكرنا بعضه في بعض.
وكذلك دقيق الشعير بالقمح وبالشعير وبدقيق الشعير وبخبزه.
والتين بالتين.
والزبيب بالزبيب.
والارز بالارز كيف شئت متفاضلا.
ومتماثلا ويسلم
__________
(1) في النسخة رقم 14 (نظرة)(8/501)
بعضه في بعض ولا ربا البتة ولا حرام إلا في الاصناف الستة التى قدمنا.
وفى العنب بالزبيب كيلا ويجوز ووزنا كيف شئت، وفى الزرع القائم بالقمح كيلا، فان كان الزرع ليس قمحا ولا شعيرا ولا سنبل بعد فقد جاز بيعه بالشعير كيلا وبكل شى ما عدا القمح كيلا، وأجاز المالكيون السويق من القمح بالقمح متفاضلا، وأجاز الحنيفيون خبز القمح بالقمح متفاضلا وكل ذلك أصله القمح ولا فرق * برهان ذلك ما أوردنا قبل من أنه لاربا ولا حرام الا ما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) وقال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم السلف في كيل معلوم.
أو وزن معلوم إلى أجل معلوم، وقال الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فصح بأوضح من الشمس أن كل تجارة.
وكل بيع: وكل سلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم: فحلال مطلق لامرية في ذلك إلا ما فصل الله تعالى لنا تحريمه على لسان رسوله عليه السلام، ونحن نشهد بشهادة الله تعالى ونبت ونقطع بان الله تعالى لم يحرم على عباده شيئا كتمه عنهم ولم يبينه رسوله عليه السلام لهم وأنه تعالى لم يكلنا فيما حرم علينا إلى ظنون أبى حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وأو غيرهم.
ولا إلى ظنوننا.
ولا إلى ظن أحد ولا إلى دعاوى لا برهان عليها، وما وجدنا عن أحد قبل مالك المنع من بيع الزيتون بالزيت ثم اتبعه عليه الشافعي وان كان لم يصرح به، وأجازه أبو حنيفة وأصحابه إذا كان الزيت أكثر مما في الزيتون من الزيت وإلا فلا، فان قالوا: هي مزابنة قلنا: قلت: الباطل قد فسر المزابنة أبو سعيد الخدرى.
وجابر بن عبد الله وابن عمر رضى الله عنهم وهم أعلم الناس باللغة وبالدين فلم يذكروا شيئا من هذه الوجوه فيه أصلا، فان قالوا: قسنا ذلك على الرطب بالتمر.
والزبيب بالعنب كيلا قلنا: القياس كله باطل ثم هذا منه عين الباطل
لان الزبيب هو عين العنب نفسه الا أنه يبس، والتمر هو عين الرطب (1) إلا أنه يابس والزيت هو شئ آخر غير الزيتون (3) لكنه خارج منه كخروج اللبن من الغنم والتمر من النخل وبيع كل ذلك بما يخرج منه جائز بلا خلاف، فهذا أصح في القياس لو صح القياس يوماما، وقد ذكرنا أقوالهم المختلفة المتناقضة وكل قول منها يكذب قول الآخر (3) ويبطله ويشهد عليه بالخطأ كل ذلك بلا برهان والحمد لله رب العالمين على عظيم نعمه علينا كثيرا، وهذا قول أبى سليمان.
وأصحابنا * ومن طريق (4) ابن أبى شيبة نا عبيدة بن حميد عن مطرف - هو ابن طريف - عن الشعبى أنه سئل عن السويق
__________
(1) في النسخة رقم 14 (هو ارطب) (2) في النسخة رقم 14 ((آخر سوى الزيتون) (3) في النسخة رقم 10 (قول الآخرين) (4) في النسخة رقم 14 أخر هذا السند وقدم ما بعده عليه(8/502)
بالحنطة؟ فقال: ان لم يكن ربا فهو ريبة * ومن طريق ابن أبى شيبة نا جرير عن ليث عن مجاهد قال: لا بأس بالحنطة بالسويق والدقيق بالحنطة والسويق فلم يشترط المماثلة، وقد ذكرنا أقوال الصحابة ومن بعدهم في المزابة فاغنى عن تكراره * 1492 مسألة ومن كان له عند آخر دنانير.
أو دراهم.
أو قمح.
أو شعير.
أو ملح أو تمر.
أو غير ذلك مما لا يقع فيه الربا أي شئ كان لاتحاش شيئا اما من بيع وامامن قرض.
أو من سلم.
أو من أي وجه كان ذلك له عنده حالا كان أو غير حال فلا يحل له أن يأخذ منه شيئا من غير ماله عنده أصلا، فان أخذ دنانير عن دراهم أو دارهم عن دنانير أو شعيرا عن بر أو دراهم عن عرض أو نوعا عن نوع لا تحاش شيئا فهو فيما يقع فيه الربا ربا محض وفيما لا يقع فيه الربا حرام بحت وأكل مال بالباطل، وكل ذلك مفسوخ مردود أبدا محكوم فيه بحكم الغصب الا أن لا يقدر على الانتصاف البتة فيأخذ ما أمكنه مما يحل تملكه لا تحاش شيئا بمقدار حقه ولا مزيد فهذا حلال له *
برهان ذلك ما ذكرنا قبل من تحريم النبي صلى الله عليه وسلم الذهب.
والفضة.
والبر.
والتمر.
والشعير.
والملح إلا مثلا بمثل عينا بعين، ثم قال عليه السلام (فإذا اختلفت هذه الاصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) والعمل الذى وصفنا ليس يدا بيد بل أحدهما غائب ولعله لم يخرج من معدنه بعد فهو محرم بنص كلامه عليه السلام، وأيضا فروينا من طريق مسلم نا محمد بن رمح نا الليث بن سعد عن نافع أنه سمع أبا سعيد الخدرى يقول: (أبصرت عيناى وسمعت أذناى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: للا تبيعوا الذهب بالذهب ولا تبيعوا الورق بالورق الا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضه على بعض ولا تبيعوا شيئا غائبا منه بناجز إلا يدا بيد) (1) * ومن طريق البخاري نا حفص بن عمر - هو الحوضى - نا شعبة أخبرني حبيب بن أبى ثابت قال: سمعت أبا المنهال قال: سألت البراء بن عازب.
وزيدبن أرقم عن الصرف فكلاهما يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا (2)) * وذهب مالك.
وأبو حنيفة.
والشافعي في أحد قوليه وأصحابنا إلى جواز أخذ الذهب من الورق والورق من الذهب.
واحتجوا في ذلك بما رويناه من طريق قاسم بن أصبغ نا جعفر بن محمد نا عفان بن مسلم نا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: (قلت: يا رسول الله أبيع الابل بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير وآخذ هذه من هذه فقال: (3) لا بأس أن تأخذها بسعر يومها) *
__________
(1) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 465 (2) هو في صحيح البخاري ج 3 ص 155 (3) في النسخة رقم 16 قال(8/503)
قال أبو محمد: وهذا خبر لا حجة فيه لوجوه، أحدها أن سماك بن حرب ضعيف يقبل التلقين شهد عليه بذلك شعبة وأنه كان يقول له: حدثك فلان عن فلان؟ فيقول: نعم فيم سئل عنه، وثانيها أنه قد جاء هذا الخبر بهذا السند ببيان غير ما ذكروا كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا قتيبة نا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: كنت أبيع الذهب بالفضة أو الفضة (1) بالذهب فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبرته بذلك فقال: إذا بايعت صاحبك فلا تفارقه وبينك وبينه لبس، وهذا معنى صحيح وهو كله خبر واحد * وثالثها أنه لو صح لهم كما يريدون لكانوا مخالفين له لان فيه اشتراط أخذها بسعر يومها وهم يجيزون أخذها بغير سعر يومها فقد اطرحوا ما يحتجون به، ومما يبطل قولهم ههنا أنه قد صح النهى عن بيع الغرر وهذا أعظم ما يكون من الغرر لانه بيع شئ لا يدرى أخلق بعد أم لم يخلق ولا أي شئ هو والبيع لا يجوز إلا في عين معينة بمثلها والا فهو بيع غرر وأكل مال بالباطل والسلم لا يجوز الا إلى أجل فبطل أن يكون هذا العمل بيعها أو سلما فهو أكل مال بالباطل، وأيضا فان هدا الخبر انما جاء في البيع فمن أين أجازوه في القرض؟ وقد فرق بعض القائلين به بين القرض في البيع في ذلك واحتجوا من فعل السلف في ذلك بما روينا من طريق وكيع نا اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى عن سعيد مولى الحسن قال: أتيت ابن عمر أتقاضاه فقال لى: إذا خرج خازننا أعطيناك فلما خرج بعثه معى إلى السوق وقال: إذا قامت على ثمن فان شاء أخذها بقيمتها أخذها * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة نا إسماعيل السدى عن عبد الله البهى عن يسار بن نمير قال: كان لى على رجل دراهم فعرض على دنانير فقلت: لا آخذها حتى أسأل عمر فسألته فقال: إئت بها الصيارفة فأعرضها فإذا قامت على سعر فان شئت فخذها وإن شئت فخذ مثل دراهمك، وصحت إباحة ذلك عن الحسين البصري.
والحكم.
وحماد.
وسعيد بن جبير باختلاف عنه.
وطاوس: والزهرى.
وقتادة.
والقاسم بن محمد، واختلف فيه عن إبراهيم.
وعطاء * قال أبو محمد: وروينا المنع من ذلك عن طائفة من السلف * روينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر قال: إن عمر بن الخطاب قال: لا تبيعوا الذهب بالورق أحدهما غائب والآخر ناجز (2) هذا صحيح * ومن طريق وكيع عن عبد الله بن عوف عن ابن سيرين عن عبد الله بن مسعود أنه كان يكره اقتضاء الذهب من الورق والورق من الذهب * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا الشيباني - هو أبو إسحاق - (3) عن عكرمة
__________
(1) في النسخة رقم 14 والفضة وما هنا موافق لما في سنن النسائي ج 7 ص 282 (2) هو في الموطأ ج 2 ص 136 مطولا (3) في النسخة رقم 16 هو ان اسحاق وهو غلط(8/504)
عن ابن عباس أنه كره اقتضاء الذهب من الورق والورق من الذهب، وهذا صحيح ومن طريق سفيان بن عيينة عن سعد بن كدام قال: حلف لى معن - هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود - أنه وجد في كتاب أبيه بخطه قال عبد الله بن مسعود: معاذ الله أن نأخذ دراهم مكان دنانير أو دنانير مكان دراهم * ومن طريق عبد الرزاق نا سفيان بن عيينة عن عمرو ابن دينار أخبرني أبو المنهال عبد الرحمن بن مطعم أن عبد الله بن عمر قال له: نهانا أمير المؤمنين - يعنى أباه - أن نبيع الدين بالعين وهذا في غاية الصحة * ومن طريق حماد بن زيد نا أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين أن زينب امرأة ابن مسعود باعت جارية لها اما بذهب واما بفضة فعرض عليها النوع الآخر فسئل عمر؟ فقال: لتأخذ النوع الذى باعت به * ومن طريق سعيد ابن منصور نا خالد بن عبد الله - هو الطحان - عن الشيباني - هو أبو إسحاق - عن محمد ابن زيد عن ابن عمر فيمن باع طعاما بدراهم أيأخذ بالدراهم طعاما؟ فقال: لا حتى تقبض دراهمك ولم يقل ابن عمر باباحة ذلك في غير الطعام * ومن طريق ابن أبى شيبة نا على بن مسهر عن أبى اسحاق الشيباني عن محمد بن زيد عن ابن عمر فيمن أقرض دراهم أيأخذ بثمنها طعاما؟ فكرهه * ومن طريق محمد بن المثنى نا مؤمن بن اسماعيل نا سفيان الثوري عن الزبير بن عدى عن ابراهيم النخعي أنه كره اقتضاء الدنانير من الدراهم والدراهم من الدنانير * ومن طريق أحمد بن شعيب نا محمد بن بشار نا وكيع نا موسى بن نافع عن سعيد بن جبير أنه كره (1) أن يأخذ الدنانير من الدارهم والدراهم من الدنانير * ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن علية عن يونس - هو ابن عبيد - عن أنس بن سيرين قال قال لى أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود: لا تأخذ الذهب من الورق يكون لك على الرجل ولا تأخذن الورق من الذهب * ومن طريق ابن أبى شيبة نا وكيع بن على بن المباك عن يحيى - هو ابن أبى كثير - عن أبى سلمة - هو ابن عبد الرحمن
ابن عوف - أنه كره أن يكون لك عند آخر قرض دراهم فتأخذ منه دنانير * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبد الاعلى بن عبد الاعلى عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين فيمن كانت له على آخر دراهم فأخذ منها ثم أراد أن يأخذ بقيمتها دنانير فكرهه * ومن طريق ابن أبى شيبة نا مروان بن معاوية - هو الفزارى - عن موسى بن عبيدة أخبرني عطاء مولى عمر ابن عبد العزيز أنه ابتاع من برد مولى سعيد بن المسيب ناقة بأربعة دنانير فجاء يلتمس حقه.
فقلت: عندي دراهم ليس عندي دنانير فقال: حتى استأمر سعيد بن المسيب فاستأمره.
فقال له سعيد: خذ منه دنانير عينا فان أبى فمو عده الله دعه * ومن طريق ابن أبى شيبة نا يحيى ابن سعيد القطان عن ابن حرملة قال: بعت جزورا بدراهم إلى الحصاد فلما حل قضوني
__________
(1) في سنن النسائي ج 7 ص 282 (انه كان يكره) (م 64 ج 8 المحلى)(8/505)
حنطة.
وشعيرا.
وسلتا فسألت سعيد بن المسيب؟ فقال: لا يصلح لا تأخذ إلا الدراهم (1) فهؤلاء عمر.
وابن عباس.
وابن مسعود.
وابن عمر.
والنخعي.
وسعيد ابن جبير.
وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود.
وأبو سلمة بن عبد الرحمن.
وابن سيرين.
وابن المسيب، وهذا مما تركوا فيه القرآن في تحريمه أكل المال بالباطل لخبر ساقط مضطرب، وقولنا هو أحد قولى الشافعي.
وقول ابن شبرمة، وأما إذا لم يقدر على الانتصاف فقد قال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وقال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل.
ما اعتدى عليكم) فهذا عموم لكل ما أمكن الممنوع حقه أن ينتصف به.
أو بأن يوكل غريمه على بيع ماله عنده.
وبأن يبتاع له ما يريد فهذا جائز وبالله تعالى التوفيق * 1493 مسألة واستدركنا مناقضات لهم يعارضون بها ان شنعوا علينا ببيع القمح بدقيقه ودقيق غيره متفاضلا وتسليم أحدهما في الآخر، وكذلك دقيق القمح بدقيق القمح، وبالخبز.
والزيت بالزيتون وبالزيت.
واللبن باللبن وبالجبن والسمن وكل شئ ما عدا ما ورد به النص من السنة ولا شنعة في شئ منه لا ننا لم نتعد حدود الله تعالى ولا حرمنا ما لم يحرمه الله تعالى ولا رسوله عليه السلام وانما الشنيع (2) فيما نذكره إن شاء الله تعالى، قال مالك: يجوز بيع الدقيق من القمح بالقمح كيلا بكيل مثلا بمثل
يدا بيد قال: ولا يجوز دقيق القمح بدقيق القمح كيلا بكيل لكن وزنا بوزن مثلا بمثل * قال على: فان كان دقيق القمح نوعا واحدا مع القمح فما يحل أن يبيع دقيق قمح بدقيق قمح الا كيلا بكيل كما يبيع (3) الدقيق بالقمح لانهما قمح معا وان كان دقيق القمح صنفا غير القمح فواجب أن يجيزه بالقمح متفاضلا، وأجاز القمح بسويق القمح متفاضلا فاى فرق بين دقيق قمح بقمح وبين سويق قمح بقمح؟ وأعجب من هذا احتجاجهم في ذلك بان السويق دخلته صنعة فقلنا.
فكان ماذا؟ ومن أين وقع لكم الفرق بانه دخلته صنعة؟ نعم والدقيق أيضا دخلته صنعة.
ولا فرق، وقالوا أيضا: انما يراعى تقارب المنافع فقلنا: وهذا أيضا من أين وقع لكم؟ ومن أين وجب لكم أن تراعوا تقارب المنافع؟ وهل هي الا دعوى بلا برهان؟ وقول لم تسبقوا إليه.
وتعليل فاسد، وأيضا فان المنافع في جميع المأكولات واحدة لسنا نقول: متقاربة بل شئ واحد وهو طرد الجوع أو التأدم.
أو التفكه.
أو التداوى ولا مزيد، ومنعوا من الحنطة المبلولة باليابسة، وأجازوا الحنطة المقيلة باليابسة وكلتاهما مختلفة مع الاخرى، ومنعوا من الدقيق بالعجين وقد دخلت العجين صنعة، وأباحوا القمح بالخبز من القمح متفاضلا
__________
(1) في النسخة رقم 16 (الا دراهم) (2) في النسخة رقم 16 (وانما الشنع) (3) في النسخة رقم 14 (أن نبيع)(8/506)
ومنعوا من اللبن بالسمن جملة، نعم ومنعوا من اللبن بالجبن وهل الجبن من اللبن الا كالخبز من القمح؟ ومنعوا من بيع لبن شاة بشاة لبون لبون إلا أنه لالبن الآن في ضرعها لانه قد استنقذ بالحلب، وأجازوا بيع النخل بالتمر إذا كانت لا تمر فيها، واحتجوا بان اللبن يخرج من ضرع الشاة وأن السمن يعمل من اللبن فقلنا: والتمر يخرج من النخل.
والخبز يعمل من القمح، ومنعوا من بيع العنب بالعصير وأجازوه بالخل وهذه عجائب لا نظير لها ولو تقصيناها (1) لا تسع الامر في ذلك وفيما ذكرنا كفاية، وهو كله كما ذكرنا لايعرف عن أحد قبل مالك، وكذلك لا يحفظ عن أحد قبل مالك المنع
من بيع الزيت بالزيتون يدا بيد متفاضلا ومتماثلا * وأما الحنيفيون فانهم أباحوا الربا المنصوص عليه جهارا فاحلوا بيع تمرة بتمرتين وحرموا بيع رطل كتان اسود أخرش لا يصلح إلا لقلفطة المراكب برطل كتان أبيض مصرى أملس كالحرير، وكذلك حرموا بيع رطل قطن طيب غزلي برطل قطن خشن لا يصلح إلا للحشو، وقالوا: القطن كله صنف واحد والكتان كله صنف واحد، قالوا: وأما الثياب المعمولة من القطن فاصناف مختلفة يجوز في بعضها ببعض التفاضل والنسيئة فاجازوا بيع ثوب قطن مروى خراساني بثوبي قطن مروى بغدادي نقدا ونسيئة، قالوا: وأما غزل القطن في كل ذلك فصنف واحد لا يجوز فيه التفاضل ولا النسيئة، وقالوا: شحم بطن الكبش صنف وشحم ظهره وشحم سائر جسده صنف آخر فاجازوا بيع رطلين من شحم بطنه برطل من شحم ظهره نقدا، قالوا: والية الشاة صنف وسائر لحمها صنف آخر فجائز بيع رطل من أليتها برطلين من سائر لحمها، قالوا: ولا يجوز بيع رطل من لحم كبش الا برطل من لحمه ولا مزيد وزنا بوزن نقدا ولابد، وأجازوه برطلين من لحم الثور نقدا ولابد، وأما لحم الاوز.
ولحم الدجاج فيجوز من كل واحد منهما رطل برطلين من نوعه فاجازوا رطل لحم دجاج برطلين من لحم دجاج نقدا أو برطلين (2) من لحم الاوز نقدا ونسيئة وقالوا: النسيئة في كل ما يقع فيه الربا من التمر والبر والشعير.
وغير ذلك انما هي ما اشترط فيه الاجل في حين العقد وأما ما تأخر قبضه إلى أن تفرقا ولم يكن اشترط فيه التأخير فلا يضر البيع في ذلك شيئا الا في الذهب.
والفضة فقط فان تأخر القبض فيهما ربا اشترط أو لم يشترط * ومن عجائب الدنيا اجازته الرطب بالتمر ومتعه من الدقيق أو السويق بالقمح جملة فلم يجزه أصلا فلو عكس قوله لا صاب، وهذه كلها وساوس.
وسخافات.
ومناقضات
__________
(1) في النسخة رقم 16 (ولو تقصينا هذا) (2) في النسخة رقم 16 (وبرطلين)(8/507)
لا دليل عليها وأقوال لا تحفظ من أحد قبله ونسأل الله العافية * وأما الشافعيون فانهم منعا من رطل سقمونيا برطلين من سقمونيا لانها عندهم من المأكولات، وأباحوا وزن درهم زعفران بوزن درهمين منه نقدا ونسيئة لانه لا يؤكل عندهم، ولم يجيزوا بيع عسل مشتار بشمعه كما هو بعسل مشتار بشمعه كما هو اصلا إلا حتى يصفى كلاهما، وأجازوا بيع الجوز بقشره بالجوز بقشره واحتجوا في ذلك بان اخراج العسل من شمعه صلاح له وإخراج الجوز واللوز من قشره ونزع النوى من التمر فساد له فقلنا: كلا ما الصلاح فيما ذكرتم إلا كالفساد فيما وصفتم، وما في ذلك صلاح ولا في هذا فساد ولو كان فسادا لما حل أصلا لان الله تعالى يقول: (والله لا يحب الفساد) وهذه أيضا مناقضات ظاهرة.
وأقوال لا نعلم أحدا سبقهم إليها وبالله تعالى التوفيق، ولا نعلم أحدا قبل أبى حنيفة منع من بيع الزيت بالزيتون يدا بيد سواء كان أكثر ما في الزيتون من الزيت أو مثله أو أقل * قال أبو محمد: والحقيقة التى تشهد لها اللغة والشريعة.
والحسن فهو أن الدقيق ليس قمحا ولا شعيرا لا في اسمه لا في صفته ولا في طبيعته، (1) فهذه الدواب تطعم الدقيق والخبز فلا يضرها بل ينفعها، وتطعم القمح فيهلكها والدبس ليس تمرا لا في لغة.
ولا في شريعة ولا في مشاهدة.
ولا في اسمه.
ولا في صفاته، والماء ليس ملحا لانه يجوز الوضوء بالماء ولا يجوز بالملح وليس توليد الله تعالى شيئا من شئ بموجب أن المتولد هو الذى عنه تولد، فنحن خلقنا من تراب.
ونطفة.
وماء ولسنا نطفة ولا ترابا ولا ماء، والخمر متولدة من العصير وهى حرام والعصير حلا واللبن متولد عن الدم واللبن حلال والدم حرام، والعذرة تستحيل ترابا حلالا طيبا والدجاجة تأكل الميتة والدم فيصيران فيها لحما حلالا طيبا، والخل متولد من الخمر وهو حلال وهى حرام، وأما حلى الذهب والفضة فهما ذهب وفضة باسميهما وصفاتهما وطبيعتهما في اللغة وفى الشريعة [ واحد ] (2) (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه *
1494 مسألة ومن باع ذهبا بذهب بيعا حلالا أو فضة بفضة كذلك أو فضة بذهب كذلك مسكوكا بمثله أو مصوغين أو مصوغا بمسكوك.
أو تبرا أو نقارا فوجد أحدهما بما اشترى من ذلك عيبا قبل أن يتفرقا بأبدانهما وقبل أن يخير أحدهما الآخر فهو بالخيار إن شاء فسخ البيع وان شاء استبدل لانه لم يتم بينهما بيع بعد فانما هو مستأنف لبيع عن تراض أو تارك على ما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في النسخة رقم 16 (في طبعه) (2) الزيادة من النسخة رقم 16(8/508)
1495 مسألة فان وجد العيب بعد التفرق بالابدان أو بعد التخيير واختيار الخير اتمام البيع فان كان العيب من خلط وجده من غير ما اشترى لكن كفضة أو صفر في ذهب أو صفر أو غيره في فضة فالصفقة كلها مفسوخة مردودة كثرت أم قلت قل ذلك الخلط أم كثر لانه ليس هو الذى اشترى ولا الذى عقد عليه الصفقة فليس هو الذى تراضى بالعقد عليه وقد تفرقا قبل صحة البيع، ولا يجوز فميا يقع فيه الرباالا صحة البيع بالتفرق ولا خيار في امضائها لانه لم يأت بذلك نص وبالله تعالى التوفيق * 1496 مسألة وكذلك لو استحق بعض ما اشترى أقله أو أكثره أو لو تأخر قبض شئ مما تبايعا قل أو كثر لان العقد لم يتم صحيحا وما لم يصح فهو فاسد وكل عقداختلط الحرام فيه بالحلال فهو عقد فاسد لانه لم يعقد صحة الحلال منه الا بصحة الحرام وكل ما لا صحة له الا بصحة ما لا يصح فلا صحة له ولا يحل (1) أن يلزم ما لم يرض به وحده دون غيره * 1497 مسألة فان كان العيب في نفس ما اشترى ككسبر أو كان الذهب ناقص القيمة بطبعه والفضة كذلك كالذهب الاشقر والاخضر بطبعه، فان كان اشترط السلامة فالصفقة كلها مفسوخة لانه وجد غير ما اشترى فلا يحل له مال غيره مما لم يعقد عليه بيعا وان كان لم يشترط السلامة فهو مخير بين امساك الصفقة كما هي ولا رجوع له بشئ واما فسخها كلها ولابد لانه اشترى العين فهو عقد صحيح ثم وجد غبنا والغبن إذا رضيه البائع وعرف
قدره جائز لاكراهية فيه على ما قدمنا قبل، ولا يحل له تبعيض الصفقة لانه لم يتراض البيع مع صاحبه الا على جميعها فليس له غير ما تراضيا به معا لقول الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فلا يحل له من مال غيره الا ما تراضيا به معا * قال أبو محمد: وهذا مكان اختلف فيه الخلف والسلف فروينا من طريق الحجاج ابن المنهال نا حفص بن غياث بن الاشعث الحمزانى عن عكرمة عن ابن عباس فيمن يشترى الدراهم ويشترط إن كان فيها زائف أن يرده أنه كره (2) الشرط وقال: ذلك له إن لم يشترط * قال على: ظاهر هذا رد البيع لانه لو أراد رد الزائف وحده لذكر بطلان ما قابله وصحة العقد (3) في سائر الصفقة أو لذكر الاستدلال ولم يذكر من ذلك كله شيئا فلا يجوز أن يقول ما لم يقل، فقول ابن عباس هو قولنا * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا همام (4) - هو ابن يحيى - قال: زعم ابن جريج: أن ابن عمر اشترى دراهم بدنانير فأخطأوا فيها بدرهم مستوق فكره أن يستبدله، وهذا منقطع ولا نعلم أحدا من الحاضرين
__________
(1) في النسخة رقم 16 ولا يصح (2) في النسخة رقم 16 وانه كره (3) في النسخة رقم 14 وصح العقد (4) في النسخة رقم 16 هشام وهو تصحيف(8/509)
قال به، ولا نعلم الآن عن الصحابة رضى الله عنهم غير ما ذكرنا، وقال سفيان الثوري: هو مخير بين أن يستبدله وبين أن ينقض الصرف في مقدار ما وجد رديئا فقط، قال الاوزاعي.
والليث.
والحسن بن حى يستبدل كل ما وجد زائفا قل أو كثر، قال ابن حى: والستوق كذلك * قال على: الستوق هو المغشوش بشئ غيره مثل ان يكون الدرهم كله رصاصا أو يكون الدينار كله فضة أو نحاسا، والزائف الردئ من طبعه والذى فيه غش، وقال أبو حنيفة: ان وجد بعد التفرق نصف الجميع فأكثر زيوفا فليس له أن يستبدل البتة لكن ان رد الزيوف بطل الصرف في مقدارها من الصفقة (1) وصح فما سواها، وظاهر قوله: إن
له أن لايرد فان وجدها أقل من النصف فله أن يمسك وله ان يستبدل ما وجد زائفا فقط ولا يفارقه حتى يقبض البدل فان فارقه قبل القبض انتقض الصرف فيما لم يقبض ولو أنه درهم أو أكثر وصح فيما قبض ولو أنه درهم أو أقل، فان كان الذى وجد ستوقا انتقض الصرف في مقداره فقط ولو لم يكن الا درهما واحدا فأكثر وصح في باقى الصفقة ويكون هو والبائع شريكين في الدينار الذى انتقض الصرف في بعضه * قال أبو محمد: ليت شعرى أي بعض منه انتقض (2) فيه الصرف وأى بعض منه صح فيه الصرف، وهذا المجهول والغرر بعينه، وروى عنه أنه حد ما يستبدله مما لا يجوز فيه الاستبدال بالثلث وهذا قول لا نعلمه عن أحد قبله.
وتقسيم في غاية الفساد بلا برهان.
وحكم الحرام والحلال في الكثير والقليل منهما سواء الا أن يأتي قرآن أو سنة بفرق وتحديد فالسمع والطاعة، وقال أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن يستبدل ما وجد زائدا أوستوقا قل أو كثر * قال على: هذا باطل لانه يصير ذهب بفضة أو بذهب أو فضة بفضة غير يد بيد وهذا الربا المحض، وقال زفر: ينتقض الصرف ولا بد فيما وجد قل أو كثر ويصح في السالم قل أو كثر * قال على: هذا تبعيض صفقة لم يقع العقد قط على بعضها دون بعض فهو أكل مال بالباطل، وقال مالك: ان وجد ستوقا أو زائفا فان كان درهما أو أكثر ما لم يتجاوز صرف دينار انتقض الصرف في دينار واحد وصح في سائر الصفقة فان وجد من ذلك ما يكون صرفه أكثر من دينار أو دينارين أو دنانير انتقض الصرف فيما قابل ما وجده (3) فان شرع الانتقاض في دينار انتقض ذلك الدينار * قال على: ليت شعرى أي دينار هو الذى ينتقض وأيها هو الذى لا ينتقض؟ هذا بيع الغرر.
والمجهول.
وأكل المال بالباطل، ثم عجب آخر وهو اجازته بعض الصفقة
__________
(1) في النسخة رقم 14 من الفضة (2) في النسخة رقم 14 بطل (3) في النسخة رقم 14 ما وجد(8/510)
دون بعضها وابطاله صرف جميع الدينار الذى شرع الانتقاض في بعضه وهذا تناقض ظاهر وكلاهما تبعيض لما لم يتراضيا بتبعيضه في العقد.
وقول لا نعلمه عن أحد قبله، وللشافعي قولان، أحدهما أن الصرف كله ينتقض، والثانى أنه يستبدل كقول الليث.
والاوزاعي.
والحسن بن حى، وهذا مما خالفوا فيه قول صاحبين لا يعرف لهما مخالف من الصحابة رضى الله عنهم * 1498 مسألة ومن الحلال المحض بيع مدين من تمر أحدهما جيد غاية والآخر ردئ غاية بمدين من تمر أجود منهما أو أدنى منهما.
أو دون الجيد منهما.
وفوق الردئ منهما.
أو مثل أحدهما.
أو بعضهما جيد والبعض ردئ كل ذلك سواء وكل ذلك جائز، وكذلك القول في دنانير بدنانير.
وفى دراهم بدراهم.
وفى قمح بقمح.
وفى شعير بشعير وفى ملح بملح ولا فرق لاباحة النبي صلى الله عليه وسلم كل صنف مما ذكرنا بصنفه مثلا بمثل في المكايلة في القمح.
والشعير.
والتمر.
والملح.
والموازنة في الذهب والفضة * وقد روينا من طريق مسلم نا القعنبى نا سليمان بن بلال عن عبد المجيد بن سهيل (1) بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث أن أبا هريرة.
وابا سعيد الخدرى حدثاه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخابنى عدى الانصاري فاستعمله على خيبر فقدم بتمر جنيب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله انا لنشترى الصاع بالصاعين من الجمع فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا ولكن مثلا بمثل أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا وكذلك الميزان) فاباح عليه السلام نصا بيع الجنيب من التمر وهو المتخير كله بالجمع من التمر وهو الذى جمع جيدا ورديئا ووسطا، ومنع بعض الناس من مدين من تمر أحدهما جيد والآخر ردئ (2) بمدين من تمر متوسطين ادنى من الجيد وأجود من الردئ، واحتجوا في ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب المماثلة في التمر بالتمر * قال أبو محمد: لا حجة لهم في هذا لانهم موافقون لنا في جواز صاع تمر ردئ بصاع تمر جيد وليس مثله، فصح أن النبي صلى الله عليه وسلم انما أراد المماثلة في الكيل أو في الوزن فقط
وهذا ما لا خلاف فيه من أحد، (3) واحتجوا بأحاديث صحاح في الجنيب بالجمع فيها بيعوا الجمع واشتروا بثمنه من الجنيب وهذا لا حجة لهم فيه لان الخبر الذى ذكرنا زائد
__________
(1) في النسخة رقم 14 (عبد الحميد بن سهيل) قال ابن عبدالبران بعض الرواة عن مالك سماه عبد الحميد ونسب ذلك ليحيى بن يحيى الليثى وعبد الله بن نافع، قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب قلت وهو في البخاري عن عبد الله بن يوسف عبد المجيد كالجمهور، وسهيل (بالتصغير في جميع النسخ وكذلك في صحيح مسلم ج 1 ص 467 وكذلك في الخلاصة، وفى تهذيب التهذيب (سهل) والله أعلم (2) في النسخة رقم 14 (والثانى ردئ) (3) في النسخة رقم 16 (بين أحد)(8/511)
على تلك الاخبار حكما ولا يحل ترك زيادة العدل، وعمدة حجتهم أنهم قالوا: انما البائع ههنا للمدين اللذين أحدهما جيد والآخر ردئ بان يعطى الجيد أكثر من مد من المتوسط وأن يعطى الاردأ بأقل من مد من المتوسط فحصل التفاضل * قال أبو محمد: وهذا في غاية الفساد لانه ليس كما قالوا، وحتى لو أنه أراد ذلك لكان عمله مخالفا لارادته فحصلوا على التكهن.
والظن الكاذب وانما يراعى في الدين الكلام والعمل فإذا جاء كما أمر الله تعالى ورسوله عليه السلام فما نبالي بما في قلوبهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم أبعث لا شق عن قلوب الناس) فان قالوا: فقد قال عليه السلام: (الاعمال بالنيات) قلنا: نعم ولكن من لكم بأن هذين نويا ما ذكرتم وهذا منكم ظن سوء (1) بمسلم لم يخبر كم بذلك عن نفسه، وليس في الظلم أكثر من أن تفسدوا صفقة مسلم بتوهمكم أنه أراد الباطل وهو لم يخبر كم ذلك فقط عن نفسه ولا ظهر من فعله الا الحلال المطلق ويلزمكم على هذا إذا رأيتم من يشترى تمرا أو تينا أو عنبا أو تفسخوا صفقته وتقولوا له: انما تنوى (2) فيه عمل الخمر منه ومن اشترى ثوبا أن تفسخوه وتقولوا له: انما تريد تلبسه في المعاصي، ومن اشترى سيفا أن تفسخوا وتقولوا: انما تريد به قتل المسلمين، وهذا هوس لا نظير له ولا فرق بين شئ من هذا وبين
ما أفسدتم به المسألة المتقدمة * روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد نا أيوب الخستيانى قال: كان محمد بن سيرين يأتي بالدراهم السود الجياد وبالنفاية يأخذ بوزنها غلة * قال على: السود أجود من الغلة والنفاية أدنى من الغلة وهذا نفس مسألتنا * 1499 مسألة ومن صارف آخر دنانير بدراهم فعجز عن تمام مراده فاستقرض من مصارفه أو من غيره ما أتم به صرفه فحسن ما لم يكن عن شرط في الصفقة لانه لم يمنع من هذا قرآن ولا سنة * 1500 مسألة ومن باع من آخر دنانير بدراهم فلما تم البيع بينهما بالتفرق أو التخير اشترى منه أو من غيره بتلك الدراهم دنانير تلك أو غيرها أقل أو أكثر فكل ذلك حلال ما لم يكن عن شرط لان كل ذلك عقد صحيح وعمل منصوص على جوازه، وأما الشرط فحرام لانه شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل، ومنع من هذا قوم وقالوا: أنه باع منه دنانير بدنانير متفاضلة فقلنا: هذا كذب وما فعل (3) قط شيئا من ذلك بل هما صفقتان ولكن أخبرونا هل له أن يصارفه بعد شهر أو سنة بتلك الدراهم وتلك الدنانير عن غير شرط؟ فمن قولهم نعم فقلنا لهم: فأجزتم التفاضل والنسيئة معا
__________
(1) في النسخة رقم 14 (سوء ظن) (2) في النسخة رقم 16 (انما ينوى) (3) في النسخة رقم 16 (ما فعل)(8/512)
ومنعتم من النقد هذا عجب لا نظير له، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا آنفا الامر ببيع التمر الجمع بسلعة ثم يبتاع بالسلعة جنيبا من التمر، وهذا هو الذى منعوا نفسه * ومن طريق الحجاج ابن المنهال نا يزيد بن ابراهيم - هو التسترى - نا محمد بن سيرين قال: خطب عمر بن الخطاب فقال: ألا ان الدرهم بالدرهم.
والدينار بالدينار عينا بعين سواء بسواء مثلا بمثل فقال له عبد الرحمن بن عوف: تزيف علينا أو راقنا (1) فنعطي الخبيث ونأخذ الطيب فقال عمر: لا ولكن ابتع بها عرضا فإذا قبضته وكان لك فبعه واهضم ما شئت وخذ أي نقد شئت، فهذا عمر بحضرة الصحابة رضى الله عنهم لا مخالف له منهم يأمر ببيع الدراهم أو الدنانير بسلعة ثم
يبيعها (2) بما شاء من ذلك أثر ابتياعه للعرض ولم يقل من غير من تبتاع منه العرض * روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم عن سليمان بن بشير قال أعطاني الاسود بن يزيد دراهم وقال لى: اشتر لي بها دنانير ثم اشتر لى بالدنانير دراهم كذا وكذا قال: فبعتها من رجل فقبضت الدنانير وطلبت في السوق حتى عرفت السعر فرجعت إلى بيعتى (3) فبعتها منه بالدراهم التى أردت فذكرت ذلك للاسود بن يزيد فلم يربه بأسا * قال أبو محمد: وكرهه ابن سيرين وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: انما الربا على من أراد أن يربى وينسئ رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يونس ابن عبيد عن ابن سيرين عن عمر * قال على: ومن عجائب حججهم هنا أنهم قالوا: إنما أراد بالربا دراهم بأكثر منها فتخيل بأن صرفها بدنانير ثم صرف الدنانير بدراهم فقلنا: بارك الله فيه من ورع خائف لمقام ربه ولمن خاف مقام ربه جنتان، أراد الربا فتركه وهرب عنه إلى الحلال هذا فاضل جدا وعمل جيدلا عدمناه فنراكم جعلتم المعروف منكرا، وهل هذا الا كمن أراد الزنا بامرأة فلم يفعل لكن تزوجها أو اشتراها ان كانت أمة فوطئها أما هذا محسن مطيع لله تعالى؟ * 1501 مسألة والتواعد في بيع الذهب بالذهب أو بالفضة وفى بيع الفضة بالفضة.
وفى سائر الاصناف الاربعة بعضها ببعض جائز تبايعا بعد ذلك أو لم يتبايعا لان التواعد ليس بيعا، وكذلك المساومة أيضا جائزة تبايعا أو لم يتبايعا لانه لم يأت نهى عن شئ من ذلك، وكل ما حرم علينا فقد فصل باسمه قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فكل ما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال بنص القرآن إذ ليس في الدين الافرض أو حرام أو حلال فالفرض مأمور به في القرآن والسنة والحرام مفصل باسمه في القرآن والسنة، وما عدا هذين فليس فرضا ولا حراما فهو بالضرورة حلال إذ ليس هنا لك قسم رابع
__________
(1) في النسخة رقم 16 تزيف على أوراق وفى نسخة تزيف علينا أوراق (2) في النسخة رقم 16 ثم يبيعه (3) في النسخة رقم 14 بيعي (م 65 ج 8 المحلى)(8/513)
وبالله تعالى التوفيق * 1502 مسألة ولا يحل بدل دراهم بأوزن منها لا بالمعروف ولا بغيره، وهذا هو المنكر لا المعروف لانه خلاف ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن أبى بكر.
وعمر.
وابن عمر، وقد ذكرنا هذا آنفا عن عمر بحضرة الصحابة رضى الله عنهم وهو قول الناس، وأجاز ذلك مالك وما نعلم له موافقا قبله ممن رأى الربا في النقد (1) * 1503 مسألة ولا يحل بيع آنية ذهب ولا فضة إلابعد كسرها لصحة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها وقد ذكرناه في كتاب الطهارة فلا يحل تملكها فإذ لا يحل تملكها فلا يحل بيعها لانها أكل مال بالباطل وبالله تعالى التوفيق * 1504 مسألة وجائز أن يبتاع المرء نصف درهم بعينه.
أو نصف دراهم باعيانها.
أو نصف دينار كذلك.
أو نصف دنانير بأعيانها مشاعا يبتاع الفضة بالذهب.
والذهب بالفضة ويتفقان على اقرارها عند أحدهما أو عند أجنبي، ولا يجوز في ذلك ذهب بذهب أصلا ولا فضة بفضة أصلا لانه يصير عينا بغير عين، وهذا لا يحل الاعينا بعين على ما قدمنا، وأما الذهب بالفضة مشاعا فلم يأت بالنهي عنه نص وما كان بك نسيا * 1505 مسألة ولا يحل بيع بدينار الادرهما فان وقع فهو باطل مفسوخ لانه اخراج لقيمة الدرهم من الدينار فصار استثناء مجهولا إذ باع بدينار الاقيمة درهم منه فان كانت قيمة الدرهم معلومة عندهما فهو باطل أيضا لانهما شرطا اخراج الدرهم بعينه من الدينار وهذا محال لانه ليس هو بعضا للدينار فيخرج منه فهو باطل بكل حال، وقولنا هو قول عطاء.
والنخعي.
ومحمد بن سيرين، وأجازه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وبالله تعالى التوفيق * 1506 مسألة والربا في كل ما ذكرنا بين العبد وسيده كما هو بين الاجنبيين.
وبين المسلم.
والذمى.
وبين المسلم.
والحربي.
وبين الذميين كما هو بين المسلمين ولا فرق * روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا بكر بن حماد نا مسددنا حفص بن غياث عن أبى العوام
البصري عن عطاء كان ابن عباس يبيع من غلمانه النخل السنتين والثلاث فبعث إليه جابر ابن عبد الله أما علمت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا؟ فقال ابن عباس: بلى ولكن ليس بين العبد وبين سيده ربا، وهو قول الحسن.
وجابر بن زيد.
والنخعي.
والشعبى.
وسفيان الثوري.
وعثمان البتى.
والحسن بن حى.
والليث.
وأبى حنيفة.
والشافعي، وانما قاله هؤلاء على أصلهم الذى قد تقدم افسادنا له من أن العبد لا يملك وذكرنا أن ابن عمر يرى العبد يملك، وهذا جابر قد أنكر ذلك على ابن عباس، وروينا من طريق ابن أبى شيبة
__________
(1) في النسخة رقم 16 في النقدين(8/514)
نا إسحاق بن منصور نا هريم عن أبى إسحاق عن عبد الله بن شداد قال: مر الحسين بن على رضى الله عنهما براع فأهدى الراعى إليه شاة فقال له الحسين: حر أنت أم مملوك؟ فقال: مملوك فردها الحسين عليه فقال له المملوك: انهالى فقبلها منه ثم اشتراه واشترى الغنم فأعتقه وجعل الغنم له * فهذا الحسين تقبل هدية المملوك إذ أخبره أنها له، وقد ذكرنا مثل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سلف من كتابنا هذا وهو الحجة البالغة لا من سواه، وإذ حرم الله تعالى الربا وتوعد فيه فما خص عبدا من حرو ما كان ربك نسيا، والعجب أن الشافعي.
وأبا حنيفة لا يجيزان أن يبيع المرء مال نفسه من نفسه فان كان مال البعد لسيده فقد نقضوا أصلهم وأجازوا له بيع مال نفسه من نفسه، وإن كان مال العبد ليس للسيد ما لم يبعه أو ينتزعه فقد أجازوا الربا صراحا * وأما الكفار فان الله تعالى يقول: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) وقال تعالى: (حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وقال تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) فصح أن كل ما حرم علينا فهو حرام عليهم، ونسأل من خالفنا أيلزمهم دين الاسلام ويحرم عليهم ما هم عليه من خلافه؟ وهل هم على باطل أم لا؟ فان قالوا: لا يلزمهم دين الاسلام، ولا يحرم عليهم ما هم عليه من خلافه وأنهم ليسوا على باطل كفروا بلا مرية، وإن قالوا: يلزمهم دين الاسلام وحرام عليهم ما هم عليه من خلافه وهم على باطل قالوا: الحق
ورجعوا إلى قولنا ولزمه (1) إبطال الباطل وفسخ الحرام فيهتدى (2) بهدى الله تعالى أو الاقرار على نفسه بأنه ينفذ الحكم بالباطل ويجيز الحرام ومال أردنا منه كل هذا، فان قالوا: ما هم عليه من الكفر أشد قلنا: إن الذى هم عليه من الكفر لا يفسح لهم في إعلانه، وقد جاء النص بأن لا نجبرهم على الصلاة.
والزكاة.
والصيام.
والحج، وكذلك جاء بأن نحكم بينهم بما أنزل الله له فلا يحل ترك أحد النصين للآخر وبالله تعالى التوفيق، وقال أبو حنيفة: لا بأس بالربا بين المسلم.
والحربي وهذا عظيم جدا * 1507 مسألة وجائز بيع اللحم بالحيوان من نوع واحد كانا أو من نوعين وكذلك يجوز بيع اللحم باللحم من نوع واحد أو من نوعين متفاضلا.
ومتماثلا، وجائز تسليم اللحم في اللحم كذلك، وتسليم الحيوان في اللحم كلحم كبش بلحم كبش متفاضلا ومتماثلا يدا بيد وإلى أجل، وكذلك باللحم من غير نوعه أيضا.
وكتسليم كبش في أرطال لحم كبش أو غيره إلى أجل كل ذلك جائز حلال، قال الله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فهذا كله بيع لم يفصل تحريمه، وأما اللحم باللحم فلم يأت نهى عنه أصلا لا صحيح ولا سقيم من أثر، وأما اللحم بالحيوان فجاء فيه
__________
(1) هكذا في الاصول ومقتضى السياق أن يقول (ولزمهم) (2) في النسخة رقم 14 (ونهتدى)(8/515)
أثر لا يصح، وهذا كله قول أبى سليمان.
وأصحابنا، وروى عن ابن عباس وهو قول سفيان الثوري * واختلف الحاضرون على فرق، فطائفة منعت من بيع اللحم بالحيوان جملة أي لحم كان لا تحاش شيئا باى حيوان كان لا تحاش شيئا حتى منعوا من بيع العبد باللحم، وهذا قول الشافعي، واختلف قوله في اللحم باللحم فروى عنه أن جميع لحوم الحيوان كلها طائره ووحشيه.
والانعام كلها صنف واحد، وروى عنه أن لحم كل نوع صنف على حياله ولم يختلف عنه في أنه لا يباع لحم بلحم أصلا حتى يتناهى جفافه ويبسه، فعلى
أحد قوليه لا يباع قديد غنم بقديد ابل أو بقديد دجاج أو أوز الامثلا بمثل، وعلى القول الثاني انه لا يباع قديد غنم بقديد غنم إلا يدا بيد مثلا بمثل، وجائز أن يباع بقديد البقر متفاضلا يدا بيد، وقال أبو حنيفة: جائز بيع اللحم بالحيوان على كل حال جائز كل ذلك كقولنا سواء بسواء * وقال محمد بن الحسن جائز بيع لحم شاة بشاة حية إذا كان اللحم أكثر من لحم الشاة الحية فان كان مثله اؤ أقل لم يجز، وأجاز بيع لحم شاة ببقرة حية كيف شاؤا، وأجاز أبو حنيفة.
وأصحابه بيع لحم شاة بلحم شاة متماثلا نقدا ولابد، وكذلك لحم كل صنف بلحم من صنفه، وأباحوا التفاضل يدا بيد في كل لحم بلحم من غير صنفه، والبقر عندهم صنف: والغنم صنف آخر.
والابل صنف ثالث، وكذلك كل حيوان في صنفه إلا الحيتان فانها كلها عنده صنف واحد والا لحوم الطير فرأوا بيع بعضها ببعض متفاضلا يدا بيد لا نسيئة كلحم دجاج بلحم دجاج.
أو بلحم صيد.
أو غير ذلك.
ورأى شحم البطن من كل حيوان صنفا غير لحمه وغير شحم ظهره ورأى الالية صنفا آخر غير اللحم والشحم، وهذه وساوس لا نظير لها.
وأقوال لا تعقل ولا تعلم عن أحد قبله * وقال مالك: ذوات الاربع كلها صنف واحد البقر.
والغنم.
والابل.
والارانب.
والايايل.
وحمر الوحش.
وكل ذى أربع فلا يحل لحم شئ منها بحى منها فلم يجز بيع لحم أرنب حى بلحم جمل أصلا ولا لحم جمل بلحم كبش إلا مثلا بمئل يدا بيد، وكذلك سائر ذوات الاربع، ورأى الطير كله صنفا واحدا.
الدجاج والحمام.
والنعام.
والاوز.
والحجل.
والقطا.
وغير ذلك.
فلم يجز أيضا لحم شئ منها بحى منها وان كان من غير نوعه وأجاز في لحم بعضها ببعض التماثل يدا بيد ومنع من التفاضل فلم يجز التفاضل في لحم دجاج بلحم حبارى، وهكذا في كل شئ منها، ورأى الحيتان كلها صنفا واحدا كذلك أيضا، ورأى الجراد صنفا رابعا على حياله هذا وهو عنده صيد من الطير يجيزه المحرم، وحرم القديد النبئ باللحم المشوى وحرمهما جميعا باللحم النبي.(8/516)
الطرى، وأجاز كل شئ من هذه الثلاثة الاصناف (1) باللحم المطبوخ من صنفها متفاضلة ومتماثلة يدا بيد، وأجاز اللحم المطبوخ بعسل باللحم المطبوخ بابن متماثلا ومنع فيه من التفاضل، وأجاز شاة مذبوحة بشاة مذبوحة على التحرى وهذا ضد أصله، وهذه أقوال في غاية الفساد ولا نعلم أحدا قالها قبله.
ولو تقصينا تطويلهم ههنا وتناقضهم لطال جدا وفى هذا كفاية لمن نصح نفسه * قال أبو محمد: واحتج الشافعيون بما رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان باللحم) * ومن طريق الحجاج ابن المنهال نا عبد الله بن عمر (2) النميري عن يونس بن يزيد الايلى عن الزهري قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبتاع الحى بالميت) قال الزهري: فلا يصلح لحم بشاة حية * ومن طريق عبد الرزاق عن ابراهيم بن أبى يحيى عن صالح مولى التوءمة عن ابن عباس أن رجلا أراد أن يبيع جزءا من لحم بعير بشاة فقال أبو بكر الصديق: لا يصلح هذا، وصح عن سعيد بن المسيب أن لا يباع حى بمذبوح وأنه لا يجوز بعير بغنم معدودة ان كان يريد البعير لينحره، وقال: كان من ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة، وقال أبو الرناد: أدركت الناس ينهون عن بيع اللحم بالحيوان ويكتبونه في عهود العمال في زمن ابان بن عثمان.
وهشام بن اسماعيل، وذكره ابن أبى الزناد عن الفقهاء السبعة وأنهم كانوا يعظمون ذلك ولا يترخصون فيه * قال أبو محمد: أما الخبر في ذلك فمرسل لم ينسند قط، والعجب من قول الشافعي: إن المرسل لا يجوز الاخذ به ثم أخذ ههنا بالمرسل (3).
ثم عجب آخر من الحنيفيين القائلين: المرسل كالمسند ثم خالفوا هذا المرسل الذى ليس في المراسيل أقوى منه [ يعظمون هذا ] (4) وهذا مما خالف فيه الحنيفيون جمهور العلماء، ثم المالكيون فعجب ثالث لانهم احتجوا بهذا الخبر وأوهموا أنهم أخذوا به وهم قد خالفوه لانهم أباحوا لحم الطير بالغنم وهذا خلاف الخبر واما هو موافق لقول الشافعي، وقد خالف مالك
أيضا ههنا ما روى عن الفقهاء السبعة.
وعمل الولاة بالمدينة وهذا يعظمونه جدا إذا وافق رأيهم، واحتجوا بخبر أبى بكر وهو من رواية ابن أبى يحيى ابراهيم، وأول من أمر أن لا تؤخذ روايته فما لك، ثم عن صالح مولى التوءمة وأول من ضعفه فما لك فيا لله ويا للمسلمين إذا روى الثقات خبرا يخالف رأيهم تحيلوا بالاباطيل في رده وإذا روى من يشهدون
__________
(1) في النسخة رقم 14 (أصناف) (2) في النسخة رقم 14 (عبد الله بن عمير) بالتصغير وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب (3) قال مصحح النسخة رقم 14، قلت وعجب آخر من الشافعي فانه يقول بمراسيل سعيد ثم يقول: انى تتبعتها فوجدتها مسانيد وهذا مرسل لم يسند قط (4) الزيادة من النسخة رقم 16(8/517)
عليه بالكذب ما يوافقهم احتجوا به فاى دين يبقى مع هذا؟ فان قال الشافعيون: مراسيل سعيد بن المسيب حجة بخلاف غيره - وقد قالوه - قلنا لهم: الساعة صارت حجة فدونكم ما رويناه من طريق سعيد بن منصور نا حفص بن ميسرة عن ابن حرملة عن سعيد بن السميب قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع الحيوان بالمفاطيم من الغنم فقولوا به والا فقد تلا عبتم واتقوا الله وقد رويت في هذه آثار أيضا بزيادة فروينا مر طريق حماد بن سلمة - حدثنا عبد الكريم عن يزيد بن طلق أن رجلا نحر جزورا فجعل يبيع العضو بالشاة وبالقلوص إلى أجل فكره ذلك ابن عمر * ومن طريق وكيع نا اسرائيل عن عبد الله بن عصمة سمعت ابن عباس وسئل عمن اشترى عضوا من جزور قد نحرت برجل عناق وشرط على صاحبها أن يرضعها حتى تفطم؟ فقال ابن عباس: لا يصلح * قال أبو محمد: هذا شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل * وروينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن يحيى بن أبى كثير عن رجل عن ابن عباس قال: لا بأس أن يباع اللحم بالشاة، فان قيل: هذا عن رجل قلنا: وخبر أبى بكر عن ابن أبى يحيى (1) وليس باوثق ممن سكت عنه كائنا من كان * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري لا بأس بالشاة القائمة بالمذبوحة *
1508 مسألة ومن ابتاع شيئا أي شئ كان مما يحل بيعه حاش القمح فلا (2) يحل له أن يبيعه حتى يقبضه وقبضه له هو أن يطلق يده عليه بأن لا يحال (3) بينه وبينه فان لم يحل بينه وبينه مدة ما قلت أم كثرت ثم حيل بينه وبينه بغصب أو غيره حل له بيعه لانه قد قبضه وله أن يهبه وأن يؤاجر به وأن يصدقه وأن يقرضه.
وأن يسلمه.
وأن يتصدق به قبل أن يقبضه وقبل أن تطلق يده عليه فان ملك شيئا ما أي شئ كان مما يحل بيعه بغير البيع لكن بميراث أو هبة.
أو قرض.
أو صداق.
أو صدقة.
أو سلم.
أو أرش.
أو غير ذلك جاز له بيعه قبل أن يقبضه وأن يتصرف فيه بالاصداق.
والهبة: والصدقة حاش القمح وأما القمح فانه بأى وجه ملكه من بيع.
أو هبة.
أو صدقة.
أو صداق.
أو اجارة.
أو أرش.
أو سلم.
أو قرض.
أو غير ذلك فلا يحل له بيعه حتى يقبضه كما ذكرنا بأن لا يحال بينه وبينه فان كان اشترى القمح خاصة جزافا فلا يحل له بيعه حتى يقبضه كما ذكرنا وحتى ينقله ولابد عن موضعه الذى هو فيه إلى مكان آخر قريب ملا صق أو بعيد، فان كان اشترى القمح خاصة بكيل لم يحل له أن يبيعه حتى يكتاله فإذا اكتاله حل له بيعه وان لم ينقله عن موضعه، ولا يحل له تصديق البائع في كيله وحتى لو اكتاله البائع لنفسه بحضرته وهو يراه ويشاهده ولابد من
__________
(1) في النسخة رقم 16 (أبى بكر بن أبى يحيى) وهو غلط، والخبر تقدم آنفا، وابن أبى يحيى اسمه ابراهيم (2) في النسخة رقم 14 فانه لا (3) في النسخة رقم 14 (بأن يحال)(8/518)
أن يكتاله المشترى لنفسه وجائز له في كل ما ذكرنا أن يهبه.
وأن يصدقه وأن يؤاجر به وأن يصالح وأن يتصدق به وأن يقرضه قبل أن يكتاله وقبل أن ينقله جزافا اشتراه أو بكيل وليست هذه الاحكام في غير القمح أصلا * برهان ذلك ما روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير بن حرب نا أبى نا حيان ابن هلال نا همام بن يحيى نا يحيى بن أبى كثير أن يعلى بن حكيم حدثه أن يوسف بن ماهك حدثه أن حكيم بن حزام حدثه أنه قال: (يا رسول الله انى رجل أشترى هذه البيوع فما يحل لى منهما
مما يحرم على؟ قال: يا ابن أخى إذا ابتعت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه) فهذا عموم لكل بيع ولكل ابتياع وتخصيص لهما مما ليس بيعا ولا ابتياعا وجواب منه عليه السلام إذ سئل عما يحل مما يحرم، فان قيل: فان هذا الخبر مضطرب لانكم رويتموه من طريق خالد بن الحرث الهجيمى (1) عن هشام الدستوائى عن يحيى بن أبى كثير قال: حدثنى رجل من اخواننا حدثنى يوسف بن ماهك أن عبد الله بن عصمة الجشمى حدثه أن حكيم بن حزام حدثه فذكر هذا الخبر (2)، وعبد الله بن عصمة متروك قلنا: نعم الا أن همام بن يحيى رواه كما أوردنا قبل عن يحيى بن أبى كثير فسمى ذلك الرجل من الذى لم يسمه هشام وذكر أنه يعلى بن حكيم ويعلى ثقة وذكر فيه أن يوسف سمعه من حكيم بن حزام وهذا صحيح فإذا سمعه من حكيم فلا يضره أن يسمعه أيضا من غير حكيم عن حكيم، فصار حديث خالد بن الحرث لغوا كان أو لم يكن بمنزلة واحدة، فان قيل: فقد رويتم من طريق مالك عن عبد الله ابن دينار عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه) * ومن طريق سفيان بن عيينة نا عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أما الذى نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع حتى يقبض فهو الطعام قال ابن عباس برأيه: ولا أحسب كل شئ إلا مثله قلنا: نعم هذان صحيحان: الا أنهما بعض ما في حديث حكيم بن حزام فحديث حكيم بن حزام دخل فيه الطعام وغير الطعام فهو أعم فلا يجوز تركه لان فيه حكما ليس في خبر ابن عباس.
وابن عمر، فان قيل: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما رويتم من طريق أحمد بن شعيب أخبرني زياد بن أيوب ناهشيم أنا أبو بشر - هو ابن أبى وحشية - عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام (قلت: يارسول الله يسألنى المرء البيع ليس عندي ما أبيعه منه ثم ابتاع له من السوق؟ فقال عليه السلام: لا تتبع ما ليس عندك) (3) قلنا: نعم وبه نقول وهو بين كما تسمع إنما [ هو ] (4) نهى عن بيع ما ليس في ملكك كما في الخبر نصا وإلا فكل ما يملكه المرء فهو عنده
__________
(1) هو بضم الهاء وفتح الجيم مصغر انسبة إلى هجيم بن عمرو، وفى النسخة رقم 16 الجحيمى وهو تصحيف (2) في النسخة رقم 16 هذا الحديث (3) الحديث في سنن النسائي ج 7 ص 289 اطول من هذا (4) الزيادة من
النسخة رقم 16(8/519)
ولو أنه بالهند يقول: عندي ضيعة سرية وعندي فرس فاره (1)، وسواء عندنا كان مغصوبا أو لم يكن هو عند صاحبه أي في ملكه وله، فان قيل: فانكم رويتم من طريق أبى داود نا زهير بن حرب نا إسماعيل - هو ابن علية - عن أيوب السختيانى حدثنى عمرو بن شعيب حدثنى أبى عن أبيه عن أبيه (2) حتى ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك) قلنا: نعم هذا صحيح وبه نأخذ ولا نعلم لعمرو بن شعيب حديثا مسندا إلا هذا وحده.
وآخر في الهبات رواه عن طاوس عن ابن عباس.
وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في المنع من الرجوع في الهبات إلا الوالد فيما أعطى ولده، وليس في هذا الخبر إلا الذى في حديث حكيم بن حزام من النهى عن بيع ما ليس لك فقط، وبالله تعالى التوفيق * وممن قال بقولنا في هذا ابن عباس كما أوردناه، وكما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: لا تبع بيعا حتى تقبضه * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى قال عبد الرحمن بن عوف.
والزبير لعمر: أنه تزيف علينا أو راق فنعطي الخبيث ونأخذ الطيب قال: فلا تفعلوا ولكن انطلق إلى البقيع فبع ورقك بثوب أو عرض فإذا قبضت وكان لك فبعه وذكر الخبر، فهذا عمر يقول بذلك ويبين أن القبض هو الذى يكون الشئ للمرء، وقولنا في هذا كقول الحسن.
وابن شبرمة، وذهب قوم إلى أن هذا الحكم انما هو في الطعام فقط - يعنى أن لا يباع قبل أن يقبض - وذهب آخرون إلى أنه فيما يكال أو يوزن فقد كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان نا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن عبدربه عن أبى عياض عن عثمان بن عفان لا بأس إذا اشترى الرجل البيع ان يبيعه قبل أن يقبضه ما خلا الكيل والوزن * ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسا
أن يبتاع الرجل بيعا لا يكال ولا يوزن أن يبيعه قبل أن يقبضه * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: لا بأس بأن يشترى شيئا لا يكال ولا يوزن بنقد ثم يبيعه قبل أن يقبضه (3) وهو قول الحكم.
وابراهيم.
وحماد بن أبى سليمان، وذكره النخعي عمن لقى، وقال عطاء: جائز بيع كل شئ (4) قبل أن يقبض، وقال أبو حنيفة: كل ما ملك بعقد ينتقض العقد بهلاكه فلا يجوز بيعه قبل قبضه كالبيع.
والاجارة الا العقار فجائز بيعه قبل قبضه قال: وكل ما ملك بعقد لا ينتقض العقد بهلاكه فجائز بيعه قبل قبضه كالصداق.
والجعل.
والخلع ونحوه، وهذا قول لا نعلمه
__________
(1) أي نشيط حاد قوى (2) جملة عن أبيه الثانية سقطت من النسخة رقم 14 وما هنا موافق لما في سنن أبى داود (3) في النسخة رقم 14 (قبل القبض) (4) في النسخة رقم 16 (بيع كل ذلك شئ) وهى زيادة لا معنى(8/520)
عن أحد قبله * وقال مالك: كل ما يؤكل.
والماء فلا يحل بيعه قبل أن يقبض وما عدا هذين فجائز بيعه قبل أن يقبض، وقال مرة أخرى: كل ما يؤكل فقط وأما الماء فبيعه جائز قبل قبضه وجعل في كلا قوليه زريعة الفجل الابيض.
وزريعة الجزر.
وزريعة السلق لا يباع شئ منها قبل القبض فقلنا: هذا لا يأكله أحد أصلا، وهذا الذى انكرتم على الشافعي في ادخاله السقمونيا فيما يؤكل فقالوا: انه يخرج منها ما يؤكل فقلنا: والشجر يخرج منها ما يؤكل فامنعوا من بيعها قبل القبض فانقطعوا، وما نعلم قولهم هذا كله كما هو عن أحد قبلهم * وخالف الحنيفيون.
والمالكيون ههنا كل قوى روى عن الصحابة رضى الله عنهم، وأما الشافعي فلم يجز بيع ما ملك ببيع.
أو نكاح.
أو خلع قبل القبض أصلا وهذا قول فاسد بلا دليل، فان قالوا: قسنا النكاح.
والخلع على البيع قلنا: القياس كله باطل، ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل لان النكاح يجوز بلا مهر يذكر أصلا، ولا يجوز البيع بلا ثمن يذكر، والنكاح لم يملك بصداقه رقبة شئ أصلا والخلع كذلك بخلاف البيع فظهر فساد هذا القول وبالله تعالى التوفيق * وأما حكم القمح فالذي ذكرنا قبل هذا في الكلام المتصل
بهذا من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أما الذى نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع حتى يقبض فهو الطعام فهذا تخصيص للطعام في البيع خاصة وعموم له بأى وجه ملك، فان قيل: من أين خصصتم القمح بذلك دون سائر الطعام؟ قلنا: لان اسم الطعام في اللغة التى بها خاطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطلق هذا إلا على القمح وحده وإنما يطلق على غيره باضافة، وقد قال تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) فأراد عز وجل الذبائح لا ما يأكلون (1) فانهم يأكلون الميتة.
والدم.
والخنزير ولم يحل لنا شئ من ذلك قط، وقال الله عزوجل: (ان الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فانه منى) فذكر تعالى الطعم في الماء باضافة ولا يسمى الماء طعاما، وقال لقيط بن معمر الايادي - جاهلي فصيح - في شعر له مشهور: لا يطعم النوم الا ريث يبعثه * هم يكاد جواه يحطم الضلعا فاضاف الطعم إلى النوم والنوم ليس طعاما بلا شك، وقد ذكرنا قول عبد الله بن معمر وكان طعامنا يومئذ الشعير فذكر الطعام في الشعير في اضافة لا باطلاق، وقد ذكرنا (2) من طريق أبى سعيد الخدرى قوله: كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من طعام صاعا من شعير صاعا من تمر صاعا من زبيب صاعا من أقط، فلم يطلق الطعام الا على القمح وحده لاعلى الشعير ولا على غيره، وروينا من طريق الحجاج بن المنهال نا يزيد
__________
(1) في النسخة رقم 14 لا ما يؤكل (2) في النسخة رقم 14 وقد روينا (م 66 ج 8 المحلى)(8/521)
ابن ابراهيم نا محمد بن سيرين قال: عرض على عبد الله بن عتبة بن مسعود زيتا له فقلت له: ان أصحاب الزيت قل ما يستوفون حتى يبيعون فقال: انما سمى الطعام أي انما أمر بالبيع بعد الاستيفاء في الطعام فلم ير الزيت طعاما، وأبو سعيد الخدرى.
وعبد الله بن عتبة بن مسعود حجتان في اللغة قاطعتان لا سيما وعبد الله هذلي قبيلة مجاورة للحرم فلغتهم لغة قريش، وممن قال بقولنا: ان الطعام (1) باطلاق انما هو القمح وحده أبو ثور، وأما القمح يشترى جزافا فلا يحل بيعه حتى يقبض وينقل عن موضعه فلما رويناه من طريق البخاري نا إسحاق -
هو ابن راهويه - نا الوليد بن مسلم عن الاوزاعي عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه [ رضى الله عنه ] (2) قال: رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعوه حتى يؤوه إلى رحالهم * ورويناه من طريق مسلم نا محمد بن عبد الله ابن نمير نا أبى نا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه [ قال ] (3) وكنا نشترى الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نبيعه حتى ننقله من مكانه) * ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة نا عبد الاعلى عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر أنهم كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانه حتى يحولوه * قال أبو محمد: ولا يمكن أن يكون غيره عليه السلام يضرب المسلمين بالمدينة على شريعة يؤمرون بها في الاسواق بغير علمه أصلا، فصح أنه جرم كبير لا يرخص فيه (4) فان قيل: ان في بعض ما رويتم حتى يؤوه إلى رحالهم قلنا: نعم وكل مكان رحله إليه فهو رحل له إذا كان مباحا له أن يرحله إليه، فان قيل: فقد رويتم هذا الحديث عن مالك عن نافع عن ابن عمر فلم يذكر فيه الجزاف قلنا: عبيدالله بن عمر ان لم يكن فوق مالك والا فليس هو دونه أصلا، وقد رواه عن نافع فذكر فيه الجزاف، ورواه الزهري عن سالم كما أوردنا فذكر فيه الجزاف، وهو خبر (5) واحد بلا شك، وجمهور الرواة عن مالك لهذا الحديث في الموطأ وغيره ذكروا فيه عنه الجزاف كما ذكره عبيد الله عن نافع.
والزهرى عن سالم وإنما أسقط ذكر الجزاف القعنبى.
ويحيى فقط فصح أنهما وهما فيه بلا شك لانه يتعين خبر واحد وبالله تعالى التوفيق، وإنما كان يصح الاخذ برواية القعنبى.
ويحيى لو أمكن أن يكونا خبرين اثنين عن موطئين (6) مختلفين، وقولنا ههنا هو قول الشافعي.
وأبى سليمان ولم يقل به مالك ولا نعلم لمقلده ولا له حجة أصلا وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في النسخة رقم 16 (بان الطعام) (2) الزيادة من صحيح البخاري ج 3 ص 141 (3) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 446 (4) في النسخة رقم 14 (لا ترخص فيه) (5) في النسخة رقم 16 وهذا خبر (6) في النسخة(8/522)
وأما القمح يبتاعه المرء بكيل فلا يحل له بيعه حتى يكتاله لنفسه ثم يكتاله الذى يبيع منه ولابد سواء حضرا كلاهما كيله قبل ذلك أو لم يحضرا فلما روينا من طريق أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا محمد بن عبد الرحيم نا مسلم - هو ابن ابراهيم - نا مخلد بن الحسين الازدي عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجرى فيه الصاعان فيكون لصاحبه الزيادة وعليه النقصان) * وروينا من طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا شريك عن ابن أبى ليلى عن محمد بن بيان عن ابن عمر أنه سئل عمن اشترى الطعام وقد شهد كيله؟ قال: لا حتى يجرى فيه الصاعان * ومن طريق ابن أبى شيبة نا محمد بن فضيل عن مطرف - هو ابن طريف - قلت للشعبى: اكون شاهد الطعام وهو يكال فاشتريه آخذه بكيله؟ فقال: مع كل صفقة كيلة * ومن طريق ابن أبى شيبة نا مروان بن معاوية عن زياد مولى آل سعيد قلت لسعيد بن المسيب: رجل ابتاع طعاما فاكتاله أيصلح لى أن اشتريه بكيل الرجل؟ قال: لاحتى يكال بين يديك، وصح عنه أنه قال فيه: هذا ربا * ومن طريق ابن أبى شية نا زيد بن الحباب عن سوادة بن حيان سمعت محمد بن سيرين سئل عن رجلين اشترى أحدهما طعاما والآخر معه؟ فقال: قد شهت البيع والقبض فقال: خذ منى ربحا وأعطنيه فقال: لا حتى يجرى فيه الصاعان فتكون لك زيادته وعليك نقصانه (1) * ومن طريق ابن أبى شيبة نا وكيع عن عمر أبى حفص قال: سمعت الحسن البصري وسئل عمن اشترى طعاما ما وهو ينظر إلى كيله؟ قال: لا حتى يكليه * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال في السنة التى مضت: ان من ابتاع طعاما أو ودكا كيلا أن يكتاله (2) قبل أن يبيعه فإذا باعه اكتيل منه أيضا إذا باعه كيلا، وهو قول عطاء بن أبى رباح.
وأبى حنيفة.
والشافعي.
وأحمد بن حنبل.
واسحاق، وأبى سليمان، وقال مالك: إذا بيع بالنقد فلا بأس بان يصدق البائع في كيله ولا يكتاله ويكره ذلك في الدين، وهذا قول لا نعلمه عن أحد قبله وخالف فيه صاحبا لا يعرف له
مخالف منهم، وخالف فيه جمهور العلماء وما نعلم لقوله حجة أصلا لا من نص قرآن.
ولا سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قياس.
ولا رأى له وجه، فان قيل: فقد رويتم من طريق أبى داود عن محمد بن عوف الطائى نا أحمد بن خالد الوهبى نا محمد بن اسحاق عن أبى الزناد عن عبيد بن حنين عن ابن عمر قال: ابتعت زيتا في السوق فلما استوجبته لقيني رجل أعطاني به ربحا حسنا فاردت أن أضرب على يدى فاخذ رجل من خلفي بذراعى فالتفت فإذا زيد بن ثابت فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك فان رسول الله
__________
(1) في النسخة رقم 16 (فتكون له زيادته وعليه نقصانه) (2) في النسخة رقم 14 (أن يكيله)(8/523)
صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تتباع حتى تحوزها التجار إلى رحالهم قلنا: هذا رواه أحمد بن خالد (1) الوهبى وهو مجهول، وبالله لو صح عندنا لسارعنا إلى الاخذ به نحمد الله على ما يسرنا له من ذلك كثيرا، وكل ما ذكرناه في هذا المسائل فمن فعل خلاف ذلك فسخ أبدا، فان كان قد بلغه الخبر ضرب كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه ابن عمر قال عليه السلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)
__________
(1) هو احمد بن خالد بن موسى، ويقال ابن محمد الوهبى الكندى أبو سعيد بن أبى مخلد الحمصى وفيه كلام انظر تهذيب التهذيب ج 1 ص 26 خاتمة الطبع تم - ولله الحمد - طبع الجزء الثامن من كتاب المحلى على ما أوجبه القرآن.
والسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليف المحقق والحافظ المدقق الفقيه الامام ناصر السنة ومميت البدعة.
صاحب السيف والقلم أبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم رحمه الله وجعل الجنة مأواه المتوفى سنة 456 ه ويتلوه ان شاء الله تعالى بحوله وقوته الجزء التاسع منه مفتتحا (مسألة والشركة والاقالة.
والتولية كلها بيوع مبتدأة) الخ أسأل الله العظيم أن يوفقني إلى اتمامه وغيره من الكتب الثمينة النافعة وارجوه أن يمتعني
أبى داود عن محمد بن عوف الطائى نا أحمد بن خالد الوهبى نا محمد بن اسحاق عن أبى الزناد عن عبيد بن حنين عن ابن عمر قال: ابتعت زيتا في السوق فلما استوجبته لقيني رجل أعطاني به ربحا حسنا فاردت أن أضرب على يدى فاخذ رجل من خلفي بذراعى فالتفت فإذا زيد بن ثابت فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك فان رسول الله
__________
(1) في النسخة رقم 16 (فتكون له زيادته وعليه نقصانه) (2) في النسخة رقم 14 (أن يكيله)(8/524)
صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تتباع حتى تحوزها التجار إلى رحالهم قلنا: هذا رواه أحمد بن خالد (1) الوهبى وهو مجهول، وبالله لو صح عندنا لسارعنا إلى الاخذ به نحمد الله على ما يسرنا له من ذلك كثيرا، وكل ما ذكرناه في هذا المسائل فمن فعل خلاف ذلك فسخ أبدا، فان كان قد بلغه الخبر ضرب كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه ابن عمر قال عليه السلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)
__________
(1) هو احمد بن خالد بن موسى، ويقال ابن محمد الوهبى الكندى أبو سعيد بن أبى مخلد الحمصى وفيه كلام انظر تهذيب التهذيب ج 1 ص 26 خاتمة الطبع تم - ولله الحمد - طبع الجزء الثامن من كتاب المحلى على ما أوجبه القرآن.
والسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليف المحقق والحافظ المدقق الفقيه الامام ناصر السنة ومميت البدعة.
صاحب السيف والقلم أبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم رحمه الله وجعل الجنة مأواه المتوفى سنة 456 ه ويتلوه ان شاء الله تعالى بحوله وقوته الجزء التاسع منه مفتتحا (مسألة والشركة والاقالة.
والتولية كلها بيوع مبتدأة) الخ أسأل الله العظيم أن يوفقني إلى اتمامه وغيره من الكتب الثمينة النافعة وارجوه أن يمتعني برؤيته جل جلاله في الآخرة وأن يدخلنى مع حبيبه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة انه سميع قريب وبالاجابة جدير(8/524)
المحلى - ابن حزم ج 9
المحلى
ابن حزم ج 9(9/)
المحلى تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الاصولي، قوي العارضة شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والاصول والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الاندلس أبي محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456 ه.
طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الاستاذ الشيخ احمد محمد شاكر الجزء التاسع دار الفكر(9/1)
بسم الله الرحمن الرحيم 1508 مسألة والشركة.
والاقالة.
والتولية كلها بيوع مبتدأة لا يجوز في شئ منها الا ما يجوز في سائر البيوع لا تحاش شيئا وهو قال الشافعي.
وأصحابنا في الشركة.
والتولية وقالوا: الاقالة فسخ بيع وليست بيعا، وقال ربيعة.
ومالك: كل ما لا يجوز فيه البيع قبل القبض أو قبل الاكتيال فانه لا بأس فيه بالشركة.
والتولية.
والاقالة قبل القبض وقبل الاكتيال، وروى هذا عن الحسن في التولية فقط * واحتجوا بما رويناه من طريق عبد الرزاق قال ابن جريح: أخبرني ربيعة بن أبى عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حديثا مستفاضا في المدينة: من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه ويستوفيه الا أن يشرك
فيه أو يوليه أو يقيله، وقال مالك.
ان أهل العلم اجتمع رأيهم على أنه لا بأس بالشركة.
والاقالة.
والتولية في الطعام وغيره يعنى قبل القبض قال أبو محمد: وما نعلم روى هذا الا عن ربيعة.
وعن طاوس فقط، وقوله عن الحسن في التولية قد جاء عنه خلافها * قال على: أما خبر ربيعة فمرسل ولا حجة في مرسل ولو استند (1) لسارعنا إلى الاخذ به ولو كانت استفاضته عن أصل صحيح لكان الزهري أولى بأن يعرف ذلك من ربيعة فبينهما في هذا الباب بون بعيد والزهرى مخالف له في ذلك * وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: التولية بيع في الطعام وغيره، وبه إلى معمر عن أيوب السختياني قال: قال ابن سيرين: لا تولية حتى يقبض ويكال * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا الربيع بن صبيح قال: سألت الحسن عن الرجل يشترى الطعام فيوليه الرجل؟ قال: ليس له أن يوليه حتى يقبضه فقال له عبد الملك بن الشعشاع: يا أبا سعيد أبرأيك تقوله؟ قال: لا أقوله برأيى ولكنا أخذناه عن سلفنا.
وأصحابنا * قال على: سلف الحسن هم الصحابة رضى الله عنهم أدرك منهم خمسمائة صاحب وأكثر وغزا مع مئين منهم، وأصحابه هم أكابر التابعين فلو أقدم أمرؤ على دعوى الاجماع
__________
(1) في النسخة رقم 14 ولو انسند [ * ](9/2)
ههنا لكان أصح من الاجماع الذى ذكره مالك بلا شك ومن طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن زكريا بن أبي زائدة.
وفطر بن خليفة قال زكريا: عن الشعبي وقال فطر: عن الحكم ثم اتفق الشعبى.
والحكم على أن التولية بيع قال سفيان: ونحن نقول: والشركة بيع ولا يشرك حتى يقبض، فهؤلاء الصحابة.
والتابعون كما ترى * قال أبو محمد: الشركة والتولية انما هو نقل ملك المرء عينا ما صح ملكه لها أو بعض عين ما صح ملكه لها إلى ملك غيره بثمن مسمى وهذا هو البيع نفسه ليست هذه الصفة البتة الا للبيع ولا يكون بيع أصلا الا بهذه الصفة فصح أنهما (1) بيع صحيح وهم لا يخالفوننا في أنه
لا يجوز فيها الا ما يجوز في البيع الا فيما ذكرنا ههنا فقط وهذا تخصيص بلا برهان، وأما الحنيفيون فانهم يقولون: بالمرسل ونقضوا ههنا أصلهم فتركوا مرسل ربيعة الذى ذكرناه وما نعلم المالكيين احتجوا بغير ما ذكرنا الا أن بعضهم قال الشركة والتولية.
والاقالة معروف فقلنا: فكان ماذا؟ والبيع أيضا معروف وما عهدنا المعروف تباح فيه محرمات ولو كان ذلك لكان منكرا لا معروفا، وسنتكلم ان شاء الله تعالى في الاقالة اثر هذه المسألة في مسألة مفردة ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم * 1509 مسألة وأما الاقالة فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحض عليها * روينا من طريق أبى داود نا يحيى بن معين نا حفص هو ابن غياث عن الاعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أقال نادما (2) أقالة الله عثرته) وقال أبو حنيفة.
والشافعي.
وأبو سليمان: ليست بيعا انما هي فسخ بيع، وقال أبو يوسف: هي بعد القبض بيع وقبل القبض فسخ بيع، وروى عن مالك أنها بيع، وروى عنه ما يدل على أنها فسخ بيع، فأما تقسيم أبى يوسف فدعوى بلا برهان وتقسيم بلا دليل وما كان هكذا فهو باطل، وأما من قال: ليست بيعا فانهم احتجوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها باسم الاقالة واتبعه المسلمون على ذلك ولم يسمها عليه السلام بيعا والتسمية في الدين لا تؤخذ إلا عنه عليه السلام، فلا يجوز أن تسمى بيعا لانه عليه السلام لم يسمها هذا الاسم، وقالوا: قد صح الاجماع على جواز الاقالة في السلم: والبيع قبل القبض لا يجوز فصح أنها ليست بيعا ما نعلم لهم حجة غير هاتين * قال أبو محمد: احتجاجهم بالتسمية من النبي صلى الله عليه وسلم فقولهم حق إلا أننا لا نسلم لهم أنه عليه السلام سمى اقالة فعل من باع من آخر بيعا ثم استقاله فيه فرد إليه ما ابتاع منه وأخذ ثمنه منه وأنه عليه السلام لم يسم ذلك بيعا ولا يجدون هذا أبدا لا في رواية صحيحة.
__________
(1) في النسخة رقم 16 انها (2) في سنن أبى داود (من أقال مسلما) وروى الحديث ايضا ابن ماجه في سننه بلفظ (أقاله الله عثرته يوم القيامة) وعثرته خطيئته(9/3)
ولا سقيمة، وهذا الخبر المرسل من طريق ربيعة لو شئنا أن نستدل منه بان الاقالة بيع لفعلنا لانه فيه النهى عن البيع قبل القبض الا من اشرك.
أو ولى.
أو أقال فهذا ظاهر أنها بيوع مستثناة من جملة البيوع، وأما الخبر الصحيح الذى ذكرنا فانما فيه الحض على الاقالة فقط، والاقالة تكون في غير البيع لكن في الهبة ونحو ذلك، ولا فيه أيضا أن الاقالة لا تسمى بيعا ولا لها حكم البيع فبطل ما صدروا به من هذا الاحتجاج الصحيح أصله الموضوع في غير موضعه، واما دعواهم الاجماع على جواز الاقالة في السلم قبل القبض فباطل وإقدام على الدعوى على الامة وما وقع (1) الاجماع قط (2) على جواز السلم فكيف على الاقالة فيه، وقد روينا عن عبد الله بن عمرو.
وعبد الله بن عمر.
والحسن.
وجابر بن زيد.
وشريح.
والشعبى.
والنخعي.
وابن المسيب.
وعبد الله بن معقل.
وطاوس.
ومحمد بن على بن الحسن.
وأبى سلمة بن عبد الرحمن.
ومجاهد.
وسعيد بن جبير.
وسالم بن عبد الله.
والقاسم بن محمد.
وعمرو بن الحرث أخى أم المؤمنين جويرية أنهم منعوا من أخذ بعض السلم والاقالة في بعضه فاين الاجماع؟ فليت شعرى هل تقروا جميع الصحابة أولهم عن آخرهم حتى أيقنوا بأنهم أجمعوا على ذلك؟ أم تقروا جميع علماء التابعين من اقصى خراسان إلى الاندلس فما بين ذلك كذلك، ثم لو صح لهم هذا وهو لا يصح أبدا فما يختلف مسلمان في أن من الجن قوما صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ومن أنكر هذا فهو كافر لتكذيبه القرأن فلاولئك الجن من الحق ووجوب التعظيم منا ومن منزلة العلم.
والدين ما لسائر الصحابة رضى الله عنهم هذا ما لا شك فيه عند مسلم فمن له باجماعهم على ذلك؟ ورحم الله أحمد بن حنبل فلقد صدق إذ يقول: من يدعى الاجماع فقد كذب ما يدريه لعل الناس اختلفوا لكن ليقل: لا أعلم خلافا هذه أخبار المريسى: والاصم قال أبو محمد: لا تحل دعوى الاجماع الا في موضعين، أحدهما ما تيقن أن جميع الصاحبة رضى الله عنهم عرفوه بنقل صحيح عنهم وأقروا به، والثانى ما يكون من خالفه
كافرا خارجا عن الاسلام كشهادة أن لا إله الا الله.
وأن محمدا رسول الله.
وصيام رمضان.
وحج البيت.
والايمان بالقرآن.
والصلوات الخمس.
وجملة الزكاة.
والطهارة للصلاة.
ومن الجنابة.
وتحريم الميتة.
والخنزير.
والدم.
وما كان من هذا الصنف فقط.
ثم لو صح لهم ما ادعوه من الاجماع على جواز الاقالة في السلم لكان بيعا مستثنى بالاجماع من جملة البيوع فكيف وقد صح عن ابن عباس ما يدل على المنع من الاقالة في السلم * روينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة - عن عمرو
__________
(1) في النسخة رقم 14 (وما صح) (2) لفظ (قط) سقط من النسخة رقم 14 [ * ](9/4)
ابن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: إذا أسلفت في شئ إلى أجل مسمى فجاء ذلك الاجل ولم تجد الذى أسلفت فيه فخذ عرضا بانقص ولا تربح مرتين ولم يفت بالاقالة * قال على: ولا تجوز الاقالة في السلم لانه بيع ما ليس عندك وبيع غرر وبيع ما لم يقبض.
وبيع مجهول لا يدرى أيما في العالم هو وهذا هو أكل المال بالباطل.
إذ لم يأت بجوازه نص فيستثنيه من جملة هذه المحرمات فانما الحكم فيمن لم يجد ما أسلف فيه أن يصبر حتى يوجد أو يأخذ منه قصاصا ومعاقبة ما اتفقا عليه وتراضيا به قيمة ما وجب له عنده لقول الله تعالى: (والحرمات قصاص) وحريمة المال حرمة محرمة يجب أن يقتص منها فان أراد الاحسان إليه فله ان يبرئه من كل ماله عنده أو يأخذ بعض ماله عنده أو يبرئه مما شاء منه ويتصدق به عليه كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المفلس إذ قال: (تصدقوا عليه) ثم قال عليه السلام: (خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك) وقد ذكرناه باسناده في التفليس، وفى الجوائح من كتابنا هذا قال أبو محمد: فإذ بطل كل ما احتجوا به فلنقل على تصحيح قولنا بعون الله تعالى، فنقول وبه تعالى نتأيد: ان الاقالة لو كانت فسخ بيع لما جازت الا برد عين الثمن نفسه لا بغيره ولا بد له (1) كما قال ابن سيرين كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا
الربيع بن حبيب كنا نختلف إلى السواد في الطعام وهو أكداس قد حصد فنشتريه منهم الكر بكذا وكذا وننقد أموالنا فإذا أذن لهم العمال في الدراس فمنهم من يفى لنا بما سمى لنا، ومنهم من يزعم أنه نقص طعامه فيطلب الينا أن نرتجع بقدر ما نقص رءوس أموالنا فسألت الحسن عن ذلك؟ فكرهه الا أن يستوفى ما سمى لنا أو نرتجع أموالنا كلها، وسألت ابن سيرين؟ فقال: ان كانت دراهمك باعيانها فلا بأس، وسألت عطاء؟ فقال: ما أراك الا قد رفقت (2) وأحسنت إليه * قال أبو محمد: هذه صفة الفسخ ثم نرجع فنقول: ان البيع عقد صحيح بالقرآن.
والسنن.
والاجماع المتيقن لمقطوع به من كل مسلم (3) على أديم الارض كان أو هو كائن فإذ هو كذلك باليقين لا بالدعاوي الكاذبة فلا يحل فسخ عقد صححه الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إلا بنص آخر ولا نص في جواز فسخه مطارفة بتراضيهما إلا فيما جاء نص بفسخه كالشفعة وما فيه الخيار بالنص فإذ ذلك كذلك ولم يكن بين من أجاز الفسخ نص أصلا فقد صح أن الاقالة بيع من البيوع بتراضيهما يجوز فيها ما يجوز في البيوع ويحرم فيها ما يحرم في البيوع، ومن رأى أن الاقالة فسخ بيع لزمه أن
__________
(1) في النسخة رقم 14 (لا بغيره بدله) (2) في النسخة رقم 16 وفقت (3) في النسخة رقم 16 على كل مسلم [ * ](9/5)
لا يجيزها باكثر مما وقع به البيع لان الزيادة إذ لم تكن بيعا فهو أكل مال بالباطل، وأما من رآها بيعا فانه يجيزها بأكثر مما وقع به البيع أولا وباقل وبغير ما وقع به البيع وحالا.
وفى الذمة.
والى أجل فيما يجوز فيه الاجل، وبهذا نأخذ وبالله تعالى التوفيق * 1510 مسألة ولا يحل بيع دين يكون لانسان على غيره لا بنقد.
ولا بدين.
لا بعين ولا بعرض كان ببينة أو مقرا به أو لم يكن كل ذلك باطل: ووجه العمل في ذلك لمن أراد الحلال أن يبتاع في ذمته ممن شاء ما شاء مما يجوز بيعه ثمن إذا تم البيع بالتفرق أو التخير ثم يجيله بالثمن على الذى له عنده الدين فهذا حسن
برهان ذلك أنه بيع مجهول وما لا يدرى عينه.
وهذا هو أكل مال بالباطل، وهو قول الشافعي * وروينا من طريق وكيع نا زكريا بن أبى زائدة قال: سئل الشعبى عمن اشترى صكا فيه ثلاثة دنانير بثوب؟ قال: لا يصلح، قال وكيع: وحدثنا سفيان عن عبد الله ابن أبى السفر عن الشعبي قال: هو غرر، وقال مالك: ان كان مقر بما عليه جاز بيعه بعرض نقد فان لم يكن مقرا لم يجز بيعه كانت عليه بينة أو لم تكن لانه شراء خصومة * قال على: وهذا لا شئ لانه وان أقر اليوم فيمكن (1) أن ينكر غدا فيرجع الامر إلى البينة باقراره فيحصل على شراء خصومة ولا فرق، واحتج المجيزون له بما روينا من طريق عبد الرزاق نا الاسلمي أخبرني عبد الله بن أبى بكر عن عمر بن عبد العزيز (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في الدين وهو الرجل يكون له الدين على رجل فيبيعه فيكون صاحب الدين الدين أحق به) * قال عبد الرزاق: وحدثنا معمر عن رجل من قريش أن عمر ابن عبد العزيز قضى في مكاتب اشترى ما عليه بعرض فجعل المكاتب اولى بنفسه ثم قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ابتاع دينا على رجل فصاحب الدين أولى إذا أدى مثل الذى أدى صاحبه * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج نا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عمن له دين فابتاع به غلاما؟ قال: لا بأس به قال أبو محمد: حديثا عمر بن عبد العزيز مرسلان، أحدهما عن الاسلمي وهو ابراهيم بن أبى يحيى وهو متروك متهم، والآخر أيضا عمن لم يسم ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مما ترك فيه الشافعيون صاحبا لا يعرف له مخالف منهم، ولا حجة للمالكيين في هذين الخبرين.
ولا في خبر جابر لانه ليس في شئ منها أنه كان باقرار دون بينة فهم مخالفون لعموم الخبر وبالله تعالى التوفيق 1511 مسألة ولا يحل بيع الماء بوجه من الوجوه لا في ساقية ولا من نهر
__________
(1) في النسخة رثم 14 (فقد يمكن) [ * ](9/6)
أو من عين (1) ولا من بئر.
ولا في صهريج.
ولا مجموعا في قربة.
ولا في اناء لكن من باع حصته من عنصر الماء ومن جزء مسمى (2) منها أو باع البئر كلها أو جزءا مسمى منها أو باع الساقية كلها أو الجزء المسمى منها جاز ذلك وكان الماء بيعا له، ولا يملك أحد الماء الجارى الا ما دام في ساقيته ونهره فإذا فارقهما بطل ملكه عنه وصار لمن صار في أرضه وهكذا أبدا فمن اضطر إلى ماء لسقيه أو لحاجته فالواجب أن يعامل على سوقه إليه أو على صبه عنده في انائه على سبيل الاجارة فقط، وكذلك من كان معاشه من الماء فالواجب عليه أن يعامل أيضا على صبه أو جلبه كذالك فقط، ومن ملك بئر بحفر فهو أحق بمائها مادام محتاجا إليه فان فضل عنه ما لا يحتاج إليه لم يحل له منعه عمن يحتاج إليه وكذلك فضل النهر، والساقية ولا فرق * برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم نا أحمد بن عثمان النوفلي نا أبو عاصم الضحاك ابن مخلد نا ابن جريج أخبرني زياد بن سعد أخبرني هلال بن أسامة أن أبا سلمة بن عبد الرحمن أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يباع فضل الماء ليباع به الكلا (3) * حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن زهير بن حرب نا أبى عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وأخبره أبو المنهال ان اياس بن عبد المزني قال لرجل: لا تبع الماء فان رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع الماء * ومن طريق ابن أبى شيبة نا سفيان ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبى المنهال قال: سمعت اياس بن عبد المزني ورأى أناسا يبيعون الماء فقال: لا تبيعوا الماء فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينهى أن يباع الماء * ومن طريق ابن أبى شيبة نا يزيد بن هارون أنا ابن اسحاق عن محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم الؤمنين قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع نقع (4) البئر يعنى فضل الماء هكذا في الحديث تفسيره * ورويناه أيضا مسندا من طريق جابر، فهؤلاء أربعة من الصحابة رضى الله عنهم فهو نقل تواتر لا تحل مخالفته، وأما من قال بذلك فقد ذكرناه آنفا عن اياس بن عبد من فتياه * ومن طريق ابن أبى شيبة نا وكيع نا
المسعودي هو أبو عميس عن عمران بن عمير قال: منعنى جارى فضل مائه فسألت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود؟ فقال: سمعت أبا هريرة يقول: لا يحل بيع فضل الماء * ومن طريق ابن أبى شيبة نا يحيي بن آدم نا زهير عن أبى الزبير عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن غلاما لهم باع فضل ماء لهم من عين بعشرين ألفا فقال له عبد الله بن عمرو ابن العاص: لا تبعه فانه لا يحل بيعه * ومن طريق ابن ابى شيبة نا يحيي بن زكريا بن أبى زائدة
__________
(1) في النسخة رقم 14 لا في ساقية من نهر أو من عين (2) في النسخة رقم 14 جزءا مسمى (3) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 460 (4) هو بالنون بعدها قاف.
لانه ينقع به العطش أي يروى [ * ](9/7)
عن يحيى بن سعيد الانصاري عن القاسم بن محمد بن أبى بكر انه قال: يكره بيع فضل الماء، فهذا اياس بن عبد.
وأبو هريرة.
وعبد الله بن عمرو يحرمون بيع الماء جملة ولا مخالف لهم من الصحابة رضى الله عنهم، واثنان من التابعين القاسم.
وعبيدالله بن عبد الله بن عتبة، وروينا اباحه بيع الماء في الآنية وبيعه في الشرب عن عطاء.
وأبى حنيفة.
والشافعي، واباحة بيعه كذلك، وفى الشرب عن مالك، وعن مسروق اباحة ثمن الماء جملة ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم * وبرهان زائد على تحريم بيع ماء الشرب وهو أن الله تعالى يقول: (أنزل من السماء ماءا فسلكه ينابيع في الارض) وقد صح النهى عن بيع المجهول لانه غرر فلا يحل بيع الشرب لانه لا يدرى أفى السماء هو أم لا فهو أكل مال بالباطل، وأيضا فانه انما يأتي إلى العين.
والنهر: والبئر من خروق.
ومنافس في الارض بعيدة هي (1) في غير ملك صاحب المفجر فانما يبيع ما لم يملك بعد، وهذا باطل محرم وبالله تعالى التوفيق * 1512 مسألة ولا يحل بيع الخمر.
لا لمؤمن.
ولا لكافر.
ولا بيع الخنازير كذلك.
ولا شعورها.
ولا شئ منها ولا بيع صليب ولا صنم ولا ميتة ولا دم الا المسك (2) وحده فهو حلال بيعه وملكه، فمن باع من المحرم الذى ذكرنا شيئا فسسخ أبدا * وروينا من طريق مسلم نا أبو كريب نا أبو معاوية [ عن الاعمش ] (3) عن مسلم هو
أبو الضحى عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم [ إلى المسجد ] (4) فحرم التجارة في الخمر) * وبه إلى مسلم: نا قتيبة بن سعيد نا ليث هو ابن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن عطاء بن أبى رباح عن جابر بن عبد الله (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو بمكه يقول: ان الله عزوجل ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام فقيل: يارسول الله أرأيت شحم الميتة (5) فانه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود [ ويستصبح بها الناس ] قال: لا هو حرام قاتل الله اليهود ان الله لما حرم عليهم شحومها أجملوه ثم باعوه فاكلوا ثمنه) * قال أبو محمد: موه قوم بهذا الخبر في تصحيح القياس وليس فيه للقياس أثر لكن فيه أن الاوامر على العموم لانه عليه السلام أخبر أن الله تعالى حرم الشحوم على اليهود فاستحلوا بيعها فانكر ذلك عليهم أشد الانكار إذ خصوا التحريم ولم يحملوه على عمومه فصح بهذا أنه متى حرم شئ فحرام ملكه وبيعه والتصرف فيه وأكله على عموم تحريمه الا أن يأتي نص بتخصيص شئ من ذلك فيوقف عنده، وقد حرم الله تعالى الخنزير والخمر.
والميتة والدم فحرم ملك كل ذلك وشربه والانتفاع به وبيعه، وقد أوجب
__________
(1) لفظ هي زيادة من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 16 الا السمك وهو تصحيف (3) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 464 (4) الزيادة من صحيح مسلم وفيه زيادة (5) في صحيح مسلم شحوم الميتة [ * ](9/8)
الله تعالى دين الاسلام على كل انس وجن، وقال تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) وقال تعالى: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) وقال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) فوجب الحكم على اليهود.
والنصارى.
والمجوس بحكم الاسلام أحبوا أم كرهوا، ومن أجاز لهم بيع الخمر ظاهرا وشراءها كذلك وتملكها علانية.
وتملك الخنازير كذلك لانهم من دينهم بزعمه وصدقهم في ذلك لزمه أن يتركهم أن يقيموا شرائعهم في بيع من زنى من النصارى الاحرار.
وخصاء القسيس إذا
زنى.
وقتل من يرون قتله وهم لا يفعلون ذلك فظهر تناقضهم وقال أبو حنيفة: إذا أمر المسلم نصرانيا بان يشترى له خمرا جاز ذلك، وهذه من شنعه التى نعوذ بالله من مثلها، وأما المسك فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التطيب بالمسك وتفضيله على الطيب، وأيضا فقد سقط عنه اسم الدم وصفاته وحده فليس دما والاحكام انما هي على الاسماء والاسماء انما هي على الصفات.
والحدود * روينا من طريق أبى عبيد نا مروان بن معاوية نا عمر المكتب نا حزام عن ربيعة بن زكا أو زكار قال: نظر على بن أبى طالب إلى زراره فقال: ما هذه القرية؟ قالوا: قرية تدعى زرارة يلحم فيها ويباع فيها الخمر قال: أين الطريق إليها؟ قالوا: باب الجسر قالوا: يا أمير المؤمنين نأخذ لك سفينة قال: لا تلك شجرة ولا حاجة لنا في الشجرة انطلقوا بنا إلى باب الجسر فقام يمشى حتى أتاها فقال: على بالنيران أضرموها فيها فاحترقت * ومن طريق أبى عبيد نا هشام.
ومروان بن معاوية الفزارى عن اسماعيل بن أبى خالد عن الحرث بن شبيل عن أبى عمرو الشيباني قال: بلغ عمر بن الخطاب أن رجلا من أهل السواد أثرى في تجارة الخمر فكتب أن اكسروا كل شئ قدرتم له عليه وسيروا كل ماشية له ولا يؤوين أحد له شيئا، فهذا حكم على.
وعمر بحضرة الصحابة رضى الله عنهم فيمن باع الخمر من المشركين ولا مخالف لهم يعرف من الصحابة فحالفوهما * 1513 مسألة ولا يحل بيع كلب أصلا لا كلب صيد ولا كلب ماشية ولا غيرهما فان اضطر إليه ولم يجد من يعطيه اياه فله ابتياعه وهو حلال للمشترى حرام على البائع ينتزع منه الثمن متى قدر عليه كالرشوة في دفع الظلم.
وفداء الاسير.
ومصانعة الظالم ولا فرق، ولا يحل اتخاذ كلب أصلا الا لماشية أو لصيد أو لزرع أو لحائط، واسم الحائط يقع على البستان وجدار الدار فقط، ولا يحل أيضا قتل الكلب فمن قتلها ضمنها بمثلها أو بما يتراضيان عليه عوضا منه الا الاسود البهيم أو الاسود(9/9)
ذا النقطتين أينما كانت النقطتان منه فان عظمتا حتى لا تسميا (1) في اللغة العربية نقطتين لكن
تسمى لمعتين لم يجز قتله فلا يحل ملكه أصلا لشئ (2) مما ذكرنا وقتله واجب حيث وجد (3) * برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم نا اسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه أنا الوليد ابن مسلم عن الاوزاعي عن يحيى بن أبى كثير حدثنى ابراهيم بن قارظ عن السائب بن يزيد حدثنى رافع بن خديج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثمن الكلب خبيث ومهر البغى خبيث وكسب الحجام خبيث (4) فهذان صاحبان في نسق * ومن طريق مالك عن ابن شهاب عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبى مسعود الانصاري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغى وحلوان الكاهن (5) وصح ايضا من طريق أبى هريرة.
وجابر.
وأبى جحيفة، فهذا نقل تواتر لا يسع تركه ولا يحل خلافه * وروينا من طريق أحمد ابن شعيب نا الحسن بن أحمد بن شبيب (6) نا محمد بن عبد الرحمن بن نمير نا اسباط نا الاعمش عن عطاء بن أبى رباح قال: قال أبو هريرة: أربع من السحت.
ضراب الفحل.
وثمن الكلب.
ومهر البغى.
وكسب الحجام * ورويناه عن جابر أيضا * ومن طريق ابن أبى شيبة نا وكيع عن اسرائيل عن عبد الكريم عن قيس بن حبتر عن ابن عباس رفعه (ثمن الكلب ومهر البغى وثمن الخمر حرام) وأقل ما فيه أن يكون قول ابن عباس ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن ادريس عن أشعث عن ابن سيرين قال: أخبث الكسب كسب الزمارة.
وثمن الكلب، الزمارة الزانية سمعت أبا عبيدة يقول ذلك * ومن طريق ابن أبى شيبة نا يونس ابن محمد نا شريك عن أبى فروة سمعت عبد الرحمن بن أبى ليلى يقول: ما أبالى ثمن كلب أكلت أكلت أو ثمن خزير * ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن ادريس عن شعبة سمعت الحكم.
وحماد بن أبى سليمان يكرهان ثمن الكلب، ولا يصح خلافهما عن أحد من الصحابة، وهو قول مالك.
والشافعي.
وأحمد.
وأبى سليمان.
وأبى ثور وغيرهم، وخالف الحنيفيون السنن في ذلك وأباحوا بيع الكلاب وأكل أثمانها، واحتجوا في ذلك بما روينا من طريق أحمد ابن شغيب قال: أخبرني ابراهيم بن الحسن بن أحمد المصيصى نا حجاج بن محمد عن حماد ابن سلمة عن أبى الزبير عن جابر [ بن عبد الله ] (7) (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن السنور
والكلب الا كلب صيد (8) * وبما روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا محمد بن اسماعيل نا ابن أبى مريم نا يحيى بن أيوب حدثنى المثنى بن الصباح عن عطاء بن أبى رباح عن أبى هريرة
__________
(1) في النسخة رقم 16 لا تسمى (2) في النسخة رقم 16 بشئ (3) في النسخة رقم 16 وجده (4) هو في صحيح مسلم ج 461 1 (5) هو في الموطأ ج 2 ص 151 (6) كذا في جميع النسخ، وفى تهذيب التهذيب ابن حبيب ولعله مصحف هنا عنه والله اعلم (7) الزيادة من سنن النسائي ج 7 ص 309 (8) قال النسائي بعد ما سرد هذا الحديث: هذا منكر [ * ](9/10)
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثمن الكلب سحت الا كلب صيد) * وما رويناه من طريق ابن وهب عمن أخبره عن ابن شهاب عن أبى بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث هن سحت.
حلوان الكاهن.
ومهر الزانية.
وثمن الكلب العقور) * ومن طريق ابن وهب عن الشمر ابن نمير عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن على بن أبى طالب (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب العقور) قال أبو محمد: أما حديثا ابن وهب هذان فأسقط من أن يشتغل بهما الا جاهل بالحديث أو مكابر يعلم الحق فيوليه (1) ظهره لان حسين بن عبد الله في غاية السقوط والاطراح باتفاق أهل النقل، والآخر منقطع في موضعين، ثم لو صحا لما كان لهم فيهما حجة لانه ليس فيهما الا النهى عن ثمن الكلب العقور فقط، وهذا حق وليس فيه إباحة ثمن ما سواه من الكلاب، وجاءت الآثار المتواترة التى قدمنا بزيادة على هذين لا يحل تركها * وأما حديث أبى هريرة ففى غاية السقوط لان فيه يحيى بن أيوب.
والمثنى بن الصباح وهما ضعيقان جدا قد شهد مالك على يحيى بن أيوب بالكذب وجرحه أحمد، وأما المثنى فجرحه بضعف الحديث أحمد وتركه يحيى.
وعبد الرحمن، ثم لو صح لكان حجة عليهم لانه ليس فيه الا استثناء كلب الصيد فقط وهم يبيحون ما حرم فيه من ثمن كلب الزرع وكلب الماشية وسائر الكلاب فهم مخالفون لما فيه، وأما حديث جابر فانه من رواية أبى الزبير عنه
ولم يسمعه منه باقرار أبى الزبير على نفسه حدثنى يوسف بن عبد الله النمري نا عبد الله بن عمر ومحمد بن يوسف الازدي نا اسحاق بن أحمد العقيلى نا زكريا بن يحيى الحلواني نا محمد بن سعيد ابن أبى مريم نا أبى نا الليث بن سعد قال: ان أبا الزبير دفع إلى كتابين فقلت في نفسي: لو سألته أسمع هذا كله من جابر؟ فرجعت إليه فقلت: هذا كله سمعته من جابر فقال: منه ما سمعته ومنه ما حدثت عنه فقلت له: أعلم لى على ما سمعت فاعلم لى على هذا الذى عندي قال أبو محمد: فكل حديث لم يقل فيه أبو الزبير: إنه سمعه من جابر أو حدثه به جابر أو لم يروه الليث عنه عن جابر فلم يسمعه من جابر باقراره، وهذا الحديث لم يذكر فيه أبو الزبير سماعا من جابر ولا هو مما عند الليث فصح أنه لم يسمعه من جابر فحصل منقطعا، ثم لو صح لكانوا مخالفين له لانه ليس فيه اباحة ثمن شئ من الكلاب غير كلب الصيد والنهى عن ثمن سائرها وهم يبيحون أثمان سائر الكلاب المتخذة لغير الصيد فبطل كل ما تعلقوا به من الآثار، وأما النطر فانهم قالوا: كان النهى عن ثمنها حين الامر بقتلها فلما حرم قتلها وأبيح اتخاذ بعضها انتسخ النهى عن ثمن ما أبيح اتخاذه منها
__________
(1) في النسخة رقم 14 ويوليه [ * ](9/11)
قال أبو محمد: هذا كذب بحت على الله تعالى.
وعلى رسوله عليه السلام لانه اخبار بالباطل.
وبما لم يأت به قط نص ودعوى بلا برهان.
وليس نسخ شئ بموجب نسخ شئ آخر وليس اباحة اتخاذ شئ بمبيح لبيعه، فهؤلاء هم القوم المبيحون اتخاذ دود الفز.
ونحل العسل ولا يحلون ثمنهما إضلالا وخلافا (1) للحق واتخاذ أمهات الاولاد حلال ولا يحل بيعهن فظهر فساد هذا الاحتجاج * وقالوا: حرم ثمن الكلب وكسب الحجام فلما نسخ تحريم كسب الحجام نسخ تحريم ثمن الكلب * قال أبو محمد: وهذا كذب كالذى قبله.
وكلام فاسد.
ودعوى بلا برهان، ويلزمهم أيضا أن ينسخ أيضا تحريم مهر الزانية لانه ذكر معهما ثم من لهم بنسخ تحريم
كسب الحجام إذا وقع على الوجه المنهى عنه فوضح فساد قولهم جملة، وهذا مما خالفوا فيه الآثار المتواتره وصاحبين لا يصح خلافهما عن أحد من الصحابة، فان ذكروا قضاء عثمان.
وعبد الله بن عمرو بقيمة الكلب العقور قلنا: ليس هذا خلافا لانه ليس بيعا ولا ممنا إنما هو قصاص مال عن افساد مال فقط ولا ثمن لميت أصلا * وروينا من طريق ابن أبى شيبة نا وكيع عن حماد بن سلمة عن أبى الزبير عن جابر.
وأبى المهزم عن أبى هريرة أنهما كرها ثمن الكلب الا كلب صيد وكرها ثمن الهر، وأبو المهزم ضعيف جدا، وقد خالفوهما في ثمن الهر كما ترى، وقد روينا إباحة ثمن الكلب عن عطاء.
ويحيى بن سعيد.
وربيعة.
وعن ابراهيم اباحة ثمن كلب الصيد ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما من احتاج إليه فقد قال الله تعالى: (ولا تنسو الفضل بينكم) فما لا يحل بيعه وتحل هبته فامساك من عنده منه فضل عن حاجته ذلك الفضل عمن هو مضطر إليه ظلم له وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) والظلم واجب أن يمنع منه وبالله تعالى التوفيق * وأما اتخاذها فاننا روينا من طريق مسلم حدثنى اسحاق بن منصور أنا روح بن عبادة نا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم نهى رسول الله عن قتلها وقال عليكم بالاسود البهيم ذى النقطتين فانه شيطان (2) * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمران بن موسى أنا يزيد بن زريع نا يونس بن عبيد عن الحسن البصري عن عبد الله بن مغفل قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن الكلاب أمة من الامم لامرت بقتلها فاقتلوا منها الاسود البهيم وأيما قوم اتخذوا كلبا ليس بكلب حرث أو صيد أو ماشية فانه ينقص من أجره كل يوم قيراط) * ومن طريق مسلم
__________
(1) في النسخة رقم 16 اصلا وخلافا وهو تحريف (2) الحديث في صحيح مسلم ج 1 ص 461 وفيه زيادة [ * ](9/12)
حدثنا حرملة حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن
أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فانه ينقص من أجره قيراطان كل يوم) (1) وتدخل الدار في جملة (2) الارض لانها أرض، فهذه الاحاديث فيها نص ما قلنا * وقد روينا عن ابراهيم النخعي أمرنا بقتل الكلب الاسود، وقد ذكرناه باسناده في كتاب الصيد من ديواننا هذا وبالله تعالى التوفيق * 1514 مسألة ولا يحل بيع الهر فمن اضطر إليه لاذى الفأر فواجب على من عنده منها فضل عن حاجته أن يعطيه منها ما يدفع به الله تعالى عنه الضرر كما قلنا فيمن اضطر إلى الكلب ولا فرق * برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم حدثنى سلمة بن شبيب قال: نا الحسن بن أعين نا معقل (3) عن أبى الزبير قال: سألت جابر بن عبد الله عن ثمن الكلب.
والسنور؟ فقال زجر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: الزجر أشد النهى * وروينا من طريق قاسم ابن أصبغ نا محمد بن وضاح نا محمد بن أدم نا عبد الله بن المبارك نا حماد بن سلمة عن أبى الزبير عن عبد الله انه كره ثمن الكلب والسنور، فهذه فتيا جابر لما روى ولا نعرف له مخالفا (4) من الصحابة * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو الأحوص عن ليث عن طاوس.
ومجاهد انهما كرها ان يستمتع بمسوك السنانير واثمانها ومن طريق ابن أبى شيبة نا حفص.
- هو ابن غياث - عن ليث عن طاوس.
ومجاهد انهما كرها بيع الهر وثمنه وأكله وهو قول أبى سليمان.
وجميع أصحابنا، وزعم بعض من لا علم له ولا ورع يزجره عن الكذب ان ابن عباس.
وأبا هريرة رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم اباحة ثمن الهر * قال أبو محمد: وهذا لا نعلمه أصلا من طريق واهية تعرف عند أهل النقل، وأما صحيحه فنقطع بكذب من ادعى ذلك جملة، وأما الوضع في الحديث فباق ما دام ابليس واتباعه في الارض، ثم لو صح لهم لما كان لهم فيه حجة لانه كان يكون موافقا لمعهود الاصل بلا شك ولا مرية في أن حين زجره عليه السلام عن ثمنه بطلب الاباحة السالفة ونسخت
بيقين لا مجال للشك فيه، فمن ادعى ان المنسوخ قد عاد فقد كذب وافترى وافك وقفا ما لا علم له به، وحاش لله أن يعود ما نسخ ثم لا يأتي بيان بذلك تقوم به حجة الله تعالى فيما نسخ وفيما بقي على المأمورين بذلك من عباده هيهات دين الله عزوجل أعز من ذلك وأحرز وأمنع، وقال المبيحون له: لما صح الاجماع على وجوب دخول الهر.
والكلب المباح اتخاذه في
__________
(1) هو في صحيح مسلم ج 1 ص 462 (2) في النسخة رقم 16 (وتدخل الدار بيع جملة) (3) في النسخة رقم 14 نا مغفل وهو تصحيف، وما هنا موافق لما في صحيح مسلم (4) في النسخة رقم 14 ولا يعرف له مخالف.
[ * ](9/13)
الميراث.
والوصية.
والملك جاز بيعهما * قال أبو محمد: وهذا مما جاهروا فيه بالباطل وبخلاف أصولهم أول ذلك انه دعوى بلا برهان ثم أنهم يجيزون دخول النحل.
ودود الحرير في الميراث.
والوصية وكذلك الكلب (1) عندهم ولا يجيزون (2) بيع شئ من ذلك ويجيزون الوصية بما لم يخلق بعد من ثمر النخل وغيرها ويدخلونه في الميراث ولا يجيزون بيع شئ من ذلك فظهر تخاذلهم وبالله تعالى التوفيق * 1515 مسألة ولا يحل (3) البيع على ان تربحنى للدينار درهما ولا على أنى اربح معك فيه كذا وكذا درهما فان وقع فهو مفسوخ أبدا فلو تعاقدا البيع دون هذا الشرط لكن أخبره البائع بانه اشترى السلعة بكذا وكذا وأنه لا يربح معه فيها الا كذا وكذا فقد وقع البيع صحيحا فان وجده قد كذب فيما قال لم يضر ذلك البيع شيئا ولا رجوع له بشئ أصلا الا من عيب فيه أو غبن ظاهر كسائر البيوع، والكاذب آثم في كذبه فقط * برهان ذلك أن البيع على أن تربحنى (4) كذا شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل والعقد به باطل، وأيضا فانه بيع بثمن مجهول لانهما انما تعاقدا البيع على أنه يربح معه للدينار درهما فان كان شراؤه دينارا غير ربع كان الشراء بذلك والربح درهما غير ربع درهم فهذا بيع الغرر الذى نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والبيع بثمن لا يدرى مقداره، فإذا سلم البيع
من هذا الشرط فقد وقع صحيحا كما أمر الله تعالى، وكذبة البائع معصية لله تعالى ليست معقودا عليها البيع لكن كزناه لو زنى أو شربه لو شرب الخمر ولا فرق * روينا من طريق وكيع نا سفيان الثوري عن عبد الاعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كره بيع ده دوازده معناه أربحك للعشرة اثني عشر وهو بيع المرابحة * وروينا عن ابن عباس أنه قال: هو ربا * ومن طريق وكيع.
وعبد الرزاق قالا جميعا: نا سفيان الثوري عن عمار الدهنى عن ابن أبى نعم عن ابن عمر أنه قال: بيع ده دوازده ربا، وقال عكرمة: هو حرام، وكرهه الحسن.
وكرهه مسروق وقال: بل اشتريه بكذا أو أبيعه بكذا * وروينا عن ابن مسعود أنه أجازه إذا لم يأخد للنفقة ربحا، وأجازه ابن المسيب.
وشريح، وقال ابن سيرين: لا بأس بده دوازده وتحسب النفقة على الثياب، ولمن أجازه تطويل كثير فيمن ابتاع نسيئة، وباع نقدا.
وفيمن اشترى في نفاق وباع في كساد وما يحسب (5) كراء الشد والطى.
والصباغ.
والقصارة.
وما أطعم الحرفا.
وأجرة السمسار.
وإذا ادعى غلطا، وإذا انكشف أنه كذب، وكله رأى فاسد لكن نقول: من امتحن بالتجارة في بلد لا ابتياع
__________
(1) في النسخة رقم 14 (وكذلك المكاتب) (2) في النسخة رقم 16 (ولا يبيحون) (3) في النسخة رقم 14 (ولا يجوز) (4) في النسخة رقم 16 (أن يربحه) وما هنا أنسب بما سبق (5) في النسخة رقم 14 وهل يحسب [ * ](9/14)
فيه الا هكذا فليقل قام: على بكذا ويجسب نفقته (1) عليه أو يقول: ابتعته بكذا ولا يحسب في ذلك نفقة ثم يقول: لكنى لا أبيعه على شرائي تريد أخذه منى بيعا بكذا وكذا والا فدع فهذا بيع صحيح لا داخلة فيه * وقد روينا من طريق ابن أبى شيبة نا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن أبى سنان عن عبد الله بن الحارث قال: (مر رجل بقوم فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثوب فقال له بعضهم: بكم ابتعته؟ فاجابه ثم قال: كذبت وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع فقال: يا رسول الله ابتعته بكذا وكذا بدون ما كان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدق بالفصل) وهم يقولون: المرسل كالمسند وهذا مرسل قد خالفوه لانه لم يرد بيعه
ولا حط عنه شيئا من الربح * 1516 مسألة ولا يجوز البيع على الرقم ولا ان يغر أحدا بما يرقم على سلعته لكن يسوم ويبين الزيادة التى يطلب على قيمة ما يبيع ويقول: ان طابت نفسك بهذا والا فدع * 1517 مسألة ولا يحل بيعتان في بيعة مثل أبيعك سلعتي بدينارين على أن تعطيني بالدينارين كذا وكذا درهما، أو كمن ابتاع سلعة بمائة درهم على أن يعطيه دنانير كل دينار بعدد من الدراهم، ومثل أبيعك سلعتي هذه بدينارين نقدا أو بثلاثة نسيئة، ومثل أبيعك سلعتي هذه بكذا وكذا على أن تبيعني سلعتك هذه بكذا وكذا فهذا كله حرام مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب * برهان ذلك ما روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير نا يحيى بن معين نا هشيم عن يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة) وروينا عن الشعبى.
ومحمد بن على أنهما كرها ذلك، وما نعلم للمالكيين حجة الا أنهم قالوا: البيعة الاولى لغو، فهذا الاحتجاج أفسد من القول الذى احتجوا له به وافقر إلى حجة لانه دعوى مجردة على أنهم أتوا بعظائم طردا منهم لهذا الاصل الفاسد فاجازوا بيع هذه السلعة بخنزير أو بقسط خمر على أن يأخذوا بالخنزير أو الخمر دينارين وهذه عظيمة تملا الفم، ويكفى ذكرها عن تكلف الرد عليها وما الديانة كلها الا بأسمائها وأعمالها لا بأحد الامرين دون الآخر، ونحن نجد المستقرض يقول: أقرضنى دينارين على أن ارد لك دينارين إلى شهر لكان قولا حسنا وعملا صحيحا فلو قال له (2): بعنى دينارين بدينارين إلى شهر لكان قولا خبيثا وعملا فاسدا حراما والعمل واحد والصفة واحدة وما فرق بينهما الا اللفظ، ولو قال امرؤ لآخر: أبحنى وطئ ابنتك بدينار ما شئت فقال له نعم: لكان قولا حراما وزنا مجردا فلو قال له: زوجنيها بدينار لكان قولا صحيحا وعملا صحيحا والصفة واحدة والعمل
__________
(1) في النسخة رقم 14 نفقاته (2) لفظ له زيادة من النسخة رقم 16 [ * ](9/15)
واحد وانما فرق بينهما الاسم، وقولهم هذا جمع وجوها من البلاء وانواعا من الحرام: منها تعدي حدود الله تعالى وشرط ليس في كتاب الله تعالى وبيعتين في بيعة، وبيع ما لا يحل وابتياعه معا.
وبيع غائب بناجز فيما يقع فيه الربا وبيع الغرر ونعود بالله من مثل هذا، فان قيل: تقولون فيما رويتم من طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا يحيى بن أبى زائدة عن محمد بن عمرو ابن علقمة عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من باع بيعتين في بيعة (1) فله أوكسهما أو الربا) وقد أخذ بهذا شريح كما حدثنا حمام نا عياش بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا عبد الاعلى نا حماد عن قتادة وأيوب السختيانى.
ويونس بن عبيد.
وهشام بن حسان كلهم عن محمد بن سيرين قال: شرطين في بيع ابيعك إلى شهر بعشرة فان حسبته شهرا فتأخذ عشرة قال شريح: أقل الثمنين وأبعد الاجلين أو الربا، قال عبد الله: فسألت أبى؟ فقال: هذا بيع فاسد * قال أبو محمد: يريد فان حبسته شهرا آخر فتأخذ عشرة أخرى قال * أبو محمد: فنقول: هذا خبر صحيح الا أنه موافق لمعهود الاصل وقد كان الربا وبيعتان في بيعة والشروط في البيع كل ذلك مطلقا غير حرام إلى أن حرم كل ذلك فإذ حرم كل ما ذكرنا فقد نسخت الاباحة بلا شك.
فهذا خبر منسوخ بلا شك بالنهي عن بيعتين في بيعة بلا شك فوجب ابطالهما معا لانهما عمل منهى عنه وبالله تعالى التوفيق * 1518 مسألة وكل صفقة جمعت حراما وحلالا فهى باطل كلها لا يصح منها شئ مثل أن يكون بعض المبيع مغصوبا أو لا يحل ملكه أو عقدا فاسدا، وسواء كان أقل الصفقة أو أكثرها أو أدناها أو أعلاها أو أوسطها، وقال مالك: ان كان ذلك وجه الصفقة بطلت كلها وان كان شيئا يسيرا بطل الحرام وصح الحلال * قال على: وهذا قول فاسد لا دليل على صحته لا من قرآن.
ولا من سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قول صاحب.
ولا قياس * ومن العجائب احتجاجهم لذلك بان قالوا: ان وجه الصفقة هو المراد والمقصود فقلنا لهم: فكان ماذا؟ ومن أين وجب بذلك
ما ذكرتم؟ وما هو الا قولكم احتججتم له بقولكم فسقط هذا القول، وقال آخرون: يصح الحلال قل أو كثر ويبطل الحرام قل أو كثر * قال أبو محمد: فوجدنا هذا القول يبطله قول الله عزوجل: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فهذان لم يتراضيا ببعض الصفقة دون بعض وانما تراضيا بجميعها فمن ألزمهما بعضها دون بعض فقد الزمهما
__________
(1) جملة (في بيعة) في النسخة رقم 16 فقط [ * ](9/16)
ما لم يتراضيا به حين العقد فخالف أمر الله تعالى وحكم بأكل المال بالباطل وهو حرام بالقرآن، فان تراضيا الآن بذلك لم نمنعهما ولكن بعقد مجرد برضاهما معا لان العقد الاول لم يقع هكذا، وأيضا فان الصحيح من تلك الصفقة لم يتعاقدا لصحته الا بصحة الباطل الذى لا صحة له وكل ما لا صحة له الا بصحة ما لا يصح أبد فلا صحة له أبدا، وهو (1) قول أصحابنا وبالله تعالى التوفيق * 1519 مسألة ولا يحل (2) بيع الحر * برهان ذلك ما روينا من طريق البخاري نا بشر بن مرحوم نا يحيى بن سليم عن اسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بى ثم غدر.
ورجل باع حرا فأكل ثمنه.
ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه اجره) * قال على: وفى هذا خلاف قديم وحديث نورد ان شاء الله تعالى منه ما يسر لايراده ليعلم مدعى الاجماع فيما هو أخفى من هذا أنه كاذب * روينا من طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن ابن مهدى.
ومعاذ بن هشام الدستوائى قال عبد الرحمن: نا همام بن يحيى وقال معاذ: نا أبى ثم اتفق هشام.
وهمام كلاهما عن قتادة عن عبد الله بن بريدة أن رجلا باع نفسه فقضى
عمر بن الخطاب بأنه عبد كما أقر على نفسه وجعل ثمنه في سبيل الله عزوجل، هذا لفظ همام وأما لفظ هشام قانه أقر لرجل حتى باعه واتفقا فيما عدا ذلك والمعنى واحد في كلا اللفظين ولا بد * ومن طريق بن ابى شيبة نا شريك عن جابر عن عامر الشعبى عن على بن أبى طالب قال: إذا أقر على نفسه بالعبودية فهو عبد * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي فيمن ساق إلى امرأته رجلا حرا فقال ابراهيم: هو رهن بما جعل فيه حتى يفتك نفسه * وعن زراره بن أوفى قاضى البصرة من التابعين انه باع حرا في دين، وقد روينا هذا القول عن الشافعي وهى قولة غريبة لا يعرفها من أصحابه (3) الا من تبحر في الحديث والآثار * قال على: هذا قضاء عمر.
وعلى بحضرة الصحابة رضى الله عنهم ولا يعترضهم في ذلك منهم معترض، فان شنعوا هذا قلنا: يا هؤلاء لا عليكم والله لقد قلتم بأشنع من هذا وأشد في هذه المسألة نفسها أليس الحنيفيون يقولون: أن ارتد الحسنى أو الحسينى.
أو العباسي.
أو المنافى.
أو القرشى فلحق بأرض الحرب فان ولد ولده يسترقون وان أسلموا كانوا عبيدا، وان القرشية ان ارتدت ولحقت بدار الحرب سبيت وأرقت فان أسلمت كانت مملوكة تباح
__________
(1) في النسخة رقم 16 وهذا (2) في النسخة رقم 14 ولا يصح (3) في النسخة رقم 14 من الصحابة [ * ](9/17)
ويستحل فرجها بملك اليمين وان لم تسلم تركت على كفرها وجاز أن يسترقها اليهودي.
والنصراني؟ أو ليس ابن القاسم صاحب مالك يقول.
ان تذمم أهل الحرب وفى أيديهم أسرى مسلمون.
ومسلمات أحرار.
وحرائر فانهم يقرون عبيدا لهم واما يتملكونهم ويتبايعونهم؟ فأف لهذين القولين وتف، فايهما أشنع مما لم يقلدوا فيه (1) عمر.
وعليا رضى الله عنهما؟ * قال أبو محمد: كل من صار حرا بعتق.
أو بأن كان ابن حر من أمة له.
أو بأن حملت به حرة.
أو بأن أعتقت أمة وهى حامل به ولم يستثنه المعتق فان الحرية قد حصلت له فلا
تبطل عليه ولا عمن تناسل منه من ذكر أو أنثى على هذه السبيل من الولادة التى ذكرنا أبدا لا بأن يرتد ولا بأن ترتد ولا بأن يسبى ولا بأن يرتد أبوه أو جده وان بعد أو جدته وان بعدت.
ولا بلحاق بأرض الحرب من أحد أجداده أو جداته أو منه أو منها ولا باقراره بالرق ولا بدين ولا ببيعه نفسه ولا بوجه من الوجوه أبدا (2) لانه لم يوجب ذلك قرآن.
ولا سنة.
وقد جاء أثر بأن الحر كان يباع في الدين في صدر الاسلام إلى أن أنزل الله تعالى (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى مسيرة) وبالله تعالى التوفيق * 1520 مسألة ولا يحل بيع أمة حملت من سيدها لما حدثنا يوسف بن عبد الله نا عبد الوارث بن سفيان نا قاسم بن أصبغ نا مصعب بن سعيد نا عبد الله بن عمرو الرقى عن عبد الكريم الجزرى عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما ولدت مارية ابراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعتقها ولدها، وهذا خبر صحيح السند والحجة به قائمة، فان قيل: الثابت عن ابن عباس القول بجواز بيع أمهات الاولاد وهذا الخبر من روايته فما كان ليترك ما روى الا لضعفه عنده ولما هو أقوى عنده قلنا: لسنا نعارض معشر الظاهريين بهذا الغثاء من القول ولا يعترض بهذا علينا الا ضعاف العقل لان الحجة عندنا في الرواية لا في الرأى انما يعارض بهذا من يتعلق به إذا عورض بالسنن الثابتة وهو مخالف لها من الحنيفيين والمالكيين الذين لا يبالون بالتناقض في ذلك مرة هكذا ومرة هكذا، والذين لا يبالون بأن يدعوا ههنا الاجماع ثم لا يبالون بأن يجعلوا ابن مسعود.
وزيد بن ثابت.
وعلى بن أبى طالب وابن عباس مخالفين للاجماع، فهذه صفة علمهم بالسنن وهذا مقدار علمهم بالاجماع وحسبنا الله ونعم الوكيل * قال أبو محمد: إذا وقع منى السيد في فرج أمته فأمرها مترقب فان بقى حتى يصير خلقا يتبين أنه ولد فهى حرام بيعها من حين سقوط المنى في فرجها (3) ويفسخ بيعها أن بيعت.
__________
(1) في النسخة رقم 14 فيها (2) في النسخة رقم 14 اصلا (3) في النسخة رقم 14 من حين يسقط المنى في رحمها [ * ](9/18)
وان خرج عنها قبل ان يصير خلقا يتبين انه ولد فلم يحرم بيعها قط * برهان صحة هذا القول انه لو لم يستحق المنع من البيع في الحال التى ذكرنا لكان بيعها حلالا ولو كان بيعها حلالا لحل فرجها لمشتريها قبل ان يصير المنى ولدا وهذا خلاف النص المذكور، وهكذا القول في الميت اثر (1) كون منيه في فرج امرأته انه مترقب أيضا فان ولد حيا علمنا انه قد وجب ميراثه بموت أبيه وان ولد ميتا علمنا أنه لم يجب له قط ميراث إذ لو كان غير هذا لما حدث له حق في ميراث قد استحقه غيره وبالله تعالى التوفيق * 1521 مسألة ولا يحل بيع الهواء أصلا كمن باع ما على سقفه وجدراته للبناء على ذلك فهذا باطل مردود أبدا لان الهواء لا يستقر فيضبط بملك أبدا انما هو متموج منتقل يمضى منه شئ ويأتى آخر ابدا فكان يكون بيعه أكل مال بالباطل لانه باع ما لا يملك ولا يقدر على امساكه فهو بيع غرر.
وبيع ما لا يملك.
وبيع مجهول، فانه قيل: انما بيع المكان (2) لا الهواء قلنا: ليس هنالك مكان أصلا غير الهواء فلو كان ما قلتم لكان لم يبع شيئا أصلا لانه عدم فهو أكل مال بالباطل حقا، فان قيل: انما باع (3) سطح سقفه وجدراته قلنا: هذا باطل هو ايضا شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل لانه شرط له ان لا يهدم شيئا من سقفه ولا من رءوس جدراته وهذا شرط لم يأت النص باباحته فهو باطل حرام مفسوخ أبدا، وقد روينا هذا القول عن الشافعي، وقد ذكرناه في كتاب القسمه وأنه لا يحل البتة أن يملك أحد شيئا (4) ويملك غيره العلو الذى عليه، ومن باع سقفه فقط فحلال ويؤحذ المشترى بازالة ما اشترى عن مكان ملكه لغيره وبالله تعالى التوفيق * 1522 مسألة ولا يجوز بيع من لا يعقل لسكر.
أو جنون ولا يلزمهما لقول الله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فشهد عزوجل بان السكران لا يدرى ما يقول والبيع قول أو ما يقوم مقام القول ممن لا يقدر على القول ممن به آفة من الخرس أو بفمه آفة فمن لا يدرى ما يقول فلم يبع شيئا ولا ابتاع شيئا وأجازه قوم ولا نعلم لهم حجة أصلا أكثر من أن قالوا: هو عصى الله تعالى عزوجل وأدخل
ذلك على نفسه فقلنا: نعم وحقه على ذلك الحد في الدنيا والنار في الآخرة الا أن يغقر الله تعالى له وليس ذلك بموجب الزامه حكما زائدا لم يلزمه الله تعالى إياه وهم لا يختلفون في سكران عربد فوقع فانكسرت ساقه فان به من الرخصة في الصلاة قاعدا كالذى لمن أصابه ذلك في سبيل الله تعالى ولا فرق، وكذلك في التيمم إذا جرح (5) جراحات
__________
(1) في النسخة رقم 16 وهكذا القول في المنى اثر (2) في النسخة رقم 14 (انما باع المكان) (3) في النسخة رقم 16 (ابتاع) (4) في النسخة رقم 14 (بيتا) (5) في النسخة رقم 14 (ان انجرح) [ * ](9/19)
يمنعه من الوضوء والغسل وهذا تناقض سمج وبالله تعالى التوفيق * ويقولون فيمن تناول البلاذر عمدا فذهب عقله: ان حكمه حكم المجنون الذى لم يدخل ذلك على نفسه في البيع والطلاق وغير ذلك فان فرق بين الامرين، وأما المجنون فلا يختلفون معنا في ذلك، فان قالوا: ومن يدرى أنه سكران؟ قلنا: ومن يدرى أنه مجنون؟ ولعله قد تحامق وانما القول (1) فيمن علم كلا الامرين منه بالمشاهدة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاث فذكر المبتلى حتى يفيق والصبى (2) حتى يبلغ) * 1523 مسألة ولا يحل بيع من لم يبلغ الا فيما لا بد له منه ضرورة كطعام لاكله وثوب يطرد به عن نفسه البرد والحر وما جرى هذا المجرى إذا أغفله أهل محلته وضيعوه * برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ذكرنا، فإذا ضيعه أهل محلته فاشترى ما ذكرنا بحقه فقد وافق الواجب وعلى اهل محتله امضاؤه فلا يحل لاحد رد الحق وتكون مبايعته حينئذ ان كان جائز الامر هو الذى عقد ذلك العقد عليه فهو عقد صحيح، فان كان أيضا غير جائز الامر فهو كما ذكرنا عمل وافق الحق الواجب فلا يجوز رده وبالله تعالى التوفيق * وأما بيع من لم يبلغ لغيره بامر ذلك الآخر وابتياعه له بامره فهو نافذ جائز لان يده وعقده انما هما يد الآمر وعقده فهو جائز وبالله تعالى التوفيق * 1524 مسألة ولا يجوز بيع نصف هذه الدار ولا هذا الثوب (3) أو هذه
الارض.
أو هذه الخشبة من هذه الجهة، وكذلك ثلثها أو ربعها أو نحو ذلك، فلو علم منتهى كل ذلك جاز لانه ما لم يعلم بيع مجهول وبيع المجهول لا يجوز لان التراضي لا يقع على مجهول، وبالله تعالى التوفيق * 1525 مسألة ولا يجوز بيع دار أو بيت أو أرض لا طريق إليها لانه اضاعة للمال ولا يجوز أن يلزم طريقا لم يبعه فلو كان كل ذلك متصلا بمال المشترى جاز ذلك البيع لانه يصل إلى ما اشترى فلا تضييع، فلو استحق مال المشترى بطل هذا الشراء لانه وقع فاسدا إذا كان لا طريق له إليه البتة * 1526 مسألة ولا يحل بيع جملة مجهولة القدر على أن كل صاع منها بدرهم أو كل رطل منها بدرهم أو كل ذراع منها بدرهم أو كل أصل منها أو كل واحد منها بكذا وكذا وهكذا في جميع المقادير والاعداد، فان علما جميعا مقدار ما فيها من العدد أو الكيل أو الوزن أو الزرع وعلما قدر الثمن الواجب في ذلك جاز ذلك، فان بيعت الجملة
__________
(1) في النسخة رقم 14 وانما نقول (2) في النسخة رقم 14 والصغير (3) في النسخة رقم 14 أو هذا الثوب [ * ](9/20)
كما هي ولا مزيد فهو جائز، وكذلك لو بيعت جملة على أن فيها كذا وكذا من الكيل أو من الوزن أو من الزرع أو من العدد فهو (1) جائز فان وجدت كذلك صح البيع والا فهو مردود * برهان ذلك ان بيعها على أن كل كيل مذكور منها بكذا أو كل وزن بكذا أو كل زرع بكذا أو كل واحد بكذا بيع بثمن مجهول لا يدرى البائع ما يجب له ولا المشترى ما يجب عليه حال العقد (2) وقد قال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) والتراضي لا يمكن الا في معلوم فهو أكل مال بالباطل وبيع غرر، وقد صح النهى عن بيع الغرر فإذا خرج كل ذلك إلى حد العلم منهما معا وكان ذلك بعد العقد فمن الباطل أن يبطل العقد حين عقده ويصح بعد ذلك حين لم يتعاقداه ولا التزماه فإذا علما جميعا قدر ذلك عند العقد فهو تراض صحيح لا غرر فيه، فان بيعت الجملة بثمن معلوم على أن فيها كذا وكذا فهذا
بيع بصفة هو صحيح ان وجد كما عقد عليه والا فانما وجد غير ما عقد عليه فلم يعقد قط على الذى وجد فهو أكل مال بالباطل * روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري قال: إذا فلت: أبتاع منك ما في هذا البيت ما بلغ كل جزء كذا بكذا فهو بيع (3) مكروه، وقال أبو حنيفة: إذ باع هذه الصبرة قفيزا بدرهم لم يلزمه منها الا قفيز واحد بدرهم فقط، وقال محمد بن الحسن: يلزمه كلها كل قفيز بدرهم، وهذان رأيان فاسدان لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * 1527 مسألة ولا يحل بيع الولاء ولا هبته لما روينا من طريق شعبة.
وعبيد الله بن عمر.
ومالك.
وسفيان بن عيينة كلهم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وهبته، وقد اختلفت الامة في هذا وسنذكره ان شاء الله تعالى في العتق من ديواننا هذا، ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم، ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم 1528 مسألة ولا يحل بيع من أكره على البيع وهو مردود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن الله عفى لامتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ولقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ألا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فصح أن كل بيع لم يكن عن تراض فهو باطل الا بيعا أوجبه النص كالبيع على من وجب عليه حق وهو عائب أو ممتنع من الانصاف لانه مأمور بانصاف ذى الحق قبله ونحن مأمورون بذلك وبمنعه من المطل الذى هو الظلم واذ لا سبيل إلى منعه من الظلم الا ببيع بعض ماله فنحن مأمورون
__________
(1) في النسخة رقم 14 فهذا (2) في النسخة رقم 14 في حين العقد (3) سقط لفظ (بيع) من النسخة رقم 14 [ * ](9/21)
بيعه، ولو ان القاضى قضى للغريم بما يمكن انتصاف ذى الحق منه من عين مال الممتنع أو الغائب ثم باعها المقضى له بامر الحاكم لتوصيله إلى مقدار حقه فان فضل فضل رد إلى المقضى عليه لكان أولى وأصح وأبعد من كل اعتراض، وقد وافقنا الحنيفيون.
والمالكيون.
والشافعيون.
على ابطال بيع المكره على البيع وبالله تعالى التوفيق * 1529 مسألة وأما المضطر إلى البيع كمن جاع وخشى الموت فباع فيما يحيى به نفسه وأهله وكمن لزمه فداء نفسه أو حميمه من دار الحرب أو كمن أكرهه ظالم على غرم ماله بالضغط ولم يكرهه على البيع لكن ألزمه المال فقط فباع في أداء ما اكره عليه بغير حق فقد اختلف الناس في هذا فروينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا صالح بن رستم نا شيخ من بنى تميم قال: خطبنا على أو قال: قال على: (سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤمر بذلك قال: (ولا تنسوا الفضل بينكم) وينهد (1) الاشرار ويستذل الاخيار ويبايع المضطرون وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر: وعن بيع الغرر.
وعن بيع الثمر قبل أن يطعم) وبه إلى هشيم عن كوثر بن حكيم عن مكحول قال: بلغني عن حذيفة انه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: ان بعد زمانكم هذا زمانا عضوضا يعض الموسر (1) على ما في يديه ولم يؤمر بذلك قال الله تعالى: (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) وينهد شرار خلق الله تعالى يبايعون كل مضطر ألا ان بيع المضطرين (2) حرام المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخونه وان كان عندك خير فعد به على أخيك ولا تزده هلاكا إلى هلاكه * قال أبو محمد: لو استند (3) هذان الخبران لقلنا بهما مسارعين لكنهما مرسلان ولا يجوز القول في الدين بالمرسل، ولقد كان يلزم من رد السنن الثابتة برواية شيخ من بنى كنانة ويقول: المرسل كالمسند من الحنيفيين، والمالكيين أن يقول: بهذين الخبرين شيخ من بنى تميم وشيخ من بنى كنانة، وهذه الرواية أمكن (4) وأوضح، ثم هي عن على.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عن حذيفة ولكنهم قوم مضطربون * قال أبو محمد: فإذ لم يصح هذان الخبران فلنطلب هذا الحكم من غيرهما فوجدنا كل من يبتاع قوت نفسه وأهله للاكل واللباس فانه مضطر إلى ابتياعه بلا شك فلو بطل ابتياع هذا المضطر لبطل بيع كل من لا يصيب القوت من ضيعته وهذا باطل بلا خلاف وبضرورة النقل من الكواف، وقد ابتاع النبي صلى الله عليه وسلم أصوعا من شعير لقوت أهله ومات عليه السلام
ودرعه مرهونة في ثمنها فصح أن بيع (5) المضطر إلى قوته وقوت أهله وبيعه ما يبتاع به القوت
__________
(1) أي ينهض (2) في النسخة رقم 16 المؤمن (3) في النسخة رقم 16 المضطر (4) في النسخة رقم 14 لو انسند (5) في النسخة رقم 14 ابين (6) في النسخة رقم 14 ابتياع [ * ](9/22)
بيع صحيح لازم فهو أيضا بيع تراض لم يجبره أحد عليه فهو صحيح بنص القرآن، ثم نظرنا فيمن باع في إنقاذ نفسه أو حميمه من يد كافر أو ظلم ظالم فوجدنا الكافر والظالم لم يكرها فادى الاسير ولا الاسير ولا المضغوط على بيع ما باعوا في استنقاذ أنفسهم أو من يسعون لاستنقاذه وانما أكرهوهم على اعطاء المال فقط ولو أنهما أتوهما بمال من قرض أو من غير البيع ما ألزموهما البيع، فصح أنه بيع تراض والواحب على من طلب بباطل ان يدفع عن نفسه وان يغير المنكر الذى نزل به لا ان يعطى ماله بالباطل فصح أن بيعه صحيح لازم له وان الذى أكره عليه من دفع المال في ذلك هو الباطل الذى لا يلزمه فهو باق في ملكه كما كان يقضى له به متى قدر على ذلك ويأخذه الظالم ومن الحربى الكافر متى أمكنه أو متى وجده في مغنم قبل القسمة وبعد القسمة من يد من وجده في يده من مسلم أو ذمى أو من يد ذلك الكافر لو تذمم أو أسلم أبدا هذا إذا وجد ذلك المال بعينه لانه ماله كما كان ولا يطلب الكافر بغيره بدلا منه لان الحربى إذا أسلم تذمم غير مؤاخذ بما سلف من ظلم أو قتل، وأما المسلم الظالم فيتبعه به أبدا أو بمثله أو قيمته سواء كان خارجيا أو محاربا أو باغيا أو سلطانا أو متغلبا لانه (1) أخذ منه بغير حق والله تعالى يقول: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * 1530 مسألة ولا يحل بيع الحيوان (2) الا لمنفعة اما لاكل واما لركوب واما لصيد.
واما لدواء، فان كان لا منفعة فيه لشئ من ذلك لم يحل بيعه ولا ملكه لانه اضاعة مال من المبتاع وأكل مال بالباطل من البائع فان كان فيه منفعة لشئ مما ذكرنا أو لغيره جاز بيعه لانه بيع عن تراض وأحل الله البيع، وليس اضاعة مال ولا أكل مال بالباطل
وبالله تعالى التوفيق * 1531 مسألة ولا يصح البيع (3) بغير ثمن مسمى كمن باع بما يبلغ في السوق أو بما اشترى فلان أو بالقيمة فهذا كله باطل لانه بيع غرر وأكل مال بالباطل لانه لم يصح فيه التراضي ولا يكون التراضي الا بمعلوم المقدار وقد يرضى لانه يظن انه يبلغ ثمنا ما فان بلغ أكثر لم يرض المشترى وان بلغ أقل لم يرض البائع * ومن عجائب الدنيا قول أبى حنيفة: من باع بالريح أو بالكعبة أو بلا ثمن فانه لا يمكله بالقبض فان باع بالميتة أو بالدم فكذلك أيضا ولا يجوز عتقه له وان قبضه باذن بائعه فان باعه بثمن لم يسمياه أو باعه بخمر أو خنزير فقبضه باذن بائعه فاعتقه جاز عتقه له * قال على: ما في الجنون أكثر من هذا الكلام ونعوذ بالله من الضلال، فان قال: ان
__________
(1) في النسخة رقم 16 فانه (2) في النسخة رقم 16 حيوان (3) في النسخة رقم 14 ولا يحل البيع [ * ](9/23)
في الناس من يتملك الخمر.
والخنزير - وهم الكفار من النصارى - فلنا: انهم يتملكون أيضا الميتة والدم كذلك والمجوس أيضا كذلك ولا فرق وبالله تعالى التوفيق * 1532 مسألة ولا يحل بيع النرد لما روينا من طريق مالك عن موسى بن ميسرة عن سعيد بن أبى هند عن أبى موسى الاشعري: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله) فهى محرمة فملكها حرام وبيعها حرام، وقد روينا عن مالك عن نافع عن ابن عمر انه كان إذا أخذ أحدا من أهله يلعب بالنرد ضربه وكسرها * ومن طريق مالك عن علقمة عن أمه عن عائشة أم المؤمنين أنها بلغها أن أهل بيت في دارها كانوا سكانا فيها ان عندهم نردا فأرسلت إليهم لئن لم تخرجوها لاخرجنكم من دارى وأنكرت عليهم * 1533 مسألة ولا يحل أن يبيع اثنان سلعتين متميزتين لهما ليسا فيهما شريكين من انسان واحد بثمن واحد لان هذا بيع بالقيمة ولا يدرى كل واحد منهما ما يقع لسلعته
حين العقد فهو بيع غرر وأكل مال بالباطل، وأما بيع الشريكين أو الشركاء من واحد أو من أكثر أو ابتياع اثنين فصاعدا من واحد أو من شريكين فحلال لان حصة كل واحد منهما معلومة الثمن محدودته وبالله تعالى التوفيق * 1534 مسألة ومن كان في بلد تجرى فيه سكك كثيرة شتى فلا يحل البيع الا ببيان من أي سكة يكون الثمن وان لم يبينا ذلك فهو بيع مفسوخ مردود لانه وقع عن غير تراض بالثمن وهو أيضا بيع غرر وبالله تعالى التوفيق * 1535 مسألة ولا يحل بيع كتابة المكاتب ولا بيع خدمة المدبر وهو قول الشافعي.
وابى سليمان.
وابى حنيفة، وأجاز مالك كلا الامرين أما المدبر فمن نفسه فقط وأما المكاتب فمن نفسه ومن غيره، واجاز بيعهما جملة الزهري.
وابن المسيب، وروينا مثل قول مالك عن عطاء.
وابن سيرين لان كتابة المكاتب انما تجب بالنجوم ولا تجب قبل ذلك فمن باعها فقد باع ما لا يملك بعد ولا يدرى أيجب له أم لا؟ وأيضا فليست عينا معينة فلا يدرى البائع أي شئ باع من نوع ما باع ولا يدرى المشترى ما اشترى فهو بيع غرر ومجهول العين.
وأكل مال بالباطل، فان قيل: فقد روى عن جابر أنه أجاز بيعها قلنا: وكم قصة رويت عن جابر خالفتموها، ومنها قوله الذى قد أوردنا أن لا يباع شئ اشترى كائنا ما كان الا حتى يقبض وقوله: العمرة فريضة، وقوله: لا يحرم أحد قبل أشهر الحج بالحج، وقوله: لا يجوز ثمن الهر وغير ذلك كثير مما لا يعرف له مخالف من الصحابة رضى الله عنهم في ذلك فالآن صار حجة وهنالك لا؟ ان هذا لعجب! ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقولنا هو قول الشافعي(9/24)
وأما خدمة المدبر فبيعها ظاهر الفساد والبطلان لانها لا يدرى كم يخدم ولعله سيخدم خمسين سنة أو لعله يموت غدا أو بعد ساعة أو يخرج حرا كذلك فهذا هو الحرام البحت وأكل المال بالباطل.
وبيع الغرر وبيع ما ليس عينا وبيع ما لم يخلق بعد فقد جمع كل بلاء، فان قيل: فقد رويتم من طريق محمد بن على بن الحسين (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم باع خدمة المدبر) روينا ذلك
من طريق شعبة عن الحكم عن ابى جعفر محمد بن على بن الحسين قلنا: هذا مرسل والمرسل لا تقوم به حجة، وكذلك لا يجوز بيع خدمة المخدم أصلا لما ذكرنا في خدمة المدبر ولا فرق وبالله تعالى التوفيق * 1536 مسألة ولا يجوز بيع السمن المائع يقع فيه الفأر حيا أو ميتا لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهرقه وقد ذكرناه في كتاب الطهارة من ديواننا هذا.
وفى كتاب ما يحل أكله وما يحرم فأغنى عن إعادته، فان كان جامدا أو وقع فيه ميتة غير الفأر أو نجاسة فلم تغير لونه ولا طعمه ولا ريحه أو وقع الفأر الميت أو الحى أو أي نجاسة أو أي ميتة كانت في مائع غير السمن فلم تغير طعما ولا لونا ولا ريحا فبيعه حلال واكله حلال لانه لم يمنع من ذلك نص وقد قال الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) وقال تعالى: (وما كان ربك نسيا) وهذا قول اصحابنا وقد ذكرناه عن بعض السلف في الكتب المذكورة فان تغير طعمه أو لونه أو ريحه جاز بيعه أيضا كما يباع الثوب النجس وقد قلنا: ان الطاهر لا ينجس بملاقاته النجس (1) ولو امكننا ان نفصله من الحرام لحل اكله ولم يمنع من الانتفاع به في غير الاكل نص فهو مباح وبالله تعالى التوفيق * وهذا قول ابى حنيفة يعنى بيع ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه من المائعات التى حلتها النجاسات لانه انما يباع الشئ الذى حلته النجاسة لا النجاسة (2) وبالله تعالى التوفيق * 1537 مسألة ولا يحل بيع الصور الا للعب الصبايا فقط فان اتخاذها لهن حلال حسن وما جاز ملكه جاز بيعه الا ان يخص شيئا من ذلك نص فيوقف عنده قال الله تعالى: (وأحل الله البيع) وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) وكذلك لا يحل اتخاذ الصور الا ما كان في ثوب لما روينا من طريق مسلم نا اسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن أبى طلحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة) ومن طريق مالك عن أبى النضر عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة أنه دخل على أبى طلحة يعوده قال: فوجد (3) عنده
سهل بن حنيف فأمر أبو طلحة ينزع نمط كان تحته فقال له سهل: لم نزعته؟ قال: لان فيه
__________
(1) في النسخة رقم 14 (بملاقاة النجس) (2) في النسخة رقم 14 لا النجس (3) في النسخة رقم 14 فوجدنا [ * ](9/25)
تصاوير وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قد علمت قال سهل: ألم يقل الا ما كان رقما؟ قال: بلى ولكنه أطيب لنفسي * قال أبو محمد: حرام علينا تنفير الملائكة عن بيوتنا وهم رسل الله عزوجل والمتقرب إليه عزوجل بقربهم * ومن طريق مسلم نا يحيى بن يحيى قال: انا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: (كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يأتيني صواحبي فكن يتقمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسر بهن إلى) فوجب استثناء البنات للصبايا من جملة ما نهى عنه من الصور (1) وأما الصلب فبخلاف ذلك ولا يحل تركها في ثوب ولا في غيره لما روينا من طريق قاسم بن اصبغ نا بكر بن حماد نا مسدد نا يحيى هو ابن سعيد القطان عن هشام الدستوائى عن يحيى ابن أبى كثير عن عمران بن حطان عن عائشة أم المؤمنين (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع في بيته ثوبا فيه تصليب الا نقضه) وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) انه كره الستر المعلق فيه التصاوير فجعلت له منه وسادة فلم ينكرها فصح ان الصور في الستور مكروهة غير محرمة، وفى الوسائد وغير الستور ليست مكروهة الاستخدام بها * 1538 مسألة ولا يحل البيع مذ تزول الشمس من يوم الجمعة إلى مقدار تمام الخطبتين والصلاة لا لمؤمن ولا لكافر.
ولا لامرأة.
ولا لمريض، وأما من شهد الجمعة فالى ان تتم صلاتهم للجمعة وكل بيع وقع في الوقت المذكور فهو مفسوخ وهذا (3) قول مالك، وأجاز البيع في الوفت المذكور الشافعي، وابو حنيفة، وأما النكاح، والسلم والاجارة.
وسائر العقود فجائزة كلها في ذلك الوقت لكل واحد وهو قول الشافعي.
وابى حنيفة ولم يجزها مالك *
برهان صحة قولنا قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله) فهما أمران مفترضان.
السعي إلى ذكر الله تعالى.
وترك البيع فإذا سقط أحدهما بنص ورد فيه كالمريض.
والخائف.
والمرأة.
والمعذور لم يسقط الآخر إذا لم يوجب سقوطه قرآن ولا سنة ووجب الزام الكفار كذلك لقول الله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) ولقوله تعالى: (قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) وأما ادخال مالك النكاح.
والاجارة في ذلك فخطأ ظاهر لان الله تعالى انما نهى عن البيع ولو أراد النهى عن النكاح والاجارة لما عجز عن ذلك ولا كتمنا
__________
(1) قال مصحح النسخة رقم 14 فيه نظر لاحتمال ان يكون كان هذا على معهود الاصل ثم نسخ بالنهي عن الصورة والله اعلم (2) في النسخة رقم 14 وقد صح عنه (3) في النسخة رقم 14 وهو [ * ](9/26)
ما ألزمنا وما كان ربك نسيا.
وتعدى حدود الله تعالى لا يحل، ولو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا لان القياس عند القائلين به انما هو ان يقاس الشئ على نظيره وليس البيع نظير النكاح لانه يجوز بلا ذكر مهر ولا يجوز البيع بغير ذكر ثمن والمتناكحان لا يملك أحدهما الآخر ولا في النكاح نقل ملك والبيع نقل ملك، وأما الاجارة فانما هي معاوضة في منافع لم يخلقها الله تعالى بعد ولا يجوز بيع ما لم يخلق بعد ويجوز أن يؤاجر الحر نفسه ولا يحل له أن يبيع نفسه فلا شبه (1) بين الاجارة والنكاح وبين البيع فان علل النهى عن البيع بما يشاغل (2) عن السعي صار إلى قول أبى حنيفة.
والشافعي ولزمه أن يجيز من البيع ما لا تشاغل منه عن السعي، ولا قياس عند القائلين به الا على علة فان لم يعلل بطل القياس، وما نعلم له سلفا في هذا القول، وأما اجازه أبى حنيفة.
والشافعي البيع في الوقت المذكور فخلاف لامر الله تعالى، ولا نعلم (3) لهم حجة أصلا أكثر من أن قالوا: انما نهى عن التشاغل عن السعي إلى الصلاة فقط ولو أن امرءا
باع في الصلاة لصح البيع قال أبو محمد: وهذان فاسدان من القول جدا أما قولهم: انما أراد الله بذلك التشاغل عن السعي فقط فعظيم من القول جدا ليت شعرى من أخبرهم بذلك وهم يسمعون الله تعالى يقول: (وان تقولوا على الله ما لا تعلمون) ولو أن الله تعالى أراد ما قالوا لما نهانا عن البيع مطلقا ولا عجز عن بيان مراده من ذلك وما ههنا ضرورة توجب فهم هذا ولا نص فهو باطل محض ودعوى كاذبة بلا برهان: وأما قولهم: لو باع في الصلاة لجاز البيع فتمويه بارد لان المصلى بأول أخذه في الكلام في المساومة بطلت صلاته فصار غير مصل فظهر فساد احتجاجهم جملة، فان قالوا: هذا ندب قلنا: ما دليلكم على ذلك وكيف يقول الله تعالى: افعل فيقولون: معناه لا تفعل ان شئت؟ أم كيف يقول الله تعالى: لا تفعل فيقولون: معناه افعل ان شئت؟ وهذا ابطال الحقائق ونفس المعصية وتحريف للكلم (4) عن مواضعه، فان قالوا: قد وجدنا أوامر ونواهي معناها الندب قلنا: نعم بنص آخر بين ذلك (5)، وكذلك وجدنا آيات منسوخات بنص آخر ولم يجب بذلك حمل كل آية على أنها منسوخة ولا على أنها ندب ومن فعل ذلك فقد أبطل ما شاء بلا دليل * روينا من طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا محمد بن أبى بكر هو المقدمى نا سليمان بن داود نا سليمان بن معاذ نا سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادى للصلاة فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع (6) ولا نعلم له مخالفا من الصحابة * وعن
__________
(1) في النسخة رقم 16 (فلا نسبة) (2) في النسخة رقم 14 (بالتشاغل) (3) في النسخة رقم 14 وما نعلم (4) في النسخة رقم 14 وتحريف الكلم (5) في النسخة رقم 16 يبين ذلك (6) في النسخة رقم 16 فانتشروا [ * ](9/27)
حماد بن زيد عن الوليد بن أبى هشام عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه انه فسخ بيعا وقع بين نساء وبين عطار بعد النداء للجمعة * 1539 مسألة ومن لم يبق عليه من وقت الصلاة الا مقدار الدخول في الصلاة
بالتكبير وهو لم يصل بعد وهو ذاكر للصلاة.
وعارف بما بقى عليه من الوقت فكل شئ فعله حينئذ من بيع أو غيره باطل مفسوخ أبدا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وهو في ذلك الوقت محرم عليه البيع وغيره مأمور بالدخول في الصلاة فلو لم يكن عارفا بذلك جاز كل ما عمل فيه لان وقت الصلاة للناسي ممتد أبدا وأما من سها فسلم قبل تمام صلاته فما أنفذ من بيع أو غيره فمردود كله لانه قد عرف النهى عن ذلك ما دام في صلاة وهو في صلاة لكن عفى له عن النسيان فهو انما ظن انه باع ولم يبع لانه غير البيع الذى أحله الله تعالى له فإذا هو غيره فهو جائز، وبالله تعالى التوفيق * 1540 مسألة ولا يحل أن يجبر أحد على أن يبيع مع شريكه لا ما ينقسم ولا ما لا ينقسم ولا على أن يقاومه فيبيع أحدهما من الآخر لكن من شاء الشريكين أو الشركاء أن يبيع حصته فله ذلك ومن أبى لم يجير فان أجبره على ذلك حاكم أو غيره فسخ حكمه أبدا وحكم فيه بحكم الغصب * برهان ذلك قول الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) ومن أجبر على بيع حقه فلم يرض فلا يجوز عليه لانه خلاف أمر الله تعالى فهو أكل مال بالباطل إلا حيث أمر الله تعالى بالبيع وان لم يرض كالشفعة وعلى الغائب: وعلى الصغير.
وعلى الظالم، واحتج القائلون باجبار الشريك على البيع مع شريكه بخبر روى فيه (لا ضرر ولا ضرار) وهذا خبر لم يصح قط انما جاء مرسلا.
أو من طريق فيها اسحق بن يحيى وهو مجهول، ثم لو صح لكان حجة عليهم لان أعظم الضرار والضرر هو الذى فعلوه من اجبارهم انسانا على بيع ماله بغير رضاه وبغير أن يوجب الله تعالى عليه ذلك، وما أباح الله تعالى قط أن يراعى رضا أحد الشريكين باسخاط شريكه في ماله نفسه وهذا هو (1) الجور والظلم الصراح، ولا فرق بين أن يجاب أحد الشريكين إلى قوله لا بد أن يبيع شريكي معى لاستجزل الثمن في حصتي وبين عن يجاب الآخر إلى قوله لابد أن يمنع شريكي من بيع حصته لان في ذلك ضررا على في حصتي
وكلا الامرين عدوان وظلم لكن الحق أن كليهما ممكن من حصته من شاء باع حصته ومن شاء أمسك حصته، وقد موهوا في ذلك بما روينا من طريق وكيع نا أبو بشر عن ابن
__________
(1) في النسخة رقم 14 (هذا هو) [ * ](9/28)
أبى نجيح عن مجاهد أن نخلة كانت لانسان في حائط آخر فسأله أن يشتريها منه فابى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر في الاسلام) وهذا مرسل ثم لو صح لكان حجة عليهم لاننا نقول لهم: نعم هذا منع من أن يجبر الآخر على الشراء من شريكه وهو لا يريد ذلك.
أو على البيع منه أو من غيره وهو لا يريد ذلك، فهذان ضرر ظاهر * وذكروا أيضا ما رويناه من طريق أبى داود نا سليمان بن داود العتكى نا حماد نا واصل مولى أبى عيينة قال: سمعت محمد ابن على يحدث عن سمرة بن جندب (أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الانصار قال: ومع الرجل أهله فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به فطلب إليه أن يبيعه أو يناقله فأبى فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه فأبى فطلب إليه أن يناقله فأبى قال: فهبه له ولك كذا وكذا أمرا رغبة فيه فأبى فقال: أنت مضار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للانصاري: اذهب فاقلع نخله) * قال أبو محمد: هذا منقطع لان محمد بن على لا سماع له من سمرة ثم لو صح لكانوا مخالفين له في موضعين، أحدهما أنهم لا يجبرون غير الشريك على البيع من جاره ولا على البيع معه، وفى هذا الحديث خلاف ذلك، والثانى قلع نخله وهم لا يقولون بهذا وبالله تعالى التوفيق * 1541 مسألة ولا يجوز بيع ما غنمه المسلمون من دار الحرب لاهل الذمه (1) لا من رقيق ولا من غيره وهو قول عمر بن الخطاب على ما ذكرنا في كتاب الجهاد * ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير عن المغيرة بن مقسم عن أم موسى قالت: أتى على بن أبى طالب بآنية مخوصة بالذهب من آنية العجم فاراد (2) أن يكسرها ويقسمها بين المسلمين
فقال ناس من الدهاقين: ان كسرت هذه كسرت ثمنها ونحن نغلي لك بها فقال على: لم أكن لارد لكم ملكا نزعه الله منكم فكسرها وقسمها بين الناس * قال أبو محمد: هذا من الصغار وكل صغار فواجب حمله عليهم، وأما الرقيق ففيه وجه آخر وهو أن الدعاء إلى الاسلام واجب بكل حال، ومن الاسباب المعينة على الاسلام كون الكافر.
والكافرة في ملك المسلم، ومن الاسباب المبعدة عن الاسلام كونهما عند كافر يقوى بصائرهما في الكفر وبالله تعالى التوفيق * 1542 مسألة ولا يحل بيع شئ ممن يوقن أنه يعصى الله به أو فيه وهو مفسوخ أبدا كبيع كل شئ ينبذ أو يعصر ممن يوقن أنه يعمله خمرا، وكبيع الدراهم الرديئة ممن يوقن أنه يدلس بها.
وكبيع الغلمان ممن يوقن أنه يفسق بهم أو يخصيهم.
وكبيع المملوك
__________
(1) في النسخة رقم 14 من أهل الذمة (2) في النسخة رقم 14 واراد [ * ](9/29)
ممن يوقن انه يسئ ملكته.
أو كبيع السلاح أو الخيل ممن يوقن أنه يعدو بها (1) على المسلمين أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه وهكذا في كل شئ لقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) والبيوع التى ذكرنا تعاون ظاهر على الاثم والعدوان بلا تطويل وفسخها تعاون على البر والتقوى.
فان لم يوقن بشئ من ذلك فالبيع صحيح لانه لم يعن على إثم فان عصى المشترى الله تعالى بعد ذلك فعليه * روينا من طريق وكيع نا سفيان الثوري عن ابن جرير عن عطاء قال: لا تبعه ممن يجعله خمرا * 1543 مسألة ومن باع شيئا جزافا يعلم كيله أو وزنه أو زرعه أو عدده ولم يعرف المشترى بذلك فهو جائز لا كراهية فيه لانه لم يأت عن هذا البيع نهى في نص اصلا ولا فيه غش ولا خديعة، ومنع منه طاوس.
ومالك واجازه أبو حنيفة.
والشافعي.
وابو سليمان * قال على: ولا فرق بين أن يعلم كيله.
أو وزنه.
أو زرعه.
أو عدده ولا يعلمه المشترى وبين أن يعلم من نسج الثوب ولمن كان ومتى نسج وأين أصيب هذا البر وهذا التمر ولا يعلم
المشترى شيئا (2) من ذلك والمفرق بينهما مخطئ وقائل بلا دليل واحتجوا في ذلك بما رويناه من طريق عبد الرزاق قال قال: ابن المبارك عن الاوزاعي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لرجل ان يبيع طعاما جزافا قد علم كيله حتى يعلم صاحبه وهذا منقطع فاحش الانقطاع ثم لو صح لكان حجة على المالكيين لانهم لا يخصون بهذا الحكم الطعام دون غيره وليس في هذا المرسل إلا الطعام فقط، فان قالوا: قسنا على الطعام غير الطعام قلنا: فهلا قستم على الطعام غير الطعام في المنع من بيعه حتى يقبض؟ فان قالوا: لم يأت النص إلا في الطعام قلنا: وليس في هذا الخبر الا الطعام فاما اتبعوا النصين معا دون القياس وإما قيسوا عليهما جميعا وما عدا هذا فباطل متيقن فكيف والنص فد جاء بالنهي عن البيع في كل ما ابتيع قبل أن يقبض فخالفوه وبالله تعالى التوفيق * 1544 مسألة وبيع الحيتان الكبار أو الصغار أو الاترج الكبار أو الصغار أو الدلاع أو الثياب أو الخشب أو الحيوان أو غير ذلك جذافا حلال لا كراهية فيه ومنع مالك من ذلك في الكبار من الحيتان والخشب، وأجازه في الصغار وهذا باطل لوجوه، أولها انه خلاف (3) القرآن في قول الله تعالى: (وأحل الله البيع) وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فهذا بيع حلال (4) ولم يأت تفصيل بتحريمه، والثانى انه فاسد إذ لم يحد الكبير (5) الذى منع به من بيع الجذاف من الصغير الذى أباحه به وهذا ردئ جدا لانه حرم وحلل ثم لم يبين ما الحرام فيجتنبه من يبيعه وما الحلال فيأتيه، والثالث انه
__________
(1) في النسخة رقم 14 بهما (2) في النسخة رقم 14 بشئ (3) في النسخة رقم 14 انه خالف (4) في النسخة رقم 14 فهذا بيع فهو حلال (5) في النسخة رقم 14 الكبر [ * ](9/30)
لا كبير الا باضافته إلى ما هو أصغر منه ولا صغير الا باضافته إلى ما هو أكبر منه فالشابل صغير جدا بالاضافة إلى الشولى وكبير جدا بالاضاقة إلى السرذين، والمداري كبار جدا بالاضافة إلى السهام وصغار جدا بالاضافة إلى الصوارى وهكدا في كل شئ والرابع انه لم
يزل عمل المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده في شرق الارض وغربها بيع الضياع وفيها النخل الكثير والشجر وغير ذلك بغير عدد لكن جذافا وهو أحد من يجيز ذلك هنالك ويمنعه ههنا وما نعلم له متعلقا أصلا ولا أحدا قاله قبله * 1545 مسألة وبيع ألبان النساء جائز.
وكذلك الشعور، وبيع العذرة والزبل للتزبيل.
وبيع البول للصباغ جائز، وقد منع قوم من بيع كل هذا * قال أبو محمد: لا خلاف في أن للمرأة أن تحلب لبنها في اناء وتعطيه لمن يسقيه صبيا وهذا تمليك منها له، وكل ما صح ملكه وانتقال الاملاك فيه حل بيعه لقول الله تعالى: (وأحل الله البيع) الا ما جاء فيه نص بخلاف هذا، وأما الشعور.
والعذرة.
والبول فكل ذلك يطرح ولا يمنع منه أحد هذا عمل جميع أهل الارض، فإذا تملك لاحد (1) جاز بيعه كما ذكرنا * روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك العرزمى عن عطاء بن أبى رباح لا بأس بأن يستمتع بشعور الناس كان الناس يفعلونه * 1546 مسألة وبيع النحل.
ودود الحرير.
والضب.
والضبع جائز حسن أما الضب.
والضبع فحلال أكلهما كما ذكرنا قبل وصيد من الصيود، وما جاز تملكه جاز بيعه كما قدمنا، وأما النحل.
ودود الحرير فلهما منفعة ظاهرة وهما مملوكان فبيعهما جائز، ومنع أبو حنيفة من كل ذلك وما نعلم له حجة أصلا ولا أحد سبقه إلى المنع من بيع النحل.
ودود القز، وأما ما عسلت النحل في غير خلايا مالكها فهو لمن سبق إليه لانه ليس بعضها ولا متولدا منها كالبيض.
والولد.
واللبن.
والصوف لكنه كسب لها كصيد الجارح وهما غير النحل والجارح فهو لمن سبق إليه، وأما ما وضعت في خلايا صاحبها فله لانه لذلك وضع الخلايا فما صار فيها فهو له (2) وكذلك من وضع حبالة للصيد أو قلة للماء أو حظيرا للسمك فكل ما وقع في ذلك فهو له لانه قد تملكه بوضع ما ذكرنا له وبالله تعالى التوفيق * 1547 مسألة وابتياع الحرير جائز وقال بالمنع منه بعض السلف كما روينا من طريق محمد بن المثنى نا حفص بن غياث عن ليث عن طاوس انه كره التجارة في
الشابرى الرقيق.
والحرير ولبسه، وجاء في ذلك ما روينا من طريق ابن وهب نا معاوية ابن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة: (أن
__________
(1) في النسخة رقم 14 فإذا تملك بالاخذ (2) في النسخة رقم 16 فله [ * ](9/31)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان الله تبارك وتعالى حرم الخمر وثمنها وحرم الميتة وثمنها وحرم الحرير وثمنه) وهذا فيه معاوية بن صالح (1) وهو ضعيف ولو صح لقلنا به، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال في حلة الحرير التى كساها عمر: (لم أكسكها لتلبسها لكن لتبيعها) أو كلاما هذا معناه * 1548 مسألة وابتياع ولد الزنا.
والزانية حلال * روينا من طريق محمد ابن المثنى نا معتمر بن سليمان عن ليث عن مجاهد قال: ولد الزنا لا تبعه (2) ولا تشتره ولا تأكل ثمنه * قال على: لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحل الله البيع، وقد أمر عليه الصلاة والسلام ببيع الامة المحدودة في الزنا ثلاث مرات إذا زنت الرابعة * 1549 مسألة وبيع جلود الميتات كلها حلال إذا دبغت، وكذلك جلد الخنزير وأما شعره وعظمه فلا، ومع مالك من بيع جلودها وان دبغت وأباحه الشافعي.
وأبو حنيفة، وأباح مالك بيع صوف الميتة ومنع منه الشافعي برهان صحة قولنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به قالوا: يا رسول الله انها ميتة قال: انما حرم أكلها) وقد ذكرناه باسناده في كتاب الطهارة من ديواننا هذا فأغنى عن اعادته فأمر عليه السلام بان ينتفع بجلود الميتة بعد الدباغ وأخبر ان أكلها حرام والبيع منفعة بلا شك فهو داخل في التحليل وخارج عن التحريم إذ لم يفصل تحريمه قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) وأما الخنزير فحرام كله حاشا طهاره جلده بالدباغ فقط * ومن عجائب احتجاج المالكيين ههنا قولهم: ان الجلد يموت
وكذلك الريش تسقيه الميتة وأما الصوف والشعر فلا يموت فلو عكس قولهم فقيل لهم: بل الجلود لا تموت وكذلك الريش وأما الصوف والشعر فتسقيه الميتة بأى شئ كانوا ينفصلون، وهل هي الا دعوى كدعوى؟ * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن حماد بن أبى سليمان لا بأس بريش الميتة وأباح الانتفاع بعظم الفيل وبيعه طاوس.
وابن سيرين.
وعروة بن الزبير ومنع منه الشافعي وغيره وبالله تعالى التوفيق * 1550 - مسألة وبيع المكاتب قبل أن يؤدى شيئا من كتابته جائز وتبطل الكتابة بذلك فان أدى منها شيئا حرم بيع ما قابل منه ما أدى وجاز بيع ما قابل منه ما لم يؤد وبطلت الكتابة فيما بيع منه وبقى ما قابل منه ما أدى حرا مثل أن يكون أدى عشر كتابته فان عشره حر ويجوز بيع تسعة أعشاره، وهكذا في كل جزء كثر أو قل، وهذا مكان اختلف
__________
(1) قال الحافظ الذهبي في ميزانه، وثقه أحمد وأبو زرعة وغيرهما، وكان يحيى القطان يتعنت ولا يرضاه وقال أبو حاتم، لا يحتج به وكذا لم يخرج له البخاري ولينه ابن معين اه (2) في النسخة رقم 16 لا تلتعه [ * ](9/32)
الناس فيه فقالت طائفة: المكاتب عبد ما بقى عليه ولو درهم من كتابته أو أقل وبيعه جائز ما دام عبدا وتنتقض الكتابة بذلك، والمكاتب عندهم معتق بصفة، وهذا قول (1) أبى سليمان وأصحابنا، وقالت طائفة: المكاتب عبد ما بقى عليه من كتابته درهم أو أقل الا أنه لا يحل بيعه الا أن يعجز وهو قال أبى حنيفة.
ومالك.
والشافعي، وهذا قول ظاهر التناقض لانه ان كان عبدا فبيعه جائز ما لم يأت نص بالمنع من بيعه ولا نص في ذلك، وذهب قوم إلى انه ان أدى ربع كتابته فهو حر وهو غريم يتبع بما (2) بقى عليه منها * روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا المغيرة قال: سمعت ابراهيم.
والشعبى يقولان: كان ابن مسعود يقول في المكاتب إذا أدى ربع قيمته (3) فهو غريم لا يسترق وكان زيد بن ثابت يقول: هو عبد ما بقى عليه درهم، وقال على بن أبى طالب: المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ويرق منه بقدر ما بقى ويرث بقدر ذلك، ويحجب بقدر ذلك *
ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن عمه القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن جابر بن سمرة قال: قال عمر بن الخطاب: تكاتبون مكاتبين فأيهم ما أدى الشطر فلا رق عليه، وروى عن ابن مسعود أيضا إذا أدى الثلث فهو غريم * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن منصور ابن المعتمر عن ابراهيم كان يقال: إذا أدى المكاتب الربع فهو غريم * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء إذا بقى على المكاتب ربع كتابته وأدى سائرها فهو غريم ولا يعود عبدا * ومن طريق عبد الرزاق عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبى كثير قال: قال ابن عباس: إذا بقى على المكاتب خمس أواق: أو خمس زود.
أو خمسة أوسق فهو غريم، وروى عنه أيضا إذا أخذ الصك فهو غريم وبكل هذه الاقوال قالت من العلماء * قال على: الحجة عند التنازع هو ما أمر الله تعالى بالرجوع إليه ان كنا مؤمنين من كتابه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم * روينا من طريق البخاري نا قتيبة نا الليث هو ابن سعد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين (أخبرته أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت منها شيئا فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك فان أحبوا أن أقضى عنك كتابتك ويكون ولاؤك لى فعلت فذكرت ذلك بريرة لاهلها فابوا وقالوا: أن شاءت ان تحتسب عليك فلتفعل ويكون لنا ولاؤك فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابتاعى واعتقى فانما الولاء لمن أعتق) (4) * ومن طريق البخاري
__________
(1) في النسخة رقم 14 وهو قول (2) في النسخة رقم 16 وهو غريم لم يبع بما (3) في النسخة رقم 14 إذا أدى قيمته (4) الحديث في صحيح البخاري ج 3 ص 302 باطول من هذا [ * ](9/33)
نا خلاد بن يحيى نا عبد الواحد بن أيمن المكى عن أبيه قال: (دخلت على عائشة فقالت: دخلت على بريرة [ وهى مكاتبة ] (1) فقالت: يا أم المؤمنين اشتريني فان أهلى يبيعوني فاعتقيني فقالت: نعم فقالت: ان أهلى لا يبيعونني حتى يشترطوا ولائي فقالت: لا حاجة لى فيك
فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه فقال: ما شأن بريرة اشتريها فاعتقيها وليشترطوا ما شاءوا [ قالت ] فاشتريتها فاعتقتها) وذكرت باقي الخبر) فامر بيع بريرة وهى مكاتبة على تسع أواقى في تسع سنين كل سنة أوقية أشهر من الشمس وانها لم تكن أدت بعد من كتابتها شيئا.
وانها بيعت كذلك وان أهلها عرضوها للبيع وهى مكاتبة بعلم النبي صلى الله عليه وسلم لا ننكر ذلك عليهم بل أمر بشرائها وعتقها والولاء لمن أعتقها، وهذا ما لا مخلص منه فبلحوا (2) عندها فقالت طائفة: انها كانت عجزت وهذا كذب بحت مجرد ما روى قط أحد أنها كانت (3) عجزت ولا جاء ذلك عنها (4) في الخبر، وأين العجز منها وهى في استقبال تسعة أعوام وعائشة بعد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جائزة الامر تبتاع وتعتق ولم تقم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تسعة (5) أعوام فقط، واحتج بعضهم بقول الله تعالى: (أوفوا بالعقود) فقلنا: نعم وهو مأمور بالوفاء بالعقد وليس له نقضه ولكن إذا خرج عن ملكه بطل عقده عن غيره لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نقس إلا عليها) والعجب ان المحتجين بهذا يرون الرجوع في العتق في الوصية ولا يحتجون على أنفسهم بأوفوا بالعقود وليس إجماعا فان سفيان الثوري لا يرى (6) الرجوع في العتق والوصية.
وكلهم يجيز بيع العبد يقول له سيده: ان جاء أبى فأنت حر، ويبطلون بيعه بهذا العقد ولا يجيزون له الرجوع في العقد بغير اخراجه عن ملكه فظهر عظيم تناقضهم وفساد قولهم * فان ذكر ذاكر الآثار التى جاءت (المكاتب عبد ما بقى عليه درهم) (7) فانها كلها ساقطة، أحدها من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهى صحيفة وكم خالفوا هذه الطريق إذا خالفت مذاهبهم، والآخر من طريق عطاء بن السائب عن ابن عمرو بن العاصى ولا سماع به منه والحديث منقطع، ثم لو صح لما كان فيهما الا تحديد انه عبد ما بقى عليه عشر مكاتبته أو عشر عشرها، وخبر موضوع من طريق ابن عمر مكذوب فسقطت كلها * وأما الذى أدى شيئا من كتابته فلما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا أحمد بن عيسى الدمشقي نا يزيد بن هارون أنا حماد بن سلمة عن قتادة، وأيوب السختيانى قال قتادة: عن خلاس عن على بن أبى طالب، وقال
__________
(1) الزيادة من صحيح البخاري ج 4 ص 23 (2) يقال بلح الرجل بلوحا وتبليحا أي أعيا (3) لفظ كانت زيادة من النسخة رقم 16 (4) لفظ عنها زيادة من النسخة رقم 14 (5) في النسخة رقم 16 الا سبعة وهو غلط لان النبي صلى الله عليه وسلم خطبها وهى ابنة ست سنين ودخل عليها وهى ابنة تسع ومات عنها صلى الله عليه وسلم وهى ابنة ثمانية عشر عاما (6) في النسخة رقم 14 سفيان الثوري يرى (7) في النسخة رقم 16 شئ [ * ](9/34)
أيوب عن عكرمة عن ابن عباس ثم اتفق على، وابن عباس كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ويقام عليه الحد بقدر ما عتق منه ويورث بقدر ما عتق منه) * قال على: وهذا اسناد في غاية الصحة وما نعلم أحدا عابه الا بانه قد أرسله بعض الناس فكان هذا عجبا! لان المعترضين بهذا يقولون: ان المرسل أقوى من المسند أو مثله فالآن صار ارسال من ارسل يبطل ويبطل به الاسناد ممن أسنده وما يسلك في دينه هذه الطريق الا من لا دين له ولا حياء ونعوذ بالله من الخذلان * 1551 مسألة وبيع المدبر.
والمدبرة حلال لغير ضرورة ولغير دين لا كراهة في شئ من ذلك ويبطل التدبير بالبيع كما تبطل الوصية ببيع الموصى بعتقه ولا فرق، وهو قول الشافعي.
وأبى سليمان، وقال أحمد: يباع المدبر كما قلنا ولا تباع المدبرة وهذا تفريق لا برهان على صحته، وقال مالك، لا يباع المدبر ولا المدبرة الا في الدين فقط فان كان الدين قبل التدبير بيعا فيه في حياة سيدهما وان كان الدين بعد التدبير لم يباعا فيه في حياة المدبر وبيعا فيه بعد موته، فان لم يحمل الثلث المدبر ولا دين هنالك اعتق منه ما يحمل الثلث ورق سائره قال: فان بيع في الحياة بغير دين فاعتقه الذى اشتراه نفذ البيع وجاز، وهذه (1) أقوال في غاية التناقض، ولان كان بيعه حراما فما يحل بيعه (2) لا في دين ولا في غيره اعتق أو لم يعتق كما لا تباع ام الولد ولا ينفذ بيعها وان أعتقت ولان كان بيعه حلالا فما يحرم (3) متى شاء سيده بيعه، وما نعلم لهم في هذا التقسيم حجة لا من نص.
ولا من رواية سقيمة.
ولا قول صاحب.
ولا قياس.
ولا رأى له وجه وقال أبو حنيفة: لا يباع المدبر لا في دين ولا في غير دين لا في الحياة ولا بعد الموت وهو من الثلث فان لم يحمله الثلث استسعى في ثلثى قيمته (4)، وقال زفر: هو من رأس المال كأم الولد وما نعلم لهم حجة أصلا ولا متعلق لهم في قول الله تعالى: (أوفوا بالعقود) أما المالكيون فاجازوا بيعه في مواضع قد ذكرناها فلم يفوا بالعقود، وأما الحنيفيون فاستسعوه في ثلثى قيمته فلم يفوا بالعقود * قال أبو محمد: واحتجوا باشياء نذكرها ان شاء الله تعالى * منها خبر رواه عبد الباقي بن قانع عن موسى بن زكريا عن على بن حرب عن عمرو بن عبد الجبار ثقة (5) عن عمه عبيدة بن حسان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله (المدبر لا يباع ولا يشترى وهو حر من الثلث، وهذا خبر موضوع لان عبد الباقي راوي
__________
(1) في النسخة رقم 16 فهذه (2) لفظ بيعه زيادة من النسخة رقم 16 (3) في النسخة رقم 14 فلا يحرم (4) في النسخة رقم 14 في باقى قيمته والمعنى واحد (5) لفظ ثقة زيادة من النسخة رقم 16.
[ * ](9/35)
كل بلية وقد ترك حديثه إذ ظهر فيه البلاء، ثم سائر من رواه إلى أيوب ظلمات بعضها فوق بعض كلهم مجهولون، وعمرو بن عبد الحبار ان كان هو السنجارى فهو ضعيف وان كان غيره فهو مجهول، ثم لو صح لكان المالكيون قد خالفوه وقد أجاز الحنيفيون بيع المدبر في بعض الاحوال وهو أنهم قالوا في عبد بين اثنين دبره أحدهما ثم أعتق الآخر نصيبه: فان على الذى دبر نصيبه أن يضمن قيمة نصيب صاحبه الذى أعتق حصته وهذا بيع للمدبر فقد خالفوا هذا الخبر الموضوع مع احتجاجهم به، وان العجب ليكثر ممن يرد حديث بيع المكاتب.
وحديث المصراة.
وحديث النهى عن بيع الكلب مع صحة أسانيدها وانتشارها ثم يحتج بهذه الكذبة، وذكروا ما روينا من طريق أبى جعفر محمد بن على بن الحسين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع خدمة المدبر) وهذا مرسل ولا حجة في مرسل، ثم لو صح لكان
حجة على الحنيفيين والمالكيين لانهم لا يرون بيع خدمة المدبر ما لهم أثر غير ما ذكرنا * واحتجوا برواية عن نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن ابن جريج عن ابى الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في أولاد المدبرة: إذا مات سيدها ما نراهم الا احرار أو ولدها كذلك منها فكأنه عضو منها * ومن طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن ابن شهاب.
وربيعة قالا جميعا: ان عائشة أم المؤمنين باعت مدبرة لها في الاعراب فأخبر بذلك عمر فبعث في طلب الجارية فلم يجدها فأرسل إلى عائشة فأخذ الثمن فاشترى به جارية فجعلها مكانها على تدبيرها * ومن طريق وكيع نا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كره بيع المدبر * هذا كل ما موهوا به عن الصحابة رضى الله عنهم وكله لا حجة لهم فيه * أما خبر عمر فساقط لان الزهري.
وربيعة لم يولدا الا بعد موت عمر بخمس وثلاثين سنة وزيادة فهو منقطع وأيضا ففيه عبد الجبار بن عمر وهو ضعيف، ثم لو صح لكان هذا عليهم لا لهم (1) لوجوه، أولها أن أم المؤمنين قد خالفته في ذلك فليس قوله حجة عليها ولا أولى من قولها وهذا تنازع فالواجب عند التنازع الرد إلى القرآن، والسنة وهما يبيحان بيع المدبر، والثانى أنهم قد خالفوه لان فيه انه قد أخذ الثمن فابتاع به جارية فجعلها مدبرة مكانها ويعيذ الله أمير المؤمنين من هذا الحكم الفاسد الظاهر العوار إذ يحرم بيع مملوكة من أجل مملوكة أخرى بيعت لا يحل بيعها، ويلزم على هذا من باع حرا أن يبتاع بالثمن عبدا فيعتقه مكانه وهذا خلاف قول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) وكيف ان ذهب الثمن أو لم توجد به رقبة أو وجدت به رقاب أو وجدت المبيعة بعد ان جعلت هذه الاخرى مدبرة مكانها ولعل هذه تموت مملوكة فكيف (2)
__________
(1) لفظ لا لهم زيادة من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 16 وكيف [ * ](9/36)
العمل أو لعلها تعيش وتموت المبيعة مملوكة فكيف العمل في هذا الخليط حاشا لله من هذا فبطل تعلقهم بقول عمر * وأما خبر جابر فلا متعلق لهم فيه أصلا وأنما هو تمويه منهم مجرد
لانه ليس فيه المنع من بيع المدبرة أصلا وانما فيه حكم ولدها ان عتقت هي فقط ولو كان لهم حياء ما موهوا في الدين بمثل هذا فكيف وقد جاء عن جابر خلاف قولهم كما روينا من طريق ابن وهب عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر انه كان يقول: ولد المدبرة بمزلتها يرقون برقها ويعتقون بعتقها، وذكر ابن وهب عن رجال (1) من أهل العلم عن عثمان ابن عفان.
وعلى بن أبى طالب.
وزيد بن ثابت.
وجابر بن عبد الله وغيرهم مثل قول ابن عمر فهذا جابر يرى ارقاق المدبرة، قان قيل: هذا مرسل قلنا: بالمرسل احتججتم علينا فخذوه أو فلا تحتجوا به * وأما حديث ابن عمر فانما فيه الكراهة فقط، وقد صح عن ابن عمر بيان جواز بيع المدبرة كما روينا بأصح سند من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: لا يطأ الرجل وليدة الا وليدة ان شاء باعها، وان شاء وهبها، وان شاء صنع بها ما شاء * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن نافع عن ابن عمر أنه دبر جاريتين له فكان يطؤهما حتى ولدت أحداهما فهذا نص جلى من ابن عمر على جواز (2) بيع المدبرة، فان ادعوا اجماعا على جواز وطئها كذبوا لما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه كان يكره أن يطأ الرجل مدبرته قال معمر: فقلت له: لم تكرهه؟ فقال: لقول عمر: لا تقربها وفيها شرط لاحد، فظهر فساد ما تعلقوا به عن الصحابة رضى الله عنهم وانه (3) ليس لهم حجة في شئ جاء عنهم، وموهوا من طريق النظر بان قالوا: لما فرق بين اسم المدبر واسم الموصى بعتقه وجب أن يفرق بين حكميهما * قال أبو محمد: وهذا باطل لانه دعوى بلا برهان.
وليس كل اسمين اختلفا وجب أن يختلف معناهما وحكمهما إذا وجدا في اللغة متفقي المعنى فان المحرر.
والمعتق اسمان مختلفان ومعناهما واحد، والزكاة.
والصدقة كذلك والزواج.
والنكاح كذلك، وهذا كثير جدا، وحتى لو صح لهم هذا الحكم الفاسد لكان الواجب إذا جاء فيهما نص ان يوقف عنده، وأيضا فليس في اختلاف الاسمين ما يوجب ان يباع أحدهما ولا يباع الآخر وقد اختلف اسم الفرس، والعبد وكلاهما يباع *
قال على: فلم يبق لهم متعلق أصلا، ومن البرهان على جواز بيع المدبر.
والمدبرة قول الله تعالى: (وأحل الله البيع) وقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فصح أن بيع كل متملك جائز الا ما فصل لنا تحريم بيعه ولم يفصل لنا تحريم بيع المدبر.
والمدبرة
__________
(1) في النسخة رقم 16 عن رجل (2) في النسخة رقم 16 عمر يحل جواز (3) في النسخة رقم 16 وانهم [ * ](9/37)
فبيعهما حلال * ومن السنة ما روينا من طريق وكيع أنا سفيان الثوري.
واسماعيل بن أبى خالد كلاهما عن سلمة بن كهيل عن عطاء بن أبى رباح عن جابر بن عبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع المدبر) * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: دبر رجل من الانصار غلاما له لم يكن له مال غيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يبتاعه منى فاشتراه رجل من بنى عدى بن كعب) قال جابر: غلاما قبطيا مات عام اول في امارة ابن الزبير * ورويناه أيضا من طريق الليث.
وأيوب عن أبى الزبير أنه سمعه من جابر، فهذا أثر مشهور مقطوع بصحته بنقل التواتر وأمر كان بحضرة الصحابة رضى الله عنهم كلهم مسلم راض فلو ادعى المسلم ههنا الاجماع لما أبعد لا كدعاويهم الكاذبة، فقال بعض أهل الكذب: بيع في دين والا فلاى وجه بيع فقلنا: كذبتم وأفكتم وانما بيع لانه لم يكن لمدبره مال غيره فلهذا باعه النبي صلى الله عليه وسلم، وأما لو كان له مال غيره فبيعه مباح لا واجب كسائر من تملك، ومن طريق النظر (1) أنه صح الاجماع على جواز بيع المدبر قبل أن يدبر فمن منع منه بعد أن يدبر فقد أبطل وادعى ما لا برهان له به * ومن طريق القياس الذى لو صح القياس لم يكن شئ أصح من هذا وهو ان المعتق بصفة لا يدرى أيدركها المعتق بها أم لا والموصى بعتقه لا يختلفون في جواز بيعه قبل مجئ تلك الصفة والمدبر موصى بعتقه كلاهما من الثلث فواجب ان صح القياس ان يباع المدبر كما يباع الاخران ولكن لا النصوص يتبعون ولا القياس يحسنون * وممن صح عنه بيع المدبر ما روينا (2) من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد
الانصاري عن جدته عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة أم المؤمنين.
باعت مدبرة لها * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن عمر بن عبد العزيز ومحمد بن سيرين قالا جميعا: المدبر وصية * وبه إلى معمر عن عبد الله بن طاوس قال: سألني محمد بن المنكدر عن المدبر كيف كان قول أبى فيه أيبيعه صاحبه؟ فقلت: كان أبى يقول: يبيعه ان احتاج إليه فقال ابن المنكدر: وان لم يحتج * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار قال: كان طاوس لا يرى بأسا ان يعود الرجل في عتاقته قال عمرو.
يعنى التدبير * ومن طريق سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد قال: المدبر وصية يرجع فيه إذا شاء * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج سمعت عطاء يقول: يعاد في المدبر وفى كل وصية * وقد روينا عن ابن سيرين.
وعطاء كراهية بيع المدبر * وعن الشعبى يبيعه الجرئ ويرع عنه الورع *
__________
(1) في النسخة رقم 16 وأما من طريق النظر (2) في النسخة رقم 16 كما روينا [ * ](9/38)
قال أبو محمد: بل يبيعه الورع اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقف عنه الجاهل وتالله ما نخاف تبعة من الله تعالى في أمر لم يفصل لنا تحريمه في كتابه ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل نخاف التبعة منه عزوجل في تحريمنا ما لم يفصل لنا تحريمه أو في توقفنا فيه خوف أن يكون حراما ونعوذ بالله تعالى من هذا قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) وبيع المدبر مما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن كان مؤمنا فلا يجد في نفسه حرجا مما قضى فيه وبالله تعالى التوفيق * 1552 مسألة وبيع ولد المدبرة من غير سيدها حملت به قبل التدبير أو بعده حلال، وبيع ما ولدت المكاتبة قبل أن تكاتب وبعد أن كوتبت ما لم تؤد شيئا من كتابتها حلال، وبيع ولد أم الولد من غير سيده قبل أن تكون أم ولد حلال هذا كله لا خلاف في شئ منه الا ما حملت به المدبرة بعد التدبير، وأما ما ولدت أم الولد من غير سيدها بعد
أن صارت أم ولد فحرام بيعه وحكمه كحكم أمه وسنذكر ان شاء الله تعالى حكم ما حملت به المكاتبة بعد أن تؤدى شيئا من كتابتها في كتاب المكاتب من ديواننا هذا ان شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة الا بالله عزوجل برهان صحة قولنا في ولد المدبرة التى تحمل به بعد التدبير هو أنه ولد أمة جائز بيعها فهو عبد لان ولد الامة عبد، وروينا مثل قولنا هذا عن عبد الرزاق عن معمر أخبرني من سمع عكرمة يقول: أولاد المدبرة لا عتق لهم * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج: وابن عيينة قال ابن جريج: عن عمرو بن دينار.
وعطاء كلاهما عن أبى الشعثاء، وقال ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبى الشعثاء قال: أولاد المدبرة عبيد، وأما ما حملت به ثم أدركها العتق قبل أن تضعه فهو حر معها ما لم يستثنه السيد لما ذكرنا قبل من أنه وان كان غيرها فهو تبع لها * واحتج المخالفون على القول بان ولد المدبرة بمنزلة أمهم بانه قد صح عن عثمان.
وجابر.
وابن عمر، وروى عن على.
وابن عباس.
وزيد ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف * قال أبو محمد: لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا خلافهم لطوائف من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف كالذى صح عن عثمان.
وصهيب.
وتميم الدراى من ان البيع لدار واشتراط سكناها مدة عمر البائع وذلك بحضرة الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف، وغير ذلك كثير جدا، وأما ولد أم الولد قبل أن تكون أم ولد فلا خلاف فيه، وأما ما حملت به بعد أن تكون أم ولد فلا يحل بيعهم لانها حرام بيعها وهو إذا حملت به بعضها فحرام بيعه وما حرم بيعه بيقين فلا يحل بعد ذلك الا بنص ولا نص في(9/39)
جواز بيعه بعد مفارقته لها * فان ذكروا كل ذات رحم فولدها بمنزلتها فهو ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه، ثم هم أول مخالف لهذا في ولد المعتقة بصفة.
وولد المعتقة إلى أجل وبالله تعالى التوفيق *
1553 مسألة وبيع المعتق إلى أجل أو بصفة حلال ما لم يجب له العتق بحلول تلك الصفة كمن قال لعبده: أنت حر غدا فله بيعه ما لم يصبح الغد أو كمن قال له: أنت حر إذا أفاق مريضى فله بيعه ما لم يفق مريضه لانه عبد ما لم يستحق العتق وهو قول الشافعي.
وأبى حنيفة وأبى سليمان.
وأصحابهم، وقال مالك.
كذلك في المعتق بصفة يمكن أن تكون ويمكن أن لا تكون ولم يقله في المعتق إلى أجل، واحتج بانه لابد أن يكون فقلنا: نعم فكان ماذا؟ الا أنه حتى ألآن لم يكن بعد ولا دليل لهم على هذا الفرق أصلا وانما هو دعوى واحتجاج لقولهم بقولهم 1554 مسألة وجائز لمن أتى السوق من أهله أو من غير أهله أن يبيع سلعته بأقل من سعرها في السوق وبأكثر ولا اعتراض لاهل السوق عليه في ذلك ولا للسلطان، وقال المالكيون: ليس له أن يبيع باقل من سعرها ويمنع من ذلك وله أن يبيع بأكثر * قال على: وهذا عجب جدا أن يمنعوه من الترخيص على المسلمين ويبيحون له التغلية ان هذا لعجب (1) وما نعلم قولهم هذا عن أحد قبل مالك، ثم زادوا في العجب واحتجوا بالذي روينا من طريق مالك عن يونس بن يوسف عن سعيد بن المسيب أن عمر مر بحاطب بن أبى بلتعة وهو يبيع زبيبا له بالسوق فقال له عمر: اما أن تزيد في السعر واما أن ترفع عن سوقنا * قال على: هذا لا حجة لهم فيه لوجوه، أحدها انه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثانى انهم كم قصة خالفوا فيها عمر (2) كاجباره بنى عم على النفقة على ابن عمهم.
وكعتقه كل ذى رحم محرمة إذا ملك وغير ذلك، والثالث انه لا يصح عن عمر لان سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر الا نعيه النعمان بن مقرن فقط، والرابع انه لو صح لكانوا قد أخطئوا فيه على عمر فتأولوه بما لا يجوز وانما أراد عمر بذلك لو صح عنه بقوله اما أن تزيد في السعر يريد أن تبيع من المكاييل أكثر مما تبيع بهذا الثمن وهذا خلاف قولهم هذا الذى لا يجوز أن يظن بعمر غيره فكيف وقد جاء عن عمر مبينا كما (3) روينا هذا الخبر عنه من طريق (4)
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: وجد عمر حاطب بن أبى بلتعة يبيع الزبيب بالمدينة فقال: كيف تبيع يا حاطب؟ فقال مدين فقال عمر: تبتاعون بأبوابنا وافنيتنا
__________
(1) في النسخة رقم 16 لعجيب (2) في النسخة رقم 14 خالفوها لعمر (3) لفظ كما سقط من النسخة رقم 14 (4) في النسخة رقم 16 هذا الخبر عن عبد الرزاق [ * ](9/40)
وأسواقنا تقطعون في رقابنا ثم تبيعون كيف شئتم بع صاعا والا فلا تبع في أسواقنا والا فسيبوا في الارض ثم اجلبوا ثم بيعوا كيف شئتم، فهذا خبر عمر مع حاطب في الزبيب كما يجب ان يظن بعمر، فان قالوا: في هذا ضرر على أهل السوق قلنا: هذا باطل بل في قولكم أنتم الضرر على أهل البلد كلهم.
وعلى المساكين.
وعلى هذا المحسن إلى الناس ولا ضرر في ذلك على أهل السوق لانهم أن شاءوا أن يرخصوا كما فعل هذا فليفعلوا والا فهم أملك بأموالهم كما هذا أملك بماله، والحجة القاطعة في هذا قول الله تعالى: (الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وقوله تعالى: (وأحل الله البيع) * 1555 مسألة ومن ابتاع سلعة في السوق فلا يحل ان يحكم عليه بأن يشركه فيها أهل تلك السوق وهى لمشتريها خاصة وهو قال الناس، وقال المالكيون: يجبر على أن يشركوه فيها وما نعلم أحدا قاله غيرهم وهو ظلم ظاهر ويبطله قول الله تعالى: (الا ان تكون تجارة عن تراض منكم) فلم يتراض البائع الا مع هذا المبتاع لا مع غيره فالحكم به لغيره أكل مال بالباطل بلا دليل أصلا وبالله تعالى التوفيق، بل قد جاء عن عمر الحكم على أهل السوق بهذا في غيرهم لا لهم كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد الانصاري عن مسلم بن جندب قال: قدم المدينة طعام فخرج أهل السوق إليه فابتاعوه فقال لهم عمر: أفى سوقنا (1) هذا تتجرون؟ أشركوا الناس أو اخرجوا فاشتروا ثم ائتوا فبيعوا * قال على: وهذا الذى حكم به المالكيون أعظم الضرر على المسلمين لان اهل الصناعة من السوق يتواطؤن على إماتة السلعة التى يبيعها الجالب أو المضطر ويتفقون على أن لا يزيدوا
فيها ويتركوا واحدا منهم يسومه حتى يترك المضطر على حكمه ثم يقتسمونها بينهم وهذا واجب منعهم منه لانه غش وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من غشنا) * 1556 مسألة ولا يجوز البيع بالبراءة من كل عيب ولا على أن لا يقوم على بعيب والبيع هكذا فاسد مفسوخ أبدا.
وذهب أبو حنيفة إلى جواز البيع بالبراءة ولم ير للمشترى القيام بعيب أصلا علمه البائع أو لم يعلمه، وذهب سفيان.
والحسن بن حى وأبو سليمان إلى أنه لا يبرأ بشئ من ذلك (2) من العيوب علمه البائع أو لم يعلمه، وذهب الشافعي إلى أنه لا يبرأ بذلك من شئ من العيوب الا في الحيوان خاصة فانه يبرأ به مما لم يعلم من عيوب الحيوان المبيع ولا يبرأ مما علمه من عيوبه فكتمه، ولمالك ثلاثة أقوال.
أحدها وهو الذى ذكرنا انه المجتمع عليه عندهم وهو مثل قول الشافعي حرفا حرفا وهو قوله في الموطأ، والثانى انه لا يبرأ بذلك الا في الرقيق خاصة فيبرأ مما لم يعلم ولا يبرأ مما علم
__________
(1) في النسخة رقم 16 في زماننا (2) في النسخة رقم 14 لا يبرأ بذلك من شئ [ * ](9/41)
فكتم، وانما في سائر الحيوان وغير الحيوان فلا يبرأ به من عيب أصلا، والثالث وهو الذى رجع إليه وهو انه لا ينتفع بالبراءة الا في ثلاثة أشياء فقط وهو بيع السلطان للمغنم أو على مفلس، والثانى العيب الخفيف خاصة في الرقيق خاصة لكل أحد، والثالث فيما يصيب الرقيق في عهدة الثلاث خاصة * وذهب بعض المتقدمين منهم عطاء.
وشريح إلى أنه لا يبرأ أحد وان باع بالبراءة الا من عيب بينه ووضع يده عليه فأما القول بوضع اليد فرويناه عن شريح وصح عن عطاء.
وروينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن أيوب السختيانى عن أبى عثمان النهدي قال: ما رأيتهم يجيزون من الداء إلا ما بينت ووضعت يدك عليه * قال أبو محمد: ولو وجد الحنيفيون.
والمالكيون مثل هذا لطاروا به كل مطار لان أبا عثمان ادرك جميع الصحابة أولهم عن آخرهم وأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم الا انه لم يلقه فلو وجدوا مثل هذا فيما يعتقدونه لقالوا: انما ذكر ذلك عن الصحابة وهذا اجماع *
قال على: وأما نحن فلا نقطع بالظنون ولا ندرى لوضع اليد معنى ومثل هذا لا يؤخذ الا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عن غيره وبالله التوفيق * وأما قول الشافعي فما نعلم له حجة إلا انه قلد ما روينا عن عثمان (1) من طريق مالك عن ابن سعيد الانصاري عن سالم ابن عبد الله قال: ان أباه باع غلاما له بالبراءة فخاصمه المشترى إلى عثمان وقال: باعنى عبدا وبه داء لم يسمه لى فقال ابن عمر: بعته بالبراءة فقضى عثمان على ابن عمر بأن يحلف لقد باعه الغلام وما به داء يعلمه فأبى ابن عمر من أن يحلف وارتجع العبد * قال أبو محمد: وهذا عجب جدا إذ قلد عثمان ولم يقلد (2) ابن عمر جواز البيع بالبراءة في الرقيق، والشافعي أشد الناس انكارا للتقليد، ثم عجب آخر كيف قلد عثمان فيما لم يقله عثمان قط ولا صح عنه ولم يقلده في هذا الخبر نفسه في قضائه على ابن عمر بالنكول وهو صحيح عنه ان هذا هو عين العجب * واحتج لترجيحه رأى عثمان بان الحيوان لا يكاد يخلو من عيب باطن وأنه يتغذى بالصحة والسقم فقلنا: فكان ماذا؟ ومن أين وجب بهذا أن ينتفع بالبراءة فيه مما لم يعلمه من العيوب ولا ينفعه مما علم فكتم؟ ان هذا لعجب فوجب رفض هذا القول لتعريه من الدلائل، وأيضا فان عثمان رضى الله عنه لم يقل: إن الحكم بما حكم به انما هو في الحيوان دون ما سواه فمن أين خرج له تخصيص الحيوان بذلك؟ فان قالوا: انما حكم بذلك في عبد قلنا: فلا تتعدوا بذلك العبيد أو الرقيق.
فان قالوا: قسنا الحيوان على العبد قلنا: ولم لم تقيسوا جميع المبيعات على العبد؟ فحصلوا على خبال القياس.
وعلى مخالفة عثمان.
وابن عمر فكيف وقد روينا هذا الخبر من طريق سعيد
__________
(1) سقط جملة عن عثمان من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 14 إذ قلدوا عثمان ولم يقلدوا الخ بواو الجمع وهو غلط بدليل سابقه ولاحقه [ * ](9/42)
ابن منصور نا هشيم أنا يحيى بن سعيد الانصاري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه باع سلعة كانت له بالبراءة ثم ذكر الخبر بتمامه وقضى عثمان عليه باليمين أنه ما باعه وبه داء
يعلمه (1) فكره ابن عمر اليمين وارتجع السلعة، فهذا عموم لكل مبيع واسناده متصل سالم عن ابيه وما نعلم لهم سلفا في تفريقهم هذا من الصحابة أصلا واما أقوال مالك فشديدة الاضطراب أول ذلك (2) انه حكى عن أحدها وهو الموافق لقول الشافعي انه الامر المجتمع عليه عندهم وهذا اللفظ عند مقلديه من الحجج التى لا يجوز خلافها وفى هذا عجبان عجيبان، أحدهما أنه روى عن عثمان.
وابن عمر خلاف هذا الامر المجتمع عليه وما علمنا (3) اجماعا يخرج منه عثمان.
وابن عمر، والثانى أنه رجع مالك نفسه عن هذا القول الذى ذكره أنه المجتمع عليه عندهم فلئن كان الامر المجتمع عليه عندهم بالمدينة حجة لا يجوز خلافها فكيف استجاز مالك أن يخالف المجتمع عليه بالمدينة وهو الحق؟ فلقد خالف الحق وتركه بعد أن علمه، وان كان الامر المجتمع عليه عندهم بالمدينة ليس حجة ولا يلزم اتباعه فما بالهم يغرون الضعفاء به ويحتجون به في رد السنن اما هذا عجب! فان قالوا: لم يرجع مالك عنه الا لخلاف وجده هنالك فقلنا (4): فقد جاز الوهم عليه في دعوى الاجماع ووجد الخلاف بعد ذلك فلا تنكروا مثل هذا في سائر ما ذكر فيه انه الامر المجتمع عليه ولا تنكروا وجود الخلاف (5) فيه وهذا ما لا مخلص لهم منه الا أن هذا القول قد بينا في ابطالنا قول الشافعي بطلانه وبالله تعالى نتأيد.
وأما قوله الثاني في تخصيصه الرقيق خاصة فما ندرى له متعلقا أصلا لا من قرآن ولا من سنة ولا من رواية سقيمة.
ولا قول صاحب.
ولا قياس.
ولا رأى.
ولعل قائلا يقول: انه قلد عثمان فقلنا: وما بال تقليد عثمان دون تقليد ابن عمر وكلاهما صاحب.
وأيضا فما قلد عثمان لان عثمان لم يقل: ان هذا الحكم انما هو في الرقيق خاصة وقد خالفه في قضائه بالنكول فما حصل الا على خلاف عثمان.
وابن عمر فبطل هذا القول أيضا لتعريه عن الادلة جملة.
وأما قوله الثالث الذى رجع إليه فاشدها فسادا لانه لا متعلق له بقول أحد نعلمه لا صاحب.
ولا تابع.
ولا قياس.
ولا سنة ولا رواية سقيمة.
ولا رأى له وجه.
ثم تخصيصه البيع على المفلس عجب وعهدة الثلاث كذلك ثم تخصيصه بالعيب الخفيف وهو لم يبين ما الخفيف من
الثقيل فحصل مقلدوه في أضاليل لا يحكمون بها في دين الله تعالى الا بالظن فسقطت هذه الاقوال كلها وبالله تعالى التوفيق * وأما قول أبى حنيفة فانهم قالوا: قد صح الاجماع المتيقن على أنه إذا باع وبرئ من عيب سماه فانه يبرأ منه ولا فرق بين تفصيله عيبا عيبا
__________
(1) في النسخة رقم 14 علمه (2) في النسخة رقم 14 أولها (3) في النسخة رقم 16 وما نعلم (4) في النسخة رقم 14 قلنا (5) في النسخة رقم 16 الاختلاف [ * ](9/43)
وبين اجماله العيوب وقالوا: قد روى قولنا عن بعض الصحابة كما ذكرنا عن ابن عمر.
وزيد بن ثابت ولعلهم يحتجون بالمسلمين عند شروطهم * قال أبو محمد: ما نعلم لهم شغبا غير هذا فاما المسلمون عند شروطهم فقد قدمنا أنه باطل لا يصح وانه لو صح لم يكن لهم فيه حجة لان شروط المسلمين ليست الا الشروط التى نص الله تعالى على اباحتها ورسوله صلى الله عليه وسلم لا شروطا لم يبحها الله تعالى ولا رسوله عليه السلام وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل) وأما الرواية عن بعض الصحابة فقد اختلفوا ولا حجة في قول بعضهم دون بعض، وأما قولهم: لا فرق بين تفصيل العيوب وبين اجمالها فكذبوا بل بينهما أعظم الفرق لانه إذا سمى العيب ووقف عليه فقد صدق وبرئ منه وإذا أجمل العيوب فقد كذب بيقين لان العيوب تتضاد فصارت صفقة انعقدت على الكذب فهى مفسوخة وكيف لا يكون فرق بين صفقة صدق وصفقة كذب، وأما الصحابة فقد اختلفوا ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فبطل هذا القول أيضا لتعريه من الادلة * قال أبو محمد: فلنذكر الآن البرهان على صحة قولنا بحول الله تعالى وقوته وهو أن من باع بشرط ان لا يقام عليه بعيب ان وجد فهو بيع فاسد باطل لانه انعقد على شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ولانه غش والغش محرم قال عليه السلام: (من غشنا فليس منا) وقال عليه السلام: (الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولائمة المسلمين وعامتهم)
ومن باع بالبراءة من العيوب فلا يخلو من أن يكون أراد بذلك أن لا يقام عليه بعيب ان وجد وأنه برئ منه فقد ذكرنا أن البيع هكذا باطل أو يكون أراد فيه كل عيب فهذا باطل بيقين لان الحمى عيب وهى من حر والفالج عيب وهو من برد وهما متضادان وكل بيع انعقد على الكذب والباطل فهو باطل لانه انعقد على أنه لا صحة له الا بصحة ما لا صحة له فلا صحة له، ولا فرق في هذا الوجه بين أن يسمى العيوب كلها أو بعضها أو لا يسميها لانه انما سمى عيبا واحدا فاكثر وكذب فيه فالصفقة باطل لانعقادها على الباطل وعلى أن به ما ليس فيه وانه على ذلك يشتريه فإذ ليس به ذلك العيب فلا شراء له فيه.
وهذا في غاية الوضوح وبالله تعالى التوفيق: فان باع وسكت ولم يبرأ من عيب اصلا ولا شرط سلامة فهو بيع صحيح ان وجد العيب (1) فالخيار لواجده في رد أو امساك والا فالبيع لازم وبالله تعالى التوفيق * 1557 مسألة وبيع المصاحف جائز وكذلك جميع كتب العلوم عربيها وعجميها
__________
في النسخة رقم 14 عيب [ * ](9/44)
لان الذى يباع انما هو الرق أو الكاغد أو القرطاس والمداد والاديم ان كانت مجلدة وحلية (1) ان كانت عليها فقط، وأما العلم فلا يباع لانه ليس جسما وهو قول أبى حنيفة.
ومالك والشافعي.
وأبى سليمان.
وروينا من طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله هو الطحان عن سعيد بن إياس الجريرى عن عبد الله بن شقيق قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون بيع المصاحف.
وتعليم الصبيان بالارش يعظمون ذلك * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن سالم بن عجلان هو الافطس عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عمر: وددت انى قد رأيت أن (2) الايدى تقطع في بيع المصاحف * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا همام بن يحيى أنا قتادة عن زرارة بن أوفى الحرشى عن مطرف ابن مالك قال: شهدت فتح تستر مع أبى موسى الاشعري فأصبنا دانيال بالسوس ومعه
ربعة فيها كتاب ومعنا أجير نصراني فقال: تبيعوني (3) هذه الربعة وما فيها؟ قالوا: ان كان فيها ذهب أو فضة أو كتاب الله لم نبعك قال فان الذى فيها كتاب الله تعالى فكرهوا بيعه قال: فبعناه الربعة بدرهمين ووهبنا له الكتاب قال قتادة فمن ثم كره بيع المصاحف لان الاشعري.
والصحابة (4) كرهوا بيع ذلك الكتاب * قال أبو محمد: انما كرهوا البيع نفسه ليس من أجل أن المشترى كان نصرانيا ألا ترى أنهم قد وهبوه له بلا ثمن * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن أبى حصين عن أبى الضحى سألت عبد الله بن يزيد، ومسروقا.
وشريحا عن بيع المصاحف؟ فقالوا: لا نأخذ لكتاب الله ثمنا * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان أن ابن جريج ذكر عن عطاء عن ابن عباس قال في المصاحف: اشترها ولا تبعها * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبد الله بن ادريس الاودى عن ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله قال في المصاحف: اشترها ولا تبعها * ومن طريق ابن أبى شيبة نا اسماعيل بن ابراهيم هو ابن علية عن ليث عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم عن علقمة عن ابن مسعود أنه كره شراء المصاحف وبيعها * ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن فضيل عن الاعمش عن ابراهيم النخعي قلت لعلقمة ابيع مصحفا؟ قال: لا * ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن علية عن سعيد ابن أبى عروبة عن أبى معشر عن ابراهيم قال: لحس الدبر أحب إلى من بيع المصاحف * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي أنه كان يقول: لا يورث المصحف هو لاهل البيت القراء * منهم ومن طريق الحجاج ابن المنهال نا يزيد بن زريع نا خالد هو الحذاء عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلمانى قال:
__________
(1) في النسخة رقم 16 والحلى (2) لفظ أن زيادة من النسخة رقم 16 (3) في النسخة رقم 14 بيعونى (4) في النسخة رقم 14 وأصحابه [ * ](9/45)
كان يكره بيع المصاحف وابتياعها * ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن علية عن خالد الحذاء عن
محمد بن سيرين عن عبيدة السلمانى أنه كره بيع المصاحف وابتياعها ومن طريق الحجاج ابن المنهال نا مهدى بن ميمون سألت محمد بن سيرين عن كتاب المصاحف بالاجر؟ فقال: كره كتابها واستكتابها وبيعها وشراؤها * ومن طريق ابن ابى شيبة نا وكيع عن عكرمة بن عمار عن سالم هو ابن عبد الله بن عمر قال: بئس التجارة بيع المصاحف * ومن طريق وكيع عن سعيد بن أبى عروبة.
وشعبة قال سعيد: عن قتادة عن سعيد ابن المسيب وقال شعبة عن أبى بشير عن سعيد بن جبير، ثم اتفق (1) ابن المسيب.
وابن جبير قالا جميعا: اشتر المصاحف ولا تبعها * ومن طريق ابن أبى شيبة نا المعتمر بن سليمان عن معمر عن قتادة قال: اشتر ولا تبع يعنى المصاحف * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عفان نا همام عن يحيي بن أبى كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن بيع المصاحف؟ قال: اشترها ولا تبعها وهو قول الحكم بن عتيبة.
ومحمد بن على بن الحسين * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال: سألت الزهري عن بيع المصاحف؟ فكرهه * ومن طريق وكيع نا اسرائيل عن جابر عن عامر الشعبى قال: اشتر المصاحف ولا تبعها * ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أنه كره بيع المصاحف فلم يزل به مطر الوراق حتى ارخص له * فهؤلاء أبو موسى الاشعري.
وكل من معه من صاحب أو تابع ايام عمر بن الخطاب.
وابن مسعود.
وعبد الله بن عباس.
وعبد الله بن زيد.
وجابر بن عبد الله.
وابن عمر ستة من الصحابة بأسمائهم، ثم جميع الصحابة باطلاق لا مخالف لهم منهم، ومن التابعين المسلمين: مسروق.
وسريح.
ومطرف ابن مالك.
وعلقمة.
وابراهيم.
وعبيدة السلمانى.
وابن سيرين.
وسالم بن عبد الله.
وسعيد ابن المسيب.
وسعيد بن جبير.
وأبو سلمة بن عبد الرحمن: وقتادة.
والزهرى والشعبى.
والحسن كلهم ينهى عن بيع المصاحف ولا يراه سوى من ذكر ذلك عنه من الجمهور ممن لم يسم وما نعلمه روى اباحة بيعها الا عن الحسن.
والشعبى باختلاف عنهما.
وعن أبى العالية وأثرين موضوعين أحدهما من طريق عبد الملك بن
حبيب عن طلق بن السمح عن عبد الجبار بن عمرو الايلى قال: كان ابن مصبح يكتب المصاحف في زمان عثمان ويبيعها ولا ينكر ذلك عليه، والآخر أيضا من طريق ابن حبيب عن الحارث بن أبى الزبير المدنى عن أنس بن عياض عن بكير بن مسمار عن ابن عباس أنه كان يكره للرجل أن يبيعها يتخذها متجرا ولا يرى بأسا بما عملت يداه
__________
(1) في النسخة رقم 16 ثم اتفقوا [ * ](9/46)
منها أن يبيعه، ابن حبيب ساقط، وابن مصبح.
والحارث بن أبى الزبير.
وطلق بن السمح لا يدرى أحد من هم من خلق الله تعالى، وعبد الجبار بن عمرو ساقط ولم يدرك عمان وبكير بن مسمار ضعيف، ثم هما مخالفان لقولهم لانه ليس في حديث ابن مصبح أن عثمان عرف بذلك ولا أن أحدا من الصحابة عرف بذلك، وفى حديث ابن عباس أنه كره أن يتخذ بيعها متجرا.
فأين المالكيون.
والحنيفيون.
والشافعيون المشنعون بخلاف الصاحب الذى لا يعرف له مخالف، والمشنعون بخلاف جمهور العلماء.
وقد وافقوا ههنا كلا الامرين.
ثم العجب كل العجب.
قولهم في قول عائشة الذى لم يصح عنها أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب في ابتياعه عبدا إلى العطاء بثمانمائة درهم وبيعه إياه من التى باعته منه بستمائة درهم نقدا وقد خالفها زيد بن أرقم فقالوا: مثل هذا لا يقال بالرأى فلم يبق إلا أنه توقيف ولم يقولوا ههنا فيما صح عن ابن عمر مما لم يصح عن أحد من الصحابة خلافه من إباحة قطع الايدى في بيع المصاحف.
وعن الصحابة جملة فهلا قالوا: مثل هذا لا يقال بالرأى ولكن ههنا يلوح تناقضهم في كل ما تحكموا (1) به في دين الله تعالى ونحمد الله (2) على السلامة.
وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر القائلون به أم قلوا كائنا من كان القائل ولا نتكهن فنقول: مثل هذا لا يقال بالرأى فننسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله وهذا هو الكذب عليه جهارا، والحجة كلها قول الله تعالى (وأحل الله البيع) وقوله عزوجل: (وقد فصل لكم ما حرم
عليكم) فبيع المصاحف كلها حلال.
إذ لم يفصل لنا تحريمه.
وما كان ربك نسيا، ولو فصل تحريمه لحفظه الله تعالى حتى تقوم به الحجة على عباده وبالله تعالى التوفيق * 1558 مسألة ومن باع سلعة بثمن مسمى حالة أو إلى أجل مسمى قريبا أو بعيدا (3) فله أن يبتاع تلك السلعة من الذى باعها منه بثمن مثل الذى باعها به منه وبأكثر منه وبأقل حالا والى أجل مسمى أقرب من الذى باعها منه إليه أو أبعد ومثله كل ذلك حلال لا كراهية في شئ منه ما لم يكن ذلك عن شرط مذكور في نفس العقد فان كان عن شرط فهو حرام مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب وهو قول الشافعي.
وأبى سليمان.
أصحابها * برهان ذلك قول الله تعالى: (وأحل الله البيع) وقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فهذان بيعان فهما حلالان (4) بنص القرآن ولم يأت تفصيل تحريمها في كتاب ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان ربك نسيا فليسا بحرام، وأما اشتراط ذلك فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط)،
__________
(1) في النسخة رقم 16 ما يحكمون (2) في النسخة رقم 14 والحمد لله (3) في النسخة رقم 14 قريب أو بعيد (4) في النسخة رقم 16 فهما حلال [ * ](9/47)
وذهب أبو حنيفة إلى أن من اشترى سلعة بثمن ما وقبض السلعة ثم باعها من البائع لها منه باقل من الثمن الذى اشتراها به قبل أن ينقد هو الثمن الذى كان اشتراها هو به فالبيع الثاني باطل فان باعها من الذى كان ابتاعها منه بدنانير وكان هو قد اشتراها بدراهم أو ابتاعها بدنانير ثم باعها من بائعها (1) بدراهم فان كان قيمة الثمن الثاني أقل من قيمة الثمن الاول فانه لا يجوز، فان كان اشتراها بدنانير أو بدراهم ثم باعها من الذى ابتاعها هو منه بسلعة جاز ذلك كان ثمنها أقل من الثمن الذى اشتراها به أو أكثر فان ابتاعها في كل ما ذكرنا بثمن ثم باعها من بائعها منه بثمن أكثر من الثمن الذى ابتاعها به منه فهو جائز، قال: وكل ما يحرم في هذه المسألة على البائع الاول فهو يحرم على شريكه في التجارة التى تلك
السلعة منها وعلى وكيله.
وعلى مدبره.
وعلى مكاتبه.
وعلى عبده المأذون له في التجارة، وقال مالك: من اشترى سلعة بثمن مسمى إلى أجل مسمى ثم ابتاعها هو من الذى ابتاعها منه بأكثر من ذلك الثمن إلى مثل ذلك الاجل لم يجز فان ابتاع سلعة ليست طعاما ولا شرابا بثمن مسمى ثم اشتراها منه الذى كان باعها منه قبل أن يقبضها منه بأقل من ذلك الثمن أو بأكثر فلا بأس به إلا أن يكون من أهل العينة وقد نقده الثمن فلا خير فيه فان ابتاع سلعة بثمن مسمى إلى أجل مسمى فانه لا يجوز له أن يبيعها من الذى باعها منه بثمن أقل من ذلك الثمن أو بسلعة تساوى أقل من ذلك الثمن نقدا والى أجل أقل من ذلك الاجل أو مثله لم يجز شئ من ذلك وله أن يبيعها من الذى باعها منه بثمن أكثر من ذلك الثمن نقدا أو إلى أجل أقل من ذلك الاجل أو مثله وليس له أن يبيعها من بائعها منه بثمن أكثر من ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الاجل ولا بسلعة تساوى أكثر من ذلك الثمن إلى أبعد من ذلك الاجل * قال أبو محمد: احتج اهل هذين القولين بما رويناه من طريق شعبة عن أبى اسحاق عن امرأته، ومن طريق يونس بن أبى اسحاق عن أمه العالية بنت أيفع بن شراحيل ثم اتفقا عنها قالت: دخلنا على عائشة أم المؤمنين.
وأم ولد لزيد بن أرقم فقالت أم ولد زيد بن أرقم: انى بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة إلى العطاء واشتريته بستمائة فقالت عائشة: أبلغي زيدا أنك قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن يتوب بئس ما اشتريت وبئس ماشريت قالت: أرأيت ان لم آخذ الا رأس مالى؟ قالت فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف فقالوا: مثل هذا الوعيد لا يقال بالرأى ولا فيما سبيله الاجتهاد فصح أنه توقيف * وبما روينا من طريق وكيع نا سفيان
__________
(1) في النسخة رقم 16 (من بائعها منه) [ * ](9/48)
الثوري عن سليمان التيمى عن حيان بن عمير القيسي عن ابن عباس في الرجل يبيع الجريرة
إلى رجل فكره أن يشتريها يعنى (1) بدون ما باعها وقالوا: هي دراهم بأكثر منها وقالوا: هذان أرادا الربا فتحيلا له بهذا البيع ما لهم شئ شغبوا به غير ما ذكرناه * فأما خبر امرأة ابى اسحاق ففاسد جدا لوجوه، أولها ان امرأة أبى اسحاق مجهولة الحال لم يرو عنها أحد غير زوجها.
وولدها يونس على أن يونس قد ضعفه شعبة بأقبح التضعيف.
وضعفة يحيى القطان.
وأحمد بن حنبل جدا وقال فيه شعبة: أما قال لكم: حدثنا ابن مسعود، والثانى انه قد صح انه مدلس وان امرأة أبى اسحاق لم تسمعه من أم المؤمنين وذلك انه لم يذكر عنها زوجها ولا ولدها انها سمعت سؤال المرأة لام المؤمنين ولا جواب أم المؤمنين لها انما في حديثها دخلت على أم المؤمنين أنا وأم ولد لزيد بن أرقم فسألتها أم ولد زيد ابن أرقم وهذا يمكن أن يكون ذلك السؤال في ذلك المجلس ويمكن أن يكون في غيره فوجدنا ما حدثناه على بن محمد بن عباد الانصاري نام حمد بن عبد الله بن محمد بن يزيد اللخمى نا ابن مفرج القاضى نا الحسن بن مروان القيسرانى نا ابراهيم بن معاوية نا محمد بن يوسف الفريابى نا سفيان الثوري عن أبى اسحاق السبيعى عن امرأة أبى السفر أنها باعت من زيد بن أرقم خادما لها بثمانمائة درهم إلى العطاء فاحتاج فابتاعتها منه بستمائة درهم فسألت عائشة أم المؤمنين؟ فقالت: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت مرارا أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده ان لم يتب قالت: فان لم آخذ الا رأس مالى قالت عائشة: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف * وما رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن ابى اسحق السبيعى عن امرأته قالت: سمعت امرأة أبى السفر تقول: سألت عائشة أم المؤمنين؟ فقلت بعت زيد بن أرقم خادما إلى العطاء بثمانمائة درهم وابتعتها منه بستمائة درهم فقالت لها عائشة: بئس ما شريت أو بئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن يتوب قالت: أفرأيت ان أخذت رأس مالى؟ قالت: لا بأس فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف، فبين سفيان الدفينة التى في هذا الحديث وانها لم تسمعه امرأة أبى اسحاق من أم المؤمنين وانما روته عن امرأة أبى السفر وهى التى باعت من زيد وهى أم ولد لزيد وهى في الجهالة
أشد وأقوى من امرأة أبى اسحاق فصارت مجهولة عن أشد منها جهالة ونكرة فبطل (2) جملة ولله تعالى الحمد، وليس بين يونس.
وبين سفيان نسبة في الثقة.
والحفظ.
فالرواية ما روى سفيان * والثالث ان من البرهان الواضح على كذب هذا الخبر ووضعه وانه لا يمكن أن يكون حقا أصلا ما فيه مما نسب إلى أم المؤمنين من أنها قالت: أبلغي زيد بن أرقم أنه قد
__________
(1) سقط لفظ يعنى من النسخة رقم 14 (2) في النسخة رقم 16 فبطلت [ * ](9/49)
أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لم يتب وزيد لم يفته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا غزوتان فقط بدر وأحد فقط وشهد معه عليه السلام سائر غزواته، وأنفق قبل الفتح وقاتل وشهد بيعة الرضوان تحت الشجرة بالحديبية ونزل فيه القرآن وشهد الله تعالى له بالصدق وبالجنة على لسان رسوله عليه السلام انه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، ونص القرآن بأن الله تعالى قد رضي عنه وعن أصحابه الذين بايعوا تحت الشجرة فوالله ما يبطل هذا كله ذنب من الذنوب غير الردة (1) عن الاسلام فقط وقد أعاذه الله تعالى منها برضاه عنه وأعاذ أم المؤمنين من أن تقول هذا الباطل * والرابع أنه يوضح كذب هذا الخبر أيضا أنه لو صح أن زيدا أتى أعظم الذنوب من الربا المصرح وهو لا يدرى انه حرام لكان مأجورا في ذلك أجرا واحدا غير آثم ولكان له من ذلك ما لابن عباس وضى الله عنه في اباحة الدرهم بالدرهمين جهارا يدا بيد وما لطلحة رضى الله عنه إذ أخذ دنانير مالك بن أوس ثم أخره بالدراهم في صرفها إلى مجئ خازنه من الغابة بحضرة عمر رضى الله عنه فما زاد عمر على منعه من تعليمه ولا زاد أبو سعيد على لقاء ابن عباس وتعليمه، وما أبطل عمر.
ولا أبو سعيد بذلك تكبيرة واحدة من عمل طلحة.
وابن عباس وكلا الوجهين بالنص الثابت ربا صراح، ولا شئ في الربا (2) فوقه فكيف يظن بأم المؤمنين ابطال جهاد زيد بن أرقم في شئ عمله مجتهدا لا نص في العالم يوجد بخلافه لا صحيح ولا من طريق واهية هذا والله الكذب المحض المقطوع به فليتب إلى الله تعالى من ينسبه إلى أم المؤمنين ومن يحرم به في دين الله تعالى ما لم
يحرمه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم * فهذه براهين اربعة في بطلان هذا الخبر وانه خرافة مكذوبة ثم نقول: إنه لو صح صحة الشمس لما كان لهم فيه حجة لوجوه أولها أنه قول من أم المؤمنين وما قولها بأولى من قول زيد وان كانت أفضل منه إذا تنازعا لان الله تعالى يقول: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) ولم يأمرنا (3) بالرد إلى احد دون القرآن والسنة، والثانى ان نقول لهم كم قولة رددتموها لام المؤمنين بالدعاوي الفاسدة كبيعها المدبرة واباحتها الاشتراط في الحج فاطرحتم حكمها وتعلقتم بمخالفة عمر لها في المدبرة، وصح عن عمر من قدم ثقله من منى قبل ان ينفر فلا حج له والاشتراط في الحج فاطرحتم قول عمر ولم تقولوا: مثل هذا لا يقال بالرأى فلم يبق الا انه توقيف وخالفتموه لقول ابنه: لا أعرف الاشتراط في الحج فمرة يكون قول أم المؤمنين حجة ومرة لا يشتغل به ومرة تكون عائشة حجة على زيد بن أرقم.
وعمر حجة على عائشة.
وابن عمر حجة على عمر وغير ابن عمر حجة على ابن عمر، وهذا هو التلاعب بالدين وبالحقائق،
__________
(1) في النسخة رقم 14 الا الردة (2) في النسخة رقم 14 لا شئ في الربا (3) في النسخة رقم 14 (فأمر) [ * ](9/50)
والثالث أن ابن عمر قد صح عنه ما أوردناه في الباب الذى قبل هذا من قوله: وددت انى رأيت الايدى تقطع في بيع المصاحف فهلا قلتم مثل هذا لا يقال بالرأى كما قلتم ههنا، والرابع أن من الضلال العظيم أن يظن أن عندها رضى الله عنها في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثرا ثم تكتمه فلا ترويه لاحد من خلق الله تعالى حاشا لها من ذلك من أن تكتم ما عندها من البينات والهدى فما حصلوا الا على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقويله ما لم يقله فط إذ لو قاله لكان محفوظا بحفظ الله تعالى حتى يبلغ إلى أمته والكذب على أم المؤمنين، والخامس انها أنكرت البيع إلى العطاء بقولها بئس ما شريت والمالكيون يبيحونه بمثل هذا، وهذا عجب جدا نصف كلامها حجة ونصفه ليس بحجة، والسادس اننا روينا من طريق سعيد ابن منصور عن خديج بن معاوية عن أبى اسحاق السبيعى عن أم محبة ختنة أبى السفر انها
نذرت مشيا إلى مكة فعجزت فقال لها ابن عباس: هل لك ابنة تمش عنك؟ قالت: نعم ولكنها أعظم في نفسها من ذلك * فان كانت هذه الطريق لا حجة فيها فهى تلك نفسها أو مثلها بل قد جاء في حديث زيد بن أرقم عن أم محبة أيضا، ان كان ذلك الخبر حجة فهذا حجة والا فقد حصل التناقض فظهر فساد هذا الاحتجاج جملة ولله تعالى الحمد * وأما خبر ابن عباس فهو رأى منه وقد خالفه ابن عمر كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان عن ليث عن مجاهد قال: ذكر لابن عمر رجل باع سرجا بنقد ثم أراد أن يبتاعه بدون ما باعه قبل أن ينتقد فقال أبن عمر: لعله لو باعه من غيره باعه بدون ذلك ولم ير به بأسا، وكم قصة لابن عباس خالفوه فيها كما ذكر نا قبل هذا آنفا فسقط تعلقهم بابن عباس * وروينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين قال: لا بأس بان يشترى الشئ إلى أجل ثم يبيعه من الذى اشتراه منه باقل من الثمن إذا قاصصه * قال أبو محمد: وأما قولهم: انها دراهم بأكثر منها فعجب لا نظير له جدا وقد قلت لبعضهم: ما تقولون فيمن باع سلعة إلى أجل بدينار (1) ثم اشتراها بنقد بدينارين؟ فقال: حلال فقلت له: ومن أين وجب أن يكون إذ باعه بدينارين واشتراه بدينار ربا ودينارا بدينارين ولم يجب إذا باعه بدينار إلى أجل واشتراه بدينارين أن يكون ربا ودينارا بدينارين وهل في الهوس أعظم من أن يببع زيد من عمرو دينارا بدينارين فيكون ربا ويبيع منه دينارين بدينار فلا يكون ربا ليت شعرى في أي دين وجدتم هذا؟ أم في أي عقل؟ فما أتى بقرق ولا يأتون به أبدا * وأما قولهم: انهما أرادا الربا كما ذكرنا فتحيلا بهذا
__________
(1) في النسخة رقم 16 بدنانير ويشهد لما هنا اتفاق النسختين بعد على ما هنا والله اعلم [ * ](9/51)
العمل فجوابهم (1) انهما ان كانا أرادا الربا كما ذكرتم فتحيلا بهذا العمل فبارك الله فيهما فقد احسنا ما شاءا إذ هربا من الربا الحرام إلى البيع الحلال وفرا من معصية الله تعالى إلى
ما أحل ولقد أساء ما شاء من أنكر هذا عليهما وأثم مرتين لانكاره احسانهما ثم لظنه بهما ما لعلهما لم يخطر ببالهما، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الظن أكذب الحديث) * وأما أقوال أبى حنيفة، ومالك في هذه المسألة فقد ذكرنا طرفا يسيرا من تقسيمهما وكل من تأمله يرى أنها تقاسيم في غاية الفساد.
والتناقض.
كتفريق أبى حنيفة بين ابتياعه بسلعة وبين ابتياعه بدنانير وفى كلا الوجهين انما باع بدراهم، وكتحريمه ذلك على وكيله وشريكه، وكتفريق مالك بين ابتياعه باكثر مما كان باعها به فيراه حلالا وبين ابتياعه بأقل فيراه حراما، وهذه عجائب بلا دليل كما ترى، ثم أن أبا حنيفة أوهم أنه أخذ بخبر عائشة رضى الله عنها ولم يأخذ به لانه يرى ذلك فيمن باع بثمن حال ما لم ينتقد جميع الثمن وليس هذا في خبر عائشة أصلا وبالله تعالى التوفيق * 1559 مسألة وبيع دور مكة أعزها الله تعالى وابتياعها حلال وقد ذكرناه في كتاب الحج فاغنى عن اعادتة * 1560 مسألة وبيع الاعمى.
أو ابتياعه بالصفة جائز كالصحيح ولا فرق لانه لم يأت قرآن.
ولا سنة بالفرق بين شئ في شئ من ذلك وأحل الله البيع فدخل في ذلك الاعمى.
والبصير وبالله تعالى التوفيق * 1561 مسألة وبيع العبد وابتياعه بغير اذن سيده جائز ما لم ينتزع سيده ماله فان انتزعه فهو حينئذ مال السيد لا يحل للعبد التصرف فيه * برهان ذلك قول الله تعالى: (وأحل الله البيع) فلم يخص حرا من عبد، وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فلو كان بيع العبد ماله بغير اذن سيده حراما لفصله عزوجل لنا ولما الجأنا فيه إلى الظنون الكاذبة، والآراء المدبرة، فإذ لم يفصل لنا تحريمه فصح أنه حلال غير حرام وقد ذكرنا في كتاب الزكاة من ديواننا هذا وغيره صحة ملك العبد لماله: وأما انتزاع السيد مال العبد فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أعطى الحجام أجره وسأل عن ضريبته؟ فامر مواليه أن يخففوا عنه منها * روينا من طريق مسلم نا عبد بن حميد أنا عبد الرزاق أنا معمر عن عاصم
عن الشعبي عن ابن عباس [ قال ] (2) (حجم النبي صلى الله عليه وسلم عبد لبنى بياضة فاعطاه النبي صلى الله عليه وسلم أجره وكلم سيده فخفف عنه من ضريبته)، فصح أن العبد يملك لانه عليه السلام أعطاه اجره فلو لم يكن له ما أعطاه ما ليس له وصح أن للسيد أخذه بأمره عليه السلام بان يخفف
__________
(1) في النسخة رقم 14 فجوابنا (2) الزيادة من صحيح مسلم وهو فيه مطول [ * ](9/52)
عنه من خراجه فصح أن مال العبد له ما لم ينتزعه سيده وصح أن للسيد أخذ كسب عبده لنفسه * واختلف الناس في هذا فقال أبو حنيفة: إذا ادان العبد ببيع أو ابتياع بغير اذن سيده فهى جناية في رقبته ويلزم السيد فكه بها أو اسلامه إلى صاحب دينه * قال أبو محمد: أول ما يقال لهم: من أين قلتم هذا؟ وليس هذا الحكم موجودا في قرآن.
ولا سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قول صاحب.
ولا قياس.
ولا رأى يعقل له وجه بل هو ضد ذلك كله قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) فبطل أن يكسب الحر أو العبد على سيده أو على غير نفسه الا حيث أوجبه النص كالعاقلة، ثم وجه آخر وهو قوله: ان البيع والابتياع جناية وهذا تخليط آخر، وقال مالك: إذا تداين العبد بغير اذن سيده فلسيده فسخ الدين عنه وهذا باطل شنيع لانه اباحة لاكل أموال الناس بالباطل وقد حرمه الله تعالى.
ورسوله عليه السلام قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) ومن عجائب الدنيا أنهم يوجبون على من لم يبلغ جزاء ما جنى وكذلك المجنون ثم يسقطون البيع الواجب عن العبد العاقل ثم أتوا من ذلك بقول لم يأت قط في قرآن.
ولا سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قول أحد قبل مالك نعلمه: ولا في قياس.
ولا رأى له وجه * وعجب آخر وهو أنهم يقولون: ان وجدت السلعة التى اشترى العبد بيده وجب ردها إلى صاحبها فليت شعرى من اين وجب ازالة السلعة عن يد العبد ولم يجب اغرامه الثمن عنها ان لم توجد ولئن كانت السلعة
مال البائع فان الثمن ماله ولئن كان الثمن ليس هو مال البائع فان السلعة ليست ماله بل قد عكس الامر ههنا أقبح العكس (1) وأوضحه فسادا لانه رد إلى البائع سلعة قد بطل ملكه عنها وصح ملك العبد المشترى عليها فاعطاه ما ليس له ولم يعطه الثمن الذى هو له بلا شك وهذه طوام لا نظير لها، وقال الشافعي: بل الثمن دين عليه في ذمته إذا أعتق يوما ما وهذا قول في غاية الفساد لانه ان كان الثمن لازما للعقد فلاى معنى يؤخر به إلى أن يعتق: ولئن كان الثمن ليس لازما الآن فلا يجوز اغرامه اياه إذا أعتق، ولئن كان ابتياعه صحيحا فان الثمن عليه الآن واجب، ولئن كان ابتياعه فاسدا فما يلزمه ثمن انما يلزمه قيمة ما أتلف فقط، فهذه آراء فاسدة متخاذلة متناقضة لا دليل على صحة شئ منها واختلافهم فيها دليل (2) على أنها ليست من عند الله عزوجل فتيقن (3) كل موقن سقوطها كلها، وقولنا هو قول أبى سليمان وأصحابنا، قد ذكرناه أيضا عن الحسن بن على رضى الله عنهما
__________
(1) في النسخة رقم 16 أقبح عكس (2) في النسخة رقم 14 برهان (3) في النسخة رقم 16 ليتيقن [ * ](9/53)
وعن غيره وبالله تعالى التوفيق * 1562 مسألة وبيع المرأة مذ تبلغ البكر ذات الاب وغير ذات الاب والثيب ذات الزوج والتى لا زوج لها جائز وابتياعها كذلك لما ذكرناه قبل في كتاب الحجر من ديواننا هذا فاغنى عن اعادته وبالله تعالى التوفيق * 1563 مسألة ومن ملك معدنا له جاز بيعه لانه مال من ماله فان كان معدن ذهب لم يحل بيعه بذهب لانه ذهب بأكثر منه إذ الذهب مخلوق في معدنه كما هو وهو جائز بالفضة يدا بيد [ وبغير الفضة ] (1) نقدا والى أجل وحالا في الذمة فان كان معدن فضة جاز بيعه بفضة أو بذهب نقدا أو في الذمة والى اجل لانه لا فضة هنالك وانما يستحيل ترابه بالطبخ فضة، ومن خالفنا في هذا فقد أجاز بيع النخل لا ثمر فيها بالتمر نقدا وحالا (2) في الذمة ونسيئة والتمر يخرج منها، وكذلك اباح بيع الارض بالبر، وكل هذا سواء
وبالله تعالى التوفيق * 1564 مسألة وبيع الكلا جائز في أرض وبعد قلعه لانه مال من مال صاحب الارض وكل ما تولد من مال المرء فهو من ماله كالولد من الحيوان.
والثمر.
والنبات (3) واللبن.
والصوف.
وغير ذلك وأحل الله البيع ولم يأت نص بتحريم بيع شئ من ذلك كله وما كان ربك نسيا، وقد فصل لكم ما حرم عليكم، وقال أبو حنيفة، لا يحل بيع الكلا الا بعد قلعه * قال على: وما نعلم لهذا القول حجة أصلا وانما هو تقسيم فاسد، ودعوى ساقطة * فان ذكر ذاكر ما روينا من طريق حريز بن عثمان نا أبوخداش (أنه سمع رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: انه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث غزوات فسمعه يقول: المسلمون شركاء في ثلاث الماء.
والكلا.
والنار) ورواه أيضا حريز بن عثمان عن حبان بن زيد الشرعبى - وهو أبوخداش نفسه عن رجل من قرن * ومن طريق الحذافى أخبرني يزيد بن مسلم الجريرى قال لى وهب بن منبه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا السحت.
بيع الشجر.
واجارة الامة المسافحة.
وثمن الخمر) * ومن طريق ابى داود نا عبيد الله بن معاذ العنبري نا أبى نا كهمس عن سيار بن منظور الفزارى عن أبيه عن بهيسة عن أبيها سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما الذى لا يحل بيعه؟ فاجابه الماء.
والملح * قال أبو محمد: هذا كله لا شئ أبوخداش هو حبان بن زيد الشرعبى نفسه وهو مجهول، وأيضا فانه مخالف لقول الحنيفيين لانهم لا يختلفون في أن صاحب الماء أولى به ولا يشاركه فيه غيره، وكذلك صاحب النار فبطل تعلقهم بهذا الخبر، وأيضا فانهم
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 16 أو حالا (3) في النسخة رقم 14 والثياب [ * ](9/54)
لا يختلفون في أن من أخذ ماء في اناء أو كلا فجمعه فانه يبيعهما ولا يشاركه فيهما أحد، وهذا خلاف عموم الخبر فعاد حجة عليهم، فان قالوا: انما عنى به الكلا قبل أن يجمع قلنا: بل الكلا الثابت في الارض غير مملوكة، وهذا التأويل متفق عليه وتأويلكم دعوى
مختلف فيها لا برهان على صحته * وأما حديث وهب بن منبه فمنقطع ثم القول فيه وفى خلافهم له كالقول في حديث حريز بن عثمان ولا فرق، وحديث بهيسة مجهول عن مجهول عن مجهولة، ثم ليس فيه ذكر الكلا أصلا وكان يلزم المالكيين القائلين: بالمرسل الاخذ بهذه المراسيل لكنهم تناقضوا فتركوها، وروينا عن عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله ابن طاوس عن أبية أنه لم يجز لصاحب الارض بيع الكلا أرضه وأباح له أن يحميه لدوابه * ومن طريق عبد الرزاق عن وهب بن نافع أنه سمع عكرمة يقول، لا تأكلوا ثمن الشجر فانه سحت * وعن الحسن أنه كره بيع الكلا كله * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا اسماعيل بن اسحاق النصرى نا عيسى بن خبيب نا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد نا جدى محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى قال: قال لنا سفيان بن عيينة: ثلاث لا يمنعن.
الماء.
والكلا.
والنار فهؤلاء أخذوا بعموم هذه المراسيل فمن ادعى من أصحاب أبى حنيفة الخصوص (1) فقد كذب ولهذا أوردناها * 1565 مسألة وبيع الشطرنج والمزامير والعيدان والمعازف.
والطنابير حلال كله ومن كسر شيئا من ذلك ضمنه الا أن يكون صورة مصورة فلا ضمان على كاسرها لما ذكرنا قبل لانها مال من مال مالكها وكذلك بيع المغنيات وابتياعهن قال تعالى: (خلق لكم ما في الارض جميعا) وقال تعالى: (وأحل الله البيع) وقال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) ولم يأت نص بتحريم بيع شئ من ذلك، ورأى أبو حنيفة الضمان على من كسر شيئا من ذلك، واحتج المانعون بآثار لا تصح أو يصح بعضها ولا حجة لهم فيها وهى ماروينا من طريق أبى داود الطيالسي نا هشام عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلام عن عبد الله بن زيد بن الازرق عن عقبة بن عامر الجهنى قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل شئ يلهو به الرجل فباطل الا رمى الرجل بقوسه، أو تأديبه فرسه، أو ملاعبته امرأته فانهن من الحق)؟ عبد الله بن زيد بن الازرق مجهول * ومن طريق ابن أبى شيبة عن عيسى ابن يونس عن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر نا أبو سلام الدمشقي عن خالد بن زيد الجهنى قال
لى عقبة بن عامر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس لهو المؤمن الا ثلاث) ثم ذكره: خالد
__________
(1) لفظ الخصوص سقط من النسخة رقم 14 [ * ](9/55)
ابن زيد مجهول * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا سعيد نا ابن حفص نا موسى بن أعين عن خالد بن أبى يزيد حدثنى عبد الرحيم عن الزهري عن عطاء بن أبى رباح رأيت جابر بن عبد الله.
وجابر بن عبيد الانصاريين يرميان فقال أحدهما لآخر: (أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل شئ ليس من ذكر الله فهو لعب لا يكون أربعة.
ملاعبة الرجل امرأته.
وتأديب الرجل فرسه.
ومشى الرجل بين الغرضين: وتعليم الرجل السباحة) هذا حديث مغشوش مدلس دلسة سوء لان الزهري المذكور فيه ليس هو ابن شهاب لكنه رجل زهرى مجهول اسمه عبد الرحيم رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن وهب الحرانى عن محمد بن سلمة الحرانى عن أبى عبد الرحيم هو خالد بن أبى يزيد وهو خال محمد بن سلمة عن عبد الرحيم الزهري عن عطاء رأيت جابر بن عبد الله.
وجابر بن عبيد الانصاريين يرميان فقال أحدهما للآخر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل شئ ليس فيه ذكر الله تعالى فهو سهو ولعب الا أربعة.
ملاعبة الرجل امرأته.
وتأديب الرجل فرسه.
ومشيه بين الغرضين.
وتعليم الرجل السباحة) فسقط هذا الخبر * ورويناه أيضا من طريق أحمد ابن شعيب أنا اسحاق بن ابراهيم أنا محمد بن سلمة أنا أبو عبد الرحيم عن عبد الوهاب بن بخت عن عطاء بن أبى رباح رأيت جابر بن عبد الله، وجابر بن عبيد فذكره وفيه (كل شئ ليس من ذكر الله فهو لغو وسهو) عبد الوهاب بن بخت غير مشهور بالعدالة ثم ليس فيه الا أنه سهو ولغو وليس فيه تحريم، وروى من طريق العباس بن محمد الدوري عن محمد ابن كثير العبدى نا جعفر بن سليمان الضبعى عن سعيد بن أبى رزين عن أخيه عن ليث ابن أبى سليم عن عبد الرحمن بن سابط عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ان الله حرم المغنية وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها) فيه ليث وهو ضعيف،
وسعيد بن أبى رزين وهو مجهول لا يدرى من هو عن أخيه وما ادراك ما عن أخيه هو ما يعرف وقد سمي فكيف أخوه الذى لم يسم * وحدثنا أحمد بن عمر بن أنس نا أبو أحمد سهل بن محمد بن أحمد بن سهل المروزى نا لاحق بن الحسين المقدسي - قدم مرو - نا أبو المرجى ضرار بن على بن عمير القاضى الجيلاني نا أحمد بن سعيد بن عبد الله بن كثير الحمصى نا فرج بن فضالة عن يجيى بن سعيد عن محمد بن على بن الحنفية عن أبيه على ابن أبى طالب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا عملت أمتى خمس عشرة خصلة حل بها البلاء فذكر منهن (1) (واتخذوا القينات.
والمعازف فليتوقعوا عند ذلك ريحا حمراء ومسخا وخسقا) لاحق بن الحسين.
وضرار بن على.
والحمصي.
مجهولون.
وفرج
__________
(1) في النسخة رقم 14 فيها بدل منهن [ * ](9/56)
ابن فضالة حمصي متروك تركه يحيى.
وعبد الرحمن * ومن طريق فاسم بن أصبغ نا ابراهيم ابن اسحاق النيسابوري نا أبو عبيد بن الفضيل بن عياض نا أبو سعيد مولى بنى هاشم هو عبد الرحمن بن عبد الله نا عبد الرحمن بن العلاء عن محمد بن المهاجر عن كيسان مولى معاوية نا معاوية قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسع وانا أنهاكم عنهن الآن فذكر فيهن الغناء والنوح) محمد بن المهاجر ضعيف.
وكيسان مجهول * ومن طريق أبى داود نا مسلم بن ابراهيم نا سلام بن مسكين عن شيخ انه سمع أبا وائل يقول: سمعت ابن مسعود يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أن الغناء ينبت النفاق في القلب) عن شيخ عجب جدا * ومن طريق محمد بن أحمد بن الجهم نا محمد بن عبدوس نا ابن أبى شيبة نا زيد ابن الحباب عن معاوية بن صالح نا حاتم بن حريث عن مالك بن ابى مريم حدثنى عبد الرحمن ابن غنم حدثنى أبو مالك الاشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يشرب ناس من أمتى الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات (1) يخسف الله بهم الارض) معاوية بن صالح ضعيف وليس فيه ان الوعيد المذكور انما هو على المعازف كما أنه ليس
على اتخاذ القينات، والظاهر انه على استحلالهم الخمر بغير اسمها والديانة لا تؤخذ بالظن * حدثنا أحمد بن اسماعيل الحضرمي القاضى نا محمد بن أحمد بن الحلاض نا محمد بن القاسم ابن شعبان المصرى حدثنى ابراهيم بن عثمان بن سعيد نا أحمد بن الغمر بن أبى حماد بحمص.
ويزيد بن عبد الصمد نا عبيد بن هشام الحلبي هو ابن نعيم نا عبد الله بن المبارك عن مالك ابن أنس عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جلس إلى قينة فسمع (2) منها صب الله في أذنيه الآنك (3) يوم القيامة) هذا حديث موضوع مركب فضيحة ما عرف قط من طريق أنس ولا من رواية ابن المنكدر.
ولا من حديث مالك.
ولا من جهة ابن المبارك، وكل من دون ابن المبارك إلى ابن شعبان مجهولون، وابن شعبان في المالكيين نظير عبدالبافى بن قانع في الحنيفيين قد تأملنا حديثهما فوجدنا فيه البلاء البين.
والكذب البحت.
والوضع اللائح.
وعظيم الفضائح فاما تغير ذكرهما أو اختلطت كتبهما واما تعمدا الرواية عن كل من لا خير فيه من كذاب، ومغفل يقبل التلقين.
وأما الثالثة وهى ثالثة الاثافي أن يكون البلاء من قبلهما ونسأل الله العافية.
والصدق.
وصواب الاختيار * ومن طريق ابن شعبان قال: روى هاشم بن ناصح عن عمر بن موسى عن مكحول عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه) هاشم.
وعمر مجهولان ومكحول لم يلق عائشة.
وحديث لا ندرى له طريقا انما
__________
(1) في النسخة رقم 16 يضرب على رؤوسهن المعازف والمغنيات (2) في النسخة رقم 16 يسمع (3) هو الرصاص الابيض وقيل الاسود [ * ](9/57)
ذكروه هكذا مطلقا ان الله تعالى (نهى عن صوتين ملعونين صوت نائحة وصوت مغنية) وهذا لا شئ * ومن طريق سعيد بن منصور نا اسماعيل بن عياش عن مطرح بن يزيد نا عبيدالله بن زحر عن على بن يزيد عن القاسم عن أبى أمامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن وثمنهن حرام وقد نزل تصديق ذلك في كتاب الله: (ومن
الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم) الاية، والذى نفسي بيده ما رفع رجل قط عقيرة صوته بغناء الا ارتدفه شيطانان يضربانه على صدره وظهره حتى يسكت) اسماعيل ضعيف.
ومطرح مجهول.
وعبيد الله بن زحر ضعيف.
والقاسم ضعيف.
وعلى بن يزيد دمشقي مطرح متروك الحديث * ومن طريق عبد الملك بن حبيب الاندلسي عن عبد العزيز الاويسى عن اسماعيل بن عياش عن على بن يزيد عن القاسم ابن عبد الرحمن عن أبى أمامة الباهلى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل تعليم المغنيات ولا شراؤهن ولا بيعهن ولا اتخاذهن وثمنهن حرام وقد انزل الله ذلك في كتابه ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم والذى نفسي بيده ما رفع رجل عقيرته بالغناء الا ارتدفه شيطانان يضربان بأرجلهما صدره وظهره حتى يسكت) * ومن طريق ابن حبيب أيضا نا ابن معبد عن موسى بن أعين عن القاسم عن عبد الرحمن عن أبى امامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أن الله حرم تعليم المغنيات وشراءهن وبيعهن وأكل أثمانهن) أما الاول فعبد المالك هالك.
واسماعيل بن عياش ضعيف.
وعلى بن يزيد ضعيف متروك الحديث.
والقاسم بن عبد الرحمن ضعيف * والثانى عن عبد الملك.
والقاسم أيضا.
وموسى بن أعين ضعيف * ومن طريق عبد الملك بن حبيب عن عبد العزيز الاويسى عن عبد الله بن عمر قال قال رجل: يا رسول الله لى ابل أفأحدو فيها قال: نعم قال أفأغنى فيها؟ قال: اعلم ان المغنى أذناه بيد شيطان يرغمه حتى يسكت، هذا عبد الملك والعمرى الصغير وهو ضعيف * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو داود هو سليم بن سالم بصرى نا حسان بن أبى سنان عن رجل عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يمسخ قوم من أمتى في آخر الزمان قردة.
وخنازير قالوا: يا رسول الله يشهدون أن لا اله الا الله وانك رسول الله؟ قال: نعم ويصلون ويصومون ويحجون قالوا: فما بالهم يا رسول الله؟ قال: اتخذوا المعازف: والقينات: والدفوف ويشربون هذه الاشربة فباتوا (1) على لهوهم وشرابهم فأصبحوا قردة وخنازير) هذا عن رجل
لم يسم ولم يدر (2) من هو * ومن طريق سعيد بن منصور أيضا نا الحارث بن نبهان
__________
(1) في النسخة رقم 16 فيباتون (2) في النسخة رقم 16 ولا يدرى [ * ](9/58)
نا فرقد السبخى عن عاصم بن عمرو عن أبى أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تبيت طائفة من أمتى على لهو ولعب.
وأكل وشرب فيصبحوا قردة وخنازير يكون فيها خسف وقذف ويبعث على حى من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نسفت من كان قبلهم باستحلالهم الحرام ولبسهم الحرير.
وضربهم الدفوف.
واتخاذهم القيان) الحارث ابن نبهان لا يكتب حديثه.
وفرقد السبخى ضعيف نعم.
وسليم بن سالم.
وحسان ابن ابى سنان.
وعاصم بن عمرو لا أعرفهم فسقط هذان الخبران بيقين * ومن طريق سعيد ابن منصور نا فرج بن فضالة عن على بن يزيد عن القاسم عن أبى أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله بعثنى رحمة للعالمين وأمرني بمحو المعازف.
والمزامير.
والاوثان.
والصلب لا يحل بيعهن ولا شراؤهن ولا تعليمهن ولا التجارة بهن وثمنهن حرام) نعنى الضوارب، القاسم ضعيف * ومن طريق البخاري قال هشام بن عمار: نا صدقة ابن خالد نا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر نا عطية بن قيس الكلابي حدثنى عبد الرحمن بن غنم الاشعري [ قال ] (1) حدثنى أبو عامر أو أبو مالك الاشعري ووالله ما كذبني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليكونن من أمتى قوم (2) يستحلون الخز (3) والحرير والخمر.
والمعازف) وهذا منقطع لم يتصل ما بين البخاري.
وصدقة بن خالد، ولا يصح في هذا الباب شئ أبدا وكل ما فيه فموضوع، ووالله لو أسند جميعه أو واحد منه فاكثر من طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ترددنا في الاخذ به، ولو كان مافى هذه الاخبار حقا من أنه لا يحل بيعهن لوجب أن يحد من وطئهن بالشراء وأن لا يلحق به ولده منها، ثم ليس فيها تحريم ملكهن وقد تكون أشياء يحرم بيعها ويحل ملكها وتمليكها (4) كالماء.
والهر.
والكلب، هذا كل ما حضرنا ذكره مما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم *
وأما عمن دونه عليه السلام فروينا من طريق ابن أبى شيبة نا حاتم بن اسماعيل عن حميد بن صخر عن عمار الدهنى عن سعيد بن جبير عن أبى الصهباء عن أبن مسعود في قول الله تعالى: (ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) الاية فقال: الغناء والذى لا اله غيره * ومن طريق وكيع عن ابن أبى ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس في هذه الاية قال كالغناء وشراء المغنية * ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن فضيل عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الاية قال: الغناء ونحوه * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن عبد الكريم الجزرى عن أبى هاشم الكوفى عن ابن عباس
__________
(1) الزيادة من صحيح البخاري (2) في صحيح البخاري اقوام وهو مطول فيه اختصره المصنف واقتصر على محل الشاهد منه (3) في النسخة رقم 14 بخاء معجمة وما هنا موافق لصحيح البخاري (4) في النسخة رقم 16 تملكها [ * ](9/59)
قال: الدف حرام والمعازف حرام: والمزمار حرام.
والكوبة (1) حرام * من طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم قال: الغناء يثبت النفاق في القلب * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو وكيع (2) عن منصور عن ابراهيم قال: كان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يخرقون الدفوف * ومن طريق ابن أبى شيبة نا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبى ثابت عن مجاهد في قول الله تعالى: (ومن الناس من يشترى لهو الحديث) قال: الغناء، وهو أيضا قول حبيب بن أبى ثابت * ومن طريق ابن ابى شيبة نا عبدة بن سليمان عن اسماعيل بن أبى خالد عن شعيب عن عكرمة في هذه الآية قال: هو الغناء * قال أبو محمد: لا حجة في هذا كله لوجوه، أحدها أنه لا حجة لاحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثانى أنه قد خالف غيرهم من الصحابة والتابعين، والثالث أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها لانه فيها (ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) وهذه صفة من فعلها كان كافرا بلا خلاف
إذا اتخذ سبيل الله تعالى هزوا، ولو أن امرءا اشترى مصحفا ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزوا لكان كافرا، فهذا هو الذى ذم الله وما ذم قط عزوجل من اشترى لهو الحديث ليلتهى به ويروح نفسه لا ليضل عن سبيل الله تعالى فبطل تعلقهم بقول كل من ذكرنا، وكذلك من اشتغل عامدا عن الصلاة بقراءة القرآن.
أو بقراءة السنن: أو بحديث يتحدث به أو بنظر في ماله أو بغناء أو بغير ذلك عهو فاسق عاص لله تعالى.
ومن لم يضيع شيئا من الفرائض اشتغالا بما ذكرنا فهو محسن * واحتجوا فقالو: من الحق الغناء أم من غير الحق ولا سبيل إلى قسم ثالث؟ فقالوا: وقد قال الله عزوجل: (فماذا بعد الحق الا الضلال) فجوابنا وبالله تعالى التوفيق ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انما الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) فمن نوى باستماع الغناء عونا على معصية الله تعالى فهو فاسق وكذلك كل شئ غير الغناء ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عزوجل وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن وفعله هذا من الحق ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه كخروج الانسان إلى بستانه متنزها وقعوده على باب داره متفرجا وصباغه ثوبه لازورديا أو أخضر أو غير ذلك ومد ساقه وقبضها (1) وسائر أفعاله فبطل كل ما شغبوا به بطلانا متيقنا ولله تعالى الحمد، وما نعلم لهم شبهة غير ما ذكرنا
__________
(1) قال ابن الاثير في النهاية، هي النرد وقيل الطبل وقيل البربط (2) في النسخة رقم 16 نا وكيع (3) في النسخة رقم 14 ومد ساقيها وقبضها [ * ](9/60)
وأما الشطرنج فروينا من طريق عبد الملك بن حبيب حدثنى عبد الملك بن الماجشون عن المغيرة عن محمد بن كعب القرظى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من لعب بالميسر يعنى النرد والشطرنج ثم قام يصلى مثل الذى يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يصلى أفنقول: يقبل الله صلاته)؟ هذا مرسل وعبد الملك ساقط، وعبد الملك بن الماجشون ضعيف *
وهذا الخبر حجة على المالكيين.
والحنيفيين القائلين بالمرسل لانهم يلزمهم الاخذ به فينقضون الوضوء بلعب الشطرنج فان تركوه تناقضوا وتلاعبوا * ومن طريق عبد الملك ابن حبيب نا أسد بن موسى.
وعلى بن معبد عن ابن جريج عن حبة بن سلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الشطرنج ملعونة ملعون من لعب بها والناظر إليها كاكل لحم الخنزير، ابن حبيب لا شئ، وأسد ضعيف وحبة بن سلم مجهول وهو منقطع * ومن طريق ابن حبيب حدثنا الحذامى عن ابن أبى رواد عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان أشد الناس عذابا يوم القيامة صاحب الشاة الذى يقول قتلته والله اهلكته والله استأصلته والله افكا وزورا وكذبا على الله) عبد الملك لا شئ وهو منقطع * ورووا في ذلك عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما روينا من طريق ابن حبيب عن اصبغ بن الفرج عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن أبى قبيل عن عقبة بن عامر الجهنى أنه قال: لان اعبد وثنا من دون الله تعالى أحب إلى من ألعب بالشطرنج، هذا كذب بحت ومعاذ الله أن يقول صاحب إن عبادة الاوثان من دون الله تعالى يعدلها شئ من الذنوب فكيف أن يكون الكفر اخف منها؟ ويحيى ابن ايوب لا شئ.
وأبو قبيل غير مذكور بالعدالة ومن طريق ابن حبيب عن على ابن معبد، وأسد بن موسى عن رجالهما أن على بن أبى طالب مر برجال يلعبون بشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون؟ لان يمسك أحدكم جمرة حتى تطفى خير له من أن يمسها لولا ان تكون سنة لضربت بها وجوهكم ثم أمر بهم فحبسوا، هذا منقطع وفيه ابن حبيب ما نعلم لهم شيئا غير ما ذكرنا * والجواب عن قولهم أهو من الحق أم من الباطل؟ كجوابنا في الغناء ولا فرق وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: فلما لم يأت عن الله تعالى ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم تفصيل بتحريم شئ مما ذكرنا صح أنه كله حلال مطلق، فكيف وقد روينا من طريق مسلم حدثنى هارون بن سعيد الايلى حدثنى ابن وهب انا عمرو هو ابن الحارث انا ابن شهاب حدثه عن عورة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين: (أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان
تغنيان وتضربان ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه وقال: دعهما يا أبا بكر فانها أيام عيد) * وبه(9/61)
أيضا (1) إلى عمرو بن الحارث أن محمد بن عبد الرحمن هو أبو الأسود حدثه عن عروة ابن الزبير عن عائشة أم المؤمنين: (قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني وقال لى: أمزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهما) فان قيل: قد رويتم هذا الخبر من طريق أبى أسامة (2) عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وقال فيه: وليستا بمغنيتين قلنا: نعم ولكنها قد قالت انهما كانتا تغنيان فالغناء منها قد صح: وقولها ليستا بمغنيتين أي ليستا بمحسنتين، وهذا كله لا حجة فيه انما الحجة في انكاره صلى الله عليه وسلم على أبى بكر قوله: أمزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصح أنه مباح مطلق لا كراهية فيه وان من أنكره فقد أخطأ بلا شك * ومن طريق أبى داود نا أحمد بن عبيد الغدانى نا الوليد بن مسلم نا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن نافع مولى ابن عمر قال: سمع ابن عمر مزمارا فوضع اصبعيه في أذنيه ونأى عن الطريق وقال لى: يا نافع هل تسمع شيئا؟ قلت: لا فرفع أصبعيه من أذنيه وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وسمع مثل هذا وضع مثل هذا * قال أبو محمد: هذه هي الحجة القاطعة بصحة هذه الاسانيد ولو كان المزمار حراما سماعه لما اباح عليه السلام لابن عمر سماعه ولو كان عند ابن عمر حراما سماعه لما أباح لنافع سماعه ولامر عليه السلام بكسره وبالسكوت عنه فما فعل عليه السلام شيئا من ذلك وانما تجنب عليه السلام سماعه كتجنبه أكثر المباح من أكثر أمور الدنيا كتجنبه الاكل متكئا وأن يبيت عنده دينار أو درهم وان يعلق الستر على سهوة في البيت والستر الموشى في بيت فاطمة فقط وبالله تعالى التوفيق * ومن طريق مسلم بن الحجاج نا زهير بن حرب نا
جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم حتى وضعت رأسي على منكبه فجعلت أنظر إلى لعبهم حتى كنت أنا التى انصرفت عن النظر * وروينا من طريق سفيان الثوري عن أبى اسحاق السبيعى عن عامر بن سعد البجلى انه رأى أبا مسعود البدرى.
وقرظة بن كعب.
وثابت بن يزيد وهم في عرس وعندهم غناء فقلت لهم: هذا وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا: انه رخص لنا في الغناء في العرس والبكاء على الميت من غير نوح، ليس فيه النهى عن الغناء في غير العرس * ومن طريق حماد بن زيدا أيوب السختيانى.
وهشام بن حسان وسلمة هو ابن كهيل دخل حديث بعضهم في حديث بعض كلهم عن محمد بن سيرين
__________
(1) في النسخة رقم 16 به نصا (2) في النسخة رقم 14 فان قيل روى هذا الخبر أبو اسامة الخ [ * ](9/62)
أن رجلا قدم المدينة بجوار فأتى إلى عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه فأمر جارية منهن فأحدت قال أيوب: بالدف، وقال هشام: بالعود حتى ظن ابن عمر أنه قد نظر إلى ذلك فقال ابن عمر: حسبك سائر اليوم من مزمور الشيطان فساومه ثم جاء الرجل إلى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن ان غبنت بسبعمائة درهم فأتى ابن عمر إلى عبد الله بن جعفر فقال له: انه غبن بسبعمائة درهم فاما أن تعطيها اياه واما أن ترد عليه بيعه فقال: بل نعطيها اياه، فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعى في بيع المغنية، وهذه أسانيد صحيحة لا تلك الملفقات الموضوعة * ومن طريق وكيع نا فضيل بن مرزوق عن ميسرة الهندي قال: مر على بن أبى طالب بقوم يلعبون بالشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون، فلم ينكر الا التماثيل فقط، وهذا هو الصحيح عنه لا تلك الزيادة المكذوبة التى رواها من لا خير فيه * فان قيل: قد روى أعلنوا النكاح وأضربوا عليه بالغربال قلنا: هذا ساقط لانه من طريق عبد الملك بن حبيب عن اصبغ عن السبيعى عن ربيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله، وعبد الملك ساقط، والسبيعى مجهول، ثم هو منقطع * فان قيل: الدف
مجمع عليه * قلنا: هذا الباطل * روينا من أصح طريق عن يحيى بن سعيد القطان نا سفيان الثوري حدثنى منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي أن أصحاب ابن مسعود كانوا يستقبلون الجوارى في المدينة (1) معهن الدفوف فيشققونها * وقد جاء عن سعيد بن جبير.
ومحمد بن سيرين انهما كانا يحسنان اللعب بالشطرنج وعن سعيد بن ابراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف أنه كان يغنى بالعود وبالله تعالى التوفيق * 1566 مسألة والبيع في المسجد مكروه وهو جائز لا يرد، والبيع قبل طلوع الشمس جائز.
وابتياع المرء ما ليس عنده ثمنه جائز لقول الله تعالى: (وأحل الله البيع) وقد رويت في ذلك آثار لا تصح روى الربيع بن حبيب عن نوقل بن عبد الله عن أبيه وكلهم مجهولون عن على نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السوم قبل طلوع الشمس * ومن طريق ابن وهب أخبرني أسامة هو ابن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع والشراء (2) في المسجد * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحلق في المسجد قبل الصلاة، وعن البيع.
والشراء في المسجد، هذه صحيفة * ومن طريق أبى داود عن عثمان بن أبى شيبة عن وكيع عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع من غيره بيعا وليس عنده ثمنه فاربح فيه فباعه وتصدق بالثمن
__________
(1) في النسخة رقم 14 في الازقة (2) في النسخة رقم 16 والاشتراء [ * ](9/63)
على ارامل بنى عبد المطلب ثم قال: لا اشترى بعدها شيئا الا وعندي ثمنه) سماك.
وشريك ضعيفان * وروى (1) من طريق الدراوردى عن يزيد بن خصيف عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الرجل ينشد في المسجد فقولوا له لا رد الله عليك وإذا رأيتموه يبيع فقولوا له: لا أربح الله تجارتك) ليس فيه منع (2) من البيع ولكنها كراهية *
1567 مسألة والحكرة المضرة بالناس حرام سواء في الابتياع أو في أمساك ما ابتاع ويمنع من ذلك والمحتكر في وقت رخاء ليس آثما بل هو محسن لان الجلاب إذا أسرعوا البيع أكثروا الجلب وإذا بارت سلعتهم ولم يجدوا لها مبتاعا تركوا الجلب فاضر ذلك بالمسلمين قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) فان قيل: فانكم تصححون الحديث من طريق محمد بن عجلان عن محمد ابن عمرو بن عطاء عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحتكر الا خاطئ قلنا: نعم ولكننا روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبس نفقة أهله سنة ثم يجعل ما بقى من ثمرة (3) مجعل مال الله) فهذا النبي عليه السلام قد احتبس قوت أهله سنة ولم يمنع من أكثر فصح أن امساك ما لابد منه مباح والشراء مباح والمذكور بالذم هو غير المباح بلا شك فهذا الاحتكار الذى ذكرناه (4) وكل احتكار فانه امساك والاحتكار مذموم وليس كل امساك مذموما بل هو مباح حتى يقوم دليل (5) بالمنع من شئ منه فهو المذموم حينئذ وبالله تعالى التوفيق * وقد روينا حديثا من طريق يزيد بن هارون عن أصبغ بن زيد الجهنى عن أبى بشر عن أبى الزاهرية عن كثير بن مرة الحضرمي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من احتكر طعاما أربعين يوما فقد برئ من الله وبرئ الله منه، وهذا لا يصح لان اصبغ بن زيد، وكثير بن مرة مجهولان (6) * وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمى عن
__________
(1) سقط لفظ روى من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 14 منعه (3) في النسخة رقم 14 من تمر (4) في النسخة رقم 14 الذى ذكرنا (5) في النسخة رقم 14 برهان (6) قال ابن النقاش فيما كتبه عن المحلى اعترض به على المصنف ونقله عنه مصحح النسخة رقم 14، لما فهم أبو محمد من الاحتكار في هذا الحديث مطلقه ضعف الحديث فلو حمله على الشراء في وقت الغلاء كما قال أولا كان أليق وهو معنى الحديث، وأيضا فعجب عظيم من هذا الامام كيف جعل هذين الرجلين مجهولين وهما معروفان فاما كثير بن مرة فروى له أصحاب السنن الاربعة
وروى عن الصحابة وقيل انه ادرك سبعين بدريا ووثقه اهل الحديث وله ترجمة حسنة في التذهيب والتهذيب وغيرهما وأما أصبغ بن زيد فهو جهنى مولاهم واسطى ناسخ المصاحف من اقران هشيم وثقه ابن معين والنسائي والدار قطني، وروى عنه عشرة انفس وان كان بعضهم وهاه بلا حجة فالحديث صحيح ان شاء الله تعالى [ * ](9/64)
ليث بن أبى سليم أخبرني أبو الحكم أن على بن أبى طالب أحرق طعاما احتكر بمائة ألف * ومن طريق ابن أبى شيبة نا حميد بن عبد الرحمن الروءاسى عن الحسن بن حى عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن قيس قال: قال: حبيش أحرق لى على بن أبى طالب بيادر بالسواد كنت احتكرتها لو تركها لربحت فيها مثل عطاء الكوفة، البيادر أنادر الطعام * قال أبو محمد: وهذا بحضرة الصحابة ويلزم من شنع بمثل هذا أن يأخذ به * 1568 مسألة وان كان التجار المسلمون إذا دخلوا أرض الحرب أذلوا بها وجرت عليهم أحكام الكفار فالتجارة إلى أرض الحرب حرام ويمنعون من ذلك والا فنكرهها فقط والبيع منهم جائز الا ما يتقوون به على المسلمين من دواب أو سلاح أو حديد أو غير ذلك فلا يحل بيع شئ من ذلك منهم أصلا قال تعالى: (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الاعلون) فالدخول إليهم بحيث تجرى على الداخل احكامهم وهن وانسفال ودعاء إلى السلم وهذا كله محرم وقال تعالى: (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) فتقويتهم بالبيع وغيره (1) مما يقوون به على المسلمين حرام وينكل من فعل ذلك ويبالغ في طول حبسه * 1569 مسألة ومن اشترى سلعة على السلامة من العيوب فوجدها معيبة فهى صفقة مفسوخة كلها لا خيار له في امساكها الا بأن يجددا (2) فيها بيعا آخر بتراض منهما لان المعيب بلا شك غير السالم وهو انما اشترى سالما فأعطي معيبا فالذي أعطى غير الذى اشترى فلا يحل له ما لم يشتر لانه أكل مال بالباطل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وقال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن
تراض منكم) وقد ذكرنا كلاما كثيرا في هذه المسألة فيما سلف من كتابنا هذا، وفى هذا كقاية (3) وبالله تعالى التوفيق * 1570 مسألة فان لم يشترط السلامة ولا بين له معيب فوجد عيبا فهو مخير بين امساك أو رد فان أمسك فلا شئ له لانه قد رضى بعين (4) ما اشترى فله أن يستصحب رضاه وله أن يرد جميع (5) الصفقة لانه وجد خديعة وغشا وغبنا والغش.
والخديعة حرامان (6) وليس له أن يمسك ما اشترى ويرجع بقيمه العيب لانه انما له ترك الرضا بما غبن فيه فقط ولانه لم يوجب له حقا في مال البائع قرآن.
ولا سنة بل ماله عليه حرام كما ذكرنا وليس له رد البعض لان نقس المعامل له لم تطب له ببعض ما باع منه دون بعض ولا يحل مال أحد الا بتراض أو بنص يوجب احلاله لغيره، وسواء كان المعيب وجه
__________
(1) في النسخة رقم 14 أو غيره (2) في النسخة رقم 16 الا ان يجددا (3) في النسخة رقم 14 وفيه كفاية (4) في النسخة رقم 14 رضى عين (5) في النسخة رقم 14 وان رد رد جميع (6) في النسخة رقم 14 لا يحلان [ * ](9/65)
الصفقة أو أكثرها أو أقلها لانه لم يأت بالفرق بين شئ من ذلك قرآن.
ولا سنة، وبالله تعالى التوفيق * 1571 مسألة هذا حكم كل معيب حاشا المصراة فقط فان حكمها ان من اشترى مصراة وهى ما كان يحلب من أناث الحيوان وهو يظنها لبونا فوجدها قد ربط ضرعها حتى اجتمع اللبن فلما حلبها افتضح له الامر فله الخيار ثلاثة أيام فان شاء أمسك ولا شئ له وان شاء ردها ورد معها صاعا من تمر ولا بد، وسواء كانت المصراة واحده أو اثنتين أو ألفا أو أكثر لا يرد في كل ذلك الا صاعا واحدا من تمر، وسواء كان اشتراها بكثير أو بقليل ولو بعشر صاع تمر فان كان اللبن الذى في ضرعها يوم اشترها حاضرا رده كما هو حليبا أو حامضا، فان كان قد استهلكه رد معها لبنا مثله وان كان قد مخضه أو عقده رده فان نقص عن قيمته لبنا رد مابين النقص والتمام لانه لبن البائع وليس عليه رد ما حدث من اللبن في
كونها عنده لانه حدث في ماله فهو له، فان ردها بعيب آخر غير التصرية لم يلزمه رد التمر ولا شئ غير اللبن الذى كان في ضرعها إذا اشتراها فان انقضت الثلاثة الايام ولم يردها بعد لزمته وبطل خياره الا من عيب آخر غير التصرية وانما سميت مصراة لان التصرية هي الجمع (1) وهذه جمع لبنها وهى أيضا المحفلة لانه قد حفل لبنها في ضرعها * برهان ذلك مارويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (من ابتاع محفلة أو مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام ان شاء أن يمسكها امسكها وان شاء أن يردها ردها وصاعا من تمر لا سمراء) السمراء البر فهذا خبر صحيح يقتضى كل ما قلناه وهو الزائد على سائر الاخبار، وقد روينا من طريق البخاري نا محمد بن عمرو بن جبلة نا مكى بن ابراهيم أخبرنا ابن جريج أخبرني زيادة قال: ان ثابتا مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره انه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اشترى غنما مصراة فاحتلبها فان رضيها أمسكها وان سخطها ففى حلبتها صاع من تمر (2) * قال أبو محمد: روينا خبر المصراه من طريق ابن سيرين.
وثابت مولى عبد الرحمن ابن زيد كما اوردنا، ومن طريق محمد بن زياد، وموسى بن يسار.
وأبى صالح السمان.
وهمام بن منبه.
والاعرج.
ومجاهد.
وأبى اسحاق.
ويزيد بن عبد الرحمن بن أذينة وغيرهم، ورواه عن هؤلاء حماد بن سلمة، وداود بن قيس.
وسهيل بن أبى صالح.
ومعمر.
وأيوب.
وحبيب بن الشهيد.
وهشام بن حسان.
ومالك.
وابن عيينة.
__________
(1) في النسخة رقم 14 هو الجمع، وكلاهما جائز (2) هو في صحيح البخاري ج 3 ص 147(9/66)
وعبيد الله بن عمر كلهم عن أبى الزناد عن الاعرج.
وابن جريج عن زياد عن ثابت.
والليث بن سعد عن الاعرج وهؤلاء الائمة الاثبات الثقات، ورواه عن هؤلاء من لا يحصيهم الا الله عزوجل فصار نقل كافة وتواتر لا يرده الا محروم غير
موفق، وبهذا يأخذ السلف قديما وحديثا * روينا من طريق البخاري نا مسدد نا المعتمر ابن سليمان التيمى سمعت أبى يقول نا أبو عثمان هو النهدي عن عبد الله بن مسعود قال: (من اشترى محفلة فليرد معها صاعا من تمر) وهذا اسناد كاللؤلؤ، وصح أيضا عن أبى هريرة من فتياه ولا مخالف لهما من الصحابة في ذلك وهو قول الليث بن سعد، ومالك في أحد قوليه.
وأصحابه الا أشهب وهو قول الشافعي.
وأحمد بن حنبل.
وأصحابهما.
وأبى ثور.
وأبى عبيد.
واسحاق بن راهويه.
وأبى سليمان.
وجميع أصحابنا.
وأحد قولى أبن أبى ليلى، وقال زفر بن الهذيل: يردها وصاعا من تمر أو صاعا من شعير أو نصف صاع من بر * قال أبو محمد: وهذه زيادة على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعد لحدوده والزائد في الشئ كالناقص منه، وقال أبن أبى ليلى في أحد قوليه (1) يردها وقيمة صاع من، وهو (2) أيضا خلاف أمره عليه الصلاة والسلام، وقال مالك في أحد قوليه: يؤدى أهل كل بلد صاعا من أغلب عيشهم وهذا خلاف لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن: ان كان اللبن حاضرا لم يتغير ردها ورد اللبن ولا يرد معها صاع تمر ولا شيئا وان كان قد أكل اللبن لم يكن له ردها لكن يرجع بقيمة العيب فقط وهذا خلاف ظاهر لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوذ بالله من ذلك * وقال أبو يوسف: ان كان قد أكل اللبن ردها وقيمة ما أكل من اللبن، ويكفى من فساد هذين القولين انهما خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لا سلف لهم فيه وما نعلم أحدا قاله قبلهم.
وأنه خلاف قول ابن مسعود: وأبى هريرة ولا مخالف لهم من الصحابة وهم يعظمون مثل هذا إذا خالف تقليدهم * قال أبو محمد: واعترضوا في ذلك بان تعللوا في الخبر بعلل فمرة قالوا: هو مخالف للاصول فقلنا: كذبتم بل هو أصل من كبار الاصول وانما المخالف للاصول قولكم في الوضوء من القهقهة في الصلاة خاصة.
وقولكم بأن القلس لا ينقض الوضوء أصلا الا إذا
كان مل ء الفم (3).
وقولكم في جعل الابق أربعون درهما إذا كان على مسيرة ثلاث.
وقولكم في عين الدابة ربع ثمنها.
والوضوء بالخمر.
وسائر تلك الطوام التى هي بالمضاحك
__________
(1) في النسخة رقم 16 في آخر قوليه (2) في النسخة رقم 16 وهذا (3) في النسخة رقم 14 حلا الفم [ * ](9/67)
وبما يأتي به المبرسم أشبه منها بشرائع الاسلام، ومرة قالوا: لما لم يقس عليه القائلون به علمنا أنه متروك فقلنا: القياس باطل وهلا عارضتم أنفسكم بهذا الاعتراض إذ لم تقيسوا على المنع من بيع المدبر المنع من بيع الموصى بعتقه والمعتق بصفة.
واذ لم تقيسوا على الخبز في الاكل ناسيا وهو صائم واذ لم تقيسوا على الجنين يلقى فيكون فيه غرة، ومرة قالوا: هو منسوخ بالتحريم في الربا لانه طعام من التمر بطعام من اللبن فقلنا: كذبتم ما هو لبن بطعام ولا بتمر وانما هو تمر أوجبه الله تعالى للبائع على المبتاع ان رد عليه المصراة كما أوجب الصداق على الزوج لا على المرأة وهى مستحلة بذلك النكاح فرجه الذى كان حراما عليها كما هو مستحل به فرجها الذى كان عليه حراما ولا فرق، وكما أوجب الدية على العاقلة ولا ذنب لها، ومرة قالوا: أرأيتم ان كان انما باعها منه بمد تمر أليس ترجع إليه وصاع تمر؟ أو أرأيتم أن كان لبنها كثيرا جدا أو قليلا جدا أليس صاع التمر عوضا مرة عن نصف صاع اللبن ومرة عن صيعان كثيرة من اللبن؟ قلنا: لا ما هو عوضا عن اللبن وأما في ابتياعه اياها بمد تمر فنقول: نعم فكان ماذا؟ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم، وهلا عارضتم أنفسكم بهذه المعارضة إذ قلتم: يغرم سيد الابق لمن رده عليه أربعين درهما وان كان الآبق لا يساوى الا درهما واحذا ولا يؤدى قاتل الامة خطأ إلا خمسة آلاف درهم غير خمسة دراهم ولو أنها كانت تساوي مائة ألف دينار؟ فههنا في هذه الحماقات هو الاعتراض لا على المتيقين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرة قالوا: كان هذا الحكم إذ كانت العقوبات في الاموال كحرق رحل الغال ونحو ذلك فقلنا.
كذبتم كما كذب الشيطان وقلتم ما لم يأت قط في شئ من الروايات وتلك الاخبار
التى ذكرتم منقسمة إلى ثلاث أقسام؟ اما خبر باطل كحديث أخذ نصف مال مانع الزكاة.
وحديث حرق رحل الغال: وحديث واطئ أمة امراته * وإما خبر ثابت فحكمه باق كالكفارة على الواطئ عامدا في نهار رمضان.
والدية على قاتل العمد إذا رضيها أولياء القتيل.
وجزاء الصيد، وإما قسم ثبت بنص آخر نسخه فوجب القول بانه منسوخ وما نذكره (1) في وقتنا هذا الا أنه لو وجد لصدق، وأما كل من ادعى في خبر ثابت نسخا فهو كاذب آفك آثم قائل على الله تعالى ما لم يقله.
ومخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم (2) يخبر به عن نفسه قاف ما لا علم له به، وهكذا كل من حمل الحديث على غير ظاهره بأى وجه أحاله فجوابه كذبت كذبت كذبت وقلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: الباطل وقولته ما لم يقله (3) وحكمت بالظن الذى هو أكذب الحديث ورددت اليقين بالظنون * وقال
__________
(1) في النسخة رقم 14 (وما نذكر) (2) في النسخة رقم 14 ما لم (3) في النسخة رقم 16 ما لم يقل [ * ](9/68)
بعضهم: هذا حديث مضطرب فيه رواه سعيد بن منصور عن فليح بن سليمان عن أيوب ابن عبد الرحمن عن يعقوب بن أبى يعقوب عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اشترى شاة مصراة فالمشترى بالخيار ان شاء ردها وصاعا من لبن) * ورواه أبو داود نا أبو كامل نا عبد الواحد نا صدقة بن سعيد عن جميع بن عمير التيمى [ قال ] (1) (وسمعت عبد الله بن عمر يقول فذكره وفيه فان ردها [ رد معها ] (2) مثل أو مثلى لبنها قمحا) * ورواه حماد بن أبى الجعد عن قتادة عن ابن سيرين عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر (3) لا سمراء) وهكذا رواه أشعث بن عبد الملك الحمراني عن ابن سيرين عن أبى هريرة مسندا، وهكذا رواه عبد الاعلى عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبى هريرة مسندا، ورواه قرة بن خالد عن ابن سيرين عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (صاعا من طعام لا سمراء) * رويناه (4) من طريق البزار نا عمرو بن على أبو عاصم عن الاشعث هو ابن عبد الملك الحمراني عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اشترى شاة محفلة فهو
بالخيار ثلاثة أيام ان ردها ردها ورد معها صاعا من تمر (5) لا سمراء) * ومن طريق مسلم نا محمد بن عمرو بن جبلة نا أبو عامر هو العقدى نا قرة هو ابن خالد عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام قان ردها رد معها صاعا من طعام لا سمراء) وهكذا وراه الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة عن أيوب.
وحبيب بن الشهيد عن ابن سيرين عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (صاعا من طعام لا سمراء) * ومن طريق شعبة أخبرني الحكم بن عتيبة أنه سمع عبد الرحمن بن أبى ليلى عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها ومعها صاع من طعام * ومن طريق روح بن عبادة عن عوف بن أبى جميلة عن خلاس بن عمرو.
وابن سيرين كلاهما عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ردها واناء من طعام قالوا: فهذا اضطراب شديد قلنا: كلا، أما حديث سعيد بن منصور ففيه فليح وهو متكلم فيه، وأيوب بن عبد الرحمن هو العدوى ضعيف مجهول، ويعقوب بن أبى يعقوب مجهول فسقط * وأما حديث ابن عمر ففيه صدقة بن سعيد.
وجميع بن عمير وهما ضعيفان فسقط * وأما رواية عوف اناء من طعام فمجمل فسرته سائر الاحاديث بان ذلك الاناء صاع * وأما رواية الحجاج عن حماد بن سلمة فاننا رويناها من طريق محمد بن المثنى عن الحجاج باسناده فشك فيه الحجاج أهو بر أم لا؟ * ورويناها عن حماد بن سلمة عن أيوب.
وهشام بن حسان.
وحبيب بن الشهيد من طريق موسى بن اسماعيل فقال: صاع تمر ولا يشك وحماد بن الجعد عن
__________
(1) الزيادة من سنن ابى داود (2) الزيادة من سنن ابى داود (3) في النسخة رقم 14 من (4) في النسخة رقم 16 وروينا (5) في النسخة رقم 14 من بر [ * ](9/69)
قتادة ضعيف فلم يبق الا حديث اشعث (1) وقرة عن ابن سيرين عن ابى هريرة وهما صحيحان لا علة فيهما أحدهما صاع تمر لا سمراء.
والآخر صاع طعام لا سمراء، والطعام قد بينا قبل أنه البر نفسه فقط إذا أطلق هكذا فقال قوم: ان ابن سيرين هو الذى اضطرب
عليه فالواجب ترك ما اضطرب عليه فيه والرجوع إلى رواية من رواه عن أبى هريرة سواه فلم يضطرب عليه فيه وهم جماعة * قال أبو محمد: ولسنا نقول بهذا لانه لم يوجب هذا الحكم قرآن.
ولا سنة.
ولا معقول لكنا نقول وبالله تعالى التوفيق: ان كلا اللفظين صحيح من طريق الاسناد ولا سبيل إلى القطع بالوهم والخطأ على رواية ثقة الا بيقين لا يحتمل غيره ولا تخلو السمراء من أن تكون لفظة واقعة على بعض أصناف البر أو تكون اسما واقعا على جميع البر فان كانت واقعة على جميع البر فحديث هؤلاء وهم بلا شك وخطأ بلا محالة لانه لا يجوز أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: صاعا من بر لا من بر وان كانت لفظة السمراء واقعة على بعض أصناف البر فالواجب أن لا يجزى في المصراة من جميع أنواع الحيوان (2) كلها الا صاع تمر فقط الا الشاه وحدها فانه يرد معها صاعا من تمر كما ذكرنا أو صاعا من أي أصناف البر أعطى حاشا السمراء لا يجزى (3) غير التمر وغير البر في الشاة ان كان كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق، فان لم يوجد التمر فقيمته لو وجد في ذلك المكان أو تكليف المجئ بالتمر ولابد، فان قيل: فمن أين قلتم برد اللبن أو تضمينه وليس هو في الخبر قلنا: ولا في الخبر ان لا يرده الا أن اللبن مشترى مع الشاة صفقة واحدة والواجب امساك الصفقة أو ردها كما قدمنا بالنصوص التى ذكرنا لا يترك بعضها البعض، فان قيل قد جاء في الخبر ففى حلبتها صاع من تمر قلنا: نعم والحلبة هي الفعل وقد تكون أيضا اللبن المحتلب الا أنه انما سمى بذلك مجازا ولا يجوز نقل اللفظة عن موضوعها إلى المجاز الا بنص والاموال محرمة الا بنص وبالله تعالى التوفيق * 1572 مسألة فان فات المعيب بموت.
أو بيع.
أو عتق.
أو ايلاد.
أو تلف فللمشترى أو البائع الرجوع بقيمة العيب لانه إذا لم يرهن وأخذ العيب بما عليه من الغبن فماله حرام على آخذه بغير رضاه ولا سبيل إلى رد الصفقة فالواجب الرجوع بما لم يرض ببدله من ماله، وكذلك من غبن في بيعه فانه يرجع بقيمة الغبن ولابد، وكذلك من
اشترى زريعة فزرعها فلم تنبت فانه يرجع بما بين قيمتها كما هي رديئة وبين قيمتها نابتة لانها قد تلفت عينها فانما له الرجوع بقيمة الغبن فان كان اشتراها على أنها نابتة فالصفقة
__________
(1) في النسخة رقم 16 الاشعث (2) في النسخة رقم 16 الحبوب وهو تصحيف بديع الا انه غلط (3) في النسخة رقم 16 ولا يجزى [ * ](9/70)
فاسدة ويرد مثلها أو قيمتها ان لم توجد ويرجع بالثمن كله وبالله تعالى التوفيق * 1573 مسألة فان باعه فرد عليه لم يكن له أن يرد هو لكن يرجع بقيمة العيب فقط لانه قد بطل ما كان له من الرد بخروج المعيب عن ملكه لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) ولم يجب له الا قيمة الغبن فقط وما سقط حكمه ببرهان فلا يرجع الا بنص (1) يوجب رجوعه وبالله تعالى التوفيق * 1574 مسألة فان مات الذى له الرد قبل أن يلفظ بالرد وبأنه لا يرضى فقد لزمت الصفقة ورثته لان الخيار لا يورث إذ ليس مالا ولانه قد رضى بالعقد فهو على الرضا ما لم يتبين انه غير راض فان لم يتبين ذلك فقد قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) * 1575 مسألة فان مات الذى يجب عليه الرد كان لواجد العيب ان يرد المعيب على الورثة لان له الرضا أو الرد فلا يبطله موت الغابن وبالله تعالى التوفيق * 1576 مسألة والعيب الذى يجب به الرد هو ما حط من الثمن الذى اشترى به أو باع به ما لا يتغابن الناس بمثله لان هذا هو الغبن لا غبن غيره فان كان اشترى الشئ بثمن هو قيمته معيبا أو باعه بثمن هو قيمته معيبا وهو لا يدرى العيب ثم وجد العيب فلا رد له لانه لم يجد عيبا (2) وقد قال قوم: له الرد وهذا خطأ فاحش لانه ظلم للبائع وعناية ومحاباة للمشترى بلا برهان لا من قرآن.
ولا سنة * 1577 مسألة فلو كان قد اشترى بثمن ثم اطلع على عيب كان يحط من الثمن حين اشتراه الا أنه قد غلا حتى صار لا يحط من الثمن الذى اشتراه شيئا أو زال العيب قبل
أن يعلم به أو بعد أن علم به فله الرد في كل ذلك لانه حين العقد وقع عليه غبن فله ان لا يرضى بالغبن إذا علمه ولا يوجب سقوط ماله من الخيار لما ذكرنا قرأن.
ولا سنة وبالله تعالى التوفيق * 1578 مسألة ومن باع بدراهم أو بدنانير في الذمة أو إلى أجل أو سلم فيما يجوز فيه السلم فلما قبض الثمن أو ما سلم فيه وجد عيبا أو استحق ما أخذ أو بعضه فليس له إلا الاستبدال فقط لانه ليس له عين معينة انما له صفة فالذي أعطى هو غير حقه فعليه أن يرد ما ليس له وان يطلب ماله وبالله تعالى التوفيق * 1579 مسألة ومن وكل وكيلا ليبتاع له شيئا سماه فابتاعه له بغبن بما لا يتغابن الناس بمثله أو وجده معيبا عيبا يحط به من الثمن الذى اشتراه به فله من الرد أو الامساك أو الاستبدال أو من فسخ الصفقة كالذى ذكرنا قبل سواء سواء لان يد وكيله هي يده وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في النسخة رقم 14 الا ببرهان (2) في النسخة رقم 16 غبنا [ * ](9/71)
1580 مسألة فان لم يعرف هل العيب حادث أم كان قبل البيع؟ فليس على المردود عليه الا اليمين بالله ما بعته اياه وانا أدرى فيه هذا العيب ويبرأ الا أن تقوم بينة عدل بأن هذا العيب أقدم من أمد التبايع فيرد لان الصفقة بيع وقد أحل الله البيع فلا يجوز نقضه بالدعاوي ولا بالظنون وبالله تعالى التوفيق * 1581 مسألة ومن اشترى من اثنين فأكثر سلعة واحدة صفقة واحدة فوجد عيبا فله ان يرد حصة من شاء ويتمسك بحصة من شاء وله أن يرد الجميع ان شاء أو يمسك الكل كذلك، وكذلك لو استحقت حصة أحدهم لم ينفسخ العقد في حصة الاخر لان بيع كل واحد منها أو منهم حصته هو عقد غير عقد الاخر قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها وتزر وازرة وزر أخرى) * 1582 مسألة وكذلك لو اشترى اثنان فصاعدا سلعة من واحد فوجدا
عيبا فأيهما شاء أن يرد رد وأيهما شاء أن يمسك أمسك لما ذكرنا من أن صفقة كل واحد منهما غير صفقة الاخر، فكذلك لو استحق الثمن الذى دفعه أحدهما وكان بعينه فانه ينفسخ ولا ينفسخ بذلك عقد الآخر في حصته وبالله تعالى التوفيق * 1583 مسألة ومن اشترى سلعة فوجد بها عيبا وقد كان حدث عنده فيها عيب من قبل الله تعالى أو من أو من فعل غيره فله الرد كما قلنا أو الامساك ولا يرد من أجل ما حدث عنده شيئا ولا من أجل ما أحدث هو فيه شيئا لانه في ملكه وحقه لم يتعد ولا ظلم فيه أحدا والغبن قد تقدم فله ما قد وجب له من رد الغبن الذى ظلم فيه ولانه لم يوجب عليه في ذلك غرامة قرآن.
ولا سنة وبالله تعالى التوفيق * 1584 مسألة ومن اشترى جارية.
أو دابة.
أو ثوبا.
أو دارا أو غير ذلك فوطئ الجارية أو افتضها ان كانت بكرا أو زوجها فحملت أو لم تحمل أو لبس الثوب وأنضى الدابة وسكن الدار واستعمل ما اشترى واستغله وطال استعماله المذكور أو قل ثم وجد عيبا فله الرد كما ذكرنا أو الامساك ولا يرد مع ذلك شيئا من أجل استعماله لذلك لانه تصرف في مال نفسه وفى متاعه بما أباح الله تعالى له الله تعالى: (والذين هم لفروجم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) فمن لم يلمه الله تعالى وأباح له فعله ذلك فهو بضرورة العقل محسن، وقال تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) واغرام المال سبيل مسبلة على من كلفها وقد أسقط الله تعالى عنه ذلك ثم هو كسائر واجدى الغبن في أن له الرضا أو الرد وبالله تعالى التوفيق *(9/72)
1585 مسألة ومن اطلع فيما اشترى على عيب يجب به الرد فله أن يرد ساعة يجد العيب وله ان يمسك ثم يرده متى شاء طال ذلك الامد أم قرب ولا يسقط ما وجب له من الرد تصرفه بعد علمه بالعيب بالوطئ والاستخدام.
والركوب واللباس.
والسكنى ولا معاباته إزالة العيب ولا عرضه اياه على اهل العلم بذلك العيب ولا تعريضه ذلك الشئ البيع ولا يسقط ما وجب له من الرد الا أحد خمسة أوجه لا سادس لها، وهى نطقه بالرضا بامساكه أو خروجه كله أو بعضه عن ملكه أو ايلاد الامة أو موته أو ذهاب عين الشئ أو بعضها بموت أو غيره وهو قول أبى ثور.
وغيره، ومن أدعى سقوط من وجب له من الرد بشئ مما ذكرنا قبل فقد ادعى ما لا برهان له به وهذا باطل * وبرهان صحة قولنا هو أن الرد قد وجب له باتفاق منا ومن مخالفينا وبما أوردنا من براهين القرآن، والسنة في تحريم الغش وايجاب النصيحة فهو على ما وجب له ولا يجوز أن يسقطه عنه الا نص أو اجماع متيقن ولا سبيل إلى وجودهما ههنا وليس شئ مما ذكرنا قبل رضا، وأما سقوط الرد بالرضى أو بخروج الشئ أو بعضه عن الملك أو بذهاب بعض (1) عينه أو كله أو بموته فقد ذكرنا البرهان على ذلك وهو في ذهاب عينه أو بعضها ممتنع منه الرد لما اشترى والله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وأما الايلاد فقد ذكرنا البرهان على المنع من جواز تمليك المرء أم ولده غيره وبالله تعالى التوفيق * 1586 مسألة ومن اشترى شيئا فوجد في عمقه عيبا كبيض أو قثاء أو قرع أو خشب أو غير ذلك فله الرد أو الامساك سواء كان مما يمكن التوصل إلى معرفته أو مما لا يمكن الا بكسره أو شقه لان الغبن لا يجوز ولا يحل الا برضا المغبون ومعرفته بقدر الغبن وطيب نفسه به والا فهو أكل مال بالباطل والبائع وان كان لم يقصد الغش فقد حصل بيده مال أخيه بغير رضا منه والله تعالى قد حرم ذلك بقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) ولا يمكن وجود الرضا الا بعد المعرفة بما يرضى به وهو قول أبى حنيفة.
والشافعي.
وأبى سليمان 1587 مسألة ومن اشترى عبدا أو أمة فبين له بعيب الاباق أو الصرع فرضيه فقد لزمه ولا رجوع له بشئ عرف مدة الاباق وصفة الصرع أو لم يبين له ذلك لان جميع أنواع الاباق اباق.
وجميع أنواع الصرع صرع وقد رضى بجملة اطلاق ذلك فلو قلل
له الامر (2) فوجد خلاف ما بين له بطلت الصفقة لانه غير ما اشترى ولو وجد زيادة على ما بين له فله الخيار في رد أو امساك لانه عيب لم يبين له وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) لفظ بعض سقط من النسخة رقم 14 (2) في النسخة رقم 16 الامد [ * ](9/73)
1588 مسألة ومن اشترى عدلا على أن فيه عددا مسمى من الثياب أو كذا وكذا رطل من سمن أو عسل أو غير ذلك مما يوزن أو كذا وكذا تفاحة أو غير ذلك مما يعد أو كذا وكذا مدا مما يكال أو اشترى صبرة على أن فيها كذا وكذا قفيزا أو نحو ذلك أو شيئا على أن فيه كذا وكذا ذراعا فوجد أقل أو أكثر فالصفقة كلها مفسوخة أبدا لانه أخذ غير ما اشترى به وأكل مال بالباطل لا بتجارة عن تراض، وبالضرورة يدرى كل سليم الحس أن العدل الذى فيه خمسون ثوبا ليس هو العدل الذى فيه تسعة وأربعون ثوبا ولا هو أيضا العدل الذى فيه واحد وخمسون ثوبا وهكذا أيضا في سائر الاعداد.
والاوزان.
والاكيال، والذرع: فلو لم يقع عقد البيع على ذلك لكن المعهود والمعروف ان في تلك الاعدال عددا معروفا وكذلك تلك الصبره وكذلك سائر المكيلات.
والموزونات.
والمذروعات: والمعدودات أو وصفه البائع بتلك الصفة الا أن البيع لم ينعقد على ذلك فان كان ما وجد من النقص يحط من الثمن الذى اشتراه به ما لا يتغابن به الناس بمثله فهو مخير بين رد أو امساك ولا شئ له غير ذلك وان كان ما وجد من الزيادة يزيد على الثمن الذى باع به البائع زيادة لا يتغابن الناس بها فالبائع مخير بين رد أو رضا لان كلا الامرين غبن لاحد المتبايعين والغبن لا يحل الا برضا المغبون ومعرفته بقدره والا فهو أكل مال بالباطل لا تجارة عن تراض، وليس أحدهما أولى بالحياطة والنظر له من الآخر، ومن قال غير هذا فهو مبطل متحكم بلا برهان تعالى نتأيد * 1589 مسألة ومن قال لمعامله: هذه دراهمك أو دنانيرك وجدت فيها هذا الردئ أو قال المشترى: هذه سلعتك وجدت فيها عيبا فقال الآخر: ما أميزها ولا أدرى
أنها دراهمي أو دنانيري أو سلعتي أم لا (1) فان كانت للذى يذكر وجود العيب والردئ بينة بانها تلك قضى له والا فعلى الذى يقول: لا أدرى اليمين بالله تعالى ما أدرى ما تقول ويبرأ لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالبينة على المدعى واليمين على المدعى عليه والمدعى ههنا هو الذى يريد أخذ شئ من الآخر والمدعى عليه هو الذى ينكر وجوب (2) ذلك عليه فان كانت السلعة والثمن بيد المشترى فالقول قوله مع يمينه لانه مدعى عليه خروج ما بيده عن يده * 1590 مسألة ومن رد بعيب وقد اغتل الولد واللبن.
والثمرة.
والخراج وغير ذلك فله الرد ولا يرد شيئا من كل ذلك لانه حدث ماله وفى ملكه وليس مما وقع عليه الشراء فلا حق للمردود عليه فيه وبالله تعالى التوفيق.
وهو قول أبى حنيفة.
ومالك
__________
(1) في النسخة رقم 16 أولا (2) في النسخة رقم 16 وجود [ * ](9/74)
في بعض ذلك وهو قول الشافعي.
وأبى سليمان.
وأحمد، وفى هذا خلاف قديم * روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا المغيرة عن الحارث العكلى أن رجلا اشترى امة لها لبن فاكتراها ظئرا وأصاب من غلتها ثم وجد بها داء كان عند البائع فخاصمه إلى شريح فقال له شريح: ردها بدائها ورد معها ما أصبت من غلتها قال: فانى (1) لا أردها إذ كلفتني أن أرد ما أصبت من غلتها فأقبلها بدائها فقال له شريح: ليس ذلك إلى قد مضى قضائي ذلك إلى خصمك، وقد روى عن شريح.
والحسن.
والشعبى مثل قولنا * قال أبو محمد: وفيما ذكرنا خلاف نذكر منه ما يسر الله تعالى لنا ذكره، فمن ذلك فوت المعيب بموت أو عتق.
أو ايلاد أو تلف أو قوت بعضه فان أصحابنا قالوا: ليس له إلا الامساك ولا يرجع بشئ وهو قول قتادة * رويناه (2) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: لا عهدة بعد الموت إذا ماتت جاز عليه وهو قول شريح.
والحسن البصري * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن زكريا ابن أبى
زائدة عن الشعبى فيمن ابتاع عبدا فأعتقه ثم وجد به عيبا قال: يرد على صاحبه فضل ما بينهما ويجعل (3) ما رد عليه في رقاب لانه قد وجهه * قال على: انما وجه لله تعالى العبد لا ما وجب له من رد بعض ماله إليه مما غبن فيه فهو غير العبد فلا يلزمه أن يوجهه الا أن يشاء إذ لم يوجب عليه ذلك قرآن.
ولا سنة، وقد روى عن الشعبى.
والزهرى أيضا أنه يرجع بقيمة العيب كقولنا، وقال أبو حنيفة: إذا باعه أو باع بعضه أو وهبه أو وهب بعضه أو أعتقه على مال ثم وجد عيبا فلا رجوع له بشئ فلو أعتقه على غير مال أو دبره.
أو أولد الامة ثم وجد عيبا رجع بقيمة العيب قال: فلو باعه ثم رد عليه بعيب فان كان هذا الرد بعد القبض فان كان بقضاء قاض رده هو أيضا على الذى باعه عنه وان كان بغير قضاء قاض لم يكن له أن يرده على الاول، وان كان هذا الرد قبل القبض فله أن يرده أيضا هو على البائع له منه سواء رد عليه بقضاء قاض أو بغير قضاء قاض، وقال مالك ان مات العبد أو دبره السيد أو كاتبه.
أو وهبه لغير ثواب.
أو تصدق به أو بالعرض ثم اطلع على عيب فله الرجوع بقيمة العيب فقط، فلو باعه أو رهنه (4) أو اجره ثم اطلع على عيب فلا رجوع له ولا رد فإذا خرج عن الرهن أو تمت الاجارة أو رجع إليه بعد البيع فله الرد والهبة للثواب كالبيع، فان باع نصف السلعة قيل للبائع رد نصف قيمة العيب أو خذ النصف الباقي (5) في نصف ثمن، وقال الشافعي: ان أعتقه أو مات العبد رجع بقيمة العيب فلو باعه أو باع بعضه لم يرجع بشئ، وقال عثمان البتى: ان باعه أو اعتقه
__________
(1) في النسخة رقم 14 فانا (2) في النسخة رقم 16 روينا (3) في النسخة رقم 16 وحصل (4) في النسخة رقم 16 أو وهبه (5) في النسخة رقم 14 نصف الباقي [ * ](9/75)
رجع بقيمة العيب وهو قولنا، وقال عثمان: فلو باعه بما كان اشتراه لم يرجع بشئ: قال أبو محمد: انما نراعى الغبن حين عقد البيع لا بعده ولا قبله فلو أبق العبد ثم اطلع على عيب قال مالك: له الرد ويأخذ جميع الثمن
قال على: وبهذا نأخذ لانه في ملكه بعد وتمليكه غيره جائز وليس عليه تسليمه انما عليه اطلاق يد من ملكه اياه عليه فقط، وقال سفيان الثوري: لا شئ له حتى يحضر الآبق فيرده أو يموت فيرجع بقيمة العيب قال على: قول أبى حنيفة.
ومالك لا برهان عليهما ولا نعلم لهما قائلا قبلهما نعنى تقسيمهما المذكور، وأما السلعة التى تتبعض فيوجد ببعضها عيب فقول شريح والشعبى.
والشافعي وأبى ثور كقولنا إما أن يرد الجميع وإما أن يمسك الجميع وقال مالك: ان كان المعيب هو وجه الصفقة أو الذى فيه الربح رد الجميع أو أمسك الجميع، وان كان المعيب ليس هو كذلك كان له رده بحصته من الثمن فقط وهذا قول لا نعلمه عن أحد قبله ولا برهان على صحته، وقال أبو حنيفة: ان كانت السلعة خفين.
أو مصراعين فوجد بأحدهما عيبا لم يكن له الا ردهما معا أو امساكهما معا فان كانا عبدين أو ثوبين كان له رد المعيب بحصته من الثمن وامساك الآخر * قال أبو محمد: وهذا باطل لانهم مجمعون معنا على جواز بيع أحد الخفين واحد المصراعين دون الآخر كجواز بيع أحد الثوبين وأحد العبدين ولا فرق، فالتفريق بين ذلك في الرد باطل، وهو أيضا قول لا نعلمه عن أحد قبله، ومما يبطل رد بعض السلعة ان باقيها الذى يحتبس به يرجع إلى القيمة لانه انما يمسكه بحصته من الثمن فصار بيعا بقيمة والبيع بالقيمة لا يجوز، وأما من وطئ أو استغل أو استعمل ثم وجد العيب فاننا روينا من طريق ابن أبى شيبة عن شريك عن جابر عن الشعبى ان عمر بن الخطاب قال فيمن اشترى جارية فوطئها ثم وجد بها عيبا: ان كانت ثيبا ردها ونصف عشر قيمتها وان كانت بكرا ردها ورد معها عشر قيمتها * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا مطرف هو ابن طريف.
والمغيرة هو ابن مقسم قال مطرف: عن الشعبى عن شريح وقال المغيرة: عن ابراهيم ثم اتفق شريح.
وابراهيم قالا جميعا: إذا وطئها ثم رأى بها عيبا ردها بالعيب ورد معها عقرها ان كانت بكرا فالعشر وان كانت ثيبا فنصف العشر، وصح أيضا عن قتادة من طريق عبد الرزاق عن معمر عنه، وقد روينا أيضا من طريق وكيع عن شريك عن أبى هند المرهبى
عن الضحاك عن عمر بن الخطاب قال: إذا وطئها فهى من ماله ويرد عليه البائع قيمة العيب * ومن طريق سعيد بن منصور نا اسماعيل بن ابراهيم هو ابن علية أنا أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين أن رجلا اشترى جارية فوطئها ثم وجد بها عيبا فخاصم إلى شريح فقال شريح: أيسرك أن أقول لك: انك زنيت؟ قال ابن سيرين: ثم أخبرت(9/76)
انه قضى بالكوفة ان يردها ويرد معها عقرها مائة قال ابن سيرين: وأحب إلى أن يتجوزها ويوضع عنه قدر الداء وهو قول سفيان الثوري: والزهرى، وقد روينا عن على قولين، أحدهما من طريق ابن أبى شيبة عن حفص بن غياث عن جعفر بن محمد بن على بن الحسين عن أبيه عن جده على بن الحسين أن على بن أبى طالب قال: لا يردها لكن يرد عليه قيمة العيب يعنى في الذى يطأ الجارية ثم يجد بها عيبا * والآخر من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا جويبر عن الضحاك أن على بن أبى طالب قال: إذا وطئها وجبت عليه وان رأى العيب قبل أن يطأها فان شاء أخد وان شاء رد، وصح هذا القول عن الحسن.
وعن عمر بن عبد العزيز أنه لا يردها ولا يرجع بشئ * وقد روينا من طريق ابن أبى شيبة نا عبد الاعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: يرد معها عشرة دنانير يعنى إذا وطئها ثم اطلع على عيب * ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير عن المغيرة عن الحارث العكلى في رجل اشترى جارية فوقع عليها ثم استحقت قال: يأخذ المستحق جاريته ولا يرد هذا المشترى عليه عقر (1)، والدور.
والارضون.
واشباه ذلك على مثل هذا يكون رده إذا وجد بها عيبا كالذى استحق فاستنقذ (2) من يديه * قال أبو محمد: هذا هو قولنا وأما المتأخرون فان أبا حنيفة قال: إذا وطئها ثم اطلع على عيب فليس له الا قدر قيمة العيب فقط الا أن يشاء البائع قبولها فله رد ذلك ويرد الثمن، وقال ابن أبى ليلى: يردها ويرد معها ثلاثة أرباع عشر قيمتها وهذا هو عقرها، ووجهه عنده ان يأخذ عشر قيمتها ونصف عشر قيمتها فيجمعها ثم يأخذ نصف
ما اجتمع فهو الذى يقضى عليه برده، وقال ابن شبرمة.
والحسن بن حى.
وعبيد الله بن الحسن: يردها ويرد معها مهر مثلها بالغا ما بلغ، وقال عثمان البتى: ان لم ينقصها الوطئ فانه يردها ولا يرد معها شيئا فان نقصها ردها ورد معها ما نقصها، وقال مالك.
والليث ابن سعد.
والشافعي في أحد قوليه: أن كانت بكرا ردها ورد معها ما نقصها وطؤه وان كانت ثيبا ردها ولم يرد معها شيئا، وقال الشافعي في أشهر قوليه: ان كان افتضها فليس له ردها لكن يرجع بقيمة العيب فقط وان كانت ثيبا ردها ولم يرد معها شيئا * قال على: قول مالك لا نعلمه عن أحد قبله ولا معنى لايجاب عقر ولا غرامة على المشترى لانه وطئ أمته التى لو حملت لحقه ولدها والتى لا يلام على وطئها ولو أن البائع وطئها وهى في ملك المشترى لكان زانيا يرجم ان كان محصنا ويجلد الحد ان كان غير محصن فاى حق له في بضعها حتى يعطى له عقرا أو قيمة، وقد يوجد في الاماء من لا يحط
__________
(1) العقر بالضم ما تعطاه المرأة على وطئ الشبهة، وأصله أن واطئ البكر يعقرها إذا افتضها فسمى ما تعطاه العقر عقرا ثم صار عاما لها وللثيب اه من النهاية (2) في النسخة رقم 16 فاستنفذ [ * ](9/77)
الافتضاض من قيمتها شيئا كخدم الخدمة ويوجد من يحطها الوطئ وان كانت ثيبا كالرقيق العالي يطؤها النذل الذى يعير به سيدها وولدها وهى أيضا، فهذه كلها أقوال لا برهان على صحتها، ولقد كان يلزم المالكيين المعظمين لخلاف الصاحب القائلين: ان المرسل كالمسند القائلين فيما وافقهم: مثل هذا لا يقال بالرأى ان يقولوا ههنا بقول عمر بن الخطاب كما قالوا في تقويم الغرة بخمسين دينارا وتقويم الدية وغير ذلك ولكن لا يبالون بالتناقض * وأما من أحدث فيها حدثا فاننا روينا من طريق ابن أبى شيبة نا عبد الوهاب الثقفى عن أيوب عن ابن سيرين عن عثمان بن عفان انه قضى في الثوب يشتريه الرجل وبه العوار انه يرده إذا كان قد لبسه * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد أن ابن عمر اشترى عمامة فقبلها ورضيها وكورها على رأسه فرأى
خيطا أحمر فردها * ومن طريق ابن ابى شيبة نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن جبلة بن سحيم قال: رأيت ابن عمر اشترى قميصا فلبسه فاصابته صفرة من لحيته فاراد أن يرده فلم يرده من أجل الصفرة * ومن طريق ابن أبى شيبة نا حفص بن غياث عن الحسن بن عبيدالله عن ابراهيم عن شريح أنه اختصم إليه رجل اشترى من آخر هروية فقطعها ثم وجد بها عيبا فقال له شريح: الذى أحدث بها أشد من الذى كان بها قال غندر: ونا شعبة قال: سألت الحكم عمن اشترى ثوبا فقطعه فوجد به عورا؟ قال: يرده قال شعبة: وسألت حماد بن أبى سليمان عن هذا؟ فقال: يرده ويرد معه أرش التقطيع قال شعبة: وأخبرني الهيثم عن حماد أنه قال: يوضع عنه أرش العوار * ومن طريق ابن أبى شيبة نا اسماعيل بن علية عن أيوب السختيانى عن ابن سيرين قال: اشترى رجل دابة فسافر عليها فلما رجع وجد بها عيبا فخاصمه إلى شريح فقال له: أنت أذنت له في ظهرها * قال أبو محمد: وقول الحكم هذا هو قول عثمان البتى.
وهو أحد أقوال الشافعي.
وهو قول قد روى عن شريح أيضا وهو قولنا * وأما المتأخرون فان أبا حنيفة قال: من قطع ثوبا اشتراه أو حدث بما اشترى عيب عنده ثم اطلع على عيب فلا رد له لكن يرجع بقيمة العيب وهو أحد قولى حماد، وذهب بعض أصحابه منهم الطحاوي.
ومحمد بن شجاع إلى أنه لا يرده ولا يرجع بشئ، وللشافعي قولان أحدهما كقول أبى حنيفة وهو قول سفيان الثوري، وابن شبرمة، والثانى أنه يرده ويرد معه قيمة ما حدث عنده من العيب وهو قول أبى ثور.
وأحد قولى حماد، وقال أحمد.
واسحاق: هو بالخيار بين أن يرده ويرد معه قدر ما حدث عنده وبين أن يمسكه ويرجع بقيمة العيب، وقال مالك ان كان العيب(9/78)
الذى حدث عنده مفسدا فانه يرده ويرد قيمة ما حدث عنده وان كان العيب خفيفا رده ولم يرد معه شيئا وهذا قول لا نعلم أحدا قاله قبله - يعنى هذا التقسيم - وقول أبى حنيفة.
ومالك ههنا خلاف ما روى عن عثمان.
وابن عمر رضى الله عنهما ولا نعلم في هذا عن الصحابة قولا غيره، وقد أباح عثمان رضى الله عنه الرد بالعيب بعد اللباس واللباس يخلق الثوب وليس امتناع ابن عمر من الرد من أجل الصفرة دليلا على أنه لم يجيز الرد وقد يترك ذلك اختيارا مع أن الصفرة ليست عيبا لانها تزول سريعا بالمسح وبالغسل للقميص، وأما ما عيبه في جوفه فان مالكا قال: لا رجوع له فيه (1) وهو من المشترى كالبيض والخشب وغير ذلك وأوجب أبو حنيفة.
والشافعي الرجوع بحكم ما في ذلك * قال أبو محمد: ما نعلم لمالك سلقا ولا حجة في هذه القولة وما في العجب والعكس أعجب من قوله فيمن باع بيضا فوجده فاسدا أو خشبا فوجده مسوس الداخل: ان الثمن كله للبائع ولا شئ للمشترى عليه وهو قد باعه شيئا فاسدا وأكل (2) مال أخيه بالباطل ثم يقول: من باع عبدا فمات أو قتل في اليوم الثالث أو هرب فيه أو أعورت عينه فيه فهو من مصيبة البائع، وان جن أو تجذم أو برص إلى قبل تمام سنة من بعد بيعه له فانه من مصيبة البائع، ومن ابتاع تمرا في رءوس الشجر فاصابته ريح أو أكلته جراد فمن مصيبة البائع فهو يهنيه الثمن الذى أخذه بالباطل ويغرمه الثمن الذى أخذه بالحق ويجعل من مصيبة المشترى ما حدث عند البائع من العيوب ويجعل من مصيبة البائع ما حدث عند المشترى من العيوب حاشا لله من هذا * حدثنا حمام بن أحمد نا عبد الله بن محمد بن على الباجى نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا الحسين بن زكريا نا أبو ثور نا معلى نا هشيم عن المغيرة عن الحارث هو العكلى عن شريح أن مولى لعمرو بن حريث اشترى لعمرو بن حريث بيضا من بيض النعام أربعا أو خمسا بدرهم فلما وضعهن بين يدى عمرو بن حريث كسر واحدة فإذا هي فاسدة ثم ثانية ثم ثالثة حتى تتابع منهن فاسدات فطلب الاعرابي فخاصمه إلى شريح فقال شريح: أما ما كسر فهو ضامن له بالثمن الذى أخذه به وأما ما بقى فأنت يا أعرابي بالخيار ان شئت كسروا فما وجدوا فاسدا ردوه وما وجدوا طيبا فهو لهم بالسعر الذى بعتهم به * قال على: أما حكم شريح فالمالكيون والحنيفيون لا يأخذون به ولا نحن فلا متعلق
للمالكيين به، وأما عمرو بن حريث فقد رأى الرد في ذلك وهو قولنا وهو صاحب لا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة رضى الله عنهم وهم يعظمون مثل هذا إذا
__________
(1) في النسخة رقم 14 وهو مذ باعه شيئا فاسدا أو اكل [ * ](9/79)
وافق آراءهم وأما الاستعمال.
والوطئ بعد الاطلاع على العيب فانه صح عن شريح أنه قال: إذا وطئ بعد ما رأى المعيب أو عرضها على البيع فقد وجب عليه وهذا قوله في جميع السلع، وهو أيضا قول الحسن البصري.
وأبى حنيفة.
ومالك والشافعي.
وأحمد.
واسحاق الا أن أبا حنيفة قال: سكنى الدار بعد المعرفة بالعيب وتقبيل الامة لشهوة ووطئها رضا بالعيب، قال واما استخدام الامة أو ركوب الدابة أو لباس القميص ليختبر كل ذلك بعد اطلاعه على العيب فليس شئ من ذلك رضا، وقال عبيد الله بن الحسن: ليس الاستخدام رضا * قال أبو محمد: حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن محمد بن على الباجى قال: نا احمد بن خالد قال: نا الحسن بن أحمد الصنعانى نا محمد بن عبيد بن حساب نا حماد ابن زيد عن أيوب هو السختيانى وهشام بن حسان كلاهما عن محمد بن سيرين قال: ابتاع عبد الرحمن بن عوف جارية فقيل له: ان لها زوجا فأرسل إلى زوجها فقال له: طلقها فأبى فجعل له مائة فأبى فجعل له مائتين فأبى فجعل له خمسمائة فأبى فأرسل إلى مولاه أنه قد أبى أن يطلق فاقبلوا.
جاريتكم، فهذا عبد الرحمن بن عوف قد اطلع على عيب أن لها زوجا فلم يرد حتى أرسل إلى الزوج وراوضه على طلاقها وجعل له مالا على ذلك ثم زاده ثم زاده فلما يئس رد حينئذ، ولا يعرف به من الصحابة مخالف وهم يعظمون مثل هذا * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: كنت ابتاع إن رضيت حتى سمعت عبد الله بن مطيع يقول: ان الرجل ليرضى ثم يدع قال أبن عمر: فكأنما أيقظني فكان ابن عمر يبتاع ويقول:
ان أخذت، فهذا ابن عمر لا يرى الرضا بالقلب شيئا حتى يظهره بالقول ولا يعرف له مخالف من الصحابة وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق تقليدهم، وأما رد الغلة فيما رد بالعيب فقد ذكرنا الخلاف في ذلك، وقال زفر بن الهذيل.
وعثمان البتى.
وعبيد الله ابن الحسن في ذلك ما نذكره، فأما زفر بن الهذيل فانه قال: من اشترى جارية فوطئها ثم اطلع على عيب بها فان ردها بقضاء قاض ردها ورد معها مهر مثلها فان وطئها غيره بشبهة فأخذ لها مهرا أو زوجها فأخذ مهرها أو جنى عليها فأخذ للجناية أرشا ثم اطلع على عيب فانه يردها ويرد معها المهر في الزوجية الصحيحة وفى الوطئ بالشبهة ويرد معها الارش الذى أخذ لها وكذلك يرد ثمر النخل والشجر إذا رد الاصول بالعيب فان أكل الثمرة ردها ورد معها قيمة ما أكل من الثمرة، وقال عثمان البتى.
وعبيدالله بن الحسن: من اشترى عبدا فاستغله ثم اطلع على عيب فله رده فان رده لزمه ان يرد الغلة كلها معه قال(9/80)
عبيد الله: وكذلك لو وهب للعبد هبة فانه يرد الهبة معه أيضا، وقال مالك: الغلة كلها للمشترى من اللبن.
والثمرة وغيره ذلك حاشا الاولاد فانه يردهم مع الامهات في الحيوان كله والاماء، وقال أبو حنيفة: أما من ابتاع شاة فحلبها أو ولدت عنده أو أصولا فأثمرت عنده فاكل تمرتها أو لم يأكل ثم اطلع على عيب فلا رد له لكن يرجع بأرش العيب فقط فلو كانت دار فسكنها أو أجرها أو دابة فركبها أو اجرها أو عبدا فاستخدمه أو اجره ثم اطلع على عيب فله رد العبد والدابة ولا يلزمه رد شئ من الغلة ولا رد شئ عما سكن وأجر.
واستخدم وركب، وممن قال بان كل ما حدث في ملك المشترى فانه له ولا يرده ويرد الامهات.
والاصول.
والشئ المعيب شريح.
والنخعي.
وسعيد بن جبير.
والحسن وابن سيرين.
والشافعي.
وسفيان.
وأحمد.
واسحاق.
وابو ثور.
وأبو عبيد (1).
وأبو سليمان.
وغيرهم * قال على: أما قول أبى حنيفة.
ومالك فظاهر المناقضة وعديم: من الدليل ولا (2)
نعلم لهما أحدا قال به قبلهما، وأما قول عثمان.
وعبيد الله وزفر فيشبه أن تكون الحجة لهم أن يقولوا: ان الرد بالعيب انما هو فسخ للبيع فإذ هو فسخ للبيع فكأنه لم يزل المبيع المعيب في ملك البائع * قال أبو محمد: وهذا باطل ما هو فسخ للعقد في البيع بل هو ابطال لبقائه في ملك المشترى ورده إلى البائع بالبراهين الموجبة لذلك ولو كان ما قالوه لكان زانيا بوطئه وهذا باطل بل العقد الاول صحيح ثم حدث ما جعل للمشترى في الخيار في ابقائه به كذلك أو رده من الآن لا بابطال الملك المتقدم للرد أصلا وبالله تعالى التوفيق * وعهدنا بهم يصححون الخبر الفاسد (الخراج بالضمان) ويحتجون به في الغصوب وفى غير ذلك ثم قد خالقوه (3) ههنا كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * 1591 مسألة ومن كان لآخر عنده حق من بيع أو سلم أو غير ذلك من جميع الوجوه بكيل أو وزن أو ذرع فالوزن والكيل والذرع على الذى عليه الحق ومن كان عليه دنانير أو دراهم أو شئ بصفة من سلم أو صداق أو اجارة أو كتابة أو غير ذلك فالتقليب على الذى عليه الحق أيضا لان الله تعالى أوجب على كل من عليه حق أن يوفى ما عليه من ذلك من هو له عليه وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بان يعطى كل ذى حق حقه فمن كان حقه كيلا أو وزنا أو ذرعا أو عددا موصوفا بطيب أو بصفة ما فعليه احضار ما عليه كما هو عليه ولا شئ على الذى له الحق انما الحق له ولا حق عليه، وقال تعالى: (أوفوا المكيال والميزان بالقسط)
__________
(1) في النسخة رقم 16 أبو عبيدة (2) في النسخة رقم 14 وما (3) في النسخة رقم 14 خالفوا [ * ](9/81)
وقال تعالى: (وزنوا بالقسطاس المستقيم) وقال تعالى: (وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) فان ذكروا قول الله تعالى: (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) قلنا: نعم هذا هو قولنا لان الله تعالى جعل في هذه الاية الكيل والوزن على الذين عليهم الحق وتوعدهم على اخسار ذى
الحق وعلى التطفيف وليس في اخباره تعالى بانهم إذا اكتالوا على الناس يستوفون دليل على أنهم يكتالون لانفسهم وان الذى لهم عليه الحق لا يكيل لهم لانه تعالى انما ذكر استيفاءهم ما لهم من الكيل فقط والاستيفاء يكون بكيل كائل ما فلا متعلق لهم في هذه اللفظة وصح بقوله تعالى: (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) ان الذى عليه الحق هو يكيل ويزن وانه منهى عن الاخسار * 1592 مسألة ومن اشترى أرضا فهى له بكل ما فيها من بناء قائم أو شجر نابت، وكذلك كل من اشترى دارا فبناؤها كله له وكل ما كان مركبا فيها من باب أو درج أو غير ذلك وهذا اجماع متيقن، وما زال الناس يتبايعون الدور والارضين من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا لا يخلو يوم من أن يقع فيه بيع دار أو ارض هكذا ولا يكون له ما كان موضوعا فيها غير مبنى كابواب وسلم ودرج وآجر ورخام وخشب وغير ذلك ولا يكون له الذرع الذى يقلع ولا ينبت بل هو لبائعه وبالله تعالى التوفيق، ومن ابتاع انقاضا أو شجرا دون الارض فكل ذلك يقلع ولابد وبالله تعالى التوفيق * 1593 مسألة وفرض على التجار أن يتصدقوا في خلال بيعهم وشراءهم بما طابت به نفوسهم لما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أخبرني محمد بن قدامة المصيصى عن جرير عن منصور عن أبى وائل عن قيس بن أبى غرزة قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر التجار انه يشهد بيعكم الحلف واللغو شوبوه بالصدقة) وأمره صلى الله عليه وسلم على الفرض قال الله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم) وقوله عليه السلام: (شوبوه بالصدقة) يقتضى المداومة والتكرار في موضوع اللغة وبالله تعالى التوفيق * (تم كتاب البيوع والحمد لله رب العالمين) بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الشفعة 1594 مسألة الشفعة واجبة في كل جزء بيع مشاعا غير مقسوم بين اثنين فصاعدا
من أي شئ كان مما ينقسم ومما لا ينقسم من أرض.
أو شجرة واحدة فاكثر.
أو عبد.
أو ثوب.
أو أمة.
أو من سيف.
أو من طعام أو من حيوان أو من أي شئ بيع لا يحل لمن له ذلك الجزء(9/82)
ان يبيعه حتى يعرضه على شريكه أو شركائه فيه فان أراد من يشركه فيه الاخذ له بما أعطى فيه غيره فالشريك أحق به وان لم يرد أن يأخذ فقد سقط حقه ولا قيام له بعد ذلك إذا باعه ممن باعه فان لم يعرض عليه كما ذكرنا حتى باعه من غير من يشركه فيه فمن يشركه مخير بين أن يمضى ذلك البيع وبين أن يبطله ويأخذ ذلك الجزء لنفسه بما بيع به * وههنا خلاف في أربعة مواضع، أحدها هل يجوز بيع المشاع أم لا، والثانى هل يكون في بيعه شفعة أم لا؟ والثالث الاشياء التى تكون فيها الشفعة، والرابع ان عرض البائع على من يشركه قبل أن يبيع فأبى شريكه من الاخذ هل يسقط حقه بذلك ام لا؟ فقال عبد الملك بن يعلى - وهو تابعي قاضى البصرة: لا يجوز بيع المشاع روينا ذلك من طريق حماد بن زيد نا أيوب السختيانى قال: رفع إلى عبد الملك بن يعلى قاضى البصرة رجل باع نصيبا له غيره مقسوم فلم يجزه فذكر لمحمد بن سيرين فرآه غير جائز، وقال محمد بن سيرين: لا بأس بالشريكين يكون يينهما المتاع أو الشئ الذى لا يكال ولا يوزن أن يبيعه قبل أن يقاسمه، وقال الحسن؟ لا يبع منه ولا من غيره حتى يقاسمه الا أن يكون لؤلؤة أو ما لا يقدر على قسمته، وأجاز عثمان البتى بيع المشاع ولم ير الشفعة للشريك، وقال أبو حنيفة.
والشافعي: لا شفعة الا في الارض فقط أو في أرض بما فيها من بناء أو شجر نابت فقط، وقال مالك: الشفعة واجبة في الارض وحدها وفى الارض لما فيها من بناء أو شجر نابت أو في الثمار التى في رءوس الشجر وان بيعت دون الاصول * وروينا عن عثمان بن عفان رضى الله عنه لا شفعة في بئر ولا فحل رويناه من طريق ابن أبى شيبة نا عبد الله بن ادريس عن محمد بن عمارة عن أبى بكر بن عمر بن حزم عن ابان ابن عثمان بن عفان عن أبيه قال: لا شفعة في بئر ولا فحل والارف يقطع كل شفعة * الارف الحدود والمعالم (1) *
قال أبو محمد: وبرهان صحة قولنا ما رويناه من طريق البخاري نا مسدد نا عبد الواحد هو ابن زياد نا معمر عن الزهري عن ابى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) (2): ومن طريق البخاري أيضا أنا محمود هو ابن غيلان نا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن ابى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل مال لم يقسم (3) فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) ووجدت في كتاب يحيى بن مالك بن عائذ بخطه أخبرني القاضى أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن سلمة المعروف بابن أبى حنيفة قال: نا أبو جعفر الطحاوي قال نا محمد بن خزيمة نا يوسف بن عدى هو
__________
(1) سقط لفظ والمعالم من النسخة رقم 14 (2) هو في صحيح البخاري ج 3 ص 179 (3) في النسخة رقم 14 في كل ما لم يقسم، وما هنا موافق لما في صحيح البخاري ج 3 ص 164 [ * ](9/83)
القراطيسى نا ابن ادريس هو عبد الله الاودى عن ابن جريج عن عطاء عن جابر قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شئ قال الطحاوي: وحدثنا ابراهيم بن أبى داود نا نعيم نا الفضل ابن موسى عن أبى حمزة السكرى عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبى مليكة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشريك شفيع والشفعة في كل شئ) * ومن طريق مسلم نا أبو الطاهر أنا ابن وهب عن ابن جريج أن أبا الزبير أخبره أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشفعة في كل شرك في ارض أو ربع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه فيأخذ أو يدع فان أبى فشريكه أحق به يؤذنه) * قال أبو محمد: فهذه آثار متواترة متظاهرة بكل ما قلنا، جابر: وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الشفعة في كل مال وفى كل شئ وفى كل ما لم يقسم، ورواها كذا عن جابر أبو الزبير سماعا منه وعطاء.
وأبو سلمة ورواه عن ابن عباس ابن أبى مليكة فارتفع الاشكال جملة ولله تعالى الحمد وممن قال بقولنا في هذا كما روينا عن ابن أبى شيبة نا يزيد بن هارون انا يحيى بن سعيد عن عون
ابن عبيدالله بن أبى رافع عن عبيدالله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب قال: إذا وقعت الحدود وعرف الناس حقوقهم فلا شفعة بينهم * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا محمد بن اسحق عن منظور بن أبى ثعلبة عن أبان بن عثمان بن عفان أن أباه عثمان قال: لا مكايلة إذا وقعت الحدود فلا شفعة، فهذان عمر بن الخطاب، عثمان بن عفان رضى الله عنهما يحملان قطع الشفعة بعد وجوبها بوفوع الحدود ومعرفة الناس حقوقهم ولم يخصا أرضا دون سائر الاموال بل أجملا ذلك والحدود تقع في كل جسم مبيع وكذلك معرفة كل أحد حقه * ومن طريق ابن أبى شيبة نا أبو الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبى مليكة قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شئ الارض.
والدار.
والجارية.
والخادم فقال عطاء: انما الشفعة في الارض والدار فقال له ابن ابى مليكة: تسمعني لا أم لك أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تقول مثل هذا، والى هذا رجع عطاء كما روينا من طريق وكيع قال نا ابان عن عبد الله البجلى قال: سألت عطاء عن الشفعة في الثوب فقال له شفعة وسألته عن الحيوان فقال له شفعة وسألته عن العبد؟ فقال: له شفعة فهذان عطاء.
وابن أبى مليكة بأصح اسناد عنهما * قال أبو محمد: فلا تخلو الشفعة من أن تكون من طريق النص كما نقول نحن أو من طريق النظر كما يقول المخالفون، فان كانت من طريق النص فهذه النصوص التى أوردنا لا يحل الخروج عنها وان كانت من طريق النظر كما يزعمون انها انما جعلت لدفع ضرر (1) عن الشريك فالعلة بذلك موجودة في غير العقار كما هي موجودة (2) في العقار بل اكثر وفيما لا ينقسم كوجودها
__________
(1) في النسخة رقم 14 دفعا للضرر (2) سقط لفظ موجودة من النسخة رقم 14(9/84)
فيما ينقسم بل هي فيما لا ينقسم اشد ضررا فاما من منع بيع (1) المشاع فما نعلم لهم حجة أصلا بل هو خلاف القرآن.
والسنة قال الله تعالى (واحل الله البيع) وقال تعالى (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فهذا بيع لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال ولقد كان يلزم الحنيفيين المحرمين رهن الجزء من المشاع رهبة الجزء من المشاع.
والصدقة بالحزء من المشاع.
والاجارة للجزء المشاع ان يمنعوا
من بيع الحزء من المشاع لان العلة في كل ذلك واحدة والقبض واجب في البيع كما هو في الهبة.
والرهن.
والصدقة.
والاجارة (1) ولكن التخاذل في أقوالهم في الدين أخف شئ عليهم، فان قالوا: اتبعنا في اجازة بيع المشاع الآثار المذكورة قلنا: ما فعلتم بل خالفتموها كما نبين بعد هذا ان شاء الله عزوجل، وأقرب ذلك مخالفتكم اياها في سقوط حق الشريك إذا عرض عليه الاخذ قبل البيع فلم يأخذ فقلتم: بل حقه باق ولا يسقط، وايضا فقد جاء نص بهبة المشاع إذ وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم الاشعريين ثلاث زود من الابل بينهم فلم تجيزوه، وأما من لم يقل بالشفعة فان حجته أن يقول: خبر الشفعة مخالف للاصول ومن ملك شيئا بالشراء فلا يجوز لغيرة أخذه وهذا خلاف لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كان يلزم الحنيفيين المخالفين للثابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حكم المصراة.
ومن حكم من وجد سلعته عند مفلس فهو أولى بها.
والقرعة بين الاعبد الستة في العتق، وقالوا: هذه الاخبار مخالفة للاصول أن يقولوا مثل هذا في خبر الشفعة ولكن التناقض أسهل شئ عليهم، ولا جحة في نظر مع حكم ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الخلاف فيما تكون فيه الشفعة فانهم قالوا: انما ذكر في حديث جابر من رواية أبى الزبير في كل شرك في أرض أو ربع أو حائط، وفى رواية أبى سلمة عنه (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) وما نعلم لهم شيئا شغبوا به الا هذا فجوابنا وبالله تعالى التوفيق انه لا حجة لهم في هذين اللفظين، أما قوله عليه الصلاة والسلام: في كل شرك في أرض أو ربع أو حائط فليس فيه انه لا شفعة الا في هذا فقط وانما فيه ايجاب الشفعة في الارض والربع والحائط وليس فيه ذكر هل الشفعة فيما عداها أم لا؟ فوجب طلب حكم ما عدا هذه في غير هذا اللفظ وقد وجدنا خبر جابر هذا نفسه من طريق عطاء بان الشفعة في كل شئ وما يجهل ان عطاء فوق أبى الزبير الا جاهل، وقد جاء هذا الخبر من طريق أبى خيثمة زهير بن معاوية عن أبى الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم (من كان له شريك في ربعة أو نخل فليس له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فان رضى أخذ وان كره ترك) افترون هذا حجة في أن لا شفعة الا في ربع
أو نخل فقط دون سائر الثمار؟ فان قالوا: قد جاء خبر آخر بزيادة قلنا: وقد جاء خبر آخر
__________
(1) في النسخة رقم 14 من بيع (2) في النسخة رقم 14 والتجارة وهو خطأ [ * ](9/85)
لنا أيضا بزيادة كل مال لم يقسم ولا فرق، فكيف والحنيفيون.
والمالكيون، والشافعيون المخالفون لنا في هذا أصحاب قياس بزعمهم فهلا قاسوا على حكم الارض.
والحائط.
والبناء سائر الاملاك بعلة الضرر ودفعه كما قاسوا على الذهب.
والفضة.
والبر.
والشعير، والملح.
والتمر وسائر الانواع؟ فليت شعرى ما الموجب للقياس هنالك وفى سائر ما قاسوا فيه ومنع منه ههنا لاسيما والمالكيون: والشافعيون يجعلون الشفعة في الصداق قياسا على البيع فهلا قاسوا البيع على البيع فهو أولى من قياس الصداق على البيع؟ والمالكيون يرون الشفعة في الثمرة دون الاصول فهلا قاسوا غير الثمرة على العقار كما قاسوا الثمرة على العقار لاسيما مع اقراره بانه لا يعرف أحدا قال بذلك قبله ثم كلهم مخالفون لهذا الخبر نفسه في أنهم لا يسقطون حق الشريك في الشفعة إذا عرض عليه شريكه أخذ الشقص بما يعطى فيه فلم يأخذه، فكيف يحل لمسلم أن يجعل بعض خبر حجة لا سيما فيما ليس فيه منه شئ ولا يجعله حجة فيما هو فيه منصوص ونعوذ بالله من مثل هذا * وأما اللفظ الذى في رواية أبى سلمة عن جابر (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فلا حجة لهم فيه لانه ليس في هذا اللفظ نص ولا دليل على أن ذلك لا يكون الا في الارض.
والعقار.
والبناء بل الحدود واقعة في كل ما ينقسم من طعام.
وحيوان.
ونبات.
وعروض والى كل ذلك طريق ضرورة كما هو إلى البناء والى الحائط ولا فرق، وكان ذكره عليه السلام للحدود والطرق اعلاما بحكم ما يمكن قسمته وبقى الحكم فيما لا يقسم على حسبه فكيف وأول الحديث بيان كاف في أن الشفعة واجبة في كل مال يقسم وفى كل ما لم يقسم وهذا عموم لجميع الاموال ما احتمل منها القسمة وما لم يحتملها، ومن الباطل الممتنع أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد بهذا الحكم الارض فقط ثم يجمل
هذا الاجمال حاش لله من هذا، وهو مأمور بالبيان لا بالايهام والتلبيس هذا أمر لا يتشكل في عقل ذى عقل سواه وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: فبطل أن يكون لهم متعلق وقد جسر بعضهم على جارى عادته في الكذب فادعى الاجماع على وجوب الشفعة في الارض.
والبناء.
والاشجار فقط وادعى الاجماع على سقوط الشفعة فيما سواها * قال أبو محمد: أما الاجماع على وجوب الشفعة في الارض وما فيها من بناء وشجر فقد أوردنا عن الحسن.
وابن سيرين.
وعبد الملك بن يعلى وعثمان البتى خلاف ذلك وهؤلاء فقهاء تابعون وأما الاجماع على أن لا شفعة فيما عدا ذلك فقد ذكرنا عموم الرواية عن عمر وعثمان والرواية عن ابن أبى مليكة وعطاء وهو قول فقهاء أهل مكة وهذا مالك يرى الشفعة في الثمرة المبيعة دون(9/86)
الاصل وما نعلم روى اسقاط الشفعة فيما عدا الارض الا عن ابن عباس وشريح وابن المسيب ولا يصح عنهم وعن عطاء وقد رجع عن ذلك وعن ابراهيم، والشعبى.
والحسن وقتادة وحماد ابن أبى سليمان وربيعة وهو عن هؤلاء صحيح، أما ابن عباس فان الرواية عنه في ذلك من طريق محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس لا شفعة في الحيوان محمد بن عبد الرحمن مجهول وليس فيه أيضا أنه لا شفعة في غير الحيوان كما ليس في حديث عثمان اسقاط الشفعة عن غير البر والفحل فبطل تعلقهم بها جملة، وأما ابن المسيب فهو من طريق ابن سمعان وهو مذكور بالكذب وهو عن شريح من طريق جابر الجعفي ويكفى * ورويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم عن عبيدة وجرير.
ويونس وقال عبيدة عن ابراهيم وقال جرير عن الشعبى قالا جميعا: لا شفعة الا في دار، أو عقار، وقال يونس عن الحسن: لا شفعة الا في تربة * قال أبو محمد: ومثل عدد هؤلاء لا يعدهم اجماعا الا كذاب قليل الحياء وقد أوردنا الخلاف في ذلك عمن ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * وقد خالف هؤلاء كلهم مالك فرأى الشفعة في التين، والعنب والزيتون.
والفواكه في رءوس الشجر وليست دارا ولا عقارا ولا تربة ورأى
ابن شبرمة الشفعة في الماء، والعجب من المالكيين في اجبارهم الشريك على يبيع مع شريكه ولم يوجب قط ذلك نص ولا أثر ولا قياس ولا نظر ثم لا يوجب له الشفعة وقد جاء بها النص وعجب آخر منهم ومن الحنيفيين في قولهم المسند كالمرسل سواء حتى أن بعضهم قال: بل المرسل أقوى وقد ذكرنا آنفا أحسن المراسيل بايجاب الشفعة في الجارية وفى الخادم وروينا من طريق محمد بن جعفر نا شعبة عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبى مليكة قال النبي صلى الله عليه وسلم في العبد شفعة وفى كل شئ وما نعلم في المرسلات أقوى من هذا فخالفوه وما عابوه الا بارسال فأى دين أو أي حياء يبقى مع هذا؟ ونعوذ بالله من الخذلان، وأما سقوط حق الشريك إذا عرض عليه شريكه الاخذ فلم يأخذه فان الحنيفيين حاشا الطحاوي.
والمالكيين.
والشافعيين قالوا: لا يسقط حقه بذلك بل له ان يأخذ بعد البيع واحتجوا بان قالوا: بان الشفعة لم تجب له بعد وانما تجب له بعد البيع فتركه ما لم يجب له بعد لا معنى له ولا يسقط حقه إذا وجب، ما لهم حجة غير هذا أصلا وهذا ليس بشئ أول ذلك قولهم ان الشفعة لم تجب له بعد فهذا باطل لان الشفعة وغير الشفعة من أحكام الديانة كلها لا تجب الا إذا أوجبها الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم والا فما لم يجئ هذا المجئ فليس هو من الدين ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذى أوجب حق الشفيع بعرض الشفعة عليه قبل البيع وأسقط حقه بتركه الاخذ حينئذ ولم يجعل له بعد البيع حقا أصلا الا بان لا يعرض عليه قبل البيع فحينئذ يبقي له الحق بعد البيع والا فلا هذا هو حكم الله تعالى على لسان رسوله عليه السلام فليأتونا عنه عليه السلام بان الاخذ لا يجب للشفيع الا بعد البيع(9/87)
فقط وهذا ما لا يجدونه أبدا فظهر فساد قولهم من كثب وليت شعرى أين كان الحنيفيون عن هذا النظر حيث أجازوا الزكاة قبل الحول نعم وقبل دخوله.
والمالكيون كذلك قبل تمام الحول بشهرين.
والشافعيون كذلك قبل تمام الحول؟ وأين كان المالكيون عن هذا النظر حيث أجازوا اذن الوارث للموصى في اكثر من الثلث والمال لم يجب لهم بعد ولا لهم فيه حق ولعله هو يرثهم أو لعله سيحدث له ولد يحجبهم وأين كانوا عن هذا النظر في اجازتهم الطلاق قبل
النكاح والعتق قبل الملك فاعجبوا لهذه التخاليط وبه يقول جماعة من أهل العلم كما روينا من طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن أشعث عن الحكم بن عتيبة في الرجلين بيهما دار أو أرض فقال احدهما للآخر: اريد أن ابيع ولك الشفعة فاشتر منى فقال له الآخر: لا حاجة لى به قد أذنت لك ان تبيع فباع ثم يأتي طالب الشفعة فيقول قد قام الثمن وانا أحق قال الحكم لا شئ له إذا اذن قال سفيان: وبه نأخذ وهو قول أبى عبيد.
واسحاق.
والحسن بن حى.
وأحد قولى أحمد.
وطائفة من أصحاب الحديث فان قال قائل قد جاء هذا الخبر من طريق أبى الزبير عن جابر وفيه لا يحل له أن يبيع قلنا: لم يذكر فيه أبو الزبير سماعا من جابر وهو قد اعترف على نفسه بأن ما لم يذكر فيه سماعا فانه حدثه به من لم يسمه عن جابر ثم لو صح لكان آخر الخبر حاكما على أوله ولا يحل ترك شئ صح من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا خبر رويناه من طريق اسحاق بن راهويه نا عبد الله بن ادريس نا ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فان شاء أخد وان شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو احق به * قال أبو محمد: فانما جعله عليه السلام بعد البيع الذى لا يحل أحق فقط فلاح أن الحق في الاخذ أو الترك بعد البيع إلى الشفيع إذا لم يؤذن قبل البيع فان أبطله بطل وان أجازه فحينئذ جاز وبالله تعالى التوفيق * 1595 مسألة ولا شفعة الا في البيع وحده ولا شفعة في صداق ولا في اجارة ولا في هبة ولا غير ذلك وهو قول جماعة من السلف كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم عن منصور بن المعتمر عن الحسن أنه كان لا يرى الشفعة في الصداق * ومن طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر قال: بلغني أنه قال: لا شفعة في صداق وهو قول أبى حنيفة.
وأصحابه.
وأبى سليمان.
وأصحابنا.
والليث بن سعد.
وقال الحارث العكلى.
وابن أبى ليلى.
وابن شبرمة.
والحسن بن حى.
ومالك.
والشافعي في الصداق والشفعة، ثم اختلفوا فقال العكلى.
والشافعي: يأخذ الشفيع بصداق مثلها وقال ابن ابى ليلى.
وابن شبرمة.
والحسن بن حى.
ومالك(9/88)
يأخذه بقيمة الشقص وأوجب مالك والشافعي الشفعة في الاجارة * قال أبو محمد: ان قيل: فهلا أخذتم بايجاب الشفعة في كل ذلك بعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضائه بالشفعة في كل مال لم يقسم قلنا: لم يجز ما تقولون لان الشفعة ليست لفظة قديمة انما هي لفظة شريعية لم تعرف العرب معناها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لم تعرف لفظة الصلاة ولفظة الزكاة.
ولفظة الصيام، ولفظة الكفارة ولفظة النسك ولفظة الحد الوارد كل ذلك في الدين حتى بينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم تعرفه العرب قط من صفة الركوع والسجود والقرءة وما يعطى من الاموال وما يمتنع منه في رمضان وغير ذلك وكذلك الشفعة من هذا الباب لا يدرى أحد ما المراد بها حتى بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بين أن ذلك في البيع ولم يذكرها في غير ذلك فلم يجز أن يتعدى بها بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الظنون الكاذبة، فان قالوا: قسنا الصداق.
والاجارة على البيع قلنا: هذا باطل لان القياس كله باطل (1)، ثم لو صح لكان هذا منه عين الفساد لان الصداق.
والاجارة لا يشبهان البيع في شئ من الاشياء وانما القياس عند القائلين به أن يحكم للشئ بحكم نظيره والبيع تمليك للميبع وليست الاجارة تمليكا للمؤاجر انما هي اباحة للمنافع الحادثة الظاهرة ولا الصداق تمليكا للرقبة ولا يحل بيع ما لم يخلق والاجارة انما هي فيما لم يخلق من المنافع والنكاح يجوز بلا ذكر صداق ولا يجوز البيع بغير ذكر ثمن، ثم اختلافهم في ذلك أبصداق مثلها أم يقيمة الشقص؟ بيان أنه رأى فاسد متعارض ليس أحد القولين أولى من الآخر، وليت شعرى أين كانوا عن هذا القياس في أن يقيسوا على الارضين في الشفعة سائر الاموال؟ وهذا (2) اصح في القياس لو صح القياس يوما، فان ذكروا الخبر الذى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (من ابتاع دينا على رجل فصاحب الدين أولى) فهذا باطل لانه عمن لم يسم عن عمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لو صح لم ينتفعوا به لانه في البيع أيضا فهو حجة عليهم في منعهم من الشفعة
فيما عدا العقار * 1596 مسألة ومن لم يعرض على شريكه الاخذ قبل البيع حتى باع فوجبت الشفعة بذلك للشريك فالشريك على شفعته علم بالبيع أو لم يعلم.
حضره أو لم يحضره.
أشهد عليه أو لم يشهد حتى يأخذ متى شاء ولو بعد ثمانين سنة أو أكثر أو يلفظ بالترك فيسقط حينئذ ولا يسقط حقه بعرض غير شريكه أو رسوله عليه * واختلف الحاضرون في هذا فقال أبو حنيفة: متى علم بالبيع وعلم أن له الشفعة فان طلب في الوقت أو أشهد على أنه آخد بشفعته فله الشفعة أبدا وان سكت بعد ذلك سنين فان لم يشهد ولا طلب
__________
(1) في النسخة رقم 14 كله فاسد (2) في النسخة رقم 14 فهذا [ * ](9/89)
فقد بطل حقه، وروى عن أبى حنيفة في الحاضر أن له اجل ثلاثة أيام فان طلب الشفعة فيها قضى له، وان مرت الثلاث ولم يطلب الشفعة بطل حقه ولا شفعة له، وقال صاحبه محمد بن الحسن كذلك الا أنه قال: لا ينتفع بالاشهاد على أنه طالب بالشفعة الا بان يكون اشهاده بذلك بحضرة المطوب بالشفعة أو بحضرة الشقص المطلوب، وقال أيضا: فان سكت بعد الاشهاد المذكور شهرا واحدا لا يطلب بطلت شفعته، وقال بعض كبار نظار مقلدي أبى حنيفة: للشفيع من أمد الخيار ان سكت ولم يشهد ولا طلب ما للمرأة المخيرة، وبقول أبى حنيفة يقول البتى.
وابن شبرمة.
وعبيد الله ابن الحسن.
والاوزاعي الا أن عبيدالله قال: لا يمهل الا ساعة واحدة وقال مالك: ثلاثة أقوال: مرة قال: ان بلغه البيع وعلم ان له القيام بالشفعة فسكت ولم يطلب ولا أشهد فهو على حقه وله أن يطلب ما لم يطل الامد جدا دون تحديد في ذلك، ومرة قال: ان قام ما بينه وبين خمسة أعوام فله ذلك وان لم يقم حتى مضت خمسة أعوام فقد بطل حقه، ومرة قال: له القيام ما بينه وبين سنة فان لم يطلب حتى مضت سنة فقد بطل حقه، وقال الشافعي: ان ترك الطلب ثلاثة أيام فأقل كان له ان يطلب فان لم يطلب حتى مضت له ثلاثة أيام فقد بطل حقه وهو قول سفيان
الثوري، ثم رجع الشافعي فقال: ان ترك الطلب دون عذر مانع ما قل أو كثر فقد بطل حقه وان تركه لعذر فهو على حقه طال الامد أو قصر وهو قول معمر، وروى عن شريح وصح عن الشعبى، وروى عن الشعبى أن له أجل يوم واحد: وممن قال مثل قولنا (1) ما روينا من طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن أبى اسحاق الشيباني عن حميد الازرق أن عمر بن عبد العزيز قضى بالشفعة بعد بضع عشرة سنة * قال أبو محمد: أما أقوال مالك كما هي فهى في غاية الفساد (2) لانها اما تحديد بلا برهان واما اجمال بلا تحديد فلا يدرى أحد متى يسقط حقه ولا متى لا يسقط حقه وليس في الزمان طويل الا بالاضافة إلى ما هو أقصر منه فاليوم طويل لمن عذب فيه وبالاضافة إلى ساعة ومائة عام قليل بالاضافة إلى عمر الدنيا مع أنها أقوال لم تعهد عن احد قبله ولا يعضدها قرآن.
ولا سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قول سلف.
ولا قياس.
ولا رأى له وجه، وكذلك قول سفيان.
والاول من قولى الشافعي.
وقول الشعبى في تحديد يوم فهما قولان في غاية الفساد لانهما تحديد بلا برهان وليس رد ذلك إلى ما جاء من الاخبار بخيار ثلاثة أيام أولى من أن يرد إلى خيار العدة ان شاء ارتجع وان شاء أمضى
__________
(1) في النسخة رقم 14 وممن قال بقولنا (2) في النسخة رقم 14 ففى غاية الفساد [ * ](9/90)
الطلاق وهو ثلاثة أشهر، وهذه كلها تخاليط، وكذلك قول محمد بن الحسن وتحديده بشهر وبان لا يكون الاشهاد الا بحضرة المطلوب بالشفعة أو الشقص المبيع فهذا تخليط ناهيك به وتحكم في الدين بالباطل * وأما قول من قال: له من الامد ما للمخيرة فأسخف قول سمع به لانه احتجاج للباطل بالباطل وللهوس بالهوس وما سمع باحمق من أقوالهم في حكم المخيرة * وأما قول أبى حنيفة، والاوزاعي.
والبتى ومن وافقهم فان تحديدهم في ذلك بالاشهاد ثم السكوت ان شاء قال بلا برهان له وما كان هكذا فهو باطل، وقد علمنا أن
حق الشريك واجب بعد البيع إذا لم يؤذنه البائع قبل البيع فاى حاجة به إلى الاشهاد أو من أين ألزموه اياه وأسقطوا حقه بتركه هذا خطأ فاحش واسقاط لحق قد وجب بايجاب الله تعالى له فما يقويه الاشهاد ولا يضعفه تركه فبطل قول أبى حنيفة ولم يبق (1) إلا أحد قولى الشافعي، والشعبى فنظرنا فيه فلم نجد لهم حجة أصلا الا أن بعض المموهين نزع بقول مكذوب موضوع مضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (الشفعة كنشطة عقال والشفعة لمن واثبها) وهذا خبر رويناه من طريق البزار قال: نا محمد بن المثنى نا محمد بن الحارث نا محمد بن عبد الرحمن بن البيلمانى عن أبيه عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا شفعة لغائب ولا لصغير والشفعة كحل العقال من مثل بمملوكه فهو حر وهو مولى الله ورسوله والناس على شروطهم ما وافقوا الحق) * قال أبو محمد: أفيكون أعجب من مخالفتهم كل ما في هذا الخبر واحتجاجهم ببعضه فبعضه حق وبعضه باطل؟ أف لهذه الاديان، وأما الشفعة لمن واثبها فما يحضرنا الان ذكر اسنادها الا أنه جملة لا خير فيه، وابن البيلمانى ضعيف مطرح ومتفق على تركه * وأما لفظ لمن واثبها فهو لفظ فاسد لا يحل أن يضاف مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لان قول القائل: الشفعة لمن واثبها موجب أن يلزمه الطلب مع البيع لا بعده لان المواثبة فعل من فاعلين فوجب أن يكون طلبه مع البيع لا بعده لان التأني في الوثب لا يسمى مواثبة * وأما قوله: الشفعة كنشطة عقال فمعناه ظاهر ولا حجة لهم فيه لان نشط العقال هو حل العقال وكذلك الشفعة لانها حل ملك عن المبيع وايجابه لغيره فقط * قال على: وقد جعل الله تعالى حق الشفيع واجبا وجعله على لسان رسوله عليه السلام المصدق أحق إذا لم يؤذن قبل البيع فكل حق ثبت بحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يسقط أبدا الا بنص وارد بسقوطه فان وقفه المشترى على أن يأخذ أو يترك لزمه أحد الامرين ووجب على الحاكم اجباره على أحد الامرين لانه قد أعطى حقه فلا ينبغى له (2)
__________
(1) في النسخة رقم 14 وما بقى (2) في النسخة رقم 14 فلا يحل له [ * ](9/91)
تضييعه فهو اضاعة للمال ولابد له من أخده أو أن يبيحه لغيره والا فهو غاش غير ناصح لاخيه المنصف له وبالله تعالى التوفيق * وأما من منع حقه ولم يعطه فليس سقوطه عن طلبه قطعا لحقه ولو سكت عمره كله، ولا يختلفون فيمن غصب مالا أو كان له دين أو ميراث أو حق ما فان سقوطه عن طلبه لا يبطله وانه على حقه أبدا فمن أين خصوا حق الشفعة من سائر الحقوق بهذه التخاليط؟ * 1597 مسألة فان أخذ الشفيع حقه لزم المشترى رد ما استغل وكان كل ما أنفذ فيه من هبة أو صدقة (1) أو عتق.
أو حبس.
أو بنيان.
أو مكاتبة.
أو مقاسمة فهو كله باطل مردود مفسوخ أبدا وتقلع انقاضه (2) ليس له غير ذلك لا سيما المخاصم المانع فان هذا غاصب ظالم متعد مانع حق غيره بلا مرية فان ترك الشريك الاخذ بالشفعة نفذ كل ذلك وصح ولم يرد شيئا منه وكانت الغلة له هذا إذا كان ايذانه الشريك ممكنا له أو للبائع حين اشترى فان لم يكن ايذان الشريك ممكنا للبائع لعذر ما أو لتعذر طريق فان الشفعة للشريك متى طلبها وليس على المشترى (3) رد الغلة حينئذ لكن كل ما أحدث فيه مما ذكرنا فمفسوخ (4) ويقلع بنيانه ولابد * برهان ذلك قوله عليه السلام الذى اوردنا قبل: لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فلا يخلو بيع الشريك قبل ان يؤذن شريكه من أحد اوجه ثلاثة لا رابع لها، إما أن يكون باطلا وان صححه الشفيع بتركه الشفعة وهذا باطل لانه لو كان ذلك لوجب عليه رد الغلة على كل حال أخذ الشفيع أو ترك والخبر يوجب غير هذا بل يوجب أن الشريك أحق وانه ان ترك فله ذلك فلو كان البيع باطلا لاحتاج إلى تجديد عقد آخر وهذا خطأ أو يكون صحيحا حتى يبطله الشفيع بالاخذ وهذا باطل بقوله عليه الصلاة والسلام: لا يصلح، فمن الباطل أن يكون صحيحا ما أخبر عليه الصلاة والسلام انه لا يصلح أو يكون موقوفا فان أخذ الشفيع بالشفعة علم أن البيع وقع باطلا وان ترك حقه علم أن البيع وقع صحيحا وهذا هو الصحيح
لبطلان الوجهين الاولين لقوله (5) عليه السلام: (الشريك أحق) فصح أن للمشترى (6) حقا بعد حق الشفيع فصح ما قلناه وبالله تعالى التوفيق * ونسأل من خالف في هذا متى كان الشفيع أحق أحين أخذ أم حين رد البيع؟ فان قالوا: من حين أخذ قلنا: هذا باطل لانه خلاف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جعله أحق حين البيع فإذ هو أحق حين البيع فإذا أخذ فقد أخذ حقه من حين البيع، وأما إذا لم يمكن للبائع اعلام الشريك فان الله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) في بعض النسخ أو صداق (2) في النسخة رقم 14 ويقلع انقاضه (3) في النسخة رقم 16 للشريك (4) في النسخة رقم 14 فهو مفسوخ (5) في النسخة رقم 16 ولقوله (6) في النسخة رقم 16 للشريك [ * ](9/92)
(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فصح بلا شك ان ممن لم يقدر على ايذان الشريك ولم يستطعه فقد سقط حقه (1) وحل له البيع لان قوله عليه السلام: (لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه) يقتضى ضرورة من يقدر على ايذانه فخرج عن هذا النص حكم من لم يقدر على ايذانه فهو قادر البيع وعاجز عن الايذان فمباح له ما قدر عليه وساقط عنه ما ليس في وسعه فهذا إذا طلب الشفيع وأخذ شفعته فحينئذ بطل العقد وكان قبل ذلك صحيحا فإذ هو كذلك فالغلة له لانها غلة ماله، وأما البناء وسائر ما أحدث فقد أبطله حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الشفيع أحق منه فانما أنفذ حكمه فيما غيره أحق به منه فبطل أن ينفذ حكمه فيما جعله تعالى حقا لغيره لقوله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) واختلف الناس في هذا فروينا من طريق عبد الرزاق انا سفيان الثوري عن أبى اسحاق الشيباني عن الشعبى.
وابن أبى ليلى قالا جميعا: إذا بنى ثم جاء الشفيع بعده فالقيمة، وقال حماد بن أبى سليمان: يقلع بناءه وبه يأخذ سفيان الثوري.
وأبو حنيفة.
وأبو سليمان.
وأصحابهم، وبقول الشعبى يأخذ مالك.
والبتى.
والاوزاعي.
والشافعي.
وأحمد * قال أبو محمد: الزامه قلع بنائه واجب بما ذكرنا وبأنه لا يجوز له ابقاء انقاضه في
ساحة غيره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) ولا يجوز الزامه غرامة في ابتياع ما لا يريد ابتياعه من انقاض بناء المخرج من الابتياع لانه لم يوجب ذلك نص فهو ظلم مجرد، ولا فرق بين الزامه غرامة للمخرج عن الملك وبين اباحة انقاض المخرج للشفيع وكل ذلك أكل مال محرم بالباطل بل كل ذى حق أولى بحقه وبالله تعالى التوفيق * قال على: أوجب الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام الخيار في البيع في خمسة مواضع، المصراة ومن بايع وقال.
لا خلابة فهذان خيارهما ثلاثة أيام بلياليها فقط، ومن تلقيت سلعته فهذا له الخيار إذا السوق لا قبل ذلك، ومن وجد عيبا لم يبين له به ولا شرط السلامة منه، والشريك مبيع مع غير شريكه ولا يؤذنه فهؤلاء لهم الخيار بلا تحديد مدة الا حتى يقروا بترك حقهم فوجدنا مشترى المصراة ومن بايع على أن لا خلابة ينقضى خيارهما بتمام الثلاثة الايام ولا يكون لهما خيار بعدها ويلزمهما (2) الشراء فصح هذا بما ذكرنا وانه لو وقع فاسدا لم يخير في امضائه أو في رده بل كان يكون باطلا خيار لاحد في تصحيحه فقد صح أنه وقع صحيحا ثم جعل تعالى للمشترى رده ان شاء فصح ان الغلة له رد أو أخذ
__________
(1) في النسخة رقم 14 (عنه) (2) في النسخة رقم 16 ولا يلزمهما [ * ](9/93)
لانها حدثت في ماله ووجدنا من تلقى السلع فابتاع وان كان منهيا عن ذلك فان الله تعالى لم يجعل للبائع خيارا الا بعد دخوله إلى السوق ولم يجعل له قبل ذلك خيارا فصح أن البيع صحيح وان كان منهيا عن التلقى ولم ينه عن الابتياع لان التلقى غير الابتياع فهما فعلان، أحدهما غير الآخر نهى عن أحدهما ولم ينه عن الآخر لكن جعل البائع خيار في رده أو امضائه ولو وقع فاسدا لبطل جملة فوجب بذلك أن الغلة للمشترى في رد البائع البيع أو اجازته ووجدنا [ أيضا ] (1) من وجد عيبا لم يبين له به ولا شرط السلامة منه له الخيار أيضا في امضاء البيع أو رده فعلمنا أن البيع وقع صحيحا إذ لو وقع فاسدا لم يجز امضاؤه فوجب أيضا أن الغلة له رد أو اخذ
وبقى أمر الشفيع فوجدناه بخلاف كل ما ذكرنا من البيوع لانه لم يأت نص بالمنع من البيوع المذكورة بل جاء النص باجازتها كما قدمنا وبان الدليل بانها وقعت صحيحة ووجدنا من يمكنه ايذان شريكه فقد جاء النص بأنه لا يصلح له أن يبيع حتى يؤذنه فلو لم يكن الا هذا اللفظ وحده لوجب بطلان العقد بكل حال لكن لما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الشريك أحق وأباح له الاخذ أو الترك وجب أنه مراعى كما ذكرنا فان أخذ فقد علمنا أنه لم يمض ذلك العقد بل أبطله فصح أنه أنعقد فاسدا فلزمه رد الغلة وان ترك الاخذ فقد أجازه فصح أنه انعقد جائزا، وأما من لم يمكنه الايذان فلم يأت النص فيه بأنه لا يصلح وقد أحل الله البيع الا أن للشريك الاخذ أو الترك فان أخذ فحينئذ بطل العقد لا قبل ذلك فالغلة للمشترى ههنا على كل حال وبالله تعالى التوفيق * 1598 مسألة والشفعة واحدة للبدوي.
وللساكن في غير المصر وللغائب وللصغير إذا كبر.
وللمجنون إذا أفاق.
وللذمي بعموم قوله عليه السلام: فشريكه أحق به، وقد قال قوم من السلف: لا شفعة.
قال الشعبى: لا شفعة لمن لا يسكن المصر ولا لذمى، وقال أحمد بن حنبل: لا شفعة لذمى، وقال النخعي: لا شفعة لغائب وقاله أيضا الحارث العكلى.
وعثمان البتى قالا: الا القريب الغيبة، وقال ابن أبى ليلى: لا شفعة لصغير، وما نعلم لمن منع من ذلك حجة أصلا وبالله تعالى التوفيق * فان ترك ولى الصغير أو المجنون الاخذ بالشفعة فان كان ذلك نظرا لهما لزمهما لانه فعل ما أمر به من النصيحة لهما وان كان الترك ليس نظرا لهما لم يلزمهما ولهما الاخذ أبدا لانه فعل ما نهى عنه من غشهما * 1599 مسألة فان باع الشقص بعرض أو بعقار لم يجز للشفيع (2) أخذه الا بمثل ذلك العقار أو مثل ذلك العرض فان لم يقدر على ذلك أصلا فالمطلوب مخير
__________
(1) لفظ أيضا زيادة من النسخة رقم 14 (2) في النسخة رقم 14 للشريك [ * ](9/94)
بين أن يلزمه قيمة العرض أو العقار.
وبين أن يسلم إليه الشقص (1) ويلزمه مثل ذلك العقار أو مثل ذلك العرض متى قدر على لان البيع لم يقع الا بذلك العرض أو ذلك العقار، وليس للشريك أخذ الشقص الا بما رضى به البائع سواء عرضه عليه قبل البيع أو أخذه بعد البيع هذا ما لا خلاف فيه من أحد: فلا يجوز (2) اجبار البائع على أخذ غير ما طابت به نفسه وبالله تعالى التوفيق * فان لم يقدر عليه فقد تعين له قبل عرض أو عقار عجز عنه، وقال تعالى: (والحرمات قصاص) فله الاقتصاص بالقيمة التى هي مثل حرمة المال الذى له عنده وبالله تعالى التوفيق * 1600 مسألة ومن باع شقصه بثمن إلى اجل فالشفيع أحق به بذلك الثمن إلى ذلك الاجل، وقال مالك: ان كان مليا أخذ الشقص بذلك الثمن إلى ذلك الاجل وكذلك ان كان معسرا فضمنه ملئ والا فلا، وقال الشافعي.
وأبو حنيفة: لا يأخذه الا بالنقد فان أبى قيل له: أصبر فإذا جاء الاجل (3) فخذها حينئذ * قال على: أحتجوا بأن قالوا: إن البائع لم يرض ذمة الشريك وقد يعسر قبل الاجل * قال أبو محمد: هذا لا شئ ونقول لهم: ان كان لم يرض ذمة الشريك فكان ماذا؟ ومن أين وجب مراعاة رضاه وسخطه؟ (4) وكذلك أيضا لم يرض معاملته وقد يعسر الذى باع منه أيضا فالارزاق مقسومة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فالشريك أحق) موجب له الاخذ بما يبيع به جملة وتفضيله على المشترى فيما اشترى فقط وبالله تعالى التوفيق * 1601 مسألة ولو أن الشريك بعد بيع شريكه قبل أن يؤذنه باع أيضا حصته من ذلك الشريك البائع أو من اشترى منه أو من أجنبي علم بان له الشفعة أو لم يعلم علم بالبيع أو لم يعلم فالشفعة له كما كانت لانه حق قد أوجبه الله تعالى له فلا يسقطه عنه بيع ماله ولا غير ذلك أصلا وبالله تعالى التوفيق * 1602 مسألة ومن وجبت له الشفعة ولا مال له لم يجب أن يهمل لكن
يباع ذلك الشقص عليه فان وفى بالثمن فذلك وان فضلت فضلة دفعت إليه وان لم يف اتبع بالباقي وأنظر فيه إلى أن يوسر وذلك لانه ذو مال بذلك الشقص الواجب له ومن كان له مال فليس ذا عسرة لكن يباع ماله في الدين الذى عليه فان لم يف فهو حينئد ذو عسرة بالباقي فنظرة إلى ميسرة حينئذ كما أمر الله تعالى، وقال قوم: يبطل حقه في الشفعة وهذا باطل لانه اخراج حقه الذى جعله الله تعالى أحق
__________
(1) في النسخة رقم 16 أن يسلمه الشقص (2) في النسخة رقم 14 فلا يحل (3) في النسخة رقم 14 فإذا حل الاجل (4) في النسخة رقم 16 رضاه أو سخطه [ * ](9/95)
به عن يده بلا برهان وهذا لا يجوز وبالله تعالى التوفيق * 1603 مسألة وان مات الشفيع قبل أن يقول: أنا آخذ شفعتى فقد بطل حقه ولا حق لورثته في الاخذ بالشفعة أصلا لان الله تعالى انما جعل الحق له لا لغيره والخيار لا يورث وهذا قول محمد بن سيرين * وروينا من طريق عبد الرزاق عن فضيل عن محمد بن سالم عن الشعبى قال: سمعنا أن الشفعة لا تباع ولا توهب ولا تورث ولا تعار هي لصاحبها الذى وقعت له قال عبد الرزاق: وهو قول سفيان الثوري وهو قول أبى حنيفة.
وسفيان بن عيينة.
والحسن بن حى.
وأحمد.
واسحاق.
وأبى سليمان.
وأصحابهم، وقال مالك.
والشافعي: الشفعة لورثته احتجوا بأن قالوا: تورث الشفعة كما يورث العفو في الدم أو القصاص ما نعلم لهم شيئا أوهموا به غير هذا (1) وهذا باطل لانها دعوى بلا برهان، ثم هو احتجاج للخطأ بالخطأ.
وقولهم ان العفو والقصاص يورثان خطأ بل هما لمن جعلهما الله تعالى له من ذكور الاولياء فقط وانما أوجب (2) الله تعالى الميراث في الاموال لا (3) فيما ليس مالا ولو ورث الخيار لوجب أن يورث عندهم فيمن جعل أمر أمرأته بيد انسان بعينه وخيره في طلاقها أو ابقائها فمات ذلك الانسان فكان يجب على قولهم ان يرث ورثته ما جعل له من الخيار وهم لا يقولون هذا، ونسألهم أيضا لمن يأخذوا الورثة بالشفعة أللميت ام لانفسهم؟ فان
قالو: للميت فلنا: هذا باطل لان الميت لا يملك شيئا وان قالوا: لانفسهم قلنا: هذا باطل لان شركتهم انما حدثت بعد البيع فلا توجد شفعة ولم يكونوا حين البيع شركاء فلم تجب لهم شفعة وهذا مما تنافض فيه المالكيون وخالفوا جمهور العلماء لانهم يقولون: ان أحد الاولياء الذين لهم العفو أو القصاص ان مات وترك زوجة وبنات لم يرثن الخيار الذى له وهذا مما تناقض فيه الحنيفيون لانهم يورثون العفو والقصاص ولا يورثون الخيار ههنا فأما إذا بلغ الشريك أمر البيع فقال: أنا آخذ بالشفعة ثم مات فقد صحت له وهى موروثة عنه حينئذ ولورثته الطلب لانها حينئذ مال قد تم له ولا معنى للطلب عند القاضى ولا لحكم القاضى لان الله تعالى لم يوجب ذلك (4) قط ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما جعل القاضى ليجبر الممتنع من الحق فقط ولا مزيد، ولو تعاطى الناس الحقوق بينهم ما احتيج إلى قاض وبالله تعالى التوفيق * 1604 مسألة ومن باع شقصا أو سلعة معه صفقة واحدة فجاء الشفيع يطلب (5) فليس له الا أن يأخذ الكل أو يترك الكل، وهذا قول عثمان البتى، وسوار
__________
(1) في النسخة رقم 14 الا هذا (2) في النسخة رقم 16 جعل (3) سقط لفظ (لا) من النسخة رقم 14 (4) في النسخة رقم 16 يوجبه (5) في النسخة رقم 16 فطلب [ * ](9/96)
ابن عبد الله.
وعبيد الله بن الحسن القاضيين، وروى أيضا عن أبى حنيفة من طريق خاملة، وقال أبو حنيفة في المشهور عنه: وسفيان.
ومالك.
وابن شبرمة.
والشافعي: يأخذ الشقص بحصته من الثمن واحتجوا بأنه لا يدخل في الشفعة ما لا شفعة فيه ولا يقطع الشفعة فيما فيه شفعة بالنص * قال على: ليس للشفيع بعد البيع الا ما كان له إذا أذنه البائع قبل البيع، والنص والاجماع المتيقن قد بينا (1) بانه لا يخرج عن ملك البائع الا ما رضى باخراجه عن ملكه قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض
منكم) والبائع لم يرض ببيع الشقص وحده دون تلك السلعة فلا يجوز اجباره على بيع ما لا يرضى بيعه بغير نص ولو عرض عليه قبل البيع لم يكن للشريك الا أخذ الكل أو الترك باجماعهم معنا وكذلك لو حضر عند البيع ولم يجعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد البيع من غيره الا ما كان حقه لو أخذه إذا عرض عليه قبل البيع فقط وليس له في العرض قبل البيع تبعيض ما لا يريد البائع تبعيضه فانما له الآن ما كان له حينئذ ولا مزيد وبالله تعالى التوفيق؟ وأيضا فلا يجوز أن يلزم المشترى بعض صفقة لم يرض قط تبعيضها ولا أن يفسخ على البائع بيعا وقع صحيحا الا بنص وارد ولا نص في شئ من ذلك فهو كله باطل، فان رضى المشترى بتسليم الشقص وحده فقد قيل ليس للشفيع غيره لانه كرضى البائع بذلك حين الايذان والاولى عندنا أن الشريك أحق بجميع الصفقة ان أراد ذلك لانها صفقة واحدة وعقد واحد اما تصح فتصح كلها وأما تفسد فتفسد كلها ولا يمكن تبغيض عقد واحد بتصحيح بعضه وافساد بعضه الا بنص وارد في ذلك * 1605 مسألة ومن كان له شركاء فباع من أحدهم كان للشركاء مشاركته فيه وهو باق على حصته مما اشترى كاحدهم لانه شريك وهم شركاء فهو داخل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فشريكه أحق) وقد قال قائل: لا حصة للمشترى وهذا خلاف النص كما ذكرنا وروينا من طريق ليث بن أبى سليم عن الشعبى أنه قال: إذا باع من أحد شركائه فلا شفعة للآخرين منهم وكذلك أيضا عن الحسن.
وعثمان البتى، قال على: وهذا خلاف النص أيضا * 1606 مسألة فلو كان بعض الشركاء غيبا (2) فاشترى فاحدهم فكذلك أيضا وليس للحاضر أن يقول: لا آخذ الا حصتي (3) لان البائع لا يرضى ببيع بفض ذلك دون بعض كما ذكرنا آنفا فيمن باع شقصا وسلعة فلو باع من أجنبي فحضر أحد الشركاء فليس له أن يأخذ الا حصته فقط في قول قوم والذى نقول به: إنه ليس له الا أخذ الكل أو ترك
__________
(1) في النسخة رقم 14 قد ثبتا (2) في النسخة رقم 16 (غائبا) (3) في النسخة رقم 14 لا آخذ حصتي [ * ](9/97)
الكل لانه لم يكن له حين الايذان الا ذلك فانما هو أحق بما كان حقه حين الايذان فقط (1) وبالله تعالى التوفيق * 1607 مسألة فان باع اثنان فأكثر من واحد أو من اكثر من واحد أو باع واحد من اثنين فصاعدا فللشريك ان يأخد أي حصة شاء ويدع ايها شاء وله أن يأخذ الجميع لانها عقود مختلفة وان كانت معا لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فعقد زيد غير عقد عمرو، ولو استحق الثمن الذى أعطى أحدهما فانفسخ عقده لم يكدح ذلك في حصة غيره لما ذكرنا، وهو قول أبى حنيفة.
والشافعي وبالله تعالى التوفيق * 1608 مسألة وان كان شركاء في شئ بعضهم بميراث وبعضهم ببيع وبعضهم بهبة وفيهم أخوة ورثوا أباهم ما كان أبوهم ورثه مع أعمامهم فباع أحدهم فالجميع شفعاء على عددهم ليس الاخ أولى بحصة أخيه من عمه ولا من امرأة أبيه ولا من امرأة جده ولا من الأجنبي لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فشريكه أحق) وكلهم شريكه وهو قول أبى حنيفة.
والشافعي وقال مالك: ان كان اخوة لام وزوجات وبنات وأخوات وعصبة فباع أحد الاخوة للام فسائر الاخوة للام أحق بالشفعة من سائر الورثة، كذلك لو باع احدى الزوجات فسائرهن أحق بالشفعة (2) من سائر الورثة وكذلك لو باع أحد البنات فسائرهن أحق باشفعة من سائر الورثة، وكذلك لو باع احدى الاخوات فسائرهن أحق بالشفعة من سائر الورثة، ثم ناقض فقال: لو باع أحد العصبة لم يكن سائر العصبة أحق بالشفعة بل يأخذها معهم البنات والزوجات.
والاخوات.
والاخوة لام (3) قال: فلو اشترى بنات انسان شقصا آخر من ذلك الشئ واشترى أجنبيون شقصا ثالثا منه فباع احدى البنات أو احدى الاخوات لم يكن اخواتها أحق بالشفعة من عمتها ولا من الاجنبيين قال: ولو كان ورثة ومشترون في شئ فباع أحد الورثة فللاجنبيين الشفعة في ذلك مع سائر الورثة وهذا كلام يغنى ايراده عن تكلف افساده لفحش تناقضه وظهور
فساده وبالله تعالى التوفيق * 1609 مسألة ومن باع شقصا وله شركاء لاحدهم مائة سهم ولآخر عشرون ولاخر عشر العشر أو أقل أو أكثر فكلهم سواء في الاخذ بالشفعة ويقتسمون ما أخذوا بالسواء ولا معنى لتفاضل حصصهم وهو قول ابراهيم النخعي.
والشعبى.
والحسن البصري.
وابن ابى ليلى.
وابن شبرمة.
وسفيان الثوري.
وأبى حنيفة وأصحابه.
وشريك.
والحسن بن حى.
وعثمان البتى.
وعبيد الله بن الحسن.
وأبى سليمان.
وأشهر
__________
(1) من قوله (لانه لم يكن له) إلى هنا سقط من النسخة رقم 16 (2) لفظ بالشفعة زيادة من النسخة رقم 16 (3) في النسخة رقم 14 اللام [ * ](9/98)
قولى الشافعي وروينا (1) من طريق سعيد بن منصور نا هشيم عن عبيدة: وأشعث قال عبيدة عن ابراهيم وأشعث عن الشعبى قالا جميعا: الشفعة على رءوس الرجال قال هشيم: وبه كان يقضى ابن أبى ليلى.
وابن شبرمة.
وقال آخرون: هي على قدر الانصباء وهو قول عطاء: وابن سيرين، وروى عن الحسن أيضا وبه يقول مالك.
وسوار بن عبد الله.
واسحاق.
وأبو عبيد (2) * قال على: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فشريكة) تسوية بين جميع الشركاء ولو كان هنالك مفاضلة لبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجمل الامر فبطلب المفاضلة ولا يختلفون في أن من أوصى لورثة فلان فانهم في الوصية سواء ولا يقتسمونها على حصص الميراث وانما استحقوها بكونهم من الورثة * 1610 مسألة ولا شفعة الا بتمام البيع بالتفريق أو التخيير لانها ليس بيعا قبل ذلك وهو قول كل من يقول بتفرق الابدان * 1611 مسألة والشفعة واجبة وان كانت الاجزاء مقسومة إذا كان الطريق إليها واحدا متملكا نافذا أو غير نافذ لهم فان قسم الطريق أو كان نافذا غير متملك لهم فلا شفعة حينئذ كان ملاصقا أو لم يكن *
برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فلم يقطعها عليه السلام الا باجتماع الامرين معا وقوع الحدود وصرف الطرق لا بأحدهما دون الآخر، ولا يقطع الشفعة قسمة فاسدة قبل البيع لانها ليست قسمة، ولا يقطعها قسمة صحيحة بعد البيع لان الحق قد وجب قبلها، وقال أبو حنيفة.
وسفيان: الشفعة للشريك فان ترك أو لم يكن له شريك فلشريكه في الطريق وان كانت الارض أو الدار قد قسمت فان ترك أو لم يكن فالشفعة للجار الملاصق وان كانت القسمة قد وقعت والطريق غير الطريق ولا شفعة لجار غير ملاصق، وقال مالك.
والشافعي.
وأحمد.
واسحاق.
وأبو ثور.
والاوزاعي.
والليث بن سعد: لا شفعة الا لشريك لم يقاسم فقط، وقال آخرون: الشفعة لكل جار ثم اختلفوا وروى في كل ذلك آثار * فروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد الانصاري أن عمر بن الخطاب قال: إذا قسمت الارض وحددت فلا شفعة * ومن طريق ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن أبى بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن أبان بن عثمان عن أبيه إذا وقعت الحدود فلا شفعة * وعن معمر عن ابراهيم بن ميسرة ان عمر بن عبد العزيز قال: إذا ضربت الحدود فلا شفعة * وروى عن ابن المسيب.
وسليمان بن يسار انما الشفعة في الارضين.
والدور ولا تكون
__________
(1) في النسخة رقم 14 رويناه (2) في النسخة رقم 16 أبو عبيدة [ * ](9/99)
الا بين الشركاء * قال أبو محمد: يخرج كل هذا على وجوب الشفعة مع القسمة إذا بقى الطريق متملكا غير مقسوم لان الحدود لم تضرب بعد والقسمة لم تتم، وصح عن يحيى بن سعيد الانصاري وأبى الزناد، وربيعة مثل قول مالك، والشافعي بينا * وروينا (1) من طريق سفيان بن عيينة نا ابراهيم بن ميسرة نا عمرو بن الشريد أنه حضر مع المسور بن مخرمة.
وسعد بن أبى وقاص.
وأبى رافع فقال أبو رافع للمسور: ألا تأمر هذا يعنى سعدا فيشترى منى بيتى اللذين في
داره فقال له سعد: والله لا ازيدك على اربعمائة دينار مقطعة أو قال منجمة فقال أبو رافع: ان كنت لامنعهما من خمسمائة (2) دينار نقدا ولولا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الجار أحق بسقبه) ما بعتك * ومن طريق ابن ابى شيبة نا عبد الوهاب الثقفى عن خالد الحذاء عن اياس بن معاوية انه كان يقضى بالجوار حتى أتاه كتاب عمر بن عبد العزيز أن لا يقضى به الا ما كان بين جارين مختلطين أو دار يغلق عليها باب واحد ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن علية عن ابن جريج أخبرني الزبير بن موسى عن عمر بن عبد العزيز قال إذا قسمت الارض وحدت وصرفت طرقها فلا شفعة فهذا كله قول موافق لقولنا لانهم كلهم لم يخالفوا أبا رافع في رؤيته الشفعة في المقسوم إذا كان الطريق واحدا متملكا * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبى بكر بن حفص قال شريح: كتب لى عمر بن الخطاب اقض بالشفعة للجار زاد بعضهم الملازق * ومن طريق ابن أبى شيبة نا معاوية بن هشام نا سفيان عن أبى حيان عن أبيه أن عمرو ابن حريث كان يقضى بالجوار * ومن طرق وكيع عن سفيان عن الحسن عن عمرو بن فضيل بن عمرو عن ابراهيم النخعي قال: الخليط أحق من الجار والجار أحق من غيره، فهذا موافق لقول أبى حنيفة، وروينا مثله عن قتادة، والحسن، وحماد، وقالوا كلهم: لا شفعة لجار غير ملاصق بينهما طريق غير متملكة وروينا عن طاوس أنه ذكر له قول عمر بن عبد العزيز إذا قسمت الارض فلا شفعة فقال: لا الجار أحق به (3) * ومن طريق ابن الجهم نا يحيى بن محمد نا ابن عسكر عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن الشعبى عن شريح قال في الجار الاول فالاول يعنى في الشفعة، وقال الحسن ابن حى: الشفعة للجار مطلقا بعد الشريك، وقال آخرون: الاجر الذى تجب له الشفعة أربعون دارا حول الدار، وقال آخرون: من كل جانب من جوانب الدار أربعون دارا، وقال آخرون: هو كل من صلى معه صلاة الصبح في المسجد، وقال بعضهم: أهل
__________
(1) في النسخة رقم 16 والشافعي كما روينا (2) في النسخة رقم 14 لامنعها من خمسمائة (3) في النسخة رقم 14
لا الجار أحق بسقبه والسقب - بالسين المهملة وبالصاد المهملة أيضا - في الاصل القريب والمراد هنا الشفعة [ * ](9/100)
المدينة كلهم جيران * وروينا من طريق ابن الجهم نا أحمد بن الهيثم نا سليمان بن حرب نا أبوالعيزار سمعت أبا قلابة يقول: الجواز أربعون دارا ومن طريق ابن الجهم نا أحمد ابن فرج نا نصر بن على الجهضمى انا أبى قال: نا الوليد سمعت الحسن يقول: أربعون دارا ههنا وأربعون دارا هي من جوانبها الاربع أربعون أربعون أربعون * ومن طريق ابن الجهم نا أحمد بن محمد بن المؤمل خالي نا على بن المدينى نا ابن أبى زائدة عن اسحق بن فائد سئل محمد بن على بن الحسين بن على من جار الرجل؟ قال: من يصلى معه الغداة * قال أبو محمد: ولا يحضرنا الآن ذكر اسم من قال: جميع أهل المدنية الا أنه قول قد قيل * قال على: أما من حد باربعين دارا.
أو بأهل المدينة فانهم تعلقوا بالخبر الجار أحق بسقبه الا أن تحديد الاربعين وصلاة الغداة لا وجه له فنظرنا في الخبر الذى احتج به هؤلاء فوجدنا ما ذكرناه آنفا من طريق عمرو بن الشريد عن أبى رافع.
وما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد العزيز المروزى نا الفضل ابن موسى عن حسين عن أبى الزبير عن جابر (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة والجوار) * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبدة بن سليمان عن عبد الملك بن أبى سليمان العرزمى عن عطاء عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجار أحق بشفعة داره إذا كان طريقهما واحدا ينتظر بها وان كان غائبا) وهكذا رويناه من طريق أبى داود عن أحمد بن حنبل عن هشيم عن عبد الملك عن عطاء عن جابر * ومن طريق ابن أيمن نا محمد بن سليمان نا سليمان ابن داود نا هشيم أنا عبد الملك بن أبى سليمان العرزمى عن عطاء عن جابر قال: اشتريت أرضا إلى جنب أرض رجل فقال: أنا أحق بها فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ليس له في أرضى طريق ولا حق فقال عليه السلام: (هو أحق بها فقضى له بالجوار) * ومن طريق ابن أيمن أيضا نا أحمد بن محمد البرتى القاضى نا محمد بن كثير نا
سفيان الثوري عن منصور هو ابن المعتمر عن الحكم عمن سمع عليا.
وابن مسعود قالا جميعا: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجوار * ومن طريق شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جار الدار أحق بالدار وبالارض) يعنى في الشفعة * ومن طريق ابن أيمن نا أحمد بن زهير بن حرب نا أحمد بن حباب نا عيسى بن يونس عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جار الدار أحق بالدار) قال أحمد بن حباب.
اخطأ فيه عيسى انما هو موقوف على الحسن ومن طريق قاسم ابن أصبغ نا محمد بن اسماعيل نا الحسن بن سوار نا أبو المعلى نا أيوب بن عتبة اليمامى عن الفضل عن قتادة عن عبد الله بن عمرو بن العاصى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(9/101)
(الجار أحق بصقب أرضه) * ومن طريق ابن أبى شيبة عن أبى أسامة عن الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد بن سويد عن أبيه قلت: (يا رسول الله أرض ليس فيها لاحد قسم ولا شرك الا الجوار قال: الجار أحق بصقبه ما كان) ومن طريق ابن الجهم نا يوسف بن يعقوب نا محمد بن أبى بكر هو المقدمى (1) عن دلال بنت أبى المدل عن الصهفاق عن عائشة أم المؤمنين قلت: (يا رسول الله ما حق الجوار؟ قال: أربعون دارا) * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان عن هشام بن المغيرة الثقفى قال: سمعت الشعبى يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الشفيع أولى من الجار والجار أولى من الجنب) * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا يونس عن الحسن (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالجوار) ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبى مليكة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشريك أولى بشفعته) (2) هذا كل ما جاء لهم مما يتعلقون به قد تقصيناه لهم ما نعلم لهم غير هذا أصلا، وقبل كل شئ فهو كله أوله عن آخره مخالف لقول أبى حنيفة لانه ليس في شئ من الاخبار التى أوردنا الا اما الجار أحق على العموم فهى حجة لمن رأى الشفعة لكل جار وهم لا يرونها لكل جار لكن للملاصق وحده أو للذى
طريقهما واحد متملك فقط، وإما الجار الذى طريقهما واحد فقط وهذا لاننكره ولكن من غير هذه الاخبار فبطل تمويه الحنيفيين بها جملة وحصل قولهم عاريا من موافقة شئ من الاخبار، ثم نظرنا هل فيها حجة لمن يرى الشفعة لكل جار فبدأنا بالخبر عن أبى الزبير عن جابر فوجدناه لا حجة لهم فيه لوجهين، أحدهما أن كل ما لم يذكر فيه أبو الزبير سماعا من جابر ولا رواه الليث عنه فلم يسمعه من جابر لكن لا يدرى ممن هو أقر بذلك على نفسه فسقط هذا الخبر، والوجه الثاني اننا لو شهدنا جابر رضى الله تعالى عنه يحدث به لما كان لهم فيه حجة لان نصه ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة والجوار فأما الشفعة فقد عرفنا ماهى من أخبار أخر وأما الجوار فما ندرى ما هو من هذا الخبر أصلا، ومن فسر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عقله بما لا يقتضيه لفظه فهو كاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مقول له ما لم يقل، وقول القائل: قضى بالجوار لا دليل فيه على شئ من أحكام الشفعة ولعله البر للجار من أجل الجوار فهذا أبين بصحة وجوبه بالقرآن وبالسنن الصحاح فسقط تعلقهم به، ثم نظرنا في حديث عطاء عن جابر فوجدناه (3) من طريق عبد الملك بن ابى سليمان وهو متكلم فيه ضفعه شعبة وغيره ثم لو صح لكان حجة لنا لانه موافق لنا ولكنا لا نحتج بما لا نصححه وان وافقنا لا كما يصنع من لا يتقي الله عزوجل فلا يزال يحتج بما وافقه وان كان ضعيفا أو صحيحا ويرد الضعيف.
__________
(1) في النسخة رقم 14 الثقفى (2) في النسخة رقم 14 بشفعة (3) في النسخة رقم 16 (فوجدنا) [ * ](9/102)
والصحيح إذا لم يوافق تقليده ثم نظرنا في الحديث (1) الثالث فوجدناه أيضا من رواية عبد الملك بن أبى سليمان وهو ضعيف، ثم رواية عبدة وأحمد عن هشيم عن العرزمى جاءت بزيادة لم يذكرها سليمان بن داود وهى كان الطريق واحد فلو صحت رواية العرزمى لكان الاخذ بزيادة العدلين أولى، وقوله ليس له في أرضى طريق لا نخالف القول إذا كان طريقهما واحدا لان الطريق المرعاة انما هي إلى الارض لا كونها في الارض، ثم نظرنا في خبر على وابن مسعود فوجدناه منقطعا لان الحكم لم يدركهما ولا سمى من سمعه منه عنهما فبطل، ثم لو صح لم
يكن لهم فيه متعلق أصلا لانه انما فيه انه عليه السلام قضى بالجوار وليس في هذا دليل على الشفعة أصلا ثم نظرنا في خبر سمرة فوجدناه لا حجة لهم فيه لان الحسن لم يسمع من سمرة الا حديث العقيقة وحده فبطل تعلقهم به ثم نظرنا في حديث أنس فوجدنا نصه (جار الدار أحق بالدار) فكان (2) هذا ربما أمكن أن يكون حجة لمن جعل الشفعة لكل جار لولا ما نذكره إذا أتممنا الكلام في هذه الاخبار ان شاء الله تعالى هذا وما نرى سماع عيسى ابن يونس كان من ابن أبى عروبة إلا بعد اختلاطه وحسبك ان الذى رواه عنه ذكر انه أخطأ فيه، وأيضا فليس فيه ذكر لشفعة أصلا والتكهن لا يحل ولعل المراد أنه أحق ببر أهل الدار ورفدهم فهذا أحسن وأولى لصحة ورود القرآن بذلك قال الله تعالى: (والجار ذى القربى والجار الجنب) وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجار فبطل تعلقهم بأنه انما أراد الشفعة وكان قولهم هذا كهانة وظنا والظن أكذب الحديث، ثم نظرنا في حديث عبد الله ابن عمرو بن العاصى فوجدناه في نهاية السقوط لانه عن أيوب بن عتبة اليمامى وهو ضعيف ثم عن الفضل فان كان ابن دلهم فهو ساقط وان كان غيره فهو مجهول ثم لم يسمع قتادة من عبد الله ابن عمرو بن العاص قط كلمة ولا اجتمع معه فبطل من كل وجه (3) ثم لو صح لما كان فيه الا الجار أحق بصقب أرضه فالقول فيه كالقول في حديث أنس سواء سواء، ثم نطرنا في حديث عائشة فوجدناه أسقطها كلها لانه عن دلال بنت أبى المدل ولا يدرى من هي عمن لا يدرى من هو ثم ليس فيه أيضا بيان أنه في الشفعة، ولقد كان يلزم الحنيفيين المتكهنين في الاخبار التى ذكرنا أن يأخذوه لانه مثلها ولا فرق كهانة بكهانة، ثم نظرنا في حديث الشعبى فوجدناه لا شئ لانه منقطع ثم هو عن هشام بن المغيرة الثقفى وهو ضعيف، ثم نظرنا في خبر الحسن فوجدناه مرسلا ثم ليس فيه الا أنه عليه السلام قضى بالجوار وليس في هذا من الشفعة أثر ولا عثير ولا اشارة وكما ذكرنا قبل، ثم نظرنا في حديث ابن أبى ملكة فوجدناه أيضا مرسلا ثم ليس فيه الا الشريك أولى بصقبه وهذا لا ننكره بل نقول به،
__________
(1) في النسخة رقم 16 (الخبر) (2) في النسخة رقم 16 وكان (3) في النسخة رقم 14 (جهة) [ * ](9/103)
ثم نظرنا في حديث عمرو بن الشريد عن أبى رافع عن أبيه فوجدناه لا متعلق لهم به لانه ليس فيه الا الجار أحق بصقبه وليس فيه للشفعة ذكر ولا أثر، وقد حدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن زهير نا أبو نعيم الفضل بن دكين نا عبد الله بن عبد الرحمن ابن يعلى بن كعب الثقفى قال: سمعت عمرو بن الشريد يحدث عن الشريد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرء أحق وأولى بصقبه) قلت لعمرو: ما صقبه؟ قال: الشفعة قلت: زعم الناس انها الجوار قال الناس: يقولون ذلك فهذا راوي الحديث عمرو بن الشريد لا يرى الشفعة بالجوار ولا يرى لفظ ما روى يقتضى ذلك فبطل كل ما موهوا به، ثم لو صحت هذه الاحاديث ببيان واضح أن الشفعة للجار لكان حكمه عليه الصلاة والسلام.
وقوله.
وقضاؤه (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) يقضى على ذلك كله ويرفع الاشكال فكيف ولا بيان في شئ منها كما ذكرنا وأكثرها لا يصح ولا ينبغى ان يشتغل بها لسقوط طرقها وبالله تعالى التوفيق * ومن عظيم اقدام المتأخرين في زمانهم واديانهم وعند الله تعالى قول بعضهم في الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) ان هذا اللفظ ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فليت شعرى أين وجدوا هذا؟ ومن أخبرهم به؟ والقوم قد رزقهم الله تعالى من استسهال الكذب في الدين حظا وافرا نعوذ بالله من مثله * وقالوا فيما رويناه من طريق أبى داود نا محمد بن يحيى بن فارس نا الحسن بن الربيع نا ابن ادريس هو عبد الله عن ابن جريج عن ابن شهاب عن أبى سلمة بن عبد الرحمن أو عن سعيد بن المسيب أو عنهم جميعا عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قسمت الارض وحدت فلا شفعة فيها) قالوا: نعم ليست القسمة ولا التحديد موجبين فيها شفعة انما تجب الشفعة بالبيع فكان هذا برهانا قويا على عدم الحياء من وجه قائله فقط وقد أعاذ الله رسوله عليه السلام من أن يتكلم بالسخف وبما لا معنى له، وقد علم كل ذى حس سليم أن الشفعة لا مدخل لها في القسمة فكيف (1) تكون
الشفعة في أرض قسمت أترى أحدهما يأخذ مال صاحبه مصادمة؟ هذا محال فكيف وهو خبر مسند مرة ذكر الثقات هذا اللفظ وحده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرة أضافوه إلى لفظ آخر له عليه السلام كما روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا عبيد الله بن محمد العمرى نا أبو إبراهيم يحيى بن أبى قتيلة المدنى نا مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة) فظهر فساد الاقوال المذكورة فأشدها فسادا أقوال أبى حنيفة
__________
(1) في النسخة رقم 16 (فكيف) [ * ](9/104)
لانه خالف جميع الاخبار ولم يتعلق لا بخبر صحيح ولا برواية سقيمة ولا بقول صاحب بل خالف كل رواية جاءت في ذلك عن صاحب لان الرواية عنهم رضى الله عنهم كما قدمنا عن عمر.
وعثمان أن الحدود تقطع الشفعة، ورواية عن عمر بالشفعة للجار وزاد بعضهم الملازق ولا تعرف هذه اللفظة وحتى لو صحت فقد جاء عنه للجار جملة فهى زيادة على الملازق وعن سعيد.
وأبى رافع ولم يذكرا أن لا شفعة لجار بينهما طريق غير متملك لا عن عمرو بن حريث ولا عن أحد من الصحابة، وأما قول مالك.
والشافعي فانهم تعلقوا بهذا الخبر وبمثله مما فيه (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فقلنا: إن حديث معمر عن الزهري عن أبى سلمة عن جابر فيه (إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فكان هذا بيانا زائدا لا يحل تركه، وزيادة عدل أخذها واجب وأيضا فان قوله عليه السلام (إذا قسمت الارض فلا شفعة) يوجب قولنا لا قولهم حتى لو لم يأت زيادة معمر لانه وان قسمت الارض والدار وكان الطريق إليها متملكا لاهلها فلم يقسموه فلم تقسم تلك الارض بعد لكن قسم بعضها وحد بعضها ولم يبطل النبي صلى الله عليه وسلم قط الشفعة بقسمة البعض لكن بقسمة الكل وبالله تعالى التوفيق * (تم كتاب الشفعة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وسلم) بسم الله الرحمن الرحيم * وصلى الله على محمد وسلم تسليما
كتاب السلم 1612 مسألة قال أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم رضى الله عنه: السلم ليس بيعا لان التسمية في الديانات (1) ليست الا لله عزوجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وانما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم السلف أو التسليف أو السلم، والبيع يجوز بالدناينر وبالدراهم حالا وفى الذمة إلى غير أجل مسمى والى الميسرة، والسلم لا يجوز الا إلى أجل مسمى ولابد والبيع يجوز في كل متملك لم يأت النص بالنهي عن بيعه، ولا يجوز السلم الا في مكيل أو موزون فقط ولا يجوز في حيوان ولا مذروع ولا معدود (2) ولا في شئ غير ما ذكرنا؟ والبيع لا يجوز فيما ليس عندك، والسلم يجوز فيما ليس عندك، والبيع لا يجوز البتة الا في شئ بعينه ولا يجوز السلم في شئ بعينه أصلا * برهان ذلك ما روينا (3) من طريق مسلم نا شيبان بن فروخ.
ويحيى بن يحيى.
وأبو بكر ابن أبى شيبة قال يحيى.
وأبو بكر عن ابن علية * قال أبو محمد: هذا في كتابي عن ابن نامى وفى كتاب غيرى عن ابن عيينة، وقال شيبان نا عبد الوارث بن سعيد التنورى ثم اتفق عبدالوراث
__________
(1) في النسخة رقم 14 (في الديانة) (2) في النسخة رقم 14 (أو معدود) (3) في النسخة رقم 16 (برهان ما ذكرنا ما روينا) [ * ](9/105)
والآخر كلاهما عن ابن أبى نجيح حدثنى عبد الله بن كثير عن أبى المنهال عن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أسلف فلا يسلف الا في كيل معلوم ووزن معلوم) فهذا منع السلف وتحريمه البتة الا في مكيل أو موزون ومن طريق أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد نا سفيان بن عيينة عن ابن ابى نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبى المنهال عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أسلف سلفا فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن عبد الله بن أبى نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبى المنهال عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى
أجل معلوم) ففى هذا ايجاب الاجل المعلوم، وقد صح نهى النبي (1) صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وعن بيع ما ليس عندك فصح ما قلنا نصا ولله تعالى الحمد، وقد فرق الاوزاعي.
وجمهور الحنيفيين.
والمالكيين وأصحابنا الظاهريين بين البيع والسلم، قال ابن القصار: ما كان بلفظ البيع جاز حالا وما كان بلفظ السلم لم يجز الا بأجل؟ وقال الاوزاعي: ما كان اجله ثلاثة أيام فاقل فهو بيع وما كان اجله اكثر فهو سلم، قال القمى وهو من كبار الحنيفيين: السلم ليس بيعا وفيما ذكرنا خلاف نذكر منه ما يسر الله تعالى لذكره، فطائفة كرهت السلم جملة كما روينا عن محمد بن المثنى نا عمرو بن عاصم الكلابي نا همام بن يحيى نا قتادة عن أبى كثير عن أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود انه كان يكره السلم كله ومن طريق ابن أبى شيبة نا حفص بن غياث عن ليث عن عطاء عن ابن عمر قال: نهى عن العينة * ومن طريق ابن ابى شيبة نا معاذ بن معاذ عن عبد الله بن عون قال: ذكروا عند محمد بن سيرين العينة فقال نبئت أن ابن عباس كان يقول: دراهم بدراهم وبينهما جريرة * ومن طريق ابن ابى شيبة نا حفص عن اشعث عن الحكم عن مسروق قال: العينة حرام * ومن طريق ابن أبى شيبة (2) عن الربيع بن صبيح عن الحسن.
وابن سيرين أنهما كرها العينة وما دخل الناس فيه منها * ومن طريق ابن أبى شيبة نا الفضل بن دكين عن أبى جناب.
وزيد بن مرذانيه قالا: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد انه من قبلك عن العينة فانها اخت الربا * قال أبو محمد: العينة هي السلم نفسه أو بيع سلعة إلى أجل مسمى ولا خلاف في هذا فبقى السلم قال على: لا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأباح مالك: وأبو حنيفة السلم (3) في المعدود.
والمذروع من الثياب بغير ذكر وزنه ومنعا من السلف حالا فكان هذا عجبا من قولهما لانه ان كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أجل معلوم مانعا من أن يكون السلم حالا أو نقدا فان نهيه عليه السلام عن ان يسلف الا في كيل معلوم أو وزن معلوم اشد في التحريم
__________
(1) في النسخة رقم 14 وقد صح النهى عن النبي (2) في النسخة رقم 16 (ومن طريق وكيع) (3) في النسخة رقم 14 (السلف) [ * ](9/106)
وأوكد في المنع من السلم من غير كيل أو وزن ولئن كان القياس على المكيل.
والموزون والمذروع.
والمدود جائزا فان قياس جواز الحلول والنقد على جواز الاجل أولى فظهر فساد قولهما بيقين لا شك (1) فيه بل المنع من السلف في غير المكيل والموزون أوضح لانه جاء بلفظ النهى ولا يجوز القياس عند القائلين به إذا خالف النص، وأما الشافعي فاجاز: السلم حالا قياسا على جوازه إلى أجل واجاز السلم في كل شئ قياسا على المكيل والموزون فانتظم خلاف الخبر في كل ما جاء فيه وكان أطردهم للقياس وافحشهم خطأ، فان قيل: ان السلم بيع استثنى من جملة بيع ما ليس عندك قلنا: هذا باطل لانه دعوى بلا دليل وليس كان ما عوض (2) فيه بآخر بيعا فهذا القرض مال بمال وليس بيعا بلا خلاف ولم يجز أبو حنيفة السلم في الحيوان واجازه مالك.
والشافعي وما نعلم لتخصيصهم الحيوان بالمنع من السلم فيه دون سائر ما أباحوا السلم فيه من غير المكيل والموزون حجة اصلا إلا أن بعضهم موه بانه قد روى عن عمر أنه قال: من الربا ما لا يكاد يخفى كالسلم في سن قالوا: وعمر حجة في اللغة ولا يقول مثل هذا الا بتوقيف فقلنا له: هذا لا يسند عن عمر، ثم لو صح لكان حجة (3) عليكم لان في هذا الخبر نفسه انه نهى عن بيع الثمرة وهى مغضفة (4) لما تطب بعد وأنتم تجيزونه على القطع فمرة عمر حجة ومرة ليس هو بحجة * وروينا من طريق ابن ابى شيبة نا ابن أبى زائدة عن وكيع عن معمر عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال عمر: من الربا أن تباع الثمرة وهى مغضفة لما تطب * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن أبن بشر عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عمر عن الرهن في السلف؟ فقال ذلك الربا المضمون، وهم يجيزون الرهن في السلف ولم يكن قول ابن عمر في ذلك أنه الربا باصح طريق حجة في أنه ربا ما شاء الله كان * وأما المالكيون.
والشافعيون فانهم احتجوا بما روى من طريق عبد الله بن عمرو بن العاصى أنه كان يبتاع البعير بالقلوصين والثلاثة إلى ابل الصدقة بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبامره (4)، وهذا حديث في غاية فساد الاسناد رويناه من طريق
محمد بن اسحاق فمرة رواه عن أبى سفيان ولا يدرى من هو عن مسلم بن كثير ولا يدرى من هو وعن عمرو بن دينار الدينورى ولا يدرى من هو عن عمرو بن حريش الزبيدى ولا يدرى من هو، ومرة قلب الاسناد فجعل أوله آخره وآخره أوله فرواه عن يزيد بن أبى حبيب عن مسلم عن جبير ولا يدرى من هو عن أبى سفيان ولا يدرى من هو عن عمرو بن حريش، ومثل هذا لا يلتفت إليه الا مجاهر بالباطل أو جاهل أعمى، ثم لو صح لكان حجة على المالكيين.
والشافعيين لان الاجل عندهم إلى الصدقة لا يجوز فقد خالفوه ومجئ
__________
(1) في النسخة رقم 14 (لا اشكال) (2) في النسخة رقم 16 (وليس كل مال عوض) (3) سقط لفظ حجة من النسخة رقم 14 (4) أي قاربت الادراك وقد فسرت بقوله لما تطب (5) في النسخة رقم 16 وأمره [ * ](9/107)
ابل الصدقة كان على عهده عليه السلام يختلف اختلافا عظيما منه على اقل من يوم كبلى وجهينة ومنه على عشرين يوما كتميم وطيئ (1) وأيضا فان المالكيين لا يجيزون سلم الابل في الابل الا بشرط اختلافها في الرحلة والنجابة وليس هذا مذكورا في هذا الحديث، فان قالوا: نحمله على هذا قلنا ان فعلتم كنتم قد كذبتم وزدتم في الخبر ما ليس فيه وما لم يرو قط في شئ من الاخبار، ولقد كان يلزم الحنيفيين المحتجين بكل بلية كالوضوء من القهقهة في الصلاة، والوضوء بالخمر أن يأخذوا بهدا الخبر لانه مثلها، وقد قال بعضهم: لم يكن ذلك بعلم النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: هذا عجب يكون قول عمر (من الربا السلم في سن) مضافا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالظن الكاذب ويكون هذا الخبر بغير علم النبي صلى الله عليه وسلم وفى نصه فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخد في ابل الصدقة فكنت ابتاع البعير بالقلوصين والثلاثة إلى ابل الصدقة فلما قدمت الصدقة قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاف أف لعدم الحياء ولا تموهوا بما روى من أنه كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكر فقضاه فانه صح انه كان قرضا كما ذكرناه في كتاب القرض من ديواننا هذا، وكذلك ابتياع النبي صلى الله عليه وسلم العبد الذى هاجر إليه بعبدين وصفية أم المؤمنين بسبعة ارؤس فكل ذلك كان نقدا، ولقد كان يلزم المالكيين المحتجين بخبر
الحجاج بن ارطاة في أن العمرة تطوع وبتلك المراسيل والبلايا أن يقولوا: بما رويناه من طريق أحمد بن شعيب نا عمرو بن على أنا يحيى بن سعيد القطان.
ويزيد بن زريع.
وخالد بن الحارث كلهم قال: نا سعيد بن ابى عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة * ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن ابى زائدة عن الحجاج بن ارطاة عن الزبير عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحيوان اثنان بواحد لا بأس به يدا بيد ولا خير فيه نساء) * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن يحيى بن أبى كثير عن عكرمة مولى ابن عباس قال.
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وهذا من أحسن المراسيل فخالفه المالكيون جملة، وأجازوا الحيوان كله بالحيوان من غير جنسه نسيئة وأجازوه من جنس واحد إذا اختلفت أوصافه بتخاليط لا تعقل، ونسى الحنيفيون قولهم: ان قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الزكاة (2) في السائمة) دليل على أن غير السائمة لا زكاة فيها فهلا قالوا: ههنا: نهيه عليه الصلاة والسلام عن الحيوان بالحيوان نسيئة دليل على جواز العروض بالحيوان نسيئة ولكنهم قوم لا يفقهون * وأجاز الحنيفيون المكاتبة على الوصفاء واصداق الوصفاء في الذمة ومنعوا من السلم في الوصفاء فقالوا: النكاح يجوز فيه ما لا يجوز في البيوع (3) قلنا: والسرقة حكمها غير حكم النكاح وقد قستم ما يكون صدقا على ما تقطع فيه اليد وما من حكم
__________
(1) في النسخة رقم 14 كبنى تميم وطئ (2) في النسخة رقم 14 بالزكاة (3) في النسخة رقم 16 في البيع [ * ](9/108)
الا وهو يخالف سائر الاحكام ثم لم يمنعكم ذلك من قياس بعضها على بعض حيث اشتهيتم * قال أبو محمد: وممن روى عنه مثل قولنا كما روينا من طريق شعبة عن الاسود بن قيس أنه سمع نبيحا العنزي عن أبى سعيد الخدرى قال: السلم بالسعر ولكن استكثر بدراهمك أو بدنانيرك إلى أجل مسمى وكيل معلوم * ومن طريق سفيان عن الاسود بن قيس عن نبيح عن أبى سعيد مثله ومن طريق محمد بن المثنى نا محمد بن محبب نا سفيان الثوري
عن أبى حيان التيمى عن رجل عن ابن عباس نزلت هذه الآية (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى) في السلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم ومن طريق وكيع نا عيسى الحناط عن أبيه سمعت ابن عمر يقول: كيل معلوم إلى أجل معلوم وعن ابن عمر اباحة السلم (1) في الكرابيس وهى ثياب (2) وفى الحرير * وعن ابن عباس في السبائب وهو الكتان وكل ذلك يمكن وزنه وما نعلم عن أحد من الصحابة اجازة سلم حال ولا في غير مكيل ولا موزون الا ما اختلفوا فيه من السلم في الحيوان فاختلف فيه عن على.
وابن مسعود.
وابن عمر، وروينا أيضا اباحته عن ابن عباس باستدلال لا بنص، وروينا النهى عن ذلك عن عمر.
وحذيفة.
وعبد الرحمن بن سمرة صحيحا وغيره من الصحابة رضى الله عنهم وبالله تعالى التوفيق * 1613 مسألة والاجل في السلم ما وقع عليه اسم أجل كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحد أجلا من اجل وما كان ربك نسيا وما ينطق عن الهوى أن هو الا وحى يوحى لتبين للناس ما نزل إليهم فالاجل ساعة فما فوقها وقال بعض الحنيفيين: لا يكون الاجل في ذلك أقل من نصف يوم، وقال بعضهم: لا يكون أقل من ثلاثة أيام * قال أبو محمد: هذا تحديد فاسد لانه بلا برهان، وقال المالكيون: يكره أن يكون يومين فاقل، وقال سعيد بن المسيب: ما تتغير إليه الاسواق وهذا في غاية الفساد لانه تحديد بلا برهان ثم ان الاسواق قد تتغير من يومها وقد لا تتغير شهورا وكلاهما لا نعلم أحدا سبقهم إلى التحديد في دين الله تعالى به: وقال الليث: خمسة عشر يوما * 1614 مسألة ولا يجوز أن يكون الثمن في السلم الا مقبوضا فان تفرقا قبل تمام قبض جميعه بطلت الصفقة كلها لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بأن يسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم والتسليف في اللغة التى بها خاطبنا عليه السلام هو أن يعطى شيئا في شئ فمن لم يدفع ما أسلف فلم يسلف شيئا لكن وعد بأن يسلف فلو دفع البعض دون البعض سواء أكثرة أو أقله فهى صفقة واحدة وعقد واحد وكل عقد واحد جمع فاسدا وجائزا (3)
__________
(1) في النسخة رقم 14 اباحة السلف (2) أي من قطن (3) في النسخة رقم 14 فساد أو جائزا [ * ](9/109)
فهو كله فاسد لان العقد لا يتبعض والتراضي منهما لم يقع حين العقد الا على الجميع لا على البعض دون البعض فلا يحل الزامهما ما لم يتراضيا جميعا عليه فهو أكل مال بالباطل لا عن تراض، والسلم وان لم يكن بيعا فهو دين تدايناه إلى اجل مسمى وتجارة فلا يجوز أن يكون الا عن تراض، وقولنا هذا هو قول سفيان الثوري.
وابن شبرمة.
وأحمد والشافعي، وأبى سليمان، وأصحابهم، وقال أبو حنيفة: يصح السلم فيما قبض ويبطل فيما لم يقبض، وقال مالك: ان تأخر قبض الثمن يوما أو يومين جاز وان تأخر أكثر أو بأجل بطل الكل، وهذان قولان فاسدان كما ذكرنا لا سيما قول مالك فانه متناقض مع فساده وبالله تعالى التوفيق * 1615 مسألة فان وجد بالثمن المقبوض عيبا فان كان اشترط السلامة بطلت الصفقة كلها لان الذى أعطى غير الذى عقد عليه فصار عقد سلم لم يقبض ثمنه فان كان لم يشترط السلامة فهو مخير بين أن يحبس ما أخذ ولا شئ له غيره أو يرد وتنتقض الصفقة كلها لانه ان رد المعيب صار سلما لم يستوف ثمنه فهو باطل، وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة: يستبدل الزائف ويبطل من الصفقة بقدر ما وجد من الستوق ويصح في الباقي، وقال مالك: يستبدل كل ذلك والحجة في هذه كالتى قبلها ولا فرق * 1616 مسألة ولا يجوز أن يشترطا في السلم دفعه في مكان بعينه فان فعلا فالصفقة كلها فاسدة وكلما قلنا أو نقول انه فاسد فهو مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب * برهان ذلك انه شرط ليس في كتاب الله تعالى وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط) لكن حق المسلم قبل المسلم إليه فحيث ما لقيه عند محل الاجل فله أخذه يدفع حقه إليه فان غاب أنصفه الحاكم من ماله ان وجد له (1) بقول الله تعالى: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) فهو مأمور بأداء أمانته حيث وجبت عليه ويسئلها، والمشهور عن ابن القاسم ان السلم يبطل ان لم يذكر مكان الايفاء *
وقال أبو حنيفة.
والشافعي: ما له مؤنة وحمل فالسلم فاسد ان لم يشترط موضع الدفع وما ليس له حمل ولا مؤنة فالسلم جائز وان لم يشترط موضع الدفع، وهذه أقوال لا برهان على صحتها فهى فاسده * 1617 مسألة واشتراط الكفيل في السلم يفسد به السلم لانه شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل، وأما اشتراط الرهن فيه فجائز لما ذكرنا في كتاب الرهن فأغنى عن إعادته، وممن أبطل به العقد ابن عمر.
وسعيد بن جبير.
وغيرها * 1618 مسألة والسلم جائز في الدنانير.
والدراهم إذا سلم فيهما عرضا لانهما وزن
__________
(1) في النسخة رقم 16 ان وجده له [ * ](9/110)
معلوم فهو حلال بنص كلامه عليه السلام ومنع من ذلك مالك وما نعلم له حجة أصلا، ومن السلم الجائز أن يسلم الحيوان الذى يجوز تملكه وتمليكه وان لم يجز بيعه أو جاز بيعه في لحم من صنفه ان كان يحل أكل لحمه أو في لحم من غير صنفه كتسليم عبد.
أو أمة.
أو كلب.
أو سنور.
أو كبش.
أو تيس.
أو بعير.
أو بقرة.
أو ايل.
أو دجاج.
أو غير ذلك كله في لحم كبش.
أو لحم ثور.
أو لحم تيس أو غير ذلك لانه كله سلف في وزن معلوم إلى أجل معلوم، ولا يجوز السلف في الحيوان أصلا لانه ليس يكال ولا يوزن وجائز ان يسلم البر في دقيق البر ودقيق البر في البر متفاضلا وكيف احبا، وكذلك الزيت في الزيتون والزيتون في الزيت واللبن في اللبين وكل شئ حاشا ما بينا في كتاب الربا وهو الذهب في الفضة أو الفضة في الذهب فلا يحل أصلا أو التمر.
والشعير.
والبر.
والملح فلا يحل أن يسلف صنف منها لا في صنفه ولا في غير صنفه منها خاصة وكلها يسلف فيما ليس منها من المكيلات والموزونات وحاشا الزرع أي زرع كان فلا يجوز تسليفه في القمح أصلا وحاشا العنب والزبيب فلا يحوز تسليف أحدهما والآخر كيلا ويحوز تسليف كل واحد منهما في الآخر وزنا لما قد بيناه في كتاب الربا فأغنى عن اعادته، ومما يجمعه (1) قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم) فلم يستثن (2) عليه السلام من ذلك شيئا حاشا الاصناف المذكورة فقط: (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى) * (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) * (وما كان ربك نسيا) * (ولتبين للناس ما نزل إليهم) و (اليوم أكملت لكم دينكم) فمن حرم ما لم يفصل لنا تحريمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله، ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله أو أضاف إليه ما لم يبينه فقد كذب عليه وقال عليه السلام: (من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) وقد اختلف المخالفون لنا فأبو حنيفة يجيز أن يسلم كل ما يكال في كل ما يوزن فيجيز هو وسفيان تسليم القمح في اللحم واللحم في القمح ويجيز مالك (3) تسليم الحديد في النحاس وأبو حنيفة يحرم ذلك ويجعله ربا ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، والشافعي يجيز تسليم الفلوس في الفلوس، وسفيان يجيز الخبز في الدقيق من جنسه (فصل) استدركنا شيئا يحتج به الشافعيون في اجازتهم السلم حالا في الذمة إلى غير أجل وهما خبران، أحدهما رويناه من طريق البزار قال: نا الحسن بن أحمد بن أبى شعيب الحرانى عن محمد بن اسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين قالت: (ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم جزورا من أعرابي بوسق من تمر الذخرة وهى
__________
(1) في النسخة رقم 14 (مما يجمعه) (2) في النسخة رقم 14 ولم يستثن (3) في النسخة رقم 14 ومالك يجيز(9/111)
العجوة فجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فالتمس التمر فلم يجده فقال للاعرابي: يا عبد الله انا ابتعنا منك جزورا بوسق من تمر الذخرة ونحن نرى أنه عندنا فالتمسناه فلم نجده فقال الاعرابي: واغدراه فزجره الناس وقالوا: أتقول هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه فان لصاحب الحق مقالا، ثم أعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام ثانية كما أوردنا فقال الاعرابي: واغدراه قال: فلما لم يفهم عنه الاعرابي أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم حكيم اقرضينا وسقا من تمر الذخرة حتى يكون عندنا فنقضيك فقالت: أرسل رسولا يأتي بأخذه فقال للاعرابي: انطلق معه حتى يوفيك) وذكر باقى الخبر فهذا لا حجة لهم
فيه على مذهبهم ومذهبنا لان البيع لم يكن تم بعد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الاعرابي لانهما لم يتفرقا هكذا (1) نص الحديث ويبين ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم له (انا كنا ابتعنا منك بعيرا بوسق من تمر الذخرة ونحن نرى أنه عندنا فالتمسناه فلم نجده) وقول أم المؤمنين في الخبر نفسه فلما لم يفهم عنه الاعرابي استقرض من أم حكيم فصح أنه عليه السلام حينئذ أمضى معه العقد المحدود وتم البيع بحضور الثمن وقبض الاعرابي، وهذا الخبر حجة على الحنيفيين.
والمالكيين لانهم يرون البيع يتم قبل التفرق وليس لهم أن يقولوا: إن هذا منسوخ بذكر الاجل في السلم لان ذكر الاجل في السلم كان في أول الهجرة كما روينا من طريق البخاري نا صدقة هو ابن خالد نا سفيان بن عيينة أخبرني ابن أبى نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبى المنهال عن ابن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث فقال: (من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) وكان خبر عائشة بعد ذلك؟ فان قيل إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوه فان لصاحب الحق مقالا) دليل على أن البيع قد كان تم بينهما قلنا: لانه عليه السلام لم يقل: ان هذا الاعرابي صاحب حق انما أخبر أن لصاحب الحق مقالا فقط وهو كذلك وحاشا لله أن يكون الاعرابي صاحب حق وهو يصف النبي صلى الله عليه وسلم بالغدر * والخبر الثاني رويناه من طريق ابن أبى شيبة نا عبد الله ابن نمير نا يزيد بن زياد بن أبى الجعد نا أبو صخرة جامع بن شداد عن طارق ابن عبد الله المحاربي: (قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بسوق ذى المجاز وهو ينادى بأعلى صوته يا ايها الناس قولوا: لا اله الا الله تفلحوا وأبو لهب يتبعه بالحجارة قد أدمى كعبيه وعرقوبيه فلما ظهر الاسلام قدم المدينة أقبلنا من الربذة حتى نزلنا قريبا من المدينة ومعنا ظعينة لنا فأتانا رجل فسلم علينا فرددنا عليه السلام معنا جمل لنا فقال: أتبيعون الجمل؟ فقلنا (2): نعم قال: بكم؟ قلنا: بكذا وكذا صاعا من تمر قال: قد أخذته ثم أخذ
__________
(1) في النسخة رقم 16 لم يفترقا (2) في النسخة رقم 14 قلنا: [ * ](9/112)
برأس الجمل حتى دخل المدينة فتلاومنا وقلنا: أعطيتم جملكم رجلا لا تعرفونه فقالت الظعينة: لا تلاوموا فلقد رأيت وجها ما كان ليخفركم ما رأيت وجها (1) أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه فلما كان العشى أتانا رجل فقال: السلام عليكم انى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليكم وأنه يامركم أن تأكلوا حتى تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا ففعلنا فلما كان من الغد دخلنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس) وذكر باقى الخبر * قال على: هذا لا حجة لهم فيه لوجهين، احدهما انه ليس فيه دليل على أن الذى اشترى الجمل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا انه علم بصفة ابتياعه والاظهر ان غيره كان المبتاع بدليل قول طارق بانه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بذى المجاز ومرة على المنبر يخطب فلو كان عليه السلام هو الذى ابتاع الجمل لكان قد رآه ثلاث مرات وهذا خلاف الخبر فصح انه كان غيره ولا حجة في عمل غيره، وقد كان في أصحاب (2) النبي صلى الله عليه وسلم الجمال البارع.
والوسامة.
والمعاملة الجميلة، وقد اشترى بلال وما يقطع بفضل أحد من الصحابة عليه غير أبى بكر.
وعمر صاعا من تمر بصاعي تمر وقد يكون مشترى الجمل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤدى عنه إلى القوم ثمن الجمل ففعل؟ * والوجه الثاني أنه لو صح انه عليه السلام كان المشترى أو انه علم الامر فلم ينكره لكان حديث ابن عباس بايجاب الاجل زائدا عليه زيادة يلزم اضافتها إليه ولا يحل تركها فبطل تعلقهم بهذين الخبرين، وليعلم من قرأ كتابنا هذا انهما صحيحان لا داخلة فيهما الا أن القول فيهما كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * 1619 مسألة ومن أسلم في صنفين ولم يبين مقدار كل صنف منهما فهو باطل مفسوخ مثل أن يسلم في قفيزين من قمح وشعير لانه لا يدرى كم يكون منهما قمحا وكم يكون شعيرا ولا يجوز القطع بأنهما نصفان لانه لا دليل على ذلك وبالله تعالى التوفيق، فلو أسلم اثنان إلى واحد فهو جائز والسلم بيهما على قدر حصصهما في الثمن الذى يدفعان لان الذى أسلما فيه انما هو بازاء الثمن بلا خلاف فلو أسلم واحد إلى اثنين صفقة واحدة فهما فيما قبضا سواء لانهما شريكان فيه وأخذاه معا فلا يجوز أن يتفاضلا فيه الا بأن يتبين عند العقد أن
لهذا ثلثة ولهذا ثلثيه أو كما يتفقون عليه، وبالله تعالى التوفيق * 1620 مسألة ولابد من وصف ما يسلم فيه بصفاته الضابطة له لانه ان لم يفعل ذلك كان تجارة عن غير تراض إذ لا يدرى المسلم ما يعطيه المسلم إليه ولا يدرى المسلم إليه ما يأخذ منه المسلم فهو أكل مال بالباطل، والتراضي لا يجوز ولا يمكن الا في معلوم وبالله تعالى نتأيد *
__________
(1) في النسخة رقم 14 ما رأيت رجلا (2) في النسخة رقم 14 (في الصحابة رضى الله عنهم) [ * ](9/113)
1621 مسألة والسلم جائز فيما لا يوجد حين عقد السلم وفيما يوجد والى من ليس عنده منه شئ والى من عنده، ولا يجوز السلم فيما لا يوجد حين حلول أجله * برهان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر (1) بالسلم كما ذكرنا وبين في الكيل وفى الوزن والى أجل فلو كان كون السلم في الشئ لا يجوز الا في حال وجوده أو إلى من عنده ما سلم إليه فيه لما أغفل عليه السلام بيان ذلك حتى يكلنا إلى غيره حاشا لله من ذلك: (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى) * (وما كان ربك نسيا) وأما السلم فيما لا يوجد حين (2) حلول أجله فهو تكليف ما لا يطاق وهذا باطل قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) فهو عقد على باطل فهو باطل، وقولنا في هذا كله هو قول مالك، والشافعي، وأحمد.
وابى ثور وأبى سليمان ولم يجز السلم في شئ لا يوجد حين السلم فيه سفيان.
والاوزاعي.
وأبو حنيفة، وزاد أبو حنيفة فقال: لا يجوز السلم الا فيما هو موجود من حين السلم إلى حين أجله لا ينقطع في شئ من تلك المدة وما نعلم هذا القول عن أحد قبله، وقال الحسن بن حى: لا يجوز السلم في شئ ينقطع ولو في شئ من السنة ولا يعلم أيضا هذا عن أحد قبله، واحتج المانعون من هذا بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عن بيع السنبل حتى يشتد وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه) * قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه أول ذلك انهم مخالفون له لانهم يجيزون السلم
في البر والشعير وهما بعد سنبل لم يشتد وأما بيع الثمر قبل بدو صلاحه فلا حجة لهم فيه لان السلم عند الحنيفيين.
وعندنا ليس بيعا فبطل تعلقهم به جملة، ولو كان بيعا لما حل لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك الا لمن هو عنده حين السلم، فان خصوا السلم من ذلك قلنا: فخصوه من جملة بيع الثمر قبل بدو الصلاح فيه والا فقد تحكمتم في الباطل، وموهوا بما روينا من طريق أبى داود نا محمد بن كثير نا سفيان الثوري عن أبى اسحاق عن رجل نجرانى عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه (3) * وحدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا أحمد بن محمد البرتى القاضى نا أبو حذيفة نا سفيان الثوري عن أبى اسحاق عن النجرانى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (انه نهى أن يسلف في ثمرة نخل حتى يبدو صلاحه) النجرانى عجب ما كان ليعدوهم حديث النجرانى ثم ليس فيه الا ثمر النخل خاصة، فان قالوا: قسنا على ثمرة النخل قلنا: وهلا قستم على السائمة غير السائمة ثم ليس فيه ما قالوه (4) من تمادى وجوده إلى حين أجله * وأما السلم إلى من ليس عنده منه شئ فروينا من طريق ابن أبى شيبة نا ابن أبى زائدة عن يحيى
__________
(1) في النسخة رقم 16 (أمر له) (2) في النسخة رقم 14 عند (3) الحديث في سنن ابى داود مطولا اختصره المؤلف واقتصر على محل الشاهد منه (4) في النسخة رقم 14 (ما قالوا) [ * ](9/114)
ابن سعيد الانصاري عن نافع قال كان ابن عمر إذا سئل عن الرجل يبتاع شيئا إلى أجل وليس عنده أصله لا يرى به بأسا، وكرهه ابن المسيب.
وعكرمة.
وطاوس.
وابن سيرين فبطل كل ما تعلقوا به من الآثار، وذكروا في ذلك عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما روينا من طريق البخاري نا أبو الوليد هو الطيالسي نا شعبة عن عمرو هو ابن مرة عن أبى البخترى قال: سألت ابن عمر عن السلم في النخل؟ فقال: (نهى عن بيع النخل حتى يصلح وسألت ابن عباس عن السلم في النخل؟ فقال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يؤكل منه) * وعن البخاري نا محمد بن بشار نا غندر نا شعبة عن عمرو بن مرة عن
ابى البخترى سألت ابن عمر عن السلم في النخل؟ فقال: نهى عمر عن بيع التمر حتى يصلح) * ومن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر لا بأس أن يسلم الرجل في الطعام الموصوف إلى أجل مسمى ما لم يكن ذلك في زرع لم يبد صلاحه أو ثمر لم يبد صلاحه * ومن طريق أبى ثور نا معلى نا أبو الأحوص نا طارق عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر: لا تسلموا في فراخ حتى تبلغ، وذكروا كراهية ذلك عن الاسود.
وابراهيم * قال على لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف والظاهر من قول عمر.
وابنه.
وابن عباس انهم انما نهوا عن ذلك من أسلم في زرع لعينه أو في ثمر نحل بعينه، ونص هذه الاخبار عن ابن عباس، وابن عمر انهما رأيا السلم بيعا والحنيفيون لا يرونه بيعا، ومن الباطل أن يكون قولهما حجة في شئ غير حجة في شئ آخر وبالله تعالى التوفيق * 1622 - مسألة ومن سلم في شئ فضيع قبضه أو اشتغل حتى فات وقته وعدم فصاحب الحق مخير بين أن يصبر حتى يوجد وبين أن يأخذ قيمته لو وجد في ذلك الوقت من أي شئ تراضيا عليه لقول الله تعالى: (والحرمات قصاص) فحرمة حق صاحب السلم إذا لم يقدر على عين حقه كحرمة مثلها وقد ذكرناه في كتاب البيوع * 1623 - مسألة ولا تجوز الاقالة في السلم لان الاقالة بيع صحيح على ما بينا قبل، وقد صح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يقبض وعن بيع المجهول لانه غرر لكن يبرئه مما شاء منه فهو فعل خير وبالله تعالى التوفيق * 1624 - مسألة مستدركة من البيوع * من اشترى أرضا فهى له بكل ما فيها من بناء قائم أو شجر ثابت، وكذلك من اشترى دارا فبناؤها كله له وكل ما يكون مركبا فيها من باب أو درج أو غير ذلك، وهذا اجماع متيقن، ومازال الناس يتبايعون الدور والارضين من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا لا يخلو يوم من أن يقع فيه بيع دار أو ارض هكذا ولا يكون له ما كان موضوعا فيها غير مبنى كأبواب.
وسلم.
ودرج.
وآجر.(9/115)
ورخام: وخشب.
وغير ذلك، ولا يكون له الزرع الذى يقلع ولا ينبت بل هو لبائعه وبالله تعالى التوفيق * ومن ابتاع أنقاضا أو شجرا دون الارض فكل ذلك يقلع ولا بد وبالله تعالى التوفيق تم كتاب السلم * بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله كتاب الهبات 1625 - مسألة - لا تجوز هبة الا في موجود.
معلوم معروف القدر، والصفات.
والقيمة والا فهى باطل مردودة، وكذلك ما لم يخلق بعد كمن وهب ما تلد أمته، أو شاته أو سائر حيوانه أو ما يحمل شجره العام وهكذا كل شئ لان المعدوم ليس شيئا ولو كان شيئا لكان الله عزوجل لم يزل والاشياء معه وهذا كفر ممن قاله، والهبة والصدقة والعطية يقتضى كل ذلك موهوبا ومتصدقا فمن أعطى معدوما أو تصدق بمعدوم فلم يعط شيئا ولا وهب شيئا ولا تصدق بشئ واذ لم يفعل كل ما ذكرنا فلا يلزمه حكم وقد حرم الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أموال الناس الا بطيب أنفسهم ولا يجوز أن تطيب النفس على ما لا تعرف صفاته ولا ما هو.
ولا ما قدره.
ولا ما يساوي، وقد تطيب نفس المرء غاية الطيب على بذل الشئ وبيعه ولو علم صفاته وقدره وما يساوى لم تطب نفسه به، فهذا أكل مال بالباطل فهو حرام لا يحل، وكذلك من أعطى أو تصدق بدرهم من هذه الدراهم أو برطل من هذا الدقيق أو بصاع من هذا البر فهو كله باطل لما ذكرنا لانه لم يوقع صدقته ولا هبته على مكيل بعينه ولا موزون بعينه ولا معدود بعينه فلم يهب ولا تصدق أصلا، وكذلك لا يجوز شئ من ذلك لمن لا يدرى ولا لمن لم يخلق لما ذكرنا، وأما الحبس فبخلاف هذا كله للنص الوارد في ذلك وبالله تعالى التوفيق * والقياس باطل ولكل شئ حكمه الوارد فيه بالنص، فان ذكروا الحديث الذى روينا من طريق مسلم نا زهير بن حرب نا ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال له دحية يوم خيبر: يا رسول الله أعطني جارية من السبي قال: اذهب فخذ جارية فاخذ صفية بنت حيى فجاء رجل فقال: يا رسول الله اعطيت دحية بنت حيى سيد قريظة والنضير وما تصلح الا لك قال ادعه بها قال فجاء بها فلما نظر إليها صلى الله عليه وسلم قال له: خذ جارية من السبي غيرها وأعتقها وتزوجها) قلنا: هذا أعظم حجة لنا لان العطية لو تمت لم يرتجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاشا له من ذلك ليس له المثل السوء وهو عليه الصلاة والسلام يقول.
ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالعائد في قيئه كالكلب يعود في قيئه لكن أخذها وتمام(9/116)
ملكه لها وكمال عطيته عليه السلام له إذ عرف عليه الصلاة والسلام عينها أو صفتها أو قدرها ومن هي، فان قيل: فقد رويتم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنه عليه السلام اشترى صفية من دحية وقد وقعت في سهمه بسبعة أرؤس قلنا: كلا الخبرين عن أنس صحيح وتأليفهما ظاهر، وقوله: انها وقعت في سهمه انما معناه بأخذه اياها إذ سأل النبي صلى الله عليه وسلم جارية من السبى فقال له: اذهب فخذ جارية وبلا شك أن من أخذ شيئا لنفسه بوجه صحيح فقد وقع في سهمه، وقوله اشتراها عليه السلام بسبعة ارؤس يخرج على احد وجهين أحدهما، أنه عليه السلام عوضه منها فسمى أنس ذلك الفعل شراء، والثانى أن دحية إذ أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: خذ غيرها قد سأله اياها وكان عليه السلام لا يسأل شيئا الا أعطاء فاعطاه اياها فصحت له وصح وقوعها في سهمه ثم اشتراها منه بسبعة ارؤس ولا شك في صحة الخبرين، ولا يمكن الجمع بينهما لصحتهما الا كما ذكرنا، وما لا شك فيه فلا شك فيما لا يصح إلا به وبالله تعالى نتأيد * فان ذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر: لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا قلنا: هذه عدة لا عطية وقد أنفذ أبو بكر رضى الله عنه هذه العدة بعد موته عليه السلام وهم لا يختلفون في أن من قال ذلك ثم مات لم ينفد قوله بعد موته وهذا قول سليمان وأصحابنا وبالله تعالى التوفيق * 1626 مسألة ومن كان له عند آخر حق في الذمة دراهم أو دنانير أو غير ذلك
أو أي شئ كان فقال له: قد وهبت لك مالى عندك أو قال قد أعطيتك مالى عندك أو قال لآخر قد وهبت لك مالى عند فلان أو قال: أعطيتك مالى عند فلان فلا يلزم شئ من ذلك لما ذكرنا لانه لا يدرى ذلك الحق الذى له عند فلان (1) في أي جوانب الدينا هو ولعله في ملك غيره الآن وانما يجوز هذا بلفظ الابراء أو العفو أو الاسقاط أو الوضع، ويجوز أيضا بلفظ الصدقة للحديث الذى رويناه من طريق مسلم نا قتيبة نا ليث هو ابن سعد عن بكير - هو ابن الاشج - عن عياض بن عبد الله عن أبى سعيد الخدرى قال: (أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه فهذا عموم للغرماء وغيرهم، فان ذكروا قول الله عزوجل: (لاهب لك غلاما زكيا) قلنا: أفعال الله (2) تعالى وهباته لا يقاس عليها أفعال خلقه، ولا هباتهم لانه تعالى لا آمر فوقه ولا شرع يلزمه بل يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه فكيف وذلك الغلام الموهوب مخلوق (3) مركب من نفس موجودة قد تقدم خلقها ومن تراب وما تتغذى به أمه قد تقدم خلق كل ذلك، وكذلك الهواء وقد أحاط الله تعالى علما باعيان كل ذلك بخلاف خلقة والكل
__________
(1) في النسخة رقم 14 عنده (2) في النسخة رقم 16 (قلنا فعل الله) (3) في النسخة رقم 16 المخلوق موهوب [ * ](9/117)
ملكه بخلاف خلقه وبالله تعالى التوفيق * وقد فرق مخالفونا بين الهبة والصدقة فبعضهم أجاز الصدقة غير مقبوضة ولم يجز الهبة الا مقبوضة وبعضهم أجاز الرجوع في الهبة ولم يجزه في الصدقة ويكفى من هذا كله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهبة والعطية ويأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وحرمت عليه الصدقة وعلى آله ولم يحرم عليهما العطايا ولا الهبات وبالله تعالى التوفيق * 1627 مسألة ولا تجوز الهبة بشرط أصلا كمن وهب على أن لا يبيعها الموهوب أو على أن يولدها أو غير ذلك من الشروط فالهبة بكل ذلك باطل مرودة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وكل ما لا يعقد الا بصحة ما لا يصح
فلم يقع فيه عقد به * 1628 - مسألة ولا تجوز هبة يشترط فيها الثواب أصلا وهى فاسدة مردودة لان هذا الشرط ليس في كتاب الله عزوجل فهو باطل بل في القرآن المنع منه بعينه قال الله عزوجل: (ولات منن تستكثر) وهو قول جمهور من السلف * روينا من طريق محمد ابن الجهم نا يحيى الجبابى نا محمد بن عبيد نا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة عن ابن عباس في قول الله تعالى: (وما آتيتم من ربا) قال: هو هدية الرجل أو هبة الرجل يريد أن يثاب أفضل منه فذلك الذى لا يربو عند الله ولا يؤجر عليه صاحبه ولا اثم عليه * قال على: هذا إذا أراده بقلبه وأما إذا اشترطه فعين الباطل والاثم * ومن طرق ابن الجهم نا محمد بن سعيد العوفى نا أبى سعيد بن محمد بن الحسن حدثنى عمى الحسين بن الحسن بن عطية حدثنى أبى عن أبيه عن ابن عباس نحوه * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا محمد بن عبيد نا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة في قول الله تعالى: (ولا تمنن تستكثر) قال: لا تعط شيئا لتثاب أفضل منه قال معمر: وقاله طاوس أيضا، وقال الحسن: لا تمنن عطيتك ولا عملك ولا تستكثر * وبه إلى اسماعيل نا نصر بن على الجهضمى أخبرني أبى عن هرون عن أبى رجاء عن عكرمة (ولا تمنن تستكثر) قال: لا تعط مالا مصانعة رجاء أفضل منه من الثواب من الدنيا * ومن طريق عبد بن حميد نا محمد بن الفضل هو عارم عن يزيد بن زريع عن أبى رجاء سمعت عكرمة في قول الله تعالى: (ولا تمنن تستكثر) قال: لا تعط شيئا لتعطى أكثر منه * ومن طريق عبد بن حميد نا هاشم بن القاسم عن أبى معاوية عن منصور بن المعتمر عن مجاهد.
وابراهيم النخعي قالا جميعا: لا تعط شيئا لتصيب أفضل منه * ومن طريق ابى الجهم نا أحمد بن فرج نا الهروي عن على بن هاشم نا الزيرقان عن أبى رزين (وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله)(9/118)
قال: ما أعطيت من شئ تريد من عرض الدينا أو تثاب عليه لم يصعد إلى الله عزوجل
(وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله) قال: ما أعطيت من هدية لوجه الله تعالى فهو الذى يصعد * ومن طريق ابن الجهم نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبى نا عبد الرحمن ابن مهدى عن سفيان الثوري عن منصور ابن صفية عن سعيد بن حبير (وما آتيتم من ربا ليربوا) قال: يعطى العطية ليثيبه عليها، وبه إلى ابن الجهم نا أبو بكر النرسى نا عبيد الله ابن موسى نا اسرائيل عن السدى عن أبى مالك قال: لا تعط الاغنياء لتصيب أفضل منه * وبه إلى ابن الجهم نا أحمد بن فرج نا الهروي نا العلاء بن عبد الجبار نا نافع عن القاسم ابن أبى بزة قال: لا تعط شيئا تطلب (1) أكثر منه * وبابطال هبة الثواب يقول الشافعي.
وابو ثور.
وابو سليمان.
وأصحابهم، وأجازها أبو حنيفة.
ومالك وما نعلم لهما حجة الا انهما رويا عن عمر بن الخطاب.
وعلى بن ابى طالب.
وأبى الدرداء.
وفضالة بن عبيد رضى الله عنهم اجازتها، وعن عمر بن عبد العزيز.
وعطاء.
وربيعة.
وشريح والقاسم بن محمد.
وأبى الزناد.
ويحيى بن سعيد الانصاري.
وجماعة من التابعين، واحتجوا بما روى (المسلمون عند شروطهم) * قال أبو محمد: أما مالك فانه مخالف (2) لما ذكرنا لانهم لا يجيزون الرجوع في الهبة وهؤلاء يجيزون ذلك، وأما أبو حنيفة فمخالف لهم على ما نذكر في الرجوع في الهبة ان شاء الله تعالى، وأما، وأما نحن فلا حجة عندنا الا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط وقد خالف هؤلاء ابن عباس كما ذكرنا، وأما (المسلمون عند شروطهم) فقد تقدم ابطالنا لهذا الاحتجاج الفاسد بوجوه ثلاثة كل واحد منها كاف أولها انه كلام لم يصح قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رواه من فيه خير لانها انما هي من رواية كثير بن زيد وهو ساقط مطرح أو مرسل، والثانى أنهم لا يخالفوننا في أن من شرط لآخر أن يغنى له أو ان يزفن له أو ان يخرج معه إلى البستان أو أن يصبغ قميص نفسه احمر ان كل ذلك لا يلزمه، وقد أبطلوا كثيرا من العقود بكثير من الشروط فابطلوا احتجاجهم: (المسلمون عند شروطهم) فصح أن المسلمين ليسوا عند شروطهم على الجملة فإذ لا شك في ذلك ولا خلاف فقد أفصح
رسول الله صلى الله عليه وسلم بان كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل فصح ان المسلمين ليس لهم ان يشترطوا شرطا ليس في كتاب الله عزوجل، والثالث أن هذا اللفظ لو صح لكان لا يجوز أن يضاف إلى المسلمين من الشروط فيقال شروط المسلمين والمسلمون عند شروطهم الا في الشروط الجائزة لا في الشروط المنهى عنها، وقد صح نهى رسول
__________
(1) في النسخة رقم 16 تصب (2) في النسخة رقم 14 فهو مخالف [ * ](9/119)
الله صلى الله عليه وسلم عن كل شرط ليس في كتاب الله وابطاله اياه إذا وقع، فصح أن شروط المسلمين انما هي الشروط المنصوصة في كتاب الله تعالى.
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المفترض اتباعها في كتاب الله تعالى، ولا يجوز أن يعلم أحد جواز شرط الا بورود النص بجوازه والا فالنص قد ورد بابطال كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فوضح الامر في بطلان هبة الثواب وبالله تعالى التوفيق * وقال من أجازها: هي بيع من البيوع * قال أبو محمد.
وهذا باطل لان البيع لا يجوز بغير ثمن مذكور ولا بثمن مجهول وهبة الثواب لم يذكر ثوابها ولا عرف فهى ان كانت بيعا فهى بيع فاسد حرام خبيث وان لم تكن بيعا فقد بطل حكمهم لها بحكم البيع وبالله تعالى نتأيد * ولهم ههنا تخاليط شنيعة، منها ان أبا حنيفة قال: كل هبة وقعت على اشتراط عوض معلوم فهى وعوضها في حكم الهبة ما لم يتقابضا الهبة وعوضها ولا تجوز في مشاع فإذا تقابضا ذلك حلا محل المتبايعين ولكل واحد منهما الرد بالعيب ولا رجوع لهما بعد التقابض فهلا سمع بأفسد من هذا القول أن تكون هبة تنقلب بيعا هكذا مطارفة بشرع أبى حنيفة الذى لم يأذن به الله تعالى؟، وأجازوا هذه الهبة وهذا الشرط ثم قالوا: من وهب لآخر هبة على أن يرد عليه ثلثها أو ربعها أو بعضها أو على أن يعوضه ثلثها أو ربعها أو بعضها أو وهب له جارية على أن يردها عليه أو على أن يتخذها أم ولد أو على أن يعتقها فقبضها فالهبة في كل ذلك جائزة والشرط باطل، فمرة جاز الشرط والهبة ومرة جازت الهبة وبطل الشرط فهل في التحكم أكثر من هذا؟
وقال مالك: الهبة على ثلاثة أوجه، أحدها هبة لذى رحم على الصلة.
هبة الوالدين للولد.
وهبة للثواب (1) فهبة الثواب يرجع فيها على ما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى، وهذا تقسيم لا دليل بصحته (2) وبالله تعالى التوفيق * 1629 - مسألة ومن وهب هبة سالمة من شرط الثواب أو غيره أو أعطى عطية كذلك أو تصدق بصدقة كذلك فقد تمت باللفظ ولا معنى لحيازتها ولا لقبضها ولا يبطلها تملك الواهب لها أو المتصدق بها، وسواء باذن الموهوب له أو المتصدق عليه كان ذلك أم بغير اذنه سواء تملكها إلى أن مات أو مدة يسيرة أو كثيرة على ولد صغير كانت أو على كبير أو على أجنبي الا أنه يلزمه رد كل ما استغل منها كالغصب سواء سواء في حياته ومن رأس ماله بعد وفاته وهو قول أبى سليمان.
وأصحابنا، وقال أبو حنيفة: من وهب أو تصدق على أجنبي أو قريب صغير أو كبير ولد أو غيره فليس ذلك بشئ ولا يلزمه حكم هبة ولا صدقة ولا يحكم عليه بأن يدفعها إلى الذى تصدق بها عليه ولا إلى الذى وهبها له فان دفع ذلك
__________
(1) في النسخة رقم 16 وهبة الثواب (2) كذا في النسخ كلها [ * ](9/120)
مختارا فحينئذ تمت الهبة والصدقة وصح ملك الموهوب والمتصدق عليه فلو قبضها الموهوب له أو المتصدق عليه بغير اذن الواهب والمتصدق لم يصح له بذلك ملك وقضى عليه بردها إلى الواهب أو المتصدق الا الصغير فان أباه أو وصيه يقبضان له، قال: فان مات الواهب أو المتصدق أو الموهوب له أو المتصدق عليه بطلب الصدقة والهبة، وقال مالك: من وهب أو تصدق على ابن له صغير فذلك جائز وهو الجائز للصغير الذكر حتى يبلغ وللانثى حتى تنكح وترشد، فان وهب أو تصدق على ولد كبير أو على أجنبي أجبر على دفع ذلك اليهما فان قبضاه بغير اذنه فهو قبض صحيح فان غفل عن ذلك حتى مات والهبة أو الصدقة في يده واعتماره بطلت الصدقة والهبة وعادت ميراثا فان دفع البعض واعتمر البعض فان كان الذى اعتمر لنفسه أكثر من الثلث بطل الجميع وان كان الثلث فأقل صحت الهبة والصدقة في الجميع فيما
اعتمر وفيما لم يعتمر، وقال الشافعي في الهبات والعطايا والصدقات المطلقة بقول أبى حنيفة.
وفى الاحباس فقط بالقول الذى ذكرنا عن أصحابنا * قال أبو محمد: احتج من لم يجز الهبة.
والصدقة الا بالقبض بما روينا من طريق شعبة عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير (1) عن أبيه قال: لما نزلت الهاكم التكاثر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول ابن آدم.
مالى مالى وهل لك من مالك الا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو أعطيت فمضيت) ومن طريق أبى داود الطيالسي نا هشام - هو الدستوائى - عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ (2) الهاكم التكاثر ويقول: يقول ابن آدم.
مالى مالى وهل لك من مالك الا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت) قالوا: فشرط عليه الصلاة والسلام في العطية والصدقة الامضاء وهو الاقباض وقالوا: قسنا ذلك على القرض.
والعارية فلا يصحان الا مقبوضين بعلة ان كل ذلك بر ومعروف وعلى الوصية فلا تصح باللفظ وحده لكن بمعنى آخر مقترن إليه وهو الموت، وذكروا أيضا ما رويناه من طريق مالك أن ابن شهاب أخبره عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين (أن أبا بكر لما حضرته الوفاة قال لها: أنى كنت نحلتك جاد عشرين وسقا فلو كنت جددتيه واحتزتيه لكان لك [ فإذ لم تفعلي ] (3) فانما هو مال الوارث) وذكر الخبر وفيه انها قالت: (والله يا أبه لو كان كذا وكذا لرددته) * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت: لما حضرت أبا بكر الوفاة قال لها: انى كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من أرضى التى بالغابة وانك لو كنت احتزتيه لكان لك فإذ لم تفعلي فانما هو مال الوارث * ومن طريق
__________
(1) في النسخة رقم 16 (مطرف بن عبد الرحمن بن الشخير) وهو غلط (2) في النسخة رقم 16 (يقول) وهو تصحيف (3) الزيادة من النسخة رقم 16 [ * ](9/121)
عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة أخبرني المسور بن مخرمة.
وعبد الرحمن
ابن عبد القارى انهما سمعا عمر بن الخطاب يقول: ما بال أقوام ينحلون أولادهم فإذا مات الابن قال الاب: مالى وفى يدى وإذا مات الاب قال: قد كنت نحلت ابني كذا وكذا لا نحل الا لمن حازه وقبضه عن أبيه، قال الزهري: فاخبرني سعيد بن المسيب قال: فلما كان عثمان شكى ذلك إليه فقال عثمان.
نظرنا في هذه النحول فرأينا أحق من يحوز على الصبى أبوه، فهذه أصح رواية في هذا، وصح أنهما مختلفان كما أوردنا * ومن طريق مالك عن الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبدالقارى عن عمر بن الخطاب انه قال: ما بال رجال ينحلون ابناءهم نحلا ثم يمسكونها فان مات ابن أحدهم قال: مالى بيدى لم أعطه أحدا وان مات قال: لابنى قد كنت أعطيته اياه، من نحل نحلة لم يحزها الذى نحلها حتى تكون لوارثه ان مات فهى باطل * ومن طريق ابن وهب عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عثمان بن عفان انه قال: من نحل ولدا صغيرا له لم يبلغ أن يحوز نحلة فأعلن بها واشهد عليها فهى جائزة وان وليها أبوه، قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب.
وعمر بن عبد العزيز.
وشريح.
والزهرى.
وربيعة.
وبكير ابن الاشج مثل هذا * ومن طريق ابن وهب عن الحارث بن نبهان عن محمد بن عبيد الله - هو العرزمى - عن عمرو بن شعيب.
وابن أبى مليكة.
وعطاء بن أبى رباح قال عمرو عن سعيد ابن المسيب ثم اتفق سعيد، وعطاء وابن أبى مليكة ان أبا بكر.
وعمر.
وعثمان.
وابن عباس.
وابن عمر قالوا: لا تجوز صدقة حتى تقبض * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن القاسم بن عبد الرحمن كان معاذ بن جبل لا يجيز الصدقة حتى تقبض * وروينا من طريق وكيع عن سفيان باسناده وزاد فيه الا الصبى بين ابويه * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا مجالد عن الشعبى أن شريحا.
ومسروقا كانا لا يجيزان صدقة الا مقبوضة وكان الشعبى يقضى بذلك، قال هشيم: وأخبرني مطرف - هو ابن طريف - عن الشعبى قال: الواهب أحق بهبته ما كانت في يده فإذا أمضاها فقبضت فهى للموهوب له *
قال على: هذا كل ما احتجوا به ما نعلم لهم شيئا غير هذا وكله لا حجة لهم في شئ منه، فأما (1) قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الا ما تصدقت أو أعطيت فأمضيت) فلم يقل عليه السلام ان الامضاء هو شئ آخر غير التصدق: والاعطاء ولا جاء ذلك قط في لغة بل كل تصدق واعطاء اعطاء (2) فاللفظ بهما امضاء لهما واخراج لهما عن ملكه كما أن
__________
(1) في النسخة رقم 14 (أما) (2) سقط لفظ (اعطاء) من النسخة رقم 14 [ * ](9/122)
الاكل نفسه هو الافناء واللباس وهو الابلاء لان لكل لبسة حظها من الابلاء، فإذا تردد اللباس ظهر الابلاء فبطل تعلقهم بهذا الخبر، وأيضا فان من قال: مالى هذا صدقة على فلان أو قال: قد تصدقت عليك بهذا الشئ أو قال: مالى هذا هبة لفلان أو قال: قد وهبته لفلان فلا يختلف اثنان ممن يحسن اللغة العربية في أنه يقال: قد تصدق فلان بكذا على فلان وقد وهب له كذا (1) فلو لم تكن الصدقة كاملة تامة باللفظ لكان المخبر عنه بأنه تصدق أو وهب كاذبا فوجب حمل الحكم على ما توجبه اللغة ما لم يأت نص بحكم زائد لا تقتضيه اللغة فيوقف عنده ويعمل به، ويسأل المالكيون خاصة عمن قال: قد وهبت هذا الشئ لك أو قال: هذا الشئ هبة لك أو قال: قد تصدقت عليك بهذا.
أو قال: هذا صدقة عليك أتصدق ووهب بذلك الشئ أم لم يتصدق به ولا وهبه؟ ولا ثالث لهذا التقسيم، فان قالوا: نعم قد تصدق به ووهبه قلنا فإذ قد تصدق به ووهبه فقد تمت الصدقة والهبة وصحت فما يضرهما ترك الحيازه والقبض إذ لم يوجب ذلك نص، فان قالوا: لم يهب ولا تصدق قلنا: فمن أين استحللتم اجباره والحكم عليه بدفع مال من ماله لم يتصدق به عليه ولا وهبه إلى من لم يهبه له ولا تصدق به عليه؟ هذا عين الظلم والباطل، ولا مخلص لهم من أحدهما * وأما من دون الصحابة فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما والخلاف قد ورد في ذلك من الصحابة رضى الله عنهم، وأيضا فأكثر تلك الاخبار إما لا تصح واما قد جاءت بخلاف ما تعلقوا به من الفاظها واما قد خالقوا أولئك الصحابة فيما جاء
عنهم كمجئ هذه الروايات أو بأصح على ما نبين بعد هذا ان شاء الله تعالى، وأما قياسهم الهبة.
والصدقة على القرض.
والوصية.
والعارية فالقياس كله باطل ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل، أما القرض فقد أبطلوا وهو لازم باللفظ ومحكوم به ولابد إذ لم يأت نص بخلاف هذا وانما يبطل من القرض بعدم الاقباض مثل ما يبطل من الهبة.
والصدقة سواء سواء، وليس ذلك الا ما كان في غير معين مثل أن يقول: قد أقرضتك عشرة دنانير من مالى.
أو تصدقت عليك بعشرة دنانير من مالى.
أو وهبتك عشرة دنانير من مالى فهذا كله لا يلزم لما ذكرنا قبل من أن كل ذلك لا يجوز الا في معين والا فليس واهبا لشئ ولا متصدقا بشئ ولا مقرضا لشئ، والقول في العارية كالقول فيما ذكرنا سواء سواء، ولو صح هذا القياس لكان حجة عليهم، وأيضا فان القرض يرجع فيه متى أحب والعارية كذلك ولا يرجع عندنا في الهبة ولا في الصدقة، وأيضا فان الصدقة والهبة.
تمليك للرقبة بغير عوض والقرض تمليك للرقبة بعوض.
والعارية
__________
(1) في النسخة رقم 14 (وقد وهبه كذا) [ * ](9/123)
ليست تمليكا للرقبة أصلا، فبطل قياس بعض ذلك على بعض لاختلاف أحكامها، وليس قول من قال: اتفاق جميعها في انها بر ومعروف فانا أقيس بعضها على بعض باولى ممن قال (1) افتراقها في أحكامها ويجب أن لا يقاس بعضها على بعض وإذا كان الاتفاق يوجب القياس فالافتراق يبطل القياس والا فقد تحكموا بالدعوى بلا برهان، ويقال لهم: هلا قستم كل ذلك على النذر الواجب عندكم باللفظ وان لم يقبض فهو أشبه بالصدقة والهبة من العارية والقرض؟ وأما الوصية فقد كفونا مؤنة قياسهم عليها لانهم لا يوجبون فيها الصحة بالقبض أصلا بل هي واجبة بالموت فقط، وقولهم: لا تجب باللفظ دون معنى آخر وهو الموت فتمويه بارد فاسد لان الموصى لم يوجب الوصية قط بلفظه بل انما أوجبها بعد الموت فحينئذ وجبت بما أوجبها به فقط دون معنى آخر فظهر فساد قياسهم
وبرده وغثاثته ومخالفته للحق والحمد لله رب العالمين * وأما الرواية عن الصحابة رضى الله عنهم فنبدأ بخبر أبى بكر: وعائشة رضى الله عنهما فنقول وبالله تعالى التوفيق: لما نص الحديث (2) انه نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة فلا يخلو ضرورة من أحد أمرين لا ثالث لهما اما أن يكون أراد نخلا تجد منها عشرين وسقا واما أن يكون أراد تمرا يكون عشرين وسقا مجدودة لابد من أحدهما وأى الامرين كان فانما هي عدة؟ ولا يلزم هذه القضية عندهم ولا عندنا لانها ليست في معين من النخل ولا معين من التمر وقد تجد عشرين وسقا من أربعين نخلة وقد تجد من مائتي نخلة وقد لا تجد من نخلة بالغابة عشرون وسقا لعاهة تصيب الثمرة فهذا لا يتم الا حتى يعين النخل أو الاوساق في نخله فيتم حينئد بالجداد والحيازة فليست هذه القصة من الهبة المعروفة المحدودة ولا من الصدقة المعلومة المتميزة في ورد ولا صدر ولكنهم قوم يوهمون في الاخبار ما ليس فيها، وأيضا فقد روى هذا الخبر من هو أجل من عروة وآخر هو مثل عروة بخلاف ما رواه عروة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن أبى مليكة أن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق أخبره أن أبا بكر الصديق قال لعائشة أم المؤمنين: يا بنية انى نحلتك نخلا من خيبر وانى أخاف أن أكون آثرتك على ولدى وانك لم تكوني احتزتيه فرديه على ولدى فقالت: (3) يا أبتاه لو كانت لى خيبر بجدادها لرددتها، فالقاسم ليس دون عروة، وابن أبى مليكة ليس دون ابن شهاب لانه أدرك من الصحابة من لم يأخذ الزهري عنهم كاسماء.
وابن عمر وغيرهما.
وابن جريج ليس دون مالك، وهذه السياقة موافقة لقولنا لا لقولهم، فمن الباطل أن يكون ما رووه (4) مما لا يوافق قولهم بل يخالفه حجة لما لا يوافقه ولا يكون
__________
(1) في النسخة رقم 14 (من قول من قال) (2) في النسخة رقم 14 (انه انما نص الحديث) (3) في النسخة رقم 16 قالت (4) في النسخة رقم 16 (ما رواه) [ * ](9/124)
ما رويناه موافقا لقولنا حجة لما يوافقه هذه سواء سواء ممن اطلقها * ومن طريق
ابن الجهم نا ابراهيم الحربى نا ابن نمير - هو محمد بن عبد الله بن نمير - نا أبى عن الاعمش عن شقيق ابى وائل عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال لى أبو بكر حين أحضر: انى قد كنت ابنتك بنحل فان شئت ان تأخذي منه قطاعا أو قطاعين ثم تردينه إلى الميراث قالت: قد فعلت، ولا خلاف من أن مسروقا أجل من عروة لانه أفتى في خلافة عمر وكان أخص الناس بام المؤمنين.
وشقيق أجل من الزهري لانه أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وان كان لم يره وصحب الصحابة من بعد موته عليه الصلاة والسلام الاكابر الاكابر، والاعمش انما يعارض به شيوخ مالك لانه (1) قد ادرك أنسا ورآه فهو من التابعين من القرن الثاني وانما فيه كما ترى بانه انما استرده باذنها لا بانه لم يتم باللفظ * ورويناه أيضا مرسلا كذلك من طريق وكيع عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى فبطل تعلقهم بخبر أبى بكر جملة وعاد حجة عليهم ولله تعالى الحمد، وصح أنهما رأيا الهبة جائزة بغير قبض وأما الرواية عن أبى بكر.
وعمر.
وعثمان وابن عباس.
وابن عمر لا تجوز صدقة حتى تقبض فباطل لان راويها محمد بن عبيد الله العرزمى وهو هالك مطرح، وأما الرواية عن عمر الموافقة للرواية عن عثمان فلا شئ لان ابن وهب لم يسم من أخبره بها، والرواية عن معاذ فيها جابر الجعفي وبقيت الرواية عن عمر.
وعثمان فهى حجة (2) الا أنهما اختلفا فعمر عم كل موهوب وعثمان خص من ذلك صغار الولد وانما هي رأى من رأيهما اختلفا فيه لا تقوم به حجة على أحد.
وقد صح عن أبى بكر.
وعائشة خلاف ذلك كما أوردنا، وأيضا فانما هو عن عمر، وعثمان في النحل خاصة لا في الصدقة، وقد روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا المعتمر بن سليمان التيمى قال: سمعت عيسى بن المسيب يحدث أنه سمع القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يحدث عن أبيه عن جده عبد الله ابن مسعود قال: الصدقة جائزة قبضت أو لم تقبض * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن القاسم بن عبد الرحمن قال كان على بن أبى طالب، وابن مسعود يجيزان الصدقة وان لم تقبض فهذا اسناد كاسناد حديث معاذ وتلك المنقطعات *
ومن طريق ابن أبى شيبة نا وكيع عن همام عن قتادة [ عن الحسن البصري ] (3) عن النضر عن أنس بن مالك قال: نحلنى أبى نصف داره فقال أبو بردة: ان سرك أن تحوز ذلك فاقبضه فان عمر قضى في الانحال ما قبض منه فهو جائز وما لم يقبض منه فهو ميراث، فهذا أنس بأصح سند لا يرى الحرز شيئا * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا
__________
(1) لفظ قد زيادة من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 14 (صحيحة) (3) الزيادة من النسخة رقم 16.
[ * ](9/125)
يونس عن الحسن عن رجل وهب لامرأته قال: هي جائزة لها وان لم تقبضها، وكم قصة خالفوا فيها عمر.
وعثمان كقضائهما بولد المستحقة رقيقا لسيد أمهم وقضائهما في ولد العربي من الامة بخمس من الابل: وكاباحتهما الاشتراط في الحج وما روى عن أبى بكر.
وعمر من أبطال هبة المجهول وككلام عمر.
وعقمان يوم الجمعة في الخطبة بحضرة المهاجرين والانصار إذ ذكر له عمر غسل الجمعة، وكايجابهما القصاص من الوكزة (1) واللطمة وسجودهما في الخطبة إذ قرأ السجدة بحضرة الصحابة دون مخالف، وقولهما: من اشعر لزمته الحدود ولا مخالف لهما من الصحابة وكتخييرهما المفقود إذا قدم امرأته بينها وبين الصداق، وغير ذلك كثير جدا فمرة هما حجة ومرة ليسا حجة، وأما تقسيم مالك فيمن اعتمر مما تصدق به أو وهب الثلث فما قوقه أو ما دون الثلث فقول لا يعرف عن أحد قبله مع تناقضه ههنا فجعل الثلث في حيز الكثير وجعله فيما تحكم فيه المرأة من مالها في حيز القليل وهذا عجب جدا مع أنه خلاف مجرد للرواية عن عمر.
وعثمان وكل من روى عنه في ذلك من الصحابة لفظة لان جميعهم اما مبطل للهبة فيما لم يجز جملة أو في الصدقة كذلك أو مجيز له جملة، وأما قول أبى حنيفة: ان قبضها الموهوب له أو المتصدق عليه بغير اذن الواهب أو المتصدق فليس قبضا فلا يعرف عن أحد قبله وهو مخالف للرواية عن عمر.
وعثمان في ذلك لانهما رضى الله عنهما لم يقولا حتى يقبض باذنه لكن قالا: حتى يقبض فان كان قولهما حجة واجماعا فقد خالف الحنيفيون.
والمالكيون الحجة
والاجماع باقرارهم على أنفسهم وان لم يكن قولهما حجة ولا اجماعا فلا معنى لاحتجاجهم به فبطل تعلقهم بكل ما تعلقوا به من ذلك، وأما قول الشافعي فاننا روينا عن ابراهيم النخعي أن الصدقة جملة تتم بلا حيازة واحتجوا بأن الصدقة لا تكون الا لله تعالى * قال أبو محمد: وهذا ليس بشئ لان الهبة إذا لم تكن لله تعالى فهى باطل فلو علمنا ذلك لما أجزناها أذ كل عمل عمل لغير الله تعالى فهو باطل ونبطل قوله في الهبة بما أبطلنا به قول أبى حنيفة، ومالك وبالله تعالى التوفيق واحتج أصحاب الشافعي بان الهبات والصدقات المطلقة يملكها أربابها فاحتاجوا إلى القبض، أما الحبس فلا مالك لها (2) الا الله تعالى وكل شئ في قبضته عزوجل فلا قابض لها دونه * قال على: الارض كلها وكل شئ لله تعالى لم يخرج شئ عن ملكه فيرد إليه، وقد بطل قوله في الهبة والصدقة بما بطل به قول مالك.
وأبى حنيفة وبالله تعالى التوفيق، فإذا
__________
(1) في النسخة رقم 14 من الوكضة، وهى الدفعة (2) في النسخة رقم 16 له، والحبس بلفظ الجمع [ * ](9/126)
بطل كل ما احتجوا به فالحجة لقولنا قول الله تعالى: (أوفوا بالعقود) وهذا مكان الاحتجاج بهذه الآية لا حيث احتجوا بها مما بينت السنن انه لا مدخل له فيها.
وكذلك قوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) ومن لفظ بالهبة أو الصدقة فقد عمل عملا وعقد عقدا لزمه الوفاء به ولا يحل لاحد ابطاله الا بنص ولا نص في ابطاله وبالله تعالى التوفيق * 1629 مسألة ومن وهب هبة صحيحة لم يجز له الرجوع فيها أصلا مذ يلفظ بها الا الوالد.
والام فيما أعطيا أو أحدهما لولدهما فلهما الرجوع فيه أبدا الصغير والكبير سواء، وسواء تزوج الولد أو الابنة على تلك العطية أو لم يتزوجا داينا عليها أو لم يداينا فان فات عينها فلا رجوع لهما بشئ ولا رجوع لهما بالغلة ولا بالولد الحادث بعد الهبة فان فات البعض وبقى البعض كان لهما الرجوع فيما بقى فقط وهو قول الشافعي.
وأبى سليمان وأصحابهما: وقال أبو حنيفة: من وهب لذى رحم محرمة أو لوالد هبة وأقبضه اياها أو وهب أحد الزوجين لصاحبه هبة وأقبضه اياها فلا رجوع لاحد ممن ذكرنا (1) فيما وهب، ومن وهب لاجنبي أو لمولى أو لذى رحم غير محرمة هبة وأقبضه اياها فللواهب أن يرجع فيما وهب من ذلك متى شاء وان طالت المدة ما لم تزد الهبة في بدنها أو ما لم يخرجها الموهوب له عن ملكه أو ما لم يمت الواهب أو الموهوب له أو ما لم يعوض الموهوب له أو غيره عنه الواهب عوضا يقبله الواهب فاى هذه الاسباب كان فلا رجوع للواهب فيما وهب ولا يجوز الرجوع في الهبة إذا لم يكن شئ مما ذكرنا إلا بتسليم الموهوب له ذلك أو بحضرة الحاكم أحب الموهوب له أم كره قال: فلو وهب آخر جارية فعلمها الموهوب له القرآن والكتابة والخير فليس ذلك بمانع من رجوع الواهب فيها فان كان عليها دين فاداه الموهوب له عنها أو كانت كافرة فأسلمت فلا رجوع للواهب فيها، وأما الصدقة فلا رجوع للمتصدق فيها لاجنبي كانت أو لغير اجنبي بخلاف الهبة، وقال مالك، لا رجوع لواهب ولا لمتصدق في هبته (2) أصلا لا لاجنبي ولا لذى رحم محرمة الا في هبة الثواب فقط وفيما وهب الرجل لولده أو ابنته الكبيرين أو الصغيرين ما لم يقل انه وهبها لولده لوجه الله تعالى، فان قال هذا فلا رجوع له فيما وهب فان لم يقله فله الرجوع فيما وهب ما لم يداين الولد على تلك الهبة أو ما لم يتزوج الابن أو الابنة عليها أو ما لم يثب الولد أو الابنة اياهما على ذلك، فأى هذه الوجوه كان فقد بطل رجوع الاب في الهبة وترجع الام كذلك فيما وهبت الام لولدها الصغار خاصة ما دام أبوهم حيا فلها الرجوع فيه فان مات أبوهم فلا رجوع لها وكذلك لا رجوع لها فيما
__________
(1) في النسخة رقم 16 لاحدهما مما ذكرنا (2) في النسخة رقم 14 في هبة [ * ](9/127)
وهبت لولدها الكبار كان أبوهم حيا أو لم يكن قال: وهبة الثواب صاحبها الواهب لها له الرجوع فيها ما لم يثب منها فان أثيب منها أقل من قيمتها فله الرجوع فان أثيب قيمتها فلهم
قولان، أحدهما أنه لا رجوع له والآخر ان له الرجوع ما لم يرض بذلك الثواب ولا ثواب عندهم فيما وهب أحد الزوجين لصاحبه ولا للفقير فيما اهدى إلى الغنى يقدم من سفر كالموز ونحو ذلك قال: ولا رجوع في صدقة أصلا لا لوالد فيما تصدق به على ولده ولا لغيره * قال أبو محمد: هذه اقاويل (1) لا تعقل وفيها من التضاد.
والدعاوى بلا دليل ما يكفى سماعه عن تكلف الرد عليه فمن ذلك منع الفقير يهدى إلى الغنى يقدم الموز ونحوه من طلب الثواب وما أحد أجوج إليه منه واطلاقهم الغنى على طلب الثواب ومنعهم الام من الرجوع إذا مات أبو ولدها واباحتهم لهما الرجوع إذا كان أبوهم حيا واباحتهم الرجوع فيما وهب ليتيم قريب أو بعيد وتفريقهم بينها وبين حكم الوالد في ذلك ثم تخصيصهم إذا تزوج الولد أو الابنة على تلك الهبة بالمنع من الرجوع وكذلك أقوال ابى حنيفة أيضا إذ رأى الاسلام بعد الكفر خيرا يمنع الرجوع ولم ير تعلم القرآن خيرا يمنع الرجوع، واذ رأى اداء دين العبد يمنع الرجوع ولم ير النفقة عليه تمنع الرجوع.
وإذا لم ير الرجوع الا بحضرة الحاكم فهذا عجب جدا ولئن كان الرجوع حقا فما باله لا يجوز بغير حضرة الحاكم ولئن كان غير حق فمن أين جاز بحضرة الحاكم؟ ومن عجائب الدينا احتجاجهم في ابطال السنة الثابتة من رجوع بائع السلعة فيها إذا وجدها بعينها عند مفلس فأنه لا يخلو ان يكون المشترى لها ملكها أو لم يملكها فان كان لم يملكها فبأى شئ صارت عنده وفى جملة ماله وان كان ملكها فلا سبيل للبائع على ماله فههنا كان هذا الاعتراض صحيحا لا هنالك وههنا لا يخلو الموهوب له من أن يكون ملك ما وهب له أم لم يملكه، فان كان لم يملكه فبأى شئ حل له الوطئ والاكل.
والبيع.
والتصرف وبأى شئ ورثت عنه ان مات وان كان قد ملكه فلا سبيل للواهب على ماله * قال أبو محمد: احتج من رأى الرجوع في هبة الثواب ما لم يثب منها أو لم يرض منها بما رويناه (2) من طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله ابن عمر عن أبيه عن عمر قال: من وهب هبة فلم يثب منها فهو أحق بها الا لذى رحم *
ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية نا الاعمش عن ابراهيم عن الاسود قال عمر ابن الخطاب: من وهب هبة لذى رحم فهو جائز ومن وهب هبة لغير ذى رحم فهو أحق بها ما لم يثب عليها * ومن طريق وكيع نا حنظلة هو ابن أبى سفيان الجمحى عن سالم بن عبد الله بن عمر
__________
(1) في النسخة رقم 14 (هذه أقوال) (2) في النسخة رقم 16 روينا.
[ * ](9/128)
عن أبيه قال عمر: الرجل أحق بهبته ما لم يرض منها ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن قال: أول من رد الهبة عثمان بن عفان وأول من سأل البينة على أن غريمه مات ودينه عليه عثمان * ومن طريق ابن أبى شيبة نا وكيع عن سفيان عن جابر الجعفي عن القاسم عن ابن ابزى (1) عن على بن أبى طالب قال الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها * ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن على أنه قال: المواهب ثلاثة.
موهبة يراد بها وجه الله تعالى.
وموهبة يراد بها وجه الناس.
وموهبة يراد بها الثواب، فموهبة الثواب يرجع فيها صاحبها إذا لم يثب (2) * ومن طريق ابن أبى شيبة نا يحيى بن زكريا ابن أبى زائدة عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: هو أحق بها ما لم يرض منها يعنى الهبة - * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبد الرحمن بن مهدى عن معاوية بن صالح عن ربيعة ابن يزيد عن عبد الله بن عامر قال: كنت جالسا عند فضالة بن عبيد فأتاه رجلان يختصمان إليه في باز فقال أحدهما: وهبت له بازى رجاء أن يثيبني فأخد بازى ولم يثبنى فقال الآخر: وهب لى بازيه ما سألته ولا تعرضت له فقال فضالة رد عليه بازيه أو أثبه منه فانما يرجع في المواهب النساء وشرار الاقوام * وروى عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبى الدرداء قال: المواهب ثلاثة رجل وهب من غير ان يستوهب فهى كسبيل الصدقة فليس له أن يرجع في صدقته ورجل استوهب فوهب فله الثواب فان قبل على موهبته ثوابا فليس له الا ذلك وله أن يرجع في هبته ما لم يثب، ورجل وهب واشترط الثواب فهو دين على صاحبها في حياته وبعد مماته، فهؤلاء عمر.
وعثمان، وعلى.
وابن عمر.
وفضالة بن عبيد.
وأبو الدرداء
من الصحابة رضى الله عنهم لا مخالف لهم منهم * ومن طريق ابن وهب عن عمرو بن قيس عن عدى بن عدى الكندى كتب إلى عمر بن عبد العزيز من وهب هبة فهو بالخيار حتى يثاب منها ما يرضى فان نمت عند من وهبت له فليس لمن وهبها الا هي بعينها ليس له من النماء شئ * ومن طريق ابن وهب سمعت عبد الرحمن بن زياد بن أنعم يحدث عن عمر ابن عبد العزيز أنه كتب أيما رجل وهب هبة لم يثب عليها (3) فاراد أن يرجع في هبته فان أدركها بعينها عند من وهبها له لم يتلفها أو تلفت عنده (4) فليرجع فيها علانية غير سر ثم ترد عليه الا أن يكون وهب شيئا متثبتا (5) فحسن عند الموهوب له فليقض له بشرواه يوم وهبها له الا من وهب لذى رحم فانه لا يرجع فيها أو الزوجين أيهما أعطى صاحبه شئيا طيبة به نفسه فلا رجعة له في شئ منها * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا منصور.
ويونس.
وابن عون كلهم عن ابن سيرين عن شريح قال: من اعطى في صلة
__________
(1) في النسخة رقم 14 عن القاسم بن ابى ابزى وهو غلط (2) في النسخة رقم 14 (ما لم يثب) (3) في النسخة رقم 16 لم يثب منها (4) في النسخة رقم 16 (أو تتلف عندهم) (5) في النسخة رقم 14 (متنبتا) [ * ](9/129)
أو قرابة أو معروف أجزنا عطيته والجانب المستغزر يثاب على هبته أو ترد عليه * ومن طريق ابن أبى شيبة نا يحيى بن يمان عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: من وهب هبة لغير ذى رحم فله ان يرجع ما لم يثبه * ومن طرق سعيد بن منصور أنا هشيم نا مغيرة عن ابراهيم قال: من وهب هبة لدى رحم فليس له أن يرجع ومن وهب لغير ذى رحم فهو أحق بهبته فان أثيب منها قليل أو كثير فليس له أن يرجع في هبته، وقد رويناه عنه بزيادة فرضى به فليس له أن يرجع فيه، وهو قول عطاء.
وربيعة.
وغيرهم * ومن طريق سعيد بن منصور أنا هشيم انا المغيرة عن الحارث العكلى أن رجلا تصدق على أمه بخادم له وتزوج فساق الخادم إلى امرأته فقبضتها امرأته فخاصمتها الام إلى شريح فقال لها شريح: ان ابنك لم يهبك صدقة وأجازها للمرأة لان الام لم تكن
قبضتها قالوا: فهؤلاء طائفة من الصحابة لا يعرف لهم مخالف وجمهور التابعين * وذكروا ما رويناه من طريق أبى داود نا سليمان بن داود المهرى أنا أسامة بن زيد أن عمرو بن شعيب حدثه عن أبيه عن عبد الله بن عمر وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الذى استرد ما وهب كمثل الكلب يقئ فيأكل قيئه) فإذا استرد الواهب فليوقف فليعرف ما استرد ثم ليدفع إليه ما وهب * وما رويناه من طريق وكيع نا ابراهيم بن اسماعيل ابن مجمع عن عمرو بن دينار عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرجل احق بهبته ما لم يثب منها) * ومن طريق العقيلى نا على بن عبد العزيز نا أبو عبيد نا أبو بكر بن عياش عن يحيى بن هانئ أخبرني أبو حذيفة عن عبد الملك بن محمد بن بشير عن عبد الرحمن ابن علقمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الصدقة يبتغى بها وجه الله عزوجل وان الهدية يبتغى بها وجه الرسول وقضاء الحاجة) * قالوا فعلى هذا له ما ابتغى إذ لكل امرئ ما نوى * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن عجلان عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة قال: (وهب رجل للنبي صلى الله عليه وسلم هبة فأثابه فلم يرض فزاده فلم يرض فقال عليه السلام: لقد هممت ان لا أقبل هبة) وربما قال معمر: (أن لا اتهب الا من قرشي أو أنصارى أو ثقفي أو دوسى) وما نعلم لهم شيئا غير ما ذكرنا * فأما حديث أبى هريرة هذا الادنى وهو أحسنها اسنادا فلا حجة لهم فيه لاننا لم ننكر اثابة الموهوب بل هو فعل حسن وانما أنكرنا وجوبه إذ لم يوجبه نص قرآن ولا سنة ولا أنكرنا أن يوجب في الناس الطمع الذى لا يقنعه تطوع من لا شئ له عنده وليس في هذا الخبر مما أنكرنا معنى ولا اشارة وانما فيه ما لا ننكره مما ذكرنا وانه عليه السلام هم أن لا يقبل هبة الا ممن ذكر، ولو أنفذ ذلك لكان مباحا له فعله وتركه وليس من(9/130)
المحذور عليه خلافه فيلزم القول بما هم به من ذلك فبطل تعلقهم بهذا الخبر إذ ليس فيه اجازة هبة الثواب ولا ان تلك الهبة اشترط فيها الثواب ولا فيه اجازة الرجوع في الهبة
أصلا وبالله تعالى التوفيق * ثم نظرنا في خبر عبد الرحمن بن علقمة فوجدناه لا خير فيه فيه أبو بكر بن عياش.
وعبد الملك بن محمد بن بشير وكلاهما ضعيف، ولا يعرف لعبد اللمك سماع من عبد الرحمن ابن علقمة، وفيه أيضا أبو حذيفة فان كان اسحق بن بشير النجارى فهو هالك وان لم يكنه فهو مجهول فسقط جملة ولم يحل الاحتجاج به، ثم لو صح لم يكن لهم فيه حجة أصلا لانه ليس فيه ذكر لهبة الثواب أصلا ولا للرجوع في الهبة بوجه من الوجوه وانما فيه ان الهدية يبتغى بها وجه الرسول وقضاء الحاجة * وأما قولهم له ما ابتغى فجنون ناهيك به لان في هذا الخبر أنه ابتغى قضاء حاجته ومن له بذلك وقد تقضى ولا تقضى ليس للمرء ما نوى في الدينا انما هذا من أحكام الآخرة في الجزاء فقط ثم نقول: ان الله تعالى قد صان نبيه عليه السلام عن أن يصوب أن يجيز أكل هدية لم يبتغ بها مهديها وجه الله تعالى وانما قصد قضاء حاجته فقط ووجه الرسول وهذه هي الرشوة الملعون قابلها ومعطيها في الباطل فلاح مع تعرى هذا الخبر عن أن يكون لهم فيه متعلق مع أنه خبر سوء موضوع بلا شك، ثم نظرنا في خبر أبى هريرة الذى بدأنا به فوجدناه لا حجة لهم فيه لوجهين، أحدهما أنه من طريق ابراهيم بن اسماعيل بن مجمع وهو ضعيف، والثانى أن عمرو بن دينار ليس له سماع أصلا من أبى هريرة ولا أدركه بعقله أصلا وأعلا من عنده من كان بعد السبعين كابن عباس.
وابن عمر.
وابن الزبير.
وجابر.
ومات أبو هريرة قبل الستين فسقط جملة، ثم انه حجة عليهم ومخالف لقولهم لان نصه الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها فلم يخص ذا رحم من غيره ولا هبة اشترط فيها الثواب من غيرها ولا ثوابا قليلا من كثير وهذا كله خلاف قول أبى حنيفة، ومالك، فان كان هذا الحديث حقا فقد خالفوا الحق باقرارهم وهذا عظيم جدا وان كان باطلا فلا حجة في الباطل وهم يردون السنن الثابتة بدعواهم الكاذبة انها خلاف القرآن والاصول، وكل ما احتجوا به ههنا فخلاف القرآن.
والاصول * وأما خبر عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو
فصحيفة منقطعة ولا حجة فيها ثم هو عن أسامة بن زيد وهو ضعيف ثم لو صح لكان حجة عليهم ومخالفا لقولهم لانه ليس فيه تخصيص ذى رحم من غيره ولا زوج لزوجة ولا أداين عليها أو لم يداين ولا شئ مما خصه أبو حنيفة، ومالك ولا هبة ثواب من غيرها بل اطلق ذلك على كل هبة فمن خصها فقد كذب باقراره على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله ما لم(9/131)
يقله (1) ولا فرق بين من خالف حديثا بأسره ومن خالف بعضه وأقر ببعضه لا سيما مثلهم ومثلنا فانهم يخالفون ما يقرون بأنه حق وانه حجة لا يجوز خلافها فاعترفوا على أنفسهم بالدمار والبوار وأما نحن فلا نخالف الا ما لا يصح كالذى يجب على كل مسلم ذى عقل ومعاذ الله من أن نخالف خبرا نصححه الا بنسخ بنص آخر أو بتخصيص بنص آخر، والعجب كل العجب من قولهم بلا حياء ان المنصوص في خبر الشفعة من أن إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم إذ قد يمكن أن يكون من قول الراوى فهلا قالوا ههنا في هذه المناقضة الفاسدة التى في هذا الحديث المكذوب بلا شك من أنه يوقف ثم يرد عليه استرد ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم إذ ممكن أن يكون من كلام الراوى بل لاشك في هذا لو صح اسناد هذا الحديث إذ من الباطل أن يخبر عليه السلام أن مسترد الهبة كالكلب في أقبح أحواله من أكل قيئه والذى ضرب الله تعالى به المثل للكافر فقال تعالى: (مثله كمثل الكلب ان تحمل على يلهث أو تتركه يلهث) ثم ينفذ عليه السلام الحكم بما هذه صفته حاشا لله من ذلك، بل لو احتج عليه محتج بهذا الخبر لكان أقوى تشغيبا لان ظاهره أن الواهب إذا استرد ما وهب وقف وعرف ما استرد ثم ليدفع إليه ما وهب فهذا يوجب أن يوقف على ما استرد ثم يدفع إلى الموهوب له ولا يترك عنده المسترد، واحتمال باحتمال ودعوى بدعوى، والعجب من قلة الحياة في احتجاجهم بهذا الخبر وهو عليهم لا لهم كما بينا وصارت رواية وعمرو ابن شعيب ههنا عن أبيه عن جده حجة وهم يردون الرواية التى ليست عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أحسن منها كروايتنا عن حماد بن سلمة عن داود بن أبى هند وحبيب المعلم
كلاهما عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها) ورواية ابى داود نا محمود بن خالد نا مروان - هو ابن محمد - نا الهيثم بن حميد نا العلاء بن الحارث نا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين السادة لمكانها بثلث الدية وغير هذا كثير جدا لم يردوه الا بانه صحيفة فاى دين يبقى مع هذا أو أي عمل يرتفع معه وهذا هو التلبيس في دين الله تعالى جهارا نعوذ بالله من الخذلان فبطل أن يكون لهم متعلق في شئ من الاخبار * وأما ما تعلقوا به عن الصحابة رضى الله عنهم فكله لا حجة لهم فيه (2) إذ لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لو كان حجة فهو كله عليهم لا لهم، أول ذلك حديث عمر رضى الله عنه هو صحيح عنه من وهب هبة لغير ذى رحم فهو أحق بها ما لم يثب منها أو لم يرض منها فلم يخص رحما محرمة من غير محرمة، وهذا خلاف قول الحنيفيين ولا خص ما وهبه أحد
__________
(1) في النسخة رقم 14 ما لم يقل (2) في النسخة رقم 14 فكله لا حجة فيه [ * ](9/132)
الزوجين للآخر كما خصوا بل قد صح عنه أن لها الرجوع فيما وهبت لزوجها كما نذكر بعد هذا ان شاء الله عز وجل فقد خالفوا عمر وهم يحتجون به في أنه لا يحل خلافه ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا، يا للمسلمين ان كان قول عمر رضى الله عنه حجة لا يحل خلافه فكيف استحلوا خلافه وان كان ليس بحجة (1) فلم يموهون به في دين الله تعالى ويصدون به عن سبيل الحق * روينا من طريق وكيع نا أبو جناب هو يحيى بن أبى حية عن أبى عون هو محمد بن عبيدالله الثقفى عن شريح القاضى أن عمر ابن الخطاب قال في المرأة وزوجها: ترجع فيما أعطته ولا يرجع فيما أعطاها ومن طريق ابن أبى شيبة نا على بن مسهر عن أبى إسحاق الشيباني عن محمد بن عبيد الله الثقفى قال: كتب عمر بن الخطاب أن النساء يعطين أزواجهن رغبة ورهبة فايما امرأة أعطت زوجها شيئا فأرادت أن تعتصره فهى أحق به، وصح القضاء بها عن شريح.
والشعبى.
ومنصور
ابن المعتمر حتى أن شريحا قضى لها بالرجوع فيما وهبت له بعد موته * روينا ذلك من طريق شيبة عن غيلان عن أبى اسحاق السبيعى عن شريح * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: ما أدركت القضاة الا يقيلون المرأة فيما وهبت لزوجها ولا يقيلون الزوج فيما وهب لامرأته فبطل تعلقهم بعمر وصار حجة عليهم ولاح أن قولهم خلاف قوله، وأما خبر عثمان فبين فيه أنه رأى محدث لان في نصه ان أول من رد الهبة عثمان وما كان هذا سبيله فلا حجة فيه، ثم هو أيضا مخالف لقولهم لان فيه رد الهبة جملة بلا تخصيص ذى رحم ولا أحد الزوجين للآخر فصاروا مخالفين له وبطل (2) تعلقهم به * وأما خبر على فباطل لان أحد طريقيه فيها جابر الجعقى وفى الآخر (3) ابن لهيعة ثم لو صح لكانوا مخالفين له لان في أحدهما الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها دون تخصيص ذى رحم من غيره ولا أحد الزوجين للآخر وهم مخالفون لهذا وفى الاخرى أيضا كذلك في هبة الثواب جملة فبطل تعلقهم بكل ذلك وأما حديث ابن عمر فصحيح عنه والقول فيه كالقول في الرواية عن عثمان من انهم قد خالفوه لان فيه انه أحق بها ما لم يثب وليس فيه تخصيص ذى رحم محرمة من غيرها ولا تخصيص ما وهبه أحد الزوجين للآخر فعاد حجة عليهم * وأما خبر فضالة فكذلك أيضا وهو ضعيف لانه عن معاوية بن صالح وليس بالقوى وهو حجة عليهم لانه لم يشترط ذا رحم من غيره ولا تخصيص ما وهبه أحد الزوجين للآخر وظاهره ابطال هبة الثواب فعلى كل حال هو حجة عليهم لا لهم لانهم قد خالفوه * وأما خبر أبى الدرداء فكله مخالف لقولهم فعادت الاخبار كلها خلافا لهم، فان
__________
(1) في النسخة رقم 14 ليس حجة (2) في النسخة رقم 14 فبطل (3) في النسخة رقم 14 (وفى الاخرى) [ * ](9/133)
كانت اجماعا فقد خالفوا الاجماع وان كان حجة حق لا يجوز خلافها فقد خالفوا حجة الحق التى لا يجوز خلافها وان لم تكن حجة ولا اجماعا (1) فالايهام بايرادها لا يجوز وقد روينا خلاف ذلك عن الصحابة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني
ابن طاوس عن أبيه انه قال في قضاء معاذ بن جبل باليمين بن أهلها قضى انه أيما رجل وهب أرضا على أنك تسمع وتطيع فسمع له وأطاع فهى للموهوبة له: وأيما رجل وهب كذا وكذا إلى اجل ثم رجع إليه فهو للواهب إذا جاء الاجل وأيما رجل وهب أرضا ولم يشترط فهى للموهوبة له * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر قال: كان الحسن البصري يقول: لا يعاد في الهبة * وبه إلى معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: لا يعود الرجل في الهبة فهذا معاذ.
والحسن.
وطاوس يقولون بقولنا سواء سواء.
وقالوا: انما خصصنا ذوى الرحم المحرمة (2) لان الهبة لهم مجرى الصدقة وبين الزوجين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ان المسلم إذا انفق على أهله نفقة يحتسبها فهى له صدقة) قالوا: ولا خلاف في أنه لا يرجع في الصدقة * قال على: فقلنا لهم: والهبة لغير ذى الرحم ولغير الزوجة أيضا صدقة لان الله تعالى يقول: (ولا تنسوا الفضل بينكم) * وروينا من طريق ابن أبى شيبة نا عباد بن العوام عن أبى مالك الاشجعى عن ربعى بن خراش عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل معروف صدقة) فهذا في غاية الصحة فصح أن كل هبة لمسلم فهى صدقة فإذ قد صح اجماع عندهم على أن لا رجوع في الصدقة فهم أصحاب قياس بزعمهم فهلا قاسوا الهبة على الصدقة فهى أشبه شئ بها؟ ولكنهم لا يحسنون قياسا ولا يتبعون نصا * قال أبو محمد: فإذ قد بطل كل ما موهوا به فالحجة لقولنا هو قول الله تعالى: (أوفوا بالعقود) وبقوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) فهذا موضع الاحتجاج بهاتين الآيتين لا حيث احتجوا بهما حيث بينت السنة انه لا مدخل له فيهما ونسوا احتجاجهم بالمسلمين عند شروطهم، وأيضا ما روينا من طريق البخاري نا مسلم بن ابراهيم نا هشام - هو الدستوائى - وشعبة قالا جميعا نا قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قيئه) * ومن طريق البخاري نا عبد الرحمن بن المبارك نا عبد الوارث هو ابن سعيد التنورى نا أيوب السختيانى عن عكرمة عن ابن عباس قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليس لنا مثل السوء الذى يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه) ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام نا اسحاق الازرق نا الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عباس وابن عمر قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لاحد يعطى العطية فيرجع فيها
__________
(1) في النسخة رقم 14 وان لم يكن اجماعا ولا حجة (2) في النسخة رقم 14 (ذى الرحم المحرمة) [ * ](9/134)
الا الوالد يعطى ولده ومثل الذى يعطى العطية فيرجع فيها كالكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم عاد فرجع في قيئه) فهذه الآثار الثابتة التى لا يحل خلافها ولا الخروج عنها * ومن طريق زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل الذى يعود في صدقته مثله كمثل الكلب يعود في قيئه) * قال أبو محمد: الحكم في العائد في هبته.
وفى العائد في صدقته سواء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمفرق بينهما مخطى.
، والعجب كله قولهم انما شبهه بالكلب يعود في قيئه والكلب ليس ذلك عليه حراما فهذا مثله، فهنيئا لهم هذا المثل الذى أباحوا لانفسهم الدخول فيه والنبي صلى الله عليه وسلم: يخبر انه مثل السوء فكيف وقد جاء الخبر الصحيح انه (1) كالعائد في قيئه والقئ عندهم حرام لا ندرى بماذا (2)؟ وأما عند غيرهم فبهذا النص، وأطم شئ قول بعضهم: لا يمنع كونه حراما من جوازه وهذا هتك الاسلام جهارا * ومن العجائب أيضا قولهم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لاحد يعطى العطية فيرجع فيها الا الوالد يعطى ولده) انه عليه السلام أراد بذلك إذا احتاج الوالد فيأخد نفقته قال أبو محمد: الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم سهل خفيف وهل فهم أحد قط من هذا الكلام هذا المعنى وقد علم الجميع أن الاب إذا احتاج لم يكن حقه فيما أعطى ولده دون سائر ماله الذى لم يعطه اياه ونعوذ بالله من الخذلان * وأما جعلنا للجد وللام الرجوع فيما أعطيا لابن الابن وللابن عموما لقول الله تعالى: (يا بنى آدم) وقال تعالى: (كما أخرج أبويكم من الجنة) فجعل تعالى الجد والجدة أبوين والام والدة تقع على الجنس
وهى فيه اسم الوالد وبالله تعالى التوفيق * وأما المالكيون فانهم احتجوا بما روينا من طريق ابن الجهم نا ابراهيم الحربى نا محمد بن عبد الملك هو ابن أبى الشوارب نا عبد الرزاق نا معمر عن أيوب عن أبى قلابة قال: كتب عمر بن الخطاب يعتصر الرجل من ولده ما أعطاه ما لم يمت أو يستهلك أو يقع فيه دين * ومن طريق ابن الجهم نا اسماعيل ابن اسحاق القاضى نا أبو ثابت المدينى نى ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد ابن أبى حبيب أن موسى بن سعد حدثه ان سعدا مولى الزبير نحل ابنته جارية فلما تزوجت أراد ارتجاعها فقضى عمر بن الخطاب أن الوالد يعتصر ما دام يرى ماله ما لم يمت صاحبها فتقع في ميراث أو تكون امرأة تنكح ثم تلاه عثمان على ذلك (3) * ورويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن رجلا وهب لابنه ناقة فرجع فيها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فردها عليه بعينها وجعل نماها لابنه قالوا: فهذا عمل عمر.
وعثمان بحضرة الصحابة
__________
(1) في النسخة رقم 14 بأنه (2) في النسخة رقم 16 لماذا (3) في النسخة رقم 14 بمثل ذلك [ * ](9/135)
رضى الله عنهم * قال أبو محمد: وقد ذكرنا عن عمر: وابنه باصح من هذا السند رجوع المرء فيما وهب ما لم يثب الا لذى رحم وعن عثمان مثله فما الذى جعل هذه الرواية أولى من تلك؟ فكيف وقد خالفوا هذه أيضا لانهم يقولون: انما للاب الارتجاع في ذلك في صحته فقط وليس هذا فيما روى عن عمر.
وعثمان، ويقولون: ليس للاب الارتجاع فيما وهب ابنه لله تعالى، وليس هذا فيما روى عن عمر.
وعثمان وحاشا لهما ان يجيزا هبة لغير الله تعالى وإذا لم تكن لله فهى للشيطان فحصل قول أبى حنيفة.
ومالك لا حجة لهما أصلا ومخالفا لكل ما أظهروا انهم تعلقوا به عن الصحابة رضى الله عنهم * 1630 مسألة فان تغيرت الهبة عند الولد حتى يسقط (1) عنها الاسم أو خرجت عن ملكه أو مات أو صارت لا يحل تملكها (2) فلا رجوع للاب فيه لانها
إذا تغيرت فهى غير ما جعل (3) له النبي صلى الله عليه وسلم الرجوع فيه وإذا خرجت عن ملكه أو مات فلا رجوع له على من لم يجعل له النبي صلى الله عليه وسلم الرجوع عليه وإذا بطل تملكها فلا تملك للاب فيها أصلا وبالله تعالى التوفيق * 1631 مسألة ولا تنفذ هبة ولا صدقة لاحد الا فيما أبقى له ولعياله غنى فان أعطى ما لا يبقى لنفسه وعياله بعده غنى فسخ كله * برهان ذلك ما روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا أبو عوانة عن أبى مالك الاشجعى عن حذيفة قال: قال نبيكم صلى الله عليه وسلم: (كل معروف صدقة) * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن سواد عن ابن وهب أنا يونس عن ابن شهاب نا سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول) وروينا معناه أيضا من طريق أبى صالح عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن على نا يحيى بن سعيد القطان نا عمرو بن عثمان سمعت موسى بن طلحة بن عبيد الله أن حكيم بن حزام حدثه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى) فإذ كل معروف صدقة وأفضل الصدقة وخيرها ما كان عن ظهر غنى فبلا شك وبالضرورة أن ما زاد في الصدقة ونقص من الخير والافضل فلا أجر فيه ولا خير فيه ولا فضل فيه وانه باطل وإذا كان باطلا فهو أكل مال بالباطل فهذا محرم (4) بنص القرآن * ومن طريق يحيى ابن سعيد القطان عن محمد بن عجلان حدثنى سعيد المقبرى عن أبى هريرة (أن رسول الله
__________
(1) في النسخة رقم 16 حتى سقط (2) في النسخة رقم 16 تمليكها (3) في النسخة رقم 16 غير التى جعل (4) في النسخة رقم 16 فهو حرام [ * ](9/136)
صلى الله عليه وسلم قال: تصدقي فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار قال: تصدق به على نفسك قال: عندي آخر قال: تصدق به على زوجتك قال: عندي آخر قال: تصدق به
على ولدك قال: عندي آخر قال: تصدق به على خادمك قال: عندي آخر قال: أنت أبصر به) * ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا الليث هو ابن سعد عن أبن الزبير عن جابر قال: أعتق رجل من بنى عذرة عبدا له عن دبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألك مال غيره؟ قال: لا قال: من يشتريه منى فاشتراه نعيم بن عبد الله بن النحام بثمانمائة درهم فدفعها إليه ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابدأ بنفسك فتصدق عليها فان فضل شئ فلاهلك فان فضل عن أهلك شئ فلذى قرابتك فان فضل عن ذى قرابتك شئ فهكذا وهكذا) * ومن طريق مسلم نا أبو الطاهر هو أحمد بن عمرو بن السرح أخبرني ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك سمعت أبى يقول: فذكر الحديث في تخلفه عن تبوك (قال: قلت: يارسول الله ان من توبتي ان أنخلع من مالى صدقة إلى الله والى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك فقلت: انى أمسك سهمي الذى بخيبر) * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عبيدالله ابن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف نا أبى وعمى سعد، ويعقوب ابنا ابراهيم ابن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قالا جميعا: نا ابن أبى ذئب عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله (أن رجلا أعتق عبدا له لم يكن له مال غيره فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتاعه نعيم بن النحام) * حدثنا حمام نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر ابن حماد نا مسدد نا حماد هو ابن زيد عن محمد بن اسحق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن جابر بن عبد الله (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمثل البيضة من الذهب فقال: يارسول الله هذه صدقة ما تركت لى مالا غيرها فحذفه بها النبي صلى الله عليه وسلم فلو أصابه لاوجعه ثم قال: ينطلق أحدكم فينخلع من ماله (1) ثم يصير عيالا على الناس) * وحدثنا عبد الله ابن ربيع نا محمد بن اسحق نا ابن الاعرابي نا اسحق بن اسماعيل نا سفيان عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبى سرح أنه سمع أبا سعيد الخدرى يقول: (دخل رجل
المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يطرحوا ثيابا فطرحوا فأمر له بثوبين ثم حث عليه السلام على الصدقة فجاء فطرح أحد الثوبين فصاح به رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ ثوبك) فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رد العتق.
والتدبير.
والصدقة بمثل البيضة من الذهب.
وصدقة كعب بن مالك بماله كله ولم يجز من ذلك شيئا، ويبين ذلك أيضا قوله عليه الصلاة
__________
(1) في النسخة رقم 14 (فيخلع ماله) [ * ](9/137)
والسلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) * ومن طريق النظر ان كل عقد جمع حراما وحلالا فهو عقد مفسوخ كله لانه لم ينعقد كما أمر الله تعالى ولا تميز حلاله من حرامه فهو عقد لم يكن قط صحيحا عمله، وهذه آثار متواترة متظاهرة في غاية الصحة (1) والبيان لا يحل لاحد خلافها من طريق أبى هريرة.
وجابر.
وحكيم بن حزام.
وكعب بن مالك.
وأبى سعيد.
وروينا أيضا معناها عن طارق المحاربي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحا * ومن البرهان على صحة ذلك من القرآن قول الله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) وقوله تعالى: (وأتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين) وقوله تعالى: (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين)، وممن قال بهذا من السلف كما روينا من طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن ابن الهاد نا عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه قال لابيه عمر بن الخطاب إنى أريت أن أتصدق بمالى كله فقال له عمر: لا تخرج من مالك كله ولكن تصدق وأمسك * ومن طريق ابن الجهم نا ابراهيم الحربى نا محمد بن سهل نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال: يرد من حيف الناحل ما يرد من حيف الميت في وصيته * ومن طريق ابن وهب عن يونس ابن يزيد عن ابن شهاب قال: لا أرى أن يتصدق المرء بماله كله لكن يتصدق بثلث ماله (2) يرد من حيف الناحل في حياته ما يرد من حيف الميت في وصيته عند موته * ومن طريق
ابن وهب عن ابن أبى الزناد عن أبى أنه حضر عمر بن عبد العزيز وقد تصدق رجل من آل الزبير على بعض ولده بجميع ماله الا شيئا يسيرا فأمضى للمتصدق عليه الثلث أو نحوه * قال أبو محمد: لا نحد الثلث ولا أكثر ولا أقل انما هو ما أبقى غنى * ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن أبى الزناد قال.
كل صدقة تصدق بها رجل أو امرأة قد بلغ لا بأس بعقله وليس عليه دين لا وفاء له به جائزة الا أن يكون رجل أو امرأة له غنى فيتصدق على بعض ورثته بماله كله دون بعض فان ذلك يعد سرفا فترد الولاة من ذلك الشئ بقدر رأيهم فيه ويحيزون السداد على هذا جرى أمر القضاة، فهؤلاء عمر بن الخطاب.
وعروة.
وابن شهاب.
وعمر بن عبد العزيز.
وأبو الزناد.
والقضاة جملة لا يجيزون الصدقة بجميع المال * قال على: والغنى هو ما يقوم بقوت المرء وأهله على الشبع من قوت مثله وبكسوتهم كذلك وسكناهم وبمثل حاله من مركب وزى فقط وبالله تعالى التوفيق * فهذا يقع عليه (3)
__________
(1) في النسخة رقم 14 في نهاية الصحة (2) في النسخة رقم 16 بثلثه (3) في النسخة رقم 16 فهذه يقع عليه [ * ](9/138)
في اللغة اسم غنى لاستغنائه عن الناس فما زاد فهو وفر ودثر ويسار.
وفضل إلى الاكثار وما نقص فليس غنى لكنه حاجة (1) وعسرة وضيقة إلى أن ينزل إلى المسكنة والفاقة والفقر والادقاع.
والضرورة، نعوذ بالله من ذلك ومن فتنة الغنى والمال * فان ذكر المخالف قول الله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) وقوله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) وقوله تعالى: (والذين لا يجدون الا جهدهم) وما روينا من طريق ابن أبى شيبة عن أبى أسامة عن زائدة عن الاعمش عن أبى وائل عن ابن مسعود كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالصدقة فينطلق أحدنا فيحامل فيجئ بالمد * ومن طريق أحمد بن شعيب نا قتيبة بن سعيد نا الليث - هو ابن سعد - عن ابن عجلان عن سعيد المقبرى عن ابى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبق درهم مائة
ألف كان لرجل درهمان فتصدق أجودهما وانطلق رجل إلى عرض ماله فأخذ منها مائة ألف فتصدق بها * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عبد الوهاب بن الحكم الرقى عن حجاج قال ابن جريج: أخبرني عثمان بن أبى سلمان عن على - هو ابن عبد الله البارقى - عن عبيد ابن عمير عن عبد الله بن حبشي الصنعانى الخثعمي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل) * ومن طريق شعبة أخبرني ابن ابى بردة هو سعيد قال: سمعت أبى يحدث عن أبى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على كل مسلم صدقة قال: أرأيت أن لم يجدها؟ قال: يعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدق) وذكر الحديث * ومن طريق مسلم عن أبى كريب نا وكيع عن فضيل بن غزوان عن أبى حازم عن أبى هريرة (أن رجلا من الانصار بات به ضيف فلم يكن عنده الا قوته وقوت صبيانه فقال لامرأته نومى الصبية واطفئ السراج وقربى للضيف ما عندك فنزلت هذه الآية: ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب بلغنا أن رجلا تصدق على أبويه صدقة وهو ماله كله ثم ورثهما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو كله لك حلال) * ومن طريق ابن الجهم نا محمد بن يونس الكديمى نا العلاء بن عمرو الحنفي نا أبو إسحق الفرازى عن سفيان الثوري عن آدم بن على عن ابن عمر قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال إذ هبط عليه جبريل عليه السلام فقال: يا رسول الله مالى أرى أبا بكر وعليه عباءة قد خلها بخلال؟ قال: يا جبريل انفق على ماله قبل الفتح فقال: يا محمد ان الله تعالى يقول لك: اقرأ على أبى بكر الصديق السلام وقل له: أراض أنت عنى يا أبا بكر في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فبكى أبو بكر وقال:
__________
(1) في النسخة رقم 16 (لكن ذو حاجة) [ * ](9/139)
يا رسول لله آسخط على ربى أنا عن ربى راض) وكررها ثلاثا * ومن طريق أبى داود نا عثمان بن أبى شيبة نا الفضل بن دكين نا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر ابن الخطاب قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة فأتى أبو بكر (1) بماله كله فقال له
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لاهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله) * ومن طريق البزار نا محمد بن عيسى نا اسحق بن محمد الفروى نا عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة فجئت بنصف مالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لاهلك فقلت: مثله قال: وجاء أبو بكر بكل ما عنده (2) فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لاهلك؟ قال: الله ورسوله) هذا كل ما يمكن أن يذكروه قد تقصيناه وكله لا حجة لهم في شئ منه، اما قول الله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) فلم يقل تعالى أموالهم كلها، ومن أنفق ثلاث مرات في سبيل الله أو انفق ثلاثة بالعدد كذلك فقد انفق أمواله في سبيل الله تعالى كما أن من انفق درهما في سبيل الله تعالى أو أقل فقد انفق ماله في سبيل الله عزوجل لان بعض ماله وان قل يسمى ماله، ثم بيان ما يجوز انفاقه وما لا يجوز في الايات والاحاديث التى قدمنا ولا يجوز أن يقال ان هذه الاية ناسخة لتلك ومبيحة لبسط يده كل البسط وللتبذير والسرف فيكون من قال ذلك كاذبا على الله تعالى، وأما قوله تعالى: (والذين لا يجدون الا جهدهم) مع قوله عليه الصلاة والسلام إذ سئل عن أفضل الصدقة: جهد المقل فان هذين النصين يبينهما ما رويناه من طريق أبى داود نا قتيبة نا الليث بن سعد عن أبى الزبير عن يحيى بن جعدة عن أبى هريرة أنه قال: (يارسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل وابدأ بمن تعول) فصح أن هذه الآية.
وخبر عبد الله بن حبشي انما هما في جهده وان كان مقلا من المال غير مكثر إذا ابقى لمن يعول غنى ولابد، وأما قول الله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) فحق ولا حجة فهم فيه لان ممن به خصاصة وآثر على نفسه فلا يكون ذلك الا في مجهود وهكذا نقول وليس فيها أنه مباح له تضييع نفسه وأهله والصدقة على من هو أغنى منه * وأما حديث ابن مسعود ان أحدهم كان يحامل فيأتى بالمد فيتصدق به فهذا حسن وهو أن يكون له غنى ولاهله ولا فضل عنده فيحمل على ظهره فيصيب مدا هو عنه في غنى فيتصدق به وهذا كله مبنى على ابدأ بمن تعول.
وأفضل الصدقة ما أبقى غنى.
ورده عليه الصلاة والسلام ما زاد على ذلك * وأما حديث أبى هريرة (سبق درهم مائة الف) فصحيح وهو مبنى على أنه
كان له غنى وفضل له درهمان فقط فتصدق بأجودهما وكانت نسبة الدرهم من ماله أكثر من نسبة المائة الالف من مال الآخر فقط وليس فيه أنه لم يكن له غنى سواهما * وأما حديث
__________
(1) في النسخة رقم 14 (فجاء أبو بكر) (2) في النسخة رقم 16 بكل مال عنده [ * ](9/140)
أبى موسى يعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدق فبين كقولنا لانه عليه السلام لم يفرد الصدقة دون منفعة نفسه بل بدأ بنفسه لنفسه وهكذا نقول * وأما حديث الانصاري الذى بات به الضيف فقد رويناه ببيان لائح كما رويناه من طريق مسلم نا أبو كريب نا ابن فضيل عن أبيه هو قضى بن غزوان عن أبى حازم الاشجعى عن أبى هريرة قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضيفه فلم يكن عنده ما لضيفه فقال: ألا رجل يضيف هذا رحمه الله فقام رجل من الانصار يقال له: أبو طلحة فانطلق به إلى رحله، ثم ساق الحديث كما رواه جرير.
ووكيع عن فضيل بن غزوان فصح أن ذلك الرجل كان أبا طلحة وهو موسر من مياسير الانصار، وروينا عن أنس أنه قال: كان أبو طلحة أكثر الانصار (1) بالمدينة مالا من نخل، وقد لا يحضر الموسر أكل حاضر فبطل تعلقهم بهذا الخبر * وأما حديث ابن شهاب فمنقطع وقد رويناه من طريق محمد ابن الجهم نا أبو الوليد الانطاكي نا الهيثم بن جميل نا سفيان عن عمرو بن دينار وحميد الاعرج كلاهما عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الله بن زيد الانصاري قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ان حائطي صدقة إلى الله عزوجل ورسوله فأتى أبوه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما كان لنا عيش غيرها فردها عليه يعنى على الاب فمات فورثها يعنى الابن عن ابيه) فهذا أحسن من ذلك السند وفيه رده عليه السلام لتلك الصدقة التى كان لا عيش لابيه الا منها فردها عليه وليس فيه أن الابن لم يكن له غنى غيره وبالله تعالى التوفيق * وأما حديث ابى بكر رضى الله تعالى عنه فغير صحيح أصلا لان احدى طريقيه من رواية هشام بن سعد وهو ضعيف والثانية من رواية اسحاق الفروى وهو ضعيف
عن عبد الله بن عمر العمرى الصغير وهو ضعيف، ثم لو صح لهم لم يكن لهم فيه حجة لان الاصل اباحة الصدقة ما لم يأت نهى عن تحريمها فكان يكون موافقا لمعهود الاصل وكان النص الذى قدمنا من القرآن والسنة واردا بالمنع من بعض الصدقة فهو بيقين لا شك فيه ناسخ لما يقدمه ومن ادعى فيما تيقن انه ناسخ انه قد نسخ فقد كذب وقفا ما لا علم له به ورام ابطال اليقين بالظن الافك * وأما الحديث الآخر الذى فيه انفق على ماله قبل الفتح فلا يحل الاحتجاج به لانه من طريق العلاء بن عمرو الحنفي وهو هالك مطرح ثم التوليد فيه لائح لان فيه نصا ان ذلك كان بعد الفتح وكان فتح خيبر قبل الفتح بعامين، وكان لابي بكر فيها من سهمه مال واسع مشهور، ومن أخذ بهذه الاحاديث كان قد خالف تلك وهذا لا يحل وكان من أخذ بتلك قد أخذ بهذه ولا بد من تأليف ما صح من
__________
(1) في النسخة رقم 16 (وأكثر انصاري) [ * ](9/141)
تلك الاخبار وضم بعضها إلى بعض ولا يحل ترك بعضها لبعض الا بزيادة أو نسخ أو تخصيص بنص آخر * ومن العجب (1) احتجاجهم بالحديث الذى ذكرنا عن ابن عمر اريت أن أتصدق بمالى كله فمن العجب الاحتجاج في الدين بأحلام نائم هذا عجب جدا، وقد يمع عمر أبوه رضى الله عنه تلك الرؤيا فلم يعبأ بها، فبطل كل ما شغبوا به وبقى كل ما أوردنا بحسبه وبالله تعالى التوفيق * ومن عجائب الدنيا التى لا نظير لها منع المالكيين والشافعيين من يخدع في البيوع من أن يتصدق بدرهم لله تعالى أو بعتق عبده لله تعالى وهو صاحب الف ألف دينار ومائة عبد وقد حضه الله تعالى على فعل الخير ثم يجيزون له إذا شهد عند القاضى أن لا يغبن في البيع فاطلقه القاضى على ماله وما ادراك ما القاضى أن يعطى جميع ماله لشاعر سفيه أو لنديمه في غير وجه الله عزوجل ويبقى هو وأطفاله وعياله يسألون على الابواب ويموتون جوعا وبردا والله ما كان قط هذا من حكم الله تعالى وما هو الا من حكم الشيطان ونعوذ
بالله من الخذلان * 1632 مسألة ولا يحل لاحد أن يهب ولا أن يتصدق على أحد من ولده الا حتى يعطى أو يتصدق على كل واحد منهم بمثل ذلك ولا يحل أن يفضل ذكرا على أنثى ولا أنثى على ذكر فان فعل فهو مفسوخ مردود أبد ولابد وانما هذا في التطوع، وأما في النفقات الواجبات فلا، وكذلك الكسوة الواجبة لكن ينفق على كل امرئ منهم بحسب حاجته وينفق على الفقير منهم دون الغنى ولا يلزمه ما ذكرنا في ولد الولد ولا في أمهاتهم ولا في نسائهم، ولا في رقيقهم، ولا في غير ولد بل له أن يفصل بماله كل من أحب فان كان له ولد فاعطاهم ثم ولد له ولد فعليه أن يعطيه كما اعطاهم أو يشركهم (2) فيما أعطاهم وان تغيرت عين العطية ما لم يمت احدهم فيصير ماله لغيره فعلى الاب حينئذ أن يعطى هذا الولد كما أعطى غيره فان لم يفعل اعطى مما ترك أبوه من رأس ماله مثل ذلك، وروى ذلك عن جمهور السلف كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر غن ايوب السختيانى عن ابن سيرين أن سعد بن عبادة قسم ماله بين بنيه في حياته فولد له بعد ما مات فلقى عمر ابا بكر فقال له: ما نمت الليلة من اجل ابن سعد هذا المولود لم يترك له شئ فقال أبو بكر (3): وانا والله فانطلق بنا إلى قيس بن سعد نكلمه في أخيه فأتيناه فكلمناه فقال قيس: أما شئ أمضاه سعد فلا أرده ابدا ولكن أشهدكما أن نصيبي له قال أبو محمد: قد زاد قيس على حقه واقرار أبى بكر لتلك القسمة دليل على صحة
__________
(1) في النسخة رقم 14 (ومن العجائب) (2) في النسخة رقم 14 أو يشاركهم) (3) في النسخة رقم 16 (قال أبو بكر) (4) في النسخة رقم 14 فأتياه فكلماه [ * ](9/142)
اعتدالها * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن أبى مليكة أن القاسم بن محمد أخبره أن أبا بكر الصديق قال لعائشة أم المؤمنين: يا بنية انى نحتلك نخلا من خيبر وانى اخاف ان اكون آثرتك على ولدى وانك لم تكوني احتزتيه فرديه على ولدى فقالت:
يا أبتاه لو كان لى خيبر بجدادها ذهبا لرددتها ومن طريق محمد بن أحمد بن الجهم أنا ابراهيم الحربى نا مؤمل بن هشام نا اسماعيل بن ابراهيم هو ابن علية عن بهز بن حكيم عن أبيه حكيم بن معاوية عن أبيه معاوية بن حيدة أن اباه حيدة كان له بنون لعلات أصاغر ولده وكان له مال كثير فجعله لبنى علة واحدة فخرج ابنه معاوية حتى قدم على عثمان بن عفان فأخبره بذلك فخير عثمان الشيخ بين أن يرد إليه ماله وبين أن يوزعه بينهم فارتد ماله فلما مات تركه الاكابر لاخوتهم * وبه إلى ابراهيم الحربى نا موسى بن اسماعيل نا حماد هو ابن سلمة عن حميد عن الحسن بن مسلم عن مجاهد قال: من نحل ولد له (1) نخلا دون بنيه فمات فهو ميراث * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال: يرد من حيف الناحل الحى ما يرد من حيف الميت من وصيته * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أنا ابن طاوس عن أبيه قال في الولد: لا يفضل أحد على أحد بشعرة النحل باطل هو من عمل الشيطان اعدل بينهم كبارا وأبنهم به، قال ابن جريج: قلت له: هلك بعض نحلهم ثم مات أبوهم قال: للذى نحله مثله من ماله أبيه * ومن طريق عبد الرزاق عن زهير بن نافع قال: سألت عطاء بن أبى رباح؟ فقلت: أردت أن أفضل بعض ولدى في نحل أنحله فقال: لا وأبى اباء شديدا وقال: سو بينهم * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: ينحل ولده أيسوى بينهم وبين أب وزوجة قال: لم يذكر الا الولد لم أسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم غير ذلك * قال أبو محمد: فهؤلاء أبو بكر.
وعمر.
وعثمان.
وقيس بن سعد.
وعائشة أم المؤمنين بحضرة الصحابة رضى الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف ثم مجاهد، وطاوس.
وعطاء.
وعروة.
وابن جريج وهو قول النخعي.
والشعبى.
وشريح.
وعبد الله ابن شداد بن الهاد: وابن شبرمة.
وسفيان الثوري: وأحمد بن حنبل.
واسحاق بن راهويه.
وأبى سليمان.
وجميع أصحابنا ثم اختلفوا فقال شريح.
وأحمد.
واسحاق العدل أن يعطى الذكر حظين.
والانثى حظا، وقال غيرهم: بالسوية في ذلك، وروينا خلاف ذلك واجازة
تفضيل بعض الولد على بعض عن القاسم بن محمد.
وربيعة.
وغيرهما وبه يقول أبو حنيفة.
ومالك والشافعي، وكرهه أبو حنيفة وأجازه إن وقع، وكره مالك أن ينحل بعض
__________
(1) في النسخة رقم 16 (ولده) [ * ](9/143)
ولده ماله كله، وذكروا عن الصحابة رضى الله عنهم قصة أبى بكر.
وعائشة.
وقال عمر من نحل ولدا له * ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن بكير بن الاشج عن نافع أن ابن عمر قطع ثلاثة أرؤس أو أربعة لبعض ولده دون بعض قال بكير: وحدثني القاسم بن عبد الرحمن الانصاري أنه كان مع ابن عمر إذ اشترى أرضا من رجل من الانصار ثم قال له ابن عمر: هذه الارض لابنى واقد فانه مسكين نحله اياها دون ولده، قال ابن وهب: وبلغني عن عمرو بن دينار أن عبد الرحمن بن عوف نحل ابنته من أم كلثوم بنت عقبة ابن ابى معيط أربعة الآف درهم وله ولد من غيرها * وذكروا ما رويناه من طريق ابن وهب عن سعيد ابن ابى أيوب عن بشير بن أبى سعيد عن محمد بن المنكدر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل ذى مال أحق بماله) وما نعلم لهم حجة غير هذا ووجدنا من قال بقولنا يحتج بما روينا من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى.
وأبو بكر بن أبى شيبة، واسحق بن ابراهيم هو ابن راهويه وابن أبى عمر.
وقتيبة.
ومحمد بن رمح.
وحرملة بن يحيى.
وعبد بن حميد قال يحيى.
نا ابراهيم بن سعد وقال ابن أبى شيبة.
واسحق، وابن ابى عمر كلهم عن سفيان بن عيينة وقال قتيبة.
وابن رمح كلاهما عن الليث بن سعد، وقال حرملة: انا ابن وهب أخبرني يونس وقال عبد أنا عبد الرزاق أنا معمر ثم اتفق ابراهيم.
وسفيان.
والليث: ويونس.
ومعمر كلهم عن الزهري عن محمد بن النعمان بن بشير.
وحميد بن عبد الرحمن بن عوف كلاهما عن النعمان بن بشير قال: أتى بى أبى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انى نحلت ابني هذا غلاما فقال: أكل بنيك نحلت؟ قال لا: فاردده، هذا لفظ ابراهيم.
ويونس.
ومعمر.
وقال سفيان.
والليث: أكل ولدك نحلت؟ واتفقوا فيما سوى ذلك * ومن طريق مالك
عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف.
ومحمد بن النعمان بن بشير أنهما حدثناه عن النعمان بن بشير ان أباه أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله انى نحلت ابني هذا غلاما فقال: أكل ولدك نحلت مثله، قال: لا قال: فارجعه، وهكذا رويناه أيضا نصا من طريق الاوزاعي عن الزهري، ورويناه أيضا من طريق جرير.
وعبد الله بن المبارك كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن النعمان بن بشير * ومن طريق شعبة عن سعد بن ابراهيم عن عروة بن الزبير عن النعمان بن بشير كلهم يقول فيه: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: رده أو اردده) * ومن طريق البخاري نا حامد بن عمر نا أبو عوانة عن حصين هو ابن عبد الرحمن عن الشعبى سمعت النعمان بن بشير وهو على المنبر يسقول: اعطاني أبى عطية فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله انى أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن اشهدك يارسول الله فقال عليه السلام:(9/144)
اعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم فرجع فرد عطتيه) * ومن طريق مسلم نا يحيى بن يحيى نا أبو الأحوص عن حصين بن عبد الرحمن عن الشعبى عن النعمان بن بشير قال: تصدق على أبى ببعض ماله فانطلق أبى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليشهده على صدقتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبى فرد تلك الصدقة) (1) * ومن طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا محمد بن بشر نا أبو حيان هو يحيى بن سعيد التيمى عن الشعبى حدثنى النعمان بن بشير فذكر هذا الخبر وفيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) قال: فلا أشهد على جور) فكانت هده لاثار متواترة متظاهرة، الشعبى، وعروة بن الزبير ومحمد بن النعمان، وحميد بن عبد الرحمن كلهم سمعه من النعمان، ورواه عن هؤلاء الحفلاء من الائمة كلهم متفق على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفسخ تلك الصدقة والعطية وردها وبين بعضهم انها ردت وأنه عليه الصلاة والسلام أخبر أنها جور والجور لا يحل امضاؤه في
دين الله تعالى ولو جاز ذلك لجاز امضاء كل جور وكل ظلم، وهذا هدم الاسلام جهارا فوجدنا المخالفين قد تعللوا بهذا في هذا (3) بان قال بعضهم؟ انه وهبه جميع ماله فقلنا: سبحان الله في نص الحديث بعض ماله وفى بعض الروايات الثابتة بعض الموهبة من ماله، وقال آخرون: روى هذا الخبر داود بن أبى هند عن الشعبى عن النعمان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبشير: فاشهد على هذا غيرى أيسرك أن يكونوا أولئك في البر سواء؟ قال: بلى قال: فلا إذا) * ورواه المغيرة عن الشعبى عن النعمان وقال فيه: فاشهد على هذا غيرى فقلنا: هذا حجة عليكم لان قوله عليه السلام: (فلا إذا) نهى صحيح كاف لمن عقل، وقاله عليه السلام: (اشهد على هذا غيرى) لو لم يأت الا هذا اللفظ لما كان لكم فيه متعلق، واما وقد روى من هو أجل من المغيرة وداود ابن أبى هند الزيادة الثابتة التى لا يحل لاحد الخروج عنها من أمره عليه الصلاة والسلام برد تلك الصدقة والعطية وارتجاعها فصح بهذه الزيادة وباخباره عليه الصلاة والسلام انه جور ان معنى قوله: أشهد على هذا غيرى انما هو الوعيد كقول الله تعالى: (4) (فان شهدوا فلا تشهد معهم) ليس على اباحة الشهادة على الجور والباطل لكن كما قال تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وكقوله تعالى: (اعملوا ما شئتم) (وكلوا وتمتعوا قليلا انكم مجرمون) وحاش له عليه السلام أن يبيح لاحد الشهادة على ما أخبر به هو (5) أنه جور وان يمضيه ولا يرده هذا ما لا يجيزه مسلم، ويكفى من هذا ان نقول:
__________
(1) الحديث في صحيح مسلم مطولا (2) في النسخة رقم 14 (انه عليه السلام) (3) في النسخة رقم 16 (قد تعلقوا في هذا) (4) في النسخة رقم 16 كقوله تعالى (5) في النسخة رقم 14 ما يخبر عنه [ * ](9/145)
تلك العطية والصدقة أحق جائز هي أم باطل غير جائز؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث فان قالوا: حق جائز أعظموا الفرية إذ أخبروا أنه عليه الصلاة والسلام أبى أن يشهد على الحق وهو الذى اتانا عن ربنا تعالى بقوله تعالى: (ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا) وبقوله تعالى:
(ولا يضار كاتب ولا شهيد) وان قالوا: انها باطل غير جائز اعظموا الفرية إذ أخبروا أن النبي صلى الله عليه وسلم (1) حكم بالباطل وانفذ الجور وأمر بالاشهاد على عقده وكلا القولين مخرج إلى الكفر بلا مرية ولا بد من أحدهما؟ وزاد بعضهم ضلالا وفرية فقال: معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (أشهد على هذا غيرى) أي انى امام والامام لا يشهد فجمعوا فريتين، احداهما الكذب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقويله ما لم يقل فليتبوأ من أطلق هذا مقعده من النار، والثانية (2) قولهم: ان الامام لا يشهد فقد كذبوا (3) وأفكوا في ذلك بل الامام يشهد لانه أحد المسلمين المخاطبين بان لا يأبوا إذا دعوا وبقوله عزوجل: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين) فهذا أمر للائمة بلا شك ولا مرية، والعجب من قلة حياء هذا القائل ومن قوله ومذهبه ان الامام إذا شهد عند حاكم من حكامه جازت شهادته فلو لم يكن من شأنه يشهد لما جازت شهادته ثم أتى بعضهم بما كان الخرس أولى به فقال: لعل النعمان كان كبيرا ولم يكن قبض النحل وقائل هذا اما في نصاب التيوس جهلا وأما منزوع الحياء والدين لان صغر النعمان أشهر من الشمس وأنه ولد بعد الهجرة بلا خلاف من أحد من أهل العلم وقد بين ذلك في حديث أبى حيان عن الشعبى عن النعمان وانا يومئذ غلام ولا تطلق هذه اللفظة على رجل بالغ أصلا، وقال بعضهم لم يكن النحل تم انما كان استشارة وموهوا برواية شعيب بن أبى حمزة بهذا الخبر عن الزهري فقال فيه عن النعمان نحلنى ابى غلاما ثم جاء بى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انى نحلت ابني هذا غلاما فان أذنت لى ان أجيزه أجزته * قال أبو محمد: لولا عمى هؤلاء القوم وضلالهم ما تمكن الهوى منهم هذا التمكن هم يسمعون في اول الخبر نحلنى أبى غلاما وفى وسطه يا رسول الله نحلت ابني هذا غلاما ويقولون: لم يتم النحل، وقال بشير فان أذنت لى أن أجيزه أجزته قول صحيح وقول مؤمن لا يعمل الا ما أباحه له رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظاهره بلا تأويل نعم ان أجازه النبي صلى الله عليه وسلم اجازه بشير وان لم يجزه عليه الصلاة والسلام
رده بشير ولم يجزه كما فعل * وذكروا أيضا رواية عبد الله بن عون لهذا الخبر عن الشعبى عن النعمان بن بشير قال: نحلنى أبى نحلا ثم أتى بى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) في النسخة رقم 16 (عن النبي صلى الله عليه وسلم) (2) في النسخة رقم 16 (والثانى) (3) في النسخة رقم 16 (وقد كذبوا) (4) في النسخة رقم 14 (لا يطلق هذا اللفظ) [ * ](9/146)
ليشهده فقال: (أكل ولدك أعطيته هذا؟ قال: لا قال: أليس تريد منهم البر مثل ما تريد من ذا؟ قال: بلى قال: فانى لا أشهد) قال ابن عون: فحدثت به ابن سيرين فقال: انما حدثنا أنه قال: قاربوا بين أبنائكم * قال على: والقول في هذا انه أعظم حجة عليهم لما ذكرنا من أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشهد على باطل وهذا باطل إذ لم يستجز عليه السلام أن يشهد عليه، وهكذا رواية عبد الصمد ابن عبد الوارث عن شعبة عن سعيد لهذا الخبر وفيه لا أشهد وأما قول ابن سيرين: قاربوا بنى ابنائكم فمنقطع ثم لو صح لكان حجة لنا عليهم لانه أمر بالمقاربة ونهى عن خلافها وهم يجيزون خلاف المقاربة ولا يوجبون المقاربة فمن أضل من هؤلاء المحرومين، والمقاربة هو الاجتهاد (1) في التعديل كما قال تعالى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء لو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) فصح أن المجتهد في التعديل بين أولاده ان لم يصادف حقيقة التعديل كان مقاربا إذ لم يقدر على أكثر من ذلك * ومن عجائب الدنيا احتجاجهم برواية زهير بن معاوية عن أبى الزبير عن جابر لهذا الخبر قال جابر: قالت امرأة بشير: انحل ابني غلامك هذا وأشهد لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر (2) ذلك له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أله اخوة؟ قال: نعم قال: فكلهم أعطيته مثل ما أعطيته؟ قال: لا قال: فليس يصلح هذا الا وانى لا أشهد الا على حق قال أبو محمد: أفيكون أعجب من احتجاجهم بهذا الخبر وهو أعظم حجة عليهم لان في أوله ليس يصلح وفى آخره انى لا أشهد الا على حق فصح أنه ليس حقا واذ ليس حقا فهو
باطل وضلال قال تعالى: (فماذا بعد الحق الا الضلال) فان قالوا: فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا يصلح أن يبيع) في حديث الشفعة ثم أجزتموه إذا أجازه الشفيع ونهى عليه الصلاة والسلام عن النذر ثم أوجبتموه إذا وقع قلنا: نعم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الخيار للشفيع ان شاء أخذ وان شاء ترك وفى تركه اقرار ذلك البيع فوقفنا عند أمره عليه الصلاة والسلام في ذلك ونهى عليه السلام عن النذر ثم أمر بالوفاء به وأخبر أنه يستخرج به من البخيل فوقفنا عند أمره فهانون في هذا الباب انه عليه الصلاة والسلام امضاه بعد أن أمره برده ونحن أول سامع ومطيع وذلك ما لا يجدونه أبدا، وأتى بعضهم بآبدة وهى انه ذكر ما رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان عن فطر بن خليفة عن مسلم ين صبيح - هو أبو الضحى - سمعت النعمان بن بشير يقول: ذهب بى أبى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ أعطانيه: (فقال: ألك ولد غيره؟ قال: نعم وصف بيده أجمع كله كذا ألا سويت بينهم) *
__________
(1) في النسخة رقم 14 (هو الاجهاد) (2) في النسخة رقم 14 (فذكر) [ * ](9/147)
قال أبو محمد: ان من عارض رواية كل من ذكرنا برواية فطر لمخذول وفطر ضعيف ولولا أن سفيان رواه عن أبى الضحى عن النعمان ما كان لهم فيه حجة لان سائر الروايات زائدة حكما ولفظا على هذه الرواية فكيف وقد روينا في حديث فطر هذا من طريق من ان لم يكن فوق يحيى بن سعيد القطان لم يكن دونه وهو عبد الله بن المبارك عن فطر عن مسلم بن صبيح سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول: جاء بى أبى إلى ليشهده على عطية أعطانيها فقال: هل لك بنون سواه: قال: نعم قال: سو بينهم) فهذا ايجاب للتسوية بينهم، وقد حمل المالكيون أمره عليه الصلاة والسلام بالتكبير على الفرض بمجرد الامر وحمل الحنيفيون امره عليه الصلاة والسلام بالاعادة من ضحى قبل الامام على الفرض بمجرد الامر وما زالوا يهجمون على وجوه السخف معارضة للحق حتى قال بعضهم: هذا كما روى أنه عليه الصلاة والسلام أتى بخرز فقسمه للحرة والامة *
قال أبو محمد: أي شبه بين هذا وبين أمره عليه الصلاة والسلام بأن يرد تلك الصدقة والعطية واخباره بانها جور لو عقلوا فبطل كل ما موهوا به والحمد لله رب العالمين، واما الخبر (كل ذى مال أحق بماله) فصحيح فقد قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ان تكون لهم الخيرة من أمرهم) وقال تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم) فالذي حكم بايجاب الزكاة وفسخ اجر البغى.
وحلوان الكاهن.
وبيع الخمر.
وبيع أم الولد.
وبيع الربا هو الذى فسخ الصدقة والعطية المفضل فيها بعض الولد على بعض، ولو انهم اعترضوا انفسهم بهذا الاعتراض في ابطالهم النحل والصدقة التى لم تقض لكان أصح وأثبت ولكنهم كالسكارى يخبطون، واحتج بعضهم بأنه عمل الناس فقلنا: عمل الناس الغالب عليه الباطل، وقال أنس: ما أعرف مما أدركت الناس عليه الا الصلاة، وقال بعضهم: لما جازت مفاضلة الاخوة جازت مفاضلة الاولاد قلنا: هذا حكم ابليس وهلا قلتم لما جاز القود بين المرء وأخيه جاز بين المرء وولده؟ فكان أصح * قال أبو محمد: وأما ما موهوا به عن الصحابة رضى الله عنهم فكله لا حجة لهم فيه لانه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حديث أبى بكر قد أوردناه بخلاف ما أوردوه (1) وأما قول عمر.
وعثمان من نحل ولده نحلا فنحن لم نمنع نحل الولد وانما منعنا المفاضلة وليس في كلامهما اباحة المفاضلة كما ليس فيه اباحة بيع الخمر والخنازير ولا فرق، وقد صح عنهما المنع منها كما أوردنا، وأما الرواية عن ابن عمر فليس فيها انه لم ينحل الاخرين قبل ولا بعد لمثل ذلك بل فيها انه قال: واقد ابني مسكين فصح أنه لم يكن نحله بعد كما نحل اخوته
__________
(1) في النسخة رقم 14 بخلاف ما رووه [ * ](9/148)
فالحقه بهم وأخرجه عن المسكنة على أنها من طريق ابن لهيعة وهو ساقط، وكذلك القول في الرواية عن عبد الرحمن هي أيضا منقطعة ثم لو صحت فليس فيها انه لم يسو قبل ولا بعد بينم فبطل كل ما تعلقوا به وبالله التوفيق *
قال أبو محمد: وأما النفقات الواجبات فقوله عليه الصلاة والسلام: اعدلوا بين أولادكم ايجاب لان ينفق على كل واحد ما لا قوام له الا به ومن تعدى هذا فلم يعدل بينهم، وكذلك هذا القول منه عليه الصلاة والسلام ايجاب للتسوية بين الذكر والانثى وليس هذا من المواريث في شئ ولكل نص حكمه وليس هذا الحكم في غير الاولاد إذ لم يأت النص الا فيهم، وأما ولد الولد فلا خلاف فيهم وقد كان لاصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بنو بنين وبنو بنات فلم يوجب عليه الصلاة والسلام اعطاءهم ولا العدل فيهم، وإذا مات الولد بعد ان وهب هبة لا محاباة فيها فقد صارت لورثته وبطل أمر الاب فيها وأما ان مات الوالد فالتعديل بيهم دين عليه فهو من رأس ماله وبالله تعالى التوفيق * 1633 مسألة وهبة جزء مسمى منسوب من الجميع كثلث أو ربع أو نحو ذلك من المشاع والصدقة به جائزة حسنة للشريك ولغير الشريك وللغنى والفقير فيما ينقسم وفيما لا ينقسم كالحيوان وغيره ولا فرق، وهو قول عثمان البتى.
ومعمر.
ومالك.
والشافعي.
وأحمد.
واسحاق.
وأبى ثور.
وأبى سليمان.
وجميع أصحابهم، وهو قول ابراهيم النخعي، وقال أبو حنيفة: لا تجوز هبة المشاع فيما ينقسم ولا الصدقة به لا للشريك ولا لغيره لا على فقير ولا على غنى وتجوز الهبة والصدقة بمشاع لا ينقسم على الفقير والغنى وللشريك ولغيره، والذى ينقسم عنده الدور، والارضون.
والمكيلات.
والموزونات.
والمعدودات.
والمذروعات.
والذى لا ينقسم عنده الرأس الواحد من الحيوان.
والحمام.
والسيف.
واللؤلؤة.
والثوب.
والطريق.
ونحو ذلك قال: والاجارة بمشاع مما ينقسم ومما لا ينقسم لا تجوز البتة الا من الشريك وحده، قال: ورهن المشاع الذى ينقسم والذى لا ينقسم لا يجوز البتة لا من الشريك ولا من غيره، قال وبيع المشاع واصداقه والوصية به مما ينقسم وما لا ينقسم جائز من الشريك وغير الشريك وكذلك عتق المشاع فأعجبوا لهذه التقاسيم التى لا تعقل ولا لها في الديانة أصل بالمنع خاصة في شئ من ذلك ولم يختلف عنه في أن الهبة والصدقة بشئ واحد مما ينقسم كمائة دينار.
أو كدار
واحدة.
أو ضيعة واحدة، أو كر طعام أو قنطار حديد أو غير ذلك لغنيين لا يجوز، واختلف عنه في الصدقة بذلك على فقيرين أو هبة ذلك لفقيرين فروى عنه في الهبة في الجامع الصغير انها تجوز للفقيرين وفى الاصل انها لا تجوز، والاشهر عنه في الصدقة على الفقيرين كذلك(9/149)
انها تجوز الا في رواية مبهمة غير مبينة أجمل فيها المنع فقط، وقال محمد بن الحسن: ان وهب دارا لاثنين بينهما بنصفين جاز ذلك فان وهب لاحدهما الثلث وللآخر الثلثين فدفعها اليهما معا جاز ذلك فان دفع إلى الواحد ثم إلى الآخر لم يجز ذلك، ومنع سفيان من هبة المشاع الا أنه أجاز هبة واحد دارا لاثنين وهبة الاثنين دارا لواحد، ومنع ابن شبرمة من هبة المشاع ومن هبة واحد دارا لاثنين فصاعدا وأجاز هبة لاثنين دارا لواحد * قال أبو محمد: وما نعلم لهم شغبا موهوا به الا ان قالوا: قبض المشاع لا يمكن فقلنا لهم: كذبتم بل هو ممكن وهبك انه غير ممكن فلم أجزتم بيعه والبيع عندكم يحتاج فيه إلى القبض ولم أجزتم اصداقه والصداق واجب فيه الاقباض قال الله تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) وقال تعالى: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا) ولم أجزتم الوصية به.
ولم أجزتم اجارة المشاع من الشريك ومنعتم الرهن فيه من الشريك.
ومنعتم الهبة من الشريك، وأقرب ذلك لم أجزتم هبة المشاع فيما لا ينقسم والعلة واحدة فهل في التلاعب والسخافة أكثر من هذا؟ وموهوا أيضا بالرواية التى ذكرنا قبل من قول أبى بكر لعائشة أم المؤمنين رضى الله عنهما: انى كنت نحلتك جاد عشرين وسقا من مال الغابة فلو كنت جددتيه واحتزتيه لكان لك، هذا دليل على المنع من هبة المشاع * قال أبو محمد: هذا عظيم جدا وفاحش القبح لوجوه، أولها انه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثانيها انه كم قولة لابي بكر.
وعائشة رضى الله عنهما قد خالفتموهما (1) فيها كقول أبى بكر، وغيره من الصحابة رضى الله عنهم في الزكاة ان لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر وكتركه التضحية وهو غنى، وكصيام عائشة أيام التشريق.
وقولها: لا صيام لمن لم يبيته من الليل وغير ذلك كثير جدا * وثالثها ان هذا الخبر نفسه قد أوردناه بخلاف هذه القصة * ورابعها ان اللفظ الذى احتجوا به مخالف لقولهم جهارا بل فيه اجازة هبة جزء من المشاع لغنية لانه نحلها جداد عشرين وسقا من ماله بالغابة ولا يخلو ذلك ضرورة من أحد وجهين اما أن يكون نحلها من تلك النخل ما تجد منها عشرين وسقا أو نحلها عشرين وسقا محدودة فهى اما عدة بأن ينحلها ذلك وهذا هو الاظهر وأما انه نحلها وأمضى لها ذلك المقدار وهو مجهول (2) القدر والعقد والعين في مشاع فرأياه معا بحضرة الصحابة جائزا ولا مخالف لهما منهم ولم يبطله أبو بكر لذلك فكذبوا في قولهم صراحا وانما أبطله أبو بكر بنص قوله لانها لم تجزه فقط ولو جددته وحازته لكان نافذا فعاد حجة عليهم وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحياء من الايمان) فسقط كل ما موهوا به ولله تعالى الحمد *
__________
(1) في النسخة رقم 16 خالفتموها وليس بصواب (2) في النسخة رقم 14 وهذا مجهول [ * ](9/150)
قال أبو محمد: فعدنا إلى قولنا فوجدنا الله تعالى قد حض على الصدقة، وفعل الخير.
والفضل كانت الهبة فعل خير وقد علم عزوجل أن في أموال المحضوضين على الهبة والصدقة مشاعا وغير مشاع فلو كان تعالى لم يبح لهم الصدقة والهبة في المشاع لبينه لهم ولما كتمه عنهم ومن حرم عن الله تعالى أو أوجب ما لم ينص الله عزوجل على تحريمه وايجابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم المأمور بالتبليغ.
والبيان فقد كذب على الله تعالى وافترى عليه وهذا عظيم جدا فصح يقينا ان هبة المشاع والصدقة به واجازته ورهنه جائز كل ذلك فيما ينقسم وما لا ينفسم للشريك ولغيره للغنى وللفقير وما كان ربك نسيا * ومن طريق ابن أبى شيبة نا وكيع نا شريك عن ابراهيم بن المهاجر عن قيس بن أبى حازم (قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبة شعر من الغنيمة فقال: يا رسول الله هبها لى فانا أهل بيت نعالج الشعر فقال عليه الصلاة والسلام: نصيبي منها لك) وهم يحتجون بالمرسل، وبرواية شريك.
وابراهيم بن المهاجر فما صرفهم عن هذا الخبر؟ وقد صح عن أسماء بنت أبى بكر الصديق
أنها قالت للقاسم بن محمد بن أبى بكر.
ولعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبى بكر: انى ورثت عن أختى عائشة مالا بالغابة وقد أعطاني معاوية بها مائة الف فهو لكما لانهما لم يرثا من أم المؤمنين شيئا انما ورثا أسماء.
وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر فهذا هبة لغنيين مكثرين مشاعة فعل أسماء رضى الله تعالى عنها بحضرة الصحابة رضى الله عنهم ولا يعرف لها منهم مخالف، وصدقات الصحابة على بنيهم وبنى بنيهم بغلة أوقافهم أشهر من الشمس صدقة أو هبة لاغنياء بمشاع * ورويناه من طريق محمد بن اسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فذكر قصة حنين وطلب هوازن عيالهم وابناءهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم فقال المهاجرون والانصار: وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وذكر الحديث، فهذه هبة مشاع وهم يحتجون بهذه الطريق إذا وافقت تقليدهم أو الخبر الذى رويناه من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى قال: أنا أبوحيثمة عن أبى الزبير عن جابر قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيده نتلقى عيرا لقريش وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة) فهذه عطية عمر مشاعة والحجة تقوم بما رويناه من طريق مسلم نا خلف بن هشام نا حماد بن زيد عن غيلان بن جرير عن أبى بردة بن أبى موسى الاشعري عن أبيه أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من الاشعريين نستحمله فامر لنا بثلاث ذود غر الذرى) وذكر الخبر فهذه هبة مشاع لم ينقسم * وأما من النظر فليس الا ملك صحيح ثم تصرف فيما صح الملك فيه ولا مزيد فتملك الموهوب له والمتصدق عليه بالجزء المشاع كما ملكه الواهب والمتصدق ولا فرق البتة ويتصرف(9/151)
الموهوب له.
والمتصدق.
والمكترى كما يتصرف فيه الواهب.
والمتصدق.
والمكترى ووكلاؤهم ولا فرق وتكون يد المرتهن عليه كما هي عليه يد الراهن ووكيله ولا فرق، وهذا لا مخلص لهم منه أصلا وبالله تعالى التوفيق * 1634 مسألة وأما إذا أعطى شيئا غير معين من جملة أو عدد كذلك
أو ذرعا كذلك أو وزنا كذلك أو كيلا كذلك فهو باطل لا يجوز مثل أن يعطى درهما من هذه الدراهم أو دابة من هذه الدواب أو خمسة دنانير من هذه الدنانير أو رطلا من هذا الدقيق أو صاعا من هذا التمر أو ذراعا من هذا الثوب وهكذا في كل شئ والصدقة بكل هذا والهبة والاصداق والبيع.
والرهن والاجارة باطل كل ذلك سواء فيما اختلفت أبعاضه أو لم تختلف لا لشريك ولا لغيره لا لغنى ولا لفقير لانه لم يوقع الهبة ولا الصدقة ولا الاصداق ولا الرهن ولا الاجارة على شئ أبانه عن ملكه أو أوقع فيه حكم الرهن أو الاجارة فإذ ذلك كذلك فلم يخرج شئ من تلك الجملة عن ملكه ولا أوقع فيه حكما فلا شئ في ذلك وهذا هو أكل المال بالباطل وهذا خلاف ما تقدم لان الجزء المسمى متيقن انه لا جزء الا وفيه حظ للمشترى أو المصدق أو الموهوب له أو المتصدق عليه أو المرتهن أو المستأجر * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر سألت الزهري عن الرجل يكون شريكا لابيه فيقول له أبوه: لك مائة دينار من المال الذى بينى وبينك؟ فقال الزهري: قضى أبو بكر.
وعمر أنه لا يجوز حتى يحوزه من المال ويعزله * وبه إلى معمر عن سماك ابن الفضل كتب عمر بن عبد العزيز انه لا يجوز من النحل الا ما أفرد.
وعزل.
وأعلم * 1635 مسألة ومن أعطى شيئا من غير مسألة ففرض عليه قبوله وله أن يهبه بعد ذلك ان شاء للذى وهبه له وهكذا القول في الصدقة والهدية وسائر وجوه النفع * برهان ذلك ما رويناه من طريق البزار نا ابراهيم بن سعيد الجوهرى نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزى عن ابن الساعدي عن عمر ابن الخطاب قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا اشراف نفس فاقبله) لا نعلم حديثا رواه أربعة من الصحابة في نسق بعضهم عن بعض الا هذا * ومن طريق مسلم نا أبو الطاهر أنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطى عمر العطاء فيقول له عمر: يارسول الله اعطه أفقر إليه منى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذه فتموله أو تصدق به
وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك، قال سالم: فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه) نا أحمد بن محمد بن(9/152)
الجسور نا أحمد بن الفضل بن بهرام الدينورى نا محمد بن جرير الطبري نا الفضل بن الصباح نا عبد الله بن يزيد نا سعيد بن أبى أيوب عن أبى الاسود عن بكير بن عبد الله بن الاشج عن بسر ابن سعيد عن خالد بن عدى الجهنى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جاءه من أخيه معروف فليقبله ولا يرده فانما هو رزق ساقه الله إليه) فهذه آثار متواترة لا يسع أحدا الخروج عنها وأخذ بذلك من الصحابة ابن عمر كما ذكرنا (1) آنفا وأبوه عمر بن الخطاب كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن منصور.
واسحاق بن منصور كلاهما عن الحكم بن نافع هو أبو اليمان نا شعيب هو ابن أبى حمزة عن الزهري أخبرني السائب بن يزيد أن حويطب بن عبد العزى أخبره أن عبد الله بن الساعدي أخبره أن عمر بن الخطاب قال لى في خلافته: ألم أحدث أنك تلى من أعمال الناس أعمالا فإذا أعطيت العمالة كرهتها قلت: إن لى افراسا واعبدا وأنا بخير فأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين قال له عمر: فلا تفعل ثم ذكر له خبره مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو ما ذكرناه فهذا عمر ينهى عن رد ما أعطى المرء * ومن طريق حماد بن سلمة، نا ثابت البنانى عن أبى رافع عن أبى هريرة قال: ما أحد يهدى إلى هدية الا قبلتها فاما ان أسأل فلم أكن لاسأل * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا مهدى ابن ميمون نا واصل مولى أبى عيينة عن صاحب له ان أبا الدرداء قال: من آتاه الله عزوجل من هذا المال مسألة ولا اشراف فليأكله وليتموله * ومن طريق الحجاج ابن المنهال نا عبد الله بن داود - هو الخريبى - عن الاعمش عن حبيب بن أبى ثابت قال: رأيت هدايا المختار تأتى ابن عباس: وابن عمر فيقبلانها ومن طريق محمد بن المثنى نا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي قال: خذ من السلطان ما أعطاك *
قال أبو محمد: هذا من طريق الاثر وأما من طريق النظر فانه لا يخلو من أعطاه سلطان أو غير سلطان كائنا من كان من بر أو ظالم من أحد ثلاثة لوجه لا رابع لها أما أن يوقن المعطى ان الذى أعطى (2) حرام واما أن يوقن انه حلال واما أن يشك فلا يدرى أحلال هو أم حرام؟ ثم ينقسم هذا القسم ثلاثة أقسام اما أن يكون أغلب ظنه (3) انه حرام أو يكون أغلب ظنه انه حلال وأما أن يكون كلا الامرين ممكنا على السواء فان كان موقنا انه حرام وظلم وغصب فان رده فهو فاسق عاص لله تعالى ظالم لانه يعين به ظالما على الاثم والعدوان بابقائه عنده ولا يعين على البر والتقوى في انتزاعه منه وقد نهى الله تعالى عن ذلك وأمره بخلاف ما فعل بقوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان)
__________
(1) في النسخة رقم 14 كما أوردنا (2) في النسخة رقم 16 يعطى (3) في النسخة رقم 16 على ظنه [ * ](9/153)
ثم لا يخلو من أن يكون (1) يعرف صاحبه الذى أخذ منه بغير حق أو لا يعرقه فان كان يعرقه فهنا زاد فسقه وتضاعف ظلمه وأتى كبيرة من الكبائر وصار أظلم من ذلك الظالم لانه قدر على رد المظلمة إلى صاحبها وعلى ازالتها عن الظالم فلم يفعل بل أعان الظالم وأيده وقواه وأعان على المظلوم وان كان لا يعرف صاحبه فكل مال لا يعرف (2) صاحبه فهو في مصالح المسلمين فالقول في هذا القسم كالقول في الذى قبله سواء سواء إذ منع المساكين والفقراء والضعفاء حقهم وأعان على هلاكهم وقوى الظالم لما لا يحل له وهذا عظيم جدا نعود بالله منه، فان كان يوقن انه حلال فان الذى أعطاه مكتسب بذلك حسنات جمة بلا شك فهو في رده عليه ما اعطاه غير ناصح له إذ منعه الحسنات الكثيرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولائمة المسلمين وعامتهم) فمن لم ينصح لاخيه المسلم في دينه فقد عصى الله عزوجل في ذلك ولعله ان رده لا يحضر المردود عليه بنية اخرى في بذله فيكون قد حرمه الاجر وصد عن سبيل من سبل الخير وان كان لا يدرى أحلال هو أم حرام؟ فهذه صفة كل ما يتعامل به الناس الا في اليسير الذى يوقن فيه انه حلال أو انه
حرام فلو حرم أخذ هذا لحرمت المعاملات كلها الا النادر القليل جدا وقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سرقات ومعاملات فاسدة غير مشهورة فما حرم عليه الصلاة والسلام قط من أجل ذلك أخذ ما يتعامل به الناس الا أن قوما من أهل الورع اتقوا ما الاغلب عندهم انه حرام فما كان من هذا القسم فهو داخل في باب وجوب النصيحة بأخذه فان طابت نفسه عليه فحسن وان اتقاه فليتصدق به فيؤجر على كل حال فهذا برهان ظاهر لائح * وبرهان آخر وهو ان من الجهل المفرط والعمل في الدين بغير علم أن يكون المرء يستسهل بلا مؤنة أخذ مال زيد في بيع يبيعه منه أو في اجارة يؤجر نفسه في عمل يعمله له ثم يتجنب أخذ مال ذلك الزيد نفسه إذا اعطاه اياه طيب النفس به فهذا عجب عجيب لا مدخل له في الورع أصلا لانه ان كان يتقى كون ذلك المال خبيثا فقد أخذ في البيع والاجارة فهذا يكاد يكون رياء مشوبا بجهل، فان قيل: يكره المرء أخذه قيل: هذا خلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة عن سنته نعوذ بالله من هذا كما رويناه من طريق البخاري نا محمد بن بشار نا محمد ابن أبى عدى عن شعبة عن سليمان هو الاعمش عن أبى حازم عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو دعيت إلى ذراع أو كراع لاجبت ولو اهدى إلى ذراع أو كراع لقبلت) ومن رغب عن سنته فما وفق لخير صح انه على الصلاة والسلام قال: (من رغب عن سنتى فليس منى) *
__________
(1) في النسخة رقم 16 لا يخلو اما ان يكون (2) في النسخة رقم 16 (فكل ما لا يعرف) [ * ](9/154)
قال أبو محمد: وكان مالك.
والشافعي لا يردان ما أعطيا ولا يسألان أحدا شيئا، فان احتج المخالف بحديث الصعب بن جثامة (إذ أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش فرده عليه وقال: انا لم نرده عليك الا أنا حرم) وبما روينا من طريق عبد الرزاق أنا معمر عن أبى عجلان عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد هممت أن لا أقبل هبة الا من قرشي أو انصاري أو ثقفي أو دوسى) * ومن طريق أبى داود نا محمد
ابن عمرو الرازي نا سملة بن الفضل نا محمد بن اسحق عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبيه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأيم الله لا أقبل بعد يومى هذا من أحد هدية الا أن يكون من مهاجري قرشي أو أنصارى أو ثقفي أو دوسى) * وبما رويناه من طريق البخاري نا محمد بن يوسف نا الاوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب.
وعروة ابن الزبير أن حكيم بم حزام قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال: يا حكيم ان هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه باشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذى يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى) قال حكيم: (فقلت: يا رسول الله والذى بعثك بالحق لا أرزأ بعدك أحدا شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا ثم أن عمر دعاه ليعطيه فابى أن يقبل منه شيئا فقال عمر: يا معشر المسلمين انى أعرض عليه حقه الذى قسمه الله له من هذا الفئ فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحد من الناس شيئا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفى) * وبما روينا من طريق أبى ذر انه قال للاحنف بن قيس وقد سأله الاحنف عن العطاء؟ فقال له أبو ذر: خذه فان فيه اليوم معونة فإذا كان ثمنا لدينك فلا تأخذه، فكان هذا لا حجة لهم فيه أما حديث لقد هممت أن لا أقبل هبة فان سعيد بن أبى سعيد لا يخلو اما أن يكون (1) سمعه من أبى هريرة أو لم يسمعه فان كان لم يسمعه فهو منقطع وان كان سمعه فانما فيه انه عليه السلام هم بذلك لا انه أنفذه (2) وهو موافق لمعهود الاصل لان الاصل كان أن المعطى مخير (3) ان شاء قبل وان شاء رد * وحديث عمر رضى الله عنه وارد بابطال الحال الاول ولا شك في ذلك حين أمره عليه الصلاة والسلام بقبول ما جاء من المال من غير مسألة ولا اشراف نفس فصح أن هذا الهم قد صح نسخه بيقين لا مرية فيه فمن ادعى أن الموقن نسخه قد عاد ونسخ الناسخ فقد ادعى الباطل وما لا علم له به وحاش لله من جواز ذلك في الدين إذ لو كان ذلك لما علمنا صحيح الدين من سقيمه فيه (4) ولا ما يلزمنا مما لا يلزمنا ومعاذ الله من هذا فبطل
__________
(1) في النسخة رقم 14 (لا يخلو ان يكون) (2) خالف المصنف هنا ما ذهب إليه في كتاب الصلاة من أن النبي لا يهم الا بحق (4) في النسخة رقم 16 (كان المعطى مخيرا) (3) في النسخة رقم 14 (من الكذب فيه) [ * ](9/155)
التعلق بهذا الخبر جملة وأما الآخر لا أقبل بعد يومى هذا من أحد هدية فرواية سلمة بن الفضل الابرش وهو ساقط مطرح فبطل التعلق به جملة (1) * وأما حديث الصعب ابن جثامة فقد بين عليه الصلاة والسلام السبب الذى من أجله رده وهو كونهم محرمين وهذا بعض الاحوال التى عمها حديث عمر فهو مستثنى منه وكذلك نقول: ان المحرم إذا أهدى له صيد فهو مخير في قبوله (2) ورده، وهكذا وروينا عن عائشة أم المؤمنين.
وابن عمر أنهما كانا يقبلان الهدايا (3) ويردان الصيد ان أهدى لها وهما محرمان وأما حديث حكيم فبين جدا لانه لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيمن أخذ المال باشراف نفس ما قال من أنه (لا يبارك له فيه) وعلم من نفسه الاشراف إلى المال لم يستجز أخذه وهكذا نقول: انه انما يلزم أخذه من كان غير مشرف النفس إليه، وبرهان ذلك اخباره عن نفسه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فاعطاه ثم سأله فأعطاه ثم سأله فأعطاه كذا جاء في بعض الروايات حتى خاطبه بما خاطبه به * وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد ابن المسيب أعطى النبي صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام يوم حنين عطاء فاستقله فزاده ثم ذكر الحديث المذكور وهذا غاية اشراف النفس * وروينا من طريق ابى داود الطيالسي نا ابن أبى ذئب عن مسلم بن جندب عن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فالحفت في المسألة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنكر مسألتك يا حكيم ان هذا المال حلو خضر) وذكر الحديث فهذا بيان لائح ولا يجوز أن يظن بحكيم رضى الله عنه غير هذا، وأما قول أبى ذر فصحيح لان ما أعطى المرء وطلب عوضا منه فحرام على أخذه وانما يلزم أخذ ما أعطى دون شرط فاسد * روينا من طريق عبدالزراق عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن ذر بن عبد الله المرهبى عن عبد الله بن مسعود أن رجلا سأله فقال: لى جار يأكل الربا وانه لا يزال
يدعوني فقال له ابن مسعود مهناه لك واسمه عليك قال سفيان؟ ان عرفته بعينه (4) فلا تأكله قال أبو محمد: صدق سفيان الاكل غير الاخذ لما عرف أن عينه حرام لانه يقدر في أخذه على أن يؤدى فيه ما افترضه الله تعالى عليه من ايصاله إلى أهله وازالته عن المظالم ولا يقدر على ذلك في الاكل ففرض عليه اجتناب أكله * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبى اسحاق السبيعى عن الزبير هو ابن الخريت عن سلمان الفارسى قال: إذا كان لك صديق عامل أو جار عامل أو ذو قرابة عامل فدعاك إلى طعام فاقبله فانه مهناه لك واثمه عليه * وبه إلى عبدالزراق عن معمر قال: كان عدى بن ارطاة هو عامل البصرة يبعث إلى الحسن كل يوم بجفان ثريد فيأكل الحسن منها ويطعم أصحابه قال: وبعث عدى
__________
(1) سقط لفظ (جملة) من النسخة رقم 14 (2) في النسخة رقم 16 قبوله (3) في النسخة رقم 16 الهدية (4) في النسخة رقم 16 بنفسه ويؤيدها هنا ما سيأتي قريبا بعده بسطر [ * ](9/156)
إلى الحسن.
والشعبى.
وابن سيرين فقبل الحسن، والشعبى.
ورد ابن سيرين قال: وسئل الحسن عن طعام الصيارفة؟ فقال: قد أخبركم الله تعالى عن اليهود.
والنصارى أنهم يأكلون الربا وأحل لكم طعامهم وبه إلى معمر عن منصور بن المعتمر قلت لابراهيم النخعي عريف لنا يهمط (1) ويصيب من الظلم فيدعوني فلا أجيبه فقال ابراهيم: الشيطان عرض بهذا ليوقع عداوة وقد كان العمال يهمطون ويصيبون ثم يدعون فيجابون قلت له: نزلت بعامل فنزلني أجازني قال: أقبل قلت: فصاحب ربا فقال: اقبل ما لم تره بعينه * قال على: وهكذا أدركنا من يوثق بعلمه وبالله تعالى التوفيق * 1636 مسألة ولا تحل الرشوة وهى ما أعطاه المرء ليحكم له بباطل أو ليولى ولاية أو ليظلم له انسان فهذا ياثم المعطى والآخذ فاما من منع من حقه فأعطى ليدفع عن نفسه الظلم فذلك مباح للمعطى واما الآخذ فآثم وفى كلا الوجهين فالمال المعطى باق على ملك صاحبه الذى أعطاه كما كان كالغصب ولا فرق، ومن جملة هذا ما أعطيه أهل دار
الكفر في فداء الاسرى وفى كل ضرورة وكل هذا متفق عليه الا ملك أهل دار الكفر ما أخذوه في فداء الاسير (2) وغير ذلك فان قوما قالوا: قد ملكوه وهذا باطل لانه قول لم يأت به قرآن ولا سنة ولا قياس ولا نظر وقولنا في هذا هو قول الشافعي، وأبى سليمان وغيرهما * برهان صحة قولنا قول الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم) فنسأل من خالفنا ابحق اخذ الكفار ما أخذوا منا في الفداء وغيره أم بباطل؟ فمن قولهم بالباطل ولو قالوا غير ذلك كفروا وفى هذا كفاية لانه خطاب لجميع الجن والانس للزوم الدين لهم، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فان قيل: لم أبحتم اعطاء المال في دفع الظلم قد رويتم من طريق أبى هريرة قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ان جاء رجل يريد أخذ مالى قال: فلا تعطه مالك قال: أرأيت ان قاتلني قال قاتله قال أرأيت أن قتلى قال فأنت شهيد قال أرأيت ان قتلته قال: فهو في النار) وبالخبر المأثور (لعن الله الراشى والمرتشي) قال أبو محمد: خبر لعنة الراشى انما رواه الحارث بن عبد الرحمن وليس بالقوى، وأيضا فان المعطى في ضرورة دفع الظلم ليس راشيا، وأما الخبر في المقاتلة فهكذا نقول: من قدر على دفع الظلم عن نفسه لم يحل له اعطاء فلس فما فوقه في ذلك، وأما من عجز فالله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقال عليه السلام: (إذ أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فسقط عنه فرض المقاتلة والدفاع وصار في حد الاكراه على ما أعطى في ذلك وقد قال
__________
(1) يقال همط ماله وطعامه وعرضه واهتمطه إذا اخذه مرة بعد مرة في عير وجه (2) في النسخة رقم 16 (في فداء الاسرى) (3) في النسخة رقم 16 (بشئ) بدل بأمر، [ * ](9/157)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وقد ذكرناه باسناده فيما سلف من ديواننا هذا والحمد الله رب العالمين، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق أبى موسى الاشعري (أطعموا الجائع وفكوا العانى) وهذا عموم (1)
لكل عان عند كل كافر أو مؤمن بغير حق * روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري.
ومعمر قال: معمر عن الحسن البصري وقال سفيان: عن ابراهيم النخعي ثم اتفق الحسن.
وابراهيم قالا جميعا: ما أعطيت مصانعة على مالك ودمك فانك فيه مأجور وبالله تعالى التوفيق * 1637 مسألة وأما من نصر آخر في حق أو دفع عنه ظلما ولم يشترط عليه في ذلك عطاء فاهدى إليه مكافأة فهذا حسن لا نكرهه لانه من جملة شكر المنعم وهدية بطيب نفس وما نعلم قرآنا ولا سنة في المنع من ذلك، وقد روينا عن على.
وابن مسعود المنع من هذا ولا نعلم برهان يمنع منه وبالله تعالى التوفيق * 1638 مسألة ولا يحل السؤال تكثرا الا لضروره فاقة أو لمن تحمل حمالة فالمضطر فرض عليه أن يسأل ما يقوته هو (2) وأهله مما لابد لهم منه من أكل وسكنى وكسوة ومعونة فان لم يفعل فهو ظالم فان مات في تلك الحال فهو قاتل نفسه، وأما من طلب غير متكثر فليس مكروها، وكذلك من سأل سلطانا فلا حرج في ذلك * روينا من طريق مسلم حدثنى أبو الطاهر أخبرني عبد الله بن وهب أخبرني الليث هو ابن سعد عن عبيدالله بن أبى جعفر عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم) * ومن طريق مسلم نا أبو كريب نا ابن فضيل عن عماره بن القعقاع عن أبى زرعة عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس أموالهم تكثرا فانما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر) * ومن طرق مسلم نا يحيى بن يحيى انا حماد بن زيد عن هارون بن رياب حدثنى كنانة بن نعيم العدوى عن قبيصة بن المخارق الهلالي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا قبيصة ان المسالة لا تحل الا لاحد ثلاثة.
رجل تحمل حمالة فحلت له المسالة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابتة جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسالة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش.
ورجل أصابته فاقة حتى يقوت ثلاثة من
ذوى الحجا من قومه فيقولون: لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسالة حتى يصيب قواما من عيش أو قال: سدادا من عيش فما سواهن من المسالة يا قبيصة سحت يأكلها
__________
(1) في النسخة رقم 14 (وهذا عام) (2) سقط لفظ (هو) من النسخة رقم 14 [ * ](9/158)
صاحبها سحتا) * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمود بن غيلان قال: نا وكيع نا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسألة كد يكد الرجل بها وجهه الا أن يسأل الرجل ذا سلطان أو في أمر لابد له منه) فهذا نص ما قلنا حرفا بحرف ولله الحمد * ومن طريق النظر اننا قد ذكرنا في كتاب الزكاة من ديواننا هذا وجوب قيام ذوى الفضل من المال بمن لا مال معه يقوم منه بنفسه وعياله فإذ ذلك كذلك فالمحتاج انما يسأل حقه الواجب ودينه اللازم الذى على الحاكم ان يحكم له به وله أخذه كيف قدران منعه فلا غضاضة عليه في ذلك، وأما السلطان فليس يسأل من ماله شئ انما بيده أموال المسلمين فلا حرج على المسلم ان يسأله من أموال المسلمين الذين هو أحدهم، وأما سؤال غير المتكثر فقد ذكرنا في كتاب الحج قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي قتادة وأصحابه في الحمار الذى عقروه معكم منه شئ فقلت نعم فناولته العضد فاكلها حتى نفذها وهو محرم، وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبى سعيد الخدرى الذى رقى عليه قطيع من الغنم اقتسموا واضربوا لى بسهم معكم * 1639 مسألة واعطاء الكافر مباح وقبول ما أعطى هو كقبول ما أعطى المسلم * روينا من طريق البخاري نا سهل بن بكار نا وهيب.
هو ابن خالد.
عن عمرو ابن يحيى عن عباس الساعدي عن أبى حميد الساعدي قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك واهدى ملك أيلة للنبى صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بردا * ومن طريق البخاري نا عبيد بن اسماعيل نا أبو أسامة عن هشام بن عروبة عن أبيه عن اسماء بنت أبى بكر قالت: قدمت امى على وهى مشركة فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى: أمك) * ومن طريق مسلم
نا قتيبة عن مالك عن سمى مولى أبى بكر عن أبى صالح السمان عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كل كبد رطبة أحر) فان قيل: فأين أنتم عما رويتم من طريق ابن الشخير عن عياض بن حكار أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فقال أسلمت:؟ قلت: لا قال: انى نهيت عن زبد المشركين) * ومن طريق الحسن عن عياض بن حمار مثله وقال: فابى أن يقبلها قال الحسن: زبد المشركين رفدهم قلنا: هذا منسوخ بخبر أبى حميد الذى ذكرنا لانه كان في تبوك وكان اسلام عياض قبل تبوك وبالله تعالى التوفيق * 1640 مسألة لا تقبل صدقة من مال حرام بل يكتسب بذلك اثما زائدا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فكلما تصرف في الحرام فقد زاد معصية وإذا زاد معصية زاد اثما قال الله تعالى: (من يعمل سوءا يجز به) * 1641 مسألة ولا يحل لاحد أن يمن بما فعل من خير إلا من كثر احسانه(9/159)
وعومل بالمساءة فله أن يعدد احسانه قال الله عزوجل: (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) * روينا من طريق شعبة سمعت سليمان - هو الاعمش - عن سلمان بن مسهر عن خرشة ابن الحر عن أبى ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المنان.
بما أعطى.
والمسبل ازاره.
والمنفق سلعته بالحلف الكاذبة) * ومن طريق مسلم نا شريح بن يونس نا اسماعيل بن جعفر عن عمرو بن يحيى ابن عمارة عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم حينا قسم الغنائم فاعطى المؤلفة قلوبهم فبلغه ان الانصار يحبون أن يصيبوا ما أصاب الناس فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم فقال: يا معشر الانصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بى وعالة فأغناكم الله بى ومتفرقين فجمعكم الله بى ويقولون الله ورسوله أمن فقال: ألا تجيبونني اما انكم لو شئتم ان تقولوا كذا وكان من الامر كذا أشياء ذكر عمرو أنه لا يحفظها، فهذا موضع اباحة تعديد الاحسان وبالله تعالى التوفيق *
1642 مسألة وهبة المرأة ذات الزوج.
والبكر ذات الاب: واليتيمة.
والعبد والمخدوع في البيوع.
والمريض مرض موته.
أو مريض غير موته.
وصدقاتهم كهبات الاحرار واللواتي لا أزواج لهن ولا آباء كهبات الصحيح (1) ولا فرق، وقد ذكرنا برهان ذلك فيما سلف من كتابنا، وجملة ذلك ان الله تعالى ندب جميع البالغين المميزين إلى الصدقة وفعل الخير وانقاذ نفسه من النار، وكل من ذكرنا متوعد بلا خلاف من أحد فلا يحل منعهم من القرب الا بنص ولا نص في ذلك وبالله تعالى التوفيق * 1643 مسألة والصدقة التطوع على الغنى جائزة وعلى الفقير ولا تحل لاحد من بنى هاشم والمطلب ابني عبد مناف ولا لمواليهم حاش الحبس فهو حلال لهم، وتحل صدقة التطوع على من أمه منهم إذا لم يكن أبوه منهم، وأما الهبة.
والهدية.
والعطية.
والاباحة.
والمنحة.
والعمرى.
والرقبى فكل ذلك حلال لبنى هاشم والمطلب ومواليهم هذا كله لا خلاف فيه حاش دخول بنى المطلب فيهم وحاش دخول الموالى فيهم وحاش جواز صدقة التطوع لهم فان قوما أجازوها لهم * روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان نا شعبة نا الحكم هو ابن عتيبة عن ابن أبى رافع هو عبيدالله عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من بنى مخزوم على الصدقة فاراد أبو رافع أن يتبعه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الصدقة لا تحل لنا وان مولى القوم منهم) فهذا عموم لكل صدقة * ومن طريق أبى داود نا مسدد نا هشيم عن محمد بن اسحاق عن الزهري
__________
(1) في النسخة رقم 14 كهبات الصحاح [ * ](9/160)
عن سعيد بن المسيب أخبرني جبير بن مطعم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: له أنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا اسلام وانما نحن وهم شئ واحد وشبك بين أصابعه) فان قيل: قد صح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل معروف صدقة) فان أخدتم بظاهر هذا الخبر فامنعوهم من كل بر، وهذا ما لا يقوله أحد ولا أنتم والا فلا تمنعوهم الا ما اتفق عليه انه لا يحل لهم وهو
صدقة الفرض فقط قلنا قوله عليه الصلاة والسلام: (كل معروف صدقة) قد خصه عطاؤه لبنى هاشم كالبعير الذى أعطى عليا من النفل من الخمس ومن المغنم وسائر هباته عليه الصلاة والسلام لهم، فوجب خروج ذلك بدليله ووجدنا كل معروف وان كان يقع عليه اسم صدقة فله اسم آخر يخصه كالقرض.
والهبة.
والهدية.
والاباحة.
والحمالة.
والضيافة والمنحة وسائر أسماء وجوه البر، ووجدنا الصدقة التطوع ليس لها اسم غير الصدقة وقد صح أن الصدقة محرمة على آل محمد صلى الله عليه وسلم ومواليهم فوجب ضرورة أن تكون الصدقة التظوع حراما عليهم لانها هي الصدقة التى لا اسم لها غير الصدقة ولا خلاف في تحريم الصدقة المفروضة عليهم وهى الزكاة فان قيل: فقد رويتم من طريق أبى داود نا محمد بن عبيد المحاربي نا محمد بن فضيل عن الاعمش عن حبيب بن أبى ثابت عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: (بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابل أعطاه اياها من الصدقة) قلنا: هذا صحيح ولا يخلو من أحد وجهين، أحدهما وهو ظاهر الخبر ان ابن عباس هو المعطى لتلك الابل من صدقة لازمة له فبعثه عليه الصلاة والسلام فيها إلى حيث يجمع ابل الصدقة، والثانى انه حتى لو صح انه عليه الصلاة والسلام هو أعطى تلك الابل لابن عباس وليس ذلك في الخبر لكان ذلك منسوخا بتحريم الصدقة عليهم لان تحريم الصدقة عليهم هو الرافع لمعهود الاصل وللحال الاول بلا شك من اباحة الصدقة لهم كسائر الناس، ومن ادعى عود المنسوخ ناسخا فقد كذب الا أن يشهد له نص بين بذلك، وأما الغنى فقد روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عدى بن الخيار أن رجلين حدثاه أنهما سألا النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة، فقال: ان شئتما ولا حظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب) قلنا: هذا الخبر وكل ما جاء بهذا اللفظ فانما هو على الصدقة المفروضة التى حرمت على الاغنياء الا من خصه النص منهم من العاملين عليها.
والمؤلفة قلوبهم.
والغارمين.
وفى سبيل الله.
وابن السبيل فقط * برهان ذلك ما روينا من طريق أحمد بن شعيب أخبرني عمران بن بكار حدثنى على
ابن عياش نا شعيب هو ابن أبى حمزة حدثنى أبو الزناد حدثنى عبد الرحمن الاعرج أنه سمع أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا فيه قال رجل؟ لاتصدقن(9/161)
بصدقة فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق (1) فقال: اللهم لك الحمد لاتصدقن بصدقة فخرج بصدقة فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية فقال: اللهم لك الحمد على زانية لاتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنى فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على غنى فقال: اللهم لك الحمد على سارق.
وعلى زانية.
وعلى غنى فأتى فقيل له: أما صدقتك فقد تقبلت وذكر الخبر، فهذا بيان في جواز (2) الصدقة على الغنى.
والصالح.
والطالح * 1644 مسألة وللعبد ان يتصدق من مال سيده بما لا يفسد واستدركنا في تصدق العبد الخبر الذى قد ذكرناه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجيب دعوة المملوك) * وروينا من طريق أحمد بن شعيب أنا قتيبة نا حاتم هو ابن اسماعيل عن يزيد بن أبى عبيد قال: سمعت عميرا مولى آبى اللحم قال: (أمرنى مولاى أن أقدد لحما فجاءني مسكين فاطعمته فعلم بذلك مولاى فضربني فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه فقال: لم ضربته؟ فقال: يطعم طعامي بغير أن آمره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الاجر بينكما) ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة، وابن نمير.
وزهير بن حرب كلهم عن حفص بن غياث عن محمد ابن زيد عن عمير مولى آبى اللحم قال: (كنت مملوكا فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتصدق من مال موالى شيئا؟ قال: نعم والاجر بينكما [ نصفان ] (3) * قال أبو محمد: لا يخلو مال العبد من أن يكون له كما نقول نحن أو يكون لسيده كما يقولون فان كان ماله فصدقة المرء من ماله فعل حسن مندوب إليه وان كان لسيده فهذا نص جلى باباحة الصدقة له منه فليعضدوا بالجندل، وقد بينا أن قوله تعالى: (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) ليس بضرورة العقل والحس في كل مملوك لاننا نراهم لا يعجزون عن
شئ مما يعجز عنه الحر فصح أنه تعالى انما عنى بعض العبيد ممن هذه صفته كما قال تعالى: (ضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ) وليس كل أبكم كذلك فصخ أنه تعالى أراد من البكم من هذه صفته، ويلزمهم على هذا أن يسقطوا عنه الصلاة.
والوضوء.
والغسل.
والصيام إذا كان عندهم لا يقدر على شئ، فان قالوا: هذه أعمال أبدان قلنا: قد تركتم احتجاجكم بظاهر الآية بعد واتيتم بدعوى في الفرق بين أعمال الابدان وأعمال الاموال بلا برهان والحج عمل بدن فألزموه اياه، فان قالوا: قد يجبر بالمال قلنا فاسقطوا عنه الصوم بهذا الدليل السخيف لانه يجبر بالمال من عتق المكفر واطعامه وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في النسخة رقم 14 على السارق (2) في النسخة رقم 14 (بيان جواز) (3) الزيادة من صحيح مسلم [ * ](9/162)
الاباحة 1645 مسألة والاباحة جائزة في المجهول بخلاف العطية.
والهدية (1) والصدقة.
والعمرى.
والرقبى.
والحبس.
وغير ذلك وذلك كطعام يدعى إليه قوم (2) يباح لهم أكله ولا يدرى كم يأكل كل واحد، وهذا منصوص من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره باجابة الدعوة والاكل فيها، وكامر رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء أن يقتطع إذ نحر الهدى، وكأمره عليه الصلاة والسلام المرسل بالهدى إذا عطب أن ينحره ويخلى بينه وبين الناس ونحو هذا وبالله تعالى التوفيق * 1646 مسألة وجائز للمرء أن يأكل من بيت والده ووالدته وابنه وابنته وأخيه واخته شقيقتين أو لاب أو لام وولد ولده.
وجده وجدته كيف كانا، وعمه وعمته كيف كانا.
وخاله وخالته كيف كانا.
وصديقه وما ملك مفاتحه سواء رضى من ذكرنا أو سخط، أذنوا أو لم يأذنوا وليس له أن يأكل الكل * برهان ذلك قول الله تعالى في نص القرآن، وقوله تعالى: (من بيوتكم أو بيوت آبائكم) نص ما قلنا لان من للتبعيض وقوله
عليه الصلاة والسلام: (ان ولد أحدكم من كسبه وان أطيب ما أكل أحدكم من كسبه) * المنحة 1647 مسألة والمنحة جائزة وهى في المحتلبات (3) فقط يمنح المرء ما يشاء من اناث حيوانه من شاء للحلب، وكدار يبيح سكناها ودابة يمنح ركوبها وأرض يمنح ازدراعها.
وعبد يخدمه، فما حازه الممنوح من كل ذلك فهو له لا طلب للمانح فيها وللمانح أن يسترد عين ما منح متى شاء سواء عين مدة أو لم يعين أشهد أو لم يشهد لانه لا يحل مال أحد بغير طيب نفسه الا بنص ولا نص في هذا وتعيينه المدة عدة، وقد ذكرنا أن الوعد لا يلزم الوفاء به في باب النذور والايمان من كتابنا هذا فأغنى عن اعادته، والازراع.
والاسكان والافقار.
والامتاع والاطراق.
والاخدام والاعراء والتصيير حكم ما وقع بهذه الالفاظ كحكم المنحة في كل ما ذكرنا سواء سواء ولا فرق، وهذا كله قول أبى حنيفة، والشافعي: وداود.
وجميع أصحابهم فالازراع يكون في الارض يجعل المرء لآخر ان يزرع هذه الارض مدة يسميها أو طول حياته.
والاسكان يكون في البيوت وفى الدور.
والدكاكين كما ذكرنا.
والافقار يكون في الدواب التى تركب.
والاطراق يكون في الفحول (4) تحمل على الاناث.
__________
(1) في النسخة رقم 16 (والهبة) (2) في النسخة رقم 14 (الناس) (3) في النسخة رقم 16 (وهى في اناث المحتلبات) (4) في النسخة رقم 14 (في الفحل) [ * ](9/163)
والاخدام يكون في الرقيق الذكور والاناث.
والامتاع يكون في الاشجار ذوات الحمل وفى الثياب وفى جميع الاناث وكذلك التصيير.
وكذلك الجعل والاعراء يكون في حمل النخل، فكل هذا ما قبضه المجعول له ذلك فلا رجوع لصاحب الرقبة فيه وما لم يقبضه المجعول له كل ذلك فلصاحب الرقبة استرجاع رقبة ماله، ومنع المجعول له مما جعل له * روينا من طريق مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم المنحة اللقحة الصفى منحة والشاة الصفى تروح باناء وتغدو باناء) وقد
ذكرنا قوله عليه الصلاة والسلام: (من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه) ومن طريق البخاري نا عبد الله بن يوسف نا ابن وهب نا يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: قدم المهاجرون المدينة من مكة وليس بايديهم شئ وكان الانصار أهل الارض والعقار فقاسمهم الانصار رضى الله عنهم على أن يعطوهم ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم العمل والمؤنة وكانت أم سليم أم أنس بن مالك أعطت رسول الله صلى الله عليه وسلم عذاقا فاعطاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر رد المهاجرون إلى الانصار منائحهم التى كانوا منحوهم من ثمارهم فرد عليه السلام إلى أم سليم عذاقها وأعطى عليه الصلاة والسلام أم أيمن مكانهن من حائطه، وأما الارتجاع متى شاء فانه لم يهب الاصل ولا الرقبة فلا يجوز من ماله الا ما طابت به نفسه فما دام طيب النفس فيما يحدث الله تعالى في ماله فهو جائز عليه فإذا أحدث الله تعالى شيئا ماله لم تطب به نفسه فهو ماله حرام على غيره بقوله عليه الصلاة والسلام: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وانما طيب النفس حين وجود الشئ لا قبل خلقه وبالله تعالى التوفيق * العمرى والرقبى (1) 1648 مسألة العمرى.
والرقبى هبة صحيحة تامة يملكها المعمر والمرقب كسائر ماله يبيعها ان شاء وتورث عنه ولا ترجع إلى المعمر ولا إلى ورثته سواء اشترط (2) ان ترجع إليه أو لم يشترط وشرطه لذلك ليس بشئ، والعمرى هي أن يقول: هذه الدار وهذه الارض أو هذا الشئ عمرى لك أو قد أعمرتك اياها أو هي لك عمرك أو قال: حياتك أو قال: رقبى لك أو قد أرقبتكها كل ذلك سواء، وهو قول أبى حنيفة.
والشافعي.
وأحمد.
وأصحابهم، وبعض أصحابنا، وهو قول طائفة من السلف كما روينا من طريق وكيع نا شريك عن عبد الله بن محمد ابن الحنيفة عن أبيه قال: قال على بن أبى طالب: العمرى بتات ومن خير
__________
(1) في النسخة رقم 14 الاقتصار على لفظ العمرى فقط (2) في النسخة رقم 14 شرط [ * ](9/164)
فقد طلق * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدرى عن زيد بن ثابت قال: العمرى للوارث * ومن طريق معمر عن أيوب السختيانى عن نافع سأل رجل ابن عمر عمن أعطى ابنا له بعيرا حياته: فقال أبن عمر: هو له حياته وموته ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبى الزبير عن طاوس عن ابن عباس قال: من أعمر شيئا فهو له ومن طريق ابن أبى شيبة نا يحيى بن سعيد عن سفيان الثوري عن أبى الزبير عن طاوس عن ابن عباس قال: العمرى.
والرقبى سواء ومن طريق وكيع نا شعبة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد قال: قال على بن أبى طالب: العمرى والرقبى سواء، وصح أيضا عن جابر بن عبد الله في أحد قوليه من أعمر شيئا فهو له أبدا وعن شريح.
وقتادة.
وعطاء بن أبى رباح.
ومجاهد.
وطاوس.
وابراهيم النخعي * روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا هشيم انا المغيرة بن مقسم قال: سألت ابراهيم النخعي عمن اسكن آخر دارا حياته فمات المسكن والمسكن؟ قال: ترجع إلى ورثة المسكن فقلت أليس يقال: من ملك شيئا حياته فهو لورثته من بعده؟ فقال ابراهيم: انما ذلك في العمرى وأما السكنى (1) والغلة والخدمة فانها ترجع إلى صاحبها وهو قول سفيان الثوري.
والحسن بن حى.
والاوزاعي.
ووكيع.
واحد قولى الزهري الا أن عطاء والزهرى قالا: ان جعل العمرى بعد المعمر في وجه من وجوه البر أو لانسان آخر غير نفسه نفذ ذلك كما جعله، وقالت طائفة: العمرى هبة صحيحة إذا أعمرها له ولعقبه فاما ان لم يقل له ولعقبه فهى راجعة إلى المعمر أو إلى ورثته إذا مات المعمر وهو قول صح عن جابر ابن عبد الله، وعروة بن الزبير.
وأحد قولى الزهري وبه يقول أبو ثور وبعض أصحابنا، وقالت طائفة: العمرى راجعة إلى المعمر أو إلى ورثته على كل (2) حال فان قال: أعمرتك هذا بشئ لك ولعقبك كانت كذلك فإذا انقرض المعمر وعقبه رجعت إلى المعمر أو إلى ورثته وهو قول روى عن القاسم بن محمد.
ويحيى بن سعيد الانصاري وهو قول مالك.
والليث *
قال أبو محمد: فنظرنا فيما احتج به من ذهب مذهب مالك فوجدناهم يذكرون قول الله تعالى: (هو الذى أنشأكم من الارض واستعمركم فيها) وقال تعالى: (إنا نحن نرث الارض ومن عليها) قالوا: فكان كذلك كل من أعمر عمرى، وذكروا الخبر (المسلمون عند شروطهم) وادعوا ما روينا من طريق ابن وهب بلغني عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق (أن عائشة أم المؤمنين كانت تعمر بنى أخيها حياتهم فإذا
__________
(1) في النسخة رقم 16 المسكن (2) في النسخة رقم 16 بكل [ * ](9/165)
انقرض أحدهم قبضت مسكنه فورثنا نحن ذلك كله اليوم عنها ما نعلم لهم شيئا غير هذا أصلا وكله لا حجة لهم فيه، أما خبر عائشة رضى الله عنها فباطل وهذه آفة المرسل والذى لا شك فيه أن عبد الرحمن بن القاسم وأباه القاسم وجده محمد لم يرثوا عائشة ولا صار إليهم بالميراث عنها قيمة خردلة لان محمدا قتل في حياتها قبل موتها بنحو عشرين سنة وانما ورثها عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبى بكر فقط لانه كان ابن شقيقها فحجب القاسم بن محمد وقد ذكرنا ذلك في باب هبة المشاع قبل هذا الباب بأوراق، ولو صح ذلك عنها لكان قد خالفها ابن عباس، وابن عمر.
وجابر.
وزيد بن ثابت.
وعلى بن أبى طالب على من أوردنا آنفا، وأما (المسلمون عند شروطهم) فخبر فاسد لانه إما عن كثير بن زيد وهو هالك.
وأما مرسل ثم لو صح لكانوا أول مخالفين له لانهم يبطلون من شروط الناس أكثر من ألف شرط كمن باع بشرط ان يقيله إلى يومين، وكمن باع أمة بشرط أن لا يبيعها، وكمن باع بخيار إلى عشرين سنة، وكمن نكح على أن تنفق هي عليه وغير ذلك فكيف وهذا الشرط يعنى رجوع العمرى إلى المعمر أو إلى ورثته شرط قد جاءت السنة نصا بابطاله كما نذكر بعد هذا ان شاء تعالى، واحتجاجهم بالآيه ههنا أبعد شئ من التوفيق لوجوه * أولها انهم قاسوا حكم الناس على حكم الله تعالى فيهم وهذا باطل لان الله تعالى يقتل الناس ولا ملامة عليه ويجيعهم ويعذبهم بالمرض ولا ملامة عليه ولا يجوز عند أحد
قياس المخلوق على الخالق * وثانيها انهم موهوا وقلبوا الآية لاننا لم ننازعهم (1) فيمن أعمر آخر مالا له ولم يقل الله تعالى قد أعمرتكم الارض انما قال: انه استعمرنا فيها بمعنى أنه عمرنا بالبقاء فيها مدة وليس هذا من العمرى في ورد ولا صدر * وثالثها أن هذه الآية لو جعلناها حجة عليهم لكان ذلك أوضح مما موهوا به وهو أن الله تعالى بلاشك اباح لنا بيع ما ملكنا من الارض وجعلها لورثتنا بعدنا وهذا هو قولنا في العمرى لا قولهم فظهر فساد ما يأتون به علانية وبطل هذا القول يقينا، وهذا مما خالفوا فيه كل ما صح عن الصحابة رضى الله عنهم وجمهور العلماء: ومرسلات كثيره، ثم نظرنا في القول الثاني الذى هو قول عروة.
وأبى ثور فوجدناهم يحتجون بما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر قال: انما العمرى التى أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك فاما إذا قال: هي لك ما عشت فانها ترجع إلى صاحبها * قال أبو محمد: لم نجد لهم حجة غير هذا ولا حجة لهم فيه لان المسند منه إلى رسول الله
__________
(1) في النسخة رقم 14 (لاننا معهم) [ * ](9/166)
صلى الله عليه وسلم انما هو ان العمرى التى أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك وأما باقى لفظ الخبر فمن كلام جابر ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خالف جابرا ههنا ابن عباس.
وابن عمر وغيرهما كما ذكرنا قبل فانما في هذا الخبر حكم العمرى إذا قال المعمر: هي لك ولعقبك فقط وبقى حكمه إذا لم يقل هذا الكلام لا ذكر له في هذا الخبر فوجب طلبه من غيره وبالله تعالى التوفيق، فسقط هذا القول أيضا فلم يبق الا قولنا فوجدنا ما روينا من طريق مسلم نا محمد بن رافع نا ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن ابن شهاب عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعمر عمرى له ولعقبه فهى له بتلة ولا يجوز للمعطى فيها شرط ولا ثنيا) قال أبو سملة:
لانه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث فقطعت المواريث شرطه * ومن طريق أبى ادود نا أحمد بن أبى الحوارى نا الوليد هو ابن مسلم عن الاوزاعي عن الزهري عن عروة ابن الزبير عن جابر بن عبد الله (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعمر عمرى فهى له ولعقبه يرثها من يرثه من عقبه) * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا اسماعيل هو ابن علية عن محمد هو ابن عمرو بن علقمة عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا عمرى فمن أعمر شيئا فهو له) * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مثله مرسلا * ومن طريق أبى داود نا النفيلى هو عبد الله بن محمد قال: قرأت على معقل عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حجر المدرى عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعمر شيئا فهو لمعمره حياته ومماته (1) ولا ترقبوا فمن أرقب شيئا فهو سبيله) * قال على: هكذا رويناه بضم المين الاولى من معمره وفتح الميم الثانية * ومن طريق احمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى عن سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء ابن أبى رباح عن جابر بن عبد الله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ترقبوا ولا تعمروا فمن أرقب شيئا أو أعمر فهو لورثته) * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا أحمد بن حرب نا أبو معاوية عن حجاج هو ابن محمد عن ابى الزبير عن طاوس عن ابن عباس قال: قال (رسول الله صلى الله عليه وسلم: العمرى لمن أعمرها والرقبى لمن أرقبها والعائد في هبته كالعائد في قيئه) فهذه آثار متواترة زائدة على ما في رواية معمر فلم يسع أحدا الخروج عنها وليس هذا الحكم الا في الاعمار والارقاب كما جاء النص وأما الاسكان فيخرجه متى شاء لانها عدة فيما لم يجزه من السكنى بعد وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في سنن ابى داود (محياه ومماته) [ * ](9/167)
العارية
1649 مسألة والعارية جائزة وفعل حسن وهى فرض في بعض المواضع، وهى اباحة منافع بعض الشئ كالدابة للركوب.
والثوب للباس.
والفأس للقطع.
والقدر للطبخ.
والمقلى للقلو والدلو.
والحبل.
والرحى للطحن.
والابرة للخياطة وسائر ما ينتفع به، ولا يحل شئ من ذلك إلى أجل مسمى لكن يأخذه ما أعار متى شاء ومن سألها اياه محتاجا ففرض عليه اعارته اياه إذا وثق بوفائه فان لم يأمنه على اضاعة ما يستعير أو على جحده فلا يعره شيئا * أما كونها فرضا كما ذكرنا فلقول الله تعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون) فتوعد عزوجل من منع الماعون بالويل * روينا من طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا حجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود في قوله تعالى: (ويمنعون المانعون) قال هو العوارى.
القدر.
والدلو.
والميزان * ومن طريق ابن أبى شيبة نا أبو معاوية عن الاعمش عن ابراهيم التيمى عن الحارث بن سويد عن ابن مسعود قال: الماعون ما تعاوره الناس بينهم الفأس، والقدر.
واشباهه * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن جابر ابن صبح حدثتني أم شراحيل قالت: قالت لى أم عطية: اذهبي إلى فلانة فاقرئيها السلام وقولى لها: أن أم عطية توصيك بتقوى الله عزوجل ولا تمنعى الماعون قالت: فقلت: ما الماعون؟ فقالت لى: هبلت هي المهنة يتعاطاها الناس بينهم * ومن طريق يحيى بن سعيد أيضا وعبد الرحمن بن مهدى قال ابن مهدى: عن سفيان الثوري وقال يحيى: عن شعبة ثم اتفقا عن أبى اسحاق السبيعى عن سعيد بن عياض عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: الماعون منع القدر.
والفاس.
والدلو * ومن طريق ابن علية وسفيان الثوري كلاهما عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في تفسير الماعون المذكور في الآية قال ابن علية في رواية: متاع البيت، وقال سفيان في روايته: هي العارية والمعنى واحد * ورويناه أيضا عن على بن أبى طالب من طريق ابن أبى شيبة عن ابن علية عن ليث عن أبى اسحاق، وهؤلاء كلهم حجة في اللغة * وروينا عن ابن عمر هو المال يمنع
حقه وهو موافق لما ذكرنا وهو قول عكرمة.
وابراهيم وغيرهما، وما نعلم عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم خلافا لهذا * فان قيل: قد روى عن على رضى الله عنه أنها الزكاة قلنا: نعم ولم يقل ليست العارية ثم قد جاء عنه أنها العارية فوجب جمع قوليه، فان قيل: قد روى عن ابن عباس لم يأت أهلها بعد من طريق ليث عن مجاهد قلنا: نعم وهذا(9/168)
غير مخالف لما صح عنه من طريق مجاهد لان معنى قوله لم يأت أهلها بعد أي أن الناس اليوم يتباذلون ولا يمنعون وسيأتى زمان يمنعونه، ولا يحتمل البتة قول ابن عباس الا هذا الوجه وبالله تعالى التوفيق * وأما منع ذلك لمدة مسماة فلانه شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل، وكذلك من أعار أرضا للبناء فيها أو حائطا للبناء عليه فله أخذه بهدم بنائه متى أحب بلا تكليف عوض لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وأن من أضاع ما يستعير أو جحده ولم يؤمن ذلك منه فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهى عن اضاعة المال ونهى الله تعالى عن التعاون على الاثم والعدوان فلا يجوز عونه على ذلك وبالله تعالى التوفيق * 1650 مسألة والعارية غير مضمونة ان تلفت من غير تعدى المستعير وسواء ما غيب عليه من العوارى وما لم يغب عليه منها فان ادعى عليه أنه تعدى أو أضاعها حتى تلفت أو عرض فينا عارض فان قامت بذلك بينة أو أقر ضمن بلا خلاف وان لم تقم بينة ولا أقر لزمته العين وبرئ لانه مدعى عليه وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين على المدعى عليه * وأما تضمينها فان الناس اختلفوا فقالت طائفة: كما قلنا، وقالت طائفة: هي مضمونة على كل حال باى وجه تلفت، وقالت طائفة: لا يضمن الا أن يشترط المعير ضمانها فيضمن حينئذ، وقالت طائفة: لا ضمان على المستعير غير المغل يعنى المتهم وقال
قائل: اما ما غيب عليه كالحلي والثياب ونحو ذلك فيضمن جملة، وقد روى عنه أنه قال: ان قامت له بينة بانها تلفت من غير فعله فلا ضمان عليه وان لم تقم بينة فهو ضامن وأما ما ظهر كالحيوان ونحوه فلا ضمان فيه ما لم يتعد * قال أبو محمد: وهذا قول مالك وما نعلم له فيه سلفا الا عثمان البتى وحده وما نعلم لهم حجة أصلا الا أنهم قالوا: نتهم المستعير فيما غاب فقلنا: ليس بالتهمة تستحل أموال الناس لانها ظن والله تعالى قد أنكر اتباع الظن فقال تعالى: (إن يتبعون الا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث) ويلزمكم إذا أعملتم الظن أن تضمنوا المتهم ولا تضمنوا من لا يتهم كما يقول شريح ويلزمكم أن تضمنوا الوديعة أيضا بهذه التهمة، وفساد هذا القول أظهر من أن يتكلف الرد عليه بأكثر مما أوردنا وبالله تعالى التوفيق * وقال بعضهم: قسناه عليه الرهن فقلنا: هذا قياس للخطأ على الخطأ وحجة لقولكم بقولكم وكلاهما خطأ، وقال بعضهم:(9/169)
لما اختلف السلف في تضمين العاوية توسطنا قولهم قلنا لهم: وعن هذا سألناكم من أين فعلتم هذا؟ وملتم إلى هذا التقسيم الفاسد ولا سبيل إلى دليل أصلا لا من قرآن.
ولا من سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قياس.
ولا قول صاحب.
ولا رأى له وجه فسقط هذا القول * وأما من قال: لا ضمان على المستعير غير المغل ولا على المستودع غير المغل فهو قول شريح رويناه من طريق عبد الرزاق سمعت هشام بن حسان يذكر عن محمد بن سيرين عن شريح هذا القول، وقال: المغل المتهم وهو يبطل بما بطل به قول مالك لانه بناه على التهمة وهو ظن فاسد، وأما من قال: لا ضمان على المستعير الا أن يشترط عليه الضمان فهو قول قتادة.
وعثمان البتى رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة * قال أبو محمد: وهذا باطل لانه شرط ليس في كتاب الله عزوجل فهو باطل ولقد كان يلزم الحنيفيين.
والمالكيين المجيزين للشروط الفاسدة بالخبر المكذوب (المسلمون
عنده شروطهم) أن يقولوا بقول قتادة ههنا ولكن لا مؤنة عليهم من التناقض فبطل هذا القول أيضا ولم يبق الا القول من ضمنها جملة أو قولنا فنظرنا في قول من ضمنها جملة فوجدنا ما روينا من طريق عبد الرزاق نا ابن عيينة هو سفيان.
عن عمرو بن دينار عن ابن أبى مليكة.
وعبد الرحمن بن السائب قال ابن أبى مليكة: عن ابن عباس وقال ابن السائب: عن أبى هريرة قالا جميعا: العارية تغرم * ومن طريق ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن ابن عمر أنه كان يضمن العارية * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال في قضية معاذ بن جبل: العارية مؤداة، وكان شريح يضمن العارية وضمنها الحسن ثم رجع عن ذلك، وصح عن مسروق أيضا.
وعن عطاء بن أبى رباح وذكره ابن وهب عن يحيى بن سعيد الانصاري: وربيعة وذكرا أنه قول علمائهم الذين أدركوا وبه كانوا يقضون، وذكره أيضا عن سليمان ابن سيار.
وعمر بن عبد العزيز.
ومكحول.
وقال الزهري: أجمع رأى القضاة على ذلك إذ رأوا شرور الناس، وبهذا يقول الشافعي، وأحمد بن حنبل، وأصحابهما واحتجوا بقول الله تعالى: (أن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) فقلنا لهم: فضمنوا بهذه الآية الوديعة فقد ضمنها عمر.
وغيره ونعم هو مأمور بأدائها مادام قادرا على أدائها فان عجز عن ذلك فالله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) فإذ ليس في وسعه أداؤها فهو غير مكلف ذلك، وليس في هذا الآية تضمين لان أداء الغرامة هو غير أداء الامانة فلا متعلق لكم بهذه الآية أصلا لانه ليس فيها أداء غيرها ولا ضمانها، واحتجوا بما جاء في ادراع صفوان بن أمية.
وبما روى العارية مؤداة والزعيم غارم وكلاهما(9/170)
لا يصح، اما خبر دروع صفوان فاننا رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا عبد الرحمن بن محمد ابن سلام نا يزيد بن هارون أنا شريك هو ابن عبد الله القاضى عن عبد العزيز بن رفيع عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين ادراعا فقال:
غصب يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة) شريك مدلس للمنكرات إلى الثقات وقد روى البلايا والكذب الذى لاشك فيه عن الثقات * ومن طريق الحارث بن أبى أسامة نا يحيى ابن أبى بكير نا نافع عن صفوان بن أمية أنه استعار منه النبي صلى الله عليه وسلم سلاحا فقال: مضمونة قال: مضمونة، الحارث متروك.
ويحيى بن أبى بكير لم يدرك نافعا وأعلى من عنده شعبة ولا نعلم لنافع سماعا من صفوان أصلا والذى لا شك فيه فان صفوان مات أيام عثمان قبل الفتنة * ومن طريق ابن وهب عن أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه أن صفوان ابن أمية (أعار رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحا فقال: أعارية مضمونة أم غصب؟ فقال: بل عارية مضمونة) هذا منقطع لان محمد بن على لم يدرك صفوان ولا ولد الا بعد موته بدهر * ومن طريق مسدد نا أبو الأحوص نا عبد العزيز بن رفيع عن عطاء بن أبى رباح عن ناس من آل صفوان بن أمية (استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان سلاحا فقال صفوان: أعارية أم غصب؟ قال: بل عارية ففقدوا منها درعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن شئت غرمناها لك فقال: يا رسول الله انه في قلبى من الايمان ما لم يكن يومئذ) هذا عن ناس لم يسموا * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا أحمد بن سليمان نا عبيدالله بن موسى أنا اسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبى مليكة عن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية دروعا فهلك بعضها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان شئت غرمناها لك قال: لا يا رسول الله) اسرائيل ضعيف ثم ليس فيه قوله عليه الصلاة والسلام: ان شئت غرمناها لك لو صح بيان بوجوب غرمها إذا لم يكن ههنا غير هذا اللفظ، والاموال المحرمة لا يجوز القضاء باباحتها بغير بيان جلى ومن طريق ابن وهب عن ابن جريج.
ويونس.
وعبيد الله بن عمر قال ابن جريج عن عطاء وقال يونس عن ربيعة.
وقال ابن عمر عن الزهري فذكر دروع صفوان وان النبي صلى الله عليه وسلم قال: بل طوعا وهى علينا ضامنة هذا مرسل * ومن طريق ابن وهب عن مسلمة بن على عن بعض أهل العلم انه بلغه ان في شرط أهل اليمن من النبي صلى الله عليه وسلم ان كان بأرض اليمن كون أو حدث ان يعطوا رسل اليمن ثلاثين بعيرا وثلاثين
فرسا، وثلاثين درعا وهم ضامنون لها حتى يردوها، هذا مردد في الضعف منقطع وعمن لم يسم.
ومسلمة بن على ساقط * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن عمرو بن دينار شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل نجران عارية ثلاثين فرسا وثلاثين درعا وثلاثين رمحا فان ضاع(9/171)
منها شئ فهو ضامن على رسله، شهد المغيرة بن شعبة.
وأبو سفيان بن حرب.
والاقرع ابن حابس، هذا منقطع لم يدرك عمرو من هؤلاء أحدا * ورويناه أيضا من طريق هشيم عن حصين مرسل، وقد روينا من ابن أبى شيبة نا جرير بن عبد الحميد عن عبد العزيز بن رفيع عن اياس بن عبد الله بن صفوان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أراد حنينا قال لصفوان: هل عندك من سلاح؟ قال: عارية أم غصبا قال: لا بل عارية فأعاره ما بين الثلاثين إلى الاربعين درعا فلما هزم المشركون جمعت دروع صفوان ففقد منها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: انا قد فقدنا من ادراعك أدراعا فهل نغرم لك؟ فقال: لا يارسول الله ان في قلبى اليوم ما لم يكن) فهذا مرسل كتلك وهو يبين انها غير مضمونة في الحكم * واحتجوا بما رويناه من طريق ابن ابى شيبة نا اسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم سمعت أبا امامة الباهلى قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع يقول: العارية مؤداة والدين مقضى والزعيم غارم) اسماعيل بن عياش ضعيف * وروينا أيضا العارية مؤداة من طريق أحمد ابن شعيب عن عبد الله بن الصباح نا المعتمر بن سليمان سمعت الحجاج بن القرافصة حدثنى محمد ابن الوليد عن ابى عامر الهوزنى عن ابى امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، الحجاج مجهول * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن منصور نا الهيثم بن خارجة نا الجراح بن مليح حدثنى حاتم بن حريث الطائى سمعت أبا امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، حاتم بن حريث مجهول * ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله بن حيان الليثى عن رجل منهم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (العارية مؤداة والمنحة مرودة) ابن لهيعة لا شئ * ومن طريق البزار نا عبد الله بن شبيب نا اسحاق بن محمد الفروى نا عبد الله بن عمر عن زيد بن أسلم عن
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (العارية مؤداة) الفروى ضعيف.
وعبد الله بن عمر هو العمرى الصغير ضعيف ثم لو صحت هذه الالفاظ لما كان فيها الا أنها مؤداة وهكذا نقول ان أداءها فرض والتضمين غير الاداء وليس فيه انها مضمونة أصلا فبطل تلعقهم بشئ منها * وذكروا ما روينا من طريق شعبة عن قتادة عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى تؤديه، وهذا منقطع لان قتادة لم يدرك سمرة * ورويناه من طريق يحيى ابن سعيد القطان عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) الحسن لم يسمع من سمرة ثم لو صح فليس فيه الا الاداء وهكذا نقول والاداء غير الضمان في اللغة والحكم، ويلزمهم إذا حملوا هذا اللفظ على الضمان أن يضمنوا بذلك المرهون والودائع لانها مما قبضت اليد، وكل(9/172)
هذا قد قال بتضمينه طوائف من الصحابة فمن بعدهم (1) فظهر تناقضهم * وقد روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا ابراهيم بن المستمر نا حبان بن هلال نا همام بن يحيى نا قتادة عن عطاء بن أبى رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتتك رسلي فاعطهم ثلاثين درعا وثلاثين بعيرا فقلت: يا رسول الله أعارية مضمونة أم عارية مؤداة؟ قال: بل عارية مؤداة) فهذا حديث حسن ليس في شئ مما روى في العارية خبر يصح غيره، وأما ما سواه فلا يساوى الاشتغال به: وقد فرق فيه بين الضمان.
والاداء وأوجب في العارية الاداء فقط دون الضمان فبطل كل ما تعلقوا به من النصوص * وقالوا: وجدنا كل ما يقبضه بعض الناس من بعض من الاموال ينقسم ثلاثة أقسام.
أحدها قسم منفعة للدافع دون المدفوع إليه كالوديعة والوكالة فهذا غير مضمون فواجب أن يكون كل ما في هذا الباب كذلك وثانيها قسم منفعة الدافع والمدفوع إليه معا كالقراض وقد اتفقنا على أنه غير مضمون فوجب أن يكون الزمن وكل ما في هذا الباب كذلك، وثالثها ما منفعته للمدفوع إليه دون الدافع كالقرض وقد صح
الاجماع على انه مضمون فوجب أن تكون العارية وكل ما في هذا الباب كذلك * قال أبو محمد: وهذا قياس والقياس كله باطل الا انه من المليح المموه من مقاييسهم وانهم ليسفكون الدماء ويبيحون الفروج والاموال والابشار لاقل من هذا كقياسهم في الصداق وفى جلد الشارب قياسا على القاذف.
والقود للكافر من المؤمن.
وفاعل فعل (2) قوم لوط وسائر قياساتهم الا اننا نعارض هذا القياس بمثله وهو أن العارية دفع مال بغير عوض كالوديعة، وأيضا فان ما بلى منها في اللباس وفيما استعيرت له فنقص منها بلا تعد فلا ضمان فيه فكذلك سائر النقص، وهذا كله وساوس نعوذ بالله من الحكم بها في دينه * قال على: فبقى قولنا فوجدناه قد روى عن عمر: وعلى كما روينا من طريق ابن أبى شيبة نا وكيع عن على بن صالح بن حى عن عبد الاعلى عن محمد بن الحنفية عن على بن أبى طالب قال: العارية ليست بيعا ولا مضمونة انما هو معروف الا أن يخالف فيضمن، وهذا صحيح عن على * ومن طريق عبدالزراق نا قيس بن الربيع عن الحجاج بن أرطاة عن هلال الوزان عن عبد الله بن عكيم قال عمر بن الخطاب: العارية بمنزلة الوديعة ولا ضمان فيها الا أن يتعدى وهو قول ابراهيم النخعي.
وعمر بن عبد العزيز.
والزهرى.
وغيرهم وهو قول أبى سليمان * قال أبو محمد: قول الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون
__________
(1) في النسخة رقم 14 (فمن دونهم) (2) سقط من النسخة رقم 14 لفظ (فعل) [ * ](9/173)
تجارة عن تراض منكم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فصح أن مال المستعير محرم الا أن يوجبه نص قرآن أو سنة ولم يوجبه قط نص منهما وقال الله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) وقال تعالى: (انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق) والمستعير ما لم يتعد ولا ضيع محسن فلا سبيل عليه بنص القرآن، والغرم سبيل بيقين (1) فلا غرم عليه وبالله تعالى التوفيق *
الضيافة 1651 مسألة الضيافة فرض على البدوى.
والحضرى.
والفقيه.
والجاهل يوم وليلة مبرة واتحاف، ثم ثلاثة أيام ضيافة ولا مزيد فان زاد فليس قراه لازما وان تمادى على قراه فحسن، فان منع الضيافة الواجبة فله أخذها مغالبة وكيف أمكنه ويقضى له بذلك * روينا من طريق أبى داود نا القعنبى عن مالك عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبى شريح الكعبي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يومه وليلته والضيافة ثلاثة أيام وما بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوى (2) عنده حتى يحرجه) قال أبو داود عن الحارث بن مسكين عن أشهب عن مالك في قوله عليه الصلاة والسلام (جائزته يوم وليلة) قال مالك: يتحفه ويكرمه ويخصه يوما وليلة وثلاثة أيام ضيافة * ومن طريق محمد بن جعفر غندر نا شعبة نا منصور ابن المعتمر عن الشعبى عن المقدام أبى كريمة (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ليلة الضيف حق واجب على من كان مسلما فان أصبح بفنائه فهو دين عليه ان شاء اقتضى وان شاء ترك * ومن طريق شعبة عن أبى اسحق السبيعى عن أبى الاحوص هو عوف بن مالك بن عوف الجشمى عن أبيه (قال: قلت: يا رسول الله رجل نزلت به فلم يكرمني ولم يضفنى ولم يقرني ثم نزل بى أجزيه؟ قال بل اقره * ومن طريق مسلم نا محمد بن رمح أنا الليث هو ابن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير عن عقبة بن عامر قلنا: يا رسول الله انك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا فما ترى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغى للضيف فاقبلوا فان لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذى ينبغى لهم) * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن أبوب السختيانى عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طعام الواحد يكفى الاثنين وطعام الاثنين يكفى الاربعة وطعام الاربعة يكفى الثمانية) * ومن طريق البخاري نا موسى بن اسماعيل نا المعتمر هو ابن سليمان
__________
(1) في النسخة رقم 16 (متيقن) أي يقيم [ * ](9/174)
التيمى عن أبيه نا أبو عثمان هو النهدي عن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق (أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس ومن كان عنده طعام خسمة فليذهب بسادس أو كما قال (1) وان أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة) فهذا نص ايجاب الضيافة على أهل العلم والحاضرة، وهذه أخبار متواترة عن جماعة من الصحابة لا يحل لاحد مخالفتها * روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن أبى عوف عن محمد بن عبيدالله الثقفى عن عبد الرحمن بن أبى ليلى (أن ناسا من الانصار سافروا فأرملوا فمروا بحى من العرب فسألوهم القرى فأبوا عليهم فسألوهم الشراء فأبوا فضبطوهم فأصابوا منهم فاتت الاعراب عمر بن الخطاب فأشفقت الانصار فقال عمر: تمنعون ابن السبيل؟ ما يخلف الله تعالى في ضروع الابل بالليل والنهار ابن السبيل أحق بالماء من الثاوى عليه، فهذا فعل الصحابة وحكم عمر بحضرتهم لا مخالف له منهم وبالله تعالى التوفيق، وروينا عن مالك لاضيافة على أهل الحاضرة ولا على الفقهاء، وهذا قول في غاية الفساد وبالله تعالى التوفيق * الاحباس 1652 مسألة والتحبيس وهو الوقف جائز في الاصول من الدور والارضين بما فيها من الغراس والبناء ان كانت فيها وفى الارحاء.
وفى المصاحف.
والدفاتر، ويجوز أيضا في العبيد.
والسلاح.
والخيل في سبيل الله عزوجل في الجهاد فقط لا في غير ذلك، ولا يجوز في شئ غير ما ذكرنا أصلا وفى بناء دون القاعة.
وجائز للمرء أن يحبس على من أحب أو على نفسه ثم على من شاء، وخالفنا في هذا قوم فطائفة ابطلت الحبس مطلقا (2) وهو قول شريح، وروى عن أبى حنيفة، وطائفة قالت: لا حبس الا في سلاح أو كراع روى ذلك عن ابن مسعود.
وعلى.
وابن عباس رضى الله عنهم وطائفة أجازت
الحبس في كل شئ.
وفى الثياب.
والعبيد، والحيوان.
والدراهم.
والدنانير وهو قول مالك، وأتى أبو حنيفة بقول خالف فيه كل من تقدم والسنة والمعقول فقال: الحبس جائز في الصحة وفى المرض الا أن للمحبس ابطاله متى شاء وبيعه وارتجاعه بنقص الحبس الذى عقد فيه ولا يجوز بعد الموت أيضا، وهذا أشهر أقواله، وروى عنه أنه لا يجوز الا بعد الموت، ثم اختلفوا عنه أيجوز للورثة ابطاله وهذا هو الاشهر عنه أم لا يجوز؟
__________
(1) في النسخة رقم 14 (فليذهب بخامس أو بسادس أو كما قال) (2) في النسخة رقم 14 جملة [ * ](9/175)
وهذا قول يكفى ايراده من فساده لانه لم تأت به سنة ولا أيده قياس ولا يعرف عن أحد قبله، وتفريق فاسد فسقط جملة، وأما القول المروى عن على.
وابن مسعود.
وابن عباس فانه لم يصح عن أحد منهم، أما ابن مسعود فرويناه من طريق سفيان بن عيينة عن مطرف ابن طريف عن رجل عن القاسم هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن ابن مسعود أنه قال: لا حبس الا في سلاح أو كراع.
وهذه رواية ساقطة لانها عن رجل لم يسم ولان والد القاسم لا يحفظ عن أبيه كلمة وكان له إذ مات أبوه ست سنين فكيف ولده ولا نعرفها عن ابن عباس أصلا ولا عن على بل نقطع على أنها (1) كذب على على لان ايقافه ينبع وغيرها أشهر من الشمس والكذب كثير، ولعل من ذهب إلى هذا يتعلق بأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجعل ما فضل عن قوته في السلاح والكراع قال أبو محمد: فيقال: نعم وان صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ايقاف غير الكراع والسلاح وجب القول به ايضا وقد صح ذلك فبطل أيضا هذا القول * وأما من أبطل الحبس جملة فان عبد الملك بن حبيب روى عن الواقدي قال: مامن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الا وقد اوقف وحبس أرضا الا عبد الرحمن بن عوف فانه كان يكره الحبس، وهذه رواية أخباث فانها زادت ما جاءت فيه ضعفا ولعله قبلها كان أقوى وأما مالك ومن قلده فانهم احتجوا بانهم قاسوا على ما جاء فيه النص ما لا نص فيه
قال أبو محمد: والقياس كله باطل فكيف والنص يبطله لان ايقاف الشى لغير مالك من الناس واشتراط المنع من أن يورث أو يباع أو يوهب شروط ليست في كتاب الله عزوجل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وان شرط مائة مرة كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) فصح أنه لا يجوز من هذه الشروط الا ما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على جوازه فقط فكان ذلك في كتاب الله تعالى لقوله عزوجل: (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى) ولقوله تعالى: (لتحكم بين الناس بما أراك الله) لا سيما الدنانير.
والدراهم وكل ما لا منفعة فيه الا باتلاف عينه أو اخراجها عن ملك إلى ملك فهذا هو نقض الوقف وابطاله، ويمكن أن يحتجوا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث أشياء من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فهذا لا حجة لهم فيه لان الصدقة الجارية لاشك في أنه عليه الصلاة والسلام لم يعن بها الا ما أجازه من الصدقات لا كل ما يظنه المرء صدقة كمن تصدق بمحرم أو شرط في صدقته شرطا ليس في كتاب الله عزوجل، فصح
__________
(1) في النسخة رقم 14 نقطع بانها [ * ](9/176)
أن الصدقة الجارية الباقي أجرها بعد الموت إما صدقة مطلقة فيما تجوز الصدقة به مما صح ملك المتصدق به عليه ولم يشترط فيها شرطا مفسدا، وإما صدقة موقوفة فيما يجوز الوقف فيه فصح أنه ليس في هذا الخبر حجة فيما يختلف فيه من الصدقات أيجوز أم لا كمن تصدق بصدقة لم يجزها المتصدق عليه وكمن تصدق في وصيته على وارث أو بأكثر من الثلث.
ولا بمحرم كمن تصدق بخمر، أو خنزير وانما فيه أن الصدقة الجائزة (1) المتقبلة يبقى أجرها بعد الموت فقط فبطل هذا القول جملة لتعريه من الادلة وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: احتج من لم ير الحبس جملة بما روينا من طريق سفيان بن عيينة عن
مسعر بن كدام عن أبى عون هو محمد بن عبيد الله الثقفى قال: قال لى شريح: جاء محمد باطلاق الحبس * وبما رويناه من طريق سفيان بن عيينة عن عطاء بن السائب أنه سمع شريحا وسئل فيمن مات وجعل داره حبسا؟ فقال: لا حبس عن فرائض الله * قال على: هذا منقطع بل الصحيح خلافه، وهو أن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء باثبات الحبس نصا على ما نذكره بعد هذا ان شاء الله تعالى فكيف وهذا اللفظ يقتضى أنه قد كان الحبس وقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بابطاله وهذا باطل يعلم بيقين لان العرب لم تعرف في جاهليتها الحبس الذى اختلفنا فيه إنما هو اسم شريعى وشرع اسلامي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء بالصلاة.
والزكاة.
والصيام ولولاه عليه الصلاة والسلام ما عرفنا شيئا من هذه الشرائع ولا غيرها فبطل هذا الكلام جملة، وأما قوله: لا حبس عن فرائض الله فقول فاسد لانهم لا يختلفون في جواز الهبة والصدقة في الحياه والوصية بعد الموت وكل هذه مسقطة لفرائض الورثة عما لو لم تكن فيه لورثوه على فرائض الله عزوجل فيجب بهذا القول ابطال كل هبة وكل صدقة وكل وصية لانها مانعة من فرائض الله تعالى بالمواريث، فان قالوا: هذه شرائع جاء بها النص قلنا: والحبس شريعة جاء بها النص ولولا ذلك لم يجز، واحتجوا بما رويناه (2) من طريق العقيلى نا روح بن الفرج نا يحيى بن بكير نا ابن لهيعة عن أخيه عيسى عن عكرمة عن ابن عباس لما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حبس بعد سورة النساء) قال أبو محمد: هذا حديث موضوع وابن لهيعة لا خير فيه وأخوه مثله وبيان وضعه أن سورة النساء أو بعضها نزلت بعد احد يعنى آية المواريث وحبس الصحابة بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خيبر وبعد نزول المواريث في سورة النساء وهذا أمر متواتر جيلا بعد جيل
__________
(1) في النسخة رقم 14 (الجارية) (2) في النسخة رقم 16 روينا [ * ](9/177)
ولو صح هذا الخبر لكان منسوخا باتصال الحبس بعلمه عليه الصلاة والسلام إلى أن مات،
وذكروا أيضا ما رويناه من طريق ابن وهب نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار.
ومحمد.
و عبد الله ابني أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم كلهم عن أبى بكر بن محمد قال: (ان عبد الله ابن زيد بن عبد ربه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله كان حائطي هذا صدقة وهو إلى الله ورسوله فجاء أبواه فقالا: يا رسول الله كان قوام عيشنا فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ماتا فورثهما ابنهما) زاد بعضهم (موقوفة) وهى زيادة غير صحيحة وهذا لا حجة لهم فيه لوجوه، أولها أنه منقطع لان أبا بكر لم يلق عبد الله بن زيد قط، والثانى أن فيه أنه قوام عيشهم وليس لاحد ان يتصدق بقوام عيشه بل هو مفسوخ ان فعله فهذا الخبر لو صح لكان حجة لنا عليهم وموافقا لقولنا ومخالفا لقولهم (1) في اجازتهم الصدقة لما لا يبقى للمرء بعده غنى، والثالث أن لفظة (موقوفة) انما انفرد بها من لا خير فيه، وموهوا باخبار نحو هذا ليس في شئ منها ذكر الوقف وانما فيها صدقة وهذا لا ننكره، وقال بعضهم: قد كان شريح لا يعرف الحبس ولو كان صحيحا لم يجز ان يستقضى من لا يعرف (2) مثل هذا * قال أبو محمد: لو استحيا قائل هذا لكان خيرا له.
وهلا قالوا هذا في كل ما خالفوا فيه شريحا، وأى نكرة في جهل شريح سنة وألف سنة والله لقد غاب عن ابن مسعود نسخ التطبيق، ولقد غاب عن أبى بكر ميراث الجدة ولقد غاب عن عمر اخذ الجزية من المجوس سنين: واجلاء الكفار من جزيرة العرب إلى آخر عام من خلافته، وبمثل هذا لو تتبع لبلغ أزيد من ألف سنة غابت عمن هو أجل من شريح ولو لم يستقض.
الا من لا تخفى عليه سنة ولا تغيب عن ذكره ساعة من دهره حكم من أحكام القرآن ما استقضى أحد ولا قضى ولا أفتى أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن من جهل هذر ومن علم غبط، وقالوا: الصدقة بالثمرة التى هي الغرض من الحبس يجوز فيها البيع فذلك في الاصل أولى * قال على: هذا قياس والقياس كله باطل ثم هو قياس فاسد لان النص ورد بالفرق بينهما كما نذكر ان شاء الله تعالى من ايقاف الاصل وحبسه وتسبيل الثمرة فهذا اعتراض منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا على غيره والقوم مخاذيل، وقالوا: لما كانت الاحباس
تخرج إلى غير مالك بطل ذلك كمن قال: أخرجت دارى عن ملكى * قال أبو محمد: وهذه وساوس بأن الحبس ليس اخراجا إلى غير مالك بل إلى أجل المالكين وهو الله تعالى كعتق العبد ولا فرق ثم قد تناقضوا فأجازوا تحبيس المسجد والمقبرة واخراجهما إلى غير مالك وأجازوا الحبس بعد الموت في اشهر أقوالهم فبلحوا عند هذه
__________
(1) في النسخة رقم 16 (وخلافا لقولهم) (2) في النسخة رقم 14 ان يجهل [ * ](9/178)
فقالوا: المسجد اخراج إلى المصلين فيه فقلنا: كذبتم لانهم لا يملكونه بذلك وصلاتهم فيه كصلاتهم في طريقهم في قضاء متملك ولا فرق، وقالوا: انما خرجت عن ملكه بموته فقلنا: فاجيزوا بهذا من أوصى فقال: تخرج دارى بموتى عن ملكى إلى غير مالك ولا فرق لان هذا القول نظير الحبس عندكم في الحياة فوجب أن يكون نظيره في الموت ولا فرق، وقالوا: لما كانت الصدقات لا تجوز الا حتى تحاز وكان الحبس لا مالك له وجب أن يبطل فقلنا: هذا احتجاج للخطأ وقد ابطلنا قولكم: ان الصدقة لا تصح حتى تقبض وبينا أنه رأى من عمر، وعثمان رضى الله عنهما قد خالفهما غيرهما فيه كابن مسعود.
وعلى رضى الله عنهما فكيف والحبس خارج إلى قبض الله عزوجل له الذى هو وارث الارض ومن عليها وكل شئ بيده وفى قبضته؟ وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة أبى طلحة لله تعالى دون أن يذكر متصدقا عليه ثم أمره عليه الصلاة والسلام أن يجعلها في أقاربه وبنى عمه وبالله تعالى التوفيق * ومن عجائب الدنيا المخزية لهم احتجاجهم في هذا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساق الهدى في الحديبية وقلدها وهذا يقتضى ايجابه له ثم صرفها عما أوجبها له وجعلها للاحصار ولذلك أبدلها عاما ثانيا * قال أبو محمد أول ذلك كذبهم في قولهم وهذا يقتضى ذلك ايجابه له وما اقتضى ذلك قط ايجابه لانه عليه الصلاة والسلام لم ينص (1) على انه صار التطوع بذلك
واجبا بل أباح ركوب البدنة المقلدة، ومن المحال أن تكون واجبة لوجه ما (2) خارجة بذلك عن ماله باقية في ماله، ثم كذبوا في قولهم: انه عليه الصلاة والسلام أبدله من قابل فما صح هذا قط، ومن المجال أن يبدل عليه الصلاة والسلام هديا وضعه في حق في واجب ثم أي شبه بين هدى تطوع ينحر عن واجب في الاحصار عن أصحابه وعن نفسه المقدسة في حبس، أما يستحى من هذا مقدار علمه وعقله أن يتكلم في دين الله عزوجل ثم نقول لهم: أنتم تقولون: ان له أن يحبس ثم يفسخه.
وقستموه على الهدى المذكور فاخبرونا هل له الرجوع في الهدى بعد أن يوجبه فيبيعه هكذا بلا سبب أم لا؟ فمن قولهم: لا فنقول لهم فهذا خلاف قولكم في الحبس إذ أجزتم الرجوع فيه بلا سبب وظهر هوس قياسكم الفاسد البارد: ويقال لهم: هلا قستموه على التدبير الذى لا يجوز فيه الرجوع عندكم أو هلا قستم قولكم في التدبير على قولكم في الحبس لكن أبى الله تعالى لكم الا خلاف الحق في كلا الوجهين *
__________
(1) في النسخة رقم 14 (لم يقض) (2) في النسخة رقم 14 (لوجوه ما) [ * ](9/179)
قال أبو محمد: وكل هذا فانما هو من احتجاج من لا يرى الحبس جملة وأما قول أبى حنيفة فكل هذا خلاف له لانه يجيز الحبس ثم يجيز نقضه للمحبس ولورثته بعده ويجيز امضاءه وهذا لا يعقل، ونسوا احتجاجهم بالمسلم عند شرطه: وأوفوا بالعقود * قال أبو محمد: فإذ قد بطلت هذه الاقوال كلها فلنذكر البرهان على صحة قولنا بحول الله تعالى وقوته * روينا من طريق البخاري نا مسدد نا يزيد بن زريع نا ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال: (اصاب عمر أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أصبت أرضا لم أصب قط مالا أنفس منه فكيف تأمر به؟ فقال: ان شئت حبست أصلها وتصدقت بها فتصدق بها عمر انه لا يباع أصلها ولا تورث في الفقراء.
والقربى.
والرقاب.
وفى سبيل الله.
والضيف.
وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير
متمول فيه ومن طريق احمد بن شعيب أنا سعيد بن عبد الرحمن المكى نا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر (قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: ان المائة سهم التى بخيبر لم أصب مالا قط هو أعجب إلى منها وقد أردت أن أتصدق بها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: احبس أصلها وسبل ثمرتا) ورويناه أيضا من طريق حامد بن يحيى البلخى عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثله وفيه (احبس الاصل وسبل الثمرة) وحبس عثمان بئر رومة على المسلمين بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل ذلك الخلف عن السلف جيلا بعد جيل وهى مشهورة بالمدينة، وكذلك صدقاته عليه السلام بالمدينة مشهورة كذلك وقد تصدق عمر في خلافته بثمغ وهى على نحو ميل من المدينة وتصدق بماله وكان يغل مائه وسق بوادي القرى كل ذلك حبسا وقفا لا يباع ولا يشترى أسنده إلى حفصة ثم إلى ذوى الرأى من اهله، وحبس عثمان.
وطلحة.
والزبير.
وعلى بن ابى طالب.
وعمرو بن العاص دورهم على بنيهم وضياعا موقوفة، وكذلك ابن عمر.
وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الصحابة جملة صدقاتهم بالمدينة أشهر من الشمس لا يجهلها أحد، وأوقف عبد الله ابن عمرو بن العاص الوهط على بنيه، اختصرنا الاسانيد لاشتهار الامر ومن طريق مسلم نا زهير بن حرب نا على بن حفص نا ورقاء عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأما خالد فقد احتبس ادراعه وأعتاده في سبيل الله) في حديث * ومن طريق محمد بن بكر البصري نا أبو داود نا الحسن بن الصباح نا شبابة هو ابن سوار عن ورقاء عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة قال: (النبي صلى الله عليه وسلم وأما خالد فانكم تظلمون خالدا قد احتبس ادراعه وأعبده في سبيل الله) في حديث (1) *
__________
(1) ومن هذا الباب ايضا تحبيس عمر رضى الله عنه فرسا في سبيل الله، وحديثه مشهور.
[ * ](9/180)
قال أبو محمد: الاعتاد جمع عتد وهو الفرس قال القائل: راحوا بصائرهم على اكتافهم * وبصيرتي تعدو بها عتدوأى
والاعبد جمع عبد، وكلا اللفظين صحيح فلا يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر * ومن طريق مسلم نا قتيبة بن سيعد نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب قال: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفق على أهله قوت سنة وما بقى يجعله في الكراع والسلاح في سبيل الله عزوجل) الكراع الخيل فقط، والسلاح في لغة العرب السيوف.
والرماح، والقسى والنبل.
والدروع.
والجواشن.
وما يدافع به كالطبرزين.
والدبوس.
والخنجر.
والسيف بحد واحد.
والدرق.
والتراس، ولا يقع اسم السلاح على سرج ولا لجام ولا مهماز، وكان عليه السلام يكتب إلى الولاة والاشراف إذا أسلموا بكتب فيها السنن والقرآن بلا شك فتلك الصحف لا يجوز تملكها لاحد لكنها للمسلمين كافة يتدارسونها موقوفة لذلك، فهذا هو الذي يجوز فيه الحبس فقط وأما ما لم يأت فيه نص فلا يجوز تحبيسه لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * ومن عجائب الدنيا قول من لا يتقى الله تعالى: ان صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم انما جازت لانه كان لا يورث وان صدقات الصحابة رضي الله عنهم انما جازت لان الورثة لم يردوها، وان يونس بن عبد الاعلى روى عن ابن وهب عن مالك عن زياد بن سعد عن الزهري أن عمر بن الخطاب قال: لولا انى ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها * قال أبو محمد: أما قولهم أن صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم انما جازت لانه لا يورث فقد كذبوا بل لانه عليه الصلاة والسلام جعلها صدقة فلذلك صارت صدقة هكذا روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا يوسف بن عدى نا أبو الأحوص - هو سلام بن سليم - عن أبى اسحاق السبيعى عن عمرو بن الحارث - هو اخو جويرية أم المؤمنين - قال: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة الا بغلته البيضاء وارضا جعلها صدقة)، وانما قوله: انه عليه الصلاة والسلام لم يورث فنعم وهذا لا يوجب الصدقة بأرضه بل تباع فيتصدق بالثمن فظهر فساد قولهم (1)، وأما قولهم: انما جازت صدقات الصحابة رضى الله عنهم لان الورثة أجازوها فقد كذبوا ولقد ترك عمر ابنيه زيدا وأخته صغيرين
جدا، وكذلك عثمان.
وعلى وغيرهم فلو كان الحبس غير جائز لما حل ترك انصباء الصغار تمضى حبسا، وأما الخبر الذى ذكروه عن مالك فمنكر وبلية من البلايا وكذب بلا شك، ولا ندرى (2) من رواه عن يونس ولا هو معروف من حديث مالك وهبك
__________
(1) في النسخة رقم 14 (بطلان قولهم) (2) في النسخة رقم 14 (وما ندرى) [ * ](9/181)
لو سمعناه من الزهري لما وجب أن يتشاغل به ولقطعنا بأنه سمعه ممن لا خير فيه كسليمان ابن أرقم.
وضربائه ونحن نبت ونقطع بأن عمر رضى الله عنه لم يندم على قبوله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما اختاره له في تحبيس أرضه وتسبيل ثمرتها والله تعالى يقول: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) وليت شعرى إلى أي شئ كان يصرف عمر تلك الصدقة لو ترك ما أمره به عليه الصلاة والسلام فيها حاش لعمر من هذا، وزادوا طامة وهى ان شبهوا هذا بتندم عبد الله بن عمرو بن العاص إذ لم يقبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم ثلاثة ايام من كل شهر * قال أبو محمد: ليت شعرى اين ذهبت عقولهم؟ وهل يندم عبد الله الا على ما يحق التندم عليه من تركه الامر الذى أشار به عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أول مرة ووقف عند المشورة الاخيرة وهذا ضد ما نسبوا (1) إلى عمر مما وضعه عليه من لا يسعد الله جده من رغبته عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة لا ندرى إلى ماذا؟ فوضح فساد قول هؤلاء المحرومين جملة ولله الحمد * وأما قولنا جائز ان يسبل المرء على نفسه وعلى من شاء فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها) وقال لعمر: (تصدق بالثمرة) فصح بهذا جواز صدقته على نفسه وعلى من شاء، وهو قول أبى يوسف: وغيره وبالله تعالى التوفيق * 1653 مسألة ولا يبطل الحبس ترك الحيازة فان استغله المحبس ولم يكن سبله على نفسه فهو مضمون عليه كالغصب ولا يحل الا فيما أبقى غنى وهو جائز في المشاع وغير المشاع فيما ينقسم وفيما لا ينقسم والحجة في ذلك قد ذكرناها في كلامنا في الهبات
والصدقات ولله الحمد كثيرا * 1654 مسألة والتسوية بين الولد فرض في الحبس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعدلوا بين أبنائكم) فان خص به بعض بنيه فالحبس صحيح ويدخل سائر الولد في الغلة والسكنى مع الذى خصه * برهان ذلك أنهما فعلان متغايران بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدهما تحبيس الاصل فباللفظ تحبيسه يصح لله تعالى بائنا عن مال المحبس، والثانى التسبيل والصدقة فان وقع فيها حيف رد ولم يبطل خروج الاصل محبسا لله عزوجل ما دام الولد أحياء، فإذا مات المخصوص بالحبس رجع إلى من عقب عليه بعده وخرج سائر الولد عنه لان المحاباة قد بطلت وبالله تعالى التوفيق * 1655 مسألة ومن حبس داره أو أرضه ولم يسبل على أحد فله أن يسبل الغلة ما دام حيا على من شاء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وسبل الثمرة) فله ذلك ما بقى
__________
(1) في النسخة رقم 16 (ما نسبوه) [ * ](9/182)
فان مات ولم يفعل كانت الغلة لاقاربه وأولى الناس به حين موته، وكذلك من سبل وحبس على منقطع فإذا مات المسبل عليه عاد الحبس على أقرب الناس بالمحبس يوم المرجع * برهان ذلك ما رويناه من طريق مالك عن اسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة سمع أنس ابن مالك يقول: (كان أبو طلحة أكثر انصاري المدينة مالا من نخل فقال: يا رسول الله ان الله عزوجل يقول: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وان أحب أموال إلى بيرحاء وانها صدقة لله عزوجل أرجو برها وزهوها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلام: (ثم انى أرى أن تجعلها في الاقربين فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبنى عمه) * 1656 مسألة ومن حبس على عقبه وعلى عقب عقبه أو على زيد وعقبه فانه يدخل في ذلك البنات والبنون ولا يدخل في ذلك بنو البنات إذا كانوا ممن لا يخرج بنسب
آبائه إلى المحبس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما بنو هاشم وبنو عبد المطلب شئ واحد) وأعطاهم من سهم ذى القربى ولم يعط عثمان ولا غيره وجدة عثمان بنت عبد المطلب فلم يدخل في بنى هاشم إذ لم يخرج بنسب أبيه إليه وان كان خارجا بنسب أمه إليه وهى أروى بنت البيضاء بن عبد المطلب، وأعطى العباس وأمه نمرية وبالله تعالى التوفيق * 1657 مسألة ومن حبس وشرط أن يباع ان احتيج صح الحبس لما ذكرنا من خروجه بهذا اللفظ إلى الله تعالى وبطل الشرط لانه شرط ليس في كتاب الله تعالى وهما فعلان متغايران الا أن يقول: لا أحبس هذا الحبس الا بشرط أن يباع، فهذا لم يحبس شيئا لان كل حبس لم ينعقد الا على باطل فلم ينعقد أصلا وبالله تعالى التوفيق * تم كتاب المنح والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وسلم تسليما بسم الله الرحمن الرحيم كتاب العتق 1658 مسألة العتق فعل حسن لا خلاف في ذلك * 1659 مسألة ولا يحل للمرء أن يعتق عبده أو أمته الا لله عزوجل لا لغيره ولا يجوز أخذ مال على العتق الا في الكتابة خاصة لمجى النص بها، وقال بعض القائلين: ان قال لعبده: أنت حر للشيطان نفذ ذلك * قال أبو محمد: وهذا خلاف قول الله عزوجل: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وقال عزوجل: (وما أمروا إلا ليعبدوا(9/183)
الله مخلصين له الدين) والعتق عبادة فإذا كانت لله تعالى خالصة جازت وإذا كانت لشريك معه تعالى أو لغيره محضا بطلت لانها وقعت بخلاف ما أمر الله تعالى، ثم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فوجب رد هذا العتق وابطاله * وروينا من طريق شبعة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى أنه يقول: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه
غيرى فأنا منه برئ وليلتمس ثوابه منه) * 1660 مسألة ومن قال: ان ملكت عبد فلان فهو حر أو قال: ان اشتريته فهو حر أو قال: ان بعت عبدى فهو حر أو قال: شيئا من ذلك في أمة لسواه أو أمة له ثم ملك العبد والامة أو اشتراهما أو باعهما لم يعتقا بشئ من ذلك * أما بطلان ذلك في عبد غيره وأمة غيره فلما رويناه من طريق مسلم حدثنى زهير بن حرب نا اسماعيل بن ابراهيم هو ابن علية نا أيوب هو السختيانى عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران ابن الحصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد وأما بطلان ذلك في عبده وأمته فلانه إذ باعهما فقد بطل ملكه عنهما ولا وفاء لعقده فيما لا يملكه * روينا من طريق حماد بن سلمة أنا زياد الاعلم عن الحسن البصري فيمن قال لآخر: ان بعت غلامي هذا منك فهو حر فباعه منه قال الحسن: ليس بحر ثم قال: ولو قال لآخر ان اشتريته منك فهو حر ثم اشتراه (1) منه فليس بحر، وهو قول أبى سليمان.
واصحابنا، واختلف الحاضرون في ذلك فقال الشافعي: ان قال: ان بعت غلامي فهو حر فباعه فهو حر، فان قال: ان اشتريت غلام فلان فهو حر فاشتراه فليس بحر، واحتج بعض أصحابه لقوله هذا بانه إذا باعه فهو في ملكه بعد ما لم يتفرقا فلذلك عتق * قال أبو محمد: وهذا باطل لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا بيع بينهما حتى يتفرقا فصح أنه لم يبعه بعد فإذا تفرقا فحينئذ باعه ولا عتق له في ملك غيره؟ وقال أبو حنيفة وسفيان: بعكس قول الشافعي وهو أنهما قالا: ان قال: ان بعث (2) عبدى فهو حر فباعه لم يكن حرا بذلك، فان قال: ان اشتريت عبد فلان فهو حر فاشتراه فهو حر، وقال مالك: من قال: ان بعت عبدى فهو حر فباعه فهو حر وان قال: ان اشتريت عبد فلان فهو حر فاشتراه فهو حر فلو قال: ان بعت عبدى فهو حر، وقال آخر: ان اشتريت عبد فلان فهو حر ثم باعه منه فانه يعتق على البائع لا على المشتري، وقد روينا هذا القول عن
__________
(1) في النسخة رقم 14 (فاشتراه) (2) في النسخة رقم 14 (ان قال بعت) [ * ](9/184)
ابراهيم النخعي والحسن أيضا، وهذا تناقض منه وكلاهما يلزمه عتقه (1) عتقه بقولهما فقال بعض مقلديه: هو مرتهن بيمين البائع * قال أبو محمد: وهذا تمويه لانه يعارضه الحنفي فيقول: بل هو مرتهن بيمين المشترى ويعارضه آخر فيقول: بل هو مرتهن بيمينهما جميعا فيعتق عليهما جميعا، وقال حماد ابن أبى سليمان: يعتق على المشترى ويشترى البائع بالثمن عبدا فيعتقه وهذا عجب عجيب ليت شعرى كيف يجوز عنده بيعه لمن نذر عتقه ثم يلزمه عتقا فيما لم ينذر عتقه وهذه صفة الرأى في الدين، ونحمد الله على عظيم نعمته * 1661 مسألة ولا يجوز عتق بشرط أصلا ولا باعطاء مال الا في الكتابة فقط ولا بشرط خدمة ولا بغير ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل) فان ذكر ذاكر ما روينا من طريق حماد بن سلمة نا سعيد بن جمهان نا سفينة أبو عبد الرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قالت لى أم سلمة: أريد أن أعتقك واشترط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت (2) قلت: ان لم تشترطي على لم أفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أموت قال: فاعتقتني واشترطت على أن أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عاش) * ورويناه أيضا من طريق عبد الوارث بن سعيد عن سعيد بن جمهان عن سفينة، فسعيد بن جمهان غير مشهور بالعدالة بل مذكور انه لا يقوم حديثه، ثم لو صح فليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف ذلك فأقره والحنيفيون.
والمالكيون والشافعيون لا يجيزون العتق بشرط أن يخدم فلانا ما عاش فقد خالفوا هذا الخبر * وروينا من طريق ابن وهب عن عبد الله بن عمر عن أبى بكر عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: أعتق عمر بن الخطاب كل من صلى سجدتين من رقيق الامارة واشترط على بعضهم
خدمة من بعده أن أحب سنتين أو ثلاثا * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أيوب بن موسى أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر قال: ان عمر بن الخطاب أعتق كل من صلى من سبي العرب فبت عتقهم وشرط عليهم انكم تخدمون الخليفة بعدى ثلاث سنوات وشرط لهم انه يصحبكم بمثل ما كنت أصحبكم به فابتاع الخيار خدمته تلك الثلاث سنوات من عثمان بأبى فروة وخلى عثمان سبيل الخيار وقبض أبا فروة * وبه إلى ابن جريج عن موسى ابن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه أعتق غلاما له وشرط عليه أن له عمله سنتين فعمل له بعض سنة ثم قال له: قد تركت لك الذى اشترطت عليك فأنت حر وليس عليك عمل *
__________
(1) في النسخة رقم 14 يلزم عتقه (2) في نسخة ما عاش [ * ](9/185)
ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: كان على بن أبى طالب تصدق بعد موته بأرض له وأعتق بعض رقيقه وشرط عليهم أن يعملوا فيها خمس سنين * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عباد عن حجاج عن القاسم بن عبد الرحمن عن المغيرة بن سعد بن الاخرم عن أبيه أن رجلا اتى ابن مسعود فقال: أنى أعتقت امتى هذه واشترطت عليها أن تلى منى ما تلى الامة من سيدها الا الفرج فلما غلظت رقبتها قالت: انى حرة فقال ابن مسعود: ليس ذلك لها خذ برقبتها فانطلق بها فلك ما اشترطت عليها * قال أبو محمد: الحنيفيون.
والمالكيون.
والشافعيون مخالفون لجميع هذه الآثار لان في جميعها العتق بشرط الخدمة بعد العتق والى غير أجل وهم لا يجيزون هذا ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق رأيهم، وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * وروينا عن سعيد بن المسيب من أعتق عبده واشترط خدمته عتق وبطل شرطه، رويناه من طريق ابن أبى شيبة عن أبى خالد الاحمر عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب * ومن طريق ابن أبى شيبة عن عباد بن العوام عن يحيى بن سعيد التيمى عن أبيه عن شريح مثله، وأجازوا العتق على اعطاء مال ولا يحفظ هذا فيما نعلمه عن أحد من الصحابة
رضى الله عنهم في غير الكتابة، فان قالوا: قسنا ذلك على الكتابة قلنا: ناقضتم لانكم لا تجيزون في الكتابة الضمان ولا الاداء بعد العتق وتجيزون كل ذلك في العتق على المال، ولا تجيزون في الكتابة أن يكون أمد أداء المال مجهولا وتجيزون ذلك في العتق على مال فقد أبطلتم قياسكم فكيف والقياس كله باطل، ثم لهم في هذا غرائب فأما أبوحينفة فانه قال: من قال لعبده: أنت حر على أن تخدمني أربع سنين فقبل العبد ذلك فعتق ثم مات من ساعته فمرة قال في ماله قيمة خدمته أربع سنين وهو قول الشافعي ثم رجع فقال في ماله قيمة رقبته قال: ومن قال لعبده: أنت حر على ألف درهم أو على أن عليك ألف درهم فالخيار للعبد في قبول ذلك أو رده، فان قبل ذلك في المجلس فهو حر والمال دين عليه وان لم يقبل فلا عتق له ولا مال عليه قال: فان قال له: إذا أديت إلى ألف درهم فانت حر فله بيعه ما لم يؤدها فإذا أداها فهو حر، وقال مالك: من قال لعبده: أنت حر على ان عليك ألف درهم لم يلزم العبد أداؤها ولا حرية له الا بادائها فإذا أداها فهو حر، قال: فلو قال: إن جئتني بألف درهم فأنت حر أو متى ما جئتني بألف درهم فأنت حر فليس له ان يبيعه حتى يتلوم له السلطان ولا ينجم عليه فان عجز عجزه السلطان وكان لسيده بيعه قال: فلو قال لعبده: أنت حر الساعة وعليك ألف درهم فهو حر والمال عليه، قال ابن القاسم صاحبه: هو حر ولا شئ عليه * قال أبو محمد: وهذا هو الصحيح لانه لم يعلق الحرية بالغرم بل امضاها بتلة بغير شرط(9/186)
ثم الزمه ما لا يلزمه فهو باطل، ولكن ليت شعرى كم يتلوم له السلطان أساعة أم ساعتين أم يوما أم يومين أم جمعة أم جمعتين أم حولا أم حولين؟ وكل حد في هذا فهو باطل بيقين لانه دعوى بلا برهان، والقول في هذا انه ان أخرج كلامه مخرج العتق بالصفة فهو لازم لانه ملكه فمتى ما جاءه بما قال له فهو حر له ذلك ما بقى عنده وللسيد بيعه قبل أن يستحق العتق لانه عبده وهذه أقوال لا تحفظ عمن قبلهم، وجعل خيارا للعبد حيث لا دليل على ان له الخيار وبالله تعالى التوفيق *
1662 مسألة ومن قال: لله تعالى على عتق رقبة لزمته ومن قال: ان كان أمر كذا مما لا معصية فيه فعبدي هذا حر فكان ذلك الشئ فهو حر، وقد ذكرنا هذا في كتاب النذور، وأما من نذر رقبة فهو نذر لا عتق فيما لا يملك فهو لازم لما ذكرناه في كتاب النذور: وقد جاء في هذا نص وهو قول معاوية بن الحكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم على لله رقبة افاعتقها؟ فسألها عليه السلام أين الله فأشارت إلى السماء فقال: هي مؤمنة فأعتقها فهذا نص جلى على لزوم الرقبة لمن التزمها لله تعالى وبه عزوجل نتأيد * 1663 مسألة ولا يجوز عتق الجنين دون امه إذا نفخ فيه الروح قبل ان تضعه أمه ولا هبته دونها ويجوز عتقه قبل أن ينفخ فيه الروح وتكون أمه بذلك العتق حرة وان لم يرد عتقها، ولا تجوز هبته أصلا دونها فان أعتقها وهى حامل فان كان جنينها لم ينفخ فيه الروح فهو حر الا ان يستثنيه فان استثناه فهى حرة وهو غير حر وان كان قد نفخ فيه الروح فان اتبعها اياه إذ اعتقها فهو حر وان لم يتبعها اياه أو استثناه فهى حرة وهو غير حر، وكذلك القول في الهبة إذا وهبها سواء سواء ولا فرق، وحد نفخ الروح فيه تمام أربعة أشهر من حملها * برهان صحة قولنا قول الله عزوجل: (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) ومن طريق * مسلم نا الحسن بن على الحلواني نا أبو توبة هو الربيع بن نافع نا معاوية يعنى ابن سلام أنه سمع أبا سلام نا أبو أسماء الرحبى ان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا منى الرجل منى المرأة اذكرا باذن الله وإذا علا منى المرأة منى الرجل آنثا باذن الله) وذكر الحديث * ومن طريق شبعة.
وسفيان كلاهما عن الاعمش نا زيد بن وهب نا عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون(9/187)
علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات فيكتب رزقه وعمله وأجله ثم يكتب شقى أو سيعد ثم ينفخ فيه الروح) وذكر الحديث فهذه النصوص توجب كل ما قلنا، فصح أنه إلى تمام المائة والعشرين ليلة ماء من ماء أمه ولحمة ومضغة من حشوتها كسائر ما في جوفها فهو تبع لها لانه بعضها وله استثناؤه في كل حال لانه يزايلها كما يزايلها اللبن واذ هو كذلك فإذا أعتق فقد أعتق بعضها فوجب بذلك عتق جميعها لما نذكره بعد هذا ان شاء الله تعالى * ولا تجوز هبته دونها لانه مجهول ولا تجوز هبة المجهول على ما ذكرنا في كتاب الهبات، وأما إذا نفخ فيه الروح فهو غيرها لان الله تعالى سماه خلقا آخر وهو حينئذ قد يكون ذكرا وهى أنثى ويكون اثنين وهى واحدة ويكون أسود أو أبيض وهى بخلافه في خلقه وخلقه وفى السعادة والشقاء فإذ هو كذلك فلا تجوز هبته ولا عتقه دونها لانه مجهول ولا يجوز التقرب إلى الله تعالى الا بما تطيب النفس عليه ولا يمكن البتة طيب النفس الا في معلوم الصفة والقدر فان أعتقها فلا عتق له لانه غيرها (1) فان وهبها فكذلك فان اتبعها حملها في العتق والهبة والصدقة جاز ذلك لانه لم يزل الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعلمه وبعده يعتقون الحوامل وينفذون عتق حملها ويهبون كذلك ويبعونها كذلك ويتملكونها بالقسمة كذلك ويتصدقون ويهدون ويضحون باناث الحيوان فيتبعون أحمالها لها (2) فتكون في حكمها وبالله تعالى التوفيق * روينا من طريق ابن أبى شيبة نا قرة بن سليمان عن محمد بن فضالة عن أبيه عن ابن عمر فيمن أعتق أمته واستثنى ما في بطهنا قال: له ثنياه * ومن طريق محمد بن عبد الملك ان أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبى نا عبد الرحمن بن مهدى نا عباد بن عباد المهلبى عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه أعتق أمة له واستثنى ما في بطنها، وبه يقول عبيد الله ابن عمر هذا اسناد كالشمس من أوله إلى آخره * ومن طريق يحيى بن سيعد القطان نا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أنه قال في الذى يعتق أمته ويستثنى ما في بطنها
قال: ذلك له * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء بن أبى رباح فيمن أعتق أمته واستثنى ما في بطنها قال ذلك له * ومن طريق ابى ثور نا اسباط عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي قال: من كاتب أمته واستنثى ما في بطنها فلا بأس بذلك * ومن طريق ابن أبى شيبة نا يحيى بن يمان عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي قال: إذا أعتقها واستثنى ما في بطنها فله ثنياه * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن الشعبى قال: من أعتق امته واستثنى ما في
__________
(1) في النسخة رقم 14 (لانها غيرها) (2) في النسخة رقم 14 (فيتبعوا أحمالها).
[ * ](9/188)
بطنها فذلك له * ومن طريق ابن أبى شيبة نا حرمى بن عمارة بن أبى حفصة نا شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة وحماد بن أبى سليمان عن ذلك؟ يعنى عمن أعتق أمته واستثنى ما في بطنها فقالا جميعا: ذلك له، وقد روى أيضا عن أبى هريرة وهو قول أبى ثور.
وأحمد بن حنبل.
واسحاق بن راهويه.
والاوزاعي.
والحسن بن حى.
وابن المنذر وابى سليمان.
وأصحابنا، وقال الحسن البصري.
والزهرى وقتادة.
وربيعة إذا أعتقها فولدها حر وليس له ان يستثنيه * وروى عن سعيد بن المسيب ولم يصح عنه وهو قول أبى حنيفة وسفيان.
ومالك.
والشافعي، وقال ربيعة: ان أعتق ما في بطن أمته دونها فهو له فان ولدته فعسى ان يعتق وله بيعها قبل ان تضع وترق هي وما ولدت ويبطل عتقه وكذلك ان مات فهى وما في بطنها رقيق لا عتق له، وقال مالك: ان أعتق ما في بطن أمته فان مات وقام غرماؤه بيعت وكان ما في بطنها رقيقا ولا عتق له فان لم تبع حتى وضعت فهو حر، وقال أبو حنيفة.
والشافعي: ان أعتق ما في بطن أمته فهو حر ولا يرق أبدا * قال أبو محمد: هذا مما خالفوا فيه ابن عمر ولا يعرف له من الصحابة مخالف وهم يعظمون هذا، وأما قول ربيعة ومالك ففى غاية التناقض، ولا يخلو عتقه لجنين أمته من أن يكون عتقا أو لا يكون عتقا فان كان عتقا فلا يحل استرقاقه بيعت أمه أو لم تبع وان
كان ليس عتقا فلا يجوز أن يصح له عتق وان وضعته بقول ليس عتقا ونسوا ههنا احتجاجهم (بالمسلمين عند شروطهم) وبأوفوا بالعقود، وهذا قول لا يؤيده قرآن.
ولا سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قول صاحب.
ولا قول أحد قبل ربيعة.
ومالك ولا غيرهما ولا قياس ولا رأى سديد بل هو مخالف لكل ذلك وبالله تعالى التوفيق * وعهدناهم يحتجون في بعض المواضع بشئ لا يعرف مخرجه (كل ذات رحم فولدها بمنزلتها) وهم أول مخالف لهذا فيقولون في ولد الغارة والمستحقة هي أمة وولدها حر وقال بعضهم: لم نجد قط امرأة حرة يكون جنينها مملوكا فقلنا: ولا وجدتم قط امرأة مملوكة وولدها حر وقد قضيتم بذلك في أم الولد ولا وجد الحنيفيون قط حكم الآبق وجعله في غير الآبق ولا وجد الماليكون قط امرأة متزوجة بزيد ترث عمرا بالزوجية وهى في عصمة زيد ولا وجد الشافعيون قط حكم المصراة في غير المصراة وهذا تخليط لا نظير له وبالله تعالى التوفيق * 1664 مسألة ومن أعتق عضوا أي عضو كان من أمته أو من عبده أو أعتق عشرهما أو جزءا مسمى كذلك عتق العبد كله والامة كلها وكذلك لو أعتق ظفرا أو شعرا أو غير ذلك لما رويناه من طريق أحمد بن شعيب نا عبدة بن سليمان الصفار البصري(9/189)
نا سويد نا زهير بن معاوية نا عبيد الله هو ابن عمر عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شيئا من مملوكه فعليه عتقه كله ان كان له مال يبلغ ثمنه فان لم يكن له مال عتق منه نصيبه) * ومن طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى نا أبو الوليد هو الطيالسي - نا همام - هو ابن يحيى - عن قتادة عن أبى المليح الهذلى عن أبيه أن رجلا من هذيل أعتق شقصا من مملوك فاجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم عتقه وقال: ليس لله شريك وهذان اسنادان صحيحان ووجب بهذا القول ما ذكرناه في المسألة التى قبل هذه ان من (1) أعتق جنين أمته قبل أن ينفخ فيه الروح عتقت هي بذلك لانه بعضها وشئ منها * روينا
من طريق محمد بن المثنى نا حفص بن غياث نا ليث بن أبى سليم عن عاصم عن ابن عباس أنه قال في رجل قال لخادمه: فرجك حر قال: هي حرة أعتق منها قليلا أو كثيرا فهى حرة * ومن طريق أبى عبيد نا أبو معاوية عن اسماعيل بن مسلم عن الحسن البصري قال: إذا أعتق من غلامه شعرة أو أصبعا فقد عتق * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: من قال لعبده: أصبعك حر أو ظفرك أو عضو منك حر عتق كله * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن الشعبى قال: من أعتق من عبده عضوا عتق كله ميراثه ميراث حر وشهادته شهادة حر وهو قول مالك.
والليث.
وابن أبى ليلى.
والحسن بن حى.
والشافعي.
وزفر الا أن مالكا ناقض فقال: ان أوصى بان يعتق من عبده تسعة أعشاره عتق ما سمى ولا يعتق بذلك سائره، وقال أبوحينفة وأصحابه حاش زفر: لا يجب العتق بذكر شئ من الاعضاء الا في ذكره عتق الرقبة أو الوجه أو الروح أو النفس أو الجسد أو البدن فاى هذه اعتق اعتق جيعه واختلف عنه في عتقه الرأس أو الفرج أيعتق بذلك أم لا؟ واحتجوا في ذلك بان هذه الفاظ يعبر بها عن الجميع، قال لانه يعبر بالوجه عن الجميع في اللغة، وهذا مما خالف فيه أبو حنيفة السنة الثابتة وصاحبا لا يعرف له من الصحابة مخالف وهم يعظمون هذا إذا وافقهم وما نعمل لابي حنيفة في هذا التقسيم متقدما قبله، وقال أحمد.
واسحاق ان قال: ظفرك حر لم يجب العتق بذلك لانه يباين حامله، وكل هذا لا شئ وبالله تعالى التوفيق * 1665 مسألة ومن ملك عبدا أو أمة بينه وبين غيره فأعتق نصيبه كله أو بعضه أو أعتقه كله عتق جميعه حين يلفظ بذلك فان كان له مال يفى بقيمة حصة من يشركه حين لفظ بعتق ما أعتق منه أداها إلى من يشركه فان لم يكن له مال يفى بذلك كلف العبد أو الامة أن يسعى في قيمة حصة من لم يعتق على حسب طاقته لا شئ للشريك غير ذلك ولا له
__________
(1) في النسخة رقم 14 (من أن من) [ * ](9/190)
أن يعتق والولاء للذى أعتق أولا وانما يقوم كله ثم يعرف مقدار حصة من لم يعتق (1) ولا يرجع العبد المعتق على من اعتقه بشئ مما سعى فيه حدث له مال أو لم يحدث * وللناس في هذا أربعة عشر قولا قال ربيعة: من أعتق حصة له من عبد بينه وبين آخر لم ينفذ عتقه * حدثنا بذلك أحمد بن محمد بن الجسور قال نا محمد بن عبد الله بن أبى دليم نا محمد بن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة قال يونس: سألته عن عبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه من العبد فقال ربيعة: عتقه مردود لم يخص بذلك من أعتق باذن شريكه أو بغير اذنه، وروى ذلك عنه الطحاوي عن أحمد بن أبى عمران عن محمد بن سماعة (2) عن أبى يوسف أن ربيعة قال له ذلك، وقال بكير بن الاشج في اثنين بينهما عبد فأراد أحدهما أن يعتق أو يكاتب فانهما يتقاومانه، روينا ذلك عن ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه، وقالت طائفة: ينفذ عتق من أعتق ويبقى من لم يعتق على نصيبه يفعل فيه ما شاء كما روينا من طريق ابن ابى شيبة.
وسعيد بن منصور قالا جميعا: نا أبو معاوية هو محمد بن حازم الضرير.
عن الاعمش عن ابراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان بينى وبين الاسود وامنا غلام شهد القادسية وأبلى فيها فارادوا عتقه وكنت صغيرا فذكر ذلك الاسود لعمر فقال: اعتقوا أنتم ويكون عبد الرحمن على نصيبه حتى يرغب في مثل ما رغبتم فيه أو يأخذ نصيبه قال سعيد بن منصور مكان اعتقوا أنتم: اعتقوا ان شئتم لم يختلفا في غير ذلك، وهذا اسناد كالذهب المحض * ومن طريق سعيد بن منصور نا جرير عن منصور عن النخعي عن الاسود قال: كان لى ولاخوتي غلام ابلى يوم القادسية فأردت عتقه لما صنع فذكرت ذلك لعمر فقال: اتفسد عليهم نصيبهم حتى يبلغوا فان رغبوا فيما رغبت فيه والا لم تفسد عليهم نصيبهم * قال أبو محمد: لو رأى التضمين لم يكن ذلك افسادا لنصيبهم * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء في عبد بين شريكين أعتق أحدهما نصيبه فأراد الآخر أن يجلس على حقه من العبد وقال العبد: أنا أقضى قيمتي فقال عطاء.
وعمرو بن دينار: سيده
أحق بما بقى يجلس عليه ان شاء * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر أنه قال في عبد بين رجلين اعتق أحدهما نصيبه ثم أعتق الآخر بعد فولاؤه وميراثه بينهما وهو قول الزهري أيضا قاله معمر * ومن طريق ابن وهب عن عقبة بن نافع عن ربيعة في عبد بين ثلاثة أعتق أحدهم نصيبه وكاتب الآخر نصيبه وتمسك الآخر بالرق ثم مات العبد فان الذى كاتب يرد ما أخذ منه ويكون جميع ما ترك بينه وبين الذى تمسك بالرق يقتسمانه وقالت طائفة: ينفذ عتق الذى
__________
(1) في النسخة رقم 16 من لم يعتق بحسب طاقته (2) في النسخة رقم 16 عن محمد بن ابى سماعة وهو غلط [ * ](9/191)
أعتق في نصيبه ولا يلزمه شئ لشريكه الا أن تكون جارية رائعة انما تلتمس للوطئ فانه يضمن للضرر الذى أدخل على شريكه وهو قول عثمان البتى، وقالت طائفة: شريكه بالخيار ان شاء أعتق وان شاء ضمن المعتق كما روينا من طريق عبد الرزاق بن معمر عن أبى حمزة عن النخعي ان رجلا أعتق شركا له في عبد وله شركاء يتامى فقال عمر بن الخطاب: ينتظر بهم حتى يبلغوا فان أحبوا أن يعتقوا اعتقوا وان أحبوا أن يضمن لهم ضمن، وهذا لا يصح عن عمر انما الصحيح عنه ما ذكرنا انفا لان هذه الرواية عن أبى حمزة ميمون وليس بشئ ثم منقطعة لان ابراهيم لم يولد الا بعد موت عمر بسنين كثيرة الا أن القول بهذا قد روى عن سفيان الثوري.
والليث، وقالت طائفة: من أعتق نصيبا له في عبد أو أمة فشريكه بين خيارين ان شاء أعتق نصيبه ويكون الولاء بينهما وان شاء استسعى العبد في قيمة حصته فإذا أداها عتق والولاء بينها سواء كان في كلا الامرين المعتق معسرا أو موسرا وله ان كان موسرا خيار في وجه ثالث، وهو ان شاء ضمن للمعتق قيمة حصته ويرجع المعتق المضمن على العبد بما ضمنه شريكه الذى لم يعتق فإذا أداها العبد عتق والولاء في هذا الوجه خاصة للذى أعتق حصته فقط قال: فان أعتق أم ولد بينه وبين آخر فلا ضمان عليه لشريكه ولا عليه ايضا موسرا كان المعتق أو معسرا قال: فان دبر عبدا بينه وبين آخر فشريكه بالخيار ان شاء احتبس نصيبه رقيقا كما هو ويكون نصيب شريكه مدبرا وان شاء دبر نصيبه أيضا وان شاء ضمن العبد قيمة حصته منه مدبرا وإذا أداها عتق وضمن الشريك الذى دبر العبد
أيضا قيمة حصته مدبرا ولا سبيل له إلى شريكه في تضمين وان شاء أعتق نصيبه فان فعل كان لشريكه الذى دبر أن يضمن الشريك المعتق قيمة نصيبه مدبرا وهو قول أبى حنيفة وما نعلم أحدا من أهل الاسلام سبقه إلى هذا التقسيم بين الموسر والمعسر ولا إلى هذه الوساوس وأعجبها أم ولد بين اثنين ولا نعلم أحدا من أصحابه اتبعه عليه الا المتأخرين في أزمانهم وأديانهم فقط وقالت طائفة: من أعتق شركا له في مملوك ضمن قيمة حصة شريكه موسرا كان أو معسرا كما روينا من طريق ابن أبى شيبة نا يزيد بن هارون عن حجاج هو ابن أرطاة عن عبد الرحمن بن الاسود.
وابراهيم النخعي كلاهما عن الاسود قال: كان بينى وبين اخوتى غلام فأردت أن أعتقه قال عبد الرحمن في روايته: فأتيت ابن مسعود فذكرت ذلك له فقال: لا تفسد على شركائك فتضمن ولكن تربص حتى يشبوا، وقال ابراهيم في روايته مكان ابن مسعود عمر واتفقا فيما عدا ذلك * ومن طريق ابن ابى شيبة نا ازهر السمان عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين أن عبدا بين رجلين أعتقه أحدهما فكتب عمر بن الخطاب أن يقوم عليه أعلى القيمة وهذا لا شئ لان الحجاج بن أرطاة هالك والآخر مرسل الا أن هذا قد رويناه من طريق ابن أبى شيبة نا محمد بن مبشر عن هشام(9/192)
ابن عروه عن أبيه في عبد بين اثنين أعتق أحدهما نصيبه قال: هو ضامن لنصيب صاحبه وهو أيضا قول زفر بن الهذيل، وقالت طائفة: ان أعتق أحد الشريكين نصيبه استسعى العبد سواء كان المعتق موسرا أو معسرا كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ان كان عبد بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه بغير أمر شريكه أقيم ما بقى منه ثم عتق في مال الذى أعتقه ثم استسعى هذا العبد بما غرم فيما أعتق عليه من العبد فقلت له يستسعى العبد كان مفلسا أو غنيا؟ قال: نعم زعموا، قال ابن جريج: هذا أول قول عطاء ثم رجع إلى ما ذكرت عنه قبل، وقالت طائفة: ان أعتق شركا له في عبد وهو مفلس فأراد العبد أخذ نفسه بقيمته فهو أولى بذلك ان نفذه * رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج
عن عبيدالله بن أبى يزيد قوله، وقالت طائفة في عبد بين اثنين أعتق أحدهما نصيبه: ان باقيه يعتق من بيت مال المسلمين روى ذلك عن ابن سيرين، وقالت طائفة: من اعتق شركا له في عبد أو أمة فان كان موسرا قوم عليه حصص شركائه وأغرمها لهم وأعتق كله بعد التقويم لا قبله وان شاء الشريك أن يعتق حصته فله ذلك وليس له ان يمسكه رقيقا.
ولا أن يكاتبه.
ولا أن يبعيه.
ولا أن يدبره فان غفل عن التقويم حتى مات المعنق أو العبد بطل التقويم وماله كله لمن تمسك بالرق، فان كان الذى أعتق نصيبه معسرا فقد عتق منه ما أعتق والباقى رقيق يبيعه الذى هو له ان شاء أو يسمكه رقيقا أو يكاتبه أو يهبه أو يدبره وسواء ايسر المعتق بعد عتقه أو لم يوسر، فان كان عبد أو أمة بين ثلاثة فأعتق أحدهم نصيبه وهو معسر ثم أعتق الآخر وهو موسر لم يقوم عليه ولا على المعتق وبقى بحسبه فان كان كلاهما موسرا قوم على الذى أعتق اولا فقط فلو أعتق الاثنان معا وكانا غنيين قومت حصة الباقين عليهما فمرة قال بنصفين ومرة قال على قدر حصصهما فان كان احدهما غائبا لم ينتظر لكن يقوم على الحاضر وهذا قول مالك وما نعلم هذا القول لاحد قبله، وقالت طائفة: ان كان الذى أعتق موسرا قوم عليه حصة من شركه وهو حر كله حين عتق الذى أعتق نصيبه وليس لمن يشركه أن يعتقوا ولا أن يمسكوا فان كان المعتق معسرا فقد عتق ما عتق وبقى سائره مملوكا يتصرف فيه مالكه كما يشاء وهو أحد قولى الشافعي (1) وقال أحمد.
واسحاق: ان كان المعتق موسرا ضمن باقى قيمته لا يباع له في ذلك داره قال اسحاق: ولا خادمه وسكتا عن المعسر فما سمعنا عنهما فيه لفظة، وقالت طائفة: ان كان المعتق لنصيبه موسرا قوم عليه حصة من شركه وعتق كله، فان كان المعتق لنصيبه معسرا استسعى العبد في قيمة حصة من لم يعتق وعتق كله، ثم
__________
(1) في النسخة رقم 16 (وهذا هو قول الشافعي) [ * ](9/193)
اختلف هؤلاء أيكون حرا مذ يعتق الاول نصيبه ولا يكون الآخر تصرف بعتق ولا
بغيره أم لا يعتق الا بالاداء ولمن يكون ولاؤه ان أعتق باستسعائه؟ وهل يرجع على الذى اعتق بعضه أولا بما سعى فيه أم لا * روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا أشعث بن سوار عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: إذا أعتق نصيبا له في عبد فعلى الذى أعتق انصباء شركائه ان كان موسرا وان كان معسرا استسعى العبد * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية نا حجاج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب قال: كان ثلاثون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمنون الرجل إذا أعتق العبد بينه وبين صاحبه إذا كان موسرا ويستسعونه إذا كان معسرا * ومن طريق الطحاوي عن روح بن الفرج عن يحيى بن بكير عن الليث بن سعد سئل أبو الزناد.
وابن أبى ليلى عمن أعتق نصيبه من عبد بينه وبين آخر؟ فذكرا تضمين المعتقد ان كان موسرا أو استسعاء العبد ان كان المعتق معسرا فقالا: سمعنا أن عمر بن الخطاب تكلم ببعض ذلك * ومن طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري أنا أسامة بن زيد أنه سمع سليمان بن يسار يقول: إذا أعتق شقصا في عبد فانه يضمنه بقيمته ان كان له مال فان لم يكن له مال استسعى العبد في بقيته فقلت لسليمان: أرأيت ان كان العبد صغيرا؟ قال: كذلك جاءت السنة * ومن طريق محمد ابن المثنى نا مؤمل بن اسماعيل نا سفيان الثوري عن أسامة بن زيد عن سليمان بن يسار قال: من أعتق شقصا من عبد فانه يعتق عليه من ماله فان لم يكن له مال استسعى العبد في بقيته قال أسامة: فقلت لسليمان عمن؟ قال: جرت به السنة * ومن طريق ابن أبى شيبة نا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي في العبد يكون بين الرجلين يعتق أحدهما نصيبه قال: يضمن ان كان له مال فان لم يكن له مال استسعى العبد * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبى سليمان أنه كان يقول: ان كان له من المال تمام نصيب صاحبه ضمن له وليس على العبد سعاية فان نقص منه درهم فما فوقه سعى العبد وليس على المعتق ضمان * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا يونس واسماعيل بن سالم قال يونس عن الحسن وقال اسماعيل:
عن الشعبى قالا جميعا: ان كان المعتق موسرا ضمن انصباء اصحابه وان كان معسرا استسعى العبد * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة من أعتق شركا له في عبد فانه يقوم عليه يوم أعتقه ولا يتبعه السيد بما غرم عنه والعبد غير معتق حتى يتم أداء ما استسعى فيه * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: يستسعى العبد ولا بد ان كان المعتق لنصيبه معسرا ولا يستسعى ان كان موسرا ويعتق كله يعنى على الذى أعتق نصيبه منه *(9/194)
ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري فيمن أعتق نصيبه من عبد بينه وبين غيره فقال الزهري: يقوم العبد بماله على المعتق في مال المعتق ان كان له مال فان لم يكن للعبد مال استسعى، وروى عن أبى الزناد.
وابن أبى ليلى أنهما قالا في عبد بين ثلاثة أعتق اثنان نصيبهما منه فقالا: نرى أن يضمنا عتاقه جميعا فان لم يكن لهما مال قوم العبد قيمة عدل فسعى العبد فيها فأداها وهو قول سفيان الثوري.
وابن شبرمة والاوزاعي: والحسن بن حى.
وأبى يوسف.
ومحمد بن الحسن وقد ذكرناه عن ثلاثين من الصحابة رضي الله عنهم * وعن ابن عمر وبعضه عن عمر، وقال سليمان بن يسار: وهو السنة، وقال سعيد بن المسيب.
وسليمان بن يسار.
والزهرى.
وأبو الزناد.
والنخعي.
والشعبى.
والحسن.
وحماد.
وقتادة.
وابن جريج، وأما هل يكون حرا حين يعتق الاول بعضه أم لا فان أبا يوسف.
ومحمد بن الحسن.
والاوزاعي.
والحسن بن حى قالوا: هو حر ساعة يلفظ بعتقه وقال قتادة: هو عبد حتى يؤدى إلى من لم يعتق حقه وأما من يكون ولاؤه فان حماد بن أبى سليمان.
والحسن البصري كلاهما قال: ان كان للمعتق مال فضمنه فالولاء كله له وان عتق بالاستسعاء فالولاء بينهما وهو قول سفيان، وقال ابراهيم.
والشعبى.
وابن شبرمة.
والثوري.
وابن أبى ليلى.
وكل من قال: هو حر حين عتق بعضه: ان ولاءه كله للذى أعتق بعضه عتق عليه أو بالاستسعاء، وأما رجوعه أو الرجوع عليه فان ابن أبى ليلى.
وابن شبرمة قالا جميعا: لا يرجع المعتق بما أدى
على العبد ويرجع العبد إذا استسعى بما أدى على الذى ابتدأ عتقه، وقال أبو يوسف.
وغيره: لا رجوع لاحدهما على الآخر * قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب ان ينظر فيما احتجت به كل طائفة فوجدنا قول ربيعة يشبه قول أبى حنيفة في منعه من هبة المشاع.
ومن الصدقة بالمشاع.
ومن اجارة المشاع.
ورهن المشاع وقول الحسن.
وعبد الملك بن يعلى القاضى في المنع من بيع المشاع ورهن المشاع ويحتج له بما احتج به من ذكرنا وليس كل ذلك بشئ لان النص والنظر يخالف كل ذلك، أما النص فقد ذكرناه ونذكره ان شاء الله تعالى، واما النظر فكل أحد أحق بماله ما لم يمنعه منه نص وقد حض الله تعالى على العتق والهبة.
والصدقة وأمرنا بالرهن واباح البيع والاجارة فكل ذلك جائز على كل حال ما لم يمنع النص من شئ من ذلك وقد يمكن أن يحتج بذلك بانه لا يمكن ان يكون انسان بعضه حر وبعضه عبد فقلنا: وما المانع من ذلك فقالوا: كما لا تكون امرأة بعضها مطلقة وبعضها زوجة فقلنا: هذا قياس والقياس كله باطل ثم يلزم على هذا أن يقولوا:(9/195)
إذا وقع هذا أعتق كله كما يقولون: في المرأة إذا طلق بعضها وقالوا: هذا ضرر على الشريك وقد جاء (لا ضرر ولا ضرار) فقلنا: افتراق الملك ايضا ضرر فامنعوا منه وأعظم الضرر منع المؤمن (1) من عتق حصته، وأما من قال بالتقاوم فخطأ لانه لم يأت به نص ولا يجوز ان يجبر أحد على اخراج ملكه عن يده الا أن يوجب ذلك عليه نص فسقط هذا القول أيضا، وأما القول المأثور عن عمر بن الخطاب، وعطاء والزهرى.
وعمرو بن دينار، وربيعة فوجدنا من حججهم (2) ماروينا من طريق سعيد بن منصور نا سفيان هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن عمرو بن سعيد بن العاصى أن بنى سعيد بن العاصى كان لهم غلام فأعتقوه كلهم الا رجل واحد فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشفع به على الرجل فوهب الرجل نصيبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتقه فكان
يقول: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه رافع أبو البهاء * قال أبو محمد: هذا منقطع لان محمد بن عمرو بن سعيد لم يذكر من حدثه ثم لو صح لكان ذلك على معهود الاصل والاصل ان كل أحد أملك بماله ثم نسخ ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعتق على الموسر ويستسعى ان كان المعتق معسرا فبطل بهذا الحكم ما كان قبل ذلك بلا شك، وقالوا: هو قول صح عن عمر ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه فقلنا: عارضوا بهذا الحنيفيين: والمالكيين الذين يتركون السنن لاقل من هذا كما فعلوا في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا وفى عتق صفية وجعله عليه الصلاة والسلام عتقها صداقها.
وتوريث المطلقة ثلاثا في مرض الموت، وأما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا ما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا أحمد بن عبد الله بن عبد الحكم نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن خالد الحذاء عن أبى بشر هو الوليد بن مسلم العنبري.
عن ابن الثلب عن أبيه (أن رجلا أعتق نصيبا له من مملوك فلم يضمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم) فهذا عن ابن الثلب وهو مجهول، وقال قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) ولا فرق بين عتق نصيبه وبين بيع نصيبه قلنا: نعم ولكن السنة أولى أن تتبع وهو عليه الصلاة والسلام يفسر القرآن قال تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم) وقد حكمتم بالعاقلة ولم تبطلوها بهذه الآية، وحكمتم بالشفعة ولم تقولوا: كل احد املك بحقه، وقالوا: لو ابتدأ عتق نصيب شريكه لم ينفذ فكذلك بل احرى أن لا ينفذ إذا لم يعتقه لكن أعتق نصيب نفسه وقد جاء لا عتق قبل ملك فقلنا: هذا كله كما ذكرتم وكله لا يعارض به النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تضرب السنن بعضها ببعض، وقالوا: لو اعتقا معا لجاز
__________
(1) في النسخة رقم 14 (منع المرء) (2) في النسخة رقم 14 (من حجتهم) [ * ](9/196)
فصح أن كل احد املك بحقه قلنا: نعم وليس هذا بمشبه لعتقه بعد عتق شريكه لان له أن يبيع مع عتق شريكه معا وأن يهب وليس له عند بعض من قال بهذا القول أن يبيع بعد عتق
شريكه ولا أن يهب وله ذلك عند بعضهم وكل هذا فيمكن أن يشغب به لو لم تأت السنة بخلاف ذلك، وأما وقد جاء ما يخص هذا كله فلا يحل خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: هذا مما تناقض فيه الحنيفيون.
والمالكيون فخالفوا صاحبا لا يصح عن أحد من الصحابة خلافه وخالفوا أثرين مرسلين.
وهم يقولون بالمرسل، وخالفوا القياس، فأما أبو حنيفة فلم يتعلق بشئ أصلا، وأما مالك فتعلق بحديث ناقص عن غيره وقد جاء غيره بالزيادة عليه، وأما قول عثمان البتى في تخصيصه الجارية الرائعة فقول لا دليل عليه اصلا واستدلاله فاسد لان الضرر الداخل عليهم بالشركة المانعة من الوطئ هو بعينه ولا زيادة داخل عليهم في عتق بعضها ولا فرق وكلتاهما يمكن أن تتزوج ولا فرق فبطل هذا القول، وأما قول زفر فان الحجة له ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن عثمان نا الوليد بن مسلم عن حفص بن غيلان عن سليمان بن موسى عن نافع.
وعطاء قال نافع: عن ابن عمر.
وقال عطاء: عن جابر ثم اتفق جابر.
وابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق عبدا وله فيه شركاء وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمة لما أساء من مشاركتهم وليس على العبد شئ) وبما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا يحيى بن سعيد الانصاري عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما رجل كان له نصيب في عبد فاعتق نصيبه فعليه أن يكمل عتقه بقيمة عدل * قال أبو محمد: الاول انما فيه حكم من له وفاء ولم يذكر فيه من لا وفاء عنده، وأيضا فهو من طريق حفص بن غيلان لا نعرفه واخلق به أن يكون مجهولا لا يعتد به * ومن طريق شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس (1) عن بشير بن نهيك عن أبى هريرة عن رسول الله (2) صلى الله عليه وسلم أنه قال في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما قال: (يضمن وعليه خلاصه) وأما الثاني.
والثالث فصحيحان الا أنه قد جاء خبر آخر بزيادة عليهما فاخذ الزيادة أولى ولو لم يأت الا هذان الخبران لما تعديناهما، وقالوا: جنى على شركائه فوجب تضمينه قال أبو محمد: ما جنى شيئا بل أحسن وتقرب إلى الله عزوجل ولكن عهدنا بالحنيفيين
والمالكيين يجعلون خبر المعتق نصيبه حجة لقولهم الفاسد في أن المتعدى لا يضمن الا قيمة ما أفسد لا مثل ما أفسد فإذ هو عندهم افساد وهم أصحاب تعليل.
وقياس فالواجب عليهم أن يقولوا بقول زفر هذا والا فقد أبطلوا تعليلهم ونقضوا قياسهم وأفسدوا احتجاجهم
__________
(1) في النسخة رقم 14 (عن ابى النضر عن أنس) وهو غلط وسيأتى يذكره المصنف صحيحا من رواية مسلم بن الحجاج قريبا (2) في النسخة رقم 14 (أن رسول الله) الخ [ * ](9/197)
وتركوا ما أصلوا، وهذه صفات شائعة في أكثر أقوالهم وبالله تعالى التوفيق، فسقط هذا القول أيضا، وأما قول أبى حنيفة ففى غاية الفساد لانه قول لم يتعلق بقرآن.
ولا سنة صحيحة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قول صاحب.
ولا تابع ولا أحد نعلمه قبله.
ولا بقياس ولا برأى سديد.
ولا احتياط بل هو مخالف لكل ذلك.
وما وجدناهم موهوا الا بكذب فاضح من دعواهم ان قولهم موافق لقول عمر وكذبوا كما يرى كل ذى فهم مما أوردنا وحكموا بالاستسعاء وخالفوا حديث الاستسعاء في اجازتهم الذى لم يعتق أن يعتق وأن يضمن في حال اعسار الشريك وأجازوا له أن يعتق ومنعوه ان يحتبس ثم أتوا بمقاييس سخيفة على المكاتب والمكاتب عندهم قد يعجز، فيرق ولا يرق عندهم المستسعى وغير ذلك مما لم يفارقوا فيه الكذب البارد، فان قالوا: ان كل فصل من قولنا موجود في حديث من الاحاديث قلنا: وموجود أيضا خلافه بعينه في هذه القضية فمن أين أخذتم ما أخذتم وتركتم ما تركتم هكذا مطارفة؟ وأيضا فلا يوجد في شئ من الآثار خيار في تضمين الموسر أو ترك تضيمنه ولا رجوع الموسر على العبد ولا تضمين العبد في حال يسار الذى أعتقه أصلا وبالله تعالى التوفيق، وسائر الاقوال لا متعلق لها أصلا، وأما قول مالك والشافعي فوجدناهم يحتجون بما روينا من طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا أبى نا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعتق شركا له من مملوك فعليه عتقه كله ان كان له مال يبلغ ثمنه فان لم يكن له مال عتق منه ما عتق *
قال أبو محمد: ما نعلم لهم حجة غير هذا أصلا وهو خبر صحيح الا أنه قد جاء خبر آخر بزيادة عليه لا يحل تركها، وقد أقدم بعضهم فزاد في هذا الخبر (ورق منه ما رق) وهى موضوعة مكذوبة لا نعلم أحدا رواها لا ثقة ولا ضعيف، ولا يجوز الاشتغال بما هذه صفته وليس في قوله عليه الصلاة والسلام والا فقد عتق منه ما عتق دليل على حكم المعسر أصلا وانما هو مسكوت عنه في هذا الخبر، ولا شك في أنه قد عتق منه ما عتق وبقى حكم المعسر فوجب طلبه من غير هذا الخبر على أنه قد قيل: إن لفظة (وإلا فقد عتق منه ما عتق) إنما هو من كلام نافع ولسنا نلتفت إلى هذه لانه دعوى بلا دليل لكن ينبغى طلب الزيادة فإذا وجدت صحيحة وجب الاخذ بها، وبالله تعالى نتأيد * فلم يبق الا قولنا فوجدنا الحجة له ما روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا عمرو الناقد.
واسماعيل - هو ابن علية كلاهما عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شقصا (1) له في عبد فخلاصه في ماله ان كان له مال
__________
(1) السقص بكسر الشين المعجمة النصيب قليلا كان أو كثيرا، ويقال له: الشقيص أيضا بزيادة ياء آخر الحروف ويقال له أيضا، الشرك بكسر الشين [ * ](9/198)
فان لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق (1) عليه) * ومن طريق أبى داود نا مسلم - هو ابن ابراهيم الكشى - ابان هو ابن يزيد العطار نا قتادة نا النضر بن أنس بن مالك عن بشير بن نهيك عن أبى هريره قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شقصا في مملوك فعليه أن يعتقه كله ان كان له مال والا استسعى العبد غير مشقوق عليه) * ومن طريق البخاري نا أحمد بن أبى رجاء.
وأبو النعمان - هو محمد بن الفضل عارم - قال أحمد: نا يحيى بن آدم نا جرير بن حازم سمعت قتادة وقال أبو النعمان: نا جرير بن حازم عن قتادة ثم اتفقا عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق شقيصا في عبد عتق كله ان كان له مال والا استسعى غير مشقوق عليه) وقد سمع قتادة هذا الخبر
من النضر بن أنس كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن المبارك نا أبو هشام نا أبان بن يزيد العطار نا قتادة نا النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبى هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعتق شقيصا له من عبد فان عليه أن يعتق بقيته ان كان له مال والا استسعى العبد غير مشقوق عليه) وهذا خبر في غاية الصحة فلا يجوز الخروج عن الزيادة التى فيه فقال قوم: قد روى هذا الخبر شعبة.
وهمام.
وهشام الدستوائى فلم يذكروا ما ذكر ابن أبى عروبة * قال أبو محمد: فكان ماذا؟ وابن أبى عروبة ثقة فكيف وقد وافقه عليه جرير.
وأبان وهما ثقتان، فان قيل: فان هماما قال في هذا الحديث فكان قتادة يقول: ان لم يكن له مال استسعى العبد قلنا صدق همام قاله قتادة مفتيا بما روى وصدق ابن ابى عروبة.
وجرير وابان.
وموسى بن خلف: وغيرهم فأسندوه عن قتادة ولو لم يصح حديث قتادة هذا لكان حديث ابن عمر.
وابى هريرة بالتضمين جملة زائدة على ما تعلق به مالك من رواية نافع فكان يكون القول ما ذهب إليه زفر بن الهذيل وهذا لا مخلص له عنه وبالله تعالى التوفيق * وأما قولنا: أنه حر ساعة يعتق بعضه فان بعض الرواة قال ثم يعتق وكان في رواية جرير بن حازم التى ذكرنا عتق كله فكانت هذه زيادة لا يجوز تركها فإذ قد عتق كله فولاؤه للذى عتق عليه، وأما رجوع أحدهما على الآخر فباطل لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألزم الغرامة للمعتق في يساره وألزمها العبد المعتق في أعسار المعتق ولم يذكر رجوعا فلا يجوز لاحد القضاء برجوع في ذلك * قال على: فان كان له مال لا يفى بجميع قيمة العبد فلا غرامة على المعتق لكن (2) يستسعى العبد وهذا مقتضى لفظ الخبر وبه يقول حماد وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) معناه لا يكلف ما يشق عليه، وهو من جهة الاعراب حال أي حال كون العبد لا يشق عليه (2) في النسخة رقم 16 (ولكن) بزيادة واو [ * ](9/199)
1666 مسألة ومن أعتق بعض عبده فقد عتق كله بلا استسعاء ولو أوصى بعتق بعض عبده أعتق ما أوصى به وأعتق باقيه واستسعى في قيمة ما زاد على ما أوصى بعتقه لما ذكرنا قبل، فلو أوصى بعتق عبده فلم يحمله ثلثه أعتق منه ما حمل الثلث وأعتق باقيه واستسعى لورثته فيما زاد على الثلث ولا يعتق في ثلثه لان ما لم يوص به الميت فهو للورثة فالورثة شركاؤه فيما أعتق ولا مال للميت فوجب أن يستسعى لهم * روينا (1) عن محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن خالد بن سلمة عن عمر بن الخطاب من أعتق ثلث مملوكه فهو حر كله ليس لله شريك * رويناه من طريق يحيى ابن سعيد الانصاري.
وعطاء بن أبى رباح.
ونافع مولى ابن عمر من طريق ابن وهب (من اعتق بعض عبده في صحة أو مرض عتق عليه في ماله) * وروى من طريق ابن عمر والحكم.
والشعبى.
وابراهيم النخعي من أعتق عبده في مرضه فمن ثلثه فان زاد على الثلث استسعى للورثة وعتق كله، وقال أبو حنيفة: ان عتق بعض عبده في صحته عتق منه ما أعتق واستسعى له في باقيه فإذا أدى عتق وقال أبو حنيفة: فان أوصى بعتق بعضه عتق منه ما أوصى بعتقه وسعى للورثة في الباقي فإذا أدى عتق، وروى نحو هذا عن على جملة؟ وقال مالك: ان أعتق بعض عبد في صحته أعتق عليه كله فان أعتقه في مرضه أعتق عليه باقيه ما حمل منه الثلث ويبقى الباقي رقيقا، فان أوصى بعتق بعض عبده لم يعتق منه الا ما أوصى به فقط، وروى نحوه عن ابن مسعود * ومن طريق ابن أبى شيبة نا حفص عن أشعث عن الحسن قال: قال على بن أبى طالب: يعتق الرجل ما شاء من غلامه، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اختلفوا كما ذكرنا * 1667 مسألة ومن ملك ذا رحم محرمة فهو حر ساعة يملكه فان ملك بعضه لم يعتق عليه الا الوالدين خاصة والاجداد والجدات فقط فانهم يعتقون عليه كلهم ان كان له مال يحمل قيمتهم فان لم يكن له مال يحمل قيمتهم استسعوا وهم كل من ولده من جهة أم أو جدة أو جد أو أب، وكل من ولده هو من جهة ولد أو ابنة.
والاعمام.
والعمات وان
علوا كيف كانوا لام أو لاب والاخوات والاخوة كذلك، ومن نالته ولادة أخ أو اخت باى جهة كانت، ومن كان له مال وله أب أو أم أو جد أو جدة اجبر على ابتياعهم باغلى قيمتهم وعتقهم إذا أراد سيدهم بيعهم فان أبى لم يجبر السيد على البيع وان ملك ذا رحم غير محرمة أو ملك ذا محرم بغير رحم لكن بصهر أو وطئ اب أو ابن لم يلزمه عتقهم وله بيعهم ان شاء وقالت طائفة: لا يعتق الا من ولده من جهة اب أو ام أو من ولده هو
__________
(1) في النسخة رقم 14 (وروينا) [ * ](9/200)
كذلك أو اخ أو اخت فقط ولا يعتق العم ولا العمة ولا الخال ولا الخالة ولا من ولد الاخ أو الاخت وهو قول مالك، وصح عن يحيى بن سعيد الانصاري وروى عن ربيعة ومكحول.
ومجاهد ولم يصح عنهم ولا روى عنهم ان من عدا هؤلاء لا يعتق وقالت طائفة لا يعتق الا من ولده من جهة اب أو ام ومن ولده هو كذلك ولا يعتق غير هؤلاء لا أخ ولا غيره وهو قول الشافعي، وقال أبو سليمان: لا يعتق أحد على أحد، وقال الاوزاعي: يعتق كل ذى رحم محرمة كانت أو غير محرمة حتى ابن العم.
وابن الخال فانهما يعتقان عليه ويستسعيهما * قال أبو محمد: ما نعلم قول الشافعي عن أحد قبله، فان ذكروا أنه روى عن ابراهيم انه إذا ملك الوالد والولد عتق قلنا: نعم وقد صح عنه هذا أيضا في كل ذى رحم وليس في قوله إذا ملك الوالدن والولد عتق ان غيرهما لا يعتق ولا نعلم له حجة الا دعوى الاجماع على عتق من ذكرنا وهذه دعوى كاذبة فما يحفظ في هذه المسألة قول عن عشرين من صاحب وتابع وهم الوف فأين الاجماع؟ فان قالوا: قال الله تعالى: (وبالوالدين احسانا) قلنا أتموا الآية (وبذي القربى) فسقط هذا القول، واحتج المالكيون بقول الله تعالى في الوالدين: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) قالوا: ولا يمكن خفض الجناح والذل لهما مع استرقاقهما قالوا: وأما الولد فان الله تعالى يقول: (وما ينبغى للرحمن
أن يتخذ ولدا ان كل من في السموات والارض الا آتى الرحمن عبدا) قالوا: فوجب ان الرق.
والولادة لا يجتمعان قالوا: وأما الاخ فقد قال تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام: (انى لا أملك الا نفسي وأخى) قالوا: فكما لا يملك نفسه كذلك لا يملك أخاه * وبما روينا من طريق زكريا بن يحيى الساجى نا أحمد بن محمد نا سليمان بن داود نا حفص بن سليمان - هو القارى - عن محمد بن أبى ليلى عن عطاء عن ابن عباس (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مولى يقال: له صالح اشترى (1) أخا له مملوكا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد عتق حين ملكته) * قال أبو محمد: وهذا أثر فاسد لان حفص بن سليمان ساقط وابن أبى ليلى شئ الحفظ ولو صح لم يكن فيه ارقاق من عدا الاخ، واما احتجاجهم بقول الله تعالى: (انى لا أملك إلا نفسي واخى) فتحريف للكلم عن مواضعه وتخليط سمج ولو كان هذا يحتج به من يرى ان الاخ يملك لكان ادخل في الشبهة لان فيه اثبات الملك على الاخ والنفس ومن المحال ان يقع لاحد ملك رق على نفسه وليس محالا ملك أخيه وأبيه ولا يجوز قياس الاخ على النفس لان
__________
(1) في النسخة رقم 16 (فاشترى) [ * ](9/201)
الانسان يصرف نفسه في الطاعة أو المعصية بقدر الله تعالى ويملك نفسه في ذلك كما قال موسى عليه الصلاة والسلام انه يملك نفسه في الجهاد ولا يصرف أخاه كذلك ولا يطيعه ففسد هذا القياس البارد الذى لم يسمع قط بأسخف منه، وأما قول الله تعالى: (وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا ان كل من في السموات والارض الا آتى الرحمن عبدا) فلا يجوز البتة ان يستدل من هذا على عتق الابن ولا على أنه لا يملك لان الله تعالى لم يدل على ذلك بهذه الآية وليس فيها الا الخبر عنهم بما هم عليه من أنهم عبيد لا أولاد ولو كان ما قالوه لوجب عتق الزوجة والشريك إذا ملكا لان الله تعالى انتفى عنهما كما انتفى عن الولد سواء سواء وأخبر أن الكل عبيده ولا فرق فسقط احتجاجهم جملة وبالله تعالى التوفيق، وأما من
قال: لا يعتق أحد على أحد فانهم ذكروا ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يجزى ولد والدا الا ان يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) * قال أبو محمد: هذا حجة عليهم لان الله تعالى يقول: (أن اشكر لى ولوالديك) فافترض عزوجل شكر الابوين وجزاؤهما هو من شكرهما فجزاؤهما فرض فإذ هو فرض وجزاؤهما لا يكون الا بالعتق فعتقهما فرض وما نعلم لهم حجة غير ما ذكرنا، ثم نظرنا فيما احتج به الاوزاعي فوجدنا من حجته قول الله تعالى: (وبالوالدين احسانا وبذي القربى) * قال على: هذا لا يوجب العتق لان الاحسان فرض إلى العبيد ولا يقتضى ذلك عتقهم فرضا ولو وجب ذلك في ابن العم.
وابن الخال لوجب في كل مملوك لان الناس يجتمعون في أب بعد أب إلى آدم عليه السلام ولا يجوز أن يخص بهذا ابن العم.
وابن الخال دون ابن ابن العم وابن ابن الخال وهكذا صعدا فبطل هذا القول بيقين، ثم نظرنا في قولنا فوجدنا ما روينا من طريق أحمد بن شعيب انا عيسى بن محمد - هو أبو عمير الرملي - وعيسى ابن يونس الفاخورى عن ضمرة بن سعيد عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ملك ذا رحم محرم عتق) فهذا خبر صحيح كل رواته ثقات تقوم به الحجة، وقد تعلل فيه الطوائف المذكورة بأن ضمرة انفرد به وأخطأ فيه فقلنا: فكان ماذا إذا انفرد به؟ ومتى لحقتم بالمعتزلة في أن لا تقبلوا ما رواه الواحد عن الواحد وكم خبر انفرد به راويه فقبلتموه وليتكم لا تقبلون ما انفرد به من لا خير فيه كابن لهيعة وجابر الجعفي وغيره فأما دعوى أنه أخطأ فيه فباطل لانها دعوى بلا برهان وهذا موضع قبله الحنيفيون وقالوا به ولم يروا انفراد ضمرة به علة ثم أتوا إلى ما رويناه من طريق ابن وهب عن الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبى جعفر عن بكير بن الاشج عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق عبد وله مال فماله له الا أن يسثنيه(9/202)
السيد) فقالوا: انفرد به عبيد الله بن أبى جعفر وأخطأ فيه فيا للمسلمين.
إذا رأى
المالكيون.
والشافعيون هذا الخبر صحيحا وعملوا به ولم يروا انفراد عبيد الله بن أبى جعفر به وقول من قال: انه خطأ فيه حجة في رده وتركه ورأى الحنيفيون انفراد عبيد الله ابن أبى جعفر بهذا الخبر وقول من قال أنه أخطأ فيه حجة في تركه ورده ولم يروا انفراد ضمره بذلك الخبر وقول من قال انه أخطأ فيه حجة في تركه ورده فهل من الدليل على التلاعب بالدين وقلة المراقبة لله تعالى أكثر من هذا؟ ونعوذ بالله من الضلال باتباع الهوى، وقد روينا هذا الخبر أيضا من طريق حماد بن سلمة عن عاصم الاحول.
وقتادة عن الحسن البصري عن سمرة بن جندب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ملك ذا رحم محرمة فهو حر) فصحح الحنيفيون هذا الخبر ورأوه حجة وقالوا: لا يضره ما قيل: ان الحسن لم يسمع من سمرة والمنقطع تقوم به الحجة ثم أتوا إلى مرسل رويناه من طريق ابن أبى شيبة نا محمد بن بشر عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عهدة الرقيق ثلاث) فقالوا: لم يصح سماع الحسن من سمرة وهو منقطع لا تقوم به حجة وقلب المالكيون هذا العمل فرأوا رواية الحسن عن سمرة في عهدة الرقيق حجة لا يضره ما قيل من أن الحسن لم يسمع من سمرة والمنقطع تقوم به الحجة ولم يروا خبر عتق ذى الرحم المحرمة حجة لان الحسن لم يسمع من سمرة شيئا والمنقطع لا تقوم به الحجة وفى هذا كفاية لمن عقل ونصح نفسه * قال أبو محمد: فبطلت الاقوال الا قولنا ولله الحمد وبه يقول جمهور السلف روينا من طريق الخشنى نا محمد بن بشار نا أبو عاصم - هو الضحاك بن مخلد - نا أبو عوانة عن الحكم بن عتيبة عن ابراهيم النخعي عن الاسود بن يزيد عن عمر بن الخطاب قال: من ملك ذا رحم محرم فهو حر وبه إلى بندار نا غندر نا شعبة وسفيان الثوري قال شعبة عن غيلان وقال سفيان عن سلمة بن كهيل كلاهما عن المستورد - هو ابن الاحنف - ان رجلا أتى عبد الله بن مسعود فقال له: ان عمى زوجنى جارية له وانه يريد أن يسترق ولدى فقال له ابن مسعود: ليس له ذلك * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى عن حماد بن زيد عن ابن شبرمة
عن الحارث العكلى عن ابراهيم النخعي قال: من ملك ذا رحم فهو حر وهو قول ابن شبرمة * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن قتادة عن الحسن.
وجابر بن زيد قالا جميعا: من ملك ذا رحم عتق * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن اسماعيل بن أمية عن عطاء قال: إذا ملك الاخ والاخت والعمة والخالة عتقوا * ومن طريق وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة.
وحماد بن أبى سليمان قالا جميعا: كل من ملك ذا رحم محرمة عتق،(9/203)
وصح أيضا عن قتادة وهو قول الزهري، وأبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
والليث ابن سعد.
وسفيان الثوري.
والحسن بن حى.
وأبى حنيفة.
وجميع أصحابه.
وعبد الله ابن وهب.
وغيرهم، وهذا مما خالف فيه المالكيون جمهور العلماء وصاحبين لا يعرف لهما من الصحابة مخالف وهم يشنعون بأقل من هذا إذا وافق تقليدهم، وقد روينا من طريق الحسن ما رواه عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن الحسن من ملك أخاه من الرضاعة عتق ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن الاعمش عن ابراهيم النخعي عن علقمة أن ابن مسعود مقت رجلا أراد أن يبيع جارية له أرضعت ولده * قال أبو محمد: وما نعلم لهذا حجة الا أن الحنيفين والمالكيين.
والشافعيين.
أصحاب قياس بزعمهم فكان يلزمهم أن يقيسوا الام من الرضاع.
والولد من الرضاع.
والاخ من الرضاع على كل ذلك من النسب لا سيما مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فهذا أصح من كل قياس قالوا به * قال أبو محمد: ثم استدركنا فرأينا من حجتهم ان قالوا.
ان السنة توجب ان يعتق ذوو المحارم من الرضاع ايضا ولا بد لما روينا من طريق مسلم نا محمد بن رمح انا الليث عن يزيد بن ابى حيبب عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة ام المؤمنين (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) * ومن طريق مسلم نا هداب بن خالد نا
همام نا قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: يحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم) ووجدنا يحرم من الرحم ومن النسب تمادى ملك كل ذى رحم محرمة وذى نسب محرم فوجب ولابد ان يحرم تمادى الملك فيمن يمت بالرضاعة كذلك ولابد فنظرنا في هذا الاحتجاج فوجدناه شغبيا، أول ذلك ان ملك ذى الرحم المحرمة ليس حراما بل هو صحيح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ملك ذا رحم محرمة فهو حر) فأوقع الملك عليه ثم ألزم العتق ولولا صحة ملكه لم يصح عتقه ثم وجدنا قولهم: ان تمادى ملك ذى الرحم المحرمة يحرم خطأ لانه لو لم يكن ههنا الا تحريم تمادى الملك لكان العتق لا يجب ولابد بل كان له أن يهبه فيسقط ملكه عنه أو ان يتصدق به فيبطل بهذا ما قالوا من أن تمادى الملك يحرم وكان الحق أن يقولوا: ان العتق يجب عقيب الملك بلا فصل ولا مهلة ولم يقل عليه الصلاة والسلام: انه يجب في الرضاع ما يجب في النسب وما يجب في الرحم، ولو قال: هذا لوجب العتق كما قالوا وانما قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ومن الرحم فصح انه انما يحرم النكاح والتلذذ فقط فهو حرام فيهما معا، وأما(9/204)
من ملك بعض ذى الرحم المحرمة فلم يملك ذا رحم محرمة فليس عليه عتقه إذا لم يوجب النص ذلك، وأما قولنا في الوالدين بخلاف ذلك فلما روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة.
وزهير بن حرب قالا جميعا: نا جرير هو ابن حازم عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجزى والد ولدا الا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) قال أبو بكر في روايته والده واتفقا في غير ذلك ومن طريق محمد بن المثنى نا مؤمل بن اسماعيل الحميرى نا سفيان الثوري عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجزى ولد والديه الا أن يجدهما أو احدهما مملوكا فيشتريه فيعتقه) واسم الوالد يقع على الجد والجدة ما لم يخصهما نص، ويلزمه أن يشتريه بما يشترى به الرقبة الواجبة للعتق.
والحر والعبد سواء في كل ما ذكرنا لعموم قوله
عليه الصلاة والسلام: (من ملك ذا رحم محرمة فهو حر) فولد العبد من أمته حر على أبيه * روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: اليتيم أمه محتاجة أن ينفق عليها من ماله؟ قال: نعم قلت فان كانت أمه أمة أتعتق فيه؟ قال: نعم يكره على اعتاقها ان لم يتمتعوا بها ويحتاجوه * 1668 مسألة ولا يصح عتق من هو محتاج إلى ثمن مملوكه أو غلته أو خدمته فان أعتقه فهو مردود الا في وجه واحد وهو من ملك ذا رحم محرمة كما ذكرنا فانه يعتق عليه بالحكم المذكور صغيرا كان أو كبيرا مجنونا أو عاقلا غائبا أو حاضرا وهو حر ساعة ذلك من حيث شاء بحكم السلطان وبغير حكم السلطان لما روينا من طريق البخاري نا عاصم بن على نا ابن أبى ذئب عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله (أن رجلا أعتق عبدا له ليس له مال غيره فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتاعه منه نعيم بن النحام) فان قيل: هذا حديث المدبر نفسه رواه عطاء وعمرو بن دينار.
وأبو الزبير كلهم عن جابر فذكروا أنه كان دبره قلنا: لو لم يمكن أن يكونا خبرين في عبدين لكان ماقتلم حقا وأما إذ في الممكن أن يكونا خبرين في عبدين يبتاعهما معا نعيم بن النحام فلا يحل القطع بانهما خبر واحد فيكون من قال ذلك كاذبا قافيا ما لا علم له به * وأما من ملك ذا رحم محرمة فما يبالى أعتقه أو لم يعتقه وليس هو الذى أعتقه بل هو حر ولابد، ومن أعتق شقصا له في عبد وهو محتاج إليه ولا غنى به عنه فهو باطل واذ هو باطل فلم يعتقه فليس له الحكم الذى ذكرنا قبل وقد قال مالك: من اعتق والدين محيط بماله رد عتقه ولا نص له في ذلك * 1669 مسألة ولا يجوز عتق من لا يبلغ ولا عتق من لا يعقل من سكران أو مجنون ولا عتق مكره ولا من لم ينو العتق لكن اخطأ لسانه الا أن هذا وحده ان قامت(9/205)
عليه بينة ولم يكن له الا الدعوى قضى عليه بالعتق وأما بينه وبين الله تعالى فلا يلزمه لقول الله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فصح أن السكران لا يعلم
ما يقول ومن لا يعلم ما يقول لم يلزمه ما يقول حتى لو كفر بكلام لا يدرى ما هو لم يلزمه ولقوله تعالى: (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) والمجنون والسكران والمكره لا نية لهم وكذلك من أخطأ لسانه وليس من هؤلاء احد أخلص لله الدين بما نطق به من العتق فهو باطل، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ) وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (عفى لامتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وقال أبو حنيفة.
ومالك: عتق السكران جائز ولا حجة لهم أصلا الا أنهم قالوا: هو أدخل على نفسه ذلك بالمعصية فقلنا: نعم فكان ماذا؟ ومن أين وجب إذا ادخل على نفسه ذلك بالمعصية أن يلزمه ما لم يلزمه الله تعالى قط؟ وما تقولون فيمن حارب قاطعا للطريق فأصابته ضربة في رأسه خبلت عقله أتجيزون عتاقه؟ وهم لا يفعلون هذا وهو أدخله على نفسه وعمن تزنك عاصيا لله تعالى فقطع لحم ساقيه وكوى ذراعيه عبثا أتجيزون له الصلاة جالسا أم لا؟ لانه أدخل على نفسه ذلك بالمعصية.
وعمن سافر في قطع الطريق فلم يجد ماء وخاف ذهاب الوقت أيتيمم أم لا؟ وكل هذا ينقضون فيه هذا الاصل الفاسد، وقال أبو حنيفة: عتق المكره جائز، وقال مالك.
والشافعي: لا يلزمه وما نعلم للحنيفيين حجة اصلا إلا آثارا فاسدة في الطلاق خاصة وليس العتاق من الطلاق (1) والقياس باطل، واحتج بعضهم (بثلاث جدهن جد وهزلهن جد) فذكر بعضهم في ذلك العتاق وهو خبر مكذوب، ثم لو صح لم تكن لهم فيه حجة أصلا لاننا لسنا معهم فيمن هزل فأعتق انما نحن معهم فيمن أكره فأعتق، وليس في هذا الخبر على نحسه ووضعه ذكر للاكراه ثم لا يجيزون بيع المكره ولا اقراره ولا هبته وهذا تناقض ظاهر وتمامها في التى بعدها (2) وبالله تعالى التوفيق * 1670 مسألة ومن أعتق إلى أجل مسمى قريب أو بعيد مثل أن يقول أنت حر غدا أو إلى سنة أو إلى بعد موتى أو إذا جاء أبى أو إذا أفاق فلان أو إذا نزل المطر أو نحو
هذا فو كما قال وله بيعه ما لم يأت ذلك الاجل فان باعه ثم رجع إلى ملكه فقد بطل ذلك العقد ولا عتق له بمجئ ذلك الاجل ولا رجوع له في عقده ذلك أصلا الا باخراجه عن ملكه لان هذا العتق اما وصية واما نذر وكلاهما عقد صحيح قد جاء النص بالوفاء بهما فلو علق
__________
(1) في النسخة رقم 14 (وليس الطلاق من العتاق) (2) في النسخة رقم 14 (تأخير هذه الجملة) [ * ](9/206)
العتق بمعصية أو بغير طاعة ولا معصية لم يجز العتق لانه عقد فاسد محرم منهى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا وفاء لنذر في معصية الله) وقد روينا عن عطاء من قال لعبده أنت حر لم يكن حرا حتى يقول: لله وهذا حق لان العتق عبادة لله تعالى وبر وقربة إليه تعالى فكل عبادة (1) وقربة لم تكن له تعالى مخلصا له بها فهى باطل مرودة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وقد رويت أثار فاسده، منها (من أعتق لاعبا فقد جاز) وهو باطل لانه مرسل عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم * ومن طريق فيها ابراهيم ابن أبى يحيى وهو مذكور بالكذب، وروى عن ابن عمر اربع مقفلات لا يجوز فيهن الهزل.
والطلاق والنكاح.
والعتاقة.
والنذر، وهذا لا يصح لانه عن سعيد بن المسيب عن عمر ولم يسمع سعيد من عمر شيئا الا نعيه النعمان بن مقرن ثم لو صح لم يكن لهم فيه متعلق لان ظاهره خلاف قولهم بل موافق لقولنا لان الهزل لا يجوز في النكاح والطلاق والعتق والنذر فإذ لا يجوز فيها فهى غير واقعة به، هذا مقتضى لفظ الخبر ثم لو صح كما يريدون فلا حجة في احد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن طريق فيها ابراهيم بن عمرو وهو ضعيف عن عبد الكريم ابن أبى المخارق وهو غير ثقة عن جعدة بن هبيرة عن عمر ثلاث اللاعب فيهن والجاد سواء الطلاق والصدقة والعتق، ثم هم مخالفون لهذا لانهم لا يجيزون صدقة المكره عليها فبعض كلام روى عن عمر حجة وبعضه ليس حجة هذا اللعب بالدين * ومن طريق الحسن عن أبى الدرداء ثلاث اللاعب فيهن كالجاد.
النكاح.
والطلاق والعتاق هذا مرسل ولم يدرك الحسن أبا الدرداء * ومن طريق جابر الجعفي عن عبد الله بن يحيى عن على ثلاث لا لعب فيهن
النكاح.
والطلاق.
والعتاق، جابر كذاب ثم لو صح لكان ظاهره موافقا لقولنا لا لقولهم وهو ابطال اللعب فيهن (2) فإذا بطل ما وقع منها باللعب * ومن طريق سقيان بن عيينة بلغني أن مروان أخذ من على أربع لا رجوع فيهن الا بالوفاء.
النكاح.
والطلاق.
والعتاق.
والنذر، ونعم كل هذه إذا وقعت كما أمر الله تعالى في دين الاسلام فالوفاء بها فرض وأما إذا وقعت كما أمر ابليس فلا ولا كرامة للآمر والمطيع ثم ليس في شئ منها ذكر للاكراه (3) على العتق وجوازه فوضح بطلان قولهم بلا شك، وأما قولنا: له بيعه ما لم يأت الاجل فلانه عبد ما لم يستحق الحرية وأحل الله البيع، والتفريق بين الآجال المذكورة باطل لانه قد يجئ ذلك الاجل والعبد ميت أو السيد ميت، وأما قولنا انه ان أخرجه عن ملكه ثم عاد إلى ملكه لم يلزمه العتق بمجئ ذلك الاجل فلانه قد بطل العقد بخروجه عن ملكه قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) وكل شئ بطل بحق فلا يجوز أن يعود
__________
(1) في النسخة رقم 16 وكل عبادة (2) في النسخة رقم 16 منهن (3) في النسخة رقم 14 ذكر الاكراه [ * ](9/207)
الا أن يأتي تص بعودته (1) ولا نص في عودة هذا العقد بعد بطلانه، وأما قولنا.
لا رجوع له في شئ من ذلك بالقول الا باخراجه من ملكه فقط فلانها كلها عقود صحاح أمر الله تعالى بالوفاء بها وما كان هكذا فلا يحل لاحد ابطاله إذ لم يأت نص بكيفية ابطاله في ذلك أصلا فليس له (2) نقض عقد صحيح أصلا الا حيث جاء نص بذلك وبالله تعالى التوفيق * 1671 مسألة وجائز للمسلم عتق عبده الكتابى في أرض الاسلام وأرض الحرب ملكه هنالك أو في دار الاسلام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كل ذى كبد رطبة أجر) ولحضه عليه الصلاة والسلام على العتق جملة الا أن عتق المؤمن أعظم أجرا وكذلك عتق الكافر لعبده الكافر جائز وقد ذكرنا قول حكيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
يارسول الله أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من عتاقة وصدقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسلمت على ما أسلفت من خير) فجعل عتق العبد الكافر خيرا فان أسلم المعتق ورثه سيده المسلم وكذلك لو أسلم
المعتق والمعتق لان الولاء للمعتق عموما قال عليه الصلاة والسلام: (الولاء لمن أعتق) فان كان أحدهما مسلما والآخر كافرا لم يتوارثا لاختلاف الدين * 1672 مسألة فان كان للذمي أو الحربى عبد كافر فأسلما معا فهو عبده كما كان فلو أسلم العبد قبل سيده بطرفه عين فهو حر ساعة يسلم ولا ولاء عليه لاحد لقول الله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) والرق أعظم السبيل وقد وافقنا المخالفون لنا على انه ان اخرج من دار الحرب فهو حر وما ندرى للخروج في ذلك حكما لا بنص ولا بنظر، فان قيل: اعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج إليه من عبيد الكافر قلنا: هذه حجتنا، ومن أين لكم أنه بالخروج اعتقه وما قال عليه الصلاة والسلام قط ذلك ثم يقولون: ان أسلم عبد الكافر بيع عليه فقلنا لما ذا تبيعونه ألانه لا يجوز ملكه له أم لنص ورد في بيعه وان كان ملكه له جائزا؟ ولا سبيل.
إلى نص في ذلك، فان قالوا: لان ملكه لا يجوز قلنا فإذ لا يحل ملكه فقد بطل ملكه عنه بلا شك والا فكلامكم مختلط متناقض واذ قد بطل ملكه عنه ولم يقع عليه بعد ملك لغيره فهو بلا شك حر إذ هذه صفة الحر وان كان ملكه له جائزا فبيعكم اياه ظلم وباطل وجور، وما الفرق بين ما قضيتم به من ابقائه في ملك الكافر حتى يباع؟ ولعله لا يستبيع الا بعد سنة وبين منعكم من ملكه له متماديا وهذا ما لا سبيل (3) له إلى وجود فرق في ذلك وبالله تعالى نتأيد وأما سقوط الولاء عنه فلانه لم يعتق ولا ولاء الا للمعتق أو لمن أوجبه له النص وبالله تعالى التوفيق * 1673 مسألة وعتق ولد الزنا جائز لانه رقبة مملوكة وقد جاءت أخبار بخلاف
__________
(1) في النسخة رقم 14 يأتي بعودته نص (2) في النسخة رقم 16 وليس له (3) في النسخة رقم 14 وهذا لا سبيل [ * ](9/208)
ذلك لا حجة فيها لانها لا تصح، منها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق أحمد بن شعيب أنا العباس بن محمد الدوري أنا الفضل بن دكين نا اسرائيل عن زيد بن جبير عن أبى يزيد الضبى عن ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ولد الزنا؟ فقال: لا خير
فيه نعلان أجاهد بهما أو قال أجهز بهما أحب إلى من ان أعتق ولد الزنا) اسرائيل ضعيف.
وأبو يزيد الضبى لا أعرفه * وعن الصحابة مرسلة وقد اختلفوا فيه ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وافقنا المخالفون ههنا * 1674 مسألة ومن قال: احد عبدى هذين حر فليس منهما حر وكلاهما عبد كما كان ولا يكلف عتق أحدهما فانه لم يعتق هذا بعينه فليس حرا إذ لم يعتقه سيده ولا أعتق هذا الآخر أيضا بعينه فليس أيضا حرا إذ لم يعتقه سيده فكلاهما لم يعتقه سيده فكلاهما عبد وهذا في غاية البيان ولا يجوز اخراج ملكه عن يده بالظن الكاذب * 1675 مسألة من لطم خد عبده أو خد أمته بباطن كفه فهما حران ساعتئذ إذا كان اللاطم بالغا مميزا وكذلك ان ضربهما أو حدهما حدا لم ياتياه فهما حران بذلك ولا يعتق عليه مملوك لا بمثله ولا بغير ما ذكرنا فان كان اللاطم محتاجا إلى خدمة المملوك الملطوم أو الامة كذلك ولا غنى له عنه أو عنها استخدمه أو استخدمها فإذا استغنى عنه أو عنها فهى أو هو حران حينئذ لما روينا من طريق محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر غندر.
وعبد الرحمن بن مهدى قال غندر: نا شعبة، وقال عبد الرحمن: عن سفيان الثوري ثم اتفق سفيان وشعبة كلاهما عن فراس بن يحيى قال: سمعت ذكوان هو أبو صالح السمان - يحدث عن زاذان أبى عمر قال: دعا ابن عمر غلاما له فرأى بظهره أثرا فقال له: أوجعتك؟ قال: لا قال فانت عتيق ثم قال: (انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ضرب غلاما له حدا لم يأته أو لطمه فان كفارته أن يعتقه) اللطم لا يقع في اللغة الا بباطن الكف على الخد فقط وهو في القفا الصفع، وحديث شعبة.
وسفيان زائد على ما رواه أبو عوانة عن فراس عن ذكوان عن ابن عمر وهو حديث واحد وزيادة العدل لا يجوز ردها * ومن طريق مسلم نا محمد بن عبد الله بن نمير نا أبى نا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن معاوية بن سويد بن مقرن عن أبيه قال: (كنا بنى مقرن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا الا خادم واحدة فلطمها أحدنا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اعتقوها فقال: ليس
لهم خادم غيرها قال: فليستخدموها فإذا استغنوا فليخلوا سبيلها) فهذا أمر من سول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لاحد مخالفته، فان قيل: قد رويتم من طريق أبى مسعود البدرى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه يضرب غلاما له فقال له: اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه(9/209)
فقال: يارسول الله هو حر لوجه الله تعالى ثم قال (1): أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار) قلنا: ليس في هذا أمر بعتقه وانما فيه أنه أتى ذنبا بضربه استحق عليه النار فلما أعتقه كانت حسنة أذهبت تلك السيئة كما لو فعل حسنة أخرى توازيها أو تربى عليها قال الله عزوجل: (ان الحسنات يذهبن السيئات) وأما أمره عليه الصلاة والسلام بعتقه فقد قال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) فمن لزمه أمر فلم ينفذه وجب انفاذه عليه لقول الله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) وقال مالك: يعتق بالمثلة وقاله الليث: والاوزاعي الا أن مالكا رأى ولاءه لسيده الممثل به، وقال الليث: لا ولاء له لكن لجماعة المسلمين وروى هذا أيضا عن ربيعة.
والزهرى.
ويحيى بن سعيد الانصاري وصح عن قتادة وعن الصحابة رضى الله عنهم عن عمر بن الخطاب أنه أعتق أمة اقعدت على مقلى فاحرقت عجزها وهو غير صحيح عن عمر لانه من طريق معمر عن أيوب عن أبى قلابة أن عمر * ومن طريق سفيان الثوري عن عبد الملك العرزمى عن رجل منهم ان عمر * ومن طريق مالك أن عمر * ومن طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار أن عمر، فالاول مرسل لان أبا قلابة لم يدرك عمر، والثانى منقطع.
وعن ضعيف وعن مجهول، والثالث منقطع أين مالك من عمر، والرابع منقطع في موضعين لان مخرمة لم يسمع من أبيه شيئا وسليمان لم يدرك عمر وقد صح خلاف هذا عن غير عمر كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج يقال: سأل حيان العبدى عطاء بن أبى رباح عمن شج عبده أو كسره؟ فقال عطاء: ليكسه ثوبا أو ليعطه شيئا فقال حيان: هكذا أخبرني جابر بن زيد وهو
أبو الشعثاء عن ابن عباس فيمن فقأ عين عبده قال ابن عباس: أحب إلى ان يعتقه فهذا ثابت عن ابن عباس ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقولنا هذا هو قول أبى حينفة والشافعي.
وأبى سليمان، واحتج من رأى العتق بالمثلة بما روينا من طريق ابن وهب عن يحيى ابن أيوب عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو ابن العاص ان زبناعا خصى عبدا له وجدع أذنيه وأنفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مثل به أو حرق بالنار فهو حر وهو مولى الله ورسوله ثم أعتقه عليه الصلاة والسلام، وقال ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب: كان زنباع يومئذ كافرا، وهذا مملوء مما لا خير فيه، يحيى بن أيوب.
والمثنى بن الصباح.
وابن لهيعة.
ثم هو صحيفة، والعجب أن مالكا يخالفه لانه يرى الولاء للمعتق * ومن طريق جيدة إلى معمر.
وابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
__________
(1) في النسخة رقم 14 فقال [ * ](9/210)
(أن رجلا جب عبده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فأنت حر) وهذه صحيفة * ومن طريق البزار نا محمد بن المثنى نا محمد بن الحارث نا محمد بن عبد الرحمن بن البيلمان عن أبيه عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا شفعة لغائب ولا لصغير والشفعة كحل العقال من مثل بمملوكه فهو حر وهو مولى الله ورسوله والناس على شروطهم ما وافقوا الحق) وابن البيلمان ضعيف مطرح لا يحتج بروايته * ومن عجائب الدنيا احتجاج المالكيين لصحيفة عمرو ابن شعيب هذه في عتق الممثل به وهو قد خالف هذا الخبر نفسه إذ جعل الولاء لسيده وليس هو الذى أعتقه بل أعتق عليه على رغمه، ونص الخبر (أنه مولى الله تعالى ورسوله) وجعلوا الشفعة للغائب فصار حجة فيما اشتهوا ولم يكن حجة فيما لم يشتهوا، واحتجوا من خبر ابن البيلمان بعتق من مثل بمملوكه وخالفوه في الشفعة ولم ير الحنيفيون: ولا الشافعيون خبر عمرو بن شعيب ههنا حجة إذ خالفه رأى أبى حنيفة.
والشافعي فإذا وافقهم صار حينئذ صحيحا وحجة كروايته في أم الصغير أنت أحق به ما لم تنكحي.
والمكاتب عبد ما بقى
عليه درهم، ورد شهادة ذى الغمر لاخيه.
وشهادة القانع لاهل البيت واجازتها لغيرهم، وقد رد المالكيون رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كثيرا إذا خالفت رأى مالك ونعوذ بالله من مثل هذا اللعب بالدين * ومن عجائب الدنيا قول الحنيفيين انما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا على الندب * قال أبو محمد: هذا كذب بحت لان في الخبر أنت حر من مثل به فهو حر وهلا قلتم: مثل هذا في قوله صلى الله عليه وسلم: من ملك ذا رحم محرمة عليه فهو حر واللفظ واحد، وقالوا: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطاه قيمته قلنا: هبكم قد صح لكم ذلك وهو الكذب بلا شك فأعتقوه ثم أعطوه قيمته بل هذا خلاف آخر جديد منكم لما صححتم وأنتم تنكرون على الشافعي ما ذكر أنه بلغه من عدد تكبير النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة وبعثته لقتل أبى سفيان وهما حكايتان مشهورتان قد ذكرهما أصحاب المغازى ولم تعيبوا على محمد بن الحسن هذه الكذبة التى لم يشاركم فيها أحد ثم عملها أيضا باردة عليه لا له، وقالوا: لعل عمر أعتقه لغير المثلة فمجاهرة قبيحة لان نص الخبر عن عمر أنها شكت إليه أنه أحرقها فأعتقها وجلده وقال له: ويحك أما وجدت عقوبة الا أن تعذبها بعذاب الله، وذكروا أيضا ما روينا من طريق معمر عن رجل عن الحسن أشعل رجل وجه عبده نارا فأتى عمر بن الخطاب فأعتقه ثم أتى عمر بسبي فأعطاه عبدا قال الحسن: كانوا يعتقون ويعاقبون يعنى يعطيه لما أعتقه عقبة مكانه فقلنا: هذا مكسور في موضعين رجل لميسم عن الحسن ثم الحسن عن عمر ولم يولد الا قبل موت عمر بسنتين ثم هبك أنه صح فافعلوا كذلك ويا سبحان الله يكون(9/211)
ما احتجوا فيه بعمر مما لم يصح عنه من أنه جلد في الخمر ثمانين حدا، وأنه أخذ الزكاة من الخيل.
وورث المطلقة ثلاثا في المرض حجة.
ولا يكون ما جاء عن عمر من عتق الممثل به حجة هذا التحكم بالباطل في دين الله تعالى، ويجعل الماليكون ما روى عن عمر في هذا حجة ولا يجعلون حكمه في حليح الضحاك.
وعبد الرحمن بن عوف وسائر ما خالفوه
فيه حجة * وذكرنا أيضا ما روينا من طريق البزار عن ابراهيم بن عبد الله عن سعيد ابن أبى مريم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب أن ربيعة بن لقيط حدثهم أن عبد الله ابن سندر حدثه عن أبيه أنه كان عبدا لزنباع بن سلامة وأنه خصاه وجدعه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره فأغلظ القول لزنباع واعتقه، ابن لهيعة لا شئ والآن صار عند الحنيفيين ضعيفا وكان ثقة في رواية الوضوء بالنبيذ الا تبا لمن لا يستحى * ومن طريق العقيلى نا محمد بن خزيمة.
نا عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث عن عمرو بن عيسى القرشى الاسدي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس جاءت جارية إلى عمر وقد احرق سيدها فرجها فقالت: ان سيدى اتهمني فأقعدني على النار حتى أحرق فرجى فقال لها عمر: هل رأى ذلك عليك؟ قالت: لا قال: فاعترفت له قالت: لا قال عمر: على به فأتى به فقال له: أتعذب بعذاب الله؟ والذى نفسي بيده لو لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يقاد مملوك من مالك ولا ولد من والد) لاقدتها منك ثم برزه فضربه مائة سوط ثم قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى وأنت مولاة الله ورسوله اشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من حرق بالنار أو مثل به فهو حر وهو مولى الله ورسوله، عبد الله بن صالح ضعيف.
وعمر بن عيسى مجهول * والعجب كل العجب أن المالكيين احتجوا بهذا الخبر في عتق الممثل به وفى أن لا يقاد مملوك من مالك ورواه حقا في ذلك وخالفوه في القود من الحرق بالنار، وقد رآه عمر حقا الا في السيد لعبده والوالد لولده وفى ان الولاء لغير الممثل.
والحنيفيون والشافعيون رأوه حجة في ان الولد لا يقاد له من والده والعبد لا يقاد له من سيده ولم يجيزوا خلافه ثم لم يروه حجة في جلده في التعذير مائة ولا في عتق الممثل به فيا سبحان الله أي دين يبقى مع هذا العمل، ثم عجب آخر انهم كلهم رأوا ما روى في خبر أبى قتادة إذ عقر الحمار وهو محل وأصحابه محرمون من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفيكم من أشار إليه أو أعانه؟ قالوا: لا قال: فكلوا) حجة في منع أكل من صيد من أجله وهو محرم ولم يروا قول عمر ههنا.
هل رأى ذلك عليك
أو اعترفت له حجة في أن لا يعتق الممثل به إذا عرف زناه بأقرار أو معاينة ولو صح عن عمر لكان قد خالفه ابن عباس ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم(9/212)
قال أبو محمد: واحتجوا كما ترى بهذه العفونات الفاسدة وتركوا ما رويناه من طريق أبى داود نا محمد بن المثنى نا معاذ بن هشام الدستوائى نا أبى عن قتاده عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه ومن خصى عبده خصيناه) فالآن صار الحسن عن سمرة صحيفة ولم يصر حديث عمرو بن شعيب كونه صحيفة إذا اشتهوا (1) ما فيها، وقد رأى المالكيون حديث الحسن عن سمرة حجة في العهدة وحسبنا الله نعم الوكيل فلما لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا شئ كان من مثل بعبده لا يجب عليه عتقه إذ لم يوجب عليه ذلك الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وانما يجب في ذلك ما أوجبه الله تعالى إذ يقول: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) واذ يقول تعالى: (والحرمات قصاص) واذ يقول تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وبالله تعالى التوفيق * 1677 مسألة ومن أعتق عبدا وله مال فماله له الا أن ينتزعه السيد قبل عتقه اياه فيكون حينئذ للسيد كما روينا من طريق ابن ابى شيبة نا غندر عن هشام الدستوائى عن ابى الزبير عن عبد الله بن أبى مليكة أن عائشة أم المؤمنين قالت لامرأة سألتها وقد اعتقت عبدها: إذا اعتقتيه ولم تشترطي ماله فماله له، ومثله عن ابن عمر، وصح عن الحسن.
وعطاء في عبد كاتبه مولاه وله مال وولد من سرية له ان ماله وسريته له وولده أحرار والعبد إذا أعتق كذلك * رويناه من طريق الحجاج بن المنهال عن زياد الاعلم.
وقيس بن سعد قال زياد: عن الحسن وقال قيس: عن عطاء * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري إذا أعتق العبد فماله له * ومن طريق مالك عن الزهري مضت السنة إذا أعتق العبد يتبعه ماله (2) وروى
أيضا عن القاسم.
وسالم.
ويحيى بن سعيد الانصاري.
وريعة.
وأبى الزناد.
ومحمد ابن عبد القارى.
ومكحول مثل قول الزهري، قال يحيى: على هذا أدركت الناس وقال ربيعة.
وأبو الزناد سواء علم سيده ماله أو جهله وهو قول أبى سليمان، وقال مالك: مال العبد المعتق له وأما أولاده فلسيده، وكذلك حمل أم ولده ولو أنه بعد عتقه أراد عتق أم ولده لم يقدر لان حملها رقيق وقال: هي السنة التى لا اختلاف فيها ان العبد إذا أعتق يتبعه ماله (3) ولم يتبعه ولده واحتج بان العبد والمكاتب إذا فلسا أو جرحا أخذ مالهما وأمهات أولادهما ولم يؤخذ أولادهما وان العبد إذا بيع واشترط المبتاع ماله كان له ولم يدخل ولده في الشرط *
__________
(1) في النسخة رقم 16 (إذ قد اشتهوا) (2) في النسخة رقم 14 (تبعه ماله) (3) في النسخة رقم 14 (تبعه ماله) [ * ](9/213)
قال أبو محمد: ما رأينا حجة أفقر إلى حجة من هذه وان العجب من هذه السنة التى لا يعرف لها راو من الناس لا من طريق صحيحة ولا سقيمة، والخلاف فيها أشهر من ذلك كما ذكرنا عن عطاء.
والحسن بل انما روى مثل قول مالك عن سليمان بن موسى.
وعمرو ابن دينار.
والنخعي، وقد اجمعت الامة.
ومالك معهم في جملتهم وهؤلاء على أن ولد الامة مملوك لسيد أمه الا أن يكون ولد الرجل من أمته الصحيحة الملك فانه حر والفاسدة الملك فانه عند بعضهم حر وعلى أبيه قيمته أو فداؤه ولا تخلو أم ولد العبد من أن تكون له فولدها له اما حر واما مملوك فتعتق عليه بالملك أو لا تعتق واما أن تكون لسيده فلا يحل لاحد وطئ أمة غيره الا بالزواج والا فهو زنا، والولد غير لاحق إذا علم انها أمة غيره ولا سبيل إلى ثالث وليس في الباطل والكلام المتناقض الذى يفسد بعضه بعضا أكثر من أن تكون أمة للعبد لا يحل للسيد وطؤها إلا أن ينتزعها ويكون ولدها لسيد أبيه مملوكا هذا عجب لا نظير له ولا أصل له فبطل هذا القول لظهور فساده، وأعجب منه منعه عتق
أم ولده وهو حر وهى أمته من أجل جنينها وهم يجيزون عتق الجنين دون أمه وهما لواحد فما المانع من عتق أمه دونه وهما لاثنين، وقال الاوزاعي: كل ما أعطى المرء أم ولده في حياته فهو لها إذا مات لا يعد من الثلث ومن أعتق عبده وله مال فما كان بيد العبد مما اطلع عليه سيده فهو للعبد وما كان بيد العبد ولم يطلع عليه السيد فهو للسيد، وهذا تقسيم لا برهان على صحته فهو باطل، وقالت طائفة: مال المعتق لسيده وهو قول أبى حنيفة وسفيان.
والشافعي قالوا كلهم: المكاتب: والموصى بعتقه.
والمعتق.
والموهوب: والمتصدق به.
وأم الولد يموت سيدها فمالهم كلهم للمعتق أو لورثته، وقال الحسن ابن حى: مال المعتق والمكاتب لسيدهما، وقال ابن شبرمة: مال المعتق وأم الولد للسيد ولورثته وقال أحمد.
واسحاق.
مال المعتق لسيده وروى هذا القول عن الحكم ابن عتيبة وصح عن قتادة، وروبنا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبى خالد الاحمر عن عمران بن عمير عن أبيه أنه كان عبدا لابن مسعود فاعتقه وقال: أما أن مالك لى ثم قال: هو لك، وصح نحوه عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك.
فنظرنا فيما احتج به من قال: مال المعتق لسيده فوجدناهم يذكرون ما روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا جعفر بن محمد نا محمد بن سابق نا سفيان الثوري عن عبد الاعلى بن أبى المساور حدثنى عمران بن عمير عن أبيه قال لى ابن مسعود: أريد أن أعتقك وادع مالك فاخبرني بمالك فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أعتق عبدا فماله للذى أعتقه) * ومن طريق العقيلى نا عبد الرحمن بن الفضل نا محمد بن اسماعيل نا اسحاق بن ابراهيم(9/214)
ابن عمران المسعودي مولاهم سمع عمه يونس بن عمران عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال ابن مسعود (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أعتق مملوكا فليس للمملوك من ماله شئ) هذا لا شئ لان عبد الاعلى بن أبى المساور ضعيف جدا والآخر منقطع لان القاسم لا يحفظ أبوه عن ابن مسعود شيئا فكيف هو، وقالوا: قد صح ان العبد إذا
بيع فماله للسيد الا أن يشترطه المبتاع فعتقعه كذلك، وهذا قياس والقياس كله باطل ثم لو صح القياس لكان هذا منه باطلا لان البيع نقل ملك إلى ملك فلا يشبه العتق الذى هو اسقاط الملك جملة والقياس عند من قال به انما هو على ما يشبهه، لا على ما لا يشبهه، وقالوا: مال العبد للسيد قبل العتق فكذلك بعد العتق فقلنا: هذا باطل ما هو له قبل العتق الا أن ينتزعه وقد أوضحنا الحجة في أن العبد يملك ويكفى من ذلك قوله تعالى في الاماء: (فانكحوهن باذن أهلهن وآتوهن أجورهن) فدخل في هذا الخطاب الحر.
والبعد، وقوله تعالى: (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) فصح أن صداق الامة لها بأمر الله تعالى يدفعه إليها.
وصح أن العبد مأمور بايتاء الصداق فلولا انه يملك ما كلف ذلك ولا نكاح الا بصداق ان لم يذكر في العقد فبعد العقد ووعدهم الله بالغنى فهم كسائر الناس وبالله تعالى التوفيق * فإذ ماله له فهو له بعد العتق كما كان قبل العتق ثم وجدنا ما روينا من طريق أبى داود نا أحمد بن صالح نا ابن وهب نا الليث ابن سعد عن عبيد الله بن أبى جعفر عن بكير بن الاشج عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق عبدا وله مال فمال العبد له الا أن يشترطه السيد) فهذا اسناد في غاية الصحة لا يجوز الخروج عنه، فان قيل: قد قيل: ان عبيد الله أخطأ فيه قلنا: انما أخطأ من ادعى الخطأ على عبيد الله بلا برهان ولا دليل والعجب من الحنيفيين الذين لم يروا قول اصحاب الحديث أخطأ ضمرة في حديثه عن سفيان من ملك ذا رحم محرمة فهو حر، وقالوا: لا يجوز ان يدعى الخطأ على الثقة بلا برهان (1) ثم تعلقوا بقول أولئك أنفسهم ههنا أخطأ عبيد الله، وتعلق المالكيون بقولهم: أخطأ ضمره ولم يلتفتوا إلى قولهم: أخطأ عبيد الله فهل في التلاعب بالدين أكثر من هذا العمل؟ ونسأل الله العافية * وأما الشافعيون فردوا الخبرين معا وأخذوا في عدة مواضع بالخطأ الذى لا شك فيه وبالله تعالى التوفيق * 1678 مسألة ولا يجوز للاب عتق عبد ولده الصغير ولا للوصي عتق عبد
يتيمه أصلا وهو مردود أن فعلا لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها)
__________
(1) في النسخة رقم 14 (الا ببرهان) [ * ](9/215)
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وما أباح الله تعالى قط للاب من مال ولده الصغير دون الكبير قدر ذرة وبالله تعالى التوفيق، وهو قول الشافعي وأبى سليمان، وقال مالك: يعتق عبد الصغير ولا يعتق عبد الكبير وهذا في غاية الفساد إذ لا دليل عليه من قرآن ولا سنة وبالله تعالى التوفيق * 1679 - مسألة وعتق العبد وأم الولد لعبدهما جائز والولاء لهما يدور معهما حيث دارا وميراث المعتق لاولى الناس بالعبد من احرار عصبته أو لبيت مال المسلمين، فإذا أعتق فان مات فالميراث له أو لمن أعتقه أو لعصبتهما لاننا قد بينا صحة الملك للعبد (1) واذ هو مالك فهو مندوب إلى فعل الخير من الصدقة.
والعتق.
وسائر أعمال البر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولاء لمن أعتق) ونص عليه الصلاة والسلام على أن العبد لا يرث على ما نذكره في كتاب المواريث ان شاء الله تعالى وفى المكاتب بعد هذا بحول الله تعالى وقوته فهو للحر من عصبته وليس لسيد العبد لانه لا ولاء له على العبد ولا على أحد بسببه فإذا عتق صح الميراث له أو لمن يجب له من أجله وبالله تعالى التوفيق * 1680 - مسألة ومن وطئ أمة له حاملا من غيره فجنينها حر أمنى فيها أو لم يمن لما روينا من طريق أبى داود الطيالسي نا شعبة عن يزيد بن حمير سمعت عبد الرحمن ابن جبير بن نفير يحدث عن أبيه عن أبى الدرداء (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأة مجح (2) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعل صاحب هذه أن يكون يلم بها لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره كيف يورثه وهو لا يحل له وكيف يسترقه وهو لا يحل له) وهذا خبر صحيح لا يحل لاحد خلافه، فإذا لم يحل له أن يسترقه فهو حر بلا شك وهو غير لاحق به وبه قال طائفة من السلف كما روينا من طريق ابن وهب أخبرني
أبو الأسود المعافرى عن يحيى بن جبير المعافرى عن عبد الله بن عمرو بن العاصى قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه ولد غيره فان هو فعل ذلك وغلب الشقاء عليه فليعتقه وليوص له ومن ماله، وبه إلى ابن وهب عن غوث بن سليمان الحضرمي عن محمد بن سعيد الدمشقي أخبرني سليمان بن حبيب المحارمى عن الامة الحامل يطؤها سيدها قال: رأت الولاة أن يعتق ذلك الحمل قال ابن وهب قال: الليث بن سعد وأنى أرى ذلك وهو قول مكحول: والاوزاعي.
وأبى عبيد.
وأبى سليمان.
وأصحابنا.
وبعض الشافعيين * قال أبو محمد: سليمان بن حبيب قاضى عمر بن عبد العزيز بالشام، وغوث بن سليمان
__________
(1) في النسخة رقم 16 صحة ملك العبد (2) جحت المرأة حملت وأصل الاجحاح للسباع والسبعة إذا حملت فاضربت وعظم بطنها قد اجحت فهى مجح اه الصحاح [ * ](9/216)
قاضى مصر، وهذا مما ترك فيه المالكيون والحنيفيون وجمهور الشافعيين صاحبا لا يعرف له مخالف من الصحابة رضي الله عنهم * 1681 مسألة ومن أحاط الدين بماله كله فان كان له (1) غنى عن مملوكه جاز عتقه فيه والا فلا وقال مالك: لا يجوز عتق من أحاط الدين بماله، وقال أبو حنيفة والشافعي بقولنا الا أنهما أجازا عتقه بكل حال برهان صحة قولنا ان من لا شئ له فاستقرض مالا فان له أن يأكل منه بلا خلاف وان يتزوج منه وان يبتاع جارية يطؤها فقد صح انه قد ملك ما استقرض وانه مال من ماله فله أن يتصدق منه بما يبقى له بعده غنى والعتق نوع من أنواع البر وقد يرزق الله عباده ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله وهذا بخلاف الوصية بالعتق ممن أحاط الدين بماله لان الميت لا سبيل إلى أن يرزقه الله تعالى مالا في الدنيا لم يرزقه (2) اياه في حياته وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقرض ويتصدق بما يستقرض وبالله تعالى التوفيق *
1682 مسألة والمدبر عبد موصى بعتقه والمدبرة كذلك وبيعهما حلال والهبة لهما كذلك وقد ذكرناه في كتاب البيوع فاغنى عن اعادته ولا حجة لمن منع من ذلك الا حديث موضوع قد بينا علته هنالك وبالله تعالى التوفيق * 1683 مسألة وكل مملوكة حملت من سيدها فاسقطت شيئا يدرى انه ولد أو ولدته فقد حرم بيعها وهبتها ورهنها والصدقة بها وقرضها ولسيدها وطؤها واستخدامها مدة حياته فإذا مات فهى حرة من رأس ماله وكل مالها فلها إذا عتقت ولسيدها انتزاعه في حياته فان ولدت من غير سيدها بزنا أو اكراه.
أو نكاح بجهل فولدها بمنزلتها إذا عتقت عتقوا * قال أبو محمد: اختلف الناس في هذا فروينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو عوانة عن المغيرة عن الشعبى عن عبيدة السلمانى قال: خطب على الناس فال: شاورني عمر بن الخطاب (3) في أمهات الاولاد فرأيت أنا وعمر أن اعتقهن فقضى به عمر حياته وعثمان حياته فلما وليت رأيت ان ارقهن قال عبيدة: فرأى عمر.
وعلى في الجماعة أحب إلى من رأى على وحده * قال أبو محمد: ان كان أحب إلى عبيده فلم يكن أحب إلى على بن أبى طالب وان بين الرجلين لبونا بائنا فأين المحتجون بقول الصاحب المشتهر المنتشر (4) وانه اجماع أفيكون اشتهارا أعظم أو انتشارا أكثر من حكم عمر باقى خلافته وعثمان جميع خلافته.
__________
(1) في النسخة رقم 16 (به) (2) في النسخة رقم 16 (ما لم يرزقه) (3) في النسخة رقم 14 شاورني ابن الخطاب (4) في النسخة رقم 14 المنتشر المشتهر(9/217)
في أمر فاش عام ظاهر مطبق وعلى موافق لهما على ذلك * وقد روينا عن وكيع نا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب قال: باع عمر أمهات الاولاد ثم ردهن حتى ردهن حبالى من تستر فلا سبيل إلى أن يفشو حكم أكثر من هذا الفشو
بمثل هذا الحكم المعلن والاسانيد المنيرة ثم لم ير على بن أبى طالب ذلك كله اجماعا بل خالفه فان كان ذلك (1) اجماعا فعلى أصول هؤلاء الجهال قد خالف على الاجماع وحاشا له من ذلك فمخالف الاجماع عالما بانه اجماع كافر ثم لا يستحيون دعوى الاجماع على ما لم يصح قط عن عمر من أنه فرض في الخمر ثمانين حدا والخلاف فيه من عمر وممن بعد عمر أشهر من الشمس * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: كنا نبيع أمهات الاولاد ورسول الله صلى الله عليه وسلم حى فينا لا نرى بذلك بأسا، قال ابن جريج: وأخبرني عبد الرحمن بن الوليد ان أبا اسحاق السبيعى أخبره أن أبا بكر الصديق كان يبيع أمهات الاولاد في امارته وعمر في نصف امارته، وذكر الحديث قال ابن جريج: وأخبرني عطاء أنه بلغه أن على بن أبى طالب كتب في عهده انى تركت تسع عشرة سرية فايتهن ما كانت ذات ولد قومت في حصة ولدها بميراثه منى وأيتهن لم تكن ذات ولد فهى حرة فسألت محمد بن على بن الحسين بن على أذلك في عهد على؟ قال: نعم * ومن طريق الخشنى محمد بن عبد السلام نا محمد بن بشار بندار نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن زيد بن وهب قال: انطلقت إلى عمر بن الخطاب اسأله عن أم ولد؟ قال مالك ان شئت بعت وان شئت وهبت ثم انطلقت إلى ابن مسعود فإذا معه رجلان فسالاه؟ فقال لاحدهما: من أقرأك؟ قال: أقرأنيها أبو عمرة، وأبو حكيم المزني وقال الآخر: أقرأنيها عمر بن الخطاب فبكى ابن مسعود وقال: اقرأ كما أقرأك عمر فانه كان حصنا حصينا يدخل الناس فيه ولا يخرجون منه فلما أصيب عمر انثلم الحصن فخرج الناس من الاسلام، قال زيد: وسألته عن أم الولد؟ فقال: تعتق من نصيب ولدها * قال أبو محمد: هذا اسناد في غاية الصحة وبعد موت عمر كما ترى فاين مدعوا الاجماع في أقل من هذا؟ نعم وفيما لا خير فيه مما لا يصح * ومن طريق عبد الرزاق
عن ابن جريج انا عطاء بن أبى رباح أن ابن الزبير أقام أم حيى أم ولد محمد بن صهيب يقال لابنها خالد فاقامها ابن الزبير في مال ولدها وجعلها في نصيبه، قال عطاء:
__________
(1) في النسخة رقم 16 (فان كان هذا) [ * ](9/218)
وقال ابن عباس: لا تعتق أم الولد حتى يلفظ سيدها بعتقها وهو قول زيد بن ثابت وبه يقول أبو سليمان.
وأبو بكر.
وجماعة من أصحابنا وعن عمر قول آخر رويناه من طريق ابن سيرين عن أبى العجفاء حرم بن نسيب.
ومالك بن عامر الهمداني كلاهما عن عمر بن الخطاب في أم الولد قال: إذا عتقت (1) وأسلمت عتقت وان كفرت وفجرت أرقت، وروى هذا أيضا عن عمر بن عبد العزيز أنه باع أم ولد ارتدت وتوقف فيها أبو الحسن بن المغلس وبعض أصحابنا، وروى ابطال بيعها عن الشعبى.
والنخعي.
وعطاء ومجاهد والحسن.
وسالم بن عبد الله.
ويحيى بن سعيد الانصاري.
والزهرى.
وابى الزناد.
وربيعة وهو قول أبى حنيفة.
ومالك.
وسفيان.
والاوزاعي.
والحسن بن حى.
وابن شبرمة.
والشافعي.
وأبى عبيد.
وأحمد.
واسحاق.
وأبى عبد الله بن سالار.
وطائفة من أصحابنا * قال أبو محمد: أما حديث جابر فلا حجة فيه وان كان غاية في صحة السند لانه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بذلك ولقد كان يلزم من يرى مسندا قول أبى سعيد الخدرى كنا نخرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم حى صدقة الفطر صاعا من طعام.
صاعا من شعير.
صاعا من تمر.
صاعا من أقط.
صاعا من زبيب، وقول ابن عمر: كنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حى نقول: أبو بكر.
ثم عمر.
ثم عثمان.
ثم نترك فلا نفاضل ويرى هذا حجة أن يرى قول جابر هذا حجة والا فو متلاعب * قال أبو محمد: وأما من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حجة في أحد دونه عليه الصلاة والسلام فنظرنا هل صح عنه عليه الصلاة والسلام في ذلك منع فنقف عنده
وإلا فلا فوجدنا ما روينا من طريق قاسم بن أصبغ نا مصعب بن محمد نا عبيد الله ابن عمر هو الرقى عن عبد الكريم الجزرى عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما ولدت مارية ابراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعتقها ولدها) فهذا خبر جيد السند كل رواته ثقة، وسمعنا الله تعالى يقول: (انا خلفنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه) وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روينا في المسألة السادسة في صدر كتاب العتق من ديواننا هذا أن الانسان يخلقه الله تعالى من منى أبيه ومنى أمه فصح أنه بعضها وبعض أبيه * وروينا من طريق ابن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل نا أبى نا أبو سعيد مولى بن هشام هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد نا همام بن يحيى عن قتادة عن أبى المليح عن أبيه هو أبو أسامة بن عمير قال: أعتق رجل من هذيل شقصا له من
__________
(1) في النسخة رقم 16 (ان عفت) [ * ](9/219)
مملوك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هو حر كله ليس لله شريك) ولما كان الولد بعض أبيه وبعض أمه، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم (من ملك ذا رحم محرمة فهو حر) فوجب أن يعتق على أبيه وأن لا يملكه أحد فلما وجب ذلك وجب أن بعضها حر واذ بعضها حر فكلها حر، ولما لم يبن عليه الصلاة والسلام أم ابراهيم رضى الله عنها عن نفسه ولم يزل يستبيحها بعد الولادة صح أنها باقية على اباحة الوطئ والتصرف قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وصح أن العتق المذكور في أم الولد لا يمنع الا من اخراجها عن الملك فقط، وهذا برهان ضروري قاطع ولله تعالى الحمد الا أنه لا يسوغ للحنيفيين الاحتجاج به لان من أصولهم الفاسدة ان من روى خبرا ثم خالفه فهو دليل على سقوط ذلك الخبر وابن عباس هو راوي خبر أم ابراهيم عليها السلام وهو يرى بيع أمهات الاولاد فقد ترك ما روى، وما يثبت على أصولهم الفاسدة دليل على المنع منن بيعهن لان عليا.
وابن الزبير.
وابن عباس
وابن مسعود بعد عمر أباحوا بيعهن وكل ما موهوا به ههنا فكذب ابتداعوه * وأما قولنا: انها يحرم اخراجها عن ملكه إلى ملك غيره مما يدرى أنه ولد فان النص من القرآن والسنة ورد بانه أول ما يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما مكسوة لحما ثم ينفخ فيه الروح، والنطفة اسم يقع على الماء فالنطفة ليست ولدا ولا فرق بين وقوع النطفة في الرحم وخروجها اثر ذلك وبين خروجها كذلك إلى أربعين يوما ما دامت نطفة فإذا خرجت عن أن تكون نطفة إلى أن تكون علقة فهى حينئذ ولد مخلق، وقال تعالى: (من نطفة مخلقة وغير مخلقة) فغير المخلقة هي التى لم تنتقل عن أن تكون نطفة ولا خلق منها ولد بعده والمخلقة هي المنتقلة عن اسم النطفة وحدها وصفتها إلى أن خلقها عزوجل علقة كما في القرآن فهى حينئذ ولد مخلق فهى بسقوطه أو ببقائه أم ولد وهذا نص بين وبالله تعالى التوفيق * وأما انتزاعه مالها صحيحا كان أو مريضا فلقول الله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) وأم الولد ليست زوجة بلا خلاف فهى ضرورة مما ملكت (1) أيماننا فان قيل كيف تكون معتقة حرة مما ملكت أيماننا قلنا: كما نص الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام على ذلك لا كما اشتهت العقول الفاسدة الشارعة بآرائها الزائغة ولا علم لنا الا ما علمنا ربنا عزوجل، وقد قلتم: ان المكاتب لا عبد فيبتاع (2) ويستخدم ولا توطأ المكابتة وعبد
__________
(1) في النسخة رقم 16 (أحد مال ما ملكت) (2) في النسخة رقم 14 فيباع [ * ](9/220)
في جميع أحكامه ولا حرة فتطلق وحرة في المنع من بيعها ووطئها فاى فرق بين ما قلتموه بآرائكم فجوزتموه فلما وجدتموه لله تعالى ولرسوله عليه الصلاة والسلام انكرتموه ألا هذا هو الهوس المهلك في العاجلة والآجلة؟ واما ولدها من غير سيدها فهو كما قلنا في أول أمره بعضها فحكمه كحكمها، وصح بما ذكرنا انها لا يحرم بيعها الا بأن تكون
في حين أول حملها في ملك من لا يحل له تملك ولده وكذلك لو حملت منه وهى زوجة له ملك لغيره ثم ملكها قبل أن يصير الولد حيا فانها ام ولد لما ذكرناه، فاما لو لم يملكها الا من نفخ الروح فيه فصار غيرها فلم يكن بعضها حرا قط فلا حرية لها وله بيعها فلو باعها والذى في رحمها نطفة بعد فانه ان خرجت عن رحمها وهى نطفة بعد فهو بيع صحيح لانها نطفة غير مخلقة فان صارت مضغة فالبيع فاسد مردود لانه باعها وبعضها مضغة مخلقة في علم الله تعالى منه فهى من أول وقوعها إلى خروجها ولد فهى أم ولد وبالله تعالى التوفيق * 1684 مسألة فلو ان حرا تزوج أمة لغيره ثم مات وهى حامل ثم اعتقت (1) فعتق الجنين قبل نفخ الروح فيه لم يرث اباه لانه لم يستحق العتق الا بعد موت أبيه وكان حين موت أبيه مملوكا لا يرث فلو مات له بعد ان عتق من يرثه برحم أو ولاء ورثه ان خرج حيا لانه كان حين موت الموروث حرا، فلو مات نصراني وترك امرأته حاملا فاسلمت بعده قبل نفخ الروح فيه أو بعد نفخ الروح فيه فهو مسلم باسلام أمه ولا يرث أباه لانه لم يصر له حكم الاسلام الذى يرث به ويورث له أو لا يرث به ولا يورث به لاختلاف الدينين الا بعد موت أبيه فخرج إلى الدنيا مسلما على غير دين أبيه وعلى غير حكم الدين الذى لو تمادى عليه لورث أباه وكذلك لو أن نصرانيا مات وترك امرأته حاملا قد نفخ فيه الروح [ أو لم ينفخ فيه الروح ] (2) فتملكها نصراني آخر فاسترقها فولدت في ملكه لم يرث أباه لانه لم يخرج إلى الدنيا الا مملوكا لا يرث وانما يستحق الجنين الميراث ببقائه حرا على دين موروثه من حين يموت الموروث إلى أن يولد حيا وكذلك لو أن امرءا ترك أم ولده حاملا فاستحقت بعده ثم اعتق الجنين بعتقها فان نسبه لاحق ولا يرث أباه لان أباه مات حرا وهو مملوك ولم ينتقل إلى الحال التى يورث بها ويرث من الحرية الا بعد موت أبيه فلو مات له موروث بعد ان عتق ورثه ان ولد حيا لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * تم كتاب العتق وأمهات الاولاد والحمد له رب العالمين
__________
(1) في النسخة رقم 16 زيادة وهى ثم اعتقت فعتق بعد موت ابيه (2) الزيادة من النسخة رقم 16 [ * ](9/221)
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وسلم تسليما كتاب الكتابة 1685 مسألة من كان له مملوك مسلم أو مسلمة فدعا أو دعت إلى الكتابة ففرض على السيد الاجابة إلى ذلك ويجبره السلطان (1) على ذلك بما يدرى أن المملوك العبد أو الامة يطيقه مما لا حيف فيه على السيد لكن مما يكاتب عليه مثلهما ولا يجوز كتابة عبد كافر أصلا * برهان ذلك قول الله تعالى: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذى آتاكم) واختلف الناس في الخير فقالت طائفة: المال وقالت طائفة: الدين فنظرنا في ذلك فوجدنا موضوع كلام العرب الذى به نزل القرآن قال تعالى: (بلسان عربي مبين) انه تعالى لو أراد المال لقال: ان علمتم لهم خيرا أو عندهم خيرا أو معهم خيرا لان بهذه الحروف يضاف المال إلى من هو له في لغة العرب ولا يقال أصلا في فلان مال فلما قال تعالى: (ان علمتم فيهم خيرا) علمنا أنه تعالى لم يرد المال فصح أنه الدين ولا خير في دين الكافر وكل مسلم على أديم الارض فقد علمنا أن فيه الخير (2) بقوله: لا إله إلا الله محمد رسول الله وأن لا دين الا الاسلام وهذا أعظم ما يكون من الخير وكل خير بعد هذا فتابع لهذا، وهذا قول (3) روى عن على رضى الله عنه أنه سأله عبد مسلم أأكاتب وليس لى مال؟ فقال على: نعم، فصح أن الخير عنده لم يكن المال * ومن طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلمانى في قول الله تعالى: (فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا) قال: ان أقاموا الصلاه * ومن طريق سفيان هو الثوري عن يونس عن الحسن [ في هذه الآية ] (4) قال ان علمتم فيهم خيرا قال دين وأمانة * ومن طريق حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن في
هذه الآية قال: الاسلام والوفاء، وجاء عن ابن عباس أنه المال وهو قول عطاء وطاوس.
ومجاهد.
وأبى رزين وقالت طائفة كلا الامرين وهو قول سعيد ابن أبى الحسن أخى الحسن البصري وهو قول الشافعي الا أنه ناقض في مسائله، وأما الحنيفيون والمالكيون.
فكان شرط الله [ تعالى عندهم ] (5) ههنا ملغى لا معنى له فسبحان من جعل شرطه عندهم ضائعا وشروطهم الفاسدة عندهم لازمة وذلك أنهم يبيحون كتابة
__________
(1) في النسخة رقم 14 (ويجبره الحاكم) (2) في النسخة رقم 14 (علمنا فيه الخير) (3) في النسخة رقم 14 وهو قول (4) الزيادة من النسخة رقم 14 (5) الزيادة من النسخة رقم 16 [ * ](9/222)
الكافر الذى لا مال له وهو بلا شك خارج عن الآية لانه لا خير فيه أصلا وخارج عن قول كل من سلف، وهذا مما فارقوا فيه كل من حفظ عنه قول من الحصابة رضي الله عنهم * ومن طرائف الدنيا احتجاج بعضهم بان قال: قسنا من لا خير فيه على من فيه خير * قال على فهل سمع بأسخف من هذا القياس؟ وانما قالوا بالقياس فيما يشبه المقيس عليه لا فيما لا يشبهه، وهلا قاسوا من يستطيع الطول في نكاح الامة على من لا يستطيعه، وهلا قاسوا به غير السائمة في الزكاة على السائمة، وهلا قاسوا غير السارق على السارق وغير القاتل على القاتل؟ وهذه حماقة لا نظير لها وقال بعضهم: لم يذكر في الآية الا من فيه خير وبقى حكم من لا خير فيه فأجزنا كتابته بالاخبار التى فيها ذكر الكتابة جملة فقلنا لهم: فأبيحوا بمثل هذا الدليل أكل كل مختلف فيه لقوله تعالى (كلوا واشربوا) وهذا باطل بقوله عليه الصلاة والسلام: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) ويلزمكم أن تجيزوا كتابة المجنون والصغير بعموم تلك الاحاديث وأيضا فانه لا يكون مكاتبا الا من أباح الله تعالى مكاتبته أو أمر بها، وأيضا فلم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أثر قط في المكاتب الا وفيه بيان انه مسلم، وأمر الله تعالى بالمكاتبة وبكل ما أمر به فرض لا يحل لاحد أن يقول له الله تعالى افعل أمرا كذا فيقول هو: لا أفعل
الا أن يقول له تعالى: ان شئت فافعل والا فلا * وروينا من طريق اسماعيل بن اسحاق نا على بن عبد الله نا غندر نا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك ان سيرين سأله المكاتبة فابى عليه فقال له عمر بن الخطاب: والله لتكاتبنه وتناوله بالدرة فكاتبه * وبه إلى على بن عبد الله نا روح بن عبادة نا ابن جريج قلت لعطاء: أواجب على إذا علمت له مالا أن أكاتبه؟ قال ما أراه الا واجبا قال ابن جريج: وقال (1) لى أيضا عمرو بن دينار قال ابن جريج: وأخبرني عطاء ان موسى بن أنس بن مالك أخبره ان سيرين أبا محمد بن سيرين سال أنس بن مالك الكتابة؟ وكان كثير المال فأبى فانطلق إلى عمر بن الخطاب فاستأذنه فقال عمر لانس: كاتبه فأبى فضربه عمر بالدرة وقال كاتبه ويتلو (وكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا) فكاتبه أنس * وبه إلى ابن المدينى نا سعيد بن عامر نا جويرية بن أسماء عن مسلم بن أبى مريم عن عبد كان لعثمان ابن عفان فذكر حديثا وفيه أنه استعان بالزبير فدخل معه على عثمان فقام بين يديه قائما وقال: يا أمير المؤمنين فلان كاتبه فقطب ثم قال: نعم ولولا انه في كتاب الله تعالى ما فعلت ذلك (2) وذكر الخبر * وروى عن مسروق والضحاك، وقال اسحاق بن
__________
(1) في النسخة رقم 14 وقال لى (2) لفظ ذلك زيادة من النسخة رقم 16 [ * ](9/223)
راهويه: مكاتبته واجبة إذا طلبها وأخشى أن يأثم ان لم يفعل ذلك ولا يجبره الحاكم على ذلك وبايجاب ذلك وجبر الحاكم عليه يقول أبو سليمان.
وأصحابنا، فهذا عمر.
وعثمان يريايها واجبة ويجبر عمر عليها ويضرب في الامتناع من ذلك، والزبير يسمع حمل عثمان الآية على الوجوب فلا ينكر على ذلك، وأنس بن مالك لما ذكر بالآية سارع إلى الرجوع إلى المكاتبة وترك امتناعه فصح أنه لا يعرف في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله عنهم، وخالف ذلك الحنيفيون.
والمالكيون.
والشافعوين فقالوا: ليست واجبة وموهوا في ذلك بتشغيبات منها أنهم ذكروا آيات من القرآن على الندب مثل (وإذا حللتم فاصطادوا)
(فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض) وهذا لا حجة لهم فيه لانه لولا نصوص اخر جاءت لكان هذان الامران فرضا لكن لما حل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجه وعمرته ولم يصطد صار الامر بذلك ندبا ولما حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على القعود في موضع الصلاة ورغب في ذلك كان الانتشار ندبا، فان كان عندهم نص يبين أن الامر بالكتابة ندب صرنا إليهم والا فقد كذب محرف القرآن عن موضع كلماته وليس إذا وجد أمر مخصوص أو منسوخ وجب أن يكون كل أمر في القرآن منسوخا أو مخصوصا، وقالوا: لما لم يختلفوا في أن له بيعه إذا طلب منه الكتابة علمنا أن الامر بها ندب * قال أبو محمد: وهذا تمويه بارد نعم وله بيعه وان كاتبه ما لم يؤد وله بيع ما قابل منه ما لم يؤد حتى يتم عتقه بالاداء وهم يقولون فيمن نذر عتق عبده ان قدم أبوه أن له بيعه ما لم يقدم أبوه وفى ذلك بطلان نذره المفترض عليه الوفاء به لو لم يبعه، وقالوا: لم نجد في الاصول أن يجبر أحد على عقد فيما يملك فقلنا: فكان ماذا؟ ولا وجدتم قط في الاصول أن يجبر أحد على الامتناع من بيع أمته وتخرج حرة من رأس ماله ان مات وقد قلتم بذلك في أم الولد ولا وجدتم قط صوم شهر مفرد الا رمضان فابطلوا صومه بذلك، ولا فرق بين من قال: لا آخذ بشريعة حتى أجد لها نظيرا وبين ما قال: لا آخذ بها حتى أجد لها نظيرين، وقد وجدنا المفلس يجبر على بيع ماله في أداء ما عليه ووجدنا الشفيع يجبر المشترى على تصيير مكله إليه، وقالوا: لو كان ذلك واجبا على السيد إذا طلبه العبد لوجب أيضا أن يكون واجبا على العبد إذا طلبه السيد وهذا أسخف ما أتوا به لان النص جاء بذلك إذا طلبها العبد ولم يأت بها إذا طلبها السيد، فان كان هذا عندهم قياسا صحيحا فليقولوا: إنه لما (1) كان الزوج إذا اراد أن يطلق امرأته كان له أن يطلقها فكذلك أيضا للمرأة (2) إذا أرادت طلاقه أن
__________
(1) في النسخة رقم 16 انه إذا (2) في النسخة رقم 14 على المرأة [ * ](9/224)
يكون لها أن تطلقه ولما كان للشفيع أخذ الشقص (1) وان كره المشترى كان للمشترى أيضا الزامه اياه وان كره الشفيع، وهذه وساوس سخر الشيطان بهم فيما وشواذ سبب لهم مثل هذه المضاحك في الدين فاتبعوه عليها ولا ندرى بأى نص أم باى عقل وجب هذا الذى يهذرون به؟ وقالوا: كان الاصل أن لا تجوز الكتابة لانها عقد غرر وما كان هذا فسبيله إذا جاء به نص أن يكون ندبا لانه اطلاق من حظر فقلنا: كذبتم بل الاصل انه لا يلزم شئ من الشريعة ولا يجوز القول به حتى يأمر الله تعالى به فإذا أمر به عزوجل فسبيله أن يكون فرضا يعصى من أبى قبوله هذا هو الحق الذى لا تختلف العقول فيه وما جاء قط نص ولا معقول بان الامر بعد التحريم لا يكون الا ندبا بل قد كانت الصلاة إلى بيت المقدس فرضا والى الكعبة محظورة محرمة ثم جاء الامر بالصلاة إلى الكعبة بعد الحظر فكان فرضا، وقالوا: لو كانت الكتابة إذا طلبها العبد فرضا لوجب أن يجبر السيد عليها وان أرادها العبد بدرهم وهذا قول فاسد لان الله تعالى لم يأمر قط باجابة العبد إلى ما أراد أن يكاتب عليه وانما أمر باجابته إلى الكتابة ثم ترك المكاتبة مجملة بين السيد والعبد لان قوله تعالى: (فكاتبوهم) فعل من فاعلين، قال تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) فوجب أن لا يكلف العبد ما ليس في وسعه، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اضاعة المال فوجب ان لا يكلف السيد اضاعة ماله، وصح بهذين النصين ان اللازم لهما ما أطاقه العبد بلا حرج وما لا غبن فيه على السيد ولا اضاعة لماله، وقد وافقونا على أن للسيد تكليف عبده الخراج واجباره عليه ولم يكن ذلك عندهم مجيزا أن يكلفه مر ذلك ما لا يطيق ولا اجابة العبد إلى اداء ما لا يرضى السيد به مما هو قادر فلا مشقة على أكثر منه وهذا هو الحكم في الكتابة بعينه وكذلك من تزوج ولم يذكر صداقا فانه يجبر على اداء صداق مثلها وتجبر على قبوله ولا تعطى برأيها ولا يعطى هو برأيه، وقد رأى الحنيفيون الاستسعاء والقضاء به واجبا فهلا عارضوا أنفسهم بمثل هذه المعارضة فقالوا: ان قال العبد: لا أؤدى الا درهما في ستين سنة وقال
المستسعى له: لا تؤدى الا مائة ألف دينار من يومه، وقد أوجب الماليكون الخراج على الارض المفتتحة فرضا لا يجوز غيره ثم لم يبينوا ما هو ولا مقداره وكم قصة قال فيها الشافعيون بايجاب فرض حيث لا يحدون مقداره كقولهم: الصلاة تطيل بالعمل الكثير ولا تبطل بالعمل اليسير، فهذا فرض غير محدود، وأوجبوا المتعة فرضا ثم لم يحدوا فيها حدا ومثل هذا لهم كثير جدا فبطل كل ما موهوا به وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في النسخة رقم 14 أن يأخذ الشقص [ * ](9/225)
1686 - مسألة والكتابة جائزه على مال جائز تملكه وعلى عمل فيه إلى اجل مسمى والى غير أجل مسمى لكن حالا أو في الذمة وعلى (1) نجم ونجمين وأكثر، وكنا قبل (2) نقول: لا تجوز إلا على نجمين فصاعدا حتى وجدنا ما حدثناه احمد بن محمد الطلمنكى قال: نا ابن مفرج نا ابراهيم بن أحمد بن فراس نا احمد بن محمد بن سالم النيسابوري نا اسحاق بن راهويه انا يحيى بن آدم نا ابن ادريس هو عبد الله نا محمد بن اسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة هو ابن النعمان الظفرى عن محمد بن لبيد عن ابن عباس حدثنى سلمان الفارسى فذكر حديثا طويلا وفيه فقدم رجل من بنى قريظة فابتاعنى ثم ذكر خبرا وفيه فأسلمت وشغلني الرق حتى فاتتني بدر ثم قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كاتب فسألت صاحبي ذلك فلم أزل به حتى كاتبني على ان أحيى له ثلاثمائة نخلة وباربعين أوقية من ذهب فاخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال لى: اذهب ففقر لها فإذا اردت أن تضعها فلا تضعها حتى تأتيني فتؤذنى فاكون أنا الذى أضعها بيدى قال: فقمت بتفقيرى واعانني أصحابي حتى فقرت لها سربها ثلاثمائة سربة وجاء كل رجل بما أعانني به من النخل ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يضعه بيده ويسوى عليها ترابها ويبرك حتى فرغ منها فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية وبقيت الذهب فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه (3) رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب أصابها من بعض المعادن
فقال عليه الصلاة والسلام: ما فعل الفارسى المسكين المكاتب ادعوه لى فدعيت فجئت فقال: اذهب بهذه فادها بما عليك من المال فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما على؟ فقال: ان الله سيؤدى عنك ما عليك من المال قال: فوالذي نفسي بيده لقد وزنت له منها أربعين أوقية حتى أوفيته الذى على قال: فاعتق سلمان وشهد الخندق وبقية مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الشافعي: لا تجوز الكتابة الا على نجمين للاتفاق على جوازها كذلك * قال أبو محمد: لا حظ للنظر مع صحة الخبر، فان قيل: لم قلتم ان العبد إذا أسلم وسيده كافر فهو حر وهذا سلمان أسلم وسيده كافر ولم يعتق بذلك قلنا: لم نقل بهذا الا لعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم من خرج إليه مسلما من عبيد اهل الطائف.
ولقول الله تعالى (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) والطائف بعد الخندق بدهر وقصة سلمان موافقة لمعهود الاصل فصح بنزول الآية نسخ جواز تملك الكافر للمؤمن وبقى سائر الخبر على ما فيه وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في النسخة رقم 14 أو على (2) لفظ قبل زيادة من النسخة رقم 16 (3) في النسخة رقم 16 إذ جاءه [ * ](9/226)
1687 مسألة ولا تجوز كتابة مملوك لم يبلغ لان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن القلم مرفوع عن الصبى حتى يبلغ، وقال أبو حنيفة: كتابته جائزة وهذا خلاف السنة ولا يجوز ان يكاتب عبد غيره لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فلا يجوز عمل أحد على غيره الا حيث أجازه القرآن والسنة، ولا تجوز كتابة (1) الوصي غلام يتيمه ولا مكاتبة الاب غلام ابنه الصغير لانه غير المخاطب في الآية ولانه ليس نظرا للصغير إذ هو قادر على أخذ كسبه بغير اخراجه عن ملكه * 1688 - مسألة والمكاتب عبد ما لم يؤد شيئا فإذا أدى شيئا من كتابته فقد شرع (2) فيه العتق والحرية بقدر ما أدى وبقى سائره مملوكا وكان لما عتق منه حكم
الحرية في الحدود والمواريث والديات وغير ذلك وكان لما بقى منه حكم العبيد في الديات والمواريث والحدود وغير ذلك هكذا أبدا حتى يتم عتقه بتمام ادائه لما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن عيسى الدمشقي نا يزيد بن هارون انا حماد بن سلمة عن قتادة وأيوب السختيانى قال قتادة: عن خلاس بن عمرو عن على بن أبى طالب، وقال أيوب: عن عكرمة عن ابن عباس كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (انه قال: المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ويقام عليه الحد بقدر ما أعتق منه ويرث بقدر أعتق منه) * ومن طريق أبى داود نا عثمان بن أبى شيبة نا يعلى بن عبيد الطنافسى نا حجاج الصواف هو ابن أبى عثمان عن يحيى بن أبى كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكاتب يقتل يؤدى ما أدى من مكاتبته دية الحر وما بقى دية المملوك * ومن طريق أحمد بن شعيب النسائي نا سليمان بن سلم البلخى.
وعبيد الله بن سعيد قال سليمان: انا النضر بن شميل وقال عبيد الله نا معاذ بن هشام الدستوائى ثم اتفق معاذ والنضر كلاهما يقول: نا هشام الدستوائى عن يحيى بن أبى كثير عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤدى المكاتب بقدر ما عتق منه دية الحر وبقدر ما رق منه دية العبد) * ومن طريق احمد بن شعيب نا محمد بن عبد الله بن المبارك أنا أبو هشام هو المغيرة بن سلمة المخزومى نا وهيب بن خالد عن أيوب عن عكرمة عن على بن أبى طالب عن النبي عليه السلام قال: (يؤدى المكاتب بقدر ما أدى) وهذا أثر صحيح لا يضره قول من قال: انه اخطأ فيه بل هو الذى اخطأ لانه من رواية الثقات الاثبات * ومن عجائب الدنيا عيب الحنيفيين.
والمالكيين.
والشافعيين له بان حماد ابن زيد أرسله عن ايوب عن عكرمة.
وان ابن علية رواه عن أيوب عن عكرمة عن
__________
(1) في النسخة رقم 14 لا يجوز مكاتبا (2) في النسخة رقم 14 فان أدى من كتابته شيئا شرع [ * ](9/227)
على انه قال: يؤدى المكاتب بقدر ما أدى فأوقفه على علي *
قال أبو محمد: أليس هذا من عجائب الدنيا يكون الحنيفيون.
والمالكيون عند كل كلمة يقولون: المرسل كالمسند ولا فرق فإذا وجدوا مسندا يخالف هوى أبى حنيفة: ورأى مالك جعلوا ارسال من أرسله عيبا يسقط به اسناد من أسنده ويكون الشافعيون لا يختلفون في ان المسند لا يضره ارسال من أرسله فإذا وجدوا ما يخالف رأى صاحبهم كان ذلك يضر اشد الضرر أيرون الله غافلا عن هذا العمل في الدين؟ وقد اسنده حماد بن سلمة، ووهيب بن خالد، ويحيى بن أبى كثير.
وقتادة عن خلاس عن على وما منهم أحد ان لم يكن فوق حماد لم يكن دونه فكيف وقد أسنده حماد بن زيد كما روينا من طريق أحمد بن شعيب انا القاسم بن زكريا انا سعيد بن عمرو نا حماد بن زيد عن أيوب.
ويحيى ان أبى كثير كلاهما عن عكرمة عن ابن عباس أن مكاتبا قتل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فامر عليه الصلاة والسلام أن يؤدى ما أدى دية الحر ومالا دية المملوك.
وأما ما ذكروه من ايقاف ابن علية له على علي فهو قوة للخبر لانه فتيا من على بما روى، وليت شعرى من أين وقع لمن وقع ان العدل إذا أسند الخبر عن مثله وأوقفه آخر أو ارسله آخر ان ذلك علة في الحديث وهذا لا يوجبه نص ولا نظر ولا معقول والبرهان قد صح بوجوب الطاعة للسند دون شرط فبطل ما عدا هذا ولله تعالى الحمد * وقالوا: قد رويتم من طريق أحمد بن شعيب انا حميد بن مسعدة نا سفيان عن خالد هو الحذاء عن عكرمة عن على بن ابى طالب في المكاتب إذا أدى النصف فهو غريم * ومن طريق ابن أبى شيبة نا وكيع عن على بن المبارك عن يحيى بن أبى كثير عن عكرمة عن ابن عباس حد المكاتب حد المملوك، وهذا ترك منهما لما رويا * قال أبو محمد: فقلنا: هبك أنهما تركا ما رويا فكان ماذا؟ انما الحجة فيما رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم لا في قولهما، وقد أفردنا جزءا ضحما لما تناقضوا فيه من هذا الباب، وأيضا فان كان هذا الاختلاف يوجب عندهم الوهن فيما رويا فانفصلوا ممن عكس ذلك فقال: بل ذلك يوجب الوهن فيما روى عنهما مما هو خلاف لما رويا
وحاشا لهما من ذلك * قال على: فكيف وقد يتأول الراوى فيما روى وقد ينساه فكيف وليس فيما ذكرنا عن على.
وابن عباس خلاف لما روياه (1) أما قول على: إذا أدى النصف فهو غريم فليس مخالفا للمشهور عنه من توريث من بعضه حر بما فيه من الحرية دون ما فيه من الرق
__________
(1) في النسخة رقم 14 لما روى [ * ](9/228)
ولا لما روى من حكم المكاتب لانه لم يقل فيه: ليس باقيه عبدا ولا قال فيه: ليس ما قابل ما أدى حرا لكن أخبر أنه لا يعجز لكن يتبع بباقى الكتابة فقط فلا خلاف في هذا لما روى * وأما قول ابن عباس: حد المكاتب حد مملوك فانما يحمل على أنه أراد ما لم يؤد شيئا من كتابته وما قابل منه إذا أدى البعض ما لم يؤد فهذا صحيح وبه نقول، فبطل هذرهم ودعواهم الكاذبة أنهما رضى الله عنهما خالفا ما رويا وبطل أن يكون لهم كدح في الخبره * وهذا مكان اختلف الناس فيه فروى عن عمر بن الخطاب، وعثمان.
وجابر: وأمهات المؤمنين المكاتب عبد ما بقى عليه درهم، ولا يصح عن أحد منهم لانه عن عمر من طريق الحجاج بن أرطاة وهو هالك عن ابن أبى مليكة مرسل * ومن طريق محمد بن عبيد الله العرزمى وهو مثله أو دونه ثم عن سعيد بن المسيب أن عمر مرسل * ومن طريق سليمان التيمى أن عمر * ومن طريق ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عمر (1) وعثمان: وجابر بن عبد الله، والتى عن أمهات المؤمنين هو من طريق عمر بن قيس سندل وهو ضعيف وهو عن أم سلمة أم المؤمنين من طريق ابى معشر المدنى وهو ضعيف لكنه صح عن زيد بن ثابت.
وعائشة أم المؤمنين وابن عمر وهو مأثور عن طائفة من التابعين منهم عروة بن الزبير.
وسليمان بن يسار، وصح عن سعيد بن المسيب، والزهرى، وقتادة وهو قول أبى حنيفة.
ومالك والشافعي.
والاوزاعي.
وسفيان الثوري.
وابن شبرمة وابن أبى ليلى.
واحمد واسحاق.
وأبى ثور.
وأبى سليمان، وقالت طائفة: المكاتبون
على شروطهم صح ذلك عن جابر بن عبد الله، وقالت طائفة: هو حر ساعة العقد له بالكتابة وهو قول روى عن ابن عباس ولم نجد له اسنادا إليه، وقالت طائفة: إذا أدى نصف مكاتبته فهو غريم روينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن جابر بن سمرة ان عمر بن الخطاب قال: إذا أدى المكاتب الا الشطر فهو غريم * ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بهذا الاسناد نفسه قال عمر: إذا أدى الشطر فلا رق عليه، وقد ذكرنا قبل في هذه المسألة نفسها قول على بمثل ذلك وهما اسنادان جيدان، وصح عن شريح إذا أدى المكاتب النصف فلا رق عليه وهو غريم رويناه من طريق سفيان بن عيينة عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى عن شريح.
وقالت طائفة: إذا أدى المكاتب الثلث فهو غريم روينا ذلك من طريق أبى بكر بن أبى شيبة عن حفص بن غياث عن الاعمش عن ابراهيم النخعي عن ابن مسعود إذا أدى المكاتب ثلث كتابته
__________
(1) في النسخة رقم 14 (ان عمر) ولا يختلف من جهة الحركة صورة [ * ](9/229)
فهو غريم، وقالت طائفة: إذا أدى الربع فهو غريم روينا من طريق وكيع عن سفيان عن منصور عن ابراهيم كان يقال: إذا أدى المكاتب الربع فهو غريم، وقالت طائفة إذا أدى ثلاثة أرباع الكتابة فهو غريم روينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء من رأيه قال: ولم يبلغني عن أحد، وقالت طائفة: إذا أدى قيمته (1) فهو غريم روينا ذلك من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن أن ابن مسعود قاله * ومن طريق سفيان بن عيينة عن اسماعيل بن ابى خالد قال: قال لى الشعبى: قول شريح مثل قول ابن مسعود إذا أدى المكاتب قيمته فهو غريم من الغرماء * قال أبو محمد: هذا اسناد جيد لان الشعبى صحب شريحا وشريح صحب ابن مسعود وليس هذا مخالفا لما روى من هذه الطريق نفسها إذا أدى نصف الكتابة فهو غريم لانه
قد يمكن أن يقول القولين معا ولا يتمانعان وهو ان يكون يرى ان أدى الاقل من قيمته أو من نصف الكتابة فهو غريم أيهما أدى فهو غريم * ومن طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن النخعي إذا أدى المكاتب ثمن رقبته فليس لهم أن يسترقوه * وقالت طائفة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبى كثير قال: قال ابن عباس إذا بقى على المكاتب خمس أواقى أو خمس ذود أو خمسة أوسق فهو غريم، وهذا لا يصح لانه منقطع.
وعكرمة بن عمار ضعيف * وقالت طائفة بمثل قولنا روينا من طريق أحمد ابن شعيب انا زكريا بن اسحاق انا اسماعيل بن علية عن أيوب السختيانى عن عكرمة عن على يؤدى المكاتب بقدر ما أدى * ومن طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن الشعبى قال: قال على بن أبى طالب في المكاتب: يعتق بالحساب * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن أيوب السختيانى عن عكرمة عن على قال: المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى * ومن طريق وكيع نا المسعودي عن الحكم بن عتيبة عن على بن أبى طالب قال: تجزى العتاقة في المكاتب من أول نجم * قال أبو محمد: وجميع هذه الاقوال لا نعلم لشئ منها حجة الا أنها كلها على كل حال ان لم تكن اقوى من تحديد مالك ما أباح لذات الزوج الصدقة به وما أسقط من الجائحة وما لم يسقط، ومن تحديد أبى حنيفة ما تبطل به الصلاة مما ينكشف من رأس الحرة أو من بطنها أو من فخذها من ربع كل ذلك * ومن الشروط الفاسدة التى يحتجون لها (المسلمون عند شروطهم) فليست أضعف بل لهذه مزية لان أكثرها من أقوال الصحابة رضي الله عنهم إلا أن من قال: المكاتب عبد ما بقى عليه درهم فاحتجوا بما روينا من طريق عمرو بن
__________
(1) في النسخة رقم 14 ثمنه [ * ](9/230)
شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم المكاتب عبد ما بقى عليه درهم * ومن طريق عبد الباقي ابن قانع راوي الكذب عن موسى بن زكريا عن عباس بن محمد بن أحمد بن يوسن
عن هشيم عن جعفر بن اياس عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (المكاتب عبد ما بقى عليه درهم) وهذا خبر موضوع بلا شك لم يعرف قط من حديث عباس بن محمد ولا من حديث أحمد بن يونس ولا من حديث هشيم.
ولا من حديث جعفر.
ولا من حديث نافع.
ولا من حديث ابن عمر انما هو معروف من قول ابن عمر، وأحاديث هؤلاء كلهم اشهر من الشمس ولا ندرى من موسى بن زكريا أيضا؟، وأما حديث عمرو بن شعيب فصحيفة على أنه مضطرب فيه قد روينا من طريق أبى داود نا محمد ابن المثنى حدثنى عبد الصمد هو ابن عبد الوارث نا همام هو ابن يحيى نا عباس الجريرى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ايما عبد كاتب على مائة أوقية فاداها الا عشر أواقى فو عبد وأيما عبد كاتب على مائة دينار فاداها الا عشرة دنانير فهو عبد * ومن طريق ابن جريج عن عطاء الخراساني عن عبد الله بن عمرو بن العاصى من كاتب مكاتبا على مائة درهم فقضاها الا عشرة دراهم فهو عبد أو على مائة أوقية فقضاها الا أوقية فهو عبد، عطاء هذا الخراساني لم يسمع عن عبد الله بن عمرو بن العاصى شيئا ولا من أحد من الصحابة الا من أنس وحده، والعجب كله ممن يعطل خبر على، وابن عباس وهو في غاية الصحة بانه اضطرب فيه وقد كذب ثم يحتج بهذه العورة وقد اضطرب فيها كما ترى * (فان قالوا) هو قول أم المؤمنين عائشة وما كان الله تعالى ليهتك ستر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخول من لا يحل دخوله على أزواجه قلنا: صدقتم وانما حرم الله تعالى عليهن دخول الاحرار عليهن فقط والمكاتب ما لم يؤد شيئا فهو عبد وما دام يبقى عليه فلس فليس حرا لكن بعضه حر وبعضه عبد ولم ينهين قط عمن هذه صفته * (فان قيل): هو قول الجمهور قلنا: فكان ماذا؟ وكم قصة خالفتم فيها الجمهور نعم وأتيتم بقول لا يعرف أحد قاله قبل من قلدتموه ديكنم، وهذا الشافعي خالف جمهور العلماء في بطلان الصلاة بترك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الاخير وفى تحديد القلتين.
وفى تنجيس الماء بما يموت فيه من الذباب وفى نجاسة الشعر.
وفى أزيد من مائة قضية، وهذا أبو حنيفة خالف في زكاه البقر جمهور العلماء.
وخالف في قوله: ان الخلطة لا تغير الزكاة جمهور العلماء.
وخالف في وضعه في الذهب أوقاصا جمهور العلماء.
وفى أزيد من ألف قضية وهذا مالك خالف في ايجاب الزكاة في السائمة جمهور العلماء: وفى الحامل والمرضع(9/231)
تفطران.
وفى أن العمرة تطوع وفى مئين من القضايا، فالآن صار أكثر من روى عنه ولا يبلغون عشرة حجة لا يجوز خلافها وقد خالفهم غيرهم من نظرائهم، وكم قصة خالفوا فيها رواية عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم كحديثه لا يجوز لامرأة امر في مالها ولا عطية إذا ملك زوجها عصمتها.
وان الدية على أهل البقر مائتا بقرة.
وعلى أهل الشاء الفا شاة.
وفى احراق رحل الغال وغير ذلك، وهذا لعب وعبث في الدين (فان قالوا): قد صح أن المكاتب كان عبدا فهو كذلك فقلنا: نعم ما لم يأت نص بخلاف هذا فيوقف عنده وقد صح النص بخلاف هذا وبشروع الحرية فيه، واحتج أصحابنا ببيع بريرة وهى مكاتبة فقلنا: نعم ولم تكن أدت من كتابتها شيئا هكذا في الحديث وبهذا نقول فبطل قولهم وصح قولنا والحمد لله رب العالمين كثيرا * 1689 مسألة ولا تجوز كتاب مملوكين معا كتابة واحدة سواء كانا أجنبيين أو ذوى رحم محرمة * برهان ذلك أنها مجهولة لا يدرى ما يلزم منها كل واحد منهما أو منهم وهذا باطل، وأيضا فان شرطه أن لا يعتق منهما واحد الا بأداء الآخر وعتقه شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل قال الله عزوجل: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) فصح أنه عقد مخالف للقرآن فلا يجوز ولا يقع به عتق أصلا اديا أو لم يؤديا وهو قول أصحابنا * 1690 مسألة وبيع المكاتب.
والمكاتبة ما لم يؤديا شيئا من كتابتهما جائز متى شاء السيد، وكذلك وطئ المكاتبة جائز ما لم تؤد شيئا من كتابتها فان حملت أو لم
تحمل فهى على مكاتبتها فإذا بيع بطلت الكتابة فان عاد إلى مكله فلا كتابة لهما الا بعقد محدد ان طلبه العبد أو الامة فان اديا شيئا من الكتابة قل أو كثر حرم وطؤها جملة وجاز بيع ما قابل منهما ما لم يؤديا فان باع ذلك الجزء بطلت الكتابة فيه خاصة وصح العتق فيما قابل منهما ما أديا فان عاد الجزء المبيع إلى ملك البائع يوما ما لم تعد فيه الكتابة ولا الرجوع في الكتابة أصلا بغير الخروج من الملك، وكذلك ان مات السيد فان ما قابل مما اديا حر وما بقى رقيق للورثة قد بطلت فيه الكتابة فان كانا لم يكونا اديا شيئا بعد فقد بطلت الكتابة كلها وهما رقيق للورثة، وكذلك ان مات المكاتب أو المكاتبة ولم يكونا أديا شيئا فقد ماتا مملوكين ومالهما كله للسيد فان كانا قد أديا من الكتابة فما قابل منهما ما أديا فهو حر ويكون ما قابل ذلك الجزء مما تركا ميراثا للاحرار من ورثتهما ويكون ما قابل ما لم يؤديا مما تركا للسيد وقد بطل باقى الكتابة وما حملت به المكاتبة قبل الكتابة أو بعدها إلى أن يتم له مائة وعشرون(9/232)
ليلة (1) مذ حملت به فحكمه حكمها حتى يتم له العدد المذكور فما عتق منها بالاداء عتق منه فإذا نفخ فيه الروح فقد استقر أمره ولا يزيد قيمة (2) العتق فيه بعد بادائها * برهان ذلك ما ذكرناه في المسألة التى قبل هذه من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بان المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ويرق بقدر ما لم يؤد فهذا يوجب كل ما ذكرنا واذ هو عبد ما لم يؤد فبيع المرء عبده ووطؤه أمته حلال له وما علمنا في دين الله تعالى مملوكا ممنوعا من بيعه، ومنع الحنيفيون.
والمالكيون من البيع والوطئ وما نعلم لهم في ذلك حجة أصلا لا من قرآن.
ولا سنة.
ولا قياس.
ولا معقول بل قولهم خلاف ذلك كله لا سيما مع احتجاجهم لقولهم الفاسد بما لم يصح من أن المكاتب عبد ما بقى عليه درهم فإذا هو عبد فما المانع من بيعه واذ هي أمة فما المانع من وطئها والله تعالى يقول: (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين) فلا تخلو من أن
تكون مما ملكت يمينه فوطؤها له حلال أو مما لا تملك يمينه فهى اما حرة واما أمة لغيره لا يعقل في دين الله تعالى وفى طبيعة العقول الا هذا، ولو أنهم اعترضوا بهذا على أنفسهم مكان اعتراضهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تزوجه أم المؤمنين صفية وجعل عتقها صداقها فقالوا: لا يخلو من أن يكون تزوجها وهى مملوكة له فلا يجوز ذلك أو يكون تزوجها وهى حرة فهذا نكاح بلا صداق لكان اسلم لهم من الاثم في الاخرى ومن السخرية بهذا القول السخيف في الاولى، وجوابهم أنه عليه الصلاة والسلام ما تزوجها الا وهى حرة بصداق صحيح قد حصلت عليه وأتاها اياه كما أمره ربه عزوجل وهو عتقها التام لها قبل الزواج ان تزوجته ولا يخلو المكاتب (3) ضرورة من أحد أقسام أربعة لا خامس لها اما أن يكون حرا من حين العقد كما ذكر عن بعض الصحابة رضى الله عنهم وهم لا يقولون بهذا أو يكون عبدا كما يقولون أو يكون عبدا ما لم يؤد فإذا أدى (4) شرع فيه العتق فكان بعضه حرا وبعضه مملوكا كما نقول نحن أو يكون (5) لا حرا ولا عبدا ولا بعضه حر ولا بعضه عبد وهذا محال لا يعقل، فإذ هو عندهم عبد فبيع العبد ووطئ الامة حلال ما لم يمنع من ذلك نص ولا نص ههنا مانعا من ذلك أصلا بل قد جاء النص الصحيح والاجماع المتيقن على جواز بيع المكاتب الذى لم يؤد شيئا كما روينا من طريق البخاري نا قتيبة نا الليث - هو ابن سعد - عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير (أن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا فقالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك فان أحبوا أن أقضى
__________
(1) في بعض النسخ (يوما) بدل ليلة (2) سقط لفظ (قيمة) من النسخة رقم 14 (3) في النسخة رقم 12 (المكاتبة) وهو غلط (4) في النسخة رقم 16 فان أدى (5) في النسخة رقم 14 أو لا يكون [ * ](9/233)
عنك كتابتك ويكون ولاؤك لى فعلت فذكرت ذلك بريره لاهلها فأبوا وقالوا: ان شاءت ان تحتسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابتاعى فاعتقي فانما الولاء (1) لمن أعتق قالت: ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما بال الناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى من اشترط شرطا ليس في كتاب الله تعالى فليس له وان اشترط مائة مرة شرط الله أحق وأوثق) * ومن طريق مسلم نا أبو كريب محمد بن العلاء نا أبو أسامة نا هشام بن عروة يعنى عن أبيه أخبرتني عائشة أم المؤمنين قالت: (دخلت على بريرة فقالت: ان أهلى كاتبوني على تسع أواق في تسع سنين في كل سنة أوقية فاعينيني فقلت لها: ان شاء أهلك ان أعدها لهم عدة واحدة واعتقك ويكون ولاؤك (2) لى فعلت فذكرت ذلك لاهلها فقالوا: لا الا أن يكون الولاء لهم قالت: فأتتنى فذكرت ذلك فانتهرتها فقلت: لا ها الله إذا فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فسألني فاخبرته فقال: اشتريها فأعتقيها واشترطي لهم الولاء فان الولاء لمن أعتق ففعلت ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: (ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق) وذكر باقى الحديث * ومن طريق مالك عن هشام بن عروة عن ابيه عن أم المؤمنين عائشة نحوه * ومن طريق البخاري نا أبو نعيم هو الفضل بن دكين نا عبد الواحد بن أيمن حدثنى ابى أيمن قال: دخلت على عائشة أم المؤمنين فقلت لها: كنت لعتبة بن أبى لهب ومات وورثه بنوه وانهم باعونى من ابن أبى عمرو المخزومى فأعتقني واشترط بنو عتبة الولاء فقالت عائشة: دخلت على بريرة وهى مكاتبة فقالت: اشتريني فاعتقيني فقلت: نعم فقالت: لا يبيعونني حتى يشترطوا ولائي فقلت: لا حاجة لى بذلك فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه فقال لعائشة: (اشتريها واعتقيها) فذكرت الخبر * ومن طريق أبى داود نا موسى بن اسماعيل نا حماد هو ابن سلمة عن خالد - هو الحذاء - عن عكرمة عن ابن عباس (ان مغيثا كان عبدا فقال: يا رسول الله اشفع إليها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بريرة اتقى الله فانه زوجك وأبو ولدك قالت: يا رسول الله تأمرني بذلك؟ قال: لا انما
أنا شافع فكانت دموعه تسيل على خده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: ألا تعجب من حب مغيث بريرة وبغضها اياه) * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال: (لما خيرت بريرة رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة
__________
(1) في النسخة رقم 14 (فان الولاء) وما هنا موافق لما في صحيح البخاري (2) في النسخة رقم 14 الولاء [ * ](9/234)
ودموعه تسيل على لحيته فكلم له العباس النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب إليها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: زوجك وأبو ولدك فقالت: أتأمرني به يا رسول الله؟ قال: انما أنا شافع فقالت: فان كنت شافعا فلا حاجة لى فيه واختارت نفسها وكان يقال له: المغيث وكان عبدا لآل المغيرة من بنى مخزوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: ألا تعجب من شدة بغض بريرة لزوجها ومن شدة حب زوجها لها) فهذا خبر ظاهر فاش رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أم المؤمنين.
وبريرة وابن عباس، ورواه عن ابن عباس عكرمة.
وعن بريرة عروة: وعن أم المؤمنين القاسم بن محمد.
وعروة بن الزبير.
وعمرة.
وأيمن، ورواه عن أيمن ابنه عبد الواحد.
وعن عمرة يحيى بن سعيد الانصاري.
وعن القاسم ابنه عبد الرحمن.
وعن عروة الزهري.
وهشام ابنه.
ويزيد بن رومان، ورواه عن هؤلاء الناس والائمة الذين يكثر عددهم فصار نقل كافة وتواتر لا تسع مخالفته، وهذا بيع للمكاتب قبل أن يؤدى شيئا، ولا شك عند كل ذى حس سليم انه لم يبق بالمدينة من لم يعرف ذلك لانها صفقة جرت بين أم المؤمنين وطائفة من الصحابة وهم موالى بريرة، ثم خطب الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر بيعها خطبة في غير وقت الخطبة ولا يكون شئ أشهر من هذا، ثم كان من مشى زوجها يبكى خلفها في أزقة المدينة ما زاد الامر شهرة عند الصبيان والنساء والضعفاء فلاح يقينا انه اجماع من جميع الصحابة إذ لا يجوز البتة أن يظن بصاحب خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى أكد فيه هذا التأكيد، وهذا هو الاجماع المتيقن لا اعطاء صاع من حنطة صدقة في بنى الحارث
ابن الخزرج على نحو ميل من المدينة.
ولا جلد عمر أربعين جلدة زائده على سبيل التعزير في الخمر قد صح عنه خلافها، وعن غيره من الصحابة قبله وبعده، ولا سبيل لهم إلى أن يوجدونا عن أحد من الصحابة المنع من بيع المكاتب قبل أن يؤدى الا تلك القولة الخاملة التى لا نعلم لها سندا عن ابن عباس * قال أبو محمد: فبلحوا عند هذه فقالت منهم عصبة: انما بيعت كتابتها فقلنا: كذبتم كذبا مفتعلا للوقت وفى الخبر تكذيبكم بأن أم المؤمنين اشترتها وأعتقتها وكان الولاء لها، وقال بعضهم: انما عجزت فقلنا: كذبتم كذبا مفتعلا من وقته، وفى الخبر ان هذه القصة كانت بالمدينة والعباس.
وابنه عبد الله بها وان الكتابة كانت لتسع سنين في كل سنة أوقية وانها لم تكن بعد أدت شيئا، ولا خلاف بين أحد من أهل العلم والرواية في أن العباس.
و عبد الله لم يدخلا المدينة ولا سكناها الا بعد فتح مكة ولم يعش النبي صلى الله عليه وسلم مذ دخل المدينة بعد الفتح الا عامين وأربعة أشهر فأين عجزها وأين حلول(9/235)
نجومها تبارك الله ما أسهل الكذب على هؤلاء القوم في الدين نعوذ بالله من البلاء؟ * وروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: غلام كاتبته فبعته رقبة أو كاتبته فعجز قال عطاء: هو عبد للذى ابتاعه وقاله أيضا عمرو بن دينار قلت لعطاء: فقضى كتابته فعتق قال عطاء: هو مولى للذى ابتاعه قلت لعطاء: كيف والكتابة عتق قال عطاء: كلا ليست عتقا انما يقال في المكاتب يورث فلا يبيعه الذى ورثه الا باذن عصبة الذى كاتبه وقاله أيضا عمرو بن دينار، قال ابن جريج: قلت لعطاء: اذن لى في بيعه أخوتي بنو أبى ولم يأذن بنو جدى قال عطاء: حسبك أن يأذن لك وارثه من عصبته يومئذ قال عطاء: وأما مكاتب أنت كاتبته فبعته رقبة والذى عليه فلا تستأذن فيه أحدا فان عجز فهو للذى ابتاعه وان عتق فهو مولى الذى ابتاعه فهذا عطاء.
وعمرو ابن دينار يجيزان بيع رقبة المكاتب بلا عجز ولم يخالفهما ابن جريج، والعجب كله من
اجازة بعضهم بيع كتابة المكاتب وهو حرم لانه بيع غرر ومنعوا من بيع رقبته قبل أن يؤدى وهو حلال طلق، ثم قالوا: ان أدى فعتق فولاؤه لبائع كتابته وان عجز فهو رقيق للمشترى كتابته وهذا تخليط لا نظير له لانه بيع لا بيع وتمليك للرقبه لمن لم يشترها وكل ذلك باطل * واحتج بعضهم في منع بيعه بقول الله تعالى: (أوفوا بالعقود) قال أبو محمد: وهذا عليهم لا لهم لانهم يرون تعجيزه ان عجز وابطال كتابته ونسوا قول الله تعالى: (أوفوا بالعقود) فقالوا: المسلمون عند شروطهم فقلنا: فأجيزوا شرطه على المكاتبة وطئها كما فعل سعيد بن المسيب وغيره فقالوا: هذا شرط ليس في كتاب الله تعالى فقلنا: والتعجيز شرط ليس في كتاب الله تعالى ولا فرق، ثم لم يختلفوا فيمن عقد على نفسه لله عزوجل عتق غلامه هذا إن أفاق ابوه أو قدم غائبه فان له بيعه ما لم يقدم الغائب وما لم يفق الاب فهلا منعوا من هذا بأوفوا بالعقود، فان قالوا: قد لا يستحق العتق بموت الاب المريض والغائب قلنا وقد لا يستحق المكاتب العتق عندكم بالعجز ولا فرق فكيف وليس قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) مانعا من البيع وانما هو مانع من أن يبطل عقده قاصدا إليه بالابطال، فقط * وأما وطئ المكاتبة فاننا روينا من طريق أحمد بن حنبل نا عبد الصمد بن عبد الوارث التنورى نا يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب قال: إذا كاتب الرجل أمته واشترط أن يغشاها حتى تؤدى مكاتبتها فلا بأس بذلك، وبه يقول أبو ثور، والعجب أن المانعين من وطئها اختلفوا فقال الحكم بن عتيبة: ان حملت بطلت الكتابة وهى أم ولد، وقال الزهري: يجلد مائة فان حملت فهى أم ولد *(9/236)
قال على: ليت شعرى كيف يجلد مائة في وطئه من تكون أم ولده ان حملت ان هذا لعجب وانما هو فراش أو عهر ولا ثالث، وقال قتادة: يجلد مائة سوط غير سوط وهى كذلك ان طاوعته، وقال سفيان الثوري: لا شئ عليه ان وطئها ولا عليها فان حملت
فهى بالخيار بين التمادي على الكتابة وبين أن تكون أم ولد وتبطل الكتابة، وقال أبو حنيفة.
ومالك: كقول سفيان الا انه زاد ان تمادت على الكتابة أخذت منه مهر مثلها فاستعانت به في كتابتها الا أن مالكا زاد أنه يؤدب * قال أبو محمد: ليت شعرى لاى معنى تأخذ منه مهرا أهى زوجة له فيكون لها مهر هذا الباطل أم هي بغى فقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهر البغى.
أم هي ملك يمينه فهى حلال ولا مهر لها أم هي محرمة بصفة كالحائض.
أو الصائمة وما عدا ذلك فتخليط لا يعقل؟ وقال الشافعي: يعزران ولها مهر مثلها وهى ام ولده، وهذا تناقض كما ذكرنا، والعجب من احتجاجهم في المنع من وطئها بان قالوا: قد خرجت من يده وصارت في يد نفسها كالمرهونة * قال على: هذا كذب ما خرجت عن يده ولا عن ملكه الا بالاداء فقط والدعوى لا تقوم بها حجة والمرهونة حلال لسيدها والمانع من وطئها مخطئ، وهذا احتجاج للباطل بالباطل.
وللدعوى بالدعوى، ولقولهم بقولهم، وقالوا: قد سقط ملكه عن منافعها ووطؤها من منافعها * قال أبو محمد: هذا كذب بل سقط ملكه عن رقبتها وملك رقبتها من منافعها وانما الحق ههنا ان منافعها له بلا خلاف فلا يخرج عن ملكه منها الا ما أخرجه النص ولا نص في منعه من وطئها ما لم تؤد، وقال بعضهم: وطؤها كاتلاف بعضها وهذا غاية السخف ولئن كان كاتلاف بعضها انه لحرام عليه قبل الكتابة كما يحرم عليه اتلاف بعضها ولا فرق * وأما قولنا: ان عاد إلى ملكه لم تعد الكتابة فلان كل عقد بطل بحق فلا يرجع الا بابتداء عقده أو بأن يوجب عودته بعد بطلانه نص ولا نص ههنا، وأما إذا أديا شيئا فقد شرع العتق فيهما بمقدار ما أديا ولا يحل بيع حر ولا بيع جزء حر ولا وطئ من بعضها حر لانها ليست ملك يمين حينئذ بل بعضها ملك يمينه وبعضها غير ملك يمينه والوطئ لا ينقسم ولا يحل وطئ حرام أصلا فان فعل فهو
زان فعليه الحد والولد غير لاحق وهو قول الحسن البصري، وله بيع ما في ملكه منهما لما ذكرنا من جواز بيع المرء حصته التى في ملكه * واما قولنا ان مات السيد بطلت الكتابة أو ما قابل ما لم يؤد منه فلقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها)(9/237)
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شروع العتق في المكاتب بالاداء وبقاء سائره رقيقا فإذا مات السيد فما عتق بالاداء حر لا يجوز أن يعود رقيقا وما بقى رقيقا فقد ملكه الورثة والموصى لهم أو الغرماء (1) ولا يجوز عقد الميت في مال غيره وقد ذكرنا قبل قول (2) الشعبى ليس لميت شرط، وقال هؤلاء: انما يرثون الكتابة وهذا باطل على أصولهم لان الكتابة عندهم ليست دينا ولا مالا مستقرا واجبا فبطل قولهم: إنها تورث * وأما موت المكاتب ففيه خلاف قديم.
وحديث فقالت طائفة: ماله كله لسيده روينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن معبد الجهنى قال: قضى عمر ابن الخطاب في المكاتب يموت وله ولد أحرار وله مال أكثر مما بقى عليه ان ماله كله لسيده * وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن طارق عن الشعبى عن زيد بن ثابت قال في المكاتب يموت وله ورثة: ان ماله كله لسيده * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عمر قال فيما ترك المكاتب: هو كله لسيده وهو قول عمر ابن عبد العزيز.
وقتادة.
والنخعي.
والشافعي.
وأحمد بن حنبل.
وأبى سليمان.
وأصحابهم، وقالت طائفة: غير هذا كما روينا من طريق حماد بن سلمة.
وعبد الرزاق قال حماد: انا سماك بن حرب عن قابوس بن مخارق بن سليم عن أبيه، وقال عبد الرزاق: عن ابن جريج عن عطاء ثم اتفقا عن على في مكاتب مات وله ولد احرار قال: يؤدى مما ترك ما بقى من كتابته ويصير ما بقى ميراثا لولده * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان ابن عيينة.
والمعتمر بن سليمان كلاهما عن اسماعيل بن ابى خالد عن الشعبى قال: كان ابن مسعود يقول في المكاتب إذا مات وترك مالا: ادى عنه بقية كتابته وما فضل رد
على ولده ان كان له ولد أحرار وبه كان يقضى شريح * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن معبد الجهنى أن معاوية قال في مكاتب مات وله ولد أحرار ومال أن يعطى سيده بقية كتابته ويكون ما بقى لولده الاحرار وبه يقول معبد وهو قول الحسن البصري.
وابن سيرين.
والنخعي.
والشعبى ان ذلك لورثته بعد اداء كتابته وهو قول عمرو بن دينار * ومن طريق عبد الرزاق عن عمر عن الزهري قال: إذا كان للمكاتب أولاد معه في كتابته وأولاد ليسوا معه في كتابته فانه يؤدى ما بقى من كتابته ثم يقسم ولده جميعا ما بقى من ماله على فرائضهم وهو قول سفيان الثوري.
والحسن بن حى.
وأبى حنيفة.
واسحق بن راهويه، وقالت طائفة: غير هذا كما روينا عن مالك ومن قلده ان المكاتب ان كان معه في كتابته أمه وأبوه والجد والجدة وبنوه
__________
(1) في النسخة رقم 16 (والغرماء) (2) في النسخة رقم 16 (عن) [ * ](9/238)
وبناته وبنو بنيه وبنو بناته وأخوته وأخواته وزوجاته أو بعض من ذكرنا، وقد كان كاتب على نفسه وعلى من ذكرنا كتابة واحدة وكان له أولاد احرار واخوة أحرار وأبوان (1) حران فمات وترك مالا فانه يؤدى ما بقى من كتابته ويرث من ذكرنا ممن كان معه في الكتابة ما بقى على قسمة المواريث ولا يرثه أب حر ولا أم حرة ولا أولاد أحرار ولا أخوة أحرار أصلا كان معه في الكتابة أحد من هؤلاء أو لم يكن، قال: فان كان معه في الكتابة من لا يعتق على المرء إذا ملكه كالعم وابن العم وابن الاخ فلا شئ لهم والمال كله لسيده، واختلف قوله في الزوج والزوجة فمرة قال: يرثان إذا كانا معه في كتابة واحدة ومرة قال: لا يرثانه ولم يختلف قوله: انهما لا يرثان إذا لم يكونا معه في الكتابة، ولا نعلم هذا القول عن أحد من خلق الله تعالى قبله، وهذه فريضة ما سمع بأطم منها وهى خلاف القرآن.
والسنن.
والمعقول وقول كل أحد يعرف قوله، وقالت طائفة: كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة
عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي.
والشعبى كلاهما عن على بن أبى طالب قال: المكاتب يرث بقدر ما أدى ويحجب بقدر ما أدى ويعتق منه بقدر ما أدى * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن على بن أبى طالب قال في المكابت انه يرث بقدر ما أدى ويعتق منه بقدر ما أدى ويجلد الحد بقدر ما أدى ويكون دينه بقدر ما أدى * ومن طريق سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح عن مجاهد قال على بن أبى طالب: المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن الاعمش عن ابراهيم النخعي أنه سئل عن المكاتب؟ فقال: إذا أدى قيمة رقبته فهو غريم وان مات أدى عنه بقية مكاتبته وورث ولده بقدر ما عتق منه وورث مواليه بقدر ما رق منه * قال أبو محمد: أما قول مالك فتخاذله أشهر من أن يشتغل به ويكفى منه أنه لا يعرف عن أحد قبله وانه لم يأت قط به نص.
ولا رواية فاسده ولا قياس.
ولا يعقل، وقال بعضهم: لما كان المكاتب ليس له حكم العبيد ولا حكم الاحرار وجب أن يكون لميراثه حكم آخر غير حكم العبيد في ميراثهم وغير حكم الاحرار * قال على: فقلنا.
فقولوا: هكذا في حدوده وأخرجوا له حدود طريفة وقولوا كذلك في ديته، وقولوا مثل هذا في أم الولد فكيف وأصلكم هذا باطل وعدوى كاذبة ولا فرق عندكم بينه وبين العبد الا أن سيده لا ينتزع ماله ولا يستخدمه ولا يمنعه من
__________
(1) في النسخة رقم 16 (أو أبوان) [ * ](9/239)
من التصرف والتكسب فقط كما أنه لا فرق بين أم الولد والامة الا أنها لا تباع ابدا ولا توهب أبدا ولا تعود إلى حكم الرق أبدا، وقالوا أيضا: هذا المال كان موقوفا لعتق جميعهم فكان كأنه لهم فقلنا: فاجعلوه بينهم على السواء بهذا الدليل ولا تقسموه قسمة المواريث وادخلوا فيه كل من معه في الكتابة بهذا الدليل، وبالجملة فما ندرى
كيف انشرحت نفس احد لقبول هذا القول على شدة فساده مع أن اصله فاسد، ولا يجوز أن يكاتب أحد على نفسه وغيره كتابة واحدة لانه شرط ليس في كتاب الله عزوجل فهو باطل وبالله تعالى التوفيق * وأما قول أبى حنيفة فخطأ ظاهر أيضا لانهم مقرون بان المكاتب عبد ما بقى عليه درهم فإذ هو كذلك فانما مات عبدا وإذا مات عبدا فلا يمكن أن تقع الحرية على ميت بعد موته فظهر فساد قولهم جملة، ولا يختلفون فيمن قال لعبده: أنت حر إذا زالت الشمس من يومنا هذا فمات العبد قبل زوال الشمس بدقيقة فانه مات عبدا ولا ترثه ورثته وماله كله لسيده * وأما من قال: ماله كله لسيده فانما بنوا على أنه عبد ما بقى عليه درهم وهذا قول قد بينا بطلانه بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان المكاتب يشرع فيه العتق بقدر ما أدى ويرث بقدر ما عتق منه فصح أن لذلك البعض حكم الحر ولباقيه حكم العبد في الميراث وفى كل شئ وبالله تعالى التوفيق * وأما حمل المكاتبة فانه ما لم ينفخ فيه الروح فهو بعضها كما قدمنا فله حكمها وأما إذا نفخ فيه الروح فهو غيرها قال تعالى: (ثم أنشأناه خلقا آخر) وهو عند ذلك ذكر وهى أنثى أو أنثى غيرها فليس له ولا لها حكم الام قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فان قيل فهلا أجزتم عتق جميع المكاتب إذ بعضه حر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شقصا له في مملوك عتق كله) وأوجبتم الاستسعاء بذلك الخبر قلنا: لا يحل ضرب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضها ببعض ولا أن يترك حكمه بحكم له آخر بل كل احكامه فرض اتباعها وكل كلامه حق مسموع له ومطاع وهو عليه السلام أمر بعتق من أعتق بعضه اما على معتق بعضه ان كان له مال وأما بالاستسعاء وهو عليه السلام خص المكاتب بحكم آخر وهو عتق بعضه وبقاء بعضه رقيقا فقبلنا (1) كل ما أمرنا به ولم نعارض بعضه ببعض ولله تعالى الحمد، ومن تعاطى تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدين فهو أحمق وكلا هذين الحكمين قد صح فيهما اختلاف من سلف وخلف وكلاهما نقل الآحاد الثقات فليس بعضها أولى بالقبول من بعض
وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في النسخة رقم 14 فقلنا وهو غلط [ * ](9/240)
1691 مسألة ولا تحل الكتابة على شرط خدمة فقط.
ولا على عمل بعد العتق.
ولا على شرط لم يأت به نص أصلا، والكتابة بكل ذلك باطل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) * 1692 - مسألة ومن كوتب إلى غير أجل مسمى فهو على كتابته ما عاش السيد [ وهو ] (1) وما لم يخرج عن ملك السيد (2) فمتى أدى ما كاتب عليه عتق لان هذه صفه كتابته وعقده فلا يجوز تعديه ومن كوتب إلى أجل مسمى نجم واحد أو نجمين فصاعدا فحل وقت النجم ولم يؤد فقد اختلف الناس في ذلك فروينا من طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في المكاتب يؤدى صدرا من كتابته ثم يعجز قال: يرد عبدا سيده احق بشرطه الذى شرط، قال ابن جريج: وأخبرني اسماعيل بن أمية ان نافعا أخبره أن ابن عمر فعل ذلك يعنى أنه رد مكاتبا له في الرق إذ عجز بعد أن أدى نصف كتابته * ومن طريق الحجاج بن أرطاة عن حصين بن عبد الرحمن عن الشعبى أن عليا قال: إذا عجز المكاتب فادخل نجما في نجم رد في الرق * وروينا عن أبى أيوب الانصاري أنه كاتب أفلح ثم بداله فسأله ابطال الكتابة دون أن يعجز فاجابه إلى ذلك فرده عبدا ثم أعتقه بتلا، وقد ذكر ذلك مخرمة بن بكير عن أبيه انه لا بأس به وبه يقول أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وأبو سليمان، وقال هؤلاء: تعجيز المكاتب جائز بينه وبين سيده دون السلطان الا ان لمالك قولا انه لا يجوز التعجيز الا بحكم السلطان ثم اختلف القائلون بتعجيزه فروينا من طريق حماد ابن سلمة.
وابن أبى عروبة كلاهما عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن على بن ابى طالب قال: إذا عجز المكاتب استسعى حولين زاد ابن أبى عروبة (3) فان أدى والا رد في الرق
وبهذا يقول الحسن البصري.
وعطاء بن أبى رباح ولم يقل جابر ولا ابن عمر بالتلوم بل أرقه ابن عمر ساعة ذكر انه عجز، وبه يقول أبو سليمان.
واصحابنا * وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن الشعبى أن على ابن أبى طالب قال في المكاتب يعجز: أنه يعتق بالحساب - يعنى بحساب ما أدى وقال ابن أبى ليلى.
والحكم بن عتيبة والحسن بن حى.
وابو يوسف.
وأحمد بن حنبل: لا يرق حتى يتوالى عليه نجمان لا يؤديهما، وقال الاوزاعي: إذا عجز استوفى به شهران، وقال أبو حنيفة: والشافعي: إذا عجز استوفى به ثلاثة أيام فقط ثم يرق، وقال مالك: يتلوم له السلطان بقدر ما يرى * وروينا من طريق حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار قال:
__________
(1) زيادة (وهو) من النسخة رقم 14 (2) في النسخة رقم 14 (سيده) (3) في النسخة رقم 16 (ابن أبى ليلى) واسم ابن ابى عروبة سعيد.
[ * ](9/241)
قال جابر بن زيد.
إذا عجز المكاتب استسعى، وقد ذكرنا قبل قول عمر بن الخطاب.
وعلى بن أبى طالب.
وشريح إذا أدى النصف فلا رق عليه وهو غريم وهو صحيح عنهم، وقول ابن مسعود.
إذا أدى ثلث كتابته فهو غريم، وقول ابراهيم: إذا أدى ربع كتابته فهو غريم وقول عطاء: إذا أدى ثلاثة أرباع كتابته فهو غريم.
وقول ابن مسعود وشريح إذا ادى قيمته فهو غريم وهو قول صحيح عنهما (1) * قال أبو محمد: ما نعلم لشئ من هذه الاقوال حجة وأعجبها قول من حد التلوم بثلاثة أيام أو بشهرين ومن جعل ذلك إلى السلطان أفرايت ان لم يتلوم له السلطان إلا ساعة أذ رأى أن يتلوم له خمسين عاما ثم نقول لجميعهم: لا تخلو الكتابة من أن تكون دينا لازما أو تكون عتقا بصفة لا دينا ولا سبيل إلى ثالث أصلا لا في الديانة ولا في المعقول، فان كانت عتقا بصفة فالواجب انه ساعة يحل الاجل فلا يؤديه فلم يأت بالصفة التى لا عتق له الا بها فقد بطل عقده ولا عتق له، ولا يجوز التلوم عليه طرفة عين كمن قال لغلامه: ان قدم أبى يومى هذا فأنت
حر فقدم أبوه بعد غروب الشمس فلا عتق له وهذا قول أصحابنا وهو قول جابر، وابن عمر، وقد تناقضوا أقبح تناقض ومنعوا من بيعه وان لم يؤد شيئا فصح أنها ليست عندهم عتقا بصفة أو يكون دينا واجبا فلا سبيل إلى ابطاله كما روينا عن جابر بن زيد فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم بشروع العتق فيه بقدر ما أدى فصح يقينا أنها دين واجب يسقط منه بقدر ما أدى منه كسائر الديون وانه ليس عتقا بصفة اصلا لان اداء بعض الكتابة ليس هو الصفة التى تعاقدا العتق عليها فإذ هي كذلك فقد قال الله تعالى: (وان كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) وقال تعالى: (أوفوا بالعقود) فوجب الوفاء بعقد الكتابة وانه لا يجوز الرجوع فيها بالقول أصلا ووجبت النظرة إلى الميسرة ولابد، فان قيل: فإذ هي دين كما تقول: فهلا حكمتم به وان مات العبد أو السيد أو خرج عن ملكه كما حكمتم في سائر الديون؟ قلنا: لم نفعل لان ذلك ليس دينا مطلقا وانما هو دين يصح بثبات الملك ويبطل ببطلان الملك لانه انما وجب للسيد بشرط ان يعتقه بادائه على العبد بشرط أن يكون بأدائه حرا فقط بهذا جاء القرآن وفسرته السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا مات السيد فقد بطل وجود المعتق فبطل الشرط الذى كان عليه وبطل الشرط عن العبد إذ لا سبيل إلى تمامه أبدا وإذا مات العبد فقد بطل وجوده وبطل (2) الشرط الذى كان له من العتق فبطل دين السيد إذ لا سبيل إلى ما كان يستحق ذلك الدين الا به وان خرج عن ملكه فكذلك
__________
(1) في النسخة رقم 14 صح عنهما (2) في النسخة رقم 14 فقد بطل.
[ * ](9/242)
ايضا قد بطل عتقه في عبد غيره فبطل ما كان له من الدين مما لا يجب له إلا بما قد بطل ولا سبيل إليه، وبالله تعالى التوفيق * 1693 مسألة ولا تصح الكتابة الا بان يقول له: إذا أديت إلى هذا العدد على هذه الصفة فانت حر فان كان إلى أجل مسمى أو أكثر ذكر ذلك * برهان ذلك أن العبد
ملك للسيد فلا يستحق عتقا الا حتى يلفظ سيده له بالعتق والا فلا لانه لم يوجب ذلك نص ولا اجماع * 1694 مسألة ولا تجوز الكتابة على مجهول العدد.
ولا على مجهول الصفة ولا بما لا يحل ملكه كالخمر والخنزير وغير ذلك.
ولا يصح بشئ من ذلك عتق اصلا ولا بكتابة فاسدة وهو قول ابى سليمان وأصحابنا لان كل ذلك غرر محرم وقال الله تعالى: (ان الله لا يصلح عمل المفسدين) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) وبالضرورة يدرى كل ذى تمييز صحيح ان ما عقدا لا صحة له الا بصحة ما لا صحة له فلا صحة له، وقال الشافعي: الكتابة الفاسدة تفسخ ما لم يؤدها فإذا أداها عتق * قال أبو محمد: هذا عين الفساد ولا يجوز أن يصح الباطل بتمامه، وقد قال تعالى: (ليحق الحق ويبطل الباطل) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس لعرق ظالم حق) وقال مالك: إذا عقدت الكتابة بشرط فاسد بطل الشرط وصحت الكتابة * قال على: هذا غاية الخطأ لانه يلزمهما عقدا لم يلتزماه قط ولا أمر الله تعالى بالزامهما اياه وانما تراضيا الكتابة بهذا الشرط والا فلا كتابة بينهما فاما ان يصح شرطهما فتصح كتابتهما واما أن يبطل الشرط فلا كتابة ههنا أصلا، وقال أبو حنيفة: من كاتب على ثوب غير موصوف أو على حكمه أو على ميتة أو على ما لا يعرف له مقدار فهى كتابة باطل ولا عتق له وان أدى، وان كاتب على خمر محدودة أو على خنزير موصوف فان أدى ذلك عتق وعليه قيمته لمولاه * قال على: ما سمع بأنتن من هذا التقسيم ولا بافسد منه وهم يقولون: من باع سلعة بثمن الا أنهما لم يسميا ذلك الثمن ولا عرفاه فهو بيع فاسد وان قبض المشترى السلعة وهى معه وأعتقه جاز عتقه وكانت حجتهم ههنا أقبح من قولهم لانهم قالوا: العقود على الخمر والخنزير جائزة بين أهل الذمة فلقد أنزلوا أنفسهم حيث لم ينزلهم من الائتساء باهل الذمة الكفار وما جعل الله تعالى قط أهل الكفر أسوة ولا قدوه وان في هذه
لدلائل سوء نعوذ بالله من الخذلان فكيف وما أحل ذلك بين أهل الذمة مذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم وما نعلم لهم في هذه الاقوال سلفا ولا لهم فيها متعلق بشئ *(9/243)
1695 مسألة والكتابة جائزة بما لا يحل بيعه إذا حل ملكه كالكلب.
والسنور.
والماء والثمرة التى لم يبد صلاحها والسنبل الذى لم يشتد لان كل ما ذكرنا مال حلال تملكه وهبته واصداقه والكتابة ليست بيعا وبالله تعالى التوفيق * 1696 مسألة ولا يحل للسيد أن ينتزع شيئا من مال مكاتبه مذ يكاتبه فان باعه قبل أن يؤدى أو باع منه ما قابل ما لم يؤد فماله للبائع الا أن يشترطه المبتاع إذا باعه كله وأما في بيع بعضه فماله له ومعه * روينا من طريق حماد بن سلمة عن زياد الاعلم.
وقيس قال زياد عن الحسن وقال قيس عن عطاء ثم اتفقا جميعا ان العبد إذا كاتبه مولاه وله مال وسرية وولد أن ماله له وسريته له وولده احرار، وكذلك العبد إذا عتق، وممن قال: بقولنا مالك.
وأبو سليمان.
وقال أبو حنيفة: ماله لسيده وقال سفيان الثوري: المال للسيد الا أن يشترطه المكاتب، وقال الاوزاعي: ما عرفه السيد من مال العبد فهو للعبد وما لم يعرفه فهو للسيد * قال أبو محمد: مال العبد له وجائز للسيد انتزاعه بالنص فإذا كوتب فلا خلاف ان كسبه له لا للسيد ولو كان للسيد انتزاعه لم يتم عتقه ابدا فصح ان حال الكتابة غير حاله قبلها وكان ماله كله حكما واحدا في أنه ليس للسيد أخذه إذ لم يأت بذلك في المكاتب نص * 1697 - مسألة وولد المكاتب من أمته حر وكذلك لو ملك ذا رحم محرمة منه وله أن يكاتب أو يعتق للنصوص الواردة في كل ما ذكرنا ولم يخص الله تعالى مكاتبا من غيره وبالله تعالى التوفيق * 1698 مسألة وإذا حل النجم أو الكتابة ووجبت فضمانها من اجنبي جائز، وهو قول الزهري لانه مال قد صح وجوبه للسيد وهو دين لازم فضمانه جائز، ولو بيع
من العبد ما لم يؤد كان ما وجب عليه بعد دينا يتبع به وأما قبل حلول النجم فلا لانه لم يجب بعد ولعله يموت قبل وجوبه أو يموت السيد فلا يجب على العبد * 1699 مسألة ولا تجوز مقاطعة المكاتب ولا أن يوضع عنه بشرط أن يجعل لانهما شرط ليس في كتاب الله عزوجل وبيع ما لم يقبض وما لا يدرى أهو في العالم ام لا؟ وقال مالك.
وأبو حنيفة: مقاطعة المكاتب جائزة ببعض ما عليه وبالعروض، وصح عن ابن عمر أنه لا تجوز مقاطعته الا بالعروض فخالفا ابن عمر ولا يعلم له في ذلك مخالف من الصحابة، وقال الشافعي: بقول ابن عمر ولا حجة الا في نص وبالله تعالى التوفيق وبه نتأيد * 1700 مسألة ولا تجوز كتابة بعض عبد ولا كتابة شقص له في عبد مع(9/244)
غيره لان الله تعالى يقول: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) وليس بعض العبد مما ملكت يمين مالك بعضه ولا يقال فيه: انه ملك يمينه أصلا ولا انه مما ملكت يمينه ومن قال ذلك فقد كذب بيقين، فلو اتفق الشريكان معا على كتابة عبدهما أو أمتهما معا بلا فصل جاز ذلك لانهما حينئذ مخاطبون بالآية بخلاف الواحد لانه يقال لسادات المشترك ان كانوا جماعة: هذا العبد ملك يمينكم ومما ملكت أيمانكم فكان فعلهما هذا داخلا في امر الله تعالى مع صحة خبر بريرة وانها مكاتبة لجماعة هكذا في نص الخبر * 1701 مسألة وإذا كانت الكتابة نجمين فصاعدا أو إلى أجل فاراد العبد تعجيلها كلها أو تعجيل بعضها قبل أجله لم يلزم السيد قبول ذلك ولا عتق العبد وهى إلى أجلها وكل نجم منها أي أجله لقول الله تعالى: (أوفوا بالعقود) وليت شعرى أين من خالفنا عن احتجاجهم بالمسلمون عند شروطهم؟ وقال مالك: يجبر على قبض ذلك وتعجيل العتق للمكاتب، وقال الشافعي: ان كانت الكتابة دراهم أو دنانير أجبر السيد
على قبولها وان كانت عروضا لم يجبر * قال أبو محمد: أما قول الشافعي فتقسيم فاسد لا دليل عليه عليه لا من قرآن.
ولا سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قول أحد نعلمه قبله ولا قياس وما كان هكذا فهو باطل بلا شك، وقد يكون للسيد غرض في تأجيل الدراهم والدنانير ومنفعة ظاهرة من خوف لحقه أو رجاء ارتفاع سعر لدينه منهما كما في العروض ولا فرق، وأما المالكيون فانهم اوهموا أنهم يحتجون بما روينا من طريق ابن الجهم نا الوزان نا على نا معاذ العنبري نا على بن سويد ابن منجوف نا أنس بن سيرين عن ابيه قال: كاتبني أنس بن مالك على عشرين ألفا فكنت في مفتح تستر فاشتريت رثة فربحت فيها فاتيت أنسا بجميع مكاتبتي فأبى أن يقبلها إلا نجوما فاتيت عمر فذكرت ذلك له فقال: أراد أنس الميراث وكتب إلى أنس أن اقبلها فقبلها وهذا أحسن ما روى فيه عن عمر وسائرها منقطع * ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن ابن شهاب عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن اباه كاتب عبدا له فلما فرغ من كتابته أتاه العبد بماله كله فابى الحارث أن يأخذه وقال: لى شرطى فرفع ذلك إلى عثمان فقال له عثمان: هلم المال فاجعله في بيت المال فتعطيه منه في كل حل ما يحل فاعتق العبد * قال أبو محمد: هذا عجب جدا إذ رأى عمر وعثمان إجابة السيد إلى كتابة عبده إذا طلبها العبد وخالفه انس واحتج عمر، وعثمان بالقرآن كان قول أنس حجة وكان قول عمر(9/245)
وعثمان ليس بحجة، وإذا وافق قول عمر.
وعثمان رأى مالك وخالفهما أنس.
والحارث ابن هشام وهما صاحبان ومعهما القرآن صار قول عمر.
وعثمان حجة ولم يكن قول أنس حجة ان هذا لعجب وحسبنا الله ونعم الوكيل * فان موهوا بتعظيم أمر العتق قلنا: أين كنتم عن هذا التعظيم؟ إذ لم توجبوا الكتابة فرضا لعتق العبد إذا طلبها والقرآن يوجب ذلك.
وعمر وعثمان وغيرهما، وأين كنتم عن هذا التعظيم إذ رددتم المكاتب رقيقا
من أجل دينار أو درهم بقى عليه لم يقدر عليه فبادرتم وأبطلتم: كل ما أعطى ولم تؤجلوه الا ثلاثة أيام وبعضكم أيضا أمرا يسيرا وأنتم بزعمكم أصحاب نظر فاى فرق بين طلب العبد تعجيل جميع ما عليه ليتعجل العتق والسيد يأبى الا شرطه الجائز بالقرآن والسنة والاجماع فتجبرون السيد على ما لا يريد وبين أن يريد السيد تعجيل الكتابة كلها لتعجيل عتق العبد والعبد قادر على ذلك الا أنه يأبى الا الجرى على نجومه فلا تجبرونه على ذلك فهل في التخاذل والتحكم بالباطل والمناقضة أكثر من هذا؟ * 1702 مسألة وفرض على السيد أن يعطى المكاتب مالا من عند نفسه ما طابت به نفسه مما يسمى مالا في أول عقد الكتابة ويجبر السيد على ذلك فلو مات قبل أن يطيعه كلف الورثة ذلك من رأس المال مع الغرماء * برهان ذلك قول الله تعالى: (فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذى آتاكم) فهذا أمر لا يجوز تعديه وهو قول الشافعي: وأبى سليمان الا أن الشافعي تناقض فرأى قوله تعالى فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا على الندب ورأى قوله تعالى: (وآتوهم من مال الله الذى آتاكم) على الوجوب وهذا تحكم وكلا الامرين لم يحد فيه عددا ما أحدهما موكول إلى السيد والآخر موكول إليه والى العبد بالمعروف مما لا حيف فيه ولا مشقة ولا حرج عليهما، وقال أبو حنيفة: ومالك.
كلا الامرين ندب وقوله تعالى: (وآتوهم من مال الله الذى آتاكم) أمر للسيد ولغيره * قال أبو محمد: هذا خطأ أما قولهم: كلا الامرين ندب فلا يحل أن يحمل قول الله تعالى: افعلوا على لا تفعلوا ان شئتم ولا يفهم هذا المعنى أحد من هذا اللفظ وهذا احالة لكلام الله تعالى عن مواضعه الا بنص آخر ورد بذلك، وأما قولهم: انه أمر للسيد وغيره فباطل لانه معطوف على قوله (فكاتبوهم) فصح ضرورة ان المأمورين بالكتابة له هم المأمورون باتيانهم من مال الله لا يفهم أحد من هذا الامر غير هذا فظهر فساد قولهم وتحكمهم بالدعوى بلا دليل * وروينا هذا القول أنه حث السيد وغيره عن بريدة الاسلمي من طريق
فيها الحسن بن واقد وهو ضعيف ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت(9/246)
طائفة أمر بذلك السيد وغيره، فهؤلاء رأوه واجبا كما روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم عن يونس.
والمغيرة قال يونس عن الحسن وقال المغيرة عن ابراهيم ثم اتفقا في قول الله تعالى: (وآتوهم من مال الله الذى آتاكم) قال أمر الله تعالى مولاه والناس أن يعينوا المكاتب * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الاعلى نا أبو عبد الرحمن السلمى وشهدته كاتب عبدا له على أربعة آلاف فحط عنه ألفا في آخر نجومه ثم قال: سمعت على بن أبى طالب يقول: (وآتوهم من مال الله الذى آتاكم) الربع مما تكاتبوهم عليه * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق القاضى نا على بن عبد الله هو ابن المدينى نا المعتمر بن سليمان عن ليث بن أبى سليم عن مجاهد في قوله تعالى: (وآتوهم من مال الله الذى آتاكم) قال: ربع الكتابة * وروينا أيضا في أنه عشر الكتابة * وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قول الله تعالى: (وآتوهم من مال الله الذى آتاكم) قال: هو العشر يترك له من كتابته، وممن قال: انه واجب كما روينا من طريق وكيع نا أبو شبيب عن عكرمة عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب كاتب مولى له يقال له: أبو أمية فجاءه بنجمه حين هل فقال له عمر: يا ابا امية اذهب فاستعن به فقال.
يا أمير المؤمنين لو كان هذا في آخر نجم فقال عمر: لعلى لا ادركه قال عكرمة: ثم قرأ (وآتوهم من مال الله الذى آتاكم) ومن طريق الحجاج بن المنهال نا المبارك ابن فضالة حدثتني أمي عن أبى عن جدى عبيد الله الجحدرى قال المبارك: وحدثني ميمون بن جابان عن عمى عن جدى قال: سألت عمر بن الخطاب المكاتبة قال لى: كم تعرض؟ قلت: مائة أوقية قال: فما استزادني قال: فكاتبني وارسل إلى حفصة أم المؤمنين انى كاتبت غلامي وأردت أن أعجل له طائفة من مالى فارسلي إلى بمائتي درهم إلى أن يأتيني شئ فارسلت بها إليه فأخذها عمر بيمينه وقرأ (والذين يبتغون الكتاب
مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذى آتاكم) خذها بارك الله فيها * قال أبو محمد: لقد كان أشبه بأمور الدين وأدخل في السلامة أن يقول الحنيفيون بقول على في هذه المسألة وان يقولوا: مثل هذا لا يقال بالرأى منهم حيث يقولون: ما يضحك الثكالى ويبعد من الله تعالى ومن المعقول انه ان انكشف من فخذ الحرة في الصلاة أو من الساق أو من البطن أو من الذراع أو من الرأس الربع بطلت الصلاة فان انكشف أقل لم تبطل الصلاة لا سيما وقد روينا من طريق اسحق بن راهويه عن عبد الرزاق نا ابن جريج عن عطاء بن السائب عن حبيب ابن أبى ثابت عن عاصم(9/247)
ابن ضمرة عن على بن أبى طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وآتوهم من مال الله الذى آتاكم) قال: ربع الكتابة * ومن طريق الدبرى عن عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني عطاء ابن السائب أن عبد الله بن حبيب هو أبو عبد الرحمن السلمى أخبره عن على بن أبى طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وآتوهم من مال الله الذى آتاكم) قال: ربع الكتابة * قال على: فان قيل: فلم لم تأخذوا بهذا الحديث؟ قلنا: لان ابن جريج لم يسمع من عطاء بن السائب الا بعد اختلاط عطاء * روينا من طريق العقيلى نا ابراهيم بن محمد نا سليمان بن حرب نا أبو النعمان عن يحيى بن سعيد القطان قال: تغير حفظ عطاء ابن السائب بعد وحماد بن زيد سمع منه قبل أن يتغير * ومن طريق العقيلى نا محمد بن اسماعيل نا الحسن بن على الحلواني نا على هو ابن المدينى قال: كان يحيى بن سعيد القطان لا يروى حديث عطاء بن السائب الا عن شعبة.
وسفيان * قال أبو محمد: فصح اختلاطه فلا يحل أن يحتج من حديثه الا بما صح أنه كان قبل اختلاطه وهؤلاء الذين ذكرنا لم يرو أحد منهم عنه الا موقوفا على على رضى الله عنه، وأما هم فإذا وافق الخبر رأيهم لم يعللوه وان كان موضوعا فإذ قد سقط هذا الخبر
فلا حجة لاهل هذه المقالة، واحتج القائلون بانه على الندب بحديث كتابة سلمان رضى الله عنه وبحديث عائشة أم المؤمنين (أن جويرية أم المؤمنين وقعت في سهم ثابت ابن قيس أو ابن عم له فكاتبها فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه فقال لها عليه الصلاة والسلام: أو خير من ذلك اقض عنك كتابتك واتزوجك) قالوا: فلم يذكر في هذين الخبرين ايتاء مال المكاتب * قال على: لا حجة لهم في شئ من هذا أما خبر سلمان فان مالكه كان يهوديا غير ذمى بل منابذ لا تجرى عليه أحكام الاسلام فلا متعلق لهم (1) بهذا، وأعجب شئ احتجاجهم به فيما ليس فيه له ذكر من ايتاء المال ومخالفتهم له فيما أجازه فيه نصا رسول الله صلى الله عليه وسلم من احياء ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية من ذهب (2) إلى غير أجل مسمى ولا مقبوضة وهم لا يجيزون شيئا من هذا، فسجان من أطلق السنتهم بهذه العظائم التى يجب أن يردع عنها الحياء وان يردع عنها الدين * وأما خبر جويرية فليس فيه على ماذا كاتبها ولا هل كاتب إلى أجل أم إلى غير أجل فيلزم على هذا أن يكون حجة في اجازة الكتابة إلى غير أجل وكل كتابة أفسدوها إذ لم يذكروا فيها إيتاء المال فليس فيه أنها لم تؤت المال فلا متعلق لهم به فكيف وهى كتابة لم تتم بلا شك لانه لم يقل أحد من أهل
__________
(1) سقط لفظ (لهم) من النسخة رقم 14 (2) في النسخة رقم 16 (أوقية ذهب) [ * ](9/248)
العلم ان جويرية أم المؤمنين كانت مولاة لثابت ولا لابن عمه بل قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها وتزوجها جعل عتقها صداقها فبطل كل ما موهوا به والحمد لله رب العاليمن، وقالوا: لو كان فرضا لكان محدود القدر * قال أبو محمد: فقلنا: من أين قلتم هذا؟ وما المانع من أن يفرض الله تعالى عليها عطاء يكله إلى اختيارنا؟ وأى شئ أعطيناه كنا قد أدينا ما علينا وهلا قلتم هذا في المتعة التى رآها الحنيفيون، والشافعيون فرضا وهى غير محدودة القدر: وهلا قال هذا
المالكيون في الخراج المضروب على الارض المفتتحة عنوة وهو عندهم فرض غير محدود القدر وكما قالوا فيما أوجبوا فيه الحكومة فرضا من الخراج وهو غير محدود القدر، فسبحان من جعل لهم عند أنفسهم وفى ظنهم أن يتعقبوا على الله تعالى حكمه بما لا يتعقبونه على أنفسهم فيما يشرعونه في الدين بآرائهم وحسبنا الله ونعم الوكيل * تم كتاب الكتابة والحمد لله رب العالمين * بسم الله الرحمن الرحيم * وصلى الله عليه سيدنا محمد وآله وصحبه كتاب صحبة (1) ملك اليمين 1703 مسألة لا يجوز للسيد أن يقول لغلامه: هذا عبدى ولا لمملوكته هذه أمتى لكن يقول: غلامي وفتاى ومملوكي ومملوكتى وخادمي وفتاتي، ولا يجوز للعبد أن يقول هذا ربى أو مولاى أو ربتى ولا يقل أحد لمملوك: هذا ربك ولا ربتك لكن يقول سيدى، وجائز أن يقول المرء لآخر: هذا عبدك وهذا عبد فلان وأمة فلان.
ومولى فلان لان النهى لم يرد الا فيما ذكرنا فقط، وجائز أن يقول: هؤلاء عبيدك.
وعبادك واماؤك * روينا من طريق ابى داود نا موسى بن اسماعيل نا حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يقل أحدكم عبدى وأمتى ولا يقولن المملوك: ربى وربتى وليقل المالك: فتاى وفتاتي وليقل المملوك سيدى وسيدتي فانكم المملوكون والرب الله عز وجل) * ومن طريق عبد الرزاق انا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقل أحدكم أطعم ربك أسق ربك وضئ ربك ولا يقل أحدكم ربى وليقل سيدى ولا يقل مولاى ولا يقل أحدكم عبدى أمتى وليقل فتاى.
فتاتي.
غلامي) * ومن طريق مسلم نا أبو كريب نا أبو معاوية عن الاعمش
__________
(1) سقط من النسخة رقم 16 لفظ (كتاب صحبة) [ * ](9/249)
عن ابى صالح عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يقل العبد لسيده مولاى فان مولاكم الله) * قال أبو محمد: في هذه الرواية زيادة النهى عن قول مولاى والنهى هو الزائد والوارد برفع الاباحة * ومن طريق أبى داود نا ابن السرح نا ابن وهب اخبرني عمرو هو ابن الحارث أن أبا يونس مولى أبى هريرة حدثه عن أبى هريرة بهذا الخبر فأسنده عن أبى هريره همام بن منبه.
وأبو صالح.
وابن سيرين.
وعبد الله والد العلاء، وروى عن أبى هريرة من فتياه أبو يونس غلامه، ولا يعلم له (1) مخالف من الصحابة، وقال الله عزوجل: (وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) فان احتج محتج بقول يوسف عليه الصلاة والسلام: (انه ربى أحسن مثواى) وقوله: (اذكرني عند ربك) فتلك شريعة وهذه أخرى وتلك لغة وهذه أخرى، وقد كان هذا مباحا عندنا وفى شريعتنا حتى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقد قال يوسف عليه الصلاة والسلام: (توفنى مسلما وألحقني بالصالحين) وقد نهينا عن تمنى الموت * 1704 مسألة وفرض على السيد أن يكسو مملوكه.
ومملوكته مما يلبس ولو شيئا وأن يطعمه مما يأكل ولو لقمة وأن يشبعه ويكسوه بالمعروف مثل ما يكسى ويطعم مثله أو مثلها وأن لا يكلفه ما لا يطيق * روينا من طريق البخاري نا آدم بن أبى اياس نا شعبة نا واصل الاحدب سمعت المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر الغفاري وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألناه عن ذلك؟ فقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (اخوانكم خولكم جعلهم الله تعالى تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فان كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم) * ومن طريق مسلم نا هرون بن معروف.
ومحمد بن عباد قالا جميعا: نا حاتم بن اسماعيل عن يعقوب بن مجاهد أبى حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت أنه سمع أبا اليسر وقد لقيه وعليه بردة
ومعافرى وعلى غلامه بردة ومعافرى فقال له في ذلك، فقال له أبو اليسر: بصر عيناى هاتان وسمع اذناى هاتان ووعاه قلبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تكسون) قال أبو اليسر: فكان إذا أعطيته من متاع الدينا أهون على من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة * وروينا مثل هذا عن أبى بكر الصديق، ولا مخالف لهم من الصحابة رضى الله عنهم أصلا *
__________
(1) في النسخة رقم 14 ولا يعرف له [ * ](9/250)
1705 مسألة ولا يحل لاحد أن يسمى غلامه أفلح ولا يسار ولا نافع ولا نجيح ولا رباح، وله أن يسمى أولاده بهذه الاسماء، وله أن يسمى ممالكيه بسائر الاسماء مثل نجاح ومنجح.
ونفيع.
وربيح.
ويسير: وفليح وغير ذلك لا تحاش شيئا * روينا من طريق مسلم نا يحيى بن يحيى أنه سمع المعتمر بن سليمان يحدث أنه سمع الركين بن الربيع ابن عميلة يحدث عن أبيه عن سمرة بن جندب قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمى رقيقنا بأربعة أسماء افلح.
ورباح.
ويسار.
ونافع) * ومن طريق مسلم نا أحمد بن عبد الله بن يونس نا زهير بن معاوية.
نا منصور بن المعتمر عن هلال بن ساف عن الربيع ابن عميلة عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسمين غلامك يسارا.
ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح فانك تقول: أثم هو؟ فيقول: لا انما هن أربع فلا تزيدن على * قال على: ورويناه من طرق [ قال أبو محمد ] (1) فخالف قوم هذا ودفعوه بان قالوا: قد صح يقينا من طريق جابر أنه قال: أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن ينهى أن يسمى بيعلى وبركة وأفلح ونافع ويسار وبنحو ذلك ثم رأيته سكت بعد عنها ثم قبض صلى الله عليه وسلم ولم ينه عن ذلك ثم أراد عمر بن الخطاب أن ينهى عن ذلك ثم تركه * قال أبو محمد: ليس من لم يعلم حجة على من علم، جابر يقول ما عنده لانه لم يسمع النهى وسمرة يقول ما عنده لانه سمع النهى والمثبت أولى من النافي لان عنده علما زائدا
لم يكن عند جابر ولا يمكن الاخذ بحديث جابر الا بتكذيب سمرة ومعاذ الله من هذا فكيف وكثير من الاسماء التى ذكرها جابر لم ينه عنها أصلا فصح أن حديث سمرة ليس مخالفا لاكثر ما في حديث جابر لان جابرا ذكر أنه عليه الصلاة والسلام لم ينه عن تلك الاسماء التى ذكر وصدق وذكر سمرة أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بعضها وصدق * وقالوا: قد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له غلام (2) أسود اسمه رباح ياذن عليه وقد غاب عن عمر أمر جزية المجوس وهو أشهر من النهى عن هذه الاسماء، فما المانع من أن يغيب عن جابر.
وطائفة معه النهى عن هذه الاسماء، وقد غاب عن ابن عمر النهى عن كرى الارض ثم بلغه في آخر عمره فرجع إليه وهو أشهر من هذه الاسماء * وأما تسمية غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم رباحا فانما انفرد به عكرمة بن عمار وهو ضعيف فلا حجة فيه ولو صح لكان موافقا لمعهود الاصل وكان النهى شرعا زائدا لا يحل الخروج عنه * وقالوا: قول النبي صلى الله عليه وسلم فانك تقول: أثم هو؟ فيقول: لا بيان بالعلة في ذلك
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 14 (2) في النسخة رقم 14 (خادم) [ * ](9/251)
وهى علة موجودة في خيرة وخير وسعد وسعيد ومحمود وأسماء كثيرة فيجب المنع منها عندكم أيضا قلنا: هذا أصل اصحاب القياس لا أصلنا وانما نجعل نحن ما جعله الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام سببا للحكم في المكان الذى ورد فيه (1) النص فقط لا نتعداه إلى ما لم ينص عليه * برهاننا على صحة ذلك أنه عليه الصلاة والسلام لو أراد أن يجعل ذلك علة في سائر الاسماء لما عجز عن ذلك بأخصر من هذا اللفظ الذى أتى به فهذا حكم البيان والذى ينسبونه إليه عليه الصلاة والسلام من أنه أراد أشياء كثيرة فتكلف ذكر بعضها وعلق الحكم عليه وأخبر بالسبب في ذلك وسكت عن غير ذلك هو حكم التلبيس وعدم التبليغ
ومعاذ الله من هذا، ولا دليل لكم على صحة دعواكم الا الدعوى فقط والظن الكاذب، وقاالوا: قد سمى ابن عمر غلامه نافعا وسمى أبو أيوب غلامه أفلح بحضرة الصحابة قلنا: قد غاب باقراركم عن أبى ايوب، وجوب الغسل من الايلاج وغاب عن ابن عمر حكم كرى الارض وغير ذلك فأيما أشنع مغيب مثل هذا أو مغيب النهى عن اسم من الاسماء فبطل كل ما شغبوا به ولا حجة في احد على رسول الله صلى الله عليه وسلم * تم كتاب صحبة ملك اليمين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد عبده ورسوله وسلم تسليما كثيرا بسم الله الرحمن الرحيم * وصلى الله على محمد وسلم كتاب المواريث 1706 مسألة أول ما يخرج من رأس المال دين الغرماء فان فضل منه شئ كفن منه الميت وان لم يفضل منه شئ كان كفنه على من حضر من الغرماء أو غيرهم لما قد ذكرنا في كتاب الجنائز من ديواننا هذا، وعمدة ذلك قوله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وان مصعب بن عمير رضي الله عنه لم يوجد له الا ثوب واحد فكفن فيه، ولان تكليف الغرماء خاصة أن يكون الكفن ناقصا من حقوقهم ظلم لهم وهذا واجب على كل (2) من حضر من المسلمين والغرماء من جملتهم * 1707 مسألة فان فضلت فضلة من المال كانت الوصية في الثلث فما دونه لا يتجاوز بها الثلث على ما نذكر في كتاب الوصايا من ديواننا هذا ان شاء الله عزوجل وكان للورثة ما بقى لقول الله تعالى ما بقى لقول الله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) * 1708 مسألة ولا يرث من الرجال الا الاب والجد أبو الأب.
وأبو الجد
__________
(1) في النسخة رقم 14 (جاء فيه) (2) لفظ كل زيادة من النسخة رقم 16.
[ * ](9/252)
المذكور وهكذا ما وجد، ولا يرث مغ الاب جد ولا مع الجد أبو جد ولا مع أبى الجد جد جد ولا يرث جد من قبل الام ولا جد من قبل جدة ولا الاخ الشقيق أو للاب فقط
أو للام فقط وابن الاخ الشقيق.
وابن الاخ للاب.
ولا يرث ابن أخ لام والابن وابن الابن وابن ابن الابن وهكذا ما وجد، والعم شقيق الاب واخو الاب لابيه ولا يرث أخو الاب لامه.
وابن العم الشقيق.
وابن العم أخو الاب لابيه.
وعم الاب الشقيق أو الاب (1) وهكذا ما علا وابناؤهم الذكور والزوج والمعتق ومعتق المعتق، وهكذا ما علا لا يرث من الرجال غير من ذكرنا ولا خلاف في أن هؤلاء يرثون، ولا يرث من النساء الا الام والجدة والابنة وابنة الابن وابنة ابن الابن وهكذا ما وجدت، ولا ترث ابنة ابنة ولا ابن ابنة والاخت الشقيقة أو للاب أو للام.
والزوجة.
والمعتقة ومعتقة المعتقة وهكذا ما علا، ولا يرث ابن أخت ولا بنت أخت ولا ابنة أخ ولا ابنة عم ولا عمة.
ولا خالة ولا خال ولا جد لام ولا ابنة ابنة ولا ابن ابنة ولا بنت أخ لام ولا ابن أخ لام، ولا خلاف في أن من ذكرنا لا يرث ولا يرث مع الاب جد ولا ترث مع الام جدة ولا يرث أخ ولا أخت مع ابن ذكر ولا مع اب ولا يرث ابن أخ مع أخ شقيق أو لاب ولا يرث أخ لام مع أب ولا مع ابن ولا مع ابنة ولا مع جد، ولا يرث عم مع أب ولا مع جد ولا مع أخ شقيق أو لاب ولا مع ابن أخ شقيق أو لاب وان سفل * برهان هذا كله نصوص القرآن وقول النبي صلى الله عليه وسلم الذى رويناه من طريق وهيب عن طاوس عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأصحابها فما أبقت الفرائض فلا ولا رجل ذكر) وكل من ذكرنا أيضا فلا اختلاف فيه أصلا واخرنا الذى فيه اختلاف (2) لنتكلم عليه ان شاء الله تعالى في أبوابه * 1709 مسألة أول ما يخرج مما تركه الميت ان ترك شيئا من المال قل أو كثر ديون الله تعالى ان كان عليه منها شئ كالحج.
والزكاة.
والكفارات ونحو ذلك ثم ان بقى شئ أخرج منه ديون (3) الغرماء ان كان عليه دين فان فضل شئ كفن منه الميت وان لم يفضل منه شئ كان كفنه على من حضر من الغرماء أو غيرهم، فان فضل
بعد الكفن شئ نفذت وصية الميت في ثلث ما بقى ويكون للورثة ما بقى بعد الوصية * برهان ذلك قول الله تعالى في آيات المواريث: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فدين الله أحق أن يقضى أقضوا الله فهو أحق بالوفاء) وقد ذكرنا
__________
(1) في النسخة رقم 14 (أو للاب) (2) في النسخة رقم 16 (فيه خلاف) (3) في النسخة رقم 16 ودين.
[ * ](9/253)
ذلك باسانيده في كتاب الصيام والزكاة والحج من ديواننا هذا فاغنى عن اعادته فالآية تعم ديون الله تعالى وديون الخلق، والسنن الثابتة بينت ان دين الله تعالى مقدم على ديون الخلق، وأما الكفن فقد ذكرناه في كتاب الجنائز، وصح ان حمزة.
والمصعب بن عمير رضى الله عنهما لم يوجد لهما شئ الا شملة شملة فكفنا فيهما، وقال قوم: الكفن مقدم على الديون * قال أبو محمد: وهذا خطأ لان النص جاء بتقديم الدين كما تلونا فإذ قد صار المال كله للغرماء بنص القرآن فمن الظلم أن يخص الغرماء باخراج الكفن من مالهم دون مال سائر من حضر إذ لم يوجب ذلك قرآن.
ولا سنة.
ولا اجماع.
ولا قياس.
ولا نظر ولا احتياط لكن حكمه انه لم يترك شيئا أصلا ومن لم ترك شيئا فكفنه على كل من حضر من المسلمين لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولى كفن أخيه أن يحسنه فصار احسان الكفن فرضا على كل من حضر الميت، فهذا عموم للغرماء وغيرهم ممن حضر (1) ولا خلاف في أن الوصية لا تنفذ الا بعد انتصاف الغرماء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فمال الميت (2) قد صار في حقول الله تعالى أو للغرماء بموته كله أو بعضه فحرام عليه الحكم في مال غيره وانما ينفذ حكمه في ماله الذى يتخلف فصح بهذا أن الوصية فيما يبقى بعد الدين * 1710 مسألة ومن مات وترك أختين شقيقتين أو لاب أو أكثر من أختين كذلك أيضا ولم يترك ولدا ولا أخا شقيقا ولا لاب ولا من يحطهن مما ندكر فلهما ثلثا
ما ترك أو لهن على السواء، وكذلك من ترك ابنتين فصاعدا ولم يترك ولدا ذكرا ولا من يحطهن فلهما أو لهن ثلثا ما ترك أيضا * برهان ذلك قول الله عزوجل: (ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) * ومن طريق أحمد ابن شعيب أنا اسماعيل بن مسعود الجحدرى نا خالد بن الحارث هو الهجيمى نا هشام هو الدستوائى نا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال: (اشتكيت وعندي سبع اخوات لى فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفخ في وجهى فأفقت فقلت: يا رسول الله ألا أوصى لاخواتي بالثلثين ثم خرج وتركني ثم رجع إلى فقال: انى لا أراك ميتا من وجعك هذا وان الله قد أنزل فبين الذى لاخواتك فجعل لهن الثلثين فكان جابر يقول: أنزلت هذه الآية في (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) وهذا لا خلاف فيه، وأما البنتان فلا خلاف
__________
(1) في النسخة رقم 14 (للغرماء ومن حضر) (2) في النسخة رقم 14 (فمال المسلم).
[ * ](9/254)
في الثلاث فصاعدا ولا ولد للميت ذكرا في أن لهن الثلثين إذا لم يكن هنالك من يحطهن وهو قول الله تعالى: (وان كن نساءا فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) وأما البنتان فقد روى عن ابن عباس أنه ليس لهما الا النصف كما للواحدة، والمرجوع إليه عند التنازع (1) هو بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم * كما روينا من طريق مسدد نا بشر بن المفضل نا عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئنا امرأة من الانصار في الاسواق وهى جدة خارجة بن زيد بن ثابت فذكر حديثا وفيه فجاءت المرأة بابنتين لها فقالت: يا رسول الله هاتان بنتا سعد بن الربيع قتل معك يوم أحد وقد استفى عمهما مالهما فلم يدع لهما مالا الا أخذه فما ترى يا رسول الله؟ فوالله لا ينكحان ابدا الا ولهما مال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقضى الله في ذلك قال: ونزلت سورة النساء (يوصيكم الله في أولادكم) الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا لى المرأة
وصاحبها فقال لعمهما: اعطهما الثلثين واعط امهما الثمن وما بقى فلك) وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أعطى الابنة النصف وابنة الابن السدس تكلمة الثلثين (2) وقد ادعى اصحاب القياس أن الثلثين انما وجب للبنتين قياسا على الاختين قالوا: والبنتان أولى بذلك من الاختين * قال أبو محمد: وهذا باطل لانه ان كان ذلك لان البنتين أحق من الاختين فواجب أن يزيدوهما من أجل انهما أولى وأقرب فيخالفوا القرآن أو يبطلوا (3) قياسهم وأيضا فانهم نعنى هؤلاء المحتجين بهذا القياس لا يختلفون في عشر بنات واخت لاب ان للاخت الثلث كاملا ولكل واحدة من البنات خمس الثلث فقد أعطوا الاخت الواحدة أكثر مما أعطوا أربع بنات فاين قولهم: ان البنات أحق من الاخوات؟، وهذا منهم تخليط في الدين وليست المواريث على قدر التفاضل في القرابة انما هي كما جاءت النصوص فقط، ولا خلاف فيمن ترك جده ابا أمه وابن بنته وبنت أخيه وابن أخته وخاله وخالته وعمته وابن عم له لا يلتقى معه الا إلى عشرين جدا ان هذا المال كله لهذا الابن العم البعيد ولا شئ لكل من ذكرنا، واين قرابته من قرابتهم؟ وبالله تعالى التوفيق * 1711 مسألة فان ترك أختا شقيقة وأختا واحدة للاب (4) أو اثنين للاب أو أكثر من ذلك فللشقيقة النصف وللتى للاب أو اللواتى للاب السدس فقط لان الله عزوجل أعطى الاخت النصف وأعطى الاختين فصاعدا الثلثين فصح أنه ليس للاخوات اللواتى للاب أو اللواتى للاب والام وان كثرن الا الثلثان فقط، وإذا وجب للشقيقة النصف بالاجماع المتيقن في ان لا يشاركها فيه التى ليست
__________
(1) في النسخة رقم 14 في هذا بدل قوله عند التنازع (2) في النسخة رقم 16 تتمة (3) في النسخة رقم 14 ويبطلون (4) في النسخة رقم 14 لاب [ * ](9/255)
شقيقه فلم يبق الا السدس فهو للتى للاب أو اللواتى للاب * 1712 مسألة ولا ترث أخت شقيقة ولا غير شقيقة مع ابن ذكر ولا مع ابنة
أنثي ولا مع ابن ابن وان سفل ولا مع بنت ابن وان سفلت والباقى بعد نصيب البنت وبنت الابن للعصبة كالاخ.
وابن الاخ.
والعم.
وابن العم.
والمعتق وعصبته الا ان لا يكون للميت عاصب فيكون حينئذ ما بقى للاخت الشقيقة أو للتى للاب ان لم يكن هنالك شقيقة، وللاخوات كذلك، وهو قول اسحاق بن راهويه وبه نأخذ، وهنا قولان غير هذا، أحدهما ان الاخوات عصبة البنات وان الاخت المذكورة أو الاخوات المذكورات يأخذن ما فضل عن الابنة أو بنت الابن أو ما فضل عن البنتين أو بنتى الابن فصاعدا وهو قول مالك.
وأبى حنيفة.
والشافعي.
واحمد، وصح عن ابن مسعود.
وزيد.
وابن الزبير في ذلك روايات لا متعلق لهم بها، وصح في الاخت والبنت عن معاذ وأبى موسى.
وسلمان، وقد روى عن عمر كذلك أيضا، والثانى انه لا ترث أخت أصلا مع ابنة، ولا مع ابنة ابن وصح عن ابن عباس وهو أول قول ابن الزبير وهو قول أبى سليمان * واحتج من رأى الاخوات عصبة البنات بما روينا من طريق شعبة.
وسفيان عن أبى قيس الاودى هو عبد الرحمن بن ثروان عن الهذيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن واخت؟ فقال للابنة النصف وللاخت النصف فسئل ابن مسعود واخبر بقول أبى موسى فقال: لقد ضلت إذا وما أنا من المهتدين أقضى فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقى فللاخت * قال أبو محمد: واحتج من لم يورث اختا مع ابنة ولا مع ابنة ابن بقول الله عز وجل: (وان أمرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد) واسم الولد يقع على الابنة وبنت الابن كما يقع على الابن وابن الابن في اللغة وفى القرآن، والعجب من مجاهرة بعض القائلين ههنا انما عنى ولدا ذكرا، وهذا اقدام على الله تعالى بالباطل وقول عليه بما لا يعلم بل بما يعلم انه باطل، وليت شعرى أي فرق بين قوله تعالى: (ان امرئ هلك ليس له ولد وله أخت) وبين قوله
تعالى: (ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد فان كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم) وقوله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن) وقوله تعالى: (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد فان لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث فان كان له اخوة فلامه(9/256)
السدس) فلم يختلفوا في جميع هذه الآيات ان الولد سواء كان ذكرا أو أنثى أو ولد الولد كذلك فالحكم واحد ثم بدا لهم في ميراث الاخت ان الولد انما أريد به الذكر وستكتب شهادتهم ويسئلون فان شهدوا فلا تشهد معهم، واحتج أيضا من لم يورث اختا مع ابنة ولا مع ابنة ابن بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق وهيب عن عبد الله بن طاوس عن ابيه عن ابن عباس ألحقوا الفرائض بأصحابها فما أبقت الفرائض فلاولى رجل ذكر * قال أبو محمد: وهم مجمعون على أن توريثهم الاخت مع البنت وبنت الابن انما هو بالتعصيب لا بفرض مسمى لانهم يقولون في بنت.
وزوج.
وأم.
وأخت شقيقة أو لاب.
أو اخوات كذلك ان للبنت النصف وللزوج الربع وللام السدس وليس للاخت أو الاخوات وان كثرن الا نصف السدس، فان كانت المسألة بحالها وكانت ابنتان لم ترث الاخت ولا الاخوات شيئا * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قيل لابن عباس من ترك ابنته وأخته لابيه وأمه؟ فقال ابن عباس لابنته النصف وليس لاخته شئ مما بقى وهو لعصبته فقال له السائل: ان عمر قضى بغير ذلك جعل للابنة النصف وللاخت النصف فقال ابن عباس: أأتتم أعلم أم الله؟ قال معمر: فذكرت ذلك لابن طاوس قال لى ابن طاوس أخبرني ابى أنه سمع ابن عباس يقول: قال الله تعالى: (ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) قال ابن عباس: فقلتم أنتم: لها النصف وان كان له ولد * ومن طريق اسماعيل بن اسحق نا على ابن عبد الله هو ابن المدينى حدثنى سفيان هو ابن عيينة حدثنى مصعب بن عبد الله
ابن الزبرقان عن ابن ابى ملكية عن ابن عباس قال: أمر ليس في كتاب الله تعالى ولا في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وستجدونه في الناس كلهم ميراث الاخت مع البنت * قال أبو محمد: هذا يريك ان ابن عباس لم ير مافشا في الناس واشتهر فيهم حجة وانه لم ير القول به (1) إذا لم يكن في القرآن ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)، وتكلم أصحابنا في أبى قيس * قال على: أبو قيس ثقة ما نعمل أحدا جرحه بجرحة يجب بها اسقاط روايته فالواجب الاخذ بما روى، وبحديث ابن عباس المسند الذى ذكرنا فوجب بذلك إذا كان للميت عاصب أن يكون ما فضل عن فريضة الابنة أو البنتين أو بنت الابن أو بنتى الابن للعصبة لانه أولى رجل ذكر، وليست الاخت ههنا من أصحاب الفرائض الذين أمرنا بالحاق فرائضهم بهم وهذا واضح لا اشكال فيه، فان لم يكن للميت رجل عاصب أصلا أخذنا بحديث أبى قيس وجعلنا الاخت عصبة كما في نصه
__________
(1) في النسخة رقم 14 (بذلك) (2) في النسخة رقم 16 (أولا في السنة) [ * ](9/257)
ولم نخالف شيئا من النصوص والمعتق ومن تناسل منه من الذكور أو عصبته من الذكور هم بلا شك من الرجال الذكور فهم أولى من الاخوات إذا كان للميت ابنة أو ابنة ابن قال على: ليس في شئ من الروايات عن الصحابة المذكورين انهم ورثوا الاخت مع البنت مع وجود عاصب ذكر فبطل ان يكون لهم متعلق في شئ منها وبالله تعالى التوفيق * 1713 مسألة والام مع الولد الذكر أو الانثى أو ابن الابن أو بنت الابن وان سفل السدس فقط لانه نص القرآن كما ذكرنا آنفا وبالله تعالى التوفيق * 1714 مسألة وان كان للميت أخ أو اخوان أو أختان أو أخت أو أخ وأخت ولا ولد له ولا ولد ولد ذكر فلامه الثلث فان كان له ثلاثة من الاخوة ذكور أو أناث أو بعضهم ذكر وبعضهم أنثى فلامه السدس لقول الله تعالى: (فان كان له اخوة فلامه السدس) وهو قول ابن عباس، وقال غيره: باثنين من الاخوة ترد الام إلى السدس،
ولا خلاف في أنها لا ترد عن الثلث إلى السدس بأخ واحد ولا بأخت واحدة ولا في أنها ترد إلى السدس بثلاثة من الاخوه كما ذكرنا انما الخلاف في ردها إلى السدس باثنين من الاخوة * حدثنا يوسف بن عبد الله النمري قال: نا يوسف بن محمد بن عمر بن عمروس الاستجى عن أبى الطاهر محمد بن جعفر بن ابراهيم السعيدى أنا يحيى بن أيوب بن بادى العلاف نا أحمد بن صالح المصرى نا محمد بن اسماعيل بن أبى فديك نا الفقيه محمد بن عبد الرحمن بن أبى ذئب.
هو أبو الحارث عن شعبة مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس أنه دخل على عثمان بن عفان فقال له: ان الاخوين لا يردان الام إلى السدس انما قال الله تعالى: (فان كان له اخوة) والاخوان في لسان قومك ليسوا بأخوة فقال عثمان: لا استطيع أن أنقض أمرا كان قبلى توارثه الناس ومضى في الامصار * قال أبو محمد: أما ابن عباس فقد وقف عثمان على القرآن واللغة فلم ينكر عثمان ذلك أصلا ولا شك في أنه لو كان عند عثمان في ذلك سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو حجة من اللغة لعارض ابن عباس بها ما فعل بل تعلق بأمر كان قبله توارثه الناس ومضى في الامصار، فعثمان رأى هذا حجة وابن عباس لم يره حجة والمرجوع إليه عند التنازع هو القرآن والسنة ونصهما يشهد بصحة قول ابن عباس، ولكم قضية خالفوا فيها عثمان.
وعمر كتقويمهما الدية بالبقر والغنم.
والحلل.
واضعافها في الحرم، والقضاء بولد الغارة رقيقا لسيد أمهم في كثير جدا، ومن ادعى مثل هذا اجماعا ومخالف الاجماع عندهم كافر فابن عباس على قولهم كافر إذ خالف الاجماع ومعاذ الله من هذا بل مكفره أحق بالكفر(9/258)
وأولى، وأما الخطأ مع قصد الحق فلا يرفع (1) عن أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: الاخوان يقع عليهما اسم اخوة * قال على: وهذا خطأ لان عثمان: وابن عباس حجة في اللغة وقد اجتمعا على خلاف هذا وبنية اللغة مكذبة لهذا القول لان بنية التثنية في اللغة العربية التى بها خاطبنا الله تعالى
على لسان نيه عليه الصلاة والسلام غير بنية الجمع بالثلاثة فصاعدا، فلا (2) يجوز لاحد أن يقول الرجلان قاموا ولا المرأتان قمن، واحتجوا في هذا بقوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وهذا لا حجة لهم فيه لان لكل واحد منهما يدين والواجب قطعهما مرة بعد مرة، وذكروا قول الله تعالى: (فقد صغت قلوبكما) وهذا لا حجة لهم فيه لان في لغة العرب ان كل اثنين من اثنين فانه يخبر عنهم بلفظ الجمع قال الراجز: ومهمهين قذفين مرتين * ظهراهما مثل ظهور الترسين فهذا باب مضبوط لا يتعدى، واحتجوا بقول الله تعالى: (نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا: لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض) إلى قوله تعالى: (ان هذا أخى له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة) وهذا لا حجة لهم فيه لانه لا نكرة في دخولهما ومعهما غيرهما وذكروا قول الله تعالى: (عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) وهذا عليهم لا لهم لانهم كانوا ثلاثة يوسف.
وأخوه الاصغر المحتبس عن الصواع: وكبيرهم الذى قال: (فلن أبرح الارض حتى يأذن لى أبى) وقد اتفقوا على أن من أقر لآخر بدراهم انه يقضى عليه بثلاثة لا بدرهمين وبالله تعالى التوفيق * وقال بعضهم قال الله تعالى: (وان كانوا اخوة رجالا ونساءا فللذكر مثل حظ الانثيين) قال: والحكم في الاخت والاخ هكذا فصح أن الاخ والاخت في قول الله تعالى: (فان كان له أخوة فلامه السدس) كذلك أيضا * قال أبو محمد: أما الآيتان (3) فحق وأما هذا الاستدلال ففى غاية الفساد لان الله تعالى قال: (فللذكر مثل حظ الانثيين) وهذا جلى من النص في حكم الاخ والاخت فقط فان أوجدنا مثل ذلك في حجب الام فهو قوله والا فهو مبطل مدعى بلا برهان، وقال بعضهم: وجدنا كل ما يتغير فيه حكم الفرض فيما بعد الواحد يستوى فيه الاثنان وما زاد عليهما كالبنتين ميراثهما كميراث الثلاث، وكالاختين ميراثهما كميراث الثلاث وكالاخوة للام انما هو الثلث للاثنين كما هو للثلاث فوجب أن يكون حجب الام بالاثنين
كحجبها بالثلاث *
__________
(1) في النسخة رقم 16 (فلا يدفع) (2) في النسخة رقم 14 ولا يجوز (3) في نسخة اما الاثنان [ * ](9/259)
قال على: فقلنا: ما وجب هذا قط كما تقول لانه حكم منك لا من الله تعالى، وكل ما قال الله تعالى فحق وكل ما قلت أنت مما لم يقله عزوجل فكذب وباطل فهات برهانا على صحة تشبيهك هذا والا فهو باطل وبالله تعالى التوفيق، وقد وجب للام بنص القرآن الثلث ولم يحطها الله تعالى إلى السدس الا بولد للميت أو بان يكون له أخوة فلا يجوز منعها مما أوجبه الله تعالى لها الا بيقين من سنة واردة ولا سنة في ذلك ولا اجماع، وبالله تعالى التوفيق * 1715 مسألة فان كان الميت ترك زوجة وأبوين، أو ماتت امرأة وتركت زوجا وابوين فللزوج النصف وللزوجة الربع وللام الثلث من رأس المال كاملا وللاب من ابنته السدس ومن ابنه الثلث وربع الثلث، وقالت طائفة: ليس للام في كلتيهما الا ثلث ما بقى بعد ميراث الزوج والزوجة وهذا قول رويناه صحيحا عن عمر بن الخطاب.
وعثمان.
وابن مسعود في الزوجة والابوين والزوج والابوين وصح عن زيد وريناه عن على ولم يصح عنه وهو قول الحارث الاعور: والحسن.
وسفيان الثوري.
ومالك.
وأبى حنيفة.
والشافعي.
وأصحابهم وهو قول ابراهيم النخعي، وههنا قول آخر رويناه من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة نا أيوب السختيانى أن محمد بن سيرين قال في رجل ترك امرأته وأبويه للمرأة الربع وللام ثلث جميع المال وما بقى فللاب، وقال في امرأة تركت زوجها وأبويها للزوج النصف وللام ثلث ما بقى وللاب ما بقى قال: إذا فضل الاب الام بشئ فان للام الثلث، وأما القول الذى قلنا به فرويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عبد الله الاصبهاني عن عكرمة وعن ابن عباس أنه قال في زوج وأبوين: للزوج النصف وللام الثلث من جميع المال *
ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن الاعمش عن ابراهيم النخعي قال قال على ابن أبى طالب: للام ثلث جميع المال في امرأة وأبوين وزوج وأبوين، وروى أيضا عن معاذ بن جبل وهو قول شريح وبه يقول أبو سليمان قال أبو محمد: احتج أهل القول بان للام ثلث ما بقى بما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبيه عن المسيب بن رافع قال قال ابن مسعود: ما كان الله ليراني أفضل اما على أب، وبما روينا من طريق وكيع عن سفيان عن فضيل بن عمرو العقيمى عن ابراهيم النخعي قال: خالف ابن عباس أهل الصلاة في زوج.
وأبوين وقالوا: معنى قول الله عزوجل: (وورثه أبواه فلامه الثلث) أي مما يرثه أبواه ما نعلم لهم حجة غير هذا وكل هذا لا حجة لهم فيه، أما قول ابن مسعود.
فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا(9/260)
نكرة في تفضيل الام على الاب فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله فقال: (يا رسول الله من أحق بحسن صحبتي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمك قال: ثم من يا رسول الله؟ قال: امك قال: ثم من يا رسول الله؟ قال: أمك قال: ثم من يا رسول الله؟ قال: ثم أبوك) ففضل عليه الصلاة والسلام الام على الاب في حسن الصحبة وقد سوى الله تعالى بين الاب والام باجماعنا واجماعهم في الميراث إذا كان للميت ولد فلابويه لكل واحد منهما السدس، فمن أين تمنعون من تفضيلها عليه إذا أوجب ذلك نص؟، ثم ان هؤلاء المحتجين بقول ابن مسعود هذا أول مخالفين له في ذلك كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الاعمش عن ابراهيم النخعي قال: ان عمر بن الخطاب وعبد الله ابن مسعود لا يفضلان أما على جد * قال أبو محمد: والمموهون بقول ابن مسعود هذا يخالفونه ويخالفون عمر فيفضلون الام على الجد وهم يفضلون الانثى على الذكر في بعض المواريث فيقولون في امرأة مات وتركت زوجها وأمها وأخوين شقيقين واختها لام أن للاخت للام السدس كاملا
وللذكرين الاخوين الشقيقين السدس بينهما لكل واحد منهما نصف السدس، ويقولون بآرائهم في امرأة ماتت وتركت زوجها وأختها شقيقتها وأخا لاب ان لاخ لا يرث شيئا فلو كان مكانه أخت فلها السدس يعال لها به فهم لا ينكرون تفضيل الانثى على الذكر ثم يموهون بتشنيع تفضيل الام على الاب حيث أوجبه الله تعالى، وأما قول ابراهيم: خالف ابن عباس أهل الصلاة في زوج وأبوين فان كان خلاف أهل الصلاة كفرا أو فسقا فلينظروا فيما يدخلون والمعرض بابن عباس في هذا أحق بهاتين الصفتين من ابن عباس، والعجب من هذه الرواية كيف يجوز أن يقول هذا ابراهيم وهو يروى عن على بن أبى طالب موافقة ابن عباس في ذلك كما أوردنا، وما وجدنا قول المخالفين يصح عن أحد الا عن زيد وحده وروى عن على.
وابن مسعود ولم يصح عنهما وقد يمكن أن يخرج قول عمر.
وعثمان.
وابن مسعود على قول ابن سيرين، وليس يقال في اضعاف هذه الروايات خالف أهل الصلاة فبطل ما موهوا به من هذا ولله تعالى الحمد * وأما قولهم في قول الله تعالى: (وورثه أبواه فلامه الثلث) أي مما يرثه أبواه فباطل وزيادة في القرآن لا يجوز القول بها * برهان ذلك ما رويناه من طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الاصبهاني عن عكرمة قال: أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين؟ فقال: للزوج النصف وللام ثلث ما بقى فقال ابن عباس:(9/261)
أتقول برأيك أم تجده في كتاب الله تعالى؟ قال زيد: أقوله برأيى لا أفضل اما على أب قال على: فلو كان لزيد بالآية متعلق ما قال: أقوله برأيى لا أفضل أما على أب ولقال: بل أقوله بكتاب الله عزوجل * قال أبو محمد: ليس الرأى حجة ونص القرآن يوجب صحة قول ابن عباس بقوله تعالى: (فلامه الثلث) فهذا عموم لا يجوز تخصيصه، والعجب انهم مجمعون معنا على ان
قوله تعالى: (فان كان له اخوة فلامه السدس) ان ذلك من رأس المال لا مما يرثه الابوان ثم يقولون ههنا في قوله تعالى (فلامه الثلث) ان المراد به ما يرث الابوان وهذا تحكم في القرآن واقدام على تقويل الله تعالى ما لم يقل ونعوذ بالله من هذا * واما قول ابن سيرين فاصاب في الواحدة وأخطأ في الاخرى لانه فرق بين حكم النص في المسألتين وانما جاء النص مجيئا واحدا على كل حال وبالله تعالى التوفيق * 1716 مسألة وللزوج النصف إذا لم يكن للزوجة ولد ذكر أو أنثى ولا ولد ولد ذكر أو أنثى من ولد ذكر وان سفل سواء كان الولد من ذلك الزوج أو من غيره فان كان للمرأة ابن ذكر أو انثى أو ابن ابن ذكر أو بنت ابن ذكر وان سفل كما ذكرنا فليس للزوج إلا الربع وللزوجة الربع ان لم يكن للزوج ابن ذكر ولا أنثى ولا ابن ابن ذكر أو بنت ابن ذكر أو بنت ابن ابن ذكر وان سفل من ذكرنا سواء من تلك الزوجة كان الولد المذكور أو من غيرها فان كان للزوج ولد أو ولد ولد ذكر كما ذكرنا فليس للزوجة الا الثمن، وسواء كانت زوجة واحدة أو اثنتان أو ثلاث أو أربع هن شركاء في الربع أو الثمن * برهان ذلك نص القرآن المحفوظ، ولا خلاف في هذا أصلا ولا حكم لولد البنات في شئ من ذلك وبيقين يدرى كل أحد انه قد كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أموات تركوا بنى بنات فاتسق نقل الجميع عصرا بعد عصر انهم لم يرثوا ولا حجبوا بل كأنهم لم يكونوا بخلاف التحريم في عقد النكاح والوطئ المنقول عصرا بعد عصر بلا خلاف أنه على العموم في بنى البنات وبنى البنين، وبخلاف وجوب الحق، والعتق.
والنفقة التى أوجبته النصوص (1) * 1717 مسألة ولاعول في شئ من مواريث الفرائض وهو أن يجتمع في الميراث ذووا فرائض مسماة لا يحتملها الميراث مثل زوج أو زوجة وأخت شقيقة وأخت لام أو أختين شقيقتين أو لاب وأخوين لام أو زوج أو زوجة وأبوين وابنة أو ابنتين
__________
(1) في النسخة رقم 14 (النص) [ * ](9/262)
فان هذه فرائض ظاهرها انه يجب النصف والنصف والثلث أو نصف ونصف وثلثان أو نصف ونصف وسدس ونحو هذا، فاختلف الناس فقال بعضهم: يحط كل واحد من فرضه شيئا حتى ينقسم المال عليهم ورتبوا ذلك على أن يجمعوا سهامهم كاملة ثم يقسم المال بينهم على ما اجتمع مثل زوج وأم واختين شقيقتين وأختين لام، فهذه ثلثان وثلث ونصف وسدس ولا يصح هذا في بنية العالم قالوا: فيجعل للزوج النصف وهو ثلاثة من ستة وللام السدس وهو واحد من ستة فهذه أربعة سهام، وللشقيقتين الثلثان وهما أربعة من ستة فهذه ثمانية، وللاختين للام الثلث وهو اثنان من ستة، فهذه عشرة يقسم المال بينهم على عشرة أسهم فللزوج الذى له النصف ثلاثة من عشرة فهو أقل من الثلث وللام التى لها السدس واحد من عشرة وهو العشر، وللشقيقتين اللتين لهما الثلثان أربعة من عشرة فذلك خمسان وللاختين للام اللتين لهما الثلث اثنان من عشرة فهو الخمس وهكذا في سائر هذه المسائل وهو قول أول من قال به زيد بن ثابت ووافقه عليه عمر بن الخطاب، وصح عنه هذا، وروى عن على وابن مسعود غير مسند، وذكر عن العباس ولم يصح وصح عن شريح.
ونفر من التابعين يسير، وبه يقول أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
واحمد وأصحاب هؤلاء القوم إذا اجتمع رأيهم على شئ كان أسهل شئ عليهم دعوى الاجماع فان لم يمكنهم ذلك لم تكن عليهم مؤنة من دعوى أنه قول الجمهور وان خلافه شذوذ.
وان خصومهم ليرثون لهم من تورطهم في هذه الدعاوى الكاذبة نعوذ بالله من مثلها * وأيم الله لا أقدم على أن ينسب إلى أحد قول لم يثبت عنده ان ذلك المرء قاله الا مستسهل الكذب مقدم عليه ساقط العدالة، وأما نحن فان صح عندنا عن انسان انه قال قولا نسبناه إليه وان رويناه ولم يصح عندنا قلنا: روى عن فلان فان لم يرو لنا عنه قول لم ننسب إليه قولا لم يبلغنا عنه ولا نتكثر بالكذب ولم نذكره الا علينا ولا لنا * وروينا من طريق سعيد بن منصور نا
عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه أول من عال في الفرائض وأكثر ما بلغ بالعول مثل ثلثى رأس الفريضة * قال أبو محمد: هذا يكفى من ابطال هذا القول انه محدث لم تمض به سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما هو احتياط ممن رآه من السلف رضى الله عنهم قصدوا به الخير وقال بالقول الاول عبد الله بن عباس كما روينا من طريق وكيع نا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: الفرائض لا تعول * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة - عن عمرو بن دينار قال: قال ابن عباس: لا تعول فريضة * ومن طريق سعيد ابن منصور نا سفيان بن عيينة نا محمد بن اسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة(9/263)
ابن مسعود عن ابن عباس قال: أترون الذى أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا انما هو نصفان وثلاثة اثلاث وأربعة أرباع * ومن طريق اسماعيل ابن اسحاق القاصي نا على بن عبد الله - هو ابن المدينى - نا يعقوب بن ابراهيم بن سعد ابن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف نا ابى عن محمد بن اسحاق حدثنى ابن شهاب الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: خرجت أنا.
وزفر بن أوس إلى ابن عباس فتحدثنا عنده حتى عرض ذكر فرائض المواريث (1) فقال ابن عباس: سبحان الله العظيم أترون الذى أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا النصفان قد ذهبا بالمال أين موضع الثلث؟ فقال له زفر: يا ابن العباس من أول من أعال الفرائض؟ فقال: عمر بن الخطاب لما التقت عنده الفرائض ودافع بعضها بعضا وكان امرءا ورعا فقال: والله ما أدرى أيكم قدم الله عزوجل ولا ايكم أخر فما أجد شيئا هو أوسع من أن أقسم بينكم هذا المال بالحصص فأدخل على كل ذى حق ما دخل عليه من العول، قال ابن عباس: وايم الله لو قدم من قدم الله عزوجل ما عالت فريضة فقال له زفر: وأيها يا ابن عباس قدم الله عزوجل؟ قال: كل فريضة لم يهبطها الله عزوجل عن فريضة الا إلى
فريضة فهذا ما قدم وأما ما أخر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها الا ما بقى فذلك الذى أخر فأما الذى قدم فالزوج له النصف فان دخل عليه ما يزيله رجع إلى الربع لا يزايله عنه شئ والزوجة لها الربع فان زالت عنه صارت إلى الثمن لا يزايلها عنه شئ، والام لها الثلث فان زالت عنه بشئ من الفرائض ودخل عليها صارت إلى السدس لا يزايها عنه شئ، فهذه الفرائض التى قدم الله عزوجل والتى أخر فريضة الاخوات والبنات لهن النصف فما فوق ذلك والثلثان فإذا ازالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن الا ما يبقى فإذا اجتمع ما قدم الله عزوجل وما أخرى بدئ بمن قدم وأعطى حقه كاملا فان بقى شئ كان لمن أخر وان لم يبق شئ فلا شئ له فقال له زفر: فما منعك يا ابن عباس ان تشير عليه بهذا الرأى قال ابن عباس: هبته قال ابن شهاب: والله لولا انه تقدمه امام عادل لكان أمره على الورع فأمضى أمر امضى ما اختلف على ابن عباس من أهل العلم اثنان (2) فيما قال وبقول ابن عباس هذا يقول عطاء ومحمد ابن على بن أبى طالب.
ومحمد بن على بن الحسين.
وأبو سليمان.
وجميع أصحابنا.
وغيرهم * قال أبو محمد: فنظرنا فيما احتج به من ذهب إلى العول فوجدنا ما ذكره عمر رضي الله عنه من أنه لم يعرف من قدم الله تعالى ولا من أخر وزاد المتأخرون منهم ان قالوا: ليس بعضهم أولى بالحطيطة من بعض فالواجب أن يكونوا كالغرماء والموصى لهم يضيق
__________
(1) في النسخة رقم 16 (الميراث) (2) في النسخة رقم 14 (اثنان من اهل العلم).
[ * ](9/264)
المال عن حقوقهم فالواجب أن يعموا بالحطيطة وادعوا على من أبطل العول تناقضا في مسألة واحدة فقط، وقال بعضهم في مسألة أخرى فقط مالهم حجة أصلا غير ما ذكرنا ولا حجة لهم في شئ منه * أما قول عمر رضي الله عنه: ما أدرى أيهم قدم الله عزوجل ولا أيهم أخر فصدق رضى الله عنه ومثله لم يدع ما لم يتبين له الا اننا على يقين وثلج من ان الله تعالى لم يكلفنا ما لم يتبين لنا فان كان خفى على عمر فلم يخف على ابن عباس وليس مغيب الحكم عمن غاب عنه حجة على من علمه وقد غاب عن عمر رضي الله عنه علم جواز كثرة الصداق.
وموت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الكلالة وأشياء كثيرة فما كدح ذلك في علم من علمها وأما تشبيهم ذلك بالغرماء والموصى له فباطل وتشبيه فاسد لان المال لو اتسع على ما هو لو اوسع الغرماء والموصى لهم ولوجد بعد التحاص مال الغريم يقسم على الغرماء والموصى لهم أبدا حتى يسعهم وليس كذلك أمر العول فان كل ما خلق الله تعالى في الدنيا والجنة والنار والعرش لا يتسع لاكثر من نصفين أو ثلاثة أثلاث أو أربعة أرباع أو ستة أسداس أو ثمانية أثمان فمن الباطل أن يكلفنا الله عزوجل المحال وما ليس في الوسع ومن الباطل أن يكلفنا من الخراج من ذلك والمخلص منه ما لم يبين عنا كيف نعمل فيه * وأما قولهم: ليس بعضهم أولى بالحطيطة من بعض فكلام صحيح ان زيد فيه ما ينقص منه وهو أن لا يوجب حط بعضهم دون بعض نص أو ضرورة ويقال لهم ههنا أيضا ولا لكم أن تحطوا أحدا من الورثة مما جعل الله تعالى باحتياطك وظنك لكن بنص أو ضرورة، وأما دعواهم التناقض من المانعين بالعول في المسألة التى ذكروا فسنذكرها ان شاء الله تعالى ونرى انهم لم يتناقضوا فيها أصلا فإذ قد بطل كل ما شغبوا به فالواجب ان ننظر فيما احتج به المبطلون للعول فوجدنا ابن عباس في الخبر الذى قد أوردنا من طريق عبيد الله بن عبد الله عنه قد انتظم بالحجة في ذلك بما لا يقدر أحد على الاعتراض فيه، وأول ذلك اخباره بأن عمر أول من عال الفرائض باعترافه انه لم يعرف مراد لله تعالى في ذلك فصح أنه رأى لم يتقدمه سنة وهذا يكفى في رد هذا القول.
وأما ابن عباس فانه وصف أن قوله في ذلك هو نص القرآن فهو الحق وبين أن الكلام في العول لا يقع الا في فريضة فيها أبوان وزوج وزوجة واخوات وبنات فقط أو بعضهم * قال أبو محمد: ولا يشك ذو مسكة عقل في ان الله تعالى لم يرد قط اعطاء فرائض لا يسعها المال ووجدنا ثلاث حجج قاطعة موجبة صحة قول ابن عباس احداها التى ذكر من تقديم من لم يحطه الله تعالى قط عن فرض مسمى على من حطه عن الفرض المسمى إلى أن لا يكون له الا ما بقى، والثانية انه بضرورة العقل عرفنا أن تقديم من أوجب(9/265)
الله تعالى ميراثه على كل حال ومن لا يمنعه من الميراث مانع أصلا إذا كان هو والميت حرين على دين واحد على من قد يرث وقد لا يرث لان من لم يمنعه الله تعالى قط من الميراث لا يحل منعه مما جعل الله تعالى له وكل من قد يرث وقد لا يرث فبالضرورة ندرى أنه لا يرث إلا بعد من يرث ولا بد، ووجدنا الزوجين والابوين يرثون أبدا على كل حال ووجدنا الاخوات قد يرثن وقد لا يرثن ووجدنا البنات لا يرثن الا بعد ميراث من يرث معهن * والثالثة أن ننظر فيمن ذكرنا فان وجدنا المال يتسع لفرائضهن أيقنا أن الله عزوجل أرادهم في تلك الفريضة نفسها بما سمى لهم فيها في القرآن وان وجدنا المال لا يتسع لفرائضهم نظرنا فيهم واحدا واحد فمن وجدنا ممن ذكرنا قد اتفق جميع أهل الاسلام اتفاقا مقطوعا به معلوما بالضرورة على أنه ليس له في تلك الفريضة ما ذكر الله عزوجل في القرآن أيقنا قطعا ان الله تعالى لم يرد قط فيما نص عليه في القرآن فلم نعطه الا ما اتفق له عليه فان لم يتفق له على شئ لم نعطه شيئا لانه قد صح أن لا ميراث له في النصوص في القرآن، ومن وجدنا ممن ذكرنا قد اختلف المسلمون فيه فقالت طائفة: له ما سمى الله تعالى له في القرون، وقالت طائفة: ليس له الا بعض المسمى في القرآن وجب ولابد يقينا أن يقضى له بالمنصوص في القرآن وان لا يلتفت قول من قال بخلاف النص إذ لم يأت في تصحيح دعواه بنص آخر وهذا غاية البيان ولا سبيل إلى شذوذ شئ عن هذه القضية لان الابوين والزوجين في مسائل العول كلها يقول المبطلون للعول: ان الواجب لهم ما سماه الله تعالى لهم في القرآن وقال القائلون بالعول: ليس لهم الا بعضه فوجب الاخذ بنص القرآن لا بقول من خالفه، وأما الاخوات والبنات فقد أجمع القائلون بالعول والمبطلون للعول وليس في أهل الاسلام لهاتين الطائفتين ثالث لهما ولا يمكن أن يوجد لهما ثالث إذا ليس في الممكن الا اثبات أو نفى على أنه لا يجب في جميع مسائل العول لهن ما جاء في نص القرآن لكن اما بعض ذلك واما لا شئ فكان اجماعهم حقا بلا شك وكان ما اختلفوا فيه لا تقوم
به حجة إذ لم يأت به نص فوجب إذ لا حق لهن بالنص ان لا يعطوا الا ما صح الاجماع لهن به فان لم يجمع لهن على شئ قد خرجن بالاجماع وبالضرورة عن النص فلا يجوز أن يعطين شيئا بغير نص ولا اجماع وهذا بيان لا اشكال فيه وبالله تعالى التوفيق * وأما المسألة التى ادعوا علينا فيها التناقض فهى زوج.
وأم.
واختان لاب.
وأختان لام، ومسألة أخرى ادعوا فيها التناقض على بعضنا دون بعض وهى زوج.
وأم واختان لام، فقالوا في هذه المسألة كل هؤلاء أو لو فرض مسمى لا يرث منهم أحد بغير الفرض المسمى في شئ من الفرائض وليس ههنا من يرث مرة بفرض مسمى فتقدموه ومرة ما بقى فتسقطوه(9/266)
أو تؤخروه.
وقالوا في الام والاخوات الشقائق أو للاب فقط أو للام فقط ممن قد يرث وقد لا يرث شيئا فمن اين لكم اسقاط بعض واثبات بعض؟ * قال أبو محمد: أما مسألة الزوج والام والاختين للاب والاختين للام فلا تناقض فيها أصلا لان الاختين للاب قد يرثان بفرض مسمى مرة وقد لا يرثان الا ما بقى ان بقى شئ فلا يعطيان ما لم يأت به نص لهما ولا اتفاق وليس للام ههنا الا السدس لان للميت أخوة فوجب اللزوج النصف بالنص وللام السدس بالنص فذلك الثلثان وللاختين للام الثلث بالنص، وأيضا فهؤلاء كلهم مجمع على توريثهم في هذه الفريضة بلا خلاف من أحد ومختلف في حطهم فوجب توريثهم بالنص والاجماع وبطل حطهم بالدعوى المخالفة للنص وصح بالاجماع المتيقن ان الله تعالى لم يعط الاختين للاب في هذه الفريضة الثلثين ولا نص لهما بغيره ولم يجمع لهما على شئ يعطيانه فإذ لا ميراث لهما بالنص ولا بالاجماع فلا يجوز توريثهما أصلا.
وأما مسألة الزوج.
والام.
والاختين للام فانها لا تلزم ابا سليمان ومن وافقه ممن يحط الام إلى السدس بالاثنين من الاخوة، وأما نحن ومن أخذ بقول ابن عباس في أن لا يحط إلى السدس الا بثلاثة من الاخوة فصاعدا فجوابنا فيها وبالله تعالى التوفيق ان الزوج والام يرثان بكل وجه وفى كل حال، وأما
الاختان للام فقد يرثان وقد لا يرثان فلا يجوز منع من نحن على يقين من أن الله تعالى أوجب له الميراث في كل حال وأبدا ولا يجوز توريث من قد يرث وقد لا يرث الا بعد توريث من نحن على يقين من وجوب توريثه وبعد استيفائه ما نص الله تعالى له عليه فان فضل عنه شئ أخذه الذى قد لا يرث وان لم يفضل شئ لم يكن له شئ إذ ليس في وسع المكلف الا هذا أو مخالفة القرآن بالدعوى بلا برهان فللزوج النصف بالقرآن وللام الثلث بالقرآن فلم يبق الا السدس فليس للاخوه للام غيره إذ لم يبق لهم سواه وبالله تعالى التوفيق * 1718 مسألة وان مات وترك ولدا ذكرا أو أنثى أو ولد ولد ذكر كذلك أو ترك أبا أو جدا لاب وترك أخا لام أو اختا لام أو أخا واختا لام أو أخوة لام فلا ميراث لولد الام أصلا فان لم يترك أحدا ممن ذكرنا فلاخ للام السدس فقط وللاخت للام السدس فقط فان كان اختا وأخا لام فلهما الثلث بينهما على السواء لا يفضل الذكر على الانثى وكذلك ان كانوا جماعة فالثلث بينهم شرعا سواء، وكذلك ان وجب لهم السدس في مسألة العول ولا فرق * برهان ذلك قول الله تعالى: (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت(9/267)
فلكل واحد منهما السدس فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) وهذا قولنا.
وقول أبى حنيفة.
ومالك.
والشافعي.
وأحمد.
وأبى سليمان.
وغيرهم الا روايتين رويتا عن ابن عباس، احداهما ان الاخوة للام يقسمون الثلث للذكر مثل حظ الانثيين، والثانية ان الاخ للام والاخت للام يرثان مع الاب، فأما المسألة الاولى فلا نقول بها لانها خلاف قول الله تعالى: (فهم شركاء في الثلث) ولقد كان يلزم القائلين بالقياس أن يقولوا بهذه القولة قياسا على ميراث الاخوة للاب أو الاشقاء وبالله لو صح شئ من القياس لكانت هذه المسألة أولى بالصحة من كل ما حكموا فيه بالقياس.
وأين هذا
القياس من قياسهم ميراث البنتين على ميراث الاختين وسائر تلك المقاييس الفاسدة؟ * وأما المسألة الثانية فلم تصح عن ابن عباس الا في السدس الذى حطه الاخوة من ميراث الام فردوها إلى السدس عن الثلث فقط، والمشهور عنه خلافها ولم نقل بها لان الله تعالى سمى هذا التوريث كلالة فوجب أن تعرف ما الكلالة وما أراد الله تعالى بهذه اللفظة ولا يجوز أن يخبر عن مراد الله عزوجل الا بنص ثابت أو اجماع متيقن والا فهو افتراء على الله تعالى فوجدنا من يرثه اخوة أو اخوان أو أخ اما شقيق واما لاب واما لام ولا ولد له ولا ابنة ولا ولد ابن ذكر وان سفل ولا أب ولا جد لاب وان علا فهو كلالة ميراثه كلالة باجماع مقطوع عليه من كل مسلم، ووجدنا أن من نقص من هذه الصفات شئ فقد اختلف فيه أهو كلالة أم لا؟ فلم يجز أن يقطع على مراد الله تعالى الا بالاجماع المتيقن الثابت إذا لم نجد نصا مفسرا فوجب بهذا ان لا يرث الاخوة كيف كانوا الا حيث يعدم كل من ذكرنا الا أن يوجب ميراث بعضهم نص صحيح فيوقف عنده وليس ذلك الا في موضعين فقط وهو الاخ الشقيق أو للاب مع الابنة فصاعدا وأخت مثله معه فصاعد ما لم يستوف البنات الثلثين، والموضع الثاني الاخت كذلك مع البنت أو البنات حيث لا عاصب للميت فقط وبالله تعالى التوفيق * 1719 مسألة ومن ترك ابنا وابنة أو ابنا وابنتين فصاعدا أو ابنة وابنا فأكثر أو اثنين وبنتين فأكثر فللذكر سهمان وللانثى سهم هذا نص القرآن واجماع متيقن * 1720 مسألة والاخ.
والاخت الاشقاء أو للاب فقط فصاعدا كذلك أيضا للذكر مثل حظ الانثيين وهذا نص القرآن واجماع متيقن * 1721 - مسألة - فان كان أخ شقيق واحد فأكثر ومعه أخت شقيقة فأكثر أو لا أخت معه لم يرث ههنا الاخ للاب ولا الاخت للاب شيئا، وهذا نص قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فما أبقت الفرائض فلاولى رجل ذكر) واجماع متيقن أيضا،(9/268)
والاقرب بالام وقد استويا في الاب أولى من لم يقرب بالام بضرورة الحس * 1722 - مسألة - ومن ترك أختا شقيقة وأخا لاب أو اخوة ذكورا لاب فللشقيقة النصف وللاخ للاب أو الاخوة من الاب ما بقى وان كثروا وهذا اجماع متيقن ونص القرآن والسنة فان ترك اختين شقيقتين فصاعدا أو أخا أو أخوة لاب فللشقيقتين فصاعد الثلثان وما بقى فللاخ أو الاخوة للاب كما قلنا (1) 1723 - مسألة - فان ترك أختا شقيقة وأختا لاب أو اخوات للاب فللشقيقة النصف وللتى للاب أو اللواتى للاب السدس فقط وان كثرن لقول الله تعالى: (وان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) فلم يجعل تعالى للاخوات وان كثرن الا الثلثين فان ترك أيضا اختا لام كان لها سدس خامس وكذلك لو كان اخا لام فان كان اخوان لام أو أختان لام أو أخا أو أختا أو اخوة كثيرا لام فالثلث الباقي لهما أو لهم أو لهن وهذا نص كما أوردنا واجماع متيقن فان ترك شقيقتين واخوات لاب وابن عم أو عما فللشقيقتين الثلثان وللعم أو لابن العم ما بقى ولا شئ للواتي للاب وهذا دليل النص واجماع متيقن الا شيئا ذكر عن الحسن البصري ان الثلث الباقي للواتي للاب ولم يقل ذلك حيث يوجد عاصب ذكر وكذلك لو ترك اختين شقيقتين وأختين لام وأخوات أو أختا لاب أو اخوة لاب فللشقيقتين فصاعدا الثلثان وللبنتين للام فصاعدا الثلث ولا شئ للاخت للاب ولا للاخوات للاب ولا للاخوة للاب، وهذا دليل النص كما ذكرنا واجماع متيقن مقطوع به.
1724 - مسألة - ولو ترك اختا شقيقة واخوة وأخوات للاب فللشقيقة النصف وما بقى بين الاخوه والاخوات للاب ما لم يتجاوز ما يجب للاخوات السدس ولا يزدن على السدس أصلا ويكون الباقي للذكر وحده فان كانتا شقيقتين واختا أو اخوات لاب وأخا لاب فالثلثان للشقيقتين والباقى للاخ الذكر ولا شئ للاخت للاب ولا للاخوات للاب * روينا من طريق سعيد بن منصور نا أبو شهاب عن الاعمش عن
أبى الضحى هو مسلم بن صبيح عن مسروق بن الاجدع قال: كان ابن مسعود يقول في اخوات لاب وأم واخوة واخوات لاب للاخوات من الاب والام الثلثان وسائر المال للذكور دون الاناث * وبه إلى سعيد نا أبو معاوية نا الاعمش عن ابراهيم عن مسروق أنه كان يأخذ بقول عبد الله في اخوات لاب وأم فجعل ما بقى من الثلثين للذكور دون الاناث فخرج إلى المدينة فجاء وهو يرى ان يشرك بينهم فقال له علقمة: ما ردك عن قول عبد الله ألقيت
__________
(1) في النسخة رقم 14 كما ذكرنا [ * ](9/269)
أحدا هو اثبت في نفسك منه؟ قال: لا ولكن لقيت زيد بن ثابت فوجدته من الراسخين في العلم * ومن طريق وكيع نا سفيان عن معبد بن خالد عن مسروق عن عبد الله بن مسعود انه قال في أختين لاب وأم واخوة واخوات لاب ان للتين للاب والام الثلثين فما بقى فللذكور دون الاناث وان عائشة شركت بينهم فجعلت ما بقى بعد الثلثين للذكر مثل حظ الانثيين * ومن طريق وكيع عن سفيان عن الاعمش عن ابراهيم النخعي قال: قال مسروق رأيت زيد بن ثابت وأهل المدينة يشركون بينهم قال الاعمش: وكان ابن مسعود يقول في أخت لاب وأم وأخوة لاب: لهذا النصف ثم ينظر فان كان إذا قاسم بها الذكور أصابها أكثر من السدس لم يزدها على السدس وإذا اصابها أقل من السدس قاسم بها وكان غيره من اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون لهذه النصف وما بقى للذكر مثل حظ الانثيين * ومن طريق وكيع نا اسماعيل بن أبى خالد عن حكيم بن جابر عن زيد بن ثابت أنه قال فيها: هذا من قضاء أهل الجاهلية أن يرث الرجال دون النساء قال على: بقول ابن مسعود يقول علقمة.
وأبو ثور واختلف فيه على ابى سليمان * قال أبو محمد: احتج من خالف ابن مسعود بظاهر قول الله تعالى: (وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين) وبما ذكرنا من أنه قول سائر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وانه من قضاء أهل الجاهلية * قال على: ليس قضاء أهل الجاهلية ما أوجبه القرآن وقد صح الاجماع
على توريث العم.
وابن الاخ دون العمة وبنت العم.
وبنت الاخ فهل هذا من قضاء أهل الجاهلية؟ * وأما قول الاعمش: ان سائر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على خلاف هذا (1) فنقول للمحتج بهذا هبك صح لك ذلك وهو لا يصح عن ستة منهم أهذا حجة عندك لانه اجماع أم لماذا؟ فان قال.
ليس اجماعا قلنا له: فما ليس اجماعا ولا نصا فلا حجة فيه وان كان هو اجماع قلنا: فمخالف الاجماع كافر أو فاسق فانظر فيماذا تدخل وبماذا تصف ابن مسعود والله ان المعرض به في ذلك لهو المستحق لهاتين الصفتين لا ابن مسعود المقطوع له بالجنة.
والعلم.
والدين والايمان، وأما الآية فهى حجة عليهم لان الله تعالى انما قال ذلك فيما يرثه الاخوة والاخوات بالتعصيب لافيما ورثه الاخوات بالفرض المسمى والنص قد صح بان لا يرث الاخوات بالفرض المسمى اكثر من الثلثين.
وقد أجمع المخالفون لنا على أن من ترك أختا شقيقة وعشر أخوات لاب وعما أو ابن عم أو ابن اخ فان ليس للاخوات للاب الا السدس فقط والباقى لمن ذكرنا وأجمعوا على أنه لو ترك اختين شقيقتين وعشر أخوات لاب وعما أو ابن أخ ان اللواتى للاب لايرثن شيئا أصلا فمن
__________
(1) في النسخة رقم 14 (على خلاف ذلك) [ * ](9/270)
أين وجب ان يرثن مع الاخ ولا يرثن مع العم ولا مع ابن العم ولا مع ابن الاخ؟ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحقوا الفرائض بأصحابها فما أبقت الفرائض فلاولى رجل ذكر) والفرائض في هذه المسألة انما هو النصف للشقيقة أو الثلثان للشقيقتين أو النصف للشقيقة والسدس للتى للاب أو اللواتى للاب فقط فصح أن الباقي لاولى رجل ذكر، وهذا مما خالفوا فيه النص والقياس وبالله تعالى التوفيق * 1725 مسألة ولا يرث مع الابن الذكر احد الا البنات والاب والام والجد والجدة والزوج والزوجة فقط.
وولد الحرة والامة سواء في الميراث إذا كانت أمه
أم ولد أبيه وكان الولد حرا وان كانت أمه أمة لغير أبيه وهذا كله عموم القرآن واجماع متيقن * 1726 مسألة ولا يرث بنو الابن مع الابن الذكر شيئا أباهم كان أو عمهم ولا يرث بنو الاخ الشقيق أو للاب مع أخ شقيق أو لاب وهذا نص كلام النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (فلاولى رجل ذكر) واجماع متيقن * 1727 مسألة ومن ترك ابنة وبنى ابن ذكورا فلابنته النصف ولبنى الابن الذكور ما بقى، فان ترك بنتين فصاعدا وبنى ابن ذكورا فللبنتين الثلثان وما بقى فلبنى الابن فان لم يترك ابنة ولا ولدا وترك بنت ابن فلها النصف وان كانتا اثنتين فلهما الثلثان فان ترك بنات ابن وبنى ابن فالمال بينهم للذكر مثل حظ الانثيين فان ترك ابنة وابنة ابن أو بنتى ابن أو بنات ابن فللابنة النصف ولبنت الابن أو لبنتى الابن أو لبنات الابن السدس فقط وان كثرن والباقى للعاصب فان ترك ابنتين وبنات ابن وعما وابن عم أو أخا أو ابن أخ فللبنتين الثلثان ويكون ما بقى للعم أو لابن العم أو للاخ أو لابن الاخ ولا شئ لبنات الابن وهذا كله نص واجماع متقين الا في مسألة واحدة نذكرها ان شاء الله تعالى الآن * 1728 مسألة من ترك ابنة وبنى ابن ذكورا واناثا فللبنت النصف ثم ينظر فان وقع البنات الابن بالمقاسمة السدس فاقل قاسمن وان وقع لهن أكثر لم يزدن على السدس فان ترك ابنتين وبنى ابن ذكورا واناثا فللبنتين الثلثان والباقى لذكور ولد الولد دون الاناث فان ترك ابنة وبنت ابن وبنى ابن ابن فللبنت النصف وبنت الابن السدس، وكذلك لو كان أكثر والباقى لذكور ولد الولد دون الاناث وهو قول ابن مسعود وعلقمة وأبى ثور.
وأبى سفيان، وقال آخرون: بل يقاسم الذكر من ولد الولد من في درجته من الاناث ويقاسم ايضا ولد الولد عماته للذكر مثل حظ الانثيين وهذا خطأ والحجة فيه كالحجة في الاخوة والاخوات للاب مع الاخت والاخوات(9/271)
الشقائق سواء سواء حرفا حرفا وبالله تعالى التوفيق * 1729 مسألة والجدة ترث الثلث إذا لم يكن للميت أم حيث ترث الام الثلث وترث السدس حيث ترث الام السدس إذا لم يكن للميت أم وترث الجدة وابنها أبو الميت حى كما ترث لو لم يكن حيا وكل جدة ترث إذا لم يكن هنالك أم أو جدة أقرب منها فان استوين في الدرجة اشتركن في الميراث المذكور وسواء فيما ذكرنا أم الام وام الاب وأم أم الام وأم أم الاب.
وأم أبى الاب.
وأم أبى الام وهكذا ابدا، وهذا مكان اختلف الناس فيه فروى عن أبى بكر أنه لم يورث الا جدة واحدة وهى أم الام فقط، وروى عنه وعن غيره توريث جدتين فقط وهما أم الام وأمهاتها وأم الاب وأمهاتها وقالت طائفة: بتوريث ثلاث جدات وهما اللتان ذكرنا، وأم أب الاب وأمهاتها، وروى عن طائفة توريث كل جدة الا جدة من قبل أبى أم أو من قبل أبى جدة، وقال بعضهم لا ترث الجدة والجدتان والاكثر الا السدس فقط، وقال بعضهم: ان كانت التى من قبل الام أقرب انفردت بالسدس ولم ترث معها التى من قبل الاب فان كانت التى من قبل الاب مساوية للتى من قبل الام أو كانت التى من قبل الام ابعد اشتركتا في السدس، وقالت طائفة: لا ترث الجدة ما دام ابنها الذى صارت به جدة حيا * برهان ذلك قول الله تعالى: (وورثه ابواه فلامه الثلث) وقال تعالى: (كما أخرج أبويكم من الجنة) فجعل آدم وامرأته عليهما السلام أبوينا فهذا نص القرآن * وقد جسر قوم على الكذب ههنا فادعوا الاجماع على أن ليس للجدة الا السدس وهذا من تلك الجسرات، وكتب إلى على بن ابراهيم التبريزي الازدي قال: نا أبو الحسين محمد بن عبد الله المعروف بابن اللبان نا علج بن أحمد نا الجارودي نا محمد بن اسماعيل الصائغ نا أبو نعيم الفضل بن دكين عن شريك عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال: الجدة بمنزلة الام إذا لم تكن أم، وقال طاوس: الجدة بمنزلة الام ترث ما ترث الام وما وجدنا ايجاب السدس للجده الا مرسلا عن أبى بكر.
وعمر.
وابن مسعود.
وعلى.
وزيد خمسة فقط
فاين الاجماع؟ * قال أبو محمد: لا سيما من ورث الجد ميراث الاب فانه ناقض إذ لم يورث الجدة ميراث الام فان قيل: إن خبر منصور عن ابراهيم النخعي (أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدات السدس) رويناه من طريق سفيان الثوري.
وحماد بن زيد.
وجرير بن عبد الحميد كلهم عن منصور عن ابراهيم كذلك * وخبر مالك عن الزهري عن عثمان بن اسحاق بن خرشة عن قبيصة بن ذئيب ان المغيرة بن شعبة.
ومحمد بن سلمة شهدا عند أبى بكر الصديق(9/272)
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس) * وخبر ابن وهب عمن سمع عبد الوهاب ابن مجاهد بن جبر يحدث عن أبيه عن على بن أبى طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم جدتين السدس إذا لم تكن أم أو شئ دونهما فان لم توجد الا واحدة فلها السدس * وخبر أبى داود السجستاني نا محمد بن عبد العزيز بن أبى رزمة أخبرني أبى نا عبيد الله العتكى عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم * وروى نحو هذا عن ابن عباس، قالوا: ومن المحال أن يكون هذا عن ابن عباس ويخالفه قلنا: هذا كله لا يصح منه شئ، حديث قبيصة منقطع لانه لم يدرك أبا بكر ولا سمعه من المغيرة ولا محمد، وخبر ابراهيم مرسل ثم لو صحا لما كان فيه خلاف لقولنا لاننا نقول بتوريثها السدس من حيث ترث الام السدس مع الولد والاخوة، وأما خبر بريده عبد الله العتكى مجهول، وخبر على أفسدها كلها لان ابن وهب لم يسم من أخبره به عن عبد الوهاب وأيضا فعبد الوهاب هالك ساقط، وأيضا فلا سماع يصح لمجاهد من على والرواية عن ابن عباس لا يعرف مخرجها ولو صحت لكان كما ذكرنا من أن لها السدس حيث للام السدس وهلا قالوا ههنا بقولهم المعهود إذا وافق تقليدهم: ان ابن عباس لم يترك ما روى الا لامر هو أقوى في نفسه وأما نحن فلو صح ههنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بخلاف قولنا لقلنا به ولكنه لم يصح أصلا، فان قالوا: قد رويتم في حديث قبيصة المذكور جاءت الجدة إلى
أبى بكر فقالت: ان ابن ابني أو ابن ابنتى مات وقد أخبرت ان لى في كتاب الله حقا فقال أبو بكر: ما أجد لك في الكتاب حقا وما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضى لك بشئ وسأسأل الناس قلنا: انما أخبر الصديق رضى الله عنه عن وجوده وسماعه وصدق، وقد رويتم في هذا الخبر ان المغيرة.
ومحمد بن سلمة سمعا في ذلك ما لم يسمع فرجع هو رضى الله عنه إلى ما سمعا مما لم يسمع هو فأى غريبة في أن لا يجد أيضا في الكتاب في ذكره حينئذ ما يجد غيره، وقد منع عمر من التزيد على مقدار ما في الصداق فلما ذكر بالقرآن رجع، ومثل هذا لهم كثير، وقد وجدنا نصا أن الجدة أحد الابوين في القرآن وميراث الابوين في القرآن فميراثها في القرآن وليس في كل وقت يذكر الانسان ما في حفظه ونسى آدم فنسى بنوه فهذا ميراث الجدة بنص القرآن وليس لمخالفنا متعلق أصلا لا بقرآن ولاسنة ولا اجماع متيقن ولا قياس ولا نظر وما كان هكذا فهو مقطوع بانه باطل قال الله تعالى: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) ولا معنى لكثرة القائلين بالقول وقلتهم وقد أفردنا اجزاء ضخمة فيما خالف فيه أبو حنيفة.
مالك.
والشافعي جمهور العلماء وفيما قاله كل واحد منهم مما لايعرف أحد قال به قبله وقطعة فيما خالف فيه كل(9/273)
واحد منهم الاجماع المتيقن المقطوع به ولم يأت قط نص ولا اجماع ولا نظر صحيح بترجيح ما كثر القائلون به على ما قل القائلون به فهذا ميراث الجدة، وأما كم جدة ترث فان طائفة قالت: لا ترث الا جدة واحدة وهى أم الام، وروينا من طريق يحيى بن سعيد الانصاري نا القاسم بن محمد بن أبى بكر أن رجلا مات وترك جدتيه أم أمه وأم أبيه فأتوا أبا بكر الصديق فأعطى أم أمه السدس دون أم الاب فقال له عبد الرحمن بن سهل وكان بدريا لقد ورثت التى لو كانت هي الميتة ما ورث منها شيئا وتركت امرأة لو كانت هي الميتة ورث مالها كله فأشرك بينهما في السدس، ورويناه من طريق هشيم.
وابن عيينة كلاهما عن يحيى بن سعيد، ودخل حديث أحدهما في الآخر، ومن طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر عن يحيى
ابن سعيد الانصاري.
وابى الزناد ان أبا بكر ورث الجدة أم الام السدس فلما كان عمر ابن الخطاب جاءته الجده أم الاب فقال لها: مالك في كتاب الله شئ وسوف أسأل لك الناس قال فلم يجد أحدا يخبره شيئا فقال غلام من بنى حارثة: لم لا تورثها يا أمير المؤمنين وهى لو تركت الدنيا وما فيها ورثها وهذه لو تركت الدينا وما فيها لم يرثها ابن ابنتها فورثها عمر ابن الخطاب وقال: ان الله ليجعل في الجدات خيرا كثيرا، فهذا أبو بكر.
وعمر جعلا الميراث للجدة التى للام دون ام الاب، فان قيل: قد رجعا عن ذلك قلنا: قد قالا به ولا حجة الا في اجماع متيقن فلا اجماع متيقن معكم أصلا، وقد قال بذلك عمر بعد أبى بكر كما ترون وهذا على يخبر بان عمر قضى مدة حياته بمنع بيع أم الولد وعلى معه يوافقه.
وعثمان أيضا مدة حياته فلما ولى على خالف ذلك ولم ير ما سلف مما ذكرنا اجماعا فهذا أبعد من ان يكون اجماعا والكذب على جميع الامة أشد عارا واثما من الكذب على واحد وكل ذلك لا خير فيه، والقول بالظن كذب نعوذ بالله منه * وقالت طائفة: لا يرث الا جدتان فقط أم الام وأمها وأم أمها وأم أم أمها وهكذا أبدا أما فاما فقط وأم الاب وأمها وأم أمها وام أم امها وهكذا أما فاما فقط، ولا يورثون أم جد أصلا وهو قول أبى بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
والزهرى.
وربيعة: وابن أبى ذئب.
ومالك والشافعي.
وأبى ثور.
وأبى سليمان، وقالت طائفة: يرث ثلاث جدات فقط كما روينا من طريق عبد الرزاق حدثنى يحيى عن سفيان الثوري عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي أن سعد بن أبى وقاص قال لابن مسعود: أتغضب عى أن أوتر بواحدة وانت تورث ثلاث جدات؟ أفلا تورث حواء امرأة آدم * وروينا من طريق ابن وهب عن عبد الجبار بن عمر.
ومسلمة بن على.
وابن أبى الزناد قال مسلمة: عن زيد بن واقد عن مكحول وقال عبد الجبار.
وابن أبى الزناد كلاهما عن أبى الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت.
ثم اتفق خارجة ومكحول(9/274)
أن زيد بن ثابت ورث ثلاث جدات اثنتين من قبل الام وواحدة من قبل الاب *
ومن طريق حماد بن سملة عن داود بن أبى هند.
وحميد قالا جميعا: ان زيد بن ثابت قال: يرثن ثلاث جدات جدتا الاب وجدة الام لامها وقد روى أيضا عن على بن أبى طالب * ومن طربيق سعيد بن منصور نا أبو معاوية نا الاعمش عن ابراهيم قال: كانوا يورثون من الجدات ثلاثا جدتين من قبل الاب وواحدة من قبل الام * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أشعث هو ابن سوار عن الشعبى قال: جئن أربع جدات إلى مسروق فورث ثلاثا وألغى أم أبى الام * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة إذا كن الجدات أربعا طرحت أم ابى الام وورث الثلاث السدس أثلاثا بينهن وبه يقول الاوزاعي.
وأحمد بن حنبل، وقالت طائفة: ترث أربع جدات كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن ليث بن أبى سليم عن طاوس عن ابن عباس أنه كان يورث الجدات الاربع * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد عن أيوب السختيانى عن الحسن البصري.
وابن سيرين أنهما كانا يورثان أربع جدات، وقالت طائفة: ترث كل جدة الا جدة بينها وبين الميت أبو أم وهو قول سفيان الثوري.
وأبى حنيفة.
واصحابهما * وروينا من طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله عن داود بن أبى هند عن الشعبى قال: انما طرحت أم أبى الام لان ابا الام لا يرث، وقالت طائفة: ترث كل جدة كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أشعث.
وأبى سهل وهو محمد ابن سالم كلاهما عن الشعبى قال: كان عبد الله بن مسعود يروث ما قرب من الجدات وما بعد وقد روى هذا أيضا من على بن أبى طالب.
وابن عباس.
وزيد بن ثابت * ومن طريق سعيد بن منصور نا اشعث بن سوار نا الشعبى قال: جئن إلى مسروق أربع جدات يتساءلن فألغى أم ابى الام قال أشعث: فأخبرت بذلك ابن سيرين فقال اوهم أبو عائشة يورثن جميعا * قال أبو محمد: أبو عائشة كنية مسروق وهو قول جابر بن زيد.
وعطاء بن أبى رباح.
والحسن كل هؤلاء روى عنهم توريث أم أبى الام وغيرها * قال على: فنظرنا في هذه
الاقوال فوجدنا حجة من لم يورث الا جدة واحدة وهى أم الام وامها ثم أمها هكذا فقط أن يقول: هذا المجتمع على توريثها ولا يصح أثر بخلاف ذلك، فان قيل: قد رجع أبو بكر عن ذلك قلنا: نعم وعمر قد قال به بعد أبى بكر، فان قيل: فقد رجع قلنا: فكان ماذا إذا وجد الخلاف ووسع الآخر ما وسع الاول من الاجتهاد والاستدلال وليست الحجة التى احتج بها عليهما رضي الله عنهما بموجبة رجوعا لان أم الام ترث ولا تورث(9/275)
بلا خلاف والعمة تورث ولا ترث بلا خلاف، وهذا عمر قد رجع عن تحريم المنكوحة في العدة على ناكحها في الابد وأباح له نكاحها فلم يرجع مالك عن قوله الاول لرجوع عمر عنه، وهذا على قد رجع عن منعه بيع امهات الاولاد ولم يرجع أبو حنيفة ومالك.
والشافعي لرجوعه وليس رجوع من رجع حجة كما ان قول من قال ليس حجة الا ان يصحح القول أو الرجوع حجة، وقالوا ايضا: قد صح الاجماع على انه لا يرث من الاجداد الا واحد وهو اب الاب وابوه وابوابيه هكذا فقط فالواجب ان لا يرث من الجدات الا واحدة وهى ام الام وامها وام امها وهكذا فقط * قال أبو محمد: هاتان حجتان لازمتان لاهل القياس لان الاولى كثيرا ما يحتجون بها والثانية أصح ما يمكن أن يكون من القياس وقد يتعلق لهذا القول بحديث ابن بريدة عن ابيه ان النبي صلى الله عليه وسلم اعطى الجدة السدس إذا لم يكن دونها أم بدليل ذكر الام التى دونها فلم يذكر ههنا الا جدة تكون دونها ام، وقد ذكرنا هذا الخبر آنفا وعلته ولا يلزماننا لاننا لا نمنع من الاخذ بقول مختلف فيه إذا أوجبه برهان بل نوجب الاخذ به حينئذ ولولا البرهان الموجب لتوريث كل جدة لكان هذا القول هو الذى لا يجوز القول بسواه لانه المجتمع عليه بيقين لا شك فيه وما عداه فمختلف فيه ونحن لا نقول بالقياس وبالله تعالى التوفيق * وأما من لم يورث الا جدتين فما نعلم لهم حجة أصلا الا أن بعضهم ادعى الاجماع على ذلك وهذا باطل كما أوردنا فان تعلقوا بخبر مجاهد ان النبي صلى الله عليه وسلم أطعم جدتين السدس
قلنا: هذا خبر فاسد وليس فيه انه عليه الصلاة والسلام منع من توريث أكثر، وقد جاء خبر أحسن منه انه عليه الصلاة والسلام ورث ثلاث جدات وليس قول سعد الا تورث حواء امرأة آدم حجة لانه لا خلاف في وجوب توريث حواء امرأة آدم لو كان حية ولم تكن دونها أم ولا جدة لان كل ميت في العالم من بنى آدم فله أم ولامه أم ولام أمه أم هكذا قطعا بيقين إلى بنت حواء فهى جدة من قبل أم الام وامهاتها بيقين فبطل هذا الاعتراض ولم يبق لهذا القول متعلق أصلا والعجب كل العجب من أن مالكا.
والشافعي في أقوالهما في الفرائض مقلدين لزيد بن ثابت وزيد يورث ثلاث جدات فخالفوه بلا معنى وليس انكار سعد على ابن مسعود توريث ثلاث جدات موجبا ان سعدا كان يورث جدتين بل قد يمكن أن يكون لا يورث الا جدة واحدة فبطل هذا القول بيقين وأما من لم يورث الا ثلاث جدات فما نعلم لهم متعلقا الا خبر ابراهيم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم ثلاث جدات السدس وهذا مرسل ليس فيه انه عيله الصلاه والسلام منع من توريث أكثر فبطل تعلقهم به وبطل أن يكون لهم حجة أصلا، وأما من لم يورث(9/276)
الا أربع جدات فما نعلم لهم تعلقا أصلا فبطل لتعريه من الحجة، وأما من ورث كل جدة الا جدة بينها وبين الميت أبو أم فلا حجة لهم أصلا الا ما قال الشعبى من أن الذى تدلى به لا يرث فيقال لهم: فكان ماذا؟ هذا المسلم يموت له أب كافر وجد مسلم أو عم مسلم وأخ مسلم أو ابن أخ مسلم أو ابن عم مسلم فلا خلاف في أن كل من ذكرنا يرث وان الذى يدلى به لا يرث انما المواريث بالنصوص لا بالقرب ولا بالادلاء وهذه المرأة المعتقة لا تكون وليا في النكاح ولا المجنون فلا ينكحان وعاصبهما ينكح مولاتها وعاصب المجنون ينكح ابنته وأخته والذى يدليان به لا ينكح، ولعلهم أن يدعوا اجماعا على ما يقولون من منع الجدة أم أبى الام الميراث فما هذا ببدع من جسراتهم فقد أرينا كذبهم بقول ابن سيرين وغيره فبطل هذا القول لتعريه من الحجة، وأما من ورث كل جدة فان
حجته ما صدرنا قبل من ان الجدة أم وأحد الابوين بنص القرآن وميراث الابوين مبين بنص القرآن فلم يجز ان يحرم الابوان الميراث الا بنص صحيح أو اجماع متيقن فصح الاجماع المتيقن بنقل كواف الاعصار عصرا بعد عصر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أنه عليه الصلاه والسلام لم يورث قط من ابن بنت بالبنوة ولا ابن بنت بالبنوة فسقط ميراث كل جد يكون الميت منه ابن بنت وبقى ميراث الجد الذى هو أب وأبو أب فقط، ولم يأت نص ولا اجماع بمنع الجدة من الميراث بذلك فبقى ميراثها بنص القرآن واجبا وبالله تعالى التوفيق * ووجدنا خبر قبيصة بن ذؤيب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس) موافقا لهذا القول لانه عم ولم يخص جدة من جدة فيلزم من قال بالمرسل أن يقول بهذا لانه أعم من سائر الاخبار المذكورة وأما نحن فلا نعتمد الا على نص القرآن الذى ذكرنا فقط وبطلت سائر الاقوال بيقين لا مرية فيه لتعريها من حجة نص أو اجماع وبالله تعالى التوفيق * وأما تفاضل الجدات في القرب فان طائفة قالت: لا نبالي أي الجدات أقرب ولا أيتهن أبعد في الميراث سواء كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الحجاج بن أرطاة عن الشعبى قال: كان ابن مسعود يساوى بين الجدتين كانت احداهما أقرب أو لم تكن أقرب، وروى عنه أيضا لا يحجب الجدات الا الام ويرثن وان كان بعضهن أقرب من بعض الا أن تكون احداهن ام الاخرى فترث الابنة دون امها، وقول آخر كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن اشعث عن الشعبى قال: كان بان مسعود يورث ما قرب من الجدات وما بعد منهن جعل لهن السدس إذا كن من مكانين شتى فإذا كن من مكان واحد ورث القربى، وقول ثالث قاله الحسن بن حى.
وزفر بن الهذيل وهو ان كانت(9/277)
احدى الجدتين جدة من جهتين وكانت الاخرى جدة من جهة واحدة فللتى من جهتين ثلثا السدس وللتى من جهة واحدة ثلث السدس، ومثال ذلك امرأة تزوج ابن ابنها ابنة
ابنتها فولد لهما ولد فمات أبواه وجدتاه ولم يترك الا هذه المرأة التى هي أم أبى أبيه وأم ام أمه فهى جدة من جهتين وجدة أخرى هي أم أم أبيه فهى جدة من جهة واحدة، وقول رابع وهو أنه ان كانت الجدة التى من جهة الام (1) أبعد من التى من قبل الاب اشتركتا في الميراث جميعا وكذلك ان كانتا سواء فان كانت التى من قبل الام أقرب من التى من قبل الاب كان الميراث كله للتى من قبل الام ولا شئ للتى من قبل الاب كما روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت قال: إذا كانت الجدة من قبل الام أقرب فهى أحق به فان كانت أبعد فهما سواء * ومن طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد.
وحميد عن أهل المدينة قالوا: إذا كانت جدتان من قبل الام ومن قبل الاب فان كانت التى من قبل الام أقرب فهى أحق بالسدس وان كانت التى من قبل الاب أقرب فالسدس بينهما * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن ابى الزناد قال: أدركت خارجة بن زيد.
وطلحة بن عبد الله بن عوف: وسليمان بن يسار يقولون: إذا كانت جدتان من قبل الاب ومن قبل الام فان كانت التى من قبل الام أقرب فهى أحق بالسدس وان كانت أبعد فهما سواء وهو قول عطاء وبه يقول مالك: والاوزاعي، وروى عن الشافعي، وقول خامس وهو أيتهن كانت أقرب فهى احق بالميراث كما روينا من طريق سفيان: ومعمر عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب فذكر توريث أبى بكر للجدة من قبل الاب أو من قبل الام وفيه فلما كانت خلافة عمر جاءت الجدة التى يخالفها فقال عمر: انما كان القضاء في غيرك ولكن إذا اجتمعتما فالسدس بينكما وأيكما خلت به فهو لها * ومن طريق وكيع نا سفيان هو الثوري عن حميد الطويل عن عمار بن أبى عمار عن زيد بن ثابت أنه كان يورث القربى من الجدات * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا محمد بن سالم عن الشعبى أن على بن أبى طالب.
وزيد بن ثابت كانا يجعلان السدس للقربى منهما يعنى الجدتين * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين في الجدات قال: ان كانت واحدة فالسدس لها وان كانت
اثنتين فالسدس بينهما فان كن ثلاثا فالسدس بينهن وان كن أربعا فالسدس بينهن وأيتهن كانت أقرب فهى أحق انما هي طعمة وبه يقول الحسن البصري.
ومحكول.
وأبو حنيفة.
واصحابه وسفيان الثوري.
والحسن بن حى.
وشريك.
وداود، وهو أشهر قولى الشافعي *
__________
(1) في النسخة رقم 14 (من قبل الام) [ * ](9/278)
قال أبو محمد: أما القول الثاني الذى ذكرنا عن ابن مسعود.
والقول الثالث الذى ذكرنا عن زفر.
والرابع الذى اختاره مالك فأقوال لا دليل على صحة شئ منها لا من قرآن.
ولا من سنة.
ولا من رواية سقيمة.
ولا من قول صاحب لا مخالف له.
ولا من اجماع.
ولا من نظر.
ولا قياس.
ولا من رأى له وجه، والعجب من تقليد المالكيين لقول زيد في ذلك دون قول زيد الثاني، فهذا عجب جدا: فلم يبق الا القول الاول وهذا الآخر فوجدنا من حجة من ذهب إلى القول الاول أن يقول: الجدة أم فكلهن أم وكلهن وارثه * قال على: ووجدنا حجة القول الآخر ان ميراث الاب والام قد صح بالقرآن فاول أم توجد وأول أب يوجد فميراثهما واجب ولا يجوز تعديهما إلى أم ولا إلى أب أبعد منهما إذ لم يوجب ذلك نص أصلا وهذا هو الحق وبالله تعالى التوفيق * وأما هل ترث الجدة أم الاب والاب حى؟ فطائفة قالت: لا ترث * روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن محمد بن سالم عن الشعبى قال: كان على بن أبى طالب.
وزيد بن ثابت لا يورثان الجدة مع ابنها * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن عثمان بن عفان لم يورث الجدة ان كان ابنها حيا قال الزهري: والناس عليه * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت كان لا يورث الجدة أم الاب وابنها حى * ومن طريق ابن وهب عمن يثق به عن سعيد بن المسيب قال: قال ابن مسعود في الجدة وابنها حى منعها الذى به تمت * ومن طريق سعيد بن منصور نا حماد بن
زيد عن كثير بن شنظير عن عطاء أن زيد بن ثابت قال: يحجب الرجل أمه كما تحجب الام أمها من السدس، كثير لا شئ، وحديث ابن وهب مرسل، وروى هذا عن سعد ابن ابى وقاص.
والزبير بن العوام وهو قول سعيد بن المسيب: وطاوس والشعبى وبه يقول سفيان.
واللاوزاعى.
ومالك.
وأبو حنيفة.
والشافعي.
وروى عن داود، والقول الثاني انها ترث كما روينا من طريق سعيد بن منصور.
نا سفيان عن ابن أبى ليلى عن الشعبى قال قال ابن مسعود: ان أول جدة ورثت في الاسلام كانت مع ابنها * قال أبو محمد: أقل ما في هذا ان يراد خلاف أبى بكر * ومن طريق وكيع نا حماد بن سلمة عن عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن عن ابيه قال: مات ابن لحسكة الحبطى فترك حسكة واما لحسكة فكتب أبو موسى الاشعري إلى عمر في ذلك فكتب إليه عمر ورثها مع ابنها السدس * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن اسماعيل بن أبى خالد عن ابى عمرو الشيباني عن ابن مسعود انه ورث الجدة مع ابنها قال وكيع: ونا الاعمش عن ابراهيم(9/279)
النخعي عن ابن مسعود قال لا يحجب الجدات الا الام * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا سلمة بن علقمة عن حميد بن هلال العدوى عن رجل منهم ان رجلا منهم مات وترك أم ابيه وأم امه وأبوه حى فوليت تركته فاعطيت السدس أم أمه وتركت أم أبيه فقيل لى: كان يبغى لك ان تشرك بينهما فاتيت عمران بن الحصين فسألته؟ فقال: اشرك بينهما في السدس ففعلت * ومن طريق سعيد بن منصور نا حماد بن زيد عن كثير بن شنظير عن الحسن وابن سيرين ان أبا موسى الاشعري ورث أم حسكة من ابن حسكة وحسكة حى * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن بلال بن أبى بردة ان أبا موسى الاشعري كان يورث الجدة مع ابنها وقضى بذلك بلال - وهو أمير على البصرة - وهو قول عامر بن واثلة * ومن طريق عبد الرزاق نا هشام بن حسان.
ومعمر قال هشام عن أنس بن سيرين وقال معمر: عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين ثم اتفق أنس: ومحمد على أن شريحا
كان يورث الجدة مع ابنها وهو حى * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو ابن دينار عن أبى الشعثاء جابر بن زيد قال: ترث الجدة مع ابنها * ومن طريق سعيد ابن منصور نا خالد.
ومنصور كلاهما عن أنس بن سيرين قال: شهدت شريحا أتى في رجل ترك جدتيه أم امه وأم أبيه وابوه حى فاشرك بين جديته في السدس * ومن طريق سعيد ابن منصور نا هشيم انا حميد عن الحسن.
وابن سيرين في الجدة أنهما كانا يورثانها مع ابنها فهم كما ترى خلافة أبى بكر.
وعمر.
وأبى موسى الاشعري.
وابن مسعود.
وعمران ابن الحصين.
وعامر بن واثلة.
وجابر بن زيد.
وشريح.
والحسن.
وابن سيرين، وهو قول عروة بن الزبير.
وسليمان بن يسار.
ومسلم بن يسار.
وعطاء بن أبى رباح.
والمسيب.
وسوار بن عبد الله.
وعبيد الله بن الحسن.
وشريك بن عبد الله.
وأحمد ابن حنبل.
واحساق بن راهويه.
وفقهاء البصرة، وروى عن داود أيضا فوجدنا أهل القول الاول يحتجون بالخبر الذى ذكرنا من طريق ابن وهب عمن سمع عبد الوهاب ابن مجاهد بن جبر عن أبيه عن على: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم جدتين السدس إذا لم تكن أم أو شئ دونهما * قال أبو محمد: هذا خبر سوء منقطع ما بين ابن وهب.
وعبد الوهاب ثم عبد الوهاب متروك ثم لا يصح لمجاهد سماع من على ثم ليس فيه بيان بذكر الاب، وقالوا ايضا: لما حجب اباه وجب أن يحجب أمه قال على: وهذا قياس والقياس كله فاسد ثم لو صح لكان هذا منه غاية الفساد لانه انما يحجب أباه بانه عاصب أولى منه والجدة لا ترث بالتعصيب انما ترث بالسهم فبابه غير بابها، ثم يعارضون بأن يقال لهم:(9/280)
كما لا تحجب الام كذلك لا تحجب الجدة وكما لا تحجب ام الام كذلك لا تحجب أم نفسه وقالوا: كما تحجب الام أمها كذلك يحجب الاب أمه قلنا: هذا قياس والقياس كله باطل ثم لو صح القياس لكان هذا منه باطلا لان الام انما حجبت أمها لانها أم اقرب منها
وليس الاب كذلك، ثم يقال لهم: كما لا تحجب الام الجد وانما تحجب الجدات كذلك لا يحجب الاب الجدات وانما يحجب الجد فقط وقالوا: حجبها الذى تدلى به وهذا ليس بشئ لانه قول لم يوجبه قرآن ولا سنة وقد وجدنا الجدة من الاب يكون الاب عبدا فلا يحجبها عندهم وهى تدلى به، فان قالوا: انما يحجبها إذا ورث قلنا: هذه زيادة لم يوجبها برهان قرآن ولا سنة فهى لا شئ انما هي دعوى لا نوافقكم عليها فهى ساقطة ما لم يوجبها قرآن ولا سنة ولا اجماع، وقالوا: ميراثها مع وجود الاب مختلف فيه قلنا: نعم فان لم يوجب ميراثها برهان والا فلا ميراث لها * قال أبو محمد: فسقط هذا القول إذ لا برهان على صحته وبقى ان نثبت صحة قولنا بحول الله وقوته فنقول وبالله تعالى التوفيق: قد جاء نص القرآن بايجاب ميراث الابوين سواء فوجب بالقرآن ميراث الاب والجد وأبى الجد وجد الجد مع الام لانهم أبوان ووجب ميراث الجدة مع الجد كما قلنا ومع الاب لانهما أبوان فليس ميراث الاب اولى من ميراث الام وأمها أمه وهذا نص لا يسع خلافه، وكتب إلى أبو الحسن على بن ابراهيم التبريزي نا أبو الحسن محمد بن عبد الله البصري المعروف بابن اللبان انا أحمد بن كامل بن شجرة القاضى نا احمد بن عبيدالله نا يزيد بن هارون انا محمد بن سالم عن الشعبى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم انه ورث جدة وابنها حى * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الاشعث هو ابن عبد الملك الحمراني عن ابن سيرين قال: أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أب مع ابنها * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبويحيى بكر بن محمد الضرير عن الاشعث بن عبد الملك عن الحسن البصري قال: أول جدة أطعمت السدس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنها حى * قال على: عهدنا بالحنيفيين.
والمالكيين يقولون: المسند والمرسل سواء وهذان مرسلان ومنسد صالح فليأخذوا بهما فان قالوا: لعل ابنها كان عم الميت قلنا: لا يرد الدين بلعل لكن ابنها هو الاب والعم أيهما كانت ورثت معه وتخصيص العم بذلك
لا يجوز لانه دعوى كاذبة وقطع بالظن وتفسير بارد للخبر لانه لا فائدة ههنا في حياة العم ولا في موته وبالله تعالى التوفيق * (فصل) قال أبى محمد: ولا خلاف في أن الاب لا يحجب أم الام ولا أم ام الام فصاعدا(9/281)
وقد قال بعض التابعين ان الجد أبا الاب يحجب جدة الاب أم أمه وهذا قول لا برهان على صحته وبالله تعالى التوفيق * 1730 مسألة ولا ترث الاخوة الذكور ولا الاناث اشقاء كانوا أو لاب أو لام مع الجد أبى الاب ولا مع ابى الجد المذكور ولا مع جد جده، والجد المذكور أب إذا لم يكن الاب وكل واحد منهم يحجب أباه وللناس في الجد اختلاف كثير فطائفة توقفت فيه كما روينا بأصح طريق إلى شعبة عن يحيى بن سعيد التيمى تيم الرباب قال: سمعت الشعبي يحدث عن ابن عمر عن عمر قال: ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبض حتى يبين لنا فيهن أمرا ينتهى إليه.
الجد.
والكلالة.
وأبواب من أبواب الربا * قال أبو محمد: ليس مغيب بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن أو بسنته لحكم الجد والكلالة والربا عن عمر رضي الله عنه بموجب ان ذلك البيان غاب عن غيره من الصحابة رضى الله عنهم وحاش لله من أن يكون له حكم في الدين افترضه على عباده ثم غاب بيانه عن جميع أهل الاسلام إذا كان يكون ذلك حكما من الدين قد بطل وشرعية لازمة قد سقطت ولكان الدين ناقصا وليس احد من الفقهاء الذين قلده المشنعون بمثل هذا دينهم كابى حنيفة.
ومالك والشافعي الا وهم قالوا: بأن حكم الجد والربا والكلالة قد تبين لهم اما بنص قرآن أو سنة أو نظر أو قياس، فان أنكر هذا منكر لم يقدر على انكار أقوالهم في كل ذلك بالايجاب والتحريم فان كان قولم ذلك لا عن أنه يتبين لهم ما قالوه من ذلك فقد حكموا في الدين بالهوى ونحن نجلهم عن هذا ولله الامر من قبل ومن بعد * ومن طريق حماد بن زيد نا أيوب السختيانى عن حميد بن هلال قال: سألت سعيد
ابن المسيب عن فريضة فيها جد؟ فقال: ما تصنع إلى هذا أو تريد إلى هذا ان عمر بن الخطاب قال: أجزؤكم على الجد أجرؤكم على النار وانما يجترئ على الجد من يجترئ على النار * ومن طريق أيوب بن سليمان انا عبد الله بن المبارك.
وعبد الاعلى.
وعبد الرزاق كلهم عن عمر عن الزهري عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان عمر بن الخطاب قال عند موته: احفظوا عنى ثلاثا انى لم اقض في الجد شيئا.
ولم أقل في الكلالة شيئا.
ولم استخلف أحدا، فهذا قوله عند موته رضى الله عنه * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن أبى اسحق السبيعى عن عبيد بن عمرو الخارقى ان رجلا سأل على بن أبى طالب عن فريضة؟ فقال: هاتها ان لم يكن فيها جد * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن نافع قال قال ابن عمر: اجرؤكم على جراثيم جهنم اجرؤكم على الجد * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن ابى اسحاق السبيعى أنه سأل شريحا عن فريضة فيها جد وأخ فلم يجبه(9/282)
فيها بشئ مرة بعد مرة وقال له الذى يقف على رأسه أنه لا يقول في الجد شيئا * وعن سعيد ابن جبير من سره ان يقتحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والاخوة، فهؤلاء عمر.
وعلى.
وابن عمر.
وشريح.
وسعيد بن جبير توقفوا في الجد جملة بأسانيد ثابتة، والى هذا رجع محمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة في آخر أقواله، وقالت طائفة: ليس للجد شئ معلوم مع الاخوة انما هو على حسب ما يقضى فيه الخليفة * روينا من طريق اسماعيل بن اسحق القاضى نا اسماعيل بن أبى اويس نا عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه قال: أخبرني خارجة ابن زيد بن ثابت عن أبيه قال: ان الجد أبا الاب معه الاخوة من الاب لم يكن يقض بينهم الا أمير المؤمنين يكثر الاخوة حينا ويقلون حينا فلم يكن بينهم فريضة نعلمها مفروضة الا ان أمير المؤمنين كان إذا أتى يستفتى فيهم يفتى بينهم بالوجه الذى يرى فيهم على قدر كثرة الاخوة وقلتهم * قال أبو محمد: روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا مغيرة انا الهيشم بن بدر
عن شعبة بن التوأم الضبى قال: أتينا ابن مسعود في فريضة فيها جد وأخوة فذكر اختلاف حكمه فيها قال: فقلنا له في ذلك فقال ابن مسعود: انما نقضى بقضاء أئمتنا، وقد روينا من طريق حماد بن سلمة نا هشام بن عروة عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم قال: قال لى عثمان بن عفان قال لى عمر: انى قد رأيت في الجد رأيا فان رأيتم ان تتبعوه فاتبعوه فقال عثمان: ان نتبع رأيك فانه رشد وان نتبع رأى الشيخ قبلك فنعم ذو الرأى كان * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني هشام بن عروة عن أبيه أنه حدثه عن مروان بن الحكم أن قول عثمان هذا لعمر كان بعد ان طعن عمر، فهؤلاء عمر.
وعثمان: وزيد بن ثابت لا يقطون فيه بشئ، أما الرواية عن عمر.
وعثمان ففى غاية الصحة، وأما عن زيد فلا سبيل إلى ان يوجد عنه أحسن من هذا الاسناد في شئ مما روى عنه في الجد الا قوله في الخرقاء في أخت وأم وجد ان للجد سهمين وللاخت سهما وللام الثلث فانه ثابت عنه بأحسن من هذا الاسناد، وقالت طائفة: ليس للجد مع الاخوة ميراث روينا من طريق اسماعيل ابن اسحق القاضى نا اسماعيل بن أبى اويس حدثنى عبد الرحمن بن أبى الزناد عن ابيه أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه ان عمر لما استشار في ميراث الجد والاخوة قال زيد: وكان رأيى يومئذ ان الاخوة احق بميراث أخيهم من الجد وذكر الخبر * قال أبو محمد: لا سبيل إلى أن يوجد عن زيد اسناد في الجد أحسن من هذا إلا قوله في اخت وجد في الخرقاء فقط * ومن طريق حماد بن سلمة أنا داود بن أبى هند عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم أن عمر بن الخطاب ذاكره الجد فقال عبد الرحمن(9/283)
ابن غنم أن دون الجد شجرة أخرى فما خرج منها فهو أحق به يعني الاب وقول عبد الرحمن هذا يوجب أن الاخوة أحق بالميراث من الجد، وهذه الاقوال الثلاثة تكذب قول من احتج بقوله في توريث الجد مع الاخوة بالاجماع، وقالت طائفة: يقاسم الجد الاخوة إلى اثنى عشر فيكون هو ثالث عشر لهم روى ذلك عن عمران بن
الحصين.
وأبى موسى الاشعري، وقالت طائفة: يقاسم الجد الاخوة إلى سبعة اخوة فيكون له الثمن معهم كما كتب إلى على بن ابراهيم التبريزي قال: نا محمد بن عبد الله بن اللبان انا القاضى أحمد بن كامل بن شجرة انا أحمد بن عبيدالله انا يزيد بن هرون عن قيس بن الربيع عن فراس عن الشعبى قال: كتب ابن عباس من البصرة إلى علي بن أبى طالب في سبعة اخوة وجد فكتب إليه علي اقسم المال بينهم سواء وامح كتابي ولا تخلده * وقالت طائفة: يقاسم الجد الاخوة إلى ستة فيكون له السبع معهم روينا ذلك بالاسناد المتصل بهذا قبله إلى قيس بن الربيع عن ابى اسحاق الشيباني عن الشبعى قال كتب ابن عباس إلى على في ستة اخوة وجد فكتب إليه على ان اعطه سبعا * ومن طريق وكيع نا سفيان هو الثوري عن فراس عن الشعبي قال: كتب ابن عباس إلى على في ستة اخوة وجد فكتب إليه على اجعله كاحدهم وامح كتابي * وقالت طائفة: يقاسم الجد الاخوة إلى السدس ثم لا ينقص من السدس وان كثروا روينا ذلك من طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا عوف هو ابن أبى جميلة عن الحسن البصري قال: كتب عمر بن الخطاب إلى عامل له ان اعط الجد مع الاخ الشطر ومع الاخوين الثلث ومع الثلاثة الربع ومع الاربعة الخمس ومع الخمسة السدس فان كانوا اكثر من ذلك فلا تنقصه من السدس * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية نا الاعمش عن ابراهيم النخعي عن عبيد بن نضيلة قال: كان عمر بن الخطاب.
وعبد الله بن مسعود يقاسمان الجد مع الاخوة ما بينه وبين ان يكون السدس خيرا له من مقامسة الاخوة، وهذا اسناد في غاية الصحة * ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن البصري أن على ابن أبى طالب كان يورث الجد مع خمسة اخوة السدس فان كانوا اكثر من ذلك فله السدس لا ينقص منه شيئا * ومن طريق محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار بندار نا أبو داود هو الطيالسي نا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة أن على بن أبى طالب كان يجعل الجد أخا حتى يكون سادسا * ومن طريق عبد الرزاق عن
سفيان الثوري عن الاعمش عن ابراهيم النخعي قال: كان على بن ابى طالب يعطي كل صاحب فريضة فريضته ولا يورث أختا لام ولا أخا لام مع الجد شيئا ولا يقاسم بالاخ(9/284)
لاب مع الاخ لاب والام والجد شيئا وإذا كانت أخت لاب وأم وأخ لاب وجد أعطى الاخت النصف وما بقى أعطاه الجد والاخ بينهما بنصفين فان كثر الاخوة شركه معهم حتى يكون السدس خيرا له من المقاسمة فان كان السدس خيرا له أعطاه السدس وبقول على هذا يقول المغيرة بن مقسم.
وعبيده السلمانى.
ومحمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى القاضى.
والحسن بن حى.
وشريك القاضى.
وهشيم بن بشير.
والحسن بن زياد اللؤلؤي، وبعض أصحاب ابى حنيفة، وقالت طائفة: للجد مع الاخوة الثلث على كل حال كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن عليا شاوره عمر في الجد فقال على: له الثلث على كل حال، وقالت طائفة كما روينا من طريق وكيع نا سفيان الثوري عن الاعمش عن ابراهيم النخعي قال: كان ابن مسعود يقاسم بالجد الاخوة إلى الثلث ويعطى كل صاحب فريضة فريضته ولا يورث الاخوة من الام مع الجد شيئا ولا يقاسم بالاخوة من الاب الاخوة من الاب والام مع الجد وإذا كانت أخت لاب وأم، وأخ لاب وجد أعطى الاخت للاب والام النصف والجد النصف وبه يقول مسروق وعلقمة.
والاسود.
وعبيدة السلمانى في بعض أقواله.
وروى أيضا عن شريح وغيره، وعن بعض أصحاب أبى حنيفة، وقالت طائفة كما روينا من طريق ابن وهب أخبرني مالك.
والليث بن سعد ان يحيى بن سعيد - هو الانصاري - حدثهما أنه بلغه أن معاوية بن أبى سفيان كتب إلى زيد بن ثابت يسأله عن الجد؟ فكتب إليه أنك كتبت إلى تسألني عن الجد والله أعلم وذلك مما لم يكن يقضى فيه الا الامراء - يعنى الخلفاء - وقد حضرت الخليفتين قبلك يعطيانه النصف مع الاخ الواحد والثلث مع الاثنين فان كثر الاخوة لم ينقصاه من الثلث * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن منصور عن
ابراهيم النخعي قال: كتب عمر إلى ابن مسعود انا قد خشينا أن نكون قد اجحفنا بالجد فاعطه الثلث مع الاخوة فاعطاه * وروى من طريق حماد بن زيد.
واسماعيل بن علية.
وهشيم عن أبى المعلى العطار عن ابراهيم النخعي قال علقمة: قال ابن مسعود: يقاسم الجد الاخوة في الثلث وقال لى عبيدة السلمانى: قال ابن مسعود: يقاسم الجد الاخوة إلى السدس قال ابراهيم: فذكرت ذلك لعبيدة بن نضيلة فقال: صدقا جميعا ان ابن مسعود قدم من عند عمر.
وعمر يقول: يقاسم الجد الاخوة إلى السدس فكان ابن مسعود يقول به ثم رجع إلى عمر فإذا عمر قد رجع فقال يقاسم الجد الاخوة إلى الثلث * ومن طريق الحجاج ابن المنهال نا هشيم انا المغيره هو ابن مقسم عن الهيثم بن بدر الاسدي أخبرني شعبة ابن التوأم قال توفى أخ لنا في عهد عمر وترك أخوته وجده فأتينا ابن مسعود فأعطى الجد(9/285)
مع الاخوه السدس ثم توفى أخ لنا آخر في عهد عثمان وترك اخوته وجده فأتينا ابن مسعود فاعطى الجد مع الاخوة الثلث فقلنا له: انك أعطيت جدنا في أخينا الاول السدس وأعطيته الآن الثلث فقال: انما نقضى بقضاء أئمتنا * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا مطرف هو ابن طريف عن الشعبى قال: كتب عمر إلى ابى موسى الاشعري انا كنا أعطينا الجد مع الاخوة السدس ولا أحسبنا الا قد اجحفنا به فإذا أتاك كتابي هذا فاعط الجد مع الاخ الشطر ومع الاخوين الثلث فان كانوا (1) أكثر من ذلك فلا تنقصه من الثلث، وقالت طائفة كما روينا من طريق ابن وهب عن يوسن بن يزيد عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب.
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
وقبيصة بن ذؤيب أن عمر بن الخطاب قضى أن الجد يقاسم الاخوة للاب والام والاخوة للام (2) ما كانت المقاسمة خيرا له من ثلث المال فان كثر الاخوة أعطى الجد الثلث وكان ما بقى للاخوه للذكر مثل حظ الانثيين وان بنى الاب والام اولى بذلك من بنى الاب ذكورهم ونسائهم غير أن بنى الاب يقاسمون الجد بنى الاب والام فيردون عليه ولا يكون
لبنى الاب شئ مع بنى الاب والام الا أن يكون بنو الاب يردون على بنات الاب والام فان بقى شئ بعد فرائض بنات الاب والام فهو للاخوة من الاب للذكر مثل حظ الانثيين * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الاعمش عن ابراهيم قال: كان زيد بن ثابت يشرك الجد مع الاخوة والاخوات إلى الثلث فإذا بلغ الثلث أعطاه الثلث وكان للاخوة والاخوات ما بقى ويقاسم الاخ للاب ثم يرد على أخيه ويقاسم بالاخوة من الاب أو الاخوات من الاب الاخوة والاخوات من الاب والام ولا يورثهم شيئا فإذا كان الاخ للاب والام أعطاه النصف وإذا كان اخوات وجد اعطاه مع الاخوات الثلث ولهن الثلثان وان كانتا اختين أعطاهما النصف وله النصف ولا يعطى أخا لام مع الجد شيئا * قال أبو محمد: فهذا قول روى كما تسمعون عن عمر.
وزيد وبه يقول الاوزاعي.
وسفيان الثوري.
ومالك.
وعبيد الله بن الحسين وأبو ثور.
وأبو يوسف.
ومحمد ابن الحسن.
والحسن اللؤلؤي.
والشافعي.
وأحمد بن حنبل وأبو عبيد ثم رجع محمد بن الحسن إلى التوقيف (3) جملة ورجع اللؤلؤي إلى القول الذى ذكرنا عن على وقد روينا عن زيد أنه رجع عن هذا إلى أن ينقص الجد عن ذلك كما روينا من طريق أيوب بن سليمان انا عبد الوارث هو ابن سعيد التنورى عن اسحاق بن سويد أنه سمع عبد الله
__________
(1) في النسخة رقم 14 فإذا كانوا (2) في النسخة رقم 16 (والاخوة للاب) (3) في النسخة رقم 14 إلى الوقف والخطب سهل.
[ * ](9/286)
ابن بريدة أنه سمع أبا عياض أنه سمع زيد بن ثابت يقول: دخلت على عمر في الليلة التى قبض فيها فقلت له: انى رأيت ان انتقص الجد وذكر الخبر، وأما عثمان.
وأبو موسى الاشعري وابن مسعود فليس عنهم (1) إلا أن يقاسم الجد الاخوة إلى الثلث فقط ولا يحط من الثلث وليس عنهم هذه الزيادات وقالت طائفة: لا يرث مع الجد أخ شيئا لا شقيق ولا لاب ولا
لام وميراث الجد كميراث الاب سواء سواء إذا لم يكن هنالك أب وارث كما روينا من طريق حماد بن سلمة أنا هشام بن عروة عن أبيه عن مروان بن الحكم قال: قال لى عثمان بن عفان ان عمر قال لى انى قد رأيت في الجد رأيا فان رأيتم ان تتبعوه فاتبعوه فقال له عثمان: ان نتبع رأيك فانه رشد وانت نتبع رأى الشيخ قبلك فنعم ذو الرأى كان قال: وكان أبو بكر يجعله ابا * ومن طريق البخاري نا أبو معمر نا عبد الوارث - هو ابن سعيد التنورى - نا أيوب - هو السختيانى - عن عكرمة عن ابن عباس قال: اما الذى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت متخذا خليلا من هذه الامة (1) لاتخذته خليلا ولكن خلة الاسلام أفضل أو قال خير فانه أنزله أبا أو قال قضاه أبا) يعنى الجد في الميراث * ومن طريق محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري عن أبى اسحاق الشيباني عن كردوس عن أبى موسى الاشعري أن أبا بكر الصديق كان يجعل الجد أبا * ومن طريق أبى داود الطيالسي نا شعبة عن خالد الحذاء عن أبى نضره عن أبى سعيد الخدرى أن أبا بكر الصديق كان يجعل الجد أبا * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج قال: سمعت ابن أبى ملكية يحدث أن ابن الزبير كتب إلى أهل العراق أن الذى قاله النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا حتى ألقى الله سوى الله لاتخذت أبا بكر خليلا فكان يجعل الجد أبا * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معاوية الضرير عن أبى اسحق الشيباني عن سعيد بن أبى بردة عن أبيه أبى بردة بن أبى موسى الاشعري أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبى موسى الاشعري أن اجعل الجد أبا فان ابا بكر جعل الجد أبا * ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله عن ليث بن أبى سليم عن عطاء أن أبا بكر.
وعمر.
وعثمان.
وابن عباس كانوا يجعلون الجد أبا، وقال ابن عباس: يرثنى ابن ابني دون أخى ولا أرث ابني ابني دون أخيه * ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس قال: الجد أب وقرأ (واتبعت ملة آبائى ابراهيم واسحق ويعقوب) ومن طريق اسماعيل بن اسحق القاضى
نا اسماعيل بن أبى أويس حدثنى عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه أخبرني خارجة بن زيد
__________
(1) في النسخة رقم 16 فليس عندهم (2) في صحيح البخاري (من هذه الامة خليلا) [ * ](9/287)
ابن ثابت عن أبيه أن عمر بن الخطاب لما استشار في ميراث بين الجد والاخوة وعمر يرى يومئذ أن الجد أولى بميراث ابن ابنه من اخوته وذكر باقى الخبر * ومن طريق أيوب بن سليمان أنا عبد الوارث - هو ابن سعيد التنورى - عن اسحق ابن سويد أنه سمع عبد الله بن بريدة انه سمع أبا عياض أنه سمع زيد بن ثابت يقول: انه دخل على عمر بن الخطاب في الليلة التى قبض فيها فقال له زيد: انى قد رأيت أن انتقص الجد فقال له عمر: لو كنت منتقصا أحدا لاحد لانتقصت الاخوة للجد أليس بنو عبد الله بن عمر يرثوننى دون اخوتى فمالى لا أرثهم دون اخوتهم لان أصبحت لاقولن فيه قال: فمات من ليلته، فهذا آخر قول عمر رضى الله عنه واسناده في غاية الصحة * ومن طريق حماد بن سلمة أنا ليث بن أبى سليم عن طاوس أن عثمان بن عفان.
وابن مسعود قالا جميعا: الجد بمنزلة الاب * ومن طريق عبد الرزاق قال قال ابن جريج أخبرني عطاء ان على بن ابى طالب كان يجعل الجد أبا قال عبد الرزاق: وسمعت ابن جريج يقول: سمعت ابن أبى مليكة يحدث ان ابن الزبير كان يجعل الجد أبا * ومن طريق سعيد بن منصور نا حماد بن زيد عن كثير بن شنظير قال: سمعت الحسن يقول: لو وليت من أمر الناس شيئا لانزلت الجد أبا * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أنه كان يفتى بأن الجد أب، فهؤلاء من الصحابة رضى الله عنهم أبو بكر.
وعمر.
وعمثان.
وعلى.
وابن مسعود.
وأبو موسى الاشعري.
وابن عباس.
وابن الزبير، وروى أيضا عن عائشة أم المؤمنين.
وأبى الدرداء.
وأبى بن كعب.
ومعاذ بن جبل.
وابى هريرة، ومن التابعين.
طاوس.
وعطاء.
وعبيد الله بن عتبة ابن مسعود والحسن.
وجابر بن زيد.
وقتادة.
وعثمان البتى.
وشريح.
والشعبى
وجماعة سواهم * ومن بعدهم أبو حنيفة.
ونعيم بن حماد.
والمزنى.
وأبو ثور.
واسحق بن راهويه.
وداود بن على.
وجميع اصحابنا.
وجماعة غيرهم، ورواه عن أبى بكر الصديق عمر.
وعثمان.
وابن عباس.
وابن الزبير: وأبو موسى الاشعري.
وابى سعيد الخدرى.
وغيرهم، وثبتت الاسانيد التى ذكرنا بلا شك، ورواه عن عمر أبو بردة بن أبى موسى انه كتب بذلك إلى أبيه وهو اسناد ثابت، ورواه أيضا عنه زيد بن ثابت، ورواه عن ابن عباس عكرمة.
وعطاء.
وطاوس.
وسعيد بن جبير.
وغيرهم، ورواه عن ابن الزبير ابن أبى مليكة كل ذلك بأصح اسناد، وروى عن عثمان.
وعلى.
وابن مسعود بأسانيد هي أحسن من كل ماروى عنهم * وعن زيد مما أخذ به المخالفون *(9/288)
قال أبو محمد: وجاءت مسئلتان لهم فيها (1) أقوال يجب ذكرها ههنا * 1731 مسألة وهى الخرقاء وهى أم.
وأخت.
وجد * روينا عن البزار نا ابو الزنباع روح بن الفرج المصرى قال البزار: يقال: ليس بمصر أوثق وأصدق منه [ حديثا ] (2) نا عمرو بن خالد نا عيسى بن يونس انا عباد بن موسى عن الشعبى قال: بعث لى الحجاج فقال: ما تقول في جد.
وأم: وأخت؟ قلت: اختلف فيها خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ابن مسعود.
وعلى.
وعثمان.
وزيد.
وابن عباس قال الحجاج: فما قال فيها ابن عباس ان كان لمتقنا قلت: جعل الجد أبا ولم يعط الاخت شيئا وأعطى الام الثلث قال: فما قال فيها ابن مسعود قلت: جعلها من ستة أعطى الاخت ثلاثة وأعطى الجد اثنين وأعطى الام الثلث قال: فما قال فيها أمير المؤمنين يعنى عثمان؟ قلت: جعلها أثلاثا قال فما قال فيها أبو تراب [ يعنى عليا ] (3)؟ قلت: جعلها من ستة أعطى الاخت ثلاثة وأعطى الام اثنين وأعطى الجد سهما قال: فما قال فيها زيد؟ قلت: جعلها من تسعة أعطى الام ثلاثة وأعطى الجد اربعة وأعطى الاخت اثنين، قال
الحجاج: مر القاضى يمضيها على ما أمضاها عليه أمير المؤمنين يعنى عثمان * ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي عن عمر بن الخطاب في أخت.
وأم وجد قال: للاخت النصف وللام السدس وما بقى فللجد * قال أبو محمد: هذا موافق لقول ابن مسعود رضى الله عنه * ومن طريق سعيد ابن منصور نا هشيم عن عبيدة عن الشعبى قال: أرسل إلى الحجاج فقال لى: ما تقول في فريضة أتيت بها أم وجد وأخت؟ فقلت: ما قال فيها الامير؟ فأخبرني بقوله فقلت: هذا قضاء أبى تراب * يعنى على بن أبى طالب وقال فيها سبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر.
وابن مسعود: للاخت النصف وللام السدس وللجد الثلث، وقال على: للام الثلث وللاخت النصف وللجد السدس، وقال عثمان بن عفان: للام الثلث وللاخت الثلث وللجد الثلث، فقال الحجاج: ليس هذا بشئ، وقال زيد: للام ثلاثة وللجد اربعة وللاخت سهمان، وقال ابن عباس.
وابن الزبير: للام الثلث وللجد ما بقى وليس للاخت شئ * 1732 مسألة والاكدرية وهى ام وجد وأخت وزوج، روينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا المغيرة عن ابراهيم النخعي قال: قال على: للزوج ثلاثة
__________
(1) كذا في جميع النسخ بتثنية المسألة وتأنيث ضمير فيها، والمصنف ذكر في هذا المبحث مسائل تنبه لذلك (2) الزيادة من النسخة رقم 14 (3) الزيادة من النسخة رقم 14 [ * ](9/289)
أسهم.
وللام سهمان.
وللجد سهم.
وللاخت ثلاثة أسهم، وقال ابن مسعود: للزوج ثلاثة أسهم وللام سهم وللجد سهم وللاخت ثلاثة اسهم، وقال زيد بن ثابت: للزوج ثلاثة أسهم وللام سهمان وللجد سهم وللاخت ثلاثة أسهم تضرب جميع السهام في ثلاثة فتكون سبعة وعشرين سهما للزوج من ذلك تسعة أسهم وللام ستة تبقى اثنا عشر
سهما للجد منها ثمانية وللاخت أربعة، وقال ابن عباس للزوج النصف.
وللام الثلث وللجد ما بقى وليس للاخت شئ * وروينا من طريق سفيان بن عيينة قال: حدثوني عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى قال: حدثنى راوية زيد بن ثابت يعنى قبيصة.
ابن ذؤيب - أنه لم يقل في الاكدرية شيئا يعنى زيد ثابت * ومن طريق غندر نا شعبة سمعت أبا اسحق السبيعى يقول: أتينا عبيدة السلمانى في زوج.
وأم.
وجد.
وأخت فقال: للزوج النصف وللاخت السدس وللام السدس وللجد السدس * 1733 مسألة روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الاعمش عن ابراهيم عن مسروق عن ابن مسعود انه قال في جد وابنة وأخت هي من أربعة للبنت سهمان وللجد سهم وللاخت سهم فان كانت اختين فمن ثمانية للبنت أربعة وللجد سهمان وللاختين بينهما سهمان فان كن ثلاث اخوات فمن عشرة للبنت خمسة أسهم وللجد سهمان وللاخوات ثلاثة أسهم بينهن * 1734 مسألة روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن اسماعيل ابن ابى خالد عن الشعبى قال: كان على بن أبى طالب ينزل بنى الاخ مع الجد منازلهم يعنى منازل آبائهم ولم أجد أحدا من الناس يقوله غيره * قال أبو محمد: انما أوردنا هذه المسائل لتلوح مناقضتها لما ذكرنا قبلها ولنرى المقلد انه ليس بعضها أولى من بعض وبالله تعالى التوفيق * الآثار الواردة في الجد روينا من طريق أحمد بن شعيب انا معاوية بن صالح.
ومحمد بن عيسى.
وسليمان ابن سلم البلخى قال محمد بن عيسى هو ابن الطباع نا هشيم وقال معاوية: حدثنى عبد الله ابن سوار العنبري نا وهيب هو ابن خالد ثم اتفق هشيم.
ووهيب كلاهما عن يونس - هو ابن عبيد - عن الحسن عن معقل بن يسار (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطى الجد السدس) قال معاوية في حديثه: لا ندرى مع من، وقال سليمان البلخى: انا النضر - هو ابن شميل -
أخبرني يونس - يعنى ابن ابى اسحاق - عن أبى اسحاق السبيعى عن عمرو بن ميمون أن(9/290)
عمر جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الجد فنشدهم من سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد شيئا؟ فقال معقل بن يسار المزني: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بفريضة فيها جد فأعطى ثلثا أو سدسا فقال له عمر: ما الفريضة؟ فقال: لا أدرى وذكر الخبر * ومن طريق ابى داود نا محمد بن كثير نا همام بن يحيى عن قتادة عن الحسن عن عمران بن الحضين (أن رجلا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ان ابن ابني مات فمالى من ميراثه؟ قال: السدس فلما أدبر دعاه فقال: لك سدس آخر، فلما أدبر دعاه فقال: ان السدس الآخر طعمة) * قال أبو محمد: في سماع الحسن من عمران كلام وهذا يخرج أحسن خروج في ابنتين وجد فللبنتين الثلثان فريضة مسماة وللجد مع الولد عموما السدس فرضا مسمى وله السدس الآخر بالتعصيب لانه أولى رجل ذكر * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عيسى هو ابن أبى عيسى الحناط عن الشعبى أن عمر نشد الناس في الجد فقام رجل فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه الثلث قال: من معه؟ قال: لا أدرى فقال رجل: سمعت رسول الله صلى الله أعطاه السدس قال: من معه؟ قال: لا أدرى * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو معشر عن عيسى بن أبى عيسى الحناط أن عمر ابن الخطاب سأل الناس أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الجد شيئا؟ فقال له رجل: أعطاه سدس ماله وقال آخر: اعطاه ثلث ماله وقال آخر: أعطاه نصف ماله وقال آخر: أعطاه المال كله ليس منهم أحد يدرى مع من من الورثة * ومن طريق سعيد بن منصور نا يعقوب بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجرؤكم على قسم الجد أجرؤكم على النار * قال أبو محمد: هذا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد القارى من بنى الهون بن خزيمة
حليف لبنى زهرة ثقة ابن ثقة ما نعلم الآن في الجد أثرا غير هذه وليس فيها الا سدس وثلث ونصف وكل، وبها نقول فللجد مع الولد الذكر السدس.
ومع البنات الثلث ومع البنت النصف.
وإذا لم يكن ولد ولا أم ولا جدة ولا زوج ولا زوجة ولا أب فله الكل * قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في حجة كل قول منها لنعلم الحق فنتبعه بحول الله تعالى ومنه فوجدنا من توقف في ميراثه يمكن ان يحتج بمرسل سعيد الذى أوردنا قبل هذا المكان بثلاثة أسطار أو أربعة وهو لا حجة فيه لانه مرسل وحاش لله ان يكون رسوله المبعوث بالبيان لا يبين ما أمر ببيانه ثم يتوعد لمن يتكلم فيها بانه جرئ على النار وما لم يبينه علينا فلا يلزمنا أصلا وكل ما ألزمنا فقد بينه علينا وإذا قلنا ما بينه علينا فما اجترأنا(9/291)
على النار بل سلكنا في طريق الجنة، ولا يخلو الجد من أن يكون له ميراث أو لا يكون له ميراث فان كان لا ميراث له فمانعه محسن وان كان له ميراث فاعطاؤه حقه فرض لا يحل منعه منه فالجرأة على احدهما فرض واجب ولا بد من اعطائه اومن منعه، فمن المحال ان تكون الجرأة في حكمه في الميراث فرضا يعصى الله تعالى من تركها ثم يتوعد على فعل ما افترض الله تعالى علينا بالنار ولكن هذا عيب المرسل والله قطعا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قط هذا الكلام وهو يتلو كلام ربه تعالى (اليوم اكملت لكم دينكم) و (قد تبين الرشد من الغى) ولكن سعيد إذ أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم اوهم وانما هو موقوف على على.
وعمر وصحيح عن ابن عمر كما اوردنا (1) قبل أو وهم من دون سعيد فاضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وانما المحفوظ من طريق سعيد انه عن عمر كما أوردنا قبل أو سمعه سعيد ممن وهم فيه لابد من احدهما فسقط هذا القول، ثم نظرنا في قول زيد.
وعبد الرحمن بن غنم اللذين منعاه الميراث مع الاخوة فوجدنا حجتهم ان قالوا: وجدنا ميراث الاخوة منصوصا في القرآن ولم نجد للجد ميراثا في القرآن ووجدنا الجد يدلى بولادته لابي الميت ووجدنا الاخوة يدلون بولادة ابى
الميت فهم اقرب منه، وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عيسى الحناط عن الشعبى ان عمر سأل زيدا عن الجد؟ فضرب له زيد مثلا شجرة خرجت لها أغصان قال الشعبى: فذكر شيئا لا احفظه فجعل له الثلث، قال سفيان: بلغني انه قال: يا أمير المؤمنين شجرة انبتت فانشعب منها غصن فانشعب من الغصن غصنان فما جعل الغصن الاول اولى من الغصن الثاني وقد خرج الغصنان جميعا من الغصن الاول، ثم سأل عليا؟ فضرب له مثلا واديا سال فيه سيل فجعله اخا فيما بينه وبين ستة فأعطاه السدس * ومن طريق اسماعيل بن اسحق القاضى نا اسماعيل بن ابى اويس حدثنى عبد الرحمن ابن أبى الزناد عن ابيه اخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن ابيه ان عمر بن الخطاب لما استشار في ميراث بين الجد والاخوة قال زيد: وكان رأيى يومئذ ان الاخوة احق بميراث اخيهم من الجد وعمر يؤمئذ يرى الجد اولى بميراث ابن ابنه من اخوته فتحاورت.
انا عمر محاورة شديدة فضربت له في ذلك مثلا فقلت: لو ان شجرة تشعب من اصلها غصن ثم تشعب من ذلك الغصن خوطان (2) ذلك الغصن يجمع الخوطين دون الاصل ويغدوهما الا ترى يا امير المؤمنين ان احد الخوطين اقرب إلى اخيه منه إلى الاصل قال زيد: فأنا اعيد له واضرب له هذه الامثال وهو يأبى الا ان الجد اولى من الاخوة
__________
(1) في النسخة رقم 14 كما ذكرنا (2) هو بالخاء المعجمة - الغصن الناعم لسنه [ * ](9/292)
ويقول: والله لو أنى قضيته لبعضهم لقضيت به للجد كله ولكني لعلى لا أخيب سهم أحد ولعلهم أن يكونوا كلهم ذى حق، وضرب على بن أبى طالب: وابن عباس يومئذ لعمر مثلا، معناه لو أن سيلا سال فخلج منه خليج ثم خلج من ذلك الخليج شعبتان * قال أبو محمد: أما قول من قال: ميراث الاخوة منصوص في القرآن وليس ميراث الجد منصوصا في القرآن فباطل بل ميراث الجد منصوص في القرآن بقوله تعالى: (يا بنى آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) فجعلنا بنين لآدم عليه السلام وجعله
أبا لنا وهو أبعد جد لنا فالجد أب، وقال تعالى: (ولابويه لكل واحد منهما السدس) (وورثه أبواه فلامه الثلث) وأما كون الجد يدلى بولادته لابي الميت وكون الاخوة يدلون بولادة أبى الميت لهم وللميت فهم أقرب فليست المواريث بالقرب ولا بالعبد فهذا ابن البنت أقرب من ابن العم الذى لا يلتقى مع الميت الا إلى أزيد من عشرين أبا وهو لا يرث مع ابن العم المذكور شيئا وهذه العمة أقرب من ابن العم ولا ترث معه شيئا فكيف والجد أقرب لان ولادته لابي الميت كانت قبل ولادة أبى الميت لاخوة الميت فولد الابن هو بعض الجد فالجد أقرب إليه من أخيه فبطل هذا القول بيقين وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: هذا التنظير.
وهذا التشبيه.
وهذا التمثيل.
وهذا التعليل.
وهذا القياس به يحتج أهل القياس في اثبات القياس فانظروا واعتبروا، وحاش لله أن يقول زيد أو على أو ابن عباس رضي الله عنهم هذه الفضائح، وهل راى قط ذو مسكة عقل ان غصنين تفرعا من غصن من شجرة أو جدولين تشعبا من خليج من نهر يوجب حكما في ميراث الجد مع الاخوة بانفراده دونهم أو انفرادهم دونه فكيف ان صرنا إلى ايجاب سدس.
أو ربع.
أو ثلث أو معادة أو مقاسمة والله ما قال قط زيد ولا على ولا ابن عباس شيئا من هذه التخاليط، وهذه آفة المرسل.
ورواية الضعفاء سفيان ان زيدا وعليا قالا لعمر: بالله ان هذه لطفرة واسعة، وعيسى الحناط.
وعبد الرحمن بن أبى الزناد هما والله المرآن يرغب عن روايتهما ولا يقبلان الا مع عدل وحسبنا الله ونعم الوكيل * ثم نظرنا في قول من قال: ليس للجد فرض معلوم انما هو على قدر ما يراه أمير المؤمنين على حسب قلة الاخوة وكثرتهم فوجدناه في غاية الفساد لانه إذا لم يكن للجد فرض لازم فحرام أخذ مال الاخوة واعطاؤه اياه وقد يكون فيهم الصغير.
والمجنون.
والكاره.
والغائب، وقد قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وقال تعالى: (للرجال(9/293)
نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) فإذ لكل وارث نصيب مفروض مما قل أو كثر فحرام أخذ شئ منه واعطاؤه لغيره بغير نص وارد في ذلك ولم نجد لهذا القول حجة أصلا الا التى سلفت قبل مما قد أبطلناه وبالله تعالى التوفيق، ثم نظرنا في الاقوال الباقية من مقاسمة الجد الاخوة إلى اثنى عشر أو إلى ثمانية أو إلى سبعة أو إلى ستة أو إلى ثلاثة فوجدناها كلها عارية من الدليل لا يوجب شيئا منها لا قرآن.
ولا سنة صحيحة.
ولا رواية ضعيفة.
ولا دليل اجماع.
ولا نظر.
ولا قياس ثم وجدنا أكثرها لا يصح على ما نبين ان شاء الله تعالى، أما الرواية عن عمران.
وأبى موسى رضى الله عنهما فغير معروفة يعنى في مقاسمة الجد اثنى عشر أخا له سهم كسهم كل واحد منهم * وأما الرواية عن على رضى الله عنه انه يقاسمهم إلى سبعة فيكون له الثمن ففيها قيس بن الربيع وقد تكلم فيه * والرواية عن على في المقاسمة بين الجد وستة اخوة فيكون له السبع فصحيحة إلى الشعبى ثم لا يصح للشعبى سماع من على أصلا ولم يذكر من أخبره عن على.
وأما الرواية عن عمر.
وعلى.
وابن مسعود في مقاسمة الجد الاخوة إلى خمسة فيكون له السدس فهى ثابتة عنهم من طريق ابراهيم عن عبيد بن نضيلة عن عمر.
وابن مسعود * ومن طريق عمرو بن مرة عن عبد الله بن سملة عن على * وأما الرواية عن على للجد الثلث على كل حال فلا تصح لانها منقطعة عن قتادة ان عليا.
وقتادة لم يولد الا بعد موت على رضى الله عنه.
أما الرواية عن عمر.
وعثمان.
وابن مسعود بمقاسمة الجد الاخوة إلى الثلث فانما جاءت من طريق يحيى بن سعيد الانصاري أن عمر.
وعثمان وان زيدا كتب إلى معاوية ولم يدرك يحيى أحدا من هؤلاء.
ومن طريق ابراهيم أن عمرو هذا منقطع * ومن طريق أبى المعلى العطار عن ابراهيم عن علقمة وعبيد بن نضيلة عن عمر.
وابن مسعود * ومن طريق الهيثم بن بدر عن شعبة بن التوأم عن ابن مسعود.
وعمر.
وعثمان * ومن طريق اسرائيل عن جابر الجعفي عن الشعبى عن مسروق عن عمر.
وابن مسعود، اسرائيل ضعيف.
وجابر ساقط.
والهيثم بن بدر مجهول، وأما أبو المعلى العطار فهو يحيى بن ميمون مصرى لا بأس به فهى من طريق جيدة واليها رجع ابن مسعود.
وعمر، وأما الرواية بالتفصيل الطويل عن عمر.
وزيد بن ثابت فلا تصح البتة لانه منقطع عن عمر انما هو سعيد بن المسيب.
وقبيصة بن ذؤيب.
وعبيدالله بن عبد الله ابن عتبة أن عمر ولا يصح سماع لعبيد الله ولا لقبيصة من عمر أصلا: ولا لسعيد عن عمر الا نعيه النعمان بن مقرن على المنبر فقط، مات عمر رضى الله عنه ولسعيد ثمان سنين * ومن طريق زيد بن ابراهيم أن زيدا ولم يلق ابراهيم قط زيد بن ثابت ولا أخبر(9/294)
ممن سمعه أو عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه زيد.
وعبد الرحمن في غاية الضعف والترك، ولا سبيل إلى أن يوجد عن زيد من غير هاتين الطريقين الا من أسقط منهما ان وجدت ولا يصح عن زيد في هذا شئ الا قوله في أم وجد وأخت فقط لانه عن الشعبى عنه والشعبى قد لقيه، وقد روينا عن الشعبى عن قبيصة بن ذؤيب أن زيدا لم يقل في الاكدرية شيئا * وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري.
ومعمر وهشام بن حسان، قال سفيان.
ومعمر كلاهما عن أيوب السختيانى عن محمد ابن سيرين، وقال هشام عن محمد بن سيرين ثم اتفقوا كلهم قال ابن سيرين: سألت عبيدة السلمانى عن فريضة فيها جد فقال عبيدة لقد حفظت عن عمر بن الخطاب فيها مائة قضية مختلفة قال ابن سيرين: فقلت لعبيدة عن عمر قال عن عمر * قال على: لا سبيل إلى وجود اسناد أصح من هذا، والعجب ممن يعترض عليه وينكره ويقول: محال أن يقضى فيها مائة قضية، وما جعل الله تعالى قط هذا محالا إذ قد يرجع من قول إلى قول ثم إلى القول الاول ثم يعود تلى الثاني مرارا فهى كلها قضايا مختلفة وان لم تكن الا قولين ثم يصحح الباطل المحال الذى لا يعقل من ايجاب المقاسمة بين الجد والاخوة إلى ستة أو إلى ثلاثة من أجل غصنين تشعبا من غصن من شجرة أو من
أجل جدولين من خليج من نهر فاعجبوا لهذه المصائب ولهذه الاطلاقات على الصحابة رضى الله عنهم في الدين، واعجبوا لانكار الحق وتحقيق الباطل الذى لا خفاء به * قال أبو محمد: فان ادعوا ان قول زيد منقول عنه نقل التواتر كذبوا وانما اشتهرت تلك المقالة لما اتفق ان قال بها مالك.
وسفيان.
والاوزاعي.
وأبو يوسف.
ومحمد بن الحسن.
والشافعي اشتهرت عند من قلدهم فانتشرت عن مقلديهم وأصلها واه ومخرجها ساقط ومنبعها لا يصح أصلا وانما هؤلاء الذين أخذوا بهذه القولة كانوا يقولون بالمرسل حاش الشافعي فقد أقر أكثر أصحابه انه فارق أصله في الفرائض فقلد ما روى عن زيد وأقواله تدل على أنه كان قليل البصر بالفرائض والا فليأتونا عن أحد من التابعين قال بها كما وجدناها عن هؤلاء * قال أبو محمد: وموه بعضهم بان قال: قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: أفرض امته زيد بن ثابت قلنا: هذه رواية لا تصح انما جاءت اما مرسلة واما مما حدثنا به أحمد ابن عمر بن أنس العذري قال: نا على بن مكى بن عيسون المرادى وأبو الموفا عبد السلام ابن محمد بن على الشيرازي قال مكى: نا أحمد بن أبى عمران الهروي نا أبو حامد احمد ابن على بن حسنويه المقرى بنيسابور نا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي نا سفيان(9/295)
ابن وكيع نا حميد بن عبد الرحمن عن داود بن عبد الرحمن العطار عن معمر عن قتادة عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وفيه وافرضهم زيد بن ثابت واقرؤهم أبى بن كعب وقال أبو الوفاء: انا عبد الله بن محمد بن احمد بن جعفر السقطى نا اسماعيل بن محمد ابن اسماعيل الصفار نا احمد بن محمد بن غالب نا عبيد الله بن معاذ العنبري نا بشر ابن المفضل عن خالد الحذاء عن ابى قلابة عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وفيه واقرؤهم ابى وافرضهم زيد قال اسماعيل بن محمد الصفار: ونا الحسن بن الفضل بن السمج نا محمد ابن ابى غالب نا هشيم عن الكوثر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وفيه
وان اقراها لابي وان أفرضها لزيد وان أقضاها لعلى * قال أبو محمد: هذه أسانيد مظلمة لان أحمد بن أبى عمران وأبا حامد بن حسنويه مجهولان واسماعيل الصفار مثلهم وأحمد بن محمد بن غالب ان كان غلام خليل فهو هالك متهم وان كان غيره فهو مجهول.
والحسن بن الفضل.
ومحمد بن أبى غالب.
والكوثر مجهولون ثم لو صحت لما كان لهم فيها حجة لانه لا يوجب كونه أفرضهم ان يقلد قوله كما لم يجب عندهم ما في هذه الاخبار من ان أبى بن كعب اقرؤهم وعليا أقضاهم ان يقتصروا على قراءة أبى دون سائر القراءات ولا على أقضية على دون أقضية غيره وهم يقرون أن الصحابة خالفوا زيدا في هذه المسألة.
ثم المالكيون قد خالفوه في فرائض الجدة كما ذكرنا في روايتهم عن زيد بمثل هذه التى تعلقوا بها انه كان يورث ثلاث جدات وهم لا يورثون الا جدتين فمرة يكون زيد حجة ومرة لا يكون حجة هذا هو التلاعب بالدين، وأيضا فان في تلك الروايات الواهيات التى تعلقوا بها بنيانا جليا بان زيدا انما قال ذلك برأيه لا عن سنة عنده فلو صحت عنه لما كان رأيه أولى من رأى غيره وهم لا يقدرون على انكار هذا اصلا فكيف وقد جاء الاختلاف عن زيد كما أوردنا بأقوال عنه مختلفة، ويكفى من هذا كله انها باطل وان قولتهم التى قلدوا فيها زيدا لا تصح عنه * قال أبو محمد: نعيذ الله زيدا وعمر من أن يقولا تلك القولة التى لا نعلم في الاقوال أشد تخاذلا منها لان فيها ان المرأة تموت وتترك زوجا وأما وأختا شقيقة وجدا ان للزوج ثلاثة من ستة وللام اثنين من ستة وللجد واحد من ستة، ثم يقال للاخت بثلاثة من ستة صارت تسعة يأخذ الجد السدس الذى وجب له ثم يضمه إلى النصف الذى وجب للاخت فيخلطانه ثم يأخذ الجد ثلثى ما اجتمع والاخت ثلث ما اجتمع فيا للعجب ان كانت الاسهم الثلاثة التى عيل بها للاخت قد وجبت للاخت فلم يعط الجد منها فلسا وكيف ينتزع حق الاخت ويعطى لمن لا يجب له وهو الجد ولعلها صغيرة أو مجنونة أو غائبة(9/296)
أو كارهة فهو ظلم وأكل مال بالباطل، وإن كانت الثلاثة الاسهم التى عيل بها للاخت لم تجب لها فلاى شئ اخذوها من يد الزوج والام؟ وقالوا: هذا سهم الاخت وهذا هو الكذب فلا شك أن يقولوا: هو سهمها وليس هو سهمها وهذا ظلم للزوج وللام وأكل مال بالباطل ثم يقولون في أخت شقيقة وأخ لاب وجد إن الشقيقة تقول للجد: هذا أخى لابد له من ان يقتسم المال معى ومعك للذكر مثل حظ الانثيين فيقول الجد: كلا انما هو أخ للميت لاب لا يقاسمك أصلا انما أنت ذات فرض مسمى فتقول له الاخت: ما عليك من هذا هو أخونا فيقسم المال على رغم أنف الجد له الخمسان وللاخ للاب الخمسان وللاخت الشقيقة الخمس فإذا أخذ الجد سهمه وولى خاسئا قالت الاخت لاخيها: مكانك خل يدك عن المال انما أقمتك لازيل عن يد جدنا ما كان يحصل له وانا اولى بهذا منك فينترع من يد الاخ مما اعطوه على انه حظه من الميراث خمسا ونصف خمس فتأخذه الاخت فيحصل لها النصف وللجد الخمسان وللاخ للاب نصف الخمس، فان كانتا اختين شقيقتين واخا لاب وجدا فعلنا كذلك فإذا ولى الجد انتزع ما بيد الاخ للاب كله واخذه الاختان، فانظروا في هذه الاعجوبة لئن كان للاخ للاب حق واجب فما يحل انتزاعه منه وان كان لا حق له فيما يحل أن يقام وليجة ليعطى بالاسم ما لا يأخذه في الحقيقة وانما يأخذه غيره * ثم يقولون في ابنتين وزوج وأختين شقيقتين أو أخت شقيقة أو أخ شقيق وجد: ان للبنتين الثلثين وللزوج الربع.
وللجد السدس يعال له به ولا شئ للاخ ولا للاخت ولا للاخوة ولا للاخوات، فمرة يحتاطون للجد فيتزعون من يد الاخت ما يقولون انه فرضها ويردون أكثره على الجد، ومرة يورثون الجد ويمنعون الاخوة جملة، ومرة يحتاطون للاخت فيقيمون وليجة يظهورن أنهم يورثونه وهم لا يورثونه انما يعطونه للاخت ويحرمون الجد، هذه مخاتلات قد نزه الله تعالى زيدا عنها ونحن نشهد بشهادة الله عزوجل ان زيدا ما قالها قط ولا عمر كان والله زيد.
وعمر رضى الله عنهما أخوف لله تعالى وأعلم من أن يقولا هذا وحسبنا الله ونعم الوكيل *
قال على: فإذ قد بطلت هذه الاقوال كلها بيقين لا اشكال فيه فلم يبق الا قول من قال: انه اب لا يرث معه من لا يرث مع الاب وهو قول قد صح عن أبى بكر الصديق وعن عمر.
وابن عباس.
وابن الزبير، وجاءت عن عثمان.
وعلى.
وابن مسعود بأسانيد ان لم تكن أحسن من أسانيد الاقوال المختلفة التى تعلقوا بها عن عمر.
وعثمان وعلى.
وابن مسعود.
وزيد لم تكن دونها، فمن أعجب ممن ترك رواية صحت عن طائفة من الصحابة ورويت عن جمهورهم وجمهور التابعين لرواية فاسده لم تصح قط عن أحد من الصحابة وانما جاءت عن بعضهم باختلاف عن الذى رويت عنه أيضا نفسه ورجوع من قول إلى قول(9/297)
والعجب أنهم أصحاب تشنيع باتباع الجمهور وهم ههنا قد خالفوا الجمهور من الصحابة والتابعين وهم أصحاب قياس بزعمهم وهم قد أجمعوا على ان يعطى الجد مع البنين الذكور.
والبنات ما يعطى الاب معهم وأجمعوا على توريث الجد مع البنين الذكور، وعلى أن الاخوة لا يرثون معه هناك شيئا، وأجمعوا على أن لا يورثوا الاخوة للام مع الجد شيئا كما لا يرثون مع الاب وليس هذا اجماعا في الاصل فقد جاء عن ابن عباس توريثهم مع الاب ومع الجد، وأجمعوا على أن لا يورثوا بنى الاخ مع الجد كما لا يورثونهم مع الاب وليس هذا اجماعا في الاصل فقد جاء عن على توريثهم مع الجد وأجمعوا على أن لا يورثوا الاعمام مع الجد كما لا يرثون مع الاب، وأجمعوا على ابن الابن انه يرث ميراث الابن إذا لم يكن ابن، ولا يرث أخوة الجد منه شيئا معهم ثم لم يقيسوا على هذه الوجوه كلها توريث الجد من ابن ابنه دون اخوته ولا قاسوه على الاب إذا لم يكن أب وأجمعوا على انه أب في تحريم ما نكح وفى تحريم القرائب فلا القياس أحسوا ولا التقليد اتبعوا ولا النظر التزموا ولا بالنص أخذوا * قال أبو محمد: والذى نعتمد عليه في هذا هو قول الله تعالى: (ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد فان لم يكن له ولد وورثه أبواه فلامه الثلث
فان كان له اخوة فلامه السدس) وقوله تعالى: (يا بنى آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة) فصح ان الجد أب وان ابن الابن ابن فله ميراث الاب لانه أب ولابن الابن ميراث الابن لانه ابن وكفى، وان العجب ليعظم ممن خفى عليه هذا، وحسبنا الله نعم الوكيل.
قال على: وقد أتى بعضهم بآبدة وهى ان قال: ليس ما روى من أن أبا بكر جعل الجد أبا بيان ان ذلك في الميراث قال: ولو كان ذلك ما خالفه عمر على تعظيمه ابا بكر، وذكروا ما روينا من طريق شعبة نا عاصم الاحول عن الشعبى ان أبا بكر قال في الكلالة: اقضي فيها فان يكن صوابا فمن الله وان يكن خطأ فمنى ومن الشيطان والله منه برئ هو ما دون الولد والوالد فقال عمر: انى لاستحى من الله ان أخالف أبا بكر * قال أبو محمد: هذا كله من المجاهرة القبيحة أول ذلك ان هذه رواية منقطعة اين الشعبى من عمر والله ما ولد الا بعد موت عمر بأزيد من عشرة أعوام ثم انها رواية باطلة بلا شك لان مخالفة عمر لابي بكر أشهر من الشمس وليس تعظيمه اياه بموجب ان لا يخالفه، وأول ذلك الخبر الذى أوردنا باصح اسناد من طريق عثمان بن عفان رضى الله عنه انه قال له عمر: انى قد رأيت في الجد رأيا فقال له عثمان: ان نتبع رأيك فانه رأى رشد(9/298)
وان نتبع رأى الشيخ قبك فنعم ذوى الرأى كان، قال عثمان: وكان أبو بكر يجعله أبا فاعجبوا لهذا العمى ولعبادة الهوى والمجاهرة بالكذب، وانظروا هل يحتمل هذا القول من عثمان شيئا غير ان أبا بكر كان يجعل الجد أبا في الميراث وقد صح خلاف عمر لابي بكر في الكلالة نفسها.
وفى ترك الاستخلاف.
وفى قضايا كثيره جدا نعوذ بالله من الخذلان * ثم لو صح ما قال لكان لم يخالفه عمر لانه قد صح عن عمر القول بان الجد اب في الميراث كما أوردنا فلم يخالف أبا بكر إذا وافقه في ذلك بل هو آخر قول قاله واليه رجع كما أوردنا.
فهو أول اقوال عمر وآخر أقواله باسناد صحيح لا داخلة فيه *
قال أبو محمد: ومن براهيننا أيضا في هذه المسألة ان الله تعالى لم يذكر في القرآن ميراث الاخوة البتة ولا ميراث الاخوات الا في آيتى الكلالة فوجب ضرورة بنص القرآن ان لا يرث أخ ولا أخت الا في ميراث الكلالة ووجب ان لا يؤخذ ميراث الكلالة الا من نص أو اجماع راجع إلى النص فوجدنا من ورثه اخوة ذكور أو اناث أو كلاهما اشقاء أو لاب أو لام ولم يكن للميت ولد ذكر ولا ولد ولد ذكر ولا ابنة ولا أب ولا جد لاب فانه اجماع مقطوع عليه من جميع الامة على انه ميراث كلالة، ووجدنا السلف مختلفين إذا كان للميت أحد ممن ذكرنا فبعضهم يقول: هو ميراث كلالة وبعضهم يقول ليس ميراث كلالة فوجب الانقياد للاجماع المتيقن وترك ما اختلف فيه إذ لا نص عند المختلفين في ذلك فوجب أن لا ميراث البتة لاخ ولا لاخت مادام للميت أحد ممن ذكرنا الا أن يوجب ذلك نص فيستثنى من هذا النص الآخر وليس ذلك الا في الاخ الذكر الشقيق أو للاب مع الابنة والبنتين فصاعدا وفى الاخت مع البنت والبنتين فصاعدا إذا لم يكن هنالك عاصب ذكر وبالله تعالى التوفيق * 1735 مسألة قال أبو محمد: ومن مات وترك أخا لاب وابن أخ شقيق فلا أخ للاب أحق بالميراث بلا خلاف لانه أولى رجل ذكر.
وابن الاخ الشقيق أولى بالميراث من ابن الاخ للاب لانه أولى رجل ذكر بلا خلاف، فلو ترك ابن عم.
وعما فالعم أولى من ابن العم.
وابن العم الشقيق اولى من ابن العم للاب، فان ترك ابني عم أحدهما كان أبوه شقيق أبى الميت والآخر كان أبوه أخا أبى الميت لابيه الا أن هذا هو أخو الميت لامه فالمال كله لابن العم الذى هو أخ للام وهو قول ابن مسعود.
وشريح لانهم قد أجمعوا في ابني عمين احدهم ابن شقيق أبى الميت والآخر ابن أخى أبى الميت لابيه وان ابن شقيق أبى الميت أولى لاستوائه مع أبى الميت في ولادة جد الميت دون ابن العم الآخر وبالحس يدرى كل أحد انهما قد استويا في ولادة جد الميت أبى أبيه وانفرد أحدهما بولادة جد(9/299)
الميت لابيه وأبى الميت وانفرد الآخر بولادة ام الميت له ولا يخيل على أحد ان ولادة الام أقرب من ولادة الجدة فهو أولى رجل ذكر فان تركت ابني عم أحدهما زوج فالنصف للزوج بالزوجية وما بقى فبين الابنى عم سواء * 1736 مسألة والرجل.
والمرأة إذا أعتق أحدهما عبدا أو أمة ورث مال المعتق ان مات ولم يكن له من يحط (1) بميراثه أو ما فضل عن ذوى السهام، وكذلك يرث من تناسل منه من نسل الذكور من ولده لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما الولاء لمن أعتق) فعم عليه الصلاه والسلام ولم يخص، واعتقت ابنة حمزة عبدا فمات وتخلف ابنة فأعطى عليه الصلاة والسلام ابنته النصف وبنت حمزة النصف، وكذلك يرث من أعتق من أعتقت وهكذا من سفل (2) * 1737 مسألة وما أعتقت المرأة ثم ماتت ولها بنون وعصبة من اخوة أو بنى اخوة وان سفلوا أو أعمام أو بنى أعمام وان بعدو أو سفلوا فميراث من أعتقت لعصبتها لا لولدها الا أن يكون ولدها عصبتها كأولاد ام الولد من سيدها أو يكونوا من بنى عمها (3) لا احد من بنى جدها ولا من بنى أبيها أقرب إليها منهم وقال آخرون: بل الميراث لولدها وهذا مكان اختلف الناس فيه فروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد ابن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي أن على بن أبى طالب.
والزبير بن العوام اختصما إلى عمر في مولى لصفية بنت عبد المطلب فقضى عمر بالعقل على على وبالميراث للزبير * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن عبد الله بن رباح عن عبد الله ابن معقل عن على بن أبى طالب قال: الولاء شعبة من النسب من أحرز الولاء أحرز الميراث * ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن زيد نا ايوب السختيانى عن محمد ابن سيرين أنه كان يقول: أحقهم بالولاء أحقهم بالميراث * قال على: الاحق بالولاء هم عصبتها الذين إليهم ينتمى الموالى فيقولون.
نحن موالى بنى أسد ان كانت هي اسدية ولا ينتمون إلى بنى تميم ان كان ولدها من تميم.
قال أبو محمد: بقول على ههنا نقول، وقال
بقول عمر.
الشعبى.
وعطاء.
وابن أبى ليلى.
وأبو حنيفة.
ومالك والشافعي.
وأصحابهم * قال أبو محمد: برهان صحة قولنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مولى القوم منهم) وقال عليه الصلاة والسلام: (ما أبقت الفرائض فلا ولى رجل ذكر) وإذا كانت المرأة من مضر وبنوها من اليمن فمواليها من مضر بلا شك، ومن المحال أن يكون رجل يمانى يرث مضريا بالتعصيب بل يرثه الذى هو منهم، ومن المحال أن يكون رجل يمانى أولى برجل
__________
(1) في النسخة رقم 14 من يحيط (2) في النسخة رقم 14 ما سفل (3) في النسخة رقم 14 أو يكونوا بنى عمها [ * ](9/300)
مضرى، والعجب انهم يقولون: ان انقرض ولدها عاد ميراثهم إلى عصبة أمهم من مضر لا إلى عصبة ابناء المعتقة فهل سمع بأعجب من هذا؟ وكيف يرثون عن أمهم ولاء لا يرثه عنهم عصبتهم ان هذا لمحال ظاهر وإذا لم يورث عنهم آخرا فمن المحال ان يرثوه هم أولا وما نعلم لهم شيئا شغبوا به أكثر من أن قالوا: كما يرثون مال أمهم كذلك يرثون ولاء مولاها الذى لو كانت حية لورثته هي * قال على: وهذا باطل ليس من يرث المال يرث الولاء وهم لا يختلفون معنا في ان امرأة لو ماتت ولها مال وموال وتركت زوجها وأختها وبنى عمها فان جميع ميراثها لزوجها وأختها ولا حق لهما في ولاء مواليها وان ولاء مواليها لبنى عمها الذين لا يأخذون من مالها شيئا، وكذلك امرأة ماتت وتركت زوجا وبنتين وأما وبنى ابن فان المال كله للزوج والبنتين والام ولا يأخذ منه بنو الابن شيئا وان ولاء مواليها عندهم لبنى الابن ولا يرث منه الذين ورثوا المال شيئا فظهر فساد احتجاجهم وبطل قولهم إذ عرى من برهان وبالله تعالى التوفيق، فان موهوا بقضاء عمر فقد قضى عمر في هذه المسألة نفسها بأن عصبة ولدها يرثون ولاء مواليها عن ولدها ولا يرثه اخوتها فقد خالفوا عمر في ذلك تحكما بالباطل وبالله تعالى التوفيق * 1738 مسألة وما ولد للمملوك من حرة فانه لا يرثه من اعتق اباه بعد ذلك
وانما يرث المرء ما نفخ فيه الروح من حمل بعد أن أعتق أباه * برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولاء لمن أعتق) وهذا المولود خلق حرا لا ولاء عليه لاحد فلا يجوز أن يحدث عليه بعد حريته ولاء لمن لم يعتقه ولا كان ذلك الولاء عليه قبل الا بنص ولا نص في ذلك، وأما من نفخ فيه الروح بعد ثبات الولاء على أبيه فانه لم يكن قط موجودا إلا والولاء عليه ثابت فميراثه لمولاه، وقد روينا عن الشعبى لا ولاء الا لذى نعمة * 1739 - مسألة - وما ولد لمولى من مولاة لآخرين فولاءه لمن أعتق اباه أو اجداده وهذا لا خلاف فيه وما ولدت المولاة من عربي فلا ولاء عليه لموالى امه وهذا لا خلاف فيه وما ولدت المولاة من زوج مملوك أو من زنى أو من اكراه أو حربى أو لاعنت عليه فقد قال قوم: ولاؤه لموالى أمه ولا نقول بهذا بل لا ولاء عليه لاحد لانه لم يأت بايجاب الولاء عليه نص ولا اجماع بل قد أجمعوا على كل ما ذكرنا من أنه لا حكم للولاء المنعقد على امه ان كان ابوه مولى أو عربيا فظهر تناقضهم وبالله تعالى التوفيق * 1740 مسألة والعبد لا يرث ولا يورث ماله كله لسيده هذا ما لا خلاف فيه(9/301)
وقد جاء به نص نذكره بعد هذا ان شاء الله تعالى * وروينا عن بعض الصحابة انه يباع فيعتق فيرث وهذا لا يوجبه قرآن ولا سنة فلا يجوز القول به * 1741 مسألة والمكاتب إذا أدى شيئا من مكاتبته فمات أو مات له موروث ورث منه ورثته بقدر ما أدى فقط وورث هو أيضا بمقدار ما ادى فقط ويكون ما فضل عما ورث لسائر الورثة ويكون ما فضل عن ورثته لسيده، وهذا مكان اختلف الناس فيه وقد ذكرناه في كتاب المكاتب وذكرنا ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأغنى عن اعادته، ومن مات وبعضه حر وبعضه عبد فللذى له الولاء مما ترك بمقدار ماله فيه من الولاء والباقى للذى له الرق سواء كان يأخذ حصته من كسبه في حياته أو لم يكن ياخذه لان الباقي بعد ما كان
يأخذ ملك لجميع المكاتب يأكله ويتزوج فيه ويتسرى ويقضى منه ديونه ويتصدق به فهو ماله وهو ما لم يأخذه الذى له فيه بقية فإذا مات فهو مال يخلفه ليس للذى تمسك بالرق ان يأخذه الآن إذ قد وجب فيه حق للذى له فيه بعض الولاء، وقد اختلف الناس في هذا فقال مالك: ماله كله للذى له فيه شئ من الرق وهو قول الزهري.
وأحد قولى الشافعي، وقال قتادة: ميراثه كله للذى له فيه شعبة العتق، وقال أبو حنيفة: يؤدى من ماله قيمة ما فيه من الرق ويرث الباقي ورثته وأن لم يرق بذلك فماله كله للمتمسك بالرق، وقال بعض أصحاب الشافعي: ماله لبيت مال المسلمين، وقال الشافعي أحد أقوال: انه يورث بمقدار ما فيه من العتق ولا يرث هو بذلك المقدار، وقولنا في ذلك الذى ذكرنا هو قول على بن أبى طالب وابن مسعود.
وابراهيم النخعي.
وعثمان البتى.
والشعبى.
وسفيان الثوري.
وأحمد ابن حنبل.
وداود.
وجميع أصحابه وأحد أقوال الشافعي * 1742 - مسألة - وولد الزنا يرث أمه وترثه أمه ولها عليه حق الامومية من البر والنفقة والتحريم وسائر حكم الامهات ولا يرثه الذى تخلق من نطفته ولا يرثه هو ولا له عليه حق الابوة لا في بر.
ولا في نفقة.
ولا في تحريم.
ولا في غير ذلك وهو منه اجنبي ولا نعلم في هذا خلافا الا في التحريم فقط * برهان صحة ما قلنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) وقوله عليه الصلاة والسلام أيضا (الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر) فألحق الولد بالفراش وهى الام وبصاحبه وهو الزوج أو السيد ولم يجعل للعاهر الا الحجر ومن جعل تحريما بما لا حق له في الابوة فقد ناقض.
وبالله تعالى التوفيق * 1743 - مسألة - والمولودون في أرض الشرك يتوارثون كما يتوارث من ولد في أرض الاسلام بالبينة أو باقرارهم ان لم تكن بينة سواء أسلموا واقروا مكانهم أو(9/302)
تحملوا أو سبوا فاعتقوا، وهذا مكان اختلف الناس فيه.
فروينا عن عمر.
وعثمان أنه لا يرث
أحد بولادة الشرك، وعن يحيى بن سعيد الانصاري أدركت الصالحين يذكرون أن في السنة ان ولادة العجم ممن ولد في أرض الشرك ثم تحمل ان لا يتوارثوا، وعن عمر بن عبد العزيز.
وعروة بن الزبير.
وعمرو بن عثمان بن عفان.
وأبى بكر بن سليمان بن أبى خيثمة.
وأبى بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام لا يورث أحد بولادة الاعاجم الا أحد ولد في العرب ولا نعلم يصح عن عمر.
وعثمان شئ من هذا لانها منقطعة عن مالك عن الثقة عن سعيد بن المسيب.
أن عمر * ومن طريق فيها على بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وأبان بن عثمان ان عمر ولم يدرك أبان عمر.
ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن عمر وعثمان وهذا أبعد والزهرى أن عمر وعثمان وما ورث عمر ولده عبد الله وأم المؤمنين حفصة الا بولادة الشرك وقالت طائفة: كما روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن سفيان الثوري عن مجالد عن الشعبى عن شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه أن لا يورث الحميل الا ببينة * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر أخبرني عاصم بن سليمان قال: كتب عمر بن عبد العزيز ان لا يتوارث الحملاء في ولادة الكفر فعاب ذلك عليه الحسن.
وابن سيرين وقالوا: ما شأنهم ان لا يتوارثوا إذا عرفوا وقامت البينة * ومن طريق حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد عن ابن سيرين.
والحسن قالا جميعا: إذا قامت البينة ورث الحميل * ومن طريق حماد بن سلمة عن الحجاج.
وحماد بن أبى سليمان أو أحدهما عن الشعبى.
والنخعي قالا جميعا: لا يورث الحميل الا ببينة وهو قول الثوري.
وأبى حنيفة.
وابى سليمان.
وأصحابهما وقالت طائفة: يتوارث الحملاء بالبينة أو بالاقرار ان لم تكن بينة كما روينا من طريق محمد ابن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري عن حماد بن ابى سليمان عن ابراهيم النخعي قال: قال عمر بن الخطاب: كل نسب يتواصل عليه في الاسلام فهو وارث موروث * ومن طريق غندر عن شعبة عن الحكم بن عتيبة وحماد بن ابى سليمان قالا جميعا الحميل يورث * ومن طريق غندر عن شعبة عن المغيرة ابن مقسم الضبى عن ابراهيم النخعي أنه قال في الحميل: إذا قامت البينة انه كان يصل منه
ما يصل من أخيه ويحرم منه ما يحرم من أخيه ورثه * ومن طريق ابى داود الطيالسي عن شعبة عن الاعمش قال: كان أبى حميلا فورثه مسروق.
وعن عبد الرحمن بن أذينة أنه ورث حميلا بشهادة رجل وامرأة انه كان أخاه وبشهادة امرأة أخرى انها سمعته يقول هو أخى * ومن طريق عبد الرزاق عن اسرائيل بن يونس عن أشعث بن أبى الشعثاء أنه قال: خاصمت إلى شريح في مولاة للحى ماتت عن مال كثير فجاء رجل فخاصم مواليها وجاء(9/303)
بالبينة انها كانت تقول: أخى فورثه شريح، وقال الشافعي: إذا قامت البينة ورث الحميل كان عليه ولاء أو لم يكن فان لم يكن الا اقرار فقط ورث به من لا ولاء عليه ولا يورث به من عليه ولاء وقال مالك: لا يرث الحميل ببينة أصلا الا أن يكون أهل مدينة أسلموا فشهد بعضهم لبعض بما يوجب الميراث فانهم يتوارثون بذلك * قال أبو محمد: أما قول مالك.
والشافعي فلا نعلم أحدا قبلهما قسم هذا التقسيم وهما قولان مخالفان للقرآن.
والسنن.
والاصول في اسقاط مالك الحكم ببينة العدل في ذلك بخلاف جميع الاحكام وتفريق الشافعي.
ومالك بين من عليه ولاء وبين من لا ولاء عليه وبين أهل المدينة يسلمون أو يسبون فيسلموا ووجدنا الاقرار بالمواليد الموجبة للمواريث لا نعلم البتة صحة المواليد الا به فما تصح بنوة أحد الا باقرار الآباء انه ولد أو باقرار الاخوين يقدمان مسافرين ويجب ميراثهما، وبهذا الاقرار يتوارث اهل الكفر إذا أسلموا عندنا من اهل الذمة فالتفريق بين كل ذلك لا وجه له وبالاقرار توارث المهاجرون في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم من احياء العرب وغيرهم فالتفريق بين ذلك خطأ لا خفاء به وبالله تعالى التوفيق * 1744 مسألة ولا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم المرتد وغير المرتد سواء الا أن المرتد مذ يرتد فكل ما ظفر به من ماله فلبيت مال المسلمين رجع إلى الاسلام أو مات مرتدا أو قتل مرتدا أو لحق بدار الحرب وكل من لم (1) يظفر به من ماله حتى
قتل أو مات مرتدا فلورثته من الكفار فان رجع إلى الاسلام فهو له أو لورثته من المسلمين ان مات مسلما * روينا من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن على بن الحسين عن عمرو بن عثمان بن عفان عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر) وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه شئ، فان قيل: انكم تقولون: ان مات عبد نصراني أو مجوسي.
أو يهودى وسيده مسلم فماله لسيده قلنا: نعم لا بالميراث لكن لان للسيد أخذه في حياته فهو له بعد وفاته والعبد لا يورث بالخبر الذى جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في ميراث المكاتب فلم يجعل للجزء المملوك ميراثا لا له ولا منه، واختلف الناس في بعض هذا فروينا عن معاذ بن جبل.
ومعاوية.
ويحيى بن يعمر.
وابراهيم.
ومسروق توريث المسلم من الكافر ولا يرث الكافر المسلم وهو قول اسحاق بن راهويه وهو عن معاوية ثابت كما روينا من طريق حماد بن سلمة أنا داود بن أبى هند عن الشعبى عن مسروق ان معاوية كان يورث المسلم من كافر ولا يورث كافر من المسلم قال مسروق:
__________
(1) في النسخة رقم 14 ما لم(9/304)
ما حدث في الاسلام قضاء أعجب إلى منه، وقال أحمد بن حنبل: لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم الا أن يكون مسلم اعتق كافرا فانه يرثه واحتج لهذا القول بما روينا من طريق ابن وهب عن محمد بن عمرو عن ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته) * قال أبو محمد: أبو الزبير عن جابر ما لم يقل سمعت أو نا أو ارنا تدليس ولو صح فليس فيه الا عبده أو أمته ولا يسمى المعتق ولا المعتقة عبدا ولا امة، واختلفوا في ميراث المرتد فصح عن على بن ابى طالب أنه لورثته من المسلمين كما روينا من طريق الحجاج ابن المنهال نا أبو معاوية الضرير عن الاعمش عن ابى عمرو الشيباني أن على بن أبى طالب جعل ميراث المرتد لورثته من المسلمين، وروى مثله عن ابن معسود ولم يصح *
ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن موسى بن أبى كثير قال: سألت سعيد بن المسيب عن المرتد هل يرث المرتد بنوه؟ فقال: نرثهم ولا يرثوننا قال: وتعتد امرأته ثلاثة قروء فان قتل فأربعة أشهر وعشرا * ومن طريق سفيان الثوري عن عمرو بن عبيد عن الحسن قال: كان المسلمون يطيبون ميراث المرتد لاهله إذا قتل وروى توريث مال المقتول على الردة لورثته من المسلمين عن عمر بن عبد العزيز.
والشعبى.
والحكم بن عتيبة.
والاوزاعي.
واسحاق بن راهويه، وقال سفيان الثوري: ما كان من ماله في ملكه إلى أن ارتد فلورثته من المسلمين وما كسب بعد ردته فلجميع المسلمين وقال أبو حنيفة: ان راجع الاسلام فماله له فان قتل على الردة أو لحق بدار الحرب (1) فما كسب بعد الردة فلجميع المسلمين وما كان له قبل الردة فلورثته من المسلمين يقضى القاضى بعتق مدبريه وأمهات أولاده فان رجع إلى أرض الاسلام مسلما أخذ ما وجد من ماله بايدى ورثته ولا يرجع عليهم بشئ مما اكلوه أو أتلفوه وكل ما حمل من ماله إلى أرض الحرب فهو لجميع المسلمين إذا ظفر به لا لورثته فلو رجع من أرض الحرب إلى أرض الاسلام فأخذ مالا من ماله فنهض به إلى أرض الحرب فظفر به فهو لورثته من المسلمين فلو كانت له أمتان احداهما مسلمة والاخرى كافرة فولدتا منه لاكثر من ستة أشهر مذ ارتد فأقر بهما لحقا به جميعا وورثه ابن المسلمة ولم يرثه ابن الذمية قال: ولا يرث المرتد مذ يرتد إلى أن يقتل أو يموت.
أو يسلم أحد من ورثته المسلمين ولا الكافر أصلا، وقال طائفة: ميراثه لبيت مال المسلمين كما روينا عن ابن وهب عن الثقة عنده عن عباد بن كثير عن أبى اسحق الهمداني عن الحارث عن على بن أبى طالب قال: ميراث المرتد في بيت مال المسلمين *
__________
(1) في النسخة رقم 14 بأرض الحرب [ * ](9/305)
وبه يقول ربيعة.
وابن أبى ليلى.
والشافعي.
وأبو ثور، وقال مالك ان قتل أو مات أو لحق بدار الحرب فهو في بيت مال المسلمين فان رجع إلى الاسلام فماله له فان ارتد
عند موته فان اتهم انه انما ارتد ليمنع ورثته فماله لورثته هذا مع قوله: ان من ارتد عند موته لم ترثه امرأته لانه لا يتهم أحد بانه يرتد ليمنع أخذ الميراث، وقال أبو سليمان: ميراث المرتد ان قتل لورثته من الكفار، وقال أشهب: مال المرتد مذ يرتد لبيت مال المسلمين * قال أبو محمد: أما قول مالك: فظاهر الاضطراب والتناقض كما ذكرنا وحكم بالتهمة وهو الظن الكاذب الذى حرم القرآن والسنة الحكم به * وأما قول سفيان فتقسيم فاسد لا دليل عليه من قرآن.
ولا سنة ولا قياس.
ولا قول صاحب.
وأما قول أبى حنيفة فوساوس كثيرة فاحشة، منها تفريقه بين المرتد وسائر الكافر، ومنها توريته ورثته على حكم المواريث وهو حى بعد، ومنها قضاؤه له ان رجع (1) بما وجد لا بما استهلكوا ولا يخلو من أن يكون وجب للورثة ما قضوا لهم به أو لم يجب لهم ولا سبيل إلى ثالث، فان كان وجب لهم فلاى شئ ينتزعه (2) من أيديهم وهذا ظلم وباطل وجور، وان كان لم يجب لهم فلاى شئ استحلوا أن يقضوا لهم به حتى أكلوه وورث عنهم وتحكموا فيه ولئن كان رجع إلى المراجع (3) إلى الاسلام فما الذى خص برجوعه إليه ما وجد دون ما لم يجد وان كان لم يرجع إليه فبأى شئ قضوا له به ان هذا لضلال لا خفاء به، وأعجب شئ اعتراض هؤلاء النوكى على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نكاحه أم المؤمنين صفية وجعله عتقها صداقها بقولهم السخيف: لا يخلو من أن يكون تزوجها وهى أمة فهذا لا يجوز أو تزوجها وهى حرة معتقة فهذا نكاح بلا صداق مع اجازتهم لابي حنيفة هذه الحماقات والمناقضات وما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية رضى الله عنها الا وهى حرة معتقة بصداق قد صح لها وتم وهو عتقه لها، ثم تفريق أبى حنيفة بين مال تركه في أرض الاسلام أو مال حمله مع نفسه إلى أرض الكفر ومال تركه ثم رجع فيه فحمله فهذا من المضاعف نسجه ونعوذ بالله من التخليط مع أن هذه الاحكام الفاسدة لا تحفظ عن أحد قبل أبى حنيفة ولا عن أحد غيره قبل من ضل بتقليده، وأما من قال من السلف: بان ميراثه لورثته من المسلمين فلا حجة لهذا القول الا التعلق بظاهر آيات المواريث وانه تعالى لم يخص مؤمنا من كافر
فيقال لهم: قد بينت السنة ذلك وأنتم قد منعتم المكاتب من الميراث والقرآن يوجبه له والسنة كذلك ومنعتم القاتل برواية لا تصح ومنعتم سائر الكفار من ان يرثهم المسلمون وقد قال بذلك بعض السلف: وهذا تحكم لا وجه له فبطل تعلقهم بالقرآن في ذلك *
__________
(1) في النسخة رقم 16 ان يرجع (2) في النسخة رقم 16 (ينتزعونه) (3) كذا في جميع الاصول [ * ](9/306)
قال أبو محمد: والذى نقول به فهو الذى ذكرنا قبل * برهاننا على ذلك ان كل ما ظفر به من ماله فهو مال كافر لا ذمة له وقد قال تعالى: (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) ولا يحرم مال كافر الا بالذمة وهذا لا ذمة له، فان رجع إلى الاسلام فلم يرجع إلا وقد بطل ملكه له أو عنه ووجب للمسلمين فلا حق له فيه الا كأحد المسلمين، وأما ما لم يظفر به من ماله فهو باق على ما قد ثبت وصح من ملكه له [ فهو له ] (1) ما لم يظفر المسلمون به لا فرق بينه وبين سائر أهل الحرب الذين لا ذمة لهم في ذلك، فان مات أو قتل فهو لورثته الكفار خاصة لقول الله تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) وآيات المواريث العامة للمسلمين والكفار فلا يخرج عن حكمها الا ما اخرجه نص سنة صحيح فان كانوا ذمة سلم إليهم متى ظفر به لانهم قد ملكوه بالميراث وان كانوا حربيين أخذ للمسلمين متى ظفر به فان أسلم فهو له يرثه عنه ورثته من المسلمين كسائر المسلمين، وهذا حكم القرآن والسنن.
وموجب الاجماع، والحمد لله رب العالمين * 1745 مسألة ومن مات له موروث وهما كافران ثم أسلم الحى أخذ ميراثه على سنة الاسلام ولا تقسم مواريث أهل الذمة الا على قسم الله تعالى المواريث في القرآن * وبرهان ذلك قول الله تعالى: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) وقوله تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما) ولا أعجب ممن يدع حكم القرآن وهو يقر أنه الحق وانه حكم الله تعالى ويحكم بحكم الكفر وهو يقر أنه حكم الشيطان الرجيم وانه الضلال المبين، الذى لا يحل العمل به ان هذا لعجب
عجيب * روينا من طريق ابن وهب عن عمر بن الحارث عن سعيد بن أبى هلال.
أن زيد ابن أسلم حدثه أن يهودية جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت: ان ابني هلك فزعمت اليهود أنه لا حق لى في ميراثه فدعاهم عمر فقال: ألا تعطون هذه حقها فقالوا: لا نجد لها حقا في كتابنا فقال: أفى التوراة قالوا: بلى في المثناة قال وما المثناة قولوا: كتاب كتبه أقوام علماء حكماء فسبهم عمر وقال: اذهبو افاعطوها حقها * ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب (2) ان عمر بن عبد العزيز كتب إلى حيان بن شريح أن اجعل مواريث أهل الذمة على فرائض الله عزوجل، وقال أبو حنيفة: مواريث أهل الذمة مقسومة على أحكام دينهم الا أن يتحاكموا الينا، وقال مالك: تقسم مواريث أهل الكتاب على حكم دينهم سواء أسلم أحد الورثة قبل القسم أو لم يسلم، وأما غير أهل الكتاب فمن أسلم منهم من الورثة بعد القسمة فليس له غير ما أخذ، ومن أسلم منهم
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 14 زيد بن ابى حبيب وهو غلط [ * ](9/307)
قبل القسمة قسم على حكم الاسلام، وقال الشافعي، وأبو سليمان كقولنا * قال أبو محمد: أما تقسيم مالك ففى غاية الفساد لانه لم يوجب الفرق الذى ذكر قرآن ولا سنة ولا رواية سقمية.
ولا دليل.
ولا اجماع.
ولا قول صاحب.
ولا قياس.
ولا رأى له وجه وما نعلمه عن أحد قبل مالك، وأما قول أبى حنيفة وما وافقه فيه مالك فقد ذكرنا ابطاله، وما في الشنعة أعظم من تحكيم الكفر واليهود والنصارى على مسلم ان هذا لعجب، وما عهدنا قولهم في حكم بين مسلم وذمى الا أنه يحكم فيه ولا بد بحكم الاسلام الا ههنا فانهم أوجبوا أن يحكم على المسلم بحكم الشيطان في دين اليهود والنصارى لا سيما ان أسلم الورثة كلهم فلعمري ان اقتسامهم ميراثهم بقول دكريز الفوطى.
وهلال اليهودي لعجب نعوذ بالله منه على أنه قد جاء في هذا أثران يحتجون بأضعف منهما وباسنادهما نفسه إذا وافق تقليدهم وهو كما روينا من طريق أبى داود نا حجاج بن يعقوب
نا موسى بن داود نا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن أبى الشعثاء عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل قسم قسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية وان ما أدرك الاسلام ولم يقسم فهو على قسم الاسلام) * ومن طريق عبدالزاق عن ابن جريج قال عمرو بن شعيب: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان كل ما قسم في الجاهيلة فهو على قسمة الجاهلية وان ما أدرك الاسلام ولم يقسم فهو على قسمة الاسلام * قال على: محمد بن مسلم ضعيف، والثانى مرسل ولا نعتمد عليهما انما حجتنا ما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق * 1746 مسألة ومن ولد بعد موت موروثه فخرج حيا كله أو بعضه أقله أو أكثره ثم مات بعد تمام خروجه أو قبل تمام خروجه عطس أو لم يعطس وصحت حياته بيقين بحركة عين أو يد أو نفس أو بأى شئ صحت فانه يرث ويورث ولا معنى للاستهلال وهو قول ابى حنيفة.
وسفيان الثوري.
والاوزاعي.
وأبى سليمان * برهان ذلك قول الله تعالى.
(يوصيكم الله في أولادكم) وهذا ولد بلا شك، فان قيل: هلا ورثتموه وان ولد ميتا بحياته في البطن قلنا: لو ايقنا حياته لورثناه، وقد تكون حركة ريح والجنين ميت، وقد ينفش الحمل ويعلم انه لى حملا (1) وانما كان علة فانما نوقن حايته إذا شاهدناه حيا، وقال الشافعي: لا يرث ولا يورث حتى يخرج حيا كله (2) وهذا اقول لا برهان على صحته، وقالت طائفة: لا يرث ولا يورث وان رضع وأكل ما لم يستهل صارخا وهو قول مالك واحتج له مقلدوه بما روى من أن عمر كان يفرض للصبى إذا استهل صارخا، وعن ابن عمر إذا صاح صلى عليه.
وعن ابن عباس إذا استهل
__________
(1) في النسخة رقم 14 انه لم يكن حملا (2) في النسخة رقم 16 حتى يخرج جملة [ * ](9/308)
الصبى ورث وورث * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول في المنفوس يرث إذا سمع صوته * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الله بن شريك العامري عن بشر بن غالب قال: سئل الحسن بن على متى
يجب سهم المولود؟ قال: إذا استهل، وصح عن ابراهيم النخعي إذا استهل الصبى وجب عقله وميراثه، وصح عن شريح انه لم يورث من لم يستهل، وروى أيضا عن القاسم ابن محمد.
وابن سيرين.
والشعبى.
والحسن.
والزهرى.
وقتادة وهو قول مالك وروى أيضا عن أبى حنيفة * قال أبو محمد: احتج من قلد هذا القول بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من مولود يولد الا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان الا ابن مريم وأمه) وذكر باقى الخبر، وبالخبر الثابت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (صياح المولود حين يقع فزعة من الشيطان) وبما روينا من طريق محمد بن اسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا استهل المولود ورث * ومن طريق أحمد ابن شعيب انا يحيى بن موسى البلخى نا شبابة بن سوار نا المغيره بن مسلم (1) عن أبى الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصبى إذا استهل ورث وصلى عليه) * ومن طريق محمد ابن عبد الملك بن أيمن حدثت عن أبى الاحوص محمد بن الهيثم نا محمد بن أبى السرى العسقلاني عن بقية عن الاوزاعي عن أبى الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا استهل المولود صلى عليه وورث ولا يصلى عليه حتى يستهل) * ومن طريق عبد الملك بن حبيب حدثنى طلق عن نافع بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا استهل المولود وجبت ديته وميراثه وصلى عليه ان مات، قال ابن حبيب: وحدثنيه أيضا مطرف عن ابن أبى حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم * قالوا (2): وهو قول عمر.
وابن عمر (3) والحسين.
وابن عباس.
وجابر.
وأبى هريرة ستة من الصحابة وجماعة من التابعين لا يعرف لهم منهم مخالف هذا كل ما شغبوا به وما نعلم لهم شيئا غير هذا وكله اما لا شئ واما لا حجة لهم فيه * أما الخبر الصحيح فينبغي لهم أن يستغفروا الله تعالى من تمويههم به فيما ليس فيه منه شئ هل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا من حكم الميراث بنص أو بدليل؟ أما هذا تقويل له عليه الصلاة
والسلام ما لم يقل وهل في ذلك الخبر الا أن كل مولود فان الشيطان ينخسه؟ وهذا حق نؤمن به وما خولفوا قط في هذا ثم فيه انه يستهل صارخا من نخسة الشيطان هذا
__________
(1) في النسخة رقم 16 بن مقسم (2) في النسخة رقم 14 قال (3) سقط من النسخة رقم 14 لفظ ابن عمر سهوا [ * ](9/309)
فبضرورة الحس والمشاهدة ندرى يقينا أنه عليه الصلاه والسلام انما عنى بذلك من استهل منهم وبقى حكم من لم يستهل فنقول لهم: أخبرونا أيوجد مولود يخرج حيا ولا يستهل أم لا يوجد أصلا؟ فان قالوا: لا يوجد أصلا كابروا العيان وأنكروا المشاهدة فهذا موجود كثير لا يستهل الا بعد أزيد من ساعة زمانية وربما لم يستهل حتى يموت ثم نقول لهم: فإذ لا يوجد هذا أبدا فكلامكم وكلامنا فيها عناء وبمنزلة من تكلم فيمن يولد من الفم ونحو ذلك من المحال، فان قالوا: بل قد يوجد هذا قلنا لهم: فأخبرونا الآن أتقولون انه ليس مولودا فهذه حماقة ومكابرة للعيان أم تقولون: ان الشيطان لم ينخسه فتكذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا كما ترون أم تقولون: انه نخسه فلم يستهل؟ فهذا قولنا ورجعتم إلى الحق من أنه عليه الصلاة والسلام ذكر في هذا الخبر من يستهل دون من لا يستهل ولا بد من أحد هذه الثلاث الا أنه بكل حال ليس في هذا الخبر شئ من حكم المواريث فبطل احتجاجهم به، وهكذا القول في الخبر الآخر سواء سواء * وأما حديث ابن قسيط عن أبى هريرة فليس فيه الا أنه إذا استهل ورث وهكذا نقول وليس فيه انه إذا لم يستهل لم يرث فاقحامه فيه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبطل تعلقهم به وأيضا فان لفظة الاستهلال في اللغة هو الظهور تقول (1): استهل الهلال بمعنى ظهر فيكون معناه إذا ظهر المولود ورث وهو قولنا * وأما خبر ابى الزبير عن جابر فلم يقل أبو الزبير إنه سمعه فهو مدلس، وفى حديث الاوزاعي بقية (2) وهو ضعيف.
وحديثا عبد الملك بن حبيب مرسلان.
وعبد الملك هالك فسقط تعلقهم بهذه الآثار، وأما قولهم: انه قول ستة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف فكم قصة مثل هذه قد خالفوا فيها طوائف من الصحابة لا يعرف
لهم منهم مخالف كالقصاص من اللطمة * وامامة الجالس وغير ذلك كثير جدا، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضا فالآثار المذكورة عن الصحابة انما فيها أنه إذا استهل ورث ولم نخالفهم في ذلك، وليس فيها إذا لم يستهل لم يورث فلا حجة لهم فيها ثم نسألهم عن مولود ولد فلم يستهل الا أنه تحرك ورضع وطرف بعينه ثم قتله قاتل عمدا أيجب فيه قصاص أو دية أم ليس فيه الا غرة؟ فان قالوا: فيه القود أو الدية نقضوا قولهم وأوجبوا أنه ولد حى فلم منعوه الميراث؟ وان قالوا: ليس فيه الا غرة تركوا قولهم وبالله تعالى التوفيق * 1747 مسألة وإذا قسم الميراث فحضر قرابة للميت أو للورثة أو يتامى أو مساكين ففرض على الورثة البالغين وعلى وصى الصغار وعلى وكيل الغائب ان يعطوا
__________
(1) في النسخة رقم 14 (يقال) (2) في النسخة رقم 14 تعبة وهو غلط [ * ](9/310)
كل من ذكرنا ما طابت به أنفسهم مما لا يجحف بالورثة ويجبرهم الحاكم على ذلك ان أبوا لقول الله تعالى (وإذا حضر القسمة اولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا) وأمر الله (1) تعالى فرض لا يحل خلافه وهو قول طائفة: من السلف كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان نا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله قال: قسم لى بها أبو موسى الاشعري في قوله تعالى: (وإذا حضر القسمة أولوا القربى) الآية * ومن طريق البخاري نا أبو النعمان هو محمد بن الفضل عارم نا أبو عوانة عن أبى بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: يزعمون أن هذه الآية نسخت (وإذا حضر القسمة أولوا القربى) فلا والله ما نسخت ولكنها مما تهاون الناس بها هما واليان وال يرث وذلك الذى يرزق ووال لا يرث فذلك الذى يقول بالمعروف يقول: لا املك لك ان أعطيك * ومن طريق اسماعيل بن اسحق القاضى نا محمود بن خداش نا عباد بن العوام نا حجاج عن عطاء بن ابى رباح عن عبد الرحمن بن أبى بكر
الصديق أنه قال في قول الله عزوجل: (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) قال: هي واجبة يعمل بها وقد اعطيت بها * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق نا يحيى بن خلف نا أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد نا ابن جريج أخبرني عبد الله بن أبى مليكة ان أسماء بنت عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق والقاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق أخبراه أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق قسم ميراث أبيه عبد الرحمن وعائشة يومئذ حية فلم يدع في الدار مسكينا ولا ذا قرابة الا أعطاهم وتلا (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) وذكر باقى الحديث، وصح أيضا عن عروة بن الزبير.
وابن سيرين وحميد بن عبد الرحمن الحميرى.
ويحيى بن يعمر.
والشعبى.
والنخعي.
والحسن.
والزهرى.
وابى العالية.
والعلاء بن بدر.
وسعيد بن جبير ومجاهد، وروى عن عطاء وهو قول أبى سليمان، وروى أنها ليست بواجبة عن ابن عباس.
وسعيد بن المسيب.
وأبى مالك.
وزيد بن أسلم وبه يقول مالك.
وأبو حنيفة: والشافعي وما نعلم لاهل هذا القول حجة أصلا بل هو دعوى مجردة، وما يفهم أحد من افعل ان شئت فلا تفعل وليس وجودنا آيات قام البرهان على أنها منسوخة أو مخصوصة أو انها ندب بموجب أن يقال فيما لا دليل بذلك فيه هذا ندب أو هذا منسوخ أو هذا مخصوص فيكون قولا بالباطل وبالله تعالى التوفيق، وهذا مما خالفوا فيه جمهور السلف رضى الله عنهم * (تم كتاب الفرائض)
__________
(1) في النسخة رقم 16 فاوامر الله [ * ](9/311)
1748 مسألة - مستدركة ولا يصح نص في ميراث الخال فما فضل عن سهم ذوى السهام وذوى الفرائض ولم يكن هنالك عاصب ولا معتق ولا عاصب معتق ففى مصالح المسلمين لا يرد شئ من ذلك على ذى سهم ولا على غير ذى سهم من ذوى الارحام إذ لم
يوجب ذلك قرآن ولا سنة ولا اجماع، فان كانوا ذووا الارحام فقراء اعطوا على قدر فقرهم والباقى في مصالح المسلمين * والحمد لله رب العاليمن وصلى الله على محمد وسلم تسليما * بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب الوصايا 1749 مسألة الوصية فرض على كل من ترك مالا لما روينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم له شئ يوصى فيه يبيت ليلتين الا ووصيته عنده مكتوبة) قال ابن عمر: ما مرت على ليلة مذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتى * وروينا ايجاب الوصية من طريق ابن المبارك عن عبد الله بن عون عن نافع عن ابن عمر من قوله * ومن طريق عبد الرزاق عن الحسن ابن عبيد الله قال: كان طلحة.
والزبير يشددان في الوصية، وهو قول عبد الله بن ابى أوفى.
وطلحة بن مطرف.
وطاوس.
والشعبى وغيرهم، وهو قول أبى سليمان وجميع أصحابنا، وقال قوم: ليست فرضا واحتجوا بأن هذا الخبر رواه يحيى بن سعيد القطان عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه: (له شئ يريد أن يوصى فيه) قالوا: فرد الامر إلى ارادته وقالوا: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص ورووا ان ابن عمر وهو راوي الخبر لم يوص وان حاطب بن أبى بلتعة بحضرة عمر لم يوص.
وان ابن عباس قال فيمن ترك ثمانمائة درهم قليل: ليس فيها وصية، وان عليا نهى من لم يترك الا من السبعمائة إلى التسعمائة عن الوصية، وان عائشة أم المؤمنين قالت فيمن ترك أربعمائة دينار في هذا فضل عن ولده، وعن النخعي ليست الوصية فرضا، وهو قول ابى حنيفة ومالك والشافعي * قال أبو محمد: كل هذا لا حجة لهم في شئ منه، وأما من زاد في روايته يريد أن يوصى فان مالك بن انس رواه كما أوردنا بغير هذا اللفظ لكن بلفظ الايجاب فقط، ورواه عبد الله بن نمير.
وعبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر كما رواه مالك، ورواه يونس بن يزيد عن نافع عن ابن عمر كما رواه مالك، ورواه ابن وهب عن عمرو ابن الحارث عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه مالك.
ويونس
عن نافع، وكلا الروايتين صحيح، فإذ هما صحيحان فقد وجبت الوصية برواية مالك ووجب(9/312)
عليه أن يريدها ولابد وبالله تعالى التوفيق، وأما قولهم: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص فقد كانت تقدمت وصيته بجميع ما ترك بقوله الثابت يقينا: انا معشر الانبياء لا نورث ما تركنا صدقة، وهذه وصية صحيحة بلا شك لانه أوصى بصدقة كل ما يترك إذا مات وانما صح الاثر بنفى الوصية التى تدعيها الرافضة إلى على فقط * وأما ما رووا من أن ابن عمر لم يوص فباطل لان هذا انما روى من طريق أشهل بن حاتم وهو ضعيف * ومن طريق ابن لهيعة وهو لا شئ والثابت عنه ما رواه مالك عن نافع من ايجابه الوصية وانه لم يبت ليلة مذ سمع هذا الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم الا ووصيته عنده مكتوبة * وأما حديث حاطب (1) وعمر فمن رواية ابن لهيعة وهى أسقط من أن يشتغل بها * وأما خبر ابن عباس ففيه ليث بن أبى سليم وهو ضعيف * وأما حديث على (2) فانه حد القليل بما بين السبعمائة إلى التسعمائة وهم لا يقولون بهذا وليس في حديث أم المؤمنين بيان بما ادعوا ثم لو صح كل ذلك لما كانت فيه حجة لانه قد عارضهم صحابة كما أوردنا وإذا وقع التنازع لم يكن قول طائفة أولى من قول اخرى والفرض حينئذ هو الرجوع إلى القرآن والسنة وكلاهما يوجب فرض الوصية أما السنة فكما أوردنا وأما القرآن فكما نورد ان شاء الله تعالى * 1750 مسألة فمن مات ولم يوص ففرض أن يتصدق عنه بما تيسر ولابد لان فرض الوصية واجب كما أوردنا فصح أنه قد وجب أن يخرج شئ من ماله بعد الموت فإذ ذلك كذلك فقد سقط ملكه عما وجب اخراجه من ماله ولا حد في ذلك الا ما رآه الورثة أو الوصي مما لا اجحاف فيه على الورثة وهو قول طائفة من السلف، وقد صح به أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روينا من طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: (ان أمي أفتلتت نفسها (3) وانها لو
تكلمت تصدقت افأتصدق عنها يارسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم فتصدق عنها) فهذا ايجاب الصدقة عمن لم يوص وأمره عليه الصلاة والسلام فرض * ومن طريق مسلم ابن الحجاج نا قتيبة نا اسماعيل هو ابن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة: أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان أبى مات ولم يوص فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه قال عليه الصلاة والسلام: نعم) فهذا ايجاب للوصية ولان يتصدق عمن لم يوص ولابد لان التكفير لا يكون الا في ذنب فبين عليه الصلاة والسلام ان ترك الوصية يحتاج فاعله إلى أن يكفر عنه ذلك بأن يتصدق عنه وهذا ما لا
__________
(1) في النسخة رقم 14 (وأما خبر حاطب) (2) في النسخة رقم 14 (وأما خبر على) (3) أي ماتت فجأة وأخذت نفسها فلتة، يروى بنصب النفس ورفعها [ * ](9/313)
يسع أحدا خلافه * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الانصاري عن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق قال: مات عبد الرحمن بن أبى بكر في منام له (1) فاعتقت عنه عائشة أم المؤمنين تلادا من تلاده فهذا يوضح إن الوصية عندها رضى الله عنها فرض وان البر عمن لم يوص فرض إذ لولا ذلك ما أخرجت من ماله ما لم يؤمر باخراجه * ومن طريق عبد الرزاق انا ابن جريج عن ابراهيم بن ميسرة أنه سمع طاوسا يقول: ما من مسلم يموت لم يوص الا واهله أحق أو محقون ان يوصوا عنه قال ابن جريج: فعرضت على ابن طاوس هذا وقلت: أكذلك؟ فقال: نعم، والعجب أنهم يقولون: ان المرسل كالمسند وقد روينا عن عبد الرزاق عن ابن جريج.
وسفيان.
ومعمر كلهم عن عبد الله بن طاوس عن ابيه أن رجلا قال: يا رسول الله ان امى توفيت ولم توص أفأوصى عنها؟ فقال: نعم * ومن طريق معمر عن يحيى بن أبى كثير عن ابى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق عن امرأة ماتت ولم توص وليدة وتصدق عنها بمتاع) ولا مرسل أحسن من هذين
فخالفوهما لرأيهما الفاسد * 1751 مسألة وفرض على كل مسلم أن يوصى لقرابته الذين لا يرثون إما لرق واما لكفر واما لان هنالك من يحجهم عن الميراث أو لانهم لا يرثون فيوصى لهم بما طابت به نفسه لا حد في ذلك فان لم يفعل أعطوا ولا بد ما رآه الورثة أو الوصي فان كان والداه أو احدهما على الكفر أو مملوكا ففرض عليه أيضا أن يوصى لهما أو لاحدهما ان لم يكن الاخر كذلك فان لم يفعل أعطى أو أعطيا من المال ولا بد ثم يوصى فيما شاء بعد ذلك فان أوصى لثلاثة من أقاربه المذكورين اجزأه، والاقربون هم من يجتمعون مع الميت في الاب الذى به يعرف إذا نسب ومن جهة أمه كذلك أيضا هو من يجتمع مع أمه في الاب الذى يعرف بالنسبة إليه لان هولاء في اللغة أقارب ولا يجوز أن يوقع على غير هؤلاء اسم أقارب بلا برهان * برهان ذلك قول الله تعالى: (الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين فمن بدله بعدما سمعه فانما اثمه على الذين يبدلونه ان الله سميع عليم) فهذا فرض كما تسمع فخرج منه الوالدان.
والاقربون الوارثون وبقى من لا يرث منهم على هذا الفرض، واذ هو حق لهم واجب فقد وجب لهم من ماله جزء مفروض اخراجه لمن وجب له ان ظلم هو ولم يأمر باخراجه وإذا أوصى لمن أمر به فلم ينه عن الوصية لغيرهم فقد أدى ما أمره به وله أن يوصى بعد ذلك بما أحب، ومن أوصى
__________
(1) يعنى انه مات فجأة من نومة نامها رضى الله عنه [ * ](9/314)
لثلاثة أقربين فقد أوصى للاقربين وهذا قول طائفة من السلف روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر.
وابن جريج كلاهما عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: من اوصى لقوم وسماهم وترك ذوى قرابته محتاجين انتزعت منهم وردت على ذوى قرابته فان لم يكن في أهله فقراء فلاهل الفقر من كانوا * ومن طريق عبد الرزاق نا معمر عن قتادة عن الحسن قال: إذا أوصى في غير أقاربه بالثلث جاز لهم ثلث الثلث ورد على قرابته ثلثا الثلث * ومن طريق
الحجاج بن المنهال نا أبو هلال عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال فيمن أوصى لثلاثة (1) في غير قرابته فقال: للقرابة الثلثان ولمن أوصى له الثلث * ومن طريق اسماعيل بن اسحق القاضى نا على بن عبد الله هو ابن المدينى نا أبو معاوية الضرير نا الاعمش عن مسروق أنه قال: ان الله قسم بينكم فأحسن القسمة وانه من يرغب برأيه عن رأى الله عزوجل يضل أوص لقرابتك ممن لا يرث ثم دع المال على ما قسمه الله عليه * ومن طريق اسماعيل نا سلمان بن حرب نا حماد بن سلمة عن عطاء بن أبى ميمونة قال: سألت سالم ابن يسار.
والعلاء بن زياد عن قول الله عزوجل: (ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين) فدعوا بالمصحف فقرءا هذا الآية فقالا: هي القرابة * ومن طريق اسماعيل نا على بن عبد الله نا معاذ بن هشام الدستوائى حدثنى أبى عن قتادة عن عبد الملك بن يعلى انه كان يقول فيمن يوصى لغير ذى القربى وله ذو قرابة ممن لا يرثه: انه يجعل ثلثا الثلث لذوى القرابة وثلث الثلث لمن اوصى له به * ومن طريق اسماعيل نا محمد بن عبيد نا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة في قول الله تعالى (ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين) قال: نسخ منها الوالدان وترك الاقارب ممن لا يرث * ومن طريق اسماعيل نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن اياس بن معاوية قال: هي للقرابة - يعنى الوصية وبوجوب الوصية للقرابة الذين لا يرثون يقول اسحق: وأبو سليمان، وقال آخرون: ليس ذك فرضا بل له أن يوصى لغير ذى قرابته وهو قول الزهري.
وسالم بن عبد الله ابن عمر، وسليمان بن يسار.
وعمرو بن دينار.
ومحمد بن سيرين، وهو قول أبى حنيفة.
والاوزاعي.
وسفيان الثوري.
ومالك.
والشافعي، واحتجوا بحديث الذى أوصى بعتق الستة الاعبد ولا مال له غيرهم فقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة فقالوا: هذه وصية لغير الاقارب * قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لانه ليس فيه بيان انه كان بعد زول الآية المذكورة ونحن لا نخالفهم في ان قبل نزولها كان للمرء أن يوصى لمن شاء فهذا الخبر موافق
__________
(1) في النسخة رقم 16 بثلثه [ * ](9/315)
للحال المنسوخة المرتفعة بيقين لا شك فيه قطعا فحكم هذا الخبر منسوخ بلا شك والاية رافعة لحكمه ناسخة له بلا شك، ومن ادعى في الناسخ انه عاد منسوخا وفى المنسوخ انه عاد ناسخا بغير نص ثابت وارد بذلك فقد قال الباطل وقفا ما لا علم له به.
وقال على الله تعالى ما لا يعلم وترك اليقين وحكم بالظنون، وهذا محرم بنص القرآن، ونحن نقول ان الله تعالى قال: (تبيانا لكل شئ) فنحن نقطع وبنت ونشهد انه لا سبيل إلى نسخ ناسخ ورد حكم منسوخ دون بيان وارد لنا بذلك ولو جاز غير هذا لكنا من ديننا في لبس ولكنا (1) لا ندرى ما أمرنا الله تعالى به مما نهانا عنه حاشا لله من هذا فظهر بطلان تمويههم بهذا الخبر، وايضا فليس فيه ان ذلك الرجل كان صليبة من الانصار وكان له قرابة لا يرثون فإذ ليس ذلك فيه فممكن أن يكون حليفا أتيا لا قرابة له فلا حجة لهم فيه، ولا يحل القطع بالظن ولا ترك اليقين له، وأعجب شئ احتجاجهم في هذا بأن عبد الرحمن ابن عوف أوصى لامهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف درهم.
ولاهل بدر بمائة دينار مائة دينار لكل واحد منهم وان عمر أوصى لكل أم ولد له بأربعة آلاف درهم أربعة آلاف درهم، وان عائشة أم المؤمنين أوصت لآل أبى يونس مولاها بمتاعها * قال أبو محمد: ان هذا لمن قبيح التدليس في الدين وليت شعرى أي شئ في هذا مما يبيح أن لا يوصى لقرابته؟ وهل في شئ من هذه الاخبار انهم رضى الله عنهم لم يوصوا لقرابتهم؟ فان قالوا: لم يذكر هذا فيه قلنا: ولا ذكر فيه انهم أوصوا بالثلث فأقل ولعلهم اوصوا بأكثر من الثلث وهذه كلها فضائح نعوذ بالله من مثلها ونسأله العصمة والتوفيق * 1752 - مسألة - ولا تحل الوصية لوارث اصلا فان أوصى لغير وارث فصار وارثا عند موت الموصى بطلت الوصية له فان أوصى لوارث ثم صار (2) غير وارث لم تجز له الوصية لانها إذ عقدها كانت باطلا، وسواء جوز الورثة ذلك أو لم يجوزوا لان
الكواف نقلت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا وصية لوارث) فإذ قد منع الله تعالى من ذلك فليس للورثة أن يجيزوا ما أبطله الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن يبتدئوا هبة لذلك من عند انفسهم فهو مالهم، وهذا قول المزني.
وأبى سليمان، فان قيل: فقد رويتم من طريق ابن وهب عن عبد الله بن سمعان.
وعبد الجليل بن حميد اليحصبى.
ويحيى ابن أيوب.
وعمر بن قيس سندل قال عمر بن قيس: عن عطاء بن أبى رباح وقال الآخرون: نا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى حسين ثم اتفق عطاء.
وعبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح في خطبته: لا تجوز وصية لوارث الا أن يشاء الورثة زاد عطا
__________
(1) في النسخة رقم 14 وكنا (2) في النسخة رقم 14 (فصار) [ * ](9/316)
في حديثه وان أجازوا فليس لهم أن يرجعوا قلنا: هذا مرسل ثم هو من المرسل فضيحة لان الاربعة الذين ذكرهم ابن وهب كلهم مطرح وان في اجتماعهم لاعجوبة، وعهدنا بالحنيفيين.
والمالكيين يقولون: ان المرسل كالمسند والمسند كالمرسل ولا يبالون بضعيف فهلا اخذوا بهذا المرسل ولكن هذا مما تناقضوا فيه، وقال أبو حنيفة: لهم أن يرجعوا بعد موته، وقال مالك: لا رجوع لهم الا أن يكونوا في كفالته فلهم أن يرجعوا * 1753 - مسألة - ولا تجوز الوصية بأكثر من الثلث كان له وارث أو لم يكن له وارث أجاز الورثة أو لم يجيزوا، صح من طرق عن سعد بن أبى وقاص أنه قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أوصى بمالى كله؟ قال: لا قلت: فالنصف قال: لا قلت: فالثلث قال: نعم والثلث كثير) والخبر بان رجلا من الانصار أوصى عند موته بعتق ستة أعبد لا مال له غيرهم فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق اربعة، وقال مالك: ان زادت وصيته عن الثلث بيسير كالدرهمين ونحو ذلك جازت الوصية في كل ذلك وهذا خلاف الخبر، وخطأ في تحديده ما ذكر دون ما زاد وما
نقص، ولا تخلو تلك الزيادة قلت أو كثرت من أن تكون من حق الموصى أو من حق الورثة فان كانت من حق الموصى فما زاد على ذلك فمن حقه أيضا فينبغي أن ينفذوا ان كانت (1) من حق الورثة فلا يحل للموصى أن يحكم في مالهم وقالت طائفة: من لا وارث له فله أن يوصى بماله كله.
صح ذلك عن ابن مسعود وغيره كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبى اسحق السبيعى عن أبى ميسرة عمرو بن شرحبيل قال: قال لى عبد الله بن مسعود: انكم من أحرى حى بالكوفة أن يموت احدكم فلا يدع عصبة ولا رحما فلا يمنعه إذا كان ذلك أن يضع ماله في الفقراء والمساكين * ومن طريق سفيان ابن عيينة عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبي عن مسروق أنه قال فيمن ليس له مولى عتاقة: انه يضع ماله حيث يشاء (2) فان لم يفعل فهو في بيت المال * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن ابن سيرين عن عبيدة السلمانى قال: إذا مات وليس عليه عقد لاحد ولا عصبة يرثونه فانه يوصى بماله كله حيث شاء * ومن طريق حماد بن سلمة أن أبا العالية الرياحي اعتقته مولاته سائبة فلما احتضر أوصى بماله كله لغيرها فخصمت في ذلك فقضى لها بالميراث وهو قول الحسن البصري وأبى حنيفة.
وأصحابه.
وشريك القاضى.
واسحاق بن راهويه، وقال مالك.
__________
(1) في النسخة رقم 14 ان كان (2) في النسخة رقم 16 حيث شاء [ * ](9/317)
وابن شبرمة، والاوزاعي.
والحسن بن حى: والشافعي: واحمد.
وأبو سليمان: ليس له أن يوصى بأكثر من الثلث كان له وارث أو لم يكن * قال أبو محمد: احتج المجيزون لذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: الثلث والثلث كثير أنك ان تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس قالوا: فانما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم العلة في أن لا يتجاوز الثلث في الوصية أن يغنى الورثة فإذا لم تكن له ورثة فقد ارتفعت العلة فله ان يوصى بما شاء، وقالوا: هو قول ابن مسعود ولا يعرف
له من الصحابة مخالف، وقالوا: فلما كان مال من لا وارث له انما يستحقه المسلمون لانه مال لا يعرف له رب فإذ هو هكذا ولم يكن فيه لاحد حق فلصاحبه ان يضعه حيث شاء وقالوا كما للامام أن يضعه بعد موته حيث شاء فكذلك لصاحبه ما نعلم لهم شيئا يشغبون به غير هذا (1) وكله لا حجة لهم فيه.
أما قولهم: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل العلة في أن لا يتجاوز الثلث غنى الورثة فباطل من قولهم، ما قال عليه الصلاة والسلام قط ان أمرى بان لا يتجاوز الثلث في الوصية انما هو لغنى الورثة انما قال عليه الصلاة والسلام: الثلث والثلث كثير.
فهذه قضية قائمة بنفسها وحكم فصل غير متعلق بما بعده ثم ابتدأ عليه الصلاة والسلام قضية أخرى مبتدأة قائمة بنفسها غير متعلقة بما قبلها فقال: انك ان تدع ورثتك اغنياء خير من ان تدعهم عالة يتكففون الناس * برهان صحة هذا القول انه لا يحل أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انه علل علة فاسدة منكرة (2) حاش له من ذلك ونحن نجد من له عشرة من الورثة فقراء ولم يترك الا درهما واحدا فان له باقرارهم أن يوصى بثلثه ولا يترك لهم ما يغنيهم من جوع غداء واحدا ولا عشاءا واحدا ونحن نجد من لا يترك وارثا الا واحدا غنيا موسرا مكثرا ولا يخلف الا درهما واحدا فليس له عندهم ولا عندنا ان يوصى الا بثلثه وليس له غنى فيما يدع له ولو كانت العلة ما ذكروا (3) لكان من ترك ابنا واحدا وترك ثلاثمائة الف دينار يكون له أن يوصى بالنصف لان له فيما يبقى غنى الابد فلو كانت العلة غنى الورثة لروعى ما يغنيهم على حسب كثرة المال وقتله وهذا باطل عند الجميع فصح أن الذى قالوه باطل وان الشريعة في ذلك انما هو تحديد الثلث فما دونه فقط قل المال أو كثر كان فيه للورثة غنى أو لم يكن، وأما قولهم: انه قول ابن مسعود ولا يعرف له من الصحابة مخالف فلعلهم يقرعون بهذه العلة المالكيين.
والشافعيين الذين يحتجون عليهم بمثلها ويوردونها عليهم في غير ما وضع ويتقاذفون لها أبدا، وأما نحن فلا نرى حجة إلا في نص قرآن أو سنة عن
__________
(1) في النسخة رقم 14 يشنعون به غير ما ذكرنا (2) في النسخة رقم 14 منكسرة (3) في النسخة رقم 16 ما قالوا [ * ](9/318)
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالله تعالى التوفيق * وأما قولهم: انما يأخذ المسلمون مال من لا وارث له لانه لا رب له فإذ لا يستحقه بموته أحد فصاحبه أحق به ما زادونا على تكرار قولهم وان جعلوا دعواهم حجة لدعواهم، وفى هذا نازعناهم وليس كما قالوا لكن نحن وأموالنا لله تعالى ولا يحل لاحد ان يتصرف في نفسه ولا في ماله الا بما أذن الله له فيه مالكه ومالك ماله عزوجل فقط (1)، ولولا ان الله تعالى أطلق أيدينا على أموالنا فيما شاء لما جاز لنا فيها حكم كما لا يجوز لنا فيها حكم حيث لم يبح الله تعالى لنا التصرف فيها، ولولا ان الله تعالى أذن لنا في الوصية بعد الموت لما جاز لنا أن نوصي بشئ فأباح الله تعالى الثلث فما دونه فكان ذلك مباحا ولم يبح أكثر فهو غير مباح * وأما قولهم كما للامام أن يضعه حيث يشاء فصاحبه أولى فكلام بارد وقياس فاسد وهم يقولون فيمن ترك زوجة ولم يترك ذا رحم ولا مولى ولا عاصبا ان الربع للزوجة وان الثلاثة الارباع يضعها الامام حيث يشاء (2) وانه ليس له ان يوصى بأكثر من الثلث فهلا قاسوا ههنا كما للامام أن يضع الثلاثة الارباع حيث يشاء فكذلك صاحب المال ولكن هذا مقدار قياسهم فتأملوه، وأما إذا اذن الورثة في أكثر من الثلث فان عطاء.
والحسن.
والزهرى وربيعة.
وحماد بن ابى سليمان.
وعبد الملك بن يعلى.
ومحمد بن أبى ليلى.
والاوزاعي قالوا: إذا أذن الورثة فلا رجوع لهم ولم يخصوا اذنا في صحة من اذن في مرض، وقال شريح.
وطاوس.
والحكم بن عتيبة.
والنخعي.
والشعبى: وسفيان الثوري والحسن بن حى.
وأبو حنيفة.
والشافعي.
وأبو ثور.
وأحمد بن حنبل: إذا أذنوا له في مرضه أو عند موته أو في صحته بأن يوصى بأكثر من الثلث لم يلزمهم ولهم الرجوع إذا مات، وقالت طائفة: لا يجوز ذلك أصلا كما روينا من طريق وكيع عن المسعودي هو أبو عميس عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن أبى عون هو محمد بن عبيد الله الثقفى عن القاسم عن عبد الرحمن أن رجلا استأمر ورثته
في أن يوصى بأكثر من الثلث فاذنوا له فلما مات رجعوا فسئل ابن مسعود فقال لهم ذلك النكرة لا يجوز * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: الضرار في الوصية من الكبائر ثم قرأ ابن عباس (تلك حدود الله ومن يتعد حدود الله) ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أشعث بن عبد الله عن شهر بن حوشب عن أبى هريرة مسندا ان الرجل ليعمل بعمل اهل الخير سبعين سنة قاذا اوصى جاز في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار وان الرجل ليعمل بعمل اهل الشر سبعين سنة
__________
(1) في النسخة رقم 14 سقط لفظ (فقط) (2) في النسخة رقم 16 شاء [ * ](9/319)
فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة تم يقول ابو هريرة: اقرءوا ان شئتم (تلك حدود الله) إلى قوله (عذاب مهين) قال أبو محمد: انما اوردناه لقول ابى هريرة فقط * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال: يرد عن حيف الناحل الحى ما يرد من حيف الناحل في وصيته، فهؤلاء ثلاثة من الصحابة لا يعرف لهم من الصحابة رضى الله عنهم مخالف ابطلوا ما خالف السنة في الوصية ولم يجيزوا ولم يشترطوا رضى الورثة وهو قول المزني.
وابى سليمان.
واصحابنا، وقال مالك: ان استأذنهم في صحته فاذنوا له فلهم الرجوع إذا مات وان استأذنهم في مرض موته فاذنوا له فلا رجوع لهم الا ان يكونوا في عياله ونفقته فلهم الرجوع * قال أبو محمد: أما قول مالك: فلا نعلمه عن أحد قبله ولا نعلم له حجة أصلا ولا يخلو المال كله أو بعضه من أن يكون لمالكه في صحته وفى مرضه أو يكون كله أو بعضه لورثته في صحته ومرضه (1) فان كان المال لصاحبه في صحته ومرضه (2) فلا اذن للورثة فيه، ومن المحال الباطل جواز اذنهم فيما لا حق لهم فيه وفيما هو حرام عليهم حتى لو سرقوا منه دينارا لوجب القطع على من سرقه منهم، وقد يموت أحدهم قبل موت المريض فيرثه، ولا سبيل إلى أن يقول أحد: ان شيئا من مال المريض لوارثه قبل موت الموروث
لما ذكرنا فبطل هذا القول بيقين، وأما من أجاز اذنهم فانهم يحتجون بقول الله عزوجل: (أوفوا بالعقود) وهذا عقد قد التزموه فعليهم الوفاء به * قال أبو محمد: ولقد كان يلزم من أجاز العتق قبل الملك والطلاق قبل النكاح أن يقول بالزامهم هذا الاذن ولكنهم تناقضوا في ذلك * قال على: وأما نحن فنقول: كل عقد لم يات به قرآن ولا سنة الامر به أو باباحته فهو باطل وانما أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود التى أمر بها نصا أو اباحها نصا، وأما من عقد معصية فما اذن الله تعالى قط في الوفاء بها بل حرم عليه ذلك كمن عقد على نفسه أن يزنى أو يشرب الخمر والزيادة على الثلث معصية منهى عنها فالعقد في الاذن من ذلك فيما لم يأذن الله تعالى فيه باطل محرم فسقط هذا القول، وأما من أجاز للورثة أن يجيزوا ذلك بعد الموت فخطأ ظاهر لان المال حينئذ صار للورثة فحكم الموصى فيما استحقوه بالميراث باطل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم واعراضكم عليكم حرام) فليس لهم اجازة الباطل لكن ان أحبوا ان ينفذوا ذلك من مالهم باختيارهم فلهم ذك ولهم حينئذ ان يجعلوا الاجر لمن شاءوا وبالله تعالى التوفيق، وهذا مما خالفوا فيه ثلاثة من
__________
(1) في النسخة رقم 16 أو في مرضه (2) في النسخة رقم 16 وفى مرضه [ * ](9/320)
الصحابة (1) لا يعرف لهم منهم مخالف * 1754 مسألة ومن أوصى بأكثر من ثلث ماله ثم حدث له مال لم يجز من وصيته الا مقدار ثلث ما كان له حين الوصية لان ما زاد على ذلك عقده عقدا حراما لا يحل كما ذكرنا، وما كان باطلا فلا يجوز أن يصح في ثان إذ لم يعقد ولا محال أكثر من عقد لم يصح حكمه إذ عقد ثم يصح حكمه إذ لم يعقد فلو أوصى بثلثه فأقل ثم نقص ماله حتى لم يحتمل وصيته ثم زاد لم ينفذ من وصيته الا مقدار ثلث أقل ما رجع إليه من ماله لان وصيته بما زاد على ثلث ما رجع إليه ماله قد بطلت وما بطل فلا سبيل إلى عودته
دون ان تبتدئ اعادته بعقد آخر إذ قد بطل العقد الاول، فلو أوصى بأكثر من ثلث ماله عامدا وله مال لم يعلم به لم ينفذ الا في مقدار ثلث ما علم فقط لانه عقد ما زاد على ذلك عقد معصية فهو باطل، فلو قال في كل ما ذكرنا: ان رزقني الله مالا فانى أوصى منه بكذا أو قال اوصى إذا مات أن يخرج عنه ثلث ما يتخلف أو جزءا مشاعا أقل من الثلث أو قال: فيخرج مما يتخلف كذا وكذا فهذا جائز وتنفذ وصيته من كل ما كسبه قبل موته وبعد تلك الوصية باى وجه كسبه أو بأى وجه صحيح ملكه بميراث أو غيره علم به أو لم يعلم لانه عقد عقدا صحيحا فيما يتخلفه ولم يخص بوصيته ما يملك حين الوصية وقد عقد وصيته عقدا صحيحا لم يتعد فيه ما أمر الله عزوجل فهى وصية صحيحة كما ذكرنا فلو أوصى بثلث ماله وماله يحتمله وله مال لم يعلم به ثم نقص ماله الذى علم أو لم ينقص فوصيته نافذة فيما علم وفيما لم يعلم لانه عقدها عقدا صحيحا تاما من حين عقده إلى حين مات ولا تدخل ديته ان قتل خطأ فيما تنفذ منه وصاياه لانها لم تجب له قط ولا ملكها قط وانما وجبت بعد موته لورثته فقط وهو قول طائفة من السلف كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة وزياد الاعلم قال الحجاج عن أبى اسحق السبيعى عن الحارث عن على بن أبى طالب وقال زياد الاعلم: عن الحسن ثم اتفق على.
والحسن فيمن أوصى بثلث ماله ثم قتل خطأ انه يدخل ثلث ديته في ثلثه وان كان استفاد مالا ولم يكن شعر به دخل ثلثه في وصيته وهو قول ابراهيم النخعي.
والاوزاعي.
وأبى حنيفة وأصحابه وبه قال ابو ثور.
واحمد بن حنبل.
واسحق حاش الدية فلا تدخل وصيته فيها، وقال آخرون: لا تدخل وصيته الا فيما علم من ماله لا فيما لم يعلم به روى ذلك عن ابان بن عثمان.
وعمر بن عبد العزيز.
ومكحول.
ويحيى بن سعيد الانصاري.
وربيعة، وقال مالك: كذلك الا فيما رجاه ولم يعلم قدره كربح مال ينتظره أو غلة
__________
(1) في النسخة رقم 14 ثلاثة صحابة [ * ](9/321)
لا يدرى مبلغها فان وصاياه تدخل فيها وما نعلم (1) هذا التقسيم عن احد قبله، ولا نعلم له حجة أصلا * وبرهان صحة قولنا قول الله تعالى في آية المواريث: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) فأوجب عزوجل الميراث في كل ما علم به من ماله أو لم يعلم، وأوجب الوصية والدين مقدمين كذلك على المواريث، فالمفرق بين ذلك مبطل بلا دليل، واما يبطل من الوصية ما قصد به ما نهى الله تعالى عنه فقط وما نعلم لمخالفيا حجة اصلا، وقد خالفوا في ذلك صاحبا لا يعرف له من الصحابة مخالف، فان قالوا: ان الرواية في ذلك عن على لا تصح لان فيها الحجاج.
والحارث قلنا.
والرواية عن ابان بن عثمان لا تصح لانها عن عبد الحكم بن عبد الله وهو ضعيف، ولا تصح عن عمر بن عبد العزيز لانها عن يزيد ابن عياض وهو مذكور بالكذب، ولا تصح عن مكحول لانها عن مسلمة بن على وهو ضعيف ولا عن ربيعة.
ويحيى بن سعيد لانها عمن لم يسم وبالله تعالى التوفيق * 1755 مسألة ولا تجوز الوصية لميت لان الميت لا يملك شيئا فمن أوصى لحى ثم مات بطلت الوصية له فان أوصى لحى وليمت جاز نصفها للحى وبطل نصف الميت، وكذلك لو أوصى لحيين ثم مات احدهما جازت للحى في النصف وبطلت حصة الميت وهو قول على بن أبى طالب وغيره، وقال مالك: ان كان علم الموصى بأن الذى أوصى له ميت فهو لورثة الميت فان كان لم يعلم فهو لورثة الموصى * قال على: هذا تقسيم فاسد بلا برهان، فان قيل: إذا أوصى له وهو ميت فانما أراد أن يكون لورثته قلنا: هذا باطل، ولو أراد الوصية لورثته لقدر على أن يقول ذلك فتقويله ما لم يقل حكم بالظن والحكم بالظن لا يحل * 1756 مسألة والوصية للذمي جائزة ولا نعلم في هذا خلافا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كل ذى كبد رطبة أجر) * 1757 مسألة ولا تجوز الوصية بمالا ينفذ لمن أوصى له بها أو فيما أوصى به
ساعة موت الموصى مثل ان يوصى بنفقة (2) على انسان مدة مسماة أو بعتق عبد بعد أن يخدم فلانا مدة مسماة قلت أو كثرت أو يحمل بستانه في المستأنف أو بغلة داره وما اشبه ذلك: فهذا كله باطل لا ينفذ منه شئ، وهذا مكان اختلف الناس فيه فروينا من طريق ابن وهب عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن ابن شهاب انه قال فيمن أوصى لآخر بغنم حياته انه جائز ويكون للموصى له من الغنم البانها وأصوافها وأولادها
__________
(1) في النسخة رقم 14 ولا نعلم (2) في النسخة رقم 16 (على نفقة) [ * ](9/322)
مده حياته لانه يعمل فيها ويقوم عليها وليس له أن يأكل منها الا بقدر ما كان ربها يأكل من عروضها، وكذلك يصيب من أولادها ما يصيب من أمهاتها * قال أبو محمد: وهذا قول ظاهر الخطأ أول ذلك ان جعل له أصوافها وألبانها وأولادها مدة حايته لانه يقوم عليها فهذه اجارة إذا، والاجارة بمجهول على مدة مجهولة باطل لا يحل وأكل مال بالباطل وشرط ليس في كتاب الله عزوجل فهو باطل، ثم لم يجعل له أن يأكل من أعيان الغنم الا ما كان يأكل الموصى منها وهذا في غاية البطلان لانه مجهول وقد كان يمكن أن يأكل منها الكثير في العام ويمكن أن لا يأكل منها شيئا ويمكن أن يأكل منها قليلا فهذا أيضا أكل مال بالباطل، وقد كان للموصى أن يبيعها ويهبها ويبيع منها ويهب منها فهلا جعل للموصى له أن يبيع منها وأن يهب كما كان للموصى والا فما الفرق بين الاستهلاك بالاكل وبين الاستهلاك بالبيع أو الهبة؟ * قال على: ويكفى من هذا أن الموصى له لا يخلو من أن يكون ملك الغنم التى أوصى له بها مدة حياته أو لم يملكها ولا سبيل إلى قسم ثالث، فان كان ملكها فله أن يبيعها كلها أو ما شاء منها وان يهبها كذلك.
وأن يأكلها كذلك، وان كان لم يملكها لم يحل له أكل شئ منها ولا من أصوافها ولا من البانها وأولادها لانها مال غيره وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) ولا شك بنص القرآن في ان ما يخلفه الميت مما لم يوص به قطعا فهو ملك للورثة واذ هو ملكهم فلا يحل للموصى حكم في مال الورثة
وبالله تعالى التوفيق * وروينا عن عبد الرزاق عن معمر فيمن أوصى لزيد بثلث ماله ولآخر بنفقته حتى يموت انه يوقف للموصى له بالنفقة نصف الثلث * قال أبو محمد: وهذا خطأ لانه قد لا يعيش الا يوما أو أقل وقد يعيش عشرات أعوام فهذا مجهول فهو باطل لا يعرف بماذا أوصى له * وروينا عن سفيان الثوري فيمن أوصى أن يكاتب عبده بألف درهم وقيمته ألف درهم أو أكثر فلم يوص له بشئ، فان أوصى أن يكاتب باقل من قيمته فان ما نقص من قيمته وصية له * قال على: هذا خطأ والوصية بالمكاتبة جملة باطل لان العبد خارج بموت الموصى إلى ملك الورثة فوصيته بمكاتبة عبد الورثة باطل لانه مال الورثة، وقال الاوزاعي فيمن له ثلاثة أولاد وعبد فأوصى بان يخدم ذلك العبد واحدا من أولاده سماه وعينه سنة ثم العبد حر: فانه يخدم أولاده كلهم سنة ثم هو حر * قال على: وهذا خطأ لانه حكم بغير ما أوصى به الموصى فلا هو انفذ وصيته ولا هو ابطلها، ولا يخلو من أن تكون صحيحة أو فاسدة فان كانت صحيحة فقد أبطل الصحيح(9/323)
وان كانت فاسدة فقد اجاز الفاسد، فان قال: جمعت فسادا وصحة فاجزت الصحيح وابطلت الفاسد قلنا له: بل اجزت الفاسد وهو عتقه ملك بنيه وعبدهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان دماءكم واموالكم عليكم حرام) وقال الليث بن سعد بجواز الوصية بكل ما ذكرنا: انه لا يجوز، وقال فيمن اوصى لانسان بثلثه ولآخر بالنفقة ما عاش ان الثلث بينهما بنصفين * قال أبو محمد: وهذا خطأ لانه غير ما اوصى به الموصى ولا يجوز ان يحال ما اوصى به الموصى إلى غير ما اوصى به الا بنص بما قال الليث، وقال عثمان البتى فيمن اوصى لزيد بنفقة عشرة دراهم كل شهر ولعمرو بمائة درهم كل شهر: فانهما يتحاصان يضرب بمائة للموصى له بمائة ويضرب بعشرة للموصى له بعشرة فيعطى حصته ويعطى
الباقي الذى أوصى له بالمائة فإذا كان في الشهر الثاني ضرب الموصى له بعشره بعشرين وضرب صاحب المائة بمائة وحسب صاحب العشرة بعشرة وحسب له ما أخذ في الشهر الاول وكذلك يقسم بينهما كل شهر * قال أبو محمد: وهذا كلام لا يعقل ولا يدرى منبعثه وقال أبو حنيفة فيمن أوصى بخدمة عبده فلانا سنة ثم يعتق ولا مال له غيره: فانه يخدم الموصى له يوما والورثة يومين فإذا مضت له ثلاث سنين هكذا أعتق * قال أبو محمد: نرى انه في قوله انه يسعى في ثلثى قيمته للورثة * قال على: وقوله هذا فاسد، قال: ومن أوصى لآخر بسكنى داره ولا مال له غيرها سكن الموصى له بثلث الدار (1) وسكن الورثة بثلثيها وليس له أن يؤاجرها ولا ان يؤاجر العبد الموصى له بخدمته ولا أن يخرجه عن ذلك البلد الا ان يكون الموصى له في بلد آخر فله أن يخرجه إلى بلده * قال على: وهذا في غاية (2) الفساد لانه خالف عهد الميت في الوصية بكسنى جميع الدار فلم يجعل له الا سكنى ثلثها فقط وقيمة سكنى ثلث الدار أقل من ثلث الميت بلا شك لان جميع الدار مال تخلفه فإذ هذه الوصية عنده جائزة فهلا أنفذ له جميعها لانها أقل من الثلث بلا شك، وأيضا فلا فرق بين كون الموصى له في بلد آخر وبين رحيله إلى بلد آخر فان كان البعد للموصى فللموصى له التصرف فيما أوصى له به حيث شاء وان كان ليس هو للموصى فالوصية بخدمته باطل، قال أبو حنيفة: ومن أوصى بغلة بستانه لزيد وفيه غلة ظاهرة إذ مات الموصى فليس للموصى له الا تلك الغلة بعينها فقط فلو لم يكن فيها غلة إذ مات فله ثلثها أبدا ما عاش *
__________
في النسخة رقم 14 (ثلث الدار) (2) في النسخة رقم 14 وهذا غاية [ * ](9/324)
قال أبو محمد: وهذا باطل أيضا وفرق بلا برهان، وهلا جعلوا له أول غلة تظهر بعد موت الموصى فقط ثم لا شئ له في المستأنف كما فعلوا في الغلة الظاهرة، فان قالوا: حملنا
ذلك على العموم قلنا لهم: وهلا حملتم وصيته أيضا على العموم إذا مات وفى البستان غلة ولو ان عاكسا عكس قولهم فأعطاه غلة البستان أبدا إذا مات وفيه غلة ظاهرة ولم يعطه إذا مات ولا غلة في البستان الا أول غلة تظهر ما كان بين الحكمين بالباطل فرق، قال أبو حنيفة: وانما تجوز الوصية بسكنى الدار وخدمة العبد إذا أوصى به لانسان بعينه قال: فلو أوصى بذلك للفقراء.
والمساكين لم يجز ذلك * قال على: ليس في المصيبة أكثر من هذا أن يكون ان أوصى لكافر أو لفاسق جاز فان أوصى لفقراء المسلمين لم يجز أف لهذا القول، قال أبو حنيفة: ولو أوصى لزيد بالنفقة ما عاش فان جوز الورثة ذلك وقف له جميع المال كله وتحاص هو وسائر الموصى لهم الا أن يعين الموصى لهم ان ينفق عليه من الثلث فيوقفه له الثلث خاصة ويحاص ايضا الموصى لهم، وقال أبو يوسف: يجعل له عمر مائة سنة ثم يوقف له الثلث خاصة ما ينفق عليه فيما بقى له من مائة سنة فان عاش أكثر أعطى النفقة أيضا حتى يفرغ الثلث * قال أبو محمد: وهذه وساوس لا تعقل والاسعار تختلف اختلافا متباينا فكيف يقدر على هذا الجنون: وأجاز أبو حنيفة أن يوص لانسان بخدمة عبد ما عاش ولآخر برقبة ذلك العبد ورأى النفقة.
والكسوه على الذى أوصى له بالخدمة ورأى ما وهب للعبد للذى له الرقبة * قال على: وهذا باطل أيضا، ومن اين استحل أن يلزم الموصى له بالخدمة نفقة غير عبده وكسوته؟ ان هذا لعجب، وقال محمد بن الحسن: ومن اوصى بعتق عبده بعد موته بشهر فمات ومضى شهر لم يعتق الا بتجديد عتق (1) لانه لو جنا جناية قبل تمام الشهر كان للورثة أن يسلموه بجنايته * قال على: فإذ ملكه للورثة كما قال: فكيف يعتق عبدهم بغير رضاهم وهذا كله لا خفاء بفساده وقال مالك: من أوصى بخدمة عبده أو بغلة بستانه أو بسكنى داره أو بنفقته على انسان فكل ذلك جائز، فلو أوصى بخدمة عبده ما عاش لزيد وبرقبته لعمرو فهو
جائز قال: فلو أن الموصى له بخدمة العبد وهب لذلك العبد ما أوصى له به من خدمته أو باعها منه عتق العبد ساعتئذ ولا مدخل للورثة في ذلك * قال على: وهذا خلاف اقواله المعهودة من ان الوصية إذا لم يقبلها الموصى
__________
(1) في بعض النسخ (بتجديد عقد).
[ * ](9/325)
له بها رجعت ميراثا وهذا تناقض من قوله، وهو ايضا خلاف ما اوصى به الموصى، واطرف شئ قوله فان اعتقه الورثة لم ينفذ عتقهم فابطل عتق مالكيه باقراره واجاز عتقه بخلاف وصية الموصى بعتقه، وقال مالك: للموصى له بخدمة العبد أو بسكنى الدار: ان يؤاجرها قال: الا أن يوصى بان يخدم ابنه ما عاش ثم هو حر فهذا لا يؤاجر لانه قصد به قصد الحضانة * قال أبو محمد: وهذا تناقض وخلاف ما أوصى به الموصى من السكنى والخدمة، قال مالك: ولو أوصى له بخدمة عبده سنة وليس للموصى مال غيره فالورثة بالخيار بين أن يسلموا له خدمة العبد سنة ثم يرجع إليهم وبين أن يعطوه ثلث جميع ما تركه الموصى ملكا * قال على: وهذا خلاف الوصية جهارا، وقال مالك فيمن أوصى له بالنفقة ما عاش حسب له عمر سبعين سنة ووقف له ما ينفق عليه فيما بقى من عمره إلى تمام السبعين فما فضل رد على سائر الوصايا أو على الورثة * قال على: وهذا خطأ فاحش أول ذلك تخصيصه سبعين سنة ثم قوله: يوقف له ما ينفق عليه ما بقى من عمره إلى تمام سبعين والاسعار تختلف اختلافا فاحشا ثم النفقة أيضا شئ غير محدود لانه يدخل في النفقة ما يستغنى عنه كالتوابل واللحم وغير ذلك وكل هذه الاقوال فليس شئ منها عن قرآن ولا سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قول أحد [ نعلمه ] (1) قبلهم ولا قياس ولا معقول بل هي مخالفة لكل ذلك، وقال الشافعي: تجوز الوصية بخدمة العبد وبسكني الدار وبغلة البستان والارض وأجاز للموصى له بسكنى الدار ان يؤاجرها، وهذا تبديل
للوصية.
وأجاز الوصية بخدمة عبد لزيد وبرقبته لعمرو، وقال فمن أوصى لانسان بخدمة عبده سنة ولا مال للموصى غير ذلك العبد: انه يجوز من ذلك ما حمل الثلث فقط، وقال أبو ثور: يجوز (2) كل ذلك وان للورثة بيع العبد ويشترط على المشترى تمام الخدمة للموصى بها وان يخرجه الموصى له بخدمته إلى أي بلد شاء * قال أبو محمد: فاتفق من ذكرنا على جواز الوصية بخدمة العبد وغلة البستان وسكنى الدار ووافقهم على ذلك سوار بن عبد الله.
وعبيد الله بن الحسن العنبريان.
واسحاق ابن راهويه، وقال ابن أبى ليلى.
وأبو سليمان وجميع أصحابنا: لا يجوز شئ من ذلك * قال على: احتج من أجاز ذلك بانه كما تجوز الاجارة في منافع كل ذلك فكذلك تجوز الوصية بمنافع كل ذلك وما نعلم لهم شيئا غير هذا، وهو قياس والقايس باطل ثم هو أيضا حجة عليهم لا لهم لان الاجارة انما تجوز فيما ملك المؤاجر رقبته لا فيما لا ملك له
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 16 لا يجوز [ * ](9/326)
فيه والدار.
والعبد.
والبستان منتقلة بموت المالك لها إلى ما أوصى فيه بكل ذلك أو إلى ملك الورثة لا بد من أحدهما، وهذا باقرارهم منتقل إلى ملك الورثة ووصية المرء في ملك غيره باطل لا تحل كما أن اجارته لملك غيره لا تحل والاجارة انما هي في منافع حدثت في ملكه والوصية هي في منافع تحدث في ملك غير الموصى وهذا حرام * قال أبو محمد: قال الله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) فلم يجعل عزوجل للورثة الا ما فضل عن الدين والوصية فصح بنص القرآن ان ما أوصى به الموصى فلم يقع قط عليه ملك الورثة لكن خرج بموت الموصى إلى الوصية بنص القرآن وصح بنص القرآن ان ما ملكه الورثة فهو خارج عن الوصية فثبت انه لا وصية فيه للموصى أصلا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فصح يقينا أن ما ملكه الورثة فقد سقط عنه ملك الميت واذ لا ملك له عليه فوصاياه فيه بعتق أو بنفقة أو بغير
ذلك باطل مردود مفسوخ، وبالله تعالى التوفيق * 1758 مسألة ومن أوصى بمتاع بيته لام ولده أو لغيرها فانما للموصى له بذلك ما المعهود ان يضاف إلى البيت من الفرش المبسوطة فيه والمعلق والفراش الذى يقعد عليه والذى ينام عليه بما يتغطى فيه ويتوسده والآنية التى يشرب فيها ويؤكل والمائدة والمسامير المسمرة فيه والمناديل والطست والابريق، ولا يدخل في ذلك مالا يضاف إلى البيت من ثياب اللباس والمرفوعة والتخوت ووطاء لا يستعمل في البيت ودراهم ودنانير.
وحلى.
وخزانة وغير ذلك لانه انما يستعمل في ذلك ما يفهم من لغة الموصى وبالله تعالى نتأيد * 1759 مسألة ولا تحل وصية في معصية لا من مسلم ولا من كافر كمن أوصى ببنيان كنيسة أو نحو ذلك لقول الله تعالى: (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) ولقوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) فمن تركهم ينفذون خلاف حكم الاسلام وهو قادر على منعهم فقد أعانهم على الاثم والعدوان * 1760 مسألة ووصية المرأة البكر ذات الاب وذات الزوج البالغة والثيب ذات الزوج جائزة كوصية الرجل أحب الاب أو الزوج أو كرها ولا معنى لاذنهما في ذلك لان أمر الله تعالى بالوصية جاء عاما للمؤمنين وهو لفظ يعم الرجال والنساء ولم يخص عزوجل فيه احدا من أحد وما كان ربك نسيا، وما نعلم في ذلك خلافا من أحد وبالله تعالى التوفيق * 1761 - مسألة - ووصية المرء لعبده بمال مسمى أو بجزء من ماله جائز وكذلك(9/327)
لعبد وارثه ولا يعتق عبد الموصى بذلك ولوارث الموصى أن ينتزع من عبده نفسه ما أوصى له به فلو أوصى لعبده برقبته فالوصية باطل ولا يعتق العبد بذلك ولا شئ له، فلو أوصى لعبده بثلث ماله أعطى ثلث سائر ما يبقى من مال الموصى بعد اخراج العبد عن ماله ولا يعتق
بذلك، وقد اختلف الناس في هذا فقال الحسن.
وابن سيرين.
وابو حنيفة.
ومالك.
والشافعي: من أوصى لعبده بثلث ماله أعتق العبد من الثلث فان فضل من الثلث شئ أعطيه أيضا وكذلك ان أوصى له بجزء مشاع في ماله اقل من الثلث فيعتق ويعطى ما فضل من ذلك الجزء، ثم اختلفوا ان لم يحمله الثلث فقال الحسن.
وابن سيرين.
وأبو حنيفة: يعتق منه ما حمل الثلث ثم يعتق باقيه ويستسعى في قيمة ما فضل منه عن الثلث، وقال مالك.
والشافعي: يعتق منه ما يحمل الثلث ويبقى سائره رقيقا وكذلك أيضا عند من ذكرنا ان أوصى له برقبته أو بنفسه فلو اوصى له بشئ معين من ماله أو بمكيل أو موزون أو معدود فان أبا حنيفة وسفيان الثوري.
واسحاق بن راهويه قالوا: الوصية باطل ويشبه أن يكون هذا قول الشافعي، وقال مالك: الوصية نافذة وليس للوارث ان ينتزع ذلك، وقال الاوزاعي: الوصية للعبد باطلة بكل حال، وقال ابو ثور.
وأبو سليمان كما قلنا.
قال أبو محمد: اما من جوز الوصية للمملوك برقبته فباطل وكذلك من اجاز أن يوهب للمملوك نفسه أو رقبته أو يتصدق عليه بها أو أن يملكها وأوجب له العتق بذلك.
برهان ذلك انه لم يأت نص قرآن ولا سنة قط بأن المرء يملك رق نفسه فإذ لم يأت بذلك قرآن ولا سنة وهو (1) في العقل ممنوع لان الملك يقتضى مالكا ومملوكا وقد جاءت النصوص باباحة فرج المملوكة وبحسن الوصاة بما ملكنا فصح ان المملوك غير الملك بيقين، وأيضا فلو أن المملوك جاز أن يملك نفسه لكان حينئذ لا بد ضرورة من أحد وجهين لا ثالث لهما اما أن يعتق بملكه له نفسه (2) واما أن لا يعتق بذلك، فان قالوا: يعتق ولا بد قلنا: ومن أين قلتم هذا ونص في ذلك، فان قالوا: قياسا على من يعتق عليه من ذوى رحمه فو أولى بذلك قلنا: القياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لانه لا خلاف في افتراق حكم المرء في نفسه وحكمه في ذوى رحمه وانه يجوز له في نفسه ما لا يجوز له في ذوى رحمه فللمرء أن يؤاجر نفسه للخدمة وليس له
أن يؤاجر ذا رحمه للخدمة فبطل هذا القياس الفاسد على كل حال، ثم لوجب عتقه بذلك لكان بلا شك إذ ملك رق نفسه فقد سقط ملك سيده عنه جملة وصار العبد هو
__________
(1) في النسخة رقم 16 هو باصقاط الواو (2) في النسخة رقم 14 بملكه لنفسه.
[ * ](9/328)
المعتق لنفسه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما الولاء لمن أعتق) فبطل أن يكون الولاء في ذلك للسيد ووجب أن يكون ولاؤه لنفسه لانه هو الذى أعتق على نفسه، وهذا خلاف قولكم، وان قلتم: لا يعتق بذلك لزمكم أن تجيزوا له أن يبيع نفسه وأنتم لا تقولون بهذا فوضح (1) تناقض قولكم وفساده بلا شك، وبالله تعالى التوفيق.
فان قالوا: قد قال الله تعالى حاكيا عن موسى عليه الصلاة والسلام ومصوبا له انه: (قال رب انى لا أملك الا نفسي وأخى) قلنا: صدق الله عزوجل وصدق موسى صلى الله عليه وسلم وكذب من يحرف الكلم عن مواضعه أن موسى عليه الصلاة والسلام لم يعن قط بلا خلاف من أحد وبضرورة الحس ملك رق نفسه ورق أخيه عليهما السلام ومن قال هذا فقد كفر وسخف وتوقح ما شاء وانما عنى بلا شك ولا خلاف ملك التصرف في أمر ربه عزوجل، وهذا حق لا ينكره ذو عقل، فمن أضعف قولا وافحش جهلا ممن يحتج (2) بآية في خلاف نصها ومعناها ان هذا لامر عظيم نعوذ بالله من مثله.
فإذ قد بطل أن يملك أحد رق نفسه فقد بطل تمليكه ذلك إذ بطل تمليكه ذلك فقد بطل أن يكون له حكم نافذ غير الانكار والابطال، وصح قولنا والحمد لله رب العالمين وأما ابطال الاوزاعي الوصية لعبد جملة فخطأ ظاهر لان الله تعالى أمر بالوصية جملة ولم يخص العبد من الحر، قال تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) فكل وصية جائزة الا وصية منع منها نص قرآن أو سنة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كل ذى كبد رطبة أجر) فان قيل العبد لا يملك قلنا: بل يملك لان الله تعالى أجاز للعبد النكاح وأمر بانكاح الاماء وكلف الناكح جملة النفقة والاسكان والصداق ولا يكلف ذلك الا مالك وكل ذلك فرض على كل ناكح قال تعالى: (فانكحوهن
باذن أهلهن وآتوهن أجورهن) فأمر تعالى باعطاء الامة مهرها فصح أنه لها ملك صحيح، وقال تعالى: (وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) وهذا نص ظاهر فصح أن ملك العبيد والاماء للمال وكونهم اغنياء وفقراء كالاحرار، فان ذكروا قول الله عزوجل: (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) قلنا: لم يقل الله تعالى: ان هذه صفة كل مملوك انما ذكر من هذه صفته من المماليك وقد قال تعالى: (رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ) افترون كل أبكم فواجب لا يملك المال أصلا ولا فرق ببين النصين؟ * وبرهان صحة قولنا: ان الله تعالى لم يقل عبدا مملوكا لا يمكن أن يملك مالا انما قال: لا يقدر على شئ والله تعالى لا يقول الا الحق ونحن نرى العبيد يقدرون على أشياء كقدرة الاحرار أو أكثر فيقدرون على الصلاة والصيام والطهارة
__________
(1) في النسخة رقم 14 فصح (2) في النسخة رقم 14 ممن احتج [ * ](9/329)
والجماع والحركة وحمل الاثقال والقتال والغزو فصح ان الله تعالى لم يعن قط بتلك الآية ملك المال وانما عنى عبدا لا يقدر على شئ لضعف جسمه جملة فبطل تمويههم وبالله تعالى التوفيق * ومن العجائب ابطالهم ملك العبد لشئ من الاموال ثم ملكوه ما لا يملك وهو رقبته واما اجازة أبى حنيفة الوصي للمملوك بالجزء المشاع في المال وابطاله الوصية له بالشئ المعين أو المكيل المعين.
أو الموزون.
أو المعدود فخطأ لا خفاء به وفرق لا برهان له أصلا لا من قرآن.
ولا من سنة.
ولا رواية ساقطة.
ولا قول صاحب.
ولا تابع.
ولا قياس.
ولا رأى سديد وقد علم كل ذى حس سليم ان من أوصى لعبده بثلث ماله فان الشئ الموصى به هو غير الانسان الموصى له بذلك الشئ فصح يقينا انه لم يوص له من رقبته بشئ وانما أوصى له بجزء من ماله لا تدخل فيه رقبته، وأما قول مالك: ان الوصية جائزة وليس للوارث أن ينتزعه منه فخطأ فاحش وقول لا نعلم أحدا قاله قبله وقول لا برهان على صحته، فان قيل: انه إذا انتزعه منه صارت الوصية للوارث قلنا:
هذا باطل ما صارت قط وصية لوارث لكن هي وصية لغير وارث ثم أخذها الوارث بحق له كما يجيز مالك الوصية لزوج الابنة الفقير الذى لا شئ له ثم تأخذه الوارثة في صداقها، وفى نفقتها وكسوتها، وكما أجاز أيضا الوصية لغريم الوارث العديم ثم يأخذه الوارث في دينه فأى فرق بين الامرين؟ وبالله تعالى التوفيق * 1762 مسألة ولا تجوز وصية من لم يبلغ من الرجال والنساء أصلا، وقد اختلف الناس في هذا فروينا من طريق مالك عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقى عن أمه أن عمر بن الخطاب أجاز لها وصية غلام لم يحتلم ببئر جشم قال عمرو بن سليم: فبعتها أنا بثلاثين ألف درهم * ومن طريق ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن ابن مسعود انه اجاز وصية الصبى وقال: من أصاب الحق أجزنا، وروى ولم يصح عن أبان بن عثمان انه أجاز وصية جارية بنت تسع سنين بالثلث * وعن جابر الجعفي عن الشعبى من أصاب الحق من صغير أو كبير أجزتا وصيته * وعن ابن سمعان عن الزهري إذا عرف الصلاة جازت وصيته وان لم يحتلم الغلام والجارية سواء، وصح عن شريح.
وعبد الله بن عتبة بن مسعود.
وابراهيم النخعي اجازة وصية الصغيرين إذا أصابا الحق، وقال الليث بن سعد كقول الزهري، وأجاز مالك وصية من بلغ تسع سنين فصاعدا، وقول آخر صح عن عمر بن عبد العزيز ان من لم يبلغ الحلم فان وصيته تجوز في قرب الثلث ولا نرى أن أن تبلغ الثلث * وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عنه، وقول ثالث قاله القاضى عبيد الله بن الحسن(9/330)
العنبري وهو أنه إذا بلغ الصغيران سنا من وسط ما يحتلم له الغلمان جازت وصيتهما، وقول رابع وهو ان وصية من لم يحتلم لا تجوز وكذلك المرأة ما لم تحتلم أو تحض كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابراهيم بن أبى يحيى عن الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن ابن عباس لا تجوز وصية الغلام حتى يحتلم، وصح هذا عن الحسن البصري وابراهيم
النخعي أيضا، وهو قول أبى حنيفة.
والشافعي.
وأبى سليمان.
وأصحابهم * قال أبو محمد: اما تحديد عبيد الله بن الحسن ببلوغ من هي وسط ما يحتلم لها الغلمان ومنع عمر بن عبد العزيز من بلوغ الثلث واجازته ما قرب من ذلك.
وتخصيص مالك ابن تسع فصاعدا فاقوال لا متعلق لها بشئ أصلا وما نعلم أحدا حد ذلك قبل مالك ولعل بعض مقلديه يقول صح أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بعائشة ام المومنين وهى بنت تسع سنين فنقول له: نعم وصح أنه عليه الصلاة والسلام تزوجها وهى بنت ست سنين فأجيزوا وصية ابن ست سنين بذلك وهذا كله لا مدخل له في الوصية اصلا، وأما من اجاز وصية الصغيرين إذا أصابا الحق فانهم احتجوا بقول الله تعالى: (وافعلوا الخير) قالوا: وهذا عموم وقال تعالى في المواريث: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وهذا عموم وبالثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ سألته المرأة عن الصغير أله حج؟ فقال عليه الصلاة والسلام: نعم ولك أجر قالوا: ووجدناه يحض على الصلاة والصيام فالوصية كذلك، وقالوا: السفية والصغير ممنوعان من أموالهما في حايتهما ووصية السفية جائزة فالصغير كذلك وقالوا: هذا حكم عمر بحضره الصحابة رضى الله عنهم والرواية عن ابن عباس بخلاف ذلك لا تصح لانها عن هالكين.
ابراهيم بن أبى يحيى.
والحجاج بن أرطاة ومثل هذا لا يقال بالرأى مالهم شبهة غير ما ذكرنا، وكل ذلك لا متعلق لمالك ومن قلده بشئ منه لانهم خصوا من دون التسع بلا برهان فخالفوا كل ذلك * قال أبو محمد: وكله لا حجة لهم في شئ منه، أما قوله تعالى: (وافعلوا الخير) وقوله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) فان من لم يبلغ غير مخاطب بشئ من الشرائع لا بفرض ولا بتحريم ولا بندب ولا داخلا في هذا الخطاب لكن الله تعالى تفضل عليه بقبول اعماله التى هي أعمال البر ببدنه دون أن يلزمه ذلك، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان القلم مرفوع عن الصبى حتى يبلغ فصح أنه غير مخاطب فبطل التعلق بالآيتين المذكورتين، وأما قوله عليه الصلاة والسلام في الصغير له حج
فنعم هو حق وليس في ذلك اطلاقه على التقرب بالمال والصدقة به لا في حياته ولا في وصيته بعد وفاته فبطل تعلقهم بهذا الخبر وبالله تعالى التوفيق، والقياس(9/331)
باطل ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل لانهم لم يقيسوا الصدقة في الحياة من الصغير على الحج منه فقياس الوصية بالمال على الصدقة بالمال أولى ان يكون لو كان القياس حقا من قياس الوصية على الحج والصلاة * وأما قولهم: ان من لم يبلغ يحض على الصلاة والصيام فكذلك الوصية فباطل ايضا لانه قياس فاسد كما ذكرنا * وأما قولهم: ان الغصير.
والسفيه ممنوعان من مالهما ووصية السفيه جائزة فكذلك الصغير فهذا من أفسد ما شغبوا به لاننا لا نساعدهم على أن مسلما يعقل يكون سفيها أصلا حاش لله من ذلك انما السفيه الكافر أو المجنون الذى لا يميز لكن نقول لهم: ان الصغير والاحمق الذى لا يميز ممنوعان من مالهما ووصية الاحمق الذى لا يميز لا تجوز فالصغير كذلك، فهذا قياس أصح من قياسهم لان القضية الاولى متفق عليها وبالله تعالى التوفيق * وأما قولهم: انه فعل عمر بحضرة الصحابة رضى الله عنهم ومثله لا يقال بالرأى فلا حجة في احد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انها لا تصح عن عمر.
ولا عن ابن مسعود لان أم عمرو بن سليم مجهولة، وعمرو بن سليم لم يدرك عمر ولا يدرى من رواه عن ابن مسعود وقد خالفهما ابن عباس والرواية عنهم كلهم في ذلك لا تصح وكم قضية خالفوا فيها عمر بن الخطاب لا يعرف له فيها مخالف من الصحابة رضى الله عنهم فبطل كل ما شغبوا به وبالله تعالى التوفيق، فلما بطل كل ما احتجوا به وجدنا الله تعالى يقول: (ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التى جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا هم قولا معروفا وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) فصح بنص القرآن أن المجنون.
والصغير ممنوعان من أموالهما حتى يعقل الاحمق ويبلغ الصغير فصح أنه لا يجوز لهما حكم في أموالهما أصلا وتخصيص الوصية في ذلك خطأ، وكذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (رفع القلم
عن ثلاثة) فذكر فيهم الصغير حتى يبلغ فصح أنه غير مخاطب وبالله تعالى التوفيق (1) * 1763 مسألة ولا تجوز وصية العبد أصلا لان الله تعالى انما جعل الوصية حيث المواريث والعبد لا يورث فهو غير داخل فيمن أمر بالوصية في القرآن وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصية (من له شئ يوصى فيه) وليس لاحد شئ يوصى فيه الا من اباح له النص ذلك وليس للعبد شئ يوصى فيه انما له شئ إذا مات صار لسيده لا يورث عنه فاما من بعضه حر وبعضه عبد فوصيته كوصية الحر لانه يورث فهو داخل في عموم المأمورين بالوصية وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) إلى هنا تم الجزء الرابع من المحلى للامام ابى محمد على بن حزم الاندلسي من النسخة رقم 14 وارجو الله تعالى ان يوفقني إلى اتمام طبعه [ * ](9/332)
1764 مسألة ومن اوصى بما لا يحمله ثلثه بدئ بما بدأ به الموصى في الذكر أي شئ كان حتى يتم الثلث فإذا تم بطل سائر الوصية فان كان أجمل الامر تحاصوا في الوصية، وهذا مكان اختلف الناس فيه فروى عن ابن عمر.
وعطاء الخراساني.
وصح عن مسروق.
وشريح.
والحسن البصري.
وابراهيم النخعي وسعيد بن المسيب.
والزهرى.
وقتادة.
وسفيان الثوري.
واسحاق بن راهويه انه يبدأ بالعتق على جميع الوصايا، وقول آخر رويناه من طريق سعيد بن منصور نا جرير عن المغيرة عن ابراهيم النخعي قال: انما يبدأ بالعتق إذا كان مملوكا له سماه باسمه فأما إذا قال: أعتقوا عنى نسمة فالنسمة وسائر الوصية سواء، وهو قول الشعبى * وروينا من طريق سعيد بن منصور قال: نا أشعث بن سوار عن الشعبى قال هشيم: وسمعت ابن ابى ليلى.
وابن شبرمة يقولانه، وقول ثالث وهو انه تتحاص الوصايا العتق وغيره سواء رويناه من طريق الحجاج ابن المنهال نا حماد بن سلمة نا حماد بن زيد قال ابن سلمة: أنا قيس عن عطاء بن أبى رباح وقال ابن زيد: أنا أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين ثم اتفق عطاء.
وابن سيرين فيمن أوصى
بعتق واشياء فزادت على الثلث ان الثلث بينهم بالحصص * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا مطرف - هو ابن طريف - عن ابراهيم النخعي قال: يبدأ بالعتاقة وقال الشعبى بالحصص ومن طريق سعيد بن منصور قال هشيم: أنا يونس بن عبيد عن الحسن انه قال: يبدأ بالعتق، ثم قال بعد ذلك بالحصص وهو قول أحمد بن حنبل.
وأبى ثور.
وأحد قولى ابن شبرمة وزاد أنه يستسعى في العتق فيما فضل عن الوصية * وأما المتأخرون فان الليث بن سعد قال: يبدأ بالمدبر والمعتق بتلا في المرض ويتحاصان ان لم يحملهما الثلث ثم من بعدهما بمن أوصى بعتقه بعينه وهو في ملكه حين الوصية ثم يتحاص العتق الموصى به جملة مع سائر الوصايا، وقال الحسن بن حى: يبدأ بالمعتق بتلا في المرض ثم العتق وسائر الوصايا سواء يتحاص في كل ذلك * وقال أبو حنيفة: يبدأ بالمحاباة في المرض ثم بعده بالعتق بتلا في المرض إذا كان العتق بعد المحاباة فان أعتق في مرضه ثم حابى تحاصا جميعا فان حابى في مرضه ثم أعتق ثم حابى فللبائع المحابى أولا نصف الثلث ويكون نصف الثلث الباقي بين المعتق في المرض بتلا وبين المحابى في المرض آخرا فهذا يقدم على جميع الوصايا سواء قدم في ذلك في الذكر أو أخره فان أوصى مع ذلك بحج وعتق وصدقة ووصايا لقوم بأعيانهم قسم الثلث أو ما بقى منه بين الموصى لهم بأعيانهم وبين سائر القرب فما وقع للموصى لهم بأعيانهم دفع إليهم وتحاصوا فيه وما وقع لسائر القرب بدئ بما بدأ به الموصى في الذكر فإذا تم فلا شئ لما بقى، وقال أبو يوسف: ومحمد بن الحسن القاضى يبدأ بالعتق في المرض أبدا على المحاباة(9/333)
في المرض ثم المحاباة فان أوصى بعتق مطلق أو بعتق عبد في ملكه وبمال مسمى في سبيل الله عزوجل بصدقة وفى الحج ولانسان بعينه تحاص كل ذلك فما وقع للموصى له بعينه أخذه وسائر ذلك يبدأ بما بدأ به الموصى بذكره أولا فاولا فإذا تم الثلث فلا شئ لما بقى * وقال زفر ابن الهذيل: ان أعتق بتلافى مرضه ثم حابى في مرضه بدئ بالعتق وان حابى في مرضه ثم أعتق
بدئ بالمحاباة ثم سائر الوصايا سواء ما أوصى به من القرب وما أوصى به لانسان بعينه كل ذلك بالحصص لا يقدم منه شئ على شئ وقال مالك: يبدأ بالمحاباة والمرض ثم بالعتق بتلافى المرض والمدبر في الصحة ويتحاصان ثم عتق من اوصى بعتقه وهو في ملكه وعتق من سماه وأوصى بأن يبتاع فيعتق بعينه ويتحاصان ثم سائر الوصايا ويتحاص مع ما أوصى به من عتق غير معين وقد روى عنه ان المدبر يبدأ أبدا على العتق بتلافى المرض * وقال الشافعي: إذا أعتق في المرض عبدا بتلا بدئ بمن أعتق أولا فاولا ولا يتحاصون في ذلك ويرق من لم يحمله الثلث أو يرق منه ما يحمله الثلث والهبة في المرض مبداة على جميع الوصايا بالعتق وغيره وقال مرة أخرى: يتحاص في المحاباة في المرض وسائر الوصايا على السواء قال: وقد قيل: أن المحاباة في البيع في المرض مفسوخ لانه وقع على غرر * قال أبو محمد: أما قول أبى حنيفة.
وأبى يوسف.
ومحمد بن الحسن.
وزفر.
ومالك.
والشافعي.
والليث.
والحسن بن حى.
فظاهره الخطا لانها دعاوى وآراء بلا برهان لا من قرآن.
ولا من سنة.
ولا من رواية سقيمة.
ولا قول أحد من خلق الله تعالى نعلمه قبلهم ولا قياس ولا رأى سديد وليس لاحد أن يموه ههنا بكثرة القائلين لانهم كلهم مختلفون كما ترى وأفسدها كلها قول أبى حنيفة ثم قول مالك لكثرة تناقضهما وتفاسد اقسامهما وهى أقوال تؤدى إلى تبديل الوصية بعد ما سمعت وفى هذا ما فيه، ثم نقول وبالله تعالى التوفيق قولا جامعا في ابطال ما اتفق عليه المذكورون من تبدية العتق بتلافى المرض والمحاباة في المرض فنقول لهم: يا هؤلاء اخبرونا عن قضاء المريض في عتقه وهبته ومحاباته في بيعه أهو كله وصية أم ليس وصية ولا بد من أحدهما فان قالوا: ليس شئ منه وصية قلنا: صدقتم وهذا قولنا وإذا لم يكن وصية فلا مدخل له في الثلث أصلا لان الثلث بالسنة المسندة مقصور على الوصايا فقد أبطلتم إذ جعلتم ذلك في الثلث فان قالوا: بل كل ذلك وصية قلنا لهم: من أين وقع لكم تبدية ذلك على سائر الوصايا وابطال ما أوصى به المسلم وتبديله بعد ما سمعتموه وقد قال الله تعالى: (فمن بدله بعدما سمعه فانما اثمه على
الذين يبدلونه) واعلموا أنه لا متعلق لهم بمن روى عنه تبدية العتق من ابن عمر ومسروق.
وشريح.
والزهرى.
وقتادة.
ثم عن النخعي.
والشعبى.
والحسن.
في أحد أقوالهم(9/334)
لانه لم يأت قط عن أحد من هؤلاء ولا من غيرهم تبدية العتق في المرض في الثلث والمحاباة في المرض في الثلث على سائر الوصايا انما جاء عمن ذكرنا تبدية العتق على سائر الوصايا وعن النخعي.
والشعبى في أحد قوليهما تبدية عتق من أوصى بعتقه باسمه وعينه وهو في ملك الموصى على سائر الوصايا فقد خالف المذكورون كل من ذكرنا بآراء مخترعة في غاية الفساد، فان قالوا: وقع ذلك لنا لان العتق في المرض والمحاباة في المرض أوكد من سائر الوصايا قلنا: هذا باطل من وجهين أحدهما انه دعوى كاذبة لا دليل على صحتها من اين وجب ان تكون محاباة النصراني في بيع ثوب حرير.
أو لخليع ماجن في بيع تفاح لنقله اوكد من الوصية في سبيل الله عزوجل في ثغور مهمة ومن فك مسلم فاضل أو مسلمة كذلك أو صغار مسلمين من أسر العدو ونخاف عليهم الفتنة في الدين والفضيحة في النفس؟ ان هذا لعجب ما مثله عجب! ودعاوى فاحشة مفضوحة بالكذب، فان قالوا: العتق في المرض قد استحقه المعتق وكذلك المحاباة قلنا: فان كانا قد استحقاه فلم تردانهما إلى الثلث إذا وما هذا التخليط تارة يتسحق ذلك وتارة لا يستحق وفى هذا كفاية في فساد تلك الاقوال التى هي النهاية في الفساد نحمد الله تعالى على تخليصه ايانا من الحكم بها في دينه وعلى عباده ولم يبق الا قول من قال بتقديم العتق جملة على سائر الوصايا وهو قول من ذكرنا من المتقدمين وقول سفيان.
واسحاق * قال أبو محمد: احتج هؤلاء بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله (من اعتق رقبة اعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى فرجه بفرجه، وقالوا: من الدليل على تأكيد العتق ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انفذ عتق الشريك في حصة شريكه، وذكروا خبرا رواه بشر بن موسى عن عبد الله بن يزيد المقرى عن حيوة بن شريح عن يحيى بن
سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب قال: مضت السنة أن يبدأ بالعتق في الوصية وقالوا: هو قول ابن عمر وهو صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف، وقالوا: هو قول جمهور العلماء، وقال بعضهم: العتق لا يلحقه الفسخ وسائر الاشياء يلحقها الفسخ وقال بعضهم: لو أن أمرءا اعتق عبد غيره وباعه آخر فبلغ ذلك السيد فأجاز الامرين جميعا انه يجوز العتق ويبطل البيع ولو أن امرءا وكل رجلا بعتق عبده ووكل آخر بيعه فوقع البيع والعتق من الوكيلين معا ان العتق نافذ والبيع باطل * قال على: اما هاتان القضيتان فهو نصر منه للخطأ بالضلال وللوهم بالباطل بل ليس لسيد اجازة عتق وقع بغير اذنه ولا اجازة بيع وقع بغير أمره لان كل ذلك حرام بنص القرآن والسنة.
والاجماع قال الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) وقال(9/335)
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فمن احل الحرام فتحليله باطل وقوله مردود لكن ان أحب نفاذ عتق عبده فليعتقه هو بلفظه مبتدئا وان أحب بيعه فليبعه كذلك مبتدئا ولا بد، والتوكيل في العتق لا يجوز لانه لم يأت باجازته قرآن ولا سنة وأما التوكيل في البيع فجائز بالسنة فمن وكل بعتق عبده لم ينفذ عتقه أصلا ومن وكل في بيعه جاز ذلك، واما قولهم: العتق لا يلحقه فسخ وسائر الاشياء يلحقها فسخ فقد كذبوا وكل عقد من عتق أو غيره وقع صحيحا فلا يجوز فسخه الا أن يأتي بايجاب فسخه قرآن أو سنة والعتق الصحيح قد يفسخ وذلك من أعتق عبدا نصرانيا ثم أن ذلك العبد النصراني لحق بدار الحرب فسبى وقسم فان عتقه الاول يفسخ عندنا وعندهم فظهر فساد قولهم كله.
وأما قولهم: انه قول جمهور العلماء فقد خالفهم من ليس دونهم كعطاء.
وابن سيرين.
والشعبى والحسن.
وليس قول الجمهور حجة لانه لم يأت بذلك قرآن ولا سنة وما كان هكذا فلا يعتمد عليه في الدين.
أما قولهم: انه قول ابن عمر ولا يعرف له مخالف من الصحابة فانه عن ابن عمر لا يصح لانه من رواية أشعث بن سوار وهو ضعيف ولم يأمر الله تعالى
بالرد عند التنازع الا إلى كلامه.
وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام لا إلى كلام صاحب ولا غيره فمن رد عند التنازع إلى غير كلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تعدى حدود الله تعالى ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه قال تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر).
وأما الرواية عن سعيد ابن المسيب مضت السنة أن يبدأ بالعتق في الوصية فهذا غير مسند ولا مرسل أيضا، من أضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا فقد كذب عليه ومن كذب عليه متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ولم يقل سعيد رحمه الله: ان هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حكمه وقد يقول ابن المسيب وغيره: مثل هذا في قول صاحب، ومن أعجب ممن لا يرى قول ابن عباس باصح طريق إليه في قراءة أم القرآن في الصلاة على الجنازة انها السنة حجة ثم يرى قول سعيد بن المسيب لذلك حجة وحتى لو أن سعيد بن المسيب يقول: ان هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله لكان مرسلا لا حجة فيه * وأما احتجاجهم في تأكيد العتق بالخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن أعتق رقبة * وانفاذه عليه الصلاة والسلام عتق الشريك في حصة شريكه فهما سنتا حق بلا شك وليس فيهما الافضل العتق والحكم في فقط ولم يخالفونا في شئ من هذا وليس في هذين الخبرين أن العتق أوكد مما سواه من القرب أصلا ومن ادعى ذلك فيهما فقد كذب وقال الباطل بل قد جاء نص القرآن بالتسوية بين العتق والاطعام لمسكين قال تعالى: (وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو اطعام في يوم ذى مسغبة يتيما ذا مقربة(9/336)
أو مسكينا ذا متربة) وكذلك في كفارة الايمان وهذا كفارة حلق الرأس في الحج لمن به أذى منه لو اعتق فيه ألف رقبة ما أجزأه وانما يجزيه صيام أو صدقة أو نسك أفترى هذا دليلا على فضل النسك على العتق حاش لله من هذا؟ انما هي أحكام يطاع لها ولا يزاد فيها ما ليس فيها ثم قد جاء النص الصحيح بان بعض القرب أفضل من العتق ببيان لا اشكال فيه يكذب دعواهم في تأكيد العتق على سائر القرب * حدثنا عبد الله بن يوسف نا احمد بن فتح
نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن جعفر بن زياد نا ابراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الاعمال أفضل؟ قال: ايمان بالله ورسوله قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور) * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد ابن معاوية نا أحمد بن شعيب انا أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان قال: سمعت ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير - هو ابن الاشج - أنه سمع كريبا مولى ابن عباس يقول: سمعت ميمونة بنت الحارث هي أم المؤمنين تقول: اعتقت وليدة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لو أعطيت اخوالك كان أعظم لاجرك) فهذا نص جلى يغنى الله تعالى به عن تقحم الكذب (1) وتكلف القول بالباطل بالظن الكاذب (2) والحمد لله رب العالمين، ثم لو صح لهم ان العتق أفضل من كل قربة فمن أين لهم ابطال سائر ما تقرب به الموصى الله تعالى إيثار للعتق الذى هو اقرب؟ وهذا تحكم لا يجوز، ويلزم من قال بهذا ان يقول بما صح عن عطاء.
وابن جريج الذى رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أوصى انسان في أمر فرايت غيره خيرا منه قال: فافعل الذى هو خير للمساكين أو في سبيل الله فرأيت خيرا من ذلك فافعل الذى هو خير ما لم يسم انسانا باسمه قال ابن جريج: ثم رجع عطاء عن ذلك فقال لينفذ قوله قال ابن جريج: وقوله الاول أعجب إلى * قال أبو محمد: من أبطل شيئا مما أوصى به المسلم إيثارا للعتق فقد سلك سبيل قول عطاء الاول.
وقول ابن جريج الا أنهم جمعوا إلى ذلك تناقضا قبيحا زائدا * قال على: فإذ قد بطل قول من يرى تبدية بعض الوصايا على بعض فلم يبق الا قولنا.
أو قول من رأى التحاص في كل ذلك فنظرنا في ذلك فوجدنا من فعل ذلك فد خالف ما أوصى به الموصى أيضا بغير نص من قرآن أو سنة وهذا لا يجوز، فان قالوا: وأنتم قد خالفتم أيضا ما أوصى به الموصى قلنا: خلافنا لما أوصى غير خلافكم لانكم قد خالفتموه بغير نص من
__________
(1) في النسخة رقم 14 عن التقحم في الكذب (2) في النسخة رقم 14 وتكلف الباطل بالظن الكاذب.
[ * ](9/337)
قرآن ولا سنة ونحن خالفناه بنص القرآن والسنة، وهذا هو الحق الذى لا يجوز غيره * قال أبو محمد: فلما عرى هذا القول ايضا من البرهان لزمنا أن نأتى بالبرهان على صحة قولنا فنقول وبالله تعالى التوفيق: وجدنا الله تعالى يقول: (اطيعوا الله وأطيعوا الرسول) وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز الوصية الا بالثلث فاقل فصح يقينا أن من أوصى بثلثه فأقل انه مطيع لله تعالى فوجب انفاذ طاعة الله عز وجل، ووجدنا من أوصى باكثر من الثلث عاصيا لله عزوجل ان تعمد ذلك على علم وقصد وإما مخطئا معفوا عنه الاثم ان كان جهل ذلك وفعله باطل بكل حال ولا يحل انفاذ معصية الله عزوجل ولا امضاء الخطأ قال الله تعالى: (ليحق الحق ويبطل الباطل) ووجدنا الموصى إذا أوصى في وجه ما بمقدار ما دون الثلث فقد وجب انفاذ كل ما أوصى به كما ذكرنا فإذا زاد على الثلث كانت الزيادة باطلا لا يحل انفاذه، فصح نص قولنا حرفا حرفا كما أمر الله تعالى.
ورسوله عليه الصلاة والسلام، فان قال قائل: ومن قال هذا قبلكم قلنا له: ان كان حنيفيا أو مالكيا من قال قبل مالك وأبى حنيفة بأقوالهما في هذه المسألة الا أن بين الامرين فرقا وهو ان اقوالهما لا يوافقهما نص ولا قياس وقولنا هو نفس ما أمر به الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام وانما في هذه المسألة قول عن عشرة من التابعين وواحد من الصحابة رضى الله عنهم وهم عشرات ألوف فاين أقوال سائرهم، فكيف وقد قال بتبدية ما ابتدأ به الموصى أبو حنيفة.
والشافعي كما ذكرنا في بعض أقوالهما وما نقول هذا متكثرين بأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مستوحشين إلى سواه ولكن لنرى المخالف فساد اعتراضه وفاحش انتقاضه وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: فان لم يبدأ الموصى بشئ لكن قال فلان وفلان وفلان يعطى كل واحد منهم كذا وكذا فلم يحمل الثلث ذلك فهنا يتحاصون ولا بد لانه ليس لهم الا الثلث
فيجوز لهم ما أجازه الله تعالى ويبطل لهم ما أبطله الله تعالى، وكذلك سائر القرب وبالله تعالى التوفيق * (فصل) قال أبو محمد: قد ذكرنا في كتاب الزكاة من كتابنا هذا وفى كتاب الحج منه وفى كتاب التفليس منه ان كل من مات وقد فرط في زكاة أو في حج الاسلام أو عمرته أو في نذر أو في كفارة ظهار أو قتل أو يمين أو تعمد وطئ في نهار رمضان أو بعض لوازم الحج أو لم يفرط فان كل ذلك من راس ماله لا شئ للغرماء حتى يقضى ديون الله تعالى كلها ثم ان فضل شئ فللغرماء ثم الوصية ثم الميراث كما أمر الله عزوجل وذكرنا الحجة في ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقضوا الله فهو أحق بالوفاء فدين الله أحق أن(9/338)
يقضى) وذكرنا هنالك قول الحسن.
وطاوس باصح طريق عنهما أن حجة الاسلام.
وزكاة المال هما بمنزلة الدين، وقول الزهري: ان الزكاة تؤخذ من رأس مال الميت وكل شئ واجب فهو من جميع المال وهو قول الشافعي.
وأحمد.
وأبى سليمان وغيرهم.
وقول أبى هريرة: ان الحج والنذر يقضيان عن الميت.
وقول ابن عباس بايجاب الحج عمن لم يحج من الموتى وكذلك قول طاوس.
والحسن البصري.
وعطاء وان ذلك من رأس المال وان لم يوص بذلك وهو قول ابن المسيب.
وعبد الرحمن بن أبى ليلى.
والاوزاعي.
والحسن بن حى.
ومحمد بن أبى ليلى.
وسفيان الثوري.
والشافعي.
وأبى ثور.
واحمد.
واسحق.
وأبى سليمان.
وأصحابهم الا أن الشافعي مرة قال: تتحاص ديون الله تعالى وديون الناس، ومرة قال كما قلنا وما نعلم (1) أحدا قال بأن لا تخرج الزكاة الا من الثلث ان أوصى بها من التابعين الا ربيعة وبقى أن نذكر أقوال أبى حنيفة.
ومالك في هذه المسألة قال أبو حنيفة: ان أوصى المسلم بوصايا منها زكاة واجبة.
وحجة الاسلام انه يبدأ في الثلث بهذه الفروض سواء ذكرها أولا أو آخرا وتتحاص الفروض المذكورة ثم كما ذكرنا من أقواله في الوصايا، وقال أبو يوسف: يبدأ بالزكاة ثم بحجة الاسلام
ومرة قال كقول أبى حنيفة قال ثم بعد الزكاة والحجة المفروضة ما أوصى به من عتق في كفارة يمين وكفارة جزاء صيد وفدية الاذى يبدأ بما بدأ به بذكره من ذلك في وصيته ثم التطوع، وقال محمد بن الحسن: يبدأ من حجة الاسلام ومن الزكاة بما بدأ الموصى بذكره في وصيته، وقال مالك: يبدأ بالعتق البت في المرض.
والتدبير في الصحة ثم بعدهما الزكاة المفروضة التى فرط فيها ثم عتق عبد بعينه أوصى بعتقه وعتق عبد بعينه أوصى بأن يشترى فيعتق، ثم الكتابة إذا أوصى بأن يكاتب عبده ثم الحج ثم اقراره بالدين لمن لا يجوز له اقراره به قال: ويبدأ بالزكاة التى أوصى بها على ما أوصى به من عتق رقبة عن ظهار أو قتل خطأ أو يتحاص رقبة الظهار مع رقبة قتل الخطأ ثم ما أوصى به من كفارة الايمان قال: ويبدأ بالاطعام عما أوصى به مما فرط فيه من قضاء رمضان على النذر * قال أبو محمد: في هذا الاقوال عبرة لمن اعتبر وآية لمن تدبر أما قول أبى حنيفة فهو اطردها لخطئه واقلها تناقضا لكن يقال له: ان كانت الزكاة المفروضة وحجة الاسلام وسائر الفروض إذا فرط فيها وتبرأ من ذلك عند موته يجرى كل ذلك مجرى الوصايا فلاي شئ (2) قدمتها على سائر الوصايا فان قال: لانها أوكد قيل له: ومن
__________
(1) في النسخة رقم 16 ولا نعلم (2) في النسخة رقم 16 فلاى وجه.
[ * ](9/339)
أين صارت أوكد عندك وأنت قد أخرجتها عن حكم الفرض الذى لا يحل اضاعته إلى حكم الوصايا فبل التأكيد على قولك الفاسد ووجب أن يكون كسائر الوصايا ولا فرق ويكون كل ذلك خارجا عن حكم الوصايا وباقيا على حكم الفرض الذى لا يسع تعطيله فلم جعلتها من الثلث ان أوصى بها أيضا؟ وما هذا الخبط والتخليط بالباطل في دين الله عز وجل * واما قول أبى يوسف فآبدة في تقديمه الزكاة على الحج فان قال: الزكاة حق في المال والحج على البدن قيل: فلم أدخلته في الوصايا إذا وهلا منعت من الوصية به كما منع
من ذلك أيوب السختيانى.
والقاسم بن محمد.
والنخعي وروى أيضا عن ابن عمر، فان قيل: للنص الوارد في ذلك قيل: فذلك النص يوجب أنه من رأس المال وهو خلاف قولك الفاسد وهذا نفسه يدخل على محمد بن الحسن في تقديمه ذلك على سائر الوصايا * وأما قول مالك فأفحشها تناقضا وأوحشها وأشدها فسادا لانه قدم بعض الفرائض على بعض بلا برهان فقدم بعض التطوع على بعض الفرائض بلا برهان وصار كله لا متعلق له بشئ من وجوه الادلة أصلا مع أنه قول لا يعرف عن أحد من خلق الله تعالى قبله نعنى ذلك الترتيب الذى رتب واطرف شئ قوله اقراره لمن لا يجوز له اقراره فكيف يجوز ما هو مقر انه لا يجوز ان هذا العجب عجيب * قال على: فان قال قائل: لو كان قولكم لما شاء أحد أن يحرم ورثته ماله الا قدر على ذلك بان يضع فروضه ثم يوصى بها عند موته قلنا له: ان تعمد ذلك فعليه اثمه ولا تسقط عنه معصيته حقوق الله: تعالى إذ لم يامر الله تعالى باسقاط حقوقه من اجل ما ذكرتم ثم نقول لهم: هلا احتججتم على أنفسكم بهذا الاحتجاج نفسه إذ قلتم: ان ديون الناس من رأس المال فنقول لكم: لو كان هذا لما شاء أحد أن يحرم ورثته الا أقر في صحته لمن شاء بما يستوعب ماله ثم يظهر ذلك بعد موته ولا فرق ويقال لكم أيضا: لو كان قولكم لما شاء أحد أن يبطل حقوق الله تعالى وحقوق أهل الصدقات ويهنى ذلك ورثته الا قدر على ذلك ثم ان اعتراضهم بذلك المذكور في غاية الفساد لانه ابطال لاوامر الله تعالى وفرائضه، فان ذكروا ما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاعرفن امرءا بخل بحق الله حتى إذا حضره الموت أخذ يدغدغ ماله ههنا وههنا) قلنا: هذا حديث باطل لانه لم يسند قط ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة لانه ليس فيه سقوط حقوق الله تعالى من أجل بخله به إلى أن يموت انما فيه انكار ذلك على من فعله فقط، ونعم فهو منكر بلا شك وحقوق الله تعالى نافذة في ماله ولا بد وبالله تعالى التوفيق * 1765 - مسألة - وجائز للموصى أن يرجع في كل ما أوصى به الا الوصية بعتق(9/340)
مملوك له يملكه حين الوصية فانه ليس له أن يرجع فيه أصلا الا باخراجه اياه عن ملكه بهبة أو بيع أو غير ذلك من وجوه التمليك، وأما من أوصى بان يعتق عنه رقبة فله ان يرجع في ذلك وقد اختلف الناس في هذا * وروينا من طريق الحجاج بن المنهال نا همام بن يحيى عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن أبى ربيعة أن عمر بن الخطاب قال: يحدث الله في وصيته ما شاء وملاك الوصية آخرها، وصح عن طاوس.
وعطاء، وأبى الشعثاء جابر بن زيد.
وقتادة.
والزهرى ان للموصى ان يرجع في وصيته عتقا كان أو غيره وهو قول أبى حنيفة.
ومالك.
والشافعي، وقال آخرون: بخلاف ذلك * روينا عن ابراهيم النخعي فيمن أوصى ان مات ان يعتق غلام له فقال أليس له أن يرده في الرق وليس العتق كسائر الوصية * ومن طريق عبد الرزاق.
والضحاك بن مخلد كلاهما عن سفيان الثوري عن أبى اسحاق الشيباني عن الشعبى قال: كل صاحب وصية يرجع فيها الا العتاقة * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن شبرمة وغيره من علماء أهل الكوفة قالوا: كل صاحب وصية يرجع فيها الا العتاقة وبه يقول سفيان الثوري * قال أبو محمد: احتج المجيزون للرجوع في العتق في الوصية بأنه قول صاحب لا يعرف له مخالف من الصحابة وبأنهم قاسوه على سائر الوصايا ما نعلم لهم شيئا تعلقوا به غير هذا وكله لا متعلق لهم به، أما قولهم: انه قول صاحب لا يعرف له مخالف من الصحابة فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ورب قضية خالفوا فيها عمر ولا يعرف له مخالف في ذلك من الصحابة كقوله في اليربوع يصيبه المحرم بعناق وفى الارنب بجدى وسائر ذلك مما قد تقصيناه في مواضعه والحمد لله رب العالمين على ذلك * وأما قياسهم لذلك على سائر الوصايا فالفياس كله باطل ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل لان الحنيفيين.
والمالكيين لا يجيزون الرجوع في التدبير ولا بيع المدبر وهذه وصية بالعتق في كل حال لانه عتق لما لا يجب الا بالموت ولا يخرج الا من الثلث وهذا
صفة سائر الوصايا، واعجب شئ تبديتهم العتق على سائر الوصايا وتأكيدهم اياه وتغليظهم فيه ثم سووه ههنا بسائر الوصايا فاعجبوا لهذه الآراء وهذه المقاييس، والشافعي في أحد قوليه لا يجيز الرجوع في التدبير وهو عنده وصية بالعتق وهذا تناقض لا خفاء به، وقياس الوصية بالعتق على الوصية بالعتق أولى من قياس الوصية بالعتق على الوصية بغير العتق وكلهم لا يجيز الرجوع في العتق بالصفة البتة والوصية بالعتق عتق بصفة فعاد قياسهم عليهم فإذ قد بطل قولهم فعلينا بعون الله تعالى أن نأتى بالبرهان على صحة قولنا فنقول وبالله تعالى التوفيق قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) وكان عهده بعتعه عبده(9/341)
ان مات عقدا مأمورا بالوفاء به وما هذه صفته فلا يحل الرجوع فيه، وأما سائر الوصايا فانما هي مواعيد والوعد لا يلزم انفاذه على ما ذكرنا في باب النذر من هذا الديوان والحمد لله رب العالمين * وأما الوصية بان يعتق عنه رقبة غير معينة فانما هو أمر وهم بحسنة فلم ينفذها فله ذلك وليس عقدا وبالله تعالى التوفيق * وأما إذا أخرجه عن ملكه فقد فعل ما هو مباح له فإذ صار في ملك غيره فقد بطل عقده فيه لقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها) فان عاد إلى ملكه لم يرجع العقد لان ما بطل بواجب فلا يعود الا بنص ولا نص في عودته فلو أخرج بعضه عن ملكه بطل العقد فيما سقط ملكه عنه وبقى العقد فيما بقى في ملكه * 1766 - مسألة - ومن أوصى لام ولده ما لم تنكح فهو باطل الا أن يكون يوقف عليها وقفا من عقاره فان نكحت فلا حق لها فيه لكن يعود الوقف إلى وجه آخر من وجوه البر فهذا جائز وقد اختلف الناس في هذا فروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فيمن أوصى لامهات أولاده بأرض يأكلنها فان نكحن فهى للورثة قال: تجوز وصيته على شرطه، وقال أبو حنيفة: ان أوصى لام ولده بمال سماه على أن لا تتزوج أبدا قال: ان تزوجت فلا شئ لها وهو قول مالك * قال أبو محمد: هذا كله خطأ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب
الله فهو باطل) وهذا شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وأيضا فانه لا يعلم هل يستحق هذه الوصية أم لا الا بموتها وهى بعد الموت لا تملك شيئا ولا تستحقه، وايضا فلا يخلو من أن تكون ملكت ما أوصى لها به أو لم تملكه فان كانت ملكته فلا يجوز ازالة ملكها عن يدها بعد صحته بغير نص في ذلك وان كانت لم تملكه فلا يحل أن تعطى ما ليس لها ولا بد من أحد الوجهين، وأما ادخالها في الوقف بصفة فهذا جائز لانه تسبيل وقوف فيه عند حد المسبل وليس تمليكا لرقبة الوقف ولا يجوز أن يؤخذ منها ما استحقت من غلة الوقف قبل أن تتزوج لانها قد ملكته، فلو أوصى بذلك كانت وصيته بذلك باطلا * 1767 - مسألة - ومن أوصى بعتق رقيق له لا يملك غيرهم أو كانوا أكثر من ثلاثة لم ينفذ من ذلك شئ الا بالقرعة فمن خرج سهمه صح فيه العتق سواء مات العبد بعد الموصى وقبل القرعة أو عاش إلى حين القرعة ومن خرج سهمه كان باقيا على الرق سواء مات قبل القرعة أو عاش إليها فان شرع السهم في بعض مملوك عتق منه ما حمل الثلث بلا استسعاء وعتق باقيه واستسعى للورثة في قيمه ما بقى منه بعد الثلث فلو سماهم باسمائهم بدئ بالذى سمى أولا فاولا فإذا تم الثلث رق الباقون فلو شرع العتق في بعض مملوك أعتق كله واستسعى للورثة فيما زاد منه على الثلث فلو أعتق جزءا مسمى(9/342)
من كل مملوك منهم باسمه أعتق ذلك الجزء ان كان الثلث فاقل وأعتق باقيهم واستسعوا فيما زاد على الثلث أو فيما زاد على ما أوصى به مما هو دون الثلث، فان أعتق من كل واحد منهم باسمه أو جملة أكثر من الثلث أقرع بينهم ان أجملهم (1) فإذا تم الثلث رق الباقون الا أن يشرع العتق في واحد منهم فيعتق ويستسعى فيما زاد على الثلث ويبدأ بالاول فالاول ان سماهم باسمائهم فإذا تم الثلث رق الباقون الا من شرع فيه العتق فانه يستسعى فيما زاد منه على الثلث * برهان صحة قولنا انه إذا أعتق في وصيته الثلث من كل واحد منهم فأقل فانه لم يتعد
ما أمره الله تعالى إذ له أن يوصى بالثلث فينفذ قوله، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أوردناه في كتاب العتق من ديواننا هذا باسناده فيمن اعتق شركا له في مملوك فانه حر كله ويستسعى في حصة شريكه والورثة ههنا الشركاء للموصى فقد عتق المماليك كلهم بحكم الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام ويستسعون في صحة الورثة وبالله تعالى التوفيق * وأما إذا أعتق في وصيته جميعهم وسماهم بأسمائهم أو اعتق في وصيته أكثر من ثلث كل واحد منهم وسماهم بأسمائهم فباليقين يدرى كل مسلم ان اول من سمى منهم فانه لم يجز في ذلك ولا خالف الحق بل أوصى كما أبيح له فهى وصية بر وتقوى وهكذا حتى يتم الثلث فوجب تنفيذ وصيته لصحتها وان يستسعى المعتقون في حصص الورثة الذين هم شركاء الموصى حين وجوب الوصية ولم يعتقوا حصصهم وكان الموصى في وصيته فيما زاد على ثلثه مبطلا عاصيا مخالفا للحق ان كان عالما أو مخطئا مخالفا للحق فقط معفوا عنه ان كان غير عالم والباطل عدوان فقط أو اثم وعدوان ساقط لا يحل انفاذه قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) فوجب ابطال ما زاد على الثلث كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * وأما إذا أجمل في وصيته عتقهم أو أجمل عتق ما زاد على الثلث من كل واحد منهم في وصيته فبالضرورة والمشاهدة يدرى كل مسلم انه خلط الوصية بعتق من لا يجوز له أن يوصى بعتقه مع الوصية بعتق من لا يحل له ان يوصى بعتقه ولا يدرى غير الله تعالى أيهم المستحق للعتق وأيهم لا فصاروا جملة فيها حق لله تعالى في أحرار أو في حر لا يعرف بعينه، وفيها حق للورثة في رقيق لا يعرف بعينه فلا بد من القسمة ليميز حق الله تعالى من حق الورثة كما أمر الله عزوجل أن يعطى كل ذى حق حقه ولا سبيل إلى تمييز الحقوق والانصباء في القسمة الا بالقرعة فوجب الاقراع بينهم فايهم خرج عليه سهم العتق علمنا انه الذى استحق العتق بموت الموصى وانه هو
__________
(1) في النسخة رقم 16 ان شملهم [ * ](9/343)
حق الله تعالى من تلك الجملة مات قبل القرعة أو لم يمت وأيهم خرج عليه سهم الرق علمنا أنه لم يوص فيه الموصى وصية جائزة وانه هو حق الورثة من تلك الجملة قد ملكوه بموت الموصى مات قبل القرعة أو لم يمت، فان شرع العتق في مملوك أعتق واستسعى فيما زاد منه على ما عتق بالقرعة لان الورثة شركاء الموصى فيه وهكذا كل ما أوصى فيه بالثلث فاقل من حيوان أو عقار أو متاع ولا بد من تمييز حق الوصية من حق الورثة ولا يكون ذلك الا بتعديل القيمة والقرعة، وقد جاء ايضا في هذا أثر صحيح يؤكد ما قلنا ولو لم يأت لكان الحكم ما وصفنا لما ذكرنا من وجوب تمييز حق الوصية من حق الورثة وبالله تعالى التوفيق * روينا من طريق مسلم نا اسحاق بن ابراهيم وهو ابن راهويه وابن ابى عمر كلاهما عن الثقفى هو عبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب السختيانى عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن الحصين أن رجلا أوصى عند موته فاعتق ستة مملوكين له لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فاعتق اثنين وارق أربعة، وقال له قولا شديدا، وقد اختلف الناس في هذا ونقول.
اننا لم نجد لاحد من الصحابة رضى الله عنهم ولا لاحد من التابعين رحمهم الله في الوصية بالعتق فيما هو اكثر من الثلث شيئا الا لعطاء وجده فيمن اوصى بعتق ثلث عبد له لا مال له غيره فانه يعتق كله ويستسعى للورثة في قيمة ثلثيه * ومن طريق ابن أبى شيبة نا هشيم عن اسماعيل بن سالم عن الشعبى قال: من اوصى بعتق مملوك له فهو من الثلث فان كان أكثر من الثلث سعى فيما زاد وهو قولنا، وأما سائرهم فانما وجدنا عنهم من أعتق من ثلثه (1) عند موته ونحن ممن لا يعطى نصوص الروايات نصا مما يحرفها عن مواضعها وقد اعاذنا الله تعالى من ذلك والحمد لله على نعمه كثيرا: وقد يمكن لهم في الوصية قول غير قولهم فيمن اعتق عند موته ومن منع من ذلك عنهم فقد قفا ما لا علم له به وأوقع نهى الله تعالى له عن ذلك واستسهل الكذب والقطع بالظن، وأما نحن فلا نورد الا ما روينا ولا نحكى ما لم نسمع ولا نخبر بما لم يبلغنا وحاش لله من هذا الرتبة المهلكة في الدنيا والآخرة
وسنذكر الروايات التى بلغنتا في ذلك ان شاء الله تعالى أثر تمام هذه المسألة في مسألة حكم المريض ومن حضره الموت في ماله وبالله تعالى التوفيق، فإذا الامر كما ذكرنا فلنذكر ما وجدنا عن المتأخرين المصرحين بما قالوا في حكم الوصية بعتق أكثر من الثلث قال أبو حنيفة: من أوصى بعتق مماليك له (2) لا يملك غيرهم وكانوا أكثر من الثلث اعتقوا كلهم واستسعوا جميعهم فيما زاد من قيمتهم على مقدار ثلث الموصى، وقال
__________
(1) في النسخة رقم 16 (من أعتق أكثر من ثلثيه) (2) في النسخة رقم 16 مماليكه [ * ](9/344)
مالك: من أوصى بعتق جزء من عنده لم يعتق منه الا ما اوصى بعتقه فقط ورق باقيه سواء حمله الثلث كله أو قصر عنه فان لم يحمل الثلث ما أوصى بعتقه لم يعتق منه الا ما حمل الثلث مما أوصى بعتقه منه ورق سائره فان أوصى بعتق عبيده أو دبرهم فانه يعتق من كل واحد منهم ما حمله الثلث فقط ويرق سائره فلو دبر في صحته أو في مرضه بدئ بالاول فالاول على رتبة تدبيره لهم فإذا تم الثلث رق الباقون ورق باقى من لم يحمل الثلث جميعه، وقال الشافعي: من أوصى بعتق رقيق له لا يحملهم الثلث قوموا ثم أقرع بينهم فاعتق منهم ما حمله الثلث ورق سائرهم ويرق باقى من لم يحمل الثلث جميعه.
قال أبو محمد: أما قول الشافعي فاقتصر على خبر عمران بن الحصين الذى ذكرنا وترك خبر الاستسعاء وقد ذكرناه باسناده في كتاب العتق من ديواننا هذا ولا يجوز ترك شئ من السنن الثابتة * وأما قول مالك فمخالف لجميع السنن الواردة في ذلك لا بحديث القرعة الذى رواه عمران اخذ ولا بحديث ابى هريرة.
وابن عمر في التقويم على من أعتق شركا له في مملوك أخذ، والموصى شريك للورثة في العبد الذى أعتق وفى الاستسعاء وهذا لا يجوز البتة.
وأما أبو حنيفة فاقتصر على حديث الاستسعاء وخالف خبر عمران بن الحصين ولا يجوز ترك شئ من السنن الثابتة واعتلوا في رد خبر عمران بن الحصين بأشياء فاسدة منها أنهم قالوا: لو كانت القرعة تستعمل كما قضى بها على باليمين في الولد الذى ادعاه ثلاثة رجال
فألحقه بالذى خرج سهمه عليه ثم نسخ ذلك وأجمع المسلمون على تركه * قال أبو محمد: وقد كذبوا ما نسخ ذلك قط وكيف يجمع المسلمون على تركه وقد قضى به على رضى الله عنه باليمين وأقره النبي عليه الصلاة والسلام وعلمه ومات عليه الصلاة والسلام إلى نحو ثلاثة أشهر فمن ذا الذى نسخ ذلك ولعنة الله على كل اجماع يخرج عنه على ابن أبى طالب ومن بحضرته من الصحابة، وما وجدنا عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم ولا من التابعين انكارا لفعل على في ذلك وحكمه، فمن أكذب من أصحاب هذه الدعاوى؟ والعجب كله في مخالفتهم حكم على بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ثابت صحيح وأخذهم في المسألة نفسها برواية فاسده لا تصح نسبت إلى عمر رضى الله عنه من الحاقه الولد بأبوين والقرآن والسنة والمعقول يبطل ذلك * وقالوا: ان من أخذ بحديث عمران بن الحصين في القرعة قد خالفه فيمن بدأ بعتق الاول في وصيته فكذبوا ما خالفنا خبر عمران لانه ليس في خبر عمران أنه بدأ بالوصية باسمائهم اسما اسما وانما لفظه انه يقتضى عتقه لهم بالوصية جملة واحدة لم نتعد لفظ الخبر إلى ما ليس فيه، وقالوا: وجدنا حديث عمران بن الحصين مضطربا فيه فمرة رواه أبو قلابة عن أبى المهلب عن عمران ومرة رواه عن(9/345)
أبى زيد ان رجلا من الانصار * قال أبو محمد: فكان ماذا وما يتعلل بهذا الا قليل الحياء رواه أبو قلابة عن أبى زيد وهو مجهول فلم يحتج به، ورواه عن أبى المهلب عن عمران بن الحصين فاسند وثبت فاخذنا به، وأى نكرة في رواية رجل من أهل العلم خبرا واحدا من عشر طرق منها صحيح ومنها مدخول، وكل خبر في الارض فانه ينقله الثقة وغير الثقة فيؤخذ نقل الثقة ويرك ما عداه، وقالوا: وجدنا عتق عبيده بالوصية قد كان مالكا الثلث جميعهم واذ ذلك كذلك فقد عتق ثلث كل واحد منهم بالحق فلا يجوز ان يرق من وقع عليه العتق فقلنا: صدقتم الا أن هذا الموصى بعتق جميعهم لم يعتق قط ثلث كل واحد منهم انما أعتقهم جملة فكان فعله
ذلك جامعا لباطل وحق فلم يمكن انفاذ ذلك ومعرفته الا بالقرعة وما وقع العتق قط على جميعهم لكن على بعضهم دون بعض فلم يكن بد من القرعة في تمييز ذلك ونسألهم ههنا عمن اوصى بجميع غنمه ولا مال له غيرها أو بجميع خيله ولا مال له غيرها أو بجميع عبيده في أهل الجهاد في الثغور ولا مال له غيرهم أينفذون ذلك برغم الورثة فينسلخوا عن الاسلام أم يبطلون وصيته فيفسقوا أم يقسمون الثلث للوصية والثلثين لورثته بالقرعة؟ وهذا الذى أنكروا وقالوا: لما تساووا كلهم في السبب الموجب للعتق دون تفاضل لم يجز ان يحابى بانفاذه بعضهم دون بعض فقلنا: كذبتم ما استووا قط في السبب الموجب للعتق لان ذلك السبب هو الوصية بعتقهم وقد وقعت في بعضهم بحق وجب تنفيذه وفى بعضهم بحرام لا يحل تنفيذه وهو ما زاد على الثلث فلم يكن بد في تمييز ذلك من القرعة وقالوا: يحتمل أن يكون قول عمران فاعتق اثنين أي شائعين في الجميع كما يقول في كل اربعين شاة شاة يعنى شائعة في الجميع.
وذكروا اخبارا لا تصح فيها فاعتق الثلث فقلنا: جمعتم في هذا الكذب والمجاهرة به لان في حديث عمران وارق أربعة فبطل ما رمتم اقحامه في الخبر، وما كانت الشاة قط شائعة في الاربعين بل واحده بغير عينها أيها أعطى مما فيه وفاء فقد ادى ما عليه، وقالوا: هذا قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم وليس عموم اسم يتناول ما تحته فنقول لهم: هلا قلتم هذا لانفسكم إذ جعلتم الخطبة فرضا في الجمعة وهو فعل لا عموم اسم واذ قضيتم بجواز الوضوء بالنبيذ في خبر مكذوب (1) ثم هو فعل وليس عموم اسم لا يحتمل قولهم هذا الا تجويز النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كفر مجرد، وقالوا: هذا من باب القمار.
والميسر * قال أبو محمد: وهذا كفر مكشوف مجرد من نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم انه حكم
__________
(1) في النسخة رقم 14 بخبر كاذب [ * ](9/346)
بالقمار.
والميسر ونحن براء منه وكفى قال الله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك
فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) فنحن حكمناه عليه الصلاة والسلام فيما شجر بيننا ثم لم نجد في أنفسنا حرجا مما قضى وسلمنا تسلميا، وهم لم يحكموه فيما شجر بينهم ثم وجدوا في أنفسهم الحرج مما قضى ولم يسلموا تسليما فتبا لهم وسحقا، وقالوا: هذا من أخبار الآحاد ولا يجوز أن يعترض به على الاصول فقلنا: هذا ابرد مما أتيتم به وما علمنا في الدين أصولا الا القرآن وبيانه مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء بنقل ثقة عن مثله مسندا أو بنقل تواتر، وأما فرقكم فضلال ودعوى كاذبة وافك مطرح (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) فبطل كل ما موهوا به والحمد لله رب العالمين * 1768 مسألة ومن أوصى بعتق مملوك له أو مماليك وعليه دين لله تعالى أو للناس فان كان ذلك الدين محيطا بماله كله بطل كل ما أوصى به من العتق جملة وبيعوا في الدين * برهان ذلك قول الله تعالى في المواريث: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وحكم الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام ان الوصية لا تجوز في أكثر من الثلث فيما يخلفه (1) الموصى وان للورثة الثلثين أو ما فضل عن الوصية ان كانت أقل من الثلث فصح ضرورة ان الوصية لا تكون الا بعد اداء الدين وكان الدين واجبا للغرماء فصح أن من أحاط الدين بجميع ما ترك فانه لم يتخلف ما لا يوصى فيه وان ما تخلفه انتقل إلى ملك الغرماء أثر موته بلا فصل وليس لاحد ان يوصى في مال غيره فبطلت الوصيه لذلك، وهذا قول (2) مالك.
والشافعي.
وأبى سليمان.
واصحابهم، وقال أبو حنيفة: يسعى في قيمته للغرماء ويعتق وهذا باطل لما ذكرنا، وموهوا في الاحتجاج بخبر ليس فيه للوصية ذكر وانما فيه ان رجلا أعتق عند موته عبدا وعليه دين وليس له مال غيره فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسعى في قمته وهذا خبر لو صح لم يكن لهم فيه حجة أصلا لانه ليس فيه حكم الوصية انما فيه حكم من أعتق في حياته عند موته، فان قالوا: الامر سواء في كلا الامرين قلنا: هذا باطل لانه قياس والقياس كله باطل ثم لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل لان بين الوصية وبين فعل الحى علة تجمع بينهما على ما نذكر بعد هذا ان شاء
الله تعالى فكيف وهو خبر مكذوب لا يصح رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم أنا حجاج هو ابن أرطاة عن العلاء بن بدر عن أبى يحيى المكى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجاج بن أرطاة وهو مطرح، وثالثها عن العلاء بن بدر وهو هالك متروك.
ورابعها
__________
(1) في النسخة رقم 16 (من ثلث ما تخلفه) (2) في النسخة رقم 14 (وهو قول) [ * ](9/347)
انه عن أبى يحيى المكى وهو مجهول، ولا يحل الاخذ في دين الله تعالى بما هذه صفته * قال أبو محمد: فلو أوصى بعتق مملوك له أو مماليك وعليه دين لا يحيط بما ترك وكان يفضل من المملوك فضلة عن الدين وان قلت أعتق من أوصى بعتقه ويسعى للغرماء في دينهم ثم عتق منه ثلث ما بقى بلا استسعاء واستسعى للورثة في حقهم * برهان ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بانفاذ عتق من أعتق شركا له في مملوك وان يستسعى المملوك المعتق لشريك معتقه وهذا الموصى بعتقه للموصى فيه حق وقد شركه الغرماء والورثة فيعتق ويسعى، فان كانوا أكثر من واحد أقرع بينهم فمن خرج للدين رق ومن خرج للوصية عتق ورق الباقون الا أن يشرع بينهم للعتق في مملوك فيعتق ما بقى منه بالاستسعاء لما ذكرنا في المسألة التى قبل هذه وبالله تعالى التوفيق * (تم كتاب الوصايا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وسلم) بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب فعل المريض مرضا يموت منه أو الموقوف للقتل.
أو الحامل.
أو المسافر في أموالهم قال أبو محمد: كل من ذكرنا فكل ما انفذوا في أموالهم من هبة أو صدقة أو محاباة في بيع أو هدية.
أقر اقرار كان كل ذلك لوارث أو لغير وارث أو اقرار بوارث أو عتق.
أو قضاء بعض غرمائه دون بعض كان عليهم دين أو لم يكن فكله نافذ من رءوس أموالهم كما قدمنا في الاصحاء الآمنين المقيمين ولا فرق في شئ أصلا، ووصاياهم كوصايا الاصحاء ولا فرق *
برهان ذلك قول الله تعالى: (وافعلوا الخير) وحضه على الصدقة واحلاله البيع وقوله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم) ولم يخص عزوجل صحيحا من مريض ولا حاملا من حائل ولا آمنا من خائف ولا مقيما من مسافر وما كان ربك نسيا، ولو أراد الله تعالى تخصيص شئ من ذلك لبينه على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام فإذ لم يفعل فنحن نشهد بشهادة الله عزوجل الصادقة انه تعالى ما أراد قط تخصيص أحد ممن ذكرنا والحمد لله رب العالمين * وقد اختلف الناس في ذلك فروينا من طريق مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين أن أبا بكر نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة فلما حضرته الوفاة قال لها: انى كنت نحلتك جاد عشرين وسقا من مالى بالغابة فلو كنت فلو كنت جددتيه وحزيته كان لك وانما هو اليوم مال الوارث فاقتسموه على كتاب الله تعالى * ومن طريق ابن أبى شيبة نا وكيع عن هشام الدستوائى عن قتادة عن الحسن(9/348)
عن ابن مسعود فيمن أعتق عبدا في مرض موته (1) ليس له مال غيره قال: يعتق ثلثه * وبه إلى ابن ابى شيبة نا حفص عن حجاج هو ابن ارطاة عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال: اعتقت امرأة جارية ليس لها مال غيرها فقال ابن مسعود: تسعى في ثمنها * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الرحمن بن عبد الله عن القاسم بن عبد الرحمن قال: اشترى رجل جارية في مرضه فاعتقها عند موته فجاء الذين باعوها يطلبون ثمنها فلم يجدوا لها مالا فرفعوا ذلك إلى ابن مسعود فقال لها: اسعى في ثمنك * ومن طريق ابن أبى شيبة نا حفص عن حجاج بن ارطاة عن قتادة عن الحسن قال: سئل على عمن أعتق عبدا له عند موته وليس له مال غيره وعليه دين؟ قال: يعتق ويسعى في القيمة، واما من بعدهم فصح عن قتادة أن من أعتق مملوكا له عند موته ليس له غيره وعليه دين فانه حر ويسعى في ثمنه فان لم يكن عليه دين استسعى في ثلثى ثمنه، وصح هذا أيضا عن ابراهيم، وصح عن عطاء بن أبى رباح.
وعبيد الله بن أبى يزيد من أعتق عند موته ثلث عبد له أقيم في ثلثه
وعتق كله وصح عن الشعبى من أعتق ولد عبده عند موته نفذ واستسعى في ثلث قيمته، وصح عنه أيضا من أعتق عبده عند موته وليس له مال غيره فانه يقوم قيمة عدل ثم يسعى في قيمته، وصح عن شريح فيمن أعتق مملوكا له عند موته لا مال له غيره انه يعتق ثلثه ويستسعى في ثلثى قيمته، وعن الحسن أيضا مثل هذا، وعن عطاء أيضا.
وسليمان بن موسى وبه يقول أبو حنيفة.
وسفيان الثوري.
وابن شبرمة.
وعثمان البتى.
وسوار بن عبد الله.
وعبيد الله ابن الحسن * وقول آخر رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا يونس هو ابن عبيد عن الحسن.
وابراهيم: والشعبى انهم كانوا يقولون إذا لم يكن على المعتق دين أعتق الثلث واستسعى في الثلثين فان كان عليه دين اكثر من قيمة المملوك المعتق بيع الا ان يكون الدين أقل من قيمته بدرهم واحد فما سواه فإذا كان كذلك وقعت السعاية * وقول ثالثا رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني داود بن أبى عاصم قال: سمعت سعيد بن المسيب سئل عمن مات وليس له الا غلام فأعتقه؟ فقال سعيد: انما له ثلثه فيقوم العبد قيمته فيستسعى في الثلثين فله من نفسه يوم ولهم يومان * وقول رابع رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى كتب عمر بن عبد العزيز فيمن عليه دين وليس له الا عبد فاعتقه عند موته انه يباع ويقضى الدين * وقول خامس رويناه من طريق ابن وهب عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد الانصاري قال: أدركت مولى لسعيد ابن بكر اعتق ثلث رقيق له نحو عشرين فرفع امرهم إلى ابان بن عثمان فقسمهم أثلاثا فاقرع بينهم
__________
(1) في النسخة رقم 14 في مرضه [ * ](9/349)
فاعتق ثلثهم، وصح عن ابن جريج عتق ثلثهم بالقرعة والقيمة، وعن مكحول عتق ثلثهم بالقرعة بالعدد دون تقويم وسواء خرج في العتق أقلهم قيمة أو أكثرهم ينفذ عتقه، فهذه أقوال المتقدمين * وأما المتأخرون فقد ذكرنا قول أبى حنيفة انه لا يرى القرعة أصلا ولا الارقاق لكن يعتق الثلث بلا استسعاء ويعتق الثلثان بالاستسعاء، وقال مالك:
ان أعتق في مرضه بتا اعتق الثلث بالقرعة والقيمة ورق الثلثان سواء اعتقهم في كلمة واحدة أو اعتقهم واحدا بعد واحد بأسمائهم، وقال الشافعي: من أعتق في مرضه الذى يموت منه عبيدا له بتلا وكانوا اكثر من ثلاثة فان كان أعتقهم بأسمائم واحدا واحدا أعتق من سمى أولا فأولا فإذا تم الثلث بالقيمة رق الباقون وان شرع العتق في واحد كان باقيه رقيقا وان كان أعتقهم في كلمة واحدة قوموا ثم أقرع بينهم فأعتق الثلث ورق الثلثان كما ذكرنا ايضا، فهذه أقوال في العتق في المرض، وأما ما سوى العتق فروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن الشعبى في الرجل يبيع ويشترى وهو مريض قال: هو في الثلث وان مكث عشر سنين قال الشعبى: وكان يرى ما صنعت الحامل في حملها وصية من الثلث * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم.
وجرير كلاهما عن المغيرة عن الشعبى قال جرير في روايته: إذا أعطى الرجل العطية حين يضع رجله في الغرز للسفر فهو وصية من السفر، وقال هشيم في روايته: إذا وضع المسافر رجله في الغرز فما صنع في شئ فهو من الثلث * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال لى عطاء: ما صنعت الحامل في حملها فهو وصية قلت لعطاء: أرأى أم شئ سمعته؟ قال: بل سمعناه * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: ما صنعت الحامل في حملها فهو وصية، وقال معمر: وأخبرني من سمع عكرمة يقول مثل ذلك * ومن طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد الانصاري انه سمع القاسم بن محمد يقول: ما أعطت الحامل فثلثه لزوجها أو لبعض من يرثها في غير الثلث وذلك إذا لم تكن مريضة * وبه إلى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال جابر: للحامل ما أعطت ما لم يخف عليها، قال يونس: وقال ربيعة: يجوز عطاؤها ما لم تثقل أو يحضرها نفاس، قال ابن وهب: وأخبرني رجال من أهل العلم عن سعيد بن المسيب.
ويحيى بن سعيد الانصاري.
وابن حجيرة الخولانى مثل ذلك، وقال ابن وهب: وأخبرني يونس عن ابن شهاب انه قال في مسجون في قتل أو في جرح أو خرج إلى صف
أو يعذب أنه لا يجوز له من ماله الا ما يجوز للموصى * ومن طريق سعيد بن منصور عن محمد بن أبان عن النخعي قال: الحامل إذا ضربها الطلق فوصيتها يعنى ان فعلها من الثلث(9/350)
وروى عن الحسن.
ومكحول ان فعل الحامل من رأس مالها * وعن سعيد بن المسيب ما أعطاه الغازى فمن الثلث، وقال مكحول: من رأس ماله ما لم تقع المسايفة * وعن الحسن في المحبوس ان فعله من الثلث، وقال في راكب البحر ومن كان في بلد وقد وقع فيه الطاعون: ان عطيته من رأس ماله، وقال مكحول كذلك في راكب البحر ما لم يهج البحر فهذه أقوال السلف المتقدم، أما في العتق فروى فيه ما ذكرنا عن على.
وابن مسعود، وصح عن قتادة.
وعطاء وعبيد الله بن أبى يزيد.
والنخعي.
والشعبى.
وشريح.
والحسن وعمر بن عبد العزيز.
وأبان بن عثمان.
وسعيد بن المسيب ان عتق المريض من الثلث، ثم اختلفوا في الحكم في ذلك كما ذكرنا، وأما غير العتق فكما ذكرنا في المسافر عن الشعبى، وفى الغازى عن سعيد بن المسيب وخالفهما ابراهيم.
ومكحول ما لم تقع المسايفة، وفى المريض عن الشعبى.
وفى الحامل عن عطاء وذكر أنه سمعه * وعن قتادة.
وعكرمة وخالفهم القاسم بن محمد.
ومكحول.
والزهرى، وقال النخعي: إذا ضربها الطلق، وروى عن سعيد بن المسيب.
وابن حجيرة، وصح عن ربيعة ما لم تثقل، وفى المسجون عن الحسن.
والزهرى وخالفهما اياس بن معاوية، وعن مكحول في راكب البحر إذا هال البحر، وروى خلاف ذلك عن بعض السلف كما روينا من طريق حماد بن سلمة أنا يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين ان امرأة رأت في منامها فيما يرى النائم انها تموت إلى ثلاثة أيام فأقبلت على ما بقى [ عليها ] (1) من القرآن فتعلمته وشذبت مالها وهى صحيحة فلما كان اليوم الثالث دخلت على جاراتها فجعلت تقول: يا فلانة استودعتك الله وأقرأ عليك السلام فجعلن يقلن لها: لا تموتين اليوم لا تموتين ان شاء الله فماتت فسأل زوجها أبا موسى الاشعري؟ فقال له أبو موسى: أي امرأة كانت
امرأتك؟ قال: ما أعلم أحدا احرى أن يدخل الجنة منها الا الشهيد ولكنها فعلت ما فعلت وهى صحيحة فقال أبو موسى: هي كما تقول فعلت ما فعلت وهى صحيحة فلم يرده أبو موسى * ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى.
وعبيد الله بن عمير عن نافع.
ويحيى بن سعيد الانصاري أن رجلا رأى فيما يرى النائم أنه يموت إلى ثلاثة ايام فطلق نساءه تطليقة تطليقة وقسم ماله فقال له عمر بن الخطاب: أجاءك الشيطان في منامك فأخبرك أنك تموت إلى ثلاثة ايام فطلقت نساءك وقسمت مالك؟ رده ولو مت لرجمت قبرك كما يرجم قبر ابى رغال فرد ماله ونساءه، وقال له عمر: ما أراك تلبث الا يسيرا قال فمات في اليوم الثالث (2) * ومن طريق ابن أبى شيبة نا على بن مسهر نا اسماعيل
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 14 في ذلك اليوم [ * ](9/351)
ابن أبى خالد عن الشعبى عن مسروق انه سئل عمن أعتق عبدا له في مرضه ليس له مال غيره قال مسروق: أجيزه شئ جعله لله تعالى لا أرده، وقال شريح: أجيز ثلثه واستسعيه في ثلثيه قال الشعبى: قول مسروق أحب إلى في الفتيا وقول شريح أحب إلى في القضاء * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر قال: كتب عمر بن عبد العزيز في الرجل يتصدق بماله كله قال إذا وضعه في حق فلا أحد (1) أحق بماله منه وإذا أعطى الورثة بعضهم دون بعض فليس له الا الثلث * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن ابن أبى ليلى عن الحكم بن عتيبة عن ابراهيم النخعي قال: إذا ابرأت المرأة زوجها في مرضها من صداقها فهو جائز قال سفيان: لا يجوز * قال أبو محمد: فهذا أبو موسى الاشعري يجيز فعل من أيقن بالموت وهو في أشد حال من المريض وهى أيضا ذات زوج غير راض بما فعلت في مالها كله، وهذا عمر بن الخطاب رد فعل من أيقن بالموت ولم يجز مثله لا ثلثا ولا غيره، وهذا مسروق باصح طريق ينفذ ما فعله المريض في ماله كله متقربا إلى الله عزوجل ومال إليه الشعبى في الفتيا * وعن ابراهيم
جواز فعل المريض من رأس ماله * وأما المتأخرون فان أبا حنيفة قال: ليس للمريض أن يقضى غرماءه بعضهم دون بعض.
وأما محاباته في البيع.
وهبته.
وصدقته.
وعتقه كل ذلك من الثلث الا أن المعتق يستسعى في ثلثى قيمته ان لم يحمله الثلث قال: فان أفاق من مرضه جاز ذلك كله من رأس ماله (2) قال: وكذلك الحامل إذا ضربها وجع الطلق وما لم يضربها فكالصحيح في جميع مالها والواقف في الصف فكالصحيح في جميع ماله قتل أو عاش، قال: والذى يقدم للقتل في قصاص أو رجم في زنا كالمريض لا يجوز فعله الا في الثلث قال: فان اشترى ابنه وهو مريض فان خرج من ثلثه عتق وورثه وان لم يخرج من ثلثه لم يرثه، وقال أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن: بل يرثه الا أنه يسعى فيما يقع من قيمته للورثة فيأخذونه، وقالوا كلهم: انما ذلك في المرض المخيف كحمى الصالب.
والبرسام.
والبطن.
ونحو ذلك، وأما الجذام.
وحمى الربع.
والسل ومن يذهب ويجئ في مرضه فافعاله كالصحيح، وقال مالك: ليس للمريض أن يقضى بعض غرمائه دون بعض قالوا: والحامل ما لم تتم ستة أشهر فكالصحيح فإذا اتمتها فأفعالها في مالها من الثلث وهو قول الليث قال: والمريض.
والزاحف في القتال صدقتهما ومحاباتهما في البيع وهبتهما وعتقهما في الثلث.
وقال فيمن اشترى ابنه في مرضه وفى صفة المرض كقول أبى حنيفة سواء سواء، وقال الشافعي.
وسفيان الثوري: للمريض أن يقضى غرماءه
__________
(1) في النسخة رقم 16 ما احد (2) في النسخة رقم 14 من راس المال [ * ](9/352)
بعضهم دون بعض وقالا جميعا في الحامل كقول أبى حنيفة، وهو قول الاوزاعي، وقال الشافعي، والثوري.
والاوزاعي في أفعال المريض كقول أبى حنيفة.
ومالك، وكذلك في صفة المريض، وقال في الاسير يقدم للقتل والمقتحم في القتال ومن كان في أيدى قوم يقتلون الاسرى مرة انهم كالمريض ومرة أخرى انهم كالصحيح إذ قد يسلمون من القتل، وقال الحسن بن حى.
والثوري: إذا التقى الصفان فافعالهم كالمريض،
وقال عبيد الله بن الحسن: وأحمد واسحاق: افعال المريض في ماله من الثلث، وقال ابو سليمان: أفعال المريض كلها من رأس ماله كالصحيح وكذلك الحامل وكل من ذكرنا حاش عتق المريض وحده فهو من الثلث أفاق أو مات * قال أبو محمد: أما قول أبى حنيفة.
ومالك فيمن يشترى ابنه في مرضه فقول لا نعلمه لاحد من أهل الاسلام قبلهما بل قد قال على بن أبى طالب ك انه يشترى من مال أبيه بعد الموت ويرث كسائر الورثة.
وان في قولهما هذا لاعجوبة لانه لا يخلو شراؤه لابنه من أن يكون وصية أو لا يكون وصية فان كان وصية فلا يجب أن يرث اصلا حمله الثلث أو لم يحمله لانها وصية لوارث وان كان ليس وصية فينبغي أن يرث كسائر الورثة ولا فرق وان قولهما ههنا لفى غاية الفساد ومخالفة النصوص: وأما قول مالك.
والليث في الحامل فقول ايضا لا نعلمه (1) عن أحد قبلهما وأطرف شئ احتجاج بعضهم لهذا القول بقول الله تعالى: (حملته حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت) فقلنا: يا هؤلاء ومن لكم بان الاثقال هو ستة أشهر؟ ثم هبكم أنه اثقال لا ما قبله فكان ماذا، ومن أين وجب منعها من التصرف في جميع مالها إذا أثقلت؟ وكذلك قولهم في التفريق بين الامراض فانه لا يعرف عن صاحب ولا تابع أصلا ولا في شئ من النصوص فحصل قولهم لا حجة له أصلا لا من قرآن ولا من سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قول صاحب.
ولا قياس، ولا نظر، ولو أن امرءا ادعى عليهم خلاف اجماع كل من تقدم في هذه الآقوال لكان أقرب إلى الصدق من دعواهم خلاف الاجماع فيما قد صح فيه الخلاف كما أوردنا عن مسروق.
والشعبى.
وغيرهما وما نعلم لهم حجة أصلا الا أنهم قالوا: نقيس ذلك على الوصية فقلنا: القياس كله باطل ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل لان الوصية من الصحيح.
والمريض سواء لا تجوز الا في الثلث فيلزم أن يكون غير الوصية أيضا من الصحيح والمريض سواء فهذا قياس اصح من قياسهم * وقالوا: نتهمه بالفرار بماله عن الورثة فقلنا: الظن أكذب الحديث ولعله يموت الوارث قبله فيرثه المريض فهذا ممكن وايضا فإذ ليس الا التهمة فامنعوا
__________
(1) في النسخة رقم 14 فأقوال أيضا لا نعلمها [ * ](9/353)
الصحيح أيضا من أكثر من ثلث ماله واتهموه أيضا انه يفر بماله عن ورثته فجائز أن يموت ويرثوه كما يجوز ذلك في المريض.
وجائز أن يموت الوارث فيرثه المريض كما يرثه الصحيح ولا فرق، وكم من صحيح يموت (1) قبل مريض وايضا فاتهموا الشيخ الذى قد جاوز التسعين وامنعوه أكثر من ثلثه لئلا يفر بماله عن ورثته، فان قلتم: قد يعيش اعواما قلنا: وقد يبرأ المريض فيعيش عشرات أعوام واذ ليس الا التهمة فلا تتهموا من يرثه ولده فاجعلوا فعله من راس ماله واتهموا من يرثه عصبته فلا تطلقوا له الثلث، فان قالوا: هذا خلاف النص قلنا: وفعلكم خلاف النص في التقرب إلى الله تعالى بما يحبه المرء من ماله قال تعالى: (وأنفقوا مما رزقناكم) وقال تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) والمريض أحوج ما كان إلى ذلك، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصدقة؟ فقال: جهد المقل، فان قالوا: قد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصدقة؟ فقال: ان تصدق وانت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى لا أن تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا ألا وقد كان لفلان، قلنا: نعم هذا حق صحيح وانما فيه تفاضل الصدقة فقط وليس فيه منع من مرض وأيقن بالموت من أكثر من ثلث ماله أصلا لا بنص.
ولا بدليل.
ولا بوجه من الوجوه * قال أبو محمد: ثم نسألهم عن مال المريض لمن هواله أم للورثة؟ فان قالوا: بل له كما هو للصحيح قلنا: فلم تمنعونه ماله دون أن تمنعوا الصحيح وهذا ظلم ظاهر، ولو قالوا: بل هو للورثة لقالوا: الباطل لان الوارث لو أخذ منه شيئا لقضى عليه برده ولو وطئ أمة المريض لحد ولو كان ذلك لما حل للمريض أن يأكل منه هو ومن تلزمه نفقته من غير الورثة، ولا ندرى من أين اطلقوا للمريض ان يأكل من ماله ما شاء ويلبس ما شاء وينفق على من إليه من عبيد واماء؟ وان أتى على جميع المال ومنعوه من الصدقة باكثر من الثلث ان
هذا لعجب لا نظير له! فظهر فساد هذا القول جملة وتعريه عن أن يوجد عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم وانما وجد عن نفر يسير من التابعين مختلفين، وقد خالفوا بعضهم في قوله في ذلك كخلافهم للشعبى في فعل المسافر في ماله وغير ذلك على أن الشعبى أقوى حجة منهم لانه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم السفر قطعة من العذاب، وروى أيضا (المسافر ورحله على قلت (2) الا ما وقى الله) وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: ووجدناهم يشنعون بآثار لا حجة لهم في شئ منها يجب التنبيه عليها بحول الله تعالى، منها الاثر الذى قد ذكرناه قبل هذا باوراق في باب تبدية ديون
__________
(1) في النسخة رقم 14 وكم صحيح مات (2) هو - بفتح القاف واللام - الهلاك [ * ](9/354)
الله تعالى من رأس المال وهو مرسل من طريق قتادة: (لا أعرفن أحدا بخل بحق الله حتى إذا حضره الموت أخذ يدغدغ ماله ههنا وههنا) ثم لو صح لم يكن فيه حجة في المنع من التصرف بالحق في المال ومنها ما حدثنا حمام نا عباس بن اصبغ نا محمد بن عبد الملك ابن ايمن نا يزيد بن محمد العقيلى نا حفص بن عمر بن ميمون عن ثور بن يزيد عن مكحول عن الصنابحى عن أبى بكر الصديق (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ان الله قد تصدق عليكم بثلث أموالكم عند موتكم رحمة لكم وزيادة في أعمالكم وحسناتكم) * نا محمد بن سعيد ابن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع عن طلحة بن عمرو المكى عن عطاء عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ان الله تصدق عليكم بالثلث من أموالكم) * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج سمعت سليمان بن موسى يقول: سمعت (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جعلت لكم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم).
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبى قلابة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الله تعالى: (جعلت لك طائفة من مالك عند موتك أرحمك به) * قال أبو محمد: وهذا كله لا متعلق لهم بشئ منه أصلا أما خبر أبى بكر فمن طريق
حفص بن عمر الشامي وهو متروك: وأما حديث أبى هريرة فمن طريق طلحة بن عمرو وهو ركن من أركان الكذب والآخران مرسلان، ثم لو صحت لما كان لهم بها متعلق اصلا لانه ليس فيها (1) الا أن الله تعالى جعل لنا عند موتنا ثلث أموالنا، وهذا معنى صحيح وهو بلا شك الوصية التى لا تنفذ البتة الا عند الموت وليس في شئ من هذه الاخبار ذكر للمرض أصلا لا بنص ولا بدليل فبطل تمويههم بها، ونسألهم عمن تصدق بثلثي ماله وهو صحيح ثم مات بغتة أثر ذلك أو أعتق جميع ممالكيه كذلك أيضا؟ فمن قولهم: ان كل ذلك نافذ من رأس ماله فنقول لهم: قد خالفتم جميع هذه الآثار (2) لان هذا فعل الصدقة والعتق عند موته كما في الآثار المذكورة وليس في شئ من تلك الآثار انه ايقن بانه يموت إذا أعتق أعبده انما فيها عند موته فقط فظهر خلافهم للآثار كلها، ومنها الخبر الصحيح من طريق مالك عن الزهري عن عامر بن سعيد بن أبى وقاص عن ابيه قالك (جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني من وجع اشتدنى فقلت: يا رسول الله قد بلغ بى من الوضع ما ترى وانا ذو مال ولا يرثنى الا ابنة لى أفأتصدق بثلثي مالى؟ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا قلت.
فالشطر قال: لا ثم قال عليه الصلاة والسلام: الثلث والثلث كثير انك ان تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) ثم ذكر
__________
(1) في النسخة رقم 16 (ليس فيه) (2) في النسخة رقم 14 هذه الاخبار [ * ](9/355)
الحديث، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال لسعد يومئذ: (ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون) وهكذا رواه سفيان بن عيينة عن الزهري باسناده، [ ورواه أيضا كذلك بعض الناس عن ابراهيم بن سعد عن الزهري باسناده ] (1) وبلفظة (الصدقة) (2) فقالوا: فقد منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقة في مرضه بأكثر من الثلث * قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لوجوه، أحدها اننا روينا هذا الخبر نفسه من طريق معمر عن الزهري عن عامر بن سعد بن أبى وقاص عن أبيه فذكر هذا الخبر
وفيه (قال سعد: فقلت: يا رسول الله أفأوصى بثلثي مالى؟ قال: لا قلت: فبشطر مالى قال: لا قلت فبثلث مالى قال: الثلث والثلث كثير) وذكر باقى الخبر * ورويناه من طريق أبى داود الطيالسي قال: نا ابراهيم بن سعد.
وعبد العزيز ان أبى سلمة الماجشون كلاهما عن الزهري عن عامر بن سعد بن أبى وقاص عن أبيه أنه ذكر هذا الخبر، وفيه (قال: قلت أفأتصدق بمالى كله؟ قال: لا قلت: أفأوصى بالشطر قال: لا قلت: يا رسول الله فبم أوصى؟ قال: الثلث والثلث كثير) وذكر الخبر فذكروا أنه انما سأل سعد عن الوصية وهو خبر واحد (3) عن مقام واحد فصح ان لفظة الصدقة التى رواها مالك.
وسفيان عن الزهري انما معناها الوصية كما رواه معمر.
وعبد العزيز بن أبى سلمة الماجشون وليس معمر.
وعبد العزيز دون مالك.
وسفيان.
والزهرى.
وغيره فكيف وقد وافق معمر.
وعبد العزيز على لفظة أوصى، وفى هذا الخبر جماعة الاثبات كما روينا عن مسلم بن الحجاج عن القاسم ابن زكريا عن حسين بن على الجعفي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد ابن ابى وقاص عن أبيه، وعن مسلم عن ابن أبى عمر المكى عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى عن أيوب السختيانى عن عمرو بن سعيد عن حميد بن عبد الرحمن الحميرى عن ثلاثة من ولد سعد كلهم عن سعد * ومن طريق البخاري عن أبى نعيم عن سفيان الثوري عن سعد بن ابراهيم عن عامر بن سعد بن أبى وقاص عن أبيه * ومن طريق البخاري عن محمد بن عبد الرحيم عن زكريا بن عدى عن مروان بن معاوية الفزارى عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبى وقاص عن عامر بن سعد بن أبى وقاص عن أبيه * ومن طريق أحمد ابن شعيب عن محمد بن المثنى عن الحجاج بن المنهال عن همام بن يحيى عن قتادة عن يونس بن جبير عن محمد بن سعد بن أبى وقاص عن أبيه * ومن طريق أحمد بن شعيب عن اسحق بن راهويه عن جرير عن عبد الحميد عن عطاء بن السائب عن أبى عبد الرحمن
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 14 اتصدق (3) في النسخة رقم 14 (وهذا خبر واحد) [ * ](9/356)
السلمى عن سعد بن أبى وقاص * ومن طريق احمد بن شعيب عن اسحاق بن راهويه عن وكيع عن هشام بن عروة بن الزبير عن ابيه عن سعد بن أبى وقاص كلهم يذكر نصا ان سعدا انما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوصى به، والوجه الآخر انهم انما يمنعون من الصدقة فيما زاد على الثلث في المرض الذى يموت منه صاحبه لا الذى يبرأ منه وقد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ان سعدا سيبرأ من ذلك المرض كما روينا من طريق أبى داود السجستاني نا عثمان بن أبى شيبة نا جرير عن الاعمش عن أبى وائل عن حذيفة (قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك [ حتى ] (1) إلى قيام الساعة الا اخبر به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه اصحابي هؤلاء) * قال أبو محمد: وسعد بن أبى وقاص هو هزم عساكر الفرس يوم القادسية وافتتح مدينة كسرى فهو من جملة ما أخبر به عليه الصلاة والسلام بل من أكبر ذلك وأهمه وأعمه فتحا في الاسلام، وهذا قد أنذر به عليه السلام في ذلك المرض إذ قال له لعلك: ستخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون * وهذا خلاف قولهم.
والوجه الثالث أن في نص الخبر (2) الذى ذكرنا الآن اسناده من طريق حميد بن عبد الرحمن الحميرى عن ثلاثة من ولد سعد عن سعد بن أبى وقاص (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يومئذ: ان صدقتك من مالك وان نفقتك على عيالك صدقة وان ما تأكل امرأتك من مالك صدقة) * قال على: وهذا كله باجماع منا ومنهم ومن جميع أهل الاسلام من رأس مال المريض مات أو عاش فثبت يقينا ضروريا ان صدقة المريض خارجة من رأس ماله لا من ثلثه بنص حكمه صلى الله عليه وسلم وبطل ما خالف هذا بيقين لا اشكال فيه وعاد هذا الخبر أعظم حجة عليهم وأوضح حجة لقولنا والحمد لله رب العالمين * وأما خبر أبى بكر في نحله عائشة رضى الله عنهما فايرادهم اياه فضيحة الدهر لانه ليس فيه من هبة المريض ذكر أصلا لا بنص ولا بدليل وانما كان نحلها ذلك في صحته وتأخر جدادها لذلك إلى أن مات رضى الله عنه
فكيف وقد صح رضى الله عنه انه رغب إليها في رد تلك النحلة برضاها فكيف وانما كان وعدا بمجهول (3) لا يدرى من كم من نخلة تجد العشرين وسقا ولا من أي تلك النخل تجد فسقطت الاقوال المذكورة بيقين لا مرية فيه والحمد لله رب العالمين ولم يبق الا قولنا وقول أبى سليمان أن جميع أفعال المريض من رأس ماله الا العتق فانه من الثلث فنظرنا فيما احتج به من ذهب إلى هذا فوجدنا الخبر الصحيح الذى رويناه من طريق
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 14 ان في بعض الخبر (3) في النسخة رقم 14 وانما كان وعد مجهول [ * ](9/357)
أيوب السختيانى ومحمد بن سيرين كلاهما عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران ابن الحصين أن رجلا من الانصار اعتق ستة أعبد له عند موته لم يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا ثم دعاهم فجزأهم اثلاثا ثم اقرع بينهم فاعتق اثنين وارق أربعة، ورويناه أيضا من طريق أيوب.
وحبيب بن الشهيد.
وهشام ابن حسان.
ويحيى بن عتيق كلهم عن ابن سيرين عن عمران بن الحصين كما أوردنا، وسماع ابن سيرين من عمران صحيح ورويناه أيضا من طريق عوف بن أبى جميلة عن ابن سيرين عن أبى هريرة * قال أبو محمد: فقلنا: هذا خبر صحيح لا تحل مخالفته الا أنه لا يحل (1) للحنيفيين ولا للمالكيين ولا للشافعيين الحجة به أصلا فيما عدا العتق لانه قياس ولقياس باطل كله كما لم يختلفوا في أنه لا يحل ان يقاس على الخبر الثابت في التقويم على من أعتق شركا له في مملوك وانه لا يجوز أن يتعدى به ما جاء فيه من العتق خاصة لا إلى صدقة ولا إلى انفاق ولا إلى اصداق ولا إلى غير ذلك لا سيما والحنيفيون قد خالفوا نصه فيما جاء فيه فكيف يحتجون به فيما ليس فيه منه أثر وهذا عار جدا، وأما أصحابنا فليس لهم فيه حجة لانه ليس في شئ من هذا الخبر ان الرجل كان مريضا وانما فيه عند موته وقد يفجأ الموت الصحيح فيوقن
به فلا يحل أن يقحم في الخبر ما ليس فيه من ذكر المرض فبطل تعلقهم به، وأيضا فقد بينا قبل ان هذا العتق للستة الاعبد انما كان وصية كما روينا من طريق عبد الوهاب الثقفى عن أيوب بالاسناد المذكر، وفى هذا كفاية، ووجه ثالث وهو أنه قد بين في ذلك الخبر انه لم يكن له مال غيرهم ونحن نقول بهذا حقا فلا يجوز لاحد عتق في عبد أو عبيد لا مال له غيره ينفذ من ذلك العتق ما وقع فيمن به عنه غنى ويبطل في مقدار ما لا غنى به عنه فلو صح أن ذلك الفعل لم يكن وصية لكان حمل الحديث على هذا الوجه أحق بظاهره واولى من حمله على أنه عليه السلام أجاز للمريض ثلث ماله أذ ليس في الخبر دليل على هذا أصلا فبطل تعلق أصحابنا بهذا الخبر جملة وصح قولنا ولله الحمد وكذلك الخبر الساقط الذى رويناه من طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا خالد عن أبى قلابة عن رجل من بنى عذرة أن رجلا منهم اعتق غلاما له عند موته لم يكن له مال غيره فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتق منه الثلث واستسعى في الثلثين، فالقول في هذا الخبر لو صح كالقول في خبر عمران فكيف وهو باطل لانه مرسل وعن مجهول لا يدرى من هو ايضا، وأما ما روى في ذلك عن على.
وابن مسعود فباطل لا يصح لان القاسم بن
__________
(1) في النسخة رقم 14 لا يجوز [ * ](9/358)
عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود كان لابيه إذ مات عبد الله رضى الله عنه ست سنين فكيف ابنه، ثم هو أيضا عن الحجاج بن أرطاة وهو هالك أو عن عبد الرحمن بن عبد الله وهو مجهول عن القاسم، وأما الرواية عن على فمن طريق الحجاج بن أرطاة وهو هالك ثم هي مرسلة لان الحسن لم يسمع من على كلمة فبطل ان يصح عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم خلاف قولنا والحمد لله رب العالمين * تم كتاب فعل المريض في ماله والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب الامامة
1768 مسألة لا يحل (1) لمسلم أن يبيت ليلتين ليس في عنقه لامام بيعة (2) لما رويناه من طريق مسلم قال: نا عبيد الله (3) بن معاذ العنبري نا أبى قال: نا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن نافع قال قال لى عمر: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من خلع يدا من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) فان قيل: قد مات عمر رضى الله عنه وجعل الخلافة شورى في ستة نفر عثمان.
وعلى.
وعبد الرحمن بن عوف.
وسعد بن أبى وقاص.
وطلحة.
والزبير رضى الله عنهم وأمرهم أن يتشاوروا ثلاثة أيام في أيهم يولى قلنا: نعم وليس في هذا خلاف لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ذكرنا لانه رضى الله عنه استخلف أحدهم وهو الذى يتفقون عليه فعثمان هو الخليفة من حين موت عمر والناس تلك الثلاثة الايام بمنزلة من بعد عن بلد الخليفة فلم يعلمه باسمه ولا بعينه الا بعد مدة فهو معتقد لامامته وبيعته وان لم يعلمه باسمه ولا بنسبه ولا بعينه وبالله تعالى التوفيق * 1769 مسألة ولا تحل الخلافة الا لرجل من قريش صليبة من ولد فهو بن مالك من قبل آبائه ولا تحل لغير بالغ وان كان قرشيا ولا لحليف لهم ولا لمولى لهم ولا لمن أمه منهم وأبوه من غيرم لما روينا من طريق مسلم نا أحمد بن يونس قال: نا عاصم بن محمد ابن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال قال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال هذا الامر في قريش ما بقى من الناس اثنان) * ومن طريق البخاري نا أبو اليمان انا شعيب هو ابن أبى حمزة عن الزهري أن محمد بن جبير بن مطعم كان يحدث عن معاوية أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ان هذا الامر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله على وجهه ما أقاموا الدين) *
__________
(1) في النسخة رقم 16 مسألة قال أبو محمد رضى الله عنه، لا يحل (2) في النسخة رقم 14 بيعة امام (3) في النسخة رقم 14 عبد الله وهو غلط [ * ](9/359)
قال أبو محمد: حديث ابن عمر أعم من حديث معاوية، وهذان الخبران وان كانا بلفظ الخبر فهما أمر صحيح مؤكد إذ لو جاز ان يوجد الامر في غير قريش لكان تكذيبا لخبر النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كفر ممن اجازه فصح أن من تسمى بالامر والخلافة من غير قريش فليس خليفة ولا اماما ولا من أولى الامر ولا أمر له فهو فاسق (1) عاص لله تعالى هو وكل من ساعده أو رضى أمره لتعديهم حدود الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كان حليفا أو مولى أو أبوه من غير قريش فانه ليس من قريش بيقين الحس (2) وانما نسب إليهم لاستضافته اليم واذ ليس من قريش على الحقيقة ولا على جهة ولا على الاطلاق فلا حق له في الامر، وأما من لم يبلغ والمراة فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث) فذكر الصبى حتى يبلغ ولان عقود الاسلام إلى الخليفة ولا عقد لغلام لم يبلغ ولا عقد عليه، وقد حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور نا وهب بن مسرة نا ابن وضاح نا أبو بكر بن أبى شيبة عن أبى داود الطيالسي عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى بكرة قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة) * 1771 مسألة ولا يحل أن يكون في الدنيا الا امام واحد والامر للاول بيعة لما روينا من طريق مسلم نا اسحق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - وزهير بن حرب كلاهما سمع جريرا عن الاعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة الصائدى انه قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاصى يقول: (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حديث طويل: ومن بايع اماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ان استطاع فان جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر) * ومن طريق مسلم حدثنى عثمان بن أبى شيبة نا يونس بن أبى يعفور عن أبيه عن عرفجة - هو ابن شريح - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد ان يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه) * ومن طريق مسلم حدثنى وهب بن بقية الواسطي نا خالد
ابن عبد الله - هو الطحان - عن الجريرى عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما) * وبه إلى مسلم نا محمد بن بشار نا محمد ابن جعفر نا شعبة عن فرات القزاز عن أبى حازم قال: سمعت أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال في حديثه (انه لا نبى بعدى وستكون خلفاء فتكثر قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: فوا (3) ببيعة الاول فالاول وأعطوهم حقهم فان الله سائلهم عما استرعاهم) *
__________
(1) في النسخة رقم 16 وهو فاسق (2) في النسخة رقم 14 بنفس الخبر (3) في النسخة رقم 16 قال أوفوا وما هنا موافق لما في صحيح مسلم، والحديث مختصر [ * ](9/360)
1772 مسألة والامر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض على كل مسلم ان قدر بيده فبيده وإن لم يقدر بيده فبلسانه وان لم يقدر بلسانه فبقلبه ولا بد وذلك أضعف الايمان فان لم يفعل فلا ايمان له، ومن خاف القتل أو الضرب أو ذهاب المال فهو عذر يبيح له ان يغير بقلبه فقط ويسكت عن الامر بالمعروف وعن النهى عن المنكر فقط ولا يبيح له ذلك العون بلسان أو بيد على تصويب المنكر أصلا لقول الله تعالى: (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله فان فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل) وقال عزوجل: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) * ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة.
ومحمد بن المثنى.
ومحمد بن المثنى.
ومحمد بن العلاء ابو كريب قال ابن أبى شيبة: نا وكيع عن سفيان الثوري، وقال محمد بن المثنى: نا محمد بن جعفر نا شعبة ثم اتفق سفيان.
وشعبة كلاهما عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، وقال أبو كريب: نا أبو معاوية نا الاعمش عن اسماعيل بن رجاء عن أبيه ثم اتفق طارق.
ورجاء كلاهما عن أبى سعيد الخدرى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان) *
ومن طريق مسلم نا عمرو الناقد.
وأبو بكر بن النضر.
وعبد بن حميد واللفظ له قالوا كلهم: نا يعقوب بن ابراهيم بن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف نا أبى عن صالح بن كيسان عن الحارث هو ابن الفضيل الخطمى الانصاري عن جعفر ابن عبد الله بن الحكم عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان عبد الله بن مسعود حدثه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من نبى بعثه الله في أمة قبلى الا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم يحدث من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل) * نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد الله بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري عن زبيد اليامى عن سعد بن عبيدة عن على بن أبى طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طاعة لبشر في معصية الله) * ومن طريق ابى داود نا مسدد نا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) * وبه إلى أبى داود(9/361)
نا يحيى بن معين نا عبد الصمد بن عبد الوارث نا سليمان بن المغيرة نا حميد بن هلال عن بشر بن عاصم عن عقبة بن مالك عن رجل من رهطة قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فسلحت رجلا منهم سيفا فلما رجع قال: لو رأيت مالا منا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعجزتم إذ بعثت رجلا فلم يمض لامرى ان تجعلوا مكانه من يمضى لامرى) * قال أبو محمد: عقبة صحيح الصحبة والذى روى عنه صاحب وان لم يسمه فالصحابة كلهم عدول، فإذا ثبتت صحة صحبته فهو عدل مقطوع بعدالته لقول الله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار) الآية.
قال على: [ وهو قول على ] (2) وكل من معه
من الصحابة وأم المؤمنين.
وطلحة.
والزبير وكل من معهم من الصحابة.
ومعاوية وكل من معه من الصحابة.
وابن الزبير.
والحسين بن على رضى الله عن جميعهم وكل من قام في الحرة من الصحابة.
والتابعين.
وغيرهم وهذه الاحاديث ناسخة للاخبار التى فيها خلاف هذا لان تلك مواقفه لما كان عليه الدين قبل الامر بالقتال ولان الامر بالمعروف والنهى عن المنكر باق مفترض لم ينسخ فهو الناسخ لخلافه بلا شك وبالله تعالى التوفيق * 1773 مسألة وصفة الامام أن يكون مجتنبا للكبائر مستترا بالصغائر عالما بما يخصه حسن السياسة لان هذا هو الذى كلف ولا معنى لان يراعى أن يكون غاية الفضل لانه لم يوجب ذلك قرآن.
ولا سنة، فان قام على الامام القرشى من هو خير منه أو مثله أو دونه قوتلوا كلهم معه لما ذكرنا قبل الا ان يكون جائرا فان كان جائرا فقام عليه مثله أو دونه قوتل معه القائم لانه منكر زائدا ظهر فان قام عليه أعدل منه وجب ان يقاتل مع القائم لانه تغيير منكر، وأما الجورة من غير قريش فلا يحل ان يقاتل مع أحد منهم لانهم كلهم اهل منكر الا أن يكون أحدهم أقل جورا فيقاتل معه من هو أجور منه لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * بسم الله الرحمن الرحيم * كتاب الاقضية 1774 مسألة ولا يحل الحكم الا بما أنزل الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الحق وكل ما عدا ذلك فهو جور وظلم لا يحل الحكم به ويفسخ أبدا إذا حكم به حاكم * برهان ذلك قول الله تعالى.
(وأن احكم بينهم بما أنزل الله) وقال تعالى: (وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم) وقال تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم) وقال تعالى: (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى) وقال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه)
__________
(1) سقط لفظ عن رجل من سنن أبى داود (2) الزيادة من النسخة رقم 16 [ * ](9/362)
والظلم لا يحل اقراره والخطأ لا يجوز امضاؤه *
1775 مسألة ولا يحل أن يلى القضاء والحكم في شئ من أمور المسلمين وأهل الذمة الا مسلم بالغ عاقل عالم بأحكام القرآن.
والسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وناسخ كل ذلك ومنسوخه وما كان من النصوص مخصوصا بنص آخر صحيح لان الحكم لا يجوز الا بما ذكرنا لما ذكرنا قبل فإذا لم يكن عالما بما لا يجوز الحكم الا به لم يحل له أن يحكم بجهله بالحكم ولا يحل له إذا كان جاهلا بما ذكرنا ان يشاور من يرى ان عنده علما ثم يحكم بقوله لانه لا يدرى افتاه بحق أم بباطل، وقد قال الله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم) فمن أخذ بما لا يعلم فقد قفا ما لا علم له به وعصى الله عزوجل وليس هذا بمنزلة الجاهل من العامة تنزل به النازلة فيسأل من يوصف له بعلم القرآن والسنة ويأخذ بقوله بعد أن يخبره انه حكم الله تعالى في كتابه أو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ان العامي مكلف في تلك النازلة عملا ما قد افترضه الله عليه ولم يفسح له في اهماله فعليه في ذلك ان يبلغ في ذلك حيث بلغ وسعه من العلم ما لم يلزمه قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وأما الحاكم فبضد هذا لانه غير مكلف ما لا يدرى من الحكم بين غيره من الناس بل هو محرم عليه ذلك وانما كلفه الله تعالى سواه من أهل العلم * 1776 مسألة ولا يحل الحكم بقياس ولا بالرأى (1) ولا بالاستحسان ولا بقول أحد من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ان يوافق قرآنا أو سنة صحيحة لان كل ذلك حكم بغالب الظن، وقد قال الله تعالى: (ان الظن لا يغنى من الحق شيئا) وقال تعالى: (ان يتبعون الا الظن وما تهوى الانفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث)، فان قيل.
فانكم في أخذكم بخبر الواحد متبعون للظن قلنا: كلا بل للحق المتيقن قال تعالى: (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) وقال تعالى: (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى)، فان قيل: فانكم في الحكم بالبينة واليمين حاكمون بالظن قلنا: كلا بل بيقين (2) ان الله تعالى أمرنا بذلك نصا وما علينا من مغيب الامر شئ إذ لم نكلفه، وايضا فانه لا يخلو ما أوجبه القياس أو
ما قيل برأى أو استحسان أو تقليد قائل من أحد أوجه ثلاثة (3) لا رابع لها ضرورة اما أن يكون ذلك موافقا لقرآن أو لسنة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا انما يحكم فيه بالقرآن أو بالسنة ولا معنى لطلب قياس أو رأى أو قول قائل موافق لذلك ومن لم يحكم بالقرآن أو بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الا حتى يوافق ذلك قياس أو رأى أو
__________
(1) في النسخة رقم 16 (ولا رأى) (2) في النسخة رقم 14 (بل يتيقن) (3) في النسخة رقم 14 (ثلاثة أوجه) [ * ](9/363)
قول قائل فقد انسلخ عن الايمان قال الله عزوجل: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) وهذا الذى لم يحكم بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر عنده فيما بين الناس الا حتى وافقه قيا س أو رأى أو قول قائل فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم ولا سلم له تسليما بل وجد في نفسه حرجا مما قضى به عليه الصلاة والسلام فوربنا ما آمن، وإما أن يكون مخالفا للقرآن أو لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا الضلال المتيقن وخلاف دين الاسلام، ولا نحتاج ان نطول في هذا مع مسلم قال تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها) وقال تعالى.
(ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) واما ان لا يوجد في القرآن والسنة ما يوافقه نصا ولا ما يخالفه فهذا معدوم من العالم ولا سبيل إلى وجوده قال تعالى: (اليوم اكملت لكم دينكم) وقال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعوني ما تركتكم فانما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شئ فاتركوه) فصح ضرورة انه لا يخرج حكم أبدا عن ان يأمر به الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام فيكون فرضا ما استطعنا منه أو ينهى عنه الله تعالى على لسان رسوله عليه السلام فيكون حراما أو لا يكون فيه أمر ولا نهى فهو مباح فعله وتركه وبطل ان تنزل نازلة في
الدين لا حكم لها في القرآن والسنة ولو وجدت، وقد أبى الله عزوجل ان توجد لكان من أراد ان يشرع فيها حكما داخلا في الدين ذم الله تعالى إذ يقول تعالى: (شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) فان قالوا: نحكم فيها بحكم ما يشبهها من القرآن والسنة قلنا: واين أمركم الله تعالى بهذا؟ وهذا هو الشرع في الدين بما لم يأذن به الله، فان قالوا: قال الله تعالى: (فاعتبروا يا أولى الابصار) قلنا: نعم اعتبروا معناه اعجبوا قال الله تعالى * (وان لكم في الانعام لعبره نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم) الآية وما فهم احد قط من اعتبروا احكموا للشئ بحكم نظيره، وهذا هو تحريف للكلم عن مواضعه والقول على الله تعالى بالباطل وبما لم يقله، فان قالوا: قد قال الله تعالى: (وشاورهم في الامر) قلنا: نعم فيما أبيح له فعله وتركه لا في شرع الدين بما لم يأذن فيه الله تعالى ولا في اسقاط فرض فرضه الله تعالى ولا في اباحة ما حرمه الله تعالى ولا في تحريم ما أحله الله تعالى ولا في ايجاب ما لم يوجبه الله تعالى وقد قال الله تعالى: (واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم) فصح أن الاخذ برأيهم لا يجوز في الدين الا حيث صححه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط وما كان هكذا فانما صح طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم(9/364)
لا اتباعا لمن أشار به ثم كل ما أتوا به من آية أو سنة فيها ان الله تعالى حكم في امر كذا بكذا من أجل كذا وكذا أو كما حكم في أمر كذا قلنا.
هو حق كما هو وكلما أردتم أن تشرعوا أنتم فيه تشبيها له بحكم آخر دون نص فهو باطل بحت لا يحل فليس لاحد أن يحرم ما لم يحرمه الله تعالى من أجل ان الله تعالى حرم أشياء آخر ولا أن يوجب ما لم يوجبه الله عزوجل من أجل ان الله عزوجل أوجب أشياء أخر فهذا كله تعد لحدود الله عزوجل وشرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى، فان ادعوا في جواز ذلك اجماعا قلنا: هذا الكذب والبهت بل الاجماع قد صح على بطلان كل ذلك لان الامة كلها مجمعة على تصديق قول الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) وعلى تصديق قول الله تعالى: (أطيعوا الله
وأطعيوا الرسول وأولى الامر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) وفى هذا بطلان الحكم بما عدا القرآن والسنة ثم نقض من نقض فأخطأ قاصدا إلى الخير ولا سبيل لهم البتة إلى وجود حكم طول مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقياس أصلا ولا برأى البتة وكل شرع حدث بعده عليه الصلاة والسلام لم يحكم هو به فهو باطل بيقين وليس من الدين البتة قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) وما كمل فلا يجوز البتة ان يزاد فيه شئ أصلا ولا سبيل البتة إلى ان يوجد عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم الامر بالقياس في الدين من طريق صحيحة ابدأ وايضا فمدعى الاجماع على ما لا يتيقن أن كل مسلم فقد عرفه وقال به كاذب على الامة كلها وقد نص الله تعالى على أن نفرا من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم صحابة وفضلاء فمن لهذا المدعى بالباطل باجماع أولئك فكيف واحصاء اقوال الصحابة رضى الله عنهم لا تحصر (1) الا حيث لا يشك في أن كل مسلم فقد عرفه وقد قال أحمد ابن حنبل رضى الله عنه.
من ادعى الاجماع فقد كذب، وما يدريه لعل الناس اختلفوا في ذلك * حدثنا بذلك حمام بن أحمد: ويحيى بن عبد الرحمن بن مسعود قال حمام نا عباس ابن أصبغ، وقال يحيى نا أحمد بن سعيد بن حزم ثم اتفق أحمد.
وعباس قالا: نا محمد ابن عبد الملك بن أيمن نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال قال ابى فذكره * 1777 مسألة ولا يقضى القاضى وهو غضبان لما روينا من طريق أحمد بن شعيب انا على بن حجر أنا هشيم عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبى بكرة عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقضى القاضى بين اثنين وهو غضبان) * 1778 مسألة ولا تجوز الوكالة عند الحاكم الا على جلب البينة وعلى طلب
__________
(1) في النسخة رقم 14 (لا تحصى) [ * ](9/365)
الحق.
وعلى تقاضيه وعلى تقاضى اليمين لان كل هذا بيد الوكيل مقام يد الموكل وقد
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن لقبض حق ذوى القربى من خمس الخمس، وقال تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) ومن القيام بالقسط طلب حق كل ذى حق * 1779 - مسألة ولا يجوز التوكيل على الاقرار والانكار أصلا ولا يقبل انكار أحد عن أحد ولا اقرار أحد على أحد ولا بد من قيام البينة عند الحاكم على اقرار المقر نفسه أو انكاره * برهان ذلك قول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) وقد صح اجماع أهل الاسلام على ان لا يصدق أحد على غيره الا على حكم الشهادة فقط ثم نقض من نقض فانفذ اقرار الوكيل على موكله وأخذه به في الدم.
والمال.
والفرج، وهذا أمر يوقن أنه لم يكن قط ولا جاز ولا عرف في عصر (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عصر أحد من الصحابة رضى الله عنهم، وما كان هكذا فهو حقا خلاف اجماع المسلمين وخلاف القرآن.
والباطل الذى لا يجوز وبالله تعالى التوفيق * 1780 - مسألة ويقضى على الغائب كما يقضى على الحاضر وهو قول الشافعي.
وابى سليمان.
واصحابهما، وقال ابن شبرمة.
لا يقضى على غائب، وقال أبو حنيفة.
وأصحابه: لا يقضى على غائب الا في بعض المواضع، وقال مالك: يقضى على الغائب في كل شئ الا في الارضين.
والدور الا أن يكون غائبا غيبة طويلة، قال ابن القاسم: كما بين مصر والاندلس * قال أبو محمد: أما قول مالك فظاهر الخطأ من وجهين، أحدهما تفريقه بين العقار وغيره (2) وهو قول بلا برهان، وما حرم الله تعالى على أحد من الناس من عقار غيره الا كالذى حرمه من غير العقار ولا فرق بل العقار كان أولى في الرأى أن يحكم فيه على الغائب لانه لا ينقل ولا يغاب عليه ولا يفوت بل يستدرك الخطأ فيه في كل وقت وليس كذلك سائر الاموال * والوجه الثاني تفريقه بين الغائب غيبة طويلة وغيبة غير طويلة فهذا قول بلا برهان وتفريق فاسد، وليس في العالم غيبة الا وهى طويلة بالاضافة إلى ما هو
أقصر منها في الزمان.
والمكان وهى أيضا قصيرة بالاضافة إلى ما هو أطول منها في المكان والزمان، فمن غاب عامين إلى العراق فقد غاب غيبة طويلة بالاضافة إلى من غاب نصف عام إلى مصر وقد غاب غيبة قصيرة بالاضافة إلى من غاب عشرة أعوام إلى الهند وهكذا في كل زمان وكل مكان، ثم تحديد (3) ابن القاسم خطأ ثالث وهذا قول ما نعلمه لاحد من
__________
(1) في النسخة رقم 16 في عهد (2) في النسخة رقم 14 وغير العقار (3) في النسخة رقم 14 وتحديد [ * ](9/366)
خلق الله عزوجل قبل مالك فسقط هذا القول.
وأما قول أبى حنيفة.
وأصحابه ففاسد أيضا لان كل من لم يحضر مجلس الحاكم فهو غائب عنه ولو أنه في رحبة باب دار الحاكم فعلى هذا لا يحكم على أحد أبدا وهو فاسد كما ترى، فان قالوا: يبعث فيه قلنا: وابعثوا أيضا في كل غائب ولا فرق، فان قالوا: قد يكون بحيث تتعذر البعثة فيه قلنا: وقد يكون إلى جانب (1) حائط الحاكم وتتعذر البعثة فيه أيضا لتعذره أو لبعض الوجوه، ثم قد فحش تناقضهم ههنا فقالوا: من غاب بحيث لا يعرف فانه ينفق من ماله على زوجته وأصاغر ولده وعلى أكابر ولده أن كانوا زمنى وعلى بناته الابكار وان كن بالغات غير زمنات وعلى ابويه الفقيرين الزمنين من طعامه وزيته وثيابه الذى تشاكل لباس من ذكرنا ومن دراهمه ودنانيره ولا يباع في ذلك البتة عقار.
ولا عروض.
ولا حيوان، وسواء كان ما ذكرنا من الطعام الزيت والناض والثياب وديعة عند مقر أو غير مقر أو في منزل الغائب، وهذا كلام جمع من السخف وجوها عظيمة وهو حكم على الغائب وتحكم بالفرق بين الاموال بالباطل إلى تخاليط لهم ههنا في غاية الفاسد وقضوا على المرتد إذا لحق بأرض الحرب بأنه ميت وهو حى وقسموا ماله على ورثته وهذا قضاء بالباطل على غائب ولا فرق بين حق من ذكرنا في النفقة وبين حق الغرماء في الديون وحق المغصوبين فيما غصب منهم وتقاسيم.
لا تعرف عن أحد من خلق الله تعالى قبلهم * قال أبو محمد: وموهوا في ذلك باشياء وهى عليهم لا لهم نذكرها ان شاء الله تعالى
ونبين أنها عليهم بحول الله تعالى وقوته، واما من اجمل ان لا يقضى على غائب كابن شبرمة.
وسفيان ومن وافقه فانهم احتجوا بما روينا من طريق شريك عن سماك بن حرب عن حنش ابن المعتمر عن على بن أبى طالب قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا فقلت: يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن لا علم لى بالقضاء فقال ان الله عزوجل سيهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الاول فانه أحرى أن يتبين لك القضاء قال: فما زلت قاضيا وما شككت في قضاء بعد * وما روينا من طريق ابن عيينة عن سماك بن حرب عن حنش ابن المعتمر عن على بن أبى طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إذا قعد الخصمان فلا تقض للاول حتى تسمع حجة الآخر) * ونا محمد بن الحسن الرازي نا عبد الرحمن بن عمر بن النحاس نا ابن الاعرابي نا سهل بن أحمد بن عثمان الواسطي نا القاسم بن عيسى بن ابراهيم الطائى نا المؤمل بن اسماعيل عن سفيان الثوري عن على بن الاقمر عن جحيفة عن على (أن النبي
__________
(1) في النسخة رقم 14 إلى جنب [ * ](9/367)
صلى الله عليه وسلم قال له في حديث: (فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقض للاول حتى تسمع من الآخر فانه أحرى أن يثبت لك القضاء) * قال أبو محمد: هكذا في كتابي عن الرازي عن جحيفة والصواب حجيفة (1) وذكروا عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رويناه من طريق الكشورى عن الحذافى نا عبد الملك الذمارى نا محمد الغفاري حدثنى ابن أبى ذئب الجهنى عن عمرو بن عثمان (2) ابن عفان قال: أتى عمر بن الخطاب رجل قد فقئت عينه فقال له عمر: تضر خصمك فقال له: يا أمير المؤمنين أما بك من الغضب الا ما أرى فقال له عمر: فلعك قد فقأت عينى خصمك معا فحضر خصمه قد فقئت عيناه معا فقال عمر: إذا سمعت حجة الآخر بان القضاء، قالوا: ولا يعلم لعمر في ذلك مخالف من الصحابة * ومن طريق عبد الرزاق عن
الحذافى عن محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار قال قال عمر بن عبد العزيز: قال لقمان: إذا جاءك الرجل وقد سقطت عيناه في يده فلا تقض له حتى يأتي خصمه * ومن طريق مجالد عن الشعبى عن شريح لا يقضى على غائب * ومن طريق أبى عبيد عن عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن الجعد بن ذكوان أن رجلا سأل شريحا عن شئ؟ فقال: لا أغرى حاضرا بغائب * قال أبو محمد: لا نعلم لهم شيئا غير هذا وكله لا حجة لهم في شئ منه أما الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فساقط لان شريكا مدلس.
وسماك بن حرب يقبل التلقين.
وحنش ابن المعتمر ساقط مطرح * وأما الطريق الاخرى فالقاسم بن عيسى بن ابراهيم الطائى مجهول لا يدرى من هو ثم أعجب شئ اننا روينا من طريق البزار نا أبو كامل نا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن حنش بن المعتمر قال: ان على بن أبى طالب قدم اليمن فاختصم إليه في أسد سقط في بئر فاجتمع الناس إليها فسقط فيها رجل فتعلق بآخر وتعلق الآخر بثالث وتعلق الثالث برابع فسقطوا كلهم فطلبت دياتهم من الاول فقضى في ذلك بديتين وسدس على من حضر البئر من الناس فللاول ربع دية لانه هلك فوقه ثلاثة وللثاني ثلث دية لانه هلك فوقه اثنان وللثالث نصف دية لانه هلك فوقه واحد.
وللرابع دية فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء على فقال: هو ما قضى بينكم وهم يخالفون هذا ولا يقولون به فمرة تكون رواية سماك بن حرب عن حنش حجة إذا ظنوا ان تمويهم بها يجوز لهم ومرة لا تكون حجة إذا لم يمكنهم أن يموهوا بها، وما أدرى أي دين يبقى مع هذا؟ ثم لو صحت الاخبار التى قدمنا لما كان لهم بها متعلق أصلا لانه ليس فيها ان لا يقضى على
__________
(1) في النسخة رقم 16 (ابو جحيفة) (2) في النسخة رقم 16 (عمر بن عثمان) وهو غلط [ * ](9/368)
غائب بل فيها أن لا يقضى على حاضر بدعوى خصمه دون سماع حجته، وهذا شئ لا نخالفهم فيه، ولا يجوز أن يقضى على حاضر ولا غائب بقول خصمه لكن بالذى أمر الله تعالى به
من البينة العدلة فقط فظهر عظيم تمويههم بالباطل ونعوذ بالله من الخذلان * ومن العجائب انهم قد خالفوا هذه الآثار التى موهوا بها في مكان آخر وهو أنهم قضوا على الغائب باقرار وكيله عليه وليس هذا في شئ من الاخبار أصلا، وأما تمويههم بعمر فانه لا يصح عنه أيضا لانه من طريق محمد الغفاري عن ابن ابى ذئب الجهنى ولا يدرى من هما في خلق الله تعالى، ثم عن عمرو بن عثمان بن عفان عن عمر ولم يولد عمرو الا ليلة موت عمر: وأيضا فكم قضية لعمر.
وعلى قد خالفوها حيث لا يجوز خلافها، وأيضا فلو صح عن عمر فليس فيه الا أن لا يقضى على غائب بدعوى خصمه وهذا حق لا ننكره، وأيضا فان الصحيح عن عمر.
وعثمان القضاء على الغائب إذا صح الحق قبله ولا يصح عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، وأما عن عمر بن عبد العزيز فانما ذكر عن لقمان كلاما وأين لقمان من أيام عمر، ثم ليس فيه الا أن لا يقضى على غائب بدعوى خصمه فقط، وهكذا نقول، وكم قصة خالفوا فيها قضاء عمر بن عبد العزيز وغيره، وأما شريح فانه لا يصح عنه لانه عن مجالد ومجالد ضعيف، والطريق الاخرى انما فيها انه لا يلقن خصما فقط ولو صح لما كان في أحد دون رسول الله صلى اله عليه وسلم حجة فلم يبق لهم شئ يعلقون به فسقط قولهم لتعريه من البرهان ووجدنا الله تعالى يقول: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) فلم يخص تعالى حاضرا من غائب، وقال تعالى: (وأقيموا الشهادة لله) فلم يخص تعالى حاضرا من غائب فصح وجوب الحكم على الغائب كما هو على الحاضر، وما ندرى في الضلال أعظم من فعل حاكم شهد عنده العدول بان فلانا الغائب قتل زيدا عمدا أو خطأ أو انه غصب هذه الحرة أو تملكها أو انه طلق امرأته ثلاثا أو انه غصب هذه الامة من هذا أو تملك مسجدا أو مقبرة فلا يلتفت إلى كل ذلك وتبقى في ملكه الحرة والفرج الحرام.
والمال الحرام ألا ان هذا هو الضلال المبين والجور المتيقن والفسق المتين والتعاون على الاثم والعدوان، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم على الغائب كما حكم على العرنيين الذين قتلوا الرعاء وسملوا اعينهم وفروا فاتبعهم
يقائف وهم غيب حتى أدركوا واقتص منهم، وعلى أهل خيبر وهم غيب بان يقيم الحارثيون أولياء عبد الله بن سهل رضى الله عنه البينة أو يحلف خمسون منهم على قاتله من أهل خيبر ويسلم إليهم أو يودوا ديته أو يحلف خمسون من يهود انهم ما قتلوه ويبرءون، والخبر المشهور الذى رويناه من طرق منها عن أحمد بن شعيب أنا اسحق(9/369)
ابن ابراهيم - هو ابن راهويه - أنا أبو معاوية نا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ان زوجي ابا سفيان رجل مسيك شحيح لا يعطينى ما يكفيني وبنى أفآخذ من ماله وهو لا يعلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذى ما يكفيك وبنيك بالمعروف، وهذا حكم على الغائب * فان قالوا: انما حكم (1) عليه الصلاة والسلام على أبى سفيان لعلمه بصحة ما ذكرت له هند قلنا: ان هذا لعجب عهدنا بكم تجعلون البينة أقوى من علم الحاكم في مواضع منها ما علم قبل أن يلى الحكم، ومنها الحدود في الزنا.
والقطع.
والخر.
فانكم ترون أن يحكم في كل ذلك بالبينة ولا تجيزون أن يحكم في ذلك بعلمه وان علمه بعد ولايته القضاء فمره يكون الحكم بالعلم عندكم أقوى من البينة ومرة تكون البينة أقوى من العلم فكم هذا الخبط في ظلمات الجهل والتحكم في الدين بالباطل؟ وكل ما لزم الحاكم أن يحكم فيه بعلمه فلازم له أن يحكم فيه بالبينة وكل ما لزمه أن يحكم فيه بالبينة لزمه أن يحكم فيه بعلمه لقول الله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) وأما الصحابة رضى الله عنهم فروينا من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبى زرعة بن عمرو بن جرير ابن عبد الله البجلى أن رجلا كان مع أبى موسى الاشعري وكان ذا صوت ونكاية في العدو فغنموا فأعطاه أبو موسى الاشعري بعض سهمه فابى أن يأخذ الا جميعا فضربه عشرين سوطا وحلق رأسه فجمع شعره ورحل إلى عمر فدخل عليه قال جرير بن عبد الله: وأنا أقرب الناس مجلسا من عمر فأخرج شعره فضرب به صدر عمر وقال: أما والله لولا
فقال عمر لولا ماذا صدق والله لولا النار فقال: كنت ذا صوت ونكاية في العدو ثم قص قصته على عمر فكتب عمر إلى أبى موسى ان فلانا قدم على فأخبرني بكذا وكذا فان كنت فعل ذلك به فعزمت عليك ان كنت فعلت به ذلك في ملا من الناس فعزمت عليك لما جلست له في ملا من الناس حتى يقتص منك وان كت فعلت به ذلك في خلاء لما جلست له في خلاء حتى يقتص منك فقال له الناس: اعف عنه فقال: لا والله لا أدعه لاحد فلما قعد أبو موسى للقصاص رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم قد عفوت عنه * حدثنا يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا يحيى بن سعيد التيمى نا عباية بن رفاعة بن رافع ابن خديج قال: بلغ عمر بن الخطاب أن سعد بن أبى وقاص اتخذ بابا وقال: انقطع الصوت فارسل إليه عمر فحرقه وارسل محمد بن مسلمة الانصاري وأخذ بيد سعد واخرجه
__________
(1) في النسخة رقم 16 قد حكم [ * ](9/370)
واجلسه وقال: هنا اجلس للناس فاعتذر إليه سعد وحلف انه ما تكلم بذلك * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة عن أبى حصين قال: سمعت الشعبى قال: كتب عمر إلى أبى موسى أنه بلغني أن ناسا من قبلك دعوا بدعوى الجاهلية يا آل ضبة فإذا أتاك كتابي هذا فانهكهم عقوبة في اموالهم وأجسامهم حتى يفرقوا إذ لم يفقهوا * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قضى عمر بن الخطاب.
وعثمان بن عفان في المفقود ان امرأته تتربص أربع سنين وأربعة أشهر وعشرا ثم تتزوج وهذا كله قضاء على الغائب ولو تتبع ذلك للصحابة بعد ما يوجد من ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم لكثر جدا، ولذي أوردنا عن عمر.
وعثمان صحيح، ولا يصح عن أحد من الصحابة خلافه أبدا وبالله تعالى التوفيق *
1781 مسألة وكل من قضى عليه ببينة عدل بغرمة أو غيرها ثم أتى هو ببينة عدل انه كان قد أدى ذلك الحق أو برئ من ذلك الحق رد عليه ما كان غرم وفسخ عنه القضاء الاول لانه حق ظهر لم يكن في علم البينة التى شهدت أولا وبالله تعالى التوفيق * 1782 مسألة وكل من ادعى على أحد وأنكر المدعى عليه فكلف المدعى البينة فقال: لى بينة غائبة أو قال: لا أعرف لنفسي بينة أو قال: لا بينة لى قيل له: ان شئت فدع تحليفه حتى تحضر بينتك أو لعلك تجد بينة وان شئت حلفته وقد سقط حكم بينتك الغائبة جملة فلا يقضى لك بها أبدا وسقط حكم كل بينة تأتى بها بعد هذا عليه ليس لك الا هذا فقط فاى الامرين اختار قضى له به ولم يلتفت له إلى بينة في تلك الدعوى بعدها الا أن يكون تواتر يوجب صحة العلم ويقينه انه حلف كاذبا فيقضى عليه بالحق أو يقر بعد ان [ يكون ] (1) حلف فيلزمه ما أقر به، وقد اختلف الناس في هذا فروينا من طريق وكيع نا سفيان الثوري عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال: كان شريح يستحلف الرجل مع بينته ويقبل البينة بعد اليمين ويقول البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة، وبالحكم على الحالف إذا أقام الطالب بينة بعد يمين المطلوب يقول سفيان الثوري.
والليث بن سعد وبه يقول أبو حنيفة والشافعي.
وأحمد.
واسحق، وقال مالك: ان عرف الطالب ان له بينة فاختار تحليف المطلوب فقد سقط حكم بينته ولا يقضى بها له ان جاء بها بعد ذلك، واما ان لم يعرف ان له بينة فاختار تحليف المطلوب فحلف ثم وجد بينة فانه يقضى له بها، وقد روى عنه أنه قال: ان قال الطالب ان له بينة بعيدة (2) ولكن احلفه لى الآن ثم ان حضرت
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم 16 (2) في النسخة رقم 14 قال الطالب لى بينة بعيدة [ * ](9/371)
بينتي اتيت بها فانه يجاب إلى ذلك ويحلف له المطلوب ثم يقضى له بينته إذا أحضرها وقد روى نحو هذا عن شريح، وقال بقولنا ابن أبى ليلى.
وأبو عبيد.
وأبو سليمان.
وجميع أصحابنا *
قال أبو محمد: لا متعلق لابي حنيفة.
ومالك، والشافعي، وأحمد.
بشريح لانهم قد خالفوه في تحليفه مقيم البينة مع بينته، ومن الباطل أن يكون قول شريح حجة في موضع وغير حجة في آخر، واما قول مالك: فما نعلم أحدا قاله قبله في التفريق بين علم الطالب بأن له بينة وبين جهله بذلك وهو قول لم يأت به قرآن.
ولا سنة.
ولا قول متقدم ولا قياس، فان قالوا: إذا علم ان له بينة ثم أحلفه فقد أسقط بينته فقلنا: ما فعل ولا أخبر انه اسقطها، وكذلك أيضا إذا لم يعلم بان له بينة فأحلف خصمه فقد اسقط بينته ايضا ولا فرق، وأما قول ابى حنيفة.
والشافعي.
ومالك: وأحمد.
في قضائهم بالبينة بعد يمين المنكر فان قولهم: البينة العادلة خير من (1) اليمين الفاجرة فقول صحيح لو أيقنا ان البينة عادلة عند الله عزوجل وان يمين الحالف فاجرة بلا شك وأما إذا لم يوقن أن البينة صادقة ولا ان اليمين فاجرة فليست الشهادة أولى من اليمين إذ الصدق في كليهما ممكن والكذب في كليهما ممكن الا بنص قرآن أو سنة تأمرنا بانفاذ البينة وان حلف المنكر [ لا يعتد به ] (2) ولا يوجد في ذلك نص أصلا فسقط هذا القول بيقين، بل وجدنا النص بمثل قولنا والحمد لله رب العالمين كما روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا زهير بن حرب.
واسحق بن ابراهيم هو ابن راهويه جميعا عن أبى الوليد الطيالسي نا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن علقمة بن وائل بن حجر قال: (كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجلان يختصمان في أرض فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للطالب: بينتك قال: ليس لى بينة قال: يمينه قال: إذا يذهب بها يعنى بمالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لك الا ذلك) فنص عليه الصلاة والسلام على انه ليس للطالب الا بينته أو يمين المطلوب فصح يقينا أنه ليس الا أحدهما لا كلاهما وبطل أن يكون له كلا الامرين بيقين، فان قيل: فانكم تحكمون للطالب بعد يمين المطلوب بالتواتر وبعلم الحاكم وباقراره قلنا: نعم وكل هذا ليس ببينة لكنه بيقين الحق ويقين الحق فرض انفاذه وليست شهادة العدول كذلك بل يمكن أن يكونوا كاذبين أو مغفلين ولو لا النص بقبولهم وباليمين ما حكمنا بشئ من ذلك
بخلاف يقين العلم وبالله تعالى التوفيق * 1783 مسألة فان لم يكن للطالب بينة وأبى المطلوب من اليمين أجبر عليها
__________
(1) في النسخة رقم 14 (اولى) (2) الزيادة من النسخة رقم 16 [ * ](9/372)
أحب أم كره بالادب ولا يقضى عليه بنكوله في شئ من الاشياء أصلا ولا ترد اليمين على الطالب البتة ولا ترد يمين اصلا الا في ثلاثة مواضع فقط، وهى القسامة فيمن وجد مقتولا فانه ان لم تكن لاوليائه بينة حلف خمسون منهم واستحقوا القصاص أو الدية فان أبوا حلف خمسون من المدعى عليهم وبرئوا فان نكلوا اجبروا على اليمين أبدا وهذا مكان يحلف فيه الطالبون فان نكلوا رد على المطلوبين.
والموضع الثاني الوصية في السفر لا يشهد عليها الا كفار وان الشاهدين الكافرين يحلفان مع شهادتهما فان نكلا لم يقض بشهادتهما فان قامت بعد ذلك بينة من المسلمين حلف اثنان منهم مع شهادتهما وحكم بها وفسخ ما شهد به الاولان فان نكلا بطلت شهادتهما وبقى الحكم الاول كما حكم به فهذا مكان يحلف فيه الشهود لا الطالب ولا المطلوب.
والموضع الثالث من قام له بدعواه شاهد واحد عدل أو امرأتان عدلتان فيحلف ويقضى له فان نكل حلف المدعى عليه وبرئ فان نكل اجبر على اليمين أبدا فهذا مكان يحلف فيه الطالب فان نكل رد على المطلوب، وفى كل ما ذكرنا اختلاف فقالت طائفة: ان نكل المدعى عليه عن اليمين قضى عليه بدعوى الطالب دون أن يحلف، وقال آخرون: لا يقضى عليه الا حتى يحلف على صحة دعواه فيقضى له حينئذ فالقائلون يقضى على المطلوب بنكوله دون أن ترد اليمين فكما روينا من طريق أبى عبيده نا يزيد هو ابن هرون عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أباه عبد الله باع عبدا له بثمانمائة درهم بالبراءة ثم ان صاحب العبد خاصم فيه ابن عمر إلى عثمان فقال عثمان لابن عمر: أحلف بالله لقد بعته وما به من داء علمته فأبى ابن عمر من أن يحلف فرد عليه عثمان العبد * ومن طريق ابن أبى شيبة نا
حفص بن غياث عن ابن جريج عن ابن ابى مليكة عن ابن عباس انه أمر ابن أبى ملكية.
ان يستحلف امرأة فأبت ان تحلف فألزمها ذلك، وروى نحو ذلك عن أبى موسى الاشعري * ومن طريق ابن أبى شيبة عن شريك عن مغيرة عن الحارث قال: نكل رجل عند شريح عن اليمين فقضى عليه فقال: أنا أحلف فقال شريح: قد مضى قضائي، وبهذا يأخذ أحمد بن حنبل.
واسحق في أحد قوليه، وقال أبو حنيفة: يقضى على الناكل عن اليمين في كل شئ من الاموال.
والفروج.
والقصاص فيما دون النفس حاشا القصاص في النفس فلا يقضى فيه بنكول المطلوب ولا ترد اليمين على الطالب لكن يسجن المطلوب حتى يحلف أو يقر: وقال زفر: اقضي في النكول في كل شئ وفى القصاص في النفس وما دون النفس وهو قول أبى يوسف.
ومحمد في احد قوليهما، وقالا مرة أخرى: يقضى بالنكول في كل شئ حاش القصاص في النفس وفيما دونها فانه يلزم الارش والدية بالنكول(9/373)
في كل ذلك ولا يقص منه، وقالوا كلهم: من ادعى على آخر انه سرق منه ما فيه القطع ولا بينة له حلف المطلوب وبرئ، فان نكل غرم المال ولا قطع عليه، وقالوا كلهم: لا يقضى عليه بالنكول حتى يدعوه إلى اليمين ثلاث مرات فان أبى وتمادى قضى عليه، وقال الحسن بن حى: ان وجد قتيل في محلة قوم فادعى أولياؤه عليهم قتله ولا بينة لهم حلف خمسون منهم بالله ما قتلناه ثم يغرمون الدية فان نكلوا قتلوا قصاصا، وقال مالك: من ادعى حقا من مال على منكر وأقام شاهدا واحدا حلف مع شاهده، فان أبى قيل للمطلوب احلف فتبرأ فان نكل قضى عليه بما شهد به شاهد طالبه عليه، قال: ومن قال: أنا اتهم فلانا بانه أخذ لى مالا ذكر عدده ولا أحقق ذلك قيل للمطلوب: احلف وتبرأ فان نكل قضى عليه بما ذكره المتهم دون رد يمين، قال: ومن مات وترك ورثته صغارا فاقام وصيهم شاهدا واحدا عدلا بدين لمورثهم على انسان قيل للمدعى عليه: احلف حتى تبلغ الصغار فيحلفوا مع شاهدهم ويقضى لهم فان حلف ترك حتى يبلغوا ويحلفوا
ويقضى لهم وان نكل غرم ما شهد به الشاهد، وقال فيمن ادعت عليه امرأته طلاقا أو ادعت عليه أمته أو عبده عتاقا وقام عليه ذلك شاهد واحد عدل انه يقال له: احلف ما طلقت ولا أعتقت وتبرأ فان نكل قضى عليه بالطلاق والعتق، وقال مره اخرى: يسجن حتى يطول أمره وحد ذلك بسنة ثم يطلق ومرة قال: يسجن أبدا حتى يحلف * قال أبو محمد: أما قول مالك فظاهر الخطأ لانه متناقض مرة يقضى بالنكول كما أوردنا وفى سائر الدعاوى لا يقضى به، وهذه فروق ما نعلم أحدا من المسلمين فرق بها قبله ولا دليل له على تفريقه لا من قرآن.
ولا من سنة.
ولا من رواية سقيمة ولا قول أحد سبقه إلى ذلك.
ولا قياس بل كل ذلك مبطل لفروقه فسقط هذا القول بيقين * وأما قول أبى حنيفة.
وابى يوسف.
ومحمد بن الحسن فظاهر التناقض أيضا وما نعلم أحدا سبقهم إلى تلك الفروق الفاسدة ولا إلى ترديد دعائه إلى اليمين ثلاث مرات ولا صحح ذلك قرآن.
ولا سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قول أحد قبلهم.
ولا قياس بل كل ذلك مخالف لفروقهم، ولا يخلو الحكم بالنكول من أن يكون حقا واجبا أو باطلا فان كان باطلا فالحكم بالباطل لا يحل وان كان حقا فالحكم به في كل مكان واجب كما قال زفر.
والحسن بن حى.
وأبو يوسف.
ومحمد في أحد قوليهما إذ لم يأت قرآن.
ولا سنة بالفرق بين شئ من ذلك فسقط هذا القول ايضا جملة، وما جعل الله قط الاحتياط للدم باولى من الاحتياط للفروج.
والمال.
والبشرة بل الحرام من كل ذلك سواء في انه حرام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم واعراضكم وأبشاركم(9/374)
عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد) بل قد وجدنا (1) الدم يباح بشاهدين وجلد مائة في الزنا أو خمسين ولا يباح الا بأربعة عدول فصح أنه التسليم للنصوص فقط ولم يبق في الحكم بالنكول الا قول زفر الذى وافقه عليه أبو يوسف.
ومحمد بن الحسن صاحباه فوجدنا من حجة من ذهب إليه أنه ذكر آية اللعان وقال: انه لا خلاف في أن الزوج ان نكل عن الايمان أو نكلت
هي فان على الناكل حكما ما يلزمه بنكول الناكل المذكور (2) اما السجن واما الحد، فهذا قضاء بالنكول فقلنا: لا حجة لم في هذا لوجهين، أحدهما ان الزوج قاذف فجاء النص بازالة حد القذف عنه بأيمانه الاربع ولعنته الخامسة فلزمت الطاعة لذلك، فان لم يحلف فالحد باق عليه بالنص وأما المرأة فقد أوجب الله تعالى عليها العذاب الا أن تحلف فان حلفت درئ عنها العذاب بايمانها الاربع وغضب الله عليها في الخامسة بالنص وان نكلت فالعذاب عليها واجب وليس كذلك سائر الدعاوى بلا خلاف منا ومنكم * والوجه الثاني انه انما حصل لكم من هذه الآية ان حكما ما يلزمها بالنكول وهو عندكم السجن ونحن نقول: ان نكول الناكل عن اليمين في كل موضع وجبت عليه يوجب أيضا عليه حكما ما وهو الادب الذى أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل من أتى منكرا قدرنا على تغييره باليد وهو بامتناعه مما أوجبه الله تعالى عليه قد أتى منكرا فوجب تغييره باليد فبطلل تمويههم بالآية في غير موضعها، وقال أيضا: ان الامة مجمعة على ان لنكول المدعى عليه حكما موجبا للمدعى حقا ثم اختلفوا فقالت طائفة: هو رد اليمين وقالت طائفة: هو السجن والادب، وقالت طائفة: هو انفاذ الحكم على الناكل فبطل رد اليمين ولا فائدة للمدعى في سجن المطلوب الناكل وتأديبه فلم يبق الا الزام المدعى عليه الحكم بنكوله فقلنا هذا القول في غاية الفساد إذ زدتم فيه ما ليس منه ولا حق لاحد عند احد الا أن يوجبه الله تعالى في القرآن أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط ولا حق للمدعى على المدعى عليه في ظاهر الامر والحكم الا الغرامة ان اقر أو ثبت عليه ببينة أو بيقين الحاكم أو اليمين ان انكر فقط فلما لم يقر ولا قامت عليه بينة ولا تيقن الحاكم صدق المدعى سقطت الغرامة ولم يبق عليه الا اليمين التى أوجب الله تعالى فهو حقه قبل المطلوب فوجب اخذه به ولا بد لا بما سواه مما لم يجب عليه سواء كان للطالب في ذلك فائدة أو لم يكن لان مراعاة فائدته دعوى كاذبة دون مراعاة فائدة المطلوب، وقال: ان قطع الخصومة حق المدعى على المدعى عليه فلو حلف المدعى عليه لانقطعت الخصومة فإذ نكل فقد
__________
(1) في النسخة رقم 14 وقد وجدنا (2) في النسخة رقم 14 يلزمه بنكوله [ * ](9/375)
لزمه قطع الخصومة وهى لا تنقطع بسجنه ولا بأدبه فلم يبق الا قطعها بالقضاء عليه بما يدعيه الطالب وكان في سجنه قطع له عن التصرف وذلك لا يجوز فتقف الخصومة فلم يبق الا الحكم بالنكول فقلنا: هذا كله باطل وخلاف قولكم، اما خلاف قولكم لو حلف لانقطعت الخصومة فأنتم تقولون: انها لا تنقطع بذلك بل متى أقام الطالب البينة عادت الخصومة وسائر قولكم باطل وما عليه قطع الخصومة أصلا الا بأحد وجهين لا ثالث لهما إما بالاقرار ان كان المدعى صادقا وإما باليمين ان كان المدعى كاذبا وعلى الحاكم قطع الخصومة بالقضاء بما توجبه البينة أو بيمين المطلوب ان لم تكن عليه بينة فقط ولا بد من أحد الامرين، وإما غرامة بان لا يوجبها قرآن ولا سنة فهى باطل بيقين، ثم العجب كله انكم بعد قضائكم عليه بالنكول تسجنونه حتى يؤدى فقد عدتم إلى السجن الذى انكرتم وهذا تلوث وسخافة ناهيك بها، وقال: هو قول روى عن عثمان.
وابن عمر.
وابن عباس.
وأبى موسى فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف وقد روى خلاف هذا عن عمر.
وعلى.
والمداد بن الاسود.
وأبى بن كعب.
وزيد بن ثابت رضى الله عنهم فما الذى جعل قول بعضهم أولى من قول بعض منهم (1) فكيف وقد خالفوا عثمان في هذه القضية نفسها لانه لم يجز البيع بالبراءة الا في عيب لم يعلمه البائع وهذا خلاف قولكم.
ومن العجب أن يكون حكم عثمان بعضه حجة وبعضه ليس بحجة هذا على ان مالك بن أنس روى هذا الخبر عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سالم بن عبد الله فقال فيه: عن أبيه فأبى ان يحلف وارتجع العبد فدل هذا على انه اختار ان يرتجع العبد فرده إليه عثمان برضاه فبطل بهذا أن يصح عن عثمان القضاء بالنكول، وأما الرواية عن ابى موسى فاسقط من ان يعرف أو يدرى مخرجها، وأما ابن عمر فليس في ذلك الخبر انه رأى الحكم بالنكول جائز أو انما فيه انه حكم عثمان وأنتم مخالفون لعثمان.
في ذلك الحكم بعينه (2)، وأما الرواية عن ابن عباس فلا متعلق لكم
بها لانه ليس فيها أن ابن عباس الزم الغرامة بالنكول انما فيه أن ابن عباس أمر أن يستحلف المدعى عليها فأبت فالزمها ذلك وهذه اشارة إلى اليمين إذ ليس للغرامة في الخبر ذكر أصلا فقول ابن عباس موافق لقولنا لا لقولكم، فان قيل: فان أبا نعيم روى عن اسماعيل بن عبد الملك الاسدي عن ابن ابى مليكة هذا الخبر فذكر فيه فان لم يحلف فضمنها قيل له: اسماعيل بن عبد الملك الاسدي مجهول لا يدرى أحد من هو واسماعيل بن عبد الرحمن الاسدي متروك مطرح فبطل أن يصح في هذا شئ عن الصحابة أصلا فبطل القول بان
__________
(1) في النسخة رقم 16 من قول غيره منهم (2) في النسخة رقم 14 الحكم نفسه [ * ](9/376)
يقضى بالغرامة على الناكل لتعريه من الادلة وبالله تعالى التوفيق * وأما من قال برد اليمين على الطالب فكما روينا من طريق ابى عبيد عن عفان بن مسلم عن مسلمة بن علقمة عن داود ابن أبى هند عن الشعبى قال: استسلف المقداد بن الاسود من عثمان بن عفان سبعة آلاف درهم فلما قضاه أتاه بأربعة آلاف فقال عثمان: انها سبعة آلاف فقال المقداد: ما كانت الا أربعة آلاف فارتفعا إلى عمر فقال المقداد: يا أمير المؤمنين ليحلف انها كما يقول ويأخذها فقال له عمر: انصفك احلف انها كما تقول وخذها * ومن طريق محمد بن الجهم نا اسماعيل بن اسحق نا اسماعيل بن أبى أويس نا حسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبى ضميرة عن أبيه عن جده عن على بن أبى طالب قال: اليمين مع الشاهد فان لم تكن بينة فاليمين على المدعى عليه إذا كان قد خالطه فان نكل حلف المدعى * ومن طريق أبى عبيد نا يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن شريح انه كان إذا قضى باليمين فردها على الطالب فلم يحلف لم يعطه شيئا ولم يستحلف الاخر * ومن طريق أبى عبيد نا عباد بن العوام عن أشعث عن الحكم بن عتيبة عن عون ابن عبد الله بن عتبة أن أباه كان إذا قضى باليمين فردها على المدعى فابى أن يحلف لم يجعل له شيئا وقال: لا اعطيك ما لا تحلف عليه * ومن طريق ابن أبى شيبة عن جرير عن المغيرة أن
الشعبى لم يقضى للطالب ان نكل المطلوب الا حتى يحلف الطالب * ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم انا الشيباني هو أبو إسحاق.
عن الشعبى قال: كان شريح يرد اليمين على المدعى إذا طلب ذلك المدعى عليه وكان الشعبى يرى ذلك، وقال هشيم نا عبيدة عن ابراهيم النخعي انه كان لا يرد اليمين، وروى هذا ايضا عن ابن سيرين.
وسوار بن عبد الله.
وعبيد الله بن الحسن العنبريين القاضيين، وهو قول أبى عبيد.
وأحد قولى اسحاق وروى عن ابن ابى ليلى قولان أحدهما رد اليمين جملة على الاطلاق، والثاى انه ان كان متهما رد عليه اليمين وان كان غير متهم لم يرد عليه، والظاهر من قوله ان يلزم المطلوب اليمين أبدا لانه لم يرو عنه قط الحكم بالنكول: وقال مالك: ترد اليمين في الاموال ولا يرى ردها في النكاح ولا في الطلاق ولا في العتق، وقال الشافعي.
وأبو ثور وسائر أصحابه: ترد اليمين في كل شئ وفى القصاص في النفس فما دونها وفى النكاح والطلاق والعتاق فمن ادعت عليه امرأته الطلاق وعبده أو أمته العتاق ومن ادعى على امرأته النكاح أو ادعته عليه ولا شاهد لهما ولا بينة لزمته اليمين انه ما طلق ولا اعتق ولزمته اليمين انه ما انكحها أو لزمتها اليمين كذلك فايهما نكل حلف المدعى وصح العتق.
والنكاح.
والطلاق، وكذلك في القصاص *(9/377)
قال أبو محمد: أما قول مالك فظاهر الخطأ لتناقضه ولئن كان رد اليمين حقا في موضع فانه لحق في كل موضع يجب فيه اليمين على المنكر ولئن كان باطلا في مكان فانه لباطل في كل مكان الا أن يأتي بايجابه في مكان دون مكان قرآن أو سنة فينفذ ذلك ولا سبيل إلى وجود قرآن ولا سنة بذلك أصلا فبطل قول مالك إذ لا يعضده قرآن ولا سنة.
ولا رواية سقيمة.
ولا قول صاحب (1) قبله ولا قياس، فان قال: انما روى عن الصحابة في الاموال قلنا: باطل لانه روى عن على جملة وروى عن عمر.
والمقداد في الدراهم في الدين فمن أين لكم ان تقيسوا على ذلك سائر الاموال وسائر الدعاوى من الغصوب وغير ذلك ولم
تقيسوا عليه كل دعوى فظهر فساد هذا القول وبالله تعالى التوفيق، وأما قول ابن أبى ليلى في رده اليمين على المتهم فباطل لانه تقسيم لم يأت به قرآن ولا سنة.
وما جعل الله تعالى في الحكم بالبينة أو اليمين على الكافر والكاذب على الله تعالى وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام من اليهود.
والنصارى.
والمجوس.
وعلى المشهورين بالكذب والفسق الا الذى جعل من ذلك على أبى بكر الصديق.
وعمر.
وعمثان.
وعلى وامهات المؤمنين.
وأبى ذر الغفاري.
وخزيمة بن ثابت.
وسائر المهاجرين والانصار الذين قال الله تعالى فيهم: (أولئك هم الصادقون) وفى هذا ابطال كل رأى وكل قياس وكل احتياط في الدين مما لم يأت به نص لو أنصفوا من أنفسهم * وأما قول الشافعي فانهم احتجوا بآية الوصية في السفر من قول الله تعالى: (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله ان ارتبتم لا نشترى به ممنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله انا إذا لمن الآثمين فان عثر على أنهما استحقا اثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الاوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا انا إذا لمن الظالمين ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخاف أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا) وذكروا خبر القسامة (2) إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبنى حارثة في دعواهم دم عبد الله بن سهل على يهود خيبر يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته قالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف قال: فتبرئكم يهود بايمان خمسين منهم، وذكروا وجوب اليمين على المدعى عليه وان رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم باليمين مع الشاهد فرد اليمين على الطالب من أجل شاهده فكان الشاهد سببا لرد اليمين فوجب أن يكون النكول من الطلوب أيضا سببا لرد اليمين ولم يقض له بشهادة واحد حتى يضم إليه يمينه فيقوم مقام شاهد آخر كذلك لم يجز ان يقضى له بالنكول حتى يضم إلى ذلك يمينه فيكون نكول المطلوب مقام شاهد ويمين الطالب مقام شاهد آخر *
__________
(1) في النسخة رقم 14 ولا قول احد (2) في النسخة رقم 14 وذكر خبر القسامة وما هنا يناسب ما قبله وما بعده [ * ](9/378)
قال أبو محمد: اما آية الوصية في السفر فحجة عليهم لا لهم وان احتجاجهم بها لفضيحة الدهر عليهم لوجوه ثلاثة كافية، أحدها انهم لا يأخذون بها فيما جاءت فيه فكيف يستحلون الاحتجاج بآية هم مخالفون لها، والثانى انه ليس فيها من تحليف المدعى عليه ولا رد اليمين على المدعى كلمة لا بنص ولا بدليل انما فيها تحليف الشهود أولا وتحليف الشاهد والشاهدين بخلاف شهادة الاول فيكف سهل عليهم ابطال نص الآية وان يحكموا منها بما ليس فيها عليه لا دليل ولا نص ان هذه لمصيبة، ولو احتج بهذه الآية من يرى تحليف المشهود له مع بينته لكان أشبه في التمويه على ما روى عن شريح.
والاوزاعي وغيرهما، وقد روى عن محمد بن بشير القاضى بقرطبة انه أحلف شهودا في تزكيه بالله ان ما شهدوا به لحق، وروى عن ابن وضاح انه قال: أرى لفساد الناس أن يحلف الحاكم الشهود، ذكر ذلك خالد بن سعد في كتابه في أخبار فقهاء قرطبة فلو احتج أهل هذا المذهب بهذه الآية لكانوا أولى بها ممن احتج في رد اليمين على الطالب لا سيما مع ما في نصها من قول الله تعالى: (ذلك أدنى ان يأتوا بالشهادة على وجهها) ولكن يبطل هذا انه قياس والقياس كله باطل الا انه من أقوى قياس في الارض.
وأما حديث القسامة فاحتجاجهم به أيضا أحدى فضائحهم لان المالكيين.
والشافعيين مخالفون لما فيه فاما المالكيون فخالفوه جملة وأما الشافعيون فخالفوا ما فيه من ايجاب القود فكيف يستحلون الاحتجاج بحديث قده ان عليهم خلافه فيما فيه وأرادوا من ذلك تثبيت الباطل الذى ليس في الحديث منه أثر أصلا وانما في هذا الحديث تحليف المدعين اولا خمسين يمينا بخلاف جميع الدعاوى ثم رد اليمين على المدعى عليهم بخلاف قولهم فمن أين رأوا أن يقيسوا عليه ضده من تحليف المدعى عليه أولا فان نكل حلف المدعى ولم يقيسوا عليه في تبدية المدعى في سائر الدعاوى وأن يجعلوا الايمان في كل دعوى خمسين يمينا فهل في التخليط وخلاف السنن وعكس القياس وضعف النظر أكثر من هذا * وأما خبر اليمين مع الشاهد فحق ولا حجة لهم فيه لان قولهم: ان النكول يقوم مقام الشاهد باطل لم يأت به قط قرآن.
ولا سنة.
ولا
معقول، وقد ينكل المرء عن اليمين تصاونا وخوف الشهرة والا فمن استجاز أكل المال الحرام بالباطل فلا ينكر منه أن يحلف كاذبا وانما البينة على المدعى فلم يجب بعد على المنكر يمين فلما أتى المدعى بشاهد واحد كان بعد في حكم طلبه البينة ولم يجب بعد يمين على المطلوب فحكم النبي صلى الله عليه وسلم للطالب بيمينه ابتداء لا ردا لليمين عليه، فان ابى فقد اسقط حكم شاهده وإذا أسقط حكم شاهده فلا بينة له واذ لا بينة له فالآن وجبت اليمين على المطلوب لا ان ههنا رد يمين أصلا فبطل تعلقهم بالنصوص المذكورة والحمد لله رب العالمين،(9/379)
وذكر بعضهم رواية هالكة رويناها من طريق عبد الملك بن حبيب الاندلسي عن أضبغ ابن الفرج عن ابن وهب عن حيوه بن شريح ان سالم بن غيلان التجيبي أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له طلبة عند أخيه (1) فعليه البينة) والمطلوب أولى باليمين فان نكل حلف الطالب وأخذ * قال أبو محمد: هذا مرسل ولا حجة في مرسل عندنا ولا عند الشافعيين ثم لو صح لكان حجة على المالكيين لانهم مخالفون لما فيه من عموم رد اليمين في كل طلبة طالب ولا خلاف في أن أوله في كل دعوى من دم أو نكاح أو طلاق أو عتاق أو غير ذلك فتخصيصهم آخره (1) في الاموال باطل وتناقض وخلاف للخبر الذى موهوا به وهذا قبيح جدا، وقال مالك في موطاه في باب اليمين مع الشاهد في كتاب الاقضية أرايت رجلا ادعى على رجل مالا اليس يحلف المطلوب ما ذلك الحق عليه فان حلف بطل ذلك عنه وان أبى أن يحلف ونكل عن اليمين حلف طالب الحق ان حقه لحق وثبت حقه على صاحبه فهذا ما لا اختلاف فيه عند أحد من الناس ولا في بلد من البلدان فبأى شئ أخذ هذا أم في أي كتاب الله وجده؟ فإذا أقر بهذا فليقر باليمين مع الشاهد وان لم يكن ذلك في كتاب الله تعالى * قال أبو محمد: وهذا احتجاج ناهيك به عجبا في الغفلة اول ذلك قوله: انه
لا خلاف في رد اليمين بين أحد من الناس ولا في بلد من البلدان فلئن كان خفى عليه قضاء أهل العراق بالنكول فانه لعجب ثم قوله: إذا أقر برد اليمين وان لم يكن في كتاب الله تعالى فليقر باليمين على الشاهد وان لم يكن في كتاب الله تعالى فهذا ايضا عجب آخر لان اليمين مع الشاهد ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو في كتاب الله عزوجل قال الله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وأما رد اليمين على الطالب إذا نكل المطلوب فما كان قط في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فبين الامرين فرق كما بين السماء والارض، وإذا وجب الاخذ بما جاءت به السنة وان لم يوجب في لفظ آيات القرآن فما وجب قط من ذلك ان يؤخذ بما لا يوجد في القرآن ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما ابو ثور فانه قال: إذا نكل المطلوب عن اليمين وأحلف الحاكم الطالب فقد اتفقنا على وجوب القضاء له بتلك الدعوى ما لم يحلف الطالب فلم نتفق على القضاء (3) له بتلك الدعوى فوجب القول بما اجمعنا عليه وان إلا يقضى على أحد باختلاف لا نص معه * قال أبو محمد: ليس قول أربعة من التابعين وروايات ساقطة لا تصح أسانيدها
__________
(1) في النسخة رقم 16 عند أحد (2) في النسخة رقم 14 اخذه (3) في النسخة رقم 14 بتلك الدعوى وإذا لم يحلف الطالب ولم يبق على القضاء الخ [ * ](9/380)
ثم يظنون غير صادقة على ستة من الصحابة مختلفين مما يقول: انه اجماع الامن لا يدرى ما الاجماع (1) وليس ما اتفق عليه أبو حنيفة.
ومالك.
والشافعي حجة على من لا يقلدهم قال الله تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) فلم يأمر عزوجل برد ما اختلف فيه إلى أحد ممن ذكرنا، فمن رد إليهم فقد خالف أمر الله تعالى فسقط هذا القول ايضا وبالله تعالى التوفيق، وأما احتجاجهم بعمر.
والمقداد.
وعثمان رضى الله عنهم فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم لو صح ذلك عنهم فكيف وهو لا يصح لانه من طريق الشعبى والشعبى لم يدرك عثمان ولا المقداد
فكيف عمر.
وأما الرواية عن على فساقطة لانها عن الحسن بن ضميرة عن أبيه وهو متروك ابن متروك لا يحل الاحتجاج بروايته فلم يصح في هذا عن أحد من الصحابة كلمة.
قال أبو محمد: وأما قولنا فكما روينا من طريق وكيع نا اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى قال: كان بين أبى بن كعب.
وعمر بن الخطاب منازعة وخصومة في حائط فقال: بينى وبينك زيد بن ثابت فاتياه فضربا عليه الباب فخرج فقال: يا أمير المؤمنين الا أرسلت إلى حتى آتيك فقال له عمر: في بيته يؤتى الحكم فأخرج زيد وسادة فالقاها فقال له عمر: هذا أول جورك وأبى أن يجلس عليها فتكلما فقال زيد لابي بن كعب: بينتك وان رأيت أن تعفى أمير المؤمنين من اليمين فاعفه فقال عمر تقضى على باليمين ولا أحلف فحلف فهذا زيد لم يذكر رد يمين ولا حكما بنكول بل أوجب اليمين على المنكر قطعا الا أن يسقطها الطالب، وهذا عمر ينكر أن يحكم الحاكم باليمين ولا يحلف المنكر وهو قولنا نصا ومن طريق أبى عبيد نا كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال: كتب عمر ابن الخطاب إلى أبى موسى الاشعري في رسالة ذكرها البينة على من ادعى واليمين على من أنكر فلم يذكر نكولا ولا رد يمين * حدثنا حمام بن أحمد نا عباس بن أصبغ نا محمد ابن عبد الملك بن أيمن نا محمد بن اسماعيل الصائغ نا يحيى بن أبى بكر الكرماني نا نافع بن عمر الجمحى عن ابى أبى مليكة قال: كتبت إلى ابن عباس في امرأتين كانتا تحرزان حريزا في بيت وفي الحجرة حداث فأخرجت احداهما يدها تشخب دما فقالت: اصابتني هذه وأنكرت الاخرى قال: فكتب إلى ابن عباس (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن اليمين على المدعى عليه وقال: لو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم ادعها فاقرأ عليها: (ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) الآية قال ابن ابى مليكة فقرأت عليها فاعترفت، فهذا في غاية الصحة عن ابن عباس ولم يفت الا بايجاب اليمين فقط وأبطل أن يعطى المدعى بدعواه
__________
(1) في النسخة رقم 14 يدرى بالاجماع [ * ](9/381)
ولم يستثن في ذلك نكول المطلوب ولا رد اليمين أصلا * ومن طريق أبى عبيد نا عبد الرحمن ابن مهدى نا سفيان الثوري عن أبى اسحاق الشيباني عن الحكم بن عتيبة قال: لا أرد اليمين * ومن طريق الكشورى عن الحذافى عن عبد الرزاق نا سفيان الثوري قال: كان ابن أبى ليلى: والحكم بن عتيبة لا يريان اليمين يعنى لا يريان ردها على الطالب إذا نكل المطلوب، وقد ذكرنا قول أبى حنيفة ان المدعى عليه بالدم يأبى عن اليمين انه لا يرد اليمين على الطالب ولا يقضى عليه بالنكول لكن يسجن أبدا حتى يحلف وهو قول مالك فيمن ادعت عليه امرأته طلاقا وأمته أو عبده عتاقا وأقاموا شاهدا واحدا عدلا بذلك انه يلزمه اليمين وانه لا يقضى عليه بالنكول ولا برد اليمين لكن يسجن أبدا حتى يحلف وهو قول أبى سليمان.
وأصحابنا في كل شئ * قال أبو محمد: فان قيل: فانكم رددتم الرواية في رد اليمين بانها عن الشعبى ولم يدرك عثمان ولا المقداد ولا عمر ثم ذكرتم لانفسكم رواية حكومة كانت بين عمر.
وابى قلنا: لم نورد شيئا من هذا كله احتجاجا لانفسنا في تصحيح ما قلنا ونعوذ بالله من أن نرى في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة في الدين ولكن تكذيبا لمن قد سهل الشيطان له الكذب على جميع الامة في دعوى الاجماع مجاهرة حيث لا يجد الا روايات كلها هالكة بظنون كاذبة على ثلاثة من الصحابة قد روى مثلها بخلافها عن ثلاثة أخرين منهم فأريناهم لانفسنا مثلها بل أحسن منها عن ثلاثة أيضا منهم أو أربعة الا أن الموافقة لقولنا أصح لانها عن الشعبى في ذكر قضية بين عمر وأبى قضى فيها زيد بن ثابت بينهما، والشعبى قد لقى زيد بن ثابت وصحبه وأخذ عنه كثيرا فهذه اقرب بلا شك إلى أن تكون مسندة من تلك التى لم يلق الشعبى أحدا ممن ذكر في تلك القصة ولا أدركه بعقله * قال أبو محمد: ومن العجب العجيب أن يجوز أهل الجهل والغباوة لابي حنيفة ان لا يقضى بالنكول ولا برد اليمين لكن بالاخذ باليمين ولا بد في بعض الدعاوى دون بعض برأيه ويجوز مثل ذلك لمالك في دعوى الطلاق والعتاق ولا يجوز لمن اتبع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذلك في جميع الدعاوى ان هذا لعجب * قال أبو محمد: فإذ قد بطل القول بالقضاء بالنكول والقول برد اليمين على الطالب إذا نكل المطلوب لتعري هذين القولين عن دليل من القرآن أو من السنة وبطل أن يصح في أحدهما قول عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم فالواجب ان نأتى بالبرهان على صحة قولنا وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: قد صح ما قد أوردناه آنفا من قول النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء باليمين على(9/382)
المدعى عليه وانه لو اعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم وما قد أتينا به قبل في المسألة التى قبل هذه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينتك أو يمينه ليس لك الا ذلك فصح يقينا انه لا يجوز ان يعطى المدعى بدعواه دون بينة فبطل بهذا أن يعطى شيئا بنكول خصمه أو بيمينه إذا نكل خصمه لانه أعطى بالدعوى وصح أن اليمين بحكم الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام على المدعى عليه فوجب بذلك أنه لا يعطى المدعى يمينا اصلا الا حيث جاء النص بان يعطاها وليس ذلك الا في القسامة في المسلم يوجد مقتولا وفى المدعى يقيم شاهدا عدلا فقط، وكان من أعطى المدعى بنكول خصمه فقط أو بيمينه إذا نكل خصمه قد أخطأ كثيرا وذلك انه أعطاه ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس له وأعطاه بدعواه المجردة عن البينة وأسقط اليمين عمن أوجبها الله تعالى عليه ولم يزلها عنه الا أن يسقطها الذى هي له وهو الطالب الذى جعل الله تعالى له البينة فيأخذ أو يمين مطلوبه فإذ هي له فله ترك حقه ان شاء فظهر صحة قولنا يقينا، وقال الله تعالى: (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) فمن اطلق للمطلوب الامتناع من اليمين ولم يأخذه بها وقد أوجبها الله تعالى عليه فقد أعانه على الاثم والعدوان وعلى ترك ما افترض الله تعالى عليه الزامه أياه وأخذه به، وقد ذكرنا في كلامنا في الامامة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع) فوجدنا الممتنع مما أوجب الله عزوجل أخذه به من اليمين
قد أتى منكرا بيقين فوجب تغييره باليد بامر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغيير باليد هو الضرب فيمن لم يمتنع أو بالسلاح في المدافع بيده الممتنع من أخذه بالحق فوجب ضربه أبدا حتى يحييه الحق من اقراره أو يميته أو يقتله الحق من تغيير ما أعلن به من المنكر ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، ومن أطاع الله تعالى فقد أحسن وأما السجن فلا يختلف اثنان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له قط سجن وبالله تعالى التوفيق، وقد لاح بما ذكرنا ان قولنا ثابت عن ابن عباس كما أوردنا، ولا يصح عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم خلافه والحمد لله رب العالمين * 1784 مسألة وليس على من وجبت عليه يمين أن يحلف الا بالله تعالى أو باسم من أسماء الله تعالى في مجلس الحاكم فقط كيفما شاء من قعود أو قيام أو غير ذلك من الاحوال ولا يبالى إلى أي جهة كان وجهه، وقد اختلف الناس في هذا فروينا عن مالك انه بلغه انه كتب إلى عمر بن الخطاب رجل من العراق أن رجلا قال لامرأته: حبلك على غاربك فكتب عمر إلى عامله ان يوافيه الرجل بمكة في الموسم ففعل فأتاه الرجل وعمر يطوف بالبيت فقال لعمر: انا الرجل الذى امرت ان أجلب عليك فقال له عمر: انشدك(9/383)