صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف في صفة زمزم اربع ركعات وأربع سجدات) (1) * فهذه صلاة كسوف كانت بمكة سوى التى كانت بالمدينة، وما رووا قط عن احد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل الكسوف إلا مرة.
وكسوف الشمس يكون متواترا، بين كل كسوفين خمسة اشهر قمرية، فأى نكرة في ان يصلى عليه السلام فيه عشرات من المرات في نبوته؟ (2)! *
__________
(1) قال السيوطي في شرح النسائي (ج 3 ص 135) (قال الحافظ عماد الدين بن كثير: تفرد النسائي عن عبدة بقوله (في صفة زمزم) وهو وهم بلاشك، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة بالمدينة في المسجد، هذا هو الذى ذكره الشافعي، واحمد، والبخاري، والبيهقي، وابن عبد البر، وأما هذا الحديث بهذه الزيادة فيخشى ان يكون الوهم من عبدة بن عبد الرحيم هذا، فانه مروزى نزل دمشق ثم صار إلى مصر فاحتمل
أن النسائي سمعه منه بمصر، فدخل عليه الوهم، لانه لم يكن معه كتاب وقد اخرجه البخاري ومسلم والنسائي ايضا بطريق آخر من غير هذه الزيادة.
وعرض هذا على الحافظ جمال الدين المزى فاستحسنه وقال: (قد أجادوا احسن الانتقاد) وقال ابن حجر في التلخيص (ص 147): (فيه نظر، لان الحافظ رووه عن يحيى بن سعيد بدون قوله: في صفة زمزم كذا هو عند مسلم والنسائي أيضا فهذه الزيادة شاذة) (2) حقيقة إن الاحاديث التى وردت في وصف صلاة الكسوف مختلفة جدا، وكثير منها صحيح الاسناد وللعلماء فيها مسلكان: مسلك الجمع بينها بحملها على تعدد حصول الكسوف وصلاته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذى ذهب إليه اسحق ورجحه ابن رشد الفيلسوف في بداية المجتهد (ج 1 ص 167) والمؤلف في هذا الكتاب وغيرهم.
والمسلك الثاني الترجيح، قال ابن حجر في الفتح (ج 2 ص 362): (نقل صاحب الهدى عن الشافعي واحمد والبخاري أنهم كانو يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطا من بعض الرواة، فان اكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض، ويجمعها ان ذلك كان يوم مات ابراهيم عليه السلام وإذا انحدث القصة تعين الاخذ بالراجح) والراجح قطعا هو حديث عائشة الذى فيه ركوعان في كل ركعة.
ومثل هذا الامر لا يكفي فيه الاحتمال فقط بل يجب تحقيقه، ولئن زعم بعض علمائنا رحمهم الله ان حساب المنجمين لا يقبل ولا يعتمد، فانما ذلك كان ظنا منهم أنه من باب (التنجيم) ولم يعلموا انه حساب دقيق قاطع في اللالة على مواقيت مثل هذه(5/103)
الاشياء، وليس هو من علم الغيب كما يفهم بعض الناس.
وكسوف الشمس هو مرور القمر بينها وبين الارض، وخسوف القمر يكون بوقوع ظل الارض عليه، لان نوره مستمد من الشمس فإذا حجب عنه أظلم ولقد كان المتقدمون من علماء الفلك يعرفون الكسوفين بالاستقراء، فانه في كل 6585 يوما وثلث يوم - أي نحو ثمانية عشر عاما واحد عشر يوما - يحدث سبعون كسوفا منها 29 للقمر و 41 للشمس، ويكون أقله مرتان، وإذا
كان قاصرا عليهما كان للشمس وحدها، وقد يصل إلى سبع مرار، منها اثنان أو ثلاثة للقمر، واربعة أو خمسة للشمس، وأما المتأخرون فصاروا يحسبون لذلك حسابا دقيقا جدا، حتى يمكن معرفة ما يحدث منها في المستقبل وما حصل في الماضي، وكسوف القمر يرى في نصف الارض كله، وكسوف الشمس لا يرى إلا في جهات معينة، بل قد يمر بدون ان يرى، والكسوف الكلى - وهو الذى يغطى فيه القمر وجه الشمس كله - لا يرى إلا في أماكن ضيقة قد لا تزيد على 165 ميلا، ولا يزيد وقت بقائه على خمس دقائق أوست.
(وهذه المعلومات اقتبستها من كتاب بسائط علم الفلك للدكتور صروف ص 27 و 31 ومن دائرة المعارف الفرنسوية الكبرى ج 15 ص 356 ومن دائرة معارف لاروس ج 4 ص 34 وتفضل بترجمتهما صديقى الاستاذ احمد بك وجدى المحامي بالزقازيق) فإذا علمنا هذا تبين لنا ان قول المؤلف: (بين كل كسوفين خمسة اشهر قمرية) قول قريب من الحقيقة، ويظهر لى انه كان ذا اطلاع على بعض علم الهيئة والفلك، وقد مدح هو ذلك في الملل والنحل (ج 5 ص 37) وقال: ان العلم بهذا (ينتج منه معرفة رؤية الاهلة لفرض الصوم والفطر ومعرفة الكسوفين).
ولقد حاولت كثيرا ان اجد من العلماء بالفلك من يظهر لنا بالحساب الدقيق عدد الكسوفات التى حصلت في مدة اقامة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وتكون رؤيتها بها ممكنة، وطلبت ذلك من بعضهم مرارا -: فلم أوفق إلى ذلك، إلا انى وجدت للمرحوم محمود باشا الفلكي جزءا صغيرا سماه (نتائج الافهام في تقويم العرب قبل الاسلام) ألفه باللغة الفرنسوية وترجمه إلى العربية الاستاذ العلامة احمد ذكى باشا وطبع في بولاق سنة 1305، وقد حقق فيه بالحساب الدقيق يوم الكسوف الذى حصل في السنة العاشرة وهو اليوم الذى مات فيه ابراهيم عليه السلام، ومنه اتضح ان الشمس كسفت في المدينة المنورة في يوم الاثنين 29 شوال سنة 10 الموافق ليوم 27 يناير سنة 632 ميلادية في الساعة 8 والدقيقة 30 صباحا.
وهو يرد اكثر الاقوال التى نقلت في تحديد يوم موت ابراهيم عليه السلام.
وعسى ان يكون هذا البحث والتحقيق(5/104)
وأما اقتصارنا على ما وصفنا في صلاة كسوف القمر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (: صلاة
الليل والنهار مثنى مثنى) فلا يجوز ان تكون صلاة إلا مثنى مثنى، إلا صلاة جاء نص جلى صحيح بأنها أقل من مثنى أو اكثر من مثنى، كما جاء في كسوف الشمس، فيوقف عند ذلك ولا تضرب الشرائع بعضها ببعض، بل كلها حق * وانما قلنا بصلاة الكسوف القمرى والآيات في جماعة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين) ويصليها النساء، والمنفرد، والمسافرون كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق * (سجود القرآن) في القرآن أربع عشرة سجدة، أولها في آخر ختمه سورة الاعراف، ثم في الرعد، ثم في النحل، ثم في سبحان، ثم في كهيعص، ثم في الحج في الاولى وليس قرب آخرها سجدة، ثم في الفرقان، ثم في النمل، ثم في آلم تنزيل، ثم في ص، ثم في حم فصلت، ثم في
__________
حافزا لبعض النبهاء من العالمين بالفلك إلى حساب الكسوفات التى حصلت بالمدينة في السنين العشر الاولى من الهجرة النبوية أي إلى وقت وفاته صلى الله عليه وسلم في يوم الاحد 12 ربيع الاول سنة 11 أو الاثنين 13 منه الموافقان ليومى 7 يونيه سنة 632 و 8 منه، فإذا عرف بالحساب عدد الكسوفات في هذه المدة أمكن التحقيق من صحة احد المسلكين: إما حمل الروايات على تعدد الوقائع وإما ترجيح الرواية التى فيها ركوعان في كل ركعة وأنا اميل جدا إلى الظن بأن صلاة الكسوف لم تكن إلا مرة واحدة، فقد علمنا من رسالة محمود باشا الفلكي انه حصل خسوف للقمر في المدينة في يوم الاربعاء 14 جمادى الثانية من السنة الرابعة للهجرة الموافق 20 نوفمبر سنة 625 ولم يرد ما يدل على ان النبي صلى الله عليه وسلم جمع الناس فيه لصلاة الخسوف ويؤيد هذا ان الاحاديث الواردة في صلاة الكسوف دالة بسياقها على ان هذه الصلاة كانت لاول مرة، وان الصحابة لم يكونوا يعلمون ماذا يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقتها، وانهم ظنوا انها كسفت لموت ابراهيم، وان المدة بين موت ابراهيم عليه السلام وبين موت ابيه صلى الله عليه وسلم لن تزد على اربعة اشهر ونصف، فلو كان
الكسوف حصل مرة أخرى وقاموا للصلاة لظهر ذلك واضحا في النقل لتوافر الدواعى إلى نقله كما نقلوا ما قبله بأسانيد كثيرة، والله أعلم بالصواب * (م 14 - ج 5 المحلى)(5/105)
والنجم في آخرها، ثم في إذا السماء انشقت عند قوله تعالى: (لا يسجدون) ثم في اقرأ باسم ربك في آخرها * وليس السجود فرضا لكنه فضل، ويسجد لها في الصلاة الفريضة والتطوع وفى غير الصلاة في كل وقت، وعند طلوع الشمس وغروبها واستوائها، إلى القبلة والى غير القبلة، وعلى طهارة وعلى غير طهارة * فأما السجدات المتصلة إلى (الم تنزيل) فلا خلاف فيها، ولا في مواضع السجود منها إلا في سورة النمل، فان كثيرا من الناس قالوا: موضع السجدة فيها عند تمام قراءتك (رب العرش العظيم) وقال بعض الفقهاء: بل في تمام قراءتك (وما يعلنون) وبهذا نقول لانه أقرب إلى موضع ذكر السجود والامر به، والمبادرة إلى فعل الخير أولى، قال تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) * وقالت طائفة: في الحج سجدة ثانية قرب آخرها، عند قوله تعالى (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)، ولا نقول: بهذا في الصلاة البتة، لانه لا يجوز ان يزاد في الصلاة سجود لم يصح به نص، والصلاة تبطل بذلك، وأما في غير الصلاة فهو حسن، لانه فعل خير * وانما لم نجزه في الصلاة لانه لم يصح فيها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجمع عليها، وانما جاء فيها أثر مرسل، وصح عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وابى الدرداء السجود فيها، وروى أيضا عن أبى موسى الاشعري * روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدى: ثنا شعبة عن سعد (1) بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف سمعت عبد الله بن ثعلبة يقول: صليت خلف عمر بن الخطاب نسجد
في الحج سجدتين * وعن مالك عن عبد الله بن دينار: رأيت عبد الله بن عمر سجد في الحج سجدتين * وعن معمر عن ايوب عن نافع عن ابن عمر: انه وأباه عمر كانا يسجدان في الحج سجدتين وقال ابن عمر: لو سجدت فيها واحدة لكانت السجدة في الآخرة أحب إلى * وقال عمر: انها فضلت بسجدتين * وعن عبد الرحمن بن مهدى عن شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه.
ان ابا الدرداء سجد في الحج سجدتين *
__________
(1) في الاصلين (سعيد) وهو خطأ(5/106)
وروى ايضا عن على بن ابى طالب، وأبى موسى، وعبد الله بن عمرو بن العاصى * قال أبو محمد: أين المهولون (1) من أصحاب مالك وأبى حنيفة بتعظيم خلاف الصاحب الذى لا يعرف له مخالف من الصحابة؟ وقد خالفوا ههنا فعل عمر بحضرة الصحابة، لا يعرف له منهم مخالف، ومعه طوائف ممن ذكرنا، ومعهم حديث مرسل بمثل ذلك، وطوائف من التابعين ومن بعدهم؟! وبه يقول الشافعي * وأما نحن فلا حجة عندنا إلا فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * فان قالوا: قد جاء عن ابن عباس في هذا خلاف * قلنا: ليس كما تقولون، انما جاء عن ابن عباس: السجود عشر، وقد جاء عنه: ليس في ص سجدة، فبطل ان يصح عنه خلاف في هذا، بل قد صح عنه السجود في الحج سجدتين، كما روينا من طريق شعبة عن عاصم الاحول عن أبى العالية عن ابن عباس قال: فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين * واختلف أفى ص سجدة أم لا؟ * وإنما قلنا: بالسجود فيها لانه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود فيها، وقد ذكرناه
قبل هذا في سجود الخطيب يوم الجمعة يقرأ السجدة * واختلف في السجود في حم، فقالت طائفة: السجدة عند تمام قوله تعالى (ان كنتم اياه تعبدون) وبه نأخذ، وقالت طائفة: بل عند قوله (وهم لا يسأمون)، وانما اخترنا ما اخترنا لوجهين: أحدهما ان الآية التى يسجد عندها قبل الاخرى، والمسارعة إلى الطاعة افضل، والثانى أنه أمر بالسجود، واتباع الامر أولى * وقال بعض من لم يوفق للصواب: وجدنا السجود في القرآن انما هو في موضع الخبر، لا في موضع الامر * قال أبو محمد: وهذا هو أول من خالفه لانه وسائر المسلمين يسجدون في الفرقان في قوله تعالى (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا: وما الرحمن؟ أنسجد لما تأمرنا؟ وزادهم نفورا) وهذا أمر لاخبر، وفى قراءة الكسائي وهى إحدى القراءات الثابتة: (ألا يسجدوا لله الذى يخرج الخب ء في السموات والارض) إلى آخر الآية بتخفيف: (ألا) بمعنى: ألا يا قوم اسجدوا، وهذا أمر، وفى النحل عند قوله تعالى: (ويفعلون ما يؤمرون) *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (اين المموهون).(5/107)
وقد وجدنا ذكر السجود بالخبر لا سجود فيه عند أحد، وهو قوله تعالى في آل عمران (ليسوا سواء من اهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون).
وفى قوله تعالى: (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) فصح ان القوم في تخليط لا يحصلون ما يقولون * وروينا عن وكيع عن ابيه عن ابى اسحاق السبيعى عن عبد الرحمن بن الاسود قال: كان اصحاب ابن مسعود يسجدون بالاولى من الآيتين.
وكذلك عن ابى عبد الرحمن السلمى.
وهو قول مالك وابى سليمان * وصح عن ابن مسعود وعلى: انهما كانا لا يريان عرائم السجود من هذه المذكورات (1)
الا آلم وحم، وكانا يريانهما أوكد من سواهما * وقال مالك: لا سجود في شئ من المفصل، وروى ذلك عن ابن عباس، وزيد ابن ثابت * وخالفهما آخرون من الصحابة، كما نذكر إن شاء الله تعالى، بعد أن نقول: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود فيها، ولا حجة في أحد دونه ولا معه * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد ابن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبى اسحاق السبيعى قال سمعت الاسود بن يزيد عن ابن مسعود: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ والنجم فسجد فيها) حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا احمد ابن محمد البرتى القاضى ثنا مسدد ثنا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن سفيان الثوري عن أيوب بن موسى عن عطاء بن ميناء عن ابى هريرة قال: (سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في والنجم، واقرأ باسم ربك) * وبه يأخذ جمهور السلف * وروينا من طريق مالك عن عبد الرحمن الاعرج عن أبى هريرة: ان عمر بن الخطاب قرأ لهم والنجم إذا هوى فسجد فيها، ثم قام فقرأ بسورة أخرى، وانه فعل ذلك في الصلاة بالمسلمين * وعن ابى عثمان النهدي: ان عثمان بن عفان قرأ في صلاة العشاء بالنجم فسجد في
__________
(1) في النسخة رقم (14) (المذكورة).(5/108)
آخرها، ثم قام فقرأ بالتين والزيتون فركع وسجد، فقرأ سورتين في ركعة * ومن طريق سفيان الثوري عن عاصم بن ابى النجود عن زربن حبيش عن على بن ابى طالب قال: العزائم أربع، آلم تنزيل، وحم السجدة، والنجم، واقرأ باسم ربك *
وعن شعبة عن عاصم بن ابى النجود عن زربن حبيش عن ابن مسعود قال: عزائم السجود أربع، آلم تنزيل، وحم، والنجم، واقرأ باسم ربك * وعن سليمان بن موسى وايوب السختيانى كلاهما عن نافع مولى ابن عمر قال: إن ابن عمر كانم إذا قرأ بالنجم سجد * وعن المطب بن ابى وداعة قال: (سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجم ولم أسجد - وكان مشركا حينئذ - قال: فلن ادع السجود فيها أبدا).
اسلم المطلب يوم الفتح * فهذا عمر، وعثمان، وعلى بحضرة الصحابة رضى الله عنهم، وهم يشنعون اقل من هذا * وبالسجود فيها يقول عبد الرحمن بن ابى ليلى، وسفيان، وابو حنيفة، والشافعي، وأحمد وداود، وغيرهم * قال أبو محمد: واحتج المقلدون لمالك بخبر رويناه من طريق يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت قال: (قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد فيها) قال أبو محمد: لا حجة لهم في هذا، فانه (1) لم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا سجود فيها، وانما في هذا الخبر حجة على من قال: إن السجود فرض فقط، وهكذا نقول: إن السجود ليس فرضا، لكن إن سجد فهو أفضل، وان ترك فلا حرج، ما لم يرغب عن السنة * وأيضا: فان راوي هذا الخبر قد صح عن مالك أنه لا يعتمد على روايته - وهو ابن قسيط - (2) فالآن صارت روايته حجة في ابطال السنن؟! على أنه ليس فيها شئ مما يدعونه * وموهوا أيضا بخبر رويناه من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن بكر - هو ابن عبد الله المزني - أن ابا سعيد الخدرى قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد بمكة بالنجم،
__________
(1) في النسخة رقم (14) (لانه) (2) بضم القاف وفتح السين المهملة وآخره طاء مهملة ويزيد هذا ثقة، وقد احتج به مالك والشيخان وغيرهم وانما طعن مالك في الذى حدثه
عن يزيد وهو رجل لم يسم، وذلك في حديث آخر.(5/109)
فلما قدم المدينة رأى أبو سعيد فيما يرى النائم كأنه يكتب سورة ص، فلما أتى على السجدة سجدت الدواة والقلم والشجر وما حوله من شئ، قال: فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد فيها وترك النجم) * فهذا خبر لا يصح، لان بكرا لم يسمعه من أبى سعيد، والله اعلم ممن سمعه، إلا أنه قد صح (1) بطلان هذا الخبر بلا شك، لما رويناه آنفا من قول أبى هريرة: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد بهم في النجم) وأبو هريرة متأخر الاسلام، إنما أسلم بعد فتح خيبر، وفى هذا الخبر أن ترك السجود فيها كان اثر قدومه عليه السلام المدينة، وهذا باطل * وموهوا بخبر رويناه من طريق مطر الوراق يذكره عن ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد في المفصل مذ قدم المدينة) * وهذا باطل بحت، لما ذكرنا من حديث أبى هريرة، ولما نذكره اثر هذا إن شاء الله تعالى، وعلة هذا الخبر هو أن مطرا سبئ الحفط، ثم لو صح لكان المثبت أولى من النافي، ولا عمل أقوى من عمل عمر، وعثمان بحضرة الصحابة بالمدينة وبالله تعالى التوفيق * وذكروا أحاديث مرسلة ساقطة، لا وجه للاشتغال بها لما ذكرنا * وأما إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك فان عبد الرحمن بن عبد الله حدثنا قال ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا مسلم بن ابراهيم، ومعاذ بن فضالة قالا ثنا هشام الدستوائى عن يحيى - هو ابن أبى كثير - عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: (رأيت أبا هريرة سجد في إذا السماء انشقت، فقلت: يا أبا هريرة، ألم أرك تسجد؟ قال: لو لم أر النبي صلى الله عليه وسلم سجد لم أسجد بها) * ومن طريق مالك أيضا عن عبد الله بن يزيد عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة بمثله * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد
ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبى شيبة وعمرو الناقد ثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن عطاء بن ميناء عن أبى هريرة قال: (سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك) *
__________
(1) في الاصلين (قد صح عنه) وكتب في النسخة رقم (14) على كلمة (عنه) بالحمرة حرف زاى، اشارة إلى انها زائدة، وهى حقا زائدة قد تفسد المعنى.(5/110)
قال أبو محمد: هذا يكذب رواية مطر التى احتجوا بها * ومن طريق الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن صفوان بن سليم عن عبد الرحمن الاعرج عن أبى هريرة: (سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك) * ورويناه من طرق كثيرة متواترة كالشمس، اكتفينا منها بهذا * وبهذا يأخذ عامة السلف * روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدى، والمعتمر بن سليمان كلهم قال ثنا قرة - هو ابن خالد - عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة قال: (سجد أبو بكر وعمر في إذا السماء انشقت ومن هو خير منهما) زاد عبد الرحمن والمعتمر: (واقرأ باسم ربك) وهذا أثر كالشمس صحة * وقد ذكرنا عن على، وابن مسعود آنفا: عزائم السجود آلم وحم والنجم واقرأ باسم ربك * ومن طريق شعبة عن عاصم بن أبى النجود عن أبى رزين: قرأ عمار بن ياسر إذا السماء انشقت وهو يخطب، فنزل فسجد * وعن الثقات أيوب، وعبيدالله بن عمر، وسليمان بن موسى عن نافع: أن ابن عمر كان يسجد في إذا السماء انشقت، واقرأ باسم ربك * وهو قول أصحاب ابن مسعود، وشريح، والشعبى، وعمر بن عبد العزيز أمر الناس بذلك، الشعبى (1) وأبى حنيفة والاوزاعي وسفيان الثوري والشافعي واحمد واسحاق وداود
وأصحابهم وأصحاب الحديث * وأما سجودها على غير وضوء والى غير القبلة كيف ما يمكن فلانها ليست صلاة، وقد قال عليه السلام: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) فما كان أقل من ركعتين فليس صلاة إلا أن يأتي نص بأنه صلاة، كركعة الخوف، والوتر، وصلاة الجنازة ولا نص في ان سجدة التلاوة صلاة * وقد روى عن عثمان رضى الله تعالى عنه، وسعيد بن المسيب: تومئ الحائض بالسجود قال سعيد: وتقول: رب لك سجدت.
وعن الشعبى جوازها إلى غير القبلة * (سجود الشكر)
__________
(1) كذا في الاصلين بتكرار اسم (الشعبى)(5/111)
557 - مسألة - سجود الشكر حسن، إذا وردت لله تعالى على المرء نعمة فيستحب له السجود، لان السجود فعل خير، وقد قال الله تعالى (وافعلوا الخير) ولم يأت عنه نهى عن النبي صلى الله عليه وسلم * بل قد حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا الوهاب بن عيسى ثنا أحمد ابن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا الوليد بن مسلم سمعت الاوزاعي قال ثنا الوليد بن هشام المعيطى ثنا معدان بن أبى طلحة اليعمرى قال: (لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له (1): أخبرني بعمل يدخلنى الله به الجنة، أو قلت: ما أحب الاعمال (2) إلى الله تعالى؟ فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتنى فقال: (3) عليك بكثرة السجود لله تعالى، فانك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله عزوجل بها درجة، وحط عنك بها خطيئة، قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء فسألته، فقال: مثل ما قال لى (4) ثوبان) قال أبو محمد: الوليد بن هشام من كبار أصحاب عمر بن عبد العزيز لفضله وعمله،
وباقى الاسناد اشهر من أن يسأل عنهم * وليس لاحد أن يقول: إن هذا السجود إنما هو سجود الصلاة خاصة، ومن اقدام على هذا فقد قال على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لم يقله، بل كذب عليه، إذ أخبر عن مراده بالغيب والظن الكاذب * وقد روينا عن أبى بكر الصديق: أنه لما جاءه فتح اليمامة سجد * وعن على بن أبى طالب: انه لما وجد ذوالثدية في القتلى سجد، إذ عرف أنه في الحزب المبطل، وانه هو المحق * وصح عن كعب بن مالك في حديث تخلفه عن تبوك: أنه لما تيب عليه سجد * ولا مخالف لهؤلاء من الصحابة أصلا، ولا مغمز في خبر كعب البتة
__________
(1) كلمة (له) ليست في صحيح مسلم (ج 1 ص 140) (2) في مسلم (أو قلت بأحب الاعمال) (3) في مسلم (سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) الخ (4) كلمة (لى) ليست في مسلم *(5/112)
(كتاب الجنائز) صلاة الجنائز وحكم الموتي 558 - مسألة - غسل المسلم الذكر والانثى وتكفينهما فرض، ولا يجوز أن يكون الكفن إلا حسنا على قدر الطاقة، وكذلك الصلاة عليه حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا اسماعيل - هو ابن أبى أويس - ثنا مالك عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين عن أم عطية الانصارية قالت: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته، فقال: اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك، إن رأيتن ذلك) وذكر الحديث * فأمر عليه السلام بغسلها، وأمره فرض، ما لم يخرجه عن الفرض نص آخر، ولا خلاف
في أن حكم الرجل والمرأة في ذلك سواء * وإيجاب الغسل هو قول الشافعي، وداود * والعجب ممن لا يرى غسل الميت فرضا، وهو عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره، وعمل أهل الاسلام مذ أوله إلى الآن * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هرون بن عبد الله ثنا حجاج بن محمد الاعور قال قال ابن جريج أنا أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث: (ان النبي صلى الله عليه وسلم خطب (1) يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل، فقال: إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه) * وروينا عن ابن مسعود: أنه أوصى أنه يكفن في حلة بمائتي درهم * وعن ابن سيرين: كان يقال: من ولى أخاه فليحسن كفنه، فانهم يتزاورون في أكفانهم * وعن حذيفة: لا تغالوا في الكفن، اشتروا لي ثوبين نقيين *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خطب) الخ وما هنا هو الموافق لمسلم (ج 1 ص 258) (م 15 - ج 5 المحلى)(5/113)
قال أبو محمد: هذا تحسين للكفن، وانما كره المغالاة فقط * وعن أبى سعيد الخدرى: أنه قال لانس وابن عمر ولغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: احملوني على قطيفة قيصرانية وأجمروا على أوقية مجمر (1) وكفنوني في ثيابي التى أصلى فيها وفى قبطية (2) في البيت معها * والذى روى عن أبى بكر رضى الله تعالى عنه في أن يغسل الثوب الذى عليه ويكفن فيه وفى
ثوبين آخرين -: تحسين للكفن، وحتى لو كان خلاف لوجب الرد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم * 559 - مسألة - ومن لم يغسل ولا كفن حتى دفن وجب اخراجه حتى يغسل ويكفن ولابد * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا على بن عبد الله ثنا سفيان - هو ابن عيينة - قال عمرو بن دينار سمعت جابر بن عبد الله قال: (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبى بعد ما ادخل في حفرته، فأمر به فاخرج، فوضعه على ركبته، ونفث عليه من ريقه، والبسه قميصا) * قال أبو محمد: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل والكفن ليس محدودا بوقت، فهو فرض أبدا، وإن تقطع الميت، ولا فرق بين تقطعه بالبلى وبين تقطعه بالجراح، والجدري، لا يمنع شئ من ذلك من غسله وتكفينه * 560 - مسألة - ولا يجوز أن يدفن أحد ليلا الا عن ضرورة، ولا عند طلوع الشمس حتى ترتفع، ولا حين استواء الشمس حتى تأخذ في الزوال، ولا حين ابتداء أخذها في الغروب، ويتصل ذلك بالليل إلى طلوع الفجر الثاني، والصلاة جائزة عليه (3) في هذه الاوقات كلها * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا يوسف بن سعيد ثنا حجاج بن محمد الاعور عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فزجر أن يقبر انسان ليلا إلا أن يضطر إلى ذلك * قال أبو محمد: كل من دفن ليلا منه عليه السلام ومن أزواجه ومن أصحابه رضى الله عنهم -: فانما ذلك لضرورة أوجبت ذلك، من خوف زحام، أو خوف الحر على من
__________
(1) المجمر شئ يتبخر به (2) بضم القاف: هي الثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء، وكأنه منسوب إلى القبط بكسر القاف على غير قياس (3) في النسخة رقم (16) (عليها) *(5/114)
حضر وحر المدينة شديد، أو خوف تغير، أوغير ذلك مما يبيح الدفن ليلا، لا يحل لاحد أن يظن بهم رضى الله عنهم خلاف ذلك * روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان ثنا هشام الدستوائى عن قتادة عن سعيد ابن المسيب: أنه كره الدفن ليلا * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد ابن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا عبد الله بن وهب عن موسى ابن على بن رباح (1) عن أبيه سمعت عقبة بن عامر يقول: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن نصلى فيها أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف للغروب حتى تغرب) قال أبو محمد: قد بينا قبل أن الصلاة المنهى عنها في هذه الاوقات إنما هي التطوع المتعمد ابتداؤه قصد إليه، وكذلك كل صلاة فرض مقضية تعمد تركها إلى ذلك الوقت وهو يذكرها فقط، لا كل صلاة مأمور بها أو مندوب إليها.
وبالله تعالى التوفيق * 561 - مسألة - والصلاة على موتى المسلمين فرض * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمود بن غيلان أنا أبو داود - هو الطيالسي - ثنا شعبة عن عثمان بن عبد الله بن موهب سمعت عبد الله ابن أبى قتادة عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى برجل من الانصار ليصلى عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: صلوا على صاحبكم، فان عليه دينا) وذكر الحديث * فهذا امر بالصلاة عليه عموما.
وروى مثل ذلك أيضا في الغال * 562 - مسألة - حاشا المقتول بأيدى المشركين خاصة في سبيل الله عزوجل في المعركة خاصة، فانه لا يغسل ولا يكفن، لكن يدفن بدمه وثيابه، إلا انه ينزع عنه السلاح فقط، وإن صلى عليه فحسن، وان لم يصل عليه فحسن، فان حمل عن المعركة وهو حى فمات غسل وكفن وصلى عليه *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث - هو ابن سعد - حدثنى ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله: أنه ذكر قتلى احد وقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم) *
__________
(1) (على) بضم العين مصغر، و (رباح) بفتح الراء وتحفيف الباء الموحدة وآخره حاء مهملة(5/115)
وبه أيضا إلى الليث بن سعد: حدثنى يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير عن عقبة ابن عامر الجهنى: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل احد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر) وذكر الحديث * قال أبو محمد: فخرج هؤلاء عن امر النبي صلى الله عليه وسلم بالكفن، والغسل والصلاة - وبقى سائر من قتله مسلم، أو باغ، أو محارب أو رفع عن المعركة حيا - على حكم سائر الموتى * وذهب أبو حنيفة إلى ان يصلى عليهم * قال أبو محمد: ليس يجوزأن يترك أحد الاثرين المذكورين للآخر، بل كلاهما حق مباح، وليس هذا مكان نسخ، لان استعمالهما معا ممكن في أحوال مختلفة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ان المبطون والمطعون والغريق والحريق وصاحب ذات الجنب وصاحب الهدم والمرأة تموت بجمع (1) -: شهداء كلهم، ولا خلاف في انه عليه السلام كفن في حياته، وغسل من مات فيهم من هؤلاء.
وبالله تعالى التوفيق.
وقد كان عمر، وعثمان، وعلى رضى الله عنهم شهداء، فغسلوا وكفنوا وصلى عليهم * ولا يصح في ترك المجلود اثر، لان راويه على بن عاصم، وليس بشئ * 563 - مسألة - وإعماق (2) حفير القبر فرض، ودفن المسلم فرض، وجائز دفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد، ويقدم أكثرهم قرآنا * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب انا محمد بن معمر ثنا
وهب بن جرير بن حازم ثنا أبى قال سمعت حميدا -: هو ابن هلال - عن سعد بن هشام بن عامر عن ابيه قال: (لما كان يوم احد اصيب من أصيب من المسلمين، فأصاب الناس جراحات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احفروا وأوسعوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر، وقدموا أكثرهم قرآنا) * وبه إلى أحمد بن شعيب: أنا محمد بن بشار ثنا اسحاق بن يوسف ثنا سفيان - هو الثوري - عن ايوب السختيانى عن حميد بن هلال عن هشام بن عامر قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم احد، فقلنا: يا رسول الله، الحفر علينا لكل انسان شديد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احفروا واعمقوا واحسنوا (3)، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر
__________
(1) بجمع - بفتح الجيم واسكان الميم - أي ولادة (2) بالعين المهملة (3) قوله (واحسنوا) زيادة من النسائي (ج 4 ص 80 و 81) *(5/116)
واحد، قدموا (1) أكثرهم قرآنا) فلم يعذرهم عليه السلام في الاعماق في الحفر * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا عبد الله ابن يوسف ثنا الليث - هو ابن سعد حدثنى ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى احد في الثوب الواحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا اشير له إلى احدهما قدمه في اللحد) * 564 - مسألة - ودفن الكافر الحربى وغيره فرض * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا عبد الله ابن محمد سمع روح بن عبادة ثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أنس بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوى (2) من أطواء بدر خبيث مخبث) *
وقد صح نهيه عليه السلام عن المثلة، وترك الانسان لا يدفن مثلة.
وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر إذ قتل بنى قريظة بأن تحفر خنادق ويلقوا فيها * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أنا عبيدالله بن سعيد ثنا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن سفيان الثوري عن أبى اسحاق السبيعى عن ناجية ابن كعب عن على بن أبى طالب قال: (قلت للنبى صلى الله عليه وسلم: إن عمك الضال قد مات فمن يواريه؟ قال: اذهب فوار أباك) وذكر باقى الحديث * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن أبى سنان عبد الله بن سنان عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس: رجل فينا مات نصرانيا وترك ابنه؟ قال: ينبغى أن يمشى معه ويدفنه * قال سفيان: وسمعت حماد بن أبى سليمان يحدث عن الشعبى: أن أم الحارث بن أبى ربيعة ماتت وهى نصرانية، فشيعها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم * 565 - مسألة - وأفضل الكفن للمسلم ثلاثة أثواب بيض للرجل، يلف فيها،
__________
(1) في النسخة رقم (14) (وقدموا) بزيادة الواو وليست في النسائي (2) بفتح الطاء المهملة وكسر الواو وتشديد الياء، صفة، فعيل بمعنى مفعول في الاصل وانتقل إلى الاسماء.
وهو البئر المطوية بالحجارة، وهو مذكر فان أنت فعلى معنى البئر.(5/117)
لا يكون فيها قميص، ولاعمامة، ولا سراويل ولاقطن، والمرأة كذلك وثوبان زائدان، فان لم يقدر له على أكثر من ثوب واحد أجزأه، فان لم يوجد للاثنين إلا ثوب واحد أدرجا فيه جميعا، وان كفن الرجل والمرأة بأقل أو أكثر فلا حرج * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا اسماعيل ابن أبى أويس عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية، (1) ليس فيها قميص، ولا عمامة) *
قال أبو محمد: ما تخير الله تعالى لنبيه إلا أفضل الاحوال * وبه إلى البخاري: ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيدالله - هو ابن عمر - حدثنى نافع عن ابن عمر قال: (ان عبد الله بن أبى (2) لما توفى جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اعطني قميصك أكفنه فيه، وصلى عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه، وقال له: آذنى اصل عليه) وذكر الحديث * (3) وبه إلى البخاري: ثنا عمر بن حفص بن غياث ثنا ابى عن الاعمش ثنا شقيق ثنا حباب قال: (هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا، ومنهم مصعب بن عمير، قتل يوم احد، فلم نجد ما نكفنه إلا بردة، إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نغطى رأسه، وان نجعل على رجليه من الاذخر) (4) * قال أبو محمد: هكذا يجب ان يكفن من لم يوجد له إلا ثوب واحد لا يعمه كله * قال أبو محمد: وههنا حديث وهم فيه راويه: رويناه من طريق احمد بن حنبل عن الحسن بن موسى الاشيب عن حماد بن سلمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن ابى طالب عن محمد بن على بن ابى طالب - هو ابن الحنفية - عن ابيه: (ان النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) في اللسان: (يروى بفتح السين وضمها، فالفتح منسوب إلى السحول وهو القصار، لانه يسحلها أي يغسلها، أو إلى سحول، قرية باليمن، وأما الضم فهو جمع سحل، وهو الثوب الابيض النقى، ولايكون إلا من قطن، وفيه شذوذ، لانه نسب إلى الجمع، وقيل: ان اسم القرية بالضم أيضا) (2) كان رئيس المنافقين (3) في البخاري (ج 2 ص 166 و 167) (4) هو حشيشة طيبة الرائحة تسقف بها فوق الخشب(5/118)
كفن في سبعة اثواب) (1) والوهم فيه من الحسن بن موسى، أو من عبد الله بن محمد بن عقيل * فان ذكر ذاكر الخبر الذى رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان قال سمعت
سعيد بن ابى عروبة يحدث عن ايوب عن ابى قلابة عن ابى المهلب عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البسوا من ثيابكم البياض، فانها اطهر وأطيب، وكفنوا فيه موتاكم) * قلنا: هذا ليس فرضا، لانه قد صح انه عليه السلام لبس حلة حمراء (2) وشملة سوداء * وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا القعنبى عن عبد العزيز بن محمد - هو الدراوردى - عن زيد - هو ابن أسلم - ان ابن عمر قيل له: (لم تصبغ بالصفرة؟ قال: إنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، ولم يكن شئ احب إليه منها، وكان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا عمرو ابن عاصم ثنا همام بن يحيى عن قتادة قال قلت لانس به مالك: (أي الثياب كان احب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: الحبرة) (3) * قال أبو محمد: لا يحل ان يترك حديث لحديث، بل كلها حق.
فصح ان الامر بالبياض ندب * وباختيارنا هذا يقول جمهور السلف * كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: ان أبا بكر الصديق قال لها في حديث: (فيم كفنتموه؟ - يعنى النبي صلى الله عليه وسلم - قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحول (4) ليس فيها قميص ولاعمامة، فقال أبو بكر: انظر واثوبي
__________
(1) هو في المسند (ج 1 ص 94) ورواه احمد أيضا (ج 1 ص 102) عن عفان وحسن بن موسى كلاهما عن حماد باسناده فالوهم فيه اذن من عبد الله بن محمد بن عقيل (2) في النسخة رقم (14) (قد صح عنه عليه السلام لبس حلة حمراء) الخ (3) بكسر الحاء المهملة وفتحها مع فتح الباء الموحدة فيهما: ضرب من برود اليمن منمر، والجمع حبر وحبرات، بكسر الحاء (4) يروى بفتح السين وبضمها.(5/119)
هذا فاغسلوه، وبه ردع (1) من زعفران أو مشق (2) واجعلوا معه ثوبين آخرين) (3) * ومن طريق ابن عمر قال: كفن عمر بن الخطاب في ثلاثة اثواب، ثوبين سحوليين، وثوب كان يلبسه * وعن أبى هريرة انه قال لاهله عند موته: (لا تقمصونى ولا تعممونى فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقمص ولم يعمم (4) * وعن ابن جريج عن عطاء: لا يعمم الميت ولا يؤزر ولا يردى (5)، لكن يلف فيها لفا * قال ابن جريج: وأخبرني ابن طاوس عن ابيه أنه كان يكفن الرجل من أهله في ثلاثة أثواب ليس فيها عمامة * وهو اختيار الشافعي، وأبى سليمان، واحمد بن حنبل وأصحابهم.
وهكذا كفن بقى ابن مخلد، وقاسم بن محمد أفتى بذلك الخشنى وغيره ممن حضر * وأما كفن المرأة فان عبد الرحمن بن عبد الله حدثنا قال ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا حامد بن عمر ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت: (توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فخرج فقال: اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك أن رأيتن بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور، فإذا فرغتن فآذننى، فلما فرغن آذناه، فالقى الينا حقوه (6)، وقال: أشعرنها إياه) * وروينا عن الحسن قال: تكفن المرأة في خمسة اثواب: درع وخمار وثلاث لفائف * وعن النخعي: تكفن المرأة في خمسة اثواب: درع، وخمار، ولفافة، ومنطقة، ورداء * وعن ابن سيرين: تكفن المرأة في خمسة اثواب: درع وخمار ولفافتين وخرقة * وعن الشعبى: تكفن المرأة في خمسة اثواب، والرجل في ثلاثة *
__________
(1) بفتح الراء واسكان الدال وآخره عين وهما مهملتان وهو اثر الخلوق والطيب في الجسد والثواب، أي لطخ لم يعمه كله، يقال: ردعه بالشئ ردعا فارتدع، لطخه به فتلطخ.
قاله
في اللسان.
(2) بكسر الميم واسكان الشين المجمة، هو المغرة، وهو صبغ أحمر.
(3) انظره مطولا في مسند احمد (ج 6 ص 132) وفى الطبقات لابن سعد (ج 3 ق 1 ص 143) كلاهما عن عفان عن حماد ياسناده.
(4) في النسخة رقم (16) (لم يقمص ولاعمم) (5) بالراء من الرداء (6) أي ازاره *(5/120)
566 - مسألة - ومن مات وعليه دين يستغرق كل ما ترك فكل ما ترك للغرماء، ولا يلزمهم كفنه دون سائر من حضر من المسلمين * لان الله تعالى لم يجعل ميراثا ولا وصية الا فيما يخلفه المرء بعد دينه، فصح أن الدين مقدم، وانه لا حق له في مقدار دينه مما يتخلفه، فإذ هو كذلك فحق تكفينه - إذا لم يترك شيئا - واجب على كل من حضر من غريم أو غير غريم لقول الله.
تعالى: (إنما المؤمنون أخوة) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ولى أخاه فليحسن كفنه) وقد ذكرناه قبل باسناده، فكل من وليه فهو مأمور باحسان كفنه، ولا يحل أن يخص بذلك الغرماء دون غيرهم، هو قول أبى سليمان وأصحابه * فان فضل عن الدين شئ فالكفن مقدم فيه قبل الوصية والميراث، لما ذكرنا قبل من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن مصعب بن عمير رضى الله عنه في بردة له لم يترك شيئا غيرها، فلم يجعلها لوارثه * 567 - مسألة - وكل ما ذكرنا أنه فرض على الكفاية فمن قام به سقط عن سائر الناس، كغسل الميت وتكفينه ودفنه والصلاة عليه، وهذا لا خلاف فيه، ولان تكليف ما عدا هذا داخل في الحرج والممتنع قال تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) * 568 - مسألة - وصفة الغسل أن يغسل جميع جسد الميت ورأسه بماء قد رمى فيه شئ من سدر ولابد، إن وجد، فان لم يوجد فبالماء وحده -: ثلاث مرات ولابد، يبتدأ بالميا من ويوضأ، فان أحبوا الزيادة فعلى الوتر أبدا، وإما ثلاث مرات وإما خمس
مرات وإما سبع مرات، ويجعل في آخر غسلاته - إن غسل أكثر من مرة - شيئا من كافور ولابد فرضا، فان لم يوجد فلا حرج، لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كله * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى (1) أنا يزيد بن زريع عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته (2) فقال: اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك، إن رأيتن ذلك،
__________
(1) في النسخة رقم (16) (محمد بن يحيى) وهو خطأ، وانظر مسلم (ج 1 ص 257) (2) كلمة (ابنته) سقطت من النسخة رقم (16) خطأ وما هنا هو الموافق لمسلم (م 16 - ج 5 المحلى)(5/121)
بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا يحيى بن موسى ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت: (لما غسلنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: ابد أن (1) بميا منها وبمواضع الوضوء) * وقال الله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) فصح ان من لم يؤته الله تعالى سدرا ولا كافورا فلم يكلفه إياهما * روينا عن ابن جريج عن عطاء: يغسل الميت ثلاثا أو خمسا أو سبعا، كلهن بماء وسدر، في كلهن يغسل رأسه وجسده، قال ابن جريج: فقلت له: فان لم يوجد سدر فخطمى؟ قال: لا، سيوجد السدر، ورأى الواحدة تجزئ، وهذا رأى منه * وعن سليمان بن موسى وابراهيم: غسل الميت ثلاث مرات * وعن محمد بن سيرين وابراهيم: يغسل الميت وترا *
وعن ابن سيرين: يغسل مرتين بماء وسدر، والثالثة بماء فيه كافور، والمرأة أيضا كذلك * وعن قتادة عن سعيد بن المسيب: الميت يغسل بماء، ثم بماء وسدر، ثم بماء وكافور * وعن ابن سيرين: الميت يوضأ كما يوضأ الحى يبدأ بميامنه * وعن قتادة يبدأ بميا من الميت، يعنى في الغسل * 569 - مسألة - فان عدم الماء يمم الميت ولابد، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جعلت لى الارض مسجدا وطهورا إذا لم نجد الماء) 570 - مسألة - ولا يحل تكفين الرجل فيما لا يحل لباسه، من حرير، أو مذهب، أو معصفر وجائز تكفين المرأة في كل ذلك، لما قد ذكرناه في كتاب الصلاة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرير والذهب: (إنهما حرام على ذكور أمتى حل لاناثها) وكذلك قال في المعصفر: إذ نهى عليه السلام الرجال عنه * 571 - مسألة - وكفن المرأة وحفر قبرها من رأس مالها، ولا يلزم ذلك زوجها لان أموال المسلمين محظورة إلا بنص قرآن أو سنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن دماءكم *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ابدؤا) وهو موافق لبعض نسخ البخاري (ج 2 ص 162)(5/122)
وأموالكم عليكم حرام) وإنما أوجب تعالى على الزوج النفقة والكسوة، والاسكان، ولا يسمى في اللغة التى خاطبنا الله تعالى بها الكفن كسوة ولا القبر إسكانا * 572 - مسألة - ويصلى على الميت بامام يقف ويستقبل القبلة، والناس وراءه صفوف، ويقف من الرجل عند رأسه، ومن المرأة عند وسطها (1) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا مسدد عن أبى عوانة عن قتادة عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي فكنت
في الصف الثاني أو الثالث) * ولا خلاف في أنها صلاة قيام، لا ركوع فيها ولا سجود، ولا قعود ولا تشهد * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى انا عبد الوارث بن سعيد عن حسين ابن ذكوان حدثنى عبد الله بن بريدة عن سمرة بن جندب قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى على أم كعب، ماتت في نفاسها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليها وسطها) * ورويناه أيضا من طريق البخاري عن مسدد ثنا يزيد بن زريع عن الحسين بن ذكوان باسناده، ورواه أيضا يزيد بن هرون، والفضل بن موسى، وعبد الله بن المبارك كلهم عن الحسين بن ذكوان باسناده * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا داود ابن معاذ ثنا عبد الوارث بن سعيد عن نافع أبى غالب أنه قال: (صليت على جنازة عبد الله ابن عمير، وصلى عليه بنا أنس بن مالك وانا خلفه، فقام عند رأسه، فكبر أربع تكبيرات، لم يطل ولم يسرع، ثم ذهب يقعد فقالوا: يا أبا حمزة، المرأة الانصارية، فقربوها وعليها نعش أخضر، فقام عند عجيزتها، فصلى عليها نحو صلاته على الرجل، ثم جلس، فقال له العلاء بن زياد: يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على الجنازة كصلاتك، يكبر عليها أربعا، ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ قال: نعم) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا همام بن يحيى عن أبى غالب، فذكر حديث أنس
__________
(1) في النسخة رقم (14) (في وسطها).(5/123)
هذا، وفى آخره أن العلاء بن زياد أقبل على الناس بوجهه فقال: احفظوا *
فدل هذا على موافقة كل من حضر له، وهم تابعون كلهم * وبهذا يأخذ الشافعي، وأحمد، وداود وأصحابهم وأصحاب الحديث * وقال أبو حنيفة، ومالك بخلاف هذا، وما نعلم لهم حجة إلا دعوى فاسدة، وان ذلك كان إذ لم تكن النعوش! وهذا كذب ممن قاله لان أنسا صلى كذلك والمرأة في نعش أخضر * وقال بعضهم: كما يقوم الامام موارى وسط الصف خلفه كذلك يقوم موازي وسط الجنازة فيقال له: هذا باطل، وقياس فاسد، لانه امام الصف وليس إماما للجنازة ولا مأموما لها، والذى اقتدينا به في وقوفه ازاء وسط الصف هو الذى اقتدينا به ازاء وسط المرأة وازاء رأس الرجل، وهو النبي عليه السلام، الذى لا يحل خلاف حكمه.
وبالله تعالى التوفيق * 573 - مسألة - ويكبر الامام والمأمومون بتكبير الامام على الجنازة خمس تكبيرات لا أكثر، فان كبروا أربعا فحسن، ولا أقل، ولا ترفع الايدى إلا في أول تكبيرة فقط، فإذا انقضى التكبير المذكور سلم تسليمتين، وسلموا كذلك، فان كبر سبعا كرهناه وابتعناه، وكذلك إن كبر ثلاثا، فان كبر أكثر لم نتبعه، وإن كبر أقل من ثلاث لم نسلم بسلامه، بل أكملنا التكبير * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ومحمد بن المثنى قالا ثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال: (كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا، وانه كبر على جنازة خمسا، فسألته؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها) * وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر أيضا اربعا، كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى * قال أبو محمد: واحتج من منع من أكثر من أربع بخبر رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عامر بن شقيق عن أبى وائل قال: (جمع عمر بن الخطاب الناس فاستشارهم في الكتبير على الجنازة، فقالوا: كبر النبي صلى الله عليه وسلم سبعا وخمسا وأربعا، فجمعهم عمر على
أربع تكبيرات كأطول الصلاة (1)) *
__________
(1) رواه الطحاوي في معاني الآثار (ج 1 ص 288) من طريق مؤمل عن سفيان عن عامر ابن شقيق باسناده، وفى آخره زيادة (صلاة الظهر) *(5/124)
وروينا أيضا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عمر بن شقيق عن أبى وائل فذكره * قالوا: فهذا اجماع، فلا يجوز خلافه * قال أبو محمد: وهذا في غاية الفساد، أول ذلك ان الخبر لا يصح لانه عن عامر بن شقيق، وهو ضعيف، واما عمر بن شقيق فلا يدرى في العالم من هو! (1) ومعاذ الله أن يستشير عمر رضى الله عنه في إحداث فريضة بخلاف ما فعل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو للمنع من بعض ما فعله عليه السلام ومات وهو مباح وفيحرم بعده، لا يظن هذا بعمر إلا جاهل بمحل عمر بن الدين والاسلام، طاعن على السلف رضى الله عنهم * وذكروا ايضا ما حدثناه حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا ابن أيمن ثنا احمد بن زهير ثنا على بن الجعد ثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن ابن عمر قال: كل ذلك قد كان، اربعا وخمسا، فاجتمعنا على اربع، يعنى التكبير على الجنازة * وبه إلى شعبة عن المغيرة عن ابراهيم النخعي قال: جاء رجل من اصحاب معاذ بن جبل، فصلى على جنازة، فكبر عليها خمسا، فضحكوا منه، فقال ابن مسعود: قد كنا نكبر أربعا، وخمسا، وستا، وسبعا، فاجتمعنا على اربع * ورويناه ايضا من طريق الحجاج بن المنهال عن أبى عوانة عن المغيرة عن ابراهيم النخعي نحوه * ومن طريق غندر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب قال قال عمر بن
__________
(1) أما عامر بن شقيق فانه لا بأس به وقد حسن البخاري له حديثا وصحح له ابن
حزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم.
وأما عمر بن شقيق فالظاهر أنه هو عامر وان بعض الرواة أخطأ في تسميته أو تصحف عليه، فقد يكون مكتوبا في خطوطهم القديمة بحذف الالف كما يحذفونها في (ملك) و (الحرث) وغيرهما فظنه الراوى كما كتب.
وعندهم في الرواة (عمر بن شقيق الجرمى) ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهلى (ما رأيت أحدا ضعفه) ولكنه متأخر عن هذا، فانه يروى عن أتباع التابعين، وأما عامر بن شقيق فانه يروى عن أبى وائل وهو من كبار التابعين، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره.
فهو متقدم عن عمر بن شقيق الجرمى.
ونقل ابن حجر كلام ابن حزم الذى هنا وظن أنه في عمر ابن شقيق المتأخر وهو وهم منه رحمه الله *(5/125)
الخطاب: كل ذلك قد كان اربع، وخمس يعنى الكتبير على الجنازة، قال سعيد: فأمر عمر الناس بأربع * قالوا: فهذا إجماع * قال أبو محمد: هذا الكذب؟ لان ابراهيم لم يدرك ابن مسعود، وعلى بن الجعد ليس بالقوى (1)، وسعيد لم يحفط من عمر إلا نعيه النعمان بن مقرن على المنبر فقط، فكل ذلك منقطع أو ضعيف * ولو صح لكان ما رووه من ذلك مكذبا لدعواهم في الاجماع، لان صاحب معاذ المذكور كبر خمسا، ولم ينكر ذلك عليه ابن مسعود، وقد ذكرنا عن زيد بن أرقم أنه كبر بعد عمر خمسا * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج (2) ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن سفيان ابن عيينة عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى حدثنى عبد الله بن مغفل: أن على بن ابى طالب صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه ستا، ثم التفت الينا فقال: إنه بدرى.
قال الشعبى: وقدم علقمة من الشأم فقال لابن مسعود: إن إخوانك بالشأم يكبرون
على جنائزهم خمسا، فلو وقتم لنا وقتا نتابعكم عليه؟ فأطرق عبد الله ساعة ثم قال: انظروا جنائزكم، فكبروا عليها ما كبر أئمتكم، لا وقت ولا عدد * قال أبو محمد: ابن مسعود مات في حياة عثمان رضى الله عنهما، فانما ذكر له علقمة ما ذكر عن الصحابة رضى الله عنهم الذين بالشأم، وهذا اسناد في غاية الصحة، لان الشعبى أدرك علقمة وأخذ عنه وسمع منه * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن المنهال بن عمرو عن
__________
(1) كلا بل هو ثقة مأمون كما قال الدار قطني، وقال ابن معين: (ثقة صدوق أثبت البغداديين في شعبة) (2) ذكرنا في المسألة 116 (ج 1 ص 82) أننا نرجح انه بالجيم، ثم ذكرنا في المسألة 118 (ج 1 ص 87) أنه في اليمنية بالحاء.
ولكن قد تأكدنا الآن أنه بالجيم فقد كتب بها مرارا في النسخة رقم (14) وهى نسخة صحيحة حجة كما قلنا مرارا.
وهو بالجيم أيضا في ترجمة في تذكرة الحفاظ (ج 3 ص 201).(5/126)
زربن حبيش قال رأيت ابن مسعود صلى على رجل من بلعدان (1) - فخذ من بنى أسد - فكبر عليه خمسا * وبالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن معمر عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي ان عليا كبر على جنازة خمسا * وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابى معبد عن ابن عباس: انه كان يكبر على الجنازة ثلاثا * ورويناه أيضا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن دينار قال سمعت أبا معبد يقول: كان ابن عباس يكبر على الجنازة ثلاثا.
وهذا اسناد في غاية الصحة * ومن طريق حماد بن سلمة أخبرني شيبة بن أيمن: (2) ان انس بن مالك صلى على
جنازة فكبر ثلاثا * وبه إلى حماد عن يحيى بن ابى اسحاق: انه قيل لانس: ان فلانا كبر ثلاثا، يعنى على جنازة؟ فقال انس: وهل التكبير إلا ثلاثا؟ * وقال محمد بن سيرين: انما كان التكبير ثلاثا فزادوا واحدة يعنى على الجنازة * ومن طريق مسلم بن ابراهيم عن شعبة عن زرارة بن أبى الحلال (3) العتكى: ان جابر بن زيد أبا الشعثاء أمر يزيد بن المهلب ان يكبر على الجنازة ثلاثا * قال أبو محمد: أف لكل اجماع يخرج عنه على بن ابى طالب، وعبد الله بن مسعود، وانس بن مالك وابن عباس والصحابة بالشأم رضى الله عنهم ثم التابعون بالشام، وابن سيرين، وجابر بن زيد وغيرهم بأسانيد في غاية الصحة، ويدعى الاجماع بخلاف هؤلاء بأسانيد واهية فمن اجهل ممن هذه سبيله؟ فمن أخسر صفقة ممن يدخل في عقله أن
__________
(1) بفتح الباء واسكان اللام وفتح العين والدال المهملتين، وأصلها (بنو العدان) وهم قبيلة من أسد كما هنا وفى اللسان أيضا (2) لم أجد له ترجمة ولا ذكرا (3) بفتح الحاء المهملة وتخفيف اللام، وفى النسخة رقم (16) (زرارة بن الخلال) بالمعجمة وفى النسخة رقم (14) (زرارة بن الحلال) بالمهملة وهو خطأ فيهما بل هو (زرارة بن ربيعة ابن زرارة الازدي العتكى) وأبوه كنيته (أبو الحلال) ولزرارة هذا ترجمة في تعجيل المنفعة لابن حجر، ولكن تكرر فيه (أبى الخلال) بالخاء المعجمة وهو خطأ أيضا، وقد ضبطنا صحته من المشتبه للذهبي ص (192) *(5/127)
اجماعا عرفه أبو حنيفة ومالك والشافعي وخفى علمه على على، وابن مسعود، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، وابن عباس، حتى خالفوا الاجماع؟ حاشا لله من هذا * ولا متعلق لهم بما رويناه من أن عمر كبر أربعا، وعليا كبر على ابن المكفف (1) أربعا، وزيد بن ثابت كبر على أمه أربعا، وعبد الله بن أبى اوفى كبر على ابنته أربعا، وزيد
ابن أرقم كبر أربعا، وأنسا كبر أربعا: - فكل هذا حق وصواب، وليس من هؤلاء أحد صح عنه انكار تكبير خمس أصلا، وحتى لو وجد لكان معارضا له قول من اجازها، ووجب الرجوع حينئذ إلى ما افترض الله تعالى الرد إليه عند التنازع، من القرآن والسنة، وقد صح انه عليه السلام كبر خمسا وأربعا، وفلا يجوز ترك أحد عمليه للآخر * ولم نجد عن أحد من الائمة تكبيرا أكثر من سبع، ولا أقل من ثلاث، فمن زاد على خمس وبلغ ستا أو سبعا فقد عمل عملا لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قط، فكرهناه لذلك ولم ينه عليه السلام عنه فلم نقل: بتحريمه لذلك، وكذلك القول: فيمن كبر ثلاثا * واما ما دون الثلاث وفوق السبع فلم يفلعه النبي صلى الله عليه وسلم ولا علمنا احدا قال به، فهو تكلف وقد نهينا ان نكون من المتكلفين، إلا حديثا ساقطا وجب أن ننبه عليه لئلا يغتر به، وهو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة رضى الله عنه يوم أحد سبعين صلاة وهذا باطل بلاشك.
(2) وبالله تعالى التوفيق.
* وأما رفع الايدى فانه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع في شئ من تكبير الجنازة الا في أول تكبيرة فقط، فلا يجوز فعل ذلك لانه عمل في الصلاة لم يأت به نص، وانما جاء عنه عليه السلام أنه كبر ورفع يديه في كل خفض ورفع، وليس فيها رفع ولا خفض * والعجب من قول أبى حنيفة: برفع الايدى في كل تكيرة في صلاة الجنازة ولم يأت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنعه من رفع الايدى في كل خفض ورفع في سائر الصلوات، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم! * وأما التسليمتان فهى صلاة، وتحليل الصلاة التسليم والتسليمة الثانية ذكر وفعل خير وبالله تعالى التوفيق * *
__________
(1) بفاء ين والاولى مفتوحة مشددة، واسمه (يزيد بن المكفف) كما في معاني الآثار (ج 1 ص 288) (2) بل هو ثابت، وانظر سيرة ابن هشام (ص 585) وطبقات ابن سعد (ج 3 ق 1 ص 9) والتلخيص (ص 158 و 159) وبعضها صحيح الاسناد(5/128)
574 - مسألة - فإذا كبر الاولى قرأ أم القرآن ولابد، وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فان دعا للمسلمين فحسن، ثم يدعو للميت في باقى الصلاة * أما قراءة أم القرآن فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها صلاة بقوله: (صلوا على صاحبكم) وقال عليه السلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ (1) بأم القرآن) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا محمد ابن كثير ثنا سفيان - هو الثوري - عن سعد - هو ابن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - عن طلحة - بن عبد الله بن عوف قال: (صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، قال: لتعلموا أنها سنة) * ورويناه أيضا من طريق شعبة وابراهيم بن سعد كلاهما عن سعد بن ابراهيم عن طلحة بن عبد الله عن ابن عباس * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد أنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن أبى امامة بن سهل بن حنيف ومحمد بن سويد الدمشقي (2) عن الضحاك بن قيس، قال الضحاك وأبو امامة: السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة مخافتة، ثم يكبر، والتسليم عند الآخرة * وعن ابن مسعود: انه كان يقرأ على الجنازة بأم الكتاب * ومن طريق وكيع عن سلمة بن نبيط (3) عن الضحاك بن قيس قال: يقرأ مابين التكبيرتين الاولتين فاتحة الكتاب * وعن حماد بن سلمة عن محمد بن اسحاق عن محمد بن ابراهيم التيمى عن محمد بن عمرو ابن عطاء: ان المسور بن مخرمة صلى على الجنازة فقرأ في التكبيرة الاولى فاتحة الكتاب وسورة قصيرة، رفع بهما صوته، فلما فرغ قال: لا أجهل أن تكون هذه الصلاة عجماء، ولكني أردت أن أعلمكم أن فيها قراءة *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (لمن لم يقترئ) (2) معطوف على أبى امامة، ان الزهري روى عن ابى امامة وروى عن محمد بن سويد عن الضحاك.
ومحمد بن سويد بن كلثوم بن قيس الفهرى امير دمشق، تابعي ثقة والضحاك بن قيس عم ابيه مختلف في صحبته، وابو امامة تابعي ولكنه سمع هذا من رجال من الصحابة كما في المستدرك (ج 1 ص 360) وان كان اللفظ مختلفا وفيه زيادة ونقص (3) بالنون والباء والطاء المهملة مصغر (م 17 - ج 5 المحلى)(5/129)
قال أبو محمد: فرأى ابن عباس والمسور المخافتة ليست فرضا * وعن أبى هريرة، وأبى الدرداء وابن مسعود، وانس بن مالك: انهم كانوا يقرؤن بأم القرآن ويدعون ويستغفرون بعد كل تكبيرة من الثلاث في الجنازة، ثم يكبرون وينصرفون ولا يقرؤن * وعن معمر عن الزهري سمعت أبا امامة بن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب (1) قال: السنة في الصلاة على الجنائز ان تكبر، ثم تقرأ بأم القرآن ثم تصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تخلص الدعاء للميت، ولا تقرأ إلا في التكبيرة الاولى، ثم يسلم في نفسه عن يمينه * وعن ابن جريج: قال لى ابن شهاب: القراءة على الميت في الصلاة في التكبيرة الاولى * وعن ابن جريج عن مجاهد في الصلاة على الجنازة: يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر دعاء * وعن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن: (2) أنه كان يقرأ بفاتحة الكتاب في كل تكبيرة في صلاة الجنازة * وهو قول الشافعي وابى سليمان وأصحابهما * قال أبو محمد: واحتج من منع من قراءة القرآن فيها بأن قالوا: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اخلصوا له الدعاء) *
قال أبو محمد: هذا حديث ساقط، ما روى قط من طريق يشتغل بها (3)، ثم لو صح لما منع من القراءة، لانه ليس في اخلاص الدعاء للميت نهى عن القراءة ونحن نخلص له الدعاء ونقرأ كما أمرنا *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (يحدث سمعت سعيد المسيب) فكأنه من رواية ابى امامة عن ابن المسيب، وهو خطأ والصواب ان الزهري سمعه من ابى امامة وسعيد بن المسيب حاضر يسمع، فالصواب ما هنا وهو الذى في النسخة رقم (14) وهو الموافق أيضا لما في ابن الجارود (ص 265) وانظر المستدرك (ج 1 ص 360) (2) في النسخة رقم (14) (عن الحسين) وهو خطأ، فان المراد الحسن البصري (3) بل هو صحيح، ورواه أبو داود (ج 3 ص 188) وابن ماجه (ج 1 ص 235) من حديث ابى هريرة، وفى اسناده محمد بن اسحق والحق انه ثقة حجة، وقد رمى بالتدليس، ولكن نقل ابن حجر في التلخيص ان في بعض طرقه عند ابن حبان تصريح ابن اسحق بالسماع (ص 161)(5/130)
وقالوا: قد روى عن ابى هريرة: انه سئل عن الصلاة على الجنازة؟ فذكر دعاء ولم يذكر قراءة * وعن فضالة بن عبيد: انه سئل: أيقرأ في الجنازة بشئ من القرآن؟ قال: لا * وعن ابن عمر: انه كان لا يقرأ في صلاة الجنازة * قال أبو محمد: فقلنا: ليس عن واحد من هؤلاء انه قال: لا يقرأ فيها بأم القرآن، ونعم، نحن نقول: لا يقرأ فيها بشئ من القرآن إلا أم القرآن، فلا يصح خلاف بين هؤلاء وبين من صرح بقراءة القرآن من الصحابة رضى الله عنهم، كابن عباس، والمسور، والضحاك بن قيس، وابى هريرة، وابى الدرداء و، وابن مسعود، وانس، لا سيما وابو هريرة لم يذكر تكبيرا ولا تسليما، فبطل ان يكون لهم به متعلق.
وقد روى عنه قراءة القرآن في الجنازة، فكيف ولو صح عنهم في ذلك خلاف؟ لوجب الرد عند تنازعهم إلى ما أمر
الله تعالى بالرد إليه من القرآن والسنة، وقد قال عليه السلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ (1) بأم القرآن) * وقالوا: لعل هؤلاء قرؤها على أنها دعاء! * فقلنا: هذا باطل، لانهم ثبت عنهم الامر بقراءتها، وانها سنتها، فقول من قال: لعلهم قرؤها على انها دعاء -: كذب بحت * ثم لا ندرى ما الذى حملهم على المنع من قراءتها حتى يتقحموا في الكذب بمثل هذه الوجوه الضعيفة * والعجب أنهم اصحاب قياس، وهم يرون انها صلاة، ويوجبون فيها التكبير، واستقبال القبلة، والامامة للرجال، والطهارة، والسلام ثم يسقطون القراءة فان قالوا: لما سقط الركوع والسجود والجلوس سقطت القراءة * قلنا: ومن أين يوجب هذا القياس دون قياس القراءة على التكبير والتسليم؟ بل لو صح القياس لكان قياس القراءة على التكبير والتسليم - لان كل ذلك ذكر باللسان - أولى من قياس القراءة على عمل الجسد ولكن هذا علمهم بالقياس والسنن * وهم يعظمون خلاف العمل بالمدينة وههنا أرينا هم عمل الصحابة، وسعيد بن المسيب، وأبى أمامة والزهرى، علماء اهل المدينة، وخالفوهم.
وبالله تعالى التوفيق * 575 - مسألة - وأحب الدعاء الينا على الجنازة هو ما حدثناه عبد الله بن يوسف
__________
(1) في النسخة رقم (14) (يقترئ) *(5/131)
ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج حدثنى أبو الطاهر ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن ابى حمزة بن سليم عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الاشجعى قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى (1) على جنازة يقول: اللهم اغفر له وارحمه، واعف عنه وعافه، وأكرم نزله،
ووسع مدخله، واغسله بماء، وثلج، وبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس، وأبد له دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وقه فتنة القبر، وعذاب القبر (2) وعذاب النار) * وما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عمربن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى بن هرون الرقى ثنا شعيب - يعنى ابن اسحاق - عن الاوزاعي عن يحيى بن أبى كثير عن ابى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن ابى هريرة قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فقال: اللهم اغفر لحينا، وميتنا، وصغيرنا، وكبيرنا، وذكرنا، وأنثانا، وشاهدنا، وغائبنا، اللهم من أحييته منافا حيه على الايمان، ومن توفيته منافتوفه على الاسلام، اللهم لا تحرمنا اجره، ولا تضلنا بعده) * فان كان صغيرا فليقل: (الهم الحقه بابراهيم خليلك) للاثر الذى صح ان الصغار مع ابراهيم صلى الله عليه وسلم في روضة خضراء.
وما دعا به فحسن * 576 - مسألة - ونستحب اللحد، وهو الشق في احد جانبى القبر، وهو احب الينا من الضريح، وهو الشق في وسط القبر * ونستحب اللبن ان توضع على فتح اللحد، ونكره الخشب والقصب والحجارة.
وكل ذلك جائز * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا عبد الله بن جعفر المسورى عن اسماعيل بن محمد بن سعد بن أبى وقاص عن عمه عامر بن سعد: أن أباه سعد بن أبى وقاص قال في مرضه الذى هلك فيه: (الحد والى لحدا، وانصبوا على اللبن نصبا، كما صنع
__________
(1) في النسخة رقم (16) (صلى) بحذف الواو، واثباتها هو الموافق لمسلم (ج 1 ص 264) وللنسخة رقم (14) (2) كذا في الاصلين باثبات قوله (وعذاب القبر) وهى زيادة لسيت في أي نسخة من نسخ صحيح مسلم *(5/132)
برسول الله صلى الله عليه وسلم) * 577 - مسألة - ولا يحل أن يبنى القبر، ولا أن يجصص، ولا أن يزاد على ترابه شئ، ويهدم كل ذلك، فان بنى عليه بيت أو قائم لم يكره ذلك، وكذلك لو نقش اسمه في حجر لم نكره ذلك * روينا بالسند المذكور إلى مسلم: حدثنى هرون بن سعيد الايلى ثنا ابن وهب حدثنى عمرو بن الحارث أن ثمامة بن شفى (1) حدثه قال: كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس، فتوفى صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسوى، وقال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها) * وبه إلى مسلم: ثنا يحيى بن يحيى أنا وكيع عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبى ثابت عن أبى وائل عن أبى الهياج الاسدي قال قال لى على بن أبى طالب: (ألا أبعثك على ما بعثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته) * وبه إلى مسلم: حدثنى محمد بن رافع ثنا عبد الرزاق (2) عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ان تجصص القبور، وأن يقعد عليها، وان يبنى عليها (3)) * قال أبو محمد: قد انذر عليه السلام بموضع قبره بقوله: (ما بين قبري (4) ومنبرى روضة من رياض الجنة) وأعلم انه في بيته بذلك ولم ينكر عليه السلام كون القبر في بيت، ولا نهى عن بناء قائم، وانما نهى عن بناء على القبر، قبة فقط * وعن وكيع عن الربيع عن الحسن: كان يكره أن تجصص القبور أو تطين أو يزاد عليها من غير حفيرها * وعن وكيع عن عمران بن حدير عن أبى مجلز قال: تسوية القبور من السنة * وعن عثمان أمير المؤمنين رضى الله عنه أنه أمر بتسوية القبور وان ترفع من الارض شبرا *
__________
(1) ثمامة: بضم الثاء المثلثة، وشفى: بضم الشين المعجمة وفتح الفاء وتشديد الياء (2) قوله (ثنا عبد الرزاق) سقط من الاصلين خطأ، وصححناه من مسلم (ج 1 ص 265) (3) في النسخة رقم (16) (وان يقعد عليه وان يبنى عليه) والذى في مسلم عن أبى بكر بن أبى شيبة باسناده إلى جابر (نهى رسول الله صلى اللله عليه وسلم ان يجصص القبر وان يقعد عليه وان يبنى عليه) ثم أتى مسلم بالاسناد الذى هنا وقال (بمثله) (4) في النسخة رقم (16) (بين قبري) بحذف (ما) واعلم ان هذا الحديث رواه البخاري في مواضع، ومسلم، واحمد بن حنبل وابن سعد وغير(5/133)
وعن عبد الرزاق أنا معمر عن ايوب السختيانى عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد قال: سقط الحائط الذى على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فستر، ثم بنى، فقلت للذى ستره: ارفع ناحية الستر حتى أنظر إليه، فنظرت إليه، فإذا عليه جبوب (1) ورمل كأنه من رمل العرصة * حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن وضاح ثنا يعقوب بن كعب ثنا ابن أبى فديك أخبرني عمرو بن عثمان بن هانئ عن القاسم بن محمد قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أمه، أكشفى لى عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاجبيه فكشفت لى عن ثلاثة قبور، لا لاطئة (2) ولا مشرفة، مبطوحة (3) ببطحاء العرصة الحمراء، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدما، وأبو بكر عند رأسه، ورجلا ه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، ورأيت عمر عند رجلى أبى بكر رضى الله عنهما (4) * 578 - مسألة - ولا يحل لاحد أن يجلس على قبر، فان لم يجد أين يجلس فليقف
__________
كلهم من حديث أبى هريرة بلفظ (ما بين بيتى إلى منبرى) وكذلك من حديث عبد الله بن يزيد المازنى بهذا اللفظ، ورواه احمد عن أبى هريرة وأبى سعيد معابه، وفى لفظ لاحمد عن ابى هريرة (ما بين منبرى إلى حجرتي) (ج 2 ص 412) وفى آخره عنده (ج 2 ص 534) بلفظ (ما بين حجرتي ومنبرى) وفى لفظ لاحمد عن عبد الله بن زيد (ج 4 ص 41) (ما بين هذه البيوت يعنى بيوته إلى منبرى) وفى لفظ له عن جابر (ج 3 ص 389) بلفظ (ان ما بين منبرى
إلى حجرتي) وأما اللفظ الذى هنا فقد جاء في رواية ابن عساكر للبخاري في أواخر الحج (ج 3 ص 55) وقال ابن حجر في الفتح (وهو خطأ) ثم نسب هذا اللفظ للبزار بسند رجاله ثقات من حديث سعد بن ابى وقاص وللطبراني من حديث ابن عمر.
وانظر الفتح (ج 3 ص 57 وج 4 ص 70) والعيني (ج 7 ص 261 و 263) وطبقات ابن سعد (ج 1 ق 2 ص 12) ومسند أحمد (ج 2 ص 236 و 276 و 397 و 401 و 438 و 465 و 466 و 528 و 533) و (ج 3 ص 4) و (ج 4 ص 39 و 40 و 41) ووفاء الوفا للسمهودي (ج 1 ص 302 وما بعدها) * (1) الجبوب بفتح الجيم له معان منها: المدر المفتت، وكأنه المراد هنا (2) بالهمزة والياء، أي مستوية على وجه الارض، يقال لطأ بالارض، أي، لصق بها (3) أي ملقى فيها البطحاء وهو الحصى الصغار (4) اما الذى هنا فهو خطأ، ولعله من الناسخين وان اتفقت عليه اصول المحلى.
والحديث في ابى داود (ج 3 ص 208 و 209) إلى قوله (العرصة الحمراء) ثم قال اللؤلؤي أبو على راوي السنن.
(يقال ان رسو ل الله صلى الله عليه وسلم مقدم، وابو بكر عند(5/134)
حتى يقضى حاجته، ولو استوفز ولم يقعد لم يبن أنه يحرج (1) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج حدثنى زهير بن حرب ثنا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن سهيل بن ابى صالح عن ابيه عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لان يجلس أحدكم على جمرة فتحرق (2) ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر) * وهكذا رويناه من طريق سفيان الثوري وعبد العزيز الدراوردى كلاهما عن سهيل عن ابيه عن ابى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * وروينا أيضا من طريق جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم النهى عن القعود على القبر، وقد ذكرناه قبل هذا بيسير * ورويناه أيضا من طريق واثلة بن الاسقع عن أبى مرثد الغنوى عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) * فهذه آثار متواترة في غاية الصحة، وهو قول جماعة من السلف رضى الله عنهم، منهم أبو هريرة * ومن طريق وكيع عن إسماعيل بن أبى خالد عن سالم البراد عن ابن عمر قال: لان أطأ على رضف (3) أحب إلى من أن أطأ على قبر * وعن ابن مسعود: لان أطأ على جمرة حتى تبرد أحب إلى من أن أتعمد وطئ قبر لى عنه مندوحة *
__________
رأسه، وعمر عند رجليه، رأسه عند رجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه الحاكم مطولا (ج 1 ص 369) وفيه بعد قوله (العرصة الحمراء): (فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدما، وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر عند رجلى النبي صلى الله عليه وسلم) وصححه الحاكم والذهبي، والظاهر أن هذا هو الذى نقله المؤلف فأخطأ فيه أو أخطأ الناسخون وقد اختلف كثيرا في صفة القبور الثلاثة، وانظر تفصيل ذلك في وفاء الوفا (ج 1 ص 390 وما بعدها).
(1) من الحرج بالحاء المهملة أي لم يظهر لنا انه عليه حرج (2) بحاشية النسخة رقم (14) ان في نسخة من المحلى (فتحترق) وما هنا هو الموافق لمسلم (ج 1 ص 265) (3) بفتح الراء واسكان الضاد المعجمة: الحجارة التى حميت بالشمس أو بالنار *(5/135)
وعن سعيد بن جبير: لان أطأ على جمرة حتى تبرد أحب إلى من ان اطأ على قبر.
وهو قول ابى سليمان * فقال قائلون باباحة ذلك، وحملوا الجلوس المتوعد عليه إنما هو للغائط خاصة * وهذا باطل بحت لوجوه * أولها أنه دعوى بلا برهان، وصرف لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجهه، وهذا عظيم جدا
وثانيها ان لفظ الخبر مانع من ذلك قطعا، بقوله عليه السلام: (لان يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من ان يجلس على قبر) وبالضرورة يدرى كل ذى حس سليم ان القعود للغائط لا يكون هكذا البتة، وما عهدنا قط أحدا يقعد على ثيابه للغائط إلا من لا صحة لدماغه * وثالثها ان الرواة لهذا الخبر لم يتعدوا به وجهه من الجلوس المعهود، وما علمنا قط في اللغة (جلس فلان) بمعنى تغوط، فظهر فساد هذا القول.
ولله تعالى الحمد * وقد ذكرنا تحريم الصلاة إلى القبر وعليه في كتاب الصلاة.
(1) والله تعالى محمود * 579 - مسألة - ولا يحل لاحد ان يمشى بين القبور بنعلين سبتيتين (2) وهما اللتان لا شعر فيهما، فان كان فيهما شعر جاز ذلك، فان كانت احداهما بشعر والاخرى بلا شعر جاز المشى فيهما * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله ابن المبارك ثنا وكيع عن الاسود بن شعبان - وكان ثقة - عن خالد بن سمير عن بشير بن نهيك (3) عن بشير رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو ابن الخصاصية - (4) قال: (كنت أمشى مع رسول الله *
__________
(1) في المسألة رقم (393) (ج 4 ص 27 و 32) (2) بكسر السين المهملة واسكان الباء الموحدة، والسبت الجلد المدبوغ بالقرظ، قال الازهرى (كأنها سميت سبتية لان شعرها قد سبت عنها أي حلق وازيل بعلاج من الدباغ معلوم عند دباغيها) (3) بشير بفتح الباء وكسر الشين المعجمة، ونهيك بفتح النون وكسر الهاء.
(4) بشير بفتح الموحدة أيضا، والخصاصية بفح الخاء المعجمة وتخفيف الصاد المهملة الاولى وكسر الثانية وتخفيف الياء، وهى احدى جداته، وهو بشير بن معبد وحديثه في النسائي (ج 4 ص 96) وأبى داود (ج 3 ص 210) وابن ماجه (ج 1 ص 244).
وقد ذكر بشير هنا وفى المسألة 582 باسم (بشير رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفى أبى داود (بشير مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولم أر شيئا يؤ يد هما في هذه النسبة *(5/136)
صلى الله عليه وسلم فرأى رجلا يمشى بين القبور في نعليه، فقال: يا صاحب السبتيتين، ألقهما) *
وحدثناه حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن سليمان البصري ثنا سليمان بن حرب ثنا الاسود بن شيبان حدثنى خالد بن سمير أخبرني بشير بن نهيك أخبرني بشير بن الخصاصية - وكان اسمه في الجاهلية زحم، (1) فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرا - قال: (بينا أنا أمشى بين المقابر وعلى نعلان، إذ نادانى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا صاحب السبتيتين، يا صاحب السبتيتين، إذا كنت في مثل هذا المكان فاخلع نعليك، قال: فخلعتهما * قال أبو محمد: فان قيل: فهلا منعتم من كل نعل، لعموم قوله عليه السلام: (فاخلع نعليك) * قلنا: منع من ذلك وجهان: أحدهما انه عليه السلام إنما دعا صاحب سبتيتين، بنص كلامه، ثم أمره بخلع نعليه * والثانى ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا ابراهيم ابن يعقوب بن اسحاق الجوزجانى ثنا يونس بن محمد ثنا شيبان (2) عن قتادة ثنا انس ابن مالك قال قال نبى الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه اصحابه، انه ليسمع قرع نعالهم) وذكر الحديث * قال أبو محمد: فهذا إخبار منه عليه السلام بما يكون بعده، وان الناس من المسلمين سيلبسون النعال في مدافن الموتى إلى يوم القيامة، على عموم إنذاره عليه السلام بذلك، ولم ينه عنه، والاخبار لا تنسخ أصلا، فصح إباحة لباس النعال (3) في المقابر، ووجب استثناء السبتية منها، لنصه عليه السلام عليها * قال أبو محمد: وقال بعض من لا يبالي بما أطلق به لسانه فقال: لعل تينك النعلين كان فيهما قذر * قال أبو محمد: من قطع بهذا فقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قوله ما لم يقل، ومن لم يقطع بذلك فقد حكم بالظن، وقفا مالا علم له به، وكلاهما خطتا خسف نعوذ بالله منهما *
__________
(1) بفتح الزاى واسكان الحاء المهملة (2) في النسخة رقم (16) (شيبا) وسقطت
النون الاخيرة من الكاتب خطأ (3) في النسخة رقم (16) (فصح لباس النعال) وما هنا أحسن * (م 18 - ج 5 المحلى)(5/137)
ثم يقال له: فهبك ذلك كذلك؟ أتقولون: بهذا أنتم؟ فتمنعون من المشى بين القبور بنعلين فيهما قذر؟ فمن قولهم: لا، فيقال لهم: فأى راحة لكم في دعوى كاذبة؟ ثم لو صحت لم تقولوا بها، ولبقيتم مخالفين للخبر بكل حال؟ * ويقال له أيضا: ولعل البناء في الرعاف إنما هو في الدم الاسود لشبهه بدم الحيض، ولعل فساد صلاة الرجل إلى جنب المرأة إنما هو إذا كانت شابة خوف الفتنة، ومثل هذا كثير * 580 - مسألة - ويصلى على ما وجد من الميت المسلم، ولو انه ظفر أو شعر فما فوق ذلك ويغسل، ويكفن، إلا ان يكون من شهيد فلا يغسل، لكن يلف ويدفن * ويصلى على الميت المسلم وان كان غائبا لا يوجد منه شئ، فان وجد من الميت عضو آخر بعد ذلك أيضا غسل أيضا، وكفن، ودفن، ولا بأس بالصلاة عليه ثانية وهكذا ابدا * برهان ذلك أننا قد ذكرنا قبل وجوب غسل الميت وتكفينه ودفنه والصلاة عليه، فصح بذلك غسل جميع أعضائه، قليلها وكثيرها، وستر جميعها بالكفن والدفن، فذلك بلا شك واجب في كل جزء منه (1)، فإذ هو كذلك فواجب عمله فيما أمكن عمله فيه، بالوجود متى وجد، ولا يجوز أن يسقط ذلك في الاعضاء المفرقة بلا برهان * وينوى بالصلاة على ما وجد منه الصلاة على جميعه، جسده وروحه * وقال أبو حنيفة واصحابه: إن وجد نصف الميت الذى فيه الرأس أو أكثر من نصفه وان لم يكن فيه الرأس -: غسل وكفن وصلى عليه، وان وجد النصف الذى ليس فيه الرأس أو أقل من النصف الذى فيه الرأس -: لم يغسل ولا كفن ولا صلى عليه! *
قال أبو محمد: وهذا تخليط ناهيك به! * وقيل لهم: من أين لكم أن الصلاة على أكثره واجبة، وعلى نصفه غير واجبة؟ وأنتم قد جعلتم الربع - فيما انكشف من بطن الحرة وشعرها - كثيرا في حكم الكل؟ وجعلتم العشر - (2) في بعض مسائلكم أيضا - في حكم الكل؟ وهو من حلق عشر رأسه أو عشر لحيته من المحرمين في قول محمد بن الحسن، فمن أين هذه الاحكام في الدين بغير إذن من الله تعالى بها؟ * وقد روينا عن أبى أيوب الانصاري وأبى موسى الاشعري رضى الله عنهما: أنهما
__________
(1) في النسخة رقم (16) (منها) (2) في النسخة رقم (14) (وجعلتم الشعر) وهو خطأ ظاهر(5/138)
صليا على رجل انسان.
وهو قول أبى سليمان وأصحابنا * وروى عن عمر: أنه صلى على عظام * وعن أبى عبيدة: أنه صلى على رأس * وأما الصلاة على الغائب فقد جاء به نص قاطع، أغنى عن النظر، وإن كان النظر تجب به الصلاة عليه، لان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا على صاحبكم) عموم يدخل فيه الغائب والحاضر، ولايجوز أن يخص به أحدهما، بل فرض في كل مسلم دفن بغير صلاة أن يصلى عليه من بلغه ذلك من المسلمين، لانها فرض على الكفاية، وهى فيمن صلى عليه ندب (1) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا اسماعيل ابن أبى اويس حدثنى مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذى مات فيه، خرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعا) * وبه إلى البخاري: ثنا ابراهيم بن موسى ثنا هشام بن يوسف ان ابن جريج أخبرهم قال أخبرني عطاء انه سمع جابر بن عبد الله يقول: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: قد توفى اليوم رجل صالح من الحبش، فهلم فصلوا عليه، فصففنا، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن) *
وبه إلى البخاري: ثنا مسدد عن ابى عوانة عن قتادة عن عطاء عن جابر بن عبد الله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي، قال جابر،: فكنت في الصف الثاني أو الثالث) * ورويناه أيضا من طريق قوية عن عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم * فهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمله وعمل جميع أصحابه، فلا اجماع أصح من هذا، وآثار متواترة عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم كما أوردنا * ومنع من هذا مالك، وأبو حنيفة، ادعى أصحابهما الخصوص للنجاشي وهذه دعوى كاذبة بلا برهان.
وبالله تعالى التوفيق * فان قالوا: هل فعل هذا احد من الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ * قلنا لهم: وهل جاء قط عن احد من الصحابة انه زجر عن هذا أو أنكره؟ * ثم يقال لهم: لا حجة في احد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) * 581 - مسألة - والصلاة جائزة على القبر، وان كان قد صلى على المدفون فيه *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وهى من صلى عليه ندب) وهو خطأ *(5/139)
وقال أبو حنيفة: إن دفن بلا صلاة صلى على القبر ما بين دفنه إلى ثلاثة أيام، ولا يصلى عليه بعد ذلك وإن دفن بعد ان صلى عليه لم يصل أحد على قبره * وقال مالك: لا يصلى على قبر، وروى ذلك عن ابراهيم النخعي وقال الشافعي، والاوزاعي، وأبو سليمان: يصلى على القبر وان كان قد صلى على المدفون فيه، وقد روى هذا عن ابن سيرين * وقال أحمد بن حنبل: يصلى عليه إلى شهر، ولا يصلى عليه بعد ذلك * وقال اسحق: يصلى الغائب (1) على القبر إلى شهر، ويصلى عليه الحاضر إلى ثلاث * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن
محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدرى ثنا حماد بن زيد عن ثابت البنانى عن أبى رافع عن أبى هريرة: (ان امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابا، ففقدها (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها أو عنه، فقالوا: مات، فقال: أفلا كنتم آذنتموني؟ قال: فكأنهم صغروا أمرها أو أمره، فقال: دلوني على قبره، فدلوه، فصلى عليها، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم) * فادعى قوم ان هذا الكلام منه عليه السلام دليل على انه خصوص له * قال أبو محمد: وليس كما قالوا، وانما في هذا الكلام بركة صلاته عليه السلام، وفضيلتها على صلاة غيره فقط، وليس فيه نهى غيره عن الصلاة على القبر اصلا، بل قد قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة *) ومما يدل على بطلان دعوى الخصوص ههنا ما رويناه بالسند المذكور إلى مسلم: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا محمد بن ادريس عن الشيباني - هو أبو إسحاق - عن الشعبى عمن حدثه قال: (انتهينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب، فصلى عليه، وصفوا خلفه، وكبر أربعا) قال الشيباني: قلت لعامر الشعبى: من حدثك؟ قال: الثقة،
__________
(1) في النسخة رقم (14) (يصلى على الغائب) وهو خطأ قطعا، فان المراد ان الغائب يصلى على القبر إلى شهر وان الحاضر يصلى عليه إلى ثلاث فقط.
وهذه الجملة سقطت من النسخة رقم (16) (2) في الاصلين (شاب فقدها) وما هنا هو الموافق لمسلم (ج 1 ص 262) *(5/140)
من شهده، ابن عباس.
فهذا أبطل (1) الخصوص، لان أصحابه عليه السلام وعليهم رضوان الله صلوا معه على القبر، فبطلت دعوى الخصوص * وبه إلى مسلم حدثنى ابراهيم بن محمد بن عرعرة السامى (2) ثنا غندر ثنا شعبة عن حبيب
ابن الشهيد عن ثابت (3) عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر *) قال أبو محمد: فهذه آثار متواترة لا يسع الخروج عنها * واحتج بعضهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل المسلمون على قبره * قال أبو محمد: ما علمنا أحدا من الصحابة رضى الله عنهم نهى عن الصلاة على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نهى الله تعالى عنه، ولا رسوله عليه السلام، فالمنع من ذلك باطل، والصلاة عليه فعل خير، والدعوى باطل إلا ببرهان * وقال بعضهم: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبر وعلى القبر مانع من هذا! * قال أبو محمد: وهذا عجب ما مثله عجب، وهو أن المحتج بهذا عكس الحق عكسا، لانه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهى عن الصلاة على القبر، أو إليه أو في المقبرة، وعن الجلوس على القبر، فقال هذا القائل: كل هذا مباح! وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر صلاته على الميت، فقال هذا القائل: لا يجوز ذلك! واحتج بالنهي عن الصلاة مطلقا في منعه من صلاة الجنازة على القبر واحتج بخبر الصلاة (4) على القبر في إباحته الحرام من الصلوات في المقبرة، والى القبر، وعليه وحسبنا الله ونعم الوكيل * وقال بعضهم: كان ابن عمر لا يصلى على القبر.
قلنا: نعم، كان لا يصلى سائر الصلوات على القبر، ويصلى صلاة الجنازة على القبر أبدا * قال أبو محمد: وهذا لو صح لكان قد صح ما يعارضه، وهو أنه رضى الله عنه صلى صلاة الجنازة على القبر، ثم لو لم يأت هذا عنه لكان قد عارضه ماصح عن الصحابة في ذلك، فكيف ولا حجة في احد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولا يصح عن ابن عمر إلا ما ذكرناه *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (ابطال) (2) في النسخة رقم (16) (ابراهيم بن محمد عن عزة الشامي) وهو خطأ، وعرعرة بعينين مهملتين مفتوحتين بينهما راء ساكنة وآخره راء مفتوحة ثم هاء، والسامى بالسين المهملة نسبة إلى جده الاعلى (سامة بن لؤى) (3) قوله (عن ثابت) سقط من الاصلين خطأ، وصححناه من مسلم.
(4) في النسخة رقم (16) (واحتج
بالنهي عن الصلاة) الخ وهو خطأ واضح *(5/141)
وروينا عن معمر عن أيوب السختيانى عن ابن ابى مليكة: مات عبد الرحمن بن ابى بكر على ستة أميال من مكة، فحملناه فجئنا به مكة فدفناه، فقدمت علينا عائشة أم المؤمنين فقالت: أين قبر أخى؟ فد للناها عليه، فوضعت في هودجها عند قبره فصلت عليه * وعن حماد بن سلمة عن ايوب السختيانى عن نافع عن ابن عمر: انه قدم وقد مات اخوه عاصم، فقال: أين قبر اخى؟ فدل عليه، فصلى عليه ودعا له * قال أبو محمد.
هذا يبين أنها صلاة الجنازة، لا الدعاء فقط * وعن على بن أبى طالب: أنه أمر قرظة (1) بن كعب الانصاري أن يصلى على قبر سهل بن حنيف بقوم جاء وابعد ما دفن وصلى عليه * وعن على بن أبى طالب أيضا: أنه صلى على جنازة بعد ما صلى عليها * وعن يحيى بن سعيد القطان ثنا أبان بن يزيد العطار عن يحيى بن أبى كثير: أن أنس بن مالك صلى على جنازة بعد ما صلى عليها * وعن ابن مسعود نحو ذلك * وعن سعيد بن المسيب إباحة ذلك * وعن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد: أنه صلى على جنازة بعد ما صلى عليها * وعن قتادة: أنه كان إذا فاتته الصلاة على الجنازة صلى عليها * فهذه طوائف من الصحابة لايعرف لهم منهم مخالف * وأما أمر تحديد الصلاة بشهر أو ثلاثة أيام فخطأ لا يشكل، لانه تحديد بلا دليل، ولا فرق بين من حد بهذا أو من حد بغير ذلك * 582 - مسألة - ومن تزوج كافرة فحملت منه وهو مسلم وماتت حاملا -: فان كانت قبل أربعة أشهر ولم ينفخ فيه الروح بعد دفنت مع اهل دينها، وان كان بعد اربعة اشهر
والروح قد نفخ فيه دفنت في طرف مقبرة المسلمين، لان عمل اهل الاسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لا يدفن مسلم مع مشرك * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن المبارك ثنا وكيع عن الاسود بن شيبان - وكان ثقة - عن خالد بن سمير عن بشير بن نهيك عن بشير رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو ابن الخصاصية (2) قال: كنت أمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر على
__________
(1) بالقاف والراء والظاء المعجمة المفتوحات.
(2) انظر الكلام عليه في المسألة 579(5/142)
قبور المسلمين، فقال: لقد سبق هؤلاء شرا كثيرا، (1) ثم مر على قبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا) * فصح بهذا تفريق قبور المسلمين عن قبور المشركين * والحمل ما لم ينفخ فيه الروح فانما هو بعض جسم أمه، ومن حشوة (2) بطنها، وهى مدفونة مع المشركين، فإذا نفخ فيه الروح فهو خلق، آخر، كما قال تعالى: (فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر) فهو حينئذ (3) إنسان حى غير أمه، بل قد يكون ذكرا وهى أنثى، وهو ابن مسلم فله حكم الاسلام، فلا يجوز أن يدفن في مقابر المشركين، وهى كافرة، فلا تدفن في مقابر المسلمين، فوجب أن تدفن بناحية لاجل ذلك * روينا عن سليمان بن موسى: أن واثلة بن الاسقع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم دفن امرأة نصرانية ماتت حبلى من مسلم -: في مقبرة ليست بمقبرة النصارى، ولا بمقبرة المسلمين بين ذلك وروينا عن عمربن الخطاب: انها تدفن مع المسلمين من أجل ولدها 583 - مسألة - والصغير يسبى مع أبويه أو أحدهما أو دونهما فيموت -: فانه يدفن مع المسلمين ويصلى عليه، قال تعالى: (فطرت الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) فصح أن كل مولود فهو مسلم، إلا من أقره الله تعالى على الكفر، وليس إلا من ولديين ذميين كافرين، أو حربيين كافرين، ولم يسب حتى بلغ، وما
عدا هذين فمسلم * 584 - مسألة - وأحق الناس بالصلاة على الميت والميتة الاولياء، وهم الاب وآباؤه، والابن وأبناؤة، ثم الاخوة الاشقاء، ثم الذين للاب، ثم بنوهم، ثمو الاعمام للاب والام، ثم للاب (4)، ثم بنوهم، ثم كل ذى رحم محرمة، إلا أن يوصى الميت أن يصلى عليه إنسان، فهو أولى، ثم الزوج، ثم الامير أو القاضي، فان صلى غير من ذكرنا أجزأ * برهان ذلك قول الله تعالى (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وهذا
__________
(1) هكذا رواية النسائي ورواية أبى داود وابن ماجه (أدرك هؤلاء خيرا كثيرا).
(2) بكسر الحاء المهملة وبضمها مع اسكان الشين المعجمة وفتح الواو، وهى ما انضمت عليه الضلوع، أوهى الامعاء، والمراد ظاهر، وفى النسخة رقم (14) بالسين المهملة وهو خطأ.
(3) في النسخة رقم (16) (يؤمئذ) (4) قوله (ثم للاب) سقط من النسخة رقم (14)(5/143)
عموم لا يجوز تخصيصه، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن الرجل في أهله) يدخل فيه ذوالرحم والزوج، فإذا اجتمعا فهما سواء في الحديث، فلا يجوز تقديم أحدهما على الآخر (1) وذو الرحم أولى بالآية، ثم الزوج أولى من غيره بالحديث * رويناه عن قتادة عن سعيد بن المسيب: أنه قال في الصلاة على المرأة: أب أو ابن أو أخ أحق بالصلاة عليها من الزوج * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن ليث عن زيد بن أبى سليمان: أن عمر ابن الخطاب قال: في الصلاة على المرأة إذا ماتت -: الولى دون الزوج * وعن شعبة عن الحكم بن عتيبة في الصلاة على المرأة إذا ماتت الاخ أحق من الزوج * ومن طريق وكيع عن الربيع عن الحسن: كانوا يقدمون الائمة على جنائزهم، فان تدارؤا (2) فالولى ثم الزوج *
فان قيل: قد قدم الحسين بن على سعيد بن العاصى على ولى له وقال: لولا أنها سنة ما قدمتك.
وقال أبو بكرة (3) لاخوة زوجته: أنا أحق منكم * قلنا: لم ندع لكم إجماعا فتعارضوانا بهذا، ولكن إذا تنازع الائمة وجب الرد إلى القرآن والسنة، وفى القرآن والسنة ما أوردنا، ولم يبح الله تعالى الرد في التنازع إلى غير كلامه وحكم نبيه صلى الله عليه وسلم * وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، والاوزاعي في أحد قوليه: الاولياء أحق بالصلاة عليها من الزوج، إلا أن أبا حنيفة قال: إن كان ولدها ابن زوجها الحاضر فالزوج أبو الولد أحق.
وهذا لا معنى له، لانه دعوى بلا برهان * 585 - مسألة - وأحق الناس بانزال المرأة في قبرها من لم يطأ تلك الليلة، وإن كان أجنبيا، حضر زوجها أو أولياؤها أو لم يحضروا، وأحقهم بانزال الرجل أولياؤه * أما الرجل فلقول الله تعالى: (وأولوا الارحام بعضهم اولى ببعض) وهذا عموم، لا يجوز تخصيصه الا بنص * وأما المرأة فان عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد حدثنا قال ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى
__________
(1) في النسخة رقم (16) (على الآخر به) وزيادة كلمة (به) خطأ قطعا (2) أي تدافعوا في الخصومة وغيرها (3) في النسخة رقم (16) (أبو بكر) وهو خطأ، فانه ليس في أزواج أبى بكر من ماتت في خلافته *(5/144)
ثنا البخاري ثنا عبد الله بن محمد - هو المسندى - ثنا أبو عامر - هو العقدى - ثنا فليح بن سليمان عن هلال بن على عن أنس بن مالك قال: (شهدنا بنتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: هل منكم رجل لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: انا، قال: فانزل، فنزل في قبرها (1)) * حدثنا احمد بن محمد الطلمنكى ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت ثنا احمد بن عمرو
البزار ثنا محمد بن معمر ثنا روح بن أسلم انا حماد بن سلمة عن ثابت البنانى عن انس (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما ماتت رقية ابنته رضى الله عنها: لا يدخل القبر رجل قارف الليلة، فلم يدخل عثمان) * قال أبو محمد: المقارفة الوطئ، لا مقارفة الذنب.
(2) ومعاذ الله أن يتزكى أبو طلحة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يقارف ذنبا، فصح أن من لم يطأ تلك الليلة أولى من الاب والزوج وغيرهما * 586 - بقية من المسألة - التى قبل هذه * قال أبو محمد: واستدركنا الوصية بأن يصلى على الموصى غير الولى وغير الزوج، وهو أن الله تعالى - وقد ذكر وصية المحتضر - قال: (فمن بدله بعد ما سمعه فانما إثمه على الذين يبدلونه) * وروينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن محارب بن دثار: أن أم سلمة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها أوصت أن يصلى عليها سعيد بن زيد، وهو غير أمير ولا ولى (3) من ذوى محارمها ولا من قومها، وذلك بحضرة الصحابة رضى الله تعالى عنهم * وبه إلى سفيان عن أبى اسحاق السبيعى: أن أبا ميسرة أوصى ان يصلى عليه شريح وليس من قومه * ومن طريق وكيع عن مسعر بن كدام عن أبى حصين: أن عبيدة السلمانى أوصى أن يصلى عليه الاسود بن يزيد النخعي * 587 - مسألة - وتقبيل الميت جائز * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري
__________
(1) هو في البخاري (ج 2 ص 172) (2) هذا هو الصواب، وأخطأ جدا من فسرها بمقارفة الذنب في هذا الحديث (3) في النسخة رقم (16) (وهو غير الامير ولاوليا) وهذا خطأ * (م 19 - ج 5 المحلى)(5/145)
أنا بشر بن محمد (1) أنا عبد الله بن المبارك أخبرني معمر ويونس عن الزهري أخبرني أبو سلمة - هو ابن عبد الرحمن بن عوف - ان عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته: (أن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة - تعنى إذ مات عليه السلام - قالت: فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبله، ثم بكى وقال: بأبى أنت وأمى يا رسول الله) وذكر الحديث (2) * 588 - مسألة - ويسجى الميت بثوب ويجعل على بطنه ما يمنع انتفاخه * أما التسجية فلما ذكرناه في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ما فعل فيه صلى الله عليه وسلم فهو حق، لقوله تعالى: (والله يعصمك من الناس) وهذا عموم، لا يجوز تخصيصه إلا بنص * وأما قولنا: يوضع (3) على بطنه فلقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى).
وكل ما فيه رفق بالمسلم ودفع للمثلة عنه فهو بر وتقوى * 589 - مسألة - والصبر واجب، والبكاء مباح، ما لم يكن نوح، فان النوح حرام والصياح، وخمش الوجوه وضربها، وضرب الصدور، ونتف الشعر وحلقه للميت -: كل ذلك حرام، وكذلك الكلام المكروه الذى هو تسخط لاقدار الله تعالى، وشق الثياب * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا آدم ثنا شعبة ثنا ثابت البنانى عن أنس بن مالك قال: (مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكى عند قبر، فقال: اتقى الله واصبري) * وبه إلى البخاري: نا محمد بن بشار نا غندر عن شعبة عن ثابت البنانى قال سمعت أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الصبر عند الصدمة الاولى) * وبه إلى البخاري: نا الحسن بن عبد العزيز نا يحيى بن حسان حدثنى قريش - هو ابن حيان (4) - عن ثابت البنانى عن أنس قال: (دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابراهيم - هو ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وانت يا رسول الله؟ فقال: يا ابن عوف، إنها
رحمة، العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول الا ما يرضى ربنا، وانا بفراقك يا ابراهيم لمحزونون)
__________
(1) في النسخة رقم (14) (بشير بن محمد) بزيادة الياء وهو خطأ (2) هو في البخاري (ج 2 ص 157 و 158 (3) في النسخة رقم (14) (وأما ما يوضع) (4) بفتح الحاء وتشديد الياء المثناة التحتية(5/146)
فهذا اباحة الحزن الذى لا يقدر أحد على دفعه، و (لا يكلف الله نفسا اولا وسعها وفيه إباحة البكاء، وتحريم الكلام بما لا يرضى الله تعالى * وبه إلى البخاري: نا محمد بن بشار نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان عن الاعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) * حدثنا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج ثنا اسحاق بن منصور أنا حبان بن هلال (1) نا أبان - هو ابن يزيد العطار - نا يحيى - هو ابن أبى كثير - أن زيدا حدثه ان اباسلام حدثه ان ابا مالك الاشعري حدثه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع في امتى من امر الجاهلية لا يتركونهن: (2) الفخر في الاحساب، والطعن في الانساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، النائحة إذا ماتت ولم تتب قبل موتها (3) تقام يوم القيامة وعليها سر بال من قطران ودرع من جرب) * وبه إلى مسلم: نا عبد الله بن حميد، واسحاق بن منصور قالا أرنا جعفر بن عون أنا ابو عميس (4) قال: سمعت أبا صخرة يذكر عن عبد الرحمن بن يزيد وأبى بردة بن ابى موسى الاشعري قالا جميعا (5): أغمى على ابى موسى فأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنة، فأفاق قال: ألم تعلمي - وكان يحدثها (2) - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أنا برئ ممن حلق وسلق (7) وخرق)؟ *
__________
(1) بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة، كنيته أبو حبيب وهو بصرى.
ويشتبه اسمه باسم (حيان - بالمثناة التحتية - ابن هلال ابى عبد الله) وهو بصرى ايضا روى عن سيف ابن سليمان، ولكن ليس له شئ في الكتب الستة.
(2) في النسخة رقم (16) (لا يتركوهن) بحذف النون وهو خطأ، والتصحيح من مسلم (ج 1 ص 256) (3) الذى في نسخ مسلم (النائحة إذا لم تتب قبل موتها) فليس فيه قوله (ماتت) ولعل ما هنا رواية للمؤلف.
(4) بضم العين المهملة مصغر وآخره سين وفى النسخة رقم (16) (بن عميس) وهو خطأ.
(5) لفظ (جميعا) ليس في صحيح مسلم (ج 1 ص 40) (6) في النسخة رقم (16) (يحدثنا) وهو خطأ صححناه من مسلم (7) في النسخة رقم (16) (وصلق) بالصاد، وما هنا هو الموافق لمسلم، وكلاهما صحيح في المعنى، السلق رفع الصوت عند المصيبة(5/147)
ومن طريق البخاري: نا أصبغ نا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد ابن الحارث الانصاري عن عبد الله بن عمر قال: (اشتكى سعد بن عبادة فعاده النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن ابى وقاص، وابن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غاشيته (1)، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا، فقال: ألا تسمعون؟! إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم وان الميت يعذب ببكاء أهله عليه) * قال أبو محمد: هذا الخبر بتمامه يبين معنى ما وهل (2) فيه كثير من الناس من قوله عليه السلام: (ان الميت يعذب ببكاء أهله عليه) ولاح بهذا ان هذا البكاء الذى يعذب به الميت ليس هو الذى لا يعذب به من دمع العين، وحزن القلب، فصح انه البكاء باللسان إذ يعذبونه برياسته التى جار فيها فعذب عليها، وشجاعته التى يعذب عليها إذ صرفها في غير طاعة الله تعالى، وبجوده الذى أخذ ما جاد به من غير حله، ووضعه في غير حقه فأهله يبكونه بهذه المفاخر، وهو يعذب بها بعينها، وهو ظاهر الحديث لمن لم يتكلف في ظاهر الخبر ما ليس فيه.
وبالله تعالى التوفيق * وقد روينا عن ابن عباس: أنه أنكر على من أنكر البكاء على الميت، وقال؟ الله
أضحك وأبكى * 590 - مسألة - وإذا مات المحرم ما بين أن يحرم إلى أن تطلع الشمس من يوم النحر إن كان حاجا، أو أن يتم (3) طوافه وسعيه، إن كان معتمرا -: فان الفرض ان يغسل بماء وسدر فقط، إن وجد السدر، ولا يمس بكافور ولا بطيب، ولا يغطى وجهه ولا رأسه ولا يكفن الا في ثياب احرامه فقط، أو في ثوبين غير ثياب إحرامه، وان كانت امرأة فكذلك، إلا ان رأسها تغطى ويكشف وجهها، ولو أسدل عليه من فوق رأسها فلا بأس من غير أن تقنع * فمن مات من محرم أو محرمة بعد طلوع الشمس من يوم النحر فكسائر الموتى، رمى الجمار أو لم يرمها * *
__________
(1) في اكثر روايات البخاري (في غاشية اهله) وهو الموافق للنسخة رقم (14) وانظر الحديث في البخاري (ج 2 ص 179 - 180) (2) أي غلط فيه (3) النسخة رقم (14) (أو ان يتم به) وزيادة هذا الحرف لا معنى لها، بل هي خطأ *(5/148)
وقال أبو حنيفة، ومالك: هما كسائر الموتى في كل ذلك * برهان قولنا: ما رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة سمعت أبا بشر - هو جعفر بن أبى وحشية - عن سعيد بن جبير عن أبن عباس: (أن رجلا وقع عن راحلته فأقصعته (1)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر، ويكفن في ثوبين، وخارج رأسه ووجهه، فانه يبعث يوم القيامة ملبدا) * ومن طريق احمد بن شعيب انا عبدة بن عبد الله البصري انا أبو داود - هو الحفرى (2) عن سفيان - هو الثوري - عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: (مات رجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غسلوه (3) بماء وسدر، وكفنوه في ثيابه، ولا تخمروا وجهه ولا رأسه، فانه يبعث يوم القيامة يلبى) *
ومن طريق البخاري نا قتيبة نا حماد بن زيد عن أيوب السختيانى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، إذ وقع من راحلته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فانه يبعث يوم القيامة ملبيا) * ومن طريق البخاري نا أبو النعمان - هو محمد بن الفضل عارم (4) - نا أبو عوانة عن أبى بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
(ان رجلا وقصه بعيره ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، ولا تمسوه طيبا، ولا تخمروا رأسه، فان الله يبعثه يوم القيامة ملبدا) * ومن طريق أبى داود السجستاني نا عثمان بن أبى شيبة نا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن منصور - هو ابن المعتمر - عن الحكم - هو ابن عيينة - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (وقصت (5) برجل محرم ناقته فقتلته، فأتى فيه (6) رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اغسلوه وكفنوه، ولا تغطوا رأسه ولا تقربوه طيبا، فانه يبعث يهل)
__________
(1) بتقديم الصاد على العين أي دفعته فقتلته (2) بفتح الحاء المهملة والفاء، نسبة إلى الحفر وهو موضع بالكوفة.
وأبو داود هذا اسمه عمر بن سعد وهو من طبقة ابى داود الطيالسي (3) في النسخة رقم (14) (اغسلوه) (4) بالعين وهو لقب محمد بن الفضل (5) بالبناء للفاعل.
والوقص كسر العنق أو الكسر مطلقا، ويقال (وقصته ووقصت به وأوقصته) وكلها روايات في هذا الحديث ومعناها واحد (6) في ابى داود (ج 3 ص 213) (فأتى به) وفى النسخة رقم (14) (فأفتى فيه) *(5/149)
فهذا لا يسع أحدا خلافه، لانه كالشمس صحة، رواه شعبة، وسفيان، وابو عوانة، ومنصور وحماد بن زيد، ورواه قبلهم أبو بشر، وعمرو بن دينار، والحكم، وأيوب، ائمة المسلمين كلهم، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه شهد القصة في حجة الوداع، آخر
حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحت ألفاظ هذا الخبر كلها، فلا يحل ترك شئ منها، وأمر عليه السلام بذلك في محرم سئل عنه، والمحرم يعم الرجل والمرأة، والبعث والتلبية يجمعهما، وبهما جاء الاثر، والسسبب المنصوص عليه في الحكم (1) * فان قيل: إنكم تجيزون للمحرم الحى أن يغطى وجهه، وتمنعون ذلك الميت * قلنا: نعم، للنصوص الواردة في ذلك، ولا يحل الاعتراض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يأمر المحرم الحى بكشف وجهه وامر بذلك في الميت، فوقفنا عند امره عليه السلام، (وما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحى يوحى) * وما ندرى من أين وقع لهم ان لا يفرق الله تعالى بين حكم المحزم الحى والمحرم الميت؟ أم في أي سنة وجدوا ذلك أم في أي دليل عقل؟ ثم هم اول قائلين بهذا نفسه، فيفرقون بين حكم المحرم الحى والمحرم الميت بآرائهم الفاسدة، وينكرون ذلك على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم هذا: خصوص لذلك المحرم * فقلنا: هذا الكذب منكم، لان النبي صلى الله عليه وسلم إنما أفتى بذلك في المحرم يموت إذ سئل عنه كما أفتى في المستحاضة، وكما أفتى أم سلمة في ان لا تحل ضفر رأسها في غسل الجنابة
__________
(1) هنا بحاشية النسخة رقم (14) ما نصه: (قوله والمحرم يعم الرجل والمرأة انما يصح لو كان في الاحاديث محرم مطلق، وليس فيها ذلك، انما فيها رجل محرم، والرجل لا يتناول المرأة، فان ادعى ان حكم انساء حكم الرجال في كل شئ فعليه الدليل، فان أقامة صحت دعواه والا فلا، والله اعلم) ويظهر ان هذا الاعتراض من نفس كاتب النسخة وهو (احمد ابن محمد بن منصور الاشمومى الحنفي) الذى كتبها في شوال سنة 779 وهو اعتراض غلظ، والاشمومى بضم الهمزة واسكان الشين المعجمة وميمين نسبة إلى (أشموم) بالميم احدى قريتين بالديار المصرية إحداهما (أشموم طناح) - بفتح الطاء المهملة وتشديد النون - وهى قرب دمياط، والاخرى (أشموم الجريسات) - بضم الجيم وفتح الراء واسكان الياء وبالسين المهملة والتاء المثناة - وهى بالمنوفية، هكذا قال ياقوت في معجم البلدان ولم اجد لهذا الاشمومى ترجمة.(5/150)
وسائر ما استفتى فيه عليه السلام فأفتى فيه فكان عموما * ومن عجائب الدنيا انهم اتوا إلى قوله عليه السلام: (فانه يبعث ملبدا) و (يلبى) و (يهل) فلم يستعملوه، وأوقفوه على إنسان بعينه وأتوا إلى ما خصه عليه السلام من البر، والشعير والتمر، والملح، والذهب، والفضة -: فتعدوا بحكمها إلى ما لم يحكم عليه السلام قط بهذا الحكم فيه فانما اولعوا بمخالفة الاوامر المنصوص عليها * وقال بعضهم: قد صح عن عائشة أم المؤمنين وابن عمر تحنيط المحرم إذا مات، وتطيبه وتخمير رأسه * قلنا: وقد صح عن عثمان وغيره خلاف ذلك * كما روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن الزهري قال: خرج عبد الله بن الوليد معتمرا مع عثمان بن عفان، فمات بالسقيا (1) وهو محرم، فلم يغيب عثمان رأسه، ولم يمسسه طيبا، فأخذ الناس بذلك * ومن طريق عبد الرزاق نا أبي (2) قال: توفى عبيد بن يزيد بالمزدلفة وهو محرم، فلم يغيب المغيرة بن حكيم رأسه في النعش * ومن طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن أبى اسحاق السبيعى عن الحارث عن على بن أبى طالب قال في المحرم: يغسل رأسه بالماء والسدر، ولا يغطى رأسه، ولا يمس طيبا * وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل وأبى سليمان وغيرهم * والعجب أن الزهري يقول: فأخذ الناس بذلك وهم يدعون الاجماع في أقل من هذا كد عواهم في الحد في الخمر ثمانين، وغير ذلك * فان قيل: قد خالف ابن عمر عثمان بعد ذلك، فبطل ان يكون اجماعا * قلنا: وقد خالف عثمان وعلى والحسن وعبد الله بن جعفر في حد الخمر بعد عمر،
فبطل أن يكون اجماعا * وإذا تنازع السلف فالفرض علينا رد ما تنازعوا فيه إلى القرآن والسنة، لا إلى قول أحد دونهما *
__________
(1) بالقصر وضم السين المهملة واسكان القاف.
موضع قريب من مكة (2) والد عبد الرزاق هو همام بن نافع الصنعانى وهو ثقة.(5/151)
ومن طرائف الدنيا احتجاجهم في هذا بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خمروا وجوههم، ولا تشبهوا باليهود) * وهذا باطل لوجوه: * أولها أنه مرسل، ولا حجة في مرسل * والثانى أنه ليس فيه نص ولا دليل - لو صح - على أنه في المحرم (1) أصلا، بل كان يكون في سائر الموتى * وثالثها أنه لا يجوز أن يقوله عليه السلام أصلا، لانه عليه السلام لا يقول الا الحق واليهود لا تكشف وجوه موتاها، فصح أنه باطل، سمعه عطاء ممن لاخير فيه، أو ممن وهم * والرابع انه لو صح مسندا في المحرمين لما كانت فيه حجة، لان خبر ابن عباس هو الآخر بلا شك، وممن المحال أن يقول عليه السلام في أمر أمر به انه تشبه باليهود، وجائز ان ينهى عن التشبه باليهود قبل أن ينزل عليه الوحى، ثم يأمر بمثل ذلك الفعل، لا تشبها بهم، كما قال عليه السلام في قول اليهودية في عذاب القبر، ثم أتاه الوحى بصحة عذاب القبر * واحتج بعضهم في هذا بالخبر الثابت: (إذا مات الميت انقطع عمله الا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم علمه، وولد صالح يدعو له) * وهذا لاحجة لهم فيه أصلا، لانه انما فيه انه انقطع عمله وهكذا نقول، وليس
فيه انه ينقطع عمل غيره فيه، بل غيره مأمور فيه بأعمال مفترضة، من غسل، وصلاة، ودفن وغير ذلك وهذا العمل ليس هو عمل المحرم الميت، إنما هو عمل الاحياء.
فظهر تخليطهم وتمويههم * واحتج بعضهم بقول الله تعالى: (وأن ليس للانسان الا ما سعى) * وهذه إحالة منهم للكلم عن مواضعه، ولم نقل قط: إن هذا من سعى الميت، لكنه من سعى الاحياء المأمور به في الميت كما أمرنا بأن لا نغسل الشهيد ولا نكفنه، أن ندفنه في ثيابه، وليس هو عمل الشهيد ولاسعيه، لكنه عملنا فيه وسعينا لانفسنا الذى أمرنا به فيه ولا فرق * والقوم متحكمون بالآراء الفاسدة والا مزيد إلا ان كانو يحومون حول ان يعترضوا
__________
(1) في النسخة رقم (16) (انه ليس في المحرم) وهو خطأ *(5/152)
بهذا كله على قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فانه يبعث ملبدا) (يلبى) و (يهل) فهذا ردة، ولا فرق بين قوله عليه السلام: (ان المحرم يبعث يوم القيامة يلبى) و (يهل) و (ملبدا) وبين قوله عليه السلام.
(إن من يكلم في سبيل الله يأتي يوم القيامة وجرحه يثعب (1) دما اللون لون الدم والريح ريح المسك) وكل هذه فضائل لا تنسخ ولا ترد، والقوم أصحاب قياس بزعمهم، فهلا قالوا.
المقتول في سبيل الله والميت محرما كلاهما مات في سبيل الله تعالى، وحكم أحدهما خلاف حكم الموتى، فكذلك الآخر؟! ولكنهم لا النصوص (2) يتبعون، ولا القياس يحسنون، ولاشك في ان الشبه بين الجهاد والحج أقرب من الشبه بين السرقة والنكاح 591 - مسألة - ونستحب القيام للجنازة إذا رآها المرء، وإن كانت جنازة كافر، حتى توضع أو تخلفه، فان لم يقم فلا حرج لما روينا من طريق البخاري نا قتيبة نا الليث - هو ابن سعد - عن نافع عن ابن عمر
عن عامر بن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال.
(إذ رأى احدكم الجنازة فان لم يكن ماشيا معها فليقم حتى يخلفها أو تخلفه أو توضع من قبل ان تخلفه) * ورويناه أيضا من طريق ايوب، وابن جريج، وعبيدالله بن عمر، وعبد الله بن عون، كلهم عن نافع عن ابن عمر مسندا، ومن طريق الزهري عن سالم عن ابيه مسندا * ومن طريق البخاري نا مسلم - هو ابن ابراهيم - نا هشام - هو الدستوائي - نا يحيى ابن ابى كثير عن ابى سلمة عبن عبد الرحمن عن ابى سعيد الخدرى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال.
(إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع) * ومن طريق البخاري نا معاذ بن فضالة نا هشام - هو الدستوائى - عن يحيى - هو ابن ابى كثير - عن عبيدالله بن مقسم عن جابر قال (مربنا جنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودى؟ قال: فإذا (3) رأيتم الجنازة فقوموا) * وبه يأخذ أبو سعيد - ويراه واجبا - وابن عمر، وسهل بن حنيف، وقيس بن سعد،
__________
(1) بالثاء المثلثة والعين المهملة المفتوحتين ثعب الماء والدم ونحوهما يثعبه ثعبا فجره فانثعب كما ينثعب الدم من الانف قاله في اللسان (2) في النسخة رقم (14) (النص) بالافراد.
(3) في البخاري (ج 2 ص 182) (إذا).
(م 20 - ج 5 المحلى)(5/153)
وأبو موسى الاشعري، وأبو مسعود البدرى، والحسن بن على، والمسور بن مخرمة، وقتادة وابن سيرين، والنخعي، والشعبى، وسالم بن عبد الله * ومن طريق مسلم نا محمد بن رمح بن المهاجر نا الليث - هو ابن سعد - عن يحيى بن سعيد - هو الانصاري - عن واقد بن عمر وبن سعيد بن معاذ أن نافع بن جبير بن مطعم أخبره أن مسعود بن الحكم حدثه عن على بن أبى طالب أنه قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد) يعنى للجنازة * فكان قعوده صلى الله عليه وسلم بعد أمره بالقيام مبينا أنه أمر ندب، وليس يجوز أن يكون
هذا نسخا لانه لا يجوز ترك سنة متيقنة إلا بيقين نسخ، والنسخ لا يكون إلا بالنهي أو بترك معه نهى * فان قيل: فقد رويتم من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن واقد بن عمرو ابن سعد بن معاذ قال: قمت إلى جنب نافع بن جبير في جنازة، فقال لى: حدثنى مسعود ابن الحكم عن على بن أبى طالب قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقيام، ثم أمرنا بالجلوس) فهلا قطعتم بالنسخ بهذا الخبر * قلنا: كنا نفعل ذلك لو لا ما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا يوسف بن سعيد نا حجاج بن محمد - هو الاعور عن ابن جريج عن ابن عجلان عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة، وأبى سعيد الخدرى قالا جميعا: ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع) فهذا عمله عليه السلام المداوم، وأبو هريرة، وأبو سعيد ما فارقاه عليه السلام حتى مات، فصح أن أمره بالجلوس إباحة وتخفيف، وأمره بالقيام وقيامه ندب * وممن كان يجلس ابن عباس، وأبو هريرة، وسعيد بن المسيب * - 592 - مسألة ويجب الاسراع بالجنازة، ونستحب أن لا يزول عنها من صلى عليها حتى تدفن، فان انصرف قبل الدفن فلا حرج، ولا معنى لانتظار إذن ولى الجنازة * أما وجوب الاسراع فلما رويناه من طريق مسلم نا أبو الطاهر نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثنى ابو أمامة بن سهل بن حنيف عن أبى هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أسرعوا بالجنازة، فان كانت صالحة قربتموها (1) إلى الخير،
__________
(1) كذا في الاصلين ومسلم (ج 1 ص 259) وبحاشية النسخة رقم (14) أن في نسخة من المحلى (قد متموها) *(5/154)
وان كانت غير ذلك كان شرا تضعونه عن رقابكم) * وهو عمل الصحابة، كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا على بن حجر عن إسماعيل
ابن علية وهشيم كلاهما عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى بكرة قال: (لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لنكاد نرمل بالجنازة رملا) * ومن طريق مسلم نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا شعبة حدثنى قتادة عن سالم بن أبى الجعد عن معدان بن أبى طلحة اليعمرى عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى على جنازة فله قيراط، فان شهد دفنها فله قيراطان، القيراط مثل أحد) * ورويناه أيضا من طريق ابن مغفل وأبى هريرة مسندا صحيحا * قال أبو محمد: الاسراع بها أمر، وهذا الآخر ندب، وفى إباحته عليه السلام لمن صلى على الجنازة أن لا يشهد دفنها وجعل له مع ذلك قيراط أجر مثل جبل أحد -: بيان جلى بأنه لا معنى لاذن صاحب الجنازة * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبى إسحاق السبيعى أن ابن مسعود قال: إذا صليت على الجنازة فقد قضيت الذى عليك، فخلها وأهلها، وكان ينصرف ولا يستأذنهم * وبه إلى معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن زيد بن ثابت: أنه كان ينصرف ولا ينتظر إذنهم، يعنى في الجنازة وبه يأخذ معمر، قال معمر: وهو قول الحسن، وقتادة، وصح عن القاسم، وسالم، وروى عن عمر بن عبد العزيز * 593 - مسألة - ويقف الامام - إذا صلى على الجنازة - من الرجل قبالة رأسه * ومن المرأة قبالة وسطها * قال مالك، وأبو حنيفة يقف من الرجل قبالة وسطه، ومن المرأة عند منكبها، وروى عن أبى حنيفة أيضا: يقف قبالة الصدر من كليهما * برهان صحة قولنا ما رويناه من طريق ابى داود: نا داود بن معاذ نا عبد الوارث عن ابى غالب نافع (1) قال: (شهدت جنازة عبد الله بن عمير، فصلى عليها أنس بن مالك
وانا خلفه، فقام عند رأسه فكبر أربع تكبيرات، ثم قالوا: يا أبا حمزة، المرأة الانصارية
__________
(1) هو ابو غالب الباهلى الخياط البصري، ثقة، اسمه نافع، قيل رافع.(5/155)
فقربوها وعليها نعش أخضر، فقام عليها عند عجيزتها، فصلى عليها نحو صلاته على الرجل (1) فقال له العلاء بن زياد: يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على الجنازة كصلاتك يكبر عليها أربعا، ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ قال: نعم) * ورويناه من طريق الحجاج بن المنهال نا همام بن يحيى عن نافع أبى غالب، فذكر حديث أنس هذا، وفى آخره: فأقبل العلاء بن زياد على الناس فقال: احفظوا * قال أبو محمد: هذا مكان خالف فيه الحنيفيون والمالكيون أصولهم، لانهم يشنعون بخلاف الصاحب الذى لايعرف له مخالف وهذا صاحب لايعرف له من الصحابة مخالف وقد خالفوه وقولنا هذا هو قول الشافعي، وأحمد، أبى سليمان، واليه رجع أبو يوسف * ولا نعلم لمن قال: يقف في كليهما عند الوسط -: حجة، الا أنهم قالوا: قسنا ذلك على وقوف الامام مقابل وسط الصف خلفه وهذا أسخف قياس في العالم، لان الميت ليس مأموما للامام فيقف وسطه * وحجة من قال: يقف عند الصدر أنهم قالوا: كان ذلك قبل اتخاذ النعوش، فيستر المرأة من الناس وهذا باطل، ودعوى كاذبة بلا برهان وهذا عظيم جدا نعوذ بالله منه.
ثم مع كذبه بارد باطل لانه وان ستر عجيزتها عن الناس لم يسترها عن نفسه هو والناس سواء في ذلك * 594 - مسألة - ولا يحل سب الاموات على القصد بالاذى، واما تحذير من كفراو بدعة اومن عمل فاسد فمباح، ولعن الكفار مباح * لما روينا من طريق البخاري: نا آدم نا شعبة عن الاعمش عن مجاهد عن عائشة
ام المؤمنين قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الاموات (2) فانهم قد أفضوا إلى ما قدموا) * وقد سب الله تعالى أبا لهب، وفرعون تحذيرا من كفرهما، وقال تعالى: (لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل) وقال تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين) واخبر عليه السلام
__________
(1) قوله (فصلى عليها نحو صلاته على الرجل) وضع عليه علامة تدل أنه في بعض النسخ فقط وهو ثابت في أبى داود (ج 3 ص 184 و 186) و الحديث هناك مطول واختصره المؤ لف وقد حسنه الترمذي وسكت عنه أبو داود والمنذري وابن القيم (2) في النسخة رقم (14) (الموتى) وما هنا هو الموافق للبخاري (ج 2 ص 214)(5/156)
ان الشملة التى غلها مدعم (1) تشتعل عليه نارا، وذلك بعد موته * 595 - مسألة - ويجب تلقين الميت الذى يموت في ذهنه - (2) ولسانه منطلق - أو غير منطلق - شهادة الاسلام، وهى (لا إله الا الله محمد رسول الله) * لما روينا من طريق مسلم نا عمرو الناقد نا أبو خالد الاحمر عن يزيد بن كيسان عن أبى حازم عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله الا الله) وصح هذا أيضا عن أم المؤمنين، وروى عن عمر بن الخطاب * وعن ابراهيم عن علقمة قال: لقنوني لا إله الا الله وأسرعوا بي إلى حفرتي * وأما من ليس في ذهنه فلا يمكن تلقينه، لانه لا يتلقن * واما من منع الكلام فيقولها في نفسه، نسأل الله خير ذلك المقام * 596 - مسألة - ويستحب تغميض عينى الميت إذا قضى * لما روينا من طريق مسلم: حدثنى زهير بن حرب نا معاوية بن عمرو نا أبو إسحق الفزارى عن خالد الحذاء عن أبى قلابة عن قبيصة بن ذؤيب عن أم سلمة أم المؤمنين قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى سلمة وقد شق بصره (3) فأغمضه) وروينا عن عمر بن الخطاب: انه امر بتغميض أعين الموتى *
597 - مسألة - ويستحب أن يقول المصاب.
(انا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي (4) وأخلف لى خيرا منها *) لما روينا من طريق مسلم: نا أبو بكر بن أبى شيبة نا ابو اسامة عن سعد بن سعيد اخبرني عمر بن كثير بن افلح سمعت ابن سفينة (5) يحدث انه سمع ام سلمة تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إن لله وانا إليه راجعون،
__________
(1) بكسر الميم واسكان الدال وفتح العين المهملتين وآخره ميم.
وهو عبد أسود اهداه رفاعة بن زيد الجذامي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل في الرجوع من خيبر، وقصته في البخاري (ج 8 ص 257 و 258) ومسلم (ج 1 ص 43 و 44) وانظر العينى (ج 23 ص 215) طبع المنيرية (2) يعنى حاضر العقل (3) شق بفتح الشين المعجمة وبصره فاعل، وضبطه بعضهم بصره بالنصب وهو صحيح أيضا، وانكره ابن السكيت.
ومعناه شخص بصره.
(4) قال النووي في شرح مسلم (ج 6 ص 220) قال القاضى: أجرني بالقصر والمد، حكاهما صاحب الافعال، وقال الاصمعي وأكثر أهل اللغة: هو مقصور لا يمد) (5) سفينة هو مولى أم سلمة وشرطت عليه ان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، وابنه هذا يقال: انه عمر *(5/157)
اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لى خيرا منها -: الا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها) * 598 - مسألة - ونستحب الصلاة على المولود يولد حيا ثم يموت، استهل أولم يستهل، وليس الصلاة عليه فرضا ما لم يبلغ * أما الصلاة عليه فانها فعل خير لم يأت عنه نهى * وأما ترك الصلاة عليه فلما روينا من طريق ابى داود: نا محمد بن يحيى بن فارس نا يعقوب بن ابراهيم بن سعد حدثنى ابى عن محمد بن اسحاق حدثنى عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة ام المؤمنين قالت: (مات ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا، فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) *
هذا خبر صحيح ولكن انما فيه ترك الصلاة، وليس فيه نهى عنها، وقد جاء أثران مرسلان بأنه عليه السلام صلى عليه، والمرسل لاحجة فيه * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا احمد بن شعيب أنا اسماعيل بن مسعود أنا خالد بن الحارث نا سعيد بن عبيدالله الثقفى سمعت زياد بن جبير بن حية يحدث عن أبيه عن المغيرة بن شعبة (1) أنه ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها، والطفل يصلى عليه) * وبهذا يأخذ جمهور الصحابة * روينا من طريق الحجاج بن المنهال عن أبى عوانة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر الصديق قال: أحق من صلينا عليه أطفالنا * ومن طريق حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد الانصاري عن ابن المسيب عن أبى هريرة أنه صلى على منفوس إن عمل خطيئة قط (2) قال: اللهم أعذه من عذاب القبر * ومن طريق حماد بن سلمة عن محمد بن اسحاق عن عطاء بن أبى رباح عن جابر بن عبد الله قال: إذا استهل الصبى صلى عليه وورث * ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى عن نافع عن ابن عمر أنه قال: إذا
__________
(1) في النسخة رقم (16) (زياد بن جبير بن حية عن ابيه يحدث عن المغيرة بن شعبة (وما هنا هو الموافق للنسائي) (ج 4 ص 58) إلا أنه ليس فيه (ابن حية) (2) (إن) نافية وفى النسخة رقم (14) (انه صلى على منفوس له لم يعمل خطيئة قط) *(5/158)
تم خلقه فصاح صلى عليه وورث * ومن طريق شعبة: ناعمرو بن مرة قال قال لى عبد الرحمن بن أبى ليلى: ادركت بقايا الانصار يصلون على الصبى إذا مات * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان وعبد الرزاق قال يحيى: نا عبيدالله - هو ابن عمر -
وقال عبد الرزاق: نا معمر عن أيوب، ثم اتفق عبيدالله وايوب كلاهما عن نافع قال: صلى عبد الله بن عمر على سقط له لا ادرى استهل ام لا؟ هذا لفظ ايوب، وقال عبيدالله: مولود مكان سقط * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن زياد بن جبير (1) عن أبيه عن المغيرة بن شعبة قال: السقط يصلى عليه ويدعى لابويه (2) بالعافية والرحمة * ومن طريق حماد بن سلمة عن ايوب عن محمد بن سيرين: أنه كان يعجبه إذا تم خلقه ان يصلى عليه.
ومن طريق حماد بن زيد عن ايوب السختيانى عن ابن سيرين انه كان يدعو على (3) الصغير كما يدعو على (4) الكبير، فقيل له: هذا ليس له ذنب؟ فقال: والنبى صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وامرنا أن نصلى عليه * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وايوب، قال قتادة عن سعيد بن المسيب وقال ايوب عن محمد بن سيرين قالا جميعا: إذا تم خلقه ونفخ فيه الروح صلى عليه وان لم يستهل * وروينا عن قتادة عن سعيد بن المسيب في السقط لاربعة أشهر يصلى عليه، قال قتادة: ويسمى، فانه يبعث أو يدعى يوم القيامة باسمه.
* ومن طريق البخاري نا أبو اليمان أنا شعيب - هو ابن أبى حمزة - قال ابن شهاب: يصلى على كل مولود متوفى، وإن كان لغية (5) من أجل أنه ولد على فطرة الاسلام.
ثم ذكر حديث أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (مامن مولود إلا يولد على الفطرة) (6) * وقال الحسن وابراهيم: يصلى عليه إذا استهل *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (زياد بن يزيد) وفى النسخة رقن (14) (زياد بن جرير) وكلاهما خطأ بل هو زياد بن جبير بن حية الذى مضى في حديث المغيرة مرفوعا قريبا.
(2) في النسخة رقم (16) (لوالدية) (3 و 4) كذا في الموضعين (على) وله وجه (5) بفتح الغين المعجمة وتشديد الياء المثناة المفتوحة من الغى، أي ولد لزنا، يقال لغية نقيض قولك لرشدة بفتح الراء وكسرها (6) هو في البخاري (ج 2 ص 198) *(5/159)
قال أبو محمد: لا معنى للاستهلال، لانه لم يوجبه نص ولا اجماع وقال حماد إذا مات الصبى من السبى ليس بين أبويه صلى عليه * وروى عن الزبير بن العوام: أنه مات له ابن قد لعب مع الصبيان واشتد ولم يبلغ الحلم، اسمه عمر (1)، فلم يصل عليه * ومن طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير قال: لا يصلى على الصبى * ورويناه أيضا عن سويد بن غفلة 599 - مسألة - ولا نكره اتباع النساء الجنازة، ولا يمنعهن من ذلك * جاءت في النهى عن ذلك آثار ليس منها شئ يصح، لانها إما مرسلة، وإما عن مجهول وإما عمن لا يحتج به * وأشبه ما فيه ما روينا من طريق مسلم: نا اسحاق بن راهويه نا عيسى بن يونس عن هشام عن حفصة عن أم عطية قالت (نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا) * وهذا غير مسند لاننا لا ندري من هذا الناهي؟ ولعله بعض الصحابة (2)، ثم لو صح مسندا لم يكن فيه حجة، بل كان يكون كراهة فقط * بل قد صح خلافه كما روينا من طريق ابن ابى شيبة: نا وكيع عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابى هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة فرأى عمر امرأة، فصاح بها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعها يا عمر فان العين دامعة، والنفس مصابة، والعهد قريب) (3) * وقد صح ابن عباس أنه لم يكره ذلك * 600 - مسألة - ونستحب زيارة القبور، وهو فرض ولو مرة ولا بأس بان يزور المسلم قبر حميمه المشرك، الرجال والنساء سواء * لما روينا من طريق مسلم: نا أبو بكر بن أبى شيبة نا محمد بن فضيل عن أبى سنان -
هو ضرار (4) بن مرة - عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) هكذا في الاصول والذى في طبقات ابن سعد (ج 3 ق 1 ص 70 و 71) أن اسم ابنه (عمرا) وأنه سماه على اسم (عمرو بن سعيد بن العاص) (2) هذا احتمال بعيد، والظاهر لقريب أنه مسند، ولكنه لا يدل إلا على الكراهة فقط كما قال المؤلف (3) اسناد هذا الحديث صحيح جدا (4) بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الراء *(5/160)
(نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) * ومن طريق مسلم: نا أبو بكر بن أبى شيبة نا محمد بن عبيد عن يزيد بن كيسان عن أبى حازم عن أبى هريرة قال: (زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربى في أن أستغفر لها فلم يؤذن لى، واستأذنته في أن أزور قبرها وأذن لى، فزوروا القبور فانها تذكر الموت) * وقد صح عن أم المؤمنين، وابن عمر وغيرهما زيارة القبور.
وروى عن عمر النهى عن ذلك ولم يصح * 601 - مسألة - ونستحب لمن حضر على القبور أن يقول ما رويناه من طريق مسلم: نا زهير بن حرب نا محمد بن عبد الله الاسدي عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وانا إن شاء الله بكم لا حقون (1)، أسأل الله لنا ولكم العافية) * 602 - مسألة - ونستحب أن يصلى على الميت مائة من المسلمين فصاعدا * لما روينا من طريق مسلم: نا الحسن بن عيسى نا ابن المبارك أنا سلام بن ابى مطيع عن ايوب السختيانى عن ابى قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة أم المؤمنين عن عائشة أم المؤمنين (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من ميت يصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون
مائة كلهم يشفعون له: إلا شفعوا فيه) قال (3): فحدثت به شعيب بن الحبحاب (4) فقال: حدثنى به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو محمد: الخبر الذى فيه (يصلى عليه أربعون) رواه شريك بن عبد الله بن ابى نمر، وهو ضعيف * قال أبو محمد: الشفيع يكون بعد العقاب، إلا انه مخفف ما قد قضى الله تعالى انه لو لا الشفاعة
__________
(1) في مسلم (ج 1 ص 266) (وإنا إن شاء الله للاحقون) واما الذى هنا فهو لفظ حديث عائشة عند مسلم ايضا (2) قوله (عن عائشة ام المؤمنين) سقط من النسخة رقم (16) وهو خطأ (3) القائل هو سلام بن ابى مطيع الذى روى عن ايوب كما بينه النسائي في روايته (ج 4 ص 75) (4) بفتح الحاءين المهملتين وبينهما باء موحدة ساكتة * (م 21 - ج 5 المحلى)(5/161)
لم يخفف، وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التى هي أكبر الشفاعات تكون قبل دخول النار وبعد دخول النار كما جاءت الآثار نعوذ بالله من النار * 603 - مسألة - وإدخال الموتى في المساجد والصلاة عليهم فيها حسن كله، وأفضل مكان صلى فيه على الموتى في داخل المساجد، وهو قول الشافعي وأبى سليمان، ولم ير ذلك مالك * برهان صحة قولنا ماروينا من طريق مسلم بن الحجاج: نا محمد بن حاتم نا بهز - هو ابن أسد نا وهيب - هو ابن خالد نا موسى بن عقبة عن عبد الواحد - هو ابن حمزة - عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين: (انها لما توفى سعد بن ابى وقاص، ارسل ازواج النبي صلى الله عليه وسلم ان يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه، ففعلوا، فوقف به على حجرهن يصلين (1) عليه، ثم خرج به (2) من باب الجنائز الذى كان على المقاعد، (3)، فبلغهن أن الناس عابوا ذلك، وقالوا: ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد، فقالت عائشة: ما أسرع الناس إلى أن يعييوا ما لا علم لهم به؟ عابوا علينا ان يمر بالجنازة (4) في المسجد، وما صلى (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في جوف (6) المسجد؟
ومن طريق مسلم: نا محمد بن رافع نا ابن ابى فديك انا الضحاك بن عثمان عن ابى النضر مولى عمر بن عبيدالله عن ابى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ان عائشة ام المؤمنين قالت: (والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء - سهيل وأخيه في المسجد) * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر، وسفيان الثوري كلاهما عن هشام بن عروة عن ابيه: انه رأى الناس يخرجون من المسجد ليصلوا على جنازة، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ ما صلى على ابن بكر الصديق الا في المسجد * ومن طريق ابن أبى شيبة: نا الفضل بن دكين عن مالك بن انس عن نافع عن ابن عمر: ان عمر صلى عليه في المسجد *
__________
(1) هكذا في النسخة رقم (16) وفى جميع نسخ صحيح مسلم (ج 1 ص 265) وفى النسخة رقم (14) (فصلين) (2) في كل نسخ مسلم (اخرج به) بزيادة الهمزة وحذف (ثم) (3) هكذا في الاصلين، وفى صحيح مسلم (إلى المقاعد) (4) في مسلم (بجنازة) (5) كذا في الاصلين، وهو الموافق للنسخة المخطوطة من مسلم، وفى طبع بولاق (ما) بحذف الواو (6) كلمة (جوف) محذوفة من النسخة رقم (16) خطأ *(5/162)
فهذه أسانيد في غاية الصحة، وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأصحابه، لا يصح عن أحد من الصحابة خلاف هذا اصلا * قال على: وقد شهد الصلاة عليها خيار الامة، فلم ينكروا ذلك، فاين المشنع بعمل أهل المدينة؟: واحتج من قلد مالكا في ذلك بما رويناه من طريق ابن ابى شيبة: نا حفص بن غياث عن ابن ابى ذئب عن صالح مولى التوأمة عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة في المسجد فلا صلاة له) قال: وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تضايق بهم المكان رجعوا ولم يصلوا * ومن طريق وكيع عن ابن ابى ذئب عن سعيد بن ايمن عن كثير بن عباس (1) قال: لاعرفن ما صليت على جنازة في المسجد *
وقال بعضهم: الميت جيفة، وينبغى تجنيب الجيف المساجد * ما نعلم لهم شيئا موهوا به غير هذا، وهو كله لا شئ * اما الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلم يروه احد الا صالح مولى التوأمة، وهو ساقط * ومن عجائب الدنيا تقليد المالكيين مالكا دينهم، فإذا جاءت شهادته التى لا يحل ردها - لثقته - اطرحوها ولم يلتفتوا إليها فواخلافاه! * روينا من طريق مسلم بن الحجاج قال: نا ابو جعفر الدارمي - هو أحمد بن سعيد ابن صخر - نا بشر بن عمر - هو الزهراني (2) قال: سألت مالك بن أنس عن صالح مولى التوأمة؟ فقال: ليس بثقة (3) * فكذبوا مالكا في تجريحه صالحا واحتجوا برواية صالح في رد السنن الثابتة واجماع الصحابة * وأما المنكرون ادخال سعد في المسجد فليس في الخبر إلا تجهيلهم، وانهم انكروا مالا علم لهم به، فصح أنهم عامة جهال أو أعراب كذلك بلا شك * ولا يصح لكثير بن عباس صحبة * وأما قول من قال: الميت جيفة فقوله مرغوب عنه، بل لعله إن تمادى عليه ولم يتناقض
__________
(1) (كثير) بفتح الكاف، وهو أخو عبد الله بن عباس رضى الله عنهم جميعا، وهو تابعي ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم تصح له عنه رواية ولا صحبة، كما قال المؤلف (2) بفتح الزاى واسكان الهاء، وفى الاصلين (الزاهرانى وهو خطأ (3) هو في صحيح مسلم (ج 1 ص 12) *(5/163)
خرج إلى الكفر، لانه يلزمه ذلك في الانبياء عليهم السلام، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المؤمن لا ينجس) فبطل قول هذا الجاهل، وصح أن المؤمن طاهر طيب حيا وميتا والحمد لله رب العالمين * 604 - مسألة - ولا بأس بان يبسط في القبر تحت الميت ثوب *
لما روينا من طريق مسلم: نا محمد بن المثنى نا يحيى بن سعيد القطان نا شعبة نا ابو جمرة عن ابن عباس قال: (بسط في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء) * ورواه أيضا كذلك وكيع، ومحمد بن جعفر، ويزيد بن زريع، وكلهم عن شعبة باسناده * وهذا من جملة ما يكساه الميت في كفنه، وقد ترك الله تعالى هذا العمل في دفن رسوله المعصوم من الناس، ولم يمنع منه، وفعله خيرة أهل الارض في ذلك الوقت باجماع منهم، لم ينكره أحد منهم.
ولم يرد ذلك المالكيون، وهم يدعون في أقل من هذا عمل اهل المدينة! وقد تركوا عملهم هنا، وفى الصلاة على الميت في المسجد وفى حديث صخر أنه عملهم! وحسبنا الله ونعم الوكيل * 605 - مسألة - وحكم تشييع الجنازة ان يكون الركبان خلفها، وأن يكون الماشي حيث شاء، عن يمينها أو شمالها أو أمامها أو خلفها، وأحب ذلك الينا خلفها * برهان ذلك ما رويناه آنفا في باب الصلاة على الطفل من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها) (1) * وما رويناه من طريق البخاري: نا ابو الوليد - هو الطيالسي - نا شعبة عن الاشعث ابن ابى الشعثاء قال سمعت معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء بن عازب قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنائز) (2) * قال أبو محمد: فلفظ الاتباع لا يقع الا على التالى، ولا يسمى المتقدم تابعا، بل هو متبوع، فلو لا الخبر الذى ذكرنا آنفا والخبر الذى روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى نا أبى ناهمام - هو ابن يحيى - نا سفيان ومنصور
__________
(1) تقدم الكلام عليه في المسألة رقم 598 فارجع إليه (2) هو في البخاري (ج 2 ص 156) وقد اختصره المؤلف، وفى النسائي (ج 1 ص 275 طبعة أولى وج 4 ص 54 طبعة ثانية) وفيهما كليهما (عن معاوية بن سعد) وهو خطأ، فانه ليس في رواية الكتب الستة من اسمه (معاوية بن سعد) والصواب (معاوية بن سويد) كما هنا *(5/164)
وزياد كلهم ذكر أنه سمع الزهري يحدث أن سالم بن عبد الله بن عمر أخبره أن أباه أخبره: (أنه رأي النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان (1) يمشون بين يدى الجنازة) -: لوجب أن يكون المشى خلفها فرضا لا يجزئ غيره، للامر الوارد باتباعها، ولكن هذان الخبران بينا أن المشى خلفها ندب، * ولا يجوز أن يقطع في شئ من هذا بنسخ، لان استعمال كل ذلك ممكن، * ولم يخف علينا قول جمهور أصحاب الحديث أن خبر همام هذا خطأ، ولكنا لا نلتفت إلى دعوى الخطأ في رواية الثقة الا ببيان لا يشك فيه * وقد روينا من طريق ابن أبى شيبة نا جرير بن عبد الحميد عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه قال: كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشون أما الجنازة * وقد جاءت آثار فيها ايجاب المشى خلفها، لا يصح شئ منها، لان فيها أبا ما جدا الحنفي، (2) والمطرح (3)، وعبيدالله بن زحر، (4) وكلهم ضعفاء.
* وفى الصحيح الذى أوردنا كفاية، وبكل ذلك قال السلف.
* روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عروة بن الحارث عن زائدة بن أوس الكندى (5) عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: كنت مع على ابن أبى طالب في جنازة، وعلى آخذ بيدى، ونحن خلفها، وابو بكر وعمر أمامها، فقال على: ان فضل الماشي خلفها على الذى يمشى أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ، وانهما ليعلمان من ذلك ما أعلم، ولكنهما يسهلان على الناس *
__________
(1) قوله (وعثمان يمشون) سقط من النسخة رقم (16) خطأ والصواب ما في النسخة رقم (14) وهو الموافق للنسائي (ج 4 ص 56) (2) اسمه عائذ بن نضلة وهو ضعيف جدا (3) بضم الميم وتشديد الطاء المهملة وكسر الراء وآخره حاء مهملة، وهو ابن يزيد الاسدي (4) عبيدالله بالتصغير، وزحر بفتح الزاى واسكان الحاء المهملة، وهو وتلميذه المطرح
ضعيفان أيضا، وحديثهما عند عبد الرزاق، نقله الزيلمى في نصب الراية (5) زائدة هذا لم أجد له ذكرا في كتب الرواة، وهذا الاثر ذكره الزيلمى في نصب الراية (ج 1 ص 359) من طريق عبد الرزاق كما هنا ثم قال (ورواه ابن أبى شيبة: حدثنا محمد ابن فضل عن زيد بن أبى زياد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن ابن أبزى قال: كنت في جنازة الحديث) ولم أعرف محمد بن فضل ولاشيخه زيد بن ابى زياد *(5/165)
وبهذا يقول سفيان وأبو حنيفة * ومن طريق عبد الرزاق عن أبى جعفر الرازي عن حميد الطويل قال: سمعت أنس بن مالك وقد سئل عن المشى أمام الجنازة فقال: انما أنت مشيع، فامش ان شئت امامها، وان شئت خلفها، وان شئت عن يمينها وان شئت عن يسارها * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: المشى وراء الجنازة خير أم أمامها؟ قال لا أدرى، قال أبو محمد.
قال مالك: المشى أمام افضل، واحتج أصحابه بفعل ابى بكر، وعمر، وعلى قد اخبر عنهما بغير ذلك فجعلوا ظن مالك أصدق من خبر على * 606 - مسألة - ومن بلع درهما أو دينارا أو لؤلؤة شق بطنه عنها، لصحة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.
ولا يجوز أن يجبر صاحب المال عن أخذ غير عين ماله، مادام عين ماله ممكنا، لان كل ذى حق أولى بحقه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام).
فلو بلعه وهو حى حبس حتى يرميه، فان رماه ناقصا ضمن ما نقص، فان لم يرمه ضمن ما بلع، ولا يجوز شق بطن الحى لان فيه قتله، ولا ضرر في ذلك على الميت.
ولا يحل شق بطن الميت بلا معنى، لانه تعدى، وقد قال تعالى: (ولا تعتدوا) * فان قيل: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كسر عظم الميت ككسره حيا) * قلنا: نعم، ولم نكسر له عظما، والقياس باطل، ومن المحال أن يريد رسول الله
صلى الله عليه وسلم النهى عن غير كسر العظم (1)، فلا يذكر ذلك ويذكر كسر العظم، ولو أن امرءا شهد على من شق بطن آخر بأنه كسر عظمه لكان شاهد زور، وهم أول مخالف لهذا الاحتجاج ولهذا القياس، فلا يرون القود ولا الارش على كاسر عظم الميت، بخلاف قولهم في عظم الحى (2) وبالله تعالى التوفيق * 607 - مسألة - ولو ماتت امرأة حامل والولد حى يتحرك قد تجاوز ستة أشهر فانه يشق بطنها طولا ويخرج الولد، لقول الله تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).
ومن تركه عمدا حتى يموت فهو قاتل نفس، ولا معنى لقول أحمد رحمه الله: تدخل
__________
(1) في النسخة رقم (14) (عن كسر غير العظم) (2) النهى عن كسر عظم الميت انما هو نص باشارته على النهى عن ايذائه، وان ذلك كايذاء الحى وشق البطن للضرورة جائز كما لو كانت ضرورة لكسر العظم *(5/166)
القابلة يدها فتخرجه، لوجهين: أحدهما انه محال لا يمكن ولو فعل ذلك لمات الجنين بيقين قبل أن يخرج، ولو لا دفع الطبيعة المخلوقة المقدرة له وجر ليخرج لهلك بلاشك، والثانى أن مس فرجها لغير ضرورة حرام (1) * 608 - مسألة - ولا يحل لاحد أن يتمنى الموت لضر نزل به * روينا من طريق احمد بن شعيب: أنا قتيبة بن سعيد أنا يزيد بن زريع عن حميد عن أنس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتمنين أحد كم الموت لضر نزل به في الدنيا لكن ليقل: اللهم أحينى ما كانت الحياة خيرا لى وتوفنى إذا كانت الوفاة خيرا لى * ورويناه أيضا بأسانيد صحاح من طريق أبى هريرة وخباب * فان ذكروا قول الله تعالى عن يوسف عليه السلام: (توفنى مسلما وألحقني بالصالحين) فليس هذا على استعجال الموت المنهى عنه، لكن على الدعاء بأن لا يتوفاه الله تعالى إذا توفاه إلا مسلما، هذا ظاهر الآية الذى لا تزيد فيه * 609 - مسألة - ويحمل النعش كما يشاء الحامل، ان شاء من أحد قوائمه، وان
شاء بين العمودين.
وهو قول مالك والشافعي، وابن سليمان * وقال أبو حنيفة: يحمله من قوائمه الاربع * واحتج بما روينا من طريق ابن أبى شيبة: نا هشيم عن يعلى بن عطاء عن على الازدي (2) قال: رأيت ابن عمر في جنازة فحمل (3) بجوانب السرير الاربع، ثم تنحى * ومن طريق ابن أبى شيبة: نا حميد (4) عن مندل (5) عن جعفر بن أبى المغيره عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ان استطعت فابدأ بالقائمة التى تلى يده اليمنى، ثم أطف بالسرير، وإلا فكن قريبا منها * ومن طريق سعيد بن منصور: نا حماد بن زيد عن منصور عن عبيد بن نسطاس (6) عن أبى عبيدة - هو ابن عبد الله بن مسعود - قال قال عبد الله - يعنى أباه -: من تبع
__________
(1) أما اخراج الولد الحى من بطن الحامل إذا ماتت فانه واجب، وأما كيف يخرج؟ فهذا من شأن أهل هذه الصناعة من الاطباء والقوابل (2) هو على بن عبد الله الازدي البارقى (3) في النسخة رقم (16) (يحمل) (4) هو ابن عبد الرحمن الرؤاسى (5) بتثليث الميم واسكان النون وفتح الدال المهملة، وهو ابن على العنزي، وهو ضعيف من قبل حفظه.
(6) بكسر النون واسكان السين المهملة *(5/167)
جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها، فانه من السنة ثم يتطوع بعد إن شاء أو ليدع (1) * ومن طريق سعيد بن منصور: ناحبان بن على (2) حدثنى حمزة الزيات عن بعض أصحابه: كان عبد الله بن معسود يبدأ بميا من السرير على عاتقه اليمين من مقدمه، ثم الرجل اليمنى، ثم الرجل اليسرى، ثم اليد اليسرى * ومن طريق ابن أبى شيبة عن يحيى بن سعيد - هو القطان - عن ثور عن عامر ابن جشيب (3) وغيره من أهل الشأم قالوا: قال أبو الدرداء من تمام أجر الجنازة ان يشيعها من أهلها، وأن يحملها بأركانها الاربع، وان يحثوا في القبر *
وروينا أيضا ذلك عن الحسن * قالوا: فقال ابن معسود وأبو الدرداء: إنه من السنة ولايقال: هذا إلا عن توقيف قال أبو محمد: اما هذا القول ففاسد، لان من عجائب الدينا أن يأتوا إلى قول لم يصح عن ابن مسعود وأبى الدرداء فلا يستحيون من القطع بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله ثم لا يلتفتون إلى قول ابن عباس الثابت عنه في قراءة أم القرآن في صلاة الجنازة إنها السنة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم تصديق قول ابن عباس هذا، بقوله عليه السلام: (لا صلاة لمن يقرأ (4) بأم القرآن) ولا يحل لاحد أن يضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا بالظن فيتبوأ مقعده من النار * وكل هذه الروايات لا يصح منها شئ إلا عن ابن عمر * وأما رواية ابن عباس فعن مندل وهو ضعيف * وأما خبر ابن مسعود فمنقطعان، لان أبا عبيدة لا يذكر من أبيه شيئا، وعامر بن جشيب غير مشهور * وقد صح عن ابن عمر وغيره خلاف هذا * كما روينا من طريق سعيد بن منصور: نا أبو عوانة عن أبى بشر عن يوسف بن مالك
__________
(1) رواه ابن ماجه (ج 1 ص 232) عن حميد بن مسعدة عن حماد بن زيد باسناده، واسناده إلا أنه ثقات إلا أنه منقطع، لان أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئا (2) بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة، وهو أخو مندل بن على العنزي، وهو ضعيف كأخيه.
(3) بفتح الجيم وكسر الشين المعجمة وآخره باء موحدة، وعامر هذا وثقة ابن حبان وغيره، فدعوى المؤ لف أنه مشهور لاأثر لها عند التحقيق (4) في النسخة رقم (14) (يقترئ).(5/168)
(1) قال: خرجت مع جنازة عبد الرحمن بن أبى بكر فرأيت ابن عمر جاء فقام بين الرجلين في مقدم السرير، فوضع السرير على كاهله، فلما وضع ليصلى عليه خلى عنه * ومن طريق ابن أبى شيبة عن وكيع عن عباد بن منصور عن أبى المهزم عن (2) أبى هريرة قال: من حمل الجنازة ثلاثا فقد قضى ما عليه *
فإذ ليس في حملها نص ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا اختيار في ذلك، وكيفما حملها الحامل أجزأه (3) * 610 - مسألة - ويصلى على الميت الغائب بامام وجماعة، قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي رضى الله عنه - ومات بأرض الحبشة - وصلى معه أصحابه عليه صفوفا، وهذا إجماع منهم لا يجوز تعديه 611 - مسألة - ويصلى على كل مسلم، بر، أو فاجر، مقتول في حد، أو في حرابة، أو في بغى، ويصلى عليهم الامام وغير ه، وكذلك على المبتدع ما لم يبلغ الكفر، وعلى من قتل نفسه، وعلى من قتل غيره، ولو أنه شر من على ظهر الارض، إذا مات مسلما * لعموم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (صلوا على صاحبكم) والمسلم صاحب لنا، قال تعالى: (انما المؤمنون اخوة) وقال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) فمن منع من الصلاة على مسلم فقد قال قولا عظيما، وإن الفاسق لاحوج إلى دعاء إخوانه المؤمنين من الفاضل المرحوم * وقد قال بعض المخالفين: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل على ما عز * قلنا: نعم، ولم نقل ان فرضا على الامام أن يصلى على من رجم، انما قلنا: له ان يصلى عليه كسائر الموتى، وله أن يترك كسائر الموتى، ولا فرق.
وقد أمرهم عليه السلام بالصلاة عليه ولم يخص بذلك من لم يرجمه ممن رجمه * وقد روينا من طريق أحمد بن شعيب: أنا عبيدالله بن سعيد نا يحيى - هو ابن سعيد القطان -
__________
(1) بفتح الهاء لاغير، كلمة اعجمية، ومن ضبطه بكسر الهاء فقد أخطأ جدا وقد تقدم لفظه ما هك في آخر صحيفة 168 سهوا (2) بفتح الهاء وتشديد الزاى المفتوحة، وضبطه في التقريب بتشديد الزاى المكسورة، وضبطه في المعنى بتشديد الراء المفتوحة، وكلاهما خطأ، والصواب ما ذكرنا كما ضبطه في المشتبه والقاموس، واسمه يزيد بن سفيان، وهو ضعيف جدا.
(3) في النسخة رقم (16) (أجر) بدل (أجزأه) (م 22 - ج 5 المحلى)(5/169)
عن يحيى بن سعيد الانصاري عن محمد بن يحيى بن حبان (1) عن أبى عمرة (2) عن زيد بن خالد الجهنى، قال: (مات رجل بخيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلوا على صاحبكم، إنه قد غل في سبيل الله، قال ففتشنا متاعه، فوجدنا خرزامن خرز يهود، لا يساوي (3) درهمين) * قال أبو محمد: وهؤلاء الحنيفيون والمالكيون - المخالفون لنا في هذا المكان - لا يرون امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال حجة في المنع من أن يصلى الامام على الغال فمن أين وجب عندهم أن يكون تركه عليه السلام أن يصلى على ما عز حجة في المنع من ان يصلى على المرجوم الامام؟ وكلاهما ترك وترك إن هذا لعجب فكيف وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على من رجم * كما روينا من طريق أحمد بن شعيب: أنا اسماعيل بن مسعود (4) نا خالد - هو ابن الحارث - نا هشام - هو الدستوائي - عن يحيى - هو ابن أبى كثير - عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن الحصين: (ان امرأة من جهينة أتت إلى (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إنى زنيت - وهى حبلى - فدفعها إلى وليها، وقال له: أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها، فلما وضعت جاء بها، فأمر بها فشكت عليها ثيابها، ثم رجمها، ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلى (6) عليها وقد زنت؟ قال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة ولوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها) (7) * فقد صلى عليه السلام عن من رجم * فان قيل: تابت قلنا: وما عز تاب ايضا ولا فرق * والعجب كله من منعهم الامام من الصلاة على من أمر برجمه ولا يمنعون المتولين للرجم من الصلاة عليه: فاين القياس لودروا ما القياس؟ *
__________
(1) بفتح الحاء المهملة، وضبطه في النسخة رقم (14) بكسرها وهو تصحيف (2) هو مولى زيد بن.
خالد (3) في النسائي (ج 4 ص 64) (ما يساوى) (4) في النسخة رقم (16) (اسمعيل بن محمود) وهو خطأ، والتصحيح من النسخة رقم (14) ومن
النسائي (ج 4 ص 63) (5) في النسائي بحذف (إلى) (6) في النسائي (أتصلى) (7) في النسخة رقم (16) (أأفضل) من ان جاءت بنفسها) وما هنا هو الموافق لنسخة رقم (14) وللنسائي، إلا ان فيه زيادة في آخره (لله عزوجل)(5/170)
وروينا عن على بن ابى طالب: انه إذ رجم شراحة (1) الهموانية قال لاوليائها اصنعوا بها كما تصنعون بموتاكم * وصح عن عطاء أنه يصلى على ولد الزنا، وعلى أمه، وعلى المتلاعنين، وعلى الذى يقاد منه، وعلى المرجوم، والذى يفر من الزحف فيقتل، قال عطاء: لا أدع الصلاة على من قال (2) لا إله إلا الله قال تعالى: (من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) قال عطاء: فمن يعلم أن هؤلاء من اصحاب الجحيم؟ قال ابن جريج: فسألت عمرو بن دينار فقال: مثل قول عطاء * وصح عن ابراهيم النخعي انه قال: لم يكونوا يحجبون الصلاة عن أحد من أهل القبلة، والذى قتل نفسه يصلى عليه، وأنه قال: السنة أن يصلى على المرجوم فلم يخص إماما من غيره * وصح عن قتادة: صلى على من قال إله إلا الله، فان كان رجل سوء جدا فقل: اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.
ما أعلم أحدا من أهل العلم اجتنب الصلاة على من قال: لا إله إلا الله * وصح عن ابن سيرين: ما أدركت أحدا يتأثم من الصلاة على أحد من أهل القبلة * وصح عن الحسن أنه قال: يصلى على من قال لا إله الا الله وصلى إلى القبلة، انما هي شفاعة * ومن طريق وكيع عن أبى هلال عن أبى غالب قلت لابي أمامة الباهلى: الرجل يشرب الخمر، أيصلى عليه؟ قال: نعم، لعله اضطجع مرة على فراشه فقال: لا إله الا الله، فغفر له *
وعن ابن مسعود: أنه سئل عن رجل قتل نفسه: أيصلى عليه؟ فقال: لو كان يعقل ما قتل نفسه * وصح عن الشعبى: أنه قال في رجل قتل نفسه: ما مات فيكم مذ كذا وكذا أحوج إلى استغفاركم منه * وقد روينا في هذا خلافا من طريق عبد الرزاق عن أبى معشر عن محمد بن كعب عن ميمون بن مهران: انه شهد ابن عمر صلى على ولد زنا، فقيل له: إن أبا هريرة لم يصل عليه، وقال: هو شر الثلاثة.
فقال ابن عمر: هو خير الثلاثة *
__________
(1) بالشين المعجمة والراء والحاء المهملة المفتوحات وهى التى اعترفت فجلدها على ثم رجمها، وقصتها مشهورة (2) في النسخة رقم (14) (يقول) *(5/171)
وقد روينا من طريق وكيع عن الفضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر: انه كان لا يصلى على ولد زنا، صغير ولا كبير * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أنه قال له: لا يصلى على المرجوم، ويصلى على الذى يقاد منه، إلا من أقيد منه في رجم.
فلم يخص الزهري إماما من غيره * وأما الصلاة على أهل المعاصي فما نعلم لمن منع من ذلك سلفا من صاحب أو تابع في هذا القول * وقولنا هذا هو قول سفيان، وابن أبى ليلى، وأبى حنيفة، والشافعي، وأبى سليمان * قال أبو محمد: لقد رجانا الله تعالى في العفو والجنة حتى نقول: قد فزنا، ولقد خوفنا عزوجل حتى نقول: قد هلكنا، إلا اننا على يقين من أن لا خلود على مسلم في النار، وإن لم يفعل خيرا قط غير شهادة الاسلام بقلبه ولسانه، ولا امتنع من شرقط غير الكفر، ولعله قد تاب من هذه صفته قبل موته، فسبق المجتهدين، أو لعل له حسنات لا نعلمها، تغمر سيئاته فمن صلى على من هذه صفته، أو على ظالم للمسلمين متبلغ فيهم، أو على من
له قبله مظالم لا يريد أن يغفرها له -: فليدع له كما يدعو، لغيره، وهو يريد بالمغفرة والرحمة ما يؤل إليه أمره بعد القصاص، وليقل: اللهم خذ لى بحقى منه 612 - مسألة - وعيادة مرضى المسلمين فرض - ولو مرة - على الجار الذى لا يشق عليه عيادته، ولا نخص مرضا من مرض * روينا من طريق البخاري: نا محمد هو ابن يحيى الذهلى - نا عمرو بن أبى سلمة عن الاوزاعي أخبرني ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس) * ومن طريق أبى داود: نا عبد الله بن محمد النفيلى نا حجاج بن محمد عن يونس بن أبى اسحاق السبيعى عن أبيه عن زيد بن أرقم قال: (عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعينى) * وقد عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب (1) * ومن طريق أبى داود: نا سليمان بن حرب نا حماد - هو ابن سلمة - عن ثابت البنانى
__________
(1) وذلك إذ عرض عليه الاسلام، وقصته مشهورة، انظرها في صحيح مسلم (ج 1 ص 23 و 24) وغيره من الكتب المؤلفة في السير وغيره(5/172)
عن أنس: (أن غلاما من اليهود مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذى انقذه من النار) * فعيادة الكافر فعل حسن * 613 - مسألة - ولا يحل ان يهرب أحد عن الطاعون إذا وقع في بلد هو فيه، ومباح له الخروج لسفره الذى كان يخرج فيه لو لم يكن الطاعون، ولا يحل الدخول إلى
بلد فيه الطاعون لمن كان خارجا عنه حتى يزول * والطاعون هو الموت الذى يكثر في بعض الاوقات كثرة خارجة عن المعهود * لما روينا من طريق مالك عن ابن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد الخطاب عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس (1) قال قال عبد الرحمن بن عوف: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع في أرض وأنتم فيها (2) فلا تخرجوا (3) فرارا منه) قال أبو محمد: فلم ينه عليه السلام عن الخروج الا بنية الفرار منه فقط * وقد روينا عن عائشة رضى الله عنها اباحة الفرار عنه، ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم * 614 - مسألة - ونستحب تأخير الدفن ولو يوما وليلة، ما لم يخف على الميت التغيير، لاسيما من توقع أن يغمى عليه، وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ضحوة، ودفن في جوف الليل من ليلة الاربعاء * وروينا من طريق وكيع عن سفيان عن سالم الخياط عن الحسن قال: ينتظر بالمصعوق ثلاثا * 615 - مسألة - ويجعل الميت في قبره على جنبه اليمين، ووجهه قبالة القبلة، ورأسه ورجلاه إلى يمين القبلة ويسارها، على هذا جرى عمل أهل الاسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وهكذا كل مقبرة على ظهر الارض * 616 - مسألة - وتوجيه الميت إلى القبلة حسن، فان لم يوجه فلا حرج.
قال الله تعالى
__________
(1) في الموطأ (ص 361) (عبد الله بن عياش) وهو خطأ.
(2) هو في الموطأ وصحيح مسلم عن مالك (ج 2 ص 188) (وإذا وقع بأرض وأنتم بها) (3) في النسخة رقم (16) (فلا تخرجوا عنها) وزيادة (عنها) ليست في النسخة رقم (14) ولا في الموطأ ولا في مسلم *(5/173)
(فأينما تولوا فثم وجه الله) ولم يأت نص بتوجيهه إلى القبلة * روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر قال: سألت الشعبى عن الميت يوجه إلى القبلة؟ فقال: إن شئت فوجهه، وان شئت فلا توجهه، ولكن اجعل القبر إلى القبلة، قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبر أبى بكر وقبر عمر إلى القبلة * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري وابن جريج عن اسماعيل بن أمية أن رجلا دخل على سعيد بن المسيب قال ابن جريج: حين حضره الموت وهو مستلق - فقال: وجهوه إلى القبلة، فغضب سعيد وقال: ألست إلى القبلة؟ * 617 - مسألة - وجائز أن تغسل المرأة زوجها، وأم الولد سيدها، وإن انقضت العدة بالولادة، ما لم تنكحا، فان نكحتا لم يحل لهما غسله إلا كالاجنبيات * وجائز للرجل أن يغسل امرأته وأم ولده وأمته، وما لم يتزوج حريمتها أو يستحل حريمتها بالملك، فان فعل لم يحل له غسلها * وليس للامة ان تغسل سيدها أصلا، لان ملكها بموته انتقل إلى غيره * برهان ذلك قول الله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) فسماها زوجة بعد موتها، وهى - إن كانا مسلمين - امرأته في الجنة، وكذلك أم ولده وأمته، وكان حلالا له رؤية أبدانهن في الحياة وتقبيلهن ومسهن، فكل ذلك باق على التحليل، فمن ادعى تحريم ذلك بالموت فقوله باطل إلا بنص، ولا سبيل له إليه * وأما إذا تزوج حريمتها أو تملكها أو تزوجت هي -: فحرام عليه الاطلاع على بدنيهما معا، لانه جمع بينهما، وكذلك حرام على المرأة التلذذ برؤية بدن رجلين معا * وقولنا هو قول مالك، والشافعي، وأبى سليمان * وقال أبو حنيفة: تغسل المرأة زوجها، لانها في عدة منه، ولا يغسلها هو * روينا من طريق ابن أبى شيبة عن معمر (1) بن سليمان الرقى عن حجاج عن داود ابن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: الرجل أحق بغسل امرأته *
ومن طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن عبد الرحمن بن الاسود قال: انى لاغسل نسائى، وأحول بينهن وبين امهاتهن وبناتهن واخواتهن *
__________
(1) معمر.
بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الميم المفتوحة وآخره راء، وفى النسخة رقم (16) (معتمر) وهو خطأ *(5/174)
ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري سمعت حماد بن أبى سليمان يقول: إذا ماتت المرأة مع القوم فالمرأة تغسل زوجها والرجل امرأته * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبى الشعثاء - هو جابر بن زيد - قال: الرجل أحق أن يغسل امرأته من أخيها * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الكريم عن عطاء بن أبى رباح قال: يغسلها زوجها إذا لم يجد من يغسلها * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عمرو بن عبيد عن الحسن البصري قال: يغسل كل واحد صاحبه - يعنى الزوج والزوجة - بعد الموت * ومن طريق وكيع عن الربيع عن الحسن قال: لا بأس ان يغسل الرجل أم ولده * ومن طريق ابن أبى شيبة: نا أبو أسامة عن عوف - هو ابن أبى جميلة -: أنه شهد قسامة بن زهير (1) وأشياخا أ دركوا عمربن الخطاب وقد أتاهم رجل فاخبرهم أن امرأته ماتت فأمرته أن لا يغسلها غيره، فغسلها، فما منهم أحد أنكر ذلك * وروينا أيضا من طريق سليمان بن موسى أنه قال: يغسل الرجل امرأته * وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: إذا ماتت المرأة مع رجال ليس فيهم امرأة فان زوجها يغسلها * والحنيفيون يعظمون خلاف الصاحب الذى لايعرف له منهم مخالف، وهذه رواية عن ابن عباس لا يعرف له من الصحابة مخالف، وقد خالفوه *
وقد روى ايضا عن على: أنه غسل فاطمة مع أسماء بنت عميس * فاعترضوا على ذلك برواية لا تصح: انها رضى الله عنها اغتسلت قبل موتها وأوصت ان لا تحرك، فدفنت بذلك الغسل (2) * وهذا عليهم لا لهم، لانهم قد خالفوا في هذا أيضا عليا وفاطمة بحضرة الصحابة * فان ذكروا ما روينا من طريق ابن أبى شيبة عن حفص بن غياث عن ليث عن يزيد
__________
(1) بفتح القاف وتخفيف السين المهملة، وهو تابعي قديم أدرك عمر بن الخطاب، وقيل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وليست له صحبة، وأخطأ صاحب القاموس فزعم أنه صحابي.
وفى النسخة رقم (16) (مسلمة بن زهير) وهو خطأ (2) لم أر هذه الرواية، ولعلها من مفتريات الشيعة، وغسل الميت انما يجب بعد موته، فالغسل قبله لا يسقطه، ومعاذ الله أن تأمر فاطمة رضى الله عنها بهذا.(5/175)
ابن أبى سليمان (1) عن مسروق قال: ماتت امرأة لعمر، فقال: أنا كنت أولى بها إذ كانت حية، فأما الآن فأنتم أو بها * فلا حجة لهم فيه، لانه إنما خاطب بذلك أولياءها في إدخالها القبر والصلاة عليها، ولا خلاف في أن الاولياء لا يجوز لهم غسلها، ودليل ذلك أنه بلفظ خطاب المذكر، ولو خاطب النساء لقال أنتن أولى بها، وعمر لاياحن * 618 - مسألة - فلو مات رجل بين نساء لا رجل معهن، أو ماتت امرأة بين رجال لا نساء معهم -: غسل النساء الرجل وغسل الرجال المرأة على ثوب كثيف، يصب الماء على جميع الجسد دون مباشرة اليد، لان الغسل فرض كما قدمنا، وهو ممكن كما ذكرنا بلا مباشرة، فلا يحل تركه، ولا كراهة في صب الماء أصلا.
وبالله تعالى التوفيق * ولايجوز أن يعوض التيمم من الغسل إلا عند عدم الماء فقط.
وبالله تعالى التوفيق * وروينا أثرا فيه أبو بكر بن عياش عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ييممان)
وهذا مرسل، وأبو بكر بن عياش ضعيف فهو ساقط * وممن قال بقولنا هذا طائفة من العلماء * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وقتادة قالا جميعا: تغسل وعليها الثياب، يعنيان في المرأة تموت بين رجال لا امرأة معهم * ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد وزياد الاعلم والحجاج، قال حميد وزياد عن الحسن، وقال الحجاج عن الحكم بن عتيبة، قالا جميعا - في المرأة تموت مع رجال ليس معهم امرأة -: انها يصب عليها الماء من وراء الثياب * والعجب أن القائلين انها تيمم فروا من المباشرة خلف ثوب وأباحوها على البشرة وهذا جهل شديد.
وبالله تعالى التوفيق * 619 - مسألة - ولا ترفع اليدان في الصلاة على الجنازة الا في أول تكبيرة فقط، لانه لم يأت برفع الايدى فيما عدا ذلك نص.
وروى مثل قولنا هذا عن ابن مسعود وابن عباس.
وهو قول أبى حنيفة، وسفيان.
وصح عن ابن عمر رفع الايدى لكل تكبيرة.
ولقد كان يلزم من قال بالقياس أن يرفعها في كل تكبيرة، قياسا على التكبيرة الاولى (2)
__________
(1) في النسخة رقم (14) (زيد بن أبى سليمان) وهو خطأ (2) هنا بحاشية النسخة رقم (14) ما نصه: (وقد ثبت النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يرفع يديه هي صلاة الجنازة الا في أول تكبيرة.
قال الدار قطني: نا محمد بن مخلد وعثمان بن أحمد الدقاق قالا نا محمد بن(5/176)
620 - مسألة - وإن كانت أظفار الميت وافرة أو شار به وافيا أو عانته أخذ كل ذلك، لان النص قد ورد وصح بأن كل ذلك من الفطرة، فلا يجوز أن يجهز إلى ربه تعالى الا على الفطرة التى مات عليها * وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبى قلابة: ان سعد بن أبى وقاص حلق عانة ميت *
وهم يعظمون مخالفة الصحاب الذى لا يعرف له مخالف من الصحابة رضى الله عنهم، وهذا صاحب لا يعرف له منهم مخالف * وعن عبد الرزاق عن معمر عن الحسن في شعر عانة الميت إن كان وافرا، قال: يؤخذ منه * واحتج بعضهم بأن قال: فان كان أقلف أيختن؟ * قلنا: نعم، فكان ماذا؟ والختان من الفطرة * فان قيل: فأنتم لا ترون أن يطهر للجنابة ان مات مجنبا، ولا للحيض إن ماتت حائضا، ولا ليوم الجمعة ان مات يوم الجمعة، فما الفرق؟ * قلنا.
الفرق ان هذه الاغسال مأمور بها كل أحد في نفسه، ولا تلزم من لا يخاطب، كالمجنون، والمغمى عليه، والصغير، وقد سقط الخطاب عن الميت * وأما قص الشارب، وحلق العانة، والابط، والختان فالنص جاءنا بأنها من الفطرة، ولم يؤمر بها المرء في نفسه، بل الكل مأمورون بها، فيعمل ذلك كله بالمجنون، والمغمى عليه، والصغير * 621 - مسألة - ويدخل الميت القبر كيف أمكن، إما من القبلة أو من دبر القبلة
__________
سليمان بن الحارث نا اسمعيل بن أبان الوراق نا ابن يعلى عن يزيد بن سنان عن زيد ابن أبى انيسة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن ابى هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة رفع يديه في أول تكبيرة، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى) وهذا الحديث في سنن الدارقطني (ص 192)، وروى الترمذي نحوه عن القاسم بن دينار عن اسمعيل بن ابان الوراق باسناده (ج 1 ص 127 طبع الهند) وقال: (هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه).
وهذا الحديث ضعيف، في اسناده يحيى بن يعلى الاسلمي، وهو ضعيف مضطرب الحديث، ويزيد بن سنان أبو فروة الرهاوى، وهو اضعف من ابن يعلى، بل هو منكر الحديث، فلا أدري كيف يجزم كاتب هذه الحاشية بثبوت هذا الاثر؟ * (م 23 - ج 5 المحلى)(5/177)
أو من قبل رأسه أو من قبل رجليه، إذ لانص في شئ من ذلك * وقد صح عن على انه أدخل يزيد بن المكفف (1) من قبله القبلة *
وعن ابن الحنفية: انه أدخل ابن عباس من قبل القبلة * وصح عن عبد الله بن زيد الانصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: انه أدخل الحارث الخارفى (2) من قبل رجلى القبر * وروى قوم مرسلات لا تصح في ادخال النبي صلى الله عليه وسلم * فعن ابراهيم النخعي: انه عليه السلام أدخل من قبل القبلة * وعن ربيعة ويحيى بن سعيد وأبى الزناد وموسى بن عقبة: انه عليه السلام ادخل من قبل الرجلين * وكل هذا لو صح لم تقم به حجة في الوجوب، فكيف وهو لا يصح؟ لانه ليس فيه منع مما سواه * 622 - مسألة - ولا يجوز التزاحم على النعش، لانه بدعة لم تكن قبل، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفق * روينا من طريق مسلم: نا محمد بن المثنى نا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري نا منصور بن المعتمر عن تميم بن سلمة عن عبد الرحمن بن هلال عن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يحرم الرفق يحرم الخير) * ومن طريق وكيع عن الربيع عن الحسن: أنه كره الزحام على السرير، وكان إذا رآهم يزدحمون قال: أولئك الشياطين * ومن طريق وكيع عن همام عن قتادة: انه قال: شهدت جنازة فيها أبو السوار - هو حريث بن حسان العدوى (3) - فازدحموا على السرير، فقال أبو السوار: أترون هؤلاء أفضل أو أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟! كان الرجل منهم إذا رأى محملا حمل، والا اعتزل ولم يؤذ أحدا *
__________
(1) سبق بيانه في المسألة 573 (2) هو الحارث بن عبد الله الاعور الهمداني، وخارف - بالخاء المعجمة والراء والفاء - بطن من همدان (3) ابو السوار - بفتح السين
المهملة وتشديد الواو - وحريث: بالتصغير، وجزم ابن سعد بان اسمه (حسان بن حريث العدوى) وهو الصواب، واما حريث بن حسان فانه شيباني صحابي *(5/178)
623 - مسألة - ومن فاته بعض التكبيرات على الجنازة كبر ساعة يأتي، ولا ينتظر تكبير الامام، فإذا سلم الامام أتم هو ما بقى من التكبير، يدعو بين تكبيرة وتكبيرة كما كان يفعل مع الامام، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن اتى إلى الصلاة ان يصلى ما أدرك ويتم ما فاته، وهذه صلاته، وما عدا هذا فقول فاسد لا دليل على صحته، لامن نص ولا قياس ولا قول صاحب.
وبالله تعالى التوفيق (تم كتاب الجنائز من كتاب المحلى والحمد لله رب العالمين) (كتاب الاعتكاف) الاعتكاف هو الاقامة في المسجد بنية التقرب إلى الله عزوجل ساعة فما فوقها، ليلا أو نهارا * 624 - مسألة - ويجوز اعتكاف يوم دون ليلة، وليلة دون يوم، وما أحب الرجل أو المرأة * برهان ذلك قول الله تعالى: (ولا تباشر وهن وأنتم عاكفون في المساجد) * وروينا من طريق مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمى عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى سعيد الخدرى: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الاوسط من رمضان، وانه عليه السلام قال: من كان اعتكف معى فليعتكف العشر الاواخر) فالقرآن نزل بلسان عربي مبين، وبالعربية خاطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاعتكاف في لغة العرف الاقامة، قال تعالى: (ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون) بمعنى مقيمون متعبدون لها، فإذا لا شك في هذا فكل اقامة في مسجد الله تعالى بنية التقرب إليه اعتكاف وعكوف، فإذ لا شك في هذا، فالاعتكاف يقع على ما ذكرنا مما قل من الازمان أو كثر إذ لم يخص القرآن والسنة عددا من عدد، ولا وقتا من وقت، ومدعى ذلك مخطئ، لانه قائل بلا برهان *
والاعتكاف فعل حسن، قد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأصحابه رضى الله عنهم بعده والتابعون * وممن قال بمثل هذا طائفة من السلف * كما أنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبدالبصيرى نا قاسم بن أصبع نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى عن زائدة عن عمران بن أبى مسلم عن سويد بن غفلة قال: من جلس في المسجد وهو طاهر فهو عاكف فيه، ما لم يحدث * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال سمعت عطاء بن أبى رباح يخبر عن يعلى(5/179)
ابن أمية قال: إنى لامكث في المسجد ساعة، وما أمكث إلا لاعتكف، قال عطاء: حسبت أن صفوان بن يعلى أخبرنيه، قال عطاء: هو اعتكاف ما مكث فيه، وإن جلس في المسجد احتساب الخير فهو معتكف، وإلا فلا * قال أبو محمد: يعلى صاحب، وسويد من كبار التابعين، أفتى أيام عمر بن الخطاب، ولا يعرف ليلعى في هذا مخالف من الصحابة * فان قيل: قد جاء عن عائشة، وابن عباس، وابن عمر: لا اعتكاف إلا بصوم، وهذا خلاف لقول يعلى * قلنا: ليس كما تقول: لانه لم يأت قط عمن ذكرت لااعتكاف أقل من يوم كامل، إنما جاء عنهم ان الصوم واجب في حال الاعتكاف فقط، ولا يمتنع أن يعتكف المرء على هذا ساعة في يوم هو فيه صائم وهو قول محمد بن الحسن، فبطل ما أو همتم به * وقوله تعالى (وأنتم عاكفون في المساجد) فلم يخص تعالى مدة من مدة، وما كان ربك نسيا * ومن طريق مسلم: نا زهير بن حرب نا يحيى بن سعيد القطان عن عبيدالله - هو ابن عمر - قال اخبرني نافع عن ابن عمر قال: (قال عمر: يا رسول الله، إنى نذرت
في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: فأوف بنذرك) * فهذا عموم منه عليه السلام بالامر بالوفاء بالنذر في الاعتكاف، ولم يخص عليه السلام مدة من مدة، فبطل قول من خالف قولنا.
والحمد لله رب العالمين * وقولنا هذا هو قول الشافعي وأبى سليمان * وقال أبو حنيفة: لا يجوز الاعتكاف أقل من يوم * وقال مالك: لا اعتكاف أقل من يوم وليلة، ثم رجل وقال: لا اعتكاف أقل من عشر ليال، وله قول: لا اعتكاف أقل من سبع ليال، من الجمعة إلى الجمعة وكل هذا قول بلا دليل * فان قيل: لم يعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل من عشر ليال * قلنا: نعم، ولم يمنع من أقل من ذلك، وكذلك أيضا لم يعتكف قط في غير مسجد المدينة، فلا تجيزوا الاعتكاف في غير مسجده عليه السلام، ولا اعتكف قط إلا في رمضان وشوال، فلا تجيزوا الاعتكاف في غير هذين الشهرين * والاعتكاف في فعل خير، فلا يجوز المنع منه إلا بنص وارد بالمنع: وبالله تعالى التوفيق فان قالوا: قسنا على مسجده عليه السلام سائر المساجد *(5/180)
قيل لهم: فقيسوا على اعتكافه عشرا أو عشرين ما دون العشر وما فوق العشرين، إذ ليس منها ساعة ولا يوم إلا وهو فيه معتكف * 625 - مسألة - وليس الصوم من شروط الاعتكاف، لكن إن شاء المعتكف صام وإن شاء لم يصم * واعتكاف يوم الفطر ويوم الاضحى وأيام التشريق حسن.
وكذلك اعتكاف ليلة بلا يوم يوم بلا ليلة * وهو قول الشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبى سليمان، وهو قول طائفة من السلف * روينا من طريق سعيد بن منصور: نا عبد العزيز بن محمد - هو الدراوردى - عن
أبى سهيل بن مالك قال: كان على امرأة من أهلى اعتكاف، فسألت عمر بن عبد العزيز فقال: ليس عليها صيام إلا أن تجعله على نفسها، فقال الزهري: لا اعتكاف إلا بصوم، فقال له عمر: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، قال.
فعن أبى بكر؟ قال.
لا، قال.
فعن عمر؟ قال.
لا، قال: فأظنه قال: فعن عثمان؟ قال: لا قال أبو سهيل: لقيت طاوسا وعطاء فسألتهما، فقال طاوس: كان فلان لا يرى عليها صياما إلا أن تجعله على نفسها، وقال عطاء: ليس عليها صيام إلا أن تجعله على نفسها * وبه إلى سعيد: نا حبان بن على نا ليث عن الحكم عن مقسم أن عليا وابن مسعود قالا جميعا المعتكف ليس عليه صوم إلا أن يشترط ذلك على نفسه * واختلف في ذلك عن ابن عباس، كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن محمد القلعى نا محمد بن أحمد الصواف نا بشر بن موسى بن صالح بن عميرة نا أبو بكر الحميدى (1) نا عبد العزيز بن محمد الدراوردى نا أبو سهيل بن مالك قال اجتمعت أنا وابن شهاب عند عمر بن عبد العزيز، وكان على امرأتي اعتكاف ثلاث في المسجد الحرام، فقال ابن شهاب: لا يكون اعتكاف إلا بصوم، فقال له عمر بن عبد العزيز: أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، قال: فمن أبى بكر: قال: لا، قال: فمن عمر؟ قال: لا، قال: فمن عثمان؟ قال: لا، قال ابو سهيل: فانصرفت فلقيت طاوسا، وعطاء فسألتهما عن ذلك، فقال طاوس: كان ابن عباس لا يرى على المعتكف صياما إلا أن يجعله على نفسه، قال عطاء: ذلك رأيى *
__________
(1) هو أبو بكر عبد الله بن الزبير القرشى الاسدي الحميدى الحافظ الفقيه(5/181)
ومن طريق وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن ابراهيم النخعي قال: المعتكف ان شاء لم يصم * ومن طريق ابن أبى شيبة: نا عبدة عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن
قال: ليس على المعتكف صوم الا ان يوجب ذلك على نفسه * وقال أبو حنيفة، وسفيان، والحسن بن حى، ومالك، والليث.
لا اعتكاف إلا بصوم.
وصح عن عروة بن الزبير والزهرى * وقد اختلف فيه عن طاوس وعن ابن عباس، وصح عنهما كلا الامرين * كتب إلى داود بن بابشاذ بن داود المصرى قال نا عبدالغنى بن سعيد الحافظ نا هشام بن محمد بن قرة الرعينى نا أبو جعفر الطحاوي نا الربيع بن سليمان المؤذن نا ابن وهب عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وابن عمر قالا جميعا.
لا اعتكاف الا بصوم * وروى عن عائشة.
لااعتكاف إلا بصوم * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حبيب بن ابى ثابت عن عطاء عن عائشة ام المؤمنين قالت: من اعتكف فعليه الصوم * قال أبو محمد.
شغب من قلد القائلين بأنه لا اعتكاف الا بصوم بأن قالوا.
قال الله تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) قالوا: فذكر الله تعالى الاعتكاف اثر ذكره للصوم، فوجب ان لا يكون الاعتكاف الا بصوم * قال أبو محمد: ما سمع بأقبح من هذا التحريف لكلام الله تعالى والاقحام فيه ما ليس فيه! وما علم قط ذو تمييز أن ذكر الله تعالى شريعة إثر ذكره أخرى موجبه عقد إحداهما بالاخرى * ولا فرق بين هذا القول وبين ما قال: بل لما ذكر الصوم ثم الاعتكاف وجب أن لا يجزئ صوم إلا باعتكاف * فان قالوا: لم يقل هذا أحد * قلنا.
فقد أقررتم بصحة الاجماع على بطلان حجتكم وعلى ان ذكر شريعة مع ذكر أخرى لا يوجب ان لا تصح احداهما الا بالاخرى *
وايضا.
فان خصومنا مجمعون على أن المعتكف هو بالليل معتكف كما هو بالنهار، وهو بالليل غير صائم، فلو صح لهم هذا الاستدلال لوجب ان لا يجزئ الاعتكاف الا(5/182)
بالنهار الذى لا يكون الصوم الا فيه فبطل تمويههم بايراد هذه الآية، حيث ليس فيها شئ مما موهوا به، لا بنص ولا بدليل * وذكروا ما روينا من طريق أبى داود قال: نا أحمد بن ابراهيم نا أبو داود - هو الطيالسي - نا عبد الله بن بديل (1) عن عمرو بن دينار عن ابن عمر قال: (ان عمر جعل عليه في الجاهلية ان يعتكف ليلة أو يوما عند الكعبة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اعتكف وصم) * قال أبو محمد.
هذا خبر لا يصح، لان عبد الله بن بديل مجهول (2)، ولا يعرف هذا الخبر من مسند عمرو بن دينار أصلا، وما نعرف لعمروبن دينار عن ابن عمر حديثا مسندا الا ثلاثة ليس هذا منها، احدها في العمرة (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة) والثانى في صفة الحج والثالث.
(لا تمنعوا اماء الله مساجد الله) فسقط عنا هذا الخبر لبطلان سنده * ثم الطامة الكبرى احتجاجهم به في ايجاب الصوم في الاعتكاف ومخالفتهم اياه في ايجاب الوفاء بما نذره المرء في الجاهلية فهذه عظيمة لا يرضى بها ذو دين * فان قالوا معنى قوله (في الجاهلية) أي أيام ظهور الجاهلية بعد اسلامه * قلنا لمن قال هذا.
ان كنت تقول هذا قاطعا به فأنت أحد الكذابين، لقطعك بما لا دليل لك عليه، ولا وجدت قط في شئ من الاخبار، وان كنت تقوله ظنا فان الحقائق لا تترك بالظنون، وقد قال الله تعالى.
(ان الظن لا يغنى من الحق شيئا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث) * فكيف وقد صح كذب هذا القول، كما روينا من طريق ابن أبى شيبة
: نا حفص بن غياث عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: (نذرت نذرا في الجاهلية فسألت النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أسلمت، فأمرني أن أو في بنذري) * وهذا في غاية الصحة، لا كحديث عبد الله بن بديل الذاهب في الرياح *
__________
(1) بضم الباء وفتح الدال المحملة (2) ليس مجهولا بل هو معروف، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن معين (صالح) وقال ابن عدى (له ما ينكر عليه الزيادة في متن أو اسناد) وذكر ابن عدى والدار قطني أنه تفرد بهذه الرواية عن عمر وبن دينار، وهى رواية شاذة تخالف ما في البخاري من أنه أمره باعتكاف ليلة، وليس فيه ذكر للصوم.(5/183)
فهل سمع بأعجب من هؤلاء القوم لا يزالون يأتون بالخبر يحتجون به على من لا يصححه فيما وافق تقليدهم، وهم أول مخالفين لذلك الخبر نفسه فيما خالف تقليدهم.
فكيف يصعد مع هذا عمل ونعوذ بالله من الضلال، فعاد خبرهم حجة عليهم لا علينا، ولو صح ورأيناه حجة لقلنا: به * وموهوا بأن هذا روى عن أم المؤمنين، وابن عباس، وابن عمر، قالوا: ومثل هذا لا يقال بالرأى * فقلنا: أما ابن عباس فقد اختلف عنه في ذلك، فصح عنه مثل قولنا، وقد روينا عنه من طريق: عبد الرزاق أنا ابن عيينة عن عبد الكريم بن أبى أمية (1) سمعت عبيدالله بن عبد الله بن عتبة يقول: إن أمنا ماتت وعليها اعتكاف، فسألت ابن عباس فقال: اعتكف عنها وصم * فمن أين صار ابن عباس حجة في إيجاب الصوم على المعتكف - وقد صح عنه خلاف ذلك - ولم يصر حجة في ايجابه على الولى قضاء الاعتكاف عن الميت؟ وهلا قلتم هاهنا: مثل هذا لا يقال: بالرأى وعهدناهم يقولون: لو كان هذا عند فلان صحيحا ما تركه، أو يقولون: لم يترك ما عنده من ذلك إلا لما هو أصح عنده *
وقد ذكرنا عن عطاء آنفا أنه لم ير الصوم على المعتكف، وسمع طاوسا يذكر ذلك عن ابن عباس فلم ينكر ذلك عليه فهلا قالوا.
لم يترك عطاء ما روى عن ابن عباس وابن عمر إلا لما هو عنده أقوى منه.
ولكن القوم متلاعبون * وأما أم المؤمنين فقد روينا عنها من طريق أبى داود.
نا وهب بن بقية انا خالد عن عبد الرحمن - يعنى ابن اسحق - عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين انها.
(قالت (2) السنة على المعتكف ان لا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة الا لما لابد منه (3)، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف
__________
(1) كذا في النسخة رقم (16)، وفى النسخة رقم (14) (عن عبد الكريم بن امية) وانا ارجح ان كليهما خطأ وان الصواب (عن عبد الكريم أبى امية) وهو عبد الكريم بن ابى المخارق البصري وكنيته أبو أمية.
(2) في النسخة رقم (16) (قالت) بحذف (انها) واثباتها هو الموافق لابي داود (ج 2 ص 310) (3) هذا هو الموافق لابي داود، وفى النسخة رقم (16) (لما لا بدله منه)، وفى النسخة رقم (14) (لحاجة الانسان إلا ما لابد منه)(5/184)
الا في مسجد جامع) * فمن أين صار قولها في ايجاب الاعتكاف حجة ولم يصر قولها: (لا اعتكاف الا في مسجد جامع) حجة * وروينا عنها من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج، ومعمر، قال ابن جريج: أخبرني عطاء: ان عائشة نذرت جوارا (1) في جوف ثبير (2) مما يلى منى، وقال معمر عن أيوب السختيانى عن ابن ابى مليكة قال: اعتكفت عائشة أم المؤمنين بين حراء وثبير فكنا نأتيها هنالك * فخالفوا عائشة في هذا أيضا، وهذا عجب *
وأما ابن عمر فحدثنا يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم نا أحمد ابن خالدنا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا عبد الملك ابن ابى سليمان عن عطاء بن أبى رباح: ان ابن عمر كان إذا اعتكف ضرب فسطاطا أو خباء يقضى فيه حاجته، ولا يظله سقف بيت * فكان ابن عمر حجة فيما روى عنه أنه لا اعتكاف الا بصوم، ولم يكن حجة في انه كان إذا اعتكف لا يظله سقف بيت * فصح ان القوم إنما يموهون بذكر من يحتج به من الصحابة ايهاما، لانهم لا مؤنة عليهم من خلافهم فيما لم يوافق من أقوالهم رأى ابى حنيفة ومالك وأنهم لا يرون أقوال الصحابة حجة إلا إذا وافقت رأى ابى حنيفة ومالك فقط، وفى هذا ما فيه.
فبطل قولهم لتعريه من البرهان * ومن عجائب الدنيا ومن الهوس قولهم: لما كان الاعتكاف لبثا في موضع اشبه الوقوف بعرفة، والوقوف بعرفة لا يصح إلا محرما، فوجب ان لا يصح الاعتكاف الا بمعنى آخر، وهو الصوم *
__________
(1) بضم الجيم وكسرها (2) كذا في حاشية النسخة رقم (14) على انه نسخة، وقد اخترناه لوضوح معناه، وفى الاصلين (في جور ثبير) ولم يتضح معنى كلمة (جور) هنا، الا ان كان المراد بجانبه وعلى ناحية منه، وكأنه من قولهم (هو جور عن طريقنا) أي مائل عنه ليس على جادته * (م 24 - ج 5 المحلى)(5/185)
فقيل لهم: لما كان اللبث بعرفة لا يقتضى وجوب الصوم وجب ان يكون الاعتكاف لا يقتضى وجوب الصوم * قال أبو محمد: من البرهان على صحة قولنا اعتكاف النبي صلى الله عليه ووسلم في رمضان، فلا يخلو صومه
من ان يكون لرمضان خالصا - وكذلك هو - فحصل الاعتكاف مجردا عن صوم يكون من شرطه وإذا لم يحتج الاعتكاف إلى صوم ينوى به الاعتكاف فقد بطل ان يكون الصوم من شروط الاعتكاف وصح انه جائز بلا صوم، وهذا برهان ما قدروا على اعتراضه الابوساوس لا تعقل.
ولو قالوا: إنه عليه السلام صام للاعتكاف لا لرمضان أو لرمضان والاعتكاف لم يبعدوا عن الانسلاخ من الاسلام * وايضا فان الاعتكاف هو بالليل كهو بالنهار، ولاصوم بالليل، فصح ان الاعتكاف لا يحتاج إلى صوم * فقال مهلكوهم ههنا: إنما كان الاعتكاف بالليل تبعا للنهار * فقلنا: كذبتم ولا فرق بين هذا القول وبين من قال: بل انما كان بالنهار تبعا لليل، وكلا القولين فاسد * فقالوا: إنما قلنا: انا الاعتكاف يقتضى (1) ان يكون في حال صوم * فقلنا: كذبتم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (انما الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) فلما كان الاعتكاف عندنا وعندكم لا يقتضى ان يكون معه صوم ينوى به الاعتكاف -: صح ضرورة أن الاعتكاف ليس من شروطه ولا من صفاته ولا من حكم أن يكون معه صوم، وقد جاء نص صحيح بقولنا * كما روينا من طريق ابى داود: نا عثمان بن أبى شيبة نا ابؤ معاوية ويعلى بن عبيد كلاهما عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اراد ان يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه، قالت: وانه اراد مرة ان يعتكف في العشر الاواخر من رمضان، قالت: فأمر ببنائه فضرب فلما رأيت ذلك امرت بينائى فضرب، وأمر غيرى من ازواج النبي صلى الله عليه وسلم ببنائهن (2) فضرب، فلما صلى الفجر نظر إلى الابنية، فقال: ما هذه؟ البر تردن؟ فأمر ببنائه فقوض،
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ان الاعتكاف انما يقتضى) الخ (2) في ابى داود (ج 2 ص 307 و 308) نسختان (ببنائه) و (ببنائها) وما هنا أحسن *(5/186)
وأمر ازواجه بأبنيتهن فقوضن، (1) ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الاول، يعنى من شوال) قال أبو محمد.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعتكف العشر الاول من شوال، وفيها يوم الفطر، ولا صوم فيه * ومالك يقول.
لا يخرج المعتكف في العشر الاواخر من رمضان عن اعتكافه الا حتى ينهض إلى المصلى، فنسألهم: أمعتكف هو ما لم ينهض إلى المصلى أم غير معتكف؟ فان قالوا هو معتكف، تناقضوا، وأجازوا الاعتكاف بلا صوم برهة من يوم الفطر، وان قالوا: ليس معتكفا، قلنا.
فلم منعتموه الخروج اذن؟ * 626 - مسألة - ولا يحل للرجل مباشرة المرأة ولا للمرأة مباشرة الرجل في حال الاعتكاف بشئ من الجسم، الا في ترجيل المرأة للمعتكف خاصة، فهو مباح، وله اخراج رأسه من المسجد للترجيل * لقول الله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) فصح أن من تعمد ما نهى عنه من عموم المباشرة - ذا كرا لاعتكافه - فلم يعتكف كما أمر، فلا اعتكاف له، فان كان نذرا قضاه، وإلا فلاشئ عليه، وقوله تعالى: (وأنتم عاكفون في المساجد) خطاب للجميع من الرجال والنساء، فحرمت المباشرة بين الصنفين * ومن طريق البخاري: نا محمد بن يوسف نا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي عن الاسود عن عائشة أم المؤمنين قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف، فأرجله وأنا حائض) * فخرج هذا النوع من المباشرة من عموم نهى الله عزوجل.
وبالله التوفيق * 627 - مسألة - وجائز للمعتكف أن يشترط ما شاء من المباح والخروج له، لانه بذلك إنما التزم الاعتكاف في خلال (2) ما استثناه، وهذا مباح له، أن يعتكف إذا شاء، ويترك إذا شاء، لان الاعتكاف طاعة، وتركه مباح، فان أطاع أجر،
وان ترك لم يقض * وإن العجب ليكثر ممن لا يجيز هذا الشرط والنصوص كلها من القرآن والسنة موجبة لما ذكرنا، ثم يقول: بلزوم الشروط (3) التى أبطلها القرآن والسنن، من اشتراط الرجل للمرأة إن تزوج عليها أو تسرى فأمرها بيدها، والداخلة بنكاح
__________
(1) في أبى داود (فقوضت) (2) في النسخة رقم (16) (في حال) (3) في النسخة رقم (16) (ثم يقولون يلزم الشروط) وما هنا اصح *(5/187)
طالق، والسرية حرة، وهذه شروط الشيطان، وتحريم ما أحل الله عزوجل، وقد أنكر الله تعالى ذلك في القرآن * 628 - مسألة - وكل فرض على المسلم فان الاعتكاف لا يمنع منه، وعليه أن يخرج إليه، ولا يضر ذلك باعتكافه، وكذلك يخرج لحاجة الانسان، ومن البول والغائط وغسل النجاسة وغسل الاحتلام، وغسل الجمعة ومن الحيض، إن شاء في حمام أوفى غير حمام.
ولا يتردد على أكثر من تمام غسله، وقضاء حاجته، فان فعل بطل اعتكافه * وكذلك يخرج لابتياع ما لابدله ولاهله منه، من الاكل واللباس، ولا يتردد على غير ذلك وفان تردد بلا ضرورة بطل اعتكافه.
وله ان يشيع أهله إلى منزلها * وانما يبطل الاعتكاف خروجه لما ليس فرضا عليه * وقد افترض الله تعالى على المسلم ما رويناه من طريق البخاري: ثنا محمد ثنا عمرو بن أبى سلمة (1) عن الاوزاعي أنا ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (حق المسلم على المسلم خمس، رد السلام، وعيادة المريض وابتاع الجنائز واجابة الدعوة، وتشميت العاطس) * وأمر عليه السلام من دعى إن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليصل، (2) بمعنى أن يدعو لهم *
وقال تعالى: (إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) وقال تعالى: (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) وقال تعالى: (انفروا خفافا وثقالا) فهذه فرائض لا يحل تركها للاعتكاف، وبلا شك عند كل مسلم أن كل من أدى ما افترض الله تعالى عليه فهو محسن، قال الله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) * ففرض على المعتكف أن يخرج لعيادة المريض مرة واحدة، يسأل عن حاله واقفا وينصرف، لان ما زاد على هذا فليس من الفرض، وانما هو تطويل، فهو يبطل الاعتكاف * وكذلك يخرج لشهود الجنازة، فإذا صلى عليها انصرف، لانه قد أدى الفرض، وما زاد فليس فرضا، وهو به خارج عن الاعتكاف *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ثنا محمد بن عمرو بن أبى سلمة) وهو خطأ، صححناه من البخاري (ج 2 ص 157) ومن النسخة رقم (14) (2) في النسخة رقم (14) (أن يأكل) و (أن يصلى)(5/188)
وفرض عليه أن يخرج إذا دعى، فان كان صائما بلغ إلى دار الداعي ودعا وانصرف، ولا يزد على ذلك * وفرض عليه أن يخرج إلى الجمعة بمقدر ما يدرك أول الخطبة، فإذا سلم رجع، فان زاد على ذلك خرج من الاعتكاف، فان خرج كما ذكرنا ثم رأى أن في الوقت فسحة فان علم أنه ان رجع إلى معتكفه ثم خرج أدرك الخطبة فعليه أن يرجع، والا فليتماد، وكذلك ان كان عليه في الرجوع حرج، لقول الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) * وكذلك يخرج للشهادة إذا دعى سواء، قبل أو لم يقبل، لان الله تعالى أمر الشهداء بان لا يأبوا إذا دعوا، ولم يشترط من يقبل ممن لا يقبل، وما كان ربك نسيا، فإذا أداها رجع إلى معتكفه ولا يتردد، وفان تردد بطل اعتكافه،
فان نزل عدو كافر أو ظالم بساحة موضعه، فان اضطر إلى النفار نفر وقاتل، وفاذا استغنى عنه رجع إلى معتكفه، فان تردد لغيير ضرورة بطل اعتكافه * وهو كله قول أبى سليمان وأصحابنا * وروينا من طريق سعيد بن منصور: أنا أبو الأحوص أنا أبو إسحاق - هو السبيعى - عن عاصم بن ضمرة قال قال على بن أبى طالب: إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة وليحضر الجنازة وليعد المريض وليأت أهله يأمرهم بحاجته وهو قائم * وبه إلى سعيد: نا سفيان - هو ابن عيينة - عن عمار بن عبد الله بن يسار (1) عن أبيه: أن على بن أبى طالب أعان ابن أخته (2) جعدة بن هبيرة بسبعمائة درهم من عطائه أن يشترى بها خادما، فقال: إني كنت معتكفا، فقال له على: وما عليك لو خرجت إلى السوق فابتعت؟ * وبه إلى سفيان: ناهشيم عن الزهري عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين: أنها كانت
__________
(1) عمار هذا لم أجد له ترجمة، ولكن ذكره في التهذيب راويا عن أبيه عبد الله ابن يسار الجهنى، ووقع في التهذيب (ج 6 ص 85) بلفظ (وعنه ابن عمار) وهو خطأ مطبعى، والصواب (وعنه ابنه عمار) وله رواية عن أبيه في تاريخ الطبري (ج 6 ص 233) (2) في النسخة رقم (14) (ابن أخيه) وهو تصحيف، والصواب ما هنا، فان جعدة بن هبيرة أمه أم هانئ بنت أبى طالب أخت على رضى الله عنه *(5/189)
لاتعود المريض من أهلها إذا كانت معتكفة إلا وهى مارة وبه إلى سعيد: نا هشيم أنا مغيرة عن ابراهيم النخعي قال: كانوا يستحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال - وهن له وان لم يشترط -: عيادة المريض ولا يدخل سقفا ويأتى الجمعة، ويشهد الجنازة، ويخرج إلى الحاجة.
قال ابراهيم: ولا يدخل المعتكف سقيفة إلا لحاجة * وبه إلى هشيم: أنا أبو إسحق الشيباني عن سعيد بن جبير قال: المعتكف يعود
المريض ويشهد الجنازة ويجيب الامام * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: أنه كان يرخص للمعتكف أن يتبع الجنازة ويعود المريض ولا يجلس * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: المعتكف يدخل الباب فيسلم ولا يقعد، يعود المريض، وكان لا يرى بأسا إذا خرج المعتكف لحاجته فلقيه رجل فسأله أن يقف عليه فيسائله * قال أبو محمد: إن اضطر إلى ذلك، أو سأله عن سنة من الدين، ووإلا فلا * ومن طريق شعبة عن أبى اسحاق الشيباني عن سعيد بن جبير قال: للمعتكف أن يعود المريض ويتبع الجنازة ويأتى الجمعة ويجيب الداعي * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: إن نذر جوارا أينوى (1) في نفسه أنه لا يصوم، وأنه يبيع ويبتاع، ويأنى الاسواق، ويعود المريض، ويتبع الجنازة وإن كان مطر (فانى أستكن في البيت، وأتي أجاور جوارا منقطعا، أو أن يعتكف النهار ويأتى البيت بالليل؟ قال عطاء: ذلك على نيته ما كانت، ذلك له، هو قول قتادة ايضا * وروينا عن سفيان الثوري انه قال: المعتكف يعود المرضى (2) ويخرج إلى الجمعة ويشهد الجنائز.
هو قول الحسن بن حى * وروينا عن مجاهد وعطاء وعروة والزهرى: لا يعود المعتكف مريضا ولا يشهد الجنازة، هو قول مالك والليث * قال مالك: لا يخرج إلى الجمعة *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ينوى) بدون الهمزة (2) في النسخة رقم (16) (للمعتكف أن يعود المريض) *(5/190)
قال أبو محمد: هذا مكان صح فيه عن على وعائشة ما أوردنا، ولا مخالف لهما يعرف
من الصحابة، وهم يعظمون مثل هذا إذا خالف (1) تقليدهم * وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن على بن الحسين عن صفية أم المؤمنين قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا، فحدثته، ثم قمت فانقلبت، فقام معى ليقلبني، وكان مسكنها (2) في دار أسامة) وذكر باقى الخبر * قال أبو محمد: في هذا كفاية، وما نعلم لمن منع من كل ما ذكر نا حجة، لامن قرآن ولا من سنة ولا من قول صاحب، ولا قياس * ونسألهم: ما الفرق بين ما أبا حواله من الخروج لقضاء الحاجة وابتياع ما لابد منه وبين خروجه لما افترضه الله عزوجل عليه * وقال أبو حنيفة.
ليس له ان يعود المريض، ولا ان يشهد الجنازة، وعليه أن يخرج إلى الجمعة بمقدار (3) ما يصلى ست ركعات قبل الخطبة وله أن يبقى في الجامع بعد صلاة الجمعة مقدار ما يصلى ست ركعات، فان بقى أكثر أو خرج لاكثر لم يضره شيئا، فان خرج لجنازة أو ليعادة مريض بطل اعتكافه * وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن: له أن يخرج لكل ذلك، فان كان مقدار لبثه في خروجه لذلك نصف يوم فأقل لم يضر اعتكافه ذلك، فان كان أكثر من نصف يوم بطل اعتكافه * قال أبو محمد: ان في هذه التحديدات لعجبا وما ندرى كيف يسمح ذو عقل أن يشرع في دين الله هذه الشرائع الفاسدة فيصير محرما محللا موجبا دون الله تعالى وما هو الا ما جاء النص باباحته فهو مباح، قل أمده أو كثر، أو ما جاء النص بتحريمه فهو حرام قل أمده أو كثر، أو ما جاء النص بايجابه فهو واجب الا أن يأتي نص بتحديد في شئ من ذلك، فسمعا وطاعة *
__________
(1) كذا في الاصلين (خالف) والكلام يقتضى ان يكون (وافق) (2) في النسخة رقم (16) (مسكنه) وهو خطأ، والصواب ما هنا، وهو الموافق لابي داود (ج 2 ص
309 و 310) وقد روى الحديث عن ابن شبويه المروزى عن عبد الرازق، ونسبه المنذرى للبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.
ومعنى (ليقلبني) أي يردنى إلى بيتى (3) في النسخة رقم (16) (وعلى ان يخرج إلى الجمعة الا بمقدار) الخ وهو خطأ وخلط *(5/191)
629 - مسألة - ويعمل المعتكف في المسجد كل ما ابيح له، من محادثة فيما لا يحرم، ومن طلب العلم أي علم كان، ومن خياطة وخصام في حق ونسخ وبيع وشراء، وتزوج وغير ذلك لا تحاش شيئا لان الاعتكاف هو الاقامه كما ذكرنا، فهو إذا فعل ذلك في المسجد فلم يترك الاعتكاف * وهو قول أبى حنيفة، والشافعي، وأبى سليمان * ولم ير ذلك مالك.
وما نعلم له حجة في ذلك، لامن قرآن ولا من سنة لا صحيحة ولا سقيمة، ولا قول صاحب، ولا قول متقدم من التابعين، ولا قياس، ولا رأى له وجه * وأعجب ذلك (1) منعه من طلب العلم في المسجد وقد ذكرنا قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عائشة رضى الله عنها ترجل شعره المقدس وهو في المسجد، وكل ما أباحه الله تعالى فليس معصية لكنه إما طاعة واما سلامة * 630 - مسألة - ولا يبطل الاعتكاف شئ الا خروجه عن المسجد لغير حاجة عامدا ذاكرا، لانه قد فارق العكوف وتركه، ومباشرة المرأة في غير الترجيل، لقول الله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) وتعمد معصية الله تعالى - أي معصية كانت، لان العكوف الذى ندب الله تعالى إليه هو الذى لا يكون على معصية، ولا شك عند أحد من أهل الاسلام في أن الله تعالى حرم العكوف على المعصية فمن عكف في المسجد على معصية فقد ترك العكوف على الطاعة فبطل عكوفه * وهذا كله قول أبى سليمان، وأحد قولى الشافعي * وقال مالك: القبلة تبطل الاعتكاف *
وقال أبو حنيفة: لا يبطل الاعتكاف مباشرة ولا قبلة إلا أن ينزل، وهذا تحديد فاسد، وقياس للباطل على الباطل، وقول بلا برهان * 631 - مسألة - ومن عصى ناسيا أو خرج ناسيا أو مكرها أو باشر أو جامع ناسيا أو مكرها -: فالاعتكاف تام لا يكدح (2) كل ذلك فيه شيئا، لانه لم يعمد ابطال (3) اعتكافه
__________
(1) في النسخة رقم (14) (وأعجب من ذلك) وما هنا أحسن (2) كذا في الاصلين بالكاف، وهو صحيح، يقال كدح وجه أمره إذا أفسده (3) كذا في الاصلين وهو صحيح، (عمد) يتعدى بنفسه وباللام وبالى *(5/192)
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) * 632 - مسألة - ويؤذن في المئذنة إن كان بابها في المسجد أو في صحنه، ويصعد على ظهر المسجد، لان كل ذلك من المسجد، فان كان باب المئذنة خارج المسجد بطل اعتكافه إن تعمد ذلك * وهو قول مالك والشافعي وأبى سليمان * وقال أبو حنيفة: لا يبطل * وهذا خطأ، لان الخروج عن المسجد - قل أو كثر - مفارقة للعكوف وترك له، والتحديد في ذلك بغير نص باطل، ولا فرق بين خطوة وخطوتين إلى مائة ألف خطوة وبالله تعالى التوفيق * 633 - مسألة - والاعتكاف جائز في كل مسجد جمعت فيه الجمعة أو لم تجمع، سواء كان مسقفا أو مكشوفا، فان كان لا يصلى فيه جماعة ولا له إمام لزمه فرض الخروج لكل صلاة إلى المسجد تصلى فيه جماعة (1)، الا ان يبعد منه بعدا يكون عليه فيه حرج فلا يلزمه، وأما المرأة التى لا يلزمها فرض الجماعة فتعتكف فيه، ولا يجوز الاعتكاف في
رحبة المسجد الا ان تكون منه، ولا يجوز للمرأة ولا للرجل ان يعتكفا أو أحدهما في مسجد داره * برهان ذلك قول الله تعالى: (وأنتم عاكفون في المساجد) فعم تعالى ولم يخص * فان قيل: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جعلت لى الارض مسجدا وطهورا) * قلنا نعم، بمعنى انه تجوز الصلاة فيه، وإلا فقد جاء النص والاجماع بأن البول والغائط جائز فيما عدا المسجد، فصح انه ليس لما عدا المسجد حكم المسجد، فصح ان لا طاعة في إقامة في غير المسجد، فصح ان لا اعتكاف إلا في مسجد، وهذا يوجب ما قلنا * وقد اختلف الناس في هذا * فقالت طائفة: لا اعتكاف الا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم *
__________
(1) كذا في النسخة رقم (16) وهو صحيح، وفى النسخة رقم (14) (إلى مسجد تصلى فيه جماعة) (م 25 - ج 5 المحلى)(5/193)
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة احسبه عن سعيد بن المسيب قال: لا اعتكاف الا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: ان لم يكن قول سعيد فهو قول قتادة، لاشك في احدهما * وقالت طائفة: لا اعتكاف الا في مسجد مكة ومسجد المدينة فقط * كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: لا جوار الا في مسجد مكة ومسجد المدينة، قلت له: فمسجد ايليا؟ قال: لا تجاور الا مسجد مكة ومسجد المدينة.
وقد صح عن عطاء ان الجوار هو الاعتكاف * وقالت طائفة: لا اعتكاف الا في مسجد مكة أو مسجد المدينة أو مسجد بيت المقدس * كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن واصل الاحدب عن ابراهيم
النخعي قال: جاء حذيفة إلى عبد الله بن مسعود فقال له: ألا أعجبك (1) من ناس عكوف بين دارك ودار الاشعري؟ فقال له عبد الله: فلعلهم أصابوا أو أخطات فقال له حذيفة: ما أبالى، أفيه اعتكف أوفى سوقكم هذه، إنما الاعتكاف في هذه المساجد الثلاثة: مسجد الحرام، ومسجد المدينة، والمسجد الاقصى، قال ابراهيم: وكان الذين اعتكفوا فعاب عليهم حذيفة -: في مسجد الكوفة الاكبر * ورويناه أيضا ممن طريق عبد الرزاق عن أبن عيينة عن جامع بن ابى راشد قال سمعت أبا وائل يقول: قال حذيفة لعبدالله بن مسعود: قوم عكوف بين دارك ودار ابن موسى، ألا تنهاهم؟ فقال له عبد الله: فلعلهم اصابوا وأخطأت، وحفظوا ونسيت فقال حذيفة: لا اعتكاف الا في هذه المساجد الثلاثة: مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد ايليا * وقالت طائفة: لا اعتكاف الا في مسجد جامع * روينا هذا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء، وهو أول قوليه * وقالت طائفة: لا اعتكاف الا في مصر جامع * كما روينا من طريق ابن أبى شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن ابى اسحاق عن الحارث عن على قال: لا اعتكاف الا في مصر جامع * وقالت طائفة: لااعتكاف الا في مسجد نبى *
__________
(1) بكسر الجيم المشددة، يقال: عجبه بالشئ تعجبيا نبهه على التعجب منه(5/194)
كما روينا من طريق ابن الجهم: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا عبيدالله بن عمر - هو القواريرى - ثنا معاذ بن هشام الدستوائى ثنا ابى عن قتادة عن سعيد بن المسيب انه قال: لا اعتكاف الا في مسجد نبى * وقالت طائفة: لا اعتكاف الا في مسجد جماعة * كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري، ومعمر، قال سفيان: عن جابر
الجعفي عن سعد بن عبيدة (1) عن أبى عبد الرحمن السلمى عن على بن أبى طالب، وقال معمر: عن هشام بن عروة ويحيى بن أبى كثير ورجل، قال هشام: عن ابيه، وقال يحيى.
عن ابى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقال الرجل: عن الحسن، قالوا كلهم: لا اعتكاف الا في مسجد جماعة * وصح عن ابراهيم وسعيد بن جبير وأبى قلابة اباحة الاعتكاف في المساجد التى لا تصلى فيها الجمعة، وهو قولنا، لان كل مسجد بنى للصلاة فاقامة الصلاة فيه جائزة فهو مسجد جماعة * وقالت طائفة: الاعتكاف جائز في كل مسجد، ويعتكف الرجل في مسجد بيته * روينا ذلك عن عبد الرزاق عن اسرائيل عن رجل عن الشعبى قال: لا بأس ان يعتكف الرجل في مسجد بيته * وقال ابراهيم، وأبو حنيفة: تعتكف المرأة في مسجد بيتها * قال أبو محمد: أما من حد مسجد المدينة وحده أو مسجد مكة ومسجد المدينة، أو المساجد الثلاثة أو المسجد الجامع (2): فأقوال لادليل على صحتها فلا (3) معنى لها وهو تخصيص لقول الله تعالى (وأنتم عاكفون في المساجد) * فان قيل: فأين أنتم عما زويتموه من طريق سعيد بن منصور: نا سفيان - هو ابن عيينة - عن جامع بن أبى راشد عن شقيق بن سلمة قال: قال حذيفة لعبدالله بن مسعود: قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) أو قال: (مسجد جماعة)؟ * قلنا: هذا شك من حذيفة أو ممن دونه، ولا يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشك، ولو أنه عليه السلام قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) لحفظه الله تعالى علينا،
__________
(1) في الاصلين (سعيد بن عبيدة) وهو خطأ (2) في النسخة رقم (16) (الحرام) بدل (الجامع) وهو خطأ ظاهر (3) في النسخة رقم (16) (ولا) *(5/195)
ولم يدخل فيه شكا، فصح يقينا انه عليه السلام لم يقله قط * فان قيل: فقد رويتم من طريق سعيد بن منصور: نا هشيم أنا جويبر عن الضحاك عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مسجد فيه إمام ومؤذن فالاعتكاف فيه يصلح (1)) * قلنا: هذه سوأة لا يشتغل بها ذوفهم، جويبر هالك، والضحاك ضعيف ولم يدرك حذيفة (2) * وأما قول ابراهيم وأبى حنيفة فخطأ، لان مسجد البيت لا يطلق عليه اسم مسجد، ولا خلاف في جواز بيعه وفى أن يجعل كنيفا * وقد صح أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفن في المسجد، وهم يعظمون خلاف الصاحب، ولا مخالف لهن من الصحابة * فقال بعضهم: إنما كان ذلك لانهن كن معه عليه السلام * فقلنا: كذب من قال هذا وافترى بغير علم وأثم * واحتج أيضا بقول عائشة: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع النساء لمنعهن المساجد * وقد ذكرنا في كتاب الصلاة بطلان التعلق بهذا الخبر (3)، وأقرب ذلك بأنه لا يحل ترك ما لم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا المنع مما لم يمنع منه عليه السلام -: لظن أنه لو عاش لتركه ومنع منه، وهذا إحداث شريعة في الدين، أم المؤمنين القائلة هذا لم تر قط منع النساء من المساجد، فظهر فساد قولهم.
وبالله تعالى التوفيق * 634 - مسألة - وإذا حاضت المعتكفة أقامت في المسجد كما هي تذكر الله تعالى، وكذلك إذا ولدت، فانها إن اضطرت إلى الخروج خرجت ثم رجعت إذا قدرت * لما قد بينا قبل من أن الحائض تدخل المسجد، ولا يجوز منعها منه (4)، إذ لم يأت بالمنع لها منه نص ولا إجماع.
وهو قول أبى سليمان *
__________
(1) رواه أيضا الدار قطني (ص 247) من طريق اسحق الازرق عن جويبر (2) الضحاك هو ابن مزاحم، وهو لم يدرك أحدا من الصحابة، وفى سماعه من ابن عباس خلاف، والراجح أنه لم يسمع منه، ووافق الدار قطني المؤلف في أنه لم يسمع من حذيفة (3) وقد تقدم ذلك في المسألة 321 (ج 3 ص 132 - 136) وفى المسألة 485 (ج 4 ص 200 - 201) (4) تقدم في المسألة 262 (ج 2 ص 184 - 187)(5/196)
روينا من طريق البخاري: نا قتيبة نا يزيد بن زريع عن خالد الحذاء عن عكرمة عن عائشة أم المؤمنين قالت: (اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه مستحاضة، فكانت ترى الحمرة والصفرة، فربما وضعت الطست تحتها وهى تصلى) (1) * 635 - مسألة - ومن مات وعليه نذر اعتكاف قضاه عنه وليه أو استؤجر من رأس ماله من يقضيه عنه، لابد من ذلك * لقول الله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) * ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟! (2) فدين الله أحق أن يقضى) * ولما روينا من طريق مالك عن ابن شهاب عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس: (أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقضه عنها) وهذا عموم لكل نذر طاعة، فلا يحل لاحد خلافه.
* وقد ذكرنا في باب هل على المعتكف صيام أم لا قبل فتيا ابن عباس بقضاء نذر الاعتكاف (3) * وروينا من طريق سعيد بن منصور: نا أبو الأحوص نا ابراهيم بن مهاجر عن عامر بن مصعب قال: اعتكفت عائشة أم المؤمنين عن أخيها بعد ما مات *
وقال الحسن بن حى: من مات وعليه اعتكاف اعتكف عنه وليه * وقال الاوزاعي: يعتكف عنه وليه إذا لم يجد ما يطعم (4) قال: ومن نذر صلاة فمات صلاها عنه وليه * قال اسحاق بن راهويه: يعتكف عنه وليه ويصلى عنه وليه إذا نذر صلاة أو اعتكافا ثم مات قبل أن يقضى ذلك * وقال سفيان الثوري: الا طعام عنه أحب إلى من أن يعتكف عنه *
__________
(1) في النسخة رقم (21) (وتصلى) وما هنا هو الموافق للبخاري (ج 3 ص 107) (2) (قاضيه) بالهاء خطاب للمذكر، إذا السائل رجل، كما في صحيح مسلم (ج 1 ص 135) وفى النسخة رقم (16) (قاضية) بالتاء، وهو تصحيف (3) تقدم في المسألة 625 هذا الجزء (4) في النسخة رقم (16) (وإذا لم يجده فليطعم) وهو كلام لا معنى له هنا(5/197)
قال أبو حنيفة ومالك والشافعي: يطعم عنه لكل يوم مسكين * قال أبو محمد: هذا قول ظاهر الفساد، وما للاطعام مدخل في الاعتكاف * وهم يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم، وقد خالفوا ههنا عائشة وابن عباس، ولا يعرف لهما في ذلك مخالف من الصحابة رضى الله تعالى عنهم * وقولهم في هذا قول لم يأت به قرآن ولاسنة صحيحة ولا سقيمة، ولاقول صاحب ولا قياس، بل هو مخالف لكل ذلك.
وبالله تعالى التوفيق * ومن عجائب الدنيا قول أبى حنيفة: من نذر اعتكاف شهر وهو مريض فلم يصح فلا شئ عليه، فلو نذر اعتكاف شهر وهو صحيح فلم يعش إثر نذره إلا عشرة أيام ومات فانه يطعم عنه ثلاثون مسكينا، وقد لزمه اعتكاف شهر قال: فان نذر اعتكافا لزمه يوم بلا ليلة، فان قال على اعتكاف يومين لزمه يومان ومعهما ليلتان! (1) وقال أبو يوسف: إن نذر اعتكاف ليلتين (2) فليس عليه إلا يومان وليلة واحدة، كما لو نذر اعتكاف يومين ولافرق *
فهل في التخليط أكثر من هذا؟ ونسأل الله العافية * 636 - مسألة - ومن نذر اعتكاف يوم أو أيام مسماة أو اراد ذلك تطوعا -: فانه يدخل في اعتكافه قبل أن يتبين له طلوع الفجر، ويخرج إذا غاب جميع قرص الشمس، سواء كان ذلك في رمضان أو غيره * ومن نذر اعتكاف ليلة أو ليال مسماة أو أراد ذلك تطوعا -: فانه يدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس، ويخرج إذا تبين له طلوع الفجر * لان مبدأ الليل إثر غروب الشمس، وتمامه بطلوع الفجر.
ومبدأ اليوم بطلوع الفجر، وتمامه بغروب الشمس كلها، وليس على أحد إلا ما التزم أو ما نوى * فان نذر اعتكاف شهر أو أراده تطوعا -: فمبدأ الشهر من أول ليلة منه فيدخل قبل أن يتم غروب جميع قرص الشمس، ويخرج إذا غابت الشمس كلها من آخر الشهر، سواء رمضان وغيره * لان الليلة المستأنفة ليست من ذلك الشهر الذى نذر اعتكافه أو نوى اعتكافه *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (الليلتان) وما هنا أحسن (2) في النسخة رقم (16) (إن اعتكف ليلتين) وهو خطأ *(5/198)
فان نذر اعتكاف العشر الاواخر من رمضان دخل قبل غروب الشمس من اليوم التاسع عشر لان الشهر قد يكون من تسع وعشرين ليلة، فلا يصح له اعتكاف العشر الاواخر إلا كما قلنا، وإلا فانما اعتكف تسع ليال فقط، فان كان الشهر ثلاثين علم أنه اعتكف ليلة زائدة، وعليه أن يتم اعتكاف الليلة الآخرة ليفى بنذره، وإلا من علم بانتقال القمر، فيدخل بقدر ما يدرى أنه يفى بنذره * والذى قلنا - من وقت الدخول والخروج - هو قول الشافعي وأبى سليمان * وروينا من طريق البخاري: نا عبد الله بن منير سمع هرون بن اسمعيل ثنا على بن المبارك ثنا يحيى بن أبى كثير سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنا أبا سعيد الخدرى قال له:
(اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الاوسط من رمضان، فخرجنا صبيحة عشرين) (1) * وهذا نص قولنا * ومن طريق البخاري: نا ابراهيم بن حمزة (2) - هو الزبيدى - حدثنى ابن أبى حازم والدراوردى كلاهما عن يزيد - هو ابن عبد الله بن الهاد - عن محمد بن ابراهيم عن أبى سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف عن ابى سعيد الخدرى قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان الشعر التى (3) في وسط الشهر، فإذا كان حين يمسى من عشرين ليلة ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه، ورجع من كان يجاور معه) * وهذا نص قولنا، إلا أن فيه أنه عليه السلام كان يبقى يومه إلى أن يمسى، وهذا يخرج على أحد وجهين: إما أنه تنفل منه عليه السلام، وإما أنه عليه السلام نوى أن يعتكف العشر الليالى بعشرة أيامها * وهذا حديث رواه مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن ابراهيم، فوقع في لفظه تخليط وإشكال لم يقعا في رواية عبد العزيز بن أبى حازم وعبد العزيز بن محمد الدراوردى الا أنه موافق لهما في المعنى * وهو أننا روينا هذا الخبر نفسه عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمى عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى سعيد الخدرى:
__________
(1) هو في البخاري (ج 3 ص 106 - 107) (2) هو بالحاء والزاى، وفى النسخة رقم (16) (جمرة) وهو تصحيف (3) في الاصلين (الذى) وما هنا هو ما في البخاري (ج 3 ص 101) والحديث اختصره المؤلف *(5/199)
(ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف الشعر الاوسط (1) من رمضان، فاعتكف عاما (2) حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين - وهى الليلة التى يخرج من صبيحتها (3) من اعتكافه - قال: من كان (4) اعتكف معى فليعتكف العشر الاواخر، فقد رأيت هذه الليلة
ثم أنسيتها، وقد رأيتنى أسجد في ماء وطين من صبيحتها، فالتمسوها في العشر الاواخر، والتمسوها في كل وتر، فمطرت السماء (6) تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فبصرت (7) عيناى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين) * قال أبو محمد: من المحال الممتنع أن يكون عليه السلام يقول هذا القول بعد انقضاء ليلة إحدى وعشرين، وينذر بسجوده في ماء وطين فيما يستأنف، ويكون ذلك ليلة إحدى وعشرين التى مضت، فصح ان معنى قول الراوى: (حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين) أراد استقبال ليلة إحدى وعشرين، وبهذا تتفق رواية يحيى بن أبى كثير مع رواية محمد بن ابراهيم، كلاهما عن أبى سلمة ورواية الدراوردى وابن أبى حازم ومالك، كلهم عن يزيد ابن عبد الله بن الهاد عن محمد بن ابراهيم التيمى * وروينا من طريق البخاري: نا أبو النعمان - هو محمد بن الفضل - نا حمادبن زيد نا يحيى - هو ابن سعيد الانصاري - عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الاواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلى الصبح ثم يدخله) * قال أبو محمد: هذا تطوع منه عليه السلام، وليس أمرا منه ومن زاد في البر زاد خيرا * ويستحب للمعتكف والمعتكفة أن يكون لكل أحد خباء في صحن المسجد، ائتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك واجبا وبالله تعالى التوفيق * (تم كتاب الاعتكاف وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين والحمد لله رب العالمين)
__________
(1) في الموطأ (ص 98) (العشر الوسط) وفى البخاري (ج 3 ص 103) من طريق مالك (يعتكف في العشر الاوسط) (2) قوله (عاما) محذوف من الاصلين، وزدناه من الموطأ والبخاري (3) هذا ما في البخاري، وفى الموطأ (يخرج فيها من صبحها) (4) في الاصلين بحذف (كان) وهو خطأ (5) هكذا في النسخة رقم (16) والموطأ، وفى النسخة رقم (14) والبخاري (أريت) (6) في النسخة رقم (16) (فنظرت السماء) وهو خطأ (7) في النسخة
رقم (16) (فنظرت) وهو خطأ، وما هنا هو الموافق للبخاري وفى الموطأ (فأبصرت).(5/200)
(كتاب الزكاة) 637 - مسألة - الزكاة فرض كالصلاة، هذا اجماع متيقن * وقال الله تعالى: (فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) فلم يبح الله تعالى سبيل أحد حتى يؤمن بالله تعالى ويتوب عن الكفر ويقيم الصلاة ويؤتى الزكاة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو غسان مالك بن عبد الواحد المسمعى (1) ثنا عبد الملك بن الصباح عن شعبة عن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوه عصموا منى دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله) (2) * قال أبو محمد: وبين الله تعالى على لسانه رسوله صلى الله عليه وسلم مقدار الزكاة، ومن أي الاموال تؤخذ؟ وفى أي وقت تؤخذ، ومن يأخذها؟ وأين توضع؟ * 638 - مسألة - والزكاة فرض على الرجال والنساء الاحرار منهم والحرائر والعبيد، والاماء، والكبار، والصغار، والعقلاء والمجانين من المسلمين.
ولا تؤخذ من كافر * قال الله عزوجل: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) فهذا خطاب منه تعالى لكل بالغ عاقل، من حر، أو عبد، ذكر، أو أنثى، لانهم كلهم من الذين آمنوا * وقال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) فهذا عموم لكل صغير وكبير، وعاقل ومجنون وحر وعبد، لانهم كلهم محتاجون إلى طهرة الله تعالى لهم وتزكيته إياهم، وكلهم من الذين آمنوا * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري
__________
(1) بكسر الميم الاولى وفتح الثانية وبينهما سين مهملة ساكنة، نسبة إلى المسامعة، وهى محلة بالبصرة نزلها بنو مسمع بن شهاب بن عمرو بن عباد بن ربيعة، و (مسمع) بفتح الميم الاولى وكسر الثانية، والنسبة إليه بكسر الاولى وفتح الثانية، قال السمعاني في الانساب (هكذا سمعنا مشايخنا يقولون) (2) هو في صحيح مسلم (ج 1 ص 23) * (م 26 - ج 5 المحلى)(5/201)
ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن زكرياء بن اسحق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي (1) عن أبى معبد عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال: ادعهم إلى شهادة أن لا اله الا الله وأنى رسول الله، فان هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض (2) عليهم خمس صلوات في يوم وليلة (3)، فان هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض (4) عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد في فقرائهم) (5) فهذا عموم لكل غنى من المسلمين، وهذا يدخل فيه الصغير والكبير، والمجنون، والعبد، والامة، إذا كانوا أغنياء وقد اختلف الناس في هذا * فأما أبو حنيفة والشافعي فقالا: زكاة مال العبد على سيده، لان مال العبد لسيده ولا يملكه العبد * قال أبو محمد: أما هذان فقد وافقا أهل الحق في وجوب الزكاة في مال العبد، وإنما الخلاف بيننا وبينهم في هل يملك العبد ماله أم لا؟ وليس هذا مكان الكلام في هذه المسألة، وحسبنا أنهما متفقان معنا في أن الزكاة واجبة في مال العبد * وقال مالك: لا تجب الزكاة في مال العبد، لا عليه ولا على سيده * وهذا قول فاسد جدا، لخلافه القرآن والسنن، وما نعلم لهم حجة أصلا، إلا أن بعضهم قال: العبد ليس بتام الملك، فقلنا: أما تام الملك فكلام لا يعقل! *
لكن مال العبد لا يخلو من أحد أوجه ثلاثة لا رابع لها * إما أن يكون للعبد وهذا قولنا، وإذا كان له فهو مالكه، وهو مسلم، فالزكاة عليه كسائر المسلمين ولا فرق: * وإما أن يكون لسيده كما قال أبو حنيفة والشافعي، فيزكيه سيده، لانه مسلم، وكذلك ان كان لهما معا * وإما أن يكون لا للعبد ولا للسيد، فان كان ذلك فهو حرام على العبد وعلى السيد،
__________
(1) بفتح الصاد المهملة واسكان الياء، وفى النسخة رقم (16) بالضاد المعجمة وهو تصحيف (2) في البخاري (ج 1 ص 215) (قد افترض) (3) كذا في الاصلين، وفى البخاري (في كل يوم وليلة) (4) في النسخة رقم (16) (فرض) وما هنا هو الموافق للبخاري (5) كذا في الاصلين، وفى البخاري (وترد على فقرائهم) *(5/202)
وينبغى أن يأخذه الامام، فيضعه حيث يضع كل مال لايعرف له رب وهذا لا يقولون به، لا سيما مع تناقضهم في إباحتهم للعبد أن يتسرى باذن سيده، فلو لا أنه عندهم مالك لما له لما حل له وطئ فرج لا يملكه أصلا، ولكان زانيا، قال الله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فاؤلئك هم العادون) فلو لم يكن العبد مالكا ملك يمينه لكان عاديا إذا تسرى، وهم يرون الزكاة على السفيه والمجنون، ولا ينفذ أمرهما في أموالهما، فما الفرق بين هذا وبين مال العبد؟ * وموه بعضهم بأنه صح الاجماع على أنه لا زكاة في مال المكاتب * فقلنا: هذا الباطل، وما روى إسقاط الزكاة عن مال المكاتب إلا عن أقل من عشرة من بين صاحب وتابع، وقد صح عن كثير من السلف من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم: أن المكاتب عبد ما بقى عليه درهم، وصح إيجاب الزكاة في مال العبد عن بعض الصحابة، فالزكاة على هذا القول واجبة في مال المكاتب *
وهذا مكان تناقض فيه أبو حنيفة والشافعي، فقالا: لا زكاة في مال المكاتب * واحتجا بأنه لم يستقر عليه ملك بعد * قال أبو محمد: وهذا باطل، لانهما مجمعان مع سائر المسلمين على أنه لا يحل لاحد أن يأخذ من مال المكاتب فلسا بغير إذنه أو بغير حق واجب، وأن ماله بيده يتصرف فيه بالمعروف، من نفقة على نفسه وكسوة وبيع وابتياع، تصرف ذى الملك في ملكه، فلو لا أنه ماله، وملكه ما حل له شئ من هذا كله فيه * وهم كثيرا يعارضون السنن بأنها خلاف الاصول! كقولهم في حديث المصراة، وحديث العتق في الستة الا عبد بالقرعة، وحديث اليمين مع الشاهد، وغير ذلك فليت شعرى؟ في أي الاصول وجدوا ما لا محكوما به لانسان ممنوعا منه كل أحد سواه مطلقة عليه يده في بيع وابتياع ونفقة وكسوة وسكنى -: وهو ليس له؟ أم في أي سنة وجدوا هذا؟ أم في أي القرآن؟ أم في غير قياس؟ * وممن رأى الزكاة في مال المكاتب أبو ثور وغيره * والعجب أن أبا حنيفة والشافعي مجمعان على أن المكاتب عبد ما بقى عليه درهم، فمن أين أسقطا الزكاة عن ماله دون مال غيره من العبيد؟ * وأيضا فمن أين وقع لهم أن يفرقوا بين مال المكاتب ومال العبد؟ *(5/203)
ولابد من أحد أمرين: إما أن يعتق المكاتب، فماله له، فزكاته عليه، وإما أن برق، فماله - قبل وبعد - كان عندهما لسيده، فزكاته على السيد * وشغب بعضهم بروايات رويت عن عمر بن الخطاب، وابنه، وجابر بن عبد الله رضى الله عنهم: لا زكاة في مال العبد والمكاتب * قال أبو محمد: أما الحنيفيون والشافعيون فقد خالفوا هذه الروايات، فرأوا الزكاة في مال العبد.
ومن الباطل أن يكون قول من ذكرنا بعضه حجة وبعضه خطأ، فهذا
هو التحكم في دين الله تعالى بالباطل * وأما المالكيون فيقال لهم: قد خالف من ذكرنا ما هو أصح من تلك الروايات حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا يزيد بن ابراهيم - هو التسترى (1) - ثنا محمد بن سيرين حدثنى جابر الحذاء قال: سألت ابن عمر قلت: على المملوك زكاة؟ قال: أليس مسلما؟! قلت: بلى، قال: فان عليه في كل مائتين خمسة (2) فما زاد فبحساب ذلك * حدثنا يوسف بن عبد الله ثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا قاسم بن أصبغ ثنا مطرف ابن قيس ثنا يحيى بن بكير ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر: انه كان يقول: المكاتب عبد ما بقى عليه درهم (3) * فالزكاة في قول ابن عمر على المكاتب * وقد صح عن أبى بكر الصديق أنه قال: لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فان الزكاة حق المال * قال أبو محمد: وهم مجمعون على أن الصلاة واجبة على العبد والمكاتب، والنص قد جاء بالجمع بينهما على كل مؤمن على ما أوجبهما النص * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا على ابن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري: انه قال في مال العبد، قال: يزكيه العبد *
__________
(1) نسبة إلى (تستر) بلد، بضم التاء الاولى وفتح الثانية وبينهما سين مهملة ساكنة (2) في نسخة (خمسة دراهم) (3) هو في الموطأ (ص 231) بلفظ (المكاتب عبد ما بقى عليه من كتابته شئ) *(5/204)
وبه إلى حماد بن سلمة عن قيس - هو ابن سعد - عن عطاء بن أبى رباح: انه
قال في زكاة مال العبد، قال يزكيه المملوك * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن حجير: أن طاوسا كان يقول: في مال العبد زكاة * حدثنا حمام ثنا عبيدالله بن محمد بن على الباجى ثنا عبد الله بن يونس المرادى ثنا بقى ابن مخلد ثنا أبو بمكر بن أبى شيبة ثنا عبد الرحمن بن مهدى عن زمعة عن عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: في مال العبد زكاة * وبه إلى ابى بكر بن أبى شيبة: ثنا غندر عن عثمان بن غياث عن عكرمة: أنه سئل عن العبد هل عليه زكاة؟ قال: هل عليه صلاة؟ * وقد روينا نحو هذا عن سالم بن عبد الله بن عمربن الخطاب وابن ابى ذئب.
وهو قول أبى سليمان وأصحابنا * قال أبو محمد: وكم قصة خالفوا فيها عمربن الخطاب وجابر بن عبد الله، كقولهما جميعا في صدقة الفطر: مدان من قمح أو صاع من شعير، وغير ذلك كثير * وأما مال الصغير والمجنون فان مالكا والشافعي قالا بقولنا، وهو قول عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأم المؤمنين عائشة وجابر وابن مسعود وعطاء وغيره * وقال أبو حنيفة: لا زكاة في اموالهما من الناض (1) والماشية خاصة، والزكاة واجبة في ثمارهما وزر وعهما * ولا نعلم أحدا تقدمه إلى هذا التقسيم * وقال الحسن البصري وابن شبرمة: لا زكاة في ذهبه وفضته خاصة وأما الثمار والزروع والمواشى ففيها الزكاة * وأما ابراهيم النخعي وشريح فقالا: لا زكاة في ماله جملة * قال أبو محمد: وقول أبى حنيفة اسقط كلام وأغثه؟ ليت شعرى؟ ما الفرق بين زكاة الزرع والثمار وبين زكاة الماشية والذهب والفضة؟ فلو أن عاكسا عكس قولهم، فأوجب
الزكاة في ذهبهما وفضتهما وماشيتهما، واسقطها عن زرعهما وثمرتهما، أكان يكون بين
__________
(1) الاصمعي: (اسم الدراهم والدنانير عن أهل الحجاز الناض والنض، وانما يسمونه ناضا إذا تحول عينا بعد ما كان متاعا، لانه يقال: ما نض بيدى منه شئ) نقله في اللسان(5/205)
التحكمين فرق في الفساد؟! * قال أبو محمد إن موه مموه منهم بأنه لا صلاة عليهما * قيل له: قد تسقط الزكاة عمن لا مال له ولا تسقط عنه الصلاة، وانما تجب الصلاة والزكاة على العاقل البالغ ذى المال الذى فيه الزكاة، فان سقط المال سقطت الزكاة، ولم تسقط الصلاة وان سقط العقل، أو البلوغ سقطت الصلاة ولم تسقط الزكاة، لانه لا يسقط فرض أوجبه الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم إلا حيث أسقطه الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يسقط فرض من اجل سقوط فرض آخر بالرأى الفاسد بلانص قرآن ولاسنة (1) * وأيضا فان أسقطوا الزكاة عن مال الصغير والمجنون لسقوط الصلاة عنهما ولانهما لا يحتاجان إلى طهارة فليسقطاها بهذه العلة نفسها عن زرعهما وثمارهما ولا فرق، وليسقطا أيضا عنهما زكاة الفطر بهذه الحجة * فان قالوا: النص جاء بزكاة الفطر على الصغير * قلنا: والنص جاء بها على العبد فأسقطتموها عن رقيق التجارة بآرائكم، وهذا مما تركوا فيه القياس، إذ لم يقيسوا زكاة الماشية والناض على زكاة الزرع والفطر، أو فليوجبوها على المكاتب، لوجوب الصلاة عليه ولا فرق * وقد قال بعضهم: زكاة الزرع والثمرة حق واجب في الارض، يجب بأول خروجهما * قال أبو محمد: وقد كذب هذا القائل، ولا فرق بين وجوب حق الله تعالى في الزكاة في الذهب والفضة والمواشى من حين اكتسابها إلى تمام الحول -: وبين وجوبه في الزرع والثمار من حين ظهورها إلى حلول وقت الزكاة فيها، والزكاة ساقطة بخروج
كل كذلك عن يد مالكه قبل الحول وقبل حلول وقت الزكاة في الزرع والثمار.
وانما
__________
(1) نعم لا يسقط فرض أوجبه الله أو رسوله الا حيث أسقطه الله أو رسوله، ونعم لا يسقط فرض من أجل سقوط فرض آخر، ولكن إذا كانت الزكاة تجب على العاقل البالغ ذى المال فانها تسقط حيث سقط واحد من هذه الشروط - شروط الوجوب - إن صح جعلها شروطا لوجوبها، والظاهر ان المؤلف أساء العبارة إذا أوهم انها شروط للوجوب، وكان الاصح ان الزكاة تجب في المال كما تجب الدية وكما يجب العوض وكما يجب الثمن مثلا، وان ولى الصبى أو المجنون مكلف باخراجها من مال محجوره، وان ولى الامر يجب عليه استيفاؤها من المال، وهذا هو التحقيق، وهو الذى لجأ إليه المؤلف اخير فيما سيأتي، وان حاورود أو رفى التعبير.(5/206)
الحق على صاحب الارض، لا على الارض، ولا شريعة على أرض أصلا، إنما هي على صاحب الارض، قال الله تعالى: (إنا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فأيين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا) فظهر كذب هذا القائل وفساد قوله * وأيضا: فلو كانت الزكاة على الارض لا على صاحب الارض لوجب أخذها في مال الكافر من زرعه وثماره، فظهر فساد قولهم.
وبالله تعالى التوفيق * ولا خلاف في وجوب الزكاة على النساء كهى على الرجال * وهم مقرون بأنها قد تكون أرضون كثيرة لا حق فيها من زكاة ولا من خراج، كأرض مسلم جعلها قصبا وهى تغل المال الكثير، أو تركها لم يجعل فيها شيئا، وكأرض ذمى صالح على جزية رأسه فقط * وقد قال سفيان الثوري والحسن البصري وأشهب والشافعي إن الخراجى الكافر إذا ابتاع أرض عشر من مسلم فلا خراج فيها ولا عشر * وقد صح ان اليهود والنصارى والمجوس بالحجاز واليمن والبحرين كانت لهم ارضون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف بين أحد من الامة في انه لم يجعل عليه السلام فهيا عشرا ولا خراجا *
فان ذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة) فذكر (الصبى حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق) * قلنا: فأسقطوا عنهما بهذه الحجة زكاة الزرع والثمار، وأروش الجنايات، التى هي ساقطة بها بلا شك وليس في سقوط القلم سقوط حقوق الاموال.
وإنما فيه سقوط الملامة، وسقوط فرائض الابدان فقط.
وبالله تعالى التوفيق * فان قالوا: لانية لمجنون ولا لمن لم يبلغ، والفرائض لا تجزئ إلا بنية * قلنا: نعم، وإنما أمر بأخذها الامام والمسلمون، بقوله تعالى: (خذمن أموالهم صدقة) فإذا أخذها من أمر بأخذها بنية انها الصدقة أجزأت عن الغائب والمغمى عليه والمجنون والصغير ومن لا نية له * والعجب ان المحفوظ عن الصحابة رضى الله تعالى عنهم إيجاب (1) الزكاة في مال اليتيم * روينا من طريق أحمد بن حنبل: ثنا سفيان - هو ابن عيينة - عن عبد الرحمن بن
__________
(1) في النسخة رقم (16) (فايجاب) بزيادة الفاء(5/207)
القاسم بن محمد بن ابى بكر الصديق وايوب السختيانى ويحيى بن سعيد الانصاري أنهم كلهم سمعوا القاسم بن محمد بن ابى بكر الصديق يقول: كانت عائشة تزكى اموالنا ونحن أيتام في حجرها، زاد يحيى: وإنه ليتجر بها في البحر * ومن طريق أحمد بن حنبل: ثنا وكيع ثنا القاسم بن الفضل - هو الحدانى (1) عن معاوية بن قرة عن الحكم بن ابى العاصى الثقفى قال قال لى عمر بن الخطاب: ان عندي مال يتيم قد كادت الصدقة ان تأتى عليه * ومن طريق عبد الرزاق ومحمد بن بكر قالا: اخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول في الرجل يلى مال اليتيم، قال: يعطى زكاته * ومن طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبى ثابت عن عبيدالله بن ابى رافع قال:
باع على بن ابى طالب أرضا لنا بثمانين الفا، وكنا يتامى في حجره، فلما قبضنا اموالنا نقصت، فقال: إنى كنت ازكيه * وعن ابن مسعود قال: أحص ما في مال اليتيم من زكاة، فإذا بلغ، فان آنست منه رشدا فأخبره، فان شاء زكى وان شاء ترك * وهو قول عطاء وجابر بن زيد وطاوس ومجاهد والزهرى وغيرهم، وما نعلم لمن ذكرنا مخالفا من الصحابة، الا رواية ضعيفة عن ابن عباس، فيها ابن لهيعة * وقد حدثنا حمام عن ابن مفرج عن ابن الاعرابي عن الدبرى عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال قال يوسف بن ماهك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ابتغوا في مال اليتيم لا تأكله الزكاة) (2) * والحنيفيون يقولون: المرسل كالمسند، وقد خالفوا ههنا المرسل وجمهور الصحابة رضى الله عنهم * 639 - مسألة - ولايجوز أخذ الزكاة من كافر * قال أبو محمد: هي واجبة عليه وهو معذب على منعها، إلا أنها لا تجزئ عنه الا أن
__________
(1) بضم الحاء وتشد الدال المهملتين، نسبة إلى حدان بن شمس - بضم الشين المعجمة واسكان الميم - ابن عمرو بن غنم بن غالب بن عثمان.
ولم يكن القاسم بن الفضل من بنى حدان بل هو أزدى، وانما كان نازلا بجنب بنى حدان فنسب إليهم، وكنيته أبو المغيرة (2) ورواه الشافعي من طريق ابن جريج عن يوسف نحوه مرسلا.
أيضا انظر التلخيص (ص 176)(5/208)
يسلم، وكذلك الصلاة ولا فرق، فإذا اسلم فقد تفضل عزوجل باسقاط ما سلف عنه من كل ذلك، قال الله تعالى: (الاأصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين) وقال عزوجل: (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة
وهم بالآخرة هم كافرون) وقال تعالى: (قل: للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * قال أبو محمد: ولا خلاف في كل هذا، الا في وجوب الشرائع على الكفار، فان طائفة عندت عن القرآن والسنن، خالفوا في ذلك * 640 - مسألة - ولا تجب الزكاة إلا في ثمانية أصناف من الأموال فقط وهى: الذهب والفضة والقمح والشعير والتمر والابل والبقر والغنم ضأنها وما عزها فقط * قال أبو محمد: لا خلاف بين احد من أهل الاسلام في وجوب الزكاة في هذه الانواع، وفيها جاءت السنة، على ما نذكر عبد هذا ان شاء الله تعالى، واختلفوا في اشيأء مما عداها * 641 - مسألة - ولا زكاة في شئ من الثمار، ولامن الزرع، ولا في شئ من المعادن، غير ما ذكرنا، ولا في الخيل، ولا في الرقيق، ولافى العسل، ولا في عروض التجارة، لا على مدير (1) ولا غيره * قال أبو محمد: اختلف السلف في كثير مما ذكرنا، فأوجب بعضهم الزكاة فيها، ولم يوجبها بعضهم (2)، واتفقوا في أصناف سوى هذه أنه لا زكاة فيها * فمما اتفقوا على انه لا زكاة فيه كل ما اكتسب للقنية لا للتجارة، من جوهر، وياقوت، ووطاء، وعطاء، وثياب، وآنية نحاس أو حديد أو رصاص أو قزدير، وسلاح، وخشب، ودور (3) وضياع، وبغال، وصوف، وحرير وغير ذلك كله لا تحاش شيئا * وقالت طائفة: كل ما عمل منه خبز أو عصيدة ففيه الزكاة، وما لم يؤكل الا تفكها فلا زكاة فيه، وهو قول الشافعي *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ولا على مدير) والسياق يأبى زيادة الواو.
وبحاشية النسخة رقم (14) ما نصه: (المدير الذى يدير النصاب قبل حلول الحول) (2) في النسخة رقم (16) (فأوجب بعضهم الزكاة فيما لم يوجبها بعضهم) (3) في النسخة رقم (14) (ودروع) بدل الدور وما هنا أحسن، فالدور أنسب لذكرها مع الضياع.
(م 27 - ج 5 المحلى)(5/209)
وقال المالك: الزكاة واجبة في القمح والشعير والسلت (1)، وهى كلها صنف واحد، قال: وفى العلس (2)، وهو صنف منفرد، وقال مرة اخرى: انه يضم إلى القمح والشعير والسلت، قال: وفى الدخن، وهو صنف منفرد، وفى السمسم، والارز، والذرة، وكل صنف منها منفرد لا يضم إلى غيره، وفى الفول، والحمص (3) واللوبيا والعدس والجلبان (4) والبسيل (5) والترمس وسائر القطنية (6)، وكل ما ذكرنا فهو صنف واحد يضم بعضه إلى بعض في الزكاة * قال: وأما في البيوع فكل صنف منها على حياله، إلا الحمص واللوبيا فانهما صنف واحد * ومرة رأى الزكاة في حب العصفر، ومرة لم يرها فيه، وأوجب الزكاة في زيت الفجل (7)، ولم ير الزكاة في زريعة الكتان، (8) ولا في زيتها، ولا في الكتان ولا في الكر سنة (9)، ولا في الخضر كلها (10)، ولافى اللفت * ورأى الزكاة في الزبيب وفى زيت الزيتون لا في حبه، ولم يرها في شئ من الثمار، لافى تين ولا بلوط ولا قسطل ولا رمان ولا جوز الهند ولا جوز ولالوز، ولا غيرذلك أصلا *
__________
(1) سيأتي الكلام عليه بعد قليل (2) بالعين المهملة واللام المفتوحتين وبعدها سين مهملة: هو نوع جيد من القمح، وقيل: هو ضرب من القمح يكون في الكمام منه حبتان يكون بناحية وهو طعام أهل صنعاء، وقال ابن الاعرابي: العدس يقال له العلس قاله في اللسان.
(3) بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم المفتوحة وكسرها أيضا ففيه لغتان (4) بضم الجيم وضم اللام وتشديد الباء الموحدة، وباسكان اللام وتخفيف الباء، وهو حب أغبرأ كدر على لون الماش إلا أنه أشد كدرة منه وأعظم جرما، وهو يطبخ.
قاله في اللسان ووصفه داود في التذكرة وصفا مفصلا (5) هكذا في الاصلين، والذى في اللسان أن البسيلة الترمس.
(6) بكسر القاف اسكان الطاء المهملة وتخفيف الياء المثناة، ويجوز تشديدها، وبضم القاف مع تشديد الياء فقط، هي واحدة القطانى، وهى الحبوب التى تدخر كالحمص والعدس والترمس والارز وغيرها وهى ما كان سوى الحنطة والشعير
والزبيب والتمر (7) بضم الفاء والجيم وباسكان الجيم أيضا (8) الزريعة الشئ المزروع فالمراد نفس نبات الكتان لابزره (9) بسكر الكاف واسكان الراء وكسر السين المهملة وفتحها مع تشديد النون المفتوحة: نبات له حب في غلف تعلفه الداوب، وصفته مفصلة عند داود (10) في النسخة رقم (14) تقديم وتأخير في هذه الاصناف وزيادة (ولا في القطن)(5/210)
وقال أبو حنيفة: الزكاة في كل ما أنبتت الارض من حبوب أو ثمار أو نوار (1) لا تحاش شيئا، حتى الورد، السوسن، والنرجس وغير ذلك، حاشا ثلاثة أشياء فقط، وهى: الحطب، والقصب، الحشيش فلا زكاة فيها، واختلف قوله في قصب الذريرة، (2)، فمرة رأى فيها الزكاة ومرة لم يرها فيها * وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن: لا زكاة في الخضر كلها، ولا في الفواكه، وأوجبا الزكاة في الجوز، واللوز، والتين، وحب الزيتون، والجلوز (3) والصنوبر والفستق والكمون والكرويا (4) والخردل والعناب وحب البسباس (5) وفى الكتان، وفى زريعته أيضا، وفى حب العصفر وفى نواره، وفى حب القنب (6) لا في كتانه، وفى الفوه (7)، إذا بلغ كل صنف مما ذكرنا خمسة أوسق، والا فلا، واوجبا الزكاة في الزعفران وفى القطن والورس * ثم اختلفا * فقال ابو يوسف: إذا بلغ ما يصاب من احد هذه الثلاثة ما يساوى خمسة اوسق من قمح أو شعير أو من ذرة أو من تمر أو من زبيب - احد هذه الخمسة فقط، لامن شئ غيرها -: ففيه الزكاة وان نقص عن قيمة خمسة أوسق من احد ما ذكرنا فلا زكاة فيه * وقال محمد بن الحسن: ان بلغ ما يرفع (8) من الزعفران خمسة أمنان - وهى عشرة أرطال - ففيه الزكاة وإلا فلا، وكذلك الورس، وإن بلغ القطن خمسة أحمال - وهى ثلاثة
__________
(1) بضم النون وتشديد الواو المفتوحة: هو الزهر (2) بفتح الذال المعجمة وكسر الراء وبعد الياء راء ثانية وهى: فتات من قصب الطيب الذى يجاء به من الهند يشبه
قصب النشاب.
قاله في اللسان (3) بكسر الجيم وتشديد اللام المفتوحة واسكان الواو وآخره زاى، وهو: البندق، وهو عربي حكاه سيبويه.
(4) الكرويا والكروياء معروفة، بفتح الراء واسكان الواو وليس بينهما شئ، وحكاها بعضهم بوزن زكريا مقصورا (5) البسباس والبسبساسة بفتح الباء بقل طيب الريح يشبه طعمه طعم الجزر (6) بفتح القاف وكسرها مع تشديد النون المفتوحة: نبات يفتل من لحائه حبال وخيطان (7) الفوه والفوة، بضم الفاء وفتح الواو المشددة وبالهاء أو التاء: عروق دقاق: طوال حمر يصبغ ويداوى بها (8) يعنى ما تغله الا رض، يقال: جاء زمن الرفاع - بكسر الراء وفتحها - وهو اكتاز الزرع ورفعه بعد الحصاد *(5/211)
آلاف رطل فلفلية (1) ففيه الزكاة، وإلا فلا * واتفقا على أن حب العصفر إن بلغ خمسة أوسق زكى هو ونواره، وإن نقص عن ذلك لم يزك لاحبه ولا نواره * واختلفا في الاجاص (2) والبصل والثوم والحناء، فمرة اوجبا فيها الزكاة، ومرة أسقطاها.
وأسقطا الزكاة عن خيوط القنب وعن حب القطن، وعن البلوط والقسطل والنبق (3) والتفاح والكمثرى والمشمش والهليلج (4) والبطيخ والقثاء واللفت والتوت والخروب والحرف (5) والحلبة والشونيز (6) والكراث * وقال أبو سليمان داود بن على وجمهور أصحابنا: الزكاة في كل ما أنبتت الارض، وفى كل ثمرة، وفى الحشيش وغير ذلك، لاتحاش شيئا، قالوا: فما كان من ذلك يحتمل الكيل لم تجب فيه زكاة حتى يبلغ الصنف الواحد منه خمسة اوسق فصاعدا، وما كان لا يحتمل ففى قليله وكثيره الزكاة * وروينا أيضا عن السلف الاول أقوالا * فروى عن ابن عباس: انه كان يأخذ الزكاة من الكراث *
وعن ابن عمر: انه رأى الزكاة في السلت * وعن مجاهد وحماد بن ابى سليمان وعمر بن عبد العزيز وابراهيم النخعي إيجاب الزكاة في كل ما اخرجت الارض، قل أو كثر، وهو عن عمر بن عبد العزيز وابراهيم وحماد بن ابى سليمان في غاية الصحة *
__________
(1) بحاشية النسخة رقم (14) في (ص 251 منها) - بعد نيف وثلاثين صفحة عند الكلام على تفسير المد - ما نصه: (الرطل الفلفلى هو الرطل البغدادي، قال أبو عبيد: وزنته عندهم ثمانية وعشرون درهما ومائة درهم كيلا) (2) بكسر الهمزة وتشديد الجيم، ويفهم من كلام داود أنه فاكهة من أنواعها الخوخ والبرقوق وغيرهما (3) في النسخة رقم (16) (والتين) وهو خطأ (4) بفتح الهاء وكسر اللامين بينهما ياء، ويقال إهليلج وإهليلجة بزيادة همزة مكسورة في أولهما وفتح اللام الثانية فيهما ولايجوز كسرها فيهما، قال في اللسان (عقير من الادوية معروف وهو معرب؟) ولم يفسره داود بأكسر من هذا (5) بضم الحاء المهملة واسكان الراء، وهو حب الرشاد (6) بضم الشين وكسر النون، ويقال (الشينيز) بكسر الشين، وهو الحبة السوداء *(5/212)
رواه عن عمر بن عبد العزيز معمر عن سماك بن الفضل عنه * ورواه عن ابراهيم وكيع عن سفيان الثوري عن منصور عنه، وأنه قال: في عشر دستجات بقل دستجة (1) * ورواه عن حماد بن ابى سليمان شعبة * وروينا عن الزهري وعمر بن عبد العزيز إيجاب الزكاة في الثمار عموما، دون تخصيص * بعضها من بعض * وعن الزهري إيجاب الزكاة في التوابل والزعفران عشر ما يصاب منها * وعن ابى بردة بن ابى موسى إيجاب الزكاة في البقول *
قال أبو محمد: أما ما روى عن ابن عمر رضى الله عنه من ايجاب الزكاة في السلت فانه قدر انه نوع من القمح، وليس كذلك، وان كان القمح يستحيل في بعض الارضين سلتا، فان اسمهما (2) عند العرب مختلف، وحدهما في المشاهدة مختلف، فهما صنفان بلا شك (3) وقد يستحيل العصير خمرا ويستحيل الخمر خلا وهى أصناف مختلفة بلا خلاف، ولم يأت قط برهان من نص ولا من اجماع ولامن معقول على أن ما استحال إلى شئ آخر فهما نوع واحد، ولكن إذا اختلف الاسماء لم يجز أن يوقع حكم ورد في اسم صنف ما على ما لا يقع عليه ذلك الاسم، لقول الله تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) ولو كان ذلك لوجب ان يوقع على غير السارق حكم السارق، وعلى غير الغنم حكم الغنم وهكذا (4) في كل شئ (5) * وروينا في ذلك أثرا لا يصح، من طريق ابن لهيعة، وهو ساقط، عن عمارة بن غزية وهو ضعيف (6)، عن عبد الله بن أبى بكر بن عمر وبن حزم: (إن هذا كتاب رسول الله
__________
(1) بفتح الدال واسكان السين المهملتين وفتح التاء والجيم، وهى الحزمة، فارسي معرب (2) في الاصلين (اسمها) وهو خطأ ظاهر (3) السلت بضم السين المهملة واسكان اللام - نوع من الشعير لاقشر له يكون بالغور والحجاز يتبردون بسويقه في الصيف، هكذا في اللسان، ورجحه على قول من زعم أنه نوع من الحنطة، وكذلك قال داود: انه نوع من الشعير وانه ينبت بالعراق واليمن وينزع من قشره كالحنطة وانه أجود ما يؤكل مطبوخا باللبن ويسمن تسمينا عظيما (4) في النسخة رقم (14) (وهذا) (5) هذه مغالطة غريبة (6) غزية بفتح الغين المعجمة وكسر الزاى وتشديد الياء المفتوحة، وعمارة هذا تابعي ثقة، قال الذهنى في الميزان (ما علمت أحدا ضعفه سوى ابن حزم)(5/213)
صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: في النخل، والزرع قمحه وسلته وشعيره فيما سقى من ذلك بالرشاء (1) نصف العشر) وذكر الحديث (2) * وهذه صحيفة لا تسند، وقد خالف خصومنا أكثر ما في هذه الصحيفة *
وأما قول الشافعي فانه حد حدا فاسدا لا برهان على صحته، لامن قرآن ولا من سنة ولا من إجماع ولامن قول صاحب ولا من قياس، وما نعلم أحدا قاله قبله، وما كان هكذا فهو ساقط لا يحل القول به * والعجب انه قاس على البر والشعير كل ما يعمل منه خبز أو عصيدة، ولن يقس على التمر والزبيب كل ما يتقوت من الثمار!، فان البلوط والتين والقسطل وجوز الهند أقوى وأشهر في القوت من الزبيب بلا شك فما علمنا بلدا يكون قوت أهله الزبيب صرفا ونعلم بلادا ليس قوتها إلا القسطل وجوز الهند والتين صرفا، وكذلك البلوط، وقد يعمل منه الخبز والعصيدة، فظهر فساد هذا القول * وأما قول مالك فأشد وأبين في الفساد، لانه إن كانت علته التقوت، فان القسطل والبلوط والتين وجوز الهند واللفت بلاشك أقوى في التقوت من الزيت ومن الزيتون ومن الحمص ومن العدس ومن اللوبياء * والعجب كله إيجابه الزكاة في زيت الفجل وهو لا يؤكل، وانما هو للوقيد (3) خاصة ولا يعرف إلا بأرض مصر فقط، أخبرني ثقة في نقله وتمييزه أن المسمى بمصر فجلا *
__________
(1) الرشاء بكسر الراء بالمدحبل الدلو.
والمراد هنا ما سقى بآلة من آلات السقى (2) كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن مع عمرو بن حزم سبق أن ذكرنا في المسألة (116) (ج 1 ص 81 و 82) أنه كتاب صحيح وذكرنا اسناده من المستدرك للحاكم، وهذه القطعة التى هنا ليست في المستدرك بهذا اللفظ، ولكن فيه (وما كتب الله على المؤمنين من العشر في العقار ما سقت السماء أو كان سحا أو بعلا ففيه العشر إذا بلغت خمسة أوسق، وما سقى بالرشاء والدالية ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أوسق) وقد ورد هذا المعنى باسناد صحيح جدا عند الدار قطني (ص 215) من طريق ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر: (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن) الخ وأرجو أن أوفق إلى جمع كل أسانيد هذا الاثر الجليل وكل ألفاظه وأحققها تحقيقا شافيا باذن الله.
(3) الوقيد بالياء
أحد مصادر (وقد) *(5/214)
يعمل منه الزيت الذى رأى مالك فيه الزكاة -: هو النبات المسمى عندنا بالاندلس (اللبشتر) (1) وهو نبات صحراوي لا يغترس أصلا * ولم ير الزكاة في زيت زريعة الكتان، ولا في زيت السمسم، وزيت الجوز، وزيت الهركان وزيت الزنبوج (2) وزيت الضرو، (3) وهذه تؤكل ويوقدبها، وهى زيوت خراسان والعراق وأرض المصامدة وصقلية * ولا متعلق لقوله في قرآن ولافى سنة صحيحة ولا في رواية سقيمة، ولا من دليل إجماع ولا من قول صاحب ولامن قياس، ولا من عمل أهل المدينة، لان اكثر ما رأى فيه الزكاة ليس يعرف بالمدينة، وما نعرف هذا القول عن أحد قبله، فظهر فساد هذا القول جملة، وبالله تعالى التوفيق * والعجب كل العجب أن مالكا والشافعي قالا نصا عنهما: إن قول الله تعالى (وهو الذى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) إنما أراد به الزكاة الواجبة! * قال أبو محمد: فكيف تكون هذه الآية انزلها الله تعالى في الزكاة عندهما، ثم يسقطان الزكاة عن أكثر ما ذكر الله تعالى فيها باسمه، من الرمان وسائر ما يكون في الجنات؟ وهذا عجب لا نظير له؟ * واحتج بعضهم بأنه انما أوجب الله تعالى الزكاة فيها فيما يحصد * فقيل للمالكيين: فمن أين اوجبتم الزكاة في الزيتون وهو عندكم لا يحصد؟ * ويقال للشافعيين: من لكم بأن الحصاد لا يطلق على غير الزرع؟ والله تعالى ذكر منازل الكفار فقال: (منها قائم وحصيد) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: (احصدوهم حصدا *
واما قول ابى يوسف ومحمد فأسقط هذه الاقول (4) كلها وأشدها تناقضا، لانهما
__________
(1) ضبطت هذه الكلمة بالقلم في النسخة رقم (14) بفتح اللام وكسر الباء الموحدة واسكان الشين المعجمة وفتح التاء المثناة، ولم أصل إلى تحقيقها، ولعلها كلمة اسبانية مما عرب بعد فتح الاندلس (2) الهر كان والزنبوج لن اعرفها (3) بكسر الضاد واسكان الراء وآخره واو، هو من شجر الجبال كالبلوط العظيم، حقق داود ان صمغه هو المعروف بالحصى لبان الجاوى انظر اللسان والتذكرة (4) في بعض النسخ (فأسقط من هذه الاقوال) وما هنا اصح وأنسب للسياق *(5/215)
لم يلتزما التحديد با يتقوت، ولا بمال يكال، ولا بما يؤكل ولا بما يبس، ولا بما يدخر، وأتيا بأقوال في غاية الفساد، فأوجبا الزكاة في الجوز واللوز والجلوز والصنوبر، واسقطاها عن البلوط والقسطل واللفت واوجباها في البسباس، وأسقطاها عن الشونيز، وهما اخوان وأوجباها - في بعض الاقول - في الثوم، والبصل وأسقطاها عن الكراث، وأوجباها في خيوط الكتان وحبه، وأوجباها (1) في حب العصفر ونواره، وأوجباها في خيوط القطن دون حبه، وأوحباها في حب القنب وأسقطاها عن خيوطه، وأوجباها في الخردل وأسقطاها عن الحرف، وأوجباها في العناب، وأسقطاها عن النبق، وهما أخوان، وأوجباها في الرمان، وأسقطاها عن التفاح والسفرجل وهى (2) سواء * فان قيل: الرمان مذكور في الآية.
قيل: والزرع مذكور في الآية * وقد أسقطا الزكاة عن أكثر ما يزرع * وهذه وساوس تشبه ما يأتي به الممرور (3) ومالهما متعلق لامن قرآن ولا من سنة ولامن رواية ضعيفة، ولا من قول صاحب، ولا قياس، ولا رأى سديد، وما نعلم أحدا قال بذلك قبلهما، فسقط هذا القول الفاسد أيضا جملة * أما قول أبى حنيفة فلا متعلق له بالقرآن، ولا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت
السماء العشر) لانه قد اخرج من جملة ذلك القصب والحشيش وورق الثمار كلها، وهذا تخصيص لما احتج به، بلا برهان من نص ولامن اجماع، ولا من قياس ولا من رأى له وجه يعقل، مع خلافه للسنة، فخرج أيضا هذا القول عن الجواز (4).
وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: فلم يبق إلا قول اصحابنا وقولنا: فنظرنا في ذلك، فوجدنا اصحابنا يحتجون بالآية المذكورة وبالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: (فيما سقت السماء العشر)، لاحجة لهم غير هذين النصين، * فوجدنا الآية لا متعلق لهم بها لوجوه * احدها: ان السورة مكية، والزكاة مدنية بلا خلاف من احد من العلماء فبطل ان تكون أنزلت في الزكاة *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (واختلفا) وهو خطأ، فقد سبق ان نقل المؤلف عنهما إيجابها في حب العصفر ونواه (2) في النسخة رقم (16) (وهما وهو خطأ، إذا المراد ان الرمان والتفاح والسفرجل سواء (3) هو الذى غلبت عليه المرة (4) في النسخة رقم (14) (على الجواز)(5/216)
وقال بعض المخالفين: نعم هي مكية، إلا هذه الآية وحدها، فانها مدنية * قال أبو محمد: هذه دعوى بلا برهان على صحتها، وتخصيص بلا دليل، ثم لو صح لما كانت لهم في ذلك حجة، لان قائل هذا القول زعم انها انزلت في شأن ثابت بن قيس ابن الشماس رضى الله عنه، إذ جد ثمرته فتصدق منها حتى لم يبق له منها شئ (1)، فبطل ان يكون اريد بها الزكاة * والثانى: قوله تعالى فيها: (وآتوا حقه يوم حصاده) ولا خلاف بين أحد من الامة في ان الزكاة لا يجوز إيتاؤها يوم الحصاد، لكن في الزرع بعد الحصاد، والدرس والذرو، والكيل، وفى الثمار بعد اليبس والتصفية والكيل، فبطل ان يكون ذلك الحق المأمور به هو الزكاة التى لا تجب إلا بعد ما ذكرنا *
والثالث: قوله تعالى في الآية نفسها: (ولا تسرفوا) ولا سرف في الزكاة، لانها محدودة، لا يحل أن ينقص منها حبة ولا تزاد أخرى (2) * فان قيل: فما هذا الحق المفترض في الآية؟ * قلنا: نعم، هو حق غير الزكاة، وهو ان يطعى الحاصد حين الحصد ما طابت به نفسه ولابد، لاحد في ذلك، هذا ظاهر الآية، وهو قول طائفة من السلف * كما حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن دحيم ثنا ابراهيم بن حماد ثنا اسماعيل ابن اسحاق القاضى ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن اشعث - هو ابن عبد الملك - عن محمد بن سيرين وعن نافع عن ابن عمر في قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) قال: كانوا يعطون من اعتربهم (3) شيئا سوى الصدقة * وبه إلى اسماعيل بن اسحاق قال: ثنا محمد بن ابى بكر - هو المقدمى - ثنا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن سفيان الثوري عن حماد بن ابى سليمان عن ابراهيم النخعي في
__________
(1) هذا رواه الطبري في التفسير (ج 8 ص 45) عن ابن جريج مرسلا، وكذلك نسبه السيوطي في الدر المنثور (ج 3 ص 49) إليه والى ابن أبى حاتم، ولا حجة في مثل هذا (2) أي على انها من المفروض، وإلا فالتطوع بالزيادة لا خلاف في جوازه (3) يقال (اعتره واعتربه) إذا أتاه فطلب معروفه.
وهذا الاثر رواه يحيى بن آدم في الخراج رقم (412) عن حفص وعبد الرحيم عن أشعث بهذا الاسناد.
ورواه النحاس في الناسخ والمنسوخ (م 28 - ج 5 المحلى)(5/217)
قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاه) قال: يعطى نحوا من الضغث * ومن طريق جرير عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) قال إذا حصدت وحضرك المساكين طرحت لهم منه وإذا طيبت طرحت لهم منه، وإذا نقيته وأخذت في كيله حثوت لهم منه، وإذا علمت كيله عزلت زكاته، وإذا أخذت في جداد النخل (1) طرحت لهم من الثفاريق (2) والتمر، وإذا اخدت في كيله حثوت
لهم منه، وإذا علمت كيله عزلت زكاته * وعن مجاهد ايضا: هذا واجب حين يصرم * وعن أبى العالية في قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاه) قال: كانوا يعطون شيئا غير الصدقة * وعن سعيد بن جبير في قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) قال: يمر به الضعيف والمسكين فيعطيه حتى يعلم ما يكون * وعن جعفر بن محمد بن على بن الحسين عن أبيه عن جده: (وآتوا حقه يوم حصاده) قال: بعد الذى يجب عليه من الصدقة يعطى الضغث (3) والشئ * وعن الربيع بن أنس: (وآتوا حقه يوم حصاده) قال: لقاط السنبل * وعن عطاء في قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) قال: شئ يسير سوى الزكاة المفروضة *
__________
(ص 139) من طريق حفص وفيه (أنبأنا شعيب عن نافع عن ابن عمر) والظاهر أن قوله (شعيب) خطأ صوابه (أشعث) وروى الطبري (ج 8 ص 42) معناه باسنادين.
ووقع في الخراج (من اعتراهم) وقد ظهر لنا الآن أنه خطأ وان صوابه (من اعتربهم) كما في الدر المنثور أيضا (ج 3 ص 49) وكما في بعض الفاظ الطبري عن ابن عمر (يطعم المعتر) (1) الجداد بفتح الجيم وكسرها وبالدالين المهملتين، كما في النسخة رقم (14) وفى النسخة رقم (16) بالمعجمتين وكذلك في كثير من كتب السنة، وهو تصحيف، ولم تذكر هذه الكلمة في كتب اللغة الا في مادة (ج د د) وليس لها في مادة (ج ذذ) (2) بالثاء المثلثة جمع ثفروق وهو قمح البسرة والتمرة، والمراد هنا العناقيد يخرط ما عليها فتبقى عليها التمرة والتمرتان والثلاث يخطئها المخلب فتلقى للمساكين قاله في اللسان، والاثر رواه يحيى بن آدم رقم (403) والطبري (ج 8 ص 41) ووقع في الاصلين (التفاريق) بالمثناة وهو تصحيف (3) أي الحزمة *(5/218)
ولا يصح عن ابن عباس انها نزلت في الزكاة، لانه من رواية الحجاج بن أرطاة،
وهو ساقط، ومن طريق مقسم، وهو ضعيف * ومن ادعى أنه نسخ لم يصدق الا بنص متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فما يعجز أحد عن ان يدعى في أي آية شاء وفى أي حديث شاء أنه منسوخ، ودعوى النسخ إسقاط لطاعة الله تعالى فيما أمر به من ذلك النص، وهذا لا يجوز الا بنص مسند صحيح * وأما قول (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر وفيما سقى بنضح أو دالية (2) نصف العشر) فهو خبر صحيح، لو لم يأت ما يخصه لم يجز خلافه لاحد * لكن وجدنا ما حدثناه عبد الله بن يوسف وأحمد بن محمد الطلمنكى، قال عبد الله: ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبى شيبة، وعمر والناقد، وزهير بن حرب، قالوا كلهم: ثنا وكيع، وقال الطلمنكى: ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقى ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا احمد بن الوليد العدنى ثنا يحيى بن آدم، ثم اتفق وكيع ويحيى، كلاهما عن سفيان الثوري عن اسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان عن يحيى بن عمارة عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أو ساق (3) تمر ولا حب صدقة) قال وكيع في روايته: (من تمر) واتفقا فيما عدا ذلك (4) * قال أبو محمد: وهذا إسناده في غاية الصحة، فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة عن كل ما دون خمسة أو ساق (5) من حب أو تمر * ولفظة (دون) في اللغة العربية تقع على معنيين، وقوعا مستويا، ليس أحدهما اولى من الآخر وهما بمعنى: أقل، وبمعنى: غير، قال عزوجل: (ألا تتخذوا من دوني وكيلا) أي من غيرى، وقال عزوجل: (وآخرين من دونهم لا تعلمونهم) أي من غيرهم، وحيثما وقعت لفظة (دون) في القرآن فهى بمعنى غير، فلا يجوز لاحد ان يقتصر بلفظة (دون)
__________
(1) في النسخة رقم (14) (فأما) (2) هي شئ يتخذ من خوص وخشب يستقى به بحبال تشد في رأس حذع طويل.
قاله في اللسان (3) في النسخة رقم (14) (أوسق
وكلاهما جمع صحيح، وما هنا هو الموافق لمسلم (ج 1 ص 267) (4) هو في الخراج ليحيى برقم 440 بهذا الاسناد ولكن لفظه: (لاصدقة في حب ولا تمر دون خمسة أوسق) (5) في النسخة رقم (14) (أوسق)(5/219)
في هذا الخبر على معنى: أقل دون معنى: غير، ونحن إذا حملنا (دون) ههنا على معنى غير دخل فيه أقل، وتخصيص اللفظ بلا برهان من نص لا يحل، * فصح يقينا أنه لا زكاة غير خمسة أوسق من حب أو تمر، ووجبت الزكاة فيما زاد على خمسة اوسق بنص قول (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالاجماع المتيقن على ذلك، وكذلك في الابل والبقر والغنم والذهب والفضة بالاجماع المتيقن والنص أيضا، وسقطت الزكاة عما عدا ذلك مما اختلف فيه ولا نص فيه، بنفى النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة عن كل ما هو غير خمسة اوسق من حب أو تمر، (2) * ثم وجب ان ننظر ما يقع عليه اسم (حب) في اللغة التى بها خاطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم * فوجدنا ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا احمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمى (3) عن عطاء بن السائب عن أبيه عن سعيد بن جبير عن أبن عباس في قول الله تعالى: (حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا) قال ابن عباس: الحب البر، والقضب الفصفصة (4)، فاقتصر ابن عباس - وهو الحجة في اللغة - بالحب على البر * وذكر أبو حنيفة أحمد بن داود الدينورى اللغوى في كتابه في النبات، وفى باب ترجمته (باب الزرع والحرث وأسماء الحب والقطاني وأوصافها) فقال: قال أبو عمرو - هو الشيباني -: جميع بزور النبات يقال لها (الحبة) بكسر الحاء * قال أبو محمد: كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: (فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل) *
قال أبو حنيفة الدينورى في الباب المذكور: وقال الكسائي: واحد الحبة حبة بفتح
__________
(1) في النسخة رقم (16) (فعل) وهو خطأ (2) كل هذا تكلف من ابن حزم ولا معنى له ولا دليل عليه.
وزعمه ان (دون) في الحديث بمعنى غير زعم ليس صحيحا، بل سياق ألفاظ الحديث على اختلاف رواياته يدل على ان المراد به (أقل) بل جاء في بعض ألفاظه الموقوفة على الصحابة الذين رووه (3) بفتح العين المهملة وتشديد الميم المكسورة، نسبه إلى (العم) وهو بطن من تميم (4) بفاءين مكسورتين بينهما صاد مهملة ساكنة وبعدهما صاد مهملة مفتوحة، وهى الرطبة وقيل القت، جمعها فصافص يفتح الفاء الاولى.(5/220)
الحاء، فأما الحب فليس إلا الحنطة والشعير وأحدها حبة، بفتح الحاء، وإنما افترقتا في الجمع.
ثم ذكر أبو حنيفة بعد هذا الفصل - إثر كلام ذكره لانى نصر صاحب الاصمعي -: كلاما نصه: وكذلك غيره من الحبوب كالارز، والدخن * قال على: فهذه ثلاثة جموع: الحب للحنطة والشعير خاصة، والحبة - بكسر الحاء وزيادة الهاء في آخرها - لكل ما عداهما من البزور خاصة، والحبوب للحنطة والشعير وسائر البزور.
والكسائي امام في اللغة وفى الدين والعدالة * فإذ قد صح ان الحب لا يقع الا على الحنطة والشعير في لغة العرب، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا بنفى الزكاة عن غيرهما وغير التمر -: فلا زكاة في شئ من النبات غيرهما وغير التمر * وقد روى من لا يوثق به عمن لا يوثق به ولا يدرى من هو عمن لا يوثق به -: ايجاب الزكاة في الحبوب، وهو عبد الملك بن حبيب الاندلسي عن الطلحى (1) عن عبد الرحمن ابن زيد بن اسلم وهو أيضا منقطع * قال أبو محمد: وقال قوم من السلف بمثل هذا، وزادوا إلى هذه الثلاثة الزبيب * كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن عمرو بن عثمان وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيدالله، قال عمرو:
عن موسى بن طلحة بن عبيدالله: أن معاذا لما قدم اليمن لم يأخذ الصدقة إلا من الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وقال طلحة بن يحيى: عن أبى بردة بن أبى موسى الاشعري عن أبيه: أنه لم يأخذها إلا من الحنطة والشعير والتمر والزبيب * حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا على بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا حجاج - هو ابن محمد الاعور - عن ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر في صدقة الثمار والزرع، قال: ما كان من نخل أو عنب أو حنطة أو شعير * وبه إلى أبى عبيد: ثنا يزيد عن هشام (2) - هو ابن حسان - عن الحسن البصري:
__________
(1) بفتح الطاء المهملة واسكان اللام، نسبه إلى طلحة بن عبيدالله، والطلحى هذا هو عبد الرحمن بن صالح بن ابراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيدالله، هو من اهل الصدق (2) في النسخة رقم (14) (يزيد بن هشام) الخ وهو خطأ والصواب ما هنا، فان يزيد هو ابن هارون، وهو يروى عن هشام بن حسان، وعنه أبو عبيد القاسم بن سلام.(5/221)
أنه كان لا يرى العشر إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب * قال أبو عبيد: وقال يحيى بن سعيد - هو القطان - عن أشعث - هو ابن عبد الملك الحمراني - عن الحسن ومحمد بن سيرين انهما قالا: الصدقة في تسعة أشياء: الذهب والورق والابل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر والزبيب.
قال أبو عبيد: وهو قول ابن أبى ليلى وسفيان الثوري * حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن على الباجى ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقى بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا حميد بن عبد الرحمن عن الحسن - هو ابن حى - عن مطرف - هو ابن طريف - قال قال لى الحكم بن عتيبة وقد سألته عن الاقطان والسماسم: أفيها صدقة؟ قال: ما حفظنا عن أصحابنا انهم (1) كانوا يقولون: ليس في شئ من هذا شئ إلا في
الحنطة والشعير والتمر والزبيب * قال أبو محمد: الحكم أدرك كبار التابعين وبعض الصحابة * وبه إلى أبى بكربن أبى شيبة ثنا وكيع عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله قال سأل عبد الحميد موسى بن طلحة بن عبيدالله عن الصدقة؟ فقال موسى: انما الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب * وبه إلى أبى بكر بن أبى شيبة: ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج قال قال لى عطاء وعمروبن دينار: لا صدقة إلا في نخل أو عنب أو حب * وقد روى نحو هذا عن على بن أبى طالب * قال أبو محمد: وهو قول الحسن بن حى وعبد الله بن المبارك وابى عبيد وغيرهم * قال أبو محمد: وادعى من ذهب إلى هذا أن إيجاب الزكاة في الزبيب اجماع، وذكر آثارا ليس منها شئ يصح * أحدها من طريق موسى بن طلحة: عندنا كتاب معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه انما اخذ الصدقة من التمر والزبيب والحنطة والشعير * قال أبو محمد: هذا منقطع، لان موسى بن طلحة لم يدرك معاذا بعقله *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (قال: فيما حفظنا عن الصحابة انهم) الخ: ويظهر ان ما هنا أحسن لقول المؤلف بعد ان الحكم أدرك كبار التابعين وبعض الصحابة، فكأنه يدل على تفسير مراده بقوله (اصحابنا)(5/222)
وآخر من طريق محمد بن ابى لبلى وهو سئ الحفظ، عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، هي صحيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (العشر في التمر والزبيب والحنطة والشعير) * وخصومنا يخالفون كثيرا من صحيفة عمرو بن شعيب، ولا يرونه حجة *
وآخر من طريق عبد الرحمن بن اسحاق، وعبد الله بن نافع، وكلاهما في غاية الضعف، ومن طريق محمد بن مسلم الطائفي، وهو في غاية الضعف، ومن طريق عبد الملك بن حبيب الاندلسي عن أسد بن موسى وهو منكر الحديث، عن نصربن طريف وهو أبو جزء، وهو ساقط البتة، كلهم يذكر عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد (1): أنه أمر بخرص العنب * وسعيد لم يولد الا بعد موت عتاب بسنتين وعتاب لم يوله النبي صلى الله عليه وسلم الا مكة ولا زرع بها ولاعنب * فسقط كل ما شغبوا به، ولو صح شئ من هذه الآثار لاخذنا به، ولما حل لنا خلافه، كما لا يحل الاخذ في دين الله تعالى بخبر لا يصح * وأما دعوى الاجماع فباطل * كما حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى ثنا على بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الحكم بن عتيبة عن شريح قال: تؤخذ الصدقة من الحنطة والشعير والتمر، وكان لا يرى في العنب صدقة * وبه إلى ابى عبيد: ثنا هشيم عن الاجلح (2) عن الشعبى قال الصدقة في البر والشعير والتمر * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن بشار بندار ثنا غندر ثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة قال: ليس في الخيل زكاة ولا في الابل العوامل زكاة، وليس في الزبيب شئ * فهؤلاء شريح، والشعبى، والحكم بن عتيبة، ولا يرون في الزبيب زكاة * قال أبو محمد: وليس إلا قول من قال بايجاب الزكاة في كل ما أنبتته الارض، على *
__________
(1) عتاب بفتح العين المهملة وتشديد التاء المثناة، وأسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة (2) بفتح المهزة واسكان الجيم وفتح اللام وآخره حاء مهملة، وهو ابن عبد الله الكندى وانظر خراج يحيى بن آدم رقم 516 و 517 *(5/223)
عموم الخبر الثابت: (فيما سقت السماء العشر) أو قولنا، وهو: لا زكاة إلا فيما أوجبها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه على ما صح عنه عليه السلام من أنه قال: (ليس فيما دون خمسة اوسق من حب ولا تمر صدقة) * وأما من أسقط من ذلك الخبر ما يقتضيه عمومه، وزاد في هذا الخبر ما ليس فيه -: فلم يتعلقوا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا برواية ضعيفة، ولا يقول صاحب لا مخالف له منهم، ولا بقياس ولا بتعليل مطرد، بل خالفوا ذلك، لانهم إن راعوا القوت فقد أسقطوا الزكاة عن كثير من الاقوات، وكالتين والقسطل اللبن وغير ذلك، وأوجبوه فيما ليس قوتا، كالزيت والحمص وغير ذلك مما لا يتقوت إلا لضرورة مجاعة، وان راعوا الاكل فقد أسقطوها عن كثير مما يؤكل، وأوجبها بعضهم فيما لا يؤكل، كزيت الفجل والقطن وغير ذلك، وان راعوا ما يوسق فقد أسقطوها عن كثير مما يوسق * ثم أيضا لو راعوا شيئا من هذه المعاني وطردوا أصلهم لكانوا قائلين بلا برهان، لكن بدعوى فاسدة وظن كاذب، والله تعالى يقول: (إن الظن لا يغنى من الحق شيئا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث) * فإذ لم يبق الا احد هذين القولين المذكورين فان قول من أوجب الزكاة في كل ما أنبتت الارض -: حرج شديد، وشق الانفس، وعسر لا يطاق، والاخذ بذلك الخبر تكليف ما ليس في الوسع، وممتنع لا يمكن البتة، لانه يوجب أن لا ينبت في دار أحد أو في قطعة أرض له عشب ولو أنه ورقة واحدة أو نرجسة أو فول أو غصن حرف أو بهارة (1) أو تينة واحدة -: إلا وجب عليه عشر كل ذلك أو نصف عشره وكذلك ورق الشجر والتبن حتى تبن الفول وقصب الكتان، نعم، وأصول الشجر نفسها، لان كل ذلك مما يسقيه الماء وهذا مما لا يمكن البتة، وقد قال تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقال تعالى: (لا يكلف
الله نفسا الا وسعها) وامتن تعالى علينا إذ أجابنا في دعائنا الذى أمرنا تعالى ان ندعو به فنقول: (ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يسر واولا تعسروا) * فان قيل: يفعل في ذلك ما يفعل الشريكان فيه *
__________
(1) بفتح الباء الموحدة هو نبت طيب الريح يقال له عين البقر ينبت أيام الربيع *(5/224)
قلنا: هذا لا يجوز، لان بيع أحد الشريكين من صاحبه مباح وتحليله له جائز، ولايجوز بيع الصدقة قبل قبضها، ولا التحليل منها أصلا، * فصح يقينا أن ذلك الخبر ليس على عمومه، ذا ذلك كذلك فلا ندرى ما يخرج منه إلا ببيان نص آخر فصح أن لا زكاة إلا فيما أوجبه بيان نص غيرذلك النص، أو اجماع متيقن، ولا نص ولا اجماع إلا في البر والشعير والتمر فقط.
ومن تعدى هذا فانما يشرع برأيه، ويخصص الاثر بظنه الكاذب.
وهذا حرام وبالله تعالى التوفيق * (وأما المعادن) فان الامة مجمعة بلا خلاف من أحد منها على أن الصفر والحديد والرصاص والقزدير لا زكاة في أعيانها، وإن كثرت، * ثم اختلفوا إذا مزج شئ منها في الدنانير والدراهم والحلى * فقالت طائفة.
تزكى تلك الدنانير والدراهم بوزنها * قال أبو محمد: وهذا خطأ فاحش، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقط الزكاة نصا فيما دون خمس اواقى من الورق وفيما دون مقدار مامن الذهب ولم يوجب - بلا خلاف - زكاة في شئ من أعيان المعادن المذكورة فمن أوجب الزكاة في الدنانير والدراهم الممزوجة بالنحاس أو الحديد أو الرصاص أو القزدير فقد خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين: احداهما في ايجابه الزكاة في أقل من خمس أواقى من الرقة (1) والثانية في ايجابه الزكاة في اعيان المعادن المذكورة * وأيضا: فانهم تناقضوا إذ أوجبوا الزكاة في الصفر والرصاص والقزدير والحديد
إذا مزج شئ منها بفضة أو ذهب وأسقطوا الزكاة عنها إذا كانت صرفا وهذا تحكم لا يحل * وأيضا: فنسألهم عن شئ من هذه المعادن مزج بفضة أو ذهب فكان الممزوج منها اكثر من الذهب ومن الفضة؟ ثم لانزال نزيدهم إلى ان نسألهم عن مائتي درهم في كل درهم فلس فضة فقط وسائرها نحاس؟ فان جعلوا فيها الزكاة أفحشوا جدا، وان اسقطوها سألناهم عن الحد الذى يوجبون فيه الزكاة والذى يسقطونها فيه؟ فان حدوا في ذلك حدا زادوا في التحكم بالباطل، وان لم يحدوا واحدا كانوا قد خلطوا ما يحرمون بما يحلون، ولم يبينوا الا نفسهم ولا لمن اتبعهم الحرام فيجتنبوه، من الحلال فيأتوه! * قال أبو محمد: والحق من هذا هو أن الاسماء في اللغة والديانة واقعة على المسميات بصفات محمولة فيها، وفللفضة صفاتها التى إذا وجدت في شئ سمى ذلك الشئ فضة،
__________
(1) الرقة بالتخفيف الدراهم * (م 29 - ج 5 المحلى)(5/225)
وكذلك القول في اسم الذهب، واسم النحاس واسم كل مسمى في العالم.
وأحكام الديانة إنما جاءت على الاسماء، فللفضة حكمها، وللذهب حكمه، وللنحاس حكمه، وكذلك كل اسم في العالم.
فإذا سقط الاسم الذى عليه جاء النص بالحكم سقط ذلك الحكم وانتقل المسمى إلى الحكم الذى جاء في النص على الاسم الذى وقع عليه، كالعصير والخمر والخل والماء والدم واللبن واللحم والآنية والدنانير، وكل ما في العالم.
* فان كان المزج في الفضة أو الذهب لا يغير صفاتهما - التى ما دامت فيها سميا فضة وذهبا - فهى فضة وذهب، فالزكاة فيهما.
* وإن كان المزج في الفضة أو الذهب قد غير صفاتهما - وسقط عن الدنانير والدراهم اسم فضة واسم ذهب لظهور المزج فيهما - فهو حينئذ فضة مع ذهب، أو فضة مع نحاس فالواجب أن في مقدار الفضة التى في تلك الدراهم تجب الزكاة فيها خاصة، ولا زكاة في النحاس الظاهر فيها أثره.
وكذلك القول في الذهب مع ما مزج به *
فان كان في الدنانير ذهب تجب في مقداره الزكاة وفضة لا تجب فيها الزكاة، فالزكاة فيما فيها من الذهب دون ما فيها من الفضة * وإن كان ما فيها من الفضة تجب فيه الزكاة وما فيها من الذهب لا تجب فيه الزكاة فالزكاة فيما فيها من الفضة دون ما فيها من الذهب * وإن كان فيها من الفضة ومن الذهب ما تجب في كل واحد منهما الزكاة زكى كل واحد منهما كحكمه لو كان منفردا * وان كان ما فيهما من الذهب ومن الفضة لا تجب فيه الزكاة لو انفرد فلا زكاة هناك أصلا * فان زاد المزج حتى لا يكون للفضة ولا للذهب هناك صفة فليس في تلك الاعيان فضة أصلا، ولا ذهب، فلا زكاة فيها أصلا، اتباعا للنص.
وبالله التوفيق * وأما الخيل والرقيق فقد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد ابن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس بن مالك: أن عمربن الخطاب كان يأخذ من الرأس عشرة (1) ومن الفرس (2) عشرة، ومن البراذين خمسة.
يعنى رأس الرقيق، وعشرة دراهم، وخمسة دراهم *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (عشرة دراهم) وذكر الدراهم خطأ في لفظ الاثر، إذ صنيع المؤلف في تفسير العشرة يدل على انها لم تميز في الرواية (2) في النسخة رقم (16) (ومن البقر) هو خطأ صرف(5/226)
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمرو - هو ابن دينار - قال: إن حيى بن يعلى أخبره انه سمع يعلى بن أمية يقول: ابتاع عبد الرحمن بن أمية - اخو يعلى بن أمية - فرسا أنثى بمائة قلوص، فندم البائع، فلحق بعمر، فقال: غصبني يعلى واخوه فرسا لى فكتب عمر إلى يعلى: ان الحق بى فأتاه فأخبره الخبر، فقال عمر: إن الخيل لتبلغ عندكم هذا! فقال يعلى: ما علمت
فرسا بلغ هذا قبل هذا، فقال عمر: فنأخذ من أربعين شاة شاة ولا نأخذ من الخيل شيئا؟! اخذ من كل فرس دينارا قال: فضرب على الخيل دينارا دينارا * حدثنان حمام ثنا عبد الله بن محمد الباجى ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقى بن مخلد ثنا أبو بكر بن ابى شيبة ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج قال أخبرني عبد الله بن ابى حسين ان ابن شهاب أخبره أن السائب ابن اخت نمر (1) أخبره: أنه كان يأتي عمر بن الخطاب بصدقات الخيل، قال ابن شهاب: وكان عثمان بن عفان يصدق الخيل * ومن طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري: ان مروان بعث إلى أبى سعيد الخدرى: ان ابعث إلى بزكاة رقيقك فقال للرسول: إن مروان لا يعلم إنما علينا ان نطعم عن كل رأس عند كل فطر صاع تمر أن نصف صاع بر * ومن طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن حمادبن ابى سليمان قال: وفى الخيل الزكاة * فذهب أبو حنيفة ومن قلده إلى ان في الخيل الزكاة.
واحتجوا بهذه الآثار، وبقول الله تعالى (خذ من أموالهم صدقة) قالوا: والخيل أموال، فالصدقة فيها بنص القرآن، وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن أبى صالح السمان عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الخيل لرجل أجر ولرجل ستر) فذكر الحديث، وفيه: (ورجل ربطها تغنيا وتعففا، ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها، فهى له ستر) * قال أبو محمد: هذا ماموه به الحنيفيون من الاحتجاج بالقرآن والسنة وفعل الصحابة وهم مخالفون لكل ذلك * أما الآية فليس فيها أن في كل صنف من أصناف الاموال صدقة وانما فيها: (خذ من أموالهم) فلو لم يرد إلا هذا النص وحده لاجزأ فلس واحد عن جميع اموال المسلم، لانه صدقة أخذت من أمواله (2) * *
__________
(1) هو السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة، وهو صحابي، والنمر هو ابن جبل، وهو خال ابيه فعرفوا به (2) في النسخة رقم (16) (عن جميع أموال المسلمين، لانه صدقة
أخذت من أموالهم) وما هنا أحسن *(5/227)
ثم لو كان في الآية أن في كل صنف من أصناف الاموال صدقة - وليس ذلك فيها لا بنص ولا بدليل -: لما كانت لهم فيها حجة، لانه ليس فيها مقدار المال المأخوذ، ولا مقدار المال المأخوذ منه ولامتى تؤخذ تلك الصدقة.
ومثل هذا لا يجوز العمل فيه بقول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم المأمور بالبيان، قال تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم) * وأما الحديث فليس فيه إلا أن الله تعالى حقا في رقابها وظهورها، غير معين ولا مبين المقدار ولا مدخل للزكاة في ظهور الخيل باجماع منا ومنهم، فصح أن هذا الحق إنما هو على ظاهر الحديث، وهو حمل على ما طابت نفسه منها في سبيل الله تعالى، وعارية ظهورها للمضطر * وأما فعل عمرو عثمان رضى الله عنهما فقد خالفوهما، وذلك أن قول أبى حنيفة: إنه لا زكاة في الخيل الذكور ولو كثرت وبلغت ألف فرس (1) فان كات إناثا أو إناثا وذكورا سائمة غير معلوفة - فحينئذ تجب فيها الزكاة، وصفة تلك الزكاة ان صاحب الخيل مخير، ان شاء أعطى عن كل فرس منها دينارا أو عشرة دراهم، وإن شاء قومها فأعطى من كل مائتي درهم خمسة دراهم (2) * قال أبو محمد: وهذا خلاف فعل عمر * وأيضا فقد خالفوا فعل عمر في أخذه الزكاة من الرقيق عشرة دراهم من كل رأس، فكيف يجوز لذى عقل ودين أن يجعل بعض فعل عمر حجة وبعضه ليس بحجة؟! * وخالفوا عليا في إسقاط زكاة الخيل جملة، وأتوا بقول في صفة زكاتها لا نعلم احدا قاله قبلهم.
فظهر فساد قولهم جملة * وذهب جمهور الناس إلى ان لا زكاة في الخيل أصلا * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج عن ابن الاعرابي عن الدبرى عن عبد الرزاق عن معمر
عن أبى اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على قال: قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق * وقد صح ان عمر إنما أخذها على انها صدقة تطوع منهم لا واجبة * حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن على الباجى ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقى بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن ابن ابى خالد عن شبيل بن عوف (3) وكان قد ادرك الجاهلية - قال: أمر عمر بن الخطاب الناس بالصدقة، فقال الناس:
__________
(1) الفرس يطلق على الذكر وعلى الانثى سواء (2) في النسخة رقم (16) (عشرة دراهم) وهو خطأ ظاهر (3) ابن ابى خالد هو اسمعيل، وشبيل بضم الشين المعجمة *(5/228)
يا أمير المؤمنين، خيل لنا ورقيق، افرض علينا عشرة عشرة، فقال عمر: اما انا فلا أفرض ذلك عليكم * حدثنا حمام ثنا عباس بن اصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل قرأت على أبى عن يحيى بن سعيد القطان عن زهير - هو ابن معاوية (1) ثنا أبو إسحاق - هو السبيعى - عن حارثة - هو ابن مضرب - قال: (حججت مع عمر ابن الخطاب فأتاه اشراف أهل الشأم فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا اصبنا رقيقا ودواب فخذ من أموالنا صدقة تطهرنا وتكون لنا زكاة، فقال: هذا شئ لم يفعله اللذان كانا قبلى) (2) * قال أبو محمد: هذه اسانيد في غاية الصحة، والاسناد فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأخذ من الخيل صدقة، ولا أبو بكر بعده، وان عمر لم يفرض ذلك * وان عليا بعده لم يأخذها * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب انا محمود بن غيلان ثنا أبو أسامة - هو حماد بن أسامة - ثنا سفيان الثوري عن أبى اسحاق السبيعى عن عاصم ابن ضمرة عن على بن ابى طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد عفوت عن الخيل، فأدوا صدقة أموالكم، من كل مائتين خمسة) * وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة إلا
صدقة الفطر في الرقيق) * والفرس والعبد اسم للجنس كله، ولو كان في شئ من ذلك صدقة لما اغفل عليه السلام بيان مقدارها ومقدارما تؤخذ منه.
وبالله تعالى التوفيق * وهو قول عمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب و، وعطاء، ومكحول، والشعبى، والحسن، والحكم بن عتيبة، وهو فعل أبى بكر، وعمر، وعلى كما ذكرنا، وهو قول مالك والشافعي وأصحابنا * وأما الحمير فما نعلم أحدا أوجب فيها الزكاة، إلا شيئا حدثناه حمام قال ثنا عبد الله
__________
(1) في النسخة رقم (16) (عن زهير بن حرب هو ابن معاوية) وهذا خلط (2) الحديث في مسند احمد (ج 1 ص 32) وهناك خطأ في اسناده فان فيه (قرأت على يحيى بن سعيد بن زهير) والصواب (عن زهير) كما هنا.
وعنده في آخره (ولكن انتظروا حتى اسأل المسلمين) ورواه أيضا عن عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان عن ابى اسحق بنحوه (ج 1 ص 14) وروى أيضا باسناد آخر عن عمر وحذيفة (ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ من الخيل والرقيق صدقة) (ج 1 ص 18) *(5/229)
ابن محمد بن على الباجى ثنا عبد الله بن يونس ثنابقى بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا جرير عن منصور عن ابراهيم النخعي، قال منصور: سألته عن الحمير أفيها زكاة؟ فقال ابراهيم: أما أنا فاشبهها بالبقر، ولا نعلم فيها شيئا * قال أبو محمد: كل ما لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بزكاة محدودة موصوفة فلا زكاة فيه.
ولقد كان يجب على من رأى الزكاة في الخيل بعموم قول الله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) أن يأخذها من الحمير، لانها أموال، وكان يلزم من قاس الصداق على ما تقطع فيه اليد أن يقيسها على الابل، والبقر، لانها ذات أربع مثلها، وان افترقت في غير ذلك، فكذلك الصداق يخالف السرقة في أكثر من ذلك * وأما العسل فان مالكا والشافعي وأبا سليمان وأصحابهم لم يروا فيه زكاة *
وقال أبو حنيفة: إن كان النحل في أرض العشر ففيه الزكاة، وهو عشر ما أصيب منه، قل أو كثر، وان كان في أرض خراج فلا زكاة فيه قل أو كثر، ورأى في المواشى الزكاة، سواء كانت في أرض عشر أو في أرض خراج * وقال أبو يوسف: إذا بلغ العسل عشرة أرطال ففيه رطل واحد، وهكذا ما زاد ففيه العشر، والرطل هو الفلفلى * وقال محمد بن الحسن: إذا بلغ العسل خمسة أفراق ففيه العشر، والا فلا.
والفرق ستة وثلاثون رطلا فلفلية والخمسة الا فراق مائة رطل وثمانون رطلا فلفلية، قال: والسكر كذلك * قال أبو محمد أما مناقضة أبى حنيفة وايجابه الزكاة في العسل ولو أنه قطرة إذا لم يكن في أرض الخراج -: فظاهرة لاخفاء بها * وأما تحديد صاحبيه ففى غاية الفساد والخبط والتخليط، هو إلى الهزل أقرب منه إلى الجد * لكن في العسل خلاف قديم * كما روينا من طريق عطاء الخراساني: ان عمر بن الخطاب قال لاهل اليمن في العسل ان عليكم في كل عشرة افراق فرقا * ومن طريق الحارث بن عبد الرحمن (1) عن منير بن عبد الله عن ابيه عن سعد بن أبى ذباب (2)
__________
(1) هو الحارث بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد - وقيل المغيرة - بن ابى ذباب، مات سنة 146 وهو ثقة (2) ذباب، بضم الذال المعجمة وبالموحدتين.
وفى الاصلين (عن منير ابن عبد الله عن سعيد بن أبى ذباب) وهو خطأ، فان صوابه (سعد) وكذلك هو في كل كتب الصحابة، ثم ان منير بن عبد الله انما يروى هذا عن ابيه عن سعد بن ابى ذباب(5/230)
وكانت له صحبة -: انه أخذ عشر العسل من قومه واتى به عمر، فجعله عمر في صدقات المسلمين، قال: (وقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت واستعملني على قومي، واستعملني أبو بكر بعده، ثم استعملني عمر من بعده، فقلت لقومي: في العسل زكاة، فانه لا خير في مال لا يزكى
فقالوا: كم ترى؟ فقلت: العشر، فأخذته وأتيت به عمر) (1) * ومن طريق نعيم بن حماد عن بقية عن محمد بن الوليد الزبيدى عن عمرو بن شعيب عن هلال بن مرة: ان عمر بن الخطاب قال في عشور العسل: ما كان منه في السهل ففيه العشر، وما كان منه في الجبل ففيه نصف العشر * وصح عن مكحول والزهرى: ان في كل عشرة ازقاق (2) من العسل زقا.
رويناه من طريق ثابتة عن الاوزاعي عن الزهري * وعن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى: في كل عشرة ازق من عسل زق قال: والزق يسع رطلين * وروى أيضا من طريق لا تصح عن عمر بن عبد العزيز.
وهو قول ربيعة ويحيى ابن سعيد الانصاري وابن وهب * واحتج أهل هذه المقالة بما رويناه من طريق عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده قال: (جاء هلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له، وسأله ان يحمى له واديا يقال له: سلبة فحماه له) (3) *
__________
كذلك رواه عبد الله بن احمد في مسند أبيه (ج 4 ص 79) ومن طريقه ابن الاثير في اسد الغابة (ج 2 ص 276) ورواه كذلك ابن عبد البر في الاستيعاب (ص 568 و 569) ونقله ابن حجر في الاصابة ولسان الميزان وتعجيل المنفعة.
ورواه ابن سعد في الطبقات مطولا (ج 4 ق 2 ص 64) عن انس بن عياض وصفوان بن عيسى كلاهما عن الحارث بن عبد الرحمن ابن ابى ذباب الدوسى عن أبيه عن سعد بن ابى ذباب، وانا اظن انه سقط عند ابن سعد ذكر (منير بن عبد الله) في الاسناد لاتفاقهم كلهم على ذكره فيه، ويؤيد وجوب زيادة (عن ابيه هنا ما سيذكره المؤلف في الكلام على هذا الاسناد * (1) في الطبقات زيادة (واخبرته بما كان فقبضه عمر فباعه، ثم جعل ثمنه في صدقات المسلمين) (2) في النسخة رقم (16) (ارق) وهو جمع صحيح بفتح الهمزة وضم الزاى وتشديد
القاف.
(3) سلبة بالسين المهملة واللام والباء الموحدة المفتوحات، وهو وادلبنى متعان (بضم الميم واسكان التاء المثناة) والحديث رواه أبو داود (ج 2 ص 22) والنسائي (ج 5 ص 46)(5/231)
وبما رويناه من طريق عبد الله بن محرر عن الزهري عن أبى سلمة عن ابى هريرة (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن: ان يؤخذ من العسل العشور) * ومن طريق سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى: (ان أبا سيارة المتعى قال للنبى صلى الله عليه وسلم: ان لى نحلا، قال.
فأدمنه العشر) (1) * ومن طريق ابن جريج قال كتبت إلى ابراهيم بن ميسرة أسأله عن زكاة العسل؟ فذكر جوابه، وفيه.
انه قال: ذكر لى من لا اتهم من اهلي: ان عروة بن محمد السعدى (2) قال له.
انه كتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن صدقة العسل؟ فرد إليه عمر.
قد وجدنا بيان صدقة العسل بأرض الطائف، فخذ منه العشور * قال أبو محمد: هذا كله لا حجة لهم فيه * اما حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده فصحيفة لا تصح وقد تركوها حيث لا توافق تقليدهم مما قد ذكرناه في غير ما موضع * وأما حديث أبى هريرة فمن رواية عبد الله بن محرر (3) وهو اسقط من كل ساقط متفق على اطراحه * وأما حديث ابى سيارة المتعى فمنقطع لان سليمان بن موسى لايعرف له لقاء احد من الصحابة رضى الله عنهم * وأما حديث عمربن عبد العزيز فمنقطع، لانه عمن لم يسم * وأما خبر عمربن الخطاب فلا يصح، لانه عن عطاء الخراساني عنه، ولم يدركه عطاء، وعن منير بن عبد الله عن أبيه، وكلاهما مجهول، وبعض رواته يقول: متين (4) بن عبد الله ولا يدرى من هو، وعن بقية، وهو ضعيف، ثم عن هلال بن مرة، ولا يدرى من هو *
فبطل أن يصح في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ أو عن عمر، أو عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم * * (همش) (1) رواه احمد (ج 4 ص 236) وابن ماجه (ج 1 ص 287) وابن سعد (ج 7 ق 2 ص 136) والمتعى بضم الميم وفتح التاء، وقال السمعاني.
(هذه النسبة إلى متع وهو بطن من فهم فيما اظن) وانا اظن انه نسبه إلى (بنى متعان) الذين منهم هلال الماضي في الحديث السابق (2) كان من عمال سليمان بن عبد الملك على اليمن واقره عمر بن عبد العزيز عليها حتى مات وكذا يزيد بن عبد الملك، ووليها عشرين سنة.
(3) محرر اسم مفعول بوزن معظم (4) ضبط بالقلم في النسخة رقم (14) بضم الميم وفتح التاء المثناة واسكان الياء وآخره نون، ولا أدرى ما صحته *(5/232)
قال أبو محمد: وقد عارض ذلك كله خبر مرسل أيضا * كما حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن على الباجى ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقى بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا وكيع عن سفيان عن ابراهيم بن ميسرة عن طاوس: ان معاذ بن جبل لما أتى اليمن أتى بالعسل وأوقاص (1) الغنم، فقال: لم أؤمر فيها بشئ * ولكنا لا نستحل الحجاج (2) بمرسل، لانه لا حجة فيه (3) * وبه إلى وكيع عن سفيان الثوري عن عبيدالله بن عمر (4) عن نافع قال: بعثنى عمر بن عبد العزيز إلى اليمن، فأردت ان آخذ من العسل العشر، فقال المغيرة بن حكيم الصنعانى: ليس فيه شئ، فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز، فقال: صدق، هو عدل رضى * قال أبو محمد: وبأن لا زكاة في العسل يقول مالك وسفيان الثوري، والحسن بن حى، والشافعي، وأبو سليمان وأصحابهم * قال على: قد قلنا: إن الله تعالى قال: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فلا يجوز ايجاب فرض زكاة في مال لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ايجابها *
فان احتجوا بعموم قول الله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) * قيل لهم: فأوجبوها فيما خرج من معادن الذهب والفضة، وفى القصب، وفى ذكور الخيل، فكل ذلك أموال للمسلمين، بل أوجبوها حيث لم يوجبها الله تعالى، وأسقطوها (5) مما خرج من النخل (6) والبر، والشعير، في أرض الخراج وفى الارض المستأجرة! ولكنهم قوم يجهلون! * وأما عروض التجارة فقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي في أحد قوليه: بايجاب الزكاة *
__________
(1) جمع وقص - بفتح الواو وفتح القاف - وهو ما بين الفريضتين من الابل والغنم نحو ما زاد على خمس من الابل إلى تسع وما زاد على عشر إلى أربع عشرة، فليس في هذه الزيادة صدقة (2) في النسخة رقم (16) (الاحتجاج) (3) لان رواية طاوس عن معاذ مرسلة (4) نقل نحو هذا الاثر في التهذيب (ج 10 ص 258) ولكن فيه (عبيد بن عمير) وانا ارجح انه خطأ وان الصواب ماهنا، إذ ليس في الذين يسمون (عبيد بن عمير) من روى عن نافع ولا من روى عنه الثوري (5) في النسخة رقم (16) (واسقطتموها) وهو خطأ (6) بالخاء المعجمة، وفى النسخة رقم (14) بالمهملة وهو تصحيف (م 30 - ج 5 المحلى)(5/233)
في العروض المتخذ للتجارة * واحتجوا في ذلك بخبر رويناه من طريق سليمان بن موسى عن جعفر بن سعد بن سمرة ابن جندب عن خبيب بن سليمان بن سمرة بن جندب (1) عن أبيه عن جده سمرة: (أما بعد، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا ان نخرج الصدقة من الذى نعد للبيع) * وبخبر صحيح عن عبد الرحمن بن عبد القارى قال: كنت على بيت المال زمان (2) عمر ابن الخطاب، فكان إذا خرج العطاء جمع أموال التجار ثم حسبها، غائبها وشاهدها، ثم أخذ الزكاة من شاهد المال عن الغائب والشاهد *
وبخبر رويناه من طريق أبى قلابة: ان عمال عمر قالوا: يا أمير المؤمنين، ان التجار شكوا شدة التقويم، فقال عمر: هاه! هاه؟ خففوا * وبخبر رويناه من طريق يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبى سلمة عن ابى عمر وبن حماس (3) عن ابيه قال: مربى عمر بن الخطاب فقال: يا حماس، أد زكاة مالك، فقلت: مالى مال الاجعاب (4) وادم (5)، فقال: قومها قيمة ثم أد زكاتها (6) * وبخبر صحيح رويناه عن ابن عباس أنه كان يقول: لا بأس بالتربص حتى يبيع، والزكاة واجبة فيه * وبخبر صحيح عن ابن عمر: ليس في العروض زكاة إلا أن تكون لتجارة * وقال بعضهم: الزكاة موضوع فيما ينمى من الاموال * ما نعلم لهم متعلقا غير هذا، وكل هذا لاحجة لهم فيه * أما حديث سمرة فساقط، لان جميع رواته - مابين سليمان بن موسى وسمرة رضى الله عنه - مجهولون لا يعرف من هم، ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة، لانه ليس فيه ان تلك الصدقة هي الزكاة المفروضة، بل لو أراد عليه السلام بها الزكاة المفروضة لبين وقتها ومقدارها
__________
(1) خبيب بضم الخاء المعجمة، وفى الاصلين بالحاء المهملة، وهو خطأ، وهذا الحديث رواه أبو داود (ج 2 ص 3) والدار قطني (ص 214) مطولا، وسكت عنه أبو داود والمنذري وحسنه ابن عبد البر، وجعفر بن سعد، وخبيب بن سليمان بن سمرة وابوه سليمان؟؟ ذكره ابن حبان في الثقات (2) في النسخة رقم (16) (زمن) (3) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الميم وآخره سين مهملة (4) بكسر الجيم جمع جعبة بفتحها، وهو كنانة النشاب (5) بالهمزة والدال المهملة المضمومتين ويجوز اسكان الدال، جمع (اديم) وهو الجلد (6) هذا الاثر رواه الشافعي في الام (ج 2 ص 39) ونسبه بعضهم لمالك ولاحمد ولم أجده عندهما *(5/234)
وكيف تخرج، أمن أعيانها، أم بتقويم، وبماذا تقويم؟ ومن المحال ان يكون عليه السلام
يوجب علينا زكاة لا يبين كم هي؟ ولا كيف تؤخذ؟ وهذه الصدقة لو صحت لكانت موكولة إلى أصحاب تلك السلع * كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمربن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن ابى وائل عن قيس بن أبى غرزة (1) قال: (مر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر التجار، إن البيع يحضره اللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة) * فهذه صدقة مفروضة غير محدودة، لكن ما طابت به انفسهم، وتكون كفارة لما يشوب البيع مما لا يصح، من لغو، وحلف * وأما حديث عمر فلا يصح، لانه عن ابى عمرو بن حماس عن أبيه، وهما مجهولان (2) * روينا من طريق عبد الله بن احمد بن حنبل قال: ثنا عازم بن الفضل قال سمعت أبا الأسود - هو حميد بن الاسود يقول: ذكرت لمالك بن أنس حديث ابن حماس في المتاع يزكى، عن يحيى بن سعيد؟ فقال مالك: يحيى قماش * قال أبو محمد: معناه انه يجمع القماش، وهو الكناسة أي يروى عمن لا قدر له ولا يستحق * وأما حديث أبى قلابة فمرسل، لانه لم يدرك عمر بعقله ولا بسنه * وأما حديث عبد الرحمن بن عبدالقارى فلاحجة لهم فيه، لانه ليس فيه أن تلك الاموال كانت عروضا للتجارة، وقد كانت للتجار أموال تجب فيها الزكاة، من فضة وذهب وغير ذلك ولا يحل أن يزاد في الخبر ما ليس فيه، فيحصل من فعل ذلك على الكذب * وأما حديث ابن عباس فكذلك أيضا، ولا دليل فيه على ايجاب الزكاة في عروض التجارة، وهو خارج على مذهب ابن عباس المشهور عنه في أنه كان يرى الزكاة واجبة في فائدة الذهب والفضة والماشية حين تستفاد، فرأى الزكاة في الثمن إذا باعوه * حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن سعيد بن حزم ثنا محمد بن عبد الملك ابن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبى عن عبد الصمد التنورى ثنا حماد ثنا قتادة عن جابر بن زيد أبى الشعثاء (3) عن ابن عباس: أنه قال في المال المستفاد: يزكيه حين
يستفيده، وقال ابن عمر: حتى يحول عليه الحول.
وقد بين هذا عطاء، وهو أكبر أصحابه،
__________
(1) بغين معجمة ثم راء ثم زاى مفتوحات (2) كلابل هما معروفان ثقتان (3) في النسخة رقم (16) (عن جابر بن زيد بن ابى الشعثاء) وهو خطأ، بل ابو الشعثاء هو جابر بن زيد وهى كنيته *(5/235)
على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى * وأما خبر ابن عمر فصحيح، إلا انه لا حجة في قول احد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكم قضية خالفوا فيها عمر وابنه؟ منها للمالكيين الرواية في زكاة العسل، وللحنيفيين حكمه في زكاة الرقيق، وغير ذلك كثير جدا.
ومن المحال أن يكون عمر وابنه حجة في موضع غير حجة في موضع آخر! * وأيضا: فان الحنيفيين والمالكيين والشافعيين خالفوا ما روى عن عمر وابن عمر في هذه المسألة نفسها، فمالك فرق بين المدير وغير المدير، وأسقط الزكاة عمن باع عرضا بعرض، ما لم ينض له درهم، وليس هذا فيما روى عن عمر وابنه * والشافعي يرى أن لا يزكى الربح مع رأس المال إلا الصيارفة خاصة، وليس هذا عن عمرو لا عن ابن عمر * وكلهم يرى فيمن ورث عروضا أو ابتاعها للقنية ثم نوى بها التجارة انها لا زكاة فيها ولو بقيت عنده سنين، ولا في ثمنها إذا باعها، لكن يستأنف حولا، وهذا خلاف عمر وابن عمر، فبطل احتجاجهم بهما رضى الله عنهما * وقد جاء خلاف ما روى عن عمر وابن عمر عن غيرهما (1) من الصحابة رضى الله عنهم * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى عن عبد الرزاق عن ابن جريج اخبرني نافع بن الخوزى (2) قال: كنت جالسا عند عبد الرحمن بن نافع إذ جاءه زياد البواب فقال له: إن أمير المؤمنين - يعنى ابن الزبير - يقول: أرسل زكاة (3)
مالك، فقام فأخرج مائة درهم، وقال له: اقرأ عليه السلام، وقل له: انما الزكاة في الناض، قال نافع: فلقيت زيادا فقلت له: أبلغته؟ قال: نعم قلت: فماذا قال ابن الزبير؟ فقال: قال: صدق.
قال ابن جريج: وقال لى عمرو بن دينار: ما أرى الزكاة الا في العين * حدثنا احمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا على بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا اسماعيل بن ابراهيم عن قطن (4) قال: مررت بواسط زمن عمر بن عبد العزيز، فقالوا: قرئ علينا كتاب أمير المؤمنين: أن لا تأخذوا من أرباح التجار شيئا حتى يحول عليها الحول (5) *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (وعن غيرهما) وزيادة الواو خطأ (2) هكذا هو في الاصلين بالخاء المعجمة والزاى ولم اعرفه ولم اجد له ترجمة (3) في النسخة رقم (14) (بزكاة) (4) بفتح القاف والطاء المهملة (5) في النسخة رقم (16) (بالحول) وهو خطأ.(5/236)
قال أبو عبيد: وثنا معاذ عن عبد الله بن عون قال: أتيت المسجد وقد قرئ الكتاب، فقال صاحب لى: لو شهدت كتاب عمر بن عبد العزيز في أرباح التجار ان لا يعرض لها حتى يحول عليها الحول * فهذا ابن الزبير، وعبد الرحمن بن نافع (1)، وعمروبن دينار، وعمر بن عبد العزيز، وقد روى أيضا عن عائشة، وذكره الشافعي عن ابن عباس، وهو احد قولى الشافعي * قال أبو محمد: وحتى لو لم يأت خلاف في ذلك لما وجبت شريعة بغير نص قرآن أو سنة ثابتة أو اجماع متيقن لا يشك في انه قال به جميع الصحابة رضى الله عنهم * وقد أسقط الحنيفيون الزكاة عن الابل المعلوفة والبقر المعلوفة وأموال الصغار كلها الا ما أخرجت ارضهم * واسقط المالكيون الزكاة عن أموال العبيد والحلى * واسقطها الشافعيون عن الحلى وعن المواشى المستعملة *
وكل هذا خلاف للسنن الثابتة بلا برهان * وذكروا الخبر الذى من طريق ابى هريرة: ان عمر بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا، فقال: منع العباس، وخالد بن الوليد، وابن جميل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انكم تظلمون خالدا، ان خالدا قد احتبس ادراعه وأعبده (2) في سبيل الله) * قالوا: فدل هذا على ان الزكاة طلبت منه في دروعه وأعبده، ولا زكاة فيها الا ان تكون لتجارة * قال أبو محمد: وليس في الخبر لا نص ولا دليل ولا اشارة على شئ مما ادعوه وانما فيه انهم ظلموا خالدا إذ نسبوا إليه منع الزكاة وهو قد احتبس ادراعه وأعبده في سبيل الله
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وعبد الله بن نافع) وهو خطأ (2) كذا في الاصلين بالباء الموحدة المضمومة جمع عبد، وهو رواية حكاها القاضى عياض في نسخ البخاري، والمشهور في رواية البخاري (واعتده) بضم التاء المثناة الفوقية، وهى جمع قلة للعتاد وهو ما أعده الرجل من السلاح والدواب وآلة الحرب للجهاد، يجمع على (اعتد) بضم التاء، وعلى (أ عتدة) بكسرها مع زيادة هاء في آخره، وفى رواية مسلم من طريق على بن حفص (واعتاده) قال الدار قطني (قال احمد بن حنبل قال على بن حفص واعتاده واخطأ فيه وصحف، وانما هو اعتده) نقله في اللسان، وانظر البخاري (ج 2 ص 245) ومسلم (ج 1 ص 268) وفتح الباري (ج 3 ص 263) والعيني (ج 9 ص 47) *(5/237)
فقط، وصدق عليه السلام، إذا من المحال ان يكون رجل عاقل ذودين ينفق النفقة العظيمة في التطوع ثم يمنع اليسير في الزكاة المفروضة، هذا حكم الحديث، واما إعمال الظن الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فباطل * وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ان لا زكاة في عروض التجارة، وهو أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، ولا فيما دون خمس
ذودمن الابل صدقة) وانه اسقط الزكاة عما دون الاربعين من الغنم، وعما دون خمسة أوسق من التمر والحب، فمن اوجب زكاة في عروض التجارة فانه يوجبها في كل ما نفى عنه عليه السلام الزكاة مما ذكرنا * وصح عنه عليه السلام: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر) وانه عليه السلام قال: (قد عفوت عن صدقة الخيل) وأنه عليه السلام ذكر حق الله تعالى في الابل والبقر والغنم والكنز (1) فسئل عن الخيل فقال: (الخيل ثلاثة: هي لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر) فسئل عن الحمير فقال: (ما انزل على فيها شئ إلا هذه الآية الفاذة (2) الجامعة (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * فمن أوجب الزكاة عن عروض التجارة فانه يوجبها في الخيل والحمير والعبيد، وقد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لا زكاة في شئ منها إلا صدقة الفطر في الرقيق، فلو كانت في عروض التجارة أو في شئ مما ذكر عليه السلام زكاة إذا كان لتجارة -: لبين ذلك بلا شك، فإذ لم يبينه عليه السلام فلا زكاة فيها أصلا * وقد صح الاجماع المتيقن على ان حكم كل عرض كحكم الخيل والحمير والرقيق وما دون النصاب من الماشية والعين * ثم اختلف الناس، فمن موجب الزكاة في كل ذلك إذا كان للتجارة، ومن مسقط الزكاة في كل ذلك لتجارة كانت أو لغير تجارة * وصح بالنص ان لا زكاة في الخيل ولا في الرقيق ولا في الحمير ولا فيما دون النصاب من الماشية والعين، وصح الاجماع من كل احد على ان حكم كل عرض في التجارة كحكم هذه، فصح من ذلك ان لا زكاة في عروض التجارة بالاجماع المذكور، وقد صح الاجماع أيضا على انه لا زكاة في العروض * ثم ادعى قوم أنها إذا كانت للتجارة ففيها زكاة، وهذه دعوى بلا برهان *
__________
(1) في النسخة رقم (16) بحذف الابل وبتقديم وتأخير (2) أي المنفردة في معناها *(5/238)
واجمع الحنيفيون والمالكيون والشافعيون على ان من اشترى سلعا للقنية ثم نوى بها التجارة فلا زكاة فيها.
وهذا تحكم في ايجابهم الزكاة في أثمانها إذا بيعت ثم تجربها بلا برهان (1) * واما قولهم: إن الزكاة فيما ينمى، فدعوى كاذبة متناقضة، لان عروض القنية تنمى قيمتها كعروض التجارة ولافرق * فان قالوا: العروض للتجارة فيها النماء * قلنا: وفيها أيضا الخسارة، وكذلك الحمير تنمى، ولا زكاة فيها عندهم، والخيل تنمى، ولا زكاة فيها عند الشافعيين والمالكيين، والابل العوامل تنمى ولا زكاة فيها عند الحنيفيين والشافعيين، وما أصيب في أرض الخراج ينمى، ولا زكاة فيها عند الحنيفيين وأموال العبيد تنمى، ولا زكاة فيها عند المالكيين * قال أبو محمد: وأقوالهم واضطرابهم في هذه المسألة نفسها برهان قاطع على انها ليست * من عند الله تعالى * فان طائفة منهم قالت: تزكى عروض التجارة من أعيانها.
وهو قول المزني * وطائفة قالت: بل نقومها، ثم اختلفوا * فقال أبو حنيفة: نقومها بالاحوط للمساكين * وقال الشافعي: بل بما اشتراها به، فان كان اشترى عرضا بعرض قومه بما هو الاغلب من نقد البلد * وقال مالك: من باع عرضا بعرض أبدا فلا زكاة عليه إلا حتى يبيع ولو بدرهم، فإذا نض له ولو درهم قوم حينئذ عروضه وزكاها * فليت شعرى! ما شأن الدرهم ههنا إن هذا لعجب؟ فكيف إن لم ينض له إلا نصف درهم أو حبة فضة أو فلس، كيف يصنع؟! *
وقال أبو حنيفة والشافعي: يقوم ويزكى وإن لم ينض له درهم * وقال مالك: المدير الذى يبيع ويشترى يقوم كل سنة ويزكى، وأما المحتكر فلا زكاة عليه - ولو حبس عروضه سنين - الا حتى يبيع، فإذا باع زكى حينئذ لسنة واحدة وهذا عجب جدا! * وقال أبو حنيفة والشافعي: كلاهما سواء، يقومان كل سنة ويزكيان *
__________
(1) تجر من باب نصر وكتب *(5/239)
حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن على ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقى ين مخلد ثنا أبو بكر ابن أبى شيبة ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج قال قال لى عطاء: لاصدقة في لؤلؤ ولا في زبرجد، ولا ياقوت، ولا فصوص، ولا عرض ولا شئ لا يدار، فان كان شئ من ذلك يدار ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع.
وهذا خلاف قول من ذكرنا * وقال الشافعي: لا يضيف الربح إلى رأس المال إلا الصيارفة، وهذا عجب جدا! * وقال أبو حنيفة ومالك: بل يضيف الربح إلى رأس المال ولو لم يربحه إلا في تلك الساعة فكان هذا أيضا عجبا! * وأقوالهم في هذه المسألة طريقة جدا لا يدل على صحة شئ منها قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية فاسدة، ولا قول صاحب أصلا، وأكثر ذلك لا يعرف له قائل قبل من قاله منهم، والله تعالى يقول (فان تنازعتم في شئ فروده إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) فليت شعرى هل رد هؤلاء هذا الاختلاف إلى كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وهل وجدوا في القرآن والسنن نصا أو دليلا على شئ من هذه الاقوال الفاسدة؟ * وكلهم يقول: ممن اشترى سلمة للقنية فنوى بها التجارة فلا زكاة فيها، فان اشتراها للتجارة فنوى بها القنية سقطت الزكاة عنها، فاحتاطوا لاسقاط الزكاة التى أوجبوها بجهلهم * وقالوا كلهم: من اشترى ماشية للتجارة أو زرع للتجارة فان زكاة التجارة تسقط وتلزمه
الزكاة المفروضة، وكان في هذا كفاية لو أنصفوا انفسهم ولو كانت زكاة التجارة حقا من عند الله تعالى ما أسقطتها الزكاة المفروضة، لكن الحق يغلب الباطل * فان قالوا: لا تجتمع زكاتان في مال واحد * قلنا: فما المانع من ذلك، ليت شعرى، إذا كان الله تعالى قد اوجبهما جميعا أو رسوله صلى الله عليه وسلم! * 642 - مسألة - ولا زكاة في تمر ولا بر ولا شعير حتى يبلغ ما يصيبه المرء الواحد من الصنف الواحد منها خمسة أوسق، والوسق ستون صاعا، والصاع أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، والمد من رطل ونصف إلى رطل وربع على قدر رزانة المد وخفته، وسواء زرعه في ارض له أو في ارض لغيره بغصب أو بمعاملة جائزة أو غير جائزة، إذا كان البذر غير مغصوب، سواء أرض خراج كانت أو ارض عشر * وهذا قول جمهور الناس، وبه يقول مالك، والشافعي، واحمد، وابو سليمان * وقال أبو حنيفة: يزكى ما قل من ذلك وما كثر، فان كان في ارض خراج فلا زكاة(5/240)
فيما أصيب فيها، فان كانت الارض مستأجرة فالزكاة على رب الارض لا على الزارع، فان كان في أرض مغصوبة، فان قضى لصاحب الارض بما نقصها الزرع فالزكاة على صاحب الارض، وان لم يقض له بشئ فالزكاة على الزارع.
قال: والمد رطلان * فهذه خمسة مواضع خالف فيها الحق في هذه المسألة، وقد ذكرنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة اوسق من حب أو تمر صدقة) * وتعلق أبو حنيفة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء للعشر) * وأخطأ في هذا، لانه استعمل هذا الخبر وعصى الآخر، (1) وهذا لا يحل * ونحن أطعناما في الخبرين جميعا، وهو قد خالف هذا الخبر أيضا، إذ خص مما سقت السماء كثيرا برأيه، كالقصب، والحطب والحشيش، وورق الشجر وما أصيب في ارض
الخراج ولم ير أن يخصه بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم * وأيضا فانه كلف من ذلك مالا يطاق، كما قدمنا، وخص من ذلك برأيه ما اصيب في عرصات الدور، وهذه تخاليط لا نظير لها * واما أبو سليمان فقال: ما كان يحتمل التوسيق فلا زكاة فيه حتى يبلغ خمسة أوسق، وما كان لا يحتمل التوسيق فالزكاة في قليله وكثيره، وقد ذكرنا فساد هذا القول قبل * والعجب أن أبا حنيفة يزعم أنه صاحب قياس، وهو لم ير فيما يزكى شيئا قليله وكثيره (2) فهلا قاس الزرع على الماشية والعين؟ فلا النص اتبع، ولا القياس طرد * وأما المد فان أبا حنيفة وأصحابه احتجوا في ذلك بما رويناه من طريق شريك بن عبد الله القاضى عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن جبر عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجزئ في الوضوء رطلان) مع الاثر الصحيح في أنه عليه السلام كان يتوضأ بالمد * وهذا لاحجة فيه، لان شريكا مطرح، مشهور بتدليس المنكرات إلى الثقات، وقد أسقط حديثه الامامان عبد الله بن المبارك، ويحيى بن سعيد القطان وتالله لا أفلح من شهدا عليه بالجرحة * ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة، لانه لا يدل ذلك على ان المد رطلان، وقد صح
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وعصى الآية) وهو خطأ ظاهر (2) في الاصلين (يزكى قليله ولا كثيره) وزيادة حرف (لا) خطأ صرف يفسد المعنى معها، كما هو واضح عند التأمل * (م 31 - ج 5 المحلى)(5/241)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ بثلثي المد، ولا خلاف في أنه عليه السلام لم يكن يعير (1) له الماء للوضوء بكيل ككيل الزيت لا يزيد ولا ينقص * وأيضا فلو صح لما كان في قوله عليه السلام (يجزئ في الوضوء رطلان) مانع من أن
يجزئ أقل، وهم أول موافق لنا في هذا، فمن توضأ عندهم بنصف رطل أجزأة، فبطل تعلقهم بهذا الاثر * واحتجوا بخبر رويناه من طريق موسى الجهنى: كنت عند مجاهد فأنى باناء يسع ثمانية أرطال، تسعة أرطال، عشرة أرطال، فقال: قالت عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بمثل هذا) مع الاثر الثابت أنه عليه السلام كان يغتسل بالصاع * قال أبو محمد: وهذا لاحجة فيه، لان موسى قد شك في ذلك الاناء من ثمانية أرطال إلى عشرة، وهم لا يقولون: ان الصاع يزيد على ثمانية أرطال ولافلسا * وأيضا فقد صح انه عليه السلام اغتسل هو وعائشة رضى الله عنها جميعا من إناء يسع ثلاثة أمداد، وأيضا من اناء هو الفرق، والفرق اثنا عشر مدا، وايضا بخمسة امداد، وايضا بخمسة مكا كى (2) وكل هذه الآثار في غاية الصحة والاسناد الوثيق الثابت المتصل، والخسمة مكاكى خمسون مدا، ولا خلاف في انه عليه السلام لم يعير له الماء للغسل بكيل ككيل الزيت، ولا توضأ واغتسل باناءين مخصوصين، بل قد توضأ في الحضر والسفربلا مراعاة لمقدار الماء، وهم أول مخالف لهذا التحديد، فلا يختلفون في ان امرء الواغتسل بنصف صاع لاجزأه.
فبطل تعلقهم بهذه الآثار الواهية * واحتجوا بروايتين واهيتين * إحداهما من طريق أحمد بن يونس عن زهير بن معاوية عن ابى اسحاق عن رجل عن موسى بن طلحة: ان القفيز الحجاجى قفيز عمر أو صاع عمر (3) *
__________
(1) بفتح العين المهملة وتشديد الياء المثناة المفتوحة، يقال: (عير الميزان والمكيال وعاورهما وعايرهما وعاير بينهما معايرة وعيارا قدرهما ونظر ما بينهما) نقله في اللسان (2) المكوك - بفتح الميم وضم الكاف المشددة - مكيال لاهل العراق سعته صاع ونصف، وجمعه مكاكيك ومكاكى بتشديد الياء في آخره على البدل كراهية التضعيف، وذكر في اللسان - في مادة (م ك ك) مقداره ومقدار غيره من المكاييل بتفصيل واف ثم قال (ويختلف
مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد) (3) رواه يحيى بن آدم في الخراج رقم 476 عن زهير بن معاوية بمعناه *(5/242)
والآخري من طريق مجالد عن الشعبى قال: القفيز الحجاجى صاع عمر * وبرواية عن ابراهيم عيرنا صاع عمر فوجدناه حجاجيا (1) * وبرواية عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن ابراهيم: (كان صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية أرطال، ومده رطلين) * قال أبو محمد هذا كله سواء وجوده وعدمه * أما حديث موسى بن طلحة فبين أبى اسحاق وبينه من لا يدرى من هو، ومجالد ضعيف، اول من ضعفه أبو حنيفة، وابراهيم لم يدرك عمر * ثم لو صح كل ذلك لما انتفعوا به، لاننا لم ننازعهم في صاع عمر رضى الله عنه ولا في قفيزه، انما نازعنا هم في صاع النبي صلى الله عليه وسلم، ولسنا ندفع ان يكون لعمر صاع وقفيز ومد رتبة لاهل العراق لفقاتهم وأرزاقهم، كما بمصر الويبة والاردب، وبالشأم المدى (2) وكما كان لمروان بالمدينة مد اخترعه، ولهشام بن اسماعيل مد اخترعه، ولا حجة في شئ من ذلك * وأما قول ابراهيم في صاع النبي صلى الله عليه وسلم ومده فقول ابراهيم وقول أبى حنيفة سواء في الرغبة عنهما إذا خالفا الصواب * وقد روينا من طريق البخاري: ثنا عثمان بن أبى شيبة ثنا القاسم بن مالك المزني ثنا الجعيد ابن عبد الرحمن عن (3) السائب بن يزيد قال: (كان الصاع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم اليوم، فزيد فيه في زمن (4) عمر بن عبد العزيز) * وروينا عن مالك انه قال في مكيلة زكاة الفطر بالمد الاصغر مد رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) وعنه أيضا في زكاة الحبوب والزيتون بالصاع الاول صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم (6) *
__________
(1) رواه الطحاوي (ج 1 ص 324) من طريق مغيرة عن ابراهيم، وزاد في آخره: (والحجاجى عندهم ثمانية ارطال بالبغدادي) (2) في النسخة رقم (16) (وبالشأم المد والدينار) وهو خطأ في موضعين، فليس لذكر الدينار هنا موضع، والمدى - بضم الميم واسكان الدال وآخره ياء بوزن قفل مكيال لاهل الشأم، وهو غير المد بتشديد الدال (3) الجعيد بالتصغير والذى رجحه ابن حجر ان اسمه (الجعد) بالتكبير (4) في النسخة رقم (14) (زمان) وما هنا هو الموافق للبخاري (ج 8 ص 260) ورواه البخاري أيضا بمعناه عن عمرو بن زرارة عن القاسم (ج 9 ص 188) وكذلك النسائي (ج 5 ص 54) (5) هو في المؤطأ (ص 124) (6) هو في المؤطأ (ص 188).(5/243)
ومن طريق مالك عن نافع قال: كان ابن عمر يعطى زكاة الفطر من رمضان بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم المد الاول * فصح ان بالمدينة صاعا ومدا غير مد النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو كان صاع عمربن الخطاب هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم لما نسب إلى عمر اصلا دون ان ينسب إلى ابى بكر، ولا الى ابى بكر أيضا دون ان يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فصح بلاشك أن مد هشام إنما رتبة هشام، وأن صاع عمرانما رتبه عمر.
وهذا إن صح أنه كان هنالك صاع يقال له (صاع عمر) فان صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومده منسوبان إليه لا إلى غيره، باقيان بحسبهما * وأما حقيقة الصاع الحجاجى الذى عولوا عليه فاننا روينا من طريق اسماعيل بن اسحاق عن مسدد عن المعتمر بن سليمان عن الحجاج بن أرطاة قال حدثنى من سمع الحجاج أبن يوسف يقول: صاعي هذا صاع عمر (1) أعطتنيه عجوز بالمدينة * فان احتجوا برواية الحجاج بن ارطاة عن ابراهيم فروايته هذه حجة عليهم، وهذا أصل صاع الحجاج، فلا كثر ولا طيب، ولا بورك في الحجاج ولا في صاعه * وروينا من طريق أبى بكر بن ابى شيبة: ثنا جرير - هو ابن عبد الحميد عن يزيد (2) - هو ابن أبى زياد - عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال: الصاع يزيد على
الحجاجى مكيالا * فبطل مامو هوابه من الباطل، ووجب الرجوع إلى ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم * كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا اسحاق - هو ابن راهوية - ومحمد بن اسماعيل بن علية، قال اسحق عن الملائى (3) وقال ابن علية: ثنا أبو نعيم - هو الفضل بن دكين - كلاهما عن سفيان الثوري عن حنظلة ابن ابى سفيان الجمحى عن طاوس عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المكيال
__________
(1) في النسخة رقم (16) (صاع ابن عمر) وهو خطأ، ففى خراج يحيى بن آدم (رقم 477) (قال لى اسرائيل عن ابى اسحق قال: قدم علينا الحجاج من المدينة فقال: انى قد اتخذت لكم مختوما على صاع عمر بن الخطاب) وهو اسناد صحيح متصل إلى الحجاج (2) في النسخة رقم (16) (زيد) وهو خطأ (3) بضم الميم وتخفيف اللام، وأنا أرجح انه ابو نعيم الفضل بن دكين - بضم الدال المهملة - وليس شخصا آخر كما يوهم كلام المؤلف.
وهذا الاثر بهذا الاسناد لم أجد في النسائي، ولكن وجدته فيه عن ابى سليمان عن ابى نعيم (ج 5 ص 54) *(5/244)
على مكيال أهل المدينة، والوزن على وزن أهل مكة) * فلم يسع أحدا الخروج عن مكيال أهل المدينة ومقداره عندهم، ولا عن موازين (1) أهل مكة، ووجدنا أهل المدينة (لا يختلف منم اثنان في ان مد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى به تؤدى الصدقات ليس أكثر من رطل ونصف، ولا أقل من رطل وربع، وقال بعضهم: رطل وثلث.
وليس هذا اختلافا، لكنه على حسب رزانة المكيل من البر والتمر والشعير * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن هشام بن عروة: (ان مد النبي صلى الله عليه وسلم الذى كان يأخذ به الصدقات رطل ونصف) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود عن احمد بن حنبل قال: صاع ابن أبى ذئب خمسة أرطال وثلث.
قال أبو داود: وهو صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال: ذكر أبى أنه عير مد النبي صلى الله عليه وسلم بالحنطة فوجدها رطلا وثلثا (2) في البر، (3) قال: ولا يبلغ من التمر هذا المقدار * حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن دحيم ثنا ابراهيم بن حماد ثنا اسماعيل بن اسحاق قال: دفع الينا اسماعيل بن ابى أويس (4) المد، وقال: هذا مد مالك وهو على مثال مد النبي صلى الله عليه وسلم، فذهبت به إلى السوق، وخرط لى عليه مد وحملته معى إلى البصرة، فوجدته نصف كيلجة (5) بكيلجة البصرة، يزيد على كيلجة البصرة شيئا يسيرا خفيفا، وإنما هو شبيه بالرجحان الذى لا يقع عليه جزء من الاجزاء، ونصف كيلجة البصرة هو زبع كيلجة بغداد، فالمد ربع الصاع، والصاع مقدار كيلجة بغدادية يزيد الصاع عليها شيئا يسيرا * قال أبو محمد: وخرط لى مد على تحقيق المد المتوارث عند آل عبد الله بن على الباجى،
__________
(1) في النسخة رقم (14) (موازن) وهو خطأ (2) في النسخة رقم (16) (رطل وثلث) وهو لحن (3) في النسخة رقم (16) (في المد) بدل قوله (في البر)، وكانت أيضا هكذا في النسخة رقم (14) ولكن ناسخها صححها إلى (في البر) وهو الصواب، ويدل عليه قوله بعده (ولا يبلغ من التمر هذا المقدار) (4) هو اسماعيل بن عبد الله، وهو ابن اخت مالك ونسييه (5) بفتح الكاف واللام والجيم، وهو مكيال *(5/245)
وهو عند أكبرهم (1) لا يفارق داره، أخرجه إلى ثقتى (2) الذى كلفته ذلك، على ابن عبد الله بن احمد بن عبد الله بن على المذكور وذكر أنه مد ابيه وجده وأبى جده
أخذه وخرطه على مد أحمد بن خالد، وأخبره أحمد بن خالد أنه خرطه على مد يحيى ابن يحيى، الذى أعطاه إياه ابنه عبيدالله بن يحيى بن يحيى، وخرطه يحيى على مد مالك، ولا أشك ان أحمد بن خالد صححه أيضا على مد محمد بن وضاح الذى صححه ابن وضاح بالمدينة * قال أبو محمد: ثم كلته بالقمح الطيب، ثم وزنته، فوجدته رطلا واحدها ونصف رطل بالفلفلي (3)، لا يزيد حبة، وكلته بالشعير، الا أنه لم يكن بالطيب، فوجدته رطلا واحدا ونصف أوقية * قال أبو محمد: وهذا امر مشهور بالمدينة، منقول نقل الكافة، صغيرهم وكبيرهم، وصالحهم وطالحهم، وعالمهم وجاهلهم، وحرائرهم وامائهم، كما نقل أهل مكة موضع الصفا، والمروة، والاعتراض على أهل المدينة في صاعهم ومدهم كالمعترض على أهل مكة في موضع الصفا والمروة ولا فرق، وكمن يعترض على اهل المدينة في القبر والمنبر والبقيع، وهذا خروج عن الديانة والمعقول * قال أبو محمد: وبحثت انا غاية البحث عند كل من وثقت بتمييزه، فكل اتفق لى على ان دينار الذهب بمكة وزنه اثنان وثمانون حبة وثلاثة اعشار حبة بالحب من الشغير المطلق، والدرهم سبعة أعشار المثقال، فوزن الدرهم المكى سبع وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر عشر حبة، فالرطل مائة درهم واحدة وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور * وقد رجع أبو يوسف إلى الحق في هذه المسألة إذ دخل المدينة ووقف على أمداد أهلها * وقد موه بعضهم بأنه إنما سمى الوسق لانه من وسق البعير * قال أبو محمد: وهذا طريف في الهوج جدا! وليت شعرى من له بذلك؟! وهلا قال: لانه وسق الحمار؟! * ثم أيضا فان الوسق الذى أشار إليه هو عندهم ستة عشر ربعا بالقرطبى، وحمل البعير أكثر من هذا المقدار بنحو نصفه * وأما اسقاطهم الزكاة عما أصيب في أرض الخراج من بر وتمر وشعير ففاحش جدا،
وعظيم من القول واسقاط للزكاة المفترضة *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (أكثر هم) وهو تصحيف (2) في النسخة رقم (16) (تقى) وهو خطأ (3) هنا بحاشية النسخة رقم (14) كلمة في تفسير الرطل الفلفلى نقلناها فيما مضى *(5/246)
وموهوا في هذا بطوام، منها: أن قال قائلهم: إن عمر لم يأخذ الزكاة من ارض الخراج * قال أبو محمد: وهذا تمويه بارد! لان عمر رضى الله عنه إنما ضرب الخراج على اهل الكفر، ولا زكاة تؤخذ منهم، فان ادعى أن عمر لم يأخذ الزكاة ممن أسلم من أصحاب أرض الخراج فقد كذب جدا ولا يجد هذا أبدا، ومن ادعى ان عمر أسقط الزكاة عنهم كمن ادعى انه اسقط الصلاة عنهم ولا فرق * وموه بعضهم بأن ذكر ما قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: (منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشأم مديها (1) ودينارها، ومنعت مصر إرد بها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم) (2) شهد على ذلك لحم أبى هريرة ودمه، قالوا: فأخبر عليه السلام بما يجب في هذه الارضين، ولم يخبر ان فيها زكاة، ولو كان فيها زكاة لاخبر بها * قال أبو محمد: مثل هذا ليس لا يراده وجه إلا ليحمد الله تعالى من سمعه على خلاصه من عظيم ما ابتلوا به من المجاهرة بالباطل ومعارضة الحق بأغث ما يكون من الكلام؟! وليت شعرى في أي معقول وجدوا أن كل شريعة لم تذكر في هذا الحديث فهى ساقطة؟ وهل يقول هذا من له نصيب من التمييز؟ وهل بين من أسقط الزكاة - لانها لم تذكر في هذا الخبر - فرق وبين من اسقط الصيام لانه لم يذكر في هذا الخبر، ومن اسقط الصلاة والحج لانهما لم يذكرا في هذا الخبر؟ * وحتى لو صح لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد بهذا الخبر ذكر ما يجب في هذه الارضين - ومعاذ الله من أن يصح هذا فهو الكذب البحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم -: لما كان في ذلك اسقاط سائر حقوق الله تعالى عن أهلها، وليس في الدنيا حديث انتظم ذكر جميع
الشرائع أولها عن آخرها، ونعم، ولا سورة أيضا * وإنما قصد عليه السلام في هذا الحديث الانذار بخلاء أيدى المفتتحين لهذه البلاد من أخذ طعامها ودراهمها ودنانيرها فقط، وقد ظهر ما أنذر من عليه السلام * ومن الباطل الممتنع أن يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زعموا، لانه لو كان ذلك، وكان ارباب اراضى (3) الشأم، ومصر، والعراق مسلمين، فمن هم المخاطبون بأنهم يعودون كما
__________
(1) بضم الميم واسكان الدال وبالياء كما سبق، وفى الاصلين (مدها) وهو تحريف (2) في النسخة رقم (16) (ابداتم) وهو خطا، والحديث رواه يحيى بن آدم في الخراج (رقم 227) ومسلم (ج 2 ص 365) وأبو داود (ج 3 ص 129) وابن الجارود (ص 499) (3) في النسخة رقم (14) (ارض) بالافراد *(5/247)
بدؤا (1)؟ ومن المانع ما ذكر منعه؟ هذا تخصيص منهم بالباطل وبما ليس في الخبر منه نص ولا دليل، ولو قيل لهم: بل في قوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر) دليل على سقوط الخراج وبطلانه، إذ لو كان فيها خراج لذكره عليه السلام * والعجب أيضا إسقاطهم الجزية بهذا الخبر عن أهل الخراج فأسقطوا فرضين من فرائض الاسلام برأى صاحب! - وهذا عجب جدا! وخالفوا ذلك الصاحب في هذه القضية نفسها، لانه قد صح عنه إيجاب الجزية مع الخراج، فمرة يكون فعله حجة يخالف بها القرآن، وهم مع ذلك كاذبون عليه، فما روى عنه قط اسقاط الزكاة عما أصيب في أرض الخراج، ومرة لا يرونه حجة أصلا ومعه الحق * فان قالوا: إن الصحابة أجمعوا على أخذ الخراج * قيل لهم: والصحابة أجمعوا على أخذ الزكاة قبل إجماعهم على الخراج ومعه وبعده بلا شك، ولا عجب أعجب من إيجاب محمد بن الحسن الخراج عن المسلم في أرض الخراج إذا ملكها، وإسقاط الزكاة عنه وإيجابه الزكاة على اليهودي والنصراني إذا ملكا
أرض العشر، واسقاط الخراج عنهما، وفاعل هذا متهم على الاسلام وأهله (2) * وقالوا: لا يجتمع حقان في مال واحد * قال أبو محمد: كذبوا وافكوا؟ بل تجتمع حقوق لله تعالى في مال واحد، ولو أنها ألف حق، وما ندرى من أين وقع لهم انه لا يجتمع حقان في مال واحد، وهم يوجبون الخمس في معادن الذهب والفضة والزكاة ايضا، إما عند الحول وإما في ذلك الوقت ان كان بلغ حول ما عنده من الذهب والفضة، ويوجبون ايضا الخراج في ارض المعدن ان كانت ارض خراج؟! * ومن عجائب الدنيا تغلييهم الخراج على الزكاة، فأسقطواها به، تم غلبوا زكاة البر والشعير، والتمر، والماشية على زكاة التجارة، فأسقطوها بها، ثم غلبوا زكاة التجارة في الرقيق على زكاة الفطر، فأسقطوها بها، فمرة رأوا زكاة التجارة أوكد من الزكاة المفروضة،
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ابدؤا) وهو خطأ (2) هذه زلة قلم من ابن حزم، أو لعلها من أثر ما كان عنده من الربو الذى يضيق به الصدر أعاذنا الله منه، وما كان محمد بن الحسن رحمه الله متهما على الاسلام، بل هو عالم كبير، ثقة في الحديث وبخاصة في الرواية عن مالك، وان لينه بعض اهل الحديث فانما ذلك من قبل حفظه، ومن قبل انه اشتغل بالفقه اكثر من الرواية، ورحمه الله الجميع *(5/248)
ومرة رأوا الزكاة المفروضة اولى من زكاة التجارة؟ والحسن بن حى يرى أن يزكى ما زرع للتجارة زكاة التجارة لا الزكاة المفروضة، وذكرنا هذا لئلا يدعوا في ذلك إجماعا، فهذا أخف شئ عليهم * وإن تناقض المالكيين والشافعيين لظاهر في إسقاطهم الزكاة عن عروض التجارة للزكاة المفروضة وإبقائهم إياها مع زكاة الفطر في الرقيق * وكذلك أيضا تناقض الحنيفيون إذ اثبتوا الاجارة والزكاة في أرض واحدة * وممن صح عنه ايجاب الزكاة في الخارج من أرض الخراج عمر بن عبد العزيز وابن
أبى ليلى وابن شبرمة وشريك والحسن بن حى * وقال سفيان وأحمد: ان فضل بعد الخراج خمسة أو سق فصاعدا ففيه الزكاة * ولا يحفظ عن أحد من السلف مثل قول أبى حنيفة في ذلك * والعجب كله من تمويههم بالثابت عن عمر رضى الله عنه من قوله - إذ أسلمت دهقانة نهر الملك (1) -: ان اختارت أرضها وأدت (2) ما على ارضها فخلوا بينها وبين ارضها، وإلا فخلوا بين المسلمين وارضهم.
وعن على نحو هذا.
وعن ابن عمر انكار الدخول في ارض الخراج للمسلم (3) * وليت شعرى هل عقل ذو عقل قط ان في شئ من هذا اسقاط الزكاة عما اخرجت الارض؟ وهذا مكان لا يقابل الا بالتعجب وحسبنا الله ونعم الوكيل * ويكفى من هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر) فعم ولم يخص * وأيضا فان البرهان على ان الزكاة على الرافع (4) لاعلى الارض اجماع الامة على انه ان اراد ان يعطى العشر من غير الذى أصاب في تلك الارض لكان ذلك له، ولم *
__________
(1) في الاصلين (بهز الملك) وهو تصحيف، ونهر الملك كورة واسعة ببغداد بعد نهر عيسى، والدهقان - بكسر الدال وضمها - له معان منها: رئيس الاقليم، وهو معرب عن الفارسية، ولعله المراد هنا: وفى خراج يحيى بن آدم (رقم 181) (عن طارق بن شهاب قال: أسلمت امرأة من أهل نهر الملك) (2) في الاصلين (أو أدت) والصواب بواو العطف كما في خراج يحيى (3) انظر الخراج (رقم 150) إلى 171) (4) الرافع بالراء وفى النسخة رقم (16) بدال، وهو خطأ في ظنى، بل هو من رفع الزرع بمعنى نقله من الموضع الذى يحصد فيه إلى البيادر، فالرافع هو صاحب الزرع الذى له نتاج الارض * (م 32 - ج 5 المحلى)(5/249)
يجز اجباره على ان يعطى من عين ما اخرجت الارض.
فصح ان الزكاة في ذمة المسلم
الرافع، لا في الارض * 643 - مسألة - وكذلك ما اصيب في الارض المغصوبة إذا كان البذر للغاصب لان غصبه الارض لا يبطل ملكه عن بذره، فالبذر إذا كان له فما تولد عنه فله، وانما عليه حق الارض فقط، ففى حصته منه الزكاة، وهى له حلال وملك صحيح * وكذلك الارض المستأجرة بعقد فاسد، لاو المأخوذة ببعض ما يخرج منها، أو الممنوحة، لعموم قوله عليه السلام (فيما سقطت السماء العشر) * وإما إن كان البذر مغصوبا فلاحق له، ولا حكم في شئ مما انبت الله تعالى منه، سواء كان في أرضه نفسه أم في غيرها، وهو كله (1) لصاحب البذر، لقول الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) ولا يختلف اثنان في ان غاصب البذر إنما أخذه بالباطل، وكذلك كل بذر أخذ بغير حق فمحرم عليه بنص القرآن أكله، وكل ما تولد من شئ فهو لصاحب ما تولد منه بلا خلاف، وليس وجوب الضمان بمبيح له ما حرم الله تعالى عليه * فان موهوا بما روى من ان (الخراج بالضمان) * فلا حجة لهم فيه لوجوه: اولها: أنه خبر لا يصح، لان راويه مخلد بن خفاف، وهو مجهول (2) * والثانى: انه لو صح لكان إنما ورد في عبد بيع بيعا صحيحا ثم وجد فيه عيب، ومن الباطل ان يقاس الحرام على الحلال، لو كان القياس حقا، فكيف والقياس كله باطل * والثالث: انهم (3) يلزمهم ان يجعلوا أولاد المغصوبة من الاماء والحيوان للغاصب بهذا الخبر، وهم لا يقولون بذلك * 644 - مسألة - فإذا بلغ الصنف الواحد - من البر، أو التمر، أو الشعير - خمسة
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وهذا كله) (2) مخلد بفتح الميم واسكان الخاء المعجمة وفتح اللام، وخفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء.
وحديثه هذا رواه الطيالسي (ص 206 رقم 1464) عن ابن ابى ذئب عن مخلد عن عروة عن عائشة مرفوعا، ونسبه ابن حجر في التلخيص (ص 241) إلى الشافعي والحاكم والترمذي، ونقل في التهذيب ما قيل في المخلد بن خفاف وان ابن حبان ذكره في الثقات ثم قال: (وتابعه على هذا الحديث
مسلم بن خالد الزنجي عن هشام بن عروة عن أبيه به، وقال ابن وضاح: مخلد مدنى ثقة) (3) في النسخة رقم (14) (أنه)(5/250)
أوسق كا ذكرنا فصاعدا، فان كان مما يسقى بساقية (1) من نهر أو عين أو كان بعلا (2) ففيه العشر، وان كان يسقى بسانية أو ناعورة أو دلو ففيه نصف العشر، فان نقص عن الخمسة الاوسق - ما قل أو كثر - فلا زكاة فيه.
وهذا قول مالك، والشافعي، وأصحابنا * وقال أبو حنيفة: في قليله وكثيره العشر أو نصف العشر * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا سعيد بن أبى مريم ثنا عبد الله بن وهب اخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا (3) العشر، وما سقى بالنضح نصف العشر) * وقد ذكرنا قبل قوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمسة أوسق من حب ولا تمر صدقة) فصح ان ما نقص عن الخمسة الاوسق نقصانا - قل أو كثر - فلا زكاة فيه * والعجب من تغليب ابى حنيفة الخبر: (فيما سقت السماء العشر) على حديث الاوسق الخمسة وغلب قوله عليه السلام (ليس فيما دون خمس أواقى من الورق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود من الابل صدقة) على قوله عليه السلام: (في الرقة ربع العشر) وعلى قوله عليه السلام: (ما من صاحب إبل لا يؤدى حقها) وهذا تناقض ظاهر وبالله تعالى التوفيق * 645 - مسألة - ولا يضم قمح إلى شعير، ولا تمر اليهما.
وهو قول سفيان الثوري، ومحمد بن الحسن، والشافعي، وأبى سليمان وأصحابنا * وقال الليث بن سعد وابو يوسف: يضم كل ما أخرجت الارض من القمح والشعير والارز والذرة والدخن وجميع القطانى، بعض ذلك إلى بعض، فإذا اجتمع من كل ذلك خمسة أوسق ففيه الزكاة كما ذكرنا، وإلا فلا *
وقال مالك: القمح، والشعير، والسلت صنف واحد، يضم بعضها إلى بعض في الزكاة، فإذا اجتمع من جميعها خمسة أوسق ففيها الزكاة، والا فلا، ويجمع الحمص والقول واللوبيا، والعدس، والجلبان، والبسيلة بعضها إلى بعض، ولا يضم إلى القمح ولا إلى الشعير
__________
(1) الساقية من سواقى الزرع نهير صغير، قاله في اللسان (2) بفتح الباء واسكان العين المهملة، وهو ما شرب من النخيل بعروقه من الارض من غير سقى سماء ولاغيرها، والسانية بمعنى الناضحة، وهى ما يسقى عيه من بعير وغيره وانظر خراج يحيى (رقم 364 إلى 395) (3) العثرى: بفتح العين المهملة والثاء المثلثة المخففة.
وقال ابن الاعرابي بتشديد الثاء وهو خطأ، وهو الذى يسقى بماء السماء من مطر وسيل *(5/251)
ولا إلى السلت، قال: واما الارز، والذرة، والسمسم فهى أصناف مختلفة، لا يضم كل واحد منها إلى شئ أصلا * واختلف قوله في العلس، فمرة قال: يضم إلى القمح، والشعير، ومرة قال: لا يضم إلى شئ أصلا * ورأى القطانى في البيوع أصنافا مختلفة، حاشا اللوبيا والحمص، فانه رآهما في البيوع صنفا واحدا * قال أبو محمد: أما قول مالك فظاهر الخطأ جملة، لا يحتاج من ابطاله إلى أكثر من ايراده؟ وما نعلم أحدا على ظهر الارض قسم هذا التقسيم، ولا جمع هذا الجمع، ولا فرق هذا التفريق قبله ولا معه ولابعده، إلا من قلده، وماله متعلق، لامن قرآن، ولا من سنة صحيحة، ولامن رواية فاسدة، ولامن قول صاحب ولا تابع، ولامن قياس، ولا من رأى يعرف له وجه، ولامن احتياط أصلا * واما من رأى جمع البر وغيره في الزكاة فيمكن أن يتعلقوا بعموم قوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) *
قال أبو محمد: ولو لم يأت إلا هذا الخبر لكان هذا هو القول الذى لا يجوز غيره * لكن قد خصه ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أنا اسماعيل بن مسعود - هو الجحدرى - ثنا يزيد بن زريع ثنا روح بن القاسم حدثنى عمرو ابن يحيى بن عمارة عن ابيه عن ابى سعيد الخدرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل في البر والتمر زكاة حتى يبلغ خمسة أوسق، ولا يحل في الورق زكاة حتى يبلغ خمس أواقى (1) ولا يحل في الابل زكاة حتى تبلغ خمس ذود) (2) * فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة عمالم يبلغ خمسة اوسق من البر، فبطل بهذا إيجاب الزكاة فيه على كل حال، مجموعا إلى شعير أو غير مجموع * قال أبو محمد: وكلهم متفق على ان لا يجمع التمر إلى الزبيب، وما نسبة احدهما من الآخر الا كنسبة البر من الشعير، فلا النص اتبعوا، ولا القياس طردوا، ولا خلاف
__________
(1) في النسخة رقم (14) (خمس اواق) وفى النسائي (ج 5 ص 40) (خمسة أواق) (2) لفظ هذا الحديث يرد على زعم المؤلف فيما مضى ان كلمة (دون) في حديث (ليس فيما دون خمسة اوسق) الخ بمعنى غير وانكاره ان تكون فيه بمعنى أقل، وقد بينا هناك خطأه، وقد ايد لفظ هذا الحديث ما قلنا فالحمد لله *(5/252)
بين كل من يرى الزكاة في الخمسة الاوسق فصاعدا - لا في أقل - في انه لا يجمع التمرالى البر ولا إلى الشعير * 646 - مسألة - وأما أصناف القمح فيضم بعضها إلى بعض، وكذلك تضم أصناف الشعير بعضها إلى بعض، وكذلك أصناف التمر بعضها إلى بعض، العجوة والبرنى والصيحانى (1) وسائر أصنافه، وهذا لا خلاف فيه من احد، لان اسم (بر) يجمع اصناف البر، واسم (تمر) يجمع أصناف التمر، واسم (شعير) يجمع أصناف الشعير.
وبالله تعالى التوفيق * 647 - مسألة - ومن كانت له أرضون شتى في قرية واحدة أو في قرى شتى في عمل مدينة واحدة أو في أعمال شتى - ولو أن إحدى ارضيه في أقصى الصين والاخرى في أقصى
الاندلس - فانه يضم كل قمح أصاب في جميعها بعضها إلى بعض، وكل شعير اصابه في جميعها بعضه إلى بعض، وكل تمر اصابه في جميعها بعضه إلى بعض، فيزكيه، لانه مخاطب بالزكاة في ذاته، مرتبة بنص القرآن والسنن في ذمته وماله، دون ان يخص الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك ما كان في طسوج (2) واحد، أو رستاق (3) واحد -: مما في طسوجين، أو رستاقين، وتخصيص القرآن والسنة بالآراء الفاسدة باطل مقطوع به وبالله تعالى التوفيق * 648 - مسألة - ومن لقط السنبل فاجتمع له من البر خمسة أوسق فصاعدا، ومن الشعير كذلك -: فعليه الزكاة فيها، العشر فيما سقى بالسماء أو بالنهر أو بالعين أو بالساقية، ونصف العشر فيما سقى بالنضح.
ولا زكاة على من التقط من التمر خمسة أوسق.
وبايجاب الزكاة في ذلك يقول أبو حنيفة *
__________
(1) البرنى - بفتح الباء واسكان الراء - ضرب من التمر احمر مشرب بصفرة مدور كثير اللحاء عذب الحلاوة وهو أجود التمر، واحدته برنية، واصل الكلمة فارسي.
عن اللسان، والصيحانى - بفتح الصاد المهملة - ضرب من تمر المدينة أسود صلب الممضغة، وسمى صيحانيا لان صيحان اسم كبش كان ربط إلى نخلة بالمدينة فأثمرت تمرا فنسب إلى صيحان.
عن اللسان (2) بفتح الطاء المهملة وضم السين المهملة المشددة وفى آخره جيم، كلمة معربة، ومعناها الناحية، ومن ذلك طساسيج السواد.
(3) كلمة معربة أيضا، وهى السواد، وكأنها كانت تطلق على بعض التقسيمات الادارية في القرون الالى وعربت بألفاظ كثيرة، رزداق، رسداق، رزتاق، رستاق، وانكر بعضهم (رستاق) وكلها بضم الراء واسكان ما بعدها.
عن اللسان *(5/253)
برهان ذلك: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اوجبها على مالكها الذى يخرج في ملكه الحب من سنبله إلى إمكان كيله، ولم يخص عليه السلام من اصابه من حرثه أو من غير حرثه، ولا
شئ في ذلك على صاحب الزرع الذى التقط هذا منه، لانه خرج عن ملكه قبل إمكان الكيل فيه الذى به تجب الزكاة.
وليس كذلك ما التقط من التمر، لان الزكاة فيه واجبة على من ازهى التمر في ملكه، بخلاف البر والشعير وبالله تعالى نتأيد * 649 - مسألة - والزكاة واجبة على من ازهى التمر في ملكه - والازهاء هو احمراره في ثماره - وعلى من ملك البر والشعير قبل دراسهما وإمكان تصفيتهما من التبن وكيلهما، بأى وجه ملك ذلك، من ميراث، أو هبة، أو ابتياع، أو صدقة، أو إصداق أو غير ذلك، ولا زكاة على من انتقل ملكه عن التمر (1) قبل الازهاء، ولا على من ملكها بعد الازهاء، ولا على من انتقل ملكه عن البر والشعير قبل دراسهما (2) وامكان تصفيتهما وكيلهما، ولا على من ملكهما بعد إمكان تصفيتهما وكيلهما * برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق من حب ولا تمر صدقة) فلم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم في الحب صدقة إلابعد امكان توسيقه، فان صاحبه حينئذ مأمور بكيله وإخراج صدقته، فليس تأخيره الكيل - وهو له ممكن - بمسقط حق الله تعالى فيه، ولا سبيل إلى التوسيق الذى به تجب الزكاة قبل الدراس أصلا، فلا زكاة فيه قبل الدراس، لان الله تعالى لم يوجبها ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن سقط ملكه عنه قبل الدراس - ببيع أو هبة أو إصداق أو موت أو جائحة أو نار أو غرق أو غصب - فلم يمكنه إخراج زكاته في وقت وجوبها، ولا وجبت الزكاة عليه وهو في ملكه.
ومن امكنه الكيل وهو في ملكه فهو الذى خوطب بزكاته، فمن ملكه بعد ذلك فانما ملكه بعد وجوب الزكاة على غيره * وليس التمر كذلك، لان النص جاء بايجاب الزكاة فيه إذا بدا طيبه، كما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (الثمرة) وهو خطأ ظاهر (2) هنا بحاشية النسخة رقم (14) ما نصه: (صوابه بعد دراسهما.
هكذا مذهبه رحمه الله) وهذا خطأ من كاتب الحاشية، لان مذهب المؤلف واضح هنا في ان وجوب الزكاة انما يكون على من ملك البر أو الشعير
قبل الدراس والكيل وبقيا في ملكه إلى حين امكان ذلك فمن انتقلا عن ملكه قبل الدراس فلا زكاة عليه وانما هي على من انتقلا إليه، وكذلك لا زكاة على من انتقلا إليه بعد الدراس، اذ هي على المالك الاول.
وهذا ظاهر(5/254)
ومن خالفنا في هذا ورأى الزكاة في البر والشعير إذا يبسا واستغنيا عن الماء سألناه عن الدليل على دعواه هذه؟ ولا سبيل له إلى ذلك وعارضناه بقول ابى حنيفة الذى يرى على من باع زرعا اخضر قصيلا (1) فقصله المشترى واطعمه دابته قبل ان يظهر فيه شئ من الحب -: ان الزكاة على البائع، عشر الثمن أو نصف عشره، ولا سبيل لاحدهما إلى ترجيح قوله على الآخر، ولو صح قول من رأى الزكاة واجبة فيه قبل دراسه -: لكان واجبا إذا ادى العشر منه كما هو في سنبله ان يجزئه، وهذا ما لا يقولونه * 650 - مسألة - واما النخل فانه إذا ازهى خرص (2) والزم الزكاة كما ذكرنا، واطلقت يده عليه يفعل به ما شاء، والزكاة في ذمته * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب انا محمد بن بشار ثنا يحيى - هو ابن سعيد القطان - ومحمد بن جعفر غندر ثنا شعبة قال سمعت خبيب بن عبد الرحمن (3) يحدث عن عبد الرحمن بن مسعود بن نيار (4) قال: اتانا سهل بن أبى حثمة فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خرصتم فخذوا أودعوا (5) الثلث، فان (6) لم تأخذوا فدعوا الربع) شك شعبة في لفظة (تأخذوا) و (تدعوا) * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة وهى تذكر شأن خيبر قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى اليهود فيخرص النخل حين يطيب أول الثمر قبل أن
__________
(1) القصل - بالقاف والصاد المهملة - القطع، أو قطع الشئ من وسطه أو اسفل من ذلك قطعا وحيا، أي سريعا، والقصيل ما اقتصل من الزرع اخضر والجمع قصلان بضم القاف
واسكان الصاد (2) خرص النخل والكرم - من باب نصر - إذا حرز ما عليها من الرطب تمرا ومن العنب زبيبا، وهو من الظن لان الحرز انما هو تقدير بظن.
عن اللسان (3) خبيب بالخاء المعجمة مصغر (4) نيار بكسر النون وتخفيف الياء المثناة التحتية، وفى الاصلين (دينار) وهو تحريف، وفى النسخة رقم (16) (خبيب بن عبد الرحمن يحدث عبد الرحمن) الخ بحذف (عن) وهو خطأ، والتصحيح من النسائي (ج 5 ص 43) والتهذيب وغيرهما (5) في النسائي (ج 5 ص 43) وابى داود (ج 2 ص 24) والترمذي (ج 1 ص 82) طبع الهند) (فخذوا ودعوا) بالواو، وانا ارجح ان ماهنا بحرف (أو) اصح وانسب للسياق (6) في النسخة رقم (16) (وان) بالواو، وما هنا هو الموافق للنسائي وغيره وكذلك هو في المستدرك (ج 1 ص 402) *(5/255)
يؤكل، ثم يخيرون اليهود بين أن يأخذوها بذلك الخرص أو يدفعوها إليهم بذلك) وإنما كان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخرص لكى تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفترق (1) * 651 - مسألة - فإذا خرص كما ذكرنا فسواء باع الثمرة صاحبها أو وهبها أو تصدق بها أو أطعمها أو اجيح فيها -: كل ذلك لا يسقط الزكاة عنه، لانها قد وجبت، واطلق على الثمرة وأمكنه التصرف فيها بالبيع وغيره، كما لوجدها، ولا فرق * 652 - مسألة - فإذا غلط الخارص أو ظلم - فزاد أو نقص رد الواجب إلى الحق، فأعطى ما زيد عليه وأخذ منه ما نقص * لقول الله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) والزيادة من الخارص ظلم لصاحب الثمرة بلا شك، وقد قال تعالى: (ولا تعتدوا) فلم يوجب الله تعالى على صاحب الثمرة إلا العشر، لا أقل ولا أكثر، أو نصف العشر، لا أقل ولا أكثر، ونقصان الخارص ظلم لاهل الصدقات واسقاط لحقهم، وكل ذلك إثم وعدوان * 653 - مسألة - فان ادعى ان الخارص ظلمه أو اخطأ لم يصدق إلا ببينة إن كان
الخارص عدلا عالما فان كان جاهلا أو جائزا فحكمه مردود * لانه ان كان جائزا فهو فاسق، فخبره مردود (2) * لقول الله تعالى: (ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) * وان كان جاهلا فتعرض الجاهل للحكم في اموال الناس بما لا يدرى جرحة، واقل ذلك انه لا يحل توليته، فإذ هو كذلك فتوليته باطل مردود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) * 654 - مسألة - ولا يجوز خرص الزرع اصلا، لكن إذا حصدودرس، فان جاء الذى يقبض الزكاة حينئذ فقعد على الدرس والتصفية والكيل فله ذلك، ولا نفقة له على صاحب الزرع * *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وتفتقر) وهو خطأ لا معنى له.
ثم لاادرى ما دخل خرص نخل يهود في الزكاة؟ - ولا زكاة عليهم - وانما ذلك الخرص كان لصلح رسول الله معهم على شطر ما يخرج من خيبر من زرع أو ثمر، انظر خراج يحيى بن آدم (رقم 97 و 98) والبخاري (ج 3 ص 191 و 211 و 212 و 281 وج 4 ص 31 و 35 و 205 وج 5 ص 290) ونيل الاوطار (ج 8 ص 206 و 207) (2) في النسخة رقم (16) (فجوره مردود) وما هنا أصح *(5/256)
لانه لم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه خرص الزرع، فلا يجوز خرصه، لانه إحداث حكم لم يأت به نص.
وبالله تعالى التوفيق * وأما النفقة فان الله تعالى يقول: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * 655 - مسألة - وفرض على كل من له زرع عند حصاده أن يعطى منه من حضر من المساكين ما طابت به نفسه، وقد ذكرنا ذلك قبل في (باب ما تجب فيه الزكاة) عند ذكرنا قول الله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاه) وبالله تعالى التوفيق *
656 - مسألة - ومن ساقى حائط نخل أو زارع أرضه بجزء مما يخرج منها فأيهما وقع في سهمه خمسة أوسق فصاعدا من تمر أو خمسة أوسق كذلك من بر أو شعير فعليه الزكاة، والا فلا، وكذلك من كان له شريك فصاعدا في زرع أو في ثمرة نخل بحبس أو ابتياع أو بغير ذلك من الوجوه كلها ولا فرق * فان كانت على المساكين أو العميان أو المجذومين أو في السبيل أو ما أشبه ذلك - مما لا يتعين أهله - أو على مسجد أو نحو ذلك فلا زكاة في شئ من ذلك كله * لان الله تعالى لم يوجب الزكاة في اقل من خمسة أوسق مما ذكرنا، ولم يوجبها على شريك من أجل ضم زرعه إلى زرع شريكه، قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) * وأما من لا يتعين فليس يصح أنه يقع لاحدهم خمسة أوسق، ولا زكاة إلا على مسلم يقع له مما يصيب خمسة اوسق * وقال أبو حنيفة ة في كل ذلك الزكاة * وهذا خطأ، لما قد ذكرنا من أنه لا شريعة على ارض، وانما الشريعة على الناس والجن، ولو كان ما قالوا (1) لوجبت الزكاة في اراضى (2) الكفار * فان قالوا (3): الخراج ناب عنها * قلنا: قد كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم لاخراج عليهم فكان يجب على قولكم ان تكون الزكاة فيما أخرجت ارضهم، وهذا باطل باجماع من أهل النقل، وباجماعهم مع سائر المسلمين * وقال الشافعي: إذا اجتمع للشركاء كلهم خمسة اوسق فعليهم الزكاة.
وسنذكر *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (قال) (2) في النسخة رقم (14) (ارضين) (3) في النسخة رقم (16) (قال) * (م 33 - ج المحلى)(5/257)
بطلان هذا القول - إن شاء الله تعالى - في زكاة الخلطاء (1) في الماشية، وجملة الرد عليه أنه إيجاب شرع بلا برهان أصلا.
وبالله تعالى التوفيق * 657 - مسألة - ولا يجوز أن يعد الذى له الزرع أو الثمر ما انفق في حرث (2) أو حصاد أو جمع، أو درس، أو تزبيل (3) أوجداد (4) أو حفر أو غيرذلك -: فيسقطه من الزكاة وسواء تداين في ذلك أو لم يتداين، اتت النفقة على جميع قيمة الزرع أو الثمر أولم تأت.
وهذا مكان قد اختلف السلف فيه * حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن على ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقى بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا وكيع عن أبى عوانة عن ابى بشر - هو جعفر بن ابى وحشية (5) - عن عمرو ابن هرم (6) عن جابر بن زيد عن ابن عباس، وابن عمر، في الرجل ينفق على ثمرته، قال أحدهما: يزكيها، وقال الآخر: يرفع النفقة ويزكى ما بقى (7) * وعن عطاء: أنه يسقط مما أصاب النفقة، فان بقى مقدار ما فيه الزكاة زكئ وإلا فلا * قال أبو محمد: أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التمر والبر والشعير الزكاة جملة إذا بلغ الصنف منها خمسة أوسق فصاعدا، ولم يسقط الزكاة عن ذلك بنفقة الزارع (8) وصاحب النحل، فلا يجوز إسقاط حق أوجبه الله تعالى بغير نص قرآن ولا سنة ثابتة * وهذا قول مالك، والشافعي، وأبى حنيفة، وأصحابنا، إلا ان مالكا، وأبا حنيفة، والشافعي في احد قوليه تناقضوا وأسقطوا الزكاة عن الاموال التى أوجبها الله تعالى فيها إذا
__________
(1) في النسخة رقم (16) (الخلطة (2) في النسخة رقم (16) (من حرث) وهو خطأ (3) الزبل - بفتح الزاى واسكان الباء - تسميد الارض والزرع بالزبل - بكسر الزاى - فالتزبيل مشتق من ذلك (4) في الاصلين (جذاذ) بالذالين المعجمتين وهو خطأ * (5) هو جعفر بن اياس.
(6) بفتح الهاء وكسر الراء.
(7) هكذا روى المؤلف الاثر، وأظنه اختصره، فقد رواه يحيى بن آدم في الخراج (رقم 589) عن ابى عوانة عن جعفر عن عمرو عن حابر بن زيد (عن ابن عباس وابن عمر في الرجل يستقرض فينفق على ثمرته وعلى اهله، قال قال ابن عمر: يبدأ بما استقرض فيقضيه ويزكى ما بقى، قال وقال
ابن عباس: يقضى ما أنفق على الثمرة ثم يزكى ما بقى) فقد اتفق ابن عباس وابن عمر على قضاء ما أنفق على الثمرة وزكاة الباقي فقط واختلفا في قضاء ما انفق على اهله، وهذا غير ما يوهمه اللفظ المختصر الذى هنا، فرواية يحيى اوضح جدا.
(8) في النسخة رقم (14) الزرع وما هنا أصح(5/258)
كان على صاحبها دين يستغرقها أو يستغرق بعضها، فأسقطوها عن مقدار ما استغرق الدين منها * 658 - مسألة - ولا يجوز ان يعد على صاحب الزرع في الزكاة ما أكل هو وأهله فريكا أو سويقا، قل أو كثر، ولا السنبل الذى يسقط فيأكله الطير أو الماشية أو يأخذه الضعفاء، ولا ما تصدق به حين الحصاد، لكن ما صفى فزكاته عليه * برهان ذلك ما ذكرنا قبل من ان الزكاة لا تجب إلا حين امكان الكيل، فما خرج عن يده قبل ذلك فقد خرج قبل وجوب الصدقة فيه.
وقال الشافعي، والليث كذلك * وقال مالك، وأبو حنيفة: يعد عليه كل ذلك * قال أبو محمد: هذا تكليف مالا يطاق، وقد يسقط من السنبل مالو بقى لاتم خمسة أوسق، وهذا لا يمكن ضبطه، ولا المنع منه اصلا، والله تعالى يقول: (لا يكاف الله نفسا إلا وسعها) * 659 - مسألة - واما التمر ففرض على الخارص ان يترك له ما يأكل هو واهله رطبا على السعة، ولا يكلف عنه زكاة، وهو قول الشافعي، والليث بن سعد * وقال مالك، وأبو حنيفة: لا يترك له شيئا * برهان صحة قولنا (1) حديث سهل ابن ابى حثمة الذى ذكرنا قبل من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خرصتم فخذوا اودعوا الثلث أو الربع) ولا يختلف القائلون بهذا الخبر - وهم أهل الحق الذين اجماعهم الاجماع المتبع - في ان هذا على قدر حاجتهم إلى الاكل رطبا * حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا على بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا هشيم ويزيد كلاهما عن يحيى بن سعيد الانصاري عن بشير بن يسار (2) قال: بعث عمر بن
الخطاب أبا حثمة الانصاري (3) على خرص أموال المسلمين، فقال: إذا وجدت القوم في نخلهم قد خرفوا (4) فدع لهم ما يأكلون، لا تخرصه عليهم *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (برهان ذلك) (2) بشير بالتصغير، وفى النسخة رقم (16) (بشر) وهو تحريف (3) هو والد سهل بن أبى حثمة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعثه خارصا أيضا.
وهذا الاثر رواه الحاكم مختصرا (ج 1 ص 402 و 403) (4) بفتح الخاء والراء، وفى اللسان: (وفى حديث عمر رضى الله عنه: إذا رأيت قوما خرفوا في حائطهم، أي اقاموا فيه وقت اختراف الثمار: وهو الخريف، كقولك: صافوا وشتوا: إذا أقاموا في الصيف والشتاء، وأما أحرف وأصاف وأشتى فمعناه انه دخل في هذه الاوقات)(5/259)
وبه إلى أبى عبيد عن يزيد عن يحيى بن سعيد الانصاري عن محمد بن يحيى بن حبان أن أبا ميمونة أخبره عن سهل بن أبى حثمة: ان مروان بعثه خارصا للنخل، فخرص مال سعد ابن ابى وقاص (1) سبعمائة وسق، وقال: لولا انى وجدت فيه أربعين عريشا لخرصته تسعمائة وسق، ولكني تركت لهم قدر ما يأكلون * قال أبو محمد: هذا فعل عمر بن الخطاب، أبى حثمة، وسهل، ثلاثة من الصحابة، بحضرة الصحابة رضى الله عنهم، لا مخالف لهم يعرف منهم، ووهم يشنعون بمثل ذلك إذا وافقهم وبالله تعالى التوفيق * وقال أبو يوسف ومحمد: يزكى ما بقى بعد ما يأكل وهذا تخليط ومخالفة للنصوص كلها * 660 - مسألة - وان كان زرع أو نخل يسقى بعض العام بعين أو ساقية من نهر (2) أو بماء السماء، وبعض العام بنضح أو سانية أوخطارة أو دلو، فان كان النضح زاد في ذلك زيادة ظاهرة وأصلحه فزكاته نصف العشر فقط، وان كان لم يزد فيه شيئا ولا أصلح فزكاته العشر * قال أبو محمد: وقال أبو حنيفة واصحابه: يزكى على الاغلب من ذلك وهو قول رويناه
عن بعض السلف * حدثنا حمام ثنا أبو محمد الباجى ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقى ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا محمد ابن بكر عن ابن جريج قال قلت لعطاء: في المال يكون على العين أو بعلا عامة الزمان ثم يحتاج إلى البئر يسقى بها؟ فقال إن كان يسقى بالعين أو البعل أكثر مما يسقى بالدلو ففيه العشر، وان كان يسقى بالدلو أكثر مما يسقى بالبعل ففيه نصف العشر قال أبو الزبير: سمعت جابر بن عبد الله وعبيد بن عمير يقولان هذا القول * وقال مالك مرة: ان زكاته بالذى غذاه به وتم به، لا أبالى بأى ذلك كان أكثر سقيه فزكاته عليه.
وقال مرة أخرى: يعطى نصف زكاته العشر ونصفها نصف العشر، وهكذا قال الشافعي * قال أبو محمد: قد حكم النبي صلى الله عليه وسلم فيما سقى بالنضح بنصف العشر، وبلا شك أن السماء تسقيه ويصلحه ماء السماء، بل قد شاهدنا جمهور السقاء (3) بالعين والنضح ان لم
__________
(1) كذا في النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (14) (سعد بن ابى سعد) فيحر رأيتها أصح فانى لم اجد هذا الاثر (2) في النسخة رقم (16) (أو ساقية أو نهر) (3) بضم السين المهملة وفتح القاف المشددة، جمع ساق، ويجمع أيضا على (سقى) بضم السين وتشديد القاف(5/260)
يقع عليه ماء السماء تغير ولابد، فلم يجعل عليه السلام لذلك حكما، فصح ان النضح إذا كان مصلحا للزرع أو النخل فزكاته نصف العشر فقط.
وهذا مما ترك الشافعيون فيه صاحبا لا يعرف له مخالف منهم 661 - مسألة - ومن زرع قمحا أو شعيرا مرتين في العام أو أكثر أو حملت نخله بطنين في السنة فانه لا يضم البر الثاني ولا الشعير الثاني ولا التمر الثاني إلى الاول، وان كان احدهما ليس فيه خمسة أوسق لم يزكه، وان كان كل واحد منهما ليس فيه خمسة اوسق بانفراده لم يزكهما قال على: وذلك انه لو جمعا (1) لوجب ان يجمع بين الزرعين والتمرتين ولو كان
بينهما عامان أو اكثر، وهذا باطل بلا خلاف، وإذ صح نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة عمادون خمسة اوسق فقد صح أنه راعى المجتمع، لا زرعا مستأنفا لا يدرى أيكون أم لا.
وبالله تعالى التوفيق 662 - مسألة - وإن كان قمح بكير أو شعير بكير اوتمر بكير وآخر من جنس كل واحد منهما (2) مؤخر، فان يبس المؤخر أو ازهى قبل تمام وقت حصاد البكير وجداده (3) فهو كله زرع واحد وتمر واحد، يضم بعضه إلى بعض، وتزكى معا، وان لم ييبس المؤخر ولا ازهى إلا بعد انقضاء وقت حصاد البكير فهما زرعان وتمران، لا يضم أحدهما إلى الآخر، ولكل واحد منهما حكمه برهان ذلك ان كل زرع وكل تمر فان بعضه يتقدم بعضا في اليبس والازهاء، وان ما زرع في تشرين الاول يبدأ يبسه قبل ان ييبس ما زرع في شباط، الا أنه لا ينقضى وقت حصاد الاول حتى يستحصد الثاني، لانها صيفة (4) واحدة، وكذلك التمر، واما إذا كان لا يجتمع وقت حصادهما ولا يتصل وقت ازهائهما فهما زمنان اثنان كما قدمنا.
وبالله تعالى التوفيق وأبكر ما صح عندنا يقينا انه يبدأ بان يرزع فبلادمن شنت برية (5)، وهى من
__________
المفتوحة المنونة، والسقاء - بفتح السين والقاف المشددة، هو الساقى على التكثير، وجمعه (سقاؤن) * (1) في النسخة رقم (14) (لو جمع) (2) في الاصلين (منهما) وهو خطأ ظاهر (3) في الاصلين بالذالين المعجمتين وهو تصحيف (4) في النسخة رقم (16) صيغة وهو خطأ واضح (5) في النسخة رقم (16) (يزرع قبلا(5/261)
عمل مدينة (سالم) بالاندلس، فانهم يزرعون الشعير في آخر (أيلول) وهو (شتنبر) (1) لغلبة الثلج على بلادم، حتى يمنعهم من زرعها ان لم يبكروا به كما ذكرنا، ويتصل الزرع بعد ذلك مدة ستة أشهر وزيادة أيام، فقد شاهدنا في بعض الاعوام زريعة القمح
والشعير في صدر (أذار) وهو (مرس) (2) وابكرما صح عندنا حصاده (فألش) (3) من عمل (تدمير) (4) فانهم يبدؤن بالحصاد في ايام باقية من (نيسان) وهو (ابريل) ويتصل الحصاد اربعة اشهر إلى صدر زمن (أيلول) وهو (اغشت) (5) وهى كلها صيفة واحدة، واستحصاد واحد متصل 663 - مسألة - فلو حصد قمح أو شعير ثم أخلف في اصوله زرع فهو زرع آخر، لا يضم إلى الاول، لما ذكرنا قبل.
وبالله تعالى التوفيق 664 - مسألة - والزكاة واجبة في ذمة صاحب المال لا في عين المال قال أبو محمد: وقد اضطربت أقوال المخالفين في هذا، وبرهان صحة قولنا هو ان لا خلاف بين احد من الامة - من زمنا إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم - في ان من وجبت عليه زكاة بر أو شعير أو تمر أو فضة أو ذهب أو ابل أو بقر أو غنم فأعطى زكاته الواجبة عليه من غير ذلك الزرع ومن غيرذلك التمر ومن غيرذلك الذهب ومن غير تلك الفضة ومن غير تلك الابل ومن غير تلك البقرومن غير تلك الغنم -: فانه لا يمنع من ذلك، ولايكره ذلك له، بل سواء أعطى من تلك العين، أو مما عنده من غيرها، أو مما يشترى، اومما يوهب، أو مما يتقرض، فصح يقينا ان الزكاة في الذمة لا في العين إذ لو كانت في العين لم يحل له
__________
شنت برية).
واما (شنت) فانها بفتح الشين المعجمة واسكان النون، قال ياقوت (واظنها لفظة يعنى بها البلدة أو الناحية لانها تضاف إلى عدة اسماء وهو خطأ بل هي تعريب كلمة (سانت) بمعنى قديس في لغات الافرنج، واما (برية) فقد ضبطت في النسخة رقم (14) بفتح الباء وإسكان الراء وفتح الياء، وضبطها ياقوت بفتح الباء وكسر الراء وتشديد الياء المفتوحة، وهى (مدينة متصلة بحوز مدينة سالم بالاندلس، وهى شرقي قرطبة، وهى مدينة كثيرة الخيرات، لها حصون كثيرة) (1) هو المعرب الآن باسم (سبتمبر) (2) هو المسمى الآن (مارس) (3) (ألش) بفتح الهمزة واسكان اللام وآخره شين معجمة، مدينة بالاندلس (4) بضم التاء واسكان الدال المهملة وياء ساكنة وراء كورة بالاندلس
شرقي قرطبة بينهما سبعة ايام (5) هو المعرب الآن باسم (اغسطس) وذلك ان (ايلول) العبرى يبدأ في الثلث الاخير من اغسطن وينتهى في الثلث الاخير من سبتمبر(5/262)
البتة ان يعطى من غيرها، ولوجب منعه من ذلك، كما يمنع من له شريك في شئ من كل ذلك أن يطعى شريكه من غير العين التى هم فيها شركاء إلا بتراضيهما وعلى حكم البيع وأيضا فلو كانت الزكاة في عين المال لكانت لا تخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما: إما ان تكون في كل جزء من اجزاء ذلك المال، أو تكون في شئ منه بغير عينه.
فلو كانت في كل جزء منه لحرم عليه ان يبيع منه رأسا أو حبة فما فوقها، لان لاهل الصدقات في ذلك الجزء شركا، ولحرم عليه ان يأكل منها شيئا لما ذكرنا، وهذا باطل بلا خلاف وللزمه أيضا ان لا يخرج الشاة إلا بقيمة مصححة مما بقى، كما يفعل في الشركات ولابد، وان كانت الزكاة في شئ منه بغير عينه، فهذا باطل، وكان يلزم أيضا مثل ذلك سواء سواء لانه كان لا يدرى لعله يبيع أو يأكل الذى هو حق اهل الصدقة.
فصح ما قلنا يقينا.
وبالله تعالى التوفيق 665 - مسألة - فكل مال وجبت فيه زكاة من الاموال التى ذكرنا، فسواء تلف ذلك أو بعضه - اكثره أو اقله - إثر امكان إخراج الزكاة منه، إثر وجوب الزكاة بما قل من الزمن أو كثر، بتفريط تلف أو بغير تفريط -: فالزكاة كلها واجبة في ذمة صاحبه كما كانت لو لم يتلف، ولا فرق، لما ذكرنا من ان الزكاة في الذمة لا في عين المال وإنما قلنا: إثر إمكان إخراج الزكاة منه لانه إن اراد إخراج الزكاة من غير عين المال الواجبة فيه لم يجبر على غير ذلك، والابل وغيرها في ذلك سواء، إلا ان تكون مما يزكى بالغنم وله غنم حاضرة فهذا تلزمه الزكاة من الغنم الحاضرة، وليس له ان يمطل بالزكاة حتى يبيع من تلك الابل، لقول الله تعالى: (سارعوا إلى مغفرة من ربكم)
666 - مسألة - وكذلك لو اخرج الزكاة وعزلها ليدفعها إلى المصدق أو إلى أهل الصدقات فضاعت الزكاة كلها أو بعضها فعليه اعادتها كلها ولابد، لما ذكرنا، ولانه في ذمته حتى يوصلها إلى من أمره الله تعالى بايصالها إليه.
وبالله تعالى التوفيق.
وهو قول الاوزاعي، وظاهر قول الشافعي في بعض اقواله وقال أبو حنيفة: ان هلك المال بعد الحول - ولم يحد لذلك مدة - فلا زكاة عليه بأى وجه هلك، فلو هلك بعضه فعليه زكاة ما بقى فقط، قل أو كثر، ولا زكاة عليه فيما تلف، فان كان هو استهلكه فعليه زكاته(5/263)
قال أبو محمد: وهذا خطأ، لما ذكرنا قبل، فان لجأ إلى ان الزكاة في عين المال، قلنا له: هذا باطل بما قدمنا آنفا، ثم هبك لو كان ذلك كما تقول لما وجب عليه زكاة ما بقى من المال إذا كان الباقي ليس مما يجب في مقداره الزكاة لو لم يكن معه غيره، لان التالف عندكم لا زكاة فيه لتلفه، والباقى ليس نصابا، فان كان الباقي فيه الزكاة واجبة فالتالف فيه الزكاة واجبة ولا فرق، وقد قدمنا ان الزكاة ليست مشاعة في المال في كل جزء منه كالشركة، إذ لو كان ذلك لما جاز اخراجها الا بقيمة محققة منسوبة مما بقى.
وقد قال الشافعي بهذا في زكاة الابل، وقال به اصحاب ابى حنيفة في الطعام يخرج عن الطعام من صنفه أو من غير صنفه، فظهر تناقضهم وقال مالك: ان تلف الناض بعد الحول ولم يفرط في اداء زكاته فرجع إلى ما لا زكاة فيه فلا زكاة عليه فيه، وكذلك لو عزل زكاة الطعام فتلفت فلاشئ عليه غيرها، لاعن الكل ولا عما بقى، فلو لم يفعل وادخله بيته فتلف فعليه ضمان زكاته قال أبو محمد: وهذا خطأ، لان الزكاة الواجبة لاهل الصدقات ليست عينا معينة، بلا خلاف من احد من الامة ولا جزءا مشاعا في كل جزء من المال، وهذان الوجهان هما اللذان يكون من كانا عنده بحق مؤتمنا عليه فلا ضمان عليه فيما تلف من غير تعديه، فإذ
الزكاة كما ذكرنا وانما هي حق مفترض عليه في ذمته حتى يؤديه إلى المصدق أو إلى من جعلها الله تعالى له: فهى دين عليه لاأمانة عنده والدين مؤدى على كل حال، وبالله تعالى التوفيق وروينا من طريق ابن أبى شيبة عن حفص بن غياث وجربر والمعتمر بن سليمان التيمى، وزيد بن الحباب، وعبد الوهاب بن عطاء، قال حفص عن هشام بن حسان عن الحسن البصري، وقال جرير عن المغيرة عن أصحابه، وقال المعتمر عن معمر عن حماد، وقال زيد عن شعبة عن الحكم، وقال عبد الوهاب عن ابن أبى عروبة عن حماد عن ابراهيم النخعي، ثم اتفقوا كلهم: فيمن أخرج زكاة ماله فضاعت: انها لا تجزئ عنه وعليه إخراجها ثانية وروينا عن عطاء: أنها تجزئ عنه 667 - مسألة - واى برأعطى أو أي شعير في زكاته كان ادنى مما اصاب أو أعلى -: أجزأه، ما لم يكن فاسدا بعفن أو تأكل، فلا يجزئ عن صحيح، أو ما كان رديئا برهان ذلك: انه انما عليه بالنص عشر مكيلة ما أصاب أو نصف عشرها إذا كانت(5/264)
خمسة أوسق فصاعدا ولو كان لا يجزئه أدنى من صفة ما اصاب لكن لا يجزئه أعلى من تلك الصفة، وهذا لا يقولونه، فإذا لم يلزمه بالنص من العين التى اصاب فمن ادعى ان لا يجزئه الا مثل صفة التى اصاب لم يقبل قوله الا ببرهان وأما قولنا ألا ان يكون الذى اعطى فاسدا عن صحيح فلان المكيلة عليه بالنص وبالاجماع، وبالعيان ندرى ان العفن والمتأكل (1) قد نقصا من المكيلة مالا يقدر على ايفائه اصلا، ولا يجزئه الا المكيلة تامة.
وبالله تعالى التوفيق 668 - مسألة - وكذلك القول في زكاة التمر، أي تمرا خرج اجزأه، سواء من جنس تمره أو من غير جنسه، أدنى من تمره أو اعلى، ما لم يكن رديا كما ذكرنا، أو معفونا (2) أو متأكلا، أو الجعرور أولون الحبيق (3) فلا يجزئ اخراج شئ من ذلك اصلا، وسواء كان تمره كله
من هذين النوعين أو من غيرهما، وعليه أن يأتي بتمر سالم غير ردئ ولامن هذين اللونين برهان ذلك قول الله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه الا ان تغمضوا فيه) حدثنا حمام ثنا عباس بن اصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن ايمن ثنا اسماعيل بن اسحاق القاضى ثنا ابو الوليد الطيالسي ثنا سليمان بن كثير ثنا الزهري عن ابى امامة بن سهل ابن حنيف عن ابيه: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لونين من التمر: الجعرور ولون الحبيق، وكان الناس يتيممون شرار ثمارهم فيخرجونها في الصدقة، فنهوا عن ذلك، ونزلت (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) (4) حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن
__________
(1) في النسخة رقم (14) (والتأكل) (2) كذا في الاصلين، والمعروف في اللغة ان يقال (عفن) بفتح العين وكسر الفاء (3) الجعرور - بضم الجيم واسكان العين المهملة - ضرب من التمر ردئ صغار لا ينتفع به، ولون الحبيق - بضم الحاء - تمر ردئ أيضا، وهو أغبر صغير فيه طول منسوب إلى ابن حبيق ويسمى أيضا: لون حبيق ولون ابن حبيق (4) رواه يحيى بن آدم (رقم 435) عن ابن المبارك عن محمد بن ابى حفصة عن الزهري عن ابى امامة، وليس فيه زيادة ابيه والصحيح زيادته كما في كثير من طرق الحديث ومنها ماهنا وانظر طرقه في ابى داود (ج 2 ص 25) والنسائي (ج 5 ص 43) والدار قطني (ص 216) والحاكم وصححه (ج 1 ص 402 وج 2 ص 284) (م 34 - ج 5 المحلى)(5/265)
عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن المثنى ثنا مؤمل بن اسماعيل الحميرى ثنا سفيان الثوري ثنا اسماعيل السدى عن أبى مالك عن البراء بن عازب قال: (كانوا يجيئون في الصدقة بأدنى طعامهم وادنى تمرهم، فنزلت: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما
أخرجنا لكم من الارض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) (1) فان قال قائل: الخبيث لا يكون إلا حراما قلنا: نعم، وهذا المنهى عن إخراجه في الصدقة هو حرام فيها فهو خبيث فيها لا في غيرها، ولا ينكر كون الشئ طاعة في وجه معصية في وجه آخر، كالاكل للصائم عند غروب الشمس،، هو طاعة الله تعالى طيب حلال، ولو أكله في صلاة المغرب لاكل حراما عليه خبيثا في تلك الحال، وكذلك الميتة ولحم الخنزير، هما حرامان خبيثان لغير المضطر، وهما للمضطر غير المتجانف لاثم حلالان طيبان غير خبيثين، وهكذا أكثر الاشياء في الشرائع (2) حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك (3) ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد ابن يحيى بن فارس ثنا سعيد بن سليمان ثنا عباد عن (4) سفيان بن حسين عن الزهري عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجعرور ولون(5/266)
ابن حبيق (1) أن يؤخذا في الصدقة) قال الزهري: لونين من تمر المدينة (زكاة الغنم) 669 - مسألة - الغنم في اللغة التى بها خاطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم يقع على الضأن والماعز، فهى مجموع بعضها إلى بعض في الزكاة، وكذلك أصناف الماعز والضأن، كضأن بلاد السودان وما عز البصرة والنقد (2) وبنات حذف (3) وغيرها، وكذلك المقرون، الذى نصفه خلقة ما عزو نصفه ضأن، لان كل ذلك من الغنم، والذكور والاناث سواء، واسم الشاء أيضا واقع على المعز والضأن كما ذكرنا في اللغة، ولا واحد للغنم من لفظه، انما يقال للواحد: شاة أو ما عزة أو ضانية أو كبش أو تيس، هذا مالا خلاف فيه بين أهل اللغة، وبالله تعالى التوفيق
670 - مسألة - ولا زكاة في الغنم حتى يملكن المسلم الواحد منها أربعين رأسا حولا كاملا متصلا عربيا قمريا وقد اختلف السلف في هذا، وسنذكره في زكاة الفوائد، إن شاء الله تعالى ويكفى من هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب الزكاة في الماشية، ولم يحدوقتا، ولا ندرى من هذا العموم متى تجب الزكاة، إلا أنه لم يوجبها عليه السلام في كل يوم، ولا في كل شهر، ولا مرتين في العام فصاعدا، هذا منقول باجماع إليه صلى الله عليه وسلم، فإذ لا شك في انها مرة في الحول، فلا يجب فرض الا بنقل صحيح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجدنا من أوجب الزكاة في أول الحول أو قبل تمام الحول لم ينقل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا بنقل آحاد ولا بنقل تواتر ولا بنقل اجماع، ووجدنا من اوجبها بانقضاء الحول قد صح وجوبها بنقل الاجماع عن النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ بلا شك، فالآن وجبت، لاقبل ذلك(5/267)
فان احتج بقول الله تعالى: (سارعوا إلى مغفرة من ربكم) قلنا: إنما تجب المسارعة إلى الفرض بعد وجوبه، لا قبل وجوبه، وكلامنا في هذه المسألة وفى أخواتها إنما هو في وقت الوجوب، فإذا صح وجوب الفرض فحينئذ تجب المسارعة إلى ادائه، لا قبل ذلك، بلا خلاف وأما قولنا: أن يكون الحول عربيا فلا خلاف بين أحد من الامة في ان الحول اثنا عشر شهرا، وقال الله تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها أربعة حرم) والاشهر الحرم لا تكون إلا في الشهور العربية، وقال تعالى: (يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) وقال تعالى: (ولتعلموا عدد السنين والحساب) ولا يعد بالاهلة إلا العام العربي، فصح أنه لا تجب شريعة مؤقتة بالشهور أو بالحول إلا بشهور العرب والحول العربي.
وبالله تعالى التوفيق 671 - مسألة - فإذا تمت في ملكه عاما كما ذكرنا، سواء كانت كلها ضأنا، أو كلها
ما عزا، أو بعضها - أكثرها أو أقلها - ضأنا، وسائرها كذلك معزى: ففيها شاة واحدة لا تبالي ضانية كانت أو ماعزة، كبشا ذكرا أو انثى من كليهما، كل رأس تجزئ منهما عن الضأن وعن الماعز، وهكذا ما زادت حتى تتم مائة وعشرين كما ذكرنا فأذا أتمتها وزادت ولو بعض شاة كذلك عاما كاملا كما ذكرنا: ففيها شاتان كما قلنا، إلى أن تتم مائتي شاة فإذا أتمتها وزادت ولو بعض شاة كذلك عاما كاملا كما وصفنا ففيها ثلاث شياه كما حددنا، وهكذا إلى أن تتم أربعمائة شاة كما وصفنا فإذا أتمتها كذلك عاما كاملا كما ذكرنا ففى كل مائة شاة شاة وأى شاة أعطى صاحب الغنم فليس للمصدق ولا لاهل الصدقات ردها، من غنمه كانت أو من غير غنمه، ما لم تكن هرمة أو معيبة، فان أعطاه هرمة أو معيبة فالمصدق مخير، إن شاء أخذها وأجزأت عنه، وإن شاء ردها وكلفه فتية سليمة، ولا نبالى كانت تجزئ في الاضاحي أولا تجزئ والمصدق (1) هو الذى يبعثه الامام - الواجبة طاعته - أو أميره في قبض الصدقات(5/268)
ولايجوز للمصدق ان يأخذ تيسا ذكرا إلا أن يرضى صاحب الغنم، فيجوز له حينئذ، ولايجوز للمصدق ان يأخذ أفضل الغنم، فان كانت التى تربى أو السمينة ليست من أفضل الغنم جاز أخذها، فان كانت كلها فاضلة أخذ منها إن أعطاه صاحبها، وسواء فيما ذكرنا كان صاحبها حاضرا أو غائبا إذا أخذ المصدق ما ذكرنا أجزأ برهان ذلك ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الانصاري ثنا أبى ثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس ابن مالك ان انس بن مالك (1) حدثه: ان ابا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: (هذه فريضة الصدقة التى فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، فمن سألها من
المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سأل فوقها فلا يعط) - ثم ذكر الحديث وفيه -: (في صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت اربعين إلى عشرين ومائة شاة)، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين فشاتان فإذا زادت على مائتين إلى ثلثمائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاثمائة ففى كل مائة شاة (فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من اربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا ان يشاء ربها، ولا يخرج في الصدقة هرمة ولاذات عوار، ولا تيس إلا ما شاء المصدق) (2) حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلى ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله ابن عمر عن ابيه قال: (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض عليه السلام، فعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمل به عمر حتى قبض، فكان فيه - ذكر الفرائض: (وفى الغنم في كل أربعين شاة شاة) إلى عشرين ومائة، فان زادت واحدة فشاتان إلى مائتين، فان (3) زادت واحدة على المائتين ففيها ثلاث شياه إلى ثلثمائة، فان(5/269)
كانت الغنم أكثر من ذلك ففى كل مائة شاة شأة، وليس فيها شئ حتى تبلغ المائة) (1) حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا محمد - هو ابن مقاتل - أنا عبد الله بن المبارك ثنا زكرياء بن اسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبى معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لماذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن - فذكر الحديث وفيه -: (فأخبرهم ان الله تعالى قد (2) فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فان هم أطاعوا بذلك (3) فاياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم، فانه ليس بينها وبين الله حجاب) ففى هذه الاخبار نص كل ما ذكرنا.
وفى بعض ذلك خلاف فمن ذلك ان قوما قالوا: لا يؤخذ من الضأن إلا ضانية، ومن المعز إلا ماعزة (4)،
فان كان خليطين أخذ من الاكثر قال أبو محمد: وهذا قول بلا برهان، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا رواية سقيمة، ولاقول صاحب ولا قياس، بل الذى ذكروا خلاف للسنن المذكورة، وقد اتفقوا على جمع المعزى مع الضأن، وعلى ان اسم غنم يعمها، وان اسم الشاة يقع على الواحد من الماعز ومن الضأن، ولو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم في حكمها فرقا لبينه، كما خص التيس، وان وجد في اللغة اسم التيس يقع على الكبش وجب ان لا يؤخذ في الصدقة الا برضا المصدق والعجب ان المانع من أخذ الماعزة عن الضأن أجاز اخذ الذهب عن الفضة والفضة عن الذهب وهما عنده صنفان يجوز بيع بعضهما ببعض متفاضلا والخلاف أيضا في مكان آخر: وهو ان قوما قالوا: إن ملك مائة شاة وعشرين شاة وبعض شاة فليس عليه إلا شاة واحدة حتى يتم في ملكه مائة واحدى وعشرون، (5) ومن ملك مائتي شاة وبعض شاة فليس عليه الا شاتان حتى يتم في ملكه مائتا شاة وشاة.
واحتجوا بما في حديث ابن عمر: (فان زادت واحدة) كما أوردناه(5/270)
قال أبو محمد: في حديث ابن عمر كما ذكروا، وفى حديث ابى بكر الذى أوردنا (فان زادت) ولم يقل (واحدة) فوجدنا الخبرين جميعا متفقين على انها ان زادت واحدة على مائة وعشرين شاة أو على مائتي شاة فقد انتقلت الفريضة، ووجدنا حديث ابى بكر يوجب انتقال الفريضة بالزيادة على المائة وعشرين وعلى المائتين، فكان هذا عموما لكل زيادة، وليس في حديث ابن عمر المنع من ذلك أصلا، فصار من قال بقولنا قد أخذ بالحديثين، فلم يخالف واحدا منهما، وصار من قال بخلاف ذلك مخالفا لحديث ابى بكر، مخصصا له بلا برهان (1).
وبالله تعالى التوفيق وههنا أيضا خلاف آخر: وهو ما رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري، ومن طريق محمد بن جعفر عن شعبة، ثم اتفق شعبة وسفيان كلاهما عن منصور بن المعتمر عن
ابراهيم النخعي انه قال: إذا زادت الغنم واحدة على ثلثمائة ففيها أربع شياه إلى اربعمائة، فكل ما زادت واحدة فهو كذلك قال أبو محمد: ولا حجة في احد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد يلزم القائلين بالقياس - لا سيما المالكيين القائلين بان القياس أقوى من خبر الواحد، والحنيفيين القائلين بأن ما عظمت به البلوى لا يقبل فيه خبر الواحد -: ان يقولوا بقول ابراهيم، لانهم قد أجمعوا على ان المائتي شاة إذا زادت واحدة فان الفريضة تنتقل ويجب فيها ثلاث شياه، فكذلك إذا زادت على الثلثمائة واحدة أيضا، فيجب ان تنتقل الفريضة، ولا سيما والحنيفيون قد قلدوا ابراهيم في أخذ الزكاة من البقرة الواحدة تزيد على اربعين بقرة، واحتجوا بأنهم لم يجدوا في البقر وقصا من تسعة عشر ان يقلدوه (2) ههنا ويقولوا: لم نجد في الغنم وقصا من مائة وثمان وتسعين شاة، لا سيما ومعهم ههنا في الغنم قياس مطرد، وليس معهم في البقر قياس أصلا، وكل ما موهوا به في البقر فهو لازم لهم فيما زاد على الثلثمائة من الغنم من قوله (3) تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) ونحو ذلك.
وهلا قالوا: هذا مما تعظم به البلوى فلو كان ذلك ما جهله ابراهيم؟(5/271)
فان قالوا: إن خلاف قول ابراهيم قد جاء في حديث ابى بكر وخبر ابن عمر، وعن على، وفى صحيفة ابن حزم قلنا: ليس شئ من هذه الاخبار الا وقد خالفتموها، فلم تكن حجة فيما خالفتموه فيه، وكان حجة عندكم فيما اشتهيتم، وهذا عجب جدا قال أبو محمد: وهذا كله خبط لا معنى له وانما نريهم تناقضهم وتحكمهم في الدين بترك القياس للسنن إذا وافقت تقليدهم، وبترك السنن للقياس كذلك، وبتركهما جميعا كذلك واما من راعى في الشاة المأخوذة ما تجزئ في الاضحية - وهو أبو حنيفة - فقد أخطأ، لانه لم يأت بما قال نص، ولا اجماع، فكيف وقد اجمعوا على اخذ الجذعة فما دونها في زكاة (1) الابل،
ولا تجزئ في الاضحية واجازوا اخذ التبيع في زكاة البقر، ولا تجزئ في الاضحية وإنما قال عليه السلام لابي بردة: (ولن تجزئ جذعة لاحد بعدك)، يعنى في الاضحية، لانه عنها سأله، وقد صح النص (2) بايجاب الجذعة في زكاة الابل، فصح يقينا أنه عليه السلام لم يعن إلا الاضحية.
وبالله تعالى التوفيق وأما قولنا: إن كانت الغنم كلها كرائم أخذ منها برضا صاحبها، فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كرائم الغنم، وهذا في لغة العرب يقتضى أن يكون في الغنم - ولابد - ما ليس بكرائم، وأما إذا كانت كلها كرائم فلا يجوز أن يقال في شئ منها: هذه كرائم هذه الغنم، لكن يقال هذه كريمة من هذه الغنم الكرائم وقد روينا عن ابراهيم النخعي أنه قال: يؤمر المصدق أن يصدع الغنم صدعين (3) فيختار صاحب الغنم خير الصدعين ويأخذ المصدق من الآخر وعن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق أنه قال: يفرق الغنم أثلاثا، ثلث خيار، وثلث رذال، وثلث وسط، ثم تكون الصدقة في الوسط (4) قال أبو محمد: هذا الانص فيه، ولكن روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبى اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب قال: لا يأخذ المصدق هرمة ولا ذات عوار ولا تيسا(5/272)
ومن طريق البخاري عن شعيب ن أبى حمزة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله (1) بان عتبة بن مسعود أن أبا هريرة قال قال أبو بكر الصديق: والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها ومن طريق عبد الرزاق: أخبرني (2) بشر بن عاصم بن سفيان بن عبد الله أن أباه حدثه أن سفيان أباه حدثه أن عمر بن الخطاب قال (3) له: قل لهم: إنى لا آخذ الشاة الاكولة (4) ولا فخل الغنم ولا الربى (5) ولا الماخض (6)، ولكني آخذ العناق (7)
والجذعة والثنية، وذلك عدل بين غذاء (8) المال وخياره ومن طريق الاوزاعي عن سالم بن عبد الله المحاربي (9): أن عمر بعثه مصدقا وأمره أن يأخذه الجذعة والثانية(5/273)
672 - مسألة - وما صغر عن أن يسمى شاة لكن يسمى خروفا أو جديا أو سخلة لم يجزأن يؤخذ في الصدقة الواجبة، ولا أن يعد فيما تؤخذ منه الصدقة، إلا أن يتم سنة، فإذا أتمها عد، وأخذت الزكاة منه قال أبو محمد: هذا مكان اختلف الناس فيه فقال أبو حنيفة: تضم الفوائد كلها من الذهب والفضة والمواشى إلى ما عند صاحب المال فتزكى مع ما كان عنده، ولو لم يفدها إلا قبل تمام الحول بساعة، وهذا إذا كان الذى عنده تجب في مقدار ما معه الزكاة، وإلا فلا، وإنما يراعى في ذلك أن يكون عنده نصاب في أول الحول وآخره، ولا يبالى أنقص في داخل الحول عن النصاب أم لا؟ قال: فان ماتت التى كانت عنده كلها وبقى من عدد الخرفان أكثر من أربعين فلا زكاة فيها، وكذلك لو ملك ثلاثين عجلا فصاعدا، أو خمسا من الفصلان فصاعدا، عاما كاملا دون أن يكون فيها مسنة واحدة فما فوقها -: فلا زكاة عليه فيها وقال مالك: لا تضم فوائد الذهب والفضة إلى ما عند المسلم منها، بل يزكى كل مال بحوله، حاشا ربح المال وفوائد المواشى كلها، فانها تضم إلى ما عنده ويزكى الجميع بحول ما كان عنده، ولو لم يفدها الا قبل الحول بساعة، الا انه فرق بين فائدة الذهب والفضة والماشية من غير الولادة، فلم ير أن يضم إلى ما عند المرء من ذلك كله الا إذا كان الذى عنده منها مقدارا تجب في مثله الزكاة والا فلا، ورأى أن تضم ولادة الماشية خاصة إلى ما عنده منها، سواء كان الذى عنده منها تجب في مقداره الزكاة أو لا تجب في مقداره الزكاة
وقال الشافعي: لا تضم فائدة أصلا إلى ما عنده، الا اولاد الماشية فقط، فانها تعد مع امهاتها، ولو لم يتم العدد المأخوذ منه الزكاة بها (1) الاقبل الحول بساعة، هذا إذا كانت الامهات نصابا تجب فيه الزكاة والا فلا، فان نقصت في بعض الحول عن النصاب فلا زكاة فيها قال أبو محمد: أما تناقض مالك والشافعي وتقسيمهما فلا خفاء به، لانهما قسما تقسيما لا برهان على صحته وأما أبو حنيفة فله ههنا أيضا تناقض أشنع (2) من تناقض مالك والشافعي، وهو(5/274)
أنه رأى ان يراعى أول الحول وآخره دون وسطه، ورأى ان تعد اولاد الماشية مع امهاتها ولو لم تضعها الا قبل مجئ الساعي بساعة، ثم رأى في اربعين خروفا صغارا ومعها شاة واحدة مسنة ان فيها الزكاة، وهى تلك المسنة فقط، فان لم يكن معها مسنة فلا زكاة فيها، فان كانت (1) معه مائة خروف وعشرون خروفا صغارا كلها ومعها مسنة واحدة، قال: ان كان فيها مسنتان فصدقتها تانك المسنتان معا، وان كان ليس معهما الا مسنة واحدة فليس فيها الا تلك المسنة وحدها فقط، فان لم يكن معها مسنة فليس فيها شئ أصلا، وهكذا قال في العجاجيل والفصلان أيضا، ولو ملكها سنة فأكثر قال أبو محمد: وهذه شريعة ابليس لا شريعة الله تعالى ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، نعنى قوله: ان كان مع المائة خروف والعشرين خروفا مسنتان زائدتان أخدتا عن زكاة الخرفان كلتاهما فان لم يكن معها إلا مسنة واحدة أخدت وحدها عن زكاة الخرفان والا مزيد وما جاء بهذا قط قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية سقيمة، ولا قول أحد من الصحابة ولا من التابعين، ولا أحد نعلمه قبل أبى حنيفة، ولا قياس ولا رأى سديد وقد روى عنه أنه قال مرة في أربعين خروفا: يؤخذ عن زكاتها شاة مسنة، وبه يأخذ زفر، ثم رجع إلى ان قال: بل يؤخذ عن زكاتها خروف منها، وبه يأخذ أبو يوسف،
ثم رجع إلى ان قال: لا زكاة فيها وبه يأخذ الحسن بن زياد وقال مالك كقول زفر، وقال الاوزاعي والشافعي كقول ابى يوسف، وقال الشعبى وسفيان الثوري وابو سليمان كقول الحسن بن زياد قال أبو محمد: احتج من رأى ان تعد الخرفان مع امهاتها بما رويناه من طريق عبد الرزاق (2) عن بشر بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثقفى عن ابيه عن جده: انه كان مصدقا في مخاليف (3) الطائف، فشكا إليه أهل الماشية تصديق الغذاء، وقالوا: ان(5/275)
كنت معتدا بالغذاء فخذ منه صدقته، قال عمر: فقل لهم (1): إنا نعتد بالغذاء كلها (2) حتى السخلة يروح بها الراعى على يده، وقل لهم: إنى لا آخذ الشاة الاكولة ولا فحل الغنم ولا الربى ولا الماخض، ولكني آخذ العناق والجذعة والثنية، وذلك عدل بين غذاء المال وخياره (3) * وروينا هذا أيضا من طريق مالك عن ثور بن زيد عن ابن عبد الله بن سفيان (4) ومن طريق ايوب عن عكرمة بن خالد عن سفيان ما نعلم لهم حجة غير هذا * قال أبو محمد: وهذا لاحجة لهم فيه لوجوه * أولها انه ليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حجة في قول أحد دونه * والثانى أنه قد خالف عمر رضى الله عنه في هذا غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى عن عبد الرزاق عن مالك عن محمد بن عقبة عن القاسم بن محمد بن ابى بكر الصديق: ان أبا بكر الصديق كان لا يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن حارثة بن ابى الرجال عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت: لا يزكي حتى يحول عليه الحول.
تعنى المال المستفاد *
وبه إلى سفيان عن ابى اسحاق السبيعى عن عاصم بن ضمرة عن على بن ابى طالب قال: من استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول * وبه إلى سفيان عن أيوب السختيانى عن نافع عن ابن عمر قال: من استفاد مالافلا زكاة فيه (6) حتى يحول عليه الحول * فهذا عموم من أبى بكر وعائشة وعلى وابن عمر رضى الله عنهم، لم يخصوا فائدة ماشية بولادة من سائر ما يستفاد، وليس لاحذ أن يقول: إنهم لم يريدوا بذلك أولاد الماشية إلا كان كاذبا عليهم، وقائلا بالباطل الذى لم يقولوه قط * وأيضا فان الذين حكى عنهم سفيان بن عبد الله أنهم أنكروا أن يعد عليهم أولاد
__________
(1) في الاصلين (فقيل لهم) وهو خطأ واضح مما مضى ومما سيجئ.
(2) في النسخة رقم (14) (كله).
(3) رواه الشافعي بنحوه في الام (ج 2 ص 13) عن سفيان بن عيينة عن بشر بن عاصم (4) هو في الموطأ (ص 113) (5) في النسخة رقم (14) (غيره من الصحابة رضى الله عنهم) (6) في النسخة رقم (16) (فلا زكاة عليه).(5/276)
الماشية مع أمهاتها -: قد كان فيهم بلا شك جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لان سفيان ذكر أن ذلك كان أيام عمر رضى الله عنه وعمر رضى الله عنه ولى الامر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ونصف، وبقى عشر سنين، ومات بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث عشرة سنة وكانوا بالطائف، وأهل الطائف أسلموا قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو عام ونصف ورأوه عليه السلام.
فقد صح الخلاف في هذا من الصحابة رضى الله عنهم بلا شك، وإذا كان ذلك فليس قول بعضهم أولى من قول بعض، والواجب في ذلك ما افترضه الله تعالى إذ يقول (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسل ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) * والثالث أنه لم يرو هذا عن عمر من طريق متصلة إلا من طريقين: إحداهما من طريق بشر بن عاصم بن سفيان عن أبيه، وكلاهما غير معروف (1)، أو من طريق ابن لعبدالله
ابن سفيان لم يسم.
والثانية من طريق عكرمة بن خالد، وهو ضعيف (2) * والرابع أن الحنيفيين والشافعيين خالفوا قول عمر في هذه المسألة نفسها، فقالوا: لا يعتد بما ولدت الماشية إلا أن تكون الامهات - دون الاولاد - عددا تجب فيه الزكاة، وإلا في تعد عليهم الاولاد، وليس هذا في حديث عمر * والخامس أنهم لا يلتفتون (3) ما قد صح عن عمر رضى الله عنه بأصح من هذا الاسناد، أشياء لايعرف له فيها مخالف من الصحابة رضى الله عنهم، إذا خالف رأى مالك وأبى حنيفة والشافعي، كترك الحنيفيين والشافعيين قول عمر: الماء لا ينجسه شئ، وترك الحنيفيين والمالكيين والشافعيين أخذ عمر الزكاة من الرقيق لغير التجارة، وصفة أخذه الزكاة من الخيل، وترك الحنيفيين إيجاب عمر الزكاة في مال اليتيم، ولا يصح خلافه عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم، وترك الحنيفيين والمالكيين امر عمر الخارص بأن يترك لاصحاب النخل ما يأكلونه لا يخرصه عليه، وغير هذا كثير جدا، فقد وضح ان احتجاجهم
__________
(1) أما بشر بن عاصم فانه معروف وثفه ابن معين والنسائي وغيرهما، وأما أبوه عاصم فانى لم أجد له ترجمة في شئ من الكتب وانما ذكر في ترجمة ابيه سفيان ممن رووا عنه (2) عكرمة هذاا - هو ابن خالد بن العاص ابن هشام الثقة الثبت - وفى الرواة آخر قريبه اسمه عكرمة بن خالد بن سلمة بن العاص بن هشام، وهو ضعيف منكر الحديث، ولكنه ليس الراوى لهذا الحديث، وقد نص ابن حجرفى التلخيص (ص 174 و 175) والتهذيب (ج 7 ص 260) على ان ابن حزم أخطأ في هذا واشتبه عليه الامر (3) يستعمل المؤلف (التفت) متعديا بنفسه هنا وفي الاحكام * (م 36 - ج 5 المحلى)(5/277)
بعمر إنما هو حيث وافق شهواتهم! لا حيث صح عن عمر من قول أو عمل وهذا عظيم في الدين جدا *
قال أبو محمد: المرجوع إليه عند التنازع هو القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أوجب الزكاة في اربعين شاة فصاعدا كما وصفنا، وأوجب فيها شاة أو شاتين أو في كل مائة شاة شاة، واسقطها عما عدا ذلك، ووجدنا الخرفان والجديان لا يقع عليها اسم شاة ولا اسم شاء في اللغة التى اوجب الله تعالى علينا بها دينه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فخرجت الخرفان والجديان عن ان تجب فيها زكاة (1) * وأيضا فقد اجمعوا على أن لا يؤخذ خروف ولا جدى في الواجب في الزكاة عن الشاء (2) فأقروا بأنه لا يسمى شاة ولا له حكم الشاء، فمن المحال ان يؤخذ منها زكاة، فلا تجوز هي في الزكاة بغير نص في ذلك * وايضا فان زكاة ماشية لم يحل عليها حول لم يأت به قرآن، ولاسنة، ولا اجماع * وأما من ملك خرفانا أو عجولا أو فصلانا سنة كاملة فالزكاة فيها واجبة عند تمام العام، لان كل ذلك يسمى غنما وبقرا وابلا * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب ثنا هناد بن السرى عن هشيم عن هلال بن خباب عن ميسرة ابى صالح عن سويد بن غفلة قال: (أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست إليه، فسمعته يقول: ان في عهدي أن لا نأخذ من راضع لبن (3)) * قال أبو محمد: لو أراد أن لا يؤخذ هو في الزكاة لقال: (ان لا نأخذ راضع لبن) لكن لما منع من أخذ الزكاة من راضع لبن - وراضع لبن اسم للجنس - صح بذلك
__________
(1) الخروف ولد الحمل، وقيل: هو دون الجذع من الضأن خاصة، واشتقاقه أنه يخرف - بضم الراء - من ههنا وههنا أي يرتع.
قاله في اللسان (2) في النسخة رقم (14) (عن الشاة) (3) في النسخة رقم (14) (ان لا تأخذ راضع لبن) بحذف (من) وهو خطأ، كما يظهر واضحا من شرح المؤلف للحديث وبيانه، ووقع في النسائي كذلك بحذفها (ج 5 ص 29 و 30) وهو خطأ أيضا من الناسخين، فان السيوطي قال في شرحه عليه متأولا للحديث (ومن زائدة) فهى اذن ثابتة في نسخته وان سقطت من نسخة السندي.
ويؤيد اثباتها
انها ثابتة فيه في رواية أبى داود (ج 2 ص 14) والشوكانى (ج 4 ص 193) والدار قطني (ص 204) بل لفظه (ان لا آخذ من راضع شيئا) وهو تركيب لا يحتمل فيه حذفها، ثم ان الحديث في اللسان والنهاية باثباتها أيضا وحاول صاحب النهاية تأويله بتأويلات(5/278)
أن لاتعد الرواضع (1) فيما تؤخذ منه الزكاة * وما نعلم احدا عاب هلال بن خباب، الا ان يحيى بن سعيد القطان قال: لقيته وقد تغير، وهذا ليس جرحة، لان هشيما أسن من يحيى بنحو عشرين سنة، فكان لقاء هشيم لهلال قبل تغيره بلاشك (2) * وأما سويد فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وأتى إلى المدينة بعد وفاته عليه السلام بنحو خمس ليال، وأفتى أيام عمر رضى الله عنه * قال أبو محمد: وأما الشافعي، وابو يوسف فطردا قولهما، إذ أوجبا أخذ خروف صغير في الزكاة عن أربعين خروفا فصاعدا، ولدت قبل الحول أو ماتت أمهاتها وأخذ مثل هذا في الزكاة عجب جدا! * وأما إذا أتمت سنة فاسم شاة يقع عليها، فهى معدودة ومأخوذة.
وبالله تعالى التوفيق * وحصلوا كلهم على أن ادعوا أنهم قلدوا عمر رضى الله عنه، وهم قد خالفوه في هذه المسألة نفسها، فلم ير أبو حنيفة والشافعي أن تعد الاولاد مع الامهات إلا إذا كانت الامهات نصابا، ولم يقل عمر كذلك * وحصل مالك على قياس فاسد متناقض، لانه قاس فائدة الماشية خاصة - دون سائر الفوائد - على ما في حديث عمر من عد أولادها معها، ثم نقض قياسه فرأى أن لا تضم فائدة الماشية بهبة، أو ميراث، أو شراء إلى ما عنده منها إلا ان كان ما عنده نصابا تجب في مثله الزكاة وإلا فلا.
ورأى ان تضم أولادها إليها وإن لم تكن الامهات نصابا تجب فيه الزكاة * وهذه تقاسيم لا يعرف أحد قال بها قبلهم، ولاهم اتبعوا عمر، ولا طردوا القياس،
وأما سويد فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وأتى إلى المدينة بعد وفاته عليه السلام بنحو خمس ليال، وأفتى أيام عمر رضى الله عنه * قال أبو محمد: وأما الشافعي، وابو يوسف فطردا قولهما، إذ أوجبا أخذ خروف صغير في الزكاة عن أربعين خروفا فصاعدا، ولدت قبل الحول أو ماتت أمهاتها وأخذ مثل هذا في الزكاة عجب جدا! * وأما إذا أتمت سنة فاسم شاة يقع عليها، فهى معدودة ومأخوذة.
وبالله تعالى التوفيق * وحصلوا كلهم على أن ادعوا أنهم قلدوا عمر رضى الله عنه، وهم قد خالفوه في هذه المسألة نفسها، فلم ير أبو حنيفة والشافعي أن تعد الاولاد مع الامهات إلا إذا كانت الامهات نصابا، ولم يقل عمر كذلك * وحصل مالك على قياس فاسد متناقض، لانه قاس فائدة الماشية خاصة - دون سائر الفوائد - على ما في حديث عمر من عد أولادها معها، ثم نقض قياسه فرأى أن لا تضم فائدة الماشية بهبة، أو ميراث، أو شراء إلى ما عنده منها إلا ان كان ما عنده نصابا تجب في مثله الزكاة وإلا فلا.
ورأى ان تضم أولادها إليها وإن لم تكن الامهات نصابا تجب فيه الزكاة * وهذه تقاسيم لا يعرف أحد قال بها قبلهم، ولاهم اتبعوا عمر، ولا طردوا القياس، ولا اتبعوا نص السنة في ذلك * (تم الجزء الخامس من كتاب المحلى للامام العلامة ابى محمد على المشهور بابن حزم والله الحمد ويتلوه ان شاء الله تعالى الجزء السادس مفتتحا (بزكاة البقر) فنسأل الله التوفيق لاتمامه انه على ما يشاء قدير وبالاجابة جدير)
__________
منها ان من زائدة.
وهذا قطعة من حديث وسيأتى باقيه في المسألة 674 (1) في النسخة رقم (16) (الراضع) (2) خباب: بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة وآخره موحدة ايضا.
هلال هذا ثقة، ولم يثبت ما قاله القطان، فقد قال ابراهيم بن الجنيد: (سألت ابن معين عن هلال بن خباب وقلت: ان يحيى القطان يزعم انه تغير قبل ان يموت واختلط؟ فقال يحيى: لا، ما اختلط ولاتغير، قلت ليحيى: فثقة هو؟ قال: ثقة مأمون)(5/279)
المحلى - ابن حزم ج 6
المحلى
ابن حزم ج 6(6/)
المحلى تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الاصولي، قوي العارضة شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والاصول والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الاندلس ابي محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456 ه.
طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الاستاذ الشيخ احمد محمد شاكر الجزء السادس دار الفكر(6/1)
بسم الله الرحمن الرحيم زكاة البقر 673 مسألة الجواميس صنف من البقر يضم بعضها إلى بعض * ثم اختلف الناس: فقالت طائفة: لا زكاة في أقل من خمسين من البقر ذكورا أو إناثا أو ذكورا وإناثا فإذا تمت خمسون رأسا من البقر وأتمت في ملك صاحبها عاما قمريا متصلا كما قدمنا: ففيها بقرة، إلى أن تبلغ مائة من البقر، فإذا بلغتها وأتمت كذلك عاما قمريا ففيها بقرتان، وهكذا أبدا، في كل خمسين من البقر بقرة، ولا شئ زائد في الزيادة حتى تبلغ خمسين، ولا يعد فيها ما لم يتم حولا كما ذكرنا *
وقالت طائفة: في خمس من البقر شاة، وفى عشر شاتان، وفى خمس عشرة ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين من البقر بقرة * حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا على بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا يزيد عن حبيب بن أبى حبيب عن عمر وبن هرم (1) عن محمد بن عبد الرحمن قال: في كتاب عمر بن الخطاب أن البقر يؤخذ منها ما يؤخذ من الابل، يعنى في الزكاة، قال: وقد سئل عنها غيرهم فقالوا: فيها ما في الابل * يزيد هذا هو يزيد بن هارون أو ابن زريع (2) * حدثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وقتادة كلاهما عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: في كل خمس من البقر شاة، وفى عشر شاتان، وفى خمس عشرة ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، قال الزهري:
__________
(1) هو بفتح الهاء وكسر الراء (2) الراجح أنه يزيد بن هرون فقد رواه الحاكم (ج 1 ص 394) من طريق محمد بن اسحق الصغانى والدارقطني (ص 210) من طريق محمد عبد الملك الدقيقي: كلاهما عن يزيد ابن هرون: ولم يذكر ا الفظ هنا: وانما هو كتاب واحد: كتاب عمر إلى عماله في الصدقات: *(6/2)
فرائض البقر مثل فرائض الابل، غير الاسنان فيها، فإذا كانت البقر خمسا وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت على خمس وسبعين ففيها بقرتان إلى مائة وعشرين فإذا زادت على مائة وعشرين ففى كل أربعين بقرة، قال الزهري: وبلغنا أن قولهم: قال النبي صلى الله عليه وسلم سلم: (في كلا ثلاثين تبيع، وفى كل أربعين بقرة) أن ذلك كان تخفيفا لاهل اليمن، ثم كان هذا بعد ذلك لا يروى * حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن على الباجى ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقى بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا عبد الاعلى عن داود عن عكرمة بن خالد قال: استعملت على صدقات عك (1)، فلقيت أشيا خاممن صدق (2) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم فاختلفوا على، فمنهم من قال: اجعلها مثل صدقة الابل، ومنهم من قال: في ثلاثين تبيع،
ومنهم من قال: في أربعين بقرة مسنة * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب وأبى قلابة وآخر قالوا: صدقات البقر كنحو صدقات الابل، في كل خمس شاة، وفى كل عشر شاتان، وفى خمس عشرة ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين بقرة مسنة إلى خمس وسبعين، فان زادت فبقرتان مسنتان إلى عشرين ومائة، فإذا زادت ففى كل أربعين بقرة بقرة مسنة * ورويناه أيضا من طريق محمد بن المثنى عن محمد بن عبد الله الانصاري عن سعيد ابن أبى عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب، كما ذكرنا سواء سواء * حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا على بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن خالد الفهمى عن الزهري عن عمربن عبد الرحمن بن خلدة الانصاري (3)! أن صدقة البقر صدقة الابل، غير أنه لا أسنان فيها * فهؤلاء كتاب عمر بن الخطاب، وجابر بن عبد الله، وجماعة أدوا الصدقات على عهد
__________
(1) بفتح العين المهملة وتشديد الكاف (2) بالبناء للمجهول وكسر الدال المشددة: أي أخذت منه الصدقة.
(3) عمر هذا لم أجد له ترجمة ولا ذكرا وقد قال المؤلف: انه من التابعين: ولكن في الاستيعاب لابن عبد البر (ج 1 ص 171) ترجمة لخلدة الانصاري الرزقى وقال انه (جد عمر بن عبد الله بن خلدة) ثم روى حديثا من طريق ابن أبى أويس عن يحيى بن يزيد بن عبد الملك عن أبيه عن عمر بن عبد الله بن خلدة الرزق عن أبيه عن جده: فلا أدرى هل هو هذا أو غيره *؟ *(6/3)
رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، ومن التابعين سعيد بن المسيب وعمر بن عبد الرحمن بن خلدة، والزهرى، وأبو قلابة وغيرهم *
واحتج هؤلاء بما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسورثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا على ابن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا يزيد عن حبيب بن أبى حبيب عن عمرو ابن هرم (1) عن محمد بن عبد الرحمن قال: إن في كتاب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم، وفى كتاب عمر بن الخطاب: أن البقر يؤخذ منها مثل ما يؤخذ من الابل * وبما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق ثنا معمر قال: أعطاني سماك بن الفضل كتابا ممن النبي صلى الله عليه وسلم سلم إلى مالك بن كفلانس (2) المصعبين فقرأته فإذا فيه: (فيما سقت السماء ء والانهار العشر، وفيما سقى بالسنا (3) نصف العشر، وفى البقر مثل الابل) (4) * وبما ذكرنا آنفا عن الزهري: ان هذا هو آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم (5)، وان الامر بالتبيع نسخ بهذا * واحتجوا بعموم الخبر: (مامن صاحب بقر لا يؤدى حقها إلا بطح لها يوم القيامة، قالوا: فهذا عموم لكل بقر الاما خصه نص أو اجماع، * وقالوا: من عمل مثل قولنا كان على يقين بأنه قد أدى فرضه، ومن خالفه لم يكن على يقين من ذلك، فان ما وجب بيقين لم يسقط الا بمثله * وقالوا: قد وافقنا أكثر خصومنا على ان البقرة تجزئ عن سبعة كالبدنة، وأنها تعوض من البدنة، وأنها لا يجزئ في الاضحية والهدى من هذه إلا ما يجزى من تلك، وأنها تشعر إذا كانت لها أسنمة كالبدن، فوجب قياس صدقتها على صدقتها * وقالوا: لم نجد في الاصول في شئ من الماشية نصابا مبدؤه ثلاثون، لكن إما خمسة كالابل، والاواقى، والاوساق، وإما أربعون كالغنم، فكان حمل البقر على الاكثر وهو الخمسة أولى *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ويزيد بن حبيب عن عمر وبن حزم) وهو خطأ وتحريف، والصؤاب ما هنا وقد مضى هذا الاسناد قريبا (2) هكذا هذا الاسم في الاصلين: وضبط بالقلم في النسخة رقم (14) بضم الكاف
واسكان الفاء وكسر النون: وقد بحث أكثر عنه في الرجال وفى كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجده؟ (3) هكذا في الاصلين: وأظنه خطأ: فان السانية هي ما يسقى عليه الزرع والحيوان من بعير وغيره، والسانى وجمعه (سناة) بضم السين، وأما السنا مقصور فانه الضوء والبرق، فلعل ما هنا محرف عن (سناة) أو يكون مصدرا لسنا سنو بعنى سقى، ويكون من المصادر السماعية التى فاتت معاجم اللغة.
(4) في النسخة رقم (16) (وفى الابل مثل البق) وما هنا هو الصواب (5) في النسخة رقم (14) (ان هذا آخر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم *(6/4)
وقالوا: إن احتجوا بالخبر الذى فيه: (في كل ثلاثين تبيع، وفى كل أربعين مسنة) فنعم، نحن قول: بهذا، أو ليس في ذلك الخبر اسقاط الزكاة عما دون ثلاثين من البقر، لا بنص ولا بدليل؟ * قال: وهذا قول عمربن الخطاب رضى الله عنه وحكمه، وجابر بن عبد الله الانصاري، وعمر بن عبد الرحمن بن خلدة، وسعيد بن المسيب، والزهرى، وهؤلاء فقهاء أهل المدينة، فيلزم الماكليين اتباعهم على أصلهم في عمل أهل المدينة، والا ففقد تناقضوا * وقالت طائفة: ليس فيما دون الثلاثين من البقر شئ، فإذا بلغتها ففيها تبيع أو تبيعة، وهو الذى له سنتان، ثم لا شئ فيها حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنة، لها أربع سنين، ثم لا شئ فيها حتى تبلغ ستين، فإذا بلغتها ففيها تبيعتان، ثم لا شئ فيها حتى تبلغ سبعين فإذا بلغتها ففيها مسنة وتبيع، ثم هكذا أبدا، لا شئ فيها حتى تبلغ عشرا زائدة، فإذا بلغتها ففى كل ثلاثين من ذلك العدد تبيع، وفى كل أربعين مسنة * وهذا قول صح عن على بن أبى طالب رضى الله عنه من طريق أبى اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على * ورويناه من طريق نافع عن معاذ بن جبل * ومن طريق عكرمة بن خالد عن قوم صدقوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم *
ومن طريق ابن أبى ليلى عن عمرو بن مرة عن أبى البخترى عن أبى سعيد الخدرى ليس فيما دون الثلاثين من البقر شئ * وهو قول الشعبى، وشهر بن حوشب، وطاوس، وعمر بن عبد العزيز، والحكم بن عتيبة، وسليمان بن موسى، والحسن البصري، وذكره الزهري عن أهل الشأم، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبى سليمان ورواية غير مشهورة عن أبى حنيفة * واحتج هؤلاء بما رويناه من طريق ابراهيم وأبى وائل كلاهما عن مسروق عن معاذ: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم بعثه إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا، من كل أربعين بقرة مسنة) وقال بعضهم: ثنية) * ومن طريق طاوس عن معاذ مثله، وان رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم لم يأمره فيما دون ذلك بشئ * وعن ابن أبى ليلى والحكم بن عتيبة عن معاذ: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم سلم عن الاوقاص، ما بين الثلاثين إلى الاربعين، وما بين الاربعين إلى الخمسين؟ قال: (ليس فيها شئ) *(6/5)
ومن طريق الشعبى قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم إلى أهل اليمن: (في كل ثلاثين بقرة تببيع جذع قد استوى قرناه، وفى كل أربعين بقرة بقرة مسنة) * ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن أبى بكر أخبره أن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم لعمر بن حزم: (فرائض البقر ليس فيما دون الثلاثين من البقر صدقة، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل رائع جذع، إلى أن تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة، إلى أن تبلغ سبعين، فإذا بلغت سبعين فان فيها بقرة وعجلا جذعا فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان، ثم على هذا * الحساب
وبما رويناه من طريق سليمان بن داود الجزرى عن الزهري عن أبى بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن، بعثه مع عمرو بن حزم وهذه نسخته) وفيه (في كل ثلاثين باقورة (1) تبيع جذع أو جذعة، وفى كل أربعين باقورة بقرة) (2) وبما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكى ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقى ثنا أحمد ابن عمرو البزاز ثنا عبد الله بن أحمد بن شبوية المروزى ثنا حيوة بن شريح ثنا بقية عن المسعودي عن الحكم بن عتيبة عن طاوس عن ابن عباس قال: (لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البيقر تبيعا أو تبيعة جذعا أو جذعة، ومن كل اربعين بقرة بقرة مسنة، قالوا: فالاوقاص؟ قال: ما أمرنى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم بشئ فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم سأله، فقال: ليس فيها شئ) (3) * قال أبو محمد: هذا كل ما احتجوا به قد تقصيناه لهم بأكثر مما نعلم تقصوه لا نفسهم * وقالت طائفة: ليس فيما دون ثلاثين شئ فإذا بلغت البقر ثلاثين ففيها تبيع، ثم لا شئ فيها حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغتها ففيها بقرة، ثم لا شئ فيها حتى تبلغ خمسين،
__________
(1) الباقورة البقرة بلغة أهل اليمن (2) سيأتي هذا باسناده بعد بضع صحف (3) رواه الدارقطني (ص 202) من طريق عمرو بن عثمان، ثنا بقية حدثنى المسعودي، فذكره باسناده، وفيه في آخره، قال المسعودي: والاوقاص ما دون الثلاثين وما بين الاربعين إلى الستين، فإذا كانت ستين، ففيها تبيعان، فإذا كانت سبعين ففيها مسنة وتبيع فإذا كانت ثمانين ففيها مسنتان، فإذا كانت تسعين ففيها ثلاث تبائع، قال بقية: قال المسعودي: الالوقاص هي بالسين، أوقاس فلا تجعلها بصاد، والاوقاص جمع (وقص) بفتح الواو والقاف وبالصاد، ولم أجد ما يؤ يد كلام المسعودي انه بالسين، فلا أدرى من أين زعمه؟ وانظر الكلام على هذا الحديث في تلخيص الحبير (ص 174 173)(6/6)
فإذا بلغتها ففيها بقرة وربع، ثم لا شى ء فيها حتى تبلغ سبعين، فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة * وروينا هذا من طريق الحجاج من المنهال عن حماد بن سلمة (1) وعن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم فذكره كما أوردنا، وهى رواية غير مشهورة أيضا عن أبى حنيفة * ويمكن أن يموه هؤلاء بالخبر الذى أوردناه آنفا من طريق الحكم عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم سلم فيما بين الاربعين والخمسين (ليس فيها شئ) يعنى من البقر * وقالت طائفة: ليس فيما دون الثلاثين من البقر شئ، فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع، ثم لا شئ فيها حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنة، فان زادت واحدة ففيها بقرة وجزء من أربعين جزءا ممن بقرة، وهكذا في كل واحدة تزيد ففيها جزء آخر زائد من أربعين جزءا من بقرة، هكذا إلى الستين، فإذا بلغتها ففيها تبيعان، ثم لا شئ فيها إلا في كل عشرة زائدة كما ذكرنا قبل، وهى الرواية المشهورة عن أبى حنيفة * وقد روينا من طريق شعبة قال: سألت حمادا هو ابن أبى سليمان فقلت: إن كانت خمسين بقرة؟ فقال: بحساب ذلك * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة: ثنا ابن المبارك عن الحجاج هو ابن أرطاة عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي قال: يحاسب صاحب البقربما فوق الفريضة * ومن طريق ابن أبى شيبة: ثنا زيد بن الحباب العكلى عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول أنه قال في صدقة البقر: ما زاد فبالحساب * قال أبو محمد: هذا عموم ابراهيم، وحماد، ومكحول، وظاهره ان كل ما زاد على الثلاثين إلى الاربعين، وعلى الاربعين إلى الستين ففى كل واحدة زائدة جزء من بقرة * وقد ذكرنا عن عكرمة بن خالد أن بعض شيوخ كانوا قد صدقوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم قالوا: في كل أربعين بقرة بقرة، مخالفين لمن جعل في
أقل من الاربعين شيئا * وذهبت طائفة إلى أنه ليس فيما دون الخمسين ولا ما فوقها شئ وان صدقة البقر انما هي في كل خمسين بقرة بقرة فقط هكذا أبدا * كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج
__________
(1) في النسخة رقم (16) (حماد أبى سلمة) وهو خطأ *(6/7)
قال: أخبرني عمرو بن دينار قال: كان عمال ابن الزبير وابن عوف وعماله يأخذون من كل خمسين بقرة بقرة، ومن مائة بقرتين، فإذا كثرت ففى كل خمسين بقرة بقرة * قال أبو محمد: هذا كل ما حضرنا ذكره مما رويناه من اختلاف الناس في زكاة البقر، وكل اثر رويناه فيها ووجب النظر للمرء لنفسه فيما يدين به ربه تعالى في دينه * فأول ذلك أن الزكاة فرض واجب في البقر * كما حدثنا عن عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد ابن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا وكيع ثنا الاعمش عن المعرور بن سويد عنأبى ذر قال: (انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم وهو في ظل الكعبة) (1 (فذكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم قال له: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولاغنم لا يؤدي زكاتها الا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله قول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم يقول: مامن صاحب ابل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قط، وأقعد (2) لها بقاع قرقر (3) تسير (4) عليه بقوائهما وأخفافها، ولاصاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وأقعد (5) لها بقاع قرقرتنطحه
بقرونها وتطؤه بقوائمها، وذكر باقي الخبر * قال أبو محمد: فوجب فرضا طلب ذلك الحد الذى حده الله تعالى منها، حتى لا يتعدى قال عزوجل: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * فنظرنا القول الاول فوجدنا الآثار الواردة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم سلم منقطعة والحجة لا تجب الا بمتصل، الا أنه يلزم القائلين بالمرسل والمنقطع من الحنيفين والمالكيين أن يقولوا: بها، والا فقد تناقضوا في أصولهم وتحكموا بالباطل، لا سيما مع قول الزهري: ان هذه الاخبار بها نسخ ايجاب التبيع والمسنة في الثلاثين والاربعين
__________
(1) قوله (وهو في ظل الكعبة) سقط من النسخة رقم (16)، والذى في صحيح مسلم (ج 1 ص 272) (وهو جالس في ظل الكعبة) (2) هذا الحديث رواه مسلم (ج 1 ص 271) من طريق عبد الرزاق، وفيه (وقعد) بفتح القاف والعين (3) بالتنوين فيها، والقاع المستوى الواسع من الارض يعلوه ماء السماء فيمسكه، والقرقر أيضا المستوى من الارض الواسع، وهو بفتح القافين.
قاله النووي (4) في جميع نسخ مسلم (تستين) من الاستنان وهو عدو الفرس شوطا أو شو طين من غير راكب.
(5) في مسلم (وقعد) *(6/8)
فلو قبل مرسل أحد لكان الزهري أحق بذلك لعلمه بالحديث، ولاه قد أدرك طائفة الصحابة رضى الله عنهم * ولم يحك القول في الثلاثين بالتبيع وفي الاربعين بالمسنة الا عن أهل الشأم، لاعن أهل المدينة، ووافق الزهري على ذلك سعيد بن المسيب وغيره من فقهاء المدينة، فهذا كله يوجب على المالكيين القول بهذا أو فساد أصولهم، وأما نحن فلو صح وانسند ما خالفناه أصلا * وأما احتجاجهم بعموم الخبر: (ما من صاحب بقر لا يؤدى زكاتها) و (لا يفعل فيها حقها) وقولهم: ان هذا عموم لكل بقر: فان هذا لازم للحنيفيين والمالكيين المحتجين بايجاب الزكاة في العروض بعموم قول الله تعالى: (خذمن أموالهم صدقة) الآية
والمحتجين بهذا في وجوب الزكاة في العسل وسائر ما احتجوا فيه بمثل هذا، لا مخلص لهم منه أصلا * وأما نحن فلا حجة علينا بهذا، لاننا وانا كنا لا يحل عندنا مفارقة العموم الا لنص آخر فانه لا يحل شرع شريعة الا بنص صحيح، ونحن نقر ونشهد أن في البقر زكاة مفروضة يعذب الله تعالى من لم يؤدها العذاب الشديد، ما لم يغفر له برجوح حسناته أو مساواتها لسيئاته، الا أنه ليس في هذا الخبر بيان المقدار الواجب في الزكاة منها، ولا بيان العدد الذى تجب فيه الزكاة منها، ولا متى تؤدى، وليس البيان للديانة موكولا إلى الآراء والاهواء بل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم الذى قال له ربه وباعثة: (لتبين للناس ما نزل إليهم) * ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم سلم ما أوجبوه في الخمس فصاعد من البقر، وقد صح الاجماع المتيقن بأنه ليس في كل عدد من البقر زكاة، فوجب العتوقف عن ايجاب فرض ذلك في عدد دون عدد بغير نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، فسقط تعلقهم بالعموم ههنا، ولو كان عموما يمكن استعماله لما خالفناه * وأما قولهم: ان من زكى البقر كما قالوا فهو على يقين من أنه قد أدى فرضه الواجب عليه ومن لم يزكها كما قالوا فليس على يقين من أنه ادى فرضه وان ما صح بيقين وجوبه لم يسقط الا بيقين آخر: فهذا لازم لمن قال: ان من تدلك في الغسل فهو على يقين من أنه قد أدى فرضه، والغسل واجب بيقين، فلا يسقط الا بيقين مثله ولمن أوجب مسح جميع الرأس في الوضوء بهذه الحجة نفسها، ومثل هذا لهم كثير جدا *(6/9)
وأما نحن فان هذا لا يلزم عندنا، لان الفرائض لا تجب الا بنص أو اجماع.
ومن سلك هذه الطريق في الاستدلال فانه يريد ايجاب الفرائض وشرع الشرائع باختلاف،
لانص فيه، وهذا باطل، ولم يتفق قط على وجوب ايعاب جميع الرأس في الوضوء ولا على التدلك في الغسل، ولا على ايجاب الزكاة في خمس من البقر فصاعدا إلى الخمسين * وانما كان يكون استدلالهم هذا صحيحا لو وافقناهم على وجوب كل ذلك ثم أسقطنا وجوبه بلا برهان، ونحن لم نوافقهم قط على وجوب غسل فيه تدلك، ولا على ايجاب مسح جميع الرأس، ولا على ايجاب زكاة في خمس من البقر فصاعدا، وانما وافقنا هم على ايجاب الغسل دون تدلك، وعلى ايجاب مسح بعض الرأس لاكله، وعلى وجوب الزكاة في عدد ما من البقر، لافى كل عدد منها، فزادواهم بغير نص ولا اجماع ايجاب التدلك ومسح جميع الرأس والزكاة في خمس من البقر فصاعدا وهذا شرع بلا نص ولا اجماع، وهذا لا يجوز فهذا يلزم ضبطه، لئلا يموه فيه أهل التمويه بالباطل، فيدعوا اجماعا حيث لا اجماع، ويشرعوا الشرائع ببغير برهان، ويخالفوا الاجماع المتيقن.
وبالله تعالى التوفيق * وأما احتجاجهم بقياس البقر على الابل في الزكاة فلازم لاصحاب القياس لزوما لا انفكاك له، فلو صح شئ من القياس لكان هذا منه صحيحا (1)، وما نعلم في الحكم بين الابل والبقر فرقا مجمعا عليه، ولقد كان يلزم من يقيس ما يستحل به فرج المرأة المسلمة في النكاح من الصداق على ما تقطع فيه يد السارق، ومن يقيس حد الشارب على حد القاذف، ومن يقيس السقمونيا على القمح والتمر، ويقيس الحديد والرصاص والصفر على الذهب والفضة، ويقيس الجص على البر والتمر، في الربا، ويقيس الجوز على القمح في الربا، وسائر تلك المقايبس السخيفة!، وتلك العلل المفتراة الغثة!: أن يقيس البقر على الابل في الزكاة، والا فقد تحكموا بالباطل وأما نحن فالقياس كله عندنا باطل * وأما قولهم: لم نجد في الاصول ما يكون وقصه ثلاثين، فانه عندنا تخليط وهوس! لكنه لازم أصح لزوم لمن قال محتجا لباطل قوله في ايجاب الزكاة ما بين الاربعين
والستين من البقر: اننا لم نجد في الاصول ما يكون وقصه تسعة عشر، ولكن القوم متحكمون *
__________
(1) هنا بحاشية النسخة رقم (14) بخط غير جيد وهو غير خط كاتبها ما نصبه (هذه وقاحة! هيهات الابل من البقر) *(6/10)
فسقط كل ما احتجوا به عنا، وظهر لزومه للحنفيين والماكيين والشافعيين، لاسيما لمن قال: بالقول المشهور عن أبى حنيفة في زكاة البفر، الذى لم يتعلق فيه بشئ اصلا * ثم نظرنا في قول من اوجب في الثلاثين تبيعا وفى الاربعين مسنة ولم يوجب بين ذلك ولا بعد الاربعين إلى الستين شيئا: فوجدنا الآثار التى احتجوا بها عن معاذ وغيره مرسلة كلها، الا حديث بقية، لان مسروقا لم يلق معاذا، وبقية ضعيف لا يحتج بنقله، اسقطه وكيع وغيره، والحجة لا تجب الا بالمسند عن نقل الثقات * فان قيل: ان مسروقا وان كان لم يلق معاذا فقد كان باليمن رجلا أيام كون معاذ هنالك وشاهد أحكامه، فهذا عنده من معاذ بنقل الكافة * قلنا: لو أن مسروقا ذكر أن الكافة أخرته بذلك عن معاذ لقامت الحجة بذلك فمسروق هو الثقة الامام غير المتهم، لكنه لم يقل قط هذا، ولا يحل أن يقول مسروق رحم الله ما لم يقل فيكذب عليه، ولكن لما أمكن في ظاهر الامر أن يكون عند مسروق هذا الخبر عن تواتر أو عن ثقة أءو عمن لا تجوز الرواية عنه: لم يز القطع في دين الله تعالى ولا على رسوله صلى الله عليه وآله سلم بالظن الذين هو أكذب الحديث، ونحن تقطع أن هذا الخبر لو كان عند مسروق عن ثقة لما كتمه ولو كان صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طمسه الله تعالى المتكفل بحفظ الذكر المنزل على نبيه عليه السلام المتم لدينه: لنا هذا الطمس حتى لا يأتي الا من طريق واهية (1) والحمد لله رب العالمين * وأيضا فان زموا (2) أيديهم وقالوا: هو حجة، والمرسل ههنا والمسند سواء * قلنا لهم: فلا عليكم، خذوا من هذه الطريق بعينها ما حدثناه حمام بن أحمد قال ثنا
عبد الله بن محمد بن على الباجى ثنا أحمد بن خالد ثنا عبيد بن محمد الكشورى (3) ثنا محمد بن يوسف الحذافى (4) ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الاعمش عن شقيق بن سلمة هو أبو وائل عن مسروق بن الاجدع قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم
__________
(1) سيرجع المؤلف عن هذا ارأى في آخر المسألة، ويجعل رواية مسروق عن معاذ نقلا عن الكافة عن معاذ، ويجمع به.
واختلف في مسروق عن معاذ فنقل المؤلف هنا أنه لم يلق معاذا، ونقل عبد الحق عن ابن عبد البر مثله، قال ابن حجر (لكن تعقب ذلك ابن القطان على عبد الحق فانه لم يجد ذلك في كلام ابن عبد البر، بل الموجود في كلامه أن الحديث الذى من رواية مسروق عن معاذ متصل) (2) بفتح والزاى يعنى: شدوا (3) بفتح الكاف واسكان الشين المعجمة، وفتح الواو، وقيل بكسر الكاف، نسبه إلى (كشور) قرية من قرى صنعاء.
(4) بضم الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة وبالفاء، نسبه إلى (حذافة) بطن من قضاعة *(6/11)
معاذ بن جبل إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل حالم وحالمة دينارا أو قيمته من المعافرى (1) * حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة (2) ثنا على بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا جرير هو ابن عبد الحميد عن منصور هو ابن المعتمر عن الحكم بن عتيبة قال: (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم إلى معاذ وهو باليمن: أن فيما سقت السماء أو سقى غيلا العشر، وفيما سقى بالغرب (3) نصف العشر وفى الحالم والحالمة دينار أو عدله من المعافر (4)) * وبه إلى أبى عبيد: ثنا عثمان بن صالح عن أبن لهيعة عن أبى الاسود عن عروة ابن الزبير قال: (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم إلى أهل اليمن: أنه من كان على يهودية أو نصرانية فانه لا يفتن عنها، وعليه الجزية، على كل حالم ذكر أو أنثى عبد أو أمة دينار واف أو عدله من المعافر، فمن أدى ذلك إلى رسلي فان له ذمة الله وذمة رسوله، ومن مننعه منكم فانه عدو لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين) *
فهذه رواية مسروق عن معاذ، وهو حديث زكاة البقر بعينه، ومرسل من طريق الحكم وآخر من طريق ابن لهيعة، فان كانت مرسلاتهم في زكاة البقر صحيحة واجبا أخذها فمرسلاتهم هذه صحيحة واجب أخذها، وان كانت مرسلاتهم هذه لا تقوم بها حجة فمرسلاتهم تلك لا تقوم بها حجة * فان قيل: فانكم تقولون بما في هذه المرسلات ولا تقولون: بتلك، فكيف هذا؟ * قلنا وبالله تعالى التوفيق: ما قلنا: بهذه ولا بتلك، ومعاذ الله من أن نقول بمرسل لكنا أوجبنا الجزية على كل كتابي بنص القرآن، ولم نخص منه امرأة ولا عبدا، وأما بهذه الآثار فلا * قال أبو محمد: لا سيما الحنفيين فانهم خالفوا مرسلات معاذ تلك في اسقاط الزكاة عن الاوقاص والعسل كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا سفيان بن عيينة عن ابراهيم بن ميسرة عن طاوس: (أن معاذ بن جبل أتى بوقص البقر والعسل (5) فلم يأخذه، فقال: كلاهما لم يأمرنى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم بشئ) فمن الباطل أن يكون حديث معاذ حجة إذا وافق هوى الحنيفيين ورأى أبى حنيفة ولا يكون حجة
__________
(1) المعافر والمعافري بفتح الميم فيهما باليمن (2) في النسخة رقم (16) (محمد بن على بن رفاعة وهو خطأ) (3) الغرب الدلو الكبير (4) العدل بفتح العين وكسرها المثل.
وانظر تخريجه في الخراج ليحيى بن آدم رقم (229) و (365) (5) في النسخة رقم (16) (بوقص العسل والبقر) وليس للعسل وقص، وانما هو كما هو هنا ومعناه أتى بالعسل وأتى بوقص البقر *(6/12)
إذا لم يوافقهما، ما ندرى أي دين يبقى مع هذا العمل؟ ونعوذ بالله من الخذلان والضلال ومن أن يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا * فان احتجوا بصحيفة عمرو بن حزم قلنا: هي منقطعة أيضا لا تقوم بها حجة:
وسليمان بن داود الجزرى (1) الذى رواها متفق على تركه وأنه لا يحتج به * فان أبيتم ولججتم وظننتم انكم شددتم أيديكم منها على شئ فدو نكموها * كما حدثناها حمام بن احمد قال ثنا عباس بن اصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا احمد بن زهير بن حرب ثنا الحكم بن موسى ثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود الجزرى ثنا الزهري عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم كتب إلى أهلال اليمن بكتاب (2) فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم، وهذه نسخته) فذكر الكتاب وفيه (وفى كل ثلاثين باقورة تبيع، جذع أو جذعة، وكل أربعين باقورة بقرة، وفيه أيضا (وفى كل خمس أواقى (3) من الورق دراهم، وفمازاد ففى كل أربعين درهما درهم وفى كل أربعين دينارا دينا ر) * حدثنا حمام قال: ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أبو عبد الله الكابلي (4) ببغداد ثنا اسماعيل بن أبى أويس حدثنى أبى عن عبد الله ومحمد بن أبى بكربن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن جدهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم: أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم حين أمره على اليمن وفيه الزكاة: (ليس فيها صدقة حتى تبلغ مائتي (5) درهم فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، وفى كل أربعين درهما درهم، وليس فيما دون الاربعين صدقة، فإذا بلغت الذهب قيمة مائتي درهم ففى قيمة كل أربعين درهما درهم، حتى تبلغ أربعين دينارا، فإذا بلغت أربعين دينارا ففيها دينار) قال أبو أويس: وهذا عن ابني حزم أيضا: (فرائض صدقة البقر ليس فيما دون ثلاثين صدقة فإذا بلغت الثلاثين ففيها فحل جذع، إلى أن تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة إلى أن تبلغ ستين.
فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان) *
__________
(1) هكذا نسبه المؤلف (الجزرى) والذى في كتب التراجم وفى أسانيد الحديث في كتب السنة (الخولانى) وهو من اهل دمشق، وهو ثقة، وضعفه بعضهم قليلا، فما أدرى من أين جاء لابن حزم الاتفاق على تركه؟ (2) في النخسة رقم رقم (16) كتابا وما
هنا هو الموافق لرواية الحاكم (ج 1 ص 395) (3) في النسخة رقم (14) (أواق) (4) بضم الباء الموحدة اسمه، محمد بن العباس ابن الحسن، وهو ضعيف.
ولكن الحديث جاء باسناد من غير طريقة كما سنذكره إن شاء الله (5) في الاصلين (مائتا) وهو خطأ(6/13)
قال أبو محمد: أبو أويس ضعيف وهى منقطعة مع ذلك.
ووالله لو صح شئ من هذا ماغ تردد في الاخذ به (1): * قال على: ما نرى المالكين والشافعين والحنفيين الا قد انحلت عزائمهم في الاخذ بحديث ماذ المذكور وبصحيفة ابن حزم، ولا بدلهم من ذلك أو الاخذ بأن لاصدقة في ذهب لم يبلغ أربعين دينار الا بالقيمة بالفضة وهو قول عطاء والزهرى، وسليمان ابن حرب وغيرهم، وأن يأخذ المالكيون والشافعيون بوجوب الاوقاص في الدراهم وبايجاب الجزية على النساء والعبيد من أهل الكاب، أو التحكم في الدين بالباطل فيأخذوا ما اشتهوا ويتركوا ما اشتهوا، وهذه والله أخزى في العاجلة والآجلة والزم وأندم! والحنيفيون يقولون: ان الراوى إذا ترك ما روى دل ذلك على سقوط روايته: والزهرى هو روى صحيفة ابن حزم في زكاة البقر وتركها؟ فهلا تركوها وقالوا: لم يتركها لا لفضل علم كان عنده! * ثم لو صح لهم حديث معاذ لكان ما ذكرنا قبل من الاخبار بأن في زكاة البقر كزكاة الابل مثلها في الاسناد و واردة بحكم زائد لا يجوز تركه، وكان الآخذ بتلك آخذا بهذه وكان الآخذ بهذه، دون تلك عاصيا لتلك * فبطل كل ما موهوا به من طريق الآثار جملة * فان تعلقوا بعلى ومعاذ وأبى سعيد رضى الله عنهم قلنا لهم: الخبر عن معاذ منقطع وعن أبى سعيد لم يروه الا ابن أبى ليلى محمد: وهو ضعيف: وأما عن على فهو صحيح ولا يصح هذا القول عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم سواه.
وقد روينا قبل عن
عمربن الخطاب، وجابر بن عبد الله خلاف ذلك ولا حجة في قول صاحب إذا خالفه صاحب آخر * ثم ان لججتم في التعلق بعلى ههنا فاسمعوا قول على من هذه الطريق نفسها * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن معمر عن
__________
(1) ابواو يس عبد الله بن عبد الله بن اويس، ابن عم مالك بن انس وزوج اخته، وهو صالح صدوق قال ابن عبد البر: (لم يحك احد عنه جرحة في دينه وامانته، وانما عابوه بسوء حفظه وإنه يخالف في بعض حديثه) وهذا الحديث روى بعضه الحاكم في المستدرك من طريق اسماعيل بن اسحق القاضى عن إسماعيل بن ابى اويس، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ولكنا نوافق ابن جزم على انه منقطع، لانه عن محمد بن عمرو بن حزم جد عبد الله ومحمد ابني ابى بكربن محمد ابن عمرو بم حزم، وهو حزم محمول على الاتصال، إذ هو معروف عن محمد بن عمرو عن ابيه عمرو، بأسانيد اخرى صحيحة *(6/14)
أبى اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب قال: في خمس من الابل شاة وفى عشرشاتان.
وفى خمس عشرة ثلاث شياه.
وفى عشرين أربع شياه.
وفى خمس وعشرين خمس شياه.
وفى ست وعشرين بنت مخاض، فان لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، حتى تبلغ خمسا وثلاثين، فان زادت واحدة ففيها بنت لبون، حتى تبلغ خمسا وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الفحل أو قال: الجمل حتى تبلغ ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة، حتى تبلغ خمسا وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتالبون، حتى تبلغ تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان طورقتا الفحل إلى عشرين ومائة فان زادت واحدة ففى كل خمسين حقة وفى كل أربعين بنت لبون، وفى البقر في كلا ثلاثين بقرة تبيع حولي، وفى كل أربعين مسنة * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد ابن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا شعبة عن أبى اسحاق السبعى عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب قال: إذا أخذ المصدق سنا فوق
سن (1) رد عشرة دراهم أو شاتين * قال أبو محمد: ما نرى الحنيفيين والمالكيين والشافعيين الا قد برد نشاطهم في الاحتجاج بقول على رضى الله عنه في زكاة البقر، ولا بدلهم من الاخذ بكل ما روى عن على في هذا الخبر نفسه، مما خالفوه وأخذ به غيرهم من السلف، أو ترك الاحتجاج بما لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو التلاعب بالسنن والهزل في الدين أن يأخذوا ما احبوا ويتركوا ما احبوا لا سيما وبعضهم هو في حديث على هذا بأنه مسند.
فليهنهم خلافه ان كان مسندا، وولو ان مسندا ما استحللنا خلافه وبالله تعالى التوفيق * فلم يبق لمن قال بالتبيع والمسنة فقط في البقر حجة أصلا، ولا قياس معهم في ذلك فبطل قولهم جملة بلا شك.
والحمد لله رب العالمين * وأما القول المأثور (2) عن أبى حنيفة ففى غاية الفساد لا قرآن يعضده ولاسنة صحيحة تنصره ولا رواية فاسدة تؤيد ولا قول صاحب يشده، ولا قياس يموهه، ولا رأى له وجه يسدده * الا أن بعضهم قال: لم نجد في شئ من الماشية وقصا من تسعة عشر * فقيل لهم: ولاوجدتم في شئ من زكاة المواشى جزءأ من رأس واحخد * فان قالوا: أوجبه الدليل *
__________
() في النسخة رقم (16) (سنابعد سن) (2) النسخة رقم (14) (وأما القولان المأثوران)(6/15)
قيل لهم: كذبتم! ما أوجبه دليل قط، وما جعل الله تعالى رأس النخعي وحده دليلا في دينه: وقد وجدنا الاوقاص تختلف، فمرة هو في الابل أربع، ومرة عشرة، ومرة تسعة، ومرة أربعة عشر، ومرة أحد عشر، ومرة تسعة وعشرين، ومرة هو في الغنم ثمانون، ومرة تسعة وسبعون، ومرة مائة وثمانية وتسعون، ومرة تسعة وتسعون فأى نكرة في أن تكون تسعة عشراذا صح بذلك دليل؟! لولا الهوى والجهل *!
فلم يبق الاما رويناه من عمل عمال ابن الزبير، وعمل طلحة بن عبد الله بن عوف هو أبن أخى عبد الرحمن بن عوف، ومن كبار التابعين جدا بالمدينة بحضرة بقية الصحابة فلم ينكروه * فنظرنا في ذلك فوجدنا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم في هذا من طريق اسناده الآحاد ولا من طريق التواتر شئ كما قدمنا، ولا عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم شئ لا يعارضه غيره، ولا يحل أن تؤخذ شريعة الا عن الله تعالى، اما من القرآن، واما من نقل ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم من طريق الآحاد الثقات، أو من نقل التواتر، أو من نقل باجماع الامة، فلم نجد في القرآن ولا في نقل الآحاد والتواتر بيان زكاة البقر، ووجدنا الاجماع المتيقن المقطوع به، الذى لا خلاف في أن كل مسلم قديما وحديثا قال: به، وحكم به من الصحابة فمن دونهم قد صح على أن في كل خمسين بقرة بقرة، فكان هذا حقا مقطوعا به على أنه من حكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم سلم، فوجب القول به، وكان ما دون ذلك مختلفا فيه، ولا نص في ايجابه، فلم يجز القول، وقد قال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فلم يحل أخذ مال مسلم ولا ايجاب شريعة بزكاة مفروضة بغيريقين، من نص صحيح عن الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم سلم.
* ولا يغترن مغتر بدعواهم أن العمل بقولهم كان مشهورا، فهذا باطل، وما كان هذا القول الا خاملا في عصر الصحابة رضى الله عنهم، ولا يؤخذ الا عن أقل من عشرة من التابعين، باختلاف منهم أيضا، وبالله التوفيق * قال على: ثم استدركنا فوجدنا حديث مسروق انما ذكر فيه فعل معاذ باليمن في زكاة البقر، وهو بلاشك قد أدرك معاذا وشهد حكمه وعمله المشهور المشهور، فصار نقله لذلك ولانه عن عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم: نقلا عن الكافة عن معاذ
بلاشك، فوجب القول به *(6/16)
زكاة الابل 674 مسألة البخت، والاعرابية والنجب، المهارى (1) وغيرها من اصناف الابل كلها ابل، يضم بعضها إلى بعض في الزكاة، وهذا لا خلاف فيه ولا زكاة في أقل من خمسة من الابل، ذكورا أو اناث.
أو ذكور واناث.
فإذا أتمت كذلك في ملك المسلم حولا عربيان متصلا كما قدمنا فالواجب في زكاتها شاة واحدة ضانية أو ما عزة، وكذلك أيضا فيما زاد على الخمس، إلى ان تتم عشرة كما قدمنا، فإذا بلغتها وأتمتها وأتمت حولا كما قدمنا ففيها شاتان كما ذكرنا وكذلك فيما زاد حتى تتم خمسة عشر، فإذا اتمها وأتمت كذلك حولا عربيا ففيها ثلاث شياه كما ذكرنا، وكذلك فيما زاد حتى تتم عشرين، فإذا أتمتها واتمت كذلك حولا كما ذكرنا ففيها أربع شياه كما ذكرنا، وكذلك فيما زاد على العشرين إلى أن تتم خمسة وعشرين، فإذا أتمتها وأتمت كذلك حولا قمريا ففيها بنت مخاض من الابل انثى ولابد، فان لم يجدها فابن لبون ذكر من الابل، وكذلك فيما زاد حتى تمم ستة وثلاثين.
فإذا اتمتها واتمت كذلك حولا قمريا ففيها بنت لبون من الابل انثى ولابد، ثم كذلك فيما زاد حتى تتم ستة واربعين، فإذا أتمت احدى وستين وأتمت كذلك سنة قمرية (2) ففيها جذعة من الابل أنثى ولابد، ثم كذلك فيما زاد حتى تتم ستة وسبعين فإذا أتمتها وأتمت كذلك عاما قمر ياففيها ابنتا لبون، ثم كذلك فيما زاد حتى احدى وتسعين (3) فإذا أتمتها وأتمت كذلك عاما قمريا ففيها حقتان، وكذلك فيما زاد حتى تتم مائة وعشرين، فإذا أتمتها وزادت عليها ولو بعض ناقة أو جمل وأتمت كذلك عاما قمريا ففيها ثلاث بنات لبون (4) ثم كذلك حتى تتم
__________
(1) البخت بضم الباء ولسكان الخاء المعجمة كلمة أعجمية سعربة، وهى الالبل الخراسانية تنتج من بين عربية وفالج، واحدها بختى وبختية.
والفالج بالجيم هو البعير الضخم ذو السنلمين.
والنجب بضم النون
والجيم جمع هو القوى الخفيف السريع ووالمهارى منسوبة إلى (مهرة بن حيدان) وهو أبو قلييلة وحى عظيم، وابل مهرية بفتح الميم منسوبة إليهم، والجمع مهارى بكسر الراء وتشديد الياء ومهار بحذف الياء ومهارى بفتح الراء وتخفيف الياء ومهارى بكسرالراء والتخفيف أيضا.
(2) في النسخة رقم (14) (عاما قمريا) (3) في النسخة رقم (14) (وحدا وتسعين) (4) في النسخة رقم (16) (ثلاث بنات مخاض) وهو خطأ *(6/17)
مائة وثلاثين، فإذا أتمتها أو زادت وأتمت كذلك عاما قمريا ففى كل خمسين حقة، وفى كل أربعين بنت لبون، ففى ثلاثين ومائة فما زاد (1) حقة وبنتالبون، وفى أربعين ومائة فما زاد حقتان وبنت لبون، وفى خمسين ومائة فماد زاد ثلاث حقاق، وفى ستين ومائة فما زاد أربع بنات لبون.
وهكذا العمل فيما زاد * فان وجب على صاحب المال جذعة فلم تكن عنده وكانت عنده حقة، أو لزمته حقة فلم تكن عنده وكانت عنده بنت لبون، أو لزمته بنت لبون فلم تكن عنده وكانت عنده بنت مخاض: فان المصدق يقبل ما عنده من ذلك ويلزمه معها غرامة عشرين درهما أو شاتين، أي ذلك شاء صاحب المال فواجب على المصداق قبوله ولابد * وان وجبت على صاحب المال بنت مخاض فلم تكن عنده ولا كان عنده ابن لبون ذكر وكانت عنده بنت لبون، أو وجبت عليه بنت لبون فلم تكن عنده وكانت عنده جذعة: فان المصدق يأخذ منه ما عنده من ذلك ويرد المصدق إلى صاحب المال عشرين درهما أو شاتين، أي ذلك أعطاه المصدق فواجب على صاحب المال قبوله ولابد * وهكذا لو وجبت اثنتان أو أكثر من الانسان التى ذكرنا فلم يجدها أو وجد بعضها ولم يجد تمامها فانه يعطى ما عنده من الاسنان التى ذكرنا، فان كانت أعلى من التى وجبت عليه رد عليه المصدق لكل واحدة شاتين أو عشرين درهما وإن كانت أدنى من التى وجبت عليه أعطى معها مع كل واحدة شاتين أوء عشرين درهما *
فان وجبت عليه بنت مخاض فلم يجدها ولا وجد ابن لبون ولا بنت لبون، لكن وجد حقة أو جذعة، أو وجبت عليه بنت لبون فلم تكن عنده ولاكان عنده بنت مخاض ولا حقة، وكانت عنده جذعة: لم تقبل منه، وكلف إحضارما وجب عليه ولا بد، أو إحضار السن التى تليها ولابد مع رد الدراهم أو الغنم * وإن لزمته جدعة فلم يجدها ولا وجد حقة، ووجد بنت لبون أو بنت مخاض: لم تقبل منه أصلا إلا الجذعة أو حقة معها شاتان أو عشرون درهما * وإن لزمته حقة ولم يجدها ولا وجد جذعة ولا ابنة لبون، ووجد بنت مخاض: لم تؤخذ منه وأجبر على إحضار الحقة أو بنتن لبون ويرد شاتين أو عشرين درهما * ولا تجزئ قيمة ولا بدل أصلا ولا في شئ من الزكوات كلها أصلا * برهان ذلك ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا
__________
(1) لا هنا في النسخة رقم (14) (وفى كل ثلاثين فما زاد) الخ وما هنا أصح إذ هذا تفريع على قوله (في كل خمسين حقة وفى كل أربعين بقنت لبون) وتوضيح له *(6/18)
الفربرى ثنا البخاري ثنا محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن انس بن مالك ثنا ابى ثنا ثمامة بن عبد الله بن انس بن مالك ان انس بن مالك حدثه: ان ابا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب: (بسم الله الرحمن الرحيم.
هذه فريضة الصدقة التى فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم على المسلمين، والتى أمر الله عزوجل بها رسول اله صلى الله عليه وآله سلم فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعط في أربع وعشرين من الابل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة، فإذا بغلت خمسا وأربعين ففيها ابنة لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت يعنى ستا وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون، فإذا بلغت احدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان
طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففى كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة ومن لم يكن معه الا أربع من الابل فليس فيها صدقة، الا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمسا من الابل ففيها شاة ومن (1) بلغت عنده من الابل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فانها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن يلغت عنده صدقة الحقة وعنده الجذعة فانها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا ابنه لبون فانها تقبل منه ابنة لبون ويعطى شاتين وعشرين درهما، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وعنده حقة فانها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت صدقته أبنة لبون وليست عنده وعنده ابنة مخاض فانها تقبل منه أبنة مخاض ويعطى معها عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت صدقته ابنة مخاض ليست عنده وعنده ابنة لبون فانها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين فان لم تكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فانه يقبل منه وليس معه شئ وذكر باقي الحديث * وهذا حديث حدثناه أيضا يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري ثنا عبد الوارث بن سفيان بن حيرون ثنا قاسم بن أصبغ ثنا أحمد بن أبى خيثمة ثنا شريح بن النعمان، وزهير ابن حرب، وقال زهير: ثنا يونس بن محمد ثنا حماد بن سلمة قال: أخذت هذا الكتاب عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك بن أنس بن مالك وقال شريح بن النعمان:
__________
(1) في النسخة رقم (14) (من) بدون الواو *(6/19)
ثنا حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس بن مالك ثم اتفقا أن أبا بكر الصديق كتب له: (إن هذه فرائض الصدقة التى فرضها رسول الله صلى الله عليه وآله سلم على المسلمين، التى أمر الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم) ثم ذكر الحديث
كما ذكرنااه نصا، لم يختلفوا في شئ منه * وحدثنا أيضا عبد الله بن ربيع قال: ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود السجستاني ثنا موسى بن اسماعيل ثنا حماد بن سلمة قال: أخذت هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس، ثم ذكره نصا كما أوردناه * وحدثناه أيضا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن المبارك ثنا المظفر بن مدرك ثنا حماد بن سلمة قال: أخذت هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس: ان أبا بكر كتب لهم: (أن هذه فرائض الصدقة التى فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم على المسلمين، التى أمر الله تعالى بها رسوله) ثم ذكره نصا كما أوردناه * وحدثناه أيضا حمام بن أحمد قال: ثنا عباس بن اصبغ (1) ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن أنا أبو قلابة واسماعيل بن اسحاق القاضى قالا جميعا: ثنا محمد بن عبد الله الانصاري ثنا أبى عبد الله بن المثنى حدثنى ثمامة هو ابن عبد الله بن أنس قال: حدثنى أنس ابن مالك: أنا ابا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب حين وجهه إلى البحرين: (بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التى فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم على المسلمين التى أمر الله تعالى بها رسوله صلى الله عليه وسلم سلم) ثم ذكره نصا كما ذكرناه * فهذا الحديث هو نص ما قلنا حكما حكما وحرفا حرفا، ولا يصح في الصدقات في الماشية غيره، إلا خبر ابن عمر فقط، وليس بتمام هذا، وهذا الحديث في نهاية الصحة، وعمل أبى بكر الصديق بحضرة جميع الصحابة، ولا يعرف له منهم مخالف أصلا، وباقل من هذا يدعى مخالفونا الاجماع، ويشنعون خلافه، رواه عن أبى بكر أنس وهو صاحب (2) ورواه عن أنس ثمامة بن عبد الله بن أنس وهو ثقة، سمعه من أنس ورواه عن ثمامة حماد ابن سلمة، وعبد الله بن المثنى وكلاهما ثقة وإمام، وراه عن ابن المثنى ابنه القاضى محمد وهو مشهور ثقة ولى قضاء البصرة، ورواه عن محمد بن عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري
جامع الصحيح، وابو قلابة، واسماعيل بن اسحاق القاضى، والناس، وراه عن حماد بن سلمة
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وحدثنا ه حام ثنا احمد بن حام ثنا بن حام ثنا قال ثنا عباس بن اصبغ) وهو خطأ وخلط (2) في النسخة رقم (16) (وهم صاحب) وهو خطأ *(6/20)
يونس بن محمد، وشريح بن النعمان، وموسى بن اسماعيل التبوذكى، وأبو كامل المظفر بن مدرك، وغيرهم، وكل هؤلاء إمام ثقة مشهور * والعجب ممن يعترض في هذا الخبر بتضعيف يحيى بن معين لحديث حماد بن سلمة هذا!، وليس في كل من رواه عن حمادبن سلمة ممن ذكرنا أحد إلا وهو أجل وأوثق من يحيى بن معين وانما يؤخذ كلام يحيى بن معين وغيره إذا ضعفوا غير مشهور بالعدالة، وأما دعوى ابن معين أو غيره ضعيف حديث رواه الثقات أو ادعوا فيه أنه خطأ من غير أن يذكروا فيه تدليسا! فكلا مهم مطرح مردود، لانه دعوى بلا برهان، وقد قال الله تعالى: (قل: هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) * ولا مغمز لاحد في أحد من رواة هذا الحديث، فمن عانده فقد عاند الحق وأمر الله تعالى وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، لاسيما من يحتج في دينه بالمرسلات، وبرواية ابن لهيعة، ورواية جابر الجعفي الكذاب المتهم في دينه: (لا يؤمن أحد بعدى جالسا) ورواية حرام بن عثمان الذى لا تحل الرواية عنه في اسقاط الصلاة عن السمتحاضة بعد طهرها ثلاثة أيام، ورواية أبى زيد مولى عمرو بن حريث في إباحة الوضوء للصلاة بالخمر وبكل نطيحة أو متردية وما أهل لغير الله به: في مخالفة القرآن والسنن الثابتة، ثم يتعلل في السنن التى لم يأت ما يعارضها، بل عمل بها الصحابة رضى الله عنهم ومن بعدهم * وبهذا الحديث يأخذ الشافعي، وأبو سليمان وأصحابهما * وقد خالفه قوم في مواضع *
فمنها: إذا بلغت الابل خمسا وعشرين كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله ابن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية (1) ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن أبى اسحاق السبيعى عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب قال: في خمس من الابل شاة، وفى عشر شاتان، وفى خمس عشرة ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين خمس شياه، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض، فان لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر * وهكذا أيضا رويناه من طريق ابن أبى شيبة عن أبى الاحوص عن أبى اسحاق قال على: وقد أسنده زهير بن معاوية من طريق الحارث الاعور عن على رضى الله عنه * قال أبو محمد: الحارث كذاب، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (محمد بن معاوية) ولم أصل إلى تحقيق ايتهما بعد طول البحث،(6/21)
وقال الشافعي وأبو يوسف: إذا كانت خمس من الابل ضعاف لاتساوى شاة أعطى بعيرا منها وأجزأه قالوا: لان الزكاة إنما هي فيما أبقى من المال فضلا، لا فيما أجاح المال (1)، وقد نهى عن أخذ كرائم المال فكيف عن اجتياحه * قال أبو محمد.
وقال مالك وأبو سليمان وغيرهما: لا يجزئه إلا شاة * قال أبو محمد: هذا هوالحق، والقول الاول باطل وليست الزكاة كما ادعوا من حياطة (2) الاموال * وهم يقولون: من كانت عنده خمس من الابل وله عشرة من العيال ولا مال له غيرها، فانه يكلف الزكاة، أحب أم كره، وكذلك من له مائتا درهم في سنة مجاعة ومعه عشرة من العيال ولا شئ معه غيرها فانه يكلف الزكاة (3)، ورأوا فيمن معه من الجواهر، والوطأء والغطاء، والدور، والرقيق، والبساتين بقيمة ألف ألف دينار أو أكثر أنه لا زكاة عليه وقالوا فيمن له مائتا شاة وشاة: إنه يودى منها كما يؤدى من
له ثلثمائة شاة وتسع وتسعون شاة * فانما نقف في النهى والامر عند ماصح به نص فقط.
* وهم يقولون في عبد يساوى الف دينار ليتيم ليس له غيره سرق دينارا: أنه تقطع يده، فتتلف قيمة عظيمة في قيمة يسيرة ويجاح اليتيم الفقير فيما لا ضرر فيه على الغنى * وقال أبو حنيفة وأصحابه إلا رواية خاملة عن أبى يوسف: إن من لزمته بنت مخاض فلم تكن عنده فانه يؤدى قيمتها، ولا يؤدى ابن لبون ذكر * وقال مالك والشافعي وأبو سليمان: يؤدى ابن لبون ذكر * وهذا هوالحق، وقول أبى حنيفة خلاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم سلم وأصحابه رضى الله عنهم * ومن عجائب الدنيا قولهم: إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم سلم بأخذ ابن لبون مكان ابنة المخاض إنما أراد بالقيمة فيالسهولة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم جهار اعلانية! فريب الفضيحة على هؤلاء القوم وما فهم قط من يدى العربية أن قول النبي صلى الله عليه وسلم سلم: (فيها ابنة مخاض، فان لم تكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فانه يقبل منه وليس معه شئ) يمكن أن يريد به بالقيمة! وهذا أمر مفضل (4) جدا، وبعد عن الحياء والدين! *
__________
(1) أي اهلكه بالجائحة (2) الحياطة بالحاء المهملة الحفظ والتعهد (3) قوله (فانه يكلف الزكاة) سقط من النسخة رقم (14) واثباته اصح و (4) هكذا في الاصلين *(6/22)
وأما خلافهم الصححابة في ذلك فان حمام بن احمد ثنا قال ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبيدالله بن عمر عن عاصم وموسى ابن عقبة كلاهما عن نافع عن أبن عمر عن أبيه عمر قال: في الابل في خمس شاة وفى عشر شاتان، وفى خمس عشرة ثلاثة شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين
ابنة مخاض، فان لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر وقد ذكرناه آنفا عن على * فحالفوا أبا بكر وعمر وعليا وأنس بن مالك وابن عمر وكل من بحضرتهم من الصحابة رضى الله عنهم بآرائهم الفاسدة، وخالفوا عمر بن عبد العزيز أيضا * وبقولنا في هذا يقول سفيان الثوري، ومالك، والأوزاعي، والليث، واحمد بن حنبل وأبو سليمان وجمهور الناس، إلا أبا حنيفة ومن قلده دينه وما نعلم لهم في هذا سلفا أصلا * واختلفوا أيضا فيما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعويض سن من سن دونها أو فوقها عند عدم السن الواجبة ورد عشرين درهما أو شاتين في ذلك * فقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز شئ من ذلك الا بالقيمة، واجاز إعطاء القيمة من العروض وغيرها بدل الزكاة الواجبة وإن كان المأمور بأخذه فيها ممكنا * وقال مالك: لا يعطى إلا ما عليه، ولم يجز إعطاء سن مكان سن برد شاتين أو عشرين درهما * وقال الشافعي بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم في ذلك نصا، إلا أنه قال: إن عدمت السنن الواجبة والتى تحتها والتى فوقها ووجدت الدرجة الثالثة فانه يعطيها ويرد إليه الساعي أربعين درهما أو أربع شياة، وكذلك إن لم يجد الا التى تحتها بدرجة فانه يعطيها ويعطى معها أريعين درهما أو أربع شياه فإذا كانت عليه بنت مخاض ولم يجد إلا جذعة فانه يعطيها ويرد عليه الساعي ستين درهما أو ست شياه، فان كانت عليه جذعة فلم يجد إلا بنت مخاض أعطاها وأعطى معها ستين درهما أو ست شياه * وأجازوا كلهم إعطاء أفضل مما لزمه من الاسنان، إذا تطوع بذلك * وروينا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه في ذلك ما حدثناه محمد بن سعيد بن بنات ثنا أحمد بن عبد البصير ثما قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا شعبة عن أبى إسحاق السبعى عن عصام بن ضمرة على على ابن أبى طالب قال: إذا أخذ المصدق سنا فوق سن رد عشرة دراهم أو شاتين * وروى أيضا عن عمر كما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى *
قال أبو محمد: أما قول على، وعمر فلاحجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم ولقد كان يلزم الحنيفين القائلين في مثل هذا إذا وافق أهواءهم: مثل هذا لا يقال(6/23)
بالرأى ان يقولوا به * وأما قول الشافعي فانه قاس على حكم النبي صلى الله عليه وسلم سلم ما ليس فيه، والقياس بالطل، وكان يلزمه على قياسه هذا إذ رأى في العينين الدية وفى السمع الدية وفى اليدين الدية: أن يكون عنده في إتلاف النفس ديات كل ما في الجسم من الاعضاء، لانها بطلت ببطللان النفس، وكان يلزمه إذ رأى في السهو سجدتين ان يرى في سهوين في الصلاة أربع سجدات وفى ثلاثة أسماء ست سجدات أو أقرب من هذا أن يقول: إذا عدم التبيع ووجد المسنة أن يقدر في ذلك تقديرا، ولكنه لا يقول بهذا، فقد ناقض قياسه * وأما قول أبى حنيفة ومالك فخلاف مجرد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وللصحابة، وما نعلم لهم حجة، إلا أنهم قالوا: هذا بيع ما لم يقبض * قال أبو محمد: وهذا كذب ممن قاله وخطأ لوجوه * أحدها: أنه ليس بيعا أصلا ولكنه حكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم بتعويض سن معها شاتان أو عشرون درهما من سن أخرى، كما عوض تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم سلم إطعام ستين مسكينا من رقبة تعتق في الظهار وكفارة الواطئ عمدا في نهار رمضان فليقولوا ههنا: إن هذا بيع للرقبة قبل قبضها * والثانى: أنهم أجازوا بيع ما لم يقبض على الحقيقة حيث لا يحل وهو تجويز أبى حنيفة أخذ القيمة عن الزكاة (2) الواجبة، فلم ينكر أصحابه الباطل على أنفسهم وأنكروا الحق على رسول الله صلى الله عليه وسلم! ألا ذلك هو الضلال المبين * والثالث: أن النهى عن بيع ما لم يقبض لم يصح قط إلا في الطعام، لا فيما سواه وهذا مما خالفوا فيه السنن والصحابة رضى الله عنهم *
فأما الصحابة فقد ذكرناه عن أبى بكر الصدق وصح أيضا عن على كما ذكرنا تعويض، وروى أيضا عن عمر كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدببرى عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال لى عمرو بن شعيب قال عمر بن الخطاب: فان لم توجد السن التى دونها اخذت التى فوقها، ورد إلى صاحب الماشية شاتين أو عشرة دراهم.
ولا يعرف لمن ذكرنا من الصحابة مخالف، وهم يشنعون بأقل من هذا إذا وافقهم * وقولنا في هذا هو قول ابراهيم النخعي كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن معمر وسفيان الثوري كليهما عن منصور عن ابراهيم النخعي قال: إذا وجد المصدق سنا دون سن أو فرق سن كان فضل ما بينهما عشرين
__________
(1) في النسخة رقم (16) (نقص) (2) في النسخة رقم (14) (على الزكاة) *(6/24)
درهما أو شاتين، قال سفيان: وليس هذا إلا في الا بل * وحدثنا محمد بن سعيد بن نبات قال ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع ثنا سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم قال: إن أخذ المصدق سنا فوق سن رد شاتين أو عشرين درهما، وان أخذ سنا دون سن أخذ شاتين أو عشر ين درهما (1) * قال أبو محمد: وأما إجازتهم القيمة أو أخذ سن أفضل مما عليه فانهم أحتجوا في ذلك بخبر رويناه من طريق طاوس: أن معاذا قال لاهل اليمن: ائتونى بعرض آخذه منكم مكان الذرة والشعير، فانه أهون عليكم وخير لاهل المدينة (2) * قال على: وهذا لا تقوم به حجة لوجوه * أولها: أنه مرسل، لان طاوسا لم يدرك معاذا ولا ولد إلا بعد موت معاذ * والثانى: أنه لو صح لما كانت فيه حجة، لانه ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، ولا حجة وإلا فيما جاء عنه عليه السلام * والثالث: أنه ليس فيه أنه قال ذلك في الزكاة، فالكذب لا يجوز، وقد يمكن
لو صح أن يكون قاله لاهل الجزية، وكان يأخذ منهم الذرة، والشعير، والعرض مكان الجزية (3) * والرابع: أن الدليل على بطلان هذا الخبر ما فيه من قول معاذ: (خير لاهل المدينة) وحاشا لله أن يقول معاذ هذا، فيجعل ما لم يوجبه الله تعالى خيرا مما أوجبه * وذكروا أيضا ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج: أخبرت عن عبد الله ابن عبد الرحمن الانصاري: أن عمر كتب إلى بعض عماله: أن لا يأخذ من رجل لم يجد في إبله السن التى عليه إلا تلك السن من شروى (4) إبله أو قيمة عدل * قال أبو محمد: هذا في غاية ال سقوط لوجوه * أحدها: أنه منقطع، لان ابن جريج لم يسم من بينه وبين عبد الله بن عبد الرحمن * والثانى: ان عبد الله بن عبد الرحمن الانصاري مجهول لا يدرى من هو * والثالث: أنه لو صح لما كانت فيه حجة، لانه ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، ولا حجة
__________
(1) هنا في النسخة رقم (16) زيادة (ان اخذ سنا فوق سن رد شاتين) وهى زيادة لا معنى لها.
(2) رواه بن آدم في الخراج رقم (525 و 526)، وعلقه البخاري بغير اسناد (ج 2 ص 235) (3) هذا احتمال ضعيف بل باطل، فان في رواية يحيى بن آدم رقم (526) (مكان الصلدقة) (4) الشروى المثل واوه مبدلة من الياء كما قبلت في تقوى،(6/25)
فيا جاء عمن دونه، وقد أتيناهم عن عمر بمثل هذا في أخذ الشاتين أو العشرة دراهم، فليقولوا به ان كان قول عمر حجة، وإلا فالتحكم لا يجوز * والرابع: أنه قد يحتمل أن يكون قول عمر لو صح عنه (أو قيمة عدل) هوما بينه في مكان آخر من تعوييض الشاتين أو الدراهم، فيحمل قوله على الموافقة لاعلى التضاد * وذكروا حديثا منقطعا من طريق أيوب السختيانى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم قال: (خذ الناب الشارف (1) والعوارى) *
قال على: وهذا لاحجة فيه الوجهين * أحدهما: أنه مرسل، ولا حجة في مرسل * والثانى: أن في آخره: (ولا أعلمه إلا كانت الفرائض بعد) فلو صح لكان منسوخا بنقل راويه فيه * وذكروا ما رويناه من طريق محمد بن اسحاق عن عبد الله بن أبى بكر عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن عمارة بن حزم عن أبى بن كعب قال: (بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم مصدقا، فمررت برجل فجمع له ماله، فقلت له: أد ابنة مخاض، فانها صدقتك، قال: ذلك ما لا لبن فيه ولاظهر، ولكن هذا ناقة فتية عظيمة سمينة، فخذها، فقلت: ما أنا بآخذ ما لم أومر به، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم قريب منك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم (2) فذكر له ذلك وقال: قد عرضت على مصدقك (3) ناقة فتية عظيمة يأخذها، فأبى على، وها هي ذه، قد جئتك بها يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم: ذلك الذى عليك، فأن تطوعت بخير (4) أجرك الله وقبلناه منك، وأمر عليه السلام بقبضها، ودعا له بالبركة (5) * قال أبو محمد: وهذا لاحجة فيه لوجوده * أولها: أنه لا يصح، لان يحيى بن عبد الله مجهول، وعمارة بن عمرو بن حزم غير معروف، وإنما المعروف عمارة بن حزم أخو عمرو رضى الله عنهما (6) * (1)
__________
(1) الناب: الناقة المسنة، سميت بذلك حين طال نابها وعظم.
والشارف من الابل المسن والمسنة، قال ذلك في اللسان (2) في النسخة رقم (16) بحذف قوله (قريب منك فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (16) (قد عرضت عليه) الخ (4) في النسخة رقم (16) فخير) وهو تحريف (5) رواه احمد في النسند (ج 5 ص 142) عن يعقوب بن ابراهيم عن ابيه عن ابن اسحق (حدثنى عبد الله ابن ابى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) فذكره، ورواه الحاكم (ج 1 ص 399) من طريق احمد، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ورواه أبو داود) ج 2 ص 16) عن محمد بن منصور عن يعقوب (6) اما يحيى
فانه ليس مجهولا، بل هو ثقة تابعي، واما عمارة بن عمرو بن حزم فهو معروف(6/26)
والثانى: أنه لو صح لكان حجة عليهم، لان فيه أن أبى بن كعب لم يستجز أخذ ناقة فتية عظيمة مكان ابنة مخاض، ورأى ذلك خلافا لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، ولم ير ما يراه هؤلاء من التعقب على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم بآرائهم ونظرهم، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم ذلك فلم ينكره عليه، فصح أنه الحق، وإنما كان يكون فيه أخذ ناقة عظيمة مكان ابنة مخاض فقط، وأما إجازة القيمة فلا أصلا (1) * واحتجوا بخبرين، أحدهما روايناه من طريق الحسن، والآخر من طريق عطاء كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم أنه قال للمصدق: (أعلمه الذى عليه من الحق، فان تطوع بشئ فاقبله منه) * وهذان مرسلاون، ثم لو صحا لم يكن فيهما حجة، لانه ليس فيه نص بأخذ غير الواجب ولا بأخذ قيمة، ونحن لاننكر أن يعطى أفضل ما عنده من السن الواجبة عليه * واحتجوا بخبر رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك العرزمى (2) عن عطاء بن أبى رباح: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم لما بعث عليا ساعيا قالوا: لا نخرج لله إلا خير أموالنا، فقال: ما أن ا بعادى عليكم (3) السنة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم قال له: ارجع إليهم فبين لهم ما عليهم في أموالهم، فمن طابت نفسه بعد ذلك بفضل فخذه منه * قال أبو محمد وهذا لاحجة فيه لوجهين * أحدهما: أنه لا يصح لانه مرسل، ثم إن راويه عبد الملك العرزمى، وهو متروك (4) ثم إن فيه ان عليا بعث ساعيا وهذا باطل، ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم قط أحدا من بنى هاشم ساعيا، وقد طلب ذلك الفضل بن عباس فمنعه * ولو صح لما كان لهم فيه حجة أصلا، لان فيه أنهم أرادوا إعطاء أفضل أموالهم مختارين، وهذا لا لمنعه إذا طابت نفس المزكى باعطاء أكرم شاة عنده وأفضل ما عنده
من تلك السن والواجبة عليه، وليس فيه إطاع سن مكان غيرها أصلا ولا دليل على قيمة البتة *
__________
ايضا تابعي ثقة، وعمه عمارة بن حزم صحابي قديم شهد العقبة وبدرا والخندق والمشاهد كلها، وقتل في يوم اليمانية شهيدا في خلافة ابى بكر سنة 12 هذا غير ذاك (1) في النسخة رقم (14) (اصلا فلا) (2) العرزمى بفتح العين المهملة واسكان الراء وفتح الزاى، نسبة إلى (عرزم) قبيلة أو موضع، وفى النسخة رقم (16) (عبد الملك بن العرزمى) وهو عبد الملك بن ابى سليمان العرزمى (3) العادى الظالم، واصله من تجاوز الحد في شئ.
واثبات الياء جائز (4) العرزمى ثقة مأمون ثبت، وهو احد الائمة، واخطأ في حديث واحد نكره عليه شعبة، ولم يتكلم فيه غيره، ودافع عنه ابن حبان دفاعا جيدا نقله في التهذيب *(6/27)
واحتجوا بحديث ائل بن حجر في الذى أعطى في صدقذ ماله فصيلا مخلولا (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم: (لا بارك الله له، ولا في ابله (2)) فبلغ ذلك الرجل، فجاء بناقة فذكر من جماله أو حسنها، وقال: أتوب إلى الله والى نبيه، فقال النبي صلى الله عليه وآله سلم (اللهم بارك فيه وفى إبله) (3) * وقال أبو محمد هذا خبر صحيح ولا حجة لهم فيه، لان الفصيل لا يجزئ في شئ من الصدقة بلا شك، وناقة حسناء جميلة قد تكون جذعة وقد تكون حقة، فأعطى ما عليه بأحسن ما قدر، وليس فيه نص ولا دليل على إعطاء غير السن الواجبة عليه ولا على القيمة أصلا * واحتجوا بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى رافع قال: (استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم بكرا فجاءته إبل من ابل الصدقة، فأمرني أن أقضى الرجل بكره، فقلت: لم أجد في الابل إلا جملا خيارا رباعيا فقال النبي صلى الله عليه وسلم سلم: أعطه إياه، فان خيار الناس أحسنهم قضاء) * قال أبو محمد: هذا خبر صحيح ولا حجة لهم فيه، لانه ليس فيه ان ذلك الجمل أخذ في زكاة واجبة بعينه، وقد يمكن أن يبتاعه المصدق ببعض ما أخذ في الصدقة، فهذا غير ممتنع *
وقد جاء في هذا أثر يحتجون بدونه، وأما نحن فلسنانو روده محتجين به، لكن تذكير الهم * وهو خبر رويناه من طريق أبى بكر بن أبى شيبة عن عبد الرحمن بن سليمان عن مجالد عن الصنابح الاحمسي: (4) (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم أبصر ناقة في إبل الصدقة، فقال ما هذه؟ فقال صاحب الصدقة: إنى ارتجعتها ببغيرين من حواشى الابل، قال: فنعم إذن) *
__________
(1) أي مهزولا، وهو الذى جعل في انفه خلال لئلا يرضع امه فتهزل، قاله السيوطي (2) الحديث رواه النسائي (ج 5 ص 30) والحاكم (ج 1 ص 400) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ولفظهما (الهم لاتبارك فيه ولا في ابله) الا ان الحاكم زاد فقال (له فيه) (3) ما هنا الذى في النسخة رقم (14) وهو الموافق للنسائي والحاكم، وفى النسخة رقم (16) (اللهم بارك له وفى ابله) (4) الصنابح بضم الصاد المهملة وفتح النون وكسر الباء الموحدة ثم جاء حاء مهملة، ووقع في الاصابة (الصنايح) بالمثناة التحية وهو تصحيف، وهو ابن الاعسر الاحمسي، نسبه إلى (احمس) وهى طائفة من بحيلة نزلوا الكوفة.
والصنابح هذا صحابي لم يذكر واله الا حديثا واحدا رواه ابن ماجه في الفتن، وهو حديث (انى فرطكم على الحوض وانى مكا ثر بكم الامم) ولم اجد اشارة عند احد إلى الحديث الذى هنا واسناده صحيح ان ثبت سماع مجالد من الصنابح، فان مجالدا يروى عن قيس بن ابى حازم وقيس يروى عن الصنابح، وقد انفرد بالرواية عنه فلم يرو عن الصنابح غيره، كما قال ابن الجوزى في تلقيح الفهوم (ص 208) وكذلك قال مسلم صاحب الصحيح في كتابه المنفردات والوحدان (ص 3) (5) هنا بحاشية النسخة رقم (14) ما نصبه: (قال في الصحاح: الحوش النعم المتوحشة، ويقال ان الابل الحواشية منسوبة إلى الحوش، وهى فحول جن تزعم العرب انها ضربت في بعضهم فنسبت إليها! *(6/28)
وقد يمكن ان يكون تلك الابل من صدقة تطوع، لانه ليس في الحديث أنها الصدقة الواجبة فلما أمكن كل ذلك ونحن على يقين من أنه ليس في الصدقة جمل رباعى أصلا لم يحل ترك اليقين للظنون، وقد تكلمنا في معنى هذا الخبر في كتاب (الايصال) وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم لا يمكن البتة أن يستسلف البكر لنفسه ثم يقضيه من إبل الصدقة، والصدقة حرام عليه بلا شك ولا خلاف، صح أنه عليه السلام قال:
الصدقة (لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) فنحن على يقين من أنه إنما استسلفه لغيره، لا يمكن غيرذلك، فصار الذى اخذ البكر من الغارمين، لان السلف في ذمته، وهو أخذه، فإذ هو من الغارمين فقد صار حظه في الصدقة، فقضى عنه منها، لا يجوز غير ذلك.
وكذلك أيضا لا نشك أن الذى كان يستقرض منه البكر كان من بعض أصناف الصدقة، ولولا ذلك ما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم من حق أهل الصدقات فضلا على حقه * قال أبو محمد: وانما في هذا الخبر دليل على المنع من تقديم الصدقة قبل وقتها لانه لو كان ذلك جائزا لما استقرض عليه السلام على الصدقة وانتظر حتى يحين وقتها، بل كان يستعجل صدقة من بعض أصحابة، فلما لم يفعل ذلك عليه السلام صح أنه لا يجزى أداء صدقة قبل وقتها.
وبالله تعالى نتأيد * فبطل كل ما موهوا به، وصح أن كل ما احتجوا به ليس فيه إجازة إعطاء أكثر من الواجب في الزكاة ولا غير الصفة المحدودة فيها وأما القيمة فلادليل لهم على جوازها أصلا، بل البرهان ثابت بتحريم أخذها، لانها غير ما أمر الله تعالى به، وتعدى لحدود الله، وقد قال الله تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وقال تعالى: (فمن بدله بعد ما سمعه فأنما إثمه على الذين يبدلونه).
* فان قالوا: إن كان نظرا لاهل الصدقة فما يمنع منه؟ * قلنا: النظر كله لاهل الصدقة أن لا يعطوا ما حرمه الله تعالى عليهم، إذ يقول تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم يبنكم بالباطل) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فصح أنه لا يحل من مال أحد إلا ما أباحه الله تعالى منه أو أوجبه فيه فقط، وما أباح تعالى قط أخذ قيمة عن زكاة افترضها بعينها وصفتها وما ندرى في أي نظر معهود بيننا وجدوا أن تؤخذ الزكاة من صاحب خمس من الابل لا تقوم به، وعند أبى حنيفة ممن لا يملك إلا وردة واحد أخرجتها قطعة أرض له: ولا تؤخذ من صاحب جواهر ورقيق ودور بقيمة مائة ألف! ولا من
صاحب تسع وعشرين بقرة وستع وثلاثين شاة وخمس أواقى غير درهم من الفضة!(6/29)
فهل في هذا كله إلا إتباع ما أمر الله تعالى فقط؟! * وقد جاء قولنا عن السلف.
كما روينا عن سويد بن غفلة (1) قال: (سرت أوقال: أخبرني من سار مع مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم فعمد رجل إلى ناقة كوماء (2)، فأبى أن يقبلها، فقال: إنى أحب أن تأخذ خير إيلى فأبى أن يقبلها فحطم له أخرى دونها فقبلها، وقال: إنى لآخذها واخاف أن يجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، يقول: عمدت إلى رجل فتخيرت عليه إيله) (3) * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أنه قال لعبدالله بن طاوس: أخرت أنك تقول: قال أبو عبد الرحمن يعنى أباه إذا لم تجدوا السن فقيمتها قال: ما قلته قط قال ابن جريج: وقال لى عطاء: لا يخرج في الصدقة صغير ولا ذكرو لا ذات عوار ولاهرمة * ومن طريق أبى عبيد عن جرير عن منصور عن ابراهيم النخعي أنه قال: لا يؤخذ في الصدقة ذكر مكان أنثى إلا ابن لبون مكان ابنة مخاض * قال على: ومن ذبح أو نحر ما يجب عليه في الصدقة ثم أعطاه مذكى لم يجز عنه لان الواجب عليه إعطاؤه حيا ولا يقع على المذكى اسم شاة مطلقة ولا اسم بقرة مطلقة، ولا اسم بنت مخاض مطلقة، وقد وجب لاهل الصدقة حيا، ولا يجوز له ذبح ما وجب لغيره * فإذا قبضه أهل المصدق فقد أجزأ، وجاز للمصدق حينئذ بيعه، إن رأى ذلك حظا لاهل الصدقة، لانه ناظر لهم وليسوا قوما بأعيانهم، فيجوز حكمهم فيه، أو إبراؤهم منه قبل قبضهم له.
وبالله تعالى نتأيد * واختلفوا فيما زاد على العشرين ومائة * فقالت طائفة: حقتان إلى أن تصير ثلاثين ومائة *
وقالت طائفة: ثلاث بنات لبون ولا بد إلى أن تصير ثلاثين وومائة فيجب فيها حقة وبنتا لبون ثم كلما زادت عشرة كان في كل خمسين حقة، وفى كل أربعين بنت لبون، وهو قول الشافعي، وأبى سليمان، وابن القاسم صاحب مالك * وقالت طائفة: أي الصفتين أدى أجزأه وهو قول مالك إلى أن تبلغ مائة وثلاثين، فيجب
__________
(1) في النسخة رقم (14) (من طريق سويد بن غفلة) (2) أي عظيمة السنام طويلته: (3) هذا باقى حديث سويد من لفظ بعضه في المسألة 672 وهو الذى فيه ان لا يأخذ من راضع لبن، والفظ الذى هنا قريب من لفط ابى داود (ج 2 ص 14) ولكن اختصره المؤلف، ورواه الدارقطني (ص 204) والنسائي (ج 5 ص 29 و 30) واختصراه *(6/30)
فيها حقة وبنتا لبون وهكذا كلما زادت عشرا ففى كل خمسين حقة وفى كل أربعين بنت لبون * وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليس فيما بعد العشرين ومائة إلا حقتان فقط، حتى تتم خمسا وعشرين ومائة فيجب فيها حقتان وشاة (1) إلى ثلاثين ومائة فإذا بغلتها ففيها حقتان وشاتان، إلى خمس وثلاثين ومائة، ففيها حقتان وثلاث شياه، إلى أربعين ومائة، ففيها حقتان وأربع شياه، إلى خمس وأربعين ومائة، فإذا بلغتها ففيها حقتان وبنت مخاض، الخمسين ومائة، فإذا بلغتها ففيها ثلاث حقاق، وهكذا أبدا، إذا زادت على الخمسين ومائة خمسا ففيها ثلاث حقاق وشاة، ثم كما ذكرنا، في كل خمس شاة مع الثلاث حقاق، إلى ان تصير خمسا وسبعين ومائة، فيجب فيها بنت مخاض وثلاث حقاق، إلى ست وثمانين ومائة، فإذا بلغتها كانت فيها ثلاث حقاق وبنت لبون، إلى ست وتسعين ومائة، فإذ بلغتها ففيها أربع حقاق، وكذلك إلى أن تكون مائتين وخمسا، فإذا بلغتها ففيها أربع حقاق وشاة وهكذا أبدا، كلما بلغت الزيادة خمسين زاد حقة، ثم استأنف تزكيتها بالغنم ثم ببنت المخاض ثم ببنت اللبون ثم بالحقة * قال أبو محمد: فاما من رأى الحقتين فيا زاد على العشرين والمائة إلى ان تصير ثلاثين
ومائة فانهم احتجوا بأن ذكروا مارويناه من طريق أبى عبيد عن حبيب بن أبى حبيب (2) عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن: (إن في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وفى كتاب عمر في الصدقة: أن الابل إذا زادت على عشرين ومائة فليس فيما دون العشر شئ حتى تبلغ ثلاثين ومائة) * قال على: وهذا مرسل، ولا حجة فيه، ومحمد بن عبد الرحمن مجهول (3) * ونحن نأتيهم بما هو خير من هذا، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء هو أبو كريب ثنا عبد الله بن المبارك ثنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم الذى كتبه في الصدقة، وهى عند آل عمر بن الخطاب، قال: أقرأنى إياها سالم بن
__________
(1) في النسخة رقم (16) (شياة) وهو تحريف (2) مضى في اول المسألة 673 بعض هذا الاثر بهذا الاسناد ولكن فيه (أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا يزيد عن حبيب بن ابى حبيب) فسقط من الاصلين هنا (ثنا يزيد)، وهو خطأ والصواب اثباته، فان ابا عبيد مات بمكة سنة 224 عن 67 سنة تقريبا، فكأنه ولد سنة 157 وقيل انه سنة 150 وقيل سنة 154 وحبيب مات سنة 162، فكان أبو عبيد طفلا عنهد وفاة حبيب: ويزيد شيخ ابى عبيد بن هرون كما في الدارقطني (ص 210) والحاكم (ج 1 ص 394) (3) محمد بن عبد الرحمن هذا ليس مجهولا، بل هو معروف، وهو أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن الانصاري كما صرح بذلك في رواية الحاكم وهو تابعي ثقة *(6/31)
عبد الله بن عمر، فوعيتها على وجهها، وهى التى انتسخ عمربن عبد العزيز عبد الله وسالم ابني عبد الله بن عمر وذكر الحدثيث، وفيه: (في الابل إذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون، إلى ثلاثين ومائة، فإذا بلغتها ففيها بنتتا لبون وحقة) وذكر باقى الحديث.
وهذا خير مما أتونا به وهذا هو كتاب عمر حقا، لا تلك المكذوبة * وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن مفرج ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا سحنون
ثنا ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب (1) قال: نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كتب في الصدقة، وهى عند آل عمربن الخطاب، أقرأنيها سالم بن عبد الله ابن عمر فوعيتها على وجهها، وهى التى نسخ عمر بن عبد العزيز من سالم وعبد الله ابني عبد الله بن عمر بن الخطاب حين أمر على المدينة، وأمر عماله بالعمل بها، ثم ذكر نحو هذا الخبر الذى أءردنا * وقالوا أيضا: قد جاء في أحاديث (في كل خمسين حقة) * قلنا: نعم، وهى أحاديث مرسلة من طريق الشعبى وغيره، وقد أوردنا عن أبى بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كل خمسين حقة وفى كل أربعين بنت لبون) * وكذلك صح أيضا من طريق ابن عمر كما روينا بالسند المذكور إلى أبى داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلى ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: (كتب رسول الله صلى اله له عليه وسلم كتاب الصدقة، فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، وقرنه بسيفه فعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمل به عمر حتى قبض، فكان فيه: في خمس من الابل شاة) وذكر الحديث وفيه: (ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فان انت الابل أكثر من ذلك ففى كل خمسين حقة، وفى كل أربعين بنت لبون) (2) * وهذا هو الذى لا يصح غيره، ولو صحت تلك الاخبار التى ليس فيها إلا (في كل خمسين حقة) لكان هذان الخبران الصحيحان زائدين عليها حكما بأن في كل أربعين بنت لبون، فتلك غير مخالفة لهذين الخبرين، وهذان الخبران زائدان على تلك، فلا يحل خلافهما * والحجة الثانية أنهم قالوا: لما وجب في العشرين ومائة حتقنان، ثم وجدنا الزيادة عليها لا حكم لها في نفسها إذ كل أربعين قبلها ففيها بنت لبون على قولكم، إذ تجعلون فيما زاد على عشرين ومائة ثلاث بنات لبون: فإذ لاحكم لها في نفسها فأحرى أن
__________
(1) انطر المستدرك (ج 1 ص 393) (2) انظر المسدرك (ج 1 ص 392) *(6/32)
لا يكون لها حكم في غيرها، فكل زيادة قبلها تنقل الفرض فلهها حصة من تلك الزيادة وهذه بخلاف ذلك * قال أبو محمد: هذا بكلام الممروين أو بكلام المستخفين بالدين أشبه منه بكلام من يعقل ويتكلم في العلم! لانه كلام لم يوجبه قرآن ولاسنة صحيحة، ولا رواية فاسدة، ولا أثر عن صاحب ولا تابع، ولا قياس على شئ من ذلك ولا رأى له وجه يفهم * ثم بقال له: قد كذبت في وسواسك هذا أيضا، لان كل أربعين في المائة والعشرين لا تجب فيها بنت لبون أصلا، ولا تجب فيها مجتمعة ثلاث بنات لبون، وإنما فيما حقتان فقط، حتى إذا ادت على العشرين ومائة واحدة فصاعدا إلى أن تتم ثلاثين ومائة فحينئذ وجب في كل أربعين في المائة والعشرين مع الزيادة التى زادت ثلاث بنات لبون (1) فتلك الزايادة غيرت فرض ما قبلها، وصار لها أيضا في نفسها حصة من تلك الزيادة الحادثة، وهذا ظاهر لاخفاء به وقد صح قوله عليه السلام: (في كل خمسين حقة، وفى كل أربيعن بنت لبون) فيما زاد على العشرين ومائة، فوجب في المائة حينئذ حقتان ولم يجز تعطيل النيف والعشرين الزائدة فلا تزكى، وحكمها في الزكاة منصوص عليه، وممكن إخراجها فيه فوجبت الثلاث بنات لبوان وبطل ما مواهوابه * وأما قول مالك في التخيير بين إخراج حقيتن أو ثلاث بنات لبون فخطأ لانه تضييع للنيف والعشرين الزائدة على المائدة، فلا تخرج زكاتها وهذا لا يجوز * وأيضا فان رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين حكم العشرين ومائة فجعل فيها حقتين، بنص كلامه في حديث أنس عن أبى بكر الذى أوردنا في أول كلامنا في زكاة الابل وبين حكم ما زاد على ذلك، فلم يجز أن يسوى بين حكمين فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ولا نعلم أحدا قبل مالك قال: بهذا التخيير * وقولنا في هذا هو قول الز هرى، وآل عمر بن الخطاب، وغيرهم، وهو قول عمر
ابن عبد العزيز كما أوردنا قبل * وأما قول أبى حنيفة فانه احتج أصحابه له بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله ابن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثا الحجاج بن المنهال ثنا
__________
(1) كذا في الاصلين، ولعل فيهما سقطا من الناسخين، وان يكون اصل الكلام (فحينئذ وجب في كل اربعين بنت لبون، وفى المائة والعسرين مع الزيادة التى زادت ثلاث بنات لبون) وهذا ظاهر *(6/33)
حماد بن سلمة: أنه أخذ من قيس بن سعيد (1) كتابا عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لجده عمرو بن حزم ذكر ما يخرج من فرائض الابل، (إذا كانت خمسة وعشرين ففيها ابنة مخاض، إلى أن تبلغ خسمة وثلاثين، فان لم توجد فابن لبون ذكر فان كانت أكثر من ذلك ففيها بنت لبون، إلى أن تبلغ خمسة وأربعين، فان كانت أكثر من ذلك ففيها حقة، وإلى أن تبلغ ستين، فان كانت أكثر منها ففيها جذعة، إلى أن تبلغ خمسة وسبعين، فإذا كانت أكثر من ذلك ففيها ابنتا لبون إلى أن تبلغ تسعين، فان كانت أكثر من ذلك ففيها حتقان، إلى عشرين ومائة، فان كانت أكثر من ذلك فعد في كل خمسين حقة، فما فضل فانه يعاد إلى أو فريضة الابل وما كان أقل من خمسة وعشرين ففيها في كل خمسة ذود شاة، (ليس فهيا ذكرولاهرمة ولاذات عوار من الغنم) ثم خرج إلى ذكر زكاة الغنم * وبما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لهم كتابا فيه: (وفى الابل إذا كانت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض، فان لم توجد ابنة مخاض في الابل فابن لبون ذكر) إلى ان ذكر التسعين: (فان كانت أكثر من ذلك إلى عشرين ومائة ففيها حقتان، فإذا كانت أكثر من ذلك فاعدد في كل خمسين حقة، وما كان أقل من خمسة وعشرين ففي كل خمس شاة) *
وذكروا ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا سفيان الثوري عن أبى اسحاق السبيعى عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب في الابل قال: فإذا زادت على عشرين ومائة فبحساب الاول، وتستأنف لها الفرائض * قال أبو محمد: وبقولهم يقول ابراهيم النخعي، وسفيان الثوري * قالوا: وحديث على هذا مسند * واحتجوا بما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاغرابى ثنا الدبرى (2) ثنا عبدارزاق عن سفيان بن عيينة أخبرني محمد بن سوقة (3) قال أخبرني أبو يعلى هو منذر
__________
(1) هو الحبشى مفتى مكة، وهو من اتباع التابعين، وروى عن عطاء وخلفه في مجلسه سنة 119، وكان ثقة قليل الحديث، وروايته هذه تؤيد ما قلنا ه مرارا من صحة كتاب عمرو بن حزم (2) سقط من الاسناد في الاصلين (ثنا الدبرى) وهو ضروري فيه فان الدبرى راوي مصنف عبد الرزاق عنه، وقد سبق الاسناد مرارا كثيرة على الصواب.
(3) بضم السين المهملة وفتح القاف وبينهما واو، ومحد هذا تابعي ثقة من خيار اهل الكوفة *(6/34)
الثوري عن محمد بن الحنفية قال: جاء ناس إلى أبى فشكوا سعاة عثمان بن عفان، فقال أبى: أي بنى خذ هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان وقل له: إن ناسا من الناس شكوا سعاتك وهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفرائض، فأمرهم فليأخذوا به، قال: فانطلقت بالكتاب حتى دخلت على عثمان بن عفان رضى الله، عنه، فقلت: إن أبى أرسلني اليك، وذكر أن ناسا من الناس شكوا سعاتك، وهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفرائض، فمرهم فليأخذوا به، فقال: لا حاجة لنا في كتابك، فرجعت إلى أبى فاخبرته فقال: أبى بنى، لا عليك، اردد الكتاب من حيث أخذته، قال: فلو كان ذاكرا عثمان بشئ لذكره بسوء، قال: وإنما كان في الكتاب ما كان في حديث على (1) *
قالوا: فمن الباطل أن يظن بعلى رضى الله عنه أن يخبر الناس بغير ما في كتابه عن النبي صلى الله عليه وسلم * وادعوا انه قد روى عن ابن مسعود، وابن عمر مثل قولهم * قال أبو محمد: هذا كل ما موهوا به، مما يمكن أن يموه به من لا علم له، أو من لا تقوى له، وأما الهذر والتخليط فلا نهاية له في القوة * قال أبو محمد: وكل هذا لاحجة لهم فيه أصلا * أما حديث معمر، وحماد بن سلمة فمرسلان لا تقوم بهما حجة، ثم لو صحالما كان لهم فيهما متعلق اصلا * أما طريق معمر فان الذى في آخره من قوله (وما كان أقل من خمسة وعشرين ففى كل خمس شاة) فانما هو حكم ابتداء فرائض الابل * ولم يستحيى عميد من عمدهم من أن يكذب في هذا الحديث مرتين جهارا: إحداهما أنه ادعى أن في أوله ذكر تزكية الابل بالغنم فلا يجوزأن ظن أنه كرره * قال أبو محمد: وقد كذب في هذا علانية وأعماه الهوى وأصمه ولم يستحى وما ذكر معمر في أول كلامه في فرائض الابل الا كما أوردناه من حكم الخمسة والعشرين فصاعدا، وذكر في آخر حديثه حكم تزكيتها بالغنم إذ لم يذكره أولا * والوضع الثاني أنه جاهر بالكذب! فقال معمر عن عبد الله بن أبى بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده) وهذا كذب، ما رواه معمر إلا عن عبد الله بن أبى بكر فقط، ثم لو صح له هذا لما أخرجه ذلك عن الارسال، لان محمد
__________
(1) هذا اسناد صحيح چدا *(6/35)
ابن عمرو لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم * ثم عجب آخر وهو احتجاجه بهذين الخبرين فيما ليس فيهما منه شئ، وهو يخالفهما فيما فيهما من أنه إن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر! أفلا يعوق المرء
مسكة (2) من الحياء عن مثل هذا؟! * والعجب أن هم زادوا كذبا وجرأة وفحشا فقالوا: معنى قوله عليه السلام: (إن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر) إنما أردا بقيمة بن مخاض وهذا كذب بارد سمج!، ولا فرق بينهم في هذا وبين من قال: ما أراد إلا ابن لبون أصهب، أو في أرض نجد خاصة! ومن الباطل الممتنع الذى لا يمكن أصلا أن يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعوض مما عدم بالقيمة ويقتضر على ذكر ابن لبون ذكر أيضا خاصة * والعجب من هؤلاء القوم في تقويلهم النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل وإحالة كلامه إلى الهوس! والغثانة والتلبيس ولا يستجيزون إحالة لفظة من كلام أبى حنيفة عن مقتضاها والله لافعل هذا موثوق بعقده!، ولقد صدق الائمة القائلون! إنهمن يكيدون الاسلام * ويقال لهم: هلا حملتم ما أخذتم به مما لا يجوز الاخذ به مما روى عن بعض السلف من أن جعل الآبق أربعون درهما: على أنه إنما أراد قيمة تعب ذلك الذى رد ذلك الآبق فقط؟ على أن هذا كان أولى واصح من حمله على ايجاب شريعة لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم * كمالم يتعدوا قول أبى حنيفة فيمن تزوج على بيت وخادم أن البيت خمسون دينارا والعبد اربعون دينارا، فتوقوا مخالفة خطأ ابى حنيفة في التقويم، ولم يبالوا بمخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والكذب عليه وحملهم حده على التقويم! *
__________
(1) أما الرمى بالكذب فانه هنا جرأة مستنكرة، وما أدرى من يرمى به ابن حزم؟ الحديث رواه هكذا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن أبى بكربن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده، فحذف ابن حزم قوله (عن ابيه عن جده) ثم رمى شخصا يقصده لا نعرف من هو بأنه كذب فزاد هذا، وقد روى الدارمي (ص 2) قطعة من كتاب عمرو بن حزم من طريق الزهري عن ابى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن ابيه عن جده، م روى عقبة (حدثنا بشر بن الحكم ثنا عبد الرزاق انا معمر بن ابى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن ابيه عن جده: ان النبي صلى الله عليه وسلم كتب له كتابا فذكر نحوه) هذا نص كلام وهو امام ثقة، وشيخه بشر بن الحكم ثقة، وباقى الاسناد لا يسأل عنه لشهرة رواته وعدالتهم، فاين الكذب؟ ومن الكاذب
الله أعلم! واما انه غير متصل فنعم، لان محمد بن عمرو بن حزم جد عبد الله ليس صحابيا، ولكن هذا الاسناد يؤ يد قولنا في صحة كتاب عمرو بن حزم لتواتر الرواية عن آله واولاده، ولصحته من طرق اخرى.
(2) بضم الميم واسكان السين المهملة أي بقية، وفى النسخة رقم (16) (مسيكة) بالقصر، ولم ارهذ ه الكلمة مستعملة بالتصقير *(6/36)
وأيضا فاننا قد أوجدناهم ما حدثناه حمام قال ثنا عباس بن أصبغ عبد الملك ابن أيمن أنا أبو عبد الله الكابلي ثنا اسماعيل بن أبى أويس ثنا أبي عن عبد الله ومحمد ابني أبى بكربن محمد بن عمر وبن حزم أبهما عن جدهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كتب هذا الكتاب لعمروبن حزم حين أمره على اليمن، وفيه الزكاة، فذكره، وفيه: (فإذا بلغت الذهب (1) قيمة مائتي درهم ففى قيمة كل أربعين درهما درهم حين تبلغ أربعين دينارا) * فمن المحال أن تكنصحيفة ابن حزم بعضها حجة وبعضها ليس بحجة، وهذه صفة الذين أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا: (نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض) * وأما طريق حماد بن سلمة فمرسلة أيضا، والقول فيها كالقول في طريق معمر * ثم لو صحا جميعا لما كان لهم فيهما حجة، لانه ليس في شئ منهما ما قالوا به أصلا، لان نص رواية حماد (إلى عشرين ومائة، فان كانت أكثر من ذلك فعد في كل خمسين حقة، فما فضل فانه يعاد إلى أول فريضة الابل) هذا نصه فقط، ولا يدل هذا على أن تعاد فيه الزكاة بالغنم كما ادعوا، ويحتمل هذا اللفظ أن يكون أراد أن يرد الحكم إلى أول فريضة الابل (2) في أن في كل أربيعن بنت لبون، لان في أول فريضة الابل أن في أربعين بنت لبون وفى ثمانين بنتى لبون، فهذا أولى من تأويلهم الكاذب الفاسد المستحيل * وأما حملهم ما روينا عن على في ذلك على أنه مسند واحتجاجهم في ذلك بوجوب حسن الظن بعلى رضى الله عنه، وأنه لا يجوز أن يظن به أنه يحدث بغير ما عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقول لعمري صحيح، الا أنه ليس على بأولى بحسن الظن منا من
عثمان رضى الله عنهما معا، والفرض علينا حسن الظن بهما، وإلا فقد سلكوا سبيل إخوانهم من الروافض * ونحن نقول: كما لا يجوز أن يساء الظن بعلى رضى الله عنه في أن يظن أنه يحدث بغير ما عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أو يتعمد خلاف روايته عنه عليه السلام: فكذلك لا يجوز أن يساء الظن بعثمان رضى الله عنه، فيظن به أنه استخف بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: لا حاجة لنا به، لكن نقول: لو لا أن عثمان علم ان ما في كتاب على منسوخ ما رده، ولا أعرض عنه، لكن كان ذلك الكتاب عند على ولم يعلم بنسخه، وكان عند عثمان نسخه * فنحسن الظن بهما جميعا كما يلزمنا، وليس احسان الظن بعلى واساءته بعثمان بأبعد
__________
(1) الراجح ان الذهب يذكر ويؤ نث، وقيل: ان تأنيثه لغة أهل الحجاز.
وهذه القطعة من كتاب عمرو ليست في الرواية التى رواها الحاكم وصححها وأشرنا إليها مرارا (2) في النسخة رقم (16) (هو) بدل (في) *(6/37)
من الضلال من احسان الظن بعثمان واساءته بعلى، فتقول: لو كان ذلك الكتاب عن النبي صلى الله عليه وسلم مارده عثمان، ولا إحدى السيئتين بأسهل من الاخرى! وأما نحن فنسحن الظن بهما رضى الله عنهما، ولا نستسهل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن ننسب إليه القول بالظن الكاذب فنتبوأ مقاعدانا من النار كما تبوأه (1) من فعل ذلك، بل نقر (2) قول عثمان وعلى مقرهما، فليسا حجة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنهما إمامان من أهل الجنة، مغفور لهما، وغير مبعدين من الوهم، ونرجع إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فنأخذ بالثابت عنه ونطرح ما لم يثبت عنه * ثم نقول لهم: هبكم أن كتاب على مسند، وأنه لم ينسخ فانه ليس فيه ما تقولون بل تموهون بالكذب: وانما فيه (في الابل إذا زادت على عشرين ومائة فبحساب الاول وتستأنف لها الفرائض) وليس في هذا بيان أن زكاة الغنم تعود فيها، ويحتمل
قوله هذا أن تعود إلى حسباها الاول وتستأنف لها الفرائض، فترجع إلى أن يكون في كل أربعين بنت لبون، كما في أولها: في أربعين بن تلبون، وفى ثمانين بنتا لبون، فهذا أولى من تأوليكم الكاذب * ثم نقول: هبكم أنه مسند ومعاذ الله من ذلك وأن فيه نص ما قلتم ومعاذ الله من ذلك فاسمعوه بكماله * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن معمر عن أبى إسحاق السبيعى عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب قال: في خمس من الابل شاة، وفى عشر شاتان، وفى خمس عشرة ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين خمس شياه، وفى ست وعشرين بنت مخاض فان لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، وحتى تبلغ خمسا وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون، حتى تبلغ خمسا وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الفحل أو قال: الجمل حتى تبلغ ستين، فإذا زادت واحدة فيها جذعة، حتى تبلغ خمسا وسبعين، فإذا زادت واحدة ف فيها بنتا لبون، حتى تبلغ تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان طروقتا الفحل، إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففى كل خمسين حقة، وفى كل أربعين بنت لبون، وفى الورق إذا حال عليها الحول في كل مائتي درهم، خمسة دراهم، وليس فيما دون مائتين شئ فان زادت فبحساب ذلك، وقد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (يتبوا) (2) كلمة سقطت من النسخة رقم (16) *(6/38)
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا احمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا شعبة عن أبى إسحاق السبيعى عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب قال: إذا أخذ المصدق سنا فوق سن
رد عشرة دراهم أو شاتين * قال عبد الرحمن بن مهدى: وحدثنا سفيان الثوري عن أبى إسحاق السبيعى عن عاصم ابن ضمرة عن على بن أبى طالب قال: وإذا زادت الابل على خمس وعشرين ففيها بنت مخاض، فان لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر، إذا أخذ المصدق بنت لبون مكان ابن لبون رد عشرة دراهم أو شاتين، ليس في المال المستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول، فإذا حال عليه الحول ففى كل مائتين خمسة، فما زاد فبالحساب، في أربعين دينارا دينار، فما نقص فبالحساب، فإذا بلغت عشرين دينار ففيها نصف دينار * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن أبى اسحق السبيعى عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب قال: في خمس من الابل شاة، وفى عشر شاتان، وفى خمس عشرة ثلاث شياه، وفى عشرين اربع شياه، وفى خمس وعشرين خمس، فان زادت واحدة ففيها ابنة مخاض فان لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ان اخذ المصدق سنا فوق سن رد عشرة دراهم أو شاتين، أو أخذ سنا دون سن أخذ شاتين أو عشرة دراهم * قال على: فهذه هي الروايات الثابتة عن على رضى الله عنه، معمر، وسفيان، وشبعة متفقون كلهم، رواه عن سفيان وكيع، ورواه عن شعبة عبد الرحمن بن مهدى، ورواه عن معمر عبد الرزاق * والذى موهوا بطرف مما في رواية يحيى بن سعيد عن سفيان خاصة: ليس أيضا موافقا لقولهم كما أوردنا، فادعوا في خبر على ما ليس فيه عنه أثر، ولا جاء قط عنه * وخالفوا ذلك الخبر نفسه في اثنى عشر موضعا مما فيه نصا، وهى * قوله: (في خمس وعشرين من الابل خمس شياه) * وقوله: بتعويض ابن لبون مكان ابنة مخاض فقط * وقوله فيما زاد على عشرين ومائة: (في كل اربعين بنت لبون) *
واسقاطه ذكر عودة فرائض الغنم، فلم يذكره * وقوله فيمن نأخذ سنا فوق سن: (رد شاتين أو عشرة دراهم) وبين ذلك فيمن اخذ بنت لبون مكان ابنة مخاض ان لم يوجد ابن لبون *(6/39)
وقوله فيمن أخذ سنادون سن: (اخذ معها شاتين أو عشرة دراهم) * وقوله: (ليس في المال المصتفاد زكاة حتى يحول عليه الحول) ولم يخص كان عنده نصاب من جنسها أو لم يكن * وقوله (في مائتين من الورق خمسة دراهم، فما زاد فبالحساب) ولم يجعل في ذلك وقصا، كما يزعمون برأيهم * وقوله: (ليس فيما دون مائتين من الورق زكاة) وهم يزكون ما دون المائتين إذا كان مع مالكها ذهب إذا جمع إلى الورق ساويا جميعا مائتي درهم أو عشرين دينارا * ومنها عفوه عن صدقة ا لخيل * ومنها عفوه عن صدقة الرقيق، ولم يستثن لتجارة أو غيرها * ومنها قوله: (في أربعين دينارا دينار، فما نقص فبالحساب) ولم يجعل في ذلك وقصا أفيكون أعجب ممن يحتج برواية عن على لابيان فيها لقولهم، لكن بظن كاذب، ويتحيلون (1) في أنها مسندة بالقطع بالظن الكاذب المفترى: وهم قد خالفوا تلك الرواية نفسها بتلك الطريق، ومعها ما هو أقوى منها، في اثنى عشر موضعا منها، كلها نصوص في غاية البيان؟! هذا أمر ما ندرى في أي دين أم في أي عقل وجدوا ما يسهله عليهم؟! * والعجب كل العجب من احتجاجهم بصحيفة معمر عن عبد الله بن أبى بكر، وبصحيفة حماد عن قيس بن عباد عن أبى بكر بن حزم، وهما مرسلتان، وحديث موقوف على على وليس في كل ذلك نص بمثل قولهم، ولا دليل ظاهر: ثم لا يستحيون من أن يعيبوا في هذه المسألة نفسها بالارسال الحديثين الصحيحين المسندين *
من طريق حماد وعبد الله بن المثنى كليهما عن عبد الله بن المثنى، سمعاه منه، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، سمعه منه، عن أنس بن مالك، سمعه منه، عن أبى بكر الصديق، سمععه منه، عن النبي صلى الله عليه وآله عن الله تعالى هكذا نصا! * ومن طريق الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه * حدثنا عبد الله بن ربيع قال: ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود السجستاني عن عبد الله بن محمد النفيلى ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: (كتب رسول الله صلى اله له عليه وسلم كتاب الصدقة، فلم يحرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفة، فعمل به أبوبكى حتى قبض، ثم عمل به عمر حتى قبض، وفكان فيه: في خمس من الابل شاة، وفى عشر شاتان وفى خمس عشرة ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين ابنة مخاض، إلى خمس
__________
(1) هو الحاء المهملة ومعناه ظاهر *(6/40)
وثلاثين فإذا وادت واحدة ففيها بنت لبون، إلى خمس وأربعين، فإذا ادت واحدة ففيها حقة، إلى ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة، إلى خمس وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون، إلى تعسين، فإذا زادت واحدة فيها حقتان، إلى عشرين ومائة فان كانت الابل أكثر ممن ذلك ففى كل خمسين حقة وفى كل أربعين بنت لبون * فقالوا: إن أصل هذين الحديثين الارسال، وكذبوا في ذلك ثم لا يبالون بأن يحتجوا بهذين الحديثين ويصححونهما، إذا وجدوا فيهما ما يوافق رأى أبى حنيفة، فيحلونه طورا ويحرمونه طورا! * واعترضوا فيهما بأن ابن معين ضعفهما * وليست شعرى! ما قول ابن معين في صحيفة ابن حزم وحديث على ما نراه استجاز الكلام بذكرهما، فضلا عن أن يشتغل بتضعيفهما * وأعجب من هذا كله أن بعض مقدميهم المتأخرين عند الله تعالى.
قال:
لو كان هذا الحكم حقا لاخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عماله! * قال أبو محمد: هذا قول الروافض في الطعن على أبى بكر، وعمر وسائر الصحابة في العمل به، نعم، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم، إذ نسبت إليه أنه كتب الباطل وقرنه بسيفه ثم كتمه، وعمل به أصحابه بعده.
فبطل كل مامو هوا به * والعجب أنهم يدعون أنهم أصحاب قياس، وقد خالفوا في هذا المكان النصوص والقياس! * فهل وجدوا فريضة تعود بعد سقوطها؟ وهل وجدوا في أوقاص الابل وقصامن ثلاثة وثلاثين من الابل؟ إذ لم يجعلوا بعد الاحدى والتسعين حما زائدا إلى خمسة وعشرين ومائة، وهل وجدوا في شئ من الابل حكمين مختلفين في ابل واحدة، بعضها يزكى بالابل وبعضها يزكى بالغنم؟ * وهم ينكرون أخذ زكاة عما أصيب في أرض خراجية، وحجتهم في ذلك أنه لا يجوز أن يأخذوا حقين الله تعالى في مال واحد، وهم قد جعلوا ههنا برأيهم الفاسد في مال واحد حقين: أحدهما ابل، والثانى غنم * وهلا إذ ردوا الغنم وبنت المخاض بعد اسقاطهما ردوا ايضا في ست وثلاثين زائدة على العشرين والمائلة بنت اللبون؟! * فان قالوا: منعنا من ذلك قوله عليه السلام: (في كل خمسين حقة) *(6/41)
قيل لهم: فهلا منعكم من رد الغنم قوله عليه السلام: (وفى كل أربعين بنت لبون)؟! * فظهر أنهم لم يتعلقوا بشئ، ونعوذ بالله من الضلال! * وقالوا في الخبر الذى ذكرنا من طريق محمد بن عبد الرحمن: (ليس فيما بعد العشرين والمائة شئ إلى ثلاثين ومائة): انه يعارض سائر الاخبار * قال أبو محمد: ان كان هذا فأول ما يعارض فصحيفة عمرو بن حزم، وحديث على
فيما يظنونه فيهما.
فسقط تمويههم كله.
وبالله تعالى التوفيق * وأما دعواهم ان قولهم روى عن عمربن الخطاب، وعلى، وابن معسود فقد كذبوا جهارا * فأما على فقد ذكرنا الرواية الثابتة عنه، وأنه ليس فيما تعلقوا به من قوله دليل ولا نص بما ادعوه عليه بالتمويه الكاذب * واما ابن مسعود فلا يجدونه عنه أصلا، أما ثابت فنقطع بذلك قطعا، واما رواية ساقطة فبعيد علهم وجودها أيضا، واما موضوعة من عمل الوقت فيسهل عليهم! الا انها لا تنفق في سوق العلم * وأم عمر رضى الله عنه فالثابت عنه كالشمس خلاف قولهم، وموافق لقولنا، ولا سبيل إلى وجود خلاف ذلك عنه، إلا ان صاغوه للوقت (1) * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن موسى بن عقبة وعبيدالله بن عمر كلاهما عن نافع عن ابن عمر عن أبيه عمر أنه قال: في الابل في خمس شاة، وفى عشر شاتان، وفى خمس عشرة ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين بنت مخاض، فان لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، اإلى خمس وثلاثين، فان زادت واحدة ففيها بنت لبون، إلى خمس وأربعين فان زادت واحدة ففيها حقة طروقة الفحل، إلى ستين، فان زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فان زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فان زادت واحدة ففيها حقتان طروقتا الفحل، إلى عشرين ومائة، فان زادت ففى كل أربعين بنت (2) لبون وفى كل خمسين حقة * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء هو أبن كريب ثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن
__________
(1) ما هنا هو في النسخة رقم (16) وهو نسخة بحاشية رقم (14) والذى في أصلها (الا ان يضعوه للوقت) والمعنى واحد (2) في النسخة رقم (16) في هذا الاثر (ابنة) مسكان (بنت) حثيما وقعت *(6/42)
ابن شهاب قال: هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كتبه في الصدقة، وهى عند آل عمر بن الخطاب، قال ابن شهاب، أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر، فوعيتها على وجهها، وهى التى انتسخ عمرر بن عبد العزيز من عبد الله وسالم ابني عبد الله بن عمر قال: (إذا كانت (1) احدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون، حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين ومائة، ففيها ابنتا لبون وحقة، حتى تبلغ تسعا وثلاثين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وابنة لبون، حتى تبلغ تسعا وأربعين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق، حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون، حتى تبلغ تسعا وسبعين ومائة، فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة، حتى تبلغ تسعا وسعين ومائة، فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون، حتى تبلغ تسعا وتعسين ومائة، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق، أو خمس بنات لبون، أي السنين وجدت أخذت وفى سائمة الغنم) فذكر نحو حديث سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه * قال أبو محمد: فهذا قول عمر، هو قولنا نفسه، مخالف لقولهم * والعجب كله تعللهم في هذا الخبر بأنه انفرد به يونس بن يزيد * قال على: * وتلك شكاة ظاهر عنك عارها ثم لا يستحيون من تصحيحه والاحتجاج به موهمين (2) أنه موافق لرأيهم في ان لا زكاة الا في السائمة * فظهر فساد قولهم، وخلافهم لله تعالى، وللسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولابي بكر وعمر، وعلى، وأنس، وابن عمر، وسائر الصحابة رضى الله عنهم، دون ان يتعلقوا برواية صحيحة عن احد منهم بمثل قولهم، الا عن ابراهيم وحده.
وبالله تعالى التوفيق * 675 مسألة قال أبو محمد: ويعطى المصدق الشاتين أو العشرين درهما
مما أخذ من صدقة الغنم، أو يبيع من الابل، لانه للمسلمين من أهل الصدقات يأخذ ذلك فمن مالهم يؤديه * ولا يجوز له التقاص، وهو: ان يجب على المسلم بنتا لبون فلا يجد هما عنده، ويجد عنده حقة وبنت مخاض، فانه يأخذهما ويعطيه شاتين أو عشرين درهما ويأخذ منه شاتين
__________
(1) في أبى داود (ج 2 ص 9) (فإذا كانت) (2) في النسخة رقم (14) (مموهين)(6/43)
أو عشرين درهما ولابد، وجائز له أن يأخذ ذلك ثم يرده بعينه، أو يعطيه ثم يرده بعينه لانه قد أوفى واستوفى! واما التقاص بأن يترك كل واحد منهما لصاحبه ما عليه من ذلك فهو ترك لحق الله تعالى قد وجب لم يقبض، وهذا لا يجوز، ولايجوز ابراء المصدق من حق اهل الصدقة، ولانه مال غيره.
وبالله تعالى التوفيق (1) * 676 مسألة والزكاة تتكرر في كل سنة، في الابل، والبقر، والغنم، والذهب والفضة، بخلاف البر، والشعير، والتمر، فان هذه الاصناف إذا زكيت فلا زكاة فيها بعد ذلك أبدا، وانما تزكى عند تصفيتها، وكيلها ويبس التمر، وكيله، وهذا لا خلاف فيه من أحد، الا في الحلى والعوامل، وسنذكره ان شاء الله تعالى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج المصدقين كل سنة * 677 مسألة والزكاة واجبة، في الابل، والبقر، والغنم بانقضاءا لحول، ولا حكم في ذلك لمجئ الساعي وهو المصدق وهو قول أبى حنيفة والشافعي وأصحابنا * وقال مالك، وابو ثور: لا تجب الزكاة الا بمجئ المصدق * ثم تناقضوا فقالوا: ان أبطأ المصدق عاما أو عامين لم تسقط الزكاة بذلك، ووجب أخذها لكل عام خلا * وهذا إبطال قولهم في ان الزكاة لا تجب الا بمجئ الساعي، وانما الساعي وكيل مأمور بقبض ما وجب، لا بقبض ما لم يجب، ولا باسقاط ما وجب *
ولا خلاف بين أحمد من الامة وهم في الجملة في ان المصدق لوجاء قبل تمام الحول لما جاز أن يعطى منها شيئا، فبطل ان يكون الحكم لمجئ الساعي * ولا يخلو الساعي من أن يكون بعثه الامام الواجبة طاعته، أو أميره، أو بعثه من لا تجب طاعته، فان بعثه من لا تجب طاعته فليس هو المأمور من الله تعالى أو رسوله عليه السلام بقبض الزكاة، فإذ ليس هو ذلك فلا يجزء ما قبض، والزكاة باقية (2) وعلى صاحب المال أداؤها ولابد، لان الذى أخذ منه مظلمة لاصدقة واجبة، وإن كان بعثه من تجب طاعته، فلا يخلو من أن يكون باعثه يضعها مواضعها، وأو لا يضععها مواضعها، فان كان يضعها مواضعها فلا يحل لاحد دفع زكاته إلا إليه لانه هو المأمور بقبضها من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فمن دفعها إلى غير المأمور بدفعها إليه فقد تعدى، والتعدى
__________
(1) تمسك المؤلف تمسكا شديدا بالظاهر هنا، فانتهى إلى العبث أو إلى التكليف، فإذا أعطى المصدق عشرين درهما أو شاتين ثم أخذ ذلك من صاحب المال بعينه أو اخذ مثله فقد عاد الامر إلى التقابض، وكان الاخذ والاعطاء عملا عبثا (2) في النسخة رقم (16) والزكاة واجبة *(6/44)
مردود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) (1) * زكاة السائمة وغير السائمة من الماشية 678 مسألة قال مالك، والليث، وبعض أصحابنا: تزكى السوائم، والمعلوفة، والمتخذة للركوب وللحرث وغير ذلك، من الابل والبقر والغنم * وقال بعض أصحابنا: أما الاببل فنعم، وأما الغنم والبقر فلا زكاة الا في سائمتها.
وهو قول أبى الحسن بن المغلس (2): * وقال بعضهم: أما الابل والغنم فتزكى سائمتها وغير سائمتها، وأما البقر فلا تزكى إلا سائمتها.
وهو قول أبى بكر بن داود رحمه الله * ولم يختلف أحد من أصحابنا في أن سائمة الابل وغير السائمة منها تزكى سواء سواء،
وقال أبو حنيفة، والشافعي: لا زكاة الا في السائمة من كل ذلك.
* وقال بعضهم: تزكى غير السائمة من كل ذلك مرة واحدة في الدهر، ثم لاتعود الزكاة فيها * فاحتج أصحاب أبى حنيفة، والشافعي بأن قالوا: قولنا هو قول جمهور السلف من الصحابة رضى الله عنهم وغيرهم * كما روينا من طريق سفيان، ومعمر عن أبى اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على: ليس على عوامل البقر صدقة * وقد ذكرنا آنفا قول عمر رضى الله عنه.
في أربعين من الغنم سائمة شاة إلى عشرين ومائة * وعن ليث عن طاوس عن معاذ بن جبل: ليس على عوامل البقر صدقة * وعن ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر: لا صدقة في المثيرة * ولا يعرف عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم خلاف في ذلك * وعن ابن جريج عن عطاء: لا صدقة في الحمولة والمثيرة * وهو قول عمرو بن دينار، وعبد الكريم * والحمولة هي الابل الحمالة، والمثيرة بقر الحرث، قال تعالى: (لا ذلول تثير الارض) *
__________
(1) نسى المؤلف ان يذكر حكم الصورة الاخرى، وهى ما إذا كان الامام الواجبة طاعته لا يضعها مواضعها، أو لعله تعمد ترك ذكره، خشية استبداد الملوك والامراء وهيهات منهم من يضع الحقوق مواضعها؟! (2) في النسخة رقم (16) (ابى الحسن المغلس) وسيأتى في المسألة 681 قول المؤلف (وابى الحسن بن المغلس من اصحابنا) *(6/45)
وعن سعيد بن جبير: ليس على ثور عامل (1) ولا على جمل ظعينة صدقة * وعن ابراهيم النخعي: ليس في عوامل البقر صدقة وعن مجاهد: من له أربعون شاة في مصر يحلبها فلا زكاة عليه فيها، ولا صدقة في البقر العوامل *
وعن الزهري: ليس في السوانى من البقر وبقر الحرث صدقة، وفيما عداهما من البر الصدقة كصدقة الابل، وأوجب الزكاة في عامل الابل * وعن عمربن عبد العزيز: ليس في الابل والبقر العوامل صدقة * وعن الحسن البصري: ليس في البقر العوامل والابل العوامل صدقة * وعن موسى بن طلحة بن عبيدالله: ليس في البقر العوامل صدقة * وعن سعيد بن عبد العزيز (2) ليس في البقر الحرث صدقة * وعن الحكم بن عتيبة ليس في البقر العوامل صدقة * وعن طاوس: ليس في عوامل البقر، والابل صدقة، الا في السواثم خاصة * وعن الشعبى: ليس في البقر العوامل صدقة * وهو أيضا قول شهر من حوشب والضحاك * وعن ابن شبرمة: ليس في الابل العامل صدقة * وقال الاوزاعي: لا زكاة في البقر العوامل، وأوجبها في الابل العوامل وقال سفيان: لا زكاة في غير السائمة من الابل والبقر والغنم، ولا زكاة في الغنم المتخذة للذبح، وذكر له قول مالك في ايجاب الزكاة في ذلك، فعجب، وقال: ما ظنت أن أحدا يقول هذا * وهنو قول أبى عبيد وغيره * ورءيناعن عمربن عبد العزيز، وقتادة، وحماد بن أبى سليمان ايجاب الزكاة في الابل العوامل * وعن يحيى بن سعيد الانصاري ايجاب الزكاة في كل غنم وبقر وابل، سائمة أو غير سائمة * واحتجوا بأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (في سائمة الغنم) قالوا: ولا يجوز أن يقول عليه السلام كلاما لا فائدة فيه، فدل ان غير السائمة بخلاف السائمة * وقد جاء في بعض الآثار (في سائمة الابل) قالوا فقسنا سائمة البقر على ذلك *
__________
(1) عامل صفة لثور لامضاف إليه (2) هو التنوخى الدمشقي تلميذ عطاء والزهرى وربيعة ومكحول وغيرهم، وروى عنه الثوري وشعبة، وهما من اقرانه، قال الحاكم (هو لاهل الشأم كما لاهل المدينة في التقدم والفضل
والفقه والامانة) ولد سنة 90 ومات سنة 167 *(6/46)
وقالوا: انما جعلت الزكاة فيما فيه النماء، وأما فيما فيه الكلفة فلا، ما نعلم لهم شيئا شغبوا به غير ما ذكرنا * واحتج أصحابنا في تخصيص عوامل البقر خاصة بأن الاخبار في البقر لم تصح، فالواجب أن لا تجب الزكاة فيها الا حيث اجتمع على وجوب الزكاة فيها، ولم يجمع على وجوب الزكاة فيها في غير السائمة * واحتج من رأى الزكاة في غير السائمة مرة في الدهر بأن قال: قد صحت الزكاة فيها بالنص المجمل، ولم يأت نص بأن تكرر الزكاة فيها في كل عام، فوجب تكرر الزكاة في السائمة بالاجماع المتيقن، ولم يجب التكرار في غير السائمة، لا بنص ولا باجاع * قال أبو محمد: أما حجة من احتج بكثرة القائلين بذلك، وبأنه قول أربعة من الصحابة رضى الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف: فلا حجة في قول أحمد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * ثم نقول للحنيفيين والشافعيين في احتجاجهم بهذه القضية، فان الحنيفيين نسوا أنفسهم في هذه القصة، إذا قالوا بزكاة خمسين بقرة ببقرة وربع، وولا يعرف ذلك عن أحد عن الصحابة ولا من غيرهم الا عن ابراهيم، وتقسيمهم في الميتات تقع في البئر فتموت فيه، فلا يعرف أن أحدا قسمه قبلهم، وتقديرهم المسح في الرأس بثلاث أصابع مرة وبربع الرأس مرة ولا يعرف هذا الهوس عن أحد قبلهم، ولو ددنا أن نعرف بأى الاصابع هي؟! أم بأى خيط يقدر ربع الرأس؟! واجازتهم الاستنجاء بالروث، ولا يعرف أن أحدا أجازه قبلهم، وتقسيمهم فيما ينقض الوضوء مما يخرج من الجوف والا يعرف عن أحد قبلهم، وقولهم في صفة صدقة الخيل، ولا يعرف عن أحد قبلهم، ومثل هذا كثير جدا وخلافهم لكل رواية جاءت عن أبى هريرة في غسل الاناء من ولوغ الكلب، ولا مخالف له يعرف من الصحابة، وخلافهم عمر بن الخطاب وأبا حثمة وابنه سهل بن أبى حنثمة في ترك ما يألكه المخروص عليه
من التمر، ومعهم جميع الصحابة بيقين، ولا مخالف لهم في ذلك منهم.
ومثل هذا كثير جدا * وكذلك نسى الشافعيون (1) انفسهم في تقسيمهم ما تؤخذ منه الزكاة مما يخرج من الارض (2) ولا يعرف عن احد قبل الشافعي، وتحديدهم ما ينجس من الماء مما لا ينجس بخمسمائة رطل بغدادية وما يعرف عن أحد قبلهم، وخلافهم جابر بن عبد الله فيما سقى بالنصخ وبالعين أنه يزكى على الاغلب، ولا يعرف له مخالف من الصحابة ومثل هذا كثير جدا لهم * وأما احتجاجهم بما جاء في بعض الاخبار من ذكر السائمة فنعم، صح هذا اللفظ في حديث أنس عن أبى بكر رضى الله عنه في الغنم خاصة.
فلولم يأت غير هذا الخبر لوجب
__________
(1) في النسخة رقم (16) (الشافعيين) وهو لحن (2) في النسخة رقم (16) ومما يخرج من ثمرة الارض *(6/47)
أن لا يزكي غير السائمة، لكن جاء في حديث ابن عمر كما أوردنا قبل ايجاب الزكاة في الغنم جملة، فكان هذا زائدا على مافى حديث أبى بكر، والزيادة لا يجوز تركها (1) * وأما الخبر في سائمة الابل فلا يصح، لانه لم يرد الا في خبربهزبن حكيم فقط (2) * ثم لو صح لكان مافى حديث أبى بكر وأبن عمر زيادة حكم عليه والزيادة لا يحل خلافها * ولافرق بين هذا وبين قول الله تعالى: (قل لاأجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة أو دما مسفخوحا) مع قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم) فكان هذا زائدا على ما في تلك الآية وقوله تعالى: (لا تقتلوا أولادكم خشية املاق) مع قوله تعالى: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) فكان هذا زائدا على ما في تلك الآية * وهلا استعمل الحنيفيون والشافعيون هذا العمل حيث كان يلزمهم استعماله من قوله تعالى: (فمن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) فقالوا: وكذلك من قتله مخطئا؟! ولعمري ان قياس غير السائمة على السائمة لاشبه من قياس قاتل الخطأ على قاتل العمد! وحيث قال الله تعالى: (وربائبكم اللاتى في حجوركم من نسائكم اللاتى دختلم بهن) فقالوا: نعم، وان لم يكن في حجورنا *
ومثل هذا كثير جدا، لا يتثقفون فيه ألى أصل (3) فمرة يمنعون من تعدى مافى النص حيث جاء نص آخر بزيادة عليه، ومرة يتعدون النص حيث لم يأت نص آخر بزيادة عليه!، فهم أبدا يعكسون الحقائق، ولو أنهم أخذوا بجميع النصوص، ولم يتركوا بعضها لبعض، ولم يتعدوها إلى ما لا نص فيه: لكان أسلم لهم من النار والعار * واما قولهم: ان الزكاة انما جعلت على ما فيه النماء، فباطل، والزكاة واجبة في الدراهم الدنانير، ولا تنمى (4) أصلا وليست في الحمير، وهى تمنى، ولافى الخضر عند أكثرهم، وهى تنمى * وأيضا فان العوامل من البقر والابل تنمى أعمالها وكراؤها، وتمنى بالولادة أيضا * فان قالوا: لها مؤنة في العلف * قلنا: وللساعة مونة الراعى، وانتم لا تلفتون إلى عظيم المؤنة والنفقة في الحرث، وان استوعبته كله، بل ترون الزكاة (5) فيه، ولا تراعون الخسارة في التجارة، بل ترون
__________
(1) في النسخة رقم (16) (لا يحل تركها).
(2) انظر الكلام عليه في نيت الاوطار (ج 4 ص 179) (3) هذا تعبير مبتكر غير معروف، واظنه اخذه من قولهم (ثقفت الشئ) بمعنى حذقته ومن (ثقفته) إذا ظهرت به (4) يقال (نمى يمنى) بكسر الميم في المضارع (ويقال ايضا نمى ينمو) والاول اكثر (5) في النسخة رقم (14) (فيها) *(6/48)
الزكاة فيها فسقط هذا القول جملة.
وبالله تعالى التوفيق * وأما من خص من أصحابنا البقربأن لا تزكى الا سائمتها فقط فانهم قالوا: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الابل والغنم عموما، وحد زكاتها، ومن كم تؤخذ الزكاة منها، فلم يجز ان يخص أمره صلى الله عليه وسلم برأى ولا بقياس، واما البقر فلم يصح نص في صفة زكاتها، فوجب ان لا تجب الزكاة الا في بقرصح الاجماع على وجوب الزكاة فيها، ولا إجماع الا في السائمة، فوجبت الزكاة فيها، دون غيرها التى لاإجماع فيها *
قال أبو محمد: وهذا خطأ، بل قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ايجاب الزكاة في البقر، بقوله عليه السلام الذى قد ارودناه قبل باسناده: (ما من صاحب ابل ولا بقر لا يؤدي زكاتها الا فعل به كذا) فصح بالنص وجوب الزكاة في البقر جملته، الا أنه لم يأت نص في العدد الذى تجب فيه الزكاة منها، ولا كم يؤخذ منها، ففى هذين الامرين يراعى الاجماع، أما تخصيص بقردون بقر فهو تخصيص للثابت عنه عليه السلام من ايجابه الزكاة في البقر بغير نص، وهذا لا يجوز * ولا فرق بين من أسقط الزكاة عن غير السائمة بهذا الدليل وبين من أسقطها عن الذكور بهذا الدليل نفسه، فقد صح الخلاف في زكاتها * كما حدثنا حمام قال ثنا عبد الله بن محمد بن على الباجى ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقى بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا جرير هو ابن عبد الحميد عن المغيرة هو ابن مقسم (1) الضبى عن ابراهيم النخعي قال: ليس في شئ من السوائم صدقة إلا إناث الابل، واناث البقر، والغنم * قال أبو محمد: ولا يقول بهذا أحد من اصحابنا، ولا الحنيفيون ولا المالكيون ولا الشافعيون ولا الحنبليون، ولا يجوز القول به أصلا، لانه تحكم بلا برهان * فوجبت بالنص الزكاة في كل بقر، أي صفة من صفات البقر كانت، سائمة أو غير سائمة الابقرا خصها نص أو اجماع * وأما العدد والوقت وما يؤخذ منها فلا يجوز القول به إلا باجماع متيقن أو بنص صحيح وبالله تعالى التوفيق * وأما من قال في السائمة بعودة الزكاة فيها كل عام، ورأى الزكاة في غير السائمة مرة من الدهر فانه احتج بان الزكاة واجبة في البقر بالنص الذى أوردنا، ولم يأت بتكرار الزكاة في كل عام نص، فلا تجوز عودة الزكاة في مال قد، كى إلا بالاجماع، وقد صح الاجماع بعودة
__________
(1) بكسر الميم واسكان القاف وفتح السين المهملة *(6/49)
الزكاة في البقر والابل والغنم السائمة (1) كل عام، فوجب القول بذلك، ولا نص ولا اجماع في عودتها في غير السائمة منها كلها، فلا يجب القول بذلك * قال أبو محمد: كان هذا قولا صحيحا لو لا أنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث المصدقين في كل عام لزكاة الابل والبقر والغنم، وهذا أمر منقول نقل الكافة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (أرضوا مصدقيكم) فإذ قد صح هذا بيقين، فخروج المصدقين في كل عام موجب أخذ الزكاة في كل عام بيقين، فإذ لا شك في ذلك، فتخصيص بعض ما وجبت فيه لا زكاة عاما بان لا يأخذ منه المصدق الزكاة عاما ثانيا تخصيص للنص، وقول بلا برهان، وانما يراعى مثل هذا فيما لا نص فيه وبالله تعالى التوفيق * 679 مسألة وفرض على كل ذى ابل وبقر وغنم أن يحلبها يوم وردها على الماء، ويتصدق من لبنها بما طابت به نفسه * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا الحكم ابن نافع هو ابن اليمان ثنا شعيب هو ابن أبى حمزة ثنا أبو الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز الاعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تأتى الابل على صاحبها على خير ما كانت، إذ هو لم يعط فيها حقها، تطؤه باخفافها، وتأتى الغنم على صاحبها على خير ما كانت، إذا لم يعط فيها حقها، تطؤه باظلافها وتنطحه بقرونها، قال: ومن حقها أن تحلب على الماء) (2) * قال أبو محمد: ومن قال: إنه لا حق في المال غير الزكاة فقد قال: الباطل، ولا برهان على صحة قوله، لامن نص ولا اجماع، وكل ما أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاموال فهو واجب * ونسأل من قال هذا: هل تجب في الاموال كفارة الظهار والا يمان ودوين الناس أم لا؟ فمنم قولهم: نعم، وهذا تناقض منهم.
* وأما إعارة الدلو واطراق الفحل فداخل تحت قول الله تعالى: (ويمنعون الماعون) * 680 مسألة الاسنان المذكورات في الابل *
بنت المخاض هي التى أتمنت سنة ودخلت في سنتين، سميت بذلك لان أمهاما خض، أي قد حلمت، فإذا أتمت سنتين ودخلت في الثالثة فهى بنت لبون وابن لبون، لا ن أمها قد وضعت فلها لبن، فإذا أتمنت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة فهى حقة، لانها قد استحقت أن يحمل عليها الفحل والحمل، فإذا أتمت أربع سنين ودخلت في الخامسة فهى جذعة، فإذا أتمت
__________
(1) في النسخة رقم (14) و (السائمة)) وزيادة الواو خطأ مفسد للمعنى (2) هو في البخاري (ج 2 ص 217) *(6/50)
خمس سنين ودخلت في السادسة فهى ثنية.
ولا يجوز في الصدقة وهو ما لم يتم سنة وهو فصل لا يجوز في الصدقة (1) * حدثناه بهذه الاسماء وتفسيرها عبد الله بن ربيع قال: ثنا عمربن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود بذلك كله، عن أبى حاتم السجستاني، والعباس بن الفرج الرياشى، وعن أبى داود المصاحفى (2) عن أبى عبيدة معمر بن المثنى (3) 681 مسألة والخلطة في الماشية أو غيرها لا تحيل حكم الزكاة، ولكل أحد حكمه في ماله، خالط أو لم يخالط لا فرق بين شئ من ذلك * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عبيدالله بن فضالة أنا سريج (4) بن النعمان ثنا حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك: أن أبا بكر الصديق كتب له: (أن هذه فرائض الصدقة التى فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، التى أمر الله بها رسول الله (5) صلى الله عليه وسلم) فذكر الحديث وفى آخره: (ولايجمع بين مفترق (6) ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خطيطين فانهما بينهما بالسوية) * قال أبو محمد: فاختلف الناس في تأويل هذا الخبر * فقالت طائفلة: إذا تخالط اثنان فأكثر في ابل أو في بقر أو في غنم فانهم تؤخذ من ماشيتهم الزكاة كما كانت تؤخذ لو كانت لواحد، والخلطة عندهم أن تجتمع الماشية في الراعى والمراح والمسرح والمسقى ومواضع الحلب عاما كاملا متصلا وإلا فليست خلطة، وسواء كانت
ماشيتهم مشاعة لا تتميز أو متمميزة، وزاد بعضهم الدلو والفحل * قال أبو محمد: وهذا القول مملوء من الخطأ * أول ذلك ان ذكرهم الراعى كان يغنى عن ذكر المسرح والمسقى، ولانه لا يمكن البتة أن يكون الراعى واحدا وتخلف مسارحها ومساقيها، وفصار ذكر المسرح والمسقى فضولا *
__________
(1) كذا في النسخة رقم (16)، وفى النسخة رقم (14) (ولايجوز في الصدقة وهو ما لم يتم سنة فصيل ولايجوز في الصدقة) والمراد منها واضح والتركيب في كليهما قلق، ولا توجد هذه العبارة في أبى داود،، وقد نقل المؤلف تفسير الاسنان عنه كما قال ولكن قدم وأخر واختصر، وانظره هناك (ج 2 ص 19) (2) نسبه إلى المصاحف، وهو سليمان بن سلم بفتح السين واسكان اللام بن سابق ولم اجد ذكره في ابى داود، ولكن قال ابن حجر: ان له ذكرا في الزكاة عند ابى داود، (3) لم أجد ه أيضا في هذا الموضع في ابى داود، ولكن عبارته (قال أبو داود: سمعته من الرياشى وابى حاتم وغيرهما، ومن كتاب النصر بن شميل، ومن كتاب ابى عبيد) وابو عبيد هو القاسم بن سلام (4) بضم السين المهملة وآخره جيم.
ووقع في سنن النسائي في الطبعتين (ج 1 ص 340 وج 5 ص 27) (شريح) وهو خطأ وتصحيف (5) في النسائي (رسوله) بالضمير بدل الاسم الظاهر (6) في النسائي (متفرق) *(6/51)
وأيضا فان ذكر الفحل خطأ، لانه قد يكون لانسان واحد فحلان واكثر، لكثرة ماشيته، وراعيان واكثر، لكثرة ماشيته، فينبغي على قولهم إذا أوجب اختلاطهما في الراعى والعمل أن يزكيها زكاة المنفرد وان لاتجمع ماشية انسان واحد إذا كان له فيها راعيان فحلان، وهذا لا تخلص منه * ونسألهم إذا اختلطا في بعض هذه الوجوه: ألهما حكم الخلطة أم لا؟ فأى ذلك قالوا؟ فلا سبيل ان يكون قولهم إلا تحكما فاسدا بلا برهان، وما كان هكذا فهو باطل بلاشك وبالله تعالى التوفيق * ثم زادوا في التحكم فرأوا في جماعة لهم خمسة من الابل أو أربعون من الغنم أو ثلاثون
من البقر بينهم كلهم: ان الزكاة مأخوذة منها، وان ثلاثة لو ملك كل واحد منهم أربعين شاة وهم خلطاء فيها: فليس عليهم إلا شاة واحدة فقط، كما لو كانت لواحد، وقالوا: ان خمسة لكل واحد منهم خمسة من الابل تخاخلطوا بها عاما فليس فيها إلا بنت مخاض وهكذا في جميع صدقات المواشى، * وهذا قول الليث بن سعد، واحمد بن حنبل، والشافعي وأبى بكر بن داود فيمن وافقه من اصحابنا * حتى ان الشافعي رأى حكم الخلطة جاريا كذلك في الثمار، والزرع، والدراهم، والدنانير، فرأى في جماعة بينهم خمسة أوسق فقط ان الزكاة فيها، وان جماعة يملكون مائتي درهم فقط أو عشرين دينارا فقط وهم خلطاء فيها ان الزكاة واجبة في ذلك، ولو أنهم ألف أو أكثر أو أقل * وقالت طائفة: ان كان يقع لكل واحد من الخلطاء ما فيه الزكاة زكوا حينئذ زكاة المنفرد، وان كان لا يقع لكل واحد منهم ما فيه الزكاة فلا زكاة عليهم، ومن كان منهم يقع له ما فيه الزكاة فعليه الزكاة، ومن كان غيره (1) منهم لا يقع له ما فيه الزكاة فلا زكاة عليه * فرأى هؤلاء في اثنين فصاعدا يملكان أربعين شاة أو ستين أو ما دون الثمانين، أو ثلاثين من البقر أو ما دون الستين، وكذلك في الابل: فلا زكاة عليهم فان كان ثلاثة يملكون مائة وعشرين شاة، لكل واحد منهم ثلثها، فليس عليهم الاشاة واحدة فقط، وهكذا في سائر المواشى * ولم ير هؤلاء حكم الخلطة الا في المواشى فقط * وهو قول الاوزاعي، ومالك، وأبى ثور، وأبى عبيد، ابى الحسن بن المغلس من أصحابنا * وقال تطائفة: لاتحيل الخلطة حكم الزكاة أصلا، لا في الماشية ولا في غيرها، وكل خليط
__________
(1) في النسخة رقم (14) (عنده) بدل (غيره) *(6/52)
ليزكى ما معه كما لو لم يكن خليطا، ولا فرق، فان كان ثلاثة خلطاء لكل واحد أربعون
شاة فعليهم ثلاث شياه، على كل واحد منهم شاة، وإن كان خمسة لكل واحد منهم خمس من الابل وهم خلطاء فعلى كل واحد شاة، وهكذا القول في كل شئ، وهو قول سفيان الثوري، وأبى حنيفة، وشريك بن عبد الله، والحسن بن حى * قال أبو محمد: لم نجد في هذه المسألة قولة لاحد من الصحابة، ووجدنا أقوالا عن عطاء وطاوس، وابن هرمز، ويحيى بن سعيد الانصاري، والزهرى فقط * روينا عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس أنه كان يقول: إذا كان الخليطان يعلمان أموالهما فلا تجمع أموالهما في الصدقة، قال ابن جريج: فذكرت هذا لعطاء من قول طاوس فقال: ما أراه الا حقا * وروينا عن معمر عن الزهري قال: إذا كان راعيهما واحدا، وكانت ترد جميعا وتروح جميعا صدقت جميعا * ومن طريق ابن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد الانصاري أنه قال: ان الابل إذا جمعها الراعى والفحل والحوض تصدق جميعا ثم يتحاص أصحابها على عدة الابل في قيمة الفريضة التى أخذت من الابل، فان كان استودعه اياها لا يريد مخالطته ولا وضعها عنده يريد نتاجها فان تلك تصدق وحدها * وعن ابن هرمز مثل قول مالك * قال أبو محمد: احتجت كل طائفة لقولها بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى صدرنا به * فقال من رأى أن الخلطة تحيل الصدقة وتجعل مال الاثنين فصاعدا بمنزلة كما (1) لو أنه لواحد: أن معنى قوله عليه السلام: (لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة) ان معنى ذلك: هوأن يكون لثلاثة مائة وعشرون شاة، لكل واحد منهم ثلثها، وهم خلطاء، فلا يجب عليهم كلهم الا شاة واحدة، فنهى المصدق أن يفرقها ليأخذ من كل واحد شاة فيأخذ ثلاث شياه، والرجلان يكون لهما مائتا شاة وشاتان، لكل واحد نصفها، فيجب عليهما ثلاث شياه فيفرقانها خشية الصدقة، فيلزم كل واحد منهما شاة، فلا يأخذ
المصدق الا شاتين * وقالوا: معنى قوله عليه السلام (كل خليطين يتراجعان بينهما بالسوية، هو أن يعرفا فاما أخذ الساعي فيقع على كل واحد حصته على حسب عدد ماشيته كاثنين لاحدهما أربعون شاة وللآخر ثمانون وهما خليطان، فعليهما شاة واحدة، على صاحب الثمانين ثلثاها وعلى صاحب الاربعين ثلثها *
__________
كلمة (كما) سقطت من النسخة رقم (14) *(6/53)
وقال من رأى ان الخلطة لا تحيل حكم الصدقة: معنى قوله صلى الله عليه وسلم (لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة) هو أن يكون لثلاثة مائة وعشرون شاة، لكل واحد ثلها، فيجب على كل واحد شاة، فنهوا عن جمعها وهى متفرقة (1) في ملكهم تلبيسا على الساعي أنها لواحد فلا يأخذ الا واحدة، والمسلم يكون له مائتا شاة وشاتان فيجب عليه ثلاث شياه، فيفرقها قسمين ويلبس على الساعي أنها لاثنين، لئلا يعطى منها الاشاتين، وكذلك نهى المصدق أيضا عن أن يجمعأ على الاثنين فصاعدا مالهم ليكثر ما يأخذ، وعن أن يفرق مال الواحد في الصدقة، وان وجده في مكانين متباعدين (2) ليكثر ما يأخذ * وقالوا: ومعنى قوله عليه السلام: (كل خليطين يتراد ان بينهما بالسوية) هو أن الخليطين في اللغة التى بها خاطبنا عليه السلام هما ما اختلط معا غيره فلم يتميز، ولذلك سمى الخليطان من النبيذ بهذا الاسم، وأما ما لم يختلط مع غيره فليسا خليطين، هذا مالا شك فيه، قالوا: فليس الخليطان في المال الا الشريكين فيه اللذين لا يتميز مال أحدهما من الآخر، فان تميز فليسا خليطين، قالوا: فإذا كان خليطان كما ذكرنا وجاء المصدق ففرض عليه أن يأخذ من جملة المال الزكاة الواجبة على كل واحد منهما في ماله، وليس عليه أن ينتظر قسمتهما لمالهما، ولعلهمها لا يريد ان القسمة، وان كان حاضرين فليس له ان يجبرهما على القسمة، فإذا أخذ زكاتيهما فانهما يترادان بالسوية، كاثنين لاحدهما ثمانون شاة وللآخر أربعون، وهما شريكان في جمعيها، فيأخذ المصدق شاتين، وقد كان لاحدهما ثلثا كل شاة منهما وللآخر ثلثها، فيترادان بالسوية، فيبقى لصاحب الاربعين تسع وثلاثيون، ولصاحب الثمانمين تسع وسبعون *
قال أبو محمد: فاستوت دعوى الطائفتين في ظاهر الخبر، ولم تكن لاحداهما مزية على الاخرى في الخبر (3) المذكور * فنظرنا في ذلك فوجدنا تأويل الطائفة التى رأت أن الخلطة لا تحيل حكم الزكاة أصح، لان كثيرا من تفسيرهم المذكور متفق من جميع أهل العلم على صحته، وليس شى من تفسير الطائفة الاخرى مجمعا عليه، فبطل تأويلهم لتعريه من البرهان، وصح تأويل الاخرى (4) لانه لا شك في صحة ما اتفق عليه، ولا يجوز أن يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قول لا يدل على صحته نص ولا إجماع، فهذه حجة صحيحة * ووجدنا أيضا الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (ليس فيما دون خمسة ذود صدقة) وأن من لم يكن له الا أربع من الابل فلا صدقة عليه،) وليس فيما دون أربعين شاة شى)
__________
(1) في النسخة رقم (16) (مفترقة) (2) في النسخة رقم (16) (الحديث (4) في النسخة رقم (16) (الآخرين) *(6/54)
وسائر ما نصه عليه السلام في صدقة الغنم والابل، من ان في اربعين شاة شاة، وفى خمس وعشرين من الابل (1) بنت مخاض، وغير ذلك، ووجدنا من لم يحل بالخلطة حكم الزكاة قد أخذ بجميع هذه النصوص ولم يخالف شيئا منها، ووجدنا من أحال بالخلطة حكم الزكاة يرى في خمسة لكل واحد منهم خمس من الابل ان على كل واحخد منهم خمس بنت مخاض، وان ثلاثة لهم مائة وعشرون شاة على السواء بينهم ان على كل امرئ منهم ثلث شاة، وان عشرة رجال لهم خمس من الابل بينهم فان بعضهم يوجب على كل واحد منهم عشر شاة، وهذه زكاة ما أوجبها الله تعالى قط، وخلاف لحكمه تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم * وسألنا هم عن انسان له خمس من الابل، خالط بها صاحب خمس من الابل في بلد، وله أربع من الابل، خالط بها صاحب أربع وعشرين في بلد آخر، وله ثلاث من الابل، خالط بها صاحب خمس وثلاثين في بلد ثالث؟ فما علمنا هم أتوافى ذلك بحكم يعقل أو يفهم! وسؤالنا
أياهم في هذا الباب يتسع جدا، فلا سبيل لهم إلى جواب يفهمه أحد البتة، فنبهنا بهذا السؤال على ما زاد عليه (2) * وقال تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) * ومن رأى حكم الخلطة يحيل الزكاة فقد جعل زيدا (3) كاسبا على عمرو، وجعل لمال أحدهما حكما في مال الآخر، وهذا باطل وخلاف للقرآن والسنن * وما عجز رسول الله صلى الله عليه وسلم قط وهو المفترض عليه البيان لنا عن أن يقول: المختلطان في وجه كذا ووجه كذا يزكيان (4) زكاة المنفرد، فإذ لم يقله فلا يجوز القول به * وأيضا فان قولهم بهذا الحكم انما هو فيما اختلط (5) في الدلو والراعي والمراح والمحتلب: تحكم بلا دليل أصلا، لامن سنة ولا من قرآن ولا قول صاحب ولا من قياس، ولا من وجه يعقل، وبعضهم اقتصر على بعض الوجوه بلا دليل، وليت شعرى أمن قوله عليه السلام مقصورا على الخلطة في هذه الوجوه دون (6) ان يريد به الخلطة في المنزل أو في الصناعة أو في الشركة في الغنم كما قال طاوس وعطاء؟ وفى هذا كفاية * فان ذكروا ما حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا على بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا ابولاسود هو النضر بن عبد الجبار مصرى (7) ثنا
__________
(1) قوله (من الابل) محذوف في النسخة رقم (16) خطأ (2) في النسخة رقم (16) (عما زاد عليه) وهو خطأ (3) في النسخة (زائدان) وهو تصحيف (4) كلمة (يزكيان) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (5) في النسخة رقم (16) (انما هوما اختلطا) وهو خطأ (6) في النسخة رقم (16) حذفت كلمة (دون) وجعل بدلها واو العطف وهو خطأ (7) هو ثقة ولد سنة 145 ومات سنة 219 في اواخر ذى الحجة *(6/55)
ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد أنه كتب إليه: أنه سمع السائب بن يزيد يقول: انه سمع سعد بن أبى وقاص يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الخليطان ما اجتمع على الفحل، والمرعى، والحوض) *
قلنا: هذا لا يصح، لانه عن ابن لهيعة (1) * ثم لو صح فما خالفناكم (2) قط في أن ما اجتمع على فحل ومرعى وحوض أنهما خليطان في ذلك، وهذا حق لاشك فيه، ولكن ليس فيه احالة حكم الزكاة المفترضة بذلك ولو وجب بالاختلاط في المرعى احالة حكم الزكاة لوجب ذلك في كل ماشية في الارض لان المراعى متصلة في أكثر الدنيا، الا أن يقطع بينهما بحر، أو نهر، أو عمارة * وأيضا فليس في هذا الخبر ذكر لتخالطهما بالراعى، وهو الذى عول عليه مالك والشافعي، والا فقد يختلط في المسقى والمرعى والفحل أهل الحلة (3) كلهم، وهما لا يريان ذلك خلطة تحيل حكم الصدقة * وزاد ابن حنبل: والمحتلب * وقال بعضهم: ان اختلطا أكثر الحول كان لهما حكم الخلطة * وهذا تحكم بارد! ونسألهم عمن خالط آخر ستة أشره؟ فبأى شئ أجابوا فقد زادوا في التحكم بلا دليل! ولم يكونوا بأحق بالدعوى من غيرهم؟! * وأما قول مالك فظاهر الحوالة جدا، لانه خص بالخلطة المواشى فقط، دون الخلطة في الثمار والزرع (4) والناض، وليس هذا التخصيص موجودا في الخبر * فان قال: ان النبي صلى الله عليه وسلم انما قال ذلك بعب ذكره حكم الماشية * قلنا: فكان ماذا؟! فان كان هذا حجة لكم فاقتصروا بحكم الخلطة على الغنم فقط، لانه عليه السلام لم يقل ذلك الا بعقب ذكره زكاة الغنم، وهذا مالا مخلص منه * فان قالوا: قسنا الابل والبقر على الغنم * قيل لهم: فهلا قستم الخلطة في الزرع والثمرة على الخلطة في الغنم؟! * وأيضا فان مالكا استعمل احالة الزكاة بالخلطة فيا لنصاب فزائدا (5) ولم يستعمله في عموم الخلطة كما فعل الشافعي، وهذا تحكم ودعوى بلا برهان، وان كان فرعن احالة النص في
__________
(1) الحديث رواه ايضا الدارقطني (ص 304) وفيه (الراعى) بدل (المرعى)، وهو حديث ضعيف
احظأ فيه ابن لهيعة وانفرد به، وانظر الكلام عليه في التلخيص (ص 175) (2) في النسخة رقم (14) (خالفناهم) (3) الحلة بكسر الحاء جماعة بيوت الناس لانها تحل، والجمع حلال، بالكسر أيضا (4) في النسخة رقم (16) (والزرع) (5) كلمة (فزائدا) محذوفة في النسخة رقم (16) *(6/56)
أن لا زكاة فيما دون النصاب: فقد وقع فيه فيما فوق النصاب، ولافرق بين الا حالتين.
وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: وأما أبو حنيفة واصحابه فانهم يشنعون بخلاف المجهور إذا وافق تقليدهم، وهم ههنا قد خالفوا خمسة من التابعين، لا يعلم لهم من طبقتهم ولامن قبلهم مخالف (1) وهذا عندنا غير منكر، لكن أوردناه لنريهم تناقضهم، واحتجاجهم بشئ لا يرونه حجة إذا خالف أهواءهم! * وموهوا أيضا بما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن ابى شيبة ثنا يزيد بن هرون عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه حكيم عن معاوية بن حيدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون، لا تفرق ابل عن حسابها، من اعطاها مؤتجرا فله أجرها، عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منهما شئ، ومن منعها فانا آخدوها وشطرابله) (3) * قالوا: فمن أخذ الغنم من أربعين ناقة لثمانية شركاء، لكل واحد منهم خمس، فقد فرقها عن حسابها، ولم يخص عليه السلام ملك واحد من ملك جماعة * قال أبو محمد: فنقول لهم وبالله تعالى نتأيد: ان كان هذا الخبر عندكم حجة فخذوا بما فيه، من ان مانع الزكاة تؤخذ منه وشطرا بله زيادة * فان قلتم: هذا منسوخ * قلنا لكم: هذه دعوى بلا حجة، لا يعجز عن مثلها خصومكم، فيقولوالكم: (3): والذى تعلقتم به منه منسوخ *
وان كان المشغب به مالكيا قلنا لهم: فان كان شريكه مكاتبا أو نصرانيا * فان قالوا: هذا قد خصته أخبار أخر * قلنا: وهذا نص قد خصته أخبار أخر، وهى: ان لا زكاة في أربع من الابل فأقل، وان في كل خمس شاة إلى اربع وعشرين * ثم نقول: هذا خبر لا يصح، لان بهزبن حكيم غير مشهور العدالة، ووالده حكيم كذلك (4) *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (لا نعلم لهم من طبقتهم ولا ممن قبلهم مخالفا) (2) رواه أبو داود (ج 3 ص 12) والنسائي (ج 5 ص 15 و 17) واحمد (ج 5 ص 2 و 4) والحاكم (ج 1 ص 397 و 398) وصححه (3) في النسخة رقم (14) (فنقول لكم) (4) بل بهز وابوه ثقتان وقد صحح الحاكم والذهبي صحيفة بهز عن ابيه عن جده.
وانظر الشوكاني (ج 4 ص 179) *(6/57)
فكيف ولو صح هذا الخبر لما كان (1) لهم فيه حجة؟ لانه ليس فيه ان حكم المختلطين حكم الواحد، ولا يجوز ان يجمع مال انسان إلى مال غيره في الزكاة، ولا أن يزكى مال زيد بحكم مال عمر، لقول الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) فلو صح لكان معناه بلا شك فيما جاوز العشرين ومائة من الابل، لمخالفة جميع الاخبار أولها عن آخرها، لما خالف هذا العمل لاجماعهم واجماع الاخبار على ان في ست وأربعين من الابل حقة لابنت لبون، ولسائر ذلك في الحكام التى ذكرنا * وايضا فانه ليس في هذا الخبر الا الابل فقط، فنقلهم حكم الخلطة إلى الغنم والبقر قياس، والقياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، لانه ليس نقل هذا الحكم عن الابل إلى البقر، والغنم بأولى من نقله إلى الثمار والحبوب والعين، وكل ذلك دعوى في غاية الفساد، وبالله تعالى التوفيق * ولابي حنيفة ههنا تناقض طريف (2)، هو أنه قال في شريكين في ثمانين شاة لكل واحد منهما نصفها: ان عليهما شاتين بينهما، وأصاب في هذا، ثم قال في ثمانين شاة لرجل
واحد نصفها ونصفها الثاني لاربعين رجلا: انه لا زكاة فيها أصلا لا على الذى يملك نصفها، ولا على الآخرين، واحتج في اسقاطه الزكاة عن صاحب الاربعين بأن تلك التى بين اثنين يمكن قسمتها، وهذه لا يمكن قسمتها * فجمع (3) كلامه هذا أربعة أصناف من فاحش الخطأ! * أحدها اسقاطه الزكاة عن مالك أربعين شاة ههنا * والثانى ايجابه الزكاة على مالك أربعين في المسألة الاخرى، ففرق بلا دليل * والثالث احتجاجه في اسقاطه الزكاة هنا بأن القسمة تمكن هنالك، ولا تمكن ههنا، فكان هذا عجبا وما ندرى للقسمة وامكانها أو تعذر امكانها مدخلا في شئ من أحكام الزكاة؟! * والرابع أنه قد قال الباطل، بل ان كانت القسمة هنالك ممكنة فهى ههنا ممكنة وان كانت ههنا متعذرة فهى هنالك متعذرة، فاعجبوا لقوم هذا مقدار فقههم:: * قال أبو محمد: فان قال قائل: فانتم توجبون الزكاة على الشريك في الماشية إذا ملك ما فيه الزكاة في حصته، وتوجبونها على الشريكين في الرقيق في زكاة الفطر، وتقولون فيمن له نصف عبد مع آخر ونصف عبد آخر مع آخر، فاعتق النصفين: أنه لا يجزئانه عن
__________
(1) في النسخة رقم (14) (كانت) (2) هو بالطاء المهملة (3) في النسخة رقم (16) (فجميع) هو خطأ (4 (في النسخة رقم (14) (أو تعذرها) *(6/58)
رقبة واجبة، ومن له نصف شاة مع انسان، ونصف شاة أخرى مع آخر فذبحهما (1): انه لا يجزئه ذلك عن هدى واجب فكيف هذا! * قلنا: نعم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المسلم في فرسه وعبده صدقة الا صدقة الفطر في الرقيق) فقلنا بعموم هذه اللفظة، وقال عليه السلام: (كل خليطين فانهما يترادان بينهما بالسوية) فقلنا بذلك وأوجب رقبة وهدى شاة ولا يسمى
نصفا عبدين رقبة، ولا نصفا شاة شاة وبالله تعالى التوفيق * زكاة الفضة (2) 682 مسألة لا زكاة في الفضة مضروبة كانت أو مصوغة أو نقارا أو غير ذلك حتى تبلغ خمس أواقى فضة محضة، لا يعد في هذا الوزون شئ يخالطها من غيرها فإذا أتمت كذلك سنة قمرية متصلة فيها خمسة دراهم بوزن مكنة، والخمس أواقى هي مائتي درهم بوزن مكة الذى قد ذكرنا قبل في زكاة ا لبر والتمر والشعير، فإذا زادت على ما ذكرنا وأتمت بزيادتها سنة قمرية ففيما زاد قل أو كثر ربع عشرها، وهكذا كل سنة، فان نقص من وزن الاواقى المذكورة ولو فلس فلا زكاة فيها * وان كان فيها خلط، فان غير الخلط شيئا من لون الفضة أو محكها أو رزانتها أسقط ذلك الخلط فلم يعد، فان بقى في الفضة المحضة خمس أواقى زكيت، والا فلا، وإن كان الخلط لم يغير شيئا من صفات الفضة زكيت بوزنها * وهذا كله مجمع عليه الا ثلاثة مواضع، نذكرها إن شاء الله تعالى * قال مالك: إن نقصت المائتا درهم نقصانا تجوز به جواز الوزنة (3) ففيها الزكاة * وقال بعض التابعين: ان نقصت نصف درهم ففيها الزكاة * وقال على بن أبى طالب رضى الله عنه كما روينا من طريق سفيان الثوري عن أبى اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على قال: إذا بغلت مائتي درهم ففيها (4) خمسة دراهم، وان نقص المائتين فليس فيه شئ.
* وهو قول عمر بن الخطاب، وهو قول الحسن البصري، والشعبى، وسفيان الثوري وأبى سليمان، والشافعي *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (فذبحهاء)، وفى النسخة رقم (16) (فذبحوها) وكلاهما خطأ (2) هذا العنوان لا يوجد في النسخة رقم (14) (3) في النسخة رقم (16) (الموزنة).
كذا كانت في النسخة رقم (14) ولكن صححها كاتبها (4) في النسخة رقم (16) (إذا بلغ مائتي درهم ففيه *(6/59)
وقال أبو حنيفة في نقصان الوزون كقول أصحابنا، واضطرب في الخلط يكون فيها * وقال مالك: ان كان في الدراهم خلط زكيت بوزنها كلها * وقال الشافعي، وأبو سليمان كما قلنا * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا مالك ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة (1) عن أبيه عن أبى سعيد الخدرى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس فيما دون خمسة أو سق صدقة، ولا في أقل من خمس من الا بل الذود صدقة، ولا في أقل من خمس أواق (2)، من الورق صدقة) * ورويناه أيضا عن على عن النبي صلى الله عليه وسلم كما حدثنا حمام ثنا أبو محمد الباجى ثنا عبد الله ابن يونس ثنا بقى ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا عبد الله بن نمير عن أبى اسحاق عن عاصم ابن ضمرة عن على عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في أقل من مائتي درهم شئ) * قال أبو محمد: فمنع عليه السلام من أن يجب في أقل من خمس أواق من الورق صدقة، فإذا نقصت ما قل أو كثر فهو أقل من خمس أواقى، فصح يقينا أنه لا شئ فيها، وسواء كان معها خلط يبلغ أزيد من خمس أواقى أو لم يكن، وسقط كل قول مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا مما خالف فيه المالكيون صاحبا لا يعرف له من الصحابة رضى الله عنهم مخالف * وأما إذا لم يغير الخلط شيئا من حدود الفضة وصفاتها فهو فضة، كالخلط يكون في الماء لا يغير شيئا من صفاته، وهكذا في كل شئ لم يغير حد ما صار فيه.
وبالله تعالى التوفيق * واختلفوا فيما زاد على المائتين * فروينا من طريق أبى بكر بن أبى شيبة عن عبد الرحمن بن سليمان عن عاصم الاحول
عن الحسن البصري قال: كتب عمر إلى أبى موسى: فيما زاد على المائتين ففى كل أربعين درهما درهم.
* وهو قول الحسن، ومكحول، وعطاء، وطاوس، وعمرو بن دينار والزهرى وبه يقول أبو حنيفة، والاوزاعي *
__________
(1) هو في البخاري (ج 2 ص 240) (محمد بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة المازنى) وهو هو قال ابن حجر في التهذيب: (ومنهم نسبه إلى جده يعنى عبد الرحمن ومنهم من نسب عبد الله يعنى أباه إلى جده، والجمع واحد) (2) ما هنا هو الذى في النسخة رقم (14) وهو الموافق للبخاري: وفى النسخة رقم (16) (اواقى)(6/60)
وحدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن أبى اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب قال: في مائتي درهم خمسة دراهم، فما زاد فبحساب ذلك * وبه إلى معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: ما زاد على المائتين فبالحساب * وهو هو إبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز، ومحمد بنى سيرين، وسفيان الثوري والحسن بن حى، ووكيع، وأبى يوسف، ومحمد بن الحسن، وأبن أبى ليلى، ومالك * قال أبو محمد: احتج أهل هذه المقالة بحديث من طريق المنهال بن الجراح وهو كذاب عن حبيب بن نجيج وهو مجهول عن عبادة بن نسى عن ماذ بن جبل: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره حين وجهه إلى اليمن أن لا يأخذ من الكسور شيئا، إذا بلغ الورق مائتي درهم خمسة دراهم، ولا يأخذ مما زاد حتى يبلغ أربعين درهما) (1) * وبما رويناه من طريق يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود الجزرى وهو ساقط مطرح باجماع (2) عن الزهري عن أبى بكربن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (في كل خمس أواق خمسة دراهم، فما زاد ففى كل أربعين درهما درهم) (3) *
وبما رويناه من طريق الحسن بن عمارة وهو ساقط مطرح باجماع عن أبى اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طاللب عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال له: (يا على، أما علمت أنى عفوت (4) عن صدقة الخيل، والرقيق، فأما البقر، والابل، والشاء فلا، ولكن هاتواربع العشر (5)، من كل مائتي درهم خمسة دراهم، ومن كل عشرين دينارا نصف دينار، وليس في مائتي درهم شئ حتى يحول عليها الحول، فإذا حال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، فما زاد ففى كل أربعين درهما درهم (6) * وبما حدثناه حمام قال: ثنا عباس ثنا ابن أيمن أنا مطلب بن شعيب المصرى (7) ثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث قال: حدثنى يونس عن ابن شهاب في الصدقة (8) نسخة كتاب
__________
(1) رواه الدارقطني من طريق اسحق عن المنهال (ص 200) ثم قال: (المنهال ابن الجراح متروك الحديث)، وهو العطوف، اسمه الجراح بن المنهال، وكان ابن اسحق يقلب اسمه إذا روى عنه، وعبادة بن نسى لم يسمع من معاذ).
واما حبيب بن نجيح فقد ذكره ابن حبان في الثقات (2) سبق الكلام عليه في المسألة 673 (3) هذا قطعة من كتاب عمرو بن حزم، وقد بينا مرارا انه صحيح (4) في بعض النسخ (قد عفوت) (5) في النسخة رقم (16) (العشور (6) انظر لفظا قريبا من هذا الحديث ابى داود (ج 2 ص 10 و 11) من طريق جرير وآخر عن ابى اسحق، ولعل هذا الآخر هو الحسن بن عمارة (7) هو مروزى ولد بمصر وسكن فيها، وكان ثقة في الحديث، مات يوم الاحد النصف من المحرم سنة 283 (8) في النسخة رقم (16) (في الصدقات)!(6/61)
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة، وهى عند آل عمر بن الخطاب أقر أنيهاسالم بن عبد الله بن عمر، فوعيتها على وجهها، فذكر صدقة الابل، فقال: (فإذا كانت احدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة (1)) ثم قال: (ليس فيا لورق صدقة حتى تبلغ مائتي درهم، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، ثم في كل أربعين زادت على مائتي درهم (2) درهم) * حدثناه أيضا عبد الله بن ربيع قال ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال ثنا أحمد بن خالد
ثنا على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا عبد الله بن عمر النميري (3) ثنا يونس بن يزيد سمعت الزهري قال: هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة، وهى عند آل عمر ابن الخطاب، أقرأنيها سالم بن عبد الله، فوعيتها على وجهها، وهى التى نسخ عمر بن عبد العزيز حين أمر على المدينة، فأمر عماله بالعمل بها، فذكر فيها صدقة الابل، وفيها: (فإذا كانت احدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل، حتى تبلغ عشرين ومائة، وفاذا كانت ثلاثين ومائة ففيها حقة وابنتا لبون، حتى تبلغ تسعا وثلاثين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة، ففيها حقتان وابنة لبون، حتى تبلغ تسعا وأربعين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق، حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة، فإذا بغلت ستيت ومائة ففيها أربع بنات لبون، حتى تبلغ تسعا وستين ومائة، فإذا بلغت سبعين ومائة ففيها حقة وثلاث بنات لبون، حتى تبلغ تسعا وسبعين ومائة، فإذا بغلت ثمانين ومائة ففيها حتقان وابنتا لبون، حتى تبلغ تسعا وثمانين ومائة فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وابنة لبون، حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق، أو خمس بنات لبون، أي السنين وجدت فيها أخذت) وذكر صدقة الغنم، قال الزهري: (وليس في الرقة صدقة حتى تبلغ مائتي درهم، فإذا بغلت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم) ثم قال: (في كل أربعين درهما زاد على المائتي درهم درهم، وليس في الذهب صدقة حتى يبلغ صرفها مائتي درهم، فإذا بلغ صرفها مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، ثم في كل شئ منها يبلغ صرفه أربعين درهما درهم، حتى تبلغ أربعين دينارا ففيها دينار، ثم ما زاد على ذلك من الذهب ففى كل صرف أربعين درهما درهم، وفى كل أربعين دينارا دينار (4)) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عمرو بن عون
__________
(1) كلمة (ومائة) سقطت من النسخة رقم (16) (2) في النسخة رقم (16) (مائتين درهم) وهو خطأ (3) بضم النون وفتح الميم، وهو ثقة (4) انظر المستدرك (ج 1 ص 393 و 394) والدار قطني (ص 209 و 210) *(6/62)
أخبرنا أبو عوانة عن أبى اسحاق السبيعى عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد عفوت عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة، من كل أربعين درهما درهم، وليس في تسعين ومائة شئ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم) * هذا كل ما موهوا به من الآثار، قد تقصيناه (1) لهم أكثر مما يتقصونه لانفسهم * واحتجوا بأن قالوا: قد صحت الزكاة في الاربعين الزائدة على المائتين باجماع، واختلفوا فيما بين المائتين وبين الاربعين، فلا تجب فيها زكاة باختلاف * وقالوا من جهة القياس: لما كانت الدراهم لها نصاب لا تؤخذ الزكاة من أقل منه، وكانت الزكاة تتكرر فيها كل عام أشبهت المواشى، فوجب أن يكون فيها أوقاص كما في المواشى ولم يجز أن تقاس على الثمار والزرع، لان الزكاة هنا لك مرة في الدهر لا تتكرر، بخلاف العين والماشية * هذا كل ما شغبوا به من نظر وقياس * وكل ما احتجوا به من ذلك لا حجة لهم في شئ منه، بل هو حجة عليهم، على ما نبين ان شاء الله تعالى * أما حديث معاذ فساقط مطرح، لانه عن كذاب واضح للاحاديث، عن مجهول * وأما حديث أبى بكر بن عمر وبن حزم فصحيفة مرسلة، ولا حجة في مرسل، وأيضا فانها عن سليمان بن داود الجزرى، وهو ساقط مطرح * ثم لو صح كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في الرقة ربع العشر) زائدا على هذا الخبر، والزيادة لا يحل تركها، لانه ليس في هذا الخبر الا أن في كل أربعين درهما درهم فقط، وليس فيه أن لا زكاة فيما بين المائتين وبين الاربعين * وأما حديث الحسن بن عمارة فساقط، للاتفاق على سقوط الحسن بن عمارة * ولو صح لكانوا قد خالفوه، فانهم يرون الزكاة في الخيل السائمة وفى الخيل والرقيق المتخذين للتجارة، وفى هذا الخبر سقوط الزكاة عن كل ذلك جملة، فمن أقبح سيرة ممن يحتج بخبر ليس
فيه بيان ما يدعى، وهو يخالفه في نص ما فيه؟! * ولو صح هذا الخبر لكان قوله عليه السلام: (في الرقة ربع العشر، زائدا، والزيادة لا يجوز تركها * وأما حديث الزهري فمرسل أيضا، ولا حجة في مرسل، والذى فيه من حكم زكاة الورق والذهب (2) فانما هو كلام الزهري، كما أوردناه آنفا من رواية الحجاج بن المنهال *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (تقصيناها) (2) في النسخة رقم (14) (من حكم الزكاة، الورق والذهب) *(6/63)
والعجب كل العجب تركهم مافى الصحيفة التى رواها الزهري نصا من صفة زكاة الابل، واحتجاجهم بما ليس منها!، وخالفوا الزهري أيضا فيما ذكر من زكاة الذهب بالقيمة وهذا تلاعب بالديانة وبالحقائق وبالعقول! * وأما حديث على الذى ختمنا به فصحيح مسند، ولا حجة لهم فيه، بل هو حجة عليهم، لان فيه: (قد عفوت عن الخيل والرقيق) وهم يرون الزكاة في الخيل السائمة والتى للتجارة وفي الرقيق الذى للتجارة، ومن الشناعة احتجاجهم بحديث هم أول مخالف له في نص ما فيه (1)! * ولا دليل فيه على ما يقولون لوجهين: * أحدهما أن نصه: (هاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهم، وليس في تسعين ومائة شئ فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم) ونعم، هكذا هو، لان في المائتين أربعين مكررة خمس مرات، ففيها خمسة دراهم، ونحن لا ننكر أن في أربعين درهما زائدا درهم (2)، وليس في هذا الخبر إسقاط الزكاة عن أقل من أربعين زائدة على المائتين، فلا حجة لهم فيه * وايضا فهم يقولون: ان الصاحب إذا روى خبرا ثم خالفه فهو دليل على ضعف ذلك الخبر، كما ادعوا في حديث (3) أبى هريرة في غسل الاناء من ولوغ الكلب سبعا
وقد صح عن على كما ذكرنا في صدر هذه المسألة أن ما زاد على مائتي درهم فالزكاة فيه بحساب المائتين، فلو كان في رواية على ما يدعونه من إسقاط الزكاة عما بين المائتين والاربعين الزائدة لكان قول على بايجاب الزكاة في ذلك على أصلهم مسقطا لما روى من ذلك (4) والقوم متلاعبون! * قال أبو محمد: فسقط كل ما موهوابه من الآثار، وعادت حجة علهيم كما أوردنا * وأما قولهم: قد صحت الزكاة في الاربعين الزائدة على المائتين باجماع، واختلفوا فيما دون الاربعين، فلا تجب الزكاة فيها باختلاف: فان هذا كان يكون احتجاجا صحيحا لو لم يأت نص بايجاب الزكاة في ذلك، ولكن هذا الاستدلال يعود عليهم في قولهم في زكاة الخيل وزكاة البقر وما دون خمسة أوسق مما أخرجت الارض والحلى وغير ذلك، ويهدم عليهم أكثر مذاهبهم *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (وهم اول مخالف لنص ما فيه) (2) في النسخة رقم (14) (درهما) وهو لحن وكلمة (زالدا) سقطت رقم (16) ومقتضى السياق اثباتها (3) في النسخة رقم (14) (في رواية حديث) (4) هنا في النسخة رقم (14) زيادة (على اصلهم) وهو تكرار *(6/64)
وأما قياسهم زكاة العين على زكاة المواشى بعلة تكرر الصدقة في كل ذلك كل عام بخلاف زكاة الزرع: فقياس فاسد، بل لو كان القياس حقا لكان قياس العين على الزرع أولى لان المواشى حيوان، والعين، والزرع، والتمر ليس شئ من ذلك حيوانا، فقياس زكاة ما ليس حيا (1) على زكاة ما ليس حيا أولى من قياس ما ليس حيا على حكم الحى * وأيضا فان الزرع، والتمر، والعين كلها خارج من الارض، وليس الماشية كذلك، فقياس ما خرج من الارض على ما خرج من الارض أولى من قياسه على ما لم يخرج من الارض *
وأيضا فانهم جعلوا وقص الورق تسعة وثلاثين درهما، وليس في شئ من الماشية وقص من تسعة وثلاثين، فظهر فساد قياسهم، وبالله تعالى التوفيق.
فسقط كل ما موهوا به * ثم وجدنا الرواية عن عمر رضى الله عنه بمثل قولهم لا تصح، لانها عن الحسن عن عمر والحسن لم يولد الا لسنتين باقيتين من خلافة عمر، فبقيت الرواية عن على، وابن عمر رضى الله عنهما بمثل قولنا، ولا يصح عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم خلاف لذلك * قال أبو محمد: فإذا لم يبق لاهل هذا القول متعلق نظرنا في القول الثاني * فوجدنا ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا محمد بن عبد الله الانصاري قال حدثنى أبى هو عبد الله بن المثنى ثنا ثمامة بن أنس بن مالك ان أنسا (2) حدثه: ان أبا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التى فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم) فذكر الحديث وفيه: (وفى الرقة ربع عشرها (3)، فان لم تك الا تسعين ومائة فليس فيها شئ الا أن يشاء ربها) * فاوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم الصدقة في الرقة، وهى الورق، ربع العشر عموما، لم يخص من ذلك شيئا الا ما كان أقل من خمس أواقى، وفبقى ما زاد على ذلك على وجوب الزكاة فيه، فلا يجوز تخصيص شئ منه (4) أصلا وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (حيوانا) (2) في النسخة رقم (14) (ان اباه) وما هنا هو الموافق للبخاري (ج 2 ص 238) (3) في البخاري (ربع العشر) (4) في النسخة رقم (16) (منها) *(6/65)
زكاة الذهب (1) 683 مسألة قالت طائفة: لا زكاة في أقل من أربعين مثقالا من الذهب الصرف الذى لا يخالطه شئ بوزن مكة، سواء مسكوكه وحليه ونقاره (2) ومصوغه، فإذا بلغ أربعين مثقالا كما ذكرنا وأتم في ملك المسلم الواحد عاما قمريا متصلا ففيه ربع عشره، وهو مثقالا، وهكذا في كل عام، وفى الزيادة على ذلك إذا أتم اربعين
مثقالا أخرى وبقيت عاما كاملا دينار آخر وهكذا أبدا في كل أربعين دينارا زائدة دينار، وليس في الزيادة شى زائد حتى تتم أربعين دينارا * فان كان في الذهب خلط لم يغير لونه أو رزانته أو حده (3)، سقط حكم الخلط فان كان فيما بقى العدد المذكور زكى، وإلا فلا، فان نقص من العدد المذكور ماقل أو كثر فلا زكاة فيه، وفى كثير مما ذكرنا اختلاف نذكره ان شاء الله تعالى * قال جمهور الناس: بايجاب الزكاة في عشرين دينارا لا أقل * وروينا عن عمر بن عبد العزيز ما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى ثنا على ابن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القسام بن سلام ثنا سعيد بن عفير (4) عن مالك بن أنس عن يحيى ابن سعيد الانصاري عن رزيق بن حيان (5) قال: كتب إلى عمر بن عبد العزيز: أنظر من مربك من المسلمين فحذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون في التجارات من كل أربعين دينارا دينارا، وما نقص فبسحاب ذلك، حتى تبلغ عشرين دينارا، فان نقصت ثلث دينار فدعها * قال أبو محمد: فهذا عمر بن عبد العزيز يرى في الذهب أن فيها الزكاة (6) وان نقصت، فان نقصت ثلث دينار فلا صدقة فيها * وقال مالك: ان نقصت نقصانا تجوز به جواز الموازنة زكيت، وإلا فلا، وقال: ان كان في الدنانير الذهب وحل يالذهب خلط زكى الدنيانير بوزنها *
__________
(1) هذا العنوان من النسخة رقم (16) ولا يوجد في النسخة رقم (14) (2) النقرة بضم النون وإسكان القاف من الذهب والفضة: القطعة المذابة، وجمعها (نقار) بكسر النون.
(3) في النسخة رقم (14) (لم يغير لونه ولا رزانته ولاحده) (4) عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء: وسعيد هو ابن كثيربن عفير المصرى، ولد سنة 146 ومات سنة 226 وقال الحاكم: (يقال ان مصر لم تخرج أجمع للعلوم منه) وفى النسخة رقم (16) (سعيد بن عبيد) وهو خطأ (5) رزيق بضم الراء وفتح الزاى، وحيان بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء المثناة: وقد اختلف في ضبط اسم رزيق هذا فضبطه البخاري وغيرهما بتقديم الراء كما قلنا، وضبطه أبو زرعة الدمشقي بتقدم الزاى على الراء: وهو الموافق للنسخة (16)، والاول أرجح (6) الذهب يذكر ويؤ نث *(6/66)
وقال الشافعي: لا يزكى إلاما فضل عن الخلط من الذهب المحض، ولا يزكى ما نقص عن عشرين دينارا، لا بما قولا بما كثر * وقال أبو حنيفة وغيره: الزكاة في عشرين دينارا نصف دينار، فان زادت فلا صدقة فيها حتى تبلغ الزيادة أربعة دنانير، فإذا زادت أربعة دنانير ففيها ربع عشرها، وهكذا أبدا وقال مالك، والشافعي: ما زاد قل أو كثر ففيه ربع عشره * وروينا عن بعض التابعين: أنه لا زكاة فيما زاد حتى تبلغ الزيادة عشرين دينارا (1) وهكذا أبدا * وروينا عن الزهري وعطاء: أن الزكاة إنما تجب في الذهب بالقيمة، كما حدثنا عبد الله ابن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا عبد الله بن عمر النميري ثنا يونس بن يزيد الايلى قال سمعت الزهري يقول: ليس في الذهب (2) صدقة حتى يبلغ صرفها مائتي درهم، فإذا بلغ صرفها مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، ثم في كل شئ منها يبلغ صرفه أربعين درهما درهم، حتى تبلغ أربعين دينارا، ففيها دينار، ثم ما زادت على ذلك من الذهب ففى صرف كل أربعين درهما درهم، وفى كل أربعين دينارا دينار (3) * حدثنا احمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال عطاء وعمرو بن دينار: لا يكون في مال زكاة حتى يبلغ عشرين دينارا، فإذا بلغ عشرين دينارا ففيها نصف دينار، ثم في كل أربعة دنانير يزيدها المال درهم، حتى يبلغ المال أربعين دينارا، ففى كل أربعين دينارا دينار.
قال ابن جريج: فلما كان بعد ذلك بحين قلت لعطاء: لو كان لرجل تسعة عشر دينارا ليس له غيرها والصرف اثنا عشر أو ثلاثة عشر بدينار، فيها صدقة..؟ قال: نعم، إذا كانت لو صرفت بلغت ما ئتى درهم، انما كانت إذ ذلك الورق (4) ولم يكن ذهب * وممن قال بأن لا زكاة في الذهب إلا بقيمة ما يبلغ مائتي درهم فصاعدا من الورق
سليمان بن حرب الواشحى (5) * قال أبو محمد: أما من قال: لم يكن يومئذ ذهب فحطأ، كيف هذا؟! والله عزوجل يقول: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) والاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كون الذهب عندهم كثيرة جدا، كقوله عليه السلام
__________
(1) في النسخة رقم (16) (مثقالا) (2) كلمة (صدقة) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (3) انظر حديث الزهري بطوله في المسألة السابقة 682 (2) في النسخة رقم (16) (الوزن) وهو تحريف المعجمة والحاء المهملة، نسبه إلى واشح) حى من الازد.
وفى الاصلين بالجيم وهو تصحف *(6/67)
(الذهب حرام على ذكور أمتى حل لا ناثها) واتخاذه عليه السلام خاتما من ذهب ثم رمى به، وغير ذلك كثير * وايجاب الزكاة في الذهب بقيمة الفضة قول لا دليل على صحته من نص ولا إجماع ولا نظر، فسقط هذا القول وبالله تعالى التوفيق * ثم نظرنا هل صح في ايجاب الزكاة في الذهب شئ أم لا؟ * فوجدنا ما حدثناه حمام قال ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وفيه (من كانت له ذهب أو فضة لم يؤد ما فيها جعلت له يوم القيامة صفائح من نار فوضعت على جنبه (1) وظهره وجبهته، حتى يقضى بين الناس، ثم يرى سبيله) * فوجبت الزكاة في الذهب بهذا الوعيد الشديد، فوجب طلب الواجب في الذهب الذى من لم يؤده عذب هذا العذاب الفظيع، نعوذ بالله منه، بعد الاجماع المتيقن المقطوع به على أنه عليه السلام لم يرد كل عدد من الذهب، ولا كل وقت من الزمان، وأن الزكاة انما تجب في عدد معدود، وفى وقت محدود، فوجب فرضا طلب ذلك
العدد وذلك الوقت * فوجدنا من حد في ذلك عشرين دينارا احتج بما رويناه من طريق ابن وهب: أخبرني جرير بن حازم وآخر عن أبى اسحاق عن عاصم بن ضمرة والحارث الاعور عن على عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر كلاما، وفيه (وليس عليه شئ حتى يكون يعنى في الذهب لك عشرون دينارا (2) فإذا كان لك عشرون دينارا (3) وحال عليها الحول فيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك) قال: لا أدرى، أعلى يقول (بحساب ذلك) أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ * ومن طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عمارة عن أبى إسحق عن عاصم بن ضمرة عن على قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن كل عشرين دينارا نصف دينار) *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (جبينه) وهو تصحيف وانظر الحديث في مسلم (ج 1 ص 270) والشوكانى (ج 4 ص 172) وجمع الفوائد (ج 1 ص 141) (2) في النسخة رقم (14) (حتى يكون يعنى في الذهب ذلك عشرون دينارا) وفى النسخة رقم (16) (في ذلك) بزيادة (في) وكلاهما خطأ وما هنا الصواب المقارب لما في ابى داود (ج 2 ص 10 و 11)) من طريق ابن وهب (3) في النسخة رقم (16) (فإذا كان ذلك عشرون دينارا) وهو خطأ ولجن والذى في أبى داود (حتى تكون) (فإذا كانت) *(6/68)
ومن طريق ابن أبى ليلى عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب ولافى أقل من مائتي درهم صدقة) * ومن طريق أبى عبيد عن يزيد (1) عن حبيب بن أبى حبيب عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن (2) الانصاري إن في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى كتاب (3) عمر في الصدقة: (أن الذهب لا يؤخذ منها شئ حتى تبلغ عشرين دينارا، فإذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار) * وذكر فيه قوم من طريق عبد الله بن واقد عن ابن عمر عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن في عشرين دينارا الزكاة) *
قال على: هذا كل ما ذكروا في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * وأما عمن دونه عليه السلام فروينا من طريق الليث بن سعد عن يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس (4) قال: ولانى عمر الصدقات، فأمرني أن آخذ من كل عشرين دينارا نصف دينار، فما زاد فبلغ أربعة دنانير ففيه درهم * ومن طريق وكيع: ثنا سفيان الثوري عن أبى إسحق عن عاصم بن ضمرة عن على قال: ليس في أقل من عشرين دينارا شئ، وفى عشرين دينارا نصف دينار، وفى أربعين دينارا دينار * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن حماد بن أبى سليمان عن إبراهيم النخعي قال: كان لامرأة عبد الله بن مسعود طوق فيه عشرون مثقالا فأمرها أن تخرج عنه خمسة دراهم * ومن طريق وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن الشعبى قال: في عشرين مثقالا نصف مثقال، وفى أربعين (5) مثقالا مثقال * ومن طريق عبد الله بن احمد بن حنبل عن أبيه: ثنا هشيم والمعتمر بن سليمان قال هشيم: أنا منصور، ومغيرة، قال منصور: عن ابن سيرين، وقال مغيرة، عن ابراهيم وقال المعتمر: عن هشام عن الحسن، ثم اتفق الحسن، وابن سيرين، وإبراهيم، قالوا
__________
(1) في النسخة رقم (16) (زيد) وهو خطأ (2) في النسخة رقم (16) (محمد بن عبد الله) وهو خطأ، وقد سبق هذا الاسناد (3) في النسخة رقم (16) (في كتاب) بحذف الواو، وهو خطأ (4) في النسخة رقم (14) (عن حميد بن أنس) وهو خطأ، فانه حميد بن ابى الطويل التابعي المعروف بروايته عن انس (5) في النسخة رقم (14) (وفى كل أربعين) *(6/69)
كلهم: في عشرين دينارا نصف دينار، وفى أربعين دينارا دينار * وقد ذكرناه في أول الباب عن عمر بن عبد العزيز *
ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة: ثنا يحيى بن عبد الملك بن أبى غنية (1) عن أبيه عن الحكم هو ابن عتيبة أنه كان لا يرى في عشرين دينارا زكاة حتى تكون عشرين مثقالا، فيكون فيها نصف مثقال * وقد ذكرناه قبل عن عطاء، وعمروبن دينار، وذكرنا رجوع عطاء عن ذلك * قال أبو محمد: ما نعلم عن أحد ممن التابعين غير ما ذكرنا * فأما كل ما ذكروا فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يصح منه شئ ولو صح لما استحللنا خلافه، وأعوذ بالله من ذلك * أما حديث على الذى صدرنا به فان ابن وهب عن جرير بن حازم عن أبى اسحاق قرن فيه بين عاصم بن ضمرة وبين الحارث الاعور، والحارث كذاب، وكثير من الشيوخ يجوز عليهم مثل هذا، وهو أن الحارث أسنده، وعاصم لم يسنده، فجمعهما جرير، وأدخل حديث أحدهما في الآخر، وقد رواه عن أبى اسحاق عن عاصم عن على شعبة، وسفيان، ومعمر، فأوقفوه على على، وهكذا كل ثقة رواه عن عاصم (2) * وقد روى حديث الحارث وعاصم زهير بن معاوية (3) فشك فيه، كما حدثنا عبد الله ابن ربيع ثنا عمربن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلى ثنا زهير ابن معاوية ثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة، وعن الحارث عن على، قال زهير: أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر صدقة الورق،: (إذا كانت (4) مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فعلى حساب ذلك) وقال في البقر: (في كل ثلاثين تبيع، وفى كل أربعين مسنة، وليس على العوامل شئ) وقال في الابل: (في خمس وعشرين خمس (5) من الغنم، فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض، فان لم تكن فابن لبون ذكر) قال زهير: وفى حديث عاصم: (إذا لم يكن في الابل بنت مخاض ولا ابن لبون فعشرة دراهم أو شاتان) * قال على: قد ذكرنا أنه حديث هالك، ولو أن جريرا أسنده عن عاصم وحده لاخذنا به، لكن لم يسنده إلا عن الحارث معه، ولم يصح لنا إسناده من طريق عاصم، ثم لما شك
__________
(1) بفتح الغين المهجمة وكسر النون وتشديد الياء المفتوحة (2) سيرجع المؤلف عن هذا الرأى في آخر المسألة ويرجح ان الحديث مسند صحيح وأن ما قاله هنا (هو الظن الباطل الذى لا يجوز) (3) في النسخة رقم (16) (وقد روى الحارث وعاصم وزهير بن معاوية) وهو خطأ خلط (4) في النسخة رقم (14) (كان) وهو خطأ وما هنا الموافق لابي داود (ج 2 ص 10) في سنن ابى داود (خمسة) *(6/70)
زهير فيه بطل إسناده * ثم يلزم من صححه أن يقول بكل ما ذكرنا فيه، وليس من المخالفين لنا طائفة إلا وهى تخالف ما فيه، ومن الباطل أن يكون بعض ما في الخبر حجة وبعضه غير حجة، فبطل تعلقهم بهذا الخبر * وأما خبر الحسن بن عمارة فالحسن مطرح * وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فصحيفة مرسلة، ورواه أيضا ابن أبى ليلى وهو سئ الحفظ * فان لجواعلى عادتهم وصححوا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا وافقهم فليستمعوا! * روينا من طريق داود بن أبى هند عن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها) * ومن طريق حسين (1) المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يجوز لامررأة عطية إلا باذن زوجها) * ومن طريق العلاء بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عند جده عن النبي عليه السلام (أنه قضى في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية) * وعن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثما نمائة دينار ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب على النصف من
دية المسلم، وكانت كذلك حتى استخلف عمر، فقام خطيبا ففرضها على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثنى عشر ألف درهم، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفى شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية) * وعن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الابل، ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وعشرون ابن لبون ذكر، وعشرون حقة، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل البقر مائتي بقرة يعنى في الدية ومن كانت ديته في الشاء فألفا شاة * وكل هذا فجيمع الحنفية والمالكية والشافعية مخالفون لاكثره، ولو أردنا أن نزيد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لامكن ذلك، وفي هذا كفاية
__________
(1) في النسخة رقم (16) (حسن) وهو خطأ *(6/71)
ولا أرق دينار ممن يوثق رواية إذا وافقت هواه، ويوهنها إذا خالفت هواه! فما يتمسك فاعل هذا من الدين الا بالتلاعب! * وحديث محمد بن عبد الرحمن مرسل وعن مجهول أيضا * وأما حديث ابن عمر فعبدالله بن واقد مجهول (1) * فسقط كل ما في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصح منه شئ * وأما ما روى في ذلك عن الصحابة رضى الله عنهم فلا يصح عن عمر لان راويه يحيى ابن أيوب وهو ضعيف، وقد روينا عن عمر ما هو أصح من هذا، وكلهم يخالفونه * كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن هشام بن حسان وسفيان الثوري، ومعمر قال هشام: عن أنس بن سيرين، وقال سفيان، ومعمر: عن أيوب السختيانى عن أنس بن سيرين، ثم اتفقوا كلهم عن أنس بن سيرين قال: بعثنى أنس ابن مالك عن الابلة فأخرج إلى كتابا من عمر بن الخطاب: (خذ من المسلمين من كل أربعين
درهما درهما (2) ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما درهما (3) وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهما)) * فهذا أنس، وعمر بأصح إسناد يمكن فان تأولوا فيه تأويلا لا يقتضيه ظاهره فماهم بأقوى على ذلك من غيرهم فيما يحتجون به.
وما يعجز أحد عن أن يقول: إنما أمرعم في العشرين دينارا بنصف دينار كما أمر في الرقيق والخيل بعشرة دراهم من كل رأس: إذا طابت نفس مالك كل ذلك به، والا فلا! * وأما الخبر في ذلك عن ابن مسعود فمرسل، ولا يأخذ به المالكيون ولا الشافعيون، ومن الباطل أن يكون قول ابن مسعود حجة في بعض حكمه ذلك ولا يكون حجة في بعضه، والمسامحة في الدين هلاك * وأما قول على فهو صحيح، وقد روينا عن على من هذه الطريق نفسها أشياء كثيرة قد ذكرناها، منها: في كل خمس وعشرين من الابل خمسا من الغنم، وكلهم مخالف لهذا، ومن الباطل أن يكون قول على حجة في مكان غير حجة في آخر * فبطل كل ما تعلقوا به من آثار الصحابة رضى الله تعالى عنهم *
__________
(1) كيف يكون مجهولا وهو عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر؟! فابن عمر جده لابيه، وهو ثقة روى عن جده عبد الله، مات سنة 119 وحديثه هذا الدارقطني (ص 199) من طريق ابراهيم بن اسمعيل بن مجمع عن عبد الله بن عمر عن ابن عمر وعائشة، فجعله، من حديثهما معا لا من حديث ابن عمر عن عائشة كما نقل ابن حزم (2) في النسخة رقم (14) (درهما درهم) وهو لحن (3) في النسخة رقم (14) (درهم)) وهو لحن *(6/72)
ثم حتى لو صحت هذه الآثار كلها عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الصحابة رضى الله عنهم: لكانوا مخالفين لها، لان الحنيفيين والمالكيين يقولون: إن كانت عشرة دنانير ومائة درهم ففيها الصدقة، وكل هذه الآثار تبطل الزكاة عن أقل من عشرين دينارا، وهم يوجبونها في أقل من عشرين دينارا، فصارت كلها حجة عليهم، وعاد ما صححوا من
ذلك قاطعا بهم أقبح قطع! ونعوذ بالله من الخذلان * والمالكيون يوجبونها في عشرين دينارا ناقصة إذا جازت جواز الموازنة، وهذا خلاف ما في هذه الاخبار كلها * وأما التابعون فقد اختلفوا كما ذكرنا، وصح عن الزهري وعطاء: أنه لا يزكي من الذهب بالذهب إلا أربعين دينارا، لا أقل، ثم كذلك إذا زادت أربعين دينارا، ورأوا الزكاة فيما دون ذلك وما بين كل أربعين وأربعين بعدها بالقيمة وكانت القيمة قولا لا يوجبه قرآن ولاسنة ولا اجماع ولا قول صاحب وولا دليل أصلا، فسقط هذا القول * وقد حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن على الباجى ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقى بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا حماد بن مسعدة عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني عن الحسن البصري قال: ليس في أقل من اربعين دينارا شئ * قال أبو محمد: فصحت الزكاة في أربعين من الذهب ثم في كل أربعين زائدة بالاجماع المتيقن المقطوع به فوجب القول به ولم يكن في إيجاب الزكاة في أقل من ذلك ولا فيما بين النصابين قرآن ولاسنة صحيحة ولا إجماع، ولا يجوز أن تؤخذ الشرائع في دين الاسلام إلا بأحذ هذه الثلاثة.
وبالله تعالى التوفيق * قال على: فليس إلا هذا القول أو قول من قال: قد صح أن في الذهب زكاة بالنص الثابت، فالواجب أن يزكى كل ذهب، إلا ذهبا صح الاجماع على اسقاط زكاتها فمن قال هذا فواجب عليه أن يزكى كل ما دون العشرين بالقيمة، وأن يزكى حلى الذهب، وأن يزكى كل ذهب حين يملكه مالكه.
فكل هذا قد قال به جماعة من الائمة الذين هم أجل من أبى حنيفة ومالك، والشافعي * قال أبو محمد: ولم نقل بهذا لما قدمناه من أنه لا يحل أن ينسب إلى الله تعالى ولا إلى رسوله صلى الله عليه وسلم قول الا بيقين نقل صحيح من رواية الاثبات أو بنقل تواتر أو مجمع عليه، وليس شئ من هذه الاحوال موجودا في شئ من هذه الاقوال، وقد قلنا: ان
الاجماع قد صح على أنه عليه السلام لم يوجب الزكاة في كل عدد من الذهب، ولا في كل(6/73)
وقت من الدهر وبالله التوفيق * قال أبو محمد: وأما قول أبى حنيفة فما تعلق بما روى في ذلك عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم، لان الرواية عن عمر رضى الله عنه بأن ما زاد على عشرين دينارا فانه يزكى بالدراهم، وعن ابن مسعود تزكية الذهب بالدراهم، وهذا يخرج على قول الزهري، وعطاء وما وجدنا عن أحد من الصحابة ولامن التابعين أن الوقص في الذهب يزكى بالذهب، فخرج قوله عن أن يكون له سلف * ونسألهم أيضا من أين جعلتم الوقص في الذهب أربعة دنانير؟ وليس هذا في شئ من الآثار التى احتججتم بها، بل الاثر الذى روى عن على في ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله بأن ما زاد على عشرين دينارا فانه يزكى بالحساب، وانما جاء عن عمر في ذلك قول لا يصح ومع ذلك فقد خالفتموه، ورأيتم تزكيته بالذهب ورآه هو بالورق (1) بالقيمة، وقد خالفه على، وابن عمر برواية أصح من الرواية عن عمر (2) * فلا ملجأ لهم الا أن يقولوا: قسناه على الفضة * قال على: وهذا قياس، والقياس كله باطل، ثم لو صح القياس لكان هذا منه قياسا للخطأ على الخطأ وعلى أصل غير صحيح لم يأت به قط قرآن ولاسنة صحيحة ولا رواية سقيمة ولا إجماع من أن كل عشرة دراهم بازاء دينار، وانما هو شئ قالوه في الزكاة، والقطع في السرقة والدية، والصداق، وكل ذلك خطأ منهم، وليس شئ منه صحيحا، على ما بيناه ونبين ان شاء الله تعالى، إذ ليس في شئ من ذلك قرآن ولا سنة صحيحة ولا إجماع وبالله تعالى التوفيق * وبالدليل الذى ذكرنا وجب أن لا يزكي الذهب إلا حتى يتم عند مالكه حولا كما قدمنا * ثم استدركنا فرأينا أن حديث جرير بن حازم مسند صحيح لا يجوز خلافه، وأن الاعتلال فيه بأن عاصم بن ضمرة أو أبا اسحاق أو جريرا خلط اسناده الحارث بارسال
عاصم: هو الظن الباطل الذى لا يجوز، وما علينا من مشاركة الحارث لعاصم، ولا لارسال من أرسله، ولا لشك زهير في شئ وجرير ثقة، فالاخذ بما أسنده لازم وبالله تعالى التوفيق (3) *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (الوزن) وهو تصحيف (2) في النسخة رقم (16) (عن على) وهو خطأ * (3) لله درأبى محمد بن حزم، رأى خطأه فسارع إلى تداركه، وحكم بانه الظن الباطل الذى لا يجوز وهذا شأن المنصفين من اتباع السنة الكريمة وانصار الحق وهم الهداة القادة، وقليل ما هم رحمهم الله جميعا وهنا بحاشية النسخة رقم (14) ما نصبه: (هذا لازم لابي محمد في حديث قتيبة الذى رواه مع خالد المدائني في (صلاة الجمع بتبوك (اه وانظر قول المؤ لف في ذلك واعترضنا عليه في المسألة 335 (ج 3 ص 174 و 175) ثم ان هذه المسألة هي ختام الجزء الثاني من النسخة رقم (16) بدار الكتب وفى آخره ما نصبه: (كمل(6/74)
684 مسألة والزكاة واجبة في حلى الفضة والذهب إذا بلغ كل واحد منهما المقدار الذى ذكرنا وأتم عند مالكه عاما قمريا، ولا يجوز أن يجمع بين الذهب والفضة في الزكاة ولا أن يخرج أحدهما عن الآخر ولا قيمتهما في عرض أصلا، وسواء كان حلى امرأة أو حلى رجل، وكذلك حلية السيف والمصحف والخاتم وكل مصوغ منهما حل اتخاذه أو لم يحل * وقال أبو حنيفة: بوجوب الزكاة في حلى الذهب والفضة * وقال مالك: إن كان الحلى لامرأة تلبسه أو تكريه أو كان لرجل يعده لنسائه فلا زكاة في شئ منه، فان كان لرجل يعده لنفسه عدة (1) ففيه الزكاة، ولا زكاة على الرجل في حليقة السيف، والمنطقة، والمصحف، والخاتم * وقال الشافعي: لا زكاة في حلى ذهب، أو فضة * وجاء في ذلك عن السلف ما قد ذكرناه في الباب الذى قبل هذا عن ابن مسعود من ايجابه الزكاة في حلى امرأته، هو عنه في غاية الصحة *
وروينا من طريق محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي عن علقمة قال قالت امرأة لعبدالله بن مسعود: لى حلى؟ فقال لها: إذا بلغ مائتين ففيه الزكاة * وعن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبى موسى: مر نساء المسلمين يزكين حليهن * ومن طريق جرير بن حازم عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: كان عبد الله بن عمرو بن العاصى يأمر بالزكاة في حلى بناته ونسائه * ومن طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن سالم عن عبد الله بن عمر (2) أنه كان يأمره بذلك كل عام * وعن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة أم المؤمنين قالت (3): لا بأبس بلبس الحلى إذا أعطيت زكاته *
__________
الجز الثاني يوم لتسع بقين من ربيع الاول سنة خمس وسبيعن وسبعمائة على يد الفقير إلى الله تعالى احمد بن سعد الصفطى الشافعي نفعه الله بالعلم انه على كل شئ قدير، وصلى الله على محمد عبده ورسوله وسلم تسليما ويتلوه ان شاء الله تعالى في الجزء الثالث: مسألة والزكاة واجبة في حلى الفضة والذهب) (1) العدة بضم العين وتشديد الدال المهملتين ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح، قاله في اللسان.
وعبارة المدونة (ج 2 ص 6) (وما ورث الرجل من أمه أو من بعض أهله فحبسه للبيع أو لحاجة ان احتاج إليه يرصده لعله يحتاج إليه في المستقبل ليس يحسبه للبس) وهو صريح في تفسير من هنا (2) في النسخة رقم (45) (عبد الله بن عمرو) وهو خطأ (3) في النسخة رقم 45 (قال)) وهو خطأ(6/75)
وهو قول مجاهد، وعطاء، وطاوس، وجابر بن زيد، وميمون بن مهران، وعبد الله ابن شداد، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وذر الهمداني (1) وابن سيرين، واستحبه الحسن * قال الزهري: مضت السنة أن في الحلى الزكاة *
وهو قول ابن شبرمة، والاوزاعي، والحسن بن حى * وقال الليث: ماكان من حلى يلبس ويعار فلا زكاة فيه، وما كان من حلى اتخذ ليحرز من الزكاة ففيه الزكاة * وقال (2) جابر بن عبد الله، وابن عمر: لا زكاة في الحلى * وهو قول أسماء بنت ابى بكر الصديق، وروى أيضا عن عائشة، وهو عنها صحيح، وهو قول الشعبى، وعمرة بنت عبد لرحمن، وابى جعفر محمد بن على، وروى أيضا عن طاوس، والحسن، وسعيد بن المسيب * واختلف فيه قول سفيان الثوري، فمرة رأى فيه الزكاة، ومرة لم يرها * قال أبو محمد: وهنا قول ثالث، وهو قول أنس: ان الزكاة فيه مرة واحدة، ثم لا تعود فيه الزكاة * وروينا عن أبى أمامة الباهلى وخالد بن معدان: ان حلية السيف من الكنوز * وعن ابراهيم النخعي وعطاء (3): لا زكاة في قدح مفضض ولا في منطقة محلاة ولافى سيف محلى * قال على: أما قول مالك فتقسيم غير صحيح، وما علمنا ذلك التقسيم عن أحد قبله، ولا تقوم على صحته حجة من قرآن ولاسنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأى له وجه * والعجب أنهم احتجوا في ذلك بأن الزكاة إنما سقطت عن الحلى المتخذ للنساء لانه مباح لهن، وكذلك عن المنطقة، والسيف، وحلية المصحف، والخاتم للرجال * قال أبو محمد: فكان هذا الاحتجاج عجبا!، ولقد علم كل مسلم ان الدنانير والدراهم ونقار الذهب والفضة: مباح اتخاذ كل ذلك للرجال والنساء فينبغي على هذا ان تسقط الزكاة عن كل ذلك، ان كانت هذه العلة صحيحة!، ويلزم على هذه العلة ان من
__________
(1) ذر بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء (2) من أول المسألة إلى هنا ضاع بتقطيع الوارق من النسخة
رقم (16)، ونقلناه من النسخة رقم (45)، ثم عدنا إلى النسخة رقم (16) مع المقابلة في الكل على النسخة رقم (14) (3) سقط اسم (عطاء) من النسخة رقم (16) *(6/76)
اتخذ (1) مالا زكاة فيه مما لم يبح له اتخاذه ان تكون فيه الزكاة عقوبة له، كما أسقط الزكاة عما فيه الزكاة من الذهب والفضة إذا اتخذ منه حلى مباح اتخاذه! * فان قالوا: انه يشبه متاع البيت الذى لا زكاة فيه من الثياب ونحوها * قلنا لهم: فأسقطوا بهذا لعلة نفسها إن صححتموها الزكاة عن الابل المتخذة للركوب والسنى (2) والحمل والطحن، وعن البقر المتخذة للحرث * وقبل كل شئ وبعد، فمع فساد هذه العلة وتناقضها، ومن أين قلتم بها؟ ومن أين صح لكم ان ما ابيح اتخاذه من الحلى تسقط عنه الزكاة؟ وما هو إلا قولكم جعلتموه حجة لقولكم ولا مزيد! * ثم أين وجدتم إباحة اتخاذ المنطقة المحلاة بالفضة والمصحف المحلى بالفضة للرجال دون السرج واللجام، والمهاميز (3) المحلاة بالفضة؟! * فان ادعوا في ذلك رواية عن السلف ادعوا ما لا يجدونه * وأوجدناهم عن السلف بأصح طريق من طريق البخاري محمد بن اسماعيل في تاريخه عن عبد الله بن محمد المسندى عن سفيان عن اسماعيل بن محمد بن سعيد بن أبى وقاص عن عمه مصعب ابن سعد قال: رأيت على سعد بن أبى وقاص، وطلحة بن عبيدالله وصهيب خواتيم ذهب * وصح أيضا عن البراء بن عازب * فاسقطوا لهذا الزكاة عن خواتميم الذهب الرجال، أو قيسوا حلية السرج واللجام، والدرع والبيضة على المنطقة والسيف، والا فلا النصوص اتبعتم، ولا القياس استعملتم! فسقط هذا القول بيقين * وأما قول الليث ففاسد أيضا، لانه لا يخلو حلى النساء من أن تكون فيه الزكاة أو لا تكون
فيه الزكاة، فان كانت فيه الزكاة ففى كل حال فيه الزكاة، وان كان لا زكاة فيه فما علمنا على من اتخذ مالا زكاة فيه ليحرزه من الزكاة زكاة! ولو كان هذا لوجب على من اشترى بدراهمه دارا أو ضيعة ليحرزها من الزكاة أن يزكيها، وهو لا يقول بهذا * وأما الشافعي فانه علل ذلك بالنماء، فأسقط الزكاة عن الحلى (4) وعن الابل، والبقر والغنم غير السوائم *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ان متى اتخذ) الخ (2) هنا بحاشية النسخة رقم (14) (يعنى السانية) وهو ظاهر انه المراد يشكل ان فعل (سنا) بمعنى سقى واوى، وان مصادره هي (النسو) بضم السين والنون وتشديد الواو (والسناية والسناوة) بكسر السين فيهما (3) المهمز والمهماز حديدة في مؤ خر خف الرائض، جمعه مهامز ومهاميز، قاله القاموس، هو معروف (14) في النسخة رقم (16) (وأسقط ذلك عن الحلى) *(6/77)
قال أبو محمد: وهذا تعليل فاسد، لانه لم يأت به قرآن ولاسنة ولا اجماع ولانظر صحيح، وقد علمنا أن الثمار والخضر تنمى، وهو لا يرى الزكاة فيها، وكراء الابل وعمل البقر ينمى، وهو لا يرى الزكاة فيها، والدراهم لا تمنى إذا بقيت عند مالكها، وهو يرى الزكاة فيها، والحلى ينمى كراؤه وقيمته، وهو لا يرى الزكاة فيه * وأما أبو حنيفة فأوجب الزكاة في الحلى، وأسقط الزكاة عن المستعملة من الالابل والبقر والغنم، وهذا تناقض * واحتج له بعض مقلديه بأن الذهب والفضة قبل أن يتخذ حليا كانت فيهما (1) الزكاة، ثم قالت طائفة: قد سقط عنهما (2) حق الزكاة وقال آخرون: لم يسقط، فوجب أن لا يسقط ما أجمعوا عليه باختلاف * فقلنا: هذه حجة صحيحة، إلا أنها لازمة لكم في غير السوائم، لاتفاق الكل على وجوب الزكاة فيها قبل أن تعلف، فلما علفت اختلفوا في سقوط الزكاة أو تماديها، فوجب أن لا يسقط ما أجمعوا عليه باختلاف *
وقال هذا القائل: وجدنا المعلوفة ننفق عليها ونأخذ منها، ووجدنا السوائم نأخذ منها ولا ننفق عليها، والحلى يؤخذ منه كراؤه (3) وينتفع به ولا ينفق عليه، فكان أشبه بالسوائم منه بالمعلوفة * فقيل له: والسائمة أيضا ينفق عليها أجر الراعى، وهذه كلها أهواس وتحكم في الدين بالضلال! * قال أبو محمد: واحتج من رأى إيجاب الزكاة في الحلى بآثار واهية، لاوجه للاشتغال بها، الا اننا ننبه عليها تبكيتا للمالكيين المحتجين بمثلها وبما هو دونها إذا وافق تقليدهم! وهى * خبر رويناه من طريق خالد بن الحارث عن الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن امرأة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى يدها مسكتان (4) غليظتان من ذهب فقال لها: أتودين زكاة هذا؟ قالت: لا قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ فألقتهما، وقالت: هما لله ولرسوله) (5)
__________
(1) في النسخة رقم (16) (فيه) وفى النسخة رقم (14) (فيها) وصححناه هكذا لقوله بعد: (عنهما) (2) في النسخة رقم (16) (عنها) (3) في النسخة رقم (16) (يأخذ منه كراه) (4) بالميم والسين المهملة المفتوحتين، الواحدة مسكة والجمع مسك، بفتح السين فيهما وهى الاسوارة والخلاخيل (5) رواه من هذا اللفظ أبو داود (ج 2 ص 4) ورواه أيضا النسائي (ج 5 ص 38) كلاهما من طريق حسين المعلم عن عمرو: وعندهما ان المسكين كانتا في يد ابنة للمرأذة: ورواه الترمذي (ج 1 ص 81 هند) من طريق ابن لهيعة عن عمرو، وفيه (ان امرأتين أتتا) الخ *(6/78)
والمالكيون يحتجون برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا وافق أهواءهم، ولم يروه ههنا حجة * وخبر من طريق عتاب عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة أم المؤمنين قالت: (كننت ألبس أوضاحا (1) لى من ذهب، فقلت: يارسول الله أكنزهو؟ قال: ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكى فليس بكنز (2)) *
وعتاب مجهول، الا أن المالكيين يحتجون بمثل حرام بن عثمان، وسواربن مصعب، وهذا خير منه * ومن طريق يحيى بن أيوب عن عبيدالله بن أبى جعفر أن محمد بن عمرو هو ابن عطاء أخبره عن (3) عبد الله بن شداد بن الهاد قال: دخلنا على عائشة أم المؤمنين فقالت: (دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدى سخابا من ورق، فقال: أتؤدين زكاته؟ قلت: لا، أو ما شاء الله تعالى، فقال: هو حسبك (4) من النار * قال أبو محمد: يحيى بن أيوب ضعيف، كالمالكيون يحتجون بروايته، وإذا وافق أهواءهم، ونقول للحنيفيين: أنتم قد تركتم رواية أبى هريرة في غسل الاناء من ولوغ الكلب سبعا من أجل أنكم رويتم من طريق لاخير فيها أنه خالف ما روى من ذلك لا حجة لكم في ترك ذلك الخبر الثابت الا بهذا، ثم أخذتم برواية عائشة هذه التى لا تصح، وهى قد خالفته من أصح طريق، فما هذا التلاعب بالدين؟! * فان قالوا: قد روى عنها الاخذ بما روت من هذا * قلنا لهم: وقد صح عن أبى هريرة الاخذ بما روى في غسل الاناء من ولوغ الكلب * فان قالوا: قد روى زكاة الحلى كما أوردتم غير عائشة، وهو عبد الله بن عمرو (5) *
__________
(1) هو بلضاد المعجمة والحاء المهحملة: نوع من الحلى (2) رواه أبو داود (ج 2 ص 4) من طريق عتاب بن بشير والدار قطني (ص 204 و 205) والحاكم (ج 1 ص 390) كلاهما من طريق محمد بم مهاجر عن ثابت بن عجلانم: فلم يتفرد به عتاب بن بشير كما يوهم صنيع المؤلف وعماب ليس مجهولا كما زعم ابن زعم ابن حزم، بل هو ثقة معروف روى له البخاري: وانما أنكروا عليه أحاديث رواها عن خصيف، ورجع أحمد ان نكارمها انما هي من قبل خصيف، والحديث صححه الحاكم والذهبي على شرط البخاري (3) كلمة (عن) زيادة منم النسخة رقم (14) (4) رواه أبو داود (ج ص 5 4) والدار قطني ص (205) والحاكم (ج 1 ص 389) وعند ابى داود والدار قطني (فتخاب) بدل سخابا) والسخاب بكسر السين وبالخاء المعجمة كل قلادة كانت ذات جوهر أو لم تكن: والفتخة والفتخة بفتح التاء وباسكانها وبالخاء المعجمة فيهما خاتم يكون في اليد والرجل بفص وغير فحص: وقيل هي الخاتم ايا كان، والجمع
فتخ وفتخات بفتح التاء فيهما وفتوخ ايضا والحديث صححه الحاكم والذهبي على شرط الشيخين * (5) في النسخة رقم (16) (وهو عبد الله بن عمر) وهو خطأ، فانه يشير إلى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: فهو حديث عبد الله بن عمرو بن العاص *(6/79)
قلنا لهم: وقد روى غسل الاناء من ولوغ الكلب سبعا غير أبى هريرة، وهو عبد الله بن مغفل، وهذا ما لا انفكاك لهم منه * قال أبو محمد: لو لم يكن الا هذه الآثار لما قلنا (1) بوجوب الزكاة في الحلى، لكن لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (في الرقة ربع العشر) (وليس فيما دون خمس أواقى (2) من الورق صدقة فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم) وكان المحلى ورقا وجب (3) فيه حق الزكاة، لعموم هذين الاثرين الصحيحين * وأما الذهب فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مامن صاحب ذهب لا يؤدى ما فيها الا جعل له يوم القيامة صفائح من نار يكوى بها (فوجبت الزكاة في كل ذهب بهذا النص، وانما تسقط الزكاة من الذهب عمن لابيان في هذا النص بايجابها فيه، وهو لعدد والوقت، لاجماع الامة كلها بلا خلاف منها أصلا على أنه عليه الصلاة والسلام لم يوجب الزكاة في كل عدد من الذهب، ولافى كل وقت من الزمان، فلما صح ذلك ولم يأت نص في العدد والوقت وجب أن لا يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ما صح عنه بنقل آحاد أو بنقل اجماع، ولم يأت اجماع قط بأنه عليه الصلاة والسلام لم يرد الا بعض أحوال الذهب وصفاته، فلم يجز تخصيص شئ من ذلك بغير نص ولا اجماع * فان قيل: فهلا أخذتم بقول أنس في الحلى بهذا الدليل نفسه، فلم توجبوا فيه الزكاة الامرة واحدة في الدهر؟! * قلنا لهم: لانه قذ صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ايجاب الزكاة في الذهب عموما، ولم يخص الحلى منه بسقوط الزكاة فيه، لا بنص ولا باجماع، فوجبت الزكاة بالنص في كل
ذهب وفضة، وخص الاجماع المتيقن بعض الاعداد منهما وبعض الازمان، فلم تجب الزكاة فيهما الا في عدد أوجبه نص أو إجماع، وفى زمان أو جبه نص أو إجماع، ولم يجز تخصيص شئ منهما، وإذ قد عمهما النص، فوجب ان لا يفرق بين أحوال الذهب بغير نص ولا اجماع، وصح يقينا بلا خلاف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوجب الزكاة في الذهب والفضة كل عام، والحلى فضة أو ذهب، فلا يجوز ان يقال: (إلا الحلى) بغير نص في ذلك ولا اجماع، وبالله تعالى التوفيق * وأما الجمع بين الفضة والذهب في الزكاة فان مالكا وأبا يوسف ومحمد بن الحسن قالوا: من كان معه من الدراهم والدنانير ما إذا حسبهما على ان كل دينار بازاء عشرة
__________
(1) في النسخة رقم 14 (ما قلنا) (2) في النسخة رقم 14 (أوراق) (3) في النسخة رقم 14 (فأوجب) *(6/80)
دراهم فاجتمع من ذلك عشرون دينارا أو مائتا (1) درهم: زكى الجميع زكاة واحدة، مثل ان يكون له دينار ومائة وتسعون درهما، أو عشرة دراهم وتسعة عشر دينارا، (2) أو عشرة دنانير ومائة درهم،، وعلى هذا الحكم أبدا.
فان كان له أقل من ذلك فلا زكاة عليه، ولم يلتفتوا إلى غلاء قيمة الدنانير، أو الدراهم أو رخصها، وهو قول أبى حنيفة الاول * ثم رجع فقال: يجمع بينهما بالقيمة، فإذا بلغ قيمة ما عنده منهما جميعا عشرين دينارا أو مائتي درهم فعليه الزكاة، وإلا فلا، فيرى على من عنده دينار واحد يساوى لغلاء الذهب مائتي درهم غير درهم وعنده درهم واحد: أن الزكاة واجبة عليه، ولم ير على من عنده تسعة عشر دينارا ومائتي درهم (3) غير درهم لاتساوى دينارا: زكاة * وقال ابن أبى ليلى، وشريك، والحسن بن حى، والشافعي، وأبو سليمان: لا يضم ذهب إلى ورق أصلا، لا بقيمة ولا على الاجزاء، فمن عنده مائتا درهم غير حبة وعشرون دينارا غير حبة: فلا زكاة عليه فيهما، فان كمل أحدهما نصابا زكاه ولم يزك الآخر *
قال أبو محمد: واحتج من رأى الجمع بينهما بأنهما أثمان الاشياء * قال على: فيقال له: والفلوس قد تكون أثمانا أيضا، فزكها على هذا الرأى الفاسد، والاشياء كلها قد يباع بعضها ببعض، فتكون أثمانا، فزك العروض بهذه العلة * وأيضا: فمن لكم بأنهما لما كانا أثمانا للاشياء (4) وجب ضمهما في الزكاة؟! فهذه علة لم يصححها قرآن، ولا سنة، ولا رواية فاسدة، ولا اجماع، ولاقول صاحب، ولا قياس يعقل، ولا رأى سديد، وانما هي دعوى في غاية الفساد * وأيضا: فإذ (5) صححتموها فاجمعوا بين الابل والبقر في الزكاة، لانهما يؤكلان وتشرب ألبانهما، ويجزئ كل واحد منهما عن سبعة في الهدى نعم، واجمعوا بينهما وبين الغنم في الزكاة، لانها كلها تجوز في الاضاحي وتجب فيها الزكاة! * فان قيل: النص فرق بينهما * قلنا: والنص فرق بين الذهب، والفضة في الزكاة، ولا يخلو الذهب، والفضة من أن يكونا جنسا واحدا (6) أو جنسين، فان كانا جنسا واحدا فحرموا بيع أحدهما بالآخر
__________
(1) في النسخة رقم (16) (مائتي درهم) وهو لحن (2) في النسخة رقم (16) (أو تسعة عشر دينارا) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (16) (أو مائتي درهم) وهو خطأ (4) كلمة (لاشياء) ليست في النسخة رقم (14) (5) في النسخة رقم (14) (فان) (6) في النسخة رقم (16) (وحدو هو لحن) *(6/81)
متفاضلا، وان كانا جنسين فالجمع بين الجنسين لا يجوز، إلا بنص وارد في ذلك * ويلزمهم الجمع بين التمر، والزبيب في الزكاة، وهم لا يقولون: هذ ا لانهما قوتان حلوان فظهرر فساد هذا القول بيقين * وأيضا: فيلزم من رأى الجمع بينهما بالقيمة أن يزكى في بعض الاوقات دينارا أو درهما فقد شاهدنا الدينار (1) يبلغ بالاندلس أزيد من مائتي درهم، وهذا باطل شنيع جدا! * ويلزم من رأى الجمع بينهما بتكامل الاجزاء أنه إن كان الذهب رخيصا أو غاليا فانه
يخرج الذهب عن الذهب، والفضة بالقيمة، أو تخرج الفضة عن الذهب والفضة بالقيمة وهذا ضد ما جمع به بينهما، فمرة راعى القيمة لا الاجزاء، ومرة راعى الاجزاء لا القيمة، في زكاة واحدة وهذا خطأ بيقين * ولا فرق بين هذا القول وبين من قال: بل أجمع الذهب مع الفضة بالقيمة وأخرج عنهما أحدهما بمراعاة الاجزاء، وكلاهما تحكم بالباطل * وايضا فيلزمه إذا اجتمع له ذهب وفضة تجب فيهما عنده الزكاة وكان الدينار قيمته أكثر من عشرة دراهم فانه ان أخرج ذهبا عن كليهما فانه يخرج ربع دينار وأقل عن زكاة عشرين دينارا، وهذا باطل عندهم، وإن أخرج دراهم عن كليهما وكان الدينار لا يساوي إلا أقل من عشرة دراهم وجب أن يخرج أكثر من عشرة دراهم عن مائتي درهم، وهذا باطل باجماع * فان قالوا: إنكم تجمعون بين الضأن، والماعز في الزكاة، وهما نوعان مختلفان * قلنا: نعم لان الزكاة جاءت فيهما (2) باسم يجمعهما، وهو لفظ (الغنم) و (الشاء) ولم تأت الزكاة في الذهب، والفضة بلفظ يجمعهما، ولو لم تأت الزكاة في الضأن الا باسم (الضأن) ولا في الماعز الا باسم (الماعز) لما جمعنا بينهما، كما لم نجمع بين البقر والابل (3)، ولو جاءت الزكاة في الذهب والفضة بلفظ واسم جامع بينهما لجمعنا بينهما * قال أبو محمد: وهم مجمعون على أن الذهب غير الفضة، وأنه يجوز بيع درهم من أحدهما بمائة من الآخر، وأن أحدثهما حلال للنساء والرجال، والآخر حلال للنساء حرام على الرجال، وهم مقرون أن الزكاة خ لا تجب في أقل (4) من مائتي درهم، ولا
__________
(1) في النسخة رقم (16) (الدنانير)) وهو خطأ (2) في النسخة رقم (14) (لان الزكاة فيهما جاءت) * (3) في النسخة رقم (14) (الابل والبقر) (4) في النسخة رقم (16) (وهم مقرون ان لا تجوز في أقل) الخ وهو خطأ ظاهر *(6/82)
في أقل من عشرين دينارا، ثم يوجبونها في عشرة دنانير ومائة درهم! وهذا تناقض
لاخفاء به * قال أبو محمد: وحجتنا في أنلا يحل الجمع بينهما في الزكاة هو قول رسول الله صلى الله عليه وزسلم: (ليس فيما دون خمس أواق (1) من الورق صدقة) فكان من جمع بين الذهب، والفضة قد أوجب الزكاة في أقل من خمس أواق (2) وهذا خلاف مجرد لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) وشرع لم يأذن الله تعالى به وهم يصححون الخبر في اسقاط الزكاة في أقل من عشرين دينارا ثم يوجبونها في أقل، وهذا عظيم جدا! وقد صح عن على، وعمر، وابن عمر اسقاط الزكاة في أقل من مائتي درهم، ولا مخالف لهم من الصحابة رضى الله عنهم وبالله تعالى التوفيق * وأما اخراج الذهب عن الورق والورق عن الذهب فان مالكا وأبا حنيفا أجازاه (4) ومنع منه الشافعي، وأبو سليمان، وبه نأخذ، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (في الرقة ربع العشر، وفى مائتي درهم خمسة دراهم) فمن أخرج غير ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باخراجه فقد تعدى حدود الله، ومن يطع الرسول فقد أطاع الله، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، ولم يأت بما أمر، ومن لم يأت بما أمر فلم يزك * وأما الامة كلها فمجمعة على أنه ان أخرج في زكاته الذهب (5) فقد أدى ما عليه، ووافق ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم * واختلفوا فيمن أخرج فضة عن ذهب، أو عرضا عن أحدهما، أو غير ما جاء به النص (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) (6) فيما عداهما فلا يجوز أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكما بغير نص ولا إجماع.
وبالله تعالى التوفيق * المال المستفاد 685 مسألة قال أبو محمد: صح عن ابن عباس إيجاب الزكاة في كل مال يزكى حين يملكه المسلم * وصح عن ابن عمر: لا زكاة فيه حتى يتم حولا *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (أواقى) (2) في النسخة رقم (16) (اواقى) (3) في النسخة رقم (14) (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) (4) في النسخة رقم (16) (أجازه) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (14) (وأما الذهب فالامة كلها مجمعة على انه ان أخرج في زكاتها الذهب) الخ، وما هنا اصح وأقوم (6) قوله (عن رسو لالله صلى الله عليه وسلم) ليس في النسخة رقم (14) بل هو من النسخة رقم (16) *(6/83)
وقال أبو حنيفة: لا يزكي المال المستفاد إلا حتى يتم حولا إلا إن كان عنده مال يجب في عدد ما عنده منه الزكاة في أول الحول: فانه إن اكتسب بعد ذلك ولو قبل تمام الحول بساعة شيئا قل أو كثر من جنس ما عنده: فانه يزكى المكتسب مع الاصل، سواء عنده الذهب، والفضة، والماشية، والاولاد وغيرها * وقال مالك: لا يزكى المال المستفاد إلا حتى يتم حولا، وسواء كان عنده ما فيه الزكاة من جنسه أو لم يكن، إلا الماشية، فان ما استفاد منها شيئا بغير ولادة منها، فان كان الذى عنده منها نصابا: زكى الجميع عند تمام الحول وإلا فلا، وإن كانت من ولادة زكى الجميع بحنول الامهات (1)، سواء كانت الامهات نصابا أولم تكن * وقال الشافعي: لا يزكى مال مستفاد مع نصاب كان عند الذى استفاده من جنسه البتة، إلا أولاد الماشية مع أمهاتها فقط إذا كانت الامهات نصابا والافلا * قال أبو محمد: وقد ذكرنا قبل فساد هذه الاقوال كلها، ويكفى من فسادها أنها كلها مختلفة! وكلها دعا ومجردة، وتقاسيم فاسدة متناقضة، لا دليل على صحة شئ منها، لامن قرآن ولامن سنة صحيحة، ولامن رواية سقيمة، ولا من إجماع ولا من قياس، ولا من رأى له وجه * وقال أبو حنيفة: من كان عنده مائتا درهم في أول الحول فلما كان بعد ذلك بيوم تلفت كلها أو انفقها إلا درهما واحدا فانه بقى عنده، فلما كان قبل تمام الحول بساعة اكتسب مائة درهم وتسعة وتسعين درهما: فالزكاة عليه في الجميع (2) لحول التى
تلفت، فلو لم يبق منها ولا درهم فلا زكاة عليه فيا اكتسب ولو أنها مائة الف درهم حتى يتم لها حول * فياليت شعرى! ما شأن هذا الدرهم؟! وما قوله لو (3) لم يبق إلا فلس؟! وكذلك قوله فيمن عنده نصاب من ذهب، أو من بقر، أو من إبل، أو من غنم ثم تلفت كلها إلا واحدة ثم اكتسب مكن جنسها قبل الحول ما يتم بما بقى عنده النصاب؟! وهذا قول يغنى ذكره عن تكلف الرد عليه * ولئن كانت الزكاة باقية في الدرهم الباقي فان الزكاة واجبة فيه وان لم يكتسب غيره نعم، وفيما اكتسب إليه ولو أنه درهم آخر! ولئن كانت الزكاة غير باقية فيه فان الواجب عليه استئناف الحول بما اكتسب معه * وممن روى عنه تعجيل من الفائدة ابن مسعود، ومعاوية، وعمر بن عبد العزيز * (هامشض) * (1) في النسخة رقم (14) (لحلول الامهات) (2) في النسخة رقم (4) (للجميع) (3) في النسخة رقم (16 (ولم وهو خطأ(6/84)
والحسن، والزهرى * وممن صح عنه: لا زكاة في مال حتى يتم له حول (1): على، وأبو بكر الصديق، وعائشة أم المؤمنين، وابن عمر، وقد ذكرناها في باب ذكرنا أولاد الماشية * وأما تقسيم أبى حنيفة، ومالك، والشافعي فلا يحفظ عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم، نعم، ولاعن أحد من التابعين * قال أبو محمد: كل فائدة فانما تزكى لحولها، لا لحول ما عنده من جنسها وان اختلطت عليه الاحوال * تفسير ذلك (3): لوان امرءا ملك نصابا وذلك مائتا درهم من الورق، أو أربعين دينارا من الذهب، أو خمسا من الابل، أو خمسين من البقر ثم ملك بعد ذلك بمدة قريبة
أو بعيدة، إلا أنها قبل تمام الحول من جنس ما عنده أقل مما ذكرنا، أو ملك أربعين شاة ثم ملك في الحول تمام مائة وعشرين: فان كان ما اكتسب لا يغير ما كان عليه من الزكاة فانه يضم التى ملك إلى ما كان عنده، لانها لا تغير حكم ما كان عليه من الزكاة، فيزكى ذلك لحول التى كانت عنده (4) ثم يستأنف الجميع حولا، فان استفاد في داخل الحول ما يغير الفريضة فيما عنده، إلا أن تلك الفائدة لو انفردت لم تجب فيها الزكاة وليس ذلك إلا في الورق خاصة على كل حال، وفى سائر ذلك في بعض الاحوال: فانه يزكى الذى عنده وحده لتمام حوله، وضم (5) حينئذ الذى استفاده إليه لا قبل ذلك واستأنف بالجميع حولا * مثل: من كان (6) عنده مائة شاة وعشرون شاة ثم استفاد شاة فأكثر، أو كان عنده تسع وتسعون بقرة فأفاد بقرة فأكثر، أو كان عنده تسع من الابل فأفاد واحدة فأكثر أو تسع وسبعون دينارا فأفاد دينارا فأكثر، لان الذى يبقى بعد الذى زكى لا زكاة فيه، ولا يجوز أن يزكى مال (7) مرتين في عام واحد * فلو ملك نصابا كما ذكرنا.
ثم ملك في داخل الحول نصابا أيضا من الورق أو الذهب أو الماشية فانه يزكى كل مال لحوله، فانه رجع الاول منهما إلى مالازكاة فيه فإذا حال حول الفائدة زكاها ثم ضم الاول حينئذ إلى الآخر، لان الاول قد صار لا زكاة فيه،
__________
(1) في النسخة رقم (16) (حتى يحول عليه الحول) (2) في النسخة رقم (16) (فانها) (3) في النسخة رقم (16) (من جنسها فان اختلطت عليه الاحوال فتفسير ذلك) وما هنا أصح (4) في النسخة رقم (16) فيزكى ذلك الحول كانت عنده) وهو خطأ صرف (5) في النسخة رقم (14) (ضم) بدون الواو، وهو خطأ (6) في النسخة رقم (16) (ثم من كان)) الخ وهو خطأ (7) في النسخة رقم (16) (مالا) *(6/85)
ولا يجوز أن يزكيه مع ما قد زكاه من المال الثاني، فيكون يزكى الثاني مرتين في عام، ويستأنف بالجميع حولا *
فان رجع المال الثاني مالا زكاة فيه وبقى الاول نصابا فانه يزكيه إذا حال حوله، ثم يضم الثاني إلى الاول من حينئذ لما قد ذكرنا فيستأنف بهما حولا * فلو خلطهما فلم يتميزا فانه يزكى كل عدد منهما لحوله، ويجعل ما أخرج من ذلك كله نقصانا (1) من المال الثاني، لانه لا يوقن بالنقص إلا بعد إخراج الزكاة من الثاني، وأما قبل ذلك فلا يقين عنده بأن أحدهما نقص، فلا يزال كذلك حتى يرجع كلاهما إلى ما يوقن أن أحدهما قد نقص ولابد عما فيه الزكاة * وذلك مثل أن يرجع الغنمان إلى أقل من عشرين ومائة، لانه لا يجوز أن يزكى عن هذا العدد بشاتين، أو أنه قد رجع البقران إلى أقل من مائة، والذهبان إلى أقل من ثمانين دينارا، والابلان إلى أقل من عشرة، والفضتان إلى أقل من أربعمائة درهم * فإذا رجع المالان إلى ما ذكرنا فقد يمكن أن النقص دخل في كليهما، ويمكن أن يكون دخل في أحدهما، إلا أنه بلا شك قد كان عنده مال تجب فيه الزكاة، فلا تسقط عنه بالشك فإذا كان هذا ضم المال الثاني إلى الاول فزكى الجميع لحول الاول أبدا، حتى يرجع الكل إلى ما لا زكاة فيه * فلو اقتنى خمسا من الابل أو أكثر إلا أنه عدد يزكى بالغنم ثم اقتنى في داخل الحول عددا يزكى وحده لو انفرد إما بالغنم وإما بالابل فانه يزكى ما كان عنده عند تمام حوله بالغنم، ثم ضمه إثر ذلك إلى ما استفاد، إذ لا يجوز أن يكون إنسان واحد عنده ابل له قد تم لجميعها حول فيزكى بعضها بالغنم وبعضها بالابل، لانه خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في زكاة الابل * فلو ملك خمسا وعشرين من الابل ثم ملك في الحول احدى عشرة زكى الاول لحولها بنت مخاض، ثم ضمها إلى الفائدة من حينئذ على كل حال فزكى الجميع لحول من حينئذ مستأنف ببنت لبون، لما ذكرنا من أنه لا تختلف زكاة ابل واحدة لمالك واحد.
وهكذا في كل شئ *
فان قيل: فانكم تؤخرون زكاة بعضها عن حوله شهورا (2) * قلنما: نعم، لاننا لا نقدر على غير ذلك البتة، الا باحداث زكاتين في مال واحد، وهذا خلاف النص، وتأخير الزكاة إذا لم يمكن (3) التعجيل مباح لا حرج فيه.
__________
(1) في النسخة رقم (16) (نقصا) (2) في النسخة رقم (16) شهرا) (3) في النسخة رقم (16) (يكن) وهو خطأ(6/86)
وبالله تعالى التوفيق * 686 مسألة (1) من اجتمع في ماله زكاتان فصاعدا وهو حى؟ * قال أبو محمد: تؤدى كلها لكل سنة على عدد ما وجب عليه في كل عام، وسواء كان ذلك لهروبه بماله، أو لتأخير (2) الساعي، أو لجهله، أو لغير ذلك، وسواء في ذلك العين والحرث، والماشية، وسواء أتت الزكاة على جميع ماله أو لم تأت وسواء رجع ماله بعد أخذ الزكاة منه إلى مالا زكاة فيه أو لم يرجع، ولا يأخذ الغرماء شيئا حتى تستوفى الزكاة * وقال مالك: إن كان ذلك عينا ذهبا، أو فضة فانه تؤخذ منه زكاة كل سنة (3) حتى يرجع الوزن إلى مائتي درهم، والذهب إلى عشرين دينارا، فتؤخذ الزكاة لسنة واحدة، ثم لا شئ عليه لما بعد ذلك من السنين * وان كانت زكاة زرع فرط فيها سنين أخذت كلها وان اصطلمت جميع ماله * وان كانت ماشية، فان كان هو هرب إمام الساعي فان الزكاة تؤخذ منه على حسب ما كان عنده في كل عام، فإذا رجع ماله باخراج الزكاة إلى ما لا زكاة فيه لم يؤخذ منه شئ لسائر ما بقى من الاعوام، وان كان الساعي هو الذى تأخر عنه فانه تؤخذ منه زكاة ما وجد بيده لكل عام خلا، سواء كان بيده فيما خلا أكثر أو أقل، ما لم يخرج إلى مالازكاة فيه (4)، فإذا رجع إلى ما لا زكاة فيه لم يؤخذ مه شئ * وقال أبو حنيفة فيمن كان له عشر من الابل عامين لم يؤد زكاتها (5): إنه يزكى
للعام الاول شاتين، وللعام الثاني شاة واحدة * وقال هو ومحمد بن الحسن فيمن كان عنده مائتا درهم لا مال له غيرها فلم يزكها سنتين فصاعدا: انه لا زكاة عليه، لان الزكاة صارت عليه دينار فيها! هذا نص كلامه * وقال أبو يوسف: عليه زكاتها لعام واحد فقط * وقال زفر: عليه زكاتها لكل عام أبدا، وبه يقول أبو سليمان وأصحابنا * قال أبو محمد: أما قول مالك فظاهر التناقض، وتقسيم فاسد، لا برهان على صحته لانه دعوى بلا دليل.
وما العجب الامن رفقهم بالهارب أمام المصدق! وتحريهم العدل فيه! وشدة حملهم على من تأخر عنه الساعي، فيوجبون عليه زكاة الف
__________
(1) لفظ (مسألة) زيادة من النسخة رقم (14) (2) في النسخة رقم (16) (لتأخر) * (3) في النسخة رقم (16) (الزكاة كل سنة) وما هنا أصح (4) في النسخة رقم (14) (ما لم يخرج الا مالا زكاة فيه) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (16) (زكاتها) (6) في النسخة رقم (16) (وتحريم العدل) وهو خطأ فاحش *(6/87)
ناقة لعشر سنين، ولم يملكها الا سنة واحدة، وانما ملك في سائر الاعوام خمسا من الابل فقط! واحتجوا في هذا بأن هكذا زكى الناس إذ أجمعوا على معاوية * قال أبو محمد: وهم قد خالفوا معاوية في أخذ الزكاة من الاعطية ومعه ابن مسعود، وقلدوا ههنا سعاة من لا يعتد به، كمروان، وسعيد بن العاصى وما هنالك: ومعاذ الله أن تؤخذ الزكاة (1) من إبل لم يملكها المسلم وتعطل (2) زكاة قد أوجبها الله تعالى * وأما قول ابى يوسف فانه محمول على أن الزكاة في العين وغيرها في المال نفسه، لا في الذمة، وهذا أمرقد بينا فساده قبل، وأوضحنا أنها في الذمة لا في العين ولو كانت في العين لما اجزأه أن يعطى الزكاة من غير ذلك المال نفسه، وهذا أمر مجمع على خلافه، وعلى أن له أن يعطيها من حيث شاء، فإذ صح أنها في الذمة فلا يسقطها عنه ذهاب ماله، ولا رجوعه إلى مالا زكاة فيه *
واحتج بعضهم بأن امرءا لو باع (3) ماشيته بعد حلول الزكاة فيها ان للساعي أخذ الزكاة من تلك الماشية المبيعة * قال أبو محمد: وهذا باطل، وماله ذلك، لانها قد صارت مالا من مال المشترى، ولا يحل أن تؤخذ زكاة من عمرو لم تجب عليه وانما وجبت على زيد، لكن يتبع البائع بها دينا في ذمته، وبالله تعالى التوفيق * 687 مسألة فلو مات الذى وجبت عليه الزكاة سنة، أو سنتين فانها من رأس ماله، أقربها أو قامت عليه بينة، ورثه ولده أو كلالة، لا حق للغرماء، ولا للوصية ولا للورثة حتى تستوفى كلها، سواء في ذلك العين والماشية والزرع.
وهو قول الشافعي، وأبى سليمان وأصحابهما * وقال أبو حنيفة: من مات بعد وجوب الزكاة في ذهبه وفضته فانها تسقط بموته، لا تؤخذ (4) أصلا، سواء مات (5) اثر الحول بيسير أو كثير، أو كانت كذلك لسنين * وأما زكاة الماشية فانه روى عنه ابن المبارك: أنه يأخذها المصدق منها، وان وجدها بأيدى ورثته * وروى عنه أبو يوسف: انها تسقط بموته * واختلف قوله في زكاة المثار والزرع: فروى عنه عبد الله بن المبارك: انها تسقط بموته، وروى عنه محمد بن الحسن عن أبى يوسف عن أبى حنيفة: انها تؤخذ بعد موته،
__________
(1) في النسخة رقم (16) (زكاة) (2) في النسخة رقم (16) (أو تعطل) (3) في النسخة رقم (14) (واحتج بعضهم: لو أن امرء ا باع) الخ.
(4) في النسخة رقم (14) (ولا تؤخذ) (5) في النسخة رقم (14) (باثر)(6/88)
ويرى ان قوله المذكور في الماشية، والزرع انما هو في زكاة تلك السنة فقط، فأما زكاة فرط فيها حتى مات فانه يقول: بأنها تسقط عنه * وقال مالك فيمن مات بعد حلول الزكاة في ماله أي مال كان، حاشا
المواشى: فانها تؤخذ من رأس ماله، فان كان فرط فيها أكثر من عام فلا تخرج عنه الا أن يوصى بها، فتكون من ثلثه مبداة على سائر وصاياه كلها، حاشا التدبير في الصحة، وهى مبداة على التدبير في المرض * قال: وأما المواشى فانه ان حال الحول عليها ثم مات قبل مجئ الساعي ثم جاء الساعي فلا سبيل للساعي عليها، وقد بطلت، إلا أن يوصى بها، فتكون في الثلث غير مبداة على سائر الوصايا * واختلف قول الاوزاعي في ذلك: فمرة رآها من الثلث، ومرة رآها من رأس المال * قال أبو محمد: أما قول أبى حنيفة، ومالك ففى غاية الخطأ، لانهما أسقطا بموت المرء دينا لله تعالى وجب عليه في حياته، بلا برهان أكثر من أن قالوا: لو كان ذلك لما شاء انسان ان لا يورث ورثته شيئا إلا أمكنه! * فقلنا: فما تقولون في انسان أكثر من إتلاف أموال الناس ليكون ذلك دينا عليه ولا يرث ورثته شيئا، ولو أنها ديون يهودى أو نصراني في خمور أهرقها لهم؟! * فمن قولهم: إنها كلها من رأس ماله، سواء ورث ورثته أو لم يرثوا، فنقضوا علتهم بأوحش نقض! أسقطوا حق الله تعالى الذى جعله للفقراء، والمساكين من المسلمين، والغارمين منهم، وفى الرقاب منهم، وفى سبيله تعالى، وابن السبيل فريضة من الله تعالى: وأوجبوا ديون (1) الآدميين وأطعموا الورثة الحرام! * والعجب كله من إيجابهم الصلاة بعد خروج وقتها على العامد لتركها، وإسقاطهم الزكاة ووقتها قائم عن المتعمد لتركها! * ثم تقسيم مالك بين المواشى وغير المواشى، وبين زكاة عامه ذلك وسائر الاعوام، فرأى زكاة عامه من رأس المال، وان لم يبق للورثة شئ يعيشون منه، ولم ير زكاة سائر الاعوام إلا ساقطة! * ثم تفريقه بين الزكاة الناض يوصى بها فتكون في الثلث وتبدى على الوصايا الا على
التدبير (2) في الصحة وتبدى على التدبير في المرض: وبين زكاة الماشية يوصى بها
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ديون الناس) (2) في النسخة رقم (16) (لا على التدبير) وهو خطأ)(6/89)
فتكون في الثلث ولا تبدى على الوصايا، وهذه أشياء غلط فيها من غلط وقد الخير، وإنما العجب ممن انشرج صدره لتقليد قائلها! ثم استعمل نفسه في إبطال السنن الثابتة نصرالها! قال أبو محمد: ويبين صحة قولنا وبطلان قول المخالفين قول الله عزوجل في الموارثث (1) (من بعد وصية يوصى بها أو دين) فعم عزوجل الديون كلها، والزكاة دين قائم لله تعالى، وللمساكين، والفقراء، والغارمين وسائر من فرضها تعالى لهم في نص القرآن * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا احمد بن عمر الوكيعى، وأبو سعيد الاشج، قال الوكيعى: ثنا حسين بن على عن زائدة، قال أبو سعيد ثنا أبو خالد الاحمر (2) ثم اتفق زائدة، وأبو خالد الاحمر كلاهما عن الاعمش عن مسلم البطين، والحكم بن عتيبة وسلمة ابن كهيل، قال مسلم البطين: عن سعيد بن جبير، وقال الحكم وسلمة: سمعنا مجاهدا ثم اتفق سعيد بن جبير، ومجاهد عن ابن عباس قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ان أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دين، أكنت قاضيه عنها؟! قال: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى) قال أبو خالد: في روايته عن الاعمش عن مسلم البطين، والحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير، ومجاهد وعطاء عن ابن عباس، وذكر زائدة في حديثه أن الاعمش سمعه من الحكم، وسلمة، ومسلم (3) * ورويناه أيضا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن أبى بشر جعفر بن أبى وحشية قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره، وفيه
أنه عليه الصلاة والسلام قال: (فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء) * فهؤلاء عطاء، وسعيد بن جبير، ومجاهد يروونه عن ابن عباس، فقال: هؤلاء بآرائهم بل دين الله تعالى ساقط! ودين الناس أحق أن يقضى! والناس أحق بالوفاء! * قال أبو محمد: ويسألون عن الزكاة أفى الذمة هي أم في عين المال؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث * فان قالوا: في عين المال، فقد صح أن أهل الصدقات شركاء في ذلك المال، فمن أين وجبت أن يبطل حقهم وتبقى دين اليهود والنصارى؟ وان قالوا: في الذمه فمن أين أسقطوها بموته؟! ولا يختلفون ان اقرار الصحيح لازم في رأس المال (4)، فمن
__________
(1) قوله (في المواريث) سقط من النسخة رقم (16) (خالد الاحمر) وهو خطأ (3) هو في صحيح (ج 1 ص 315) (4) في النسخة رقم (16) (ماله) *(6/90)
أين وقع لهم إبطال إقرار المريض؟! * فان قالوا: لانه وصية، كذبوا وتناقضوا! لان الاقرار ان كان وصية فهو من الصحيح أيضا من الثلث، وإلا فهاتوا فرقا بين المريض والصحيح! * وان قالوا: لاننا نتهمه، قلنا: فهلا اتهمتم الصحيح فهو أحق بالتهمة؟! لا سيما المالكيين الذين يصدقون قول المريض في دعواه أن فلانا قتله، ويبطلون اقراره في ماله، وهذه أمور كما ترى! ونسأل الله العافية * روينا من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري في الرجل يموت ولم يؤد زكاة ماله: أنها تؤخذ من ماله إذا علم بذلك، وقال ربيعة: لا تؤخذ (1) وعليه ما تحمل * ومن طريق ابن أبى شيبة: ثنا جرير عن سليمان التيمى عن الحسن، وطاوس: انهما قال في حجة الاسلام والزكاة: هما (2) بممنزلة الدين * قال على: وللشافعي قول آخر: ان كل ذلك يتحاص مع ديون الناس *
قال على: وهذا خطأ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دين الله أحق أن يقضى) * قال على: وهذا مما خالفوا فيه القرآن والسنن الثابتة التى لا معارض لها والقياس، ولم يتعلقوا بقول صاحب نعلمه * 688 مسألة ولا يجزئ أداء الزكاة إذا أخرجها المسلم عن نفسه أو وكيله بأمره إلابنية أنها الزكاة المفروضة عليه، فان أخذها الامام، أو ساعيه، أو أميره، أو ساعيه فبنية كذلك، لقول الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما الاعمال بالنيات) * فلو أن امرءا أخرج زكاة مال له غائب فقال: هذه زكاة مالى إن كان سالما، وإلا فهى صدقة تطوع: لم يجزه ذلك عن زكاة ماله ان كان سالما، ولم يكن تطوعا لانه لم يخلص النية للزكاة محضة كما أمر، وانما يجزئه إن أخرجها على أنها زكاة ماله فقط، فان (3) كان المال سالما أجزأه، لانه أداها كما أمر مخلصا لها، وان كان المال قد تلف، فان قامت له بينة فله أن يسترد ما أعطى، وان فاتت (4) أدى الامام إليه ذلك من سهم الغارمين لانهم أخذوها وليس لهم أخذها، فهم غارمون بذلك، وهذا كمن شك: عليه
__________
(1) في النسخة رقم (16) (تؤ خذ) بحذف لا وهو خطأ (2) كلمة (هما) سقطت من النسخة رقم (16) (3) في النسخة رقم (16) (وان) (4) في النسخة رقم (16) (فاتوا) وهو خطأ *(6/91)
يوم من رمضان أم لا؟ وهل عليه صلاة فرض أم لا؟ فصلى عدد ركعات تلك الصلاة وقال: ان كنت أنسيتها فهى هذه، والا فهى تطوع، وصام يوم فقال: ان كان على يوم فهو هذا، والا فهو تطوع فان هذا لا يخرجه عن تلك الصلاة ولا عن ذلك اليوم ان ذكر بعد ذلك أنهما عليه * 689 مسألة من خرج المال عن ملكه في داخل الحول قبل تمامه بأى وجه خرج
عن ملكه ثم رجع إليه بأى وجه رجع إليه، ولو إثر خروجه بطرفة عين أو أكثر: فانه يستأنف به الحول من حين رجوعه، لامن حين الحول الاول، لان ذلك الحول قد بطل ببطلان الملك ومن الباطل ان يعد عليه وقت كان فيه المال لغيره * وكذلك من باع إبلا بابل، أو بقراببقر، وأو غنما بغنم، أو فضة بفضة، أو ذهبا بذهب: فان حول الذى خرج عن ملكه من ذلك قد بطل، ويستأنف الحول بالذى صار في ملكه من ذلك، لما ذكرنا (1) * وسواء في كل ذلك فعل ذلك فرارا من الزكاة أو لغير فرار، فهو عاص بنيته السوء في فراره من الزكاة (2) * وقال بعض الناس: إن كان فعل ذلك فرارا من الزكاة فعليه الزكاة، ثم ناقض من قرب فقال: من اشترى بدراهمه أو بدنانيره عقارا أو متاعا فرارا من الزكاة فلا زكاة عليه فيما اشترى * قال أبو محمد: ومن المحال الذى لم يأمر الله تعالى به أن يزكى الانسان مالام هو في يد غيره لم يحل حوله عنده (3).
قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس الاعليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) (4) * وقلونافى هذا كله هو قول أبى حنيفة، والشافعي، وأبى سليمان * وقال مالك: ان بادل ببقر أو بغنم أو بقرا بغنم فكذلك، سواء فعله فرارا من الزكاة أو لغير فرار، وان بادل ابلا بابل، أو بقرا ببقر، أو غنما بغنم، أو ذهبا بذهب، أو فضة (5) بفضة: فعليه الزكاة عند انقضاء حول (6) الذى خرج عن يده * قال أبو محمد: وهذا خطأ ظاهر، ودعوى لادليل على صحتها، لامن قرآن، ولاسنة
__________
(1) كلمة (ذكرنا) سقطت من النسخة رقم (16) (2) قوله (من الزكاة) سقط من النسخة رقم (16) (3) في النسخة رقم (14) (ما لم يحل حوله عنده) وما هنا احسن جدا (4) قوله (قال تعالى) إلى آخر الآية ليس في النسخة رقم (16) (5) كلمة (فضة) محذوفة من النسخة رقم (16) (6) في النسخة رقم (14) (الحول)
وما هنا أصح، بل هو الصواب *(6/92)
صحيحة (1)، ولا رواية سقيمة، ولا اجماع، ولا قول صاحب، ولا قياس، ولا رأى يصح * ونسأل من قال بهذا: أهذه التى صارت إليه (2) هي التى خرجت عنه؟ ام هي غيرها؟ فان قال: هي غيرها، قيل: فكيف يزكى عن مال لا يملكه؟ ولعلها أموات أو عند كافر (3) * وان: قال بل هي تلك، كابر العيان! صار في مسلاخ من يستسهل الكذب جهارا * فان قال: ليست هي، ولكنها من نوعها، قلنا: نعم، فكان ماذا؟ ومن أين لكم زكاة غير المال الذى ابتداء الحول في ملكه إذا كان من نوعه؟! * ثم يسألون إن كانت الاعداد مختلفة: أي العددين يزكى؟ العدد الذى خرج عن ملكه؟ أم العدد الذى اكتسب؟ ولعل أحدهما ليس نصابا * وهذا كله خطأ لاخفاء به، وبالله تعالى التوفيق وأى شئ قالوا (4) في ذلك كان تحكما وباطلا بلا برهان * فان قالوا: إنه لم يزل مالكا لمائة شاة أو لعشر (5) من الابل أو لمائتي درهم (6) حولا كاملا متصلا * قلنا: إنما الزكاة تجب في ذمة المسلم عن مال ملكه بعينه حنولا كاملا من كل ما ذكرنا بلا خلاف، فعليكم البرهان في وجوب الزكاة عن عدد بغير عينه لكن في أعيان مختلفة، وهذا ما لا سبيل إلى وجدوه، إلا بالدعوى.
وبالله تعالى التوفيق * 690 مسألة ومن تلف ماله أو غصبه غاصب أو حيل بينه وبينه فلا زكاة عليه فيه (7) أي نوع كان من أنواع المال، فان رجع إليه يوما ما استأنف به (8) حولامن حينئذ، ولا زكاة عليه (9) لما خلا، فلو زكاه الغاصب ضمنه كله، وضمن ما أخرج منه (10) في الزكاة * لانه لا خلاف (11) بين الامة كلها في أن صاحب المال إن أحب أن يودى الزكاة من
نفس المال الذى وجبت فيه الزكاة لامن غيره كان ذلك له، ولم يكلف الزكاة من سواه (12) ما لم يبعه هو أو يخرجه عن ملكه باختياره، فانه حينئذ يكلف أداء الزكاة من عند نفسه، فسقط بهذا الاجماع تكليفه اداء زكاة من عند نفسه، ثم لما صح ذلك، وكان غير قادر على اداء الزكاة من نفس المال المغصوب، وأو المتلف، أو الممنوع منه:
__________
(1) كلمة (صححية) زيادة من النسخة رقم (16) (2) في النسخة رقم (16) (غلبه) وهو خطأ (3) كذا في الاصلين (4) في النسخة رقم (16) (قال) وهو خطأ أو لعشرين) (6) في النسخة رقم (16) (والمائتي درهم) وهو خطأ (7) في النسخة رقم (16) (في) وهو خطأ (8) گلمة (به) زيادة (خرج) النسخة رقم (16) (9) كلمة (عليه) زيادة من النسخة رقم (14) (10) في النسخة رقم (16) (خرج) (11) في النسخة رقم (16) (ولا خلاف) (12) (من سواه) زيادة من النسخة رقم (14) *(6/93)
سقط عنه ما عجز عنه من ذلك بخلاف ما هو قادر على إحضاره واستخراجه من مدفنه هو أو وكيله وما سقط ببرهان لم يعد إلا بنض أو إجماع * وقد كانت الكفار يغيرون على سرح المسلمين في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما كلف قط أحدا زكاة ما أخذه الكافر من ماله * وقد سيرق المال ويغصب فيفرق ولا يدرى أحد مكانه، فكان تكليف أداء الزكاة عنه (1) من الحرج الذى قد أسقطه الله تعالى، إذ يقول: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * وكذلك تغلب الكفار على بلد نخل، فمن المحال تكليف ربها أداء زكاة ما أخرجت * وأما الغاصب فانه عليه التصرف في مال غيره، بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (2): (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فاعطاؤه الزكاة (3) من مال غيره تعدى منه، فهو ضامن لما تعدى فيه.
قال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وقال أبو حنيفة: بمثل هذا كله، الا أنه قال: ان كان المال المدفون بتلف مكانه (4) في منزله أدى زكاته، وان كان خارج منزله فلا زكاة عليه فيه.
وهذا تقسيم فاسد
ما نعلم أحدا قاله قبله * وقال مالك: لا زكاة عليه فيه، فان رجع إليه (5) زكاة لسنة واحدة فقط وان غاب عنه سنين.
وهذا قول ظاهر الخطأ، وما نعلم لهم حجة، إلا انهم قلدوا في ذلك عمر ابن عبد العزيز في قوله له رجع إليه، وكان قال قبل ذلك، بأخذ الزكاة منه لكل سنة خلت * والعجب أنهم قلدوا عمر ههنا، ولم يقلدوه في رجوعه إلى القول بالزكاة في العسل وإنما قال عمر بالقول الذى قلدوه فيه لانه كان يرى الزكاة في المال المستفاد حين يفاد فحالفوه ههنا وهذا كله تخليط! * وقال سفيان: في أحد قوليه وأبو سليمان: عليه الزكاة لكل سنة خلت * وقد جاء عن عثمان، وابن عمر إيجاب الزكاة في المقدور عليه، فدل ذلك (6) على أنهما لا يريان الزكاة في غير المقدور عليه، ولا مخالف لهما من الصحابة رضى الله عنهم * وقولنا في هذا هو قول قتادة، والليث وأحد قولى سفيان، وروى أيضا عن عمر بن عبد العزيز *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (فكان تكيف الزكاة منه) (2) في النسخة رقم (16) (لقوله صلى الله عليه وسلم) (3) في النسخة رقم (16) (فاعطاء الزكاة) (4) في النسخة (فكأنه) وهو تصحيف (5) في النسخة رقم (16) (عليه) (6) كلمة (ذلك) زيادة من النسخة رقم (16) *(6/94)
كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال عن همام بن يحيى ثنا أبو عثمان عامل عمر ابن عبد العزيز قال: كتب إلى عمر بن عبد العزيز في مال رده على رجل كان ظلمه: أن خذ منه الزكاة لما أتت عليه، ثم صبحني بريد عمر: لا تأخذ منه زكاة، فانه كان ضمارا أو غورا (1) * 691 مسألة ومن رهن ماشية أو ذهبا أو فضة أو أرضا فزرعها أو نخلا
فأثمرت، وحال الحول على الماشية والعين: فالزكاة على كل ذلك، ولا يكلف الراهن عوضا عما خرج من ذلك من زكاته * أما وجوب الزكاة فلانه مال من ماله، عليه فيه الزكاة المفروضة، ولم ينتقل ملكه عنه، ولم يأت نص ولا إجماع بتكليفه أداء الزكاة من غيره ولابد * وأما المنع من تكليفه العوض فانه لم يخرج ما أخرج منه بباطل وعدوان، فيقضى عليه برده وإنما أخرجه بحق مفترض إخراجه، فتكليفه حكما في ماله باطل، لا يجوز الا بنض أو إجماع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) * 692 مسألة وليس على من وجب (2) عليه الزكاة إيصالها إلى السلطان لكن عليه أن يجمع ماله للمصدق ويدفع إليه الحق، ثم مؤنة نقل ذلك من نفس الزكاة وهذا ما لا خلاف فيه من أحد، وبالله تعالى التوفيق، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث المصدقين (3) وهم السعاة فيقبضون الواجب ويبرأ أصحاب الاموال من ذلك * فان (4) لم يكن مصدق فعلى من عليه الزكاة إيصالها إلى من يحضره من أهل الصدقات ولا مزيد، لان تكليف النقل مؤنة وغرامة لم يأت بها نص ولا إجمع وبالله تعالى التوفيق، ولا فرق بين من كلفه ذلك ميلا أو من (5) كلفه إلى خراسان أو أبعد * 693 مسألة ولايجوز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول، ولا بطرفة عين
__________
(1) أما أبو عثمان عامل عمر بن عبد العزيز فانى لم أجده، واما قوله (ضمارا) فان في النسخة رقم (14) (صمار) بدون نقط وهو خطأ، والضمار بكسر الضاد المعجمة، قال أبو عبيد: (هو الغائب الذى لا يرجى، فإذا رجى فيس بضمار، من اضمرت الشئ إذا غيبه)، واما قوله (غورا فانه بفتح الغين المعجمة واسكان الواو واظنه بمعنى أنه كان بعيدا عنه لا تناله يده، من الغورى وهو القعر أو من قولهم (غار الماء) بمعنى ذهب في الارض وسفل فيها.
وقد نقل هذا الاثر في اللسان (ج 6 ص 164) فقال (ومنه قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله في كتابه إلى ميمون بن مهران في الاموال التى كانت في بيت المظالم ان يردها ولا يأخذ زكاتها فانه كان مالا ضمارا
لا يرجى) ولم يذكر قوله (غورا) (2) في النسخة رقم (14) (وجبت) (3) في النتسخة رقم (16) (مصدقين) (4) في النسخة رقم (16) (وان) (5) كلمة (من) زيادة من النسخة رقم (16) *(6/95)
فان فعل لم يجزه، وعليه إعادتها، ويرد إليه ما أخرج قبل وقته، لانه أعطاه بغير حق * وصح تعجيل الزكاة قبل وقتها عن سعيد بن جبير، وعطاء، وابراهيم، والضحاك والحكم، والزهرى * وأجازه الحسن لثلاث سنين * وقال ابن سيرين: في تعجيل الزكاة قبل أن تحل.
لا أدرى ما هذا! * وقال أبو حنيفة: واصحابه بجواز (1) تعجيل الزكاة قبل وقتها * ثم لهم في ذلك تخليط كثير مثل قول محمد بن الحسن: لا يجوز ذلك في مال عنده، ولا في زرع قد زرعه، ولا في نخل (2) قد أطلعت * وقال أبو يوسف: يجوز ذلك كله (3) قبل اطلاع النخل وقبل زرع الارض، ولو عجل زكاة ثلاث سنين أجزأه * وأكثر من هذا سنذكره ان شاء الله تعالى في ذكر تخاليط اقوالهم في كتاب (الاعراب) والله المتسعان * وقال الشافعي: بتعجيل الزكاة عن مال (4) عنده، لاعن مال لم يكتسبه (5) بعد، وقال: ان استغنى المسكين مما أخذ مما عجله صاحب المال قبل الحول أجزأ صاحب المال، فان استغنى من غير ذلك لم يجزئ عن صاحب المال * وقال مالك: يجزئ تعجيل الزكاة بشهرين أو نحو ذلك، لا أكثر، في رواية ابن القاسم عنه، وأما رواية ابن وهب عنه فكما قلنا نحن * وهذه كلها (6) تقاسيم في غاية الفساد، لا دليل على صحتها من قرآن، ولاسنة،
ولا إجماع، ولاقول صاحب يصح، ولاقياس.
وقول الليث: وابى سليمان كقولنا * واحتج من أجاز تعجيلها بحجج * منها الخبر الذى ذكرناه (7) في زكاة المواشى، في هل تجزئ قيمة أم لا؟ من أن النبي صلى الله عليه وآله استسلف بكرا فقضاه من إبل الصدقة جملا رباعيا * وهذ لا دليل فيه على تعجيل الصدقة، لانه استسلاف كما ترى، لا استعجال صدقة بل فيه دليل على أن تعجيلها لا يجوز، إذ لو جاز لما احتاج عليه الصلاة والسلام إلى الا سقتراض بل كان يستعجل زكاة لحاجته إلى البكر *
__________
(1) في النسخة رقم (14) " يجوز " (2) في النسخة رقم (16) بحذف (لا) في الموضيعين (3) كلمة (كله) زيادة من النسخة رقم (14 (4) في النسخة رقم (16) (عند مال) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (16) (مال يكتبه) وهو خطأ (6) كلمة (كلها) زيادة من النسخة رقم (14) (7) في النسخة رقم (16) (الذى ذكره) *(6/96)
وذكروا ما رويناه من طريق أبى داود: ثنا سعيد بن منصور ثنا اسماعيل بن زكرياء عن الحجاج بن دينار عن الحكم بن عتيبة عن حجية عن على بن أبى طالب: (أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) في تعجيل صدقته قبل أن تحل فأذن له) * قال أبو داود: روى هذا الحديث هشيم عن منصور عن زاذان عن الحكم عن الحسن عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم (2) * ومن طريق وكيع عن اسرائيل عن الحكم: (أن (3) النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر مصدقا وقال له عن العباس: إنا قد استسلفنا زكاته لعام عام الاول) * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني يزيد أبو خالد قال: (قال عمر للعباس: أد زكاة مالك فقال العباس: قد أديتها قبل ذلك، فذكر عمر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق (4)) * هذا كل ما شغبوا به من الآثار *
وقالوا: حقوق الاموال كلها جائز تعجيلها قبل أجلها، قياسا على ديون الناس المؤجلة، وحقوقهم، كالنفقات وغيرها * وقالوا: إنما اخرت الزكاة إلى الحول فسحة على الناس فقط * وهذا كل ما موهوا به من النظر والقياس * وهذا كله لا حجة لهم في شئ منه * أما حديث حجية: فحجية غير معروف بالعدالة، ولا تقوم الحجة إلا برواية العدول المعروفين (5) وأما حديث هشيم فلم يذكر أبو داود من بينه وبين هشيم، ولو كان فيه لبند (6) به
__________
(1) في النسخة رقم (14) (سأل النبي عليه السلام) (2) هكذا عند المؤلف كما في الاصلين، وتكلم عليه فيما يأتي بما يؤيد أنه من حديث أنس، ولكن هدا حخطأ، ويظهر ان الغلط كان في نسخة أبى داود التنى لدى ابن حزم، فان الذى في ابى داود (ج 2 ص 33) (عن منصور بن زاذان عن الحكم عمن الحسن بن مسبلم عن النبي صلى الله عليه وسلم) والحسن بن مسلم من أتباع التابعين، فالحديث منقطع على رواية هشيم، وقد رجحها أبو داود، ويؤيد صحة نسخة ابى داود التى في ادينا وخطأ ما نقله المؤلف من جعله من حديث أنس قول ابن حجر في التلخيص (ص 187): (وذكر الدار قطني الاختلاف فيه على الحكم ورجح رواية منصور عن الحكم عن الحسن بن مسلم بن يناق عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وكذا رجحه ابو داود) (3) رقم (16) (عن) وما هنا صح (4) في الانسخة رقم (14) (فذكر عمر للنبى عليه السلام فقال عليه السلام: صدق) (5) اما حجية بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وتشديد الياء المفتوحة فهو ابن عدى الكندى، وهو تابعي ثقة العجلى وابن وحبان، واما حديثه فرواه ايضا في احمد (ح 1 ص 104) واترمذى (ج 1 ص 86 طبع الهند) والحاكم وصححه هو والذهبي (ج 3 ص 332 (6) كذا في الاصلين بلباء والندن الدال، وما ادرى ما هو؟ والبند باسكان النون العلم الكبر وهو معرب فهل: اشتق منه المؤلف فعلا؟، كأنه يريد الاعن به؟ والله اعلم(6/97)
فصار منقطعا، ثم لم يذكر أيضا (1) لفظ أنس، ولاكيف رواه، فلم يجز القطع به على الجهالة * وأما سائر الاخبار فمرسلة *
وهذا مما ترك فيه المالكيون المرسل، وهم يقولون إذا وافق تقليدهم: (2) انه كالمسند، وردوا فيه رواية المجهول، وهم يأخذون بها إذا وافقتهم (3) فبطل كل مامواهوا به من الآثار * وأما قياسهم الزكاة على ديون الناس المؤجلة فالقياس كله باطل، ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل! لان تعجيل ديون الناس المؤجلة قد وجب بعد ثم اتفقا على تأجيلها (4) والزكاة لم تجب بعد، فقياس ما لم يجب على ما قد وجب في الاداء باطل * وأيضا: فتعجيل ديون الناس المؤجلة لا يجوز الا برضا من الذى له الدين، وليست الزكاة كذلك، لانها ليست لانسان بعينه، ولا لقوم بأعينانهم دون غيرهم، فيجوز الرضا منهم بالتعجيل، وانما هي لاهل صفات تحدث فيمن لم يكن من أهلها، وتبطل عمن كان من أهلها * ولا خلاف في أن القابضين لها الآن عند من أجاز تعجيلها لو أبرؤا منها دون قبض لم يز ذلك ولا برئ منها من تلزمه الزكاة بابرائهم، وبخلاف إبراء من له دين مؤجل * وكذلك ان دفعها إلى الساعي، فقد يأتي وقت الزكاة والساعى ميت أو معزول، والذى بعثه كذلك، فبطل قياسهم ذلك على ديون الناس * وكذلك قياسهم على النفقات الواجبة، ولو أن امرءا عجل نفقة لامرأته أو من تلزمه نفقته، ثم جاء الوقت الواجبة فيه النفقة، والذى تجب له مضطر: لم يجزئه تعجيل ما عجل، وألزم الآن النفقة، أمر باتباعه بما عجل له دينا، لاستهلاكه ما لم يجب له بعد * بل لو كان القياس حقا لكان قياس تعجيل الزكاة قبل وقتها على تعجيل الصلاة قبل وقتها والصوم قبل وقته أصح، لانها كلها عبادات محدودة بأوقات لا يجوز تعديها وهذا مما تركوا فيه القياس *
فان ادعوا اجماعا على المنع من تعجيل الصلاة أكذبهم الاثر الصحيح عن ابن عباس والحسن وهبك لو صح لهم الاجماع لكان هذا حجة عليهم، لان من أصلهم أن
__________
(1) قوبه (لفظ أنس) سقط من النسخة رقم (16) (2) في النسخة رقم (14) (إذا وافقهم المرسل) (3) في النسخة رقم (14) (وهم يأخذون بهذا إذا وافقهم (4) كدا في الاصلين وفى التركيب تكلف *(6/98)
قياس ما اختلف فيه على ما أجمع عليه هو القياس الصحيح * وأما قولهم: إن الزكاة وجبت قبل، ثم فسخ للناس في تأخيرها: فكذب وباطل ودعوى بلا برهان، وما وجبت الزكاة قط إلا عند انقضاء الحول، لاقبل ذلك، لصحة النص باخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم المصدقين عند الحول، لاقبل ذلك، وما كان عليه السلام ليضيع قبض حق قد وجب، ولا جماع الامة على وجوبها عند الحول، ولم يجمعوا على وجوببها قبله، ولا تجب الفرائض إلا بنص أو اجماع * فبطل كل ما موهوا به من أثر ونظر * ثم نسألهم: أوجبت الزكاة قبل الحول أم لم تجب (1)؟ فان قالوا: لم تجب قلنا: فكيف تجيزون أداء ما لم يجب؟ وما لم يجب فعله تطوع، ومن تطوع فلم يؤد الواجب (2) وان قالوا: قد وجبت قلنا (3): فالواجب إجبار من وجب عليه حق على أدائه.
وهذا برهان لا محيد عنه أصلا * ونسألهم: كيف الحال ان مات الذى عجل الصدقة قبل الحول؟ أو تلف المال قبل الحول؟ أو مات الذين أعطوها قبل الحول؟ أو خرجوا عن الصفات التى بها تستحق الزكوات (4)؟ فصح أن تعجيلها باطل وإعطاء لمن لا يستحقها، ومنع لمن (5) يستحقها، وإبطال الزكاة الواجبة وكل هذا لا يجوز * والعجب من إجازة الحنيفيين تعجيل الزكاة ومنعهم من تعجيل الكفارة قبل الحنث! وكلاهما مال معجل، إلا أن النص قد صح بتعجيل ما منعوا تعجيله، ولم يأت بتعجيل
ما أباحوا تعجيله! فتناقضوا في القياس، وصححوا الآثار الفاسدة، وأبطلوا الاثر الصحيح! * وأما المالكيون فانهم مع ما تناقضوا خالفوا في هذه الجمهور من العلماء، وهم يعظمون هذا إذا وافقهم، وخالف الشافعيون فيه القياس، وقبلوا المرسل الذى يردونه.
وبالله تعالى التوفيق * 694 مسألة ومن عليه دين دراهم، أو دنانير، أو ماشية تجب الزكاة في مقدار ذلك (6) لو كان حاضرا فان كان حاضرا عنده لم يتلف وأتم عنده حولا منه مافى مقداره الزكاة (7): زكاة، والا فزكاة عليه فيه أصلا، ولو أقام عليه سنين *
__________
في النسخة رقم (14) (أو لم يجب) (2) في النسخة رقم (16) (الواجبة) وما هنا اصح (3) في النسخة رقم (16) (علينا) بدل (قلنا) وهو خطأ شنيع (4) في النسخة رقم (14) (الزكاة) (5) في النسخة رقم (16) (من) بحذف اللام (6) في النسخة رقم (16) (في مقداره ذلك) (7) في النسخة رقم (14) (ما فيه مقدر الزكاة) *(6/99)
وقال قوم: يزكيه * روينا من طريق ابن أبى شيبة عن محمد بن بكر عن ابن جريج عن يزيد بن يزيد ابن جابر أن عبدالمك بن أبى بكر (1) أخبره أن عمر قال: إذا حلت يعنى الزكاة فاحسب دينك وما عندك واجمع ذلك جميعا ثم زكه * وبينه عبد الرزاق (2) عن ابن جريج أخبرني يزيد بن جابر عن عبد الملك ابن أبى بكر (2) عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هوجد عبد الملك أبو أبيه قال: قال رجل لعمر: يجئ إبان صدقتي فأبادر الصدقة فأنفق على أهلى وأقضى دينى؟ قال عمر: لا تبادر بها، واحسب دينك وما عليك، وزك ذلك أجمع (4) * وهو قول الحسن بن حى * وروينا من طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي في الدين
يكون للرجل على الرجل فيبمطله، قال: زكاته على الذين يأكل مهنأه (5) * ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء أو غيره نحوه * ومن قال بقولنا في أسقاط الزكاة عن الذى عليه الدين فيما عليه منه ابن عمر وغيره * كما روينا من طريق عبد الوهاب (6) بن عبد المجيد الثقفى، وسفيان الثوري قالا: ثنا عبيدالله بن عمر رعن نافع عن ابن عمر: أنه ولى (7) مال يتيم فكان يستسلف منه، يرى أن ذلك أحرز له، يؤدى زكاته من مال اليتيم * فهذا ابن عمر عليه الدين لا يزكيه عن نفسه * وعن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن: إذا كان للرجل على الرجل الذين فالزكاة على الذى له الدين * وعن الحجاج بن المنهال عن يزيد بن ابراهيم عن مجاهد: إذا كان عليك دين فلا زكاة عليك، انما زكاته على الذى هوله *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (عبد الملك بن ابى بكرة) وهو خطأ، فانه عبد الملك بن ابى بكربن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام بن المغيرة المخزومى (2) في النسخة رقم (14) (وبه إلى عبد الرزاق) وما هنا واصح (3) في النسخة رقم (16) (يزيد بن جابر بن عبد الملك بن ابى بكر) وفى النسخة رقم (14) (يزيد بن جابد عن عبد الملك ابن ابى بكرة)) وكل منها خطأ في موضع، والصواب ما هنا كما هو ظاهر (4) انظر نحو هذا عن سفيان بن سعيد في خراج يحيى بن آدام رقم 593 و 594 (5) بفح الميم والنون وبينهما الهاء ساكنة، هومااتى بلا مشتقة وأكل هنيئا (6) في النسخة رقم (16) (عبد الوارث)) وهو خطأ (7) في النسخة رقم (7) في النسخة رقم (16) (اولى) وهو صحيح على ان يكون بضم الهمزة مبينا لما لم يسم فاعله، يقال (اوليته الشئ) بمعنى وليته *(6/100)
وعن وكيع عن سفيان عن المغيرة عن الفضيل عن ابراهيم النخعي قال: زك ما في تديك من مالك، ومالك على الملئ، ولا تزك ما للناس عليك * وهو قول سفيان، ومالك، وأبى حنيفة، وأصحابه ووكيع *
قال أبو محمد: إنما وافقنا قول (1) هؤلاء في سقوط الزكاة عن الذى عليه الدين فقط * ومن طريق عبيدالله بن عمر (2) عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين: ليس في الدين زكاة * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن أبى الزناد عن عكرمة قال: ليس في الدين زكاة (3) * ومن طريق وكيع عن مسعر عن الحكم بن عتبة قال: خالفني ابراهيم في الدين، كنت أقول: لا يزكى، ثم رجع إلى قولى * وروينا عن أبى بكربن أبى شيبة: ثنا أبو معاوية عن حجاج عن عطاء قال: ليس على صاحب الدين الذى هوله ولا على الذى هو عليه زكاة (4) * وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن عطاء قال: ليس في الدين زكاة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج: قلت لعطاء: السلف يسلفه (5) الرجل؟ قال: ليس على سيد المال ولا على الذى استسلفه (6) زكاة * ومن طريق أبى عبيد عن أزائدة (7) عن عبد الملك عن عطاء بن أبى رباح: لا يزكي الذى عليه الدين الدين، ولا يزكيه الذى هوله حتى يقبضه * وهو قول أبى سليمان وأصحابنا * قال أبو محمد: إذا خرج الدين عن ملك الذى استقرضه فهو معدوم عنده، ومن الباطل المتيقن أن يزكى عن لا شئ، وعما لا يملك وعن شئ لو سرقه قطعت يده، لانه في ملك غيره * 695 مسألة ومن عليه دين كما ذكرنا وعنده مال تجب في مثله الزكاة سواء (8) كان أكثر من الدين الذى عليه أو مثله أو أقل منه، من جنسه كان
__________
(1) كلمة (قول) زيادة من النسخة رقم (16) (2) هكذا في النسخة رقم (14) واظنه اصح، وفى النسخة رقم (16)
(عبد الله بن عمر) (3) سقط من النسخة رقم (16) لفظ (زكاة في آخر اثر عاشية وسقط عكرمة كله باسناده ولفظه)) وهو خطأ (4) كلة (زكاة سقطت خطأ من الخسة رقم رقم (16) (5) منى لما لم يسم فاعله (6) فاعله (6) في النسخة (16) (اسلفته) وهو خطأ (7) كذا في الاصلين، ولم اعرف من هو (8) في النسخة رقم (16) (فسواء) وما هنا اصح *(6/101)
أو من غير جنسه: فانه يزكى ما عنده، ولا يسقط من أجل الدين الذى عليه شئ من زكاة ما بيده.
وهو قول الشافعي، وأبى سليمان وغيرهما * وقال مالك: يعجل الدين في العروض التى عنده التى لا زكاة فيها، ويزكى ما عنده فان لم يكن عنده عروض جعل دينه فيما بيده مما فيه الزكاة، وأسقط بذلك الزكاة، فان فضل عن دينه شئ يجب في مقداره الزكاة زكاه، والا فلا وانما هذا عنده في الذهب والفضة فقط، وأما المواشى والزرع والثمار فلا، ولكن يزكى كل ذلك، سواء كان عليه دين مثل ما معه من ذلك أو أكثر أو أقل * وقال آخرون: يسقط الدين زكاة العين والمواشى، ولا يسقط زكاة الزرع والثمار * وقال أبو يوسف ومحمد: يجعل ما عليه من الدين في كل مال تجب فيه الزكاة، سواء في ذلك الذهب، والفضة، والمواشى، والحرث، والثمار، وعروض التجارة، يسقط به زكاة كل ذلك، ولا يجعل دينه في عروض القنية مادام عنده مال تجب فيه الزكاة، أو مادام عنده عروض للتجارة.
هو قول الليث بن سعد، وسفيان الثوري * وقال زفر: لا يجعل دين الزرع الا في الزرع، ولا يجعل دين الماشية الا في الماشية، ولا يجعل دين العين إلا في العين، فيسقط (1) بذلك ما عنده مما عليه دين مثله * ومن طريق ابن جريج: قلت لعطاء: حرث لرجل دينه أكثر ما ماله، أيؤدى حقه؟ قال: ما نرى على رجل دينه أكثر ما ماله صدقة، لا في ماشية ولا في أصل * قال ابن جريج: سمعت أبا الزبير سمعت طاوسا يقول: ليس عليه صدقة * قال أبو محمد: إسقاط الدين زكاة ما بيد المدين لم يأت به قرآن ولاسنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع، بل قد جاءت السنن الصحاح بايجاب الزكاة في المواشى، والحب،
والتمر، والذهب، والفضة، بغير تخصيص من عليه دين ممن لادين عليه * وأما من طريق النظر فان ما بيده له أن يصدقه (2) ويبتاع منه جارية يطؤها ويأكل منه وينفق منه، ولو لم يكن له لم يحل له التصرف فيه (3) بشئ من هذا، فإذ هوله ولم يخرجه (4) عن ملكه ويده ما عليه من الدين فزكاة ماله عليه (5) بلاشك * وأما تقسيم مالك ففى غاية التناقض، وما نعلمه عن أحد قبله، وكذلك قول أصحاب أبى حنيفة أيضا.
وبالله التوفيق * والمالكيون ينكرون على ابى حنيفة هذا بعينه في إيجابه الزكاة في زرع اليتيم
__________
(1) في النسخة رقم (14) (فسقط) (2) مضارع (اصدق)) أي صدقا (3) في النسخة رقم (16) (منه) (4) في النسخة رقم (14) (ولم يخرج) وما هنا اصح (5) كلمة عليه) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) *(6/102)
وثماره دون ماشية وذهبه وفضته * فان احتجوا بأن قبض زكاة المواشى والزرع إلى المصدق * قيل: فكان ماذا؟ وكذلك أيضا قبض زكاة العين إلى السلطان إذا طلبها ولافرق * 696 مسألة ومن كان له على غيره دين فسواء كان حالا أو مؤجلا عند ملئ مقريمكنه قبضه أو منكر، أو عند (1) عديم مقرأو منكر، كل ذلك سواء، ولا زكاة فيه على صاحبه، ولو أقام عنه سنين حتى يقبضه، فإذا قبضه استأنف به حولا كسائر الفوائد ولافرق.
فان قبض منه مالا تجب فيه الزكاة فلا كاة فيه، لا حينئذ ولا بعد ذلك، والماشية، والذهب، والفضة في ذلك سواء، وأما النخل (2)، الزرع فلا زكاة فيه أصلا، لانه لم يخرج من زرعه ولا من ثماره * وقالت طائفة: يزكيه * كما روينا من طريق ابن أبى شيبة عن جرير عن الحكم بن عتيبة قال: سئل على عن الرجل يكون له الدين على آخر؟ فقال: يزكيه صاحب المال، فان خشى أن لا يقضيه (3) فانه يمهل، فإذا خرج الدين زكاه لما مضى *
ومن طريق ابن أبى شيبة: ثنا يزيد بن هرون أنا هشام هو ابن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلمانى: سئل على عن الدين الظنون: أيزكيه؟ قال: ان كان صادقا فليزكه (4) لما مضى.
وهذا في غاية الصحة، والظنون هو الذى لا يرجى * ومن طريق طاوس: إذا كان لك دين فزكه * ومن طريق أشبعث عن ابى الزبير عن جابر قال: يزكيه، يعنى ماله من الدين على غيره * ومن طريق عمر بن الخطاب كما ذكرنا قبل: احسب دينك وما عليك وزك ذلك أجمع * ومن طريق ابن جريج قال: كان سعيد بن المسيب يقول: إذا كان الدين على ملئ فعلى صاحبه أداء زكاته، فان كان على معدم فلا زكاة فيه حتى يخرج، فيكون عليه زكاة السنين التى مضت ومن طريق معمر عن الزهري مثل قول سعيد بن المسيب سواء سواء * وعن مجاهد: إذا كان لك الدين فعليك زكاته، وإذا كان عليك فلا زكاة عليك فيه *
__________
في النسخة رقم (16) (غير) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (16) (الحب) بدل (النخل) (3) في النسخة رقم (16) (يقبضه) وكذلك كان في النسخة رقم (14) ولكن صححه ناسخها إلى ما هنا (4) في النسخة (16) (فلزكيه) *(6/103)
وهو قول سفيان الثوري، والحسن بن الحى * وقالت طائفة: لا زكاة فيه حتى يقبضه، فإذا قبضه أو قبض منه مقدار ما فيه الزكاة زكاة لسنة واحدة، وان بقى سنين وهو قول مالك * وقالت طائفة: إن كان على ثقة زكاه، وان كان على غير ثقة فلا زكاة عليه فيه حتى يقبضه.
وهو قول الشافعي * وروينا من طريق عبد الله بن عمر أنه قال: زكوا أموالكم من حول إلى حول،
فما كان في دين في ثقة (1) فاجعلوه بمنزلة ما كان في أيديكم، وما كان من دين ظنون فلا زكاة فيه حتى يقبضه صاحبه * وعن طاوس من طريق ثابتة: إذا كان لك دين تعلم أنه يخرج فزكه * وعن ابراهيم من طريق صحيحة، زك ما في يديك ومالك على الملئ، ولا تزك ما للناس عليك.
ثم رجع عن هذا * وعن ميمون بن مهران: ما كان من دين في ملئ (2) ترجوه فاحسبه، ثم أخرج ما عليك وزك ما بقى * وعن مجاهد: إن كنت تعلم أنه خارج فزكه * وعن محمد بن على بن الحسين ليس في الدين زكاة حتى يقبضه * وأما قولنا فقد روينا قبل عن عائشة أم المؤمنين مثله، وعن عطاء * وروينا أيضا عن ابن عمر: ليس في الدين زكاة * قال أبو محمد: أما قول الحسن بن حى فظاهر الخطأ، لانه جعل زكاة الدين على الذى هوله وعلى الذى هو عليه، فأوجب زكاتين في مال واحد في عام واحد، فحصل في العين نصف العشر، وفى خمس من الابل شاتان، وكذلك ما زاد * وأما تقسيم مالك فمانعلمه عن أحد إلا عن عمر بن عبد العزيز، وقد صح عنه خلاف ذلك ومثل قولنا * وأما أبو حنيفة قانه قسم ذلك تقاسيم (3) في غاية الفساد، وهى: انه جعل كل دين ليس عن بدل أو كان عن بدل مالا يملك كالميراث والمهر والجعل ودية الخطأ والعمد إذا صالح عليها والخلع: أنه لا زكاة على مالكه أصلا حتى يقبضه، فإذا قبضه استأنف به حولا، وجعل كل دين يكون عن بدل لو بقى في ملكه لوجبت فيه الزكاة
__________
(1) كذا في الاصلين وهو صوب، وبحاشية النسخة رقم (14) ان في نسخة (فما كان من دين) الخ (2) في النسخة رقم (16) (في ملك) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (16) (تقاسمها)) وهو لحن *(6/104)
كقرض الدراهم وفيما وجب (1) في ذمة الغاصب والمتعدي وثمن عبد التجارة فانه لا زكاة فيه، كان على ثقة أو غير ثقة، حتى يقبض أربعين درهما، فإذا فقبضها زكاها لعام (2) خال ثم يزكى كل أربعين يقبض، وجعل كل دين يكون عن بدل لو بقى في يده لم تجب فيه الزكاة كالعروض لغير التجارة يبيعها: قسما آخر، فاضطرب فيه قوله، فمرة جعل ذلك بمنزلة قوله في الميراث، والمهر، ومرة قال: لا زكاة عليه حتى يقبض مائتي درهم، فإذا قبضها زكاها لعام خال، وسواء عنده ما كان عند عديم أو ملئ إذا كان مقرين * وأما قول أبى حنيفة فتخليط لاخفاء به * قال أبو ممد: إنما لصاحب الدين عند غريمه عدد في الذمة وصفة فقط، وليس له عنده عين (3) مال اصلا، ولعل الفضة أو الذهب اللذين له عنده في المعدن بعد، والفضة تراب بعد، ولعل المواشى التى له عليه لم تخلق بعد، فكيف تلزمه زكاة ما هذه صفته؟! فصح أنه لا زكاة عليه في ذلك.
وبالله تعالى التوفيق * واعلم أن تقسيم أبى حنيفة ومالك لا يعرف عن أحد قبلهما، لان الرواية عن عمر ابن عبد العزيز إنما هي في الغصب لا في الدين، وبالله تعالى التوفيق * 697 مسألة وأما المهور (4) والخلع، والديات فبمنزلة ما قلنا، ما لم يتعين المهر، لان كل ذلك دين، فان كان المهر فضة معينة دراهم أو غير ذلك أو ذهبا بعينه دنانير أو غيرذلك أو ماشية بعينها، أو نخلا بعينها، أو كان كل ذلك ميراثا: فالزكاة واجبة على من كل ذلك له، لانها أموال صحيحة ظاهرة موجودة، فالزكاة فيها، ولا (5) معنى للقبض في ذلك ما لم يمنع صاحبه (6) شئ من ذلك، فان منع صار مغصوبا وسقطت الزكاة كما قدمنا.
وبالله تعالى التوفيق * 698 مسألة ومن كان له دين على بعض أهل الصدقات وكان ذلك
الدين برا، أو شعيرا، أو ذهبا، أو فضة أو ماشية فتصدق عليه بدينه قبله، ونوى بذلك أنه من زكاته أجزأه ذلك، (7) وكذلك لو تصدق بذلك الدين على من يستحقه وأحاله به على من هو له عنده ونوى بذلك الزكاة فانه يجزئه *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وما وجب) (2) كلمة (لعام) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) وقوله (خال) بالخاء المعجمة وفى النسخة رقم (16) بالهملة وهو تصحيف * (3) كلمة (عين) سقطت من النسخة رقم (16) (4) (4) في النسخة رقم (14) (المهر) (5) في النسخة رقم (16) (لا) بدون الواو وهو خطأ (6) في النسخة رقم (16) (صاحب) وهو خطأ (7) قوله (ذلك) زيادة من النسخة رقم (16) *(6/105)
برهان ذلك: أنه مأمور بالصدقة الواجبة، وبان يتصدق على أهل الصدقات من زكاته الواجبة بما عليه منها، فإذا كان ابرأوه من الدين يسمى صدقة فقد أجزأه * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث هو ابن سعد عن بكير هو ابن الاشج عن عياض بن عبد الله عن أبى سعيد الخدرى قال: (أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه) وذكر الحديث.
هو قول عطاء بن أبى رباح وغيره * 699 مسألة ومن أعطى زكاة ماله من وجبت له من أهلها، أو دفعها إلى المصدق المأمور بقبضها فباعها من قبض حقه فيها أو من له قبضها نظر لاهلها: فجائز للذى أعطاها أن يشتريها، وكذلك لو رجعت إليه بهبة أو هدية أو ميراث أو صداق أو إجارة أو سائر الوجوه المباحة ولا يجوز له شئ من ذلك التبة قبل ان يدفعها، لانه ابتاع شيئا غير معين، وهذا لا يجوز، لانه لا يدرى ما الذى ابتاع، ولم يعط الزكاة التى افترض الله تعالى عليه (1)، أن يؤديها إلى أهلها، وبهذا نفسه يحرم عليه أن يعطى غير ما لزمه بنية القيمة، وأما بعد أن يؤديها إلى أهلها فان الله تعالى قال (2): (وأحل الله البيع) فهو قد أدى صدقة ماله كما أمر، وباعها الآخذ لها كما أبيح له *
ولم يجز ذلك أبو حنيفة وكرهه مالك، وأجازه الليث بن سعد * واحتج من منع من ذلك بالحديث الذى رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن ابيه قال: سمعت عمر يقول: (حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذى كان عنده فأردت أن أشتريه، وطننت أنه بائعه برخص، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشتره، ولا تعد في صدقتك وإن أعطا كه بدرهم، فان العائد في صدقته كالعائد في قيئه) * ومن طريق حماد بن سلمة عن عاصم الاحول عن سليمان التيمى عن أبى عثمان النهدي: (أن الزبير حمل على فرس في سبيل الله تعالى، فوجد فرسا من ضئضئها (4) يعنى من نسلها فأراد أن يشتريه، فنهى) ونحو هذا أيضا عن أسامة بن زيد، ولا يصح * قال أبو محمد: وكل هذا لا حجة لهم فيه، لان فرس عمر كان بنص الحديث حمل (
__________
(1) كلمة (عليه) زيادة من النسخة رقم (14) (2) في النسخة رقم (14) (يقول) (3) انظر ألفاظه في صحيح مسلم (ج 2 ص 4) (4) بكسر الضادين المعجمتين وبينهما همزة ساكنة، ويقال ايضا (ضئضئ) بوزن قنديل ويقال (ضؤضؤ) بضمهما *(6/106)
عليه في سبيل الله، فصار حبسا في هذا الوجه، فبيعه اخراج له عما سبل فيه، ولا يحل هذا أصلا فابتياعه حرام على كل أحد * وكذلك القول في الخبرين الآخرين، لو صحا، لا سيما، وفى حديث أبى عثمان النهدي أنه نهى نتاجها، وهذه صفة الحبس * وأما ما لم يحرم بيعه وكان صدقة مطلقة يملكها المتصدق بها عليه ويبيعها ان شاء فليس ابتياع المتصدق بها عودا في صدقته، لا في اللغة ولا في الديانة، لان العود في الصدقة هو انتزاعها وردها إلى نفسه بغير حق، وابطال صدقته بها فقط، والحاضرون من المخالفين يجيزون أن يملكها المتصدق بها بالميراث، وقد عادت إلى ملكه كما عادت
بالشراء ولا فرق، فصح أن العود هو ما ذكرنا فقط * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا آدم ثنا شعبة ثنا الحكم بن عتيبة عن ابراهيم النخعي عن الاسود عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت: (اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم، فقلت: هذا مما تصدق به على بريرة فقال: هو لها صدقة ولنا هدية) * حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن اسمعيل الترمذي ثنا الحميدى ثنا سفيان ثنا الزهري أنه سمع عبيد بن السباق (1) أنه سمع جويرية أم المؤمنين تقول (دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل من طعام؟ فقلت: لا، الاعظما أعطيته مولاة لنا من الصدقة فقال: قربيه فقد بلغت محلها) (2) * ولا خلاف في أن الصدقة حرام عليه صلى الله عليه وسلم، فقد استباحها بعد بلوغها محلها، إذ رجعت إليه بالهدية * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبدالمك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا الحسن ابن على ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لغنى الا لخمسة لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين.
فتصدق على المسكين فاهداها المسكين للغنى) * (
__________
(1) عبيد - بالتصغير - والسباق - بفتح السين المهملة وتشديد الباء الموحدة - وهو تابعي ثقة (2) رواه ايضا مسلم (ج 1 ص 296) من طريق الليث، وسفيان عن الزهري (3) في النسخة رقم (14) (فأهدى) وما هنا هو الموافق لابي داود (ج 2 ص 38) وقد رواه مالك وغيره عن عطاء مرسلا، لكن رواية معمر اياه بزيادة (ابى سعيد) اسنادها صحيح جدا والزيادة من الثقة مقبولة *(6/107)
فهذا نص من النبي صلى الله عليه وسلم (1) بجواز ابتياع الصدقة، ولم يخص المتصدق بها من غيره *
وروينا عن أبى هريرة قال: لا تشتر (2) الصدقة حتى تعقل، يعنى حتى تؤديها.
وهذا نص قولنا * وعن ابن عباس في الصدقة قال: ان اشتريتها أوردت عليك أو ورثتها حلت لك * وعن عمر بن الخطاب قال: من تصدق بصدقة فلا يبتاعها (3) حتى تصير إلى غير الذى تصدق بها عليه * قال أبو محمد: فهذا عمر يجيز للمتصدق بالصدقة ابتياعها.
إذا انتقلت عن الذى تصدق بها عليه إلى غيره، ولافرق عندنا بين الامرين * وقولنا هذا (4) هو قول عكرمة، ومكحول، وبه يقول أبو حنيفة: والاوزاعي، وأجازه الشافعي ولم يستحبه، ومنع منه مالك وأجاز رجوعها إليه (5) بالميراث * وروينا عن ابن عمر: أنه كان إذا تصدق بشئ فرجع إليه بالميراث تصدق به، ويفتى بذلك * فخرج قول مالك عن ان يكون له من الصحابة رضى الله تعالى عنهم موافق * 700 مسألة قال أبو محمد: ولا شئ في المعادن كلها، وهى فائدة، لا خمس فيها ولا زكاة معجلة، فان بقى الذهب والفضة عند مستخرجها حولا قمريا، وكان ذلك مقدار ما تجب فيه الزكاة: زكاه، وإلا فلا * وقال أبو حنيفة: عليه في معادن الذهب، والفضة، والنحاس، والرصاص، والقزدير والحديد: الخمس، سواء كان في أرض عشر أو في أرض خراج، سواء أصابه مسلم أو كافر، عبد، أو حر قال: فان كان في داره فلا خمس فيه، ولا زكاة، ولا شئ فيما عدا ذلك من المعادن.
واختلف قوله في الزئبق: فمرة رأى فيه الخمس، ومرة لم ير فيه شيئا * وقال مالك: في معادن الذهب والفضة الزكاة (6) معجلة في الوقت، ان كان مقدار ما فيه الزكاة (7)، ولا شئ في غيرها، ولا يسقط الزكاة في ذلك دين يكون عليه، فان كان الذى أصاب في معدن الذهب أو الفضة ندرة (8) بغير كبير عمل، ففى ذلك الخمس *
قال أبو محمد: احتج من رأى فيه الخمس بالحديث الثابت: (وفى الركاز الخمس) * (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (نص رسول الله صلى الله عليه وسلم) (2) في النسخة رقم (16) (لا تشتري) وما هنا اصح (3) كذا في الاصلين على النفى (4) كلمة (هذا) زيادة من النسخة رقم (14) (5) كلمة (إليه) زيادة من النسخة رقم (14) (6) كلمة (الزكاة) سقطت خطا من النسخة رقم (16) (7) في النسخة رقم (16) (ان كان ما تجب فيه الزكاة) (8) الندرة - بفتح النون واسكان الدال المهملة - القطعة من الذهب والفضة توجد في المعدن *(6/108)
وذكروا حديثا من طريق عبد الله بن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن جده عن أبى هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الركاز؟ فقال: هو الذهب الذى خلقه الله في الارض يوم خلق السماوات والارض) * قال أبو محمد: هذا حديث ساقط، لان عبد الله بن سعيد متفق على اطراح روايته (1) ثم لو صح لكان في الذهب خاصة * فان قالوا: قسنا سائر المعادن المذكورة على الذهب * قلنا لهم: فقيسوا عليه أيضا معادن الكبريت، والكحل، والزرنيخ وغير ذلك * فان قالوا: هذه حجارة * قلنا (2): فكان ماذا؟ ومعدن الفضة والنحاس أيضا حجارة ولا فرق * واما الركاز فهو دفن (3) الجاهلية فقط، لا المعادن، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك (4) * والعجب كله احتجاج بعضهم في هذا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله في اللقطة: (ما كان منها في الخراب والارض الميتاء (5) ففيه وفى الركاز الخمس) وهم لا يقولون بهذا، وهذا كما ترى! * ولو كان المعدن ركاز لكان الخمس في كل شئ من المعادن، كما ان الخمس في كل دفن للجاهلية، أي شئ كان، فظهر فساد قولهم (7) وتناقضهم *
لا سيما في اسقاطهم الزكاة المفروضة بالخراج، ولم يسقطوا الخمس في المعادن بالخراج وأوجبوا فيها خمسا في أرض العشر، وعلى الكافر، والعبد، وفرقوا بين المعدن في الدار وبينه خارج الدار، ولا يعرف كل هذا عن احد قبلهم (8)، وهم يقولون: برد الاخبار الصحاح إذا خالفت الاصول وحكمهم ههنا مخالف للاصول * (
__________
(1) الحديث نسبه ابن حجر في التلخيص (ص 185) إلى البيهقى من طريق عبد الله بن سعيد.
وعبد الله هذا ضعيف جدا بل رماه بعضهم بالكذب (2) في النسخة رقم (16) (فقلنا) (3) في النسخة رقم (16) (دفين) (4) الخلاف بين أهل اللغة في هذا ثابت، قال أبو عبيد (اختلف أهل احجاز والعراق: فقال أهل العراق في الركاز المعادن كلها، وكذلك المال العادى يوجد مدفونا، هو مثل المعدن سواء، قالوا: وانما اصل الركاز المعدن، والمال العادى اللذى قد ملكه الناس مشبه بالمعدن.
وقال اهل الحجاز: انما الركاز كنوز الجاهلية؟ فأما المعادن فليست بركاز، وهذان القولان تحتملهما اللغة، لان كلا منهما مركوز في الارض أي ثابت، يقال: ركزه يركزه ركزا - من باب قتل - إذا دفنه، والحديث انما جاء على رأى اهل الحجاز) وروى الازهرى عن الشافعي انه قال: (الذى لا اشك فيه ان الركاز دفين الجاهلية، والذى انا واقف فيه الركاز في المعدن والتبر المخلوق في الارض) نقلهما في اللسان (5) الميتا.
- بكسر الميم والمد - الطريق المسلوك، ماخوذ من الاتيان، وانظر تخريج هذا الحديث في التلخيص (ص 185) (6) في النسخة رقم (14) (كالخمس في كل دفن للجاهلية) (7) كلمة (قولهم) سقطت خطا من النسخة رقم (16) (8) في النسخة رقم 16 (قبله) *(6/109)
فان قالوا: قد روى عن على: ان فيه الخمس * قلنا: أنتم أول مخالف لهذا الحكم إن كان حجة، لان الخبر انما هو في رجل استخرج معدنا فباعه بمائة شاة واخرج المشترى منه ثمن ألف شاة، فرأى على الخمس (1) على المشترى، لا على المستخرج له * وأما من رأى فيه الزكاة فاحتجوا بحديث مالك عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث معادن القبلية وهى في ناحية الفرع) (2) قال: فتلك المعادن لا يؤخذ منها الا الزكاة إلى اليوم *
قال أبو محمد: وليس هذا بشئ (3) لانه مرسل، وليس فيه مع ارساله الا اقطاعه عليه السلام تلك المعادن فقط، وليس فيه أنه عليه السلام أخذ منها الزكاة * ثم لو صح لكان المالكيون أول مخالف له، لانهم رأوا في الندرة تصاب فيه بغير كبير (4) عمل الخمس، وهذا خلاف ما في هذا الخبر * ويسألون أيضا عن مقدار ذلك العمل الكبير (5) وحد الندرة؟ ولا سبيل إليه الا بدعوى لا يجوز الاشتغال بها.
فظهر أيضا فساد هذا القول وتناقضه * وقالوا أيضا: المعدن كالرزع (6)، يخرج شئ بعد شئ * قال على: قياس المعدن على الزرع كقياسه على الركاز، وكل ذلك باطل، ولو كان القياس حقا لتعارض هذان القياسان، وكلاهما فاسد، أما قياسه على الركاز فيلزمهم ذلك في كل معدن، والا فقد تناقضوا، واما قياسه على الزرع فيلزمهم أن يراعوا فيه خمسة أوسق (7)، والافقد تناقضوا، ويلزمهم أيضا ان يقيسوا كل معدن من حديد أو نحاس على الزرع * واحتج كلتا الطائفتين بالخبر الثابت من طريق مسلم عن قتيبة: ثنا عبد الواحد عن عمارة بن القعقاع ثنا عبد الرحمن بن أبى نعم (8) قال: سمعت أبا سعيد الخدرى يقول: (بعث على بن أبى طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها، (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (فرأى الخمس) والزيادة من النسخة رقم (14) (2) القبيلة - بفتح القاف والباء الموحدة - ناحية من ساحل البحر بينهما وبين المدينة خمسة ايام، والفرع - بضم الفاء واسكان الراء - قرية على ثمانية برد من المدينة، وضبط في النسخة رقم (14) بضم الراء وهو خطا وانظر الكلام على هذا الحديث وطرقه في كتاب الخراج ليحيى ابن آدم رقم 294 ومسند احمد (ج 1 ص 306) وطبقات ابن سعد (ج 1 ق 2 ص 25) (3) في النسخة رقم (14) (وهذا ليس بشئ) (4) في النسخة رقم (14) (كثير) (5) في النسخة رقم (16) (كالمعدن كالزرع) وهو خطا (7) في النسخة رقم (16) (قيمة خمسة اوسق) (8) نعم - بظم النون واسكان العين المهملة، وفي النسخة رقم (16) (نعيم) وهو تصحيف *(6/110)
فقسمها بين أربعة نفر: عيينة بن يدر، والاقرع بن حابس، وزيد الخيل، وذكر رابعا.
وهو علقمة بن علاثة (1)) فقال: من رأى في المعدن الزكاة: هؤلاء من المؤلفة قلوبهم، وحقهم في الزكاة لا في الخمس، وقال الآخرون: على من بنى هاشم، ولا يحل له النظر في الصدقة، وانما النظر في الاخماس (2) * قال على: كلا القولين دعوى فاسدة، ولو كانت تلك الذهب من خمس واجب أو من زكاة لما جاز البتة أخذها الا بوزن وتحقيق، لا يظلم معه المعطى ولا أهل الاربعة الاخماس، فلما كانت (3) لم تحصل من ترابها صح يقينا أنها ليست من شئ من ذلك وانما كانت هدية من الذى أصابها، أو من وجه غير هذين الوجهين، فأعطاها عليه السلام من شاء، وقد قدمنا أنه لا زكاة في مال غير الزرع الا بعد الحول، والمعدن من جملة الذهب والفضة، فلا شئ فيها الا بعد الحول * وهذا قول الليث بن سعيد وأحد أقوال الشافعي وقول أبى سليمان * ورأى مالك أن من ظهر في أرضه معدن فانه يسقط ملكه عنه، ويصير للسلطان، وهذا قول في غاية الفساد، بلا برهان من قرآن، ولا سنة صحيحة، ولا رواية سقيمة، ولا اجماع، ولا قول صاحب، ولا قياس، ولا رأى له وجه * وعلى هذا ان ظهر في مسجد أن يصير ملكه للسلطان ويبطل حكمه ولو أنه الكعبة! وهذا في غاية الفساد، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فصح ان من ظهر في أرضه معدن فهو له، يورث عنه ويعمل فيه ما شاء * 701 مسألة ولا تؤخذ زكاة من كافر، لا مضاعفة ولا غير مضاعفة، لا من بنى تغلب ولامن غيرهم.
وهو قول مالك * وقال أبو حنيفة، والشافعي كذلك الا في بنى تغلب خاصة، فانهم قالوا: تؤخذ منهم الزكاة مضاعفة *
واحتجوا بخبر واهى مضطرب في غاية الاضطراب، رويناه من طريق أبى اسحاق الشيباني عن السفاح بن مطر (4) عن داود بن كردوس التغلبي قال: صالحت عمر بن الخطاب عن بنى تغلب (5) بعد أن قطعوا الفرات وأرادوا اللحوق بالروم على أن (
__________
(1) اختصر المؤلف الحديث جدا، وهو في مسلم (ح 1 ص 291 و 292) ولكن فيه (بذهبة) بالتكبير لا التصغير (2) ان صح انه من الصدقة فليس ارسال على اياه من باب النظر في الصدقة، وانما هو وال من قبل النبي صلى الله عليه وسلم تجبى إليه الصدقة، والمحرم هو العمل فيها بان يكون مصدقا يأخذ جزءا منها (3) في النسخة رقم (16) (فلو كانت) وهو خطا (4) في الاصلين (السفاح ابن مطرف) وهو خطا وصححناه من كتب الرجال ومن خراج يحيى بن آدم رقم 206 و 207 و 208 والتلخيص (ص 308) (5) هكذا هنا يخبر داود انه هو الذى صالح عن بنى تغلب، ويظهر لى أنه خطأ، فقد روى يحيى بن آدم في الخراج رقم(6/111)
لا يصبغوا (1) صبيا ولا يكرهوا على غير دينهم، (2) على أن عليهم العشر مضاعفا في كل عشرين درهما درهم، قال داود بن كردوس: ليس لبنى تغلب ذمة، قد صبغوا (3) في دينهم * ومن طريق هشيم عن المغيرة بن مقسم عن السفاح بن المثنى عن زرعة بن النعمان أو النعمان (3) بن زعرة: أنه كلم عمر في بنى تغلب، وقال له: انهم عرب يأنفون من الجزية، فلا تعن عدوك بهم، فصالحهم عمر على أن أضعف عليهم الصدقة، فاشترط عليهم: أن لا ينصروا أولادهم قال مغيرة: فحدثت أن على بن أبى طالب قال: لئت تفرغت لبنى تغلب لاقتلن مقاتلتهم ولاسبين ذراريهم، فقد نقضوا، وبرئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم (5) * وروى أيضا من طريق عبد السلام بن حرب فقال: فيه عن داود بن كردوس عن عمارة بن النعمان، وذكر مثله سواء سواء، وذكر أنهم لا ذمة لهم اليوم (6) * وروينا أيضا (7) من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث عن يونس ابن يزيد عن الزهري: لا نعلم في مواشي أهل الكتاب صدقة الا الجزية غير أن نصارى
بنى تغلب الذين جل أموالهم المواشى تضعف عليهم حتى تكون مثلى الصدقة (8) * هذا كل ما موهوا به.
ولو كان هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حل الاخذ به لانقطاعه وضعف رواته، فكيف وليس هو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (9)! * (
__________
(1) 206 و 208 وعن داود اخباره بان عمر صالح بنى تغلب، وكذلك نقله ابن حجر في التلخيص (ص 380) عن ابن ابى شيبة وكذلك شارح ابن ابى داود (ج 3 ص 132)، وروى يحيى بن آدم ايضا رقم (207) عن داود عن عبادة بن النعمان (انه قال لعمر) الخ وكذلك نقله الجصاص في احكام القران (ج 3 ص 94) عن يحيى بن آدم انه قال (عمارة بن النعمان) كما سيذكر المؤلف في طريق عبد السلام بن حرب، وكذلك رواه أبو يوسف في الخراج (ص 143 طبع السلفية) فقال (عن داود بن كردوس عن عبادة بن النعمان التغلبي)، فيظهر في هذان هنا خطأ بحذف عبادة بن النعمان.
وانظر نصب الراية (ج 1 ص 395 و 396) (1) بالصاد المهملة والباء والغين المعجمة، وفى النسخة رقم (16) (يضيعوا) وهو تصحيف.
قال الازهرى (وسمت النصارى غمسهم اولادهم في الماء صبغا لغمسهم اياهم فيه، والصبغ الغمس).
(2) في بعض الروايات للاثر (على دين غيرهم) (3) في النسخة رقم (16) (ضيعوا) وهو تصحيف كما سبق (4) في النسخة رقم 16 (والنعمان) وهو خطأ، وزرعة ابن النعمان أو النعمان بن زرعة هذا لم أجد له ترجمة، والاثر رواه أبو عبيد في الاموال عن سعيد بن سليمان عن هشيم كما نقله الزيلعى في نصب الراية (5) قول على هذا رواه أبو داود بلفظ: (لئن بقيت لنصارى بنى تغلب لاقتلن المقاتلة ولاسبين الذرية فانى كتبت الكتاب بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم على ان لا ينصروا ابناءهم) ثم قال أبو داود: هذا حديث منكر، وبلغني عن احمد انه كان ينكر هذا الحديث انكارا شديدا) ويريد ان رفعه منكر فان المعروف ان الذى عاهدهم هو عمر بن الخطاب (6) طريق عبد السلام بن حرب رواه عنه يحيى بن آدم في الخراج رقم 207 ولكن قال (عبادة بن النعمان) (7) كلمة (ايضا) زيادة من النسخة رقم (16) (8) رواه يحيى بن آدم مختصرا عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري رقم 201 (9) خبر بنى تغلب هذا روى من طرق كثيرة تطمئن النفس إلى ان له أصلا صحيحا، ويؤيده خبر زياد بن حدير الآتى الذى صححه ابن حزم(6/112)
فكيف وقد خالفوا هذا الخبر نفسه وهدموا به أكثر أصولهم؟! لانهم يقولون: لا يقبل خبر الآحاد الثقات (1) التى لم يجمع عليها فيما (2) إذا كثرت به البلوى، وهذا أمر تكثر به البلوى، ولا يعرفه أهل المدينة وغيرهم! فقبلوا فيه خبرا لا خير فيه *
وهم قد ردوا بأقل من هذا خبر الوضوء من مس الذكر، ويقولون: لا يقبل خبر الآحاد الثقات إذا كان زائدا على ما في القرآن أو مخالفا له، وردوا بهذا حديث اليمين مع الشاهد، وكذبوا ما هو مخالف لما في القرآن * ولا خلاف للقرآن أكثر من قول الله تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون) فقالوا هم: إلا بنى تغلب فلا يؤدون الجزية ولا صغار عليهم، بل يؤدون الصدقة مضاعفة، فحالفوا القرآن، والسنن المنقولة نقل الكافة (3) بخبر لاخير فيه! * وقالوا: لا يقبل خبر الآحاد الثقات إذا خالف الاصول، وردوا بذلك خبر القرعة في الاعبد الستة، وخبر المصراة، وكذبوا، ماهما مخالفين للاصول! بل هما أصلان من كبار الاصول * وخالفوا ههنا جميع الاصول في الصدقات، وفى الجزية بخبر لا يساوي بعرة! * وتعللوا بالاضطراب في أخبار الثقات، وردوا بذلك خبر (لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان) وخبر (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا) وأخذوا ههنا بأسقط خبر وأشده اضطرابا، لانه يقول راويه مرة: عن السفاح بن مطرف، ومرة: عن السفاح ابن المثنى، ومرة: عن داود بن كردوس أنه صالح عمر بنى تغب، ومرة: عن داود ابن كردوس عن عبادة بن النعمان أو زرعة بن النعمان أو النعمان بن زرعة أنه صالح عمر * ومع شدة هذا الاضطراب المفرط فان جميع هؤلاء لا يدرى أحد من هم من خلق الله تعالى؟ * وكم من قضية (4) خالفوا فيها عمر، ككلامه مع عثمان في الخطبة، نفيه في الزنا، وإغرامه في السرقة بعد القطع، وغير ذلك * (
__________
(1)، ولذلك قال الجصاص في احكام القرآن (ج 3 ص 94) بعد ذكر رواية داود بن كردوس: (هذا خبر مستفيض عند اهل الكوفة)، قد وردت به الرواية والنقل الشائع عملا وعقد بابا خاصا لهم يراجع هناك، وكذلك أبو يوسف في الخراج (ص 143) وكذلك البلاذرى في فتوح البلدان (ص 189) طبع مصر سنة 1319 (1) كلمة (الثقات) زيادة من النسخة رقم (14)
(2) كلمة (فيما) زيادة من النسخة رقم (16) (3) من قوله (ولا صغار عليهم بل يؤدون) إلى هنا سقط خطأ من النسخة رقم (16) (4) في النسخة رقم (16) (قصة) *(6/113)
وقد صح عن عمر بأصح طريق من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن شعبة (1) عن الحكم بن عتيبة عن ابراهيم النخعي عن زياد بن حدير (2) قال: مرنى عمر بن الخطاب أن آخذ من نصارى بنى تغلب العشر، ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر (3) * قال أبو محمد: فكما لم يسقط أخذ نصف العشر من أهل الكتاب الجزية عنهم فكذلك لا يسقط أخذ العشر من بنى تغلب أيضا الجزية عنهم، وهذا أصح قياس، لو كان شئ من القياس صحيحا، فقد خالفوا القياس أيضا * ثم لو صح وثبت لكانوا (4) قد خالفوه، لان جميع ممن رووه عنه أولهم عن آخرهم يقولون كلهم: ان بنى تغلب قد نقضوا تلك الذمة، فبطل ذلك الحكم * ورووا ذلك أيضا عن على، فحالفوا عمر.
وعليا والخبر الذى به احتجوا والقرآن والسنن: في أخذ الجزية من كل كتابي في أرض العرب وغيرها، كهجر واليمن وغيرهما وفعل الصحابة رضى الله عنهم والقياس، ونعوذ بالله من الخذلان * 702 مسألة ولا يجوز أخذ زكاة ولا تعشير مما يتجر به تجار المسلمين، ولا من كافر أصلا، تجر في بلاده (5) أو في غير بلاده، إلا ان يكونوا صولحوا على ذلك مع الجزية في أصل عقدهم، فتؤخذ حينئذ منهم والا فلا * أما المسلمون فقد ذكرنا قبل أنه لا زكاة عليهم في الغروض لتجارة كانت أو لغير تجارة (6) وأما الكفار فانما اؤجب الله تعالى عليهم الجزية فقط، فان كان ذلك صلحا مع الجزية فهو حق وعهد صحيح، وإلا فلا يحل أخذ شئ من أموالهم بعد صحة عقد الذمة بالجزية والصغار، ما لم ينقضوا العهد.
وبالله تعالى التوفيق * وقال أبو حنيفة: يؤخذ من أهل الذمة إذا سافروا نصف العشر في الحول مرة فقط
ولا يؤخذ منهم من أقل من مائتي درهم شئ، وكذلك يؤخذ من الحربى العشر إذا بلغ مائتي درهم، وإلا فلا، إلا ان كانوا لا يأخذون من تجار ناشيئا، فلا نأخذ من تجارهم شيئا * وقال مالك: يؤخذ من أهل الذمة العشر إذا تجروا إلى غير بلادهم، مما قل أو كثر إذا باعوا، ويؤخذ منهم في كل سفرة كذلك ولو مرارا في السنة، فان تجروا في بلادهم (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (شعيب) وهو خطأ (2) حدير - بضم الحاء وفتح الدال المهملتين، وفى النسخة رقم (16) (جابر) وفي نصب الراية (ج 1 ص 396) (جرير) وكل خطأ (3) نقل الزيلعى في نصب الراية انه رواه عبد الرزاق في مصنفه عن عبد الله بن كثير عن شعبة، وروى يحيى في الخراج عن شريك وعن اسرائيل كلاهما عن ابراهيم بن مهاجر عن زياد ابن حدير نحوه ولكن فيه انه ياخذ من بنى تغلب نصف العشر، رقم (202 و 203)، وروى أبو يوسف في الخراج (ص 144) عن اسماعيل بن ابراهيم بن مهاجر عن ابيه عن زياد التغليظ على بنى تغلب، واسمعيل وابوه ضعيفان من قبل حفظهما (4) في النسخة رقم (14) (لكان) وما هنا اصوب (5) في النسخة رقم (16) (بلده) (6) في النسخة رقم (14) (أو لغيرها) *(6/114)
لم يؤخذ منهم شئ، ويؤخذ من الحربيين كذلك إلا فيما حملوا (1) إلى المدينة خاصة من الحنطة، والزبيب (3) خاصة، فانه لا يؤخذ منهم إلا نصف العشر فقط * قال أبو محمد: احتجوا في ذلك بما روى من طريق معمر عن الزهري عن السائب ابن يزيد: كنت أعشر مع عبد الله بن عتبة زمن عمر بن الخطاب، فكان يأخذ من أهل الذمة أنصاف عشر أموالهم فيما تجروا به * وبحديث أنس بن سيرين عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب: خذ (3) من المسلمين من كل أربعين درهما درهما، ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما درهما، وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهما (4) * ومن طريق زياد بن حدير: أمرنى عمر بأن آخذ من بنى تغلب العشر، ومن نصارى أهل الكتاب نصف العشر * ومن طريق مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد قال: كنت غلاما مع عبد الله
ابن عتبة على سوق المدينة زمان عمر بن الخطاب، (5) فكان يأخذ من النبط العشر * قال أبو محمد: هذا كله لا حجه فيه، لانه ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * وأيضا فرب قضية خالفوا فيها عمر قد ذكرناها آنفا، وليس يجوز أن يكون بعض حكم عمر حجة وبعضه ليس بحجة * وأيضا فان هذه الآثار (6) مختلفة عن عمر، في بعضها العشر من اهل الكتاب، وفى بعضها نصف العشر، فما الذى جعل بعضها أولى من بعض؟! * وقد خالف المالكيون هذه الآثار تفريقهم بين تجارتهم في أقطار بلادهم أو غيرها * وخالفها (7) الحنيفيون في وضعهم ذلك مرة في العام فقط، وليس ذلك في هذه الآثار وذكروا في ذلك خبرا فساد من طريق ابن أبى ذئب (8) عن عبد الرحمن بن مهران: أن عمر كتب (9) إلى أيوب بن شرحبيل: خذ من المسلمين من كل أربعين دينارا دينارا، ومن أهل الكتاب من كل عشرين دينارا دينارا، إذا كانوا يديرونها، ثم لا تأخذ منهم شيئا حتى رأس الحول، فانى سمعت ذلك ممن سمعه ممن سمع النبي صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: وهذا عن مجهولين، وليس أيضا فيه بيان أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم (10) (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (الا ما حملوا) (2) في النسخة رقم (16) (والزيت) بدل (والزبيب) (3) كلمة (خذ) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (4) في النسخة رقم (16) في المواضع الثلاثة (درهم) وهو لحن (5) في النسخة رقم (16) (زمن عمر) (6) في النسخة رقم (16) (آثار) (7) في النسخة رقم (16) (وخالف) (8) كلمة (ذئب) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (9) في النسخة رقم (16) (عن عبد الرحمن بن مهران عمن كتب) الخ وهو خطأ (10) قوله (قال أبو محمد: وهذا عن مجهولين) إلى هنا سقط من النسخة رقم (16)(6/115)
قال أبو محمد: فكيف وقد روينا عنر عمر رضى الله عنه بيان هذا كله؟ كما حدثنا أحمد ابن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى ثنا على بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا الانصاري هو القاضى محمد بن عبد الله بن المثنى عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن أبى مجلز قال:
بعث عمر عمارا، وابن مسعود، وعثمان بن حنيف إلى الكوفة فذكر الحديث وفيه: أن عثمان بن حنيف مسح الارض فوضع عليها كذا وكذا، وجعل في أموال أهل الذمة الذين يختلفون بها من كل عشرين درهما درهما (1) وجعل على رؤوسهم وعطل من ذلك النساء والصبيان: أربعة وعشرين، ثم كتب بذلك إلى عمر فأجازه (2) * فصح أن هذا كان في أصل العهد والعقد وذمتهم * وبه إلى أبى عبيد: ثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن خالد العبسى قال: سألت زياد بن حدير: من كنتم تعشرون (3) قال (4) ما كنا نعشر مسلما ولا معاهدا كنا نعشر تجار أهل الحرب كما يعشروننا إذا أتيناهم (5) * فصح أنه لم يكن يؤخذ ذلك ممن لم يعاقد على ذلك * وبه إلى أبى عبيد: ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن شقيق بن سلمة عن مسروق قال: والله ما عملت عملا أخوف عندي أن يدخلنى النار من عملكم هذا، وما بى أن أكون ظلمت فيه مسلما أو معاهدا دينارا ولا درهما، ولكن لا أدرى ماهذا الحبل (6) الذى لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر؟ قالوا: فما حملك على أن دخلت فيه؟ قال: لم يدعنى زياد، وشريح، ولا الشيطان حتى دخلت فيه (7) * (
__________
(1) كلمة (درهما) الثانية سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (2) انظر خراج ابى يوسف (ص 29 و 31) في مسح ارض السواد، وقد روى هذا الاثر مطولا عن سعيد بن ابى عروبة (ص 42) وانظر ايضا في (ص 43 و 44 و 45 و 153 و) (3) في النسخة رقم (16) (تعشر) وهو خطأ (4) في النسخة رقم (16) (قالوا) وهو خطأ (5) رواه يحيى بن آدم رقم (640) عن سفيان بن سعيد - هو الثوري - عن عبد الله بن خالد العبسي عن عبد الله بن مغفل عن زياد بن حدير قال: (ما كنا نعشر مسلما ولا معاهدا، قال قلت: فمن كنتم تعشرون؟ قال: تجار اهل الحرب كما يعشرونا إذ أتيناهم) وأظن ان اصل المحلى سقط منه (عن عبد الله بن مغفل) في الاسناد، وعبد الله بن خالد العبسى لم اجد له ترجمة ولا ذكرا (6) لا ادرى ما المراد بالحبل هنا.
وفي النسخة رقم (14) (الحمل) بالميم وهو مشكل ايضا، وانما رجحت الذى بالنسخة رقم (16) لموافقته ما في طبقات ابن سعد كما سنذكره ان شاء الله (7) قال ابن سعد في الطبقات (ج 5 ص 55) (اخبرنا عبد الله
ابن نمير ثنا الاعمش عن شقيق قال: كان مسروق على السلسلة سنتين فكان يصلى ركعتين ركعتين يبتغى بذلك السنة.
انا أبو معاوية ثنا الاعمش عن شقيق قال: قلت لمسروق ما حملك على هذا العمل؟ قال لم يدعني ثلاثة: زياد وشريح والشيطان حتى اوقعوني فيه! انا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة عن سليمان هو الاعمش - عن شقيق قال كنت مع مسروق بالسلسلة سنتين يصلى ركعتين يريد بذلك السنة، قال فسمعته يقول: ما عملت عملا قط اخوف علي من ان يدخلنى النار من عملي هذا، وما بى ان اكون اصبت درهما ولا دينارا ولا ظلمت مسلما ولا معاهدا، ولكن لا ادرى ما هذا الحبل (؟) الذى لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر؟ قال قلت: فما ردك عليه وقد كنت تركته؟ قال: اكتنفني(6/116)
قال أبو محمد: فصح أنه عمل محدث، ولا يجوزأن يظن بعمر رضى الله عنه أنه تعدى ما كان في عقدهم، كما لا يظن به في أمره أن يوخذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهم أنه فيما هو أقل من مائتي درهم.
وبالله تعالى التوفيق * 70 3 مسألة وليس في شئ مما أصيب من العنبر والجواهر (1) والياقوت والزمرد بحرية وبريه.
: شئ أصلا، وهو كله لمن وجده * وقد روى من طريق الحسن بن عمارة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن عمربن الخطاب: أن في العنبر، وفى كل (2) ما استخرج من حلية البحر الخمس (3)، وبه يقول أبو يوسف * قال أبو محمد: الحسن بن عمارة مطرح * وقد صح عن أبن عباس أنه قال في العنبر: إن كان فيه شئ ففيه الخمس، من طريق سفيان بن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس، وروى أيضا عن ابن عباس: لاشى فيه (4) * قال أبو محمد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فصح انه لا يحل اغرام مسلم شيئا بغير نص صحيح، وكان (5) بلا خلاف كل مالارب له فهو لمن وجده.
وبالله تعالى التوفيق *
(
__________
(1) زياد وشريح والشيطان فلم يزالوا يزينونه لى حتى اوقعوني فيه! اخبرنا هشام بن الوليد الطيالسي ثنا أبو عوانة عن حصين عن ابى وائل: ان مسروقا حين حضره الموت قال: اللهم لا اموت على امر لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر، والله ما تركت صفراء ولا بيضاء عند احد من الناس غير ما في سيفى هذا فكفنوني به، وقد قال ابن سعد قبل هذا ان مسروقا كان قاضيا وانه كان لا ياخذ على القضاء رزقا، وقال اخيرا ان مسروقا مات ودفن بالسلسة بواسط.
فعلمنا من هذا ان السلسة مكان بواسط وان مسروقا كان متوليا شأنا من شؤونه وانه كان قاضيا، وانه تمنى الخروج من عمله بل خرج منه ثم عاد إليه ثم ندم وتمنى ان يتركه.
فما هذا العمل؟ هل هو القضاء أو عمل آخر؟ اما القضاء فقد سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر وعمر، وعمل ابن حزم في الاتيان بالاثر هنا يدل على ان مسروقا كان عاملا على شئ مما يتعلق بالمال من خراج أو جزية أو غيرهما وهو الذي سماه (الحبل)؟! ولعلنا نوفق إلى معرفته ان شاء الله تعالى * (1) في النسخة رقم (14) (أو الجوهر) (2) في النسخة رقم (16) (وكل) (3) استغربه الزيلعى في نصب الراية عن عمر بن الخطاب لما نقله صاحب الهداية بدون اسناد ولكن ما هنا يدل على انه ورد ولم يطلع عليه الزيلعى وان كان الاسناد ضعيفا (4) نقله الزيلعى في نصب الراية (ج 1 ص 407) عن عبد الرزاق (اخبرنا الثوري عن ابن طاوس عن ابيه عن ابن عباس ان ابراهيم بن سعد وكان عاملا بعدن سأل ابن عباس عن العنبر؟ فقال: ان كان فيه شئ فالخمس) ثم قال (ورواه الشافعي أنبأنا سفيان الثوري به) (5) في النسخة رقم (16) (وجاز) بدل (وكان) وهو خطأ *(6/117)
زكاة الفطر 704 مسألة (1) زكاة الفطر من رمضان فرض واجب على كل مسلم، كبير أو صغير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، وان كان من ذكرنا جنينا في بطن أمه (2) عن كل واحد صاع من تمر أو صاع من شعير، وقد قدمنا أن الصاع أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم وقد فسرناه قبل، ولا يجزئ شئ غير ما ذكرنا، لاقمح ولا دقيق قمح أو شعير، ولاخبز (3) ولا قيمة، ولا شئ غير ما ذكرنا * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتحخ ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا ابن أبى فديك أنا الضحاك
ابن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل نفس من المسلمين حر أو عبد، رجل أو امرأة، صغير أو كبير: صاعا من تمر أو صاعا من شعير) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا أبو إسحاق البلخى ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا أحمد بن يونس ثنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير) * وقال مالك: ليست فرضا، واحتج له من قلده بان قال: معنى (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قدر مقدارها * قال أبو محمد: وهذا خطأ، لانه دعوى بلا برهان واحالة اللفظة عن موضوعها (4) بلا دليل، وقد أوردنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بها (5) وأمره فرض، قال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) * وذكروا خبر رويناه من طريق قيس بن سعد: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله) * وعنه أيضا: (كنا نصوم عاشورا ونعطى زكاة الفطر ما لم ينزل علينا صوم رمضان (
__________
(1) كلمة (مسألة زيادة من النسخة رقم (14) (2) سيناقض ابن حزم نفسه.
فانه قال فيما يأتي في المسألة 718 (ومن ولد حين ابيضاض الشمس من يوم الفطر فما بعد ذلك أو اسلم كذلك فليس عليه زكاة الفطر)) (3) في النسخة رقم (14) (لا قمح ولا دقيق ولا خبز) (4) في النسخة رقم (16) واحالة (اللفظ عن موضوعه) (5) قوله (امر بها) سقط خطأ من النسخة رقم (16) *(6/118)
والزكاة، فلما نزلا لم نؤمر ولن ننه عنه، ونحن نفعله) (1) * قال أبو محمد: وهذا الخبر حجة لنا عليهم، لان فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر، فصار أمرا مفترضا ثم لم ينه عنه، فبقى فرضا كما كان، وأما يوم عاشواء فلو لا
أنه عليه السلام صح أنه قال بعد ذلك: (من شاء صامه ومن شاء تركه) لكان فرضه باقيا، ولم يأت مثل هذا القول في زكاة الفطر، فبطل تعلقهم بهذا الخبر، وقد قال تعالى: (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر زكاة، فهى داخلة في أمر الله تعالى بها، والدلائل (2) على هذا تكثر جدا * وروينا عن وكيع عن سفيان الثوري عن عصام بن سليمان عن عصام بن سليمان الاحول عن محمد بن سيرين وأبى قلابة قالا جميعا: زكاة الفطر فريضة: وهو قول الشافعي وأبى سليمان وغيرهما * وأجاز قوم أشياء (3) غير ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قوم: يجزئ فيها القمح وقال آخرون: والزبيب والاقط (4) * واحتجوا بأشياء منها: أنهم قالوا: انما يخرج كل أحد مما يأكل ومن قوت أهل بلده، فقلنا: هذه دعوى باطل بلا برهان، ثم قد نقضتموها لانه إنما يأكل الخبز لا الحب، فأوجبوا أن يعطى خبزا لانه هو أكله، هو قوت أهل بلده، فان قالوا: هو غير ما جاء به الخبر، قلنا: صدقتم وكذلك ما عدا التمر والشعير * وقالوا: انما خص عليه السلام بالذكر التمر والشعير لانهما كانا قوت أهل المدينة * قال أبو محمد: وهذا قول فاحش جدا، أول ذلك أنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكشوف! لان هذا القائل قوله عليه السلام ما لم يقل، وهذا عظيم جدا * (
__________
(1) هذا الحديث بلفظيه رواه النسائي (ج 5 ص 49) باسنادين: احدهما من طريق الحكم بن عتيبة عن القاسم عن عمر ابن شرحبيل عن قيس.
والآخر من طريق سلمة بن كهيل عن القاسم عن ابى عمار الهمداني عن قيس، وهما اسنادان صحيحان رواتهما ثقات، والعجب ان ابن حجر قال في الفتح (ج 3 ص 291): (وتعقب بأن في اسناده راويا مجهولا) وتبعه في هذا السيوطي في شرح النائى والشوكانى في نيل الاوطار (ج 4 ص 250)! وهو خطأ، فليس فيه مجهول قط، والحق انه لا دليل فيه على النسخ كما قال ابن حجر: لاحتمال الاكتفاء بالامر الاول، لان نزول فرض لا يوجب سقوط فرض آخر) وكما قال المؤلف هنا، واما حكاية ابن حزم عن مالك القول بأنها ليست فرضا فهو وهم منه أو ممن نقل عنه، قال مالك في الموطأ (ص 124): (تجب زكاة الفطر على اهل البادية كما تجب على اهل القرى، وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس، على كل حر أو عبد ذكر أو انثى من المسلمين) وانما حكاه السيوطي في شرح النسائي عن ابراهيم بن علية وابا بكر الاصم وأشهب من المالكية وابن اللبان من الشافعية، وحكاه ابن رشد في بداية المجتهد (ج 1 ص 253) عن بعض المتأخرين من اصحاب مالك.
(2) في النسخة رقم (16) (والدليل) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (16) (شيئا) وهو خطأ (4) بفتح الهمزة مع كسر القاف أو ضمها أو فتحها أو اسكانها، وبكسر الهمزة مع كسر القاف.
أو اسكانها، وبضم الهمزة مع اسكان القاف فقط، وهو شئ يتخذوا من اللبن المخيض، كأنه نوع من الجبن الجاف *(6/119)
ويقال له: من أين لك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يذكر القمح، والزبيب فسكت عنهما وقصد إلى التمر والشعير لانهما قوت أهل المدينة؟ وهذا لا يعلمه الا من أخبره عليه السلام بذلك عن نفسه أو من نزل عليه وحى بذلك * وأيضا: فول صح لهم ذلك لكان الفرض في ذلك لا يلزمم إلا أهل المدينة فقط * وأيضا: فان الله تعالى قد علم وأنذر بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى سيفتح لهم الشأم، والعراق، ومصر، وما وراء البحار، فكيف يجوز أن يلبس على أهل هذه البلاد دينهم؟ فيريد منهم أمرا ولا يذكره لهم؟ ويلزمهم بكلامه مالا يلزمهم من التمر والشعير؟ ونعوذ بالله من مثل هذا الظن الفاسد المختلط * واحتجوا بأخبار فاسدة لا تصح * منها خبر رويناه من طريق اسمعيل بن أمية عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبى ذباب عن عياض بن عبد الله عن أبى سعيد الخدرى (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط) (1) * والحارث ضعيف، ثم لو صح لما كان فيه الا الاقط لا سائر ما يجيزون * ومن طريق ابن وهب عن كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن ربيح بن عبد الرحمن عن أبى سعيد الخدرى عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر (صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير) *
وكثير بن عبد الله ساقط، لا تجوز الرواية عنه، (2) ثم لو صح لم يكن فيه إلا الاقط، والزبيب * (
__________
(1) هو في النسائي (ج 5 ص 51) (2) هكذا جاء هذا الاسناد هنا.
(ربيح بن عبد الرحمن عن ابى سعيد الخدرى) المعروف ان ربيحا يروى عن ابيه عبد الرحمن عن جده ابى سعيد.
فانه (ربيح بن عبد الرحمن بن ابى سعيد الخدرى).
وقد رواه ابن سعد في الطبقات (ج 1 ق 2 ص 8) ونصه (اخبرنا محمد بن عمر نا عبد الله بن عبد الرحمن الجمحى عن الزهري عن عروة عن عائشة، قال: واخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، قال: واخبرنا عبد العزيز بن محمد عن ربيح ابن عبد الرحمن ابن ابى سعيد الخدرى عن ابيه عن جده قالوا: نزل فرض شهر رمضان بعدما صرفت القبيلة إلى الكعبة بشهر، في شعبان، على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة بزكاة الفطر، وذلك قبل ان تفرض الزكاة في الاموال، وان تخرج عن الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والانثى، صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو صاع من زبيب، أو مدان من بر، وكان يخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفطر بيومين، فيأمر باخراجها قبل ان يغدو إلى المصلى، وقال: اغنوهم - يعنى المساكين - عن طواف هذا اليوم، وكان يقسمها إذا رجع) الخ ونقله ابن حجر في التلخيص (ص 186) عن ابن سعد ببعض اختلاف، ولولا ضعف محمد بن عمر الواقدي لكان طريق الزهري وطريق عبيد الله بن عمر صحيحين، ولكنه يصلح للمتابعات ويدل على ان للحديث اصلا مع اختلاف طرقه رغما عما يريد ابن حرم، وتبين من هذا أن كثير بن عبد الله لم ينفرد بهذا عن ربيح، * فائدة: ربيح بالتصغير(6/120)
ومن طريق نصر بن حماد عن أبى معشر المدنى عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر: (صاعا من تمر أو من شعير أو من زبيب أو من قمح، ويقول: أغنوهم عن تطواف هذا اليوم) (1) * وأبو معشر المدنى هذا نجيح مطرح يحدث بالموضوعات عن نافع وغيره * ومن طريق يعلى عن حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري عن ثعلبة بن أبى صعير (2) عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (صاعا من بر عن كل ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، غنى أو فقير، حر أو مملوك) *
والنعمان بن راشد ضعيف كثير الغلط، ثم لو صح لكان أبو حنيفة قد خالفه، لانه لا يوجب إلا نصف صاع من بر * ومن طريق همام بن يحيى: ثنا بكر بن وائل بن داود ثنا الزهري عن عبد الله ابن ثعلبة بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه أمر في صدقة الفطر صاع تمر أو صاع شعيرعلى كل واحد، أو صاع قمح بين اثنين) * وعن ابن جريج عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم * وهذان مرسلان * ومن طريق مسدد عن حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري عن ثعلبة ابن أبى صعير عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (3) في صدقة الفطر: (صاع من قمح على كل اثنين) * ومن طريق سليمان بن داود العتكى (4) عن حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبى صعير (5) عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم (6) في صدقة الفطر: (صاع من بر على كل اثنين) * فحصل هذا الحديث راجعا إلى رجل مجهول الحال، مضطرب عنه، مختلف في اسمه، مرة عبد الله بن ثعلبة، مرة ثعلبة بن عبد الله، ولا خلاف في أن الزهري لم يلق ثعلبة ابن أبى صغير، وليس لعبدالله بن ثعلبة صحبة * (
__________
(1) وفيه ضعف (1) رواه الدار قطني بمعناه (ص 225) من طريق وكيع عن ابى معشر، ونسبه ابن حجر في التلخيص (ص 186) إلى البيهقى ايضا.
وقد ظهر مما رواه ابن سعدان له اصلا (2) صعير - بضم الصاد وفتح العين المهملتين، وانظر ألفاظ هذا الحديث وطرقه إلى ابى داود (ج 2 ص 3130) والدار قطني (ص 223 و 224) (3) كلمة (في) زيادة من النسخة رقم (14) (4) بفتح العين المهملة والتاء المثناة وبالكاف، وهو أبو الربيع الزهراني الحافظ، وفى النسخة رقم (16) (العتبى) وهو خطأ فاحش (5) في النسخة رقم (16) (عن النعمان بن راشد عن ثعلبة أو ثعلبة بن ابى صعير، وهو خطأ (6) كلمة (في) زيادة من النسخة رقم (14) *(6/121)
وأحسن حديث في هذا الباب ما حدثناه حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك ابن أيمن ثنا احمد بن زهير بن حرب (1) ثنا موسى بن اسماعيل ثنا همام بن يحيى عن بكر بن وائل، أن الزهري حدثه عن عبد الله بن ثعلبة بن أبى صعير (2) عن أبيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيبا فامر بصدقة الفطر، صاع تمر أو صاع شعير عن كل واحد) * ولم يذكر البر ولا شيئا غير التمر والشعير، ولكننا لا نحتج به.
لان عبد الله بن ثعلبة مجهول، ثم هذا كله مخالف لقول مالك والشافعي * ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبى يزيد المدنى (3): (أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم لمظاهر شعيرا وقال: أطعم هذا فان مدين من شعير يقضيان مدا من قمح) * وهذا مرسل * ومن طريق ابن جريج عن عمرو بن شعيب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حج بعث صارخا في بطن مكة: ألا أن زكاة الفطر حق واجب على كل مسلم، مدان من حنطة أو صاع مما سوى ذلك من الطعام) * وهذا مرسل * وعن جابر الجعفي عن الشعبى: (كانوا يخرجون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر (4) صاع من تمر أو صاع من شعير (5) أو نصف صاع من بر) * وهذا مرسل * ومن طريق الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، وعقيل بن خالد وعمرو بن الحارث (6) قال عبد الرحمن وعقيل: عن الزهري وقال عمرو: عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، (7) ثم اتفق يزيد والزهرى عن سعيد بن المسيب، (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر مدين من حنطة (8) * (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ثنا زهير بن حرب) وهو خطأ فاحش، فان ابن ايمن ولد سنة 252 وزهيرا مات سنة 234، وانما عرف ابن ايمن بالرواية عن احمد بن زهير بن حرب (2) في النسخة رقم (16) (بن صعير) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (16)
(أبى زيد المدني) وهو خطأ، وأبو يزيد هذا تابعي ثقة (4) (قوله زكاة الفطر) سقط من النسخة رقم (16) (5) رسم في الاصلين (صاع) منصوبا بغير ألف في الموضعين، ووضع عليها في النسخة رقم (14) كلمة (كذا) اشارة إلى احتمال الخطأ، والحق انه صواب، ففي البخاري في ابواب العمرة في حديث ابن عمر: (كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: اربع (فانه في رواية ابى ذر بالنصب، وفي حاشية النسخة اليونينية منه مانصه (على رواية ابى ذر رسم بعين واحدة على لغة ربيعة من الوقف على المنصوب بصورة المرفوع والمجرور)) وانظر (شرح ابن يعيش على المفصل) طبع الادارة المنيرية (ج 9 ص 69 و 70) (6) في النسخة رقم (16) (عمرو بن خالد) وهو خطأ (7) بضم القاف وفتح السين المهملة وآخره طاء مهملة ايضا (8) في النسخة رقم (16) (من كل حنطة) وهو خطأ *(6/122)
وهذا مرسل * ومثله أيضا عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة، والقاسم بن محمد بن أبى بكر، وسالم ابن عبد الله بن عمر، وأبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى مراسيل * ومن طريق حميد عن الحسن عن ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضها يعنى زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو نصف صاع من بر * ولا يصح للحسن سماع من ابن عباس (1) * وروى أيضا من طريق أبى هريرة، وأوس بن الحارث، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وكل ذلك لا يصح، ولا يشتغل به، ولا يعمل به الا جاهل (2) * قال أبو محمد: وهذا مما نقضت كل طائفة منهم (3) فيه أصلها * فأما الشافعيون فانهم يقولون عن الشافعي: بأن مرسل سعيد بن المسيب حجة، وقد تركوا ههنا مرسل سعيد بن المسيب * وقال الشافعي: في أشهر قوليه لا تجزئ زكاة الفطر الا من حب تخرج منه الزكاة، وتوقف في الاقط، وأجازه مرة أخرى *
وأما المالكيون فأجازوا المرسل وجعلوه كالمسند، وخالفوا ههنا من المراسيل مالو جاز قبول شئ منها لجاز ههنا، لكثرتها وشهرتها ومجيئها من طريق (4) فقهاء المدينة * وأما الحنيفيون فانهم في أشهر رواياتهم عنه جعل الزبيب كالبر في أنه يجزئ منه نصف صاع، ولم يجز الاقط إلا بالقيمة ولا أجاز غير البر والشعير ودقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب (5) فقط إلا بالقيمة، وهذا خلاف لبعض هذه الآثار (6) وخلاف لجميعها في إجازة القيمة، والعجب كله من إطباقهم (7) على أن راوي الخبر إذا تركه (
__________
(1) حديث الحسن عن ابن عباس رواه أبو داود (ج 2 ص 31 و 32) والنسائي (ج 5 ص 50) والدار قطني (ص 222) وروى نحو الدار قطني ص 222 عن ابن سيرين عن ابن عباس ورجاله ثقات الا انه منقطع لان ابن سيرين لم يسمع من ابن عباس شيئا وروى الحاكم نحوه (ج 1 ص 410) والدار قطني (ص 221) من طريق يحيى بن عباد عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس صحيحه الحاكم وضعفه الذهبي بيحيى بن عباد السعدى ونقل عن العقيلى انه قال (حديثه يدل على الكذب) (2) حديث ابى هريرة رواه الحاكم (ج 1 ص 410) والدار قطني (ص 221) وصححه الحاكم، وضعفه الذهبي ببكر بن الاسود وهو كما قال.
وروى نحوه الدار قطني موقوفا باسناد صحيح (ص 224).
وحديث أوس بن الحارث لم أجده.
وحديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده رواه الترمذي (ج 1 ص 85 طبع الهند) والدار قطني (ص 220) وقال الترمذي: (حديث غريب حسن) (3) كلمة (منهم) زيادة من النسخة رقم (14) (4) في النسخة رقم (14) (طرق) (5) في النسخة رقم (14) (والشعير) بدل (والزبيب) وهو خطأ (6) في النسخة رقم (14) (الاخبار) (7) في النسخة رقم (16) (اطنابهم) وهو خطأ لا معنى له *(6/123)
كان ذلك دليلا على سقوط الخبر، كما فعلوا في خبر غسل الاناء من ولوغ الكلب سبعا * وقد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا على بن ميمون الرقى عن مخلد هو ابن الحسين عن هشام هو ابن حسان عن ابن سيرين عن ابن عباس قال: ذكر في صدقة الفطر فقال: (صاع من بر، أو صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو صاع من سلت (1) * فهذا ابن عباس قد خالف ما روى باصح إسناد يكون عنه (2)، فواجب عليهم رد
تلك الرواية، والا فقد نقضوا أصلهم * وذكروا في ذلك حديثا صحيحا رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن عياض ابن عبد الله أنه سمع أبا سعيد الخدرى يقول: (كنا نخرج زكاة الفطر، صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط، أو صاعا من زبيب (3)) * قال أبو محمد: وهذا غير مسند، وهو أيضا مضطرب فيه على أبى سعيد * فرويناه من طريق البخاري: ثنا معاذ بن فضالة (حدثنا أبو عمر) (4) عن زيد هو ابن أسلم عن عياض بن عبد الله عن أبى سعيد الخدرى قال: (كنا نخرج على عهد (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام، وكان طعامنا الشعير والزبيب والاقط (6) والتمر) * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن اسماعيل بن أمية أخبرني عياض بن عبد الله أنه سمع أبا سعيد الخدرى يقول: (كنا نخرج زكاة الفطر ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا عن كل صغير وكبير حر ومملوك: من ثلاثة أصناف: صاعا من تمر، صاعا من أقط، صاعا من شعير، قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه كذلك (7)) * ومن طريق سفيان بن عيينة: ثنا ابن عجلان سمعت عياض بن عبد الله يخبر عن أبى سعيد الخدرى قال: (لم نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط أو صاعا من دقيق أو صاعا من سلت) ثم شك سفيان (
__________
(1) رواه النسائي (ج 5 ص 50) ولكن فيه (صاعا) بالنصب في المواضع الاربعة (2) في النسخة رقم (16) (يكون فيه) وهو خطأ.
واثر ابن عباس هذا موقوف كما ترى) وقد اشرنا فيما سبق إلى المرفوع الذى عند الدار قطني، وقد جعل ابن حزم هذا اسنادا صحيحا وليس كما قال، فانه منقطع، قال احمد وابن المدينى وابن معين والبيهقي (محمد بن سيرين لم يسمع من ابن عباس شيئا) نقله شارح الدار قطني، وفي المراسيل لابن ابى حاتم نحوه عن احمد وابن المدينى (ص 68) (3) في الموطأ (ص 124) والبخاري (ج 2 ص 260) ومسلم (ج 1 ص 269) (4) قوله (حدثنا أبو عمر) سقط خطأ من الاصلين، وزدناه من البخاري (ج 2 ص 261) وابو عمر هو حفص بن ميسرة (ه) في البخاري (في عهد) (6) قوله (والزبيب
والاقط) سقط خطأ من النسخة رقم (16) (7) هو في مسلم (ج 1 ص 269) *(6/124)
فقال: (دقيق أو سلت (1)) *) ومن طريق الليث عن يزيد هو ابن أبى حبيب عن عبد الله (2) بن عبد الله ابن عثمان أن عياض بن عبد الله حدثه أن أبا سعيد الخدرى قال: (كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط، لا نخرج غيره) يعنى في زكاة الفطر * قال أبو محمد: ففى بعض هذه الاخبار إبطال إخراج البر جملة، وفى بعضها إثبات الزبيب، وفى بعضها نفيه، واثبات الاقط جملة، وليس فيها شئ غيرذلك، وهم يعيبون الاخبار المسندة التى لا مغمز فيها بأقل من هذا الا ضطراب، كحديث ابطال تحريم الرضعة والرضعتين وغير ذلك (3) * ثم انه ليس من هذا كله خبر مسند، لانه ليس في شئ منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بذلك فأقره * ولا عجب أكثر ممن يقول في خبر جابر الثابت: (كنا نبيع أمهات الاولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وحديث أسماء بنت أبى بكر الثابت: (ذبحنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه): ان هذان (4) ليسا مسندين)، لانه ليس فيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بذلك فأقره، ثم يجعل حديث أبى سعيد هذا مسدنا على اضطرابه وتعارض رواته فيه! * فليقل كل ذى عقل: أيما أولى (5) أن يكون لا يخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بيع رجل من أصحابه أم ولده.
أو ذبح فرس في بيت أبى بكر الصديق أو بيت الزبير وبيتاهما مطنبان (6) ببيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنته عنده، على عزة الخيل عندهم وقلتها وحاجتهم إليها، أم صدقة رجل من المسلمين في بنى خدرة في عوالي المدينة بصاع أقط أو صاع زبيب (
__________
(1) طريق سفيان عند ابى داود (ج 2 ص 29 و 30) والنسائي (ج 5 ص 52) والدار قطني (ص 223) قال أبو داود (زاد
سفيان: أو صاعا من دقيق * قال حامد فانكروا عليه فتركه سفيان، قال أبو داود: فهذه الزيادة وهم من ابن عيينة) وقال الدار قطني: (قال أبو الفضل: فقال له على بن المدينى - يعنى لسفيان - وهو معنا: يا ابا محمد لا يذكر في هذا الدقيق، قال: بلى هو فيه) وهو يدل على ان سفيان شك فيه، ومرة تركه، ومرة استوثق منه، وايقن ان الزيادة عن تثبت منه (2) كذا في الاصلين بالتكبير، وفي النسائي (ج 5 ص 53) (عبيد الله) بالتصغير، وهو على الاختلاف في اسمه، والذى في ابى داود (ج 2 ص 29) بالتكبير، واظنه الراجح (3) ليس هذا من الاضطراب في شئ، بل ان بعض الرواة يطيل وبعضهم يختصر، ومنهم من يذكر شئ ويسهو عن غيره، وزيادة الثقة مقبولة، فالواجب جمع كل ما ورد في الروايات الصحيحة، إذ لا تعارض بينها أصلا (4) هكذا في النسخة رقم (16) وهو صحيح عربية، وفي النسخة رقم (14) (هذين) (5) في النسخة رقم (16) (إنما الاولى) وما هنا هو الصحيح (6) تشديد النون المفتوحة، يعنى إلى جانبه، واصله المشدود بالاطناب وهى حبال الاخبية *(6/125)
؟! ولو ذبح فرس للاكل في جانب من جوانب بغداد ما كان يمكن أن يخفى في الجانب الآخر، ولو تصدقت امرأة أحدنا أو جاره الملاصق بصاع أقط أو صاع زبيب وصاع قمح ما كاد هو يعلمه في الاغلب، فأجعبوا لعكس هؤلاء القوم الحقائق! (1) ثم ان هذه الطوائف الثلاثة مخالفة لما في هذا الخبر * أما أبو حنيفة فأشهر أقواله أن نصف صاع زبيب يجزئ وأن الاقط لا يجزئ إلا بالقيمة * وأما الشافعي فأشهر أقواله أن الاقط لا يجزئ، واجاز إخراج ما منعت هذه الاخبار من إخراجه، مما لم يذكر فيها من الذرة وغير ذلك * وأما المالكيون، والشافعيون فحالفوها جملة، لانهم لا يجيزون إخراج شئ من هذه المذكورات في هذا الخبر إلا لمن كانت قوته، وخبر أبى سعيد لا يختلف فيه أنه على التخيير، وكلهم يجيز إخراج من منعت هذه الاخبار من إخراجه * فمن أضل ممن يحتج بما هو أول مخالفه له؟! ما هذا من التقوى، ولا من البر:
ولا من النصح لمن اغتر بهم من المسلمين! * وأما نحن فوالله لو انسند (3) صحيحا شئ من كل ما ذكرنا من الاخبار لبادرنا إلى الاخذ به، وما توقفنا عند ذلك، لكنه ليس منها مسند صحيح ولا واحد، فلا يحل الاخذ بها في دين الله تعالى * وقال بعضهم: انما قلنا بجواز القمح لكثرة القائلين به وجمح فرس بعضهم فادعى الاجماع في ذلك جرأة وجهلا! (4) * فذكروا ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن نافع عن ابن عمر: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الذكر، والانثى، والحر، والعبد، صاع من تمر أو صاع (5) من شعير، قال ابن عمر: فعدله الناس بعد مدين (6) من قمح) * (
__________
(1) أخطأ المؤلف وشذ جدا في زعمه ان حديث ابى سعيد ليس مسندا، والفاظه تدل على ان ذلك كان معلوما معروفا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أخطأ من زعم ان بيع امهات الاولاد وخبر ذبح الفرس موقوفان.
(2) في النسخة رقم (14) (به) (3) في النسخة رقم (16) (وأما نحن فلو اسند) (4) في النسخة رقم (16) (في ذلك جهلا) (5) رسم (صاع) هنا في الموضعين بدون الالف في الاصلين، انظر ما كتبناه قريبا، ويحتمل ايضا ان يكون هنا مرفوعا (6) في النسخة رقم (14) (بعده بمدين) *(6/126)
ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختيانى عن نافع عن ابن عمر: (فعدل الناس بعد (1) نصف صاع من بر، وكان ابن عمر يعطى التمر، فأعوز أهل المدينة التمر عاما فأعطى الشعير) * قال أبو محمد: لو كان فعل الناس حجة عند ابن عمر ما استجاز خلافه، وقد قال الله تعالى: (ان الناس قد جمعوا لكم).
ولا حجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، لكنه حجة على الناس وعلى الجن معهم، ونحن نتقرب إلى الله تعالى بخلاف الناس الذين تقرب
ابن عمر إليه بخلافهم * وذكروا ما رويناه من طريق حسين عن زائدة ثنا عبد العزيز بن أبى رواد عن نافع عن ابن عمر: (كان الناس يخرجون صدقة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من شعير، أو تمر، أو زبيب، أو سلت (2)) * قال أبو محمد: هذا لا يسند، لانه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ذلك وأقره، ثم خلافهم له لو انسند وصح كخلافهم لحديث أبى سعيد الذى ذكرنا، وإبطال تهويلهم بما فيه من (كان الناس يخرجون) بخلاف ابن عمر المخبر عنهم كما في خبر أبى سعيد سواء سواء * وأيضا فان راوي هذا الخبر عبد العزيز بن أبى رواد، وهو ضعيف منكر الحديث * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا أبن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن عمران بن حدير عن أبى مجلز قال قلت لابن عمر: ان الله قد أوسع، والبر أفضل من التمر؟ يعنى في صدقة الفطر، فقال له ابن عمر: ان أصحابي (3) سلكوا طريقا فأنا أحب أن أسلكه * قال أبو محمد: فهذا ابن عمر قد ذكرنا أنه كان لا يخرج الا التمر، أو الشعير، ولا يخرج البر، وقيل له في ذلك، فأخبر (4) أنه في عمله ذلك على طريق (5) أصحابه، فهؤلاء هم الناس الذين يستوحش من خلافهم (6) وهم الصحابة رضى الله عنهم، بأصح طريق (
__________
(1) كلمة (بعد) سقطت من النسخة رقم (16)، والذى في البخاري (ج 2 ص 261) (فعدل الناس به نصف صاع) الخ وكذلك في مسلم (ج 1 ص 269) من طريق يزيد بن زريع عن ايوب.
والذى هنا يوافق ما في ابى داود (ج 2 ص 28) (2) رواه أبو داود (ج 3 ص 27 و 28) والنسائي (ج 5 ص 53) والحاكم (ج 1 ص 409) وصححه هو والذهبي.
وعبد العزيز ابن ابى رواد ثقة عابد، وثقة ابن معين وابو حاتم وغيرهما، وتغالى المؤلف في تضعيفه وتبع ابن حبان إذ زعم أنه روى عن نافع عن ابن عمر نسخة موضوعة، قال الذهبي في الميزان: (هكذا قال ابن حبان بغير بينة) (3) في النسخة رقم (16) (اصحابي) بحذف (ان) (4) في النسخة رقم (16) (فأخبره) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (16) (طريقة) وهو خطأ
(6) في النسخة رقم (16) من خالفهم) وهو خطأ *(6/127)
وانهم ليدعون الاجماع بأقل من هذا إذا وجدوه * وعن افلح بن حميد: كان القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق يخرج زكاة الفطر صاعا من تمر * ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه: أنه كان إذا كان يوم الفطر أرسل صدقة كل انسان من أهله صاعا من تمر * ومن طريق ابن أبى شيبة: ثنا حماد بن مسعدة (1) عن خالد بن أبى بكر قال: كان سالم بن عبد الله لا يخرج الا تمرا، يعنى في صدقة الفطر * فهؤلاء ابن عمر، والقاسم، وسالم، وعروة لا يخرجون في صدقة الفطر إلا التمر، وهم يقتاتون البر بلا خلاف، وان اموالهم لتسع إلى اخراج (2) صاع دراهم عن أنفسهم، ولا يؤثر ذلك في اموالهم رضى الله عنهم * فان قيل: هم من أهل المدينة * قلنا: ما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم صدقة الفطر أهل المدينة من اهل الصين، ولا بعث إلى أهل (3) المدينة دون غيرهم * والعجب كل العجب من إجازة مالك إخراج الذرة، الدخن، والارز لمن كان ذلك قوته، وليس شئ من ذلك مذكورا في شئ من الاخبار أصلا، ومنع من إخراج الدقيق لانه لم يذكر في الاخبار! ومنع من اخراج القطانى وان كانت قوت المخرج! ومنع من التين، والزيتون، وان كانا قوت المخرج! وهذا كله تناقض، وخلاف للاخبار، وتخاذل في القياس! وابطالهم لتعليلهم بأن البر أفضل من الشعير! ولاشك في ان الدقيق والخبز من البر والسكر أفضل من البر وأقل مؤنة وأعجل نفعا! فمرة يجيزون ما ليس في الخبر، ومرة يمنعون مما ليس في الخبر! وبالله تعالى التوفيق *
وهكذا القول في الشافعيين ولافرق * قال أبو محمد: وشغب الحنيفيون بأخبار نذكر منها طرفا إن شاء الله تعالى: * منها خبر رويناه من طريق سفيان وشعبة كلاهما عن عاصم بن سليمان الاحول سمع أبا قلابة قال: حدثنى من أدى إلى أبى بكر الصديق نصف صاع بر في صدقة الفطر (4) * ومن طريق الحسين (5) بن على الجعفي عن زائدة عن عبد العزيز بن أبى راود عن (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (حماد بن ميسرة) وهو خطأ (2) في النسخة رقم (16) (لا خراج) (3) في النسخة رقم (16) (لاهل) (4) رواه الدار قطني من طريق عبد الرزاق عن الثوري وعن معمر كلاهما عن عاصم (ص 225) (5) في النسخة رقم (14) (الحسن) وهو خطأ *(6/128)
نافع عن ابن عمر قال: (كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من شعير، أو تمر، أو سلت، أو زبيب، قال ابن عمر: فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الاشياء) (1) * ومن طريق حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن ابى قلابة عن أبى الاشعث (2): أنه سمع عثمان بن عفان رضى الله عنه وهو يخطب فقال في صدقة الفطر: صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو نصف صاع من بر * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الاعلى عن ابين عبد الرحمن السلمى عن على بن أبى طالب قال: صاع من تمر أو صاع من شعير أو نصف صاع من بر (3) * ومن طريق جرير عن منصور عن ابراهيم عن الاسود عن عائشة أم المؤمنين قالت: (4) (كان الناس يعطون زكاة رمضان نصف صاع، فأما إذ أوسع الله تعالى على الناس فانى أرى ان يتصدق بصاع) * ومن طريق وكيع عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر: كان اسماء بنت ابى بكر الصديق تعطى زكاة الفطر عمن تمون صاعا من تمر، صاعا من شعير،
أو نصف ساع من بر * ومن طريق ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: صدقة الفطر على كل مسلم مدان من قمح، أو صاع من تمر، أو شعير (5) * ومن طريق معمر عن الزهري عن عبد الرحمن عن ابى هريرة قال: زكاة الفطر على كل فقير وغنى (6) صاع من تمر أو نصف صاع من قمح * وعن ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع ابن الزبير يقول على المنبر: زكاة الفطر مدان من قمح أو صاع من شعير أو تمر، قال عمرو بن دينار: وبلغني هذا أيضا عن ابن عباس * ومن طريق عبد الكريم أبى امية عن ابراهيم النخعي عن علقمة والاسود عن عبد الله (
__________
(1) مضى الحديث قريبا وانه رواه أبو داود والنسائي والحاكم، ولكن الزيادة التى في آخره هنا انما هي عند ابى داود فقط، ووقع في نسخة ابى داود المطبوعة مع عون المعبود (جعل عمر نصف صاع حنطة من تلك الاشياء) وعليها شرح الشارح، وهى خطأ، والصواب ما هنا، وهو الموافق لابي داود المطبوع بالمطبعة الكستلية بمصر سنة 1280 (ج 1 ص 162) (2) في النسخة رقم (16) (عن الاشعث) وهو خطأ.
وابو الاشعث هو شراحيل الصغانى تابعي قديم شهد فتح دمشق ومات زمن معاوية (3) رواه الدار قطني (ص 235) من طريق عبد الرزاق عن الثوري (4) كلمة (قالت) زيادة في بعض النسخ (5) رواه الدار قطني من طريق عبد الرزاق عن ابن جريح (ص 335) (6) في النسخة رقم 16) (فقير أو غنى)(6/129)
ابن مسعود قال: مدان من قمح أو صاع من تمر أو شعير، يعنى في صدقة الفطر (1) * ومن طريق مسلم بن الحجاج: ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثنا داود يعنى ابن قيس عن عياض بن عبد الله عن ابى سعيد الخدرى قال: (كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) زكاة الفطر صاعا من أقط أو صاعا من طعام أو صاعا من زبيب، فلم نزل نخرج ذلك (3) حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا، فكلم الناس على المنبر فقال: انى أرى أن مدين من سمراء الشأم تعدل صاعا من تمر، فأخذ الناس بذلك،
قال أبو سعيد: فاما انا فلا ازال أخرجه أبدا ما عشت كما كنت أخرجه) * ومن طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن: ان مروان بعث إلى ابى سعيد: ان ابعث إلى بزكاة رقيقك، فقال أبو سعيد: ان مروان لا يعلم، انما علينا (5) ان نطعم عن كل رأس عند كل فطر صاع تمر أو نصف صاع بر * وروينا من طريق محمد بن اسحاق ثنا عبد الله (6) بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض بن سعد (7) قال: (ذكرت لابي سعيد الخدرى صدقة الفطر، فقال لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاع زبيب (8) أو صاع أقط، فقيل له: أو مدين من قمح؟ فقال: لا، تلك قيمة معاوية، لا أقبلها ولا أعمل بها) * فهذا أبو سعيد يمنع من البر جملة ومما عدا ما ذكر (9) * وصح عن عمربن عبد العزيز إيجاب نصف صاع من بر على الانسان في صدقة الفطر، أو قيمته على أهل الديوان نصف درهم * من طريق (10) وكيع عن قرة بن خالد قال: كتب عمر بن عبد العزيز الينا بذلك * وصح أيضا عن طاوس، ومجاهد، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبى سلمة (
__________
(1) رواه الدار قطني من طريق عبد الرزلق عن ابن جريح عن عبد الكريم (ص 325) (2) في مسلم (ج 1 ص 269) زيادة (عن كل صغير وكبير، حر أو مملوك) (3) في مسلم (صاعا من طعام أو صاعا من اقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب فلم نزل نخرجه) (4) يعنى الحنطة (5) في النسخة رقم (16) (ان ما علينا) وهو خطأ في الرسم يوهم في المعنى (6) في النسخة رقم (16) (ان عبد الله) الخ وهو خطأ (7) في النسخة رقم (16) (عياض بن سعيد) وهو خطأ، فانه عياض بن عبد الله بن سعيد بن ابى سرح (8) في النسخة رقم (16) (أو صاعا من زبيب) (9) وقع الحديث للمؤلف مختصرا أو ناقصا، فظن انه كما وقع له، واستنبط منه هذا، ولكن الحديث رواه الدار قطني (ص 222) والحاكم (ج 1 ص 411) كلاهما من طريق محمد بن اسحاق باسناده هنا بلفظ: (لا أخرج الا ما كنت أخرجه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: صاعا من تمر أو صاعا من حنطة أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط) فزاد الحنطة ونقص
الزبيب، وهذا مما يختلف فيه الرواة، يذكر بعضهم نوعا ويذكر الآخر غيره، وكل صحيح، وزيادة الثقة حجة (10) في النسخة رقم (16) (ومن طريق) وهو خطأ *(6/130)
ابن عبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن جبير، وهو قول الاوزاعي، والليث سفيان الثوري * قال أبو محمد: تناقض ههنا المالكيون المهولون بعمل أهل المدينة فحالفوا أبا بكر، وعمر، وعثمان (1)، وعلى بن أبى طالب، وعائشة، وأسماء بنت أبى بكر، وأبا هريرة، وجابر بن عبد الله وابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير، وأبا سعيد الخدرى، وهو عنهم كلهم صحيح إلا عن أبى بكر، وابن عباس، وابن مسعود، إلا ان المالكيين يحتجون بأضعف من هذه الطرق إذا وافقتهم! ثم فقهاء المدينة: ابن المسيب، وعروة، وأبا سلمة بن عبد الرحمن (2)، وغيرهم أفلا يتقى الله من يزيد في الشرائع ما لم يصح قط، من جلد الشارب للخمر ثمانين، برواية لم تصح قط عن عمر، ثم قد صح خلافها عنه وعن أبى بكر قبله، وعن عثمان وعلى بعده، والحسن وعبد الله بن جعفر بحضرة الصحابة رضى الله عنهم لا يخالفهم منهم أحدة، ومعهم السنة الثابتة: ثم لا يلتفت ههنا إلى هؤلاء كلهم! * وأما الحنيفيون المتزينون في هذا المكان باتباعهم! فقد خالفوا أبا بكر، وعمر، وعلى بن أبى طالب، وابن مسعود وابن عباس، والمغيرة بن شعبة، وأنس بن مالك، وأم سلمة أم المؤمنين في المسح على العمامة وخالفوا على بن أبى طالب وأبا مسعود وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب وبلالا، وأبا أمامة الباهلى، وأنس بن مالك وابن عمر، وسهل بن سعد في جواز المسح على الجوربين، ولا يعرف لهم في ذلك مخالف من الصحابة من كل من يجيز المسح على الخفين! ومثل هذا لهم كثير جدا، وبالله تعالى نتأيد، ولا حجة إلا فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه * قال أبو محمد: وروينا عن عطاء: ليس على الاعراب وأهل البادية زكاة الفطر وعن الحسن: أنها عليهم، وانهم يخرجون في ذلك اللبن *
قال أبو محمد: لم يخص رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيا، لا بدوينا من غيرهم، فلم يجز (3) تخصيص أحد من المسلمين، ولا يجزئ لبن ولا غيره، الا الشعير أو التمر فقط (4) * (
__________
(1) حذف اسم (عثمان) من النسخة رقم (16) واثباته هو الصواب فقد تقدمت الرواية عنه في ذلك رضى الله عنه.
(2) في النسخة رقم (16) وابو سلمة وغيرهم) (3) في النسخة رقم (16) (فلا يجوز) (4) من تأمل في طريق الاحاديث الواردة في زكاة الفطر وفقه معناها مع اختلاف الفاظها عن الصحابة رضى الله عنهم: علم ان ابن حزم لا حجة له في الاقتصار على التمر والشعير، وهذا معاوية بحضرة الصحابة رضى الله عنهم رأى مدين من سمراء الشأم بدل صاع من شعير أو غيره، ولم ينكر عليه ذلك احد أي اخراج القمح موضع الشعير وانما انكر أبو سعيد المقدار فرأى اخراج صاع من قمح، وابن عمر انما كان يخرج في خاصة نفسه ما كان يخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر على من اخرج غير ذلك، ولو رأى عمل الناس باطلا وهم الصحابة والتابعون لا نكره اشد انكار، وقد كان رضى الله عنه يتشدد في اشياء، لا على سبيل التشريع بل على سبيل الحرص على(6/131)
وأما الحمل فان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجبها على كل صغيرا أو كبير، والجنين يقع عليه اسم صغير، فإذا أكمل مائة وعشرين يوما في بطن أمه قبل انصداع الفجر من ليلة الفطر * وجب أن تؤدى عنه صدقة الفطر * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا حفص ابن عمر النمري، ومحمد بن كثير، قال حفص: ثنا شعبة وقال ابن كثر: ثنا سفيان الثوري، ثم اتفق سفيان وشعبة كلاهما عن الاعمش: ثنا زيد بن وهب ثنا عبد الله ابن مسعود ثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات: رزقه، وعمله، وأجله، ثم يكتب شقى أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح) * قال أبو محمد: هو قبل ما ذكرنا موات، فلا حكم على ميت، فأما إذا كان حيا كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل حكم وجب على الصغير فهو واجب عليه *
روينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: ثنا أبى ثنا المعتمر بن سليمان التيمى عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني (1) وقتادة: أن عثمان بن عفان كان يعطى صدقة الفطر عن الصغير، والكبير، والحمل * وعن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبى قلابة قال: كان يعجبهم أن يعطوا زكاة الفطر عن الصغير والكبير، حتى عن الحمل في بطن أمه.
وأبو قلابة أدرك الصحابة وصحبهم وروى عنهم * ومن طريق عبد الرزاق عن مالك عن رجل عن سليمان بن يسار: أنه سئل عن الحمل أيزكى عنه؟ قال: نعم * ولا يعرف لعثمان في هذا مخالف من الصحابة، وهم يعظمون بمثل هذا إذا وافقهم (2) * 705 مسألة ويؤديها المسلم عن رقيقه، مؤمنهم وكافرهم، من كان منهم لتجارة (3) أو لغير تجارة كما ذكرنا، وهو قول أبى حنيفة، وسفيان الثوري في الكفار * وقال مالك، والشافعي، أبو سليمان: لا تؤدى الا عن المسلمين منهم * (
__________
(1) الاتباع فقط، كما كان ينزل في مواضع نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ير احد من المسلمين ذلك واجبا، والزكاة انما جعلت لاغناء الفقراء عن الطواف يوم العيد والاغنياء يتمتعون بما لهم وعيالهم، ولينظر امرؤ لنفسه، هل يرى انه يغنى الفقير عن الطواف إذا اعطاه صاع تمر أو صاع شعير في بلد مثل القاهرة في هذه الايام؟! وماذا يفعل بهما الفقير إلا ان يطوف ليجد من يشتريهما ببخس من القيمة ليبتاع لنفسه أو لاولاده ما يتقوتون به؟ والله الهادى إلى سواء السبيل (1) في النسخة رقم (14) (حميد بن بكر بن عبد الله المزني) وهو خطأ، بل حميد هو حميد الطويل (2) ولكن هل في شئ مما أتى به المؤلف حجة على وجوب زكاة الفطر عن الحمل؟! (3) في النسخة رقم (16) (للتجارة) *(6/132)
وقال أبو حنيفة: لا تؤدى زكاة الفطر عن رقيق التجارة * وقال مالك، والشافعي، وسليمان: تؤدى عنهم زكاة الفطر * وقالوا كلهم حاشا أبو سليمان: يخرجها السيد عنهم، وبه نقول *
وقال أبو سليمان: يخرجها الرقيق عن أنفسهم * واحتج من لم ير اخراجها عن الرقيق الكفار بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على كل حر، أو عبد ذكر أو أنثى، صغير أو كبير من المسلمين) * قال أبو محمد: وهذا صحيح، وبه نأخذ، إلا انه ليس فيه إسقاطها عن المسلم في الكفار من رقيقه ولا إيجابها، فلو لم يكن إلا هذا الخبر وحده لما وجبت علينا زكاة الفطر الا عن المسلمين من رقيقنا فقط * ولكن وجدنا ما حدثناه يوسف بن عبد الله النمري قال ثنا عبد الله بن محمد ابن يوسف الازدي القاضى ثنا يحيى بن مالك بن عائذ ثنا محمد بن سليمان بن أبى الشريف ثنا محمد بن مكى الخولانى وابراهيم بن اسمعيل الغافقي قالا جميعا: ثنا محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم ثنا سعيد بن أبى مريم أخبرني نافع بن يزيد (1) عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في فرسه وعبده صدقة، إلا صدقة الفطر في الرقيق) وقد رويناه من غير هذه الطريق (2) * قال أبو محمد: فأوجب عليه الصلاة والسلام صدقة الفطر على المسلم في رقيقه عموما، فكان هذا زئدا على حديث أبى سعيد الخدرى، وكان ما في حديث أبى سعيد (3) بعض ما في هذا الحديث، لا معارضا له أصلا، فلم يجز خلاف هذا الخبر (4) * وبهذا الخبر تجب تأدية زكاة الفطر على السيد عن رقيقه، لا على الرقيق * (
__________
(1) في الاصلين (نافع بن زيد) وهو خطأ، وليس في الرواة فيما نعرف من اسمه هكذا، وانما هو نافع ابن يزيد الكلاعى المصرى الثقة، وكان من خيار امة محمد صلى الله عليه وسلم كما قال ابن ابى مريم تلميذه.
مات سنة 168 (2) في صحيح مسلم (ج 1 ص 268) من حديث ابى هريرة مرفوعا (ليس في العبد صدقة الا صدقة الفطر)، وروى أبو داود (ج 2 ص 21) باسناد فيه مجهول من طريق عراك عن ابى هريرة نحو ما رواه المؤلف ورواه الدار قطني (ص 214) من طريق ابن ابى مريم كما هنا، ومن طريق يحيى بن زكريا بن ابى زائدة عن عبيد الله بن عمر عن ابى الزناد عن الاعرج عن ابى هريرة،
ومن طريق ابى اسامة عن اسامة بن زيد عن مكحول عن عراك عن ابى هريرة عن اسامة عن سعيد بن ابى سعيد عن ابى هريرة كلهم رواه مرفوعا كما هنا.
واسناد المؤلف واسناد الدار قطني من طريق يحيى بن زكريا بن ابى زائدة اسنادان صحيحان جدا (3) في النسخة رقم (14) (وكان باقى حديث ابى سعيد) وما هنا اصح واحسن (4) غالط المؤلف وغلط كعادته في فهم قبول الزيادة من الثقة *(6/133)
وبه أيضا يسقط ما ادعوه من زكاة التجارة في الرقيق، لانه عليه السلام أبطل كل زكاة في الرقيق إلا زكاة الفطر * والعجب كل العجب من أن أبا حنيفة واصحابه أتوا إلى زكاتين مفروضتين، إحداهما في المواشى، والاخرى زكاة الفطر في الرقيق: فأسقطوا باحداهما زكاة التجارة في المواشى المتخذة للتجارة، وأسقطوا الاخرى بزكاة التجارة في الرقيق! وحسبك بهذا تلاعبا! * والعجب انهم غلبوا ما روى في بعض الاخبار (في سائمة الغنم في كل أربعين شاة شاة) ولم يغلبوا ما جاء في بعض الاخبار في أن (صدقة الفطر على كل حر، أو عبد صغير، أو كبير، أو أنثى من المسلمين) على ما جاء في سائر الاخبار (الا صدقة الفطر في الرقيق) وهذا تحكم فاسد وتناقض! ولابد من تغليب الاعم على الاخص في كل موضع، إلا أن يأتي بيان نص في الاخص بنفى ذلك الحكم في الاعم، وبالله تعالى التوفيق * 706 مسألة فان كان عبد أو أمة بين اثنين فصاعدا فعلى سيديهما إخراج زكاة الفطر، يخرج عن كل واحد من مالكيه بقد ر حصته فيه، وكذلك ان كان الرقيق كثيرا بن سيدين فصاعدا * وقال أبو حنيفة، والحسن بن حى، وسفيان الثوري: ليس على سيديه ولا عليه أداء (1) زكاة الفطر، وكذلك لو كثر الرقيق المشترك * وقال مالك، والشافعي: يخرج عنه سيداه بقدر ما يملك كل واحد منهما، وكذلك لو كثر الرقيق *
قال أبو محمد: ما نعلم لمن أسقط عنه صدقة الفطر وعن سيده حجة أصلا، إلا أنهم قالوا: ليس أحد من سيديه يملك عبدا، ولا أمة.
وقال بعضهم: من ملك بعد الصاع لم يكن عليه أداؤه، فكذلك من ملك بعض عبد، أو بعض كل عبد، أو أمة من رقيق كثير * قال أبو محمد: أما قولهم: لا يملكن عبدا، ولا أمة فصدقوا، ولا حجة لهم فيه، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل: يخرجها كل أحد عن عبده وأمته، وانما قال: (2) (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق) فهؤلاء رقيق، والعبد المشترك رقيق، فالصدقة فيه واجبة بنص الخبر المذكور على المسلم وهذا اسم يعم النوع كله وبعضه، ويقع على الواحد والجميع، وبهذا النص لم يجز في الرقبة الواجبة نصفا رقبتين، لانه لا يقع عليهما (3) اسم (رقبة) والنص جاء بعتق رقبة * (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (إذا) وهو خطأ (2) كلمة (قال) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (3) في النسخة رقم (16) (عليها) وهو خطأ *(6/134)
وقال الحنيفون: من أعطى نصفى شاتين في الزكاة أجزأته، ولو أعتق نصفى رقبتين في رقبة واحدة لم يجزه * وقال محمد بن الحسن: من كان من مملوك بين اثنين فصاعدا فعلى ساداته فيه زكاة الفطر، فان كان عبدان فصاعدا بين اثنين فلا صدقة فطر على الرقيق ولا على من يملكهم * وأما قولهم: إنه قياس على من لم يجد إلا بعض الصاع فالقياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، لانه قياس للخطأ على الخطأ، بل من قدر على بعض صاع لزمه أداؤه، على ما نبين بعد هذا ان شاء الله تعالى (1) * وقد روينا من طريق وكيع عن سفيان عن أبى الحويرث عن محمد بن عمار عن أبى هريرة قال: ليس زكاة الفطر الا عن مملوك تملكه، قال وكيع: يعنى في المملوك بين الرجلين، وهذا مما خالف فيه المالكيون صاحبا لا يعرف له من الصحابة رضى الله
عنهم مخالف، وهذا مما خالف فيه الحنيفيون حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إيجابه صدقة الفطر على كل حر، عبد صغير، أو كبير ذكر أو أنثى، وخالفا فيه القياس، لانهم أوجبوا الزكاة في الغنم المشتركة وأسقطوا زكاة الفطر عن الرقيق المشترك * 707 مسألة وأما المكاتب الذى لم يؤد شيئا من كتابته فهو عبد، يؤدى سيده عنه زكاة الفطر (2) * فان أدى من كتابه ما قل أو كثر، أو كان عبد بعضه حر وبعضه رقيق، أو أمة كذلك: فان الشافعي قال فيمن بعضه حر وبعضه مملوك: على مالك بعضه إخراج صدقة الفطر عنه بمقدار ما يملك منه، وعليه أن يخرج عن نفسه بمقدار ما فيه من الحرية، ولم ير على سيد المكاتب أن يعطى زكاة الفطر عن مكاتبه * وقال مالك: يؤدى السيد زكاة الفط عن مكاتبه وعن مقدار ما يملك عن الذى بعضه حر وبعضه رقيق (3)، وليس على الذى بعضه رقيق وبعضه حر أن يخرج باقى الصاع عن بعضه الحر * وقال أبو حنيفة: لا تجب زكاة الفطر في شئ من ذلك، لاعلى المكاتب (4) ولا على سيده * واحتج من لم ير على السيد أداء الزكاة عن مكاتبه برواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يؤدى زكاة الفطر عن رقيقه ورقيق امرأته، وكان له مكاتب فكان لا يؤدى عنه، وكان لا يرى على المكاتب زكاة قالوا: وهذا صاحب لا مخالف له (
__________
(1) بينه المؤلف في المسألة 713 (2) قوله (زكاة الفطر) محذوف في النسخة رقم (16) (3) في النسخة رقم (14) (عبد) (4) قوله، لا على المكاتب، سقط خطأ من النسخة رقم (16)(6/135)
يعرف من الصحابة * قال أبو محمد: لا حجة فيمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعجب كل العجب أن الحنيفيين المحتجين بهذا الاثر أو مخالف له! فلم يوجبوا على المرء (1) إخراج صدقة الفطر عن
رقيق امرأته، ومن العجب أن يكون فعل ابن عمر بعضه حجة وبعضه ليس بحجة! * فان قالوا: لعله كان يتطوع باخراجها عن رقيق المرأة * قيل: ولعل ذلك المكاتب كلفه اخراجها من كسبه، كما للمرء أن يكلف ذلك عبده، كما يكلفه الضريبة، ولعله كان يرى أن يخرجها المكاتب (2) عن نفسه، ولعله قد رجع عن قوله في ذلك، فكل هذا يدخل فيه لعل! * وأما قول مالك فظاهر الخطأ، لانه جعل زكاة الفطر نصف صاع، أو عشر صاع، أو تسعة أعشار صاع فقط، وهذا خلاف ما أوجبه الله تعالى بها، وأوجبها على بعض إنسان دون سائره، وهذا خلاف ما أوجبه الله تعالى فيها * وأما قول الشافعي فخطأ، لانه أوجب الزكاة في الفطر فيمن لا يقع عليه اسم رقيق ممن بعضه حر وبعضه عبد، وهذا ما لم يأت به نص ولا إجماع * قال أبو محمد: والحق من هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجبها على الحر، والعبد، والذكر والانثى، والصغير، والكبير من المسلمين، فمن بعضه حر وبعضه عبد فليس حرا، ولاهو أيضا عبد، ولا هو رقيق، فسقط بذلك عن أن يجب على مالك بعضه عنه شئ، ولكنه ذكر، أو أنثى، صغير، أو كبير فوجبت عليه صدقة الفطر عن نفسه ولابد بهذا النص، وهو قول أبى سليمان.
وبالله تعالى التوفيق * وأما قولنا في المكاتب يؤدى بعض كتابته إنه يؤديها عن نفسه: فهو لان بعضه حر وبعضه مملوك كما ذكرنا، فإذ هو كذلك كما ذكرنا فعليه إخراجها عن نفسه لما ذكرنا * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عيسى الدمشقي (3) ثنا يزيد هو ابن هرون أنا حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى وقتادة، قال قتادة: عن خلاس (4) عن على بن أبى طالب، وقال أيوب: عن عكرمة عن ابن عباس، ثم اتفق على، وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: (المكاتب يعتق منه بمقدار ما أدى، (5) (
__________
(1) رسمت في النسخة رقم (16) (المرى) بالياء (2) في النسخة رقم (16) (الكاتب) وهو خطأ (3) في الاصلين
(احمد بن عيسى الدمشقي) وهو خطأ صححناه من النسائي (ج 8 ص 46) إذ فيه (اخبرنا محمد بن عيسى النقاش) وليس في رواة الكتب الستة من اسمه (احمد بن عيسى) الا احمد بن عيسى بن حسان العسكري، وهو مصرى لا دمشقي، واما محمد بن عيسى النقاش فانه بغدادي نزل دمشق (4) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وآخره سين مهملة (5) في النسخة رقم (16) (يعتق عليه بمقدار ما أدى) وفي النسائي (يعتق بقدر ما ادى) *(6/136)
ويقام عليه الحد بمقدار ما عتق منه) وهذا اسناد في غاية الصحة * وهو قول علي بن ابى طالب وغيره * وروينا عن الحسن: ان على المكاتب صدقة الفطر * وعن ميمون بن مهران، وعطاء: يؤديها عنه سيده * 708 مسألة ولا يجزئ إخراج بعض الصاع شعيرا وبعضه تمرا، ولا تجزئ قيمة أصلا، لان كل ذلك غير ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيمة في حقوق الناس لا يتجوز الا بتراض منها، وليس للزكاة مالك بعينه فيجوز رضاه أو ابراؤه (1) * 709 مسألة وليس على الانسان أن يخرجها عن أبيه.
ولاعن أمه.
ولاعن زوجته.
ولاعن ولده.
ولاعن أحد ممن تلزمه نفقته، ولا تلزمه (2) الا عن نفسه ورقيقه فقط، ويدخل في الرقيق أمهات الاولاد والمدبرون، غائبهم وحاضرهم، وهو قول أبى حنيفة، وأبى سليمان، وسفيان الثوري، وغيرهم * وقال مالك، والشافعي: يخرجها عن زوجته وعن خادمها التى لابدلها منها (3)، ولا يخرجها عن أجيره * وقال الليث: يخرجها عن زوجته وعن أجيره الذى ليست أجرته معلومة، فان كانت أجرته معلوم فلا يلزمه إخراجها عنه، ولا عن رقيق امرأته * قال أبو محمد: ما نعلم لمن أوجبها على الزوج عن زوجته وخادمها الا خبرا رواه ابراهيم بن أبى يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة
الفطر على كل حر، أو عبد، ذكر أو أنثى ممن تمونون) * قال أبو محمد: وفى هذا المكان عجب عجيب! وهو أن الشافعي لا يقول بالمرسل، ثم أخذ ههنا بأنتن مرسل في العالم! من رواية ابن أبى يحيى! وحسبنا الله ونعم الوكيل * وأبو حنيفة، وأصحابه يقولون: المرسل كالمسند، ويحتجون برواية كل كذاب، وساقط ثم تركوا هذا الخبر وعابوه بالارسال وبضعف راويه! وتناقضوا فقالوا: لا يزكى زكاة الفطر عن زوجته، وعليه فرض أن يضحى عنها! فحسبكم بهذا تخليطا! * وأما تقسيم الليث فظاهر الخطأ * وأما المالكيون فاحتجوا بهذا الخبر ثم خالفوه، فلم يروا أن يؤدى زكاة الفطر عن (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وإبراؤه) (2) في النسخة رقم (14) (أو لا تلزمه) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (16) (لها منهاه) وهو خطأ *(6/137)
الاجير، وهو ممن يمون * قال أبو محمد: إيجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الصغير، والكبير، والحر، والعبد (1)، والذكر، والانثى هو إيجاب لها عليهم، فلا تجب على غيرهم فيه إلا من أوجبه النص وهو الرقيق فقط، قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) * قال أبو محمد: وواجب (2) على ذات الزوج اخراج زكاة الفطر عن نفسها وعن رقيقها، بالنص الذى أوردنا.
وبالله تعالى التوفيق * 710 مسألة ومن كان من العبيد رقيق فعليه إخراجها عنهم (3) لا على سيده، لما ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في فرسه، ولا عبده صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق) فالعبد مسلم، وهو رقيق لغيره، وله رقيق، فعلى من هو له رقيق أن يخرجها عنه، وعليه أن يخرجها عن رقيقه بالنص المذكور.
وبالله تعالى التوفيق *
فان قيل: كيف (4) لا تلزمه عن نفسه وتلزمه عن غيره؟ * قلنا: كما حكم في ذلك رب العالمين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم * ثم نقول للمالكيين والشافعيين: أنتم تقولون: بهذا حديث تخطئون، فتقولون: ان الزوجة لا تخرجها عن نفسها، وعليها أن تخرجها عن رقيقها حاشا من لابد لها منه (5) لخدمتها * ولوددنا أن نعرف (6) ما يقول الحنيفيون في نصراني أسلمت أم ولده أو عبده فحبس ليباع فجاء الفطر، على من صدقه الفطر عنهما؟! وهاتان المسألتان لا تعقان (7) في قولنا أبدا، لانه ساعة تسلم أم ولده أو عبده عتقا في الوقت * 711 مسألة ومن له عبدان فأكثر فله أن يخرج عن أحدهما تمرا وعن الآخر شعيرا، صاعا صاعا، وان شاء التمر عن الجميع، وان شاء الشعير عن الجميع، لانه نص الخبر المذكور * 712 مسألة وأما الصغار فعليهم أن يخرجها الاب والولى عنهم (8) من مال ان كان لهم، وان لم يكن لهم مال فلا زكاة فطر عليهم حينئذ ولا بعد ذلك * (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (والعبد والحر) (2) في النسخة رقم (16) (واوجب) وهو خطأ (3) كلمة (عنهم) سقطت من النسخة رقم (16) (4) كلمة (كيف) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (5) في النسخة رقم (16) (منها) وهو خطأ (6) قوله (ان نعرف) سقط خطأ من النسخة رقم (16) (7) في النسخة رقم (16) (تقعان) بحذف (لا) وهو خطأ فاحش (8) في النسخة رقم (16) (ان يخرجها الولى عنهم أو الاب عنهم) *(6/138)
وقال أبو حنيفة: يؤديها الاب عن ولده الصغار الذين لا مال لهم، فان كان لهم مال، فان أداها من مالهم كرهت له ذلك وأجزأه، قال: ويؤديها عن اليتيم وصيه من مال اليتيم، وعن رقيق اليتيم أيضا * وقال زفر، ومحمد بن الحسن: ليس على اليتيم زكاة الفطر، وكان له مال، أولم يكن
فان أداها وصيه ضمنها * وقال مالك: على الاب أن يؤدى زكاة الفطر عن ولده الصغار ان لم يكن لهم مال فان كان لهم مال فهى في أموالهم، وهى على اليتيم في ماله.
وهو قول الشافعي * ولم يختلفوا في أن الاب لا يؤديها عن ولده الكبار، كان لهم مال، أو لم يكن * قال أبو محمد: ما نعلم لهم حجة أصلا، إلا الدعوى في أن القصد بذكر الصغار إنما هو إلى آبائهم لا إليهم * قال أبو محمد: وهذه دعوى في غاية الفساد، لانه إذا لم يقصد بالخطاب إليهم في إيجاب زكاة الفطر، وانما قصد إلى غيرهم: فمن جعل الآباء مخصوصين دون سائر الاولياء، والارقاب، والجيران، والسلطان؟! * فان قالوا: لان االاب ينفق عليه رجع الحنيفيون إلى ما أنكروا من ذلك * ويلزم المالكيين، والشافعيين في هذا أن يؤديها الاب أحب أم كره عنهم، كان لهم مال، أو لم يكن، لانه هو المخاطب بذلك دونهم، فوضح (1) فساد هذا القول بيقين * والحق في هذا أن الله تعالى فرضها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم على الكبير، والصغير، فمن فرق بين حكميهما (2) فقد قال الباطل، وادعى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، ولا دل عليه، ثم وجدنا الله تعالى يقول: (3) (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فوجدنا من لا مال له من كبير أو صغير ليس في وسعه أداء زكاة الفطر، فقد صح أنهلم يكلفها قط، ولما كان لا يستطيعها لم يكن مأمورا بها، بنص كلامه عليه الصلاة والسلام، وهى لازمة لليتيم إذا كان له مال وانما قلنا: إنها لا تلزمه بعد ذلك فلان زكاة الفطر محدودة بوقت محدود الطرفين، بخلاف سائر الزكوات، فلما خرج وقتها لم يجز أن تجب بعد خروج وقتها وفى غير وقتها، لانه لم يأت بايجابها بعد ذلك نص ولا إجماع.
وبالله تعالى التوفيق * 713 مسألة والذى لا يجد من أي يؤدى زكاة الفطر فليست عليه، لما
ذكرنا في المسألة التى قبل هذه، ولا تلزمهم وان أيسر بعد ذلك ولما ذكرنا أيضا * (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (فصح) (2) في النسخة رقم (16) (حكمهما) (3) في النسخة (14) (قد قال) *(6/139)
فمن قدر على التمر ولم يقدر على الشعير لغلائه، أو قدر على الشعير ولم يقدر على التمر لغلائه: أخرج صاعا ولابد من الذى يقدر عليه، لما ذكرنا أيضا * فان لم يقدر إلا على بعض صاع أداه ولابد، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها).
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وهو واسع لبعض الصاع، فهو مكلف إياه، وليس واسعا لبعضه، فلم يكلفه * وهذا مثل الصلاة، يعجز عن بعضها ويقدر على بعضها، ومثل الدين، يقدر على بعضه ولا يقدر على سائره * وليس هذا مثل الصوم، يعجز فيه عن تمام اليوم، أو تمام الشهرين المتتابعين، ولا مثل الرقبة الواجبة.
والاطعام الواجب في الكفارات.
والهدى الواجب، يقدر على البعض من كل ذلك ولا يقدر على سائره، فلا يجزئه شئ منه (1) * لان من افترض عليه صاع من زكاة الفطر فلا خلاف في أنه جائز له أن يخرج بعضه ثم بعضه ثم بعضه (2) * ولايجوز تفريق اليوم، ولا يسمى من لم يتم صوم اليوم صائم يوم، إلا حيث جاء به النص (3) فيجزئه حينئذ * وأما بعض الرقبة فان الله تعالى نص بتعويض (4) الصيام من الرقبة إذا لم توجد فلم يجز تعدى النص، وكان معتق بعض رقبة مخالفا لما أمر به وافترض عليه من الرقبة التامة، أو من الاطعام المعوض منها، أو الصيام المعوض منها * وأما بعض الشهرين فمن بعضهما، أو فرقهما فلم يأت بما أمر به متتابعا، فهو عليه أو عوضه حيث جاء النص بالتعويض منه *
وأما الهدى فان بعض الهدى مع بعض هدى آخر لا يسمى هديا، فلم يأت بما أمر به، فهو دين عليه حتى يقدر عليه * وأما الاطعام فيجزئه ما وجد منه حتى يجد باقيه، لانه لم يأت مرتبطا بوقت محدود الآخر.
وبالله تعالى التوفيق * 714 مسالة وتجب زكاة الفطر على السيد عن عبده المرهون، والآبق، والغائب، والمغصوب، لانهم رقيقه، ولم يأت نص بتخصيص هؤلاء * وللسيد ان كان للعبد مال أو كسب أن يكلفه إخراج زكاة الفطر من كسبه أو ماله (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (من ذلك) (2) في النسخة رقم (16) زيادة (ثم بعضه) مرة أخرى (3) في النسخة رقم (16) (نص) (4) في النسخة رقم (16) (لتعويض) *(6/140)
لان له انتزاع ماله متى شاء، وله أن يكلفه الخراج بالنص والاجماع، فإذا كان له ذلك فله أن يأمره بان يصرف ما كله من ذلك فيما شاء * 715 مسألة والزكاة للفطر واجبة على المجنون ان كان له مال، لانه ذكر أو أنثى، حر أو عبد، صغير أو كبير * 716 مسألة ومن كان فقيرا فأخذ من زكاة الفطر أو غيرها مقدار ما يقوم يقوت يومه وفضل له منه ما يعطى في زكاة الفطر: لزمه أن يعطيه وهو قول عطاء، وأبى سليمان، الشافعي * وقال أبو حنيفة: من له أقل من مائتي درهم فليس عليه زكاة الفطر، وله أخذها، ومن كان له مائتا درهم فعليه أن يؤديها * وقال سفيان: من له خمسون درهما فهو غنى، ومن لم يكن له خمسون درهما فهو فقير * وقال غيرهما: من له أربعون درهما فهو غنى، فان كان له أقل فهو فقير * وقال آخرون: منه له قوت يومه فهو غنى *
قال أبو محمد: سنتكلم بعد هذا ان شاء الله تعالى في هذه الاقوال، وأما ههنا فان تخصيص الفقير باسقاط صدقة الفطر عنه إذا كان واجدا لمقدارها أو لبعضه قول لا يجوز، لانه لم يأت به نص، نعنى باسقاطها عن الفقير، (1) وانما جاء النص باسقاط تكليف ما ليس في الوسع فقط، فإذا (2) كانت في وسع الفقير فهو مكلف إياها، بعموم قوله عليه السلام: (على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير)، وقد روينا عن عطاء في الفقير: أنه يأخذ الزكاة ويعطيها * 717 مسألة ومن أراد إخراج زكاة الفطر عن ولده الصغار أو الكبار أو عن غيرهم: لم يجز له ذلك إلا بأن يهبها لهم، ثم يخرجها عن الصغير والمجنون، ولا يخرجها عمن يعقل من البالغين إلا بتوكيل منهم له على ذلك * برهان ذلك ما قدمنا من أن الله تعالى إنما فرضها على من فرضها عليه فيما يجد مما هو قادر على اخراجها منه، أو يكون وليه قادرا على اخراجها منه، لا يكون مال غيره مكانا لاداء الفرض عنه، إذ لم يأت بذلك نص ولا اجماع فإذا وهبها له فقد صار مالكا لمقدارها، فعليه إخراجها، فاما من لم يبلغ، ولا يعقل.
فلقول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى).
وأما البالغ فلقول الله تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها).
وبالله تعالى التوفيق (3) * (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (الفقراء) (2) في النسخة رقم (16) (وإذا) (3) اكثر ماقاله ابن حزم في فروع زكاة الفطر وبه نظر، والنظر هنا انه اوجب على مخرج الزكاة هبة لاولاده لم يأت بوجوبها نص ولا اجماع! *(6/141)
718 مسألة ووقت زكاة الفطر الذى لا تجب قبله، وانما تجب بدخوله، ثم لا تجب بخروجه: فهو أثر طلوع الفجر الثاني من يوم الفطر، ممتدا الى أن تبيض الشمس وتحل الصلاة من ذلك اليوم نفسه، فمن مات قبل طلوع الفجر من اليوم المذكور فليس عليه زكاة الفطر، ومن ولد حين أبيضاض الشمس من يوم الفطر
فما بعد ذلك، أو أسلم كذلك: فليس عليه زكاة الفطر، (1).
ومن مات بين هذين الوقتين أو ولد أو أسلم أو تمادت حياته وهو مسلم: فعليه زكاة الفطر، فان لم يؤدها وله من أين يؤديها (2) فهى دين عليه ابدا حتى يؤديها متى أداها * وقال الشافعي: وقتها مغيب الشمس من آخر يوم من رمضان، فمن ولد ليلة الفطر أو أسلم فلا زكاة فطر عليه، ومن مات فيها فهى عليه * وقال أبو حنيفة: وقتها انشقاق الفجر من يوم الفطر، فمن مات قبل ذلك أو ولد بعد ذلك أو أسلم بعد ذلك فلا زكاة فطر عليه * وقال مالك مرة كقول (3) الشافعي في رواية أشبه عنه، ومرة قال: ان ولد يوم الفطر فعليه زكاة الفطر * قال أبو محمد: اما من رأى وقتها غروب الشمس من آخر يوم من رمضان فانه قال: هي زكاة الفطر، وذلك هو الفطر من صوم رمضان والخروج عنه جملة * وقال الآخرون الذين رأوا وقتها طلوع الفجر من يوم الفطر: ان هذا هو وقت الفطر، لا ما قبله لانه في كل ليلة كان يفطر كذلك ثم يصبح صائما، فانما أفطر من صومه صبيحة يوم الفطر، لاقبله، وحيئنذ دخل وقتها باتفاق منا ومنكم * قال أبو محمد: قال الله عزوجل: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) * فوجدنا ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا.
أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا أبن أبى فديك أخبرنا الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باخراج زكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى) * (
__________
(1) بحاشية النسخة رقم (14) مانصه (هنا نظر، فقد قال قبل هذا: يؤدى عن الحمل) ووضعت هذه الحاشية امام المسألة السابقة خطأ، والنقد فيها صحيح فقد قال الكؤلف فيما سبق في المسألة 704 (وان كان من ذكرنا جنينا في بطن أمه) فهذا
تهافت من ابن حزم! والحق انها لا تجب على الحمل، إذ هو لا تتعلق به الاحكام حتى يولد حيا (2) هكذا رسم حرف (ابن) في الاصلين بدون نقط، فيحتمل ان يكون (اين) وان يكون (ابن) والتركيب غير واضح على الحالين، والمراد ان له ما يفي بادائها (3) في النسخة رقم (16) (بقول) وهو خطأ ظاهر *(6/142)
قال أبو محمد: فهذا وقت أدائها بالنص، وخروجهم إليها إنما هو لا دراكها، ووقت صلاة الفطر هو (1) جواز الصلاة بابيضاض الشمس يومئذ، فإذا تم الخروج إلى صلاة الفطر بدخول وقت دخولهم في الصلاة فقد خرج وقتها * وبقى القول في أول وقتها: فوجدنا الفطر المتيقن إنما هو بطلوع الفجر من يوم الفطر، وبطل قول من جعل وقتها غروب الشمس من أول ليلة الفطر، لانه خلاف الوقت الذى أمر عليه السلام بأدائها فيه * قال أبو محمد: فمن لم يؤدها حتى خرج وقتها فقد وجبت في ذمته وماله لمن هي له، فهى دين لهم، وحق من حقوقهم، قد وجب إخراجها من ماله، وحرم عليه إمساكها في ماله، فوجب عليه أداؤها أبدا (2)، وبالله تعالى التوفيق، ويسقط بذلك حقهم، ويبقى حق الله في تضييعه الوقت، لا يقدر على جبره الا بالاستغفار والندامة.
وبالله تعالى نتأيد * ولا يجوز تقديمها قبل وقتها أصلا * فان ذكروا خبر أبى هريرة إذا أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالميت على صدقة الفطر فاتاه الشيطان ليلة، وثانية، وثالثة فلاحجة لهم فيه، لانه (3) لا تخلو تلك الليالى أن تكون من رمضان أو من شوال، ولا يجوز أن تكون من رمضان، لانه ليس ذلك في الخبر، ولا يظن (4) برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حبس صدقة وجب أداؤها عن أهلها، وان كانت من شوال فلا يمنع من ذلك، إذ لم يكمل وجود أهلها، وفى تأخيره عليه الصلاة والسلام إعطاءها برهان على أن وقت إخراجها لم يحن بعد، فان كان ذلك
في ليالى رمضان فلم يخرجها عليه السلام، فصح أنه لم يجز تقديمها قبل وقتها ولا يجزئ، وان كانت من ليالى شوال فبلا شك أن أهلها لم يوجدوا، فتربض عليه الصلاة والسلام وجودهم (5).
فبطل تعلقهم بهذالخبر * قسم الصدقة (6) 719 مسألة ومن تولى تفريق زكاة ماله أو زكاة فطره أو تولاها الامام أو أميره: فان الامام أو أميره يفرقانها ثمانية أجزاء مستوية: للمساكين سهم، (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (هي) وهو خطأ (2) في النسخة رقم (16) (فد وجب اخراجه من ماله وحرم عليه امساكه فوجب عليه اداؤه ابدا) (3) في النسخة رقم (16) (فلا حجة لهم لانهم) الخ وهو خطأ (4) في النسخة رقم (16) (فلا يظن) (5) كلمة (وجودهم) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (6) هذا العنوان ليس في النسخة رقم (14) وزدناه من(6/143)
وللفقراء سهم، وفى المكاتبين (1)، وفى عتق الرقاب سهم، وفى أصحاب الديون سهم، وفى سبيل الله تعالى سهم، ولابناء السبيل سهم، وللعمال الذين يقبضونها سهم، وللمؤلفة قلوبهم سهم * وأما من فرق زكاة ماله ففى ستة أسهم كما ذكرنا، ويسقط سهم العمال وسهم المؤلفة قلوبهم * ولا يجوز أن يعطى من أهل سهم أقل من ثلاثة أنفس، إلا أن لا يجد، فيعطى من وجد * ولا يجوز أن يعطى بعض أهل السهام دون بعض، إلا أن لا يجد، فيعطى من وجد * ولا يجوز أن يعطى منها كافرا، ولا أحدا من بنى هشام والمطلب ابني عبد مناف، ولا أحدا من مواليهم * فان أعطى من ليس من أهلها عامدا أو جاهلا لم يجزه، ولا جاز للآخذ، وعلى الآخذ أن يرد ما أخذ، وعلى المعطى أن يوفى ذلك الذى أعطى في أهله * برهان ذلك قول الله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله
عليم حكيم) * وقال بعضهم: يجزئ أن يعطى المرء صدقته (2) في صنف واحد منها * واحتجوا بأنه لا يقدر على عموم جميع الفقراء وجميع المساكين، فصح أنها في البعض * قال أبو محمد: وهذا لاحجة لهم فيه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ولقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) فصح أن ما عجز عنه المرء فهو ساقط عنه، وبقى عليه ما استطاع، للابد له من ايفائه، فسقط عموم كل فقير وكل مسكين، وبقى ما قدر عليه من جميع الاصناف، فان عجز عن بعضها سقط عنه أيضا، ومن الباطل أن يسقط ما يقدر (3) عليه من أجل أن سقط عنه ما لا يقدر عليه * وذكروا حديث الذهيبة التى قسمها عليه الصلاة والسلام بن الاربعة * قال أبو محمد: وقد ذكرنا هذا الخبر، وانه لم تكن تلك الذهيبة (4) من الصدقة أصلا، لانه ليس ذلك في الحديث أصلا، ولا يمتنع أن يعطى عليه الصلاة والسلام المؤلفة قلوبهم من غير الصدقة، بل قد أعطاهم من غنائم حنين * وذكروا حديث (5) سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (
__________
(1) النسخة رقم (16) (1) كذا في الاصلين بحذف (سهم) على تقدير اثباته (2) في النسخة رقم (16) (يجزئ المرء ان يعطى صدقته) (3) في النسخة رقم (16) (ما قدر) (4) في النسخة رقم (16) (تلك الذهب) والحديث مضى في المسألة رقم (700) * (5) في النسخة رقم (16) (وحديث) بحذف كلمة ذكروا) *(6/144)
أعطاه صدة بنى زريق (1) * قال أبو محمد: وهذا مرسل، ولو صح لم يكن لهم (2) فيه حجة، لانه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم سائر الاصناف من سائر الصدقات * وادعى قوم أن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط * قال أبو محمد: وهذا باطل، بل هم اليوم (3) أكثر ما كانوا، وانما يسقطون هم
والعاملون (4) إذا تولى المرء قسمة صدقة نفسه، لانه ليس هنالك عاملون عليها، وأمر المؤلفة إلى الامام لا إلى غيره * قال أبو محمد: ولا يختلفون في أن من أمر (5) لقوم بمال وسماهم أنه لا يحل أن يخص به بعضهم دون بعض، فمن المصيبة قول من قال: إن أمر الناس أوكد من امر الله تعالى! * حدثنا أحمد بن عمر بن أنس ثنا عبد الله بن الحسين بن عقال ثنا ابراهيم بن محمد الدينورى ثنا محمد بن الجهم ثنا محمد بن مسلمة ثنا يعقوب بن محمد ثنا رفاعة عن جده: ان بعض الامراء استعمل رافع بن خديج على صدقة الماشية، فاتاه لا شئ معه (6) فسأله، فقال رافع: (إن عهدي برسول الله صلى الله عليه وسلم حديث وإنى جزيتها (7) ثمانية أجزاء فقسمتها، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع (8)) * وصح عن ابن عباس أنه قال في الزكاة: ضعوها مواضعها * وعن ابراهيم النخعي، والحسن مثل ذلك * وعن أبى وائل مثل ذلك، وقال في نصيب المؤلفة قلوبهم: رده على الآخرين * وعن سعيد بن جبير: ضعها حيث أمرك الله * وهو قول الشافعي، وأبى سليمان، وقول ابن عمر، ورافع كما أوردنا، وروينا القول الثاني عن حذيفة، وعطاء، وغيرهما * (
__________
(1) هو حديث الظهار، وقد رواه مطولا احمد في المسند (ج 4 ص 37) وابو داود (ج 2 ص 233) وابن ماجه (ج 1 ص 324) والحاكم (ج 2 ص 203) ورواه مختصرا احمد (ج 5 ص 436) والترمذي (ج 1 ص 144) طبع الهند وصححه الحاكم والذهبي على شرط مسلم، واعله الترمذي نقلا عن البخاري بالارسال، لان سليمان بن يسار لم يدرك سلمة بن صخر، هكذا نقله ابن حجر في التلخيص (ص 322) عن الترمذي وكذلك فقله شارح ابى داود (2) كلمة (لهم) سقطت من النسخة رقم (16) (3) في النسخة رقم (16) (بل هو اليوم) وهو خطأ (4) في النسخة رقم (14) (والعامل) (5) في النسخة رقم (14) فيمن أمر) (6) في النسخة رقم (16) (عليه) وما هنا اصح (7) بتسهيل
همزة (جزأتها) (8) هذا الحديث لم اجده بشئ من الدواوين *(6/145)
وأما قولنا: لا يجزئ أقل من ثلاثة من كل صنف الا أن لا يجد: فلان اسم الجمع لا يقع الا على ثلاثة فصاعدا، ويقع على واحد، وللتثنية بنية في اللغة، تقول: مسكين للواحد، ومسكينان للاثنين، ومساكين للثلاثة، فصاعدا، وكذلك اسم الفقراء وسائر الاسماء المذكورة في الآية.
وهو قول الشافعي وغيره (1) * وأما أن (2) لا يعطى كافرا فلما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم ابن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن زكرياء بن اسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبى معبد عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن وقال له في حديث): (فأعلمهم أن الله افترض (3) عليه صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم) * فانما جعلها عليه الصلاة والسلام لفقراء المسلمين فقط * وأما بنو هاشم وبنو المطلب فلما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج ثنا هرون ابن معروف ثنا ابن وهب أخبرني يونس بن زيد عن أبن شهاب عن عبد الله بن الحارث ابن نوفل عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له وللفضل بن عباس بن عبد المطلب: (إن هذه الصدقات إنما هي أوماخ القوم، وانها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) * قال أبو محمد: فاختلف الناس في: من هم آل محمد؟ * فقال قوم: هم بنو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فقط، لانه لا عقب لهاشم من غير عبد المطلب، واحتجوا بأنهم آل محمد بيقين، لانه لا عقب لعبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يبق له عليه الصلاة والسلام أهل إلا ولد (4) العباس، وأبى طالب، والحارث،
وأبى لهب بنى عبد المطلب (5) فقط * وقال آخرون: بل بنو عبد المطلب بن هاشم وبنو المطلب بن عبد مناف فقط ومواليهم * (
__________
(1) اغرب ابن حزم في اكثر ما قال، وما تدل الآية والاحاديث إلا على حصر الصدقات في الاصناف الثمانية، ولا دليل فيها ولا في غيرها على وجوب ان يعطى صاحب المال ستة اصناف من الثمانية، ولا على وجوب ان يستوعب الامام أو نائبه كل الاصناف، ولا على وجوب ان يعطى ثلاثة من كل صنف، الا ان الامام يجب عليه ان يضعها حيث يرى المصلحة للمسلمين عامتهم وخاصتهم، بالادلة العامة فيما يجب على من ولى شيئا من امور الناس.
(2) كلمة (ان) زيادة من النسخة رقم (14) (3) في البخاري (ج 3 ص 315) (ان الله قد افترض) وفي النسخة رقم (14) (ان الله فرض) (4) في النسخة رقم (16) (والد) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (14) (وابو طالب والحارث، وابو لهب بنو عبد المطلب) *(6/146)
وقال أصبغ بن الفرج المالكى: آل محمد جميع قريش، وليس الموالى منهم * قال أبو محمد: فوجب النظر في ذلك * فوجدنا ما حدثنا عبد الله بن ربيع قال ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو ابن على ثنا يحيى وهو ابن سعيد القطان ثنا شعيبة ثنا الحكم هو ابن عتيبة عن عبيدالله بن أبى رافع عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من بنى مخزوم على الصدقة، فاراد أبو رافع أن يتبعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الصدقة لا تحل لنا، وان مولى القوم منهم (1))) * فبطل قول من أخرج الموالى من حكمهم في تحريم الصدقة * ووجدنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود السجستاني ثنا عبيدالله بن عمر بن ميسرة ثنا عبد الرحمن بن مهدى عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد (2) عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب أخبرني جبير بن مطعم: (أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قسم من
الخمس بين بنى هاشم وبنى المطلب، فقلت: يا رسول الله، قسمت لاخواننا (3) بنى المطلب ولم تعطنا شيئا، وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد) * فصح أنه لا يجوز أن يفرق بين حكمهم في شئ أصلا لانهم شئ واحد بنص كلامه عليه الصلاة والسلام، فصح أنهم آل محمد، واذهم آل محمد فالصدقة عليهم حرام، وخرج بنو عبد شمس وبنو نوفل ابني عبد مناف وسائر قريش عن هذين البطنين وبالله تعالى التوفيق * ولا يحل لهذين البطنين صدقة فرض ولا تطوع أصلا، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد) فسوى بين نفسه وبينهم * وأما مالا يقع عليه اسم صدقة مطلقة فهو حلال لهم، كالهبة والعطية والهدية والنحل (4)، والحبس والصلة والبر وغير ذلك، لانه لم يأت نص بتحريم شئ من ذلك عليهم * وأما قولنا: لا تجزئ إن وضعت في يد من لا تجوز له (5): فلان الله تعالى سماها لقوم خصهم بها، فصار حقهم فيها، فمن أعطى منها غيرهم فقد خالف ما أمر الله (
__________
(1) هو في النسائي (ج 5 ص 107) (2) في النسخة رقم (14) (عن يونس عن يزيد) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (16) (لاخوتنا) وما هنا هو الموافق لابي داود (ج 3 ص 106) (4) بضم النون واسكان الحاء المهملة وهو العطاء من غير عوض ولا استحقاق (5) في النسخة رقم (16) (ان وضعت فيمن لا تجوز)) *(6/147)
تعالى به وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فوجب (1) على المعطى ايصال ما عليه إلى من هو له، ووجب على الآخذ رد من ما أخذ بغير حق، قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * 720 مسألة الفقراء هم الذين لا شئ لهم أصلا، والمساكين هم الذين لهم شئ لا يقوم بهم *
برهان ذلك: أنه ليس الا موسر، أو غنى، أو فقير، أو مسكين، في الاسماء ومن له فضل عن قوته، ومن لا يحتاج إلى أحد وان لم يفضل عنه شئ، ومن له مالا يقوم بنفسه منه، ومن لا شئ له (2)، فهذه مراتب أربع معلومة بالحس، فالموسر بلا خلاف هو الذى يفضل ماله عن قوته وقوت عياله على السعة والغنى هو الذى لا يحتاج إلى أحد وان كان لا يفضل عنه شئ، لانه في غنى عن غيره، وكل موسر غنى وليس كل غنى موسرا * فان قيل: لم فرقتم بين المسكين والفقير؟ (3) * قلنا: لان الله تعالى فرق بينهما، ولا يجوز أن يقال في شيئين فرق الله تعالى بينهما: إننما شئ واحد، إلا بنص أو إجماع أو ضرورة حس، فإذ ذلك كذلك فان الله تعالى يقول: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) فسماهم تعالى مساكين ولهم سفينة، ولو كانت تقوم بهم لكانوا أغنياء بلا خلاف، فصح اسم المسكين بالنص لمن هذه صفته، وبقى القسم الرابع، وهو (4) من لا شئ له، اصلا ولم يبق له من الاسماء الا الفقير، فوجب ضرورة أنه ذلك (5) * وروينا ما حدثناه عبد الله بن ربعى ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا نصر بن على أخبرنا عبد الاعلى ثنا معمر عن الزهري عن أبى سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس المسكين الذى ترده الاكلة والاكلتان، والتمرة والتمرتان، قالوا: فما المسكين يارسول الله: قال: المسكين الذى لا يجد غنى، ولا يفطن لحاجته فيتصدق عليه) * قال أبو محمد: فصح أن المسكين هو الذى لا يجد غنى إلا أن له شيئا لا يقوم به، فهو يصبر وينطوى، وهو محتاج ولا يسأل * وقال تعالى: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) فصح أن (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ووجب) (2) في النسخة رقم (16) (ومن له شئ) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (14) (بين
الفقير والمسكين) (4) في النسخة رقم (16) (وهى) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (14) (ذلك) *(6/148)
الفقير الذى لا مال له أصلا، لان الله تعالى أخبر أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم (1) ولايجوز أن يحمل ذلك على بعض أموالهم * فان قيل: قد قال الله تعالى: (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الارض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) * قلنا: صدق الله تعالى، وقد يلبس المرء في تلك البلاد إزارا ورداءا خلقين غسيلين لا يساويان درهما، فمن رآه كذلك ظنه غنيا، ولا يعد مالا مالا بدمنه، ومما يستر العورة، إذا لم تكن له قيمة.
وذكروا قول الشاعر: أما الفقير الذى كانت حلوبته * وفق العيال فلم يترك لم سبد (2) وهذا حجة عليهم، لان من كانت حلوبته وفق عياله فهو غنى، وإنما صار فقيرا إذا لم يترك له سبد، وهو قولنا * والعاملون عليها: هم العمال الخارجون من عند الامام الواجبة طاعته، وهم المصدقون، وهم السعاة * قال أبو محمد: وقد اتفقت الامة على أنه ليس كل من قال: أنا عامل عاملا، وقد قال عليه السلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فكل من عمل من غير أن يوليه الامام الواجبة طاعته فليس من العاملين عليها، ولا يجزئ دفع الصدقة إليه، وهى مظلمة، وإلا أن يكون يضعها مواضعها، فتجزى حينئذ، لانها قد وصلت إلى أهلها * وأما عامل الامام الواجبة طاعته فنحن مأمورون بدفعها إليه، وليس علينا ما يفعل فيها، لانه وكيل، كوصي اليتيم ولا فرق، وكوكيل الموكيل سواء سواء * والمؤلفة قلوبهم: هم قوم لهم قوة لا يوثق بنصيحتهم للمسلمين، فيتألفون بأن يعطوا من الصدقات ومن خمس الخمس *
والرقاب: هم الكاتبون والعتقاء، فجائز أن يعطوا من الزكاة * وقال مالك: لا يعطى منها المكاتب * وقال غيره: يعطى منها ما يتم به كتابته * (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (واخرجوا من ديارهم) (2) نسبه صاحب اللسان للراعي يمدح عبد الملك بن مروان ويشكو له سعاته (ج 6 ص 367 وج 12 ص 262) وقال: (يقال حلوبة فلان وفق عياله، أي لها لبن قدر كفايتهم لا فضلى فيه، وقيل قدر ما يقوتهم).
والسبد بفتح السين المهملة والباء الوبر، وقيل الشعر، وهو كناية عن المال، يقال ماله سبد ولا لبد، أي ماله قليل ولا كثير *(6/149)
قال أبو محمد: وهذان (1) قولان لادليل على صحتهما * وبأن المكاتب يعطى من الزكاة يقول أبو حنيفة، والشافعي * وجائز أن يعطى منها مكاتب الهاشمي والمطلبى، لانه ليس منهما ولا مولى لهما ما لم يعتق كله * وأن أعتق الامام من الزكاة رقابا فولاؤها للمسلمين، لانه لم يعتقها من مال نفسه، ولا من مال باق في ملك المعطى الزكاة (2) * فان أعتق المرء من زكاة نفسه فولاؤها له، لانه أعتق من ماله وعبد نفسه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (انما الولاء لمن اعتق) وهو قول أبى ثور * وروينا عن ابن عباس: أعتق من زكاتك * فان قيل: إنه إن مات (3) رجع ميراثه إلى سيده؟ * قلنا: نعم هذا حسن، إذا بلغت الزكاة محلها فرجوعها بالوجوه المباحة حسن، وهم يقولون فيمن تصدق من زكاته على قريب له ثم مات فوجب ميراثه للمعطى: إنه له حلال، وإن كان فيه عين زكاته * والغارمون: هم الذين عليهم ديون لا تفى أموالهم بها، أو من تحمل بحمالة وان
كان في ماله وفاء بها، فاما من له وفاء بدينه فلا يسمى في اللغة غارما * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن النضر ابن مساور (4) ثنا حماد بن سلمة عن هرون بن رئاب (5) حدثنى كنانة بن نعيم (6) عن قبيصة بن المخارق (7) قال: (تحملت بحمالة (8)، فاتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسألة فيها، فقال: أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها (9)، يا قبيصة، إن الصدقة لا تحل إلا لاحذ ثلاثة (10): رجل تحمل بحمالة (11) فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش (12)) وذكر الحديث (13) * (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (وهذان فرقان) وما هنا اصح (2) في النسخة رقم (16) (في ملك معطى الزكاة) (3) في النسخة رقم (16) (إنه من مات) وهو خطأ (4) بضم الميم وتخفيف السين المهملة (5) بكسر الواو وتخفيف الهمزة (6) بضم النون وفتح العين المهملة (7) قبيصة بفتح القاف، والمخارق بضم الميم (8) في النسائي (ج 5 ص 89) (تحملت حمالة) بدون الباء، والحمالة بفتح الحاء المهملة ما يتحمله الانسان عن غيره من دية وغرامة، قال الخطابى: (هي ان يقع بين القوم التشاجر في الدماء والاموال ويخاف من ذلك الفتن العظيمة فيتوسط الرجل فيما بينهم يسعى في ذات البين ويضمن لهم، ما يترضاهم بذلك حتى تسكن الفتنة) (9) كلمة (بها) ليست في النسائي * (10) في النسخة رقم (14) (لاحدى ثلاث) وفى النسخة رقم (16) (لاحد ثلاث) وما هنا هو الذى في النسائي.
(11) في النسائي (حمالة) (12) القوام بكسر القاف ما يقوم بحاجته الضرورية، والسداد بالكسر أيضا ما يكفى حاجته، وهو كل شئ سددت به خللا.
(13) رواه احمد (ج 3 ص 377 وج 5 ص 60) ومسلم (ج 1 ص 284).(6/150)
وأما سبيل الله: فهو الجهاد بحق * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا الحسن ابن على ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لغنى إلا لخمسة: لغاز (1) في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين
فتصدق على المسكين فأهداها (2) المسكين للغنى) * وقد روى هذا الحديث عن غير معمر (3) فأوقفه بعضهم، ونقص بعضهم مما ذكر فيه معمر، وزيادة العدل لا يحل تركها * فان قيل قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الحج من سبيل الله.
وصح عن ابن عباس أن يعطى منها في الحج * قلنا: نعم، وكل فعل خير فهو من سبيل الله تعالى، إلا أنه لا خلاف في أنه تعالى لم يرد كل وجه من وجوه البر في قسمة الصدقات، فلم يجز أن توضع إلا حيث بين النص، وهو الذى ذكرنا.
وبالله تعالى التوفيق * وابن السبيل: هو من خرج في غير معصية فاحتاج * وقد روينا من طريق ابن أبى شيبة: ثنا أبو جعفر عن الاعمش عن حسان عن مجاهد عن ابن عباس: أنه كان لا يرى بأسا أن يعطى الرجل زكاته في الحج وأن يعتق منها النسمة * وهذا مما خالف فيه الشافعيون والمالكيون والحنيفيون صاحبا لا يعرف منهم له مخالف (4) * 721 مسألة وجائز أن يعطى المرء منها مكاتبه ومكاتب غيره، لانهما من البر، والعبد المحتاج الذى يظلمه سيده ولا يعطيه حقه، لانه مسكين.
* وقد روينا عن اسماعيل بن علية انه أجاز ذلك * ومن كان أبوه، أو أمه، أو اخواته، أو أمراته من الغارمين، أو غزوا في سبيل الله، أو كانوا مكاتبين جاز له أن يعطيهم من صدقته الفرض، لانه ليس عليه أداء ديونهم ولا عونهم في الكتابة والغزو، كما تلزمه نفقتهم إن كانوا فقراء، ولم يأت نص (
__________
وابو داود (ج 3 ص 39 و 40) والطيالسي (ص 188 رقم 1327) وابن جارود (ص 188) والدار قطني (ص 211) (1) في النسخة رقم (16) (لغازى) وما هنا موافق لابي داود (ج 3 ص 38) (2) في النسخة رقم (14) (فأهدى) وما هنا هو الموافق لابي داود، والحديث رواه ايضا الدار قطني (ص 211 و 312) من طريق عبد الرزاق عن معمر الثوري
كلاهما عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابى سعيد مرفوعا، فلم ينفرد معمر بذكر ابى سعيد فيه (3) في النسخة رقم (16) (وقد روى هذا الخبر عن معمر) وهو خطأ (4) في النسخة رقم (16) (لا نعرف منهم له في ذلك مخالفا)(6/151)
بالمنع (1) مما ذكرنا * روينا عن أبى بكر: أنه أوصى عمر فقال: من أدى الزكاة إلى غير أهلها لم تقبل (2) منه زكاة، ولو تصدق بالدنيا جميعها * وعن الحسن: لا تجزئ حتى يضعها مواضعها (3) وبالله تعالى التوفيق * 722 مسألة وتعطى المرأة زوجها من زكاتها، إن كان من أهل السهام، صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أفتى زينب امرأة ابن مسعود إذ أمر بالصدقة فسألته أيسعها أن تضع صدقتها في زوجها، وفى بنى أخ لها يتامى؟ فأخبرها عليه الصلاة والسلام أن لها أجرين: أجر الصدقة، وأجر القرابة * 723 مسألة قال أبو محمد (4): من كان له مال مما تجب فيه الصدقة، كمائتي درهم أو أربعين مثقالا أو خمس من الابل أو أربعين شاة أو خمسين بقرة، أو أصاب خمسة أو سق من بر أو شعير أو تمر (5) وهو لا يقوم ما معه بعولته لكثرة عياله أو لغلاء السعر: فهو مسكين، يعطى من الصدقة المفروضة، وتؤخذ منه فيما وجبت فيه من ماله * وقد ذكرنا أقوال من حد الغنى بقوت اليوم، أو بأربعين درهما أو بخمسين درهما، أو بمائتي درهم * واحتج من رأى الغنى بقوت اليوم بحديث رويناه من طريق أبى كبشة السلولى عن سهل بن الحنظلية عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل وعنده ما يغنيه فانما يتسكثر من النار، فقيل: وما حد الغنى يارسول الله؟ قال: شبع يوم وليلة (6)) * وفى بعض طرقه: (إن يكن عند أهلك (7) ما يغديهم أو ما يعشيهم) * ومن طريق ابى لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن رجل عن أبى كليب العامري (8)
عن أبى سلام الحبشى عن سهل بن الحنظلية عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من سأل مسألة يتكثر بها عن غنى فقد استكثر من النار، فقيل: ما الغنى؟ قال: غداء أو عشاء) * قال أبو محمد: وهذا لا شئ، لان أبا كبشة السلولى مجهول وابن لهيعة ساقط * واحتج من حد الغنى بأربعين درهما بما رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (نص مانع) (2) في النسخة رقم (16) (لاتقبل) (3) في النسخة رقم (16) (موضعها) * (4) قوله (قال أبو محمد) زيادة من النسخة رقم (16) (5) من هنا إلى اول كتاب الصيام نقل من النسخة رقم 45 (6) رواه احمد مطولا (ج 4 ص 180 و 181) وفى آخره قال: (ما يغديه أو يعشيه) رواه أبو داود (ج 2 ص 35) واسنادهما صحيح (7) في النسخة رقم (16) (ان عند اهلك) بحذف (يكن) وهو خطأ (8) أبو كليب هذا لم اجد له ترجمة ولا ذكرا (9) الحبشى بالحاء المهملة والباء والشين المعجمة، وفى النسخة رقم (16) (الخشنى (وهو تصحيف وابو سلام هذا اسمه ممطور (10)، ليس مجهولا، بل هو تابعي ثقة، وثقة العجلى وغيره(6/152)
عطاء بن يسار عن رجل من بنى أسد: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا (1)) ومن طريق هشام بن عمار عن عبد الرحمن بن أبى الرجال عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدرى عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سأل وله قيمة أو قية فقد ألحف، قال: وكانت الاوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين درهما (2)) * ومن طريق ميمون بن مهران: ان امرأة اتت عمر بن الخطاب تسأله من الصدقة، فقال لها: ان كانت لك أوقية فلا تحل لك (3) الصدقة، قال ميمون: والاوقية حينئذ اربعون درهما * قال أبو محمد: الاول عمن لم يسم، ولا يدرى صحة صحبته، والثانى عن عمارة بن غزية هو ضعيف (4) *
وقد كان لزم المالكيين المقلدين عمر رضى الله عنه في تحريم المنكوحة في العدة على ذلك الناكح في الابد، وقد رجع عمر عن ذلك، وفى سائر ما يدعون ان خلافه فيه لا يحل، كحد الخمر ثمانين، وتأجيل العنين سنة: ان يقلدوه ههنا، وكذلك الحنيفون، ولكن لا يبالون بالتناقض! * واحتج من حد الغنى بخمسين درهما بخبر رويناه من طريق سفيان الثوري عن حكيم ابن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن ابيه عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سأل وله ما يغنيه جاءت خموشا أو كدوحا (5) في وجهه يوم القيامة، قيل: يا رسول الله، وما يغنيه: قال: خمسون درهما أو حسابها من الذهب) قال سفيان: وسمعت زبيدا يحدث (6) عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه (7) * روينا من طريق هشيم عن الحجاج بن أرطاة عمن حدثه، وعن الحسن بن عطية، وعن الحكم بن عتيبة، قال من حدثه: عن ابراهيم النخعي عن ابن مسعود، وقال الحسن (
__________
(1) رواه أبو داود (ج 2 ص 33 و 34) (2) هو في ابى داود (ج 3 ص 34 و 35) (3) كلمة (لك) سقطت من النسخة رقم 45 (4) جهالة الصحابي لا تضر، كما هو الراجح عند أكثر أهل العلم، وان خالف في ذلك ابن حزم، وعمارة بن غزية ثقة تابعي، وقد سبق الكلام عليه في المسألة 641 (ج 5 ص 213) (5) الخموش الخدوش وكذلك الكدوح وهما بضم اولهما وكل اثر من خدش أو عض فهو كدح (6) في النسخة رقم (14) (يحدثه) وما هنا هو الموافق للنسائي (7) هذا لفظ النسائي (ج 5 ص 97) ورواه ايضا أبو داود (ج 2 ص 33) والترمذي (ج ص 83 طبع الهند) وابن ماجه (ج 1 ص 289) والحاكم (جزء 1 ص 407)(6/153)
ابن عطية: عن سعد بن ابى وقاص، وقال الحكم: عن على بن أبى طالب، قالوا كلهم: لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما، قال على بن أبى طالب: أو عدلها من الذهب * وهو قول النخعي، وبه يقول سفيان الثوري، والحسن بن حى * قال أبو محمد: حكيم بن جبير ساقط، ولم يسنده زبيد، (1) ولا حجة في مرسل،
ولقد كان يلزم الحنيفيين والمالكيين القائلين بان المرسل كالمسند، والمعظمين خلاف الصاحب، والمحتجين بشيخ من بنى كنانة عن عمر في رد السنة الثابتة من ان المتبايعين لابيبع بينهما حتى يفترقا: ان لا يخرجوا عن هذين القولين: لانه لا يحفظ عن احد من الصحابة في هذا الباب خلاف لما ذكر فيه عن عمر، وابن مسعود، وسعد، وعلى رضى الله عنهم، مع ما فيه من المرسل * وأمامن حد الغنى بمائتي درهم، وهو قول ابى حنيفة، وهو أسقط الاقوال كلها! لانه حجه لهم إلا أن قالوا: إن الصدقة تؤخذ من الاغنياء وترد على الفقراء، فهذا غنى، فبطل أن يكون فقيرا * قال أبو محمد: ولا حجة لهم في هذه الوجوه (2) * أولها: أن هم يقولون بالزكاة على من أصاب سنبلة فما قوقها، أو من له خمس من الابل، أو أربعون شاة، فمن أين وقع لهم أن يجعلوا حد الغنى مائتي درهم، دون السنبلة، أو دون خمس من الابل، أو دون أربعين شاة، وكل ذلك تجب فيه الزكاة؟! وهذا هوس مفرط! * وهكذا روينا (3) عن حماد بن أبى سليمان قال: من لم يكن عنده مال تبلغ فيه الزكاة (
__________
(1) أما حكيم بن جبير فليس ساقطا إلى هذه الدرجة، ولكنهم ضعفوه من أجل رأى له في التشيع يغلو له، ولانكارهم عليه بعض احاديث منها هذا الحديث الذى هنا، فقد تركه شعبة من اجله، ولكنه ينفرد به، فقد رواه زبيد بن الحارث اليامى عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد كما رواه حكيم بن جبير، وزبيد ثقة ثبت حجة، وقد اخطأ المؤلف في زعمه ان زبيدا لم يسنده، فان سياق الرواية يدل على ان الثوري يحكى متابعة زبيد الحكيم، وقد جاء في بعض الروايات اصرح من هذا، ففى ابى داود بعد ان روى الحديث من طريق يحيى بن آدم عن الثوري: (قال يحيى فقال عبد الله بن عثمان لسفيان: حفظى ان شعبة لا يروى عن حكيم بن جبير؟ فقال سفيان: حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد) وفى الترمذي بعد ان رواه عن قتيبة وعلى بن حجر عن شريك عن حكيم بن جبير باسناده قال (حدثنا محمود بن غيلان ثنا يحيى بن آدم ثنا سفيان عن حكيم ابن جبير بهذا الحديث، فقال له عبد الله بن عثمان صاحب شعبة: لو غير حكيم حدث بهذا؟! فقال له سفيان: وما الحكيم؟
لا يحدث عنه شعبة؟! قال: نعم، قال سفيان: سمعت زبيدا يحدث بهذا عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد) وهذا صريح جدا في ان زبيدا حدث به عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد كما حدث به حكيم أي باسناده، وانه ليس مرسلا كما زعم المؤلف رحمه الله، والحديث صحيح من رواية زبيد (2) كذا في الاصلين، ولعل الاصح ان يكون صوابه (في هذا لوجوه) كما هو واضح ظاهر (3) كلمة (روينا) سقطت من النسخة رقم 45 *(6/154)
أخذ من الزكاة * والثانى: أنهم يلزمهم أن من له الدور العظيمة، والجوهر ولا يملك مائتي درهم أن يكون فقيرا يحل له أخد الصدقة! * والثالث: أنه ليس في قوله عليه السلام: (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) دليل ولا نص بأن الزكاة لا تؤخذ الا من غنى ولا ترد إلا على فقير، وانما فيه أنها تؤخذ من الاغنياء وترد على الفقراء فقط، وهذا حق، وتؤخذ أيضا بنصوص أخر من المساكين الذين ليسوا أغنياء، وترد بتلك النصوص على أغنياء كثير، كالعاملين، والغارمين، المؤلفة قلوبهم، وابن السبيل وان كان غنيا في بلده، فهذه خمس طبقات أغنياء، لهم حق في الصدقة * وقد بين الله تعالى ذلك في الصدقة في تفريقه بينهم (1) إذ يقول: (انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها) إلى آخر الآية، فذكر الله تعالى الفقراء، والمساكين ثم أضاف إليهم من ليس فقيرا، ولا مسكينا * وتؤخذ الصدقة من المسكين الذى ليس له (2) الا خمس من الابل وله عشرة من العيال، ومن ليس له الا مائتا درهم وله عشرة من العيال، وممن لم يصف الا خمسة أوسق لعلها لا تساوى خمسين درهما وله عشرة من العيال في عام سنة (3) * فبطل تعلقهم بالخبر المذكور، وظهر فساد هذا القول الذى لا يعلم أن أحدا من الصحابة رضى الله عنهم قاله * وقد روينا من طريق ابن أبى شيبة عن حفص هو ابن غياث عن ابن جريج عن
عمرو بن دينار قال قال عمر بن الخطاب: إذا أعطيتم (4) فاغنوا.
يعنى من الصدقة ولا نعلم لهذا القول خلافا (5) من أحد من الصحابة * وروينا عن الحسن: أنه يعطى من الصدقة الواجبة من له الدار والخادم، إذا كان محتاجا * وعن ابراهيم نحو ذلك * وعن سعيد بن جبير: يعطى منها من له الفرس، والدار، والخادم * وعن مقاتل بن حيان: يعطى من له العطاء من الديوان وله فرس * (
__________
(1) في النسخة رقم 45 (في الصدقة بقرينة بينهم) وهو خطأ بل غلط (2) في النسخة رقم 45 (من المساكين الذين ليس لهم) الخ وما هنا انسب لسياق الكلام (3) السنة معروفة، وهي العام، ولكنهم يستعملونها في معنى السنة المجدبة، فيقولون: اصابتهم السنة، وارض سنة، اي مجدبة على التشبيه بالسنة من الزمان، ويقولون: اسنتوا، ولا يستعمل ذلك الا في الجدب ضد الخصب (4) في النسخة رقم 45 (اعطيتهم) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (14) (ولا يعلم لهذا القول خلاف) *(6/155)
قال أبو محمد: ويعطى من الزكاة الكثير جدا والقليل، لاحد في ذلك، إذ لم يوجب الحد في ذلك قرآن ولاسنة * 724 مسألة قال أبو محمد: إظهار الصدقة الفرض والتطوع من غير أن ينوى بذلك رياء حسن، وإخفاء كل ذلك أفضل.
وهو قول اصحابنا * وقال مالك: إعلان الفرض أفضل * قال أبو محمد: وهذا فرق لا برهان على صحته، قال الله عزوجل: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) * فان قالوا: نقيس ذلك على صلاة الفرض.
قلنا: القياس كله باطل، فان قلتم: هو حق، فأذنوا للزكاة كما يؤذن للصلاة!! ومن الصلاة غير الفرض ما يعلن بها كالعدين، والكسوف، وركعتي دخول المسجد، فقيسوا صدقة التطوع على ذلك * 725 مسألة قال أبو محمد (1): وفرض على الاغنياء من أهل كل بلد أن
يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، وإن لم تقم الزكوات بهم، ولافى سائر أموال المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذى لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر، والصيف (2)، والشمس وعيون المارة (3) * برهان ذلك قول الله تعالى (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل).
وقال تعالى: (وبالوالدين احسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم) * فأوجب تعالى حق المساكين، وابن السبيل، وما ملكت اليمين (4) مع حق ذى القربى وافترض الاحسان إلى الابوين، وذى القربى، والمساكين، والجار، وما ملكت اليمين، والاحسان يقتضى كل ما ذكرنا، ومنعه إساءة بلا شك * (
__________
(1) قوله (قال أبو محمد) زيادة من النسخة رقم (14) (2) كلمة (الصيف) زيادة من النسخة رقم (14) (3) من هذا ومن امثاله في الشريعة الاسلامية يرى المنصف ان التشريع الاسلامي في الذروة العليا من الحكمة والعدل، وليت اخواننا الذين غرتهم القوانين الوضعية واشربتها نفوسهم يطلعون على هذه الحقائق ويتفقهونها ليروا ان دينهم جائهم بأعلى انواع التشريع في الارض، تشريع يشبع القلب والروح، ويطبق في كل مكان وكل زمان و، ان هو الا وحى يوحى، ولوفقه المسلمون احكام دينهم ورجعوا إلى استنباطها من المنبع الصافى والمورد العذب - الكتاب والسنة - وعملوا بما يأمرهم به ربهم في خاصة نفسهم وفي امورهم العامة وفي احوال اجتماعهم -: لو عملوا هذا لكانوا سادة الامم، وهل قامت الثورات المخربة الهادمة، والفتن المهلكة الا من ظلم الغنى للفقير ومن استئثاره بخير الدنيا وبجواره اخوه يموت جوعا وعريا، والمثل كثيرة، ولو فقه الاغنياء لعلموا ان أول ما يحفظ عليهم اموالهم اسداء المعروف للفقراء، بل القيام نحوهم بما اوجبه الله على الاغنياء، فليفقهوا وليعلموا ويعملوا، فقد جاءتهم النذر، هدانا الله جميعا.
(4) قوله (وما ملكت اليمين) زيادة من النسخة رقم 45 *(6/156)
وقال تعالى: (ما سلككم في سقر؟! قالوا: لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين) * فقرن الله تعالى إطعام المسكين بوجوب الصلاة *
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة في غاية الصحة أنه قال: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله) * قال أبو محمد: ومن كان على فضلة ورأى المسلم أخاه جائعا عريان (1) ضائعا فلم يغثه: فما رحمه بلا شك * وهذا خبر رواه نافع بن جبير بن مطعم وقيس بن ابى حازم وابى ظبيان (2) وزيد ابن وهب، كلهم عن جرير بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) * روى أيضا معناه الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) وحدثناه (5) عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا موسى بن اسماعيل هو التبوذكى ثنا المعتمر هو ابن سليمان عن ابيه نثا أبو عثمان النهدي ان عبد الرحمن بن ابى بكر الصديق حدثه: (ان أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام اربعة فليذهب بخامس أو سادس) (6) أو كما قال * فهذا (7) هو نفس قولنا * ومن طريق الليث بن سعد عن عقيل بن خالد عن الزهري: ان سالم بن عبد الله بن عمر أخبره أن عبد الله بن عمر أخبره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم اخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه) * قال أبو محمد: من تركه يجوع ويعرى وهو قادر على إطعامه وكسوته فقد أسلمه * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا أبو الاشهب عن أبى نضرة عن ابى سعيد الخدرى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان معه فضل ظهر فليعد (
__________
(1) في النسخة رقم 45 (عريانا) وهو لحن (2) في الاصلين (وابن ظبيان) وهو خطأ، وابو ظبيان هو حصين
ابن جندب الجنبى - بفتح الجيم واسكان النون - التابعي الثقة (3) حديث جرير من هذه الطرق رواه مسلم (ج 2 ص 213 - 214) ورواه البخاري مختصرا من طريق زيد بن وهب (ج 8 ص 17) (4) حديث ابى هريرة من هذا الطريق رواه البخاري (ج 8 ص 12) بلفظ (من لا يرحم لا يرحم) (5) في النسخة رقم 45 (حدثناه) وهو خطأ، إذ ليس هذا هو حديث الزهري الذى ذكره (6) في النسخة رقم (14) (أو بسادس) وما هنا هو الموافق للبخاري (ج 5 ص 38 - 39) ورواه البخاري ايضا عن ابى النعمان عن معتمر (ج 1 ص 247 - 248) (7) في النسخة رقم (14) (وهذا) *(6/157)
به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له، قال: فذكر من اصناف المال ما ذكر، حتى رأينا انه لا حق لاحد منا في فضل) * قال أبو محمد: وهذا إجماع الصحابة رضى الله عنهم يخبر بذلك أبو سعيد وبكل ما في هذا الخبر نقول * ومن طريق أبى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أطعموا الجائع وفكوا العانى) (1) * والنصوص من القرآن، والاحاديث الصحاح في هذا تكثر جدا.
* وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدى (2) عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبى ثابت عن ابى وائل شقيق بن سلمة قال قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: لو استقبلت من امرى ما استدبرت لاخذت فضول اموال الاغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين * وهذا إسناد في غاية الصحة والجلالة * ومن طريق سعيد بن منصور عن أبى شهاب (3) عن أبى عبد الله الثقفى عن محمد ابن على بن الحسين عن محمد بن على بن أبى طالب أنه سمع على بن أبى طالب يقول: إن الله تعالى فرض على الاغنياء في أموالهم بقدر ما يكفى فقراءهم، فان جاعوا أو عروا وجهدوا فبمنع (4) الاغنياء، وحق على الله تعالى أن يحاسبهم يوم القيامة، ويعذبهم عليه * وعن ابن عمر أنه قال: في مالك حق سوى الزكاة (6) * وعن عائشة أم المؤمنين، والحسن بن على، وابن عمر أنهم قالوا كلهم لمن سألهم: إن
كنت تسأل في دم موجع، أو غرم مفظع (7) أو فقر مدقع (8): فقد وجب حقك * وصح عن أبى عبيدة بن الجراح وثلثمائة من الصحابة رضى الله عنهم أن زادهم فنى فأمرهم أبو عبيدة فجمعوا (9) أزوادهم في مزودين، وجعل يقوتهم إياها على السواء * فهذا إجماع مقطوع به من الصحابة رضى الله عنهم، لا مخالف لهم منهم * وصح عن الشعبى، ومجاهد، وطاوس وغيرهم، كلهم يقول: في المال حق سوى الزكاة * قال أبو محمد: وما نعلم عن أحد منهم خلاف هذا، الا عن الضحاك بن مزاحم، فانه قال: نسخت الزكاة كل حق في المال * (
__________
(1) العانى هو الاسير، والحديث رواه البخاري (ج 7 ص 130 و 310) بلفظ (اطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العانى) (2) (بن مهدى) زيادة من النسخة رقم (14) (3) هو أبو شهاب الاصغر، واسمه عبد ربه ابن نافع الحناط الكنانى، وشيخه الثقفى لم اعرفه (4) هذه الكلمة رسمت في النسخة رقم 45 بدون اعجام، وفي النسخة رقم (14) (فيمنع) وهو خطأ ظاهر (5) في النسخة رقم 45 (حق)) بدون الواو (6) في النسخة رقم 45 (حق في مالك سوا الزكاة) (7) بالظاء المعجمة، والمقطع الشديد الشنيع وفي النسخة رقم (14) بالضاد المعجمة وهو خطأ (8) بالقاف والدقعاء التراب، أي فقر شديد ملصق بالدقعاء يفضى بصاحبه إلى الدقعاء.
قاله في اللسان (9) في النسخة رقم 45 (يجمعوا)(6/158)
قال أبو محمد: وما رواية الضحاك حجة (1) فكيف رأيه! * والعجب أن المحتج بهذا أول مخالف له! فيرى في المال حقوقا سوى الزكاة، منها النفقات على الابوين المحتاجين، وعلى الزوجة، وعلى الرقيق، وعلى الحيوان، والديون والاروش (2) فظهر تناقضهم! * فان قيل: فقد (3) رويتم من طريق ابن أبى شيبة: ثنا أبو الأحوص عن عكرمة عن ابن عباس قال: من أدى زكاة ماله فليس عليه جناح أن لا يتصدق * ومن طريق الحكم عن مقسم (4) عن ابن عباس في قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) نسختها العشر ونصف العشر *
فان رواية مقسم ساقطة لضعفه، وليس فيها لو صحت (5) خلاف لقولنا * وأما رواية عكرمة فانما هي أن لا يتصدق تطوعا، وهذا صحيح * وأما القيام بالمجهود (6) ففرض ودين، وليس صدقة تطوع * ويقولون: من عطش فخاف الموت ففرض عليه أن يأخذ الماء حيث وجده، وأن يقاتل عليه * قال أبو محمد: فأى فرق بين ما أباحوا له من القتال على ما يدفع به عن نفسه الموت من العطش، وبين ما منعوه منه من القتال عن نفسه فيما يدفع به عنها الموت من الجوع والعرى؟! وهذا خلاف للاجماع، وللقرآن، وللسنن، وللقياس * قال أبو محمد: ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميتة، أو لحم خنزير وهو يجد طعاما فيه فضل عن صاحبه، لمسلم أو لذمى، لان فرضا على صاحب الطعام اطعام الجائع (7) فإذا كان ذلك كذلك (8) فليس بمضطر إلى الميتة ولا إلى لحم الخنزير، وبالله تعالى التوفيق * وله أن يقاتل عن ذلك، وفان قتل فعلى قاتله القود، وان (9) قتل المانع فالى لعنة الله، لانه منع حقا، وهو طائفة باغية، قال تعالى: (فان بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التى تبغى تفئ إلى أمر الله) ومانع الحق باغ عن أخيه الذى له الحق.
وبهذا قاتل أبو بكر الصديق رضى الله عنه مانع الزكاة.
وبالله تعالى التوفيق * تم كتاب الزكاة بحمد الله تعالى وحسن عونه (10) * (
__________
(1) في النسخة رقم 45 (بحجة) (2) في النسخة رقم 45 (والارش) بالافراد (3) في النسخة رقم (14) (قد) (4) في النسخة رقم 45 (هشيم) وهو خطأ ظاهر (5) في النسخة رقم 45 (ولو صحت) (6) يقال: (جهد الناس - بالبناء للمفعول فهم مجهودون) إذا اجدبوا، فالقيام بالمجهود اعانته واغاثته (7) في النسخة رقم 45 (طعام الجائع كذلك) ولم نجد لزيادة كلمة (كذلك) موقعا (8) كلمة (كذلك) زيادة من النسخة رقم 45 (9) في النسخة رقم 45 (فان) (10) قوله (تم كتاب الزكاة) الخ ي يادة من النسخة رقم (16) *(6/159)
كتاب الصيام بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وسلم (1) * 726 مسألة الصيام قسمان (2) فرض وتطوع، وهذا إجماع حق متيقن، ولا سبيل في بنية العقل إلى قسم ثالث * 727 مسألة فمن الفرض صيام شهر رمضان، الذى بين شعبان، شوال، فهو فرض على كل مسلم عاقل بالغ صحيح مقيم، حرا كان أو عبدا، ذكرا أو أنثى، إلا الحائض والنفساء، فلا يصومان أيام حيضهما البتة، ولا أيام نفاسهما، ويقضيان صيام تلك الايام وهذا كله فرض متيقن من جميع أهل الاسلام * 728 مسألة ولا يجزئ صيام أصلا رمضان كان أو غيره الا بنية مجددة في كل ليلة لصوم اليوم المقبل، فمن تعمد ترك النية بطل صومه * برهان ذلك قول الله تعالى: (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) فصح أنهم لم يؤمروا بشئ في الدين الا بعبادة الله تعالى والاخلاص له فيها بانها دينه (3) الذى أمر به * وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى) فصح أنه لا عمل الا بنية له، وأنه ليس لاحد الا ما نوى، فصح أن من نوى الصوم فله صوم، ومن لم ينوه فليس له صوم * ومن طريق النظر: أن الصوم امساك عن الاكل والشرب وتعمد القئ، وعن الجمع وعن المعاصي، فكل ما أمسك عن هذه الوجوه لو أجزأه الصوم بلا نية للصوم لكان في كل وقت صائما، وهذا مالا بقوله أحد * ومن طريق الاجماع: أنه قد صح الاجماع على أن من صام ونواه من الليل فقد أدى ما عليه، ولا نص ولا إجماع على أن الصوم يجزئ من لم ينوه من الليل *
واختلف الناس في هذا
__________
(1) التسمية والصلاة زيادة من النسخة رقم (16) (2) في النسخة رقم (1) قال أبو محمد: الصوم قسمان) (3) في النسخة رقم (14) (بأنه دينه)(6/160)
فقال زفر بن الهذيل: من صام رمضان.
وهو لا ينوى صوما أصلا، بل نوى أنه مفطر في كل يوم منه، الا أنه لم يأكل.
ولم يشرب.
ولا جامع: فانه صائم ويجزئه، ولا بد له في صوم التطوع من نية * وقال أبو حنيفة: النية فرض للصوم في كل يوم من رمضان، أو التطوع، أو النذر إلا أن يجزئه أن يحدثها في النهار، ما لم تزل الشمس، وما لم يكن أكل قبل ذلك، ولا شرب، ولا جامع، فان لم يحدثها لامن الليل (1) ولا من النهار ما لم تزل الشمس لم ينتفع باحداث النية بعد زوال الشمس، ولاصوم له، وعليه قضاء ذلك اليوم، وأما قضاء رمضان والكفارات فلا بد فيها من النية من الليل (2) لكل يوم، وإلا فلا صوم له، ولا يجزئه أن يحدث النية في ذلك بعد طلوع الفجر * وقال مالك: لابد من نية في الصوم (3)، وأما في رمضان فتجزئه نيته (4) لصومه كله من أول ليلة منه، ثم ليس عليه أن يجدد نية كل ليلة، إلا أن يمرض فيفطر أو يسافر فيفطر، فلا بد له (5) من نية حينئذ مجددة قال (6): وأما التطوع فلابد له من نية لكل ليلة (7) * وقال الشافعي وداود (8): مثل قولنا، الا أن الشافعي رأى في التطوع خاصة إحداث النية له ما لم تزل الشمس، وما لم يكن أكل قبل ذلك.
أو شرب.
أو جامع * وروينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لا يصوم الا من أجمع الصيام قبل الفجر * وعن مالك عن الزهري: أن عائشة أم المؤمنين قالت: لا يصوم الامن أجمع الصيام قبل الفجر * ومن طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب: أخبرني حمزة بن عبد الله
ابن عمر عن أبيه قال: قالت حفصة أم المؤمنين: لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر * فهؤلاء ثلاثة من الصحابة رضى الله عنهم لايعرف لهم منهم مخالف أصلا، والحنيفيون والمالكيون يعظمون مثل هذا إذا خالف أهواءهم (9)، وقد خالفهوهم ههنا، وما نعلم أحدا قبل أبى حنيفة، ومالك قال بقولهما في هذه المسألة، وهم يشنعون أيضا بمثل هذا على من قاله متبعا للقرآن، والسنة الصحيحة، وهم ههنا خالفوا القرآن والسنن (10) الثابتة برأى فاسد لم يحفظ عن أحد قبلهم * (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (من الليل) بحذف (لا) (2) في النسخة رقم (16) (فلابد فيها من الليل) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (14) (للصوم) (4) في النسخة رقم (16) (نية) (5) في النسخة رقم (14) (ولا بد له) (6) كلمة (قال) زيادة من النسخة رقم (14) (7) في النسخة رقم (14) (كل ليلة) (8) في النسخة رقم 14 (الشافعي وابو سليمان)) (9) كذا في الاصلين، ومقتضى الكلام ان يكون (إذا وافق اهوائهم) (10) في النسخة رقم (16) (والسنة) *(6/161)
قال أبو محمد: برهان صحة قولنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد ابن شعيب أنا أحمد بن الازهر ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه (1) عن حفصة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له) * وهذا اسناد صحيح، ولا يضر (2) اسناد ابن جريج له أن أوقفه معمر، ومالك وعبيدالله ويونس وابن عيينة، فابن جريج (3) لا يتأخر عن أحد من هولاء في الثقة والحفظ، والزهرى واسع الرواية، فمرة يرويه عن سالم عن أبيه، ومرة عن حمزة عن أبيه، وكلاهما ثقة، وابن عمر كذلك، مرة رواه مسندا ومرة روى أن حفصة أفتت به، ومرة أفتى هو به وكل هذا قوة للخبر * والعجب أن المعترضين بهذا من مذهبهم أن المرسل كالمسند! * قال أبو محمد: وهذا عموم لا حل تخصيصه ولا تبديله ولا الزيادة فيه ولا النقض منه
إلا بنص آخر صحيح * فان قيل: فهلا أوجبتم النية متصلة بتبين الفجر، كما تقولون: في الوضوء والصلاة والزكاة والحج.
وسائر الفرائض؟! * قلنا: لوجهين اثنين (4)، أحدهما هذا النص الوارد الذى لا يحل خلافه ولسنا والحمد لله ممن يضرب كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضه ببعض فيؤمن ببعضه، ويكفر ببعضه، ولا ممن يعارض أوامر الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بنظره الفاسد، بل نأخذ جميع السنن كما وردت، ونسمع ونطيع لجميعها كما أتت * والثانى: قول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) ولم يكلفنا عزوجل السهر (5) مراعاة لتبين الفجر، وانما ألزمنا النية من الليل، ثم نحن عليها إلى أن يتبين الفجر (6) وان نمنا وان غفلنا، ما لم نتعمد ابطالها * فان قيل: فانتم تجيزون لمن نسى النية من الليل احداثها في اليوم الثاني * قلنا: نعم بنص صحيح ورد في ذلك ولولا ذلك ما فعلناه * قال أبو محمد: وما نعلم لزفر حجة (7) الا أنه قال: رمضان موضع للصيام (8)، (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب) وحذف قوله (عن ابيه) وهو خطأ، والحديث في النسائي (ج 4 ص 197) (2) في النسخة رقم (16) (ولا يصح) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (16) (وابن جريح) (4) كلمة (اثنين) زيادة من النسخة رقم (14) (5) (الشهر) بالمعجمة وهو تصحيف لا معنى له (6) في النسخة رقم (16) (إلى تبين الفجر) وما هنا اصح واحسن (7) كلمة (حجة) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (8) في النسخة رقم (14) (للصوم) *(6/162)
وليس موضعا للفطر أصلا، فلا معنى لنية الصوم فيه إذ لابد منه * قال على: وهذه حجة عليه، مبطلة لقوله، لانه لما كان موضعا للصوم لا للفطر أصلا وجب أن ينوى ما افترض الله تعالى عليه (1) من العبادة بذلك الصوم، وأن
يخلص النية لله تعالى فيها (2)، ولا يخرجها مخرج الهزل واللعب * ووجه آخر: وهو أن شهر رمضان أمرنا بأن نجعله وقتا للصوم، ونهينا فيه عن الفطر، الا حيث جاءنا النص بالفطر فيه، فهو وقت للطاعة ممن (3) أطاع بأداء ما أمر به، ووقت والله للمعصية العظيمة (4) فمن عصى الله تعالى فيه وخالف أمره عزوجل فلم يصمه كما أمر، فإذ هو كذلك يقينا بالحس والمشاهدة فلابد ضرورة من قصد إلى الطاعة (6) المفروضة، وترك المعصية المحرمة، وهذا لا يكون الا بنية لذلك.
(7) وهذا في غاية البيان والحمد لله * ووجه ثالث: وهو أنه يلزم على هذا القول أن من لم يبق له من وقت صلاة الصبح الا مقدار (8) ركعتين فصلى ركعتين تطوعا أو عابثا أن يجزئه ذلك من صلاة الصبح، لان ذلك الوقت وقت لها، لا لغيرها أصلا، وهذا هو القياس: ان كان القياس حقا! * وما علمنا لابي حنيفة حجة أصلا في تلك التقاسيم الفاسدة السخيفة! الا أن بعض من ابتلاه الله بتقليده موه في ذلك بحديث نذكره في المسألة التالية، لانه موضعه، (9) وليس في هذا الخبر متعلق لابي حنيفة أصلا، بل قد نقض أصله، (10) فأوجب فيه نية، بخلاف قوله في الطهارة، ثم أوجبها في النهار بلا دليل! * وما نعرف لمالك حجة أصلا، الا أنهم قالوا: رمضان كصلاة واحدة * قال أبو محمد: وهذه (11) مكابرة بالباطل، لان الصلاة الواحدة لا يحول بين أعمالها بعمد ما ليس منها أصلا، وصيام رمضان يحول بين كل يومين منه ليل يبطل فيه الصوم جملة ويحل فيه الاكل والشرب والجماع، فكل يوم له حكم غير حكم اليوم (12) (
__________
(1) كلمة (عليه) زيادة من النسخة رقم (16) (2) في النسخة رقم (16) (منها) وهو خطأ * (3) في النسخة رقم (16) (فمن) وهو خطأ (4) في النسخة رقم (16) (وهو - والله - وقت المعصية العظيمة) (5) في النسخة رقم (14) (والمشاهد) (6) في النسخة رقم (16) (من قصد الطاعة) (7) كلمة (لذلك) زيادة من
النسخة رقم (14) (8) كلمة (مقدار) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (9) سيأتي في المسألة التالية حديث الربيع بنت معوذ وحديث سلمة بنت الاكوع في صوم عاشوراء، وهما اللذان يشير اليهما المؤلف هنا (10) في النسخة رقم (16) (اصلا) وهو خطأ (11) في النسخة رقم (16) (وهذا) (12) كلمة (اليوم) زيادة من النسخة رقم (14) *(6/163)
الذى قبله واليوم الذى بعده، وقد يمرض (1) فيه أو يسافر أو تحيض، فيبطل (2) الصوم، وكان بالامس صائما ويكون غدا صائما، * وانما شهر رمضان كصلوات اليوم والليلة، يحول بين كل صلاتين ما ليس صلاة، فلابد لكل صلاة من نية، فكذلك لا بد لكل يوم في صومه من نية * وهم أول من أبطل هذا القياس، فرأوا من أفطر عامدا في يوم من رمضان أن عليه قضاءة، (3) وأن سائر صيامه كسائر أيام الشهر صحيح، فقد أقروا بأن حكم الشهر كصلاة ليلة (4) واحدة ويوم واحد * وانما يخرج هذا على قول سعيد بن المسيب الذى يرى من أفطر يوما من رمضان عامدا (5) أو افطره كله سواء وان عليه في اليوم قضاء شهر، كما عليه في الشهر كله، ولافرق * وهذا مما أخطؤا فيه القياس لو كان القياس حقا فلا النص اتبعوا، ولا الصحابة قلدوا، ولا قياس صحبوا، ولا الاحتياط التزموا! وبالله تعالى التوفيق * 729 مسألة ومن نسى ان ينوى من الليل في رمضان فأى وقت ذكر من النهار التالى لتلك الليلة سواء أكل وشرب ووطئ (6) أولم يفعل شيئا من ذلك فانه ينوى للصوم من وقته إذا ذكر، ويمسك عما يمسك عنه الصائم، ويجزئه صومه ذلك تاما، ولا قضا عليه، ولو لم يبق عليه من النهار الا مقدار النية فقط، فان لم ينو كذلك فلا صوم له، وهو عاص لله تعالى متعمد لابطال صومه ولا يقدر على القضاء * وكذلك من جاءه الخبر بأن هلال رمضان رؤى البارحة فسواء أكل وشرب ووطئ (7) أولم يفعل شيئا من ذلك في أي وقت جاء الخبر من ذلك اليوم ولو
في آخره كما ذكرنا: فانه ينوى الصوم ساعة صح الخبر (8) عنده، ويمسك عما يمسك عنه الصائم، ويجزئه صومه ولاقضاء عليه، فان لم يفعل فصومه باطل، كما قلنا في التى قبلها سواء سواء * وكذلك ايضا من عليه صوم نذر معين في يوم بعينه فنسى النية وذكر بالنهار فكما قلنا ولا فرق * وكذلك من نسى النية في ليلة من ليالى الشهرين المتتابعين الواجبين ثم ذكر بالنهار، ولافرق * وكذلك من نام قبل غروب الشمس في رمضان، أو في الشهرين المتتابعين، أو في نذر (
__________
(1) كلمة (فيه) زيادة من النسخة رقم (14) (2) في النسخة رقم (14) (فبطل) وما هنا احسن (3) في النسخة رقم (16) (في يوم رمضان عليه قضاؤه) وهو خطأ وسقط (4) كلمة (ليلة) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (5) في النسخة رقم (14) (عمدا) (6) في النسخة رقم (16) (سواء اكل أو شرب أو وطئ) (7) في النسخة رقم (16) (فسواء اكل أو شرب أو وطئ)) (8) في النسخة رقم (14) (ساعة صحة الخبر) *(6/164)
معين فلم ينتبه إلا بعد طلوع (1) الفجر أو في شئ من نهار ذلك اليوم، ولو في آخره، كما قلنا فكما قلنا أيضا آنفا سواء سواء، ولا فرق في شئ اصلا * فلو لم يذكر فشئ من الوجوه التى ذكرنا، ولا استيقظ حتى غابت الشمس: فلا اثم عليه، ولن يصم ذلك اليوم، ولا قضاء عليه * برهان قولنا: قول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم).
وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
وكل من ذكرنا ناس أو مخطئ غير عامد، فلا جناح عليه * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج حدثنى أبو بكر بن نافع العبدى ثنا بشر بن المفضل ثنا خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ بن عفراء (3) قالت: (ارسل رسول الله
صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الانصار التى حول المدينة: من كان اصبح صائما فليتم صومه، ومن كان اصبح مفطرا فليتم بقية يومه) * وبه إلى مسلم بن الحجاج: ثنا قتيبة بن سعيد ثنا حاتم بن اسماعيل عن يزيد بن ابى عبيد عن سلمة بن الاكوع قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ممن أسلم يوم عاشوراء، فأمره أن يؤذن في الناس: من كان لم يصم فليصم، ومن كان أكل فليتم صيامه إلى الليل) (4) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد البلخى ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا المكى بن ابراهيم ثنا يزيد بن ابى عبيد عن سلمة بن الاكوع قال: (امر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم: ان اذن في الناس: ان من اكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن اكل فليصم، فان اليوم يوم عاشوراء) (5) * ورويناه ايضا من طريق معاوية وغيره مسندا (6) * قال أبو محمد: ويوم عاشوراء هو كان الفرض حينئذ صيامه * كما روينا بالسند المذكور إلى البخاري: ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث هو ابن سعيد التنورى ثنا ايوب السختيانى ثنا عبد الله (7) بن سعيد بن جبير عن ابيه عن (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (بعد طلوع الشمس) (2) قوله (فكما قلنا) سقط من النسخة رقم (16) (3) الربيع بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء التحية المكسورة (ومعوذ بتشديد الواو المكسورة (4) هذا والذى قبله في مسلم (ج 1 ص 313) (5) هذا من ثلاثيات البخاري وهو فيه (ج 3 ص 96 و 97) (6) حديث معاوية في البخاري (ج 3 ص 96) ومسلم (ج 1 ص 312) (7) في النسخة رقم (16) (عبيد الله) بالتصغير وهو خطأ *(6/165)
ابن عباس فذكر الحديث في يوم عاشوراء وفيه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه) (1) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن
محمدثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا عبيدالله بن موسى أخبرنا شيبان عن أشعث بن ابى الشعثاء عن جعفر بن ابى ثور عن جابر بن سمرة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر (2) بصوم عاشوراء (3) ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا عنه ولم يتعاهدنا عنده) * وروينا من طريق الزهري، وهشام بن عروة، وعراك بن مالك كلهم عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر بصيام عاشوراء، حتى فرض رمضان) قال عراك: فقال عليه السلام: (من شاء فليصمه ومن شاء فليفطره) (4) * قال أبو محمد: فكان هذا حكم صوم الفرض، وما نبالي بنسخ فرض صوم عاشوراء، فقد أحيل صيام رمضان احوالا، فقد كان مرة من شاء صامه ومن شاء أفطره واطعم عن كل يوم مسكينا، إلا ان حكم ما كان فرضا حكم واحد، وانما نزل هذا الحكم فيمن لم يعلم بوجوب الصوم عليه، وكل من ذكرنا من ناس، أو جاهل، أو نائم فلم يعلموا اوجوب الصوم عليهم، فحكمهم كلهم هو الحكم الذى جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ستدراك النية في اليوم المذكور متى ما علموا بوجوب صومه عليهم (5)، وسمى عليه السلام من فعل ذلك صائما، وجعل فعله صوما.
وبالله تعالى التوفيق * وبه قال جماعة من السلف * كما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الكريم الجزرى: ان قوما شهدوا على الهلال بعد ما أصبحوا، فقال عمر بن عبد العزيز: من أكل فليمسك عن الطعام، ومن لم يأكل فليصم بقية يومه * وعن عطاء: إذا صبح رجل مفطرا ولم يذق شيئا ثم علم برؤية الهلال أو النهار أو آخره فليصم ما بقى ولا يبدله * ومن طريق وكيع عن ابى ميمونة عن أبى بشير عن على بن ابى طالب انه قال يوم عاشوراء: من لم يأكل فليصم، ومن أكل فليتم بقية يومه *
(
__________
(1) هو في البخاري (ج 3 ص 96) (2) في النسخة رقم (16) (يأمرنا) وما هنا هو الموافق لمسلم (ج 1 ص 312) (3) في مسلم (بصيام يوم عاشوراء (4) انظر روايات حديث عائشة هذا في مسلم (ج 1 ص 310 و 311) بنحو ما هنا، وفى البخاري لفظ آخر (ج 3 ص 95) (5) في النسخة رقم (14) (عليه) وهو خطأ (6) في النسخة رقم (16) (اصبح) وهو خطأ *(6/166)
وروينا من طريق وكيع عن ابن عون عن ابن سيرين: ان ابن مسعود قال: من أكل اول النهار فليأكل آخره * قال على: اختلف الناس فيمن اصبح مفطرا في أول يوم من رمضان ثم علم ان الهلال رؤى البارحة على اقوال * منهم من قال: ينوى صوم يومه ويجزئه، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وبه نأخذ، وبه جاء النص الذى قدمنا * ومنهم من قال: لا يصوم، لانه لم ينو الصيام من الليل، ولم يروا فيه قضاء، وهو قول ابن مسعود كما ذكرنا، وبه يقول داود (1) * واصحابنا * ومنهم من قال: يأكل بقيته ويقضيه، وهو قول رويناه عن عطاء * ومنهم من قال: يمسك فيه عما يمسك الصائم، ولا يجزئه، وعليه قضاؤه، وهو قول مالك، والشافعي * وقال به (2) أبو حنيفة فيمن أكل خاصة، دون من لم يأكل، وفيمن علم الخبر بعد الزوال فقط، اكل ولم يأكل * وهذا أسقط الاقوال! لانه لا نص فيه ولا قياس، ولا نعلمه من قول صاحب، ولا يخلو هذا الامساك الذى امروه به من ان يكون صوما يجزئه (3)، وهم لا يقولون بهذا، اولا يكون صوما ولا يجزئه، فمن اين وقع لهم ان يأمروه بعمل يتعب فيه ويتكلفه ولا يجزئه؟! * وأيضا فانه لا يخلو من ان يكون مفطرا أو صائما: فان كان صائما فلم يقضيه (4) اذن؟!
فيصوم يومين وليس عليه الا واحد؟! وان كان مفطرا فلم امروه (5) بعمل الصوم؟! وهذا عجب (6) جدا! وحسبنا الله ونعم الوكيل * قال أبو محمد: احتج أبو حنيفة في تصحيح تخليطه الذى ذكرناه قبل في نية الصوم بخبر الربيع، وسلمة بن الاكوع الذى ذكرنا، وهذا عجب جدا! أن يكونوا قد خالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفس ما جاء به الخبر، فقالوا: من أكل لم يجزه صيام باقى يومه، وفى تخصيصهم بالنية قبل الزوال، وليس هذا في الخبر، ثم احتجوا به فيما ليس منه شئ! (7) ومن عادتهم هذا الخلق الذميم! وهذا قبيح جدا، وتمويه لا يستجيزه محقق ناصح لنفسه! * (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (أبو سليمان) وهو هو (2) كلمة (به) سقطت خطأ من النسخة رقم (14) (3) في النسخة رقم (16) (فلا يجزئه) (4) في النسخة رقم (16) (فلم يقضه) كأنه نفى مع انه استفهام، وهذا خطأ (5) في النسخة رقم (16) (فلم يأمروه) وهو خطأ كالذى قبله (6) في النسخة رقم (16) (عجيب) (7) كلمة (شئ) زيادة من النسخة رقم 14 *(6/167)
وقال بعضهم: قد روى هذا الخبر عبد الباقي بن قانع عن أحمد بن على بن مسلم عن محمد ابن المنهال عن يزيد بن زريع عن قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة عن عمه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يعنى في عاشوراء فقال صمتم يومكم هذا؟ قالوا: لا، قال: فاتموا يومكم هذا واقضوا) * قال أبو محمد: لفظة (واقتضوا) موضوعة بلا شك، وعبد الباقي بن قانع مولى بنى أبى الشوارب يكنى أبا الحسين، مات سنة احدى وخمسين وثلاثمائة، وقد اختلط عقله قبل موته بسنة، وهو بالجملة منكر الحديث، وتركه أصحاب الحديث جملة (1).
وأحمد بن على بن مسلم مجهول (2) * (
__________
(1) أساء ابن حرم القول في ابن قانع جدا، وسيأتى قوله في المسألة التالية: روى عن ابن قانع راوي كل بلية) ونقل ابن حجر في لسان الميزان عن ابن حزم أنه قال (ابن سفيان في المالكيين نظير ابن قانع
في الحنيفيين، وجد في حديثهما الكذب البحت، والبلاء المبين! والوضع اللائح، فاما تغيير، واما حمل عمن لاخير فيه من كذاب ومغفل يقبل التلقين، وإما الثالثة وهى ان يكون البلاء من قبلهما! وهى ثالثة الاثافي! نسأل الله السلامة) ونقل عن الخطيب أنه قال: (لاأدرى لماذا ضعفه البرقانى؟ فقد كان ابن قانع من أهل العلم والدراية ورأيت عامة شيوخنا يوثقونه، وقد تغير في آخر عمره) ونقل الذهبي في تذكرة الحفاظ (ج 3 ص 93) عن الدار قطني أنه قال في ابن قانع: (كان يحفظ، ولكنه كان يخطى ويصر) وهذه خلة سوء والعياذ بالله.
وعبد الباقي هذا شيخ الجصاص مؤلف (أحكام القرآن) أكثر من الرواية عنه جدا، وكنية عبد الباقي (أبو الحسين) وفى الاصلين هنا، أبو الحسن (وهو خطأ.
ونقل ابن حجر أيضا كلام المؤلف فيه هنا ثم قال: (ما أعلم أحدا تركه، وإنما صح أنه أختلط فتجنبوه!) وهل الترك إلا هذا؟! (2) أحمد بن على بن مسلم هو الامام الحافظ أبو العباس الابار، محدث بغداد، مات يوم نصف شعبان سنة 390، قال ابن حجر في لسان الميزان بعد أن نقل كلام المؤلف هنا (هذه عادة ابن حزم، إذا لم يعرف الراوى يجهله، ولو عبر بقوله: لاأعرفه، لكان انصف! لكن التوفيق عزيز!) ملحوضة: وقع اسمه في لسان الميزان (أحمد بن على بن اسلم) وهو خطأ اما من الناسخ وإما من الطبع والصواب (بن مسلم) وقد نسب ابن حزم الخطأ في زيادة قوله (واقضوا) إلى ابن قانع بل سماه واضعا لها، واخطأ في هذا جدا، فالحديث رواه أبو داود (ج 2 ص 303) عن محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع عن سعيد هو ابن ابى عروبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه: (ان اسلم اتت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: صمتم يومكم هذا؟ قالوا: لا * قال: فأتموا بقية يومكم وأقضوه) قال أبو داود: (يعنى يوم عاشوراء) وسكت عنه هو والمنذري ونسبه المنذرى للنسائي وسيرويه المؤلف بدون الزيادة ولكني لم اجده فيه.
فظهر ان عبد الباقي بن قانع واحمد بن على بن مسلم بريئان من عهدة هذه اللفظة، وانهما لم ينفردا بزيادتها، إذا رواه أبو داود عن محمد بن المنهال شيخ الابار كما رواها عنه الابار، وظهر ايضا في الاسناد الذى هنا خطأ، لانه سقط منه (سعيد بن ابى عروبة) بين يزيد بن زريع وبين قتادة، ولعل هذا من اغلاط ابن قانع؟! وإنما العلة في ضعف الحديث جهالة حال عبد الرحمن بن مسلمة، وان ذكره ابن حبان في الثقات، فقد اختلف في اسم ابيه وجده، فقيل (عبد الرحمن بن سلمة وقيل (ابن مسلمة) وقيل (ابن المنهال بن سلمة الخزاعى) وقيل (ابن المنهال ابن مسلمة) وقيل (ابن المنهال عبد الرحمن بن سلمة بن المنهال) ولذلك قال ابن القطان (حاله مجهول) وصدق، وعمه هذا
من هو؟ الله اعلم، ذكره ابن سعد في الطبقات (ج 7 ق 1 ص 57) باسم (عم عبد الرحمن بن سلمة الخزاعى)(6/168)
وقد روينا هذا الحديث من طريق شعبة عن قتادة، ومن طريق ابن أبى عروبة عن قتادة، وليست فيه هذه اللفظة * كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن قاسم بن محمد ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن المثنى محمد بن جعفر غندر ثنا شعبة ثنا قتادة عن عبد الرحمن بن المنهال بن سلمة الخزاعى (1) عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاسلم: (صوموا اليوم، قالوا: إنا قد أكلنا، قال: صوموا بقية يومكم، يعنى عاشوراء) * حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي ثنا محمد بن معاوية القرشى ثنا أحمد بن شعيب أنا اسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه ثنا محمد بن بكر هو البرسانى ثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعى عن عمه قال: (غدونا على رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عاشوراء، فقال لنا: أصبحتم صياما؟ قلنا: قد تغدينا يارسول الله، قال: فصوموا بقية يومكم) * قال أبو محمد: ومن الغرائب تمويه الحنيفين بهذه اللفظة الموضوعة في حديث ابن قانع من قوله (واقضوا) ثم خالفوها فلم يروا القضاء إلا على من أكل دون من لم يأكل، وعلى من نوى بعد الزوال! وهذا كله خلاف الكذبة التى استحقوا بها المقت من الله تعالى! فحيث ما توجهوا عثروا، وبكل ما احتجوا فقد خالفوه! وهكذا فليكن الخذلان! نعوذ بالله منه * وأما من لم يعلم بوجوب صوم ذلك اليوم عليه الا بعد غروب الشمس فانه لم يصمه كما أمر، ولانه لم ينو في شئ منه صوما، ولم يتعمد ترك النية، فلا إثم عليه فيما لم يتعمد، ولا قضاء عليه، لانه لم يأت بايجاب القضاء عليه نص ولا إجماع، ولا يجب في الدين حكم (
__________
ثم روى الحديث الذى هنا عن عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعى عن عمه، وليس فيه كلمة (واقضوه) وذكره ابن حجر في التهذيب في المبهمات وقال (سمى ابن قانع عمه مسلمة) وذكره في الاصابة
(ج 6 ص 98) ووعد ببيانه في المبهمات، وليس في الاصابة باب لهم، ولعله سقط بحاله من نسخها فلم يطبع وحديث هذه حال اسناده لا يكون حجة ولا يصححه احد، وقال الزيلعى في نصب الراية (ج 1 ص 436) نقلا عن صاحب التنقيح أنه قال (على انه قد روى الامر بالقضاء في حديث غريب اخرجه أبو داود في سننه) فذكر الحديث، ثم قال: (وهذا حديث مختلف في اسناده ومتنه، وفى صحته نظر).
فائدة: حديث عبد الباقي بن قانع رواه عنه أبو بكر الجصاص في احكام القرآن (ج 1 ص 190) وفيه خطأ مطبعى (يزيد بن ربيع) وصوابه (يزيد بن ربيع) وفيه (شعبة عن قتادة) وصوابه (سعيد بن ابى عروبة عن قتادة) كما هو في ابى داود (1) هكذا في النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (14) (عن عبد الرحمن ابن المنهال بن مسلمة الخزاعى) وفى معاني الآثار للطحاوي (ج 1 ص 336) من طريق روح (ثنا شعبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعى هو ابن المنهال) ومن طريق عبد الرحمن بن زياد (ثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت ابا المنهال) *(6/169)
إلا بأحدهما، وانما أمر بصيام ذلك اليوم، لا بصوم غيره مكانه، فلا يجزئ ما لم يؤمر به مكان ما أمر به * 730 مسألة ولا يجزئ صوم التطوع إلا بنية من الليل، ولا صوم قضاء رمضان أو الكفارات إلا كذلك، لان االنص ورد بأن لاصوم لمن لم يبيته من الليل كما قدمنا، ولم يخص النص من ذلك إلا ما كان فرضا متعينا في وقت بعينه، وبقى سائر ذلك على النص العام * وقولنا بهذا في التطوع، وقضاء رمضان.
والكفارات هو قول مالك، وأبى سليمان وغيرهما * فان قال قائل: فكيف استجزتم خلاف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! الذى رويتموه من طريق طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيدالله عن مجاهد، وعائشة بنت طلحة كلاهما عن أم المؤمنين عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: هل عندكم من شئ؟ وقال مرة: من غداء؟ قلنا: لا قال: فانى إذن صائم) وقال لها مرة أخرى: (هل عندكم من شئ؟ قلنا: نعم، أهدى لنا حيس (1)، قال: أما انى أصبحت أريد
الصوم، فأكل (2)) * وقال بهذا جمهور السلف: * كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البنانى.
وعبد الله بن أبى عتبة، قال ثابت: عن أنس بن مالك: أن أبا طلحة كان يأتي أهله من الضحى، فيقول: هل عندكم من غداء؟ فان قالوا: لا، قال: فأنا صائم، وقال ابن أبى عتبة: عن أبى أيوب الانصاري بمثل فعل أبى طلحة سواء سواء * ومن طريق حماد بن سلمة: حدثتني أم شبيب عن عائشة أم المؤمنين قالت: انى لاصبح يوم طهري حائضا وأنا أريد الصوم، فأستبين طهري فيما بينى وبين نصف النهار فأغتسل ثم أصوم * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج ومعمر، قال ابن جريج: أخبرني عطاء، وقال معمر: عن الزهري، وأيوب السختيانى، قال الزهري عن أبى إدريس الخولانى، وقال أيوب: عن أبى قلابة، ثم اتفق عطاء.
وأبو إدريس، وأبو قلابة كلهم عن الدرداء أن أبا الدرداء كان إذا أصبح سأل أهله الغداء، فان لم يكن، قال: إنا صائمون، وقال (
__________
(1) بفتح الحاء وإسكان الياء وآخره سين مهملة، وهو طعام يتخذ من التمر والاقط والسمن، وقد يجعل عوض الاقط الدقيق والفتيت، قاله في النهاية (2) انظر مسلم (ج 1 ص 317) والشوكانى (ج 4 ص 217) *(6/170)
عطاء في حديثه: ان أبا الدرداء كان يأتي أهله حين ينتصف النهار، فيقول: هل من غداء؟ فيجده أو لا يجده، فيقول لا أتمن صوم هذا اليوم، قال عطاء: وأنا أفعله * ومن طريق قتادة: أن معاذ بن جبل كان يسأل الغداء، فان لم يجده صام يومه * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج: أخربنى عبيدالله بن عمر قال: ان ابا هريرة كان يصبح مفطرا، فيقول: هل من طعام؟ فيجده أو لا يجده، فيتم ذلك اليوم * ومن طريق الحارث عن على بن أبى طالب قال: إذا أصبحت وأنت تريد الصوم
فأنت بالخيار، ان شئت صمت وان شئت أفطرت، إلا أن تفرض على نفسك الصوم من الليل * ومن طريق ابن جريج: حدثنى جعفر بن محمد عن أبيه: أن رجلا سأل على بن أبى طالب، فقال: أصبحت ولا أريد الصوم؟ فقال له على: أنت بالخيار بينك وبين نصف النهار، فان انتصف النهار فليس لك أن تفطر * ومن طريق طاوس عن ابن عباس، ومن طريق سعد بن عبيدة (1) عن ابن عمر، قالا جميعا: الصائم بالخيار ما بينه وبين نصفه النهار، قال ابن عمر: ما لم يطعم، فان بدا له أن يطعم طعم، وان بدا له أن يجعله صوما كان صوما * ومن طريق ابن أبى شيبة عن المعتمر بن سليمان التيمى عن حميد عن أنس بن مالك قال: من حدث نفسه بالصيام فهو بالخيار ما لم يتكلم، حتى يمتد النهار * ومن طريق ابن أبى شيبة عن وكيع عن الاعمش عن عمارة عن أبى الاحوص قال قال ابن مسعود: ان أحدكم بأحد (2) النظرين ما لم يأكل أو يشرب * ومن طريق ابن أبى شيبة عن يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن الاعمش عن طلحة عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن هو السلمى عن حذيفة: أنه بدا له في الصوم بعد أن زالت الشمس فصام * وعن حذيفة ايضا أنه قال: من بداله في الصيام (3) بعد أن تزول الشمس فليصم * ومن طريق معمر عن عطاء الخراساني: كنت في سفر وكان يوم فطر، فلما كان بعد نصف النهار قلت: لاصومن هذا اليوم، فصمت، فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: أصبت.
قال عطاء: وكنت عند سعيد بن المسيب فجاءه أعرابي عند العصر فقال: (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (سعد بن عبادة) وهو خطأ (2) في النسخة رقم (16) (بآخر) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (16) (من بدا له الصيام) *(6/171)
إنى لم آكل اليوم شيئا أفأصوم؟ قال: نعم، قال: فان على يوما من رمضان، أفأجعله مكانه؟ قال: نعم.
* ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي قال: إذا عزم على الصوم من الضحى فله النهار أجمع، فان عزم من نصف النهار فله ما بقى من النهار، وإن أصبح ولم يعزم فهو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار * ومن طريق ابن جريج: سألت عطاء عن رجل كان عليه أيام من رمضان، فاصبح وليس في نفسه أن يصوم، ثم بداله بعد ما أصبح أن يصوم وأن جعله من قضاء (1) رمضان؟ فقال عطاء: له ذلك (2) * ومن طريق مجاهد: الصائم بالخيار ما بينه وبين نصف النهار، فإذ جاوز ذلك فانما له بقدر ما بقى من النهار * ومن طريق أبى اسحاق الشيباني عن الشعبى: من أراد الصوم فهو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار * ومن طريق هشام عن الحسن البصري قال: إذا تسحر الرجل فقد وجب عليه الصوم، فان أفطر فعليه القضاء، وان هم بالصوم فهو بالخيار، إن شاء صام وان شاء أفطر، فان سأله انسان فقال: أصائم أنت؟ فقال: نعم، فقد وجب عليه الصوم إلا أن يقول: إن شاء الله، فان قالها فهو بالخيار، إن شاء صام وان شاء أفطر * فهؤلآء من الصحابة: عائشة أم المؤمنين، وعلى بن أبى طالب، وابن عمر، وابن عباس، وأنس، وأبو طلحة، وأبو أيوب، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وأبو هريرة، وابن مسعود، وحذيفة، ومن التابعين: ابن المسيب، وعطاء الخراساني، وعطاء بن أبى رباح، ومجاهد، والنخعي، والشعبى، والحسن * وقال سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل: من أصبح وهو ينوى الفطر الا أنه لم يأكل ولا شرب ولا وطئ: فله أن ينوى الصوم ما لم تغب الشمس، ويصح صومه بذلك *
قال أبو محمد: فنقول: معاذ الله أن نخالف شيئا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أن نصرفه عن ظاهره بغير نص آخر، وهذا الخبر صحيح (3) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه ليس فيه أنه عليه السلام لم يكن نوى الصيام من الليل، ولا أنه عليه السلام أصبح مفطرا ثم نوى الصوم بعد ذلك، ولو كان هذا في ذلك الخبر لقلنا به، لكن فيه (
__________
كلمة (قضاء) زيادة من النسخة رقم (14) (2) كلمة (له) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (3) في النسخة رقم (16) (وهذا خبر صح) الخ *(6/172)
أنه عليه السلام كان يصبح متطوعا صائما ثم يفطر، وهذا مباح عندنا لا نكرهه، كما في الخبر، فلما ليكن في الخبر ما ذكرنا، وكان قد صح عنه عليه السلام: (لا صيام لمن لم يبيته من الليل) لم يجز أن نترك هذا اليقين لظن كاذب، ولو أنه عليه الصلاة والسلام أصبح مفطرا ثم نوى الصوم نهارا لبينه، كما بين ذلك في صيام عاشوراء إذ كان فرضا، والتسمح (1) في الدين لا يحل * فان قيل: قد رويتم من طريق ليث بن أبى سليم عن مجاهد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجئ فيدعو بالطعام فلا يجده فيفرض الصوم) * وروى عن ابن قانع راوي كل بلية! عن موسى بن عبد الرحمن السلمى البلخى عن عمر بن هارون عن يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح ولم يجمع الصوم (2)، ثم يبدو له فيصوم) * قلنا: ليث ضعيف، ويعقوب بن عطاء هالك، ومن دونه ظلمات بعضها فوق بعض (3)! ووالله لو صح لقلنا به * قال أبو محمد: أما المالكيون فيشنعون بخلاف الجمهور، وخالفوا ههنا الجمهور بلا رقبة (4) * وأما الحنيفيون فما نعلم أحدا قبلهم أجاز أن يصبح في رمضان عامدا لارادة الفطر
ثم يبقى كذلك إلى قبل زوال الشمس ثم ينوى الصيام حينئذ ويجزئه! وادعوا الاجماع على أنه لا تجزئ النية بعد الزواى الشمس في ذلك! وقد كذبوا (5)! ولا مؤنة عليهم من الكذب! * وقد صح هذا عن حذيفة نصا، وعن ابن مسعود باطلاق، وعن أبى الدرداء، نصا، وعن سيعد بن المسيب نصا، وعن عطاء الخراساني كذلك، وعن الحسن، وعن سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل (6) * (
__________
في النسخة رقم (16) (والتسامح) وكلاهما صحيح، يقال (تسامح) أي تساهل، وتسمح فعل شيئا فسهل فيه (2) في النسخة رقم (16) (الصيام) (3) الحديث ضعيف جدا بكل حال، ولكن الاسناد فيه كلام، فقد ضعفه المؤلف لوجود ليث فيه وهو ابن ابى سليم ولكن لاذكر له فيه اصلا، ثم ان اسناده في احكام القرآن للجصاص (ج 1 ص 199) هكذا (حدثنا عبد الباقي ابن قانع حدثنا اسمعيل بن الفضل بن موسى حدثنا مسلم بن عبد الرحمن السلمى البلخى حدثنا عمر بن هارون عن يعقوب بن عطاء عن ابيه عن ابن عباس) وما هنا من ذكر (موسى بن عبد الرحمن) خطأ في الاصلين صوابه (مسلم بن عبد الرحمن) وهو أبو صالح مستملى عمر بن هرون، ذكره ابن حبان في الثقات وقال: (ربما اخطا) وشيخه عمر بن هرون ضعيف جدا، (4) بكسر الراء واسكان القاف، وهى التحفظ والفرق (5) في النسخة رقم (14) (فقد كذبوا) (6) في النسخة رقم (14) (وعن الحسن، وسفيان، واحمد بن حنبل) *(6/173)
قال أبو محمد: ولا حجه في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبالله تعالى التوفيق * 731 مسألة ومن مزج نية صوم فرض بفرض آخر أو بتطوع، أو فعل ذلك في صلاة، أو زكاة، أو حج، أو عمرة، أو عتق: لم يجزه لشئ من كل ذلك (1)، وبطل ذلك العمل كله، (2) صوما كان أو صلاة، أو زكاة، أو حجا، أو عمرة، أو عتقا، الا مزج العمرة بالحج لمن أحرم ومعه الهدى فقط، فهو حكمه اللازم له * برهان ذلك: قول الله تعالى.
(وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) والاخلاص هو أن يخلص العمل المأمور به للوجه الذى أمره الله تعالى به فيه فقط، وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فمن مزج عملا بآخرفقد عمل عملا ليس عليه أمر الله تعالى ولا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو باطل مردود.
وبالله تعالى التوفيق * وهو قول مالك والشافعي، وأبى سليمان، وأصحابهم * وقال أبو يوسف: من صلى، وهو مسافر ركعتين نوى بهما الظهر والتطوع معا، أو صام يوما من قضاء رمضان ينوى به قضاء ما عليه والتطوع معا، أو أعطى ما يجب عليه في زكاة ماله ونوى به الزكاة والتطوع معا، أو أحرم بحجة الاسلام ونوى بها الفريضة والتطوع معا: فان كل ذلك يجزئه من صلاة الفرض، وصوم الفرض، وزكاة الفرض، وحجة الفرض، ويبطل التطوع في كل ذلك * وقال محمد بن الحسن: أما الصلاة فتبطل ولا تجزئه، لاعن فرض ولا عن تطوع، وأما الزكاة، والصوم فيكون فعله ذلك تطوع فيهما جميعا، ويبطل الفرض، وأما الحج فيجزئه عن الفرض ويبطل التطوع * فهل سمع بأسقط من هذه الاقوال؟! وما ندرى ممن العجب! أممن أطلق لسانه بمثلها في دين الله تعالى؟! يمحو ما يشاء ويثبت بالاهذار ويخص ما يشاء؟! ويبطل بالتخاليط! أو ممن قلد قائلها، وأفنى عمره في درسها ونصرها متدينا بها؟! ونعوذ بالله من الخذلان، ونسأله إدامة السلامة والعصمة، ونحمده على نعمه بذلك علينا كثيرا * وقد روينا عن مجاهد: أنه قال فيمن جعل عليه صوم شهرين متتابعين: إن شاء صام شعبان ورمضان واجزأ عنه، يعنى من فرضه ونذره، قال مجاهد: ومن كان عليه قضاء رمضان فصام تطوعا فهو قضاؤه وان لم يرده * 732 مسألة ومن نوى وهو صائم إبطال صومه بطل، إذا تعمد ذلك (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (لم يجزه لكل شئ من ذلك) وما هنا أوضح وأصرح (2) في النسخة في النسخة رقم (16) (وبطل كل ذلك العمل كله) وزيادة (كل) خطا لا معنى لها *(6/174)
ذاكرا لانه في صوم (1) وان لم يأكل ولا شرب ولا وطئ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الاعمال بالنيات ولكل (2) امرئ ما نوى) فصح يقينا أن من نوى إبطال (3) ما هو فيه من الصوم فله ما نوى، بقوله (4) عليه الصلاة والسلام الذى لا تحل معارضته، وهو قد نوى بطلان الصوم، فله بطلانه، فلو لم يكن ذاكرا لانه في صوم لم يضره شيئا، لقول الله تعالى: (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) * وهكذا (5) القول فيمن نوى ابطال صلاة هو فيها، أو حج هو فيه، وسائر الاعمال كلها كذلك، فلو نوى ذلك بعد تمام صومه أو أعماله المذكورة كان آثما، ولم يبطل بذلك شيئا (6) منها، لانها كلها قد صحت وتمنت كما أمر (7).
وما صح فلا يجوز أن يبطل بغير نص في بطلانه، والمسألة الاولى لم يتم عمله فيها كما أمر.
وبالله تعالى التوفيق * 33 مسألة ويبطل الصوم تعمد الاكل، أو تعمد الشرب، أو تعمد الوطئ في الفرج، أو تعمد القئ، وهو في كل ذلك ذلك لصومه، سواء قل ما أكل أو كثر، أخرجه (8) من بين أسنانه أو أخذه من خارج فمه فأكله، وهذا كله مجمع عليه إجماعا متيقنا، الا فيما نذكره، مع قول الله تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) * وما حدثناه حمام ثنا عبد الله بن محمد الباجى ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا حبيب ابن خلف البخاري ثنا أبو ثور ابراهيم بن خالد (9) ثنا معلى ثنا عيسى بن يونس ثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ذرعه القئ وهو صائم فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض) (10) * (
__________
(1) يعنى إذا تعمد نية الابطال وهو يذكر انه صائم.
(2) في النسخة رقم (16) (وانما لكل) (3) في النسخة رقم (14) (بطلان) (4) في النسخة رقم (16) (لقوله) وما هنا اوضح (5) في النسخة رقم (14) (وكذلك) * (6) في النسخة رقم (16) (شئ) (7) في النسخة رقم (14) (لم تتم عمله كما امر) (8) في النسخة رقم (16) (اخراجه)
وهو خطأ (9) هو الامام الفقيه صاحب الشافعي مات سنة 240 عن 70 سنة (10) رواه الدارمي (ص 218) وابو داود (ج 2 ص 383) والترمذي (ج 1 ص 90 هند) والطحاوى بلفظ الرواية التى هنا (ج 1 ص 348) كلهم من طريق عيسى ابن يونس عن هشام، قال الترمذي: (حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث هشام عن ابن سيرين عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الا من حديث عيسى بن يونس، وقال محمد يعنى البخاري: لااراه محفوظا، وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح اسناده) وقد غلط الترمذي في دعوى انفراد عيسى به، فقد رواه ابن ماجه (ج 1 ص 264) من طريق الحكم بن موسى عن عيسى بن يونس ومن طريق ابى الشعثاء عن حفص بن غياث كلاهما عن هشام بن حسان به، وكذلك رواه الحاكم (ج 1 ص 426 و 427) من طريق على بن حجر عن عيسى ومن طريق يحيى بن سلمان الجعفي عن حفص، وقال أبو داود بعد حديث عيسى: (رواه(6/175)
وروينا هذا أيضا عن ابن عمر، وعلى، وعلقمة * قال على: عيسى بن يونس ثقة * وقال الحنيفيون من تعمد أن يتقيأ أقل من مل ء فيه لم يبطل بذلك صومه، فان كان (1) مل ء فيه فاكثر بطل صومه، وهذا خلاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مع سخافة التحديد! * وقال الحنيفيون والمالكيون من خرج وهو صائم من بين اسنانه شئ (من بقية سحوره كالجذيذة (2) وشئ من اللحم ونحو ذلك فبلعه عامدا لبلعه ذاكرا لصومه فصومه تام وما نعلم هذا القول لاحد قبلهما! * واحتج بعضهم لهذا القول بانه شئ قد أكل بعد، وانما حرم ما لم يؤكل! * فكان الاحتجاج أسقط وأوحش من القول المحتج له! وما علمنا شيئا أكل فيمكن وجوده بعد الاكل، الا أن يكون قيئا أو عذرة! ونعوذ بالله من البلاء * وحد بعض الحنيفين المقدار (3) الذى لا يضر تعمدا أكله في الصوم من ذلك بان يكون دون (4) مقدار الحمصة * فكان هذا التحديد طريفا جدا! ثم بعد ذلك، فاى الحمص هو؟ الامليسى (5)
الفاخر؟ أم الصغير؟! * فان قالوا: قسناه على الريق * قلنا لهم: فمن أين فرقتم بين قليل ذلك وكثيره بخلاف الريق؟! * ونسألهم عمن له مطحنة (6) كبيرة مثقوبة فدخلت فيها من سحوره زبيبة أو باقلاة فاخرجها يوما (7) آخر بلسانه وهو صائم: أله تعمد بلعها أم لا؟ فان منعوا من ذلك تناقضوا، وان أباحوا (8) سألناهم عن جميع طواحينه وهى ثنتا عشرة مطحنة مثقوبة كلها، فامتلات سمسما أو زبيبا أو حمصا أو باقلا أو خبزا أو زريعة كتان؟ فان أباحوا تعمد أكل ذلك كله حصلوا أعجوبة!! وان منعوا منه تناقضوا وتحكموا في الدين بالباطل * (
__________
ايضا حفص بن غياث عن هشام مثله) فسقطت دعوى تفرد عيسى بروايته، بل نقل الدارمي عن عيسى انه قال: (زعم اهل البصرة ان هشاما اوهم فيه فموضع الخلاف ههنا) وهشام ثقة حجة، قال ابن ابى عروبة (ما رايت احفظ عن محمد بن سيرين من هشام) وقال أبو داود: (انما تكلموا في حديثه عن الحسن وعطاء لانه كان يرسل) والذى هنا من رواية ابن سيرين.
وليس الحكم بالوهم على الراوى الثقة بالهين، ولذلك صححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وهو الحق (1) في النسخة رقم (16) (فان اكل) وهو خطأ فاحش (2) بفتح الجيم وبالذالين المعجمين، وهى جشيشة تعمل من السويق الغليظ، لانها تجاذى تقطع قطعا وتجش، قاله في اللسان (3) في النسخة رقم (16) (في المقدار) (4) كلمة دون سقطت من النسخة رقم (16) (5) كذا في الاصلين ويظهر انه نوع من الحمص (6) في اللسان (الطواحن الاضراس كلها من الانسان وغيره على التشبيه، واحدتها طاحنة) فمن هذا يجوز ايضا مطحنة على التشبيه (7) كلمة (يوما) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (8) في النسخة رقم (16) (اباحوه) *(6/176)
وانما الحق الواضح فان كل ما سمى أكلا أي شئ كان فتعمده يبطل الصوم، وأما الريق فقل أو كثر فلا خلاف في أن تعمد ابتلاعه لا ينقض الصوم وبالله تعالى التوفيق * والعجب كله ممن قلد أبا حنيفة، ومالكا في هذا، ولم يقلد من ساعة من ساعاته خير من دهرهما كله، وهو أبو طلحة، الذى روينا بأصح طريق عن شعبة وعمر ان
القطان (1) كلاهما عن قتادة عن أنس: أن أبا طلحة كان يأكل البرد وهو صائم، قال عمران في حديثه: ويقول: ليس طعاما ولا شرابا! وقد سمعه شعبة من قتادة، وسمعه قتادة من أنس، ولكنهم قوم لا يحصلون! * 734 مسألة ويبطل الصوم أيضا تعمد كل معصية أي معصية كانت، لا تحاش شيئا إذا فعلها عامدا ذاكرا لصومه، كمباشرة من لا يحل له من أنثى أو ذكر، أو تقبيل غير امرأته وأمته المباحتين له من أنثى أو ذكر، أو اتيان في دبر امرأته أو أمته أو غيرهما، أو كذب، أو غيبة، أو نميمة، أو تعمد ترك صلاة، أو ظلم، أو غير ذلك من كل ما حرم على المرء فعله * برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج حدثنى (2) محمد بن رافع ثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج أخبرني عطاء عن أبى صالح الزيات هو السمان أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والصيام (3) جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ، ولا يسخب (4) فان سابه أحد أو قاتله فليقل: إنى صائم (5)) * وروينا من طريق مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: للصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل، فان أمرؤ قاتله أو شاتمه فليقل، إنى صائم) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا آدم بن أبى إياس ثنا ابن أبى ذئب ثنا سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبيه عن أبى هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة (
__________
(1) هو عمر بن داور بفتح الواو بعدها الراء العمى بفتح العين وتشديد الميم (2) في النسخة رقم (14) (ثنا) وما ههنا الموافق لمسلم (ج 1 ص 316) (3) في النسخة رقم (16) (الصيام) بدون الواو، وما هنا الموافق لمسلم لانه بعض حديث (4) هكذا هو في نسخة بحاشية النسخة رقم (14) وهو الموافق لمسلم، وفى الاصلين رقم 14 و 16 (ولا يسخر) بالراء،
ونسبها النووي للطبراني ثم قال: (وهذه الرواية تصحيف وان كان كلها معنى) والسخب بالسين ويقال بالصاد ايضا هو الصياح * (5) في مسلم (انى امرؤ صائم) *(6/177)
في أن يدع طعامه وشرابه) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن سليمان التيمى عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1): (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأتين صائمتين تغتابان الناس، فقال لهما: قيئا، فقاءتا قيحا ودما ولحما عبيطا، ثم قال عليه السلام: ها إن هاتين صامتا عن الحلال وأفطرتا على الحرام) * قال أبو محمد: فنهى عليه السلام عن الرفث والجهل في الصوم، فكان من فعل شيئا من ذلك عامدا ذاكرا لصومه لم يصم كما أمر، ومن لم يصم كما أمر فلم يصم، لانه لم يأت بالصيام الذى أمره الله تعالى به، وهو السالم من الرفث والجهل، وهما اسمان يعمان كل معصية، وأخبر عليه السلام أن من لم يدع القول بالباطل وهو الزور ولم يدع العمل به فلا حاجة لله تعالى في ترك طعامه وشرابه، فصح أن الله تعالى لا يرضى صومه ذلك ولا يتقبله، وإذا لم يرضه ولا قبله فهو باطل ساقط، وأخبر عليه السلام أن المغتابة مفطرة وهذا ما لا يسع أحدا خلافه * وقد كابر بعضهم فقال: إنما يبطل أجره لاصومه * قال أبو محمد: فكان هذا في غاية السخافة! وبالضرورة يدرى كل ذى حس أن كل عمل أحبط الله تعالى أجر عامله فانه تعالى لم يحتسب له بذلك العمل ولا قبله، وهذا هو البطلان بعينه بلا مرية * وبهذا يقول السلف الطيب، * روينا من طريق أبى بكر بن أبى شيبة: ثنا حفص بن غياث، وهشيم كلاهما عن
مجالد عن الشعبى، قال هشيم: عن مسروق عن عمر بن الخطاب ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب، والباطل، واللغو * وعن حفص بن غياث عن مجالد عن الشعبى عن على بن أبى طالب مثله نصا * (
__________
(1) هكذا في هذه الرواية، (سليمان التيمى عن عبيد) بدون واسطة، وهو يوافق رواية ابن أبى خيثمة وأبى يعلى من طريق حماد عن سليمان، كما نقله ابن حجر في الاصاية (ج 4 ص 208) وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (ص 430) في ترجمة عبيد: (روى عن سليمان التيمى ولم يسمع منه، بينهما رجل) وهذا هو الصواب، فقد رواه احمد (ج 5 ص 431) من حديث يزيد بن هرون وابن أبى عدى كلاهما عن سليمان (عن رجل حدثهم في مجلس أبى عثمان النهدي عن عبيد) فذكره مطولا، ونسبه ابن حجر كذلك لابن السكن، ونسبه المنذرى في الترغيب والترهيب (ج 2 ص 98) إلى ابن أبى الدينا وأبى يعلى أيضا، فالحديث ضعيف.
وروى نحو أبو داود الطيالسي (282 رقم 3107) عن الربيع بن صبيح عن يزيد بن أبان الرقاشى عن أنس، والربيع ويزيد ضعيفان من قبل حفظهما ولهما أوهام.
ونسبه المنذرى (ج 3 ص 298) إلى ابن أبى الدينا في ذم الغيبة والبهيقى *(6/178)
ومن طريق ابن أبى شيبة: ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج عن سليمان بن موسى قال قال جابر هو ابن عبد الله: إذا صمت فليصم سمعك، وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الخادم (1)، وليكن عليك وقار، وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة عن وكيع عن أبى العميس هو عتبة بن عبد الله ابن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن عمرو بن مرة عن أبى صالح الحنفي عن أخيه طليق ابن قيس (2) قال قال أبو ذر: إذا صمت فتحفظ ما استطعت، فكان طليق إذا كان يوم صيامه دخل فلم يخرج الا إلى صلاة (3) * ومن طريق وكيع عن حماد البكاء (4) عن ثابت البنانى عن أنس بن مالك قال: إذا اغتاب الصائم أفطر *
ومن طريق وكيع عن اسماعيل بن مسلم العبدى عن أبى المتو الناجى قال: كان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد وقالوا: نطهر صيامنا * فهؤلاء من الصحابة رضى الله عنهم عمر، وأبو ذر وابو هريرة، وأنس، وجابر، وعلى يرون بطلان الصوم بالمعاصى، لانهم خصوا الصوم باجتنابها وان كانت حراما على المفطر، فلو كان الصيام تاما بها ما كان لتخصيصهم الصوم بالنهي عنها معنى.
ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة رضى الله عنهم * ومن التابعين منصور عن مجاهد قال: ما أصاب الصائم شوى الا الغيبة، والكذب (5) * وعن حفصة بنت سيرين: الصيام جنة، ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة * وعن ميمون بن مهران: أن أهون الصوم ترك الطعام والشراب * وعن ابراهيم النخعي قال: كانوا يقولون: الكذب يفطر الصائم * (
__________
(1) في النسخة رقم 16 (الجار) بدل (الخادم) (2) طليق بفتح الطاء المهملة (3) في النسخة رقم 16 (الصلاة) (4) كذا في الاصلين وهو خطأ فاحش، إذ ليس في الرواية من اسمه (حماد البكاء) بل هو (الهيثم بن جماز البكاء) وجماز بالجيم والزاى والبكاء بتشديد الكاف لانه عرف بكثرة البكاء، والهيثم هذا معروف بالرواية عن ثابت البنانى، وروى عنه وكيع، وله ترجمة في لسان الميزان (ج 6 ص 204) والانساب (ورقة 87) وهو ضعيف جدا (5) في النسخة رقم 16 (شئ) بدل (شوى) وهو خطأ، والشوى بالقصر الهين من الامر، قال في اللسان: (وفى حديث مجاهد: كل ما اصاب الصائم شوى إلا الغيبة والكذب فهى له كالمقتل.
قال يحيى بن سعيد: الشوى هو الشئ اليسير الهين، قال وهذا وجهه، واياه اراد مجاهد، ولكن الاصل في الشوى الاطراف.
واراد ان الشوى ليس بمقتل وان كل شئ اصابه الصائم لا يبطل صومه فيكون كالمقتل له الا الغيبة والكذب فانهما يبطلان الصوم فيهما كالمقتل له)(6/179)
قال أبو محمد: ونسال من خالف هذا عن الاكل للحم الخنزير، والشرب للخمر عمدا
أيفطر الصائم أم لا؟ فمن قولهم: نعم * فنقول لهم: ولم ذلك؟ * فان قالوا: لانه منهى (1) عنهما فيه * قلنا لهم: وكذلك المعاصي، لانه منهى عنها في الصوم أيضا بالنص الذى ذكرنا (2) * فان قالوا: وغير الصائم أيضا منهى عن المعاصي * قلنا لهم: وغير الصائم أيضا منهى عن الخمر، والخنزير، ولا فرق * فان قالوا: انما نهى عن الاكل والشرب (3)، ولا نبالي أي شئ أكل أو شرب * قلنا: وانما نهى عن المعاصي في صومه ولا نبالي بما عصى، أبأكل وشرب، أم بغير ذلك؟ * فان قالوا: انما أفطر بالاكل والشرب للاجماع على أنه مفطر بهما * قلنا فلا تبطلوا الصوم إلا بما أجمع على بطلانه به! وهذا يوجب عليكم أن لا تبطلوه باكل البرد ولا بكثير مما أبطلتموه به (4)، كالسعوط والحقنة وغير ذلك * فان قالوا: قسنا ذلك على الاكل، والشرب * قلنا: القياس كله باطل، ثم لو صح لكان هذا فاسدا من القياس، وكان أصح على أصولكم أن تقيسوا بطلان الصوم بجميع المعاصي على بطلانه بالمعصية بالاكل، والشرب وهذا مالا مخلص منه * فان قالوا: ليس اجتناب المعاصي من شروط الصوم * قلنا: كذبتم! لان النص قد صح بأنه من شروط الصوم كما أوردنا * فان قالوا: تلك الاخبار زائدة على ما في القرآن * قلنا: وإبطالكم الصوم بالسعوط، والحقنة، والامناء مع التقبيل زيادة فاسدة باطلة على ما في القرآن! فتركتم زيادة الحق، وأثبتم زيادة الباطل! وبالله تعالى التوفيق * 735 مسألة فمن تعمد ذاكرا لصومه شيئا مما ذكرنا فقد بطل صومه،
ولا يقدر على قضائه ان كان في رمضان أو في نذر معين، إلا في تعمد القئ خاصة فعليه القضاء * برهان ذلك: أو وجوب القضاء في تعمد القئ قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكرنا قبل هذه المسألة بمسألتين، ولم يأت في فساد الصوم بالتعمد للاكل أو الشرب (
__________
(1) كلمة (لانه) سقطت خطأ من النسخة رقم 16 (2) قوله (الذى ذكرنا) زيادة من النسخة رقم 14 (3) كلمة (والشرب) سقطت خطأ من النسخة رقم 16 (4) في النسخة رقم 16 (ابطلتم به) *(6/180)
أو الوطئ نص بايجاب القضاء، وانما افترض تعالى رمضان لا غيره على الصحيح المقيم العاقل البالغ، فايجاب صيام غيره بدلا منه إيجاب شرع لم يأذن الله تعالى به، فهو باطل، ولا فرق بين أن يوجب الله تعالى صوم شهر مسمى فيقول قائل: ان صوم غيره ينوب عنه، بغير نص وارد في ذلك: وبين من قال: ان الحج إلى غير مكة ينوب عن الحج إلى مكة، والصلاة إلى غير الكعبة توب عن الصلاة إلى الكعبة، وهكذا في كل شئ قال الله تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها) وقال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * فان قالوا: قسنا كل مفطر بعمد في إيجاب القضاء على المتقئ عمدا (1) * قلنا: القياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لانهم أول من نقض هذا القياس، فأكثرهم لم يقس المفطر عمدا بأكل أو شرب على المفطر بالقئ (2) عمدا في إسقاط الكفارة عنهم كسقوطها عن المتقئ عمدا، وهم الحنيفيون والمالكيون، والشافعيون قاسوهم على المفطر بالقئ عمدا، ولم يقيسوهم كلهم على المجامع عمدا في وجوب الكفارة عليهم كلهم، فقد تركوا القياس الذى يدعون! فان وجد من يسوى بين الكل في إيجاب القضاء والكفارة كلم في إبطال القياس فقط * فان ذكروا أخبارا وردت في إيجاب القضاء على المتعمد للوطئ في نهار رمضان * قيل: تلك آثار لا يصح فيها شئ *
لان أحدها من طريق أبى أويس عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الذى أفطر في رمضان بالكفارة وأن يصوم يوما) وأبو أويس ضعيف، ضعفه ابن معين وغيره (3) * والثانى رويناه من طريق هشام بن سعد عن الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بأن يصوم يوما) وهشام بن سعد ضعفه أحمد بن حنبل، وابن معين وغيرهما، ولم يستجز الرواية عنه يحيى بن سعيد القطان (4) * (
__________
(1) في النسخة رقم 14 (عامدا) (2) كلمة (بالقئ) سقطت خطأ من النسخة رقم 16 * (3) أبو اويس هو عبد الله بن عبد الله بن اويس، وهو صدوق وضعفه من قبل حفظه، وحديثه رواه الدار قطني (ص 251) ونسبه ابن حجر في الفتح (ج 4 ص 134) إلى البيهقى (4) هشام ضعفه من قبل حفظه ايضا، وقد نقل ابن حجر عن الخليلى انه قال ((انكر الحفاظ حديثه في المواقع في رمضان من حديث الزهري عن ابى سلمة قالوا: وانما رواه الزهري عن حميد، قال: ورواه وكيع عن هشام بن سعد عن الزهري عن ابى هريرة منقطعا، قال أبو زرعة الرازي: اراد وكيع الستر على هشام باسقاط ابى سلمة) وحديثه في ابى داود (ج 2 ص 387) والدار قطني (ص 243 و 352) ونسبه في الفتح للبيهقي، ومثل هذا الذى اختلط فيه الامر على الراوى لا يكون حجة(6/181)
والثالث رويناه من طريق عبد الجبار بن عمر عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للواطئ في رمضان: (اقض يوما مكانه) وعبد الجبار بن عمر ضعيف، ضعفه البخاري، وقال ابن معين: ليس بشئ، وقال أبو داود السجستاني: هو منكر الحديث (1) * والرابع رويناه من طريق الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن عمر وبن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله: (أنه أمر الواطئ في نهار رمضان أن يصوم يوما مكانه).
وهذا أسقطها كلها! لان الحجاج لا شئ، ثم هو صحيفة (2) * ورويناه مرسلا من طريق مالك عن عطاء بن السائب عن سعيد بن المسيب *
ومن طريق ابن جريج عن نافع بن جبير بن مطعم * ومن طريق أبى معشر المدنى عن محمد بن كعب القرظى، كلهم: (ان النبي صلى الله عليه وسلم أمره بقضاء يوم).
وهذا كله مرسل، ولا تقوم بالمرسل حجة * وتالله لو صح منها ولو خبر واحد مسند من طريق الثقات لسارعنا إلى القول به * فان لجوا وقالوا: المرسل حجة، ولا نضعف المحدثين! * قلنا لهم: فلا عليكم! حدثنا يوسف بن عبد الله النمري (3) ثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا قاسم بن اصبغ ثنا مطرف بن قيس ثنا يحيى بن بكر ثنا مالك عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب قال: (جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب نحره وينتف شعره ويقول: هلك الابعد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قال: أصبت أهلى في رمضان وأنا صائم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: تستطيع أن تهدى بدنة؟ قال: لا، قال: فاجلس (4) فأتى بعرق تمر) وذكر باقى الخبر، وهكذا رويناه من طريق ابن جريج، ومعمر عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب: فليأخذوا بالبدنة في الكفارة فيذلك، وإلا فالقوم متلاعبون! * وقلنا لهم: لو أردنا التعلق بمالا يصح لوجدنا خيرا من كل خبر تعلقتم به ههنا، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أنا محمد بن بشار ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدى قالا جميعا: ثنا سفيان هو الثوري (
__________
(1) عبد الجبار ضعيف جدا، وحديثه اشار إليه الدار قطني (ص 351) ونسبه في الفتح للبيهقي (2) في النسخة رقم 14 (هي صحيفة) (3) في النسخة رقم 16 (النمر) وهو خطأ، ويوسف هذا هو الامام ابن عبد البر الاندلسي المالكى وهو عصرى المؤلف وتأخرت وفاته عنه ولكنه اكبر منه سنا، ولد ابن حزم سنة 348 ومات سنة 456، وولد ابن عبد البر سنة 368 ومات سنة 463 عن 95 سنة رحمهما الله (4) زيادة (قال فاجلس) من الموطأ *(6/182)
عن حبيب بن أبى ثابت حدثنى أبو المطوس عن أبيه عن أبى هريره قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ولامرض لم يقض عنه صيام الدهر وان صامه) * قال احمد بن شعيب: وأنبأنا مؤمل بن هشام ثنا اسماعيل عن شعبة عن حبيب ابن أبى ثابت عن عمارة بن عمير عن أبى المطوس عن أبيه عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة رخصها الله (1) لم يقض عنه صوم الدهر) * قال احمد بن شعيب: أنبأنا محمود بن غيلان ثنا أبو داود الطيالسي ثنا شعبة قال أخبرني (2) حبيب بن أبى ثابت قال سمعت عمارة بن عمير يحدث عن أبى المطوس، قال حبيب، وقد رأيت أبا المطوس، فصح لقاؤه إياه (3) * فهذا أحسن من كل ما تعلقوا به * وأما نحن فلا نعتمد عليه، لان أبا المطوس غير مشهور بالعدالة، ويعيذنا الله من أن نحتج بضعيف إذا وافقنا، ونرده إذا خالفنا * وقال بمثل قولنا أفاضل السلف * روينا من طريق عبد الله بن المبارك عن هشام الدستوائى عن يحيى بن أبى كثير عن عبد الرحمن بن البيلمانى أن أبا بكر الصديق قال لعمر بن الخطاب رضى الله عنهما فيما أوصاه به (4).
من صام شهر رمضان في غيره لم يقبل منه ولو صام الدهر أجمع (5) * ومن طريق سفيان الثوري عن عبد الله بن سنان عن عبد الله بن أبى الهذيل (6) (
__________
(1) في النسخة رقم 14 (رخصها الله له) بزيادة (له) وهى ثابتة عند الدارمي وابى داود (2) في النسخة رقم 14 (ثنا) (3) هذه الاسانيد الثلاثة لحديث ابى المطوس لم اجدها في النسائي، ولعلها في السنن الكبرى، ورواية الطيالسي موجودة في مسنده (ص 331 رقم 2540)، والحديث رواه ايضا الدارمي (ص 216) وابو داود (ج 2 ص 288) والترمذي (ج 1 ص 90) هند والدار قطني (ص 252)، وفي بعض الروايات (عن ابن المطوس عن ابيه) وكل صحيح (فهو أبو المطوس وابوه اسمه المطوس ايضا، نقل ابن حجر عن يزيد بن ابى انيسة (عن حبيب
ابى المطوس عن المطوس) وقال الترمذي (حديث لا نعرفه الا من هذا الوجه، وسمعت محمدا - يعنى البخاري - يقول: أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس، ولا، اعرف له غير هذا الحديث) وزاد ابن حجر عن البخاري (ولا ادرى سمع ابوه من ابى هريرة ام لا) وعن احمد (لا اعرفه ولا اعرف حديثه عن غيره) ومثل هذا لا يكفي للاحتجاج به، وقد نقل ابن حجر في الفتح عن ابن خزيمة تصحيحه (ج 4 ص 114) ثم قال: (واختلف فيه على حبيب بن ابى ثابت اختلافا كثيرا، فحصلت فيه ثلاث علل: الاضطراب والجهل بحال ابى المطوس، والشك في سماع ابيه من ابى هريرة) (4) في النسخة رقم (16) (فيما اوصى به) (5) نقله ابن حجر في الفتح عن ابن حزم ولم ينسبه إلى غيره وقال ان في الاسناد انقطاعا (ج 4 ص 115) (6) في الاصلين عبد الله بن الهذيل) وهو خطأ؟ صححناه من الفتح والتهذيب *(6/183)
عن عمر بن الخطاب.
أنه أتى بشيخ شرب الخمر في رمضان، فقال للمنخرين! للمنخرين ولداننا صيام! ثم ضربه ثمانين وصيره إلى الشام (1) * قال أبو محمد: ولم يذكر قضاء ولا كفارة * ومن طريق سفيان عن عطاء بن أبى مروان عن أبيه: أن على بن أبى طالب أتى بالنجاشى (2) قد شرب الخمر في رمضان، فضربه ثمانين ثم ضربه من الغد عشرين، وقال: ضربناك العشرين لجرأتك على الله وإفطارك في رمضان * قال على: ولم يذكر قضاء ولا كفارة * ومن طريق ابن أبى شيبة عن أبى معاوية عن عمر بن يعلى الثقفى (3) عن عرفجة (4) عن على بن أبى طالب قال: من أفطر يوما من رمضان متعمدا لم يقضه أبدا طول الدهر * وعن ابن مسعود: من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة لم يجزه صيام الدهر وان صامه * وبأصح طريق عن على بن الحسين عن أبى هريرة: أن رجلا أفطر في رمضان، فقال أبو هريرة: لا يقبل منه صوم سنة * ومن طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه.
عن أبى هريرة: من أفطر يوما من أيام
رمضان لم يقضه يوم من أيام الدنيا (6) * قال أبو محمد: من أصل الحنيفيين الذين يجاحشون عنه (7) ويتركون له السنن: أن الخبر إذا خالفه راويه من الصحابة كان ذلك عندهم دليلا على ضعف ذلك الخبر أو نسخه، قالوا ذلك في حديث ابن مغفل، وأبى هريرة في غسل الاناء من ولوغ الكلب سبعا إحداهن بالتراب، فتركوه، لانهم ادعوا ان أبا هريرة خالفه وقد كذبوا في ذلك بل قد صح عنه القول به، وهذا مكان قد خالف فيه أبو هريرة ما روى من هذا القضاء، وخالفه أيضا سعيد بن المسيب على ما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى، فرأى على من (
__________
(1) هذا الاثر نقله البخاري مختصرا متعلقا (ج 3 ص 82) بلفظ (صبياننا) بدل (ولداننا) ونسبه ابن حجر لسعيد بن منصور والبغوى في الجعديات (ج 4 ص 144) (2) النجاشي هذا شاعر اسمه قيس بن عمر والحارئى، وفد إلى عمر.
ولازم عليا وكان معه في صفين، وكان يمدحه فلما جلده في الخمر فر إلى معاوية، وهذا الاثر رواه الطحاوي (ج 2 ص 88) باسنادين صحيحين، واشار إليه المؤلف في الاحكام (ج 7 ص 166 و 167) وللنجاشي ترجمة في الاصابة (ج 6 و 363 و 364) (3) عمر هذا هو ابن عبد الله بن يعلى، وهو ضعيف متروك.
(4) هو ابن عبد الله الثقفى، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن القطان (مجهول) (5) اثر على وابن مسعود هما كلاهما من رواية عرفجة، ونسبهما ابن حجر في الفتح للبهيقى (ج 4 ص 115) (6) نقله ابن حجر في الفتح (ج 4 ص 114) عن المؤلف، ولم ينسبه إلى غيره (7) بالجيم والحاء المهملة والشين المعجمة، قال في اللسان: (الجحاش والمجاحشة المزاولة في الامر، وجاحش القوم جحاشا زحمهم، وجاحش عن نفسه وغيرها جحاشا دافع) ثم حكى انه يكون بالشين المعجمة وبالسين المهملة، وكله بمعنى الدفاع والقتال *(6/184)
أفطر يوما من رمضان صوم شهر، فينبغي لهم إسقاط القضاء المذكور في الخبر بهاتين الروايتين * فان قالوا: قد رواه غير أبي هريرة وغير سعيد * قلنا: وغسل الاناء من ولوغ الكب سبعا قد رواه غير أبى هريرة * فان قالوا: محال أن يكون عند أبى هريرة هذا الخبر ويفتى بخلافه *
قلنا: فقولوا هذا في خبر غسل الاناء: محال أن يكون عنده ذلك الخبر ويخالفه! وهذا ما لا مخلص لهم منه * 736 مسألة ولا قضاء إلا على خمسة فقط: وهم الحائض والنفساء، فانهما يقضيان أيام الحيض والنفاس، لا خلاف في ذلك من أحد، والمريض، والمسافر سفرا تقصر فيه الصلاة، لقول الله تعالى (شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) والمتقئ عمدا، بالخبر الذى ذكرنا قبل، وهذا كله أيضا مجمع عليه في المريض والمسافر إذا أفطرا، وكلهم مطيع لله تعالى، لا إثم عليهم، إلا المتقئ وهو ذاكر، فانه آثم ولا كفارة عليه * 737 مسألة ولا كفارة على من تعمد فطرا في رمضان بما لم يبح له، إلا من وطئ في الفرج من امرأته أو أمته المباح له وطوهما إذا لم يكن صائما فقط فان هذا عليه الكفارة، على ما نصف بعد هذا ان شاء الله تعالى، ولا يقدر على القضاء، لما ذكرنا * برهان ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوجب الكفارة إلا على واطئ (1) امرأته عامدا، واسم امرأته يقع على الامة المباح وطؤها، كما يقع على الزوجة ولا جمع للمرأة من لفظها، لكن جمع المرأة على نساء، ولا واحد للنساء من لفظه، قال تعالى: (نساؤكم حرث لكم) فدخل في ذلك بلا خلاف الامة المباحة، والزوجة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد ابن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبى شيبة، وزهير بن حرب، ومحمد بن عبد الله بن نمير، كلهم عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة قال: (جاء رجل إلى رسول الله (2) صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (الا عن وطئ) (2) في مسلم (ج 1 ص 306) (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) *(6/185)
هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا، ثم جلس، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق (1) فيه تمر، فقال: تصدق بهذا، فقال: أفقر منا؟! فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك) * قال أبو محمد: هكذا رواه منصور بن المعتمر، وشعيب بن أبى حمزة، والليث بن سعد، والاوزاعي، ومعمر، ومسدد، وعراك بن مالك كلهم عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالف أشهب في هذا اللفظ سائر أصحاب الليث * فلم يوجب عليه السلام الكفارة على غير من ذكرنا، وقد قال عليه السلام: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فلا يحل مال أحد بغير نص أو إجماع (3) متيقن، ولا يحل لاحد إيجاب غرامة لم يوجبها القرآن ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتعدى بذلك حدود الله، ويبيح المال المحرم، ويشرع ما لم يأذن به الله تعالى * فان قيل: فلم لم توجبوا الكفارة على كل من أفطر في رمضان فطرا لم يبح له، باى شئ أفطر؟ بما رويتموه من طريق مالك وابن جريج ويحيى بن سعيد الانصاري، كلهم عن الزهري، ومن طريق أشهب عن الليث عن الزهري، ثم اتفقوا، عن حميد ابن عبد الرحمن عن أبى هريرة: (أن رجلا أفطر في نهار رمضان، فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكفر بعتق رقبة.
أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، فقال: لا أجد، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر، فقال: خذ هذا فتصدق به، فقال: يا رسول الله لا أجد أحوج إليه منى! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، وقال: كله) * قلنا: لانه خبر واحد، عن رجل واحد، في قصة واحدة، بلا شك، فرواه من ذكرنا عن الزهري مجملا مختصرا، وراه الآخرون الذى ذكرنا قبل، أوتوا بلفظ الخبر كما وقع، وكما سئل عليه السلام، وكما أفتى، وبينوا فيه أن تلك القضية (4) إنما
كانت وطأ لامرأته، ورتبوا الكفارة كما أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحال مالك، وابن جريج، يحيى صفة الترتيب، وأجملوا الامر، وأوتوا بغير لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، فلم (
__________
(1) بفتح العين المهملة وفتح الراء، ويقال باسكان الراء ايضا * وهو المكتل، وهو منسوج من نسائج الخوص (2) عراك - بكسر العين المهملة، وروايته عن الزهري من رواية الاكابر عن الاصاغر، وكلاهما تابعي، الا ان الزهري أصغر منه، وقد نقل ابن حجر في التهذيب انه روى عن الزهري مع انه يروى ايضا عن ابى هريرة بغير واسطة (3) في النسخة رقم (16) (ولا اجماع) (4) في النسخة رقم (16) (القصة) *(6/186)
يجز الاخذ بما رووه من ذلك، مما هو لفظ (1) من دون النبي عليه السلام، ممن اختصر الخبر وأجمله، وكان الفرض أخذ فتيا النبي عليه السلام كما أفتى بها، بنص كلامه فيما أفتى به * فان قيل: فانا نقيس كل مفطر على المفطر بالوطئ، لانه كله فطر محرم * قلنا: القياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان ههنا هذا القياس باطلا، لانه قد جاء خبر المتقئ عمدا، وفيه القضاء، ولم يذكر فيه كفارة، فما الذى جعل قياس سائر المفطرين على حكم الواطئ أولى من قياسهم على حكم المتعمد للقئ؟! والآكل، والشارب أشبه بالمتعمد للقئ منهما بالواطئ، لان فطرهم كلهم من حلوقهم لامن فروجهم، بخلاف الواطئ، ولان فطرهم كلهم لا يجوب الغسل، بخلاف فطر الواطئ، فهذا اصح في القياس، لو كان القياس حقا * وقد أجمعوا على أنه لا كفارة على المتعمد لقطع صلاته، والصلاة أعظم حرمة وآكد من الصيام، فصارت الكفارة خارجة عن الاصل، فلم يجز أن يقاس على خبرها * فان قال: إنى أوجب الكفارة على المعتمد للقئ، لانى أدخله في جملة من أفطر فأمر بالكفارة، وأجعل هذا الخبر الذى رواه مالك وابن جريج، ويحيى عن الزهري: زائدا على ما في خبر المتعمد للقئ *
قلنا: هذا لازم لكل من استعمل (2) لفط خبر مالك وابن جريج عن الزهري لازم له، والا فهو متناقض، وقد قال بهذا بعض الفقهاء، وروى عن أبى ثور، وابن الماجشون، إلا أن من ذهب إلى هذا لم يكلم الا في تغليب رواية سائر أصحاب الزهري التى قدمنا (3) على ما اختصره هؤلاء فقط * وليس إلا قولنا أو قول من أوجب الكفارة والقضاء على كل مفطر، بأى وجه أفطر، بعموم رواية مالك، وابن جريج، ويحيى، وبالقياس جملة على المفطر بالوطئ وبالقئ * وأما الحنيفيون والمالكيون والشافعيون فلم يتعلقوا بشئ من هذا الخبر أصلا، ولا بالقياس، ولا بقول أحد من السلف! لانهم أوجبوا الكفارة على بعض من أفطر بغير الوطئ فتعدوا (4) ما رواه جمهور أصحاب الزهري، وأسقطوا الكفارة عن بعض من أفطر بغير الوطئ، مما قد أوجبها فيه غيرهم، فحالفوا ما رواه مالك، ويحيى، وابن جريج (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (مما هو من لفظ) (2) في النسخة رقم (16) (هذا لان كل من استعمل) الخ والتركيب قلق غير واضح في النسختين (3) في النسخة رقم (16) (رواية اصحاب الزهري الذى قدمنا) (4) في النسخة رقم (4) (فتعمدوا) وهو خطأ *(6/187)
فحالفوا كل لفظ خبر ورد في ذلك جملة! وخالفوا القياس، إذ لم يوجبوا الكفارة على بعض من أفطر بغير الوطئ وبالوطئ، ولم يتبعوا ظاهر الآثار، إذ أوجبوها على بعض من أفطر بغير الوطئ! على ما نذكر من أقوالهم بعد هذا، فلا يجوز ايهامهم بأنهم تعلقوا في هذا الموضع بشئ من الآثار، أو بشئ من القياس: على من نبهناه (1) على تخاذل أقوالهم في ذلك! وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: وقد اختلف السلف في هذا، فنذكر ان شاء الله تعالى ما يسر الله عزوجل لذكره من أقوالهم، ثم نعقب بأقوال الحنيفين والمالكيون والشافعيين، التى لا متعلق لها بالقرآن ولا بشئ من الروايات، والسنن، ولا صحيحها ولا سقيمها،
ولا باجماع، ولا بقول صاحب، ولا بقياس، ولا برأى له وجه، ولا باحتياط.
وبالله تعالى نتأيد * فقالت طائفة: لا كفارة على مفطر في رمضان بوطئ ولا بغيره * روينا باصح إسناد عن الحجاج بن المنهال: ثنا أبو عوانة عن المغيرة هو ابن مقسم عن ابراهيم النخعي، في رجل أفطر يوما من رمضان، قال: يستغفر الله ويصوم يوما مكانه * وعن الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة عن حماد بن أبى سليمان، وأيوب السختيانى، وحبيب بن الشهيد، وهشام بن حسان، قال حماد: عن ابراهيم النخعي، وقال أيوب، وحبيب، وهشام كلهم: عن محمد بن سيرين، ثم اتفق ابراهيم، وابن سيرين، فيمن وطئ عمدا في رمضان: أنه يتوب إلى الله تعالى، ويتقرب إليه ما استطاع، ويصوم يوما مكانه (2) * ورويناه أيضا من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين، فيمن أكل يوما من رمضان عامدا، قال: يقضى يوما ويستغفر الله * ومن طريق الحجاج بن المنهال: ثنا جرير بن حازم حدثنى يعلى بن حكيم قال: سألت سعيد بن جبير عن رجل وقع بامرأته في رمضان: ما يكفره؟ فقال: ما ندرى ما يكفره! ذنب أو خطيئة يصنع (3) الله تعالى به فيه ما يشاء، ويصوم يوما مكانه * ومن طريق حجاج بن المنهال: ثنا أبو عوانة عن اسماعيل بن أبى خالد عن عامر الشعبى أنه قال فيمن أفطر يوما من رمضان: لو كنت أنا لصمت يوما مكانه * (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (على ما نبهناه) وهو خطأ (2) سيأتي قريبا عن النخعي ما يخالف هذا وانه قال: يصوم ثلاثة آلاف يوم! (3) في النسخة رقم (16) (حتى يصنع) وزيادة (حتى) لا معنى لها *(6/188)
فهؤلاء ابن سيرين، والنخعي، والشعبى، وسعيد بن جبير لا يرون على الواطئ في نهار
رمضان عامدا كفارة * وقالت طائفة بالكفارة، ثم اختلفوا * فروينا من طريق وكيع عن جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج (1) الكلابي عن عوف بن مالك الاشجعى قال قال عمربن الخطاب: صوم يوم من غير رمضان واطعام مسكين يعدل يوما من رمضان، وجمع بين أصبعيه * قال أبو محمد: وعهدناهم يقلدون عمر في أجل العنين، وفى حد الخمر ثمانين، ولا يصح في ذلك شئ عن عمر، فليقلوده ههنا، فهو أثبت عنه مما قلدوه ولكنهم متحكمون بالباطل في الدين! * وقالت طائفة كما روينا عن المعتمر بن سليمان: قرأت على فضيل عن أبى حريز (3) قال حدثنى أيفع (4) قال: سألت سعيد بن جبير عمن أفطر في رمضان؟ فقال: كان ابن عباس يقول: من أفطر في رمضان فعليه عتق رقبة، أو صوم شهر، أو اطعام ثلاثين مسكينا، ومن وقع على امرأته وهى حائض، وسمع أذان الجمعة ولم يجمع، وليس له عذر: كذلك عتق رقبة * قال على: وهذا قول لا نص ففيه، وعهدنا بالحنيفيين يقولون في مثل هذا إذا وافق أهواءهم (5): مثل هذا لا يقال بالرأى، فلم يبق الا انه توقيف، فيلزمهم أن يقولوه ههنا، والا فهم متلاعبون بالدين! * وقالت طائفة كما روينا عن وكيع عن سفيان الثوري عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي، في رجل أفطر يوما من رمضان: يصوم ثلاثة آلاف يوم! (6) * وقالت طائفة كما روينا من طريق حماد بن سلمة: أنا حميد أنه سأل الحسن البصري عن رجل أفطر في رمضان (7) أربعة أيام يأكل ويشرب وينكح؟ فقال الحسن: يعتق (
__________
(1) هو من التابعين وغزا القسطنطينية مع عوف بن مالك (2) في النسخة رقم (16) (قلدوا) (3) حريز - بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وآخره زاى، وأبوحر يزهو عبد الله بن حسين الازدي قاضى سجستان، وهو ضعيف،
وفي النسخة رقم 14 (عن ابن جرير) وهو تصحيف (4) بالياء التحتية والفاء، بوزن أحمد، ولم يعرف اسم ابيه، وقال النسائي: (أبو حريز ضعيف وايفع لا أعرفه) وقال البخاري: (ايفع عن ابن عمر في الطهور منكر واثر ايفع هذا عن سعيد عن ابن عباس يظهر من كلام ابن حجر في التهذيب انه ر.
اه النسائي: ولكني لم اجده فيه، فلعله في السنن الكبرى (5) في النسخة رقم (16) (آراءهم) (6) سبق قريبا عن النخعي ما يخالف هذا وانه قال يستغفر الله ويصوم يوما مكانه.
(7) في النسخة رقم (16) (افطر من رمضان) *(6/189)
أربعة رقاب، فان لم يجد فأربع (1) من البدن، فان لم يجد فعشرين صاعا من تمر لكل يوم، فان لم يجد صام لكل يوم يومين * وقد ذكرنا مثل (2) هذا مرسلا عن النبي صلى الله عليه وآله من طريق سعيد بن المسيب * وروينا أيضا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة والحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذى وطئ امرأته في رمضان: رقبة، ثم بدنة) ثم ذكر نحو حديث الزهري في العرق من التمر * ومن طريق وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن: (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد واقع أهله في رمضان، فقال له عليه السلام: أعتق رقبة، قال: لا أجد، قال: أهد بدنة، قال: لا أجد، قال: صم شهرين، قال: لا أستطيع، قال: أطعم ستين مسكينا، قال: لا أجد، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بمكتل فيه تمر، فقال: تصدق بهدا، فقال: يارسول الله، ما بينهما أهل بيت أحوج منا، قال: كله أنت وعيالك * ومن طريق حماد بن سلمة: أنا عمارة بن ميمون عن عطاء بن أبى رباح: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الذى وقع بامرأته (3) في رمضان أن يعتق رقبة، قال: لاأجد، قال: أهد هديا، فقال: لا أجده) وذكر باقى الحديث * فان تعللوا في مرسل سعيد (4) بأنه ذكر له ما رواه عطاء الخراساني عنه من ذلك فقال سعيد: كذب، إنما قلت له: تصدق تصدق: فان الحسن، وقتادة، وعطاء قد رووه
أيضا مرسلا وفيه الهدى بالبدنة (5) * قال أبو محمد: عهدنا بالحنيفيين والمالكيين يقولون: المرسل كالمسند، وهذا مرسل من طرق، فيلزمهم القول به، لانه زاد على سائر الاحاديث ذكر الهدى * وأيضا من طريق القياس: فان البدنة والهدى يجبر بهما نقص الحج، ولم نجد شيئا من الاعمال يجبر نقصه بكفارة إلا الحج، والصوم فيجب أن يكون للهدى في الصوم مدخل كما له في الحج، ولكن القوم لا يثبتون على شئ! * وأما نحن فلا حجة في مرسل عندنا أصلا (6) * وقالت طائفة (7) كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: سألت سعيد بن المسيب عن رجل أكل في رمضان عامدا؟ فقال: عليه صيام شهر، قلت: (
__________
(1) كذا رسم بدون الالف في الاصلين منصوبا، وهو صحيح على ما قدمنا قريبا (2) في النسخة رقم (14) (بمثل) (3) في النسخة رقم (16) (وقع على امرأته) (4) قوله (سعيد) سقط خطأ من النسخة رقم (16) (5) في النسخة رقم (16) (للبدنة) (6) في النسخة رقم (16) (فلا حجة عندنا في مرسل) (7) في النسخة رقم (16) (ما) *(6/190)
يومين؟ قال: صيام شهر، قال: فعددت أياما فقال: صيام شهر * ومن طريق وكيع عن هشام الدستوائى عن قتادة عن سعيد بن المسيب في الذى يفطر يوما من رمضان متعمدا: عليه صوم شهر * ومن طريق الحجاج بن المنهال: ثنا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال: عليه لكل يوم أفطر شهر * قال على: يحتمل هذا القول أنه أردا شهرا شهرا عن كل يوم، ويحتمل ما رواه معمر من أن عليه لكل يوم أفطر شهر واحد وهذا أظهر وأولى، لتيقن (1) الروايات عنه * وحجة ممن قال بهذاما رويناه من طريق أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار قال.
ثنا أحمد بن يحيى الصوفى الكوفى ثنا أبو غسان ثنا مندل (2) عن عبد الوارث (3) عن
أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أفطر يوما من رمضان فعليه صوم شهر) * قال على: مندل ضعيف، وعبد الوارث مجهول، ولو صح لقلنا به، ويلزم القول به من لم يبال بالضعفاء، لانه زائد على سائر الاخبار، ويلزم ايضا المالكيين القائلين بأن نية واحدة في اول الشهر تجزئ لجميعه، لانه كله كصلاة واحدة، وكيوم واحد * وقالت طائفة كما روينا من طريق الشافعي: ان ربيعة قال: من أفطر يوما من رمضان عامدا فعليه صيام اثنى عشر يوما، لان الله عزوجل تخيره من اثنى عشر شهرا! قال الشافعي: يجب على هذا ان من ترك صلاة من ليلة القدر ان يقضى ثلاثين ألف صلاة! لان الله تعالى يقول: (ليلة القدر خير من ألف شهر)! * وقال الحنيفيون والمالكيون ما نذكره ان شاء الله تعالى، وهى اقوال لا تؤثر كما هي عن احمد من السلف * فاما الشافعيون فهم أقل الثلاث الطباق تناقضا، وذلك انهم قالوا: لا تجب الكفارة على مفطر عمدا في رمضان الا على من جامع انسانا أو بهيمة في فرج أو دبر، فان من فعل (4) هذا تجب عليه الكفارة بالايلاج، امني أم لم يمن، والكفارة عنده كما ذكرنا قبل من رواية الجمهور عن الزهري عن حميد عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ير على (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (لتتفق) (2) مندل بالميم المثلثة واسكان النون وفتح الدال المهملة! وهو ابن على العنزي وهو ضعيف كما قال المؤلف (3) عبد الوارث هذا مجهول كما قال المؤلف، ونقل الترمذي عن البخاري انه منكر الحديث، وله ترجمة في لسان الميزان (ج 4 ص 85) وحديثه هذا رواه الدار قطني (ص 252) من طريق ابى نعيم الفضل بن دكين عن مندل عن ابى هاشم عن عبد الوارث عن انس، فزاد في الاسناد (عن ابى هاشم) كما ترى، وكذلك نقله في لسان الميزان، فلعله سقط من كتاب البزار ومن كتاب المؤلف، وقال الدار قطني عقبه: (هذا اسناد غير ثابت: مندل ضعيف ومن دون أنس ضعيف أيضا) (4) في النسخة رقم (16) (فان فعل) *(6/191)
المرأة الموطؤة كفارة، في اشهر الاقوال عنه، ولا على من تعمد الاكل والشرب أو غير
ذلك، ولم يجعل في كل ذلك الا القضاء فقط (1) فقاس الواطئ لامرأة محرمة عليه على واطئ امرأته، وقاس منأتى ذكرا على من أتى امرأته، وقاس من أتى بهيمة على من أتى أهله، وليس شئ من ذلك في الخبر، ولم يقس الآكل، والشارب، والمجامع دون الفرج فيمنى والمرأة الموطوءة: على الواطئ امرأته وهذا تناقض * فان قال أصحابه: قسنا الجماع على الجماع، والاكل والشرب على المتعمد للقئ * قلنا: فهلا قستم مجامع البهيمة على مجامع المرأة في ايجاب الحد؟ كما قستموه عليه في ايجاب الكفارة؟ وهلا قستم المرأة الموطوءة على الرجل الواطئ في ايجاب الكفارة؟ فهو وطئ واحد، هما فيه معا؟ وهلا قستم المجامع دون الفرج عامدا فيمنى على المجامع في ايجاب الكفارة عليه؟ فهذا أقرب (2) إليه منه إلى الاكل؟ وهذا تناقض قبيح في القياس جدا * وأما المالكيون فتناقضهم أشد، وهو انهم اوجبوا الكفارة والقضاء على المفطر بالاكل أو الشرب، وعلى من قبل فأمنى، أو باشر فأمنى، أو تابع النطر فأمنى، وعلى من أكل أو شرب أو جامع شاكا في غروب الشمس فإذا بها لم تغرب، وعلى من نوى الفطر من نهار رمضان وإن لم يأكل ولا شرب ولا جامع، إذا نوى ذلك أكثر النهار، وعلى المرأة تمس فرجها عامدة (3) فتنزل * ورأى على المرأة (4) المكرهة على الجماع في نهار رمضان القضاء، وأوجب على الواطئ لها الكفارة عن نفسه وكفارة أخرى عنها، وهذا عجب جدا! ولم ير عليها إن اكرهها على الاكل والشرب كفارة، ولا على الذى اكرهها ان يكفر عنها! ولا على التى جومعت نائمة، لا عليها ولا عليه عنها: وهذا تناقض ناهيك به! ولئن كانت الكفارة عليها فما يجزئ أو توجب الكفارة على غيرها؟! ولئن لم تكن الكفارة عليها فأبعد من ذلك أن تجب على غيرها عنها؟! * وأبطلوا صيام من قبل فأنعظ، أو أمذى ولم يمن (5)، أو باشر أو لمس فأمذى ولم
يمن، ومن نطر إلى المرأة غير عامد لذلك وتابع النظر فامذى ولم يمن، أو نظر نظرة، لم يتابع النظر فأمنى، ومن تمضمض في صيام نهار رمضان فدخل الماء حلقه عن (
__________
(1) كلمة (فقط) زيادة من النسخة رقم (16) (2) في النسخة رقم (16) (فهو اقرب) (3) كلمة (عامدة) زيادة من النسخة رقم (14) (4) في النسخة رقم (16) (وعلى المرأة) بحذف (رأى) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (16) (أو امني ولم يمذ وهو خطأ غريب *(6/192)
غير تعمد، ومن أكل ناسيا، أو شرب ناسيا، أو وطئ (1) ناسيا، أو كان ذلك وهو لا يوقن بطلوع الفجر فإذا بالفجر قد طلع، أو كان ذلك وهو يرى ان الشمس قد غربت فإذا بها لم تغرب، ومن أكل شاكا في طلوع الفجر ثم لم يوقن بانه طلع ولا أنه لم يطلع، ومن اقام مجنونا يوما من رمضان (2)، أو اياما، أو رمضان كله، أو عدة شهور رمضان من عدن سنين، ومن أغمى عليه اكثر النهار، ومن أغمى عليه اياما من رمضان، والمرضع تخالف على رضيعها، والمرأة تجامع نائمة، والمكره على الاكل والشرب، ومن صب في حلقه ماء وهو نائم، ومن احتقن، ومن اكتحل بكحل فيه عقاقير، ومن بلع حصاة * وأوجبوا على كل من ذكرنا القضاء، ولم يروا في شئ من ذلك كفارة * وهذا تناقض لا وجه له أصلا، لامن قرآن، ولا من سنة، ولامن رواية فاسدة ولامن إجماع، ولا من قول صاحب، أو تابع، ولا من قياس، ولا من رأى له وجه، ولا يعرف هذا التقسيم عن احد قبله * وقد رأينا بعض مقلديه يوجبون على طحاني الدقيق والحناء ومغربلي الكتان والحبوب: القضاء، ويبطلون صومهم، ولا يوجبون عليهم في تعمد ذلك كفارة! ويدعون أن هذا قياس (3) قول مالك! وهذا تخليط لا نظير له! ويلزمه إبطال صوم كل من سافر فمشى في غبرة على هذا *
ولم يبطل صوم من قبل أو باشر فلم ينعظ ولا أمذى ولا أمنى، ولا صوم من أمنى من غير نظر ولا لمس، ولا صوم تطوع بدخول الماء في حلق فاعله من المضمضة، ولا صوم متطوع صب الماء في حلقه وهو نائم! وهذا عجب جدا! أن يكون أمر واحد (4) يبطل صوم الفرض ولا يبطل صوم التطوع! * ولم يبطل صوم من جن، أو أغمى عليه أقل النهار، وهذا عجب آخر! * ولم يبطل صوم من نام النهار كله، وهذا عجب زائد! * ولا ندرى قوله فيمن نوى الفطر أقل النهار: أرى عليه القضاء ويبطل صومه بذلك؟ أم يرى صومه تاما؟! الا أنه لا يرى فيه كفارة بلا شك * ولم يبطل الصوم بالفتائل تستدخل لدواء، ولا نقف الآن على قوله في السعوط (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (صلى) بدل (وطئ) وهو خطأ غريب (2) في النسخة رقم (16) (في رمضان) (3) في النسخة رقم (14) (قياد) (4) في النسخة رقم (16) (امرؤ واحد) وهو خطأ *(6/193)
والتقطير في الاذن * ولم يبطل الصوم بكحل في العين لا عقاقير فيه، ولا بمن تعمد بلع ما يخرج من بين أضراسه من الحذيذة ونحوها، ولا بمضغ العلك، وان استدعى الريق، وكرهه * قال أبو محمد: ان كان لا يبطل الصوم فلم كرهه؟! * وهذه اقوال لانحتاج من ابطالها إلى أكثر من ايرادها! * وأما الحنيفيون فأفسد الطباق أقوالا، وأسمجها تناقضا (1) وأبعدها عن المعقول! * وهو أن أبا حنيفة أوجب الكفارة والقضاء على من وطئ في الفرج خاصة امرأة، حلالا له أو حراما، وعلى المرأة عن نفسها، وعلى من أكل ما يتغذى به، أو شرب ما يتغذى به، أو بلع لوزة خضراء، أو اكل طينا إرمينيا خاصة (2) * وأبطل صوم من لاط بانسان في دبره فأمنى، أو ببهيمة في قبل أو دبر فامنى، ومن
بقى إلى بعد الزوال لا ينوى صوما، ومن قبل ذاكرا لصومه فامنى، ومن لمس كذلك فامنى، أو جامع كذلك دون الفرج فامنى، ومن تمضمض فدخل الماء في حلقه وهو ذاكر لصومه، ومن أكل، أو شرب، أو جامع (3) بعد طلوع الفجر وهو غير عالم بطلوعه ثم علم، ومن فعل شيئا من ذلك وهو يرى أن الشمس قد غربت فإذا بها لم تغرب، ومن جن في يوم من رمضان، أو أياما، أو الشهر كله الا ساعة واحدة منه، ومن أغمى عليه الشهر كله، ومن أغمى عليه بعد ما دخل رمضان، حاشا يوم الليلة التى أغمى عليه فيها، والمرضع تخاف على رضيعها، ومن أصبح صائما في السفر ثم جامع أو أكل أو شرب عامدا ذاكرا، ومن جامع أو أكل.
أو شرب عمدا ثم مرض من نهاره ذلك، أو حاضت إن كانت امرأة، ومن أصبح في رمضان لا ينوى صوما ثم أكل.
أو شرب.
أو جامع في صدر النهار.
أو في آخره، والمرأة تجامع وهى نائمة.
أو مجنونة.
أو مكرهة (4)، ومن احتقن أو استعط أو قطر في أذنه قطورا * واختلف قوليه فيمن قطر في إحليله قطورا، فمرة أبطل صومه، ومرة لم يبطله * وأبطل صوم من داوى جائفة به أو مأمومة بداوء رطب، والا فلا * وأبطل صوم من بلع حصاة عامدا، أو بلع جوزة رطبة أو يابسة، أو لوزة يابسة ومن رفع رأسه إلى السماء فوقع نقط من المطر في حلقه * (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وافحشها تناقضا) (2) هكذا مذهب الحنفية، قال في فتح القدير (ج 2 ص 68 و 69) (وفي ابتلاع اللوزة الرطبة الكفارة لانها تؤكل كما هي بخلاف الجوزة فلذا افترقا) وقال ايضا: وتجب بالطين الارمني وبغيره على من يعتاد اكله كالمسمى بالطفل لا على من لم يعتده) (3) قوله (أو جامع) زيادة من النسخة رقم (14) (4) في النسخة رقم (16) (أو مدخلة) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (14) (نقطة) *(6/194)
وأوجبوا في كل ذلك القضاء ولم يروا في شئ من ذلك كفارة * ولم يبطلوا صوم من لاط بذكر فأولج إلا أنه لم ينزل! ولا صوم من أتى بهيمة
في قبل أو دبر الا أنه لم ينزل! ولا صوم من أولج في دبر امرأة الا أنه لم ينزل! ورأوا صومه في كل ذلك تاما صحيحا لا قضاء فيه ولا كفارة!! (1) * ولم يبطلوا صوم من اكتحل بعقاقير أو بغيرها، وصل إلى الحلق أو لم يصل، ولا صوم من تابع النظر إلى فرج امرأة فأمنى، ولا صوم من قبل أو باشر فامذى ولم يمن، ولا صوم من أكل ناسيا، أو جامع ناسيا، أو شرب ناسيا، ولا صوم من جامع أو شرب، أو أكل شاكا في الفجر ما لم يتبين أنه أكل بعد الفجر، أو جامع بعده، أو شرب بعده * ومنع للقادم من سفر فوجد امرأته قد طهرت من حيضها أو يجامعها، فليت شعرى! إن كانا صائمين، فهلا أوجب عليهما الكفارة؟! وإن كانا غير صائمين، فلم منعهما؟! * ولا أبطل صوم من أخرج من بين أسنانه طعاما أقل من حمصة فبلعه عامدا ذاكرا لصومه * قال أبو محمد فمن أعجب شأنا، أو أقبح قولا ممن يرى اللياطة (2) وإتيان البهيمة عمدا في نهار رمضان لا ينقض الصوم؟! * ويرى أن من قبل امرأته التى أباح الله تعالى له تقبيلها وهو صائم فأمنى فقد بطل صومه! * أو ممن فرق بين أكل ما يغذى وما لا يغذى؟! ولا ندرى من أين وقع لهم هذا؟! * وممن رأى أن من قبل زانية أو ذاكرا أو باشرهما في نهار رمضان فلم ينعظ ولا أمذى أن صومه صحيح (3) تام لا داخلة فيه؟! * ومن قبل امرأته التى أباح الله تعالى له تقبيلها وهو صائم فأنعظ أن صومه قد بطل ومن يرى على من أكل ناسيا القضاء ويبطل صومه * ويرى أن من أكل متعمدا ما يخرج من بين أضراسه من طعامه أن صومه تام * فهل في العجب أكثر من هذا! * (
__________
(1) اما اتيان الذكر أو المرأة في الدبر فان مذهب الحنفية ابطال الصوم به ووجوب القضاء والكفارة سواء مع الانزال
أو بدونه، الا انه روى عن ابى حنيفة (انه لا تجب الكفارة بالجماع في الموضع المكروه اعتبارا بالحد عنده والاصح انها تجب لان الجناية متكاملة لقضاء الشهوة) هذه عبارة الهداية بالحرف.
واما اتيان البهيمة فقال في الهداية: (ولو جامع ميتة أو بهيمة فلا كفارة انزل أو لم ينزل) وقال صاحب العناية (فان انزل فعليه القضاء) فتح القدير (ج 2 ص 70) وانظر المبسوط للسرخسي (ج 3 ص 79) (2) كذا في الاصلين والمعروف بالواو ولم اجده بالياء (3) كلمة (صحيح) زيادة من النسخة رقم (16) *(6/195)
والعجب كله في إيجابهم (1) الكفارة على بعض من أفطر من غير المجامع قياسا على المجامع، ثم إسقاطهم الكفارة عن بعض من أفطر من غير المجامع وكلاهما مفطر، وتركوا القياس في ذلك ولم يلتزموا النص! * وأوجبوا الكفارة على المكرهة على الوطئ، وهى غير عاصية بذلك، وأسقطوها عن المتعمد للقبل (2) فيمذى، وهو عاص! * فان قالوا: ليس عاصيا * قلنا: فالذي قبل فأمنى إذن ليس عاصيا، فلم أوجبتموها عليه؟! * وهذه تخاليط لا نظير لها! ولا متعلق لهم أصلا بشئ من الاخبار، لانهم فرقوا بين المفطرين في الحكم، فلم يأخذوا برواية من روى: (أن رجلا أفطر فأمره النبي عليه السلام بالكفارة) ولا برواية من روى (أن رجلا وقع على امرأته وهو صائم فأمره النبي عليه السلام بالكفارة) فيقتصروا عليه، ولا قاسوا عليه كل مفطر * وأسقطوا الكفارة عمن تعمد الفطر في قضاء رمضان، وفى صوم نذر، وفى شهرى الكفارة، وقد صح عن قتادة إيجاب الكفارة في قضاء رمضان إذا أفطر فيه عامدا، وتركوا ههنا القياس، لانه صوم فرض، وصوم فرض، وتعمد فطر، وتعمد فطر * فان قيل: فمن أين أسقطتم الكفارة عمن وطئ امرأة محرمة عليه في الفرج؟ وعن المرأة الموطوءة باكراه أو بمطاوعة؟
قلنا: لان النص لم يرد إلا فيمن وطئ امرأته، ولا يطلق على من وطئها في غير الفرج اسم واطئ، ولا اسم مواقع، ولا اسم مجامع، ولا أنه وطئها، ولا أنه وقع عليه، ولا أنه جامعها، إلا حتى يضاف إلى ذلك صلة البيان، فايجاب الكفارة على غير من ذكرنا مخالف للسنة وتعدى لحدود الله تعالى في ذلك، وإيجاب ما لم يوجبه * وأما المرأة فموطوءة، والموطوءة غير الواطئ فالامر في سقوط الكفارة عنها على كل حال أوضح من كل واضح * وأيضا: فان واطئ الحرام لا يصل إلى الوطئ الا بعد قصد إلى ذلك بكلام أو بطش ولابد، وكلا الامرين معصية تبطل الصوم، فلم يجامع إلا وصومه قط بطل.
وبالله تعالى التوفيق * فان قيل: فانكم توجبونها على من وطئ امرأته أو أمته وهما حائضان * قلنا: لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجبها على من وطئ امرأته جملته، ولم يسأله: أحائضا (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (من ايجابهم) (2) جمع قبلة، وفي النسخة رقم (16) (للتقبيل) *(6/196)
هي أم غير حائض؟ * 738 مسألة ومن وطئ عمدا (1) في نهار رمضان ثم سافر في يومه ذلك أوجن، أو مرض لا تسقط عنه الكفارة، لان ما أوجبه الله تعالى فلا يسقط بعد وجوبه الا بنص، ولا نص في سقوطها، لما ذكرنا.
وقال أبوجنيفة وأصحابه: تسقط بالمرض ولا تسقط بالسفر * 739 مسألة وصفة الكفارة الواجبة هي كما ذكرنا في رواية جمهور أصحاب الزهري: من عتق رقبة (2) لا يجزئه غيرها مادام يقدر عليها، فان لم يقدر عليها (3) لزمه صوم شهرين متتابعين، فان لم يقدر عليها لزمه حينئذ اطعام ستين مسكينا * فان قيل: هلا (4) قلتم بما رواه يحيى الانصاري، وابن جريج، ومالك عن الزهري
من تخييره بين كل ذلك (5)؟ * قلنا: لما قد بينا من أن هؤلاء اختصروا الحديث، وأتوا بالفاظهم أو بلفظ من دون النبي صلى الله عليه وسلم وأما سائر أصحاب الزهري فاتوا بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذى لا يحل تعديه أصلا، وبزيادة حكم الترتيب، ولا يحل ترك الزيادة * وبقولنا يقول أبو حنيفة، والشافعي، وأبو سليمان، وأحمد وجمهور الناس * وأما مالك فقال بما روى، الا أنه استحب الاطعام، وليس لهذا الاستحباب وجه أصلا * وأما أبو حنيفة فانه أجاز في الاطعام المذكور أن تطعم مسكينا واحدا ستين يوما، وهذا خلاف مجرد لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقع اسم ستين مسكينا على مسكين واحد أصلا * 740 مسألة ويجزئ في ذلك رقبة مؤمنة أو كافرة، صغيرة أو كبيرة، ذكر أو أنثى، معيب أو سليم، لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعتق رقبة) فلو كان شئ من الرقاب التى تعتق لا يجزئ في ذلك لبينه عليه السلام، ولما أهمله حتى يبينه له غيره * ويجزئ في ذلك أم الولد، والمدبر، والمعتق بصفة، والى أجل، والمكاتب الذى لم يؤد شيئا من كتابته، ولا يجزئ في ذلك نصفان من رقبتين، ولامن بعضه حر * وقال أبو حنيفة بقولنا في الكافر والصغير * وقال مالك، والشافعي: لا يجزئ إلا مؤمنة، قالوا: قسنا ذلك على الرقبة في قتل الخطأ (
__________
(1) كلمة (عمدا) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (2) كلمة (رقبة) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (3) في النسخة رقم (16) (عليه) (4) في النسخة رقم (14) (فهلا) (5) في النسخة رقم (16) (بين ذاك) *(6/197)
قال أبو محمد: والقياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا، لان مالكا لا يقيس حكم قاتل العمد على حكم (1)، قاتل الخطأ في الكفارة، فإذا لم يقس قاتلا على
قاتل فقياس الواطئ على القاتل أولى بالبطلان، ان كان القياس حقا * والشافعي لا يقيس المفطر بالاكل على المفطر بالوطئ في الكفارة، فإذا لم يقس مفطرا (2) على مفطر فقياس المفطر على القاتل أولى بالبطلان، ان كان القياس حقا * وأيضا: فانه لا خلاف في ان كفارة الواطئ في رمضان يعوض فيها الاطعام من الصيام، ولا يعوض الاطعام من الصيام في كفارة قتل الخطأ (3) * فقد صح اجماعهم على ان حكم كفارة الواطئ مخالف لحكم كفارة القاتل، فبطل بهذا قياس احداهما على الاخرى * فان قالوا: ان النص لم يرد بالتعويض في كفارة القتل، وورد به في كفارة الوطئ (4) * قلنا: والنص لم يرد باشتراط مؤمنة في كفارة الوطئ وورد به في كفارة القتل، وهذا هو الحق * فان (5) قالوا: المؤمنة أفضل * قلنا: نعم، والعالم الفاضل (6) افضل من الجاهل الفاسق (7) قال تعالى: (قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون).
وقال تعالى: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) وانتم تجيزون فيها الجاهل الفاسق (8) * وأما المعيب فكلهم متفق على إجازة العيب الخفيف فيها، ولم يأت نص، ولا اجماع، ولا قياس بالفرق بين العيوب في ذلك * وأيضا فلا سبيل لهم إلى تحديد الخفيف الذى أجازوه من الكثير الذى لا يجيزونه فصح انه رأى فاسد من آرائهم * وقال أبو حنيفة: يجزئ الاعور، والمقطوع اليد أو الرجل أو كليهما من خلاف، والمقطوع (9) اصبعين من كل يد، سوى الابهامين، ولا يجزئ الاعمى، ولا المقعد، ولا المقطوع يدا ورجلا من جانب واحد، ولا مقطوع الابهامين فقط من كلتى (10) يديه (
__________
(1) كلمة (حكم) زيادة من النسخة رقم (14) (2) في النسخة رقم (16) (مفطر) (3) في النسخة رقم (14) (في
كفارة القتل في الخطأ) (4) في النسخة رقم (16) (الواطئ) (5) كلمة (فان) حذفت خطأ من النسخة رقم (16) (6) كلمة (الفاضل) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (7) كلمة (الفاسق) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (8) في النسخة رقم (16) (الجاهل والفاسق) بزيادة الواو، وما هنا احسن (9) في النسخة رقم (16) (والمقطوعين) وهو خطأ (10) كذا في النسخة رقم (16) على طريقة المؤلف في استعمال كلا وكلتا على لغة من يجعلهما كالمثنى مطلقا، وفي النسخة رقم (14) (كلتا) على الجادة، واظنه من اصلاح ناسخها *(6/198)
ولا مقطوع ثلاث (1) اصابع من كل يد! * قال أبو محمد: وهذه تخاليط قوية بمرة! ولو كان شئ (2) من هذا لا يجزئ لبينه عليه السلام * وأما أم الولد والمدبر فلا خلاف في ان العتق جائز فيهما، وحكمه واقع عليهما إذا عتقا (3)، فمعتق كل واحد منهما يسمى معتق رقبة، وعتق كل واحد منهما عتق رقبة بلا خلاف، فوجب ان من اعتق احدهما في ذلك فقد فعل ما أمره الله تعالى به * وقال أبو حنيفة، ومالك: لا يجزئان * وقال الشافعي: لا تجزئ أم الولد، لانها لا تباع * قال أبو محمد: فكان ماذا؟! وهل اشترط عليه السلام إذ امر في الكفارة بعتق رقبة أن تكون ممن يجوز بيعها؟! حاش لله من هذا، فإذ لم يشترط عليه السلام هذه الصفة فاشتراطها باطل، وشرع في الدين لم يأذن به الله تعالى: (وما كان ربك نسيا) * وأجاز الشافعي في ذلك عتق المدبر * وممن أجاز عتق أم الولد، والمدبر في ذلك عثمان البتى، وأبو سليمان * وأما المكاتب الذى لم يؤد شيئا فقد ذكرنا أنه عبد، وممن أجازه في الكفارة دون من أدى شيئا من كتابته أبو حنيفة، واحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه * وأما المكاتب الذى أدى شيئا من كتابته ومن بعضه حر فقد ذكرنا في كتاب الزكاة
شروع الحرية فيه بقدر ما أدى، فمن أعتق باقيهما (4) فانما أعتق بعض رقبة، لا رقبة، فلم يؤد ما أمر به، وممن قال بقولنا في أنهما لا يجزئان أبو حنيفة، واحمد، واسحق * وأما من أعتق نصفى رقبتين فلا يسمى معتق رقبة كما ذكرنا، ولانه يعتق عليه سائرهما (5) بحكم آخر ولابد، فإذا لم يكن معتق رقبة في ذلك فلم يؤد ما أمر به * وأما المعتق إلى أجل وان قرب أو بصفة فعتقهما وبيعهما جائز، أما المعتق فلا خلاف منهم نعلمه فيه.
وممن أجازهما في الكفارة الشافعي وغيره، ومعتقهما يسمى معتق رقبة * 741 مسألة وكل ما قلنا: انه لا يجزئ فانه عتق مردود باطل لا ينفذ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
ولانه لم يعتقه إلا بصفة لم تصح، فلم يصح عتقه.
وبالله تعالى التوفيق * (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (الثلاث) (2) في النسخة رقم (14) (شيئا) وهو لحن (3) في النسخة رقم (16) (اعتقا) (4) في النسخة رقم (16) (باقيها) (5) في النسخة رقم (16) (سائرها) وهو خطأ *(6/199)
742 مسألة ومن كان فرضه الصوم فقطع صومه عليه رمضان، أو أيام الاضحى، أو مالا يحل صيامه فليسا متتابعين، وانما أمر بهما متتابعين * وقال قائل: يجزئه * قال على: وهذا خلاف أمره صلى الله عليه وسلم، وليس كونه معذورا في إفطاره غير آثم ولا ملوم بمجيز له ما لم يجوزه الله تعالى من عدم التتابع (1) * وروينا من طريق الحجاج بن المنهال عن أبى عوانة عن المغيرة عن ابراهيم: من لزمه شهران متتابعان فمرض فأفطر فانه يبتدئ صومهما * 743 مسألة فان اعترضه فيهما يوم نذر نذره بطل النذر وسقط عنه، وتمادى في صوم الكفارة، وكذلك في رمضان سواء سواء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
(كتاب الله أحق وشرط الله أوثق) فصح أنه ليس لاحد أن يلتزم غير ما ألزمه الله تعالى، ومن نذر ما يبطل به فرض الله تعالى فنذره باطل.
لانه تعدى لحدود الله عزوجل * 744 مسألة فان بدأ بصومهما في أول يوم من الشهر صام إلى أن يرى الهلال الثالث ولابد، كاملين كانا أو ناقصين، أو كاملا وناقصا لقول الله تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله).
فمن لزمه صوم شهرين لزمه أن يأتي بهما من جملة الاثنى عشر شهرا المذكورة * 745 مسألة فان (2) بدأ بهما في بعض الشهر ولو لم يمض منه إلا يوم، أو لم يبق منه الا يوم فما بين ذلك: لزمه صوم ثمانية وخمسين يوما لا أكثر * لما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا عبد العزيز بن عبد الله ثنا سليمان بن بلال عن حميد عن أنس بن مالك قال: (آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه فأقام في مشربة (3) تسعا وعشرين ليلة ثم نزل، فقالوا: يا رسول الله، آليت شهرا؟ فقال: إن الشهر يكون تسعا وعشرين) * ورويناه من طريق متواترة جدا كذلك من طريق ابن جريج عن ابى الزبير: انه سمع جابرا، ومن طريق عكرمة بن عبد الرحمن عن امة سلمة، ومن طريق سعد بن عمرو، (5) (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (من عدم تتابع) (2) في النسخة رقم (14) (وان) (3) بضم الراء وفتحها وهى الغرفة، وقيل هي كالصفة بين يدى الغرفة، والجمع مشربات ومشارب، واما المشربة بفتح الراء من غير ضم فانها الموضع الذى يشرب منه كالمشرعة.
ويقال (طعام مشربة) بفتح الراء إذا كان يشرب عليه الماء كثيرا، وكل هذا بفتح الميم، واما بكسرها مع فتح الراء فانه إناء يشرب فيه (4) هو عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشى المخزومى مات سنة 103 وحديثه عند البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (5) هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، وفى النسخة رقم (14) (سعيد بن عمر) وهو خطأ *(6/200)
وجبلة بن سحيم، وعمرو بن دينار، وعقبة بن حريث، وسعد بن عبيدة، كلهم عن ابن عمر،
ومن طريق اسماعيل بن أبى خالد عن محمد بن سعد بن أبى وقاص عن ابيه، ومن طريق الزهري عن عروة عن عائشة كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأسانيد في غاية الصحة.
فإذ الشهر (1) يكون تسعا وعشرين ويكون ثلاثين، فلا يلزمه الا اليقين، وهو الاقل * وقال قائلون: عليه أن يوفى ستين يوما ليكون على يقين من اتمام الشهرين * قال أبو محمد: وهذا خطأ، لان الله تعالى انما ألزمه شهرين، ولم يقل كاملين كل شهر من ثلاثين يوما، فانما عليه ما يقع عليه اسم شهرين، واسم شهرين (2) يقع بنص كلامه عليه السلام على تسع وعشرين وتسع وعشرين، والفرائض لا تلزم الا بنص، أو اجماع * ويلزم من قال هذا من الحنيفيين أن يقول: لا تجزئ الرقبة الا مؤمنة، ليكون على يقين من أنه قد أدى الفرض في الرقبة * ويلزم من قال بهذا من المالكيين والشافعيين أن يقول: لا تجزئ إلا غداء وعشاء، أو غداء وغداء، أو عشاء وعشاء، كما يقول الحنيفيون، ولا يجزئ الا صاع من شعير لكل مسكين، أو نصف صاع بر: ليكون على يقين من أداء فرض الاطعام * 746 مسألة ومن كان فرضه الاطعام فانه لابد له من أن يطعمهم شبعهم، من أي شئ أطعمهم، وان اختلف، مثل أن يطعم بعضهم خبزا، وبعضهم تمرا، وبعضهم ثريدا، وبعضهم زبيبا، ونحو ذلك، ويجزئ في ذلك مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، إن أعطاهم حبا أو دقيقا أو تمرا أو زبيبا أو غير ذلك مما يؤكل ويكال، فان أطعمهم طعاما معمولا فيجزئه ما أشبعهم أكلة واحدة، أقل أو أكثر * حدثنا أحمد بن عمر ثنا عبد الله بن حسين بن عقال ثنا بكار بن قتيبة ثنا مؤمل هو ابن اسمعيل الحميرى ثنا سفيان هو الثوري عن منصور هو ابن المعتمر عن الزهري عن حميد هو ابن عبد الرحمن بن عوف عن أبى هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) فذكر خبر الواطئ في رمضان، قال: (فأتى النبي صلى الله عليه وآله بمكتل فيه
خمسة عشر يعنى صاعا: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خذه فأطعمه عنك) * قال على: فأجزأ هذا في الاطعام * وكان اشباعهم من أي شئ أشبعهم مما يأكل الناس: يسمى اطعاما، والبر (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (فاذن الشهر) (2) في النسخة رقم (16) (واسم الشهر) بالافراد وهو خطأ *(6/201)
يؤكل مقلوا فكل ذلك اطعام، ولا يجوز تحديد إطعام دون إطعام بغير نص ولا إجماع، ولم يختلف فيما دون الشبع في الاكل وفيما دون المد في الاعطاء أنه لا يجزئ * وقال أبو حنيفة: لا يجزئ إلا نصف صاع بر، أو مثله من سويقه أو دقيقه، أو صاع من شعير، أو زبيب، أو تمر، لكل مسكين، ولابد من غداء وعشاء، أو غداء، وغداء، أو عشاء وعشاء، أو سحورا وغداء، أو سحور وعشاء! * قال أبو محمد: وهذا تحكم وشرع لم يوجبه نص ولا إجماع لا قياس ولا قول صاحب! * 747 مسألة ولا يجزئ (1) إطعام رضيع لا يأكل الطعام، ولا إعطاؤه من ذلك، لانه لا يسمى إطعاما، فان كان يأكل كما تأكل الصبيان أجزأ إطعامه وإشباعه، وإن أكل قليلا، لانه أطعم (2) كما أمر، وبالله تعالى التوفيق * 748 مسألة ولا يجزئ اطعام أقل من ستين، ولا صيام أقل من شهرين، لانه خلاف ما أمر به * 749 ومن كان قادرا حين وطئه على الرقبة لم يجزه غيرها، افتقر بعد ذلك أو لم يفتقر، ومن كان عاجزا حينئذ قادرا على صيام شهرين متتابعين لم يجزه شئ غير الصيام، أيسر بعد ذلك ووجد رقبة أو لم يوسر، ومن كان عاجزا حين ذلك عن الرقبة وعن الصيام قادرا على الاطعام لم يجزه غير الاطعام، قدر على الرقبة أو الصوم بعد ذلك أو لم يقدر، لان كل ما ذكرنا هو فرضه بالنص والاجماع، فلا يجوز سقوط فرضه وإيجاب فرض
آخر عليه بغير نص ولا إجماع (3) * وقال قائلون: ان دخل في الصوم فأيسر انتقل حكمه إلى الرقبة * وهذا خطأ، وقول بلا برهان * 750 مسألة فمن لم يجد الا رقبة لاغنى به عنها، لانه يضيع بعدها أو يخاف على نفسه من حبها: لم يلزمه عتقها، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (ولا يجوز) (2) في النسخة رقم (16) (لانه اطعام) (3) نعم هو فرضه حين وطئ، ولكن عجزه حين الكفارة أو يساره له حكمه، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل الواطئ عن حاله في وقت الاستفتاء ولم يسأله عنه وقت الوطئ ولعله تغير، ثم من لم يجد رقبة بعد ان كانت ماذا يفعل و (لا يكلف الله نفسا الا وسعها).
(وما جعل عليكم في الدين من حرج) ولا حرج اكثر من الزامه ان يعتق أو يصوم وهو غير قادر، والعبرة بالقدرة حين الفعل لا حين الوجوب كما هو الظاهر، وعجيب من المؤلف ان يجيز لمن يجد رقبة يخاف على نفسه من حبها! ان اعتقها: ان يدع العتق طوعا للحب ولا يجيز لمن وجبت عليه رقبة ثم عجز عنها ان يدع العتق! وهذا أشد عجزا من ذلك *(6/202)
ولا يريد بكم العسر) وكل ما ذكرنا حرج وعسر لم يجعله تعالى علينا، ولا أراده منا، وفرضه حينئذ الصيام، فان كان في غنى عنها وهو قائم بنفسه ولا مال له فعليه عتقها، لانه واجد رقبة لا حرج عليه في عتقها * 751 مسألة ومن كان عاجزا عن ذلك كله (1) ففرضه الاطعام، وهو باق عليه، فان وجد طعاما وهو إليه محتاج أكله هو وأهله وبقى الاطعام دينا عليه، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالاطعام فأخبره أنه لا يقدر عليه، فأتاه التمر فأعطاه إياه وأمره بأن يطعمه عن كفارته، فصح أن الاطعام باق عليه وان كان لا يقدر عليه، وأمره عليه السلام بأكله إذ أخبره أنه محتاج إلى أكله، ولم يسقط عنه ما قد ألزمه إياه من الاطعام، لا يجوز سقوط ما افترضه عليه السلام، إلا باخبار منه عليه السلام بأنه
قد أسقطه وبالله تعالى التوفيق * 752 مسألة والحر والعبد في كل ما ذكرنا سواء ويطعم من ذلك الحر والعبد، لان حكم رسول الله صلى الله عليه وآله جاء عموما، لم يخص منه حر من عبد، وإذا كان العبد مسكينا فهو مممن أمر باطعامه ولا تجوز معارضة (2) أمره عليه السلام بالدعاوي الكاذبة وبالله تعالى نتأيد * 753 مسألة ولا ينقض الصوم حجامة، ولا احتلام ولا استمناء، ولا مباشرة الرجل امرأته أو أمته المباحة له فيما دون الفرج، تعمد الامناء أم لم يمن، أمذى أم لم يمذ (3)، ولا قبلة كذلك فيهما ولا قئ غالب، ولا قلس خارج من الحلق، ما لم يتعمد رده بعد حصوله في فمه وقدرته على رميه، ولا دم خارج من الاسنان أو الجوف، ما لم يتعمد بلعه، ولا حقنة، ولا سعوط ولا تقطير في أذن، أو في إحليل، أو في أنف، ولا استنشاق وان بلغ الحلق، ولا مضمضة دخلت الحلق من غير تعمد، ولا كحل (4) أو ان بلغ إلى الحلق نهارا أو ليلا بعقاقير أو بغيرها، ولا غبار (5) طحن، أنو غربلة دقيق، أو حناء، أو غيرذلك، أو عطر، أو حنظل، أو أي شئ كان، ولا ذباب دخل الحلق بغلبة، ولامن رفع رأسه فوقع في حلقه نقطة (6) ماء بغير تعمد لذلك منه، ولا مضغ زفت أو مصطكى، أو علك، ولا من تعمد أن يصبح جنبا، (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (عن كل ذلك) (2) في النسخة رقم (16) (ولا تحل معارضة) (3) في الاصلين هكذا، لا ان في النسخة رقم (14) (أو) بدل (ام) في الموضعين، ولعل في الكلام حذفا، وكان السياق ان يقول (تعمد الامناء ام لم يتعمد، امني ام لم يمن، امذى ام لم يمذ) (4) في النسخة رقم (16) (ولا بكحل) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (14) (ولا بغبار) وهو خطأ (6) في النسخة رقم (16) (نقط) *(6/203)
ما لم يترك الصلاة، ولا من (1) تسحر أو وطئ وهو يظن أنه ليل فإذا بالفجر كان قد طلع (2)، ولا من أفطر بأكل أو وطئ، ويظن أن الشمس قد غربت فإذا بها لم تغرب،
ولامن أكل أو شرب أو وطئ ناسيا لانه صائم، وكذلك من عصى ناسيا لصومه، ولاسواك برطب أو يابس، ولا مضغ طعام أو ذوقه، ما لم يتعمد بلعه، ولا مداواة جائفة أو مأمومة بما يؤكل أو يشرب أو بغير ذلك، ولا طعام وجد بين الاسنان أي وقت من النهار وجد، إذ رمى، ولا من أكره على ما ينقض الصوم، ولا دخول حمام، ولا تغطيس في ماء، لا دهن شارب * أما الحجامة.
قال أبو محمد: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق ثوبان، وشداد ابن أوس، ومعقل بن سنان، وأبى هريرة، ورافع بن خديج وغيرهم: أنه قال: (افطر الحاجم والمحجوم) فوجب الاخذ به، الا أن يصح نسخه (3) * وقد ظن قوم أن الرواية عن ابن عباس: (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم) ناسخة (4) للخبر المذكور، وظنهم في ذلك باطل، لانه قد يحتجم عليه السلام وهو مسافر فيفطر، وذلك مباح، أو في صيام تطوع فيفطر، وذلك مباح * والعجب كله ممن يقول في الخبر الثابت أنه عليه السلام (مسح على العمامة): لعله كان مريضا! ثم لا يقول ههنا: لعله كان مريضا! * وأيضا فليس في خبر ابن عباس أن ذلك كان بعد إخباره عليه السلام أنه أفطر الحاجم والمحجوم، ولا يترك حكم متيقن لظن كاذب * وأيضا: فلو صح أن خبر ابن عباس بعد خبر من ذكرنا لما كان فيه إلا نسخ إفطار المحجوم لا الحاجم، لانه قد يحجمه عليه السلام غلام لم يحتلم * قال أبو محمد: لكن وجدنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع التميمي وأحمد بن عمر العذري قال التميمي: ثنا محمد بن معاوية القرشى المروانى ثنا أحمد بن شعيب انا ابراهيم بن سعيد ثنا إسحاق بن يوسف الازرق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء، وقال العذري ثنا عبد الله ابن الحسين بن عقال الاسدي القرشى ثنا ابراهيم بن محمد الدينورى ثنا محمد بن احمد بن الجهم (5) ثنا موسى بن هرون ثنا إسحاق بن راهويه أنا المعتمر بن سليمان عن حميد، ثم اتفق
خالد الحذاء وحميد كلاهما عن أبى المتوكل الناجى عن أبى سعيد الخدرى: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في الحجامة للصائم) زاد حميد في روايته: (والقبلة) * (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ومن) بحذف (لا) وهو خطأ (2) في النسخة رقم (16) (قد كان طلع) (3) حديث (افطر الحاجم والمحجوم) ورد من طرق كثيرة، وانظر التلخيص - لابن حجر (ص 190) (4) في النسخة رقم (14) (ناسخا) (5) في النسخة رقم (16) (محمد بن الجهم) *(6/204)
قال على: ان أبا نضرة، وقتادة أوقفاه عن أبى المتوكل (1) على أبى سعيد، وان ابن المبارك أوقفه عن خالد الحذاء (2) عن أبى المتوكل على أبى سعيد، ولكن هذا لا معنى له إذا أسنده الثقة، والمسند ان له عن خالد وحميد ثقتان، فقامت به الحجة، ولفظة (أرخص) لا تكون إلا بعد نهى، فصح بهذا لخبر نسخ الخبر الاول * وممن قال بأن الحجامة تفطر على بن أبى طالب، وأبو موسى الاشعري، وعبد الله ابن عمر، وغيرهم * ولم يرها تفطر ابن عباس، وزيد بن أرقم وغيرهما * وعهدنا بالحنيفيين يقولون: ان خبر الواحد لا يقبل فيما تعظم به البلوى، وهذا مما تكثر به البلوى، وقد قبلوا فيه خبر الواحد (3) مضطربا * وأما الاحتلام فلا خلاف في أنه لا ينقض الصوم، إلا ممن لا يعتد به * وأما الاستمناء فانه لم يأت (4) نص بأنه ينقض الصوم * والعجب كله ممن لا ينقض الصوم فعل قوم لوط، واتيان البهائم وقتل الانفس، والسعى في الارض بالفساد، وترك الصلاة، وتقبيل نساء المسلمين عمدا إذا لم يمن ولا أمذى: ثم ينقضه بمس الذكر إذا كان معه امناء! وهم لا يختلفون أن مس الذكر لا يبطل الصوم، وأن خروج المنى دون عمل لا ينقض الصوم، ثم ينقض الصوم باجتماعهما، وهذا خطأ ظاهر لا خفاء به (5)! *
والعجب كله ممن ينقض الصوم بالانزال للمنى إذا تعمد اللذة، ولم يأت بذلك نص، ولا اجماع، ولا قول صاحب، ولا قياس: ثم لا يوجب به الغسل إذا خرج بغير لذة، والنص جاء بايجاب الغسل منه جملة! * وأما القبلة والمباشرة للرجل مع امرأته وأمته المباحة له فهما سنة حسنة، نستحبها للصائم، شابا كان أو كهلا أو شيخا، ولا نبال أكان معها إنزال مقصود إليه أو لم يكن * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا الحسن بن موسى ثنا شيبان عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: أن عمر بن عبد العزيز اخبره ان عروة بن الزبير أخبره أن عائشة أم المؤمنين أخبرته: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم) * (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (على بن المتوكل) وهو خطأ (2) في النسخة رقم (14) (على خالد الحذاء) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (16) (خبرا واحدا) (4) في النسخة رقم (16) (فلم يأت) (5) بل هذه مغالطة مدهشة لا معنى لها *(6/205)
وبه إلى مسلم: ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر غندر ثنا شعبة عن منصور عن ابراهيم النخعي عن علقمة عن عائشة أم المؤمنين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر وهو صائم (1)) * وقال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر) لا سيما من كابر على أن فعاله صلى الله عليه وسلم فرض * وقد روينا ذلك من طريق القاسم بن محمد بن أبى بكر، وعلى بن الحسين، وعمرو ابن ميمون، ومسروق، والاسود، وأبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، كلهم عن عائشة بأسانيد كالذهب * ورويناه بأسانيد في غاية الصحة عن امهات المؤمنين أم سلمة، وأم حبيبة، وحفصة (2)
وعمر بن الخطاب، وابن عباس، وعمر بن أبى سلمة وغيرهم كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم * فادعى قوم أن القبلة تبطل الصوم * وقال قوم: هي مكروهة (3) * وقال قوم: هي مباحة للشيخ، مكروهة للشاب * وقال قوم: هي خصوص للنبى صلى الله عليه وسلم * فأما من أدعى انها خصوص له عليه السلام فقد قال الباطل، وما يعجز عن الدعوى من لا تقوى له * فان احتج في ذلك بما روى من قول عائشة رضى الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لاربه) * قلنا: لا حجة لك في قول عائشة هذا، لان عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا قال ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا اسماعيل بن الخليل ثنا على بن مسهر ثنا أبو إسحاق هو الشيباني عن عبد الرحمن بن الاسود بن يزيد عن أبيه عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: (كانت إحدانا إذا كانت حائضا فاراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها، قالت: وأيكم يملك اربه كما كان رسول الله (4) صلى الله عليه وسلم يملك اربه؟!) فان كان قولها ذلك في قبلة الصائم يوجب أنه له خصوص فقولها هذا في مباشرة الحائض يوجب أنها له أيضا خصوص، أو أنها مكروهة، أو أنها (5) للشيخ دون الشاب ولا يمكنهم ههنا دعوى الاجماع، لان ابن عباس وغيره كرهوا مباشرة الحائض جملة، (
__________
(1) هذا والذى قبله في مسلم (ج 1 ص 305) (2) في النسخة رقم (16) (وام حفصة) وهو خطأ واضح (3) في النسخة رقم (16) (مطروحة) (4) في النسخة رقم (14) (كما كان النبي) (5) في النسخة رقم (16) (وانها) *(6/206)
ولعمري ان مباشرة الحائض لاشد غررا لانه يبقى عن جماعها أياما وليالي فتشتد حاجته، وأما الصائم فالبارحة وطئها، والليلة يطؤها، فهو بشم من الوطئ! *
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: أخبرني رجل من الانصار: (أنه قبل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ان رسول الله يفعل ذلك فأخبرته امرأته، فقال لها: ان النبي صلى الله عليه وآله رخص له في أشياء، فارجعي إليه، فرجعت إليه، فذكرت له ذلك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أتقاكم وأعلمكم بحدود الله) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج حدثنى هرون بن سعيد الايلى ثنا ابن وهب أخبرني عمرو هو ابن الحارث عن عبد ربه بن سعيد عن عبد الله بن كعب الحميرى (1) عن عمر بن أبى سلمة المخزومى: (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل هذه، يعنى أم سلمة، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) يصنع ذلك، فقال: يارسول الله، قد غفر لك (4) ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله إنى لاتقاكم لله وأخشاكم (6)) * فهذان الخبران يكذبان قول من ادعى في ذلك الخصوص له عليه السلام، لانه أفتى بذلك عليه السلام من استفتاه، ويكذب قول من ادعى أنها مكروهة للشاب مباحة للشيخ لان عمر بن أبى سلمة كان شابا جدا في قوة شبابه، إذ مات عليه السلام وهو ابن أم سلمة أم المؤمنين (7)، وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم بنت حمزة عمه رضى الله عنه (8) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أخبرنا قتيبة بن سعيد ثنا أبو عوانة عن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن طلحة بن عبد الله بن عثمان (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (عن عبد ربه بن سعيد بن عبد الله بن كعب الحميرى) وهو خطأ (2) في النسخة رقم (14) (فقال له عليه السلام) وما هنا هو الموافق لمسلم (ج 1 ص 305) (3) في النسخة رقم (14) (انه عليه السلام).
ما هنا هو الموافق لمسلم (4) في مسلم (قد غفر الله لك) (5) في مسلم (فقال له) (6) في مسلم (واخشاكم له) (7) كلمة (ام المؤمنين) زيادة من النسخة
رقم (14) (8) الكلام ناقص لم يذكر سن عمر حين موت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف في هذا كثيرا فزعم بعضهم انه ولد في السنة الثامنة للهجرة، وقال عبد الله بن الزبير ان عمر اكبر منه بسنتين، وابن الزبير ولد في السنة الاولى، وهذا الحديث يدل على انه كان اكبر سنا من ذلك، وقد ورد من طريق صحيح انه هو الذى تولى زواج امه أم سلمة رضى الله عنها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل ان الذى زوجها هو اخوه سلمة، وان سلمة ايضا هو الذى تزوج امامة بنت حمزة رضى الله عنهم، فليحرر هذا الموضع فانه دقيق جدا ويحتاج إلى تحقيق *(6/207)
القرشى عن عائشة أم المومنين قالت: (أهوى النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني، فقلت: إنى صائمة فقال: وأنا صائم، فقبلني) * وكانت عائشة إذ مات عليه السلام بنت ثمان عشرة سنة * فظهر بطلان قول من فرق في ذلك بين الشيخ والشاب، وبطلان قول من قال: انها مكروهة، وصح أنها حسنة مستحبة، سنة من السنن، وقربة من القرب إلى الله تعالى اقتداءا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ووقوفا عند فتياه بذلك * وأما ما تعلق (1) به من كرها للشاب فانما هما حديثا سوء روينا أحدهما من طريق فيها ابن لهيعة، وهو لا شئ، وفيها قيس مولى تجيب، وهو مجهول لا يدرى من هو؟ والآخر من طريق اسرائيل، وهو ضعيف، عن أبى العنبس، ولا يدرى من هو؟ عن الاغر عن أبى هريرة، في كليهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في قبلة الصائم للشيخ ونهى عنها الشاب) فسقطا جميعا * وأما من أبطل الصوم بها فانهم احتجوا بقول الله تعالى: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) ففى هذه الآية المنع من المباشرة * قلنا: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة المباشرة، وهو المبين عن الله تعالى مراده منا، فصح أن المباشرة المحرمة في الصوم إنما هي الجماع فقط *
ولا حجة في هذه الآية لحنيفي ولا لمالكي، فانهم (2) يبيحون المباشرة، ولا يبطلون الصوم بها أصلا (3)، وانما يبطلونه بشئ يكون معها، من المنى أو المذى فقط، وإنما هي حجة لمن منع المباشرة وأبطل الصوم بها * وهؤلاء أيضا قد احتجوا بخبرين: روينا أحدهما من طريق أبى أسامة حماد بن أسامة عن عمر بن حمزة أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه قال قال عمر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فرأيته لا ينظرني، فقلت: يارسول الله، ما شأني؟ فقال: ألست الذى تقبل وأنت صائم؟! قلت: فوالذي بعثك بالحق (4) لا أقبل بعدها وأنا صائم * قال أبو محمد: الشرائع لا تؤخذ بالمنامات! لا سيما وقد أفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر في اليقظة حيا باباحة القبلة للصائم، فمن الباطل أن ينسخ ذلك في المنام ميتا! نعوذ بالله من هذا * (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (يتعلق) (2) في النسخة رقم (14) (لانهم) (3) كلمة (أصلا) زيادة من النسخة رقم (14) (4) كلمة (بالحق) زيادة من النسخة رقم (14) *(6/208)
ويكفى من هذا كله ان عمربن حمزة لا شئ (1) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك (2) ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عيسى بن حماد هو زغبة (3) عن الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الاشج عن عبد الملك بن سعد الساعدي الانصاري عن جابر بن عبد الله قال قال عمر بن الخطاب: (هششت فقبلت وانا صائم، فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمرا عظيما، قبلت وانا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس به، قال: فمه؟!) * والخبر الثاني الذى (5) رويناه من طريق اسرائيل وهو ضعيف عن زيد ابن جبير عن أبى يزيد الضبى وهو مجهول عن ميمونة بنت عتبة مولاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عمن قبل امرأته وهما صائمان؟ فقال: قد أفطرا (6)) * قال أبو محمد: حتى لو صح هذا لكان حديث أبى سعيد الخدرى الذى ذكرنا في باب الحجامة للصائم انه عليه السلام أرخص في القبلة للصائم نا سخاله * وممن روى عنه ابطال الصيام بالقبلة من طريق سعيد بن المسيب (7): ان عمر كان ينهى عن القبلة للصائم، فقيل له: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم) فقال: ومن ذاله من الحفط والعصمة ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ * ومن طريق عمران بن مسلم عن زاذان عن ابن عمر قال في الذى يقبل وهو صائم، فقال (8): ألا يقبل جمرة؟! * وعن مورق (9) عنه: أنه كان ينهى عنها * ومن طريق على بن أبى طالب قال (10): ما تريد إلى خلوف فيها؟! دعها حتى تفطر * (
__________
(1) عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر ضعفه احمد، وابن معين، والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحاكم: احاديثه كلها مستقيمة (2) في النسخة رقم (16) (عمر بن عبد الله) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (14) عيسى هو ابن حماد هو زغبة)، و زغبة بظم الزاى واسكان الغين المعجمة وبعدها باء موحدة (4) كلمة (أرأيت) زيادة من النسخة رقم (14) (5) كلمة (الذى) زيادة من النسخة رقم (14) (6) في النسخة رقم (14) (عن ميمونة بنت عتبة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن قبل امرأته وهما صائمان فقال: قد افطر) وهو خطأ ظاهر (7) كذا في الاصلين والمراد ظاهر، ولعل في الكلام نقصا (8) قوله (قال) وقوله (فقال) محذوفان في النسخة رقم (14) (9) بضم الميم وفتح الواو وتشديد الراء المكسورة، وهو مورق بن مشمرج - بضم الميم وفتح الشين المعجمة واسكان الميم وكسر الراء أو فتحها - أو ابن عبد الله العجلى الكوفى التابعي، وفي الاصلين (مواق) وهو خطأ وليس في رجال الحديث من يسمى هكذا الا ابن المواق وهو مغربي متأخر (10) كلمة (قال) زيادة من النسخة رقم (16) *(6/209)
وعن الهزهاز (1): أن ابن مسعود سئل عمن قبل وهو صائم؟ فقال: أفطر، ويقضى يوما مكانه *
وعن حذيفة قال: من تأمل خلق (2) امرأته وهو صائم بطل صومه * وعن الزهري عن ثعلبة بن عبد الله بن أبى صعير: رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهون عن القبلة للصائم * ومن طريق شريح: أنه سئل عن قبلة الصائم؟ فقال: يتقى الله ولا يعد (3) * وعن أبى قلابة: انه نهى عنها * وعن محمد بن الحنيفة: انما الصوم من الشهوة، والقبلة من الشهوة * وعن أبى رافع قال: لا يقبل الصائم * وعن مسروق: أنه سئل عنها؟ فقال: الليل قريب! * وقال (4) ابن شبرمة: إن قبل الصائم أفطر وقضى (5) يوما مكانه * ومن كرهها: روينا عن سعيد بن المسيب: القبلة تنقص (6) الصوم ولا تفطر * وعن ابراهيم النخعي: أنه كرهها * وعن عبد الله بن مغفل: أنه كرهها * وعن سعيد بن جبير: انه قال: لا بأس بها، وانها لبريد سوء! * وعن عروة بن الزبير قال: لم أر القبلة تدعوا إلى خير، يعنى للصائم * وصح عن ابن عباس: أنه قال: هي دليل إلى غيرها، والاعتزال أكيس * وكرهها مالك * ومن فرق بين الشيخ والشاب: روينا من طريق ابن المسيب عن عمر بن الخطاب، ومن طريق أبى مجلز (7) عن ابن عباس، ومن طريق ابن أبى مليكة عن أبى هريرة، ومن طريق نافع عن ابن عمر، ومن طريق هشام بن الغاز (8) عن مكحول، ومن طريق حريث عن الشعبى: أنهم كلهم رخصوا في قبلة الصائم للشيخ وكرهوها للشاب * ومن كره المباشرة للصائم: روينا من طريق عطاء عن ابن عباس: أنه سئل عن (
__________
(1) كذا في الاصلين ولم اجد له ترجمة، الا في تاريخ الطبري (ج 4 ص 130) ذكر الهزهاز بن عمرو العجلى
في القواد في سنة 14 وذكره ابن حجر في الاصابة (ج 6 ص 284) على انه صحابي، وفى ابن سعد (ج 7 ق 2 ص 6) ترجمة (نصر بن زياد أبو الهزهاز العجلى) وقال انه قليل الحديث، وانا اظن ان الاول ارجح وانه غير الثاني (2) بالخاء المعجمة، وفى النسخة رقم (16) بالمهملة وهو تصحيف (3) بضم العين نهى عن العود (4) في النسخة رقم (16) (وعن) (5) في النسخة رقم (16) (ويقضى) (6) في الاصلين بالضاد المعجمة، والسياق يقضى أن تكون بالمهملة (7) في النسخة رقم (16) (ابن ابى مجلز) وهو خطأ (8) في النسخة رقم (14) (الغازى) *(6/210)
القبلة للصائم؟ فقال: لا بأس بها، وسئل: أيقبض على ساقها؟ قال: لا يقبض على ساقها، أعفوا (1) الصيام * ومن طريق مالك عن ابن عمر: أنه كان ينهى عن المباشرة للصائم * وعن الزهري: أنه نهى عن لمس الصائم وتجريده * وعن سعيد بن المسيب في الصائم يباشر قال: يتوب عشر مرار، إنه ينقص من صومه الذى يجرد أو يلمس، لك أن تأخذ بيدها وبأدنى جسدها وتدع أقصاه * وعن عطاء بن أبى رباح في الصائم يباشر النهار قال: لم يبطل صومه، ولكن يبدل يوما مكانه * وعن أبى رافع: لا يباشر الصائم * وكرهها مالك * ومن أباح المباشرة للشيخ ونهى عنها للشاب: روينا هذا عن ابن عمر، وعن ابن عباس، والشعبى * وأما من أباح كل ذلك: روينا من طريق عبد الرزاق عن مالك عن أبى النضر مولى عمر بن عبيدالله أن عائشة بنت طلحة بن عبيدالله أخبرته: أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين فدخل عليها زوجها وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق وهو صائم في رمضان، فقالت له عائشة أم المؤمنين: ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتقبلها
وتلاعبها؟! فقال: أقبلها وأنا صائم؟! قالت: نعم * ومن طريق معمر عن أيوب السختيانى عن أبى قلابة عن مسروق قال: سألت عائشة أم المؤمنين: ما يحل للرجل من أمرأته صائما؟ فقالت: كل شئ إلا الجماع * قال أبو محمد: عائشة بنت طلحة كانت أجمل نساء أهل زمانها، وكانت أيام عائشة، هي وزوجها فتيين في عنفوان (2) الحداثة * وهذان الخبران يكذبان قول من لا يبالى بالكذب أنها أرادت بقولها: (وأيكم أملك لاربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم)؟ النهى عن اقبلة والمباشرة للصائم * ومن طريق عبد الله، وعبيدالله ابني عبد الله بن عمر بن الخطاب: أن عمربن الخطاب كانت تقبله امرأته عاتكة بنت زيد بن عمر وهو صائم، فلا ينهاها * ومن طريق داود بن أبى هند عن سعيد بن جبير: أن رجلا قال لابن عباس: انى (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (عفوا) بدون همز وهو خطأ، لان (عف) فعل لازم (2) في الصحاح: (عنفوان الشئ أوله، يقال هو في عنفوان شبابه) اهم من حاشية النسخة رقم (14) *(6/211)
تزوجت ابنة عم لى جميلة، فبنى بى في رمضان، فهل لى بأبى أنت وأمى إلى قبلتها من سبيل؟! فقال له ابن عباس: هل تملك نفسك؟ قال: نعم، قال: قبل، قال: فبابى أنت وأمى هل إلى مباشرتها من سبيل؟! قال: هل تملك نفسك؟ قال: نعم، قال: فباشرها، قال فهل لى إلى أن أضرب بيدى على فرجها من سبيل؟! قال: وهل تملك نفسك؟ قال: نعم، قال اضرب.
وهذه أصح طريق عن ابن عباس * وعن يحيى بن سعيد القطان عن حبيب بن شهاب (1) عن أبيه قال: سألت أبا هريرة عن دنوا الرجل من أمرأته وهو صائم؟ فقال: إنى لارف (2) شفتيها وأنا صائم * وعن زيد بن أسلم قال: قيل لابي هريرة: أتقبل وأنت صائم؟ قال: نعم وأكفحها معناه: أنه يفتح فاه إلى فيها (3) وسئل عن تقبيل غير امرأته؟! فاعرض بوجهه *
ومن طريق صحاح عن سعد بن أبى وقاص: انه سئل: أتقبل وأنت صائم؟ قال: نعم، وأقبض على متاعها * وعن أبى المتوكل عن أبى سعيد الخدرى: أنه كان لا يرى: بالقبلة للصائم باسا * وعن سفيان بن عيينة عن زكريا هو ابن ابى زائدة عن الشعبى عن عمرو بن شرحبيل أن ابن مسعود كان يباشر امرأته نصف النهار وهو صائم.
وهذه أصح طريق عن ابن مسعود * ومن طريق حنظلة بن سبرة بن المسيب بن نجبة الفزارى (4) عن عمته وكانت تحت حذيفة بن اليمان قالت: كان حذيفة إذا صلى الفجر في رمضان جاء فدخل معى في لحافى ثم يباشرني * وعن أبى ظبيان عن على بن أبى طالب: لا بأس بالقبلة للصائم * وعن مسعر عن سعيد بن مردان به (5) عن أبى كثير أن أم سلمة أم المؤمنين قالت (
__________
(1) حبيب بن شهاب هذا بصرى وهو العنبري وهو ثقة وله ترجمة في تعجيل المنفعة (ص 84) (2) بضم الراء، والرف المص والترشف، والرفة المصة (3) هكذا فسر المؤلف الكلمة، وفسرها في اللسان بأنه (قبلها غفلة) وبمعنى (أتمكن من تقبيلها وأستوفيه من غير اختلاس من من المكافحة وهى مصادفة الوجه) وحكى عن أبى عبيد ان بعضهم رواها (وأقحفها) بالقاف وتقديم الحاء وفسرها بأنه (اراد شرب الريق من قحف الرجل ما في الاناء إذا شرب ما فيه) (4) نجبة بالنون والجيم والباء المفتوحات، ثم هكذا هو في الاصلين بهذا النسب ولم اجد في الرواة من يسمى حنظلة بن سبرة بن المسيب، واظن ان في النسخ خطأ وان صوابه (حنظلة بن سبرة عن المسيب بن نجبة) والمسيب هذا تابعي معروف بالرواية عن على وعن حذيفة وقتل في طلب دم الحسين سنة 65 وله ترجمة في الاصابة (ج 6 ص 174 و 175) وفى غيرها (5) كذا هو في الاصلين، وضبط في النسخة رقم (14) بفتح الميم والدال بينهما راء ساكنة، وبعد الالف نون ساكنة، وبعد ذلك باء موحدة مفتوحة ثم هاء ساكنة.
ولم أجد له ذكرا ولا ترجمة *(6/212)
له وقد تزوج في رمضان: لو دنوت، لو قبلت * ومن التابعين من طريق عكرمة: لا بأس بالقبلة والمباشرة للصائم، إنما هي كالكسرة يشتمها (1) * وعن الحسن البصري قال: يقبل الصائم ويباشر * وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: أنه كان يقبل في رمضان نهارا ويفتى بذلك * وعن سعيد بن جبير إباحة القبلة للصائم * وعن الشعبى: لا بأس بالقبلة والمباشرة للصائم * وعن مسروق: أنه سئل عن تقبيل الصائم امرأته؟ فقال: ما أبالى أقبلتها أو قبلت يدى * فهؤلاء من الصحابة رضى الله عنهم عائشة وأم سلمة أما المؤمنين، وعمر بن الخطاب، وعلى، وعاتكة بنت زيد، وابن عباس، وأبو هريرة، وسعد بن أبى وقاص، وابن مسعود، وأبو سعيد الخدرى، وحذيفة، وما نعلم منهم أحدا روى عنه كراهتها الا وقد جاء عنه إباحتها باصح من طريق الكراهة، إلا ابن عمر وحده، ورويت الاباحة جملة عن سعد، وأبى سعيد، وعائشة، وأم سلمة، وعاتكة * قال أبو محمد: ولقد كان يجب لمن غلب القياس على الاثر أن يجعلها في الصيام بمنزلتها في الحج، ويجعل فيها صدقة كما جعل فيها هنالك، ولكن هذا مما تركوا فيه القياس.
وبالله تعالى نتأيد * واذ قد صح (2) ان القبلة والمباشرة مستحبتان في الصوم وانه لم ينه الصائم في امرأته عن شئ الا الجماع: فسواء تعمد الامناء في المباشرة أو لم يتعمد! كل ذلك مباح لاكراهة في شئ من ذلك إذ لم يأت بكراهيته نص ولا إجماع، فكيف ابطال الصوم به! فكيف ان تشرع فيه كفارة؟ * وقد بينا مع ذلك من انه خلاف للسنة فساد قول من رأى الصوم ينتقض بذلك، لانهم، يقولون: خروج المنى بغير مباشرة لا ينقض الصوم، وان المباشرة
إذا لم يخرج معها مذى ولا منى لا تنقض الصوم، وان الانعاظ دون مباشرة لا ينقض الصوم، فكل واحد من هذه على انفراد لا يكدح في الصوم اصلا، فمن أين لهم إذا اجتمعت ان تنقض (3) الصوم؟! هذا باطل لاخفاء به، الا ان يأتي بذلك نص، ولا سبيل إلى وجوده ابدا، لا من رواية صحيحة ولا سقيمة، واما توليد الكذب والدعاوى (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (يشمها) وشم واشتم بمعنى (2) في النسخة رقم (16) (وإذا صح) (3) في النسخة رقم (14) (ينتقضوا) *(6/213)
بالمكابرة فما يعجز عنها من لا دين له (1) * وما رؤى قط حلال وحلال يجتمعان فيحرمان الا ان يأتي بذلك نص، وبهذا الدليل نفسه خالف الحنيفيون السنة الثابتة في تحريم نبيذ التمر، والزبيب يجمعان، ثم حكموا (2) به ههنا حيث لا يحل الحكم به، وبالله تعالى التوفيق * وهم يقولون: ان الجماع دون الفرج حتى يمنى لا يوجب حدا ولا يلحق به الولد، وكان يجب ان يفرقوا بينه وبين الجمع في ابطال الصوم به، مع ان نقض الصوم بتعمد الامناء خاصة لا نعلمه عن احد من خلق الله تعالى قبل ابى حنيفة، ثم اتبعه مالك، والشافعي * وأما القئ الذى لا يتعمد فقد جاء الاثر بذلك على ما ذكرنا قبل، ولا نعلم في القلس والدم الخارجين (3) من الاسنان لا يرجعان إلى الحق، خلافا في ان الصوم لا يبطل بهما، وحتى لوجاء في ذلك خلاف لما التفت إليه، إذ لم يوجب بطلان الصوم بذلك نص * وأما الحقنة والتقطير في الاحليل والتقطير في الاذن والسعوط والكحل ومداواة الجائفة والمأمومة: فانهم قالوا: ان ما وصل إلى الجوف والى باطن الرأس لانه جوف فانه ينقض الصوم، قياسا على الاكل * ثم تناقضوا، فلم ير الحينفيون والشافعيون في الكحل قضاء وان وصل إلى حلقه ولم
ير مالك بالفتائل تستدخل لداواء بأسا للصائم، (4) ولم ير الكحل يفطر، إلا ان يكون فيه عقاقير * وقال الحسن بن حى: لا تفطر الحقنة ان كانت لدواء * وعن ابراهيم النخعي لا بأس بالسعوط للصائم * ومن طريق عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمى: ان أباه، ومنصور بن المعتمر، وابن أبى ليلى، وابن شبرمة كانوا يقولون: ان اكتحل الصائم فعليه ان يقضى يوما مكانه * قال أبو محمد: إنما نهانا (5) الله تعالى في الصوم عن الاكل والشرب والجماع وتعمد القئ والمعاصي، وما علمنا أكلا ولا شربا يكون على دبر، أو إحليل، أو أذن، أو عين، أو أنف أو من جرح في البطن أو الرأس! وما نهينا قط عن ان نوصل إلى الجوف بغير الاكل والشرب ما لم يحرم علينا إيصاله! * والعجب ان من رأى منهم الفطر بكل ذلك لا يرى على من احتقن بالخمر أو صبها (
__________
(1) كلمة (له) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (2) في النسخة رقم (16) (ثم حكما) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (16) (الخارجان) (4) في النسخة رقم (16) (في الصائم) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (14) (نهى) *(6/214)
في اذنه حدا! فصح انه ليس شربا ولا أكلا * ثم تناقضهم في الكحل عجب جدا! وهو أشد وصولا إلى الحلق، ومجرى الطعام من الفطور في الاذن * واحتج بعضهم بانه كغبار الطريق، والطحين * فقيل له: ليس مثله، لان غبار الطريق والطحين لم يتعمد إيصاله إلى الحلق، والكحل تعمد إيصاله * وايضا: فان قياس السعوط على غبار الطريق والطحين أولى، لان كل ذلك مسلكه الانف، ولكنهم لا يحسنون قياسا، ولا يلتزمون نصا، ولا يطردون أصلا! (1) *
أما المضمضة والاستنشاق فيغلبه الماء فيدخل حلقه عن غير تعمد * فان ابا حنيفة قال: إن كان ذاكرا لصومه فقد افطر وعليه القضاء، وان كان ناسيا فلا شئ عليه، وهو قول ابراهيم * وقال مالك: عليه القضاء في كل ذلك * وقال ابن أبى ليلى: لاقضاء عليه، ذاكرا كان أو غير ذاكر * وروينا عن بعض التابعين وهو الشعبى، وحماد وعن الحسن بن حى: إن كان ذلك في وضوء لصلاة فلا شئ عليه، وإن كان لغير وضوء فعليه القضاء * قال أبو محمد: قال الله تعالى: (ليس عليكم جناح فيا أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وروينا قولنا في هذه المسألة عن عطاء بن أبى رباح * واحتج من أفطر بذلك بالاثر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإذا استنشقت فبالغ، الا أن تكون صائما) * قال أبو محمد: ولا حجة لهم فيه، لانه ليس فيه أنه يفطر الصائم بالمبالغة في الاستنشاق، وانما فيه إيجاب المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم وسقوط وجوب ذلك عن الصائم فقط، لانهيه عن المبالغة، فالصائم مخير بين أن يبالغ في الاستنشاق وبين أن لا يبالغ فيه، (2) وأما غير الصائم فالمبالغة في الاستشاق فرض عليه، والا كان مخالفا لامره عليه السلام بالمبالغة، ولو أن امرءا يقول: إن المبالغة في الاستنشاق تفطر الصائم لكان أدخل في التمويه منهم، لانه (3) ليس في هذا الخبر من وصول الماء (
__________
(1) من أول قوله (ولا يلتزمون نصا) إلى هنا سقط من النسخة رقم (16) (2) هذا خلاف الظاهر من سياق الحديث (3) في النسخة رقم (16) (لانهم) وهو خطأ *(6/215)
إلى الحلق أثر ولا عثير والاشارة (1) ولا دليل، ولكنهم لا يزالون يتكهنون في السنن
ما يوافق آراءهم بالدعواوى الكاذبة! وبالله تعالى التوفيق * وأما الذباب يدخل في الحلق غلبة ومن رفع رأسه إلى السماء فتثاءب فوقع في حلقه نقطة (2) من المطر: فان مالكا قال: يفطر، وقال أبو حنيفة: لا يفطر بالذباب * وقد روينا من طريق وكيع عن أبى مالك عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في الذباب يدخل حلق الصائم قال: لا يفطر * وعن وكيع عن الربيع عن الحسن في الذباب يدخل حلق الصائم قال: لا يفطر * وعن الشعبى مثله * وما نعلم لابن عباس في هذا مخالفا من الصحابة رضى الله عنهم إلا تلك الرواية الضعيفة عنه * وعن ابن مسعود: الفطر مما دخل وليس مما خرج، والوضوء مما خرج وليس مما دخل * وكلهم قد خالف هذه الرواية لانهم يرون الفطر بتعمد خروج المنى، وهو (3) خارج لا داخل، ويبطلون الوضوء بالايلاج، وهو (4) داخل لا خارج * قال أبو محمد: قد قلنا: إن ما ليس أكلا ولا شربا ولاجماعا ولا معصية فلا يفطر لانه لم يأمر الله تعالى بذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم * وأما السواك بالرطب، واليابس، ومضغ الطعام، وذوقه ما لم يصل منه إلى الحلق شئ بتعمد: فكلهم لا يرون الصيام بذلك منتقضا، وإن كان الشافعي كره السواك في آخر النهار ولم يبطل بذلك الصوم (5)، * وكره بعضهم مضغ الطعام وذوقه، وهذا لا شئ، لان كراهة ما لم يأت قرآن ولا سنة بكراهته (6) خطأ، وهم لا يكروهون المضمضة، ولا فرق بينهما وبين مضغ الطعام، بل الماء أخفى ولوجا وأشد امتزاجا بالريق من الطعام، وهذا مما خالفوا فيه القياس * واحتج الشافعي بالخبر الثابت (ان خلوف فم الصائم أطيب عند الله (7) من ريح
المسك) * قال أبو محمد: الخلوف خارج من الحلق، وليس في الاسنان، والمضمضة تعمل (
__________
(1) بفتح العين المهملة وبكسرها مع اسكان الثاء المثلثة وفتح الياء ويقال بتقديم الياء على الثاء مع فتح العين فقط، وكلاهما بمعنى الاثر الخفى (2) في النسخة رقم (16) (نقط) (3) في النسخة رقم (14) (وهذا) (4) في النسخة رقم (14) (وهذا) (5) في النسخة رقم (16) (به الصوم) (6) في النسخة رقم (16) (بكراهيته) (7) في النسخة رقم (16) (عند الله اطيب).
ما هنا اقرب لالفاظ الحديث *(6/216)
في ذلك عمل السواك، وهو لا يكرهها، وقول الشافعي في هذا هو قول مجاهد، ووكيع وغيرهما * وقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم على السواك لكل صلاة، ولم يخص صائما من غيره فالسواك سنة للعصر، وللمغرب، وسائر الصلوات * وقد كره أبو ميسرة الرطب من السواك للصائم، ولم يكرهه الحسن وغيره * وروينا من طريق الحسن، وحماد، وإبراهيم: أنهم كانوا لا يكرهون للصائم أن يمضغ الطعام للصبى، وكان الحسن يفعله * وأما مضغ العلك، والزفت، والمصطكى: فروينا من طريق لا يصح عن أم حبيبة أم المؤمنين: أنها كرهت العلك للصائم * وروينا عن الشعبى: أنه لم ير به بأسا * وقد قلنا: ان ما لم يكن أكلا ولا شربا، ولا جماعا ولا معصية فهو مباح في الصوم، ولم يأت به نص بنهي الصائم عن شئ مما ذكرنا، وليس أكلا ولا شربا، ولا ينقص منه شئ بطول المضغ لو وزون.
وبالله تعالى التوفيق * وأما غبار ما يغربل فقد ذكرنا عن أبى حنيفة: أنه لا يفطر، ورويناه أيضا من طريق ابن وضاح عن سحنون وهو لا يسمى أكلا ولا شربا، فلا يفطر الصائم * وأما طعام يخرج من بين الاسنان في أي وقت من النهار خرج فرمى به: فهذا
لم يأكل ولا شرب، فلا حرج، ولا يبطل الصوم وبالله تعالى التوفيق، وهو قولهم كلهم * وأما من أصبح جنبا عامدا أو ناسيا ما لم يتعمد التمادي ضحى كذلك حتى يترك الصلاة عامدا ذاكرا لها.
فان السلف اختلفوا في هذا * فرأى بعضهم أنه يبطل صومه بترك الغسل قبل الفجر * وقال الحنيفيون، والمالكيون، والشافعيون: صومه تام وان تعمد أن لا يغتسل من الجنابة شهر رمضان كله * قال أبو محمد: أما هذا القول فظاهر الفساد، لما ذكرنا قبل من أن تعمد المعصية يبطل الصوم، ولا معصية أعظم من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها * وذهبت طائفة من السلف إلى ما ذكرنا قبل * كما روينا من طريق شعيب بن أبى حمزة عن الزهري اخبرني عبد الله (1) بن عبد الله (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (عبيد الله) بالتصغير، وهو خطأ، ففي فتح الباري (ج 4 ص 104) (اما رواية ابن عبد الله بن عمر فوصلها عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن ابن عبد الله بن عمر عن ابى هريره به، وقد اختلف(6/217)
ابن عمر: (أنه احتلم ليلة في رمضان، ثم نام فلم ينتبه حتى أصبح، قال: فلقيت أبا هريرة فاستفتيته؟ فقال: أفطر، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا قال: فجئت إلى أبى فأخبرته بما أفتانى به أبو هريرة، فقال: أقسم بالله لئن أفطرت لاوجعن متنك، صم، فان بدا لك أن تصوم يوما آخر فافعل) * وروينا من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة سمعت عبد الله بن عمرو القارى قال: سمعت أبا هريرة يقول: (لا ورب هذا البيت، ما أنا قلت: من أدركه الصبح وهو جنب فلا يصم، محمد ورب الكعبة قاله) * قال أبو محمد: وقد عاب من لا دين له ولا علم له هذا الخبر بأن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام روى عن أبى هريرة أنه قال له في هذا الخبر: إن أسامة بن زيد حدثه به،
وإن الفضل بن عباس حدثه به * قال أبو محمد: وهذه قوة زائدة للخبر، أن يكون أسامة والفضل روياه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما ندرى إلى ما أشار به هذا الجاهل؟! وما يخرج من هذا الاعتتراض إلا نسبة أبى هريرة للكذب، والمعترض بذلك (1) أحق بالكذب منه * وكذلك عارض قوم لا يحصلون ما يقولن هذا الخبر بأن أمي المؤمنين روتا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك النهار) * قال أبو محمد: وليس يعارض هذا الخبر ما رواه أبو هريرة لان رواية أبى هريرة هي الزائدة * والعجب ممن يرد روايتهما رضى الله عنهما في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم برأيه: ثم يجعل روايتهما ههنا حجة على السنة الثابتة! لا سيما مع صحة الرواية عن عائشة رضى الله عنها: أنها قالت (ما أدرك الفجر قط رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو نائم (2)) فهلا حملوا هذا على غلبة النوم، لا على تعمد ترك الغسل؟! * واحتج أيضا قوم بما رويناه من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن هشام الدستوائى (
__________
على الزهري في اسمه فقال شعيب عنه: اخبرني عبد الله بن عبد الله بن عمر قال لى أبو هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالفطر إذا اصبح الرجل جنبا، اخرجه النسائي والطبراني في مسند الشاميين، وقال عقيل عنه: عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر به، فاختلف على الزهري هل هو عبد الله مكبرا أو عبيد الله مصغرا) والذى هنا هو رواية شعيب فيتعين انه المكبر، وهذا الحديث الذى نسبه ابن حجر للنسائي لم أجده في السنن وأظن أن نسخة السنن المطبوعة تنقصها احاديث كثيرة من كتاب الصوم بل ومن غيره (1) في النسخة رقم (16) (والمعرض له بذلك) الحديث في مسلم (ج 1 ص 205) بلفظ (ما ألفى رسول الله صلى الله عليه وسلم السحر الاعلى في بيتى أو عندي إلا نائما) *(6/218)
عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال: رجع أبو هريرة عن فتياه في الرجل يصبح جنبا *
قال على: ولا حجة في رجوعه، لانه رأى منه، إنما الحجة في روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد افترض علينا اتباع روايتهم ولم نؤمر باتباع الرأى ممن رآه منهم * والعجب ممن يحتج بهذا من المالكيين! وهم قد ثبتوا على ما روى عن عمر رضى الله عنه من تحريم المتزوجة في العدة على الذى دخل بها في الابد، وقد صح رجوع عمر عن ذلك إلى أنه مباح له ابتداء زواجها! * وممن قال بهذا من السلف كما روينا من طريق ابن جريج عن عطاء: أنما لما اختلف عليه أبو هريرة، وعائشة في هذا قال عطاء: يبدل يوما ويتم يومه ذلك * ومن طريق سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه أنه قال: من أدركه الصبح جنبا وهو متعمد أبدل الصيام، ومن أتاه غير متعمد فلا يبدله * فهذا عروة ابن أخت عائشة رضى الله عنها قد ترك قولها لرواية أبى هريرة * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر قال: سألت ابراهيم النخعي عن الرجل يصبح جنبا؟ فقال: أما رمضان فيتم صومه ويصوم يوما مكانه، وأما التطوع فلا * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى ثنا ابن اسحاق هو عبد الله (1) قال: سألت سالما عن رجل أصبح جنبا في رمضان؟ قال: يتم يومه (2) ويقضى يوما مكانه * ومن طريق عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: من أصبح جنبا في شهر رمضان فاستيقظ ولم يغتسل حتى يصبح فانه يتم ذلك اليوم ويصوم يوما مكانه، فانه لم يستيقظ فلا بدل عليه * ومن طريق وكيع عن الربيع عن الحسن البصري فيمن أصبح جنبافى رمضان: يقضيه في الفرض * ومن طريق ابن أبى شيبة عن عائذ بن حبيب عن هشام بن عروة في الذى يصبح جنبا في رمضان قال: عليه القضاء *
قال أبو محمد: لو لم يكن الا ما ذكرنا لكان الواجب القول بخبر أبى هريرة، لكن منع من ذلك صحة نسخه * وبرهان ذلك قول الله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس (
__________
(1) لم أجد في الرواة من طبقة اتباع التابعين من اسمه (عبد الله بن اسحق) (2) في النسخة رقم (16) (يتم صومه) *(6/219)
لكم وانتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) * حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن دحيم ثنا ابراهيم بن حماد ثنا اسماعيل ابن اسحاق ثنا عبد الواحد ثنا حماد بن سلمة ثنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) كان أحدهم إذا نام لم تحل له النساء، ولم يحل له أن يأكل شيئا إلى القابلة، ورخص الله لكم * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني هلال بن العلاء ابن هلال الرقى ثنا حسين بن عياش ثقة من أهل باجدا (1) ثنا زهير بن معاوية ثنا أبو إسحاق السبيعى عن البراء بن عازب: ان احدهم كان إذا نام قبل ان يتعشى لم يحل له ان يأكل شيئا ولا يشرب ليلته ويومه من الغد حتى تغرب الشمس، حتى نزلت (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر) * قال أبو محمد: فصح ان هذه الآية ناسخة لكل حال تقدمت في الصوم، وخبر ابى هريرة موافق لبعض الاحوال المنسوخة، واذ صح ان هذه الآية ناسخة لما تقدم فحكمها باق لا يجوز نسخه (2) وفيها إباحة الوطئ إلى تبين الفجر، فإذ هو مباح بيقين، فلا شك في أن الغسل لا يكون إلا بعد الفجر، ولاشك في ان الفجر يدركه وهو جنب،
فبهذا وجب ترك حديث أبى هريرة، لا بما سواه.
وبالله تعالى التوفيق * وأما من نسى أنه صائم في رمضان أو في صوم فرض، أو تطوع فأكل وشرب ووطئ وعصى، ومن ظن انه ليل ففعل شيئا من ذلك فإذا به قد أصبح، أو ظن انه قد غابت الشمس ففعل شيئا من ذلك فإذا بها لم تغرب: فان صوم كل من ذكرنا تام.
لقول الله تعالى: (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم).
ولقول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن امتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) * حدثنا بذلك أحمد بن عمر بن أنس العذري قال ثنا الحسين (3) بنت عبد الله الجرجاني قال ثنا عبد الرزاق بن أحمد بن عبد الحميد الشيرازي أخبرتنا فاطمة بنت الحسن (4) الريان (
__________
(1) بفتح الباء الموحدة والجيم وتشديد الدال المهملة المفتوحة بالقصر، وهى قرية بين رس عين والرقة، وباسمها قرية اخرى من قرى بغداد، والحسين بن عياش من الاولى لانه رقى.
وفى النسخة رقم (16) (يا جد) وهو خطأ (2) في النسخة رقم (16) (ولايجوز رفعه) (3) في النسخة رقم (14) (الحسن) (4) في الاصلين (فاطمة بنت الحسين) ولكنه مضى في المسألة 380 من المحلى (ج 5 ص 149) (ج 4 ص 4) وفى الاحكام (ج 5 ص 149) بهذا الاسناد وفيه (فاطمة بنت الحسين) *(6/220)
المخزومى وراق أبى بكر بن قتيبة ثنا الربيع بن سليمان المؤذن المرادى ثنا بشر بن بكر عن الاوزاعي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله تجاوز لى عن امتى الخطأ النسيان وما استكرهوا عليه) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا عبدان أنا يزيد بن زريع ثنا هشام هو ابن حسان ثنا ابن سيرين عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نسى أحدكم فأكل، أو شرب فليتم صومه، فانما أطعمه الله وسقاه) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود
ثنا موسى بن اسماعيل ثنا حماد بن سلمة ثنا أيوب هو السختيانى وحبيب بن الشهيد كلاهما عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنى أكلت وشربت ناسيا وأنا صائم؟ فقال: الله أطعمك وسقاك) * ورويناه أيضا عن أبى رافع، وخلاس عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد: فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم صائما، وأمره باتمام صومه ذلك، فصح أنه صحيح الصوم.
وبه يقول جمهور السلف * روينا من طريق وكيع عن شعبة عن عبد الله بن دينار قال: استسقى ابن عمر وهو صائم، فقتل: ألست صائما؟ فقال: أراد الله أن يسقينى فمنعتني * ومن طريق أبى هريرة: من شرب ناسيا أو أكل ناسيا فليس عليه بأس، ان الله أطعمه وسقاه * وعن على بن أبى طالب، وزيد بن ثابت مثل هذا * ورويناه أيضا عن عطاء، وقتادة ومجاهد، والحسن، وسويا (1) في ذلك بين المجامع والآكل، وعن الحكم بن عتيبة مثله، وعن أبى الاحوص، وعلقمة، وابراهيم النخعي، والحسن البصري، وهو قول أبى حنيفة.
وسفيان وأحمد بن حنبل.
والشافعي.
وأبى سليمان وغيرهم، إلا أن بعض ما ذكرنا رأى الجماع بخلاف الاكل والشرب، ورأى فيه القضاء، وهو قول عطاء، وسفيان * قال أبو محمد: وقال مالك: القضاء واجب على الناسي * قال على: وما نعلم لهم حجة أصلا، إلا أنهم قالوا: الاكل، والجماع والشرب ينافى الصوم * (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (وسووا) وهو محتمل ان يكون المراد قتادة ومجاهد والحسن، وأما عطاء فقد نقل عنه المؤلف التفرقة بين المجامع والآكل ناسيا.
وكذلك نقله عنه ابن حجر في الفتح (ج 4 ص 111) *(6/221)
فقيل لهم: وعلى هذا فالاكل والشرب ينافى الصلاة وأنتم تقولون: ان ذلك لا يبطل
الصلاة إذا كان بنسيان! فظهر تناقضهم! فكيف وقولهم هذا خطأ؟! * وانما الصواب أن تعمد الاكل والشرب والجماع والقئ ينافى الصوم، لا الاكل كيف كان، ولا الشرب كيف كان، ولا الجماع كيف كان، ولا القئ كيف كان، فهذا هو الحق المتفق عليه، والذى جاءت به النصوص من القرآن والسنن * وأما دعواهم فباطل، عارية من الدليل جملة، لا من قرآن، ولا من سنة صحيحة، ولامن رواية فاسدة، ولامن قياس، ولا من قول أحد من الصحابة رضى الله عنهم، بل هذا مما نقضوا فيه وتناقضوا فيه، لانهم يعظمون خلاف قول الصاحب إذا وافقهم وخالفوا ههنا طائفة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف، وقالوا: الكلام، أو الاكل، أو الشرب في الصلاة بنسيان لا يبطلها، وأبطلوا الصوم بكل ذلك بالنسيان! وهذا تناقض لاخفاء به * وأما أبو حنيفة فتناقض أيضا، لانه رأى أنه الكلام ناسيا.
أو الاكل ناسيا.
أو الشرب ناسيا تبطل الصلاة بكل ذلك ويبتدئها، وخالف السنة الواردة في ذلك، ورأى الجماع يبطل الحج ناسيا كان، أو عامدا (1) ورأى أن كل ذلك لا يبطل الصوم، واتبع الخبر في ذلك، ورأى الجماع ناسيا لا يبطل الصوم، قياسا على الاكل، ولم يقس الآكل نائما على الآكل ناسيا، بل رأى (2) الاكل نائما يبطل الصوم، وهو ناس بلا شك، وهذا تخليط لا نظير له! * وادعى مقلدوه الاجماع على أن الجماع والاكل ناسيا سواء، وكذبوا في ذلك، لاننا روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج: قلت لعطاء: رجل أصاب امرأته ناسيا في رمضان؟ فقال عطاء: لا ينسى هذا كله! عليه القضاء، لم يجعل الله له عذرا، وان طعم ناسيا فليتم صومه ولا يقضيه، الله أطعمه وسقاه (3) وبه يقول سفيان الثوري * ورأى ابن الماجشون على من أكل ناسيا.
أو شرب ناسيا القضاء، وعلى من جامع ناسيا القضاء والكفارة! وهذه أقوال فاسدة، وتفاريق لا تصح.
وبالله تعالى التوفيق *
قال أبو محمد: ومن أكل وهو يظن أنه ليل أو جامع كذلك أو شرب كذلك فإذا به نهار إما بطلوع الفجر وأما بأن الشمس لم تغرب: فكلاهما لم يتعمد إبطال صومه، وكلاهما ظن أنه في غير صيام، والناسى ظن أنه في غير صيام ولا فرق، فهما (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (ورأى الجماع في الحج أو عمدا يبطله) (2) في النسخة رقم (16) (ورأى) (3) نقل ابن حجر في الفتح اوله عن عطاء (ج 4 ص 111) *(6/222)
والناسى سواء ولا فرق * وليس هذا قياسا ومعاذ الله من ذلك وانما يكون قياسا لو جعلنا الناسي أصلا ثم شبهنا به من أكل وشرب وجامع وهو يظن أنه في ليل فإذا به في نهار، ولم نفعل هذا بل كلهم سواء في قول الله تعالى: (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) وفى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لامتي (1) الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (2)) * وهذا قول جمهور السلف * روينا من طريق عبد الرزاق: ثنا معمر عن الاعمش عن زيد بن وهب قال: أفطر الناس في زمن عمر بن الخطاب فرأيت عساسا (3) أخرجت من بيت حفصة فشربوا، ثم طلعت الشمس من سحاب، فكأن ذلك شق على الناس، فقالوا: نقضى هذا اليوم فقال عمر: لم؟ والله ما تجانفنا لاثم (4) * وروينا أيضا من طريق الاعمش عن المسيب (5) عن زيد بن وهب، ومن طريق ابن أسلم عن أخيه عن أبيه ولم يذكر قضاء * وقد روى عن عمر أيضا القضاء، وهذا تخالف من قوله، فوجب الرجوع إلى ما افترض الله تعالى الرجوع إليه عند التنازع، من القرآن والسنة، فوجدنا ما ذكرنا قبل، مع أن هذه الرواية عن عمر أولى لان زيد بن وهب له صحبة، وانما روى عنه
القضاء من طريق على بن حنظلة عن أبيه (6) * وروينا من طريق شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة عمن تسحر نهارا وهو يرى أن عليه ليلا؟ يقال: يتم صومه * ومن طريق سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبى نجيح عن مجاهد قال: من أكل (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (عن امتى) وبحاشيتها نسخة اخرى كما هنا (2) سواء رضى المؤلف ان يكون هذا قياسا أو لم يرض فانه قياس في الحقيقة على الناسي، لان النص لم يدل على عدم بطلان صوم من أفطر ظانا انه في ليل، والقياس على الناسي الذى ذكره المؤلف قياس صحيح، وان تحاشى هو ان يسميه قياسا (3) هو بكير العين وتخفيف السين المهملتين، جمع (عس) بضم العين وهو القدح الضخم، قيل نحو ثمانية ارطال أو تسعة، ويجمع ايضا على (اعساس) و (عسسة) بكسر العين وفتح السينين (4) تجانف لاثم: مال إليه، أي لم نمل فيه لارتكاب اثم، وفى الاصلين (تجنفنا) وهو خطأ وقد نقله ابن حجر في الفتح (ج 4 ص 143) بلفظ (ما يجانفنا الاثم) وهو خطأ صرف (5) هو المسيب بن رافع الاسدي (6) على ابن حنظلة لم اجد له ترجمة، وفى رواة تاريخ الطبري (على بن حنظلة بن اسعد الشامي) (ج 6 ص 243) فلا ادرى هو أو لا، وفى الرواة عن عمر (حنظلة بن قيس الزرقى) وليس في اولاده من يسمى عليا، وهذا الاثر نقله في الفتح من طريق عبد الرزاق (ج 4 ص 143) *(6/223)
بعد طلوع الفجر وهو يظن أنه لم يطلع فليس عليه القضاء، لان الله تعالى يقول: (حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر) * ومن طريق ابن أبى شيبة: ثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن البصري فيمن تسحر وهو يرى أنه ليل، قال: يتم صومه * ومن طريق ابن أبى شيبة: ثنا أبو داود هو الطيالسي عن حبيب عن عمرو ابن هرم عن جابر بن زيد فيمن أكل يرى أنه ليل فإذا به نهار، قال: يتم صومه * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج، معمر، قال ابن جريج: عن عطاء، وقال
معمر: عن هشام بن عروة عن أبيه، ثم اتفق عروة وعطاء فيمن أكل في الصبح وهو يرى أنه ليل: لم يقضه * فهؤلاء عمر بن الخطاب، والحكم بن عتيبة، ومجاهد، والحسن، وجابر بن زيد أبو الشعثاء، وعطاء بن أبى رباح، وعورة بن الزبير، وهو قول أبى سليمان * وروينا عن معاية.
وسعيد بن جبير.
وابن سيرين.
وهشام بن عروة.
وعطاء وزياد ابن النصر (1) وانما قال هؤلاء: بالقضاء في الذى يفطر، وهو يرى أنه ليل ثم تطلع الشمس وأما في الفجر فلا، مثل قول أبى حنيفة، ومالك، والشافعي، وما نعلم لهم حجة أصلا * فان ذكروا ما رويناه من طريق ابن أبى شيبة عن أبى أسامة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبى بكر قالت: (أفطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) قال أبو أسامة: قلت لهشام: فأمروا بالقضاء؟ فقال: ومن ذلك به (2)؟! * فان هذا ليس إلا من كلام هشام، وليس من الحديث، فلا حجة فيه، وقد قال معمر: سمعت هشام بن عروة في هذا الخبر نفسه يقول: لاأدرى أقضوا أم لا؟! فصح ما قلنا * وأما من أكره على الفطر، أو وطئت امرأة نائمة، أو مكرهة أو مجنونة أو مغمى عليها، أو صب في حلقه ماء وهو نائم: فصوم النائم والنائمة والمكره والمكرهة تام صحيح لا داخلة فيه، ولا شئ عليهم، ولا شئ على المجنونة، والمغمى عليها، ولا على (3) المجنون والمغمى عليه، لما ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله تجاوز لامته (4) (
__________
(1) كذا بالاصلين بحذف المروى عنهم، وهو مفهوم من السياق انهم قالوا بالقضاء (2) هو في البخاري (فتح ج 4 ص 143) بلفظ (بد من قضاء؟) وهو لفظ محتمل، ولكن ابن حجر نقل عن رواية ابى ذر (لابد من القضاء) (3) في النسخة رقم (14) (وعلى) بحذف (لا) (4) كذا في الاصلين ولعله حكاية قوله عليه السلام من الراوى فيصح *(6/224)
عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) والنائم والنائمة مكرهان بلا شك غير مختارين لما فعل بهما * وقال زفر: لا شئ على النائم، والنائمة ولا قضاء كما قلنا، سواء سواء، وصومهما تام وهو قول الحسن بن زياد، وقد روى أيضا عن أبى حنيفة في النائم مثل قول زفر * وقال سفيان الثوري: إذا جومعت المرأة مكرهة في نهار رمضان فصومها تام ولا قضاء عليها (1)، وهو قول عبيدالله بن الحسن وبه يقول أبو سليمان وجميع أصحابنا * والمجنون، والمغمى عليه غير مخاطبين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن المجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ، والصبى حتى يحتلم) * والمشهور عن أبى حنيفة أن القضاء على النائم والنائمة، والمكره والمكرهة، والمجنون والمجنونة، والمغمى عليهما (2) وهو قول مالك * قال أبو محمد: وهو قول ظاهر الفساد، وما نعلم لهم حجة من قرآن، ولاسنة صحيحة ولا رواية فاسدة ولاقول صاحب، ولاقياس، إلا أن بعضهم قاس ذلك على المكره على الحديث أنه تنتقض طهارته * قال على: وهذا قياس في غاية الفساد لو كان القياس حقا فكيف والقياس كله باطل؟! لان الطهارة تنتقض من الاحداث بقسمين: أحدهما بنقضها كيف ماكان، بنسيان أو عمد أو إكراه، والآخر لا ينقضها الا بالعمد على حسب النصوص الواردة في ذلك، وهم متفقون على أن الريح والبول والغائط ينقض الطهارة بنسيان كان أو بعمد فيلزمهم إذا قاسوا الاكراه في الصوم على الاكراه في الطهارة: ان يقيسوا الناسي في الصوم (3) على الناسي في الطهارة، والمغلوب بالقئ على المغلوب بالحدث وكلهم لا يقولون بهذا أصلا، فبطل قياسهم الفاسد! * وكان أدخل في القياس لو قاسوا المكره والمغلوب في الصوم على المكره والمغلوب في الصلاة على ترك القيام أو ترك السجود أو الركوع، فهؤلاء صلاتهم تامة باجماع منهم،
فكذلك يجب أن يكون صوم المكره (4) والمغلوب ولافرق ولكنهم لا يحسنون القياس! ولا يتبعون النصوص! ولا يطردون أصولهم! وبالله تعالى التوفيق * وأما دخول الحمام، والتغطيس في الماء، ودهن الشارب فقد روينا عن على بن أبى طالب (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (عليه) وهو خطأ (2) في النسخة رقم (16) ((عليها) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (16) (في الصائم) وهو خطأ (4) في النسخة رقم (16) (ان يكون المكره) *(6/225)
رضى الله عنه: لايدخل الصائم الحمام.
وعن ابراهيم النخعي (1) الافطار بدهن الشارب، وعن بعض السلف مثل ذلك في التغطيس في الماء، ولا حجة الا فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأت عنه نهى للصائم عن شئ من ذلك، فكل ذلك مباح لا يكدح (2) في الصوم.
وبالله تعالى التوفيق * 754 مسألة قال على: اختلف الناس في المجنون، والمغمى عليه * فقال أبو حنيفة: من جن شهر رمضان كله فلا قضاء عليه، فان أفاق في شئ منه (3) قضى الشهر كله، قال: ومن أغمى عليه الشهر كله فعليه قضاؤه كله، فان أعمى عليه بعد ليلة من الشهر قضى الشهر كله إلا يوم تلك الليلة التى أغمى عليه فيها، لانه قد نوى صيامه من الليل * وقال مالك: من بلغ وهو مجنون مطبق فاقام وهو كذلك سنين ثم أفاق: فانه يقضى كل رمضان كان في تلك السنين، ولا يقضى شيئا من الصلوات، قال: فان أغمى عليه أكثر النهار فعليه قضاؤه، فان أغمى عليه أقل النهار فلى عليه قضاؤه.
وقد روى عنه إيجاب القضاء عليه جملة دون تقسيم * وقال عبيدالله بن الحسن: لا قضاء على المجنون إلا على الذى يجن ويفيق، ولاقضاء على المغمى عليه * وقال الشافعي: لا يقضى المجنون، ويقضى المغمى عليه *
وقال أبو سليمان: لاقضاء عليهم * قال أبو محمد: كنا نذهب إلى ان المجنون: والمغمى عليه يبطل صومهما ولاقضاء عليهما، وكذلك الصلاة، ونقول: ان الحجة في ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عمر ابن عبد الملك الخولانى ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى بن اسماعيل ثنا وهيب هو ابن خالد عن خالد هو الحذاء عن أبى الصحى عن على بن أبى طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل) وكنا نقول: إذا رفع القلم عنه فهو غير مخاطب بصوم ولا بصلاة * ثم تأملنا هذا الخبر بتوفيق الله تعالى فوجدناه ليس فيه الاما ذكرنا من أنه غير مخاطب في حال جنونه حتى يعقل، وليس في ذلك بطلان صومه الذى لزمه قبل (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (وعن النخعي) (2) الكدح بالكاف الخدش (3) في النسخة رقم (16) (منها) وهو خطأ *(6/226)
جنونه، ولا عودته عليه بعد افاقته، وكذلك المغمى، فوجب أن من جن بعد أن نوى الصوم من الليل فلا يكون مفطرا بجنونه، لكنه فيه غير (1) مخاطب، وقد كان مخاطبا به، فان أفاق في ذلك اليوم أو في يوم بعده من أيام رمضان فانه ينوى الصوم من حينه ويكون صائما، لانه حينئذ علم بوجوب الصوم عليه، وهكذا من جاءه الخبر برؤية الهلال، أو من علم بأنه يوم نذره أو فرضه على ما قدمنا قبل، وكذلك من أغمى عليه كما ذكرنا، وكذلك من جن أو أغمى عليه قبل غروب الشمس، أو من نام أو سكر قبل غروب الشمس فلم يستيقظ ولا صحا الا من الغد وقد مضى أكثر النهار، أو أقله * ووجدنا المجنون لا يبطل جنونه إيمانه ولا أيمانه (2) ولا نكاحه ولاطلاقه ولا ظهاره
ولا إيلاءه ولا حجة ولا احرامه ولا بيعه ولا هبته، ولا شيئا من أحكامه اللازمة له قبل جنونه، ولا خلافته ان كان خليفة، ولا إمارته ان كان أميا، ولا ولايته (3)، ولا وكالته، ولا توكيله، ولا كفره، ولا فسقه، ولا عدالته، ولا وصاياه، ولا اعتكافه، ولا سفره، ولا اقامته، ولاملكه، ولا نذره، ولا حنثه، ولا حكم العام في الزكاة عليه (4) * ووجدنا ذهوله عن كل ذلك لا يوجب بطلان شئ من ذلك، فقد يذهل الانسان عن الصوم والصلاة حتى يظن (5) أنه ليس مصليا ولا صائما فيأكل ويشرب، ولا يبطل بذلك صومه ولا صلاته، بهذا جاءت السنن على ما ذكرنا في الصلاة وغيرها، وكذلك المغمى عليه ولافرق في كل ذلك، ولا يبطل الجنون والاغماء إلا ما يبطل النوم من الطهارة بالوضوء وحده فقط * وأيضا: فان المغلوب المكره على الفطر لا يبطل صومه بذلك على ما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى، والمجنون، والمكره مغلوبان مكرهان مضطران بقدر (6) غالب من عند الله تعالى على ما أصابهما، فلا يبطل ذلك صومهما * وأيضا: فان من نوى الصوم كما أمره الله عزوجل ثم جن، أو أغمى عليه فقد صح صومه بيقين من نص واجماع، فلا يجوز بطلانه بعد صحته إلا بنص أو إجماع، ولا إجماع في ذلك أصلا.
وبالله تعالى التوفيق * وأما من بلغ مجنونا مطبقا فهذا لم يكن قط مخاطبا، ولا لزمته الشرائع، ولا الاحكام (
__________
(1) كلمة (غير) سقطت خطأ من النسخة رقم (16) (2) قوله (ولا أيمانه) زيادة من النسخة رقم (16) (3) قوله (ان كان اميرا ولا ولايته) زيادة من النسخة رقم (14) (4) في النسخة رقم (4) (ولا حكمه لعام في الزكاة عليه) (5) في النسخة رقم (14) (حتى يفطن) وما هنا اصح وأوضح (6) في النسخة رقم (16) (بعذر) *(6/227)
ولم يزل مرفوعا عنه القلم، فلا يجب عليه قضاء صوم أصلا، بخلاف قول مالك: فإذا عقل فحينئذ (1) ابتدأ الخطاب بلزومه إياه لا قبل ذلك *
وأما من شرب حتى سكر في ليلة رمضان وكان نوى الصوم فصحا بعد صدر من النهار أقله أو أكثره أو بعد غروب الشمس: فصومه تام، وليس السكر معصية، إنما المعصية شرب ما يسكر سواء سكر أم لم يسكر، ولا خلاف في أن من فتح فمه (2) أو أمسكت يده وجسده وصب الخمر في حلقه حتى سكر أنه ليس عاصيا بسكره، لانه لم يشرب ما يسكره باختياره، والسكر ليس هو فعله، إنما هو فعل الله تعالى فيه، وإنما ينهى المرء عن فعله، لا عن فعل الله تعالى فيه الذى لا اختيار له فيه * وكذلك من نام ولم يستيقظ الا في النهار ولا فرق، أو من نوى الصوم ثم لم يستيقظ الا بعد غروب الشمس، فصومه تام * وبقى حكم من جن، أو أغمى عليه، أو سكر، أو نام قبل غروب الشمس فلم يفق ولا صحا ولا انتبه ليلته كلها والغد كله إلى (3) بعد غروب الشمس: أيقضيه أم لا؟ فوجدنا القضاء إيجاب شرع، والشرع لا يجب الا بنص، فلم نجد (4) إيجاب القضاء في النص إلا على أربعة: المسافر، والمريض بالقرآن والحائض، والنفساء، والمتعمد للقئ (5) بالسنة ولا مزيد، ووجدنا النائم، والسكران، والمجنون المطبق عليه (6) ليسوا مسافرين ولا متعمدين للقئ ولا حيضا ولامن ذوات النفاس ولا مرضى، فلم يجب عليهم القضاء (7) أصلا، ولا خوطبوا بوجوب الصوم عليهم في تلك الاحوال، بل القلم مرفوع عنهم بالسنة، ووجدنا المصروع، والمغمى عليه مريضين بلا شك، لان المرض هي حال مخرجة للمرء عن حال الاعتدال، وصحة الجوارح والقوة إلى الاضطراب وضعف الجوارح واعتلالها، وهذه صفة المصروع، والمغمى عليه بلا شك، ويبقى وهن ذلك وضعفه عليهما بعد الافاقة مدة، فاذهما مريضان فالقضاء عليهما بنص القرآن وبالله تعالى التوفيق * وليس قولنا بسقوط الصلاة عن المغمى عليه إلا ما أفاق في وقته (8) منها وبقضاء النائم للصلاة مخالفا لقولنا ههنا، بل هو موافق، لان ما خرج وقته للمغمى عليه فلم يكن
(
__________
(1) في النسخة رقم (16) (حينئذ) بدون الفاء (2) في النسخة رقم (14) (فيمن فتح فمه) (3) في النسخة رقم (16) (إلا) بدل (إلى) (4) في النسخة رقم (16) (فلم يجز) وما هنا اصح (5) هؤلاء خمسة، وكأنه عد الحائض والنفساء من نوع واحد (6) كلمة (عليه) ليست في النسخة رقم (14) (7) في النسخة رقم (16) (قضاء) (8) في النسخة رقم (16) (في الوقت نفسه) *(6/228)
مخاطبا بالصلاة فيه، ولا كان أيضا مخاطبا بالصوم، ولكن الله تعالى أوجب على المريض عدة من أيام أخر، ولم يوجب تعالى على المريض قضاء صلاة، وأوجب قضاء الصلاة على النائم والناسى، ولم يوجب قضاء صيام على النائم والناسى (1) بل أسقطه تعالى عن الناسي والنائم، إذ لم يوجبه عليه، فصح قولنا.
والحمد لله رب العالمين * وأما قول أبى حنيفة ففى غاية الفساد، لانه دعوى بلا برهان، ولم يتبع نصا ولا قياسا لانه رأى على من أفاق في شئ من رمضان من جنونه قضاء الشهر كله، وهو لا يراه على من بلغ، أو أسلم حينئذ * وقال بعض المالكيين: المجنون بمنزلة الحائض! وهذا كلام يغنى ذكره عن تكلف إبطاله، وما ندرى فيما يشبه المجنون الحائض؟! * 755 مسألة ومن جهده الجوع أو العطش حتى غلبه الامر ففرض عليه أن يفطر، لقول الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) ولقول الله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقول الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) * فان كان خرج بذلك إلى حد المرض فعليه القضاء، وان كان لم يخرج إلى حد المرض فصومه صحيح (2) ولاقضاء عليه، لانه مغلوب مكره مضطر، قال الله عزوجل: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) ولم يأت القرآن ولا السنة بايجاب قضاء على مكره، أو مغلوب، بل قد أسقط الله تعالى القضاء عمن ذرعه القئ (3) وأوجبه على
من تعمده * 756 مسألة ولا يلزم صوم في رمضان ولا في غيره الا بتبين (4) طلوع الفجر الثاني، وأما ما لم يتبين فالاكل والشرب والجماع مباح كل ذلك، كان على شك من طلوع الفجر أو على يقين من أنه لم يطلع * فمن رأى الفجر وهو يأكل فليقذف ما في فمه من طعام وشراب، وليصم، ولا قضاء عليه، ومن رأى الفجر وهو يجامع فليترك (5) من وقته، وليصم، ولاقضاء عليه، سواء في كل ذلك كان طلوع الفجر (6) بعد مدة طويلة أو قريبة، فلو توقف باهتا فلا شئ عليه، وصومه تام، ولو أقام عامدا فعليه الكفارة * (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (على الناسي) بحذف النائم (2) في النسخة رقم (16) (فصومه تام) (3) في النسخة رقم (14) (على من ذرعه القئ) (4) في النسخة رقم (16) (الا في تبيين) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (16) (فليزل) (6) في النسخة رقم (16) (كان الطلوع للفجر) *(6/229)
ومن أكل شاكا في غروب الشمس أو شرب فهو عاص لله تعالى، مفسد لصومه، ولا يقدر على القضاء، فان جامع شاكا في غروب الشمس فعليه الكفارة * برهان ذلك قول الله عزوجل: (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم.
وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) وهذا نص ما قلنا، لان الله تعالى أباح الوطئ والاكل والشرب إلى أن يتبين لنا (1) الفجر، ولم يقل تعالى: حتى يطلع الفجر، ولا قال: حتى تشكوا في الفجر، فلا يحل لاحد أن يقوله، ولا أن يوجب صوما بطلوعه ما لم يتبين للمرء، ثم أوجب الله تعالى التزام الصوم إلى الليل * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا عبيد بن اسماعيل عن أبى أسامة عن عبيدالله هو ابن عمر عن نافع والقاسم بن محمد
أبن أبى بكر؟ قال القاسم: عن عائشة، وقال نافع: عن ابن عمر، قالت عائشة وابن عمر كان (بلا يؤذن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان بلا لا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فانه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) * وبه إلى البخاري: ثنا عبد الله بن مسلمة هو القعنبى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، قال: وكان رجلا أعمى لا ينادى حتى يقال له: أصبحت أصبحت) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا عبد الوارث (2) عن عبد الله ابن سوادة بن حنظلة القشيرى حدثنى أبى أنه سمع سمرة بن جندب يقول: قال رسول الله عليه السلام: (3) (لا يغرن أحدكم نداء بلال من السحور، ولا هذا البياض حتى يستطير) * وكذلك حديث عدى بن حاتم، وسهل بن سعد في الخيطين (4) الاسود، والابيض، فقال عليه السلام: (انما ذلك سواد الليل وبياض النهار) * قال أبو محمد: فنص عليه السلام على أن ابن أم مكتوم يؤذن حتى يطلع (5) (
__________
(1) كلمة (لنا) زيادة من النسخة رقم (16) (2) قوله (ثنا عبد الوارث) سقط من الاصلين، وهو خطأ، وصححناه من مسلم (ج 1 ص 302) (3) قوله (قال رسول الله عليه السلام) حذف من الاصلين، وكتب بحاشية النسخة رقم (14).
عليه ما نصه (نسخة صحيحة)، وهو ضروري لان الحديث مرفوع، وفي مسلم (سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يقول) الخ (كلمة (الخيطين) سقطت من النسخة رقم (16) (5) في النسخة رقم (16) (الا حتى) *(6/230)
الفجر، وأباح الاكل إلى أذانه، فقد صح أن الاكل مباح بعد طلوع الفجر ما لم يتبين لمريد الصوم طلوعه *
وقد ادعى قوم أن قوله تعالى: (حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حتى يطلع الفجر): و: (حتى يقال له: أصبحت أصبحت) أن ذلك على المقاربة، مثل قوله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف) انما معناه فإذا قاربنا بلوغ أجلهن * قال أبو محمد: وقائل هذا مستسهل للكذب على القرآن وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم * أو ذلك أنه دعوى بلا برهان، وإحالة لكلام الله تعالى عن مواضعه، ولكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول عليه بما لم يقل، ولو كان ما قالوا لكان بلال وابن أم مكتوم معا لا يؤذنان الا قبل الفجر، وهذا باطل، لا يقوله أحد، لاهم ولا غيرهم * وأما قوله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن).
فاقحامهم فيه أنه تعالى أراد فإذا قاربن بلوغ أجلهن: باطل وكذب، ودعوى بلا برهان، ولو كان (1) ما قالوه لكان لا يجوز له الرجعة الا عند مقاربة انتهاء العدة، ولا يقول هذا أحد، لاهم ولا غيرهم، وهو تحريف للكلم عن مواضعه، بل الآية على ظاهرها، وبلوغ أجلهن هو بلوغهن أجل العدة، وليس هو انقضاءها، وهذا هو الحق لانهن إذا كن أجل العدة كله فللزوج الرجعة، وله الطلاق، فبطل ما قالواه بيقين لا إشكال فيه * وقال بعضهم: قول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال: (اكلا لنا الفجر) موجب لصحة قولهم * قال أبو محمد: وهذا باطل لوجيهن * أحدهما: أنه عليه السلام لم يأمره بذلك إلا للصلاة، لا للصوم * والثانى: أنه حتى لو أمره بذلك للصوم لكان حجة لنا لا لهم، لان الاكل والجماع مباحان إلى أن ينذرهم بلال بطلوع الفجر، وإنذاره إياهم بطلوع الفجر لا يكون إلا بعد طلوع الفجر بلا شك، فالاكل، والشرب، والجماع مباح كل ذلك ولو طلع الفجر، وانما يحرم كل ذلك بانذار بلال بعد طلوع الفجر، هذا مالا حيلة لهم فيه، وقولهم هنا خلاف للقرآن ولجميع السنن *
حدثنا حمام بن احمد ثنا عبد الله بن محمد الباجى ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا حبيب ابن خلف البخاري ثنا أبو ثور ابراهيم بن خالد ثنا روح بن عبادة ثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبى النجود عن زربن حبيش قال: (تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد، فدخلت (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ولو قال) وهو خطأ *(6/231)
على حذيفة، فأمر بلقحة فحلبت، ثم أمر بقد فسخنت، ثم قال: كل، قلت: إنى أريد الصوم، قال: وأنا أريد الصوم، فأكلنا ثم شربنا ثم أتينا المسجد، (1) وقد أقيمت الصلاة، فقال حذيفة: هكذا فعل بى (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: بعد الصبح؟! قال: بعد الصبح إلا أن الشمس لم تطلع) * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن عصام بن أبى النجود عن زر ابن حبيش: (قلت لحذيفة: أي وقت تسحرتم مع النبي صلى الله عليه وسلم؟! قال: هو النهار، إلا أن الشمس لم تطلع) * ومن طريق حماد بن سلمة عن عمار بن أبى عمار عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمع أحدكم النداء والاناء على يده فلا يضعه حتى يقضى حاجته منه) (3) قال عمار: وكانوا يؤذنون إذا بزغ الفجر، قال حماد عن هشام بن عروة: كان أبى يفتى بهذا * وحدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة عن أنس: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تسحر هو وزيد بن ثابت، وهو عليه السلام يريد الصوم، ثم صلى الركعتين ثم خرج إلى المسجد فأقيمت الصلاة) قال أبو محمد: هذا كله على أنه لم يكن يتبين لهم الفجر بعد، فبهذا تنفق السنن مع القرآن * وروينا من طريق معمر عن أبان عن أنس عن أبى بكر الصديق أنه قال: إذا نظر الرجلان إلى الفجر فشك أحدهما فليأكلا (4) حتى يتبين لهما *
ومن طريق أبى احمد الزبيري عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن هلال ابن يساف عن سالم بن عبيد قال: كان أبو بكر الصديق يقول لى: قم بينى وبين الفجر حتى أتسحر! * ومن طريق ابن أبى شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن هلال ابن يساف عن سالم بن عبيد الاشجعى قال: قم فاسترني من الفجر، ثم أكل * سالم بن عبيد هذا أشجعي كوفى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه أصح طريق يمكن أن تكون * (
__________
(1) من أول قوله (ثم امر بقدر فسخنت) إلى هنا سقط خطأ من النسخة رقم (16) (2) كلمة (بى) زيادة من النسخة رقم (14) (3) الحديث رواه أبو داود (ج 2 ص 276) عن عبد الاعلى بن حماد عن حماد عن محمد بن عمر عن ابى سلمة عن ابى هريرة مرفوعا، وسكت عنه هو والمنذري، وكلا السنادين صحيح، وكذلك رواه الحاكم (ج 1 ص 426) من طريق عبد الاعلى بن حماد النرسى عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمر.
كرواية ابى داود، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي (4) في النسخة رقم (16) (فليأكل) وهو خطأ *(6/232)
وقد روينا من طريق وكيع وعبد الرزاق، قال وكيع، عن يونس بن أبى إسحق عن أبى السفر، وقال عبدالزراق: عن معمر عن أيوب السختيانى عن أبى قلابة، قالا جميعا: كان أبو بكر الصديق يقول: أجيفوا الباب حتى نتسحر!! إلايجاف: الغلق * ومن طريق الحسن: أن عمر بن الخطاب كان يقول: إذا شك الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا * ومن طريق حماد بن سلمة: ثنا حميد عن أبى رافع أو غيره عن أبى هريرة: أنه سمع النداء والاناء على يده فقال: أحرزتها ورب الكعبة! * ومن طريق ابن جريج عن عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس قال: أحل الله الشراب ما شككت، يعنى في الفجر *
وعن عكرمة قال قال ابن عباس: اسقنى يا غلام، قال له: أصبحت، فقلت: كلا، فقال ابن عباس: شك لعمر الله، اسقنى، فشرب * وعن، وكيع عن عمارة بن زاذان عن مكحول الازدي قال: رأيت ابن عمر أخذ دلوا من زمزم وقال لرجلين: أطلع الفجر؟ قال أحدهما: قد طلع، وقال الآخر: لا، فشرب ابن عمر * وعن سعد بن أبى وقاص: أنه تسحر في رمضان بالكوفة ثم خرج إلى المسجد فأقيمت الصلاة * وعن سفيان بن عينة عن شبيب بن غرقدة عن حبان بن الحارث: أنه تسحر مع على بن أبى طالب وهما يريدان الصيام، فلما فرغ قال للمؤذن: أقم الصلاة * ومن طريق ابن أبى شيبة ثنا جرير هو ابن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن شبيب بن غرقدة عن أبى عقيل قال: تسحرت مع على بن أبى طالب ثم أمر المؤذن أن يقيم الصلاة * ومن طريق ابن أبى شيبة: ثنا أبو معاوية عن الشيباني هو أبو إسحاق عن جبلة بن سحيم عن عامر بن مطر قال: أتيت عبد الله بن مسعود في داره، فأخرج لنا فضل سحور، فتسحرنا معه، فأقيمت الصلاة، فخرجنا فصلينا معه * ومن طريق حذيفة نحو هذا * ومن طريق ابن ابى شيبة: ثنا عفان بن مسلم ثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن(6/233)
قال: سمعت عمتى وكانت قد حجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن ابن أم مكتوم ينادى بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادى بلال، وان بلالا يؤذن (2) بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، قالت: وكان يصعد هذا وينزل هذا، قالت فكنا نتعلق به فنقول: كما أنت حتى نتسحر!) *
فحصل لنا من هذا الخبر أنهما كانا مؤذنين: أحدهما قبل الفجر بيسير، أيهما كانا، حينا هذا، وحينا هذا والآخر ولا بد بعد الفجر * وعن محمد بن على بن الحسين: كل حتى يتبين لك الفجر * وعن الحسن: كل ما امتريت * وعن أبى مجلز: الساطع ذلك الصبح الكاذب، ولكن إذا انفضح الصبح في الافق * وعن ابراهيم النخعي: المعترض الاحمر يحل الصلاة ويحرم الطعام * وعن ابن جريج: قلت لعطاء: أتكره أن أشرب وأنا في البيت لا أدرى لعلى قد أصبحت؟ قال: لا بأس بذلك، هو شك * ومن طريق ابن أبى شيبة: ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن مسلم قال: لم يكونوا يعدون الفجر فجركم، انما كانوا يعدون الفجر الذى يملا البيوت والطرق * وعن أبى وائل: أنه تسحر وخرج إلى المسجد فأقيمت الصلاة * وعن معمر: أنه كان يؤخر السحور جدا، حتى يقول الجاهل: لا صوم له * قال على وقد ذكرنا في باب (من تسحر فإذا به نهار وهو يظن أنه ليل (3)) من لم ير في ذلك قضاء * فهؤلاء أبو بكر، وعمر، وعلى، وابن عمر، وابن عباس، وأبو هريرة، وابن مسعود، وحذيفة، وعمة خبيب، وزيد بن ثابت، وسعد بن أبى وقاص، فهم أحد عشر من الصحابة، لا يعرف لهم مخالف من الصحابة رضى الله عنهم * إلا رواية ضعيفة من طريق مكحول عن أبى سعيد الخدرى ولم يدركه، ومن طريق يحيى الجزار عن ابن مسعود لم يدركه * ومن التابعين: محمد بن على، وأبو مجلز، وابراهيم، ومسلم، وأصحاب ابن مسعود، وعطاء والحسن، والحكم بن عتيبة، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وجابربن زيد * ومن الفقهاء: معمر، والاعمش *
(
__________
(1) خبيب - بظم الخاء المعجمة، وعمته هي انيسة بنت خبيب - بالظم ايضا - بن يساف الانصارية انظر الاصابة (ج 8 ص 22) (2) في النسخة رقم (14) (ينادى) (3) يعنى في المسألة 753 *(6/234)
فان ذكروا رواية سعد بن قطن عن أبيه عن معاوية فيمن أفطر وهو يرى أنه ليل فطلعت الشمس: أنه عليه القضاء وبالرواية عن عمر بمثل ذلك: فانما هذا (1) في الافطار عند الليل، لا في الاكل شاكا في الفجر، وبين الامرين فرق، ولا يحل الاكل الا بعد يقين غروب الشمس، لان الله تعالى قال (إلى الليل) فمن أكل شاكا في مجئ الليل فقد عصى الله تعالى، وصيامه باطل، فان جامع فعليه الكفارة، لانه في فرض الصيام، ما لم يوقن الليل، بخلاف قوله: (حتى يتبين لكم الخيط الابيض) لان هذا في فرض الافطار حتى يوقن بالنهار.
وبالله تعالى التوفيق * 757 مسألة ومن صح عنده بخبر من يصدقه من رجل واحد، أو امرأة واحدة عبد، أو حر، أو أمة أو حرة، فصاعدا أن الهلال قد رؤى البارحة في آخر شعبان ففرض عليه الصوم، صام الناس أو لم يصوموا، وكذلك لو رآه هو وحده، ولو صح عنده بخبر واحد أيضا كما ذكرنا فصاعدا أن هلال شوال قد رؤى فليفطر، أفطر الناس أو صاموا، وكذلك لو رآه هو وحده، فان خشى في ذلك أذى، فليستتر بذلك * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله: (أنه ذكر رمضان فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فان غم عليكم (2) فاقدروا له) * وبه إلى مسلم: ثنا ابن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا البخترى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فان غم عليكم فأكملوا العدة) * واختلف الناس في قبول خبر الواحد في ذلك *
فقال أبو حنيفة، والشافعي بمثل قولنا في هلال رمضان، ولم يجيزا في هلال شوال إلا رجلين عدلين * قال أبو محمد: وهذا تناقض ظاهر * وقال مالك: لا أقبل في كليهما إلا رجلين عدلين * قال أبو محمد: أما من فرق بين الهلالين (3) فما نعلم لهم حجة، وأما قول مالك فانهم قاسوه على سائر الاحكام * قال أبو محمد: والقياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا، لان (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (فانما هو) (2) في النسخة رقم (16) (وان غم عليكم) وفي صحيح مسلم (ج 1 ص 298) (فان اغمى عليكم) (3) في النسخة رقم (16) (الهلال) بالافراد وهو خطأ *(6/235)
الحقوق تختلف، فمنها عند المالكيين ما يقبل فيها شاهد ويمين، ومنها يقبل فيه إلا رجلان، أو رجل وامرأتان، ومنها مالا يقبل فيه إلا رجلان فقط، ومنها ما لا يقبل فيه إلا أربعة، ومنها ما يسمح فيه حتى يجيزوا فيه (1) النصراني والفاسق، كالعيوب في الطب، فمن اين لهم ان يخصوا بعض هذه الحقوق دون بعض بقياس الشهادة في الهلال عليه؟ ونسألهم عن قرية ليس فيها الافساق، أو نصارى أو نساء (2) وفيهم عدل يضعف بصره عن رؤية الهلال؟ * قال أبو محمد: فاما نحن فخبر الكافة مقبول في ذلك وإن كانوا كفارا أو فساقا، لانه يوجب العلم ضرورة * فان قالوا: قد أجمع الناس على قبول عدلين في ذلك * قلنا: لا بل أبو يوسف القاضى يقول: إذا كان الجو صافيا لم أقبل في رؤية الهلال أقل من خمسين * فان قالوا: كلامه ساقط *
قلنا: نعم وقياسكم أسقط! (3) * فان قالوا: فمن أين أجزتم فيهما (4) خبر الواحد؟ * قلنا: لانه من الدين، وقد صح في الدين قبول خبر الواحد، فهو مقبول في كل مكان، إلا حيث أمر الله تعالى بان لا يقبل إلا عدد سماه لنا * وأيضا: فقد ذكرنا (5) قبل هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أذان بلال: (كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) فأمر عليه السلام بالتزام الصيام بأذان ابن أم مكتوم بالصبح، وهو خبر واحد بان الفجر قد تبين * وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمربن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندى ثنا مروان بن محمد عن عبد الله بن وهب عن يحيى ابن عبد الله بن سالم عن ابى بكر بن نافع عن ابيه نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال: (تراءى الناس الهلال، فاخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم: انى رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه) * وهذا (6) خبر صحيح * (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (فيها) (2) قوله (أو نساء) زيادة من النسخة رقم (14) (3) في النسخة رقم (16) (وقياسكم ساقط) (4) في النسخة رقم (16) (فيها) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (16) (فان ذكرنا) وهو خطأ (6) في النسخة رقم (14) (فهذا) *(6/236)
وقد روينا من طريق أبى داود: ثنا الحسن بن على ثنا حسين هو الجعفي زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: (جاء اعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انى رأيت الهلال، يعنى رمضان، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال، أتشهد ان محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال: قم يا بلال فأذن في الناس فليصوموا غدا) *
قال أبو محمد: رواية سماك لا نحتج بها ولا نقبلها منهم، وهم قد احتجوا بها في أخذ الدنانير من الدراهم، فيلزمهم أن يأخذوها (1) ههنا، والا فهم متلاعبون في الدين * فان تعلق من فرق بين هلال رمضان وهلال شوال بهذين الخبرين، وقال: لم يرد الا في هلال رمضان * قلنا: ولا جاء نص قط بالمنع من ذلك في هلال شوال، وأنتم أصحاب قياس، فهلا قستم هلال شوال على هلال رمضان؟ * فان قالوا: إن الشاهد في هلال رمضان لا يجر إلى نفسه، الشاهد في هلال شوال يجر إلى نفسه * قلنا فردوا بهذا الظن بعينه شهادة الشاهدين في شوال أيضا، لانهما يجران إلى أنفسهما، كما تفعلون في سائر الحقوق * وأيضا: فان من يكذب في مثل هذا لا يبالي قبل أورد * ونقول لهم: إذا صممتم بشهادة واحد فغم الهلال بعد الثلاثين، أتصومون أحدا وثلاثين (2)؟! فهذه طامة، وشريعة ليست من دين الله تعالى! أم تفطرون عند (3) تمام الثلاثين وان لم تروا الهلال؟! فقد أفطرتم بشهادة واحد وتناقضم! وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: فان شغبوا بما روينا من طريق عباد ابن العوام: ثنا أبو مالك الاشجعى ثنا حسين بن الحارث الجدلي جديلة قيس: أن أمير مكة وهو الحارث بن حاطب خطب فقال: (عهد الينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك لرؤيته، فان لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما) * وبما روينا من من طريق أبى عثمان النهدي قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسلمان أنتما؟ قالا: نعم (فأمر الناس فأفطروا أو صاموا) * وعن الحارث عن على: إذا شهد رجلان على رؤية الهلال أفطروا *
(
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ان يأخذوا بها) (2) في النسخة رقم (16) (احدى وثلاثين) وهو خطأ (3) في النسخة رقم (14) (عنده) وهو خطأ *(6/237)
وعن عمرو بن دينار قال: أبى عثمان أن يجيز شهادة هاشم بن عتبة أو غيره على رؤية الهلال * وعن عبد الرزاق عن معمر عن الاعمش عن أبى وائل قال: كتب الينا عمر.
ونحن بخانقين (1): إذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان لرأياه بالامس * قلنا: أما حديث الحارث بن الحارت بن حاطب فان راويه حسين بن الحارث وهو مجهول، (2) ثم لو صح لم يكن فيه حجة، لانه ليس فيه الا قبوله اثنين، ونحن لاننكر هذا، وليس فيه أن لا يقبل واحد * وكذلك حديث أبى عثمان، على أنه مرسل * وكذلك القول في فعل على سواء سواء * وقد يمكن أن يكون عثمان رضى الله عنه إنما رد شهادة هاشم بن عتبة لانه لم يرضه، لا لانه واحد، ولقد كان هاشم أحد المجلبين على عثمان رضى الله عنه * وأما خبر عمر فقد صح عن عمر في هذا خلاف ذلك، كما روينا من طريق محمد ابن جعفر عن شعبة عن ابن عبد الاعلى الثعلبي (3) عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن البراء بن عازب: ان عمر بن الخطاب كان ينظر إلى الهلال، فرآه رجل، فقال عمر: يكفى المسلمين أحدهم، فأمرهم فأفطروا أو صاموا.
فهذا عمر بحضرة الصحابة * وقد روينا أيضا عن على بن ابى طالب رضى الله عنه مثل هذا، وبه يقول أبو ثور * واما قولنا: انه يبنى على رؤيته فقد روينا عن عمر خلاف ذلك، وهو أن من رآه وحده في إستهلال رمضان فلا يصم ومن رآه وحده في استهلال شوال فلا يفطر، وبه يقول الحسن *
روينا ذلك (4) من طريق معمر عن أبى قلابة: أن رجلين رأيا الهلال في سفر، فقدما المدينة ضحى الغد، فأخبرا عمر، فقال لاحدهما: أصائم أنت؟ قال: نعم، كرهت أن يكون الناس صياما وانا مفطر، كرهت الخلاف عليهم، وقال للآخر: فانت؟ قال: أصبحت مفطرا، لانى رأيت الهلال، فقال له عمر: لو لا هذا يعنى الذى صام لاوجعنا رأسك ورددنا شهادتك، ثم أمر الناس فأفطروا * (
__________
(1) هو بالخاء المعجمة وبالنون والقاف المكسورتين، وهى بلدة من نواحى السواد في طريق همذان من بغداد قاله ياقوت (2) كلا ليس مجهولا، قال ابن المدينى (معروف) وذكره ابن حبان في الثقات، وحديثه هذا رواه أبو داود مطولا (ج 2 ص 273) ورواه الدار قطني (ص 232) وقال، (هذا اسناد متصل صحيح) (3) عبد الاعلى بن عامر الثعلبي مختلف فيه وله اوهام وحسن له الترمذي وصحح له الطبراني والحاكم، وابنه على عبد الاعلى ثقة (4) في النسخة رقم (14) (وروينا ذلك) *(6/238)
ومن طريق ابن جريج: أخرت عن معاذ بن عبد الرحمن التيمى: ان رجلا قال لعمر: إنى رأيت هلال رمضان، قال: أرآه معك أحد؟ قال: لا، قال: فكيف صنعت (1)؟ قال: صمت بصيام الناس، فقال: عمر يالك فيها! وهو قول عطاء * قال: أبو محمد: ينبغى لمن قلد عمر فيما يدعونه من مخالفة: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) وتحريم المنكوحة في العدة: أن يقلده (2) ههنا * قال (3) أبو حنيفة، ومالك: يصوم ان رآه وحده، ولا يفطر ان رآه وحده! وهذا تناقض! وقال الشافعي كما قلنا * وخصومنا لا يقولون بهذا ولا نقول به، لان الله تعالى قال: (لا تكلف إلا نفسك) وقال تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها).
وقال تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه).
فمن رآه فقد شهده، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته (4)) *
758 مسألة وإذا رؤى الهلال قبل الزوال فهو من البارحة ويصوم الناس من حينئذ باقى يومهم ان كان أول رمضان ويفطرون ان كان آخره، فان رؤى بعد الزوال فهو لليلة المقبلة * برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) فخرج من هذا الظاهر إذا رؤى بعد الزوال بالاجماع المتيقن، ولم يجب الصوم إلا من الغد، وبقى حكم لفط الحديث إذا رؤى قبل الزوال، للاختلاف في ذلك، فوجب الرجوع إلى النص، وايضا فان الهلال إذا رؤى قبل الزوال فانما يراه الناظر إليه والشمس بينه وبينه ولاشك في انه لم يمكن رؤيته مع حوالة الشمس دونه الا وقد أهل من البارحة وبعد عنها بعدا كثيرا * روينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل نا ابى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن سماك عن ابراهيم النخعي ان عمر بن الخطاب كتب إلى الناس إذا رأيتموه قبل زوال الشمس فأفطروا وإذا رأيتموه بعد زوالها فلا تفطروا * ورويناه ايضا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري بمثله، وبه يقول سفيان * وروينا من طريق يحيى بن الجزار عن على بن ابى طالب قال رضى الله عنه (5): (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (أرآه معك آخر؟ قال: فكيف صنعت؟) وهو خطأ (2) في النسخة رقم (14) (ان يقلدوه) (3) في النسخة رقم (14) (فقال) (4) هنا اعتذر الاستاذ المحقق والمصحح لاصول هذا الكتاب لادارة الطباعة المنيرية فقبلت عذره واناطت العمل بغيره ونرجو الله تعالى ان نوفق إلى اتمامه على ما يجب، وينبغى (5) لفظ رضى الله عنه في النسخة رقم (16) *(6/239)
إذا رأيتم الهلال من أول النهار فأفطروا وإذا رأيتموه في آخر النهار فلا تفطروا فان الشمس تزيغ عنه أو تميل عنه * ومن طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن الركين ابن الربيع عن أبيه (1) قال: نا مع سلمان بن ربيعة الباهلى ببلنجر (2) فرأيت الهلال
ضحى فاتيت سلمان فاخبرته فقام تحت شجرة فلما رآه أمر الناس (3) فافطروا: وبه يقول عبد الملك بن حبيب الاندلسي، وابو بكر بن داود، وغيره (فان قيل) قد روى عن عمر خلاف هذا، قلنا: نعم وإذا صح التنازع وجب الرد إلى القرآن، والسنة، وقد ذكرنا الآن وجه ذلك وبالله تعالى التوفيق * 759 مسألة ومن السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور وانما هو مغيب الشمس عن أفق الصائم ولا مزيد * روينا من طريق مسلم عن قتيبة عن أبى عوانة عن قتادة عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تسحروا فان في السحور بركة) * ومن طريق قتيبة عن الليث بن سعد عن موسى بن على بن رباح عن ابيه عن ابى قيس مولى عمرو بن العاصى عن عمرو بن العاصى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) قال (فصل ما بين صيامنا وصيام اهل الكتاب أكلة السحور (5)) * قال أبو محمد: لا يضر الصوم تعمد ترك السحور لانه من حكم الليل والصيام من حكم النهار، ولا يبطل عمل بترك عمل غيره الا بان يوجب ذلك نص فيوقف عنده * ومن طريق ابن مسعود انه كان يؤخر السحور ويعجل الافطار فقالت عائشة: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع (6) * ومن طريق مسلم عن ابى بكر بن أبى شيبة عن وكيع عن هشام الدستوائى عن قتادة عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) * ومن طريق البخاري عن مسدد عن عبد الواحد عن ابى اسحاق الشيباني عن عبد الله ابن أبى أوفى سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم فلما غربت الشمس قال: (انزل فاجدح (7) (
__________
(1) لفظ (عن ابيه) زيادة من النسخة رقم (14) وهو الصحيح لانه يروى عن ابيه (2) بفتحتين وسكون النون وجيم مفتوحة وآخره راء مدينة ببلاد الخزر خلف باب الابواب (3) في النسخة رقم (16) (فأمر الناس) بزيادة الفاء (4) في النسخة رقم (14) (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال) (5) كذا في النسختين،
وفى صحيح مسلم (ج 1 ص 302) (أكلة السحر) (6) زيادة (يصنع) من صحيح مسلم (ج 1 ص 303) (7) الجدح ان يحرق السويق بالماء ويخوض حتى يستوى، وكذلك اللبن ونحوه *(6/240)
لنا قال (1): يا رسول الله لو أمسيت قال: انزل فاجدح لنا قال: يارسول الله ان عليك نهارا قال: انزل فاجدح لنا فنزل فجدح فقال (2) رسول الله عليه وسلم: إذا رأيتم الليل قد (3) أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم وأشار باصبعه قبل المشرق) * وروينا عن أبى موسى تأخير الفطر حتى تبدو الكواكب ولا نقول: بهذا لما ذكرنا، وتعجييل الفطر قبل الصلاة والاذان أفضل، كذلك روينا عن عمر بن الخطاب، وأبى هريرة، وجماعة من الصحابة رضى الله عنهم * 760 مسالة ومن أسلم بعدما (4) تبين الفجر له أو بلغ كذلك، أو رأت الطهر (5) من الحيض كذلك، أو من النفاس كذلك، أو أفاق من مرضه كذلك، أو قدم من سفره كذلك فانهم يأكلون باقى نهارهم ويطئون من نسائهم من لم تبلغ أو من طهرت في يومها ذلك، ويستأنفون الصوم من غد، ولا قضاء على من أسلم، أو بلغ، وتقضى الحائض، والمفيق، والقادم، والنفساء * وقد اختلف الناس في بعض هذا فروينا عن ابراهيم النخعي انه قال في الحائض تطهر بعد طلوع الفجر: لا تأكل إلى الليل كراهة التشبه بالمشركين وبه يقول أبو حنيفة، والاوزاعي، والحسن بن حى، وعبيدالله بن الحسن، وعن عطاء ان طهرت أول النهار فلتتم يومها وان طهرت في آخره أكلت وشربت، وبمثل قولنا يقول سفيان الثوري ومالك، والشافعي، وأبو سليمان * وأما الكافر يسلم فروينا عن عطاء ان أسلم الكافر في يوم من رمضان صام ما مضى من الشهر وان أسلم في آخر النهار صام ذلك اليوم * وعن عكرمة مثل ذلك، وقال: هو بمنزلة المسافر يدخل في صلاة المقيمين *
وعن الحسن مثل ذلك * وقال أبو حنيفة في الصبى يبلغ بعد الفجر: ان عليه صوم ما بقى من يومه، وكذلك قال في المسافر يقدم بعد الفجر * قال أبو محمد: واحتج من أوجب صوم باقى اليوم بان قال: قد كان الصبى قبل بلوغه مأمورا بالصيام (6) فكيف بعد بلوغه، وقالوا: هلا جعلتم هؤلاء بمنزلة (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (فقال) وما هنا هو الموافق للبخاري (ج 3 ص 81) (2) في البخاري (جزء 3 ص 81) (ثم قال إذا رأيتم) الخ (3) لفظ غير موجود في البخاري (4) في النسخة رقم (16) حذف (ما) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (16) زيادة (كذلك) وسقط منها لفظ من الحيض (6) في النسخة رقم (16) (بالصوم) *(6/241)
من بلغه الخبر ان الهلال رؤى البارحة قلنا: هذا قياس والقياس كله باطل، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا لان الذى جاءه خبر الهلال كان مأمورا بصوم ذلك اليوم لو علم أنه من رمضان أو انه فرضه، وكل من ذكرنا فهم عالمون بوجوب الصوم على غيرهم وبدخول رمضان الا أن فيهم (1) من هو منهى عن الصوم جملة، ولو صام كان عاصيا كالحائض، والنفساء، والمسافر، والمريض الذى يؤذيه الصوم، وفيهم من هو غير مخاطب بالصوم ولو صامه لم يجزه وهو الصبى، وانما يصوم ان صام تطوعا لا فرضا، وفيهم من هو مخاطب بالصوم بشرط أن يقدم الاسلام قبله وهو الكافر، وفيهم من هو مفسوخ له في الصوم ان قدر عليه وفى الفطران شاء وهو المريض الذى لا (2) يشق عليه الصوم فكلهم غير ملزم ابتداء صوم ذلك اليوم بحال بخلاف من جاءه الخبر برؤية الهلال، والذى جاءه الخبر برؤية الهلال يجزئه صيام باقى يومه ولاقضاء عليه ويعصى ان أكل، وانما اتبعنا فيممن بلغه ان اليوم من (3) رمضان الخبر الوارد في ذلك فقط، وايضا فان من (4) ذكرنا لا يختلف الحاضرون المخالفون لنا في ان التى طهرت من الحيض، والنفاس، والقادم من السفر، والمفيق من المرض لا يجزئهم صيام ذلك
اليوم وعليهم قضاؤه، ولا يختلفون في ان الذى بلغ والذى أسلم ان أكلا (5) فليس عليهما قضاؤه فصح أنهم في هذا اليوم غير صائمين أصلا، وإذا كانوا غير صائمين فلا معنى لصيامهم ولا أن يؤمروا بصوم ليس صوما ولاهم مؤدون به فرضا لله تعالى، ولا هم عاصون له بتركه وبالله تعالى التوفيق * وأما من رأى القضاء في ذلك اليوم (6) على من أسلم فقول لا دليل على صحته، ولقد كان يلزم من رأى نية واحدة تجزئ للشهر كله في الصوم أن يقول: بهذا القول وإلا فهم متناقضون: وروينا عن ابن مسعود انه قال: من أكل أول النهار فليأكل آخره وبالله تعالى التوفيق * 761 مسألة ومن تعمد الفطر في يوم من رمضان عاصيا لله تعالى لم يحل له ان يأكل في باقية (7) ولا أن يشرب ولا أن يجامع وهو عاص لله تعالى ان فعل وهو مع ذلك غير صائم بخلاف من ذكرنا قبل هذا، لان كل من ذكرنا قبل هذا إما منهى عن الصوم، واما مباح له ترك الصوم فهم في افطارهم مطيعون لله تعالى غير عاصين (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ومنهم) في الجميع (2) في النسخة رقم (16) يشق بحذف لا خطأ (3) في النسخة رقم (14) حذف من (4) في النسخة رقم (16) فكل (5) في النسخة رقم (16) ان اكلوا وهو غلط (6) في النسخة رقم (16) حذف لفظ اليوم (7) في النسخة رقم (14) (باقيه) بحذف (في) وما هنا اصح *(6/242)
له بذلك وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا صيام لمن لم يبيته من الليل) ولم يخرج من هذه الجملة الا من جهل انه يوم فرضه فقط بالنص الوارد فيهم، فلم يجز ان يصوموا لانهم لم ينووه من الليل ولم يكونوا عصاة بالفطر فهم مفطرون لا صائمون، وأما من تعمد الفطر عاصيا فهو مفترض عليه بلا خلاف صوم ذلك اليوم ومحرم عليه فيه كل ما يحرم على الصائم، ولم يأت نص، ولا اجماع باباحة الفطر له إذا عصى بتعمد (1) الفطر فهو باق على ماكان حراما عليه، وهو متزيد من المعصية متى ما تزيد
فطرا ولا صوم له مع ذلك، وروينا عن عمرو بن دينار نحو هذا، وعن الحسن، وعطاء ان له ان يفطر * 762 مسألة ومن سافر في رمضان سفر طاعة أو سفر (2) معصية، أو لا طاعة ولا معصية ففرض عليه الفطر إذا تجاوز ميلا أو بلغه أو ازاءه، وقد بطل صومه حينئذ لاقبل ذلك، ويقضى بعد ذلك في أيام أخر، وله ان يصومه تطوعا، أو عن واجب لزمه، أو قضاء عن رمضان خال لزمه، وان وافق فيه يوم نذره صامه لنذره * وقد فرق قوم بين سفر الطاعة، وسفر المعصية فلم يروا له الفطر في سفر المعصية، وهو قول مالك، والشافعي * قال على: والتسوية بين كل ذلك هو (3) قول أبى حنيفة، وابى سليمان، وبرهان صحة قولنا قول الله تعالى: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) فعم تعالى الاسفار كلها ولم يخص سفرا من سفر (ومن كان ربك نسيا) وأيضا فقد أتينا بالبراهين على بطلان الصوم بالمعصية تتعمد، والسفر في المعصية معصية وفسوق فقد بطل صومه بهما، والقوم اصحاب قياس بزعمهم ولا يختلفون ان من قطع الطريق أو ضارب قوما ظالما لهم مريدا قتلهم وأخذ اموالهم فدفعوه عن انفسهم واثخنوه ضربا في تلك المدافعة حتى أوهنوه فمرض من ذلك مرضا لا يقدر معه على الصوم، ولا على الصلاة قائما فانه يفطر ويصلى قاعدا ويقصر (4)، فأى فرق بين مرض المعصية وسفر المعصية، وأما المقدار الذى يفطر فيه فقد ذكرناه في كتاب الصلاة مقتصى والحمد لله رب العالمين، ونذكر ههنا ان شاء الله تعالى منه طرفا * وهو ان أبا حنيفة حد السفر الذى يفطر فيه (5) من الزمان بمسير ثلاثة ايام، ومن المسافات بمقدار ما بين الكوفة والمدائن، ذكر ذلك ذلك محمد بن الحسن في الجامع الصغير * (
__________
(1) في النسخة رقم (16) فتعمد وهو خطأ (2) في النسخة رقم (14) حذف لفظ السفر الثاني (3) لفظ هو زيادة من النسخة رقم (14) (4) في النسخة رقم (16) ويقضى وهو غلط (5) في النسخة رقم (16) حذف قوله (الذى يفطر فيه) خطأ *(6/243)
وحد الشافعي ذلك بستة وأربعين ميلا * وحد مالك في ذلك، مرة يوما وليلة، ومرة ثمانية واربعين ميلا، ومرة خمسة وأربعين ميلا، ومرة اثنين واربعين ميلا، ومرة أربعين ميلا، ومرة ستة وثلاثين ميلا، ذكر ذلك اسماعيل بن اسحاق في كتابه المعروف بالمبسوط * قال أبو محمد: وكل هذه حدود فاسدة لا دليل على صحة شئ منها لا من قرآن، ولا من سنة صحيحة، ولا من رواية فاسدة، ولا اجماع، وقد (1) جاءت في ذلك روايات مختلفة عن الصحابة رضى الله عنهم ليس بعضها أولى من بعض، فروى عن ابن عمر أنه كان لا يقصر في اقل مما بين خيبر والمدينة وهو ستة وتسعون ميلا * وروى عنه ان لا يقصر في أقل مما بين المدينة إلى السويداء وهو اثنان وسبعون ميلا * وروى عنه لا يكون الفطر الا في ثلاثة ايام * وروى عنه لا يكون القصر الا في اليوم التام (2) * وروى عنه القصر في ثلاثين ميلا * وروى عنه القصر في ثمانية عشر ميلا، وكل ذلك صحيح عنه * وروى عنه القصر في سفر ساعة، وفى ميل، وفى (3) سفر ثلاث أميال باسناد في غاية الصحة، وهو جبلة بن سحيم عنه، ومحارب بن دثار ومحمد بن زيد بن خليدة عنه * وروى عنه ابن عباس أربعة برد * وروى عنه يوم تام * وروى عنه لا قصر في يوم إلى العتمة فان زدت فاقصر، ولا متعلق لهم باحد من الصحابة رضى الله عنهم غير من ذكرنا، وقد اختلف عنهم وعن الزهري، والحسن أنهما حدا ذلك بيومين * وروينا من طريق ابن أبى شيبة نا وكيع نا مسعر هو ابن كدم عن محارب بن دثار قال: سمعت ابن عمر يقول: انى لاسافر الساعة من النهار فاقصر * ومن طريق ابن ابى شيبة نا على بن ابى اسحاق الشيباني عن محمد بن زيد ابن خليدة عن ابن عمر قال: تقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال * ومن طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري قال: سمعت
جبلة بن سحيم يقول: سمعت ابن عمر يقول: لو خرجت ميلا لقصرت الصلاة * وعن شرحبيل بن السمط عن ابن عمر أنه قصر في اربعة أميال * وعن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن ابن عمر أنه خرج معه إلى مكان على ثمانية عشر ميلا فقصر ابن عمر الصلاة.
وهذه أسانيد عنه كالشمس * وعن عمر بن الخطاب القصر في ثلاثة أميال * وعن أنس في خمسة عشر ميلا * وعن ابن مسعود في اثنى عشر ميلا * ومن طريق ابن ابى شيبة عن (
__________
(1) في النسخة رقم (14) حذف لفظ (قد) (2) في النسخة رقم (16) (اليوم اليوم) بتكرر اليوم وفى النسخة رقم (14) (اليوم) بدون تكرار وصححناه من سنن البيهقى جزء (3 ص 137) لفظ (في) زيادة من النسخة رقم (14) *(6/244)
حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة قال (1) سألت سعيد بن المسيب أأقصر وأفطر في بريدين من المدينة؟ قال: نعم * حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود نا عبيدالله (2) ابن عمر نا عبد الله بن يزيد هو المقرى عن سعيد بن أبى أيوب نا يزيد بن أبى حبيب ان كليب بن ذهل الحضرمي أخبره ان عبيد بن جبر قال: كنت مع أبى بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع ثم قرب غداءه قال: اقترب فقلت: ألست ترى البيوت؟ فقال: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأكل، والروايات في هذا كثيرة جدا * فأما تحديد أبى حنيفة، ومالك، والشافعي فلا معنى لها أصلا وانما هي دعاوى بلا برهان، وموه بعضهم في ذلك بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما منع من أن تسافر المرأة إلا مع ذى محرم * قال أبو محمد: وذلك خبر صحيح لاحجة لهم فيه لانه ليس فيه من حكم القصر والفطر أثر ولا دليل، وأيضا فانه جاء بألفاظ مختلفة في بعضها (لا تسافر أكثر من ثلاث) وفى بعضها (لا تسافر ثلاثا) وفى بعضها (لا تسافر ليلتين) وفى بعضها (لا تسافر
يوما وليلة) وفى بعضها (لا تسافر يوما) وفى بعضها (لا تسافر بريدا) وهذه ألفاظ اختلف فيها عن أبى سعيد، وأبى هريرة، وابن عمر.
وصح من طريق ابن عباس هذا الخبر (لا تسافر المرأة) دوت تحديد أصلا ولم يختلف عنه (3) في ذلك أصلا، فان عزموا على ترك من اختلف عنه والاخذ برواية من لم يختلف عنه فابن عباس لم يختلف عنه فهو أولى على هذا الاصل، وان أخذوا بالزيادة، فرواية ابن عباس هي الزائدة على سائر الروايات لانها تعم كل سفر، وان أخذوا بالمتفق عليه فأكثر من ثلاث هو (4) المتفق عليه لا الثلاث كما رواه عبد الله بن نمير عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا تسافر المرأة فوق ثلاث إلا ومعها ذو محرم، وهكذا رواه هشام الدستوائى، وسعيد بن أبى عروبة كلاهما عن قتادة عن قزعة عن أبى سعيد الخدرى عن النبي صلى الله عليه وسلم (5)، وهكذا رواه أبو معاوية ووكيع عن الاعمش عن أبى صالح عن أبى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم (6) فبطل أن يكون لابي حنيفة، ومالك، والشافعي متعلق بهذا الخبر (
__________
(1) لفظ قال زيادة من النسخة رقم (14) (2) في النسخة رقم (16) عبد الله وهو غلط لانه عبيد الله بن عمر ابن ميسرة الجشمى ابو شعيب البصري القواريرى شيخ ابى داود، ووقع في تهذيب التهذيب (عبيد الله بن عمرو) بزيادة الواو في ابيه وهو غلط ايضا (3) لفظ عنه زيادة من النسخة رقم (14) (4) في النسخة رقم (16) (وهو) بزيادة الواو ولا معنى لها (5) رواه مسلم في صحيحه (6) رواه ايضا مسلم في صحيحه *(6/245)
أصلا الا كتعلق الزهري، والحسن بذكر الليلتين فيه ولا فرق، ومالهم بعد (1) هذا حيلة، على انهم قد كفونا المؤونة، فذكر مالك في المدونة ان من تأول من الرعاة وغيرهم فافطر في مخرج ثلاثة أميال فليس عليه إلا القضاء، ورأى القصر في منى من مكة وهذا قولنا، وكذلك رأى أبو حنيفة، والشافعي في المتأول ولا فرق، وأيضا فانهم كلهم رأوا لمن سافر ثلاثة أيام ان يفطر إذا فارق بيوت القرية فان رجع لشئ أوجب عليه ترك السفر فلا شئ عليه الا القضاء، فقد أوجبوا الفطر في اقل من ميل، ويغنى من هذا كله
قول الله تعالى: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر).
فلم يخص تعالى سفرا من سفر، ووجدنا ما دون الميل ليس له حكم السفر لانه قد صح ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعد للغائط والبول فلا يقصر ولا يفطر، ولم نجد في أقل من الميل قولا عن أحد من أهل العلم بالدين واللغة * قال على: ويلزم من تعلق من الحنيفيين بحديث (لا تسافر المرأة) ان لا يرى القصر والفطر في سفر معصية لانه عليه السلام لم يبح لها بلا خلاف سفر المعصية أصلا وانما أباح لها بلا شك اسفار الطاعات، وهذا مما أوهموا فيه من الاخبار انهم اخذوا به (2) وهم مخالفون له * قال على: فأما ما دون الميل فقد قال قوم: ليس له حكم السفر فلا يجوز الفطر ولا القصر فيه أصلا وان أراد ميلا فصاعدا لان نية السفر هي غير السفر، وقد ينوى السفر من لا يسافر، وقد يسافر من لا ينوى السفر، وقد روى عن أنس الفطر في رمضان في منزله إذا أراد السفر، وروى عن على أذ يفارق (3) بيوت القرية، وروى عن ابن عمر ترك القصر حتى يبلغ ما يقصر في مثله، وبالله تعالى التوفيق * وكان هذا هو النظر لو لا حديث أنس (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فلم يزل يصلى ركعتين ركعتين (4) حتى رجعنا (5) إلى المدينة (6) فهذا على عمومه لا يجوز أن يخص منه شئ بغير نص * وأما قولنا: يقضى بعد ذلك في أيام أخر فهو نص القرآن، وجائز أن يقضيه (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وما لهم بغير هذا حيلة) (2) في النسخة رقم (14) (آخذون بها) (3) في النسخة (14) إذا فارق (4) زيادة لفظ ركعتين من البخاري ومسلم (5) في النسخة رقم (14) حتى رجع وكتب عليها مصححها صح وما هنا هو الموافق لما في سنن البيهقى الكبرى (ج 3 ص 136)، (6) زاد البيهقى في سننه الكبرى (قال: قلنا فاقمتم في مكة شيئا؟ قال: اقمنا عشرا) وقال بعد ما أورد الحديث: رواه البخاري في الصحيح.
عن ابى معمر، واخرجه مسلم من اوجه أخر عن يحيى *(6/246)
في سفر، وفى حضر لان الله تعالى لم يخص بأيام أخر حضرا من سفر * وأما قولنا: لا يجوز الصوم في السفر فان الناس اختلفوا * فقالت طائفة: من سافر بعد دخول رمضان فعليه ان يصومه كله، وقالت طائفة: بل هو مخير ان شاء صام وان شاء أفطر، وقالت طائفة: لابد له من الفطر ولا يجزئه صومه، ثم افترق القائلون بتخييره فقالت طائفة: الصوم أفضل، وقالت طائفة: الفطر أفضل، وقالت طائفة: هما سواء، وقالت طائفة: لا يجزئه الصوم ولابد له من الفطر * فروينا القول الاول عن على من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلمانى عن على بن أبى طالب قال: من ادركه رمضان وهو مقيم ثم سافر بعد لزمه الصوم لان الله تعالى قال: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * وعن عبيدة مثله * ومن طريق ابن عباس مثله * وعن عائشة أم المؤمنين انها نهت عن السفر في رمضان * وعن خيثمة كانوا يقولون إذا حضر رمضان: فلا تسافر حتى تصوم (1) * وعن أبى مجلز مثله قال: فان أبى ان لا يسافر فليصم * وعن ابراهيم النخعي مثل قول أبى مجلز * وعن عروة بن الزبير انه سئل عن المسافر أيصوم أم يفطر؟ فقال: يصوم * وأما الطائفة المجوزة للصوم والفطر أو المختارة (2) للصوم فهو قول أبى حنيفة، ومالك والشافعي فشغبوا بقول الله تعالى (وان تصوموا خير لكم) واحتجوا باحاديث منها حديث سلمة بن المحبق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كانت له حمولة (3) يأوى إلى شبع فليصم رمضان حيث ادركه) * ومن طريق ابى سعيد، وأبى الدراداء، وجابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه في السفر بالفطر وهو صائم فترددوا فافطر هو عليه السلام، وذكروا عن أم المؤمنين انها كانت تصوم في السفر وتتم الصلاة وعن أبى موسى انه كان يصوم رمضان في السفر * وعن أنس بن مالك (4) أن أفطرت فرخصة الله تعالى وان صمت فالصوم أفضل * وعن عثمان بن أبى العاصى، وابن عباس الصوم أفضل * وعن المسور
ابن خرمة، وعبد الرحمن بن الاسود بن عبد يغوث مثله * وعن على انه صام في سفر لانه كان راكبا، وأفطر سعد مولاه لانه كان ماشيا * وعن عمر بن عبد العزيز صمه في اليسر وأفطره في العسر * وعن طاوس الصوم أفضل * وعن الاسود بن يزيد مثله * واحتج من رأى الامرين سواء بحديث حمزة بن عمرو الاسلمي انه قال: يا رسول الله (
__________
(1) في النسخة رقم (14) حتى تصم (2) في النسخة رقم (16) المخيرة للصوم والفطر المجيزة للصوم (3) هو بالضم الاحمال، يعنى انه يكون صاحب احمال يسافر بها، واما الحمول بلا هاء فهى الابل التى عليها الهوادج كان فيها نساء أو لم يكن لها نهاية والحديث رواه أبو داود (ج 2 ص 292) (4) في النسخة رقم (16) وعن ابى موسى *(6/247)
اجد بى قوة على الصيام في السفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي ذلك شئت يا حمزة) وبحديث مرسل عن الغطريف أبى هارون: (ان رجلين سافرا فصام احدهما وأفطر الآخر فذكرا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كلاكما أصاب * وبحديث مرسل عن أبى عياض (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امر أن ينادى في الناس من شاء صام ومن شاء أفطر) * ومن طريق أبى سعيد، وجابر (كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم) وعن علقمة، والاسود، ويزيد بن معاوية النخعي انهم سافروا في رمضان فصام بعضهم، وأفطر بعضهم فلم يعب بعضهم على بعض * وعن عطاء ان شئت فصم وان شئت فافطر * وأما من رأى الفطر فاحتجوا بحديث حمزة بن عمرو إذ سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له عليه السلام: (هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه) * وممن روينا عنه اختيار الفطر على الصوم سعد بن أبى وقاص روينا أنه سافر هو، وعبد الرحمن ابن الاسود، والمسور بن مخرمة فصاما وأفطر سعد فقيل له في ذلك فقال: أنا افقه منهما * وصح عن ابن عمر انه كان لا يصوم في السفر وكان معه رقيق فكان يقول: يا نافع
ضع له سحوره قال نافع: وكان ابن عمر إذا سافر احب إليه أن يفطر يقول: رخصة ربى أحب إلى وان آجر لك ان تفطر في السفر ويحتج اهل هذا القول (1) بحديث حمزة ابن عمرو الذى روينا (2) آنفا عن النبي صلى الله عليه وسلم هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه * فحسن الفطر ولم يزد في الصوم على اسقاط الجناح * قال على: هذا ما احتجت به كل طائفة ممن رأت الصوم في السفر لم ندع منه شيئا ولسنا نقول: بشئ من هذه الاقوال فنحتاج إلى ترجيح بعضها على بعض الا انها كلها متفقة على جواز الصوم لرمضان في السفر، وهو خلاف قولنا فانما يلزمنا دفعها كلها من أجل ذلك فنقول وبالله تعالى نتأيد ونستعين (3) * أما قول الله تعالى: (وان تصوموا خير لكم) فقد أتى كبيرة من الكبائر وكذب كذبا فاحشا من احتج بها في اباحة الصوم في السفر لانه حرف كلام الله تعالى عن موضعه نعوذ بالله تعالى من مثل هذا، وهذا عار لا يرضى به محقق لان نص الآية (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن (
__________
(1) في النسخة رقم (14) اهل هذه المقالة (2) في النسخة رقم (14) الذى ذكرنا (3) في النسخة رقم (16) وبالله تعالى التوفيق (بدل نتأيد ونستعين) *(6/248)
كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وان تصوموا خير لكم) الآية (1) وانما نزلت هذه الآية في حال الصوم المنسوخة، وذلك انه كان الحكم في أول نزول صوم رمضان ان من شاء صامه ومن شاء أفطره وأطعم مكان كل يوم مسكينا، وكان الصوم أفضل هذا نص الآية، وليس للسفر فيها مدخل أصلا ولا للاطعام مدخل في الفطر في السفر أصلا، فكيف استجازوا هذه الطامة؟ وبهذا جاءت السنن * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد
نا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج حدثنى عمرو بن سواد انا عبد الله بن وهب انا عمرو ابن الحارث عن بكير بن الاشح عن يزيد مولى سلمة بن الاكوع عن سلمة بن الاكوع قال كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين حتى نزلت هذه الآية (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وبه إلى مسلم * نا قتيبة بن سعيد نا بكر يعنى ابن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الآشج عن يزيد مولى سلمة بن الاكوع عن سلمة بن الاكوع قال: لما نزلت هذه الآية (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كان من أراد أن يفطر ويفتدى حتى نزلت الآية التى بعدها فنسختها * قال أبو محمد: فحينئذ كان الصوم أفضل فظهرت فضيحة من احتج بهذ الآية في الصوم في السفر * وأما حديث ابن المحبق (من كان يأوى إلى حمولة أو شبع فليصم) فحديث ساقط لان راويه عبد الصمد بن حبيب وهو بصرى لين الحديث عن سنان بن سلمة بن المحبق وهو مجهول (2) ثم لو صح هذا الخبر لما كان فيه حجة لاحد من الطوائف المذكورة الا للقول المروى عن عمر بن عبد العزيز (صمه في اليسر وأفطره في العسر) لانه ليس فيه الا ايجاب الصوم ولا بد على ذى الحموله والشبع، وهذا خلاف جميع الطوائف المذكورة * وأما حديث الغطريف، وأبى عياض فمرسلان * ولا حجة في مرسل * وأما حديث حمزة بن عمرو الذى ذكرنا ههنا الذى فيه اباحة الصوم في رمضان في السفر فانما هو من (
__________
(1) في النسخة رقم (16) سقط من لفظ (الآية) خطأ (2) قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 4 ص 342) في آخر كلامه عليه: وذكره ابن سعد في الطبقة الاولى من تابعي اهل البصرة، وذكره في موضع آخر فقال: كان معروفا قليل الحديث اه *(6/249)
رواية بن حمزة ابنه محمد بن حمزة وهو ضعيف (1)، وابوه كذلك، وأما الثابت
من حديث حمزة هو ما نذكره (2) ان شاء الله تعالى * وأما حديث ابى سعيد، وابى الدرداء، وجابر فلا حجة لهم في شئ منها لوجهين، أحدهما ليس في شئ منها انه عليه الصلاة والسلام كان صائما لرمضان واذ ليس ذلك فيها فلا يجوز القطع بذلك، ولا الاحتجاج باختراع ما ليس في الخبر على القرآن، وقد يمكن ان يكون صائما تطوع، والثانى انه حتى لو كان ذلك فيها نصا لما كان لهم فيها حجة لان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ايجاب الفطر في رمضان في السفر فلو كان صوم رمضان في السفر قبل ذلك مباحا لكان منسوخا بآخر أمره عليه الصلاة والسلام كما نذكره (3) ان شاء الله تعالى * وأما احتجاج من أوجب الصوم في السفر لمن أهل عليه الشهر في الحضر بقول الله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه).
فلا حجة لهم في هذه الآية لان الله تعالى لم يقل فمن شهد بعض الشهر فليصمه، وانما اوجب تعالى صيامه على من شهد الشهر لا على من شهد بعضه، ثم يبطل قولهم ايضا قول الله تعالى: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر).
فجعل السفر والمرض ناقلين عن الصوم فيه إلى الفطر.
وأيضا فان رسول الله صلى الله عليه وسلم صح عنه انه سافر في رمضان عام الفتح فافطر وهو أعلم بمراد ربه تعالى، والبلاغ منه نأخذه وعنه لامن غيره، فلما بطل كل ما احتجوا به وجب ان نأتى بالبرهان على صحة قولنا بحول الله تعالى وقوته * قال على نذكر الآن حديث ابى سعيد، وابى الدرداء، وجابر، وحمزة بن عمرو من الوجوه الصحاح ان شاء الله تعالى، ونرى انها لاحجة لهم فيها ثم نعقب بالبرهان على صحة قولنا ان شاء الله وبه نتأيد * روينا من طريق ابى داود نا مؤمل بن الفضل نا الوليد هو ابن مسلم نا سعيد بن عبد العزيز حدثنى اسماعيل بن عبيدالله حدثتني ام الدرداء عن ابى الدرداء قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته في حر شديد حتى ان احدنا ليضع يده على رأسه
(أو كفه على رأسه) (4) من شدة الحر ما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله ابن رواحة) * ومن طريق حماد بن سلمة عن الجريرى عن أبى نضرة عن جابر بن (
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج 9 ص 127): ضعفه ابن حزم وعاب ذلك عليه القطب الحلبي وقال: لم يضعفه قبله احد وقال ابن القطان: لا يعرف حاله (2) في النسخة رقم (14) (هو كما نذكره) (3) في النسخة رقم (14) (كما نذكر) (4) الزيادة من سنن ابى داود (ج 2 ص 292) ورواه ايضا مسلم (ج 1 ص 310)(6/250)
عبد الله ان النبي صلى الله عليه وسلم (كان في سفر فأتى على غدير فقال للقوم: اشربوا فقالوا: يا رسول الله أنشرب ولا تشرب؟ فقال: إنى ايسركم انى راكب وانتم مشاة (1) فشرب وشربوا) * ومن طريق حماد بن زيد عن الجريرى عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمر بماء فقال: انزلوا فاشربوا فتلكأ القوم فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) فشرب وشربنا معه) * وقد روينا هذا الخبر من طريق لا يحتج نهها كما رويناه من طريق معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد حدثنى قزعة أنه سأل ابا سعيد عن الصوم في السفر فقال: (سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انكم (3) قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر ثم نزلنا منزلا آخر فقال: إنكم تتصبحوا (4) عدوكم والفطر أقوى لكم فافطروا فكانت عزمة فافطرنا، ثم قال (5): لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر) * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ايوب السختيانى عن عكرمة عن ابن عباس قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان فصام حتى مر بغدير في الطريق وذلك فينحر الظهيرة (6) فعطش الناس فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فأمسكه على يده حتى رآه الناس ثم شرب فشرب الناس) * ومن طريق البخاري نا عبد الله بن يوسف عن مالك عن هاشم بن عروة عن أبيه عن
عائشة أم المؤمنين ان حمزة بن عمرو الاسلمي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أأصوم (7) في السفر؟ وكان كثير الصيام فقال: ان شئت فصم وان شئت فأفطر) * ومن طريق مسلم نا أبو الربيع الزهراني ويحى بن يحيى قال أبو الربيع نا حماد هو ابن زيد، وقال يحيى نا أبو معاوية ثن اتفق أبو معاوية وحماد كلاهما عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة أم المؤمنين ان حمزة بن عمرو الاسلمي قال: (يا رسول الله إنى رجل اسرد الصوم أفأصوم (8) في السفر؟ قال: صم ان شئت) * قال على: كل هذا لا حجة لهم فيه، أما حديث أبى الدرداء فليس فيه ان ذلك كان في رمضان أصلا، وإقحام ما ليس في الخبر كذب، وقد يمكن أن يكون تطوعا فلا ننكره فلا متعلق لهم ولا لنا فيه * وأما حديث أبى سعيد فطريق معاوية بن صالح لا يحتج بها (
__________
(1) من قوله (فقال للقوم اشربوا) إلى قوله (وانتم مشاة) سقط من النسخة رقم (16) (2) في النسخة رقم (14) (فنزل عليه السلام) الخ (3) لفظ (انكم) زيادة من النسخة رقم (14) (4) كذا في النسختين بتاءين وفي سنن ابى داود (ج 2 ص 291) (تصبحون) وفي صحيح مسلم (ج 1 ص 309) (مصبحوا عدوكم) (5) زيادة (قال) من صحيح مسلم وسنن ابى داود (6) هو حين تبلغ الشمس منتهاها من الارتفاع (7) زيادة الهمزة من صحيح البخاري (ج 3 ص 76) (8) في النسخة رقم (16) حذف احدى الهمزتين *(6/251)
ثم هبك أنها صحيحة فهو حجة لنا عليهم لان فيه ان آخر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الفطر هذا ان صح انه كان في رمضان، وفى حديث حماد بن سلمة المذكور، وحديث ابن عباس بيان انه كان في رمضان، وفيهما على أبى حنيفة، ومالك والشافعي أمر عظيم لانهم لا يجيزون لمن صام وهو مسافر في رمضان أن يفطر في ذلك اليوم الذى ابتدأ صيامه، واتفقوا على أنه مخطئ وما يبعد عنهم إطلاق اسم المعصية عليه، ومالك يرى عليه الكفارة فلينظر ناصر أقوالهم (1) فيماذا يدخل في احتجاجه بهذين الخبرين من إطلاق اسم الخطأ والمعصية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وايجاب الكفارة عليه في إفطاره، وهذا
خروج عن الاسلام ممن أقدم عليه.
وأما نحن فنقول: لو صح أنه (2) عليه السلام كان صائما ينويه من رمضان لكان ذلك منسوخا بآخر أمره وآخر فعله وإذ لم يأت ذلك في شئ من الاخبار فيمكن أن يكون صام تطوعا والفطر للصائم تطوعا مباح مطلق لاكراهة فيه كما فعل عليه السلام * والعجب كل العجب ممن يقول في الخبر الثابت (ان امرأة كانت تستعير الحلى وتجحده فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها)): لعله انما قطع يدها لغير ذلك، ويقول في الخبر الثابت (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى خلف الصف وحده فأمره باعادة الصلاة): لعله انما أمره بالاعادة لغير ذلك ويقول في الخبر (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى ركعتي الفجر والصلاة تقام فقال له: باى صلاتيك تعتد)): لعله انما أنكر عليه أنه صلاهما بين الناس مكابرة للباطل: وفى الخبر منصوص أنه كان يصليهما ناحية، ثم لا يقول ههنا: لعله كان يصوم تطوعا، وههنا يجب أن يقال: هذا لانه ليس في الاخبار دليل على غير ذلك وأما تلك الاخبار فليس منها شئ يحتمل ما تأولوه لان نصها يمنع من ذلك * والعجب (3) ممن يحتج بقول أبى سعيد: (ثم لقد رأيتنا نصوم بعد ذلك في السفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في إجازة ما ليس في الخبر منه أثر ولا عيثر (4) من إجازة الصوم لرمضان في السفر، وليس في الخبر أنه عليه السلام علم بذلك فأقره، وهم لا يرون قول أسماء: ذبحنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا فأكلناه حجة، ولا يرون قول ابن عباس: (ان طلاق الثلاث كانت تجعل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة) حجة (5) (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ناصر لقولهم) (2) في النسخة رقم (16) (انه كان) بزيادة لفظ (كان) ولا معنى له (3) في النسخة رقم (14) سقط لفظ (والعجب) خطأ (4) قال الجوهرى في الصحاح في مادة ع ث ر: (يقال ما رأيت لهم اثرا ولا عيثرا ولا عثيرا)، والعثير بتسكين الثاء الغبار (5) في النسخة رقم (16) سقط لفظ (حجة) خطأ *(6/252)
وهذا عجب عجيب وانما في حديث أبى سعيد اباحة الصوم في السفر ونحن لا ننكره تطوعا أو فرضا غير رمضان، ومما يبين هذا أنه لا يعلم أنه عليه السلام سافر في رمضان بعد عام الفتح * وأما خبر حمزة فبيان جلى في أنه انما سأله عليه السلام عن التطوع لقوله في الخبر (انى امرؤ أسرد الصوم أفأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام (1)) فبطل كل ما تأولوه وبطل أن يكون لهم في شئ من هذه الاخبار حجة وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: فإذ لم يبق لهم حجة لامن قرآن ولا من سنة فلنذكر الآن (2) البراهين على صحة قولنا بحول الله تعالى وقوته * قال الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) وهذه آية محكمة باجماع من (3) أهل الاسلام لا منسوخة ولا مخصوصة، فصح أن الله تعالى لم يفرض صوم الشهر الا على من شهده، ولا فرض على المريض، والمسافر الا أياما أخر غير رمضان، وهذا نص جلى لا حيلة فيه، ولا يجوز لمن قال: انما معنى ذلك أن أفطرا فيه لانها دعوى موضوعة بلا برهان، قال الله تعالى: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) * نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا احمد بن محمد نا أحمد ابن على نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن المثنى نا عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفى نا جعفر ابن محمد بن على بن الحسين عن أبيه عن جابر بن عبد الله (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم (4) فصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب (5) فقيل له بعد ذلك: ان بعض الناس قد صام فقال: أولئك العصاة (أولئك العصاة)) (6) * قال أبو محمد: ان كان صيامه عليه السلام لرمضان فقد نسخه بقوله: (أولئك العصاة) وصار الفطر فرضا والصوم معصية، ولا سبيل إلى خبر ناسخ لهذا أبدا، وان كان صيامه عليه السلام تطوعا فهذا أحرى للمنع من صيام رمضان لرمضان في السفر، ومن
طريق البخاري ومسلم * (
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (ص 194): لكن ينتقض عليه بان عند ابى داود في رواية صحيحة من طريق حمزة بن محمد بن حمرة عن ابيه عن جده ما يقتضى انه سأله عن الفرض وصححها الحاكم اه وانظر عون المعبود شرح سنن ابى داود (ج 2 ص 290) (2) زيادة لفظ (الآن) من النسخة رقم (14) (3) زيادة لفظ (من) من النسخة رقم (14) (4) هو اسم موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة، وهو وادى امام عسفان بثمانية اميال (5) في النسخة رقم (14) (فشرب) وما هنا موافق لصحيح مسلم (ج 1 ص 308) (6) زيادة لفظ (اولئك العصاة) الثانية من مسلم (ج 1 ص 308) بولاق وهى توافق النسخة رقم (14) *(6/253)
قال البخاري نا آدم وقال مسلم: نا أبو بكر بن أبى شيبة نا محمد بن جعفر ثما اتفق آدم ومحمد كلاهما عن شعبة عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الانصاري عن محمد ابن عمرو بن الحسن بن على بن أبى طالب عن جابر بن عبد الله قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى رجلا (1) قد ظلل عليه فسأل عنه فقيل: صائم، فقال: ليس من البر الصوم في السفر) هذا لفظ آدم، ولفظ غندر (ليس من البر أن تصوموا في السفر) * قال أبو محمد: وهذا مكشوف واضح، فان قيل: انما منع عليه السلام في مثل حال ذلك الرجل قلنا: هذا باطل لا يجوز لان تلك الحال محرم البلوغ إليها باختيار المرء للصوم في الحضر كما هو في السفر فتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بالمنع من الصيام (2) في السفر إبطال لهذه الدعوى المفتراة عليه صلى الله عليه وسلم، وواجب أخذ كلامه عليه السلام على عمومه * ومن طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية الجمحى عن أم الدرداء عن كعب بن عاصم الاشقري قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس من البر الصيام في السفر (3))، صفوان ثقة مشهور مكى كان متزوجا بالدراء بنت أبى الدرداء، وكعب بن عاصم مشهور الصحبة هاجر مع أبى موسى وهو من الاشاقر حى من الازد *
ومن طريق شعيب بن إسحاق عن الاوزاعي حدثنى يحيى هو ابن أبى كثر حدثنى أبو قلابة الجرمى ان أبا أمية عمرو بن أمية الضمرى أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له وقد دعاه إلى الغداء: أخبرك عن المسافر ان الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة * ومن طريق أبى زرعة عبيدالله بن عبد الكريم نا سهل بن بكار نا أبو عوانة عن أبى بشر عن هانئ بن عبد الله بن الشخير عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ودعاه إلى الغداء: أتدرى ما وضع الله عن المسافر؟ قلت: ما وضع الله عن المسافر؟ قال: الصوم وشطر الصلاة) * ومن طريق يحيى بن أبى كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان حدثنى جابر بن عبد الله (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل في ظل يرش عليه الماء فسأل عنه فأخبر أنه صائم فقال: ليس من البر أن تصوموا في السفر وعليكم برخصة الله التى رخص لكم فاقبلوها) (
__________
(1) في صحيح مسلم (ج 1 ص 308) (فرأى رجلا قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه فقال: ماله؟ قالوا: رجل صائم فقال) الخ، وفي صحيح البخاري جزء (3 ص 77) (فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟ فقالوا صائم فقال) الخ (2) في النسخة رقم (14) (للصيام) (3) هو في مسند الامام احمد بن حنبل (ج 5 ص 434) *(6/254)
فهذا أمر بقبولها وأمره عليه الصلاة والسلام فرض (1) فهى رخصة مفترضه، وصح بهذه الاخبار أن الله تعالى أسقط عن المسافر الصوم ونصف الصلاة وهذه آثار متواترة متظاهرة لم يأت شئ يعارضها فلا يجوز الخروج عنها، فان قيل: فان هذه الاخبار مانعة كلها بعمومها من كل صوم في السفر وأنتم تبيحون فيه كل صوم الا رمضان وحده قلنا: نعم لان النصوص جاءت بمثل ما قلنا لان الله تعالى قال: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) فافترض تعالى صوم الثلاثة الايام في السفر ولابد، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحوض على صوم
عرفة ما سنذكره ان شاء الله تعالى وهو في السفر لمن كان حاجا، وقال عليه الصلاة والسلام: (ان أفضل الصيام صيام داود يصوم يوما ويفطر يوما (2)) فعم عليه الصلاة والسلام ولم يخص، وقال عليه الصلاة والسلام: (من صام يوما في سبيل الله باعد الله النار عن وجهه) (3) فحض على الصوم في السفر فوجب الاخذ بجميع النصوص فخرج صوم رمضان في السفر بالمنع وحده وبقى سائر الصوم واجبه وتطوعه على جوازه في السفر ولا يجوز ترك نص لآخر * وقال بعض أهل الجهل والجرأة على القول بالباطل في الدين: معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس من البر الصيام في السفر)) مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس المسكين بهذا الطواف) * قال أبو محمد: هذا تحريف للكم عن مواضعه، وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقويل له ما لم يقل، وفاعل هذا يتبوأ مقعده من النار بنص قوله عليه السلام، وليس إذا وجد نص قد جاء آخر أو إجماع باخراجه عن ظاهره وجب أن تبطل جميع النصوص وتخرج عن ظواهرها فيحصل من فعل هذا على مذهب القرامطة في احالة القرآن عن مفهومه وظاهره، ومن بلغ إلى ههنا فقد كفى خصمه مؤنته، ويقال له: إذا قلت هذا في قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس من البر الصيام في السفر) فقله أيضا في قوله تعالى: (ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) ولا فرق * قال أبو محمد: ومن سلك هذا السبيل فقد أبطل الدين والعقل والتفاهم جملة، فان قيل: فكيف تقولون في صومه عليه الصلاة والسلام مع قول الله تعالى (5) (فمن شهد منكم (
__________
(1) في النسخة رقم (14) سقط لفظ (فرض) خطأ (2) رواه النسائي والترمذي، وقد تقدم قريبا (3) رواه البخاري في صحيحه، ورواه غير البخاري أيضا (4) لفظ (وحده) سقط من النسخة رقم (16) خطأ (5) في النسخة رقم (14) (مع قوله تعالى) وما هنا اظهر *(6/255)
الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفرفعدة من أيام أخر)؟ قلنا: هذا في غاية البيان لا تخلو هذه الآية من أن يكون نزولها تأخر إلى وقت فتح مكة أو بعده، وتقدم فرض رمضان بوحى آخر كما كان نزول آية الوضوء في المائدة متأخرا عن نزول (1) فرضه، فان كان تأخر نزولها فسؤالكم ساقط ولله الحمد رب العالمين (2)، وان كان تقدم نزولها فلا يخلو عليه الصلاة السلام في صومه ذلك من أن يكون صامه لرمضان أو تطوعا، فان كان صامه تطوعا فسؤالكم ساقط ولله الحمد، وان كان صامه عليه الصلاة والسلام لرمضان فلا ننكر أن يكون عليه الصلاة والسلام نسخ بفعله حكم الآية ثم نسخ ذلك الفعل وعاد حكم الآية، فهذا كله حسن فكيف ولا دليل أصلا على تقدم نزول الآية قبل غزوة الفتح؟ وما نزل بعضها الا بعد إلاسلام عدى بن حاتم بعد الفتح بمدة، وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: ولم يبق علينا الا أن نذكر من قال: بمثل قولنا لئلا يدعوا علينا خلاف الاجماع، فالدعوى لذلك منهم سهلة، وهم أكثر الناس خلافا للاجماع على ما قد بينا في كتابنا هذا وفى غيره * روينا من طريق سليمان بن حرب نا حماد بن سلمة عن كلثوم بن جبر عن رجل من بنى قيس أنه صام في السفر فأمره عمر بن الخطاب أن يعيد * ومن طريق سفيان ابن عيينة عن عاصم بن عبيدالله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن عمر بن الخطاب أنه أمر رجلا أن يعيد صيامه في السفر * قال أبو محمد: إن من احتج في رد السنن الثابتة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل بيعين فلابيع بينهما حتى يتفرقا) برواية شيخ من بنى كنانة عن عمر أنه قال: البيع على (3) صفقة أو تخاير، ثم رد هذه الرواية عن عمر ومعه القرآن والسنن لا عجوبة وأخلوقة * ومن طريق سليمان بن حرب عن أبى عوانة عن عمر بن أبى سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف عن أبيه قال: نهتني عائشة أم المؤمنين (4) عن أن أصوم رمضان في السفر *
وعن أبى هريرة ليس من البر الصيام في السفر * ومن طريق شعبة عن أبى حمزة نصر ابن عمران الضبعى قال: سألت ابن عباس عن الصوم في السفر؟ فقال: يسر وعسر (5) خذ (6) بيسر الله تعالى * (
__________
(1) لفظ (نزول) زيادة من النسخة رقم (14) (2) لفظ (رب العالمين) زيادة من النسخة رقم (14) (3) في النسخة رقم (14) (عن) (4) لفظ (ام المؤمنين) زيادة من النسخة رقم (14) (5) في النسخة رقم (16) (عسر ويسر) (6) في النسخة رقم (14) (خذوا بيسر الله تعالى) *(6/256)
قال أبو محمد: اخباره بان صوم رمضان في السفر عسر ايجاب من لفطره * وعنه أيضا الافطار في رمضان في السفر عزمة * روينا هذا من طريق عبد بن حميد وابن أبى شيبة كلاهما عن محمد بن بشر عن سعيد ابن أبى عروبة عن قتادة عن جابر بن زيد أبى الشعثاء عن ابن عباس * ومن طريق ابن أبى شيبة عن أبى داود الطيالسي عن عمران القطان عن عمار (1) مولى بنى هاشم هو ابن أبى عمار عن ابن عباس انه سئل عمن صام رمضان في السفر فقال ابن عباس: لا يجزئه يعنى لا يجزئه صيامه * وعن ابن عمرانه سئل عن الصوم في السفر فقال: (من كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * ومن طريق شعبة عن يعلى بن عطاء عن يوسف بن الحكم الثقفى ان ابن عمر سئل عن الصوم في السفر؟ فقال: إنما هي صدقة تصدق الله بها عليك أرأيت لو تصدقت بصدقة فردت عليك؟ ألم تغضب؟ * قال أبو محمد: هذا يبين أنه كان يرى الصوم في رمضان في السفر مغضبا لله تعالى، ولا يقال هذا في شئ مباح أصلا * ومن طريق حماد بن سلمة عن كلثوم بن جبر ان امرأة صحبت ابن عمر في سفر فوضع الطعام فقال لها: كلى قالت: إنى صائمة قال: لا تصحبينا * ومن طريق معن بن عيسى القزاز عن أبن أبى ذئب عن الزهري عن أبى سلمة
ابن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: يقال: الصيام في السفر كالافطار في الحضر * قال أبو محمد: هذا إسناد صحيح، وقد صح سماع أبى سلمة من أبيه، ولا يقول عبد الرحمن بن عوف: في الدين يقال (3) كذا الا عن الصحابة أصحابه رضى الله عنهم، وأما خصومنا فلو وجدوا مثل هذا لكان أسهل شئ عليهم أن يقولوا: لا يقول ذلك الا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * ومن طريق أبى معاوية نا ابن أبى ذئب عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر، وهذا سند في غاية الصحة * ومن طريق عطاء عن المحرر (4) ابن أبى هريرة قال: صمت رمضان في السفر فأمرني أبو هريرة ان أعيده في أهلى وان اقضيه فقضيته * ومن طريق الدراوردى عن عبد الرحمن بن (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (عن عمران) وهو غلط صححناه من تهذيب التهذيب (ج 7 ص 404) (2) من قوله (قال أبو محمد هذا يبين انه) إلى قوله (في الحضر) سقط من النسخة رقم (16) (3) لفظ (يقال) زيادة من النسخة رقم (14) (4) هو بالراء في آخره وفى النسخة رقم (16) بالزاى وهو غلط *(6/257)
حرملة ان رجلا سأل سعيد بن المسيب أتم الصلاة في السفر وأصوم؟ قال: لا فقال: انى (1) أقوى على ذلك قال سعيد: رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أقوى منك قد كان يقصر ويفطر * وعن عطاء انه سئل عن الصوم في السفر فقال: أما المفروض فلا وأما التطوع فلا بأس به * ومن طريق شعبة عن عاصم مولى قريبة عن عروة بن الزبير انه قال في رجل صام في السفر: انه يقضيه في الحضر، قال شعبة: لو صمت رمضان في السفر لكان في نفسي منه شئ * ومن طريق معمر عن الزهري قال: كان الفطر آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانما يؤخذ من امر رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) بالآخر فالآخر * ومن طريق اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى قال: لا تصوموا في السفر * وعن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ان أباه كان ينهى عن صيام
رمضان في السفر، وكان محمد بن على ينهى عن ذلك أيضا * وعن القاسم بن محمد بن أبى بكر قال: لا يصوم المسافر أفطر أفطر * وعن يونس بن عبيد وأصحابه انهم انكروا صيام رمضان في السفر * قال أبو محمد: وقد جاء خبر لو وجدوا مثله لعظم الخطب معهم كما روينا من طريق (3) محمد بن أحمد بن الجهم نا موسى بن هارون نا ابراهيم بن المنذر نا عبد الله بن موسى التيمى عن أسامة بن زيد الليثى عن الزهري عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصائم في السفر في رمضان كالمفطر في الحضر) * قال أبو محمد: وأما نحن فلا نحتج باسامة بن زيد الليثى ولا نراه حجة لنا ولا علينا (4) وفى القرآن وصحيح السنن كفاية ولله الحمد * قال على: ومن العجب ان أبا حنيفة لا يجزئ عنده اتمام الصلاة في السفر ومالك يرى في ذلك الاعادة (5) في الوقت ثم يختارون الصوم في السفر على الفطر تناقضا لا معنى له وخلافا لنص القرآن، وللقياس الذى يدعون له السنن * قال على: فإذ قد (6) صح هذا فمن سافر في رمضان فله أن يصوم تطوعا وله ان يصوم فيه قضاء رمضان أفطره قبل أو سائر ما يلزمه من الصوم نذار أو غيره لان الله تعالى قال: (فعدة من أيام أخر) ولم يخص رمضان آخر من غيره ولم يمنع النص من صيامه الا لعينه فقط، وأما المريض فان كان يؤذيه الصوم فتكلفه لم يجزه وعليه ان يقضيه لانه منهى (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (قال فانى) (2) في النسخة رقم (14) (وانما يؤخذ من امره) الخ (3) في النسخة رقم (14) (كما روينا عن محمد) الخ (4) قوله (ولا علينا) زيادة من النسخة رقم (14) (5) في النسخة رقم (14) (يرى الاعادة في ذلك) (6) لفظ (قد) زيادة من النسخة رقم (14) *(6/258)
عن الحرج والتكلف وعن أذى نفسه وان كان لا يشق عليه اجزأه لانه لا خلاف في ذلك وما نعلم (1) مريضا لا حرج عليه في الصوم قال الله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من
حرج) فالحرج لم يجعله الله تعالى في الدين * 763 مسألة ومن أقام من قبل الفجر ولم يسافر إلى بعد غروب الشمس في سفره فعليه إذا نوى الاقامة المذكورة ان ينوى الصوم ولابد، وسواء كان في جهاد أو عمرة أو غير ذلك لانه انما الزم الفطر إذا كان على سفر وهذا مقيم، فان افطر عامدا فقد اخطأ ان كان جاهلا متأولا، وعصى ان كان عالما ولاقضاء عليه لانه مقيم صحيح ظن أنه مسافر، فان نوى من الليل وهو في سفره ان يرحل (2) غدا فلم ينو الصوم فلما كان من الغد حدثت له اقامة فهو مفطر لانه مأمور بما فعل، وهو على سفر ما لم ينو الاقامة المذكورة، وهذا بخلاف الصلاة لان النص ورد في الصلاة بقصر عشرين يوما يقيمها في الجهاد، وبقصر أربعة أيام يقيمها في الحج، وبقصر ما يكون فيه من الصلوات مقيما ما بين نزله إلى رحيله من غد، ولم يأت نص بأن يفطر في غير يوم لا يكون فيه مسافرا * (فان قيل) قال الله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) فهذا على سفر قلنا: لو كانت على في هذه الآية معناها ما ظننتم من ارادة السفر لا الدخول في السفر لوجب على من اراد السفر وهو في منزله ان يفطر وان نوى السفر بعد أيام لانه على سفر وهذا مالا يشك (3) في انه لا يقوله احد، ويبطله ايضا اول الآية إذ يقول تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فوجب على الشاهد صيامه وعلى المسافر افطاره لقول (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس من البر الصيام في السفر)، ولقوله عليه الصلاة والسلام: (ان الله وضع عن المسافر الصيام وشطر الصلاة) فصح انه ليس الا مسافر أو شاهد، فالشاهد يصوم والمسافر يفطر وليس المسافر الا المنتقل لا المقيم فلا يفطر الا من انتقل بخلاف من لم ينتقل، ومن كان مقيما صائما فحدث له سفر فانه إذا برز عن موضعه فقد سافر فقد بطل صومه وعليه قضاؤه، وبالله تعالى التوفيق * (فان قيل): بل نقيس الصوم على الصلاة قلنا: القياس باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا لانهم متفقون على ان قصر بعض الصلوات لا يقاس عليه قصر سائرها،
فإذا لم يجز عندهم قياس قصر (5) صلاة على قصر صلاة أخرى فابطل وأبعد أن يقاس فطر على فطر، وأيضا فقد ينوى في الصلاة المسافر اقامة فينتقل إلى حكم المقيم ولا يمكن (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (ولا نعلم) (2) في النسخة رقم (16) (ان يدخل) وهو تصحيف (3) في النسخة رقم (16) (وهذا مالاشك) (4) في النسخة رقم (16) (بقول) (5) زيادة لفظ (قصر) من النسخة رقم (14) *(6/259)
ذلك في الصوم فبطل على كل حال قياس أحدهما على الآخر، وبالله تعالى التوفيق * 764 مسألة والحيض الذى يبطل الصوم هو الاسود لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ان دم الحيض اسود يعرف) وقول عليه الصلاة والسلام: فإذا جاء الآخر فاغتسلي وصلى) وقد ذكرناه في كتاب الحيض من الطهارة من ديواننا هذا فأغنى عن اعادته * وعن أم عطية وغيرها كنا لانعد الصفرة والكدرة شيئا * 765 مسألة وإذا رأت الحائض الطهر قبل الفجر أو رأته النفساء وأتمتا عدة أيام الحيض والنفاس قبل (1) الفجر فاخرتا الغسل عمدا إلى طلوع الفجر ثم اغتسلتا وأدركتا الدخول في صلاة الصبح قبل طلوع الشمس لم يضرهما شيئا وصومهما تام لانهما فعلتا ما هو مباح لهما، فان تعمدتا ترك الغسل حتى تفوتهما الصلاة بطل صومهما لانها عاصيتان (2) بترك الصلاة عمدا، فلو نسيتا ذلك أو جهلتا فوصمهما تام لانهما لم يتعمدا معصية، وبالله تعالى التوفيق * 766 مسألة وتصوم المستحاضة كما تصلى على ما ذكرنا (3) في كتاب الحيض من ديواننا هذا فأغنى عن اعادته، وبالله تعالى التوفيق * 767 مسألة ومن كانت عليه ايام من رمضان فاخر قضاءها عمدا، أو لعذر، أو لنسيان حتى جاء رمضان آخر فانه يصوم رمضان الذى ورد عليه كما امره الله تعالى فإذا أفطر في اول شوال (4) قضى الايام التى كانت عليه ولا مزيد ولا اطعام عليه في ذلك، وكذلك لو أخرها عدة سنين ولافرق الا أنه قد اساء في تأخيرها عمدا سواء
أخرها إلى رمضان أو مقدار ما كان يمكنه قضاؤها من الايام لقول الله تعالى: (سارعوا إلى مغفرة من ربكم) فالمسارعة إلى الطاعة المفترضة واجبة، وقال الله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المتعمد للقئ، والحائض، والنفساء بالقضاء ولم يحد الله تعالى ولارسوله صلى الله عليه وآله في ذلك وقتا بعينه، فالقضاء واجب عليهم ابدا حتى يؤدى ابدا، ولم يأت نص قرآن ولا سنة بايجاب اطعام في ذلك فلا يجوز الزام ذلك احدا لانه شرع والشرع لا يوجبه في الدين الا الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وسلم فقط، وهذا قول أبى حنيفة، وأبى سليمان، وقال مالك: يطعم مع القضاء عن كل يوم من الرمضان الاول (5) مدا مدا عددها مساكين ان تعمد (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (من قبل) بزيادة من ولا معنى لها (2) في النسخة رقم (16) (عاصيان) (3) في النسخة رقم (16) (كما ذكرنا) (4) في النسخة رقم (16) (فادا افطر في آخر رمضان) وهو غلط (5) في النسخة رقم (16) (الآتى) وما هنا اصح واظهر *(6/260)
ترك القضاء، فان كان تمادى مرضه قضى ولا إطعام عليه وهو قول الشافعي * قال أبو محمد: وروينا في ذلك عن السلف رضى الله عنهم أقوالا، فروينا عن ابن عباس، وأبى هريرة مثل قول مالك، والشافعي، ورويناه أيضا عن عمر، وابن عمر من طريق منقطعة وبه يقول الحسن، وعطاء * وروينا عن ابن عمر من طريق صحيحة انه يصوم رمضان الآخر ولا يقضى الاول (1) بصيام لكن يطعم عنه مكان كل يوم مسكينا مسكينا مدا مدا وبه يقول أبو قتادة، وعكرمة * ورينا عنه أيضا يهدى مكان كل رمضان فرط في قضائه بدنة مقلدة * وروينا من طريق ابن مسعود يصوم هذا ويقضى الاول ولم يذكر طعاما وهو قول ابراهيم النخعي، والحسن، وطاوس، وحماد بن أبى سليمان * قال على: عهدنا بهم يقولون فيما وافقهم من قول الصحاب: مثل هذا لا يقال بالرأى فهلا قالوه في قول ابن عمر في البدنتين؟ *
768 مسألة والمتابعة في قضاء رمضان واجبة لقول الله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) فان لم يفعل فيقضيها متفرقة وتجزئه لقول الله تعالى: (فعدة من أيام أخر) * ولم يحد تعالى في ذلك وقتا يبطل القضاء بخروجه وهو قول أبى حنيفة، ومالك، والشافعي، وأبى سليمان نعنى انهم اتفقوا على جواز قضائها متفرقة، واحتج من قال: بأنها لا تجزئ الا متتابعة بان في مصحف أبى (فعدة من أيام أخر متتابعات) * قال على روينا من طريق عبد الرزاق (2) عن معمر عن الزهري قال عروة: قالت عائشة أم المؤمنين: نزلت (فعدة من أيام أخر متتابعات) فسقطتت متتابعات * قال أبو محمد: سقوطها مسقط لحكمها لانه لا يسقط القرآن بعد نزوله الا باسقاط الله تعالى إياه قال الله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)، وقال تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخيرر منها أو مثلها) وقال تعالى: (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله) فان قيل: قد يسقط لفظ الآية ويبقى حكمها كما كان في آية الرجم قلنا: لولا إخبار النبي صلى الله عليه وسلم ببقاء حكم (3) الرجم لما جاز العمل به بعد إسقاط الآية النازلة به (4) لان ما رفع الله تعالى فلا يجوز لنا إبقاء لفظه ولا حكمه إلا بنص آخر * 769 مسألة والاسير في دار الحرب ان عرف رمضان لزمه صيامه ان كان مقيما لانه مخاطب بصومه في القرآن، فان سوفر به أفطر (5) ولا بد لانه على سفر (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (للاول) (2) في النسخة رقم (14) (عبد الرزاق) وهو غلط محض فان عبد الرزاق هو الامام صاحب الجامع والمصنف (3) لفظ (حكم) زيادة من النسخة رقم (14) (4) لفظ (به) زيادة من النسخة رقم (16) (5) في النسخة رقم (16) (افطره) *(6/261)
وعليه قضاءه لما ذكرنا قبل، فان لم يعرف الشهر وأشكل عليه سقط عنه (1) صيامه ولزمته أيام أخر ان كان مسافرا والا فلا * وقال قوم: يتحرى شهرا ويجزئه * وقال آخرون: ان وافق شهرا قبل رمضان لم يجزه، وان وافق شهرا بعد رمضان أجزأه لانه
يكون قضاء عن رمضان * قال على: أما تحرى شهر فيجزئه أو يجعله قضاء فحكم لم يأت به قرآن، ولاسنة صحيحة، ولا رواية سقيمة، ولا إجماع، ولا قول صاحب وما كان هكذا فهو دعوى فاسدة لا برهان على صحتها، فان قالوا: قسناه على من جهل القبلة قلنا: هذا باطل لان الله تعالى لم يوجب التحرى على من جهل القبلة بل من جهلها فقد سقط عنه فرضها، فيصلى كيف شاء؟ فان قالوا: قسناه على من خفى عليه وقت الصلاة قلنا: وهذا باطل أيضا لانه لا تجزئه صلاة الا حتى يوقن بدخول وقتها (2) * قال أبو محمد: وبرهان صحة قولنا: قول الله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * فلم يوجب الله تعالى صيامه إلا على من شهده، وبالضرورة ندرى أن من جهل وقته فلم يشهده قال الله عزوجل (3): (لا يكلف الله نفسا الا وسعها)، وقال تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) * فمن لم يكن في وسعه معرفة دخول رمضان فلم يكلفه الله تعالى صيامه بنص القرآن، ومن سقط عنه صوم الشهر فلا قضاء عليه لانه صوم غير ما أمر الله تعالى به، * فان صح عنده بعد ذلك انه كان فيه مريضا أو مسافر فعليه ما افترض الله تعالى على المريض فيه والمسافر فيه (4) وهو عدة من أيام أخر، فيقضى الايام التى سافر، والتى مرض فقط ولابد، وان لم يوقن بأنه مرض فيه أو سافر فلا شئ عليه وبالله تعالى التوفيق * 770 مسألة والحامل، والمرضع، والشيخ الكبير كلهم مخاطبون بالصوم فصوم رمضان فرض عليهم، فان خافت المرضع على المرضع قلة اللبن وضيعته لذلك ولم (5) يكن له غيرها، أو لم يقبل ثدى غيرها، أو خافت الحامل على الجنين، أو عجز الشيخ عن الصوم لكبره أفطروا (6) ولاقضاء عليهم ولا إطعام، فان أفطروا لمرض بهم عارض فعليهم القضاء، أما قضاؤهم لمرض فلقول الله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر)، وأما وجوب الفطر عليهما في الخوف على الجنين
(
__________
(1) لفظ (عنه) زيادة من النسخة رقم (14) (2) في النسخة رقم (16) (بدخول الوقت) (3) في النسخة رقم (16) (قال تعالى) (4) لفظ (فيه) زيادة من النسخة رقم (14) (5) في النسخة رقم (16) (ولو لم) (6) في النسخة رقم (16) (افطر) وهو غلط *(6/262)
والرضيع فلقول الله تعالى: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم)، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله (من لا يرحم لا يرحم) * فإذ رحمة الجنين والرضيع فرض، ولا وصول إليها إلا بالفطر فالفطر فرض، وإذ هو فرض فقد سقط عنهما الصوم، وإذا سقط الصوم فايجاب القضاء عليهما (1) شرع لم يأذن الله تعالى به ولم يوجب الله تعالى القضاء الا على المريض، والمسافر، والحائض، والنفساء، ومتعمد القئ فقط، (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه)، وأما الشيخ الذى لا يطيق الصوم لكبره فالله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها)، فإذا لم يكن الصوم في وسعه فلم يكلفه، وأما تكليفهم إطعاما فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فلا يجوز لاحد إيجاب غرامة لم يأت بها نص ولا إجماع * قال أبو محمد: روينا عن ابراهيم ان علقمة جاءته امرأه فقالت له: انى (2) حبلى وأنا أطيق الصوم (3) وزوجي يأمرنى أن أفطر فقال لها علقمة: أطيعي ربك واعصى زوجك * وممن أسقط عنها القضاء روينا عن حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى، وعبيدالله بن عمر كلاهما عن نافع ان امرأة من قريش سألت ابن عمر وهى حبلى فقال لها: أفطرى وأطعمي كل يوم مسكينا ولا تقضى * ومن طريق حماد بن سلمة عن ايوب السختيانى، وقتادة كلاهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال لامة له مرضع: أنت بمنزلة (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكني) أفطرى وأطعمي كل يوم مسيكنا ولا تقضى * روينا كليهما من طريق اسمعيل بن اسحاق عن الحجاج بن المنهال عن حماد، ومن طريق
عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير قال: تفطر الحامل التى في شهرها والمرضع التى تخالف على ولدها وتطعم كل واحدة منهما كل يوم مسكينا ولاقضاء عليهما وبه يقول قتادة، وهو ظاهر قول سعيد بن المسيب:، وممن أسقط الاطعام كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: تفطر الحامل، والمرضع في رمضان ويقضيانه صياما ولا اطعام عليهما، ومثله عن عكرمة، وعن ابراهيم النخعي وهو قول أبى حنيفة، وسفيان، وممن رأى عليهما الامرين جميعا عطاء بن ابى رباح فانه قال: إذا خافت المرضع والحامل على ولدهها (4) فلتفطر ولتعطم مكان كل يوم نصف صاع ولتقض بعد ذلك وهو قول الشافعي * (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (عليها) وهو غلط (2) في النسخة رقم (16) (انا حبلى) (3) في النسخة رقم (14) (الصيام) (4) في النسخة رقم (16) (ولديهما) *(6/263)
قال أبو محمد: فلم يتفقوا على ايجاب القضاء ولا على ايجاب الاطعام فلا يجب شئ من ذلك إذ لا نص في وجوبه ولا اجماع، وعهدنا بهم يقولون في قول الصاحب إذا وافقهم: مثل هذا لا يقال بالرأى فهلا قالوا ههنا في قول ابن عمر في اسقاط القضاء، وقد روينا عن ابن عباس مثل قولنا كما روينا عن اسماعيل بن اسحاق نا ابرهيم بن حمزة الزبيري نا عبد العزيز بن محمد هو الدراوردى عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس انه سئل عن مرضع في رمضان خشيت على ولدها فرخص لها ابن عباس في الفطر * قال على: ولم يذكر قضاء ولا طعاما، وقال مالك: أما المرضع فتفطر وتطعم عن كل يوم مسكنا وتقضى مع ذلك، وأما الحامل فتقضى ولا اطعام عليها ولا يحفط هذا التقسيم عن احد من الصححابة والتابعين * قال أبو محمد: احتج من رأى الاطعام في ذلك بقول الله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) * وذكروا ما رويناه من طريق حماد بن سلمة نا قتادة عن عكرمة قال:
نزلت هذه الآية في الحبلى، والمرضع، والشيخ، والعجوز * واحتج من رأى القضاء بما رويناه (1) من طريق يزيد بن هارون عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرخص للحبلى، والمرضع ان يفطروا في رمضان فإذا أفطمت المرضع ووضعت الحبلى جددتا صومهما * قال على: حديث عكرمة مرسل، وحديث الضحاك فيه ثلاث بلايا، جويبر وهو ساقط (2)، والضحاك مثله، (3) وارسلا مع ذلك، لكن الحق في ذلك ما رويناه قبل في حكم الصوم في السفر من طريق سلمة بن الاكوع، ان (4) هذه الآية منسوحة، ومن طريق حماد ابن زيد عن سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين عن ابن عباس أنه قرأ هذه الآية (فدية طعام مسكين) فقال: هي منسوخة، فهذا هو المسند الصحيح الذى لا يجوز خلافه، والعجب كل العجب من هؤلاء القوم فانهم يصفرن هذه الآية تصريف الافعال في غير ما أنزلت فيه، فمرة يحتجون بها في ان الصوم في السفر أفضل، ومرة يصرفونها في الحامل، والمرضع، والشيخ الكبير، وكل هذا احالة لكلام الله تعالى، وتحريف للكلم عن مواضعه وما ندرى كيف يستجيز من يعلم ان وعد الله حق مثل هذا في القرآن وفى دين الله تعالى؟ ونعوذ بالله من الضلال * (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (بما روينا) (2) هو كما قال المصنف انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (ج 2 ص 123) (3) اختلف اهل الحديث فيه فبعظهم وثقه كاحمد بن حنبل وابى زرعة وابن معين وبعظهم ضعفه كيحيى بن سعيد، انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (ج 4 ص 453) (4) في النسخة رقم (16) (وان) بزيادة الواو وهو خطأ *(6/264)
وأما الشيخ الكبير فان أبا حنيفة أوجب عليه اطعام مسكين مكان كل يوم، ولم ير مالك الاطعام عليه واجبا، وقال الشافعي مرة (1) كقول أبى حنيفة، ومرة كقول مالك * قال أبو محمد: روينا من طريق اسماعيل عن على (2) بن عبد الله عن سفيان، وجرير قال سفيان قال عمرو بن دينار: أخبرني عطاء انه سمع ابن عباس يقرؤها (وعلى الذين
يطوقونه فدية طعام مسكين) يكلفونه ولا يطيقونه، قال: هذا الشيخ الكبير الهم والمرأة الكبيرة الهمة (3) لايستطيع الصوم يفطر ويطعم كل يوم مسكينا، وقال جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس: مثله * قال على: هذا صحيح عن ابن عباس، وروينا عن على بن أبى طالب انه قال في الشيخ الكبير الذى لايستطيع الصوم: انه يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا، وصح عن أنس أنه ضعف عن الصوم إذ كبر فكان يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا، قال قتادة: الواحد كفارة والثلاثة تطوع * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الرحمن بن حرملة قال سمعت سعيد ابن المسيب: يقول في قول الله تعالى: (على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين): هو الكبير الذى عجز عن الصوم والحبلى يشق عليها الصوم، فعلى كل واحد منهما اطعام مسكين عن كل يوم * وعن الحسن، وقتادة في الشيخ الكبير والعجوز انهما يطعمان مكان كل يوم مسكينا * وعن عطاء والحسن، وسعيد بن جبير مثل ذلك، وروى عن قيس بن السائب وهو من الصحابة مثل ذلك (4) * وعن أبى هريرة أنه يتصدق عن كل يوم بدرهم * وعن مكحول، وطاوس، ويحيى بن أبى كثير فيمن منعه العطاش (5) من الصوم انه يفطر ويطعم عن كل يوم مدا * قال أبو محمد: فرأى أبو حنيفة على الشيخ الذى لا يطيق الصوم لهرمه اطعام مسكين مكان كل يوم ولم يره على الحامل والمرضع، وأوجبه مالك على المرضع خاصة ولم يوجبه على الحامل ولا الشيخ الكبير، وهذا تناقض ظاهر * واحتج بعض الحنيفيين بان الحامل (
__________
(1) سقط لفظ مرة من النسخة رقم (16) خطأ (2) في النسخة رقم (16) (اسماعيل بن على) وهو غلط فان اسماعيل هو ابن اسحاق القاضى روى عن على بن عبد الله وهو من اقرانه، وعلى بن عبد الله هذا هو على بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدى مولاهم ابو الحسن بن المدينى صاحب التصانيف * انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (ج 7 ص 349) (3) قال الجوهرى في صحاحه: (الهم بالكسر الشيخ الفاني، والمرأة همة، ووقع في
النسخة رقم (16) (المرأة الكبيرة الهم) (4) في النسخة رقم (16) (مثل هذا) (5) قال الجوهرى في الصحاح (العطاش داء يصيب الانسان فيشرب الماء فلا يروى) *(6/265)
والمرضع بمنزلة المريض والمسافر لانهم كلهم أبيح لهم الفطر دون اطعام * قال على: والشيخ كذلك وهو أشبه بالمريض والمسافر لانه ابيح له الفطر من أجل نفسه كما أبيح لهما من أجل انفسهما، وأما الحامل والمرضع فانما أبيح لهما الفطر من أجل غيرهما * قال على: وأما الماليكون فيشنعون بخلاف الصحاب إذا وافق تقليدهم وقد خالفوا ههنا عليا، وابن عباس، وقيس بن السائب، وأبا هريرة، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف، وخالفوا عكرمة وسعيد بن المسب، وعطاء، وقتادة، وسعيد بن جبير وهم يشنعون بمثل هذا * قال أبو محمد: وأما نحن فلا حجة عندنا في غير النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الرواية عن ابن عباس أنه كان يقرؤها (وعلى الذين يطوقونه) فقراءة لا يحل لاحد ان يقرأ بها لان القرآن لا يؤخذ الا عن لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن احتج بهذه الرواية فليقرأ بهذه القراءة وحاش لله ان يطوق الشيخ ما لا يطيقه، وقد صح عن سلمة بن الاكوع وعن ابن عباس نسخ هذه الآية كما ذكرنا في هذا الباب، وفى باب صوم المسافر وانها لم تنزل قط في الشيخ، ولا في الحامل، ولا في المرض، وإنما نزلت في حال وقد نسخت وبطلت، والشيخ والعجوز اللذان لا يطيقان الصوم فالصوم لا يلزمهما قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) واذ لم يلزمهما الصوم فالكفارة لا تلزمهما لان الله تعالى لم يلزمهما ولا رسوله صلى الله عليه وسلم والاموال محرمة الا بنص أو اجماع * والعجب كله من ان أبا حنيفة، ومالكا، والشافعي يسقطون الكفارة عمن أفطر في نهار رمضان عمدا وقصد ابطال صومه عاصيا لله تعالى بفعل قوم لوط، وبالاكل وشرب
الخمر عمدا، وبتعمد القئ، نعم وبعضهم يسقط القضاء والكفارة عنه فيمن أخرج من بين أسنانه شيئا من طعامه فتعمد أكله ذاكرا لصومه، ثم يوجبون الكفارة على من أفطر ممن أمره الله تعالى بالافطار واباحه له من مرضع خائفة على رضيعها التلف، وشيخ كبير لا يطيق الصوم ضعفا، وحامل تخالف على مافى (1) بطنها، وحسبك بهذا تخليطا، ولا يحل قبول مثل هذا الا من الذى لا يسأل عما يفعل وهو الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم * 771 مسألة ومن وطئ مرارا في اليوم عامدا فكفارة واحدة فقط، ومن وطئ في يومين عامدا فصاعدا فعليه لكل يوم كفارة، سواء كفر قبل أن يطأ (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (على ذى بطنها)(6/266)
الثانية أو لم يكفر * قال أبو حنيفة: عليه لكل ذلك ولو انه أفطر في كل يوم من رمضان عامدا كفارة واحدة فقط إلا أن يكون قد كفر ثم أفطر نهارا آخر فعليه كفارة أخرى * وقد روى عنه انه سواء كفر أو لم يكفر ليس عليه الا كفارة واحدة إذا كانت الايام من شهر واحد، فان كان اليومان اللذان أفطر فيهما من شهر رمضان اثنين فلكل يوم منهما كفارة غير اليوم الآخر، فلم يختلف قوله فيمن تعمد الفطر أيام رمضان كلها أو بعضها أو يوما واحدا منها في انه ليس عليه الا كفارة واحدة فقط، إذا لم يكفر في خلال ذلك، ولم يختلف قوله فيمن أفطر يومين من رمضانين ان عليه كفارتين كفر بينهما أو لم يكفر، واختلف قوله فيمن أفطر يومين فصاعدا من رمضان واحد وكفر في خلال ذلك، فمرة قال: عليه كفارة أخرى، ومرة قال: ليس عليه الكفارة التى كفر بعد وقال مالك، والليث، والحسن بن حى، والشافعي: مثل قولنا، وهو قول عطاء، واحد قول الشافعي *
قال أبو محمد: وهذا ما تناقض فيه أبو حنيفة وخالف فيه (1) جمهور العلماء * برهان (2) صحة قولنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى وطئ امرأته في رمضان بالكفارة فصح أن لذلك اليوم الكفارة المأمور بها، وكل يوم فلا فرق بينه وبين ذلك اليوم لان الخطاب بالكفارة واقع عليه فيه كما وقع في اليوم الاول ولا فرق، فان قيل هلا قستم هذا على الحدود، قلنا: القياس باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، لان الحدود التى يقيمها الامام والحاكم على المرء كرها ولا يحل للمرء أن يقيمها على نفسه بخلاف الكفارة التى انما يقيمها المرء على نفسه وهو مخاطب بها على نفسه وليس مخاطبا بالحدود على نفسه، وفروق أخر نذكرها ان شاء الله تعالى في الحدود * وأيضا فان أبا حنيفة رأى ان كان اليومان من رمضانين فكفارتان ولا بد، ولا خلاف منه في أنه لو زنى بامرأتين من بلدين مختلفتين في عامين مختلفين فحد واحد، ولو شرب خمرا من عصير عام واحد وخمرا من عصير عام آخر فحد واحد، ولو سرق في عامين مختلفين فقطع واحد وبالله تعالى التوفيق * ومن أعجب الاشياء ان أبا حنيفة قال: ما ذكرنا، ورأى فيمن ظاهر (3) من امرأتيه بلفظ واحد ان عليه لكل امرأة كفارة أخرى، وقال فيمن قال في مجلس: (
__________
(1) في النسخة رقم (16) سقط لفظ (فيه) خطأ (2) في النسخة رقم (14) (وبرهان) بزيادة الواو وما هنا أحسن (3) في النسخة رقم (14) (من ظاهر) *(6/267)
والله لا كلمت زيدا، ثم قال في مجلس آخر: والله لا كلمت زيدا انهما يمينان يجب عليه كفارتان، ومن قال: والله والرحمن كلمت زيدا فعليه، كفارتان الا ان ينوى أنهما يمين واحدة * قال على: وأما إذا كرر الوطئ في يوم واحد مرارا فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره الا بكفارة واحدة ولم يسأله أعاد أم لا؟ وأيضا فانه إذا وطئ فقد أفطر فالوطئ الثاني
وقع في غير صيام فلا كفارة فيه، وأيضا فان الواطئ (1) بأول ايلاجه متعمدا ذاكرا وجبت عليه الكفارة (2) عاود أو لم يعاود، ولا كفارة في ايلاجه ثانية بالنص، والاجماع * 772 مسألة ومن أفطر رمضان كله بسفر (3) أو مرض فانما عليه عدد الايام التى أفطر ولا يجزئه شهر ناقص مكان تام، ولا يلزمه شهر تام مكان ناقص لقول الله تعالى (فعدة من أيام أخر)، وقال الحسن بن حى: يجزئ شهر مكان شهر إذا صام ما بين الهلالين ولا برهان على صحة هذا القول * 773 مسألة وللمرء ان يفطر في صوم (4) التطوع ان شاء لا نكره له ذلك الا أن عليه أن أفطر عامدا قضاء يوم مكانه * برهان ذلك ان الشريعة كلها فرض وتطوع هذا معلوم بنصوص القرآن والسنن، والاجماع: وضرورة العقل إذ لا يمكن قسم ثالث أصلا، فالفرض هو الذى يعصى من تركه، والتطوع هو الذي لا يعصى من تركه ولو عصى لكان فرضا، والمفرط في التطوع تارك ما لا يجب عليه فرض فلا حرج عليه في ذلك، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاعرابي الذى سأله عن الصوم فأخبره عليه السلام برمضان (فقال: هل على غيره؟ قال: لا إلا ان تطوع شيئا فقال الاعرابي: والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص منه، فقال عليه السلام: أفلح ان صدق دخل الجنة ان صدق) فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم في ترك التطوع كراهة أصلا، وهكذا نقول فيمن قطع صلاة تطوع، أو بدا له في صدقة تطوع أو فسخ عمدا حج تطوع، أو اعتكاف تطوع، ولافرق لما ذكرنا وما عدا ذلك فدعوى لا برهان عليها وايجاب ما لم يوجبه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم إلا أنه لاقضاء عليه في شئ مما ذكرنا الا في فطر التطوع فقط لما نذكر إن شاء الله تعالى * (فان قيل): انكم توجبون فرضا في الصوم غير رمضان كالنذر وصيام الكفارات قلنا: (
__________
(1) في النسخة رقم (14) (فان الوطئ) (2) في النسخة رقم (14) (أوجب عليه كفارة) (3) في النسخة
رقم (16) (لسفر) (4) في النسخة رقم (14) (في صيام) *(6/268)
نوجب ما أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم ونضيفه إلى فرض رمضان، ولا نوجب ما لم يوجب ولانتعدى حدوده ولا نعارضه بآرائنا وقد جاءت في ذلك سنة * كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أخبرني عبد الله بن الهيثم ثنا أبو بكر الحنفي (1) نا سفيان عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيدالله عن مجاهد عن عائشة أم المؤمنين (2) قالت: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتانا يوما فقال: هل عندكم من شئ؟ قلنا: نعم أهدى لنا حيس فقال: أما (3) إنى اصبحت أريد الصوم فاكل، وقد رويناه من طريق عائشة بنت طلحة عن أم المؤمنين * قال على: وهذه سنة ثابتة، وحدثنا (4) عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا ابراهيم ابن أحمد نا الفربرى نا البخاري نا محمد بن بشار نا جعفر بن عون نا أبو العميس هو عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن عون بن أبى جحيفة عن أبيه قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان، وأبى الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجه في الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال: كل قال: (5) فانى صائم قال سلمان: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل وذكر باقى الحديث وفيه أن سلمان قال له: ان لربك عليك حقا وان لنفسك عليك حقا ولا هلك عليك حقا فأعط كلى ذى حق حقه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام: (صدق سلمان) * فهذا النبي صلى الله عليه وسلم قد صوب قول سلمان (6) في افطار الصائم المتطوع ولم ينكره * ومن طريق ابن أبى شيبة عن أبى داود عمر بن سعد الحفرى عن سفيان الثوري عن الاوزاعي عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام وهو بمر الظهران فقال لابي بكر وعمر: (ادنوا
فكلا قالا: انا صائمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارحلوا لصاحبكم اعملوا لصاحبكم ادنوا (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (نا) أبو بكر بن الحنفي بزيادة ابن وهو غلط، ووقع في النسائي (ج 1 ص 320) المطبوع سنة 1312 بمصر (الخيفى) بالخاء المعجمة وبالباء آخر الحروف بدل النون وهو تصحيف وكذلك النسخة المطبوعة سنة 1349 ه (ج 4 ص 194) وهذا مما يدلك على انها لم تراجع على نسخ كما ادعى مصححها لان النسخة المطبوعة بالهند سنة 1316 ه جائت صحيحة انظر (ج 1 ص 320) وهذا تقدم في المسألة 730 من هذا الجزء (وهذه الدعاوى كثرت في زمننا هذا نسأل الله اخلاص العمل وصدق القول (2) لفظ (ام المؤمنين) زيادة من النسخة رقم (16) (3) لفظ (اما) زيادة من النسخة رقم (14) وهى موافقة لسنن النسائي (4) في النسخة رقم (16) (نا) بدل (وحدثنا) وما هنا أوضح (5) زيادة لفظ (قال) من البخاري (ج 3 ص 85) (6) لفظ (قول سلمان في) سقط من النسخة رقم (14) خطأ *(6/269)
فكلا) وهذه كلها آثار صحاح وبهذا يقول جمهور السلف * روينا من طريق وكيع عن سيف بن سليمان المكى عن قيس بن سعد عن داود بن أبى عاصم عن سعيد بن المسيب قال: خرج عمر بن الخطاب يوما على أصحابه فقال: إنى اصبحت صائا فمرت بى جارية لى وفقعت عليها فما ترون؟ قال: فلم يألوا ماشكوا عليه، وقال له على: أصبت حلالا وتقضى (1) يوما مكانه، قال له عمر: أنت احسنهم فتيا * ومن طريق وكيع عن مسعر بن كدام عن عمران بن عمير عن سعيد بن جبير عن ابن عمر في الذى يأكل بعد ان أصبح صائما قال ابن عمر: لا جناح عليه ما لم يكن نذرا أو قضاء * ومن طريق وكيع عن الربيع بن صبيح عن قيس بن سعد عن ابن عباس قال: الصيام تطوعا والطواف والصلاة والصدقة ان شاء مضى وان شاء قطع * وروينا انه كان يصبح متطوعا ثم يفطر ولا يبالى ويأمر بقضاء يوم مكانه * وعن ابن جريج عن ابى الزبير عن جابر بن عبد الله انه كان لا يرى بافطار التطوع بأسا وهو
قول سعيد بن جبير، وعطاء، وسليمان بن موسى، والشافعي، وأبى سليمان ألا أنهم لم يريا في ذلك قضاء * وقال مالك: ان أفطر فيه (2) ناسيا يتم (3) صومه ولا شئ عليه وان أفطر فيه عمدا فقد اساء ويقضى * قال على: ولا برهان على صحة هذا القول مع خلافه لمن ذكرنا من الصحابة رضى الله عنهم أبى بكر، وعمر، وعلى، وابن عباس، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأم المؤمنين، وغيرهم * وأما ايجابنا القضاء فلما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا أحمد بن عيسى عن ابن وهب عن جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عمرة عن عائشة قالت: اصبحت صائمة انا وحفصة اهدى لنا طعام فاعجبنا فافطرنا فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فبدرتني حفصة فسألته فقال: (صوما يوما مكانه) * قال على: لم يخف علينا قول من قال: ان جرير بن حازم اخطأ في هذا الخبر الا ان هذا ليس بشئ لان جريرا ثقة، ودعوى الخطأ باطل الا ان يقيم المدعى له برهان على صحة دعواه، وليس انفراد جرير باسناده علة لانه ثقة * قال أبو محمد: لا خلاف بين احمد في ان حكم ما أفطر به من جماع أو غيره حكم (
__________
(1) لفظ (حلالا وتقضى)) سقط من النسخة رقم (16) خطأ (2) لفظ (فيه) زيادة من النسخة رقم (14) (3) في النسخة رقم (16) (فيتم) بزيادة الفاء ولا معنى لها *(6/270)
واحد فمن موجب للقضاء في كل ذلك ومن مسقط له في كل ذلك، وقد صح النص بالقضاء في الافطار فما نبالي بأى شئ أفطر، وبالله تعالى التوفيق * وأما تفريق مالك بين الافطار ناسيا في صوم تطوع أو فرض فحطأ لا وجه له، وليس إلا صائم أو مفطر، فان كان مفطرا فالحكم واحد في القضاء أو تركه، وان كان صائما فلا قضاء على صائم *
على صحة دعواه، وليس انفراد جرير باسناده علة لانه ثقة * قال أبو محمد: لا خلاف بين احمد في ان حكم ما أفطر به من جماع أو غيره حكم (
__________
(1) لفظ (حلالا وتقضى)) سقط من النسخة رقم (16) خطأ (2) لفظ (فيه) زيادة من النسخة رقم (14) (3) في النسخة رقم (16) (فيتم) بزيادة الفاء ولا معنى لها *(6/271)
واحد فمن موجب للقضاء في كل ذلك ومن مسقط له في كل ذلك، وقد صح النص بالقضاء في الافطار فما نبالي بأى شئ أفطر، وبالله تعالى التوفيق * وأما تفريق مالك بين الافطار ناسيا في صوم تطوع أو فرض فحطأ لا وجه له، وليس إلا صائم أو مفطر، فان كان مفطرا فالحكم واحد في القضاء أو تركه، وان كان صائما فلا قضاء على صائم * 774 مسألة ومن أفطر عامدا في قضاء رمضان فليس عليه إلا قضاء يوم واحد فقط لان إيجاب القضاء إيجاب شرع لم يأذن به الله تعالى، وقد صح انه عليه السلام قضى ذلك اليوم من رمضان (1) فلا يجوز ان يزاد عليه غيره بغير نص ولا إجماع * وروينا عن قتادة ان عليه الكفارة كمن فعل ذلك في رمضان لانه بدل منه * قال أبو محمد: هذا أصح ما يكون من القياس (2) ان كان القياس حقا، وعن بعض السلف عليه قضاء يومين، ويوم رمضان، ويوم القضاء * (تم) تم الجزء السادس من كتاب المحلى لابن حزم والحمد لله رب العالمين ويتلوه إن شاء الله تعالى الجزء السابع مفتتحا ب (مسألة ومن مات وعليه صوم فرض من قضاء رمضان) الخ ونسأل الله المعونة على اتمامه (
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وقد صح ان عليه قضاء ذلك اليوم من رمضان) وما هنا أظهر (2) لفظ (القياس) زيادة من النسخة رقم (14)(6/271)
المحلى - ابن حزم ج 7
المحلى
ابن حزم ج 7(7/)
المحلى تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الاصولي، قوي العارضة شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والاصول والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الاندلس ابي محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456 ه طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الاستاذ الشيخ احمد محمد شاكر الجزء السابع دار الفكر(7/1)
بسم الله الرحمن الرحيم 775 - مسألة - ومن مات وعليه صوم فرض من قضاء رمضان، أو نذر، أو كفارة واجبة ففرض على أوليائه ان يصوموه (1) عنه هم أو بعضهم، ولا اطعام في ذلك اصلا أوصى به أو لم يوص به، فان لم يكن له ولى استؤجر عنه من رأس ماله من أيصومه عنه ولابد أوصى بكل ذلك أو لم يوص، وهو مقدم على ديون الناس، وهو قول ابى ثور، وأبى سليمان، وغيرهما * وقال أبو حنيفة، ومالك: ان أوصى ان يطعم عنه اطعم عنه (2) مكان كل يوم مسكين وان لم يوص بذلك فلا شئ عليه (3)، والاطعام عند مالك في ذلك مدمد،
وعند ابى حنيفة صاع من غير البر لكل مسكين، ونصف صاع من البر أو دقيقه * وقال الليث كما قلنا، وهو قول احمد بن حنبل، واسحاق بن راهويه في النذر خاصة * قال أبو محمد: قال الله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) * نا عبد الله بن يوسف، وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال عبد الله: نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب ابن عيسى نا أحمد بن محمدنا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج حدثنى هارون بن سعيد الايلى، وأحمد بن عيسى نا ابن وهب وقال عبد الرحمن: نا إبراهيم بن احمد ناالفربرى نا البخاري نا محمد بن موسى بن أعين (4) نا أبى، ثم اتفق موسى وابن وهب كلاهما عن عمرو بن الحارث عن عبيد الله بن ابى جعفر حدثنى محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة أم المؤمنين (5) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) * وبه إلى مسلم *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ان يصوموا عنه) (2) لفظ (عنه) زيادة من النسخة رقم (14) (3) في النسخة رقم (16) (فيه) (4) في النسخة رقم (16) (ابن أيمن) وهو غلط (5) لفظ أم المؤمنين) ليس موجودا في البخاري (ج 3 ص 79) وصحيح مسلم (ج 1 ص 315)(7/2)
نا أبو سعيد الاشج نا أبو خالد الاحمر نا الاعمش عن سلمة بن كهيل، والحكم ابن عتيبة، ومسلم البطين عن سعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد عن ابن عباس ان سائلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن (1) أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ (2) قال: نعم قال: فدين الله أحق ان يقضى) * قال أبو محمد: سمعه الاعمش من مسلم البطين، ومن الحكم، ومن سلمة، وسمعه الحكم، وسلمة من مجاهد * وبه إلى مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة، وعبدبن حميد، وعلى بن حجر السعدى قال أبو بكر: نا عبد الله بن نمير، وقال عبد: نا عبد الرزاق انا سفيان الثوري،
وقال على بن حجر: نا على بن مسهر، ثم اتفق ابن نمير، وسفيان، وعلى بن مسهر كلهم عن عبد الله بن عطاء المكى عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: بينما (3) انا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتته امرأة فقالت: انى تصدقت على أمي بجارية وانها ماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجب أجرك وردها عليك الميراث قالت: يا رسول الله انه كان عليها صوم شهر أفا صوم عنها؟ قال: صومي عنها قالت: انها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال: حجى عنها) قال ابن نمير في روايته: شهرين، واتفقوا على (4) كل ما عدا ذلك * قال أبو محمد: فهذا القرآن، والسنن المتواترة المتظاهرة التى لا تحل خلافها، وكلهم يقول: يحج عن الميت ان أوصى بذلك ثم لا يرون ان يصام عنه وان أوصى بذلك، وكلاهما عمل بدن، وللمال في اصلاح ما فسد منهما مدخل بالهدى، وبالاطعام، وبالعتق، فلا القرآن اتبعوا، ولا بالسنن (5) أخذوا، ولا القياس عرفوا، وشغبوا في ذلك باشياء، منها انهم ذكروا قول الله تعالى: (وأن ليس للانسان الا ما سعى) وذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الميت انقطع عمله الا من ثلاث علم علمه، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له)، وباثر رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابراهيم بن أبى يحى عن الحجاج بن أرطاة عن عبادة بن نسى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مرض في رمضان فلم يزل مريضا حتى مات لم يطعم عنه وان صح فلم يقضه حتى مات أطعم عنه) وقال بعضهم: قد روى عن عائشة وابن عباس وهما رويا الحديث المذكور انهما لم يريا الصيام عن الميت كما رويتم من طريق ابن أبى شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن
__________
(1) لفظ (ان) سقط من النسخة رقم (14) وهو موجود في صحيح مسلم ج 1 ص (315) (2) لفظ (عنها) زيادة من صحيح مسلم (3) في صحيح مسلم ج 1 ص 316 (بينا) بدل (بينما) زيدت ما للاشباع (4) في النسخة رقم (16) (في) بدل (على) (5) في النسخة رقم (16) (السنن) باسقاط حرف الجر(7/3)
عبد العزيز بن رفيع عن امرأة منهم اسمها عمرة ان أمها ماتت وعليها من رمضان فقالت
لعائشة: أقضيه عنها؟ قالت: لابل تصدقي عنها مكان كل يوم نصف صاع على كل مسكين، وإذا ترك الصاحب الخبر (1) الذى روى فهو دليل على على نسخه لا يجوز أن يظن به غير ذلك، إذا لو تعمد ترك ما رواه (2) لكانت جرحة فيه، وقد أعاذهم الله تعالى من ذلك، وقالوا: لا يصام عنه كما لا يصلى عنه * قال أبو محمد: هذا كل ماموهوا به، وهو كله لاحجة لهم في شئ منه، أما قول الله تعالى: (وأن ليس للانسان الا ما سعى) فحق (3) الا ان الذى انزل هذا هو الذى أنزل (من بعد وصية يوصى بها أو دين) وهو الذى قال لرسوله: صلى الله عليه وسلم (لتبين للناس ما نزل إليهم) وهو الذى قال: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) فصح انه ليس للانسان الا ما سعى، وما حكم الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم ان له من سعى غيره عنه، والصوم عنه من جملة ذلك، والعجب أنهم نسوا انفسهم في الاحتجاج بهذه الاية فقالوا: ان حج عن الميت أو أعتق عنه أو تصدق عنه فأجر كل ذلك له ولا حق به فظهر تناقضهم * فان قال منهم قائل: انما يحج عنه إذا أوصى بذلك لانه داخل فيما سعى * قلنا له: فقولوا: بان يصام عنه كما إذا أوصى بذلك لانه داخل فيما سعى، فان قالوا: للمال في الحج مدخل في جبر ما نقص منه قلنا: وللمال في الصوم مدخل في جبر ما نقص منه بالعتق والاطعام، وكل هذا منهم تخليط، وتناقض، وشرع في الدين لم (4) يأذن به الله تعالى، وهم يجيزون العتق عنه، والصدقة عنه وان لم يوص بذلك فبطل تمويههم بهذه الآية * وأما اخباره عليه السلام بان عمل الميت ينقطع الا من ثلاث فصحيح، والعجب انهم لم (5) يخافوا الفضيحة في احتجاجهم به (6)، وليت شعرى من قال لهم: ان صوم الولى عن الميت هو عمل الميت حتى يأتوا بهذا الخبر الذى ليس فيه الا انقطاع عمل الميت فقط، وليس فيه انقطاع عمل غيره عنه أصلا، ولا المنع من ذلك، فظهر قبح تمويههم في الاحتجاج بهذا الخبر جملة * وأما حديث عبد الرزاق فلا تحل رواية الا على سبيل بيان فسادها لعلل ثلاث
فيه، إحداها انه مرسل، والثانية ان فيه الحجاج به أرطاة وهو ساقط، والثالثة ان فيه ابراهيم بن أبى يحيى وهو كذاب، ثم لو صح لكان عليهم لالهم لان فيه ايجاب
__________
(1) في النسخة رقم (14) (الحديث) بدل (الخبر) (2) في النسخة رقم (14) (ترك ماروى) (3) في النسخة رقم (14) (فهو حق) (4) في النسخة رقم (14) (ما لم يأذن) ولا معنى لزيادة (ما) (5) في النسخة رقم (16) (والعجب إذ) (6) لفظ (به) زيادة من النسخة رقم (14) *(7/4)
الاطعام عنه ان صح بعد ان مرض، والحنيفيون، والمالكيون لا يقولون: بذلك الا ان يوصى بذلك وإلا فلا * فان قالوا: معنى ذلك ان أوصى به قلنا: كذبتم وزدتم في الخبر خلاف ما فيه لان فيه (إن مات ولم يصح لم يطعم عنه) فلو اراد الا ان يوصى بذلك لما كان لتفريقه بين تمادى مرضه حتى يموت فلا يطعم عنه وبين صحته بين مرضه وموته فيطعم عنه، لانه ان أوصى بالاطعام عنه وان لم يصح أطعم عنه عندهم فبطل تمويههم بهذا الخبر الهالك وعاد حجة عليهم * وأما تمويههم بان عائشة، وابن عباس رويا الخبر وتركاه فقول فاسد لوجوه * أحدها انه لا يجوز ما قالوا لان الله تعالى انما افترض علينا اتباع رواية الصاحب عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفترض علينا قط اتباع رأى أحدهم (1) * والثانى أنه قد يترك الصاحب اتباع (2) ماروى لوجوه غير تعمد المعصية، وهى ان يتأول فيما (3) روى تأويلا ما اجتهد فيه فأخطأ فأجر مرة، أو ان يكون نسى ماروى فافتى بخلافه، أو ان تكون الرواية عنه بخلافه وهما ممن روى ذلك عن الصاحب، فإذ كل ذلك ممكن فلا يحل ترك ما افترض علينا اتباعه من سنن رسول الله (4) صلى الله عليه وسلم لما لم يأمرنا باتباعه لو لم يكن فيه هذه العلل فكيف وكلها (5) ممكن فيه؟، ولا معنى لقول من قال: هذا دليل على نسخ الخبر لانه يعارض بان يقال: كون ذلك الخبر عند ذلك
الصاحب دليل على ضعف الرواية عنه بخلافه، أو لعله قد رجع عن ذلك * والثالث انهم انما يحتجون بهذه الجملة إذا وافقت تقليد أبى حنيفة، ومالك، والشافعي وأما إذا خالف قول الصاحب رأى أحد ممن ذكرنا فأهون شئ عندهم اطراح رأى الصاحب والتعلق بروايته، وهذا فعل يدل على رقة الدين وقلة الورع * فمن ذلك أن عائشة رضى الله تعالى عنها (6) روت (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد في صلاة الحضر واقرت صلاة السفر على الحالة الاولى)، ثم روى عنها من أصح طريق (7) الاتمام في السفر، فتعلق الحنيفيون والمالكيون بروايتها وتركوا رأيها إذا خالفت فيه ماروت، وهى التى روت (ايما أمرأة نكحت بغير اذن وليها
__________
(1) في النسخة رقم (16) (اتباع رأى احد) (2) لفظ (اتباع) سقط من النسخة رقم (14) (3) في النسخة رقم (16) (يتأول ماروى) (4) في النسخة رقم (14) (من سنة رسوله) (5) في النسخة رقم (14) (وكل هذا) (6) زيادة (رضى الله تعالى عنها) من النسخة رقم (16) (7) في النسخة رقم (16) (من أصح الطرق(7/5)
فنكاحها باطل)، ثم أنكحت بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير وأبوها غائب بالشام بغير اذنه، وانكر ذلك إذا بلغه اشد الانكار فخالفوا رأيها واتبعوا روايتها، وهى التى روت التحريم بلبن الفحل ثم كانت لا تدخل عليها من أرضعه نساء اخوتها وتدخل عليها من أرضعه بنات أخواتها فتركوا رأيها واتبعوا روايتها * وروى أبو هريرة من طريق لا تصح عنه ايجاب القضاء على من تعمد الفطر في نهار رمضان، وصح عنه انه لا يجزئه صيام الدهر (1) وإن صامه (2) وانه لا يقضيه، فتركوا الثابت من رأيه للهالك من روايته * وروى أبو هريرة في البحر (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، ثم روينا عنه من طريق سعيد بن منصور عن اسماعيل بن ابراهيم - هو ابن علية - عن هشام الدستوائى عن رجل من الانصار عن أبى هريرة ماء ان لا يجزئان من غسل الجنابة ماء البحر وماء الحمام * وروى عن ابن عباس في صدقة الفطر (مدان من قمح)
من طريق لا تصح، وصح عنه من رأيه (3) صاع من بر في صدقة الفطر فترك الحنيفيون رأيه لروايته، وهذا كثير منهم جدا (4)، وفيما ذكرنا كفاية تحقق تلاعب القوم بدينهم * والرابع ان نقول: (5) لعل الذى روى عن عائشة فيه الاطعام كان لم يصح (6) حتى ماتت فلا صوم عليها * والخامس انه قد روى عن ابن عباس الفتيا بما روى من الصوم عن الميت كما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى، فصح انه قد (7) نسى، أو غير ذلك مما الله تعالى أعلم به ممن (8) لم نكلفه، وقد جاء عن السلف في هذا اقوال * روينا عن حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى عن أبى يزيد المدنى ان رجلا قال لاخيه عند موته: ان على رمضانين لم أصمهما فسأل اخوه ابن عمر فقال: بدنتان مقلدتان، ثم سأل ابن عباس؟ فقال ابن عباس: يرحم الله ابا عبد الرحمن ما شأن البدن وشأن الصوم!، أطعم عن أخيك ستين مسكينا * قال أبو محمد: ان لم يكن قول ابن عمر في البدنتين حجة فليس قول ابن عباس في الاطعام حجة ولافرق، ولعل هذا لم يكن مطيقا للصوم، أو لعل ذينك الرمضانين كانا عن تعمد فلا قضاء في ذلك * وروينا من طريق سليمان التيمى أن عمر بن الخطاب قال:
__________
(1) في النسخة رقم (14) (صوم الدهر) (2) في النسخة رقم (16) (ولو صامه) (3) في النسخة رقم (16) (من روايته) وهو غلط (4) في النسخة رقم (16) (وهذا منهم كبير جدا) (5) في النسخة رقم (16) (يقول) بحذف (ان) وهو غلط (6) كذا في الاصول والمعنى ظاهر والتركيب غير حسن (2) لفظ (قد) زيادة من النسخة رقم (14) (8) في النسخة رقم (16) (مما) وهو خطأ *(7/6)
إذا مات الرجل وعليه صيام رمضان اطعم عنه مكان كل يوم نصف صاع من بر * ومن طريق صحيحة عن ابن عباس ان مات الذى عليه صوم ولم يصح قبل موته ليس عليه شئ فان صح أطعم عنه عن كل يوم نصف صاع حنطة * وعن الحسن ان لم يصبح
حتى مات فلا شئ عليه فان صح فلم يقض صومه حتى مات أطعم عنه عن كل يوم مكوك (1) من بر، ومكوك من تمر * وروى أيضا عن طائفة مد عن كل يوم، وقد جاء عن الحسن لا إطعام في ذلك ولا صيام، وأيضا فان احتجاج المالكيين، والشافعيين بترك عائشة، وابن عباس للخبر المذكور هو حجة عليهم لانهم خالفوا عائشة (2) في هذا الخبر نفسه في قولها (3) ان يطعم عن كل يوم نصف صاع لمسكين وهم لا يقولون: بهذا، فان كان ترك عائشة للخبر حجة فقولها في نصف صاع حجة، وان لم يكن قولها في نصف صاع حجة فليس تركها للخبر حجة، فظهر انهم إنما (4) يحتجون من قول الصاحب بما وافق تقليدهم فقط، فإذا خالف من قلدوه هان عليهم خلاف الصاحب، وهذا دليل سوء نعوذ بالله منه * وأما قول أحمد فروينا من طريق أبى ثور نا عبد الوهاب - هو ابن عطاء - عن سعيد ابن ابى عروبة، وروح بن القاسم عن على بن الحكم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس انه قال فيمن مات وعليه رمضان ونذر شهر: يطعم عنه مكان كل يوم مسكين (5) ويصوم عنه وليه نذره * ومن طريق ابن أبى شيبة نا ابن علية عن على بن الحكم البنانى عن ميمون بن مهران عن ابن عباس سئل عن رجل مات وعليه رمضان وصوم شهر فقال: يطعم عنه لرمضان ويصام عنه النذر، وهذا اسناد صحيح، فان كان ترك ابن عباس لما ترك من الخبر حجة فاخذه بما اخذ منه حجة، وان لم يكن اخذه بما اخذ به حجة فتركه ما ترك ليس بحجة (6)، وما عدا هذا فتلاعب بالدين * وأما قولنا فروينا من طريق ابى ثورنا عبد الوهاب عن سعيد بن أبى عروبة قال: حدثوني عن قتادة عن سعيد بن المسيب: أنه قال فيمن مات وعليه رمضان: ان لم يجدوا ما يطعم عنه (7) صامه عنه وليه وهو قول الاوزاعي * ومن طريق عبد الرزاق عن
__________
(1) هو بفتح الميم وضم الكاف اسم للمكيال ويختلف مقدار مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد
اهنهاية (2) في النسخة رقم (16) (لانهم خالفوهما) وما هنا اصح بدليل قوله بعد (فان كان ترك عائشة للخبر حجة) الخ (3) في النسخة رقم (16) (في قولهما) وما هنا اصح بدليل ما ذكرنا (4) في النسخة رقم (16) سقط لفظ (انما) (5) في النسخة رقم (14) (مسكينا) (6) في النسخة رقم (16) (حجة) (2) في النسخة رقم (14) (ما يطعموا) *(7/7)
معمر عن ابن طاوس عن أبيه إذا مات الرجل وعليه صيام رمضان (1) قضى عنه بعض أوليائه، قال معمر: وقاله حماد بن ابى سليمان * وبه إلى معمر عن الزهري من مات وعليه نذر صيام فانه يصوم عنه بعض أوليائه * قال أبو محمد: ليس قول بعض (2) الصاحبة رضى الله عنهم أولى من بعض، وكل ما ذكرنا فهو مخالف لقول أبى حنيفة، والشافعي لان كل من ذكرنا فقد أوجب ما أوجب من غير اشتراط ان يوصى الميت بذلك، وقال أبو حنيفة، ومالك: لا شئ في ذلك الا ان يوصى بالاطعام فيطعم عنه وما نعلم أحدا قبلهم قال: بهذا الا رواية عن الحسن قد صح عنه خلافها * وأما قولهم: لا يصام عنه كما لا يصلى عنه فباطل وقياس للخطأ على الخطأ بل يصلى عنه النذر، وصلاة فرض ان نسيها أو نام عنها ولم يصلها (3) حتى مات، فهذا داخل تحت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (فدين الله أحق ان يقضى) والعجب انهم كلهم أجمعوا على ان تصلى الركعتان إثر الطواف عن الميت الذى يحج عنه، وهذا تناقض منهم (4) لاخفاء به، وهذا قول اسحاق بن راهويه في قضاء الصلاة عن الميت، وقال الشافعي: ان صح الخبر قلنا به (5) والا فيطعم عنه مد عن كل يوم، وإنما قلنا: ان الاستئجار لذلك ان لم يكن له ولى من رأس المال مقدم على ديون الناس لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فدين الله أحق ان يقضى) * قال أبو محمد: من الكبائر ان يقول قائل: بل دين الناس أحق ان يقضى من دين الله تعالى عزوجل (6) وقد سمع هذا القول * (
776 - مسألة - فان صامه بعض أوليائه اجزأ لعموم الخبر في ذلك وان كانوا جماعة فاقتسموه جاز كذلك أيضا الا أنه لا يجزئ ان يصموا كلهم يوما واحدا لقول الله تعالى (فعدة من أيام أخر) فلا بد من أيام متغايرة فلو لم يصح حتى مات فلا شئ على أوليائه ولا عليه لان الاثر انما جاء فيمن مات وعليه صوم، وهذا مات وليس عليه صوم لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) فإذا لم يكن في وسعه الصوم فلم يكلف وإذا لم يكلفه فقد مات ولاصوم عليه *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (صيام شهر) (2) في النسخة رقم (16) (ليس بعض قول الصحابة) (2) في النسخة رقم (16) (أو لم يصلها) وهو خطأ (4) في النسخة رقم (16) (منه) وهو غلط (5) بهامش النسخة رقم (14) مانعه (وقد قال به المتأخرون من أصحابه عملا يوما ياء فهو مذهب الشافعي أيضا) (6) زيادة (عزوجل) من النسخة رقم (14) *(7/8)
والاولياء هم ذوو المحارم بلا شك (1) ولو صامه الابعد من بنى عمه اجز أعنه لانه وليه فان أبوا من الصوم فهم عصاة الله تعالى ولا شئ على الميت من ذلك الصوم لانه قد نقله الله تعالى عنه إليهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه) وبأمره عليه السلام الولى ان يصوم عنه * 777 - مسألة - فان تعمد النذور ليوقعها على وليه بعد موته فليس نذرا ولا يلزمه هو ولا وليه بعده، وهو عاص لله تعالى بذلك، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمدنا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج حدثنى على بن حجر نا اسماعيل بن ابراهيم نا أيوب - هو السختيانى - عن أبى قلابة عن ابى المهلب عن عمران بن الحصين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا وفاء لنذر في معصية الله (2)) * قال على: وهذا النذر انما يكون نذرا إذا قصد به الله تعالى فيلزم حينئذ فإذا قصد به
غير الله تعالى فهو معصية لا يحل الوفاء به ولا يلزم صاحبه ولا غيره عنه وبالله تعالى التوفيق * 778 - مسألة - ومن نذر صوم يوم (3) فاكثر شكرا لله عزوجل، أو تقربا إليه تعالى، أو ان افاق، أو ان أراه الله تعاليا املا يؤمله لا معصية لله عزوجل في ذلك الشئ المأمول ففرض عليه اداؤه، قال عزوجل.
(أو فوا بالعقود) * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا القعنبى عن مالك عن طلحة بن عبد الملك الايلى عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نذران يطيع الله فليطعه ومن نذران يعصى الله فلا يعصه (4)) فهذا عموم لكل نذر طاعة، ولكل نذر معصية كمن نذرت صوم يوم حيضتها (5) أو صوم يوم العيد، ونحو ذلك من كل معصية * 779 - مسألة - فان نذر ما ليس طاععة ولا معصية كالقعود في دار فلان أوان لا يأكل خبزا مأدوما أو ما اشبه هذا لم يلزمه، ولا حكم لهذا (6) الا استغفار الله تعالى
__________
(1) في النسخة رقم (16) (والاولياء هم دون المحارم) (2) الحديث رواه مسلم مطولا ج 2 ص 13 (3) في النسخة رقم (14) (صيام يوم) (4) في سنن ابى داود ج 3 ص 228 قال الحافظ المنذرى: واخراجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه (5) في النسخة رقم (16) (يوم حيضها) (6) في النسخة رقم (16) (ولاحكم لذلك) *(7/9)
منه لان ايجاب النذر شريعة والشرائع لا تلزم الا بنص، ولا نص الا في نذر الطاعة فقط * 780 - مسألة - وينهى عن النذر جملة فان وقع لزم كما قدمنا، روينا بالسند المذكور إلى أبى داود نا عثمان بن أبى شيبة نا جرير بن عبد الحميد عن منصور - هو ابن المعتبر - عن عبد الله بن مرة الهمداني عن عبد الله بن عمر قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النذر (1) ويقول: (لا يرد شيئا وانما يستخرج به من البخيل) ففى
قوله عليه السلام (وانما (2) يستخرج به من البخيل) ايجاب للوفاء به إذا وقع في طاعة الله تعالى (3) * 781 - مسألة - ومن قال: على لله تعالى صوم يوم أفيق: أو قال: يوم يقدم فلان.
أو قال يوم أنطلق من سجنى أو ما أشبه هذا فكان ما رغب فيه ليلا أو نهارا لم يلزمه صيام ذلك اليوم ولا قضاؤه ولا صوم غيره لانه ان كان ما رغب فيه ليلا (4) فلم يكن في يوم فإذا لم يكن في يوم فلا يلزمه ما لم يلتزمه، وان كان نهارا فلا يمكنه احداث صوم لم يبيته من الليل ولاتقدم (5) الزام الله تعالى له اياه، ولا يلزمه صيام يوم آخر لانه لم يلتزمه، وهذا قول أبى حنيفة، والشافعي، وقال الاوزاعي: ان قدم نهار اصام بقية ذلك اليوم ولا قضاء عليه، وقال مالك: ان قدم ليلا صام الناذر (6) غد تلك الليلة * 782 - مسألة - فلو قال في كل ذلك: على صوم ذلك اليوم ابدا فان كان ليلا لم يلزمه كما قدمنا لانه لم يلتزمه ولا يلزم صيام الليل لانه معصية، فان كان نهارا لزمه في المستأنف صوم ذلك اليوم إذا تكرر كما (7) نذره ولا قضاء عليه في يومه ذلك لانه غير ما نذر * 783 - مسألة - ومن أفطر في صوم نذر عامدا أو لعذر فلا قضاء عليه إلا ان يكون نذر ان يقضيه فيلزمه لانه إذا (8) لم ينذر القضاء فلا يجوز ان يلزم ما لم ينذره إذ لم يوجب ذلك نص *
__________
(1) قال في شرح سنن ابى داود المسمى بعون المعبود ج 3 ص 227 نقلا عن الخطابى مانصه: معنى نهيه عليه السلام عن النذر انما هو تأكيد لامره وتحذير من التهاون به بعد ايجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك ابطال حكمه واسقاط لزوم الوفاء به إذا كان بالنهي عنه قد صار معصية فلا يلزم الوفاء به، وانما وجه الحديث انه قد اعلمهم ان ذلك امر مما لا يجلب لهم في العاجل نفعا ولا يدفع عنهم ضررا فلا يرد شيئا قضاء الله تعالى يقول: لا تنذروا على انكم تدركون بالنذر شيئا لم يقدره الله لكم، وتصرفون عن انفسكم شيئا جرى القضاء به عليكم فإذا فعلتم ذلك فاخرجوا عنه بالوفاء فان للذى نذرتموه لازم لكم هذا معنى الحديث ووجه (2) في النسخة رقم (14) (انه) وهو خطأ * (3) في النسخة رقم (14) (في طاعة الله عزوجل) (4) سقط من النسخة رقم (16) لفظ (ليلا) خطأ (5) في النسخة رقم (14) (ولا يقدم) (6) في النسخة رقم (16) (صام النهار) وهو خطأ
(7) في النسخة رقم (14) حذف كما (8) سقط من النسخة رقم (14) لفظ (إذا) خطأ *(7/10)
784 - مسألة - ومن نذر صوم يومين فصاعدا اجزأه ان يصوم ذلك متفرقا لانه غير مخالف لما نذر * 785 - مسألة - فلو نذر صوم جمعة أو قال: شهر لم يجز ان يصوم ذلك الامتتابعا ولابد، فان تعمد في خلال ذلك فطرا لعذر أو لغير عذر ابتدأه من أوله لان اسم الجمعة والشهر لا يقع الا على أيام متتابعة لا متفرقة، فانما يلزمه ما نذر لامالم ينذر فان لم يتابع ذلك فلم يأت بما نذر فعليه أن يأتي به * 786 - مسألة - ومن نذر صوم جمعتين أو قال: شهرين ولم ينذر التتابع في ذلك لزمه ان يصوم كل جمعة متتابعة ولا بد، وكل شهر متتابعا ولا بد، وله ان يفرق بين الجمعة والجمعة، وبين الشهر والشهر لما ذكرنا آنفا الا ان ينذر هما متتابعين فيلزمه ذلك لانه طاعة زائدة * 787 - مسألة - فان صام الشهر ما بين الهلالين لزمه اتمامه فان ابتد أصيامه بعد دخول الشهر لم يلزمه الا تسعة وعشرون يوما متصلة ولا بد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهر تسعة وعشرون) وان الشهر يكون تسعا وعشرين فلا يلزمه زيادة يوم الا بنص وارد ولا نص في ذلك وانما يلزمه ما يقع عليه اسم ما نذر من شهر أو أكثر فقط، فان نذر نصف شهر لم يلزمه الا أربعة عشر يوما لان كسر يوم لا يلزم صيامه لمن نذره، ولا يجوز ان يلزم يوما زائدا لم ينذره * 788 - مسألة - ومن نذر صوم سنة فقد قال قوم: يصوم اثنى عشر شهرا لا يعد فيها رمضان ولا يوم الفطر والاضحى، ولا أيام التشريق، وفى هذا عندنا نظر (1) والواجب عندنا (2) ان لا يلزمه شئ لان هذه الفتيا الزام له ما لم ينذره لان اسم سنة لا يقع الا على اثنى عشر شهرا متصلة لا مبددة، وهو لا يقدر على الوفاء بنذره كما نذره
فلا يجوز ان يلزم ما لم يلتزمه ولا نذره، ولا أن يلزم ما لم يمكن، وما ليس في وسعه قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) ومن ادعى ههنا اجماعا فقد كذب لانه لا يقدر على ان يأتي في ذلك برواية عن صاحب أصلا، ولا نعلم في ذلك قولا عن تابع، وقد قال فيها أبو حنيفة: يفطر فيها يومى الفطر والاضحى، وأيام التشريق، ثم سيقضيها * وقال زفر: يفطر الايام المذكورة ولا يقضيها * وقال مالك: يصوم ويفطر الايام المذكورة ولا يقضى رمضان ولا الايام المذكورة الا أن ينوى قضاءها * وقال الليث: يصوم
__________
(1) سقط من النسخة رقم (16) لفظ (نظر) خطأ (2) لفظ (عندنا) * سقط من النسخة رقم (14)(7/11)
ويقضى رمضان ويومين مكان الفطر والاضحى، ويصوم أيام التشريق * قال أبو محمد: فهذه الاقوال إما موجبة عليه ما لم ينذره ولا التزمه وإما مسقطة عنه ما نذر (1) * قال أبو محمد: ان كان نذر صوم هذه الايام وصوم رمضان عن نذره فقد نذر الضلال، والباطل وأمرا مخالفا لدين الاسلام فلا يلزمه نذره ذلك لانه معصية، ولا يلزم صوم سائر الايام لانه غير ما نذر، وكل طاعة ما زجتها معصية فهى كلها معصية لانه لم يأت بالطاعة كما أمر، قال تعالى: (ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) فان نذر أن يصوم سنة حاشا رمضان والايام المنهى عن صيامها (2) لزمه ذلك لانه نذر طاعة، وكذلك لو نذر صوم شوال، أو صوم ذى الحجة، أو صوم شعبان فلا يلزمه شئ لما ذكرنا الا ان ينوى استثناء ما لا يجوز صومه من الايام فيلزمه ذلك * 789 - مسألة - ومن كان عليه صوم يوم بعينه نذرا فإذا جاء رمضان لزمه فرضا أن يصوم ذلك اليوم لرمضان لا للنذر أصلا، فان صامه لنذره أو لرمضان ولنذره فالاثم عليه ولا يجزئه لا لنذره ولا لرمضان لان امر الله تعالى متقدم لنذره فليس له أن يصوم رمضان ولا شيئا منه لغير ما أمره الله تعالى بصيامه مخلصا له ذلك
وبالله تعالى التوفيق، ولا قضاء عليه فيه لما ذكرناه * 790 - مسألة - وأفضل الصوم (3) بعد الصيام المفروض صوم يوم وافطار يوم، ولا يحل لا حد أن يصوم أكثر من ذلك أصلا، والزيادة عليه معصية ممن قامت عليه بها (4) الحجة، ولا يحل صوم الدهر أصلا * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا ابراهيم بن أحمد نا الفربرى نا البخاري نا محمد بن مقاتل نا عبد الله بن المبارك انا الاوزاعي نا يحيى بن أبى كثير حدثني أبو سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف قال: حدثنى عبد الله بن عمرو بن العاصى (5) قال: قال لى (6) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الله بن عمرو ألم أخبر انك تصوم النهار وتقوم الليل؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم، فان لجسدك عليك حقا وان لعينك (7) عليك حقا وان لزوجك عليك حقا وان لزورك (8) عليك حقا وان
__________
(1) من قوله: قال أبو محمد: فهذه إلى قوله ما نذر سقط من النسخة رقم (16) خطأ (2) في النسخة رقم (16) (عن صومها) (3) في النسخة رقم (16) (وافضل الصيام) (4) في النسخة رقم (16) (به) (5) لفظ (بن العاصى) زيادة من النسخة رقم (14) (6) لفظ (لى) زيادة من النسخة رقم (16) وهى موافقة لما في صحيح البخاري ج 3 ص 87 (7) في النسخة رقم (14) (وان لعينيك) وما هنا موافق لما في صحيح البخاري وهى رواية الكشميهى (8) قال في الصحاح الزور الزائرون يقال: رجل زائر وقوم زور وزوار مثل سافر وسفر وسفار، ونسوة زور ايضا وزور مثل نوم ونوح اه *(7/12)
بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فان لك بكل حسنة عشر أمثالها فإذا (1) ذلك صيام الدهر (كله فشددت فشدد على) (2) قلت: يا رسول الله انى أجد قوة قال: فصم صيام نبى الله داود ولا تزد عليه قلت: وما كان صيام نبى الله داود؟ قال: نصف الدهر) * ومن طريق البخاري عن أبى اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبى حمزة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث، وفيه ان عبد الله بن عمر وقال له عليه السلام: (انى اطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوما وأفطر يوما قلت: انى أطيق أفضل من ذلك قال: لا أفضل من ذلك) *
قال أبو محمد: فصح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الزيادة على صيام يوم وافطار يوم ونعوذ بالله من مواقعة نهيه، وإذا أخبر عليه السلام انه لا أفضل من ذلك فقد صح ان من صام أكثر من ذلك فقد انحط فضله وإذا انحط فضله فقد حبطت تلك الزيادة بلا شك وصار عملا لا أجر له فيه بل هو ناقص من أجره، فصح أنه لا يحل أصلا * قال على: ومن طوائف المصائب قول بعض من يتكلم في العلم بما هو عليه لاله: قال: قد جاء هذا الحديث وفيه انه عليه السلام قال: (فصم صوم داود كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لا قى) فقال: انما هذا الحكم لمن لا يفر إذا لاقى * قال أبو محمد: فجمع هذا الكلام الملعون وجهين من الضلال، أحدهما الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يخبر به بل قد أمر عليه السلام بذلك عبد الله بن عمرو وقطع بانه لا صوم أفصل من صوم داود * والثانى انه تأويل سخيف لا يعقل لانه لا شك في ان من لا يفر في سبيل الله إذا لا قى أفضل ممن يفر، فإذا كان حكم الافضل ان لا يتزيد من الفضل في الصيام ويمنع من ذلك فهذه شريعة ابليس لا شريعة محمد صلى الله عليه وسلم * نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمدنا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج نا عبيد الله بن معاذ - هو ابن معاذ - العنبري - نا أبى نا شعبة عن حبيب بن أبى ثابت سمع أبا العباس - هو السائب بن فروخ المكى - سمع عبد الله بن عمرو ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا صام من صام الابد (3)) * ورويناه من طريق البخاري نا آدم نا شعبة فذكره باسناده المذكور، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا صام من صام الدهر) * ومن طريق أبى قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه (4) قال: - وقد ذكر له من يصوم الدهر - فقال عليه السلام: (لا صام
__________
(1) في البخاري (فان ذلك) (2) قوله ((كله فشددت فشدد على) زيادة من صحيح البخاري ج 3 ص 87 (3) الحديث اختصره المؤلف انظر ج 1 ص.
32 متن صحيح مسلم (4) لفظ (أنه) زيادة من النسخة رقم (14)(7/13)
ولا أفطر أو ما صام ولا أفطر) * وكذلك نصا من طريق مطرف عن عبد الله ابن الشخير عن أبيه، وعمران بن الحصين كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال فيمن صام الدهر (لا صام ولا أفطر) فقد صح انه حبط صومه ولم يفطر * وهذه أخبار متظاهرة متواترة لا يحل الخروج عنها * ومن عجائبهم انهم قالوا: انما لا يجوز إذا صام الدهر كله ولم يفطر الايام المنهى عنها فقلنا: كذب من قال هذا (1)، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم منع ونهى عن الزيادة على نصف الدهر وأبطل أجرمن زاد * قال أبو محمد: وشغب من خالفنا (2) بان ذكر حديث حمزة بن عمر والاسلمي أنه قال: يا رسول الله انى أسرد الصوم أفاصوم في السفر؟ قال: (ان شئت فصم وان شئت فأفطر) * وبخبر رويناه من طريق زيد بن الحباب أخبرني ثابت بن قيس الغفاري حدثنى أبو سعيد المقبرى حدثنى أبو هريرة عن أسامة بن زيد قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد الصوم فيقال: لا يفطر) * قال أبو محمد: لا حجة لهم في هذين الخبرين لان السرد انما هو المتابعة لاصوم أكثر من نصف الدهر يبين (3) ذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاصى الذى أوردناه، وحديث عائشة الذى رويناه من طريق مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبى شيبة نا سفيان ابن عيينة عن ابن أبى لبيد عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: سألت عائشة أم المؤمنين عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان يصوم حتى نقول: قد صام (4) ويفطر حتى نقول: قد أفطر ولم أره صائما من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان الا قليلا * فهذه أم المؤمنين بينت السرد الذى ذكره أسامة والذى ذكره حمزة بن عمرو في حديثه فبطل ان يكون لهم متعلق بشئ من الآثار *
وموهوا أيضا بما رويناه من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن شعبة عن عبد الرحمن ابن القاسم بن محمد عن أبيه ان عائشة كانت تصوم الدهر قلت: الدهر؟ قال: كانت تسرد * ومن طريق حماد بن سلمة عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كان عمر يسرد الصوم * وعنه ايضا انه سرد الصوم قبل موته بسنتين * ومن طريق عبد الرزاق
__________
(1) انظر صفحة 16 من هذا الجزء (2) في النسخة رقم (16) (خالفها) وهو غلط (3) في النسخة رقم (14) (بين) (4) في النسخة رقم (16) (لا يفطر) وما هنا موافق لصحيح مسلم ج 1 ص 318 *(7/14)
عن جعفر بن سليمان - هو الضبعى - عن ثابت البنانى عن أنس قال: كان أبو طلحة قل ما يصوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل العدو فلما توفى النبي صلى الله عليه وسلم ما رأيته مفطرا (1) إلا يوم أضحى أو يوم فطر * ومن طريق ابن ابى شيبة ناحماد بن خالد عن الزبير ابن عبد الله بن أميمة (2) عن جدته قالت: كان عثمان يصوم الدهر ويقوم الليل الا هجعة من أوله (3) * وعن الاسود، وعروة، وعبيد المكتب انهم كانوا يصومون الدهر * قال أبو محمد: هذا كله لا حجة لهم فيه أما عائشة رضى الله عنها فقد فرق عبد الرحمن ابن القاسم بن محمد بين صيام الدهر وبين سرد الصوم كما ذكرنا، ولم يثبت عليها (4).
الا السرد وهو المتابعة لا صوم الدهر، ولو صح عنها ذلك ولا يصح (5) * فقد روينا من طريق وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه ان عائشة ام المؤمنين كانت تصوم أيام التشريق * وكذلك صح عنها رضى الله عنها انها كانت تختار صوم يوم الشك من آخر شعبان، فان كان ما لا يصح عنها من صوم الدهر حجة فالذي صح عنها من صوم أيام التشريق ويوم الشك حجة، وان لم يكن هذا حجة فليس ذلك حجة (6) (فان قالوا:) قد صح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق، قيل لهم: وقد صح نهيه عليه السلام عن صوم اكثر من نصف الدهر، وصح نهيه عن صوم الدهر * وأما خبر عمر فليس فيه الا السرد فقط وهو المتابعة لا صيام الدهر بل قد صح عنه
تحريم صيام الدهر كما روينا من طريق وكيع عن اسماعيل بن أبى خالد عن ابن عمر والشيبانى قال: بلغ عمر بن الخطاب ابن رجلا يصوم الدهر فاتاه فعلاه بالدرة وجعل يقول: كل يادهر كل يادهر، وهذا في غاية الصحة عنه، فصح ان تحريم صوم الدهر كان من مذهبه، ولو كان عنده مباحا لما ضرب فيه ولا امر بالفطر * وأما عثمان فان الزبير بن عبد الله ابن أميمة وجدته مجهولان فسقط هذا الخبر * وأما أبو طلحة فقد روينا من طريق شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: كان أبو طلحة يأكل البرد وهو صائم * قال أبو محمد: وفى الخبر الذى شغبوا به ان انسا قال: ما رأيته مفطرا الا يوم فطر أو يوم أضحى، ففى هذا الخبر انه كان يصوم أيام التشريق فان لم يكن فعل أبى طلحة في أكله البرد وهو صائم حجة فصومه الدهر ليس حجة، ولئن كان صومه الدهر حجة فان أكله البرد في الصيام حجة فسقط كل ماموهوا به عن الصحابة رضى الله عنهم *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (يفطر) (2) في الاصلين بالهمزة بعدها ميم، وفى كتب رجال الحديث رجال الحديث كالميزان وتهذيب التهذيب (رهيمة) بالراء بعدها هاء (3) أي نومة خفيفة من اول الليل (4) أي يستقر (5) ما بعده متعلق به وليس بمنقطع معنى، تفطن (6) في النسخة رقم (16) (فذلك ليس حجة) *(7/15)
وأما الاسود فروينا عن وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة ان الاسود كان يصوم الدهر وأيام التشريق * وعن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه انه صام اربعين سنة أو ثلاثين سنة قال هشام: لم أره مفطرا الا يوم فطر أو يوم نحر، فليقتدوا بهما في صوم أيام التشريق والا فالقوم متلاعبون * قال على: صح عن عمر ما ذكرناه من النهى عن صوم الدهر، وأمره بالفطر فيه، وضربه على صيامه * ومن طريق شعبة عن قتادة عن أبى تميمة الهجيمى عن ابى موسى الاشعري قال: من صام الدهر ضيق الله عليه هكذا وقبض كفه * ومن طريق سفيان الثوري عن أبى تميمة الهجيمى عن أبى موسى الاشعري قال: من صام الدهر ضيقت
عليه جهنم، وقد روى أيضا مسندا (1) * قال على: من نوادرهم قولهم: معناه ضيقت عليه جهنم حتى لا يدخلها * قال على: وهذه لكنة، وكذب، أما اللكنة فانه لو اراد هذا لقال: ضيقت عنه ولم يقل: عليه، وأما الكذب فانما اورده رواته كلهم على التشديد والنهى عن صومه فكيف ورواية شعبة المذكورة انما هي ضيق الله عليه فقط؟ * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى عن ابى اسحاق أن ابن أبى انعم (2) كان يصوم الدهر فقال عمر وبن ميمون: لو رأى هذا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لرجموه * قال على: هم يدعون الاجماع باقل من هذا وقد يكون الرجم حصبا كما كان يفعل ابن عمر بمن رآه يتكلم والامام يخطب * ومن طريق شعبة عن يحيى بن عمر والهمداني عن أبيه أنه سمع عبد الله بن مسعود - وسئل عن صوم الدهر - فكرهه * ومن طريق أبى بكرة وعائذ بن عمر وأنهما كرها صوم رجب، وهذا يقتضى ولا بد أنهما لا يجيزان صيام (3) الدهر * قال على: لو كان مباحا عند ابن مسعود ما كرهه لان فعل الخير لا يكره ولا يكره الا ما لا خير فيه ولا أجر * وعن الشعبى أنه كره صوم الدهر * وعن سعيد بن جبير أنه كره صوم شهر تام غير رمضان *
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير: (تنبيه) روى ابن حبان وغيره من حديث ابى موسى الاشعري (من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين) قال ابن حبان: هو محمول على من صام الدهر الذى فيه ايام العبد والتشريق، وقال البيهقى وقبله ابن خزيمة: معنى ضيقت عليه أي عنه فلم يدخلها، وفى الطبراني عن أبى الوليد ما يومئ إلى ذلك، واورد أبو بكر بن ابى شيبة في مصنفه هذا الحديث في باب من كره صوم الدهر اه (2) الذى في التهذيب - هو عبد الرحمن بن زياد بن انعم لا ابن ابى انعم ولعل لفظ ابى زائد (2) في النسخة رقم (14) (صوم) بدل (صيام).(7/16)
791 - مسألة - قال أبو محمد: ونستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر،
ونستحب صيام الاثنين والخميس، وكل هذا فبأن لا يتجاوز اكثر من نصف الدهر، فاما الثلاثة الايام فلما ذكرنا آنفا في حديث عبد الله بن عمرو بن العاصى، وأما الاثنين والخميس فلما حدثناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب أنا القاسم بن زكريا نا حسين - هو الجعفي - عن زائدة عن عاصم عن المسيب - هو ابن رافع - عن خفصة أم المؤمنين قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس) (1)، ويكره صوم شهر تام غير رمضان لما ذكرنا من فعله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا مثل قولنا آنفا عن سعيد بن جبير * 792 - مسألة - ومن اقتصر على الفرض فقط فحسن لما قد ذكرناه قبل من قول رسول الله صلى الله عليه وآله للذى سأله عن الدين فأخبره عليه السلام بوجوب رمضان قال: (هل على غيره؟ قال: لا الا ان تطوع) * وذكر مثل ذلك في الصلاة والزكاة والحج فقال السائل: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفلح إن صدق دخل الجنة ان صدق) * 793 - مسألة - ونستحب صوم يوم عاشوراء وهو التاسع من المحرم، وان صام العاشر بعده فحسن، ونستحب أيضا صيام يوم عرفة للحاج وغيره * نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمدنا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر نا شعبة عن غيلان ابن جرير سمع عبد الله بن معبد الزمانى (2) عن أبى قتادة الانصاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: (يكفر السنة الماضية والباقية، وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: يكفر السنة الماضية) * وبه إلى مسلم نا أبو بكر بن أبى شيبة نا وكيع بن الجراح عن حاجب بن عمر عن الحكم بن الاعرج قال: سألت ابن عباس عن صوم عاشوراء؟ فقال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما فقلت: هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصومه؟
قال: نعم (3) * نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق نا ابن جريح أخبرني
__________
(1) الحديث مختصر.
انظر النسائي جزء 4 ص 3.
2، وقوله بعد ويكره صوم شهر تام الخ من كلام المصنف وليس من كلام عائشة تنبه (2) هو بكسر الزاى وتشديد الميم وبعده نون نسبة إلى زمان بن مالك بن صعب جد جاهلي (3) هو في مسلم ج 1 ص 313 بزيادة في اوله حذفها المصنف، ورواه ايضا أبو داود جزء 2 ص 303 *(7/17)
عطاء انه سمع ابن عباس يقول في يوم عاشوراء: خالفوا اليهود صوموا التاسع والعاشر، (فان قيل) من أين احببتم صوم يوم عرفة في الحج؟ وقد صح من طريق ميمونة أم المؤمنين انها قالت ان الناس شكوافى صوم رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عرفة فارسلت إليه بحلاب (1) وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون * ومن طريق حامد بن يحيى البلخى عن سفيان بن عيينة عن أيوب السختيانى عن سعيد بن جبير قال: أتيت ابن عباس بعرفة وهو يأكل رمانا فقال: ادن فكل لعلك صائم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم هذا اليوم * ومن طريق مؤمل بن اسماعيل بن سفيان الثوري عن اسماعيل بن أمية عن نافع قال: سئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة؟ فقال: لم يصمه النبي صلى الله وعليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى نا حوشب بن عقيل عن مهدى الهجرى العبدى عن عكرمة قال قال لى أبو هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات * ومن طريق شعبة أخبرني عمرو بن دينار قال: سمعت عطاء عن عبيد بن عمير قال: نهى عمر بن الخطاب عن صوم يوم عرفة، وقد تكلم في سماع عبد الله بن معبد الزمانى من أبى قتادة (2) قلنا وبالله تعالى التوفيق * أما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصمه فلاحجة لكم في ذلك لانه عليه السلام قد حض
على صيامه أعظم حض، واخبر انه يكفر ذنوب سنتين، وما علينا أن ننتظر بعد هذا أيصومه عليه السلام أم لا؟ * وقد حدثنا يوسف بن عبد الله النمري قال: نا أحمد بن محمد بن الجسور قال: نا قاسم ابن أصبغ نا مطرف بن قيس نا يحيى بن بكير نا مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين انها قالت: ان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليترك العمل وهو يحب أن يعمل به خشية ان يعمل به الناس فيفرض عليهم * وأما حديث أبى هريرة في النهى عن صوم يوم عرفة بعرفات فان روايه حوشب ابن عقيل وليس بالقوى (3) عن مهدى الهجرى (4) وهو مجهول، ومثل هذا لا يحتج به *
__________
(1) قال النووي في شرح مسلم: الحلاب بكسر الحاء المهملة هو الاناء الذى يحلب فيه ويقال المحلب فيه ويقال المحلب بكسر الميم اه (2) قال الذهبي في ميزان الاعتدال: عبد الله بن معبد الزمانى من جملة التابعين، وثفة النسائي يحدث عن ابى قتادة قال البخاري: لايعرف له سماع منه اه وسيأتى قول المصنف بعد ص 19: فعبد الله ثقة، والثقات مقبولون لانحل رد رواياتهم بالظنون، انظر ترجمته في تهذيب التهذيب ج 6 ص 40 (3) هو كما قال المصنف انظر ترجمته في تهذيب التهذيب جزء 3 ص 65 (4) سئل ابن معين عنه؟ فقال: لااعرفه انظر تهذيب التهذيب ج 10 ص 324 *(7/18)
وأما ترك أبى بكر، وعمر، وابن عمر، وابن عباس صيامه فقد صامه غيرهم كما روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن سهل بن أبى الصلت عن الحسن البصري انه سئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: صامه عثمان بن عفان في يوم حار يظلل عليه * ومن طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الانصاري عن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق ان عائشة أم المؤمنين كانت تصوم يوم عرفة في الحج * وبه إلى حماد بن سلمة نا عطاء الخراساني ان عبد الرحمن بن أبى بكر دخل على عائشة أم المؤمنين يوم عرفة وهى تصب عليها الماء فقال لها: أفطرى فقالت: افطر؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوم يوم عرفة يكفر العام الذى قبله) * ومن طريق هشام بن عروة ان عبد الله بن الزبير
كان يدعو عشية عرفة إذا أفاض الناس بماء ثم يفيض * قال على: فإذا اختلفوا فالمرجوع إليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روينا من طريق البخاري عن مسدد عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن توبة عن مورق العجلى قال: قلت لابن عمر: (رضى الله عنهما (1)) أتصلى الضحى؟ قال: لا قلت: فعمر قال: لا (قلت: فأبو بكر قال: لا قلت: فرسول الله (2) صلى الله عليه وسلم قال: لا إخاله) * فمن كره صوم يوم عرفة لقول ابن عمر: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصمه، ولا أبو بكر، ولا عمر فليكره صلاة الضحى لقوله فيها مثل ذلك، والطريقان صحيحان والا فهو متلاعب بالدين، وقد صح ان أبا بكر، وعمر لم يكونا يضحيان فليكرهوا الاضحية أيضا لذلك * قال على: ومن العجب أن يكون نهى النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء باغلظ الوعيد عن صيام الدهر ولم يصمه عليه السلام فيستحبونه ويبيحونه ثم يأتي حض النبي صلى الله عليه وسلم باشد الحض على صوم عرفة فيكرهونه لانه عليه السلام لم يصمه ولم يحض النبي صلى الله عليه وسلم بتركه الحاج دون غيره ولا بالحض عليه من ليس حاجا من حاج * وأما سماع عبد الله بن معبد من أبى قتادة فعبدالله ثقة - والثقات مقبولون - لا يحل رد رواياتهم بالظنون وبالله تعالى التوفيق * 794 - مسألة - ونستحب صيام أيام العشر من ذى الحجة قبل النحر لما حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الاعرابي نا الدبرى نا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الاعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما من أيام أحب إلى الله فيهن العمل أو أفضل فيهن العمل من أيام العشر قيل: يارسول الله ولا الجهاد قال: ولا الجهاد الا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشئ) * قال أبو محمد: هو عشر ذى الحجة، والصوم عمل بر فصوم عرفة يدخل في هذا أيضا *
__________
(1) الزياة من البخاري جزء 2 ص 131 (2) في البخاري ج 2 ص 131 (فالنبى) بدل (رسول الله) *(7/19)
795 - مسألة - ولا يحل صوم يوم الجمعة الا لمن صام يوما قبله أو يوما بعده فلو نذره انسان كان نذره باطلا فلو كان انسان يصوم يوما ويفطر يوما فجاءه صومه في الجمعة فليصمه * نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج نا أبو كريب نا حسين - هو الجعفي - عن زائدة عن هشام - هو ابن حسان - عن ابن سيرين عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالى ولا تخصوا (1) يوم الجمعة بصيام من بين الايام الا ان يكون في صوم يصومه احداكم) * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا اسماعيل بن مسعود - هو الجحدرى - نا بشر - هو ابن المفضل - نا سعيد - هو ابن أبى عروبة - عن قتادة عن سعيد ابن المسيب عن عبد الله بن عمرو قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جويرية بنت الحارث يوم الجمعة وهى صائمة فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا قال: أتريدين أن تصومي غدا؟ قالت: لا قال: فأفطرى * ورويناه أيضا من طريق جابر * ومن طريق جويرية أم المؤمنين * ومن طريق جنادة الازدي - وله صحبة - كلهم عن النبي، صلى الله عليه وسلم وبه قال طائفة من الصاحبة رضى الله عنهم * روينا من طريق حماد بن سلمة عن سعيد الجريرى عن أبى العلاء - هو ابن الشخير - ان سلمان الفارسى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لزيد (2) بن صومان انضر ليلة الجمعة فلا تصلها * قال على: لا نعلم له مخالفا من الصحابة رضى الله عنهم * ومن طريق يحي بن سعيد القطان عن شعبة عن عبد العزيز بن رفيع عن قيس ابن السكن قال: مر ناس من اصحاب ابن مسعود بابى ذر يوم جمعة وهم صيام فقال: عزمت عليكم لما أفطر تم فانه يوم عيد * قيس بن السكن ادرك أبا ذر وجالسه *
وعن على بن أبى طالب انه نهى عن تعمد صيام يوم الجمعة * ومن طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن منصور عن مجاهد عن أبى هريرة قال: لا تصم يوم الجمعة الا ان تصوم قبله أو بعده، وهو قول ابراهيم النخعي، ومجاهد، والشعبى، وابن سيرين وغيرهم، وذكره ابراهيم عمق لقى، وانما لقى اصحاب ابن مسعود *
__________
(1) قال النووي في شرح مسلم: هكذا وقع في الاصول (لا تختصوا ليلة الجمعة)، (ولا تخصوا يوم الجمعة) باثبات تاء في الاول بين الخاء والصاد، ويحذفها في الثاني وهما صحيحان اه، والحديث في مسلم ج 1 ص 314 (2) في النسخة رقم (14) (يزيد) وهو غلط لانه أخو صعصعة وسحان لبنى صوحان أسلم في عهد رسول الله صل الله عليه وسلم وشهد وقعة الجمل مع على رضى الله عنه،(7/20)
(فان قيل:) فقد رويتم من طريق شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وقل ماكان يفطر يوم الجمعة * ومن طريق ليث بن أبى سليم عن عمر بن أبى عمير عن ابن عمر قل ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مفطرا يوم جمعة * ومن طريق ليث بن أبى سليم عن طاوس عن ابن عباس قل ما رأيته مفطرا يوم جمعة قط * (1) قال أبو محمد: ليث ليس بالقوى (2)، وأما خبر ابن مسعود فصحيح، والقول فيها كلها سواء، وهو أنه ليس في شئ منها لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن ابن مسعود، ولا عن ابن عمر، ولا عن ابن عباس اباحة تخصيص يوم الجمعة بصيام دون يوم قبله أو يوم بعده، ونحن لا ننكر صيامه إذا صام يوما قبله أو يوما بعده، ولا يحل ان نكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبر عنه بما لم يخبر به عنه صاحبه، ولا أ نحمل فعله على مخالفة أمره البتة إلا ببيان نص صحيح فيكون حينئذ نسخا أو تخصيصا، قال تعالى آمرا له ان يقول: (وما أريد: أن أخالفكم إلى ما انهاكم عنه) فكيف وقد ورد عن ابن عباس، وطاوس بيان قولنا بأصح من هذه الطرق؟ كما روينا من طريق ابن ابى شيبة * نا محمد بن بكر عن ابن جريج عن عطاء قال: كان ابن عباس ينهى عن افتراد اليوم كلما
مر بالانسان - يعنى عن صيامه -، فصح نهى ابن عباس عن افتراد يوم بعينه في الصوم، فدخل في ذلك يوم الجمعة وغيره * ومن طريق عبد الله بن طاوس عن أبيه انه كان يكره ان يتحرى يوما يصومه، وما نعلم لمن ذكرنا من الصاحبة رضى الله عنهم مخالفا اصلا في النهى عن تخصيص يوم الجمعة بالصيام وبالله تعالى التوفيق * 796 - مسألة - فلو نذر المرء صوم يوم يفيق أو نحو ذلك فوافق يوم جمعة لم يلزم لانه لا يصوم يوما قبله، ولا يوما بعده ولا وافق صوما كان يصومه ولا يجوز صيامه إلا بأحد هذين الوجهين كما ذكرنا قبل، وبالله تعالى التوفيق * 797 - مسألة - ولا يحل صوم الليل أصلا، ولا أن يصل المرء صوم يوم بصوم يوم آخر لا يفطر بينهما.
وفرض على كل احدان يأكل أو يشرب في كل يوم وليلة ولا بد * نا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد نا إبراهيم بن أحمد نا الفربرى نا البخاري نا ابرهيم بن حمزة نا ابن ابى حازم عن يزيد - هو ابن الهادى - عن عبد الله بن خباب عن أبى سعيد الخدرى
__________
(1) في النسخة (16) يوم الجمعة (2) هو كما قال المؤلف انظر تهذيب جزء 8 ص 465 *(7/21)
(انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (1): لا تواصلوا فايكم اراد أن يواصل فليواصل حتى السحر قالوا: فانك تواصل يارسول الله قال: لست كهيئتكم إنى أبيت لى مطعم يطعمنى وساق يسقينى) * ورويناه أيضا مسندا صحيحا من طريق أم المؤمنين عائشة، وأنس، وابى هريرة، وابن عمر كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الاثار تنتظم كل (2) ما قلنا * قال أبو محمد: وقد روينا النهى عن الوصال عن أبى سعيد الخدرى، وعائشة ام المؤمنين، وعلى، وأبى هريرة، وروينا عن بعض السلف إباحة الوصال كما روينا من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب حدثنى أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف (3) ان ابا هريرة
قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال فقال رجل من المسلمين: فانك تواصل يارسول الله فقال: وأيكم مثلى إنى أبيت يطعمنى ربى ويسقيني فلما أبوا ان ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال عليه السلام: لو تأخر (4) الهلال لزدتكم كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا) * وعن أخت أبى سعيد الخدرى أنها كانت تواصل وكان اخوها ينهاها * قال على: هي صاحبة بلا شك * ومن طريق حماد بن سلمة نا عمار بن ابى عمار قال: كان عبد الله بن الزبير يواصل سبعة أيام فإذا كان الليلة السابعة دعا باناء من سمن فشربه ثم يؤتى بثريدة (5) فيها عرقان (6) ويؤتى الناس بالجفان (7) فيقول: هذا من خالص مالى وهذا من بيت مالكم، وكان ابن وضاح يواصل اربعة أيام * قال أبو محمد: هذا يوضح ان لاحجة في أحد غير (8) رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحاب ولا غيره فقد واصل قوم من الصحابة رضى الله عنهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وتأولوا في ذلك التأويلات البعيدة فكيف بعده عليه السلام؟ فكيف من دونهم؟ ولا فرق بين من خالف حضه عليه السلام على صوم يوم عرفة ونهيه عليه السلام عن تخصيص صوم يوم الجمعة، وتأولوا في ذلك أنه عليه السلام لم يصم يوم عرفة، وقول ابن مسعود قل ما رأيته عليه السلام مفطرا يوم جمعة وبين من خالف نهيه عن الوصال وتأول أنه عليه السلام كان يواصل *
__________
(1) في النسخة رقم (16) سقط لفظ يقول غلطا، وهو في البخاري جزء 3 ص 84 (2) في النسخة رقم (16) (كما) (3) لفظ (بن عوف) زيادة من النسخة رقم (14) (4) في النسخة رقم (16) (ولو تأخر) (5) فال صاحب اللسان: الثريد معروف، والثرد الهشم ومنه قيل لما يهشم من الخبز ويبل بماء القدور غيره ثريدة..ويقال: اكلنا ثريدة دسمة بالهاء على معنى الاسم أو القطعة من الثريد اه (6) هو تثنية عرق بفتح العين المهملة وسكون الراء.
العطم إذا أخذ عنه معظم اللحم وجمعه عراق؟؟؟ جمع حفنه كالقصعة وعاء الاطعمة (8) في النسخة رقم (14) (دون) *(7/22)
798 - مسألة - ولا يجوز صوم يوم الشك الذى من آخر شعبان، ولا صيام اليوم الذى قبل يوم الشك المذكور الا من صادف يوما (1) كان يصومه فيصومهما حينئذ للوجه الذى كان يصومهما له لا لانه يوم شك ولا خوفا من ان يكون من رمضان * نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبى شيبة، وابو كريب كلاهما عن وكيع عن على بن المبارك عن يحي بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل (2) كان يصوم صوما فليصم)، وقد ذكرنا أمره عليه السلام بان لا يصام حتى يرى الهلال من طريق ابن عمرو * نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالدنا على بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن عمر وبن دينار عن ابن عباس (ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان أغمى (3) عليكم فعدوا ثلاثين قالوا: يا رسول الله الا نقدم بين يديه يوما أو يومين فغضب وقال: لا) * قال أبو محمد: نعوذ بالله من غضب رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا الخبر يوضح انه لا حجة في رأى صاحب ولا غيره أصلا، وبهذا يقول طائفة من السلف * روينا عن ابن مسعود انه قال: لان أفطر يوما من رمضان ثم اقضيه أحب إلى من أن (4) أزيد فيه يوما ليس فيه * وعن حذيفة أنه كان ينهى عن صوم اليوم الذى يشك فيه * وعن أبى اسحاق السبيعى عن صلة بن اشيم انه سمع عمار بن ياسر في يوم الشك من آخر شعبان يقول: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم * وعن حذيفة، وابن عباس وأبى هريرة، وعمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب، وأنس بن مالك النهى عن صيامه * وعن ابن عمر، والضحاك بن قيس انهما قالا: لو صمت السنة كلها لافطرت اليوم الذى يشك فيه *
قال أبو محمد: وروى خلاف هذا عن بعض السلف كما روينا عن عائشة أم المؤمنين انها قالت: لان أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن فأفطر يوما من رمضان * وعن اسماء بنت أبى بكر انها كانت تصوم يوم الشك *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (صوما) (2) في النسخة رقم (16) (رجل) بالرفع وهو الصحيح لكونه في كلام تام غير موجب وهو موافق لمسلم ج 1 ص 299، وفى النسخة رقم (14) (رجلا) بالنصب (3) يقال: اغمى علينا الهلال وغمى - بتشديد الميم - فهو مغمى - بسكون الغين المعجمة - ومغمى بفتحها - إذا حال دون رؤيته غيم أو قترة كما يقال غم علينا اه نهاية (4) لفظ (ان) سقط من النسخة رقم (16) *(7/23)
وحدثنا يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله (1) بن عبد الرحيم نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى نا عبيد الله بن عمر عن نافع قال: كان ابن عمر إذا خلت تسع وعشرون ليلة من شعبان بعث من ينظر الهلال فان حال من دون منظره سحاب أو قترة أصبح صائما وان لم ير ولم يحل دون منظره أصبح مفطرا * وعن أبى عثمان النهدي انه كان يصوم يوم الشك * وعن القاسم بن محمد انه كان لا يكره صيام يوم الشك إلا ان أغمى دون رؤية الهلال * وعن الحسن البصري انه كان يصبح يوم الشك صائما فان قدم خبر برؤية الهلال ما (2) بينه وبين نصف النهار أتم صومه وإلا أفطر، وبالنهى عن صومه جملة يقول ابراهيم النخعي، والشعبى، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وابن سيرين، وغيرهم * قال أبو محمد: هذا ابن عمر هو روى أن لا يصام حتى يرى الهلال ثم كان يفعل ما ذكرنا، واحتج من رأى صيام يوم الشك بما روينا من طريق مسلم عن ابن أبى شيبة نا يزيد بن هرون عن (3) الجريرى عن أبى العلاء عن مطرف (4) عن عمران بن الحصين (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: هل صمت من سرر هذا الشهر (شيئا؟ يعنى شعبان (5) قال: لا قال: فإذا أفطرت من صيام رمضان فصم يومين مكانه *
وبما رويناه من طريق أبى داود نا أحمد بن حنبل نا محمد بن جعفر نا شعبة عن توبة العنبري عن محمد بن ابراهيم عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن أم سلمة أم المؤمنين (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما الا شعبان يصله برمضان) (6) * ومن طريق عبد الله بن أبى العلاء عن أبى الازهر المغيرة بن فروة قال: قام معاوية ابن أبى سفيان في الناس في دير مسحل (7) الذى على باب حمص فقال: يا ايها الناس انا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا وأنا متقدم بالصيام فمن أحب أن يفعله فليفعله، فقام إليه مالك بن هبيرة السبائى فقال: يا معاوية أشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أم شئ من رأيك؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوموا الشهر وسره) * قال أبو محمد: المغيرة بن فروة غير مشهور (8) ثم لو صح لما كانت فيه حجة أصلا لان
__________
(1) جملة نا أحمد بن عبد الله سقطت من النسخة رقم (16) خطأ (2) لفظ (ما) سقط من النسخة رقم (16) خطأ * (2) لفظ (عن) سقط من النسخة رقم (16) خطأ (4) سقط لفظ (عن مطرف) من النسختين، وزدناه من صحيح مسلم ج 1 ص 322 وكذلك في سنن ابى داود ج 2 ص 370 (5) الزيادة من صحيح مسلم (6) قال الحافظ في الفتح: قال المنذرى: والحديث اخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي حديث حسن (7) قال في القاموس: الديرخان النصارى والخان الحانوت أو صاحبه اه، قال في تاج العروس: ومسحل اسم رجل وهو أبو الدهناء امرأة العجاج اه ولعله كان بانى هذا الدير أو مالكه، وهو بكسر الميم وسكون السين المهملة (8) انظر ترجته في تهذيب التهذيب ج 10 ص 367 *(7/24)
نصه (صوموا الشهر وسره) وهو بلا شك شهر رمضان لا ما سواه، وسره مضاف إليه، ولا يخلو سره من أن يكون أوله أو آخره أو وسطه (1) وأى ذلك كان؟ فهو من رمضان لا من شعبان، وليس فيه صوموا سر شعبان فبطل التعلق به * وأما خبر أم سلمة فلا حجة لهم فيه لان كل من كان له صوم معهود فوافق يوم الشك فليصمه كما جاء في الخبر الذى صدرنا به، ولا يجوز أن يحمل صوم النبي صلى الله عليه وسلم له في وصله شعبان برمضان الا على انه صوم معهود كان له *
وأما خبر عمران فصحيح الا أنه لا حجة لهم فيه لاننا لا ندري ماذا كان يقول له النبي صلى الله عليه وسلم؟ لو قال له الرجل: أنه صام سرر شعبان أينهاه أم يقره على ذلك؟ والشرائع الثابتة لا يجوز خلافها بالظنون ولا بما لا بيان فيه، ثم لو كان في هذه الاخبار بيان جلى باباحة صوم يوم الشك من شعبان لما كان لهم فيه حجة، لان صوم يوم الشك وغيره كان مباحا بلا شك في صدر الاسلام، لان الصوم جملة عمل بر وخير، فلما صح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين قبل رمضان الا لمن كان له صوم يصومه صح يقينا لامرية فيه ان الاباحة المتقدمة قد نسخت وبطلت لان الصوم قد كان متقدما لهذا النهى بنصه كما هو لاستثنائه عليه السلام من كان له صوم فليصمه، ولا يحل العمل بشئ قد صح أنه منسوخ بلا شك ولا يحل خلاف الناسخ، ومن ادعى ان الحالة المنسوخة قد عادت وان الناسخ قد بطل فقد كذب وقفا مالا علم له به وقال: مالا دليل له به أبدا، والظن أكذب الحديث * 799 - مسألة - ولا معنى للتلوم في يوم الشك لانه ان كان تلومه بنية الصوم فقد خالف امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بترك صومه وواقع النهى، وان كان تلومه بغير نية الصوم فهو عناء لا معنى له، وترك المفطر الاكل (2) عمل فارغ، وقد روينا عن أنس وجماعة معه تعجيل الفطر في أوله * 800 - مسألة - ولا يجوز صوم اليوم السادس عشر من شعبان تطوعا أصلا ولا لمن صادف يوما (3) كان يصومه * نا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود نا قتيبة بن سعيد نا عبد العزيز بن محمد الدراوردى قال: قدم عباد بن كثير المدينة فمال إلى مجلس العلاء
__________
(1) قال في فتح الودود شرح سنن ابى داود (صوموا الشهر وسره): بكسر فتشديد يقال سر الشهر وسراره وسرره لآخره لاستتار القمر فيه، ويحتمل ان يكون المراد بالشهر شهر رمضان وسره آخره لتأكد الاستيعاب أو المراد بآخره آخر شعبان، واضافته إلى رمضان للاتصال، اه اقول والاحتمال الثاني خلاف الظاهر (2) في النسخة رقم (14) (وللاكل) (3) في النسخة رقم (16) صوما(7/25)
ابن عبد الرحمن فاخذ بيده فأقامه ثم قال (1): اللهم ان هذا يحدث عن أبيه (عن أبى هريرة) (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) فقال العلاء: اللهم ان أبى حدثنى عن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك (3) * قال أبو محمد: هكذا رواه سفيان عن العلاء، والعلاء ثقة روى عنه شعبة وسفيان الثوري، ومالك، وسفيان بن عيينة، ومسعر بن كدام، وابو العميس وكلهم يحتج بحديثه فلا يضره غمز ابن معين له، ولا يجوز ان يظن بابى هريرة مخالفة ماروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، والظن أكذب الحديث، فمن (4) ادعى ههنا اجماعا فقد كذب * وقد كره قوم الصوم بعد النصف من شعبان جملة الا ان الصحيح المتيقن من مقتضى لفظ هذا الخبر النهى عن الصيام (5) بعد النصف من شعبان، ولا يكون الصيام في أقل من يوم، ولا يجوز ان يحمل على النهى عن صوم باقى الشهر إذا ليس ذلك بينا، ولا يخلو شعبان من ان يكون ثلاثين أو تسعا وعشرين، فان كان ذلك فانتصافه بخمسة عشر يوما وان كان تسعا وعشرين فانتصافه في نصف اليوم الخامس عشر، ولم ينه عن الصيام بعد النصف، فحصل من ذلك النهى عن صيام اليوم السادس عشر بلا شك (فان قيل): فقد رويتم من طريق وكيع عن أبى العميس عن العلاء بن عبد الرحمن بن أبيه عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان) قلنا: نعم وهذا يحتمل النهى عن كل ما بعد النصف من شعبان، ويحتمل ان يكون النهى عن بعض ما بعد النصف وليس أحدا لاحتمالين أولى بظاهر اللفظ من الآخر، وقد روينا ما ذكرنا قبل من قول أم سلمة أم المؤمنين (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان يصله برمضان) وقول عائشة أم المؤمنين انه عليه الصلاة والسلام: (كان يصوم شعبان كله إلا قليلا) وقولهما هذا يقتضى انه عليه السلام كان يداوم ذلك فوجب استعمال هذه الاخبار كلها والا يرد منها شئ لشئ أصلا، فصح صيام أكثر شعبان مرغوبا فيه، وصح جواز صوم آخره فلم يبق يقين النهى الا على مالاشك فيه وهو اليوم السادس عشر كما قلنا وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (فقال) بحذف ثم وما هنا موافق لسنن ابى داود ج 2 ص 273 (2) الزيادة من سنن أبى داود ج 2 ص 273 وهى موجدة في النسخة رقم (14) الا ان مصححها اشار إلى انها زائدة في النسخة فضرب عليها بالقلم ولعل الصواب كما يظهر لم اسقاطها بدليل آخر الحديث تنبه (3) كذا في النسختين والذى في سنن ابى داود (قال: بذلك) قال الخطابى: هذا الحديث كان ينكره عبد الرحمن بن مهدى من حديث العلاء اه قال المذرى: والحديث اخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي: حسن صحيح، حكى أبو داود عن الامام احمد انه قال: هذا حديث منكر قال: وكان عبد الرحمن - يعنى ابن مهدى - لا يحدث به، ويحتمل ان يكون الامام احمد انما انكره من جهة العلاء بن عبد الرحمن فان فيه مقالا لائمة هذا الشأن، انظر ترجمته في ميزان الاعتدال (4) في النسخة رقم (16) (ومن) * (5) في النسخة رقم (16) (عن الصوم) *(7/26)
ومن ادعى نسخا في خبر العلاء فقد كذب وقفا مالاعلم له به وبالله تعالى نتأيد * وقد بينا فيما خلا ماقاله أبو حنيفة، ومالك، والشافعي مما لا يعرف ان احدا قاله قبل كل واحد منهم، أكثر ذلك مما قالوه برأى لا بنص * من ذلك قول أبى حنيفة يجزئ من مسح الرأس في الوضوء مقدار ثلاثة أصابع ولا يجزئ أقل منه، ومرة قال: ربع الرأ ولا يجزئ أقل، ويجزئ مسحه بثلاث اصابع ولا يجزئ باصبعين ولا بأصبع، وأجازوا الاستنجاء بالروث، وقوله: المرة والماء الخارجان من الجوف ينقضان الوضوء إذا كان كل واحد منهما مل ء الفم فان كان أقل لم ينقض الوضوء، وكذلك تعمد القئ والدم الخارج من الجوف ينقض الوضوء ان غلب على البصاق وان لم يملا الفم، والبلغم الخارج من الجوف لا ينقض الوضوء وان ملا الفم، وقوله في صدقة الخيل: ان شاء أعطى عن كل رأس من الاناث أو الذكور أو الاناث مخلوطين عن كل رأس عشرة دراهم، وان شاء قومها قيمة وأعطى عن كل مائتي درهم خمسة، ولا يعطى من الذكور المفردة شيئا، وقوله الزكاة في كل ما أخرجت الارض قل أو كثر الا الحطب، والقصب، والحشيش، وقصب الذريرة، فان كان الخارج في الدار فلا زكاة فيه، وكل هذا لا يعلم احد قاله قبلهم *
وكقول مالك من ترك من الصلاة ثلاث تكبيرات، أو ثلاث تسميعات بطلت صلاته، فان ترك تكبيرتين فأقل لم تبطل ولا تسميعتين فاقل، وقوله في الزكاة فيما تخرجه الارض ومما لا زكاة فيه من ذلك من أنواع الحبوب، وقوله: ان الزكاة تسقط بموت المرء الا زكاة عامه ذلك، وقوله فيما تخرج منه زكاة الفطر من الحبوب، ووقول الشافعي: فيما يخرج منه الزكاة من الحبوب وما لا يخرج منه، وقوله: فيما يخرج منه زكاة الفطر من الحبوب وما لا يجزئ فيها منها، وقوله في ان الماء ان كان خمسمائة رطل بالبغدادي لم يقبل نجاسة الا ان تغيره.
فان كان أقل ولو بوزن درهم فانه ينجس وان لم يتغير، وكل هذا لايعرف له قائل قبل من ذكرنا، ولو تتبعنا مالكل واحد منهم من مثل هذا لبلغ لابي حنيفة، ومالك ألوفا من المسائل، ولبلغ للشافعي مئين وبالله تعالى نتأيد * 81 - مسألة - ولا يحل صوم يوم الفطر ولا يوم الاضحى لافى فرض ولافى تطوع وهو قول جمهور الناس، وقد روينا من طريق وكيع عن عبد الله بن عون عن زياد بن جبير قال: سأل رجل ابن عمر عمن نذر صوم يوم فوافق يوم أضحى أو يوم فطر؟ فقال ابن عمر: أمر الله تعالى بوفاء النذر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم * وروينا عن عطاء فيمن نذر صوم شوال انه يفطر يوم الفطر ثم يصوم يوما من ذى القعدة مكانه ويطعم مع ذلك عشرة مساكين *(7/27)
قال على: انما أمر عزوجل بالوفاء بالنذر إذا كان طاعة لا إذا كان معصية، واد صح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر والاضحى أو أي يوم نهى عنه فصوم ذلك اليوم معصية، ولم يأمر الله تعالى قط بالوفاء بنذر مصية، وقد صح في ذلك آثار * منها مارويناه من طريق البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن أبى عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) (1) فقال: هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم فطركم من صيامكم واليوم
الآخر يوم تأكلون فيه من نسككم، وصح أيضا من طريق أبى هريرة، وأبى سعيد مسندا * وقال محمد بن الحسن في رواية هشام بن عبد الله عنه: (من نذر أن يصوم الدهر وأراد بذلك اليمين فعليه ان يصومه ويفطر يوم الفطر والاضحى، وأيام التشريق ولا يطعم شيئا لكن يوصى عند موته أن يطعم عنه لكل يوم نصف صاع)، وهذا تخليط لا نظير له * 802 - مسألة - ولا يجوز صيام أيام التشريق وهى ثلاثة أيام بعد يوم الاضحى لافى قضاء رمضان ولافى نذر، ولا في كفارة، ولا لمتمتع بالحج لا يقدر على الهدى وهو قول أبى حنيفة، والشافعي * وقال مالك: يصومها المتمتع المذكور كلها ولا يصوم الناذر منها الا اليوم الثالث فقط، ولا يجوز ان يصام شئ منها تطوعا ولا في كفارة * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا عبد الله ابن مسلمة (القعنبى) (2) نا مالك عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد (3) عن أبى مرة مولى أم هانئ أنه دخل مع عبد الله بن عمرو بن العاصى على (أبيه) (4) عمرو بن العاصى فقرب اليهما (5) طعاما فقال: انى طائم فقال له: كل فهذه (6) الايام التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بافطارها وينهانا عن صيامها قال مالك: هي أيام التشريق * نا حمام بن أحمد نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نابكر - هو ابن حماد - نا مسدد نا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن بشر بن سحيم (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادى أيام التشريق انه لا يدخل الجنة الا مؤمن وانها أيام أكل وشرب) *
__________
(1) الزيادة في صحيح البخاري جزء 3 ص 93: ادارة الطباعة المنيرية (2) الزيادة من سنن ابى داود ج 2 ص 295 (3) في النسختين (عن يزيد بن عبد الله بن الهادى) باسقاط (اسامة بن) وزدناه من تهذيب التهذيب جزء 11 ص 339، وفى سنن ابى داود ج 2 ص 295 (عن يزيد بن الهاد) (4) الزيادة من سنن ابى داود ج 2 ص 295 (5) في النسخة رقم (14) (فقرب إليه) وما هنا موافق لسنن ابى داود (6) في سنن ابى داود (فقال: (كل قال: انى صائم فقال عمر: كل فهذه) الخ *(7/28)
قال أبو محمد: تفريق مالك بين اليومين وبين اليوم الثالث لا وجه له أصلا، فان ذكر ذا كرما رويناه من طريق شعبة قال: سمعت عبد الله بن عيسى - هو ابن أبى ليلى - عن الزهري عن عروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله بن عمر قال: عروة عن عائشة، وقال سالم: عن ابيه ثم اتفقا قالا: لم يرخص في أيام التشريق ان يصمن الا لمن لم يجد الهدى، وقد أسنده عن شعبة يحيى بن سلام، وس هو ممن يحتج بحديثه، فان هذا موقوف على أم المؤمنين، وابن عمر رضى الله عنهم، ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز ان يسند هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث) * وروينا من طريق وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين انها كانت تصوم أيام التشريق * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك بن أبى نعامة عن أبيه عن ابن عباس انه كان يصوم أيام التشريق * وعن أبى طلحة انه كان لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى * وعن الاسود أنه كان يصوم أيام التشريق ولو كان مسندا لكان حجة على المالكيين لانه أباح اليوم الثالث ان يصومه الناذر وهو خلاف هذا الخبر * قال أبو محمد: عهدنا بالحنيفيين والمالكيين يقولون فيما وافق اهواءهم من اقوال الصحابة: هذا لا يقال بالرأى قالوا ذلك في تيمم جابر إلى المرفقين، وفى قول عائشة رضى الله عنها لام ولد زيد بن أرقم إذا باعت منه عبدا إلى العطاء بثماني مائة ثم اشترته منه بستمائة أبلغ زيدا انه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ان لم يتب، وهو خبر لا يصح، وخالفوا بذلك القرآن والسنة الثابتة، وفى التيمم إلى الكوعين فهلا قالوا هنا في قول عائشة، وابن عمر: مثل هذا لا يقال: بالرأى؟ وعهدنا بهم يقولون فيما خالف أهواءهم من السنن ما تعظم به البلوى: لا يقبل فيه خبر الواحد، وردوا بذلك الوضوء من مس الذكر فهلا قالوا ههنا: هذا مما تعظم به البلوى؟ فلا يقبل فيه خبر الواحد، إذا لو كان النهى عن صيام أيام التشريق
صحيحا ما خفى على عائشة، وأبى طلحة، وابن عباس، والاسود، وعهدنا بهم يقولن: ان الخبر المضطرب فيه مردود، وادعوا ذلك في حديث (لا تحرم المصة ولا المصتان) فهذا الخبر أشد اضطرابا لانه روى عن بشر بن سحيم، ومرة عنه عن على، وعهدنا بهم يقولون فيما وافقهم: هذا ندب فهلا قالوه ههنا؟ وعهدنا بهم يقولون: إذا روى الصاحب خبرا وتركه فهو دليل على نسخه، وعائشة قد روت كما ذكرنا النهى عن صيام أيام التشريق وتركت ذلك فكانت تصومها تطوعا فهلا تركوا ههنا روايتها لرأيها؟ ولا يقدر أحد على ان يقول: انها وابن عباس صاماها في تمتع الحج لان يسارهما ويسار الاسود وسعة أموالهم لالف هدى أشهر من ان يجهله الا من لاعلم له أصلا *(7/29)
803 - مسألة - ولا يحل صوم أخرج مخرج اليمين كأن (1) يقول القائل: أنا لا أدخل دارك فان دخلتها فعلى صوم شهر أو ما جرى هذا المجرى * نا يونس بن عبد الله بن مغيث نا أبو بكر محمد بن أحمد بن خالد قال: نا أبى ناعلى ابن عبد العزيز نا أبو عبيد القاسم بن سلام نا اسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفا فلا يحلف الا بالله) * قال أبو محمد: فصار الحلف بغير الله تعالى معصية، وخلافا لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذ هو كذلك فقد ذكرنا قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا وفاء لنذر في معصية الله) والنذر اللازم هو الذى يتقرب به إلى الله تعالى فقط، وهو قول الشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبى سليمان وغيرهم * 804 - مسألة - ولا يحل لذات (2) الزوج أو السيد ان تصوم تطوعا بغير اذنه، وأما الفروض كلها فتصومها أحب أم كره، فان كان غائبا لا تقدر على استئذانه أو تقدر فلتصم التطوع ان شاءت * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا الحسن بن
على - هو الحلواني - نا عبد الرزاق انا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوم المرأة وبعلها شاهد الا باذنه غير رمضان ولا تأذن في بيته وهو شاهد الا باذنه) (3) * قال على: البعل اسم للسيد وللزوج (4) في اللغة، وصيام قضاء رمضان والكفارات وكل نذر تقدم لها قبل نكاحها اياه مضموم إلى رمضان لان الله تعالى افترض كل ذلك كما افترض رمضان، وقال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة من أمرهم).
فأسقط الله عزوجل الاختيار فيما قضى به وانما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الاذن والاستئذان فيما فيه الخيار، وأما مالاخيار فيه ولا اذن لاحد فيه ولافى تركه ولافى تغييره فلا مدخل للاستئذان فيه.
هذا معلوم بالحس، وهو الذى يقتضى تخصيصه على السلام اذن البعل فيه، وبالله تعالى التوفيق * 805 - مسألة ونستحب تدريب الصبيان على الصوم في رمضان إذا أطاقوه وليس ذلك واجبا عليهم لما قد ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاث) فذكر فيهم الصبى حتى يحتلم، وقد ذكرنا في أول كتاب الطهارة وجوب الاحكام بالانبات،
__________
(1) في النسخة رقم (14) (مثل ان) (أي لصاحبة الزوج) (3) في سنن ابى داود ج 2 ص 306، قال المنذرى وأخرحه مسلم (4) وقد جاء لسان الشرع ايضا ومنه قوله في حديث الامام (وان تلد الامة بعلها: المراد بالبعل؟؟ المالك اه نهاية *(7/30)
والحيض والله تعالى يقول: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير)، وتدريبهم على الصوم خير، وقد ذكرنا (قبل) (1) قول عمر رضى الله عنه للشيخ الذى وجده سكران في رمضان: ولداننا صيام، وقد روينا من طريق ابن جريح عن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صام الغلام ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صيام شهر رمضان) * قال أبو محمد: محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة (2) لا شئ الا أن الحنيفيين، والمالكيين،
والشافعيين بروايته اخذوا في (اباحة) (3) كراء الارض وأبطلوا بها الروايات الثابتة في تحريم كراء الارض، فهو حجة إذا اشتهوا وليس هو حجة إذا اشتهوا * وروينا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذا بلغ الغلام خمسة أشبار وجبت عليه الحدود، وروينا عن ابن سيرين، وقتادة، والزهرى يؤمر الغلام بالصلاة إذا عرف يمينه من شماله، وبالصوم إذا أطاقه * وعن عروة بن الزبير يؤمرون بالصلاة إذا عقلوها، وبالصوم إذا أطاقوه * قال على: لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * وعن سعيد بن المسيب تكتب الصلاة على الجارية إذا حاضت وعلى الغلام إذا احتلم * 806 - مسألة - ويجب على من وجد التمر أن يفطر عليه فان لم يجد فعلى الماء وإلا فهو عاص لله تعالى ان قامت عليه الحجة فعند (4) ولا يبطل صومه بذلك لان صومه قد تم وصار في غير صيام، وكذلك لو أفطر على خمر أو لحم خنزير أو زنى فصومه تام وهو عاص لله تعالى * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا قتيبة بن سعيد نا سفيان بن عيينة عن عاصم الاحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن عمها سلمان ابن عامر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أفطر احدكم فليفطر على تمر فانه بركة فان لم يجد تمرا فالماء فانه طهور) * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا أحمد بن حنبل نا عبد الرزاق نا جعفر بن سليمان الضبعى نا ثابت البنانى انه سمع أنس بن مالك يقول كان النبي (5) صلى الله عليه وسلم: (يفطر على رطبات قبل أن يصلى فان لم تكن (رطبات) (6) فعلى
__________
(1) الزيادة في النسخة رقم (14) (2) قال الحافظ في تقريب التهذيب: بفتح اللام وكسر الموحدة وسكون التحية وفتح الموحدة الاخرى، ويقال: ابن لبينه: كثير الارسال من السادسة (2) الزيادة في النسخة رقم (14) (4) بفتحات: أي خالف (5) في سنن ابى داود جزء 2 ص 278 (كان رسول الله) (6) الزيادة من سنن ابى داود *(7/31)
تمرات فان لم يكن حساحسوات (1) من ماء)، وقد قال قوم: ليس هذا فرضا لانه عليه السلام قد أفطر في طريق خيبر على السويق فقلنا: وما دليلكم على أنه لم يكن أفطر بعد على تمر أو انه كان معه تمر؟ والسويق المجدوح بالماء فالماء فيه ظاهر فهو فطر على الماء، وأيضا فالفطر على كل مباح موافق للحالة المعهودة، والامر بالفطر على التمر - فان لم يكن فعلى الماء - امر وارد يجب فرضا، وهو رافع للحالة الاولى بلا شك، وادعى قوم الاجماع على غير هذا وقد كذب ما ادعى الاجماع وهو لا يقدر على ان يحصى في هذا أقوال (2) عشرة من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم، وذكروا افطار عمر رضى الله عنه بحضرة الصحابة على اللبن * قال أبو محمد: ان كان هذا اجماعا أو حجة فقد خالفوه وأوجبوا القضاء بخلاف قول عمر في ذلك فقد اعترفوا على أنفسهم خلاف الاجماع، وأما نحن فليس هذا عندنا اجماعا ولا يكون اجماعا الا مالا شك في ان كل مسلم يقول به، فان لم يقله فهو كافر كالصلوات الخمس، والحج إلى مكة، وصوم رمضان ونحو ذلك، وبالله تعالى التوفيق * 807 - مسألة - ويستحب فعل الخير في رمضان حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد ابن معاوية نا أحمد بن شعيب انا سليمان بن داود - هو المهرى - عن ابن وهب أخبرني يونس - هو ابن يزيد - عن ابن شهاب عن عبيدالله بن عبد الله بن عتيبة ان (عبد الله) (3) ابن عباس كان يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان)، وذكر باقى الحديث (4) قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * 808 - مسألة - ومن دعى إلى طعام - وهو صائم - فليجب فإذا أتاهم فليدع لهم وليقل: انى صائم حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن اسحاق نا ابن الاعرابي نا أبو داود نا عبد الله بن سعيدنا أبو خالد - هو الاحمر - عن هشام - هو ابن حسان - عن ابن سيرين عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعى أحدكم فليجب فان كان مفطرا فليطعم
وان كان صائما فليصل) قال هشام: والصلاة الدعاء (5) *
__________
(1) قال في النهاية: الحسوة بالضم الجرعة من الشراب بقدر ما يحسى مرة واحدة، والحسوة بالفتح المرة اه (2) في النسخة رقم (14) (في هذا القول) (3) الزيادة من النسائي ج 4 ص 125 (4) ولفظه (حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من شهر رمضان فيدارسه القرآن، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة) (5) الصلاة ان تعدت بالام فهى الصلاة المعروفة ذات الاقوال والافعال لقوله تعالى (فصلى لربك وانحر) وان تعدت بعلى فهى الدعاء كقوله تعالى: (وصلى عليهم) ولم تتعد في هذا الحديث بشئ فيحتمل الامرين فحين إذ ان صلى فقط أو دعا فقط أو جمع بينهما فقد امتثل أمره عليه السلام (فليصلي) قال الطيبى في تفسير قوله (فليصلي) أي ركعتين في ناحية البيت كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم أخرجه البخاري اهو يؤيد الثاني فعل ابن عمر الذى ذكره المصنف بعد وعمل ابى بن كعب والله اعلم بذلك *(7/32)
وبه إلى أبى داود نا مسدد نا سفيان عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعى أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل: انى صائم (1)) * قال أبو محمد: فعليه أن يجمع بن الامرين جميعا * وروينا ان ابن عمر كان إذا دعى إلى طعام وهو صائم أتاهم فدعا لهم ثم انصرف * ومن طريق حماد بن سلمة عن ثابت البنانى قال: دعاني أنس إلى طعام فقلت: انى لا أطعم فقال: قل: انى صائم * ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى عن ابن سيرين ان أباه أو لم بالمدينة سبعة أيام يدعو الناس فدعا أبى بن كعب وهو صائم فاجابه ودعا لهم ورجع * (ليلة القدر (2) 809 - مسألة - ليلة (3) القدر واحدة في العام في كل عام، في شهر رمضان خاصة، في العشر الاواخر خاصة، في ليلة واحدة بعينها لا تنتقل أبدا إلا انه لا يدرى أحد من الناس أي ليلة هي من العشر المذكور؟ إلا انها في وتر منه ولا بد، فان كان الشهر تسعا وعشرين فأول العشر الاواخر بلا شك؟ ليلة عشرين منه، فهى إما ليلة عشرين، وإما ليلة اثنين وعشرين، وإما ليلة أربع وعشرين، واما ليلة ست وعشرين، واما ليلة ثمان
وعشرين، لان هذه هي الاوتار من العشر (الاواخر (4)، وان كان الشهر ثلاثين فأول الشعر الاواخر بلا شك ليلة احدى وعشرين، فهى إما ليلة احدى وعشرين، واما ليلة ثلاث وعشرين، واما ليلة خمس وعشرين، واما ليلة سبع وعشرين، واما ليلة تسع وعشرين، لان هذه هي أوتار العشر بلاشك * وقال بعض السلف: من يقم العام يدر كها * وبرهان قولنا: انها في رمضان خاصة دون سائر العام قول الله تعالى: (انا انزلناه في ليلة القدر)، وقال عزوجل: (شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن)، فصح انه أنزل في ليلة القدر في شهر رمضان، فصح ضرورة أنها في رمضان لافى غيره، إذا لو كانت في غيره لكان كلامه تعالى ينقض بعضه بعضا بالمحال، وهذا مالا يظنه مسلم، وروى عن ابن مسعود انها في ليلة (5) سبع عشرة من رمضان ليلة يوم بدر * وبرهان صحة قولنا: انها في العشر الاواخر منه ولا بد ما حدثنا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج
__________
(1) جز 2 ص 307 من سنن ابى داود (2) لم يطل الكلام في هذا المبحث المصنف رحمه الله تعالى وقد طبعنا رسالة شرح الصدر بذكر ليلة القدر للحافظ ولى الدين ابن الحافظ الزين العراقى، وقد استوعب البحث فيها تماما فارجع إليها ان شئت (3) في النسخة رقم (14) (وليلة) بزيادة الواو (4) زيادة لفظ (الاواخر) من النسخة رقم (14) (5) في النسخة رقم (14) (ليلة) بحذف لفظ (في) *(7/33)
نا محمد بن المثنى نا عبد الاعلى نا سعيد بن أبى نضرة عن أبى سعيد (الخدرى (1) قال: (اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الاوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له (قال فلما انقضين أمر بالبناء فقوض (2)) ثم أبينت له أنها في العشر الاواخر فامر بالبناء فاعيد ثم (خرج على الناس (3)) فقال: يا ايها الناس انها كانت أبينت لى ليلة القدر وانى خرجت لاخبركم بها فجاء رجلان يحتقان (4) معهما الشيطان فنسيتها فالتمسوها في العشر الاواخر من رمضان التمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة، ثم فسرها (5) أبو سعيد فقال: إذا مضت واحدة وعشرون فالتى تليها اثنتين وعشرين (6)
فهى التاسعة فإذا مضى ثلاث وعشرون فالتى تليها السابعة فإذا مضى خمس وعشرون فالتى تليها الخامسة) * قال أبو محمد: هذا على ما قلنا من كون رمضان تسعا وعشر ين * وبه إلى مسلم نا زهير بن حرب نا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رجالا رأوا (7) انها ليلة سبع وعشرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤيا كم في العشر الاواخر فاطلبوها في الوتر منها) * قال أبو محمد: هذه الاخبار تصحح ما قلنا إذا لو كانت تنتقل لما كان لاعلام النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة لانها كانت لا تثبت، ولوجب إذا خرج ليخبرهم بها ان يخبرهم بها عاما عاما إلى يوم القيامة، وهذا محال، وإذا نسيها عليه السلام فمن المحال الباطل ان يعلمها أحد بعده وإذا لم يقطع عليه السلام برؤيا من رأى من أصحابه فرؤيا من بعدهم ابعد من القطع بها، وقد روى عن أبى بن كعب انها ليلة سبع وعشرين وليس قوله بأولى من قول ابن مسعود * (فان قيل) قد جاء ان علامتها ان الشمس تطلع حينئذ لا شعاع لها، قلنا: نعم ولم يقل عليه السلام: ان ذلك يظهر الينا فنعلم من ذلك ما لم يعلمه هو عليه السلام، فيكون ذلك أول طلوعها بحيث لا يتبين ذلك فيها أحد (فان قيل): قد قال عليه السلام: (انه أرى انه
__________
(1) الزيادة من صحيح مسلم ج 1 ص 324 (2) الزيادة من صحيح مسلم، وقوله (فقوض) هو بقاف مضمومة وواو مكسورة مشددة وضاد معجمة، ومعناه ازيل (3) الزيادة من صحيح مسلم (4) هو بالقاف، ومعناه يطلب كل واحد منهما حقه ويدعى انه المحق (5) أي بعدما سئل عن ذلك ونص عبارة مسلم: قال قلت: يا ابا سعيد انكم اعلم بالعدد منا قال: اجل نحن احق بذلك منكم قال قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة قال: إذا مضت إلى الخ (6) الذى في النسخة رقم (14) (فإذا صمت واحدة وعشرين في التى تليها فالتى تليها اثنتان وعشرون) قال النوري في شرح مسلم هكذا هو في اكثر النسخ (ثنتين وعشرين) بالياء، وفى بعضها (اثنتان وعشرون) بالالف والواو والاول أصوب وهو منصوب بفعل محذوف تقديره اعني ثنتين وعشرين اه وقوله: (فإذا صمت) بالصاد المهملة في النسخة رقم (14) غلط (7) في النسخة رقم (16) (ان رجلا رأى) وفى صحيح مسلم ج 1 ص 323 (عن ابيه قال: رأى رجل ان ليلة القدر ليلة سيع وعشرين) *(7/34)
يسجد في صبيحتها في ماء وطين) فكان ذلك صباح ليلة احدى وعشرين قلنا: نعم وقد وكف المسجد (1) أيضا في صبيحة ليلة ثلاث وعشرين فسجد عليه السلام في ماء وطين * روينا هذا من طريق مسلم بن الحجاج عن سعيد بن عمرو بن سهل بن اسحاق بن محمد ابن الاشعث الكندى (2) انا أبو ضمرة أنس بن عياض حدثنى الضحاك بن عثمان (3) عن أبى النضر مولى عمر بن عبيدالله عن بسر (4) بن سعيد عن عبد الله بن أنيس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أريت ليلة القدر ثم أنسيتها وأرانى صبيحتها أسجد في ماء وطين قال: فمطر ناليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف وان أثر الماء والطين على جبهته وأنفه)، (قال) (5) وكان عبد الله بن أنيس يقول: ثلاث وعشرون (6)، وقد يمكن ان تكف السماء في العشر الاواخر كلها فبقى الامر بحسبه * ومن طرائف الوسواس احتجاج ابن بكير المالكى في أنها ليلة سبع وعشرين بقول الله تعالى: (سلام هي) قال: فلفظة هي.
هي السابعة وعشرون من السورة، قال أبو محمد: حق من قام هذا في دماغه ان يعانى بما يعانى به (7) سكان المارستان نعوذ بالله من البلاء، ولو لم يكن له من هذا أكثر من دعواه (8) انه وقف على ما غاب من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينس من علم الغيب ما أنساه الله عزوجل نبيه عليه السلام، ومن بلغ إلى هذا الحد (9) فجزاؤه ان يخذله الله تعالى مثل هذا الخذلان العاجل ثم في الآخرة أشد تنكيلا * 810 - مسألة - ويستحب الاجتهاد في العشر الاواخر من رمضان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في العشر الاواخر) وانما تلتمس بالعمل الصالح لا بأن لها صورة وهيئة يمكن الوقوف عليها بخلاف سائر الليالى كما يظن أهل الجهل انما قال تعالى: (في ليلة مباركة فيها يفرق كل أمر حكيم) وقال تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر)، فبهذا بانت عن سائر الليالى فقط والملائكة لا يراهم أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، نسأل الله تعالى التوفيق والهدى والعصمة آمين *
(تم كتاب الصيام والحمد الله رب العالمين كثيرا، وصلى الله على محمد عبده ورسوله وسلم تسليما كثيرا)
__________
(1) أي قطر ماء المطر من سقفه (2) في صحيح مسلم ج 1 ص 325 (وعلى بن خشرم قالا) (3) في صحيح مسلم زيادة (وقال ابن خشرم: عن الضحاك بن عثمان) (4) في النسخة رقم (14) (عن بشر) بالشين المعجمة وهو غلط (5) الزيادة من صحيح مسلم (6) كذا في النسختين وفى صحيح مسلم (ثلاث وعشرين) قال النووي هكذا هو في معظم النسخ، وفى بعضها ثلاث وعشرون، وهذا ظاهر والاول جار على لغة شاذة انه يجوز حذف المضاف ويبقى المضاف إليه مجرورا أي ليلة ثلاث وعشرين اه (7) في النسخة رقم (16) (بما يعاناه) (8) في النسخة رقم (16) (من دعوى) (9) في النسخة رقم (16) سقط لفظ (الحد) خطط *(7/35)
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الحج 811 - مسألة - قال أبو محمد (1): الحج إلى مكة والعمرة إليها (2) فرضان على كل مؤمن عاقل بالغ ذكر أو انثى، بكر أو ذات زوج، الحر والعبد، والحرة والامة، في كل ذلك سواء مرة في العمر إذا وجد من ذكرنا إليها سبيلا، وهما أيضا على أهل الكفر الا أنه لا يقبل منهم الا بعد الاسلام، ولا يتركون ودخول الحرم حتى يؤمنوا * أما قولنا بوجوب الحج - على المؤمن العاقل البالغ الحر، والحرة التى لها زوج أو ذو محرم يحج معها مرة في العمر - فاجماع متيقن، واختلفوا في المرأة لازوج لها ولاذا محرم، وفى الامة والعبد، وفى العمرة * برهان صحته قولنا: قول الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) فعم تعالى ولم يخص، وقال عزوجل: (وأتموا الحج والعمرة لله)، * وقال قوم: العمرة ليست فرضا واحتجوا بما رويناه من طريق الحجاج بن أرطاة عن ابن المنكدر عن جابر (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أفريضة هي؟ قال: لا وان تعتمر خير لك * وبما رويناه عن معاوية بن اسحاق عن أبى صالح ماهان الحنفي عن النبي
صلى الله عليه وسلم (الحج جهاد والعمرة تطوع) (4) * ومن طريق يحيى بن أيوب عن عبد الله بن عمر عن أبى الزبير عن جابر (قلت: يارسول الله العمرة فريضة كالحج قال: لاوان تعتمر خير لك) * ومن طريق حفص بن غيلان عن مكحول عن أبى أمامة الباهلى عن النبي صلى الله عليه وسلم (من مشى إلى صلاة مكتوبة فهى كحجة، ومن مشى إلى صلاة تطوع فهى كعمرة تامة) * ومن طريق يحيى بن الحارث عن القاسم أبى عبد الرحمن عن أبى أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم (من مشى إلى مكتوبة فأجره كأجر الحاج، ومن مشى إلى تسبيح الضحى فأجره كأجر المعتمر) (5) * ومن طريق محاضر بن المورع عن الاحوص
__________
(1) زيادة (قال أبو محمد) من النسخة رقم (16) (2) لفظ (إليها) زيادة من النسخة رقم (14) ومرجع الضمير مكة * (2) رواء احمد بن حنبل في المسند ج 3 ص 317، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص ص 204 والترمذي والبيهقي من روارة الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عنه، والحجاج ضعيف، قال البيهقى: المحفوظ عن جابر موقوف اه ورواه الدارقطني ص 283 (4) قال الحافظ في التلخيص: وفى الباب عن ابى هريرة وابن حزم والبيهقي واسناده ضعيف، وأبو صالح ليس هو ذكوان السمان بل هو أبو صالح ماهان الحنفي، كذلك رواه الشافعي عن سعيد بن سالم عن الثوري عن معاوية ابن اسحق عن ابى صالح الحنفي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الحج جهاد والعمرة تطوع)، ورواه ابن ماجه من حديث طلحة ج 2 ص 120 واسناده ضعيف، والبيهقي من حديث ابن عباس، ولا يصح من ذلك شئ اه اقول: ولم اجده في سنن الدارقطني عن ابى صالح والله أعلم (5) رواه ابن ماجه ج 2 ص 130 وفيه عمر بن قيس وهو ضعيف كما يقول المصنف بعد *(7/36)
ابن حكيم عن عبد الله بن عابر الالهانى عن عتبة بن عبدالسلمى، وعن أبى أمامة الباهلى كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى في مسجد جماعة ثم ثبت فيه سبحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر) * ومن طريق عبد الباقي بن قانع حديثا فيه عمر بن قيس عن طلحة بن موسى عن عمه اسحاق بن طلحة عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الحج جهاد والعمرة تطوع) (1) * ومن طريق ابن قانع عن أحمد بن محمد بن بحير العطار عن محمد بن بكار عن محمد بن الفضل بن علية عن سالم الافطس عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم (الحج جهاد والعمرة تطوع) * ومن طريق عبد الباقي بن قانع نا بشر بن موسى نا ابن الاصبهاني نا جرير وأبو الاحوص عن معاوية بن اسحاق عن أبى صالح عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (الحج جهاد والعمرة تطوع) * وقالوا: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) * وروى أبو داود نا زهير بن حرب وعثمان بن أبى شيبة قالا: نا زيد بن هرون عن سفيان بن حسين عن الزهري عن ابن سنان عن أبى عباس ان الاقرع بن حابس (2) قال: (يارسول الله الحج في كل عام (3) أم مرة واحدة؟ قال: بل مرة واحدة فما زاد فتطوع) قالوا: فقد صح انه لا يلزم الا حجة واحدة فالعمرة تطوع لدخولها في الحج وقالوا: قول الله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) لا يوجب كونها فرضا وانما يوجب اتمامها على من دخل فيها لاابتداءها لكن كما تقول: أتم الصلاة التطوع، والصوم التطوع، وقالوا: لما كانت العمرة غير مرتبطة بوقت وجب أن لا تكون فرضا، - وروينا (4) عن ابراهيم النخعي.
والشعبى انها تطوع * قال أبو محمد: هذا كل ماموهوا به وكله باطل، أما الاحاديث التى ذكروا فكذوبة كلها، أما حديث جابر فالحجاج بن أرطاة ساقط لا يحتج به، والطريق الاخرى أسقط وأوهن لانها من طريق يحيى بن أيوب وهو ضعيف عن العمرى الصغير وهو ضعيف * وأما حديث أبى صالح ماهان الحنفي فهو مرسل، وماهان هذا ضعيف كوفى * وأما حديث أبى أمامة فاحد طرقه عن حفص بن غيلان وهو مجهول عن مكحول عن أبى أمامة ولم يسمع مكحول من ابى امامة شيئا، والاخرى من طريق القاسم - أبى عبد الرحمن - وهو ضعيف * والثالثة (5) - من طريق محاضر بن المورع (6) وهو ضعيف عن الاحوص بن حكيم وهو ساقط عن عبد الله بن عابر وهو مجهول وهو حديث
__________
(1) رواه الطبراني (2) في سنن ابى داود ج 2 ص 71 زيادة (سأل النبي صلى الله عليه وسلم) الخ (3) في سنن ابى داود (في كل سنة) (4) النسخة في رقم (16) سقط الواو هنا (5) في النسخة رقم (14) (الثالث) وما هنا اولى تناسبا (6) في النسخة
رقم (14) (الموزع) هنا وفيما سبق قريبا بالزاى وصوابه بالراء المهملة *(7/37)
منكر ظاهر الكذب لانه لو كان أجر العمرة كأجر من مشى إلى صلاة تطوع لما كان - لما تكلفه النبي صلى الله وعليه وسلم من القصد إلى العمرة إلى مكة من المدينة - معنى، ولكان فارغا ونعوذ بالله من هذا * وأما حديث طلحة فمن طريق عبد الباقي بن قانع وقد أصفق اصحاب (1) الحديث على تركه، وهو راوي كل بلية وكذبة، ثم فيه عمر بن قيس مندل وهو ضعيف * وأما حديث ابن عباس فمن طريق عبد الباقي بن قانع ويكفى، ثم هو عن ثلاثة مجهولين في نسق لا يدرى من هم، وأما حديث أبى هريرة فكذب بحت من بلايا عبد الباقي بن قانع التى انفرد بها والناس رووه مرسلا من طريق أبى صالح ماهان كما أوردنا قبل فراد فيه أبا هريرة وأوهم انه أبو صالح السمان فسقطت كلها ولله الحمد * ولو شئنا لعارضناهم بما روينا من طريق ابن لهيعة عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (الحج والعمرة فريضتان واجبتان) ولكن يعيذنا الله عزوجل ومعاذ الله والشهر الحرام من أن تحتج بما ليس حجة، ولكن ابن لهيعة إذا روى ما يوافقهم صار ثقة وإذا روى ما يخالفهم صار ضعيفا، والله ما هذا فعل من يوقن انه محاسب كلامه في دين الله تعالى * قال أبو محمد: وعهدنا بهم يقولون: ان الصاحب إذا روى خبرا وتركه كان ذلك دليلا على ضعف ذلك الخبر، وقد حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكى نا ابن مفرج نا ابراهيم ابن أحمد بن فراس نا محمد بن على بن زيد الصائغ نا سعيد بن منصور نا سفيان - هو ابن عيينة - عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس انه قال: الحج والعمرة واجبتان * وبه نصا إلى سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس انه قال في الحج والعمرة: انها لقرينتها في كتاب الله (2)، وهذا عن ابن عباس من طرق في غاية الصحة انها واجبة كوجوب الحج *
ونا أحمد بن عمر بن أنس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا ابراهيم بن محمد الدينورى نا محمد بن أحمد بن الجهم نا أبو قلابة نا الانصاري - هو محمد بن عبد الله القاضى - انا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: ليس مسلم الا عليه حجة وعمرة من استطاع إليه سبيلا * قال أبو محمد: فلو صح مارووا من الكذب الملفق لوجب على اصولهم الخبيثة المفتراة اسقاط كل ذلك إذا كان ابن عباس وجابر رويا تلك الاخبار بزعمهم قد صح عنهما
__________
(1) في النسخة رقم (14) (أهل) بدل (أصحاب) وأنظر الكلام على عبد الباقي بن قانع في الجزء السادس من هذا الكتاب ص 168 (2) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: رواه الشافعي وسعيد بن منصور، والحاكم والبيهقي، وعلقه البخاري ج 3 ص 15 *(7/38)
خلافها، ولكن القوم متلاعبون كما ترون، ونعوذ بالله من الخذلان (1) * قال أبو محمد: ثم لو صحت كلها - ومعاذ الله من ان يصح الباطل والكذب - لما كانت لهم في شئ منها حجة لما حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا محمد بن عبد الاعلى الصنعانى نا خالد - هو ابن الحارث - نا شعبة قال: سمعت النعمان بن سالم قال: سمعت عمرو بن أوس يحدث عن أبى رزين العقيلى (انه قال: يا رسول الله إن أبى شيخ كبير لايستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن (2) قال: فحج عن أبيك واعتمر) * فهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأداء فرض الحج والعمرة عمن لا يطيقهما، فهذا حكم زائد وشرع وارد، وكانت تكون تلك الاحاديث موافقة لمعهود الاصل فان الحج والعمرة قد كانا بلا شك تطوعا لا فرصنا فإذا أمر بها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد بطل ونهما تطوعا بلا شك وصارا فرضين، فمن ادعى بطلان هذا الحكم وعودة المنسوخ فقد كذب وأفك وافترى، وقفا ما ليس له به علم، فبطل كل خبر مكذوب موهوا به لو صح فكيف وكلها باطل؟ * وأما قول من قال: إن اخبار النبي صلى الله عليه وسلم بدخول العمرة في الحج وبأنه ليس على
المرء الا حجة واحدة دليل على أنها ليست فرضا فهذيان لا يعقل بل هذا برهان واضح في كون العمرة فرضا لانه عليه السلام أخبر بانها دخلت في الحج، ولا يشك ذو عقل في أنها لم تصر حجة، فوجب أن دخولها في الحج انما هو من وجهين فقط، احداهما أنه يجزئ لهما عمل واحد في القران، والثانى دخولها في أنها فرض كالحج، (فان قالوا): قد جاء أنها الحج الاصغر قلنا: لو صح هذا لكان حجة لنا لان القرآن قد (3) جاء بايجاب الحج فكانت حينئذ تكون فرضا بنص قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) لكنا لا نستحل التمويه لا يصح مع ان الخبر الذى ذكروا عن ابن عباس لا حجة لهم فيه لان راويه أبو سنان الدؤلى وقد قال فيه عقيل سنان (4): هو مجهول غير معروف، وأيضا فانهم كذبوا فيه وحرفوه وأوهموا ان فيه من لفظ
__________
(1) في النسخة رقم (14) (من ذلك) بدل (من الخذلان) (2) في سنن النسائي جزء 5 ص 117 (والظعن) بحذف (لا) * (3) لفظ (قد) زيادة من النسخة رقم (14) (4) تقدم الحديث في ص 37 ورواه المصنف بسنده عن ابى داود صاحب السنن، وقد قال أبو داود بعد ماروى الحديث: هو أبو سنان الدؤلى كذا قال عبد الجليل بن حميد، وسليمان بن كثير جميعا عن الزهري، وقال عقيل: عن سنان اه فقول المصنف بعد: ((هو مجهول غير معروف) من كلامه وليس من كلام عقيل، وابو سنان اسمه يزيد ين امية، وابو سنان كنيته وهو مشهور بها، وذكره ابن عبد البر في اسماء الصحابة انظر تهذيب التهذيب جزء 11 ص 314، قال ابن حجر في التلخيص: ورواه احمد بن حنبل والنسائي وابن ماجه والبيهقي، وروى الحاكم والترمذي له شاهدا من حديث على وسنده منقطع، واصله في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة اه *(7/39)
النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس على المرء الا حجة واحدة وليس هذا في ذلك الخبر أصلا وانما فيه ان الحج مرة واحدة وهذا لايمنع من وجوب العمرة.
اما مع الحج مقرونة.
واما معه في عام واحد فصار حجة لنا عليهم * وأما قولهم: ان الله تعالى انما أمر باتمامها من دخل فيها لابتدائها، وان بعض الناس قرأ (والعمرة لله) بالرفع فقول كله باطل لانها دعوى بلا برهان، وقول تعالى: (وأتموا
الحج والعمرة لله) لا يقتضى ما قالوا وانما يقتضى وجوب المجئ بهما تامين وحتى لو صح ما قالوه (1) لكان حجة عليهم لانه إذا كان الداخل فيها مأمورا باتمامها فقد صارت فرضا مأمورا به، وهذا قولنا لاقولهم الفاسد المتخاذل، وابن عباس حجة في اللغة * وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس قال: سمعت ابن عباس يقول: والله انها لقرينتها في كتاب الله عزوجل (وأتموا الحج والعمرة لله) (2) فابن عباس يرى هذا النص موجبا لكونها فرضا كالحج بخلاف كيس هؤلاء الحذاق باللغة بالضد، وبهذا احتج مسروق، وسعيد بن المسيب، وعلى ابن الحسين، ونافع في ايجابها، ومسروق وسعيد حجة في اللغة (فان قالوا): أنتم تقولون: بهذا في الحج التطوع، والعمرة التطوع قلنا: لابل هما تطوع غير لازم جملة ان تمادى فيهما أجر وإلا فلا حرج، ولو كان غير هذا لكان الحج يتكرر فرضه مرات، وهذا خلاف حكم الله تعالى في أنه لا يلزم الامرة واحدة (3) في الدهر (فان قالوا): فانكم تقولون: باتمام النذر واتمام قضاء صوم التطوع على من أفطر فيه قلنا: نعم لان كل ذلك صار فرضا زائدا بامر الله تعالى بذلك وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فانما الحج فرض مرة واحدة على من لم ينذره لاعلى من نذره بل هو على من نذره فرض آخر لا نضرب (4) أوامر الله تعالى بعضها ببعض بل نضم بعضها إلى بعض ونأخذ بجميعها * وأما القراءة (والعمرة لله) بالرفع فقراءة منكرة لا يحل لاحد أن يقر أبها، وسبحان من جعلهم يلجأون إلى تبديل القرآن فيحتجون به! * وأما قولهم: لو كانت فرضا لكانت مرتبطة بوقت فكلام سخيف لم يأت به قط قرآن ولاسنة صحيحة ولا رواية سقيمة ولاقول صاحب ولا إجماع ولاقياس يعقل، وهم موافقون لنا على ان الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض ولو مرة في الدهر وليست مرتبطة بوقت، وان النذر وليس مرتبطا بوقت، وان قضاء رمضان فرض وليس
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ما قالوا) (2) سقط لفظ (واحدة) من النسخة رقم (14) *
(4) في النسخة رقم (14) (تضرب) بالتاء في اوله، وكذلك ما بعده (تضم) وما هنا اوضح بدليل اتفاق النسخ بعد في لفظ (ونأخذ) فانه بالنون فيها *(7/40)
مرتبطا بوقت، والاحرام للحج عندهم فرض وليس عندهم مرتبطا بوقت، فظهر هوس ما يأتون به * قال أبو محمد: روينا من طريق ابن ابى شيبة نا عبد الوهاب - هو ابن عبد المجيد - الثقفى عن أيوب السختيانى عن ابن سيرين عن زيد بن ثابت قال فيمن يعتمر قبل ان يحج: نسكان لله عليك لا يضرك بأيهما بدأت * ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج اخبرني نافع مولى ابن عمر أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة (1) وعمرة واجبتان من استطاع إلى ذلك سبيلا ومن زاد بعدهما شيئا فهو خير وتطوع * ومن طريق أبى اسحاق عن مسروق عن ابن مسعود قال: أمرتم باقامة الصلاة والعمرة إلى البيت، وقد ذكرناه آنفا عن جابر، وابن عباس * ومن طريق قتادة قال عمر بن الخطاب: يا ايها الناس كتبت عليكم العمرة * وعن أشعث عن ابن سيرين قال: كانوا لا يختلفون ان العمرة فريضة، وابن سيرين أدرك الصحابة وأكابر التابعين * وعن معمر عن قتادة قال: العمرة واجبة * ومن طريق سفيان الثوري، ومعمر عن داود ابن أبى هند قلت لعطاء: العمرة علينا فريضة كالحج؟ قال: نعم * وعن يونس بن عبيد عن الحسن، وابن سيرين جميعا العمرة واجبة * وعن طاوس العمرة واجبة * وعن سعيد بن جبير العمرة واجبة فقيل له: ان فلانا يقول: ليست واجبة فقال: كذب ان الله تعالى يقول: (وأتموا الحج والعمرة لله) (2) * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبى اسحاق السبيعى قال: سمعت مسروقا يقول (3): أمرتم في القرإن باقامة أربع.
الصلاة.
والزكاة.
والحج.
والعمرة، قال أبو إسحاق: وسمعت عبد الله بن شداد يقول: العمرة الحج الاصغر * وعن سعيد بن المسيب انما كتبت على عمرة وحجة *
وعن مجاهد الحج والعمرة فريضتان * وعن منصور عن مجاهد العمرة الحجة الصغرى * وعن على بن الحسين انه سئل عن العمرة؟ فقال: ما نعلمها إلا واجبة (وأتموا الحج والعمرة لله) * وعن حماد بن زيد عن عبد الرحمن بن السراج (4) قال: سألت هشام بن عروة ونافعا مولى ابن عمر عن العمرة أواجبة هي -؟ فقرءا جميعا (وأتموا الحج
__________
(1) كذا في النسخة رقم (16) (الاعليه حجة) باسقاط الواو، وفى نسخة رقم (14) (الا وعليه حج) وما هنا موافق لما سيأتي قريبا (2) ذكر هذا الاثر ابن جرير الطبري في تفسيره ج 2 ص 121، وفيه اقوال كثيرة للسلف انظره هناك تجد ما يسرك * (3) سقط لفظ (بقول) من النسخة رقم (16) خطأ، وذكر هذا الاثر ابن جرير الطبري في تفسيره ج 2 ص 121 بلفظ قريب من هذا (4) في النسخة رقم (14) (عبد الرحمن السراح) بالحاء المهملة في آخره وهو غلط، وهو عبد الرحمن بن عبد الله السراج - بالجيم - البصري، انظر تهذيب التهذيب جزء 6 ص 218 *(7/41)
والعمرة لله) * ومن طريق سعيد بن منصور ناهشيم انا مغيرة - هو ابن مقسم - عن الشعبى أنه قال في العمرة: هي واجبة * وعن شعبة عن الحكم قال: العمرة واجبة * قال أبو محمد: وهو قول سفيان الثوري، والاوزاعي، والشافعي، وأحمد، واسحاق، وأبى سليمان وجميع أصحابهم * وقال أبو حنيفة ومالك: ليست فرضا، والقوم يعظمون خلاف الصاحب الذى لا يعرف له مخالف وهم قد خالفوا ههنا عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وابن مسعود، وزيد بن ثابت ولا يصح عن أحد من الصحابة خلاف لهم في هذا الا رواية ساقطة من طريق أبى معشر عن ابراهيم ان عبد الله قال: العمرة تطوع، والصحيح عنه خلاف هذا كما ذكرنا، وعهدنا بهم يعظمون خلاف الجمهور وقد خالفوا (ههنا) (1) عطاء، وطاوسا، ومجاهدا، وسعيد بن جبير، والحسن، وابن سيرين، ومسروقا، وعلى بن الحسين، ونافعا مولى ابن عمر، وهشام بن عروة، والحكم بن عتيبة، وسعيد بن المسيب، والشعبى، وقتادة وما نعلم لمن قال: ليست واجبة سلفا من التابعين الا ابراهيم النخعي وحده، ورواية عن الشعبى قد صح عنه
خلافها كما ذكرنا، وتوقف في ذلك حماد بن ابى سليمان * قال أبو محمد: وموه بعضهم بحديثين هما من أعظم الحجة عليهم، أحدهما الخبر الثابت في الذى سأل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الاسلام؟ فأخبره بالصلاة.
والزكاة.
والصيام.
والحج فقال: هل على غيرها يا رسول الله؟ قال: لا إلا ان تطوع، والثانى خبر ابن عمر (بنى الاسلام على خمس) فذكر شهادة التوحيد.
والصلاة.
والزكاة.
والصيام.
والحج (2) * قال أبو محمد: وهما - من أقوى حججنا (3) عليهم لصحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) فصح أنها واجبة بوجوب الحج، وان فرضها دخل في فرض الحج، وأيضا فحتى لو لم يأت هذا الخبر لكان أمر النبي صلى الله عليه وسلم وورود القرآن بها شرعا زائدا وفرضا واردا مضافا إلى سائر الشرائع المذكورة، وكلهم يرى النذر فرضا، والجهاد إذا نزل بالمسلمين (3) فرضا، وغسل الجنابة فرضا، والوضوء فرضا، وليس ذلك مذكورا في الحديثين المذكورين، ولم يروا الحديثين المذكورين حجة في سقوط فرض كل ما ذكرنا، فوضع تناقضهم وفساد مذهبهم في ذلك والحمد لله رب العالمين * 812 - مسألة - وأما حج العبد والامة فان أبا حنيفة، ومالكا، والشافعي قالوا: لا حج عليه فان حج لم يجزه ذلك من حجة الاسلام * وقال أحمد بن حنبل: إذا عتق
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم (14) * (2) في النسخة رقم (14) (وصوم رمضان وحج البيت) وما هنا اولى نظما (3) في النسخة رقم (14) (وهما من اقوى حجتنا وما هنا احسن (4) حذف الفاعل من النسخ للعلم به: تقديره العدو *(7/42)
بعرفة اجزأته تلك الحجة * وقال بعض أصحابنا: عليه الحج كالحر، وقد ذكرنا آنفا عن جابر، وابن عمر (1) قال أحدهما: مامن مسلم، وقال الاخر: مامن أحد من خلق الله الا عليه عمرة وححة فقطعا وعما ولم يخصا انسيا من جنى، ولاحرا من عبد، ولا حرة من أمة، ومن ادعى عليهما تخصيص الحر والحرة فقد كذب عليهما، ولا أقل حياء
ممن يجعل قول ابن عمر (بنى الاسلام على خمس) حجة في اسقاط فرض العمرة.
وهو حجة في وجوب فرضها كما ذكرنا ولا يجعل قوله ما أحد من خلق الله الاعليه حجة وعمرة حجة في وجوب الحج على العبد (فان قيل) لعلهما ارادا الا العبد قيل هذا هو الكذب بعينه ان يريدا الا العبد ثم لا يبينانه، وأيضا فلعلهما ارادا الا المقعد، والا الاعمى، والا الاعور، وإلا بنى تميم، والا أهل افريقية، وهذا حمق لاخفاء به، ولا يصح مع هذه الدعوى قولة لاحد أبدا، ولعل كل ما أخذوا به من قول أبى حنيفة.
ومالك.
والشافعي ليس على عمومه ولكنهم ارادوا تخصيصا لم يبينوه (2) وهذه طريق السوفسطائية نفسها، ولا يجوز ان يقول أحدما لم يقل الا ببيان وارد متيقن ينبئ بانه أراد غير مقتضى قوله، وقد ذكروا ههنا قول الله تعالى: (تدمر كل شئ بامر ربها) * (وأوتيت من كل شئ) * (وما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم)، وكل هذا لا حجة لهم فيه لانها انما دمرت بنص الآية كل شئ بامر ربها فدمرت ما أمرها ربها بتدميره لا ما لم يأمرها، وما تذر من شئ أتت عليه فانما جعلت كالرميم ما اتت عليه لا ما لم تأت عليه بنص الآية، وأوتيت من كل شئ لا يقتضى إلا بعض الاشياء لان من للتبعيض، فمن آتاه الله شيئا ما قل أو كثر فقد آتاه من كل شئ لان كل شئ هو العالم كله، فمن أوتى شيئا فقد اوتى من العالم كله، وهذا بين وبالله تعالى التوفيق * وكتب إلى أبو المرجى الحسين بن عبد الله بن زروار المصرى قال: نا أبو الحسن الرحبى - نا أبو مسلم الكاتب نا أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن المفلس نا عبد الله ابن أحمد بن حنبل نا أبى نا زيد بن الحباب العكلى نا ابن لهيعة عن بكير بن عبد الله بن الاشج قال: سألت القاسم بن محمد، وسليمان بن يسار عن العبد إذا حج باذن سيده؟ فقالا جميعا: تجزئ عنه من حجة الاسلام فإذا حج بغير اذن سيده لم تجره * وبه إلى زيد بن الحباب انا ابراهيم بن نافع عن ابن أبى نجيح عن مجاهد قال: إذا حج العبد وهو مخلى فقد اجرأت عنه حجة الاسلام *
__________
(1) انظره في ص 41 (2) في النسخة رقم (16) (لم ينسوه) وهو غلط ولعله لم ينسوه *(7/43)
قال أبو محمد: واحتج من لم ير للعبد حجا بما رويناه من طريق ابن أبى شيبة نا وكيع عن يونس بن أبى اسحاق قال: سمعت شيخا يحدث أبا اسحاق عن محمد بن كعب القرظى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيما صبى حج به أهله ثم مات أجزأ عنه وان ادرك فعليه الحج، وأيما مملوك حج به (1) أهله ثم مات اجزأ عنه وان عتق فعليه الحج) * قال أبو محمد: هذا مرسل، وعن شيخ لا يدرى اسمه ولا من هو * واحتجوا أيضا بخبر رويناه من طريق عثمان بن خر زاذ الانطاكي (2) نا محمد بن المنهال الضرير نا يزيد ابن زريع نا شعبة عن الاعمش عن أبى ظبيان عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ايما صبى حج لم يبلغ الحنث فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه ان يحج حجة أخرى) * قال على: وهذا خبر رواه من هو أوثق من عثمان بن خر زاذ عن محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع عن شعبة، ومن هو ان لم يكن فوق بن زريع لم يكن دونه عن شعبة فأوقفه احدهما على ابن عباس واسنده الآخر بزيادة نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا محمد بن أبى عدى ومحمد بن المنهال قال ابن المنهال: نا يزيد بن زريع نا شعبة، وقال ابن أبى عدى: نا شعبة ثم اتفقا عن شعبة عن الاعمش عن أبى ظبيان عن ابن عباس قال يزيد بن زريع: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حج الصبى فهى له حجة صبى حتى يعقل فإذا عقل فعليه حجة أخرى وإذا حج الاعرابي فهى له حجة أعرابي فإذا هاجر فعليه حجة أخرى)، وأوقفه ابن أبى عدى على ابن عباس من قوله، وأوقفه أيضا سفيان الثوري عن الاعمش عن أبى ظبيان عن ابن عباس من قوله، وأوقفه أيضا أبو السفر، وعبيد صاحب الحلى، وقتادة على ابن عباس *
قال أبو محمد: ان كان هذا الخبر حجة في ان لا يجزئ العبد حجه فهو حجة (3) في ان لا يجزئ الاعرابي حجه ولافرق، وهو قول ابن عباس الثابت عنه كما أوردنا، وكذلك ايضا رويناه من طريق أبى معاوية.
وسفيان الثوري عن الاعمش عن أبى ظبيان عن ابن عباس من قوله في اعادة الحج على الصبى إذا احتلم، وعلى العبد إذا عتق.
وعلى الاعرابي إذا هاجر وهو قول الحسن كما روينا عن ابن أبى (4) شيبة عن على بن هاشم عن اسماعيل عن الحسن البصري قال: الصبى ان حج، والمملوك ان حج، والاعرابي
__________
(1) في النسخة رقم (16) (حج عنه) (2) هو عثمان بن عبد الله بن محمد بن خرزاد - بضم الخاء المعجمة وتشديد الراء بعدها زاى - البصري أبو عمر ونزيل انطاكية (3) سقطت جملة (فهو حجة) من النسخة رقم (16) خطأ (4) لفظ (ابى) سقط من النسخة رقم (16) خطأ *(7/44)
ان حج ثم هاجر الاعرابي، واحتلم الصبى، وعتق العبد فعليهم الحج، وقال عطاء: أما الاعرابي فيجزئه حجه وأما الصبى والمملوك (1) فعليهما الحج * وقال ابراهيم النخعي: لا يجزى العبد حجه إذا أعتق وعليه حجة أخرى، وأما الاعرابي فيجزئه حجه * وقد روينا أيضا مثل هذا عن الحسن، وعن الزهري، وطاوس، وما نعلم أحدا من التابعين روى عنه في هذا الباب شئ غير ما ذكرنا، ولا عن الصحابة غير ما أوردنا * قال أبو محمد: فمن أعجب شأنا ممن يدعى الاجماع في هذا وليس معه فيه الا خمسة من التابعين، أحدهم مختلف عنه في ذلك، وقد روينا (2) مثل قولنا عن ثلاثة من التابعين، وعن اثنين من الصحابة رضى الله عنهم وهم قد خالفوا في هذه المسألة كل قول جاء في ذلك عن الصحابة رضى الله عنهم، وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق تقليدهم فلم يجعلوا ما روى عن ستة من الصحابة وأربعة عشر من التابعين في ان العمرة فرض ولا يصح عن أحد من الصحابة في ذلك خلاف ولا عن أحد من التابعين الا عن واحد باختلاف فلم يجعلوه (3) اجماعا * قال أبو محمد: لا تخلو رواية عثمان بن خر زاذ، ومحمد بن بشار عن محمد بن المنهال
عن يزيد بن زريع من أن تكون صحيحة أو غير صحيحة فان كانت غير صحيحة فقد كفينا المؤنة فيها وان كانت صحيحة وهو الاظهر فيما - لان رواتها ثقات - فانه خبر منسوخ بلا شك * برهان ذلك ان هذا الخبر بلا شك كان قبل فتح مكة لان فيه اعادة الحج على من حج من الاعراب قبل هجرته، وقد حدثنا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب ابن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن عبد الله بن نمير نا أبى نا عبد الله بن حبيب بن أبى ثابت عن عبد الله بن عبد الرحمن بن ابى حسين عن عطاء عن عائشة أم المؤمنين (4) قالت: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهجرة؟ فقال: لاهجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية فإذا (5) استنفرتم فانفروا) * وبه إلى مسلم نا يحيى ابن يحيى واسحاق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - قالا جميعا (6): انا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يوم فتح مكة لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا) * ورويناه أيضا من طريق ثابتة عن مجاشع
__________
(1) في النسخة رقم (14) (والعبد) بدل (والمملوك) (2) في النسخة رقم (14) (وقد ذكرنا) (3) كذا في الاصلين، والذى يظهر لى ان لفظ (فلم يجعلوه) زائدة مكرر، ويكون (اجماعا) مفعولا ثانيا لقوله (فلم يجعلوا ما روى) المتقدم والله اعلم (4) في صحيح مسلم ج 2 ص 93 قم يوجد لفظ (ام المؤمنين) (5) في صحيح مسلم (وإذا) بالواو (6) لفظ (جميعا) ليس في صحيح مسلم(7/45)
ومجالد ابني مسعود السلميين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذ قد صح بلا شك ان هذا الخبر كان قبل الفتح فقد نسخه ماروينا (1) بالسند المذكور إلى مسلم * نا زهير بن حرب نا يزيد بن هرون نا الربيع بن مسلم القرشى عن محمد بن زياد عن أبى هريرة قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس ان الله قد فرض عليكم الحج فحجوا فقال رجل: أكل عام يارسول الله؟ فكست حتى قالها ثلاثا فقال عليه السلام:
لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم ذروني ما تركتم فانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا امرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه) * قال أبو محمد: كان هذا في حجة الوداع فصار عموما لكل حر وعبد وأعرابى وعجمي (وبلا شك ولامرية (2) ان العبد قد كان غير مخاطب بالحج في صدر الاسلام ولا الحر أيضا، فكان خبر يزيد بن زريع في ان عليه وعلى الاعرابي حجة الاسلام إذا عتق العبد وهاجر الاعرابي موافقا للحالة الاولى وبقيا على انهما غير مخاطبين كما كانا، وجاء هذا الخبر فدخل في نصه في الخطاب بالحج العبد والاعرابي لانهما من الناس فكان بلا شك ناسخا للحالة الاولى ومدخلا لهما في الخطاب بالحج ضرورة ولابد * ورأيت بعضهم قد احتج فقال: حج النبي صلى الله عليه آله وسلم بازواجه ولم يحج بام ولده * قال على: وهذه كذبة شنيعة لا نجدها في شئ من الآثار ابدا وان التسهل في مثل هذا العظيم جدا * قال أبو محمد: عهدنا بهم يقولون في النفى في الزنا، وفى كثير من السنن مثل لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان، وفى خبر اليمين مع الشاهد: هذا زيادة على ما في القرآن، وهذا تخصيص للقرآن، وهذا خلاف مافى القرآن وكذبوا في كل ذلك، ثم لم يقولوا في هذا الخبر: هذا تخصيص للقرآن، وهذا زياد على مافى القرآن، وهذا خلاف لما في القرآن * وعهدنا بهم (3) يردون السنن الثابتة بدعوى الاضطراب كخبر القطع في ربع دينار، وخبر ابن عمر في الزكاة وغير ذلك وكذبوا في ذلك، ثم احتجوا (في ذلك (4)) بهذا الخبر الذى لا نعلم خبرا أشد اضطرابا منه، وهم يتركون السنن للقياس كخبر المصراة، وخبر القرعة في الستة الاعبدوهم ههنا قد تركوا القياس لانهم لا يختلفون ان العبد مخاطب بالاسلام وبالصلاة والصيام فما الذى منع (من) (5) أن يخاطب بالحج والعمرة ثم يقولون:
__________
(1) في النسخة رقم (16) (مارويناه) (2) الزيادة من النسخة رقم (14) (3) في النسخة رقم (14) (وعهدناهم) (4) الزيادة من النسخة رقم (16) (5) الزيادة من النسخة رقم (14) *(7/46)
العبد ليس هو من أهل الجمعة فإذا حضرها صار من أهلها واجزأته فهلا قالوا ههنا: ان العبد وان لم يكن من أهل الحج فانه إذا حضره صار من أهله واجزأه؟ وأكثرهم يقول: من نوى تطوعا بحجة اجزأه عن الفرض، وأقل حال حج العبد أن يكون تطوعا فهلا أجزأه عندهم؟ (فان قالوا): هو غير مخاطب قلنا: قد جمعتم في هذا القول الكذب وخلاف القرآن إذ لم يخص الله تعالى عبدا من حر، والتناقض لانه ان لم يكن مخاطبابه فلا يحل له ان يتكلف ولا يلزمه احرام ولا شئ من جزاء صيد ولا فدية أذى ولاغير ذلك كما لا يلزم الحائض شئ من أحكام الصلاه والصيام إذا ليس مخاطبة به، وكالصبى الذى لا يلزمه شئ من أمور الحج فان فعلهما أو فعل به كان له أجر وكان له حج للاثر في ذلك لا لغيره * فهذا مما خالفوا فيه القرآن والسنن الثابتة وقول طائفة من الصاحبة لا يعرف لهم منهم مخالف والقياس.
نعم والخبر الذى به احتجوا لانهم خالفوا ما فيه من حكم الاعرابي في الحج (1) وبالله تعالى التوفيق * 813 - مسألة - وأما المرأة التى لازوج لها ولا ذا محرم يحج معها فانها تحج ولا شئ عليها، فان كان لها زوج ففرض عليه ان يحج معها فان لم يفعل فهو عاص لله تعالى وتحج هي دونه وليس له منعها من حج الفرض وله منعها من حج التطوع * وروينا عن ابراهيم.
وطاوس.
والشعبى.
والحسن لا تحج المرأة الا مع زوج أو محرم، وهو قول الحسن بن حى * وروينا عن أبى حنيفة، وسفيان ان كانت من مكة على أقل من ليال ثلاث فلها ان تحج مع غير زوج وغير ذى محرم، وان كانت على ثلاث ليال فصاعدا فليس لها ان تحج الا مع زوج أو ذى محرم من رجالها * وروينا من طريق ابن عمر لا تسافر امرأة فوق ثلاث ليال إذ مع ذى محرم * وروينا من طريق أبى بكر بن أبى شيبة عن حميد عن الحسن
ابن حى عن على بن عبد الاعلى ان عكرمة سئل عن المرأة تحج مع غير ذى محرم أو زوج؟ فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تسافر المرأة فوق ثلاث الا مع ذى محرم * وقالت طائفة: تحج في رفقة مأمونة وان لم يكن لها زوج ولا كان معها ذو محرم كما روينا من طريق ابن أبى شيبة نا وكيع عن يونس - هو ابن يزيد - عن الزهري قال: ذكر عند عائشة أم المؤمنين المرأة لا تسافر الا مع ذى محرم قالت عائشة: ليس كل النساء تجد محرما *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (بالحج) *(7/47)
ومن طريق سعيد بن منصور نا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الاشج عن نافع مولى ابن عمر قال: كان يسافر مع عبد الله بن عمر موليات (له) (1) ليس معهن محرم، وهو قول ابن سيرين وعطاء، وهو ظاهر قول الزهري، وقتادة، والحكم ابن عتيبة * - وهو قول الاوزاعي، ومالك، والشافعي، وأبى سليمان وجميع أصحابهم * قال أبو محمد: أما قول أبى حنيفة في التحديد الذى ذكر فلا نعلم له سلفا فيه من الصحابة ولا من التابعين رضى الله عنهم بل ما نعلم احدا قاله قبلهم، وهم يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم، ويقولون: ان المرسل كالمسند، وقد صح عن ابن عمر ما ذكرنا، وروى عن أم المؤمنين بأحسن مرسل يمكن وجود مثله، ولا يعرف لهما في ذلك مخالف من الصحابة رضى الله عنهم، وقد خالفهما أصحاب أبى حنيفة، وهذا تناقض فاحش * قال أبو محمد: ثم نظرنا فيما احتجت به كل طائفة لقولها فوجدنا أصحاب أبى حنيفة يحتجون لقولهم بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تسافر امرأة ثلاثا إلا مع زوج أو ذى محرم) وقالوا: قد روى أيضا (ليلتين) وروى (يوما وليلة) وروى (يوما) وروى (بريدا) قالوا: ونحن على يقين من تحريم سفرها ثلاثا وعلى شك من تحريم سفرها أقل من ذلك لانه قد يكون ذكر الثلاث متقدما ويكون متأخرا فالثلاث على كل حال
محرم (2) عليها سفرها إلا مع زوج أوذى محرم فنأخذ مالا شك فيه وندع ما فيه الشك لاحجة لهم غير هذا أصلا * قال على: وهذا عليهم لالهم لوجهين، أحدهما أنه ليس صواب العمل ما ذكروا لانه ان كان خبر الثلاث متقدما أو متأخرا فليس فيه ان تقدم ابطال لحكم النهى عن سفرها أقل من ثلاث لكنه بعض مافى سائر الروايات، وسائر الروايات زائدة عليه، وليس هذا مكان نسخ اصلا بل كل (تلك) (3) الاخبار حق وكلها يجب استعمالها (4) وليس بعضها مخالفا لبعض أصلا، ويقال لهم: خبر ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسافر امرأة الا مع ذى محرم جامع لكل سفر فنحن على يقين من تحريم كل سفر عليها الا مع زوج أو ذى محرم، ثم لا ندرى أبطل هذا الحكم أم لا؟ فنأخذ باليقين ونلغي الشك فهذا معارض لاحتجاجهم مع ما قدمنا، ويقال لهم: عهدنا بكم تذمون الاخبار بالاضطراب، وهذا خبر رواه أبو سعيد، وأبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس فلم يضطرب
__________
(1) الزيادة من النسخة رقم (16) (2) في النسخة رقم (16) (يحرم) (3) الزيادة من النسخة رقم (16) (4) في النسخة رقم (14) (وكلها يجب استعماله)(7/48)
عن ابن عباس أصلا واضطرب عن سائرهم، فروى عن ابن عمر لا تسافر ثلاثا، وروى عنه لا تسافر فوق ثلاث، وروى عن أبى سعيد لا تسافر فوق ثلاث، وروى عنه لا تسافر يومين، وروى عن أبى هريرة لا تسافر ثلاثا، وروى عنه لا تسافر فوق ثلاث، وروى عنه لا تسافر يوما وليلة، وروى عنه لا تسافر يوما، وروى عنه لا تسافر بريدا، فعلى أصلكم دعوا رواية من اختلف عليه واضطرب عنه إذا ليس بعض ماروى عن كل واحد أولى من سائر ماروى عنه وخذوا برواية (1) من لم يختلف عليه ولا اضطرب عنه وهو ابن عباس فهذا أشبه من استدلالكم * والوجه الثاني أنه قد روى عن ابن عمر، وأبى سعيد، وأبى هريرة كما ذكرنا
لا تسافر (المرأة) (2) فوق ثلاث فان صححتم استدلالكم (الفاسد) (3) بأخذ أكثر مما ذكر في تلك الاخبار فامنعوها مما زاد على مسيرة ثلاث لانه اليقين وابيحوا لها سفر الثلاث لانه مشكوك فيه كما سفر اليومين.
واليوم.
والبريد مشكوك فيه عندكم، وهذا مالا مخلص لهم منه، فان ادعوا اجماعا ههنا - فما هذا ينكر من اقدامهم - أكذبهم ما روينا من طريق الحذاقى - عن عبد الرزاق - نا عبد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر قال: لا تسافر امرأة فوق ثلاث الا مع ذى محرم، لا سيما وابن عمر هو راوي الحديث الذى تعلقوا به، وأكذبهم أيضا ماروينا عن عكرمة آنفا من منعه إياها ما زاد على الثلاث لا ما دون ذلك، والعجب أنهم يقولون في امرأة لا تجد معاشا أصلا إلا على ثلاث فصاعدا: انها تخرج بلا زوج ولا ذى محرم، ويقولون فيمن حفزتها (4) فتنة - وخشيت على نفسها غلبة الكفار.
والمحاربين.
أو الفاسق (5) ولم تجد أمنا الا على ثلاث فصاعداأ - نها تخرج مع غير زوج ومع غير ذى محرم، وطاعة الله تعالى في الحج واجبة عليها كوجوب خلاص روحها (6) (فان قالوا): الزوج والمحرم من السبيل قلنا: عليكم الدليل والا فهي دعوى فاسدة لم يعجز عن مثلها أحد، فسقط هذا القول الفاسد جملة، وبالله تعالى التوفيق * ثم نظرنا في قول عكرمة واحتجاجه بالخبر الذى فيه ما زاد على الثلاث فوجدناه لا حجة له فيه لما ذكرنا من أن سائر الاخبار وردت بالمنع مما دون الثلاث فليس الخبر الذى فيه نهيها عن ان تسافر ثلاثا أو اكثر من ثلاث بأولى من سائر الاخبار التى فيها منعها من سفر أقل من ثلاث *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (رواية) (2) الزيادة من النسخة رقم (14) (3) الزيادة من النسخة رقم (14) أي دفعتها (5) في النسخة رقم (14) (والفساق) (6) في النسخة رقم (16) (زوجها) وهو غلط *(7/49)
قال أبو محمد: فبطل هذا القول أيضا ولم يبق الا قولنا أو قول النخعي.
والشعبى وطاوس.
والحسن (1) في منعها جملة أو اطلاقها جملة فوجدنا المانعين يحتجون بالاخبار
التى ذكرنا وهى اخبار صحاح لا يحل خلافها الالنص آخر يبين حكمها ان وجد، فنظرنا فوجدنا ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج نا ابن نمير نا أبى.
وابن ادريس قالا: نا عبيدالله - هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (2) (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) * وبه إلى ابن نميرنا أبى نا حنظلة - هو ابن أبى سفيان الجمحى - قال: سمعت سالما - هو ابن عبد الله - بن عمر يقول: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فأذنوا لهن) فأمر عليه السلام الازواج وغيرهم ان لا يمنعوا النساء من المساجد، والمسجد الحرام أجل المساجد قدرا * ووجدنا الله تعالى يقول: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، ثم وجدنا الاسفار تنقسم قسمين سفرا واجبا، وسفرا غير واجب فكان السفر الواجب بعض الاسفار بلا شك، وكان الحج من السفر الواجب فلم يجز أخذ بعض هذه الآثار دون بعض ووجبت الطاعة لجميعها ولزم استعمالها كلها ولابد، فهذا هو الفرض، وكان من رفض بعضها وأخذ بعضها عاصيا لله تعالى، ولا سبيل إلى استعمال جميعها الا بأن يستثنى الاخص منها من الاعم ولا بد، فكان نهى المرأة عن السفر الا مع زوج أو ذى محرم عاما لكل سفر فوجب استثناء ما جاء به النص من ايجاب بعض الاسفار عليها من جملة النهى، والحج سفر واجب فوجب استثناؤه من جملة النهى، (فان قالوا): بل ايجاب الحج على النساء (3) عموم فيخص ذلك بحديث النهى عن السفر إلا مع زوج أو ذى محرم قلنا: هذا خطأ لان تلك الاخبار انما جاءت بالنهي عن كل سفر جملة لاعن الحج خاصة وانما كان يمكن ان يعارضوا بهذا (أن) (4) لو جاءت في النهى عن ان تحج المرأة الا مع زوج أو ذى محرم فكان يكون حينئذ اعتراضا صحيحا وتخصيصا لاقل الحكمين من أعمهما وهذا بين جدا * وبرهان آخر وهو ان تلك الاخبار كلها انما خوطب بها ذواب الازواج واللاتي
لهن المحارم لان فيها إباحة الحج أو إيجابه مع الزوج أو ذى المحرم بلا شك، ومن
__________
(1) في النسخة رقم (16) (أو الحسن)) وهو غلط لان قول الحسن هو قول النخعي والشعبي وطاوس انظر صفحة 47 (2) في صحيح مسلم جزء 1 ص 129 (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) الخ (3) في النسخة رقم (14) (على الناس) والصحيح ما هنا وهو موافق لنسخة ايضا غير هذه (4) الزيادة من النسخة رقم (14) *(7/50)
المحال الممتنع الذى لا يمكن أصلا ان يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بالحج مع زوج أو ذى محرم من لازوج لها ولاذا محرم فبقى من لازوج لها ولا محرم على وجوب الحج عليها وعلى خروجها عن ذلك النهى * وبرهان آخر وهو ما حدثناه حمام قال: نا عبد الله بن محمد بن على الباجى نا أحمد ابن خالد خبرنا عبيد بن محمد الكشورى نا محمد بن يوسف الحذافى نا عبد الرزاق نا ابن جريج.
وسفيان بن عيينة كلاهما عن عمرو بن دينار عن أبى معبد عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: (لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافر امرأة الا مع ذى محرم فقال رجل فقال: يا رسول الله ان امرأتي خرجت حاجة وانى اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال: (1) (انطلق فاحجج مع امرأتك) فكان هذا الحديث رافعا للاشكال ومبينا لما اختلفنا فيه من هذه المسألة لان نهيه عليه السلام عن أن تسافر امرأة الا مع ذى محرم وقع ثم سأله الرجل عن امرأته التى خرجت حاجة لا مع ذى محرم ولامع زوج فأمره عليه السلام بان ينطلق فيحج معها ولم يأمر بردها ولاعاب سفرها إلى الحج دونه ودون ذى محرم، وفى أمره عليه السلام بان ينطلق فيحج معها بيان صحيح ونص صريح على انها كانت ممكنا ادراكها بلا شك فأقر عليه السلام سفرها كما خرجت فيه وأثبته ولم ينكره فصار الفرض على الزوج، فان حج معها فقد أدى ما عليه من صحبتها وان لم يفعل فهو عاص لله تعالى وعليها التمادي في حجها والخروج إليه دونه أو معه أو دون ذى محرم أو معه كما أقرها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكره عليها، فارتفع الشغب جملة
ولله الحمد كثيرا * (فان قال قائل): فأين أنتم عمار ويتموه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو ابن دينار؟ قال: أخبرني عكرمة أو أبو معبد عن ابن عباس قال: " جاء رجل (إلى) (2) المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين نزلت؟ قال: على فلانة، قال أغلقت عليها بابك مرتين لاتحجن امرأة الا ومعها ذو محرم " قال عبد الرزاق: وأما ابن عيينة فاخبرناه عن عمرو عن عكرمة ليس فيه شك، قلنا: هذا خبر لم يحفظه ابن جريج لانه شك فيه أحدثه به عمرو عن عكرمة مرسلا؟ أم حدثه به عمرو عن أبى معبد مسندا؟ فلم يثته أصلا، فبطل التعلق به، وانما صوابه كما رواه عبد الرزاق عن سفيان.
وابن جريج عن عمرو عن أبى معبد عن ابن عباس كما أوردناه آنفا ليس فيه هذه اللفظة *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (فقال) (2) للزيادة من النسخة رقم (14) *(7/51)
وهكذا رويناه أيضا من طريق حماد بن زيد كما حدثنا (به) (1) أحمد بن محمد الطلمنكى نا ابن مفرج نا ابراهيم بن أحمد بن فراس نا محمد بن على بن زيد الصائغ نا سعيذ بن منصور ناحماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن أبى معبد عن ابن عباس انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب - يقول: (لاتسافرن امرأة الا مع ذى محرم ولا يدخلن (2) عليها رجل الا ومعها محرم فقال رجل: يا رسول الله انى نذرت ان أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتى تريد الحج قال: فاخرج معها) فلم يقل عليه السلام: لا تخرج إلى الحج الا معك ولانهاها عن الحج أصلا بل ألزم الزوج ترك نذره في الجهاد وألزمه الحج معها، فالفرض في ذلك على الزوج لا عليها * وأما حديث عكرمة فمرسل كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا اسماعيل بن اسحاق البصري نا عيسى بن خبيب قاضى أشونة (3) قال: نا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقرى نا جدى محمد بن عبد الله بن يزيد نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال:
(قدم رتجل من سفر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد نزلت على فلانة فاغلقت عليها بابك مرتين) فهذا هو حديث عمرو بن دينار عن عكرمة اختلط على ابن جريج فلم يدر أحدثه به عمرو بن دينار عن عكرمة؟ أم حدثه به عمرو عن أبى معبد عن ابن عباس وأدخل فيه ذكر الحج بالشك، ولا تثبت الحجة بخبر مشكوك في اسناده أو في ارساله، وبالله تعالى التوفيق * وأما قولنا: ان له منعها من حج التطوع فلان طاعته فرض عليها فيما لا معصية لله تعالى فيه، وليس في ترك الحج التطوع معصية * 814 - مسألة - فان أحرمت من الميقات أو من مكان يجوز الاحرام منه بغير اذن زوجها أو أحرم العبد بغير اذن سيده، فان كان حج تطوع - كل ذلك - فله منعهما واحلالهما لما ذكرنا، وان كان حج الفرض نظر فان كان لاغنى به عنها أو عنه - لمرض أو لضيعته دونه أو دونها أو ضيعة ماله - فله احلالهما لما ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) وان كان لا حاجة به اليهما لم يكن له منعهما أصلا فان منعهما فهو عاص لله عزوجل وهما في حكم المحصر، وكذلك القول في الابن والابنة مع الاب والام ولا فرق، وطاعة الله تعالى في الحج متقدمة لطاعة الابوين والزوج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (انما الطاعة في الطاعة)، وقال عليه السلام (فإذا أمرت بمعصية فلا سمع
__________
(1) لفظ به زيادة من النسخة رقم (14) (2) في النسخة رقم (14) (ولا يدخل) (2) بضم اوله وثانيه حصن بالاندلس من نواحى استجة، وعن السلفي (اشونة حصن من نظر قرطبة) اه معجم البلدان *(7/52)
ولا طاعة)، وترك الحج معصية، ولا فرق بين طاعة الابوين والزوج في ترك الحج وبين طاعتهم في ترك الصلاة أو في ترك الزكاة أو في ترك صيام شهر رمضان، (فان قيل): الحج في تأخيره فسحة قلنا إلى متى؟ أفرأيت ان لم يبيحوا الحج للاولاد أو الزوجة ابدا؟ فان حدوا في ذلك سنة أو سنتين أو أكثر كانوا متحكمين في الدين بالباطل وشارعين ما لم
يأذن به الله تعالى ولا يقول أحد بطاعتهم في ترك الحج ابدا جملة، وبالله تعالى التوفيق * وروينا عن قتادة والحكم بن عتيبة في امرأة أحرمت بغير اذن زوجها انها محرمة قال الحكم: حتى تطوف بالبيت * 815 - مسألة - واستطاعة السبيل الذى يجب به الحج (1) اما صحة الجسم والطاقة على المشى والتكسب من عمل أو تجارة ما يبلغ به إلى الحج ويرجع (2) إلى موضع عيشه أو أهله، وإما مال يمكنه منه ركوب البحر أو البر - والعيش منه حتى يبلغ مكة ويرده - إلى موضع عيشه أو أهله وان لم يكن صحيح الجسم الا أنه لا مشقة عليه في السفر برا أو بحرا، وإما ان يكون له من يطيعه فيحج عنه ويعتمر باجرة أو بغير اجرة ان كان هو لا يقدر على النهوض لا راكبا ولا راجلا، فاى هذه الوجوه أمكنت الانسان المسلم العاقل البالغ؟ فالحج والعمرة فرض عليه، ومن عجز عن جميعها فلا حج عليه ولا عمرة * وقال قوم: الاستطاعة زاد وراحلة * وقال مالك: الاستطاعة قوة الجسم أو القوة بالمال على الحج بنفسه، ولم ير وجود من يطيعه استطاعة ولا أوجب بذلك حجا * وروى عن أبى حنيفة ان المقعد من رجليه وان كان له مال واسع وهو قادر على الثبات على الراحلة فلا حج عليه وكذلك الاعمى، وقد روى عنه ان عليه الحج وعلى الاعمى * ورأى الشافعي ان الاستطاعة انما هي بمال - يحج به أو من يطيعه فيحج عنه فقط، ولم يرقوة الجسم والقدرة على الراحلة (3) استطاعة * وحجة من قال: الاستطاعة زاد وراحلة بآثار رويناها، منها عن وكيع عن ابراهيم ابن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومى عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الاستطاعة (4)؟ فقال: الزاد والراحلة فقيل: يا رسول الله فما الحاج؟ قال: الاشعث الثفل (5) ومن طريق حماد بن سلمة انا قتادة.
وحميد عن الحسن (ان رجلا قال: يارسول الله ما السبيل إليه؟ قال: زاد وراحلة (6)) * ومن طريق اسماعيل بن اسحاق
__________
(1) في النسخة رقم (14) (الذى يجب الحج به) (2) في النسخة رقم (16) (فيرجع) (3) في النسخة رقم (16) (على
الرجلة) (4) في النسخة رقم (4) (ما الاستطاعة) (5) رواه الدارقطني ص 255 (6) رواه الدارقطني ص 254 *(7/53)
عن مسلم بن ابراهيم نا هلال بن عبد الله مولى ربيعة بن عمرو بن مسلم الباهلى نا أبو إسحاق الهمداني عن الحارث عن على عن النبي صلى الله عليه وسلم (من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله عزوجل فلم يحج فلا عليه ان يموت يهوديا أو نصرانيا لان الله تعالى يقول: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غنى عن العالمين) (1)) وقالوا: لما قال الله تعالى: (من استطاع إليه سبيلا) علمنا انها استطاعة غير القوة بالجسم، إذا لو كان تعالى اراد قوة الجسم لما احتاج إلى ذكرها لاننا قد علمنا ان الله تعالى لا يكف نفسا الا وسعها، وقالوا: قال الله تعالى: (إلى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس) فصح ان الرحلة (2) شق الانفس بالضرورة ولا يكلفنا الله تعالى ذلك لقوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج)، وذكروا ماروينا من طريق عطاء الخراساني عن عمر بن الخطاب انه قال في استطاعة السبيل إلى الحج زاد وراحلة * ومن طريق الضحاك عن ابن عباس في ذلك أيضا زاد وبعير * ومن طريق اسرائيل عن الحسن عن أنس من استطاع إليه سبيلا قال زاد وراحلة * ومن طريق اسرائيل عن مجاهد عن ابن عمر قال: من استطاع إليه سبيلا قال: مل ء بطنه وراحلة يركبها، وهو قول الضحاك بن مزاحم والحسن البصري، ومجاهد، وسعيد بن جبير، ومحمد بن على بن الحسين، وأيوب السختيانى، واحد قولى عطاء * قال أبو محمد: فادعوا في هذا انه قول طائفة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف وليس كما قالوا أصلا: لاننا قد روينا عن وكيع وغيره عن عمران بن حدير عن النزال ابن عمار عن ابن عباس قال: (من ملك ثلاث مائة درهم وجب عليه الحج وحرم عليه نكاح الاماء) * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس قال، في الحج: سبيله من وجد له سعة ولم يحل بينه وبينه، وهذا هو قولنا * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن خالد بن أبى كريمة عن ابن الزبير قال:
من استطاع إليه سبيلا قال: على قدر القوة وهو أحد قولى عطاء * قال على: أما احتجاجهم بأن الاستطاعة لو كانت على العموم لما كان لذكرها معنى فكلام فاسد، واعتراض على الله تعالى، واخراج للقرآن عن ظاهره بلا برهان ثم لو صح هذا لكان حجة عليهم.
لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب الحج على من لا يستطيعه بجسمه ولا بماله إذا وجد من يحج عنه كما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى، فكان ذلك داخلا في الاستطاعة ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما قولهم: ان الرحلة من شق الانفس والحرج والله تعالى لا يكلف ذلك عباده فصحيح ولم نقل نحن: ان من كانت الرحلة تشق
__________
(1) رواه الترمذي (2) في النسخة رقم (16) (ان الرجلة) *(7/54)
عليه وعليه فيها حرج ان الحج يلزمه بل الحج عمن هذه صفته ساقط كما قالوا، وانما قلنا: ان من يسهل عليه المشى - وهو لو كانت له في دنياه حاجة لاستسهل المشى إليها - فالحج يلزمه لانه مستطيع * وأما الاخبار التى ذكروا فان في أحدها ابراهيم بن يزيد وهو ساقط مطرح، وفى الثاني الحارث الاعور وهو مذكر بالكذب، وحديث الحسن مرسل ولا حجة في مرسل (1)، والعجب من مالك.
والشافعي في هذه المسألة فان المالكيين يقولون: المرسل.
والمسند سواء لاسيما مرسل الحسن فانهم ادعوا انه كان لا يرسل الحديث الا إذا حدثه به أربعة من الصحابة فصاعدا، ثم خالفوا ههنا أحسن مراسيل الحسن * والشافعيون لا يقولون: الا بالمسند الصحيح وأخذوا ههنا بالساقط، والمرسل * وأما الروايات في ذلك عن الصحابة رضى الله عنهم فواهية كلها لانها إما من طريق عطاء الخراساني مرسلة، وإما من طريق اسرائيل، واما من طريق رجل لم يسم، وأحسنها الرواية عن ابن عباس الموافقة لقولنا، والرواية الاخرى (2) عنه في الثلثمائة درهم، إلا أن هذا مما خالف فيه المالكيون جمهور العلماء وهم يعظمون ذلك، والحنيفيون
يبطلون السنن الصحاح كنفى الزانى، وحديث لا تحرم المصة ولا المصتان، وحديث رضاع سالم وغيرها لزعمهم انها زائدة على مافى القرآن أو مخالفة له، وأخذوا ههنا باخبار ساقطة لا يحل الاخذ بها مخصصة للقرآن مخالفة له، ثم خالفوها مع ذلك تخصيصهم المقعد * وأطراف شئ احتجاجهم في تخصيص المقعد بقول الله تعالى: (ليس على الاعمى
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص ص 202: حديث انه صلى الله عليه وسلم سئل عن تفسير السبيل؟ فقال (زاد وراحلة) (رواه) الدارقطني والحاكم والبيهقي من طريق سعيد بن ابى عروبة عن فتادة عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال: قيل: يارسول الله ما السبيل؟ قال (الزاد والراحلة)، قال البيهقى الصواب عن قتادة عن الحسن مرسلا يعنى الذى خرجه الدارقطني وسنده صحيح إلى الحسن ولا ارى الموصول الا وهما، وقد رواه الحاكم من حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن انس ايطا الا ان الراوى عن حماد هو أبو قتادة عبد الله بن واقد الحرانى وقد قال أبو حاتم هو منكر الحديث، ورواه الشافعي والترمذي وابن ماجه والدار قطني من حديث ابن عمر، وقال الترمذي: حسن وهو من رواية ابراهيم ين يزيد الخوزى، وقد قال فيه احمد، والنسائي: متروك الحديث، ورواه ابن ماجه والدار قطني من حديث ابن عباس وسنده ضعيف ايضا، ورواه ابن المنذر من قول ابن عباس، ورواه الدارقطني من حديث جابر، ومن حديث على بن ابى طالب، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث عائشة، ومن حديث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده وطرقها كلها ضعيفة، وقد قال عبد الحق: ان طرقه كلها ضعيفة، وقال أبو بكر بن المنذر: لا يثبت الحديث في ذلك مسندا، والصحيح من الروايات رواية الحسن المرسلة اه وبهذا تعلم ان ماقاله المصنف صحيح حق نسأل الله اتباع سنن الصواب * (1) في النسخة رقم (14) (واما الرواية الاخرى) بزيادة (اما) وارى زيادتها زيادة لا حاجة إليها، والمعنى على ماهنا ان احسن الروايات - التى ذكرت قبل - الرواية عن ابن عباس الموافقة لقولنا وهى قول ابن عباس: في الحج سبيله من وجد له سعة ولم يحل بينه وبينه، وللرواية للثانية عن ابن عباس ايضا وهى في الثلاثمائة، والله أعلم *(7/55)
حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض حرج).
وهم يقولون: ان الاعرج يلزمه الحج إذا وجد زادا وراحلة وقدر على الركوب، وكذلك الاعمى فخالفوا مافى الآية وحكموا بها فيما ليس فيها منه شئ *
قال على: فلما بطل كل ما شغبوا به وجب طلب البرهان من القرآن والسنة الصحيحة فوجدنا الله تعالى قال: (من استطاع إليه سبيلا)، فكان هذا عموما لكل استطاعة بمال أو جسم (1) هذا الذى يوجبه لفظ الآية ضرورة ولم يجز أن يخص من ذلك مقعد (2) ولا أعمى ولا أعرج إذا كانوا مستطيعين الركوب ومعهم سعة، وليس هذا من الحرج الذى أسقطه الله تعالى عنهم لانه لا حرج فيه عليهم، وأيضا فان هذه الآية بنص القرآن انما نزلت في الجهاد وهو الذى يحتاج فيه إلى الشد والتحفظ والجرى، وكل ذلك حرج ظاهر على الاعرج والاعمى، وأما الحج فليس فيه شئ من ذلك أصلا وبقى من لامال له ولا قوة جسم الا انه يجد من يحج عنه بلا أجرة أو بأجرة يقدر عليها فوجدنا اللغة التى بها نزل القرآن وبها خاطبنا الله تعالى في كل ما ألزمنا إياه لا خلاف بين أحد من أهلها في انه يقال: الخليفة مستطيع لفتح بلد كذا ولنصف المنجنيق عليه وان كان مريضا مثبتا لانه مستطيع لذلك بأمره وطاعة الناس له، وكان ذلك داخلا في نص الآية * ووجدنا من السنن ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب ابن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن على نا مسلم بن الحجاج نا على بن خشرم عن عيسى ابن يونس عن ابن جريج عن ابن شهاب نا سليمان بن يسار عن ابن عباس عن الفضل ابن عباس (أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن أبى شيخ كبير عليه فريضة الله تعالى في الحج وهو لايستطيع ان يستوى على ظهر بعيره فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم وسلم: حجى (3) عنه) * ورويناه (أيضا) (4) من طريق البخاري عن عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن (عبد الله) (5) بن عباس ان الخثعمية قالت لرسول (6) الله صلى الله عليه وسلم: (ان فريضة الله أدركت أبى شيخنا كبيرا لا يثبت عل الراحلة أفأحج عنه؟ قال: نعم وذلك في حجة الوداع) * ونا عبد الله (بن ربيع) (7) نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا على
__________
(1) في النسخة رقم (14) (بمال وجسم) بالواو، وما هنا احسن (2) في النسخة رقم (14) (لا مقعد) بزيادة (لا)
(3) في صحيح مسلم ج 1 ص 379 (فحجى عنه) بزيادة الفاء (4) الزيادة من النسخة رقم (14) (5) الزيادة من صحيح البخاري ج 3 ص 45، والحديث اختصره المصنف (6) في النسخة رقم (14) (يارسول) وكلاهما غير موافق للفظ البخاري لان المصنف اختصر فأوجد خلافا (7) الزيادة من النسخة رقم (14) *(7/56)
ابن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا يزيد بن ابراهيم عن ابن سيرين عن عبيدالله ابن العباس قال: (كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فقال: يا رسول الله إن أمي عجوز كبيرة ان حزمها خشى ان يقتلها وان لم يحزمها لم تستمسك فأمره عليه السلام ان يحج عنها) * نا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا اسحاق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - نا وكيع بن الجراح نا شعبة عن النعمان - هو ابن سالم - عن عمرو ابن أوس عن أبى رزين العقيلى (انه قال: يا رسول الله إن أبى شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة (1) والظعن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: حج عن أبيك واعتمر) * ورويناه أيضا من طريق ابن الزبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) * وهذه أخبار متظاهرة متواترة من طرق صحاح عن خمسة من الصحابة رضى الله عنهم.
الفضل، وعبد الله، وعبيدالله - بنو العباس بن عبد المطلب -، وابن الزبير، وأبو رزين العقيلى، * ويزيد بن ابراهيم المذكور - هو أبو سعيد التسترى - بصرى كان ينزل بأهله عند مقبرة بنى سهم مات سنة احدى وستين ومائة، وقيل: بل في المحرم سنة اثنتين وستين ومائة (3) ثقة ثبت، وثقه أبو الوليد الطيالسي، وعبد الله بن نمير، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وعمرو بن على، وأحمد ابن صالح والنسائي والناس، وليس هو يزيد بن ابراهيم الذى يروى عن قتادة ذلك ليس بالقوى * فبين في هذه الاخبار ان من لم يكن قط صحيحا فان فريضة الحج لازمة له إذا (4) وجد من يحج عنه لانه عليه السلام سمع قول المرأة عن أبيها ان فريضة الله تعالى أدركته
وهو شيخ كبير لا يستطيع الثبات على الراحلة فلم ينكر ذلك عليها ولا على أبى رزين مثل ذلك في ابيه، فصح ان الفرض باق على هذين إذا وجدا من يحج عنهما * وقال الشافعي: انما يلزمه ذلك إذا كان له زاد وراحلة وهذا خطأ لانه ليس في حديث أبى رزين أنه كانت له راحلة، ولا في حديث عبيدالله بن العباس أيضا فهذه زيادة فاسدة (فان قيل): انما جاءت هذه الاحاديث في شيخ كبير، وعجوز كبيرة فمن أين تعديتم ما فيها إلى كل من لايستطيع الحركة بزمانة أو مرض ولم يكن شيخا كبيرا؟ قلنا: ليس كل شيخ كبير تكون هذه صفته
__________
(1) في النسائي ج 5 ص 117 (ولا العمرة) بزيادة (لا) (2) رواه النسائي ج 5 ص 117 (3) قال في تهذيب التهذيب ج 11 ص 312: وقال ابن ابنه محمد ابن سعيد بن ابراهيم: مات سنة ثلاث وستين ومائة.
وفرق أبو محمد بن حزم في كتاب الحج من المحلى بين يزيد بن ابراهيم التسترى، وبين يزيد بن ابراهيم الزاوى عن قتادة فقال: ان التسترى ثقة ثبت والراوي عن قتادة ضعيف، ولا ادرى من هو سلفه في جعله اه (4) في النسخة رقم (16) (ان) *(7/57)
وانما يكون بهذه الصفة من غلبه الضعف فانما أمر عليه السلام بذلك فيمن لا يستطيع ثباتا على الدابة وليس للشيخ هنالك معنى أصلا، وأيضا فانه ليس للشيخ حد محدود إذا بلغه المرء سمى شيخا ولم يسم شيخا حتى يبلغه، ودين الله تعالى لا يتسامح (1) فيه ولا يؤخذ بالظنون الكاذبة المفتراة المشروع بها ما لم يأذن به الله تعالى، ولو كان للشيخ في ذلك حكم لبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حده الذى به ينتقل حكمه إلى ان يحج عنه كما أثبت ذلك فيمن (2) لايستطيع الثابت على الراحلة ولا المشى إلى الحج، فصح انه ليس للشيخ في ذلك حكم أصلا وانما الحكم للعجز عن الركوب والمشى فقط وبالله تعالى التوفيق، فكان هذا استطاعة للسبيل مضافة إلى القوة بالجسم وبالمال * قال أبو محمد: فتعلل قوم في هذه الآثار بخبر رويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبى اسحاق الشيباني عن يزيد بن الاصم عن ابن عباس (أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأحج عن أبى؟ قال: نعم ان لم تزده خيرا لم تزده شرا) (3) قالوا:
فهذا دليل على أنه ندب لافرض * قال على: وهذا لاحجة لهم فيه لانه ليس فيه ان أباه كان ميتا ولا أنه كان عاجزا عن الركوب والمشى ولا أنه كان حج الفريضة بل انما هو سؤال مطلق عن الحج عن غيره ممن هو ممكن ان يكون قد حج عن نفسه أو أنه قادر على الحج فاجابه عليه السلام باباحة ذلك وانما في (4) هذا الخبر جواز الحج عن كل أحد ولا مزيد وهو قولنا، وأما تلك الاحاديث ففيها بيان انها في الحج الفرض، وأيضا فليس قوله عليه السلام: (ان لم تزده خيرا لم تزده شرا) بمخرج لذلك عن الفرض إلى التطوع لان هذه صفة كل عمل مفترض أو تطوع ان لم يتقبل من المرء فانه على كل حال لا يكتب له به سيئة، فبطل اعتراضهم بهذا الخبر * وقالوا: قال الله تعالى: (وأن ليس للانسان الا ما سعى) قال على: هذه سورة مكية بلا خلاف، وهذه الاحاديث كانت في حجة الوداع فصح ان الله تعالى بعد ان لم يجعل للانسان الا ما سعى تفضل على عباده وجعل لهم ما سعى فيه غيرهم عنهم بهذه النصوص الثابتة * وقال بعضهم: قال الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) قال على: إذا أمر الله تعالى ان تزر وازرة وزر أخرى لزم ذلك وكان مخصوصا من هذه الآية، وقد أجمعوا معنا على ان العاقلة لم تقتل وانها تعزم عن القاتل ولم يعترضوا على ذلك بهذه الآية وليس
__________
(1) في النسخة رقم (16) (لا يسامح) (2) في النسخة رقم (14) (فيما) وهو غلط لان مالما لا يعقل (3) قال المحب الطبري في كتاب القرى القاصد أم القرى: اخرجه البزار (4) في النسخة رقم (16) (فانما) وما هنا احسن *(7/58)
هو (1) اجماعا فان عثمان البتى لا يرى حكم العاقلة، وأيضا فان الذى اتانا بهذا هو الذى افترض ان يحج عن العاجز والميت، وقد قال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وهم يجيزون الحج عن الميت إذا أوصى بذلك والصدقة عن الحى والميت والعتق عنهما أوصيا بذلك أو لم يوصيا، ولا يعترضون في ذلك بهذه الآية (فان قالوا): لما أوصى بالحج
كان مما سعى قلنا لهم: فاوجبوا بذلك ان يصام عنه إذا أوصى بذلك لانه مما سعى * (فان قالوا): عمل الابدان لا يعمله أحد عن أحد فقلنا: هذا باطل ودعوى كاذبة، ومن أين قلتم هذا؟ بل كل عمل إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم به ان يعمله المرء عن غيره وجب ذلك على رغم أنف المعاند * (فان قالوا): قياسا على الصلاة قلنا: القياس كله باطل ثم لو صح لكان هذا عليكم لالكم لانكم لا تختلفون في جواز ان يصلى المرء الذى يحج عن غيره ركعتين عند المقام عن المحجوج عنه فقد جوزتم ان يصلى الناس بعضهم عن بعض فقيسوا عن ذلك سائر أعمال الابدان * وقالوا: لما كان الحج فيه مدخل للمال في جبره بالهدى والاطعام جاز أن يعمله (2) بعض الناس عن بعض قلنا: ومن أين لكم هذا الحكم الذى هو كذب مفترى وشرع موضوع بلاشك؟ ثم قدتنا قضتم فيه لان الصيام فيه مدخل للمال في جبره بالعتق والاطعام ولا فرق، وفى وجوب زكاة الفطر من صومه فأجيزوا لذلك ان يعمله بعض الناس عن بعض * قال أبو محمد: والعجب كله ان المالكيين يجيزون ان يجاهد الرجل عن غيره بجعل ويجيزون الكفارة عن المرأة المكرهة على الوطئ (3) في نهار رمضان على غيرها عنها وهو الذى أكرهها فأجازوا كل ذلك حيث لم يجزه الله تعالى ولارسوله عليه السلام ومنعوا من جوازه حيث افترضه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم * قال على: فان موهوا بما رويناه من طريق ابن أبى أويس نا محمد بن عبد الله بن كريم الانصاري عن ابراهيم بن محمد بن يحيى العدوى النجارى (أن امرأة قالت: يارسول الله ان أبى شيخ كبير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتحجى عنه وليس لاحد بعده) * ومما رويناه من طريق عبد الملك بن حبيب حدثنى مطرف عن محمد بن الكرير (4) عن محمد بن حبان الانصاري (ان امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ان أبى شيخ كبير لا يقوى عن الحج فقال عليه السلام: فلتحجى عنه وليس ذلك لاحد بعده) * ومن طريق عبد الملك بن حبيب حدثنى هارون بن صالح الطلحى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وليس هذا) (2) في النسخة رقم (16) (ان يفعله) (3) في النسخة رقم (14) (على الواطئ) وهو غلط ظاهر (4) في النسخة رقم (16) (الكدير) بالدال المهملة *(7/59)
عن ربيعة عن محمد بن ابراهيم بن الحارث (1) التيمى (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحج أحد عن أحد الا ولد عن والد) * قال على: فهذه تكاذيب، أول ذلك أنها مرسلة ولا حجة في مرسل، والاول فيه مجهولان لا يدرى من هما؟ وهما محمد بن عبد الله بن كريم، وابراهيم بن محمد العدوى؟ والآخران من طريق عبد الملك بن حبيب وكفى، فكيف وفيه الطلحى ومحمد بن الكرير، ومحمد بن حبان ولا يدرى من هم، وعبد الرحمن بن زيد وهو ضعيف، وهذا خبر حرفه عبد الملك لاننا رويناه من طريق سعيد بن منصور قال: نا عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم حدثنى ربيعة بن عثمان التيمى عن محمد بن ابراهيم التيمى (ان رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ابى مات ولم يحج أفأحج عنه؟ قال: نعم ولك مثل أجره) * ومن طريق سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه (ان رجلا قال: يارسول الله ان أبى مات ولم يحج حجة الاسلام أفأحج عنه؟ قال: أرأيت لو كان على ابيك دين فدعوت غرماءه لتقضيهم؟ أكانوا يقبلون ذلك منك؟ قال: نعم قال: فحج عنه فان الله قابل من أبيك) * قال أبو محمد: فاعجبوا لهذه الفضائح ونعوذ بالله من الخذلان، ثم لو صحت لكانوا مخالفين لها لانهم يجيزون الحج عن الميت إذا أوصى به وان يحج عنه غير ولده وهو خلاف لما في هذه الآثار فهى عليهم (لالهم) (2)، وتخصيصهم جواز الحج إذا أوصى به لا يوجد في شئ من النصوص ولا يحفظ عن أحمد من الصحابة ولا يوجبها قياس لان الوصية لا تجوز الا فيما يجوز للانسان ان يأمر به في حياته بلا خلاف * قال أبو محمد: فان قالوا: قد صح من طريق حماد بن زيد عن أيوب السختيانى عن
نافع عن ابن عمر قال: لا يصومن أحد عن أحد ولا يحجن أحد عن أحد * ومن طريق وكيع عن أفلح عن القاسم بن محمد قال: لا يحج أحد عن أحد قلنا: نعم هذا صحيح عنهما وأنتم مخالفون لهما في ذلك لانكم تجيزون الحج عن الميت إذا أوصى بذلك وهو خلاف قول ابن عمر.
والقاسم وما وجدنا قولهم عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم، وصح قولنا عن طائفة من السلف * كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال عن شعبة عن مسلم القرى (3) قال: قلت لابن عباس: إن أمي حجت ولم تعتمر أفأعتمر عنها؟ قال: نعم *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (عن محمد بن الحارث) وفى النسخة رقم (14) (عن محمد بن ابراهيم) وصححناه من تهذيب التهذيب جزء ص 5 (2) الزيادة من النسخة رقم (14) (3) قال في هامش النسخة رقم (14) مانصه: مسلم بن مخراق العبدى القرى =(7/60)
قال أبو محمد فهذا لا تخصيص فيه لميت دون حى * ومن طريق يزيد بن زريع عن داود انه قال: قلت لسعيد بن المسيب: يا محمد لايهما الاجر أللحاج أم للمحجوج عنه؟ فقال سعيد: ان الله تعالى واسع لهما جميعا * قال أبو محمد: صدق سعيد رحمه الله * ومن طريق معمر عن أبى اسحاق عن أم محبة انها نذرت ان تمشى إلى الكعبة فمشت حتى إذا بلغت عقبة البطن عجزت فر كبت ثم أتت (1) ابن عباس فسألته فقال: أتستطيعين ان تحجى قابلا؟ فإذا انتهيت إلى المكان الذى ركبت فيه فتمشى ما ركبت قالت: لا قال لها: فهل لك ابنة تمشى عنك؟ قالت: لى ابنتان ولكنهما أعظم في انفسهما من ذلك قال: فاستغفري الله * وروينا أيضا مثله من طريق وكيع عن يونس بن أبى اسحاق عن أمه العالية عن ابن عباس * قال أبو محمد: هذه هي التى عولوا على روايتها عن عائشة رضى الله عنها في أمر العبد المبيع من زيد بن أرقم إلى العطاء بثمانمائة درهم ثم ابتاعته منه بستمائة، وتركوا فيه فعل زيد بن أرقم فكانت حجة هناك إذا لم توافق النصوص ولم تكن حجة عن ابن عباس
إذا وافقت النصوص * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا حفص - هو ابن غياث - عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على بن أبى طالب أنه قال في الشيخ الكبير: انه يجهز رجلا بنفقته فيحج عنه * ومن طريق ابراهيم بن ميسرة قال: رمى عبد الله بن طاوس عن أبيه الجمار وطاف عنه طواف يوم النحر وكان أبوه مريضا * وعن سفيان عن ابن طاوس في رمى الجمار عن أبيه بأمر أبيه * وعن مجاهد من حج عن رجل فله مثل أجره * وعن عطاء فيمن نذر ان يمشى فجعز قال: يمشى عنه بعض أهل بيته وأنه رأى الرمى عن المريض للجمار * فهؤلاء ابن عباس.
وعلى.
وعطاء وطاوس.
ومجاهد.
وسعيد بن المسيب.
وعبد الله بن طاوس، وروى أيضا عن ابراهيم النخعي، وما نعلم لمن خالفنا ههنا - فلم يوجب الحج على من وجد من يحج عنه وهو عاجز ولاعن الميت الا ان يوصى - سلفا أصلا من الصحابة رضى الله عنهم، وهذا مما خالفوا فيه الجمهور من العلماء، وبمثل قولنا يقول سفيان الثوري.
والاوزاعي.
وابن أبى ليلى.
واحمد.
واسحاق *
__________
= بو الاسود البصري القطان والد سوادة بن ابى الاسود مولى بنى قرة حى بن عبد القيس، ويقال: مولى بنى ضبة بن قرة، ويقال: مولى بنى فزارة من عبد القيس قاله المزى اه وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب: مسلم بن مخراق العبدى القرى مولى بنى قرة، ويقال المازنى الفريابى أبو الاسود البصري العطار، ويقال: انهما اثنان اه والقرى ضبطه ابن حجر في تقريب التهذيب بضم القاف وتشديد الراء، ولا ادرى قوله البصري العطار هل هو مصحف عن القطان ام لا؟ والله أعلم * 1) في النسخة رقم (14) فأتت بدل " ثم اتت "(7/61)
816 - مسألة - قال أبو محمد: فان حج عمن لم يطق الركوب والمشى لمرض أو زمانة حجة الاسلام ثم أفاق فان أبا حنيفة: والشافعي قالا: عليه ان يحج ولابد، وقال اصحابنا: ليس عليه ان يحج بعد * قال أبو محمد: إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحج عمن لا يستطيع الحج راكبا ولا ماشيا
واخبر أنه دين الله يقضى عنه فقد تأدى الدين بلا شك واجزأ عنه، وبلا شك ان (1) ما سقط وتأدى فلا يجوز ان يعود فرضه بذلك إلا بنص ولا نص ههنا أصلا بعودته ولو كان ذلك عائدا لبين عليه السلام ذلك إذا قد يقوى الشيخ فيطيق الركوب فإذ لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلا يجوز عودة الفرض عليه بعد صحة تأديه عنه، وبالله تعالى التوفيق * 817 - مسألة - (قال على) (2) وسواء من بلغ وهو عاجز عن المشى والركوب أو من بلغ مطيقا ثم عجز في كل ما ذكرنا، وقال أبو سليمان: لا يلزم ذلك الاعمن قدر بنفسه على الحج ولو عاما واحدا ثم عجز * قال على: وهذا خطأ لان الخبر الذى قدمنا فيه فريضة الله تعالى في الحج أدركته لا يقدر على الثبات على الدابة فصح انه قد لزمه فرض الحج ولم يكن قط بعد لزومه له قادرا عليه بجسمه فصح قولنا وبالله تعالى التوفيق * 818 - مسألة - ومن مات وهو مستطيع بأحد الوجوه التى قدمنا حج عنه من رأس ماله واعتمر ولابد مقدما على ديون الناس ان لم يوجد من يحج عنه تطوعا سواء أوصى بذلك أو لم يوص بذلك * وقال أبو حنيفة.
ومالك: لا يحج عنه الا أن يوصى بذلك فيكون من الثلث * برهان صحة قولنا قول الله تعالى في المواريث: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) فعم عزوجل الديون كلها * حدثنا عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب انا عمران بن موسى المصرى نا عبد الوارث - هو ابن سعيد التنورى - نا أبوالتياح يزيد بن حميد البصري نا موسى بن سلمة الهذلى (ان ابن عباس قال: أمرت امرأة سنان بن سلمة الجهنى ان تسأل النبي (3) صلى الله عليه وسلم؟ أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزئ عن أمها ان تحج عنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم لو كان على أمها دين فقضته عنها ألم يكن يجزئ عنها؟ فلتحج عن أمها) (4) *
__________
(1) في النسخة رقم (14) وبلا شك فان) الخ (2) الزيادة من النسخة رقم (16) (3) في سنن النسائي ج 5 ص 116 (ان تسأل
رسول الله) (4) قال المحب الطبري في كتابه القرى لقاصدام القرى: هو حجة لاثبات القياس والحاق ما اختلف فيه إذا اشكل مما اتفق عليه اه فأرجوا الله تبارك وتعالى ان يوفقني إلى طبعه فانه انفس كتاب في احكام الحج مطولا *(7/62)
ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختيانى عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس (ان امرأة سألت رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم عن أبيها مات ولم يحج؟ قال: حجى عن أبيك) * ورويناه أيضا من طريق عكرمة عن ابن عباس مسندا نا محمد ابن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن اصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشنى نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر نا شعبة عن أبى بشر - هو جعفر بن أبى وحشية - قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس (ان امرأة نذرت ان تحج فماتت فاتى أخوها النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت لو كان على امك دين أكنت قاضية؟ قال: نعم قال: فاقضوا الله فهو أحق بالوفاء) * ورويناه أيضا من طريق البخاري عن موسى بن اسماعيل عن أبى عوانة عن أبى بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي) صلى الله عليه وسلم (بنصه) (2) في امرأة من جهينة نذرت امها ان تحج فماتت قبل أن تحج (3)) * ورويناه أيضا من طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن أبى بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم و سلم مثل رواية البخاري، وفيه قوله عليه السلام (فحجى عن أمك اقضوا الله الذى له عليكم فالله تبارك وتعالى أحق بالوفاء) * فهذه آثار في غاية الصحة لا يسع أحد الخروج عنها * قال أبو محمد: ومن عجائب الدنيا احتجاجهم بهذا الحديث في القول بالقياس في تحريم التين بالتين متفاضلا ثم يخالفونه فيما جاء فيه اقبح خلاف فيقولون: لا يحج عن ميت، ودين الله لا يقضى، وديون الناس أحق منه، فاى قول أقبح من قول من قال: من اهرق خمر اليهودي أو النصراني ومات قضى دين الخمر من رأس ماله أوصى به أو لم يوص، ولا يقضى دين الله تعالى في الحج الا أن يوصى به فيكون من الثلث؟ *
قال أبو محمد: قولنا هو قول جمهور السلف روينا عن أبى هريرة من مات وعليه نذر أو حج فليقض عنه وليه * ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس (أن امرأة أتته فقالت: إن امى ماتت وعليها حجة أفأحج عنها؟ فقال ابن عباس: هل كان على أمك دين؟ قالت: نعم قال: فما صنعت؟ قالت: قضيته عنها قال ابن عباس: فالله خير غرمائك حجى عن أمك) * ومن طريق شعبة عن مسلم القرى قلت لابن عباس: ان أمي حجت وماتت ولم تعتمر أفأعتمر عنها؟ قال: نعم * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة نا أبو الأحوص عن طارق بن عبد الرحمن قال: كنت
__________
(1) في سنن النسائي ج 5 ص 117 (سألت النبي) (2) الزيادة من النسخة رقم (14) (3) الحديث اختصره المؤلف انظر ج 3 ص 45 من صحيح البخاري الذى طبع في ادارتنا *(7/63)
جالسا عند سعيد بن المسيب فأتاه رجل فقال: ان أبى لم يحج قط أفأحج عنه؟ فقال له سعيد: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان رخص لرجل حج عن أبيه وهل هو إلا دين؟ * ومن طريق ابن أبى شيبة نا مروان بن معاوية - هو الفزارى - عن قدامة بن عبد الله الرؤاسى قال: سألت سعيد بن جبير عن أخى؟ فقلت: مات ولم يحج قط أفاحج عنه؟ فقال: هل ترك من ولد؟ قلت: ترك صبيا (1) صغيرا فقال: حج عنه فانه لو (2) وجد رسولا لارسل اليك أن عجل بها فقلت: أحج عنه من مالى أو من ماله؟ قال: بل من ماله قال: وسألت ابراهيم النخعي؟ فقال: حج عنه قال: وسألت الضحاك فقال: حج عنه من ماله؟ فان ذلك مجزئ عنه * ومن طريق حماد بن سلمة عن الحجاج عن فضيل بن عمروقال؟ نذرت امرأة أن تطوف بالبيت مقترنة (3) مع ابنتها فماتت الام قبل أن تطوف فسأل ابنها ابراهيم النخعي عن ذلك؟ فقال: طف أنت واختك عن أمك ولا تقترنا (4) * ومن طريق وكيع عن سفيان عن أسلم المنقرى عن عطاء قال: يحج عن الميت وان لم يوص * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن أبى نهيك قال: سألت طاوسا
عن امرأة ماتت وقد بقى عليها من نسكها فقال: يقضى عنها وليها، أبو نهيك - هو القاسم - ابن محمد الاسدي روى عنه سفيان.
ومنصور.
وجرير بن عبد الحميد * ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء * ومن طريق حماد بن سلمة عن زياد الاعلم عن الحسن قال: عطاء.
والحسن فيمن لم يحج الفريضة: انه يحج عنه من جميع المال والزكاة مثل ذلك أوصى أو لم يوص، وروى أيضا عن عبد الرحمن بن أبى ليلى * قال أبو محمد: وهو قول الاوزاعي.
والثوري.
ومحمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى.
والشافعي.
وأبى ثور.
وأحمد.
واسحاق.
وأبى سليمان وأصحابهم * قال أبو محمد: قد ذكرنا قبل قول ابن عمر.
والقاسم بن محمد.
وخلافهم لهما، وروينا من طريق حماد بن زيد قال: سئل أيوب عن الوصايا في الحج؟ فقال: لا أعرف الوصايا في الحج انما الوصية في الاقربين قلنا: إذا فرط في الحج أيوصى به؟ قال: لا * وقد روينا عن ابراهيم النخعي من طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة عن ابراهيم لا يقضى حج عن ميت * ومن طريق سعيد بن منصور عن هشيم عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم فيمن مات ولم يحج قال: كانوا يحبون ان يوصى ان ينحر عنه بدنة * ومن طريق سفيان عن منصور عنه لا يحج أحد عن أحد * ومن طريق شعبة عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم
__________
(1) في النسخة رقم (14) (ولدا) (2) في النسخة رقم (14) (ان) وهو غلط (3) في النسخة رقم (16) (مقرنة) (4) في النسخة رقم (16) (ولا تفترقا) *(7/64)
ان أوصى بالحج حج عنه من ثلثه وإلا فلا * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشام بن حساب عن ابن سيرين إذا أوصى بالحج فمن الثلث، وبهذا يقول حماد ابن أبى سليمان، وحميد الطويل.
وداود بن أبى هند.
وعثمان البتى * قال أبو محمد: ما نعلم لمن قال: بهذا حجة الا ما قد ذكرناه في الباب الذى قبل هذا وبينا انه حجة عليهم وانه لا حجة لهم فيه، وبالله التوفيق *
قال أبو محمد: وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فالله أحق بالوفاء.
ودين الله أحق ان يقضى) فلا يحل ان يقضى دين آدمى حتى تتم ديون الله عزوجل، وهو قول من ذكرنا، وأحد قولى الشافعي، وقول جميع أصحابنا، وللمالكيين.
والحنيفيين فيما يبد أبيه في الوصايا أقوال لا يعرف لها وجه أصلا * 819 - مسألة - والحج لا يجوز شئ من عمله إلا في أوقاته المنصوصة ولا يحل الاحرام به إلا في أشهر الحج قبل وقت الوقوف بعرفة، وأما العمرة فهى جائزة في كل وقت من أوقات السنة، وفى كل يوم من أيام السنة، وفى كل ليلة من ليالها لاتحاش شيئا * برهان صحة قولنا قول الله عزوجل: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولافسوق ولا جدال في الحج) الآية، فنص عزوجل على أنه أشهر معلومات، وقال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري.
وابن جريج كليهما عن أبى الزبير سمعت جابر بن عبد الله يسأل أيهل أحد بالحج قبل أشهر الحج؟ قال: لا * ومن طريق عكرمة عن ابن عباس قال: لا ينبغى لاحد ان يهل بالحج الا في اشهر الحج لقول الله تعالى: (فمن فرض فيهن الحج) * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدى نا سفيان الثوري عن أبى اسحاق السبيعى قال: رأى عمرو بن ميمون بن أبى نعم (1) يحرم بالحج في غير أشهر الحج فقال: لو أن أصحاب محمد أدركوه رجموه * ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب السختيانى ان (2) عكرمة قال لابي الحكم: أنت رجل سوء لانك خالفت كتاب الله عزوجل وتركت سنة نبيه
__________
(1) هو عبد الرحمن بن أبى نعم يضم النون وسكون العين المهملة - البجلى أبو الحكم الكوفى العابد، كان يحرم من السنة إلى السنة، وكان يقول: لبيك لو كان رياء لاضمحل، وكان من عباد أهل الكوفة ممن يصبر على الجوع الدائم أخذها الحجاج ليقتله وادخله بيتا مظلما وسد الباب خمسة عشر يوما ثم أمر بالباب ففتح ليخرج فيدفن فدخلوا عليه فأذا هو قائم يصلى، فقال له الحجاج: سر حيص شئت، وفى النسخة رقم (14) (نعيم) وهو غلط، وقد سبق في صفحة 16 من هذا الجزء في التحقيقات نقلا عن تهذيب التهذيب ان اسمه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم لاابن ابى انعم، وقلنا: لعل لفظ ابى زائد وهو سهو منانشأ من اتفاق النسختين على لفظ ابن
ابى انعم) وهو غلط فيهما وصوابه كما هنا (ان ابى نعم) بحذف الهمزة، والله أعلم (2) في النسخة رقم (16) (عن) *(7/65)
صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج)، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالبيداء وجعل القرية خلف ظهره أهل وانك تهل في غير أشهر الحج * وعن عطاء.
وطاوس.
ومجاهد قالوا: لا ينبغى لاحد أن يحرم بالحج في غير أشهر الحج * وعن عطاء والشعبى مثل ذلك قالا: فان أهل بالحج في غير أشهر الحج فانه يحل * وعن عطاء انه يحل ويجعلها غمرة وانه ليس حجا يقول الله تعالى: (الحج أشهر معلومات) * وعن سعيد بن منصور عن جرير بن عبد الحميد عن المغيرة عن ابراهيم انه قال: لا ينبغى لاحد ان يحرم بالحج الا في أشهر الحج فان فعل فلا يحل حتى يقضى حجه، وقال الاوزاعي.
والشافعي: تصير عمرة ولا بد، وقال أبو حنيفة.
ومالك: يكره ذلك ويلزمه ان أحرم به قبل أشهر الحج * قال أبو محمد: ما نعلم في هذا القول سلفا من الصحابة رضى الله عنهم وهو خلاف القرآن وخلاف القياس، واحتج الشافعي بانه كمن أحرم بصلاة فرض قبل وقتها انها تكون تطوعا * قال أبو محمد: وهذا تشبيه الخطأ بالخطأ بل هو لا شئ لانه لم يأت بالصلاة كما أمر، وقال الله تعالى: (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فصح أن عمل المحرم بالحج في غير أشهر الحج عمل ليس عليه أمر الله تعالى، ولاأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فصح أنه رد، ولا يصير عمرة ولا هو حج * والعجب من قول من يحتج من الحنيفيين (1) بانهم قد أجمعوا على انه يلزمه احرام مافاذ لا يجوز أن يكون عمرة فهو الحج، وان كان انما يناظر من يساعده على هذا الخطأ فهو لعمري لازم له وان كان قصد الايهام بأنه إجماع (تام) (2) فقد استسهل الكذب على الامة كلها نعوذ بالله من ذلك *
قال على: وقد ذكرنا آنفا عن الشعبى.
وعطاء ان يحل، وعن الصحابة رضى الله عنهم المنع من ذلك (جملة) (3) ونقول للحنيفيين والمالكيين: أنت تكرهون الاحرام بالحج قبل أشهر الحج وتجيزونه فأخبرونا عنكم أهو عمل بر وفيه أجر زائد؟ فلم تكرهون البر وعملا فيه أجر؟ هذا عظيم جدا وما في الدين كراهية البر وعمل الخير، أم هو عمل ليس فيه اجر زائد ولا هو من البر؟ فكيف أجز تموه في الدين ومعاذ الله من هذا؟ * قال أبو محمد: إذا هو عمل زائد لا أجر زائد فيه فهو باطل بلا شك، وقد قال تعالى: (ليحق الحق ويبطل الباطل)، ويقال للشافعي: كيف تبطل عمله الذى دخل فيه
__________
(1) في النسخة رقم (14) (من قول محتج الحنيفيين) (2) الزيادة من النسخة رقم (14) (3) الزيادة من النسخة رقم (14)(7/66)
لانه خالف الحق ثم تلزمه بذلك العمل عمرة لم يردها قط ولاقصدها ولانواها؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (انما الاعمال عمرة بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى) وهذا بين لاخفاء به، فبطل كلا القولين والحمد لله رب العالمين * ولا يختلف المذكورون في أن من أحرم بصلاة قبل وقتها فانها تبطل (1)، ومن نوى صياما قبل وقته فهو باطل، ومن قدم الوقوف بعرفة قبل وقته فهو باطل، فهلا قاسوا الحج على ذلك؟ وهلا قاسوا بعض عمل الحج على بعض؟ فهذا أصح قياس لو كان القياس حقا (2)، وهذا (3) مما خالفوا فيه القرآن.
وعمل النبي صلى الله عليه وسلم.
وأصحابه لايعرف لهم منهم مخالف والقياس، والعجب ان الحنيفيين قالوا: في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: وسلم " في الغنم في سائمتها في كل أربعين شاة شاة ": حاشا الله ان يأتي رسول الله صلى الله عليه آله وسلم بكلام لا فائدة فيه (4) فهلا قالوا: ههنا في قول الله تعالى: (الحج أشهر معلومات).
حاشا لله من أن يقول في القرآن قولا لا فائدة فيه (5)، هذا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الزكاة في الغنم جملة دون ذكر سائمة، ولم يأت قط في قرآن ولا سنة جواز فرض الحج في غير أشهره المعلومات * (فان قالوا): أنتم لا تقولون بدليل الخطاب فلم جعلتم قوله تعالى: (الحج أشهر معلومات)
حجة في ان لا يتعدى باعمال الحج إلى غيرها؟ قلنا: انما نمنع من دعوا كم في دليل الخطاب إذا أردتم أن تبطلوا به سنة أخرى عامة وأما إذا ورد نص بحكم ولم يرد نص آخر بزيادة عليه فلا يحل لاحد أن يتعدى بذلك الحكم النص الذى ورد فيه * وأما العمرة فان الخلاف قد جاء في ذلك - روينا من طريق ابن أبى شيبة نا أبو معاوية عن الاعمش عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب سئل ابن مسعود عن العمرة في أشهر الحج؟ فقال: الحج أشهر معلومات ليس فيهن عمرة * وعن وكيع عن ابن أبى رواد (6) عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر: اجعلوا العمرة في غير اشهر الحج أتم لحجكم ولعمرتكم * وروينا من طريق الدراوردى عن الجعيد بن عبد الرحمن أن السائب بن يزيد استأذن عثمان بن عفان في العمرة في أشهر الحج فلم يأذن له * وروينا من طريق عائشة أم المؤمنين حلت العمرة الدهر الا ثلاثة أيام.
يوم النحر، ويومين من أيام التشريق * ومن طريق قتادة عن معاذة عنها * وروينا أيضا عنها تمت العمرة السنة كلها الا أربعة أيام يوم عرفة.
ويوم النحر.
ويومين من أيام التشريق * وروى أيضا عنها إلا خمسة أيام يوم
__________
(1) في النسخة رقم (14) (باطل) (2) في النسخة رقم (16) (صحيحا) (3) في النسخة رقم (16) (فهذا) (4) في النسخة رقم (14) (له) (5) في النسخة رقم (14) (له) (6) بفتح الراء وتشديد الواو، اسمه عبد العزيز، وفى النسخة رقم (16) (ابن ابى داود) وهو غلط *(7/67)