يذكر في الحديث، ثم بدأ عليه السلام بالقراءة في السورة من حيث وقف أبو بكر، وهذا حسن جدا مباح جيد * وأيضا: فان عائشة رضى الله عنها ذكرت أنها كانت صلاة الظهر، وهى سر، فبطل ما رواه اسرائيل (1) * وأيضا: فلو بطل هذا الخبر من صلاته عليه السلام في مرضه الذي مات فيه لخلص أمره عليه السلام المصلين خلفه في مرضه (2) إذ سقط من فرس فوثئت (3) رجله الطاهرة بالقعود، وبالصلاة خلف الامام الجالس جلوسا، الذي رويناه من طريق أنس وأبي هريرة وجابر وعائشة وابن عمر
__________
(1) حديث اسرائيل رواه الدارقطني (ص 153) من طريق يحيى بن آدم عن قيس بن الربيع عن عبد الله بن أبى السفر عن عبد الله بن الارقم بن شرحبيل - كذا في الدارقطني وهو خطأ صوابه: الارقم بن شرحبيل - عن ابن عباس عن العباس بن عبد المطلب.
وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم (قرأ من المكان الذى انتهى أبو بكر من السورة) وفى اسناده قيس بن الربيع وهو ضعيف.
ورواه البزار من هذا الطريق وقال (لا نعلم هذا الكلام يروى الا من هذا الوجه بهذا الاسناد) نقله عنه الزيلعى (ج 1: ص 249) وتعقبه بان ابن ماجه رواه باسناد آخر.
وهو في ابن ماجه (ج 1: ص 193) عن على بن محمد عن وكيع عن اسرائيل عن أبى اسحق عن الارقم
ابن شرحبيل عن ابن عباس مطولا وفى آخره (وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من القراءة من حيث كان بلغ أبو بكر.
قال وكيع: وكذا السنة).
ونقل شارحه عن البخاري انه قال (لانذكر لابي اسحق سماعا من أرقم بن شرحبيل) وقد ضعف المؤلف هذا الاسناد باسرائيل بن يونس بن أبى اسحق.
وأخطأ في ذلك جدا فان اسرائيل ثقة روى له الشيخان.
وهو أوثق من روى عن جده أبى اسحق.
قال ابن مهدى (اسرائيل في أبى اسحق أثبت من شعبة والثوري).
ولذلك قال ابن حجر في التهذيب.
(وأطلق ابن حزم ضعف اسرائيل ورد به حديثا من حديثه فما صنع شيئا).
واما أرقم فهو ثقة معروف من أشراف الناس وحديثه صحيح.
وتعليل البخاري ليس مما يتبع عليه لانه يشترط شرطا معروفا خالفه فيه عامة العلماء بالحديث (2) في اليمنية (في موضعه) بدل (في مرضه) وهو سخف (3) في الاصلين (فوثبت) وهو خطأ(3/69)
باقيا لا معارض له، ولا معترض فيه لاحد (1).
ولله تعالى الحمد * قال علي: وبمثل قولنا يقول جمهور السلف رضى الله عنهم.
كما روينا من طريق وكيع عن اسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة أنه قال: الامام أمين، فان صلي قائما فصلوا قياما، وإن صلي قاعدا فصلوا قعودا * ومن طريق حماد بن سلمة ثنا يحيى بن سعيد الانصاري عن أبي الزبير قال: ان جابر بن عبد الله كان به وجع فصلي (2) بأصحابه قاعدا وأصحابه قعودا (3) * وعن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه: أن أسيد بن الحضير اشتكى فكان يؤم قومه جالسا * قال ابن عيينة: وأخبرني اسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن ابى حازم أخبرني قيس بن قهد (4) الانصاري: (أن إماما لهم اشتكى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤمنا جالسا ونحن جلوس) (5) *
قال علي: فهؤلاء أبو هريرة وجابر وأسيد وكل من معهم من الصحابة، وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير مسجده، لا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضى الله عنهم أصلا، كلهم يرى إمامة الجالس للاصحاء، ولم يرو عن أحد منهم خلاف لابي هريرة وغيره في أن يصلى الاصحاء وراءه جلوسا *
__________
(1) في اليمنية بحذف (فيه لاحد) (2) في اليمنية (كان وجعا يصلى) (3) قال ابن حجر في الفتح (ج 2: ص 120) (روى ابن أبى شيبة باسناد صحيح عن جابر انه اشتكى فحضرت الصلاة فصلى بهم جالسا وصلوا معه جلوسا.
وعن أبى هريرة أنه أفتى بذلك.
واسناده صحيح أيضا (4) قهد بالقاف.
وفى اليمنية بدون نقط.
وفى المصرية بالفاء وهو خطأ (5) أثر ابن قهد رواه عبد الرزاق كما ذكر ابن حجر في الفتح والشوكانى في نيل الاوطار (ج 3: ص 211) ونقل عن العراقى انه قال (اسناده صحيح) وقال ابن حجر أيضا (ج 2: ص 119) (وقد أم قاعدا جماعة من الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم منهم أسيد بن حضير وجابر وقيس قهد وأنس بن مالك والاسانيد عنهم بذلك صحيحة.
أخرجها عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبى شيبة وغيرهم)(3/70)
وروينا عن عطاء: أنه (1) أمر الاصحاء بالصلاة خلف القاعد * وعن عبد الرزاق: ما رأيت الناس إلا على أن الامام إذا صلي قاعدا صلي من خلفه قعودا، قال، وهى السنة عن غير واحد (2) * وروينا عن عباس بن عبد العظيم العنبري قال: سمعت عفان بن مسلم قال أتينا حماد بن زيد يوما وقد صلوا الصبح، فقال إنا أحيينا اليوم سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا: ماهى يا أبا اسماعيل؟ قال: كان إمامنا مريضا، فصلى بنا جالسا، فصلينا خلفه جلوسا * وبامامة الجالس للاصحاء يقول أبو حنيفة وأبو يوسف والاوزاعي والشافعي
وأبو ثور وأحمد بن حنبل (3) واسحاق بن راهويه وداود (4) وجمهور أصحاب الحديث.
وما نعلم أحدا من التابعين منع من جواز صلاة المريض قاعدا بالاصحاء، الا شيئا (5) روى عن المغيرة بن مقسم (6) انه قال: أكره ذلك.
وليس هذا منعا من جوازها (7) * قال علي: وقال زفر بن الهذيل: يصلى المريض الذي لا يقدر على القيام ولا على القعود بالاصحاء مضطجعا، إلا أنه رأى أن يصلوا وراءه قياما.
قال علي: وهذا خطأ، بل لا يصلون وراءه الا مضطجعين مومئين، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: انما جعل الامام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه.
وهذا عموم مانع للاختلاف على الامام جملة، وليس في قوله عليه السلام: (إذا كبر فكبروا وإذا رفع فارفعوا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا
__________
(1) في اليمنية بحذف (أنه) (2) في اليمنية (عن واحد) بحذف (غير) وهو خطأ (3) في اليمنية (وأحمد) بحذف (ابن حنبل) (4) لم يذكر (داود) في اليمنية (5) في اليمنية (الا شئ) (6) مقسم - بكسر الميم واسكان القاف وفتح السين المهملة.
والمغيرة ليس من التابعين - كما يفهم من كلام ابن حزم - ولكنه من أتباعهم مات بعد سنة 132 (7) سبق أن نقلنا من كلام ابن حبان ان المغيرة أول من منع من الجلوس خلف الامام الجالس.(3/71)
ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا): بمانع من أن ياتموا به في غير هذه الوجوه فوجب الائتمام به في كل حال، إلا حالا خصها نص أو اجماع فقط * وأما المريض خلف الصحيح، فان الصحيح يصلي قائما، والمريض يأتم به (1) جالسا أو مضطجعا، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر صلاة صلاها مع
الناس في (2) جماعة صلي قاعدا خلف أبي بكر، وأبو بكر قائم، وذلك بعد امره عليه السلام بأن لا يختلف على الامام.
ولقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ولقوله عليه السلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
وبالله تعالى التوفيق * 300 - مسألة.
ولا يحل لاحد أن يصلى الفرض راكبا ولا ماشيا الا في حال الخوف فقط، وسواء خاف طالبا له بحق أو بغير حق، أو خاف نارا أو سيلا أو حيوانا عاديا أو مطرا أو هوت رفقة أو تأخإا عن بلوغ محله أو غير ذلك * لقول الله تعالى: (فان خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة).
فلن يفسح تعالى في الصلاة راكبا أو راجلا ماشيا إلا لمن خاف، ولم يخص عزوجل خوفا من خوف، فلا يجوز، تخصيصه أصلا.
والعجب أن المالكيين منعوا من الصلاة كذلك إلا من خاف طالبا، (3) وهم يقولون في قطاع الطريق المفسدين في الارض: أن مباحا لهم أكل الميتة والمحرمات في حال تماديهم على قطع الطريق وقتل المسلمين فيها! فخصوا (4) ما عم الله تعالى بلا دليل، وأتوا إلى قول الله تعالى، (فمن اضطر في مخمصة غير
__________
(1) في اليمنية (والمريض يصلى يأتم به) وزيادة يصلى لا داعى لها (2) في اليمنية بحذف (في) (3) في اليمنية (الا من خاف ظالما) (4) في اليمنية (وقتل المسلمين فما يخصوا) وهو خطأ ليس له معنى(3/72)
متجانف لاثم) والى قوله تعالى، (فمن اضطر غير باغ ولاعاد فلا اثم عليه).
فقالوا: نعم، ومن اضطر متجانفا لاثم وباغيا وعاديا.
وهذا عظيم جدا * وأما أبو حنيفة فانه أجاز القصر للمسافر في معصية، فيلزمه أن يكون
هذا مثله، إذ هو من اصحاب القياس وأما نحن فما اتبعنا الا النص فقط (1).
وبالله تعالى التوفيق.
301 مسألة.
وما عمله المرء في صلاته مما أبيح له من الدفاع عنه وغير ذلك فهو جائز، ولا تبطل صلاته بذلك وكذلك المحاربة للظالم، واطفاء النار العادية وانقاذ المسلم، وفتح الباب، قل ذلك العمل أم كثر * (2) وكل ما تعمد المرء عمله في صلاته مما لم يبح له عمله فيها بطلت صلاته بذلك قل ذلك العمل أم كثر (3).
وكل ما فعله المرء ناسيا في صلاته مما لم (4) يبح له فعله فصلاته تامة، وليس عليه الا سجود السهو فقط، قل ذلك العمل أم كثر (5) * وقال أبو حنيفة: لا يجوز لاحد أن يصلى وهو يقاتل، لكن يدعون الصلاة وان خرج وقتها، وان ذهبت صلاتان أو أكثر، فإذا ذهب (6) القتال قضوها * ورأى أن الكلام ناسيا يبطل الصلاة، كما يبطلها العمد، (7) ورأى السلام من الصلاة (8) عمدا يبطلها قبل وقت وجوبه، فان كان بالنسيان (9) لم تبطل به الصلاة.
قال: (10) فلو أراد مريد أن يمر بين يدى المصلى فقال المصلى سبحان الله أو أشار بيده ليرده كرهت ذلك، ولا تبطل صلاته بذلك.
فلو قال له قائل كلاما فقال له المصلى: سبحان الله بطلت صلاته، فلو عطس المصلى
__________
(1) في اليمنية (وأما نحن فانما اتبعنا النصوص فقط) (2) في المصرية (أو كثر) (3) في المصرية (قل العمل أو كثر) (4) في اليمنية (ما لم) وهو خطأ (5) في المصرية (أو كثر) (6) في اليمنية (فان ذهب) (7) في المصرية (كما يبطلها بالعمد) وزيادة الباء خطأ (8) قوله (من الصلاة) محذوف في اليمنية (9) في اليمنية (بنسيان) (10) في اليمنية (قالوا) وما هنا أحسن *(3/73)
فقال: الحمد لله، وحرك بذلك لسانه بطلت صلاته.
ومن دعا لانسان أو عليه
فسماه بطلت صلاته * ورأى الحدث بالغلبة من الغائط والبول لا تبطل به الصلاة (1) ولكن تبطل به الطهارة فقط * ورأى من أخرج من بين اسنانه طعاما بلسانه فابتلعه عامدا: أن صلاته تامة، وحد بعض أصحابه ذلك بمقدار الحمصة.
قال: وان بدأ الصلاة راكبا ثم أمن فنزل بنى، فان بدأها نازلا ثم خاف فركب بطلت صلاته * ورأى قتل القملة والبرغوث في الصلاة لا تبطل به الصلاة * ورأى النفخ في الصلاة يبطل الصلاة * ورأى سائر الاعمال التي تبطل الصلاة بالعمد تبطلها بالنسيان * ورأى مالك الكلام والسلام والعمل: كل ذلك يبطل الصلاة بالعمد بعض ذلك يحد فيه بطلان بالكثير من ذلك دون القليل، وبعضه بالقليل وبالكثير * ورأى أيضا الكلام والعمل والسلام بالنسيان لا يبطل شئ منه الصلاة، فان كثر بالنسيان بطلت به الصلاة.
واختلف عنه في النفخ، (2) هل تبطل به الصلاة أم لا؟ * ورأى أن المصلى إذا بلع في صلاته مما بين أسنانه الحبة ونحوها عمدا فصلاته تامة فان كان أكثر من ذلك بطلت صلاته * ولم ير التسبيح للعارض يعرض يبطل الصلاة (3).
وكره قول المصلى إذا عطس: (الحمد لله) ولم تبطل صلاته بذلك *
__________
(1) كلمة (الصلاة) محذوفة من المصرية (2) في اليمنية (فاختلف عنه بالنفخ) وهو خطأ (3) في اليمنية (ولم أرى النسخ للعارض يكون يبطل الصلاة) وهذا خطأ وخلط
من الناسخ *(3/74)
وكره قتل البرغوث والقملة في الصلاة، ولم يرها تبطل وان تعمد ذلك (1) وأجاز للمصلى رمى العصفور في الصلاة، ولم يرها تبطل بذلك * وأمر المحارب أن يصلى ايماء، فان ابتدأ الصلاة راكبا لخوف ثم أمن فنزل، أو ابتدأها نازلا (2) ثم خاف فركب: بنى في كل ذلك، وصلاته تامة * وقال الشافعي: إن اضطر المحارب إلى القتال، فله أن يضرب الضربة ويطعن الطعنة، فان تابع الضرب والطعن بطلت صلاته.
فان صلى مبتدئا للصلاة وهو راكب ثم أمن فنزل بنى على صلاته، إلا أن يحول وجهه عن القبلة فتبطل صلاته.
فان بدأ الصلاة نازلا ثم حدث خوف فركب بطلت صلاته وابتدأها * قال: ومن خرج من بين أسنانه طعام يجرى مجرى الريق فابتلعه ولم يملك غير ذلك فصلاته تامة، فان مضغه بطلت صلاته ولم ير التسبيح ولا التصفيق ينقصان الصلاة.
ورأى قتل الحية والعقرب في الصلاة مباحا، وكل عمل خفيف جاء بمثله أثر لم يقطعها.
ورأى العمل الكثير والمشى الكثير بالنسيان يبطل الصلاة * قال علي: وهذه كلها أقوال (3) متناقضة متخاذلة بلا برهان * وأعجب ذلك (4) الفرق بين العمل القليل والكثير بلا دليل.
ثم ما هو القليل وما هو الكثير؟! وقد علمنا أنه لا قليل إلا وهو كثير بالاضافة إلى ما هو أقل منه، ولا كثير إلا وهو قليل بالاضافة إلى ما هو أكثر منه.
وكل ذلك رأى فاسد بلا برهان، لا من قرآن ولا من سنة، لاصحيحة ولاسقيمة، ولا إجماع ولا قياس ولاقول صاحب ولا احتياط ولا رأى يصح! * فمن الاشياء المباحة في الصلاة الالتفات لمن أحس بشئ *
__________
(1) في اليمنية (ولم يرها تبطل بذلك) (2) في اليمنية (وأما المحارب أن يصلى ايماء كان ابتداء الصلاة راكبا لخوف ثم أمن فنزل اراها نازلا) وهو كلام لا معنى له (3) في اليمنية (كل هذه أقوال) (4) في المصرية (وأعجب من ذلك) وهو خطأ *(3/75)
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد قال: (ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بنى عمرو بن عوف ليصلح بيهم، وخانت (1) الصلاة، فجاء (2) المؤذن إلى ابي بكر وقال: أتصلى بالناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى ابو بكر فجاء رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة (4)، فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن امكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله عزوجل على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك (5)، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف (6) وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى، فلما انصرف قال: يا أبا بكر، ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟! قال أبو بكر: ماكان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالى رأيتكم أكثرتم من التصفيح؟ (7)! من نابه شئ في صلاته فليسبح، فانه إذا سبح التفت إليه) * وبه إلى أبي داود: حدثنا عمرو بن عون أنا حماد بن زيد عن أبي حازم (8) ابن دينار عن سهل بن سعد فذكر هذا الحديث نفسه، وفي آخره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نابكم شئ في الصلاة (9) فليسبح الرجال
__________
(1) في الاصلين (وجاءت) وصححناه من أبى داود (ج 1: ص 354 و 355) (2) في الاصلين (وجاء) (3) في اليمنية (النبي) (4) من قوله (فصفق الناس) إلى هنا حذف من اليمنية
(5) هذه زيادة من أبى داود (6) في اليمنية (حتى استوى الصف) وهو خطأ (7) في المصرية (اكثرتم التصفيح) بحذف (من) وفى اليمنية بحذف (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفيها أيضا (مالى أراكم) وكل ذلك خطأ.
والتصفيح هو التصفيق (8) في اليمنية (عن أبى حازب) وهو خطأ (9) في الاصلين (شئ من الصلاة) وصححناه من أبى داود (ج 1: ص 355 و 356) وحديث سهل بن سعد رواه البخاري ومسلم والنسائي وروى ابن ماجه منه (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) (ج 1: ص 166) وهو في النسائي (ج 1: ص 127 و 176) *(3/76)
وليصفح النساء * ففي هذا الحديث إباحة التسبيح على كل حال، واباحة حمد الله تعالى على كل حال، وبطلان قول من منع من ذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع أبا بكر وراءه يحمد الله تعالى رافعا يديه على مامن به عليه، فلم تبطل بذلك صلاته * وفيه أن التصفيق نهى عنه الرجال، وأمر به النساء فيما نابهن في الصلاة، فان صفق الرجل في صلاته عالما بالنهي بطلت صلاته، لانه فعل في صلاته ما نهى عنه، فلم يصل كما أمر، وان سبحت المرأة فلم تنه عن التسبيح، بل هو ذكر لله تعالى حسن، وان صفحت فحسن، فان كان ذلك عبثا ولغير نائب فهو عمل في الصلاة نهينا عنه، ومن فعل في صلاته ما لم يبح له فلم يصل كما أمر.
* وفيه اباحة الالتفات للنائب ينوب في الصلاة، فمن التفت عبثا لغير نائب بطلت صلاته، لانه فعل ما لم يبح له * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أنا سويد بن
نصر أبا عبد الله هو ابن المبارك عن يونس هو ابن يزيد - عن الزهري قال: سمعت أبا الاحوص يحدثنا في مجلس سعيد بن المسيب، وابن المسيب جالس، انه سمع أبا ذر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه (1) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا زائدة (2) عن أشعث بن أبى الشعثاء عن أبيه عن مسروق عن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في
__________
(1) هذا الحديث رواه أيضا الحاكم في المستدرك (ج 1: ص 236) من طريق الليث عن يونس وصححه هو والذهبي (2) في اليمنية (زايد) وهو خطأ(3/77)
الصلاة؟ فقال: اختلاس يختلسه الشيطان من الصلاة (1) * قال علي: من صرف الله تعالى وجهه عنه في الصلاة فقد تركه ولم يرض عمله، وإذ لم يرض عمله فهو غير مقبول بلاشك، وقد أيقنا (2) ان الالتفات الذى نهى الله تعالى عنه وسخطه هو (3) غير الالتفات الذي أمر به، وعلمنا أن من اختلس الشيطان بعض صلاته فلم يتمها، وإذا لم يتمها فلم يصل * وروينا عن وكيع عن المعلى بن عرفان (4) عن أبي وائل عن ابن مسعود: لا يقطع الصلاة الالتفات * وعن حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن ابن مسعود: لا يزال الله تعالى مقبلا على العبد بوجهه ما لم يلتفت أو يحدث يعنى في الصلاة * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن آدم بن علي عن ابن عمر: يدعى قوم يوم القيامة المنقوصين، الذى ينقص احدهم صلاته ووضوءه والتفاته * وعن وكيع عن سفيان الثوري عن حميد الاعرج عن مجاهد قال: أربع من لم
تكن في صلاته تمت صلاته، فذكر منها: الالتفات، والاشارة باليد وبالرأس للحاجة، والاستماع إلى ما يأتيه وهو في صلاته لحاجة في دينه أو دنياه.
فكل هذا مباح في الصلاة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا
__________
(1) الحديثان في النسائي (ج 1: ص 177) وحديث أبى ذر نسبه ابن تيمية في المنتقى إلى احمد وابى داود، وحديث عائشة نسبه أيضا اليهما والى البخاري، انظر الشوكاني (ج 1: ص 387) (2) في اليمنية (وقد اتفقنا) وما هنا أصح وأحسن (3) في المصرية (فهو) ولا موضع للفاء هنا (4) في المصرية (العلاء بن غزوان) وفى اليمنية (المعلى بن غزوان) وكلاهما خطأ، صححناه من التاريخ الصغير للبخاري (ص 174) والميزان (ج 3: ص 186) ولسان الميزان (ج 6: ص 64) والمعلى هذا أسدى كوفى، وهو ابن أخى أبى وائل.
قال البخاري: (روى عنه وكيع منكر الحديث، ويقال انه روى عن شقيق عبد الله انه شهد صفين، وهذا لا أصل له، لان عبد الله مات قبل عثمان وقبل صفين) وقال ابن معين ليس بشئ، وقال النسائي: متروك الحديث.
وقال الذهبي: (كان من غلاة الشيعة) *(3/78)
أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني حرملة بن يحيى ثنا عبد الله بن وهب أخبرنا عمرو هو ابن الحارث عن بكير هو ابن الاشج عن كريب هو مولى ابن عباس أن أم سلمة أخبرته قالت: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما يعنى الركعتين بعد العصر (1) ثم رأيته يصليهما، فأرسلت إليه الجارية (2) فقلت: قومي بجنبه فقولي: تقول ام سلمة: يا رسول الله، سمعتك (3) تنهى عن هاتين الركعتين، واراك تصليهما، فان اشار بيده فاستأخرى عنه ففعلت الجارية، فأشار بيده فاستأخرت عنه فلما انصرف قال: يا بنت (4) أبي امية، سألت عن الركعتين بعد العصر) وذكرت
الحديث (5) * وقد ذكرنا قبل اشارته عليه السلام بيده إذ صلى وهو جالس إلى المصلين وراءه قياما ينهاهم عن القيام.
والاشارة برد السلام باليد والرأس في الصلاة جائزة (6) * كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن أنس بن مالك (7) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة (8).
وهذا عموم في كل ماناب * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا قتيبة ثنا الليث هو ابن سعد عن أبى الزبير عن جابر: (أنه أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلمت عليه فأشار إلى، فلما فرغ دعاني وقال: إنك سلمت على
__________
(1) في اليمنية (يعنى عن الركعتين بعد العصر) وهو على النسختين تفسير من المؤلف ليس من أصل الحديث (2) في اليمنية (فارسلت الجارية) وما هنا هو الموافق لمسلم (ج 1: ص 229) (3) في مسلم (انى اسمعك) (4) في المصرية (يا ابنة) وما هنا هو الموافق لمسلم (5) الحديث في مسلم مطول واختصره المؤلف من أوله ووسطه وآخره (6) في اليمنية (والاشارة برد السلام أو اليد في الصلاة جائزة) وهو سقط وخطأ (7) في اليمنية بحذف (ابن مالك) (8) رواه أبو داود (ج 1: ص 356) من طريق عبد الرزاق وصحح الشوكاني(3/79)
آنفا وأنا أصلى (1) * حدثنا حمام ثنا عباس ابن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد ابن اسماعيل الترمذي ثنا الحميدي ثنا سفيان بن عيينة ثنا زيد بن أسلم قال قال ابن عمر: (ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسجد بني عمرو بن عوف بقباء ليصلي فيه، فدخل عليه رجال من الانصار يسلمون عليه، فسألت صهيبا وكان معه: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم؟ قال: كان يشير إليهم) (2) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا قتيبة أن (3) الليث بن سعد حدثهم عن بكير عن نابل صاحب العباء عن ابن عمر عن صهيب قال ومررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فسلمت عليه (4) فرد إشارة) *
__________
اسناده (ج 2: ص 377) وهو صحيح كما قال (1) اختصره المؤلف، وهو في النسائي (ج 1: ص 177) واسناده صحيح.
ورواه أبو داود باسناد آخر عن أبى الزبير (ج 1: ص 348) ونسبه المنذرى لمسلم والترمذي وابن ماجه أيضا (2) الحديث رواه النسائي عن محمد بن منصور المكى (ج 1: ص 177) وابن ماجه عن على بن محمد الطنافسى (ج 1: ص 165) والدارمى عن يحيى بن حسان (ص 119) كلهم عن سفيان بن عيينة، ورواه أبو داود (ج 1: ص 348) والترمذي (ج 1: ص 74 و 75) كلاهما من طريق نافع عن ابن عمر، الا أن عندهما أن ابن عمر سأل بلالا بدلا من صهيب، وزعم الترمذي وتبعه الشوكاني (ج 2: ص 378) انهما قصتان مختلفتان، ولا دليل يؤيده، بل الظاهر انها قصة واحدة، ففى المدونة (ج 1: ص 100) (ابن وهب عن هشام بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء فسمعت به الانصار فجاؤا يسلمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فقلت لبلال أو لصهيب: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسلمون عليه؟ وهو يصلى قال: يشير بيديه) والترمذي وأبو داود انما روياه من طريق هشام بن سعد عن نافع، فظهر أن القصة واحدة وانما الشك من ابن عمر، ثم صار الرواة يذكر بعضهم صهيبا وبعضهم بلالا (3) في المصرية (وأن) وزيادة الواو خطأ لا معنى لها (4) زيادة من أبى داود (ج 1: ص 347 و 348) والحديث رواه أيضا الترمذي (ج 1 ص 74) والنسائي (ج 1: ص 177) وحسنه الترمذي(3/80)
قال علي: قال بعض الناس: لعل هذه الاشارة نهى لهم *
قال علي: هذا الكذب، إذ لو كان كذلك (1) لنهاهم إثر فراغه * وروينا عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت البناني عن أبي رافع قال رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أحدهم ليشهد (2) على الشهادة وهو قائم يصلى * وعن حماد بن سلمة عن قتادة عن معاذة العدوية: أن عائشة أم المؤمنين كانت تأمر خادمها أن تقسم المرقة، فتمر بها وهى في الصلاة فتشير إليها: أن زيدي، وتأمر بالشئ للمسكين تومئ به وهى في الصلاة * وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الاعمش عن خيثمة بن عبد الرحمن قال: رأيت ابن عمر يشير إلى أول رجل في الصف ورأى خللا أن تقدم * وعن وكيع عن أبيه عن عاصم الاحول عن معاذة العدوية: أن عائشة أم المؤمنين أومأت وهى في الصلاة إلى نسوة: أن كلن * وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن محمد بن أبي ليلى عن الحكم ابن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: إني لاعدها للرجل عندي يدا ان يعدلني في الصلاة * وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج: قلت لعطاء: يمر بي انسان فأقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله ثلاثا فيقبل، فأقول له بيدى: أين تذهب؟ فيقول: إلى كذا وكذا،: وأنا في المكتوبة، هل انقطعت صلاتي؟ قال: لا، ولكن أكرهه، قلت: فأسجد للسهو؟ قال: لا * وعن حماد بن سلمة عن عاصم عن معاذة العدوية عن عائشة أم المؤمنين:
__________
(1) في اليمنية (إذ لو كان ذلك) (2) في المصرية (يشهد) *(3/81)
انها قامت إلى الصلاة في درع وخمار، فأشارت إلى الملحفة فناولتها (1)، وكان عندها نسوة فأومأت اليهن بشئ من طعام بيدها، تعنى وهى تصلى * وعن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن ابي رافع قال: كان يجئ الرجلان إلى الرجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فيشهد انه على الشهادة، فيصغى لها سمعه، فإذا فرغا يومئ برأسه أي: نعم * وعن عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر قال: إذا كان احدكم في الصلاة فسلم عليه فلا يتكلمن، وليشر اشارة، فان ذلك رده * فان ذكر ذاكر قوله عليه السلام (لاغرار في صلاة ولا تسليم (2)
__________
(1) في الاصلين (فتولتها) ولكن لم تنقط التاء الاولى في اليمنية وكلاهما خطأ، وهذا الاثر لم أجده في كتاب آخر، وأرجح أن صوابه (فناولتها) وأن يكون أصل رسمه (فنولتها) على قاعدة رسم المصحف في حذف الالف من مواضع كثيرة، نحو (قاتل.
يقاتلوكم.
كتاب) رسمت في المصحف (قتل.
يقتلوكم.
كتب) وهو كثير جدا.
(2) رواه احمد بن حنبل في المسند (ج 2: ص 461) عن عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن أبى مالك الاشجعى عن أبى حازم عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لاغرار في صلاة ولا تسليم) - ووقع في المسند (لا اغرار) وهو خطأ مطبعى - ورواه أبو داود (ج 1: ص 348) عن احمد ورواه الحاكم في المستدرك (ج 1: ص 264) والبيهقي في السنن (ج 2: ص 260) عن الحاكم من طريق احمد، قال الحاكم (صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي وهو كما قالا، ويظهر لى أن سبب عدم اخراج الشيخين له مع صحة اسناده شك بعض الرواة في رفعه فقد رواه أبو داود (ج 1: ص 349) من طريق معاوية بن هشام عن سفيان عن ابى مالك عن أبى حازم عن أبى هريرة قال أراه رفعه قال: (لاغرار في تسليم ولا صلاة) قال أبو داود: (ورواه ابن فضيل على لفظ ابن مهدى ولم يرفعه) وهذه
علة غير قادحة في صحته فالرفع زيادة مقبولة من الثقة ومن أوثق من عبد الرحمن بن مهدى؟! وشك معاوية في الرفع لا يؤثر، فالواثق مقدم على الشاك، خصوصا إذا كان حافظا غير واهم.
ووقع في نسخة ابى داود (لاغرار في الصلاة ولا تسليم) وأنا(3/82)
قيل: ليس هذا نهيا عن رد السلام في الصلاة بالاشارة، ولا يفهم هذا
__________
أرجح جدا أن زيادة (أل) هذه خطأ من النساخ لانها لا توجد في المسند ولا في المستدرك ولا في البيهقى وقد روياه عن المسند، بل ولا في البيهقى إذ رواه عن سنن أبى داود.
وقد اختلف في معناه، فنقل أبو داود عن احمد قال: (يعنى فيما أرى أن لا تسلم ولا يسلم عليك ويغرر الرجل بصلاته فينصرف وهو فيها شاك) وهذا المعنى يصلح على الرواية التى فيها زيادة (أل) ولم أجد ما يؤيدها، وعلى الرواية الاخرى إذا كان (ولا تسليم) بفتح الميم.
أما إذا كان بجرها فلاولانه يكون عطفا على (صلاة)، قال في اللسان: (قال أبو عبيد: الغرار في الصلاة النقصان في ركوعها وسجودها وطهورها وهو أن لايتم ركوعها وسجودها، قال أبو عبيد: فمعنى الحديث: لاغرار في صلاة: أي لا ينقص من ركوعها ولا من سجودها ولا من اركانها كقول سلمان الصلاة مكيال فمن وفى وفى له ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين، قال: وأما الغرار في التسليم فنراه أن يقول له: السلام عليكم فيرد عليه الاخر وعليكم ولا يقول: وعليكم السلام.
هذا من التهذيب.
قال ابن سيده واما الغرار في التسليم فنراه أن يقول: سلام عليك، أو يرد فيقول وعليك، ولا يقول وعليكم، وقيل: لا غرار في الصلاة ولا تسليم فيها، أي لا قليل من النوم في الصلاة ولا تسليم أي لا يسلم المصلى ولا يسلم عليه.
قال ابن الاثير: ويروى بالنصب والجر فمن جره كان معطوفا على الصلاة ومن نصب كان معطوفا على الغرار ويكون المعنى: لا نقص ولا تسليم في صلاة، لان الكلام في الصلاة بغير كلامها لا يجوز) اه كلام اللسان.
وقال ابن التركماني
في الجوهر النقى (لا يلزم من نفى الغرار عن الصلاة والتسليم تحريم التسليم حتى يكون ذلك معارضا للاخبار المبيحة للتسليم والرد بالاشارة وحتى يحتاج إلى الترجيح، بل الغرار النقصان، والغرار في الصلاة نقصان سجودها وركوعها وجميع اركانها، والغرار في التسليم أن يقول المجيب وعليك ولا يقول وعليكم السلام.
قال أبو الأشبال عفا الله عنه: انما أطلت نقل كلامهم في معناه لانى لم أجد أحدا من الشراح وفى الكلام فيه، والراجح عندي ان المراد نفى الغرار عن الصلاة وعن التسليم، وتكون الرواية الراجحة بجر تسليم لان الرواية الاخرى بنصبها - ان صحت يلزم منها التقديم والتأخير وأن اصل (لاغرار ولا تسليم في صلاة) وهو مخالف لظاهر الكلام فلا ينحى نحوه الا لضرورة أو قرينة، ثم ان الرواية الاخرى التى(3/83)
من هذا اللفظ، والدعوى مردودة (1) إلا ببرهان * والترويح لمن آذاه الحر، لقول الله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) فلو تروح عبثا بطلت صلاته * وروينا عن محمد بن المثنى عن محمد بن أبي عدى عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني (2) قال: كان الحسن لا يرى بأسا بالترويح في الصلاة وعن مجاهد: أنه كان يتروح في الصلاة ويمسح العرق * ومن ذلك إماطته عن كل ما يؤذيه ويشغله عن توفية (3) صلاته حقها، لما ذكرنا * وكذلك سقوط ثوب، أو حك بدن، أو قلع بثرة، أو مس ريق، أو وضع دواء، أو رباط منحل: إذا كان كل ذلك يؤذيه فواجب عليه إصلاح شأنه ليتفرغ لصلاته *
روينا عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال: إذا رأى الانسان في ثوبه دما وهو في الصلاة فانصرف يغسله أتم صلى (4) ما بقى على ما مضى ما لم يتكلم * قال علي: وما لم ينحرف عن القبلة عامدا * وروينا عن على بن أبي طالب: أنه كان لا يتحرك في صلاته إلا أن
__________
رواها معاوية بن هشام بالشك في رفع الحديث لفظها عند أبى داود والحاكم والبيهقي (لا غرار في تسليم ولا صلاة) فهى تؤيد أن التسليم مععطوف على الصلاة وأن الغرار منفى عنه كما هو منفى عنها، وهذا ينصر قول ابن حزم في أنه ليس نهيا عن رد السلام في الصلاة بالاشارة.
والحمد لله رب العالمين (1) في المصرية (مردود) وهو خطأ (2) في المصرية (هو أبو عبد الملك) وهو خطأ: والحمراني بضم الحاء المهملة واسكان الميم وفتح الراء نسبة إلى حمران، اسم شخص (3) في المصرية (توفيته) (4) كذا في الاصلين ويحتمل أن يكون صحيحا بجعل (صلى) الخ بيانا لمعنى (أتم) وتصويرا له *(3/84)
يصلح ثوبا أو يحك جلدا * وأما من استرخى ثوبه حتى مس كعبه ففرض عليه أن يرفعه، لئلا يصلى مسبلا عامدا فتبطل صلاته * وحت النخامة من حائط المسجد الذي في قبلته، لما حدثناه عن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث هو ابن سعد عن نافع عن ابن عمر قال: (رأى النبي صلى الله عليه وسلم نخامة في قبلة المسجد وهو يصلي بين يدى الناس، فحتها، ثم قال حين انصرف: إن أحدكم إذا كان في الصلاة فان الله تعالى قبل وجهه، فلا يتنخمن أحدكم قبل وجهه في الصلاة).
(1) *
وقتل الحية والعقرب والغراب والحدأة والكلب العقور والفار والوزغ - صغارها وكبارها -: مباح في الصلاة * لما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا مسلم بن ابراهيم ثنا على بن المبارك ثنا يحيى بن ابى كثير عن ضمضم بن جوس (2) عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقتلوا الاسودين في الصلاة الحية والعقرب) (3) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا ابو عوانة عن زيد بن جبير قال: سأل رجل ابن عمر: ما يقتل المحرم من لدواب؟ (4) فقال ابن عمر: حدثتني إحدى نسوة النبي عليه السلام أنه صلى الله عليه وسلم (5):
__________
(1) في البخاري (ج 1: ص 108) (2) جوس - بالجيم المفتوحة والواو الساكنة وآخره سين مهملة، وفى اليمنية (حرس) وهو خطأ (3) في أبو داود (ج 1: ص 346) ونسبه المنذرى للترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي (حديث حسن صحيح) (4) في مسلم (ج 1: ص 335) (ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم) (5) في اليمنية (احدى نسوة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم انه عليه السلام) وفى مسلم (احدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم انه كان) الخ *(3/85)
كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحديا (1) والغراب والحية قال: وفي الصلاة أيضا.
* قال علي: كل نساء النبي صلى الله عليه وسلم ثقات فواضل عند الله عزوجل، مقدسات بيقين، ولا يمكن البتة أن يغيب على ابن عمر (2) علمهن ولا علم واحدة منهن (3) * فان تأذي بوزغة أو برغوث أو قملة فواجب عليه دفعهن عن نفسه.
فان كان في دفعه (4) قتلهن دون تكلف عمل شاغل عن الصلاة فلا حرج في ذلك، لاننا قد روينا عنه صلى الله عليه وسلم الامر بقتل الوزغ من طريق ابي هريرة وسعد ابن ابي وقاص وأم شريك.
ولا يجوز له التفلى في الصلاة، ولا أن يشتغل بربط برغوث أو قملة في ثوبه، إذ لا ضرورة إلى ذلك، ولا جاء النص باباحته، ولا طلب قتل من لم يؤمر بقتله فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ان في الصلاة لشغلا) * ومن خطر (5) عليه مسكين فخشى فوته فله أن يناوله صدقة وهو يصلى.
ولو خشى على نعليه أو خفيه مطرا أو أذى أو سرقة فله أن يحصنهما (6) ويزيلهما عن مكان الخوف، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن اضاعة المال.
ولو كان بحضرته أو عنده شئ فطلبه صاحبه فليشرله إليه، أولينا وله إياه، لانها أمانة تؤدى إلى أهلها، قال عزوجل: (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها).
وانما هذا إذا خشى
__________
(1) بضم الحاء وفتح الدال وتشديد الياء وبعدها الف: هي الحدأة، وزعم أبو حاتم أن أهل الحجاز يخطئون فيقولون لهذا الطائر الحديا وهو خطأ ويجمعونه الحدادى وهو خطأ.
هكذا نقله عنه في اللسان.
وفى الكلمة لغات كثيرة.
انظر اللسان ومشارق الانوار للقاضى عياض (2) في اليمنية (عن ابن عمر) (3) الزوجة التى حدثت ابن عمر بهذا هي حفصة كما صرح بذلك في رواية ابنه سالم عنه عند مسلم (ج 1: ص 335) وفى رواية أخرى فيه أيضا التصريح من ابن عمر بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فلعله سمعه منه ثم نسيه فحدث به عن حفصة (4) في اليمنية (رقعة) وهو تصحيف (5) في اليمنية (حضر) (6) في اليمنية (يحضنهما) وهو تصحيف *(3/86)
ضياع الشئ أو فوت صاحبه، فإذا لم يخش ذلك فلا يفعل، إلا (1) حتى يتم الصلاة * ومن صف قدميه أو راوح بينهما فذلك جائز، لانه كله قيام.
ومن أن
في صلاته، فان كان من شدة مرض غالب (2) لا يقدر منه على أكثر، فلا شئ عليه.
لقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) فان تعمده لغير ضرورة بطلت صلاته، لانه لم يأت النص باباحته * ومن صلى وفي فمه دينار أو درهم أو لؤلؤة أو في كمه حرير أو ذهب أو غير ذلك مما عليه حفظه: فذلك جائز له * ودفع المار بين يدى المصلى وسترته ومقاتلته إن أبى: حق واجب على المصلى، فان وافق ذلك موت المار دون تعمد من المصلى لقتله فهو هدر، ولا دية فيه ولا قود ولا كفارة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد بن ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ (3) ثنا سليمان ابن المغيرة ثنا ابن هلال يعنى حميدا قال: قال لى أبو صالح السمان: بينما أنا مع أبي سعيد الخدري يصلي (4) يوم الجمعة إلى شئ يستره من الناس إذ جاء رجل (5) شاب من بنى أبى معيط أراد أن يجتاز بين يديه، فدفع في نحره، فنظر فلم يجد مساغا إلا بين يدى أبي سعيد، فعاد فدفع في نحره أشد من الدفعة الاولى، فمثل قائما فنال من أبى سعيد، ثم زاحم الناس فخرج، فدخل على مروان فشكا إليه مالقى، ودخل أبو سعيد على مروان، فقال له مروان: مالك ولابن أخيك؟ جاء يشكوك! فقال أبو سعيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) في اليمنية بحذف (إلا) (2) في اليمنية (غايب) وهو خطأ (3) في اليمنية (شيبان بن كروح) وهو خطأ غريب (4) في المصرية (نصلى) وهو تصحيف (5) كلمة (رجل) زيادة من مسلم (ج 1: ص 143 و 144) *(3/87)
يقول: (إذا صلى احدكم إلى شئ يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز (1) بين
يديه فليدفع في نحره، فان أبي فليقاتله فانما هو شيطان) * فان ذكروا قول مالك: بلغني أن رجلا جاء إلى عثمان بن عفان برجل كسر أنفه، فقال: مر بين يدى في الصلاة، وقد بلغني ما سمعت في المار بين يدى المصلى، فقال له عثمان: فما صنعت أشد يا ابن أخي! ضيعت (2) الصلاة وكسرت أنفه! (3) * قال على: هذا بلاغ لا يصح، ولو صح لما كان إلا على المخالف، لانه ليس فيه أن عثمان بن عفان رضى الله عنه اقاده من كسر أنفه، وحتى لو كان ذلك فيه لما كان في قول أحد حجة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد رأى مقاتلته وضربه أبو سعيد الخدري وغيره * وحمل المصلى صغيرا على عنقه أو المشى (4) به إلى حمله حاجة جائز * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد ابن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثا محمد بن أبي عمر ثنا سفيان هو ابن عيينة عن عثمان بن أبي سليمان ومحمد بن عجلان سمعا عامر بن عبد الله ابن الزبير يحدث عن عمرو بن سليم الرزقي عن أبى قتادة الانصاري قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة بنت أبى العاصى وهى بنت زينب ابنة (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود
__________
(1) في الاصلين (فأراد أحد يجتاز) بحذف (أن) وصححناه من مسلم (2) في اليمنية (صنعت) وهو تصحيف (3) هذا البلاغ لم اجده في الموطأ ولا في المدونة (4) في الاصلين (أو السى به) ولم نفهم معناه فظننا أن كلمة (المشى) أقرب.
ثم لا تزال الجملة مضطربة ومعناها غير مفهوم، ولعل صوابها (أو المشى به ان كانت بالمصلى إلى حمله حاجة -:
جائز) والله أعلم (5) في مسلم (ج 1: ص 152) (وهى ابنة زينب بنت) *(3/88)
ثنا يحيى بن خلف ثنا عبد الاعلى ثنا محمد يعنى ابن اسحاق (1) عن سعيد بن أبي سعيد المقبرى عن عمر بن سليم الزرقى عن ابي قتادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر، وقد دعاه (2) بلال للصلاة (3) إذ خرج علينا (4) وامامة بنت ابي العاص بنت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاتقه (5)، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصلاه، فقمنا خلفه، وهى في مكانها الذي هي فيه، فكبر فكبرنا، حتى إذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يركع اخذها فوضعها ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده ثم قام (6) اخذها فردها في مكانها، فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل (7) ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته) * وبهذا يقول الشافعي وابو سليمان.
وهذان الحديثان يثبتان كذب من خالفهما، وادعى انه كان في نافلة، وكل ما فعله عليه السلام فهو غاية الخشوع وكل ما خالفه فهو الباطل، وان ظنه المخطئ خشوعا.
* وهذا الخبر بلا شك كان بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود: (ان في الصلاة، لشغلا) لان هذا القول منه عليه السلام كان قبل بدر، إثر مجئ ابن مسعود من بلاد الحبشة، ولم ترد زينب المدينة وابنتها إلا بعد بدر، بالاخبار الثابتة في ذلك * ومن ركب على ظهره صغير وهو يصلى فتوقف لذلك فحسن * ومن استراب بتطويل الامام في سجوده فليرفع رأسه ليستعلم هل خفى عنه تكبير الامام أو لا؟ لانه مأمور باتباع الامام، فان رآه لم يرفع فليعد إلى السجود، ولا شئ عليه لانه فعل ما امر به من مراعاة حال الامام.
*
__________
(1) في اليمنية (ثنا عبد الله بن محمد يعنى ابن اسحق) وهو خطأ (2) في المصرية
(دعا) بحذف الضمير وهو خطأ لانه مثبت في اليمنية وفى ابى داود (ج 1: ص 345 و 346) (3) في الاصلين (بالصلاة) وصححناه من أبى داود (4) في أبى داود (الينا) (5) في ابى داود (بنت ابنته على عنقه) (6) في الاصلين (وقام) (7) في أبى داود (يصنع)(3/89)
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب انا أبو القاسم (1) عبد الرحمن بن محمد بن سلام الطرسوسى ثنا يزيد بن هرون انا جرير ابن حازم ثنا محمد بن ابي يعقوب البصري عن (2) عبد الله بن شداد عن ابيه (3) قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في احدى صلاتي العشاء (4) وهو حامل حسنا أو حسينا (5) فوضعه (6) ثم كبر للصلاة فصلى، فسجد بين ظهرانى (7) صلاته سجدة أطالها، فرفعت رأسي، فإذا الصبي على ظهره عليه السلام وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال أناس (8) يارسول الله انك سجدت بين ظهراني (9) صلاتك سجدة أطلتها، حتى ظننا انه قد حدث امر أو انه يوحى اليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت ان اعجله حتى يقضى حاجته) * وتحريك من خشى المصلى نومه وادارة من كان (10) على اليسار إلى اليمين مباح (11) كل ذلك في الصلاة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد ابن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا ابن ابي فديك (12) انا الضحاك هو ابن عثمان عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: (بت ليلة عند خالتي ميمونة بنت الحارث، فقلت لها: إذا قام
__________
(1) هي كنية عبد الرحمن، ذكرت في اليمنية فقط، وليست مذكورة في النسائي (2) في اليمنية (ثنا) وما هنا هو الموافق للنسائي (ج 1: ص 171 و 172)
(3) في اليمنية بحذف (عن أبيه) وهو خطأ (4) في اليمنية (صلاة العشى) وهو خطأ واضح (5) في اليمنية (حسينا أو حسنا) (6) في النسائي (فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه) (7) أي في اثنائها، وفى الاصلين (ظهرى) وهو خطأ (8) في النسائي (فلما قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الصلاة قال الناس) (9) في الاصلين (ظهرى) (10) في اليمنية (من مكان) وهو خطأ (11) كلمة (مباح) زبادة من اليمنية (12) في اليمنية (محمد بن أبى فديك) وهو هو *(3/90)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظيني، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت إلى جنبه الايسر، فاخذ بيدي (1) فجعلني من شقه الايمن، فجعلت إذا أغفيت اخذ (2) بشحمة اذنى) وذكر باقى الحديث * ويدعو المصلى في صلاته في سجوده وقيامه وجلوسه بما أحب، مما ليس معصية، ويسمى في دعائه من أحب.
وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عصية ورعل وذكوان، ودعا للوليد بن الوليد وعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام، يسميهم بأسمائهم، وما نهى عليه السلام قط عن هذا ولانهى هو عنه، وقال عليه السلام في السجود: (أخلصوا فيه الدعاء) أو نحو هذا، وقال: (ثم ليتخير أحدكم من الدعاء (3) أعجبه إليه) وسنذكرها بأسانيدها ان شاء الله تعالى في صفة أعمال الصلاة * وكل منكر رآه المرء في الصلاة ففرض عليه انكاره، ولا تنقطع بذلك صلاته، لان الامر بالمعروف والنهى عن المنكر حق، وفاعل الحق محسن، ما لم يمنع من شى منه نص أو اجماع.
وقال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) * ومن جملة ذلك اطفاء النار المشتعلة، وانقاذ الصغير والمجنون والمقعد
والنائم من نار أو من حنش أو سبع أو انسان عاد، أو من سيل (4)، والمحاربة لمن أراد المصلى أو أراد مسلما بظلم، وشد الاسير الكافر أو الظالم إلا أن يمنع من شئ من ذلك نص أو إجماع.
ومن فرق بين شئ من ذلك.
فقد أخطأ، وقال بلا برهان * وروينا من طريق البخاري: حدثنا آدم ثنا شعبة ثنا الازرق بن قيس قال
__________
(1) في الاصلين (بيده) وهو خطأ صححناه من مسلم (ج 1: ص 212) (2) في الاصلين (يأخذ) وما هنا هو الذى في مسلم (3) في المصرية (في الدعاء).
والذى في البخاري (ج 1: ص 119) (ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعوا) (4) في اليمنية (أو انسان عادى أو من سبيل) وهو خطأ *(3/91)
كنا بالاهواز نقاتل الحرورية، فبينما (1) أنا على جرف (2) نهر إذا رجل يصلى ولجام (3) دابته في يده، فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها قال شعبة وهو أبوبرزة الاسلمي، فجعل رجل من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ، فلما انصرف الشيخ قال اني سمعت قولكم (4)، واني غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست غزوات أو سبع غزوات (5) وشهدت تيسيره، واني كنت أرجع مع دابتي (6) أحب إلى من أن أدعها ترجع إلى مألفها فيشق على (7) * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري (8) عن الازرق بن قيس (9) ان أبا برزة الاسلمي خاف على دابته الاسد فمشى إليها، وهو في الصلاة * وبه إلى معمر عن قتادة: سأله رجل قال: تدخل الشاة بيتي وأنا أصلى فأطأطئ رأسي فآخذ القصبة (10) فاضربها؟ قال قتادة: لا بأس به * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان: ثنا سليمان التيمى عن الحسن البصري في القملة يقتلها الرجل في الصلاة (11) *
__________
(1) في البخاري (ج 1: ص 168) و (ج 2: ص 144 منيرية) (فبينا) (2) بضم الجيم والراء.
وفى الاصلين بالحاء وهو تصحيف (3) في البخاري (وإذا لجام) (4) في المصرية (فلما انصرف الشيخ قال أي قولكم) وهو خطأ لا معنى له، وفى اليمنية (فلما انصرف قال الشيخ انى سمعت قولكم) وما هنا هو الموافق للبخاري (5) في البخاري زيادة (أو ثمان) (6) في البخاري (وانى ان كنت ان اراجع مع دابتي) (7) رواه ايضا الطيالسي (ص 125 نمرة 927) عن شعبة والبيهقي (ج 2: ص 266) من طريق آدم عن شعبة، ورواه البخاري (ج 3: ص 144) في الادب عن ابى النعمان عن حماد بن زيد عن الازرق بن قيس (8) قوله (عن الزهري) زيادة من اليمنية (9) في اليمنية (عن الازد وابن قيس) وهو خطأ واضح (10) في اليمنية (العصية) (11) اين باقى الاثر؟! ولم اجده في شئ من الكتب، ووجدت في المغنى لابن قدامة - وهو صنو المحلى - (فان قتلها - يعنى القملة - فلا بأس، لان انسا كان يقتل القمل والبراغيث في الصلاة، وكان الحسن يقتل القمل، وقال الاوزاعي: تركه احب إلى، وكان عمر يقتل القمل في الصلاة) (ج 1: ص 667) *(3/92)
قال علي: وكذلك من خاف على ماله أو سرقت نعله أو خفه أو غير ذلك فله ان يتبع السارق فينتزع منه متاعه * ولا يضر في كل ما ذكرنا ما اضطر من استدبار القبلة كثرة العمل وقتله، ما لم يتكلم، فان كان إماما أو مأموما فطمع بشئ من ادراك الصلاة بعد تمام حاجته، أو بانتظار الناس له: رجع ولابد، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كبر ناسيا وهو جنب فذكر فخرج فاغتسل ورجع فأتم الصلاة، وكما فعل يوم ذى اليدين.
* فان لم يرج بادراك شئ (1) من الصلاة، أو أيقن أن الناس لا ينتظرونه، أتم صلاته (2) حين تمام حاجته في أول مكان تجوز له فيه الصلاة، ولا يحل له أن يخطو
خطوة واحدة لغير رجوع إلى الصلاة، أو لزوال عن مكان لا تجوز فيه الصلاة * فلو رجا بصلاة في جماعة أخرى أقرب منها فليدخل فيها، فآخر صلاة صلاها أهل الاسلام (3) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبامامين: بدأ أبو بكر وأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن رغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التى أجمع عليها جميع الصحابة رضى الله عنهم، أولهم عن آخرهم، معه عليه السلام وقلد رأى من
__________
(1) في اليمنية (فان لم يرج تارك شئ) الخ وهو خطأ سخيف، و (رجا) فعل متعد بنفسه وقد عداه المؤلف هنا وبعد أسطر بالحرف، ولا أعرف وجهه، ولم أجد نصا يؤيد هذا الاستعمال (2) في الاصلين (أو أيقن أن الناس لا ينتظرونه أو كان قد أتم صلاته) الخ وهو خطأ، إما بالزيادة وإما بالنقص، ولذلك حذفنا قوله (أو كان قد) لان قوله (أتم صلاته) الخ جواب الشرط في قوله (فان لم يرج) الخ والمعنى المراد ظاهر، وهو أن هذا المصلى واجب عليه اتمام صلاته بعد ما اتم ما عمله على قدر الضرورة، فان كان لديه رجاء ان يدرك الصلاة مع الجماعة التى كان فيها عاد إليها وان يئس من ادراكها اتم صلاته حيث انتهى عمله الضرورى إلى آخر ما زعمه المؤلف.
ويحتمل أن يكون سقط من النسخ شئ بعد قوله (أو كان قد) فيكون صورة ثالثة، ثم يأتي بعده قوله (اتم صلاته) الخ وهو جواب الشرط (3) في اليمنية (فلو رجا بصلاة صلاها اهل الاسلام) وسقط مافى ثناياه، وهو خطأ ضاع معه المعنى المراد *(3/93)
يخطئ (1) مرة ويصيب أخرى: فما خير له في ذلك.
ونسأل الله العافية والتوفيق لما يرضيه.
آمين * قال أبو محمد: وكل من فرق بين قليل العمل وكثيره فلا سبيل له (2) إلى دليل على ذلك، ولابد له ضرورة من أحد أمرين لا ثالث لهما: إما أن يحد في ذلك
برأيه حدا فاسدا ليس هو أولى به من غيره بغير ذلك التحديد، فيحصل على التحكم بالباطل، وأن يشرع في الدين ما لم يأذن به الله.
وإما ان لا يحد في ذلك حدا، فيحصل على اقبح الحيرة في اهم اعمال دينه، وعلى ان لا يدرى ما تبطل به صلاته مما لا تبطل به.
وهذا هو الجهل المتعوذ بالله منه * ونسأله عن عمل عمل: أهذا مما ابيح في الصلاة (3)؟ أو مما لم يبح فيها؟ ولا سبيل إلى وجه ثالث.
فان قال: هو مما ابيح فيها، لزمه ان قليله وكثيره مباح، وهو قولنا فيما (4) جاء البرهان باباحته فيها، وان قال: هو مما لم يبح فيها، لزمه ان قليله وكثيره غير مباح فيها، وهو قولنا (5) فيما لم يأت البرهان باباحته فيها.
فان قالوا: ابيح قليله ولم يبح كثيرة.
قلنا هذه دعوى كاذبة مفتقرة إلى دليل، فهاتوا برهانكم على صحة هذه الدعوى اولا، ثم على بيان حد القليل المباح من الكثير المحظور، ولا سبيل إلى شئ من ذلك * قال علي: ومشى المصلى إلى فتح الباب للمستفتح حسن لا يضر الصلاة شيئا * حدثنا حمام ثنا عباس بن اصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا احمد بن محمد البرتى القاضي ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث (6) ثنا برد أبو العلاء هو ابن سنان -
__________
(1) في اليمنية (ومن رغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رأى من يخطئ) وهو خطأ وسقط (2) في اليمنية بحذف (له) (3) في المصرية (ونسأله عن عمل عمل هذا مما ابيح له في الصلاة) وما هنا أحسن (4) في اليمنية (فما) وهو خطأ (5) في اليمنية (وهذا قولنا) (6) في اليمنية (ثنا أبو معمر عبد الوارث) وهو خطأ لان ابا معمر هو عبد الله بن عمرو بن ابى الحجاج المنقرى المقعد، وعبد الوارث هو ابن سعيد العنبري التنورى، وابو معمر تلميذه وراويته *(3/94)
عن الزهري عن عروة قالت عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى، فاستفتح
الباب، والباب في القبلة، فيجئ فيفتح الباب ثم يعود في صلاته) * قال ابن أيمن: وحدثناه أبو بكر بن حماد ثنا مسدد ثنا بشر بن المفضل ثنا برد ابن سنان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى وعليه باب مغلق فجئت فاستفتحته فمشى ففتح لي ثم رجع إلى مصلاه (1) * قال علي: ورواه يزيد بن زريع قال ثنا برد ثنا الزهري، يذكره * قال علي: فالمشي لما ذكرنا (2) مباح، ولم يوقف عليه السلام على مشى من مشى * ومسح الحصى في الصلاة مرة واحدة جائز ونكرهه، فان زاد عامدا بطلت صلاته * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا سفيان عن الزهري عن أبي الاحوص أنه سمع أبا ذر يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قام أحدكم إلى الصلاة فان الرحمة تواجهه، فلا يمسح الحصى) (3) * وبه إلى أبي داود: ثنا مسلم بن ابراهيم ثنا هشام هو الدستوائي عن يحيى هو
__________
(1) في اليمنية (إلى صلاته) وما هنا اصح.
والحديث رواه أبو داود (ج 1: ص 346) والترمذي (ج 1: ص 117) والنسائي (ج 1: ص 178) - وفيه ان الصلاة كانت تطوعا - والبيهقي (ج 2: ص 265 و 266) وقال الترمذي (حسن غريب) وماذاك الا لانفراد برد بن سنان به فيما ارى، لانى لم اجده من غير روايته وبرد ثقة صدوق في الحديث، ومن تكلم فيه فانما رماه بأنه كان يرى القدر، وما هذا بسبب لضعف حديثه، وفى قولى ان الحديث صحيح (2) في المصرية (فالمشي لما ذكرنا كما ذكرنا) ولا داعى لهذه الزيادة (3) نسبه المنذرى ايضا للترمذي والنسائي وابن ماجه، ونسبه ابن حجر في التهذيب (ج 12: ص 6) إلى ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما *(3/95)
ابن ابي كثير عن ابن سلمة عن معيقيب (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال.
(لا تمسح يعنى الحصى وأنت تصلى، فان كنت لابد فاعلا فواحدة (2):) * قال علي: فان احتجوا بهذا في الفرق بين القليل والكثير، قلنا هذا في مسح الحصى المنهى عنه جملة، المستثنى منه الواحدة فقط، فقولوا لنا: ماذا تقيسون على هذا الخبر؟ الاعمال المباحة جملة بالنصوص؟ أم الاعمال المنهى عنها جملة؟! ولابد من أحد الامرين * فان قالوا: بل الاعمال المباحة جملة، قلنا: القياس كله باطل، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل * أول ذلك: أنه قياس المباح على المحظور، وهذا باطل عند صاحب كل قياس، لانه قياس الشئ على ضده، وانما القياس عند القائلين به: قياس الشئ على نظيره جملة، أو على نظيره في العلة التي هي علامة الحكم بزعمهم * وأيضا: فانتم تبيحون الخطوتين والثلاث في الصلاة، والضربة والضربتين، واخذ الماء باناء من الجابية لمن عليه الحدث في الصلاة، وهذا أكثر من المرة الواحدة، فظهر بطلان قياسكم (3)، وتحرمون ما زاد على ما ذكرنا، واستقاء الماء من البئر لمن عليه الحدث في الصلاة.
فلاح أنكم لم تتعلقوا بقياس أصلا * فان قالوا: بل قسنا الاعمال المنهى عنها (4) على هذا الخبر.
قلنا لهم:
__________
(1) في المصرية (عن ابى سلمة هو معيقيب) وهو خطأ فاحش، فان ابا سلمة هو ابن عبد الرحمن ابن عوف وهو من التابعين ومعيقيب - بضم الميم وفتح العين المهملة واسكان الياء وكسر القاف وبعدها ياء مثناة ثم موحدة صحابي قديم من السابقين الاولين، هاجر الهجرتين وشهد بدرا وكان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم واستعمله أبو بكر وعمر على بيت المال
(2) في آخره عند ابى دواد زيادة (تسوية الحصى) أي لاجل تسوية الحصى أو بدل من واحدة، والحديث نسبه المنذرى للكتب الستة، وهذا والذى قبله في ابى داود (ج 1: ص 356 و 357) (3) في اليمنية (قياسهم) وما هنا اصح واجود (4) في الاصلين (المنهى عليها) وهو خطأ *(3/96)
فابيحوا ادخال الابرة في خياطة الثوب مرة واحدة، وقدح النار بالزند بضربة واحدة، وأبيحوا لطمة واحدة للخادم، ورد مرمى الحائك (1) مرة واحدة، وقد الاديم بضربة واحدة، والتذكية بجرة واحدة، كل ذلك في الصلاة، وهم لا يقولون بهذا.
فظهر فساد قولهم.
وبالله تعالى التوفيق * قال علي: فان ذكروا (2) ماروينا من طريق يعقوب بن عتبة بن الاخنس عن أبي غطفان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (التسبيح للرجال، يعنى في الصلاة، والتصفيق للنساء، من أشار في صلاته اشارة تفهم عنه فليعدها، يعنى في الصلاة) (3) * قال أبو داود: هذا الحديث وهم، ولو صح لوجب ضمه إلى الاخبار الثابتة (4) التي ذكرنا قبل، من إشارة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بأن يرد السلام وإلى الخادم في أن تستأخر عنه، وكل ما بالمرء إلى الاشارة به وإليه ضرورة، فتخرج تلك
__________
(1) في اليمنية (مرمى الحائط) واظن ان ما هنا هو الصواب (2) في اليمنية (مسألة فان ذكروا) الخ وما هنا اصح، فالكلام تابع للكلام السابق ولا يصلح ان يكون مسألة مستقلة (3) في ابى داود (ج 1: ص 356) فليعد لها يعنى الصلاة) وهذا الحديث رواه ايضا الدارقطني باسنادين (ص 195 و 196) والطحاوى (ج 1: 262) والبيهقي (ج 2: ص 262) ونسبه الشوكاني (ج 2 ص 377) للبزار أيضا قال الدارقطني (قال لنا ابن أبى داود: أبو غطفان هذا رجل مجهول وآخر الحديث زيادة في الحديث ولعله من قول
ابن اسحق، والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يشير في الصلاة رواه انس وجابر وغيرهما) ودعوى أبى بكر بن أبى داود ان أبا غطفان مجهول دعوى مردودة فانه ثقة معروف وثقة النسائي وابن معين وروى له مسلم في صحيحه، ولعل في الحديث وهما كما قال ابوه أبو داود، قال الشوكاني (وعلى فرض صحته ينبغى ان تحمل الاشارة المذكورة في الحديث على الاشارة لغير رد السلام والحاجة جمعا بين الادلة) وهذا أعدل وأقرب، واليه يشير صنيع المؤلف (4) كلمة (الثابتة) محذوفة من اليمنية *(3/97)
الاشارات (1) بالنصوص التي فيها، وتبقى كل إشارة لم يأت باباحتها نص التحريم، كالاشارة بالبيع وبالمساومة، وبماذا عملت، والاستخبار وغير ذلك، فهذا هو العمل الذي لا يجوز غيره لو صح هذا الخبر وهو قولنا ولله الحمد لان الاشارات أنواع مختلفة، فما أبيح منها بالنص كان مباحا، وما لم يبح منها بالنص كان محرما، فكيف والحديث لا يصح! وبالله تعالى التوفيق * 302 مسألة ومن خرج من صلاته وهو يظن أنه قد أتمها فكل عمل عمله من بيع أو ابتياع أو هبة أو طلاق أو نكاح أو غير ذلك فهو باطل مردود، لانه في حكم الصلاة، ولو ذكر لعاد إليها، ولا خلاف في أن هذه الافعال كلها محرمة في الصلاة (2).
فكل ما وقع منها (3) في هذه الحال فهو غير الفعل الجائز اللازم المأمور به أو المباح بلا شك.
وإذ هو غير الجائز فهو غير جائز بلا شك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذا عمل ليس عليه أمره عليه السلام، فهو مردود بلاشك * فلو ذكر أنه لم يتم صلاته ففعل شيئا من ذلك لزمه، لانه بذكره وقصده إلى عمل ما ذكرنا خرج عن الصلاة، وإذا خرج عن الصلاة فقد حصل في
حال تنفذ فيها هذه الافعال كلها، وهكذا أيضا لو فعل ذلك بعد انتقاض طهارته فهى أيضا نافذة لازمة، لانه بانتقاض طهارته خرج عن الصلاة، فوقع ذلك منه في غير الصلاة.
وبالله تعالى التوفيق * 303 مسألة ومن خطر على باله شئ من أمور الدنيا أو غيرها، معصية أو غير معصية، أو صلى مصرا على الكبائر: فصلاته تامة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد
__________
(1) في المصرية (الاشارة) وما هنا اصح (2) قوله (في الصلاة) محذوف من اليمنية (3) كلمة (منها) حذفت من اليمنية *(3/98)
ابن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا معاذ بن هشام هو الدستوائي قال حدثني أبي (1) عن يحيى بن أبي كثير ثنا أبو سلمة ابن عبد الرحمن (2) أن أبا هريرة حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نودى بالاذان أدبر الشيطان له ضراط، حتى لا يسمع الاذان، فإذا قضى الاذان أقبل فإذا ثوب بالصلاة، (3) أدبر، فإذا قضى التثويب أقبل، حتى يخطر (4) بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا اذكر كذا (5)، لما لم يكن يذكر، حتى يظل (6) الرجل إن يدري كم صلى فإذا لم يدر أحدكم كم صلى فليسجد سجدتين وهو جالس) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا مسلم بن ابراهيم ثنا هشام هو الدستوائي عن قتادة عن زرارة بن أوفى (7) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله تجاوز لامتي ما لم تتكلم به وتعمل (8) به، وبما حدثت به أنفسها (9) * وقد ذكرنا قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه) فصح أن كل ذلك لا يؤثر في الصلاة، وأنه لا يبطل
الصلاة إلا قول مقصود إليه منهى عنه أو عمل كذلك، أو القصد إلى تبديل نية الصلاة المأمور بها في الصلاة، التي لا تصح صلاة إلا بها، وهى النية لاداء تلك الصلاة باسمها وعينها، فمن لم ينو كذلك قاصدا إلى ذلك فلم يصل كما أمر، *
__________
(1) قوله (قال حدثنى ابى) سقط من الاصلين خطأ، وصححناه من مسلم (ج 1: ص 158) (2) في اليمنية (ثنا سلمة بن عبد الرحمن) وهو خطأ (3) في مسلم (فإذا ثوب بها) باعادة الضمير على الصلاة مع انها لم يسبق ذكرها، ولكنها معلومة من سياق الكلام (4) في مسلم (أقبل يخطر) بحذف (حتى) (5) في الاصلين (اذكر كذا وكذا) وصححناه من مسلم (6) في اليمنية (حتى يطلب) وهو خطأ (7) في اليمنية (عن زرارة بن أبى أوفى) وهو خطأ تكرر فيها مرارا (8) في ابى داود (ج 2 ص 232) (عما لم تتكلم به أو تعمل به) وفى اليمنية كما هنا الا ان فيها (تكلم) بحذف احدى التاءين (9) الحديث نسبه المنذرى لباقي الكتب الستة *(3/99)
وروينا من طريق وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه قال قال عمر بن الخطاب: اني لاحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة * وقد افترض عزوجل التوبة على العاصين، وأمروا بالصلاة مع ذلك، قال الله تعالى: (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات).
وبيقين ندري أنه تعالى انما خاطب بهذا المصرين، لان التائب لاسيئة له.
وقال تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا) وهذا كله إجماع، إلا قوما خالفوا الاجماع من أهل البدع قالوا: لاتقبل توبة من عمل سوءا حتى يتوب من كل عمل سوء، فلزمهم (1) أن لاتقبل التوبة من تعمد ترك الصلاة وترك الزكاة وترك الصوم، نعم ولا من ترك التوحيد الا بالتوبة من تعمد كل سيئة.
فحصلوا على الامر بترك الصلاة والزكاة
والصوم وجميع أعمال البر.
وهذا خروج عن الاسلام.
ونعوذ بالله من الخذلان * 304 مسألة ومن كان راكبا على محمل أو على فيل أو كان في غرفة أو في أعلى شجرة أو على سقف أو في قاع بئر أو على نهر جامد أو على حشيش أو على صوف أو على جلود أو خشب أو غير ذلك فقدر على الصلاة قائما فله أن يصلى الفرض حيث هو قائما.
يوفى ركوعه وسجوده وجلوسه حقها * لانه انما أمر بالقيام في الصلاة والركوع والسجود والجلوس والطمأنينة والاعتدال في كل ذلك مع استقبال الكعبة ولابد، فإذا وفي كل ذلك حقه فقد صلى كما أمر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حيثما ادركتك الصلاة فصل) وليس شئ من هذه الموضع منهيا عن الصلاة فيها (2) * والعجب كله ممن يحرم الصلاة كما ذكرنا على المحمل (3) ولم يأت بالنهي عن ذلك نص، وهو يبيحها في أعطان الابل والحمام والمقبرة والى القبر!
__________
(1) في اليمنية (من كل سوء عمل فيلزمهم) (2) في اليمنية (منهيا على الصلاة) وهو خطأ (3) قوله (والعجب) إلى هنا سقط من اليمنية وجعل موضعه بياض *(3/100)
والنص قد صح بالنهي عن الصلاة في هذه المواضع! * فان عجز عن اتمام القيام أو الركوع أو السجود أو القبلة في الاحوال التي ذكرنا ففرض عليه النزول إلى الارض والصلاة كما أمر، إلا من ضرورة تمنعه من النزول، من خوف على نفسه أو ماله، فليصل كما هو كما يقدر، قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقال تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * 305 مسألة ومن تعمد ترك الوتر حتى طلع الفجر الثاني فلا يقدر
على قضائه أبدا.
فلو نسيه أحببنا له أن يقضيه أبدا متى ما ذكره، ولو بعد أعوام * برهان ذلك ما قد ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوتر ركعة من آخر الليل) * حدثنا حمام ثنا ابن المفرج عن ابن الاعرابي عن الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا طلع الفجر فقد ذهبت كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل أن تصبحوا (1) *
__________
(1) روى أبو داود (ج 1: ص 539) والترمذي (ج 1: ص 93) والمروزي في الوتر (ص 138) والحاكم (ج 1: ص 301) كلهم من طريق ابن ابى زائدة عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا (بادروا الصبح بالوتر) ولفظ الحاكم (بادروا بالوتر قبل الصبح) وصححه الترمذي والحاكم والذهبي ورواه ايضا مسلم في صحيحه باللفظ الاول (ج 1 ص 208) والبيهقي (ج 2: ص 478) من طريق عبد الله بن شقيق عن ابن عمر.
واما الرواية التى هنا - رواية عبد الرزاق - فقد رواها الترمذي من طريقه (ج 1: ص 94) وقال (سليمان بن موسى قد تفرد به على هذا اللفظ) وسليمان بن موسى هو الاموى الاشدق فقيه أهل الشأم ثقة صحيح الحديث، وقد روى البيهقى هذا الحديث (ج 2 ص 478) من طريق(3/101)
حدثنا احمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت الرقي ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا صالح بن معاذ ثنا يحيى بن أبي بكير عن معاوية بن قرة عن الاغر المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أدركه الصبح ولم يوتر فلا وتر له) (1) *
__________
حجاج بن محمد عن ابن جريج (أخبرني سليمان بن موسى ثنا نافع ان ابن عمر كان يقول:
من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وترا فان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك فإذا كان الفجر فقد ذهب صلاة الليل والوتر لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الوتر قبل الفجر).
فهذه الرواية المبينة المفسرة مع الروايات السابقة تدل عندي على أن الحديث المرفوع الذى هنا انما هو من قول ابن عمر، قاله استنباطا من الحديثين المرفوعين في الامر بجعل الوتر آخر صلاة الليل وبالامر بمبادرة الصبح بالوتر، وأن من جعله مرفوعا فقد وهم أو سهى.
والله أعلم (1) صالح بن معاذ في اسناد الحديث لم أجد له ترجمة.
ويحيى بن أبى بكر ان كان هكذا بالتصغير كما في المصرية فما أظنه أدرك معاوية بن قرة، لانه مات سنة 208 أو 209 ومعاوية مات سنة 113، وان كان (يحيى بن أبى بكر) بالتكبير - كما في اليمنية - فلم أجد له ترجمة أيضا.
وعلى كل الحالات فانى أشك جدا في رواية هذا الحديث بهذا الاسناد ويخيل إلى أن في اصل المصنف خطأ أو في اصل كتاب البزار، فقد روى البيهقى (ج 2: ص 479) من طريق خالد بن أبى كريمة قال: (حدثنى معاوية بن قرة عن الاغر المزني ان رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبى الله انى أصبحت ولم أوتر؟ (قال: انما الوتر بالليل ثلاث مرات أو أربعا، قم فأوتر) ونقله أيضا الشوكاني (ج 3 ص 57 و 58) عن المعجم الكبير للطبراني بنحوه، وخالد وثقه احمد وابو داود وغيرهما واختلفت الرواية فيه عن ابن معين فمرة وثقه ومرة ضعفه، فهذا الحديث عن الاغر غير الذى رواه البزار، ويخالفه في ظاهره ولم اجد ما يؤيد رواية البزار أصلا.
وقد روى مسلم (ج 1: ص 208) والمروزي (ص 138) والحاكم (ج 1: ص 301) والبيهقي (ج 2: ص 478) من حديث يحيى بن أبى كثير عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى مرفوعا (أوتروا قبل أن تصبحوا) ونسبه ايضا في المنتقى (شوكاني ج 3 ص 49) للترمذي والنسائي وابن ماجه واحمد، وروى البيهقى (ج 2 ص 478) والحاكم (ج 1: ص 301 و 302) من طريق قتادة عن ابى نضرة عن ابى سعيد مرفوعا (من ادرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له) ورواه الطيالسي (ص 292 رقم 2192) عن(3/102)
وأما من نسيه فهو داخل تحت قوله عليه السلام: (من نسى صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها) وهذا عموم (1) يدخل فيه كل صلاة فرض ونافلة، فهو بالفرض أمر فرض، وهو بالنافلة (2) أمر ندب وحض، لان النافلة لا تكون فرضا * وهذه الآثار تبطل قول من قال: من تعمد ترك صلاة الوتر حتى يطلع الفجر فانه يصلى الوتر، وقول من قال (3): إن ذكر الوتر وهو صلاة الصبح فقد بطلت صلاته، إلا أن يخاف فوت صلاة الصبح فليتماد (4) فيها وليبدأ بها.
وهذا قول أبي حنيفة، وهو مع خلافه للسنة قول لادليل عليه، لا من نظر ولا من احتياط، لانه يبطل الفرض المأمور باتمامه من أجل نافلة، وقد قال عزوجل: (ولا تبطلوا أعمالكم) * 306 مسألة ومن صلى الوتر قبل صلاة العتمة فهى باطلة أو ملغاة لانه أتى بالوتر قبل وقته، والشرائع لا تجزئ إلا في وقتها، لا قبل وقتها ولا بعده وبالله تعالى التوفيق * 307 مسألة ووقت ركعتي الفجر من حين طلوع الفجر الثاني إلى
__________
هشام عن عن ابى سعيد وقال البيهقى (ورواية يحيى بن ابى كثير كأنها أشبه) وهذا تعليل غير قادح في صحة رواية قتادة، وقد صححها الحاكم والذهبي.
فهذه الروايات ترجح عندي ان رواية البزار خطأ، وان الحديث حديث ابى سعيد، لا حديث الاغر المزني.
وقد روى أبو داود (ج 1: ص 538) والحاكم (ج 1: ص 302) والبيهقي (ج 2: ص 480) من حديث ابى سعيد مرفوعا (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا اصبح أو ذكره) وصححه الحاكم والذهبي ونقل الشوكاني (ج 3: ص 57) تصحيحه عن العراقى، واسناده صحيح، وقد رواه المروزى والترمذي وابن ماجه باسناد آخر فيه ضعف.
وهذا الحديث يؤيد ما ذهب إليه المصنف من قضاء الوتر للناسي والنائم.
وهو الحق الذى يجمع به بين الادلة (1) في اليمنية
(فدخل) (2) في المصرية (وهو في النافلة) (3) من اول قوله (من تعمد ترك صلاة الوتر) إلى هنا سقط من اليمنية (4) في اليمنية (فليتمادى) *(3/103)
ان تقام صلاة الصبح.
هذا ما لا خلاف فيه من أحد من الامة (1) * 308 مسألة فمن سمع إقامة صلاة الصبح وعلم (2) أنه إن اشتغل (3) بركعتي الفجر فاته من صلاة الصبح ولو التكبير: فلا يحل له أن يشتغل بهما، فان فعل فقد عصى الله تعالى.
وإن دخل في ركعتي الفجر فأقيمت صلاة الصبح فقد بطلت الركعتان، ولا فائدة له في أن يسلم منهما، ولو لم يبق عليه منهما الا السلام (4)، لكن يدخل بابتداء التكبير في صلاة الصبح كما هو.
فإذا أتم صلاة الصبح فان شاء ركعهما وان شاء لم يركعهما.
(5) وهكذا يفعل كل من دخل في نافلة وأقيمت عليه صلاة الفريضة * وقال أبو حنيفة: من دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة للصبح فان طمع ان يدرك مع الامام ركعة من صلاة الصبح وتفوته أخرى فليصل ركعتي الفجر، ثم يدخل مع الامام، وان خشى ألا يدرك مع الامام ولا ركعة فليبدأ بالدخول مع الامام، ولا يقضى ركعتي الفجر بعد ذلك * وقال مالك: إن كان قد دخل المسجد وأقيمت الصلاة أو وجد (6) الامام في الصلاة فلا يركع ركعتي الفجر، ولكن يدخل مع الامام، فإذا طلعت الشمس
__________
(1) تنبيه * من أول هذا الكتاب - المحلى - اعتمدنا في مراجعتنا في صحيح البخاري على النسخة المطبوعة بالمطبعة الاميرية ببولاق سنة 1280 وهى التى صححها العلامة الكبير سيد المصححين على الاطلاق المرحوم الشيخ محمد قطة العدوى، وتقع في ثلاث مجلدات وهى التى نرمز إلى صحفها فيما كتبناه من الحواشى.
وأما الآن من أول المسألة (رقم 308) فاننا جعلنا مراجعتنا على النسخة التى يطبعها الاستاذ الشيخ محمد منير الدمشقي - ناشر المحلى -
وقد ظهر كل أجزائها.
(2) في الاصلين (أو علم) وهو خطأ ظاهر (3) في اليمنية (انه اشتغل) بحذف (إن) وهو خطأ، (4) في اليمنية (غير السلام) (5) في المصرية (فان شاء ركعها وإن شاء لم يركعها) بافراد الضمير فيهما، وفى اليمنية (فان شاء لم يركعهما) بحذف القسم الاول.
وكلاهما خطأ (6) في المصرية (ووجد) وهو خطأ *(3/104)
فان شاء فليقضهما.
واما (1) إن كان خارج المسجد فعلم بالاقامة أو بأن الامام في الصلاة: فان رجا ان يدرك مع الامام ركعة فليركع ركعتي الفجر خارج المسجد، ثم ليدخل مع الامام، وان لم يرج ذلك فليدخل مع الامام.
وقال الشافعي وأبو سليمان كما قلنا * قال علي: ما نعلم لقول ابي حنيفة ومالك حجة، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا من اجماع، ولا من قياس، ولا من قول صاحب أصلا (2) * فان شغبوا بأنه قد روى عن ابن مسعود: انه دخل المسجد وقد أقيمت صلاة الصبح فركع ركعتي الفجر (3)، وعن ابن عمر أنه أتى المسجد لصلاة الصبح فوجد الامام يصلى فدخل بيت حفصة فصلى ركعتين ثم دخل في صلاة الامام فلم يقسم ابن مسعود ولا ابن عمر تقسيمهم، من رجاء إدراك ركعة أو عدم رجاء ذلك.
ولا يجدون هذا عن متقدم أبدا.
والثابت عن ابن عمر مثل قولنا * فان قالوا: قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (من أدرك مع الامام ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) قلنا: نعم، هذا حق، وانما هذا فيمن فاتته (4) الصلاة ولم يأت إلا والامام فيها.
وأما من كان حاضرا لاقامة الصلاة فترك الدخول مع الامام أو اشتغل بقراءة قرآن أو بذكر الله تعالى أو بابتداء تطوع: فلا يختلف اثنان من أهل الاسلام في أنه عاص لله تعالى متلاعب بالصلاة.
فما الفرق بين هذا وبين اشتغاله بركعتي الفجر لو أنصفوا؟! * فان موهوا بأن ابن مسعود قد فعل ذلك.
قيل لهم: أما المالكيون فقد
__________
(1) في اليمنية (فأما) (2) في اليمنية (ولا من إجماع ولا من نظر صاحب ولا قياس أصلا) وهو خلط ظاهر (3) في اليمنية (ركعة الفجر) وهو خطأ (4) في اليمنية (فيمن تأتيه) وهو أكثر من الخطأ *(3/105)
خالفوه في هذا الفعل (1) نفسه، فلم يروا لمن دخل المسجد والامام يصلى أن يشتغل بركعتي الفجر، فلا متعلق لهم بابن مسعود.
وأما الحنفيون فقد خالفوا فعله أيضا في هذه المسألة، فقد قسموا تقسيما لم يأت عن ابن مسعود، وابن مسعود يرى التطبيق في الصلاة، وهم لا يرونه، وابن مسعود يرى أن لا تعتق أم الولد (2) إلا من حصة ولدها من الميراث، وهم لا يرون ذلك.
وقد خالفوا ابن مسعود حيث وافق السنة ولا يحل خلافه، وحيث لا يعرف له مخالف من الصحابة رضى الله عنهم: في عشرات من القضايا، بل لعلهم خالفوه كذلك في مئين من القضايا.
وقد خالف ابن مسعود في هذه المسألة طائفة من الصحابة رضى الله عنهم كما نذكر بعد هذا إن شاء الله عز وجل * فلما عرى قولهم من حجة أصلا رجعنا إلى قولنا، فوجدنا البرهان على وجوبه وصحته ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا احمد بن حنبل ومسلم بن ابراهيم والحسن بن على الحلواني ومحمد بن المتوكل، قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر غندر ثنا شعبة عن ورقاء وقال مسلم: ثنا حماد بن سلمة، وقال الحسن: ثنا يزيد بن هرون وأبو عاصم، قال يزيد: عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني، وقال أبو عاصم: عن ابن جريج، وقال محمد: ثنا عبد الرزاق ثنا زكريا بن اسحاق، ثم اتفق ورقاء وحماد بن سلمة
وأيوب السختياني وابن جريح وزكريا بن اسحاق كلهم عن عمر وبن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) (3) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد
__________
(1) في اليمنية (القول) وما هنا أحسن (2) في اليمنية (أم ولد) (3) رواه أبو داود (ج 1: ص 489) ونسبه المنذرى إلى مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه، ورواه أحمد في المسند (ج 2: ص 331 و 352 و 455 و 517 و 531) والدارمى (ص 127 و 128)(3/106)
ابن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة ثنا أبو عوانة عن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن ابن بحينة هو عبد الله بن مالك قال: (أقيمت صلاة الصبح فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلى والمؤذن يقيم، فقال: أتصلى الصبح أربعا؟! (1) * وبه إلى مسلم: ثنا زهير بن حرب ثنا مروان بن معاوية الفزاري عن عاصم الاحول عن عبد الله بن سرجس قال: (دخل رجل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة، فصلى ركعتين في جانب المسجد، ثم دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا فلان، بأى الصلاتين اعتددت؟ أبصلاتك وحدك أم بصلاتك معنا؟! (2) * وروينا أيضا من طريق حجاج بن المنهال: ثنا حماد بن سلمة وحماد بن زيد كلاهما عن عاصم الاحول عن عبد الله بن سرجس بمثله، وفيه: أنه صلى الركعتين خلف الناس (3) * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن صالح بن رستم هو أبو عامر
الخزاز (4) عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال: (أقيمت الصلاة ولم أكن
__________
(1) في صحيح مسلم (ج 1: ص 198) ورواه أيضا البخاري (ج 1: ص 267 و 268 منيرية) والنسائي (ج 1: ص 139) وابن ماجه (ج 1: ص 182) والدارمى (ص 127 و 128) والبيهقي (ج 2: ص 481) (2) في صحيح مسلم (ج 1: ص 198) ورواه أيضا أبو داود (ج 1: 488) والنسائي (ج 1: ص 139) وابن ماجه (ج 1: ص 182) وأحمد في المسند (ج 5: ص 82) والبيهقي (ج 2: 482) (3) رواية حماد بن سلمة، لم أجدها ورواية حماد بن زيد في أبى داود ولكن ليس فيها هذا اللفظ، وفى رواية البيهقى من طريق عبد الواحد بن زياد عن عاصم (فصلى ركعتين قبل أن يصل إلى الصف) وهى تدل على هذا المعنى (4) الخزاز بفتح الخاء المعجمة وتشديد الزاى وآخره زاى ثانية.
وفى المصرية (الخزان) وفى اليمنية (الجرار) وكلاهما تصحيف *(3/107)
صليت الركعتين يعني صلاة الصبح وركعتي الفجر، قال ابن عباس: فقمت لاصليهما فجبذني وقال: أتريد أن تصلى الصبح أربعا؟! (!) قيل لابي عامر: النبي صلى الله عليه وسلم فتل ابن عباس؟ قال: نعم * قال علي: فهذه (2) نصوص منقولة نقل التواتر، لا يحل لاحد خلافها، وقد حمل اتباع الهوى بعضهم على أن قال: إن عمرو بن دينار قد اضطرب (3) عليه في هذا الحديث، فرواه عنه سفيان بن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد فأوقفوه على أبي هريرة (4) * قال علي: وهذا مما كان ينبغي لقائله أن يتقى الله تعالى أولا، ثم يستحيي من الناس ثانية، ولا يأتي بهذه الفضيحة! لان المحتجين بهذا مصرحون بأن قول الصاحب حجة.
فهبك لو لم يسند: أما كان يجب أن ترجح إما قول أبي هريرة على قول ابن مسعود، أو قول ابن مسعود على قول أبي هريرة؟! (5) فكيف
وليس ما ذكر مما يضر الحديث شيئا! لان ابن جريج وأيوب وزكريا ابن اسحاق ليسوا بدون سفيان بن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد! فكيف والذي أسنده من طريق حماد بن سلمة أوثق وأضبط من الذي أوقفه عنه! وأيوب لو انفرد لكان حجة على جميعهم.
فكيف وكل ذلك حق
__________
(1) رواه أيضا الطيالسي (ص 358 رقم 2736) عن أبى عامر الخزاز، ورواه البيهقى (ج 2: ص 482) من طريق الطيالسي ورواه الحاكم (ج 1: ص 307) من طريق سعيد بن منصور عن وكيع باسناده، ومن طريق النضر بن شميل عن أبى عامر، وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
ونسبه أيضا العلامة عبد الرحمن المبارك فورى الهندي في شرح الترمذي (ج 1: ص 323) إلى البزار وأبى يعلى وابن حبان في صحيحه (2) في اليمنية (ان هذه) (3) حذف من اليمنية قوله (قد اضطرب) فاختل فيها معنى الكلام (4) الرواية الموقوفة في صحيح مسلم وغيره، وهى لا يعلل بها المرفوع بل كل صحيح كما قال ابن حزم، والذى رجح انه موقوف هو الطحاوي في معاني الآثار وقد أخطأ في ذلك (5) في المصرية (وكيف) *(3/108)
وهو أن عمرو بن دينار رواه عن عطاء عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن عطاء عن أبي هريرة انه أفتي به فحدث به على كل ذلك * ثم لو لم يأت حديث أبي هريرة أصلا لكان في حديث ابن سرجس وابن بحينة وابن عباس كفاية لمن نصح نفسه ولم يتبع هواه في تقليد (1) من لا يغني عنه من الله شيئا.
ونصر الباطل بما أمكن من الكلام الغث * فكيف وقد روينا بأصح طريق عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف كلاهما عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الاقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار،
ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا (2) فهذا فرض للدخول مع الامام كيفما وجد، وتحريم للاشتغال بشئ عن ذلك (3) * واعترض بعضهم في حديث ابن سرجس وابن بحينة بضحكة أخرى، وهى أن قال: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم انما أنكر عليه أن يصليهما مختلطا بالناس!! * قال علي: وهذا كذب مجرد، ومجاهرة سمجة لان في الحديث نفسه أنه لم يصلهما (4) إلا خلف الناس في جانب المسجد، كما يأمرون من قلدهم (5) في باطلهم فكيف ولو لم يكن هذا لكان مما يوضح كذب هذا القائل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بأى الصلاتين اعتددت؟ أبصلاتك وحدك ام بصلاتك معنا؟:) و (أتصلى الصبح اربعا؟:) لان من الباطل الممتنع ان يقول له (6) النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول وهو لم ينكر عليه إلا صلاته الركعتين مختلطا بالناس ومتصلا بهم! (7) فيسكت
__________
(1) في اليمنية (في تعليل) وهو خطأ (2) الحديث في مسلم (ج 1: 167 و 168) بألفاظ تؤدى هذا المعنى، وأما اللفظ الذى هنا فانه يحتاج إلى بحث عنه (3) في اليمنية (من ذلك) وما هنا أحسن (4) في اليمنية (في الحديث نفسه أمر لمن يصليها) وهو خطأ (5) في المصرية (قلده) وفى اليمنية (قلدوه) وكلاهما خطأ ظاهر (6) كلمة (له) محذوفة من اليمنية (7) قوله ومتصلا بهم سقط من اليمنية *(3/109)
عليه السلام عما انكر من المنكر ويهتف بما لم يذكر من لفظه! وقد أعاذ الله تعالى نبيه عن هذا التخليط الذي لا يليق بذى مسكة إلا بمثل من أطلق هذا * وأيضا: فانه ظن مكذوب مجرد، ولا فرق بين من قال هذا وبين من قال: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم انما أنكر عليه لانه كان بلا وضوء أو لانه كان يلبس ثوب حرير، ومثل هذه الظنون لا يتعذر على من استسهل (1) الكذب في الدين وعلى النبي صلى الله عليه وسلم *
فان قيل: إنه عليه السلام لم يذكر من هذا شيئا، قيل: ولا ذكر عليه السلام اختلاطه بالناس ولا اتصاله بهم، وانما نص عليه السلام على انكاره الصلاة التي صلاها وهو عليه السلام يصلى الصبح فقط * وأيضا فان الله تعالى يقول منكرا على من فعل ما أنكره عليه: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير).
ولا يختلف اثنان في أن الفريضة خير من النافلة، وهم يأمرونه بأن يستبدل النافلة التي هي أدنى ببعض الفريضة الذي هو خير من النافلة، مع معصيتهم السنن التي أوردنا * وبما قلناه يقول جمهور من السلف: كما روينا عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن الحسن بن مسافر (2) عن سويد بن غفلة أن عمر ابن الخطاب كان يضرب الناس على الصلاة بعد الاقامة * وعن معمر عن أيوب السختياني عن نافع: أن ابن عمر رأى رجلا يصلي والمؤذن يقيم، فقال له ابن عمر: أتصلى الصبح أربعا؟! (3) * وعن وكيع عن الفضيل (4) بن غزوان عن نافع عن ابن عمر: أنه جاء إلى
__________
(1) في اليمنية (استعمل) (2) أما جابر فالراجح أنه ابن يزيد الجعفي وهو غير ثقة.
وأما الحسن بن مسافر فما أدرى من هو؟ ولا وجدت له ترجمة أو ذكرا في شئ من الكتب.
وهذا الاثر ذكره البيهقى (ج 2: ص 483) بدون اسناد (3) رواه البيهقى أيضا من طريق حماد بن سلمة عن أيوب، وفيه أن ابن عمر حصب الرجل (4) (الفضيل) بضم الفاء مصغر وفى اليمنية (الفضل) وهو خطأ *(3/110)
القوم وهم في صلاة الغداة ولم يصل ركعتي الفجر، فدخل معهم، فلما ضحى (1) قام فصلاهما (2) * وعن أبي هريرة: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة *
وعن معمر عن أيوب السختياني قال: كان محمد بن سيرين يكره أن تصلى ركعتا الفجر عند اقامة صلاة الصبح، وقال: أتصليهما وقد فرضت (3) الصلاة؟! * وبه إلى معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه: أنه كان إذا أقيمت الصلاة ولم يركع ركعتي الفجر صلى مع الامام، فإذا فرغ ركعهما بعد الصبح (4) * وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي: في الذي يجد الامام يصلى ولم يركع ركعتي الفجر، قال: يبدأ بالمكتوبة وعن عبد الرزاق عن ابن جريج أن عمرو بن دينار أخبره أن صفوان ابن موهب (5) أخبره انه سمع مسلم بن عقيل (6) يقول للناس وهم يصلون وقد أقيمت الصلاة: ويلكم، لا صلاة إذا أقيمت الصلاة! * وعن عبد الرزاق وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سفيان الثوري عن
__________
(1) يقال أضحينا صرنا في الضحى: وأما (ضحى) بالتضعيف فلم أجده بهذا المعنى ولكنه ليس ممتنعا فيما أرى، فانهم قالوا: ضحى الرجل تغدى بالضحى، وضحى غنمه رعاها بالضحى، وضحينا بنى فلان اتيناهم ضحى، وضحى بالشاة ذبحها ضحى النحر، فهذا كله يدل على ان فعل (ضحى) بالتضعيف انما هو في أصله للدخول أو الفعل في وقت الضحى.
(2) رواه البيهقى بمعناه من طريق أيوب عن نافع (ج 2: ص 484) ورواه مالك في الموطأ (ص 45) بلاغا عن ابن عمر.
(3) في اليمنية (عرضت) (4) في اليمنية (مع الصبح) وهو خطأ (5) في المصرية (صفوان بن وهب) وهو خطأ.
وصفوان ابن موهب هذا ذكره ابن حبان في الثقات.
(6) هو مسلم بن عقيل بن أبى طالب، ذكره ابن حجر في التهذيب في ترجمة صفوان بن موهب، وذكره ابن سعد في الطبقات في أولاد عقيل (ج 4 ق 1: ص 29) وان الحسين أرسله من مكة إلى الكوفة يبايع له الناس فقتله عبيدالله بن زياد وصلبه.
والقصة مفصلة في تاريخ الطبري (ج 5) *(3/111)
منصور بن المعتمر عن فضيل عن سعيد بن جبير أنه قال: اقطع صلاتك عند الاقامة * وعن حماد بن سلمة عن هشام (1) بن عروة قال: جاء ابن أخ لعروة فأراد ان يصلى ركعتي الفجر والمؤذن يقيم، فزجره عروة * فصح أن من بدأ (2) في تطوع ركعتي الفجر أو الوتر أو غيرهما فأقيمت صلاة الصبح أو غيرها فقد بطلت الصلاة التي كان فيها، بالنصوص التي ذكرناها * فان قيل: قال الله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم).
قلنا: نعم هذا حق، وما هو أبطلها، ولو تعمد إبطالها لكان مسيئا، ولكن الله عزوجل أبطلها عليه (3) كما تبطل بالحدث، وبمرور ما يبطل الصلاة مروره ونحو ذلك * وأما قضاء الركعتين فلقوله عليه السلام: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)، وهذا عموم * حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا ابن وضاح ثنا يحيي بن معين ثنا مروان بن معاوية الفزاري عن يزيد بن كيسان (4) عن أبي حازم عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام عن ركعتي الفجر، فصلاهما بعد ما طلعت الشمس) (5) فهذا عليه السلام لم يبدأ بهما قبل الفرض * وبه إلى ابن أيمن: (6) ثنا أحمد بن محمد البرتي القاضي ثنا الحسن بن ذكوان عن عطاء بن أبي رباح عن رجل من الانصار قال: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي بعد الغداة ركعتين، فقال: يارسول الله، لم أكن صليت ركعتي الفجر،
__________
(1) من أول قوله (عن سعيد بن جبير) إلى هنا سقط من اليمنية فصار (عن فضيل ابن عروة) الخ وهو خطأ غريب (2) في اليمنية فصح ما بدأ) وهو خلط (3) قوله (أبطلها عليه) سقط من اليمنية خطأ (4) في المصرية (عن زيد بن كيسان) وهو خطأ
(5) رواه مسلم (ج 1: ص 189) والبيهقي (ج 4: ص 483 و 484) وغيرهما (6) قوله (وبه إلى ابن أيمن) موضعه بياض في اليمنية *(3/112)
فصليتهما الآن، فلم يقل له (1) عليه السلام شيئا (2) *
__________
(1) كلمة (له) سقطت من اليمنية (2) الحديث نقله الشوكاني (ج 3: ص 31) عن المؤلف، ونقل عن العراقى انه قال (اسناده حسن) وروى الترمذي (ج 1: ص 86) من طريق الدراوردى عن سعد بن سعيد عن محمد بن ابراهيم عن قيس قال (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقيمت الصلاة فصليت معه الصبح، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم فوجدني أصلى قال: مهلا يا قيس، أصلاتان معا؟! قلت يارسول الله أنى لم أكن ركعت ركعتي الفجر، قال: فلا اذن) ورواه أبو داود (ج 1: ص 489) وابن ماجه (ج 1: ص 182) والبيهقي (ج 2: ص 483) واحمد (ج 5: 447) والحاكم (ج 1: 275) كلهم من طريق ابن نمير عن سعد بن سعيد، وعندهم أن قيس بن عمرو قال: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلى) الخ وفى آخره (فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الترمذي (حديث محمد ابن ابراهيم لا نعرفه الا من حديث سعد بن سعيد قال سفيان بن عيينة سمع عطاء بن أبى رباج من سعد بن سعيد هذا الحديث، وانما يروى هذا الحديث مرسلا - ثم قال -: وسعد بن سعيد هو أخو يحيى بن سعيد الانصاري، قال: وقيس هو جد يحيى بن سعيد، ويقال هو قيس بن عمرو ويقال ابن قهد، واسناد هذا الحديث ليس بمتصل، محمد بن ابراهيم التيمى لم يسمع من قيس) وكذلك أعله أبو داود بالارسال ورواه الحاكم والبيهقي من طريق الربيع بن سليمان عن أسد بن موسى عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده، وهذا اسناد صحيح جدا ونسبه الشوكاني أيضا إلى ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، ونسبه ابن حجر في الاصابة (ج 5: ص 261) إلى ابن منده من طريق أسد بن موسى، وقال ابن منده (غريب تفرد به أسد موصولا) وهذا كاف في تقوية الاسانيد الاخرى ان صح انها مرسلة
وقد ظهر من هذه الروايات ان رواية المؤلف عن عطاء عن رجل من الانصار هي المرسلة لان عطاء لم يروه عن صحابي وانما رواه عن سعد بن سعيد كما ذكره الترمذي وكما رواه أبو داود ايضا.
وروى احمد ايضا (ج 5: ص 447) عن عبد الرزاق (انا ابن جريج قال وسمعت عبد الله بن سعيد اخا يحيى بن سعيد يحدث عن جده) الخ وهذا ايضا مؤيد للروايات الاخرى الا انى لم اجد ترجمة لعبدالله هذا ولم يذكره ابن حجر في تعجيل المنفعة - مع انه على شرطه - ومع انه ذكر الحديث من طريقه في الاصابة *(3/113)
ومن طريق وكيع عن فضيل بن مرزوق عن عطية قال: رأيت ابن عمر صلاهما صلا ركعتي الفجر حين صلى الامام (1) * وعن ابن جريج عن عطاء: إذا أخطأت (2) أن تركعهما قبل الصبح فاركعهما بعد الصبح * قال عبد الرزاق: رأيت ابن جريج يركع ركعتي الفجر في مسجد صنعاء بعد ما سلم الامام.
وبه يقول طاوس وغيره.
فلو تعمد تركها إلى أن تقام الصلاة فلا سبيل له إلى قضائها، لان وقتها قد خرج.
وبالله تعالى التوفيق * 309 مسألة ومن نام عن صلاة الصبح أو نسيها حتى طلعت الشمس فالافضل له أن يبدأ بركعتي الفجر ثم صلاة الصبح، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة، وقد ذكرناه باسناده في باب التطوع بعد طلوع الشمس وقبله وعند غروبها وبهذا يقول أبو حنيفة وسفيان الثوري والشافعي وداود وأصحابهم.
ولم ير ذلك مالك.
وما نعلم لقوله حجة، لانه خلاف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * 310 مسألة والكلام قبل صلاة الصبح مباح وبعدها: وكرهه أبو حنيفة مذ يطلع (3) الفجر إلى أن تطلع الشمس *
قال علي: هذا باطل، لانه لم يمنع من ذلك قرآن ولا سنة، فهذان الوقتان في ذلك كسائر الاوقات ولافرق.
وانما (4) منع الله تعالى من الكلام في الصلاة وحين حضور الخطبة فقط.
وأباحه فيما عدا ذلك.
(ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) *
__________
(1) كذا في الاصل والمراد انه صلاهما بعد صلاة الامام كما هو ظاهر، وكما يدل عليه نهيه عن صلاتهما والمؤذن يقيم في الاثر الماضي عنه قريبا (2) من أول قوله (صلاهما) في الاثر السابق إلى هنا سقط من اليمنية فاختلط الكلام وصار (رأيت ابن عمر أن تركعهما) الخ وهو لا معنى له (3) في اليمنية (من يطلع) وهو خطأ (4) في المصرية (وقد) بدل (وانما) *(3/114)
311 مسألة ومن دخل في مسجد فظن أن أهله قد صلوا صلاة الفرض التي هو في وقتها أو كان ممن لا يلزمه فرض الجماعة فابتدأ فأقيمت الصلاة: فالواجب أن يبنى على تكبيره ويدخل معهم في الصلاة، فان كان قد صلى منها ركعة فأكثر فكذلك، فإذا أتم هو صلاته جلس وانتظر سلام الامام فسلم معه * برهان ذلك أنه ابتدأ الصلاة كما أمر، ومن فعل ما أمر فقد أحسن، وقد قال عزوجل: (ما على المحسنين من سبيل) فإذ هو كذلك ثم وجد إماما ففرض عليه أن يأتم به، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الامام ليؤتم به) ولانكاره عليه السلام على من صلى لنفسه والامام يصلى بالناس، فهذا لا يجوز إلا حيث أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط.
وليس ذلك إلا لمن له عذر فطول عليه الامام فقط، على ما نذكره في بابه إن شاء الله تعالى.
ولا يضره أن يكبر قبل إمامه إذا كان تكبيره بحق، ومخالفنا يجيز لمن كبر ثم استخلف الامام من كبر بعده أن يأتم بهذا المستخلف الذي كبر مأمومه قبله * وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم
والاعمش (1) كلاهما عن ابراهيم النخعي أنه قال في رجل دخل في مسجد (2) يرى أنهم قد صلوا فصلى ركعتين من المكتوبة ثم أقيمت الصلاة: قال ابراهيم يدخل مع الامام فيصلي ركعتين (3) ثم يسلم ثم يجعل الباقيتين تطوعا.
فقيل لابراهيم: ما شعرت أن أحدا يفعل ذلك (4)؟ فقال ابراهيم: ان هذا كان يفعله من كان قبلكم (5) * قال علي: هذا خبر عن الصحابة رضى الله عنهم وعن أكابر التابعين رحمة الله عليهم.
وقد روينا عن جماعة من التابعين رضى الله عنهم: أنهم كانوا يرون لمن
__________
(1) في اليمنية (عن المغيرة بن مقسم عن الاعمش) وهو خطأ (2) قوله (في مسجد) سقط من اليمنية (3) في اليمنية (ثم صلى ركعتين وهو خطأ أو شبهه (4) في اليمنية (يفعل هذا) (5) قوله (من كان قبلكم) سقط من اليمنية وهو خطأ *(3/115)
افتتح صلاة تطوع فأقيمت عليه الفريضة أن يدخلوا في المكتوبة واصلين بتطوعهم بها، فإذا رأوا ذلك في التطوع فهو عندهم في المكتوبة أوجب بلاشك: منهم نافع بن جبير بن مطعم والحسن وقتادة وغيرهم.
وليس هذا قياسا، بل هو باب واحد، ونتيجة برهان واحد، كما ذكرنا.
ولا يحل ذلك عندنا في التطوع، لما ذكرنا قبل من (1) انقطاعها إذا أقيمت الصلاة.
وبالله تعالى التوفيق * 312 مسألة ولايجوز له أن يسلم قبل الامام إلا لعذر، مثل أن يكون بدأ (2) في قضاء صلاة فائتة أو بدأها في آخر وقتها ثم أقيمت صلاة الفرض في وقتها، فان هذا يأتم بالامام في صلاته التي هو فيها، فإذا أتمها سلم ثم دخل خلف الامام في الصلاة التي الامام فيها (3)، فإذا سلم الامام قام فقضى ما بقى عليه منها *
لان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة والتي دخل فيها مكتوبة، فلا يجوز له قطعها، ولايجوز له مخالفة الامام، (4) لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: (بأى صلاتيك اعتددت) منكرا على من فعل ذلك.
ولقوله عليه السلام (انما الامام جنة، فلا تختلفوا عليه) فإذا قضى صلاته ففرض عليه الائتمام بالامام في الصلاة التي يصليها الامام، ولا سبيل له إلى ذلك إلا بالسلام، فيسلم ولابد، أو يكون (5) مسافرا يدخل في صلاة مقيم ويخاف ممن لا علم له إن قعد ينتظر سلام الامام (6)، فهذا يسلم ولابد، لانه
__________
(1) كلمة (من) سقطت خطأ من اليمنية (2) في اليمنية (دخل) بدل (بدأ) (3) في اليمنية (في الصلاة وراعى الامام فيها) وهو خطأ (4) في اليمنية (والتى دخل فيها مكتوبة فلا يجوز له مخالفة الامام) وما هنا اصح، وفى هذا الاستدلال مغالطة أو غلط من ابن حزم، لان قوله صلى الله عليه وسلم (المكتوبة) انما يدل على الصلاة المكتوبة المعهودة التى أقيمت، ولو كان كما قال ابن حزم لجاء الحديث بحذف (ال) وهو واضح (5) في المصرية ويكون بحذف الهمزة وهو خطأ (6) في المصرية (ان قعد منتظرا السلام) وما هنا أوضح *(3/116)
مضطر إلى ذلك، ثم يأتم بالامام متطوعا، ونحو هذا.
وبالله تعالى التوفيق * 313 مسألة فان كان ممن يلزمه فرض الجماعة ولم يكن يائسا عن اداركها فابتدأ الصلاة المكتوبة فأقيمت الصلاة فالتي بدأ بها باطل (1) فاسدة، لاتجزئه، وعليه أن يدخل في التي أقيمت، ولا معنى لان يسلم من التي بدأ، لانه ليس في صلاة.
برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذا كان عليه فرض الصلاة في جماعة، لما نذكره في بابه ان شاء الله تعالى، فإذا لم يفعل فقد عمل عملا ليس عليه أمر الله تعالى، فهو مردود *
باب الاذان (2) 314 مسألة لا يجوز (3) أن يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها إلا صلاة الصبح فقط، فانه يجوز أن يؤذن لها قبل طلوع الفجر الثاني بمقدار ما يتم المؤذن أذانه وينزل من المنار (4) أو من العلو ويصعد مؤذن آخر ويطلع الفجر قبل ابتداء الثاني في الاذان (5).
ولا بد لها من أذان ثان بعد الفجر، ولا يجزئ لها الاذان الذى كان قبل الفجر، لانه أذان سحور، لا أذان للصلاة.
ولا يجوز أن يؤذن لها قبل المقدار الذي ذكرنا * فروينا (6) من طريق محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الرحمن ابن محمد المحاربي عن اسماعيل بن مسلم، قلت للحسن البصري: يا أبا سعيد، الرجل يؤذن قبل الفجر يوقظ الناس؟ فغضب وقال: علوج فراغ لو أدركهم عمر بن
__________
(1) سبق للمؤلف مرارا هنا وفى الاحكام انه يستعمل لفظ (باطل) وصفا للمذكر وللمؤنث على السواء، وهو جائر صحيح (2) في اليمنية (الاذان) (3) في المصرية (ولا يجوز) وحذف الواو احسن (4) المنار: العلم يجعل للطريق أو للحد بين الارضين من طين أو تراب، والمنار ايضا محجة الطريق.
واما التى يؤذن عليها فهى المنارة والمئذنة (5) في اليمنية قبل ابتداء الثاني الاذان (6) في اليمنية (وروينا) *(3/117)
الخطاب لاوجع جنوبهم! من أذن قبل الفجر فانما صلى أهل ذلك المسجد باقامة لا أذان فيه (1) * وبه إلى محمد بن المثنى: عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن الحسن ابن عمرو (2) عن فضيل عن ابراهيم النخعي: انه كان يكره أن يؤذن قبل الفجر * وعن وكيع عن شريك عن على بن على (3) عن ابراهيم النخعي قال: سمع علقمة ابن قيس مؤذنا بليل فقال: لقد خالف هذا سنة من سنة أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم (4)، لو نام على فراشه لكان خيرا له * ومن طريق زبيد اليامي (5) عن ابراهيم النخعي قال: كانوا إذا أذن المؤذن بليل قالوا له: اتق الله وأعد أذانك * قال علي: هذه حكاية عن الصحابة رضى الله عنهم وأكابر التابعين * روينا (6) من طريق أبي داود: ثنا أيوب بن منصور ثنا شعيب بن حرب عن عبد العزيز بن أبي رواد (7) عن نافع مولى ابن عمر عن مؤذن لعمر بن الخطاب
__________
(1) في اليمنية (لا أذان فيها) وفيها ايضا سقط في بعض كلمات من السند ومن الاثر وموضعها بياض ونقل الزيلعى في نصب الراية (ج 1: ص 150) عن الامام القاسم بن ثابت السرقسطى في غريب الحديث اثرا نحوه من طريق ابى سفيان السعدى - وهو طريف بن شهاب - عن الحسن: (أنه سمع مؤذنا أذن بليل فقال: علوج تبارى الديوك، وهل كان الاذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بعد ما يطلع الفجر؟ ولقد اذن بلال بليل فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فصعد فنادى: ان العبد قد نام) واسماعيل بن مسلم في اسناد ما رواه المؤلف يغلب على ظنى أنه (إسماعيل بن مسلم المكى أبو إسحق البصري) وهو ضعيف وان كان فقيها مفتيا.
(2) في اليمنية (عن سفيان الثوري ابن عمرو) وهو خطأ (3) هو على بن على بن نجاد - بكسر النون وتخفيف الجيم اليشكرى، كان مالك بن دينار يسميه زاهر العرب، وقال الفضل بن دكين وعفان: (كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم) (4) في اليمنية (سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) (5) زبيد - بالباء الموحدة مصغر - هو ابن الحارث بن عبد الكريم، واليامى نسبة إلى (يام) بطن من همدان.
(6) في اليمنية بحذف كلمة (روينا) وهو خطأ (7) في اليمنية (بن أبى زياد) وهو خطأ *(3/118)
يقال له مسروح أذن قبل الصبح فأمره عمر بأن ينادي: ألا إن العبد نام (1) * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي اسحاق
السبيعي عن الاسود بن يزيد قال قلت لعائشة أم المؤمنين: متى توترين؟ قالت: بين الاذان والاقامة، وما كانوا يؤذنون (2) حتي يصبحوا (3) * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان: ثنا عبيدالله بن عمر (4) اخبرني نافع قال: ما كانوا يؤذنون حتى يطلع الفجر * فهذه أقوال أئمة أهل (5) المدينة: عمر بن الخطاب وعائشة أم المؤمنين ونافع وغيرهم، وهم أولى بالاتباع ممن جاء بعدهم فوجد عملا لا يدرى أصله، ولا يجوز فيه دعوى نقل التواتر عن مثله أصلا، لان الروايات عن هؤلاء الثقات مبطلة لهذه الدعوى التي لا تصح، ولا يعجز عنها أحد * والذي ذكرنا هو قول أبي حنيفة وسفيان الثوري * وقال مالك والاوزاعي والشافعي: يؤذن لصلاة الصبح بليل.
ولا يؤذن لغيرها إلا بعد دخول الوقت * قال: علي احتج هؤلاء بالاخبار الثابتة من أن بلالا كان يؤذن بليل (6) * قال على: وهذا حق، إلا أنه كما ذكرنا من أنه لم يكن أذان الصلاة، ولا قبل الفجر بليل طويل، وكان يؤذن آخر بعد طلوع الفجر * برهان ذلك ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن
__________
(1) انظر الكلام عليه مطولا في نصب الراية (ج 1: ص 149) وشرح أبى داود (ج 1: ص 209 و 210).
وسيذكره المؤلف بعد قليل من طريق أبى داود مرفوعا وأن المؤذن بلال (2) في المصرية (يؤذنوا) وهو لحن (3) قال الزيلعى (ج 1: ص 149): (روى عن عائشة أنها قالت: ماكان المؤذن يؤذن حتى يطلع الفجر، أخرجه أبو الشيخ الاصبهاني عن وكيع عن سفيان عن أبى اسحق عن الاسود عنها) (4) في اليمنية (عبد الله بن عمر) وهو خطأ (5) كلمة (أهل) محذوفة من اليمنية (6) قوله (قال على: احتج) إلى هنا سقط من اليمنية وهو خطأ *(3/119)
احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير بن معاوية ثنا سليمان التيمى عن أبي عثمان النهدي (1) عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنعن أحدكم أذان من سحوره، (2) فانه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم، وينبه (3) نائمكم) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا يعقوب ابن ابراهيم ثنا حفص عن عبيد الله (4) بن عمر عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (5) عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أذن بلال فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، قلت: ولم يكن (6) بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا) * وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن اسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال: (إن بلالا أذن قبل طلوع الفجر، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام، ألا إن العبد نام، فرجع فنادى، ألا إن العبد نام) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني (7) ثنا ابراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا قتيبة ثنا اسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوما لم يكن يغير (8) بنا حتى يصبح وينظر،
__________
(1) في اليمنية (أبى عثمان الهذلى) وهو خطأ (2) كلمة (بليل) حذفت في الاصلين وهو خطأ، وزدناها من البخاري (ج 1 ص 255) (3) في البخاري (ولينبه) بزيادة اللام (4) في اليمنية (حفص بن عبيدالله) وهو خطأ (5) كلمة (الصديق) ليست في اليمنية (6) في اليمنية (فلم يكن) وهو خطأ، والصواب ماهنا وهو الموافق للنسائي (ج 1 ص 105)
(7) في اليمنية (الهذلى) وهو خطأ (8) في البخاري (ج 1 ص 251) (يغزو) وما هنا هو رواية الاصيلى كما في الفتح (ج 2 ص 61) *(3/120)
فان سمع أذانا كف عنهم، وان لم يسمع أذانا أغار عليهم) * قال علي: فصح أن الاذان للصلاة لا يجوز أن يكون قبل الفجر (1) * ورويناه أيضا من طريق حفصة وعائشة أمي المؤمنين، فصار نقل تواتر يوجب العلم، * وعن مالك بن الحويرث وسلمة الجرمي (2) مسندا أيضا * ولم يأت قط في شئ من الآثار التي احتجوا بها ولا غيرها أنه عليه السلام اكتفى بذلك الاذان لصلاة الصبح، بل في كلها وفي غيرها (3) أنه كان هنالك أذان آخر بعد الفجر، والقوم أصحاب قياس بزعمهم، ومن كبارهم من يقول: إن القياس أولى من خبر الواحد، وههنا تركوا قياس الاذان للفجر على الاذان لسائر الصلوات، ولم يتعلقوا بخبر أصلا لا صحيح ولا سقيم في أن ذلك الاذان يجزئ عن آخر لصلاة الصبح * قال علي: ويقال لمن رأى أن الاذان (4) لصلاة الصبح يجزئ قبل الفجر: (5) أخبرنا عن أول الوقت الذي يجرئ فيه الاذان لها من الليل؟ فان لم يحدوا (6) حدا في ذلك لزمهم أن يجزئ إثر غروب الشمس، لانه ليل بلا شك، وهم لا يقولون بهذا * فان قالوا: أول الاوقات التي يجزئ فيها الاذان لصلاة الصبح من
__________
(1) في اليمنية (فصح أن الاذان للصلاة لا يجوز قبل الصلاة) (2) سلمة، بفتح السين المهملة وكسر اللام، والجرمي، بفتح الجيم وإسكان الراء وهو سلمة بن قيس بن نفيع، صحابي وفد على النبي صلى الله عليه وسلم.
وحديثه الذى أشار إليه المؤلف رواه البخاري وسيأتى
قريبا (3) في المصرية (أو في غيرها) وهو خطأ (4) في اليمنية (ويقال رأى الاذان) وهو خطأ (5) في اليمنية (قبل ثلث الليل) وسياق ما يأتي من الكلام يدل على أنه خطأ وأن الصواب ماهنا (6) في اليمنية (يجدوا) بالجيم وما هنا أحسن وأصح *(3/121)
الليل هو أثر نصف الليل الاول.
أو قالوا: هو (1) في أول الثلث الآخر من الليل قلنا لهم: هذه دعوى مفتقرة إلى دليل.
ومثل هذا لا يحل القول به على الله تعالى في دينه.
* وهم يقولون: إن وقت صلاة العتمة يمتد (2) إلى وقت طلوع الفجر، ويرون للحائض تطهر قبل الفجر أن تصلى العشاء (3) الآخرة والمغرب، فقد أجازوا الاذان لصلاة الصبح في وقت صلاة العتمة، فمن أين لهم أن يخصوا بذلك بعض وقت صلاة العتمة (4) دون جميع وقتها؟ نعم ووقت صلاة المغرب أيضا؟! فان قالوا: لا نجيز ذلك إلا في آخر الليل.
قيل لهم: ومن أين لكم هذا؟ وليس هذا في شئ من الاخبار إلا الخبر الذي أخذنا به، وهو الذي فيه تحديد وقت ذلك الاذان (5).
وبالله تعالى التوفيق * 315 مسألة ولا تجزئ صلاة فريضة في جماعة اثنين فصاعدا إلا باذان واقامة، سواء كانت في وقتها، أو كانت مقضية لنوم عنها أو لنسيان، متى قضيت، السفر والحضر سواء في كل ذلك.
فان صلى شيئا (6) من ذلك بلا أذان ولا اقامة فلا صلاة لهم، حاشا الظهر والعصر بعرفة، والمغرب والعتمة بمزدلفة، (7) فانهما يجمعان بأذان لكل صلاة واقامة للصلاتين معا، للاثر في ذلك * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري (8) ثنا البخاري ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي
__________
(1) في اليمنية بحذف (هو) (2) في اليمنية (ممتد) (3) في اليمنية ويؤذن للحائض تطهر قبل الفجر العشاء) وهو سقط يفسد الكلام (4) في اليمنية بحذف (بعض) وفى المصرية بحذف صلاة فجمعنا بينهما (5) في اليمنية (وتر ذلك الاذان) وهو خطأ سخيف.
(6) في المصرية (شئ) على جعل (صلى) لما لم يسم فاعله (7) في المصرية (بالمزدلفة) (8) في اليمنية (ابراهيم بن أحمد الفربرى) وهو خطأ *(3/122)
ثنا أيوب هو السختياني عن أبي قلابة ثنا مالك بن الحويرث قال: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) فذكر الحديث وفيه أنه عليه السلام قال لهم: (ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلى، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم (1) * وروينا (2) أيضا باسناد في غاية الصحة من طريق حماد بن زيد عن أيوب السختياني أن عمرو بن سلمة الجرمي أخبره عن أبيه، وكان وافد قومه على النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم قال له: (صلوا صلاة كذا في حين كذا (4)، وصلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكثرهم قرآنا (5) * قال علي: فصح بهذين الخبرين وجوب الاذان ولا بد، وأنه لا يكون إلا بعد حضور الصلاة في وقتها، عموما لكل صلاة، ودخلت الاقامة في هذا الامر، * كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلى ثنا ابن علية (6) هو اسماعيل عن الجريري عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين كل اذانين صلاة لمن شاء (7) *
وايضا: فقد صح أنه عليه السلام أمر بلالا بأن يوتر الاقامة كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري
__________
(1) في البخاري (ج 1 ص 258) (2) في الاصلين (ورويناه) وهو خطأ ظاهر (3) في اليمنية وكان يأذن قومه ان رسول الله) الخ وهو خطأ (4) قوله (في حين كذا) سقط من اليمنية خطأ (5) في اليمنية (أكبركم قرآنا) وهو تصحيف، والحديث في البخاري (ج 5: ص 306 و 307) مطول (6) في المصرية (ابن عيينة وهو خطأ (7) رواه أبو داود (ج 1: ص 495) والحديث رواه باقى الجماعة *(3/123)
ثنا محمد بن يوسف هو الفريابي ثنا سفيان هو الثوري عن خالد الحذاء عن ابي قلابة عن مالك بن الحويرث قال: (أتى رجلان إلى النبي (1) صلى الله عليه وسلم يريدان السفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرجتما فاذنا ثم أقيما (2) ثم ليؤمكما أكبركما * فان قيل: انما هذا في السفر.
قلنا: لا، بل في الخروج، وهذا يقتضى الخروج من عنده عليه السلام لشأنهما، وهذا كله عموم لكل صلاة فرض: مقضية كما ذكرنا، أو غير مقضية.
* وقد جاء في هذا أيضا بيان يرفع التمويه والايهام، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن على ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا ابن ابي ذئب ثنا سعيد بن ابي سعيد المقبرى عن عبد الرحمن بن ابي سعيد الخدري عن أبيه قال: (شغلنا المشركون عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس يوم الخندق، (3) قال: وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل (4) فانزل الله تعالى: (وكفى الله المؤمنين القتال).
فامر رسول الله بلالا فأذن
للظهر فصلاها في وقتها، ثم أذن للعصر فصلاها في وقتها (5)، ثم أذن للمغرب فصلاها في وقتها) *
__________
(1) في البخاري (أتى رجلان النبي) بحذف (إلى) (ج 1: ص 257 و 258) (2) في اليمنية (وأقيما) وما هنا هو الموافق للبخاري (3) في النسائي (شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس) (ج 1: ص 107) (4) في المصرية بحذف (ما نزل) وفى اليمنية (قبل ان ينزل في الصلاة ما نزل) فصححناهما من النسائي (5) في النسائي (فامر رسول صلى الله عليه وسلم بلالا فاقام لصلاة الظهر فصلاها كما كان يصليها لوقتها، ثم أقام للعصر فصلاها كما كان يصليها في وقتها) وما هنا أحسن لان النسائي جعل عنوان الباب على هذا الحديث (الاذان للفائت من الصلوات) ولعل رواية المؤلف عن رواية أخرى لسنن النسائي *(3/124)
قال علي وهذا الخبر زائد على كل خبر ورد في هذه القصة، والاخذ بالزيادة واجب.
* وروينا عن عبد الرزاق عن ابن جريج: قلت لعطاء: صليت لنفسي الصلاة فنسيت أن أقيم لها؟ قال عد لصلاتك أقم لها ثم أعد (1).
* ومن طريق محمد بن المثنى: ثنا ابن فضيل عن ليث بن ابي سليم عن مجاهد قال: إذا نسيت الاقامة في السفر فأعد الصلاة.
* وممن قال بوجوب الاذان والاقامة فرضا أبو سليمان وأصحابه، وما نعلم لمن لم ير ذلك فرضا حجة أصلا، ولو لم يكن الا استحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم دماء من لم يسمع عندهم أذانا وأموالهم وسبيهم: لكفى (2) في وجوب فرض ذلك.
وهو اجماع متيقن من جميع من كان معه من الصحابة رضى الله عنهم بلا شك، فهذا هو الاجماع المقطوع على صحته، لا الدعاوى الكاذبة
التي لا يعجز أحد عن ادعائها، إذا لم يزعه (3) عن ذلك ورع أو حياء.
وبالله تعالى التوفيق * 316 مسألة ولا يلزم المنفرد أذان ولا إقامة، فان أذن وأقام فحسن، لان النص لم يرد بايجاب الاذان إلا على الاثنين فصاعدا، وانما قلنا: ان فعل فحسن (4)، لانه ذكر الله تعالى، وقد يدعو إلى الصلاة من لعله يسمعه من مؤمنى الجن، ولايجوز (5) الا في الوقت 317 مسألة ولا يلزم النساء فرضا حضور الصلاة المكتوبة في جماعة، وهذا لا خلاف فيه، ولا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ولا الرجال، وهذا ما لا خلاف فيه، وأيضا فان النص قد جاء بان المرأة تقطع صلاة الرجل
__________
(1) في اليمنية (ثم عد) (2) في اليمنية (يكف) وهو خطأ (3) في اليمنية (لم يردعه) (4) قوله (لان النص لم يرد) إلى هنا سقط من اليمنية (5) في المصرية (فلا يجوز) وما هنا أحسن *(3/125)
إذا فاتت أمامه، على ما نذكر بعد هذا في بابه ان شاء الله تعالى، مع قوله عليه السلام: (الامام جنة) وحكمه عليه السلام بأن تكون وراء الرجل ولابد في الصلاة، وان الامام يقف أمام المأمومين ولابد، أو مع المأموم في صف واحد على ما نذكر إن شاء الله تعالى في مواضعه.
ومن هذه النصوص يثبت بطلان امامة المرأة للرجل وللرجال يقينا * 318 مسألة فان حضرت المرأة الصلاة مع الرجال فحسن.
لما قد صح من انهن كن يشهدن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عالم بذلك * 319 مسألة فان صلين جماعة وأمتهن (1) امرأة منهن فحسن لانه لم يأت نص يمنعهن من ذلك: ولا يقطع بعضهن صلاة بعض، لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف النساء آخرها (2) * روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري (3) عن ميسرة بن حبيب النهدي هو أبو خازم (4) عن ريطة الحنفية: أن عائشة أم المؤمنين أمتهن في صلاة الفريضة (5) * وعن يحيي بن سعيد القطان عن زياد بن لاحق (6) عن تميمة بنت سلمة عن عائشة أم المؤمنين: أنها أمت نساء في الفريضة في المغرب، وقامت وسطهن، وجهرت بالقراءة: *
__________
(1) في اليمنية (فامتهن) (2) في اليمنية بحذف قوله (آخرها) وهو خطأ.
وفى المصرية (في ان خير صفوف النساء آخرها) وزيادة (في أن) لا داعى إليها ولا معنى لها.
والحديث في مسلم (ج 1: ص 129) وأبى داود (ج 1: ص 253) وغيرها من حديث أبى هريرة (3) قوله (روينا من طريق) إلى هنا سقط من اليمنية خطأ (4) في اليمنية (ميسرة بن حبيب الهذلى) وهو خطأ.
وفى الاصلين (أبو حازم) بالحاء المهملة وهو تصحيف، وصحته بالخاء المعجمة (5) رواه الدارقطني (ص 155) من طريق سفيان ونسبه شارحه إلى مصنف عبد الرزاق وحكى تصحيحه عن النووي وهو صحيح (6) في اليمنية (زياد بن الاحوص) ولا أعرف أيتهما أصح ولم أجد له ترجمة ولا لتميمة بنت سلمة فيبحث عنهما *(3/126)
وعن عبد الرزاق (1) عن سفيان الثوري عن عمار الدهنى (2) عن حجيرة بنت حصين (3) قالت: امتنا أم سلمة أم المؤمنين في صلاة العصر وقامت بيننا: (4) * وعن يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن ابي عروبة عن قتادة عن أم الحسن بن ابي الحسن وهى خيرة، (5) هو اسمها، ثقة مشهورة حدثتهم: أن أم سلمة أم المؤمنين كانت تؤمهن (6) في رمضان، وتقوم معهن
في الصف (7) * وعن عبد الرزاق عن ابن جريج: أخبرني يحيي بن سعيد الانصاري أن عائشة أم المؤمنين كانت تؤم النساء في التطوع وتقوم وسطهن في الصف (8).
*
__________
(1) قوله (عن عبد الرزاق) سقط من اليمنية (2) بضم الدال المهملة وإسكان الهاء وبعدها نون (3) حجيرة وحصين بالتصغير فيهما (4) رواه ابن سعد (ج 8: ص 356) عن سفيان ورواه الدارقطني (ص: 155) من طريق عبد الرحمن عن سفيان، وقال شارحه: (أخرجه ابن أبى شيبة وعبد الرزاق في مصنفيهما والشافعي في مسنده قالوا ثلاثتهم: أخبرنا سفيان بن عبينة عن عمار الدهنى) الخ ثم نقل عن النووي تصحيحه.
وابن سعد والدار قطني لم يبينا ان كان سفيان هو ابن عبينه أو الثوري، وكلاهما يروى عن عمار الدهنى، والظاهر أنه ابن عيينة لان ابن سعد لم أجد ما يدل على انه يروى عن الثوري وقد صرح ابن حجر في التلخيص (ص 128) أنه ابن عبينة في اسناد عبد الرزاق والدار قطني، فيظهر لى ان المؤلف أخطأ في زعمه انه الثوري ويؤيد هذا ان الحديث في مسند الشافعي المطبوع بهامش الام (ج 6: ص 82 وفيه (اخبرنا ابن عيينة) (5) في اليمنية (عن الحسن بن ابى الحسن) الخ بحذف (ام) وهو خطأ.
وخيرة بفتح الخاء المعجمة وإسكان الياء وفتح الراء (6) في المصرية (تؤمهم وهو خطأ (7) هذا الاثر نقله شارح الدارقطني (ص: 155) عن مصنف ابن ابى شيبة عن على بن مسهر عن سعيد عن قتادة (8) روى الحاكم في المستدرك (ج 1: ص 203 و 204) من طريق ليث عن عطاء عن عائشة (انها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وتقوم وسطهن) *(3/127)
وعن عبد الرزاق عن ابراهيم بن محمد عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: تؤم المرأة النساء في التطوع (1)، تقوم وسطهن.
*
وروى عن ابن عمر: أنه كان يأمر جارية له تؤم نساءه (2) في ليالى رمضان * ومن التابعين: روينا (3) عن ابن جريج عن عطاء، وعن ابن مجاهد عن أبيه، عن سفيان الثوري عن ابراهيم النخعي والشعبي، وعن وكيع عن الربيع (4) عن الحسن البصري، قالوا كلهم باجازة إمامة المرأة للنساء وتقوم وسطهن.
قال عطاء ومجاهد والحسن: في الفريضة والتطوع، ولم يمنع من ذلك غيرهم، وهو قول قتادة والاوزاعي وسفيان الثوري واسحاق وأبي ثور وجمهور أصحاب الحديث، وهو قول ابي حنيفة والشافعي وأحمد ابن حنبل وداود وأصحابهم * وقال سليمان بن يسار ومالك بن أنس: لا تؤم المرأة النساء في فرض ولا نافلة.
وهذا قول لا دليل على صحته، وخلاف لطائفة من الصحابة لا يعلم لهم من الصحابة رضى الله عنهم مخالف، وهم يشيعون هذا إذا وافق تقليدهم * بل صلاة المرأة (5) بالنساء داخل تحت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) * فان قيل: فهلا جعلتم ذلك فرضا، بقوله عليه السلام: (إذا حضرت الصلاة فليؤمكم أكبركم)؟ قلنا: لو كان هذا لكان جائزا أن تؤمنا، وهذا محال، وهذا خطاب منه عليه السلام لا يتوجه البتة إلى نساء لا رجل معهن،
__________
(1) قوله (في التطوع) سقط من اليمنية (2) في المصرية (بنسائه) (3) كلمة (روينا) سقطت من المصرية (4) الربيع هو ابن صبيح، وكلاهما بالتكبير، وهو مختلف في ضعفه والراجح انه لا باس به مع صلاحه وصدقه، ولم يكن الحديث من صناعته فكان يهم فيما يروى كثيرا كما قال ابن حبان.
(5) في اليمنية (كل صلاة المرأة) *(3/128)
لانه لحن في العربية متيقن، ومن المحال الممتنع أن يكون عليه السلام يلحن * 320 مسألة ولا أذان على النساء ولا اقامة، فان أذن وأقمن فحسن.
برهان ذلك أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاذان إنما هو لمن افترض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة في جماعة، بقوله عليه السلام: (فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم) وليس النساء ممن أمرن بذلك.
فإذا هو قد صح فالاذان ذكر الله تعالى، والاقامة كذلك، فهما في وقتهما فعل حسن وروينا عن ابن جريج عن عطاء: تقيم المرأة لنفسها.
وقال طاوس: كانت عائشة أم المؤمنين تؤذن وتقيم (1) * 321 مسألة ولا يحل لولى المرأة ولا لسيد الامة منعهما من حضور الصلاة في جماعة في المسجد، إذا عرف أنهن يردن الصلاة ولا يحل لهن أن يخرجن متطيبات ولا في ثياب حسان، فان فعلت فليمنعها، وصلاتهن في الجماعة أفضل من صلاتهن منفردات * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبي وعبد الله بن إدريس قالا ثنا عبيدالله هو ابن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله (2) * وبه إلى مسلم: ثنا حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب أنا يونس هو ابن يزيد - عن ابن شهاب أنا سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم (3) إليها
__________
(1) إلى هنا آخر المجلد الاول الذى تفضل باعارته لنا الرجل الكامل النبيل السيد محمد نصيف مين أعيان جدة وهذا الجلد هو الذى كنا نشير إليه باسم (النسخة اليمنية) اه ادارة (2) في صحيح مسلم (ج 1: ص 192) (3) في الاصل (لا تمنعوا اماءكم المساجد ان استأذنكم) وصححناه
من مسلم (ج 1 ص 129) *(3/129)
فقال له بلال ابنه، والله لنمنعهن، فاقبل عليه عبد الله بن عمر فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط، قال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن * وبه إلى مسلم: ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا النساء من الخروج بالليل إلى المساجد) (1) * حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن وضاح ثنا حامد هو ابن يحيى البلخي ثنا سفيان هو ابن عيينة عن محمد ابن عمرو بن علقمة بن وقاص عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولا يخرجن إلا وهن تفلات) * قال علي: والتفلة السيئة الريح والبزة (2) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان ثنا بكير بن عبد الله بن الاشج عن بسر بن سيعد عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا) (3) * ومن طريق مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى الصبح فينصرف
__________
(1) في مسلم (من الخروج إلى المساجد بالليل) (2) الحديث رواه أبو داود ايضا (ج 1:
ص 222) ونسبه في المنتقى (الشوكاني ج 3: ص 160) لمسند أحمد.
والتفلة بفتح التاء وكسر الفاء وفتح اللام (3) في مسلم (ج 1: ص 130) *(3/130)
النساء متلففات (1) بمروطهن ما يعرفن من الغلس) (2) * حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حسين بن على (3) هو الجعفي عن زائدة عن عبد الله ابن محمد بن عقيل عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خير صفوف الرجال المتقدم، وشرها المؤخر، وشر صفوف النساء المتقدم، وخيرها المؤخر، يا معشر النساء إذا سجد الرجال فاغضضن أبصاركن، لا ترين عورات الرجال، من ضيق الازر، (4) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق حدثني ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن عمرو هو أبو معمر ثنا عبد الوارث بن سعيد هو التنوري ثنا أيوب هو السختياني عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تركنا هذا الباب للنساء) فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات (5) * وبه إلى أبي داود، حدثنا قتيبة ثنا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث (6) عن بكير هو ابن الاشج عن نافع قال: (7) إن عمر بن الخطاب كان ينهى
__________
(1) حكى الزرقاني في شرح الموطأ (ج 1: ص 19) انه رواه يحيى وجماعة بفاءين ورواه كثيرون (متلفعات) بفاء ثم عين مهملة وعزاه عياض لاكثر رواة الموطأ (2) الحديث رواه أيضا الشيخان وغيرهما.
من طريق مالك.
(3) في الاصل (حسن بن على) وهو خطأ (4) هذا اسناده صحيح، وقد رواه أيضا احمد في مسنده (ج 3: ص 293) عن عبد الصمد عن زائدة عن عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو اسناد صحيح.
وفى لفظ احمد (المقدم) في الموضعين بدل (المتقدم) ولعله أصح.
ولم أجد حديث جابر في غير هذين الكتابين - المحلى والمسند -
وروى مسلم (ج 1: ص 129) وابو داود (ج 1: ص 253) من حديث ابى هريرة مرفوعا (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) ورواه ايضا الدارمي والترمذي والنسائي وابن ماجه (5) رواه أبو داود (ج 1: ص 175) وكذا الذى بعده (6) في الاصل (عن عمر بن الحارث) وهو خطأ (7) في الاصل (عن بكير ابن الاشج أن عمر بن الخطاب) الخ والتصحيح من أبى داود *(3/131)
أن يدخل من باب النساء * قال على: لو كانت صلاتهن في بيوتهن أفضل لما تركهن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعنين (1) بتعب لا يجدي عليهن زيادة فضل أو يحطهن من الفضل، وهذا ليس نصحا، وهو عليه السلام يقول: (الدين النصيحة) وحاشا له عليه السلام من ذلك، بل هو أنصح الخلق لامته، ولو كان ذلك لما افترض عليه السلام أن لا يمنعهن، ولما أمرهن بالخروج تفلات.
وأقل هذا أن يكون أمر ندب وحض * وقال أبو حنيفة ومالك: صلاتهن في بيوتهن أفضل.
وكره أبو حنيفة خروجهن إلى المساجد لصلاة الجماعة وللجمعة وفى العيدين، ورخص للعجوز خاصة في العشاء الآخرة والفجر، وقد روى عنه أنه لم يكره خروجهن في العيدين * وقال مالك: لا نمنعهن من الخروج إلى المساجد، وأباح للمتجالة (2) شهود العيدين والاستسقاء، وقال: تخرج الشابة إلى المسجد المرة بعد المرة، قال: والمتجالة تخرج إلى المسجد ولا تكثر التردد * قال علي: وشغب من كره ذلك برواية رويناها عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده
لمنعهن المسجد كما منعت نساء بنى إسرائيل (3) * وبحديث روى عن عبد الحميد بن المنذر الانصاري عن عمته أو جدته
__________
(1) رسم في الاصل بدون نقط، وهذا أقرب ما يناسب رسمه (2) التجال التعاظم وتجالت المرأة أي اسنت وكبرت فهى متجالة (3) متفق عليه، وانظر الشوكاني (ج 3: ص 161) وصحيح مسلم (ج 1: ص 130) *(3/132)
أم حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن صلاتك في بيتك أفضل من صلاتك معى) (1) *
__________
(1) نقل ابن الاثير في أسد الغابة (ج 5: ص 578) عن ابن أبى عاصم (حدثنا أبو بكر ابن أبى شيبة حدثنا زيد بن الحباب عن عبد الحميد بن المنذر بن أبى حميد الساعدي عن أبيه عن جدته أم حميد أنها قالت: قلت يارسول الله، يمنعنا أزواجنا أن نصلى معك، ونحب الصلاة معك، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: صلاتكن في بيوتكن أفضل من صلاتكن في حجركن، وصلاتكن في حجركن أفضل من صلاتكن في دوركن وصلاتكن في دوركن أفضل من صلاتكن في الجماعة) وذكره ابن حجر في الاصابة (ج 8: ص 226) ونسبه أيضا إلى بقى بن مخلد من هذا الطريق - ووقع فيها (تقى) بالمثناة وصوابه (بقى) بالموحدة.
وروى احمد في المسند (ج 6: ص 371) (ثنا هرون ثنا عبد الله ابن وهب قال حدثنى داود بن قيس عن عبد الله بن سويد الانصاري عن عمته أم حميد امرأة أبى حميد الساعدي أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يارسول الله انى أحب الصلاة معك، قال: قد علمت انك تحبين الصلاة معى، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي قال فأمرت فبنى لها مسجد في أقصى شئ من بيتها وأظلمه، فكانت تصلى فيه حتى لقيت الله عزوجل) ورواه ابن عبد البر في الاستيعاب (ج 2: ص 791) من طريق هارون بن
معروف عن ابن وهب - ووقع فيه (ابن وهيب) وهو خطأ - ونسبه ابن حجر في الاصابة من هذا الطريق إلى ابن أبى خيثمة.
وهذا اسناد صحيح.
داود بن قيس ثقة حافظ، وعبد الله بن سويد الانصاري الحارثى له صحبة، وذكره ابن حبان في الثقات، ويظهر من كلام ابن حجر أنه يرجح أن يكونا شخصين: أحدهما صحابي، والآخر تابعي وهو الذى هنا وعمته أم حميد، وعلى كل فهو ثقة، والحديث صحيح.
ونقل الشوكاني (ج 3: ص 161) عن ابن حجر أنه قال: (اسناد حسن) ويؤيد معناه ما رواه الحاكم في المستدرك (ج 1 ص 209) من طريق يزيد بن هرون عن العوام بن حوشب (حدثنى حبيب بن أبى ثابت عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن) قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فقد احتجا جميعا بالعوام ابن حوشب، وقد صح سماع حبيب من ابن عمر، ولم يخرجا فيه الزيادة: وبيوتهن خير لهن) ووافقه الذهبي.
ثم روى له الحاكم شاهدا مرفوعا (خير مساجد النساء قعر بيوتهن) من(3/133)
وبحديث روى من طريق عبد الله بن رجاء الغداني (1) أنا جرير بن حازم عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير أن أبا هريرة حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لان تصلى المرأة في مخدعها أعظم لاجرها من أن تصلى في بيتها، وأن تصلى في بيتها أعظم لاجرها من أن تصلى في دارها، وأن تصلى في دارها أعظم لاجرها من أن تصلى في مسجد قومها، وأن تصلى في مسجد قومها أعظم لاجرها من أن تصلى في مسجد جماعة، وأن تصلى في مسجد جماعة خير لها من أن تخرج إلى الصلاة يوم العيد.
* وقال بعضهم: لعل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخروجهن يوم العيد إنما كان ارهابا للعدو لقلة المسلمين يومئذ ليكثروا في عين من يراهم * قال علي: وهذه عظيمة، لانها كذبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقول بلا علم، وهو عليه السلام قد بين أن أمره بخروجهن ليشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى، فأف لمن كذب قول النبي صلى الله عليه وسلم وافترى كذبة برأيه! ثم إن هذا القول مع كونه كذبا بحتا (2) فهو بارد سخيف جدا، لانه عليه السلام لم يكن بحضرة عسكر فيرهب عليهم، ولم يكن معه عدو إلا المنافقون ويهود المدينة، الذين يدرون أنهن نساء، فاعجبوا لهذا التخليط!، * قال علي: أما ما حدثت عائشة فلا حجة فيه لوجوه: * أولها: أنه عليه السلام لم يدرك ما أحدثن، فلم يمنعهن، فإذا لم يمنعهن فمنعهن بدعة وخطأ، وهذا كما قال تعالى: (يا نساء النبي من يأت منكن
__________
حديث دراج ابى السمح عن السائب عن مولاته ام سلمة، واسناده حسن (1) بضم الغين المعجمة وفتح الدال المخففة نسبة إلى غدانة بن يربوع بن حنظلة وهو صدوق أثنى عليه أبو زرعة وقال أبو حاتم (كان ثقة رضيا) وقال ابن المدينى (اجتمع أهل البصرة على عدالة رجلين: أبى عمر الحوضى وعبد الله بن رجاء) (2) في الاصل - وهو النسخة المصرية وحدها - (كذب بحت) وهو لحن *(3/134)
بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين).
فما اتين قط بفاحشة مبينة ولا ضوعف لهن العذاب والحمد لله رب العالمين.
وكقوله تعالى: (ولو أن اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض) فلم يؤمنوا فلم يفتح عليهم.
* وما نعلم احتجاجا أسخف من احتجاج من يحتج بقول قائل: لو كان كذا: لكان كذا: على ايجاب ما لم يكن، الشئ الذي لو كان لكان ذلك الآخر * ووجه ثان: وهو أن الله تعالى قد علم ما يحدث النساء، ومن أنكر
هذا فقد كفر فلم يوح قط إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بمنعهن من أجل ما استحدثنه، ولا أوحى تعالى قط إليه: أخبر الناس إذا أحدث النساء فامنعوهن من المساجد، فإذ لم يفعل الله تعالى هذا فالتعلق بمثل هذا القول هجنة وخطأ * ووجه ثالث: وهو أننا ما ندرى ما أحدث النساء مما لم يحدثن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شئ أعظم في احداثهن من الزنا، فقد كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجم فيه وجلد، فما منع النساء من أجل ذلك قط، وتحريم الزنا على الرجال كتحريمه على النساء ولا فرق، فما الذي جعل الزنا.
سببا يمنعهن من المساجد؟! ولم يجعله سببا إلى منع الرجال من المساجد؟! هذا تعليل ما رضيه الله تعالى قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم * ووجه رابع: وهو أن الاحداث انما هو لبعض النساء بلا شك دون بعض، ومن المحال منع الخير عمن لم يحدث من أجل من أحدث، إلا أن يأتي بذلك نص من الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فيسمع له ويطاع، وقد قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر اخرى).
* ووجه خامس: وهو أنه إن كان الاحداث سببا إلى منعهن من(3/135)
المسجد فالاولى ان يكون سببا إلى منعهن من السوق ومن كل طريق بلا شك، فلم خص هؤلاء القوم منعهن من المسجد من أجل إحداثهن، دون منعهن من سائر الطرق؟! بل قد أباح لهن أبو حنيفة السفر وحدها، والمسير في الفيافي والفلوات مسافة يومين ونصف، ولم يكره لها ذلك، وهكذا فليكن التخليط.
*
ووجه سادس: وهو أن عائشة رضى الله عنها لم تر منعهن من أجل ذلك، ولا قالت: امنعوهن لما أحدثن، بل أخبرت أنه عليه السلام لو عاش لمنعهن، وهذا هو نص قولنا، ونحن نقول: لو منعهن عليه السلام لمنعناهن، فإذ لم يمنعهن فلا نمنعهن، فما حصلوا إلا على خلاف السنن وخلاف عائشة رضى الله عنها، والكذب بايهامهم من يقلدهم أنها منعت من خروج النساء بكلامها ذلك، وهى لم تفعل.
نعوذ بالله من الخذلان: * واما حديث عبد الحميد بن المنذر فهو مجهول لا يدرى من هو؟ ولا يجوز أن تترك روايات الثقات المتواترة برواية من لا يدري من هو * وأما حديث عبد الله بن رجاء الغداني فهو كثير التصحيف والغلط، وليس بحجة، هكذا قال فيه عمرو بن على الفلاس وغيره (1) * ثم لو صح هذ الخبر وخبر عبد الله بن رجاء الغداني وهما لا يصحان - لكان على أمورهما (2) معارضة للاخبار الثابتة التي أوردنا، ولامره عليه السلام بخروجهن، حتى ذوات الخدور والحيض إلى مشاهدة صلاة العيد، وأمر من لا جلباب لها أن تستعير من غيرها جلبابا لذلك * ولما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن المثنى أن عمرو بن عاصم الكلابي حدثهم قال ثنا همام هو ابن يحيى عن قتادة عن مورق العجلى عن أبي الاحوص عن عبد الله
__________
(1) سبق الكلام عليه وأنهم وثقوه وقد احتج به البخاري (2) كذا بالاصل(3/136)
ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مسجدها افضل من صلاتها في بيتها (1) * قال علي: يريد بلا شك مسجد محلتها، لا يجوز غير ذلك، لانه لو أراد
عليه السلام مسجد بيتها لكان قائلا: صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في بيتها، وحاشا له عليه السلام أن يقول المحال، فاذذلك كذلك فقد صح أن أحد الحكمين منسوخ: * إما قوله: (إن صلاتها في مسجدها أفضل من صلاتها في بيتها) وحضه عليه السلام على خروجهن إلى العيد والى المسجد: منسوخ بقوله: (إن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ومن خروجها إلى صلاة العيد) وإما قوله عليه السلام: (إن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدها، وصلاتها في مسجدها أفضل من خروجها إلى صلاة العيد) منسوخ بقوله عليه السلام: (إن صلاتها في مسجدها أفضل من صلاتها في بيتها) وحضه على خروجها إلى صلاة العيد، * لابد من أحد هذين الامرين، ولا يجوز أن نقطع على نسخ خبر صحيح إلا بحجة * فنظرنا في ذلك فوجدنا خروجهن إلى المسجد والمصلى عملا زائدا على
__________
(1) هكذا رواه المؤلف (وصلاتها في مسجدها) وقد تصحفت عليه الكلمة والحديث في أبى داود (ج 1: ص 223) بلفظ (وصلاتها في مخدعها) وكذلك نقله الشوكاني (ج 3: ص 161) عن ابى داود، وكذلك رواه الحاكم في المستدرك (ج 1: ص 209) من طريق عمرو بن عاصم الكلابي، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
ومورق بضم الميم وفتح الواو وكسر الراء المشددة.
والمخدع - بضم الميم وتفتح وتكسر مع فتح الدال في الكل - هو البيت الصغير الذى يكون داخل البيت الكبير يحفظ فيه الامتعة النفيسة *(3/137)
الصلاة، وكلفة في الاسحار والظلمة والزحمة (1) والهواجر الحارة وفى المطر والبرد، فلو كان فضل هذا العمل الزائد منسوخا لم يخل ضرورة
من أحد وجهين لا ثالث لهما: إما أن تكون صلاتها في المسجد والمصلى مساوية لصلاتها في بيتها، فيكون هذا العمل كله لغوا وباطلا، وتكلفا وعناء ولا يمكن غير ذلك أصلا، وهم لا يقولون بهذا، أو تكون صلاتها في المساجد والمصلى منحطة الفضل عن صلاتها في بيتها كما يقول المخالفون، فيكون العمل المذكور كله اثما حاطا من الفضل ولابد، إذ لا يحط من الفضل في صلاة ما عن تلك الصلاة بعينها عمل زائد إلا وهو محرم، ولا يمكن غير هذا، وليس هذا من باب ترك أعمال مستحبة في الصلاة، فيحط ذلك من الاجر لو عملها، فهذا لم يأت باثم لكن ترك أعمال بر، وأما من عمل عملا تكلفه في صلاته فأتلف بعض أجره الذي كان يتحصل له لو لم يعمله، وأحبط بعض عمله: فهذا عمل محرم بلا شك ولا يمكن غير هذا، وليس في الكراهة اثم أصلا، ولا احباط عمل، بل فيه (2) عدم الاجر والوزر معا، وانما الاثم إحباط على الحرام فقط (3) * وقد اتفق جميع أهل الارض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمنع النساء قط الصلاة معه في مسجده إلى أن مات عليه السلام، ولا الخلفاء الراشدون بعده، فصح أنه عمل غير منسوخ، فإذ لا شك في هذا فهو عمل بر، ولولا ذلك ما أقره عليه السلام، ولا تركهن يتكلفنه بلا منفعة، بل بمضرة، وهذا العسر والاذى، لا النصيحة، واذ لاشك في هذا فهو الناسخ وغيره المنسوخ.
هذا لو صح ذانك الحديثان، فكيف وهما لا يصحان * روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة:
__________
(1) الزحمة الزحام وهى فصيحة (2) الاحسن أن يكون (فيها) (3) كذا في الاصل(3/138)
أن عمر بن الخطاب أمر سليمان بن أبي حثمة (1) أن يؤم النساء في مؤخر
المسجد في شهر رمضان (2) * وعن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: أن عاتكة بنت زيد بن عمرو ابن نفيل كانت تحت عمر بن الخطاب، وكانت تشهد الصلاة في المسجد وكان عمر يقول لها: والله انك لتعلمين أنى ما أحب هذا، فقالت: والله لا أنتهي حتى تنهاني! قال عمر: فاني لاأنهاك، فلقد طعن عمر يوم طعن وانها لفى المسجد (3) * قال علي: ما كان أمير المؤمنين يمتنع من نهيها عن خروجها إلى المسجد لو علم أنه لا أجر لها فيه، فكيف لو علم أنه يحط من أجرها ويحبط عملها.
ولا حجة لهم في قوله لها: إني لاأحب ذلك، لان ميل النفس لا اثم فيه، وقد علم الله تعالى أن كل مسلم لولا خوف الله تعالى لاحب الاكل إذا جاع في رمضان، والشرب فيه إذا عطش، والنوم في الغدوات الباردة في الليل القصير عن القيام إلى الصلوات، ووطئ كل جارية حسناء يراها المرء، فبحب المرء الشئ المحظور لا حرج عليه فيه، ولا يقدر على صرف قلبه عنه، وانما الشأن في صبره أو عمله فقط، قال تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم) *
__________
(1) في نسخة من المنسوخ عن الاصل (سليمان بن أبى خيثمة) وفى أخرى (سليمان بن أبى حمد) وكلاهما خطأ (2) رواه ابن سعد في الطبقات (ج 5: ص 16 و 17) عن يزيد ابن هرون عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه، وهو اسناد صحيح والذى هنا منقطع * (3) هذا مرسل، لان الزهري لم يدرك عمر، ورواه ابن سعد في الطبقات بمعناه (ج 8: ص 195) عن الواقدي عن معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف.
وهو موصول والواقدى فيه ضعف ونقل ابن حجر نحوه في الاصابة (ج 8: ص 137) عن ابن منده من
طريق ابن ابى الزناد عن موسى بن عقبة عن سالم *(3/139)
ومن طريق عبد الرزاق عن محمد بن عمارة عن عمرو الثقفى عن عرفجة (1): أن على بن أبي طالب كان يأمر الناس بالقيام في رمضان، فيجعل للرجال، إماما، وللنساء اماما، فأمرني فأممت النساء * قال علي: والشواب وغيرهن سواء.
وبالله تعالى التوفيق * 322 مسألة ولا يؤذن ولا يقام لشئ من النوافل، كالعيدين والاستسقاء والكسوف وغير ذلك، وان صلى كل ذلك في جماعة وفى المسجد، ولا صلاة فرض على الكفاية، كصلاة الجنازة، ويستحب إعلام الناس بذلك، مثل النداء: الصلاة جامعة.
وهذا مما لا يعلم فيه خلاف إلا شيئا كان بنو أمية قد أحدثوه من الاذان والاقامة لصلاة العيدين، وهو بدعة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يأمر بأذان ولا اقامة لشئ من ذلك، على ما نذكره في بابه ان شاء الله تعالى * قال علي: الاذان والاقامة أمر بالمجئ إلى الصلاة، وليس يجب ذلك الا في الفرائض المتعينة، ولا يلزم ذلك في النوافل، فلا أذان فيها ولا اقامة وإعلام الناس بذلك تنبيه على خير، وقد جاء ذلك أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما نذكره في بابه ان شاء الله تعالى * 323 مسألة، ولا يجوز أن يؤذن ويقيم إلا رجل بالغ عاقل مسلم مؤد لالفاظ الاذان والاقامة حسب طاقته، ولا يجزئ أذان من لا يعقل حين أذانه لسكر أو نحو ذلك، فإذا أذن البالغ لم يمنع من لم يمنع من الاذان بعده، ويجزئ أذان الفاسق، والعدل أحب الينا، والصيت أفضل * برهان ذلك أن النساء لم يخاطبن بالاذان للرجال، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم، أو أكثركم قرآنا) فانما أمر
__________
(1) أما عرفجة فهو ابن عبد الله الثقفى ويقال السلمى، وأما عمرو الثقفى ومحمد بن عمارة فلم أعرفهما؟ والاثر لم أجده من رواية أخرى *(3/140)
بالاذان من ألزم الصلاة في جماعة، وهم الرجال فقط، لا النساء على ما ذكرنا قبل * والصبى والمجنون والذاهب (1) العقل بسكر غير مخاطبين في هذه الاحوال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة) فذكر الصبي والمجنون والنائم.
والاذان مأمور به كما ذكرنا، فلا يجزئ أداؤه إلا من مخاطب به بنية أدائه ما أمر به، وغير الفرض لا يجزئ عن الفرض * فان قيل: فانكم تجيزون لمن أذن لاهل مسجد أن يؤذن لاهل مسجد آخر في تلك الصلاة نفسها، وهذا تطوع منه * قلنا: نعم، وهو وان كان تطوعا منه، فهو من أحدهم المأمورين باقامة الاذان والامامة والاقامة لمن معه، فهو في ذلك كله مؤدى فرض، وإذا تأدى الفرض، فالاذان فعل خير لا يمنع الصبيان منه، لانه ذكر لله تعالى وتطوع وبر * وأما الكافر فليس أحدنا ولا مؤمنا، وانما ألزمنا أن يؤذن لنا أحدنا * وأما من لم يؤد ألفاظ الاذان متعمدا فلم يؤذن كما أمر، ولا أتى بألفاظ الاذان التي أمر بها، فهذا لم يؤذن أصلا * فان لم يقدر على أكثر من ذلك للثغة أو لكنة أجزأ أذانه، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فهذا غير مكلف إلا ما قدر عليه فقط، وسواء كان هنالك من يؤدى ألفاظ الاذان أو لم يكن، وكان أفضل لو أذن المحسن *
وأما الفاسق فانه أحدنا بلا شك، لانه مسلم، فهو داخل تحت قوله عليه السلام: (ليؤذن لكم أحدكم) ولا خلاف في اختيار العدل * وأما الصيت، فلان الاذان أمر بالمجئ إلى الصلاة، فاسماع المأمورين
__________
(1) في نسخة منسوخة من الاصل (والزاهل) ولعل صوابها (والذاهل)(3/141)
اولى، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي محذورة: (ارجع فارفع صوتك (1) وهذا أمر برفع الصوت.
فلو تعمد المؤذن أن لا يرفع صوته لم يجزه أذانه، وان لم يقدر على أكثر إلا بمشقة لم يلزمه، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقال عليه السلام ما قد ذكرناه باسناده: (إذا نودى بالصلاة ادبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين) فالاجتهاد في طرد الشيطان فعل حسن.
وبالله تعالى التوفيق * وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جان ولا شئ الا شهد له يوم القيامة) ورويناه من طريق مالك عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة (2) المازنى الانصاري عن ابيه عن ابى سعيد الخدرى مسندا.
وبالله تعالى التوفيق * 324 مسألة ولا يجوز أن يؤذن اثنان فصاعدا معا، فان كان ذلك فالمؤذن هو المبتدئ، والداخل عليه مسئ لا أجر له، وما يبعد عنه الاثم، والواجب منعه.
فان بدءآ معا فالاذان للصيت الاحسن تأدية.
وجائز أن يؤذن جماعة واحدا بعد واحد للمغرب وغيرها سواء في كل ذلك، فان تشاحوا وهم سواء في التأدية والصوت والفضل والمعرفة بالاوقات أقرع بينهم، سواء عظمت أقطار المسجد أو لم تعظم * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن مفرج ثنا سعيد بن السكن ثنا الفربرى ثنا
البخاري ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن سمى مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الاول ثم لم يجدوا الا أن يستهموا عليه لاستهموا (3) *
__________
(1) ستأتي بعض طرق حديث ابى محذورة في المسألة رقم 331 والطريق التى فيها هذه الكلمة رواها أبو داود (ج 1: ص 192) بلفظ (ثم ارجع فمد من صوتك) (2) في الاصل (ابن ابى ربيعة) وهو خطأ، صححناه من الموطأ (ص 23) ومن التهذيب.
(3) في البخاري (ج 1: ص 253) *(3/142)
قال علي: لو جاز أن يؤذن اثنان فصاعدا معا لكان الاستهام لغوا لا وجه له، وحاش لله من هذا، ولو كان الصف الاول لمن بادر بالمجئ لكان الاستهام لا معنى له، لانه لا يمنع أحد من البدار، وانما الاستهام فيما يضيق فلا يحمل الا بعض الناس دون بعض، لا يمكن البتة غير هذا.
وقد أقرع سعد بن أبي وقاص بين المتشاحين في الاذان، إذ قتل المؤذن يوم القادسية ولو جاز اذان اثنين فصاعدا لكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق الناس بان لا يضيعوا فضله، فما فعلوا ذلك، وما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مؤذنان فقط * 325 مسألة ويجزئ الاذان والاقامة قاعدا وراكبا وعلى غير طهارة وجنبا والى غير القبلة.
وأفضل ذلك أن لا يؤذن إلا قائما إلى القبلة على طهارة.
وهو قول أبي حنيفة وسفيان ومالك في الاذان خاصة وهو قول داود وغيرهم في كل ذلك * وانما قلنا ذلك لانه لم يأت عن شئ من هذا نهى من عند الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) فصح أن ما لم يفصل لنا تحريمه فهو مباح.
وانما تخيرنا
أن يؤذن ويقيم على طهارة قائما إلى القبلة لانه عمل أهل الاسلام قديما وحديثا * 326 مسألة ومن عطس في أذانه واقامته ففرض عليه أن يحمد الله تعالى، وإن سمع عاطسا يحمد الله تعالى ففرض عليه أن يشمته في أذانه واقامته، وان سلم عليه في أذانه واقامته ففرض عليه أن يرد بالكلام * ثم الكلام المباح كله جائز في نفس الاذان والاقامة * قال الله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) فلم يخص تعالى حالا من حال * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا(3/143)
موسى بن اسماعيل عن عبد العزيز هو ابن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) قال: (إذإ عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال، وليقل أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، ويقول هو: يهديكم الله ويصلح بالكم) (2) فلم تخص النصوص حال الاذان والاقامة من غيرهما، ولا جاء نهى قط عن الكلام في نفس الاذان، وما نعلم حجة لمن منع ذلك أصلا * فان قالوا: قسناه على الصلاة.
قلنا: فانتم تجيزون الاذان بلا وضوء، فاين قياسه على الصلاة؟! * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: (رأيت بلالا يؤذن ويدور، فأتتبع فاه ههنا وههنا وأصبعاه في أذنيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة حمراء (3) *
وروينا عن وكيع عن محمد بن طلحة عن جامع بن شداد عن موسى ابن عبد الله بن يزيد الخطمى (4) عن سليمان بن صرد (5) صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان يؤذن للعسكر فكان يأمر غلامه في أذانه
__________
(1) في ابى داود (ج 4: ص 467) (عن النبي صلى الله عليه وسلم) (2) قال المنذرى (واخرجه البخاري والنسائي) نقله شارح ابى داود (3) رواه احمد في المسند (ج 4: ص 308) عن عبد الرزاق ورواه الترمذي (ج 1: ص 41) عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق وقال حسن صحيح.
ورواه الدارمي (ص 141) عن محمد بن يوسف عن سفيان ومن طريق أخرى ثم قال (حديث الثوري اصح) وانظر الكلام على الحديث وطرقه في البيهقى (ج 1: ص 395 و 396) وفى الشوكاني (ج 2: ص 28 إلى 31) وابو جحيفة بالتصغير، ووقع في الشوكاني - طبع الادراة المنيرية - بالتكبير خطأ (4) بفتح الخاء المعجمة واسكان الطاء المهملة (5) بضم الصاد المهملة وفتح الراء.
وسليمان هذا قتل في حربه مع ابن زياد سنة 65 وله 93 سنة، وكان له سن عالية وشرف في قومه *(3/144)
بالحاجة (1) * وعن وكيع عن الربيع بن صبيح (2) عن الحسن البصري قال: لا بأس أن يتكلم في أذانه للحاجة * وعن وكيع عن سفيان الثوري عن نسير بن ذعلوق: (3) رأيت ابن عمر يؤذن على بعيره * 327 مسألة ولا تجوز الاجرة على الاذان، فان فعل ولم يؤذن إلا للاجرة لم يجز أذانه، ولا أجزأت الصلاة به، وجائز أن يعطى على سبيل البر، وأن يرزقه الامام كذلك * حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم ثنا ابن
وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حفص بن غياث عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص: (آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أتخذ مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا (4) *
__________
(1) رواه أيضا البيهقى (ج 1: ص 398) من طريق عبد الله بن رجاء عن محمد بن طلحة (2) الربيع وصبيح بفتح أولهما بوزن أمير (3) نسير - بضم النون وفتح السين المهملة - وفى الاصل (بشر) وهو خطأ، وذعلوق، بضم الذال المعجمة واسكان العين المهملة وضم اللام وآخره قاف (4) الحديث من هذا الطريق رواه الترمذي (ج 1: ص 44) من رواية عبثر عن أشعث وحسنه، ورواه أحمد في المسند (ج 4: ص 21 و 216) وأبو داود (ج 1 ص 209) والنسائي (ج 1: ص 109) والحاكم (ج 1: ص 199) والبيهقي (ج 1: ص 429) كلهم من طريق سعيد الجريرى عن أبى العلاء عن مطرف بن عبد الله عن عثمان بن أبى العاص أنه قال: (يارسول الله اجعلني امام قومي، قال أنت امامهم واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا) وهذا اسناد في غاية الصحة، وقد روى مسلم (ج 1 ص 135) الامر بالتخفيف موسى بن طلحة عن عثمان فاختصر الحديث لان ابن سعد رواه كله من طريق موسى (ج 7 ق 2 ص 27) فالحديث صحيح على شرط مسلم كما قال الحاكم *(3/145)
وهو قول أبي حنيفة وغيره، وقال مالك: لا باس باخذ الاجرة على ذلك.
وهذا خلاف النص * روينا عن وكيع عن المسعودي هو أبو عميس عتبة بن عبد الله - عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الله بن مسعود (1) قال: أربع لا يؤخذ عليهن أجر: الاذان وقراءة القرآن والمقاسم (2) والقضاء * وعن عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان الضبعى عن يحيى البكاء قال
رأيت ابن عمر يقول لرجل: اني لابغضك في الله، ثم قال لاصحابه: انه يتغنى في أذانه ويأخذ عليه أجرا (3) * وقد قال الله عزوجل: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم).
وقال عليه السلام: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام فحرم تعالى أكل الاموال إلا لتجارة، فكل مال فهو حرام إلا ما أباحه نص أو إجماع متيقن.
فلو لم يأت النهى عن أخذ الاجر على الاذان لكان حراما بهذه الجملة.
وبالله تعالى التوفيق.
ولا يعرف لابن عمر في هذا مخالف من الصحابة رضى الله عنهم، وهم يشنعون هذا إذا وافق تقليدهم: وأما إن أعطى على سبيل البر فهو فضل، وقد قال تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم) *
__________
(1) كذا بالاصل، وأنا أرجح أنه خطأ وأن صوابه (عن القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود) فان الاثر نقله الشوكاني (ج 2: ص 44) عن ابن مسعود نقلا عن شرح الترمذي لابن سيد الناس.
وعلى كل فليس هذا بحجة سواء أكان من قول القاسم أو من قول ابن مسعود والقاسم لم يسمع من جده عبد الله بن مسعود بل حديثه عنه مرسل (2) هكذا هي هنا وفى نيل الاوطار، ولعلها (والمغانم) ولكني لم أجد الاثر في كتاب آخر حتى أرجح احداهما (3) رواه الطحاوي (ج 2: ص 270) من طريق حماد بن سلمة عن يحيى البكاء: (أن رجلا قال لابن عمر: انى احبك في الله، فقال له ابن عمر: لكنى أبغضك في الله، لانك تبغى في أذانك أجرا وتأخذ على الاذان أجرا) ونسبه الشوكاني (ج 2: ص 44) لابن حبان *(3/146)
328 مسألة ومن كان في المسجد فاندفع الاذان (1) لم يحل له الخروج من المسجد إلا أن يكون على غير وضوء أو لضرورة * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا
أحمد بن عثمان بن حكيم ثنا جعفر بن عوف عن أبي عميس أنا أبو صخرة، هو جامع بن شداد عن أبى الشعثاء قال: خرج رجل من المسجد بعد ما نودى للصلاة، فقال أبو هريرة: (أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم (2) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا إسحاق ثنا محمد بن يوسف ثنا الاوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: (قال: أقيمت الصلاة (3) فسوى الناس صفوفهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم وهو جنب، ثم قال: على مكانكم، فرجع واغتسل ثم خرج ورأسه يقطر ماء فصلى بهم) وقال عزوجل: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) * 329 مسألة وجائز أن يقيم غير الذي أذن، لانه لم يأت عن ذلك نهى يصح، والاثر المروي (انما يقيم من أذن) إنما جاء من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وهو هالك (4) *
__________
(1) كذا في الاصل، ومن معاني الدفع ابتداء السير، فلعل المؤلف استعمله في معنى الابتداء مطلقا، وما نرى له وجه صحة، ولا له دليل يؤيده، ثم ان (دفع) بمعنى بدأ في السير: فعل لازم، واندفع مطاوع للمتعدي (2) رواه النسائي (ج 1: ص 111) (3) في الاصل (أقيمت الصفوف) وهو خطأ صححناه من البخاري (ج 1: ص 261) منيرية (4) عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ليس ضعيفا بل هو ثقة، وكان البخاري يقوى أمره كما حكاه عنه الترمذي (ج 1: ص 42) وهذا الحديث طويل روى بعضه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وكذلك أحمد في المسند ولم يروه بطوله على سعة المسند ولكن رواه المزى في التهذيب مطولا ونقله الذى طبع تهذيب التهذيب على حاشيته (ج 3: ص 359) وارجع في الكلام على اسناده إلى الشوكاني (ج 2: ص 41) *(3/147)
330 مسألة ومن سمع المؤذن فليقل كما يقول المؤذن سواء سواء، من أول الاذان إلى آخره وسواء كان في غير صلاة أو في صلاة فرض أو نافلة، حاشا قول المؤذن (حى على الصلاة حى على الفلاح) فانه لا يقولهما في الصلاة، ويقولهما في غير صلاة، فإذا أتم الصلاة فليقل ذلك * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن سلمة المرادي ثنا عبد الله بن وهب عن حيوة (1) وسعيد بن أبي أيوب عن كعب ابن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا على فانه (2) من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لى الوسيلة، فانها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لى الوسيلة حلت عليه الشفاعة * ورويناه أيضا من طريق مالك عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري.
(3) فلم يخص عليه السلام كونه في صلاة من غير كونه فيها * وانما قلنا: لا يقول في الصلاة (حى على الصلاة حى على الفلاح) لانه تكليم للناس يدعون به إلى الصلاة، وسائر الاذان ذكر لله تعالى، والصلاة موضع ذكر الله تعالى * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا
__________
(1) بفتح الحاء المهملة واسكان الياء المثناة وفتح الواو، وفى الاصل (خيرة) وهو خطأ وحيوة هو ابن شريح بن صفوان المصرى (2) في الاصل (فان) بحذف الضمير، وصححناه من مسلم (ج 1: ص 113) (3) في الموطأ (ص 23) مرفوعا مختصرا وكذلك رواه البيهقى
(ج 1: ص 408) والبخاري (ج 1: ص 252) ومسلم (ج 1: ص 113) *(3/148)
احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن ابي شيبة ثنا اسماعيل بن ابراهيم هو ابن علية عن حجاج الصواف عن يحيى ابن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم قال: (بينا أنا (1) أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) فذكر الحديث وفي آخره: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، انما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، أو كما قال عليه السلام) * فان قال سامع الاذان: (لا حول ولا قوة الا بالله) مكان: (حى على الصلاة حى على الفلاح) فحسن * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أخبرني مجاهد بن موسى حدثنا حجاج قال قال ابن جريج: أخبرني عمرو بن يحيى (2) أن عيسى بن عمر أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه قال: إني عند معاوية إذ أذن مؤذنه فقال معاوية كما قال المؤذن، حتى إذا قال: (حى على الصلاة) قال: (لا حول ولا قوة الا بالله) فلما قال: (حى على الفلاح) قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله) ثم قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك (3) * 331 مسألة وصفة الاذان معروفة، وأحب ذلك الينا أذان أهل مكة وهو * الله أكبر الله أكبر، الله اكبر، الله أكبر، أربع مرات، أشهد ان
__________
(1) الزيادة من صحيح مسلم (ج 1: ص 151) (2) في الاصل (عمر بن يحيى) وهو خطأ، صححناه من النسائي (ج 1: ص 109 و 110) ومن التهذيب (3) الحديث
رواه البخاري (ج 1: ص 252) مختصرا وفيه حذف بعض الاسناد وكذلك البيهقى (ج 1: ص 499) وروى نحوه مرفوعا من حديث عمر بن الخطاب مسلم (ج 1: ص 113) وابو داود (ج 1: ص 207) *(3/149)
لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله الا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد ان محمدا رسول الله، ثم يرفع صوته فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حى على الصلاة حى على الصلاة، حى على الفلاح، حى على الفلاح، الله أكبر الله اكبر، لا إله إلا الله * وأذان أهل المدينة كما وصفنا سواء سواء إلا أنه لا يقول في أول أذانه (الله اكبر الله اكبر) إلا مرتين فقط * وأذان أهل الكوفة كما وصفنا أذان أهل مكة إلا أنهم لا يقولون (أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله) إلا مرتين مرتين فقط * وان أذن مؤذن بأذان أهل المدينة أو بأذان أهل الكوفة فحسن * وإن زاد في صلاة الصبح بعد حى على الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم فحسن * وانما تخيرنا أذان أهل مكة لان فيه زيادة ذكر الله تعالى على أذان أهل المدينة وأذان أهل الكوفة، ففيه ترجيع (الله اكبر) وفيه ترجيع (أشهد أن لا إله إلا الله أشهد ان محمدا رسول الله) وهذه زيادة خير لا تحقر، أقل ما يجب لها ستون حسنة * وأيضا فانه قد رويناه من طرق، منها ما حدثناه حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن سليمان المنقرى البصري ثنا
حفص بن عمر الحوضي ثنا همام بن يحيى أن عامر بن عبد الواحد الاحول حدثه أن مكحولا الشامي حدثه أن ابن محيريز حدثه أن أبا محذورة حدثه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الاذان تسع عشرة كلمة، والاقامة سبع عشرة كلمة) ثم وصف الاذان الذي ذكرنا حرفا حرفا (1) *
__________
(1) رواه أبو داود مطولا (ج 1: ص 191 و 192) من طريق همام *(3/150)
وحدثنا أيضا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب اخبرني ابراهيم بن الحسن ويوسف بن سعيد ثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن ابن محيريز أخبره - وكان يتيما في حجر أبي محذورة قال: قلت لابي محذورة: اني خارج إلى الشأم، وأخشى أن أسأل عن تأذينك، فأخبرني فذكر له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الاذان كما ذكرنا نصا (1) * وقد جاءت أيضا آثار مثل هذه بمثل أذان أهل المدينة وأذان اهل الكوفة، إلا أن هذه زائدة عليها تربيعا وترجيعا، وزيادة الرواة العدول لا يجوز تركها، إلا أن تكون على التخيير، فيكون الاخذ بالزيادة أفضل، لانها زيادة ذكر وخير * وحدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة: أنه أرسل إلى مؤذن له: لاتثوب في شئ من الصلاة الا الفجر، فإذا بلغت (حى على الفلاح) فقل:، (الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم) فانه أذان بلال * قال علي: سويد بن غفلة من أكبر التابعين، قدم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم
بخمس ليال أو نحوها، وأدرك جميع الصحابة الباقين بعد موته عليه السلام * وبه إلى وكيع عن سفيان الثوري عن أبي جعفر المؤذن عن أبي سليمان عن أبي محذورة: أنه كان إذا بلغ (حى على الفلاح) في الفجر قال (الصلاة
__________
(1) رواه النسائي (ج 1 ص 103 و 104) بطوله.
واختصره المؤلف.
وقد رواه الشافعي في الام مطولا (ج 1: ص 73) عن مسلم بن خالد عن ابن جريج ورواه الدارقطني (ص 86) والبيهقي (ج 1: ص 393) من طريق الشافعي، وقد أو فينا الكلام على طرقه والفاظه في شرحنا على التحقيق لابن الجوزى *(3/151)
خير من النوم، الصلاة خير من النوم (1) * قال علي: لم يؤذن بلال لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة بالشام للظهر أو العصر فقط، ولم يشفع الاذان فيها أيضا (2) * وأما الاقامة فهى (الله اكبر الله اكبر، أشهد أن لا إله الا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حى على الصلاة، حى على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله اكبر الله اكبر، لا إله إلا الله) * برهان ذلك أن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد حدثنا قال ثنا ابراهيم ابن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد ابن زيد عن سماك بن عطية عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أنس ابن مالك قال: (أمر بلال أن يشفع الاذان وأن يوتر (3) الاقامة إلا الاقامة (4) * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة قال: كان بلال يوتر الاقامة ويثنى الاذان، إلا قوله (قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة) * قال علي: قد ذكرنا ما لا يختلف فيه اثنان من أهل النقل: أن بلالا
رضى الله عنه لم يؤذن قط لاحد بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة بالشأم، ولم يتم أذانه فيها، فصار هذا الخبر مسندا صحيح الاسناد، وصح أن الآمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أحد غيره *
__________
(1) رواه البيهقى معلقا بدون اسناد عن سفيان عن أبى جعفر عن أبى سليمان عن أبى محذورة (ج 1: ص 422) (2) هذا هو الراجح جدا وقيل إنه أذن مدة خلافة أبى بكر، وانظر البيهقى (ج 1: ص 419 و 420) ونصب الراية (ج 1: ص 154) (3) في الاصل (ويوتر) بحذف (أن) وصححناه من البخاري (ج 1: ص 250) (4) الحديث رواه البخاري ومسلم بأسانيد متعددة ورواه أبو داود (ج 1: ص 198 و 199) وباقى الكتب الستة.
وقد أكثر البيهقى من ذكر أسانيده (ج 1: ص 412 و 413) وفى بعضها التصريح بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذى أمر بلالا بذلك وهو باسنادين صحيحين *(3/152)
وقال الحنفيون: الاقامة مثنى مثنى، واختلف عنهم في تفسير ذلك، فروى زفر عن أبي حنيفة كما ذكرنا في قول (الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر الله اكبر) أربع مرات في ابتداء الاذان، وفي ابتداء الاقامة كذلك أيضا، وعلى هذه الرواية هم الحنفيون اليوم * وعن أبي يوسف عن أبي حنيفة في كلا الامرين الاذان والاقامة الله اكبر الله اكبر في ابتدائهما مرتين فقط.
وقد جاء حديث بمثل رواية أبي يوسف في الاذ ان، وما نعلم خبرا قط روى في قول (الله اكبر الله اكبر) أربع مرات في اول الاقامة (1)، ولولا أنها ذكر الله تعالى لوجب ابطال الاقامة بها، وابطال صلاة من صلى بتلك الاقامة، ولكن هذه الزيادة بمنزلة من زاد في الاقامة (لا حول ولا قوة الا بالله) أو غير ذلك مما ليس من الاقامة في شئ *
وقال المالكيون: الاقامة كلها وتر، إلا الله أكبر الله أكبر فانه يكرر، ولا يقال (قد قامت الصلاة) إلا مرة واحدة * قال على: الاذان منقول نقل الكافة بمكة وبالمدينة وبالكوفة، لانه لم يمر باهل الاسلام مذ نزل الاذان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى يوم مات أنس بن مالك آخر من شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه يوم إلا وهم يؤذنون فيه في كل مسجد من مساجدهم خمس مرات فأكثر، فمثل هذا لا يجوز ان ينسى ولا أن يحرف، *
__________
(1) هنا بهامش الاصل ما نصه: (بل قد روى أبو داود حديثين، أحدهما من طريق معاذ بن جبل.
والآخر من طريق ابن محيريز عن ابى محذورة، كلاهما: وفى الاقامة (الله أكبر الله أكبر) أربع مرات، إلا ان في حديث معاذ عن عبد الله بن زيد -: المسعودي، وفى الآخر مكحول اه وانظر الحديثين في أبى داود (ج 1 ص 191 و 192 وص 197 و 198)(3/153)
فلولا أن كل هذه الوجوه قد كان يؤذن بها (1) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا شك، وكان الاذان بمكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعه عليه السلام إذ حج، ثم يسمعه أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، بعده عليه السلام، وسكنها امير المؤمنين ابن الزبير تسع سنين وهو بقية الصحابة، والعمال من قبله بالمدينة والكوفة: فمن الباطل الممتنع المحال الذي لا يحل أن يظن بهم رضى الله عنهم أن أهل مكة بدلوا الاذان وسمعه أحد هؤلاء الخلفاء رضى الله عنهم أو بلغه والخلافة بيده: فلم يغير، هذا ما لا يظنه مسلم، ولو جاز ذلك لجاز بحضرتهم بالمدينة ولا فرق، * وكذلك فتحت الكوفة ونزل بها طوائف من الصحابة رضى الله عنهم وتداولها عمال عمر بن الخطاب، وعمال عثمان رضى الله عنهما، كأبي موسى
الاشعري، وابن مسعود، وعمار، والمغيرة، وسعد بن أبي وقاص، ولم تزل الصحابة الخارجون عن الكوفة يؤذنون في كل يوم سفرهم (2) خمس مرات، إلى أن بنوها وسكنوها، فمن الباطل المحال أن يحال (3) الاذان بحضرة من ذكرنا ويخفى ذلك على عمر وعثمان، أو يعلمه أحدهما فيقره ولا ينكره * ثم سكن الكوفة على بن أبي طالب إلى أن مات ونفذ العمال من قبله إلى مكة والمدينة، ثم الحسن ابنه رضى الله عنه، إلى أن سلم الامر لمعاوية رحمه الله تعالى، فمن المحال أن يغير الاذان ولا ينكر تغيره على والحسن ولو جاز ذلك على على لجاز مثله على أبي بكر وعمر وعثمان، وحاشا لهم من هذا، فما يظن هذا بهم ولا باحد منهم مسلم أصلا * فان قالوا: ليس أذان مكة ولا أذان الكوفة نقل كافة.
قيل لهم: فان قالوا لكم: بل أذان أهل المدينة ليس هو نقل كافة فما الفرق؟ فان ادعوا في هذا
__________
(1) في الاصل (فلولا أن كل هذه الوجوه فقط كان يؤذن به) وهو خطأ (2) كذا بالاصل (3) يحال: يعنى يغير *(3/154)
محالا ادعى عليهم مثله * فان قالوا: إن أذان أهل مكة وأهل الكوفة يرجع إلى قوم محصور عددهم.
قيل لهم: وأذان أهل المدينة يرجع إلى ثلاثة رجال لا أكثر: مالك وابن الماجشون وابن أبي ذئب فقط، وإنما أخذه أصحاب هؤلاء عن هؤلاء فقط * فان قالوا: لم يختلف في الاذان بالتثنية.
قيل لهم: هذا الكذب البحت روى معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر الاذان ثلاثا ثلاثا.
(1) وروى ابن جريج عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يثنى الاقامة
فيبطل بهذا بيقين البطلان فيما يحتج به المالكيون (2) لاختيارهم في الاذان بأنه نقل الكافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فصح يقينا أن لاذان أهل مكة من ذلك ما لاذان أهل المدينة سواء سواء.
وأن لاذان أهل الكوفة من ذلك ما لاذان أهل مكة وأذان أهل المدينة ولا فرق * فان قالوا: لم يغير ذلك الصحابة، لكن غير بعدهم * قلنا: إن جاز ذلك على التابعين بمكة والكوفة، فهو على التابعين بالمدينة أجوز، فما كان بالمدينة في التابعين كعلقمة والاسود وسويد بن غفلة والرحيل (3) ومسروق ونباتة (4) وسلمان بن ربيعة (4) وغيرهم، فكل هؤلاء أفتى في حياة عمر بن الخطاب، وما يرتفع أحد من تابعي أهل المدينة على
__________
(1) هذه رواية غريبة جدا وقد روى مثلها البيهقى (ج 1: ص 424) من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر (2) كذا في الاصل والمراد ظاهر (3) كذا في الاصل ولم أعرف من هو؟ بعد تقليب الرسم على كل ما يحتمله من أنواع التصحيف، وليس في الرواة من اسمه (الرحيل) إلا الرحيل بن معاوية الكوفى، وهو يروى عن أبى اسحق السبيعى وابى الزبير وحميد الطويل فهو من اهل القرن الثاني ومتأخر جدا عن عمر (4) بضم النون، وهو نباتة الوالبى وكان معلما على عهد عمر كما قال ابن حبان وابو حاتم (5) في الاصل (سليمان) وهو خطأ، وهو سلمان الخيل لانه كان يلى الخيول في خلافة عمر، ويقال: إن له صحبة(3/155)
طاوس وعطاء ومجاهد ومعاذ الله أن يظن بأحد منهم تبديل عمود الدين * فان هبطوا إلى تابعي التابعين، فما يجوز شئ من ذلك على سفيان الثوري وابن جريج الا جاز مثله على مالك، فماله على هذين فضل، لا في علم ولا في ورع، ومعاذ الله أن يظن بأحد منهم شئ من هذا * فان رجعوا إلى الولاة، فان الولاة، على مكة والمدينة والكوفة انما
كانوا ينفذون من الشام من عهد معاوية إلى صدر زمان أبي حنيفة وسفيان ومالك، ثم من الانبار وبغداد في باقي أيام هؤلاء، فلا يجوز شئ من ذلك على والى مكة والكوفة الا جاز مثله على والى المدينة، وكلها قد وليها الصالح والفاسق، كالحجاج، وحبيش (1) بن دلجة وطارق (2) وخالد القسري وما هنالك من كل من لا خير، فما جاز من ذلك عليهم بمكة والكوفة فهو جائز عليهم بالمدينة سواء سواء * بل الآمر أقرب إلى الامتناع بمكة، لان وفود جميع أهل الارض يردونها (3) كل سنة، فما كان ليخفى ذلك أصلا على الناس، وما قال هذا أحد قط والحمد لله * فان رجعوا إلى الروايات، فالروايات كما ذكرنا متقاربة إلا قول أبي حنيفة المشهور في الاقامة، فما جاءت به قط رواية * وليس هذا من المد والصاع والوسق في شئ، لان كل مد أو قفيز أحدث بالمدينة وبالكوفة فقد عرف، كما عرف بالمدينة مد هشام الذي أحدث والمد الذي ذكره مالك في موطئه: ان الصاع هو مد وثلث بالمد الآخر، وكمد أهل الكوفة الحجاجي، وكصاع عمر بن الخطاب، ولا
__________
(1) الحجاج معروف وحبيش بن دلجة وطارق بن عمرو أخبارهما في تاريخ الطبري (ج 7 ص 84 و 85 و 190 و 197 و 202 و 205) (2) هو خالد بن عبد الله القسرى - بفتح القاف واسكان السين المهملة - وفى الاصل (القشيرى) وهو تصحيف وأخباره في الطبري والاغانى والتهذيب (3) في الاصل (يودونها) وهو خطأ *(3/156)
حرج في إحداث الامير أو غيره مدا أو صاعا لبعض حاجته.
وبقى مد النبي صلى الله عليه وسلم وصاعه ووسقه منقولا إليه نقل الكافة إليه (1)
صلى الله عليه وسلم * والعجب أن مالكا رأى كفارة الظهار خاصة بمد هشام المحدث! على اختلاف أصحابه فيه، فاشهب وابن وهب وابن القاسم يقول أحدهم: هو (2) مد ونصف، ويقول الاخر: هو مدان غير ثلث، ويقول غيرهم: هو مدان! (3) * واحتج بعض أصحاب أبي حنيفة بأن قال: أذان أبي محذورة متاخر، فقلنا: نعم، وأحسن طرقه موافق لاختيارنا.
ولله الحمد.
فان قالوا: إن فيه تثنية الاقامة.
قلنا: نعم:، ولسنا ننكر تثنيتها، إلا أن تثنيتها كان الامر الاول، وإفرادها كان الامر الآخر بلا شك.
(4) * لما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات حدثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن الاعمش عن عمرو ابن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: أن عبد الله بن زيد رأى الاذان في المنام، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، قال: علمه بلالا، فقام بلال فأذن مثنى وأقام مثنى (5) *
__________
(1) كذا بالاصل بتكرار (إليه) مرتين والاولى حذف الاولى (2) في الاصل (وهو) وزيادة الواو لا معنى لها (3) انظر الموطأ (ص 124) وشرح الزرقاني (ج 2 ص: 81 و 82) وشرحنا على الخراج ليحيى بن آدم (رقم 471 و 481) (4) انظر البيهقى (ج 1: ص 421) (5) هذا جزء من حديث عبد الرحمن بن أبى ليلى وكان تارة يقول (حدثنا أصحابنا) وتارة (حدثنا أصحاب محمد) وتارة بلفظ (عبد الرحمن بن أبى ليلى عن معاذ) وتارة (عبد الرحمن عن عبد الله بن زيد) والحديث واحد والقصة واحدة، وقد ضعفه المؤلف في الاحكام (ج 6 ص 71) فأخطأ، وصححه هنا فأصاب، وحققنا طرقه فيما علقناه على الاحكام ولم نكن رأينا تصحيح المؤلف له الا فيما نقله عنه ابن حجر وابن التركماني، فالحمد لله على التوفيق *(3/157)
قال علي: وهذا إسناد في غاية الصحة من إسناد الكوفيين، فصح أن تثنية الاقامة قد نسخت، وأنه هو كان أول الامر، وعبد الرحمن بن ابى ليلى أخذ عن مائة وعشرين من الصحابة، وأدرك بلالا وعمر رضى الله عنهما، فلاح بطلان قولهم بيقين.
ولله تعالى الحمد * إلا أن الافضل ما صح من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا بان يوترها إلا الاقامة.
والصحيح الاخر أولى بالاخذ مما لا يبلغ درجته * وقد قال بعض متأخرى المالكيين: معنى (الا الاقامة) أي إلا (الله أكبر)! وهذا جرى منهم على عادتهم في الكذب، وما سمى أحد قط قول (الله أكبر) اقامة، لا في لغة ولا في شريعة، فكيف وقد جاء مبينا أنه (قد قامت الصلاة،) كما ذكرناه * وقال الحنفيون: إن الامر لبلال بأن يوتر الاقامة هو ممن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لحاق منهم بالروافض الناسبين إلى أبي بكر وعمر تبديل دين الاسلام، ولعن الله من يقول هذا، فما يقوله مسلم * فان قالوا: قد رويتم من طريق حيوة عن الاسود: أن بلالا كان يثنى الاقامة.
قلنا: نعم، وأنس روى: أن بلالا أمر بوترها، وأنس سمع أذان بلال بلا شك، ولم يسمعه الاسود قط يؤذن ولا يقيم فصح أن معنى قول الاسود: أن بلالا كان يثنى الاقامة يريد قوله (قد قامت الصلاة) حتى يتفق قوله مع رواية أنس في ذلك * قال علي: وقال بعض الحنفيين: لعل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة أن يقول (أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله) انما كان لاجل أنه كان خفض به
صوته، لا لانه من حكم الاذان * قال على: وهذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم مجرد، لانه عليه السلام(3/158)
لو علم أن هذا الترجيع ليس من نفس الاذان لنبأه عليه (1)، ولما تركه البتة يقول ذلك خافضا صوته في ابتداء الاذان، فليس هو كلمة واحدة، بل أربع قضايا، الاثنتان منها ست كلمات ست كلمات، والاثنتان خمس كلمات خمس كلمات، فمن الكذب البحت الذي يستحق فيه صاحبه أن يتبوأ مقعده من النار أن يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة يأتي بكل ذلك خافض الصوت، وليس خفضه من حكم الاذان، فإذا تركه على الخطأ ولم ينهه زاد في اضلاله، بأن يأمره بأن يعيد ذلك رافعا صوته، ولا يعلمه أن تكرار ذلك ليس من الاذان، وما ندرى كيف ينطلق بهذا لسان مسلم! أو ينشرح له صدره؟! فكيف والآثار التي هي أحسن ما روى في ذلك جاءت مبينة بأن نبى الله صلى الله عليه وسلم علمه الاذان كذلك نصا، كلمة كلمة، تسع عشرة كلمة!! فوضح كذب هؤلاء القائلين جهارا: * وقال بعضهم: لما رأينا ما كان في الاذان في موضعين كان في الموضع الثاني على نصف ما هو عليه في الموضع الاول، ألا ترى أنه يقال في أول الاذان (أشهد أن لا إله إلا الله) مرتين، ويقال في آخره (لا إله إلا الله) مرة، وكان التكبير مما يتكرر في الاذان، وكان التكبير في آخر الاذان مرتين، والقياس أن يكون في أول الاذان أربعا!! * قال علي: إذا كان هذا الهوس عندكم حقا فان التكبير مربع في أول الاذان كما تقول، فالواجب أن يكون (أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد
أن محمدا رسول الله) مربعا أيضا في التكبير، وأن لا يثنى من الاذان إلا ما اتفق على أن يثني، كما لا يفرد منه إلا ما اتفق على افراده، وهو (لا إله الا الله) فقط، فيكون أول الاذان ثلاث قضايا مربعات، ثم يتلوها ثلاث
__________
(1) (نبأ) يتعدى بنفسه وبالباء، وأما تعديته بحرف (على) فلم أجد دليلا عليها *(3/159)
قضايا مثنيات، ثم توتر ذلك قضية سابعة مفردة، فهذا هذر أفلح من هذركم، فينبغي أن تلتزموه!! * وأما المالكيون، فانهم إذا قاسوا المستحاضة على المصراة، والنفخ، في الصلاة على (ولا تقل لهما أف) والمرأة ذات الزوج في مالها على المريض المخوف عليه الموت، وفرج المتزوجة على يد السارق، وسائر تلك القياسات التي لا شئ أسقط منها ولا أغث: فهذان القياسان أدخل في المعقول عند كل ذي مسكة عقل، فينبغي لهم أن يلتزموها، إن كانوا من أهل القياس، وإلا فليتركوا تلك المقايس السخيفة، فهو أحظى لهم في الدين وأدخل في المعقول!! وبالله تعالى التوفيق * وقال بعض المالكيين: لما كانت (لا اله الا الله) تقال في آخر الاذان مرة واحدة: وجب أن تكون الاقامة كلها كذلك، إلا ما اتفق عليه من التكبير فيها.
فقلنا لهم: لما لم يكن ما ذكرتم (1) حجة في افراد الاذان لم يكن حجة في افراد الاقامة.
وأيضا: فانه لما كان التكبير في الاقامة يثنى باتفاق منا ومنكم: وجب أن يثنى سائر الاقامة، الا ما اتفق عليه وهو التهليل في آخرها فقط.
أو لما كان التكبير في الاقامة يقال أربع مرات وجب أن يكون في الاقامة أيضا يقال مرتين، ليكون فيها تربيع يخرج منه إلى تثنية إلى افراد.
وكل هذا هوس، إنما أوردناه ليرى أهل التصحيح
فساد القياس وبطلانه * وقد صح عن ابن عمر وأبي أمامة بن سهل بن حنيف: أنهم كانوا يقولون في أذانهم (حى على خير العمل) ولا نقول به لانه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حجة في أحد دونه.
ولقد كان يلزم من يقول في مثل هذا عن الصاحب: مثل هذا لا يقال بالرأى: أن يأخذ بقول ابن عمر في هذا،
__________
(1) في الاصل (ذكرت)(3/160)
فهو عنه ثابت باصح اسناد (1) * وقال الحسن بن حى: يقال في العتمة الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، ولا نقول بهذا أيضا، لانه لم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * 332 مسألة ولا يجوز تنكيس الاذان ولا الاقامة، ولا تقديم مؤخر منها على ما قبله، فمن فعل ذلك فلم يؤذن ولا أقام، ولا صلى باذان ولا اقامة * قال علي: هي أربعة اشياء تنازع الناس فيها: الوضوء والاذان والاقامة والطواف بالبيت، فقال أبو حنيفة: يجوز تنكيس كل ذلك.
وقال مالك لا يجوز تنكيس الاذان ولا الاقامة ولا الطواف، وقال في أحد قوليه وأشهرهما: يجوز تنكيس الوضوء.
وقال الشافعي: لا يجوز تنكيس شئ من ذلك * قال علي: لا يشك أحد في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم الناس الاذان، ولولا ذلك ما تكهنوهما ولا ابتدعوهما، فإذ لا شك في ذلك فانما علمهما عليه السلام مرتبين (2) كما هما، أولا فأولا، يأمر الذي يعلمه بأن يقول ما يلقنه، ثم الذي بعده من القول، إلى انقضائهما، فإذ هذا كذلك فلا يحل لاحد مخالفة
أمره صلى الله عليه وسلم في تقديم ما أخر أو تأخير ما قدم.
وبالله تعالى التوفيق * 333: مسألة فان كان برد شديد أو مطر رش فصاعدا، فيجب ان يزيد المؤذن في أذانه بعد (حى على الفلاح) أو بعد ذلك (3) (ألا صلوا
__________
(1) رواية ذلك عن ابن عمر رواها البيهقى (ج 1: ص 424 و 425) وكذلك عن على ابن الحسين ثم قال (وهذه اللفظة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما علم بلالا وأبا محذورة، ونحن نكره الزيادة فيه) (2) في الاصل (مرتين) وهو خطأ لا يناسب بساط القول (3) كذا في الاصل، ولا نرى فائدة هنا لقوله (أو بعد ذلك) إلا ان كان سقط شئ من الكلام *(3/161)
في الرحال.
وهذا الحكم واحد في الحضر والسفر * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر: أنه أذن بضجنان (1) بين مكة والمدينة فقال: (صلوا في الرحال) ثم قال ابن عمر: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر مناديه في الليلة الباردة أو المطيرة أو ذات الريح أن يقول: صلوا في الرحال) (2) * حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبع ثنا ابن أيمن ثنا بكر بن حماد ثنا مسدد ثنا حماد هو ابن زيد عن أيوب السختياني وعاصم الاحول وعبد الحميد صاحب الزيادي كلهم عن عبد الله بن الحارث قال: خطبنا ابن عباس في يوم ذى ردغ (3) فلما بلغ المؤذن (حى على الصلاة) أمره أن ينادى (الصلاة في الرحال) فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقال لهم: كأنكم أنكرتم (4) هذا! (قد فعل هذا من هو خير منى، وانها لعزيمة (5) وهو قول أصحابنا * 334: مسألة والكلام جائز بين الاقامة والصلاة، طال الكلام أو قصر، ولا تعاد الاقامة لذلك *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني ثنا أبو إسحاق البلخي
__________
(1) بفتح الضاد المعجمة واسكان الجيم وهو جبل بينه وبين مكة خمسة وعشرون ميلا (2) رواه أبو داود (ج 1: ص 410 و 411) بأسانيد كثيرة والبيهقي (ج 1: ص 398) ونسبه المنذرى للبخاري ومسلم (3) بفتح الراء واسكان الدال المهملة وآخره غين معجمة، وفى بعض الروايات (رزغ) بالزاى بدل الدال والمراد المطر أو الطين (4) في نسخة منقولة عن الاصل (أنكرتم) وفى أخرى عنه (أكبرتم) وأخترنا الاولى لان في رواية لابي داود (فكأن الناس استنكروا ذلك) (5) يعنى الجمعة بدليل قوله (خطبنا) وللتصريح بذلك في روايات أخرى، وانظر الكلام عليه في فتح الباري (ج 2: ص 66 و 67) والعيني الطبعة المنيرية (ج 5: ص 126 و 128) وأبى داود (ج 1: ص 410 و 412) *(3/162)
ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو ثنا عبد الوارث ثنا عبد العزيز هو ابن صهيب عن أنس بن مالك قال: (أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يناجى رجلا في جانب المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام الناس) (1) * وقد ذكرنا اقامة المسلمين للصلاة وتذكره عليه السلام انه جنب ورجوعه واغتساله ثم مجيئه وصلاته بالناس * ولا دليل يوجب اعادة الاقامة أصلا، ولا خلاف بين أحد من الائمة في أن من تكلم بين الاقامة والصلاة أو أحدث فانه يتوضأ ولا تعاد الافامة لذلك ويكلف من فرق بين قليل العمل وكثيره، وقليل الكلام وكثيره: أن يأتي على صحة قوله بدليل، ثم على حد القليل من ذلك من الكثير، ولا سبيل له إلى ذلك أصلا.
وبالله تعالى التوفيق * (اوقات الصلاة)
335: مسألة قال أبو محمد: أول وقت الظهر أخذ الشمس في الزوال والميل.
فلا يحل ابتداء الظهر قبل ذلك أصلا، ولا يجرئ بذلك ثم يتمادى وقتها إلى أن يكون ظل كل شئ مثله، لا يعد في ذلك الظل الذي كان له في أول زوال الشمس، لكن يعد ما زاد على ذلك فإذا كبر الانسان لصلاة الظهر حين ذلك فما قبله فقد أدرك صلاة الظهر بلا ضرورة * فإذا زاد الظل المذكور على ما ذكرنا بما قل أو كثر فقد بطل وقت الدخول في صلاة الظهر، إلا للمسافر المجد فقط، ودخل أول وقت العصر
__________
(1) في جميع روايات البخاري (حتى نام القوم) وكذلك في أغلب روايات الحديث ولم أر فيه في شئ من الروايات لفظ (نام الناس) فلعلها للاندلسيين في البخاري.
وانظر البخاري (ج 1: ص 262) والعيني (ج 5: ص 157 و 158) *(3/163)
فمن دخل في صلاة العصر قبل ذلك لم تجزه إلا يوم عرفة بعرفة فقط، ثم يتمادي وقت الدخول في العصر إلى أن تغرب الشمس كلها، إلا أننا نكره تأخير العصر إلى أن تصفر الشمس إلا لعذر.
ومن كبر للعصر قبل أن يغرب جميع القرص فقد أدرك العصر * فإذا غاب جميع القرص فقد بطل وقت الدخول في العصر، ودخل أول وقت صلاة المغرب.
ولا يجزئ الدخول في صلاة المغرب قبل غروب جميع القرص.
ثم يتمادى وقت صلاة المغرب إلى أن يغيب الشفق الذي هو الحمرة فمن كبر للمغرب قبل أن يغيب آخر حمرة الشفق فقد أدرك صلاة المغرب بلا كراهة ولا ضرورة * فإذا غربت حمرة الشفق كلها فقد بطل وقت الدخول في صلاة المغرب
الا للمسافر المجد وبمزدلفة ليلة يوم النحر فقط، ودخل وقت صلاة العشاء الآخرة، وهي العتمة.
ومن كبر لها ومن الحمرة في الافق شئ لم يجزه.
ثم يتمادى وقت صلاة العتمة إلى انقضاء نصف الليل الاول، وابتداء النصف الثاني.
فمن كبر لها في أول النصف الثاني من الليل فقد أدرك صلاة العتمة بلا كراهة ولا ضرورة فإذا زاد على ذلك فقد خرج وقت الدخول في صلاة العتمة * فإذا طلع الفجر الثاني فقد دخل أول وقت صلاة الصبح، فلو كبر لها قبل ذلك لم يجزه.
ويتمادى وقتها إلى أن يطلع أول قرص الشمس، فمن كبر لها قبل أول القرص فقد أدرك صلاة الصبح، إلا أننا نكره تأخيرها عن أن يسلم منها قبل طلوع أول القرص إلا لعذر، فإذا طلع أول القرص فقد بطل وقت الدخول في صلاة الصبح * فإذا خرج وقت كل صلاة ذكرناها لم يجز أن يصليها، لا صبي يبلغ، ولا حائض تطهر، ولا كافر يسلم، ولا يصلى هؤلاء إلا ما أدركوا في(3/164)
الاوقات المذكورة * وأما المسافر فانه ان زالت له الشمس وهو نازل أو غربت له الشمس وهو نازل: فهو كما ذكرنا في وقت الظهر والمغرب ولا فرق، يصلى كل صلاة لوقتها ولا بد، فان زالت له الشمس وهو ماش فله أن يؤخر الظهر إلى أول الوقت الذي ذكرنا للعصر، ثم يجمع الظهر والعصر، وإن غابت له الشمس وهو ماش فله أن يؤخر المغرب إلى أول وقت العتمة، ثم يجمع بين المغرب والعتمة * وأما بعرفة يوم عرفة خاصة فانه يصلى الظهر في وقتها، ثم يصلى
العصر إذا سلم من الظهر في وقت الظهر * وأما بمزدلفة ليلة يوم النحر خاصة فانه لا يصلى المغرب إلا بمزدلفة أي وقت جاءها، فان جاءها في وقث العتمة صلاها ثم صلى العتمة * وأما الناسي للصلاة والنائم عنها فان وقتها متماد أبدا لابد، * ولا يحل لاحد أن يؤخر صلاة عن وقتها الذي ذكرنا، ولا يجزئه إن فعل ذلك، ولا أن يقدمها قبل وقتها الذي ذكرنا، ولا يجزئه ان فعل ذلك * وقال أبو حنيفة في أحد قوليه: أول وقت العصر إذا صار ظل كل شئ مثليه، ووقت العتمة المستحب إلى ثلث الليل والى نصفه، ويمتد إلى طلوع الفجر، وان كره تأخيرها إليه، ولم يجز تأخير الظهر إلى وقت العصر ولا تأخير المغرب إلى وقت العتمة: للمسافر المجد * ورأى مالك للمريض الذي يخاف ذهاب عقله وللمسافر الذي يريد الرحيل: أن يقدم العصر إلى وقت الظهر، والعتمة إلى وقت المغرب، ورأى لمساجد الجماعة في المطر والظلمة أن تؤخر المغرب قليلا وتقدم العتمة إلى وقت المغرب، ولا يتنفل بينهما، ولم ير ذلك لخوف عدو، ولا راى ذلك في نهار المطر في الظهر والعصر، ورأى وقت الظهر والعصر يمتدان(3/165)
إلى غروب الشمس بادراك الظهر وركعة من العصر قبل غروب جميعها، ورأى وقت المغرب والعتمة يمتدان إلى أن يدرك المغرب وركعة من العتمة قبل طلوع الفجر الثاني * ورأى الشافعي الجمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر، وبين المغرب والعتمة في وسط وقت المغرب: لمساجد الجماعات خاصة في المطر، ورأى وقت الظهر والعصر مشتركا (1) ممتدا إلى غروب الشمس، ووقت
المغرب والعتمة مشتركا (2) ممتدا إلى طلوع الفجر * هذا مع قوله وقول مالك: إنه ليس للمغرب إلا وقت واحد.
وهذه اقوال ظاهره التناقض بلا برهان * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحى ثنا أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك أنا همام هو ابن يحيي عن قتادة عن أبي أيوب المراغى (3) عن عبد الله بن عمرو ابن العاصى: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن وقت صلاة الظهر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله، ما لم تحضر العصر، ووقت العصر ما لم تغرب الشمس، ووقت المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت العشاء إلى نصف الليل، ووقت الفجر من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس (4) *
__________
(1 و 2) في نسخة منقولة عن الاصل (مشتركا) وفى أخرى عنه (مستدركا) فاخترنا الاولى لانها أصح، ولان الشافعي يقول باشتراك الوقتين في كل صلاتين منها حال العذر بالجمع في السفر والمطر (3) في صحيح مسلم (ج 1: ص 170) (واسمه يحيى بن مالك الازدي ويقال المراغى، والمراغ حى من الازد) (4) رواه مسلم وأبو داود (ج 1: ص 154) والنسائي (ج 1: ص 90 و 91) والبيهقي (ج 1: ص 364 و 365 و 367 و 371) وعندهم جميعا في وقت العصر (ما لم تصفر الشمس) ولعل ما هنا رواية أخرى يؤيدها رواية للبيهقي ما لم يحضر المغرب *(3/166)
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبي ثنا بدر بن عثمان ثنا أبو بكر بن أبي موسى الاشعري عن أبيه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة؟ فلم يرد عليه شيئا فأقام الفجر (1) حين انشق الفجر والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا، ثم أمره فأقام بالظهر (2) حين زالت الشمس، والقائل يقول: قد انتصف النهار، وهو كان أعلم منهم، ثم أمره فأقام بالعصر (3) والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام المغرب حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها والقائل يقول: قد طلعت الشمس أو كادت، ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالامس، ثم أخر العصر حتى انصرف منها والقائل يقول: قد احمرت الشمس، ثم أخر المغرب حتي كان عند سقوط الشفق، ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل الاول، ثم أصبح فدعا (4) السائل فقال: الوقت بين هذين (5) * وقد روينا هذا الخبر من طريق أبي داود عن مسدد عن عبد الله بن داود الخريبى (6) عن بدر بن عثمان باسناده وفيه (فلما كان من الغد (7) صلى الفجر فانصرف فقلنا: طلعت (8) الشمس، وأقام الظهر في وقت العصر الذي كان قبله، وصلى العصر وقد اصفرت الشمس أو قال: أمسى) *
__________
(1) لفظ (الفجر) زدناه من صحيح مسلم (ج 1: ص 171) (2) في الاصل (الظهر) وصححناه من مسلم (3) في الاصل (العصر) (4) في الاصل (ثم دعا) وصححناه من مسلم (5) رواه أبو داود (ج 1: ص 154) كما سيذكره المؤلف والنسائي (ج 1: ص 91) والبيهقي (ج 1: ص 366 و 367 و 370 و 371) (6) بضم الخاء المعجمة وفتح الراء.
سكن الخريبة - وهى محلة بالبصرة - فنسب إليها (7) لفظ (من) زدناه من أبى داود * (7) في أبى داود (أطلعت) بزيادة الهمزة(3/167)
حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن ايمن ثنا احمد ابن زهير ومحمد بن وضاح قال ابن زهير: حدثني أبي، وقال ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير قال زهير وأبو بكر وابن نمير: ثنا محمد بن: فضيل عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن للصلاة أولا وآخرا، وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر، وإن أول وقت العصر حين يدخل وقتها، وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وإن آخر وقتها حين يغيب الافق، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الشفق، وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر، وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس (1) * قال علي: لم يخف علينا اعتلال من اعتل في حديث عبد الله بن عمرو بان قتادة أسنده مرة وأوقفه أخرى (2)، وهذا ليس بعلة، بل هو قوة للحديث، إذا كان الصاحب يرويه مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ويفتى به أخرى وهذا جهل ممن تعلل بهذا، وقول لا برهان عليه، وإنما هو ظن قلد فيه من ظنه * وكذلك لم يخف علينا من تعلل في حديث أبي هريرة بأن محمد بن فضيل أخطأ فيه، وإنما هو موقوف على مجاهد، وهذا أيضا دعوى كاذبة بلا برهان، وما يضر إسناد من أسند إيقاف من أوقف (3) *
__________
(1) الحديث رواه الترمذي (ج 1: ص 32 و 33) والبيهقي (ج 1: ص 375 و 376) وقوله في المغرب والعشاء (الافق) و (الشفق) هو في الموضعين في الترمذي والبيهقي (الافق) وفى بعض نسخ الترمذي (الشفق) في الاولى فقط والمراد واحد (2) الرواية بوقفه في النسائي والبيهقي (3) الذى علل الحديث بهذا هو البخاري، قال الترمذي: (سمعت محمدا يقول: حديث الاعمش عن مجاهد في المواقيت أصح من حديث محمد بن فضيل عن
الاعمش، وحديث محمد بن فضيل خطأ، أخطأ فيه محمد بن فضيل) ثم روى الموقوف على مجاهد، والحق ما قال ابن حزم رحمه الله والحديث صحيح *(3/168)
قال علي: وهذه أحاديث صحاح، بأسانيد جياد، من رواية الثقات فواجب الاخذ بالزائد، والذي فيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الظهر في وقت العصر الذي كان قبله) ليس فيه حجة لمن قال باشتراك (1) وقتيهما، لانه عليه السلام قد نص على أن (وقت الظهر ما لم تحضر العصر) ونص عليه السلام على بطلان الاشتراك * كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا ابن الاعرابي ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت هوالبناني عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما التفريط في اليقظة، أن تؤخر صلاة حتي يدخل وقت أخرى).
فلا بد من جمعها كلها لصحتها * فصح أنه عليه السلام كبر في اليوم الثاني للظهر في آخر وقتها، فصار مصليا لها في وقت العصر وهذا حسن * والخبر الذي فيه (ووقت العصر ما لم تغب الشمس) زائد على سائر الاخبار، وزيادة العدل واجب قبولها، وكذلك هو زائد على الخبر الذي قد ذكرناه قبل باسناده وفيه (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) * وهذا الخبر زائد على الآثار التي فيها (ووقت العصر ما لم تصفر الشمس) ولا يحل ترك زيادة العدل * وهذه الاخبار كلها زائدة على الاخبار التي فيها (أنه صلى الله عليه وسلم صلى المغرب
في اليوم الثاني في الوقت الذي صلاها فيه بالامس وقتا واحدا) * وهذه الاخبار كلها مبطلة قول مالك والشافعي: إنه ليس للمغرب إلا
__________
(1) في نسخة منسوخة من الاصل (باستدراك) وهو خطأ *(3/169)
وقت واحد، وهو قول يبطل من جهات: * منها ما قد صح مما سنذكره باسناده إن شاء الله تعالى من أنه عليه السلام (قرأ في صلاة المغرب سورة الاعراف وسورة الطور والمرسلات) فلو كان ما قالوه لكان عليه السلام مصليا لها في غير وقتها، وحاش لله من هذا * وأيضا فان المساجد تختلف، فبعضها لامنار لها، وهي ضيقة الساحة جدا، فيؤذن المؤذن مسرعا ويصلى، وبعضها واسعة الصحون كالجوامع الكبار، وعالية المنار، فيؤذن المؤذن مسترسلا ثم ينزل، فلا سبيل أن يقيم الصلاة إلا وأئمة المساجد قد أتموا، هذا أمر مشاهد في جميع المدن.
فعلى قول المالكيين والشافعيين كان يجب أن هؤلاء لم يصلوا المغرب في وقتها * وأيضا فيسألون: متي ينقضي وقتها عندكم؟ فلا يأتون بحد أصلا.
ومن الباطل أن تكون شريعة محدودة لا يدرى أحد حدها، حاشا لله من هذا * وهذه الاخبار أيضا تبطل قول من قال باشتراك وقت الظهر والعصر، وباشتراك وقت المغرب والعشاء، ولم يأت خبر يعارضها في هذا أصلا * وحكم عرفة والمزدلفة حكم في ذلك اليوم وتلك الليلة في ذينك الموضعين فقط * برهان ذلك: أنهم كلهم.
مجمعون بلا خلاف على أن إماما لو صلى الظهر بعرفة في وقت الظهر، ثم أخر العصر إلى وقت العصر،
كحكمها في غير ذلك اليوم.
في غير ذلك المكان، أو صلى المغرب تلك الليلة في إثر غروب الشمس قبل المزدلفة: لكان مخطئا مسيئا، وعند بعضهم فاسد الصلاة * فصح أنهم خالفوا القياس والنصوص.
أما النصوص فقد ذكرناها * وأما القياس: فان وجه القياس لو كان القياس حقا أن يجوز وأن(3/170)
يلزم في غير عرفة ومزدلفة ما يجوز ويلزم في عرفة ومزدلفة في ذلك اليوم وتلك الليلة، فيكون الحكم أن تصلى العصر أبدا في أول وقت الظهر، وأن تؤخر المغرب أبدا إلى بعد غروب الشفق، وهم كلهم.
مجمعون على المنع من هذا، وانه لا يجوز، فظهر أنهم لم يقيسوا قولهم في اشتراك الاوقات على حكم يوم عرفة بعرفة وليلة مزدلفة بمزدلفة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني أبو الطاهر أحمد ابن عمرو بن السرح أخبرني ابن وهب حدثني جابر بن اسماعيل (1) عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا عجل عليه السفر (2) يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر (3) فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق).
وهكذا رويناه من طريق ابن عمر أيضا (إذا جد به السفر (4) * وهذا الخبر يقضى على كل خبر جاء بأنه عليه السلام جمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين صلاتي المغرب والعشاء في السفر، ولا سبيل إلى وجود خبر يخالف ما ذكرنا * وأما في غير السفر فلا سبيل البتة إلى وجود خبر فيه الجمع بتقديم
العصر إلى وقت الظهر، ولا بتأخير الظهر إلى أن يكبر لها في وقت العصر، ولا بتأخير المغرب إلى أن يكبر لها بعد مغيب الشفق، ولا بتقديم العتمة إلى قبل غروب الشفق، فإذ لا سبيل إلى هذا فمن قطع بهذه الصفة على تلك
__________
(1) في الاصل (حدثنى اسماعيل) وهو خطأ صححناه من مسلم (ج 1: ص 196) (2) في مسلم (عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عجل عليه السفر) بحذف (كان) (3) في الاصل (إلى وقت العصر) بحذف (أول) وزدناها من مسلم (4) حديث ابن عمر في مسلم بلفظ (إذا جد به السير) *(3/171)
الاخبار التي فيها الجمع، فقد أقدم على الكذب ومخالفة السنن الثابتة * ونحن نرى الجمع بين الظهر والعصر ثم بين المغرب والعشاء أبدا بلا ضرورة ولا عذر ولا مخالفة للسنن، لكن بأن يؤخر الظهر كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر وقتها، فيبتدأ في وقتها ويسلم منها وقد دخل وقت العصر، فيؤذن للعصر ويقام وتصلى في وقتها، وتؤخر المغرب كذلك إلى آخر وقتها، فيكبر لها في وقتها ويسلم منها وقد دخل وقت العشاء، فيؤذن لها ويقام وتصلى العشاء في وقتها * فقد صح بهذا العمل موافقة الاحاديث كلها، وموافقة يقين الحق في أن تؤدى كل صلاة في وقتها.
ولله الحمد * فان ادعوا العمل بالجمع بالمدينة، فلا حجة في عمل الحسن بن زيد (1)، ولا يجدون عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم صفة الجمع الذي يراه مالك والشافعي، وقد أنكره الليث وغيره * والعجب أن أصح حديث في الجمع، هو ما رويناه من طريق مالك عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (صلى لنا (2) رسول الله
صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا، في غير (3) خوف ولا سفر) قال مالك: أرى ذلك في مطر * وما رويناه من طريق عثمان بن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الاعمش عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة، من غير خوف ولا مطر، قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته (4) *
__________
(1) الراجح أنه يريد الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب، وهو مدنى من شيوخ مالك وولى المدينة خمس سنين (2) كلمة (لنا) زيادة من الموطأ (ص 50 و 51) (3) قى الموطأ (من غير خوف) (4) رواه مسلم بأسانيد متعددة (ج 1: ص 196 و 197) ونسبه في المنتقى للجماعة الا البخاري وابن ماجه *(3/172)
قال علي: والمالكيون والشافعيون لا يقولون بهذا، وليس في هذين الخبرين خلاف لقولنا، ولله الحمد، ولا صفة الجمع، فبطل التعلق بهما علينا * فان ذكر ذاكر حديث مالك عن أبى الزبير عن أبي الطفيل: أن معاذ ابن جبل أخبرهم (1): (أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك (2) فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل (3) ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا) * فهذا أيضا كما قلنا: ليس فيه صفة الجمع على ما يقولون، فليسوا أولى بظاهره منا (4) * وهذا أيضا خبر رويناه من طريق الليث بن سعد عن هشام بن سعد
عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإن ترحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وان غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وان ارتحل قبل أن يغيب الشفق أخر المغرب حتى ينزل للعشاء، ثم يجمع بينهما (5) * فهذا خبر ساقط لانه من رواية هشام بن سعد وهو ضعيف (6) * وأيضا فلو صح لما كان مخالفا لقولنا، لانه ليس فيه بيان أنه عليه السلام عجل العصر قبل وقتها، والعتمة قبل وقتها، ومن تأمل لفظ الخبر
__________
(1) في الموطأ (ص 50) (أخبره) (2) في الموطأ (عام تبوك) (3) زيادة من الموطأ (4) ولكنه صريح في أنه كان يجمع بين الصلاتين وهو نازل غير جاد به السير (5) رواه ابو داود بنحوه (ج 1: ص 468) من طريق المفضل بن فضالة والليث معا (6) هشام ضعفه محتمل وحديثه حسن وليس خبره ساقطا بمرة *(3/173)
رأى ذلك واضحا، والحمد لله.
وانما هي ظنون أعملوها، فزل فيها من زل بغير تثبت * وهكذا القول سواء سواء في الحديث الذي رويناه من طريق الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر، جميعا ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب (1) *
فان هذا الحديث أردى حديث في هذا الباب لوجوه: أولها: أنه لم يأت هكذا إلا من طريق يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل، ولا يعلم أحد من أصحاب الحديث ليزيد سماعا من أبي الطفيل * والثاني: أن أبا الطفيل صاحب راية المختار، وذكر أنه كان يقول بالرجعة (2) * والثالث أننا روينا عن محمد بن اسماعيل البخاري مؤلف الصحيح أنه قال: قلت لقتيبة: مع من كتبت عن الليث حديث يزيد بن أبي حبيب عن ابى الطفيل؟ يعني هذا الحديث الذي ذكرنا بعينه، قال، فقال لى قتيبة: كتبته مع خالد المدائني، قال البخاري: كان خالد المدائني يدخل الاحاديث
__________
(1) رواه أبو داود (ج 1 ص 472) والترمذي (ج 1: ص 179 و 110) بنحوه كلاهما عن قتيبة بن سعيد عن الليث.
قال الترمذي (حديث حسن غريب تفرد به قتيبة، لا نعرف أحدا رواه عن الليث غيره) وقال أبو داود (لم يرو هذا الحديث الا قتيبة وحده) (2) أبو الطفيل عامر بن واثلة من ثقات التابعين الفضلاء وما رماه أحد بالقول بالرجعة وما أسند المؤلف هذا عمن يوثق به *(3/174)
على الشيوخ، يريد: أنه كان يدخل في روايتهم ما ليس منها (1) * ثم لو صح لما كان فيه خلاف لقولنا، لانه ليس فيه أنه عليه السلام قدم العصر إلى وقت الظهر، ولا أنه عليه السلام قدم العتمة إلى وقت المغرب (2) * فبطل كل ما تعلقوا به في اشتراك الوقتين، وفي تقديم صلاة إلى وقت التي قبلها، وتأخيرها إلى وقت غيرها بالرأى والظن، لاسيما مع نصه عليه السلام على أن (وقت الظهر ما لم تحضر العصر) وان (آخر وقت المغرب ما لم يغرب الافق، وأول وقت العشاء إذا غاب الافق) فهذا نص يبطل
الاشتراك جملة * وما الناسي والنائم فقد ذكرنا قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فصح أن وقتها ممتد للناسي وللنائم أبدا، وكذلك وقت الظهر والمغرب ممتد للمجد في السير، وفي مزدلفة ليلة النحر، ووقت العصر منتقل يوم عرفة بعرفة، وانتقال الاوقات أو تماديها أو حدها لا يجوز أن يؤخذ إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يلتزموا قياسا في شئ مما قالوه على ما بينا * وأما قول أبي حنيفة: إن وقت الظهر يمتد إلى أن يصير ظل كل شئ مثليه وحينئذ يدخل وقت العصر: فانهم احتجوا بحديث ذكر أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم رواه عن أبي مسعود: (أن جبرئيل نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صار ظل كل شئ مثله (3) وأمره بصلاة الظهر (4).
__________
(1) خالد بن القاسم المدائني أبو الهيثم لم يكن ثقة، ولكن هل قال قتيبة انه روى عنه الحديث، أو هو كتبه عن الليث وكتبه معه خالد؟! وماذا يكون من هذا؟ ثقة كتب حديثا سمعه من شيخه وكتبه معه آخر أيا كان، أفيكون من هذا ان حديث الثقة ساقط لان الضعيف رواه معه؟! (2) بل صح هذا في لفظ الترمذي في هذا الحديث، فان فيه (عجل العصر إلى الظهر) و (عجل العشاء إلى المغرب) (3) في الاصل (مثليه) وهو خطأ (4) رواه البيهقى (ج 1: ص 365) ونسبه الزيلعى في نصب الراية (ج 1: ص 116 و(3/175)
قالوا: فيتعين أنه يدري أمره بابتداء الصلاة بعد ذلك (1)، لان الظل لا يستقر * قال على.
وهذا لا حجة لهم فيه، أول ذلك أنه منقطع، لان أبا بكر هذا لم يولد إلا بعد موت أبي مسعود، والثاني أنهم جروا فيه على عادة لهم في توثيب أحكام الاحاديث إلى ما ليس فيها، وترك ما فيها، وذلك أنه ليس
في هذا الخبر لا اشارة ولا دليل ولا معنى يوجب امتداد وقت الظهر إلى أن يكون ظل كل شئ مثليه، ولا فيه أنه عليه السلام ابتدأ الصلاة بعد زيادة الظل على المثل، ولو صح هذا الخبر لما كان فيه الا جواز ابتداء الصلاة حين يصير ظل كل شئ مثله، وهو الوقت الذي أمره فيه جبريل بأن يصلى الظهر فيه، لا فيما بعده * وذكر بعض مقلديه الحديث الصحيح المشهور من طريق ايوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مثلكم ومثل أهل الكتاب) ثم ذكر عليه السلام (الاجراء الذين عملوا من غدوة إلى نصف النهار على قيراط، فعلمت اليهود، ثم الذين عملوا من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط، فعملت النصاري ثم الذين عملوا من العصر إلى مغيب الشمس على قيراطين، وهم نحن، فغضبت اليهود والنصارى، فقالوا: مالنا أكثر عملا وأقل عطاء؟ فقال: هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضلى أوتيه من أشاء) * والحديث الصحيح أيضا المأثور من طريق أبي بردة بن أبي موسى الاشعري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا، وفيه: (ان المستأجر لهم قال للذين عملوا إلى حين صلاة العصر: أكملوا بقية عملكم فانما بقى من النهار شئ يسير) *
__________
117) إلى اسحق بن راهويه والبيهقي في المعرفة والطبراني، وانظر الكلام فيه هناك، والحديث بهذا الاسناد ضعيف كما قال المؤلف (1) كذا في الاصل ولعل في الكلام تحريفا أو خطأ والمراد ظاهر *(3/176)
فقال المحتج بهذين الخبرين: لو كان وقت الظهر يخرج بالزيادة على ظل
المثل ويدخل حينئذ وقت العصر: لكان مقدار وقت العصر مثل مقدار وقت الظهر، وهذا خلاف ما في ذينك الخبرين * قال أبو محمد: وهذا مما قلنا من تلك العوائد الملعونة، والايهام بتوثيب الاحاديث عما فيها إلى ما ليس فيها * وبيان ذلك: أنه ليس في شئ من هذين الخبرين لا بدليل ولا بنص ان وقت العصر أوسع من وقت الظهر، وانما فيه أن اليهود والنصارى قالوا: نحن أكثر عملا وأقل أجرا، فمن أضل وأخزى في المعاد ممن جعل قول اليهود والنصارى الذي لم يصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) * وأيضا فانه يخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة يرد بها تمويها وتحيلا (2) نص قوله عليه السلام (ان وقت الظهر مادام ظل الرجل كطوله ما لم تحضر العصر) فكيف والذي قالت اليهود لا يخالف ماحده النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أنهم عملوا من أول النهار إلى وقت العصر، وقالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء: وهذا صحيح، لان الوقت الذي عملوه كلهم أكثر مما عملناه نحن، بل الذي عملت كل طائفة أكثر من الذي عملناه نحن، والذى من أول الزوال إلى أن يبلغ ظل كل شئ مثله في كل زمان ومكان أكثر مما في حين زيادة الظل على المثل إلى غروب الشمس، والذي أخذ به كل طائفة أقل مما أخذنا.
وفى الحديث الآخر (انما بقى من النهار شئ يسير) وهذا حق، لان من وقت العصر إلى آخر النهار يسير بالاضافة إلى ما هو أكثر، من أول النهار إلى وقت العصر، نعم وبالاضافة أيضا إلى وقت الظهر على
__________
(1) كذا في الاصل ويظهر انه سقط منه هنا كلمة (حجة) أو (دليلا) أو نحو ذلك (2) كذا بالاصل وهو غير واضح وان كان المراد مفهوما *(3/177)
قولنا، لان كل شئ فهو بلا شك يسير إذا أضيف إلى ما هو أكثر منه.
فبطل تمويههم بهذين الخبرين.
ولله الحمد * قال علي: ولو قال قائل: إنه عليه السلام إنما عنى (1) آخر أوقات العصر وهو مقدار تكبيرة قبل غروب آخر القرص لصدق، لانه عليه السلام قد نص على أنه بعث والساعة كهاتين، وضم أصبعه إلى الاخرى، وأننا في الامم كالشعرة البيضاء في الثور الاسود.
فهذا أولى ما حمل عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتتفق أخباره كلها، بل لا يجوز غير هذا أصلا.
وبالله تعالى التوفيق * وأما قوله.
قول مالك والشافعي: ان وقت العتمة يمتد إلى طلوع الفجر، وزاد مالك والشافعي امتداد صلاة المغرب إلى ذلك الوقت: فخطا ظاهر، لانه دعوى بلا دليل، وخلاف لجميع الاحاديث، أولها عن آخرها، وما كان هكذا فهو ساقط بيقين.
وقد احتج في هذا بعض من ذهب إلى ذلك من أصحابنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: انما التفريط في اليقظة، أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى وراموا بهذا اتصال وقت العتمة بوقت صلاة الصبح * فان هذا لا يدل على ما قالوه أصلا، وهم مجمعون معنا بلا خلاف من أحد من الامة أن وقت صلاة الفجر لا يمتد إلى وقت صلاة الظهر.
فصح أن هذا الخبر لا يدل على اتصال وقت كل صلاة بوقت التي بعدها، وانما فيه معصية من أخر صلاة إلى وقت غيرها فقط، سواء اتصل آخر وقتها بأول الثانية لها، أم لم يتصل، وليس فيه أنه لا يكون مفرطا أيضا من أخرها إلى خروج وقتها وان لم يدخل وقت أخرى، ولا أنه يكون مفرطا، بل
__________
(1) في الاصل (انه عليه السلام انه انما عنى) الخ وزيادة (انه) مرة ثانية
لا معنى لها(3/178)
هو مسكوت عنه في هذا الخبر، ولكن بيانه في سائر الاخبار التي فيها نص على خروج وقت كل صلاة، والضرورة توجب أن من تعدي بكل عمل وقته الذي حده الله تعالى لذلك العمل فقد تعدي حدود الله، وقال تعالى: (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) * فكل من قدم صلاة قبل وقتها الذي حده الله تعالى لها وعلقها به وأمر بان تقام فيه ونهى عن التفريط في ذلك، أو أخرها عن ذلك الوقت: فقد تعدى حدود الله تعالى، فهو ظالم عاص، وهذا لا خلاف فيه من أحد من الحاضرين من المخالفين * وأما تعمد تأخيرها عن وقتها فمعصية باجماع من تقدم وتأخر، مقطوع عليه متيقن.
ومن شبه الصلاة بالدين، لزمه إجازة تقديمها قبل وقتها، كالدين يقدم أجله فهو حسن، ولزمه أن يقول بعصيان من أخرها عامدا قادرا عن وقتها، كالدين يمطل بأدائه عن وقته بغير عذر، وهذا هو القياس في هذا الباب وقد خالفوه.
فان ادعوا إجماعا على قولهم كذبوا، فقد صح عن بعض السلف جواز تقديم الصلاة قبل وقتها، وما جاز قط عند أحد تعمد تأخيرها عن وقتها بغير عذر.
وبالله تعالى التوفيق * وأما إنكار أبي حنيفة تأخير المسافر الذي جد به السير ولم ينزل قبل الزوال ولا بعده صلاة الظهر إلى وقت العصر كغيره وتأخير المغرب كذلك إلى وقت العتمة كغيره: فهو خلاف مجرد للسنن الثابتة في ذلك.
رواها أنس وابن عمر بأصح طريق، وقد ذكرنا رواية أنس، وغنينا بها عن ذكر رواية ابن عمر *
ولا أعجب من قول بعض المقلدين له في حديث ابن عمر (فلما كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب ثم العتمة) فقال هذا المفتون: إنما أراد قبل غروب الشفق، فقال: بعد غروب الشفق على المقاربة! واحتج(3/179)
بقول الله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم فانه أعمى لا ينادى حتي يقال له: أصبحت أصبحت)!! * قال علي: وهذه مجاهرة لا ينبغي أن يستسهلها ذو ورع وحياء، أن يقول الثقة (بعد غروب الشفق) فيقول قائل: انما أراد قبل غروب الشفق! ومن سلك هذه الطريقة دخل في طريق الروافض الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، ويفسرون الجبت والطاغوت وأن تذبحوا بقرة على ماهم أولى به! وفي هذا بطلان جميع الشريعة، وبطلان جميع المعقول، والسفسطة المجردة، ونعوذ بالله من البلاء * وأما قوله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن) فليس كما ظن، بل هو على حقيقته، ومراد الله تعالى أجل الكون في العدة، لا أجل انقضائها، لا يجوز غير ذلك أصلا، وحاش لله أن يأمر بالباطل.
وكذلك قوله عليه السلام (لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت أصبحت) أيضا حقيقة على ظاهره.
وما أذان ابن أم مكتوم إلا بعد الفجر، وأمر الاصباح، لا قبلهما، ولو كان ما ظنوه لحرم الاكل قبل طلوع الفجر، وهذا ما لا يقولونه، ولا يقوله مسلم * وأما قول مالك بتقديم المريض الذى يخشى ذهاب عقله - العصر إلى وقت الظهر، والعتمة إلى وقت المغرب: فخطأ ظاهر، ولا
يخلو وقت الظهر من أن يكون أيضا وقتا للعصر، ويكون وقت المغرب وقتا للعتمة، أو لا يكون شيئا من ذلك، فان كان وقت كل واحدة من الظهر والمغرب وقتا للعصر وللعتمة أيضا: فتقديم العتمة إلى وقت المغرب الذي هو وقت لها وتقديم وقت العصر إلى وقت الظهر الذي هو وقت لها أيضا جائز لغير المريض، لانه يصلى(3/180)
العتمة والعصر أيضا في وقتيهما، وهذا ما لا يقوله، وان كان وقت الظهر ليس وقتا للعصر، ووقت المغرب ليس وقتا للعتمة: فقد أباح له أن يصلى صلاة قبل وقتها، وهذا لا يجوز، ولئن جاز ذلك في هاتين الصلاتين ليجوزن ذلك له أيضا في تقديم الظهر قبل الزوال، وتقديم المغرب قبل غروب الشمس، وتقديم الصبح قبل طلوع الفجر، وهذا ما لا يقوله.
فقد ظهر التناقض * فان قال: ليس وقت الظهر وقتا للعصر إلا للمريض الذي يخشى ذهاب عقله: كلف الدليل على هذا التخصيص المدعى بلا برهان، والذي لا يعجز عن مثله أحد ولا سبيل له إليه.
وقد ذكرنا بطلان قول جميعهم في الجمع وفي اشتراك الوقتين.
وبالله تعالى التوفيق * وههنا حديث ننبه عليه، لئلا يظن ظان أننا أغفلناه، وأن فيه معنى زائدا (1)، وهو حديث رويناه من طريق أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى العشاء الآخرة لمغيب القمر ليلة ثالثة (2) * قال علي: بشير بن ثابت لم يرو عنه أحد نعلمه إلا أبو بشر، ولا روى عنه أبو بشر إلا هذا الحديث، وقد وثق وتكلم فيه، وهو إلى الجهالة أقرب.
وحبيب بن سالم مولى النعمان بن بشير وكاتبه، وليس مشهور الحال في الرواة (3).
ولو صح لما كانت فيه حجة في أن هذا هو أول وقت العتمة،
__________
(1) في الاصل (زائد) وهو لحن (2) الحديث رواه الدارمي (ص 103) وأبو داود (ج 1: ص 161) والترمذي (ج 1: ص 35) والنسائي (ج 1: ص 92) والحاكم (ج 1: ص 194 و 195) والبيهقي (ج 1: ص 373 و 448) وصححه الحاكم.
وفى اسناد الحديث كلام طويل في شرحنا على التحقيق لابن الجوزى ورجحنا هناك صحته والحمد لله (3) هنا بهامش الاصل ما نصه: (وروى عنه أيضا شعبة بن الحجاج، ذكره ابن أبى حاتم عن ابيه في كتابه في الجرح والتعديل، وذكر عن يحيى بن معين توثيقه، فقد ارتفعت عنه الجهالة، وحبيب خرج(3/181)
بل قد يجوز ان يدخل وقتها قبل ذلك، والقمر يغيب ليلة ثالثة في كل زمان ومكان بعد ذهاب ساعتين ونصف ساعة ونصف سبع ساعة من ساعات تلك الليلة المجزأة على ثنتى عشرة ساعة، والشفق الذي هو الحمرة يغيب قبل سقوط القمر في الليلة الثالثة بحين كبير جدا، والشفق الذي هو البياض يتأخر مغيبه بعد سقوط القمر ليلة ثالثة ساعة ونصفا من الساعات المذكورة (1).
فليس في هذا الخبر لو صح حجة في شئ أصلا مما يختلف.
وبالله تعالى التوفيق * 336 مسألة وتعجيل جميع الصلوات في أول أوقاتها أفضل على كل حال، حاشا العشاء، فان تأخيرها إلى آخر وقتها في كل حال وكل زمان أفضل، إلا أن يشق ذلك على الناس، فالرفق بهم أولى، وحاشا الظهر للجماعة خاصة في شدة الحر خاصة، فالابراد بها إلى آخر وقتها أفضل * برهان ذلك قول الله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) وقال تعالى (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم) فالمسارعة إلى الخير
والمسابقة إليه أفضل بنص القرآن * حدثنا محمد بن اسماعيل العذري القاضى بالثغر ومحمد بن عيسى قاضى طرطوشة (2) قالا ثنا محمد ابن على المطوعي ثنا الرازي ثنا محمد بن عبد الله الحاكم بنيسابور ثنا أبو عمر وعثمان بن أحمد السماك ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان ابن عمر ثنا مالك بن مغول عن الوليد بن العيزار عن أبي عمرو الشيباني
__________
له مسلم ووثقه ابن حبان) اه (1) قسم المؤلف كل ليلة - طالت أو قصرت - إلى اثنتى عشرة ساعة، ولا داعى لكل هذا، فان الساعة سيختلف مقدارها، وأما بساعات عصرنا المعروفة التى هي جرء من أربع وعشرين من اليوم والليلة معا - فان الليل يختلف عدد ساعاته، وقد حققنا في شرحنا على التحقيق ان الحديث صحيح ولكن النعمان أخطأ في تقديره رحمه الله (2) بفتح الطاء الاولى واسكان الراء وضم الطاء الثانية وبعد لاواو شين معجمة مفتوحة، وهى مدينة كانت بالاندلس شرقي بلنسية وقرطبة قريبة من البحر، أخذها الافرنج سنة 543(3/182)
عن عبد الله بن مسعود قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة في أول وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين) (1) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن حبيب الحارثي ثنا خالد بن الحارث ثنا شعبة اخبرني سيار بن سلامة قال: سمعت أبي يسأل أبا برزة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو برزة: (كان عليه السلام لا يبالي بعض تأخيرها إلى نصف الليل يعنى العشاء الآخرة ولا يحب النوم قبلها ولا الحديث بعدها (2)، وكان يصلى الظهر حين تزول الشمس، والعصر حين يذهب (3) الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية، وكان
يصلى الصبح فينصرف الرجل فينظر إلى وجه جليسه الذي يعرف فيعرفه، وكان يقرأ فيها بالستين إلى المائة) والاحاديث في هذا كثيرة جدا * وبه إلى مسلم: حدثني زهير بن حرب واسحاق بن راهويه كلاهما عن جرير هو ابن عبد الحميد عن منصور هو ابن المعتمر عن الحكم هو ابن عتيبة عن نافع عن ابن عمر: (مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، فجرج الينا حين ذهب ثلثه أو بعده يعنى ثلث الليل (4) فقال: انكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم،
__________
(1) هذا رواه المؤلف من طريق الحاكم كما ترى، وهو في المستدرك (ج 1: ص 188 و 189) بهذا الاسناد وبأسانيد أخرى وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، ورواه البيهقى عن الحاكم (ج 1: ص 434) (2) في صحيح مسلم طبع بولاق (ج 1: ص 178 و 179) (والحديث) وهو خطأ.
والصواب ما هنا وهو الموافق لطبع الاستانة (ج 2: ص 119) والنسخة مخطوطة مصححة عندي (3) في جميع نسخ مسلم (والعصر يذهب) بحذف كلمة (حين) (4) في مسلم (ج 1: ص 176 و 177) (حين ذهب ثلث الليل أو بعده) وكذلك هو(3/183)
ولولا أن يثقل على أمتى لصليت بهم هذه الساعة، ثم أمر المؤذن فاقام الصلاة وصلى) * وقد روينا من طريق ثابت البناني أنه سمع انس بن مالك (1) يقول: (أخر رسول الله صلى الله وسلم العشاء ذات ليلة إلى شطر الليل، أو كاد يذهب شطر الليل * ومن طريق أم كلثوم بنت ابي بكر عن أختها عائشة: (أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل (2) * قال علي: إذا ذهب نصف الليل فقد ذهب عامة الليل وهذه الاخبار
زائدة على كل خبر * وبالسند المذكور إلى مسلم: حدثني محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة سمعت مهاجرا أبا الحسن يحدث أنه سمع زيد بن وهب يحدث عن أبي ذر قال: (أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبرد أبرد، أو قال: انتظر انتظر، إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، قال أبو ذر: حتى رأينا فئ التلول (3) * قال علي: وانما لم نحمل هذا الامر على الوجوب لما رويناه بالسند المذكور إلى مسلم: ثنا أحمد بن يونس عن زهير بن معاوية ثنا أبو إسحاق
__________
في باقى نسخه (1) في المنسوخ عن الاصل (وقد روينا من طريق ثابت البنانى أنه لا أمر المؤذن فاقام وصلى وقد روينا من إلى سمع أنس بن مالك) وهو خلط غريب لا معنى له، وظاهر من هذا أن كاتب الاصل بعد ان كتب (ثابت البنانى أنه) أخطأ فزاد ما بعده إلى قوله (وقد روينا من) فوضع على ما أخطأ بزيادته كلمتي (لا) و (إلى) في أوله وآخره كعادة الناسخين القدماء فجاء من نسخ عن الاصل فأدرج الحرفين في الاصل وجعله كله كلاما واحدا، والصواب ما صنعناه كما يعرفه كل ذى خبرة بالكتب القديمة واصطلاح ناسخيها وعاداتهم.
وحديث ثابت عن أنس في صحيح مسلم (ج 1: ص 177) (2) في صحيح مسلم (ج 1: ص 176) (3) في صحيح مسلم (ج 1: ص 172) *(3/184)
السبيعي عن سعيد بن وهب عن خباب: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة الرمضاء (1) فلم يشكنا) قلت لابي اسحاق: أفي الظهر في تعجيلها؟ قال: نعم * وقد جاء نحو ما تخيرناه في الاوقات عن السلف كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع
ابن جبير بن مطعم: أن عمربن الخطاب كتب إلى أبي موسى الاشعري: أن صل الظهر إذا زالت الشمس وأبرد * ومن طريق الحجاج بن المنهال: ثنا يزيد بن هرون ثنا محمد بن سيرين عن المهاجر: أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الاشعري: ان صل الظهر حين تزيغ الشمس أو حين تدرك (2) وصل العصر والشمس بيضاء نقية، وصل صلاة المغرب حين تغرب الشمس وصل صلاة العشاء من العشاء إلى نصف الليل أي حين تبيت (3) وصل صلاة الفجر بغلس أو بسواد، وأطل القراءة (4) * ومن طريق مسلم بن الحجاج: ثنا أبو الربيع الزهراني ثنا حماد هو ابن زيد عن الزبير بن الخريت (5) عن عبد الله بن شقيق: خطبنا ابن عباس
__________
(1) في صحيح مسلم (ج 1: ص 173) (أتينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فشكونا إليه حر الرمضاء) (2) رسم في الاصل قريبا من هذا بدون اعجام وظننا أن هذا اقرب ما يفهم منه فليحرر (3) رسم في الاصل ايضا بدون اعجام (4) هذان الاثران عن عمر باسنادهما ولفظهما لم أجدهما، الا أن مالكا روى في أول الموطأ - في وقوت الصلاة - نحوهما عن عمه أبى سهيل بن مالك عن أبيه وعن هشام بن عروة عن أبيه، وروى البيهقى نحوهما بأسانيد متعددة (ج 1: ص 370 و 376 و 445 و 456) إلا أن في (ص 376) من طريق أيوب عن محمد بن سيرين عن مجاهد، فينظر أيهما الصحيح؟ هل هو مجاهد أو مهاجر؟ أو هما اسنادان وطريقان؟ الله اعلم (5) بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء المكسورة *(3/185)
يوما بعد العصر حتى غربت الشمس (1) وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة، فجاء رجل من بنى تميم لا يفتر ولا ينثنى (2) الصلاة الصلاة فقال له ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك!: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء) * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي: ثنا سفيان الثوري عن عثمان ابن عبد الله بن موهب: سمعت أبا هريرة سئل عن تفريط الصلاة؟ فقال: ان تؤخرها إلى التي بعدها * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ان الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله) فقلت لنافع: حتى تغيب الشمس؟ قال: نعم (3) * قال علي: هذا الحديث والذي فيه (انما التفريط في اليقظة، أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى) يكذبان قول من أقدم بالعظيمة فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك صلاة العصر يوم الخندق ذاكرا لها حتى غابت الشمس، لانه لو كان ذلك لكان عليه السلام قد تعمد حالا من الحرمان صار فيها كما لو وتر أهله وماله، قاصدا إلى ما ذمه من التفريط.
وهذا لا يقوله مسلم * وبه إلى ابن جريج: قلت لعطاء: إمام يؤخر العصر، أصليها معه؟ قال:
__________
(1) في الاصل (وخطبنا ابن عباس حين غربت الشمس) وصححناه من مسلم (ج 1: ص 197) (2) زيادة من صحيح مسلم (3) الحديث رواه مالك في الموطأ (ص 4) عن نافع عن ابن عمر وليس فيه تفسير نافع هذا وفسره الاوزاعي في أبى داود (ج 1: ص 160 و 161) بأن ترى ما على الارض من الشمس صفراء.
وقول نافع أرجح، وتأيد بوروده مرفوعا عند ابن أبى شيبة من طريق حجاج عن نافع عن ابن عمر كما نقله الزرقاني (ج 1: ص 29)(3/186)
نعم، الجماعة أحب إلى، قلت: وإن اصفرت الشمس للغروب ولحقت
برؤس الجبال؟ قال نعم، ما لم تغب.
قال ابن جريج وكان طاوس يعجل العصر ويؤخرها، أخبرني ابراهيم بن ميسرة عنه: أنه كان يؤخر العصر حتى تصفر الشمس جدا * وأما الآخر الذي فيه (لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا الصلاة إلى اشتباك النجوم، فانه لا يصح، لانه مرسل، لم يسند إلا من طريق الصلت بن بهرام (1) * وقال أبو حنيفة: وقت صلاة الفجر حين يطلع الفجر المعترض إلى أن تطلع الشمس، يعنى إثر سلامه منها، قال: وتأخيرها أحب إلى من التغليس بها، لانه أكثر للجماعة، ووقت الظهر من حين تزول الشمس
__________
(1) الصلت بن بهرام ثقة، ولكن ليس له ذكر فيما رأيته من أسانيد هذا الحديث فقد رواه احمد بن حنبل (ج 5: ص 417) عن اسماعيل بن علية عن محمد بن اسحق (حدثنى يزيد بن أبى حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزنى عن أبى أيوب) فذكره وفيه قصة.
ورواه أيضا عن محمد بن أبى عدى عن محمد بن اسحق (ص 421 و 422) ورواه أيضا عن حماد بن خالد عن ابن أبى ذئب عن يزيد بن أبى حبيب عن رجل عن أبى أيوب.
وجهالة الرجل في هذا الاسناد لا تضر وقد عرف في الاسناد الاول.
ومحمد بن اسحق ثقة وقد صرح بالتحديث فلا خوف من تدليسه، ورواه أبو داود (ج 1 ص 161) والحاكم (ج 1 ص 190 و 191) والبيهقي (ج 1 ص 370) كلهم من طريق محمد بن اسحق، وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي ورواه ابن ماجه (ج 1 ص 121) والحاكم (ج 1 ص 191) من حديث العباس بن عبد المطلب، وصحح الحاكم اسناده، وقال ابن ماجه: (سمعت محمد بن يحيى يقول: اضطرب الناس في هذا الحديث ببغداد فذهبت أنا وابو بكر الاعين إلى العوام بن عباد بن العوام فأخرج الينا أصل أبيه فإذا الحديث فيه) وهذا كله يدل على خطأ المؤلف في رد الحديث وأن الصلت بن بهرام
لم ينفرد باسناده ان كانت له فيه رواية لم نرها.
ونرجح ان المؤلف شبه له ودخل عليه حديث في حديث.(3/187)
إلى أن يكون الظل دون القامتين، والتهجير بها في الشتاء أحب إلى، وأن يبرد بها الصيف أعجب إلى، ووقت العصر إذا كان الظل قامتين إلى قبل أن تغيب الشمس، يريد أن يكبر لها قبل تمام غروب الشمس، وتأخيرها أحب إليه ما لم تصفر الشمس، ووقت المغرب مذ تغرب الشمس إلى أن يغيب الشفق، وتعجيلها أحب إليه، ووقت العتمة مذ يغيب الشفق إلى نصف الليل، وتأخيرها أفضل، ووقتها يمتد إلى طلوع الفجر * قال علي: كل ما قال مما خالفناه فيه فقد أبدينا بالبرهان سقوط قوله، إلا تأخير الصبح، فانه احتج في ذلك بخبر (1) من طريق محمود بن لبيد عن رافع ابن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أسفروا بصلاة الغداة، فانه أعظم لاجركم) (أسفروا بالفجر، فكلما أسفرتم فانه أعظم للاجر) أو (لاجركم) * قال علي: محمود بن لبيد ثقة، وهو محمود بن الربيع بن لبيد (2)، والخبر
__________
(1) سقط من الاصل قوله (بخبر) وقد زدناه لان به يتسق الكلام ويصح.
(2) هنا بهامش الاصل مانصه: (محمود بن لبيد) ليس محمود بن الربيع، وقد وهم في ذلك أبو بكر بن العربي، فذكر أن محمود بن لبيد هذا الذى روى عنه عاصم بن عمر بن قتادة: عقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم من بئر في دراهم، وليس كذلك بل هما اثنان: أحدهما محمود بن الربيع بن سراقة بن عمرو بن زيد بن عبدة بن عامر بن عدى بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، نسبه ابن سعد وكناه أبا نعيم، وقال: أمه جميلة بنت أبى صعصعة بن زيد بن عوف بن مبذول من بنى مازن بن النجار.
وذكره ابن أبى خيثمة فكناه أبا محمد لا يعرف لعاصم بن عمرو رواية عنه وانما روى عنه
الزهري ورجاء بن حيوة.
والآخر محمود بن لبيد بن رافع بن امرئ القيس بن زيد الاشهلى، راوي هذا الحديث، مدنى، كان أحد العلماء له رواية عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، أثبت له البخاري صحبة وأنكرها أبو حاتم، وذكره مسلم في الطبقة الثانية من التابعين.
وأما الاول فله صحبة ورؤية، ولا رواية له عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد وثقا معا فوثق ابن الربيع يحيى بن معين، ووثق ابن لبيد أبو زرعة، فيما ذكره ابن أبى حاتم في ترجمتيهما.
وقال أبو عمر: ابن لبيد أسن من ابن الربيع وأولى بأن(3/188)
صحيح إلا أنه لا حجة لهم فيه إذا أضيف إلى الثابت من فعله عليه السلام في التغليس، حتى إنه لينصرف والنساء لا يعرفن، أو حين يعرف الرجل وجه جليسه الذي كان يعرفه، وأن هذا كان المداوم عليه من عمله عليه السلام: صح أن الاسفار المأمور به إنما هو بان ينقضى طلوع الفجر ولا يصلى على شك منه * فان قيل: إنه لا أجر في غير هذا، بل ما فيه إلا الاثم، قلنا: هذا لا ينكر في لغة العرب، لان الله تعالى يقول: (ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم) ولا خير في خلاف ذلك.
ومن الباطل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلف أمته وأصحابه المشقة في ترك النوم ألذ ما يكون، وخروج الرجال والنساء إلى صلاة الصبح: عملا فيه مشقة وكلفة وحطيطة من الاجر، ويمنعهم الفضل والاجر مع الراحة، حاش لله تعالى من هذا، فهذا ضد النصيحة، وعين الغش والحرج والظلم * وما ندريهم تعلقوا في هذا إلا برواية عن ابن مسعود في التغليس بصلاة الصبح حين انشق الفجر يوم النحر، وقوله رضى الله عنه: انها صلاة حولت عن وقتها في ذلك اليوم في ذلك المكان (1) وهذا خبر مسقط لقولهم جملة، لانهم مخالفون له جملة، إذ قولهم الذي لا خلاف عنهم فيه أن
التغليس بها في أول الفجر ليس صلاة لها في غير وقتها، بل هو وقتها عندهم فمن أضل ممن يموه بحديث هو مخالف له، ويوهم خصمه أنه حجة له * وأما قولهم في اختيار (2) تأخير العصر فقول مخالف للقرآن في المسارعة إلى الخير ولجميع السنن ولجميع السلف، وللقياس على قوله في صلاة الظهر والمغرب *
__________
يذكر في الصحابة منه) اه وهذا صحيح وأظن أن خطأ ابن حزم وابن العربي انما تبعا فيه ابن خزيمة كما نقله عنه ابن حجر في الاصابة (ج 6 ص 67) (1) انظر الشوكاني (ج 1 ص 423) (2) في الاصل (في اخبار) وهو خطأ(3/189)
وقال مالك: وقت الظهر والعصر إلى غروب الشمس، ووقت المغرب والعشاء إلى طلوع الفجر، والصبح إلى طلوع الشمس، وأحب إليه في الصبح التغليس، وأحب إليه في صلاة الظهر أن تصلى في البرد والحر إذا فاء الفئ ذراعا.
وأحب إليه أن تصلى العصر والشمس بيضاء نقية، وتعجيل المغرب إلا للمسافر.
فلا بأس بان تمد الميلين ونحوهما.
والعتمة أثر مغيب الشفق قليلا * قال علي: أما قوله في اتصال وقت الظهر إلى غروب الشمس ووقت المغرب إلى صلاة الفجر فقول مخالف لجميع السنن، ولا نعلمه عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم، ولا عن أحد من التابعين، إلا عن عطاء وحده.
وأما قوله في وقت العتمة فلا نعلم اختياره أيضا عن أحد من السلف.
وأما قوله في وقت الظهر فانه عول على الرواية عن عمر رضى الله عنه: أن صل الظهر إذا فاء الفئ ذراعا، وقد ذكرنا الروايات المترادفة عن عمر رضى الله عنه بان تصلى إذا زاغت الشمس وأن يبرد بها، روى ذلك عنه
عائشة أم المؤمنين، وابنه عبد الله، ونافع بن جبير، ومهاجر أبو الحسن، (1) وأبو العالية، وعروة بن الزبير، وأبو عثمان النهدي، ومالك جد مالك ابن أنس وروته عائشة مسندا، ومن فعل أبي بكر أيضا، ورويناه أيضا عن علي بن أبي طالب وأبي هريرة وابن مسعود وغيرهم * وان ذكروا أنه قد روى عن ابن عباس: وقت العتمة إلى صلاة الفجر، وعن ابي هريرة: الافراط في العتمة إلى صلاة الفجر: فانهم قد خالفوا ذلك الاثر عن ابن عباس لان فيه: وقت الظهر إلى وقت العصر، ووقت
__________
(1) سبق قبل قليل أن ذكر المؤلف رواية مهاجر عن عمر وشككنا فيها وقد تيقنا من كلامه هنا انه خطأ وأن الصواب ما ذكرناه هناك (محمد بن سيرين عن مجاهد) فان مهاجرا أبا الحسن من صغار التابعين ومن طبقة محمد بن سيرين *(3/190)
المغرب إلى وقت العشاء.
وإذا اختلف الصحابة فالرجوع (1) إلى ما افترض الله تعالى الرجوع إليه من القرآن والسنة، قال تعالى (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) * 337 (فصل) قال علي: وقت الظهر أطول من وقت العصر بأدا؟ في كل زمان ومكان، لان الشمس تأخذ في الزوال في أول الساعة السابعة ويأخذ ظل القائم في الزيادة على مثل القائم بعد طرح ظل الزوال في صدر الساعة العاشرة، اما في خمسها الاول إلى ثلثها الاول، لا يتجاوز ذلك أصلا في كل زمان ومكان * ووقت صلاة الصبح مساو لوقت صلاة المغرب أبدا في كل زمان ومكان، لان الذي من طلوع الفجر الثاني إلى أول طلوع الشمس كالذي من آخر غروب الشمس إلى غروب الشفق الذي هو الحمرة أبدا في كل
وقت ومكان، يتسع في الصيف ويضيق في الشتاء، لكبر القوس وصغره، ووقت هاتين الصلاتين أبدا هو أقل من وقت الظهر ووقت العصر، لان وقت الظهر هو ربع النهار وزيادة.
فهو أبدا ثلاث ساعات وشئ من الساعات المختلفة، ووقت العصر ربع النهار غير شئ فهو أبدا ثلاث ساعات غير شئ من الساعات المختلفة، ولا يبلغ ذلك وقت المغرب ولا وقت الصبح، وأكثر ما يكون وقت كل صلاة منهما ساعتين، وقد يكون ساعة واحدة وربع ساعة من الساعات المختلفة، وهى التي يكون منها في أطول يوم من السنة، وأقصر يوم من السنة: اثنتا عشرة، فهى تختلف لذلك في طولها وقصرها، وفى الهيئة أيضا كذلك ولافرق.
وأوسعها كلها وقت العتمة لانه أزيد من ثلث الليل أو ثلث الليل ومقدار تكبيرة في كل زمان ومكان وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في الاصل (فالمرجوع)(3/191)
338 مسألة الشفق والفجر قال علي: الفجر فجران، والشفق شفقان، والفجر الاول هو المستطيل المستدق صاعدا في الفلك كذنب السرحان، وتحدث بعده ظلمة في الافق، لا يحرم الاكل ولا الشرب على الصائم، ولا يدخل به وقت صلاة الصبح.
هذا لا خلاف فيه من أحد من الامة كلها * والآخر هو البياض الذي يأخذ في عرض السماء في أفق المشرق في موضع طلوع الشمس في كل زمان، ينتقل بانتقالها، وهو مقدمة ضوئها، ويزاداد بياضه، وربما كان فيه توريد بحمرة بديعة، وبتبينه يدخل وقت الصوم ووقت الاذان لصلاة الصبح ووقت صلاتها.
فاما دخول وقت
الصلاة بتبينه فلا خلاف فيه من أحد من الامة * وأما الشفقان، فأحدهما الحمرة والثانى البياض، فوقت المغرب عند ابن ابي ليلى وسفيان الثوري ومالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن حي وداود وغيرهم: يخرج ويدخل وقت الصلاة العتمة بمغيب الحمرة، وهو قول أحمد بن حنبل واسحاق، إلا أن احمد قال: يستحب في الحضر خاصة دون السفر أن لا يصلى إلا إذا غاب البياض، ليكون على يقين من مغيب الحمرة، فقد تواريها الجدران.
وقال أبو حنيفة وعبد الله بن المبارك والمزني وأبو ثور: لا يخرج وقت المغرب ولا يدخل وقت العتمة الا بمغيب البياض * قال: علي قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد خروج وقت المغرب ودخول وقت العتمة بمغيب نور الشفق، والشفق يقع في اللغة على الحمرة وعلى البياض، فإذ ذلك كذلك فلا يجوز أن يخص قوله عليه السلام بغير نص ولا إجماع، فوجب أنه إذا غاب ما يسمى شفقا فقد خرج وقت المغرب ودخل وقت العتمة، ولم يقل عليه السلام قط: حتى يغيب(3/192)
كل ما يسمى شفقا * وبرهان قاطع، وهو، أنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد وقت العتمة، بأن أوله إذا غاب الشفق وآخره ثلث الليل الاول، وروى أيضا نصف الليل، وقد علم كل من له علم بالمطالع والمغارب ودوران الشمس: أن البياض لا يغيب إلا عند ثلث الليل الاول، وهو الذي حد عليه السلام خروج أكثر الوقت فيه، فصح يقينا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الاول بيقين.
فقد ثبت بالنص أنه داخل قبل مغيب الشفق الذي هو
البياض بلا شك (1)، فإذ ذلك كذلك فلا قول أصلا إلا أنه الحمرة بيقين، إذ قد بطل كونه البياض * واحتج من قلد أبا حنيفة بأن قال: إذا صلينا عند غروب البياض فنحن على يقين باجماع أننا قد صلينا عند الوقت، وإن صلينا قبل ذلك فلم نصل بيقين إجماع في الوقت * قال علي: هذا ليس شيئا، لانه إن التزموه أبطل عليهم جمهور مذهبهم فيقال مثل هذا في الوضوء بالنبيذ، وفى الاستنشاق والاستنثار وقراءة أم القرآن والطمأنينة، وكل ما اختلف فيه مما يبطل الصوم والحج، ومما تجب فيه الزكاة، فيلزمهم أن لا يؤدوا عملا من الشريعة الا حتى لا يختلف اثنان في أنهم قد أدوه كما أمروا، ومع هذا لا يصح لهم من مذهبهم جزء من مائة جزء بلا شك * وذكروا حديث النعمان بن بشير: أنه عليه السلام كان يصلى العتمة
__________
(1) هذه القطعة من أبدع حجج ابن حزم وأمتنها، وقد نقل معناها الشوكاني في نيل الاوطار (ج 1 ص 411) عن شرح الترمذي لابن سيد الناس وانا أظن أنه أخذها عن ابن حزم، ويكاد يكون لفظهما متحدا(3/193)
لسقوط القمر ليلة ثالثة، ولو كان لكان أعظم حجة لنا، لان الشفق الابيض يبقى بعد هذه مدة طويلة بلا خلاف * واحتج بعضهم بالاثر: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى العشاء الآخرة إذا اسود الليل) وبقاء البياض يمنع من سواد الافق * قال علي: وهذا خطأ، لانه يصلى العتمة مع بياض القمر، وهو أمنع من سواد الافق على أصولهم: من البياض الباقي بعد الحمرة، الذي لا يمنع
من سواد الافق، لقلته ودقته * وذكروا حديث النعمان بن بشير: أنه عليه السلام كان يصلى العتمة لسقوط القمر ليلة ثالثة.
وهذا لا حجة لهم فيه، لاننا لا نمنع من ذلك، ولا من تأخيرها إلى نصف الليل، بل هو أفضل، وليس في هذا المنع من دخول وقتها قبل ذلك * وذكروا حديثا ساقطا موضوعا، فيه (أنه عليه السلام صلى العتمة قبل غروب الشفق (1) وهذا لو صح ومعاذ الله من ذلك لما كان فيه إلا جواز الصلاة قبل وقتها، وهو خلاف قولهم وقولنا * وذكروا عن ثعلب: ان الشفق البياض * قال علي: لسنا ننكر أن الشفق البياض والشفق الحمرة، وليس ثعلب حجة في الشريعة الا في نقله، فهو ثقة، وأما في رأيه فلا *
__________
(1) هذا الحديث لم أجده، إلا أن البيهقى أشار إليه في السنن فقال: (والذى رواه سليمان بن موسى عن عطاء بن ابى رباح عن جابر عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في اوقات الصلوات: ثم صلى العشاء قبل غيبوبة الشفق -: مخالف لسائر الروايات) (ج 1 ص 373) ولكنه روى حديث سليمان في (ص 372) بلفظ (ثم صلى المغرب قبل غيبوبة الشفق).
ونقل الشوكاني بعد حديث النعمان بن بشير أن ابن العربي قال: (هو صحيح وصلى قبل غيبوبة الشفق) (ج 1 ص 411) *(3/194)
وأظرف ذلك احتجاج بعضهم بأن الشفق مشتق من الشفقة وهى الرقة، ويقال: ثوب شفيق إذا كان رقيقا، قالوا: والبياض أحق بهذا لانها أجزاء رقيقة تبقي بعد الحمرة!! * قال علي: وهذا هوس ناهيك به! فان قيل لهم: بل الحمرة أولى به،
لانها تتولد عن الاشفاق والحياء، وكل هذا تخليط هو في الهزل أدخل منه في الجد * وقال بعضهم: لما كان وقت الصلاة الفجر يدخل بالفجر الثاني وجب أن يدخل وقت صلاة العتمة بالشفق الثاني.
فعورضوا بأنه لما كان الفجر فجرين، وكان دخول وقت صلاة الفجر يدخل بالفجر الذي معه الحمرة وجب أن يكون دخول وقت العتمة بالشفق الذي معه الحمرة * وقالوا أيضا: لما كانت الحمرة (1) التي هي مقدمة طلوع الشمس لا تأثير لها في خروج وقت صلاة الفجر وجب أن يكون أيضا لا تأثير لها في خروج وقت المغرب.
فعورضوا بأنه لما كانت الطوالع ثلاثة، والغوارب ثلاثة وكان الحكم في دخول وقت صلاة الصبح للاوسط من الطوالع: وجب أن يكون الحكم في دخول صلاة العتمة للاوسط من الغوارب * وهذه كلها تخاليط ودعاو فاسدة متكاذبة، وانما أوردناها ليعلم من أنعم الله تعالى عليه بان هداه لابطال القياس في الدين: عظيم (2) نعمة الله تعالى عليه في ذلك، وليتبصر من غلط فقال به.
وما توفيقنا إلا بالله تعالى * 339 مسألة ومن كبر لصلاة فرض وهو شاك هل دخل وقتها ام لا لم تجزه، سواء وافق الوقت أم لم يوافقه، لانه صلاها بخلاف ما أمر،
__________
(1) في الاصل (لما كان الحمرة) (2) في الاصل (بأن هذه لابطال القياس في الدين عظيم) الخ وهو لا معنى له، والصواب ما صححناه إليه وهو ظاهر *(3/195)
وانما أمر أن يبتدئها في وقتها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) *
340 مسألة فلو بدأها وهو عند نفسه موقن بأن وقتها قد دخل فإذا بالوقت لم يكن دخل لم تجزه أيضا، لانه لم يصلها كما أمر، ولا يجزئه إلا حتى يوقن أنه الوقت، ويكون الوقت قد دخل.
وبالله تعالى التوفيق * 341 مسألة كل من ركع ركعتي الفجر لم تجزه صلاة الصبح الا بان يضطجع على شقه الايمن بين سلامه من ركعتي الفجر وبين تكبيرة لصلاة الصبح، وسواء.
عندنا ترك الضجعة عمدا أو نسيانا، وسواء صلاها في وقتها، أو صلاها قاضيا لها من نسيان أو عمد نوم، فان لم يصل ركعتي الفجر لم يلزمه أن يضطجع، فان عجز عن الضجعة على اليمين لخوف أو مرض أو غير ذلك أشار إلى ذلك حسب طاقته فقط * برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيدالله بن عمر (1) بن ميسرة ثنا عبد الواحد هو ابن زياد ثنا الاعمش عن أبي صالح هو السمان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه) فقال له مروان بن الحكم: ما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه؟! قال أبو هريرة: لا، فبلغ ذلك ابن عمر، فقال: أكثر أبو هريرة على نفسه، فقيل لابن عمر عندها: تنكر شيئا مما يقول؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنا، فبلغ ذلك أبا هريرة، فقال فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا (2)؟ *
__________
(1) في الاصل (عبد الله) وهو خطأ.
وفى التهذيب (عبيدالله بن عمرو) وهو خطأ أيضا، وصححناه من ابى داود (ج 1 ص 488) ومن التقريب والخلاصة (2) نقل شارح أبى داود أن الترمذي أخرجه وان النووي صححه على شرط الشيخين *(3/196)
وروينا من طريق وكيع عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عن قبيصة بن ذؤيب قال: مر بي أبو الدرداء من آخر الليل وأنا أصلي فقال: أفصل بضجعة بين صلاة الليل وصلاة النهار (1) * قال علي: وقد أوضحنا أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كله على الفرض، حتي يأتي نص آخر أو اجماع متيقن غير مدعى بالباطل: على أنه ندب، فنقف عنده، وإذا تنازع الصحابة رضى الله تعالى عنهم فالرد إلى كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم * فان قالوا: قد ورد إنكار الضجعة عن ابن مسعود، قلنا: نعم، وخالفه أبو هريرة، ومع أبي هريرة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره وعمله، وان كان إنكار ابن مسعود حجة على غيره من الصحابة رضى الله تعالى عنهم: فقد أنكر رضى الله عنه وضع الايدي على الركب في الصلاة وضرب اليدين على ذلك، وقد أنكر قصر الصلاة إلا في حج أو عمرة أو جهاد، وأنكر قراءة القرآن في ليلة، فما التفتم إنكاره (2) فالآن استدركتم هذه السنة؟! * وقالوا لو كانت الضجعة فرضا لما خفيت على ابن مسعود وابن عمر، فقلنا لهم: فهلا قلتم مثل هذا في اتمام عثمان رضى الله تعالى عنه بمنى، واتمام عائشة وسعد رضى الله عنهما؟! فقولوا: لو كان قصر الصلاة سنة ما خفى على هؤلاء وهلا قلتم: لو كان الجلوس في آخر الصلاة فرضا ما خفى على على بن أبي طالب رضى الله عنه حين يقول: إذا رفعت رأسك من آخر صلاتك من السجود فقد تمت صلاتك، فان شئت فقم، وان شئت فاقعد؟! ومثل هذا كثير جدا، وانما هو شئ يفزعون إليه إذا ضاق بهم المجال! ثم هم أول تارك له! وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) وهل ركعتا الفجر من صلاة الليل؟! (2) استعمل المؤلف (التفت) متعديا
بنفسه، وما رأيت دليلا لذلك، وقد استعمله كذلك أيضا في الاحكام (ج 7 ص 104)(3/197)
فان قالوا: فبطلت صلاة من لم يضطجع من الصحابة رضى الله عنهم وغيرهم؟ قلنا: إن المجتهد مأجور يصلى وان مخفى عليه النص وانما الحكم فيمن قامت عليه الحجة فعند، ثم نعكس قولهم عليهم، فنقول للمالكيين والشافعيين: أترى بطلت صلاة ابن مسعود ومن وافقه إذ كان يصلى ولا يرى الوضوء من مس الذكر؟! ونقول للحنيفيين: أترى صلاة ابن عمر وأبا هريرة فاسدة إذ كانا يصليان وقد خرج من أنف أحدهما دم، ومن بثرة بوجه الآخر دم فلم يتوضآ لذلك؟! ونقول لجميعهم: أترون صلاة عثمان وعلى وطلحة والزبير وابن عباس وأبي بن كعب وأبي أيوب وزيد وغيرهم كانت فاسدة إذ كانوا يرون أن من وطئ ولم ينزل فلا غسل عليه ويفتون بذلك؟! ومثل هذا كثير جدا، يعود على من لم يكن بيده حجة غير التشنيع، وهو عائد عليهم، لانهم أشد خلافا على الصحابة منا، وسؤالهم هذا لازم لابي هريرة كلزومه لنا ولا فرق * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يزيد هو المقرئ ثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو الأسود عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الايمن) (1) * قال علي: روينا من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني: أن أبا موسى الاشعري وأصحابه كانوا إذا صلوا ركعتي الفجر اضطجعوا * ومن طريق الحجاج بن المنهال عن جرير بن حازم بن محمد بن سيرين قال: أنبئت: أن أبا رافع وأنس بن مالك وأبا موسى كانوا يضطجعون على
أيمانهم إذا صلوا ركعتي الفجر * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عثمان بن غياث هو ابن عثمان -
__________
(1) رواه البخاري (ج 2 ص: 126 و 127) *(3/198)
أنه حدثه قال كان الرجل يجئ وعمر بن الخطاب يصلى بالناس الصبح فيصلى ركعتين في مؤخر المسجد، ويضع جنبه في الارض ويدخل معه في الصلاة (1) * وذكر عبد الرحمن بن زيد في كتاب السبعة (2): أنهم يعنى سعيد ابن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر وعروة بن الزبير وأبا بكربن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيدالله بن عبد الله بن عتبة وسليمان ابن يسار، كانوا يضطجعون على أيمانهم بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح * فان عجز فقد قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
وقال عليه السلام (إذا أمرتكم بامر فأتوا منه ما استطعتم) * وحكم الناسي ههنا كحكم العامد، لان من نسى عملا مفترضا من الصلاة والطهارة فعليه أن يأتي به، لانه لم يات بالصلاة كما أمر، إلا أن ياتي نص بسقوط ذلك عنه * وانما يكون النسيان بخلاف العمد في حكمين: أحدهما سقوط الاثم جملة هنا وفي كل مكان، والثاني من زاد عملا لا يجوز له ناسيا وكان قد أوفى جميع عمله الذي أمر به، فان هذا قد عمل ما أمر، وكان ما زاد بالنسيان لغوا لا حكم له * فان أدرك إعادة الصلاة في الوقت لزمه أن يضطجع ويعيد الفريضة وإن لم يقدر على ذلك إلا بعد خروج الوقت لم يقدر على الاعادة، لما ذكرنا
قبل، ولا يجزئه أن يأتي بالضجعة بعد الصلاة، لانه ليس ذلك موضعها، ولا
__________
(1) كيف يحتج المؤلف بهذا وهو يرى أن من شرع في النافلة بعد اقامة الصلاة فصلاته باطلة وكذلك إذا أقيمت وهو في النافلة كما سبق؟! (2) عبد الرحمن بن زيد هذا لا أعرف من هو؟ ويحتمل أن يكون عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المتوفى سنة 182 وهو ضعيف جدا.
ولعله ألف كتابا في فتاوى الفقهاء السبعة وأقوالهم، وما سمعنا بهذا الكتاب قط.(3/199)
يجزئ عمل شئ في غير مكانه، ولا في غير زمانه، ولا بخلاف ما أمر به، لان هذا كله هو غير العمل المأمور به على هذه الاحوال.
وبالله تعالى التوفيق (1) * 342: مسألة ومن فاتته صلاة الصبح بنسيان أو بنوم فنختار له إذا ذكرها وإن بعد طلوع الشمس بقريب أو بعيد ان يبدأ بركعتي الفجر ثم يضطجع ثم يأتي بصلاة الصبح * وفرض على كل من غفل عن صلاة بنوم أو بنسيان ثم ذكرها أن يزول عن مكانه الذي كان بجسمه فيه إلى مكان آخر، ولو المكان المتصل بذلك المكان فما زاد * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى بن اسماعيل ثنا أبان هو ابن يزيد العطار ثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في حديث نوم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: (تحولوا
__________
(1) أفرط ابن حزم في التغالى جدا في هذه المسألة وقال قولا لم يسبقه إليه أحد ولا ينصره فيه أي دليل! فالاحاديث الواردة في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر ظاهر منها ان المراد بها أن يستريح المصلى بعد طول صلاة الليل لينشط لصلاة الفريضة.
ثم لو سلمنا له ان الحديث الذى فيه
الامر بالضجعة يدل على وجوبها فمن اين يخلص له ان الوجوب معناه الشرطية وان من لم يضطجع لم تجزئه صلاة الغداة؟!.
اللهم غفرا، وما كل واجب شرط.
ثم ان عائشة روت ما يدل على ان هذه الضجعة انما هي استراحة لانتظار الصلاة فقط.
ففى البخاري (ج 2 ص: 127) ومسلم (ج 1 ص: 205) من طريق ابى سلمة عن عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فان كنت مستيقظة حدثنى وإلا اضطجع) واللفظ لمسلم وهو صريح في المعنى الذى قلنا أو كالصريح.
وبعد فقد أفاض القول في هذا البحث العلامة أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادى الهندي في كتابه (إعلام اهل العصر بأحكام ركعتي الفجر) (ص: 14 و 20) فارجع إليه.(3/200)
عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة، فأمر بلالا فاذن وأقام فصلى) (1) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق القاضي ثنا ابن الاعرابي ثنا محمد بن اسماعيل الصائغ ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا الاسود بن شيبان ثنا خالد بن سمير ثنا عبد الله بن رباح ثنا أبو قتادة الانصاري قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الامراء، فلم توقظنا إلا الشمس طالعة، فقمنا وهلين لصلاتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رويدا رويدا، حتي تعالت الشمس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان منكم يركع ركعتي الفجر فليركعهما، فقام من يركعهما (2) ومن لم يكن يركعهما، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادي بالصلاة فيؤذن لها (3) فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا) وذكر الحديث * قال علي: فان قيل: ليس في هذا الخبر ذكر الضجعة.
قلنا: قد يسكت عنها الرواي.
كما يسكت عن الوضوء.
وعما لابد منه من ذكر التكبير للاحرام والسلام (4) وغير ذلك، وقد يكون هذا الخبر قبل أن يأمر عليه السلام بالضجعة، وليس جميع السنن مذكورة في حديث واحد ولا في
آية واحدة ولا في سورة واحدة، والتعلل بها قدح في جميع الشريعة.
أولها عن آخرها، فليس منها شئ إلا وهو مسكوت عنه في أحاديث كثيرة وفي آيات كثيرة، فكل من تعلل في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاذان للصلاة المنسية وفي أمره بصلاة ركعتي الفجر قبل صلاة الفريضة وفي أمره عليه السلام بالتأني والامنا (5) والتحول بما لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقد كذب على
__________
(1) في ابى داود (ج 1 ص: 166 و 167) (وصلى) (2) في أبى داود (ج 1 ص: 168) (فقام من كان يركعهما) (3) في نسخة أخرى عن الاصل (فيؤذن بها) وفى أبى داود (فنودى بها).
وقد سبق الكلام على هذا الحديث في المسألة 286 (4) في الاصل (وللسلام) وهو خطأ (5) كذا رسم في الاصل بدون إعجام وما نعرف صحته *(3/201)
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله ما لم يقل، وافترى عليه بغير علم، فليتبوأ مقعده من النار.
وقد ذكر الاذان لها وصلى ركعتين قبلها: حماد عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة * فان قيل: قد روى في بعض ألفاظ هذا الخبر: أنه عليه السلام قال لهم حينئذ (من أدرك منكم صلاة الغداة فليقض معها مثلها): قلنا: نعم قد روى هذا اللفظ، وروى (ليصلها أحدكم من الغداة لوقتها) وروى (فإذا سها أحدكم عن صلاة فليصلها إذا ذكرها ومن الغد للوقت) وروى (أنهم قالوا: يا رسول الله، أنقضيها لميقاتها من الغد)؟ وأنهم قالوا: ألا نصلى كذا وكذا صلاة؟ قال: (لا ينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم) وكل هذا صحيح ومتفق المعني، وإنما يشكل من هذه الالفاظ (من أدرك منكم صلاة الغداة فليقض معها مثلها) وإذا تؤمل (1) فلا اشكال فيه، لان الضمير في لغة العرب
راجع إلى أقرب مذكور إلا بدليل، فالضمير في معها راجع إلى الغداة، لا إلى الصلاة، أي فليقض مع الغداة مثل هذه الصلاة التي يصلى، بلا زيادة عليها، أي فليؤد ما عليه من الصلاة مثل ما فعل كل يوم، فتتفق الالفاظ كلها على معني واحد، لا يجوز غير ذلك (2).
وبالله تعالى التوفيق * 343 مسألة صفة الصلاة وما لا تجزئ إلا به لا تجزئ أحدا صلاة إلا بثياب طاهرة وجسد طاهر في مكان طاهر * قال علي: قد ذكرنا الاشياء المفترض اجتنابها، فمن صلى غير مجتنب لها فلم يصل كما أمر، وقد ذكرنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنس ماكان يصلى عليه، وبأن تطيب المساجد وتنظف لقوله عليه السلام الذي سنذكره إن شاء الله تعالى باسناده: (وجعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا)
__________
(1) في الاصل (تأمل) وهو خطأ ظاهر (2) انظر المحلى في المسألة رقم (286) والاحكام (ج 7 ص: 108)(3/202)
وقال تعالى: (وثيابك فطهر).
ومن ادعى أن المراد بذلك القلب: فقد خص الآية بدعواه بلا برهان، والاصل في اللغة التي بها نزل القرآن: أن الثياب هي الملبوسة والمتوطأة (1)، ولا ينقل عن ذلك إلى القلب والعرض إلا بدليل، ولا حال للانسان إلا حالان، لا ثالث لهما: حال الصلاة وحال غير الصلاة، ولا يختلف اثنان في أنه لا يحرج (2) من في بدنه شئ واجب اجتنابه وفي ثيابه أو في مقعده في حال غير الصلاة وانما الكلام: هل ذلك مباح في الصلاة أم لا؟ فإذا خرجت حال غير الصلاة بالاجماع المتيقن لم يبق حيث تستعمل أوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إلا للصلاة، فهذا فرض فيها وبالله تعالى التوفيق *
334 مسألة فمن أصاب بدنه أو ثيابه أو مصلاه شئ فرض اجتنابه بعد أن كبر سالما في كل ما ذكرنا مما أصابه بعد ذلك: فان علم بذلك أزال الثوب وإن بقى عريانا، ما لم يؤذه البرد، وزال عن ذلك المكان، وأزالها عن بدنه بما أمر أن يزيلها به، وتمادي على صلاته وأجزأه، ولا شئ عليه غير ذلك، فان نسى حتي عمل عملا مفترضا عليه من صلاته ألغى، وأتم الصلاة، وأتي بذلك العمل كما أمر، ثم يسجد للسهو، وان كان ذلك بعد أن سلم، ما لم تنتقض طهارته، فان انتقضت أعاد الصلاة متى ذكر، فان له يصبه ذلك إلا في مكان من صلاته لو لم يأت به لم تبطل به صلاته، مثل قراءة السورة التي مع أم القرآن أو ما زاد على الطمأنينة في الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين والرفع من الركوع والجلوس بعد التشهد: فصلاته تامة، وليس عليه إلا سجود السهو فقط * فان تعمد ما ذكرنا بطلت صلاته، وكان كمن لم يصل ولا فرق، لا يقدر على الصلاة إلا في وقتها، فصح الآن أن الناسي يعيد أبدا، لقول رسول الله
__________
(1) في اللسان (وتوطأه ووطأه كوطئه) (2) حرج من باب تعب(3/203)
صلى الله عليه وسلم: من نسى صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها والناسي هو الذي علم الشئ ثم نسيه، وبعض الصلاة صلاة بنص حكم اللغة والضرورة، وهكذا الحكم فيمن نسى الطهارة أو بعض أعضائه أو نسى ستر عورته، فان ابتدأ صلاته كذلك أعادها أبدا، وصح أن العامد لا يقدر على الصلاة إلا في وقتها، وكل ما ذكرنا في ذلك سواء * وأما الجاهل، وهو الذي لا يعلم الشئ إلا في صلاته أو بعدها، كمن كان في ثيابه أو في بدنه أو في مكانه شئ فرض اجتنابه لم يعلم به،
فانه يعيد كل ما صلى كذلك في الوقت كذلك، وكذلك من انكشفت عورته وهو لا يرى، وكذلك من جهل فرضا من فروض طهارته أو صلاته ثم علمها، فان هؤلاء لا إعادة عليهم إلا في الوقت فقط لا بعد الوقت * برهان ذلك: أن الصحابة رضى الله عنهم كانوا في أرض الحبشة وغيرها، والفرائض تنزل، كتحويل القبلة، والزيادة في عددها وغير ذلك، فلم يأمرهم عليه السلام باعادة شئ من ذلك، إذ بلغه ذلك، وأمر الذي رآه لم يتم صلاته أن يعيدها، فصح بذلك أن يأتي بما جهل من كل ما ذكرنا إذا علمه، ما دام الوقت قائما فقط * وأما المكره والعاجز لعلة أو ضرورة، فانه في كل ما ذكرنا إن زال الاكراه أو الضرورة بعد الصلاة: فقد تمت صلاته، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وان زال ذلك في الصلاة بنى على ما مضى من صلاته، فأتمها كما يقدر، واعتد بما عمل منها قبل أن يقدر، ولا سجود سهو في ذلك.
وبالله تعالى التوفيق * برهان ذلك ما ذكرناه قبل: ان كان عمل مأمور به فهو فيها جائز كثر أو قل، وإزالة ما افترض على المرء اجتنابه في الصلاة مأمور به فيها، فهو جائز في الصلاة *(3/204)
وأما قولنا: وإن بقى عريانا، فلانه قد اجتمع عليه فرضان أحدهما ستر العورة، والثاني اجتناب ما أمر باجتنابه، ولا بد له من أحدهما، فان صلى غير مجتنب لما أمر باجتنابه فقد تعمد في صلاته عملا محرما عليه، فلم يصل كما أمر، فلا صلاة له، وإذا لم يجد ثوبا أمر بالاستتار بمثله، فهو غير قادر على الاستتار، ولا حرج على المرء فيما لا يقدر عليه، قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقال تعالى: (وقد فصل
لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه).
وليس المرء مضطرا إلى لباس ثوب يقدر على خلعه، ولا إلى البقاء في مكان يقدر على مفارقته، وهو مضطر إلى التعري إذا لم يجد ما أبيح له لباسه، فان خشى البرد فهو حينئذ مضطر إلى ما يطرد عن نفسه، فيصلى به ولا شئ عليه، لانه مباح له حينئذ * وأما قولنا: ان نسى حتي عمل عملا مفترضا عليه في صلاته ألغاه وأتم الصلاة وأتي بذلك العمل كما أمر، وان كان بعد أن سلم، ما لم تنتقض طهارته.
فلما قد ذكرناه من سقوط ما نسيه المرء في صلاته، وان ذلك لا يبطل صلاته، ولقول الله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) ولما سنذكره من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سها في صلاته فزاد أو نقص) بأن يتم صلاته ويسجد للسهو، وهذا قد زاد في صلاته ساهيا ما لو تعمده لبطلت صلاته * وأما قولنا: ان انتقضت طهارته أعادها أبدا متي ذكر.
فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) وبعض الصلاة صلاة عليه ففرض أن يصليها، وأن يأتي بما نسى، وبما لا يجزئ إذا ما نسي إلا به، من وضوء أو غسل أو ابتداء الصلاة(3/205)
على ترتيبها، إلى أن يتم مانسى من صلاته إلا به (1) * وأما قولنا: إن لم يصبه ذلك إلا في مكان من صلاته لو تعمد تركه لم تبطل صلاته بذلك، إلى آخر كلامنا.
فلانه قد وفي جميع أعمال صلاته سالمة كما أمر، وكانت تلك الاعمال الزائدة وإن كانت الصلاة جائزة دونها: فانها في جملة الصلاة، وفي حال لو تعمد فيها ما تبطل به الصلاة
لبطلت صلاته، وكان منه فيها ماكان ناسيا فزاد في صلاته عملا بالسهو لا يجوز له، فليس عليه إلا سجود السهو كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما سنذكره في باب سجود السهو ان شاء الله تعالى.
وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه في الصلاة للقذر الذي كان فيهما.
وعن الحسن إذا رأيت في ثوبك قذرا فضعه عنك وامض في صلاتك.
وقد أجاز أبو حنيفة ومالك غسل الرعاف في الصلاة * فأما الصلاة بالنجاسة فان مالكا قال: لا يعيد العامد لذلك والناسى الا في الوقت * قال علي: وهذا خطأ، لانه لا يخلو من أن يكون أدى الصلاة التي أمر بها كما أمر، أو لم يؤدها كما أمر، فان كان أداها كما أمر فلا يحل له أن يصلى في يوم واحد ظهرين، ولا معنى لاعادة صلاة قد صلاها، وان كان لم يؤدها كما أمر فمن قوله انه يصلى من لم يصل أبدا، فظهر بطلان هذا القول * وأيضا: فانه يقال لهم: أخبرونا عن الصلاة التي تأمرونه بأن يأتي بها في الوقت ولا تأمرونه بها بعد الوقت: أفرض هي عندكم أم نافلة؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث؟ وبأى نية يصليها؟ أبنية أنها الفرض اللازم له في ذلك الوقت أم بنية التطوع؟ أم بلا نية، لا لفرض ولا لتطوع؟! فان قلتم: هي
__________
(1) كذا في الاصل ولعل صحته (إلى أن يتم ما نسى من صلاته مما لا تجزئ صلاته إلا به) كما هو واضح *(3/206)
فرض ولا يصليها إلا بنية الفرض، فمن أصلكم الذي لم تختلفوا فيه: ان الفرض يصلى أبدا، ولا يسقط بخروج الوقت فيه، فهذا تناقض وهدم لاصلكم.
وان كانت تطوعا وتأمرونه بأن يدخل فيها بنية التطوع فان
الفرض لا يجزئ بدل التطوع في الدنيا، ولا يحل لاحد أن يتعمد ترك الفرض ويصلى التطوع عوضا من الفرض، ولا يحل لاحد ان يفتيه بذلك بلا خلاف من أحد، بل هو خروج إلى الكفر بلا شك، وان قلتم: لا يصليها بنية فرض ولا تطوع كان هذا باطلا متيقنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فهذا لا عمل له، إذ لا نية له، ولا شئ له، فقد أمرتموه بالباطل الذي لا يحل * وأما الشافعي فانه قال: يعيد أبدا في العمد والنسيان * قال علي: وهذا خطأ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، ولقول الله تعالى (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) * وقال أبو حنيفة: من كانت النجاسة في موضع قدميه في الصلاة وكانت أكثر من الدرهم البغلى أي نجاسة: بطلت صلاته عامدا كان أو ناسيا فان كانت قدر الدرهم البغلي فأقل، فصلاته تامة في العمد والنسيان فان كانت أكثر من قدر الدرهم البغلى، وكانت في موضع وضع يديه أو في موضع وضع ركبتيه أو حذاء إبطيه: فصلاته تامة في العمد والنسيان.
واختلف عنه إذا كانت في موضع وقوع جبهته في السجود، فمرة قال: صلاته تامة في العمد والنسيان، ومرة قال: صلاته باطلة في العمد والنسيان، وبه يقول زفر، وقال أبو يوسف كذلك في كل ما ذكرنا، إلا أنه قال: ان كانت في موضع سجوده فسدت تلك السجدة وحدها خاصة وكأنه لم يسجدها وان سجدها ما دام في صلاته تمت صلاته وإن لم يسجدها(3/207)
حتى أتم صلاته بطلت صلاته كلها *
وكانت حجتهم في هذا أسقط من قولهم، وهو أنهم قالوا: لو لم يضع يديه ولا ركبتيه في السجود لم يضر ذلك صلاته شيئا بخلاف قدميه * قال علي: وهذا احتجاج للباطل بأشنع ما يكون من الباطل! لو انما هو استخفاف بالصلاة، ويلزم على أحد قوليه أن تتم صلاته وان لم يضع جبهته بالارض لغير عذر * قال أبو حنيفة: ومن صلى وفي ثوبه نجاسة أكثر من قدر الدرهم إلا أنها في موضع يسجيه وليس على شئ من جسمه، فان كان إذا تحرك في صلاته لقيام أو ركوع أو سجود تحركت النجاسة: بطلت صلاته، وإلا فلا.
وقال أبو يوسف: المصلى المبطن بمنزلة ثوب واحد، إن كان في الباطنة أكثر من قدر الدرهم غير نافذة إلى الوجه بطلت الصلاة.
وقال محمد: لا تبطل، وهما ثوبان * قال أبو محمد: وهذه أقوال ينبغي حمد الله تعالى على السلامة منها، ولا مزيد، ولا سلف لهم في شئ منها! ثم العجب قولهم لمن أخذ بامر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم الذين يقرون بصحة نقله وبيانه: قولوا لنا: من قال بهذا قبلكم؟! فيا للمسلمين! أيعنف من أخذ بالقرآن والسنة، التي أجمع المسلمون على وجوب طاعتهما، حتي يأتي باسم من قال بذلك؟! ولا يعنف من قال برأيه مبتدئا دون موافق من السلف مثل هذه الاقوال الفاسدة المتناقضة؟! وحسبنا الله ونعم الوكيل وله الحمد على هدايته لنا وتوفيقه إيانا 345 مسألة فمن كان محبوسا في مكان فيه ما يلزمه اجتنابه لا يقدر على الزوال عنه، وكان مغلوبا لا يقدر على إزالته عن جسده ولا عن ثيابه: فانه يصلى كما هو، وتجزئه صلاته، فان كان في موضع سجوده(3/208)
أو جلوسه ولا يقدر على مكان غيره: صلى (1) قائما وجلس على أقرب ما يقدر من الدنو من ذلك الموضع ولا يجلس عليه، وكذلك يقرب جبهته وأنفه من ذلك المكان أكثر ما يقدر عليه، ولا يضعهما عليه، فان جلس عليه أو سجد عليه متعمدا وهو قادر على أن لا يفعل بطلت صلاته * برهان ذلك قول الله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فصح أنه يسقط عنه ما لا يستطيع، ويبقى عليه ما قدر عليه.
وبالله تعالى التوفيق * 346 مسألة وستر العورة فرض عن عين الناظر، وفى الصلاة جملة، كان هنالك أحد أو لم يكن.
قال الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم).
(وقل للمؤمنات يعضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن).
فمن أبدى فرجه لغير من أبيح له فقد عصى الله تعالى، وقال تعالى: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) فاتفق على أنه ستر العورة * 347 مسألة وانما هذا للعامد، وأما من لا يجد ثوبا أبيح له الصلاة به أو أكره أو نسى: فصلاته تامة، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقوله تعالى: (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) إلا أن القول في إلغاء ما عمل من فرائض صلاته مكشوف العورة ناسيا والمجئ بها كما أمر والبناء على ما صلى مغطى العورة والسجود للسهو وجواز الصلاة بما صلى كذلك في حال من صلاته لو أسقطها تمت صلاته وسجود السهو لذلك: كما قلنا في الصلاة غير
__________
(1) في الاصل (وصلى) وهو خطأ(3/209)
مجتنب لما افترض علينا اجتنابه، سواء سواء ولا فرق، لما ذكرنا هنالك.
وبالله تعالى التوفيق * 348 مسألة فلو ابتدأ التكبير مكشوف العورة أو غير مجتنب لما افترض عليه اجتنابه عامدا أو ناسيا أو جاهلا فلا صلاة له، لانه لم يدخل في الصلاة كما أمر، ولا صح له منها شئ يبني عليه، ولا يجوز في الصلاة تقديم مؤخر قبل ما هو في الرتبة قبله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) * 349 مسألة والعورة المفترض سترها على الناظر وفى الصلاة: من الرجل: الذكر وحلقة الدبر فقط، وليس الفخذ منه عورة، وهى من المرأة جميع جسمها، حاشا الوجه والكفين فقط، الحر والعبد والحرة والامة سواء في كل ذلك ولا فرق * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا سعيد بن يحيي الاموى ثنا أبي ثنا عثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف الانصاري (1) ثنا أبو أمامة بن سهل بن حنيف، عن المسور بن مخرمة قال: أقبلت بحجر ثقيل أحمله (2) وعلى إزار خفيف، فانحل إزارى، ومعى الحجر لم أستطع أن أمنعه (3) حتي بلغت به إلى موضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع إلى إزارك (4) فخده، ولا تمشوا عراة فصح أن أخذ الازار فرض * وأما الفخذ فان عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد حدثنا قال ثنا ابراهيم
__________
(1) حنيف بالتصغير.
وفى الاصل (ثنا عثمان بن حكيم ثنا عباد بن حنيف الانصاري)
وهو خطأ.
والتصحيح من مسلم (ج 1 ص 105) ومن التهذيب، وأبو أمامة هو عم والد عثمان (2) في مسلم (بحجر أحمله ثقيل) (3) أي انه لم يستطيع منع ازاره بعد ما انحل.
وفى الاصل (أصنعه) وصححناه من مسلم (4) في مسلم (إلى ثوبك) *(3/210)
ابن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا يعقوب بن ابراهيم حدثني ابن علية هو اسماعيل بن ابراهيم ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس؟، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر، وان ركبتي لتمس فخذ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حسر الازار عن فخذه، حتي انى أنظر إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه وسلم (1) وذكر باقى الحديث * قال علي: فصح أن الفخذ ليست عورة، ولو كانت عورة لما كشفها الله عزوجل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المطهر المعصوم من الناس في حال النبوة والرسالة، ولا أراها أنس بن مالك ولا غيره، وهو تعالى قد عصمه من كشف العورة في حال الصبي وقبل النبوة * كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا روح بن عبادة ثنا زكريا بن اسحاق ثنا عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله يحدث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره، فقال له العباس عمه: يا ابن أخي، لو حللت ازارك فجعلته على منكبك دون الحجارة، قال: فحله وجعله (2) على منكبه، فسقط مغشيا عليه، فما رئي بعد ذلك اليوم عريانا * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الفربري ثنا عبد الرزاق
ثنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بنيت الكعبة ذهب هو وعباس ينقلان الحجارة، فقال عباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعل ازارك على رقبتك من
__________
(1) في البخاري (ج 1 ص 166) (2) في مسلم (ج 1 ص 150) (فجعله) *(3/211)
الحجارة، ففعل، فخر إلى الارض، وطمحت عيناه إلى السماء، ثم قام، فقال: ازارى إزارى، فشد عليه ازاره (1) * وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا إسماعيل بن ابراهيم هو ابن علية ثنا أيوب السختياني عن أبي العالية البراء قال: إن عبد الله بن الصامت ضرب فخذي وقال: إني سألت أبا ذر فضرب فخذي كما ضربت فخذك، وقال: اني سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فضرب فخذي كما ضربت فخذك، وقال: صل الصلاة لوقتها، فان أدركتك الصلاة معهم (2) فصل، ولا تقل انى قد صليت فلا أصلى * فلو كانت الفخذ عورة لما مسها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي ذر أصلا بيده المقدسة، ولو كانت الفخذ عند أبي ذر عورة لما ضرب عليها بيده، وكذلك عبد الله بن الصامت وأبي العالية (3)، وما يستحل مسلم أن يضرب بيده على ذكر انسان على الثياب، ولا على حلقة دبر الانسان على الثياب، ولا على بدن امرأة أجنبية على الثياب البتة.
وقد منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من القود من الكسعة (4) وهى ضرب الاليتين على الثياب بباطن القدم، وقال: (دعوها فانها منتنة (5) *
فان قيل: فان الحجر قد جمع بثياب موسى عليه السلام حتى رأى
__________
(1) رواية عبد الرزاق هذه رواها مسلم (ج 1 ص 105) عن اسحق بن منصور ومحمد بن رافع عن عبد الرزاق (2) في الاصل (فان أدركت معهم) والتصحيح من مسلم ج 1 ص 179) (3) كذا في الاصل، وله وجه من العربية (4) بفتح الكاف واسكان السين المهملة (5) في صحيح مسلم (ج 2 ص 284) *(3/212)
بنو اسرائيل أنه ليس آدر (1).
قلنا: نعم، ولا حجة لكم في هذا لوجهين، أحدهما: أنه ليس عندنا كشف العورات في شريعة موسى عليه السلام (2) وفي ذلك الخبر نفسه: ان بني اسرائيل كانوا يغتسلون عراة وكان موسى عليه السلام يغتسل في الخلاء، ولم يأت أنه عليه السلام نهاهم عن الاغتسال عراة وقد يستتر عليه السلام حياء كما ستر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساقه حياء من عثمان، وليست ساق الرجل عورة عند أحد، والثاني: أنه ليس في الحديث انهم رأوا من موسى الذكر الذي هو عورة وانما رأوا منه هيئة تبينوا بها انه مبرأ مما قالوه من الادرة وهذا يتبين لكل ناظر بلا شك، بغير أن يرى شيئا من الذكر لكن بأن يرى مابين الفخذين خاليا.
فبطل تعلقهم بهذا الخبر * فان ذكروا الاخبار الواهية في أن الفخذ عورة، فهى كلها ساقطة * أما حديث جويبر فانه عن ابن جوهر، وهو مجهول، وعن مجهولين ومنقطع * ومن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهو صحيفة، قد ذكرنا في غير ما موضع من هذه الرواية ما لا يقولون به، مثل روايته عن أبيه عن جده: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضي أن كل مستلحق استلحق بعد أبيه الذي يدعى له ادعاه ورثته ان كان من امة يملكها؟ يوم أصابها: فقد لحق بمن
استلحقه، وليس له مما قسم قبله من الميراث شئ وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه، ولا يلحق ان كان أبوه الذي يدعى له أنكره) ومثل روايته من هذه الطريق مسندا وذكر الوضوء ثلاثا ثلاثا (هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم) و (أنه عليه السلام نهى عن الحلق قبل الصلاة يوم الجمعة).
(ولا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا هلك زوجها في عصمتها)
__________
(1) في صحيح مسلم (ج 1 ص 104 و 105) (2) كذا في الاصل ولعل صوابه (ليس عندنا كشف العورات كما في شريعة موسى عليه السلام) لما يظهر من سياق القصة *(3/213)
و (أنه عليه السلام قضى في العين القائمة السادة (1) لمكانها بثلث الدية) ومثل هذا كثير جدا * وفي أن الفخذ عورة من طريق قبيصة بن مخارق: فيه سليمان بن سليمان ومحمد بن عقبة وجرير بن قطن، وهم مجهولون لا يعرف من هم * ومن طريق ابن جحش، فيه أبو كثير، وهو مجهول * ومن طريق على، منقطع، رواه ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت، ولم يسمعه منه، بينهما من لم يسم ولا يدري من هو، ورواية حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة، ولم يسمعه منه، قال ابن معين: بينهما رجل ليس بثقة، ولم يروه عن ابن جريج الا أبو خالد، ولا يدري من هو.
* ومن طريق ابن عباس، فيها أبويحيى القتات، وهو ضعيف * ومن طريق ابن عباس، فيه مجهولون لا يدري من هم * ومن طريق سفيان الثوري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا شئ (2) * وحتى لو لم يأت من الآثار الثابتة التي ذكرنا شئ لما جاز أن يقطع على عضو بأنه عورة تبطل الصلاة بتركه: إلا ببرهان، من نص
أو اجماع * وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج حدثني أبو بكر بن إسحاق أنا سعيد بن كثير بن عفير ثنا عبد الله بن وهب عن يونس هو ابن يزيد عن ابن شهاب أخبرني على بن الحسين أن أباه الحسين بن على أخبره أن عليا قال: (كانت لى شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر)
__________
(1) بالسين والدال المهملتين (2) انظر الكلام على طرق الحديث في فتح الباري (ج 1 ص 403 و 405) وفى التلخيص (ص 108) وفى نيل الاوطار (ج 2 ص 48 و 50) وفى السنن الكبرى للبيهقي (ج 2 ص 227 و 232) *(3/214)
وذكر الحديث وفيه: (ان حمزة صعد النظر إلى ركبتي رسول الله صلى الله وسلم ثم صعد النظر إلى سرته) وذكر باقى الحديث (1) فلو كانت السرة عورة لما أطلق الله حمزة ولا غيره على النظر إليها * وقد روينا من طريق أبي داود: حدثني مسلم بن ابراهيم ثنا هشام هو الدستوائي عن أبى الزبير عن جابر قال: (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم على وركه من وث ء كان به) (2) فلو كانت الورك (3) عورة ما كشفها عليه السلام إلى الحجام وهذا اسناد أعظم آمالهم أن يظفروا بمثله لانفسهم وأما نحن فغانون بالصحيح على ما لا نراه حجة، (4) ومعاذ الله من أن نحتج في مكان بما لا نراه حجة (5) في كل مكان، تعصبا للتقليد، واستهانة بالشريعة.
* وهذا الذي قلنا به هو قول جمهور السلف، كما روينا من طريق محمد ابن المثنى: ثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر سمع سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع (6) يخبر عن جبير بن الحويرث (7) قال: رأيت
ابا بكر الصديق واقفا على قزح (8) يقول يا أيها الناس أصبحوا، واني
__________
(1) في صحيح مسلم (ج 2 ص 123) (2) الوث ء بفتح الواو واسكان الثاء المثلثة: وجع يصيب العضو من غير كسر.
والحديث في ابى داود (ج 4 ص 3 و 4) (3) في الاصل (فلو كان الورك) وهو خطأ، لان الورك مؤنث كما نص عليه الفراء في كتاب (المذكر والمؤنث ص 14) واللسان والمصباح.
(4) في الاصل (فعانون؟) بدون نقط، فإذا كانت صحتها (عانون) بالعين المهملة فذلك جائز، يقال (هو معنى بأمره وعان بأمره وعن بأمره) والتركيب غير جيد اذن.
وإذا كانت صحتها (غانون) بالغين المعجمة - وهو الذى نختاره - فكان الاحسن في التركيب (عما لا نراه) يقال (رجل غان عن كذا أي مستغن) (5) في الاصل (في مكان لا نراه حجة) بحذف (بما) وهو خطأ ظاهر (6) ويقال في اسمه (عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع) ولعله الارجح.
وانظر التهذيب وتعجيل المنفعة وابن سعد (ج 5 ص 111) (7) رجح ابن حجر في الاصابة وتعجيل المنفعة أن له صحبة (8) بضم القاف وفتح الزاى: جبل بمزدلفة *(3/215)
لانظر إلى فخذه قد انكشف (1) * ومن طريق البخاري: ثنا عبد الله بن عبد الوهاب هو الجمحى ثنا خالد ابن الحارث ثنا ابن عون هو عبد الله عن موسي بن أنس بن مالك فذكر يوم اليمامة فقال: أتي أنس إلى ثابت بن قيس بن الشماس وقد حسر عن فخذيه وهو يتحنط، يعنى من الحنوط للموت.
قال البخاري: ورواه حماد عن ثابت عن أنس * ومن طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب قال: دخلت على أبي جفعر هو محمد بن على بن الحسن بن على بن أبي طالب وهو محموم، وقد كشف عن فخذيه، وذكر الخبر *
فهؤلاء أبو بكر بحضرة أهل الموسم وثابت بن قيس وأنس وغيرهم.
وهو قول ابن أبي ذئب وسفيان الثوري وأبي سليمان.
وبه نأخذ * وأما المرأة فان الله تعالى يقول: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) إلى قوله (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن).
فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب، وهذا نص على ستر العورة والعنق والصدر، وفيه نص على إباحة كشف الوجه، لا يمكن غير ذلك أصلا، وهو قوله
__________
(1) هذا الاثر رمز له ابن حجر في تعجيل المنفعة برمز مسند احمد - في ترجمة سعيد ابن عبد الرحمن - ولم أجده فيه.
ورمز له برمز مسند الشافعي في ترجمة جبير بن الحويرث - ووجدته فيه (ص 120) قال: اخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن ابن يربوع عن جبير - وهناك جويبر خطإ - ابن حويرث قال رأيت أبا بكر واقفا على قزح وهو يقول: (يا أيها الناس أسفروا، ثم دفع فكأني أنظر إلى فخذه مما يخرش بعيره بمحجنه).
وخرش البعير - من باب ضرب - بالمحجن ضربه بطرفه في عرض رقبته أو في جلده حتى يحت عنه وبره، وخرشت البعير إذا اجذبته اليك بالمخراش وهو المحجن.
والخرف بالخاء المعجمة وربما جاء بالحاء المهملة.
*(3/216)
تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) نص على ان الرجلين والساقين مما يخفى ولا يحل إبداؤه * وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد ثنا عيسى ابن يونس ثنا هشام عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والاضحى: العواتق والحيض
وذوات الخدور.
قالت: قلت، يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: لتلبسها أختها من جلبابها) (1) * قال علي: وهذا أمر بلبسهن (2) الجلابيب للصلاة.
والجلباب في لغة العرب التي خاطبنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما غطى جميع الجسم لا بعضه فصحح (3) ما قلناه نصا * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى.
هو ابن سعيد القطان.
عن سفيان.
هو الثوري اخبرني عبد الرحمن بن عابس قال: سمعت ابن عباس يذكر: (أنه شهد العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه عليه السلام خطب بعد أن صلى، ثم أتي النساء ومعه بلال، فوعظهن وذكرهن وأمرهن أن يتصدقن، فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال (4) فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أيديهن، فصح ان اليد من المرأة والوجه ليساعورة، وما عداهما ففرض عليها ستره *
__________
(1) في مسلم (ج 1 ص 242) (2) في الاصل (بلساهن) وهو غير مفهوم، والظاهر ما صححناه إليه (3) كذا في الاصل ولعله (فصح) (4) هذا الحديث رواه البخاري في خمسة عشر موضعا من صحيحه.
ولم أره فيه بهذا الاسناد فلعله رواه أيضا به في موضع آخر غيرها *(3/217)
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب ثنا سليمان ابن سيف (1) ثنا يعقوب بن ابراهيم بن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ثنا أبي عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب: أن سليمان بن يسار اخبره ان ابن عباس أخبره: (ان امراة من خثعم استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، والفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم) وذكر الحديث،
وفيه: (فأخذ الفضل يلتفت إليها، وكانت امرأة حسناء، واخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحول وجه الفضل من الشق الآخر (2) فلو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها عليه السلام على كشفه بحضرة الناس، ولامرها أن تسبل عليه من فوق، ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء؟ فصح كل ما قلناه يقينا.
والحمد لله كثيرا * وأما الفرق بين الحرة والامة فدين الله تعالى واحد، والخلقة والطبيعة واحدة، كل ذلك في الحرائر والاماء سواء، حتى يأتي نص في الفرق بينهما في شئ.
فيوقف عنده * فان قيل: ان قول الله تعالى: (ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن، أو آبائهن) الآية: يدل على أنه تعالى أراد الحرائر فقلنا: هذا هو الكذب بلا شك، لان البعل في لغة العرب السيد والزوج، وأيضا فالامة قد تتزوج، وما علمنا قط أن الاماء لا يكون لهن أبناء وآباء وأخوال وأعمام، كما للحرائر * وقد ذهب بعض من وهل في قول الله تعالى: (يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين) إلى أنه إنما أمر الله تعالى بذلك لان الفساق كانوا يتعرضون للنساء للفسق، فامر الحرائر بان يلبسن
__________
(1) في النسائي (ج 2 ص 5) (أخبرنا أبو داود) وهو هو، لان سليمان بن سيف يكنى أبا داود (2) لفظ النسائي (وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل فحول وجهه من الشق الآخر) *(3/218)
الجلابيب ليعرف الفساق أنهن حرائر فلا يتعرضوهن * قال على: ونحن نبرأ من هذا التفسير الفاسد الذى هو إما زلة عالم ووهلة فاضل عاقل، أو افتراء كاذب فاسق لان فيه ان الله تعالى اطلق
الفساق على أعراض إماء المسلمين، وهذه مصيبة الابد، وما اختلف اثنان من أهل الاسلام في أن تحريم الزنا بالحرة كتحريمه بالامة، وأن الحد على الزاني بالحرة كالحد على الزاني بالامة ولا فرق، وأن تعرض الحرة في التحريم كتعرض الامة ولا فرق.
ولهذا وشبهه وجب أن لا يقبل قول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأن يسنده إليه عليه السلام * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا ابن الاعرابي ثنا محمد ابن الجارود القطان (1) ثنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن زيد ثنا قتادة عن محمد ابن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) (2) * قال علي: وروينا من طريق مالك عن محمد بن أبي بكر عن أمه (3):
__________
(1) ابن الجارود هذا غير صاحب كتاب (المنتقى) المطبوع في الهند، ذاك اسمه (عبد الله بن على بن الجارود) (2) رواه ايضا أبو داود (ج 1 ص 244) والحاكم (ج 1 ص 251) والبيهقي (ج 2 ص 233) من طريق حجاج بن المنهال، ورواه الترمذي (ج 1 ص 76) من طريق قبيصة، ورواه ابن الجارود - عبد الله بن على - (ص 91) من طريق ابى النعمان وأبى الوليد، ورواه البيهقى من طريق أبى الوليد -: كلهم عن حماد بن سلمة عن قتادة.
وحسنه الترمذي وصححه الحاكم على شرط مسلم، وأشار أبو داود إلى تعليله برواية سعيد بن أبى عروبة اياه عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما هذه بعلة.
والحديث صحيح (3) كذا في الاصل، وهو خطأ يخالف ما في الموطأ (ص 50) وصوابه (مالك عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه) وهو محمد ابن زيد بن المهاجر بن قنفذ، وأمه هي (أم حرام) لها ترجمة في التهذيب ونقل عنها هذا الاثر وكذلك رواه البيهقى (ج 2 ص 232 و 233) من طريق مالك وعبد الرحمن(3/219)
انها سألت أم سلمة أم المؤمنين: في كم تصلى المرأة؟ قالت: في الدرع السابغ الذي يواري ظهور قدميها وفى الخمار * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن أم ثور عن زوجها بشر (1) قال قلت لابن عباس: في كم تصلى المرأة من الثياب؟ قال: في درع وخمار * ومن طريق عبد الرزاق عن الاوزاعي عن مكحول عمن سأل عائشة أم المؤمنين: في كم تصلى المرأة من الثياب؟ فقالت له: سل علي بن أبي طالب ثم ارجع إلى فأخبرني، فأتي عليا فسأله، فقال: في الخمار والدرع السابغ، فرجع إلى عائشة فأخبرها، فقالت: صدق * ومن طريق محمد بن المثنى ثنا عبد الله بن إدريس أنا قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه (2): أن جارية (3) كانت تخرج على عهد عائشة بعد ما تحرك ثدياها، فقيل لعائشة في ذلك، فقالت: انها لم تحض بعد * فمن ادعى انهم رضى الله عنهم أرادوا الحرائر دون الاماء كان كاذبا ولم يكن بينه فرق وبين من قال: بل ما أرادوا إلا القرشيات خاصة، أو المضريات خاصة، أو العربيات خاصة! وكل ذلك كذب * ومن طريق ابن المثني ثنا ابن فضيل ثنا خصيف (4) سمعت مجاهدا يقول: أيما امرأة صلت ولم تغط شعرها لم يقبل الله لها صلاة *
__________
ابن عبد الله (1) لم أجد لبشر ولا لامرأته ترجمة الا قول ابن سعد (ج 8 ص 365) (أم ثور: روى عنها جابر الجعفي، وروت عن زوجها بشر أنه سأل ابن عباس: في كم تصلى المرأة (2) أبو ظبيان - بفتح الظاء المشالة - هو حصين بن جندب الجنبى - بفتح الجيم واسكان النون نسبة إلى جنب - (3) في الاصل (حارثة) بالحاء المهملة والثاء المثلثة.
وهو تصحيف، وما وجدنا في التراجم من تسمى هكذا، ولم نر هذا الاسم في اسماء
النساء بل هو من أسماء الرجال (4) بضم الخاء المعجمة - وفتح الصاد المهملة وهو ابن عبد الرحمن الجزرى وهو ثقة كثير الوهم والخطأ.
رحمه الله *(3/220)
ومن طريق ابن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء قال: تقنع الامة رأسها في الصلاة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن سليمان بن موسى قال: إذا حاضت المرأة لم تقبل لها صلاة حتى تختمر وتوارى رأسها * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: إذا صلت الامة غطت رأسها وغيبته بخرقة أو خمار، كذلك كن (1) يضعن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان الحسن يأمر الامة إذا تزوجت عبدا أو حرا أن تختمر * قال علي: لم يخف علينا ما روى عن عمر رضى الله عنه في خلاف هذا وعن غيره، ولكن لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا تنازع السلف رضى الله عنهم وجب الرد إلى ما افترض الله تعالى الرد إليه، من القرآن والسنة، وليس في القرآن ولا في السنة فرق في الصلاة بين حرة ولا أمة، والعجب أنهم لا يبالون بخلاف عمر رضى الله عنه حيث لا يحل خلافه، وحيث لا مخالف له من الصحابة رضى الله عنهم وحيث معه القرآن والسنة: إذا خالفه رأى أبى حنيفة ومالك والشافعي، كقضائه في الارنب يقتلها المحرم بعناق، وفى الضب بجدي، وكقوله: كل نكاح فاسد فلا صداق فيه، وقوله بالمسح على العمامة، إلى مئين من القضايا! فإذا وافق ما روى عنه راى أبي حنيفة ومالك والشافعي صار حينئذ حجة لا يجوز مخالفته وان خالفه غيره من الصحابة، وان خالفوا القرآن والسنة في ذلك! مع أن الذي عن
عمر في ذلك إنما هو في خروجهن لا في الصلاة، فبطل تمويههم بعمر * وقد روى عن مالك: ان صلت أم الولد بلا خمار أعادت في الوقت وقد روينا عن ابن عباس في: (ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها) قال:
__________
(1) في الاصل (كان) وهو خطأ(3/221)
الكف والخاتم والوجه.
وعن ابن عمر: الوجه والكفان.
وعن انس الكف والخاتم.
وكل هذا عنهم في غاية الصحة.
وكذلك أيضا عن عائشة وغيرها من التابعين * قال علي: فان قالوا: قد جاء الفرق في الحدود بين الحرة والامة.
قلنا: نعم، وبين الحر والعبد، فلم ساويتم بين الحر والعبد فيما هو منهما عورة في الصلاة، وفرقتم بين الحرة والامة فيما هو منهما عورة في الصلاة؟ وقد صح الاجماع والنص على وجوب الصلاة على الامة كوجوبها على الحرة في جميع أحكامها، من الطهارة والقبلة وعدد الركوع وغير ذلك؟! فمن أين وقع لكم الفرق بينهما في العورة؟! وهم أصحاب قياس بزعمهم! وهذا مقدار قياسهم الذي لا شئ أسقط منه ولا أشد تخاذلا! فلا النص اتبعوا ولا القياس عرفوا! وبالله تعالى التوفيق * قال علي: فان قيل: فلم فرقتم أنتم بين من اضطر المرء إليه بعدم أو اكراه في الصلاة مكشوف العورة وفي مكان فيه ما افترض عليه اجتنابه أو في ثيابه أو في جسده فأجزتم صلاته كذلك: وبين صلاته كذلك ناسيا فلم يجيزوها؟ * قلنا: نعم فان النصوص قد جاءت بأن كل ما نسيه المرء من أعمال صلاته فانه لا تجزئه صلاته دونها، وأنه لابد له من إتيانها، كمن نسى
الطهارة أو التكبير أو القيام أو السجود أو الركوع أو الجلوس، ولا خلاف في أن من نسى فعوض القعود مكان القيام في الصلاة، أو القيام مكان القعود، أو الركوع مكان السجود: فانه لا يجزئه ذلك، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسى صلاة أو نام عنها أن يصليها، وبعض الصلاة صلاة بلا خلاف، فمن لم يأت بها كما أمر ناسيا فقد نسى من صلاته جزءا وأتي بما ليس صلاة، إذ صلى بخلاف ما أمر، فمن ههنا أوجبنا على(3/222)
الناسي أن يأتي بما نسى كما أمر، وأجزنا صلاته كذلك في الاكراه بغلبة أو عدم، للنصوص الواردة بجواز كل ما ذكرنا في عدم القوة * فان قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل في الصلاة فأتاه جبريل عليه السلام فاعلمه ان في نعليه قذرا فخلعهما وتمادى في صلاته.
قلنا: نعم، وإنما حرم ذلك عليه حين أخبره جبريل عليه السلام، لا قبل ذلك، فكان ابتداؤه الصلاة كذلك جائزا، وقال عليه السلام في آخر ذلك الحديث إذ سلم كلاما معناه: (إذا جاء أحدكم إلى الصلاة فلينظر نعليه.
أو قال خفيه.
فان رأى فيها شيئا فليحكه وليصل فيهما) وكان هذا الحكم واردا بعد تلك الصلاة، فمن صلى ولم يتأمل نعليه أو خفيه وكان فيهما أذى فقد صلى بخلاف ما امر به.
وبالله تعالى التوفيق * وقال أبو حنيفة: العورة تختلف، فهى من الرجال مابين السرة إلى الركبة والركبة عورة، والسرة ليست عورة.
وهى من الحرة جميع جسدها، حاشا الوجه والكفين والقدمين.
وهى من الامة كالرجل سواء سواء، فتصلى الامة وأم الولد والمدبرة عندهم عريانة الرأس والجسد كله، حاشا مئزرا يستر ما بين سرتها وركبتها فقط، لا كراهة عندهم في ذلك.
قال: وأحكام
العورات تختلف، فإذا انكشف من الرجل أكثر من قدر الدرهم البغلى من ذكره أو من المرأة من فرجها في حال استقبالهما الافتتاح للصلاة، أوفي حال استقبالهما الركوع، أو في حال استقبالهما القيام: بطلت صلاتهما فان انكشف هذا المقدار من ذكره أو من فرجها في حال القيام أو في حال الركوع أو في حال السجود، فسترا ذلك حين انكشافه: لم يضر ذلك صلاتهما شيئا، فان انكشف من ذكره أو من فرجها في كل ما ذكرنا قدر الدرهم البغلى فاقل لم يضر ذلك صلاتهما شيئا طال ذلك أم قصر.
فان انكشف من فخذ الرجل أو الامة أو الحرة أو مقاعدهما أو وركيهما أو(3/223)
من جميع أعضاء الحرة الصدر أو البطن أو الظهر أو الشعر أو العنق مقدار ربع العضو فأكثر: بطلت الصلاة عند أبي حنيفة ومحمد.
فان انكشف من كل ذلك أقل من الربع لم يضر الصلاة شيئا * وقال أبو يوسف: لا تبطل الصلاة إلا أن ينكشف مما عدا الفرج أكثر من نصف العضو * قال أبو حنيفة: فان اعتقت أمة في الصلاة فانها تأخذ قناعها وتستتر، وتبنى على ما مضى من صلاتها.
فان بدأ الرجل الصلاة عريانا لضرورة ثم وجد ثوبا فان صلاته تبطل، ويلزمه أن يبتدئها ولابد، وسواء كان وجوده الثوب في أول صلاته أو في آخرها، ولو قعد مقدار التشهد، ما لم يسلم.
هذا مع قوله: إن المصلى إذا قعد مقدار التشهد ثم أحدث عامدا أو ناسيا فقد تمت صلاته ولا شئ عليه، فصار وجود الثوب أعظم عنده من البول أو الغائط! * قال: فلو زحم المأموم حتي وقع ازاره وبدا فرجه كله فبقى واقفا كما هو
حتى تمت صلاة الامام: فصلاة ذلك المأموم تامة، فلو ركع بركوع الامام أو سجد بسجوده بطلت صلاته * قال علي: فهل لهذه الاقوال دواء أو معارضة إلا حمد الله تعالى على السلامة منها؟!! وهل يحصى ما فيها من التخليط إلا بكلفة؟! * وقال مالك: الامة عورة كالحرة، حاشا شعرها فقط، فليس عورة، فان انكشف شعر الحرة أو صدرها أو ساقها في الصلاة لم تعد إلا في الوقت * قال علي: ولا ندري قوله في الفرج، وما نراه يرى الاعادة من ذلك إلا في الوقت، وقد تقدم افسادنا لقوله بالاعادة في الوقت فيما سلف من كتابنا هذا، فأغنى عن إعادته، ولا فرق عنده بين نسيان وعمد في ذلك * وقال الشافعي: إن انكشف من عورة الرجل وهى مابين سرته(3/224)
إلى ركبته أو عورة المرأة وهو جميع جسد الحرة والامة حاشا شعر الامة ووجهها ووجه الحرة وكفيها وكفى الامة (1): شئ قل أو كثر، فان ستر في الوقت لم يضر شيئا والصلاة تامة، وان بقى مقدار ما، قل أو كثر ولم يغط بطلت الصلاة، النسيان والعمد سواء * قال علي: وهذا تقسيم لا دليل عليه * وقال أبو سليمان النسيان في ذلك مرفوع، فان انكشف شئ من العورة عمدا بطلت الصلاة * 350 مسألة والعراة بعطب أو سلب أو فقر يصلون كما هم في جماعة في صف خلف إمامهم، يركعون ويسجدون ويقومون، ويغضون أبصارهم، ومن تعمد في صلاته تأمل عورة رجل أو امرأة محرمة عليه بطلت صلاته، فان تأملها ناسيا لم تبطل صلاته ولزمه سجود السهو، فان
تأمل عورة امرأته فان ترك الاقبال على صلاته عامدا لذلك بطلت صلاته، كما لو فعل ذلك لسائر الاشياء ولا فرق، وان لم يترك لذلك الاقبال على صلاته فصلاته تامة ولا شئ عليه * برهان ذلك قول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقوله: تعالى (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) فإذ هم غير مكلفين ما لا يقدرون عليه من ستر العورة فهم مخاطبون بالصلاة كما يقدرون، وبالامامة فيها في جماعة، فسقط عنهم ما لا يقدرون عليه وما ليس في وسعهم، وبقى عليهم ما يستطيعون عليه، (2) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) * وأما من تأمل في صلاته عورة لا يحل له النظر إليها فان صلاته تبطل
__________
(1) في الاصل (وكفى الحرة) وهو خطأ واضح (2) هذه الزيادة من رقم (45) *(3/225)
لانه عمل فيها عملا لا يحل له، فلم يصل كما أمر، ومن لم يصل كما أمر فلم يأت بالصلاة التى أمره الله تعالى بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) * فان فعل ذلك ناسيا فعليه سجود السهو، لانه زاد في صلاته نسيانا ما لو عمده لبطلت صلاته * وأما إذا تأمل عورة أبيح له النظر إليها فهى من جملة الاشياء التي لابد له من وقوع النظر على بعضها في الصلاة، ولافرق بين مباح ومباح، فان اشتغل بشئ من ذلك كله عن صلاته عمدا فقد عصى الله تعالى ولم يصل كما أمر.
وبالله تعالى التوفيق * وقال أبو حنيفة:! يصلى العراة فرادى قعودا يومؤن للسجود والركوع
فان صلوا جماعة أجزأهم إلا أنهم يقعدون ويقعد الامام في وسطهم، وقال بعض العلماء بقوله.
أنهم إن صلوا قياما أجزأهم عند أبي حنيفة وأصحابه * وقال مالك: يصلون فرادى، يتباعد بعضهم عن بعض قياما، فان كانوا في ليل مظلم صلوا في جماعة قياما، يقف إمامهم أمامهم * وقال الشافعي: يصلى العراة فرادى أو جماعة قياما يركعون ويسجدون، ويقوم إمامهم وسطهم، ويغضون أبصارهم، ويصرف الرجال وجوههم عن النساء، والنساء وجوههن عن الرجال، ولا إعادة على أحد منهم * وقال زفر بن الهذيل: يصلون قياما يركعون ويسجدون ولا يجزيهم غير ذلك.
وقال أبو سليمان كقولنا * قال علي: قول أبي حنيفة ومالك والشافعي خطأ لانها أقوال لم تخل من إسقاط أن يصلوا جماعة وهذا لا يجوز، أو من إسقاط القيام والركوع والسجود، وهذا باطل، أو من إسقاط حق الامام في تقدمه، وهذا لا يجوز، وغض البصر يسقط كل ما شغبوا به في هذه الفتيا، وقول(3/226)
أبي حنيفة أكثرها تناقضا.
والعجب أنهم بكل ذلك لا يوارون جميع عوراتهم من الافخاذ وغيرها! فكيف والنص قد ورد بما قلنا * حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد ابن شاذان ثنا زكريا بن عدى ثنا عبيدالله بن عمرو هو الرقي - عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا معشر النساء، إذا سجدتن فاحفظوا أبصاركم، لا ترين عورات الرجال، من ضيق الازر) * قال علي: هكذا في كتابي عن حمام، وبالله ما لحن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولولا أن ممكنا أن يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء، ومن معهن من صغار أولادهن لما كتبناه إلا (فاخفضن أبصاركن (1) فهذا نص على أن الفقراء من الصحابة رضى الله عنهم كانوا يصلون بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه، وليس معهم من اللباس ما يواري عورتهم، ولا يتركون القعود ولا الركوع ولا السجود، إلا أن الامر بغض البصر لازم في كل ذلك.
وبالله تعالى التوفيق * 351 مسألة واستقبال جهة الكعبة بالوجه والجسد فرض على المصلى حاشا المتطوع راكبا، فمن كان مغلوبا بمرض أو بجهد أو بخوف أو باكراه فتجزيه صلاته كما يقدر، وينوى في كل ذلك التوجه إلى الكعبة *
__________
(1) حديث أبى سعيد رواه احمد في المسند (ج 3 ص 16) (حدثنا يحيى بن آدم ثنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن المسيب عن ابى سعيد الخدرى قال قال رسول الله: خير صفوف الرجال الصف المقدم وشرها الصف المؤخر) وخير صفوف النساء المؤخر وشرها المقدم وقال يا معشر النساء لا ترفعن رؤسكن إذا سجدتن لا ترين عورات الرجال من ضيق الازر).
ونسبه في مجمع الزوائد لابي يعلى أيضا.
ونسب ابن حجر في الفتح (ج 1 ص 399) معنى القسم الاخير منه إلى احمد وابى داود من حديث اسماء بنت ابى بكر.
وروى نحوه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد *(3/227)
برهان ذلك قوله تعالى: (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره)، والمسجد الحرام في المبدإ انما هو البيت فقط، ثم زيد فيه الشئ بعد الشئ، ولا خلاف بين أحد من الامة في أن امرءا لو كان بمكة بحيث يقدر على استقبال الكعبة في صلاته فصرف وجهه عامدا عنها إلى أبعاض المسجد الحرام من خارجه أو من داخله فان
صلاته باطل، وأنه إن استجاز ذلك كافر.
وقد ذكرنا التطوع على الدابة قبل * وأما المريض والجاهل والخائف والمكره فان الله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بامر فأتوا منه ما استطعتم) * 352 مسألة ويلزم الجاهل أن يصدق في جهة القبلة من أخبره من أهل المعرفة إذا كان يعرفه بالصدق، لان هذا أمر لا سبيل لمن غاب عن موضع القبلة إلى معرفة جهتها إلا بالخبر ولا يمكن غير ذلك، نعم، ومن كان حاضرا فيها فانه لا يعرف أن هذه هي الكعبة إلا بالخبر ولابد، وهذا من الشريعة التي قد ذكرنا البرهان على وجوب قبول خبر الواحد العدل فيها * 353 مسألة فمن صلى إلى غير القبلة ممن يقدر على معرفة جهتها عامدا أو ناسيا بطلت صلاته، ويعيد ما كان في الوقت، ان كان عامدا، ويعيد أبدا ان كان ناسيا * برهان ذلك أن هذين مخاطبان بالتوجه إلى المسجد الحرام في الصلاة، فصليا بخلاف ما أمرا به، ولا يجزئ ما نهى الله تعالى عنه عما أمر عزوجل به، فقد ذكرنا الحجة في أمر الناسي قبل * فان ذكر ذاكر حديث أهل قباء رضى الله عنهم وأنهم ابتدؤا الصلاة إلى بيت المقدس فأتاهم الخبر بان القبلة قد حولت إلى الكعبة فاستداروا(3/228)
كما كانوا في صلاتهم إلى الكعبة واجتزؤا بما صلوا إلى بيت المقدس من تلك الصلاة بعينها * قلنا: هذا خبر صحيح، ولا حجة فيه علينا، ولا نخالفه ولله الحمد *
أول ذلك: أنه ليس فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ذلك فأقره، ولا حجة الا في القرآن أو في كلامه عليه السلام أو في عمله أو فيما علم عليه السلام من عمل غيره فلم ينكره * وإنما العجب من المالكيين الذين يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم، ثم قد خالفوا ههنا عمل طائفة عظيمة من الصحابة رضى الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف! * قال على: أهل قباء رضى الله عنهم كان الفرض عليهم أن يصلوا إلى بيت المقدس، فلو أنهم صلوا إلى الكعبة لبطلت صلاتهم بلا خلاف، ولا تلزم الشريعة إلا من بلغته، لا من لم تبلغه، قال الله تعالى: (لانذركم به ومن بلغ) ولا شك عند أحد من الجن والانس ولا الملائكة أن من كان من المسلمين بأرض الحبشة أو بمكة من المستضعفين فانهم تمادوا على الصلاة إلى بيت المقدس مدة طويلة، أما أهل مكة فأياما كثيرة بعد نزول تحويل القبلة، وأما من بالحبشة فلعلهم صلوا عاما أو أعواما حتى بلغهم تحويل القبلة، فحينئذ لزمهم الفرض، لا قبل ذلك، فانما لزم أهل قباء التحول حين بلغهم لا قبل ذلك فانتقلوا عن فرضهم إلى فرض ناسخ لما كانوا عليه، وهذا هو الحق الذي لا يحل لاحد غيره * وأما من بلغه فرض تحويل الكعبة وعلمه وكان مخاطبا به ولم يسقط تكليفه عنه لعذر مانع: فلم يصل كما أمر، ومن لم يصل كما أمر فلم يصل، لانه لا يجزئ ما نهى الله عنه عما أمر الله تعالى به * وقال أبو حنيفة: من صلى في غير مكة إلى غير القبلة مجتهدا ولم يعلم إلا(3/229)
بعد أن اسلم أجزأته صلاته.
فان صلى في ظلمة متحريا ولم يسأل من
بحضرته، ثم علم أنه صلى إلى غير القبلة أعاد.
وهو فرق فاسد، لان التحري نوع من الاجتهاد * وقال مالك: من علم أنه صلى إلى غير القبلة، فان كان مستدبرا لها اعاد وان كان في الصلاة قطع وابتدأ.
وان كان منحرفا إلى شرق أو غرب لم يعد وبنى على ما صلى وانحرف.
وهذا فرق فاسد، لانه لا فرق عند أحد من الامة في تعمد الانحراف عن القبلة أنه مبطل الصلاة، وكبيرة من الكبائر كالاستدبار لها ولا فرق.
وأهل قباء كانوا مستدبرين إلى القبلة.
ولا نعلم هذا التفريق الذي فرقه أبو حنيفة ومالك عن أحد قبلهما * وقال الشافعي: من خفيت عليه الدلائل والمحبوس في الظلمة والاعمى الذي لا دليل له: يصلون إلى أي جهة أمكنهم، ويعيدون إذا قدروا على معرفة القبلة * قال على: وهذا خطأ لانه إذا أمره بالصلاة لا يخلو من أن يكون أمرهم بصلاة تجزئ عنهم كما أمرهم الله بها، أو أمرهم بصلاة لا تجزئ عنهم ولا أمرهم الله تعالى بها، ولا سبيل إلى قسم ثالث.
فان كان أمرهم بصلاة تجزئ عنهم وبالتي أمرهم الله تعالى بها فلاى معنى يصلونها ثانية؟! وان كان أمرهم بصلاة لا تجزئ عنهم ولا أمرهم الله تعالى بها فهذا أمر فاسد، ولا يحل لآمره الامر به، ولا للمأمور به الائتمار به * وقال أبو سليمان: تجزئهم على كل حال، ويبنون إذا عرفوا وهم في الصلاة، وقد ذكرنا الفرق آنفا * فان قال قائل: قد روى عن عبد الله بن عامر بن ربيعة (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة؟ فصلى كل رجل منا حياله، فأصبحنا، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى (فأينما تولوا(3/230)
فثم وجه الله) * وعن عطاء عن جابر بن عبد الله (كنا في سرية فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فذكر أنهم خطوا خطوطهم في جهات اختلافهم فلما أصبحوا أصبنا تلك الخطوط لغير القبلة، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (فاينما تولو فثم وجه الله) * فان هذين الخبرين لا يصحان، لان حديث عبد الله بن عامر لم يروه إلا عاصم بن عبيدالله، ولم يرو حديث جابر إلا عبد الملك بن أبي سليمان العرزمى عن عطاء، وعاصم وعبد الملك ساقطان (1) ثم لو صحا لكانا حجة لنا، لان هؤلاء جهلوا القبلة، وصلاة الجاهل تامة، وليس الناسي كذلك وبالله تعالى التوفيق * 354 مسألة والنية في الصلاة فرض.
ان كانت فريضة نواها باسمها والى الكعبة في نفسه قبل إحرامه بالتكبير متصلة بنية الاحرام) لا فصل بينهما أصلا.
وإن كانت تطوعا نوى كذلك أنها تطوع فمن لم ينو كذلك فلا صلاة له * برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) وقد ذكرناه باسناده قبل.
وقول الله تعالى: (وما أمروا إلا
__________
(1) أما حديث عبد الله بن عامر فقد وقع للمؤلف كذلك خطأ، وهو حديث ابيه عامر ابن ربيعة، لان عبد الله تابعي ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ورآه وما سمع منه حرفا.
والحديث رواه الطيالسي (ص 156 رقم 1145) والترمذي وضعفه (ج 1 ص 70) وابن ماجه (ج 1 ص 165) والطبري في التفسير باسنادين (ج 1 ص 401) والدار قطني (ص 101 والبيهقي (ج 2 ص 11) كلهم من طريق عاصم بن عبيدالله بن عبد الله بن عامر بن ربيعة، وعاصم
ضعيف جدا مضطرب الحديث.
واما حديث جابر فرواه الدارقطني والبيهقي، ورواه الحاكم في المستدرك (ج 1 ص 206) وصححه، وخطأه الذهبي في ذلك في مختصره.
وقال البيهقى (ج 2 ص 12) (لم نعلم لهذا الحديث اسنادا صحيحا قويا) وهو كما قال *(3/231)
ليعبدوا الله مخلصين له الدين) والصلاة عبادة لله تعالى، ولو جاز أن يفصل بين النية وبين الدخول في الصلاة بمدة يسيرة ولو دقيقة أو قدر اللحظة لجاز بمثل ذلك وبأكثر، حتي يجوز الفصل بينهما بسنة أو سنتين، وهذا باطل أو يحد المخالف حدا برأيه لم يأذن به الله تعالى، ولو جاز أن تكون النية مع التكبير غير متقدمة عليه لكان أول جزء من الدخول فيها بلا نية لان معنى النية القصد إلى العمل، والقصد إلى العمل بالارادة متقدم للعمل * وقال مالك: يجوز تقديم النية قبل الدخول في الصلاة.
ولا بد لمن قال بهذا من تحديد مقدار مدة التقدم الذي تجوز به الصلاة، والذي تبطل به الصلاة وإلا فهم على عمى في ذلك * وقال الشافعي: لا تجزئ النية إلا مخالطة للتكبير، لا قبله ولا بعده، وهذا خطأ لما ذكرناه.
والذي قلناه هو قول داود وأبي حنيفة.
إلا أن أبا حنيفة لم يجز الصلاة إلا بنية لها، وأجاز الوضوء لها بلا نية.
وهذا تناقض * 335 مسألة فان انصرفت نيته في الصلاة ناسيا إلى غيرها أو إلى تطوع أو إلى خروج عن الصلاة ألغى ما عمل من فروض صلاته كذلك، وبنى على ما عمل بالنية الصحيحة واجزأه، ثم سجد للسهو.
فان لم يكن ذلك منه إلا في عمل من صلاته لو تركه لم تبطل بتركه الصلاة (1) لم يلزمه إلا سجود السهو فقط، لانه قد وفى جميع الاعمال التي أمر بها في الصلاة كما أمره الله تعالى، إلا أنه زاد في صلاته ناسيا عملا لو زاده عمدا بطلت صلاته، وفي
هذا يجب سجود السهو * 356 مسألة وللاحرام بالتكبير فرض لا تجزئ الصلاة إلا به * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد هو القطان عن عبيدالله هو
__________
(1) في الاصلين (للصلاة) وهو خطأ(3/232)
ابن عمر حدثنى سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى) فذكر الحديث وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ارجع فصل فانك لم تصل، ثلات مرات، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فكبر) (1) فقد أمر بتكبير الاحرام، فمن تركه فلم يصل كما أمر، ومن لم يصل كما أمر فلم يصل، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم * وبايجاب التكبير للاحرام يقول مالك والشافعي.
وأحمد.
وداود.
وقال أبو حنيفة: يجزئ عن التكبير ذكر الله تعالى كيف ذكر، مثل (الله أعظم) ونحو ذلك، وأجازوا ذلك أيضا في الاذان، ولم يجيزوا الصلاة إذا افتتحت ب (ألله أعلم) وهذا تخليط وهدم للاسلام، وشرائع جديدة فاسدة * قال علي: واحتج مقلدوه في ذلك بقول الله تعالى: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) * قال علي: ليس في هذه الآية عمل الصلاة وصفتها (2)، والحديث المذكور فيه عمل الصلاة التي لا تجزئ إلا به، فلا يعترض بالآية عليه، بل في الآية دليل أن ذلك الذكر لاسم الله تعالى هو غير الصلاة، لانه تعالى قال (فصلى) فعطف الصلاة على ذكر اسمه، فصح أنه قبل الصلاة، مثل قوله تعالى: (أقم الصلاة لذكرى) فهذا الذكر لاسم
الله تعالى هو القصد إليه تعالى بالنية في أدائها له عزوجل * 357 مسألة ويجزئ في التكبير الله أكبر والله الاكبر والاكبر الله والكبير الله والله الكبير والرحمن أكبر وأى اسم من أسماء الله تعالى ذكر بالتكبير، ولا يجزئ غير هذه الالفاظ، لان النبي صلى الله عليه وسلم قال (فكبر) وكل هذا تكبير، ولا يقع على غير هذا لفظ التكبير، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وداود * وقال مالك: لا يجزئ إلا (الله أكبر) وهذا تخصيص للتكبير بلا برهان *
__________
(1) الحديث في البخاري (ج 1 ص 314 - و 315) مطولا (2) في نسخة (وصفته) *(3/233)
وقد ادعى بعضهم أن في الحديث (إذا قمت إلى الصلاة فقل الله أكبر (1) * قال علي: وهذا باطل ما عرف قط، ولو وجدناه صحيحا لقلنا به * فان قالوا: بهذا جرى عمل الناس، قلنا لهم: ما جرى عمل الناس إلا بترتيب الوضوء كما في الآية، وأنتم تجيزون تنكيسه، وما جرى عمل الناس قط في الوضوء الا بالاستنشاق والاستنثار مع صحته (2) من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنتم تقولون: من تركها فوضوؤه تام وصلاته تامة.
وما جرى عمل الناس قط إلا بقراءة سورة مع أم القرآن في الصبح والاوليين من الصلوات البواقي، وانتم تقولون: ان ترك السورة فصلاته تامة.
وما جرى عمل الامة إلا برفع اليدين مع تكبيرة الاحرام، وأنتم تقولون: ان لم يرفع يديه فصلاته تامه.
فترى العمل إنما يكون حجة إذا شئتم، لا إذا لم تشاؤا؟! ومثل هذا كثير جدا.
وبالله تعالى التوفيق * 358 مسألة ورفع اليدين للتكبير مع الاحرام في أول الصلاة فرض لا تجرئ الصلاة الا به * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري
ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي ثنا أيوب هو السختياني عن أبى قلابة ثنا مالك بن الحويرث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ولمن معه: (صلوا كما رأيتموني أصلي) (3) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل الجحدري ثنا أبو عوانة عن قتادة عن نصر ابن عاصم عن مالك بن الحويرث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع
__________
(1) أما بدون برهان فلا، فان التواتر العملي من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم انما جاء فيه التكبير للافتتاح بلفظ (الله أكبر) وهو مبين للامر بالتكبير، وليس بعده بيان ومع هذا فقد روى الطبراني في الكبير بلفظ (لا تتم صلا لاحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه ثم يقول الله أكبر) قال في مجمع الزوائد (ورجاله رجال الصحيح) (2) في نسخة (مع صحة عن النبي) وفى الاخرى (مع صحة من أمر النبي) وكلاهما خطأ في حذف الضمير المضاف إلى (صحة) (3) هو في البخاري مطول (ج 1 ص 258) *(3/234)
يديه حتى حاذى (1) بهما أذنيه) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا سليمان بن الاشعث ثنا أحمد بن حنبل ثنا سفيان هو ابن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه) وذكر الحديث * فان قيل: فهلا أوجبتم بهذا الاستدلال نفسه رفع اليدين عند كل رفع وخفض فرضا؟ قلنا لانه قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند كل خفض ورفع، وأنه كان لا يرفع * حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن اسماعيل الصائغ
ثنا زهير بن حرب أبو خيثمة ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن ابن الاسود عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: (ألا أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فرفع يديه في أول تكبيرة ثم لم يعد) (2) * فلما صح أنه عليه السلام كان يرفع في كل خفض ورفع بعد تكبيرة الاحرام ولا يرفع، كان كل ذلك مباحا لا فرضا، وكان لنا أن نصلى كذلك، فان رفعنا صلينا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى، وان لم نرفع فقد صلينا كما كان عليه السلام يصلى * وروينا من طريق عبد الرزاق حدثنى أحمد بن حنبل (3) عن الوليد بن مسلم عن زيد بن واقد سمعت نافعا مولى ابن عمر يقول: كان ابن عمر إذا رأى مصليا لا يرفع يديه في الصلاة حصبه وأمره أن يرفع يديه * قال علي: ما كان ابن عمر ليحصب من ترك ما له تركه *
__________
(1) في مسلم (ج 1 ص 114 - و 115) (حتى يحاذي) وكذلك في كل نسخة (2) رواه أبو داود (ج 1 ص 272) عن عثمان بن ابى شيبة عن وكيع بلفظ (فصلى فلم يرفع يديه الا مرة) ثم قال أبو داود: (هذا حديث مختصر من حديث طويل وليس هو بصحيح على هذا اللفظ) (3) كذا هنا، وعبد الرزاق من شيوخ احمد بن حنبل وقد ذكر ابن حجر في التهذيب في ترجمة احمد ان بعض شيوخه الذى روى عنهم رووا عنه، منهم ابن مهدى والشافعي وعبد الرزاق ووكيع ويحيى بن آدم وغيرهم *(3/235)
وقد روى ايجاب رفع اليدين في الاحرام للصلاة فرضا عن الاوزاعي.
وهو قول بعض من تقدم من أصحابنا * 359 مسألة وقراءة أم القرآن فرض في كل ركعة من كل صلاة اماما كان أو مأموما أو منفردا، والفرض والتطوع سواء، والرجال والنساء سواء: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا على بن عبد الله ثنا سفيان بن عيينة ثنا
الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) (1) * فان قيل: فمن أين أوجبتموها فرضا في كل ركعة * قلنا: لما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيدالله هو ابن عمر ثنا سعيد المقبرى عن أبى هريرة، فذكر حديث الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة، فأخبره أنه لا يحسن غير ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها (2) فوجب بهذا الامر فرضا أن يفعل في باقي صلاته في كل ركعة مثل هذا * 360 مسألة ولا يجوز للمأموم أن يقرأ خلف الامام شيئا غير أم القرآن * لما حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن على الباجي ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد ابن سلم ثنا أبو ثور ابراهيم بن خالد ثنا يزيد بن هرون عن محمد بن اسحق عن مكحول عن محمود ابن الربيع عن عبادة بن الصامت قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، فلما انصرف قال: تقرؤن خلفي؟ قلنا: نعم يا رسول الله هذا، قال: لا تفعلوا إلا بأم الكتاب، فانه لا صلاة الا بها) *
__________
(1) في البخاري (ج 1 ص 302) بلفظ (بفاتحة الكتاب) فلعل المؤلف رواه من حفظه بالمعنى أو عنده رواية أخرى من صحيح البخاري وهو بعيد فيما أرى (2) في البخاري (ج 1 ص 314 و 315) *(3/236)
وممن قال بايجاب أم القرآن كما ذكرنا جماعة من السلف *
روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سليمان الشيباني عن جواب (1) عن يزيد ابن شريك أنه قال لعمر بن الخطاب: أقرأ خلف الامام؟ قال له عمر: نعم، قال: وان قرأت يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم وإن قرأت * وعن الحجاج بن المنهال حدثنا أبو عوانة.
عن ابراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن عباية بن رداد (2) عن عمر بن الخطاب قال: لا تجوز ولا تجزئ صلاة إلا بفاتحة الكتاب وشئ معها، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، أرأيت إن كنت خلف امام أو بين يدى إمام؟ قال: اقرأ في نفسك * وعن أبي عوانة عن سليمان عن خيثمة (3) عن عمر قال: لا تجزئ صلاة أو لا تجوز صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب * ومن طريق وكيع عن عبد الله بن عون عن رجاء بن حيوة عن محمود بن الربيع قال: صليت صلاة والى جنبى عبادة بن الصامت فقرأ فاتحة الكتاب فلما انصرف قلت: أبا الوليد، ألم أسمعك قرأت فاتحة الكتاب؟ قال أجل إنه لا صلاة الا بها * وعن وكيع عن اسماعيل بن أبي خالد عن العيزار (4) بن حريث عن ابن عباس قال: اقرأ خلف الامام فاتحة الكتاب * وعن عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان عن ليث عن عطاء عن ابن عباس قال: لابد أن يقرأ خلف الامام فاتحة الكتاب، جهر أو لم يجهر * وعن عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني نافع: أن ابن عمر لم يكن يدع أن يقرأ أم القرآن
__________
(1) جواب، بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره باء موحدة، وهو ابن عبيد الله التيمى الكوفى.
وفى الاصل (عن جواب بن يريد بن شريك) وهو خطأ بل يزيد شيخ جواب لا أبوه (2) في أحد الاصلين (عباد بن رداد) وفى الآخر (بن يرداد) وكلاهما خطأ والصواب (عباية بن رداد) بفتح الراء وتشديد الدال المهملة وآخره دال مهملة ايضا.
وأثره هذا رواه ابن سعد في الطبقات (ج 6 ص 101) من طريق شعبة عن ابراهيم بن محمد بن المنتشر
(3) (خيثمة هو ابن عبد الرحمن بن ابى سبرة وروايته عن عمر مرسلة، وهو من صغار التابعين (4) العيزار بفتح العين المهملة واسكان الياء المثناة وبعدها زاى وآخره راء *(3/237)
في كل ركعة من المكتوبة.
وعن غيرهم أيضا * وعن أبي هريرة: أقرأ بها في نفسك * وعن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن هرمز الاعرج أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: اقرأ بأم القرآن في كل ركعة، أو يقول في كل صلاة * وعن عروة بن الزبير أيضا * وعن معاذ (1) عن عبد الله بن عون عن رجاء بن حيوة أنه كان يقول: ان كان خلف الامام فجهر أو لم يجهر فلا بد من قراءة فاتحة الكتاب * وعن حجاج بن المنهال ثنا أبو هلال الراسبي (2) قال: سأل جار لنا الحسن، قال: أكون خلف الامام يوم الجمعة فلا أسمع قراءته؟ قال: اقرأ بفاتحة الكتاب: قال له الرجل: وسورة؟ قال: يكفيك ذلك الامام * وعن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: للامام سكتتان فاغتنموا القراءة فيهما بفاتحة الكتاب، حين يكبر الامام إذا دخل في الصلاة، وحين يقول (ولا الضالين) والروايات ههنا تكثر جدا * وقال أبو حنيفة: ليس قراءة أم القرآن فرضا، وان قرأ الامام والمنفرد مثل آية الدين ونحوها ولم يقرأ أم الكتاب أجزأه والقراءة عنده فرض في ركعتين من الصلاة فقط إما الاوليين أو الاخريين، وإما واحدة في الاوليين وواحدة من الاخريين، ولا يقرأ المأموم شيئا أصلا، أجهر الامام أو أسر * وقال مالك: قراءة أم القرآن فرض في جمهور الصلاة على الامام والمنفرد، فان تركاه في ركعة.
فقد اختلف قوله، فمرة رأى أن يلغى الركعة ويأتي بأخرى، ومرة رأى أن يجزئ عنه
سجود السهو.
واجاز للمأموم ان يقرأ خلف الامام أم القرآن وسورة إذا اسر الامام في الاوليين من الظهر والعصر، وبأم القرآن وحدها في كل ركعة يسر فيها من كل صلاة.
واختار له ذلك، ولم ير له ان يقرأ شيئا في كل ركة يجهر فيها الامام *
__________
(1) معاذ هو أبو المثنى معاذ بن معاذ بن نصر التميمي.
وشيخه هو أبو عون عبد الله بن عون ابن ارطبان المزني مات سنة 151 (2) هو محمد بن سليم البصري نزل في بنى راسبة فنسب إليهم.
وهو لا بأس به وفيه ضعف مات سنة 165 *(3/238)
وقال الشافعي في آخر قوليه (1) كقولنا، وهو قول الاوزاعي والليث بن سعد واختلف أصحابنا، فقالت طائفة: فرض على المأموم ان يقرأ أم القرآن في كل ركعة أسر الامام أو جهر وقالت طائفة: هذا فرض عليه فيما اسر فيه الامام خاصة، ولا يقرأ فيما جهر فيه الامام.
ولم يختلفوا في وجوب قراءة ام القرآن فرضا في كل ركعة على الامام والمنفرد * قال علي: احتج من لم ير أم القرآن فرضا بقول الله تعالى (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) وبتعليم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم للذى أمره بالاعادة فقال له (اقرأ ما تيسر معك من القرآن * قال علي: حديث عبادة يبين هذا الخبر الآخر، وأن المراد بايجاب قراءته ما تيسر من القرآن هو أم القرآن فقط.
وكأن من غلب حديث عبادة قد أخذ بالآية وبالاخبار كلها، لان ام القرآن مما تيسر من القرآن.
وكأن من غلب قوله عليه السلام (فاقرأ ما تيسر معك من القرآن) قد خالف حديث عبادة، وأجاز صلاة أبطلها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهذا لا يجوز، لاسيما تقسيم ابي حنيفة بين اجازته قراءة آية طويلة أو ثلاث آيات ومنعه مما دونها، فهذا قول ما حفظ عن أحد قبله، ولا على صحته دليل، وهو خلاف للقرآن ولجميع الآثار.
وله قول آخر: ان ما قرأ من القرآن اجزأه * واحتج من رأى ان لا يقرأ المأموم خلف الامام الجاهر بقول الله تعالى (وإذا قرئ القرآن
فاستمعوا له وأنصتوا) * قال علي: وتمام الآية حجة عليهم، لان الله قال (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين) * قال علي: فان كان اول الآية في الصلاة فآخرها في الصلاة، وان كان آخرها ليس في الصلاة فأولها ليس في الصلاة، وليس فيها الا الامر بالذكر سرا وترك الجهر فقط، وهكذا نقول * وذكروا حديث ابن أكيمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مالى أنازع (2) القرآن) وفيه من قول الزهري: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله صلى الله تعالى
__________
(1) في نسخة (في أحد قوليه) (2) أي اجاذب في قراءته *(3/239)
عليه وسلم من القراءة * وهذا حديث انفرد به ابن أكيمة (1)، وقالوا: هو مجهول، ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة لان الاخبار واجب ان يضم بعضها إلى بعض، وحرام ان يضرب بعضها ببعض، لان كل ما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فهو كله حق يصدق بعضه بعضا، ولا يخالف بعضه بعضا.
فالواجب ان يؤخذ.
كلامه عليه السلام كله بظاهره كما هو، كما قاله عليه السلام، لا يزاد فيه شئ ولا ينقص منه شئ، فلا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ولا ينازع القرآن وهذا نص قولنا ولله الحمد، وما عدا هذا فزيادة في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقصان منه * وذكروا أيضا حديثا صحيحا من طريق ابن عجلان، فيه: (انما جعل الامام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون) * فهذا أول من ينبغي أن يستغفر الله تعالى عند ذكره من مخالفة هذا الحديث
الحنفيون والمالكيون، لانهم مخالفون لاكثر ما فيه، فانهم يرون التكبير إثر تكبير الامام لا معه للاحرام خاصة، ثم يرون سائر التكبير والرفع والخفض مع الامام لا قبله ولا بعده، وهذا خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وفيه (إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا) فخالفوه إلى خبر كاذب لا يصح، والى ظن غير موجود، فمن العجب أن يحتجوا بقضية واحدة من قضاياه لا حجة لهم فيها ويتركون سائر قضاياه التي لا يحل خلافها! * قال علي: وأما نحن فانه عندنا صحيح، وبه كله نأخذ، لان تأليف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وضم بعضه إلى بعض والاخذ بجميعه: فرض لا يحل سواه.
وقد قال عليه السلام: (إذا قرأ الامام فأنصتوا) و (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)
__________
(1) ابن اكيمة الليثى مختلف في اسمه وقيل اسمه عمارة.
وهو تابعي ثقة.
وحديثه رواه مالك في الموطأ (ص 29 - و 30) عن الزهري عن ابن أكيمة عن ابى هريرة.
ورواه ابو داود (ج 1 ص 305) والترمذي (ج 1 ص 64) والنسائي (ج 1 ص 146) كلهم من طريق مالك، وحسنه الترمذي.
وانظر الكلام عليه في شرح أبى داود وفى نيل الاوطار (ج 2 ص 238) *(3/240)
فلا بد في جميع (1) هذه الاوامر من أحد وجهين لا ثالث لهما: إما أن يكون وجه ذلك أن يقول: إذا قرأ فأنصتوا إلا عن أم القرآن كما قلنا نحن، وإما أن يكون وجه ذلك أن يقول: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن إلا إن قرأ الامام كما يقول بعض القائلين، وإما ان يكون وجه ذلك ان يقول: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن إلا ان يجهر الامام كما يقول آخرون * قال علي: فإذ لابد من لاحد هذه الوجوه، فليس بعضها أولى من بعض إلا ببرهان، وأما بدعوى فلا.
فنظرنا في ذلك فوجدنا الحديث الذي قد ذكرناه من قول رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذ انصرف من صلاة الفجر وهى صلاة جهر فقال: (أتقرؤن خلفي؟ قالوا: نعم، هذا يا رسول الله، قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فانه لا صلاة إلا بها) فكان هذا كافيا في تأليف أوامره عليه السلام، لا يسع أحدا الخروج عنه * وقدموه قوم بأن قالوا: هذا خبر من رواية ابن اسحاق، ورواه مكحول مرة عن محمود بن الربيع عن عبادة، ومرة عن نافع بن محمود بن الربيع عن عبادة * قال علي: وهذا ليس بشئ، لان محمد بن اسحاق أحد الائمة، وثقة الزهري، وفضله على من بالمدينة في عصره، وشعبة، وسفيان، وسفيان (2) وحماد، وحماد (3) ويزيد ويزيد (4) وابراهيم بن سعد وعبد الله بن المبارك وغيرهم، قال فيه شعبة: محمد بن اسحاق أمير المحدثين هو أمير المؤمنين في الحديث (5).
والعجب أن الطاعنين عليه ههنا هم الذين احتجوا بروايته التي لم يروها غيره في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد زينب على أبى العاصى بالنكاح الاول بعد اسلامه! فإذا روى ما يظنون أنه يوافق تقليدهم صار ثقة وصار حديثه حجة، وإذا روى ما يخالفهم صار مجرحا! وحسبنا الله ونعم الوكيل * وأما رواية مكحول هذا الخبر مرة عن محمود ومرة عن نافع بن محمود فهذا قوة للحديث
__________
(1) في الاصلين (فلا بد من جميع) وهو خطأ فيما نرى (2) سفيان الثوري، وسفيان ابن عيينة (3) حماد بن زيد وحماد بن سلمة (4) لعله يريد بهما يزيد بن زريع ويزيد بن هرون وهما ممن روى عن ابن اسحق (5) الحق ان ابن اسحق امام ثقة جليل وطعن مالك فيه غير مقبول.
وانظر احتجاج البخاري به وذبه عنه في كتابه (القراءة خلف الامام ص 13 - و 14) *(3/241)
لا وهن، لان كليهما ثقة، وحتى لو لم يأت هذا الخبر لما وجب بقوله عليه السلام (إذا قرأ فأنصتوا) إلا ترك القراءة حين قراءته، ويبقى وجوب قراءتها في سكتات الامام فكيف وهذه اللفظة يعنى (إذا قرأ فأنصتوا) قد أنكرها كثير من أئمة الحديث وقالوا: إن محمد بن غيلان أخطأ في إيرادها، وليست من الحديث، قال ذلك ابن معين وغيره * قال علي: وأما نحن فلا نقول فيما رواه الثقة إنه خطأ إلا ببرهان واضح لكن وجه العمل
هو ما أردنا.
وبالله تعالى التوفيق * قال علي: وقال بعضهم: معنى قوله عليه السلام (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) انما معناه لا صلاة كاملة، كما جاء (لا ايمان لمن لا أمانة له) * قال علي: وهذا لا متعلق لهم به، لانه إذا لم تتم صلاة أو لم تكمل فلا صلاة له اصلا، إذ بعض الصلاة لا ينوب عن جميعها، وكذلك من لا أمانة له، فالامانة هي الشريعة كلها، قال الله تعالى: (إنا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا): فنعم من لا أمانة له فلا إيمان له، ومن لا شريعة له فلا دين له، هذا ظاهر اللفظين الذي لا يحل صرفهما عنه! * وقد أقدم آخرون فقالوا.
معنى قوله عليه السلام (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) انما هو على التغليظ * قال علي: وهذا تكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مجرد ومن كذبه عليه السلام فقد كفر، ولا أعظم من كفر من يقول ان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم غلظ بهذا القول وليس هو حقا * قال علي: وقد جاءت أحاديث ساقطة كلها فيها (من كان له امام فان قراءة الامام له قراءة) وفي بعضها (ما أرى الامام إلا قد كفاه) وكلها اما مرسل، واما من رواية جابر الجعفي الكذاب، واما عن مجهول ولو صحت كلها لكان قوله عليه السلام: (لا تفعلوا إلا بأم القرآن) كافيا في تأليف جميعها * فان ذكر ذاكر حديثا رويناه من طريق البزار عن محمد بن بشار عن أبى عامر العقدي ثنا همام عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعد (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ في صلاتنا بأم القرآن وما تيسر) فانه عليه السلام لم يقل وما تيسر من القرآن، فإذا لم يقله فهو محمول على سائر(3/242)
الذكر، وهكذا نقول بوجوب الذكر في الركوع والسجود ووجوب التكبير *
على أننا روينا عن عمران بن الحصين وعثمان بن أبى العاصى: لا تتم صلاة الا بفاتحة الكتاب وثلاث آيات فصاعدا * وعن شعبة عن ابراهيم بن محمد بن المنتشر عن عباية بن رداد سمعت عمر بن الخطاب يقول: لا تجزئ صلاة الا بآيتين مع أم القرآن فان كنت خلف امام فأقرأ في نفسك (1) * وقد روينا خلاف هذا عن عمر بن الخطاب وعلى بن ابى طالب، عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الانصاري عن محمد بن ابراهيم التيمى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: أن عمر بن الخطاب قال وقد صلى المغرب بالناس ولم يقرأ شيئا: أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قالوا: بلى، فلم يعد الصلاة * ومن طريق الحارث عن علي: أن رجلا جاء فقال: إني صليت ولم اقرأ، قال: أتممت الركوع والسجود؟ قال له نعم، قال له على: تمت صلاتك، ما كل أحد يحسن أن يقرأ * قال علي بن احمد: لا حجة في قول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم * 361 مسألة فمن دخل خلف امام فبدأ بقراءة ام القرآن فركع الامام قبل ان يتم هذا الداخل أم القرآن فلا يركع حتى يتمها * برهان ذلك ما ذكرناه من وجوب قراءة ام القرآن في كل ركعة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت) وسنذكره باسناده في باب وجوب ان لا يرفع المأموم رأسه قبل امامه.
ولا معه ان شاء الله تعالى * 362 مسألة فان جاء والامام راكع فليركع معه ولا يعتد بتلك الركعة، لانه لم يدرك القيام ولا القراءة ولكن يقضيها إذا سلم الامام.
فان خاف جاهلا فليتأن حتى يرفع الامام رأسه من الركوع فيكبر حينئذ * وقال قائلون: ان ادرك الركعة مع الامام اعتد بها.
واحتجوا بآثار ثابتة، إلا انهم لا حجة لهم في شئ منها، وهى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ادرك من الصلاة ركعة فقد ادرك الصلاة) وقوله عليه السلام (من ادرك من الصلاة ركعة فقد ادرك السجدة)
ومنها حديث أبي بكرة (انه جاء والقوم ركوع، فركع ثم مشى إلى الصف، فلما قضى رسول الله
__________
(1) مر هذا الاثر قريبا *(3/243)
صلى الله عليه وسلم صلاته قال: أيكم الذي ركع ثم جاء إلى الصف؟ فقال ابو بكرة.
أنا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
زادك الله حرصا ولا تعد) * قال علي: أما قوله عليه الصلاة والسلام (من أدرك من الصلاة ركعة فقد ادرك الصلاة) فحق، وهو حجة عليهم، لانه مع ذلك لا يسقط عنه قضاء ما لم يدرك من الصلاة، هذا ما لا خلاف فيه من أحد، وليس في الخبر انه ان ادرك الركوع فقد أدرك الوقفة * وكذلك قوله عليه السلام (من ادرك الركعة فقد ادرك السجدة) حق لا شك فيه، ولم يقل انه ان ادرك الركعة فقد ادرك الوقفة التي قبل الركوع، فلا يجوز لاحد ان يقحم في كلامه صلى الله عليه وسلم ما ليس فيه، فيقول عليه ما لم يقل * وأما حديث ابى بكرة فلا حجة لهم فيه اصلا، لانه ليس فيه انه اجتزأ بتلك الركعة، وأنه لم يقضها، فسقط تعلقهم به جملة ولله الحمد * فإذ قد سقط كل ما تعلقوا به من الآثار فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا ابو الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن سعد بن ابراهيم ثنا ابو سلمة بن عبد الرحمن عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ائتوا الصلاة وعليكم السكينة، فصلوا ما أدركتم واقضوا ما سبقكم (1) وصح عنه أيضا عليه السلام: (ما ادركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) * وبيقين يدري كل ذي حس سليم ان من ادرك الامام في اول الركعة الثانية: فقد فاتته الاولى كلها، وان من ادرك سجدة من الاولى فقد فاتته وقفة وركوع ورفع وسجدة وجلوس وان من ادرك الجلسة بين السجدتين فقد فاته الوقفة والركوع والرفع وسجدة، وان من ادرك الرفع فقد فاتته الوقفة والركوع، وان من ادرك السجدتين فقد فاتته الوقفة والركوع وان من
ادرك الركوع فقد فاتته الوقفة وقراءة أم القرآن، وكلاهما فرض لا تتم الصلاة الا به * وهو مأمور بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء ما سبقه واتمام ما فاته، فلا يجوز تخصيص شئ من ذلك بغير نص آخر، ولا سبيل إلى وجوده * والقوم أصحاب قياس بزعمهم، فكيف وقع لهم التفريق بين فوت ادراك الوقفة وبين فوت ادراك الركوع والوقفة، فلم يروا على احدهما قضاء ما سبقه، ورأوه على الآخر؟! فلا القياس
__________
(1) رواه أبو داود (ج 1 ص 224) *(3/244)
طردوا، ولا النصوص اتبعوا! وقد أقدم بعضهم على دعوى الاجماع على قولهم، وهو كاذب في ذلك * لانه قد روى من طريق يحيى بن سعيد القطان عن ابن عجلان عن عبد الرحمن بن هرمز الاعرج عن ابي هريرة: إذا أتيت القوم وهم ركوع فلا تكبر حتى تأخذ مقامك من الصف * وروى عنه أيضا ان لا يعتد بالركعة حتى يقرأ بأم القرآن * وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن زيد بن وهب قال: دخلت أنا وابن مسعود المسجد والامام راكع فركعنا ثم مضينا حتى استوينا بالصف، فلما فرغ الامام قمت أقضى، فقال ابن مسعود: قد أدركته * قال علي: فهذا إيجاب القضاء عن زيد بن وهب وهو صاحب من الصحابة (1) * فان قيل: فلم ير ابن مسعود ذلك؟ قلنا: نعم، فكان ماذا؟ فإذا تنازع الصاحبان فالواجب الرجوع إلى ما قال الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يحل الرد إلى سوى ذلك، فليس قول ابن مسعود حجة على زيد، ولا قول زيد حجة على ابن مسعود، لكن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحجة عليهما وعلى غيرهما من كل إنس وجن، وليس في هذا الخبر رجوع زيد إلى قول ابن مسعود، ولو رجع لما كان في رجوعه حجة.
والخلاف لابن مسعود منه قد حصل *
وروينا من طريق الحجاج بن المنهال حدثنا الربيع بن حبيب قال سمعت محمد ابن سيرين يقول: إذا انتهيت إلى القوم وهم في الصلاة فأدركت تكبيرة تدخل بها في الصلاة وتكبيرة الركوع فقد أدركت تلك الركعة والا فاركع معهم واسجد ولا تحتسب بها.
*
__________
(1) اخطأ في هذا ابن حزم، فزيد بن وهب الجهنى ابو سليمان تابعي رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبض وهو في الطريق كما روى عنه ابو نعيم والبخاري في التاريخ، فليس صحابيا اذن.
قال ابن حجر في الاصابة (ج 3 ص 47).
(واغرب ابن حزم في المحلى فذكر في صفة الصلاة من المحلى بعد ان ذكر رواية منصور عن زيد بن وهب قال.
دخلت انا وابن مسعود المسجد، فذكر قصته، قال ابن حزم.
زيد بن وهب صاحب من الصحابة فان خالفه ابن مسعود لم يبق في واحد منهما حجة) *(3/245)
قال علي: وروينا عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال كلاما معناه: من ادعى الاجماع فقد كذب، وما يدريه والناس قد اختلفوا! هذه أخبار الاصم وبشر المريسى * قال علي: صدق أحمد رضى الله عنه، من ادعى الاجماع فيما لا يقين عنده بأنه قول جميع أهل الاسلام بلا شك في أحد منهم: فقد كذب على الامة كلها، وقطع بظنه عليهم، وقد قال عليه السلام (الظن أكذب الحديث) * فان قيل: إن قول ابن مسعود هذا لا يقال مثله بالرأى * قيل لهم: فهلا قلتم هذا فيما رويناه آنفا في الباب الذي قبل هذا عن عمر رضى الله عنه: لا صلاة إلا بأم القرآن وآيتين معها؟! ولكن التحكم سهل على من لم يعد كلامه من عمله * فان قيل: هذا قول الجمهور * قلنا: ما أمر الله تعالى قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم باتباع الجمهور، لا في آية
ولا في خبر صحيح، وأما الموضوعات فسهل وجودها كل حين على من استحلها * فان قيل: إنه يكبر قائم ثم يركع، فقد صار مدركا للوقوف * قلنا: وهذه معصية أخرى، وما أمره الله قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ان يدخل في الصلاة في غير الحال التي يجد الامام عليها، وأيضا: فلا يجزئ قضاء شئ سبق به من الصلاة الا بعد سلام الامام، لا قبل ذلك * قال علي: وهنا أقوال: نذكر منها طرفا ليلوح كذب من ادعى الاجماع في ذلك * روينا من طريق حماد بن سلمة عن الحجاج بن ارطاة عن عبد الله بن يزيد النخعي عن زيد بن احمد (1) عن ابن مسعود قال.
إذا ركع احدكم فمشى إلى الصف فان دخل في الصف قبل ان يرفعوا رؤسهم فانه يعتد بها، وان رفعوا رؤسهم قبل ان يصلى إلى الصف فلا يعتد بها.
قال الحجاج.
والعمل على هذا * وعن حماد بن سلمة عن ايوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر قال.
كان ابن عمر إذا جاء والقوم سجود سجد معهم، فإذا رفعوا رؤوسهم سجد أخرى ولا يعتد بها.
قال أيوب.
ودخلت
__________
(1) كذا في الاصل وانا ارجح جدا انه خطأ وان صوابه (زيد بن وهب) وانه هو الاثر الذى مضى قريبا وزعم فيه المؤلف ان زيد بن وهب صحابي.
ولم أجد في الرجال من اسمه (زيد بن أحمد)(3/246)
مع أبي قلابة المسجد وقد سجدوا سجدة فسجدنا معهم الاخرى، فلما رفعوا رؤسهم سجدتا الاخرى، فلما قضى أبو قلابة الصلاة سجد سجدتي الوهم.
* وعن حماد بن سلمة عن داود هو ابن أبي هند عن الشعبي قال: إذا انتهى إلى الصف الآخر ولم يرفعوا رؤسهم وقد رفع الامام رأسه فانه يركع وقد أدرك، لان الصف الذي فيه هو إمامه، وإن جاء والقوم سجود فانه يسجد معهم ولا يعتد بها * وبه إلى داود بن أبي هند عن ابى العالية قال: إذا جاء وهم وسجود سجد معهم، فإذا سلم الامام قام فركع ركعة ولا يسجد ويعتد بها * وبه إلى حماد عن قتادة وحميد واصحاب الحسن.
إذا وضع يديه على ركبتيه قبل ان يرفع
الامام رأسه فقد ادرك، وان رفع الامام رأسه قبل ان يضع يديه فانه لا يعتد بها.
قال حماد.
واكثر ظنى انه عن الحسن * وقال ابن ابي ليلى وسفيان الثوري وزفر.
إذا كبر قبل ان يرفع الامام رأسه فقد ادرك، وليركع بعد ان يرفع الامام رأسه * 363 مسألة وفرض على كل مصل ان يقول إذا قرأ (1) (اعوذ بالله من الشيطان الرجيم لا بد له في كل ركعة من ذلك، لقول الله تعالى.
(فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * وقال أبو حنيفة والشافعي.
يتعوذ قبل ابتدائه بالقراءة في كل ركعة، ولم يريا ذلك فرضا * وقال مالك.
لا يتعوذ في شئ من الفريضة ولا التطوع الا في صلاة القيام في رمضان، فانه يبدأ في أول ليلة بالتعوذ فقط ثم لا يعود * قال علي.
وهذه قولة لا دليل على صحتها، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا أثر البتة، ولا من دليل اجماع، ولا من قول صاحب، ولا من قياس.
ولا من رأى له وجه.
فان اقدم مقدم على ادعاء عمل في ذلك لم يكن أولى من آخر ادعى العمل على خلافه * واما قول ابي حنيفة والشافعي.
ان التعوذ ليس فرضا.
فخطأ لان الله تعالى يقول.
(فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) ومن الخطأ ان يأمر الله تعالى بأمر ثم يقول قائل بغير برهان من قرآن ولا سنة: هذا الامر ليس فرضا، لاسيما أمره
__________
(1) في بعض النسخ (وفرض على كل مصل إذا قرأ أن يقول) *(3/247)
تعالى بالدعاء في أن يعيذنا من كيد الشيطان، فهذا أمر متيقن، انه فرض، لان اجتناب الشيطان والفرار منه وطلب النجاة منه لا يختلف اثنان في أنه فرض، ثم وضع الله تعالى ذلك علينا عند قراءة القرآن * وقال بعضهم: لو كان التعوذ، فرضا للزم كل من حكى عن أحد أنه ذكر آية من القرآن
أن يتعوذ ولا بد.
* قال علي: وهذا عليهم لا لهم، لانهم متفقون على استحباب التعوذ عند قراءة القرآن، ولا يرون التعوذ عند حكاية المرء قول غيره، فصح أن التعوذ الذي اختلفنا فيه فأوجبناه نحن ولم يوجبوه هم إنما هو عند قراءة القرآن، كما جاء في النص، لا عند حكاية لا يقصد بها المرء قراءة القرآن.
* قال علي: فلم يبق الا قول من أوجب التعوذ فرضا في قراءة القرآن في الصلاة وغير الصلاة، على عموم الآية المذكورة * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا احمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عاصم العنزي (1) عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه (2) قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الصلاة قال: الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، ثلاثا، الحمد لله كثيرا، الحمد لله كثيرا، الحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، اللهم إنى أعوذ بك من الشيطان من همزة ونفخه ونفثه) * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سعيد الجريرى ثنا يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عثمان بن أبى العاصى الثقفى (3) قال: (قلت يارسول الله، حال الشيطان بينى وبين قراءتى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك
__________
(1) بفتح العين المهملة والنون وكسر الزاى.
وفى بعض نسخ الاصل (العبدى) وهو تصحيف (2) في الاصل (عن ابن جبير بن مطعم عن نافع بن جبير عن ابيه) وهو خطأ وابن جبير هو نافع نفسه وصححنا الاسناد من ابى داود (ج 1 ص 279) (3) من أول قوله (الثقفى) مخروم من النسخة رقم 45 إلى قبيل المسألة (373) *(3/248)
شيطان يقال له خنزب، فإذا حسسته فتعوذ (1) واتفل عن يسارك ثلاثا) (2) *
وروينا عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال قال عمر بن الخطاب: يخفى الامام أربعا: التعوذ وبسم الله الرحمن الرحيم: وآمين: وربنا لك الحمد.
* وعن أبي حمزة (3) عن ابراهيم النخعي عن علقمة والاسود كلاهما عن عبد الله بن مسعود قال: يخفى الامام ثلاثا: الاستعاذة: وبسم الله الرحمن الرحيم: وآمين.
* ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج: قلت لنافع مولى ابن عمر: هل تدرى كيف كان ابن عمر يستعيذ؟ قال: كان يقول، اللهم اني أعوذ بك من الشيطان الرجيم،.
* وعن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي قال: خمس يخفين: سبحانك اللهم وبحمدك: والتعوذ: وبسم الله الرحمن الرحيم: وآمين: واللهم ربنا ولك الحمد، * وعن هشام بن حسان عن الحسن البصري: انه كان يستعيذ في الصلاة مرة حين يستفتح صلاته حين يقرأ ام الكتاب يقول، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وكان ابن سيرين يستعيذ في كل ركعة * وعن معمر عن ابن طاوس عن ابيه: انه كان يستعيذ قبل ان يقرأ أم القرآن *
__________
(1) في الاصل (تعوذ) بدون الفاء وهو خطأ (2) الحديث رواه أحمد في مسنده (ج 4 ص 216) (حدثنا اسمعيل بن ابراهيم عن الجريرى عن أبى العلاء بن الشخير أن عثمان قال: يارسول الله، حال الشيطان بينى وبين صلاتي وبين قراءتى قال ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا انت حسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا، قال ففعلت ذاك فاذهبه الله عزوجل عنى.
حدثنا عبد الرزاق انا سفيان عن سعيد الجريرى عن يزيد بن عبد الله ابن الشخير عن عثمان بن ابى العاص الثقفى قال: قلت: يارسول الله حال الشيطان، فذكر معناه)، ورواه مسلم في صحيحه (ج 2 ص 183 و 184) من طريق عبد الرزاق وغيره، وفيه (فإذا أحسسته) بزيادة الهمزة.
واما (خنزب) اسم الشيطان فقد قال النووي (بخاء معجمة مكسورة ثم نون ساكنة ثم زاى مكسورة ومفتوحة، ويقال أيضا بفتح الخاء والزاى، حكاه القاضى، ويقال أيضا بضم الخاء وفتح الزاى حكاه ابن الاثير في النهاية وهو غريب)
(3) هو ابو حمزة ميمون الاعور القصاب الكوفى وهو ضعيف متروك الحديث *(3/249)
ومن طريق معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين: أنه كان يتعوذ من الشيطان في الصلاة قبل أن يقرأ أم القرآن وبعد أن يقرأ أم القرآن * وعن ابن جريج عن عطاء قال: الاستعاذة واجبة لكل قراءة في الصلاة وغيرها (1) ويجزئ عنك، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال ابن جريج: فقلت له: من اجل (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم)؟ قال: نعم.
* وبالتعوذ في الصلاة يقول سفيان الثوري والاوزاعي وداود وغيرهم.
* قال علي: هؤلاء جماعة من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم لا نعلم لهم مخالفا منهم، وهم يشنعون بمثل هذا إذا وافق تقليدهم * قال علي: ومن قال يقول ابن سيرين وأخذ به فيرى التعوذ سنة قبل افتتاح القراءة، لانه فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقل القراء جيلا بعد جيل، وفرضا بعد أن يقرأ ما يقع عليه اسم قرآن، ولو أنه كلمتان، على نص الآية، لانها توجب التعوذ بعد القراءة بظاهرها، وأما من تعذرت عليه القراءة ففرض عليه التعوذ حين ذلك بالخبر المذكور، ثم إذا قرأ شيئا من القرآن * قال علي: الا أنه قد صح اجماع جميع قراء أهل الاسلام جيلا بعد جيل على الابتداء بالتعوذ متصلا بالقراءة قبل الاخذ في القراءة.
مبلغا الينا من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا قاض على كل ذلك، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(إذا توضأ أحدكم فليستنثر) وصح أنه عليه السلام استنثر في أول وضوئه.
وبالله تعالى التوفيق * 364 مسألة فمن نسى التعوذ أو شيئا من أم القرآن حتى ركع أعاد متى ذكر فيها وسجد للسهو، ان كان اماما أو فذا فان كان مأموما ألغى ما قد نسى إلى ان ذكر، وإذا أتم الامام قام يقضى ما كان الغى ثم سجد للسهو، ولقد ذكرنا برهان ذلك فيمن نسى فرضا في صلاته فانه يعيد ما لم يصل كما أمر، ويعيد ما صلى كما امر.
وبالله تعالى التوفيق *
365 مسألة ومن كان لا يحفظ أم القرآن صلى وقرأ ما امكنه من القرآن ان كان
__________
(1) في الاصل (لكل قراءة في الارض في الصلاة وغيرها) وزيادة قوله (في الارض) لا معنى لها فحذفناها واستأنسنا بلفظ لبلثر في الدر المنثور (ج 4 ص 130) ونصه (اخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر عن عطاء قال: الاستعاذة واجبة لكل قراءة في الصلاة أو غيرها من أجل قوله: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) *(3/250)
يعلمه لاحد في ذلك، واجزأه، وليسع في تعلم ام القرآن فان عرف بعضها ولم يعرف البعض قرأ ما عرف منها فأجزأه، وليسع في تعلم الباقي، فان لم يحفظ شيئا من القرآن صلى كما هو: يقوم ويذكر الله كما يحسن بلغته ويركع ويسجد حتى يتم صلاته، ويجزيه، وليسع في تعلم أم القرآن * وقال بعض القائلين: يقرأ مقدار سبع آيات من القران، أو يذكر الله تعالى مقدار سبع آيات * قال علي: وقصد بذلك قصد التعويض من أم القرآن، والتعويض من الشرائع باطل، إلا أن يوجبه قرآن أو سنة، ولا قرآن ولا سنة فيما ادعى، ولو كان قياس هذا القائل صحيحا لوجب أن لا يجزئ من عليه يوم من رمضان الا يوم بطول اليوم الذي افطره، وهذا باطل * وبرهان صحة قولنا قول الله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها): وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا امرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فصح انه يسقط عنه ما عجز عنه، ويلزمه ما استطاع عليه (1)، وقال تعالى: (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) وعلم رسول الله صلى الله تعالى وسلم المصلى فقال له: (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) وقد ذكرناه باسناده: فمن عجز عن أم القرآن وقدر على غيرها من القرآن سقطت عنه، ولزمه ما تيسر له من القرآن ويجزئ من ذلك ما وقع عليه اسم قرآن من كلمتين معروف أنهما من القرآن فصاعدا وان وجد هذا المعنى في كلمة واحدة اجزأته، لان عموم (ما تيسر) يدخل فيه كل ذلك.
وبالله تعالى التوفيق *
366 مسألة ومن كان يقرأ برواية من عد من القراء (بسم الله الرحمن الرحيم) آية من القرآن لم تجزه الصلاة الا بالبسملة، وهم عاصم بن أبى النجود: وحمزة: والكسائي وعبد الله بن كثير وغيرهم من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم، ومن كان يقرأ برواية من لا يعدها آية من أم القرآن فهو مخير بين ان يبسمل وبين ان لا يبسمل، وهم ابن عامر وأبو عمرو (2) ويعقوب، وفي بعض الروايات عن نافع (3) *
__________
(1) كذا في الاصل (استطاع) بعلى ولم اجد ما يؤيده (2) في الاصل (ابو عمر) وهو خطأ (3) هكذا أطلق المؤلف الرواية في قراءة البسملة عن القراء، وهو خطأ، فان الذين قرؤا منهم بترك البسملة انما قرؤا بذلك عند الوصل فقط أي إذا وصل القارئ سورة بالتى قبلها.
على ان كل من روى عنه تركها منهم روى عنه اثباتها، ولم يرد عن واحد منهم حذفها رواية واحدة(3/251)
وقال مالك: لا يبسمل المصلى الا في صلاة التروايح في اول ليلة من الشهر * وقال الشافعي: لا تجزئ صلاة الا ببسم الله الرحمن الرحيم * قال علي: وأكثروا من الاحتجاج بما لا يصح من الآثار، مما لا حجة لاى الطائفتين فيه (1) * مثل الرواية عن أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان
__________
قط، ثم ان هذا الخلاف بينهم انما هو في غير الفاتحة، قال امام القراء ابو الخير بن الجزرى في كتاب النشر في القراآت العشر (ج 1 ص 262): (ان كلا من الفاصلين بالبسملة والواصلين والساكتين إذا ابتدأ سورة من السور بسمل بلا خلاف عن احد منهم الا إذا ابتدا براءة) ثم قال: (لم يكن بينهم خلاف في اثبات البسملة اول الفاتحة سواء وصلت بسورة الناس قبلها أو أبتدئ بها، لانها ولو وصلت لفظا فانها مبتدا بها حكما ولذلك كان الواصل هنا حالا مرتحلا) والحق ان قراءة من قرأ بحذفها في الوصل قراءة شاذة غير صحيحة وان كانت من السبعة أو العشرة لان من شرط صحة القراءة موافقة رسم المصحف كما اتفق عليه عامة القراء بغير
خلاف بل هو اتفاق جميع العلماء: وما كان الصحابة رضى الله عنهم ليزيدوا في المصاحف مائة وثلاث عشرة بسملة من غير ان تكون انزلت في المواضع التى كتبت فيها، ولو شككنا في هذا لفتحنا بابا عريضا للملاحدة اللاعبين بالنار، وقد كان الصحابة احرص على كتاب الله من ان يتطرق إليه شك أو وهم، ولذلك جردوا المصاحف من اسماء السور ولم يكتبوا (آمين) وامتنع عمر من كتابة شهادته هو وبعض كبار الصحابة بالرجم خشية ان يتوهم انها زيادة على الكتاب، وصدع بذلك على المنبر.
واما من اجاز قراءة الفاتحة في الصلاة بدون بسملة فانه لا دليل له اصلا، والاحاديث التى استدلوا بها بعضها ضعيف وبعضها لا يدل صراحة على ذلك، ولا تعارض اتفاق القراء من غير خلاف على البسملة في اول الفاتحة مع تأيد هذا برسم المصحف، وهو الحجة الاولى القاطعة لكل نزاع * وقد حققنا هذا الموضع في شرحنا على التحقيق لابن الجوزى بما لا تجده في كتاب آخر.
والحمد لله رب العالمين.
(1) في الاصل (بما لا حجة لا من الطائفتين فيه) وهو خطأ وغير مستقيم المعنى *(3/252)
يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم لا قبلها ولا بعدها وعن أبي هريرة مثل هذا نحو هذا؟ (1) * قال علي: وهذا كله لا حجة فيه لانه ليس في شئ من هذه الاخبار نهى من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) وانما فيها: أنه عليه السلام كان لا يقرؤها * وقد عارضت هذه الاخبار أخبار أخر منها ما روينا من طريق احمد بن حنبل: حدثنا وكيع ثنا شعبة عن قتادة عن انس قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر وعمر وعثمان فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم:) ورويناه ايضا: (فلم يجهروا
ببسم الله الرحمن الرحيم) * فهذا يوجب أنهم كانوا يقرؤنها ويسرون بها، وهذا أيضا إلايجاب فيه لقراءتها، وكذلك سائر الاخبار * قال علي: والحق من هذا ان النص قد صح بوجوب قراءة أم القرآن فرضا، ولا يختلف اثنان من اهل الاسلام في ان هذه القراآت حق كلها مقطوع به، مبلغة كلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن الله عزوجل بنقل الملوان (2) فقد وجب إذ كلها حق ان يفعل الانسان في قراءته أي ذلك شاء، وصارت (بسم الله الرحمن الرحيم) في قراءة صحيحة آية من أم القرآن، وفى قراءة صحيحة ليست آية من أم القرآن، مثل لفظة (هو) في قوله تعالى في سورة الحديد (هو الغنى الحميد) وكلفظة (من) في قوله تعالى (من تحتها الانهار) في سورة براءة على راس المائة آية، هما من السورتين في قراءة من قرأ بهما وليستا من السورتين في قراءة من لم يقرأ بهما، ومثل هذا في القرآن وارد في ثمانية مواضع، ذكرناها في كتاب القراآت وآيات كثيرة، وسائر ذلك من الحروف يطول ذكرها، كزيادة ميم منها في سورة الكهف (3) وفي (حم عسق): فبما كسبت (4) وهاآت في مواضع كثيرة في (يس) (وما علمناه (5) وفى الزخرف
__________
(1) كذا في الاصل (2) كذا في الاصل ولا معنى له، بل هو خطأ، ولعله يريد (بنقل التواتر) ولئن اراده فهو خطأ أيضا فان في السبعة الشاذ وغيره كما صرح به كثير من الائمة وانظر فتح الباري (ج 9 ص 18 و 27) والنشر وغيرهما (3) لم اعرف مراده (4) قرأها نافع وابن عمر وأبو جعفر (بما كسبت) بحذف الفاء (5) هكذا قال المؤلف ولم اجد في (وما علمناه) خلافا بين القراء الاربعة عشر *(3/253)
(تشتهيه الانفس) (1) و (لم يتسنه) (2) وغير ذلك، والقرآن انزل على سبعة أحرف، كلها حق، وهذا كله حق، وهذا كله من تلك الاحرف بصحة الاجماع المتيقن على ذلك وبالله تعالى التوفيق 367 مسألة ومن قرأ أم القرآن أو شيئا منها أو شيئا من القرآن في صلاته
مترجما بغير العربية، أو بألفاظ عربية غير الالفاظ التي انزل الله تعالى، عامدا لذلك، أو قدم كلمة أو أخرها عامدا لذلك: بطلت صلاته، وهو فاسق، لان الله تعالى قال: (قرآنا عربيا) وغير العربي ليس عربيا، فليس قرآنا، واحالة رتبة القرآن تحريف كلام الله تعالى، وقد ذم الله تعالى قوما فعلوا ذلك فقال: (يحرفون الكلم عن مواضعه) * وقال أبو حنيفة: تجزيه صلاته.
واحتج له من قلده بقول الله تعالى.
(وانه لفي زبر الاولين) * قال علي: لا حجة لهم في هذا، لان القرآن المنزل علينا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم لم ينزل على الاولين، وانما في زبر الاولين ذكره والاقرار به فقط، ولو أنزل على غيره عليه السلام لما كان آية له، ولا فضيلة له، وهذا لا يقوله مسلم.
* ومن كان لا يحسن العربية فليذكر الله تعالى بلغته.
لقول الله تعالى.
(لا يكلف الله نفسا الا وسعها) ولا يحل له ان يقرأ ام القرآن ولا شيئا من القرآن مترجما على أنه الذي افترض عليه ان يقرأه، لانه غير الذي افترض عليه كما ذكرنا، فيكون مفتريا على الله تعالى.
* 368 مسألة وليس على الامام والمنفرد أن يتعوذا للسورة التي مع أم القرآن لانهما قد تعوذا إذ قرءا.
ومن اتصلت قراءته فقد تعوذ كما امر، ولو لزمه تكرار التعوذ لما كان لذلك غاية الا بدعوى كاذبة، فان قطع القراءة قطع ترك أو أراد (3) أن يبتدئ قراءة في ركعة أخرى تعوذ كما أمر.
وبالله تعالى التوفيق.
* 369 مسألة والركوع في الصلاة فرض، والطمأنينة في الركوع حتى تعتدل جميع اعضائه ويضع فيه يديه على ركبته: فرض، لا صلاة لمن ترك شيئا من ذلك عامدا.
__________
(1) قرأ نافع وابن عامر وحفص ويعقوب (تشتهيه) باثبات الهاء والباقون بحذفها (2) في سورة البقرة.
وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وخلف بحذف الهاء وصلا واثباتها وقفا على انها للسكت وقرأ الباقون باثباتها في الحالين.
واعلم أن كل هذا مرجعه إلى اختلاف رسم المصاحف التى ارسلها عثمان إلى البلاد، واما البسملة فلا خلاف في اثباتها في كل المصاحف (3) في الاصل (قطع ترك اراد) بحذف (أو) وهو خطأ من الناسخين *(3/254)
ومن ترك ذلك ناسيا ألغاه وأتم صلاته كما أمر، ثم سجد للسهو.
فان عجز عن الطمأنينة والاعتدال لعذر بصلبه أجزأه ما قدر عليه من ذلك، وسقط عنه ما عجز عنه * والتكبير للركوع فرض، وقوله (سبحان ربى العظيم) في الركوع فرض * والقيام اثر الركوع فرض، لمن قدر عليه حتى يعتدل قائما * وقول (سمع الله لمن حمده) عند القيام من الركوع فرض على كل مصل، من إمام أو منفرد أو مأموم لا تجزئ الصلاة إلا به، فان كان مأموما ففرض عليه أن يقول بعد ذلك (ربنا لك الحمد) أو (ولك الحمد) وليس هذا فرضا على امام ولا فذ.
وان قالاه كان حسنا وسنة * وقول المأموم (آمين) إذا قال الامام (ولا الضالين) فرض، وان قاله الامام فهو حسن وسنة * ولا يحل للمأموم أن يركع ولا أن يرفع ولا أن يسجد مع امامه ولا قبله، لكن بعده ولا بد * ومن قرأ القران في ركوعه أو سجوده بطلت صلاته إن تعمد ذلك.
فان نسى ألغى تلك المدة من سجودة ثم سجد للسهو * وسجدتان اثر القيام المذكور فرض، والطمأنينة فيهما فرض، والتكبير لكل سجدة منهما فرض وقول (سبحان ربى الاعلى) في كل سجدة فرض * ووضع الجبهة والانف واليدين والركبتين وصدور القدمين على ما هو قائم عليه مما أبيح له التصرف عليه فرض كل ذلك * والجلوس بين السجدتين فرض، والطمأنينة فيه فرض، والتكبير له فرض * لا تجرئ صلاة لاحد بأن يدع من هذا كله عامدا شيئا، فان لم يأت به ناسيا ألغى
ذلك وأتى به كما أمر، ثم سجد للسهو، فان عجز عن شئ منه لجهل أو عذر مانع سقط عنه وتمت صلاته * ولا يجزئ السجود على الجبهة والانف إلا مكشوفين، ويجزئ في سائر الاعضاء مغطاة * ويفعل في كل ركعة من صلاته ما ذكرنا *(3/255)
برهان ذلك: ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد ثنا عبيد الله بن عمر (1) حدثني سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه، وقال له: ارجع (2) فصل فانك لم تصل، فرجع (3) فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال.
ارجع فصل فانك لم تصل، ثلاثا، قال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا على بن عبد العزيز (4) ثنا الحجاج بن المنهال ثنا همام بن يحيى ثنا اسحق بن عبد الله بن أبي طلحة حدثني على بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع: (كنت جالسا (5) عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فدخل المسجد فصلى، فلما قضى صلاته جاء فسلم (6)، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك، ارجع فصله (7) فانك لم تصل، فرجع (8)، فلما قضى صلاته جاء فسلم، (9) فقال له رسول الله صلى
__________
(1) في البخاري (ج 1 ص 314) منيرية (عن عبيدالله) (2) في البخاري (فرد النبي عليه السلام فقال ارجع) (3) في البخاري بحذف (فرجع) (4) رواه الحاكم في المستدرك (ج 1 ص 241 و 242) عن على بن حمشاذ العدل عن على بن عبد العزيز، ورواه البيهقى في السنن الكبرى (ج 2 ص 345) عن الحاكم باسناده.
ورواه أحمد مختصرا (ج 4 ص 340) وانظر شرح ابن داود (ج 1 ص 320 و 322) (5) في المستدرك والبيهقي (أنه كان جالسا) (6) فيهما زيادة (على رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على القوم) (7) فيهما (فصل) بدون الهاء (8) في البيهقى زيادة (فصلى فجعلنا نرمق صلاته لا ندرى ما يعيب منها) (9) في البيهقى زيادة (على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم) *(3/256)
الله عليه وسلم وعليك (1) ارجع فصله فانك لم تصل، فذكر ذلك مرتين أو ثلاثا، فقال الرجل: لا أدري ما عبت على، (2) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله، ويغسل (3) وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله ويحمده ويمجده، ويقرأ من القرآن ما أذن الله له فيه وتيسر، (4) ثم يكبر فيركع فيضع (5) كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، (6) ثم يقول: سمع الله لمن حمده، ويستوي قائما حتى يأخذ كل عضو (7) مأخذه، ويقيم صلبه، ثم يكبر فيسجد ويمكن جبهته (8) من الارض حتى تطمئن مفاصلة وتسترخي، (9) ثم يكبر فيرفع رأسه ويستوى قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه، فوصف الصلاة هكذا حتى فرغ، ثم قال: لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك) (10) قال علي: التحميد المذكور والتمجيد المذكور هو قراءة أم القرآن.
برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال العبد في صلاته، الحمد لله رب العالمين
يقول الله: حمدني عبدى، وإذا قال، مالك يوم الدين، قال الله: مجدني عبدى) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا حفص بن عمر ثنا شعبة عن سليمان هو الاعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود البدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود) (11) * قال أبو حنيفة: تجزئ وان لم يقم ظهره في ركوعه وسجوده *
__________
(1) كلمة (وعليك) ليست في البيهقى وأما الحاكم فانه اختصر التفصيل (2) فيهما (ما أدرى ماعبت على من صلاتي) (3) فيهما (يغسل) بحذف الواو (4) فيهما بحذف (وتيسر) (5) فيهما (ويضع) (6) في المستدرك (ويستوى) وفى البيهقى (فيستوى) وأظن ما هنا أصح (7) هنا يوافق البيهقى.
وفى نسخة (كل عظم) وهو يوافق المستدرك (8) في نسخة (وجهه) وما هنا هو الموافق للمستدرك والبيهقي (9) فيهما (ويستوى) (10) الحديث رواه أيضا ابن الجارود في المنتقى (ص 103 و 104) عن محمد بن يحيى عن حجاج بن المنهال (11) رواه أبو داود (ج 1: ص 318) *(3/257)
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب ثنا أحمد بن عمرو بن السرح ويونس بن عبد الاعلى والحارث بن مسكين قراءة عليه واللفظ له كلهم عن ابن وهب عن ابن جريج عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (امرت أن أسجد على سبع، ولا أكفت (1) الشعر ولا الثياب: الجبهة والانف واليدين والركبتين والقدمين) * قال أبو حنيفة: إن وضع جبهته في السجود ولم يضع أنفه ولا يديه ولا ركبتيه أجزأه ذلك وكذلك يجزئه أن يضع في السجود أنفه ولا يضع جبهته ولا يديه ولا ركبتيه * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل
ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا هشام هو الدستوائى عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشى (2)، قال لنا أبو موسى الاشعري: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا (3) سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال: إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال (4) (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقولوا: آمين) يحبكم (5) الله، وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا، فان الامام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، فتلك بتلك، وإذا قال (سمع الله لمن حمده) فقولوا ربنا لك الحمد يسمع الله لكم فان الله قال على لسان نبيه (سمع الله لمن حمده) فإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا، فان الامام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، فتلك بتلك) وذكر باقى الحديث (7) * قال علي: من العظائم التي نعوذ بالله عزوجل منها أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل كذا وكذا، وافعلوا كذا وكذا: فيقول قائل بعد
__________
(1) كفت الشئ كفتا إذا ضمه إلى نفسه، يعنى أن لا يضم الشعر ولا الثياب باليدين عند الركوع أو السجود.
وفى نسخة (ولا أكف) وهو بمعناه أي لا يمنعهما بل يرسلهما ويتركهما حتى يقعا إلى الارض فيكون الكل ساجدا.
وفى النسائي (ج 1: ص 165) (على سبعة لا أكف) الخ (2) (حطان) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين، و (الرقاشى) بفتح الراء والقاف المخففة وكسر الشين المعجمة (3) في أبى داود (ج 1: ص 367 و 368) (خطبنا فعلمنا وبين لنا) الخ (4) في أبى داود (قرأ) (5) قال شارح أبى داود: بالحاء المهملة من الحب هكذا في أكثر النسخ وفى بعضها (يجيبكم الله) وهكذا في رواية مسلم اه (6) في أبى داود (اللهم ربنا) (7) اختصره المؤلف من أوله وآخره *(3/258)
أن سمع هذه الاخبار: إن الصلاة تتم دون ذلك، مقلدا لمن أخطأ ممن لم يبلغه الخبر، أو بلغه فتأول غير قاصد لخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم! * وكذلك من الباطل والتلعب بالسنن أن ينص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمور ذكر
أن الصلاة لا تتم إلا بها: فيقول قائل من عند نفسه: بعض هذه الامور هو كذلك، وبعضها ليس كذلك! * فان أقدم كاذب على دعوى الاجماع في شئ من ذلك فقد كذب على جميع الامة، وادعى ما لا علم له به.
ولا يحل لمسلم خلاف اليقين الصادق من أمر الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: لظن كاذب افترى فيه الذي ظنه على الامة كلها، إذ نسب إليها مخالفة أمر الله تعالى * والعجب من قولهم: لا يجزئ تكبير المأموم الا بعد تكبير الامام، ولا يجزئ سلامه إلا بعد سلام الامام: وأما ركوعه ورفعه وسجوده فمع الامام! وهذا تحكم عجيب! وكل ما موهوا به ههنا فهو لازم لهم في التكبير والتسليم * فان قال قائل: قد قال عليه الصلاة والسلام (وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) * قلنا: نعم، وليس في هذا الخبر منع من قول الامام: ربنا ولك الحمد، ولا منع المأموم من قول: سمع الله لمن حمده.
وايجاب هذا مذكور في الخبر الذي أوردناه.
ولا سبيل إلى أن توجد جميع الشرائع في خبر واحد، ولا في آية واحدة، ولا في سورة واحدة * حدثنا هشام بن سعيد الخير كتابا إلى قال ثنا عبد الجبار بن احمد المغربي الطرسوسى ثنا الحسن بن الحسين النجيرمي ثنا جعفر بن محمد بن الحسن بن سعيد الاصبهاني بسيراف ثنا أبو بشر يونس بن حبيب الزبيري (1) ثنا أبو داود الطيالسي ثنا عبد الله بن المبارك عن
__________
(1) بحثت كثيرا عن ترجمة يونس هذا فقد وصفه ابن حجر في التهذيب (ج 4 ص 183) بأنه (الاصبهاني) وابن عابدين في ثبته (ص 128) بأنه (العجلى) والمصنف هنا بأنه (الزبيري) ثم أفادني الاخ العلامة أبو بكر الكتاني فيما كتب إلى من فاس بالمغرب أنه له ترجمة في الجرح والتعديل لابن أبى حاتم ووصفه فيها بأنه (الاصبهاني الماصرى العجلى) وأن الذهبي ذكر وفاته في تذكرة الحفاظ في سنة 267 (ج 2 ص 132) وقد وثقه ابن أبى حاتم.
ثم(3/259)
موسى بن أيوب الغافقي عن عمه إياس بن عامر عن عقبة بن عامر الجهني قال: (لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في الركوع، فلما نزلت (سبح اسم ربك الاعلى) قال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في سجودكم) (1) * قال علي: وبايجاب فرض هذا يقول أحمد بن حنبل وأبو سليمان وغيرهما * فان قيل: قد جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) وأنه قال عليه السلام ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد ابن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا سفيان عن سليمان بن سحيم (2) عن ابراهيم بن عبد الله بن معبد (3) بن العباس عن أبيه عن عمه عن عبد الله بن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف الستارة عن وجهه (4) والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: يا أيها الناس، انه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له وإنى نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه الدعاء (5) فقمن أن يستجاب لكم) * قلنا: نعم، وليس في هذا كله سقوط ما أوجبه عليه السلام في حديث عقبة بن عامر، بل قوله عليه السلام (فعظموا الرب) موافق لقوله (سبحان ربى العظيم) وأما اجتهاد الدعاء في السجود وقول (سبوح قدوس رب الملائكة والروح) فزيادة خير، وحسنة لمن فعلها مع الذي أمر به من التسبيح * وفرق مالك بين من أسقط تكبيرتين وبين من أسقط ثلاث تكبيرات.
وهذا قول بلا دليل أصلا.
وقد ذكرنا بطلان قول من فرق بين العمل القليل والكثير في الصلاة برأيه وبينا أنه قول فاسد، لانه لا كثير إلا وهو قليل بالاضافة إلى ما هو أكثر منه،
__________
وجدت له ترجمة مطولة في الانساب للسمعاني (ورقة 502) وفيها أنه ابن بنت حبيب بن الزبير ومنه يعلم صحة نسبته التى هنا (الزبيري) وفى نسخة من الاصل (الزهري) وهو خطأ ظاهر *
(1) الحديث في الطيالسي (ص 135 رقم 1000) (2) بضم السين وفتح الحاء المهملتين (3) في الاصلين (سعيد) وهو خطأ صححناه من أبى داود (ج 1 ص 326 و 327) ومن التهذيب (4) قوله (عن وجهه) ليس في أبى داود (5) في أبى داود (فاجتهدوا في الدعاء) *(3/260)
ولا قليل إلا وهو كثير بالاضافة إلى ما هو أقل منه، وان العمل الواجب فترك قليله وترك كثيره سواء في مخالفة أمر الله عزوجل، وان العمل المحرم فكثيرة وقليله سواء في ارتكاب المحرم، وان المباح قليله وكثيره مباح، وما عدا هذا فباطل لا خفاء به، إلا أن يأتي نص بالفرق بين المقادير في الاعمال فيوقف عنده * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أنا عبد الله بن المبارك عن مالك بن انس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح (1) الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضا كذلك (2)، وقال،، سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد،،) * وروينا أيضا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن مالك باسناده نحوه ومن طريق عبد الله بن أبى أوفي وأبي سعيد الخدري أيضا مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو اليمان أنا شعيب هو ابن أبي حمزة عن الزهري أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام وأبو سلمة بن عبد الرحمن: (أن أبا هريرة كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها، في رمضان وغيره، فيكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول،، سمع الله لمن حمده،، ثم يقول،، ربنا ولك الحمد، وذكر الحديث وفيه: ثم يقول أبو هريرة: (والذي نفسي بيده، إنى لاقربكم شبها بصلاة رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم، وان كانت (3) هذه لصلاته (4) حتى فارق الدنيا) * فهذا آخر عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، تركه المالكيون برأى لا بخبر أصلا، وما لهم متعلق إلا قوله عليه السلام (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) * قال علي: وهذا لا حجة لهم فيه، لانه عليه السلام لم يمنع الامام في هذا الخبر (5)
__________
(1) ماهنا هو الموافق للنسائي (ج 1 ص 162) وفى نسخة (استفتح) (2) في النسائي (رفعهما كذلك أيضا) (3) في البخاري (ج 1 ص 318 منيرية) (ان كانت) بحذف الواو (4) في نسخة (صلاته) وما هنا هو الموافق للبخاري (5) في نسخة (في هذين الخبرين) وهو خطأ *(3/261)
من أن يقول: ربنا ولك الحمد ولا منع المأموم من أن يقول،، سمع الله لمن حمده، فلا حجة في هذا الخبر في قولهما لذلك، ولا في تركهما لقول ذلك، فوجب طلب حكم ذلك من أحاديث أخر.
وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول وهو امام، ربنا ولك الحمد، وأنه عمله إلى أن مات.
فبطل قول كل من خالف ذلك، وهو أيضا عمل السلف * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا كان إماما قال: سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد كثيرا، ثم يسجد لا يخطئه * وبه إلى ابن جريج عن اسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد المقبري.
أنه سمع أبا هريرة وهو امام للناس في الصلاة يقول، سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد كثيرا، يرفع بذلك صوته ونتابعه معا * وروينا أيضا عن على بن أبي طالب وابن عباس وابن مسعود نحو ذلك * وبالسند المذكور إلى ابن جريج عن عطاء قال: ان كنت مع الامام فقال، سمع الله لمن حمده، فان قلت سمع الله لمن حمده، فحسن، وان لم تقلها فقد أجزأ عنك، وأن تجمعهما مع
الامام أحب إلى * قال علي.
وهو قول الشافعي * وأما أبو حنيفة فانه قال: يقول الامام،، ربنا ولك الحمد،، ولا يقول المأموم، سمع الله لمن حمده،، * قال علي: ففرق بلا دليل، فان كان تعلق بقوله عليه السلام: (وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) فقد تناقض، لانه ليس في هذا الخبر قول الامام،، ربنا ولك الحمد * فان قال: قد صح أنه عليه السلام كان يقولها وهو إمام، قلنا: وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم الصلاة.
وفيها أن يقال،، سمع الله لمن حمده،، ولم يخص بذلك مأموما من إمام، من منفرد * قال علي: وأما قول،، آمين،، فانه كما ذكرنا يقوله الامام والمنفرد ندبا وسنة، ويقولها المأموم فرضا ولا بد * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن(3/262)
علي ثنا مسلم بن الحجاج أنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمن الامام فأمنوا فانه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) قال ابن شهاب: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين (1) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا نصر بن علي (هو الجهضمى) ثنا صفوان بن عيسى عن بشر بن رافع عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا عليهم (2) (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال.
آمين، حتى يسمع من يليه من الصف الاول *
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى ابن معاوية ثنا وكيع ثنا سفيان الثوري عن عاصم الاحول عن أبي عثمان النهدي: (أن بلالا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يارسول الله لا تسبقني بآمين (3) * وبه إلى وكيع: حدثنا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس (4) عن وائل ابن حجر قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ،، ولا الضالين،، فقال،، آمين،، يمد بها صوته (5) * قال علي: فهذه آثار متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه كان يقول،، آمين،، وهو
__________
(1) في صحيح مسلم (ج 1 ص 120) (2) كلمة (عليهم) ليست في أبى داود (ج 1 ص 352) ولا أظنها ثابتة (3) رواه أبو داود (ج 1 ص 353) عن اسحق بن راهويه عن وكيع عن عاصم عن أبى عثمان عن بلال انه قال الخ.
قال شارحه: (قال الحافظ.
رجاله ثقات لكن قيل ان ابا عثمان لم يلق بلالا وقد روى عنه بلفظ.
أن بلالا قال، وهو ظاهر الارسال ورجحه الدارقطني وغيره على الموصول) وهذا تعليل غير صحيح فان إسحق بن راهويه امام حافظ، وقد رواه موصولا (عن أبى عثمان عن بلال) وأبو عثمان قديم جدا أدرك الجاهلية وأسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعرف بالتدليس.
(4) حجر.
بضم الحاء المهملة وإسكان الجيم، وعنبس.
بفتح العين المهملة وإسكان النون وفتح الباء الموحدة وحجر يكنى أبا العنبس أيضا (5) رواه أبو داود (ج 1 ص 351) عن محمد بن كثير عن سفيان، ورواه أيضا الترمذي وحسنه وابن ماجه *(3/263)
إمام في الصلاة، يسمعها من وراءه * وهو عمل السلف كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أكان ابن الزبير يؤمن على إثر أم القرآن؟ قال: نعم، ويؤمن من وراءه، حتى ان للمسجد للجة، قال عطاء: وكان أبو هريرة يدخل المسجد وقد قام
الامام قبله فيقول ويناديه: لا تسبقني بآمين، قال عطاء: ولقد كنت أسمع الائمة يقولون هم أنفسهم على اثر أم القرآن،، آمين،، هم ومن وراءهم حتى ان للمسجد للجة * قال علي: اللجة الجلبة * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن ابي هريرة: أنه كان مؤذنا للعلاء بن الحضرمي بالبحرين فاشترط عليه أن لا يسبقه بآمين (1) * وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر بن الخطاب قال: يخفى الامام أربعا: (التعوذ) و (بسم الله الرحمن الرحيم) و (آمين) و (ربنا لك الحمد) * وعن علقمة والاسود كليهما عن ابن مسعود قال: يخفى الامام ثلاثا: التعوذ و (بسم الله الرحمن الرحيم) و (آمين) * وعن عكرمة: لقد أدركت الناس ولهم ضجة بآمين * قال علي: فهذا عمل الصحابة رضى الله عنهم * فأنما أحمد واسحاق وداود وجمهور أصحاب الحديث فيرون الجهر بها للامام والمأموم، وبه نقول، لان الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهر * وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة: يقولها الامام سرا.
ذهبوا إلى تقليد عمر بن الخطاب وابن مسعود رضى الله عنهما، ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم * وذهب مالك إلى أن يقول المأموم (آمين) ولا يقولها الامام *
__________
(1) وكذلك كان يؤذن لمروان فاشترط عليه هذا كما رواه البيهقى (ج 2 ص 58 و 59) وقال ابن حجر: (كأنه كان يشتغل بالاقامة وتعديل الصفوف وكان مروان يبادر إلى الدخول في الصلاة قبل فراغ أبى هريرة وكان أبو هريرة ينهاه عن ذلك *(3/264)
قال على: وهذا قول لا يعلم عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم قطعا، نعم، ولا نعرفه عن أحد من التابعين ولا حجة لهم أصلا في المنع من ذلك * إلا أن بعض الممتحنين بتقليده قال: ان سميا مولى أبي بكر وسهيل بن أبي صالح رويا كلاهما عن أبى صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال القارئ غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقال من خلفه،، آمين،، فوافق قوله قول أهل السماء غفر له ما تقدم من ذنبه).
هذا لفظ سهيل وأما لفظ سمى فانه قال: (إذا قال الامام،، غير المغضوب عليهم ولا الضالين،، فقولوا، آمين،،) (1) قال: فليس في هذا تأمين الامام * قال علي: وهذا غاية المقت في الاحتجاج، إذ ذكروا حديثا ليس فيه شريعة قد ذكرت في حديث آخر، فراموا إسقاطها بذلك، ولا شئ في اسقاط جميع شرائع الاسلام أقوى من هذا العمل، فانه لم تذكر كل شريعة في كل آية ولا في كل حديث.
* ثم من العجب احتجاجهم بأبي صالح في أنه لم يرو عن أبي هريرة لفظا رواه سعيد بن المسيب وأبو سلمة عن أبي هريرة! ولو انفرد سعيد لكان يعدل جماعة مثل أبي صالح! فكيف وليس في رواية في رواية أبي صالح أن لا يقول الامام،، آمين،، فبطل تمويههم بهذا الخبر * وقال بعضهم: إن معنى قوله عليه السلام (إذا أمن الامام فأمنوا) إنما معناه إذا قال (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) * قال علي: فيقال له: كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلت عليه الباطل الذي لم يقله عليه السلام عن نفسه، وأخبرت عن مراده بالافك، وحرفت الكلم عن مواضعه بلا برهان، وما قال قط أحد من أهل اللغة إن قول (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) يسمى تأمينا.
* فاحتج لقوله الفاسد بطامة أخري وهي: أنه قال: قد جاء أن معنى قول الله
تعالى لموسى وهرون عليهما السلام: (قد أجيبت دعوتكما) أنه كان موسى يدعو
__________
(1) انظر شرح أبى داود (ج 1 ص 352 و 353) *(3/265)
وهرون يؤمن! (1) * قال علي.
وهذا أدهى وأمر! ليت شعرى! أين وجد هذه الرواية؟ أو من بلغه إلى موسى وهرون عليهما السلام؟ وانما هو قول قائل لا يدري من أين قاله.
ثم لو صح يقينا لما كان له فيه حجة أصلا، لان المؤمن في اللغة داعى (2) بلا شك، لان معنى (آمين) اللهم افعل ذلك، فالتأمين دعاء صحيح بلا شك، ولا يسمى الداعي مؤمنا أصلا، ولا يسمى الدعاء تأمينا حتى يلفظ بآمين، فكل تأمين دعاء، وليس كل دعاء تأمينا، فكيف وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول آمين،، وهو الامام، وهذا مما انفردوا به عن الصحابة رضى الله عنهم وجمهور السلف برأيهم بلا برهان أصلا.
وبالله تعالى التوفيق * وأما السجود فان من أجاز السجود على كور العمامة سألناه عن عمامة غلظ كورها إصبع، ثم اصبعان، إلى أن نبلغه إلى ذراعين وثلاث وأكثر فيخرج إلى ما لا يقول به أحد! ثم نحطه من الاصبع إلى طية واحدة من عمامة شرب (3)، وكلفناه الفرق، ولا سبيل له إليه * وبقولنا يقول جمهور السلف، كما روينا من طريق شعبة عن الاعمش قال سمعت زيد بن وهب قال: رأى حذيفة رجلا لا يتم الركوع ولا السجود، فقال له حذيفة.
ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدا صلى الله عليه وسلم عليها * وعن ابن مسعود: أنه رأى رجلين يصليان أحدهما مسبل (ازاره، والآخر لا يتم ركوعه ولا يتم سجوده، فقال.
أما المسبل ازاره فلا ينظر الله إليه، وأما الآخر فلا يقبل الله صلاته * قال علي: من لم ينظر الله تعالى إليه في عمل ما فذلك العمل بلا شك غير مرضى، واذ هو غير
__________
(1) هذا هو الذى ارتضاه الطبري ونقله باسناده عن بعض التابعين (ج 11 ص 110 و 111)
ورواه أبو الشيخ عن أبى هريرة وابن عباس ولا ندرى هل اسناده صحيح أو ضعيف؟ انظر الدر المنثور (ج 3 ص 315) ولئن صح فلا حجة فيه لما زعموا كما قال المؤلف.
(2) لاحظت أن المؤلف كثيرا ما يثبت الياء في الاسم المنقوص المرفوع المجرد من الالف واللام وكنت أظنه من خطا الناسخين فأصلحته بحذفها في مواضع متعددة من الاحكام والمحلى ولكني أرى أنه يعمد إلى اثباتها وهو جائز وقد ورد في كثير من الاحاديث ومن كلام الفصحاء.
* (3) كذا في الاصل، وما عرفته *(3/266)
مرضى فهو يقينا غير مقبول * وعن المسور بن مخرمة.
أنه رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده، فقال له: يا سارق، أعد الصلاة، والله لتعيدن، فلم يزل حتى أعادها * وعن ابن عباس: إذا سجدت فألصق أنفك بالارض * وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لمن رآه يصلى: امس أنفك الارض * وعن سعيد بن جبير.
إذا لم تضع أنفك مع جبهتك لم تقبل منك تلك السجدة * وبه يقول الشافعي وأبو سليمان وأحمد وغيرهم * ومن طريق وكيع عن يزيد بن ابراهيم عن محمد بن سيرين.
أنه كره السجود على كور العمامة * وعن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت.
أنه كان إذا قام في الصلاة جر العمامة عن جبهته * وعن نافع عن ابن عمر.
كان يكره أن يسجد على كور عمامته حتى يكشفها * وعن أيوب عن ابن سيرين.
أصابتني شجة في وجهى فعصبت عليها وسألت عبيدة السلماني.
أسجد عليها؟ فقال انزع العصاب (1) * وعن مسروق.
أنه رأى رجلا إذا سجد رفع رجليه في السماء، فقال مسروق
ما تمت صلاة هذا * 370 مسألة فمن عجز عن الركوع أو عن السجود خفض لذلك قدر طاقته فمن لم يقدر على أكثر من الايماء أومأ.
ومن لم يجد للزحام أن يضع جبهته وأنفه للسجود فليسجد على رجل من أمامه أو على ظهر من أمامه.
وبه يقول أبو حنيفة وسفيان الثوري والشافعي * وقال مالك: لا يسجد على ظهر أحد * برهان صحة قولنا قول الله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) * وروينا عن معمر عن الاعمش عن المسيب بن رافع.
أن عمر بن الخطاب قال.
من آذاه الحر يوم الجمعة فليبسط ثوبه ويسجد عليه، ومن زحمه الناس يوم الجمعة حتى لا يستطيع أن
__________
(1) في اللسان.
(العصاب والعصابة ما عصب به) *(3/267)
يسجد على الارض فليسجد على ظهر رجل * وعن الحسن.
إذا اشتد الزحام فان شئت فاسجد على ظهر أخيك، وان شئت فإذا قام الامام فاسجد * وعن طاوس.
إذا اشتد الزحام فأوم برأسك مع الامام ثم اسجد على أخيك * وعن مجاهد سئل.
أيسجد الرجل في الزحام على رجل الرجل؟ قال.
نعم.
وعن مكحول والزهري مثل ذلك * وعن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال.
إذا كان المريض لا يقدر على الركوع ولا على السجود أوما برأسه * وعن قتادة عن أم الحسن بن أبى الحسن قالت.
رأيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسجد على مرفقة (1) من رمد كان بها (2).
وعن ابن عباس قال سأله أبو فزارة عن المريض: أيسجد على المرفقة الطاهرة؟ قال:
لا بأس به.
وعن ابن عباس أيضا: لا بأس أن يلف المريض الثوب ويسجد عليه * 371 مسألة ومن كان بين يديه طين لا يفسد ثنابه ولا يلوث وجهه لزمه أن يسجد عليه، فان آذاه لم يلزمه، روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه سجد على ماء وطين وانصرف.
وعلى جبهته أثر الطين) وقال الله عزوجل: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * 372 مسألة والجلوس بعد رفع الرأس من آخر سجدة من الركعة الثانية فرض في كل صلاة مفترضة أو نافلة، حاشا ما ذكرنا قبل من أنواع الوتر، فان كان في صلاة لا تكون إلا ركعتين فانه يفضى بمقاعده إلى ما هو عليه قاعد وينصب رجله اليمنى ويفرش اليسرى وإذا كان في صلاة تكون ثلاث ركعات أو أربعا جلس في هذه الجلسة على رجله اليسرى ونصب اليمنى كما قلنا، ويجلس في الجلسة الآخرة التي تلى السلام (3) مفضيا بمقاعده إلى الارض ناصبا
__________
(1) بكسر الميم وفتح الفاء، قال في اللسان (المرفقة والمرفق المتكأ والمخدة) (2) الاثر رواه البيهقى (ج 2 ص 307) من طريق الشافعي عن الثقة عن يونس عن الحسن عن امه قالت (رأيت سلمة زوج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تسجد على وسادة من أدم من رمد كان بها) (3) كذا في نسخة، وفى أخرى (التى تلى الثلاثة) وليست هذه الجلسة تالية للسلام ولا خاصة بالثلاثة، والاصح أن يكون (التى يليها السلام) *(3/268)
لرجله اليمنى فارشا لليسرى وفرض عليه، أن يتشهد في كل جلسة من الجلستين اللتين ذكرنا * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عيسى بن ابراهيم ثنا ابن وهب عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة (1) عن محمد بن عمرو بن عطاء: أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فوصفوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الصفة: (فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى، فإذا جلس في الركعة الاخيرة (2) قدم رجله اليسرى وجلس على مقعدته * وبه يقول الشافعي وأبو سليمان *
وقال أبو حنيفة ومالك: الجلوس في كلتى الجلستين سواء * قال علي: هذا خلاف الاثر بلا برهان * وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا اسحاق هو ابن راهويه أنا جرير هو ابن عبد الحميد عن منصور هو ابن المعتمر عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الله هو السلام، فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله والصلوات (3) والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله ألا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله * ورواه شعبة وسفيان الثوري وزائدة كلهم عن منصور عن أبي وائل عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم حرفا حرفا.
ورواه يحيى القطان وأبو معاوية والفضيل (4) ابن عياض وأبو نعيم وعبد الله بن داود الخريبى (5) ووكيع كلهم عن الاعمش عن أبي وائل باسناده ولفظه.
ورواه أيضا عن ابن مسعود باسناده ولفظه أبو معمر عبد الله
__________
(1) في نسخة (محمد بن عمر بن طلحة) وهو خطأ (2) في نسخة (الآخرة) وما هنا هو الموافق لابي داود (ج 1 ص 363 و 364) وهذا الحديث هو عن أبى حميد الساعدي في عشرة من الصحابة وصف لهم صلاة رسول الله فصدقوه وقد رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم (3) في نسخة (الصلاة) بحذف الواو وما هنا هو الموافق لصحيح مسلم (ج 1 ص 118) (4) بالتصغير (5) بضم الخاء المعجمة وفتح الراء، نسب إلى الخريبة - وهى محلة بالبصرة - لانه سكنها *(3/269)
ابن سخبرة (1) وعلقمة والاسود وأبو البختري (2) * فان تشهد أمرؤ بما رواه أبو موسى وابن عباس وابن عمر كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسن *
والذي تخيرنا هو اختيار أبي حنيفة وسفيان الثوري وأحمد وداود واختار الشافعي ما رواه ابن عباس.
واختار مالك تشهدا موقوفا على عمر، (3) قد خالفه فيه ابنه وسائر من ذكرنا * وقال بعض المتقدمين: الجلوس في الصلاة ليس فرضا * وقال أبو حنيفة: الجلوس مقدار التشهد فرض، وليس التشهد فرضا * وقال مالك: الجلوس فرض، وذكر الله تعالى فيه فرض، وليس التشهد فرضا * وكل هذه الاقوال خطأ لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتشهد في القعود في الصلاة، فصار التشهد فرضا، وصار القعود الذي لا يكون التشهد الا فيه فرضا، إذ لا يجوز أن يكون غير فرض ما لا يتم الفرض إلا فيه أو به * روينا عن شعبة عن مسلم أبي النضر سمعت حملة بن عبد الرحمن (4) سمعت عمر بن الخطاب يقول: لا صلاة إلا بتشهد.
وعن نافع ابن عمر: من لم يتكلم بالتشهد فلا صلاة له.
وهو قول الشافعي وأبي سليمان * وقال بعضهم: لو كان الجلوس الاول فرضا لما أجزأت الصلاة بتركه إذا نسيه المرء *
__________
(1) بفتح السين المهملة واسكان الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة (2) بفتح الباء الموحدة والتاء المثناة بينهما خاء معجمة ساكنة.
واسمه سعيد بن فيروز (3) في نسخة (موقوفا على مالك) وهو خطأ (4) أما مسلم فانه مسلم بن عبد الله.
ولم أجد له ترجمة.
وقد ذكره الدولابى في الكنى (ج 2 ص 137) فقال (أبو النضر مسلم بن عبد الله يروى عنه شعبة.
وذكر ابن حجر في لسان الميزان (مسلم بن النضر عن شعبة ذكره ابن حبان في الذيل، وقال قال ابن خزيمة لا أعرفه وكذلك في الميزان وأظنه هو وأن الخطأ من الناسخين.
وأما (حملة) فانه في الاصل (جبلة) وهو خطأ صححناه من سنن البيهقى (ج 2 ص 139) وذكره ابن حجر في لسان الميزان قال: (حملة بن عبد الرحمن يروى عنه مسلم بن النضر - اقرأها أنو النضر - قال ابن خزيمة: لست أعرفهما انتهى وذكره ابن حبان في الثقات) *(3/270)
قال علي: وهذا ليس بشئ، لان السنة (1) التي جاءت بوجوبه هي التي جاءت بأن الصلاة تجزئ بنسيانه.
وهم يقولون: ان الجلوس عمدا في موضع القيام في الصلاة حرام تبطل الصلاة بتعمده، ولا تبطل بنسيانه، وكذلك السلام قبل تمام الصلاة ولا فرق.
فعاد نظرهم ظاهر الفساد وبالله تعالى التوفيق * 373 مسألة قال أبو محمد على بن أحمد: ويلزمه فرض (2) (أن يقول إذا فرغ من التشهد في كلتى الجلستين: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر (3) ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال) وهذا فرض كالتشهد ولا فرق (4) * لما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا نصر بن علي ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب وزهير بن حرب، كلهم عن وكيع بن الجراح ثنا الاوزاعي عن حسان بن عطية ويحيى بن أبي كثير، قال حسان: عن محمد بن أبي عائشة، وقال يحيى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، كلاهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال (5) * قال علي: فان قال قائل: فقد رويتم هذا الخبر من طريق مسلم قال: حدثنا زهير بن حرب ثنا الوليد بن مسلم حدثنى الاوزاعي ثنا حسان بن عطية ثنا محمد بن أبي عائشة أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع) ثم ذكرها نصا كما أوردناها (6)، قال: فهذا خبر واحد، وزيادة الوليد بن مسلم
__________
(1) في نسخة (لان الصلاة) وهو خطأ ليس له معنى (2) كذا في أكثر النسخ، وفى نسخة (فرضا) وكلاهما صحيح (3) في أكثر النسخ (اللهم انى أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب
القبر) (4) هذا قول لا دليل عليه.
والامر ظاهر في هذه الاحاديث أنه للندب فقد علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوات كثيرة يدعون بها بعد التشهد الاخير.
ثم لو سلم له انه للوجوب فأين الدليل على بطلان صلاة من تركه؟! وانه لقول شاذ (5) في صحيح مسلم (ج 1 ص 163) * (6) في مسلم (ج 1 ص 164) *(3/271)
زيادة عدل، فهى مقبولة، فانما يجب ذلك في التشهد الآخر فقط * قلنا: لو لم يكن إلا حديث محمد بن أبي عائشة وحده لكان ما ذكرت، لكنهما حديثان كما أوردنا، أحدهما من طريق أبي سلمة، والثانى من طريق محمد بن أبى عائشة، فانما زاد الوليد على وكيع بن الجراح، وبقى خبر أبى سلمة على عمومه فيما يقع عليه اسم تشهد، لا يجوز غير هذا (1).
وبالله تعالى التوفيق.
وقد روى عن طاوس: أنه صلى ابنه بحضرته فقال له: أذكرت هذه الكلمات قال.
لا، فأمره باعادة الصلاة * 374 مسألة ويستحب أن يقول إذا فرغ من التشهد ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن سلمة عن ابن القاسم حدثني مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أن محمد بن عبد الله بن زيد الانصاري و عبد الله بن زيد هو الذي أرى النداء (2) بالصلاة أخبره عن أبي مسعود الانصاري (3) أنه قال.
أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد.
أمرنا الله أن نصلى عليك يا رسول الله، فكيف نصلى عليك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال.
قولوا، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على (آل) (4) ابراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على (آل) (5) ابراهيم في العالمين انك حميد مجيد،، والسلام كما قد علمتم (6) * وما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق هو ابن راهويه ثنا روح عن مالك عن عبد الله
ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم أنا أبو حميد الساعدي.
(أنهم
__________
(1) كلا والله، بل يجوز غير هذا فان الحديث واحد ومخرجه متحد وأطلق راو ذكر التشهد، وقيده آخر ثقة بانه التشهد الاخير والمطلق يحمل على المقيد إذا اتحد المخرج، وقد يسهو الراوى وقد يختصر كما يعلم من له خبرة بأسانيد الاحاديث وألفاظها.
(2) ما هنا هو الموافق للنسائي (ج 1 ص 189 و 190) وفى نسخة (الاذان) (3) في نسخة (ابن مسعود الانصاري) وهو خطأ (4) كلمة (آل) زيادة من النسائي (5) كلمة (آل) زيادة من النسائي (6) قال النووي.
(بفتح العين وكسر اللام المخففة، ومنهم من رواه بضم العين وتشديد اللام أي علمتكموه وكلاهما صحيح) *(3/272)
قالوا: يا رسول الله، كيف نصلى عليك؟ قال.
قولوا.
اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على (آل) ابراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على (آل) ابراهيم إنك حميد مجيد) * فان قال قائل: لم تجعلوا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثر التشهد فرضا بهذين الخبرين وبقول الله تعالى (صلوا عليه وسلموا تسليما) كما يقول الشافعي؟ * قلنا: لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل: ان هذا القول فرض في الصلاة، ولا يحل لاحد أن يزيد في كلامه عليه السلام ما لم يقل، فنحن نقول: ان هذا القول فرض على كل مسلم أن يقوله مرة في الدهر، فإذا فعل ذلك فقد صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمر ثم يستحب له ذلك في الصلاة وغيرها، فهو تزيد (من الاجر، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى على واحدة صلى الله عليه عشرا) * فان قيل: من أين اقتصرتم على وجوب هذا مرة في الدهر، ولم توجبوا تكرار ذلك متى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ * قلنا ان قول ذلك مرة واحدة واجب بالنص، لا يمكن الاقتصار على أقل من مرة، وأما
الزيادة على المرة فنحن نسألكم: كم من مرة توجبون ذلك في الدهر أو في الحول أو في الشهر أو في اليوم أو في الساعة؟ ولا يقبل منكم تحديد عدد دون عدد إلا ببرهان، ولا سبيل إليه فقد امتنع هذا بضرورة العقل * فان قالوا: نوجب ذلك في الصلاة خاصة.
* قلنا: ليس هذا موجود في الآية، ولا في شئ من الاحاديث فهو دعوى منكم بلا برهان * فان قال قائل من غير الشافعيين: نقول بايجاب ذلك متى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة أو غيرها * قلنا: أيضا هذا لا يوجد لا في آية ولا في الصحيح من الاخبار، وانما جاء هذا في حديث رويناه من طريق أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن محمد بن هلال عن سعد ابن اسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه أن كعبا، وهذا سند لا تقوم به حجة، لان أبا بكر متكلم فيه، ومحمد بن هلال مجهول، وسعد بن اسحاق غير مشهور الحال (1).
ولقد كان يلزم
__________
(1) الحديث الذى يشير إليه المؤلف لم أعرفه.
وأما أبو بكر عبد الحميد بن عبد الله(3/273)
من رأى الصيام في الاعتكاف فرضا بدليل ذكره بين آيتى صيام: أن يجعل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فرضا للامر بها مع ذكر السلام الذي علموه، وهو إما السلام الذي في التشهد في الصلاة، وإما السلام من الصلاة بلا شك، ولكنهم لا يطردون استدلالهم على ضعفه، ولا يلتزمون الادلة الواجب قبولها.
وبالله تعالى التوفيق * 375 مسألة والتطبيق في الصلاة لا يجوز، لانه منسوخ.
وهو وضع اليدين بين الركبتين عند الركوع في الصلاة وكان ابن مسعود رضى الله عنه يفعله، ويضرب الايدي على تركه، وكذلك أصحابه كانوا يفعلونه.
روينا ذلك من طريق نوح بن حبيب القومسى: ثنا ابن ادريس هو عبد الله عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الاسود بن يزيد عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، فقام فكبر، فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه وركع، فبلغ ذلك سعد بن أبي وقاص، فقال:
صدق أخي قد كنا نفعل هذا، ثم أمرنا بهذا، يعنى الامساك بالركب) (1) * قال علي: قد ذكرنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع الايدي على الركب في حديث رفاعة بن رافع، فصح أنه هو الامر الآخر الناسخ للتطبيق.
وبالله تعالى التوفيق * 376 مسألة فإذا أتم المرء صلاته فليسلم، وهو فرض لا تتم الصلاة الا به.
ويجزئه أن يقول: (السلام عليكم) أو (عليكم السلام) أو (سلام عليكم) أو (عليكم سلام) سواء كان إماما أو مأموما أو فذا وأفضل ذلك أن يقول كل من ذكرنا: (السلام عليكم ورحمة الله) عن يمينه (السلام عليكم ورحمة الله) عن يساره * قال علي: برهان ذلك * ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا
__________
ابن أبى أويس فهو ثقة حجة.
وضعفه النسائي ورماه الازدي بالوضع فأخطأ جدا، أو هو منه زلة قبيحة كما قال الذهبي في الميزان.
وأما محمد بن هلال بن أبى هلال المدنى فهو ثقة معروف، قال ابن حجر في التهذيب: (وغفل ابن حزم فقال مجهول).
وأما سعد بن اسحق فهو ثقة لا يختلف فيه.
وان كان روى عن جده كعب فهو مرسل لانه متأخر عن ادراكه (1) حديث سعد في نسخ التطبيق رواه الشيخان وغيرهما مختصرا، ولكن الجمع بينه وبين حديث ابن مسعود بالسياق الذى هنا نسبه الشوكاني (ج 2 ص 271) إلى ابن خزيمة.
ثم رأيته كما هنا في المنتقى لابن الجارود (ص 105) رواه عن على بن خشرم عن عبد الله بن إدريس باسناده *(3/274)
أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ثنا موسى بن داود ثنا سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد هو الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا؟ (1) فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني الحسن بن إسمعيل ابن سليمان المجالدي ثنا فضيل هو ابن عياض عن منصور هو ابن المعتمر عن ابراهيم النخعي
عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فأيكم نسى شيئا في صلاته؟ (2) فليتحر الذي يرى أنه صواب ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو) * فقد ثبت بهذين الخبرين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسليم من كل صلاة، وأوامره عليه السلام فرض، ولفظة التسليم تقتضي ما ذكرناه * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري ومعمر كلاهما عن حماد بن أبي سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: (ما نسيت فيما نسيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حتى يرى بياض خده، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حتى يرى بياض خده أيضا) * ورواة أيضا عن ابن مسعود مسندا أبو الاحوص وأبو معمر، ورواه أيضا سعد ابن أبي وقاص وابن عمر كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * وهو فعل السلف كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا اسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه.
ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا زهير هو ابن معاوية عن أبي اسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن الاسود عن أبيه وعلقمة عن ابن مسعود قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود
__________
(1) في نسخة (أو أربعا) وهى تخالف كل نسخ صحيح مسلم (2) كذا هنا، وفى نسخة أخرى (ينسى في صلاته شيئا والذى في النسائي (ج 1 ص 184) (فأيكم شك في صلاته شيئا (3) حديث سعد وحديث ابن عمر رواهما النسائي (ج 1 ص 194 و 195)(3/275)
ويسلم عن يمينه وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله (1)، حتى يرى بياض خده، ورأيت أبا بكر وعمر يفعلانه) (2) *
وروينا أيضا عن عمار بن ياسر وعلى بن أبي طالب وابن مسعود وجماعة من الانصار رضى الله عنهم، وعن الصحابة جملة رضى الله عنهم بأصح اسناد يكون * ورويناه عن علقمة والاسود وخيثمة وعبد الرحمن بن أبي ليلى والنخعي، وهو قول الشافعي وسفيان الثوري وأبي حنيفة والحسن بن حى وأحمد بن حنبل واسحاق وابي سليمان.
وجمهور أصحاب الحديث * وقال الحسن بن حي: التسليمتان معا فرض * وقال أبو حنيفة: التسليمتان اختيار، وليس السلام من الصلاة فرضا، بل إذا قعد مقدار التشهد فقد تمت صلاته * فان تعمد الحدث أو لم يتعمده أو تعمد القيام أو الكلام أو العمل فذلك مباح، وقد تمت صلاته * والامة تصلى مكشوفة الرأس ثم تعتق في آخر صلاتها بعد أن جلست مقدار التشهد وقبل أن تسلم فان صلاتها قد تمت * ومن صلى جالسا لمرض ثم صح بعد أن قعد مقدار التشهد في آخر صلاته وقبل أن يسلم فصلاته تامة * ومن صلى متحريا إلى غير القبلة ثم عرف القبلة بعد أن قعد في آخر صلاته مقدار التشهد ولم يسلم فصلاته تامة * إلا في مواضع عشرة، فانه أوجب السلام فيها فرضا، وأبطل صلاة من وقع له شئ منها وان قعد مقدار التشهد ما لم يسلم * وهى: من صلى بتميم فرأى الماء بعد أن قعد في آخرها مقدار التشهد ولم يسلم * ومن صلى وهو عريان ثم وجد ما يغطى به عورته بعد أن قعد مقدار التشهد إلا أنه لم يسلم * ومن صلى الصبح ثم طلع أول قرص الشمس بعد أن قعد مقدار التشهد في آخر صلاته
__________
(1) لم يذكر لفظ السلام مرة ثانية في النسائي في هذا الاسناد (ج 1: ص 172) (2) في النسائي (يفغلان ذلك).
والحديث رواه النسائي أيضا (ج 1 ص 164) عن عمرو بن على
عن معاذ ويحيى عن زهير، ورواه أيضا (ج 1 ص 194) عن ابن المثنى عن معاذ عن زهير *(3/276)
قبل أن يسلم، فلو قهقه بعد طلوع الشمس وصلاته قد بطلت إلا أنه لم يسلم: انتقض وضوؤه * ومن تم له وقت المسح بعد أن قعد مقدار التشهد في آخر صلاته إلا أنه لم يسلم * ومن صلى الجمعة فخرج وقتها ودخل وقت العصر وقد قعد مقدار التشهد إلا أنه لم يسلم ومن قعد في آخر صلاته مقدار التشهد ثم ذكر قبل أن يسلم صلاة فائتة بينه وبينها خمس صلوات فأقل.
* والمستحاضة خرج وقت الصلاة التي هي فيها بعد أن قعدت في آخرها مقدار التشهد إلا أنها لم تسلم * ومن صلى وهو لا يحسن شيئا من القرآن فتعلم سورة بعد أن قعد في آخر صلاته مقدار التشهد إلا أنه لم يسلم * ومن مسح على جراحة به فبرئت بعد أن جلس في آخر صلاته مقدار التشهد وقبل أن يسلم (1) فان هؤلاء كلهم تبطل صلاتهم، ويلزمهم ابتداؤها * ومن صلى وهو مسافر فلما جلس في آخر الركعتين مقدار التشهد إلا أنه لم يسلم فنوى الاقامة فان فرضا عليه أن يأتي بركعتين يصليهما حضرية * لم يختلف قوله في شئ من هذا * واختلف قوله فيمن صلى وهو مريض نائما لا يقدر على أكثر من ذلك ثم صح بعد أن قعد في نيته مقدار التشهد إلا أنه لم يسلم، ومن افتتح الصلاة وهو صحيح ثم عرض له مرض نقله إلى الجلوس أو الايماء بعد أن قعد في آخر صلاته مقدار التشهد ولم يسلم: فمرة قال: تبطل صلاتهم ويبتدئونها، ومرة قال: قد تمت صلاتهم * قال علي: وانما أوردنا هذه المسائل لنرى تناقض أقوالهم، وأنهم لم يتعلقوا لا بايجاب السلام فرضا ولا بترك إيجابه، ولا ثبتوا على شئ أصلا! وهذه أقوال نحمد الله على السلامة من مثلها! *
ومن العجب أن أصحابه لم يخرجوا هذا منه على أنهما قولان له، بل ما زالوا يشغبون بالباطل والهذر في تصحيح اسقاط فرض السلام جملة، إلا في هذه المواضع، فانهم شغبوا في إيجاب فرض السلام فيها فقط، لم يختلفوا في ذلك * وأما قول الحسن بن حى فلا دليل على صحته *
__________
(1) عد المؤلف تسعا فقط *(3/277)
وقال مالك: السلام فرض تبطل صلاة من عرض له ما يبطل الصلاة ما لم يسلم، إلا أنه قال: الامام والفذ لا يسلمان إلا تسليمة واحدة، وأما المأموم فانه إن لم يكن عن شماله أحد سلم تسليمتين: احداهما عن يمينه، والاخرى يرد بها على الامام، فان كان عن يساره أحد سلم ثالثة ردا على الذي عن يساره * قال علي: وهذا أيضا قول لا دليل على صحته، وتقسيم لم يأت به قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب والامام لم يقصد بسلامه أحدا، ولو فعل ذلك لبطلت صلاته، لانه كلام مع المسلم عليه، والكلام مع غير الله تعالى وغير رسوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة عمدا مبطل للصلاة * وبرهان هذا أن المصلى كان معه أحد أو لم يكن فانه يسلم عند جميعهم كما يسلم الامام، فصح أنه خروج عن الصلاة، لا تسليم على أحد من الناس.
فسقط هذان القولان سقوطا بينا دون كلفة: ولله الحمد * قال علي: وبقى قول من لم ير التسليم من الصلاة فرضا، وقول من اختار تسليمة واحدة، ممن لم يضطرب قوله في ذلك، فوجدنا من لا يرى التسليم فرضا يحتج بما رويناه من طريق عاصم بن علي: ثنا زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة: (أخذ علقمة بيدى وحدثني أن عبد الله أخذ بيده وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة) فذكر التشهد قال: (فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت
أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد) (1) * قال علي: وهذه الزيادة انفرد بها القاسم بن مخيمرة، ولعلها من رأيه وكلامه، أو من كلام علقمة، أو من كلام عبد الله * وقد روى هذا الحديث عن علقمة ابراهيم النخعي وهو أضبط من القاسم فلم يذكر هذه الزيادة (2) *
__________
(1) رواه أبو داود (ج 1 ص 366 و 367) والدار قطني (ص 135) والبيهقي (ج 2 ص 174 و 175) من طريق زهير (2) هذه الزيادة مدرجة باتفاق علماء الحديث، قال الدارقطني: (فأدرجه بعضهم عن زهير في الحديث ووصله بكلام النبي صلى الله عليه وسلم وفصله شبابة عن زهير وجعله من كلام عبد الله بن مسعود، وقوله أشبه بالصواب من قول من أدرجه في حديث(3/278)
كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أخبرني محمد بن جبلة قال ثنا العلاء بن هلال الرقى حدثنى عبيدالله بن عمرو (1) الرقى عن زيد هو ابن أبي أنيسة عن حماد هو ابن أبي سليمان عن ابراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود قال: (كنا لا ندري ما نقول إذا صلينا، فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، فقال لنا: قولوا: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) قال علقمة: لقد رأيت ابن مسعود يعلمنا هؤلاء الكلمات كما يعلمنا القرآن (2) * ثم لو صح أن هذه الزيادة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان ما ذكرنا قبل من أمره عليه السلام زيادة حكم لا يجوز تركها، وقد صح عن ابن مسعود ايجاب التسليم فرضا كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان: ثنا سفيان الثوري عن أبى اسحاق السبيعي عن أبى الاحوص عن ابن مسعود قال
حد الصلاة التكبير وانقضاؤها التسليم * فوضح بهذا أن تلك الزيادة إما أنها ممن بعد ابن مسعود، وإما أنها عند ابن مسعود منسوخة والحجة كلها فيما ذكرنا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلام من الصلاة * وأما من رأى تسليمة واحدة وكره ما زاد، فانهم احتجوا بأخبار: منها من طريق أبي المصعب عن الدراوردي من طريق سعد.
والثابت من طريق سعد أنه عليه السلام كان يسلم تسليمتين.
وباثار واهية، منها من طريق محمد بن الفرج عن محمد بن يونس وكلاهما مجهول، أو مرسل من طريق الحسن، أو من طريق محمد بن زهير، وهو ضعيف، أو من طريق ابن لهيعة، وهو ساقط ولو صحت لكانت أحاديث التسليمتين زيادة يكون الفضل في الاخذ بها *
__________
النبي صلى الله عليه وسلم، لان ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك وجعل آخره من قول ابن مسعود ولاتفاق حسين الجعفي وابن عجلان ومحمد بن أبان في روايتهم عن الحسن بن الحر على ترك ذكره في آخر الحديث مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن عبد الله بن مسعود على ذلك.
والله أعلم) ثم رواه بأسانيد كثيرة بالزيادة وبدونها وكذلك البيهقى (1) في نسخة (عمر) وهو خطأ (2) رواه النسائي (ج 1 ص 174) *(3/279)
فان ذكر ذاكر حديث جابر بن سمرة: (كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام علكيم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تومؤن بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ إنما يكفى أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه عن يمينه وشماله) * قال علي: هذا إن كان في السلام الذي يخرج به من الصلاة فهو منسوخ بلا شك، بقوله صلى الله عليه وسلم: (ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس) وهذا أمر لم يختلف أحد من الامة في أنه محكم، ثم ادعى قوم تخصيصه في بعض الاحوال، فإذ هو كذلك فهو الناسخ لما كانوا عليه قبل من إباحة التسليم ورده في الصلاة.
فصح أن ذلك منسوخ.(3/280)
فان ذكر ذاكر حديث جابر بن سمرة: (كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام علكيم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تومؤن بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ إنما يكفى أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه عن يمينه وشماله) * قال علي: هذا إن كان في السلام الذي يخرج به من الصلاة فهو منسوخ بلا شك، بقوله صلى الله عليه وسلم: (ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس) وهذا أمر لم يختلف أحد من الامة في أنه محكم، ثم ادعى قوم تخصيصه في بعض الاحوال، فإذ هو كذلك فهو الناسخ لما كانوا عليه قبل من إباحة التسليم ورده في الصلاة.
فصح أن ذلك منسوخ.
وبالله تعالى التوفيق * (تم الجزء الثالث والحمد لله ويليه الجزء الرابع أوله (مسألة وكل من سها عن شئ) الخ) (تنبيه) تركنا التنويه بذكر النسخ التي قوبلت عليها نسختنا هذه وما لبعضها من المزايا التي تخصها إلى آخر طبع الكتاب لنعطى البيان حقه ولما يظهر لنا في أثناء السير في طبع الكتاب من اختلاف النسخ والاجزاء والمسائل: وقد تفضل حضرة السيد النبيل الغيور على كتب السنة محمد أفندي نصيف كبير أعيان جده باعارة الجزء الاول من نسخة المحلى جزاه الله خيرا.
وهذه النسخة أصلها من اليمن وعليها في أولها تعليقات كثيرة وأكثرها للعلامة محمد بن اسماعيل الامير الصنعاني صاحب سبل السلام والمظنون ان هذه التعليقات أو جلها بخط العلامة القاضي محمد بن على الشوكاني مؤلف نيل الاوطار، وينتهى بمسألة (ولا يحل لولى المرأة ولا لسيد الامة منعهما من حضور الصلاة) صحيفة 129 من هذا الجزء وتاريخ كتابتها يوم الخميس 8 شهر جمادى الاولى سنة 1221 وقد أشرنا إليها في الهوامش بالنسخة اليمنية، وقد انتفعنا في مواضع كثيرة منها نرجو الله أن يوفقنا لمكافئة صاحبها في الدارين لما له من الخدمات الجليلة إدارة الطباعة المنيرية(3/280)
المحلى - ابن حزم ج 4
المحلى
ابن حزم ج 4(4/)
المحلى تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الاصولي، قوي العارضة شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والاصول والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الاندلس ابي محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456 ه.
طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الاستاذ الشيخ احمد محمد شاكر الجزء الرابع دار الفكر(4/1)
بسم الله الرحمن الرحيم 377 مسألة وكل من سها عن شئ مما ذكرنا أنه فرض عليه حتى ركع لم يعتد بتلك الركعة، وقضاها إذا أتم الامام إن كان مأموما وكذلك يلغيها الفذ والامام، ويتمان صلاتهما، وعلى جميعهم سجود السهو، لانهم لم يأتوا بالركعة كما أمروا، وكل ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعمل في مكان من الصلاة فلا يجوز أن يعمل في غير ذلك الموضع لقول الله تعالى (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * 378 مسألة ولا يحل تعمد الكلام مع أحد من الناس في الصلاة، لا مع الامام في اصلاح الصلاة ولا مع غيره.
فان فعل بطلت صلاته.
ولو قال في صلاته: رحمك الله
يا فلان، بطلت صلاته * حدثنا عبد الله بن الربيع ثنا محمد بن اسحق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن اسماعيل ثنا أبان هو ابن يزيد العطار ثنا عاصم هو ابن أبى النجود عن ابى وائل عن ابن مسعود قال: (كنا نسلم في الصلاة ونأمر بحاجاتنا (1)، فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى، فسلمت عليه يرد على السلام، فأخذني ما قدم وما حدث (2)، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: ان الله يحدث من أمره ما يشاء، وان الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة فرد على السلام *
__________
(1) في أبى داود (ج 2 ص 347) (بحاجتنا) بالافراد (2) الرواية بضم الدال فيهما فقط.
وأصل (حدث) بفتحها وضمت هنا للازدواج.
قال في اللسان (يعنى همومه وأفكاره القديمة والحديثة، يقال حدث الشئ - يعنى بالفتح - فإذا قرن بقدم ضم للازدواج) ورواه النسائي (ج 1 ص 181) بلفظ (فأخذني ما قرب وما بعد)(4/2)
379 مسألة ولا يجوز أن يفتى الامام إلا في أم القرآن وحدها.
فان التبست القراءة على الامام فليركع، أو فلينتقل إلى سورة أخرى، فمن تعمد افتاءه وهو يدري أن ذلك لا يجوز له بطلت صلاته * برهان ذلك ما قد ذكرناه باسناده من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتقرأون خلفي؟ قالوا: نعم، قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن) * فوجب أن من أفتى الامام لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون قصد به قراءة القرآن، أو لم يقصد به قراءة القرآن، فان كان قصد به قراءة القرآن فهذا لا يجوز، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرأ المأموم شيئا من القرآن حاشا أم القرآن، وان كان لم يقصد به قراءة القرآن فهذا لا يجوز، لانه كلام في الصلاة، وقد أخبر عليه السلام أنه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، وهو قول على بن أبي طالب وغيره.
وبه يقول أبو حنيفة *
فان ذكروا خبرا رويناه من طريق يحيى بن كثير الاسدي عن المسور (1) بن يزيد الاسدي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نسى آية في الصلاة، فلما سلم ذكره رجل بها، فقال له: أفلا أذكرتنيها؟ (2) فان هذا موافق لمعهود الاصل من إباحة القراءة في الصلاة، وبيقين ندري أن نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ خلفه إلا بأم القرآن فناسخ لذلك ومانع منه، ولايجوز العود إلى حال منسوخة بدعوى كاذبة في عوديها * 380 مسألة ومن تكلم ساهيا في الصلاة فصلاته تامة، قل كلامه أو كثر، وعليه سجود السهو فقط، وكذلك ان تكلم جاهلا * وقال أبو حنيفة: الكلام في الصلاة عمدا وسهوا سواء تبطل بكليهما، ورأى السلام في الصلاة عمدا يبطلها، ولا يبطلها إذا كان سهوا.
وهذا تناقض *
__________
(1) بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد الواو المفتوحة.
هكذا ضبطه الامير ابن ماكولا فيما نقله عنه ابن حجر في التهذيب.
وكذلك ضبطه الذهبي في المشتبه.
وضبط بالحركات بكسر الميم وإسكان السين في طبقات ابن سعد وهو خطأ.
(2) رواه ابن سعد في الطبقات (ج 6 ص 32 و 33) عن الحميدى عن مروان بن معاوية عن يحيى بن كثير.
ورواه أبو داود (ج 1 ص 341) من طريق مروان بن معاوية، والمسور هذا مالكى نسبة إلى بطن من بنى أسد بن خزيمة.
والحديث نسبه في المنتقى لعبد الله بن أحمد في زوائد المسند ولم أجده فيه *(4/3)
برهان صحة قولنا قول الله عزوجل: (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) * حدثنا أحمد بن عمر بن أنس ثنا الحسين (1) بن عبد الله الجرجاني ثنا عبد الرزاق بن أحمد ابن عبد الحميد الشيرازي أخبرتنا فاطمة بنت الحسن بن الريان المخزومى وراق بكار بن قتيبة القاضي قالت: ثنا الربيع بن سليمان المؤذن ثنا بشر بن بكر عن الاوزاعي عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله تجاوز لى عن
أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) (2) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد ابن علي نا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا اسماعيل بن ابراهيم هو ابن علية عن حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال: (بينا (3) أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرمانى القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلى؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) * قال علي: هذا الحديث يبطل قول أبي حنيفة، لان فيه أنه كان بعد تحريم الكلام في الصلاة بيقين، ولم يبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته *
__________
(1) في نسخة (الحسن) ويحرر فانى لم أجد له ترجمة ولا لشيخه ولا لفاطمة.
والظاهر أنه الحسين كما في الاحكام في هذا الاسناد (2) رواه الطحاوي في معاني الآثار (ج 2 ص 56) عن الربيع بن سليمان.
وهذا اسناد صحيح وقد نسبه السيوطي في الجامع الصغير للحاكم ولم أجده فيه.
ورواه أيضا ابن ماجه (ج 1 ص 322) من طريق الوليد بن مسلم عن الاوزاعي.
وقد رواه المؤلف في الاحكام (ج 5 ص 149) بالاسناد الذى هنا.
وانظر تلخيص الحبير (ج 4 ص 112 و 114) وجامع العلوم لابن رجب (ص 270 و 272) (3) في نسخة (بينما) وما هنا هو الموافق لصحيح مسلم (ج 1 ص 151) *(4/4)
فان قيل: ولا أمره بسجود السهو.
قلنا: قد صح الامر بالسجود من زاد في صلاته أو نقص.
فواجب ضم هذا الحكم إلى ما وقع عليه ولا بد *
وقد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني ابراهيم بن يعقوب ثنا الحسن بن موسى ثنا شيبان ثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: (بينما أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ركعتين، فقام رجل من بنى سليم فقال: يارسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تقصر ولم أنس، فقال يارسول الله، إنما صليت ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحق ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ركعتين) * قال علي: فغلط في هذا الخبر صنفان: أحدهما أصحاب أبي حنيفة، والثاني ابن القاسم ومن وافقه * فأما أصحاب أبي حنيفة فانهم قالوا لعل هذا الخبر كان قبل تحريم الكلام في الصلاة، وقالوا: الرجل المذكور قتل يوم بدر، ذكر ذلك سعيد بن المسيب والزهري، وعمدوا إلى لفظ ذكره بعض رواة الخبر وهو (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقالوا: هذا إخبار بأنه صلى للمسلمين * قال علي: وهذا كله باطل وتمويه وظن كاذب * أما قولهم: لعله كان قبل تحريم الكلام فباطل، لان تحريم الكلام في الصلاة كان قبل يوم بدر بيقين * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا ابن نمير ثنا ابن فضيل هو محمد ثنا الاعمش عن ابراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: (كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو في الصلاة) (1) فيرد علينا، فلما رجعنا (2) من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، وقال: ان في الصلاة شغلا).
ولا خلاف في أن ابن مسعود شهد بدرا بعد إقباله من أرض الحبشة * وأبو هريرة وعمران بن الحصين وكلاهما متأخر الاسلام يذكران جميعا حديث ذي اليدين، وإسلامهما بعد بدر بأعوام.
وكذلك معاوية بن خديج أيضا *
__________
(1) زيادة من البخاري (ج 2 ص 139 منيرية) (2) في نسخة (فإذا رجعنا) وهو خطأ *(4/5)
وأما قولهم: ان الرجل المذكور قتل يوم بدر فتمويه بارد، لوجوه: * أحدها أن أعلى من ذكر ذلك فابن المسيب، ولم يولد إلا بعد بدر ببضعة عشر عاما * والثاني أن المقتول يوم بدر إنما هو ذو الشمالين، واسمه عبد عمرو، ونسبه الخزاعي، والمكلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو ذو اليدين، واسمه الخرباق، ونسبه سلمي * وأما قولهم: ان قول أبي هريرة: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) إنما هو إخبار عن صلاته بالمسلمين الذين أبو هريرة معهم: فباطل، يبين ذلك قول أبي هريرة الذي ذكرناه آنفا: (بينما أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) فظهر فساد قولهم * فان قالوا: قسنا السهو في الكلام على العمد.
قيل لهم: القياس كله باطل، ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل، لان القائلين بالقياس مجمعون على أن الشئ إنما يقاس على نظيره، لا على ضده، والنسيان ضد العمد، ثم يقال لهم: فهلا قستم الكلام في الصلاة سهوا على السلام في الصلاة سهوا، فهو أشبه به، لانهما معا كلام؟! فأى شئ قصدوا به إلى التفريق بينهما؟ فان الفرق بين سهو الكلام وعمده أبين وأوضح.
وبالله تعالى التوفيق * وأما ابن القاسم ومن وافقه فانهم أجازوا بهذا الخبر كلام الناس مع الامام في إصلاح الصلاة * قال علي: وهذا خطأ، لان الناس إنما كلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، وتعمد الكلام معه عليه السلام لا يضر الصلاة شيئا، وكلمهم عليه السلام وهو يقدر أن صلاته قد تمت، وأن الكلام له مباح، وكذلك تكلم الناس يومئذ بعضهم مع بعض وهم يظنون أن الصلاة قصرت وتمت * حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ثنا محمد بن جعفر: غندر عن شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم
عن أبي سعيد بن المعلى قال: (كنت أصلى فرآني النبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني فلم آته حتى صليت، فقال: ما منعك أن تأتيني؟ قلت كنت أصلى، قال: ألم يقل الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم)؟ ثم ذكر باقى الحديث * فصح أن هذا بعد تحريم الكلام في الصلاة، لامتناع أبي سعيد من اجابة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتم الصلاة، وصح أن الكلام مع النبي صلى الله عليه وسلم مباح في(4/6)
الصلاة، هذا خاص له، وفيه حمل اللفظ على العموم، واجماع أهل الاسلام المتيقن على أن المصلى يقول في صلاته (السلام عليك أيها النبي) ولا يختلف الحاضرون من خصومنا على أن من قال عامدا في صلاته: السلام عليك يا فلان، أن صلاته قد بطلت وبالله تعالى التوفيق * 381 مسألة ولا يحل للمصلى أن يضم ثيابه أو يجمع شعره قاصدا بذلك للصلاة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه باسناده: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكفت شعرا ولا ثوبا) * 382 مسألة وفرض على المصلى أن يغض بصره عن كل ما لا يحل له النظر إليه، لقول الله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) فمن فعل في صلاته ما حرم عليه فعله ولم يشتغل بها فلم يصل كما أمر، فلا صلاة له، إذ لم يأت بالصلاة التي أمر بها.
وبالله تعالى التوفيق.
وقد روى عن مالك: من تأمل عورة انسان في صلاته بطلت صلاته * 383 مسألة وفرض عليه أن لا يضحك ولا يتبسم عمدا، فان فعل بطلت صلاته، وان سها بذلك فسجود السهو فقط * أما القهقهة فاجماع، وأما التبسم فان الله تعالى يقول: (وقوموا لله قانتين) والقنوت الخشوع، والتبسم ضحك، قال الله عزوجل: (فتبسم ضاحكا من قولها).
ومن ضحك
في صلاته فلم يخشع، ومن لم يخشع فلم يصل كما أمر * روينا عن محمد بن سيرين: أنه سئل عن التبسم في الصلاة: فتلا هذه الآية، وقال: لا أعلم التبسم إلا ضحكا * ومن طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر: أنه أمر أصحابه باعادة الصلاة من الضحك * قال علي: إنما فرق بين القهقهة والتبسم من يقول بالاستحسان، فيفرق بين العمل الكثير والقليل، وهذا باطل، وفرق لا دليل عليه إلا الدعوى، ولا يخلو الضحك من أن يكون مباحا في الصلاة أو محرما في الصلاة فان كان محرما فقليله وكثيره سواء في التحريم، وان كان مباحا فقليله وكثيره سواء في الاباحة.
وبالله تعالى التوفيق * 384 مسألة وأن لا يمسح الحصا أو ما يسجد عليه إلا مرة واحدة،(4/7)
وتركها أفضل، لكن يسوى موضع سجوده قبل دخوله في الصلاة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان عن هشام الدستوائى حدثني ابن أبي كثير هو يحيى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن معيقيب (1) (أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسح في الصلاة فقال: واحدة) * قال مسلم: وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا الحسن بن موسى ثنا شيبان عن يحيى - هو ابن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن حدثني معيقيب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوى التراب حيث يسجد، قال: ان كنت فاعلا فواحدة) (2) * 385 مسألة ويقطع صلاة المصلى كون الكلب بين يديه، مارا أو غير مار صغيرا أو كبيرا، حيا أو ميتا، أو كون الحمار بين يديه كذلك أيضا، وكون المرأة بين يدى الرجل، مارة أو غير مارة، صغيرة أو كبيرة، إلا أن تكون مضطجعة معترضة
فقط، فلا تقطع الصلاة حينئذ، ولا يقطع النساء بعضهن صلاة بعض * فان كان بين يدى المصلى شئ مرتفع بقدر الذارع وهو قدر مؤخرة (3) الرحل المعهودة عند العرب ولا نبالي بغلظها لم يضر صلاته كل ما كان وراء السترة مما ذكرنا، ولا ما كان من كل ذلك فوق السترة *
__________
(1) بضم الميم وفتخ العين المهملة وإسكان الياء وكسر القاف وبعدها ياء ثم موحدة وهو ابن أبى فاطمة الدوسى.
أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة وعاد مع جعفر بن أبى طالب في غزوة خيبر.
وزعم ابن حجر في التهذيب أنه شهد بدرا وتبع في ذلك ابن منده، وهو خطأ.
ولذلك لم يعده فيهم ابن هشام ولا ابن سعد.
انظر السيرة (ص 781 و 782) والطبقات (ج 4 ق 1 ص 86 و 87) وقد ذكره في (الطبقة الثانية من المهاجرين والانصار ممن لم يشهدوا بدرا) (2) هذا والذى قبله في مسلم (ج 1 ص 153) (3) بضم الميم وإسكان الهمزة وفتح الخاء أو كسرها، وبفتح الهمزة مع تشديد الخاء وفتحها أو كسرها، ويقال أيضا (آخر الرحل وآخرته) والمراد بها في الكل خلاف قادمته وهى التى يستند إليها الراكب *(4/8)
ومن حمل صبية صغيرة على عنقه في الصلاة لم تبطل صلاته، وسواء علم المصلى بذلك أو لم يعلم * برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا اسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه ثنا المخزومي هو أبو هشام المغيرة بن سلمة ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا عبيد الله (1) بن عبد الله بن الاصم ثنا يزيد بن الاصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ويقى ذلك مثل مؤخرة الرحل (2) *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيدالله هو ابن عمر عن نافع عن عبد الله ابن عمر قال: (ان رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم كان يركز له الحربة (4) فيصلى إليها) * وقد روينا أيضا من طريق شعبة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة) * فان قيل: فقد رويتم من طريق أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم فصلى فانه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فانه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الاسود) قلنا: نعم، وحديث أبي هريرة وأنس فيهما زيادة على حديث أبي ذر، والزيادة الواردة في الدين عن الله عزوجل فرض قبولها، ومن فعل هذا فقد أخذ بحديث أبي ذر ولم يخالفه لانه ليس في حديث أبي ذر إلا ذكر الاسود فقط، ومن اقتصر على ما في حديث أبي ذر فقد خالف رواية أبي هريرة وأنس، وهذا لا يحل (5) *
__________
(1) مصغر، وفى الاصل بالتكبير وهو خطأ (2) في مسلم (ج 1 ص 145) (3) في البخاري (عن عبد الله أن النبي) (4) في الاصل (كان تركز الجربة له) وصححناه من البخاري (ج 1 ص 212) (5) غالط المؤلف هنا مغالطة غريبة فجعل الحديث المطلق زائدا على المقيد، وهو أمر راجع إلى المعنى، وانما الراجح أن زيادة الثقة(4/9)
وأما كون المرأة معترضة لا تقطع الصلاة فان عبد الله بن يوسف حدثنا قال ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج نا عمربن حفص بن غياث ثنا أبي ثنا الاعمش ثنا ابراهيم هو النخعي ومسلم هو أبو الضحى كلاهما عن مسروق عن عائشة: (والله لقد رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يصلى وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة، فتبدو لى الحاجة فأكره أن أجلس فأوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنسل من عند رجليه) * قال علي: فقد فرقت أم المؤمنين بين حال جلوسها بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى، فأخبرت بأنه أذى له، وبين اضطجاعها بين يديه وهو يصلى فلم تره أذى، وهذا نص قولنا ولله الحمد * وقد ذكرنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حاملا أمامة بنت أبى العاصى على عنقه فاستثنينا ما استثناه النص، وأبقينا ما أبقاه النص * وقد قال بهذا جماعة من السلف * روينا من طريق الحجاج بن المنهال ثنا سفيان بن عيينة عن عبيدالله بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس قال: يقطع الصلاة الكلب والمرأة * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان ثنا شعبة عن قتادة سمعت جابر بن زيد يقول قال ابن عباس: يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة *
__________
مقبولة بمعنى أنه إذا زاد في الرواية لفظا أو قيدا قبلت الزيادة، وفى معنى هذا حمل المطلق على المقيد إذا اتحد المخرج.
ثم حديث أبى ذر يرد ما قاله المؤلف ردا واضحا، ففى صحيح مسلم (ج 1 ص 144) عن عبد الله بن الصامت (عن أبى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قام أحدكم يصلى فانه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فانه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الاسود قلت يا أبا ذر ما بال الكلب الاسود من الكلب الاحمر من الكلب الاصفر؟ قال يا ابن أخى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتنى فقال: الكلب الاسود شيطان) ورواه ايضا سائر الجماعة سوى البخاري.
فهذا صريح في التفريق بين الكلب الاسود وبين غيره ودال على أن القيد بهذا اللون زيادة حافظ تجب مراعاتها، وعلى أن من أطلق فلم يذكر اللون فانما اختصر الحديث *(4/10)
وهذان سندان لا يوجد أصح منهما * ومن طريق شعبة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك قال: يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة * ومن طريق الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن حميد عن بكربن عبد الله المزني قال: كنت أصلى إلى جنب ابن عمر فدخل بينى وبينه يريد جروا فمر بين يدى فقال لي ابن عمر: أما أنت فأعد الصلاة وأما أنا فلا اعيد، لانه لم يمر بين يدى * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمى عن بكر بن عبد الله الممزني: ان جروا مر بين يدى ابن عمر فقطع عليه صلاته * وهذا ايضا من اصح إسناد يكون * ومن طريق على بن المديني: حدثنا معاذ بن هشام الدستوائي ثنا ابي عن قتادة عن زرارة ابن أوفى عن سعد بن هشام عن عامر عن أبي هريرة قال: يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة * ومن طريق عبد الله بن المبارك حدثني سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت قال: صلى الحكم بن عمرو الغفاري بالناس في سفر وبين يديه سترة، فمرت حمير بين يدى أصحابه فأعاد بهم الصلاة * ومن طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن بن مسلم المكى عن صفية بنت شيبة عن عائشة أم المومنين قالت: جعلتمونا بمنزلة الكلب والحمار وانما يقطع الصلاة الكلب والحمار والسنور.
* ومن طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم أن عبد الله بن عباس قال: يقطع الصلاة الكلب والحمار * وهو قول عطاء وابن جريج، إلا انهما خصا الكلب الاسود والمرأة الحائض *
وعن عكرمة: يقطع الصلاة الكلب والمرأة الحائض * ومن طريق شعبة عن زياد بن فياض قال سمعت أبا الاحوص هو صاحب ابن مسعود يقول: يقطع الصلاة الكلب والمرأة والحمار * وقال أحمد بن حنبل: يقطع الصلاة الكلب الاسود والحمار والمرأة إلا أن تكون مضطجعة *(4/11)
قال علي: وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يقطع الصلاة شئ من هذا كله.
وما نعلم لهم حجة إلا حديث عائشة، وهو حجة عليهم كما أوردناه، وحديثا رويناه من طريق ابن عباس: (أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس بمنى، فمررت بين يدى الصف، فنزلت فأرسلت الاتان ترتع ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك على أحد) (1) * قال علي: وهذا لا حجة فيه لوجوه: أولها ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد ابن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر نا شعبة عن الحكم هو ابن عتيبة سمعت أبا جحيفة قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ وصلى الظهر ركعتين (2) وبين يديه عنزة) وزاد فيه عون بن أبي جحيفة عن أبيه: (وكان يمر من ورائها (3) الحمار والمرأة (4) * وبه إلى مسلم: ثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري (5) ثنا أبي ثنا شعبة عن يعلى هو ابن عطاء سمع (6) أبا علقمة سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الامام جنة، فإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا) * قال علي: فما لم يحل بين الامام والمأموم مما ذكرنا فلا يقطع الصلاة، لان الامام سترة لجميع المأمومين، ولو امتد الصف فراسخ *
برهان ذلك الاجماع المتيقن الذي لا شك فيه في أن سترة الامام لا يكلف أحد من المأمومين اتخاذ سترة أخرى، بل اكتفى الجميع بالعنزة التي كان عليه السلام يصلى إليها، فلم تدخل أتان ابن عباس بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين سترته (7) *
__________
(1) نسبه في المنتقى إلى الجماعة.
انظر الشوكاني (ج 3 ص 16) ومسلم (ج 1 ص 143) (2) في مسلم (ج 1 ص 143) (فصلى لبظهر ركعتين والعصر ركعتين) (3) في نسخة (من ورائه) وهو خطأ (4) في مسلم (المرأة والحمار) (5) في مسلم (ج 1 ص 122) (عبيد الله بن معاذ) وهو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري (6) في نسخة (سمعت) وما هنا هو الموافق لمسلم (7) في نسخة (فلم تدخل أتان ابن عباس بين العنزة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الناس)(4/12)
وأيضا: فقد ثبت عن ابن عباس كما أوردنا قبل أن الحمار والمرأة والكلب يقطع الصلاة، وعهدنا بهم يقولون: ان الراوي من الصحابة أعلم بما روى (1) ثم لو صح غير هذا وهو لا يصح لكان ما رواه أبو هريرة وأنس وأبو ذر هو الناسخ بيقين لا شك فيه لما كانوا عليه قبل ورود ما رووه * وذكروا خبرين: أحدهما من طريق العباس بن عبيدالله بن العباس عن الفضل بن العباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار العباس فصلى وبين يديه حمارة وكليبة (2) * قال علي: وهذا باطل، لان العباس بن عبيدالله لم يدرك عمه الفضل * وحديث من طريق مجالد (3) عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقطع الصلاة شئ، وادرءوا ما استطعتم (4) * قال علي: أبو الوداك ضعيف، ومجالد مثله (5)، ثم لو صح كل هذا لما وجب الاخذ
__________
(1) الرواية عن ابن عباس مختلفة، وقد ورد عنه ما يدل على عدم القطع، فيحمل ما ورد
باثباته على معنى آخر، كما روى الطحاوي في معاني الآثار (ج 1 ص 266) عن عكرمة قال: (ذكر عنه ابن عباس ما يقطع الصلاة، قالوا الكلب والحمار، فقال ابن عباس: (إليه يصعد الكلم الطيب) وما يقطع هذا ولكنه يكره) وروى النسائي (ج 1 ص 123 عن صهيب قال (سمعت ابن عباس يحدث أنه مر بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام وهو من بنى هاشم على حمار بين يدى رسول الله صلى الله على وسلم وهو يصلى فنزلوا ودخلوا معه وهو يصلى فلم ينصرف فجاءت جاريتان تسعيان من بنى عبد المطلب فأخذتا بركبتيه ففرع بينهما ولم ينصرف) (2) رواه أبو داود (ج 1 ص 261) ولفظه: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا ومعه عباس فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه فما بالى ذلك) ورواه النسائي (ج 1 ص 123) وفيه أنه صلى العصر، وفى آخره (فلم يزجرا ولم يؤخرا).
ورواه الطحاوي ايضا بمعناه (ج 1 ص 266) (3) في نسخة (مجاهد) وهو خطأ (4) رواه أبو داود (ج 1 ص 262) (5) أبو الوداك هو جبر بن نوف البكالى.
وهو ثقة وثقة ابن معين وابن حبان، واختلف فيه قول النسائي، فمرة قال (صالح) ومرة قال (ليس بالقوى) ومثل هذا لا يطلق عليه الحكم بالضعف وقد أخرج له مسلم.
وأما مجالد فهو ابن سعيد الهمداني الكوفى، ضعفه أحمد وغيره، وقال يعقوب بن سفيان (تكلم الناس فيه وهو صدوق)(4/13)
باحدى الروايتين دون الاخرى الا بحجة بينة، لا بالهوى والمطارفة، فلو صحت هذه الآثار - وهى لا تصح - لكان حكمه صلى الله عليه وسلم بأن الكلب والحمار والمرأة يقطعون الصلاة - هو الناسخ بلا شك لما كانوا عليه قبل، من أن لا يقطع الصلاة شئ من الحيوان، كما لا يقطعها الفرس والسنور والخنزير وغير ذلك، فمن الباطل الذي لا يخفى ولا يحل ترك الناسخ المتيقن والاخذ بالمنسوخ المتيقن.
ومن المحال أن تعود الحالة المنسوخة ثم لا يبين عليه السلام عودها (1) *
__________
وقال البخاري (صدوق) وأخرج له مسلم مقرونا بغيره.
ومثله أيضا لا يطرح حديثه.
ولذلك قال أبو داود بعد رواية الحديث (إذا تنازع الخبران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده) (1) الراجح أن حديث قطع الصلاة بهذه الاشياء حديث منسوخ، فان قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقطع الصلاة شئ) فيه إشارة إلى أنه كان معروفا عند السامعين قطعها بأشياء من هذا النوع بل هو يكاد يكون كالصريح فيه لمن تأمل وفكر في معنى الحديث.
ثم قد ورد ما يؤيد هذا، فروى الدارقطني (ص 140 و 141) والبيهقي (ج 2 ص 277 و 278) من طريق ابراهيم بن منقذ الخولانى (ثنا ادريس بن يحيى أبو عمرو المعروف بالخولانى عن بكر بن مضر عن صخر بن عبد الله بن حرملة أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس فمر بين ايديهم حمار فقال عياش بن ابى ربيعة.
سبحان الله.
سبحان الله.
سبحان الله، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من المسبح آنفا سبحان الله؟ قال: أنا يارسول الله، إنى سمعت ان الحمار لا يقطع الصلاة، قال: لا يقطع الصلاة شئ) وقد رواه الباغندى في مسند عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن هشام بن عبيد الله، ثم رواه الحافظ أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى - راوي المسند عن الباغندى - عن محمد ابن موسى الحضرمي عن ابراهيم بن سعد، كلاهما عن ادريس بن يحيى، ولم اجد ترجمة لادريس هذا، وما أظن أحدا ضعفه، ولذلك لما اراد ابن الجوزى في التحقيق أن ينصر مذهبه ضعف الحديث بصخر بن عبد الله فأخطأ جدا لانه زعمه (صخر بن عبد الله الحاجبى المنقرى) وهو كوفى متأخر روى عن مالك والليث وبقى إلى حدود سنة 230، وأما الذى في الاسناد فهو (صخر بن عبد الله بن حرملة المدلجى) وهو حجازى قديم كان في حدود سنة 130 وهو ثقة.
ثم ان الباغندى قال في مسند عمر (ص 3): (حدثنا(4/14)
واحتج بعض المخالفين (1) بقول الله تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح
يرفعه) قال: فما يقطع هذا؟ * قال علي: يقطعه عند هؤلاء المشغبين قبلة الرجل امرأته ومسه ذكره وأكثر من قدر الدرهم البغلي من بول، ويقطعه عند الكل رويحة تخرج من الدبر متعمدة! * وأما النساء فقد أخبر عليه السلام أن خير صفوفهن آخرها، فصح أنه لا يقطع بعضهن صلاة بعض.
وبالله تعالى التوفيق * 386 مسألة ولا يحل للمصلى أن يرفع بصره إلى السماء، ولا عند الدعاء في غير الصلاة أيضا * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن المسيب ابن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لينتهين
__________
هشام بن خالد الازرق نا الوليد بن مسلم عن بكر بن مضر المصرى عن صخر بن عبد الله المدلجى قال سمعت عمر بن عبد العزيز يحدث عن عياش بن ابى ربيعة المخزومى قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى يوما بأصحابه إذ مر بين ايدينا حمار فقال عياش سبحان الله، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيكم سبح؟ قال عياش: أنا يارسول الله، سمعت ان الحمار يقطع الصلاة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقطع الصلاة شئ) وقد قلت في شرحي على التحقيق لابن الجوزى بعد رواية هذا الحديث (وهذا اسناد صحيح إلا أن عمر بن العزيز لم يسمع من عياش فقد مات سنة 15، ولكنه محمول على الرواية الاخرى عن أنس، وكأن عمر لما سمعه من أنس صار يرويه مرة عنه ومرة يرسله عن عياش، يريد بذلك رواية القصة لا ذكر الاسناد، وهذا كثير من رواة الحديث وخصوصا القدماء.
وهو صريح في الدلالة على ان الاحاديث التى فيها الحكم بقطع الصلاة - بالمرأة والحمار والكلب - منسوخة، فقد سمع عياش ان الحمار يقطع الصلاة، وعياش من السابقين الذين هاجروا الهجرتين، ثم حبس بمكة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يدعو له في القنوت كما ثبت في الصحيحين، فعلم الحكم الاول ثم غاب عنه نسخه، فأعلمه رسول الله بعد: أن الصلاة لا يقطعها شئ).
وهذا تحقيق دقيق واستدلال طريف لم أر من سبقني إليه (1) ممن احتج بهذه الآية ابن عباس كما سبق *(4/15)
أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم (1) * وروينا أيضا من طريق صحيحة عن أنس وابن عمر وأبي هريرة (2) * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا ابن مفرج نا عبد الله بن جعفر بن الورد ثنا يحيى ابن ايوب بن بادي العلاف ثنا يحيى هو ابن بكير ثنا الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك والاعرج كلاهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لينتهين أناس عن رفع أبصارهم عند الدعاء إلى السماء حتى لتخطف (3) * قال علي: هذا وعيد شديد، والوعيد لا يكون إلا على كبيرة من الحرام، لا على مباح مكروه أصلا، ولا على صغيرة مغفورة * وقال بهذا طائفة من السلف.
كما روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن زياد بن فياض عن تميم بن سلمة (4) قال رأى ابن مسعود قوما رافعي أبصارهم إلى السماء في الصلاة، فقال: لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم في الصلاة أو لا ترجع إليهم * وقال أيضا: أو ما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الامام أن يحول الله تعالى رأسه رأس كلب؟ * ومن طريق حماد بن سلمة عن عمران بن حدير عن أبي مجلز (5) قال: أما يخشى الذي يرفع بصره إلى السماء أن يختلس بصره؟، ألا أرى (6) أنه كان الملائكة تنزل *
__________
(1) في صحيح مسلم (ج 1 ص 127) ورواه أبو داود (ج 1 ص 343) وابن ماجه (ج 1 ص 167) والدارمى (ص 154) (2) أما حديث أنس فرواه أبو داود (ج 1 ص 343) والبخاري (ج 1 ص 299) والنسائي (ج 1 ص 177) والدارمى (ص 154) وأما حديث ابن عمر فرواه
ابن ماجه (ج 1 ص 167) وقال في الزوائد (اسناد صحيح ورجاله ثقات) ونسبه المنذرى في الترغيب (ج 1 ص 188 منيرية) إلى ابن حبان والطبراني في الكبير وصححه (3) في نسخة (لتختطف) ورواه مسلم (ج 1 ص 127) والنسائي (ج 1 ص 187) من طريق ابن وهب عن الليث عن جعفر عن الاعرج - وحده - عن أبى هريرة ولفظهما (لينتهين اقوام عن رفع أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم) (4) هذا مرسل لان تميم بن سلمة لم يدرك ابن مسعود فانه مات سنة 100 وابن مسعود سنة 33 (5) بكسر الميم واسكان الجيم وفتح اللام وآخره زاى، وهو تابعي واسمه لاحق بن حميد (6) كذا في الاصل، وفى نسخة (ألا يرى) والتركيب غير ظاهر فيهما *(4/16)
قال علي: من العجب أن يكون الحنفيون يبطلون صلاة من صلى خلف امام والى جانبه امرأة تصلى بصلاة ذلك الامام وهو لا يقدر على إزالتها! وصلاة من تكلم ساهيا في صلاته! والمالكيون يبطلون صلاة من صلى وقد توضأ بماء بل فيه خبز! والشافعيون يبطلون صلاة من صلى وعلى ثيابه شعر من شعره نفسه قد سقط من لحيته ورأسه! وما جاء قط نص ولا دليل على بطلان صلاة أحد من هؤلاء، ثم يجيزون صلاة من تعمد في صلاته عملا صح النص بتحريمه عليه وشدة الوعيد فيه! وبالله تعالى التوفيق (1) * 387 مسألة فان صلت امرأة إلى جنب رجل لا تأتم به ولا بامامه فذلك جائز فان كان لا ينوى أن يؤمها ونوت هي ذلك فصلاته تامة وصلاتهما باطلة.
فان نوي أن يؤمها وهى قادرة على التأخر عنه فصلاتهما جميعا فاسدة.
فان كانا جميعا مؤتمين بامام واحد ولا تقدر هي ولا هو على مكان آخر فصلاتهما تامة.
وان كانت قادرة على التأخر وهو غير قادر على تأخيرها فصلاتها باطلة وصلاته تامة.
فلو قدر على تأخيرها فلم يفعل فصلاتهما جميعا باطل * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن علي ثنا يحيى -
هو ابن سعيد القطان ثنا شعبة عن عبد الله بن المختار عن موسى بن أنس بن مالك عن أبيه قال: (صلى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبامرأة من أهلى، فأقامني عن يمينه، والمرأة خلفنا) (2) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد عن مالك ابن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم، قال أنس: فصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتين وانصرف) (3) * فصح أن مقام المرأة والمرأتين والاكثر إنما هو خلف الرجال ولا بد مع رجل واحد
__________
(1) بالغ ابن حزم وتغالى، وما تدل هذه الاحاديث على بطلان الصلاة (2) في نسخة (من خلفنا) وما هنا هو الموافق للنسائي (ج 1 ص 129) (3) في النسائي (ج 1 ص 129) (ثم انصرف) والحديث اختصره المؤلف، وقد رواه الجماعة الا ابن ماجه كما في الشوكاني (ج 3 ص 224) *(4/17)
أصلا ولا أمامه، وان موقف الرجل والرجلين والاكثر إنما هو أمام المرأة والمرأتين والاكثر ولا بد.
فمن تعدى موضعه الذي أمره الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصلى فيه وصلى حيث منعه الله كذلك: فقد عصى الله عزوجل في عمله ذلك، ولم يأت بالصلاة التي أمر الله بها والمعصية لا تجزئ عن الطاعة.
وهو قول أبي حنيفة وبعض أصحاب أبي سليمان (1) * وأما من عجز عن المكان الذي أمر به ولم يقدر على غيره فقد قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه)، وقال عليه السلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) * 388 مسألة ومن تعمد في الصلاة وضع يده على خاصرته بطلت صلاته.
وكذلك من جلس في صلاته متعمدا أن يتعمد على يده أو يديه * حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا اسماعيل بن إسحاق ثنا يحيى
ابن حبيب بن عربي ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أنه قال: (نهى (2) عن التخصر في الصلاة) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أنا عبد الله ابن المبارك عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى الرجل مختصرا) (3) * قال علي: فصح أن النهى الاول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد صح أنه عليه السلام قال: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وهو قول طائفة من السلف * كما روينا من طريق وكيع عن الاعمش عن ابي الضحى عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين انها قالت في وضع اليد على الخاصرة في الصلاة: فعل اليهود، وكرهته * وعن وكيع عن ثور بن زيد عن خالد بن معدان عن عائشة أم المؤمنين: أنها رأت رجلا في
__________
(1) وأما ما يرويه بعض علماء الحنفية بلفظ (أخروهن من حيث أخرهن الله) على أنه حديث مرفوع فانما هو موقوف من كلام ابن مسعود، رواه عنه عبد الرزاق في مصنفه انظر نصب الراية (ج 1 ص 243) (2) (نهى) بالبناء للمجهول، وقد فسره الحديث الذى بعده كما قال المؤلف.
(3) في النسائي (ج 1 ص 142) ورواه الدارمي (ص 173) ومسلم (ج 1 ص 153) وابو داود (ج 1 ص 357) والبخاري (ج ص 148) *(4/18)
الصلاة واضعا يده على خاصرته فقالت: هكذا أهل النار في النار.
(1) * وعن وكيع عن سعيد بن زياد عن زياد بن صبيح (2) الحنفي قال: (صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدى على خاصرتي، فلما صلى قال: هذا الصلب في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه) (3) * وعن ابن عباس: انه كره وضع اليد على الخاصرة في الصلاة، وقال الشيطان: يحضره * ومن طريق سفيان الثوري عن صالح بن نبهان سمعت أبا هريرة يقول: إذا قام احدكم
إلى الصلاة فلا يجعل يده في خاصرته، فان الشيطان يحضر ذلك * وأما الاعتماد على اليد فحدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن اسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في صلاته معتمدا على يده (4) * قال عبد الرزاق: أخبرني ابراهيم بن ميسرة أنه سمع عمرو بن الشريد يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كان يقول في وضع الرجل شماله إذا جلس في الصلاة: (هي قعدة المغضوب عليهم (5) * قال علي: قد صح عنه عليه السلام أنه قال: (صلوا كما تروني أصلى) فمن صلي بخلاف صلاته عليه السلام من رجل أو امرأة: فقد صلى غير الصلاة التي أمره الله تعالى بها، فلا تجزئه، والاعتماد على اليد في الصلاة خلاف صلاته عليه السلام، بلا خلاف من أحد * وروينا من طريق نافع عن ابن عمر أنه قال لانسان: ما يجلسك في صلاتك جلسة المغضوب عليهم؟! وكان رآه معتمدا على يديه * 389 مسألة والاتيان بعدد الركعات والسجدات فرض لا تتم الصلاة إلا به، لكل قيام ركوع واحد، ثم رفع واحد، ثم سجدتان بينهما جلسة.
هذا
__________
(1) في هذا المعنى حديث عن ابى هريرة مرفوعا (الاختصار في الصلاة راحة اهل النار) رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحه كما في الترغيب (ج 1 ص 193) (2) بضم الصاد ويقال بفتحها (3) رواه أبو داود (ج 1 ص 340) من طريق وكيع، ورواه النسائي (ج 1 ص 142) من طريق سفيان بن حبيب عن سعيد بن زياد بمعناه (4) رواه أبو داود (ج 1 ص 376 و 377) عن احمد بن حنبل عن عبد الرزاق (5) هذا مرسل لان عمرو بن الشريد تابعي، والاسناد إليه صحيح *(4/19)
لا خلاف فيه من أحد من الامة *
فمن نسى سجدة واحدة وقام عند نفسه إلى ركعة ثانية فان الركعة الاولى لم تتم، وصار قيامه إلى الثانية لغوا ليس بشئ، ولو تعمده ذاكرا لبطلت صلاته، حتى إذا ركع ورفع فكل ذلك لغو، لانه عمله في غير موضعه نسيانا، والنسيان مرفوع * فإذا سجد تمت له حينئذ ركعة بسجدتيها * ولو نسى من كل ركعة من صلاته سجدة لكان إن كانت الصبح أو الجمعة أو الظهر أو العصر أو العتمة في السفر قد صحت له ركعة، فليأت بأخرى ثم يسجد للسهو.
وان كان ذلك في المغرب فكذلك أيضا، وليسجد سجدة واحدة ثم يقوم إلى الثانية، فإذا أتمها جلس ثم قام إلى الثالثة ثم يسجد للسهو.
وان كانت الظهر أو العصر أو العتمة في الحضر فقد صحت له ركعتان كما ذكرنا، فعليه أن يأتي بركعتين ثم يسجد للسهو * برهان ذلك قول الله تعالى: (إنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى).
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فصح يقينا أن كل عمل عمله المرء في موضعه كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو معتد له به، وكل عمل عمله المرء في غير موضعه الذي أمره به عليه السلام فيه فهو رد.
وهذا نص قولنا ولله تعالى الحمد.
وقال بهذا الشافعي وداود وغيرهما * وقال مالك: يلغى قيامه في الاولى وركوعه ورفعه والسجدة التي سجدها ويعتد بالثانية.
وهذا خطأ لما ذكرنا، لانه اعتد له بقيام فاسد وركوع فاسد ورفع فاسد، وضع كل ذلك حيث لا يحل له، وحيث له وضعه عامدا لبطلت صلاته بلا خلاف من أحد، وألغى له قياما وركوعا ورفعا وسجدة أداها باجماع الامة، وهو معهم كما أمره الله تعالى * فان قيل: أردنا أن لا يحول بين السجدتين بعمل * قلنا: قد أجزتم له أن يحول بين الاحرام للصلاة وبين القيام والقراءة المتصلين بها بعمل أبطلتموه، فما الفرق؟! وقد حال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أعمال صلاته ناسيا بما ليس منها، من سلام وكلام ومشى واتكاء ودخوله منزله، ولم يضر ذلك ما عمل
من صلاته شيئا، فالحيلولة بينهما إذا كانت بنسيان لا تضر * فان قيل: إنه لم ينو بالسجدة أن تكون من الركعة الاولى، وانما نواها من الثانية، والاعمال بالنيات *(4/20)
قلنا لهم: هذا لا يضر، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نوى بالجلسة التي سلم منها أنها من الركعة الرابعة، وهى من الثانية، ثم اعتد بها للثانية، وكذلك أمر عليه السلام من لم يدركم ركعة صلى أن يصلى حتى يكون على يقين من التمام، وعلى شك من الزيادة، فالمصلى على هذا ينوى بالركعة أنها الثالثة ولعلها رابعة، ولا يضر ذلك شيئا.
ثم نقول لهم: هذا نفسه لازم (1) لكم، لانه نوى بالتكبير للاحرام أن تلى الركعة (2) التي أبطلتم عليه، لا الركعة التي جعلتموها أولا * وقال أبو حنيفة يسجد في آخر صلاته أربع سجدات متواليات (3) وتمت صلاته.
* وهذا كلام في غاية الفساد، لانه اعتد له بأربع ركعات متواليات لم يتم منها ولا واحدة وهذا باطل، ثم أجاز له سجدات متتابعات لم يأمر الله تعالى قط بها، أتى بها عامدا مخالفا لامر الله عزوجل بالقصد، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلى) ولتعليمه عليه السلام المصلى كيف يعمل، من طريق أبي هريرة ورفاعة بن رافع، وقد ذكرنا كل ذلك باسناده، وهم يدعون أنهم أصحاب قياس، ولا يختلفون في أنه لا يحل للمصلى تعمد تقديم سجدة قبل الركعة، ولا تعمد تقديم ركوع قبل السجدة التي في الركوع الذي قبله، ثم أجازوا هذا بعينه وبالله تعالى التوفيق * 390 مسألة ولا يحل للمصلى أن يفترش ذراعيه في السجود * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة سمعت قتادة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (4) قال: (اعتدلوا في السجود، ولا يبسط (5) أحدكم ذراعيه انبساط الكلب).
*
وروينا عن أبي وائل عن حذيفة: أنه رأى رجلا لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته قال له: ما صليت (6) *
__________
(1) في نسخة (هذا تفسير لازم) (2) في نسخة (بالتكبير للاحرام إذا الركعة) الخ وهو غير واضح (3) في نسخة (متتابعات) (4) في البخاري (ج 2 ص 9) بحذف (أنه) (5) هذه توافق رواية ابن عساكر وهى الاحسن، وفى رواية الاكثرين في البخاري (ولا ينسبط) وفى رواية الحموى (ولا يبتسط) بتقديم الباء على التاء (6) رواه البخاري (ج 1 ص 313) من طريق زيد بن وهب عن حذيفة وتمامه (ولو مت مت على غير الفطرة التى فطر الله محمدا صلى الله عليه وآله عليها) *(4/21)
قال علي: من افترش ذراعيه في السجود فلم يتم سجوده، ومن لم يتم سجوده فلا صلاة له عند حذيفة، ولا نعلم له مخالفا من الصحابة رضى الله عنهم * 391 مسألة وفرض على المصلى أن لا يبصق أمامه ولا عن يمينه، في صلاة كان أو في غير صلاة.
وحكمه أن يبصق في الصلاة في ثوبه أو عن يساره تحت قدمه، أو على بعد على يساره، ما لم يلق البصقة في المسجد، أو يبصق خلفه ما لم يؤذ بذلك أحدا * ولا يجوز البصاق في المسجد البتة، وان كان في غير صلاة، الا ان يدفنه * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق أنا الثوري هو سفيان عن منصور هو ابن المعتمر عن ربعي بن حراش عن طارق بن عبد الله المحاربي قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صليت فلا تبصق بين يديك ولا عن يمينك، وابصق تلقاء شمالك ان كان فارغا، والا فتحت قدمك، وأشار برجله ففحص الارض).
(1) * وروينا أيضا بأجل اسناد عن شعبة ثنا قتادة سمعت أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه (2) *
وعن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (3).
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (4) * وروينا النهى عن ذلك عن حذيفة (5) وأبي هريرة، ولا مخالف لهما من الصحابة رضى الله عنهم * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا شعبة ثنا قتادة قال سمعت أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها (6) *
__________
(1) رواه أحمد (ج 6 ص 396) بثلاث اسانيد عن منصور.
ورواه أبو داود (ج 1 ص 178) والترمذي (ج 1 ص 113) والنسائي (ج 1 ص 119) وابن ماجه (ج 1 ص 165) والحاكم (ج 1 ص 256) وصححه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي (2) حديث أنس سيذكره المؤلف باسنادين من طريق البخاري (3) رواه البخاري (ج 1 ص 181) (4) حديث ابن عمر رواه البخاري (ج 1 ص 179) والدارمى (ص 169) وابن ماجه (ج 1 ص 133) (5) اثر حذيفة في ابن ماجه (ج 1 ص 165) (6) رواه البخاري (ج 1 ص 181) *(4/22)
وبه إلى البخاري ثنا حفص بن عمر (1) ثنا شعبة اخبرني قتادة سمعت أنس ابن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتفلن أحدكم بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت رجله * فهذا عموم في الصلاة (2) وغيرها وأمر الصلاة يدخل في هذا الخبر والى كل هذا ذهب السلف الطيب * روينا عن طاوس: أن معاوية بزق في المسجد وذهب ثم رجع ومعه شعلة من نار فجعل يتبع البزاق حتى دفنه * وعن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن يزيد: كنا مع عبد الله
ابن مسعود فاراد أن يبصق وما عن يمينه فارغ، فكره أن يبصق عن يمينه وليس في صلاة * وعن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي نصر (3) عن عبد الله بن الصامت عن معاذ بن جبل: أنه كان مريضا فقال: ما بصقت عن يمينى مذ أسلمت * وعن ابن جريج أن ابن نعيم أخبره أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول لابنه عبد الملك وبصق (5) عن يمينه وهو في مسير، فنهاه عمر عن ذلك وقال: إنك تؤذي صاحبك ابصق عن شمالك * وعن عبد الرحمن بن مهدي ثنا المنذر بن ثعلبة عن همام بن خناس (6) قال: نهانى ابن عمر عن أن أبصق عن يمينى في غير صلاة * وعن أبي إسحق السبيعى قال: رأيت عمرو بن ميمون يصلى فأراد أن يبصق فلم يجد عن يساره موضعا فالتفت خلفه فبزق (7) * وعن همام بن يحيى قال: دخلت على محمد بن سيرين فرأيته دخل في الصلاة،
__________
(1) في الاصل (عمر بن حفص) وهو خطأ صححناه من البخاري (ج 1 ص 180) فان حفص بن عمر هو الذى يروى عن شعبة.
واما عمر بن حفص فانه من شيوخ البخاري أيضا ولكنه لم يرو عن شعبة (2) في نسخة (للصلاة) (3) هو حميد بن هلال البصري تابعي ثقة (4) في نسخة (منذ) وهى توافق ما في فتح الباري (ج 1 ص 427) (5) في نسخة (وبزق) (6) خناس: بضم الخاء المعجمة وتخفيف النون، هكذا ضبطه الذهبي في المشتبه (ص 140) وصاحب القاموس وزاد شارحه أنه مروزى، ولم أجد له ترجمة (7) في نسخة (فبصق) *(4/23)
فأراد أن يبزق (1) وكان الحائط عن يساره، فالتفت عن يساره حتى أخرج البزاق من المسجد * قال علي: هؤلاء طائفة من الصحابة رضى الله عنهم (2) لا يعرف لهم منهم مخالف،
وبالله تعالى التوفيق * 392 مسألة ولا تحل الصلاة في عطن إبل، وهو الموضع الذي تقف فيه الابل عند ورودها الماء وتبرك، وفى المراح والمبيت، فان كان لرأس واحد من الابل أو لرأسين فالصلاة فيه جائزة، وإنما تحرم الصلاة إذا كان لثلاثة فصاعدا * ثم استدركنا فقلنا: انه لا تجوز الصلاة البتة في الموضع المتخذ لبروك جمل واحد فصاعدا، ولا في المتخد عطنا لبعير واحد فصاعدا، على ما نذكره بعد هذا ان شاء الله تعالى (3) * والصلاة إلى البعير جائزة وعليه فان انقطع أن تأوى الابل إلى ذلك المكان حتى يسقط عنه إسم عطن جازت الصلاة فيه * فمن صلى في عطن إبل بطلت صلاته عامدا كان أو جاهلا * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد ابن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري والقاسم بن زكرياء، قال أبو كامل: ثنا أبو عوانة عن عثمان بن عبد الله بن موهب، وقال القاسم بن زكريا: ثنا عبيدالله بن موسى عن شيبان، كلاهما عن جعفر بن ابي ثور عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ان رجلا سأله: أصلى (4) في مبارك الابل؟ قال: لا (5) * حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أبو عيسى بن ابى عيسى القاضي ثنا احمد بن خالد ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر ابن ابي شيبة عن يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا لم تجدوا إلا مرابض الغنم
__________
(1) في نسخة (ويبصق) (2) ومن التابعين ايضا، فليس كل الذين روى عنهم المؤلف من الصحابة بل منهم تابعون (3) من اول قوله (ثم استدركنا) زيادة من النسخة رقم (45) وهى زيادة واجبة، ولله در ابن حزم، إذا أخطأ ثم بان له الدليل اسرع إلى الفيئة واعترف بخطئه رحمه الله ورضى عنه (4) في النسخة (45) (أأصلى)
وما هنا هو الموافق لصحيح مسلم (ج 1 ص 108) (5) اختصر المؤلف الحديث *(4/24)
واعطان الابل فصلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في معاطن الابل (1) * وروينا ذلك ايضا باسناد في غاية الصحة عن البراء بن عازب وعبد الله بن مغفل كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)، فهذا نقل تواتر يوجب يقين العلم * وقد احتج بعض من خالف هذا بأن قال: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (فضلت على الانبياء بست)، فذكر فيها (وجعلت لى الارض مسجدا وطهورا فحيثما ادركتك الصلاة فصل) قال: وهذه فضيلة، والفضائل لا تنسخ، وذكر قول الله تعالى (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * فقلنا.
ان هذا كله حق، وليس للنسخ ههنا مدخل والواجب استعمال كل هذه النصوص، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأن يستثنى الاقل من الاكثر، فتستعمل جميعا حينئذ ولا يحل لمسلم مخالفة شئ منها، ولا تغليب بعضها على بعض بهواه * ثم نسأل المخالف عن الصلاة في كنيف أو مزبلة ان كان شافعيا أو حنفيا، وعن صلاة الفريضة في جوف الكعبة ان كان مالكيا، وعن الصلاة في ارض مغصوبة ان كان من اصحابنا فانهم يمنعون من الصلاة في هذه المواضع ويختصونها من الآية المذكورة ومن الفضيلة المنصوصة.
وقد قال تعالى وذكر مسجد الضرار: (لا تقم فيه أبدا) فحرم الصلاة فيه وهو من الارض، فصح أن الفضيلة باقية، وأن الارض كلها مسجد وطهور إلا مكانا نهى الله تعالى عن الصلاة فيه * فان قيل: قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعيره والى بعيره، قلنا: نعم ومن منع هذا فهو مبطل، ومن صلى على بعيره أو إلى بعيره فلم يصل في عطن ابل، وعن هذا جاء النهى لا عن الصلاة إلى البعير *
__________
(1) رواه البيهقى (ج 2 ص 44) بهذا اللفظ من طريق يزيد بن زريع عن هشام
ابن حسان، واوله (إذا حضرت الصلاة فلم تجدوا) الخ وكذلك رواه الدارمي (ص 168) عن محمد بن منهال عن يزيد بن زريع، ورواه ابن ماجه قريبا من اللفظ الذى هنا عن ابى بكر ابن ابى شيبة عن يزيد بن هرون، وعن بكر بن خلف عن يزيد بن زريع (ج 1 ص (134) ورواه الترمذي مختصرا وصححه (ج 1 ص 71) (2) حديث البراء رواه ابو داود (ج 1 ص 73 - 184) والبيهقي.
وحديث عبد الله بن مغفل رواه ابن ماجه.
والبيهقي، ورواه الشافعي في الام ايضا (ج 1 ص 80) والنسائي (ج 1 ص 120)(4/25)
وقد زاد بعضهم كذبا وجرأة وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنما نهى عن الصلاة في معاطنها ومباركها لنفارها واختلاطها، أو لان الراعي يبول بينها! * قال علي: وهذا كذب مجرد على النبي صلى الله عليه وسلم، وإخبار عنه بالباطل وبما لم يقله عليه السلام قط، ولو أطلق مثل هذا على رجل من عرض الناس لكان إثما وفسقا، فكيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ولو أنه عليه السلام أراد ما ذكروا لبينه * ثم هبك أنه كما قالوا ومعاذ الله من ذلك فان النهي والتحريم بذلك باقي كما.
كان، فكيف يستحلون أن يصححوا النهى ويدعوا أنه لعلة يذكرونها: ثم يبيحون ما صح النهي عنه؟! هذا أمر ما ندري كيف هو؟ ونعوذ بالله من البلاء * وقد روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاصى أنه قال: لا تصلوا في أعطان الابل * وسئل مالك عمن لم يجد إلا عطن ابل قال: لا يصلى فيه، قال فان بسط عليه ثوبا قال: لا أيضا (1) * وقال احمد بن حنبل: من صلى في عطن ابل أعاد أبدا * فان قيل: فانه قد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فانها خلقت من الشياطين) (2) * قلنا نعم، هذا حق، ونحن نقر بهذا، ولا اعتراض في هذا على نهيه عليه السلام عن
الصلاة في أعطانها * قال علي: والبعير والبعيران لا يشك في أن الموضع المتخذ لمبركهما أو لمبرك أحدهما داخل في جملة مبارك الابل وعطن الابل، وكل عطن فهو مبرك، وليس كل مبرك عطنا لان العطن هو الموضع الذي تناخ فيه عند ورودها الماء فقط، والمبرك أعم، لانه الموضع المتخذ لبروكها في كل حال.
وإذا سقط عن العطن والمبرك اسم عطن ومبرك فليس عطنا ولا مبركا، فالصلاة فيه جائزة * فأما قولنا عالما كان أو غير عالم، فلانه أتي بالصلاة في غير موضعها ومكانها، والصلاة لا تصح إلا في زمان ومكان محدودين، فإذا لم تؤد في مكانها وزمانها فليس هي التي أمر الله
__________
(1) في المدونة (ج 1 ص 90) عن القاسم (سألت مالكا عن أعطان الابل في المناهل أيصلى فيها؟ قال: لا خير فيه) (2) هو في حديث البراء وحديث ابن مغفل *(4/26)
تعالى بها، بل هي غيرها.
وبالله تعالى التوفيق * 393 مسألة ولا تحل الصلاة في حمام، سواء في ذلك مبدأ بابه إلى منتهى جميع حدوده، ولا على سطحه ومستوقده وسقفه وأعالي حيطانه، خربا كان أو قائما، فان سقط من بنائه شئ فسقط عنه اسم (حمام) جازت الصلاة في أرضه حينئذ * ولا في مقبرة، مقبرة مسلمين كانت أو مقبرة كفار، فان نبشت وأخرج ما فيها من الموتى جازت الصلاة فيها * ولا إلى قبر ولا عليه، ولو أنه قبر نبي أو غيره * فان لم يجد إلا موضع قبر أو مقبرة أو حماما أو عطنا أو مزبلة أو موضعا فيه شئ أمر باجتنابه: فليرجع، ولا يصلى هنالك جمعة ولا جماعة * فان حبس في موضع مما ذكرنا فانه يصلى فيه، ويجتنب ما افترض عليه اجتنابه بسجوده، لكن يقرب مما بين يديه من ذلك ما أمكنه، ولا يضع عليه جبهة ولا أنفا ولا يدين ولا
ركبتين، ولا يجلس إلا القرفصاء.
فان لم يقدر إلا على الجلوس أو الاضطجاع صلى كما يقدر واجزأه * برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثنا حجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى الانصاري (1) عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: (الارض كلها مسجد الا الحمام والمقبرة) (2) * حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقي ثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا أبو كامل هو الجحدري ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا عمرو بن يحيى المازنى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الارض كلها مسجد إلا الحمام
__________
(1) في النسخة رقم (45) (عمرو بن يحيى المازنى) وكلاهما صواب فهو أنصارى ما زنى (2) رواه الدارمي (ص 168) والترمذي (ج 1 ص 65 و 66) والحاكم (ج 1 ص 251) كلهم من طريق عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبى سعيد مرفوعا.
ورواه أبو داود (ج 1 ص 184) ورواه الشافعي في الام (ج 1 ص 79) عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرفوعا مرسلا *(4/27)
والمقبرة (1) * قال البزار: أسنده أيضا عن عمرو بن يحيى: أبو طوالة (2) عبد الله بن عبد الرحمن الانصاري وأحمد بن اسحاق (3) * قال علي: قال بعض من لا يتقي عاقبة كلامه في الدين: هذا حديث أرسله سفيان الثوري، وشك في اسناده موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة (4) *
__________
(1) رواية عبد الواحد بن زياد رواها أيضا الحاكم (ج 1 ص 251) من طريق موسى بن اسماعيل التبوذكى عن عبد الواحد.
وروى البيهقى طرقه كلها (ج 2 ص 434
و 435) (2) بضم الطاء المهملة وفتح الواو.
وهو ثقة حجة، وكان قاضى المدينة في زمن عمر بن عبد العزيز.
مات سنة 134 (3) كذا في الاصلين، وما عرفت من هو؟ ويغلب على ظنى أن صوابه (محمد بن إسحق) لما سنذكره من كلام الترمذي ان شاء الله.
ويؤيد ذلك أيضا حكاية ابن حجر في التلخيص أن محمد بن اسحق رواه موصولا أما شك موسى بن اسماعيل فانه في ابى داود (ج 1 ص 184) ولكن رواه الحاكم من طريقه كما ذكرنا موصولا مسندا من غير شك، وأما إرسال الثوري اياه فقد زعمه الترمذي والبيهقي، ولم أره مرسلا إلا من طريق سفيان بن عيينة عند الشافعي كما سبق، فما أدرى هل اشتبه عليهم سفيان بسفيان؟! ومن الغريب أن البيهقى رواه من طريق يزيد بن هرون عن الثوري موصولا ثم قال: (حديث الثوري مرسل وقد روى موصولا وليس بشئ وحديث حماد بن سلمة وقد تابعه على وصله عبد الواحد بن زياد والدراوردى) يعنى عبد العزيز ابن محمد! ويزيد بن هرون حجة حافظ، ولكن المهم هو نصر المذهب فقط.
وأما الترمذي فانه قال (حديث أبى سعيد قد روى عن عبد العزيز بن محمد روايتين، منهم من ذكره عن أبى سعيد ومنهم من لم يذكره، وهذا حديث فيه اضطراب، روى سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، ورواه محمد بن اسحق عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال: وكان عامة روايته عن أبى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه عن أبى سعيد، وكأن رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت وأصح).
وما ضر الحديث ارسال الثوري - أو ابن عيينة - ولا شك موسى بن اسماعيل - إن ثبت ذلك - وزيادة الثقة مقبولة ومن حفظ حجة على من(4/28)
قال على: فكان ماذا؟! لاسيما وهم يقولون: إن المسند كالمرسل ولا فرق! ثم أي منفعة لهم في شك موسى ولم يشك حجاج؟! وان لم يكن فوق موسى فليس دونه! أو في إرسال سفيان وقد أسنده حماد وعبد الواحد وأبو طوالة وابن إسحاق، وكلهم عدل! *
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا أحمد بن الفضل الدينوري ثنا محمد بن جرير الطبري ثنا محمد بن بشار بدار ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد الله بن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر حدثني بسر بن عبيدالله (1) سمعت أبا إدريس الخولاني قال: سمعت وائلة ابن الاسقع يقول: سمعت أبا مرثد الغنوي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها (2) * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أخبرني عبيدالله بن عبد الله بن عتبة: أن عائشة وابن عباس أخبراه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة جعل يلقى على وجهه طرف خميصة له، فإذا اغتم كشفها عن وجهه، وهو يقول لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، تقول عائشة يحذر مثل ما صنعوا (3) *
__________
لم يحفظ، وقد ورد من طريق أخرى صحيحة ترفع الشك وتؤيد من رواه موصولا، وهى في المستدرك للحاكم من طريق بشر بن المفضل (ثنا عمارة بن غزية عن يحيى بن عمارة الانصاري - والد عمرو بن يحيى - عن أبى سعيد الخدرى) مرفوعا، ولذلك قال الحاكم بعد ان رواه منها ومن طريقي عبد الواحد بن زياد والدراوردى عن عمرو عن أبيه: (هذه الاسانيد كلها صحيحة على شرط البخاري ومسلم) ووافقه الذهبي وقد صدقا (1) بسر: بضم الباء واسكان السين المهملة، وعبيدالله: بالتصغير.
ويظهر أن بسرا سمع الحديث من أبى ادريس عن واثلة ثم من واثلة.
ولذلك جاء عنه بالاسنادين في مسند احمد وصحيح مسلم.
وصريح بالسماع من واثلة في أبى داود والمسند (2) رواه احمد في المسند (ج 4 (3) الحديث رواه أحمد في المسند (ج 6 ص 228 و 229) مطولا عن عبد الرزاق ورواه بأسانيد أخرى (ج 1 ص 218 وج 6 ص 34 و 80 و 121 و 146 و 252 و 255 و 274) ورواه ابن سعد في الطبقات (ج 2 ق 2 ص 34) ورواه البخاري (ج 1 ص 189) ومسلم (ج 1 ص 149 والنسائي ج 1 ص 115)(4/29)
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا اسحاق بن ابراهيم وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له، قال إسحاق: أخبرنا زكرياء بن عدي، وقال أبو بكر: ثنا زكرياء بن عدى عن عبيدالله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله ابن الحارث النجراني حدثني جندب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس: (وان (1) من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك) (2) في حديث طويل قال علي: من زعم أنه عليه السلام أراد بذلك قبور المشركين فقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لانه عليه السلام عم بالنهي جميع القبور، ثم أكد بذمه من فعل ذلك في قبور الانبياء والصالحين * قال علي: فهذه آثار متواترة توجب ما ذكرناه حرفا حرفا، ولا يسع أحدا تركها * به يقول طوائف من السلف رضى الله عنهم * روينا عن نافع بن جبير بن مطعم أنه قال: ينهى أن يصلى وسط القبور والحمام والحشان (3) * وعن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: لا تصلين إلى حش ولا في حمام ولا في مقبرة! (4) *
__________
(1) اختصر المؤلف الحديث من أوله، وفى النسخة (45) (فان) وما هنا هو الموافق لمسلم (ج 1 ص 149) (2) حديث جندب ليس في مسند أحمد على سعته.
وقد رواه ابن سعد في الطبقات (ج 2 ق 2 ص 34 و 35) عن عبد الله بن جعفر الرقى عن عبيدالله بن عمرو الرقى باسناده (3) الحش - بفتح الحاء المهملة وبضمها مع تشديد الشين المعجمة - النخل المجتمع
أو البستان، وسمى المتوضأ بذلك لانهم كانوا يذهبون عند قضاء الحاجة إلى البساتين وقيل إلى النخل المجتمع يتغوطون فيها.
والجمع حشان وحشان - بكسر الحاء وبضمها مع تشديد الشين وآخرهما نون - وحشاشين، وهى جمع الجمع.
هكذا قال في اللسان (4) نقله البيهقى (ج 2 ص 435) عن أبى ظبيان عن ابن عباس بغير إسناد *(4/30)
قال علي: ما نعلم لابن عباس في هذا مخالفا من الصحابة رضى الله عنهم، وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق تقليدهم * وعن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يكرهون أن يتخذوا ثلاث أبيات قبلة.
الحش.
والحمام.
والقبر * وعن العلاء بن زياد عن أبيه وعن خيثمة بن عبد الرحمن أنهما قالا: لا تصل إلى حمام ولا إلى حش ولا وسط مقبرة (1) * وقال أحمد بن حنبل: من صلى في حمام أعاد أبدا * وعن وكيع عن سفيان الثوري عن حميد عن أنس قال: رآني عمر بن الخطاب أصلى إلى قبر فنهاني، وقال: القبر أمامك * وعن معمر عن ثابت البناني عن أنس قال: رآني عمر بن الخطاب أصلى عند قبر فقال لي: القبر لا تصل إليه (2).
قال ثابت: فكان أنس يأخذ بيدى إذا أراد أن يصلى فيتنحى عن القبور * (3) وعن علي بن أبي طالب: من شرار الناس من يتخذ القبور مساجد * وعن ابن عباس رفعه: لا تصلوا إلى قبر ولا على قبر * وعن ابن جريج أخبرني ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول: قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد * (4)
__________
(1) في نسخة (ولا إلى وسط مقبرة) (2) في نسخة (لا يصلى إليه) (3) أثر أنس نسبه
ابن حجر في الفتح (ج 1 ص 437) إلى أبى نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة.
ورواه البيهقى مطولا (ج 2 ص 435) (4) أتى المؤلف بالحديث موقوفا، وأظنه أخذه من مصنف عبد الرزاق فقد رواه احمد في المسند (ج 2 ص 285) عن محمد بن بكر وعبد الرزاق كلاهما عن ابن جريج، ورفعه ابن بكر ولم يرفعه عبد الرزاق.
ورفعه صحيح فقد رواه البخاري (ج 1 ص 190) ومسلم (ج 149 1) وابو داود (ج 3 ص 210) كلهم من طريق مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة مرفوعا، ورواه أحمد في المسند بأسانيد متعددة (ج 2 ص 284 و 285 و 453 و 454 و 518) وفى بعض ألفاظ المسند (قاتل الله اليهود والنصارى) وكذلك في رواية مسلم عن يزيد بن الاصم عن أبى هريرة، وهو بهذا اللفظ في بعض نسخ المحلى *(4/31)
قال ابن جريج: قلت لعطاء: أتكره أن تصلى وسط القبور أو إلى قبر؟ قال: نعم، كان ينهي عن ذلك، لا تصل وبينك وبين القبلة قبر، فان كان بينك وبينه سترة ذراع فصل * قال ابن جريج: وسئل عمرو بن دينار عن الصلاة وسط القبور فقال: ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كانت بنو إسرائيل اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فلعنهم الله) * قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن طاوس عن أبيه قال: لا أعلمه إلا أنه كان يكره الصلاة وسط القبور كراهية شديدة * وعن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي قال: كانوا إذا خرجوا في جنازة تنحوا عن القبور للصلاة * وقال احمد بن حنبل: من صلى في مقبرة أو إلى قبر أعاد أبدا * قال علي: فهؤلاء عمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب وأبو هريرة وأنس وابن عباس
ما نعلم لهم مخالفا من الصحابة رضى الله عنهم * قال علي: وكره الصلاة إلى القبر وفى المقبرة وعلى القبر أبو حنيفة والاوزاعي وسفيان ولم ير مالك بذلك بأسا، واحتج له بعض مقلديه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر المسكينة السوداء * قال علي: وهذا عجب ناهيك به، أن يكون هؤلاء القوم يخالفون هذا الخبر فيما جاء فيه، فلا يجيزون أن تصلى صلاة الجنازة على من قد دفن ثم يستبيحون (1) بما ليس فيه منه أثر ولا إشارة مخالفة السنن الثابتة، ونعوذ بالله من الخذلان * قال علي: وكل هذه الآثار حق، فلا تحل الصلاة حيث ذكرنا، إلا صلاة الجنازة فانها تصلى في المقبرة وعلى القبر الذي قد دفن صاحبه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحرم ما نهى عنه، ونعد من القرب إلى الله تعالى أن نفعل مثل ما فعل، فأمره ونهيه حق، وفعله حق، وما عدا ذلك فباطل، والحمد لله رب العالمين * وأما قولنا أن يرجع من لم يجد موضعا غير ما ذكرنا، فانه لم يجد موضعا تحل فيه الصلاة، وكذلك لو وجد زحاما لا يقدر معه على ركوع ولا سجود *
__________
(1) في نسخة (يستجيزون)(4/32)
وأما المحبوس فليس قادرا على مفارقة ذلك الموضع، ولا على الصلاة في غيره، فله حكم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول (إذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فهذا يسقط عنه ما عجز عنه، ويلزمه ما قدر عليه، ويجتنب ما قدر على اجتنابه مما نهى عنه، قال عزوجل (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * 394 مسألة ولا تجوز الصلاة في أرض مغصوبة ولا متملكة بغير حق من بيع فاسد أو هبة فاسدة أو نحو ذلك من سائر الوجوه، وكذلك من كان في سفينة مغصوبة أو فيها لوح مغصوب لولاه لغرقها الماء، فانه إن قدر على الخروج عنها فصلاته باطل، وكذلك الصلاة
على وطاء مغصوب أو مأخوذ بغير حق، أو على دابة مأخوذة بغير حق، أو في ثوب مأخوذ بغير حق، أو في بناء مأخوذ بغير حق وكذلك إن كان مسامير السفينة مغصوبة، أو خيوط الثوب الذي خيط بها مغصوبة أو أخذ كل ذلك بغير حق * فان كان لا يقدر على مفارقة ذلك المكان أصلا، ولا على الخروج عن السفينة أو كان اللوح لا يمنع الماء من الدخول، أو كان غير مستظل بذلك البناء ولا مستترا به، أو كان قد يئس عن (1) معرفة من أخذ منه ذلك الشئ بغير حق، أو كانت سفينة أو بناء لم يغصب شئ من أعيانها لكن سخر الناس فيها ظلما: فالصلاة في كل ذلك جائزة، قدر على مفارقة ذلك المكان أو لم يقدر * وكذلك إن خشى البرد وأذاه، أو الحر وأذاه، فله أن يصلى في الثوب المأخوذ بغير حق وعليه إذا كان صاحبه غير مضطر إليه، وإلا فلا، وكذلك الارض المباحة التي لم يحظرها صاحبها ولا منع منها، فالصلاة فيها جائزة * برهان ذلك قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون.
فان لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) صح ذلك من طريق أبي بكرة، وعبد الله بن عمر، ونبيط بن شريط الاشجعي (2).
وقال عليه السلام
__________
(1) كذا في الاصول (يئس عن) وانما يقال (يئس من الشئ) قال في اللسان: (ويئس أيضا وهو شاذ) وما أكثر شذوذ ابن حزم! (2) نبيط: بضم النون وفتح الباء(4/33)
(من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
فإذا كان من حرم الله عليه الدخول إلى مكان ما، والاقامة فيه، ولباس ثوب ما، والتصرف فيه، أو استعمال شئ ما: ففعل في صلاته كل ما حرم عليه فلم يصل كما أمر، ومن لم يصل كما أمر فلم يصل أصلا، والصلاة طاعة
وفريضة، قيامها وقعودها والاقامة فيها، وبعض اللباس فيها، فإذا قعد حيث نهى عنه أو عمل متصرفا فيما حرم، أو استعمل ما حرم عليه: فانما أتي بعمل معصية وقعود معصية، ومن الباطل أن تنوب المعصية المحرمة عن الطاعة المفترضة، وأن يجزئ الضلال والفسوق عن الهدى والحق * وقد عارض ذلك بعض المتعسفين فقال: يلزمكم إذا طلق في شئ مما ذكرتم، أو أعتق فيه، أو نكح فيه، أو باع فيه، أو اشترى، أو وهب أو تصدق: أن تنقضوا كل ذلك، وكذلك من صبغ لحيته بحناء مغصوبة ثم صلى، ومن تعلم القرآن من مصحف مسروق أن ينساه، أو علمه إياه عبد آبق، وأكثروا من مثل هذه الحماقات، وقالوا: كل من ذكرتم بمنزلة من صلى مصرا على الزنا وقتل النفس وشرب الخمر والسرقة ولا فرق * قال علي: ليس شئ مما قالوا من باب ما قلنا، لان الصلاة لابد فيها من إقامة في مكان واحد، ومن جلوس مفترض، ومن ستر عورة، ومن ترك كل عمل لم يبح له في الصلاة، ومن زمان محدود مؤقت لها، ومن مكان موصوف لها، ومن ماء يتطهر به أو تراب يتيمم به ان قدر على ذلك، هذا ما لا خلاف فيه بيننا وبينهم، ولا بين أحد من أهل الاسلام * وليس الطلاق ولا النكاح ولا العتاق ولا البيع ولا الهبة ولا الصدقة ولا تعلم القرآن: معلقا بشئ مما ذكرنا، ولا مأمورا فيه بهيئة ما، ولا بجلوس ولا بد، ولا بقيام على صفة، ولا بمكان موصوف، لكن كل هذه الاعمال أيضا محتاجة ولا بد إلى ألفاظ موضوعة، أو أعمال محدودة، وأوقات محدودة، فكل من أتى بالصلاة أو النكاح أو
__________
الموحدة، وشريط: بفتح الشين المعجمة، وكلاهما في آخره طاء مهملة.
وحديث نبيط رواه أحمد (ج 4 ص 305 و 306)(4/34)
الصلاق أو البيع أو الهبة أو الصدقة على خلاف ما أمره الله تعالى به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهو كله باطل لا يصح منه شئ، لا طلاق ولا نكاح ولا عتاق ولا هبة ولا صدقة، وكذلك كل شئ من أعمال الشريعة ولا فرق * فمن صلى فجعل الجلوس المحرم عليه بدل الجلوس المأمور به، والاقامة المحرمة عليه بدل الاقامة المفترضة عليه، وستر عورته بما حرم عليه سترها به، وأتى بها في غير الزمان الذي أمر بأن يأتي بها فيه، أو في غير المكان الذي أمر أن يأتي بها فيه، وعوض من ذلك زمانا ومكانا حرما عليه، وعوض الماء المحرم عليه أو التراب المحرم عليه من الماء المأمور به أو التراب المأمور به: فلم يصل قط الصلاة التي أمره الله تعالى بها، وهو والذي صلى إلى غير القبلة عمدا سواء ولا فرق، وكلاهما صلى بخلاف ما أمر به * وكذلك من طلق أجنبية، أو بغير الكلام الذي جعل الله تعالى الطلاق به وحرم به الفرج الذي كان حلالا أو نكح ذات زوج أو في عدة أو بغير الكلام الذي أباح به النكاح وحلل به الفرج الحرام قبله، أو باع بيعا محرما، أو اشترى من غير مالك، أو وهب هبة لم يطلق عليها أو أعتق عتقا حرم عليه، كمن أعتق غلام غيره، أو تصدق بثوب على الاوثان: فكل ذلك باطل مردود، لا يصح شئ منه، وليس تبطل شريعة بما تبطل به أخرى لكن بأن يعمل بخلاف ما أمر الله تعالى بأن تعمل عليه * والذي صبغ لحيته بحناء مغصوبة فان صلى حاملا لتلك الحناء فلا صلاة له.
وأما إذا نزعها ولم يصل بها فاللون غير متملك فلم يصل بخلاف ما أمر * وأما المصر على المعاصي فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ان كل من كان من أمته فقد عفا الله عزوجل له عن كل ما حدث به نفسه من قول أو عمل، فهذا معفو له عنه * فان قيل: فأنتم تبطلون صلاة من نوى خروجه من الصلاة، وإن لم يعمل ولا قال * قلنا: بلي قد عمل، لانه بنيته تلك صار وقوفه ان كان واقفا، وقعوده ان كان قاعدا، وركوعه ان كان راكعا، وسجوده ان كان ساجدا،: عملا يعمله ظاهرا
لغير الصلاة، فقد بطلت صلاته، إذ حال عامدا بين أعمالها بما ليس منها، لكن لو نوى أن يبطلها في غير وقته ذلك لم تبطل بذلك صلاته.
وبالله تعالى التوفيق * وأما من عجز عن المفارقة لشئ مما ذكرنا فقد قال الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم(4/35)
عليكم إلا ما اضطررتم إليه).
وأخبر عليه السلام أنه عفا الله من أمته الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
فهذا مضطر مكره، فلا تبطل صلاته إلا بنص جلى في إبطالها بذلك كالحدث المتفق على أنه لا يجزئ التمادي في الصلاة إثره إلا باحداث وضوء.
وأما السفينة والبناء الذي سخر الناس ظلما فيهما فليس هناك عين محرمة كان للمصلى؟ مستعملا لها، والآثار لا تتملك، فان يئس من معرفة صاحبه فقد صار من جماعة المسلمين وهو أحدهم فله التصرف فيه حينئذ.
وبالله تعالى التوفيق (1) * 395 مسألة ولا تحل الصلاة للرجل خاصة في ثوب فيه حرير أكثر من أربع أصابع عرضا في طول الثوب، إلا اللبنة (2) والتكفيف (3)، فهما مباحان.
ولا في ثوب فيه ذهب، ولا لابسا ذهبا في خاتم ولا في غيره.
فان أجبر على لباس شئ من ذلك أو اضطر إليه خوف البرد: حل له الصلاة فيه، أو كان به داء يتداوي من مثله بلباس الحرير: فالصلاة له فيه جائزة.
وكذلك لو حمل ذهبا له في كمه ليحرزه، أو حريرا أو ثوب حرير كذلك.
فصلاته تامة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبيدالله بن عمر القواريري ومحمد بن المثنى وزهير بن حرب قالوا: ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الشعبي عن سويد ابن غفلة (4): أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية فقال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير إلا موضع اصبعين أو ثلاث أو أربع).
(5) وبه إلى مسلم ثنا شيبان بن فروخ ثنا جرير بن حازم ثنا نافع عن ابن عمر قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة) (6)
__________
(1) الحكم ببطلان الصلاة إذا كانت في موضع مغصوب أو ثوب كذلك الخ ما قاله المؤلف -: لا نرى دليله على الرغم من كل ما ذكر، وقد رددنا هذا الرأى فيما كتبناه على الاحكام للمؤلف (ج 3 ص 61) (2) بفتح اللام وكسر الباء الموحدة وهى رقعة تعمل موضع جيب القميص (3) أظنه من (كفة القميص) بضم الكاف وفتح الفاء المشددة، وهى ما استدار حول الذيل (4) بالغين المعجمة والفاء واللام المفتوحات (5) في مسلم (ج 2 ص 152) (6) الحديث في مسلم (ج 2 ص 150 و 151) وقد اختصره المؤلف *(4/36)
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا على - هو ابن المدينى ثنا وهب بن جرير بن حازم ثنا أبي قال سمعت ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن عن حذيفة قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن (2) نأكل فيها، (3) وعن لبس (4) الحرير والديباج وأن نجلس عليه) * أخبرنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا عبد الرحمن بن أسد الكازروني (5) ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر عن سعيد بن أبي هند عن أبى موسى الاشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحل الذهب والحرير للاناث من أمتى وحرم على ذكورها) (6) *
__________
(1) في البخاري (ج 7 ص 276) (نهانا النبي صلى الله عليه وسلم) (2) في النسخة (45) (أو أن) وما هنا هو الموافق للبخاري (3) في الاصلين (فيهما) وصححناه من البخاري (4) في النسخة (45) (وعن لباس) وما هنا هو الموافق للبخاري (5) بفتح الزاى كما ضبطه صاحب القاموس والذهبي في المشتبه، وضبطه السمعاني في الانساب باسكانها وأظنه خطأ (6) رواية عبد الرزاق عن معمر في هذا الحديث رواها احمد في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن
ايوب عن نافع عن سعيد بن ابى هند عن رجل عن ابى موسى (ج 4 ص 392 و 393) فزاد في الاسناد مجهولا كما ترى، ورواه ايضا (ج 4 ص 392) عن عبد الرزاق عن عبد الله بن سعيد بن ابى هند عن ابيه عن رجل عن ابى موسى، ورواه ايضا (ج 4 ص 393) عن سريج عن عبيد الله العمرى عن نافع عن سعيد عن رجل من اهل البصرة عن ابى موسى.
ثم رواه عن محمد ابن عبيد (ج 4 ص 394) ويحيى بن سعيد (ج 4 ص 407) كلاهما عن عبيدالله عن نافع عن سعيد عن أبى موسى بحذف الرجل المجهول.
وقد رواه الترمذي (ج 1 ص 321) من طريق عبد الله ابن نمير والنسائي (ج 2 ص 294) من طريق يحيى ويزيد ومعتمر وبشر بن المفضل والبيهقي (ج 2 ص 425) من طريق عبد الله بن المبارك، ورواه الطحاوي (ج 2 ص 346) من طريق حماد بن سلمة، كلهم عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن سعيد عن ابى موسى، ورواه الطيالسي (رقم 506) عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن سعيد عن ابى موسى، فلم يذكروا في الاسناد رجلا مجهولا وكل هؤلاء ثقات الا عبد الله بن نافع فانه ضعيف.
وسعيد بن ابى هند قفة تابعي، وقد اختلفت الرواية عنه في هذا الحديث كما ترى، قال ابن حجر في التهذيب (ج 4 ص 94): (ذكر عبد الحق أن في مصنف عبد الرزاق عن معمر عن ايوب عن نافع عن سعيد بن ابى هند عن رجل عن أبى موسى(4/37)
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا عفان بن مسلم ثنا همام ثنا قتادة (1) أن أنس ابن مالك أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شكا إليه عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام القمل، فرخص لهما في قمص الحرير) * (2)
__________
في لباس الحرير، كذا قال، وقوله: عن رجل، زيادة ليست في كتاب عبد الرزاق ولا غيره من حديث نافع، نعم رواه عبد الرزاق قال: سمعت عبد الله بن سعيد بن ابى هند يحدث عن ابيه عن رجل عن ابى موسى اخرجه الحاكم في المستدرك من حديث احمد بن حنبل عن عبد الرزاق - هو في مسند أحمد (ج 4 ص 392) - وقال هو وهم وقع من عبد الله بن سعيد بن
ابى هند لسوء حفظه، كذا قال، واراد ترجيح رواية نافع عن سعيد عن ابى موسى وقد ذكر أبو زرعة وغيره ان حديثه عنه مرسل) وقد رأيت مما ذكرنا لك من طريق الحديث ان اكثر الرواة الثقات رووه من غير ذكر الرجل، ويظهر لنا ان نسخ مصنف عبد الرزاق اختلفت في رواية نافع، فان رواية ابن حزم هنا ليس فيها المجهول وكذلك نقل ابن حجر عن مصنف عبد الرزاق، ونقل عبد الحق ريادته وهى موجودة في مسند احمد عن عبد الرزاق وعبد الله بن سعيد بن ابى هند - الذى رد الحاكم روايته - ثقة ويخطئ في بعض حديثه وقد اختلف عليه أيضا في هذا الحديث، فقد رواه الطحاوي (ج 2 ص 346) من طريق محمد بن جعفر عن عبد الله بن سعيد عن ابيه عن أبى موسى، فلم يذكر المجهول، والظاهر من كل هذه الطرق ان سعيد بن أبى هند سمعه من رجل عن أبى موسى ثم صار يرسله عن ابى موسى، ويبعد ان يكون سمع منه، لان ابا موسى اختلف في سنة موته اختلافا كبيرا فقيل سنة 42 واقصى ما قيل انه سنة 53، وسعيد مات سنة 116 فبين وفاتيهما من 63 سنة إلى 74 على اختلاف الاقوال في وفاة ابى موسى.
وقد صحح الترمذي هذا الحديث، ونقل الشوكاني تصحيحه عن الحاكم، وما أظنه مع كل هذا يكون صحيحا، ونقل ابن أبى حاتم في المراسيل (ص 28) عن ابيه أن سعيدا لم يلق ابا موسى، وكذلك قال الدارقطني في العلل، وقال ابن حبان في صحيحه انه (معلول لا يصح) نقله عنهما الشوكاني (ج 2 ص 75) (1) في الاصلين (ثنا عفان بن مسلم ثنا قتادة) بحذف همام، وهو خطأ صححناه من مسلم، وفى حاشية النسخة (45) إنما في كتاب مسلم ثنا عفان ثنا همام ثنا قتادة، وهو الصحيح) (2) الحديث في مسلم (ج 2 ص 154) بلفظ (ان عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القمل) الخ *(4/38)
وبه إلى مسلم: ثنا أبو بكر بن شيبة ثنا محمد بن بشر (1) ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير ابن العوام في القمص الحرير لحكة كانت بهما أو وجع) (2) *
وبه إلى مسلم ثنا يحيى بن يحيى ثنا خالد بن عبد الله هو الطحان عن ابن جريج عن عبد الله (3) مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق: (أن أسماء أخرجت إليه جبة طيالسية كسروانية (4) لها لبنة ديباج وفرجاها مكنوفان بالديباج، (5) فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت عند عائشة حتى قبضت فقبضتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى (6) يستشفى بها) * ومس الحرير والذهب وملكهما وحملهما حلال بالنص والاجماع * فان قيل: قد روى لباس الخز عن بعض الصحابة رضى الله عنهم * قلنا: قد جاء تحريمه عن بعضهم * كما روينا: أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه جهز جيشا فغنموا فاستقبلهم عمر فرآهم قد لبسوا أقبية الديباج ولباس العجم، فأعرض عنهم وقال: ألقوا عنكم ثياب أهل النار، فألقوها * وعن شعبة عن عبد الله بن أبى السفر سمعت الشعبي يحدث عن سويد بن غفلة قال: أصبنا فتوحا بالشأم فأتينا المدينة، فلما دنونا لبسنا الديباج والحرير، فلما رآنا عمر رمانا، فنزعناها، فلما رآنا قال: مرحبا بالمهاجرين، ان الحرير والديباج لم يرض الله به لمن كان قبلكم، فيرضى به عنكم؟! لا يصلح منه إلا هكذا وهكذا وهكذا، قال شعبة: أصبعين أو ثلاثا أو أربعا
__________
(1) بكسر الباء واسكان الشين المعجمة وفى النسخة رقم (16) (بشير) وهو تصحيف (2) الحديث فس مسلم (ج 2 ص 153) وفى البخاري (ج 7 ص 277) (3) في صحيح مسلم طبع بولاق (ج 2 ص 151) (خالد بن عبد الله بن عبد الملك عن عبد الله) وهو خطأ، وصوابه (خالد بن عبد الله عن عبد الملك) وصححناه من طبعة الاستانة (ج 6 ص 139) ومن نسخة مخطوطة صحيحة ومن كتب الرجال.
واعلم ان المؤلف فهم ان عبد الملك في هذا الحديث هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وهو خطأ فقد بين البيهقى في السنن الكبرى في رواية هذا الحديث انه عبد الملك بن ابى سليمان العرزمى، وقد رواه عن جعفر بن محمد عن يحيى بن يحيى شيخ مسلم فيه بهذا الاسناد (ج 2 ص
423) (4) في الاصلين (خسروانية) وصححناه من مسلم (5) في مسلم (وفرجيها مكفوفين بالديباج) (6) في النسخة رقم (45) (للمريض) وهى نسخة في صحيح مسلم أيضا *(4/39)
وروينا عن أبي الخير: أنه سأل عقبة بن عامر الجهني عن لبنة حرير في جبته؟ قال: ليس بها بأس * وعن يزيد بن هرون: أنا هشام هو ابن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أبي ذبيان (1) هو خليفة بن كعب: أن ابن عمر سمع الخبر في أن (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة) فقال: إذن والله لا يدخلها، قال الله تعالى: (ولباسهم فيها حرير * (2) وعن محمد بن المثنى: ثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا سفيان الثوري عن منصور هو ابن المعتمر عن مجاهد قال قال ابن عمر: اجتنبوا من الثياب ما خالطه الحرير * وعن عبيدالله بن عمرو (3) الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن زبيد (4) عن أبي بردة عن ربعى بن حراش (5) عن حذيفة قال: من لبس ثوب حرير ألبسه الله تعالى ثوبا من نار، ليس من أيامكم ولكن من أيام الله الطوال * وعن على بن أبي طالب: أنه رأى رجلا لابسا جبة على صدرها ديباج فقال له على: ماهذا النتن على صدرك؟! * وعن شعبة عن أبى اسحاق السبيعي سمعت عبد الرحمن بن يزيد قال: كنت عند ابن مسعود فجاؤه ابن له عليه قميص حرير فشقه ابن مسعود * وعن ابن الزبير: من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة * فإذا اختلف الصحابة رضى الله عنهم فالفرض الرد عند تنازعهم إلى رسول الله صلى الله
__________
(1) بكسر الذال المعجمة واسكان الباء الموحدة (2) نسبه الشوكاني (ج 2 ص 72) إلى النسائي ولم أجده فيه وقد قال ابن الزبير مثل ذلك، كما رواه البيهقى (ج 2 ص 422) وكما
نقله السندي في حاشية النسائي (ج 2 ص 297) عن السنن الكبرى ثم قال (وهذا منه رضى الله عنه استنباط لطيف، لكن دلالة هذا الكلام على الحصر غير لازم) وقد صدق فان الحاكم روى في المستدرك (ج 4 ص 191 و 192) والطحاوى في معاني الآثار (ج 2 ص 343) من حديث ابى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الاخرة، وان دخل الجنة لبسه اهل الجنة ولم يلبسه) قال الحاكم: (هذا حديث صحيح، وهذه اللفظة تعلل الاحاديث المختصرة أن من لبسها لم يدخل الجنة) ووافقه الذهبي على تصحيحه (3) بفتح العين، وفى النسخة رقم (16) (عمر) وهو خطأ (4) بضم الزاى وفتح الباء الموحدة (5) بكسر الحاء المهملة وآخره شين معجمة *(4/40)
عليه وسلم، كما أمر الله عزوجل، وقد باع سمرة خمرا، وأكل أبو طلحة البرد وهو صائم ولا حجة في أحد دون (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم * ولا يصح في الرخصة في الثوب (2) سداه حرير خبر أصلا، لان الرواية فيه عن ابن عباس انفرد بها خصيف، وهو ضعيف (3) * فكيف وكل من روى عنه أنه لبس الخز من الصحابة رضى الله عنهم ليس في شئ من تلك الاخبار أنهم عرفوا أن سداها حرير * روينا عن شعبة عن عامر بن عبيده (4) الباهلى قال: رأيت على أنس جبة خز فسألته عن ذلك فقال: أعوذ بالله من شرها * وعن معمر عن عبد الكريم الجزرى قال: رأيت على أنس بن مالك جبة خز وكساء خز وأنا أطوف بالبيت مع سعيد بن جبير: فقال سعيد بن جبير: لو أدركه السلف لاوجعوه * فهذا يوضح أن الصحابة كانوا يحرمون ذلك، إذ لا يوجعون على مباح * وعن عبد الله بن شقيق أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير أشد
النهى (5) فقال له رجل.
أليس هذا عليك حريرا؟ فقال عبد الله: سبحان الله! هذا
__________
(1) في نسخة (مع) (2) في نسخة (في ثوب) (3) حديث ابن عباس رواه أبو داود (ج 4 ص 87 و 88) والطحاوى (ج 2 ص 348) من طريق خصيف بن ابن عبد الرحمن الجزرى، وهو ثقة اضطربت الرواية عنه في بعض الاحاديث، وأعدل ما قيل فيه قول ابن عدى: (لخصيف نسخ وأحاديث كثيرة وإذا حدث عن خصيف ثقة فلا بأس بحديثه ورواياته، الا أن يروى عنه عبد العزيز بن عبد الرحمن فان رواياته عنه بواطيل والبلاء من عبد العزيز لا من خصيف) والحديث الذى هنامن رواية زهير بن معاوية وشريك عن خصيف، وقد توبع عليه خصيف، فرواه الحاكم في المستدرك (ج 4 ص 192) من طريق احمد بن حنبل عن محمد بن بكر عن ابن جريج عن عكرمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وهذا اسناد صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم والذهبي (4) في النسخة (16) (عبيد) وهو خطأ (5) عبد الله بن شقيق تابعي، فهذا الحديث مرسل *(4/41)
خز، قال.
بلى ولكن سداه حرير، قال: ما شعرت * وعن عمر بن عبد العزيز: أنه أمر أن يتخذ له ثوب من خز سداه كتان * وعن هشام بن عروة عن أبيه: أنه كان له ثوب خز سداه كتان * وعن عبد الرحمن بن أبى ليلى نحو ذلك * ولا يخلو كل من روى عنه من الصحابة رضى الله عنهم أنه لبس من أحد وجوه ثلاثة: إما أن سدى تلك الثياب كان كتانا، وإما أنهم لم يعلموا أنه حرير، وهذا هو الذي لا يجوز أن يظن بهم غيره، وإما أنهم استغفروا الله تعالى من لباسه، فأقل يوم من أيامهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يغطى على أضعاف هذا، وليس غيرهم مثلهم، فنصف مد شعير يتصدق به أحدهم يفضل جميع أعمال أحدنا لو عمر مائة سنة، لان نصف مد أحدهم أفضل من جبل
أحد ذهبا ننفقه نحن في وجوه البر، وما نعلم أحدا ينفق في البر زنة حجر ضخم من حجارة أحد فكيف الجبل كله.
وبالله تعالى التوفيق * وأما من اضطر إليه خوف البرد فقد قال الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) * 396 مسألة ولا يحل لاحد أن يقرأ القرآن في ركوعه ولا في سجوده، فان تعمد بطلت صلاته، وان نسى، فان كان ذلك بعد أن اطمأن وسبح كما أمر أجزأه سجود السهو وتمت صلاته، لانه زاد في صلاته ساهيا ما ليس منها، وان كان ذلك في جميع ركوعه وسجوده ألغى تلك السجدة أو الركعة وكان كأن لم يأت بها، وأتم صلاته وسجد للسهو، لانه لم يأت بذلك كما امر، وقد قال عليه السلام: (من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج انا زهير بن حرب ثنا سفيان بن عيينة انا سليمان بن سحيم عن ابراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبى بكر، فقال: ايها الناس، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، ألا وإنى نهيت ان اقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، واما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن ان يستجاب لكم (1) *
__________
(1) في صحيح مسلم (ج 1 ص 138) وقوله فقمن أي خليق وجدير اه نهاية *(4/42)
قال علي فان قيل قد روى هذا المعنى من طريق على وفيه (نهانى ولا أقول نهاكم) قلنا: نعم، وليس في هذا الخبر إلا نهى على، وفى الذي ذكرنا نهى الكل لان كل ما نهى عنه عليه السلام فحكمنا حكمه، إلا أن يأتي نص بتخصيصه * فان قيل: قد روت عائشة رضى الله عنها: أنها سمعته صلى الله عليه وسلم يقول في
سجوده (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) يتأول القرآن * قلنا: نعم، وقد روينا (1) هذا الخبر عن سفيان الثوري عن منصور عن أبى الضحى عن مسروق عن عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في سجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي: يتأول القرآن، يعنى (إذا جاء نصر الله والفتح) * هكذا.
في الخبر نصا، فصح أن معنى تأوله عليه السلام القرآن هو قوله تعالى في هذه السورة (واستغفره) (2) * وقد روينا عن علي بن أبي طالب: لا تقرأ وأنت راكع ولا وأنت ساجد * وعن مجاهد: لا تقرأ في الركوع ولا السجود، إنما جعل الركوع والسجود للتسبيح * 397 مسألة فلو قرأ المصلى القرآن في جلوسه بعد أن يتشهد وهو إمام أو فذ، أو تشهد في قيامه أو ركوعه أو سجوده بعد ان يأتي بما عليه من قراءة وتسبيح: جازت صلاته عمدا فعل ذلك أو نسيانا، ولا سجود سهو في ذلك، وغير ذلك من ذكر الله تعالى احب الينا * فأما جواز صلاته وسقوط سجود السهو عنه فلانه لم يأت بشئ نهى عنه، بل قرأ، والقراءة فعل حسن ما لم ينه المرء عنه، والتشهد أيضا ذكر حسن * واما قولنا: إن غير ذلك من الذكر احب الينا، فلانه لم يأت به امر ولا حض.
وبالله تعالى التوفيق * 398 مسألة ولا تجزئ احدا الصلاة في مسجد الضرار الذي بقرب قباء، لا عمدا ولا نسيانا * لقول الله تعالى: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله وسوله) إلى قوله تعالى: (لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه) فصح أنه ليس موضع صلاة *
__________
(1) في نسخة (روى) (2) هذا المعنى واضح كثير في البخاري وفى روايات أخرى في مسلم (ج 1 ص 139) ولكني لم أجد رواية سفيان الثوري *(4/43)
399 مسألة ولا تجزئ (1) الصلاة في مسجد أحدث مباهاة أو ضرارا على مسجد آخر، إذا كان أهله يسمعون نداء المسجد الاول ولا حرج عليهم في قصده، والواجب هدمه، وهدم كل مسجد أحدث لينفرد فيه الناس كالرهبان، أو يقصدها أهل الجهل طلبا لفضلها، وليست عندها آثار لنبى من الانبياء عليهم السلام * ولا يحل قصد مسجد أصلا يظن فيه فضل زائد على غيره إلا مسجد مكة ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس فقط، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذم تقارب المساجد * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن الصباح أنا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن أبي فزارة عن يزيد بن الاصم عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أمرت بتشييد المساجد) قال ابن عباس لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى (2) * قال علي: التشييد البناء بالشيد (3) * وبه إلى أبي داود ثنا محمد بن العلاء ثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تطيب وتنظف (4) * قال علي: فلم يأمر عليه السلام ببناء المساجد في كل مكان، وأمر ببناء المساجد في الدور، فصح أن الذي نهى عنه عليه السلام هو غير الذي أمر به، فإذ ذلك كذلك فحق بناء المساجد هو كما بين صلى الله عليه وسلم بأمره وفعله، وهو بناؤها في الدور، كما قال عليه السلام والدور هي المحلات، قال عليه السلام: (خير دور الانصار دار بنى النجار، ثم دار بنى عبد الاشهل، ثم دار بنى الحارث بن الخزرج، ثم دار بنى ساعدة (5) *
__________
(1) في نسخة (ولا تجوز) (2) قوله (قال ابن عباس) الخ سقط من النسخة رقم (16) وزدناه من النسخة رقم (45) ومن أبى داود (ج 1 ص 170 و 171) والحديث اسناده
صحيح، وقد صححه ابن حبان كما نقله عنه الشوكاني (ج 2 ص 156) (3) الشيد - بكسر الشين المعجمة - كل ما طلى به الحائط من جص أو بلاط، وبناء مشيد معمول بالشيد، وكل ما أحكم من البناء فقد شيد، وتشييد البناء إحكامه ورفعه.
قاله في اللسان (4) رواه أبو داود (ج 1 ص 173) ونسبه المنذرى للترمذي أيضا (5) انظر صحيح مسلم (ج 2 ص 266) *(4/44)
وعلى قدر ما بناها عليه السلام بالمدينة، لكل أهل محلة مسجدهم الذي لا حرج عليهم في إجابة مؤذنه للصلوات الخمس، فما زاد على ذلك أو نقص مما لم يفعله عليه السلام فباطل ومنكر، والمنكر واجب تغييره * وقد افترض عليه السلام النكاح والتسرى، ونهى عن الرهبانية، فكل ما أحدث بعده عليه السلام مما لم يكن في عهده وعهد الخلفاء الراشدين فبدعة وباطل.
وقد هدم ابن مسعود مسجدا بناه عمرو بن عتبة بظهر الكوفة ورده إلى مسجد الجماعة.
ولا فضل لجامع على سائر المساجد * ولا يحل السفر إلى مسجد، حاشا مسجد مكة والمدينة وبيت المقدس * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور ثنا سفيان هو ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة (1) مساجد: مسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الاقصى (2) * حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكى ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت ثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا محمد بن معمر ثنا روح بن عبادة ثنا محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الرحلة إلى ثلاثة مساجد.
مسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد إيلياء) *
400 مسألة ولا تجزئ الصلاة في مكان يستهزأ فيه بالله عزوجل أو برسوله صلى الله عليه وسلم أو بشئ من الدين، أو في مكان يكفر بشئ من ذلك فيه، فان لم يمكنه الزوال ولا قدر صلى واجزأته صلاته * قال الله تعالى: (أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم) وقال تعالى (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) * فمن استجاز القعود في مكان هذه صفته فهو مثل المستهزئ الكافر بشهادة الله تعالى،
__________
(1) في نسخة رقم (16) (الا لثلاثة) وما هنا هو الموافق للنسائي (ج 1 ص 114) (2) في النسائي (ومسجد الاقصى) *(4/45)
فمن أقام (1) حيث حرم الله عزوجل عليه الاقامة وقعد حيث حرم الله عزوجل عليه القعود فقعوده وإقامته معصية، وقعود الصلاة طاعة، ومن الباطل أن تجزئ المعاصي عن الطاعات وأن تنوب المحارم عن الفرائض.
وأما من عجز فقد قال تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) * 401 مسألة ولا تجوز القراءة في مصحف ولا في غيره لمصل، إماما كان أو غيره فان تعمد ذلك بطلت صلاته.
وكذلك عد الآى، لان تأمل الكتاب عمل لم يأت نص باباحته في الصلاة * وقد روينا هذا عن جماعة من السلف: منهم سعيد بن المسيب.
والحسن البصري.
والشعبي وأبو عبد الرحمن السلمي.
وقد قال بابطال صلاة من أم بالناس في المصحف أبو حنيفة والشافعي (2) وقد أباح ذلك قوم منهم، والمرجوع عند التنازع إليه هو القرآن والسنة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن في الصلاة لشغلا (3) فصح انها شاغلة عن كل عمل لم يأت فيه نص باباحته.
وبالله تعالى التوفيق *
402 مسألة ومن سلم عليه وهو يصلى فليرد إشارة لا كلاما، بيده أو برأسه فان تكلم عمدا بطلت صلاته.
ومن عطس فليقل (الحمد لله رب العالمين) ولا يجوز أن يقول له أحد يصلى (رحمك الله) فان فعل بطلت صلاة القائل له ذلك إن تعمد عالما بالنهي وقد ذكرنا حديث معاوية بن الحكم في ذلك وحديث الرد أيضا فأغنى عن إعادته.
وبالله تعالى التوفيق * 403 مسألة ولا تجزئ الصلاة بحضرة طعام المصلى غداء كان أو عشاء ولا وهو يدافع البول أو الغائط، وفرض عليه أن يبدأ بالاكل والبول والغائط * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عباد ثنا حاتم بن اسماعيل عن يعقوب
__________
(1) في نسخة (فقد أقام) وهو خطأ (2) هنا بحاشية النسخة رقم (16) مانصه (نقله عن الشافعي غلط لا شك فيه، ولا يعرف هذا في مذهبه، بل مذهبه يلزمه أن يقرأ في الصلاة من المصحف لو عجز عن الاستظهار) وهذا نقد صحيح.
انظر المجموع للنووي (ج 3 ص 379 وج 4 ص 95) والعزيز للرافعي (ج 3 ص 346) في البخاري (ج 2 ص 139) ومسلم (ج 1 ص 151) بلفظ (شغلا) *(4/46)
ابن مجاهد هو أبو حزرة (1) عن ابن أبى عتيق قال: تحدثت أنا والقاسم - هو ابن محمد عند عائشة فاتى بالمائدة فقام القاسم بن محمد، قالت عائشة: أين؟ قال: أصلى قالت: اجلس غدر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الاخبثان (2) * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كنا مع عبد الله بن أرقم فأقام الصلاة ثم ذهب للغائط وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أقيمت الصلاة وبأحدكم الغائط فليبدأ)
بالغائط (3) * وحدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثنا حجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان عبد الله بن أرقم في حج أو عمرة فأقام الصلاة ثم قال لاصحابه: صلوا، فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أقيمت الصلاة وبأحدكم حاجة فليقض حاجته ثم يصلى) فقضى حاجته ثم توضأ وصلى * وبه قال السلف.
روينا عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني وحميد عن أنس: وضعت المائدة وحضرت الصلاة فقمت لاصلى المغرب، فأخذ أبو طلحة بثوبي وقال: اجلس وكل ثم صله * وعن عمر بن الخطاب؟ لا تدافعوا الاخبثين في الصلاة فانه سواء عليه يصلى من شكى به أو كان في طرف ثوبه.
وعن ابن عباس مثل هذا * قال علي: فان خشى فوات الوقت فكذلك لانه مأمور على الجملة بأن يبتدئ بالبول أو الغائط والاكل، فصح أن الوقت متمادي (4) له إذ أمر بتأخيرها حتى يتم شغله كما
__________
(1) بفتح الحاء المهملة واسكان الزاى وفتح الراء (2) في صحيح مسلم (ج 1 ص 155 و 156) مطولا (3) رواه أحمد في المسند (ج 3 ص 483) عن يحيى بن سعيد و (ج 4 ص 35) عن عبد الله بن سعيد كلاهما عن هشام.
ورواه الدارمي (ص 173) عن محمد بن كناسة عن هشام ورواه مالك في الموطأ (ص 56) عن هشام ورواه أبو داود (ج 1 ص 33) من طريق زهير عن هشام (4) في نسخة (متماد) *(4/47)
ذكرنا.
وبالله تعالى التوفيق * 404 مسألة ومن أكل ثوما أو بصلا أو كراثا ففرض عليه أن لا يصلى في المسجد حتى تذهب الرائحة، وفرض اخراجه من المسجد إن دخله قبل انقطاع الرائحة،
فان صلى في المسجد كذلك فلا صلاة له ولا يمنع أحد من المسجد غير من ذكرنا ولا أبخر ولا مجذوم ولا ذو عاهة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر أخبرني نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أكل من هذه الشجرة يعنى الثوم فلا يقربن (1) المساجد) * وبه إلى يحيى بن سعيد: ثنا هشام هو الدستوائي ثنا قتادة عن سالم بن أبى الجعد عن معدان بن أبي طلحة: أن عمر بن الخطاب خطب الناس يوم الجمعة فذكر كلاما كثيرا وفيه: (إنكم ايها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين، هذا البصل والثوم، ولقد (2) رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما (3) من الرجل في المسجد امر به فأخرج إلى البقيع) * وبه إلى مسلم: ثنا محمد بن حاتم ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج اخبرني عطاء عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فان الملائكة تتأذي مما يتأذي منه (4) بنو آدم) * قال علي: إذا لم يقل مسجدنا هذا: أو لفظا يبين تخصيصه بمسجده بالمدينة: فكل مسجد فهو مسجدنا، لانه عليه السلام يخبر عن المسلمين بقوله (مسجدنا) مع ما قد بين ذلك في الحديث الآخر * قال علي: روينا من طريق مصعب بن سعيد: كان رجل من اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا اراد ان يأكل الثوم خرج إلى البرية، كأنه يعنى أباه *
__________
(1) في مسلم (ج 1 ص 156) (فلا يأتين) (2) في النسخة (45) (لقد) وما هنا هو الموافق لمسلم (ج 1 ص 157) (3) في النسخة رقم (45) (ريحها) (4) في النسخة (45) بحذف (منه) وإثباتها موافق لمسلم (ج 1 ص 156) *(4/48)
وروينا عن على بن ابي طالب وشريك بن حنبل من التابعين تحريم الثوم النئ * قال على بن احمد: ليس حراما لان النبي صلى الله عليه وسلم اباحه في الاخبار المذكورة، وروينا عن عطاء منع آكل الثوم من جميع المساجد * قال علي: لم يمنع عليه السلام من حضور المساجد أحدا غير من ذكرنا، (وما ينطق عن الهوى) * (وما كان ربك نسيا) * 405 مسألة ومن تعمد فرقعة أصابعه أو تشبيكها في الصلاة بطلت صلاته، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ان في الصلاة لشغلا) * 406 مسألة ومن صلى معتمدا على عصا أو على جدار أو على إنسان أو مستندا فصلاته باطل * لامره صلى الله عليه وسلم بالقيام في الصلاة، فان لم يقدر فقاعدا فان لم يقدر فمضطجعا وكان الاتكاء والاستناد عملا لم يأت به أمر، وقال عليه السلام: (ان في الصلاة لشغلا) * قال علي: الا أن يصح أثر في إباحة ذلك فنقول به، ولا نعلمه يصح، لان الرواية فيه انما هي من طريق عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي عن أبيه، ولا يعلم حاله ولا حال أبيه (1) ثم لو صح لكان لا اباحة فيه للاعتماد في الصلاة، ولا للاستناد، لان لفظه انما هو عن أم قيس بنت محصن: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن وحمل اللحم اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه) (2) * قال علي: وليس فيه أنه كان عليه السلام يعتمد عليه في نفس الصلاة، والاحاديث الصحاح أنه عليه السلام كان يصلى قاعدا فإذا بقى عليه من القراءة (3) مقدار ما قام فقرأ ثم ركع *
__________
(1) أما عبد السلام فانه ثقة معروف، واما ابوه عبد الرحمن بن صخر بن عبد الرحمن بن وابصة بن معبد فلم يذكر بجرح ولا تعديل والله أعلم بحاله، ولكنهما لم ينفردا بهذا
الحديث كما سيأتي (2) الحديث رواه أبو داود (ج 1 ص 357) عن عبد السلام بن عبد الرحمن عن ابيه، ورواه البيهقى (ج 2 ص 288) من طريق عبيدالله بن موسى، كلاهما عن شيبان بن عبد الرحمن عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف عن وابصة بن معبد عن ام قيس بنت محصن، وهذا اسناد صحيح جدا (3) قوله (من القراءة) سقط من نسخة رقم (45) *(4/49)
407 مسألة ومن تختم في السبابة أو الوسطى أو الابهام أو البنصر الا الخنصر وحده - وتعمد الصلاة كذلك فلا صلاة له * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار وهناد ابن السرى، قال محمد بن بشار: ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عاصم بن كليب عن ابي بردة هو ابن أبي موسى الاشعري قال سمعت على بن أبي طالب رضى الله عنه (1) يقول: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخاتم في السبابة والوسطى) وقال هناد بن السرى: عن أبى الاحوص عن عاصم بن كليب عن أبي بردة هو ابن أبي موسى الاشعري عن على ابن ابي طالب قال: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتختم في اصبعي هذه وفي الوسطى أو التي تليها (2) * قال علي: حديث شعبة هذا يقضى على كل خبر شك فيه من رواه عن عاصم، ولا فرق بين من صلى متختما في إصبع نهى عن التختم فيها وبين من صلى لابس حرير أو على حال محرمة، لان كلهم قد فعل في الصلاة فعلا نهى عنه، فلم يصل كما أمر * 408 مسألة فلو صرف نيته في الصلاة متعمدا إلى صلاة أخرى أو إلى تطوع عن فرض أو إلى فرض عن تطوع: بطلت صلاته، لانه لم يأت بها كما أمر، فلو فعل ذلك ساهيا لم تبطل صلاته، ولكن يلغى ما عمل بخلاف ما امر به، طال ام قصر، ويبنى على ما صلى كما امر، ويتم صلاته ثم يسجد للسهو، ذلك ما لم ينتقض وضوؤه، فان انتقض وضوؤه ابتدأ الصلاة من أولها، لما قد ذكرنا في الكلام والعمل في الصلاة
ولا فرق * 409 مسألة ومن اتى عرافا وهو الكاهن فسأله مصدقا له وهو يدري ان هذا لا يحل له: لم تقبل له صلاة اربعين ليلة الا ان يتوب إلى الله عزوجل * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى العنزي حدثنى يحيى بن سعيد القطان عن عبيدالله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر عن صفية هي بنت ابي عبيد عن بعض أزواج
__________
(1) في النسخة رقم (16) (قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو خطأ ظاهر * (2) هذه الاسانيد لم اجدها في سنن النسائي، والحديث فيها بأسانيد أخرى (ج 2 ص 290) ولعله رواها في السنن الكبرى.
وانظر سنن ابى داود (ج 4 ص 145 و 146) *(4/50)
النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اتى عرافا فسأله عن شئ لم تقبل له صلاة اربعين ليلة (1) * قال علي: ازواج النبي صلى الله عليه وسلم كلهن في غاية الصدق والعدالة والطهارة والثقة، لا يمكن ان يخفين ولا ان يختلط بهن من ليس منهن.
بخلاف مدعى الصحبة وهو لا يعرف * ومن أتى العراف (2) فسأله غير مصدق له لكن ليكذبه فليس سائلا له ولا آتيا إليه، ومن تاب فقد استثنى الله بالتوبة سقوط جميع الذنوب إذا صحت التوبة وكانت على وجهها، وبالله تعالى التوفيق * ومن ادعى أن هذا على التغليظ فقد نسب تعمد الكذب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذا ما لا يخفى على أحد * 410 مسألة ومن ظن أن إمامه قد سلم أو نسى أنه في إمامة الامام فقام لقضاء ما لم يدرك أو لتطوع أو لحاجة ساهيا: فعليه أن يرجع متى ما ذكر ويجلس ويتشهد إن كان لم
يكن تشهد ولا يسلم إلا بعد سلام إمامه وجالسا ولا بد.
فان حيل بينه وبين الجلوس سلم كما يقدر ويسجد للسهو فان انتقض وضوؤه قبل أن يعمل ما ذكرنا ابتدأ الصلاة ولا بد فلو تعمد شيئا مما ذكرنا قبل ذاكرا لانه في إمامة الامام بطلت صلاته لما ذكرناه من بطلان الصلاة بكل عمل تعمد لم يؤمر به ولا أبيح له وبأن النسيان معفو عنه والسلام لا يكون بالنص والاجماع إلا في آخر الجلوس الذي فيه التشهد.
وبالله تعالى التوفيق * 411 مسألة والصلاة خلف من يدرى المرء انه كافر باطل وكذلك خلف من يدري انه متعمد للصلاة بلا طهارة أو متعمد للعبث في صلاته.
وهذا لا خلاف فيه من احد مع النص الثابت بأن يؤم القوم أقرؤهم (وليؤمكم أحدكم) في حديث ابى موسى والكافر ليس احدنا وليس الكافر من المصلين ولا مضافا إليهم وليس العابث مصليا ولا في صلاة فالمؤتم بواحد منهما لم يصل كما امر * 412 مسألة فان صلى خلف من يظنه مسلما ثم علم انه كافر أو انه لم يبلغ فصلاته تامة لانه لم يكلفه الله تعالى معرفة ما في قلوب الناس وقد قال عليه السلام (لم أبعث
__________
(1) في مسلم (ج 2 ص 192) (2) بتشديد الراء هو المنجم أو الكاهن يخبر بالمغيبات *(4/51)
لاشق عن قلوب الناس وانما كلفنا ظاهر امرهم (1) فأمرنا إذا حضرت الصلاة ان يؤمنا بعضنا في ظاهر امره فمن فعل ذلك فقد صلى كما امر وكذلك العابث في نيته ايضا لا سبيل إلى معرفة ذلك منه.
وبالله تعالى التوفيق * 413 مسألة وأما من تأول في بعض ما يوجب الوضوء فلم ير الوضوء منه: فالائتمام به جائز، وكذلك من اعتقد متأولا أن بعض فروض صلاته تطوع، لانه معذور بجهله، وقد أجاز عليه السلام صلاة معاوية بن الحكم، وهو قد تعمد الكلام في صلاته جاهلا * 414 مسألة ومن علم أن إمامه قد زاد ركعة أو سجدة فلا يجوز له أن
يتبعه عليها، بل يبقى على الحالة الجائزة، ويسبح بالامام، وهذا لا خلاف فيه، وقد قال تعالى (لا تكلف إلا نفسك) * 415 مسألة وأيما رجل صلى خلف الصف بطلت صلاته ولا يضر ذلك المرأة شيئا * وفرض على المأمومين تعديل الصفوف، الاول فالاول، والتراص فيها، والمحاذاة بالمناكب والارجل، فان كان نقص كان في آخرها * ومن صلى وأمامه في الصف فرجة يمكنه سدها بنفسه فلم يفعل بطلت صلاته، فان لم يجد في الصف مدخلا فليجتذب إلى نفسه رجلا يصلى معه، فان لم يقدر فليرجع ولا يصل وحده خلف الصف إلا أن يكون ممنوعا فيصلى وتجزئه * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة هو ابن معبد الاسدي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلى خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة) (2) *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وإنما كلفنا ظاهرهم) وما هنا احسن (2) رواه أبو داود (ج 1 ص 254) وهذا الحديث من طريق هلال عن عمرو بن راشد رواه احمد في المسند (ج 4 ص 227 و 228) عن محمد بن جعفر وعن يحيى بن سعيد كلاهما عن شعبة، ورواه الطيالسي عن شعبة (ص 166 رقم 1201) والترمذي (ج 1 ص 48) عن محمد بن بشار(4/52)
وروينا من طريق جرير بن عبد الحميد عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف أن زياد بن أبي الجعد أخبره عن وابصة بن معبد: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا صلى خلف الصف وحده ان يعيد الصلاة) (1) * فقال قوم بآرائهم: لعله امره بالاعادة لامر غير ذلك لا نعرفه! *
قال علي: وهذا باطل لانه عليه السلام لم يكن ليدع بيان ذلك لو كان كما ادعوا وإذا جوزوا مثل هذا لم يعجز أحد لا يتقى الله عزوجل أن يقول إذا ذكر له حديث: لعله نقص منه شئ يبطل هذا الحكم الوارد فيه! * فكيف وقد حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر حدثني عبد الرحمن بن علي ابن شيبان عن أبيه قال: (قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا خلفه، فقضى الصلاة فرأى رجلا فردا (2) يصلى خلف الصف فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف، فقال له: استقبل صلاتك، فانه لا صلاة للذي خلف الصف (3) * قال علي: ملازم ثقة، وثقة ابن أبي شيبة وابن نمير وغيرهما.
وعبد الله بن بدر ثقة مشهور وما نعلم أحدا عاب عبد الرحمن بأكثر من أنه لم يرو عنه إلا عبد الله بن بدر، وهذا ليس جرحة (4) * ورواية هلال بن يساف حديث وابصة مرة عن زياد بن أبى الجعد ومرة عن
__________
عن محمد بن جعفر عن شعبة، ورواه الطحاوي (ج 1 ص 229) باسنادين عن شعبة، كلهم بهذا الاسناد وسيأتى الكلام عليه (1) الحديث من طريق هلال عن زياد بن ابى الجعد رواه احمد (ج 4 ص 228) عن وكيع عن سفيان عن حصين عن هلال عن زياد، واشار الترمذي إلى رواية حصين هذه (2) كلمة (فردا) سقطت من النسخة رقم (16) (3) رواه ابن ماجه (ج 1 ص 163) عن أبى بكر بن أبى شيبة باسناده ومعناه، قال شارحه (وفى الزوائد اسناده صحيح ورجاله ثقات).
ورواه احمد بن حنبل (ج 4 ص 23) عن عبد الصمد وسريج عن ملازم مطولا (4) وعبد الرحمن روى عنه أيضا ابنه يزيد ووعلة بن عبد الرحمن، وذكره ابن حبان في الثقات وأخرج له في صحيحه، ووثقه العجلى وابو العرب التميمي، وهذا الاسناد صحيح *(4/53)
عمرو بن راشد قوة للخبر، وعمرو بن راشد ثقة، وثقة أحمد بن حنبل وغيره * (1)
__________
(1) قد ذكرنا أسانيد الحديث من الطريقين، أي من طريق هلال عن عمرو بن راشد عن وابصة ومن طريق هلال عن زياد بن أبى الجعد عن وابصة، وقد ظن بعض المحدثين أن هذا اختلاف على هلال يضعف به الخبر، وهو ظن خطأ بل هو انتقال من ثقة إلى ثقة فيقوى به الحديث كما قال المؤلف، وقد حدث به عمرو بن مرة عن زياد بن ابى الجعد عن وابصة عند الترمذي (ج 1 ص 48)، وهو الذى رواه عن هلال عن عمرو بن راشد عن وابصة، وهذا يؤيد أن عمرو بن راشد وزياد احدثا به عن وابصة، وقد صح أن هلال بن يساف سمع هذا الحديث من وابصة نفسه، فقد روى الترمذي (حدثنا هناد أبو الاحوص عن حصين عن هلال بن يساف قال أخذ زياد بن ابى الجعد بيدى ونحن بالرقة فقام بى على شيخ يقال له وابصة بن معبد من بنى أسد فقال زياد حدثنى هذا الشيخ أن رجلا صلى خلف الصف وحده والشيخ يسمع فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة) وهذا صريح في رواية هلال عن وابصة، إذ هو من باب العرض على الشيخ وهو حجة كالسماع عند علماء الحديث، ولذلك قال الترمذي (وفى حديث حصين ما يدل على أن هلالا قد أدرك وابصة) ورواه احمد عن وكيع عن سفيان، وعن محمد بن جعفر عن شعبة، وابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة عن عبد الله بن إدريس، والطحاوى (ج 1 ص 229) من طريق سعيد بن منصور عن هشيم، الاربعة كلهم عن حصين عن هلال أن زيادا أقامه على وابصة وحدثه به عنده، ولكن لم يصرحوا بأن وابصة كان يسمع، ورواية الترمذي تفسر هذا وتؤيده.
ويقوى هذا جدا أن احمد رواه ايضا عن ابى معاوية عن الاعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف عن وابصة، وهذا اسناد صحيح، ويتلخص مما قلناه أن هلالا سمع الحديث من عمرو بن راشد ومن زياد بن أبى الجعد كلاهما عن وابصة وانه حدثه به زياد عن وابصة ووابصة يسمع فكأنه سمعه منه.
وقد جاء
من طريق أخرى عن زياد، فرواه أحمد عن وكيع عن يزيد بن زياد بن أبى الجعد عن عمه عبيد بن ابى الجعد عن زياد بن ابى الجعد عن وابصة بن معبد، وهذا اسناد صحيح رواته ثقات، وهو يدل على ان الحديث كان عند زياد فرواه عنه آله *(4/54)
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو الوليد هو الطيالسي ثنا شعبة أنا عمرو بن مرة قال سمعت سالم بن أبى الجعد قال سمعت النعمان بن بشير يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) * (1) قال علي: هذا وعيد شديد، والوعيد لا يكون إلا في كبيرة من الكبائر * وبه نصا إلى شعبة: عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سووا صفوفكم، فان تسوية الصف من تمام الصلاة) (2) * قال علي: تسوية الصف إذا كان من إقامة الصلاة فهو فرض، لان إقامة الصلاة فرض، وما كان من الفرض فهو فرض * (3) وبه إلى البخاري: ثنا أحمد بن أبى رجاء ثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة بن قدامة ثنا حميد الطويل ثنا أنس بن مالك قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقيموا صفوفكم وتراصوا، فانى أراكم من وراء ظهرى (4) * وروينا عن أنس أنه قال: (كان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه (5) *
__________
(1) في البخاري (ج 1 ص 289) (2) الذى في البخاري (ج 1 ص 290) (فان تسوية الصف من إقامة الصلاة) وليس في هذه الرواية لفظ (من تمام الصلاة) فما ادرى من أين جاء بها ابن حزم من طريق البخاري؟ قال ابن حجر (ج 2 ص 142 و 143) (هكذا ذكره البخاري عن أبى الوليد وذكره غيره عنه بلفظ: من تمام الصلاة كذلك
اخرجه الاسماعيلي عن ابن حذيفة، والبيهقي من طريق عثمان الدارمي كلاهما عنه، وكذلك اخرجه أبو داود وغيره، وكذا مسلم وغيره) (3) قال في الفتح (وقد استدل ابن حزم بقوله: إقامة الصلاة على وجوب تسوية الصفوف قال: لان إقامة الصلاه واجبة وكل شئ من الواجب واجب.
ولا يخفى ما فيه ولا سيما وقد بينا ان الرواة لم يتفقوا على هذه العبارة) اه وابن حزم استدل بالعبارتين ودليله قوى صحيح.
(4) في البخاري (ج 1 ص 289 و 290) (5) في البخاري (ج 1 ص 291) *(4/55)
قال علي: هذا إجماع منهم والآثار في هذا كثيرة جدا، والصف الاول هو الذي يلى الامام * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد حرب الواسطي ثنا عمرو بن الهيثم أبو قطن ثنا شعبة عن قتادة عن خلاس عن ابي رافع عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لو تعلمون أو يعلمون (1) ما في الصف الاول لكانت قرعة) (2) * قال علي: لا يمكن ان تكون القرعة إلا فيما لا يسع الجميع فيقع فيه التغاير والمضايقة ولو كان الصف الاول للمبادر بالمجئ (3) كما يقول من لا يحصل كلامه لما كانت القرعة فيه إلا حماقة لانه لا يمنع احد من المبادرة بالمجئ حتى يحتاج فيه إلى قرعة * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب ثنا اسماعيل بن مسعود - هو الجحدري عن خالد بن الحارث ثنا سعيد هو ابن ابي عروبة عن قتادة عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الصف الاول ثم الذي يليه فان كان (4) نقص فليكن في الصف المؤخر) (5) * قال علي: شغب من اجاز صلاة المنفرد خلف الصف بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنس واليتيم خلفه والمرأة خلفهما *
__________
(1) كلمة (أو يعلمون) سقطت من النسخة رقم (16) (2) رواه مسلم (ج 1 ص 129) عن شيخين ولفظ محمد بن حرب (ما كانت الا قرعة) (3) في النسخة رقم (45) (للمبادر إليه بالمجئ) وزيادة (إليه) هنا تفسد المعنى المراد لان من يزعم هذا المعنى يفسر الصف الاول بأن المبادرة بالمجئ للصلاة من غير قيد بصف مخصوص فمن بادر فقد كان في الصف الاول وان جلس في آخر المسجد.
هكذا يتبادر المعنى من نقل المؤلف والرد على هذا القائل وهو قول غريب نقله ايضا الشوكاني (ج 3 ص 232) فقال: (قيل الصف الاول عبارة عن مجئ الانسان إلى المسجد اولا وان صلى في صف آخر قيل لبشر بن الحارث: نراك تبكر وتصلى في آخر الصفوف فقال: انما يراد قرب القلوب لا قرب الاجساد! والاحاديث ترد هذا) وصدق.
(4) في النسائي (ج 1 ص 131) (وان كان) (5) رواه ايضا أبو داود (ج 1 ص 252) واسناد النسائي اسناد صحيح *(4/56)
وهذا لا حجة لهم فيه، لان هذا حكم النساء خلف الرجال، وإلا فعليهن من اقامة الصفوف إذا كثرن ما على الرجال، لعموم الامر بذلك، ولا يجوز أن يترك حديث مصلى المرأة المذكورة لحديث وابصة، ولا حديث وابصة لحديث مصلى المرأة، فليس من ترك هذا لهذا بأولى ممن ترك ما أخذ هذا وأخذ بما ترك وكل ذلك لا يجوز * وشغبوا بحديث ابن عباس وجابر إذ جاء كل منهما فوقف عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤتما به وحده فأدار عليه السلام كل واحد منهما حتى جعله عن يمينه، قالوا: فقد صار جابر وابن عباس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الادارة * قال علي: وهذا لا حجة فيه لهم، لما ذكرنا من أنه لا يحل ضرب السنن بعضها ببعض.
وهذا تلاعب بالدين! * وليت شعري! ما الفرق بين من ترك حديث جابر وابن عباس لحديث وابصة وعلى ابن شيبان وبين من ترك حديث وابصة وعلى لحديث جابر وابن عباس؟ وهل هذا كله إلا
باطل بحت، وتحكم بلا برهان؟! * بل الحق في ذلك الاخذ بكل ذلك، فكله حق، ولا يحل خلافه، فادارة الامام من صلى عن يساره إلى يمينه حق، ولا تبطل بذلك الصلاة، وبخلاف من صلى عن يسار الامام وهو عالم بالمنع من ذلك فصلاة هذين باطل، بخلاف حكم المصلى خلف الصف، وما سمى قط المدار عن شمال إلى يمين مصليا وحده خلف الصف! * وموهوا أيضا بخبر أبي بكرة إذ أتى وقد حفزه النفس فركع دون الصف ثم دخل الصف * قال علي: وهذ الخبر حجة عليهم لنا، لان عبد الله بن ربيع حدثنا قال ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا حميد بن مسعدة أن يزيد بن زريع حدثهم قال ثنا سعيد بن أبي عروبة عن زياد الاعلم ثنا الحسن أن أبا بكرة حدث (1): (أنه دخل المسجد ونبى الله صلى الله عليه وسلم راكع، قال: فركعت دون الصف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصا ولا تعد (2) *
__________
(1) في الاصل (حدثه) وصححناه من أبى داود (ج 1 ص 254) (2) رواه البخاري (ج 1 ص 311) من طريق همام عن الاعلم، ورواه النسائي (ج 1 ص 139) من طريق سعيد عن الاعلم(4/57)
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن الاعلم هو زياد عن الحسن عن أبي بكرة: (أنه دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى وقد ركع، فركع ثم دخل الصف وهو راكع، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيكم دخل الصف (1) وهو راكع؟ فقال له أبو بكرة: أنا، قال زادك الله حرصا ولا تعد (2) قال علي: فقد ثبت ان الركوع دون الصف ثم دخول الصف كذلك لا يحل * فان قيل: فهلا امره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاعادة كما امر الذي اساء الصلاة والذي
صلى خلف الصف وحده؟ * قلنا: نحن على يقين نقطع به ان الركوع دون الصف انما حرم حين نهى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذ ذلك كذلك فلا إعادة على من فعل ذلك قبل النهى، ولو كان ذلك محرما قبل النهى لما أغفل عليه السلام أمره بالاعادة، كما فعل مع غيره * (3) فبطل ان يكون لمن اجاز صلاة المنفرد خلف الصف وصلاة من لم يقم الصفوف حجة أصلا لا من قرآن ولا من سنة ولا إجماع * وبقولنا يقول السلف الطيب روينا بأصح إسناد عن أبي عثمان النهدي (4) قال: كنت فيمن ضرب عمر بن الخطاب قدمه لاقامة الصف في الصلاة * قال علي: ما كان رضى الله عنه ليضرب أحدا ويستبيح بشرة محرمة على غير فرض * وعن يحيى بن سعيد القطان ثنا عبيدالله بن عمر عن نافع أنه أخبره عن ابن عمر: ان عمر ابن الخطاب كان يبعث رجالا يسوون الصفوف، فإذا جاءوا كبر * وعن عمر بن الخطاب من كان بينه وبين الامام نهر أو حائط أو طريق فليس مع الامام * وعن مالك عن أبى النضر عن مالك بن أبي عامر عن عثمان بن عفان أنه كان يقول ذلك في خطبته قلما يدع ذلك كلاما فيه: إذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف، وحاذوا
__________
(1) في النسخة رقم (16) (أيكم داخل الصف) (2) رواية حماد عن الاعلم رواها أبو داود (ج 1 ص 254 و 255) عن موسى بن اسمعيل عن حماد (3) في نسخة رقم (45) (كما فعل بغيره) (4) في النسخة رقم (16) (عن عثمان النهدي) وهو خطأ *(4/58)
بالمناكب، فان اعتدال الصف (1) من تمام الصلاة، ثم لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف فيخبرونه أنها استوت فيكبر * (2) هذا فعل الخليفتين رضى الله عنهما بحضرة الصحابة رضى الله عنهم، لا يخالفهم في
ذلك أحد منهم * وعن عثمان انه كان يقول: اعدلوا الصفوف وصفوا الاقدام وحاذوا بالمناكب * وعن سفيان الثوري عن الاعمش عن عمارة بن عمران الجعفي عن سويد بن غفلة قال: كان بلال هو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب أقدامنا في الصلاة ويسوي مناكبنا * (3) فهذا بلال ما كان: ليضرب أحدا على غير الفرض * وعن ابن عمر: من تمام الصلاة اعتدال الصف.
وأنه قال: لان تخر ثنيتاى أحب إلى من أن أرى خللا في الصف فلا أسده * قال علي: هذا لا يتمنى في ترك مباح أصلا * وعن ابن عباس: إياكم وما بين السواري، وعليكم بالصف الاول * وعن عبيد الله بن أبي يزيد: رأيت المسور بن مخرمة يتخلل الصفوف حتى ينتهى إلى الصف الاول أو الثاني * وعن وكيع عن مسعر بن كدام عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبى الجعد عن النعمان ابن بشير قال: والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم * (4) وقيل لانس بن مالك: أتنكر شيئا مما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، إلا أنكم لا تقيمون الصفوف * (5)
__________
(1) في الموطأ (ص 36) (فان اعتدال الصفوف) (2) في الموطأ (أن قد استوت فيكبر) وقد اختصر المؤلف الخبر (3) نقله ابن حجر في الفتح (ج 2 ص 134) عن سويدو وصفه بالصحة، ولم أجد ترجمة لعمارة بن عمران الجعفي وأظنه خطأ في النقل صوابه (عمران بن مسلم الجعفي) فهو من هذه الطبقة ويروى عن سويد بن عفلة وقد سبقت له رواية عنه في المسألة (289) والله أعلم (4) سبق هذا عن النعمان مرفوعا من رواية البخاري (5) هذا المعنى في البخاري (ج 1 ص 290 و 291) عن أنس *(4/59)
قال علي: المباح لا يكون منكرا * وعن سعيد بن جبير الامر بتسوية الصفوف * وعن عطاء: على الناس أن يسووا الصفوف * وعن عبد الرحمن بن يزيد: سووا الصفوف، (1) فان من تمام الصلاة إقامة الصف * وعن ابراهيم النخعي في الرجل يجئ وقد تم الصف، قال: ان قدر فليدخل معهم في الصف، أو يجتذب رجلا فيصلى معه، فان صلى وحده فليعد الصلاة * وعن شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة عن الرجل يصلى وحده خلف الصف قال: يعيد * وببطلان صلاة من صلى خلف الصف منفردا يقول الاوزاعي والحسن بن حى وأحد قولى سفيان الثوري، وهو قول احمد بن حنبل واسحاق * (2) 416 مسألة وواجب على من دخل المسجد أن يقول: (اللهم افتح لى أبواب رحمتك) فإذا خرج منه فليقل: (اللهم إنى أسألك من فضلك) وهذا إنما هو من شروط دخول المسجد متى دخله، لا من شروط الصلاة، فصلاة من لم يقل ذلك جائزة، وقد عصى في تركه قول ما أمر به * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا سليمان بن بلال عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد هو ابن سويد الانصاري عن أبي حميد أو عن أبي أسيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لى أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إنى أسألك من فضلك * (3) قال علي: أيهما كان فهو خير من كل من بعده * (4) 417 مسألة وفرض على كل مأموم أن لا يرفع ولا يركع ولا يسجد
__________
(1) في النسخة رقم (16) (صفوا الصفوف) (2) حكاه عبد الله بن احمد عن ابيه في المسند (ج 4 ص 228) بعد رواية حديث وابصة قال: (وكان أبى يقول بهذا الحديث)
وحكاه الترمذي عن احمد واسحق وحماد بن أبى سليمان وابن أبى ليلى ووكيع (3) في مسلم (ج 1 ص 198) (4) يريد أن شك الراوى وتردده بين أبى حميد وبين أبى أسيد لا يضر فانهما صحابيان جليلان.
وفى النسخة رقم (16) (فهو خير من الذى بعده) وما هنا أحسن *(4/60)
ولا يكبر ولا يقوم ولا يسلم قبل امامه، ولا مع امامه، فان فعل عامدا بطلت صلاته لكن بعد تمام كل ذلك من إمامه، فان فعل ذلك ساهيا فليرجع ولا بد حتى يكون ذلك كله منه بعد كل ذلك من امامه وعليه سجود السهو * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل الجحدرى ثنا أبو عوانة عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشى ثنا أبو موسى قال: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنة الخير، (1) وعلمنا صلاتنا، فقال: إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقولوا (آمين) يجبكم الله (2)، فإذا كبر وركع فكبروا واركعو، فان الامام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، فتلك بتلك، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا، فان الامام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، فتلك بتلك) وذكر باقى الحديث * (3) حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري حدثني أبو إسحاق هو السبيعي ثنا عبد الله بن يزيد الانصاري ثنا البراء بن عازب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده، لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا، ثم نقع سجودا بعده) (4) * وقد روينا أيضا من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب (5) * وبه إلى البخاري: ثنا الحجاج بن المنهال ثنا شعبة عن محمد بن زياد قال سمعت
أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما يخشى أحدكم أو لا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الامام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار (6)؟) *
__________
(1) في مسلم (ج 1 ص 119) (فبين لنا سنتنا) (2) بالجيم من الاجابة (3) اختصره المؤلف من أوله ووسطه وآخره (4) في البخاري (ج 1 ص 280) ورواه مسلم (ج 1 ص 136 و 137) وأبو داود (ج 1 ص 239) (5) رواية ابن أبى ليلى في أبى داود (6) في البخاري (ج 1 ص 280 و 281) *(4/61)
حدثنا حمام ثنا ابن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن اسماعيل الترمذي ثنا الحميدي ثنا سفيان هو ابن عيينة ثنا يحيى بن سعيد الانصاري أنه سمع محمد بن يحيى بن حبان (1) عن ابن محيريز سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تبادروني بالركوع ولا بالسجود، فاني قد بدنت (2)، فمهما أسبقكم به إذا ركعت فانكم تدركوني به إذا رفعت، ومهما أسبقكم به إذا سجدت فانكم تدركوني به إذا رفعت) (3) وبه قال السلف * روينا عن أبي هريرة أنه قال: إن الذي يرفع رأسه قبل الامام ويخفض قبله فان ناصيته بيد شيطان * وعن عبد الله بن مسعود: ما يؤمن الرجل إذا رفع رأسه قبل الامام أن تعود رأسه رأس كلب * قال علي: لا وعيد أشد من المسخ في صورة كلب أو حمار، ولا عقوبة أعظم من إسلام ناصية المرء إلى يد الشيطان * وعن ابن مسعود: لا تبادروا أئمتكم بالسجود فان سبقكم من ذلك شئ فليضع أحدكم رأسه كقدر ما سبق، *
وعن عمر بن الخطاب مثل هذا حرفا حرفا *
__________
(1) بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة (2) بضم الدال المهملة وبالتخفيف أي كثر لحمى وسمنت (3) رواه أبو داود (ج 1 ص 239) عن مسدد عن يحيى عن ابن عجلان عن محمد بن يحيى بن حبان باسناده ومعناه ورواه أحمد (ج 4 ص 92) عن يحيى بن سعيد عن ابن عجلان، ورواه ايضا (ج 4: ص 98) عن سفيان عن ابن عجلان، ورواه البيهقى (ج 2 ص 92) من طريق الليث بن سعد عن ابن عجلان.
وهذه أسانيد صحيحة جدا.
واعلم أن يحيى بن سعيد في أسانيد أبى داود وأحمد في هذا الحديث هو يحيى بن سعيد بن فروخ القطان وأما الذى في اسناد المؤلف فهو يحيى بن سعيد ابن قيس الانصاري وهو قديم مات سنة 143 وروى عن محمد بن يحيى بن حبان.
وأما القطان فمتأخر عنه ولد سنة 120 ومات سنة 198 *(4/62)
قال على: والمعصية المحرمة المبعدة من الله تعالى لا تنوب عن الطاعة المفترضة المقربة منه عزوجل * 418 - مسألة - فمن كان عليل البصر وخشى ضررا (1) من طول الركوع أو السجود فليؤخر ذلك إلى قرب رفع الامام رأسه بمقدار ما يركع ويطمئن ويقول (سبحان ربى العظيم وبحمده) وبمقدار ما يسجد ويطمئن ويقول (سبحان ربى الاعلى وبحمده) ثم يرفع بعد رفع الامام، * لقول الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) ولقوله عزوجل: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ولقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * والعجب كله من قول أبى حنيفة ومالك: لا يحل لمأموم أن يكبر للاحرام قبل إمامه، ولا مع امامه، ولا أن يسلم قبل إمامه، ولا مع امامه: ثم أجازوا له أن يفعل سائر ذلك مع الامام! وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم
فأتموا) أو (فاقضوا) نص جلى على أنه لا يحل للمأموم أن يفارق الامام حتى تتم صلاة الامام، ولا تتم صلاة الامام إلا بتمام سلامه * 419 مسألة ولا يحل لاحد أن يكبر قبل إمامه إلا في أربعة مواضع * أحدها: من دخل خلف إمام فلما كبر الامام وكبر الناس ذكر الامام أنه على غير طهارة، فانه يشير إلى الناس أن أمكثوا، ثم يخرج فيتطهر، ثم يأتي فيبتدئ التكبير للاحرام، وهم باقون على ما كبروا، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه رضى الله عنهم * والثاني: أن يكبر الامام ويكبر الناس بعده ثم يحدث، فيستخلف من دخل حينئذ، فيصير إماما مكانه، ويكون المؤتمون به قد كبروا قبله.
وهذا اجماع من الحنفيين والمالكيين والشافعيين والحنبليين * والثالث: أن يغيب الامام الراتب فيستخلف الناس من يصلى بهم ثم يأتي الامام الراتب فيتأخر المقدم، ويتقدم هو، فيصلى بالناس وقد كبر المأمومون قبله، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين: مرة إذ مضى عليه السلام إلى بنى عمرو بن عوف ليصلح بينهم
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وخشى ضرورة)(4/63)
فقدم الناس للصلاة التي حضرت أبا بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأخر أبو بكر وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس بانين على ما صلوا مع أبي بكر: وكما فعل صلى الله عليه وسلم في آخر صلاة صلاها بالمسلمين.
وقد ذكرنا ذلك باسناده فيما سلف من كتابنا هذا ولله الحمد * والرابع: من كان معذورا في ترك حضور الجماعة أو يئس عن أن يجد جماعة فبدأ الصلاة فلما دخل فيها أتى الامام، فانه يدخل في صلاة الامام ويعتد بتكبيره وبما صلى، لانه كبر كما أمر، وصلى ما مضى من صلاته كما أمر، ومن فعل ما أمر به فقد
أحسن، ومن أحسن فلا يجوز ابطال ما عمل إلا بنص: قرآن أو سنة ثابتة، وقد قال تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم).
* وكذلك لا يحل لاحد أن يسلم قبل امامه الا في أربعة مواضع: * أحدها: صلاة الخوف، كما نذكر في أبوابها ان شاء الله تعالى * والثاني: من كان له عذر في ترك حضور الجماعة أو يئس عن وجود جماعة فبدأ بالصلاة ثم أتي الامام، فصار هذا مؤتما به وتمت صلاته قبل صلاة الامام، فهذا مخير، إن شاء سلم ونهض، لان صلاته قد تمت، ولا يجوز له الائتمام بالامام في أحوال يفعلها الامام من صلاته، ولا يحل للمؤتم أن يزيدها في صلاته، فإذ لا يجوز له الائتمام بالامام فقد خرج عن إمامته وتمت صلاته، فليسلم، وان شاء يتمادى (1) على تشهده ودعائه، حتى إذا سلم الامام سلم بعده أو معه * والثالث: مسافر دخل خلف من يتم الصلاة إما مقيما وإما متأولا معذورا بخطئه فإذا تمت للمأموم ركعتان بسجداتها فقد تمت صلاته، فهو مخير بين ما ذكرنا من سلام أو تمادي على الجلوس والدعاء، وان شاء بعد سلامه ان ينهض فله ذلك، وان شاء ان يصلى مع الامام باقي صلاته متطوعا فذلك له * والرابع: من طول عليه الامام تطويلا يضر به في نفسه أو في ضياع ماله، فله ان يخرج عن امامته، ويتم صلاته لنفسه، ويسلم وينهض لحاجته * كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد
__________
(1) في النسخة رقم (45) (وان شاء أن يتمادى) وما هنا أحسن *(4/64)
ابن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عباد ثنا سفيان - هو ابن عيينة عن عمرو هو ابن دينار عن جابر بن عبد الله قال: (كان معاذ يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤم قومه، فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم
العشاء، ثم أتى قومه فأمهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل فسلم، ثم صلى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟! (1) قال: لا والله، ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاخبرنه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، انا أصحاب نواضح نعمل بالنهار، وإن معاذا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا معاذ، أفتان أنت؟! اقرأ بكذا، واقرأ بكذا (2) وذكر باقى الكلام * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري حدثنى محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله قال: (كان معاذ بن جبل يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم، (3) فصلى العشاء فقرأ بالبقرة فانصرف رجل (4) فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فتان فتان فتان! أو قال: فاتنا فاتنا فاتنا! وأمره بسورتين من أوسط المفصل) * وهذا اجماع من الصحابة رضى الله عنهم مع النص * وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن اسرائيل بن يونس عن ابي اسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبي طالب قال: إذا تشهد الرجل وخاف أن يحدث قبل أن يسلم الامام فليسلم وقد تمت صلاته (5).
ولا نعلم له من الصحابة رضى الله عنهم
__________
(1) في النسخة رقم (16) (فقالوا كأنك نافقت يا فلان) وما هنا هو الموافق لصحيح مسلم (ج 1 ص 134) (2) في الاصلين (اقرأ بكذا اقرأ بكذا) بدون الواو، وزدناها من مسلم * (3) في البخاري (ج 1 ص 283) (فيؤم قومه) (4) في البخاري (فانصرف الرجل) (5) رواه البيهقى (ج 2 ص 256) من طريق عبيد الله بن موسى عن اسرائيل عن أبى اسحق عن الحارث عن على، والحارث هو الاعور، وهو كذاب ضعيف، وأما عاصم بن ضمرة فالحق أنه ثقة *(4/65)
في ذلك مخالفا.
وبكل الوجوه التي ذكرنا، قد قالت طوائف من السلف رضى الله عنهم * 420 مسألة ومن سبق إلى مكان من المسجد لم يجز لغيره اخراجه عنه.
وكذلك إن قام عنه غير تارك له فرجع فهو أحق به، لان المسجد لجميع الناس، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقام أحد عن مكانه * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى ابن اسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام الرجل من مجلسه ثم رجع فهو أحق به) (1) * 421 مسألة ولا يحل لاحد أن يصلى أمام الامام إلا لضرورة حبس فقط، أو في سفينة حيث لا يمكن غير ذلك * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هرون بن معروف ثنا حاتم بن اسماعيل عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت: أتينا جابر بن عبد الله فحدثنا: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، قال جابر: فتوضأت من متوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب جبار بن صخر يقضي حاجته، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى، ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بأيدينا جميعا حتى أقامنا خلفه) (2) * فوجب أن يكون الاثنان فصاعدا خلف الامام ولا بد، ويكون الواحد عن يمين الامام ولا بد، لان دفع النبي صلى الله عليه وسلم جابرا وجبارا إلى ما وراءه أمر منه عليه السلام بذلك لا يجوز تعديه، وإدارته جابرا إلى يمينه كذلك، فمن صلى بخلاف ما أمر به عليه السلام فلا صلاة له *
__________
(1) في أبى داود (ج 4 ص 414) (ثم رجع إليه) ورواه مسلم (ج 2 ص 178)
وابن ماجه (ج 2 ص 209 و 210) (2) هو قطعة اختصرها المؤلف من حديث جابر الطويل في صحيح مسلم (ج 2 ص 394) وجبار بن صخر صحابي من أهل بدر، وقد روى قصة الصلاة هذه، رواها احمد (ج 3 ص 421) *(4/66)
وقد قال قوم: ان الاثنين يكونان حفافى (1) الامام * واحتجوا في ذلك برواية رويناها عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمة والاسود: أنهما صليا مع ابن مسعود رضى الله عنه فقام بينهما، وجعل أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، وقام بينهما، ثم ركع بهما، فوضعا أيديهما على ركبهما، فضرب أيديهما، ثم طبق يديه فجعلهما بين فخذيه، فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) * وروينا من طريق فيها هرون بن عنترة وأخرى فيها الحارث بن أبى أسامة - وكلاهما متروك -: أن هكذا كان يفعل عليه السلام إذا كانوا ثلاثة * (3) قال علي: أما رواية الاعمش وهى الثابتة فلا بيان فيها إلى أي شئ أشار ابن مسعود بقوله (هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم)؟ إلى موقف الامام بين المأمومين والى التطبيق معا؟ أم إلى التطبيق وحده؟ وإذ لا بيان في ذلك فلا يجوز أن يترك اليقين للظنون.
ثم حتى لو صح هذا مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان ابعاده عليه السلام لجابر وجبار عن كونهما حفافيه وإيقافهما خلفه: مدخلا لنا في يقين منع الاثنين من كونهما حفافى الامام، وأنه لا يجوز، وإذ ذلك كذلك فجواز كون الاثنين حفافي الامام قد حرم بيقين، فلا يجوز أن يعود إلى الجواز ما قد تيقن تحريمه إلا بنص جلى بعودته.
وبالله تعالى التوفيق * 422 مسألة وكل من استخلفه الامام المحدث فانه لا يصلى إلا صلاة نفسه لا على صلاة إمامه المستخلف له، ويتبعه المأمومون فيما يلزمهم، ولا يتبعونه فيما لا يلزمهم، بل يقفون على حالهم، ينتظرونه حتى يبلغ إلى ماهم فيه فيتبعوه حينئذ *
__________
(1) الحفافان - بكسر الحاء المهملة - الجانبان (2) حديث ابن مسعود في صحيح مسلم (ج 1 ص 150) بألفاظ مختلفة وفى بعضها من كلام ابن مسعود: (وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعا، وإذا كنتم اكثر من ذلك فليؤمكم أحدكم) ورواه ايضا الطحاوي (ج 1 ص 134 و 135) (3) اما طريق هرون بن عنترة فقد نسبها الشوكاني (ج 3 ص 221) إلى احمد وأبى داود والنسائي، وهرون ليس متروكا وإن ضعفه بعضهم.
وأما طريق الحارث بن محمد بن أبى أسامة فلم أرها، والحارث مختلف فيه، قال الذهبي (كان حافظا عارفا بالاحاديث تكلم فيه بلا حجة) وقال في تلخيص المستدرك (ليس بعمدة) *(4/67)
وقال أبو حنيفة ومالك.
بل يصلى الامام المستخلف كما كان يصلى لو كان مأموما، وعلى حكم صلاة إمامه الذي استخلفه * قال علي: ما نعلم لهم حجة الا أنهم ونحن تنازعنا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (انما جعل الامام ليوتم به) * قال علي: والامام الذي أحدث واستخلف وخرج (1) قد بطلت امامته باجماع منا ومنهم، وبضرورة الحس والمشاهدة، لانه الآن في داره يحدث أو يأكل أو يعمل ما الله تعالى أعلم به في غير صلاة، وأنه لو رجع لكان مؤتما عندكم لا إماما، فقد ايقنا ان امامته قد بطلت * فان قالوا: انما قلنا: بقى حكم امامته، لا امامته * قلنا: في هذا نازعناكم، فليس دعواكم حجة لنفسها، واذ قد أقررتم أن امامته قد بطلت، وانه ليس اماما.
فلا يجوز بقاء (2) حكم امامة قد بطلت اصلا.
* واما الثاني فهو باجماع (3) منا ومنهم الامام الذي أمر عليه السلام ان نأتم به، وان نكبر إذا كبر، ونرفع إذا رفع، ونركع إذا ركع، ونسجد إذا سجد، فإذ هو كذلك فهو الامام لا المأموم والامام هو المأمور بأن يأتي بالصلاة كما أمر، والمؤتمون به هم
المأمورون بالائتمام به * فان قالوا: فأنتم تقولون: إن المأموم إذا أتم صلاته لم ينتظر الامام * قلنا: نعم، وهؤلاء لم تتم صلاتهم بعد، فواجب عليهم انتظاره، كما فعل المسلمون في انتظار رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ خرج ثم رجع وقد اغتسل، وكما فعلوا في صلاة الخوف، لانهم بعد مؤتمون به، وهو إمامهم، وصلاتهم لم تتم، فلا عذر لهم في الخروج عن الائتمام به، ولا يحل لهم أن يتبعوه فيما ليس من صلاتهم، فيزيدوا فيها بالعمد ما قد صلوه، فوجب انتظارهم إياه ولا بد وبالله تعالى التوفيق * وأما من تمت صلاته منهم فان شاء سلم وان شاء أطال التشهد، فذلك له، حتى
__________
(1) في النسخة رقم (16) (فخرج واستخلف) (2) في النسخة رقم (45) (إبقاء) (3) في النسخة رقم (45) (فهو اجماع) الخ وهو خطأ، لان المراد أن الامام الثاني هو الامام الذى أمر المصلون بالائتمام به وأن هذا باجماع من المؤلف ومن مخالفيه *(4/68)
يسلم مع الامام وبالله تعالى التوفيق * 423 مسألة وأيما عبد أبق عن مولاه فلا تقبل له صلاة حتى يرجع، إلا أن يكون أبق لضرر محرم لا يجد من ينصره منه، فليس آبقا حينئذ، إذا نوى بذلك البعد عنه فقط * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا جرير عن المغيرة عن الشعبي قال: كان جرير بن عبد الله البجلي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (1): (إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة) * وبهذا يقول أبو هريرة، كما روينا عن محمد بن المثنى: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن حبيب بن ابي ثابت قال سمعت وانا صبي عن أبي هريرة أنه قال في الآبق: لا تقبل له صلاة * (2)
قال علي: هذا صاحب لا يعرف له من الصحابة رضى الله عنهم مخالف، وخصومنا (3) يشغبون بأقل من هذا إذا وافق تقليدهم * 424 مسألة ومن صلى من الرجال وهو لابس معصفرا بطلت صلاته إذا كان ذاكرا عالما بالنهي وإلا فلا، فان كان مصبوغا بعصفر لا يظهر فيه إلا انه لا يطلق عليه اسم (معصفر) فصلاته فيه جائزة.
والصلاة فيه جائزة للنساء * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا القعنبي ثنا مالك عن نافع عن ابراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن على بن أبي طالب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسى (4) وعن لبس المعصفر (5) وعن تختم الذهب وعن القراءة في الركوع) * وبهذا يقول بعض السلف الصالح *
__________
(1) في صحيح مسلم (ج 1 ص 34) (قال) (2) هذا منقطع كما هو ظاهر، ولان حبيب ابن أبى ثابت لم يدرك أبا هريرة (3) في النسخة رقم (16) (وأصحابنا) (4) بفتح القاف وتشديد السين المهملة بعدها ياء نسبة، نسبة إلى بلد يقال لها القس.
وفسرها على بن ابى طالب بقوله.
(ثياب تأتينا من قبل الشأم مضلعة فيها أمثال الاترج) انظر مسند أحمد (ج 1 ص 134 و 154) (5) في النسخة رقم (16) (ولبس المعصفر) وما هنا هو الموافق لابي داود(4/69)
كما روينا عن معمر عن قتادة: أن عمر بن الخطاب رأى على رجل ثوبا معصفرا فقال: دعوا هذه البراقات للنساء * (1) وعن معمر عن بديل العقيلى (2) عن أبى العلاء بن عبد الله بن الشخير عن سليمان بن صرد (3) الخزاعي قال: رأى عمر بن الخطاب على رجل ثوبين ممصرين (4) فقال: ألق هذين عنك، لعلك أن توهم من عملك ما هو أشد من هذا * (5) قال علي.
هذا تشديد عظيم جدا *
وروينا أن (6) أم الفضل بنت غيلان: أرسلت إلى أنس بن مالك تسأله عن المعصفر فقال أنس: لا بأس به للنساء * قال على: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم إباحته للنساء * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا يعقوب هو ابن ابراهيم بن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف - ثنا أبي عن محمد بن اسحاق أن نافعا مولى ابن عمر حدثه عن عبد الله بن عمر: (أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في احرامهن عن القفازين والنقاب، وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت (7) من ألوان الثياب
__________
(ج 4 ص 83) (1) الشئ البراق ذو البريق.
ومنه - فيما أرى - أبرقت المرأة بوجهها وسائر جسمها وبرقت وبرقت - بالتخفيف والتشديد مع فتح الراء - إذا تعرضت وتحسنت، وامرأة براقة وابريق تفعل ذلك، ورعدت المرأة وبرقت - بتخفيف العين والراء - أي تزينت مقتبس من اللسان فلعل هذا الذى هنا مأخوذ من هذه المعاني، وكلها ترجع لمعنى البريق.
وهذا الاثر مرسل، لان قتادة من صغار التابعين ولد سنة 61 ومات سنة 117 فلم يدرك عمر.
(2) بديل مصغر، والعقيلي بضم العين المهملة (3) بضم الصاد المهملة وفتح الراء.
(4) بضم الميم الاولى وفتح الثانية وفتح الصاد المهملة المشددة والثوب الممصر المصبوغ بحمرة أو بصفرة (5) كذا في الاصول (توهم) ويحتمل أن يكون من قولهم (أوهمت الشئ إذا تركته كله، وأوهم من الحساب مائة أي أسقط) * (6) في النسخة رقم (16) (عن) وهو خطأ.
وأم الفضل هذه لم أجد لها ترجمة ولا ذكرا في شئ من الكتب (7) في النسخة رقم (45) (وليلبسن بعد ذلك ما احببن) وما هنا هو الموافق(4/70)
من معصغر أو خز أو حلى أو سراويل أو قميص أو خف) (1) * 425 مسألة ومن صلى وهو يحمل شيئا مسروقا أو مغصوبا (2) أو إناء فضة
أو ذهب بطلت صلاته إلا أن يحمل المأخوذ بغير حقه ليرده إلى صاحبه، أو يحمل الاناء ليكسره: فصلاته تامة * فان صلى وفى كفه أو حجزته حلى ذهب يتملكه لاهله أو ليبيعه أو ثوب حرير كذلك أو دنانير: فصلاته تامة.
وكذلك لو صلى وفي فيه (3) دينار أو لؤلؤة يحرزهما بذلك فصلاته تامة * برهان ذلك أنه عمل في صلاته ما لا يحل له، ومن عمل في صلاته ما لا يحل له فلم يصل الصلاة التي امره الله عز وجل بها فإذا حمل ذلك لما امر به فلم يعمل في صلاته الا ما أمر به فصلاته صحيحة وبالله تعالى التوفيق * 426 مسألة وفرض على الرجل ان صلى في ثوب واسع أن يطرح منه على عاتقه أو عاتقيه، فان لم يفعل بطلت صلاته فان كان ضيقا اتزر به (4) واجزأه، كان معه ثياب غيره أو لم يكن * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو عاصم هو النبيل عن مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يصلى (5) أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ) (6) *
__________
لابي داود (ج 2 ص 103) (1) في ابى داود من الوان الثياب.
معصفرا أو خزا) الخ بحذف (من) واسناد هذا الحديث اسناد صحيح، وابن اسحق امام حجة وقد صرح بسماعه من نافع، فارتفعت شبهة التدليس إن ثبت انه مدلس * (2) في النسخة رقم (16) (أو غصبا) (3) في النسخة رقم (16) (وفى فمه) (4) (اتزر) بتشديد التاء وفى النسخة رقم (45) (ائتزر) وكلاهما صحيح، تقول ائتزر واتزر) بالهمزة وبادغامها في التاء كما تقول (اتمنه) والاصل (ائتمنه) (5) نقل ابن حجر في الفتح أن ابن الاثير قال (كذا هو في الصحيحين باثبات الياء ووجهه أن لا نافية وهو خبر بمعنى النهى) (6) في البخاري (ج 1 ص 162) (ليس
على عاتقيه شئ) ولعل ما هنا رواية للمؤلف في صحيح البخاري *(4/71)
ورويناه من طريق سفيان بن عيينة عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه (1) منه شئ) * قال علي: المعنى في كلا اللفظين واحد، لانه متى ألقى بعض الثوب على عاتقه فلم يصل في ثوب ليس على عاتقيه منه شئ، بل صلى في ثوب على أحد عاتقيه منه شئ * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هرون بن معروف ثنا حاتم بن اسماعيل عن يعقوب ابن مجاهد ابي حرزة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال.
أتينا جابر بن عبد الله أنا وابي فحدثنا في حديث.
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له (يا جابر، إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه، وإذا كان (2) ضيقا فاشدده على حقوك (3) يعنى ثوبه وهذه الاحاديث تقضى على سائر الاخبار في الصلاة في الثوب الواحد * وروينا عن حماد بن سلمة عن ايوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر قال في الثوب.
إذا كان واسعا فتوشح به، وان كان قصيرا فاتزر به (4) * وعن ابي عوانة عن المغيرة عن ابراهيم النخعي قال إذا لم يكن عليك إلا ثوب واحد ان كان واسعا فتوشح به وان كان صغيرا فاتزر به * وعن طاوس بنحو هذا * وعن محمد بن الحنفية.
لا صلاة لمن لم يخمر على عاتقيه في الصلاة *
__________
(1) في النسخة رقم (16) عاتقه بالافراد، وهو خطأ، لان المؤلف جمع بين روايتي الافراد والتثنية فدل على اختلافهما في اللفظ.
وهذا إذا صح أن الاولى رواية له في نسخ البخاري.
ورواية سفيان عن ابى الزناد رواها مسلم (ج 1 ص 146) واشار ابن تيمية في المنتقى
(نيل الاوطار ج 2 ص 58) إلى ان رواية البخاري بالافراد ورواية مسلم بالتثنية، وهو يؤيد صحة رواية ابن حزم للفظ البخاري.
وهذا الحديث ليس في الموطأ (2) في الاصل (وان كان) وصححناه من مسلم، وهذا قطعة من حديث جابر الطويل في مسلم (ج 2 ص 394 - 397) (3) بفتح الحاء المهملة ويجوز كسرها، وهو الكشح أو معقد الازار (4) في النسخة رقم (45) (فائتزر به) *(4/72)
427 مسألة ولا يجوز لاحد ان يصلى وهو مشتمل الصماء، وهو ان يشتمل المرء ويداه تحته، الرجل والمرأة سواء * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد الفربري ثنا البخاري ثنا عبيد بن اسماعيل عن ابي اسامة عن عبيدالله بن عمر عن خبيب (1) بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن ابي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين وعن لبستين) فذكر الحديث وفيه (عن اشتمال الصماء (2) * 428 مسألة ولا تجزئ الصلاة ممن جر ثوبه خيلاء من الرجال، وأما المرأة فلها أن تسبل ذيل ما تلبس ذراعا لا أكثر، فان زادت على ذلك عالمة بالنهي بطلت صلاتها.
وحق كل ثوب يلبسه الرجل أن يكون إلى الكعبين لا أسفل البتة، فان أسبله فزعا أو نسيانا فلا شئ عليه * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد هو القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء) (3) * فهذا عموم للسراويل والازار والقميص وسائر ما يلبس * ورواه أيضا عبد الله بن دينار وزيد بن أسلم عن ابن عمر مسندا (4) *
ورويناه أيضا من طريق أبي ذر مسندا بوعيد شديد (5) * وروينا عن أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود أنه قال: المسبل إزاره في الصلاة ليس من الله في حل ولا في حرام (6) *
__________
(1) هو بضم الخاء المعجمة (2) في البخاري (ج 1 ص 241) بهذا الاسناد، ورواه ايضا بأسانيد أخرى (ج 1 ص 165 وج 7 ص 270) وغير ذلك (3) في مسلم (ج 2 ص 155) (4) هو في مسلم ايضا من طريق مالك عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم (5) رواه مسلم (ج 1 ص 41) عن أبى ذر مرفوعا (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) وذكر منهم المسبل، ورواه أيضا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه * (6) رواه أبو داود (ج 1 ص 243) من طريق الطيالسي عن أبى عوانة عن عاصم عن أبى(4/73)
وعن ابن عباس: لا ينظر الله إلى مسبل * وعن مجاهد: كان يقال: من مس ازاره كعبه لم يقبل الله له صلاة * فهذا مجاهد يحكى ذلك عمن قبله، وليسوا إلا الصحابة رضى الله عنهم، لانه ليس من صغار التابعين، بل من اوساطهم * وعن ذر بن عبد الله المرهبي وهو من كبار التابعين (1) كان يقال.
من جر ثيابه لم تقبل له صلاة * ولا نعلم لمن ذكرنا مخالفا من الصحابة رضى الله عنهم * قال علي.
فمن فعل في صلاته ما حرم عليه فعله فلم يصل كما أمر، ومن لم يصل كما أمر فلا صلاة له * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود السجستاني ثنا النفيلى - هو عبد الله بن محمد ثنا محمد ثنا زهير هو ابن معاوية ثنا موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من جر ثوبه
خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة (2) فقال أبو بكر الصديق.
إن أحد جانبي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لست ممن يفعله خيلاء) * (3) *
__________
عثمان عن ابن مسعود مرفوعا (من أسبل ازاره في صلاته خيلاء) الخ ثم قال أبو داود (روى هذا جماعة عن عاصم موقوفا على ابن مسعود: منهم حماد بن سلمة وحماد بن زيد وابو الاحوص وابو معاوية) وهو مسند الطيالسي (ص: 47 رقم 351) عن أبى عوانة وثابت عن عاصم وهذا اسناد صحيح ولا يضره وقف من وقفه، فرفعه زيادة ثقة وهى مقبولة.
(1) ذر بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء والمرهبى بضم الميم واسكان الراء وكسر الهاء ثم باء موحدة، نسبة إلى مرهبة بطن من همدان.
وفى النسخة رقم (16) (المرهفى) وهو خطأ، ولم أجد ما يؤيد أن ذرا هذا من التابعين، فلم يذكر احد روايته عن صحابي، وانما روايته عن التابعين كعبد الله بن شداد وابن المسيب وابن أبزى، فما ادرى كيف يكون من كبارهم؟! (2) قوله (يوم القيامة) سقط من الاصول، وزدناه من ابى داود (ج 4 ص 99) (3) رواه أيضا النسائي (ج 2 ص 299) *(4/74)
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا نوح بن حبيب القومسى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه، قالت أم سلمة يارسول الله (1) فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال.
ترخينه شبرا، قالت.
إذن تنكشف أقدامهن، قال.
ترخينه (2) ذراعا لا يزدن عليه) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا سفيان هو ابن عيينة ثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه قال.
سألت أبا سعيد الخدري فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إزرة المؤمن إلى
انصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، وما اسفل ذلك في النار، لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا) (3) * 429 مسألة والصلاة جائزة في ثوب الكافر والفاسق، ما لم يوقن فيها شيئا يجب اجتنابه * لقول الله تعالى.
(خلق لكم ما في الارض جميعا) وقد صح ان رسول الله صلى في جبة رومية، ونحن على يقين من طهارة القطن والكتان والصوف والشعر والوبر والجلود والحرير للنساء، واباحة كل ذلك فمن ادعى نجاسة أو تحريما لم يصدق الا بدليل من نص قرآن أو سنة صحيحة، قال تعالى.
(وقد فصل لكم ما حرم عليكم) وقال تعالى.
(ان الظن
__________
(1) قوله (يارسول الله) زدناه من النسائي (ج 2 ص 299) (2) في النسخة رقم (16) (ترخين) وفى النسخة رقم (45) (فيرخينه) وصححناه من النسائي (3) لم اجد هذا الحديث في النسائي ولعله في السنن الكبرى.
ثم ان المؤلف ترك حديثا قد يكون دليلا قويا على بطلان صلاة المسبل خيلاء، وهو ما رواه أبو داود (ج 1 ص 243 وج 4 ص 100) عن ابى هريرة قال.
(بينما رجل يصلى مسبلا ازاره إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اذهب فتوضأ فذهب فتوضأ ثم جاء، ثم قال.
اذهب فتوضأ فذهب فتوضأ ثم جاء، فقال له رجل يارسول الله مالك أمرته ان يتوضأ ثم سكت عنه؟ قال.
انه كان يصلى وهو مسبل ازاره وان الله جل ذكره لا يقبل صلاة رجل مسبل ازاره) وهو حديث صحيح، قال النووي في رياض الصالحين (اسناد صحيح على شرط مسلم) *(4/75)
لا يغني من الحق شيئا) * فان قيل.
قد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم آنيتهم الا بعد غسلها وأن لا يوجد غيرها * قلنا.
نعم، والآنية غير الثياب، (وما كان ربك نسيا) ولو أراد الله تعالى تحريم ثيابهم لبين ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، كما فعل بالآنية * والعجب ان المانع من الصلاة في ثيابهم يبيح آنيتهم لغير ضرورة! وهذا
عكس الحقائق! * واباحة الصلاة في ثياب المشركين هو قول سفيان الثوري وداود بن علي، وبه نقول * 430 مسألة ولا يجزئ أحدا من الرجال أن يصلى وقد زعفر جلده بالزعفران، فان صبغ ثيابه أو عمامته بالزعفران أو زعفر لحيته فحسن، وصلاته بكل ذلك جائزة * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا حماد بن زيد واسماعيل بن ابراهيم هو ابن علية كلاهما عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل) هذا لفظ إسماعيل، ولفظ حماد (عن التزعفر للرجال (1) * حدثنا عبد الله بن ربيع عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا سليمان بن الاشعث ثنا زهير بن حرب ثنا محمد بن عبد الله الاسدي ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن جديه قالا: سمعنا أبا موسى الاشعري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شئ من خلوق (2) * قال علي: الخلوق الزعفران، وأول مراتب هذا الخبر كونه من قول أبي موسى (3) *
__________
(1) رواه أبو داود (ج 4 ص 129 و 130) ورواه النسائي (ج 2 ص 294) عن اسحق ابن ابراهيم عن ابن علية.
ورواه أيضا مسلم والترمذي كما في شرح أبى داود (2) قال أبو داود (جداه زيد وزياد) ولم ينسبا، قال ابن القطان زيد وزياد غير معروفين ولم يذكرا بغير ما في هذا الاسناد) وتبعه الذهبي.
وأبو جعفر الرازي يقال.
اسمه عيسى ابن أبى عيسى، ويقال غير ذلك وهو ثقة صدوق ولكنه سئ الحفظ وليس بمتقن، وقد انفرد بهذا الاسناد (3) نعم! ولكن اين الاسناد الصحيح إلى ابى موسى؟!(4/76)
قال علي: هذا النهي ناسخ لما كان في أول الهجرة من إباحته عليه السلام لان
يتزعفر الرجل، إذ رأى عبد الرحمن بن عوف حين تزوج وعليه الخلوق، فلم ينكر عليه، إذ الاصل في ذلك الاباحة، ثم طرأ النهي فجاء ناسخا * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا يعقوب بن ابراهيم ثنا الدراوردي هو عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم قال: رأيت ابن عمر يصفر لحيته بالخلوق، فقلت: يا أبا عبد الرحمن انك تصفر لحيتك بالخلوق قال: (اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر بها لحيته (1) ولم يكن شئ من الصبغ أحب إليه منها، ولقد كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته (2) * قال علي.
ولم ينه عليه السلام النساء عن التزعفر، فهو مباح لهن، قال عزوجل (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) * 431 مسألة ولا يحل للرجل أن يصفق بيديه في صلاته، فان فعل وهو عالم بالنهي بطلت صلاته، لكن إن نابه شئ في صلاته فليسبح * وأما المرأة فحكمها إن نابها شئ في صلاتها أن تصفق بيديها، فان سبحت فحسن * وهو قول الشافعي وداود * وقال أبو حنيفة: إن سبح الرجل مريدا إفهام غيره بأمر ما بطلت صلاته * وقال مالك: لا تصفق المرأة بل تسبح * وكلا القولين خطأ، وخلاف للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا أبو النعمان هو محمد بن الفضل عارم ثنا حماد بن زيد ثنا أبو حازم المدنى عن سهل بن سعد فذكر حديثا وفيه: ان الناس صفحوا إذ رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاؤهم يصلون خلف أبى بكر، وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم إذ سلم: (إذا رابكم أمر فليسبح الرجال وليصفح النساء) في الصلاة (3) *
__________
(1) الزيادة التى بين القوسين من النسائي (ج 2 ص 279) وليست في اصول المحلى
(2) رواه ايضا أبو داود (ج 4 ص 91) عن القعنبى عن الدراوردى (3) قوله (في الصلاة) ليس من لفظ الحديث في البخاري (ج 9 ص 134) وقد نبه على هذا في حاشية النسخة(4/77)
قال علي: لا خلاف في أن التصفيق والتصفيح.
بمعنى واحد، وهو الضرب باحدى صفحتي الاكف على الاخرى * وروينا عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما قالا: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء.
ولا يعرف لهما من الصحابة رضى الله عنهم مخالف * وإنما جاز التسبيح للنساء لانه ذكر الله تعالى، والصلاة مكان لذكر الله عزوجل * 432 مسألة ولا يحل للمرأة إذا شهدت المسجد أن تمس طيبا، فان فعلت بطلت صلاتها، سواء في ذلك الجمعة والعتمة والعيد وغير ذلك من جميع الصلوات * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان ثنا بكير بن عبد الله بن الاشج عن بسر بن سعيد عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا (1) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد هو ابن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن يخرجن وهن تفلات) (2) * قال علي: ان أمكن المرأة أن تتطيب يوم الجمعة طيبا تذهب ريحه قبل الجمعة فذلك عليها، وإلا فلا بد لها من ترك الطيب أو ترك الجمعة، أي ذلك فعلت فمباح لها * 433 مسألة ولا يحل للمرأة أن تصلى وهى واصلة شعرها بشعر انسان أو
غيره أو بصوف أو بأى شئ كان، وكذلك الرجل أيضا.
وأما التي تضفر غديرتها أو
__________
رقم (45) وهذا الحديث بهذا الاسناد في كتاب (الاحكام) من صحيح البخاري، وقد رواه ايضا بأسانيد أخرى (ج 1 ص 276 وج 2 ص 140 - 154 وج 4 ص 18 - 20) (1) في مسلم (ج 1 ص 130) (2) رواه أبو داود (ج 1 ص 222) وقوله (تفلات) بفتح التاء المثناة وكسر الفاء، أي غير متطيبات، يقال: امرأة تفلة، إذا كانت متغيرة الريح.
قاله ابن عبد البر *(4/78)
غدائرها بخيط من حرير أو صوف أو كتان أو قطن أو سير (1) أو فضة أو ذهب فليست واصلة ولا إثم عليها.
ولا صلاة للتي تعظم رأسها بشئ تختمر عليه * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا الحميدي ثنا سفيان هو ابن عيينة ثنا هشام هو ابن عروة أنه سمع فاطمة بنت إنذر تقول: انها سمعت أسماء بنت أبي بكر الصديق تقول: (سألت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يارسول الله، ان ابنتي أصابتها الحصبة فأمزق (2) شعرها وإني زوجتها، أفأصل فيه: قال: لعن الله الواصلة والموصولة) * (3) حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عمرو بن يحيى ابن الحارث الحمصي ثنا محبوب بن موسى أنا ابن المبارك عن يعقوب هو ابن القعقاع عن قتادة عن ابن المسيب عن معاوية أنه قال: (أيها الناس، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاكم عن الزور، وجاء بخرقة سوداء فألقاها بين أيديهم، قال: هو هذا تجعله المرأة في رأسها ثم (4) تختمر عليه) * (5) قال علي: قول معاوية نهاكم خطاب من النبي صلى الله عليه وسلم للرجال والنساء، فمن صلى وهو عامل في صلاته حالا محرمة عليه فلم يصل كما أمر، فلا صلاة له.
وبالله تعالى التوفيق * 434 مسألة وأما التي تتولى وصل شعر غيرها، والواشمة، والمستوشمة
- والوشم النقش في الجلد ثم يعمل بالكحل الاسود والمتفلجة والنامصة والمتنمصة - والنمص هو نتف الشعر من الوجه فكل من فعلت ذلك في نفسها أو في غيرها فملعونات من الله عزوجل وصلواتهن تامة *
__________
(1) كذا في النسخة رقم (16) والسير ما قد من الجلد طولا وهو معروف، وهذا أقرب ما يناسب رسم الكلمة.
وفى النسخة رقم (45) (غير) بدون نقط، وما أدرى ما صحته؟ وأظنه خطأ.
(2) (الحصبة) بفتح الحاء وإسكان الصاد المهملة، و (امزق) بتشديد الميم المفتوحة وفتح الزاى، أصلها (انمزق) وفى رواية (امرق) بالراء.
(3) في البخاري (ج 7 ص 305) (4) كلمة (ثم) زيادة من النسائي (ج 2 ص 293) (5) رواه النسائي أيضا مطولا ومختصرا باسنادين آخرين (ج 2 ص 280) ورواه بثلاث أسانيد أخرى في (ص 293) *(4/79)
أما اللعنة فقد صح لعن كل من ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * وأما تمام صلاتهن فانهن بعد حصول هذه الاعمال فيهن ومنهن لا يقدرن على التبرئ من تلك الاحوال، ومن عجز عما كلف سقط عنه.
قال تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
وقال عليه السلام (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فلم يكلف أحد إلا ما يستطيع، فإذا عجزن عن ازالة تلك الاحوال فقد سقط عنهن ازالتها، وهن مأمورات بالصلاة، فيؤدينها كما يقدرن * وأما الواصلة في شعر نفسها فقادرة على ازالته، فإذ لم تزله فقد استصحبت في صلاتها عملا هي فيه عاصية لله عزوجل، فلم تصل كما أمرت، فلا صلاة لها.
وبالله تعالى التوفيق * 435 مسألة والصلاة جائزة على ظهر الكعبة، وعلى أبي قبيس وعلى كل سقف بمكة، وان كان أعلى من الكعبة، وفي جوف الكعبة أينما شئت منها، الفريضة والنافلة سواء *
وقال مالك: لا تجوز الصلاة في جوف الكعبة، الفرض خاصة، وأجاز فيها التنفل * والذي قلنا نحن هو قول أبي حنيفة والشافعي وأبي سليمان وغيرهم * واحتج أتباع مالك بأن قالوا: إن من صلى داخل الكعبة فقد استدبر بعض الكعبة * قال علي: إنما قال الله عزوجل: (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره).
فلو كان ما ذكره المالكيون حجة لما حل لاحد أن يصلى في المسجد الحرام، لانه هو القبلة بنص كلام الله تعالى في القرآن، وكل من يصلى فيه فلا بد له من أن يستدبر بعضه.
فظهر فساد هذا القول * وأيضا: فان كل من صلى إلى المسجد الحرام أو إلى الكعبة فلا بد له من أن يترك بعضها عن يمينه وبعضها عن شماله، ولا فرق عند أحد من أهل الاسلام في أنه لافرق بين استدبار القبلة في الصلاة وبين أن يجعلها على يمينه أو على شماله، فصح أنه (1) لم يكلفنا الله عزوجل قط مراعاة هذا، وانما كلفنا أن نقابل بأوجهنا ما قابلنا (2) من جدار الكعبة أو من جدار المسجد قبالة الكعبة حيثما كنا فقط *
__________
(1) في النسخة رقم (45) (فصح اننا) الخ (2) في النسخة رقم (16) (ما قابلها) وما هنا احسن *(4/80)
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف قال: أنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي فأغلقها عليه ومكث فيها، فسألت بلالا حين خرج: ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: جعل عمودا عن يساره وعمودين (1) عن يمينه وثلاثة أعمدة من ورائه ثم صلى) * قال علي: ما قال أحد قط إن صلاته المذكورة صلى الله عليه وسلم كانت إلى غير القبلة، وقد نص عليه السلام على أن الارض كلها مسجد، وباطن الكعبة أطيب الارض وأفضلها،
فهى أفضل المساجد وأولاها بصلاة الفرض والنافلة، ولا يجوز لغير الراكب أو الخائف أو المريض (2) أن يصلى نافلة إلى غير القبلة، والتفريق بين الفرض والنافلة بلا قرآن ولا سنة ولا إجماع خطأ.
وبالله تعالى التوفيق.
وكل مكان أعلى من الكعبة فانما علينا مقابلة جهة الكعبة فقط: وقد هدمت الكعبة لتجدد فما قال أحد ببطلان صلاة المسلمين * 436 مسألة ومن صلى وفي قبلته مصحف فذلك جائز، ما لم يتعمد عبادة المصحف، إذ لم يأت نص ولا إجماع بالمنع من ذلك * 437 مسألة ومن صلى وفي قبلته نار أو حجر أو كنيسة أو بيعة أو بيت نار أو إنسان، مسلم، أو كافر، أو حائض أو أي جسم كان حاشا الكلب والحمار وغير المضطجعة من النساء فكل ذلك جائز، لانه لم يأت بالفرق بين شئ مما ذكرنا وبين سائر الاجسام كلها قرآن ولا سنة ولا اجماع، ولا بد من أن يكون بين يدى المصلى جسم من اجسام العالم، فالتفريق بينها باطل، لانه دعوى بلا برهان وبالله تعالى التوفيق * 438 مسألة والصلاة في البيعة والكنيسة وبين النار والمجزرة ما اجتنب البول والفرث والدم وعلى قارعة الطريق وبطن الوادي ومواضع الخسف والى البعير والناقة وللتحدث والنيام (3) وفي كل موضع: جائزة، ما لم يأت نص أو اجماع متيقن في تحريم الصلاة في مكان ما، فيوقف عند النهي في ذلك *
__________
(1) في البخاري (ج 1 ص 214) (وعمودا) وقال في آخر الحديث (وقال لنا اسماعيل حدثنى مالك وقال: وعمودين) وكذلك هو في الموطأ (ص 155) بالتثنية (2) في النسخة رقم (16) بحذف (ان) (3) في النسخة (رقم 16) والناقة والمنام وهو خطأ(4/81)
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر وسفيان الثوري كلاهما عن الاعمش عن ابراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: (قلت: يارسول الله، أي مسجد وضع في الارض أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الاقصى،
قلت: كم بينهما؟ قال أربعون سنة، ثم حيثما أدركتك الصلاة فصل، فهو مسجد) (1) قال علي: فهذا نص جلى ان (2) الكعبة مسجد، مع مجئ القرآن بذلك، وما علم احد مسجدا تحرم فيه صلاة الفرض وتحل فيه النافلة! * وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق ابي هريرة وجابر وحذيفة وانس.
ان من فضائلنا ان الارض جعلت لنا مسجدا، وكل ما ذكرنا من الارض، فالصلاة فيه جائزة، حاشا ما جاء النص من المنع من الصلاة فيه كعطن الابل، والحمام، والمقبرة، والى قبر وعليه والمكان المغصوب، والنجس، ومسجد الضرار فقط * وانما جاء النهى عن الصلاة في المجزرة وظهر بيت الله الحرام من طريق زيد بن جبيرة، وهو لا شئ (3)، ومن طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث وهو ضعيف (4) * وجاء النهى عن الصلاة في موضع الخسف من طريق ابن لهيعة، وهو لا شئ (5) * وجاء النهى عن الصلاة على قارعة الطريق من طريق الحسن (6) عن جابر، ولا يصح
__________
(1) رواه البخاري (ج 4 ص 288 - 314) من طريقين عن الاعمش، ومسلم (ج 1 ص 146 و 147) من طرق عن الاعمش أيضا (2) في النسخة رقم (45) فهذا نص على ان الخ (3) هو من حديث زيد عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن عمر.
رواه الترمذي (ج 1 ص 71) وابن ماجه (ج 1 ص 130) وزيد هذا ضعيف جدا قال الساجى حدث عن داود بن الحصين بحديث منكر جدا يعنى هذا الحديث في النهى عن الصلاة في سبعة مواطن (4) هو من حديث عبد الله بن صالح عن الليث عن نافع عن ابن عمر.
رواه ابن ماجه (ج 1 ص 130) وعبد الله ثقة ولا عبرة بتضعيف من ضعفه فالاسناد صحيح (5) ابن لهيعة ثقة، والحديث رواه أبو داود (ج 1 ص 182 - 184) من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة ويحيى بن أزهر عن عمار ابن سعد المرادى عن ابى صالح الغفاري عن على، ورواه البيهقى (ج 2 ص 451) من طريق ابى داود، فلم ينفرد به ابن لهيعة وإنما العلة فيه أن أبا صالح الغفاري لم يعرف له سماع من على وروايته عنه مرسلة.
(6) في النسخة رقم (16) (وهو عن الحسن) *(4/82)
سماع الحسن من جابر * (1) 439 مسألة والصلاة جائزة على الجلود وعلى الصفوف وعلى كل ما يجوز القعود عليه إذا كان طاهرا، وجائز للمرأة أن تصلى على الحرير، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأبي سليمان وغيرهم * وقال عطاء: لا تجوز الصلاة إلا على التراب والبطحاء * وقال مالك: تكره الصلاة على غير الارض أو ما تنبت الارض * قال علي: هذا قول لا دليل على صحته، والسجود واجب على سبعة أعضاء: الرجلين والركبتين، واليدين، والجبهة، والانف، وهو يجيز وضع جميع هذه الاعضاء على كل ما ذكرنا، حاشا الجبهة، فأى فرق بين أعضاء السجود؟! ولا سبيل إلى وجود فرق بينها لا من قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا من اجماع ولا من قياس، ولا من قول صاحب ولا من رأى له وجه.
وبالله تعالى التوفيق * وروينا عن ابن مسعود: أنه صلى على مسح شعر * وعن عمر بن الخطاب: أنه كان يسجد في صلاته على عبقري (2)، وهو بساط صوف * وعن ابن عباس: انه سجد في صلاته على طنفسة (3) وهى بساط صوف * وعن أبى الدرداء مثل ذلك.
وعن شريح والزهري مثل ذلك، وعن الحسن، ولا مخالف لمن ذكرنا من الصحابة رضى الله عنهم في ذلك وبالله تعالى التوفيق * 440 مسألة ومن زحم يوم الجمعة أو غيرها فلم يقدر على السجود على مابين يديه، فليسجد على رجل من يصلى بين يديه أو على ظهره ويجزئه، وهو قول ابي حنيفة والشافعي وأبي سليمان وغيرهم *
__________
(1) النهى عن الصلاة في محجة الطريق جاء في حديث ابن عمر الذى رواه ابن ماجه من طريق الليث وأشرنا إليه (2) رواه البيهقى (ج 2 ص 436) ثم قال: (قال أبو عبيد.
قوله عبقري
هو هذه البسط التى فيها الاصباغ والنقوش) وفى اللسان (قال ابن سيده.
العبقري والعباقري ضرب من البسط، الواحدة عبقرية، وعبقر قرية باليمن توشى فيها الثياب والبسط) وقال ياقوت (لعل هذا كان بلدا قديما وخرب) (3) مثلثة الطاء والفاء وبكسر الطاء وفتح الفاء وبالعكس قاله في القاموس.
والاثر رواه البيهقى (ج 2 ص 436)(4/83)
وقال مالك.
لا يجوز ذلك * قال علي.
أمرنا الله تعالى بالسجود، ولم يخص شيئا نسجد عليه من شئ، (وما كان ربك نسيا) * حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا احمد بن سعيد بن حزم ثنا محمد بن عبد الملك ابن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن الاعمش عن المسيب بن رافع عن زيد بن وهب عن عمر بن الخطاب قال: إذا اشتد الحر فليسجد أحدكم على ثوبه، وإذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر رجل (1) * وروينا عن الحسن البصري وعن طاوس: إذا كثر الزحام فاسجد على ظهر أخيك، وعن مجاهد: اسجد على رجل أخيك، ولا يعرف في هذا لعمر رضى الله عنه من الصحابة رضى الله عنهم مخالف * 441 مسألة وجائز للامام أن يصلى في مكان أرفع من مكان جميع المأمومين، وفي أخفض منه، سواء في كل ذلك العامة والاكثر والاقل فان أمكنه السجود فحسن والا فإذا أراد السجود فلينزل حتى يسجد حيث يقدر، ثم يرجع إلى مكانه.
وهو قول الشافعي وأبي سليمان * وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز ذلك، وأجازه أبو حنيفة في مقدار قامة فأقل، وأجازه مالك في الارتفاع اليسير * قال علي: هذان تحديدان فاسدان، لم يأت بهما نص قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا
قياس ولا قول صاحب ولا رأى له وجه، وما علم في شئ من ذلك فرق بين قليل الارتفاع
__________
(1) هذا الاسناد ليس في مسند أحمد المطبوع، فاما أنه سقط من النسخ، وإما أنه من كتاب آخر من كتب أحمد، والذى فيه (ج 1 ص 32) (ثنا سليمان بن داود هو أبو داود الطيالسي - ثنا سلام يعنى أبا الاحوص عن سماك بن حرب عن سيار بن المعرور قال سمعت عمر بن الخطاب يخطب وهو يقول: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى هذا المسجد ونحن معه المهاجرون والانصار، فإذا اشتد الزحام فليسجد الرجل منكم على ظهر اخيه، ورأى قوما يصلون في الطريق فقال.
صلوا في المسجد) وهو في مسند الطيالسي (ص 13 برقم 70) بهذا الاسناد وليس فيه قوله (ورأى قوما يصلون في الطريق) الخ(4/84)
وكثيره، والتحريم والتحليل والتحديد بينهما لا يحل الا بقرآن أو سنة * ولئن كان وقوف الامام في الصلاة في مكان أرفع من المأمومين بمقدار أصبع حلالا، فانه لحلال بأصبع بعد أصبع، حتى يبلغ ألف قامة وأكثر، ولئن كانت الالف قامة حراما في ذلك فانه لحرام كله إلى قدر الاصبع فأقل * وان المتحكم في التفريق بين ذلك برأيه لقائل على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله قط * والعجب أن أبا حنيفة ومالكا قالا: ان كان مع الامام في العلو طائفة جازت صلاته بالذين أسفل والا فلا؟ وهذا عجب وزيادة في التحكم * وأجازا أن يكون الامام في مكان اسفل من المأمومين وهذا تحكم ثالث! كل ذلك دعوى بلا برهان * قال علي: والحكم في ذلك ان يكون المأمومون خلف الامام صفوفا صفوفا، فلا يحل لهم ان يخلوا بهذه الرتبة، لما قد ذكرنا قبل من وجوب ترتيب الصفوف، بامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فان اتفق مصلى الامام في دكان أو غرفة أو رابية لا يسع فيها (1)
معه صف خلفه صلوا تحته * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد كلاهما عن عبد العزيز ابن أبي حازم عن ابيه.
أن نفرا جاؤا إلى سهل بن سعد فقال سهل: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه يعنى على المنبر فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر، ثم رفع فنزل القهقري حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم اقبل على الناس فقال: يا ايها الناس، انى انما (2) صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا (3) صلاتي) * قال علي: لا بيان أبين من هذا في جواز صلاة الامام في مكان ارفع من مكان المأمومين *
__________
(1) كذا في النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (45) لا يسمع فيها وهو خطأ (2) في الاصول (انما) بحذف كلمة (انى) وزدناها من مسلم (ج 1 ص 153) (3) في الاصول (وتعلموا) وصححناه من مسلم *(4/85)
واحتج المخالفون بخبر فيه النهى عن صلاة الامام في مكان ارفع من مكان المأمومين وهو خبر ساقط، انفرد به زياد بن عبد الله البكائى، وهو ضعيف (1) * والخبر الذي اوردنا اجماع من الصحابة بحضرة رسول الله صلى الله وسلم فهذا هو الحجة لا الباطل الملفق * وقال بعض المخالفين.
هذا من الكبر * قال علي.
هذا باطل ويعكس عليهم في اجازتهم صلاة المأمومين في مكان ارفع من مكان الامام فيقال لهم.
هذا كبر من المأمومين ولا فرق؟! ويلزمهم على هذا ان يمنعوا أيضا من صلاة الامام متقلدا سيفا ولابس درع؟ فهذا ادخل في الكبر من صلاته في مكان عال! *
وبمثل قولنا يقول احمد بن حنبل والليث بن سعد والبخاري وغيرهما، وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) البكائى بفتح الباء وتشديد الكاف نسبة إلى بطن من بنى عامر بن صعصعة، وزياد هذا ثقة صدوق، وقد ضعفه بعضهم من قبل حفظه وهو راوي السيرة عن اسحق ثم رواها عنه ابن هشام، وحديثه هذا رواه الدارقطني (ص 197) والحاكم (ج 1 ص 210) من طريق زياد بن عبد الله عن الاعمش عن ابراهيم عن همام قال (صلى حذيفة بالناس بالمدائن فتقدم فوق دكان فاخذ أبو مسعود بمجامع ثيابه فمده فرجع فلما قضى الصلاة قال له ابو مسعود الم تعلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى ان يقوم الامام فوق ويبقى الناس خلفه؟ قال فلم ترنى اجبتك حين مددتني؟) هذا لفظ الحاكم قال الدارقطني (لم يروه غير زياد البكائى) وقد تبعه ابن حزم في دعوى انفراد زياد به وقد اخطأ كلاهما فرواه ابو داود (ج 1 ص 232) والحاكم (ج 1 ص 210) من طريق يعلى بن عبيد عن الاعمش وليس فيه التصريح بالرفع بل قال أبو مسعود (الم تعلم انهم كانوا ينهون عن ذلك) أو (الم تعلم انه كان ينهى عن ذلك) ويعلى ثقة حجة، ومثل هذا محمول على انه مرفوع وقد فسرته رواية زياد وكل رواية منهما زادت الاخرى قوة ولذلك قال الحاكم (حديث صحيح على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي ونقل ابن حجر في التلخيص (ص 128) تصحيحه ايضا عن ابن خزيمة وابن حبان *(4/86)
(الاعمال المستحبة في الصلاة وليست فرضا) 442 مسألة رفع اليدين عند كل ركوع وسجود وقيام وجلوس، سوى تكبيرة الاحرام * قال علي: اختلف الناس في هذا: فطائفة لم ترفع اليدين في شئ من الصلاة إلا في أولها عند تكبيرة الاحرام على ظلع (1) أيضا ورأوه أيضا ان كان فرفع يسير وهذه رواية ابن القاسم عن مالك *
وقال أبو حنيفة وأصحابة برفع اليدين للاحرام أولا سنة لا فريضة ومنعوا منه في باقى الصلاة * ورأت طائفة رفع اليدين عند الاحرام وعند الركوع وعند الرفع من الركوع وهو قول الشافعي وأحمد وأبي سليمان وأصحابهم، وهو رواية أشهب وابن وهب وأبى المصعب وغيرهم عن مالك أنه كان يفعله ويفتى به * ورأت طائفة رفع اليدين عند كل تكبير في الصلاة، الفرض والتطوع، وعند كل قول (سمع الله لمن حمده) * فأما رواية ابن القاسم عن مالك فما نعلم لها وجها أصلا، ولا تعلقا بشئ من الروايات، ولا قائلا بها من الصحابة ولا من التابعين * وأما قول ابي حنيفة فانهم احتجوا بما حدثناه حمام ثنا عبد الله بن محمد الباجي ثنا محمد ابن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن اسماعيل الصائغ ثنا زهير بن حرب ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الاسود عن علقمة عن ابن مسعود قال: (ألا أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فرفع يديه في أول تكبيرة ثم لم يعد (2) *
__________
(1) بفتح الظاء المعجمة واللام، أي على ميل، أو باسكان اللام، وهو العرج، فيكون المراد انهم يقولون هذا على تكلف، ويكادون لا يرضونه (2) رواه أبو داود (ج 1 ص 272) عن عثمان بن ابى شيبة، ورواه الترمذي (ج 1 ص 54) عن هناد ورواه النسائي (ج 1 ص 158) من طريق عبد الله بن المبارك، ورواه الطحاوي (ج 1 ص 132) من طريق نعيم بن حماد، ورواه البيهقى (ج 2 ص 78) من طريق محمد ابن اسماعيل الاحمسي، كل هؤلاء عن وكيع باسناده.
وهو حديث صحيح وحسنه الترمذي، وأحاديث اثبات رفع اليدين أصح منه، بل هي متواترة حقا، وابن مسعود(4/87)
قالوا: وكان على وابن مسعود لا يرفعان أيديهما إلا في تكبيرة الاحرام فقط *
ما نعلم لهم حجة غير هذا، ولا حجة لهم فيه، لما نذكر إن شاء الله تعالى، فنقول وبالله تعالى التوفيق * ان هذا الخبر صحيح، وليس فيه الا أن رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الاحرام ليس فرضا فقط، ولولا هذا الخبر لكان رفع اليدين عند كل رفع وخفض وتكبير وتحميد في الصلاة: فرضا، لانه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع اليدين عند كل رفع على ما نذكر بعد هذا ان شاء الله عزوجل، وصح عنه عليه السلام أنه قال: (صلوا كما تروني أصلى) وقد ذكرناه باسناده في كتابنا هذا في باب وجوب الاذان والاقامة فلولا حديث ابن مسعود هذا لكان فرضا على كل مصل أن يصلى كما كان عليه السلام يصلى، وكان عليه السلام يصلى رافعا يديه عند كل رفع وخفض، لكن لما صح خبر ابن مسعود علمنا أن رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الاحرام سنة وندب فقط * وان كان على وابن مسعود رضى الله عنهما لا يرفعان، فقد كان ابن عمر وابن عباس وجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون، فليس فعل بعضهم حجة على فعل بعض، بل الحجة على جميعهم ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى كل حال فان كان ابن مسعود وعلى لا يرفعان، فما جاء قط أنهما كرها الرفع ولا نهيا عنه كما يفعل هؤلاء! * وأما من رأى رفع اليدين عند الركوع والرفع من الركوع فانهم احتجوا بما رويناه من طريق مالك ويونس بن يزيد وسفيان بن عيينة وابن جريج والزبيدي
__________
نفى رفع اليدين، وكثيرون من الصحابة رووا اثباته والمثبت مقدم على النافي بل لعل ابن مسعود حكى الصلاة الاولى كما حكى التطبيق في الركوع وهو منسوخ.
وقد اطلنا القول في هذه المسألة فيما كتبناه على (التحقيق لابن الجوزى) فلا داعى لتكراره هنا وانظر ما ورد فيها من الاحاديث في كتاب (رفع اليدين) للبخاري، ومعانى الآثار للطحاوي (ج 1 ص 131) والام للشافعي (ج 1 ص 90) وموطأ محمد بن الحسن
(89) والرد على أهل المدينة لمحمد أيضا رقم (22) ونصب الراية للزيلعى (ج 1 ص 205) وسنن البيهقى (ج 2 ص 68) وشرح أبى داود (ج 1 ص 262) وغير ذلك.
وسيذكر المؤلف كثيرا منها *(4/88)
ومعمر وغيرهم، كلهم عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضا كذلك، وكان لا يفعل ذلك في السجود) * وروينا هذا الفعل في الصلاة عن جابر بن عبد الله، وأبي سعيد، وأبي الدرداء وأم الدرداء (1)، وابن عباس * وروينا أيضا هذا الفعل في الصلاة عن ابي موسى الاشعري، وانه كان يعلمه الناس من طريق حماد بن سلمة عن الازرق بن قيس عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبي موسى الاشعري (2) * وروينا أيضا عن ابن الزبير (3) وأبي هريرة والنعمان بن ابى عياش (4) وجملة اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، من طريق ابي بكر بن أبي شيبة عن معاذ بن معاذ عن سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن.
(كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم إذا أحرموا وإذا ركعوا وإذا رفعوا كأنها المراوح) (5) * ورويناه أيضا عن عبد الرحمن بن سابط، والحسن، والقاسم، وسالم، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وابن سيرين، ونافع مولى ابن عمر، وقتادة، والحسن بن مسلم،
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وام ابى الدرداء) وهو خطأ (2) رواه الدارقطني (ص 109) من طريق النضر بن شميل وزيد بن الحباب عن حماد باسناده مرفوعا، وحكى شارحه ان ابن المبارك رواه موقوفا (3) في النسخة رقم (16) (عن الزبير).
وحديث ابن الزبير عند البيهقى (ج 2 ص 73) رواية فعل وقول، وقال البيهقى عقبه رواته ثقات (4) في الاصول
(والنعمان بن عياش) وهو خطأ والنعمان هذا تابعي وان أوهم كلام المؤلف أنه صاحب.
وكذلك ذكره البخاري في (رفع اليدين) فيمن نقل عنهم القول به من التابعين.
ورواه عنه باسناده (ص 17) (5) أثر الحسن رواه البخاري في (رفع اليدين) (ص 11) عن مسدد عن يزيد ابن زريع عن سعيد عن قتادة عن الحسن.
ونقل الزيلعى في نصب الراية (ج 1 ص 216) أن ابن عبد البر رواه باسناده إلى الاثرم عن احمد بن حنبل (ثنا معاذ بن معاذ وابن أبى عدى وغندر عن سعيد عن قتادة عن الحسن) ورواه البيهقى (ج 2 ص 75) من طريق محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع *(4/89)
وابن أبي نجيح، وعبد الله بن دينار، ومكحول، ومعتمر بن سليمان، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، واسماعيل بن علية، والليث بن سعد، والاوزاعي، وسفيان بن عيينة، والحميدي، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن المبارك، وابن وهب، وأحمد بن حنبل، واسحاق، والمزني، وأبي ثور، (1) ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد ابن جرير الطبري، وابن المنذر، وابني عبد الله بن عبد الحكم، والربيع، ومحمد بن نمير، ويحيى بن معين، وعلى بن المديني، ويزيد بن هرون، وغيرهم * وأما من ذهب إلى رفع اليدين في كل خفض ورفع فاحتجوا بما حدثناه حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أبو إسماعيل محمد بن اسماعيل ثنا محمد بن عبد الاعلى الصنعاني ثنا المعتمر بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يرفع يديه إذا جاء الصلاة، وإذا أراد ان يركع.
وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا قام من الركعتين يرفع يديه.
في ذلك كله) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا عياش قال ثنا عبد الاعلى ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أنه كان (2) إذا دخل
في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه (3)، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ابن عمر ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم) * ورواه أيضا حماد بن سلمة عن ايوب السختياني عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم * (4) حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن عبيد المحاربي قالا ثنا ابن فضيل عن عاصم بن كليب عن محارب بن دثار (5) عن ابن عمر قال.
(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام في الركعتين (6) كبر ورفع يديه) *
__________
(1) في الاصلين (وأبو ثور) (2) في البخاري (ج 1 ص 295) (عن نافع: أن ابن عمر كان) (3) قوله (وإذا ركع رفع يديه) سقط من الاصول وزدناه من البخاري * (4) هذا التعليق ذكره البخاري عقب الحديث (5) بكسر الدال المهملة وتخفيف الثاء المثلثة.
(6) هكذا هو هنا، وفى أبى داود، وفى بعض نسخ أبى داود (إذا قام من الركعتين)(4/90)
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا احمد بن حنبل ثنا أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد ثنا عبد الحميد بن جعفر أخبرني محمد بن عمرو بن عطاء قال.
سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم (1) أبو قتادة، فقال أبو حميد: (أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا.
فلم؟ فوالله ما كنت بأكثرنا تبعة (2) ولا أقدمنا له صحبة! قال بلى، قالوا.
فأعرض فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع (3) يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر حتى يقر (4) كل عظم في موضعه معتدلا ثم يقرأ ثم يكبر فيرفع (5) يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه ثم يعتدل، فلا يصب رأسه ولا يقنع (6) ثم يرفع رأسه فيقول.
سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه)
وذكر الحديث وفيه.
(ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته، وذكر باقى الحديث (قالوا.
صدقت هكذا كان يصلى) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيدالله بن ميسرة الجشمى (7) ثنا عبد الوارث هو ابن سعيد ثنا محمد بن جحادة (8) حدثني عبد الجبار بن وائل حدثني علقمة بن وائل (9) عن وائل بن حجر قال (صليت مع
__________
(ج 1 ص 271) وكل صحيح.
وهذا الحديث صحيح، وصححه الترمذي (1) في أبى داود (ج 1 ص 265) (منهم) (2) أي اقتداء، وفى أبى داود (بأكثرنا له تبعة) (3) في النسخة رقم (45) (رفع) وما هنا هو الموافق لابي داود (4) في النسخة رقم (45) (يستقر) (5) في النسخة رقم (16) (ثم يكبر ثم يرفع) وفى النسخة رقم (45) (ثم يكبر ويرفع) وصححناه من أبى داود (6) يصب.
من الصب أي لا يميله إلى أسفل ويقنع.
من أقنع رأسه إذا رفع أي لا يرفعه حتى يكون أعلى من ظهره.
قاله في شرح سنن ابى داود (7) عبيدالله بالتصغير، وفى الاصول بالتكبير وهو خطأ، والجشمى بضم الجيم وفتح الشين المعجمة والميم، وفى النسخة رقم (45) (الخشنى) وهو خطأ (8) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة (9) هكذا هو هنا من طريق ابى داود على الصواب، وفى ابى داود (ج 1 ص 263) (وائل بن علقمة) وهو خطأ لان علقمة هو ابن وائل بن حجر واخو عبد الجبار وقد نص على ان هذا خطأ من بعض الرواة انظر التهذيب (ج 11 ص 110) *(4/91)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا كبر رفع يديه، ثم التحف، ثم أخذ شماله بيمينه وأدخل يديه في ثوبه، فإذا أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه، ثم سجد، ووضع وجهه بين كفيه، وإذا رفع رأسه من السجود أيضا رفع يديه، حتى فرغ من صلاته.
قال محمد بن جحادة: فذكرت ذلك للحسن بن
أبى الحسن فقال: هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله من فعله وتركه من تركه) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب انا محمد بن المثنى ثنا معاذ بن هشام الدستوائي وعبد الاعلى ومحمد بن أبي عدي.
، قال عبد الاعلى وابن ابى عدى عن سعيد بن ابى عروبة (1) عن قتادة، وقال معاذ: حدثنى ابى عن قتادة، ثم اتفقوا، عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث (رأى (2) النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في صلاته إذا ركع، وإذا رفع رأسه من ركوعه (3) وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من سجوده (4) حتى يحاذي بهما فروع أذنيه) هذا لفظ ابن أبي عدي وعبد الاعلى، وقال.
معاذ في حديثه.
كان عليه السلام إذا دخل في الصلاة رفع يديه، وإذا ركع فعل مثل ذلك وإذا رفع رأسه فعل مثل ذلك (5) * حدثنا احمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر ابن ابي شيبة ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن حميد عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الركوع والسجود (6) * قال علي: فهذه آثار متظاهرة متواترة عن ابن عمر، وأبي حميد، وأبي قتادة، ووائل ابن حجر، ومالك، بن الحويرث وأنس وسواهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
__________
(1) هذه الاسانيد في النسائي (ج 1 ص 164 - 165) ولكن فيه في حديث ابن أبى عدى (عن شعبة) وابن أبى عدى يروى عن شعبة وعن سعيد بن أبى عروبة وكلاهما يروى عن قتادة، ولكن أميل إلى ترجيح ماهنا وأن ما في النسائي تصحيف، ويؤيد أن هناك في حديث عبد الاعلى (حدثنا سعيد) (2) في النسائي (أنه رأى) (3) في النسائي (من الركوع) (4) في النسائي من السجود (5) الذى في النسائي (كان إذا دخل في الصلاة، فذكر نحوه، - يعنى ما قبله - وزاد فيه: وإذا ركع فعل مثل ذلك وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك (6) هذا اسناد صحيح جدا *(4/92)
وهذا يوجب يقين العلم * قال علي: فكان ما رواه الزهري عن سالم عن ابن عمر زائدا على ما رواه علقمة عن ابن مسعود ووجب أخذ الزيادة لان ابن عمر حكى انه رأى ما لم يره ابن مسعود من رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه عند الركوع وعند الرفع من الركوع وكلاهما ثقة وكلاهما حكى ما شاهد، وقد خفى على ابن مسعود رضى الله عنه أمر وضع اليدين على الركبتين، فكيف وما تحمل كلا روايتيهما إلا على المشاهدة الصحيحة؟ * وكان ما رواه نافع ومحارب بن دثار، كلاهما عن ابن عمر، وما رواه أبو حميد وأبو قتادة وثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله وسلم، من رفع اليدين عند القيام إلى الركعتين: زيادة على ما رواه الزهري عن سالم عن ابن عمر، وكل ثقة، وكل مصدق فيما ذكر أنه سمعه ورآه، وأخذ الزيادة واجب * وكان ما رواه أنس من رفع اليدين عند السجود: زيادة على ما رواه ابن عمر، والكل ثقة فيما روى وما شاهد * وكان ما رواه مالك بن الحويرث من رفع اليدين في كل ركوع ورفع من ركوع وكل سجود ورفع من سجود: زائدا على كل ذلك، والكل ثقات فيما رووه وما سمعوه، وأخذ الزيادات فرض لا يجوز تركه، لان الزيادة حكم قائم بنفسه، رواه من علمه، ولا يضره سكوت من لم يروه عن روايته، كسائر الاحكام كلها ولا فرق * وممن قال بما ذكرناه ابن عمر، كما أوردنا قبل من عمله، والحسن البصري، والصحابة جملة، كما اوردناه * حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن عبيدالله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، وإذا سجد، وبين الركعتين، يرفعهما إلى ثدييه (1) *
__________
(1) روى البخاري في (رفع اليدين) (ص 20) عن ابن عمر انه كان يرفع في الافتتاح والركوع والرفع وللقيام من الركعتين، ثم قال (وزاد وكيع عن العمرى عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه إذا ركع وإذا سجد.
قال البخاري:(4/93)
قال علي: هذا اسناد لا داخلة فيه، وما كان ابن عمر ليرجع إلى خلاف ما روى من ترك الرفع عند السجود إلا وقد صح عنده فعل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا احمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا أبو سهل النضر بن كثير السعدي (1) قال: صلى إلى جنبي ابن طاوس في مسجد الخيف بمنى، فكان إذا رفع رأسه من السجدة الاولى رفع يديه تلقاء وجهه، فأنكرت ذلك، وقلت لوهيب بن خالد: إن هذا يصنع شيئا لم أر أحدا يصنعه؟! فقال ابن طاوس: رأيت أبى يصنعه، وقال لى: رأيت عبد الله بن عباس يصنعه * (2) حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن محمد بن على الباجي ثنا أحمد بن خالد ثنا الحسن ابن أحمد ثنا محمد بن عبيد بن حساب ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني قال: رأيت طاوسا ونافعا مولى ابن عمر يرفعان أيديهما بين السجدتين، قال حماد: وكان أيوب يفعله * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج:
__________
والمحفوظ ما روى عبيد الله وأيوب ومالك وابن جريج والليث وعدة من أهل الحجاز وأهل العراق عن نافع عن ابن عمر في رفع الايدى عند الركوع وإذا رفع رأسه من الركوع، ولو صح حديث العمرى عن نافع عن ابن عمر لم يكن مخالفا للاول لان أولئك قالوا إذا رفع رأسه من الركوع، فلو ثبت لاستعملنا كليهما، وليس هذا من الخلاف الذى يخالف بعضهم بعضا لان هذه الزيادة في الفعل والزيادة مقبولة إذا ثبتت) والعمرى الذى يشير إليه هو (عبد الله ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب) أخو عبيدالله الذى روى هذا الحديث، والعمرى ثقة وفيه ضعف من قبل حفظه وأخوه عبيدالله ثقة حجة يقدمه بعض الحفاظ
على مالك في الرواية عن نافع، وعبد الوهاب الثقفى ثقة حجة، فقد ثبت بأصح اسناد فعل ابن عمر للرفع عند السجود، وأيد هذا رواية العمرى اياه عن نافع عن ابن عمر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويظهر أن ابن عمر بعد أن روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع عند السجود صح عنده من بعض الصحابة ذلك فرجع إليه عملا ورواه قولا، كما قال ابن حزم لله دره (1) النضر هذا ضعيف (2) رواه الدولابى في الكنى والاسماء (ج 1 ص 198) عن النسائي عن موسى بن عبد الله البصري عن النضر بن كثير باسناده، وزاد في آخره (وقال عبد الله بن عباس، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه) *(4/94)
قلت لعطاء رأيتك تكبر بيديك حين تستفتح وحين تركع وحين ترفع رأسك من الركعة، وحين ترفع رأسك من السجدة الاولى ومن الآخرة وحين تستوى من مثنى؟ قال: أجل قلت: تخلف باليدين الاذنين؟ (1) قال: لا، قد بلغني ذلك عن عثمان، أنه كان يخلف بيديه أذنيه، قال ابن جريج: قلت لعطاء: وفى التطوع من التكبير باليدين؟ قال: نعم، في كل صلاة * 443 مسألة والتوجيه سنة حسنة، وهو أن يقول الامام والمنفرد بعد التكبير لكل صلاة، فرض أو غير فرض، جهرا أو سرا: * ما حدثناه حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن احمد بن حنبل واحمد بن زهير بن حرب، كل واحد منهما يقول: حدثني أبي، ثم قال أحمد ابن حنبل: ثنا أبو سعيد ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون ثنا عبد الله بن الفضل وأبو يوسف (2) بن أبي سلمة الماجشون، كلاهما عن عبد الرحمن بن هرمز الاعرج عن عبيدالله بن أبي رافع عن على بن أبي طالب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر استفتح ثم قال) وقال زهير بن حرب: ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة هو ابن الماجشون حدثني عمى هو أبو يوسف (3) بن أبي سلمة عن
عبد الرحمن الاعرج عن عبيدالله بن أبي رافع عن على بن أبي طالب.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر استفتح ثم قال) واتفق احمد وزهير في روايتهما جميعا.
(وجهت وجهى للذي فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من المشركين، ان صلاتي ونسكى ومحياى ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وانا أول المسلمين) اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت (4) أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي لى ذنوبي جميعا (5)
__________
(1) قوله (تخلف) أظنه من قولهم أخلف الرجل بيده وأخلف يده) إذا هو أهوى بها إلى خلفه ليأخذ من رحله سيفا أو غيره، أو من قولهم، (أخلفه) إذا جعله خلفه * (2) في الاصول (ويوسف) وهو خطأ، فانه (أبو يوسف يعقوب بن أبى سلمة الماجشون) والماجشون بكسر الجيم وضم الشين المعجمة وآخره نون، قال في المغنى (هو معرب ماه كون أي شبه القمر سمى به لحمرة وجنتيه) (3) في الاصول (يوسف) وهو خطأ (4) في مسند احمد (ج 1 ص 94) (اللهم لا إله إلا انت) بحذف قوله (انت الملك) (5) في المسند بحذف (انه) *(4/95)
إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لاحسن الاخلاق، لا يهدي لاحسنها إلا أنت، واصرف عنى سيئها، لا يصرف عنى سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس اليك، أنا بك وإليك (1) تباركت وتعاليت، أستغفرك واتوب اليك) (2) * قال علي: وقد رويناه من طريق الحجاج بن المنهال وأبي النضر ومعاذ بن معاذ، كلهم عن ابن الماجشون.
ورويناه أيضا من طريق جابر بن عبد الله وغيره من الصحابة رضى الله عنهم (3) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد ابن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو كامل، قال أبو كامل: ثنا عبد الواحد بن زياد،
وقال أبو بكر وابن نمير: ثنا ابن فضيل، وقال زهير: ثنا جرير بن عبد الحميد، ثم اتفق عبد الواحد وابن فضيل وجرير واللفظ له كلهم عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة ابن عمرو بن جرير (4) عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر في الصلاة سكت هنية (5) قبل أن يقرأ، فقلت: يارسول الله، بأبي أنت وأمى، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقنى من خطاياى كما ينقى الثوب الابيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياى بالثلج والماء والبرد (6) *
__________
(1) من قوله (لبيك) إلى هنا محذوف في المسند (2) رواه ايصا احمد في المسند (ج 1 ص 102 و 103) عن هاشم بن القاسم وعن حجين، كلاهما عن عبد العزيز الماجشون عن عمه عن الاعرج، ورواه ايضا عن حجين عن عبد العزيز عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الاعرج، وقد رواه الطيالسي (ص 22 رقم 152) عن عبد العزيز الماجشون والدارمى (ص 146) عن يحيى بن حسان عن عبد العزيز.
ورواه ايضا مسلم (ج 1 ص 215) وابو داود (ج 1 ص 277 و 278) والنسائي (ج 1 ص 142) والطحاوى (ج 1 ص 117) والبيهقي (ج 2 ص 32 و 33) كلهم بأسانيد صحيحة (3) لم أجد هذه الاسانيد (4) في النسخة رقم (45) (أبى زرعة بن عمر بن جرير) وفى النسخة رقم (16) (أبى زرعة بن عمر عن جرير) وكلاهما خطأ (5) بضم الهاء وفتح النون وتشديد الياء بغير همزة، ومن همزها فقد أخطأ، قاله النووي.
وفى النسخة رقم (45) (هنيئة) بالهمز وهو خطأ كما ترى (7) في صحيح مسلم (ج 1 ص 167) *(4/96)
ورويناه أيضا من طريق سفيان عن عمارة بن القعقاع باسناده نحوه * وانما لم نذكر ذلك فرضا (1) لانه فعل منه عليه السلام ولم يؤمر به فكان الائتساء به (2) حسنا *
ونستحب أيضا ان يكون للامام سكته بعد فراغه من القراءة قبل ركوعه * كما حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن ايمن ثنا احمد بن محمد البرتي القاضي ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث بن سعيد التنوزي ثنا يونس هو ابن عبيد عن الحسن البصري: (ان سمرة بن جندب صلى فكبر ثم سكت ساعة ثم قرأ فلما ختم السورة سكت ساعة ثم كبر فركع فقال له عمران بن الحصين: ما هذا؟ فقال له سمرة: حفظت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب في ذلك إلى ابي بن كعب فصدق سمرة (3) * قال علي: فنحن نختار أن يفعل كل امام كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله بعده سمرة وغيره من الصحابة رضى الله عنهم ويقرأ المأموم في السكتة الاولى أم القرآن فمن فاتته قرأ في السكتة الثانية * قال علي: وقد فعل ما قلنا جمهور السلف * روينا من طريق حماد بن سلمة عن ابراهيم النخعي عن علقمة قال كان عمر بن الخطاب
__________
في النسخة رقم (45) (وانما لم يكن ذلك فرضا) (2) في النسخة رقم (45) (فكان الاتيان به) (3) رواه أبو داود (ج 1 ص 282) عن يعقوب بن ابراهيم عن اسمعيل عن يونس عن الحسن.
ورواه بعد ذلك بأسانيد أخرى عن الحسن ايضا، ورواه الترمذي (ج 1 ص 52 و 53) وحسنه، ورواه الدارمي (ص 146) ورواه البيهقى (ج 2 ص 195 و 196) ورواه الحاكم (ج 1 ص 215) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وفى سماع الحسن عن سمرة خلاف، والحق أنه سمع منه كما قال على بن المدينى فيما نقله عنه الترمذي (ج 1 ص 38) قال: (قال محمد - يعنى البخاري - قال على بن عبد الله: حديث الحسن عن سمرة بن جندب حديث صحيح وقد سمع منه) وقال الحاكم: (حديث سمرة لا يتوهم متوهم ان الحسن لم يسمع من سمرة فانه قد سمع منه) وانظر الكلام في هذا في نصب الراية (ج 1 ص 46 و 47)(4/97)
إذا دخل في الصلاة قال الله أكبر سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك يرفع بها صوته فظننا انه يريد أن يعلمنا * وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي عن الاسود عن عمر بن الخطاب.
انه كان إذا كبر قال: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك * فهذا فعل عمر رضى الله عنه بحضرة الصحابة لا مخالف له منهم * ورويناه أيضا عن على بن أبي طالب، وعن ابن عمر، وعن طاوس وعطاء، كلهم يتوجه بعد التكبير في صلاة الفرض.
وهو قول الاوزاعي وسفيان الثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد واسحاق وداود وأصحابهم * وقال مالك: لا أعرف التوجيه * قال علي: ليس من لا يعرف حجة على من عرف * وقد احتج بعض مقلديه في معارضته ما ذكرنا بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه: كان يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين * قال علي: وهذا لا حجة لهم فيه، بل هو قولنا، لان استفتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين لا يدخل فيه التوجيه، لانه ليس التوجيه قراءة.
وانما هو ذكر، فصح أنه عليه السلام كان يفتتح الصلاة بالتكبير ثم يذكر ما قد صح عنه من الذكر ثم يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، وزيادة العدول لا يجوز ردها.
وبالله تعالى التوفيق * ولا يقولها المأموم لان فيها شيئا من القرآن، وقد نهى عليه السلام أن يقرأ خلف الامام إلا بأم القرآن فقط فان دعا بعد قراءة أم القرآن في حال سكتة الامام بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فحسن * 444 مسألة ويجب على الامام التخفيف إذا أم جماعة لا يدري كيف طاقتهم، *
ويطول المنفرد ما شاء، وحد ذلك ما لم يخرج وقت الصلاة التي تلى التي هو فيها وان خفف المنفرد فذلك له مباح * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا(4/98)
البخاري ثنا عبد الله بن يوسف ثنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أم أحدكم الناس (1) فليخفف فان فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء) * وبه إلى البخاري ثنا أحمد بن يونس ثنا زهير هو ابن معاوية ثنا اسماعيل هو ابن أبي خالد سمعت قيسا هو ابن أبي حازم قال: أخبرني أبو مسعود: (أن رجلا قال: والله يا رسول الله اني لاتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان، مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا (2) منه يومئذ، ثم قال عليه السلام.
إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز، فان فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق القاضى ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى ابن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة أنا سعيد الجريري عن أبى العلاء (3) عن مطرف بن عبد الله - هو ابن الشخير عن عثمان بن أبي العاصى قال قلت يارسول الله اجعلني إمام قومي قال أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا) * (4) قال على: هذا حد التخفيف، وهو أن ينظر ما يحتمل أضعف من خلفه وأمسهم حاجة من الوقوف والركوع والسجود والجلوس فليصل على حسب ذلك * وروينا ذلك عن السلف الطيب * روينا عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني وحميد كلاهما عن أنس قال ما صليت خلف أحد أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام، كانت صلاته متقاربة، وصلاة أبي بكر متقاربة فلما كان عمر مد في صلاة الفجر) (5) *
ومن طريق وكيع عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي رجاء العطاردي قال: قلت للزبير بن العوام
__________
(1) في البخاري (ج 1 ص 284) (إذا صلى أحدكم للناس) وكذلك هو في الموطأ (ص 47) وأما قوله (إذا أم أحدكم) فانه في صحيح مسلم (ج 1 ص 135) من حديث المغيرة الحزامى عن أبى الزناد (2) في النسخة رقم (16) (غيظا) وما هنا هو الموافق للبخاري (ج 1 ص 284) (3) في النسخة رقم (45) (عن أبى الاعلى) وهو خطأ، فانه أبو العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير اخو مطرف اصغر منه (4) رواه أبو داود (ج 1 ص 209) (5) رواه مسلم (ج 1 ص 136) عن ابى بكر بن نافع العبدى عن بهز عن حماد *(4/99)
مالكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من أخف الناس صلاة؟! قال: نبادر الوسواس * (1) وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع أبا هريرة يقول: إذا كنت إماما فخفف (2) الصلاة، فان في الناس الكبير والضعيف والمعتل وذا الحاجة، وإذا صليت وحدك فطول ما بدالك، وأبرد، فان شدة الحر من فيح جهنم * وعن طلحة التخفيف أيضا، وعن عمار كذلك * وعن سعد بن أبي وقاص: أنه كان يطيل الصلاة في بيته، ويقصر عند الناس، ويحض على ذلك.
* وعن عمرو بن ميمون الاودي: لو أن رجلا أخذ شاة عزوزا (3) لم يفرغ من لبنها حتى أصلى الصلوات الخمس، أتم ركوعها وسجودها (4) * وعن علقمة: لو أمر بذبح شاة فأخذ في سلخها لصليت الصلوات الخمس في تمام قبل أن يفرغ منها.
* وأما الحد الذي ذكرنا في التطويل فهو: أننا قد ذكرنا في أوقات الصلوات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر في الوقت الذي صلى فيه العصر بالامس، وقال عليه السلام (وقت الصبح ما لم تطلع الشمس، ووقت العصر ما لم تغرب الشمس، ووقت المغرب ما لم
يسقط نور الشفق (5)، ووقت العشاء الآخرة إلى نصف الليل) فصح يقينا أن من دخل في صلاة في آخر وقتها فانما يصلى باقيها في وقت الاخرى، وفي وقت ليس له تأخير ابتداء الصلاة إليه أصلا.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن التفريط أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى) فصح أن له إذا دخل في الصلاة في وقتها أن له أن يطول
__________
(1) هذا إسناد صحيح جدا، ونقل ابن حجر في الفتح (ج 2 ص 138) من كتاب ابن ابى شيبة (من طريق ابى مجلز قال.
كانوا أي الصحابة يتمون ويوجزون ويبادرون الوسوسة) (2) في النسخة رقم (16) (فأخفف) (3) لم ينقط في الاصلين، وهو بفتح العين المهملة وضم الزاى وبعد الواو زاى أخرى والشاة العزوز هي ضيقة الاحاليل التى لا تدر حتى تحلب بجهد، والجمع عزز بضم العين والزاى الاولى.
قاله في اللسان (4) قال في اللسان (يريد التجوز في الصلاة وتخفيفها) (5) في النسخة رقم 45 (نور) (6) تقدم في المحلى (ج 3 ص 169) مسألة (رقم 335) *(4/100)
ما شاء، كما أمر عليه السلام، الا تطويلا منع منه النص، وليس الا ان يطيل حتى تفوته الصلاة التالية لها فقط.
وبالله تعالى التوفيق * 445 مسألة قد قلنا: ان الفرض في كل ركعة أن يقرأ بأم القرآن فقط، فان زاد على ذلك قرآنا فحسن، قل أم كثر، أي صلاة كانت من فرض أو غير فرض، لا نحاش (1) شيئا الا اننا نستحب أن يقرأ في صلاة الصبح مع أم القرآن في كل ركعة من ستين آية إلى مائة آية من أي سورة شاء، وفى الظهر في الاولتين (2) في كل ركعة مع أم القرآن نحو ثلاثين آية كذلك، وفي الآخرتين منها مع أم القرآن في كل ركعة نحو خمس عشرة آية، وفى الاولتين من العصر كالآخرتين من الظهر، وفى الآخرتين من العصر أم القرآن فقط، وفى المغرب نحو العصر، ولو أنه قرأ في المغرب بالاعراف.
أو المائدة.
أو الطور.
أو المرسلات فحسن، وفى العتمة في الاولتين مع ام القرآن بالتين.
والزيتون.
والشمس وضحاها
ونحو ذلك، وفي صبح يوم الجمعة الم تنزيل السجدة.
وهل أتى على الانسان مع أم القرآن وفى صلاة الجمعة في الركعة الاولى مع أم القرآن سورة الجمعة، وفى الثانية مع أم القرآن مرة سورة المنافقين، ومرة سورة الغاشية، ولو قرأ في كل ذلك سورتين أو أكثر في ركعة فحسن ولو قدم السورة قبل أم القرآن كرهنا ذلك وأجزأه ومن أراد من الائمة تطويل صلاة ثم احس بعذر ممن خلفه فليوجز في مدها * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا شعبة ثنا سيار بن سلامة هو أبو المنهال قال.
دخلت على أبي برزة فسألناه فأخبرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يصلى الصبح فينصرف الرجل فيعرف جليسه، وكان يقرأ في الركعتين أو احداهما ما بين الستين إلى المائة (3) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن هشيم عن منصور هو ابن زاذان عن الوليد بن مسلم هو أبو بشر العنبري عن ابى الصديق هو بكر بن عمرو الناجي عن ابي سعيد الخدري قال: (كنا نحزر قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين الاوليين من الظهر قدر ثلاثين آية وحزرنا قيامه في الاخريين
__________
(1) بدون الياء في الاصول (2) استعمل المؤلف في تأنيث (أول) (أولة) بالهاء مرارا وليس هذا بالمرضى كما قال في المصباح.
(3) في البخاري (ج 1 ص 305 - 306) *(4/101)
قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الاوليين من العصر على قدر قيامه في الاخريين (1) من الظهر، وفى الاخريين (2) من العصر على النصف من ذلك) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب اخبرني هرون ابن عبد الله الحمال (3) ثنا ابن ابي فديك عن الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله - هو ابن الاشج عن سليمان بن يسار عن ابي هريرة قال: (ما صليت وراء احد اشبه
صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان، قال سليمان: كان يطيل الركعتين الاوليين (4) من الظهر، ويخفف الاخريين (5)، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار (6) المفصل، ويقرأ (7) في العشاء بوسط المفصل ويقرأ (8) في الصبح بطوال المفصل) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن ابن شهاب عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس أنه قال: (إن أم الفضل سمعته وهو (9) يقرأ والمرسلات عرفا، فقالت: يا بنى والله لقد ذكرتني بقراءتك (10) هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد ثنا يعقوب بن ابراهيم بن سعد ثنا أبي عن صالح عن الزهري (11) عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، فذكر هذا
__________
(1) في صحيح مسلم (ج 1 ص 132) طبع بولاق (من الاخريين)، وفى طبع الاستانة (في الاخريين) وكذلك في نسخة مخطوطة صحيحة، وقال النووي (كذا هو في معظم الاصول من الاخريين وفى بعضها في الاخريين، وهو معنى رواية من) (2) في أصول المحلى (الاولتين والآخرتين) في المواضع كلها في هذا الحديث، والذى في صحيح مسلم الاوليين والاخريين وكذلك قال النووي هو بياءين مثناتين تحت (3) بفتح الحاء المهملة (4) في الاصل (الاولتين) وصححناه من النسائي (ج 1 ص 154) (5) في الاصل (الآخرتين) (6) في الاصل (بصغار) (7) و (8) في الاصل بحذف كلمة (يقرأ) في الموضعين (9) كلمة (وهو) محذوفة في الاصل وزدناها من البخاري (ج 1 ص 303 و 304) (10) في الاصلين بحذف القسم، وفى النسخة رقم (45) (أذكرتني)، وفى النسخة رقم (16) (بقراءة) وصححناه من البخاري (11) في الاصلين (يعقوب بن ابراهيم بن سعد(4/102)
الحديث، وأن أم الفضل قالت: (ثم ما صلى بعد حتى قبضه الله عزوجل) * فهذا آخر صلاة مغرب صلاها عليه السلام، وآخر عمله عليه السلام، فأين المدعون أنهم يتبعون عمله وآخر عمله؟! * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه: (سمعت رسول الله صلى الله وسلم قرأ في المغرب بالطور (1) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر البصري ثنا أبو داود السجستاني ثنا الحسن بن علي هو الحلواني ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج حدثني ابن أبي مليكة عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت: مالك تقرأ في المغرب بقصار المفصل، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولى (2) الطوليين؟! قلت: ما طولى الطوليين؟ قال: الاعراف قال ابن جريج: وسألت ابن أبي مليكة فقال لي من قبل نفسه: المائدة والاعراف (3) * فهذا زيد رضى الله عنه ينكر على أمير المدينة الاقتصار على صغار المفصل في المغرب ويحضه على ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قراءة الاعراف في صلاة المغرب * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن ابى الزبير عن جابر بن عبد الله قال: (صلى معاذ لاصحابه العشاء فطول عليهم، فانصرف رجل منا فصلى، فأخبر معاذ عنه، فقال.
انه منافق (4) فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره ما قال معاذ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أتريد أن تكون فتانا يا معاذ؟! إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها، وسبح اسم ربك الاعلى، واقرأ باسم ربك، والليل إذا يغشى) *
__________
عن الزهري) بحذف والد يعقوب وصالح، وهو خطأ، صححناه من مسلم (ج 1 ص 134) (1) في البخاري (ج 1 ص 304) (2) طولى: تأنيث أطول، وفى النسخة رقم (45) (بطول) وهو خطأ (3) رواه أبو داود (ج 1 ص 298) (4) في النسخة رقم (16)
(فقال له منافق) وما هنا هو الموافق لمسلم (ج 1 ص 134) *(4/103)
قال علي: وكل ذلك قد روى عن السلف رضى الله عنهم * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس.
ان أبا بكر الصديق رضى الله عنه أم الصحابة رضى الله عنهم في صلاة الصبح بسورة البقرة، قرأها في الركعتين (1) وعن معمر عن قتادة عن أنس أن ابا بكر أيضا أمهم في الصبح بآل عمران * وعن سفيان الثوري وسفيان بن عيينة كلاهما عن الاعمش عن إبراهيم التيمى عن حصين بن سبرة (2) أن عمر بن الخطاب قرأ في الفجر يوسف، ثم قرأ في الثانية والنجم فسجد، ثم قام فقرأ إذا زلزلت * ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن الحكم بن عتيبة أنه سمع عمرو بن ميمون يقول: إن عمر بن الخطاب صلى الصبح بذى الحليفة فقال: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، وقرأ قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، وكان يتم التكبير * وعن عمر: أنه قرأ في الظهر ق والذاريات * وعن عبد الله بن عمر (3) انه قرأ في الظهر كهيعص * وعن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن أبي العالية البراء: (4) سألت ابن عباس أو سأله رجل: أأقرأ في الظهر والعصر؟ فقال: هو إمامك، اقرأ منه ما قل أو كثر، وليس في القرآن قليل * وعن حماد بن سلمة عن قتادة وثابت البناني وحميد وعثمان البتي، كلهم عن أنس ابن مالك: أنه كان يقرأ في الظهر والعصر (سبح اسم ربك الاعلى) و (هل أتاك حديث
__________
(1) رواه البيهقى (ج 2 ص 389) من طريق الشافعي عن ابن عيينة عن الزهري ورواه مالك في الموطأ (ص 28) عن هشام بن عروة عن أبيه (2) بفتح السين المهملة
واسكان الباء الموحدة، وفى النسخة رقم (45) (سمرة) بالميم، وهو خطأ، والحصين هذا لم أجد له ترجمة ولا ذكرا إلا قول ابن سعد (ج 6 ص 102) (روى عن عمر بن الخطاب قال: صلى بنا عمر الفجر فقرأ في الركعة الاولى يوسف) (3) في النسخة رقم (45) (عمرو) ويحتاج إلى تحرير صحة إحداهما (4) بفتح الباء وتشديد الراء نسبة إلى برى الاشياء، واسمه (زياد بن فيروز) على الراجح، وهو تابعي ثقة مات في شوال سنة 90 *(4/104)
الغاشية) ويسمعنا النغمة أحيانا * وعن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يقرأ في المغرب يس * وعن سفيان بن عيينة عن عثمان بن أبي سليمان النوفلي عن عراك بن مالك سمع أبا هريرة يقول: (قدمت المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فوجدت رجلا من غفار يؤم الناس في المغرب، فقرأ في الركعة الاولى سورة مريم، وفى الثانية (ويل للمطففين) (1) * وبكل ما ذكرنا يأخذ الشافعي وداود وجمهور أصحاب الحديث * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي أيوب الانصاري أو زيد بن ثابت: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بالاعراف في المغرب في الركعتين (2) * وروينا عن أبي بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما: أن كل واحد منهما صلى الصبح بالصحابة (3) رضى الله عنهم فقرأ في الركعة مائة آية من آل عمران، ثم قرأ في الثانية باقى السورة.
وصح مثل هذا أيضا عن ابن مسعود * وحدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير (4) ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا الهيثم بن عبيد الصيرفي عن أبيه (5)
عن الحسن البصري قال: لقد غزونا غزوة إلى خراسان معنا فيها ثلثمائة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فكان الرجل منهم يصلى بنا، فيقرأ بالآيات من السورة ثم يركع *
__________
رواه ابن سعد مطولا (ج 4 ق 2 ص 54) عن أحمد بن اسحق الحضرمي عن وهيب عن خثيم بن عراك بن مالك عن أبيه عن نفر من قومه (أن أبا هريرة) الخ * (2) رواه احمد في المسند (ج 5 ص 185) عن يحيى بن سعيد عن هشام، ورواه ايضا (ج 5 ص 418) عن وكيع عن هشام (3) في النسخة رقم (45) (بأصحابه) (4) في النسخة رقم (16) (احمد بن عبد الله البصري) وهو خطأ، وسيأتى على الصواب في المسألة (448) (5) لم أجد ترجمة للهيثم هذا ولا لابيه *(4/105)
وعن ابن جريج عن عطاء: أنه إن قرأ في الركعة من صلاة الفرض آيات من بعض السورة، من أولها أو من وسطها أو من آخرها، قال عطاء: لا يضرك، كله قرآن * وعن علقمة انه كان يقرأ في الاولى من صلاة الصبح وسورة الدخان.
والطور.
وسورة الجن، ويقرأ في الثانية منها آخر البقرة وآخر آل عمران والسورة القصيرة * وعن أبي وائل: انه قرأ في احدى ركعتي الصبح أم القرآن وآية.
وعن إبراهيم النخعي نحو هذا * ومن طريق مالك عن نافع ان ابن عمر كان أحيانا يقرأ بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة في صلاة الفريضة (1) * وعن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي اسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون قال: صلى بنا عمر بن الخطاب صلاة المغرب، فقرأ في الركعة الثانية ألم تر كيف ولايلاف قريش جمعهما.
ومثل هذا عن طاوس والربيع بن خثيم (2) وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وغيرهم * وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب انا محمد بن بشار
وعمرو بن علي، قال ابن بشار: ثنا يحيى بن سعيد القطان، وقال عمرو بن علي: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثم اتفق يحيى وعبد الرحمن قالا: ثنا سفيان الثوري عن سعد ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن الاعرج عن ابي هريرة: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة آلم تنزيل، وهل أتى (3) * وقد صح أيضا من طريق ابن عباس، وهو اختيار الشافعي وابي سليمان واصحاب الحديث *
__________
(1) في الموطأ (ص 27) (2) في الاصلين (خيثم) بتقديم الياء المثناة، وكذلك جاء في الاحكام للمؤلف ج 6 ص 53) وهو الموافق لضبط الخزرجي في الخلاصة، وكل هذا خطأ، والصواب بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة واسكان الياء مصغرا، وبه ضبطه ابن حجر في التقريب، وكذلك ابن دريد في الاشتقاق (ص 112 و 113) وقال ومنهم الربيع ابن خثيم وكان اعبد اهل زمانه وكان ابن مسعود إذا رآه قال: بشر المخبتين، وقد مر تفسير الربيع وخثيم تصغير أخثم والاخثم العريض الانف) (3) في النسائي (ج 1 ص 151) وروى نحوه أيضا عن ابن عباس (ج 1 ص 152 و 209) *(4/106)
ومن طريق مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد ثنا اسماعيل بن ابراهيم هو ابن علية - انا ابن جريج عن عطاء قال قال أبو هريرة: في كل الصلاة يقرأ، فقال له رجل: ان لم ازد على ام القرآن قال ان زدت عليها فهو خير، وان انتهيت إليها اجزأت عنك (1) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ثنا سليمان هو ابن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن أبي رافع (2) قال صلى لنا أبو هريرة الجمعة فقرأ بعد سورة الجمعة في الركعة الآخرة: (إذا جاءك المنافقون) قال ابن أبي رافع فأدركت أبا هريرة حين انصرف، فقلت له: إنك قرأت بسورتين (3) كان على بن أبي طالب يقرأ بهما (4) بالكوفة، فقال أبو هريرة: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ
بهما يوم الجمعة * وبه إلى مسلم: ثنا عمرو الناقد ثنا سفيان بن عيينة عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله قال: كتب الضحاك بن قيس إلى النعمان بن بشير يسأله: (أي شئ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة سوى سورة الجمعة؟ قال: كان يقرأ هل أتاك حديث الغاشية) * (5) حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن عبد الاعلى ثنا خالد هو ابن الحارث عن شعبة أخبرني معبد بن خالد عن زيد هو ابن عقبة عن سمرة بن جندب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة بسبح (6) اسم ربك الاعلى وهل أتاك حديث الغاشية) * وقال أبو حنيفة: يكره ان يكون الامام يلتزم في الجمعة أو غيرها سورة بعينها أو سورا بعينها * قال علي: كره السنة، وخالف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك من كره
__________
(1) في مسلم (ج 1 ص 116) واختصره المؤلف (2) في النسخة رقم (45) (عن ابى رافع) وهو خطأ (3) في الاصلين (سورتين) وصححناه من مسلم (ج 1 ص 239) (4) في النسخة رقم (16) (يقرؤهما) وما هنا هو الموافق لمسلم (5) في صحيح مسلم (ج 1 ص 239) (6) في الاصلين (سبح) بدون حرف الجر، وصححناه؟ من النسائي (ج 1 ص 210) *(4/107)
شيئا مما صح انه عليه السلام فعله * وأما تقديم السورة قبل أم القرآن فلم يأت أمر بخلاف ذلك، لكن عمل المسلمين وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو تقديم أم القرآن، فكرهنا خلاف هذا، ولم نبطل الصلاة به، لانه لم يأت عنه نهى، وقد قال تعالى (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) * والعجب ممن يشنع هذا ويجيز تنكيس الوضوء، وتنكيس الطواف وتنكيس الاذان! *
وأما من بدأ الصلاة يريد تطويلها فأحس بعذر من بعض من خلفه، فان عبد الرحمن بن عبد الله حدثنا قال: ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا ابراهيم ابن موسى الفراء (1) ثنا الوليد هو ابن مسلم ثنا الاوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله أبن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لاقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي، كراهية (2) أن أشق (3) على أمه) * 446 مسألة ويستحب الجهر في ركعتي صلاة الصبح، والاولتين من المغرب، والاولتين من العتمة، وفى الركعتين من الجمعة، والاسرار في الظهر كلها، وفى العصر كلها، وفي الثالثة من المغرب، وفى الآخرتين من العتمة، فان فعل خلاف ذلك كرهناه وأجزأه * وأما المأموم ففرض عليه الاسرار بأم القرآن في كل صلاة ولا بد، فلو جهر بطلت صلاته * برهان ذلك: أن الجهر فيما ذكرنا أنه يجهر فيه والاسرار فيما ذكرنا أنه يسر فيه إنما هما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليسا أمرا منه، وأفعاله عليه السلام على الائتساء لا على الوجوب، وهو عليه السلام الامام، وحكم المنفرد كحكم الامام * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن أبي عدي عن الحجاج يعنى الصواف (4) عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة وأبي سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف كلاهما عن أبي قتادة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بنا:
__________
(1) ليس في البخاري كلمة الفراء (2) في الاصلين كراهة وصححناه من البخاري (ج 1 ص 286) (3) في النسخة رقم (16) (يشق) وما هنا هو الموافق للبخاري (4) في الاصلين عن الحجاج يعنى (ابن محمد) وهو خطأ، وأظنه من المؤلف، ومسلم نفسه قال في صحيحه (عن الحجاج يعنى الصواف) فما أدرى كيف فات هذا على ابن حزم! والحجاج الصواف هو ابن أبى عثمان مات سنة 143، وأما الحجاج بن محمد المصيصى الاعور فهو متأخر عنه مات سنة 206(4/108)
فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الاوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحيانا (1) * فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببعض القراءة في الظهر * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن ابراهيم (2) عن سلم (3) بن قتيبة ثنا هاشم بن البريد (4) عن أبي اسحق عن البراء بن عازب قال: (كنا نصلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فيسمعنا الآية بعد الآيات من لقمان والذاريات (5) * وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان: ثنا اسماعيل بن مسلم ثنا أبو المتوكل هو على بن داود الناجي (6) - قال: كان عمر بن الخطاب يقرأ في الظهر والعصر بالذاريات ذروا، وق والقرآن المجيد يعلن فيهما * ومن طريق معمر عن ثابت البناني قال: كان أنس بن مالك يصلى بنا الظهر والعصر فربما سمعنا من قراءته إذا السماء انفطرت، وسبح اسم ربك الاعلى * فهذا فعل عمر بن الخطاب وأنس بحضرة الصحابة رضى الله عنهم، لا ينكر ذلك عليهما أحد * وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: من صلى المغرب فقرأ في نفسه فأسمع نفسه أجزأ عنه * وعن حماد بن سلمة عن داود هو ابن أبي هند عن الشعبي: أن سعيد بن العاص جهر في صلاة الظهر أو العصر، فمضى في جهره، فلما قضى صلاته قال: إنى كرهت أن أخفى القرآن بعد ما جهرت به، ولم يذكر سجدتي السهو * قال علي: هذا منه بحضرة الصحابة، لا ينكر ذلك عليه منهم أحد (7) *
__________
(1) في مسلم (ج 1 ص 131 و 132) (2) هو محمد بن ابراهيم بن صدران، بضم الصاد واسكان الدال المهملتين (3) سلم بفتح السين المهملة واسكان اللام، وفى النسخة رقم (16) (سالم) وفى النسخة رقم (45) (مسلم) وكلاهما خطأ (4) البريد: بفتح الباء الموحدة
وكسر الراء وبعدها ياء مثناة تحتية وآخره دال مهملة (5) في النسائي (ج 1 ص 153) * (6) بالنون والجيم (7) سعيد بن العاص وإن لم يكن صحابيا، إلا انه كان اميرا على الكوفة من قبل عثمان ثم على المدينة من قبل معاوية، والصحابة فيهما متوافرون إذ ذاك *(4/109)
وقد روينا أيضا الجهر في العصر عن خباب بن الارت رضى الله عنه * وعن وكيع عن الربيع عن الحسن البصري قال: إذا جهر فيما يخافت به فلا سهو عليه وعن وكيع عن اسرائيل عن جابر بن عبد الرحمن (1) بن الاسود بن يزيد عن الاسود وعلقمة (2): أنهما كانا يجهران فيما يخافت فيه فلا يسجدان (3) * ومن طريق البخاري: ثنا محمد بن بشار ومحمد بن كثير، قال ابن بشار: ثنا غندر عن شعبة، وقال ابن كثير أنا سفيان الثوري، ثم اتفق شعبة وسفيان كلاهما عن سعد ابن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: (صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، وقال: لتعلموا أنها سنة (4) * قال علي: وإنما كرهنا ذلك لان الجمهور من فعله عليه السلام كان الجهر فيما ذكرنا أنه يجهر به، والاسرار فيما ذكرنا انه يسر فيه، ولا سجود سهو في ذلك، لان ما ابيح تعمد فعله أو تركه فلا سهو فيه، لانه فعل ما هو مباح له، وإنما السهو الذي يسجد له فيما لو فعله عمدا بطلت صلاته، من ترك أو فعل * وقال الشافعي: من جهر فيما يسر فيه أو اسر فيما يجهر فيه كرهناه وتمت صلاته.
ولا سجود سهو فيه، وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا بنا وبه نقول * وقال مالك: إن جهر فيما يسر فيه أو أسر فيما يجهر فيه فان كان ذلك كثيرا سجد للسهو، وإن كان قليلا فلا شئ فيه * قال علي: وهذا خطأ لانه لا يخلو أن يكون مباحا فالكثير منه والقليل سواء أو يكون
محظورا، فالقليل منه والكثير سواء، ولا يجوز ان يحل قليل ما حرم كثيره إلا بنص وارد في ذلك وأيضا: فيسأل عن حد الكثير الموجب لسجود السهو من القليل الذي لا يوجبه، فلا سبيل له إلى تحديده الا بتحكم لا برهان عليه، ولا يعجز عن مثله أحد
__________
(1) جابر هو ابن يزيد الجعفي - ضعيف جدا - وفى النسخة رقم (16) (عن جابر بن عبد الرحمن) الخ وهو خطأ (2) الاسود هو ابن يزيد بن قيس النخعي، وعلقمة هو ابن قيس النخعي، فعبد الرحمن رواه عن أبيه الاسود وعن عم أبيه علقمة (3) في النسخة رقم (45) (ولا يسجدان.
(4) في البخاري (ج 2 ص 189) طبع إدارة الطباعة المنيرية *(4/110)
ومن المحال إيجاب حكم فيما لا يبين مقداره الموجب لذلك الحكم * وقال أبو حنيفة: إن أسر الامام فيما يجهر فيه أو جهر فيما يسر فيه، فان كان سهوا فعليه سجود السهو، وإن كان عمدا فلا سجود سهو فيه، والصلاة تامة، فان فعل ذلك المنفرد عمدا أو سهوا فصلاته تامة، ولا سجود سهو فيه، والصلاة تامة، فان فعل ذلك المنفرد عمدا أو سهوا فصلاته تامة، ولا سجود سهو فيه * (1) قال على: وهذا خطأ من وجهين: أحدهما: إباحته تعمد ذلك، ولا سجود عنده على العامد، وإيجابه السجود على الساهي، وهو لم يسه إلا عما أبيح له عنده تركه وفعله، فأى سجود في هذا؟! والثاني تفريقه في ذلك بين الامام والمنفرد، وهذا عجب آخر! ولا نعرف قول أبي حنيفة وقول مالك ههنا عن أحد قبلهما، وقد خالفا في ذلك كل رواية عن الصحابة رضى الله عنهم * قال علي: وأما المأموم فأنما تبطل صلاته إن جهر في شئ من قراءته فلقول الله تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون.
واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول).
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (انما جعل الامام ليؤتم به).
وفى الحديث: (وإذا قرأ فأنصتوا) فمن لم ينصت من المأمومين
وجهر فقد خالف الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في صلاته، ولم يصل كما أمر، فلم يصل.
وبالله تعالى التوفيق * 447 مسألة ويستحب تطويل الركعة الاولى من كل صلاة اكثر من الركعة الثانية منها * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا موسى بن إسماعيل ثنا همام هو ابن يحيى (2) عن يحيى هو ابن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن ابيه: (ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الاوليين بأم الكتاب وسورتين.
وفى الركعتين الاخريين بأم الكتاب.
ويسمعنا الآية.
ويطول في الركعة
__________
(1) ما بين القوسين وهو من أول قوله (والصلاة تامة) إلى هنا زيادة من النسخة رقم (45) كتب بحاشيتها وكتب بجواره (صح) (2) في النسخة رقم (16) (ثنا يحيى) وما هنا هو الموافق للبخاري (ج 1 ص 309) *(4/111)
الاولى ما لا يطول (1) في الركعة (2) الثانية وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب انا عمران بن يزيد بن خالد الدمشقي ثنا اسماعيل بن عبد الله بن سماعة ثنا الاوزاعي ثنا يحيى بن ابي كثير ثنا عبد الله ابن أبي قتادة حدثني أبي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بأم القرآن وسورتين في الركعتين الاوليين من صلاة الظهر وصلاة العصر.
ويسمعنا الآية أحيانا وكان يطيل (3) في الركعة الاولى) * قال علي: هذا عموم لكل صلاة.
لانها قضية قائمة بنفسها * وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الاعمش عن إبراهيم هو النخعي قال الاول من الصلوات كلها الطوال في القراءة * وعن عبد الرزاق عن إسرائيل عن عيسى بن أبي عزة (4) عن الشعبي مثل قول إبراهيم
وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: إنى لاحب أن يطول الامام الاولى من كل صلاة حتى يكثر الناس، فإذا صليت لنفسي فاني احرص على ان اجعل الاولتين والآخرتين سواء * 448 مسألة ونستحب أن يضع المصلى يده اليمنى على كوع يده اليسرى في الصلاة، في وقوفه كله فيها * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا عفان هو ابن مسلم ثنا همام ثنا محمد بن جحادة ثنا عبد الجبار بن وائل عن علقمة بن وائل انه حدثه عن أبيه وائل بن حجر: (انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر (5)، ثم التحف بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى وذكر باقى الحديث * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا احمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن اصبغ ثنا محمد بن
__________
في الاصلين في الموضعين (ويطيل) وصححناه من البخاري (2) كلمة (الركعة) محذوفة من الاصلين (3) في الاصلين (ويطيل) بحذف (كان) وزدناها من النسائي (ج 1 ص 153) (4) بفتح العين المهملة وتشديد الزاى المفتوحة (5) في النسخة رقم (16) (رفع يديه في الصلاة ثم كبر) وفى النسخة رقم (45) (رفع يديه في الصلاة حين كبر) وما هنا هو الذى في صحيح مسلم (ج 1 ص 118) *(4/112)
عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي انا هشيم عن الحجاج ابن ابي زينب قال سمعت ابا عثمان النهدي يحدث عن ابن مسعود (1) قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وقد وضعت شمالى على يمينى في الصلاة فأخذ بيمينى فوضعها على شمالى (2) * وروينا عن على رضى الله عنه.
انه كان إذا طول قيامه في الصلاة يمسك بيده اليمنى
ذراعه اليسرى في اصل الكف الا ان يسوى ثوبا أو يحك جلدا * وعن ابي هريرة قال: وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة (3) * وعن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: ثلاث من النبوة: تعجيل الافطار، وتأخير السحور، ووضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة * وعن أنس مثل هذا أيضا، إلا أنه قال: من أخلاق النبوة، وزاد: تحت السرة (4) *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (عن أبى مسعود) وهو خطأ (2) رواه النسائي (ج 1 ص 141) عن عمرو بن على عن ابن مهدى نحوه، ورواه أبو داود (ج 1 ص 274) عن محمد بن بكار بن الريان، وابن ماجه (ج 1 ص 140) عن أبى اسحق الهروي كلاهما عن هشيم مختصرا ورواه البيهقى (ج 2 ص 28) من طريق أبى داود والحديث اسناده صحيح كما قال ابن سيد الناس (3) أثرا على وأبى هريرة روى نحوهما أبو داود (ج 1 ص 274 و 275) باسنادين ضعيفين (4) أما أثر أنس فلم أجده، وأما أثر عائشة فقد نسبه الزرقاني في شرح الموطأ (ج 1 ص 286) إلى سعيد بن منصور، وذكر السيوطي نحوه من حديث أبى الدرداء ونسبه للطبراني ورمز إليه برمز الحديث الحسن، وذكره الحافظ الهيثمى في مجمع الزوائد (ج 1 ص 183) وقال.
(رواه الطبراني في الكبير مرفوعا وموقوفا على أبى الدرداء والموقوف صحيح والمرفوع في رجاله من لم أجد من ترجمه) وذكر ايضا عن ابن عباس مرفوعا (انا معشر الانبياء أمرنا.
بتعجيل فطرنا.
وتأخير سحورنا وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) ثم قال (رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح) وذكر الزيلعى نحوه في نصب الراية (ج 1 ص 165) من حديث ابن عباس ومن حديث أبى هريرة عن الدارقطني، وضعفهما الزيلعى، فلا أدرى هل اسناد الدارقطني في حديث ابن عباس مثل اسناد الطبراني أو لا؟ ولكن يظهر من كلام ابن حجر في التلخيص(4/113)
ومن طريق مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة (1) * قال علي: هذا راجع في أقل أحواله إلى فعل الصحابة رضى الله عنهم، إن لم يكن مسندا * ومن طريق أبي حميد الساعدي أنه قال: (أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) (ثم وصف أنه) كبر فرفع يديه إلى وجهه ثم وضع يمينه على شماله) * (2) وروينا فعل ذلك عن أبي مجلز وابراهيم النخعي وسعيد بن جبير وعمرو بن ميمون ومحمد ابن سيرين وأيوب السختياني وحماد بن سلمة: أنهم كانوا يفعلون ذلك، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد وداود * 449 مسألة ونستحب أن لا يكبر الامام إلا حتى يستوي كل من وراءه في صف أو أكثر من صف، فان كبر قبل ذلك أساء وأجزأه * وقال أبو حنيفة: إذا قال المقيم (قد قامت الصلاة) فليكبر الامام * وروينا عن ابراهيم النخعي إجازة تكبير الامام قبل أن يأخذ المؤذن في الاقامة * قال علي: وكلا القولين خطأ * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا هرون بن معروف وحرملة بن يحيى قالا: ثنا ابن وهب أخبرني يونس هو ابن يزيد عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف سمع ابا هريرة يقول: أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج الينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قام في مصلاه *
__________
(ص 84) أنهما اسنادان مختلفان.
ثم وجدت أثر عائشة في سنن البيهقى (ج 2 ص 29) وحديثي أبى هريرة وابن عباس في الدارقطني (ص 106) (1) في الموطأ (ص 55 و 56) والبخاري من طريق مالك (ج 1 ص 296) وفى آخره عند البخاري (قال أبو حازم.
لا أعلمه إلا أنه ينمى ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا صريح في انه مرفوع * (2) حديث أبى حميد سيذكر المؤلف بعضا منه باسناده إلى البخاري في المسألة رقم (455) ونتكلم على طرقه وما قيل فيه هناك ان شاء الله تعالى *(4/114)
وقبل (1) أن يكبر ذكر فانصرف، وقال لنا: مكانكم، فلم نزل قياما ننتظره حتى خرج الينا وقد اغتسل، ينطف رأسه ماء، فكبر فصلى بنا) * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن ثابت البناني عن أنس قال: (كانت الصلاة تقام فيكلم الرجل النبي صلى الله عليه وسلم في الحاجة تكون له: يقوم بينه وبين القبلة قائما يكلمه، فربما رأيت بعض القوم ينعس من طول قيام النبي صلى الله عليه وسلم) * (2) وأيضا فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمأمومين: (وإذا كبر فكبروا) يعنى الامام: مبطل لقول أبي حنيفة، لانه إذا كبر الامام ولم يتم المقيم الاقامة لم يمكن المقيم أن يكبر إذا كبر الامام فأبو حنيفة يأمره بخلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يكبر إذا كبر الامام * وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كان عمر يبعث رجالا يسوون الصفوف فإذا جاؤه كبر * (3) وعن مالك عن أبى النضر عن مالك ابن ابي عامر قال: كان عثمان بن عفان لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف، فيخبرونه أنها قد استوت فيكبر * (4) وعن وكيع عن مسعر بن كدام عن عبد الله بن ميسرة عن معقل بن أبي قيس (5) عن عمر ابن الخطاب: أنه كان ينتظر بعد ما أقيمت الصلاة قليلا *
__________
(1) في سملم (ج 1 ص 168) (قبل) بدون الواو (2) رواه البخاري بثلاث أسانيد عن أنس بمعناه (ج 1 ص 262 وج 8 ص 117) ورواه مسلم بأسانيد كثيرة (ج 1 ص 111 و 112) *
(3) رواه مالك في الموطأ (ص 55) عن نافع ان عمر الخ وهو منقطع فيستفاد وصله من هنا، لان هذا الاسناد صحيح جدا (4) روى نحوه ايضا مالك في الموطأ عن عمه ابى سهيل ابن مالك عن ابيه، وابوه هو مالك بن ابى عامر الاصبحي وهو جد مالك بن انس، وابنه ابو سهيل عم مالك اسمه نافع (5) معقل بن إبى قيس هذا لم أجد له ترجمة ولا ذكرا، ويحتمل جدا ان يكون (معقل بن قيس) الذى ذكر ابن دريد في الاشتقاق (ص 136) انه كان على شرطة على صلوات الله عليه.
وكان من قواد على وأنصاره وله ذكر في تاريخ الطبري مرارا، انظر (ج 5 ص 237 و 243 وج 6 ص 31 و 45 و 48 و 70 - 75 و 106 و 108 و 109 و 111 و 113 و 115 - 120) والله اعلم *(4/115)
وروينا عن الحسن بن علي رضى الله عنهما نحو هذا * فهذا فعل الخليفتين بحضرة الصحابة رضى الله عنهم، واجماعهم معهم على ذلك * وروينا عن الحجاج بن المنهال عن عبد الله بن داود الخريبي (1) قال: أذن سفيان الثوري في المنار وأقام في المنار، ثم نزل فأمنا * وقولنا هو قول مالك والشافعي وأحمد وداود ومحمد بن الحسن وأحد قولى أبي يوسف قال علي: واحتج مقلد أبي حنيفة بأثر رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم الاحول عن أبي عثمان النهدي: ان بلالا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يارسول الله، لا تسبقني بآمين) * (2) ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: أنه كان مؤذنا للعلاء بن الحضرمي بالبحرين، فقال له أبو هريرة: لتنتظرني بآمين أو لا أؤذن لك (3) * قال علي: واحتجاجهم بهذين الاثرين من اقبح ما يكون من التمويه في الدين! واقدام على الفضيحة بالتدليس على من اغتر بهم! ودليل على قلة الورع جملة! لانهم لا
يرون للمأموم ان يقرأ خلف الامام اصلا بل يرون للامام ان يقول (وجهت وجهى) إلى آخر الكلام المروي في ذلك قبل ان يقرأ ام القرآن، وبالضرورة والمشاهدة يدرون ان المقيم إذا قال (قد قامت الصلاة) فكبر الامام، فلم يبق على المقيم شئ إلا ان يقول (الله اكبر الله اكبر لا إله الا الله) فمن المحال الممتنع الذي لا يشكل ان يكون الامام يتم قراءة ام القرآن قبل ان يتم المقيم قول (الله اكبر الله اكبر لا اله إلا الله) ثم يكبر، فكيف يكون هذا دليلا على ان الامام يكبر إذا قال المقيم (قد قامت الصلاة)! بل لو كبر الامام مع ابتداء المقيم الاقامة لما أتم أم القرآن أصلا إلا بعد اتمام المقيم الاقامة، وبعد ان يكبر للاحرام، فكيف بثلاث كلمات؟! فلقد كان ينبغي لهم أن يستحيوا من التموية في دين الاسلام بمثل هذا الضعف! * فان قيل: ما معنى قول بلال وأبي هريرة: لا تسبقني بآمين؟ *
__________
(1) بضم الخاء المعجمة وفتح الراء (2) سبق الكلام عليه في هذا الكتاب (ج 3 ص 263) (3) سبق أيضا في ج 3 ص 264 *(4/116)
قلنا: معناه بين في غاية البيان، لان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الامام إذا قال (آمين) قالت الملائكة آمين فان وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، فأراد بلال من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتمهل في قول آمين فيجتمع معه في قولها، رجاء لموافقة تأمين الملائكة، وهذا الذي أراد أبو هريرة من العلاء.
فبطل تعلقهم بهذين الاثرين * وموهوا أيضا بما حدثناه أحمد بن الطلمنكي قال ثنا ابن مفرج ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا محمد بن المثنى ثنا الحجاج بن فروخ عن العوام بن حوشب عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان بلال إذا قال: قد قامت الصلاة، نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير (1) قال البزار: لم يرو هذا أحد من غير هذا الطريق.
ورووا
نحو هذا أيضا عن عمر بن الخطاب * قال علي: وهذان أثران مكذوبان * أما حديث ابن أبي أوفى فمن طريق الحجاج بن فروخ، وهو متفق على ضعفه وترك الاحتجاج به * وأما خبر عمر فمن طريق شريك القاضى، وهو ضعيف.
فبطل التعلق بهما * وقد ذكرنا أن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر خلاف هذا * قال علي: وهم يقولون: لا نقبل خبر الواحد فيما تعظم البلوي به؟ * قال علي: وهذا مما تعظم به البلوى.
فلو كان كما يقولون ما خفى على سائر الفقهاء، وقد قبلوا فيه خبرا واهيا، وتركوا له الآثار الثابتة * 450 مسألة ونستحب لكل مصل إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله، واذ مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله عز وجل من النار * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار حدثني يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن أبي عدي، كلهم عن شعبة
__________
(1) رواه البيهقى (ج 2 ص 22) من طريق أزهر بن جميل عن حجاج بن فروخ التميمي الواسطي، وضعفه، ونسبه الهيثمى في مجمع الزوائد (ج 1 ص 144) إلى الطبراني في الكبير وضعفه جدا، ونقله ابن حجر في لسان الميزان (ج 2 ص 178) *(4/117)
عن الاعمش عن سعد بن عبيدة عن المستورد بن الاحنف عن صلة بن زفر عن حذيفة: (أنه صلى إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فكان إذا مر بآية عذاب وقف فتعوذ، (1) وإذا مر بآية رحمة وقف فدعا، وكان يقول في ركوعه: سبحان ربى العظيم، وفي سجوده: سبحان ربى الاعلى) (2) * ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الاعمش عن أبى الضحى: أن
عائشة أم المؤمنين مرت بهذه الآية: (فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) فقالت: رب من على وقنى عذاب السموم * وبه إلى سفيان: عن السدي ومسعر قال السدى: عن عبد خير الهمداني قال: سمعت على بن أبي طالب قرأ في صلاة (سبح اسم ربك الاعلى) فقال.
سبحان ربى الاعلى * وقال مسعر: عن عمير بن سعيد.
(3) أن أبا موسى الاشعري قرأ في الجمعة (سبح اسم ربك الاعلى) فقال: سبحان ربى الاعلى * وعن عبد الرزاق عن أبى اسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
أنه كان إذا قرأ.
أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى؟ قال.
اللهم بلى، وإذا قال.
(سبح اسم ربك الاعلى) قال.
سبحان ربى الاعلى * وعن شعبة عن أبي اسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه * وعن علقمة.
أنه قرأ (رب زدني علما) فقال.
رب زدني علما *
__________
(1) في النسائي (وتعوذ) (2) في النسائي (ج 1 ص 156) ورواه ايضا مطولا عن ابن راهويه عن جرير عن الاعمش (ج 1 ص 169 و 170) ورواه ايضا عن حسين ابن منصور عن ابن نمير عن الاعمش (ج 1 ص 245) ورواه مسلم (ج 1 ص 156) وأبو داود (ج 1 ص 325 والترمذي (ج 1 ص 55) وابن ماجه (ج 1 ص 110) بعضها مطول وبعضها مختصر (3) هكذا في النسخة رقم (45) وأنا أرجح أنه الصواب وأنه (عمير بن سعيد النخعي الصهبانى - بضم المهملة وسكون الهاء - الكوفى) وفى النسخة رقم (16) (مسعر عن عبيد بن عمير بن سعيد) واظنه خطأ، فانى لم أجد ترجمة لهذا وانما الموجود (عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد بن عامر) وهو مكى ومسعر كوفى، وعمير بن سعيد وعبيد بن عمير بن قتادة يرويان كلاهما عن أبى موسى *(4/118)
وعن حجر المدري (1) أنه.
كان يصلى، فإذا قرأ (أفرايتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم
نحن الخالقون؟) قال.
بل أنت رب * 451 مسألة ونستحب لكل مصل إذا قال سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد أن يقول (مل ء السموات والارض ومل ء ما شئت من شئ بعد) فان زاد على ذلك أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لامانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) فحسن وان اقتصر على الاول فحسن * برهان ذلك ما حدثناه حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا الاعمش عن عبيد بن الحسن (2) عن عبد الله (3) بن ابي أوفى قال.
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده، قال.
اللهم ربنا لك الحمد، مل ء السموات ومل ء الارض ومل ء ما شئت من شئ بعد (4) * حدثنا حمام ثنا عباس ابن أيمن ثنا احمد بن زهير بن حرب ثنا أبي ثنا وكيع ثنا الاعمش عن عبيد بن الحسن المزني قال.
سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، مل ء السموات ومل ء الارض ومل ء ما شئت من شئ بعد) * قال علي: وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد ابن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبد الله بن ابي شيبة أبو بكر ثنا أبو معاوية ووكيع عن الاعمش عن عبيد بن الحسن عن عبيدالله بن أبي اوفي قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع ظهره من الركوع قال.
سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد مل ء السموات ومل ء الارض ومل ء ما شئت من شئ بعد (5) * وبه إلى مسلم: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ثنا مروان بن محمد الدمشقي ثنا سيعد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس عن قزعة (6) عن أبي سعيد الخدري قال.
__________
(1) بفتح الميم والدال المهملة، وهو حجر بن قيس الهمداني اليمنى، تابعي ثقة * (2) في النسخة رقم (16) عبيد بن الحسين وهو خطأ (3) في النسخة رقم (45)
عبيدالله وهو خطأ (4) في مسند أحمد، (ج 4 ص 381) ورواه ايضا عن وكيع عن الاعمش ومسعر (ص 353) عن عبيد، ورواه ايضا بأسانيد اخرى (ص 354 - 356) (5) في مسلم (ج 1 ص 137) (6) بفتح القاف والزاى *(4/119)
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال.
ربنا (1) لك الحمد مل ء السموات والارض ومل ء ما شئت من شئ بعد، أهل الثناء والمجد (2) أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد * وبه إلى مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا هشيم بن بشير أنا هشام بن حسان عن قيس بن سعد عن عطاء هو ابن أبي رباح عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال.
اللهم ربنا لك الحمد، مل ء السموات ومل ء الارض وما بينهما (3) ومل ء ما شئت من شئ بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد * قال علي: فهذه آثار متظاهرة وأحاديث متواترة، وروايات متناصرة، ولا يسع أحدا الرغبة عنها * وقد قال بهذا طائفة من السلف الصالح كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد ابن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة ثنا قيس بن سعد وحماد بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير: أن ابن عباس كان إذا رفع رأسه من الركوع قال.
(اللهم ربنا لك الحمد، مل ء السموات (4) ومل ء الارض ومل ء ما شئت من شئ بعد (5) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبيدالله بن معاذ العنبري ثنا أبي ثنا شعبة عن
الحكم.
ان أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود كان يصلى بالناس، فإذا رفع رأسه من الركوع
__________
(1) في النسخة رقم (45) اللهم ربنا وما هنا هو الموافق للدارمي (ص 156) وصحيح مسلم (ج 1 ص 137) (2) في النسخة رقم (45) (والحمد) وما هنا هو الموافق للدارمي ومسلم * (3) في النسخة رقم (16) (ومل ء ما بينهما) وما هنا هو الموافق لصحيح مسلم (ج 1 ص 137 و 138) (4) في النسخة رقم (45) (السماء) وما هنا أصح لموافقته المرفوع من حديث ابن عباس نفسه (5) رواه مسلم (ج 1 ص 137 و 138) والبيهقي (ج 2 ص 94) من طريق هشام بن حسان عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا *(4/120)
قام قدر ما يقول (1).
اللهم ربنا لك الحمد، مل ء السموات ومل ء الارض ومل ء ما شئت من شئ بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما اعطيت، ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد * قال علي: وهذا أيضا قول الشافعي واصحابه وبعض اصحابنا، وبه نأخذ.
وبالله تعالى التوفيق * 452 مسألة فان طول الانسان ركوعه وسجوده ووقوفه في رفعه من الركوع وجلوسه بين السجدتين، حتى يكون كل شئ من ذلك مساويا لوقوفه مدة قراءته قبل الركوع فحسن * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل فضيل بن الحسين الجحدري عن أبي عوانة عن هلال بن أبي حميد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: (رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته وجلسته (2) مابين التسليم والانصراف -: قريبا من السواء) وبه إلى مسلم: ثنا أبو بكر بن نافع العبدي ثنا بهز بن أسد ثنا حماد انا ثابت عن
انس قال.
(ما صليت خلف احد اوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام، كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربة، وكانت صلاة ابي بكر متقاربة، فلما كان عمر بن الخطاب مد في صلاة الفجر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده قام حتى نقول.
قد اوهم، ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول.
قد اوهم) (3) *
__________
(1) الذى في صحيح مسلم (ج 1 ص 136) (قدر ما أقول) وكذلك هو في كل نسخ مسلم، فالقائل هو الراوى وهو الحكم (2) كلمة (وجلسته) هذه سقطت من صحيح مسلم المطبوع في بولاق (ج 1 ص 136) والمطبوع في الاستانة (ج 2 ص 44 و 45) واثباتها هو الصواب، وهى ثابتة في نسخة مخطوطة صحيحة من مسلم وايدها ثبوتها في الاصلين هنا (3) في صحيح مسلم (ج 1 صحيفة 136) *(4/121)
وفعله السلف الطيب كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن انس انه قال: (إني لا آلو ان اصلى بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بنا، قال ثابت.
فكان أنس يصنع شيئا لم اركم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع قام حتى يقول القائل.
قد نسى، وبين السجدتين حتى يقول القائل.
قد نسى) (1) * قال علي: هذا يوضح أنه لا حجة في عمل أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * وعن وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال.
كان أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود يطيل القيام بعد الركوع، فكانوا يعيبون ذلك عليه * قال علي: المعيب هو من عاب عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعول على ما لا حجة فيه وبالله تعالى التوفيق * 453 مسألة وتحسين الركوع هو أن لا يرفع رأسه إذا ركع ولا يميله، لكن
معتدلا مع ظهره، وأما في السجود فيقنطر ظهره جدا ما أمكنه، ويفرج ذراعيه ما أمكنه، الرجل والمرأة في كل ذلك سواء * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن ابن هرمز عن عبد الله بن مالك ابن بحينة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه (2) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى عن سفيان بن عيينة عن عبيدالله بن عبد الله بن الاصم عن عمه يزيد بن الاصم: أنه أخبره عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت (3) (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمر بين
__________
(1) في البخاري (ج 2 ص 9) ورواه ايضا مسلم عن خلف بن هشام عن حماد (2) في البخاري (ج 2 ص 5) ورواه مسلم أيضا عن قتيبة عن بكر (ج 1 ص 141) (3) الذى في مسلم (يزيد بن الاصم عن ميمونة قالت) (ج 1 ص 141) واما اللفظ الذى هنا فهو رواية مروان الفزارى عن عبيدالله بن عبد الله في صحيح مسلم أيضا *(4/122)
يديه لمرت (1) * وبه إلى مسلم: ثنا اسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه أنا عيسى يونس ثنا حسين المعلم عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه (2) * وروينا عن حماد بن سلمة عن أبي جمرة (3): قلت لعائذ بن عمرو المزني (4): إذا ركعت أنصب في ركوعي؟ قال.
لا، ولكن اعتدل حتى تستوى أطباق صلبك (5)، قلت: إذا سجدت أسجد على مرفقي؟ قال: لا، ولكن جافيهما (6) *
وعن وكيع عن طلحة القصاب عن الحسن البصري قال: كان عمر بن الخطاب يعلم أصحابه إذا ركعوا ان لا يقنعوا ولا يصوبوا * وعن وكيع عن أبيه عن شهاب البارقي (7): ان على بن أبي طالب كان إذا سجد خوى كما يخوى البعير الضامر (8) * وعن وكيع عن زكرياء بن أبي زائدة عن أبي اسحاق السبيعي قال: رأيت مسروقا ساجدا كأنه أحدب * وعن الحسن: يركع الرجل غير شاخص ولا منكس *
__________
(1) قوله (لمرت) سقط من الاصلين وزدناه من صحيح مسلم (2) في مسلم (ج 1 ص 141 و 142) واختصره المؤلف (3) بالجيم والراء، واسمه نصر بن عمران.
تابعي ثقة (4) بضم الميم وفتح الزاى وفى النسخة رقم (16) (المدنى) وهو تصحيف، وعائذ هذا شهد بيعة الرضوان (5) الطبق فقار الظهر واحدته طبقة، وكل مفصل طبق وجمعه أطباق.
نقله في اللسان عن الاصمعي (6) أي باعدهما، وفى النسخة رقم (16) (ولكن جافيا) قال في اللسان: (وفى الحديث أنه كان يجافى عضديه عن جنبيه في السجود أي يباعدهما، وفى الحديث إذا سجدت فتجاف وهو من الجفاء البعد عن الشئ، جفاه إذا بعد عنه وأجفاه إذا أبعده) فاللفظتان محتملتان اذن، والاولى عندي أقرب وأرجح (7) شهاب هذا لم اجد له ذكرا ولا ترجمة (8) في اللسان.
(خوى الرجل - بفتح الواو المشددة - تجافى في سجوده وفرج مابين عضديه وجنبيه، وكذلك البعير إذا تجافى لبروكه) ثم قال (ومنه يقال للناقة إذا بركت فتجافى بطنها في بروكها لضمرها -: قد خوت) *(4/123)
وعن ابراهيم النخعي: أنه كان يكره أن يقنع أو يصوب في الركوع * وهو قول الشافعي وأبي سليمان وأصحاب الحديث * وأما المرأة فلو كان لها حكم بخلاف ذلك لما أغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان ذلك،
والذي يبدو منها في هذا العمل هو بعينه الذي يبدو منها في خلافه، ولا فرق.
وبالله تعالى نعتصم * 454 مسألة ونستحب لكل مصل إذا رفع رأسه من السجدة الثانية ان يجلس متمكنا ثم يقوم من ذلك الجلوس إلى الركعة الثانية والرابعة * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن الصباح انا هشيم انا خالد هو الحذاء عن ابي قلابة انا مالك بن الحويرث الليثي.
(انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلى، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوى قاعدا) (1) * وهو عمل طائفة من السلف * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا اسماعيل هو ابن علية عن ايوب السختياني عن أبي قلابة ثنا أبو سليمان مالك بن الحويرث في مسجدنا قال.
(- إنى لاصلى بكم ما اريد (2) الصلاة، ولكني اريد اريكم (3) كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو قلابة.
كان يصلى مثل صلاة شيخنا هذا، يعنى عمرو بن سلمة امامكم، (4) وذكر.
انه كان إذا رفع رأسه من السجدة الثانية (5) في الركعة الاولى قعد ثم قام) (6) * قال علي: عمرو هذا له صحبة، ولابيه صحبة، (7) فهو عمل طائفة من الصحابة وغيرهم معهم * وروينا عن أحمد بن حنبل.
أن حماد بن زيد كان يفعل ذلك على حديث مالك ابن الحويرث، وهو قول الشافعي وأحمد وداود *
__________
(1) في البخاري (ج 2 ص 9) (2) في أبى داود (ج 1 ص 312) (وما أريد) (3) في أبى داود (أريد أن أريكم) (4) في أبى داود (امامهم) (5) في أبى داود (من السجدة الآخرة) (6) رواه أيضا البخاري (ج 1 ص 273 و 317 وج 2 ص 108) ورواه النسائي (ج 1 ص 113) (7) عمرو مختلف في صحبته، وكنيته أبو بريد - بضم الباء الموحدة وفتح الراء -
ويقال أبو يزيد، والذى في البخاري هو الاول واسم أبيه سلمة - بفتح السين وكسر اللام *(4/124)
ولم ير ذلك أبو حنيفة ومالك * قال علي: وهذا مما تركوا فيه عمل صاحبين لا يعرف لهما مخالف من الصحابة رضى الله عنهم، وهم يعظمون ذلك إذا وافق تقليدهم * فان احتجوا بحديث أبي حميد الذي تذكره بعد هذا الفصل ان شاء الله تعالى بأنه (1) ليس فيه هذا الجلوس * قلنا لهم: لا حجة لكم في هذا، لانه ليس تذكر جميع السنن في كل حديث، وإن كان لم يذكره أبو حميد فقد ذكره غيره من الصحابة، ولم يذكر أبو حميد أنه كان لا يفعل ذلك، فمن أقحم ذلك في حديث أبي حميد فقد كذب على أبي حميد وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فرق بين من قال.
لو فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لذكر أبو حميد أنه فعله: وبين من عارضه فقال: لو لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لذكر أبو حميد أنه كان لا يفعله * والعجب أنهم خالفوا حديث أبي حميد فيما ذكر فيه نصا، كما نبين إن شاء الله تعالى، فلم يروه حجة فيما فيه، واحتجوا به فيما ليس فيه! وهذا عجب جدا؟ * قال علي: وهذا مما تركوا فيه السنة والقياس وهم يدعون أنهم أصحاب قياس؟ فهلا قالوا: كما لا يقوم إلى الركعة الثالثة إلا من قعود فكذلك لا يقوم إلى الثانية والرابعة إلا من قعود، ولكنهم لا السنن يتبعون، ولا القياس يحسنون وبالله تعالى التوفيق * 455 مسألة ففى الصلاة أربع جلسات: جلسة بين كل سجدتين، وجلسة اثر السجدة الثانية من كل ركعة وجلسة للتشهد بعد الركعة الثانية، يقوم منها إلى الثالثة في المغرب، والحاضر في الظهر والعصر والعشاء الآخرة، وجلسة للتشهد في آخر كل صلاة، يسلم في آخرها.
وصفة جميع الجلوس المذكور أن يجعل أليته اليسرى على باطن قدمه اليسرى مفترشا لقدمه، وينصب قدمه اليمنى، رافعا لعقبها، مجلسا لها على باطن أصابعها، الا
الجلوس الذي يلى السلام من كل صلاة، فان صفته أن يفضى بمقاعده إلى ما هو جالس عليه، ولا يقعد على باطن قدمه فقط * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا بشر ابن المفضل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: (قلت لانظرن إلى
__________
(1) في النسخة رقم (45) (وأنه)(4/125)
صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلى فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فكبر فرفع يديه حتى حاذتا بأذنيه (1)، ثم أخذ شماله بيمنيه، فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك، ثم جلس فافترش رجله اليسرى) وذكر باقى الحديث * فهذا عموم لكل جلوس في الصلاة * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد البلخي ثنا محمد بن يوسف الفربري ثنا البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث هو ابن سعد عن يزيد بن أبي حبيب ويزيد ابن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء: (أنه كان جالسا في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل باطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الاخرى وقعد على مقعدته (2) * قال البخاري: سمع الليث يزيد بن أبي حبيب، وسمع يزيد بن حلحلة (3) وابن
__________
(1) كذا في الاصلين، وفى أبى داود (أذنيه بحذف الباء (ج 1 ص 264) (2) الحديث
رواه أيضا أبو داود (ج 1 ص 266) والبيهقي (ج 2 ص 84 - 97 - 102) مختصرا ومطولا كلهم من طريق محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء.
ورواه أيضا الدارمي (ص 163) واحمد (ج 5 ص 424) وأبو داود (ج 1 ص 265) والبيهقي (ج 2 ص 72) والترمذي (ج 1 ص 62) وابن ماجه (ج 1 ص 169) وابن الجارود (ص 101) كلهم من طريق عبد الحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء، وروى البيهقى قطعا منه في مواضع متعددة بأسانيد مختلفة وكذلك النسائي (ج 1 ص 159 و 169 و 186) وكذلك ابن ماجه (ص 146) واطال الكلام عليه الطحاوي (ج 1 ص 152 و 154) وانظر فتح الباري (ج 2 ص 207 - 209) وتحقيق الكلام فيه يطول أمره وقد أشرنا لك إلى مواضعه ولله الحمد (3) في البخاري (ج 2 ص 11 و 12) ويزيد عن محمد بن حلحلة *(4/126)
حلحلة من ابن عطاء * وروينا من طريق عبد الرزاق عن عطاء ونافع مولى ابن عمر كلاهما عن ابن عمر: أنه كان يجلس في مثنى فيجلس على يسرى رجليه، يتبطنها جالسا عليها، ويقعى على أصابع يمناه ثانيها وراءه * وهو قول الشافعي وأبي سليمان * وقال أبو حنيفة: الجلوس كله لا نحاش شيئا مفترشا بأليته اليسرى باطن قدمه اليسرى * وقال مالك: الجلوس كله لا نحاش شيئا مفضيا بمقاعده إلى الارض * قال علي وكلا القولين خطأ وخلاف للسنة الثابتة التي أوردنا * ومن العجب احتجاج الطائفتين كلتيهما بحديث أبى حميد المذكور في اسقاط الجلسة اثر السجدة الثانية من الركعة الاولى والثالثة، وليس فيه ذكر لها أصلا لا باثبات ولا باسقاط، ثم يخالفون حديث أبي حميد في نص ما فيه من صفة الجلوس.
وهذا غريب جدا! * واعترض بعض المعترضين بالباطل على حديث أبي حميد هذا بأن العطاف بن خالد
رواه عن محمد بن عمرو بن عطاء عن رجل عن أبى حميد، وأن محمد بن عمرو بن عطاء روى هذا الحديث أيضا عن عباس بن سهل الساعدي عن أبيه، وليس فيه هذا التقسيم (1) * قال علي: هذا اعتراض من لا يتقى الله، لان عطاف بن خالد ساقط، لا تحل الرواية عنه الا على بيان ضعفه، فلا يجوز أن يحتج به على رواية الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو عن ابن عطاء: أنه شهد الامر (2) * وأما رواية محمد بن عمرو عن عباس بن سهل فهذا خطأ ممن قال ذلك (3)، انما
__________
(1) الذى اعترض بهذين هو الطحاوي (2) عطاف - بتشديد الطاء المهملة - والحق أنه ليس ضعيفا إلى الحد الذى قاله ابن حزم، بل هو ثقة يخطئ، وروى أحاديث لم يتابع عليها، قال ابن حبان.
(يروى عن الثقات ما لا يشبه حديثهم، لا يجوز الاحتجاج به الا فيما يوافق فيه الثقات) وهذا اعدل ما قيل فيه، فلا حجة في روايته على رواية الليث وقد رواه ايضا ابن لهيعة كرواية الليث (عند البيهقى ج 2 ص 102 والطحاوى ج 1 ص 152 وابى داود ج 1 ص 266 وابن لهيعة ثقة يحتج به إذا كان الراوى عنه ثقة، خلافا لمن ضعفه * (3) في النسخة رقم (45) (فقد اخطأ من قال ذلك)(4/127)
رواه عيسى بن عبد الله بن مالك عن عباس بن سهل أو عياش هكذا بالشك (1).
ورواه أيضا فليح بن سليمان عن عباس بن سهل وهاتان الروايتان أيضا على علاتهما موافقتان لرواية أبي حميد.
* وقال بعض القائلين: إن بعض الرواة روى حديث محمد بن عمرو عطاء (2) عن أبي حميد فذكر فيه.
أن أبا قتادة شهد المجلس، وأبو قتادة قتل مع على، ولم يدركه محمد بن عمرو (3) * قال علي: والذي ذكر عن أبي قتادة انه قتل مع على من احاديث السمريين والروافض، ولا يصح ذلك، ولا يعترض بمثل هذا على رواية الثقات (4) * وأيضا: فانما ذكر أبا قتادة عبد الحميد بن جعفر، ولعله وهم فيه.
فبطل ما شغبوا به.
وبالله تعالى التوفيق * 456 مسألة وفرض على كل مصل ان يضع إذا سجد يديه على الارض قبل ركبتيه ولا بد * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ثنا محمد بن بكر البصري ثنا
__________
(1) هو بالشك عند الطحاوي (ج 1 ص 153) والبيهقي (ج 2: ص 101) من طريق (عيسى بن عبد الله بن مالك عن محمد بن عمرو بن عطاء أحد بنى مالك عن عياش أو عباس) وعند البيهقى (ج 2 ص 118) (عن عباس) بغير شك، ومن هذا يعلم ان في الاصلين هنا خطأ، إذ حذف من الاسناد عن محمد بن عمرو بن عطاء) والحق ان هذا الشك خطأ من بعض الرواة، وانه (عباس) بالموحدة وهو تابعي ثقة، وذكره ابن سعد معرفا، بالالف واللام (العباس) مرارا (ج 5 ص 200) وذكر انه كان ابن خمسة عشر سنة حين مقتل عثمان (تنبيه) وقع في الطحاوي (عيسى بن عبد الرحمن بن مالك) وهو خطأ، صوابه (عيسى ابن عبد الله) ووقع في البيهقى (ج 2 ص 101) (اخبرني مالك) بدلا من (احد بنى مالك) وهو خطأ وتصحيف (2) في الاصلين (عمرو بن محمد بن عطاء) وهو خطأ ظاهر (3) الذى اعترض بهذا هو الطحاوي ايضا (4) بعد ان ذكر ابن سعد قول من زعم انه مات بالكوفة في زمن على.
(وأما محمد بن عمر - يعنى الواقدي - فأنكر ذلك، وقال.
حدثنى يحيى بن عبد الله بن ابى قتادة ان ابا قتادة توفى بالمدينة سنة اربع وخمسين وهو ابن سبعين سنة) (ج 6 ص 8 و 9) وآل الرجل وابناؤه أعلم بتاريخ موته ومكانه *(4/128)
ابو داود ثنا سعيد بن منصور ثنا عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عن ابى الزناد عن الاعرج عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(إذا سجد احدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) (1) *
فان ذكر ذاكر ما حدثناه حمام بن احمد ثنا عباس بن اصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن ايمن ثنا احمد بن زهير بن حرب ثنا العلاء بن اسماعيل ثنا حفص بن غياث عن عاصم الاحول عن انس بن مالك قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة فإذا انحط للسجود (2) سبقت ركبتاه يديه) (3) *
__________
(1) رواه أبو داود (ج 1 ص 311) ورواه الدارمي (ص 157) والترمذي (ج 1 ص 56) والنسائي (ج 1 ص 165) والبيهقي (چ 2 ص 99)، وهذا اسناد صحيحح، محمد بن عبد الله ابن الحسن هو النفس الزكية وهو ثقة، وقد أعل البخاري الحديث بأنه لا يدرى هل سمع محمد من ابى الزناد أو لا؟ وهذه ليست علة، وشرط البخاري معروف لم يتابعه عليه احد، وابو الزناد مات سنة 130 بالمدينة ومحمد مدنى ايضا غلب على المدينة ثم قتل في سنة 145 وعمره 53 سنة.
فقد ادرك ابا الزناد طويلا.
وقد روى الحاكم (ج 1 ص 266) والبيهقي (ج 2 ص 100) من حديث الدراوردى عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: (انه كان يضع يديه قبل ركبتيه، وقال.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك) وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ونسبه الشوكاني (ج 2 ص 284) ايضا إلى الدارقطني وصحيح ابن خزيمة، وروى الطحاوي الحديثين.
حديث ابى هريرة وحديث ابن عمر (ج 1 ص 149) (2) في النسخة رقم (45) (في السجود) (3) رواه الحاكم (ج 1 ص 226) وعنه البيهقى (ج 2 ص 99) من طريق عباس الدوري عن العلاء بن اسماعيل العطار، وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وقال البيهقى.
(تفرد به العلاء بن اسمعيل) وقد اخطأ الحاكم في تصحيحه، فان العلاء هذا مجهول كما قال ابن القيم في زاد المعاد (ج 1 ص 58) ونقل ابن حجر في لسان الميزان عن أبى حاتم انه انكر هذا الحديث وحكى عن الدارقطني انه اخرجه وقال: ان العلاء تفرد به، ثم قال ابن حجر: (وخالفه عمر بن حفص بن غياث وهو من أثبت الناس في ابيه عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمة وغيره عن عمر موقوفا عليه، وهذا هو المحفوظ والله اعلم) *(4/129)
قلنا هذا لا حجة فيه لوجهين * أحدهما.
انه ليس في حديث انس انه عليه السلام كان يضع ركبتيه قبل يديه، وإنما فيه سبق الركبتين اليدين فقط، وقد يمكن ان يكون هذا السبق في حركتهما لا في وضعهما فيتفق الخبران * والثاني.
انه لو كان فيه بيان وضع الركبتين قبل اليدين، لكان ذلك موافقا لمعهود الاصل في اباحة كل ذلك، ولكان خبر أبي هريرة واردا بشرع زائد رافع للاباحة السالفة بلا شك، ناهية عنها يقين، ولا يحل ترك اليقين لظن كاذب.
وبالله تعالى التوفيق * وركبتا البعير هي في ذراعيه * 457 مسألة ونستحب لكل مصل إماما كان أو مأموما أو منفردا، في فرض كان أو نافلة، رجلا كان أو امرأة: ان يسلم تسليمتين فقط: احداهما عن يمينه، والاخرى عن يساره، يقول في كلتيهما.
(السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) لا ينوى بشئ منهما سلاما على إنسان، لا على المأمومين ولا على من على يمينه، ولا ردا على الامام، ولا على من على يساره، لكن ينوى بالاولى وهى الفرض الخروج من الصلاة فقط، والثانية سنة حسنة، لا يأثم تاركها * أما وجوب فرض التسليمة الاولى فقد ذكرناه قبل، فأغنى عن إعادته * وأما التسليمة الثانية فان عبد الله بن ربيع التميمي حدثنا قال ثنا محمد بن معاوية المرواني ثنا أحمد ابن شعيب أنا محمد بن المثنى وإسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه قال اسحاق.
ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ويحيى بن آدم، وقال ابن المثنى.
ثنا معاد بن معاذ العنبري، قال الفضل ويحيى ومعاذ.
ثنا زهير هو ابن معاوية عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن الاسود عن الاسود وعلقمة عن عبد الله بن مسعود قال.
(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض.
ورفع.
وقيام.
وقعود، ويسلم عن يمينه وعن شماله.
السلام عليكم ورحمة الله
السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خده، ورأيت ابا بكر وعمر يفعلانه) * (1) ورويناه أيضا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي اسحاق السبيعي عن أبى الاحوص عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك * (2)
__________
(1) طريق محمد بن مثنى في النسائي (ج 1 ص 194) وأما طريق ابن راهويه فلم أجدها، ولعلها في موضع آخر خفى على أو لعلها في السنن الكبرى.
وفى النسائي بدل (يفعلانه) (يفعلان ذلك) (2) رواية الثوري في النسائي (ج 1 ص 195).(4/130)
وعن عبد الرزاق عن معمر وسفيان الثوري كلاهما عن حماد بن أبي سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك * وعن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * وعن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان: قلت لابن عمر أخبرني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر: (السلام عليكم ورحمة الله، عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله، عن يساره) * (1) وعن اسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عمه عامر بن سعد بن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده) * (2) بأسانيد صحاح متواترة متظاهرة.
وهو فعل أبي بكر وعمر كما ذكرنا آنفا * وروينا من طريق حارثة بن مضرب (3): أن عمار بن ياسر كان يسلم عن يمينه (السلام عليكم ورحمة الله) وعن يساره (السلام عليكم ورحمة الله) * ومن طريق أبي وائل وأبي عبد الرحمن السلمي: أن على بن أبي طالب كان يسلم عن يمينه وعن شماله (السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) * وعن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار (4) قال: كان مسجد الانصار يسلمون
تسليمتين عن أيمانهم وعن شمائلهم، وكان مسجد المهاجرين يسلمون تسليمة واحدة * ومن طريق أبي عبد الرحمن السلمي.
أن ابن مسعود كان يسلم من الصلاة تسليمتين * قال على بن أحمد.
أبو بكر وعمر وعلى وعمار وابن مسعود من أكابر المهاجرين، وهو فعل أبى عبيدة بن عبد الله، وخيثمة، والاسود وعلقمة وعبد الرحمن بن أبى ليلى، ومن أدركوا من الصحابة، وبه يقول ابراهيم النخعي وحماد بن سلمة وأبو حنيفة وسفيان والحسن بن حيى والشافعي وأحمد وداود وجمهور أصحاب الحديث * وقال مالك.
يسلم الامام والفذ تسليمة واحدة، ويسلم المأموم الذي ليس على يساره
__________
(1) في النسائي (ج 1 ص 194 و 195) (2) في مسلم (ج 1 ص 162) والنسائي (ج 1 ص 194) (3) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة، وحارثة تابعي ثقة (4) عمار تابعي ثقة *(4/131)
أحد تسليمتين، احداهما رد على الامام، ويسلم المأموم الذي على يساره غيره ثلاث تسليمات، الثالثة رد على الذي عن يساره * قال علي: أما تسليمة واحدة فلا يصح فيها شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم، لان الاخبار في ذلك انما هي من طريق محمد بن المفرج (1) عن محمد بن يونس وكلاهما مجهول أو مرسل من طريق الحسن (2) أو من طريق زهير بن محمد، وهو ضعيف (3) أو من طريق ابن لهيعة، وهو ساقط وروى من طريق أبي المصعب عن الدراوردي من طريق سعد بن أبي وقاص، (4) والثابت عن سعد تسليمتان كما ذكرنا، فهى زيادة عدل ثم لو صحت لكان من روى تسليمتين قد زاد حكما وعلما على من لم يرو إلا واحدة، وزيادة العدل لا يجوز تركها، وهى زيادة خير * وانما لم نقل بوجوب التسليمتين جميعا فرضا كما قال الحسن بن حى.
فلان الثانية إنما هي فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليست أمرا منه عليه السلام، وإنما يجب أمره لا فعله *
__________
(1) هكذا في النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (45) (محمد بن الفرج) ولم أعرفه ولم أجد له ولا لشيخه الذى ذكره هنا (محمد بن يونس) ترجمة، ولم أجد حديثا في التسليمة الواحدة من طريقهما فالله أعلم بما يريده المؤلف (2) مرسل الحسن نسبه الشوكاني لابن ابى شيبة (3) رواية زهير في المستدرك (ج 1 ص 230 و 231) والبيهقي (ج 2 ص 179) عن زهير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا، وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وروى البيهقى من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد (ثنا عبيدالله بن عمر عن القاسم عن عائشة أنها كانت تسلم في الصلاة تسليمة واحدة قبل وجهها.
السلام عليكم) ثم قال البيهقى (تابعه وهيب ويحيى بن سعيد عن عبيدالله عن القاسم، وقال الدراوردى عن عبيد الله عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، والعدد أولى بالحفظ من الواحد) فهذا يؤيد صحة حديث عائشة الذى رواه زهير، وزهير ثقة أخرج له الشيخان (4) رواية ابن لهيعة وحديث سعد لم أجدهما.
وقد تكلم الشوكاني على أحاديث التسليمة الواحدة طويلا (ج 2 ص 341 - 343) وقال.
(وبما ذكرنا نعرف عدم صحة قول العقيلى ولا يصح في تسليمة واحدة شئ، وكذا قول ابن القيم انه لم يثبت عنه ذلك من وجه صحيح) وهو حق.
وقال البيهقى.
(وروى عن جماعة من الصحابة أنهم سلموا تسليمة واحدة وهو من الاختلاف المباح والاقتصار على الجائز) *(4/132)
وتفريق مالك بين سلام المأموم والامام والمنفرد.
قول لا برهان له عليه، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ولا قول لصاحب ولا قياس * وإنما قلنا.
ان التسليم خروج عن الصلاة فقط، لا يجوز أن يكون ابتداء سلام ولا ردا.
لبرهانين * أحدهما الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق ابن مسعود (ان الله أحدث من أمره أن لا تكلموا في الصلاة) وانه عليه السلام قال.
(ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس) من طريق معاوية بن الحكم، والتسليم المقصود به الابتداء أو
الرد كلام مع الناس، وهذا منسوخ لا يحل، بل تبطل به الصلاة ان وقع * والثاني: أنهم مجمعون معنا على أن الفذ يقول (السلام عليكم وليس بحضرته انسان يسلم عليه، وكذلك الامام لا يكون معه الا الواحد فانه يقول (السلام عليكم) بخطاب الجماعة.
فصح انه ليس ابتداء سلام على انسان ولا ردا * فان ذكر ذاكر ما رويناه من طريق مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله وسلم فقال: مالى أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟.
اسكنوا في الصلاة) * وبه إلى مسلم: ثنا أبو كريب ثنا ابن أبي زائدة عن مسعر ثنا عبيد الله ابن القبطية عن جابر بن سمرة قال: (كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانيين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علام تومؤن بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله (1) * قال علي: لا حجة في هذا لمن ذهب إلى تسليمة واحدة لان فيه تسليمتين كما ترى * وأما من تعلق به في أن السلام من الصلاة ابتداء سلام على من معه، فان هذا بلا شك كان ثم نسخ، لان نص الخبر أنهم كانوا يفعلون ذلك في الصلاة، فأمروا بالسكون فيها،
__________
* (1) هذا والذى قبله في صحيح مسلم (ج 1 ص 127).
والشمس بضم الشين المعجمة واسكان الميم وآخره سين مهملة - جمع شموس، وهو النفور من الدواب الذى لا يستقر لشغبه وحدته *(4/133)
وأن هذا كان إذ كان الكلام في الصلاة مباحا ثم نسخ، وليس فيه أن المراد بذلك التسليم، الذي هو التحليل من الصلاة، فبطل تعلقهم به.
وبالله تعالى التوفيق *
458 مسألة ونستحب إذا أكمل التشهد في كلتى الجلستين أن يصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: (اللهم صل على محمد وآل محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم في العالمين إنك حميد مجيد) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن سلمة عن ابن القاسم حدثني مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أن محمد بن عبد لله بن زيد الانصاري - وعبد الله بن زيد هو الذي أرى النداء للصلاة (1) أخبره عن أبي مسعود الانصاري (2) قال (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلى عليك يارسول الله، فكيف نصلى عليك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم (3) في العالمين انك حميد مجيد * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا اسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه ثنا
__________
(1) في النسائي (ج 1 ص 189) (بالصلاة) وهذه الجملة ليست في الموطأ (ص 58) (2) ما هنا هو الذى في النسخة رقم (45) وهو الموافق للنسائي والموطأ، وفى النسخة رقم (16) (عن ابى مسعود البدرى) وهو البدرى الانصاري (3) في الموطأ (كما صليت على ابراهيم) و (كما باركت على آل ابراهيم) وفى النسائي باثبات (آل) فيهما، قال الزرقاني (ج 1 ص 299): (وفى رواية بدون لفظ آل في الموضعين، فقيل هي مقحمة في الحديث الاول فيهما ورده الحافظ بأن ذكر محمد وابراهيم وذكر آل محمد وآل ابراهيم ثابتة في اصل الخبر وانما حفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر) وهى ثابتة في الموضعين في صحيح مسلم
من طريق مالك (ج 1 ص 119 و 120) *(4/134)
روح عن مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرو بن سليم انا (1) أبو حميد الساعدي: (أنهم قالوا: يارسول الله كيف نصلى عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل ابراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل ابراهيم (2) انك حميد مجيد) * وبه إلى مسلم: ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة قال: سمعت ابن أبي ليلى هو عبد الرحمن قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدى لك هدية؟ (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلى عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل ابراهيم، انك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل ابراهيم، انك حميد مجيد (3) * قال علي: جمعنا قبل جميع ألفاظه عليه السلام في هذه الاحاديث * وان اقتصر المصلى على بعض ما في هذه الاخبار اجزأه، وان لم يفعل أصلا كرهنا ذلك وصلاته تامة * إلا ان فرضا عليه ولا بد أن يقول ما في خبر من هذه الاخبار ولو مرة واحدة في دهره، لامره عليه السلام بأن يقال ذلك، ولقول الله تعالى: (ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
والمرء إذا فعل ما أمر به مرة فقد أدى ما عليه، إلا أن يأتي الامر بترديد (4) ذلك مقادير معلومة، أو في أوقات معلومة، فيكون ذلك لازما.
ومن قال: إن تكرار ما أمر به يلزم: كان كلامه باطلا، لانه يكلف من ذلك ما لا حد له، ولو كان ذلك لازما لادى إلى بطلان كل شغل، وبطلان سائر الاوامر، وهذا هو الاصر والحرج اللذان قد آمننا الله تعالى منهما *
وإنما كرهنا تركه لانه فضل عظيم لا يزهد فيه إلا محروم.
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشرا *
__________
(1) في الموطأ (ص 58) ومسلم (ج 1 ص 120) (اخبرني) (2) في الموطأ بحذف كلمة (آل) في الصلاة واثباتها في التبريك، وفى مسلم باثباتها فيهما (3) في مسلم (ج 1 ص 120) (4) في النسخة رقم (45) (بترداد) وكل صحيح، يقال: ردده ترديدا وتردادا *(4/135)
وقال الشافعي: من لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته بطلت صلاته، واحتج بأن التسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض، وهو في التشهد فرض، قال: وقد روى عبد الرحمن بن بشر عن أبي مسعود: (قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أمرنا أن نصلى عليك وأن نسلم، فأما السلام فقد عرفناه، فكيف نصلى عليك؟ فعلمهم عليه السلام بعض ما ذكرنا قبل).
وفي بعض ما ذكرنا: أنه عليه السلام قال لهم: (والسلام كما علمتم) قالوا: فالصلاة فرض حيث السلام * قال علي: لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الصلاة حيث يكون السلام: لكان ما قالوه، لكن لما لم يقله عليه السلام لم يكن ذلك، ولم يجز أن نحكم بما لم يقل عليه السلام، فيكون فاعل ذلك مقولا له عليه السلام ما لم يقل، وشارعا ما لم يأذن به الله تعالى (1) * قال علي: ولقد كان يلزم من قال: إن الصيام فرض في الاعتكاف من أجل أن الله تعالى ذكر الاعتكاف مع ذكره للصوم: أن يجعل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل صلاة فرضا، لان الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ذكرا (2)
__________
(1) المطلع على ألفاظ سؤال الصحابة للنبى صلى الله عليه وسلم عن صفة الصلاة عليه يوقن أنهم فهموا أن الامر بالسلام والصلاة عليه انما هو في الصلاة، وفى بعض ألفاظ حديث أبى مسعود قال بشير بن سعد (قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلى عليك إذا نحن
صلينا عليك في صلاتنا) نسبه ابن حجر في التلخيص (ص 101) إلى ابن خزيمة وابن حبان والدار قطني والحاكم.
وهو في المستدرك (ج 1 ص 268) وقد أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الفهم، فكانت الآية مفسرة بأن الامر بالصلاة والسلام عليه انما هو في الصلاة فالسلام علمهم اياه في التشهد ثم سألوا عن الصلاة وتعلموها، وهذا واضح.
ولذلك قال الشافعي في الام (ج 1 ص 102): (فلما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم التشهد في الصلاة، وروى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة -: لم يجز والله تعالى أعلم ان نقول: التشهد واجب والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم غير واجبة، والخبر فيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم زيادة فرض القرآن) (2) في الاصلين (ذكر) بالافراد وليس بشئ *(4/136)
الصلاة عليه مع التسليم عليه * فان ذكر ذاكر حديث ابن وهب عن أبي هاني (1) أن أبا على الجنبي (2) حدثه أنه سمع فضالة بن عبيد يقول: (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله (3) ولم يصل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجلت أيها المصلى، ثم علمهم (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع (5) رجلا يصلى فمجد الله تعالى وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع تجب، وسل تعط) (6) * قال علي: ليس في هذا إيجاب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة، ولو كان ذلك لما قال له (عجلت) فليس من عجل في صلاته بمبطل لها، بل كان يقول له: ارجع فصل فانك لم تصل، لكن في هذا الخبر استحباب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة وغيرها فقط * فان ذكروا حديث كعب بن عجرة الذي فيه: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعترض
له جبريل، فقال له.
بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقال عليه السلام.
آمين) * قال علي.
هذا خبر لا يصح، لان راويه أبو بكر بن أبي أويس، وقد غمز غمزا شديدا، (7)
__________
(1) أبو هانئ اسمه حميد بن هانئ الخولانى مات سنة 142 وهو اكبر شيخ لابن وهب.
(2) بفتح الجيم واسكان النون بعدها باء موحدة، نسبة إلى قبيلة تسمى بذلك وابو علي اسمه عمرو بن مالك الهمداني المصرى (3) في الاصلين لم يذكر لفظ الجلالة، والتصحيح من النسائي (ج 1 ص 189) (4) في الاصلين (علمهن) والتصحيح من النسائي * (5) في النسائي (وسمع) (6) هذا اللفظ الذى هنا لفظ النسائي، وقد رواه عن محمد بن سلمة عن ابن وهب، ورواه ايضا بمعناه الترمذي (ج 2 ص 260) من طريق رشدين بن سعد عن أبى هانئ الخولانى.
ورواه أيضا الحاكم (ج 1 ص 230 - 268) والترمذي واحمد (ج 6 ص 18) والبيهقي (ج 2 ص 147) كلهم من طريق حيوة بن شريح عن أبى هانئ، وصححه الترمذي والحاكم.
ونسبه الشوكاني ايضا (ج 2 ص 326) إلى أبى داود وابن خزيمة وابن حبان (7) أبو بكر بن أبى أويس اسمه عبد الحميد بن عبد الله، وهو ثقة روى له الشيخان وغيرهما والغمز هو قول الازدي (كان يضع الحديث) قال الذهبي (وهذا منه زلة قبيحة)(4/137)
عن محمد بن هلال، وهو مجهول، عن سعد بن اسحاق، وهو مضطرب في اسمه غير مشهور الحال (1) * ولو صح: لكان فيه ايجاب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا متى ذكر في صلاة أو غيرها، ولم يكن فيه تخصيص ما بعد التشهد في الصلاة بذلك * وقد ذكر بعضهم ما يوافق قولهم عن أبي حميد وأبي أسيد * قال على: هذا لازم لمن رأى تقليد الصاحب، لا لنا.
وبالله تعالى التوفيق * 459 مسألة والقنوت فعل حسن، وهو بعد الرفع من الركوع في آخر ركعة من كل صلاة فرض، الصبح وغير الصبح، وفى الوتر، فمن تركه فلا شئ عليه في ذلك *
وهو أن يقول بعد قوله.
(ربنا ولك الحمد) (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولنى فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقنى شر ما قضيت، إنك تقضى ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت) ويدعو لمن شاء، ويسميهم بأسمائهم ان أحب.
فان قال ذلك قبل الركوع لم تبطل صلاته بذلك، وأما السنة فالذي ذكرنا * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عبيدالله بن سعيد عن عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري وشعبة قالا ثنا عمرو بن مرة بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب) * (2) حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن محمد البرتي
__________
وقال ابن حجر: (ما أظنه ظن إلا أنه غيره) فليس قول الازدي هنا بقادح فيه.
(1) محمد بن هلال ثقة وكذلك سعد بن اسحق، ولم أجد في اسمه اضطرابا، وقد سبق أن ضعف المؤلف هذا الحديث في المسألة (374 ج 3 ص 273) ورددنا عليه هناك من غير ان نعرف لفظ الحديث، وقد نسبه الشوكاني للطبراني ونقل عن الحافظ العراقى أنه وثق رجاله (ج 2 ص 323) * (2) في النسائي (ج 1 ص 164) ورواه الطيالسي (ص 100 رقم 737) عن شعبة، ورواه الدارمي (ص 198) ولم يذكر فيه المغرب، ورواه ايضا مسلم (ج 1 ص 188) والترمذي وصححه (ج 1 ص 81) والطحاوى (ج 1 ص 142) وأبو داود (ج 1 ص 540 و 541) والبيهقي (ج 2 ص 198) *(4/138)
القاضي ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث هو ابن سعيد التنوزي عن هشام بن أبي عبد الله الدستوائى عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال: (- والله اني لاقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم (1) فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر، وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الصبح،
بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار، وقال أبو هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة من صلاة العشاء (2): قنت فقال: اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم نج عياش بن أبي ربيعة، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين * (3) حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أبو عبد الله الكابلي (4) ثنا ابراهيم بن موسى الرازي نا محمد بن أنس عن أبى الجهم (5) عن البراء ابن عازب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلى صلاة الا قنت فيها) * (6)
__________
(1) هكذا هنا وهو صحيح، وهو في بعض ألفاظ الحديث كرواية البيهقى، وفى بعضها (لاقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) (2) في النسخة رقم (45) (من العشاء الآخرة) وهو يوافق بعض الفاظ الحديث (3) هذا الحديث مروى في كتب السنة على أنه حديثان، كل قسم من قسميه حديث، وألفاظه كثيرة يطول بنا الكلام ان ذكرناها تفصيلا، فارجع إليها في صحيح البخاري (ج 1 ص 316 - 318 - 319 وج 2 ص 74 وج 4 ص 116 - 295 وج 6 ص 78 و 96 وج 8 ص 81 و 150 و 151 وج 9 ص 35) وصحيح مسلم (ج 1 ص 187) وأبى داود (ج 1 ص 540) والنسائي (ج 1 ص 164) والطحاوى (ج 1 ص 142) والبيهقي (ج 2 ص 197 و 198 و 206 و 207) (4) بضم الباء وباللام نسبة إلى (كابل) بلاد في الهند.
وابو عبد الله هذا اسمه (محمد بن العباس بن الحسن بن ماهان) وله ترجمة في الانساب في (ورقة 469) ووقع فيه اسم أبيه (الحسن) وهو خطأ، وله ترجمة ايضا في لسان الميزان (ج 5 ص 215) ووقع فيه نسبته (الكاهلى) وهو خطأ.
أيضا مات ببغداد سنة 277، وهو ثقة وثقه الدارقطني (5) أبو الجهم إسمه (سليمان بن الجهم بن أبى الجهم الانصاري) وهو مولى البراء.
(6) رواه البيهقى (ج 2 ص 198) من طريق أبى حاتم الرازي (ثنا ابراهيم بن موسى ثنا محمد يعنى عن مطرف(4/139)
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا قتيبة بن سعيد ثنا حماد - هو ابن زيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين: (أن أنس بن مالك سئل: هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (في صلاة الصبح)؟ (1) قال: نعم، قيل له: قبل الركوع أو بعده؟ قال: بعد الركوع) (2) * قال علي: فهذا كله نص قولنا.
ولله الحمد * فان قيل: فقد روى عن أنس: أنه سئل عن القنوت: أقبل الركوع أم بعده؟ فقال: قبل الركوع (3) *
__________
عن أبى الجهم عن البراء) وزيادة مطرف في الاسناد ضرورية، لان محمد بن أنس القرشى لم يرو عن ابى الجهم مباشرة وانما روى عن مطرف بن طريف عن أبى الجهم، فلعل اسم (مطرف) سقط خطأ من الناسخين.
ويؤيد هذا ان الحازمى رواه في الناسخ والمنسوخ (ص 86) من طريق الطبراني عن يعقوب بن إسحق المخرمى عن على بن بحر عن محمد بن أنس عن مطرف عن أبى الجهم، ثم قال: (قال سليمان - يعنى الطبراني - لم يروه عن مطرف الا محمد بن أنس) (1) قوله (في صلاة الصبح) سقط من الاصلين وزدناه من النسائي (ج 1 ص 163) (2) رواه ايضا البخاري (ج 2 ص 72 و 73) ومسلم (ج 1 ص 188) والدارمى (ص 198) وأبو داود (ج 1 ص 541) والطحاوى (ج 1 ص 143) والبيهقي (ج 2 ص 206) ولفظه عندهم كلهم (بعد الركوع يسيرا.
(3) هذه الرواية عن أنس رواها البخاري (ج 2 ص 73) ومسلم (ج 1 ص 188) والدارمى (ص 198) والمروزي في كتاب الوتر (ص 133) والطحاوى (ج 1 ص 143) والبيهقي (ج 2 ص 207)، ولفظ البخاري من رواية عاصم قال.
(سألت أنس بن مالك عن القنوت؟ فقال.
قد كان القنوت، قلت قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله، قال فان فلانا أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع! فقال كذب! انما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا، أراه كان بعث قوما يقال لهم القراء زهاء سبعين رجلا إلى قوم من المشركين دون اولئك، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فقنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو عليهم) وقد اختلفت الرواية عن أنس كما ترى، وأكثر الرواة عنه يقولون بعد الركوع وكذلك أكثر الروايات عن غيره من الصحابة فهى أرجح، ولعل لانس عذرا أو لعله نسى والله أعلم.
ويؤيد هذا ما روى المروزى في الوتر (ص 133)(4/140)
قلنا: إنما أخبر بذلك أنس عن أمراء عصره، لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما سئل عن بعض أمور الحج فأخبر بفعل النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: افعل كما يفعل أمراؤك.
وهذا من أنس إما تقية، وإما رأى منه، ولا حجة في أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم * وأما عمن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فروينا عن يحيى بن سعيد القطان: ثنا العوام ابن حمزة قال.
سألت أبا عثمان النهدي عن القنوت في الصبح؟ فقال: بعد الركوع، فقلت: عمن؟ قال: عن أبي بكر وعمر وعثمان (1) * وروى أيضا شعبة عن عاصم الاحول عن أبي عثمان النهدي.
أن عمر بن الخطاب كان يقنت بعد الركوع، (2) وقد شاهد أبو عثمان النهدي أبا بكر وعمر وعثمان * ومن طريق البخاري عن مسدد عن اسماعيل بن علية أنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس قال: كان القنوت في المغرب والفجر (3) *
__________
(حدثنا محمد بن يحيى ثنا ابراهيم بن حمزة ثنا عبد العزيز بن محمد عن حميد عن أنس قال.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت بعد الركعة وأبو بكر وعمر، حتى كان عثمان قنت قبل الركعة ليدرك الناس (واسناده جيد كما قال الحافظ العراقى، وروى البيهقى (ج 2 ص 208) من طريق سفيان عن عاصم عن أنس قال.
(انما قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهرا، فقلت.
كيف القنوت؟ قال.
بعد الركوع) قال البيهقى.
(فهو ذا قد أخبر أن القنوت المطلق بعد الركوع، وقوله.
انما قنت شهرا، يريد به اللعن، ورواة القنوت بعد الركوع أكثر وأحفظ فهو أولى) * (1) رواه المروزى في الوتر واختصره المقريزى فلم يذكر اسناده،
وروى البيهقى نحوه (ج 2 ص 208) عن حماد بن زيد عن العوام ولم يذكر فيه عثمان بن عفان ثم قال البيهقى (ورويناه عن يحيى بن سعيد القطان عن العوام بن حمزة بزيادة عثمان بن عفان رضى الله عنه) والعوام بن حمزة - بفتح العين المهملة وتشديد الواو - ثقة، واستنكر أحمد منه ثلاثة أحاديث، ووثقه ابن راهويه وأبو داود وغيرهما ورواه أيضا البيهقى عن يحيى بن سعيد عن العوام (ج 2 ص 202) (2) رواه البيهقى من طريق عفان بن مسلم (ثنا شعبة عن عاصم الاحول وسليمان التيمى وعن بن زيد: اخبرني كل هؤلاء انه سمع أبا عثمان يحدث عن عمر انه كان يقنت بعد الركوع) وهذا من اصح الاسانيد على الاطلاق (3) في البخاري (ج 2 ص 73) *(4/141)
ومن طريق سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن معقل (1).
أن على ابن أبي طالب قنت في المغرب بعد الركعة فدعا على أناس (2) * وعن معمر عن أيوب عن ابن سيرين.
أن أبي بن كعب قنت في الوتر بعد الركوع * وروينا أيضا عن علقمة والاسود أن معاوية كان يقنت في الصلاة * وروينا أيضا عن ابن عباس القنوت بعد الركوع * فهؤلآء أئمة الهدى، أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ومعاوية، ومعهم أبي وابن عباس * وذهب قوم إلى المنع من القنوت * كما روينا عن أبي مالك الاشجعى عن أبيه قال.
(صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقنت، وخلف ابى بكر فلم يقنت، وخلف عمر فلم يقنت، وخلف عثمان فلم يقنت، وخلف على فلم يقنت، يا بنى إنها بدعة (3) * وعن علقمة والاسود قالا: (4) صلى بنا عمر بن الخطاب زمانا فلم يقنت * وعن الاسود بن يزيد قال كان ابن مسعود لايقنت في صلاة الغداة * وعن سفيان عن منصور عن ابراهيم النخعي عن ابى الشعثاء قال سألت ابن عمر عن القنوت في الفجر؟ فقال: ما شعرت أن أحدا يفعله *
وعن مالك عن نافع: أن ابن عمر كان لا يقنت في الفجر * وروينا عن ابن عباس: أنه لم يقنت * وعن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح: قال سألت سالم بن عبد الله بن عمر: هل كان عمر بن الخطاب يقنت في الصبح؟ قال: لا، إنما هو شئ أحدثه الناس * وعن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: انه كان يقول من أين أخذ الناس القنوت؟! ويعجب إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما ثم ترك ذلك *
__________
(1) باسكان العين المهملة وكسر القاف.
(2) روى نحوه البيهقى (ج 2 ص 204) وقال (هذا عن على صحيح مشهور) (3) هذا لفظ النسائي (ج 1 ص 164) واختصره المؤلف قليلا، وابو مالك اسمه (سعد) (وابو طارق بن أشيم) بفتح الهمزة وإسكان الشين المعجمة وفتح الياء المثناة وآخره ميم.
والحديث رواه الطيالسي (ص 189 رقم 1328) واحمد (ج 3 ص 472 وج 6 ص 394) والترمذي وصححه (ج 1 ص 82) وابن ماجه (ج 1 ص 194) والطحاوى (ج 1 ص 146) والبيهقي (ج 2 ص 213) (4) في الاصلين (قال) بالافراد وهو خطأ(4/142)
قال علي: وكان يحيى بن يحيى الليثي وبقى بن مخلد لا يريان القنوت وعلى ذلك جرى أهل مسجديهما بقرطبة إلى الآن * قال على: اما الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر وعمر وعثمان وعلى وابن عباس رضى الله عنهم بأنهم لم يقنتوا فلا حجة في ذلك في النهى عن القنوت لانه قد صح عن جميعهم انهم قنتوا، وكل ذلك صحيح، قنتوا وتركوا، فكلا الامرين مباح، والقنوت ذكر لله تعالى، ففعله حسن، وتركه مباح، وليس فرضا، ولكنه فضل * وأما قول والد أبي مالك الاشجعي.
إنه بدعة.
فلم يعرفه، ومن عرفه أثبت فيه ممن لم يعرفه، والحجة فيمن علم لا فيمن لم يعلم (1) * واما ابن مسعود فلم يأت عنه أنه كرهه، ولا انه نهى عنه، وانما جاء انه كان لايقنت في الفجر
فقط، وهذا مباح، وقد قنت غيره من الصحابة رضى الله عنهم * وأما ابن عمر فلم يعرفه كما لم يعرف المسح، وليس ذلك بقادح في معرفة من عرفة * وأما الزهري فجهل القنوت ورآه منسوخا، كما صح عنه من تلك الطريق نفسها: أن كون زكاة البقر في كل ثلاثين تبيع وفي أربعين مسنة: منسوخ، وان زكاتها كزكاة الابل.
فان كان قول الزهري في نسخ القنوت حجة، فهو حجة في نسخ زكاة البقر في ثلاثين تبيع وفي أربعين مسنة، وان لم يكن هنالك حجة فليس هو ههنا حجة * والعجب من المالكيين المحتجين بقول ابن عمر إذا وافق تقليدهم! ثم سهل عليهم ههنا خلاف ابن عمر وخلاف سالم ابنه وخلاف الزهري، وهما عالما أهل المدينة! والعجب ممن يحتج في ترك القنوت بقول سالم.
احدثه الناس، وهو يرى حجة قول القائل، فعدل الناس مدين من بر بصاع من شعير في زكاة الفطر وهذا كله تحكم في الدين بالباطل! وقالوا: لو كان القنوت سنة ما خفى عن ابن مسعود ولا عن ابن عمر * فقلنا! قد خفى وضع الايدى على الركب في الركوع على ابن مسعود، فثبت على القول بالتطبيق إلى ان مات، وخفى على ابن عمر المسح على الخفين، ولم يروا ذلك حجة فما بال خفاء
__________
(1) قال البيهقى بعد حديث ابى مالك عن ابيه طارق.
(طارق بن اشيم الاشجعى لم يحفظه عمن صلى خلفه، فرآه محدثا، وقد حفظه غيره فالحكم له دونه) *(4/143)
القنوت عنهما صار حجة؟ (ان هذا لعجب وتلاعب بالدين، مع ان القنوت ممكن أن يخفى لانه سكوت متصل بالقيام (1) من الركوع، لا يعرفه إلا من سأل عنه، وليس فرضا فيعلمه الناس ولابد، فكيف وقد عرفه ابن عمر كما نذكر بعد هذا، ولم ينكر ابن مسعود؟ * وقال بعض الناس: الدليل على نسخ القنوت ما رويتموه من طريق معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن ابيه (انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه من صلاة
الصبح من الركعة الاخيرة (2) قال: اللهم العن فلانا وفلانا، دعا على ناس من المنافقين (3) فأنزل الله عز وجل (ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فانهم ظالمون) * (4) قال علي: هذا حجة في اثبات القنوت: لانه ليس فيه نهى عنه، فهذا حجة في بطلان قول من قال: إن ابن عمر جهل القنوت، ولعل ابن عمر إنما أنكر القنوت في الفجر قبل الركوع، فهو موضع إنكار، وتتفق الروايات عنه، فهو أولى، لئلا يجعل كلامه خلافا للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما في هذا الخبر اخبار الله تعالى بأن الامر له، لا لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأن أولئك الملعونين لعله تعالى يتوب عليهم، أو في سابق علمه أنهم سيؤمنون فقط * وذهب قوم إلى أن القنوت إنما يكون في حال المحاربة * واحتجوا بما رويناه من طريق ابن المجالد (5) عن أبيه عن ابراهيم النخعي عن
__________
(1) في النسخة رقم (45) (في القيام) (2) في النسخة رقم (45) الآخرة وهو موافق لما في النسائي (3) في النسائي (يدعو على أناس من المنافقين) (4) اللفظ الذى هنا أقرب إلى لفظ عبد الرزاق عن معمر، وقد رواه النسائي (ج 1 ص 164) عن ابن راهويه عن عبد الرزاق، ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ (ص 89) والواحدي في أسباب النزول (ص 90) والطحاوى (ج 1 ص 142) كلهم من طريق عبد الرزاق، عن معمر ورواه البخاري (ج 5 ص 223 وج 6 ص 78 وج 9 ص 191) من طريق عبد الله ابن المبارك عن معمر، وقد زعم بعض الكوفيين ان هذا يدل على نسخ القنوت في الصبح، وليس كما زعموا، قال النحاس: (فهذا اسناد مستقيم وليس فيه دليل على ناسخ ولا منسوخ، وانما نبهه الله على ان الامر إليه، ولو كان هذا ناسخا لما جاز ان يلعن المنافقون) * (5) في النسخة رقم (16) (أبى المجالد) ولا أعلم أيتها أصوب، وان كان المراد به اسمعيل(4/144)
علقمة، والاسود قالا: (ما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ من الصلوات، إلا
إذا حارب، فانه كان يقنت في الصلوات كلهن، ولا قنت أبو بكر ولا عمر ولا عثمان حتى ماتوا، ولا قنت على حتى حارب أهل الشأم، فكان يقنت في الصلوات كلهن، وكان معاوية يقنت أيضا، يدعو كل واحد منهما على صاحبه) * قال علي: هذا لا حجة فيه لانه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل، ولا حجة في مرسل، وفيه عن أبي بكر وعمر وعثمان.
أنهم لم يقنتوا، وقد صح عنهم بأثبت من هذا الطريق: أنهم كانوا يقنتون، والمثبت العالم أولى من النافي الذي لم يعلم، أو نقول: كلاهما صحيح، وكلاهما مباح، وفيه لو انسند اثبات القنوت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حال المحاربة في جميع الصلوات، وعن على ومعاوية كذلك، وليس فيه نهى في غير حال المحاربة، فهو حجة لنا لو ثبت ونحن غانون عنه بالثابت الذي ذكرنا قبل، ولله تعالى الحمد * وأما أبو حنيفة ومن قلده فقالوا: لايقنت في شئ من الصلوات كلها، إلا في الوتر، فانه يقنت فيه قبل الركوع السنة كلها، فمن ترك القنوت فيه فليسجد سجدتي السهو * وأما مالك والشافعي فانهما قالا: لايقنت في شئ من الصلوات المفروضة كلها إلا في الصبح خاصة.
وقال مالك: قبل الركوع، وقال الشافعي: بعد الركوع، وقال الشافعي:
__________
ابن مجالد بن سعيد فهو بعيد، لان النخعي مات سنة 96 ومجالد بن سعيد مات سنة 144، وما وجدت هذا الاثر، ويقرب من معناه ما نقل الزيلعى في نصب الراية (ج 1 ص 282).
(روى محمد بن الحسن في الآثار: اخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن ابى سليمان عن ابراهيم النخعي عن الاسود بن يزيد انه صحب عمر بن الخطاب سنين في السفر والحضر فلم يره قانتا في الفجر حتى فارقه، قال ابراهيم.
وأهل الكوفة انما أخذوا القنوت عن على، قنت يدعو على معاوية حين حاربه، واهل الشأم اخذوا القنوت عن معاوية، قنت يدعو على علي).
وما روى الطحاوي (ج 1 ص 147) من طريق ابى شهاب الخياط عن أبى حنيفة عن حماد عن ابراهيم عن الاسود قال (كان عمر إذا حارب قنت، وإذا لم يحارب لم يقنت) وما رواه ايضا (ج 1 ص 148) عن مغيرة عن ابراهيم قال.
(انما كان على يقنت فيها ههنا لانه كان محاربا فكان يدعو على
أعدائه في القنوت في الفجر والمغرب) *(4/145)
فان نزلت بالمسلمين نازلة قنت في جميع الصلوات، ولا يقنت في الوتر إلا في ليلة النصف من رمضان خاصة بعد الركوع * قال علي: أما قول أبي حنيفة: فما وجدناه كما هو عن أحد من الصحابة نعنى النهي عن القنوت في شئ من الصلوات حاشا الوتر فانه يقنت فيه، وعلى من تركه سجود السهو وكذلك قول مالك في تخصيصه الصبح خاصة بالقنوت ما وجدناه عن أحد من الصحابة، ولا عن أحد من التابعين، وكذلك تفريق الشافعي بين القنوت في الصبح وبين القنوت في سائر الصلوات * وهذا مما خالفوا فيه كل شئ روى في هذا الباب عن الصحابة رضى الله عنهم، مع تشنيعهم على من خالف بعض الرواية عن صاحب لسنة صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال علي: وقولنا هو قول سفيان الثوري * وروى عن ابن أبي ليلى: ما كنت لاصلى خلف من لا يقنت، وأنه كان يقنت في صلاة الصبح قبل الركوع * وعن الليث كراهة القنوت جملة * وروى عنه أيضا: أنه كان يقنت في صلاة الصبح * وعن أشهب ترك القنوت جملة * قال علي: وأما من رأى القنوت قبل الركوع فانهم ذكروا أثرا رويناه من طريق يزيد ابن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن ابن أبزى * قال علي: وعزرة ليس بالقوى (1) *
__________
(1) كذا في النسخة رقم (16) في الموضعين (عزرة) وفى النسخة رقم (45) (عدره)
بدون نقط وما أدرى ايتهما الصواب، ولعلهما مصحفان عن (عبدة) فقد روى الطحاوي (ج 1 ص 147) من طريق شعبة عن عبدة بن أبى لبابة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه (أن عمر قنت في صلاة الغداة قبل الركوع بالسورتين)، وروى نحوه البيهقى (ج 2 ص 211) من طريق الاوزاعي عن عبدة، وعبدة ثقة ولم ينفرد به، فقد روى الطحاوي أيضا نحوه من طريق شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس عن عمر، وروى(4/146)
وبأثر آخر في الوتر من حديث حفص بن غياث، قيل: إنه أخطأ فيه (1) وانما الثابت بعد الركوع كما ذكرنا * ومن قنت قبل الركوع فلم يأت بالمختار، ولم تبطل صلاته، لانه ذكر لله تعالى * وأما القنوت في الوتر فان عبد الله بن ربيع حدثنا قال عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن جواس (2) الحنفي قالا ثنا أبو الأحوص عن أبي اسحاق السبيعي عن بريد بن أبي مريم (3) عن ابى الحوراء (4) هو ربيعة بن شيبان السعدى قال: قال الحسن بن علي: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر قال ابن جواس في روايته: في قنوت الوتر، ثم اتفقا: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولنى فيمن توليت، وبارك لى فيما اعطيت، وقنى شر ما قضيت، انك تقضى ولا يقضى عليك، وانه لا يذل من واليت (5)، تباركت ربنا وتعاليت (6)
__________
نحوه ايضا بأسانيد أخرى.
ثم رأيت في النسائي (ج 1 ص 248) من طريق ابن ابى عروبة عن قتادة عن عزرة - بفتح العين المهملة والراء وبينهما زاى ساكنة - عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبى بن كعب، فذكر صفة وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فيه ذكر القنوت، ولكن رواه النسائي من طريق سفيان عن زبيد عن سعيد بن عبد الرحمن بن ابزى عن ابيه عن أبى، وفيه صفة الوتر والقنوت قبل الركوع (1) لم أر هذا الاثر *
(2) بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره سين مهملة.
(3) بريد - بضم الباء الموحدة وفتح الراء وفى الاصلين (يزيد) وكذلك في الطيالسي ومسند احمد وهو تصحيف (4) بفتح الحاء المهملة وإسكان الواو وبعدها راء ووقع في كثير من كتب الحديث المطبوعة (ابى الجوزاء) بالجيم والزاى وهو تصحيف (5) في بعض نسخ ابى داود زيادة (ولا يعز عن عاديت) (ج 1 ص 536) (6) رواه الطيالسي (ص 163 رقم 1179) قال.
حدثنا شعبة قال أخبرني بريد قال سمعت ابا الحوراء قال قلت للحسن بن على ما تذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال.
يعلمنا هذا الدعاء) فذكر الحديث، وهذا اسناد صحيح متصل بالسماع، وبريد وابو الحوراء ثقتان، ورواه احمد (ج 1 ص 199) عن وكيع عن يونس بن ابى اسحق عن بريد، و (ص 200) عن عبد الرزاق عن سفيان عن أبى(4/147)
قال علي: القنوت ذكر الله تعالى ودعاء، فنحن نحبه، وهذا الاثر وان لم يكن مما يحتج بمثله فلم نجد فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره، وقد قال أحمد بن حنبل رحمه الله: ضعيف الحديث احب الينا من الرأى (1) * قال علي: وبهذا نقول * وقد جاء عن عمر رضى الله عنه القنوت بغير هذا (2) والمسند أحب الينا *
__________
اسحق عن بريد، ورواه احمد (ج 1 ص 200) والدارمى (ص 197) من طريق شعبة عن بريد، ورواه الترمذي (ج 1 ص 93) والنسائي (ج 1 ص 252) وابن ماجه (ج 1 ص 185) والمروزي في الوتر (ص 134) كلهم من طريق ابى اسحاق عن بريد، ورواه ابن الجارود (ص 142) من طريق يونس بن أبى اسحق عن بريد، ومن طريق بن ابى اسحق أيضا، ورواه البيهقى (ج 2 ص 209) من طريق أبى اسحق، ورواه من طريق العلاء ابن صالح عن بريد وفيه أن بريدا قال (فذكرت ذلك لمحمد ابن الحنفية فقال: انه الدعاء الذى كان أبى يدعو به في صلاة الفجر في قنوته).
وقد رواه احمد بن حنبل (ج 1 ص 201)
في مسند الحسين بن على من طريق شريك عن أبى اسحق وجعل الحسين بدلا من الحسن، وأنا أكاد أوقن انه من أغلاط شريك بن عبد الله القاضى فانه كان سيئ الحفظ، وقد رواه الحاكم (ج 3 ص 172) من طريق اسمعيل بن ابراهيم بن عقبة عن عمه موسى ابن عقبة عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة عن الحسن بن على قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم في وترى إذا رفعت رأسي ولم يبق الا السجود) فذكره، قال الحاكم (صحيح على شرط الشيخين) وهو كما قال، وقد اختلف في اسناده على موسى بن عقبة فرواه محمد بن جعفر بن ابى كثير عن موسى عن أبى اسحق عن بريد عند الحاكم ايضا، ورواه يحيى بن عبد الله بن سالم عن موسى عن عبد الله بن على بن الحسين بن على عن الحسن بن على، عند النسائي (ج 1 ص 252) ويظهر أن موسى رواه عن هؤلاء الثلاثة وابن أخيه اسمعيل بن ابراهيم بن عقبة ثقة روى له البخاري، وبهذه الطرق كلها ظهر أن الحديث صحيح حجة خلافا لما قال ابن حزم رحمه الله.
(1) نقل ابن حجر في التهذيب (ج 3 ص 256) كلام ابن حزم هذا، ولم يتعقبه بشئ، ولكن الحديث صحيح كما ترى.
(2) الرواية عن عمر في القنوت للمروزى (ص 134 - 135) والبيهقي (ج 2 ص 210 - 211) وغيرهما *(4/148)
فان قيل: لا يقوله عمر الا وهو عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم * قلنا لهم: المقطوع في الرواية على انه عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى من المنسوب إليه عليه السلام بالظن الذي نهى الله تعالى عنه ورسوله عليه السلام * فان قلتم: ليس ظنا، فأدخلوا في حديثكم انه مسند، فقولوا: عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم! فان فعلتم كذبتم، وان ابيتم حققتم انه منكم قول على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن الذي قال الله تعالى فيه.
(ان الظن لا يغنى من الحق شيئا) * وأما تسمية من يدعى له، فقد ذكرنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد
ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو الطاهر وحرملة بن يحيى قالا اخبرنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه.
سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يقول وهو قائم: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف، اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية، عصت الله ورسوله، ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل الله تعالى (1).
(ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فانهم ظالمون) * وبه إلى مسلم: ثنا محمد بن مهران الرازي ثنا الوليد بن مسلم ثنا الاوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ان ابا هريرة حدثهم.
(ان النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركعة في صلاة شهرا، إذا قال: سمع الله لمن حمده يقول في قنوته.
اللهم نج الوليد بن الوليد، اللهم نج سلمة بن هشام، اللهم نج عياش بن ابي ربيعة، اللهم نج المستضعفين من المؤمنين، (2) اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم
__________
(1) في صحيح مسلم (ج 1 ص 187) (لما انزلت) (2) في هذه الرواية في المواضع الثلاثة (نج) بالتضعيف، وفى التى قبلها (أنج) بالهمزة(4/149)
اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف، قال أبو هريرة: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد، فقلت، أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك (1) الدعاء؟ فقيل: وما تراهم قدموا! * قال علي: إنما ترك الدعاء لانهم قدموا * قال علي: واختلف الناس في هذا، فروى عن ابن مسعود انه قال: احملوا حوائجكم
على المكتوبة * وعن عمرو بن دينار وغيره من تابعي أهل مكة.
ما من صلاة أدعو فيها بحاجتي أحب إلى من المكتوبة * وعن الحسن البصري.
ادع في الفريضة بما شئت * وعن عروة بن الزبير.
انه كان يقول: في سجوده.
اللهم اغفر للزبير بن العوام واسماء بنت ابي بكر.
* وبه يقول ابن جريج والشافعي ومالك وداود وغيرهم.
* وروينا عن عطاء وطاوس ومجاهد: أن لا يدعى في الصلاة المكتوبة بشئ أصلا * وعن عطاء: من دعا في صلاته لانسان سماه باسمه بطلت صلاته.
* وعن ابن سيرين: لا يدعى في الصلاة الا بما في القرآن * وذهب أبو حنيفة إلى أن من سمى في صلاته إنسانا يدعو له باسمه بطلت صلاته، ثم زاد غلوا فقال: من عطس في صلاته فقال: (الحمد لله رب العالمين) وحرك به لسانه بطلت صلاته، ولا يدعى في الصلاة الا بما يشبه ما في القرآن * قال علي: وهذا خلاف لما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ دعا لقوم سماهم، وعلى قوم سماهم، وما نهى قط عن ذلك، ومن ادعى ذلك فقد كذب * واحتج في ذلك قوم بقوله عليه السلام: (ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس) * قال علي: لا حجة لهم في هذا، لان هذا النهى إنما هو عن أن يكلم المصلى أحدا
__________
(1) في الاصلين (ترك) بحذف (قد) وزدناه من مسلم (ج 1 ص 187) *(4/150)
من الناس، وأما الدعاء فانما هو كلام مع الله تعالى، والا فالقراءة كلام الناس، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم النهى عن أن يقرأ المصلى القرآن ساجدا، وأمر بالدعاء
في السجود، فصح بطلان قول أبي حنيفة، وثبت أنه لا يحل الدعاء في السجود بما في القرآن إذا قصد به القراءة، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بعد التشهد: (ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع به) وهذا مما خالف فيه أبو حنيفة ابن مسعود، ولا نعلم له مخالفا من الصحابة رضى الله عنهم * 460 مسألة ونستحب أن يشير المصلى إذا جلس للتشهد بأصبعه ولا يحركها، ويده اليمنى على فخذه اليمنى، ويضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا القعنبي عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن على بن عبد الرحمن المعاوي (1) قال: رآني عبد الله بن عمر أعبث (2) بالحصى في الصلاة، فلما انصرف نهاني وقال: اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع (3): (إذا جلس في الصلاة (4) وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار باصبعه التي تلى الابهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى) * 461 مسألة ونستحب لكل مصل أن يكون أخذه في التكبير مع ابتدائه للانحدار للركوع، ومع ابتدائه للانحدار للسجود، ومع ابتدائه للرفع من السجود، ومع ابتدائه للقيام من الركعتين، ويكون ابتداؤه لقول (سمع الله لمن حمده) مع ابتدائه في الرفع من الركوع، ولا يحل للامام البتة أن يطيل التكبير، بل يسرع فيه، فلا يركع ولا يسجد ولا يقوم ولا يقعد الا وقد أتم التكبير * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر
__________
(1) بضم الميم نسبة إلى بنى معاوية بن مالك بطن من الاوس، وضبطه ابن حجر في التقريب بفتح الميم وأظنه خطأ (2) في أبى داود (وأنا أعبث) (3) في النسخة رقم (16) (كما كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وما هنا هو الموافق للموطأ (ص 30) وأبى دواد (ج 1 ص 374) (4) قوله (في الصلاة) محذوف من الاصلين، وزدناه من الموطأ وأبى داود *(4/151)
عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: (كان أبو هريرة يصلى فيكبر حين يقوم، وحين يركع، وإذا أراد أن يسجد، وإذا سجد بعد ما يرفع من السجود وإذا جلس، وإذا أراد أن يقوم من الركعتين كبر، فإذا سلم قال: والذي نفسي بيده انى لاقربكم شبها بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مازالت هذه صلاته حتى فارق الدنيا (1).
* ورويناه أيضا عن على وابن الزبير وعمران بن الحصين، أما على وابن الزبير فمن فعلهما، وعن عمران مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث هو ابن سعد عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: (ربنا لك الحمد) (3) وذكر باقى الخبر * وبهذا يقول أبو حنيفة وأحمد والشافعي وداود وأصحابهم * وقال مالك بذلك، إلا في التكبير للقيام من الركعتين، فانه لا يراه إلا إذا استوى قائما، وهذا قول لا يؤيده قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب، وهذا مما خالفوا فيه طائفة من الصحابة لايعرف لهم منهم مخالف * وأما قولنا بايجاب تعجيل التكبير للامام فرضا فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الامام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا) فأوجب عليه السلام التكبير على المأمومين فرضا إثر تكبير الامام وبعده ولا بد، فإذا مد الامام التكبير أشكل ذلك على المأمومين
__________
روى نحوه مسلم من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري عن أبى بكر بن عبد الرحمن عن أبى هريرة، ومن طريق يونس عن ابن شهاب عن أبى سلمة عن أبى هريرة
ومن طرق أخرى (ج 1 ص 115) والبخاري من طريق الليث عن عقيل عن الزهري عن أبى بكر عن أبى هريرة (ج 1 ص 312 و 313) وسيأتى قريبا (2) أما عن على وعمران ففى البخاري (ج 1 ص 311 و 312) ومسلم (ج 1 ص 115).
واما عن ابن الزبير فلم أجده (3) في النسخة (رقم 45) (ربنا ولك الحمد) وهو رواية في البخاري (ج 1 ص 312 - 313) *(4/152)
فكبروا معه وقبل تمام تكبيره، فلم يكبروا كما أمروا، ومن لم يكبر فلا صلاة له، لانه لم يصل كما أمر، فقد أفسد على الناس صلاتهم، وأعان على الاثم والعدوان.
وبالله تعالى التوفيق * 462 مسألة كل حدث ينقض الطهارة بعمد أو نسيان فانه متى وجد بغلبة أو باكراه أو بنسيان في الصلاة ما بين التكبير للاحرام لها إلى أن يتم سلامه منها: فهو ينقض الطهارة والصلاة معا، ويلزمه ابتداؤها، ولا يجوز له البناء فيها، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا، في فرض كان أو في تطوع، إلا أنه لا تلزمه الاعادة في التطوع خاصة، وهو أحد قولى الشافعي * وقال أبو سليمان وأبو حنيفة وأصحابهما: يبنى بعد أن يتوضأ، إلا أن أبا حنيفة قال: لو نام في صلاته فاحتلم فانه يغتسل ويبتدئ ولا يبنى، ولا ندري قولهم فيه ان كان حكمه التيمم، فانهم ان كانوا راعوا طول العمل في الغسل، فليس التيمم كذلك، لان حكم المحدث والجنب فيه سواء! * وقالوا: ان أحدث الامام بغلبة وهو ساجد، فان كبر ورفع رأسه بطلت صلاته وصلاة من وراءه! وان رفع رأسه ولم يكبر لم تبطل صلاته ولا صلاة من وراءه فان استخلف عليهم أو استخلفوا قبل خروج الامام من المسجد لم تبطل صلاة الامام ولا صلاة المأمومين، فان لم يستخلف عليهم ولا استخلفوا حتى خرج من المسجد بطلت صلاته وصلاتهم! والاشهر عن أبي حنيفة تبطل صلاة المأمومين وتتم صلاة الامام، فان خرج فأخذ الماء
من خابية باناء فتوضأ رجع وبني، فان استقى الماء من بئر بطلت صلاته، فان تكلم سهوا أو عمدا بطلت صلاته * قال علي: هذه أقوال في غاية الفساد والتناقض والتحكم في دين الله تعالى بلا دليل! ومع ذلك فأكثرها لم يقله أحد قبلهم، وانما كلامنا (1) في ابطال البناء واثباته * قال علي: احتج من قال بالبناء بأثرين ضعيفين: أحدها من طريق أبى الجهم (2)
__________
(1) كذا في النسخة رقم (16) وهو صواب، وفى النسخة رقم (45) (وانما قولنا) وهو أيضا صواب، ولكن ناسخها كتب بحاشيتها ان الصواب (واما قولنا) وهذا التصويب خطأ ظاهر (2) كذا في النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (45) (ابن الجهم) ويحرر *(4/153)
عن أبي بكر المطوعى (1) عن داود بن رشيد (2) عن اسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن أبيه، وابن أبي ملكية عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(إذا قاء أحدكم أو قلس فليتوضأ وليبن على ما صلى ما لم يتكلم) * ومن طريق سعيد بن منصور.
ثنا إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن أبيه، وابن أبي مليكة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن قاء أحدكم في صلاته أو رعف أو قلس فلينصرف ويتوضأ وليبن على ما مضى من صلاته) * (3) ومن طريق الانصاري عن ابن جريج عن أبيه مرسلا * (4) والثاني من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم * (5) وكلاهما لا حجة فيه، لان إسماعيل بن عياش ضعيف، لاسيما فيما روى عن الحجازيين فمتفق على أنه ليس بحجة.
وعبد الرحمن بن زياد في غاية السقوط * وأثر ساقط من طريق عمر بن رياح (6) البصري وهو ساقط عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس.
(ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رعف في الصلاة توضأ
__________
(1) بصم الميم وفتح الطاء المهملة المشددة وكسر الواو المشددة أيضا.
نسبة إلى المطوعة
وهم جماعة فرغوا أنفسهم للغزو والجهاد ورابطوا في الثغور وتطوعوا بالغزو وتصدوا للعدو في بلاد الكفر.
وابو بكر هذا اسمه محمح بن خالد بن الحسن وله ترجمة في الانساب (ورقة 534) (2) رشيد بضم الراء وفتح الشين المعجمة مصغر.
(3) الحديث رواه ابن ماجه (ج 1 ص 190) والدار قطني بأسانيد كثيرة ص (56) والبيهقي (ج 1 ص 142) كلهم من طريق اسمعيل بن عياش به.
ونقل البيهقى عن احمد قال: (اسمعيل بن عياس ما روى عن الشاميين صحيح وما روى عن اهل الحجاز فليس بصحيح) وقال أيضا: (هكذا رواه ابن عياش، وانما رواه ابن جريج عن أبيه ولم يسنده عن أبيه ليس فيه ذكر عائشة) (4) الرواية المرسلة رواها البيهقى من طريق محمد بن عبد الله الانصاري وعبد الرزاق وابن عاصم عن ابن جريج، ورواها الدارقطني باسانيد اخرى.
(5) هذا الحديث لم أجده وما عرفته.
(6) رياح بكسر الراء وفتح الياء المثناة التحتية، وفى الاصلين (عمير بن رباح) وهو خطأ، وعمر هذا مولى عبد الله بن طاوس، وهو دجال متروك، وقال ابن حبان (يروى الموضوعات عن الثقات) *(4/154)
وبنى على ما مضى من صلاته) * (1) وأما الحنفيون فانهم تناقضوا فقاسوا على ما ذكر في هذين الخبرين جميع الاحداث التي لم تذكر فيهما، ولم يقيسوا الاحتلام على ذلك، وهذا تناقض! وما جاء قط أثر - صحيح ولا سقيم - في البناء من الاحداث، كالبول والرجيع والريح والمذي * وأما أصحابنا فاحتجوا بأنه قد صح ما صلى فلا يجوز ابطاله إلا بنص * قال علي.
وهذا احتجاج صحيح، ولولا النص الوارد بابطال ما مضى منها ما أبطلناه.
ولكن البرهان على بطلان ما صلى.
أن عبد الله بن ربيع حدثنا قال ثنا محمد بن إسحاق ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا احمد بن محمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق انا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة
أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) (2) * قال علي.
وروينا من طرق، فإذ صح ان الصلاة ممن احدث لا يقبلها الله حتى يتوضأ، وقد صح بلا خلاف وبالنص ان الصلاة لا تجزئ إلا متصلة، ولا يجوز أن يفرق بين أجزائها بما ليس صلاة: فنحن نسأل من يرى البناء للمحدث فنقول * أخبرونا عن المحدث الذي أمرتموه بالبناء، مذ يحدث فيخرج فيمشي فيأخذ الماء فيغسل حدثه أو يستنجي فيتوضأ فينصرف إلى أن يأخذ في عمل الصلاة، أهو عندكم في صلاة؟ أم هو في غير صلاة، ولا سبيل لهم إلى قسم ثالث * فان قالوا: هو في صلاة أكذبهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ) ومن المحال الباطل أن يعتد له بصلاة قد أيقنا أن الله تعالى لا يقبلها، فصح ان عمل صلاته الذي كان قبل قد انقطع، واما أجره فباق له بلا شك، إلا انه الان في غير صلاة بلا شك، إذ هو في حال لا يقبل الله تعالى معها صلاة * وان قالوا: بل هو في غير صلاة.
قلنا: صدقتم، فإذ هو في غير صلاة فعليه أن يأتي بالصلاة متصلة، لا يحول بين أجزائها - وهو ذاكر قاصدا بما ليس من الصلاة وبوقت ليس هو فيه في صلاة، وهذا برهان لا مخلص منه *
__________
(1) رواه الدارقطني (ص 57) وانظر الكلام على هذه الاحاديث مفصلا في نصب الراية (ج 1 ص 21 و 23 و 253 و 254) (2) رواه أبو داود (ج 1 ص 22) *(4/155)
ولو أردنا ان نحتج من الحديث بأقوى مما احتجوا به لذكرنا ما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير ابن عبد الحميد عن عاصم الاحول عن عيسى بن حطان (1) عن مسلم بن سلام (2) عن على بن طلق قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فليتوضأ وليعد الصلاة) (3) *
فان ذكروا من بنى من الصحابة رضى الله عنهم فقد روينا عن عبد الله بن احمد بن حنبل ثنا ابي ثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثني عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري: أن المسور بن مخرمة كان إذا رعف في الصلاة يعيدها ولا يعتد بما مضى * وقد اختلف السلف الصالح في هذا: فروينا من طريق وكيع عن اسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي: انه قال في الذي يحدث في صلاته ثم يتوضأ: صل ما بقى من صلاتك وإن تكلمت * ومن طريق محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي قال: في الغائط والبول والريح يتوضأ ويستقبل الصلاة وفي القئ والرعاف يتوضأ ويبنى على صلاته ما لم يتكلم * وعن المعتمر بن سليمان التيمى عن أبيه عن ابن سيرين فيمن أحدث في صلاته قبل ان يسلم، قال: إن صلاته لم تتم * وعن معمر عن الزهري فيمن أحدث في صلاته قبل ان يسلم: انه يعيد الصلاة * وهو قول سفيان الثوري ومالك وابن شبرمة وآخر قولى الشافعي، وبه نأخذ *
__________
(1) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين (2) بتشديد اللام (3) رواه أبو داود (ج 1 ص 83) وروى الترمذي (ج 1 ص 218) وقال (حديث حسن، وسمعت محمدا يقول لا أعرف لعلى بن طلق عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد، ولا أعرف هذا الحديث من حديث طلق بن على السحيمى، وكأنه رأى ان هذا رجل آخر من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) ورجح ابن حجر أن عليا هذا والد الطلق بن على والحديث نسبه الزيلعى في نصب الراية (ج 1 ص 254) إلى النسائي وصحيح ابن حبان، وأعله ابن قطان بأن مسلم بن سلام مجهول الحال.
والحق انه ثقة ذكره ابن حبان في الثقات وصحح احمد حديثه *(4/156)
463 مسألة فان رعف أحد ممن ذكرنا في صلاة كما ذكرنا فان أمكن
أن يسد أنفه وأن يدع الدم يقطر على ما بين يديه، بحيث لا يمس له ثوبا ولا شيئا من ظاهر جسده، فعل وتمادى على صلاته، ولا شئ عليه * برهان ذلك: أن الرعاف ليس حدثا على ما ذكرنا قبل، فإذ ليس حدثا ولا مس له الدم ثوبا ولا ظاهر جسد فلم يعرض في طهارته ولا في صلاته شئ * فان مس الدم شيئا من جسده أو ثوبه فامكنه غسل ذلك غير مستدبر القبلة فليغسله وهو متمادي في صلاته، وصلاته تامة، وسواء مشى إلى الماء كثيرا أو قليلا * برهان ذلك: أن غسل النجاسة واجتناب المحرمات فرض بلا خلاف، فهو في مشيه لذلك وفي عمله لذلك مؤدى فرض، ولا تبطل الصلاة بأن يؤدى فيها ما أمر بأدائه، لانه لم يخالف، بل صلى كما أمر، ومن فعل ما أمر به فهو محسن.
وقد قال تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) * فان عجز عن ذلك: صلى كما هو، وصلاته تامة، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فثبت انه لا يكلف ما لا يستطيع * فان تعمد استدبار القبلة لذلك: بطلت صلاته، لانه مخالف ما افترض الله تعالى عليه قاصدا إلى ذلك * وقال مالك: إن أصابه الرعاف قبل أن يتم ركعة بسجدتيها قطع صلاته وابتدأ، وان أصابه بعد أن أتم ركعة بسجدتيها فليخرج فليغسل الدم ويرجع فيبنى * قال علي: وهذا تقسيم لم يأت به قرآن ولا سنة، لا صحيحة ولا سقيمة، ولا قول صاحب ولا قياس، وما كان كذلك فلا معنى للاشتغال به * (1) 464 مسألة ومن زوحم حتى فاته الركوع أو السجود أو ركعة أو ركعات: وقف كما هو، فان أمكنه أن يأتي بما فاته فعل، ثم اتبع الامام حيث يدركه وصلاته تامة، ولا شئ عليه غير ذلك، فان لم يقدر على ذلك إلا بعد سلام الامام بمدة قصيرة أو طويلة - فعل كذلك أيضا، وصلاته تامة والجمعة وغيرها سواء في كل ما ذكرنا *
فلو أدرك مع الامام ركعة صلاها وأضافها إلى ما كان صلى، ثم أتم صلاته، ولا شئ
__________
(1) في النسخة رقم (45) (للاشتغال فيه) *(4/157)
عليه غير ذلك * والغافل سهوا والمزحوم سواء في كل ما ذكرنا * فان قدر أن يسجد على ظهر أحد ممن بين يديه أو على رجله، فليفعل ويجزئه * برهان ذلك قول الله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) فمن صح له الاحرام فما زاد فقد صح له عمل مفترض أداؤه كما امر، فلا يحل له ابطاله بغير نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبطاله، وقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا ابن أبي ذئب حدثنى الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن كلاهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الاقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة (1) والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) (2) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان عن ابن عجلان حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن معاوية بن أبي سفيان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تبادروني بركوع ولا بسجود، (3) فانه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به (4) إذا رفعت، إنى قد بدنت) (5) * فأمر عليه السلام بصلاة ما أدرك المرء، وان لا يسبق الامام بركوع ولا بسجود، وانه مهما فات المأموم من ركوع أدركه بعد رفع الامام، ولم يخص عليه السلام ركعة اولى من ثانية، ولا ثالثة ولا رابعة، وامر بقضاء ما فاته.
وقد اخبر عليه السلام انه رفع عن امته
الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وهذا يوجب يقين ما قلنا: من ان يأتي المرء بصلاته حسب ما يستطيع وما عدا هذا فهو قول فاسد *
__________
(1) في البخاري (ج 1 ص 260) (وعليكم بالسكينة) وهى رواية أبى ذر، وفى رواية الباقين كما هنا (2) رواه البخاري أيضا في الجمعة بهذا الاسناد بلفظ آخر (ج 2 ص 37 - 38) (3) في النسخة رقم (16) (بركوعي ولا بسجودي) وهو خطأ (4) كلمة (به) زدناها من سنن ابى داود (ج 1 ص 239) (5) يجوز فيه تشديد الدال المفتوحة ويجوز ضم الدال المخففة *(4/158)
465 مسألة ومن لم يمس بالماء في وضوئه وغسله ولو مقدار شعرة مما أمر بغسله في الغسل أو الوضوء فلا صلاة له، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ) وهذا لم يتوضأ بعد، إذ لم يكمل طهارته كما أمر * 466 (مسألة) ومن أحال القرآن (1) متعمدا فقد كفر، وهذا ما لا خلاف فيه * ومن كانت لغته غير العربية جاز له ان يدعو بها في صلاته، ولا يجوز له ان يقرأ بها، ومن قرأ بغير العربية فلا صلاة له * وقال أبو حنيفة: من قرأ بالفارسية في صلاته جازت صلاته * قال علي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) وقال الله تعالى.
(قرآنا عربيا) وقال تعالى.
(وما ارسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) فصح ان غير العربية لم يرسل به الله تعالى محمدا عليه السلام، ولا انزل به عليه القرآن، فمن قرأ بغير العربية (2) فلم يقرأ ما ارسل الله تعالى به نبيه عليه السلام، ولا قرأ القرآن، بل لعب بصلاته، فلا صلاة له، إذ لم يصل كما أمر.
* فان ذكروا قول الله تعالى: (وانه لفى زبر الاولين) * قلنا: نعم، ذكر القرآن والانذار به في زبر الاولين، وأما أن يكون الله تعالى أنزل هذا القرآن على أحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فباطل وكذب ممن ادعى ذلك، ولو كان هذا ما كان فضيلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا معجزة له، وما
نعلم أحدا قال هذا قبل أبي حنيفة * ومن لم يحفظ أم القرآن صلى كما هو، وعليه أن يتعلمها، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فهو غير مكلف ما لا يقدر عليه، فان حفظ شيئا من القرآن غيرها لزمه فرضا أن يصلى به، ويتعلم أم القرآن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:، (لا صلاة الا بقراءة) ولقول الله تعالى (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) * سجود السهو 467 مسألة كل عمل يعمله المرء في صلاته سهوا وكان ذلك العمل مما
__________
(1) في النسخة رقم (16) (القراءة) وما هنا أحسن وأصح (2) في النسخة رقم (16) (فمن قرأ بالعربية) وهو خطأ فاحش *(4/159)
لو تعمده ذاكرا بطلت صلاته -: فانه يلزمه في السهو سجدتا السهو، * ويشبه أن يكون هذا مذهب الشافعي إلا أنه رأى السهو في ترك الجلسة بعد الركعتين، وظاهر مذهبه أنها ليست فرضا، وقال: من أسقظ شيئا من صلب صلاته سهوا فعليه سجود السهو.
* وقال أبو سليمان وأصحابنا: لا سجود سهو إلا في مواضع: وهى: من سلم أو تكلم أو مشى ساهيا في الصلاة المفروضة، أو من قام من اثنتين في صلاة مفروضة، أو من شك فلم يدر كم صلى؟ أو من زاد في صلاته ركعة فما فوقها ساهيا في صلاة مفروضة.
* وقال أبو حنيفة: لا سجود سهو إلا في عشرة أوجه: إما قيام مكان قعود، وإما قعود مكان قيام للامام والفذ وإما سلام قبل تمام الصلاة للامام أو الفذ، أو نسيان تكبير صلاة العيد خاصة للامام أو الفذ، أو نسيان القنوت في الوتر للامام أو الفذ، أو نسيان التشهد للامام أو الفذ، أو نسيان أم القرآن للامام أو الفذ، أو تأخيرها بعد قراءة السورة للامام أو للفذ، أو من جهر في قراءة سر أو أسر في قراءة جهر للامام
خاصة، فقط * قال: فان تعمد ذلك فصلاته تامة ولا سجود سهو عليه.
قال: فان نسى سجدة أو شك فلم يدر كم صلى؟ فان كان ذلك أول مرة أعاد الصلاة وان كان قد عرض له ذلك ولو مرة سجد للسهو، فان لم يذكر ذلك إلا بعد أن خرج من المسجد بطلت صلاته وأعادها * وأما مذهب مالك في سجوده لسهو فغير منضبط، لانه رأى فيمن ترك ثلاث تكبيرات من الصلاة فصاعدا غير تكبيرة الاحرام ان يسجد للسهو، فان لم يفعل حتى انتقض وضوؤه أو تطاول ذلك بطلت صلاته وأعادها.
ورأى فيمن سها عن تكبيرتين من الصلاة كذلك أن يسجد للسهو، فان لم يفعل حتى انتقض وضوؤه أو تطاول ذلك فلا شئ عليه وصلاته تامة، ولا سجود سهو عليه، ورأى فيمن سها عن تكبيرة واحدة غير تكبيرة الاحرام (1) أن لا شئ عليه، لا سجود سهو ولا غيره.
ورأى على من جعل (الله أكبر) مكان (سمع الله لمن حمده) سجود السهو.
ورأى على من جهر في قراءة سر
__________
(1) في النسخة رقم (45) (ورأى فيمن سها عن تكبيرة الاحرام) الخ وهو خطأ ظاهر(4/160)
أو أسر في قراءة جهر، إن كان ذلك قليلا فلا شئ عليه، وإن كان كثيرا فعليه سجود السهو قال علي: ورأى فيمن سها عن قراءة أم القرآن في ركعتين من صلاته فصاعدا ان صلاته تبطل، فان سها عنها في ركعة، فمرة رأى عليه سجود السهو فقط، ومرة رأى عليه ان يأتي بركعة ويسجد للسهو * قال علي: اما قول ابى حنيفة فأفسد من ان يشتغل به! فانه لم يتعلق فيه بقرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا بقياس، ولا بقول صاحب، ولا برأى سديد! بل ما نعلم احدا قاله قبله * وكذلك قول مالك سواء سواء، وزيادة انه لا يختلف مسلمان في ان كل صلاة فرض تكون أربع ركعات فان فيها اثنتين وعشرين تكبيرة سوى تكبيرة الاحرام، وان كل صلاة فرض تكون ركعتين
ففيها عشر تكبيرات سوى تكبيرة الاحرام، فتسويتهم بين من سها عن ثلاث تكبيرات وبين من سها عن تكبيرتين، وتفريقهم بين من سها عن تكبيرتين وبين من سها عن تكبيرة واحدة: أحد عجائب الدنيا! وحسبنا الله ونعم الوكيل * وأما قول الشافعي فظاهر التناقض، إذ رأى سجود السهو في ترك الجلسة الاولى، وليست عنده فرضا، ولم ير سجود السهو في ترك جميع تكبير الصلاة حاشا تكبيرة الاحرام ولا في العمل القليل الذي تفسد الصلاة عنده بكثيره - ولم يحد في القليل الذي اسقط فيه السجود حدا يفصله به مما تبطل الصلاة عنده بتعمده، ويجب سجود السهو في سهوه وهذا فاسد جدا! ومن العجب قوله (صلب الصلاة) وما علم الناس للصلاة صلبا ولا بطنا ولا كبدا ولا معى!! ومثل هذا قد أغنى ظاهر فساده عن تكلف نقضه * وأما قول أصحابنا فانهم قالوا: لا سجود سهو إلا حيث سجده رسول الله صلى الله عليه وسلم أو امر بسجوده، ولم يسجد عليه السلام إلا حيث ذكرنا * قال علي: وهذا قول صحيح لا يحل خلافه، إلا اننا قد وجدنا خبرا صحيحا يوجب صحة قولنا، وجعلوه معارضا لغيره، وهذا باطل لا يجوز، بل الاخبار كلها تستعمل، ولا يحل ترك شئ منها، فان لم يكن وجب الاخذ بالشرع الزائد الوارد فيها، لانه حكم من الله تعالى فلا يحل تركه.
*(4/161)
قال علي: وبرهان صحة قولنا: هو ان اعمال الصلاة قسمان بيقين لا شك فيه - لا ثالث لهما: إما فرض، يعصى من تركه، وإما غير فرض، فلا يعصى من تركه، * فما كان غير فرض فهو مباح فعله ومباح تركه، وان كان بعضه مندوبا إليه مكروها تركه، فما كان مباحا تركه فلا يجوز ان يلزم حكما في ترك امر اباح الله تعالى تركه، فيكون فاعل ذلك شارعا ما لم يأذن به الله تعالى * واما الفرض وهو القسم الثاني (1) وهو الذي تبطل الصلاة بتعمد تركه ولا تبطل
بالسهو فيه، لقول الله تعالى: (ليس عليكم جناح فيما اخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم): فإذ الصلاة لا تبطل بالسهو فيه وكان سهوا، ففيه سجود السهو، إذ لم يبق غيره، فلا يجوز ان يخص بعضه بالسجود دون بعض.
وبالله تعالى التوفيق * قال علي: وقد جاء ما قلنا نصا، كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب ابن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا القاسم بن زكرياء ثنا الحسين ابن على الجعفي عن زائدة عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال.
(صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاما زاد أو نقص شك ابراهيم (2) قال ابن مسعود.
قلنا: يارسول الله، أحدث في الصلاة شئ؟ قال لا، فقلنا له الذي صنع، فقال.
إذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب ثنا اسماعيل بن مسعود الجحدري ثنا خالد بن الحارث ثنا شعبة قال: قرأت على منصور وسمعته يحدث وكتب به إلى (3) عن ابراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: (إنما أنا بشر، فإذا نسيت فذكروني، إذا أوهم أحدكم في صلاته فليتحر أقرب ذلك من الصواب ثم ليتم عليه (4) ثم ليسجد (5) سجدتين *
__________
(1) في النسخة رقم (45) (وهو القسم الباقي) (2) في مسلم (ج 1 ص 160) (فاما زاد واما نقص، قال ابراهيم.
وايم الله ما جاء ذاك الا من قبلى) (3) عبارة النسائي في (ج 1 ص 184) عن شعبة (قال.
كتب إلى منصور وقرأته عليه وسمعته يحدث رجلا) (4) في النسخة رقم (45) (أقرب ذلك من الصلوات ثم ليتم ما عليه) وهو خطأ (5) في النسائي (ثم يسجد) وقد اختصر المؤلف الحديث جدا، ورواه النسائي بأسانيد كثيرة عن منصور، ورواه مسلم كذلك (ج 1 ص 158 و 159)(4/162)
قال علي: فهذا نص قولنا في إيجاب السجود في كل زيادة ونقص في الصلاة وكل
وهم، ولا يقال لمن أدى صلاته بجميع فرائضها كما أمره الله تعالى: انه زاد في صلاته، ولا نقص منها، ولا أوهم فيها، بل قد أتمها كما أمر، وإنما الزائد (1) في الصلاة أو الناقص منها والواهم من زاد فيها ما ليس منها أو نقص منها ما لا تتم إلا به على سبيل الوهم.
وبالله تعالى التوفيق * وقد قال بقولنا طائفة من السلف رضى الله عنهم.
كما روينا عن حماد بن سلمة عن سعيد بن قطن: (2) أن أبا زيد الانصاري قال: إذا أوهم أحدكم في صلاته فليسجد سجدتي الوهم * وعن الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي قال لا وهم إلا في قعود أو قيام أو زيادة أو نقصان أو تسليم في ركعتين * ومن طريق معمر عن قتادة عن أنس: أنه نسى ركعة من الفريضة حتى دخل في التطوع، ثم ذكر، فصلى بقية صلاة الفريضة ثم سجد سجدتين وهو جالس * قال علي: ما نعلم (3) لانس في هذا مخالفا من الصحابة رضى الله عنهم * وعن ابن جريج.
قلت لعطاء.
فان استيقنت أني صليت خمس ركعات قال.
فلا تعد ولو صليت عشر ركعات، واسجد سجدتي السهو وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري إذا زدت أو نقصت فاسجد سجدتي السهو * 468 مسألة قال علي: وكل ما عمله المرء في صلاته سهوا من كلام أو إنشاد شعر أو مشى أو اضطجاع أو استدبار القبلة أو عمل أي عمل كان أو أكل أو شرب أو زيادة ركعة أو ركعات أو خروج إلى تطوع كثر ذلك أو قل أو تسليم قبل تمامها، فانه متى ذكر طال زمانه أو قصر، ما لم ينتقض وضوؤه: فانه يتم ما ترك فقط، ثم يسجد سجدتي السهو، إلا انتفاض الوضوء فانه تبطل به الصلاة، لما ذكرنا قبل * برهان ذلك ما ذكرناه في المسألة التي قبل هذه متصلة بها * وقال أبو حنيفة: من تكلم في صلاته ساهيا بطلت صلاته، فان سلم منها ساهيا
__________
(1) في النسخة رقم (45) (وأيضا الزائد) الخ وما هنا أحسن وأصح (2) بفتح القاف
والطاء المهملة (3) في النسخة رقم (45) (لا نعلم) *(4/163)
لم تبطل صلاته، فان أكل ساهيا أو زاد ركعة ولم يكن جلس في آخرها مقدار التشهد بطلت صلاته، فان بال أو تغوط بغلبة لم تبطل صلاته، فان عطس فقال (الحمد لله) محركا بها لسانه بطلت صلاته! * قال علي: وهذا الكلام فيه من التخليط والقبح مع مخالفة السنة ما نسأل الله تعالى السلامة من مثله! * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد ابن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو جعفر محمد بن الصباح وأبو بكر بن أبي شيبة قالا ثنا اسماعيل بن ابراهيم هو ابن علية عن الحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال ابن أبى ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمى قال: (بينا أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرمانى القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه (1)! ما شأنكم تنظرون إلى؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني (2)، لكنى سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله (3) ما كهرنى (4) ولا ضربني ولا شتمنى، قال: ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) * حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن: قرئ على أبى قلابة (5) وأنا أسمع: حدثكم بشر بن عمر الزهراني (6) حدثنى رفاعة بن يحيى إمام مسجد بنى زريق (7) قال: سمعت معاذ بن رفاعة بن رافع يحدث عن ابيه قال: (صلينا مع رسول الله
__________
(1) الثكل - بضم الثاء المثلثة واسكان الكاف، ويجوز فتحهما - هو فقدان المرأة ولدها، وأمياه بكسر الميم (2) في الاصلين بنون واحدة وصححناه من مسلم (ج 1 ص 151)
(3) كلمة (فوالله) زدناها من صحيح مسلم (4) أي ما انتهرني (5) بكسر القاف واسمه عبد الملك ابن محمد بن عبد الله الرقاشى الضرير الحافظ، وكنيته أبو محمد، وغلب عليه أبو قلابة، ولد سنة 190 ومات في شوال سنة 276، وهو غير أبى قلابة الجرمى التابعي عبد الله بن زيد ابن عمرو المتوفى في أوائل المائة الثانية.
(6) في النسخة رقم (16) (الزهراني) وفى النسخة رقم (45) (بشر بن عمرو) وكلاهما خطأ (7) بتقديم الزاى وضمها وآخره قاف، وفى النسخة رقم (45) (رزين) وهو تصحيف، ورفاعة هذا هو رفاعة بن يحيى بن عبد الله ابن رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان الزرقى، ومعاذ عم أبيه *(4/164)
صلى الله عليه وسلم المغرب فعطس رجل خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا كلهم يبتدرونها أيهم يكتبها ويصعد بها إلى السماء (1) * فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غبط الذي حمد الله تعالى إذ عطس في الصلاة جاهرا بذلك، ولم يلزم الذي تكلم ناسيا باعادة، على ما ذكرنا فيما خلا من هذا الديوان * قال علي: واما من فرق بين قليل العمل وكثيره، فأبطل الصلاة بكثيرة ولم يبطلها بقليله، أو رأى سجود السهو في كثيرة ولم يره في قليله، أو حد الكثير بالخروج عن المسجد والقليل بأن لا يخرج عنه.
فكلام في غاية الفساد! * ونسألهم عمن رمى نزقا (2) لنسج مرة واحدة عامدا في الصلاة، أو أخذ حبة سمسمة عمدا ذاكرا فأكلها أو تكلم بكلمة واحدة ذاكرا، فمن قولهم: إن قليل هذا وكثيره يبطل الصلاة.
فنسألهم عمن كثر حكه لجسده محتاجا إلى ذلك من أول صلاته إلى آخرها، وكان عليه كساء فلوت (3) فاضطر إلى جمعه على نفسه من أول الصلاة إلى آخرها، فمن قولهم: هذا كله مباح في الصلاة: قلنا: صدقتم، فهاتوا نصا أو اجماعا غير مدعى بلا علم على أن ههنا أعمالا
يبطل الصلاة كثيرها ولا يبطلها قليلها، ثم هاتوا نصا أو اجماعا متيقنا غير مدعى بالكذب على تحديد القليل من الكثير! ولا سبيل إلى ذلك أبدا.
* فصح ما قلناه.
من أن كل عمل أبيح في الصلاة بالنص: فقليله وكثيره مباح فيها، وكل عمل لم يبح بالنص في الصلاة: فقليله وكثيره يبطل الصلاة بالعمد، ويوجب سجود السهو إذا كان سهوا.
*
__________
(1) رواه الترمذي (ج 1 ص 82) والنسائي (ج 1 ص 147) كلاهما عن قتيبة بن سعيد عن رفاعة بن يحيى، ورواه البيهقى (ج 2 ص 92) من طريق عبد الله بن احمد بن حنبل عن سعيد بن عبد الجبار البصر عن رفاعة بن يحيى.
وقال الترمذي (حديث حسن) ونقل ابن حجر في التهذيب (ج 3 ص 283) عن الترمذي تصحيحه فلعل نسخ الترمذي مختلفة (2) كذا في الاصلين، ولعل الكلمة محرفة ويحرر (3) كذا في النسخة (رقم 45) ولعل الصواب (فالتوى) أو ما قرب من هذا المعنى والمراد واضح والكلمة غير مفهومة، وهذه الجملة سقطت من النسخة (رقم 16) *(4/165)
وأما الخروج عن المسجد فرب مسجد يكون طوله أزيد من ثلاثمائة خطوة، ورب مسجد يخرج منه بخطوة واحدة وبالله تعالى التوفيق.
* وقد سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ساهيا وتكلم وراجع وخرج عن المسجد ودخل بيته ثم عرف فخرج فأتم ما بقى من صلاته وسجد لسهوه سجدتين فقط.
وقد قال عليه السلام (من رغب عن سنتى فليس مني) * وبهذا يبطل أيضا قول من قال: لكل سهو في الصلاة سجدتان) * وأما من قال: إن تطاولت المدة على من ترك سجود السهو بطلت صلاته ولزمه إعادتها، وقول من قال: ان تطاولت المدة عليه سقط عنه سجود السهو وصحت صلاته.
فقولان في غاية الفساد *
واول ذلك أنهما قولان بلا برهان، وما كان هكذا فهو باطل * والثاني: أنه يلزمهم الفرق بين تطاول المدة وبين قصرها بنص صحيح أو اجماع متيقن غير مدعى بالكذب، ولا سبيل إلى ذلك * والحق في هذا: هو أن من أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بسجدتي السهو فقد لزمه اداء ما امره به، ولا يسقطه عنه رأى ذى رأى، وعليه ان يفعل ما امره به ابدا: ولا يسقطه عند الا تحديد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك العمل بوقت محدود الآخر * والعجب من قوم اتوا إلى امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة في وقت محدود الطرفين، وبالصيام في وقت محدود الطرفين.
فقالوا: لا يسقط عملهما وإن بطل ذلك الوقت الذي جعله الله تعالى وقتا لهما ولم يجعل ما عدا ذلك الوقت وقتا لهما! ثم أتوا إلى سجود السهو الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إصلاحا لما وهم فيه من فروض الصلاة وأطلق بالامر به ولم يحده: فأبطلوه بوقت حدوه من قبل أنفسهم! * وقولنا هذا هو قول الاوزاعي، وقال به الشافعي في أول قوليه (1) * 469 مسألة وإذا سها الامام فسجد للسهو ففرض على المؤتمين أن يسجدوا معه، الا من فاتته معه ركعة فصاعدا، فانه يقوم إلى قضاء ما عليه، فإذا أتمه سجد هو للسهو،
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وقال به الشعبى أول قوليه) وهو خطأ فيما نرى فلم نسمع أن للشعبى مذهبين كما للشافعي.
*(4/166)
إلا ان يكون الامام سجد للسهو قبل السلام، ففرض على المأموم أن يسجدهما معه، وان كان بقى عليه ما فاته، ثم لا يعيد سجودهما (1) إذا سلم * برهان ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سها فسجد وسجد المسلمون معه بعلمه بذلك * وأما من عليه قضاء ركعة فصاعدا فان الامام إذا سلم فقد خرج من صلاته، ولزم
المأموم القضاء، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا) وقال عليه السلام أيضا.
(فأتموا) فلا يجوز له الاشتغال بغير الاتمام المأمور به موصولا بما أدرك، فلم يتم صلاته بعد، والسجود للسهو لا يكون الا في آخر الصلاة وبعد تمامها، بأمره عليه السلام بذلك كما ذكرنا آنفا * وأما إذا سجدهما الامام قبل أن يسلم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما جعل الامام ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا) ففرض عليه الائتمام به في كل ما يفعله الامام في موضعه وان كان موضعه للمأموم بخلاف ذلك، وكذلك يفعل في القيام والقعود والسجود.
وبالله تعالى التوفيق * 470 مسألة وإذا سها المأموم ولم يسه الامام ففرض على المأموم أن يسجد للسهو، كما كان يسجد لو كان منفردا أو اماما ولا فرق * لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر كما أوردنا آنفا كل من أوهم في صلاته بسجدتي السهو، ولم يخص عليه السلام بذلك اماما ولا منفردا من مأموم، فلا يحل تخصيصهم في ذلك * ومن قال: إن الامام يحمل السهو عن المأموم: فقد ابطل، وقال مالا برهان له به، وخالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور برأيه، ولا خلاف منا ومنهم في أن من اسقط ركعة أو سجدة أو أحدث سهوا كان كل ذلك أو عمدا فان الامام لا يحمله عنه، فمن اين وقع لهم ان يحمل عنه سائر ما سها فيه من فرض؟! ان هذا لعجب وقد روى هذا القول عن ابن سيرين وغيره، وهو قول ابي سليمان، وبه تأخذ * 471 مسألة ومن سجد سجدتي السهو على غير طهارة اجزأتا عنه ونكره ذلك *
__________
(1) في الاصليين (ثم لا يعيد سجودهما معه) وزيادة (معه) خطأ ظاهر ولا معنى لها هنا *(4/167)
برهان ذلك ما قد ذكرناه مما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية المرواني ثنا احمد ابن شعيب انا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر غندر و عبد الرحمن بن مهدي قالا جميعا: ثنا شعبة عن يعلى بن عطاء أنه سمع على بن عبد الله الازدي هو البارقي انه سمع ابن عمر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) (1) * قال علي: فلا يجوز ان تكون صلاة غير مثنى، إلا ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة وهو غير مثنى، كالفروض التي هي اربع اربع، وكالوتر، وكالصلاة قبل الظهر وبعد الجمعة أربعا لا تسليم بينهن وصلاة الجنائز وما عدا ذلك فليس صلاة، ولم يسم عليه السلام سجدتي السهو صلاة * ولا وضوء يجب لازما الا لصلاة كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب ابن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة (2) ثنا أبو عاصم عن ابن جريج ثنا سعيد بن الحويرث انه سمع ابن عباس يقول: (ان النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته من الخلاء فقرب إليه طعام فأكل فلم يمس ماء) قال ابن جريج.
وزادني (3) عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث (ان النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: انك لم تتوضأ، قال: ما أردت صلاة فأتوضأ) قال عمرو.
سمعته من سعيد بن الحويرث *
__________
(1) في النسائي (ج 1 ص 246) وقال النسائي عقبه (هذا الحديث عندي خطأ والله تعالى أعلم) ثم رواه بأسانيد كثيرة صحيحة عن ابن عمر مرفوعا بلفظ (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة) وقد رواه الجماعة كلهم بهذا اللفظ بحذف النهار وقد ضعف جماعة من الحفاظ زيادة النهار، منهم ابن معين والترمذي، واختلف قول الحاكم فيها، فقد نقل عنه ابن حجر في التلخيص (ص 119) أنه قال في علوم الحديث: انها خطأ كقول النسائي، وانه صححه من المستدرك، ونقل تصحيحها عن ابن خزيمة وابن حبان والخطابى لانها زيادة من ثقة وهى مقبولة، وعمدة من ضعفها أنها انفرد
بها على بن عبد الله البارقى، وليس تفرده ضعفا لها فانه ثقة.
وقد روى الحديث البيهقى (ج 2 ص 487) من طريق على بن عبد الله البارقى ثم روى باسناده عن البخاري تصحيحه ثم روى عن ابن عمر موقوفا نحوه وهو شاهد قوى للمرفوع.
وانظر تفصيل الكلام على طرقه وأسانيده في التلخيص والبيهقي.
(2) في النسخة رقم (16) (ثنا عمر بن عمر بن عباد بن جبلة) وهو خطأ.
(3) في الاصلين (وزاد) وصححناه من مسلم (ج 1 ص 111) *(4/168)
ورويناه أيضا عن سفيان بن عيينة وحماد بن زيد كلاهما عن عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: نحو ذلك (1) * 472 مسألة والافضل أن يكبر لكل سجدة من سجدتي السهو ويتشهد بعدهما ويسلم منهما، فان اقتصر على السجدتين دون شئ من ذلك أجزأه * قال علي: أما الاقتصار على السجدتين فقط فلما أوردناه آنفا من أمره عليه السلام من أوهم في صلاته أو زاد أو نقص بسجدتين، ولم يأمر عليه السلام فيهما بغير ذلك * وأما اختيارنا التكبير لهما والتشهد والسلام: فلما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد ابن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن عبيد بن حساب (2) ثنا حماد هو ابن زيد عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال.
(صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم احدى صلاتي العشى، الظهر قال: أو العصر، فصلى بنا ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه (3) عليها، احداهما على الاخرى، يعرف (4) في وجهه الغضب، ثم خرج سرعان (5) الناس وهم يقولون: قصرت الصلاة، قصرت الصلاة، وفى الناس أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلماه، فقام رجل كان يسميه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا اليدين، فقال: يارسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: لم أنس ولم تقصر الصلاة قال: بل نسيت يارسول الله (6)، فاقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم فقال: أصدق ذو اليدين؟ فأومؤا إليه أي نعم (7) فرجع رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى مقامه، فصلى الركعتين الباقيتين ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو اطول، ثم رفع وكبر ثم كبر وسجد (8) مثل سجوده أو اطول ثم رفع وكبر) فقيل لمحمد بن سيرين: سلم في السهو؟ قال: لم احفظ من ابي هريرة (9)، ولكن نبئت ان عمران بن الحصين قال:
__________
(1) رواية سفيان وحماد في مسلم أيضا (2) بكسر الحاء وفتح السين المهملتين (3) في الاصلين (يده) وهو خطأ صححناه من أبى داود (ج 1 ص 385 - 378) (4) في النسخة (رقم 45) (فعرف) وما هنا هو الموافق لابي داود (5) بالسين المهملة والراء المفتوحتين، وهم المسرعون إلى الخروج، ويقال: باسكان الراء مع فتح السين ومع ضمها (6) في النسخة رقم (16) (بلى نسيت يارسول الله) وما هنا هو الموافق لابي داود (7) في النسخة رقم (16) بحذف (أي) وفى ابى داود باثباتها وحذف (إليه) (8) في ابى داود (ثم رفع وكبر وسجد) الخ وما هنا أصح (9) في الاصلين (عن أبى هريرة) وصححناه من ابى داود *(4/169)
(ثم سلم) (1) * وبه إلى أبي داود.
ثنا محمد بن يحيى بن فارس ثنا محمد بن عبد الله بن المثنى حدثنى أشعث هو بن عبد الملك (2) عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء عن ابي قلابة عن ابي المهلب عن عمران بن الحصين.
(ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سها فسجد (3) سجدتين ثم تشهد ثم سلم) (4) * قال علي: وهذه اعمال لا اوامر، فالائتساء فيها حسن * روينا عن ابن جريج عن عطاء قال: ليس في سجدتي السهو قراءة ولا ركوع ولا تشهد * وعن الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن انس بن مالك والحسن.
انهما كانا لا يتشهدان في سجدتي السهو * وعن الحسن: ليس فيهما تسليم: * قال علي: ولا بد له فيهما من أن يقول: (سبحان ربى الاعلى) لقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم (اجعلوها في سجودكم) وهذا عموم لكل سجود * 473 مسألة وسجود السهو كله بعد السلام إلا في موضعين، فان الساهي فيهما مخير بين ان يسجد سجدتي السهو بعد السلام وإن شاء قبل السلام * أحدهما: من سها فقام من ركعتين ولم يجلس ويتشهد، فهذا سواء كان إماما أو فذا فانه إذا استوى قائما فلا يحل له الرجوع إلى الجلوس فان رجع وهو عالم بأن ذلك لا يجوز ذاكر لذلك: بطلت صلاته، فانه فعل ذلك ساهيا لم تبطل صلاته، وهو سهو يوجب السجود، لكن يتمادي في صلاته فإذ أتم التشهد الآخر فان شاء سجد سجدتي السهو ثم سلم، وان شاء سلم ثم سجد سجدتي السهو * والموضع الثاني: ان لا يدري في كل صلاة تكون ركعتين أصلى ركعة أو ركعتين؟
__________
(1) الحديث رواه الشيخان واصحاب السنن (2) في النسخة رقم (16) (اشعث بن عبد الله) وهو محتمل، لان اشعث بن عبد الملك واشعث بن عبد الله كلاهما رويا عن محمد ابن سيرين، وروى عن كليهما محمد بن عبد الله بن المثنى الانصاري، ولكن حققنا انه اشعث بن عبد الملك بأن البيهقى رواه (ج 2 ص 354) من طريق ابن المثنى (ثنا اشعث ابن عبد الملك الحمراني) ثم قال: (تفرد به اشعث الحمراني).
(3) في ابى داود (ج 1 ص 401) (صلى بهم فسها فسجد) (4) الحديث رواه الترمذي بهذا الاسناد (ج 1 ص 80) وقال (حديث حسن غريب) *(4/170)
وفي كل صلاة تكون ثلاثا أصلى ركعة أو ركعتين أو ثلاثا؟ وفي كل صلاة تكون اربعا أصلى أربعا ام أقل؟ فهذا يبنى على الاقل ويصلى أبدا حتى يكون على يقين من انه قد أتم ركعات صلاته وشك في الزيادة، فإذا تشهد في آخر صلاته فهو مخير ان شاء سجد سجدتي السهو قبل السلام، ثم يسلم وان شاء سلم ثم سجد سجدتي السهو وان أيقن في خلال ذلك أنه كان قد أتم جلس من حينه وتشهد وسلم ولا بد، ثم سجد للسهو وإن
ذكر بعد أن سلم وسجد أنه زاد يقينا فلا شئ عليه وصلاته تامة * والسجود في صلاة التطوع واجب كما هو في صلاة الفرض، ولا فرق في كل ما ذكرناه * وقال أبو حنيفة: السجود كله للسهو بعد السلام * وقال الشافعي: هو كله قبل السلام * وقال مالك: هو في الزيادة بعد السلام، وفى النقصان قبل السلام * قال علي: تعلق أبو حنيفة ببعض الآثار وترك بعضا وهذا لا يجوز، وكذلك فعل الشافعي، وزاد حجة نظرية وهى: انه قال: ان جبر الشئ لا يكون الا فيه لا بائنا عنه * قال علي: والنظر لا يحل ان يعارض به كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليت شعرى، من أين لهم بأن جبر الشئ لا يكون الا فيه لا بائنا عنه؟! وهم مجمعون على ان الهدى والصيام يكونان جبرا لما نقص من الحج، وهما بعد الخروج عنه، وان عتق الرقبة أو الصدقة أو صيام الشهرين جبر لنقص وطئ التعمد في نهار رمضان، وبعض ذلك لا يجوز الا بعد تمامه، وسائر ذلك يجوز بعد تمامه، وهذه صفة الآراء المقحمة في الدين بلا برهان من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم * وأما قول مالك فرأى مجرد فاسد بلا برهان على صحته، وهو ايضا مخالف للثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من امره بسجود السهو قبل السلام من شك فلم يدر كم صلى؟ وهو سهو زيادة فبطلت هذه الاقوال كلها، وبالله تعالى التوفيق * قال علي: وبرهان صحة قولنا: ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد ابن شعيب ثنا الحسن بن اسماعيل بن سليمان ثنا الفضيل هو ابن عياض عن منصور ابن المعتمر عن ابراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: (فأيكم ما نسى في صلاته شيئا (1) فليتحر الذي يرى أنه صواب ثم يسلم
__________
(1) الذى في النسائي (ج 1 ص 184) (فأيكم شك في صلاته شيئا) *(4/171)
ثم سجد سجدتي السهو * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عثمان ابن أبي شيبة ثنا جرير عن منصور عن ابراهيم عن علقمة.
قال قال عبد الله هو ابن مسعود.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم في حديث: (إذا شك (1) أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد (2) سجدتين) * قال علي: ورويناه من طرق كثيرة جياد غاية (3).
فلو لم يرد غيره هذه السنة لم يجز سجود السهو الا بعد السلام * حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن انس عن ابن شهاب عن الاعرج عن عبد الله ابن بحينة (4) قال: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم قام فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى صلاته ونظرنا (5) تسليمه كبر فسجد (6) سجدتين وهو جالس قبل التسليم، ثم سلم) (7) * فلم يرجع عليه السلام إلى الجلوس، وقد قال عليه السلام (صلوا كما ترونى أصلى) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيد الله بن عمر الجشمى (8) ثنا يزيد بن هرون أنا المسعودي هو أبو العميس عتبة بن عبد الله بن عتبة عبد الله بن مسعود (9) عن زياد بن علاقة (10) قال: (صلى بنا المغيرة
__________
(1) في الاصلين (وإذا شك) والواو الزائدة ليست في ابى داود (2) في الاصلين وليسجد وصححناه من ابى داود (ج 1 ص 390) (3) نسبه المنذرى للصحيحين وابن ماجه ايضا (4) هو عبد الله بن مالك، وبحينة - بالتصغير - امه ولذلك اثبتنا الف (ابن) (5) أي انتظرنا (6) كذلك هو في النسائي (ج 1 ص 181)، وفى الموطأ (ص 34) (ثم سجد) (7) رواه أيضا أبو داود (ج 1 ص 397 و 398) ونسبه المنذرى للشيخين والترمذي وابن ماجه (8) بضم الجيم وفتح الشين المعجمة (9) هكذا في الاصلين، وقد اخطأ ابن حزم جدا، فان
المسعودي في هذا الاسناد هو (عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود) واما أبو العميس - بضم العين المهملة وفتح الميم - فهو اخو المسعودي، وهو (عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود)، ولم يرو أبو العميس هذا الحديث عن زياد بن علاقة، بل رواه عن غيره، قال أبو داود بعد هذا الحديث (ورواه أبو العميس عن ثابت بن عبيد قال صلى بنا المغيرة بن شعبة مثل حديث زياد بن علاقه، قال أبو داود: أبو عميس اخو المسعودي) (ج 1 ص 399 و 400) (10) بكسر العين المهملة وتخفيف اللام *(4/172)
ابن شعبة فنهض في الركعتين، فقلنا: سبحان الله، فقال: سبحان الله، ومضى، فلما أتم صلاته وسلم سجد (1) سجدتي السهو، فلما انصرف قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع كما صنعت) (2) * قال على: وكلا الخبرين صحيح، فكلاهما الاخذ به سنة * وقد قال بعض مقلدي ابي حنيفة: لعل ابن بحينة لم يسمع تسليم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سلم! * قال علي: وهذا تعلل بدعوى الكذب، واسقاط السنن بالظن الكاذب.
ولا يحل ان يقال فيما رواه الثقة فكيف الصاحب: لعله وهم، إلا بيقين وارد بانه وهم، واما بالظن فلا، قال عليه السلام: (إياكم والظن فان الظن اكذب الحديث) ومن الباطل أن يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته ولا يسلم المؤتمون بسلامه، وأن يسلموا كما سلم عليه السلام ولا يسمع ابن بحينة شيئا من ذلك! فلا يدعي هذا إلا قليل الحياء، رقيق الدين مستهين بالكذب (3)! * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف ثنا موسى بن داود ثنا سليمان ابن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى، أثلاثا أم أربعا؟ (4)
فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد (5) سجدتين قبل أن يسلم) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد ابن العلاء أبو كريب ثنا أبو خالد هو الاحمر عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) في الاصلين (فلما اتم صلاته سلم وسجد) وصححناه من ابى داود (2) رواه أيضا الترمذي (ج 1 ص 74) عن الدارمي عن يزيد بن هرون، وقال (حسن صحيح) والمسعودي تكلم فيه والحق انه ثقة، وقد تابعه اخوه وغيره على روايته، قال الترمذي (وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة) (3) في النسخة رقم (16) (مستيقن) (4) قوله (أثلاثا أم أربعا) سقط من الاصلين وزدناه من مسلم (ج 1 ص 158) (5) في النسخة رقم (16) (ثم ليسجد) وما هنا هو الموافق لصحيح مسلم *(4/173)
(إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك (1) وليبن على اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين، فان كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان (2) وان كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته، وكانت السجدتان ترغيما للشيطان.
(3) * ورويناه من طريق مالك مرسلا (4) * فهذا نص ما قلنا، وهذا هو بيان التحري المذكور في حديث ابن مسعود.
* وفي هذا بطلان قول أبي حنيفة: إن عرض له ذلك أول مرة أعاد الصلاة، وأما بعد ذلك فيتحرى أغلب ظنه.
مع أن هذا التقسيم فاسد، لانه بلا برهان * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا حفص ابن عمر هو الحوضى ومسلم بن ابراهيم ثنا شعبة عن الحكم هو ابن عتيبة عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر خمسا، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذلك؟ قيل: (5) صليت خمسا، فسجد سجدتين
بعد ما سلم) (6) * فقال أبو حنيفة من صلى خمسا ساهيا فصلاته باطل، إلا أن يكون جلس في آخر الرابعة مقدار التشهد.
* قال علي: وهذا تقسيم مخالف للسنة، خارج عن القياس، بعيد عن سداد الرأى! * وروينا عن يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن أبيه عن الحارث ابن شبيل (7) عن عبد الله بن شداد: أن ابن عمر لم يجلس في الركعتين، فمضى فلما سلم في آخر صلاته سجد سجدتين وتشهد مرتين * حدثنا يوسف بن عبد الله النمري ثنا عبد الوارث بن سفيان ثنا قاسم بن أصبغ ثنا
__________
(1) في أبى داود (ج 1 ص 392) (فليلق الشك) بالقاف (2) في الاصلين (كانت الركعة في النافلة والسجدتين) وهو خطأ صححناه من ابى داود (3) في ابى داود (وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان) (4) رواه أبو داود عن القعنبى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلا، وهذا الحديث - أعنى المتصل - رواه مسلم والنسائي والدار قطني وغيرهم بالفاظ مختلفة، انظرها في شرح أبى داود.
(5) في بعض نسخ أبى داود (قال) وفى بعضها (قالوا) (6) نسبه المنذرى للشيخين والترمذي والنسائي (7) بضم الشين المعجمة وفتح الباء الموحدة *(4/174)
احمد بن زهير بن حرب ثنا أبي ثنا أبو معاوية الضرير عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن سعد بن أبي وقاص: (أنه نهض في الركعتين فسبحوا له، فاستتم قائما، ثم سجد سجدتي السهو حين انصرف، ثم قال: كنتم تروني أجلس؟! إنى صنعت كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع) (1) * وعن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار سمعت ابن عمر يقول: إذا شك أحدكم في صلاته فليتوخ حتى يعلم أنه قد أتم، ثم ليسجد سجدتين وهو جالس (2) * ففسر ابن عمر التحري كما قلناه *
فان احتج محتج بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر وسفيان بن عيينة كلاهما عن أيوب السختياني عن ابن سيرين عن عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (التسليم بعد سجدتي السهو) * قلنا: لم يسمع ابن سيرين من عمران بن الحصين، فهذا منقطع، (3) ثم لو أسند لما كان معارضا لامره عليه السلام بسجود السهو بعد السلام، بل كان يكون مضافا إليه، وإنما كان يكون فيه أن بعد السجدتين تسليما منهما فقط.
وبالله تعالى التوفيق * وروينا عن عطاء إيجاب سجود السهو في التطوع، وعموم أمره صلى الله عليه وسلم من أوهم في صلاة بسجدتي السهو: يدخل فيه التطوع، ولا يجوز اخراجه منه بالظن وبالله تعالى نتأيد *
__________
(1) رواه الحاكم (ج 1 ص 322 و 323) من طريق يحيى بن يحيى، والبيهقي (ج 2 ص 344) من طريق احمد بن عبد الجبار كلاهما عن أبى معاوية باسناده وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وهو كما قالا (2) روى البيهقى نحوه (ج 2 ص 323) من طريق مالك عن عمر بن محمد بن زيد عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر، ومن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر (3) نص احمد بن حنبل على ان ابن سيرين سمع من عمران كما نقله في التهذيب، ويظهر لى أن هذا الحديث مختصر من حديث ابن سيرين عن أبى هريرة في سجود السهو الذى قال في آخره (ولكن نبئت ان عمران بن حصين قال ثم سلم) ثم رواه ابن سيرين فبين عمن سمع ذلك فرواه عن خالد الحذاء عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران، وقد سبق في المسألة 472، واما اللفظ الذى هنا فانى لم أجده *(4/175)
474 مسألة ومن أكره على السجود لوثن أو لصليب أو لانسان وخشى الضرب أو الاذى أو القتل على نفسه أو على مسلم غيره ان لم يفعل: فليسجد لله تعالى قبالة الصنم، أو الصليب، أو الانسان، ولا يبالي إلى القبلة يسجد أو إلى غيرها *
وقد قال بعض الناس: ان كان المأمور بالسجود له في القبلة فليسجد لله تعالى والا فلا * قال علي: وهذا تقسيم فاسد، لان المنع من السجود لله تعالى إلى كل جهة عمدا قصدا لم يأت منه منع.
قال تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله) وانما أمرنا باستقبال الكعبة في الصلاة خاصة.
والسجود وحده ليس صلاة، وهو جائز بلا طهارة، والى غير القبلة، وللحائض لانه لم يأت نص بايجاب ذلك فيه.
وقال تعالى (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان * 475 مسألة ومن عجز عن القيام أو عن شئ من فروض صلاته أداها قاعدا فان لم يقدر فمضطجعا بايماء، وسقط عنه ما لا يقدر عليه ويجزئه ولا سجود سهو في ذلك ويكون في اضطجاعه كما يقدر، إما على جنبه ووجهه إلى القبلة، وإما على ظهره بمقدار ما لو قام لاستقبل القبلة، فان عجز عن ذلك فليصل كما يقدر إلى القبلة والى غيرها، وكذلك من قدح عينيه، (1) فانه يصلى كما يقدر.
* قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وقال تعالى.
(وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وأمر تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بالتداوي * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا حفص ابن عمر هو الحوضى ثنا شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما (2) على رؤسهم الطير، فسلمت ثم قعدت، فجاءت الاعراب من ههنا وههنا، فقالوا: يارسول الله أنتداوى؟ قال: تداووا فان الله لم يضع داءا إلا وضع له دواء، (3) غير داء واحد، الهرم (4) *
__________
(1) قدح الطبيب العين أخرج منها الماء المنصب إليها من داخل.
(2) في الاصلين (كأن) وصححناه من أبى داود (ج 4 ص 1) ومن مسند الطيالسي (ص 171 رقم 1232) وقد رواه عن شعبة والمسعودي عن زياد بن علاقة (3) في النسخة رقم (45) (إلا وله دواء) وما هنا هو الموافق لابي داود السجستاني، وابى داود الطيالسي (4) رواه(4/176)
فان ذكروا ان عائشة نهت ابن عباس عن ذلك * قلنا: كم قصة لها رضى الله عنها خالفتموها؟ حيث لا يعلم لها مخالف من الصحابة رضى الله عنهم، وحيث لم تأت سنة بخلافها، كأمرها المستحاضة بالوضوء لكل صلاة إيجابا ومعها في ذلك على بن أبي طالب، وابن عباس، وابن الزبير رضى الله عن جميعهم، ولا مخالف لهم في ذلك يعرف من الصحابة، ومعها السنة الصحيحة، وكامامتها هي وأم سلمة رضى الله عنهما النساء في الفريضة، ولا مخالف لهما في ذلك من الصحابة يعرف، ومثل هذا كثير جدا! فان كان لا يحل خلافها في مكان لم يحل في كل مكان، وإن كان خلافها للسنة مباحا في موضع فهو واجب بالسنة في كل موضع * 476 مسألة ومن ابتدأ الصلاة مريضا مومئا أو قاعدا أو راكبا لخوف ثم أفاق أو أمن.
قام المفيق ونزل الآمن، وبنيا (1) على ما مضى من صلاتهما، وأتما ما بقي، وصلاتهما تامة، سواء كان ما مضى منها أقلها أو لم يكن الا التكبير، أو لم يبق منها إلا السلام فيما بين ذلك، كل ذلك سواء * ومن ابتدأ صلاته صحيحا آمنا قائما إلى القبلة، ثم مرض مرضا أصاره إلى القعود أو إلى الايماء أو إلى غير القبلة، أو خاف فاضطر إلى الركوب والركض والدفاع.
فليبن على ما مضى من صلاته، وليتم ما بقي، كما ذكرنا سواء سواء ولا فرق، لما ذكرنا من قوله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) * وهو قول مالك وزفر وأبي سليمان وغيرهم * وقال الشافعي: ان أمن بعد الخوف فنزل بنى وتمت صلاته، وإن خاف بعد الامن فركب ابتدأ الصلاة * قال علي: وهذا تقسيم فاسد، وتفريق على أصله بين قليل العمل وكثيره، وهو
أصل في غاية الفساد.
وقال تعالى (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) وقد صلى بعض الصحابة
__________
أيضا احمد (ج 4 ص 278) والترمذي (ج 2 ص 3) والحاكم (ج 4 ص 198 و 199) وصححه هو والترمذي والذهبي (1) في النسخة رقم (16) (وبنى) وهو خطأ *(4/177)
ماشيا إلى عدوه * (1) وقال أبو حنيفة.
من ابتدأ الصلاة جالسا لمرض به ثم صح في صلاته فانه يبنى لا يختلف قوله في ذلك، واختلف قوله في الذي يفتتحها مومئا لمرض به ثم يصح فيها، وفى الذي يفتتحها صحيحا قائما ثم يمرض فيها مرضا ينقله إلى القعود أو إلى الايماء مضطجعا، فمرة قال: يبنى ومرة قال يبتدئها ولا بد، وسواء أصابه ذلك بعد أن قعد مقدار التشهد وقبل أن يسلم، أو أصابه قبل ذلك، وهذه الرواية في غاية الفساد، والتفريق بالباطل الذي لا يدري كيف يتهيأ في عقل ذي عقل قبوله من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى (إن هو إلا وحى يوحى) من عند الخالق الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون * وقال أبو يوسف.
ان افتتح الصلاة صحيحا قائما ثم مرض فانتقل إلى الايماء أو إلى الجلوس، أو افتتحها مريضا قاعدا ثم صح: فان هؤلاء ما لم ينتقل حالهم قبل أن يقعدوا مقدار التشهد فانهم يبنون قال: ومن افتتحها مريضا مومئا ثم صح فيها قبل أن يقعد مقدار التشهد فانه يبتدئ ولابد * وقال محمد بن الحسن (2) من افتتحها مريضا قاعدا أو مومئا ثم صح فيها فانه يبتدئ الصلاة ولا بد، ومن افتتحها قائما ثم مرض فيها قبل أن يقعد مقدار التشهد فصار إلى القعود أو إلى الايماء فانه يبنى * قال على: وهذه أقوال في غاية الفساد بلا برهان، وإنما ذكرناها لنرى أهل السنة مقدار فقه هؤلاء القوم وعلمهم! * 477 مسألة ومن اشتغل باله بشئ من أمور الدنيا في الصلاة كرهناه، ولم
تبطل لذلك صلاته، ولا سجود سهو في ذلك، إذا عرف ما صلى ولم يسه عن شئ من صلاته * برهان ذلك ما قد ذكرناه باسناده من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تخرجه بقول أو عمل) وهذا نفس قولنا * فان قيل: فانكم تبطلون الصلاة بأن ينوى فيها عمدا الخروج عن الصلاة جملة أو الخروج
__________
(1) هو عبد الله بن أنيس - بالتصغير - وذلك حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتل خالد بن سفيان الهذلى، انظر حديثه في أبى داود (ج 1 ص 485) (2) في النسخة رقم (16) (محمد بن المثنى) وهو خطأ *(4/178)
عن إمامة الامام بلا سبب يوجب ذلك عليه أو الخروج عن فرض إلى تطوع، أو من تطوع إلى فرض، أو من صلاة إلى صلاة أخرى، إذا عمد كل ذلك ذاكرا (1)، ويوجبون في سهوه بكل ذلك سجود السهو، وحكم السهو في الغاء ما عمل في تلك الحال من واجبات صلاته * قلنا: نعم، لان هذا قد أخرج ما حدث به نفسه بعمل فعمل شيئا ما.
في صلاته عمدا بخلاف ما أمر به، فبطلت صلاته، أو سها بذلك العمل، فوجب عليه سجود السهو * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا معاذ بن هشام حدثنى أبي - هو الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير ثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة حدثهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نودى بالاذان أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع الاذان، فإذا قضى الاذان أقبل، فإذا ثوب بها (2) أدبر، فإذا قضى التثويب أقبل يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا وكذا (3)، لما لم يكن يذكر، حتى يظل المرء (4) إن يدري كم صلى؟ فإذا لم يدر احدكم كم صلى؟ فليسجد سجدتين وهو جالس) فلم يبطل عليه السلام الصلاة بتذكير الشيطان له ما يشغله به عن صلاته، ولا جعل
في ذلك سجود سهو، وجعل عليه السلام سجود السهو في جهله كم صلى فقط؟ * ومن طريق وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه.
أن عمر بن الخطاب قال: انى لاحسب جزية البحرين في الصلاة (5) * 478 مسألة ومن ذكر في نفس صلاته أي صلاة كانت أنه نسى صلاة فرض واحدة أو أكثر من واحدة، أو كان في صلاة الصبح فذكر أنه نسى الوتر.
تمادى
__________
(1) استعمل (عمد) متعديا بنفسه في هذا المعنى ولا دليل عليه (2) في الاصلين (فإذا ثوب لها) وصححناه من مسلم (ج 1 ص 158) (3) في مسلم (اذكر كذا اذكر كذا) (4) في مسلم (حتى يظل الرجل) (5) مضى في المسألة 303 (ج 3 ص 210) وقد ذكره ابن حجر في الفتح (ج 3 ص 71) في أبواب العمل في الصلاة في باب (تفكر الرجل الشئ في الصلاة) ونسبه لابن ابى شيبة.
وروى البخاري معلقا عن عمر (انى لاجهز جيشي وانا في الصلاة) ونسبه ابن حجر لابن أبى شيبة باسناد صحيح كما قال *(4/179)
في صلاته تلك حتى يتمها، ثم يصلى التي ذكر فقط، لا يجوز له غير ذلك، ولا يعيد التي ذكرها فيها.
قال الله تعالى.
(ولا تبطلوا أعمالكم) فهذا في عمل قد نهى عن ابطاله * وقال أبو حنيفة: ان كان الذي ذكر خمس صلوات فأقل قطع التي هو فيها وصلى التي ذكر، وقطع صلاة الصبح وأوتر، ثم صلى التي قطع، فان خشى فوت التي هو فيها تمادى فيها ثم صلى التي ذكر ولا مزيد، فان كانت التي ذكر ست صلوات فصاعدا تمادى في صلاته التي هو فيها ثم قضى التي ذكر * وقال مالك.
ان كانت التي ذكر خمس صلوات فأقل أتم التي هو فيها ثم صلى التي ذكر، ثم اعاد التي ذكرها فيها، وان كانت ست صلوات فأكثر أتم التي هو فيها ثم قضى التي ذكرها ولا يعيد التي ذكرها فيها * قال علي: وهذان قولان فاسدان *
أول ذلك: أنه تقسيم بلا برهان، ولا فرق بين ذكر الخمس وذكر الست، لا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا سقيمة ولا اجماع ولا قول صاحب، ولا قياس ولا رأى سديد، ولا فرق بين وجوب الترتيب في صلاة يوم وليلة وبين وجوبه في ترتيب صلاة أمس قبل صلاة اليوم، وصلاة أول أمس قبل صلاة أمس، وهكذا أبدا * فان ذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها)، لا كفارة لها إلا ذلك) * قلنا: هذا حق وهو عليه السلام الآمر بهذا قد ذكر صلاة الصبح إذ انتبه بعد طلوع الشمس، فأمر الناس بالاقتياد والوضوء والاذان، ثم صلى هو وهم ركعتي الفجر ثم صلى الصبح، فصح ان معنى قوله عليه السلام (فليصلها إذا ذكرها) كما امر، لا كما لم يؤمر من قطع صلاة قد امره عليه السلام بالتمادي فيها بقوله (فما ادركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) وبقوله عليه السلام (إن في الصلاة لشغلا) * ثم هم اول مخالف لهذا الخبر لتفريقهم بين ذكر خمس فأقل وبين ذكره اكثر من خمس، وليس في الخبر نص ولا دليل بالفرق بين ذلك * فان ذكروا خبر ابن عمر (من ذكر صلاة في صلاة) انهدمت عليه (1) *
__________
(1) لم اجد هذا الخبر بهذا اللفظ، وورد هذا المعنى عن ابن عمر مرفوعا وموقوفا عند البيهقى (ج 2 ص 221 و 222) *(4/180)
فقد قلنا: إنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم قد خالفوا قول ابن عمر في تفريقهم بين خمس فأقل وبين أكثر من خمس * فان ادعوا اجماعا في ذلك كانوا كاذبين على الامة.
لقولهم عليهم بغير علم، وبالظن الذي لا يحل وأكذبهم أن احمد بن حنبل وأحد قولى الشافعي انه يبدأ بالفائتة، ولو انها صلاة عشرين سنة *
لاسيما امر ابى حنيفة بابطال الصبح وهى فريضة للوتر وهى تطوع ولا يأتم من تركه، وامر مالك بأن يتم صلاة لا يعتد له، ثم يعيدها! وهذا عجب جدا! ان يأمره بعمل لا يعتد له به! * ولا يخلو هذا المأمور بالتمادي في صلاته من ان تكون هي الصلاة التى أمر الله تعالى بها أم هي صلاة لم يأمره الله تعالى بها.
ولا سبيل إلى قسم ثالث، فان كان امره بالتمادي في الصلاة التى امره الله تعالى بها فأمره باعادتها باطل وان كان امره بالتمادي في صلاة لم يأمره الله تعالى بها فقد امره بما لا يجوز * وقولنا هو قول طاوس، والحسن، والشافعي، وابي ثور، وسليمان وغيرهم، ولافرق بين ذكره الصلاة التي نسى أو نام عنها في صلاة آخرى أو بعد ان أتم صلاة اخرى أو في وقت صلاة اخرى قبل ان يبدأ بها من طريق النظر اصلا وبالله تعالى التوفيق * 479 مسألة فان ذكر صلاة وهو في وقت أخرى، فان كان في الوقت فسحة فليبدأ بالتى ذكر، سواء كانت واحدة أو خمسا أو عشرا أو أكثر، يصلى جميعها مرتبة ثم يصلى التى هو في وقتها، سواء كانت في جماعة أو فذا، وحكمه ولا بد ان يصلى تلك الصلاة مع الجماعة من التي نسى، فان قضاها بخلاف ذلك اجزأه * فان كان يخشى فوت التي هو في وقتها بدأ بها ولا بد، لا يجزئه غير ذلك، سواء كانت التي ذكر واحدة أو اكثر، فإذا اتم التي هو في وقتها صلى التي ذكر، لا شئ عليه غير ذلك، فان بدأ بالتي ذكر وفات وقت التي ذكرها في وقتها بطل كلاهما، وعليه ان يصلى التي ذكر، ولا يقدر على التي تعمد تركها حتى خرج وقتها.
وهو قول أبي حنيفة والشافعي وابي سليمان * وقال مالك: ان كانت التي ذكر خمس صلوات فأقل بدأ بالتي ذكر، وان خرج وقت(4/181)
التي حضرت، وان كانت اكثر من خمس بدأ بالتي حضر وقتها *
قال علي: وهذا قول لا برهان على صحته اصلا، لا من قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا اجماع.
ولا قياس، ولا قول صاحب، ولا رأى له وجه، لكنه طرد المسألة التي قبل هذه إذ تناقض أبو حنيفة * وبرهان صحة قولنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نسى الظهر والعصر يوم الخندق حتى غربت الشمس، فأمر بالاذان والاقامة ثم صلى الظهر، ثم امر بالاذان والاقامة ثم صلى العصر، ثم أمر بالاذان والاقامة فصلى المغرب في وقتها، وانما لم نجعل ذلك واجبا لانه عمل لا أمر، وأما إن فاته وقت الحاضرة فان التي ذكر من اللواتي خرج وقتها لغير الناسي متمادية الوقت للناسي أبدا لا تفوته باقى عمره، والتي هو في وقتها تفوته بتعمده تركها حتى يخرج وقتها وهو ذاكر لها، فهو مأمور بصلاتها، كما هو مأمور بالتي نسى ولا فرق، فإذ حرام (1) (عليه التفريط في صلاة يذكرها حتى يدخل وقت أخرى أو يخرج وقت هذه فلا يحل له ذلك * فان تعلق بقوله عليه السلام: (فليصلها إذا ذكرها) * قلنا: أنتم أول مخالف لهذا الخبر، في تفريقكم بين الخمس وبين أكثر من الخمس، وأما نحن فما خالفناه، لانه لابد من أن يصلى احدى التي ذكر قبل الاخرى، فالتى يكون عاصيا لله إن أخرها أوجب من التي لا يكون عاصيا له تعالى إن أخرها * وبقولنا هذا يقول سعيد بن المسيب، والحسن، وسفيان الثوري وغيرهم * 480 مسألة ومن ايقن انه نسى صلاة لا يدري أي صلاة هي؟ فان مالكا، وابا يوسف، والشافعي، وابا سليمان قالوا: يصلى صلاة يوم وليلة.
ويلزم على هذا القول ان لم يدر أمن سفر ام من حضر؟ ان يصلى ثمانى صلوات * وقال سفيان الثوري، ومحمد بن الحسن: يصلى ثلاث صلوات احداها ركعتان، ينوى بها الصبح، والثانية ثلاث ينوى بها المغرب، والثالثة أربع ينوى بها الظهر أو العصر؟ أو العشاء الآخرة.
ويلزم على هذا القول إن لم يدر أمن سفر هي أم من حضر؟ أن يصلى
صلاتين فقط احداهما ركعتان والاخرى ثلاث ركعات؟! وقال زفز والمزني: يصلى صلاة
__________
(1) في النسخة رقم (16) (فإذ حرم) الخ *(4/182)
واحدة أربع ركعات، يقعد في الثانية، ثم في الرابعة، ثم يسجد للسهو، قال زفر: بعد السلام، وقال المزني: قبل السلام! * وقال الاوزاعي: يصلى صلاة واحدة أربع ركعات فقط، لا يقعد إلا في الثانية والرابعة، ثم يسجد للسهو ينوى في ابتدائه إياها أنها التي فاتته في علم الله تعالى.
وبهذا نأخذ، إلا أن الاوزاعي قال: يسجد للسهو قبل السلام، وقلنا نحن: بعد السلام * برهان صحة قولنا: إن الله عزوجل لما فرض عليه بيقين مقطوع لا شك فيه، ولا خلاف من أحد منهم ولا منا صلاة واحدة، وهى التي فاتته، فمن أمره بخمس صلوات أو ثمان صلوات أو ثلاث صلوات أو صلاتين فقد أمره يقينا بما لم يأمره الله تعالى به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وفرضوا عليه صلاة أو صلاتين أو صلوات ليست عليه، وهذا باطل بيقين، فلا يجوز أن يكلف إلا صلاة واحدة كما هي عليه ولا مزيد فسقط قول كل من ذكرنا، حاشا قولنا وقول زفر والمزنى * فاعترضوا علينا بأن قالوا: ان النية للصلاة فرض عندنا وعندكم، وأنتم تأمرونه بنية مشتركة لا تدرون انها الواجب عليه، وهذا الاعتراض انما هو للذين أمروه بالخمس أو الثمان فقط * قلنا لهم: نعم ان النية فرض عندنا وعندكم، وانتم تأمرونه لكل صلاة أمرتموه بها بنية مشكوك فيها أو كاذبة بيقين، ولابد من أحدهما، ولا بد من أحدهما، لانكم ان أمرتموه أن ينوى لكل صلاة أنها التي فاتته قطعا فقد أوجبتم عليه الباطل والكذب، وهذا لا يحل، لانه ليس على يقين من أنها التي فاتته، فإذا لم يكن على يقين منها ونواها قطعا فقد نوى الباطل، وهذا حرام.
وإن أمرتموه أن ينوى في ابتداء كل صلاة منها أنها التي علم الله أنها فاتته فقد
أمرتموه بما عبتم علينا، سواء سواء، لا بمثله، ونحن نقول.
إن هذه الملامة ساقطة عنه، لانه لا يقدر على غيرها أصلا، وقد قال الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقال عليه السلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فقد سقطت عنه النية المعينة، لعدم قدرته عليها، وبقى عليه وجوب النية المرجوع فيها إلى علم الله تعالى، إذ هو قادر عليها.
وبالله تعالى التوفيق.
فسقط ذلك القول أيضا * ثم قلنا لزفر والمزنى: إنكم ألزمتموه جلسة بعد الركعة الثالثة لم يأمر الله تعالى بها قط،(4/183)
ولا يجوز أن يلزم أحد إلا ما نحن على يقين من أن الله تعالى ألزمه إياه، فسقط أيضا قولهما، لانهما دخلا في بعض ما أنكرا على غيرهما.
* قال علي وبرهان صحة قولنا هو أن الله تعالى انما أوجب عليه صلاة واحدة فقط، لا يدري أي صلاة هي؟ فلا يقدر البتة على نية لها بعينها، ولا بد له من نية مشكوك فيها أي صلاة هي، فينوي انه يؤدى الصلاة التي فاتته التى يعلمها الله تعالى، فيصلى ركعتين ثم يجلس ويتشهد فإذا أتم تشهده فقد شك: أتم صلاته التي هي عليه ان كانت الصبح أو ان كانت صلاة تقصر في السفر؟ أم صلى بعضها كما أمر ولم يتمها، ان كانت صلاة تتم في الحضر؟ أو كانت المغرب؟ فإذا كان في هذه الحال فقد دخل في جملة من أمره النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يدر كم صلى؟ ان يصلى حتى يكون على يقين من التمام، وعلى شك من الزيادة، فيقوم إلى ركعة ثالثة ولابد، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية منها فقد شك: هل أتم صلاته التى عليه ان كانت المغرب فيقعد حينئذ؟ أم بقيت عليه ركعة، ان كانت الظهر أو العصر أو العتمة في حضر، فإذا صار في هذا الحال فقد دخل في جملة من أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يدر كم صلى؟ بأن يصلى حتى يكون على يقين من التمام وعلى شك من الزيادة، فعليه ان يقوم إلى رابعة، فإذا أتمها وجلس في آخرها وتشهد فقد ايقن بالتمام بلا شك، وحصل في شك من الزيادة، فليسلم حينئذ، وليسجد كما أمره
الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا هو الحق المقطوع على وجوبه.
والحمد لله رب العالمين * ويدخل على زفر والمزنى في الزامهما اياه جلسة في الثالثة انهما ألزماه افراد النية في تلك الجلسة أنها للمغرب خاصة، وهذا خطأ لانه اعمال يقين فيما لا يقين فيه * فان أيقن أنها من سفر صلى صلاة واحدة كما ذكرنا، يقعد في الثانية ثم في الثالثة ويسلم ثم يسجد للسهو * قال علي: فان نسى ظهرا وعصرا لا يدري؟ أمن يوم واحد أم من يومين أو يدري صلاهما فقط ولا يبالي أيهما قدم؟ لانه لم يوجب عليه غير ذلك نص سنة ولا قرآن ولا اجماع ولا قياس ولا قول صاحب، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأبي سليمان * وقال المالكيون: ان لم يدر أهى من يوم ام من يومين؟ فليصل ثلاث صلوات اما ظهرا بين عصرين واما عصرا بين ظهرين *(4/184)
قال علي: وهذا تخليط ناهيك به! وانما يجب الترتيب مادامت الاوقات قائمة مرتبة بترتيب الله تعالى لها، وأما عند خروج بعض الاوقات فلا: إذ لم يأت بذلك نص قرآن ولا سنة ولا اجماع.
وبالله تعالى التوفيق * 481 مسألة فان كان قوم في سفينة لا يمكنهم الخروج إلى البر الا بمشقة أو بتضبيعها فليصلوا فيها كما يقدرون، بامام وأذان واقامة ولا بد، فان عجزوا عن اقامة الصفوف وعن القيام لميد (1) أو لكون بعضهم تحت السطح أو لترجح (2) السفينة: صلوا كما يقدرون وسواء كان بعضهم أو كلهم قدام الامام أو معه أو خلفه، إذا لم يقدروا على اكثر، وصلى من عجز عن القيام قاعدا ولا يجزئ القادر على القيام الا القيام.
لقول الله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ولقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) *
وقال أبو حنيفة يصلى قاعدا من قدر على القيام.
وهذا خلاف أمر الله تعالى بالقيام في الصلاة.
واحتج بأن أنسا صلى في سفينة قاعدا فقلنا: وما يدريكم أنه كان قاعدا؟ وهو يقدر على القيام؟ حاشا لله أن يظن بأنس رضى الله عنه انه صلى قاعدا، وهو قادر على القيام * 482 مسألة والصلاة جائزة في البيع والكنائس والهبارات (3) والبيت من بيوت النيران وبيوت البد (4) والديور: - (5) إذا لم يعلم هنالك ما يجب اجتنابه من دم أو خمر
__________
(1) مصدر ماد وأصل الميد الحركة والميل ومنه الميد بمعنى الحيرة التى تكون عن السكر أو الغثيان أو ركوب البحر، قال أبو الهيثم (المائد الذى يركب البحر فتغثى نفسه من نتن ماء البحر حتى يدار به ويكاد يغشى عليه فيقال: ماد به البحر يميد به ميدا) (2) بالجيم ثم الحاء المهملة.
قال الليث (الاراجيح الفلوات كأنها تترحج بمن سار فيها أي تطوح يمينا وشمالا) ومنه الارجوحة والمرجوحة التى يلعب بها الغلمان، وترجحت الارجوحة بالغلام أي مالت.
(3) هكذا في النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (45) (الهارات) بدون نقط وقد أطلت البحث عن معنى الكلمتين بما يناسب سياق الكلام فلم أجد ويحرر * (4) بضم الباء الموحدة وتشديد الدال المهملة، وهو بيت فيه أصنام وتصاوير وهو اعراب (بت) بالفارسية، وقال ابن دريد: (البد الصنم نفسه الذى يعبد لا أصل له في اللغة فارسي معرب والجمع البددة بباء ودالين مفتوحات قاله في اللسان (5) جمع دير وفى النسخة رقم (16) (والوفود) وهو خطأ وليس له معنى *(4/185)
أو ما أشبه ذلك.
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لى الارض مسجدا أو طهورا، فحيثما أدركتك الصلاة فصل) * 483 مسألة وحد دنو المرء من سترته أقرب ذلك قدر ممر الشاة، وأبعده ثلاثة أذرع لا يحل لاحد الزيادة على ذلك فان بعد عن سترته عامدا أكثر من ثلاثة أذرع وهو ينو انها سترته بطلت صلاته، فان لم ينو انها سترة له فصلاته تامة *
وكل ما مر أمامه مما يقطع الصلاة والسترة بينه وبينه أو مقدارها نوى ذلك سترة أو لم ينو: فصلاته تامة، وسواء مر ذلك على السترة أو خلفها * وحد مقدار السترة ذراع في أي غلظ كان * ومن مر أمام المصلى وجعل بينه وبينه اكثر من ثلاثة اذرع فلا اثم على المار، وليس على المصلى دفعه، فان مر أمامه على ثلاثة أذرع فأقل فهو آثم الا ان تكون سترة المصلى اقل من ثلاثة أذرع، فلا حرج على المار في المرور وراءها أو عليها * برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب انا على ابن حجر واسحاق بن منصور قالا انا سفيان هو ابن عيينة عن صفوان بن سليم عن نافع بن جبير بن مطعم عن سهل بن ابي حثمة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته) * (1) قال علي: فصار فرضا على من صلى إلى سترة أن يدنو منها، وكان من لم يدن منها إذا صلى إليها غير مصل كما أمر، فلا صلاة له * فإذ الدنو منها فرض فلا بد من بيان مقدار الدنو المفترض من خلافه، إذ لا يمكن أن يأمرنا عليه السلام بأمر يلزمنا، ثم لا يبينه علينا، والله تعالى قد أمره بالبيان علينا، والتبليغ الينا، قال تعالى (بلغ ما أنزل إليك من ربك) وقال تعالى (لتبين للناس ما نزل إليهم) * فنظرنا في ذلك فوجدنا عبد الله بن يوسف بن نامي حدثنا قال ثنا احمد بن فتح نثا عبد الوهاب ابن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يعقوب بن ابراهيم الدورقى ثنا ابن أبي حازم هو عبد العزيز ثنا أبي عن سهل بن سعد الساعدي قال: (كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر الشاة) (2) فكان هذا أقل ما يمكن من
__________
(1) في النسائي (ج 1 ص 122) (2) في مسلم (ج 1 ص 144) *(4/186)
الدنو، إذ ما كان أقل من هذا فمانع من الركوع ومن السجود إلا بتقهقر، ولا يجوز
تكلف ذلك الا لمن لا يقدر على أكثر من ذلك * وقد وجدنا عبد الله بن ربيع حدثنا، قال ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد ابن سلمة عن ابن القاسم حدثنى مالك عن نافع عن ابن عمر، قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) دخل الكعبة، هو وأسامة بن زيد، وبلال وعثمان بن طلحة الحجبى (2) فأغلقها عليه، (3) فسألت بلالا حين خرج: ماذا صنع (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جعل عمودا عن يساره وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة - ثم صلى، وجعل بينه وبين الجدار نحوا من ثلاثة أذرع) (5) * قال علي: لم نجد في البعد عن السترة أكثر من هذا، فكان هذا حد البيان في أقصى الواجب من ذلك.
وقد ذكرنا البراهين فيما عدا ذلك فيما خلا من كتابنا هذا ولله تعالى الحمد * وقد قال بهذا قبلنا طائفة من السلف * روينا عن ابن جريج عن عطاء قال: يقال: أدنى ما يكفيك فيما بينك وبين السارية ثلاثة أذرع * وقد صلى عليه السلام إلى الحربة والعنزة والبعير، وحد السترة في ارتفاعها بمؤخرة الرحل، ورويناه عن أبي سعيد وعطاء وغيرهم * ولم يصح في الخط شئ، فلا يجوز القول به.
وبالله تعالى التوفيق * 484 مسألة ومن بكى في الصلاة من خشية الله تعالى أو من هم عليه (6) ولم يمكنه رد البكاء فلا شئ عليه، ولا سجود سهو ولا غيره، فلو تعمد البكاء عمدا بطلت صلاته.
*
__________
(1) في الموطأ (ص 155) والنسائي (ج 1 ص 122) (عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) بحذف كلمة (قال) (2) في النسخة رقم (16) (وعثمان بن أبى طلحة الحجبى) وهو خطأ (3) في الموطأ زيادة (ومكث فيها) (4) ما هنا هو الموافق للنسائي،
وفى الموطأ (ما صنع) (5) قوله (وجعل بينه وبين الجدار) الخ ليس في الموطأ رواية يحيى بن يحيى ولا في رواية محمد بن الحسن (ص 228) فهو زيادة من رواية ابن القاسم (6) هكذا في الاصول (هم عليه) والمعروف في اللغة أن يقال (هم به) فلعل المؤلف اطلع على شاهد لهذا *(4/187)
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أنا عبد الله ابن المبارك عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن مطرف - هو ابن الشخير (1) - عن ابيه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل، يعنى يبكى) (2) * قال على: هكذا هو التفسير نصا في نفس الحديث.
* وأما غلبة البكاء فقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
وقال عليه السلام: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وأما تعمد البكاء فعمل لم يأت باباحته نص، وقال عليه السلام (إن في الصلاة لشغلا) فصح أن كل عمل فهو محرم في الصلاة، إلا عملا جاء باباحته نص أو اجماع، وبالله تعالى التوفيق * (صلاة الجماعة (3)) 485 - مسألة - ولا تجزئ صلاة فرض أحدا من الرجال إذا كان بحيث يسمع الاذان أن يصليها الا في المسجد مع الامام، فان تعمد ترك ذلك بغير عذر بطلت صلاته، فان كان بحيث لا يسمع الاذان (4) ففرض عليه أن يصلى في جماعة مع واحد إليه فصاعدا ولابد، فان لم يفعل فلا صلاة له الا ان لا يجد أحدا يصليها معه فيجزئه حينئذ الا من له عذر فيجزئه حينئذ التخلف عن الجماعة * وليس ذلك فرضا على النساء، فان حضرنها حينئذ فقد أحسن، وهو أفضل لهن فان استأذن الحرائر أو الاماء بعولتهن أو ساداتهن في حضور الصلاة في المسجد ففرض عليهم الاذن لهن.
ولا يخرجن إلا تفلات غير متطيبات ولا متزينات، فان تطيبن أو تزين
لذلك فلا صلاة لهن، ومنعهن حينئذ فرض * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا
__________
(1) هو مطرف بن عبد الله بن الشخير - بكسر الشين وتشديد الخاء المعجمتين - وأبوه عبد الله بن الشخير له صحبة (2) الازيز - بزايين بوزن كريم - هو ان يجيش جوفه ويغلى بالبكاء.
والمرجل - بكسر الميم واسكان الراء - الاناء الذى يغلى فيه الماء.
والحديث في النسائي (ج 1 ص 179) (3) هذا العنوان في بعض النسخ دون بعض، وإثباته أحسن، وفائدته أكثر (4) في النسخة رقم (45) (لا يسمع أذانا) *(4/188)
أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ويعقوب بن ابراهيم الدورقي وإسحق ابن ابراهيم هو ابن راهويه كلهم عن مروان بن معاوية الفزاري عن عبيد الله بن الاصم عن يزيد بن الاصم (1) عن أبي هريرة قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يارسول الله، ليس لي قائد (2) يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له، فيصلى في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه وقال له: هل تسمع (3) النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأجب) * (4) حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يزيد بن زريع ثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث الليثي قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرت (5) الصلاة فأذنا وأقيما ثم ليؤمكما أكبركما) * وبه إلى البخاري: حدثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجلين أتياه يريدان السفر: (إذا خرجتما (6) فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما) * وبه إلى البخاري: حدثنا معلى بن أسد ثنا وهيب هو ابن خالد عن أيوب عن
أبي قلابة (7) عن مالك بن الحويرث قال: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا وقد أتيته في نفر من قومي.
إذا حضرت الصلاة.
فليؤذن لكم أحدكم.
وليؤمكم أكبركم) * (8)
__________
(1) في مسلم (ج 1 ص 181) (ثنا يزيد بن الاصم) (2) في مسلم (انه ليس لى قائد) (3) في مسلم (دعاه فقال: هل تسمع) الخ (4) في مسلم (قال: فأجب) (5) في البخاري بهذا الاسناد (ج 1 ص 266) (عن مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا حضرت) الخ فلعل السياق الذى هنا في موضع آخر في البخاري لم نطلع عليه أو لعله في نسخة من نسخ البخاري المختلفة (6) في البخاري (ج 1 ص 257 و 258) (عن مالك بن الحويرث.
قال.
أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر فقال النبي صلى الله عليه وسلم.
إذا أنتما خرجتما) الخ (7) في الاصلين (ثنا وهيب - هو ابن خالد - عن أبى قلابة) بحذف (عن أيوب) وهو خطأ صرف صححناه من البخاري (ج 1 ص 257) (8) الحديث روى المؤلف أوله بالمعنى *(4/189)
حدثنا أحمد بن قاسم حدثني أبي قاسم بن محمد بن قاسم حدثني جدى قاسم بن أصبغ ثنا اسماعيل بن اسحاق القاضى ثنا سليمان بن حرب ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال.
(من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) (1) * حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا ابراهيم بن محمد ثنا ابن بكير عن مالك بن أبى الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال.
(والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين (2) حسنتين لشهد العشاء) * (3)
وقد رويناه من طريق سفيان بن عيينة عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة مسندا
__________
(1) رواه ابن ماجه (ج 1 ص 137) عن عبد الحميد بن بيان عن هشيم بن بشير عن شعبة باسناده وهذا اسناد صحيح.
ورواه الدارقطني (ص 161) عن على بن عبد الله ابن مبشر عن عبد الحميد بن بيان عن هشيم، ورواه الحاكم (ج 1 ص 245) من طريق عمرو بن عون وعبد الحميد بن بيان كلاهما عن هشيم عن شعبة، ورواه الدارقطني والحاكم من طريق العباس الدوري عن عبد الرحمن بن غزوان قراد أبى نوح عن شعبة ورواه الحاكم بأسانيد أخرى عن شعبة، قال الحاكم (هذا حديث قد أوقفه غندر وأكثر اصحاب شعبة وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وهشيم وقراد أبو نوح ثقتان فإذا وصلاه فالقول فيه قولهما) ووافقه الذهبي والموقوف سيذكره المؤلف قريبا، ومن الغريب ان الدارقطني زعم ان قرادا شيخ مجهول مع انه ثقة معروف وقد وثقه هو نفسه في الجرح والتعديل كما نقله عنه ابن حجر في التهذيب.
والحديث رواه أيضا أبو داود (ج 1 ص 216) والدار قطني والحاكم من طريق أبى جناب عن مغراء العبدى عن عدى بن ثابت عن سعيد بن جبير وهذا اسناد ضعيف لضعف ابى جناب الكلبى واسمه يحيى بن أبى حية ولكن الاسانيد السابقة صحيحة وفيها مقنع.
(2) بفتح الميم الاولى وبكسرها مع اسكان الراء وهى ما بين ظلفى الشاة (3) في الموطأ (ص 45) والبخاري من طريق مالك (ج 1 ص 262) *(4/190)
ومن طريق شعبة، وعبد الله بن نمير، وأبي معاوية كلهم عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مسندا (1) * وليس في ذكر العشاء في آخر الحديث دليل على أنها المتوعد على تركها دون غيرها، بل هي قضيتان متغايرتان * وايضا فالمخالف موافق لنا على أن حكم صلاة العشاء في وجوب حضورها كسائر الصلوات ولا فرق *
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهم بباطل ولا يتوعد إلا بحق * فان قيل فلم لم يحرقها؟ * قيل.
لانهم بادروا وحضروا الجماعة، لا يجوز غير ذلك * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا النفيلى هو عبد الله بن محمد ثنا أبو المليح - هو الحسن بن عمر الرقي - حدثني يزيد ابن يزيد - هو ابن جابر حدثني يزيد بن الاصم، قال سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد همت أن آمر فتيتي فتجمع (2) حزما من حطب، ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم، قال يزيد: فقلت ليزيد ابن الاصم: يا أبا عوف، الجمعة عنى أو غيرها؟ قال: صمتا أذناى إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر جمعة ولا غيرها * قال علي وقد أقدم قوم على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارا فقال: انما عنى المنافقين! * ومعاذ الله من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المحال البحت أن يكون عليه السلام يريد المنافقين فلا يذكرهم، ويذكر تاركى الصلاة وهو لا يريدهم! * فان ذكروا حديث أبي هريرة وابن عمر كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان صلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد سبعا وعشرين درجة) * قلنا: هذان خبران صحيحان، وقد صحت الاخبار التي صدرناها، وثبت أنه لا صلاة
__________
(1) هذه الروايات كلها في مسلم (ج 1 ص 180 و 181) الا رواية شعبة فانى لم أجدها (2) في سنن أبى داود (ج 1 ص 251) (فيجمعوا) *(4/191)
لمتخلف عن الجماعة إلا ان يكون معذورا، فوجب استعمال هذين الخبرين على ما قد صح هنالك، لا على التعارض والتناقض المبعدين عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم *
فصح أن هذا التفاضل إنما هو على صلاة المعذور التي تجوز، وهى دون صلاة الجماعة في الفضل (1) كما أخبر عليه السلام، ومن حمل هذين الخبرين على غير ما ذكرنا حصل على خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاحاديث الاخر، وعلى تكذيبه عليه السلام في قوله: أن لا صلاة في غير الجماعة إلا لمعذور، واستخف بوعيده، وعصى أمره عليه السلام في إجابة النداء، وبأن يؤم الاثنين فصاعدا أحدهما، وهذا عظيم جدا * وهذا الذي قلنا: هو مثل قول الله تعالى: (لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وانفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما.
درجات منه) فنص تعالى على أن المتخلف عن الجهاد بغير عذر مذموم أشد الذم في غير ما موضع من القرآن، منها قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل الا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم) في آيات كثيرة جدا، ثم بين الله تعالى أن المجاهدين مفضلون على القاعدين درجة ودرجات، فصح انه انما عنى القاعدين المعذورين الذين لهم نصيب من وعد الله الحسنى والاجر، لا الذين توعدوا بالعذاب، * وكما أخبر عليه السلام ان صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، ولم يختلفوا معنا في ان المصلى قاعدا بغير عذر لا أجر له، ولا نصيب من الصلاة، فصح ان النسبة المذكورة من الفضل انما هي بين المباح له الصلاة قاعدا لعذر من خوف أو مرض أو في نافلة.
* فان أرادوا ان يخصوا بذلك النافلة فقط، سألناهم الدليل على ذلك؟ ولا سبيل لهم إليه، الا بدعوى في ان المعذور في الفريضة صلاته كصلاة القائم، وهذه دعوى كاذبة، مخالفة لعموم قوله عليه السلام: (صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم) دون تخصيص منه عليه السلام *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (في المصلى) وهو خطأ ظاهر *(4/192)
وأيضا فان حمام بن احمد حدثنا قال: ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن ايمن ثنا بكر بن حماد والقاضي احمد بن محمد البرتي قال القاضى البرتى: ثنا: أبو معمر هو عبد الله ابن عمرو الرقي (1) ثنا عبد الوارث، وقال بكر: ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان وعبد الوارث بن سعيد التنوري، ثم اتفقا عن الحسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران ابن الحصين، قال القاضى البرتي في حديثه: أن عمران بن الحصين حدثه وكان رجلا مبسورا (2): (انه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد، فقال عليه السلام: (من صلى قائما، فهو افضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد) (3) * قال على: وخصومنا لا يجيزون التنفل بالايماء للصحيح، فبطل تأويلهم جملة.
ولله تعالى الحمد * ولا شك في ان من فعل الخير أفضل من آخر منعه العذر من فعله، وهذا منصوص عليه في الخبر الذي فيه: ان الفقراء قالوا: يارسول الله، ذهب إصحاب الدثور بالاجور، فعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذكر الذي علمهم، فبلغ الاغنياء ففعلوه زائدا على ما كانوا يفعلونه من العتق والصدقة، فذكر الفقراء ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال.
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) * ولا خلاف في ان من حج أفضل ممن لم يحج ممن اقعده العذر، وهكذا في سائر الاعمال.
وقد جاء في الاثر الصحيح.
(من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فان عملها كتبت له عشرا) فعم عليه السلام من لم يعملها بعذر أو بغير عذر * فان ذكروا الاثر الوارد فيمن كان له حزب من الليل فأقعده عنه المرض أو النوم كتب له *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (عبد الله بن عمر الرقى) وهو خطأ.
وما هنا أيضا خطأ في نسبة عبد الله هذا إلى الرقة فانه (أبو معمر عبد الله بن عمرو التميمي المنقرى البصري المقعد) ولعله اشتبه على المؤلف فظنه (عبيدالله - بالتصغير - بن عمرو الرقى الاسدي) ولكن هذا كنيته (أبو وهب) (2) أي كانت به بواسير (3) سبق هذا الحديث في المسألة 297 (ج 3 ص 56) من طريق البخاري وانظر، فتح الباري (ج 2 ص 394 - 397) *(4/193)
قلنا: لا ننكر تخصيص ما شاء الله تعالى تخصيصه إذا ورد النص بذلك، وانما ننكره بالرأى والظن والدعوى، وقد يكتب له القيام كما في الحديث، ويضاعف الاجر للقائم عشرة أمثال قيامه، فهذا ممكن موافق لسائر النصوص.
وبالله تعالى التوفيق * فان ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم الناس في بيته وهو منفك القدم وفي منزل أنس * قلنا: نعم، وهو معذور عليه السلام بانفكاك قدمه، ولا يخلوا الذين معه من أن يكونوا جميع أهل المسجد فصلوا هنالك فهنالك كانت الجماعة، وهذا لاننكره، أو من أن يكونوا ممن لزمه الكون معه عليه السلام لضرورة فهذا عذر، وتكون إمامته في منزل أنس في غير وقت صلاة فرض، لكن تطوعا * وكل هذا لا يعارض به ما ثبت من وجوب فرض الصلاة في جماعة، ووجوب إجابة داعى الله تعالى في قوله (حى على الصلاة) * وقال الشافعي: هي فرض على الكفاية * قال علي: وهذه دعوى بلا برهان، وإذ أقر بانها فرض ثم ادعى سقوط الفرض لم يصدق إلا بنص * وقد قال: بمثل هذا جماعة من السلف * روينا عن أبي هريرة انه رأى إنسانا خرج من المسجد بعد النداء فقال: (أما هذا
فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) (1) * وروينا عن أبى الاحوص عن ابن مسعود أنه قال: (حافظوا على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فانهن من سنن الهدى، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنهن الا منافق بين النفاق ولقد رأيتنا وأن الرجل يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف وما منكم أحد الا له مسجد في بيته، ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم) (2) * ومن طريق وكيع عن مسعر بن كدام عن أبي حصين عن أبي بردة بن أبي موسى
__________
(1) سبق هذا في المسألة 328 (ج 3 ص 147) (2) هذا لفظ ابى داود (ج 1 ص 215 و 216) ورواه مسلم (ج 1 ص 181) نحو هذا ورواه غيرهما *(4/194)
عن أبي موسى الاشعري قال: من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له (1) * وعن ابن مسعود: من سمع المنادي فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له * وعن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر.
أنه صلى ركعتين من المكتوبة في بيته فسمع الاقامة فخرج إليها * قال على: لو أجزأت ابن عمر صلاته في منزله ما قطعها * وعن أبي هريرة: لان يمتلئ أذنا ابن آدم رصاصا مذابا خير له من أن يسمع المنادي فلا يجبيه * وعن سفيان الثوري عن منصور عن عدى بن ثابت الانصاري عن عائشة أم المؤمنين قالت: من سمع النداء فلم يأته فلم يرد خيرا ولم يرد به * وعن يحيى بن سعيد القطان: ثنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمى حدثنى أبي عن على ابن ابي طالب.
لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، فقيل له: يا أمير المؤمنين.
ومن جار المسجد؟ قال: من سمع الاذان *
ومثله من طريق سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري عن أبي حيان المذكور عن أبيه عن علي (2) *
__________
(1) رواه الحاكم (ج 1 ص 246) من طريق ابى بكر بن عياش عن ابى حصين عن أبى بردة عن أبيه مرفوعا (من سمع النداء فارغا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له) وصححه هو والذهبي ونسبه ابن حجر في التلخيص (ص 123) إلى البزار مرفوعا وموقوفا (2) هذا الاسناد والذى قبله صحيحان، وقد روى الدارقطني (ص 161) من طريق الحارث الاعور عن على قال: (من كان جار المسجد فسمع المنادى ينادى فلم يجبه من غير عذر فلا صلاة له) والحارث ضعيف جدا.
وقد ورد حديث (لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد) مرفوعا عند الدارقطني والحاكم من حديث ابى هريرة وفى اسنادهما سليمان بن داود اليمامى وهو منكر الحديث كما قال البخاري وابو حاتم، وقال البخاري: (من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه) وعند الدارقطني من حديث جابر، وفى اسناده محمد بن سكين - بالتصغير - وهو ضعيف.
ولذلك قال ابن حجر في التلخيص (ص 123) (حديث لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد مشهور بين الناس وهو ضعيف) *(4/195)
وعن محمد بن جعفر عن شعبة عن عدي بن ثابت سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس انه قال: من سمع النداء ثم لم يأت فلا صلاة له إلا من عذر (1) * وعن عطاء.
ليس لاحد من خلق الله تعالى في الحضر والقرية يسمع النداء والاقامة -.
رخصة في ان يدع الصلاة، قال ابن جريج: فقلت له: وان كان على بز يبيعه يفرق (2) ان قام عنه أن يضيع قال: لا، لا رخصة له في ذلك، قلت: ان كان به مرض أو رمد غير حابس أو تشتكى يده؟ قال: أحب إلى ان يتكلف، قلت له: أرأيت من لم يسمع النداء من اهل القرية وإن كان قريبا من المسجد؟ قال: ان شاء فليأت وان
شاء فليجلس * وعن عطاء.
كنا نسمع انه لا يتخلف عن الجماعة إلا منافق * وعن ابراهيم النخعي.
انه كان لا يرخص في ترك الصلاة في الجماعة إلا لمريض أو خائف * وعن هشام بن حسان عن الحسن قال: إذا سمع الرجل الاذان فقد احتبس * وعن سفيان بن عيينة حدثني عبد الرحمن بن حرملة قال: كنت عند سعيد بن المسيب فجاؤه رجل فسأله عن بعض الامر ونادى المنادي فأراد أن يخرج فقال له سعيد: قد نودي بالصلاة، فقال له الرجل: ان أصحابي قد مضوا وهذه راحلتي بالباب، فقال له سعيد: لا تخرج، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخرج من هذا المسجد بعد النداء إلا منافق، إلا رجل خرج وهو يريد الرجعة إلى الصلاة) فأبى الرجل الا الخروج، فقال سعيد: دونكم الرجل، قال: فانى عنده ذات يوم إذ جاءه رجل فقال: يا أبا محمد، ألم تر الرجل؟ يعنى ذلك الذي خرج وقع عن راحلته فانكسرت رجله! قال سعيد: قد ظننت أنه سيصيبه أمر.
* وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا * وأما النساء فلا خلاف في ان شهودهن الجماعة ليس فرضا، وقد صح في الآثار كون نساء النبي صلى الله عليه وسلم في حجرهن لا يخرجن إلى المسجد *
__________
(1) هذا هو الذى أشار الحاكم إليه عند الكلام عليه مرفوعا وذكر ان غندرا - وهو محمد بن جعفر - رواه موقوفا (2) أي يخاف *(4/196)
واختلف الناس في أي الامرين افضل لهن؟ أصلاتهن في بيوتهن؟ ام في المساجد في الجماعات * وبرهان صحة قولنا هو ما قد ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان
صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة) وهذا عموم لا يجوز ان يخص منه النساء من غيرهن * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج أنا حرملة بن يحيى أنا ابن وهب انا يونس هو ابن يزيد عن ابن شهاب انا سالم بن عبد الله بن عمر أن أباه عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تمنعوا نساءكم (1) المساجد إذا استأذنكم إليها) فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن، فأقبل عليه (2) عبد الله (3) بن عمر فسبه سبا سيئا، ما سمعته سبه مثله قط، قال.
أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول.
والله لنمنعهن! * وبه إلى مسلم.
حدثنا عمرو الناقد وزهير بن حرب كلاهما عن سفيان بن عيينة عن الزهري سمع سالم بن عبد الله بن عمر يحدث عن أبيه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها) (4) * وبه إلى مسلم: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبي وعبد الله بن ادريس قالا ثنا عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) * وبه إلى مسلم: حدثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل) * وبه إلى مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان ثنا بكير بن عبد الله بن الاشج عن بسر بن سعيد عن زينب امرأة ابن مسعود
__________
(1) في الاصلين (اماءكم) وصححناه من مسلم (ج 1 ص 129) (2) في النسخة رقم (16) (فأقبل إليه) وما هنا هو الموافق لمسلم (3) في النسخة رقم (16) (عبيدالله بن عمر) وهو خطأ (4) في مسلم (ج 1 ص 129) وكذلك الحديثان بعده *(4/197)
قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شهدت احداكن المسجد فلا تمس طيبا) (1) * حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن وضاح ثنا حامد: هو ابن يحيى البلخي - ثنا سفيان - هو ابن عيينة - عن محمد بن عمرو ابن علقمة بن وقاص الليثي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولا يخرجن إلا وهن تفلات) (2) * قال علي: وهذا نفس قولنا، فإذا خرجن متزينات أو متطيبات فهن عاصيات لله تعالى، خارجات بخلاف ما أمرن، فلا يحل إرسالهن حينئذ أصلا * والآثار في حضور النساء صلاة الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترة في غاية الصحة، لا ينكر ذلك إلا جاهل * كحديث عائشة أم المؤمنين.
(إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس) (3) * وحديث أبي حازم عن سهل بن سعد.
(لقد رأيت الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الازر خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قائل: يا معشر النساء، لا ترفعن رؤوسكن حتى يرفع الرجال) (4) * وقوله عليه السلام: (إني لادخل في الصلاة أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي خشية أن تفتن أمه) *
__________
(1) في مسلم (ج 1 ص 130) وحديث ابن عمر هذا بالفاظه المتعددة لا يدل على الوجوب فقد روى أبو داود (ج 1 ص 222) عن ابن عمر مرفوعا (لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن) وهذه الزيادة صحيحة ونسبها الشوكاني (ج 3 ص 160) وابن حجر (ج 2
ص 237) إلى صحيح ابن خزيمة، ورواه الحاكم (ج 1 ص 209) وصححه هو والذهبي وقد سبق في (ج 3 ص 123) (2) بفتح التاء وكسر الفاء يعنى غير متطيبات.
والحديث رواه أبو داود (ج 1 ص 222) عن موسى بن اسمعيل عن حماد عن محمد بن عمرو.
وقد سبق للمؤلف بالاسناد الذى هنا في المسألة 321 (ج 3 ص 130) (3) في مسلم (ج 1 ص 178) (4) في مسلم (ج 1 ص 129) *(4/198)
والخبر الذي رويناه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ثنا حسين بن على الجعفي عن زائدة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير صفوف الرجال المقدم، وشرها المؤخر، وشر صفوف النساء المقدم، وخيرها المؤخر، ثم قال: يا معشر النساء، إذا سجد الرجال فاغضضن أبصاركن، لاترين عورات الرجال من ضيق الازر) (1) * وحديث ايوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(لو تركنا هذا الباب للنساء، فما دخل من ذلك الباب ابن عمر حتى مات) (2) * وان عمر بن الخطاب كان ينهى ان يدخل من باب النساء (3) * وحديث اسماء في صلاة الكسوف، وانها صلت في المسجد مع النساء خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* فما كان عليه السلام ليدعهن يتكلفن الخروج في الليل والغلس يحملن صغارهن ويفرد لهن بابا ويأمر بخروج الابكار وغير الابكار ومن لا جلباب لها فتستعير جلبابا إلى المصلى، فيتركهن يتكلفن من ذلك ما يحط أجورهن، ويكون الفضل لهن في تركه، هذا لا يظنه بناصح للمسلمين إلا عديم عقل، فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الذي اخبر تعالى انه (عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا
أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا اسحق بن ابراهيم ثنا جرير هو ابن عبد الحميد عن الاعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة انه سمع عبد الله بن عمرو ابن العاص قال: - اجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إنه لم يكن نبى قبلى الا كان حقا عليه (4) أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم) قال علي: واحتج من خالف الحق في هذا بخبر موضوع عن عبد الحميد بن المنذر الانصاري عن عمته أو جدته ام حميد.
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال.
(ان صلاتك في بيتك افضل من صلاتك معى)
__________
(1) تقدم في المحلى (ج 3 ص 131) (2) رواه أبو داود (ج 1 ص 223) والمحلى (ج 3 ص 131) (3) سبق في المحلى (ج 3 ص 131 و 132) (4) في الاصلين (الا كان عليه حقا) وصححناه من مسلم (ج 2 ص 87) وهو حديث طويل اختصره المؤلف *(4/199)
قال علي: عبد الحميد بن المنذر مجهول لا يدريه أحد (1) * وذكروا أيضا ما رويناه عن عائشة رضى الله عنها من قولها: لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما احدث النساء لمنعهن من الخروج كما منعه نساء بنى اسرائيل * وهذا لا حجة فيه لوجوه ثمانية.
* أولها.
ان الله تعالى باعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق موجب دينه إلى يوم القيامة الموحى إليه بأن لا يمنع النساء حرائرهن وإماءهن، ذوات الازواج وغيرهن من المساجد ليلا ونهارا - قد علم ما يحدث النساء، فلم يحدث تعالى لذلك منعا لهن، ولا قال له: إذا احدثن فامنعوهن * والثاني.
انه عليه السلام، لو صح انه لو ادرك احداثهن لمنعهن - لما كان ذلك مبيحا منعهن، لانه عليه السلام لم يدرك فلم يمنع، فلا يحل المنع، إذ لم يأمر به عليه السلام * والثالث: أن من الكبائر نسخ شريعة مات عليه السلام ولم ينسخها، بل هو
كفر مجرد * والرابع أنه لا حجة في قول أحد بعده عليه السلام * والخامس: أن عائشة رضى الله عنها لم تقل: إن منعهن لكم مباح، بل منعت منه وإنما أخبرت ظنا منها بأمر لم يكن ولا تم، فهم مخالفون لها في ذلك * والسادس: أنه لا حدث منهن أعظم من الزنا، وقد كان فيهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نهاهن الله تعالى عن التبرج، وأن يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن، وأنذر عليه السلام بنساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤسهن كأسنمة البخت لا يرحن رائحة الجنة، وعلم أنهن سيكن بعده، فما منعهن من أجل ذلك * والسابع: أنه لا يحل عقاب من لم يحدث من أجل من أحدث، فمن الباطل أن يمنع من لم يحدث من أجل من أحدث، والله تعالى يقول (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) والثامن: انهم لا يختلفون في انه لا يحل منعهن من التزاور، ومن الصفق في الاسواق، والخروج في حاجاتهن، وليس في الضلال والباطل اكثر من اطلاقهن على كل ذلك وقد أحدث منهن من أحدث، وتخص صلاتهن في المسجد الذي هو أفضل الاعمال بعد التوحيد بالمنع، حاشا لله من هذا، وما ندري كيف
__________
(1) سبق الكلام على روايات هذا الحديث وانه حديث صحيح (ج 3 ص 123 و 134) *(4/200)
ينطلق لسان من يعقل بالاحتجاج بمثل هذا (1) في خلاف السنن الثابتة المتواترة (2) * قال علي: والصحيح من هذا.
هو ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن المثنى أن عمرو بن عاصم الكلابي حدثهم قال ثنا همام هو ابن يحيى عن قتادة عن مورق العجلى عن أبي الاحوص عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل
من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مسجدها أفضل من صلاتها في بيتها) (3) * وروينا هذا الخبر بلفظ آخر كما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن قاسم ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن المثنى ثنا عمرو بن عاصم الكلابي ثنا همام عن قتادة عن مورق العجلى عن أبي الاحوص عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهى في قعر بيتها صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها (4) * قال علي: هكذا بذكر المخدع ليس فيه للمسجد ذكر أصلا، ثم لو صح فيه أن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدها وهذا لا يوجد أبدا من طريق فيها خير لما كانت فيه حجة، لانه كان يكون منسوخا بلا شك، بما ذكرنا من تركه عليه السلام لهن يتكلفن الكلف في الغبش، راغبات في الصلاة في الجماعة معه إلى أن مات عليه السلام، فهذا آخر الامر بلا شك * قال علي: مسجدها ههنا هو مسجد محلتها ومسجد قومها، ولا يجوز أن يظن أنه مسجد بيتها، إذ لو كان ذلك لكان عليه السلام قائلا: صلاتك في بيتك أفضل من صلاتك في بيتك، وهذه لكنة وعى، حرام أن ينبسا إليه عليه السلام *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (بالاحتجاج في مثل هذا) وفى النسخة رقم (45) (بالاحتجاج لمثل هذا) والصواب ما هنا (2) سبق مثل هذه الاجابة من المؤلف في المسألة 321 (3) سبق الكلام عليه ايضا في (ج 3 ص 137) وذكرنا هناك أن المؤلف تصحف عليه الحديث، وان صوابه (وصلاتها في مخدعها) بدل (مسجدها) كما في ابى داود، وبذلك يسقط استدلاله بهذه اللفظة التى وهم فيها (4) هذه الرواية تؤيد صحة ما ذهبنا إليه من ان الحديث تصحف على المؤلف *(4/201)
وبقولنا قال الائمة * روينا عن معمر عن الزهري: أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عمر ابن الخطاب، وكانت تشهد الصلاة في المسجد، فكان عمر يقول لها: والله انك لتعلمين ما أحب هذا، فقالت: والله لا أنتهى حتى تنهاني، فقال عمر: فانى لا أنهاك، قال: فلقد طعن عمر يومئذ وانها لفى المسجد (1) * قال علي: ولو رأى عمر صلاتها في بيتها أفضل لكان أقل أحواله أن يخبرها بذلك ويقول لها: إنك تدعين الافضل وتختارين الادنى، لا سيما مع أنى لا أحب لك ذلك، فما فعل، بل اقتصر على اخبارها بهواه الذي لا يقدر على صرفه، ومن الباطل أن تختار - وهى صاحبة، ويدعها هو - ان تتكلف اسخاط زوجها فيما غيره أفضل منه، فصح انهما رأيا الفضل العظيم الذي يسقط فيه موافقة رضا الزوج، وأمير المؤمنين وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في خروجها إلى المسجد في الغلس وغيره، وهذا في غاية الوضوح لمن عقل * وروينا من طريق هشام بن عروة: ان عمر بن الخطاب امر سليمان بن ابى حثمة أن يؤم النساء في مؤخر المسجد في شهر رمضان (2) * ومن طريق عرفجة: ان على بن ابي طالب كان يأمر الناس بالقيام في رمضان، فيجعل للرجال إماما، وللنساء اماما، قال عرفجة: فأمرني فأممت النساء (3) مع ما ذكرنا من شدة عضب ابن عمر على ابنه إذ قال انه يمنع النساء من الخروج إلى الصلاة * فهؤلاء ائمة المسلمين بحضرة الصحابة، ثم على هذا عمل المسلمين في أقطار الارض جيلا بعد جيل.
وبالله تعالى التوفيق * 486 - مسألة ومن العذر للرجال في التخلف عن الجماعة في المسجد: المرض، والخوف، والمطر، والبرد، وخوف ضياع المال، وحضور الاكل، وخوف ضياع المريض أو الميت، وتطويل الامام حتى يضر بمن خلفه، وأكل الثوم أو البصل أو الكراث ما دامت الرائحة باقية، ويمنع آكلوها من حضور المسجد، ويؤمر باخراجهم
منه ولا بد، ولا يجوز أن يمنع من المساجد أحد غير هؤلاء، لا مجذوم ولا أبخر ولا ذو عاهة ولا امرأة بصغير معها * فأما المرض والخوف فلا خلاف في ذلك، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا
__________
(1) سبق الكلام عليه في (ج 3 ص 139) (2) سبق في (ج 3 ص 138 و 139) (3) وسبق هذا أيضا في (ج 3 ص 140) *(4/202)
وسعها) وقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) وقال تعالى: (الا من أكره) * وكذلك اضاعة المال وقد نهى عليه السلام عن إضاعة المال * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عباد ثنا حاتم هو ابن اسمعيل - عن يعقوب بن مجاهد أبي حرزة (1) عن ابن ابي عتيق انه شهد عائشة أم المؤمنين قالت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الاخبثان) (2) * نا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب انا اسحق بن منصور انا يحيى هو ابن سعيد القطان عن ابن جريج ثنا عطاء عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أكل من هذه الشجرة، قال اول يوم: الثوم ثم قال: الثوم والبصل والكراث: فلا يقربنا في مساجدنا (3)، فان الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الانس) (4) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب انا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا هشام هو الدستوائى ثنا قتادة عن سالم بن ابى الجعد عن معدان بن ابى طلحة: ان عمر بن الخطاب قال: (انكم ايها الناس تأكلون من شجرتين
ما أراهما الا خبيثتين، هذا البصل والثوم، لقد رأيت نبى الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما (5) من الرجل امر به فأخرج إلى البقيع) ولا يخرج غير هؤلاء، لان الله تعالى لو أراد منع احد غيرهم من المساجد لبين ذلك، (وما كان ربك نسيا) * فان ذكر ذاكر حديث ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا
__________
(1) بفتح الحاء المهملة والراء وبينهما زاى ساكنة (2) مختصر من صحيح مسلم (ج 1 ص 155 و 156) (3) بحاشية النسخة رقم (45) ان في نسخة من المحلى (مسجدنا) وما هنا هو الموافق للنسائي (ج 1 ص 116) (4) روى نحوه مسلم عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد باسناده (ج 1 ص 156) (5) في الاصلين (ريحها) وصححناه من النسائي (ج 1 ص 116) والحديث روى نحوه مسلم مطولا عن محمد بن المثنى شيخ النسائي (ج 1 ص 157) *(4/203)
طيرة، وفر من المجذوم فرارك من الاسد) * فان معناه كقول الله تعالى: (اعملوا ما شئتم) أي فر من المجذوم فرارك من الاسد لا عدوى، انه لا يعديك، ولا ينفعك فرارك مما قدر عليك، ولو لم يكن معناه هذا لكان آخر الحديث ينقض اوله، وهذا محال.
وأيضا: فلو كان على معنى الفرار لكان الامر به عموما، فوجب ان تفر منه امرأته وولده وكل احد حتى يموت جوعا وجهدا، ولوجب ان تقفل الازقة امامه، كما يفعل بالاسد وهذا باطل بيقين، وما يشك احد انه قد كان في عصره عليه السلام مجذومون فما فر عنهم احد، فصح ان مراده عليه السلام ما ذكرناه * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا ابراهيم بن احمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا سعيد بن عفير حدثنى الليث حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب اخبرني محمود بن الربيع الانصاري: (ان عتبان بن مالك ممن شهد بدرا من الانصار أتى
إلى (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله، قد أنكرت بصرى، وأنا أصلى لقومي، فإذا كانت الامطار سال الوادي الذي بينى وبينهم لم استطع ان آتى المسجد (2)، ووددت يارسول الله أنك تأتيني فتصلى في بيتى فأتخذه مصلى، فقال (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم: سأفعل ان شاء الله، قال عتبان: فغدا (4) على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث * وبه إلى البخاري: ثنا مسدد ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان عن عبيدالله بن عمر حدثنى نافع قال: أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان (5) ثم قال: ألا (6) صلوا في رحالكم، فأخبرنا: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن، ثم يقول على اثره: ألا صلوا في الرحال) * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن ابي قلابة عن ابى المليح بن أسامة عن أبيه هو اسامة ابن عمير الهذلى انه قال له: (رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية،
__________
(1) في البخاري (ج 1 ص 184 و 185) (أتى رسول الله) بحذف (إلى) (2) في البخاري (لم أستطع أن آتى مسجدهم فأصلى بهم) (3) في البخاري (فقال له) (4) في البخاري بحذف (على) (5) بفتح الضاد المعجمة واسكان الجيم وهو موضع خارج مكة (6) في البخاري (ج 1 ص 258) بحذف (ألا).
وقد مضى هذا الحديث من طريق عبد الرزاق (ج 3 ص 162) *(4/204)
ومطرنا مطرا فلم تبل السماء اسفل نعالنا، فنادى منادى النبي صلى الله عليه وسلم: أن صلوا في رحالكم) (1) * وبه إلى عبد الرزاق: ثنا ابن جريج عن نافع عن ابن عمر عن نعيم بن النحام (2) قال: (أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فيها برد، وانا تحت اللحاف، فتمنيت ان يلقى الله على لسانه: ولا حرج، فلما فرغ قال: ولا حرج) (3) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا
مسدد ثنا اسماعيل هو ابن علية ثنا عبد الحميد صاحب الزيادي ثنا عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيرين: أن ابن عباس قال لمؤذنه في يوم مطير (4): إذا قلت (أشهد أن محمدا رسول الله) فلا تقل: (حى على الصلاة) قل: (صلوا في بيوتكم) وقال ابن عباس: قد فعل هذا من هو خير منى، إن الجمعة عزمة، وإنى كرهت أن أحرجكم (5) فتمشون في الطين والمطر (6) *
__________
(1) رواه احمد في المسند (ج 5 ص 74) عن عبد الرزاق باسناده، ورواه ايضا باسانيد أخرى هنا وفى (ص 24 ج 5) ورواه أبو داود (ج 1 ص 410) والنسائي (ج 1 ص 137) والطيالسي (ص 187 رقم 1320) والاسناد الذى هنا صحيح جدا وكذلك بعض أسانيده الاخرى (2) الصواب (عن نعيم النحام) لان النحام وصف لنعيم وأبوه عبد الله بن أسيد (3) أما الذى في مسند احمد عن عبد الرزاق فهو (أنا معمر عن عبيد بن عمير عن شيخ سماه عن نعيم) (ج 4 ص 220) وهذا فيه مجهول كما ترى، وكذلك نقله في مجمع الزوائد (ص 160 و 161) عن المسند، ورواه احمد ايضا من طريق اسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن نعيم، واسمعيل ضعيف في روايته عن الحجازيين ويحيى حجازى، ولكن ذكر ابن حجر في الاصابة (ج 6 ص 248) أن ابن قانع رواه من طريق عمر بن نافع عن نافع عن ابن عمر قال قال نعيم الخ.
وهذا يؤيد الاسناد الذى هنا وهو بذلك صحيح جدا.
ورواه البيهقى باسنادين آخرين (ج 1 ص 398 و 423) والحاكم وصححه هو والذهبي (ج 1 ص 293) (4) في النسخة رقم (16) (مطر) وما هنا هو الموافق لابي داود (ج 1 ص 411 و 412) (5) بالحاء المهملة كما ضبطه شارح أبى داود، وفى الاصلين بالمعجمة (6) روى المؤلف هذا الحديث فيما مضى (ج 3 ص 162) من طريق بكر بن حماد عن مسدد عن حماد بن زيد عن أيوب وعاصم وعبد الحميد كلهم عن عبد الله(4/205)
حدثنا يوسف بن عبد الله النمري ثنا عبد الله بن محمد بن يوسف الازدي القاضى ثنا
اسحاق بن احمد ثنا العقيلى ثنا موسى بن اسحاق هو الانصاري ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان عن سعيد هو ابن أبي عروبة عن قتادة عن كثير مولى ابن سمرة قال: مررت بعبد الرحمن بن سمرة وهو على بابه جالس، فقال: ما خطب أميركم؟ قلت: أما جمعت معنا؟! قال: منعنا هذا الردغ (1) * قال علي: فهذا ابن عمر وابن عباس وعبد الرحمن بن سمرة بحضرة الصحابة يتركون الجمعة وغيرها للطين، ويأمرون المؤذن ان يقول: (ألا صلوا في الرحال) ولا نعرف لهم مخالفا من الصحابة رضى الله تعالى عنهم * واما التطويل فقد ذكرنا حديث معاذ والذي خرج عن امامته فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على الخارج * وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا هشيم عن اسماعيل بن ابي خالد عن قيس بن أبي حازم عن ابي مسعود الانصاري قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اني لاتأخر عن صلاة الصبح من اجل فلان، مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال: يا أيها الناس، ان منكم منفرين، فأيكم ام الناس فليوجز، فان من ورائه الكبير والضعيف وذا الجاجة) (2) * فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخره عن الصلاة الفريضة من اجل اطالة الامام * وأما المجذوم، والابخر، وآكل الفجل وغيرهم: فلو جاز منعهم المسجد لما اغفل ذلك
__________
ابن الحارث، وكذلك رواه البخاري عن مسدد عنهم عن عبد الله بن الحارث (ج 1 ص 253 و 254) (1) بفتح الراء واسكان الدال المهملة وآخره غين معجمة، ويقال (رزغ) بالزاى بدل الدال والمراد المطر أو الطين.
وهذا الاسناد صحيح.
وقد روى عبد الرحمن بن سمرة ايضا مرفوعا (إذا كان يوم مطر وابل فليصل أحدكم في رحله)
رواه احمد في المسند (ج 4 ص 62) وكذلك ابنه عبد الله ورواه الحاكم (ج 1 ص 292 - 293) وفى اسناده أبو العلاء ناصح بن العلاء مولى بنى هاشم مختلف فيه والحق أنه ثقة وأن الحديث صحيح.
(2) في مسلم (ج 1 ص 135) *(4/206)
رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وما كان ربك نسيا) * 487 مسألة والافضل ان يؤم الجماعة في الصلاة أقرؤهم للقرآن وان كان أنقص فضلا، فان استووا في القراءة فأفقههم فان استووا في الفقه والقراءة فأقدمهم صلاحا فان حضر السلطان الواجبة طاعته أو أميره على الصلاة فهو أحق بالصلاة على كل حال، فان كانوا في منزل إنسان فصاحب المنزل أحق بالامامة على كل حال الا من السلطان، وان استووا في كل ما ذكرنا فأسنهم * فان أم أحد بخلاف ما ذكرنا أجزأ ذلك، الا من تقدم بغير أمر السلطان على السلطان، أو بغير امر صاحب المنزل على صاحب المنزل، فلا يجزئ هذين ولا تجزئهم * وقد ذكرنا حديث مالك بن الحويرث: (وليؤمكما أكبركما) وكانا في القراءة والفقه والهجرة سواء * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد ابن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد هو القطان ثنا شعبة عن قتادة عن ابي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالامامة أقرؤهم) (1) * ورويناه أيضا من طريق عبد الله بن المبارك عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * وبه إلى مسلم: ثنا أبو سعيد الاشج ومحمد بن المثنى، قال الاشج: عن أبي خالد الاحمر عن الاعمش، وقال ابن المثنى: ثنا محمد بن جعفر عن شعبة ثم اتفق شعبة والاعمش عن اسماعيل بن
رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود، قال شعبة: سمعت أوس بن ضمعج يقول: سمعت أبا مسعود - هو البدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فان كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فان كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فان كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما، (2) ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا باذنه) (3) *
__________
(1) في مسلم (ج 1 ص 186) وكذلك طريق ابن المبارك (2) بكسر السين المهملة واسكان اللام، أي اسلاما وهى رواية أبى بكر بن أبى شيبة عن الاحمر.
ولم يذكرها المؤلف، وفى النسخة رقم (45) (سنا) بالنون وهى رواية الاشج وابن المثنى (3) في صحيح مسلم (ج 1 ص 186) *(4/207)
قال علي: وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة الباقية أبدا كما حدثنا عبد الرحمن ابن عبد الله الهمداني ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا شعبة عن عبد الله ابن أبى السفر واسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) (1) * قال علي: وقال مالك: يؤم الافضل وان كان أقل قراءة.
وهذا خطأ، لانه خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج أنا نافع أنه سمع ابن عمر يقول: (كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الاولين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والانصار في مسجد قباء، فيهم أبو بكر، وعمر، وأبو سلمة، وزيد بن حارثة، وعامر بن ربيعة * قال على: وحدثناه عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا ابراهيم بن المنذر ثنا أنس بن عياض عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال:
(لما قدم المهاجرون الاولون العصبة موضعا بقباء (2) قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان اكثرهم قرآنا) (3) * قال علي: فهذا فعل الصحابة رضى الله عنهم بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا مخالف لهم من الصحابة في ذلك * فان قيل: ان عمر قدم صهيبا * قلنا: نعم وصار صهيب أميرا مستخلفا من قبل الامام، فهو أحق الناس يومئذ لانه سلطان * قال علي: وروينا عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن جبير فقال أبو سلمة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمهم أقرؤهم، وان كان أصغرهم سنا، فإذا أمهم فهو أميرهم) وقال أبو سلمة: فذاك أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) في البخاري (ج 1 ص 16) وهذا تأول بعيد جدا من المؤلف وانما المراد في ذاك الحديث أقدمهم هجرة إلى المدينة وقد كان التفاضل بينهم بالسبق إليها (2) العصبة بضم العين واسكان الصاد المهملتين ويقال بفتح العين مع اسكان الصاد أو مع فتحها.
وقوله (موضعا) في البخاري (موضع) بالرفع (3) في البخاري (ج 1 ص 281) وأبو داود (ج 1 ص 229) (4) هذا مرسل *(4/208)
وإنما أجزنا إمامة من أم بخلاف ذلك لما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن المثنى ثنا بكر بن عيسى قال سمعت شعبة يذكر عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين: (أن أبا بكر الصديق صلى للناس (1) ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف) * وبه إلى احمد بن شعيب: أنا على بن حجر ثنا اسماعيل هو ابن علية ثنا حميد عن أنس قال: (آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم: صلى في ثوب
واحد متوشحا به (2) خلف أبي بكر) (3) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع وحسن بن على الحلواني جميعا عن عبد الرزاق أنا ابن جريج حدثنى ابن شهاب (4) عن حديث عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره فذكر حديثا وفيه قال: (فأقبلت معه يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف فصلى لهم، فأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين، فصلى عليه السلام مع الناس الركعة الآخرة، فلما سلم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتم صلاته (5) فأفزع ذلك المسلمين، فأكثروا التسبيح، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته أقبل عليهم فقال (6): أحسنتم، أو قد أصبتم، يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها) وبهذا الاسناد إلى ابن شهاب: عن اسمعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن حمزة بن المغيرة بن شعبة نحو هذا الحديث: وفيه قال المغيرة: (أردت تأخير عبد الرحمن بن عوف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه) (7) * قال علي: فبهذين الخبرين علمنا أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم
__________
(1) في الاصلين (بالناس) وصححناه من النسائي (2) كلمة (به) ليست في النسائي (3) هذا والذى قبله في النسائي (ج 1 ص 127) (4) في النسخة رقم (45) (ثنا ابى شهاب) وفى النسخة رقم (16) (قال ابن شهاب) وما هنا هو الذى في مسلم (ج 1 ص 125) (5) قوله (يتم صلاته) زيادة من صحيح مسلم (6) في مسلم (ثم قال) (7) في مسلم (ج 1 ص 126) *(4/209)
أقرؤهم فان استووا فأفقههم فان استووا افأقدمهم هجرة فان استووا فأقدمهم سنا): ندب لا فرض، لانه عليه السلام أقرأ من أبي بكر وعبد الرحمن، وأفقه منهما، وأقدم هجرة، إلى الله تعالى منهما وأسن منهما *
وبهذين الاثرين جازت الصلاة خلف كل مسلم، وان كان في غاية النقصان، لانه لا مسلم إلا ونسبته في الفضل والدين إلى أفضل المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقرب من نسبة أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف وهما من أفضل المسلمين رضى الله عنهما في الفضل والدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فخرج هذا بدليله * ولم نجد في التقدم على السلطان وعلى صاحب المنزل أثرا يخرجهما عن الوجوب إلى الندب، فبقى على الوجوب (1) * بل وجدنا ما يشد وجوب ذلك، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلى ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق حدثني الزهري حدثنى عبد الملك بن ابي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال: (لما استعز (2) برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين دعاه بلال إلى الصلاة، فقال: مروا من يصلى بالناس (3)، فخرج عبد الله بن زمعة فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكر غائبا، فقال: (4) قم يا عمر فصل بالناس، فتقدم وكبر، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته وكان عمر رجلا مجهرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين أبو بكر؟ يأبي الله ذلك والمسلمون (5)، فبعث إلى ابي
__________
(1) في هذا نظر فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب السلطان ومرجع الامر والنهى، وانما وجبت طاعة السلطان علينا طاعة لامره صلى الله عليه وسلم عن ربه عزوجل، فهو - بأبى هو وامى - أعلى من أن يسمى سلطانا وأسمى، وقد صح أنه صلى خلف عبد الرحمن بن عوف كما تقدم، وعبد الرحمن من بعض رعيته، ولم تكن صلاة عبد الرحمن عن إذن من النبي صلى الله عليه وسلم * (2) بالعين المهملة والزاى مبنى للمجهول وأصله من العز وهو الغلبة، والمعنى لما اشتد به المرض (3) في الاصلين (مروا أبا بكر يصلى بالناس) وهو خطأ صححناه من ابى داود (ج 4 ص 348) ومن سيرة ابن اسحاق التى هذبها ابن هشام (ص 1009) والحديث حديث ابن اسحاق، وهو الموافق لما في مسند احمد (4) في أبى داود (فقلت) بدل
(فقال) وهو أحسن (5) هذا الجملة مكررة مرتين في أبى داود ومسند احمد والسيرة(4/210)
بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس) (1) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا احمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة ثنا داود بن ابي هند عن ابي نضرة عن ابى سعيد مولى ابي أسيد (2) قال: تزوجت امرأة فكان عندي ليلة زفاف امرأتي نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما حضرت الصلاة أراد أبو ذر ان يتقدم فيصلى، فجذبه حذيفة وقال: رب البيت أحق بالصلاة، فقال لابن مسعود: أكذلك؟ قال: نعم قال أبو سعيد: فتقدمت فصليت بهم وانا يومئذ عبد * وعن ابن جريج عن عطاء في القوم يتنازلون (3) فيهم القرشى والعربي والمولى والاعرابي والعبد، لكل امرئ منهم فسطاط، فانطلق أحدهم إلى فسطاط أحدهم فحانت الصلاة، قال: صاحب الرحل يؤمهم هو، حقه يعطيه من يشاء * 488 مسألة والاعمى، والبصير، والخصى، والفحل، والعبد، والحر، وولد الزنا، القرشى: سواء في الامامة في الصلاة، كلهم جائز ان يكون إماما راتبا، ولا تفاضل بينهم إلا بالقراءة والفقه وقدم الخير والسن فقط * وكره مالك إمامة ولد الزنا وكون العبد اماما راتبا.
ولا وجه لهذا القول، لانه لا يوجبه قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا اجماع، ولا قياس، ولا قول صاحب، وعيوب الناس في أديانهم واخلاقهم، لا في ابدانهم ولا في اعراقهم، قال الله عزوجل: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * واحتج بعض المقلدين له بأن قال: يفكر من خلفه فيه فيلهي عن صلاته! *
__________
(1) رواه احمد في المسند (ج 4 ص 322) عن يعقوب عن ابيه عن ابن اسحق باسناده وزاد في آخره: (قال عبد الله بن زمعة قال لى عمر: ويحك ماذا صنعت بى يا ابن زمعة؟!
والله ما ظننت حين أمرتنى الا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بذلك، ولولا ذلك ما صليت بالناس، قال قلت: والله ما أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة، وروى ابن سعد مثله بمعناه عن الواقدي عن محمد بن عبد الله عن الزهري باسناده (ج 2 ق 2 ص 20 و 21) (2) أبو سعيد هذا تابعي، وذكره ابن منده في الصحابة، ولا دليل على ذلك.
وانظر الاصابة (3) يظهر ان المراد ان ينزل كل منهم في موضع يضرب فيه خباءه، ومنه النزال في الحرب: ان يتنازل الفريقان عن ابلهما إلى خيلهما فيتضاربوا *(4/211)
قال علي: وهذا في غاية الغثاثة والسقوط! ولا شك في ان فكرة المأموم في امر الخليفة إذا صلى بالناس، أو الاحدب إذا امهم اكثر من فكرته في ولد الزنا، ولو كان لشئ مما ذكرنا حكم في الدين لما اغفله الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم (وما كان ربك نسيا) والعجب كله في الفرق بين الامام الراتب وغير الراتب! * وتجوز إمامة الفاسق كذلك ونكرهه، الا ان يكون هو الاقرأ، والافقه، فهو أولى حينئذ من الافضل، إذا كان انقص منه في القراءة أو الفقه.
ولا احد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وله ذنوب، قال عزوجل: (فان لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم).
وقال تعالى: (والصالحين من عبادكم وإمائكم) فنص تعالى على ان من لا يعرف له اب اخواننا في الدين، واخبر ان في العبيد والاماء صالحين * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن ابن جريج اخبرني عبد الله بن ابي مليكة: انهم كانوا يأتون عائشة ام المؤمنين بأعلى الوادي، هو وابوه وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير، فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة (1) وهو غلامها لم يعتق، فكان (2) إمام اهلها بنى محمد بن ابي بكر وعروة واهلها، الا عبد الله ابن عبد الرحمن (3) كان يستأخر عنه أبو عمرو (4)، فقالت عائشة رضى الله عنها: إذا
غيبني أبو عمرو (5) ودلاني في حفرتي فهو حر * وعن ابراهيم النخعي قال: يؤم العبد الاحرار * وعن شعبة عن الحكم بن عتيبة قال: كان يؤمنا في مسجدنا هذا عبد، فكان شريح يصلى فيه * وعن وكيع عن سفيان الثوري عن يونس عن الحسن البصري قال: ولد الزنا
__________
(1) أبو عمرو هذا اسمه (ذكوان) (2) في النسخة رقم (16) (وكان) (3) هكذا في الاصلين (عبد الله بن عبد الرحمن) واظنه خطأ، فان في التهذيب في ترجمة ذكوان (قال ابن أبى مليكة: كان عبد الرحمن بن ابى بكر يؤم عائشة، فإذا لم يحضر ففتاها ذكوان) وفى طبقات ابن سعد (ج 5 ص 218) نحو ذلك من رواية أيوب عن ابن أبى مليكة، وفيه ايضا عن عروة بن الزبير (أن ذكوان غلام عائشة كان يؤم قريشا وخلفه عبد الرحمن ابن أبى بكر لانه كان أقرؤهم للقرآن) (4 و 5) في النسخة رقم (45) في الموضعين (أبو عمر) وهو خطأ *(4/212)
وغيره سواء * وعن وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال: ولد الزنا بمنزلة رجل من المسلمين، يؤم وتجوز شهادته إذا كان عدلا * وعن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت إذا سئلت عن ولد الزنا: قالت ليس عليه من خطيئة أبويه شئ (لاتزر وازرة وزر اخرى) * وعن وكيع عن سفيان الثوري عن برد أبي العلاء عن الزهري قال: كان أئمة من ذلك العمل، قال وكيع: يعنى من الزنا * وعن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان قال: سألت ابراهيم عن ولد الزنا والاعرابي، والعبد، والاعمى: هل يؤمون؟ قال: نعم، إذا أقاموا الصلاة *
وعن الشعبي: ولد الزنا تجوز شهادته ويؤم * وعن معمر قال سألت الزهري عن ولد الزنا: هل يؤم؟ قال نعم، وما شانه؟! (1) وقد كان أبو زيد (2) صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم وهو مقعد ذاهب الرجل * وقد كان طلحة أشل اليد، وما اختلف في جواز إمامته، وقد كان في الشورى * ومن طريق الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبيدالله بن عدى بن الخيار أنه دخل على عثمان رضى الله عنه وهو محصور، فقال له: إنك امام عامة، ونزل بك ما نرى ويصلى لنا، امام فتنة ونتحرج، فقال له عثمان: إن الصلاة أحسن ما يعمل الناس فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم * وكان ابن عمر يصلى خلف الحجاج ونجدة، أحدهما خارجي، والثانى أفسق البرية.
وكان ابن عمر يقول: الصلاة حسنة ما أبالي من شركني فيها * وعن ابن جريج قلت لعطاء: أرأيت إماما يؤخر الصلاة حتى يصليها مفرطا فيها؟ قال: أصلى مع الجماعة أحب إلى، قلت: وان اصفرت الشمس ولحقت برؤس الجبال؟
__________
(1) من الشين بمعنى العيب فهو بدون همزة وبفتح النون (2) هكذا في النسخة رقم (45) وفى النسخة رقم (16) (ابن زيد) وأنا أرجح ما هنا وانه (أبو زيد عمرو بن أخطب بن رفاعة الانصاري الاعرج) فانه اشتهر بكنيته، وابو زيد هذا عاش اكثر من مائة سنة وما شاب رأسه الا قليل بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم *(4/213)
قال: نعم، ما لم تغب، قلت لعطاء: فالامام لا يوفى الصلاة، أعتزل الصلاة معه؟ قال: بل صل معه، وأوف ما استطعت، الجماعة أحب إلى، فان رفع رأسه من الركوع ولم يوف الركعة فأوف أنت فان رفع رأسه من السجدة ولم يوف فأوف أنت فان قام وعجل عن التشهد فلا تعجل أنت، وأوف وإن قام * وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عقبة عن أبي وائل: أنه كان يجمع مع
المختار الكذاب.
* وعن أبى الاشعث (1) قال: ظهرت الخوارج علينا فسألت يحيى بن أبي كثير، فقلت يا أبا نصر، كيف ترى في الصلاة خلف هؤلاء؟ قال: القرآن إمامك، صل معهم ما صلوها * وعن ابراهيم النخعي قلت لعلقمة: إمامنا لا يتم الصلاة قال علقمة: لكنا نتمها، يعنى نصلى معه ونتمها * وعن الحسن: لا تضر المؤمن صلاته خلف المنافق، ولا تنفع المنافق صلاته خلف المؤمن * وعن قتادة قلت لسعيد بن المسيب: أنصلي خلف الحجاج؟ قال: إنا نصلى خلف من هو شر منه * قال علي: ما نعلم أحدا من الصحابة رضى الله عنهم امتنع من الصلاة خلف المختار وعبيد الله بن زياد والحجاج، ولا فاسق أفسق من هؤلاء، وقد قال الله عزوجل: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) ولا بر أبر من الصلاة وجمعها في المساجد فمن دعا إليها ففرض اجابته وعونه على البر والتقوى الذي دعا اليهما، ولا اثم بعد الكفر آثم من تعطيل الصلوات في المساجد، فحرام علينا أن نعين على ذلك، وكذلك الصيام والحج والجهاد، من عمل شيئا من ذلك عملناه معه، ومن دعانا إلى اثم لم نجبه ولم نعنه عليه.
وكل هذا قول أبي حنيفة والشافعي وأبي سليمان * 489 مسألة ومن صلى جنبا أو على غير وضوء عمدا أو نسيانا فصلاة من ائتم به صحيحة تامة، الا أن يكون علم ذلك يقينا فلا صلاة له، لانه ليس مصليا، فإذا لم يكن مصليا فالمؤتم بمن لا يصلى عابث عاص مخالف لما أمر به، ومن هذه صفته في
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وعن أبى الاشهب) ولا أدرى أيتهما أصح *(4/214)
صلاته فلا صلاة له.
*
وقال أبو حنيفة: لا تجزئ صلاة من ائتم بمن ليس على طهارة عامدا كان الامام أو ناسيا * وقال مالك: ان كان ناسيا فصلاة من خلفه تامة، وان كان عامدا فلا صلاة لمن خلفه * وقال الشافعي وأبو سليمان كما قلنا * قال علي: برهان صحة قولنا قول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وليس في وسعنا علم الغيب من طهارته، وكل إمام يصلى وراءه في العالم ففى الممكن أن يكون على غير طهارة عامدا أو ناسيا، فصح أننا لم نكلف علم يقين طهارتهم، وكل أحد يصلى لنفسه، ولا يبطل صلاة المأموم إن صحت بطلان صلاة الامام، ولا يصح صلاة المأموم إن بطلت صحة صلاة الامام (1)، ومن تعدى هذا فهو مناقض لانهم لا يختلفون - نعنى الحنيفيين والمالكيين في ان الامام إن أحدث مغلوبا فان طهارته قد انتقضت، قال المالكيون: وصلاته أيضا قد بطلت، ثم لا يختلفون ان صلاة من خلفه لم تنتقض ولا طهارتهم، فبطل ان تكون صلاة المأموم متعلقة بصلاة الامام وان تفسد بفسادها، وهم أصحاب قياس بزعمهم، وهم لا يختلفون في ان صلاة المأموم ان فسدت فانه لا يصلحها صلاح صلاة الامام، فهلا طردوا أصلهم فقالوا: فكذلك إن صحت صلاة المأموم لم يفسدها فساد صلاة الامام!؟ فلو صح قياس يوما لكان هذا أصح قياس في الارض * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا الفضل بن سهل ثنا الحسن بن موسى (2) الاشيب ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد ابن اسلم عن عطاء بن يسار عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يصلون لكم، فان أصابوا فلكم، وإن أخطؤا فلكم وعليهم) (3) * قال علي: وعمدتنا في هذا هو ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود السجستاني ثنا عثمان بن ابي شيبة ثنا يزيد بن هرون (4)
__________
(1) قوله (ولا يبطل) الخ فاعل يبطل (بطلان صلاة الامام) وهو مؤخر، ومفعوله
(صلاة المأموم) وهو مقدم، وكذلك قوله (ولا يصح) الخ وهو بضم اوله مضارع (أصح) (2) في النسخة رقم (45) (الفضل بن موسى) وهو خطأ (3) في البخاري (ج 1 ص 281) (4) في الاصلين (ثنا أبو داود السجستاني ثنا يزيد بن هرون) بحذف عثمان بن ابى شيبة من الاسناد، وهو خطأ صححناه من ابى داود (ج 1 ص 93 و 94) *(4/215)
أنا حماد بن سلمة عن زياد الاعلم عن ابي بكرة: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر فأومأ إليهم: ان مكانكم (1)، ثم جاء ورأسه يقطر، فصلى بهم، فلما قضى الصلاة قال: إنما انا بشر مثلكم، واني كنت جنبا) * قال علي: فقد اعتدوا بتكبيرهم خلفه وهو عليه السلام جنب (2)، * قال علي: ورويناه من طريق هشام بن عروة عن أبيه (3): ان عمر بن الخطاب صلى بالناس وهو جنب فأعاد، ولم يبلغنا ان الناس أعادوا * وعن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر: ان أباه صلى بالناس صلاة العصر وهو على غير وضوء، فأعاد ولم يعد أصحابه * وعن ابراهيم النخعي، والحسن، وسعيد بن جبير، فيمن أم قوما وهو على غير طهارة انه يعيد ولا يعيدون، ولم يفرقوا بين ناس وعامد.
* وقال عطاء: لا يعيدون خلف غير المتوضئ، ويعيدون خلف الجنب، وهذا لا معنى له * وروينا عن على بن أبي طالب: يعيد ويعيدون * ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خالفه عمر وابن عمر، هذا لو صح عن علي، فكيف ولا يصح! لان في الطريق إليه عباد بن كثير، وهو مطرح، وغالب
__________
(1) في ابى داود (فأومأ بيده أن مكانكم) (2) هكذا زعم ابن حزم، والروايات في هذا الحديث مختلفة فبعضها فيه أنه كبر وبعضها أنه لم يكبر، وفى لفظ البخاري (ثم خرج الينا ورأسه يقطر فكبر فصلينا معه) وانظر بيان هذا مفصلا في شرح ابى داود (3) في الموطأ (ص 17): (مالك
عن هشام بن عروة عن زبيد بن الصلت أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ولم يغتسل، فقال: والله ما أراني الا قد احتلمت وما شعرت وصليت وما اغتسلت، قال فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه ونضح ما لم ير، وأذن وأقام ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنا) وفيه ايضا.
(مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان ابن يسار.
أن عمر بن الخطاب صلى بالناس الصبح ثم غدا إلى أرضه بالجرف فوجد في ثوبه احتلاما فقال: إنا لما أصبنا الودك لانت العروق! فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه وعاد لصلاته) فيظهر من هذا ان ما هنا من قوله (ولم يبلغنا أن الناس أعادوا) انه من قول ابن حزم بيانا للاثر أو لعله في رواية له لم نرها *(4/216)
ابن عبيدالله (1) وهو مجهول، وعبيدالله بن زحر عن على بن زيد، (2) وكلاهما ضعيف * وروى المخالفون عن ابراهيم بن محمد بن أبي يحيى وهو كذاب عمن لم يسمه وهو مجهول عن أبي جابر البياضى وهو كذاب عن سعيد بن المسيب: في القوم يصلون خلف من ليس على طهارة ناسيا: أنهم يعيدون.
ولو صح لكان مرسلا لاحجة فيه، فكيف وفيه كذابان ومجهول! فحصلت الرواية عن عمرو بن عمر، لا يصح عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم خلافها، وهى في غاية الصحة * قال على: وأما الالثغ، والالكن، والاعجمي اللسان، واللحان فصلاة من ائتم بهم جائزة، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فلم يكلفوا إلا ما يقدرون عليه، لا ما لا يقدرون عليه، فقد أدوا صلاتهم، كما أمروا، ومن أدى صلاته كما أمر فهو محسن قال تعالى: (ما على المحسنين من سبيل).
والعجب كل العجب ممن يجيز صلاة الالثغ واللحان والالكن لنفسه ويبطل صلاة من ائتم بهم في الصلاة، وهم مع ذلك يبطلون صلاة من صلى وهو جنب ناسيا، ويجيزون صلاة من ائتم به وهو لا صلاة له! وبالله تعالى التوفيق * 490 - مسألة - ولا تجوز إمامة من لم يبلغ الحلم، لا في فريضة ولا نافلة، ولا أذانه *
وقال الشافعي: تجوز إمامته في الفريضة والنافلة، ويجوز أذانه * وقال مالك: تجوز إمامته في النافلة ولا تجوز في الفريضة *
__________
(1) كذا في الاصلين بالتصغير، وفى لسان الميزان (غالب بن عبد الله) وأظن أن ما هنا أصح (2) كذا في الاصلين (على بن زيد) ولكن عبيدالله بن زحر معروف بالرواية عن على بن يزيد الالهانى روى عنه نسخة، وقال ابن حبان في عبيدالله بن زحر: (يروى الموضوعات عن الاثبات، فإذا روى عن على بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في اسناد خبر عبيد الله بن زحر، وعلى بن يزيد، والقاسم أبو عبد الرحمن لم يكن متن ذلك الخبر الا مما عملته ايديهم) قال ابن حجر في التهذيب بعد كلام ابن حبان: (وليس في الثلاثة من اتهم الا على بن يزيد، واما الآخران فهما في الاصل صدوقان وان كانا يخطئان) ولذلك انا ارجح ان ما في الاصل خطأ صوابه (على بن يزيد) وان كنت لم أجد الاثر الذى يشير إليه المؤلف حتى ارى اسناده *(4/217)
قال علي: احتج من أجاز إمامته بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد ابن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى بن اسماعيل ثنا حماد هو ابن سلمة أنا أيوب هو السختياني عن عمرو بن سلمة الجرمى (1) قال: (كنا بحاضر (2) يمر بنا الناس إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وقال كذا، وكنت غلاما حافظا، فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا، فانطلق أبي وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه، فعلمهم الصلاة، وقال: يؤمكم اقرؤكم، فكنت اقرأهم لما كنت احفظ، فقدموني فكنت اؤمهم، وعلى بردة لى صغيرة، فكنت إذا سجدت تكشفت عنى، فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم، فاشتروا لى قميصا عمانيا، فما فرحت بشئ بعد الاسلام ما فرحت به (3)، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين) * قال على: فهذا فعل عمرو بن سلمة وطائفة من الصحابة معه، لا يعرف لهم من الصحابة
رضى الله عنهم مخالف، فأين الحنيفيون والمالكيون المشنعون بخلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم؟! وهم أترك الناس له، لاسيما من قال منهم، إن ما لا يعرف فيه خلاف فهو إجماع، وقد وجدنا لعمرو بن سلمة هذا صحبة ووفادة على النبي صلى الله عليه وسلم مع أبيه (4) * قال علي: وأما نحن فلا حجة عندنا في غير ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقرار أو قول أو عمل، ولو علمنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف هذا واقره لقلنا به، فأما إذا لم يأت بذلك أثر فالواجب عند التنازع ان يرد ما اختلفنا فيه إلى ما افترض الله علينا الرد إليه من القرآن والسنة، فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أقرؤكم) فكان المؤذن مأمورا بالاذان، والامام مأمورا بالامامة، بنص هذا الخبر، ووجدناه صلى الله عليه وسلم قد قال: (إن القلم رفع عن الصغير حتى يحتلم) فصح أنه غير مأمور ولا مكلف، فإذ هو كذلك فليس هو المأمور بالاذان ولا بالامامة، وإذ ليس مأمورا بهما فلا يجزئان إلا من مأمور بهما، لا ممن لم يؤمر بهما، ومن ائتم بمن لم يؤمر أن يأتم به وهو عالم بحاله فصلاته باطل، فان لم يعلم بأنه لم يبلغ، وظنه رجلا
__________
(1) (سلمة) بفتح السين وكسر اللام، و (الجرمى) بفتح الجيم واسكان الراء (2) في شرح أبى داود (قال الخطابى: الحاضر القوم النزول على ما يقيمون به لا يرحلون عنه، وربما جعلوه اسما لمكان الحضور، يقال: نزلنا حاضر بنى فلان، فهو فاعل بمعنى مفعول) (3) في أبى داود (ج 1 ص 228) (فرحى به) (4) انظر المسألة 454 والتهذيب *(4/218)
بالغا: فصلاة المؤتم به تامة، كمن صلى خلف جنب أو كافر لا يعلم بهما ولا فرق وبالله التوفيق * وأما الفرق بين إمامة من لم يبلغ في الفريضة وبين إمامته في النافلة: فكلام لا وجه له أصلا، لانه دعوى بلا برهان * 491 مسألة وصلاة المرأة بالنساء جائزة، ولايجوز أن تؤم الرجال، وهو
قول أبي حنيفة والشافعي، إلا أن أبا حنيفة كره ذلك وأجاز ذلك، وقال الشافعي: بل هي السنة، ومنع مالك من ذلك * قال علي: اما منعهن من امامة الرجال فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر ان المرأة تقطع صلاة الرجل، وأن موقفها في الصلاة خلف الرجال، والامام لا بد له من التقدم أمام المؤتمين، أو من الوقوف عن يسار المأموم إذا لم يكن معه غيره، فلو تقدمت المرأة أمام الرجل لقطعت صلاته وصلاتها، وكذلك لو صلت إلى جنبه، لتعديها المكان الذي أمرت به، فقد صلت بخلاف ما أمرت * واما امامتها النساء.
فان المرأة لا تقطع صلاة المرأة إذا صلت أمامها أو إلى جنبها، ولم يأت بالمنع من ذلك قرآن ولا سنة، وهو فعل خير وقد قال تعالى: (وافعلوا الخير) وهو تعاون على البر والتقوى * وكذلك ان أذن وأقمن فهو حسن لما ذكرنا * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا احمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن ميسرة ابن حبيب النهدي هو أبو حازم عن ريطة الحنفية: أن عائشة أم المؤمنين أمتهن في الفريضة * حدثنا يونس بن عبد الله ثنا احمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ثنا احمد بن خالد ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا زياد بن لاحق عن تميمة بنت سلمة عن عائشة أم المؤمنين: أنها أمت النساء في صلاة المغرب فقامت وسطهن وجهرت بالقراءة * وبه إلى يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ان أم الحسن بن أبى الحسن حدثتهم: ان أم سلمة أم المؤمنين كانت تؤمهن في رمضان وتقوم معهن في الصف *(4/219)
قال علي: هي خيرة، ثقة الثقات.
وهذا إسناد كالذهب (1) حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: تقيم المرأة لنفسها * وقال طاوس: كانت عائشة أم المؤمنين تؤذن وتقيم * وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عمار الدهنى عن حجيرة بنت حصين (2) قالت: أمتنا أم سلمة أم المؤمنين في صلاة العصر وقامت بيننا، ورويناه أيضا من طريق وكيع عن سفيان باسناده * وعن ابن عباس: تؤم المرأة النساء وتقوم وسطهن * وعن ابن عمر: أنه كان يأمر جارية له تؤم نساءه في رمضان * وعن عطاء ومجاهد والحسن جواز إمامة المرأة للنساء في الفريضة والتطوع وتقوم وسطهن في الصف * وعن النخعي والشعبي: لا بأس بأن تصلى المرأة بالنساء في رمضان وتقوم وسطهن * قال علي: وقال الاوزاعي وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل واسحق بن راهويه وأبو ثور: يستحب أن تؤم المرأة النساء وتقوم وسطهن * قال علي: ما نعلم لمنعها من التقدم حجة أصلا، وحكمها عندنا التقدم أمام النساء وما نعلم لمن منع من إمامتها النساء حجة أصلا، لاسيما وهو قول جماعة من الصحابة كما أوردنا، لا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضى الله عنهم أصلا، وهم يعظمون هذا إذا وافق أهواءهم، ويرونه خلاف للاجماع! وهو سهل عليهم خلافهم إذ لم يوافق أهواءهم، وبالله تعالى التوفيق * 492 مسألة وإذا أحدث الامام أو ذكر انه غير طاهر فخرج فاستخلف فحسن فان لم يستخلف فليتقدم (3) أحدهم يتم بهم الصلاة ولا بد، فان أشار إليهم ان
__________
(1) هذه الآثار الثلاثة مضت في المسألة رقم (319) (ج 3 ص 126 - 127) (2) حجيرة
بنت حصين) بالتصغير فيهما، وفى النسخة رقم (16) (حجير) بدون الهاء، وفى النسخة رقم (45) (حجرة) بالتكبير وكلاهما خطأ، وهذا الاثر مضى أيضا (ج 3 ص 127) (3) في النسخة رقم (45) (فليقدموا) وهى أحسن *(4/220)
ينتظروه ففرض عليهم انتظاره حتى ينصرف فيتم بهم صلاتهم ثم يتم لنفسه * اما انتظاره فلما ذكرنا آنفا من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جنب فخرج وأومأ إليهم أن مكانكم ثم عاد، وقد اغتسل فصلى بهم * وأما استخلافهم (1): فلما ذكرنا قبل من أن النبي صلى الله عليه وسلم مضى إلى قباء فقدم المسلمون أبا بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أحس أبو بكر به تأخر وتقدم عليه السلام فصلى بالناس، ولان فرضا على الناس أن يصلوا في جماعة كما قدمنا، فلا بد لهم من إمام، إما باستخلاف إمامهم وإما باستخلافهم أحدهم وإما بتقدم أحدهم * وقال أبو حنيفة: إن أحدث الامام وهو ساجد فرفع رأسه ولم يكبر واستخلف جار ذلك.
وصلاتهم كلهم تامة، فلو كبر ثم استخلف بطلت صلاة الجميع، فلو خرج من المسجد قبل أن يستخلف بطلت صلاة الجميع * قال علي: وهذه أقوال في غاية الفساد والتخليط، وليس عليها من بهجة الحق أثر! وليت شعري! إذا أحدث ساجدا فرفع رأسه ولم يكبر: في صلاة هو أم في غير صلاة؟ وهل إمامته لهم باقية أو لا؟ ولا بد من أحد الوجهين * فان قالوا: هو في صلاة وامامته باقية، جعلوه مصليا بلا وضوء، وإماما لهم بلا وضوء.
وهذا خلاف أصلهم الآخر الفاسد في بطلان صلاة من ائتم بامام هو على غير طهارة ناسيا أو ذاكرا * ثم نقول لهم: إذ هو في صلاة وهو بعد باق على امامته لهم، فما ذنبه إذ كبر فأبطل صلاة نفسه وصلاتهم؟! هذه عداوة منكم لذكر الله تعالى! وأخية قولكم: (2) من عطس في
صلاته فقال بلسانه: (الحمد لله رب العالمين) بطلت صلاته، ولو قعد مقدار التشهد فقذف محصنة أو ضرط، عامدا لم تبطل صلاته! تعالى الله، ما أوحش هذه الاقوال التي لا يحل قبولها الا لو قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، الذي لم نأخذ الصلاة ولا الدين ولا ذكر الله تعالى الا عنه، فلا يحل لنا اذن شئ من ذلك الا كما أمرنا.
* وان قالوا: بل ليس في صلاة، ولا هم بعد في امامته، قلنا لهم: فإذ قد خرج بالحدث من امامتهم وعن الطهارة التي لا صلاة الا بها: فما الذي ولد عليه تكبيره من الضرر،
__________
(1) في النسخة رقم (45) (واما استخلافه) (2) كذا في الاصلين، ويظهر أن مراده بالاخية البقية التى يرجع إليها أصل القول، انظر لسان العرب *(4/221)
حتى أحدث عليه قوله (الله أكبر) بطلان صلاته، وكذلك خروجه من المسجد، وفى هذا القول من السخافة غير قليل! وهذا مسجد بيت المقدس طوله ثمانمائة ذراع ونيف، ورب مسجد ليس عرضه الا ثلاثة أذرع أو نحوها وطوله مثلا ذلك فقط! ونحمد الله على تسليمه ايانا من مثل هذه الاقوال المنافرة لصحة الدماغ * قال علي: فان استخلف من دخل حينئذ ولم يكبر بعد، أو قد كبر، أو من أدرك معه أول صلاته، أو قدموا هم من هذه صفته، أو تقدم هو: فكل ذلك جائز، إذ استخلاف امام يتم بهم فرض كما ذكرنا، لوجوب الصلاة في جماعة عليهم، فليبدأ المستخلف ان كان لم يدرك من الصلاة ركعة واحدة واستخلف في الثانية: فيتم تلك الركعة بهم، ثم إذا سجد سجدتيها أشار إليهم فجلسوا، وقام هو إلى ثانيته، فإذا أتمها جلس وتشهد، ثم قام وقاموا معه فأتم بهم الركعتين أو الركعة ان كانت المغرب، فان كانت الصبح فكذلك سواء سواء، فإذا اتم تشهده سلم وسلموا، * فان فاتته ركعتان واستخلف في الجلوس كبر وقاموا معه بعد أن يتموا تشهدهم بأسرع ما يمكن، وأتى بالركعتين الباقيتين وهم معه، فإذا جلسوا قام إلى باقى صلاته فأتمها ثم
يتشهد ويسلم ويسلمون.
فان كان ذلك في جلوس الصبح فكذلك ثم جلس وتشهد وسلم وسلموا * فان فاتته ثلاث ركعات واستخلف في اول الرابعة صلاها، فإذا رفع من آخر سجوده قام وجلسوا، ثم أتى بركعة وجلس تشهد، ثم قام وأتى بباقي صلاته، ثم جلس وتشهد وسلم وسلموا * وبالجملة فلا يصلى إلا صلاة نفسه، لا كما كان يصلى لو كان مأموما، لانه إمام، والامام لا يتبع أحدا في صلاته لكن يتبع فيها، واما هم فيتبعونه فيما لا يزيدون به في صلاتهم وقوفا ولا سجدة ثالثة، وكل أحد يصلى لنفسه، قال تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) * فان كان المستخلف في مؤخر الصفوف فما بين ذلك إلى أحد جهات الصف الاول: ففرض عليه المشى مستقبلا للقبلة كما هو على أحد جنبيه إلى موقف الامام، لان فرض الامام - لغير الضرورة - أن يقف أمام المأمومين وهم وراءه ولا بد، ففرض عليه المشى إلى ما أمر به من ذلك، ولا يجوز له ان يخالف عن كون وجهه إلى شطر المسجد الحرام الا(4/222)
لضرورة لا يقدر على غير ذلك معها.
وبالله تعالى التوفيق * 493 - مسألة ولا يحل لاحد أن يؤم وهو ينظر ما يقرأ به في المصحف، لا في فريضة ولا نافلة، فان فعل عالما بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته وصلاة من ائتم به عالما بحاله عالما بأن ذلك لا يجوز * قال علي: من لا يحفظ القرآن فلم يكلفه الله تعالى قراءة ما لا يحفظ، لانه ليس ذلك في وسعه، قال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) فإذا لم يكن مكلفا ذلك فتكلفه ما سقط عنه باطل، ونظره في المصحف عمل لم يأت باباحته في الصلاة نص، وقد قال عليه السلام: (ان في الصلاة لشغلا) *
وكذلك صلاة من صلى معتمدا على عصا أو إلى حائط لضعفه عن القيام لانه لم يؤمر بذلك، وحكم من هذه صفته ان يصلى جالسا، وليس له ان يعمل في صلاته ما لم يؤمر به، ولو كان ذلك فضلا لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اولى بذلك، لكنه لم يفعله، بل صلى جالسا إذ عجز عن القيام، وامر بذلك من لا يستطيع، فصلاة المعتمد مخالفة لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال عليه السلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وغيرهما * 494 - مسألة ومن نسى صلاة فرض - أي صلاة كانت فوجد اماما يصلى صلاة أخرى أي صلاة كانت في جماعة ففرض عليه ولا بد أن يدخل فيصلى التي فاتته، وتجزئه، ولا نبالي باختلاف نية الامام والمأموم.
* وجائز صلاة الفرض خلف المتنفل، والمتنفل خلف من يصلى الفرض، وصلاة فرض خلف من يصلى صلاة فرض أخرى كل ذلك حسن وسنة * ولو وجد المرء جماعة تصلى التروايح في رمضان، ولم يكن صلى العشاء الآخرة، فليصلها معه، ينوى فرضه، فإذا سلم الامام ولم يكن هو أتم صلاته فلا يسلم، بل يقوم، فان قام الامام إلى الركعتين قام هو أيضا فائتم به فيهما، ثم يسلم بسلام الامام.
وكذلك لو ذكر صلاة فائتة * وجائز أن يصلى امام واحد بجماعتين فصاعدا في مساجد شتى صلاة واحدة، هي لهم فرض، وكلها له نافلة سوى التي صلى أولا، وكذلك من صلى صلاة فرض في جماعة فجائز له أن يؤم في تلك الصلاة جماعة أخرى،(4/223)
وجماعة بعد جماعة * ومن فاتته الصبح فوجد قوما يصلون الظهر صلى معهم ركعتين ينوى بهما الصبح، ثم سلم، وصلى الباقيتين بنية الظهر، ثم أتم ظهره، وهكذا يعمل (1) في كل صلاة على حسب
ما ذكرنا.
وهذا قول الشافعي وأبي سليمان * وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز أن تختلف نية الامام والمأموم.
قال علي: إن من العجب أن يكون الحنيفيون يجيزون الوضوء للصلاة والغسل من الجنابة بغير نية أو بنية التبرد، وفيهم من يجيز صوم رمضان بنية الافطار وترك الصوم، وكلهم يجيزه بنية التطوع ويجزئه عن فرضه، وبنية الفطر إلى زوال الشمس، فيبطلون النيات حيث أوجبها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم يوجبونها ههنا حيث لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم! وفى المالكيين من يجزئ عنده غسل الجمعة ودخول الحمام من غسل الجنابة، فيسقطون النية حيث هي فرض، ويوجبونها حيث لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم * قال على: وانما يجب الكلام في وجوب اتفاق نية الامام والمأموم، أو في سقوط وجوبه، فإذا سقط وجوبه صحت المسائل التي ذكرنا كلها، لانها مبنية على هذا الاصل، ومنتجة منه * قال على: فنقول وبالله تعالى التوفيق: إنه لم يأت قط، قرآن.
ولا سنة.
ولا إجماع.
ولا قياس: يوجب اتفاق نية الامام والمأموم، وكل شريعة لم يوجبها قرآن ولا سنة ولا إجماع فهى غير واجبة، وهذه شريعة لم يوجبها شي مما ذكرنا، فهى باطل * ثم البرهان يقوم على سقوط وجوب ذلك، وقد كان يكفى من سقوطه عدم البرهان على وجوبه * قال على: من المحال أن يكلفنا الله تعالى موافقة نية المأموم منا لنية الامام لقول الله تعالى.
(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، وليس في وسعنا علم ما غيب عنا من نية الامام حتى نوافقها، وإنما علينا ما يسعنا ونقدر عليه من القصد بنياتنا تأدية ما امرنا به كما امرنا، وهذا برهان ضرروى سمعي وعقلي * وبرهان آخر.
وهو قول الله تعالى.
(لا تكلف إلا نفسك) وهذا نص جلى كاف في ابطال قولهم * فان قالوا.
قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما جعل الامام ليؤتم به) *
قلنا.
نعم، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر نفسه - المواضع التي يلزم الائتمام
__________
(1) في النسخة رقم (45) (وكذلك العمل) الخ(4/224)
بالامام فيها، وهى قوله عليه السلام: (فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا) فههنا أمر عليه السلام بالائتمام فيه، لا في النية التي لاسبيل إلى معرفتها لغير الله تعالى ثم لناويها وحده * والعجب كل العجب ان المحتجين بهذا الخبر فيما ليس فيه منه اثر من ايجاب موافقة نية المأموم لنية الامام - اول عاصين لهذا الخبر، فيقولون: لا يقتدى المأموم بالامام في قول: (سمع الله لمن حمده)! فإذا قيل لهم: هذا، قالوا: لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقيل لهم: ولا نهى عنه ولا ذكر عليه السلام أيضا موافقة نية المأموم للامام، لا في هذا ولا في غيره، ثم خالفه المالكيون في امره بأن نصلى قعودا إذا صلى قاعدا، فأى عجب اعجب من احتجاجهم بخبر يخالفون نص ما فيه، ويوجبون به ما ليس فيه؟! نعوذ بالله من مثل هذا * وقال عليه السلام.
(انما الاعمال بالنيات، وانما لكل امرئ ما نوى) فنص عليه السلام نصا جليا على ان لكل احد ما نوى، فصح يقينا ان للامام نيته، وللمأموم نيته، لا تعلق لاحداهما بالاخرى، وما عدا هذا فباطل بحت لا شك فيه.
وبالله تعالى نتأيد * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى انا هشيم عن منصور عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله: (ان معاذ بن جبل كان يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه فيصلى بهم تلك الصلاة) (1) * وبه إلى مسلم: ثنا محمد بن عباد ثنا سفيان هو ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله: (ان معاذ بن جبل كان يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤم قومه، فصلى
ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم أتى قومه فأمهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لا والله، ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاخبرنه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله، انا أصحاب نواضح نعمل بالنهار، وان معاذا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال: يا معاذ، أفتان أنت؟ اقرأ بكذا واقرأ بكذا) (2) *
__________
(1) في مسلم (ج 1 ص 134 و 135) (2) في مسلم (ج 1 ص 134) *(4/225)
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم بالامر وأقره على حاله ولم ينكرها * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيدالله بن عمر بن ميسرة ثنا يحيى بن سعيد هو القطان عن محمد بن عجلان ثنا عبيدالله بن مقسم عن جابر بن عبد الله: (أن معاذ بن جبل كان يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يأتي قومه فيصلى بهم تلك الصلاة) (1) * قال على: إنما أوردنا هذا الخبر لان بعض من لا يردعه دين عن الكذب قال: لم يرو أحد هذه اللفظة الا عمرو بن دينار، فأريناه أنه قد رواها عبيد الله بن مقسم، وهو متفق على ثقته، ثم حتى لو انفرد بها عمرو فكان ماذا؟! * ما يختلف مسلمان في أن عمرا، هو النجم الثاقب ثقة وحفظا وامامة وبلا شك فهو فوق ابى حنيفة ومالك اللذين يعارض هؤلاء السنن برأيهما الذي اخطآ فيه، لان عمرا لقى الصحابة واخذ عنهم واقل مراتب عمرو أن يكون في نصاب شيوخ مالك وابى حنيفة كالزهري، ونافع وحماد بن أبي سليمان وغيرهم، وقد روى عن عمرو من هو أجل من مالك وأبي حنيفة ومثلهما، كأيوب، ومنصور، وشعبة، وحماد بن زيد، وسفيان، وابن جريج وغيرهم، * فكيف وقد صح في هذا ما هو أجل من فعل معاذ؟ كما حدثنا يونس بن عبد الله ثنا احمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد
ابن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان عن الاشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن البصري عن ابي بكرة: (انه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصلى بالذين (2) خلفه ركعتين، والذين جاءوا بعد ركعتين، فكانت للنبى صلى الله عليه وسلم أربعا ولهؤلاء ركعتين) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عبيدالله بن معاذ بن معاذ العنبري ثنا أبي (3) ثنا الاشعث هو ابن عبد الملك - عن الحسن البصري عن ابي بكرة قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر، فصف بعضهم خلفه، وبعضهم بازاء العدو، فصلى ركعتين ثم سلم، فانطلق الذين صلوا معه (4) فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصفوا خلفه، فصلى بهم ركعتين ثم سلم،
__________
(1) رواه أبو داود (ج 1 ص 233) (2) في النسخة رقم (16) (بالذى) وهو خطأ (3) قوله (ثنا ابى) سقط من الاصلين خطأ وزدناه من ابى داود (ج 1 ص 484) (4) كلمة (معه) سقطت من الاصلين *(4/226)
فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا ولاصحابه ركعتين ركعتين) وبه كان يفتى الحسن * قال علي وقد صح سماع الحسن من ابي بكرة كما قد حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد ابن معاوية ثنا أحمد بن شعيب انا محمد بن منصور ثنا سفيان هو ابن عيينة انا أبو موسى - هو اسرائيل بن موسى قال: سمعت الحسن يقول: سمعت ابا بكرة يقول: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر والحسن بن علي معه) (1) وذكر الحديث، وابو موسى هذا ثقة روى عنه سفيان والحسين بن على الجعفي * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن ابي شيبة ثنا عفان هو ابن مسلم - ثنا أبان هو ابن يزيد العطار ثنا يحيى بن ابي كثير عن ابي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر قال: (أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع) وذكر الحديث
قال (فنودى بالصلاة، فصلى بطائفة (2) ركعتين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الاخرى ركعتين، قال جابر: فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، وللقوم ركعتان) * قال علي: وهذا حديث سمعه يحيى من أبي سلمة، وسمعه أبو سلمة من جابر، ورويناه كذلك من طرق، اكتفينا بهذا طلب الاختصار، فهذا آخر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لان ابا بكرة شهده، وانما كان اسلامه يوم الطائف بعد فتح مكة وبعد حنين * وقد لجأ بعضهم إلى ما يلجأ إليه المفضوح المبلح (3) الذي لا يتقى الله تعالى فيما يتكلم به فقال: ليس في حديث جابر أنه سلم عليه السلام بين الركعتين والركعتين * قال علي فيقال له: كذبت، قد روينا من طريق قتادة عن سليمان اليشكري عن جابر (انه عليه السلام سلم بينهما) (4) *
__________
(1) لم اجده في سنن النسائي ولا في خصائص على له، وهو في مسند احمد (ج 5 ص 37 و 38) عن سفيان باسناده، وهو حديث (ان ابني هذا سيد ولعل الله تبارك وتعالى ان يصلح به بين فئتين من المسلمين) وهو في البخاري من طريق ابن عيينة (ج 5 ص 100) وفيه التصريح بسماع الحسن ايضا.
ورواه أبو داود (ج 4 ص 349) والحاكم (ج 3 ص 174 و 175) بأسانيد أخرى (2) في الاصلين (فصلى بالطائفة) وصححناه من مسلم (ج 1 ص 231 و 232) (3) يقال: بلح - بفتحات - إذا انقطع من الاعياء فلم يقدر على التحرك.
ومصدره البلوح، ويقال: بلح ايضا - بتشديد اللام المفتوحة (4) رواية اليشكرى رواها الطحاوي(4/227)
فقالوا: قد تكلم في سماع قتيبة من سليمان * فقلنا: انتم تقولون: المرسل كالمسند، فالان اتاكم التعلل بالباطل في المسند بأنه قد قيل - ولم يصح ذلك (1) القول.
انه مرسل، ان هذا لعجب! لاسيما وقد بين ابو بكرة في حديثه أنه عليه السلام سلم بين الركعتين والركعتين، ولم يرو أحد انه عليه السلام لم يسلم بين الركعتين والركعتين *
ولو صح انه عليه السلام لم يسلم بين الركعتين والركعتين لكان ذلك أشد على المخالفين، لانهم انما هم مقلدو أبي حنيفة ومالك * وابو حنيفة يرى على من صلى أربعا وهو مسافر أن صلاته فاسدة، الا ان يجلس في الاثنتين، مقدار التشهد فتصح صلاته، وتكون الركعتان اللتان يقوم اليهما تطوعا، فان كان عليه السلام لم يقعد بين الركعتين مقدار التشهد فصلاته عندهم فاسدة، فان أقدموا على هذا القول كفروا بلا مرية، وان كان عليه السلام قعد بين الركعتين مقدار التشهد فقد صارت الطائفة الثانية مصلية فرضهم خلفه، وهو عليه السلام متنفل، وهذا قولنا لا قولهم * وأما المالكيون فانهم يقولون: ان المسافر ان صلى أربعا فقد أساء في صلاته وعليه (2) أن يعيدها في الوقت، فان قالوا: هذا في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا بلا مرية، وان قالوا: بل سلم بين الركعتين والركعتين أقروا بأن الطائفة الثانية رضى الله عنهم صلوا فرضهم خلفه عليه السلام وهو متنفل * وهذا اجماع صحيح من جميع الصحابة رضى الله عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ممن حضر،
__________
(ج 1 ص 187) واشار إليها أبو داود (ج 1 ص 484)، قال بعد حديث ابى بكرة: (وكذلك رواه يحيى بن ابى كثير عن ابى سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قال سليمان اليشكرى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقد روى نحوه الحسن عن جابر ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين ثم سلم ثم ركعتين ثم سلم، وذلك عند النسائي (ج 1 ص 231) باسناد صحيح، وروى نحوه البيهقى في المعرفة من طريق الشافعي عن الثقة ابن علية أو غيره عن يونس عن الحسن عن جابر، نقله الزيلعى في نصب الراية (ج 1 ص 251) (1) نقل ابن حجر عن البخاري ويحيى بن معين ان قتادة لم يسمع من اليشكرى (2) في النسخة رقم (16) (وعليها) وهو خطأ *(4/228)
ولا يخفى مثل هذا على من غاب، وكلهم مسلم لامره عليه السلام *
وقد لجأ بعض المفتونين من مقلدي مالك إلى ان قال: هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، لان في الائتمام به من البركة في النافلة ما ليس في الائتمام بغيره في الفريضة * قال علي: فر هذا البائس من الاذعان للحق إلى الكذب على الله تعالى في دعواه الخصوص فيما لم يقل عليه السلام قط أنه خصوص له، بل قد صح عنه عليه السلام من طريق مالك ابن الحويرث أنه قال: (صلوا كما تروني أصلى) وقال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
وما قال قط أحد: إنه يجوز معه عليه السلام في الصلاة ما لا يجوز مع غيره، إلا هؤلاء المقدمون، نصرا لتقليدهم الفاسد! ونعوذ بالله من الخذلان (1) * قال علي: واعترضوا في حديث معاذ بأشياء! نذكرها، وان كنا غانين عن ذلك بحديث أبي بكرة وجابر، لكن نصر الحق فضيلة، وقمع الباطل وسيلة إلى الله تعالى * قال بعضهم: لا يجوز اختلاف نية الامام والمأموم لما رويتموه من طريق ابن سخبر (2) الجرجاني عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث عن عبد الله بن عياش ابن عباس القتباني عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت) * قال علي: وهذا خبر لا يصح، لان راويه أبو صالح، وهو ساقط (3)، وإنما الصحيح من هذا الخبر فهو ما رواه أيوب السختياني وابن جريج وحماد بن سلمة وورقاء ابن عمر وزكرياء بن اسحاق كلهم عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة).
وقد ذكرناه باسناده في صدر كتاب الصلاة من ديواننا هذا (4) * ثم لو صح لفظ أبي صالح لكان حجة عليهم لا لهم، لانهم مخالفون له، لان المالكيين والحنيفيين معا متفقون على أن صلاة الصبح إذا أقيمت فان من لم يكن اوتر ولا ركع ركعتي الفجر: يصليهما قبل أن يدخل في التي اقيمت! فسبحان من يسرهم للاحتجاج بما لا يصح من الاخبار في إبطال ما صح منها! ثم لا مؤنة عليهم من خلاف ما احتجوا
__________
(1) في النسخة رقم (45) (ونعوذ بالله من مثل هذا) (2) كذا في النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (45) (سحر) بدون نقط، ولم اعرف من هو؟ (3) كلا بل أبو صالح ثقة، وانما ضعف هذه الرواية - ان كانت لم تجئ بغير هذا الاسناد - من قبل عبد الله بن عياش ابن عباس، فانه ضعيف.
ولم أجد هذا الرواية (4) في المسألة 308 (ج 3 ص 106)(4/229)
به حيث لا يجوز خلافه * وأيضا: فهم مصفقون (1) على جواز التنفل خلف من يصلى الفريضة في الظهر والعصر، فهم أول مخالف لما صححوه من الباطل من حديث أبي صالح * وأما نحن فلو صح هذا الخبر لقلنا به، ولاستعملنا معه ما قد صح من سائر الاخبار، من حديث معاذ وجابر وأبي بكرة وابى ذر، ولم نترك منها شيئا لشئ آخر * وذكر بعضهم خبرا رويناه من طريق عمرو بن يحيى المازنى عن معاذ بن رفاعة عن رجل من بنى سلمة (2) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له سليم (3): (أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله، إنا نظل في أعمالنا فنأتي حين نمسي فيأتى معاذ فيطول علينا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معاذ لا تكن فتانا؟ إما ان تخفف لقومك أو تجعل صلاتك معى) (4) فادعوا من هذا أن معاذا كان يجعل التى يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم نافلة * قال علي: وهذا تأويل لا يحل القول به، لوجوه ستة * أحدها أنه كذب ودعوى بلا دليل، وهذا لا يعجز عنه من لا يحجزه عنه تقوى أو حياء * والثاني ان هذا خبر لا يصح، لانه منقطع، لان معاذ بن رفاعة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ادرك هذا الذي شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعاذ * حدثنا احمد بن محمد الطلمنكى ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب ثنا احمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا محمد بن معمر ثنا أبو بكر هو عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي - عن اسامة بن زيد قال: سمعت معاذ بن عبد الله بن خبيب (5) قال سمعت جابر بن
عبد الله قال: كان معاذ فذكر الحديث وفيه.
ان سليمان قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
(انى
__________
(1) في النسخة رقم (45) (متفقون) والمعنى واحد فيهما (2) بفتح السين المهملة وكسر اللام.
وفى الاصلين (من بنى سليم) وهو خطأ صححناه من مسند احمد والطحاوى والاستيعاب (3) في النسخة رقم (16) (سلم) وهو خطأ (4) رواه احمد (ج 5 ص 74) عن عفان عن وهيب عن عمرو بن يحيى، ورواه الطحاوي (ج 1 ص 238) وابن عبد البر (ج 2 ص 578) (5) بضم الخاء المعجمة مصغر.
ومن الغريب ان يحتج ابن حزم بهذا الاسناد مع ان فيه اسامة بن زيد الليثى وقد قال فيه هو في الاحكام (ج 5 ص 136): انه ضعيف لا يحتج بحديثه وحكم على حديث من روايته بأنه مكذوب، وقد أخطأ في حكمه، ثم في الاسناد معاذ بن عبد الله بن خبيب هذا وقد نقل ابن حجر عن ابن حزم أنه قال فيه (مجهول) فهل صار أسامة قويا وابن خبيب معروفا لدى المؤلف؟(4/230)
رجل أعمل نهاري حتى إذا أمسيت أمسيت ناعسا، فيأتينا معاذ وقد أبطأ علينا، فلما احتبس صليت) وذكر الحديث وفيه.
أن سليما صاحب هذه القصة قتل يوم أحد * والثالث أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) ويقول الله تعالى.
(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) ثم يكون معاذ وهو من أعلم هذه الامة بالدين - يضيع فرض صلاته الذي قد تعين عليه، فيترك أداءه، ويشتغل بالتنفل، وصلاة الفرض قد أقيمت، حتى لا يدرك منها شيئا، لاسيما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليت شعرى، إلى من كان يؤخر معاذ صلاة فرضه حتى يصليها معه راغبا عن أن يصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباعا لرأى أبي حنيفة ومالك؟ ألا ان هذا هو الضلال المبين، قد نزه الله تعالى معاذا عنه عند كل ذى مسكة عقل * والرابع: أن هذا التأويل السخيف الذي لم يستحيوا من أن ينسبوه إلى معاذ رضى الله عنه: لا يجوز عندهم أيضا، وهو ان تحضر صلاة فرض فينوي بعض الحاضرين
ممن لم يكن صلى بعد تلك الصلاة - أن يصليها مع الامام لا ينوى بها الا التطوع.
* فعلى كل حال قد نسبوا إلى معاذ ما لا يحل عندهم ولا عند غيرهم، وهذه فتنة سوء مذهبة للعقل والدين، ونعوذ بالله من الخذلان، فأى راحة لهم في أن ينسبوا إلى معاذ ما لا يحل عندهم بلا معنى؟ * والخامس أن يقال لهم: إذ جوزتم لمعاذ ما لا يجوز عندكم، من أن يصلى نافلة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعاذ لم يصل ذلك الفرض بعد، وهو عليه السلام يصلى فرضه -: فأى فرق في شريعة أو في معقول بين صلاة نافلة خلف مصلى فريضة، وبين ما منعتم منه من صلاة فرض خلف المصلى نافلة، وكلاهما اختلاف نية الامام مع المأموم ولا فرق؟ فهلا قاسوا أحدهما على الآخر؟ وهلا قاسوا جواز صلاة الفريضة خلف المتنفل من الائمة على جواز حج الفريضة خلف الحاج تطوعا من الائمة، يقف بوقوفه ويدفع بدفعه ويأتم به في حجه؟ فلو كان شئ من القياس حقا لكان هذا من أحسن القياس وأصحه، وهم أهل قياس بزعمهم ولكن هذا مقدار علمهم فيما شغلوا به أنفسهم وتركوا السنن فكيف بما لا يشتغلون به من طلب السنن والاعتناء بها والحمد لله على عظيم نعمته * قال علي: وموه بعضهم ههنا بكلام يشبه كلام الممرورين وهو أنه قال: الفرق بينهما أن بعض سبب التطوع سبب الفريضة، وأن من ابتدأ صلاة لا ينوى بها شيئا كان داخلا في نافلة *(4/231)
قال علي: هذا كلام لا يفهمه قائله فكيف سامعه! وحق قائله سكنى المارستان ومعاناة دماغه ويقال له: أجعل هذا الكلام حجة في المساواة بين الامرين؟ وأيضا: فقد قال الباطل والكذب، بل من ابتدأ صلاة لا ينوي بها شيئا فليس مصليا ولا شئ له، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وانما لكل امرئ ما نوى) فنحن ندين بأن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بالاتباع من كلام هذا الممخرق بالهذيان! *
ثم لو صح هذا الحديث الذي ذكروه من طريق معاذ بن رفاعة لما كان لهم فيه متعلق أصلا، لانه واضح المعنى، وكان يكون قوله عليه السلام (إما ان تخفف عن قومك أو اجعل صلاتك معى) أي لا تصل بهم إذا لم تخفف بهم، واقتصر على أن تكون صلاتك معى فقط، هذا مقتضى ذلك اللفظ الذي لا يحتمل سواه * وموه بعضهم بخبر رويناه من طريق قتادة عن عامر الاحول (1) عن عمرو بن شعيب عن خالد بن أيمن المعافري (2) قال: (كان أهل العوالي يصلون في منازلهم ويصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا الصلاة في يوم مرتين) (3) * وخبر آخر فيما كتب به إلى أبو سليمان داود باب شاذ بن داود المصري (4) قال ثنا عبد الغني بن سعيد الازدي الحافظ ثنا هشام بن محمد بن قرة الرعينى ثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي قال ثنا الحسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هرون يقول أنا الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار قال: أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون، فقلت: ألا تصلى معهم؟ قال قد صليت في رحلي: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تصلى فريضة في يوم مرتين) (5) *
__________
(1) هو عامر بن عبد الواحد الاحول البصري يروى عن عمرو بن شعيب، وهو غير عاصم بن سليمان الاحول، وقتادة يروى عن كليهما (2) خالد بن ايمن هذا تابعي، وكذلك قال ابن عبد البر وابن الاثير وابن حجر وغيرهم (3) رواه ايضا الطحاوي (ج 1 ص 187) (4) كذا هو في الاصلين ولكن في النسخة رقم (45) (شاد) بالدال المهملة ويحرر (5) هكذا روى المؤلف من طريق الطحاوي، ولعله بهذا السياق في كتاب آخر من كتبه، واما الذى في معاني الآثار (ج 1 ص 187) بهذا الاسناد فلفظه (عن سليمان مولى ميمونة - هو ابن يسار - قال: اتيت المسجد فرأيت ابن عمر جالسا والناس في الصلاة(4/232)
قال: فكانت صلاة معاذ إذ كان مباحا أن تصلى الصلاة مرتين في اليوم، ثم نسخ ذلك *
قال علي: أما حديث ابن عمر فصحيح، وأما حديث خالد بن أيمن فساقط، لانه مرسل * ثم لا حجة لهم في شئ منهما * أول ذلك: أن قائل هذا قد كذب، وما كان قط مباحا أن تصلى صلاة واحدة على انها فرض مرتين، ولا خلاف في أن الله تعالى لم يفرض ليلة الاسراء إلا خمس صلوات فقط، حاشا ما اختلفوا فيه من الوتر فقط، وصح أنه عليه السلام أخبر انه قال له: (هن خمس وهن خمسون، (لا يبدل القول لدى) فبطل كل ما موه به هذا المموه * ووجه آخر وهو أن معنى الحديثين واحد، وهو حق، وما حل قط ولا قلنا نحن - ومعاذ الله من ذلك ان تصلى صلاة في يوم مرتين،: وإنما قلنا: انه تؤدى الفريضة خلف المتنفل، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضى الله عنهم، وتصلى النافلة خلف مصلى الفرض، كما أمر عليه السلام، وكما يجيزون هم ايضا معنا، وتؤدى الفريضة خلف مؤدى فريضة أخرى، كما أخبر عليه السلام بأن الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، ولم ينه عليه السلام عن ذلك قط ولا أحد من أصحابه، حتى حدث ما حدث.
وانما المجيزون أن تصلى صلاة في يوم مرتين فالمالكيون القائلون باعادة الصلاة في الوقت، وبأن من ذكر صلاة في أخرى صلى التي هو فيها ثم التى ذكر ثم يصلى التي صلى، وأما نحن فلا.
والعجب من احتجاجهم بابن عمر وهم يخالفونه في هذه المسألة نفسها * وقال بعضهم قولا يجري في القبح مجرى ما تقدم لهم ويربى عليه وهو أنه قال: انما كان ذلك من معاذ لعدم من كان يحفظ القرآن حينئذ *
__________
فقلت: ألا تصلى مع الناس؟ فقال: قد صليت في رحلى، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تصلى فريضة في يوم مرتين) وقد رواه أبو داود (ج 1 ص 226) من طريق يزيد بن زريع عن حسين المعلم باسناده، وفى آخره (انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تصلوا صلاة في يوم مرتين) ورواه النسائي (ج 1 ص 138) من طريق يحيى بن سعيد عن المعلم.
والبلاط
- بفتح الباء الموحدة - موضع معروف بالمدينة *(4/233)
قال علي: لو اتقى الله قائل هذا الهوس أو استحيى من الكذب لم ينصر الباطل بما هو أبطل منه، ولو عرف قدر الصحابة ومنزلتهم في العلم لم يقل هذا لاننا نجد الزنجي والتركى والصقلبي والرومى واليهودي يسلمون، فلا تمضى لهم جمعة الا وقد تعلمت المرأة منهم والرجل أم القرآن، وقل هو الله أحد، وما يقيمون به صلاتهم، ولم يستحى هذا الجاهل الوقاح ان ينسب إلى حى عظيم من أحياء الانصار وحى آخر صغير منهم، وهم بنو سلمة، وبنو أدى (1) قد أسلم منهم قبل الهجرة بعامين واشهر ثلاثة رجال، وأسلم جمهورهم قبل الهجرة بدهر: أنهم بقوا المدة الطويلة التي ذكرنا بعد اسلامهم لم يهتبلوا (2) بصلاتهم، ولا تعلموا سورة يصلون بها، وهم أهل العربية والبصائر في الدين: اللهم العن من لا يستحيى من المجاهرة بالباطل والكذب المفضوح * فليعلم اهل الجهل انه كان فيمن يصلى في مسجد بنى سلمة الذي كان يؤم فيه معاذ بن جبل - ثلاثون عقبيا، وثلاثة واربعون بدريا سوى غيرهم، أفما كان في جميع هؤلاء الفضلاء أحد يحسن من القرآن ما يصلى به؟ ما شاء الله كان، وكان من جملتهم جابر بن عبد الله ووالده، وكعب بن مالك، وأبو اليسر (3)، والحباب بن المنذر، ومعاذ ومعوذ وخلاد بنو عمرو بن الجموح، وعقبة بن عامر بن نابئ (4) وبشر بن البراء بن معرور، وجبار بن
__________
(1) (سلمة) بفتح السين وكسر اللام و (أدى) بضم الهمزة وفتح الدال المهملة وتشديد الياء آخر الحروف بوزن (سمى).
وفى الاصلين (أذن) وهو تصحيف مزعج.
وأدى هذا من أجداد معاذ، فانه معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدى بن كعب ابن عمرو بن أدى بن سعد بن على الخزرجي، وأدى اخو سلمة بن سعد، وقد انقرض عقب أدى هذا كما نقل شارح القاموس عن الروض وآخر من مات منهم عبد الرحمن بن معاذ بن جبل، فالحي العظيم من الانصار هو بنو سلمة، والحى الصغير أبناء عمهم بنو أدى
وانظر المشتبه للذهبي (ص 8) وطبقات ابن سعد (ج 3 ق 2 ص 105 و 109 - 120 وغير ذلك) وشرح القاموس (ج 12 ص 13) (2) يعنى لم يغنموا بها والاهتبال الاغتنام (3) بفتح الياء والسين المهملة واسمه (كعب بن عمرو بن عباد بن سواد بن غنم - بفتح الغين المعجمة واسكان النون - ابن كعب بن سلمة بن سعد بن على) انظر الطبقات (ج 3 ق 2 ص 118 و 104) * (4) بالنون والباء الموحدة وآخره همزة وقد حذف هذا الاسم من النسخة رقم (45) وهو نابئ بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد.
انظر الطبقات (ج 3 ق 2 ص 110) *(4/234)
صخر، وغيرهم من أهل العلم والفضل، وقد روينا من أصح طريق عن كعب بن مالك قال: ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حفظت سورا من القرآن) (1) * ثم إن هذه الكذبة التي قالها هذا الجاهل دعوى افتراها لم يجدها قط في شئ من الروايات السقيمة فكيف الصحيحة وما كان هكذا فلا وجه للشغل بها إلا فضيحة قائلها فقط، ثم تحذير الضعفاء منه والتقرب إلى الله تعالى بذلك * والثالث: أن يقال له: هبك أن هذه الكذبة كما ذكرت، أيجوز ذلك عندكم؟ وهل يحل لديكم أن تسلم طائفة فلا يكون فيهم من يقرأ شيئا من القرآن الا واحد فيصلى ذلك الواحد مع غيرهم ثم يؤمهم في تلك الصلاة؟ فمن قولهم: لا، فيقال لهم: فأى راحة لكم في استنباط كذب لا تنتفعون به في ترقيع فاسد تقليدكم؟ * ثم يقال لهم: احملوه على ما شئتم، أليس قد علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقره؟ فبأى وجه تبطلون فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه؟ * وقد تعلل بعضهم في حديث جابر وأبي بكرة بنحو هذه الفضائح فقال: لعل هذا كان قبل أن تقصر الصلاة، أو في سفر لا تقصر الصلاة في مثله * فقلنا: هذا جهل وكذب آخر، أبو بكرة متأخر الاسلام، لم يشهد بالمدينة قط
خوفا ولا صلاة خوف ولا فيما يقرب منها، وانما كان ذلك قال جابر: بنخل وبذات الرقاع، فكلا الموضعين على أزيد من ثلاثة أيام من المدينة وقد صح عن عائشة رضى الله عنها أن الصلاة أنزلت بمكة ركعتين ركعتين فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أتمت صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر * فبطل كل عار أتوا به في ابطال الحقائق من السنن المجتمع عليها * ثم هو فعل الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم * روينا من طريق حماد بن سلمة عن داود بن أبى هند عن عمار العنزي: أن عاملا لعمر ابن الخطاب كان بكسكر (2)، فكان يصلى بالناس ركعتين ثم يسلم، ثم يصلى ركعتين أخريين ثم يسلم فبلغ ذلك عمر فكتب إلى عمر: إنى رأيتنى شاخصا عن أهلى ولم أرنى بحضرة عدو فرأيت ان أصلى بالناس ركعتين ثم اسلم ثم أصلى ركعتين
__________
(1) هو كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين خلفوا وتاب الله عليهم وقصته في الصحيحين وغيرهما (2) بفتح الكافين بينهما سين ساكنة كورة ببلاد فارس *(4/235)
ثم أسلم، فكتب إليه عمر بن الخطاب: أن قد أحسنت * ومن طريق حميد بن هلال أخبرني عبد الله بن الصامت قال: كنا مع الحكم بن عمر والغفاري هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش، وهو يصلى بنا صلاة الصبح، وبين يديه عنزة، فمر حمار (1) بين يدى الصفوف فأعاد بهم الصلاة، وقال: قد كان بين يدى ما يسترنى يعنى العنزة - ولكني أعدت لمن لم يكن بين يديه ما يستره.
وذكر الحديث.
فهذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نافلة بمن يؤدى فريضة * وعن حماد بن سلمة عن داود بن أبى هند عن عطاء الخراساني: ان أبا الدرداء أتى مسجد دمشق وهم يصلون العشاء وهو يريد المغرب، فصلى معهم فلما قضى الصلاة قام فصلى ركعة، فجعل ثلاثة للمغرب وركعتين تطوعا.
ومن طريق قتادة هذا الخبر، وزاد
فيه.
ثم صلى العشاء * وعن معمر عن قتادة عن أنس بن مالك: فيمن أتى التراويح في شهر رمضان ولم يكن صلى العشاء وقد بقى للناس ركعتان! قال: اجعلهما من العشاء * وعن عطاء قال: من صلى مع قوم هو ينوى الظهر وهم يريدون العصر، قال: له ما نوى، ولهم ما نووا، وكان يفعل ذلك، وعن ابراهيم النخعي مثل ذلك * وعن طاوس: من وجد الناس يصلون القيام وهو لم يصل العشاء فليصلها معهم، وليعتدها المكتوبة * وروى ذلك ابن جريح عن عطاء، وحماد بن أبى سليمان عن ابراهيم، وعبد الله بن طاوس عن أبيه، ورواه عن هؤلاء الثقات * قال على: ما نعلم لمن ذكرنا من الصحابة رضى الله عنهم مخالفا أصلا، وهم يعظمون هذا إذا وافق تقليدهم! وقولنا هذا هو قول الاوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وأبى سليمان وجمهور أصحاب الحديث.
وبالله تعالى التوفيق * 495 - مسألة ومن أتى مسجدا قد صليت فيه صلاة فرض جماعة بامام راتب وهو لم يكن صلاها: فليصلها في جماعة، ويجزئه الاذان الذي أذن فيه قبل، وكذلك الاقامة، ولو أعادوا أذانا وإقامة فحسن، لانه مأمور بصلاة الجماعة، واما الاذان والاقامة فانه لكل من صلى تلك الصلاة في ذلك المسجد ممن شهدهما أو ممن جاء بعدهما
__________
(1) في النسخة رقم (45) (فمر حماران) *(4/236)
وهو قول أحمد بن حنبل وأبي سليمان وغيرهما * وقال مالك: لا تصلى فيه جماعة أخرى إلا أن لا يكون له امام راتب.
واحتج له مقلدوه بأنه قال هذا قطعا لان يفعل ذلك أهل الاهواء * قال علي: ومن كان من أهل الاهواء لا يرى الصلاة خلف أئمتنا فانهم يصلونها
في منازلهم، ولا يعتدون بها في المساجد مبتدأة أو غير مبتدأة مع امام من غيرهم، فهذا الاحتياط لا وجه له، بل ما حصلوا الا على استعجال المنع مما أوجبه الله تعالى من أداء الصلاة في جماعة خوفا من امر لا يكاد يوجد ممن لا يبالي باحتياطهم * ولقد أخبرني يونس بن عبد الله القاضي قال: كان محمد بن يبقي بن زرب القاضى (1) إذا دخل مسجدا قد جمع فيه امامه الراتب وهو لم يكن صلى تلك الصلاة بعد جمع بمن معه في ناحية المسجد * قال علي: القصد إلى ناحية المسجد بذلك عجب آخر * قال علي: وأما نحن فان من تأخر عن صلاة الجماعة لغير عذر، لكن قلة اهتبال، أو لهوى، أو لعداوة مع الامام -: فاننا ننهاه، فان انتهى والا أحرقنا منزله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم * والعجب ان المالكيين يقولون: فان صلوها فيه جماعة أجزأتهم فيالله! ويا للمسلمين! أي راحة لهم في منعهم من صلاة جماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة؟ وهى عندهم جازية عمن صلاها فأى اختيار أفسد من هذا؟ * وروينا عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الجعد أبي عثمان (2) قال: جاءنا أنس بن مالك عند الفجر وقد صلينا فأقام وأم أصحابه * وروينا أيضا: انه كان معه نحو عشرة من اصحابه فأذن واقام ثم صلى بهم، وروينا أيضا من طريق معمر وحماد بن سلمة عن ابي عثمان عن انس، وسماه حماد فقال: في مسجد بنى رفاعة * وعن ابن جريج قلت لعطاء: نفر دخلوا مسجد مكة خلاف الصلاة (3) ليلا أو نهارا،
__________
(1) كذا في الاصلين ويحرر: (2) هو الجعد بن دينار اليشكرى البصري.
(3) أي بعد الصلاة، وله شواهد في اللسان *(4/237)
أيؤمهم أحدهم؟ قال: نعم، وما بأس ذلك؟ (1) * وعن سفيان الثوري عن عبد الله بن يزيد أمنى ابراهيم في مسجد قد صلى فيه، فأقامني عن يمينه بغير أذان ولا اقامة * وعن معمر صحبت أيوب السختيان من مكة إلى البصرة، فأتينا مسجد اهل ماء قد صلى فيه، فأذن أيوب واقام ثم تقدم فصلى بنا * وعن حماد بن سلمة عن عثمان البتى (2) قال: دخلت مع الحسن البصري وثابت البناني مسجدا قد صلى فيه اهله، فأذن ثابت واقام، وتقدم الحسن فصلى بنا، فقلت: يا أبا سعيد: اما يكره هذا؟ قال: وما بأسه؟ * قال علي: هذا مما لا يعرف فيه لانس مخالف من الصحابة رضى الله عنهم * وروينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة: ثنا عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن سليمان هو ابن الاسود (3) الناجي عن أبى المتوكل هو على بن داود الناجى عن ابي سعيد الخدري قال: (جاء رجل وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أيكم يتجر على هذا؟ فقام رجل فصلى معه) (4) * قال علي: لو ظفروا بمثل هذا لطاروا به كل مطار! * 496 - مسألة وإن دخل اثنان فصاعدا فوجدوا الامام في بعض صلاته فانهم يصلون معه، فإذا سلم فالافضل للذين يتمون ما فاتهم أن يقضوه بامام يؤمهم منهم، لانهم مأمورون بالصلاة، جماعة، ولولا نص ورد بأن يقضوا فرادى لما أجزأ ذلك * روينا عن عبد الرزاق عن معتمر بن سليمان التيمى (5) عن ليث قال: دخلت مع
__________
(1) في النسخة رقم (45) (ولا بأس بذلك) (2) بفتح الباء الموحدة وكسر التاء المثناة الفوقية المشددة آخره الياء آخر الحروف (3) كذا في الاصلين وهو يوافق ما قاله ابن حبان، والراجح (سليمان الاسود) فقد ذكر الحاكم أنه (سليمان بن سحيم) (4) هذا اللفظ يوافق لفظ الترمذي (ج 1 ص 46) وحسن الحديث.
ورواه ايضا أبو داود
(ج 1 ص 224 و 225) والحاكم (ج 1 ص 209) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ونسبه الشوكاني (ج 3 ص 185) أيضا لاحمد والبيهقي وابن حبان.
(5) في النسخة رقم (16) (عن معمر بن سليمان التيمى) وهو خطأ *(4/238)
ابن سابط (1) في أناس المسجد والامام ساجد فسجد بعضنا وتهيأ بعضنا للسجود، فلما سلم الامام قام ابن سابط فصلى بأصحابه، فذكرت ذلك لعطاء فقال: كذلك ينبغى، فقلت: إن هذا لا يفعل عندنا، قال: يفرقون * قال علي: هذا يبين أن الناس مضوا على أعمال سلاطين الجور المتأخرين * وعن معمر عن قتادة: في القوم يدخلون المسجد فيدركون فيه مع الامام ركعة قال: يقومون فيقضون ما بقى عليهم، يؤمهم أحدهم وهو قائم معهم في الصف * (حكم المساجد (2)) 497 مسألة وتكره المحاريب في المساجد، وواجب كنسها، ويستحب أن تطيب بالطيب.
ويستحب ملازمة المسجد لمن هو في غنى عن الكسب والتصرف * وقال علي: أما المحاريب فمحدثة، وانما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف وحده، ويصف الصف الاول خلفه * حدثنا عبد الرحمن الهمداني ثنا ابراهيم بن أحمد البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا سعيد بن عفير (3) ثنا الليث هو ابن سعد حدثنى عقيل عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك: (أن المسلمين بيناهم في صلاة الفجر من يوم الاثنين وأبو بكر يصلى بهم، لم يفجأهم الا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف سجف (4) حجرة عائشة، فنظر إليهم وهم صفوف في الصلاة ثم تبسم، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده: أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة وأرخى الستر)
قال علي: لو كان أبو بكر في محراب لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كشف الستر، وكان هذا يوم موته عليه السلام * وروينا عن على بن أبي طالب: أنه كان يكره المحراب في المسجد * وعن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي: أنه كان يكره أن يصلى في طاق الامام، قال سفيان: ونحن نكرهه *
__________
(1) ليث هو ابن سليم - وابن سابط - هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سابط - وهو تابعي ثقة مات سنة 118 (2) هذا العنوان لم يكن هكذا في الاصول وإنما كان في النسخة رقم (16) (مسألة حكم المساجد.
وتكره المحاريب) الخ وفى النسخة رقم (45) بحذف قوله (حكم المساجد) فاخترنا ان نثبته مفصولا على سبيل العنوان (3) في النسخة رقم (16) (اسماعيل بن عفير) وهو خطأ (4) في البخاري (ج 6 ص 34) ستر وكلاهما بكسر السين المهملة ومعناهما واحد *(4/239)
وعن المعتمر بن سليمان التيمى عن أبيه قال: رأيت الحسن جاء إلى ثابت البناني فحضرت الصلاة فقال ثابت: تقدم يا أبا سعيد، قال الحسن: بل أنت أحق، قال ثابت: والله لا أتقدمك ابدا (1)، فتقدم الحسن فاعتزل الطاق ان يصلى فيه.
قال معتمر: ورأيت ابي وليث بن ابي سليم (2) يعتزلانه.
* وعن كعب (3) يكون في آخر الزمان قوم تنقص أعمارهم، يزينون مساجدهم، ويتخذون لها مذابح كمذابح النصارى فإذا فعلوا ذلك صب عليهم البلاء * وهو قول (4) محمد بن جرير الطبري وغيره (5) * وأما كنس المساجد فان الله تعالى يقول: (في بيوت أذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة) والعجب ممن يجيز المجئ إلى المسجد قبل غروب الشمس لصلاة المغرب وقبل الزوال لصلاة الجمعة: ثم يكره المجئ إلى سائر الصلوات قبل أوقاتها (6) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء حدثنا حسين بن علي هو الجعفي عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تطيب وتنظف (7) * قال علي: الدور هي المحلات والارباض، تقول: دار بنى عبد الاشهل، ودار بنى النجار.
تريد محلة كل طائفة منهم.
* حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا اسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه أنا عائذ بن حبيب ثنا حميد الطويل عن أنس قال: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة في قبلة المسجد، فغضب حتى احمر وجهه، فقامت امرأة من
__________
(1) في النسخة رقم (16) لا أتقدم بك أبدا (2) في الاصلين ليث بن ابى سليمان وهو خطأ وسليم بضم السين المهملة وفتح اللام (3) في النسخة رقم (16) (وعن وكيع) وما هنا اصح في ظنى، لان هذا القول اشبه بكلمات كعب الاحبار وأمثاله ممن أدخلوا على المسلمين حكايات وأقاويل يخدعونهم بها ويوهمونهم أنها مما قرؤا في الكتب الاولى.
(4) كلمة (وهو قول) سقطت من النسخة رقم (16) فاضطرب الكلام (5) لم يأت ابن حزم بدليل صحيح على كراهة المحاريب التى ادعى (6) هكذا في الاصول قوله (والعجب) الخ ولم ار له مناسبة لسياق البحث.
(7) رواه أبو داود (ج 1 ص 173) *(4/240)
الانصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقا (1)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا (2) * 498 مسألة والتحدث في المسجد بمالا إثم فيه من أمور الدنيا مباح، وذكر الله تعالى أفضل، وإنشاد الشعر فيه مباح، والتعلم فيه للصبيان وغيرهم مباح، والسكن فيه والمبيت مباح، ما لم يضق على المصلين، وإدخال الدابة فيه مباح إذا كان لحاجة، والحكم فيه والخصام كل ذلك جائز، والتطرق (3) فيه جائز، إلا أن من خطر فيه
بنبل (4) فانه يلزمه أن يمسك بحدائدها، فان لم يفعل فعليه القود في كل ما أصاب منها * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا أبراهيم بن أحمد بن ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا زكرياء بن يحيى ثنا عبد الله بن نمير ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (أصيب سعد بن معاذ (5) يوم الخندق في الاكحل، فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلم يرعهم وفى المسجد خيمة لقوم (6) من بنى غفار إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو (7) جرحه دما، فمات منها) * وحديث السوداء التي كانت تسكن في المسجد من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أيضا، وأهل الصفة كانوا سكانا في المسجد * وبه إلى البخاري: ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر أخبرني نافع أخبرني عبد الله بن عمر: أنه كان ينام وهو شاب أعزب في المسجد (8) * ومن طريق مالك.
عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن زينب بنت أبي
__________
(1) بفتح الخاء المعجمة: نوع من الطيب مركب من زعفران وغيره (2) في النسائي (ج 1 ص 119)، وانظر حكم البصاق في الصلاة وفى المسجد في المسألة 391 (3) أي المرور لحاجة، يقال: تطرق إلى الامر ابتغى إليه طريقا (4) أي مشى فيه ومعه النبل (5) قوله (ابن معاذ) ليس في البخاري (ج 1 ص 199 و 200) وهو سعد ابن معاذ (6) كلمة (لقوم) ليست في البخاري (7) بالغين والذال المعجمتين أي يسيل (8) لفظ البخاري بهذا الاسناد (ج 1 ص 191) (وهو شاب اعزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم) *(4/241)
سلمة عن أم سلمة قالت: (شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى أشتكى، قال: (1) طوفى من وراء الناس وأنت راكبة *
وبه إلى البخاري: ثنا عبد الله بن محمد ثنا عثمان بن عمر أنا يونس عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك (2) عن أبيه: (أنه تقاضى ابن أبي الحدرد (3) دينا كان له عليه في المسجد، فارتفعت اصواتهما حتى سمعهما (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فخرج اليهما (5)، فنادى: يا كعب (6) ضع من دينك هذا، وأومأ إليه: أي البشطر قال: لقد فعلت يارسول الله قال: قم فاقضه) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد واسحاق بن ابراهيم عن ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: (أن عمر بن الخطاب مر بحسان ابن ثابت (7) وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال: قد كنت أنشد وفيه (8) من هو خير منك) وذكر الحديث * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد ثنا ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا ابراهيم ابن موسى ثنا الوليد - هو ابن مسلم ثنا الاوزاعي ثنا يحيى بن أبي كثير (9) عن عبد الله ابن ابي قتادة عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال.
(انى لاقوم في الصلاة اريد ان اطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية (10) ان أشق على أمه).
ورويناه أيضا من طريق قتادة عن انس (11) *
__________
(1) ما هنا هو الموافق للبخاري من طريق مالك بهذا الاسناد (ج 1 ص 200) وفى النسخة رقم (45) (فقال) وهو الموافق للموطأ (ص 144) (2) عبد الله - بالتكبير - وفى النسخة رقم (16) (عبيد الله) بالتصغير، وهو خطأ (3) بفتح الحاء واسكان الدال المهملتين وفتح الراء وآخره دال مهملة، وفى البخاري (ج 1 ص 197) (ابن ابى حدود؟) بدون الالف واللام (4) في البخاري (سمعها) (5) في البخاري زيادة (حتى كشف سجف حجرته) (6) في البخاري زيادة (قال: لبيك يارسول الله، قال:) (7) ليس في صحيح مسلم لفظ (بن ثابت) (8) في الاصلين (وقد كنت أنشد فيه وفيه) الخ وزياة (فيه) ليست في صحيح مسلم طبع بولاق (ج 1 ص
259) ولا طبع الاستانة (ج 7 ص 162) ولا في النسخة المخطوطة الصحيحة ولذلك حذفناها (9) في البخاري (ج 1 ص 286) (عن يحيى بن ابى كثير) (10) في الاصلين (كراهة) وصححناه من البخاري (11) في البخاري أيضا (ج 1 ص 286) *(4/242)
وقد صلى عليه السلام حاملا أمامة بنت أبى العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم * وبه إلى البخاري ثنا موسى بن اسماعيل ثنا عبد الواحد نا أبو بردة - هو بريد (1) ابن عبد الله أنه سمع أبا بردة - هو جده عامر بن أبي موسى - عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مر في شئ من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نصالها بكفه لا يعقر مسلما) (2) * قال علي: والخبر الذي فيه النهي عن إنشاد الشعر لا يصح، لانه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهى صحيفة (3)، أو من طريق أسقط منها * وروينا عن ابن عمر والحسن والشعبي إباحة التطرق في المسجد * 499 - مسألة ودخول المشركين في جميع المساجد جائز، حاشا حرم مكة كله، المسجد وغيره، فلا يحل البتة أن يدخله كافر، وهو قول الشافعي وأبي سليمان * وقال أبو حنيفة: لا بأس ان يدخله اليهودي والنصراني، ومنع منه سائر الاديان * وكره مالك دخول احد من الكفار في شئ من المساجد، قال الله تعالى: (انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) * قال علي: فخص الله المسجد الحرام، فلا يجوز تعديه إلى غيره بغير نص، وقد كان الحرم قبل بنيان المسجد وقد زيد فيه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جعلت لى الارض مسجدا وطهورا) فصح أن الحرم كله هو المسجد الحرام * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله
ابن يوسف ثنا الليث ثنا سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال (4)، فربطوه بسارية
__________
(1) بضم الباء الموحدة وفتح الراء، وفى الاصلين (يزيد) وهو تصحيف (2) هذا موافق لرواية الاصيلى، وفى باقى روايات البخاري (لا يعقر بكفه مسلما) ورواية الاصيلى أصح.
انظر البخاري (ج 1 ص 196) والعيني (ج 4 ص 216) ومعنى لا يعقر.
لا يجرح (3) حديث عمرو بن شعيب نسبه في المنتقى إلى احمد وأصحاب السنن ونقل الشوكاني (ج 2 ص 166) عن الترمذي تحسينه وعن ابن خزيمة تصحيحه، وهو حديث صحيح، ورواية عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده رواية صحيحة على التحقيق إذا صح الاسناد إليه (4) ثمامة بضم الثاء المثلثة، وأثال.
بضم الهمزة وتخفيف الثاء المثلثة *(4/243)
من سوارى المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال،: ما عندك يا ثمامة؟ قال: عندي خير، يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت) وذكر الحديث وأنه عليه السلام أمر باطلاقه في اليوم الثالث: (فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله، يا محمد، والله: ما كان على وجه الارض وجه أبغض إلى من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلى، والله ما كان من دين ابغض إلى من دينك، فأصبح دينك احب الدين إلى) وذكر الحديث (1) فبطل قول مالك * واما قول ابي حنيفة فانه قال: ان الله تعالى قد فرق بين المشركين وبين سائر الكفار، فقال تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين).
وقال تعالى: (ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ان الله يفصل بينهم).
قال: والمشرك هو من جعل لله شريكا لا من لم يجعل له شريكا * قال علي: لا حجة له غير ما ذكرنا *
فأما تعلقه بالآيتين فلا حجة له فيهما، لان الله تعالى قال: (فيهما فاكهة ونخل ورمان) والرمان من الفاكهة.
وقال تعالى: (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال) وهما من الملائكة، وقال تعالى: (واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى).
وهؤلاء من النبيين * إلا أنه كان يكون ما احتج به أبو حنيفة حجة.
ان لم يأت برهان بأن اليهود والنصارى والمجوس والصائبين مشركون، لانه لا يحمل شئ معطوف على شئ إلا أنه غيره، حتى يأتي برهان بأنه هو أو بعضه فنقول وبالله تعالى التوفيق * إن أول مخالف لنص الآيتين أبو حنيفة، لان المجوس عنده مشركون، وقد فرق الله تعالى في الذكر بين المجوس وبين المشركون فبطل تعلقه بعطف الله تعالى إحدى الطائفتين على الاخرى * ثم وجدنا الله تعالى قد قال: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فلو كان ههنا كفر ليس شركا لكان مغفورا لمن شاء الله تعالى بخلاف الشرك
__________
(1) هو بهذا السياق والاسناد في البخاري مطولا (ج 6 ص 2 و 3) وقد رواه البخاري ايضا بهذا الاسناد مختصرا (ج 1 ص 199 وج 3 ص 247) ورواه أيضا مختصرا عن قتيبة عن الليث (ج 1 ص 202 وج 3 ص 247)(4/244)
وهذا لا يقوله مسلم * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن راهويه عن جرير - هو ابن عبد الحميد - عن الاعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل قال: قال عبد الله بن مسعود (قال رجل: يارسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: أن تدعو لله ندا وهو خلقك، قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك (1) *
وبه إلى مسلم: أنا عمرو بن محمد بن بكير الناقد ثنا إسماعيل بن علية عن سعيد الجريرى ثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا؟ الاشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور (2) * وبه إلى مسلم: حدثني هرون بن سعيد الايلى ثنا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن ثور بن زيد (3) عن أبى الغيث (4) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يارسول الله وماهن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا (5)، والتولى يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) * قال علي: فلو كان ههنا كفر ليس شركا لكان ذلك الكفر خارجا عن الكبائر، ولكان عقوق الوالدين وشهادة الزور أعظم منه، وهذا لا يقوله مسلم، فصح أن كل كفر شرك، وكل شرك كفر، وأنهما اسمان شرعيان أوقعهما الله تعالى على معنى واحد * وأما حجته بأن المشرك هو من جعل لله شريكا فقط: فهى منتقضة عليه من وجهين: * أحدهما: ان النصاري يجعلون لله تعالى شريكا يخلق كخلقه، وهو يقول: إنهم ليسوا مشركين وهذا تناقض ظاهر * والثاني: ان البراهمة والقائلين بان العالم لم يزل، وان له خالقا واحدا لم يزل، والقائلين بنبوة على بن ابي طالب والمغيرة وبزيغ (6).
كلهم لا يجعلون لله تعالى شريكا وهم عند أبي
__________
(1) في مسلم (ج 1 ص 37) (2) في صحيح مسلم (ج 1 ص 37) (3) في النسخة رقم (16) (ثور بن يزيد) وهو خطأ وهو ثور بن زيد الديلى (4) بفتح الغين المعجمة واسكان الياء آخر الحروف وآخره ثاء مثلثة وهو سالم المدنى مولى ابن مطيع (5) في مسلم (ج 1 ص 37) (واكل الربا واكل مال اليتيم) (6) المغيرة هو ابن سعيد العجلى مولى بجيلة وهو الذى أحرقه خالد بن عبد الله القسرى بالنار.
وبزيغ - بفتح الموحدة والزاى(4/245)
حنيفة مشركون، وهو تناقض ظاهر * ووجه ثالث: وهو انه لو لم يكن المشرك إلا ما وقع عليه اسم التشريك في اللغة - وهو من جعل لله تعالى شريكا فقط - لوجب ان لا يكون الكفر إلا من كفر بالله تعالى وأنكره جملة، لا من أقر به ولم يجحده فيلزم من هذا ان لا يكون الكفار الا الدهرية فقط، وان لا يكون اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا البراهمة كفارا، لانهم كلهم مقرون بالله تعالى: وهو لا يقول بهذا ولا مسلم على ظهر الارض، أو كان يجب ان يكون كل من غطى شيئا كافرا، فان الكفر في اللغة التغطية، فإذ كل هذا باطل فقد صح أنهما اسمان نقلهما الله تعالى عن موضوعهما في اللغة إلى كل من انكر شيئا من دين الله الاسلام يكون بانكاره معاندا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بلوغ النذارة إليه وبالله تعالى التوفيق * 500 - مسألة واللعب والزفن (1) مباحان في المسجد * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا جرير هو ابن عبد الحميد عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت: (جاء حبش يزفنون في المسجد في يوم عيد فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فوضعت رأسي على منكبه، فجعلت أنظر إلى لعبهم، حتى كنت أنا التى انصرفت (2) * 501 مسألة ولا يجوز إنشاد (3) الضوال في المساجد، فمن نشدها فيه قيل له: لا وجدت، لا ردها الله عليك * حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضى ثنا الحجبي (4) ثنا عبد العزيز هو الدراوردي حدثنى يزيد بن
__________
المكسورة وآخره غين معجمة - هو ابن خالد صالح قتل في فتنة ابن الاشعث وانظر الفصل في الملل والنحل للمؤلف (ج 4 ص 183 - 186).
والفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي (ص 43 و 44 و 214 و 229 و 235) وتاريخ الطبري (ج 8 ص 240 و 241) (1) بفتح الزاى
واسكان الفاء وآخره نون وهو من باب ضرب وأصله اللعب والدفع وهو شبيه بالرقص (2) في مسلم (ج 1 ص 243) (حتى كنت انا التى أنصرف عن النظر إليهم) (3) المعروف في اللغة أن (نشد الضالة) إذا نادى وسأل عنها -: ثلاثى فقط، وان (انشدها) إذا عرفها ولكن قيل ايضا إن (انشد الضالة) استرشد عنها، فيكون تعبير المؤلف صحيحا على هذا.
(4) هكذا في الاصلين، ولم اعرف من هذا الحجبى؟ *(4/246)
خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الرجل ينشد ضالته - يعنى في المسجد فقولوا: لا رد الله عليك (1) وقد روينا أيضا (لا وجدت (2) * 502 - مسألة ولا يجوز البول في المسجد، فمن بال فيه صب على بوله ذنوبا من ماء، ولا يجوز البصاق فمن بصق فيه فليدفن بصقته، ولا يحل أن يبنى مسجد بذهب ولا فضة الا المسجد الحرام خاصة * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب انا قتيبة بن سعيد ثنا ابو عوانة عن قتادة عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها) (3) * وروينا القول بذلك عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاوية * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو اليمان انا شعيب (4) عن الزهري اخبرني عبيدالله بن عبد الله بن عتبة ان ابا هريرة قال: قام اعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه واهريقوا (5) على بوله سجلا من ماء.
أو ذنوبا من ماء، فانما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) * قال علي: امر النبي صلى الله عليه وسلم بتنظيف المساجد وتطييبها - كما أوردنا قبل - يقتضى كل ما وقع عليه اسم تنظيف وتطييب، والتنظيف والتطييب يوجبان ابعاد كل محرم وكل
قذر وكل قمامة، فلا بد من اذهاب عين البول وغيره * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا سليمان بن الاشعث ثنا محمد بن الصباح بن سفيان (6) انا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن ابي فزارة
__________
(1) رواه البيهقى (ج 2 ص 447) من طريق محمد بن ابى بكر عن الدراوردى وروى نحوه مسلم (ج 1 ص 157) والبيهقي من حديث ابى عبد الله مولى شداد بن الهاد عن أبى هريرة.
(2) لفظ (لا وجدت) رواه مسلم والبيهقي من حديث بريدة مرفوعا ومن حديث جابر عند النسائي (ج 1 ص 118) (3) في النسائي (ج 1 ص 118) (4) في النسخة رقم (16) (انا أبواليمار هو شعيب) وهو خطأ بل صحته (أبو اليمان) واسمه الحكم بن نافع وشعيب شيخه (5) هكذا في الاصلين وهو الموافق لرواية البخاري (ج 8 ص 56) بهذا الاسناد مع اسناد آخر، وفى روايته بهذا الاسناد وحده (ج 1 ص 108 و 109) (وهريقوا) بدون الهمزة، وكلاهما صحيح (6) قوله (ابن سفيان) لم يذكر في النسخة رقم (45)(4/247)
عن يزيد بن الاصم عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما امرت بتشييد المساجد، قال ابن عباس.
لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى) (1) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد بن ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عمرو بن العباس (2) ثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي ثنا سفيان الثوري عن واصل عن أبي وائل قال جلست إلى شيبة - يعنى ابن عثمان بن أبي طلحة (3) الحجبي قال (4): جلس إلى عمر في مجلسك هذا فقال: هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء الا قسمتها بين المسلمين، قلت: ما أنت بفاعل، قال: لم؟ قلت: لم يفعله صاحباك، قال: هما المرآن يقتدى بهما) * وروينا عن أبي الدرداء: إذا حليتم مصاحفكم وزخرفتم مساجدكم فالدمار عليكم.
* وعن على بن أبي طالب أنه قال: إن القوم إذا زينوا مساجدهم فسدت أعمالهم، وأنه كان يمر على مسجد للتيم مشوف (5) فكان يقول: هذه بيعة التيم! *
وعن عمر بن الخطاب أنه قال لمن أراد أن يبنى مسجدا: لا تحمر ولا تصفر * 503 - مسألة ولا يحل بناء مسجد عليه بيت متملك ليس من المسجد ولا بناء مسجد تحته بيت متملك ليس منه، فمن فعل ذلك فليس شئ من ذلك مسجدا وهو باق على ملك بانيه كما كان * برهان ذلك ان الهواء لا يتملك، لانه لا يضبط ولا يستقر، وقال تعالى: (وان المساجد لله) فلا يكون مسجدا إلا خارجا عن ملك كل أحد دون الله تعالى لا شريك له، فإذ ذلك كذلك فكل بيت متملك لانسان فله أن يعليه ما شاء، ولا يقدر على إخراج الهواء الذي عليه من ملكه، وحكمه الواجب له لا إلى انسان ولا غيره.
* وكذلك إذا بنى على الارض مسجدا وشرط الهواء له يعمل فيه ما شاء: فلم يخرجه
__________
وهو ثابت في ابى داود (ج 1 ص 170 و 171) وهو صحيح، فانه (محمد بن الصباح بن سفيان ابن ابى سفيان) (1) مضى هذا الحديث في المسألة 399 ص 44 من هذا الجزء * (2) في النسخة رقم (16) (عمر بن العباس) وهو خطأ (3) في الاصلين (شيبة يعنى ابن عثمان ابن طلحة بن ابى طلحة) وزيادة طلحة في النسب خطأ، صححناه من التهذيب ومن طبقات ابن سعد (ج 5 ص 331) (4) في البخاري من هذا الاسناد (ج 9 ص 166) (جلست إلى شيبة في هذا المسجد قال) الخ، وفيه من طريق أخرى (ج 2 ص 291) (جلست مع شيبة على الكرسي في الكعبة) (5) بضم الميم وفتح الشين المعجمة وتشديد الواو المفتوحة: أي مزين، يقال: شوف الجارية زينها *(4/248)
عن ملكه إلا بشرط فاسد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) * وأيضا: فإذا عمل مسجدا على الارض وأبقى الهواء لنفسه: فان كان السقف له فهذا مسجد لا سقف له، ولا يكون بناء بلا سقف أصلا، وان كان السقف للمسجد فلا يحل
له التصرف عليه بالبناء، وان كان المسجد في العلو والسقف للمسجد (1) فهذا مسجد لا أرض له، وهذا باطل، فان كان للمسجد فلا حق له فيه، فانما أبقى لنفسه بيتا بلا سقف، وهذا محال * وأيضا: فان كان المسجد سفلا فلا يحل له أن يبنى على رؤس حيطانه شيئا، واشتراط ذلك باطل، لانه شرط ليس في كتاب الله، وان كان المسجد علوا فله هدم حيطانه متى شاء، وفي ذلك هدم المسجد وانكفاؤه، ولا يحل منعه من ذلك، لانه منع له من التصرف في ماله، وهذا لا يحل (2) * 504 مسألة والبيع جائز في المساجد، قال الله تعالى (وأحل الله البيع) ولم يأت نهى عن ذلك إلا من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهى صحيفته (3) * 505 - مسألة الصلاة الوسطى * والصلاة الوسطى هي العصر، واختلف الناس في ذلك: فصح عن زيد بن ثابت وأسامة ابن زيد: أنها الظهر.
وروى أيضا عن أبي سعيد الخدري.
وروى أيضا عن عائشة أم المؤمنين وأبي هريرة وابن عمر باختلاف عنهم.
وروى أيضا عن جملة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) هكذا في النسخة رقم (16)، وفى النسخة رقم (45) (والسقف البانى) بدون نقط، ولعل الصواب (والسقف للبانى) فيصح الكلام (2) في النسخة رقم (45) (لا يجوز) (3) حديث عمرو بن شعيب رواه الترمذي (ج 1 ص 66) والبيهقي (ج 2 ص 448) ونسبه الشوكاني (ج 2 ص 166) إلى احمد وأصحاب السنن ونقل عن ابن خزيمة تصحيحه.
وحسنه الترمذي ونقل عن البخاري قال (رأيت أحمد وإسحق - وذكر غيرهما - يحتجون بحديث عمرو بن شعيب، قال محمد: وقد سمع شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو) والحق ان أحاديث عمرو عن أبيه عن جده أحاديث صحيحة إذا صح الاسناد إلى عمرو وقد جاء في روايات كثيرة التصريح من شعيب بسماعه من جده عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد حققنا هذا في مواضع كثيرة والحمد لله *(4/249)
وعن أبي موسى الاشعري: أنها الصبح.
وعن ابن عباس وابن عمر باختلاف عنهما.
وعن على ولم يصح عنه.
وهو قول طاوس وعطاء ومجاهد وعكرمة، وهو قول مالك، وعن بعض الصحابة رضى الله عنهم: أنها المغرب.
ورويناه من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب وقد ذكر عن بعض العلماء أنه قال: هي العتمة * وذهب الجمهور إلى أنها العصر * واحتج من ذهب إلى انها الظهر بما رويناه عن زيد بن ثابت باسناد صحيح قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الظهر بالهاجرة، والناس في قائلتهم وأسواقهم، ولم يكن يصلى وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الصف والصفان، فأنزل الله تعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوام أو لاحرقن بيوتهم: قال زيد ابن ثابت: قبلها صلاتان وبعدها صلاتان) (1) * قال علي: ليس في هذا بيان جلى بأنها الظهر * واحتج من ذهب إلى أنها المغرب بأن أول الصلوات فرضت الظهر، فهى الاولى، وبذلك سميت الاولى، وبعدها العصر، صلاتان للنهار، فالمغرب هي الوسطى، وبأن بعض الفقهاء لم يجعل لها إلا وقتا واحدا * قال علي: وهذا لا حجة فيه، لانها خمس أبدا بالعدد من حيث شئت، فالثالثة الوسطى، ومن جعل لها وقتا واحدا فقد أخطأ، إذ قد صح النص بأن لها وقتين كسائر الصلوات * وما نعلم لمن ذهب إلى أنها العتمة حجة نشتغل بها * واحتج من قال إنها الصبح بأن قال: إنها: تصلى في سواد من الليل وبياض من النهار * قال علي: وهذا لا شئ، لان المغرب تشاركها في هذه الصفة، وليس في كونها كذلك بيان بأن إحداهما الصلاة الوسطى *
وقالوا: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: (من صلى الصبح في جماعة فكأنما قام ليلة ومن صلى العشاء الآخرة في جماعة فكأنما قام نصف ليلة) * قال علي: ليس في هذا تفضيل لها على الظهر ولا على العصر ولا على المغرب، وإنما فيه تفضيلها على العتمة فقط، وليس في هذا بيان أنها الصلاة الوسطى، وقد صح عن النبي
__________
(1) رواه أحمد (ج 5 ص 183) وأبو داود (ج 1 ص 159) بمعناه، وكذلك الطبري في تفسيره من حديث زيد بن ثابت، ومن حديث أسامة بن زيد (ج 2 ص 348) *(4/250)
صلى الله عليه وسلم (من فاته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) * وذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، يجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر) * قال علي: قد شاركها في هذا صلاة العصر، وليس في هذا بيان بأن إحداهما هي الصلاة الوسطى.
وكذلك القول في قوله عليه السلام: (ان استطعتم ان لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) ومن صلى البردين (1) دخل الجنة) ولا فرق * وذكروا قول الله تعالى (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) * وهذا لا بيان فيه بأنها الوسطى، لانه تعالى أمر في هذه الآية بغير الصبح كما أمر بصلاة الصبح قال تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا) فالامر بجميعها سواء، وقد صح ان الملائكة تتعاقب في الصبح والعصر، فقرآن العصر مشهود كقرآن الفجر ولا فرق، وليس في قوله تعالى: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) دليل على أن قرآن غير الفجر من الصلوات ليس مشهودا، حاشا لله من هذا بل كلها مشهود بلا شك * واحتجوا بأنها أصعب الصلوات على المصلين، في الشتاء للبرد، وفى الصيف للنوم
وقصر الليالي * قال علي: وهذا لا دليل فيه أصلا على أنها الوسطى، والظهر يشتد فيها الحر حتى تكون أصعب الصلوات كما قال زيد بن ثابت * قال على: هذا كل ما احتجوا به، ليس في شئ منه حجة، وانما ظنون كاذبة، وقد قال تعالى.
(ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا) وقال عليه السلام (إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث) ولا يحل الاخبار عن مراد الله تعالى بالظن الكاذب، معاذ الله من ذلك * وقد قال قوم: نجعل كل صلاة هي الوسطى! * قال علي: وهذا لا يجوز، لان الله تعالى خص بهذه الصفة صلاة واحدة، فلا يحل حملها
__________
(1) بفتح الموحدة واسكان الراء، ويقال (الابردان) وهما الغداة والعشي.
وهذا الحديث رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابى موسى مرفوعا *(4/251)
على أكثر من واحدة، ولا على غير التي (1) أراد الله تعالى بها، فيكون من فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه كاذبا على الله تعالى * قال عى: فوجب طلب مراد الله تعالى بالصلاة الوسطى من بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا من غيره، قال تعالى.
(لتبين للناس ما نزل إليهم) * فنظرنا في ذلك فوجدنا ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن محمد - هو المسندي وعبد الرحمن بن بشر، قال عبد الرحمن ثنا يحيى ابن سعيد - هو القطان -، وقال المسندي.
ثنا يزيد، ثم اتفق يزيد ويحيى قالا.
أنا هشام هو ابن حسان - عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلمانى عن على قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: (شغلونا عن الصلاة الوسطى (2) حتى غابت الشمس، ملا الله قبورهم وبيوتهم أو أجوافهم - نارا) (3) *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر وابن أبي عدي قالا ثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أبي حسان - هو مسلم الاجرد - عن عبيدة السلماني عن على قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاحزاب: (شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى آبت الشمس، ملا الله بيوتهم وقبورهم نارا) هذا لفظ ابن أبي عدى، ولفظ محمد بن جعفر (قبورهم أو بيوتهم أو بطونهم نارا (4) * حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن دحيم ثنا ابراهيم بن حماد ثنا اسماعيل ابن اسحاق ثنا محمد بن أبي بكر المقدمى ثنا يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدى ثنا سفيان الثوري (5) عن عاصم بن أبى النجود (6) عن زر بن حبيش قال: قلت لعبيدة: سل عليا عن الصلاة الوسطى، فسأله، فقال: كنا نراها صلاة الفجر، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الاحزاب: (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملا الله قلوبهم
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ولا يحل غير التى) الخ وما هنا أصح (2) الذى في البخاري في هذا الاسناد (ج 6 ص 65) (حبسونا عن صلاة الوسطى) (3) رواه البخاري بأسانيد وألفاظ مختلفة (ج 4 ص 116 وج 5 ص 241 وج 8 ص 151 و 152) (4) في مسلم (ج 1 ص 174) (5) في النسخة رقم (45) (عن سفيان الثوري) (6) بفتح النون المشددة كما ضبطه صاحب القاموس *(4/252)
وأجوافهم أو بيوتهم (1) نارا * قال علي: وقد رويناه أيضا من طريق حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة (2) عن زر عن على بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورويناه أيضا من طريق مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبي كريب قالوا: ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن أبى الضحى عن شتير بن شكل (3) عن على عن النبي صلى الله عليه وسلم (4) وشتير تابعي ثقة، وأبوه أحد الصحابة،
وقد سمعه شتير من على، (5) ورويناه أيضا من طرق (6) * فهذه آثار متظاهرة متواترة لا يسع الخروج عنها، وهو قول جماعة من السلف، كما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى * قال علي: فتعلل بعض المخالفين بأن ذكروا ما رويناه طريق ابن جريج عن نافع: أن حفصة (7) أم المؤمنين كتبت بخط يدها في مصحفها (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) (8) *
__________
(1) روى الطبري في التفسير نحوه (ج 2 ص 345) عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن بن مهدى.
ورواه أيضا عن زكريا الضرير عن عبيدالله عن إسرائيل عن عاصم، وهذه أسانيد صحيحة جدا (2) بفتح الموحدة وإسكان الهاء وفتح الدال المهملة، وفى النسخة رقم (45) بالذال المعجمة وهو تصحيف.
وعاصم بن بهدلة هو عاصم بن ابى النجود (3) شتير: بضم الشين المعجمة وفتح التاء، وشكل بالشين المعجمة والكاف المفتوحتين.
(4) في صحيح مسلم (ج 1 ص 174) (5) التصريح بسماع شتير من على هو في رواية البيهقى من طريق الثوري عن الاعمش عن ابى الضحى (ج 1 ص 460) (6) في النسخة رقم (16) (من طريق) وهو خطأ.
وهذه الطرق في صحيح مسلم وتفسير الطبري وغيرهما (7) في النسخة رقم (45) (عن نافع أو حفصة) وهو خطأ ظاهر (8) رواه الطبري (ج 2 ص 344) من طريق عبيدالله بن عمر عن نافع عن حفصة: (أنها قالت لكاتب مصحفها: إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك بما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما اخبرها قالت: اكتب فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهى صلاة العصر) وإسناده صحيح جدا، وهو يرد على من استدل باللفظ الذى هنا على انها غير العصر، ويبين ان المراد ليس تلاوة الآية ولكن تفسير الصلاة الوسطى.
وروى نحو رواية المؤلف مالك في الموطأ (ص 49) والطبري (ج 2 ص 349) عن عمرو بن رافع مولى عمر بن(4/253)
وبما رويناه عن عبد الرزاق عن داود بن قيس عن عبد الله بن رافع: أن أم سلمة أم المؤمنين أمرته أن ينسخ لها مصحفا، وأمراته أن يكتب فيه إذا بلغ إلى هذا المكان (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر.
وقوموا لله قانتين) (1) * وعن مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين أنها أملت عليه في مصحف كتبه لها: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) وقالت (سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) * وعن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه: كان في مصحف عائشة أم المؤمنين (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) (3) * وعن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن ابي إسحاق عن عمير بن يريم (4) سمعت ابن عباس يقول: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) * وعن إسرائيل عن عبد الملك بن عمير (5) عن عبد الرحمن بن ابي ليلى قال: كان أبي ابن كعب يقرؤها: (على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) *
__________
الخطاب عن مصحف حفصة بنت عمر (1) عبد الله بن رافع هذا هو مولى أم سلمة، وقد روى الطبري حديثه (ج 2 ص 343) من طريق وكيع عن داود بن (2) في الموطأ (ص 48 و 49) وابو داود من طريق مالك (ج 1 ص 158) والطبري (ج 2 ص 343) من طريق الحجاج عن حماد عن هشام عن ابيه قال.
(كان في مصحف عائشة.
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهى صلاة العصر) (4) هكذا في الاصلين (يريم) بالياء آخر الحروف، وفى تفسير الطبري (ج 2 ص 349) (عمير بن مريم) وقد رواه من طريق وهب بن جرير عن شعبة عن ابى إسحق عن عمير هذا، ولم اجد له ترجمة يظهر منها صحة اسمه، إلا ان ابن سعد ذكره باسم (عمير) فقط وانه مولى ام الفضل بنت الحارث أم بنى العباس بن عبد المطلب وأنه يروى عنها وعن ابنها عبد الله بن عباس وقال (وفى بعض الرواية عمير مولى ابن عباس وانما هو مولى أمه) (ج 5 ص 211) وسماه ابن حجر في التهذيب (عمير بن عبد الله) وله ابن اسمه
(عبد الله بن عمير) فلعل ذاك اصله (عمير أبو عبد الله) فاشتبه على بعض الرواة (5) في النسخة رقم (16) (عن عبد الملك عن عمير) وهو خطأ، فانه (عبد الملك بن عمير بن سويد ابن حارثة) ويروى عن عبد الرحمن بن ابى ليلى *(4/254)
قالوا فدل هذا على انها ليست صلاة العصر * قال على: هذا اعتراض في غاية الفساد، لانه كله ليس منه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ وإنما هو موقوف على حفصة وأم سلمة وعائشة أمهات المؤمنين وابن عباس وأبي بن كعب، حاشا رواية عائشة فقط، ولا يجوز أن يعارض نص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام غيره * فان وهنوا تلك الروايات، قيل لهم: هذه الروايات هي الواهية! وهذا كله لا يجوز * ثم نقول لهم: من العجب احتجاجكم بهذه الزيادة التي انتم مجمعون معنا على انها * لا يحل لاحد أن يقرأ بها ولا أن يكتبها في مصحفه وفي هذا بيان انها روايات لا تقوم بها حجة.
وكل ما كان عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه، لان الله تعالى لم يأمر عند التنازع بالرد إلى أحد غير كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ لا إلى غيرهما، فمن حكم في التنازع غيرهما فقد عصى الله تعالى وخالف أمره، فهذا برهان كاف * ثم آخر، وهو.
ان الرواية قد تعارضت عن هؤلاء الصحابة المذكورين على ان نسلم لكم كل ما تريدون في معنى هذه اللفظة الزائدة التي في هذه الآثار وهى.
أننا روينا خبر أم سلمة من طريق وكيع عن داود بن قيس عن عبد الله بن رافع.
ان أم سلمة ام المؤمنين كتبت مصحفا فقالت: اكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر) (1) هكذا بلا واو * وأما خبر ابن عباس فرويناه من طريق وكيع عن شعبة عن أبي اسحاق السبيعي عن عمير بن يريم قال: سمعت ابن عباس يقول: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
صلاة العصر) هكذا بلا واو * فاختلف وكيع وعبد الرزاق على داود (2) بن قيس في حديث أم سلمة، واختلف وكيع ويحيى على شعبة (3) في حديث ابن عباس، وليس وكيع دون يحيى ولا دون عبد الرزاق * وأما خبر أبي بن كعب فرويناه من طريق اسماعيل بن اسحاق عن محمد بن أبي بكر عن مجلوب أبي جعفر (4) عن خالدا الحذاء عن أبي قلابة قال: في قراءة أبي بن كعب
__________
(1) هكذا في رواية الطبري التى أشرنا إليها من طريق وكيع.
ولا فرق عندنا في المعنى بين اثبات الواو وبين حذفها فان المراد بكل منهما تفسير معنى الصلاة الوسطى.
وهو الظاهر الذى تؤيده الروايات الاخرى وأقوال الصحابة المروى عنهم انفسهم (2) في النسخة رقم (16) (عن داود) (3) في النسخة رقم (16) (عن شعبة) (4) هكذا في النسخة رقم (16)(4/255)
صلاة الوسطى صلاة العصر فليست هذه الرواية دون الاولى، فقد اختلف على أبي ابن كعب أيضا * وأما خبر عائشة فاننا روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن أبي سهل (1) محمد بن عمرو الانصاري عن محمد بن أبي بكر عن عائشة أم المؤمنين قالت: الصلاة الوسطى صلاة العصر: فهذه أصح رواية عن عائشة، وأبو سهل (2) محمد بن عمرو الانصاري ثقة.
روى عنه ابن مهدي ووكيع ومعمر وعبد الله بن المبارك وغيرهم (3) * فبطل التعلق بشئ مما ذكرنا قبل، إذ ليس بعض ماروى عن هؤلاء المذكورين بأولى من بعض، والواجب الرجوع إلى ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وقد ذكرنا انه لم يصح عنه عليه السلام إلا أن الصلاة الوسطى صلاة العصر * فان قيل: فكيف تصنعون أنتم في هذه الروايات التي أوردت عن حفصة وعائشة وأم سلمة وأبي وابن عباس -؟: التى فيها (وصلاة العصر) والتي فيها (صلاة العصر) عنهم بلا واو حاشا حفصة (4): وكيف تقولون في القراءة بهذه الزيادة، وهى لا تحل القراءة بها اليوم؟ *
فجوابنا وبالله تعالى التوفيق: إن الذي يظن من اختلاف الرواية في ذلك فليس اختلافا بل المعنى في ذلك مع الواو ومع إسقاطها سواء، وهو أنها تعطف (5) الصفة على الصفة، لا يجوز غير ذلك، كما قال الله تعالى (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) فرسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
وفى النسخة رقم (45) (عن محبوب بن أبى جعفر) ولم أجد له ترجمة ولا ذكرا، ولا أدرى ايهما الصواب ولعله محرف عن اسم آخر؟ (1 و 2) في النسخة رقم (45) (ابى سهيل) في الموضعين وهو خطأ (3) أبو سهل هذا ضعيف.
وقد روى الطبري هذا الاثر عن سفيان بن وكيع عن أبيه عن محمد بن عمرو (ج 2 ص 343) ولكن وقع فيه (عن محمد بن عمرو وأبى سهل الانصاري) فجعلهما اثنين وهو خطأ مطبعى.
ورواه ايضا من طريقين عن قتادة عن أبى ايوب عن عائشة.
وابو ايوب هو المراغى الازدي وهو ثقة، وسيذكر المؤلف هذه الرواية * (4) بل حفصة روى عنها أيضا باسناد صحيح كما سبق عن الطبري - أنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم (والصلاة الوسطى وهى صلاة العصر) وقد روى الطبري أيضا باسناد صحيح (ج 2 ص 349) عن نافع قال: (فقرأت ذلك المصحف - يعنى مصحف حفصة - فوجدت فيه الواو) وهذا يدل على ان رواية اثبات الواو انما هي على معنى التفسير للصلاة الوسطى (5) في النسخة رقم (45) (لعطف) *(4/256)
هو خاتم النبيين، وكما تقول: أكرم إخوانك (1) وأبا زيد الكريم والحسيب أخا محمد فأبو زيد هو الحسيب، وهو أخو محمد، فقوله (وصلاة العصر) (2) بيان للصلاة الوسطى فهى الوسطى (3) وهى صلاة العصر، واما قوله عليه السلام: (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر) فلا يحتمل تأويلا أصلا، فوجب بذلك حمل قوله عليه السلام (والصلاة الوسطى وصلاة العصر) على أنها عطف صفة على صفة ولا بد * ويبين أيضا صحة هذا التأويل عنهم ما قد أوردناه عنهم أنفسهم من قولهم (والصلاة الوسطى صلاة العصر).
وصحت الرواية عن عائشة بأنها العصر وهى التي روت نزول الآية
وفيها (وصلاة العصر) فصح أنها عرفت (4) أنها صفة لصلاة العصر، وهى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يتلوها كذلك، وبهذا ارتفع (5) الاضطراب عنهم، وتتفق أقوالهم، ويصح كل ماروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، وينتفي عنه الاختلاف، وحاشا لله أن يأتي اضطراب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أبى من هذا لم يحصل على ما يريد، ووجب الاضطراب في الرواية عنهم، ولم يكن بعض ذلك أولى من بعض، ووجب سقوط الروايتين معا، وصح ما جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبطل الاعتراض عليه بروايات اضطرب على أصحابها بما يحتمل التأويل مما يدعيه المخالف، وبما لا يحتمل التأويل مما يوافق قولنا، ولله الحمد * وأما القراءة بهذه الزيادة فلا تحل، ومعاذ الله أن تزيد امهات المؤمنين وأبي وابن عباس في القرآن ما ليس فيه، والقول في هذا: هو أن تلك اللفظة كانت منزلة ثم نسخ لفظها * كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج (6) أخبرني عبد الملك بن عبد الرحمن عن أمه أم حميد بنت عبد الرحمن قالت: سألت عائشة أم المؤمنين عن الصلاة الوسطى؟ فقالت: كنا نقرؤها في الحرف الاول على
__________
(1) في النسخة رقم (45) (أكرم الله إخوانك) الخ وما هنا أظهر (2) في النسخة رقم (45) (صلاة العصر) بدون واو وهو خطأ (3) قوله (فهى الوسطى) سقط من النسخة رقم (45) خطأ (4) في النسخة رقم (45) (علمت) (5) في النسخة رقم (45) (يرتفع) (6) في النسخة رقم (45) (عن ابن جريج) *(4/257)
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر (1) وقوموا لله قانتين) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا إسحاق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - أنا يحيى بن آدم ثنا الفضيل بن مرزوق عن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب قال: (نزلت هذه الآية
(حافظوا على الصلوات وصلاة العصر (2).
فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله تعالى فنزلت: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى).
فقال رجل كان جالسا عند شقيق له: هي إذن صلاة العصر، فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت؟ وكيف نسخها الله؟ والله أعلم * قال علي: فصح نسخ هذه اللفظة، وبقى حمها كآية الرجم، وبالله تعالى التوفيق، وقد يثبتها من ذكرنا من أمهات المؤمنين على معنى التفسير والله أعلم * قال علي: وقال: بهذا من السلف طائفة * كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمى عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر (3) * ومن طريق إسماعيل بن اسحاق ثنا على بن عبد الله هو ابن المديني ثنا بشر بن المفضل ثنا عبد الله بن عثمان عن عبد الرحمن بن نافع: أن أبا هريرة سئل عن الصلاة الوسطى! فقال للذي سأله: ألست تقرأ القرآن؟! قال: بلى، قال: فانى سأقرأ عليك بها القرآن حتى تفهمها، قال الله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) المغرب وقال: (من بعد صلاة العشاء) العتمة، وقال (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا)
__________
(1) رواه الطبري (ج 2 ص 343) عن سعيد بن يحيى الاموى عن أبيه عن ابن جريج باسناده، وفيه (صلاة العصر) بحذف الواو ورواه عن عباس بن محمد عن حجاج عن ابن جريج باسناده باثباتها (2) هكذا في النسخة رقم (45) وهو الموافق لصحيح مسلم (ج 1 ص 175) وفى النسخة رقم (16) (على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) وهو خطأ في الرواية، وانظر الطبري (ج 2 ص 346) (3) روى نحوه الطبري (ج 2 ص 342 و 343) *(4/258)
الغداة، ثم قال: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) هي العصر، هي العصر (1) *
وعن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه: أنه كان يرى الصلاة الوسطى صلاة العصر (2) * وعن يحيى بن سعيد القطان عن سليمان التيمى عن قتادة عن أبي أيوب - هو يحيى بن يزيد (3) المراغي - عن عائشة أم المؤمنين قالت: الصلاة الوسطى صلاة العصر * وعن القاسم بن محمد عنها مثل ذلك * وعن سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن سلمة بن كهيل عن أبي الاحوص عن على بن أبي طالب في الصلاة الوسطى قال: هي التي فرط فيها ابن داود (4) يعنى صلاة العصر * وعن يحيى بن سعيد القطان عن أبي حيان (5) يحيى بن سعيد التيمى حدثني أبي: ان سائلا سأل عليا: أي الصلوات يا أمير المؤمنين الوسطى؟ وقد نادى مناديه العصر، فقال: هي هذه * قال علي: لا يصح عن علي ولا عن عائشة غير هذا أصلا، وقد روينا قبل عن أم سلمة أم المؤمنين وابن عباس وأبي بن كعب، وروى أيضا عن أبي أيوب الانصاري (6) * وعن يونس بن عبيد عن الحسن البصري قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر * وعن أبي هلال عن قتادة قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر * وعن معمر عن الزهري قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر * وعن معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (فقال هي العصر) بزيادة (فقال) وعدم تكرار لفظ (هي العصر) (2) روى نحوه الطبري (ج 2 ص 343) (3) هكذا في الاصلين، وهو خطأ، بل هو يحيى بن مالك، كما في طبقات ابن سعد (ج 7 ق 1 ص 164) والكنى للدولابي (ج 1 ص 102) والتهذيب وغيرهما (4) يعنى سليمان بن داود نبى الله عليه السلام، وقد روى الطبري نحو هذا (ج 2 ص 342) (5) في النسخة رقم (45) (عن ابن حيان) وهو خطأ.
وأبو حيان هذا هو يحيى بن سعيد بن حيان التيمى الكوفى مات سنة 145 (6) في الطبري (ج 2 ص 344) *(4/259)
وهو قول سفيان الثوري، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل وداود وجميع أصحابهم، وهو قول إسحاق بن راهويه وجمهور أصحاب الحديث، وقد رويناه أيضا مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق ابن مسعود وسمرة (1) * 506 - مسألة ورفع الصوت بالتكبير إثر كل صلاة حسن * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا ابن أبى عمر ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد مولى ابن عباس - وهو جد عمرو - (2) قال سمعته يحدث عن ابن عباس قال: (ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بالتكبير) * قال علي: فان قيل: قد نسى أبو معبد هذا الحديث وأنكره (3) قلنا: فكان ماذا؟! عمرو أوثق الثقات، والنسيان لا يعرى منه آدمي، والحجة قد قامت برواية الثقة * 507 - مسألة وجلوس الامام في مصلاه بعد سلامه حسن مباح لا يكره، وإن قام ساعة يسلم فحسن * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا ابو كامل فضيل بن حسين الجحدري عن أبي عوانة عن هلال بن ابي حميد عن عبد الرحمن بن ابي ليلى عن البراء بن عازب قال: (رمقت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) فوجدت قيامه فركعته، فاعتداله بعد ركوعه فسجدته (5) فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته وجلسته (6) ما بين
__________
(1) حديث ابن مسعود مرفوعا عند الطبري (ج 2 ص 344 و 345) وكذلك عنده نحوه عن ابن عباس وأبى هريرة وحديث سمرة عنده ايضا (ص 346) (2) أبو معبد هذا اسمه
(نافذ) بالفاء والذال المعجمة، ووقع في طبقات ابن سعد (ج 5 ص 216) (فاقد) بالقاف والدال المهملة وهو تصحيف.
ولم أجد ما بين انه كان جد عمرو لابيه أو لامه (3) في مسلم بعد ذكر الحديث: (قال عمرو: فذكرت ذلك لابي معبد فأنكره وقال: لم أحدثك بهذا، قال عمرو: وقد أخبرنيه قبل ذلك) (ج 1 ص 163) (4) في مسلم (ج 1 ص 136) (مع محمد صلى الله عليه وسلم) وهو الموافق لما مضى في المسألة 452 (ج 4 ص 121) (5) لفظ (فسجدته) محذوف في النسخة رقم (45) وهو خطأ (6) اثبات كلمة (وجلسته) هو الصواب كما حققناه في المسألة 452 وتأيد أيضا باثباتها هنا فالحمد لله *(4/260)
التسليم والانصراف -: قريبا من السواء) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أنا محمد بن سلمة ثنا ابن وهب عن يونس بن يزيد قال ابن شهاب: أخبرتني هند الفراسية أن أم سلمة أم المؤمنين أخبرتها: (ان النساء كن إذا سلمن (1) من الصلاة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال) * وقد صحت أخبار كثيرة مسندة تدل على هذا * وبه إلى أحمد بن شعيب: أنا يعقوب بن ابراهيم ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان عن سفيان الثوري حدثني يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الاسود عن أبيه: (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فلما صلى انحرف) (2) * قال علي: وكلا الامرين مأثور عن السلف * روينا عن أبي بكر الصديق رضى الله عنه: أنه كان إذا سلم كأنه على الرصف (3) * حتى يقوم * وروينا خلاف ذلك عن ابن مسعود: أنه سئل عن الرجل يصلى المكتوبة: أيتطوع في مكانه؟ قال: نعم، ولم يفرق بين إمام وغير إمام *
وعن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: انه كان يؤمهم ثم يتطوع في مكانه * وعن ابن جريج عن عطاء قال: قد كان يجلس الامام بعد ما يسلم * وعن ابراهيم بن ميسرة.
قيل لطاوس: أيتحول الرجل إذا صلى المكتوبة من مكانه ليتطوع؟ فقال.
(أتعلمون الله بدينكم)؟!.
508 - مسألة ومن وجد الامام جالسا في آخر صلاته قبل أن يسلم ففرض عليه أن يدخل معه، سواء طمع بادراك الصلاة من أولها في مسجد آخر أو لم يطمع، فان وجده قد سلم فان طمع بادراك شئ من صلاة الجماعة في مسجد آخر لا مشقة في قصده
__________
(1) في النسخة رقم (16) (كن إذا سلموا) وهو خطأ، وما هنا هو الموافق للنسائي (ج 1 ص 196) (2) في النسائي (ج 1 ص 196) (3) بفتح الراء واسكان الضاد المعجمة وآخره فاء وهى الحجارة التى حميت بالشمس أو بالنار، واحدتها رضفة *(4/261)
ففرض عليه النهوض إليه.
ولا يجوز الاسراع إلى الصلاة، وإن علم أنها قد ابتدئت * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو نعيم - هو الفضل بن دكين - ثنا شيبان عن يحيى - هو ابن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن ابيه قال.
(بينما (1) نحن نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال (2)، فلما صلى قال.
ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة، قال: فلا تفعلوا، إذا اتيتم الصلاة فعليكم السكينة (3)، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) * وبه إلى البخاري: ثنا آدم ثنا (4) ابن أبي ذئب حدثنى (5) الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الاقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة (6) والوقار (7) فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) * فهذا عموم لما أدركه المرء من الصلاة، قل أم كثر، وهذان الخبران زائدان على
الخبر الذي فيه: (من أدرك من الصلاة مع الامام ركعة فقد أدرك الصلاة) ولا يحل ترك الاخذ بالزيادة * وروينا عن ابن مسعود: أنه أدرك قوما جلوسا في آخر صلاتهم فقال: أدركتم إن شاء الله * وعن شقيق بن سلمة: من أدرك التشهد فقد أدرك الصلاة * وعن الحسن قال: إذا أدركهم سجودا سجد معهم * وعن ابن جريج: قلت لعطاء: إن سمع الاقامة أو الاذان (8) وهو يصلى المكتوبة أيقطع صلاته ويأتى الجماعة؟ قال: إن ظن أنه يدرك من المكتوبة شيئا فنعم * وعن سعيد بن جبير: أنه جاء قوما فوجدهم قد صلوا فسمع مؤذنا فخرج إليه * وروينا: أن الاسود بن يزيد فعله أيضا *
__________
(1) في الاصلين (بينا) وما هنا هو الذى في البخاري (ج 1 ص 259) (2) في بعض نسخ البخاري (جلبة الرجال) (3) هكذا الاصلين بدون الباء، وفى البخاري (فعليكم بالسكينة) باثباتها (4) في النسخة رقم (45) (حدثنى) (5) في البخاري (ج 1 ص 260) (حدثنا) (6) هكذا في الاصلين بحذف الباء، وفى البخاري (وعليكم بالسكينة) باثباتها (7) في البخاري زيادة (ولا تسرعوا) (8) في النسخة رقم (45) (ان سمع الاذان والاقامة)(4/262)
وعن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة: إذا كان أحدكم مقبلا إلى صلاة فليمش عن رسله (1) فانه في صلاة، فما أدرك فليصل، وما فاته فليقضه بعد، قال عطاء.
وإنى لاصنعه * وعن ثابت البناني قال.
أقيمت الصلاة وأنس بن مالك واضع يده على فجعل يقارب بين الخطا، فانتهينا إلى المسجد وقد سبقنا بركعة، فصلينا مع الامام وقضينا ما فاتنا فقال لى أنس: يا ثابت، أغمك ما صنعت بك؟ قلت: نعم، قال: صنعه بي أخي زيد بن ثابت * وعن أبي ذر.
من أقبل ليشهد الصلاة فأقيمت وهو في الطريق فلا يسرع ولا يزد
على مشيته الاولى، فما أدرك فليصل مع الامام، وما لم يدرك فليتمه * وعن سفيان بن زياد (2) أن الزبير أدركه وهو يعجل إلى المسجد، فقال له الزبير: اقصد، فانك في صلاة، لا تخطو خطوة الا رفعك الله بها درجة، أو حط عنك بها خطيئة * قال علي: وحديث الذي جاء وقد حفزه النفس فقال: (الله أكبر كبيرا) وحديث ابي بكرة: فيهما النهى عن الاسراع أيضا * 509 مسألة ويستحب لكل مصلى أن ينصرف عن يمينه، فان انصرف عن شماله فمباح، لا حرج في ذلك ولا كراهة * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا حفص ابن عمر ثنا شعبة أخبرني أشعث بن سليم سمعت أبي عن مسروق عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله، وفي شأنه كله) (3) * وروينا عن الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن السدي: سألت أنس بن مالك: كيف أنصرف إذا صليت؟ قال: (أما أنا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف على يمينه) *
__________
(1) الرسل والرسلة - بكسر الراء وإسكان السين المهملة فيهما -: الرفق والتؤدة (2) قال في لسان الميزان: (سفيان بن زياد عن الزبير بن العوام، ماروى عنه سوى داود بن فراهيج، وذكره ابن حبان في الثقات.
(وقال ابن سعد في الطبقات (ج 5 ص 228) في ترجمة داود: (أخبرنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر العقدى قال ثنا شعبة عن داود بن فراهيج قال حدثنى مولاى سفيان) فيغلب على الظن أنه هو مولى داود وداود هذا تابعي سمع أبا هريرة وأبا سعيد الخدرى (3) في البخاري (ج 1 ص 89) (وترجله وطهوره وفى شأنه كله) *(4/263)
وعن الحجاج بن المنهال عن أبي عوانة عن الاعمش عن عماره بن عمير عن الاسود بن يزيد عن ابن مسعود: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن يساره، قال عمارة: فرأيت
حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يسار القبلة) * 510 - مسألة ومن وجد الامام راكعا أو ساجدا أو جالسا فلا يجوز البتة أن يكبر قائما لكن يكبر وهو في الحال التي يجد إمامه عليها ولا بد، تكبيرتين ولا بد، إحداهما للاحرام بالصلاة، والثانية للحال التى هو فيها.
، * لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما جعل الامام ليؤتم به) ولقوله عليه السلام: (ما أدركتم فصلوا ما فاتكم فأتموا) فأمر عليه السلام (1) بالائتمام بالامام، والائتمام به هو أن لا يخالفه الانسان في جميع عمله، ومن كبر قائما والامام غير قائم فلم يأتم به، فقد صلى بخلاف ما أمر، ولايجوز أن يقضى ما فاته من قيام أو غيره إلا بعد تمام صلاة الامام، لا قبل ذلك.
وبالله تعالى التوفيق * (صلاة المسافر (2)) 511 - مسألة صلاة الصبح ركعتان في السفر والحضر أبدا، وفى الخوف كذلك، وصلاة المغرب ثلاث ركعات في الحضر والسفر والخوف أبدا، ولا يختلف عدد الركعات إلا في الظهر والعصر والعتمة، فانها أربع ركعات في الحضر للصحيح والمريض، وركعتان في السفر، وفى الخوف ركعة، كل هذا إجماع متيقن، إلا كون هذه الصلوات ركعة في الخوف ففيه خلاف (3) * 512 - مسألة وكون الصلوات المذكورة في السفر ركعتين فرض، سواء كان سفر طاعة أو معصية، أو لا طاعة ولا معصية، أمنا كان أو خوفا فمن أتمها أربعا عامدا، فان كان عالما بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته، وإن كان ساهيا سجد للسهو بعد السلام فقط.
وأما قصر كل صلاة من الصلوات المذكورة إلى ركعة في الخوف في السفر فمباح، من صلاها ركعتين فحسن، ومن صلاها ركعة فحسن * وقال أبو حنيفة: قصر الصلاة في كل سفر طاعة أو معصية فرض، فمن أتمها فان لم يقعد بعد الاثنتين مقدار التشهد بطلت صلاته وأعاد أبدا *
__________
(1) في النسخة رقم (45) (فانه عليه السلام أمر) الخ (2) هذا العنوان في النسخة رقم (16) فقط (3) سيذكره المؤلف في المسألة التالية وفى صلاة الخوف ان شاء الله في المسألة 519 *(4/264)
وقال مالك: من أتم في السفر.
فعليه الاعادة في الوقت * وقال الشافعي: القصر مباح، ومن شاء أتم * ولا قصر عند مالك والشافعي إلا في سفر مباح فقط * ولم ير أبو حنيفة ولا مالك والا الشافعي القصر في الخوف إلى ركعة أصلا لكن ركعتان فقط * برهان صحة قولنا ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يزيد بن زريع ثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة.
قالت: (فرضت الصلاة ركعتين.
ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرضت أربعا، وتركت صلاة السفر على الاولى) (1) * ورويناه أيضا من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة، ومن طريق مالك عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة، ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا محمد بن رافع ثنا محمد ابن بشر ثنا يزيد بن زياد بن أبى الجعد عن زبيد اليامى (2) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة.
قال قال عمر بن الخطاب: (صلاة الاضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان، تمام غير قصر، على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم، وقد خاب من افترى) (3) *
__________
(1) في الاصلين (على الحالة الاولى) ولفظ (الحالة) ليس في أي رواية من روايات البخاري.
انظر البخاري (ج 5 ص 172) وشرح العينى (ج 17 ص 67) وقد رواه البخاري أيضا بلفظين آخرين (ج 1 ص 159 وج 2 ص 105) (2) في النسخة رقم (45) (الايامى) وهو زبيد - بالموحدة مصغر - ابن الحارث اليامى أو الايامى نسبة إلى (ايام) بكسر الهمزة
وفتح الياء المخففة، وهو بطن يسمى بذلك، ويسمى (يام) أيضا بحذف الهمزة (3) هذا الاسناد لم أجده في سنن النسائي، ولعله في موضع آخر لم أوفق إلى رؤيته أو في السنن الكبرى، وقد رواه النسائي عن على بن حجر عن شريك عن زبيد (ج 1 ص 209) وعن حميد بن مسعدة عن سفيان بن حبيب عن شعبة عن زبيد (ج 1 ص 211 و 212) وعن عمران بن موسى عن يزيد بن زريع عن سفيان بن سعيد عن زبيد (ج 1 ص 232)، وليس في أي واحد من هذه المواضع ذكر كعب بن عجزة، ولا قول عمر في آخره (وقد خاب من افترى) وقال النسائي في الاسناد الاول بعد أن روى الحديث (عبد الرحمن بن أبى ليلى لم يسمع(4/265)
حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا ابو يحيى زكريا بن يحيى الناقد (1) ثنا محمد بن الصباح الجرجرائى (2) ثنا عبد الله بن رجاء (3) ثنا هشام الدستوائي عن ايوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(صلاة السفر ركعتان، من ترك السنة فقد كفر) (4) * وقد روينا هذا أيضا من كلام ابن عمر (5) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب وإسحاق بن ابراهيم عن عبد الله بن ادريس عن ابن جريج عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن بابيه (6) عن
__________
من عمر)، وهو كما قال، فان عبد الرحمن ولد لست بقين نم خلافة عمر، وقد روى يزيد ابن هرون عن الثوري هذا الحديث، وقال فيه عن عبد الرحمن بن ابى ليلى (سمعت عمر) وقد تفرد بذلك يزيد بن هرون وهو خطأ، انظر التهذيب، واما هنا بزيادة كعب بن عجزة فهو اسناد صحيح دل على وصل المرسل.
وقد رواه ابن ماجه (ج 1 ص 170) عن محمد بن عبد الله بن نمير عن محمد بن بشر باسناده كما هنا، وفيه زيادة كعب بن عجزة أيضا (1) اما الناقد هذا فلا اعرف من هو؟ ويحتمل أن يكون زكريا بن يحيى الساجى المتوفى
سنة 307 وقد قارب التسعين، فان شيخه محمد بن الصباح مات سنة 240 فاحتمل السماع منه، ثم ان تلميذه ابن أيمن رحل سنة 274 ومات سنة 330 فاحتمل ان يكون لقى الساجى وسمع منه وهذا كله ظن لا اجزم به ولا ارجحه (2) في الاصلين (الجرجاني) وهو خطأ والجرجرائي - بفتح الجيمين وبينهما راء ساكنة - نسبة إلى (جرجرايا) قال ياقوت (بلد من اعمال النهر وان الاسفل بين واسط وبغداد من الجانب الشرقي كانت مدينة وخربت مع ما خرب من النهروانات، ومحمد بن الصباح ثقة وفيه مقال (3) هو المكى وهو ثقة ولكن قال احمد (زعموا ان كتبه ذهبت فكان يكتب من حفظه فعنده مناكير) (4) اما هذا الحديث بهذا اللفظ مرفوعا فانى لم اجده الا في هذا الموضع وهو اشبه بأن يكون من كلام ابن عمر كما سيأتي موقوفا ويحتمل ان الخطأ في رفعه من محمد بن الصباح أو من شيخه عبد الله بن رجاء (5) سيأتي قريبا ان شاء الله تعالى (6) في النسخة رقم (16) (عبيدالله بن بابيه) وهو خطأ.
وبابيه بفتح الباءين بينهما الف وباسكان الياء المثناة التحتية وآخره هاء ويقال: باباه.
*(4/266)
يعلى بن أمية قلت لعمر بن الخطاب: (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) فقد أمن الناس،! قال: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته) (1) * قال علي: فصح أن الصلاة فرضها الله تعالى ركعتين ثم بلغها في الحضر بعد الهجرة أربعا، وأقر صلاة السفر على ركعتين، وصح ان صلاة السفر ركعتان بقوله عليه السلام فإذ قد صح هذا فهى ركعتان لا يجوز ان يتعدي ذلك، ومن تعداه فلم يصل كما أمر، فلا صلاة له، إذا كان عالما بذلك، ولم يخص عليه السلام سفرا من سفر، بل عم، فلا يجوز لاحد تخصيص ذلك، ولم يجز رد صدقة الله تعالى التي (2) أمر عليه السلام بقبولها، فيكون من لا يقبلها عاصيا.
*
واحتج من خص بعض الاسفار بذلك بأن سفر المعصية محرم، فلا حكم له.
* فقلنا: أما محرم فنعم، هو محرم، ولكنه سفر، فله حكم السفر، وأنتم تقولون.
انه محرم، ثم تجعلون فيه التيمم عند عدم الماء، وتجيزون الصلاة فيه، وترونها فرضا، فأى فرق بين ما أجزتم - من الصلاة والتيمم لها - وبين ما منعتم من تأديتها ركعتين كما فرض الله تعالى في السفر؟! ولا سبيل إلى فرق * وكذلك الزنا محرم، وفيه من الغسل كالذي في الحلال لانه إجناب ومجاوزة ختان لختان، فوجب فيه حكم عموم الاجناب (3) ومجاوزة الختان للختان.
* وكما قالوا فيمن قاتل في قطع الطريق (4) فجرح جراحات منعته من القيام، فان له من جواز الصلاة جالسا ما لمن قاتل في سبيل الله ولا فرق، لعموم قوله عليه السلام: (صلوا قياما فمن لم يستطع فقاعدا) * فان قيل لنا: فانكم تقولون: من صلى في غير سبيل الحق راكبا أو مقاتلا أو ماشيا فلا صلاة له فما الفرق؟ * قلنا: نعم إن هؤلاء فعلوا في صلاتهم حركات لا يحل لهم فعلها، فبذلك بطلت صلاتهم ولم يفعل المصلى ركعتين أو ركعة في صلاته شيئا غيرها، واما الذين ذكرتم فمشوا مشيا محرما في الصلاة، وقاتلوا فيها قتالا محرما *
__________
(1) في مسلم (ج 1 ص 191 و 192) (2) في النسخة رقم (16) (الذى) وهو خطأ.
(3) في النسخة رقم (45) (فوجب فيه عموم الاخبار) وهو خطأ (4) في النسخة رقم (45) (فيمن قاتل فقطع الطريق) وما هنا احسن جدا *(4/267)
والعجب كل العجب من المالكيين الذين أتوا إلى عموم الله تعالى للسفر، وعموم رسول الله صلى الله عليه وسلم للسفر، (وما كان ربك نسيا) فخصوه بآرائهم! ولم يروا قصر الصلاة في سفر معصية! ثم أتوا إلى ما خصه الله تعالى وأبطل فيه العموم، من تحريمه
الميتة جملة، ثم قال: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم) وقوله (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم): فقالوا بآرائهم: ان أكل الميتة والخنزير حلال للمضطر، وان كان متجانفا لاثم وباغيا عاديا قاطعا للسبيل، منتظرا لرفاق المسلمين يغير على أموالهم ويسفك دماءهم! وهذا عجب جدا! * واحتج بعضهم في هذا بأن قالوا: حرام عليه قتل نفسه * فقلنا لهم: ولم يقتل نفسه؟! بل يتوب الآن من نيته الفاسدة، ويحل له أكل الميتة من حينه، والتوبة فرض عليه ولا بد * وقال ابو سليمان وأصحابنا: لا تقصر الصلاة إلا في حرج أو جهاد أو عمرة، وهو قول جماعة من السلف * كما روينا من طريق محمد بن أبي عدى (1) ثنا شعبة عن الاعمش عن عمارة بن عمير عن الاسود عن ابن مسعود قال: لا يقصر الصلاة إلا حاج أو مجاهد * وعن طاوس: انه كان يسأل عن قصر الصلاة؟ فيقول: إذا خرجنا حجاجا أو عمارا صلينا ركعتين * وعن ابراهيم التيمى: أنه كان لا يرى القصر إلا في حج أو عمرة أو جهاد * واحتجوا بقول الله تعالى: (وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * وقالوا: لم يصل عليه السلام ركعتين الا في حج أو عمرة أو جهاد * قال علي: لو لم يرد الا هذه الآية وفعله عليه السلام لكان ما قالوا، لكن لما ورد على (2) لسانه عليه السلام ركعتان في السفر وأمر بقبول صدقة الله تعالى بذلك.
كان هذا زائدا على ما في الآية وعلى عمله عليه السلام، ولا يحل ترك الاخذ بالشرع الزائد
__________
(1) في النسخة رقم (16) (محمد بن عدى) وهو خطأ (2) في النسخة رقم (16) (من) بدل (على) وهو خطأ *(4/268)
واحتج الشافعيون في قولهم: ان المسافر مخير بين ركعتين أو أربع ركعات.
بهذه الآية، وأنها جاءت بلفظ (لا جناح) وهذا يوجب الاباحة لا الفرض * وبخبر رويناه من طريق عبد الرحمن بن الاسود عن عائشة.
(أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فلما قدمت مكة (1) قالت: يارسول الله، بأبي أنت وأمى قصرت وأتممت، وأفطرت وصمت، قال: أحسنت يا عائشة) * ومن طريق عطاء عن عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافر فيتم الصلاة ويقصر) * وبأن عثمان أتم الصلاة بمنى بحضرة جميع الصحابة رضى الله عنهم فأتموها معه * وبأن عائشة - وهى روت (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين) - كانت تتم في السفر * قال علي: هذا كل ما احتجوا به، وكله لا حجة لهم فيه: * أما الآية فانها لم تنزل في القصر المذكور، بل في غيره، على ما نبين بعد هذا، ان شاء الله تعالى * وأما الحديثان فلا خير فيهما: * أما الذي من طريق عبد الرحمن بن الاسود فانفرد به العلاء بن زهير الازدي، لم يروه غيره، وهو مجهول (2) * وأما حديث عطاء فانفرد به المغيرة بن زياد، لم يروه غيره، وقال فيه احمد بن حنبل: هو ضعيف، كل حديث أسنده فهو منكر * وأما فعل عثمان وعائشة رضى الله عنهما فانهما تأولا تأويلا خالفهما فيه غيرهما من الصحابة رضى الله عنهم * كما حدثنا أحمد بن عمر الغدري ثنا أبو ذر الهروي ثنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسى ثنا ابراهيم بن خزيم (3) ثنا عبد بن حميد ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة
__________
(1) في النسخة رقم (45) (المدينة) وهو خطأ، فان الحديث في النسائي (ج 1 ص 213) بلفظ (مكة) وكذلك نقله ابن حجر في التلخيص (ص 128) والشوكانى (ج 3 ص 248)
وكذلك هو في الدارقطني (ص 242) (2) قال ابن حجر في التهذيب في ترجمة العلاء هذا: (قال ابن حزم مجهول، ورد ذلك عليه عبد الحق، وقال: بل هو ثقة مشهور والحديث الذى رواه في القصر صحيح، وتناقض فيه ابن حبان فقال في الضعفاء: يروى عن الثقات ما لا يشبه حديث الاثبات فبطل الاحتجاج به فيما لم يوافق الثقات، ورده الذهبي بأن العبرة بتوثيق يحيى) وقد وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات (3) بالخاء المعجمة والزاى مصغر *(4/269)
عن عائشة فذكر الخبر، وفيه قال الزهري: فقلت لعروة: فما كان عمل عائشة أن تتم في السفر وقد علمت أن الله تعالى فرضها ركعتين ركعتين (1)؟ قال: تأولت من ذلك ما تأول عثمان من اتمام الصلاة بمنى * وروينا من طريق عبد الرزاق عن الزهري قال: بلغني أن عثمان إنما صلاها أربعا يعنى بمنى لانه أزمع ان يقيم بعد الحج.
فعلى هذا أتم (2) معه من كان يتم معه من الصحابة رضى الله عنهم، لانهم أقاموا باقامته * وقد خالفهما من الصحابة طوائف * كما روينا من طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: انه كان إذا صلى مع الامام بمنى أربع ركعات انصرف إلى منزله فصلى فيه ركعتين أعادها * ومن طريق عبد الرزاق عن سعيد بن السائب بن يسار حدثني داود بن أبي عاصم قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر بمنى؟ فقال: (سمعت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان (3) يصلى بمنى ركعتين ركعتين) فصل إن شئت أو دع * ومن طريق عبد الوارث بن سعيد التنوري ثنا أبوالتياح عن مورق (4) العجلى عن صفوان ابن محرز قلت لابن عمر: حدثني عن صلاة السفر، قال: أتخشى أن تكذب على؟ قلت: لا، قال: ركعتان، من خالف السنة كفر * ومن طريق سعيد بن منصور: ثنا مروان بن معاوية هو الفزاري ثنا حميد بن على
العقيلى عن الضحاك بن مزاحم قال قال ابن عباس: من صلى في السفر أربعا كمن صلى في الحضر ركعتين * ومن طريق سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: اعتل عثمان وهو بمنى فأتى على فقيل له، صل بالناس، فقال: إن شئتم صليت لكم (5) صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى ركعتين قالوا لا:، إلا صلاة أمير المؤمنين، يعنون عثمان: أربعا (6)! فأبى عثمان
__________
(1) في النسخة رقم (45) بغير تكرار ركعتين (2) في النسخة رقم (45) (أتمها) (3) في النسحة رقم (16) (سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه كان) الخ وهو غير واضح (4) في النسخة رقم (16) (مروان) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (45) (بكم) (6) في النسخة رقم (16) بحذف قوله (عثمان) *(4/270)
وهكذا عمن بعدهم: روينا عن عمر بن عبد العزيز، وقد ذكر له الاتمام في السفر (1) لمن شاء، فقال لا: الصلاة في السفر ركعتان حتمان لا يصح غيرهما * فإذا اختلف الصحابة فالواجب رد ما تنازعوا فيه إلى القرآن والسنة * واما المالكيون والحنفيون فقد تناقضوا ههنا أقبح تناقض، لانهم إذا تعلقوا بقول صاحب وخالفوا روايته قالوا: هو أعلم بما روى، ولا يجوز ان يظن به أنه خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لعلم كان عنده رآه أولى مما روى (2)، وههنا أخذوا رواية عائشة وتركوا فعلها، وقالوا: بأقبح ما يشنعون به على غيرهم، فرأوا ان عثمان وعائشة ومن معهما صلوا صلاة فاسدة يلزمهم إعادتها، إما أبدا وإما في الوقت * قال علي: واما قولنا في صلاة الخوف ركعة فلما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد ابن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى ابن يحيى وسعيد بن منصور وابو الربيع الزهراني وقتيبة، كلهم عن ابي عوانة عن بكير ابن الاخنس عن مجاهد عن ابن عباس قال: (فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم
في الحضر ابعا، وفى السفر ركعتين، وفى الخوف ركعة) * ورويناه أيضا من طريق حذيفة وجابر وزيد بن ثابت وأبي هريرة وابن عمر، كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد في غاية الصحة * وقال تعالى: (وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * كتب إلى هشام بن سعيد الخير قال: ثنا عبد الجبار بن أحمد المقرئ الطويل ثنا الحسن ابن الحسين (3) بن عبدويه النجيرمى ثنا جعفر بن محمد بن الحسن الاصفهاني (4) ثنا أبو بشر يونس بن حبيب بن عبد القادر (5) ثنا أبو داود الطيالسي ثنا المسعودي - هو عبد الرحمن ابن عبد الله - عن يزيد الفقير - هو يزيد بن صهيب - قال: سألت جابر بن عبد الله عن
__________
(1) في النسخة رقم (16) (الائتمام) وهو خطأ، وفى النسخة رقم (45) بحذف كلمة (السفر) (2) في النسخة رقم (16) (الا لعلم كان عنده رواه مما روى) وهو غير جيد (3) في النسخة رقم (45) (الحسن بن ابى الحسن) (4) في النسخة رقم (16) (الاصبهاني) بالباء (5) في النسخة رقم (45) (عن عبد القادر) وهو خطأ(4/271)
الركعتين في السفر، أقصرهما؟ قال جابر لا: إن الركعتين في السفر ليستا بقصر، إنما القصر ركعة عند القتال.
* قال علي: وبهذه الآية قلنا: إن صلاة الخوف في السفر - إن شاء - ركعة - وان شاء - ركعتان لانه جاء في القرآن بلفظة (لا جناح) لا بلفظ الامر والايجاب، وصلاهما الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ركعة فقط، ومرة ركعتين، فكان ذلك على الاختيار كما قال جابر رضى الله عنه * (تم) بحمد الله تعالى وحسن معونته تم الجزء الرابع من كتاب المحلى للامام العلامة ابي محمد على المشهور بابن حزم الاندلسي
ابن عبد الله - عن يزيد الفقير - هو يزيد بن صهيب - قال: سألت جابر بن عبد الله عن
__________
(1) في النسخة رقم (16) (الائتمام) وهو خطأ، وفى النسخة رقم (45) بحذف كلمة (السفر) (2) في النسخة رقم (16) (الا لعلم كان عنده رواه مما روى) وهو غير جيد (3) في النسخة رقم (45) (الحسن بن ابى الحسن) (4) في النسخة رقم (16) (الاصبهاني) بالباء (5) في النسخة رقم (45) (عن عبد القادر) وهو خطأ(4/272)
الركعتين في السفر، أقصرهما؟ قال جابر لا: إن الركعتين في السفر ليستا بقصر، إنما القصر ركعة عند القتال.
* قال علي: وبهذه الآية قلنا: إن صلاة الخوف في السفر - إن شاء - ركعة - وان شاء - ركعتان لانه جاء في القرآن بلفظة (لا جناح) لا بلفظ الامر والايجاب، وصلاهما الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ركعة فقط، ومرة ركعتين، فكان ذلك على الاختيار كما قال جابر رضى الله عنه * (تم) بحمد الله تعالى وحسن معونته تم الجزء الرابع من كتاب المحلى للامام العلامة ابي محمد على المشهور بابن حزم الاندلسي وذلك في شهر ربيع الاول سنة 1349 ه ومطلع الجزء الخامس المسألة الثالثة عشر بعد الخمسمائة (ومن خرج عن بيوت مدينته أو قريته) الخ ونسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى إتمام طبعه انه على ما يشاء قدير وبالاجابة جدير ادارة الطباعة المنيرية لصاحبها ومديرها محمد منير الدمشقي(4/272)
المحلى - ابن حزم ج 5
المحلى
ابن حزم ج 5(5/)
المحلى تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الاصولي، قوي العارضة شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والاصول والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الاندلس أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456 ه.
طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الاستاذ الشيخ احمد محمد شاكر الجزء الخامس دار الفكر(5/1)
بسم الله الرحمن الرحيم 513 - مسألة - ومن خرج عن بيوت مدينته، أو قريته، أو موضع سكناه فمشى ميلا فصاعدا صلى ركعتين ولا بد إذا بلغ الميل، فان مشى أقل من ميل صلى أربعا * قال على: اختلف الناس في هذا، كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى عن أبى قلابة عن أبى المهلب: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كتب: انه بلغني أن رجالا يخرجون إما لجباية، وإما لتجارة، واما الجشر (1) ثم لا يتمون الصلاة، فلا تفعلوا، فانما يقصر الصلاة من كان شاخصا أو بحضرة عدو (2) * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عياش بن عبد الله
ابن أبي ربيعة المخزومي.
أن عثمان بن عفان كتب إلى عماله: لا يصلى (3) الركعتين جاب ولا تاجر ولاتان، انما يصلي الركعتين من كان معه (4) الزاد والمزاد (5) * قال على: التأني - هو صاحب الضيعة * قال على: هكذا في كتابي وصوابه عندي عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة *
__________
(1) بفتح الجيم والشين المعجمة، قال في اللسان (وفى حديث عثمان رضى الله عنه انه قال: لا يغرنكم جشركم من صلاتكم فانما يقصر الصلاة من كان شاخصا أو يحضره عدو، قال ابو عبيد: الجشر القوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم ولا يأوون إلى البيوت وربما رأوه سفرا فقصروا لصلاة فناهم عن ذلك لان المقام في المرعى وان طال فليس بسفر) اهوفى النسخة رقم (16) (لجش) وهو تصحيف وخطأ (2) انظر الطحاوي (ج 1 ص 247) (3) في النسخة رقم (45) (لا يصل) (4) في النسخة رقم (16) (مع) وهو خطأ (5) انظر الطحاوي (ج 1 ص 247)(5/2)
ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن على بن مسهر عن أبي اسحاق الشيباني عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود قال: لا يغرنكم سوادكم هذا من صلاتكم، فانه من مصركم * وعن عبد الرزاق عن معمر عن الاعمش عن ابراهيم التيمي عن أبيه قال: كنت مع حذيفة بالمدائن فاستأذنته أن آتي اهلي بالكوفة، فاذن لى وشرط على ان لا افطر ولا أصلى ركعتين حتى ارجع إليه، وبينهما نيف وستون ميلا * وهذه أسانيد في غاية الصحة * وعن حذيفة ان لا يقصر إلى السواد، وبين الكوفة والسواد سبعون ميلا (1) * وعن معاذ بن جبل وعقبة بن عامر: لا يطأ أحدكم بماشيته احداب الجبال، وبطون الاودية وتزعمون انكم سفر، لا ولا كرامة، انما التقصير في السفر البات، من الافق *
ومن طريق ابى بكر بن ابى شيبة عن ابى الاحوص عن عاصم عن ابن سيرين قال.
كانوا يقولون: السفر الذى تقصر فيه الصلاة الذى يحمل فيه الزاد والمزاد * وعن أبي وائل شقيق بن سلمة.
انه سئل عن قصر الصلاة من الكوفة إلى واسط؟ فقال: لا تقصر الصلاة في ذلك، وبينهما مائة ميل وخمسون ميلا * فهنا قول * وروينا من طريق ابن جريج.
اخبرني نافع: ان ابن عمر كان ادنى ما يقصر الصلاة إليه مال له بخيبر، وهي مسيرة ثلاث فواصل (2) لم يكن يقصر فيما دونه * ومن طريق حماد بن سلمة عن ايوب السختياني وحميد، كلاهما عن نافع عن ابن عمر.
أنه كان يقصر الصلاة فيما بين المدينة وخيبر وهي كقدر الاهواز من البصرة، لا يقصر فيما دون ذلك * قال على: بين المدينة وخيبر كما بين البصرة والاهواز وهو مائة ميل واحدة غير اربعة أميال *
__________
(1) الكلمة تقرأ في الاصلين (سبعون) وتقرأ (تسعون) لاهما لهما واشتباه رسمها (2) هكذا في النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (45) (قواصد) بدون نقط وكلاهما ظاهر انه خطأ والظن ان الكلمة محرفة فيحرر *(5/3)
وهذا مما اختلف فيه عن ابن عمر، ثم عن نافع أيضا عن ابن عمر * وروينا عن الحسن بن حي.
انه قال: لا قصر في اقل من اثنين وثمانين ميلا، كما بين الكوفة وبغداد * ومن طريق وكيع عن سعيد بن عبيد الطائى عن على بن ربيعة الوالبي (1) الاسدي قال: سألت ابن عمر عن تقصير الصلاة؟ فقال: حاج أو معتمر أو غازى - قلت: لان، ولكن احدنا تكون له الضيعة بالسواد، فقال: تعرف السويداء؟ قلت.
سمعت بها ولم أرها،
قال.
فانها ثلاث وليلتين (2) وليلة للمسرع، إذا خرجنا إليها قصرنا * قال على: من المدينة إلى السويداء اثنان وسبعون ميلا اربعة وعشرون فرسخا * فهذه رواية اخرى عن ابن عمر * ومن طريق عبد الرزاق عن اسرائيل عن ابراهيم بن عبد الاعلى يقول.
سمعت سويد ابن غفلة يقول.
إذا سافرت ثلاثا فاقصر الصلاة * وعن عبد الرزاق عن أبي حنيفة وسفيان الثوري، كلاهما عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي أنه قال في قصر الصلاة، قال أبو حنيفة في روايته: مسيرة ثلاث، وقال سفيان في روايته: إلى نحو المدائن يعنى من الكوفة، وهو نحو نيف وستين ميلا، لا يتجاوز ثلاثة وستين ولا ينقص عن واحد وستين * وبهذين التحديدين جميعا يأخذ أبو حنيفة، وقال في تفسير الثلاث: سير الاقدام والثقل والابل * وقال سفيان الثوري: لا قصر في أقل من مسيرة ثلاث، ولم نجد عنه تحديد الثلاث * وعن حماد بن أبى سليمان عن سعيد بن جبير في قصر الصلاة: في مسيرة ثلاث * ومن طريق الحجاج بن المنهال: ثنا يزيد بن ابراهيم قال سمعت الحسن البصري يقول: لا تقصر الصلاة في اقل من مسيرة ليلتين * ومن طريق وكيع عن الربيع بن صبيح عن الحسن: لا تقصر الصلاة إلا في ليلتين، ولم نجد عنه (3) تحديد الليلتين *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (على بن ربيعة الرأى) وهو خطأ غريب (2) كذا في الاصول بنصب ليلتين (3) في النسخة رقم (16) (عنده) وهو خطأ *(5/4)
وعن معمر عن قتادة عن الحسن مثله، قال: وبه يأخذ قتادة * وعن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن مثله، إلا أنه قال: مسيرة يومين *
وعن معمر عن الزهري قال: تقصر الصلاة في مسيرة يومين، ولم نجد عن قتادة ولاعن الزهري تحديد اليومين * وعن وكيع عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن مجاهد عن ابن عباس قال: إذا سافرت يوما إلى العشاء فأتم، فان زدت فقصر * وعن الحجاج بن المنهال: ثنا أبو عوانة عن منصور - هو ابن المعتمر - عن مجاهد عن ابن عباس قال: لا يقصر المسافر في مسيرة يوم إلى العتمة، إلا في أكثر من ذلك.
وهذا مما اختلف (1) فيه عن ابن عباس * ومن طريق وكيع عن هشام بن الغاز ربيعة الجرشى (2) عن عطاء بن أبي رباح: قلت لابن عباس: أقصر إلى عرفة؟: قال: لا، ولكن إلى الطائف وعسفان، فذلك ثمانية وأربعون ميلا * وعن معمر أخبرني أيوب عن نافع: أن ابن عمر كان يقصر الصلاة في مسيرة أربعة برد * وهذا مما اختلف فيه عن ابن عمر كما ذكرنا * وبهذا يأخذ الليث ومالك في أشهر أقواله عنه، وقال: فان كانت أرض لا أميال فيها فلا قصر في أقل من يوم وليلة للثقل.
قال: وهذا أحب ما تقصر فيه الصلاة إلى.
وقد ذكر عنه لا قصر إلا في خمسة وأربعين ميلا فصاعدا.
وروى عنه: أنه لا قصر إلا في اثنين وأربعين ميلا فصاعدا.
وروي عنه: لا قصر إلا في أربعين ميلا فصاعدا * وروى عنه اسماعيل بن أبى أويس: لا قصر الا في ستة وثلاثين ميلا فصاعدا.
ذكر هذه الروايات عنه اسماعيل بن اسحاق القاضي في كتابه المعروف بالمبسوط.
ورأي لاهل مكة خاصة في الحج خاصة -: أن يقصروا الصلاة إلى منى فما فوقها، وهي أربعة أميال.
وروى عنه ابن القاسم: أنه قال فيمن خرج ثلاثة أميال - كالرعاء وغيرهم - فتأول فأفطر في رمضان فلا شئ عليه الا القضاء فقط *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (اختلفوا) (2) الغاز: بالغين المعجمة والزاى وبينهما ألف، والجرشى: بضم الجيم وفتح الراء وكسر الشين المعجمة.
وفى النسخة رقم (16) (هشام بن ربيعة
ابو الغاز الجرشى) وفى النسخة رقم (45) (هشام بن ربيعة بن الغاز الجرشى) وكلاهما خطأ والصواب ما ذكرنا *(5/5)
وروينا عن الشافعي: لاقصر في أقل من ستة وأربعين ميلا بالهاشمي * وههنا أقوال أخر أيضا: كما روينا من طريق وكيع عن شعبة عن شبيل (1) عن أبى جمرة الضبعى قال قلت لابن عباس: أقصر إلى الابلة؟ قال: تذهب وتجئ في يوم؟ قلت: نعم، قال: لا، الا يوم متاح * وعن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء.
قلت لابن عباس: أقصر إلى منى أو عرفة؟ قال: لا، ولكن إلى الطائف أو جدة أو عسفان، فإذا وردت على ماشية لك أو أهل فأتم الصلاة * قال على: من عسفان إلى مكة بتكسير الحلفاء (2) اثنان وثلاثون ميلا.
وأخبرنا الثقات أن من جدة إلى مكة أربعين ميلا (3) * وعن وكيع عن هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر: لا تقصر الصلاة الا في يوم تام * وعن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر: أنه سافر إلى ريم فقصر الصلاة، قال عبد الرزاق: وهي على ثلاثين ميلا من المدينة * وعن عكرمة: إذا خرجت فبت في غير أهلك فاقصر، فان أتيت أهلك فأتمم * وبه يقول الاوزاعي: لا قصر الا في يوم تام، ولم نجد عن هؤلاء تحديد اليوم * ومن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر: أنه قصد إلى ذات النصب، وكنت أسافر مع ابن عمر البريد فلا يقصر.
قال عبد الرزاق: ذات النصب من المدينة على ثمانية عشر ميلا * ومن طريق محمد بن جعفر: ثنا شعبة عن خبيب (4) بن عبد الرحمن عن حفص ابن عاصم بن عمر بن الخطاب قال: خرجت مع عبد الله بن عمر بن الخطاب إلى ذات
النصب - وهى من المدينة على ثمانية عشر ميلا - فلما أتاها قصر الصلاة * ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة: ثنا هشيم اناجويبر عن الضحاك عن النزال بن
__________
(1) شبيل بضم الشين المعجمه وهو ابن عزرة بن عمير الضبعى، وشيخه أبو جمرة - بالجيم والراء - اسمه نصر بن عمران الضبعى، وفى النسخة رقم (16) (شبيل بن أبى جمرة) وهو خطأ (2) كذا في الاصلين (3) ما بين جدة ومكة من سبعين إلى ثمانين الف متر تقريبا فهو أكثر من اربيعين ميلا (4) بالخاء المعجمة مصغر *(5/6)
سبرة: أن على بن أبى طالب خرج إلى النخيلة فصلى بها الظهر ركعتين والعصر ركعتين ثم رجع من يومه، وقال: أردت أن أعلمكم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم * ومن طريق وكيع: ثنا حماد بن زيد (1) ثنا أنس بن سيرين قال: خرجت مع أنس بن مالك إلى أرضه ببذق سيرين - وهي على رأس خمسة فراسخ - فصلى بنا العصر في سفينة، وهي تجرى بنا في دجلة قاعدا على بساط ركعتين ثم سلم، ثم صلى بنا ركعتين ثم سلم * ومن طريق البزار: ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا شعبة عن يزيد ابن خمير عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير عن ابن السمط - هو شرحبيل -: أنه أتى أرضا يقال لها (دومين) - من حمص على بضعة عشر ميلا - فصلى ركعتين، فقلت له أتصلى ركعتين؟ قال: رأيت عمر يصلى بذى الحليفة ركعتين وقال: (أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) (2) * وعن محمد بن بشار: ثنا محمد بن أبى عدى ثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن حبيب ابن عبيد عن جبير بن نفير قال: خرج ابن السمط - هو شرحبيل - إلى أرض يقال لها: (دومين) - من حمص على ثلاثة عشر ميلا فكان يقصر الصلاة، وقال: رأيت عمر ابن الخطاب يصلى بذى الحليفة ركعتين فسألته؟ فقال: (أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل).
*
ورويناه من طريق مسلم أيضا باسناده إلى شرحبيل عن ابن عمر (3) * قال على: لو كان هذا في طريق الحج لم يسأله ولا أنكر ذلك * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة: ثنا اسماعيل بن علية عن الجريرى عن أبى الورد ابن ثمامة (4) عن اللجلاج قال: كنا نسافر مع عمر بن الخطاب ثلاثة أميال فيتجوز في الصلاة ويفطر (5) ويقصر.
*
__________
(1) في النسخة رقم (45) (ومن طريق حماد بن زيد) بدون نقط، وهو خطأ (2) كلمة (يفعل) سقطت من النسخة رقم (16) (3) في النسخة رقم (16) (عن ابن عمير) (4) في النسخة رقم (45) (عن أبى الورد عن ثمامة) وهو خطأ (5) في النسخة رقم (16) (فيفطر) وما هنا أحسن *(5/7)
ومن طريق محمد بن بشار: ثنا أبو عامر العقدى ثنا شعبة قال: سمعت ميسر (1) ابن عمران بن عمير يحدث عن أبيه عن جده: انه خرج (2) مع عبد الله بن مسعود - وهو رديفه على بغلة له - مسيرة أربعة فراسخ، فصلى الظهر ركعتين، والعصر ركعتين قال شعبة: أخبرني بهذا ميسر بن عمران وأبوه عمران بن عمير شاهد * قال على: عمير هذا مولى عبد الله بن مسعود * ومن طريق أبى بكر بن أبى شيبة: ثنا على بن مسهر عن أبى اسحاق الشيباني - هو سليمان ابن فيروز - عن محمد بن زيد بن خليدة عن ابن عمر قال: تقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال * قال على: محمد بن زيد هذا طائي ولاه على بن أبى طالب القضاء بالكوفة، مشهور من كبار التابعين * ومن طريق أبى بكر بن أبي شيبة: ثنا وكيع ثنا مسعر - هو ابن كدام - عن محارب بن دثار قال سمعت ابن عمر يقول: إنى لاسافر الساعة من النهار فأقصر، يعنى الصلاة * محارب هذا سدوسى قاضى الكوفة، من كبار التابعين، أحد الائمة، ومسعر
أحد الائمة * ومن طريق محمد بن المثنى: ثنا عبد الرحمن بن مهدى قال ثنا سفيان الثوري قال سمعت جبلة بن سحيم يقول سمعت ابن عمر يقول: لو خرجت ميلا قصرت الصلاة * جبلة بن سحيم تابع ثقة مشهور * وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ومحمد بن بشار كلاهما عن غندر - هو محمد بن جعفر - عن شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائى (3) قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة؟ فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ - شك شعبة - صلى ركعتين * قال على: لا يجوز أن يجيب أنس إذا سئل الا بما يقول به *
__________
(1) بضم الميم وفتح الياء المثناة وكسر السين المهملة المشددة وآخره راء (2) كلمة (خرج) سقطت من النسخة رقم (16) خطأ (3) بضم الهاء وفتح النون وكسر الهمزة *(5/8)
ومن طريق ابى داود السجستاني: أن دحية بن خليفة الكلبى أفطر في مسير له من الفسطاط إلى قرية على ثلاثة أميال منها * ومن طريق محمد بن بشار: ثنا أبو داود الطيالسي ثنا شعبة عن قيس بن مسلم عن سعيد بن جبير قال: لقد كانت لى أرض على رأس فرسخين فلم أدرأ أقصر الصلاة إليها أم أتمها؟ * ومن طريق ابى بكر بن أبى شيبة: ثنا حاتم بن اسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة قال: سألت سعيد بن المسيب: أأقصر الصلاة وأفطر في بريد من المدينة؟ قال: نعم.
وهذا اسناد كالشمس * ومن طريق ابى بكر بن ابى شيبة ثنا عبد الرحمن بن مهدى عن زمعة - هو ابن صالح - عن عمرو بن دينار عن ابى الشعثاء - هو جابر بن زيد - قال: يقصر في مسيرة ستة اميال *
ومن طريق ابى بكر بن ابى شيبة: ثنا وكيع عن زكرياء بن ابى زائدة أنه سمع الشعبي يقول: لو خرجت إلى دير الثعالب لقصرت * وعن القاسم بن محمد وسالم: أنهما أمرار رجلا مكيا بالقصر من مكة إلى منى، ولم يخصا حجا من غيره، ولامكيأ من غيره * وصح عن كلثوم بن هانئ وعبد الله بن محيريز وقبيصة بن ذؤيب القصر في بضعة عشر ميلا (1) وبكل هذا نقول، وبه يقال أصحابنا في السفر إذا كان على ميل فصاعدا في حج أو عمرة أو جهاد، وفى الفطر في كل سفر * قال على: فهم من الصحابة كما أوردنا: عمر بن الخطاب، وعلى بن أبي طالب، ودحية بن خليفة، وعبد الله بن مسعود، وابن عمر، وأنس، وشرحبيل بن السمط، ومن التابعين: سعيد بن المسيب، والشعبي، وجابر بن زيد، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وقبيصة بن ذؤيب، و عبد الله بن محيريز، وكلثوم بن هانئ، وأنس بن سيرين، وغيرهم، وتوقف في ذلك سعيد بن جبير، ويدخل فيمن قال بهذا مالك في بعض أقواله، على ما ذكرنا عنه في المفطر متأولا، وفى المكى يقصر بمنى وعرفة *
__________
(1) البضع في العدد بكسر الباء وبعض العرب يفتحها وهو ما بين الثلاث إلى التسع، والميل بكسر اللام منتهى مد البصر، والفرسخ ثلاثة أميال اه الجوهرى * (م 2 - ج 5 المحلى)(5/9)
قال على: وانما تقصينا الروايات في هذه الابواب لاننا وجدنا المالكيين والشافعيين قد أخذوا يجربون أنفسهم في دعوى الاجماع على قولهم! بل قد هجم على ذلك كبير من هؤلاء وكبير من هؤلاء فقال أحدهما: لم أجد أحدا قال بأقل من القصر فيما قلنا به، فهو إجماع! وقال الآخر: قولنا هو قول ابن عباس وابن عمر، ولا مخالف لهما من الصحابة! فاحتسبنا الاجر في ازالة ظلمة كذبهما عن المغتر بهما، ولو نورد إلا رواية مشهورة ظاهرة عند العلماء بالنقل، وفي
الكتب المتداولة عند صبيان المحدثين فكيف أهل العلم؟ والحمد لله رب العالمين (1) * قال على: أما من قال بتحديد ما يقصر فيه بالسفر من أفق إلى أفق، وحيث يحمل الزاد والمزاد، وفي ستة وتسعين ميلا وفى اثنين وثمانين ميلا، وفي اثنين وسبعين ميلا، وفي ثلاثة وستين ميلا، أو في أحد وستين ميلا، أو ثمانية واربعين ميلا، أو خمسة واربعين ميلا، أو اربعين ميلا، أو ستة وثلاثين ميلا -: فمالهم حجة اصلا ولا متعلق، لامن قرآن ولامن سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا من اجماع ولا من قياس، ولا من رأي سديد، ولا من قول صاحب لا مخالف له منهم.
وما كان هكذا فلا وجه للاشتغال به * ثم نسأل من حد ما فيه القصر والفطر بشئ من ذلك عن أي ميل هو؟ ثم نحصله
__________
(1) هذه الكتب التى كانت متداولة عند صبيان المحدثين في عصر ابن حزم - القرن الخامس ومن أهمها مصنف ابن ابى شيبة، ومصنف عبد الرزاق، واختلاف العلماء لابن المنذر -: صارت في عصرنا هذا بل وقبله بقرون من النوادر الغالية لا يسمع اسمها الا الخواص من كبار المطلعين على كتب السنة، وعامة المشتغلين بالحديث لا يعرفونها، وأصولها فقدت تقريبا من المكاتب الاسلامية وبقيت منها قطع قليلة، وقد علمنا ان مصنف ابن أبى شيبة يوجد منه نسختان بمكاتب الاستانة ولا ندرى ماذا يفعل بهما الاتراك وبغيرهما من كتب الاسلام النادرة بعد ان اعلنوا خروجهم على الدين وابدوا صفحتهم في عداء الاسلام؟، وسمعنا أيضا ان مصنف عبد الرزاق موجود في الاقطار اليمنية حفظها الله، بل هذا المحلى نفسه نلقى كل مشقة في سبيل تصحيح اصوله بعد ان كانت نسخة تفقد من بلاد الاسلام، لولا ان قيض الله لاحيائه الاستاد الشيخ (محمد منير الدمشقي) مدير ادارة الطباعة المنيرية حفظه الله وجزاه عن المسلمين احسن الجزاء، ولعل ناشرى الكتب في العالم الاسلامي يهتمون بنشر ما يجدون من آثار لعلمائنا لو كانت في أمة من الامم الاخرى لطار وابها كل مطار.
والله الهادى إلى سواء السبيل *(5/10)
من الميل عقدا أوفترا أو شبرا، ولا نرال نحطه شيئا فشيئا فلا بدله من التحكم في الدين،
أو ترك ما هو عليه! فسقطت هذه الاقوال جملة والحمد لله رب العالمين * ولا متعلق لهم بابن عباس وابن عمر لوجوه: أحدها: أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم * والثانى: أنه ليس التحديد بالاميال في ذلك من قولهما، وانما هو من قول من دونهما * والثالث: انه قد اختلف عنهما اشد الاختلاف كما اوردنا * فروي حماد بن سلمة عن ايوب السختياني وحميد كلاهما عن نافع، ووافقهما ابن جريج عن نافع: ان ابن عمر كان لا يقصر في اقل من ستة وتسعين ميلا * وروي معمر عن ايوب عن نافع: ان ابن عمر كان يقصر في اربعة برد، ولم يذكر انه منع من القصر في أقل * وروي هشام بن الغاز عن نافع: ان ابن عمر قال: لا تقصر الصلاة الا في اليوم التام * وروي مالك عن نافع عنه: انه كان لا يقصر في البريد، وقال مالك: ذات النصب وريم كلتاهما من المدينة على نحو اربعة برد * وروى عنه على بن ربيعة الوالبى: لا قصر في اقل من اثنين وسبعين ميلا * وروى عنه ابنه سالم بن عبد الله - وهو أجل من نافع -: انه قصر إلى ثلاثين ميلا * وروى عنه ابن أخيه حفص بن عاصم - وهو اجل من نافع واعلم به -: انه قصر إلى ثمانية عشر ميلا * وروى عنه شرحبيل بن السمط، ومحمد بن زيد بن خليدة، ومحارب بن دثار، وجبلة ابن سحيم - وكلهم ائمة -: القصر في اربعة اميال، وفى ثلاثة اميال، وفى ميل واحد وفى سفر ساعة، واقصى ما يكون سفر الساعة من ميلين إلى ثلاثة * وأما ابن عباس فروي عنه عطاء: القصر إلى عسفان، وهي اثنان وثلاثون ميلا، وإذا وردت على اهل أو ماشية فأتم، ولا تقصر إلى عرفة ولامنى * وروى عنه مجاهد: لا قصر في يوم إلى العتمة، لكن فيما زاد على ذلك، وروي
عنه أبو جمرة الضبعي: لا قصر الا في يوم متاح (1) * وقد خالفه مالك في أمره عطاء أن لا يقصر إلى منى ولا إلى عرفة، وعطاء مكى، فمن
__________
(1) بتشديد التاء المثناة من فوق أي يوم سيره من اول النهار إلى آخره ومتح النهار إذا طال وامتد *(5/11)
الباطل أن يكون بعض قوله حجة وجمهور قوله ليس حجة! * وخالفه أيضا مالك والشافعي في قوله: إذا قدمت على أهل أو ماشية فأتم الصلاة، * فحصل قول مالك والشافعي خارجا عن أن يقطع بانه تحديد أحد من الصحابة رضى الله عنهم، ولاوجد بينا عن أحد من التابعين أنه حد ما فيه القصر بذلك ولعل التحديد - الذى في حديث ابن عباس - إنما هو من دون عطاء، وهو هشام بن ربيعة، وليس في حديث نافع عن ابن عمر أنه منع القصر في أقل من أربعة برد.
فسقطت أقوال من حد ذلك بالاميال المذكورة سقوطا متيقنا.
وبالله تعالى التوفيق * ثم رجعنا إلى قول من حد ذلك بثلاثة أيام، أو يومين أو يوم وشئ زائد، أو يوم تام أو يوم وليلة -: فلم نجد لمن حد ذلك بيوم وزيادة شئ متعلقا أصلا، فسقط هذا القول * فنظرنا في الاقوال الباقية (1) فلم نجد لهم متعلقا إلا بالحديث الذي صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق ابى سعيد الخدرى، وابن هريرة، وابن عمر في نهى المرأة عن السفر، في بعضها (ثلاثة أيام إلا مع ذى محرم) وفى بعضها: (ليلتين إلا مع ذى محرم) وفى بعضها (يوما وليلة إلا مع ذى محرم) وفى بعضها: (يوما إلا مع ذى محرم) فتعلقت كل طائفة بلفظ مما ذكرنا * فأما من تعلق بليلتين أو بيوم وليلة فلا متعلق لهم أصلا، لانه قد جاء ذلك الحديث بيوم وجاء بثلاثة ايام، فلا معنى للتعلق باليومين ولا باليوم والليلة دون هذين العددين الآخرين اصلا، وإنما يمكن ان يشغب ههنا بالتعلق بالاكثر مما ذكر في ذلك الحديث أو بالاقل
مما ذكر فيه.
واما التعلق بعدد قد جاء النص بأقل منه أو باكثر منه فلا وجه له اصلا فسقط هذان القولان أيضا * فنظرنا في قول من تعلق بالثلاث أو باليوم فكان من شغب من تعلق باليوم ان قال: هو اقل ما ذكر في ذلك الحديث، فكان ذلك هو حد السفر الذى ما دونه بخلافه، فوجب ان يكون ذلك حدا لما يقصر فيه.
قالوا: وكان من اخذ بحدنا قد استعمل حكم الليلتين واليوم والليلة والثلاث، ولم يسقط من حكم ما ذكر في ذلك الحديث شيئا، وهذا أولى ممن أسقط أكثر ما ذكر في ذلك الحديث *
__________
(1) في النسخة رقم (45) (الثابتة) وهو خطأ(5/12)
قال على: فقلنا لهم: لم تأتوا بشئ! فان كنتم انما تعلقتم باليوم لانه اقل ما ذكر في الحديث -: فليس كما قلتم، وقد جهلتم أو تعمدتم! * فان هذا الحديث رواه بشر بن المفضل عن سهيل بن ابى صالح عن ابيه عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تسافر يوما وليلة الا ومعها ذو محرم منها) * ورواه مالك عن سعيد بن ابى سعيد المقبرى عن ابيه عن ابى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر يوما وليلة الا مع ذى محرم منها) * ورواه الليث بن سعد عن سعيد بن ابى سعيد المقبرى عن ابيه ان ابا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة مسلمة تسافر ليلة الا ومعها رجل ذو حرمة منها) * ورواه ابن ابى ذئب عن سعيد بن ابى سعيد المقبري عن ابيه عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم الا مع ذى محرم) *
ورواه جرير بن حازم عن سهيل بن ابى صالح عن سعيد بن أبى سعيد المقبري عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث وفيه -: (أن تسافر بريدا) وسعيد أدرك أبا هريرة وسمع منه * فاختلف الرواة عن أبي هريرة ثم عن سعيد بن أبي سعيد، وعن سهيل بن ابى صالح كما أوردنا * وروى هذا الحديث ابن عباس فلم يضطرب عليه ولا اختلف عنه * كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن ابى شيبة، وزهير بن حرب كلاهما عن سفيان بن عيينة ثنا عمرو بن دينار عن ابى معبد - هو مولى ابن عباس - قال سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخلون رجل بامرأة الا ومعها ذومحرم، ولا تسافر المرأة الا مع ذى محرم) * فعم ابن عباس في روايته كل سفر دون اليوم ودون البريد وأكثر منهما، وكل سفر(5/13)
قل أو طال فهو عام لما في سائر الاحاديث، وكل ما في سائر الاحاديث فهو بعض ما في حديث ابن عباس هذا، فهو المحتوى على جميعها، والجامع لها كلها، ولا ينبغي أن يتعدى ما فيه إلى غيره، فسقط قول من تعلق باليوم أيضا.
وبالله تعالى التوفيق * ثم نظرنا في قول من حد ذلك بالثلاث فوجدناهم يتعلقون بذكر الثلاث في هذا الحديث وبما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله في المسح: (للمسافر ثلاثا بلياليهن، وللمقيم يوما وليلة) لم نجدهم موهوا بغير هذا أصلا * قال على: وقالوا: من تعلق بالثلاث كان على يقين من الصواب (1)، لانه إن كان عليه السلام ذكر نهيه عن سفرها ثلاثا قبل نهيه عن سفرها يوما أو اقل من يوم -: فالخبر الذى ذكر فيه اليوم هو الواجب ان يعمل به، ويبقى نهيه عن سفرها ثلاثا على حكمه غير منسوخ،
بل ثابت كما كان، وإن كان ذكر نهيه عن سفرها ثلاثا بعد نهيه عن سفرها يوما أو أقل من يوم -: فنهيه عن السفر ثلاثا هو الناسخ لنهيه إياها عن السفر اقل من ثلاث.
قالوا: فنحن على يقين من صحة حكم النهى لها عن السفر ثلاثا إلا مع ذى محرم، وعلى شك في صحة النهى لها عما دون الثلاث، فلا يجوز ان يترك اليقين للشك! * قال على: وهذا تمويه فاسد من وجوه ثلاثة * احدها: انه قد جاء النهي عن ان تسافر أكثر من ثلاث.
روينا ذلك من طرق كثيرة في غاية الصحة عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة فوق ثلاث إلا ومعها ذومحرم) * ومن طريق قتادة عن قزعة عن ابى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر المرأة (2) فوق ثلاث ليال الا مع ذى محرم) * ومن طريق ابى معاوية ووكيع عن الاعمش عن ابى صالح السمان عن ابى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تسافر سفرا فوق ثلاثة ايام فصاعدا الا ومعها اخوها أو ابوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها) * فان كان ذكر الثلاث في بعض الروايات مخرجا لما دون الثلاث، مما (3) قد ذكر أيضا
__________
(1) في النسخة رقم (45) (من الصلوات) وما هنا احسن واصح (2) في النسخة رقم (45) (لا تسافر امرأة) (3) في النسخة رقم (45) (لما) وهو خطأ *(5/14)
في بعض الروايات، عن حكم الثلاث -: فان ذكرما فوق الثلاث في هذه الروايات مخرج للثلاث أيضا، وان ذكرت في بعض الروايات عن حكم ما فوق الثلاث، وإلا فالقوم متلاعبون متحكمون بالباطل * ويلزمهم أن يقولوا: إنهم على يقين من صحة حكم ما فوق الثلاث وبقائه غير منسوخ وعلى شك من صحة بقاء النهى عن الثلاث، كما قالوا في الثلاث وفيما دونها سواء بسواء
ولا فرق * فقالوا: لم يفرق أحد بين الثلاث وبين ما فوق الثلاث.
فقيل لهم: قلتم بالباطل قد صح عن عكرمة أن حد ما تسافر المرأة فيه بأكثر من ثلاث، لا بثلاث، * فكيف؟ ولا يجوز ان يكون قول قاله رجلان من التابعين، ورجلان من فقهاء الامصار، واختلف فيه عن واحد من الصحابة قد خالفه غيره منهم، فما يعده إجماعا إلا من لادين له ولا حياء! * فكيف؟ وإذا قد جاء عن ابن عمر: انه عداثنين وسبعين ميلا إلى السو يداء مسيرة ثلاث، فان تحديده الذي روى عنه أن لا قصر فيما دونه لستة وتسعين ميلا -: موجب ان هذا اكثر من ثلاث، لان بين العددين اربعة وعشرون ميلا، ومحال كون كل واحد من هذين العددين ثلاثا مستوية! * والوجه الثاني: انه قد عارض هذا القول قول من حد باليوم الواحد، وقولهم: نحن على يقين من صحة استعمالنا نهيه عليه السلام عن سفرها يوما واحدا مع غير ذى محرم ونهيها عن اكثر من ذلك لانه ان كان النهى عن سفرها ثلاثا هو الاول أو هو الآخر، فانها منهية أيضا عن اليوم، وليس تأخير نهيها عن الثلاث بناسخ لما تقدم من نهيه عليه السلام عما دون الثلاث، وأنتم على يقين من مخالفتكم لنهيه عليه السلام لها عما دون الثلاث وخلاف امره عليه السلام - بغير يقين للنسخ لا يحل، فتعارض القولان.
* والثالث: ان حديث ابن عباس الذى ذكرنا قاض على جميع هذه الاحاديث وكلها بعض ما فيه، فلا يجوز (1) ان يخالف ما فيه اصلا لان من عمل به فقد عمل بجميع الاحاديث المذكورة ومن عمل بشئ من تلك الاحاديث - دون سائرها - فقد خالف نهى رسول الله
__________
(1) في النسخة رقم (45) (فلا يجب) وما هنا أصح *(5/15)
صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يجوز *
قال على: ثم لو لم تتعارض الروايات فانه ليس في الحديث الذى فيه نهى المرأة عن سفر مدة ما إلا مع ذى محرم، ولا في الحديث الذى فيه مدة مسح المسافر والميم -: ذكر أصلا - لا بنص ولا بدليل - على المدة التى يقصر فيها ويفطر، ولا يقصر ولا يفطر في أقل منها * ومن العجب أن الله تعالى ذكر القصر في الضرب في الارض مع الخوف، وذكر الفطر في السفر والمرض، وذكر التيمم عند عدم الماء في السفر والمرض -: فجعل هؤلاء حكم نهى المرأة عن السفر إلا مع ذى محرم، وحكم مسح المسافر -: دليلا على ما يقصر فيه ويفطر، دون مالا قصر فيه ولا فطر، ولم يجعلوه دليلا على السفر الذى يتيمم فيه من السفر الذى لا يتيمم فيه! * فان قالوا: قسنا ما تقصر فيه الصلاة وما لا تقصر فيه على ما تسافر فيه المرأة مع غير ذى محرم وما لا تسافره، وعلى ما يمسح فيه المقيم وما لا يمسح * قلنا لهم: ولم فعلتم هذا؟! وما العلة الجامعة بين الامرين؟! أو ما الشبه بينهما؟! وهلا قستم المدة التى إذا نوى إقامتها المسافر أتم على ذلك أيضا؟ وما يعجز أحد أن يقيس برأيه حكما على حكم آخر! وهلا قستم ما يقصر فيه على ما لا يتيمم فيه؟ فهو أولى إن كان القياس حقا، أو على ما أبحتم فيه للراكب التنفل على دابته؟ * ثم يقول لهم: أخبرونا عن قولكم: إن سافر ثلاثة أيام قصر وأفطر، وان سافر أقل لم يقصر ولم يفطر -: ما هذه الثلاثة الايام؟ أمن أيام حزيران؟ أم من أيام كانون الاول فما بينهما؟ وهذه الايام التى قلتم، أسير العساكر؟ أم سير الرفاق على الابل، أو على الحمير، أو على البغال؟ أم سير الراكب المجد؟ أم سير البريد؟ أم مشى الرجالة؟ وقد علمنا يقينا أن مشى الراجل الشيخ الضعيف في وحل وعرأوفى حر شديد -: خلاف مشى الراكب على البغل المطيق في الربيع في السهل وان هذا يمشى في يوم مالا يمشيه الآخر في عشرة أيام *
وأخبرونا عن هذه الايام: كيف هي؟ أمشيا من أول النهار إلى آخره؟ أم إلى وقت العصر أو بعد ذلك قليلا، أو قبل ذلك قيللا؟ أم النهار والليل معا؟ أم كيف هذا؟! * وأخبرونا: كيف جعلتم هذه الايام ثلاثا وستين ميلا على واحد وعشرين ميلا كل يوم؟(5/16)
ولم تجعلوها اثنين وسبعين ميلا على أربعة وعشرين ميلا كل يوم؟ أو اثنين وثلاثين ميلا كل يوم؟ أو عشرين ميلا كل يوم؟ أو خمسة وثلاثين ميلا كل يوم؟ فما بين ذلك! فكل هذه المسافات تمشيها الرفاق، ولا سبيل لهم إلى تحديد شئ مما ذكرنا - دون سائره - إلا برأي فاسد.
وهكذا يقال لمن قدر ذلك بيوم أو بليلة أو بيوم أو بيومين ولا فرق * فان قالوا: هذا الاعتراض يلزمكم أن تدخلوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره المراة ان لا تسافر ثلاثا أو ليلتين أو يوما وليلة أو يوما إلا مع ذي محرم، وفي تحديده عليه السلام مسح المسافر ثلاثا والمقيم يوما وليلة * قلنا - ولا كرامة لقائل هذا منكم -: بل بين تحديد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحديدكم أعظم الفرق، وهو أنكم لم تكلوا الايام التى جعلتموها حدا لما يقصر فيه وما يفطر، أو اليوم والليلة كذلك، التى جعلها منكم من جعلها حدا -: إلى مشى المسافر المأمور بالقصر أو الفطر في ذلك المقدار، بل كل طائفة منكم جعلت لذلك حدا من مساحة الارض لا ينقص منها شئ، لانكم مجمعون على ان من مشى ثلاثة أيام كل يوم ثمانية عشر ميلا أو عشرين ميلا لا يقصر، فان مشى يوما وليلة ثلاثين ميلا فانه لا يقصر، واتفقتم أنه من مشى ثلاثة أيام كل يوم بريدا غير شئ أو جمع ذلك المشى في يوم واحد أنه لا يقصر، واتفقتم معشر المموهين بذكر الثلاث ليالى في الحديثين على أنه لو مشى من يومه ثلاثة وستين ميلا فانه يقصر ويفطر، ولو لم يمش إلا بعض يوم وهذا ممكن جدا كثير (في الناس، وليس كذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة بأن لا تسافر ثلاثا أو يوما إلا مع ذي محرم، وأمره عليه السلام المسافر ثلاثة أيام بلياليهن بالمسح ثم يخلع،
لان هذه الايام موكولة إلى حالة المسافر والمسافرة على عموم قوله عليه السلام الذى لو أراد غيره لبينة لامته، فلو أن مسافرة خرجت تريد سفر ميل فصاعدا لم يجز لها أن تخرجه إلا مع ذى محرم إلا لضرورة، لو أن مسافرا سافر سفرا يكون ثلاثة أميال يمشى في كل يوم ميلا لكان له أن يمسح، ولو سافر يوما وأقام آخر وسافر ثالثا لكان له أن يمسح الايام الثلاثة كما هي، وحتى لو لم يأت عنه عليه السلام إلا خبر الثلاث فقط لكان القول: أن المرأة ان خرجت في سفر مقدار قوتها فيه أن لا تمشى إلا ميلين من نهارها (م 3 - ج 5 المحلى)(5/17)
أو ثلاثة -: لما حل لها إلا مع ذى محرم، فلو كان مقدار قوتها أن تمشى خمسين ميلا كل يوم لكان لها أن تسافر مسافة مائة ميل مع ذى محرم (1) لكن وحدها، والذى حده عليه السلام في هذه الاخبار معقول مفهوم مضبوط غير مقدر بمساحة من الارض لا تتعدى، بل بما يستحق به اسم سفر ثلاث أو سفر يوم ولا مزيد، والذى حدد تموه أنتم غير معقول ولا مفهوم ولا مضبوط اصلا بوجه من الوجوه، فظهر فرق مابين قولكم وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبين فساد هذه الاقوال كلها بيقين لا إشكال فيه، وأنها لا متعلق لها ولا لشئ (2) منها لا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا سقيمة، ولا باجماع ولا بقياس ولا بمعقول، ولا بقول صاحب لم يختلف عليه نفسه فكيف أن لا يخالفه غيره منهم، وما كان هكذا فهو باطل بيقين * فان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاخبار المأثورة عنه حق، كلها على ظاهرها ومقتضاها، من خالف شيئا منها خالف الحق، لا سيما تفريق مالك بين خروج المكى إلى منى والى عرفة في الحج فيقصر -: وبين سائر جميع بلاد الارض يخرجون هذا المقدار فلا يقصرون ولا يعرف هذا التفريق عن صاحب ولا تابع قبله * واحتج له بعض مقلديه بأن قال: إنما ذلك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا أهل
مكة اتموا فانا قوم سفر) ولم يقل ذلك: بمنى * قال على: وهذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلا، وإنما هو محفوظ عن عمر رضى الله عنه * ثم لو صح لما كانت فيه حجة لهم، لانه كان يلزمهم إذ أخرجوا حكم أهل مكة بمنى عن حكم سائر الاسفار من أجل ما ذكروا -: أن يقصر أهل منى بمنى وبمكة لانه عليه السلام لم يقل لاهل منى: أتموا * فان قالوا: قد عرف أن الحاضر لا يقصر.
قيل لهم: صدقتم، وقد عرف أن ما كان من الاسفار له حكم الاقامة فانهم لا يقصرون فيها، فان كان ما بين مكة ومنى من أحد السفرين المذكورين فتلك المسافة في جميع بلاد الله تعالى كذلك ولا فرق، إذ ليس
__________
(1) في النسخة رقم (16) (إلا مع ذى محرم) وهو خطأ (2) في الاصلين (ولا بشئ) وهو خطأ ظاهر *(5/18)
إلا سفر أو اقامة بالنص والمعقول ولا فرق * وقد حد بعض المتأخرين ذلك بما فيه المشقة * قال على: فقلنا هذا باطل لان المشقة تختلف، فنجد من يشق عليه مشى ثلاثة أميال حتى لا يبلغها إلا بشق النفس، وهذا كثير جدا، يكاد أن يكون الاغلب، ونجد من لا يشق عليه الركوب في عمارية في أيام الربيع مرفها مخدوما شهرا وأقل وأكثر، فبطل هذا التحديد * قال على: فلنقل الآن بعون الله تعالى وقوته على بيان السفر الذى يقصر فيه ويفطر فنقول وبالله تعالى التوفيق * قال الله عزوجل (وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا).
وقال عمر، وعائشة، وابن عباس: ان الله تعالى فرض
الصلاة على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في السفر ركعتين، ولم يخص الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا المسلمون بأجمعهم سفرا من سفر، فليس لاحد أن يخصه إلا بنص أو اجماع متيقن * فان قيل: بل لا يقصر ولا يفطر الا في سفر أجمع المسلمون على القصر فيه والفطر * قلنا لهم: فلا تقصروا ولا تفطروا إلا في حج، أو عمرة، أو جهاد، وليس هذا قولكم ولو قلتموه لكنتم قد خصصتم القرآن والسنة بلا برهان، وللزمكم في سائر الشرائع كلها أن لا تأخذوا في شئ منها لا بقرآن ولا بسنة إلا حتى يجمع الناس على ما أجمعوا عليه منها، وفى هذا هدم مذاهبكم كلها بل فيه الخروج عن الاسلام، واباحة مخالفة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في الدين كله، إلا حتى يجمع الناس على شئ من ذلك، وهذا نفسه خروج عن الاجماع، * وانما الحق في وجوب اتباع القرآن والسنن حتى يصح نص أو إجماع في شئ منهما أنه مخصوص أو منسوخ، فيوقف عند ما صح من ذلك، فانما بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ليطاع، قال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع باذن الله) ولم يبعثه الله تعالى ليعصى حتى يجمع الناس على طاعته، بل طاعته واجبة قبل ان يطيعه أحد، وقبل أن يخالفه أحد، لكن ساعة يأمر بالامر، هذا ما لا يقول مسلم خلافه، حتى نقض من نقض * والسفر هو البروز عن محلة الاقامة، وكذلك الضرب في الارض، هذا الذى لا يقول أحد من أهل اللغة - التى بها خوطبنا وبها نزل القرآن - سواه، فلا يجوز أن يخرج(5/19)
عن هذا الحكم إلا ما صح النص باخراجه، ثم وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى البقيع لدفن الموتى، وخرج إلى الفضاء للغائط والناس معه فلم يقصروا ولا أفطروا، ولا أفطر ولا قصر، فخرج هذا عن ان يسمى سفرا، وعن أن يكون له حكم السفر، فلم يجز لنا أن نوقع اسم سفر وحكم سفر إلا على من سماه من هو حجة في اللغة سفرا، فلم نجد ذلك في اقل من ميل، فقد روينا عن ابن عمر أنه قال: لو خرجت ميلا لقصرت الصلاة، فأوقعنا
اسم السفر وحكم السفر في الفطر والقصر على الميل فصاعدا، إذا لم نجد عربيا ولا شريعيا عالما اوقع على أقل منه اسم سفر، وهذا برهان صحيح.
وبالله تعالى التوفيق * فان قيل: فهلا جعلتم الثلاثة الاميال - كما بين المدينة وذي الحليفة - حدا للقصر والفطر إذ لم تجدوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قصر ولا أفطر في أقل من ذلك؟ * قلنا: ولا وجدنا عنه عليه السلام منعا من الفطر والقصر في أقل من ذلك، بل وجدناه عليه السلام اوجب عن ربه تعالى الفطر في السفر مطلقا، وجعل الصلاة في السفر ركعتين مطلقا، فصح ما قلناه.
والله تعالى الحمد والميل هو ما سمى عند العرب ميلا، ولا يقع ذلك على أقل من ألفى ذراع * فان قيل: لو كان هذا ما خفى على ابن عباس ولا على عثمان ولا على من لا يعرف ذلك من التابعين والفقهاء، فهو مما تعظم به البلوي * قلنا: قد عرفه عمر، وابن عمر، وأنس وغيرهم من الصحابة رضى الله عنهم والتابعين * ثم نعكس عليكم قولكم، فنقول للحنيفيين: لو كان قولكم في هذه المسألة حقا ما خفى على عثمان، ولا على ابن مسعود، ولا على ابن عباس، ولا على من لا يعرف قولكم، كمالك، والليث والاوزاعي، وغيرهم، ممن لا يقول به من الصحابة والتابعين والفقهاء، وهو مما تعظم به البلوي * ونقول للمالكيين: لو كان قولكم حقا ما خفى على كل من ذكرنا من الصحابة والتابعين والفقهاء، وهو مما تظعم به البلوى * إلا أن هذا الالزام لازم للطوائف المذكورة لالنا، لانهم يرون هذا الالزام حقا، ومن حقق شيئا لزمه، وأما نحن فلا نحقق هذا الالزام الفاسد، بل هو عندنا وسواس وضلال، وانما حسبنا اتباع ما قال الله تعالى ورسوله عليه السلام، عرفه من عرفه، وجهله من جهله، وما من شريعة اختلف الناس فيها إلا قد علمها بعض السلف وقال بها، وجهلها بعضهم(5/20)
فل يقل بها.
وبالله تعالى التوفيق * قال على: وقدموه بعضهم بأن قال: إن من العجب ترك سؤال الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه العظيمة، وهي حد السفر الذى تقصر فيه الصلاة ويفطر فيه في رمضان! * فقلنا: هذا أعظم برهان وأجل دليل وأوضح حجة لكل من له أدنى فهم وتمييز -: على أنه لاحد لذلك أصلا إلا ما سمى سفر في لغة العرب التى بها خاطبهم عليه السلام، إذ لو كان لمقدار السفر حد غير ما ذكرنا لما أغفل عليه السلام بيانه البتة، ولا أغفلواهم سؤاله عليه السلام عنه، ولا اتفقوا على ترك نقل تحديده في ذلك الينا، فارتفع الاشكال جملة ولله الحمد، ولاح بذلك أن الجميع منهم قنعوا بالنص الجلى، وان كل من حد في ذلك حدا فانما هو وهم أخطأ فيه * قال على: وقد اتفق الفريقان على أنه إذا فارق بيوت القرية وهو يريد اما ثلاثة أيام واما أربعة برد -: أنه يقصر الصلاة، فنسألهم: أهو في سفر تقصر فيه الصلاه؟ أم ليس في سفر تقصر فيه الصلاة بعد، لكنه يريد سفرا تقصر فيه الصلاة بعد، ولا يدرى أيبلغه أم لا؟ ولابد من أحد الامرين * فان قالوا: ليس في سفر تقصر فيه الصلاة بعد، ولكنه يريده، ولا يدرى أيبلغه أم لا، أقروا بأنهم أباحوا له القصر وهو في غير سفر تقصبر فيه الصلاة، من أجل نيته في ارادته سفرا تقصر فيه الصلاة، ولزمهم أن يبيحوا له القصر فيه منزله وخارج منزله بين بيوت قريته، من أجل نيته في ارادته سفرا تقصر فيه الصلاة ولا فرق، وقد قال بهذا القول عطاء وأنس به مالك وغيرهما، الا أن هؤلاء يقرون أنه ليس في سفر، ثم يأمرونه بالقصر، وهذا لا يحل أصلا * وان قالوا: بل هو في سفر تقصر فيه الصلاة، هدموا كل ما بنوا، أبطلوا أصلهم ومذهبهم، وأقروا بأن قليل السفر وكثيره تقصر فيه الصلاة، لانه قد ينصرف قبل أن يبلغ المقدار الذى فيه القصر عندهم *
وأما نحن فان ما دون الميل من آخر بيوت قريته له حكم الحضر، فلا يقصر فيه ولا يفطر، فإذا بلغ الميل فحينئذ صارفى سفر تقصر فيه الصلاة ويفطر فيه، فمن حينئذ(5/21)
يقصر ويفطر، وكذلك إذا رجع فكان على أقل من ميل فانه يتم، لانه ليس في سفر يقصر فيه بعد * 514 - مسألة - وسواء سافر في بر، أو بحر، أو نهر، كل ذلك كما ذكرنا، لانه سفر ولا فرق * 515 - مسأله - فان سافر المرء في جهاد أو حج أو عمرة أو غير ذلك من الاسفار -: فأقام في مكان واحد عشرين يوما بلياليها قصر، وان أقام أكثر أتم ولو في صلاة واحدة * ثم ثبتنا بعون الله تعالى على أن سفر الجهاد، وسفر الحج، وسفر العمرة، وسفر الطاعة وسفر المعصية، وسفر ما ليس طاعة ولا معصية -: كل ذلك سفر، حكمه كله في القصر واحد، وان من أقام في شئ منها عشرين يوما بلياليها فأقل فانه يقصر ولابد، سواء نوى اقامتها أو لم ينو اقامتها، فان زاد على ذلك اقامة مدة صلاة واحدة فأكثر أتم ولابد، هذا في الصلاة خاصة * وأما في الصيام في رمضان فبخلاف ذلك، بل إن أقام يوما وليلة في خلال السفر لم يسافر فيهما -: ففرض عليه أن ينوى الصوم فيما يستأنف (1) وكذلك ان نزل ونوي إقامة ليلة والغد، ففرض عليه أن ينوى الصيام ويصوم * فان ورد على ضيعة له أو ما شية أو دار فنزل هنالك أتم فإذا رحل ميلا فصاعدا قصر * قال على: واختلف الناس في هذا فروينا عن ابن عمر: أنه كان إذا أجمع على اقامة خمسة عشر يوما أتم الصلاة، ورويناه أيضا عن سعيد بن المسيب، وبه يقول أبو حنيفة وأصحابه *
وروينا من طريق أبى داود ثنا محمد بن العلاء ثنا حفص بن غياث ثنا عاصم عن عكرمة عن ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة سبع عشرة يقصر الصلاة) قال ابن عباس: من أقام سبع عشرة بمكة قصر، ومن أقام فزاد أتم * وروي عن الاوزاعي: إذا اجمع اقامة ثلاث عشرة ليلة اتم فان نوي أقل قصر * وعن ابن عمر قول آخر: انه كان يقول: إذا اجمعت اقامة ثنتى عشرة ليلة فاتم الصلاة * وعن على بن ابى طالب: إذا أقمت عشرا فاتم الصلاة.
وبه يأخذ سفيان الثوري
__________
(1) في النسخة رقم (45) (لما يستأنف) *(5/22)
والحسن بن حى وحميد الرؤاسى صاحبه.
* وعن سعيد بن المسيب قول آخر وهو: إذا أقمت اربعا فصل أربعا.
وبه يأخذ مالك، والشافعي، والليث، الا انهم يشترطون ان ينوي إقامة أربع، فان لم ينوها قصر وان بقى حولا * وعن سعيد بن المسيب قول آخر وهو: إذا أقمت ثلاثا فأتم * ومن طريق وكيع عن شعبة عن أبى بشر - هو جعفر بن أبى وحشية - عن سعيد بن جبير.
إذا أراد أن يقيم أكثر من خمس عشرة أتم الصلاة * وعن سعيد بن جبير قول آخر: إذا وضعت رحلك (1) بأرض فأتم الصلاة * وعن معمر عن الاعمش عن أبي وائل قال كنا مع مسروق بالسلسلة سنتين وهو عامل عليها فصلى بنا ركعتين ركعتين حتى انصرف * وعن وكيع عن شعبة عن أبى التياج الضبعي عن أبى المنهال العنزي قلت لابن عباس: إنى أقيم بالمدينة حولا لا أشد على سير؟ قال: صل ركعتين * وعن وكيع عن العمرى عن نافع عن ابن عمر: أنه أقام بأذربيجان ستة أشر أرتج عليهم الثلج، (2) فكان يصلى ركعتين * قال على: الوالى لا ينوي رحيلا قبل خمس عشرة ليلة بلا شك، وكذلك من ارتج
عليه الثلج فقد أيقن أنه لا ينحل إلى أول الصف * وقد أمر ابن عباس من أخبره انه مقيم سنة لا ينوى سيرا بالقصر * وعن الحسن وقتادة: يقصر المسافر ما لم يرجع إلى منزله، إلا أن يدخل مصرا من أمصار المسلمين * قال على: احتج أصحاب أبى حنيفة بأن قولهم أكثر ما قيل، وانه مجمع عليه أنه إذا نوى المسافر إقامة ذلك المقدار أتم، ولا يخرج عن حكم القصر إلا باجماع * قال على: وهذا باطل، قد أوردنا عن سعيد بن جبير انه يقصر حين ينوى أكثر من خمسة عشر يوما، وقد اختلف عن ابن عمر نفسه، وخالفه ابن عباس كما أوردنا وغيره فبطل قولهم عن أن يكون له حجة *
__________
(1) بفتح الراء واسكان الحاء المهملة.
وفي نسخة رقم (16) (رجلك) بالجيم وهو تصحيف (2) في اللسان (ارتاج الثلج دوامه واطباقه، وارتاج الباب منه) *(5/23)
واحتج لمالك، والشافعي مقلدوهما بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق العلاء بن الحضرمي أنه عليه السلام قال: (يمكث المهاجر بعد انقضاء نسكه ثلاثا) قالوا: فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم للمهاجرين الاقامة بمكة التى كانت أوطانهم فأخرجوا عنها في الله تعالى حتى يلقوا ربهم عزوجل غرباء عن أوطانهم لوجهه عزوجل ثم أباح لهم المقام بها ثلاثا بعد تمام النسك، قالوا: فكانت الثلاث خارجة عن الاقامة المكروهة لهم، وكان ما زاد عنها داخلا في الاقامة المكروهة * ما نعلم لهم حجة غير هذا أصلا * وهذا لاحجة لهم فيه، لانه ليس في هذا الخبر نص ولا إشارة إلى المدة التى إذا أقامها المسافر أتم، وانما هو في حكم المهاجر، فما الذى اوجب أن يقاس المسافر يقيم على المهاجر يقيم؟ هذا لو كان القياس حقا، وكيف وكله باطل؟ *
وأيضا فان المسافر مباح له أن يقيم ثلاثا وأكثر من ثلاث، لاكراهية في شئ من ذلك وأما المهاجر فمكروه له أن يقيم بمكة بعد انقضاء نسكه أكثر من ثلاث، فاي نسبة بين اقامة مكروهة واقامة مباحة لو أنصفوا أنفسهم؟ * وأيضا: فان ما زاد على الثلاثة الايام للمهاجر داخل عندهم في حكم ان يكون مسافرا لامقيما، وما زاد على الثلاثة للمسافر فاقامة صحيحة، وهذا مانع من ان يقاس أحدهما على الآخر، ولو قيس أحدهما على الآخر لوجب ان يقصر المسافر فيما زاد على الثلاث، لا أن يتم، بخلاف قولهم * وأيضا: فان اقامة قدر صلاة واحدة زائدة على الثلاثة مكروهة، فينبغي عندهم - إذا قاسوا عليه المسافر - أن يتم ولو نوى زيادة صلاة على الثلاثة الايام، وهكذا قال أبوتور * فبطل قولهم على كل حال، وعربت الاقوال كلها عن حجة، فوجب ان نبين البرهان على صحة قولنا بعون الله تعالى وقوته * قال على: أما الاقامة في الجهاد والحج والعمرة فان الله تعالى لم يجعل القصر إلا مع الضرب في الارض ولم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم القصر إلا مع السفر، لامع الاقامة، وبالضرورة ندرى ان حال السفر غير حال الاقامة، وان السفر إنما هو التنقل في غير دار الاقامة وان الاقامة هي السكون وترك النقلة والتنقل في دار الاقامة، هذا حكم الشريعة والطبيعة معا *(5/24)
فإذ ذلك كذلك فالمقيم في مكان واحد مقيم غير مسافر بلا شك، فلا يجوز أن يخرج عن حال الاقامة وحكمها في الصيام والاتمام الا بنص، وقد صح باجماع أهل النقل: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في حال سفره فأقام باقى نهاره وليلته ثم رحل في اليوم الثاني، وأنه عليه السلام قصر في باقى يومه ذلك وفى ليلته التى بين يومى نقلته، فخرجت هذه الاقامة عن حكم الاقامة في الاتمام والصيام، ولو لا ذلك لكان مقيم ساعة له حكم الاقامة * وكذلك من ورد على ضيعة له أو ماشية أو عقار فنزل هنا لك فهو مقيم، فله حكم الاقامة
كما قال ابن عباس، إذ لم نجد نصا في مثل هذه الحال ينقلها عن حكم الاقامة، وهو أيضا قول الزهري، واحمد بن حنبل * ولم نجد عنه عليه السلام انه أقام يوما وليلة لم يرحل فيهما فقصر وافطر الا في الحج والعمرة، والجهاد فقط، فوجب بذلك ما ذكرنا من ان من اقام في خلال سفره يوما وليلة لم يظعن في أحدهما فانه يتم ويصوم، وكذلك من مشى ليلا وينزل نهارا فانه يقصر باقى ليلته ويومه الذى بين ليلتى حركته، وهذا قول روي عن ربيعة * ونسأل من أبى هذا عن ماش (1) في سفر تقصر فيه الصلاة عندهم نوى اقامة وهو سائر (2) لا ينزل ولا يثبت -: اضطر لشدة الخوف إلى أن يصلى فرضه راكبا ناهضا أو ينزل لصلاة فرضه ثم يرجع (3) إلى المشى: أيقصر أو يتم؟ فمن قولهم: يقصر، فصح أن السفر هو المشى.
* ثم نسألهم عمن نوى اقامة وهو نازل غير ماش: أيتم أو يقصر؟ فمن قولهم: يتم، فقد صح أن الاقامة هي السكون لا المشى متنقلا.
وهذا نفس قولنا.
ولله تعالى الحمد * وأما الجهاد والحج فان عبد الله بن ربيع قال ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن يحيى بن أبى كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال: (أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة) *
__________
(1) في النسخة رقم (45) (عمن مشى) (2) في النسخة رقم (45) (وهو مسافر) (3) في النسخة رقم (16) (نزل) ماض، و (يرجع) مضارع، وفى النسخة رقم (45) عكس ذلك والانسب لسياق الكلام ان يكون كلاهما مضارعا * (م 4 - ج 5 المحلى)(5/25)
قال على: محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ثقة، وباقى رواة الخبر أشهر من أن يسأل
عنهم.
وهذا أكثر ما روي عنه عليه السلام في اقامته بتبوك، فخرج هذا المقدار من الاقامه عن سائر الاوقات بهذا الخبر * وقال أبو حنيفة، ومالك: يقصر مادام مقيما في دار الحرب * قال على: وهذا خطأ، لما ذكرنا من أن الله تعالى لم يجعل ولا رسوله عليه السلام الصلاة ركعتين إلا في السفر، وأن الاقامة خلاف السفر لما ذكرنا * وقال الشافعي، وأبو سليمان: كقولنا في الجهاد.
وروينا عن ابن عباس مثل قولنا نصا إلا أنه خالف في المدة * وأما الحج، والعمرة فلما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب ابن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا هشيم عن يحيى بن أبى اسحاق عن أنس بن مالك قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلي ركعتين ركعتين حتى رجع قال: (1) كم أقام بمكة؟ قال: عشرا * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا موسى ثنا وهيب عن أيوب السختيانى عن أبى العالية البراء عن ابن عباس قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه لصبح رابعة يلبون بالحج) وذكر الحديث * قال على: فإذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم صبح رابعة من ذى الحجة، فبالضرورة نعلم انه أقام بمكة ذلك اليوم الرابع من ذى الحجة، والثانى وهو الخامس من ذى الحجة، والثالث وهو السادس من ذى الحجة، والرابع وهو السابع من ذى الحجة، وانه خرج عليه السلام إلى منى قبل صلاة الظهر من اليوم الثامن من ذى الحجة، هذا مالا خلاف فيه بين أحد من الامة، فتمت له بمكة أربعة أيام واربع ليال كملا، اقامها عليه السلام ناويا للاقامة هذه المدة بها بلا شك، ثم خرج إلى منى في اليوم الثامن من ذى الحجة كما ذكرنا * وهذا يبطل قول من قال: ان نوي إقامة أربعة أيام أتم لانه عليه السلام نوى بلاشك إقامة هذه المدة ولم يتم، ثم كان عليه السلام بمنى اليوم الثامن من ذى الحجة، وبات بها ليلة يوم عرفة، ثم أتى إلى عرفة بلا شك في اليوم التاسع من ذى الحجة
فبقى هنالك إلى أول الليلة العاشرة، ثم نهض إلى مزدلفة فبات بها الليلة العاشرة، ثم
__________
(1) في مسلم (ج 1 ص 193) (قلت) *(5/26)
نهض في صباح اليوم العاشر الى منى، فكان بها، ونهض إلى مكة فطاف طواف الافاضة إما في اليوم العاشر وإما في الليلة الحادية عشرة، بلا شك في أحد الامرين، ثم رجع إلى منى فأقام بها ثلاثة ايام، ودفع منها في آخر اليوم الرابع بعد رمى الجمار بعد زوال الشمس، وكانت اقامته عليه السلام بمنى اربعة ايام غير نصف يوم ثم اتى إلى مكة فبات الليلة الرابع عشرة بالابطح، وطاف بها طواف الوداع، ثم نهض في آخر ليلته تلك إلى المدينة، فكمل له عليه السلام بمكة ومنى وعرفة ومزدلفة عشر ليال كملا كما قال أنس فصح قولنا، وكان معه عليه السلام متمتعون، وكان هو عليه السلام قارنا فصح ما قلناه في الحج والعمرة، ولله الحمد، فخرجت هذه الاقامة بهذا الاثر في الحج والعمرة حيث اقام عن حكم سائر الاقامات، ولله تعالى الحمد * فان قيل: أليس قد رويتم من طريق ابن عباس وعمران بن الحصين روايات مختلفة، في بعضها: (اقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تسع عشرة) وفى بعضها: (ثمان عشرة) وفى بعضها (سبع عشرة) وفى بعضها (خمس عشرة) يقصر الصلاة؟ * قلنا: نعم، وقد بين ابن عباس ان هذا كان في عام الفتح، وكان عليه السلام في جهاد وفي دار حرب، لان جماعة من أهل مكة كصفوان وغيره لهم مدة موادعة لم تنقض بعد، ومالك بن عوف في هوازن قد جمعت له العساكر بحنين على بضعة عشر ميلا، وخالد بن سفيان الهذلى على أقل من ذلك يجمع هذيلا لحربه، والكفار محيطون به محاربون له، فالقصر واجب بعد في أكثر من هذه الاقامة، وهو عليه السلام يتردد من مكة إلى حنين.
ثم إلى مكة معتمرا، ثم إلى الطائف، وهو عليه السلام يوجه السرايا إلى من حول مكة من قبائل العرب، كبني كنانة وغيرهم، فهذا قولنا، وما دخل عليه السلام مكة قط من حين خرج
عنها مهاجرا إلا في عمرة القضاء، اقام بها ثلاثة أيام فقط، ثم حين فتحها كما ذكرنا محاربا، ثم في حجة الوداع أقام بها كما وصفنا ولا مزيد * قال على: وأما قولنا: إن هذه الاقامة لا تكون إلا بعد الدخول في اول دار الحرب وبعد الاحرام -: فلان القاصد إلى الجهاد مادام في دار الاسلام فليس في حال جهاد، ولكنه مريد للجهاد وقاصد إليه، وانما هو مسافر كسائر المسافرين، إلا اجر نيته فقط، وهو ما لم يحرم فليس بعد في عمل حج ولا عمل عمرة، لكنه مريد لان يحج أو لان يعتمر، فهو كسائر من يسافر ولا فرق *(5/27)
قال على: وكل هذا لاحجة لهم فيه، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل إذ أقام بمكة أياما: إنى انما قصرت اربعا لانى في حج ولا لانى في مكة، ولا قال إذا أقام بتبوك عشرين يوما يقصر: إنى انما قصرت لانى في جهاد، فمن قال: شيئا من هذا فقد قوله عليه السلام ما لم يقل، وهذا لا يحل، فصح يقينا أنه لو لا مقام النبي عليه السلام في تبوك عشرين يوما يقصر، وبمكة دون ذلك يقصر -: لكان لا يجوز القصر إلا في يوم يكون فيه المرء مسافرا، ولكان مقيم يوم يلزمه الاتمام، لكن لما أقام عليه السلام عشرين يوما بتبوك يقصر صح بذلك ان عشرين يوما إذا اقامها المسافر فله فيها حكم السفر، فان أقام أكثر أو نوي اقامة اكثر فلا برهان يخرج ذلك عن حكم الاقامة أصلا * ولا فرق بين من خص الاقامه في الجهاد بعشرين يوما يقصر فيها وبين من خص بذلك بتبوك دون سائر الاماكن، وهذا كله باطل لا يجوز، القول به، إذ لم يأت به نص قرآن ولاسنة، وبالله تعالى التوفيق * ووجب أن يكون الصوم بخلاف ذلك، لانه لم يأت فيه نص أصلا، والعباس لا يجوز، فمن نوى إقامة يوم في رمضان فانه يصوم.
وبالله تعالى التوفيق (1) *
__________
(1) من اول قوله (قال على: وكل هذا لاحجة لهم فيه) الخ هو في النسخة رقم (16)
وهو يوافق ما في النسخة رقم (14).
ولكنه محذوف في النسختين رقم (45 و 48) وبدله فيهما مانصه: (قال على: ثم تعقبنا هذا التفريق فوجدناه خطأ، برهان ذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم اخط ذلك (وكذا في الاصلين ولا قال قط: انى انما أقصر لانى في جهاد، ولا.
انى اقصر في حج أو عمرة، فإذ لم يقل عليه السلام فلا يجوز لنا ولا لاحد ان يقول فيشرع ما لم يأذن به الله تعالى لكن لما وجدناه عليه السلام قد حكم لاقامة عشرين يوما في حال السفر في الفضا (كذا في الاصلين) وجب علينا الانقياد له في ذلك في كل حال كل سفر (كذا فيهما) ولافرق بين من عمل ذلك في الجهاد خاصة وبين من عين فقال.
ليس ذلك الا في تبوك خاصة، وكلا القولين خطأ وباطل، وتحكم في الدين بلا برهان، انما هذا في الصلاة لافى الصوم في رمضان، وهذا تخصيص منه عليه السلام انما جاء في الصلاة لافى الصوم، والقياس باطل، لاسيما عند القائلين منهم.
لا يجوز أن يقاس أصل على أصل.
وبالله تعالى التوفيق) وهذه عبارة قلقة غير محررة وما في النسختين رقم (14 و 16) أوضح وأصح *(5/28)
قال على: (1) وقال أبو حنيفة والشافعي: إن أقام في مكان ينوي خروجا غدا أو اليوم فانه يقصر ويفطر ولو أقام كذلك أعواما، قال أبو حنيفة: وكذلك لو نوي خروجا ما بينه وبين خمسة عشر يوما ونوي إقامة أربعة عشر يوما فانه يفطر ويقصر، وقال مالك: يقصر ويفطر وإن نوى اقامة ثلاثة أيام فانه يفطر ويقصر، وإن نوى أخرج اليوم أخرج غدا قصر ولو بقي كذلك أعواما * قال على: ومن العجب العجيب اسقاط أبى حنيفة النية حيث افترضها الله تعالى من الوضوء للصلاة، وغسل الجنابة، والحيض وبقائه في رمضان ينوى الفطر إلى قبل زوال الشمس، ويجيز كل ذلك بلانية -: ثم يوجب النية فرضا في الاقامة، حيث لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أوجبها برهان نظرى * قال على: وبرهان صحة قولنا: أن الحكم لاقامة المدد (2) التى ذكرنا - كانت هنالك
نية لاقامة أولم تكن - فهو ان النيات إنما تجب فرضا في الاعمال التى أمر الله تعالى بها (3) فلا يجوز أن تؤدى بلانية (4)، وأما عمل لم يوجبه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فلا معنى للنية فيه، إذ لم يوجبها هنالك قرآن، ولاسنة، ولانظر، ولا اجماع، والاقامة ليست عملا مأمورا به، وكذلك السفر، وإنما هما حالان أوجب الله تعالى فيهما العمل الذى أمر الله تعالى به فيهما، فذلك العمل هو المحتاج إلى النية، لا الحال، وهم موافقون لنا ان السفر لا يحتاج إلى نية، ولو ان امرءا خرج لا يريد سفرا فدفعته ضررورات لم يقصد لها حتى صار من منزله على ثلاث ليال، أو سيربه (5) مأسورا أو مكرها محمولا مجبرا فانه يقصر ويفطر، وكذلك يقولون فيمن أقيم به كرها فطالت به مدته فانه يتم ويصوم، وكذلك يقولون فيمن اضطر للخوف إلى الصلاة راكبا أو ماشيا، فذلك الخوف وتلك الضرورة لا يحتاج فيها إلى نية، وكذلك النوم لا يحتاج إلى نية، وله حكم في اسقاط الوضوء وايجاب تجديده وغير ذلك، وكذلك الا جناب لا يحتاج إلى نية، وهو يوجب الغسل، وكذلك الحدث لا يحتاج إلى نية، وهو يوجب حكم الوضوء والاستنجاء فكل عمل لم يؤمر به لكن أمر فيه بأعمال موصوفة فهو لا يحتاج إلى نية، ومن جملة هذه الاعمال هي الاقامة
__________
(1) هنا في النسخة رقم (45) (مسألة قال على) الخ ولا نرى داعيا لفصل هذا عما قبله بعنوان جديد، بل هو باقى البحث (2) في النسخة رقم (45) (للاقامة للمدد) الخ وما هنا هو الصحيح (3) في النسخة رقم (16) (التى فرض الله تعالى بها) وهو خطأ (4) في النسخة رقم (45) (فلا يجوز أن تؤدى الابنية) في النسخة رقم (16) (على ثلاث وصير به) الخ وهو خطأ *(5/29)
والسفر، فلا يحتاج فيهما إلى نية أصلا، لكن متى وجدا وجب لكل واحد منهما الحكم الذى أمر الله تعالى به فيه ولا مزيد.
وبالله تعالى التوفيق.
وهذا قول الشافعي وأصحابنا * 516 - مسألة - ومن ابتدأ صلاة وهو مقيم ثم نوى فيها السفر، أو ابتدأها وهو مسافر ثم نوى فيها أن يقيم -: أتم في كلا الحالين * برهان ذلك ما ذكرناه من أن الاقامة غير السفر، وانه لا يخرج عن حكم الاقامة مما هو إقامة الا ما أخرجه نص، فهو إذا نوى في الصلاة سفرا فلم يسافر بعد، بل هو مقيم، فله حكم
الاقامة، وإذا افتتحها وهو مسافر فنوى فيها الاقامة فهو مقيم بعد لا مسافر، فله أيضا حكم الاقامة، إذ انما كان له حكم السفر بالنص المخرج لتلك الحال عن الحكم الاقامة، فإذا بطلت تلك الحال ببطلان نيته صار في حال الاقامة.
وبالله تعالى التوفيق * 517 - مسألة - ومن ذكر وهو في سفر صلاة نسيها أو نام عنها في اقامته صلاها ركعتين ولابد، فان ذكر في الحضر صلاة نسيها في سفر صلاها اربعا ولابد * وقال الشافعي: يصليها في كلتا الحالتين أربعا * وقال مالك: يصليها إذا نسيها في السفر فذكرها في الحضر ركعتين، وإذا نسيها في الحضر فذكرها في السفر صلاها اربعا * حجة الشافعي: ان الاصل الاتمام، وانما القصر رخصة * قال على: وهذا خطأ، ودعوى بلا برهان، ولو أردنا معارضته لقلنا: بل الاصل القصر، كما قالت عائشة رضى الله عنها: (فرضت الصلاة ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر على الحالة الاولى) ولكنا لا نرضى بالشغب، بل نقول: ان صلاة السفر أصل، وصلاة الاقامة أصل، ليست احداهما فرعا للاخرى، فبطل هذا القول * واحتج مالك بأن الصلاة انما تؤدى كما لزمت إذا فاتت * قال على: وهذا أيضا دعوى بلا برهان، وما كان هكذا فهو خطأ، وهو أول من يخالف هذا الاصل ويهدمه في كل موضع، الاهنا فانه تناقض، وذلك أنه يقول: من فاتته صلاة الجمعة فانه لا يصليها الا أربع ركعات، ومن فاتته في حال مرضه صلوات كان حكمها لو صلاها أن يصليها قاعدا أو مضطجعا أو مومئا فذكرها في صحته -: فانه لا يصليها الا قائما ومن ذكر في حال المرض المذكور صلاة فاتته في صحته كان حكمها أن يصليها قائما فانه لا يصليها الا قاعدا أو مضطجعا، ومن صلى في حال خوف راكبا أو ماشيا صلاة نسيها في حال الامن فانه يؤديها راكبا أو ماشيا، ومن(5/30)
ذكر في حال الامن صلاة نسيها في حال الخوف حيث لو صلاها راكبا أو ماشيا فانه لا يصليها
الا نازلا قائما، ومن نسى صلاة لو صلاها في وقتها لم يصلها الا متوضئا فذكرها في حال تيمم صلاها متيمما، ولو نسى صلاة لو صلاها في وقتها لم يصلها الا متيمما فذكرها والماء معه فانه لا يصليها إلا متوضئا، والقوم أصحاب قياس بزعمهم، وهذا مقدار قياسهم! * وأما نحن فان حجتنا في هذا انما هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نسى صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها) فانما جعل عليه السلام وقتها وقت ادائها لا الوقت الذى نسيها فيه أو نام عنها، فكل صلاة تؤدى في سفر فهى صلاة سفر، وكل صلاة تؤدى في حضر فهى صلاة حضر ولابد * فان قيل: فان في هذا الخبر: (كما كان يصليها لوقتها) * قلنا: هذا باطل، وهذه لفظة موضوعة لم تأت قط من طريق فيها خير * قال على: واما قولنا: أن نسى صلاة في سفر فذكرها في حضر فانه لا يصليها إلا اربعا -: فهو قول الاوزاعي، والشافعي، وغيرهما، وأما قولنا: ان نسيها في حضر فذكرها في سفر فانه يصليها سفرية -: فهو قول روى عن الحسن.
وبالله تعالى التوفيق * وقال الشافعي: لا يقصر إلا من نوى القصر في تكبيرة الاحرام * قال على: وهذا خطأ، لان الشافعي قد تناقض، فلم ير النية للاتمام، وهذا على أصله الذى قد بينا خطأه فيه، من ان الاصل عنده الاتمام، والقصر دخيل، وقد بينا أن صلاة السفر ركعتان، فلا يلزمه الا ان ينوى الظهر، أو العصر، أو العتمة فقط، ثم ان كان مقيما فهى اربع، وان كان مسافرا فهى ركعتان ولابد، ومن الباطل الزامه النية في أحد الوجهين دون الآخر.
وبالله تعالى التوفيق * 518 - مسألة - فان صلى مسافر بصلاة إمام مقيم قصر ولابد، وان صلى مقيم بصلاة مسافر أتم ولابد، وكل أحد يصلى لنفسه، وإمامة كل واحد منهما للآخر جائزة ولا فرق * روينا من طريق عبد الرزاق عن سعيد بن السائب عن داود بن أبي عاصم قال: سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر؟ فقال: ركعتان قلت: كيف ترى ونحن ههنا بمنى؟ قال: ويحك! سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنت به؟ قلت: نعم قال: (فانه كان يصلى ركعتين) فصل ركعتين
إن شئت أودع.
وهذا بيان جلى بأمرابن عمر المسافر (1) أن يصلى خلف المقيم ركعتين فقط *
__________
(1) في النسخة رقم (45) (بيان جلى من ابن عمر للمسافر) الخ *(5/31)
ومن طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن عبد الرحمن بن تميم بن حذلم (1) قال: كان أبي إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة وهو مسافر صلى إليها أخرى، وإذا أدرك ركعتين اجتزأ بهما * قال على: تميم بن حذلم من كبار أصحاب ابن مسعود رضى الله عنه * وعن شعبة عن مطربن فيل (2) عن الشعبى قال: إذا كان مسافرا فأدرك من صلاة المقيم ركعتين اعتد بهما * وعن شعبة عن سليمان التيمى قال: سمعت طاوسا وسألته عن مسافر أدرك من صلاة المقيمين ركعتين؟ قال: تجز يآنه * قال على: برهان صحة قولنا ما قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن الله تعالى فرض على لسانه صلى الله عليه وسلم صلاة الحضر أربعا وصلاة السفر ركعتين * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا عبدة بن عبد الرحيم عن محمد ابن شعيب أنا الاوزاعي عن يحيى - هو ابن أبي كثير - عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف حدثنى عمرو بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (إن الله قد وضع عن المسافر الصيام * (3) ونصف الصلاة) ولم يخص عليه السلام، مأموما من امام من منفرد (وما كان ربك نسيا) وقال تعالى (ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) * قال على: والعجب من المالكيين والشافعيين والحنيفيين القائلين بأن المقيم خلف المسافر يتم ولا ينتقل إلى حكم امامه في التقصير، وان المسافر خلف المقيم ينتقل إلى حكم امامه في الاتمام، وهم يدعون انهم اصحاب قياس بزعمهم ولو صح قياس في العالم لكان هذا أصح قياس يوجد ولكن هذا مما تركوا فيه القرآن والسنن والقياس * وما وجدت لهم حجة الا ان بعضهم قال: ان المسافر إذا نوى في صلاته الاقامة
لزمه اتمامها، والمقيم إذا نوى في صلاته السفر لم يقصرها، قال: فإذا خرج بنيته إلى الاتمام فأحرى ان يخرج إلى الاتمام بحكم امامه * قال على: وهذا قياس في غاية الفساد، لانه لا نسبة ولا شبه بين صرف النية من سفر إلى اقامة وبين الائتمام بامام مقيم، بل التشبيه بينهما هوس ظاهر *
__________
(1) بفتح الحاء واسكان الذال المعجمة وفتح اللام (2) كذا في جميع الاصول، وضبط في النسخة رقم (14) بالقلم بكر الافاء ولم أجد له ترجمة ولا ذكرا في شئ من الكتب (3) في النسخة رقم (16) (الصوم) وما هنا هو الموافق للنسختين رقم (14 و 45) وللنسائي (ج 1 ص 315) *(5/32)
واحتج بعضهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (انما جعل الامام ليؤتم به) فقلنا لهم: فقولوا للمقيم خلف المسافر: أن يأتم به إذن فقال قائلهم: قد جاء: (أتموا صلاتكم فانا قوم سفر) فقلنا: لو صح هذا لكان عليكم، لان فيه أن المسافر لايتم، ولم يفرق بين مأموم ولا امام، فالواجب على هذا ان المسافر جملة يقصر، والمقيم جملة يتم، ولا يراعي أحد منهما حال إمامه.
وبالله تعالى التوفيق * (صلاة الخوف) 519 - مسألة - من حضره خوف من عدو ظالم كافر، أو باغ من المسلمين، أو من سيل، أو من نار، أو من حنش، أو سبع، أو غير ذلك وهم في ثلاثة فصاعدا -: فأميرهم مخير بين أربعة عشر وجها، كلها صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد بيناها غاية البيان والتقصى في غير هذا الكتاب، والحمد لله رب العالمين * وانما كتبنا كتابنا هذا اللعامى والمبتدئ وتذكرة للعالم، فنذكر ههنا بعض تلك الوجوه، مما يقرب حفظه ويسهل فهمه، ولا يضعف فعله، وبالله تعالى التوفيق * فان كان في سفر، فان شاء صلى بطائفة ركعتين ثم سلم وسلموا، ثم تأتى طائفة أخرى فيصلى بهم ركعتين ثم يسلم ويسلمون، وان كان في حضر صلى بكل طائفة أربع ركعات،
وإن كانت الصبح صلى بكل طائفة ركعتين، وان كانت المغرب صلى بكل طائفة ثلاث ركعات الاولى فرض الامام، والثانية تطوع له.
* وان شاء في السفر أيضا صلى بكل طائفة ركعة ثم تسلم تلك الطائفة ويجزئهما، وإن شاء هو سلم، وإن شاء لم يسلم، ويصلى بالاخرى ركعة ويسلم ويسلمون ويجزئهم، وإن شاءت الطائفة أن تقضى الركعة والامام واقف فعلت، ثم تفعل الثانية أيضا كذلك * فان كانت الصبح صلى بالطائفة الاولى ركعة ثم وقف ولابد وقضوا ركعة ثم سلموا، ثم تأتى الثانية فيصلى بهم الركعة الثانية، فإذا جلس قاموا فقضوا ركعة ثم سلم ويسلمون * فان كانت المغرب صلى بالطائفة الاولى ركعتين، فإذا جلس قاموا فقضوا ركعة وسلموا وتأتى الاخرى فيصل بهم الركعة الباقية، فإذا قعد صلوا ركعة ثم جلسوا وتشهدوا، ثم صلوا الثالثة ثم يسلم ويسلمون * فان كان وحده فهو مخير بين ركعتين في السفر أو ركعة واحدة وتجزئه، وأما الصبح (م 5 - ج 5 المحلى)(5/33)
فائنتان ولابد والمغرب ثلاث ولابد، وفى الحضر أربع ولابد * سواء ههنا الخائف من طلب (1) بحق أو بغير حق * قال الله تعالى: (وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا.
وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فيكونوا من ورائكم ولتأت طائفة اخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم واسلحتهم) فهذه الآية تقتضي بعمومها الصفات التى قلنا نصا * ثم كل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحل لاحد أن يرغب عن شئ منه قال الله تعالى آمرا لرسوله صلى الله عليه وسلم ان يقول: (قل اننى هداني ربى إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة ابراهيم
حنيفا وما كان من المشركين).
وقال تعالى: (ومن يرغب عن ملة ابراهيم إلا من سفه نفسه) وكل شئ فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من ملته، وملته هي ملة ابراهيم عليه السلام * وقد ذكرنا قبل هذا بيسير في باب من نسى صلاة فوجد جماعة يصلون يصلى صلاة أخرى في حديث أبى بكرة وجابر: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة ركعتين في الخوف ثم سلم، وبطائفة أخرى ركعتين ثم سلم) وذكرنا من قال ذلك من السلف، فأغنى عن اعادته، وهذا آخر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لان أبا بكرة شهده معه ولم يسلم إلا يوم الطائف، ولم يغز عليه السلام بعد الطائف غير تبوك فقط، فهذه أفضل صفات صلاة الخوف لما ذكرنا، وقال بهذا الشافعي وأحمد بن حنبل * وقد ذكرنا أيضا حديث ابن عباس: (فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا، وفى السفر ركعتين، وفى الخوف ركعة) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا أحمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب انا عمرو بن على ثنا يحيى ابن سعيد القطان ثنا سفيان الثوري حدثنى أشعث بن سليم - هو ابن ابى الشعشاء - عن الاسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم قال.
(كنا مع سعيد بن العاصى بطبرستان فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فقام حذيفة وصف الناس خلفه صفين، صفا خلفه وصفا موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، وانصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك، فصلى بهم ركعة ولم يقضوا) قال سفيان: وحدثني الركين
__________
(1) في النسخة رقم (45) (من طالب)(5/34)
ابن الربيع عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل صلاة حذيفة * قال على: الاسود بن هلال ثقة مشهور، وثعلبة بن زهدم احد الصحابة حنظلى وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه وروى عنه * وصح هذا ايضا مسندا من طريق يزيد بن زريع وأبى داود الطياليسى كلاهما عن
عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن يزيد الفقير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر جابر أن القصر المذكور في الآية عند الخوف هو هذا، لا كون الصلاة ركعتين في السفر * وصح أيضا من طريق الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى أيضا عن ابن عمر، فهذه آثار متظاهرة متواترة، وقال بهذا جمهور من السلف، كما روى عن حذيفة أيام عثمان رضى الله عنه، ومن معه من الصحابة، لا ينكر ذلك أحد منهم، وعن جابر وغيره * وروينا عن أبى هريرة: انه صلى بمن معه صلاة الخوف، فصلاها بكل طائفة ركعة إلا انه لم يقض ولا أمر بالقضاء * وعن ابن عباس: يومئ بركعة عند القتال * وعن الحسن: أن ابا موسى الاشعري صلى في الخوف ركعة * وعن معمر عن عبد الله بن طاوس عن ابيه قال: إذا كانت المسايفة فانما هي ركعة يومئ إيماء حيث كان وجهه، راكبا كان أو ماشيا * وعن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن قال في صلاة المطاردة: ركعة * ومن طريق سعيد بن عبد العزيز عن مكحول في صلاة الخوف: إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا (1) على الارض صلوا على ظهور الدواب ركعتين، فاذالم يقدر وافركعة وسجدتان، فان لم يقدروا آخر واحيث يأمنوا * قال على: أما تأخيرها عن وقتها فلا يحل البتة، لانه لم يسمح الله تعالى في تأخيرها ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) * وقال سفيان الثوري: حدثنى سالم بن عجلان الافطس سمعت سعيد بن جبير يقول: كيف يكون قصر وهم يصلون ركعتين؟ وانما هو ركعة ركعة، يومئ بها حيث كان وجهه *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (على ان لا يصلوا) وهو خطأ *(5/35)
وعن شعبة عن ابى مسلمة (1) - هو سعيد بن يزيد عن ابى نضرة عن جابر بن غراب (2) كنا مصا في العدو (3) بفارس، ووجوهنا إلى المشرق، فقال هرم بن حيان: ليركع كل انسان منكم ركعة تحت جنته حيث كان وجهه * وعن عبد الرحمن بن مهدى عن شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة وحماد بن ابى سليمان وقتادة عن صلاة المسايفة؟ فقالوا: ركعة حيث كان وجهه * وعن وكيع عن شعبة عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم مثل قول الحكم، وحماد، وقتادة * وعن أبى عوانة عن ابى بشر عن مجاهد في قول الله تعالى (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) قال: في العدو يصلى راكبا وراجلا يومئ حيث كان وجهه، والركعة الواحدة تجزئه.
وبه يقول سفيان الثوري، واسحاق بن راهويه * قال على: وهذان العملان احب العمل الينا، من غيران نرغب عن سائر ماصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ومعاذ الله من هذا، لكن ملنا إلى هذين لسهولة العمل فيهما على كل جاهل، وعالم، ولكثرة من رواهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكثرة من قال بهما من الصحابة والتابعين، ولتواتر الخبر بهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولموافقتهما القرآن * وقد قال بعض من لا يبالى بالكذب، عصبية لتقليده المهلك له: الامر عندنا على أنهم قضوا * قال على: هذا انسلاخ من الحياء جملة، وقصد إلى الكذب جهارا! ولا فرق بين من قال هذا القول وبين من قال: الامر عندنا على أنهم اتموا أربعا! * وقال: لم نجد في الاصول صلاة من ركعة * وقلنا لهم: ولا وجدتم في الاصول صلاة الامام بطائفتين، ولا صلاة إلى غير القبلة، ولا صلاة يقضى فيها المأموم ما فاته قبل تمام صلاة إمامه، ولا صلاة يقف المأموم فيها لا هو يصلى مع امامه ولا هو يقضى ما بقى عليه من صلاته، وهذا كله عندكم جائز في الخوف، ولا وجدتم شيئا
__________
(1) بفتح الميم واسكان السين وفى النسخة رقم (16) (عن ابى سلمة) وهو خطأ (2) كذا
في اكثر الاصول، ولم أجد له ترجمة وضبط في النسخة رقم (14) (غزاب) بالغين والزاى المعجمتين ووضع عليه علامة التصحيح وما أظنه سحيحا فان الذهبي لم يذكر في المشتبه (غزاب ولم يذكر شرح القاموس مادة (غ زب) (3) أي نصف وجاه العدو، وهذا هو الصواب الذى في النسخة رقم (14) وفى باقى الاصول (نصلى في العدو) وهو خطأ ظاهر *(5/36)
من الديانة حتى جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، والاصول ليست شيئا غير القرآن والسنن * فان قيل: قد روى من طريق حذيفة: انه أمر بقضاء ركعة * قلنا: هذا انفرد به الحجاج بن أرطاة، وهو ساقط لا تحل الرواية عنه، ثم لو صح لما منع من رواية الثقات أنهم لم يقضوا، بل كان يكون كل ذلك جائزا * وقال بعضهم: قد روى عن حذيفة صلاة الخوف ركعتين (1) وأربع سجدات * قلنا: هذا من رواية يحيى الحمانى وهو ضعيف، عن شريك، وهو مدلس، وخديج، وهو مجهول، ثم لو صح ذلك لكان مقصودا به صلاة إمامهم بهم * وكذلك القول في رواية سليم بن صليع (2) السلولى - وهو مجهول - عن حذيفة: أنه قال لسعيد: مر طائفة من أصحابك فيصلون معك وطائفة خلفكم، فتصلى بهم ركعتين وأربع سجدات وهكذا نقول: في صلاة الامام بهم * وقال بعضهم: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) * قلنا: نعم، الا ما جاء نص فيه أنه اقل من مثنى، كالوتر وصلاة الخوف، أو أكثر من مثنى كالظهر والعصر والعشاء * وقال بعضهم: قد نهى عن البتيراء * قال على: وهذه كذبة وخبر موضوع وما ندرى البتيراء في شئ من الدين والله الحمد * وقال بعضهم: انتم تجيزون للامام أن يصلى بهم ان شاء ركعة ويسلم وان شاء وصلها بأخرى بالطائفة الثانية، وبيقين ندرى أن ما كان للمرء فعله وتركه فهو تطوع لا فرض، واذ ذلك كذلك فمحال أن يصل فرضه بتطوع لا يفصل بينهما سلام *
قال على: انما يكون ما ذكروا فيما لم يأت به نص، وأما إذا جاء النص فالنظر كله باطل، لا يحل به معارضة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم * ثم نقول لهم: أليس مصلى الفرض من امام أو منفرد - عندكم وعندنا - مخيرا بين ان يقرأ مع أم القرآن سورة ان شاء طويلة وان شاء قصيرة وان شاء اقتصر على أم القرآن فقط وان شاء سبح في ركوعه وسجوده تسبيحة تسبيحة وان شاء طولهما؟ فمن قولهم: نعم، فقلنا لهم: فقد ابحتم ههنا ما قد حكمتم بانه باطل ومحال من صلته (3)
__________
(1) كذا في الاصلين (2) سليم بالسين وصليع بالصاد المهملتين وبالتصغير فيهما * (3) أي من وصله الفرض بالتطوع، ردا على من أنكر صلاة الامام ركعة فريضة بالطائع(5/37)
فريضة بما هو عندكم تطوع ان شاء فعله وان شاء تركه.
* قال على: وليس كما قالوا، بل كل هذا خير فيه البر، فان طول ففرض اداه، وان لم يطول ففرض أداه، وان كان صلى ركعة في الخوف فهي فرضه، وان صلى ركعتين فهما فرضه، كما فعل عليه السلام وكما امر (وما ينطق عن الهوى ان هو الاوحى يوحى) * (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) * قال على: وسائر الوجوه الصحاح التى لم تذكر أخذ ببعضها على بن أبى طالب رضى الله عنه، وأبو موسى الاشعري، وابن عمرو جماعة من التابعين والفقهاء رضى الله عنهم * وههنا أقوال لم تصح قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ترو عنه أصلا لكن رويت عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن الصحابة رضى الله عنهم عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس، والحكم بن عمرو الغفاري، ومن التابعين مسروق، ومن الفقهاء الحسن بن حيى، وحميد الرؤاسى صاحبه، ومن جملتها قول رويناه عن سهل بن أبى حثمة، رجع مالك إلى القول به، بعد أن كان يقول ببعض الوجوه التى صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: أن يصف الامام أصحابه طائفتين، احداهما خلفه والثانية مواجهة العدو، فيصلى الامام بالطائفة التى
معه ركعة بسجدتيها، فإذا قام إلى الركعة الثانية ثبت واقفا وأتمت هذه الطائفة لانفسها الركعة التى بقيت عليها، ثم سلمت ونهضت فوقفت بازاء العدو، والامام في كل ذلك واقف في الركعة الثانية، وتأتى الطائفة الثانية التى لم تصل فتصف خلف الامام وتكبر، فيصلى بهم الركعة الثانية بسجدتيها، هي لهم أولى، وهى للامام ثانية، ثم يجلس الامام ويتشهد ويسلم، فإذا سلم قامت هذه الطائفة الثانية فقضت الركعة التى لها * قال على: وهذا العمل المذكور - قضاء الطائفة الاولى والامام واقف، وقضاء الطائفة الثانية بعد أن يسلم الامام - لم يأت قط جمع هذين القضاءين على هذه الصفة في شئ مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصلا، وهو خلاف ظاهر القرآن، لانه تعالى قال: (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) ولان الطائفة لم تصل بعض صلاتها معه، وما كان خلافا لظاهر القرآن دون نص من بيان النبي صلى الله عليه وسلم -: فلا يجوز القول به، وليس يوجب هذا القول قياس ولا
__________
الاولى ثم صلاته اخرى تطوعا بالطائفة الثانية موصولة بالاولى من غير فصل بالسلام وهكذا رسم في الاصلين (صلته) على هذا المعنى على الصواب، وظن ناسخا الاصلين أن صوابه (صلاته) وهو ظن خطأ بل الصواب ما ذكرنا.
*(5/38)
نظر، وليس تقليد سهل بن ابى حثمة رضى الله عنه باولى من تقليد من خالفه من الصحابة، ممن قد ذكرنا، كعمرو، وابن عمرو، وابى موسى، وجابر، وابن عباس، والحكم ابن عمرو، وحذيفة وثعلبة بن زهدم، وأنس، وعبد الرحمن بن سمرة وغيرهم.
* فان قيل: إن سهل بن أبي حثمة روي بعض تلك الاعمال وخالفه، ولا يجوز أن يظن به أنه خالف ما حضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لامر علمه هو ناسخ لما رواه * قلنا: هذا باطل، وحكم بالظن، وترك لليقين، وإضافة إلى الصاحب رضى الله عنه ما لا يحل أن يظن به، من أنه روى لنا المنسوخ وكتم الناسخ، ولا فرق بين قولكم هذا وبين من قال: لا يصح عنه أنه يخالف ما روى، فالداخلة انما هي فيما روى منه مما أضيف إليه، لافيما رواه هو عن النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل على ذلك بأنه لا يجوز أن يخالف حكم
رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال على: ولسنا نقول: بشئ من هذين القولين، بل نقول: إن الحق أخذ رواية الراوي، لاأخذ رأيه، إذ قد يتأول فيهم، وقد يسنى، ولا يجوز البتة أن يكتم الناسخ ويروي المنسوخ * ولا يجوز لهم أن يوهموا ههنا بعمل أهل المدينة، لان ابن عمر، وعبيدالله بن عبد الله بن عتبة والزهرى مخالفون لاختيار مالك، وما وجدنا ما اختاره مالك عن احد قبله إلا عن سهل بن أبى حثمة وحده.
وبالله تعالى التوفيق * ومنها قول رويناه عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وابراهيم النخعي، أخذ به أبو حنيفة وأصحابه إلا أن أبا يوسف رجع عنه، وهو أن يصفهم الامام صفين: طائفة خلفه، وطائفة بازاء العدو، فيصلى بالتى خلفه ركعة بسجدتيها، فإذا اقام إلى الركعة الثانية وقف، ونهضت الطائفة التى صلت معه فوقفوا بازاء العدو، وهم في صلاتهم بعد، ثم تأتى الطائفة التى كانت بازاء العدو فتكبر خلف الامام، ويصلى بهم الامام الركعة الثانية له.
وهى لهم الاولى، فإذا جلس وتشهد سلم، وتنهض الطائفة الثانية التى صلت معه الركعة الثانية، وهم في صلاتهم.
فتقف بازاء العدو، وتأتى الطائفة التى كانت صلت مع الامام الركعة الاولى فترجع إلى المكان الذى صلت فيه مع الامام، فتقضى فيه الركعة التى بقيت لها، وتسلم، ثم تأتى فتقف بازاء العدو، وترجع الطائفة الثانية إلى المكان الذى صلت فيه مع الامام، فتقضي فيه الركعة التى بقيت لها إلا أن أبا حنيفة زاد من قبل رأيه زيادة لا تعرف من أحد من الامة قبله، وهى أنه قال: تقضى الطائفة الاولى(5/39)
الركعة التى بقيت عليها بلا قراءة شئ من القرآن فيها، وتقضى الطائفة الثانية الركعة التى بقيت عليها بقراءة القرآن فيها ولابد! * قال على: وهذا عمل لم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم، وذلك أن فيه مما قد يخالف كل أثر جاء في صلاة الخوف تأخير الطائفتين معا إتمام الركعة الباقية
لهما إلى أن يسلم الامام، فتبتدئ أولاهما بالقضاء، ثم لا تقضى الثانية إلا حتى تسلم الاولى، وفيه أيضا مما يخالف كل أثر روى في صلاة الخوف مجئ كل طائفة للقضاء خاصة إلى الموضع الذى * صلت فيه مع الامام بعد أن زالت عنه إلى مواجهة العدو * فان قيل: قد روى نحو هذا عن ابن مسعود * قلنا: قلتم الباطل والكذب، إنما جاء عن ابن مسعود - من طريق واهية - خبر فيه ابتداء الطائفتين معا بالصلاة معا مع الامام، وأن الطائفة التى صلت آخرا هي بدأت بالقضاء قبل الثانية، وليس هذا في قول أبى حنيفة، وانتم تعظمون خلاف الصاحب، لا سيما إذا لم يروعن أحد من الصحابة خلافه * فان قالوا: إنما تخيرنا ابتداء طائفة بعد طائفة اتباعا للآية * قلنا: فقد خالفتم الآية في ايجابكم صلاة كل طائفة ما بقى عليها بعد تمام صلاة الامام، وانما قال تعالى: (فليصوا معك) فخالفتم القرآن وجميع الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحها وسقيمها وجميع الصحابة رضى الله عنهم بلا نظر ولا قياس * واحتج بعضهم بنادرة، وهى: أنه قال: يلزم الامام العدل بينهم، فكما صلت الطائفة الواحدة أولا فكذلك تقضى أولا! * قال على: وهذا باطل، بل هو الجور والمحاباة، بل العدل والتسوية هو أنه إذا صلت الواحدة أولى ان تقضى الثانية أولا، فتأخذ كل طائفة بحظها من التقدم وبحظها من التأخر * وقال بعضهم: لم نر قط مأموما بدأ بالقضاء قبل تمام صلاة إمامه * فقيل لهم: ولا رأيتم قط مأموما يترك صلاة امامه ويمضى إلى شغله ويقف برهة طويلة بعد تمام صلاة امامه لا يقضى ما فاته منها، وانتم تقولون: بهذا بغير نص ولا قياس، ثم تعييون من اتبع القرآن والسنن! ألا ذلك هو الضلال المبين لا سيما تقسيم أبى حنيفة في قضاء الطائفتين، احداهما بقراءة والاخرى بغير قراءة، فما عرف هذا عن احد قبله، ولا يؤيده رأى سديد ولا قياس *(5/40)
ومنها قول ذهب إليه أبو يوسف في آخر قوليه، وهو قول الحسن اللؤلؤي، وهو: أن لا تصلى صلاة الخوف بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال على: وهذا خلاف قول الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * قال على: إلا أن من قال: إن النكاح بسورة من القرآن خاص للنبى صلى الله عليه وسلم، والصلاة جالسا كذلك -: لا يقدر أن ينكر على أبى يوسف قوله ههنا * ومنها قول رويناه عن الضحاك من مزاحم، ومجاهد، والحكم بن عتيبة، واسحاق بن راهويه، وهو: أن تكبيرتين فقط تجزئان في صلاة الخوف * وروينا أيضا عن الحكم، ومجاهد: تكبيرة واحدة تجزئ في صلاة الخوف * وهذا خطأ، لانه لم يأت به نص.
وبالله تعالى التوفيق * فان قال قائل: كيف تقولون بصلاة الخوف على جميع هذه الوجوه، وقد رويتم عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف مرة، لم يصل بنا قبلها ولا بعدها؟! * قلنا: هذا لو صح لكان أشد عليكم، لانه يقال لكم: من أين كان لكم بأن الوجه الذى اخترتموه هو العمل الذى عمله رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ صلاها؟ لا سيما إن كان المعترض بهذا حنيفيا أو مالكيا؟ لان اختيار هاتين الفرقتين لم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف وهذا حديث ساقط؟ لم يروه إلا يحيى الحمانى، وهو ضعيف، عن شريك القاضى وهو مدلس لا يحتج بحديثه، فكيف يستحل ذودين ان يعارض بهذه السوءة أحاديث الكواف من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين؟ أنهم شهدوا صلاة الخوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات مرة بذى قرد، ومرة بذات الرقاع، ومرة بنجد، ومرة بين ضجنان وعسفان، ومرة بأرض جهينة ومرة بنخل، ومرة بعسفان، ومرة يوم محارب وثعلبة، ومرة إما بالطائف واما بتبوك، وقد يمكن أن يصليها في يوم مرتين للظهر والعصر، وروي ذلك عن الصحابة أكابر التابعين والثقات الاثبات؟ ونعوذ بالله من الخذلان * قال على: وانما قلنا: بالصلاة ركعة واحدة في كل خوف لعموم حديث ابن عباس
(فرضت الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفى السفر ركعتين، وفى الخوف ركعة) ولايجوز تخصيص حكمه عليه السلام بالظنون الكاذبة.
وبالله تعالى التوفيق * 520 - مسألة - ولايجوز أن يصلى صلاة الخوف بطائفتين من خاف من طالب (م 6 - ج 5 المحلى)(5/41)
له بحق، ولا أن يصلى أصلا بثلاث طوائف فصاعدا، * لان في صلاتها بطائفتين عملا لكل طائفة في صلاتها هي منهية عنه ان كانت باغية، ومن عمل في صلاته ما لم يؤمر به فلا صلاة له، إذ لم يصل كما أمر * وكذلك من صلى راكبا أو ماشيا أو محاربا أو لغير القبلة أو قاعدا خوف طالب له بحق، لانه في كل ذلك عمل عملا قد نهى عنه في صلاته، وهو في كونه مطلوبا بباطل عامل من كل ذلك عملا أبيح له في صلاته تلك * ولم يصل عليه السلام قط بثلاث طوائف، ولو لا صلاته عليه السلام بطائفتين لما جاز ذلك، لانه عمل في الصلاة، ولا يجوز عمل في الصلاة الا ما أباحه النص، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان في الصلاة لشغلا) * والواحد مع الامام طائفة وصلاة جماعة * ومن صلى كما ذكرنا هاربا عن كافر أو عن باغ بطلت صلاته أيضا، الا ان ينوى في مشيه ذلك تحرفا لقتال أو تحيزا إلى فئة فتجزئه صلاته حينئذ، لان الله تعالى قال: (إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله) فمن ولى الكفار ظهره والبغاة المفترض قتالهم لا ينوى تحيزا ولا تحرفا -: فقد عمل في صلاته عملا محرما عليه، فلم يصل كما أمر.
وبالله تعالى التوفيق * وأما الفار عن السباع، والنار، والحنش، والمجنون والحيوان العادى، والسيل، وخوف عطش وخوف فوت الرفقة أو فوت متاعه، أو ضلال الطريق -: فصلاته تامة، لانه لم يفعل في
ذلك إلا ما أمر به.
وبالله تعالى التوفيق * (صلاة الجمعة) 521 - مسألة - الجمعة، هي ظهر يوم الجمعة، ولا يجوز أن تصلى إلا بعد الزوال وآخر وقتها آخر وقت الظهر في سائر الايام * وروينا عن عبد الله بن سيلان (1) قال: شهدت الجمعة مع أبى بكر الصديق فقضى صلاته وخطبته قبل نصف النهار، ثم شهدت الجمعة مع عمر بن الخطاب فقضى صلاته وخطبته مع زوال الشمس *
__________
(1) بكسر السين المهملة واسكان الياء المثناة التحتية *(5/42)
وعن وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: صلى بنا ابن مسعود الجمعة ضحى، وقال: إنما عجلت بكم خشية الحر عليكم * ومن طريق مالك بن أنس في موطئه عن عمه أبى سهيل بن مالك عن أبيه قال: كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبى طالب تطرح إلى جدار المسجد الغربي، فإذا غشى الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب فصلى، ثم نرجع بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحى * قال على: هذا يوجب أن صلاة عمر رضى الله عنه الجمعة كانت قبل الزوال، لان ظل الجدار مادام في الغرب منه شئ فهو قبل الزوال، فإذا زالت الشمس صار الظل في الجانب الشرقي ولابد.
* وعن مالك عن عمرو بن يحيى المازنى عن ابن أبى سليط: أن عثمان بن عفان صلى الجمعة بالمدينة وصلى العصر بملل (1) قال ابن أبى سليط: وكنا نصلى الجمعة مع عثمان وننصرف وما للجدار ظل.
* قال على: بين المدينة وملل اثنان وعشرون ميلا، ولا يجوز البتة أن تزول الشمس ثم يخطب ويصلى الجمعة ثم يمشى هذه المسافة قبل اصفرار الشمس، إلا من طرق طرق
السرايا (2) أو ركض ركض البريد المؤجل، (3) وبالحرى أن يكون هذا * وقد روينا أيضا هذا عن ابن الزبير * وعن ابن جريج عن عطاء قال: كل عيد حين يمتد الضحى، الجمعة والاضحى والفطر كذلك بلغنا * وعن وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد قال: كل عيد فهو نصف النهار قال على: أين المموهون أنهم متبعون عمل الصحابة رضى الله عنهم أجمعين؟! المشنعون بخلاف الصاحب إذا خالف تقليدهم؟! وهذا عمل أبى بكر، وعمر، وعثمان، وابن مسعود وابن الزبير وطائفة من التابعين ولكن القوم لا يبالون ما قالوا: في نصر تقليدهم * وأما نحن فالحجة عندنا فيما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب
__________
(1) بفتح الميم واللام وآخره لام ثانية - بلفظ الملل من الملال - وهو منزل على طريق المدينة إلى مكة عن ثمانية وعشرين ميلا من المدينة، قاله ياقوت (2) الطرق - باسكان الراء - هو المشى (3) ضبط هذا الحرف في النسخة رقم (14) بكسر الجيم المشددة، وما أدرى وجه ذلك ولعل الكلمة مصحفة أو محرفة *(5/43)
ابن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى أنا وكيع عن يعلى بن الحارث المحاربي عن اياس بن سلمة بن الاكوع عن أبيه قال: (كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفئ) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا هرون بن عبد الله ثنا يحيى بن آدم ثنا حسن بن عياش (1) ثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: (كنا نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم نرجع فنريح نواضحنا، قلت: أي ساعة؟ قال: زوال الشمس) * وبه إلى أحمد بن شعيب: ثنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن سمى عن أبى صالح عن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة وراح فكأنما قرب بدنة، ومن
راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) * حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن بشار ثنا صفوان بن عيسى ثنا محمد بن عجلان عن ابيه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المهجر إلى الجمعة كمثل من يهدى بدنة، ثم كمن يهدى بقرة، ثم مثل من يهدى شاة، ثم مثل من يهدى دجاجة، ثم كمثل من يهدى عصفورا، ثم كمثل من يهدى بيضة، فإذا خرج الامام فجلس طويت الصحف) * وروينا نحوه من طريق الليث بن سعيد عن سمى عن ابى صالح عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم * قال على: ففى هذين الحديثين فضل التبكير في أول النهار إلى المسجد لانتظار الجمعة، وبطلان قول من منع من ذلك، وقال: ان هذه الفضائل كلها انما هي لساعة واحدة، وهذا باطل، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها ساعات متغايرات، (2) ثانية، وثالثة، ورابعة، وخامسة، فلا يحل لاحد أن يقول: انها ساعة واحدة * وأيضا فان درج الفضل ينقطع بخروج الامام، وخروجه إنما هو قبل النداء وهم يقولون: إن تلك الساعة مع النداء، فظهر فساد قولهم *
__________
(1) هو أخو أبى بكر بن عياش، وهو ثقة حجة، مات سنة 172 ه (2) في النسخة رقم (14) (متغايرة) *(5/44)
وفيهما أن الجمعة بعد الزوال، لان مالكا عن سمى ذكر خمس ساعات، وزاد مجمد بن عجلان عن أبيه عن أبى هريرة والليث عن سمى عن أبى صالح عن أبى هريرة: ساعة سادسة، وقد ذكر أن بخروج الامام تطوى الصحف، فصح أن خروجه بعد الساعة السادسة
وهو أول الزوال ووقت الظهر * فان قيل: قد رويتم عن سلمة بن الاكوع: (كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنرجع ومانجد للحيطان ظلا نستظل به) * قلنا: نعم، ولم ينف سلمة الظل جملة، وإنما نفى ظلا يستظلون به، وهذا إنما يدل على قصر الخطبة وتعجيل الصلاة في أول الزوال * وكذلك قول سهل بن سعد: (ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد صلاة الجمعة) ليس فيه بيان أن ذلك كان قبل الزوال * وقد روينا عن ابن عباس: خرج علينا عمر حين زالت الشمس فخطب، يعنى للجمعة * وعن أبى اسحاق السبيعى: شهدت على بن أبى طالب يصلى الجمعة إذا زالت الشمس * وفرق مالك بين آخر وقت الجمعة وبين آخر وقت الظهر، على أنه موافق لنا في أن أول وقتها هو اول وقت الظهر، وهذا قول لا دليل على صحته، واذ هي ظهر اليوم فلا يجوز التفريق بين آخر وقتها من أجل اختلاف الايام.
وبالله تعالى التوفيق * 522 - مسألة - والجمعة إذا صلاها اثنان فصاعدا ركعتان يجهر فيهما بالقراءة.
ومن صلاهما وحده صلاهما أربع ركعات يسر فيها كلها، لانها الظهر، وقد ذكرنا في باب وجوب قصر الصلاة من كتابنا حديث عمر: (صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان، تمام غير قصر، على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم) (1) * قال أبو محمد: وذهب بعض الناس إلى أنها ركعتان للفذ وللجماعة بهذا الخبر * قال على: وهذا خطأ، لان الجمعة اسم اسلامي لليوم، لم يكن في الجاهلية، انما كان يوم الجمعة يسمى في الجاهلية (العروبة)، فسمى في الاسلام (يوم الجمعة)، لانه يجتمع فيه للصلاة اسما مأخوذا من الجمع، فلا تكون صلاة الجمعة الا في جماعة والا فليست صلاة جمعة، انما هي ظهر، والظهر أربع كما قدمنا (2) *
__________
(1) ذكرها المصنف في المسألة 512 (ج 4 ص 265) (2) هنا بحاشية النسخة رقم (14) مانصه (حكى أبو عمر بن عبد البر أن داود بن على يرى ان الجمعة على واحد، يعنى يصلى ركعتين فقط، وحكى(5/45)
وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يجهر فيها، وهو عمل أهل الاسلام، نقل كواف من عهده عليه السلام إلى اليوم في شرق الارض وغربها * وأما العدد الذى يصليه الامام فيه جمعة ركعتين كما ذكرنا -: فقد اختلف فيه * فروينا عن عمر بن عبد العزيز: الجمعة تكون بخمسين رجلا فصاعدا * وقال الشافعي: لاجمعة إلا بأربعين رجلا أحرارا مقيمين عقلاء بالغين فصاعدا * وروينا عن بعض الناس: ثلاثين رجلا * وعن غيره: عشرين رجلا * وعن عكرمة: سبعة رجال لا أقل * وعن أبى حنيفة، والليث بن سعد، وزفر، ومحمد بن الحسن: إذا كان ثلاثة رجال والامام رابعهم صلوا الجمعة بخطبة ركعتين، ولا تكون بأقل * وعن الحسن البصري: إذا كان رجلان والامام ثالثهما صلوا الجمعة بخطبة ركعتين، وهو أحد قولى سفيان الثوري، وقول أبى يوسف وأبى ثور * وعن ابراهيم النخعي: إذا كان واحد مع الامام صليا الجمعة بخطبة ركعتين.
وهو قول الحسن بن حى، وأبى سليمان وجميع أصحابنا، وبه نقول * قال على: فأما من حد خمسين فانهم ذكروا حديثا فيه: (على الخمسين جمعة إذا كان عليهم امام) وهذا خبر لا يصح، لانه عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبى امامة، والقاسم هذا ضعيف (1) *
__________
عنه أبو محمد خلاف هذا) اه، وأقول: لم يحك ابن حزم شيئا عن داود، ويظهر لى ان نقل ابن عبد البر صواب، ولذلك لم يذكر ابن حزم رأى داود وانما رد على من قال ان المنفرد يصليها ركعتين كما ترى، وأقول أيضا: إن ما رد به ابن حزم ليس قويا وليس حجة، وانما هو جدال، والحق ان صلاة يوم الجمعة ركعتان للجماعة وللمنفرد على اطلاق حديث عمر،
وتسمية (اليوم الجمعة) لاجتماع الناس فيه لايمنع من ان فرض الصلاة فيه ركعتان، إذ من شأنها الاجتماع عليها، وليس المراد في تسميتها (صلاة الجمعة) انها لا تكون جمعة إلا في جماعة، انما المراد أنها صلاة يوم الجمعة) كما قال تعالى.
(إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة) وهذا معنى دقيق يحتاج إلى تأمل وفقه * (1) هو القاسم بن عبد الرحمن الشامي الدمشقي وهو تابعي ثقة، وانما جاء المصنف في(5/46)
وأما من حد بثلاثين فانهم ذكروا خبرا مرسلا من طريق أبى محمد الازدي - وهو مجهول - (إذا اجتمع ثلاثون رجلا (1) فليؤمروا رجلا يصلى بهم الجمعة) * وأما من قال: بقول أبى حنيفة والليث فذكروا حديثا من طريق معاوية بن يحيى عن معاوية بن سعيد عن الزهري عن أم عبد الله الدوسية وقد أدركت النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجمعة واجبة في كل قرية وان لم يكن فيهم إلا أربعة) * وهذا لا يجوز الاحتجاج به، لان معاوية بن يحيى، ومعاوية بن سعيد مجهولان * وأيضا فان أبا حنيفة اول من يخالف هذا الخبر، لانه لا يرى الجمعة في القرى، لكن في الامصار فقط * فكل هذه آثار لا تصح، ثم لو صحت لما كان في شئ منها حجة، لانه ليس في شئ منها اسقاط الجمعة عن أقل من العدد المذكور * وقد روى حديث ساقط عن روح بن غطيف -.
وهو مجهول (2) - (لما بلغوا مائتين جمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم) فان أخذوا بالاكثر فهذا الخبر هو الاكثر، وإن أخذوا بالاقل فسنذكر إن شاء الله تعالى حديثا فيه أقل * وأما الشافعي فانه احتج بخبر صحيح رويناه من طريق الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه: انه كان إذا سمع نداء الجمعة ترحم على أبى أمامة اسعد بن زرارة، فسأله ابنه عن ذلك؟ فقال: إنه اول من جمع بنافى هزم (3) حرة بنى بياضة، في نقيع يعرف بنقيع
الخضمات، (4) ونحن يومئذ أربعون رجلا (5) *
__________
بعض أحاديثه من قبل الذين رووا عنه، وفأما إذا روى عنه ثقة فحديثه يحتج به.
وهذا الحديث رواه الدارقطني (ص 164) من طريق جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبى امامة باسنادين، وجعفر هو الحنفي الدمشقي وهو متروك باتفاق، ويروى عن القاسم أشياء موضوعة.
(1) ما هنا الذى في النسخة رقم (14) وفى النسخة رقم (16) (ثلاثون بيتا) (2) بل هو معروف، ولكنه ضعيف جدا منكر الحديث، وذكر البخاري له حديثا في التاريخ الكبير وقال (هذا باطل) (3) بفتح الهاء واسكان الزاى، وهو مما اطمأن من الارض (4) النقيع بالنون المفتوحة وكسر القاف، وهو في اللغة الموضع الذى يستنقع فيه الماء، والخضمات بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين، وانظر تحقيق هذا الموضع في ياقوت (ج 8 ص 312 و 314 و 362 و 464) (5) هذا الحديث رواه ابن اسحق في السيرة(5/47)
قال على: ولا حجة له في هذا، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل إنه لا تجوز الجمعة بأقل من هذا العدد، نعم والجمعة واجبة بأربعين رجلا وبأكثر من أربعين وبأقل من أربعين * واحتج من قال: بقول أبى يوسف بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد ابن شعيب أنا عبيدالله بن سعيد عن يحيى - هو القطان - عن هشام - هو الدستوائى - ثنا قتادة عن أبى نضرة عن ابى سعيد الخدرى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم احدهم، واحقهم بالامامة أقرؤهم) * وهذا خبر صحيح، إلا انه لا حجة لهم فيه، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل: إنه لا تكون جماعة ولا جمعة بأقل من ثلاثة * وما حجتنا فهى ما قد ذكرناه قبل من حديث مالك بن الحويرث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (إذا سافرتما فأذنا وأقيما، وليؤمكما اكبر كما) فجعل عليه السلام للاثنين حكم الجماعة في الصلاة *
فان قال قائل: إن الاثنين إذا لم يكن لهما ثالث فان حكم الامام أن يقف المأموم على يمين الامام، فإذا كانوا ثلاثة فقد قيل: يقفان عن يمين الامام ويساره، وقد قيل: بل خلف الامام، ولم يختلفوا في الاربعة ان الثلاثة يقفون خلف الامام، فوجدنا حكم الاربعة غير حكم الاثنين * قلنا: فكان ماذا؟ نعم، هو كما تقولون: في مواضع الوقوف، إلا أن حكم الجماعة واجب لهما باقراركم، وليس في حكم اختلاف موقف المأموم دليل على حكم الجمعة أصلا، وقد حكم الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بأن صلاة الجمعة ركعتان.
وقال عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) فلا يجوز أن يخرج عن هذا الامر وعن هذا الحكم أحد إلا من جاء نص جلى أو اجماع متيقن على خروجه عنه، وليس ذلك إلا الفذ وحده.
وبالله تعالى التوفيق * فان ابتدأها انسان ولا أحد معه ثم اتاه آخر أو أكثر، فسواء اتوه إثر تكبيره فما بين
__________
التى هذبها ابن هشام (ص 290) ورواه أبو داود (ج 1 ص 413 و 414) والحاكم (ج 1 ص 281) كلاهما من طريق ابن اسحق، ونقله ياقوت (ج 8: ص 462) عن معجم الطبراني، وكتاب الصحابة لابي نعيم، وكتاب معرفة الصحابة لابن منده، والآثار للبيهقي، ونسبه ابن حجر في التلخيص (ص 133) إلى ابن حبان *(5/48)
ذلك إلى أن يركع من الركعة الاولى -: يجعلها جمعة ويصليها ركعتين، لانها قد صارت صلاة جمعة، فحقها أن تكون ركعتين، وهو قادر على أن يجعلها ركعتين بنية الجمعة، وهى ظهر يومه، فان جاءه بعد أن ركع فما بين ذلك إلى أن يسلم -: فيقط الصلاة ويبتدئها صلاة جمعة، لابد من ذلك، لانه قد لزمته الجمعة ركعتين، ولا سبيل له إلى أداء ما لزمه من ذلك إلا بقطع صلاته التى قد بطل حكمها.
وبالله تعالى التوفيق * 523 - مسألة - وسواء فيما ذكرنا - من وجوب الجمعة - المسافر في سفره،
والعبد، والحر، والمقيم، وكل من ذكرنا يكون اماما فيها، راتبا وغير راتب، ويصليها المسجونون، والمختفون ركعتين في جماعة بخطبة كسائر الناس، وتصلى في كل قرية صغرت أم كبرت، كان هنالك سلطان أو لم يكن، وان صليت الجمعة في مسجدين في القرية فصاعدا جاز ذلك * ورأى أبو حنيفة ومالك والشافعي أن لاجمعة على عبدو لا مسافر.
* واحتج لهم من قلدهم في ذلك بآثار واهية لا تصح: أحدها مرسل، والثانى فيه هريم وهو مجهول (1) والثالث فيه الحكم بن عمرو، وضرار بن عمرو، وهما مجهولان (2) ولا يحل الاحتجاج بمثل هذا *
__________
(1) هريم بضم الهاء وفتح الراء وآخره ميم وهو هريم بن سفيان البجلى الكوفى وليس مجهولا كما زعم ابن حزم بل هو ثقة، وحديثه رواه أبو داود (ج 1 ص 412) من حديث طارق بن شهاب، وهو مرسل لان طارقا رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، ولكن رواه الحاكم (ج 1 ص 288) عن طارق عن أبى موسى وصححه على شرط الشيخين، ونقل شارح ابى داود عن البيهقى في المعرفة نحوه بزيادة أبى موسى أيضا فالحديث صحيح، وانظر تفصيل الكلام عليه في شرح أبى داود، وفى نصب الراية (ج 1 ص 314 و 315) (2) في النسخة رقم (14) (الحكم أبو عمرو وضرار أبو عمرو و) وهو صواب في الاول خطأ في الثاني، لان الحكم بن عمرو هو الجزرى وكنيته أبو عمرو.
وحديثه نسبه الزيلعى (ج 1 ص 315) إلى البيهقى ونسبه الشوكاني (ج 3 ص 279) إلى العقيلى والحاكم أبى أحمد، ونقل ابن حجر في لسان الميزان عن البخاري أنه في الحكم في هذا الحديث (لا يتابع على حديثة) وعن الازدي أنه قال (كذاب ساقط) * (م 7 - ج 5 المحلى)(5/49)
ولو شئنا لعارضناهم بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال: (بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه في سفر، وخطبهم يتوكأ على عصا) ولكننا والله الحمد
في غنى بالصحيح عما لا يصح * واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهر في صلاة الظهر بعرفة، وكان يوم جمعة * قال على: وهذه جرأة عظيمة! وما روى قط أحد أنه عليه السلام لم يجهر فيها، والقاطع بذلك كاذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، قد قفا مالا علم به * وقد قال عطاء وغيره: إن وافق يوم عرفة يوم جمعة جهر الامام * قال على: ولا خلاف في أنه عليه السلام خطب وصلى ركعتين وهذه صفة صلاة الجمعة، وحتى لو صح لهم أنه عليه السلام لم يجهر لما كان لهم في ذلك حجة أصلا، لان الجهر ليس فرضا، ومن أسر في صلاة جهر أو جهر في صلاة سر فصلاته تامة، لما قد ذكرنا قبل * ولجأ بعضهم إلى دعوى الاجماع على ذلك وهذا مكان هان فيه الكذب على مدعيه * وروينا عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: من ادعى الاجماع كذب * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا احمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ومحمد بن عبد السلام الخشنى، قال ابن وضاح: ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع، وقال محمد بن عبد السلام الخشنى: ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدى، ثم اتفق وكيع، وعبد الرحمن كلاهما عن شعبة عن عطاء بن أبى ميمونة عن أبى رافع عن أبى هريرة: أنهم كتبوا إلى عمر بن الخطاب يسألونه عن الجمعة وهم بالبحرين؟ فكتب إليهم: أن جمعوا حيثما كنتم، وقال وكيع: انه كتب * وعن أبى بكر بن ابى شيبة: ثنا أبو خالد الاحمر عن عبد الله بن يزيد قال: سألت سعيد ابن المسيب: على من تجب الجمعة؟ قال: على من سمع النداء * وعن القعنبى عن داود بن قيس سمعت عمرو بن شعيب وقيل له: يا أبا ابراهيم، على من تجب الجمعة؟ قال: على من سمع النداء * فعم سعيد وعمر وكل من سمع النداء ولم يخصا عبدا ولا مسافرا من غيرهما * وعن عبد الرزاق عن سعيد بن السائب بن يسار ثنا صالح بن سعد المكى: أنه كان مع
عمر بن عبد العزيز وهو متبدى بالسويداء (1) في امارته على الحجاز، فحضرت الجمعة، فهيؤا
__________
(1) تصغير سوداء، وهو موضع على ليلتين من المدينة على طريق الشام.
قاله ياقوت *(5/50)
له مجلسا من البطحاء، ثم أذن المؤذن بالصلاة، فخرج إليهم عمر بن عبد العزيز، فجلس على ذلك المجلس، ثم أذنوا أذانا آخر، ثم خطبهم، ثم أقيمت الصلاة، فصلى بهم ركعتين وأعلن فيهما بالقراءة، ثم قال لهم: إن الامام يجمع حيثما كان * وعن الزهري مثل ذلك، وقال: إذ سئل عن المسافر يدخل قرية يوم الجمعة فينزل فيها؟ قال: إذا سمع الاذان فليشهد الجمعة * ومن طريق حماد بن سلمة عن أبى مكين عن عكرمة قال: إذا كانوا سبعة في سفر فجمعوا، يحمد الله ويثنى عليه ويخطب في الجمعة والاضحى والفطر * ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: أيما عبد كان يؤدى الخراج فعليه ان يشهد الجمعة، فان لم يكن عليه خراج أو شغله عمل سيده.
فلا جمعة عليه * قال على: الفرق بين عبد عليه الخراج وبين عبد لاخراج عليه دعوى بلا برهان، فقد ظهر كذبهم في دعوى الاجماع * فلجؤا إلى ان قالوا: روى عن على بن أبى طالب: لاجمعة على مسافر * وعن أنس: أنه كان بنيسابور سنة أؤ سنتين فكان لا يجمع * وعن عبد الرحمن بن سمرة: انه كان بكابل شتوة أو شتوتين فكان لا يجمع * قال على: حصلنا من دعوى الاجماع على ثلاثة قد خالفتموهم أيضا، لان عبد الرحمن، وأنسا رضى الله عنهما كانا لا يجمعان، وهؤلاء يقولون: يجمع المسافر مع الناس ويجزئه، ورأى على أن يستخلف بالناس من يصلى بضعفائهم صلاة العيد في المسجد أربع ركعات، وهم لا يقولون: بهذا، وهذا عمربن الخطاب يرى الجمعة عموما * قال على: قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسمعوا
إلى ذكر الله وذروا البيع) * قال على: فهذا خطاب لا يجوز أن يخرج منه مسافر ولا عبد بغير نص من رسول الله صلى اله عليه وسلم.
وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه وفعله أن صلاة الخوف ركعة * وأما امامة المسافر، والعبد في الجمعة فان أبا حنيفة، والشافعي، وأبا سليمان وأصحابهم قالوا: يجوز ذلك، ومنع مالك من ذلك: وهو خطأ، أول ذلك قوله: إن المسافر، والعبد إذا حضر الجمعة كانت لهما جمعة، فما الفرق بين هذا وبين جواز إمامتهما فيها مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وليؤمكم أكبركم) و (يؤم القوم أقرؤهم)؟ فلم يخص عليه السلام جمعة(5/51)
من غيرها، ولا مسافرا، ولا عبدا من حر مقيم، ولا جاء قط عن أحد من الصحابة منع العبد من الامامة فيهما، بل قد صح أنه كان عبد لعثمان رضى الله عنه أسود مملوك أميرا له على الربذة يصلى خلفه أبو ذر رضي الله عنه وغيره من الصحابة الجمعة وغيرها، لان الربذة بها جمعة * وأما قولنا: كان هنالك سلطان أو لم يكن -: فالحاضرون من مخالفينا موافقون لنا في ذلك الا أبا حنيفة، وفى هذا خلاف قديم، وقد قلنا: لا يجوز تخصيص عموم أمر الله تعالى بالتجميع بغير نص جلى، ولا فرق بين الامام (1) في الجمعة والجماعة فيها وبين الامام (2) في سائر الصلوات والجماعة فيها، فمن أين وقع لهم رد الجمعة خاصة إلى السلطان دون غيرها؟ * وأما قولنا: تصلى الجمعة في أي قرية صغرت أم كبرت: فقد صح عن على رضى الله عنه: لا جمعلة ولا تشريق الا في مصر جامع، وقد ذكرنا خلاف عمر لذلك وخلافهم لعلى في غير ما قصة * وقال مالك: لا تكون الجمعة إلا في قرية متصلة البنيان * قال على: هذا تحديد لا دليل عليه، وهو أيضا فاسد، لان ثلاثة دور قرية متصلة
البنيان، والا فلا بدله من تحديد العدد الذى لا يقع اسم قربة على أقل منه، وهذا ما لا سبيل إليه * وقال بعض الحنيفيين: لو كان ذلك لكان النقل به متصلا * فيقال له: نعم قد كان ذلك، حتى قطعه المقلدون بضلالهم عن الحق، وقد شاهدنا جزيرة (ميورقة) (3) يجمعون في قراها، حتى قطع ذلك بعض المقلدين لمالك، وباء باثم النهى عن صلاة الجمعة.
* وروينا أن ابن عمر كان يمر على المياه وهم يجمعون فلا ينهاهم عن ذلك * وعن عمر بن عبد العزيز: أنه كان يأمر أهل المياه أن يجمعوا، ويأمر أهل كل قرية لا ينتقلون بأن يؤمر عليهم أمير يجمع بهم *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (بين الامامة) (2) في النسخة رقم (16) (وبين الامامة) (3) قال ياقوت: (بالفتح ثم الضم وسكون الواو والراء يلتقى فيه ساكنان وقاف جزيرة في شرقي الاندلس بالقرب منها جزيرة يقال لها منوقة بالنون) *(5/52)
ويقال لهم: لو كان قولكم حقا وصوابا لجاء به النقل المتواتر، ولما جاز أن يجعله ابن عمر، وقبله أبوه عمر، والزهرى وغيره، ولا حجة في قول قائل دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * وأما قولنا: إن الجمعة جائزة في مسجدين فصاعدا في القرية -: فان أصحاب أبى حنيفة حكوا عن أبى يوسف: أنها لا تجزئ الجمعة إلا في موضع واحد من المصر، إلا أن يكون جانبان بينهما نهر، فيجزئ أن يجمع في كل جانب منهما * ورووا عن أبى حنيفة ومحمد بن الحسن وأبى يوسف ايضا: أن الجمعة تجزئ في موضعين في المصر، ولا تجزئ في ثلاثة مواضع * وكلا هذين المذهبين من السخف بحيث لا نهاية له لانه لا يعضدهما قرآن، ولا سنة، ولا قول صاحب، ولا إجماع، ولاقياس * وقد رووا عن محمد بن الحسن: أنها تجزئ في ثلاثة مواضع من المصر *
فان قالوا: صلى على العيد في المصلى واستخلف من صلى بالضعفاء في المسجد، فهما موضعان وهذا لا يقال: رأيا * قلنا لهم: فقولوا: انه لا تجزئ الجمعة الا في المصلى، وفى الجامع فقط، والا فقد خالفتموه، كما خالفتموه في هذا الخبر نفسه، إذ أمر رضى الله عنه الذى استخلف أن يصلى بهم العيد أربعا * فقلتم: هذا شاذ فيقال لكم: بل الشاذ هو الذى أجزتم، والمعروف هو الذى أنكرتم وما جعل الله تعالى آراء كم قياسا على الامة، ولا عيارا في دينه! وهلا قلتم: في هذا الخبر كما تقولون في خبر المصراة وغيره: هذا اعتراض على الآية لان الله تعالى عم الذين آمنوا بافتراض السعي إلى الجمعة، فصار تخصيصه اعتراضا على القرآن بخبر شاذ غير قوى النقل في أن ذلك لا يجب الا في مصر جامع؟! * ومنع مالك والشافعي من التجميع في موضعين في المصر * وراينا المنتسبين إلى مالك يحدون في أن لا بكون بين الجامعين أقل من ثلاثة أميال! وهذا عجب عجيب! ولا ندرى من أين جاء هذا التحديد؟ ولا كيف دخل في عقل ذى عقل حتى يجعله دينا؟ نعوذ بالله من الخذلان.
قال الله تعالى: (إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم) فلم يقل عزوجل: في موضع ولا موضعين ولا أقل، ولا أكثر (وما كان ربك نسيا) *(5/53)
فان قالوا: قد كان أهل العوالي يشهدون مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة * قلنا: نعم وقد كان اهل ذى الحليفة يجمعون معه أيضا عليه السلام، روينا ذلك من طريق الزهري.
ولا يلزم هذا عندكم، وقد كانوا يشهدون معه عليه السلام سائر الصلوات، ولم يكن ذلك دليلا على أن سائر قومهم لا يصلون الجماعات في مساجدهم، ولم يأت قط نص بأنهم كانوا لا يجمعون سائر قومهم في مساجدهم، ولا يحدون هذا أبدا *
ومن البرهان القاطع على صحة قولنا: أن الله تعالى انما افترض في القرآن السمى إلى صلاة الجمعة إذا نودى لها، لاقبل ذلك وبالضرورة أن من كان على نحو نصف ميل أو ثلثى ميل لا يدرك الصلاة أصلا إذا راح إليها في الوقت الذى أمره الله تعالى بالرواح إليها، فصح ضرورة أنه لابد لكل طائفة من مسجد يجمعون فيه إذا راحوا إليه في الوقت الذى أمروا بالرواح إليه فيه أدركوا الخطبة والصلاة، ومن قال: غير هذا فقد أوجب الرواح حين ليس بواجب، وهذا تناقص وايجاب ما ليس عندهم واجبا * ومن أعظم البرهان عليهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المدينة وانما هي قرى صغار مفرقة، بنو مالك بن النجار في قريتهم حوالى دورهم اموالهم ونخلهم، وبنو عدى بن النجار في دارهم كذلك، وبنو مازن بن النجار كذلك، وبنو سالم كذلك، وبنو ساعدة كذلك، وبنو الحارث بن الخزرج كذلك وبنو عمرو بن عوف كذلك، وبنو عبد الاشهل كذلك، وسائر بطون الانصار كذلك، فبنى مسجده في بنى مالك بن النجار، وجمع فيه في قرية ليست بالكبيرة، ولا مصر هنا لك، فبطل قول من ادعى أن لاجمعة إلا في مصر، وهذا امر لا يجهله أحد لا مؤمن ولا كافر، بل هو نقل الكواف من شرق الارض إلى غربها.
وبالله تعالى التوفيق * وقول عمربن الخطاب: (حيثما كنتم) اباحة للتجميع في جميع المساجد * وروينا عن عمرو بن دينار أنه قال: إذا كان المسجد تجمع فيه للصلاة فلتصل فيه الجمعة * ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج: قلت لعطاء بن ابى رباح: ارأيت اهل البصرة لا يسعهم المسجد الاكبر؟، كيف يصنعون؟ قال: لكل قوم مسجد يجمعون فيه ثم يجزئ ذلك عنهم.
وهو قول أبى سليمان، وبه نأخذ * 524 - مسألة - وليس للسيد منع عبده من حضور الجمعة، لانه إذ قد ثبت انه مدعو إليها فسعيه إليها فرض كما ان الصلاة فرض ولا فرق، ولا يحل له منعه من شئ من فرائضه،(5/54)
قال تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاطاعة في معصية انما الطاعة في الطاعة) * 525 - مسألة - ولا جمعة على معذور بمرض، أو خوف، أو غير ذلك من الاعذار، ولا على النساء، فان حضر هؤلاء صلوها ركعتين * لان الجمعة كسائر الصلوات تجب على من وجبت عليه سائر الصلوات في الجماعات ويسقط الاجابة من الاعذار ما يسقط الاجابة إلى غيرها ولا فرق * فان حضرها المعذور فقد سقط العذر فصار من أهلها وهى ركعتان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو صلاها الرجل المعذور بامرأته صلاها ركعتين، وكذلك لو صلاها النساء في جماعة * 526 - مسألة - ويلزم المجئ إلى الجمعة من كان منها بحيث إذا زالت الشمس وقد توضأ قبل ذلك دخل الطريق اثر اول الزوال ومشى مترسلا ويدرك منها ولو السلام سواء سمع النداء أو لم يسمع فمن كان بحيث ان فعل ما ذكرنا لم يدرك منها ولا السلام لم يلزمه المجئ إليها، سمع النداء أو لم يسمع، وهو قول ربيعة * والعذر في التخلف عنها كالعذر في التخلف عن سائر صلوات الفرض، كما ذكرنا قبل * واختلف الناس في هذا * فروينا عن ابن جريج عن سليمان بن موسى: أن معاوية كان يأمر على المنبر في خطبته أهل فاءين (1) فمن دونها بحضور الجمعة، وهم على أربعة وعشرين ميلا من دمشق * وعن معاذ بن جبل: أنه كان يأمر من كان على خمسة عشر ميلا بحضور الجمعة معه * وعن الزهري وقتادة: تجب الجمعة على من كان من الجامع بمقدار ذى الحليفة من المدينة وقال ابراهيم النخعي: تؤتى الجمعة من فرسخين * وعن أبى هريرة، أنس وابن عمر، ونافع، وعكرمة، والحكم، وعطاء، وعن الحسن، وقتادة وابى ثور: تؤتى الجمعة من حيث إذا صلاها ثم خرج أدركه الليل في منزله، وهو قول الاوزاعي * وروى عن عبد الله بن عمرو بن العاصى، وعن سعيد بن المسيب، وعمرو بن شعيب: تجب
الجمعة على من سمع النداء وان عبد الله بن عمر وكان يكون من الطائف على ثلاثة أميال فلا
__________
(1) هكذا في النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (14) (فائن) ولم اجد هذا الحرف في شئ من كتب البلدان ولا كتب اللغة، ولا في الفهارس الموضوعة على الطريقة الحديثة لكثير من الكتب الكبرى وغيرها.(5/55)
يأتي الجمعة، وبه يقول أحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه * وعن ابن المنكدر: تؤتى الجمعة على اربعة اميال * وقال مالك والليث: تجب الجمعة على من كان من المصر على ثلاثة أميال، ولا تجب على من كان على أكثر من ذلك * وقال الشافعي: تجب على أهل المصر وإن عظم، وأما من كان خارج المصر، فمن كان بحيث يسمع النداء فعليه أن يجيب ومن كان بحيث لا يسمع النداء لم تلزمه الجمعة * وقال أبو حنيفة وأصحابه: تلزم الجمعة جميع أهل المصر، سمعوا النداء أو لم يسمعوا، ولا تلزم من كان خارج المصر، سمع النداء أو لم يسمع * قال على: كل هذه الاقوال لاحجة لقائلها، لامن قرآن، ولاستة صحيحة ولا سقيمة، ولاقول صاحب لا مخالف له، ولا اجماع، ولا قياس، لاسيما قول أبى حنيفة واصحابه * فان تعلق من يحد ذلك بثلاثة أميال بأن اهل العوالي كانوا يجمعون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم * قلنا: وقد روى ان اهل ذى الحليفة كانوا يجمعون معه عليه السلام، وهي على أكثر من ثلاثة أميال، وليس في ذلك دليل على انه عليه السلام أوجب ذلك عليهم فرضا بل قدر روى أنه عليه السلام اذن لهم في ان لا يصلوها معه، وقد صح ذلك عن عثمان رضى الله عنه، كما روينا من طريق مالك عن الزهري عن أبى عبيد (1) مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع عثمان بن عفان فصلى ثم خطب فقال: انه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فليرجع، فقد أذنت له *
قال على: لو كان ذلك عنده فرضا عليهم لما أذن لهم في تركها * وأما من قال: تجب على من سمع النداء -: فان النداء قد لا يسمعه لخفاء صوت المؤذن، أو لحمل الريح له إلى جهة اخري، أو لحواله (2) رابية من الارض دونه من كان قريبا جدا، وقد يسمع على أميال كثيرة إذا كان المؤذن في المنار والقرية في جبل والمؤذن صيتا والريح تحمل صوته *
__________
(1) اسمه (سعد بن عبيد) بالتصغير في اسم ابيه وفى كنيته، وحديثه هذا في الموطأ (ص 63) (2) كذا في الاصلين باثبات الهاء في آخر الكلمة، ومصدر (حال) بين اثنين (الحول باسكان الواو والحؤول والمحالة) واما (الحول) بكسر الحاء فهو كل شئ حال بين اثنين وكذلك (الحول) بفتح الحاء والواو.
*(5/56)
وبالضرورة ندرى أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: اجب) انه إنما أمره بالاجابة لحضور الصلاة المدعو إليها، لامن يوقن انه لا يدرك منها شيئا، هذا معلوم يقينا ويبين ذلك اخباره عليه السلام بأنه يهم باحراق منازل المتخلفين عن الصلاة في الجماعة لغير عذر، * فإذ قد اختلفوا هذا الاختلاف فالمرجوع إليه ما افترض الله الرجوع إليه من القرآن والسنة * فوجدنا الله تعالى قد قال: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع) فافترض الله تعالى السعي إليها إذا نودى لها، لاقبل ذلك، ولم يشترط تعالى من سمع النداء ممن لم يسمعه، والنداء لها انما هو إذا زالت الشمس، فمن أمر بالرواح قبل ذلك فرضا فقد افترض ما لم يفترضه الله تعالى في الآية ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، فصح يقينا انه تعالى امر بالرواح إليها اثر زوال الشمس، لا قبل ذلك، فصح انه قبل ذلك فضيلة لا فريضة، كمن قرب بدنة، أو بقرة، أو كبشا، أو ما ذكر معها * وقد صح امر النبي صلى الله عليه وسلم من مشى إلى الصلاة بالسكينة والوقار، والسعى المذكور
في القرآن انما هو المشى لا الجرى، وقد صح ان السعي المأمور به انما هو لادراك الصلاة لا للعناء دون ادراكها، وقد قال عليه السلام: (فما ادركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فصح قولنا بيقين لامرية فيه.
وبالله تعالى التوفيق * 527 - مسألة - ويبتدئ الامام بعد الاذان وتمامه بالخطبة فيخطب واقفا خطبتين يجلس بينهما جلسة * وليست الخطبة فرضا، فلو صلاها امام دون خطبة صلاها ركعتين جهرا ولابد * ونستحب له أن يخطبهما على أعلى المنبر مقبلا على الناس بوجهه، يحمد الله تعالى، ويصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم، ويذكر الناس بالآخرة، ويأمرهم بما يلزمهم في دينهم * وما خطب به مما يقع عليه اسم خطبة أجزأه، ولو خطب بسورة يقرؤها فحسن * فان كان لم يسلم على الناس إذ دخل فليسلم عليهم إذا قام على المنبر * روينا عن أبى بكر، وعمر: انهما كانا يسلمان إذا قعدا على المنبر * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل الجحدرى ثنا خالد بن الحارث ثنا عبيدالله - (م 8 - ج 5 المحلى)(5/57)
هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائما ثم يجلس ثم يقوم، كما يفعلون اليوم) * وقد روينا عن عثمان، ومعاوية.
أنهما كانا يخطبان جالسين * قال أبو محمد: قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة) فانما لنا الائتساء بفعله صلى الله عليه وسلم، وليس فعله فرضا * فأما أبو حنيفة، ومالك فقالا: الخطبة فرض لا تجزئ صلاة الجمعة إلا بها، والوقوف في الخطبة فرض، واحتجا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تناقضا فقالا: إن خطب جالسا
أجزأه، وان خطب خطبة واحدة أجزأه، وان لم يخطب لم يجزه، وقد صح عن جابر انه قال: (من أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب جالسا فقد كذب) * قال أبو محمد: من الباطل ان يكون بعض فعله عليه السلام فرضا وبعضه غير فرض * وقال الشافعي: ان خطب خطبة واحدة لم تجزه الصلاة، ثم تناقض فأجاز الجمعة لمن خطب قاعدا، والقول عليه في ذلك كالقول على ابى حنيفة، ومالك في اجازتهما الجمعة بخطبة واحدة ولا فرق * وقال عطاء، وطاوس، ومجاهد: من لم يدرك الخطبة يوم الجمعة لم يصلها الا اربعا، لان الخطبة أقيمت مقام الركعتين * روينا من طريق الخشنى: ثنا محمد بن المثنى ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن حنظلة بن أبى سفيان الجمحى المكى قال: سمعت طاوسا وعطاء يقولان: من لم يدرك الخطبة صلى أربعا * ومن طريق محمد بن المثنى: ثنا يحيى بن سعيد القطان عن أبى يونس الحسن بن يزيد سمعت مجاهدا يقول: إذا لم تدرك الخطبة يوم الجمعة فصل أربعا * وروينا من طريق عبد الرزاق عن الاوزاعي عن عمرو بن شعيب: أن عمر بن الخطاب قال: الخطبة موضع الركعتين، فمن فاتته الخطبة صلى أربعا * قال أبو محمد: الحنيفيون والمالكيون يقولون: المرسل كالمسند وأقوى، فيلزمهم الاخذ بقول عمر ههنا، وإلا فقد تناقضوا.
* قال أبو محمد: من احتج في ايجاب فرض الخطبة بأنها جعلت بدلا عن الركعتين لزمه أن يقول بقول هؤلاء، والا فقد تناقض *(5/58)
واحتج بعضهم في إيجاب الخطبة بقول الله تعالى: (واذ رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما) *
قال أبو محمد: وهذا الاحتجاج لا منفعة لهم فيه في تصويب قولهم، وانما فيه أنهم تركوه قائما، وهكذا نقول، وانما هو رد على من قال: إنهم تركوه عليه السلام قاعدا، وهذا لا يقوله أحد، وليس في انكار الله تعالى لتركهم لنبيه عليه السلام قائما -: إيجاب لفرض القيام في الخطبة، ولا لفرض الخطبة * فان كان ذلك عندهم كما يقولون فيلزمهم أن من خطب قاعدا فلا جمعة له ولا لهم، وهذا لا يقوله أحد منهم، فظهر أن احتجاجهم بالآية عليهم، وأنها مبطلة لاقوالهم في ذلك لو كانت على إيجاب القيام، وليس فيها أثر بوجه من الوجوه على إيجاب الخطبة، إنما فيها أن الخطبة تكون قياما فقط * فان ادعوا اجماعا أكذبهم ما رويناه عن سعيد بن ابى عروبة عن قتادة عن الحسن البصري: من لم يخطب يوم الجمعة صلى ركعتين على كل حال.
وقد قاله أيضا ابن سيرين * وقد أقدم بعضهم - بجارى عادتهم في الكذب على الله تعالى - فقال: إن قول الله تعالى: (فاسعوا إلى ذكر الله) إنما مراده إلى الخطبة، وجعل هذا حجة في إيجاب فرضها * قال أبو محمد: ومن لهذا المقدم ان الله تعالى أراد بالذكر المذكور فيها الخطبة؟ بل أول الآية وآخرها يكذبان ظنه الفاسد، لان الله تعالى انما قال: (إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) ثم قال عزوجل: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا) فصح ان الله انما افترض السعي إلى الصلاة إذا نودى لها، وأمر إذا قضيت بالانتشار وذكره كثيرا، فصح يقينا ان الذكرا لمأمور بالسعي له هو الصلاة وذكر الله تعالى فيها بالتكبير، والتسبيح، والتمجيد، والقراءة، والتشهد لا غير ذلك * ولو كان ما قاله هذا الجاهل لكان من لم يدرك الخطبة ولا شيئا منها وادرك الصلاة غير مؤد لما افترض الله تعالى عليه من السعي، وهم لا يقولون: هذا، وقد قاله من هو خير منهم، فلا يكذبون ثانية في دعوى الاجماع مموهين على الضعفاء، وبالله تعالى التوفيق * فان قالوا: لم يصلها عليه السلام قط إلا بخطبة *
قلنا: ولا صلاها عليه السلام قط إلا بخطبتين قائما يجلس بينهما، فاجعلوا كل ذلك فرضا لا تصح الجمعة إلا به، ولا صلى عليه السلام قط إلا رفع يديه في التكبيرة الاولى،(5/59)
فأبطلوا الصلاة بترك ذلك * وأما قولنا: ما وقع عليه اسم خطبة فاقتداء بظاهر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم * وقال أبو حنيفة: تجزئ تكبيرة، وهذا نقض منه لا يجابه الخطبة فرضا، لان التكبيرة لا تسمى خطبة، ويقال لهم: إذا جاز هذا عندكم فلم لا أجزأت عن الخطبة تكبيرة الاحرام فهى ذكر؟ * وقال مالك: الخطبة كل كلام ذى بال * قال أبو محمد: ليس هذا حد للخطبة، وهو يراها فرضا، ومن أوجب فرضا فواجب عليه تحديده، حتى يعلمه متبعوه علما لا إشكال فيه، وإلا فقد جهلوا فرضهم * واما خطبتها على أعلى المنبر فهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحت بذلك الآثار المتواترة وكان يلزمهم أن يجعلوا هذا أيضا فرضا، لانه مذ عمل المنبر يخطب النبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة إلا عليه * وأما قولنا: ان خطب بسورة يقرؤها فحسن (1) * روينا من طريق مسلم حدثنى محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن خبيب ابن عبد الرحمن عن عبد الله بن محمد بن معاوية عن ابنة لحارثة بن النعمان قالت: (ما حفظت (ق) (2) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطب بها كل جمعة، وكان تنوريا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا) * 528 - مسألة - ولا تجوز اطالة الخطبة، فان قرأ فيها بسورة فيها سجدة أو آية فيها سجدة فنستحب له أن ينزل فيسجد والناس، فان لم يفعل فلا حرج * روينا من طريق مسلم بن الحجاج حدثنى شريح بن يونس حدثنى عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر عن أبيه عن واصل بن حيان قال قال أبو وائل: خطبنا عمار بن ياسر فأوجزو أبلغ، لما نزل قلنا: يا أبا اليقظان، لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست؟ فقال:
انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة (3) من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، فان من البيان سحرا) * ومن طريق وكيع عن اسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم قال قال ابن مسعود: أحسنوا هذه الصلاة واقصروا هذه الخطب * قال أبو محمد: شهدت ابن معدان في جامع قرطبة قد أطال الخطبة، حتى أخبرني بعض
__________
(1) جواب أما محذوف دل عليه ما بعده وتقديره فنذكره بسندي (2) أي سورة (ق والقرآن المجيد) (3) في الصحاح (مئنة) أي علامة *(5/60)
وجوه الناس أنه بال في ثيابه وكان قد نشب في المقصورة * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم القاضى ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا احمد بن صالح ثنا ابن وهب اخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن ابى هلال عن عياض بن عبد الله ابن سعد بن أبى سرح عن ابى سعيد الخدرى قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه) * ومن طريق حماد بن سلمة عن على بن زيد عن صفوان بن محرز: ان أبا موسى الاشعري قرأ سورة الحج على المنبر بالبصرة فسجد بالناس سجدتين.
* ومن طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه: ان عمر بن الخطاب قرأ السجدة وهو على المنبر يوم الجمعة، ثم نزل فسجد فسجدوا معه، ثم قرأها يوم الجمعة الاخرى فتهيؤا للسجود، فقال عمر: على رسلكم، إن الله لم يكتبها علينا اإلا أن نشاء * ومن طريق البخاري: ثنا ابراهيم بن موسى انا هشام بن يوسف ان ابن جريج اخبرهم قال اخبرني أبو بكر بن ابى مليكة عن عثمان بن عبد الرحمن التيمى عن ربيعة بن عبد الله ابن الهدير (1) - وكان من خيار الناس - انه شهد عمر بن الخطاب قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل، حتى إذا جاء السجدة نزل فسجدوا سجد الناس معه، حتى إذا
كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاء السجدة قال: يا أيها الناس، انما نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا حرج عليه (2) فلم يسجد عمر.
* ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عاصم بن أبى النجود عن زربن حبيش أن عمار بن ياسر قرأ يوم الجمعة على المنبر (إذا السماء انشقت) ثم نزل فسجد * ومن طريق شعبة عن أبى إسحاق السبيعى: أن الضحاك بن قيس كان يخطب فقرأ صلى الله عليه وسلم، وذلك بحضرة الصحابة، لا ينكر ذلك احد بالمدينة، والبصرة، والكوفة، ولا يعرف لهم من الصحابة رضى الله عنهم مخالف، وقد سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سجدات القرآن المشهورة، فاين دعواهم اتباع عمل الصحابة *؟ 529 - مسألة - وفرض على كل من حضر الجمعة - سمع الخطبة أو لم يسمع - أن لا يتكلم مدة خطبة الامام بشئ البتة، إلا التسليم إن دخل حينئذ، ورد السلام على
__________
(1) بضم الهاء وفتح الدال المهملة واسكان الياء التحتية وآخره راء، (2) كذلك في النسخة رقم (14) وفى البخاري (ج 2 ص 101) (فلا إثم عليه) *(5/61)
من سلم ممن دخل حينئذ، وحمد الله تعالى ان عطس، وتشميت العاطس ان حمدالله، والرد على المشمت، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر الخطيب بالصلاة عليه، والتأمين على دعائه، وابتداء مخاطبة الامام في الحاجة تعن، ومجاوبة الامام ممن ابتدأه الامام بالكلام في أمر ما فقط * ولا يحل أن يقول أحد حينئذ لمن يتكلم -: أنصت، ولكن يشير إليه أن يغمزه أو يحصبه * ومن تكلم بغير ما ذكرنا ذا كرا عالما بالنهي فلا جمعة له * فان ادخل الخطيب في خطبته ما ليس من ذكر الله تعالى ولا من الدعاء المأمور به فالكلام مباح حينئذ، وكذلك إذا جلس الامام بين الخطبتين فالكلام حينئذ مباح،
وبين الخطبة وابتداء الصلاة أيضا، ولا يجوز المس للحصى مدة الخطبة * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب انا اسحاق بن راهويه انا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن منصور بن المعتمر عن ابى معشر زياد بن كليب عن ابراهيم النخعي عن علقمة عن القرثع الضبى - (1) وكان من القراء الاولين - عن سلمان الفارسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمر ثم يخرج إلى الجمعة فينصت حتى يقضى صلاته -: إلا كان كفارة لما كان قبله (2) من الجمعة) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن ابى صالح عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت -: غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا
__________
(1) القرثع بفتح القاف واسكان الراء وفتح الثاء المثلثة وآخره عين مهملة، والقرثع هذا كان مخضر ما ادرك الجاهلية والاسلام، وكان من زهاد التابعين، وقتل في خلافة عثمان شهيدا، رحمه الله وفى النسخة رقم (16) (عن علقمة بن القرثع الضبى) وهو خطأ بل علقمة روى عن القرثع وليس ابنه (2) في سنن النسائي (ج 3 ص 104) (لما قبله) بحذف (كان) واعلم اننا اعتمدنا الآن نسخة النسائي المطبوعة حديثا بالمطبعة المصرية واسناد هذا الحديث اسناد صحيح *(5/62)
يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والامام يخطب (1) فقد لغوت) * قال أبو محمد: قال الله تعالى: (وإذا مروا باللغو مروا كراما) *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا احمد بن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى هريرة: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة على المنبر، فقال أبو ذر لابي بن كعب: متى نزلت هذه السورة؟ فأعرض عنه أبى، فلما قضى صلاته قال أبى بن كعب لابي ذر: مالك من صلاتك إلا ما لغوت، فدخل أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فقال: صدق أبى بن كعب): * وبه إلى حماد عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني: ان علقمة بن عبد الله المزني كان بمكة فجاء كريه (2) والامام يخطب يوم الجمعة، فقال له: حبست القوم، قدار تحلوا (3)، فقال له: لا تعجل حتى ننصرف، فلما قضى صلاته قال له ابن عمر: أما صاحبك فحمار، وأما أنت فلا جمعة لك * ومن طريق وكيع عن أبيه عن ابراهيم بن مهاجر عن ابراهيم النخعي.
ان رجلا استفتح عبد الله بن مسعود آية والامام يخطب، فلما صلى قال: هذا حظك من صلاتك * قال أبو محمد: فهولاء ثلاثة من الصحابة لا يعرف لهم من الصحابة رضى الله عنهم مخالف، كلهم يبطل صلاة من تكلم عامدا في الخطبة، وبه نقول، وعليه اعادتها في الوقت، لانه لم يصلها * والعجب ممن قال: معنى هذا أنه بطل أجره! * قال أبو محمد: وإذا بطل أجره فقد بطل عمله بلا شك * ومن طريق معمر عن أيوب السختيانى عن نافع: أن ابن عمر حصب رجلين كانا يتكلمان
__________
(1) قوله (والامام يخطب) زيادة من النسخة رقم (14) وهو الموافق للبخاري (ج 2 ص 48) (2) بوزن فعيل من الكراء، والكرى هو الذى يكريك دابته فعيل - بكسر العين - يقال: اكرى دابته فهو مكرو كرى، وقد يقع على المكترى فعيل بمعنى مفعل - بفتح العين - قاله في اللسان (3) أي جعلوا الرحال على الابل، يقال: رحل البعير وارتحله جعل عليه الرحل - باسكان الحاء المهملة - والمعنى انهم تهيؤا للذهاب *(5/63)
يوم الجمعة، وأنه رأى سائلا يسأل يوم الجمعة فحصبه، وأنه كان يومئ إلى الرجل يوم الجمعة: أن اسكت * وأما إذا أدخل الامام في خطبته (1) مدح من لا حاجة بالمسلمين إلى مدحه، أو دعاء فيه بغى وفضول من القول، أو ذم من لا يستحق -: فليس هذا من الخطبة، فلا يجوز الانصات لذلك، بل تغييره واجب إن أمكن * روينا من طريق سفيان الثوري عن مجالد قال: رأيت الشعبى وأبا بردة بن أبى موسى الاشعري يتكلمان والحجاج يخطب حين قال: لعن الله ولعن الله، فقلت: أتتكلمان في الخطبة؟ فقالا: لم نؤمر بأن ننصت لهذا * وعن المعتمر بن سليمان التيمى عن اسمعيل بن أبى خالد قال: رأيت ابراهيم النخعي يتكلم والامام يخطب زمن الحجاج * قال أبو محمد: كان الحجاج وخطباؤه يلعنون عليا وابن الزبير رضى الله عنهم ولعن لاعنهم * قال أبو محمد: وقد روينا خلافا عن بعض السلف لا نقول به * رويناه من طريق وكيع عن ابن نائل (2) عن اسماعيل بن أمية عن عروة بن الزبير: أنه كان لا يرى بأسا بالكلام إذا لم يسمع الخطبة * وأما ابتداء السلام ورده فان عبد الله بن ربيع حدثنا قال ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد ابن بكر ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا بشر - هو ابن المفضل - عن محمد بن عجلان عن المقبرى - هو سعيد بن أبى سعيد - عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الاولى بأحق من الآخرة) (3) وقال عزوجل: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها) * وأما حمد العاطس وتشميته فان عبد الله بن ربيع حدثنا قال ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبى شيبة ثنا جرير عن منصور عن هلال بن يساف
عن سالم بن عبيد قال: انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عطس أحدكم فليحمد الله، وليقل له من عنده: يرحمك الله، وليرد عليهم: يغفر الله لنا ولكم) (4) *
__________
(1) في النسخة رقم (14) (في الخطبة) (2) كذا في النسخة رقم (14) وفى النسخة رقم (16) (ابن أبى نابل) ويحرر رأيتهما أصح، فانى لم أعرف من هو؟ (3) رواه أبو داود (ج 4 ص 520) (4) اختصره المؤلف، وهو في أبى داود (ج 4 ص 466 و 467) وكذلك بالاسناد الذى فيه زيادة خالد بن عرفجة *(5/64)
وقد قيل: إن بين هلال بن يساف وبين سالم بن عبيد خالد بن عرفجة * وبه إلى أبى داود: ثنا موسى بن اسمعيل قال عبد العزيز - هو ابن عبد الله بن أبى سلمة - عن عبد الله بن دينار عن أبى صالح عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عطس أحدكم فليقل: الحمدلله على كل حال، وليقل أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، ويقول هو: يهديكم الله ويصلح بالكم) * قال أبو محمد: فان قيل: قد صح النهي عن الكلام والامر بالانصات في الخطبة، وصح الامر بالسلام ورده، وبحمد الله تعالى عند العطاس وتشميته عند ذلك ورده، فقال قوم: إلا في الخطبة، وقلتم أنتم: بالانصات في الخطبة إلا عن السلام ورده والحمد والتشميت والرد، فمن لكم بترجيح استثنائكم وتغليب استعمالكم للاخبار على استثناء غيركم واستماله للاخبار لاسيما وقد أجمعتم معنا على أن كل ذلك لا يجوز في الصلاة؟! * قلنا وبالله تعالى التوفيق: قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة أنه (لا يصلح فيها شئ من كلام الناس) والقياس للخطبة على الصلاة باطل، إذ لم يوجبه قرآن، ولاسنة، ولا اجماع، فنظرنا في ذلك فوجدنا الخطبة يجوز فيها ابتداء الخطيب بالكلام ومجاوبته، وابتداء ذى الحاجة له بالمكالمة وجواب الخطيب له، على ما نذكر بعد هذا، وكل هذا ليس هو فرضا، بل هو مباح، ويجوز فيها ابتداء الداخل بالصلاة تطوعا، فصح أن الكلام المأمور به مغلب على الانصات فيها، لانه من المحال الممتنع الذى لا يمكن البتة
جوازه -: أن يكون الكلام المباح جائزا فيها، ويكون الكلام الفرض المأمور به الذى لا يحل تركه محرما فيها.
وبالله تعالى نتأيد * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفر برى ثنا البخاري ثنا ابراهيم بن المنذر ثنا الوليد بن مسلم ثنا أبو عمرو - هو الاوزاعي - حدثنى اسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس بن مالك قال.
(بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، وما نرى في السماء قزعة) (1) وذكر باقى الحديث * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد
__________
(1) القزعة بفتح القاف والزاى والعين المهملة: القطعة من السحاب * (م 9 - ج 5 المحلى)(5/65)
ابن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا سليمان بن المغيرة ثنا حميد بن هلال قال قال أبو رفاعة: (انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقلت: يا رسول الله، رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدرى ما دينه، فأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلى، وأتى (1) بكرسى حسبت قوائمه حديدا، فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يعلمنى مما علمه الله عزوجل، ثم أتى خطبته (2) فأتم آخرها) * قال أبو محمد: أبو رفاعة هذا تميم العدوى (3) له صحبة، * وقد ذكرنا قبل هذا الباب في الباب المتصل به كلام عمر مع الناس على المنبر في أن السجود ليس فرضا، وذكرنا قبل كلام عمر مع عثمان بحضرة الصحابة رضى الله عنهم وكلام عثمان معه وعمر يخطب في أمر غسل الجمعة وانكار تركه، لا ينكر الكلام في كل ذلك أحد من الصحابة، حتى نشأ من لا يعتد به مع من ذكرنا * والعجب أن بعضهم - ممن ينتسب إلى العلم بزعمهم - قال: لعل هذا قبل نسخ الكلام
في الصلاة أو قال: في الخطبة! * فليت شعرى أين وجد نسخ الكلام الذى ذكرنا في الخطبة وما الذى أدخل الصلاة في الخطبة؟ وليس لها شئ من أحكامها ولو خطب الخطيب على غير وضوء لما ضر ذلك خطبته، وهو يخطبها إلى غير القبلة، فأين الصلاة من الخطبة لو عقلوا؟ ونعوذ بالله من الضلال.
والدين لا يؤخذ بلعل * ومن طريق وكيع عن الفضل بن دلهم (4) عن الحسن قال: يسلم ويرد السلام ويشمت العاطس والامام يخطب * وعن وكيع عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي مثله * وعن الشعبى وسالم بن عبد الله بن عمر قالا: رد السلام يوم الجمعة واسمع * وقال القاسم بن محمد ومحمد بن على: يرد في نفسه * ومن طريق شعبة قال: سألت حماد بن ابى سليمان والحكم بن عتيبة عن رجل جاء
__________
(1) في صحيح مسلم (ج 1 ص 239) (فأتى) (2) في النسخة رقم (14) (ثم أتى إلى خطبته) وما هنا هو الموافق لصحيح مسلم (3) اختلف في اسمه فقيل (تميم بن أسد) وقيل (تميم ابن أسيد) وقيل (عبد الله بن الحارث بن أسد) وهو صحابي معروف بكنيته وبها اشتهر.
(4) بفتح الدال المهملة والهاء وبينهما لام ساكنة، والفضل هذا وثقة وكيع وضعفه غيره *(5/66)
يوم الجمعة، وقد خرج الامام؟ فقالا جميعا: يسلم ويردون عليه، وإن عطس شمتوه ويرد عليهم * وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: إذا عطس الرجل يوم الجمعة والامام يخطب فحمد الله تعالى، أو سلم وأنت تسمعه وتسمع الخطبة فشمته في نفسك، ورد عليه في نفسك، فان كنت لا تسمع الخطبة فشمته واسمعه ورد عليه وأسمعه * وعن معمر عن الحسن البصري وقتادة قالا جميعا في الرجل يسلم وهو يسمع الخطبة:
انه يرد ويسمعه * وعن حماد بن سلمة عن زياد الاعلم عن الحسن: أنه كان لا يرى بأسا أن يسلم الرجل ويرد السلام والامام يخطب * وهو قول الشافعي، وعبد الرزاق، وأحمد بن حنبل، واسحاق بن راهويه، وأبى سليمان وأصحابهم * 530 - مسألة - والاحتباء جائز يوم الجمعة والامام يخطب، وكذلك شرب الماء، وإعطاء الصدقة، ومناولة المرء أخاه حاجته، لان كل هذا أفعال خير لم يأت عن شئ منها نهى، وقال تعالى: (وافعلوا الخير) ولو كرهت أو حرمت لبين ذلك تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم (وما كان ربك نسيا) * وقد جاء النهى عن الاحتباء والامام يخطب من طريق أبى مرحوم عبد الرحيم ابن ميمون عن سهل بن معاذ بن أنس الجهنى * وأبو مرحوم هذا مجهول (1)، لم يرو عنه أحد نعلمه إلا سعيد بن أبى أيوب * روينا عن ابن عمر: أنه كان يحتبى يوم الجمعة والامام يخطب، وكذلك أنس بن مالك وشريح، وصعصعة بن صوحان، وسعيد بن المسيب، وابراهيم النخعي، ومكحول واسماعيل بن محمد بن سعد بن أبى وقاص، ونعيم بن سلامة، ولم يبلغنا عن أحد من التابعين أنه كرهه، إلا عبادة بن نسى وحده، ولم ترو كراهة ذلك عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم *
__________
(1) أما أبو مرحوم فانه ليس مجهولا، وقد روى عنه أيضا نافع بن يزيد ويحيى ابن أيوب وابن لهيعة وغيرهم، وهو لا بأس به، وفيه ضعف، وشيخه سهل بن معاذ فيه ضعف أيضا *(5/67)
وروينا عن طاوس اباحة شرب الماء يوم الجمعة والامام يخطب *
وهو قول مجاهد والشافعي وأبى سليمان * وقال الاوزاعي إن شرب الماء فسدت جمعته، وبالله تعالى التوفيق * 531 - مسألة - ومن دخل يوم الجمعة والامام يخطب فليصل ركعتين قبل أن يجلس * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا آدم ثنا شعبة ثنا عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا جاء أحدكم والامام يخطب أو قد خرج فليصل ركعتين) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن عبد الله قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم خطب فقال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الامام فليصل ركعتين) * قال أبو محمد: هذا أمر لا حيلة لمموه فيه، والله تعالى الحمد * وبه إلى مسلم: ثنا قتيبة واسحاق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - كلاهما عن سفيان ابن عيينة عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول: (دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصل الركعتين) هذا لفظ اسحاق، وقال قتيبة في حديثه: (ركعتين) وهكذا رويناه من طريق حماد بن زيد وأيوب السختيانى وابن جريج كلهم عن عمرو عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن طريق الليث عن أبى الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن محبوب واسماعيل بن ابراهيم قالا ثنا حفص بن غياث عن الاعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة قال: (جاء سليك الغطفانى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له عليه السلام: أصليت شيئا؟ قال: لا، قال: صل الركعتين تجوز فيهما) *
وحدثنا احمد بن محمد الطلمنكى ثنا ابن مفرج ثنا ابراهيم بن أحمد بن فراس العبقسى (1)
__________
(1) نسبة إلى (عبد القيس) وينسب إليه (العبدى) أيضا والعبقسى أشهر، قاله السمعاني *(5/68)
ثنا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري ثنا اسحاق بن راهويه أنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبى سرح عن أبى سعيد الخدرى (انه جاء ومروان يخطب يوم الجمعة، فقام فصلى الركعتين، فأجلسوه، فأبى، وقال: أبعد ما صليتموها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) * فهذه آثار متظاهرة متواترة عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم بأصح اسانيد توجب العلم بأمره صلى الله عليه وسلم من جاء يوم الجمعة والامام يخطب بأن يصلى ركعتين، وصلاهما أبو سعيد مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعده بحضرة الصحابة، ولا يعرف له منهم مخالف، ولا عليه منكر، إلا شرط مروان الذين تكلموا بالباطل وعملوا الباطل في الخطبة، فأظهروا بدعة وراموا إماتة سنة وإطفاء حق، فمن أعجب شأنا ممن يقتدى بهم ويدع الصحابة؟ * وقد روى الناس من طريق مالك وغيره عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو ابن سليم الزرقى عن ابن قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل الن يجلس) فعم عليه السلام ولم يخص فلا يحل لاحد ان يخص إلا ما خصه النبي صلى الله عليه وسلم، ممن يجد الامام يقيم لصلاة الفرض، أو قد دخل فيها، وسبحان من يسر هؤلاء لعكس الحقائق فقالوا: من جاء والامام يخطب فلا يركع، ومن جاء والامام يصلى الفرض ولم يكن أوتر ولا ركع ركعتي الفجر فليترك الفريضة وليشتغل بالنافلة فعكسوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عكسا، * ولولا البرهان الذى قد ذكرنا قبل بأن لا فرض الا الخمس لكانت هاتان الركعتان فرضا، ولكنهما في غاية التأكيد، لا شئ من السنن أو كد منهما، لتردد أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بهما * وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدى: ثنا سفيان الثوري عن أبى نهيك (1) عن سماك بن سلمة قال: سأل رجل ابن عباس عن الصلاة والامام يخطب؟ فقال: لو أن الناس فعلوه كان حسنا * وعن أبى نعيم الفضل بن دكين: ثنا بريد بن عبد الله بن ابى بردة بن ابى موسى الاشعري قال: رأيت الحسن البصري دخل يوم الجمعة وابن هبيرة يخطب، فصلى ركعتين في مؤخر
__________
(1) بفتح النون، وأظن انه القاسم بن محمد الاسدي أو الضبى، وله ترجمة في التهذيب (ج 12 ص 259) وله فيه أيضا ذكر في ترجمة سماك (ج 4 ص 235)(5/69)
المسجد ثم جلس * وعن وكيع عن عمران بن حدير عن أبى مجلز قال: إذا جئت يوم الجمعة وقد خرج الامام فان شئت صليت ركعتين * وهو قول سفيان بن عيينة، ومكحول، وعبد الله بن يزيد المقرئ، والحميدي، وأبى ثور، وأحمد بن حنبل، واسحاق بن راهويه، وجمهور أصحاب الحديث، وهو قول الشافعي وأبى سليمان واصحابهما * وقال الاوزاعي: ان كان صلاهما في بيته جلس، وان كان لم يصلهما في بيته ركعهما في المسجد والامام يخطب * وقال أبو حنيفة ومالك: لا يصل، قال مالك: فان شرع فيهما فليتمهما * قال أبو محمد: ان كانتا حقا فلم لا يبتدئ بهما؟ فالخير ينبغى البدار إليه، وان كانتا خطأ وغير جائزتين فما يجوز التمادي على الخطاء.
وفى هذا كفاية * واحتج من منع (1) منهما بخبر ضعيف رويناه من طريق معاوية بن صالح عن أبى الزاهرية قال: كنا مع عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (جاء رجل يتخطى
رقاب الناس يوم الجمعة والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجلس فقد آذيت) (2) قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لوجوه أربعة * أحدها: أنه لا يصح، لانه من طريق معاوية بن صالح، لم يروه غيره، وهو ضعيف * والثانى: أنه ليس في الحديث - لو صح - أنه لم يكن ركعهما، وقد يمكن أن يكون ركعهما ثم تخطى، ويمكن أن لا يكون ركعهما، فإذ ليس في الخبر لا أنه ركع ولا أنه لم يركع -: فلا حجة لهم فيه ولا عليهم، ولايجوز أن يقيم في الخبر ما ليس فيه فيكون من فعل ذلك أحد الكذابين * والثالث: أنه حتى لو صح الخبر، وكان فيه أنه لم يكن ركع -: لكان ممكنا أن يكون قبل أمر النبي صلى الله عليه وسلم من جاء والامام يخطب بالركوع، وممكنا أن يكون بعده، فإذ ليس فيه بيان بأحد الوجهين فلا حجة فيه لهم ولا عليهم *
__________
(1) في الاصلين (واحتج من سمع) الخ وهو خطأ ظاهر واتفاق الاصلين عليه غريب (2) رواه أبو داود (ج 1 ص 435 و 436) والنسائي (ج 3 ص 103) واحمد في المسند (ج 4 ص 190) وهو حديث صحيح ومعاوية بن صالح ثقة خلافا لما زعم ابن حزم *(5/70)
والرابع: أنه لو صح الخبر وصح فيه أنه لم يكن ركع، وصح ان ذلك كان بعد أمره عليه السلام من جاء والامام يخطب بأن يركع، وكل ذلك لا يصح منه شئ -: لما كانت لهم فيه حجة، لاننا لم نقل إنهما فرض، وانما قلنا: إنهما سنة يكره تركها، وليس فيه نهى عن صلاتهما فبطل تعلقهم بهذا الخبر الفاسد جملة.
وبالله تعالى التوفيق، وبقى أمره عليه السلام بصلاتهما لا معارض له * وتعلل بعضهم بخبر رويناه من طريق يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبى سرح عن أبى سعيد الخدرى: (ان رجلا دخل المسجد) -
فذكر الحديث وفيه - (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم امره ان يصلى ركعتين، ثم قال: إن هذا دخل المسجد في هيئة بذة فأمرته ان يصلى ركعتين وأنا أرجو أن يفطن له رجل فيتصدق عليه) قالوا: فانما امره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالركعتين ليفطن فيتصدق عليه * قال أبو محمد: وهذا الحديث من أعظم الحجج عليهم، لان فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاتهما، وعلى كل حال فليس اعتراض على حديث جابر الذى ذكرنا، وفيه قوله عليه السلام: (من جاء يوم الجمعة والامام يخطب أو قد خرج فليركع ركعتين) * ثم نقول لهم: قولوا لنا: هل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك بحق ام بباطل؟ فان قالوا بباطل، كفروا، وإن قالوا: بحق أبطلوا مذهبهم، ولزمهم الامر بالحق الذى امر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح انهما حق على كل حال، إذ لا يأمر عليه السلام بوجه من الوجوه إلا بحق * ثم نقول لهم: إذ قلتم هذا فتقولون أنتم به فتأمرون من دخل بهيئة بذة والامام يخطب يوم الجمعه بأن يركع ركعتين ليفطن له فيتصدق عليه؟ ام لا ترون ذلك؟ فان قالوا: نأمره بذلك تركوا مذهبهم، وإن قالوا: لسنا نأمره بذلك، قيل لهم: فاي راحة لكم في توجيهكم (1) للخبر الثابت وجوها أنتم مخالفون لها، وعاصون للخبر على كل حال؟ وهل ههنا إلا ايهام الضعفاء المغترين المحرومين أنكم أبطلتم حكم الخبر وصححتم بذلك قولكم؟ والامر في ذلك بالضد، بل هو عليكم.
وحسبنا الله ونعم الوكيل * وقال بعضهم: لما لم يجز ابتداء التطوع لمن كان في المسجد لم يجز لمن دخل المسجد
__________
(1) في النسخة رقم (14) (توجهكم) وما هنا أصح *(5/71)
قال أبو محمد: وهذه دعوى فاسدة لم يأذن الله تعالى بها، ولا قضاها رسوله عليه السلام، بل قد فرق عليه السلام بينهما، بأن أمر من حضر بالانصات والاستماع، وأمر الداخل بالصلاة، فالمعترض على هذا مخالف لله ولرسوله عليه السلام، فالتطوع جائز لمن في المسجد
ما لم يبدأ الامام بالخطبة ولمن دخل ما لم تقم الاقامة للصلاة * 522 - مسألة - والكلام مباح لكل احد مادام المؤذن يؤذن يوم الجمعة ما لم يبدأ الخطيب بالخطبة، والكلام جائز بعد الخطبة إلى أن يكبر الامام، والكلام جائز في جلسة الامام بين الخطبتين، لان الكلام بالمباح مباح إلا حيث منع منه النص، ولم يمنع النص إلا من الكلام في خطبة الامام كما أوردنا قبل * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن جرير بن حازم عن ثابت بن أسلم البنانى عن أنس بن مالك قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل من المنبر يوم الجمعة فيكمله الرجل في الحاجة، فيكلمه ثم يتقدم إلى المصلى فيصلى) * ومن طريق حماد بن سلمة أنا على بن زيد عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر الصديق لما قعد على المنبر يوم الجمعة قال له بلال: يا أبا بكر، قال: لبيك، قال: أعتقتني لله أم لنفسك؟ قال أبو بكر: بل لله تعالى، قال: فاذن لى أجاهد في سبيل الله تعالى، فأذن له، فذهب إلى الشأم فمات بها رضى الله عنه * ومن طريق حماد بن سلمة عن برد ابى العلاء عن الزهري: أن عمر بن الخطاب قال: كلام الامام يقطع الكلام.
فلم ير عمر الكلام يقطعه إلا كلام الامام * وعن سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن عمران بن موسى عن ابى الصعبة قال قال عمر بن الخطاب لرجل يوم الجمعة وعمر على المنبر: هل اشتريت لنا؟ أو هل اتيتنا بهذا؟ يعنى الحب * وعن هشيم بن بشير أخبرني محمد بن قيس أنه سمع موسى بن طلحة بن عبيدالله يقول: رأيت عثمان بن عفان جالسا يوم الجمعة على المنبر والمؤذن يؤذن وعثمان يسأل الناس عن أسعارهم وأخبارهم * ومن طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب: كلام الامام يقطع الكلام *(5/72)
وعن عبد الله بن عون: قال لى حماد بن أبى سليمان في المسجد بعد أن خرج الامام يوم الجمعة: كيف أصبحت؟ وعن عطاء وابراهيم النخعي: لا بأس بالكلام يوم الجمعة قبل أن يخطب الامام وهو على المنبر وبعد أن يفرغ * وعن قتادة عن بكر بن عبد الله المزني مثله * وعن حماد بن سلمة عن إياس بن معاوية مثله * وعن الحسن: لا بأس بالكلام في جلوس الامام بين الخطبتين * 533 - مسألة - ومن رعف والامام يخطب واحتاج إلى الخروج فليخرج، وكذلك من عرض له ما يدعوه إلى الخروج، * ولا معنى لاستئذان الامام، قال الله عزوجل: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
ولم يأت نص بايجاب استئذان الاماء في ذلك * ويقال لمن اوجب ذلك: فان لم يأذن له الامام، أتراه يبقى بلا وضوء؟ اوهو يلوث المسجد بالدم؟ أو يضيع ما لا يجوز لا تضييعه من نفسه أو ماله أو أهله؟ أو معاذ الله من هذا * 534 - مسألة - ومن ذكر في الخطبة صلاة فرض نسيها أو نام عنها فليقم وليصلها، سواء كان فقيها أو غير فقيه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) وقد ذكرناه باسناده قبل * وقد فرق قوم في ذلك بين الفقيه وغيره.
وهذا خطأ لم يوجبه قرآن، ولاسنة، ولانظر ولا معقول، بل الحجة ألزم للفقيه في أن لا يضيع دينه منها لغيره * فان قيل: يراه الجاهل فيظن الصلاة تطوعا جائزة حينئذ * قلنا: لا أعجب ممن يستعمل لنفسه مخالفة امر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتضييع فرضه خوف ان يخطئ غيره، ولعل غيره لا يظن ذلك أو يظن، فقد قال تعالى.
(لا تكلف إلا نفسك) وقال تعالى: (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) *
535 - مسألة - ومن لم يدرك مع الامام من صلاة الجمعة إلا ركعة واحدة أو الجلوس فقط فليدخل معه وليقض إذ أدرك ركعة ركعة واحدة (1) وان لم يدرك إلا الجلوس
__________
(1) في النسخة رقم (16) (وليقض إذا أدرك ركعة واحدة) وهو خطأ والصواب تكرار كلمة (ركعة) مرتين كما هو ظاهر وكما هو في النسخة الصحيحة رقم (14) * (م 10 - ج 5 المحلى)(5/73)
صلى ركعتين فقط.
وبه قال أبو حنيفة وأبو سليمان * وقال مالك والشافعي: إن ادرك ركعة قضى إليها أخرى، فان لم يدرك إلا رفع الرأس من الركعة فما بعده صلى أربعا * وقال عطاء، وطاوس، ومجاهد - ورويناه أيضا عن عمربن الخطاب -: من لم يدرك (1) شيئا من الخطبة صلى أربعا * واحتج من ذهب إلى هذا بأن الخطبة جعلت بازاء الركعتين، فيلزم من قال بهذا أن من فاتته الخطبة الاولى وأدرك الثانية أن يقضى ركعة واحدة مع أن هذا القول لم يأت به نص قرآن ولا سنة * واحتج مالك والشافعي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أدرك مع الامام ركعة فقد أدرك الصلاة) * قال أبو محمد: وهذا خبر صحيح، وليس فيه أن من أدرك أقل من ركعة لم يدرك الصلاة * بل قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا اسحاق بن اسماعيل النضرى ثنا عيسى بن حبيب ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا جدى محمد بن عبد الله ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون، عليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد البلخى ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا أبو نعيم ثنا شيبان عن يحيى - هو ابن أبى كثير - عن عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه قال: (بينما نحن نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال (2)، فلما صلى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة، قال: فلا تفعلوا، إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) * فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يصلى مع الامام ما أدرك، وعم عليه السلام ولم يخص، وسماه مدركا لما أدرك من الصلاة، فمن وجد الامام جالسا أو ساجدا فان عليه أن يصير معه في تلك الحال، ويلتزم إمامته، ويكون بذلك بلا شك داخلا في صلاة الجماعة فانما يقضى ما فاته ويتم تلك الصلاة، ولم تفته إلا ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان فلا
__________
(1) في النسخة رقم (14) (لمن لم يدرك) وما هنا أصح وأحسن (2) أي صوتهم *(5/74)
يصلى إلا ركعتين * وهذان الخبران زائدان على الذى فيه (من أدرك ركعة) والزيادة لا يجوز تركها وبالله تعالى التوفيق * روينا من طريق شعبة قال: سألت الحكم بن عتيبة عن الرجل يدرك الامام يوم الجمعة وهم جلوس؟ قال: يصلى ركعتين، قال شعبة: فقلنا له: ما قال هذا عن ابراهيم إلا حماد؟ قال الحكم: ومن مثل حماد؟ وعن معمر عن حماد بن أبى سليمان قال: ان ادركهم جلوسا في آخر الصلاة يوم الجمعة صلى ركعتين * قال أبو محمد: إلا أن الحنيفيين قد تناقضوا ههنا، لان من اصولهم - التى جعلوها دينا - ان قول الصاحب الذى لا يعرف له من الصحابة رضى الله عنهم مخالف فانه لا يحل خلافه * وقد روينا عن معمر عن ايوب السختيانى عن نافع عن ابن عمر قال: إذا ادرك الرجل ركعة يوم الجمعة صلى إليها أخرى، وإن وجد القوم جلوسا صلى أربعا * وعن سفيان الثوري عن ابى اسحق عن أبى الاحوص (1) عن ابن مسعود: من أدرك
الركعة فقد ادرك الجمعة، ومن لم يدرك الركعة فليصل أربعا * ولا يعرف لهما (2) من الصحابة رضى الله عنهم مخالف، نعم، وقد رويت فيه آثار - ليست بأضعف من حديث الوضوء بالنبيذ، والوضوء من القهقهة في الصلاة، والوضوء والبناء من الرعاف والقئ، فخالفوها إذ خالفها أبو حنيفة - من طريق الحجاج بن أرطاة من طريق ابن عمر، ومن طريق غيره عن الزهري عن أبى سلمة عن ابى هريرة مسندين، وهذا مما تناقضوا فيه * قال أبو محمد: وأما نحن فلا حجة عندنا في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو صح في هذا اثر عن النبي صلى الله عليه وسلم لقلنا به ولم نتعده * 536 - مسألة - والغسل واجب يوم الجمعة لليوم لا للصلاة (3)، وحكذلك الطيب،
__________
(1) في النسخة رقم (14) (عن الاحوص) وهو خطأ، أبو الأحوص هذا اسمه (عوف ابن مالك بن نضلة الجشمى الكوفى) وهو شيخ ابى اسحق السبيعى، واما أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي فهو تلميذ أبى اسحق (2) في النسخة رقم (14) (ولا يعرف له) وهو خطأ (3) هنا بحاشية النسخة رقم (14) مانصه: (قال ابن كوثر: أما من اتى الجمعة فليزمه الغسل قبلها، لقوله عليه السلام: (إذا جاء أحدكم الجمعة)، (فإذا اراد أحدكم ان يأتي(5/75)
والسواك، وقد ذكرنا كل ذلك فأغنى عن ترداده، إذ قد تقصيناه في كتاب الطهارة من ديواننا هذا ولله الحمد، ولا يتطيب لها المحرم ولا المرأة، لما ذكرنا في كتابنا هذا في النساء يحضرن صلاة الجماعة ولان المحرم منهى عن إحداث التطيب، على ما نذكر في كتاب الحج ان شاء الله تعالى، * ويلزم الغسل والسواك المحرم والمرأة كما يلزم الرجل، فمن عجز عن الماء تيمم، لما قد ذكرناه في التيمم من ديواننا هذا.
والله تعالى الحمد * 537 - مسألة - فان ضاق المسجد أو امتلات الرحاب واتصلت الصفوف صليت
الجمعة وغيرها في الدور، والبيوت، والدكاكين المتصلة بالصفوف، وعلى ظهر المسجد بحيث يكون مسامتا لما خلف الامام، لا للامام، لا لما أمام الامام أصلا.
ومن حال بينه وبين الامام والصفوف نهر عظيم أو صغير أو خندق أو حائط لم يضره شيئا، وصلى الجمعة بصلاة الامام * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا محمد - هو ابن سلام - ثنا عبدة عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل في حجرته، وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي صلى الله عليه وسلم، فقام أناس يصلون بصلاته) وذكر باقى الحديث * قال أبو محمد: حكم الامامة سواء في الجمعة وغيرها، والنافلة والفريضة، لانه لم يأت قرآن ولا سنة بالفرق بين أحوال الامامة في ذلك، ولا جاء نص بالمنع من الائتمام بالامام إذا اتصلت الصفوف، فلا يجوز المنع من ذلك بالرأى الفاسد، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (جعلت لى الارض مسجدا وطهورا، فحيثما أدركتك الصلاة فصل) فلا يحل أن يمنع احد من الصلاة في موضع إلا موضعا جاء النص بالمنع من الصلاة فيه، فيكون مستثنى من هذه الجملة * روينا عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها: أنها كانت تصلى في بيتها بصلاة الامام وهو في المسجد * وقد جاء ذلك مبينا في صلاة الكسوف، إذ صلت في بيتها بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالناس *
__________
الجمعة) و (من جاء منكم الجمعة) في هذه التصريح بارادة الاتيان، وهذا يوجب الغسل قبل الصلاة، فأما من لم يأت الجمعة فله الغسل في أي وقت شاء قبل الجمعة وبعدها)(5/76)
ومن طريق حماد بن سلمة أخبرني جبلة بن أبى سليمان الشقرى (1) قال: رأيت أنس ابن مالك يصلى في دار أبى عبد الله في الباب الصغير الذى يشرف على المسجد يرى
ركوعهم وسجودهم * وعن المعتمر بن سليمان عن أبيه عن ابى مجلز قال: تصلى المرأة بصلاة الامام وإن كان بينهما طريق اوجدار (2)، بعد أن تسمع التكبير * وعن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه: انه جاء يوم الجمعة إلى المسجد وقد امتلاء، فدخل دار حميد بن عبد الرحمن بن عوف، والطريق بينه وبين المسجد، فصلى معهم وهو يرى ركوعهم وسجودهم وعن النضر بن أنس أنه صلى في بيت الخياط يوم الجمعة في الرحبة التى تباع فيها القباب * وعن حماد بن سلمة عن ثابت البنانى قال: جئت أنا والحسن البصري يوم الجمعة والناس على الجدر والكنف، فقلت له: أبا سعيد، أترجو لهؤلاء؟ قال: أرجو أن يكونوا في الاجر سواء وقال مالك: لا تصلى الجمعة خاصة في مكان محجور بصلاة الامام في المجسد، وأما سائر صلوات الفرض فلا بأس بذلك فيها وهذا لا نعلمه عن أحد من الصحابة ولا يعضد هذا القول قرآن، ولا سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا قياس، ولا رأى سديد * وقال أبو حنيفة: إن كان بين الامام والمأموم نهر صغير أجزأته صلاته، فان كان كبيرا لم تجزه * وهذا كلام ساقط، لا يعضده قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا قول صاحب، ولا رأى سديد * وحد النهر الكبير بما يمكن أن تجرى فيه السفن * قال أبو محمد: ليت شعرى أي السفن؟ وفى السفن ما يحمل الف وسق، وفيها زويرق صغير يحمل ثلاثة أو أربعة فقط *
__________
(1) جبلة: بفتح الجيم والباء الموحدة.
والشقرى: بفتح الشين المعجمة والقاف وكسر
الراء، نسبة إلى بنى شقرة - بكسر القاف - على غير قياس.
وله ترجمة في الانساب (ورقة 336) (2) في النسخة رقم (14) (أو جدر) بالجيم والدال المضمومتين جمع جدار *(5/77)
وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال: من صلى بصلاة الامام وبينهما طريق أو جدر أو نهر فلا يأتم به.
فلم يفرق بين نهر صغير وكبير وروينا من طريق شعبة: ثنا قتادة قال قال لى زرارة بن أو في سمعت أبا هريرة يقول: لا جمعة لمن صلى في الرحبة.
وبه يقول زرارة * قال أبو محمد: لو كان تقليد لكان هذا - لصحة اسناده - أولى من تقليد مالك وأبى حنيفة * وعن عقبة بن صهبان (1) عن أبى بكرة: أنه رأى قوما يصلون في رحبة المسجد يوم الجمعة، فقال: لاجمعة لهم، قلت: لم؟ قال: لانهم يقدرون على أن يدخلوا فلا يفعلون * قال أبو محمد: هذا كما قال لمن قدر على أن يصل الصف فلم يفعل * وان العجب كله ممن يجيز الصلاة حيث صح نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيه كالمقبرة، ومعطن الابل، والحمام، ثم يمنع منها حيث لا نص في المنع منها، كالموضع المحجور أو بينها نهر كبير وكل هذا كما ترى وبالله تعالى التوفيق * 538 - مسألة - ومن زوحم يوم الجمعة أو غيره فان قدر على السجود كيف أمكنه ولو ايماء وعلى الركوع كذلك -: أجزأه، فان لم يقدر أصلا وقف كما هو، فإذا خف الامر صلى ركعتين وأجزأه.
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ولقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) ولا فرق بين العجز عن الركوع والسجود بمرض أو بخوف أو بمنع زحام، وقد صلى السلف الجمعة إيماء في المسجد، إذ كان بنو أمية يؤخرون الصلاة إلى قرب غروب الشمس * 539 - مسألة - وان جاء اثنان فصاعدا وقد فاتت الجمعة صلوها جمعة، لما ذكرنا من أنها ركعتان في الجماعة *
540 - مسألة - ومن كان بالمصر فراح إلى الجمعة من أول النهار فحسن، لما ذكرنا قبل، وكذلك من كان خارج المصر أو القرية على أقل من ميل، فان كان على ميل فصاعدا صلى في موضعه، ولم يجز له المجئ إلى المجسد، إلا مسجد مكة ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس خاصة فالمجئ إليها على بعد فضيلة * لما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكى ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت ثنا احمد بن عمرو ابن عبد الخالق البزار ثنا محمد بن معمر ثنا روح - هو ابن عبادة - ثنا محمد بن أبى حفصة
__________
(1) بضم الصاد المهملة واسكان الهاء.
وعقبة هذا تابعي ثقة مات سنة 82 *(5/78)
عن الزهري عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انما الرحلة إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد إيلياء) * قال أبو محمد: الرحلة هي السفر، وقد بينا قبل ان السفر ميل فصاعدا وبالله تعالى التوفيق * 541 - مسألة - والصلاة في المقصورة جائزة، والاثم على المانع لا على المطلق له دخولها، بل الفرض على من أمكنه دخولها أن يصل الصفوف فيها، لان اكمال الصفوف فرض كما قدمنا فمن أطلق على ذلك فحقه أطلق له، وحق عليه لم يمنع منه، ومن منع منه فحقه منع منه، والمانع من الحق ظالم، ولا اثم على الممنوع، لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) (1) * 542 - مسألة - ولا يحل البيع من أثر استواء الشمس ومن أول أخذها في الزوال والميل إلى ان تقضى صلاة الجمعة، فان كانت قرية قد منع اهلها الجمعة أو كان ساكنا بين الكفار ولا مسلم معه فالى ان يصلى ظهر يومه، أو يصلوا ذلك كلهم أو بعضهم، فان لم يصل فالى ان يدخل اول وقت العصر * ويفسخ البيع حينئذ أبدا إن وقع، ولا يصححه خروج الوقت، سواء كان التبايع من مسلمين أو من مسلم وكافر، أو من كافرين، ولا يحرم حينئذ نكاح، ولا اجارة، ولا
سلم ولا ما ليس بيعا * وقال مالك كذلك في البيع الذى فيه مسلم، وفى النكاح، وعقد الاجارة، والسلم واباح الهبة، والقرض، والصدقة * وقال أبو حنيفة والشافعي: البيع والنكاح والاجارة والسلم جائز كل ذلك في الوقت المذكور * قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض
__________
(1) المقصورة المكان الذى كان خاصا بالملوك المسلمين يصلون فيه الجمعة وغيرها - حين كانوا يصلون - وكانت لا يدخلها عليهم الا المقربون منهم ويمنعها عامة المسلمين وهى بدعة ابتدعوها لا توافق قواعد الاسلام، وقد جاء بالتسوية بين بنى آدم، لا كراهة لاحد إلا بالفتوى.
ثم ما زالوا يتدرجون في ترك الدين خطوة خطوة حتى تركوا الصلاة في الجمعات والجماعات، والله أعلم بحالهم هل يصلونها فرادى؟ إلا من هدى الله، فانا لله وانا إليه راجعون *(5/79)
وابتغوا من فضل الله) ووقت النداء هو أول الزوال فحرم الله تعالى البيع إلى انقضاء الصلاة، وأباحه بعدها، فهو كما قال عزوجل، ولم يحرم تعالى نكاحا، ولا اجارة، ولاسلما، ولا ما ليس بيعا (وما كان ربك نسيا) و (تلك حدود الله فلا تعتدوها) * وكل ما ذكرنا فجائز أن يكون وهو ناهض إلى الصلاة غير متشاغل بها، فجاز كل ذلك، لانه ليس مانعا من السعي إلى الصلاة، فظهر تناقض قول مالك وفساده * فان كان جعل علة كل ذلك التشاغل، سألنا هم عمن لم يتشاغل، بل باع، أو انكح أو اجر وهو ناهض إلى الجمعة، أو وهو في المسجد ينتظر الصلاة؟ فمن قولهم: يفسخ فبطل تعليلهم بالتشاغل، فان لم يعللوا بالتشاغل فقد قاسوا على غير علة، وهو باطل عند من يقول: بالقياس، فكيف عند من لا يقول به *
فان قال: النكاح بيع قلنا: هذا باطل ما سماه الله تعالى قط بيعا ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ونسألهم عمن حلف ان لا يبيع فنكح أو اجر؟ فمن قولهم: لا يحنث * واعتل أبو حنيفة والشافعي بأن النهى عن ذلك انما هو للتشاغل عن الجمعة فقط * قال أبو محمد: وهذه دعوى كاذبة، وقول على الله تعالى بغير علم، وهذا لا يحل لاحد ان يخبر عن مراد الله تعالى بغير ان يخبر بذلك الله تعالى، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو اراد الله تعالى ذلك لبينه ولم يكلنا إلى خطأ رأى ابى حنيفة وظنه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إياكم والظن، فان الظن اكذب الحديث) وقال تعالى (وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون) * فان قالوا: قد علمنا ذلك * قلنا: ومن أين علمتموه؟ فان ادعيتم ضرورة كذبتم، لاننا غير مضطرين إلى علم ذلك، والطبيعة واحدة، وإن ادعوا دليلا سئلوه، ولا سبيل لهم إليه، فلم يبق إلا الظن * وقالوا: نحن منهيون عن البيع في الصلاة، ولو باع امرؤ في صلاته نفذ البيع * فقلنا لهم: إن البيع لا يجوز أن يكون في الصلاة اصلا، لانه إذا وقع عمدا أبطلها، فليس حينئذ في صلاة، وإذا لم يكن في صلاة فبيعه جائز، وان ظن أنه ليس في صلاة فباع أو نكح، أو أنكح، أو عمل مالا يجوز في الصلاة فهو كله باطل، لان الحال التى هو فيها مانعة من ذلك، وهى حال ثابتة، فما ضادها فباطل، وكذلك من باع أو نكح أو طلق أو أعتق ولم يبق عليه من الوقت الا مقدار احرامه بالتكبير - وهو ذاكر لذلك - فهو كله باطل،(5/80)
لانه منهى عن كل ذلك، وقال عليه السلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فكل من عمل أمرا بخلاف ما أمر به فهو مردود بنص حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم * روينا من طريق عكرمة عن ابن عباس: (لا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادى بالصلاة فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع) (1) *
وعن القاسم بن محمد: أنه فسخ بيعا وقت في الوقت المذكور * قال أبو محمد: وهذا مما تناقض فيه الشافعيون والحنيفيون، لانهم لا يجيزون خلاف الصاحب الذى لا يعرف له من الصحابة مخالف، وهذا مكان لا يعرف لابن عباس فيه مخالف من الصحابة رضى الله عنهم * وتناقض المالكيون أيضا، لانهم حملوا قوله تعالى: (وذروا البيع) على التحريم، ولم يحملوا امره تعالى بتمتيع المطلقة على الايجاب، وقالوا: لفظة (ذر) لا تكون الا للتحريم، فقلنا: هذا باطل، وقد قال تعالى (ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) فهذه للوعيد لا للتحريم * وأما منعنا اهل الكفر من البيع حينئذ فلقوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) فوجب الحكم بين اهل الكفر بحكم اهل الاسلام ولابد، وقال تعالى (وان احكم بينهم بما أنزل الله) * (صلاة العيدين) 543 - مسألة - هما عيد الفطر من رمضان، وهو اول يوم من شوال، ويوم الاضحى، وهو اليوم العاشر من ذى الحجة، ليس للمسلمين عيد غيرهما، الا يوم الجمعة وثلاثة أيام بعد يوم الاضحى لان الله تعالى لم يجعل لهم عيدا غير ما ذكرنا ولارسوله صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف بين اهل الاسلام في ذلك، ولا يحرم العمل ولا البيع في شئ من هذه الايام لان الله تعالى لم يمنع من ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف أيضا بين أهل الاسلام في هذا * وسنة صلاة العيدين أن يبرز أهل كل قرية أو مدينة إلى فضاء واسع بحضرة منازلهم ضحوة إثر ابيضاض الشمس، وحين ابتداء جواز التطوع، يأتي الامام فيتقدم بلا أذان ولا اقامة، فيصلى بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة، في كل ركعة أم القرآن وسورة، ونستحب أن تكون السورة في الاولى (ق) وفى الثانية (اقتربت الساعة) أو
__________
(1) في النسخة رقم (14) (فانتشر وبع) ولا بأس بها وما هنا أحسن (م 11 - ج 5 المحلى)(5/81)
(سبح اسم ربك الاعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) وما قرأ من القرآن مع أم القرآن أجزأه، ويكبر في الركعة الاولى اثر تكبيرة الاحرام سبع تكبيرات متصلة قبل قراءة أم القرآن، ويكبر في أول الثانية اثر تكبيرة القيام خمس تكبيرات، ويجهر بجميعهن قبل قراءته أم القرآن، ولا يرفع يديه في شئ منها الا حيث يرفع في سائر الصلوات فقط، ولا يكبر بعد القراءة الا تكبيرة الركوع فقط، فإذا سلم الامام قام فخطب الناس خطبتين يجلس بينهما جلسة، فإذا أتمهما افترق الناس، فان خطب قبل الصلاة فليست خطبة، ولا يجب الانصات له، كل هذا لا خلاف فيه الا في مواضع نذكرها ان شاء الله تعالى * منها ما يقرأ مع أم القرآن، وفى صفة التكبير، واحدث بنو أمية تأخير الخروج إلى العيد وتقديم الخطبة قبل الصلاة والاذان والاقامة * فأما الذى يقرأ مع أم القرآن فان ابا حنيفة قال: اكره ان يقتصر على سورة بعينها، وشاهدنا المالكيين لا يقرؤن مع أم القرآن الا (والشمس وضحاها) و (سبح اسم ربك الاعلى) وهذان الاختياران فاسدان، ان كانت الصلاة كذلك جائزة، وانما ننكر اختيار ذلك لانهما خلاف ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى قرأت على مالك عن ضمرة بن سعيد المازنى عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثى: (ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفطر والاضحى؟ فقال: كان يقرأ فيهما بق والقرآن المجيد، واقتربت الساعة) * قال أبو محمد عبيدالله ادرك ابا واقد الليثى وسمع منه، واسمه الحارث بن عوف، ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ غير هذا * وما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمود بن غيلان
ثنا وكيع ثنا مسعر بن كدام وسفيان - هو الثوري - كلاهما عن معبد بن خالد عن زيد ابن عقبة عن سمرة بن جندب: (أنه عليه السلام كان يقرأ في العيد سبح اسم ربك الاعلى وهل أتاك حديث الغاشية) * واختيارنا هو اختيار الشافعي وأبى سليمان وقد روى عن أبى حنيفة أنه ذكر بعض ذلك *(5/82)
ومنها التكبير، فان أبا حنيفة قال: يكبر للاحرام ثم يتعوذ ثم يكبر ثلاث تكبيرات يجهر بها، ويرفع يديه مع كل تكبيرة، ثم يقرأ ثم يركع، فإذا قام بعد السجود إلى الركعة الثانية كبر للاحرام ثم قرأ، فإذا أتم السورة مع أم القرآن كبر ثلاث تكبيرات جهرا، يرفع مع كل تكبيرة يديه، ثم يكبر للركوع * وقال مالك: سبعا في الاولى بتكبيرة الاحرام، وخمسا في الثانية سوى تكبيرة القيام * واختلف في ذلك عن السلف رضى الله عنهم * فروينا عن على رضى الله عنه: أنه كان يكبر في الفطر والاضحي، والاستسقاء سبعا في الاولى، وخمسا في الآخرة ويصلى قبل الخطبة ويجهر بالقراءة.
وأن أبا بكر، وعمر، وعثمان كانوا يفعلون ذلك، إلا ان في الطريق ابراهيم بن أبى يحيى، وهو أيضا منقطع، عن محمد بن على بن الحسين (1): أن عليا * وروينا من طريق مالك وأيوب السختيانى كلاهما عن نافع قال: شهدت العيد مع ابى هريرة، فكبر في الاولى سبعا، وفى الاخرى خمسا قبل القراءة.
وهذا سند كالشمس * وروينا من طريق معمر عن أبى اسحاق السبيعى عن الاسود بن يزيد قال: كان ابن مسعود جالسا وعنده حذيفة، وابو موسى الاشعري، فسألهم سعيد بن العاصى عن التكبير في الصلاة يوم الفطر والاضحى؟ فقال ابن مسعود: يكبر أربعا ثم يقرأ، ثم يكبر فيركع، ثم يقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا بعد القراءة *
ومن طريق شعبة عن خالد الحذاء وقتادة كلاهما عن عبد الله بن الحارث - هو ابن نوفل - قال: كبر ابن عباس يوم العيد في الركعة الاولى اربع تكبيرات، ثم قرأ ثم ركع، ثم قام فقرأ ثم كبر ثلاث تكبيرات سوى تكبيرة الصلاة * وهذان اسنادان في غاية الصحة، وبهذا تعلق أبو حنيفة * قال أبو محمد: أين وجد لهؤلاء رضى الله عنهم أو لغيرهم من الصحابة رضى الله عنهم ماقاله من أن يتعوذ إثر الاولى ثم يكبر ثلاثا، وأنه يرفع يديه معهن؟ فبطل عن أن يكون له متعلق بصاحب * وأطرف (2) ذلك أمره برفع الايدى في التكبير، الذى لم يصح قط أن رسول الله
__________
(1) في النسخة رقم (14) (محمد بن على بن الحسن) وهو خطأ، فانه أبو جعفر الباقر أبوه على زين العابدين بن الحسين، وامه بنت الحسن بن على بن أبى طالب (2) بالطاء المهملة *(5/83)
صلى الله عليه وسلم رفع فيه يديه، ونهيه عن رفع الايدى في التكبير في الصلاة حيث صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع فيه يديه وهكذا فليكن عكس الحقائق وخلاف السنن! * وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس في التكبير في العيدين قال: يكبر تسعا أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة.
وهذا سند في غاية الصحة * وعن جابر بن عبد الله قال: التكبير في يوم العيد في الركعة الاولى أربعا، وفى الآخرة ثلاثا والتكبير سبع سوى تكبير الصلاة.
إلا أن في الطريق ابراهيم بن يزيد (1)، وليس بشئ * قال أبو محمد: وفى هذا آثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصح شئ منها * منها من طريق ابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والاضحى في الاولى سبع تكبيرات وفى الثانية خمس تكبيرات) *
ومن طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاصى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (التكبير في الفطر سبع في الاولى وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتاهما) وهذا كله لا يصح، ومعاذ الله ان نحتج بما لا يصح كمن يحتج بابن لهيعة وعمرو بن شعيب إذا وافقا هواه، كفعله في زكاة الابل وغير ذلك، ويرد روايتهما إذا خالفا هواه هذا فعل من لا دين له، ولا يبالى بأن يضل في دين الله تعالى ويضل * ومنها خبر من طريق زيد بن الحباب عن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن مكحول أخبرني أبو عائشة جليس ابى هريرة أنه حضر سعيد بن العاصى سأل ابا موسى الاشعري وحذيفة بن اليمان: (كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الاضحى والفطر؟ فقال أبو موسى كان يكبر أربعا، تكبيرة على الجنائز، قال حذيفة: صدق، قال أبو موسى: كذلك كنت أكبر بالبصرة حيث كنت عليهم * قال أبو محمد: عبد الرحمن بن ثوبان ضعيف (2) وأبو عائشة مجهول، لا يدرى من هو ولا يعرفه احد (3) ولا تصح رواية عنه لاحد، ولو صح لما كان فيه للحنيفيين حجة،
__________
(1) ابراهيم بن يزيد في الرواة شائع، فما ادرى ايهم المؤلف ومنهم الثقة ومنهم غير الثقة؟ (2) هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسى - بالنون - نسب إلى جده: وهو لا بأس به على ضعف في روايته (3) وكذلك قال ابن القطان فيما نقل عنه في التهذيب *(5/84)
لانه ليس فيه ما يقولون من أربع تكبيرات في الاولى بتكبيرة الاحرام، واربع في الثانية بتكبيرة الركوع، ولا أن الاولى يكبر فيها قيل القراءة وفى الثانية بعد القراءة، بل ظاهره اربع في كلتا الركعتين في الصلاة كلها، كما في صلاة الجنازة، - وهذا قياس عليهم لالهم، لان تكبير الجنازة أربع فقط، وهم يقولون: بست في كلتا الركعتين دون تكبيرتي الاحرام والركوع والقيام، أو بعشر تكبيرات إن عدوا فيها تكبيرة الاحرام والقيام والركوع، وليس فيه رفع الايدى كما زعموا، فظهر تمويههم جملة.
ولله تعالى الحمد *
قال على: وأما مالك فانه جعل في الاولى سبعا بتكبيرة الاحرام، وخمسا في الثانية دون تكبيرة القيام، وهذا غير محفوظ عن أحد من السلف * وانما اخترنا ما اخترنا لانه أكثر ما قيل، والتكبير خير، ولكل تكبيرة عشر حسنات، فلا يحقرها إلا محروم، ولو وجدنا من يقول: بأكثر لقلنا به، لقول الله تعالى (وافعلوا الخير) والتكبير خير بلا شك، واختيارنا هو اختيار الشافعي وأبى سليمان * ومنها: من أحدث بنو امية من تأخير الصلاة، وإحداث الاذان والاقامة، وتقديم الخطبة قبل الصلاة * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري عن ابى عاصم ويعقوب بن ابراهيم، قال أبو عاصم: أنما ابن جريج أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس، وقال يعقوب: ثنا أبو أسامة - هو حماد بن أسامة - ثنا عبيدالله - هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر، ثم اتفق ابن عباس وابن عمر كلاهما يقول: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة) قال ابن عباس: (وعثمان) (1) * ومن طريق مالك عن ابن شهاب عن ابى عبيد مولى ابن ازهر قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلى بن ابى طالب، كلهم يصلى ثم يخطب * وبالسند المذكور إلى البخاري: ثنا ابراهيم بن موسى ثنا هشام ان ابن جريج أخبرهم قال: اخبرني عطاء عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا جميعا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الاضحى * قال على: لاأذان ولا إقامة (2) لغير الفريضة، والاذان والاقامة فيهما الدعاء إلى
__________
(1) روى المؤلف الحديثين بالمعنى وضمهما فجعلها حديثا واحدا، وهما في البخاري (ج 2 ص 59) (2) في النسخة رقم (16) (الاذان والاقامة) الخ وهو خطأ.
*(5/85)
الصلاة، فلو أمر عليه السلام بذلك لصارت تلك الصلاة فريضة بدعائه إليها *
واعتلوا بأن الناس كانوا إذا صلوا تركوهم ولم يشهد والخطبة، وذلك لانهم كانوا يلعنون على بن أبى طالب رضى الله عنه، فكان المسلمون يفرون، وحق لهم، فكيف وليس الجلوس للخطبة واجبا * حدثنا حمام بن احمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن ايمن ثنا أحمد بن زهير ابن حرب ثنا عبد الله بن أحمد الكرماني ثنا الفضل بن موسى السينانى (1) عن ابن جريج عن عطاء - هو ابن أبى رباح - عن عبد الله بن السائب قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد فصلى، ثم قال عليه السلام: قد قضينا الصلاة فمن أحب ان يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب ان يذهب فليذهب) * قال أبو محمد: إن قيل: إن محمد بن الصباح أرسله عن الفضل بن موسى * قلنا: نعم، فكان ماذا؟ المسند زائد علما لم يكن عند المرسل، فكيف وخصومنا اكثرهم يقول: ان المرسل والمسند سواء؟ * وروينا من طريق ابن جريج عن عطاء قال: ليس حقا على الناس حضور الخطبة، يعنى في العيدين، والآثار في هذا كثيرة جدا * 544 - مسألة - ويصليهما، العبد والحر، والحاضر، والمسافر، والمنفرد، والمرأة والنساء، وفى كل قرية، صغرت أم كبرت، كما ذكرنا، إلا أن المنفرد لا يخطب * وان كان عليه مشقة في البروز إلى المصلى صلوا جماعة في الجامع * لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرنا عنه في كلامنا في القصر في صلاة السفر وصلاة الجمعة: أن صلاة العيد ركعتان، فكان هذا عموما، لا يجوز تخصيصه بغير نص، وقال تعالى: (وافعلوا الخير) والصلاة خير * ولا نعلم في هذا خلافا، الا قول أبى حنيفة: إن صلاة العيدين لا تصلى الا في مصر جامع، ولا حجة لهم إلا شيئا رويناه من طريق على لاجمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع وقد قدمنا أنه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * فان كان قول على رضى الله عنه حجة في هذا فقد روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن شعبة ثنا محمد بن النعمان عن أبى قيس عن هزيل بن شرحبيل (2): أن على بن أبى طالب
__________
(1) بكسر السين المهملة ثم ياء تحتانية ثم نون.
نسبة إلى (سينان) قرية من خراسان (2) هزيل: بضم الهاء وفتح الزاى.
وشرحبيل: بضم الشين وفتح الراء واسكان الحاء المهملة.(5/86)
أمر رجلا ان يصلى بضعفة الناس أربع ركعات في المسجد يوم العيد * فان ضعفوا هذه الرواية قيل لهم: هي أقوى من التى تعلقتم بها عنه أو مثلها، ولافرق وكلهم مجمع على أن صلاة العيدين تصلى حيث تصلى الجمعة، وقد ذكرنا حكم الجمعة، ولافرق بين صلاة العيدين وصلاتها في المواطن * وقد روينا عن عمر، وعثمان رضى الله عنهما: أنهما صليا العيد بالناس في المجسد لمطر وقع يوم العيد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبرز إلى المصلى لصلاة العيدين.
فهذا أفضل، وغيره يجزئ، لانه فعل لا أمر.
وبالله تعالى التوفيق * 545 - مسألة - ويخرج إلى المصلى النساء حتى الابكار، والحيض وغير الحيض، ويعتزل الحيض المصلى، وأما الطواهر فيصلين مع الناس، ومن لاجلباب لها فلتستعر جلبابا ولتخرج، فإذا اتم الامام الخطبة فنختار له أن يأتيهن يعظهن ويأمرهن بالصدقة، ونستحب لهن الصدقة يومئذ بما تيسر * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا أبو معمر - هو عبد الله بن عمر والرقى - ثنا عبد الوارث - هو ابن سعيد التنورى - ثنا أيوب السختيانى عن حفصة بنت سيرين قالت: كنا نمنع جوارينا ان يخرجن يوم العيد، فلما قدمت ام عطية اتيتها فسألتها؟ فقالت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: (لتخرج العواتق ذوات الخدور، أو قال: وذوات الخذور - شك ايوب والحيض، فيعتزل الحيض المصلى، وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمرو الناقد ثنا عيسى بن يونس ثنا هشام - هو ابن
حسان - عن حفصة بنت سيرين عن ام عطية قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والاضحى، العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها اختها من جلبابها) * وبالسند المذكور إلى البخاري: ثنا اسحاق - هو ابن ابراهيم بن نصر - ثنا عبد الرزاق
__________
وفى النسخة رقم (16) (شريح) وكذلك ذكر بحاشية النسخة رقم (14) على أنه نسخة أخرى، وهو خطأ فيها.(5/87)
أنا ابن جريج اخبرني عطاء قال سمعت جابر بن عبد الله يقول: (قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر فصلى، فبدأ بالصلاة، ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن، وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه، تلقى فيه النساء صدقة) وقلت لعطاء: أترى حقا على الامام ذلك، يأتيهن ويذكرهن؟ قال: إنه لحق عليهم، ومالهم لا يفعلونه * وبالسند المذكور إلى مسلم حدثنى محمد بن رافع وعبدبن حميد كلاهما عن عبد الرزاق أنا ابن جريج أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس قال: شهدت صلاة الفطر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان، فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب، فنزل نبى الله صلى الله عليه وسلم كأنى انظر إليه حين يجلس الرجال بيده، ثم اقبل يشقهم، حتى جاء النساء ومعه بلال (1)، فقال: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا) فتلا هذه الآية، ثم قال: أنتن على ذلك؟ فقالت امرأة واحدة منهن - لم يجبه غيرها منهن (2) -: نعم يا نبى الله، قال: فتصدقن، فبسط بلال ثوبه، ثم قال: هلم فدا لكن ابى وأمى، فجعلن يلقين الفتخ والخواتم في ثوب بلال) * فهذه آثار متواترة عنه صلى الله عليه وسلم من طريق جابر، وابن عباس وغيرهما بأنه عليه السلام رأى حضور النساء المصلى، وأمر به، فلا وجه لقول غيره إذا خالفه *
ولا متعلق للمخالف إلا رواية عن ابن عمر أنه منعهن، وقد جاء عن ابن عمر خلافها، ولا يجوزان يظن بابن عمر إلا انه إذ منعهن لم يكن بلغه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذ بلغه رجع إلى الحق كما فعل إذ سب ابنه اشد السب إذ سمعه يقول: نمنع النساء المساجد ليلا * ولا حجة في احد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ادعى امرؤ الاجماع على صحة خروج النساء إلى العيدين وأنه لا يحل منعهن -: لصدق، لاننا لا نشك في ان كل من حضر ذلك من الصحابة رضى الله عنهم أو بلغه ممن لم يحضر -: فقد سلم ورضى واطاع، والمانع من هذا مخالف للاجماع وللسنة * 546 - مسألة - ونستحب السير إلى العيد على طريق والرجوع على آخر، فان لم يكن ذلك فلا حرج، لانه قد روى ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست الرواية فيه بالقوية *
__________
(1) في النسخة رقم (16) (ومعه اذن بلال) وهو خطأ.
(2) في النسخة رقم (14) (لم يجبه منهن غيرها) وما هنا هو الموافق لمسلم (ج 1 ص 240 و 241).(5/88)
547 - مسألة - وإذا اجتمع عيد في يوم جمعة صلى للعيد ثم للجمعة ولابد، ولا يصح أثر بخلاف ذلك * لان في رواته اسرائيل، وعبد الحميد بن جعفر، وليسا بالقويين، ولا مؤنة على خصومنا من الاحتجاج بهما إذا وافق ما روياه تقليدهما، وهنا خالفا روايتهما * فأما رواية اسرائيل، فانه روى عن عثمان بن المغيرة عن اياس بن أبى رملة: سمعت معاوية سأل زيد بن أرقم: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين؟ قال: (نعم صلى العيد أول النهار، ثم رخص في الجمعة) (1) وروى عبد الحميد بن جعفر: حدثنى وهب بن كيسان قال: (اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير، فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب فأطال، ثم نزل فصلى
ركعتين، ولم يصل للناس يومئذ الجمعة، فقال ابن عباس: أصاب السنة) (2) * قال أبو محمد: الجمعة فرض والعيد تطوع، والتطوع لا يسقط الفرض (3) * 548 - مسألة - والتكبير ليلة عيد الفطر فرض، وهو في ليلة عيد الاضحى حسن، قال تعالى وقد ذكر صوم رمضان: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) فباكمال عدة صوم رمضان وجب التكبير، ويجزئ من ذلك تكبيرة، وأما ليلة الأضحى ويومه ويوم الفطر فلم يأت به أمر، لكن التكبير فعل خير وأجر * 549 - مسألة - ويستحب الاكل يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى، فان لم يفعل فلا حرج، ما لم يرغب عن السنة في ذلك، وإن أكل يوم الاضحى قبل غدوه إلى المصلى فلا بأس، وإن لم يأكل حتى يأكل من أضحيته فحسن، ولا يحل صيامهما أصلا * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا محمد
__________
(1) كلا بل هو حديث صحيح واعله بعضهم بأن اياس بن ابى رملة مجهول، واما اسرائيل فانه ثقة حجة.
والحديث رواه الحاكم (ج 1 ص 288) وصححه هو والذهبي ورواه أيضا احمد وابو داود وابن ماجه والنسائي وصححه ابن المدينى.
انظر الشوكاني (ج 3 ص: 347) وعند الحاكم شاهد له من حديث ابى هريرة وصححه هو والذهبي (2) رواه النسائي (ج 3 ص 194) وعبد الحميد بن جعفر ثقة اخرج له مسلم (3) زعم المؤلف مانعاه على غيره كثيرا من رد السنة بالآراء والقياس.
(م 12 - ج 5 المحلى)(5/89)
ابن عبد الرحيم أنا سعيد بن سليمان أخبرنا هشيم انا عبيدالله بن ابى بكر بن انس عن انس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات) * قال أبو محمد: يلزم من أوجب ذلك ان يوجب التمر دون غيره * روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن نافع قال: كان
ابن عمر يغدو يوم الفطر من المسجد، ولا اعلمه أكل شيئا.
* وعن ابراهيم النخعي عن علقمة، والاسود: ان ابن مسعود قال: لا تأكلوا قبل ان تخرجوا يوم الفطر إن شئتم * وعن سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم النخعي قال: إن شاء طعم يوم الفطر والاضحى وان شاء لم يطعم * 550 - مسألة - والتنفل قبلهما في المصلى حسن، فان لم يفعل فلا حرج، لان التنفل فعل خير * فان قيل: قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلهما، ولا بعدهما * قلنا: نعم، لانه عليه السلام كان الامام، وكان مجيئه إلى التكبير لصلاة العيد بلا فصل، ولم ينه عليه السلام قط - لا بايجاب ولا بكراهة - عن التنفل في المصلى قبل صلاة العيد وبعدها، ولو كانت مكروهة لبينها عليه السلام، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزد قط في ليلة على ثلاث عشرة ركعة، أفتكرهون الزيادة أو تمنعون منها؟ فمن قولهم: لا، فيقال لهم: فرقوا ولا سبيل إلى فرق * وروينا عن قتادة: كان أبو هريرة، وانس بن مالك، والحسن، واخوه سعيد، وجابربن زيد يصلون قبل خروج الامام وبعده، يعنى في العيدين * وعم معمر عن ايوب السختيانى قال: رأيت انس بن مالك والحسن يصليان قبل صلاة العيد * وعن معتمر بن سليمان عن أبيه قال: رأيت انس بن مالك والحسن واخاه سعيدا وابا الشعثاء جابر بن زيد يصلون يوم العيد قبل خروج الامام * وعن على بن ابى طالب: انه اتى المصلى فرأى الناس يصلون، فقيل له في ذلك، فقال: لا أكون الذى ينهى عبدا إذا صلى *(5/90)
551 - مسألة - والتكبير اثر كل صلاة، وفى (1) الاضحى، وفى ايام التشريق ويوم عرفة -: حسن كله، لان التكبير فعل خير، وليس ههنا اثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخصيص الايام المذكورة دون غيرها * وروينا عن الزهري، وابى وائل، وابى يوسف، ومحمد استحباب التكبير غداة عرفة إلى آخر أيام التشريق عند العصر * وعن يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدى كلاهما عن سفيان الثوري عن ابى اسحاق السبيعى عن الاسود وأصحاب ابن مسعود قال (2): كان ابن مسعود يكبر صلاة الصبح (3) يوم عرفة إلى صلاة العصر يوم النحر، قال عبد الرحمن في روايته: الله اكبر الله اكبر لا إله إلا الله، الله اكبر الله اكبر، الحمدلله (4) * وعن علقمة مثل هذا، وهو قول أبى حنيفة * وعن ابن عمر: من يوم النحر إلى صلاة الصبح آخر ايام التشريق * قال أبو محمد: من قاس ذلك على تكبير ايام منى فقد اخطأ، لانه قاس من ليس بحاج على الحاج ولم يختلفوا انهم لا يقيسونهم عليهم في التلبية، فيلزمهم مثل ذلك في التكبير * ولا معنى لمن قال: إنما ذلك في الايام المعلومات، لقول الله تعالى (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات وقال: إن يوم النحر مجمع عليه أنه من المعلومات، وما بعده مختلف فيه، لانه دعوى فاسدة وما حجر الله تعالى قط ذكره في شئ من الايام * ولا معنى لمن اقتصر بالمعلومات على يوم النحر لان النص يمنع من ذلك، بقوله تعالى (على ما رزقهم من بهيمة الانعام) وقد صح ان يوم عرفة ليس من أيام وان ما بعد يوم النحر هو من أيام النحر، فبطل هذا القول.
وبالله تعالى التوفيق * 552 - مسألة - ومن لم يخرج يوم الفطر ولا يوم الاضحى لصلاة العيدين خرج لصلاتهما في اليوم الثاني، وان لم يخرج غدوة خرج ما لم تزل الشمس، لانه فعل خير،
__________
(1) باثبات الواو في الاصلين وهو صواب (2) كذا في الاصلين (قال) بالافراد،
وهو صحيح فالقائل أبو إسحق نقلا عن الاسود وغيره (3) كذا في الاصلين وهو صحيح (4) في النسخة رقم (16) (ولله الحمد) وكانت هكذا في النسخة رقم (14) ولكن ناسخها صححها إلى (الحمد لله) وهى نسخة صحيحة عنى بها كاتبها واجتهد في أن تكون من أصح النسخ فلذلك اعتمدناها في التصحيح.(5/91)
وقال تعالى: (وافعلوا الخير) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا حفص ابن عمر - هو الحوضى - ثنا شعبة عن جعفر بن ابى وحشية عن ابى عمير بن انس بن مالك عن عمومة له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أن ركبا جاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون انهم رأوا الهلال بالامس، فأمرهم ان يفطروا (1) وإذا اصبحوا يغدوا إلى مصلاهم) * قال أبو محمد: هذا مسند صحيح، وابو عمير مقطوع على انه لا يخفى عليه من أعمامه من صحت صحبته ممن لم تصح صحبته وإنما يكون هذا علة ممن يمكن أن يخفى عليه هذا، والصحابة كلهم عدول رضى الله عنهم، لثناء الله تعالى عليهم * وهذا قول ابى حنيفة والشافعي * فلو لم يخرج في الثاني من الاضحى وخرج في الثالث فقد قال به أبو حنيفة، وهو فعل خير لم يأت عنه نهى * 553 - مسألة - والغناء واللعب والزفن (2) في ايام العيدين حسن في المسجد وغيره حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا احمد ابن صالح ثنا ابن وهب انا عمرو - هو ابن الحارث - ان محمد بن عبد الرحمن - هو يتيم عروة - حدثه عن عروة عن عائشة قالت: (دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث (3) فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دعها (4)، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد، يلعب السودان بالدرق والحراب،
فاما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال: تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم، فاقامنى وراءه، خدى على خده، وهو يقول: دونكم يا بنى أرفدة (5) حتى إذا مللت قال: حسبك؟
__________
(1) في النسخة رقم (16) (فأمرهم النى صلى الله عليه وسلم ان يفطروا) وما هنا هو الموافق لابي داود (ج 1 ص 450 449) (2) بفتح الزاى واسكان الفاء، وانظر المسألة 500 (ج 4 ص 246) (3) بضم الباء وفتح العين المهملة المخففة.
موضع في نواحى المدينة على ليلتين منها.
كانت به وقائع بين الاوس والخزرج في الجاهلية (4) هكذا في الاصلين بالافراد، وفى البخاري (ج 2 ص 54 و 55) (دعهما وكل صحيح) (5) بفتح الهمزة واسكان الراء وكسر الفاء وفتح الدال المهملة، لقب للحبشة *(5/92)
قلت: نعم، قال: فاذهبي) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج حدثنى هرون بن سعيد الايلى حدثنى ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن ابن شهاب حدثه عن عروة عن عائشة: (أن ابا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتضربان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه، فانتهرها أبو بكر، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وقال: دعهما يا أبا بكر فانها أيام عيد) * وبه إلى مسلم: ثنا زهير بن حرب ثنا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن هشام - هو ابن عروة - عن ابيه عن عائشة قالت: (جاء جيش يزفنون في يوم عيد في المسجد، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فوضعت رأسي على منكبه، فجعلت أنظر إلى لعبهم، حتى كنت أنا التى انصرفت) * وبه إلى مسلم: حدثنى محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة قال: (بينما الحبشة يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرابهم إذ دخل عمر بن الخطاب، فأهوى إليهم ليحصبهم بالحصباء، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: دعهم يا عمر) قال أبو محمد: أين يقع انكار من انكر من انكار سيدى هذه الامة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم - ابى بكر، وعمر رضى الله عنهما -؟! وقد انكر عليه السلام عليهما انكارهما، فرجعا عن رأيهما إلى قوله عليه السلام * (صلاة الاستسقاء) 544 - مسألة - قال أبو محمد: ان قحط الناس أو اشتد المطر حتى يؤذى فليدع المسلمون في ادبار صلواتهم وسجودهم وعلى كل حال، ويدعو الامام في خطبة الجمعة، قال عزوجل: (ادعوني استجب لكم) وقال تعالى: (فلو لا إذ جاء هم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم) * فان اراد الامام البروز في الاستسقاء خاصة - لا فيما سواه - فليخرج متبذلا متواضعا إلى موضع المصلى والناس معه، فيبدأ فيخطب بهم خطبة يكثر فيها من الاستغفار، ويدعو الله عزوجل، ثم يحول وجهه إلى القبلة وظهره إلى الناس، فيدعو الله تعالى رافعا يديه، ظهورهما إلى السماء، ثم يقلب رداءه أو ثوبه الذى يتغطاه، فيجعل باطنه ظاهره، وأعلاه أسفله، ما على منكب من منكبيه على المنكب الآخر، ويفعل الناس كذلك، ثم يصلى بهم ركعتين، كما قلنا في صلاة العيد سواء سواء، بلا أذان ولا اقامة، الا أن(5/93)
صلاة الاستسقاء يخرج فيها المنبر إلى المصلى، ولا يخرج في العيدين، فإذا سلم انصرف وانصرف الناس * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا آدم ثنا ابن أبى ذئب عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه - هو عبد الله بن زيد الانصاري - قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خرج يستسقى فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه، ثم صلى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أنا محمد بن عبيد ثنا حاتم بن اسماعيل عن هشام بن اسحاق بن عبد الله بن أبى كنانة عن أبيه قال:
(سألت ابن عباس عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء؟ فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلا متواضعا متضرعا، فجلس على المنبر، فلم يخطب خطبتكم هذه، لكن لم يزل في التضرع، والدعاء، والتكبير، وصلى ركعتين كما كان يصلى في العيد) * قال أبو محمد: أما الاستغفار فلقول الله تعالى (واستغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا).
وتحويل الرداء يقتضى ما قلناه.
وهذا كله قول أصحابنا * وقال مالك: بتقديم الخطبة * وقال الشافعي: صلاة الاستسقاء كصلاة العيد * وقد روينا عن السلف خلاف هذا، ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم * روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن أبى اسحاق السبيعى: أن ابن الزبير بعث إلى عبد الله بن يزيد - هو الخطمى - أن يستسقى بالناس، فخرج فاستسقى بالناس، وفيهم البراء بن عازب وزيد بن أرقم، فصلى ثم خطب * قال أبو محمد: لعبدالله بن يزيد هذا صحبة بالنبي صلى الله عليه وسلم * وعن أبى بكر وعمر، وعثمان، وعلى: أنهم كانوا يكبرون في الاستسقاء والفطر، والاضحى سبعا في الاولى وخمسا في الثانية، ويصلون قبل الخطبة، ويجهرون بالقراءة، ولكن في * الطريق ابراهيم بن أبى يحيى، وهو أيضا منقطع * وروينا: أن عمر خرج إلى المصلى فدعا في الاستسقاء، ثم انصرف ولم يصل * قال أبو محمد: ولا يمنع اليهود ولا المجوس ولا النصارى من الخروج إلى الاستسقاء للدعاء فقط، ولا يباح لهم إخراج ناقوس ولا شئ يخالف دين الاسلام.
وبالله تعالى التوفيق *(5/94)
555 - مسألة - صلاة الكسوف على وجوه * أحدها أن تصلى ركعتين كسائر التطوع، وهذا في كسوف الشمس وفى كسوف
القمر أيضا * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفريرى ثنا البخاري ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث - هو ابن سعيد التنورى - ثنا يونس - هو ابن عبيد - عن الحسن عن أبى بكرة قال: (خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج يجر رداءه، حتى انتهى إلى المسجد، فثاب الناس (1) فصلى بهم ركعتين، فانجلت الشمس، فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وانهما لا يخسفان (2) لموت أحد، وإذا كان ذلك فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم، وذلك أن ابنا للنبى صلى الله عليه وسلم مات، يقال له: ابراهيم، فقال ناس في ذلك) (3) حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب انا عمرو بن على ثنا يزيد - هو ابن زريع (4) ثنا يونس - هو ابن عبيد - عن الحسن عن ابى بكرة: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس، فقام إلى المسجد يجر رداءة من العجلة، فقام إليه الناس، فصلى ركعتين كما يصلون، فلما انجلت خطبنا، فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما (5) عباده وانهما لا ينكسفان (6) لموت أحد ولا لحياته (7) فإذا رأيتم كسوف أحدهما فصلوا حتى ينجلى (8) * وروينا نحو هذا أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاصى يوم مات ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن فيه تطويل الركوع والسجود والقيام * فأخذا بهذا طائفة من السلف، منهم عبد الله بن الزبير، صلى في الكسوف ركعتين
__________
(1) في البخاري (ج 2 ص 96 و 97) (وثاب الناس إليه) (2) في النسخة رقم (16) (ولا يخسفان) وما هنا هو الموافق للبخاري.
(3) في البخاري (فقال الناس في ذلك) (4) بضم الزاى وفتح الراء وآخره عين مهملة وفى الاصلين (بزيع) وهو خطأ صرف، وليس في رجال الكتب الستة من يسمى (يزيد بن بزيع) وهو في النسائي (ج 3 ص 152 و 153) (حدثنا يزيد وهو ابن زريع) على الصواب (5) في النسخة رقم (16) (به) وهو خطأ (6) في النسخة رقم (16) (لا يكسفان) وما هنا هو الموافق للنسائي (7) كلمة (ولا لحياته) ثابتة في الاصلين
ولا توجد في النسائي (8) الذى في النسائي (فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) *(5/95)
كسائر الصلوات * فان قيل: قد خطأه أخوه عروة * قلنا: عروة أحق بالخطأ، لان عبد الله صاحب، وعروة ليس بصاحب، وعبد الله عمل بعلم، وأنكر عروة ما لم يعلم * وبهذا يقول أبو حنيفة * قال أبو محمد: وهذا الوجه يصلى لكسوف الشمس ولكسوف القمر في جماعة، ولو صلى ذلك عند كل آية تظهر - من زلزلة أو نحوها - لكان حسنا، لانه فعل خير * وإن شاء صلى ركعتين ويسلم، ثم ركعتين ويسلم، هكذا حتى ينجلى الكسوف في الشمس والقمر، والآيات كما ذكرنا * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن أبى شعيب الحرانى ثنا الحارث بن عمير البصري عن أيوب السختيانى عن أبى قلابة عن النعمان بن بشير قال: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يصلى ركعتين ركعتين، ويسأل عنها حتى انجلت) * وروينا أيضا قوله عليه السلام: (فصلوا حتى تنجلي) عن أبى بكرة، كما ذكرنا آنفا، وعن المغيرة بن شعبة، وعن ابن عمر، وأبى مسعود، بأسانيد في غاية الصحة، وهذا اللفظ يقتضى ما ذكرنا * وهذا قول طائفة من السلف روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري والربيع بن صبيح (1) وقال سفيان: عن المغيرة عن ابراهيم النخعي وقال الربيع: عن الحسن (2) ثم اتفق الحسن وابراهيم قالا
__________
(1) الربيع بفتح الراء، وصبيع بفتح الصاد، كلاهما بوزن أمير (2) قوله (وقال الربيع
عن الحسن) سقط من النسخة رقم (16) وفى النسخة رقم (14) (روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري والربيع بن صبيح، وقال سفيان عن المغيرة، وقال الربيع عن الحسن عن ابراهيم النخعي ثم اتفق الحسن وابراهيم) الخ وهو خطأ في الاولى وخلط في الثانية، والصواب ما استخرجناه من مجهوعهما هنا، فان الثوري يروى عن المغيرة - وهو ابن مقسم الضبى - والمغيرة يروى عن ابراهيم ووكيع يروى عن الربيع والربيع عن الحسن، وقول المؤلف عقبة (ثم اتفق الحسن وابراهيم) دليل على أن قوليهما متماثلان، لا أن أحدحما يرويه عن الآخر، وهذا واضح جدا *(5/96)
جميعا في الكسوف: صلى ركعتين ركعتين، وان شاء ذكر الله تعالى ودعا بعد أن يكبر قائما، فإذا انجلى الكسوف قرأ وركع ركعتين، هذا في الشمس والقمر والآيات أيضا * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن ابى شيبة ثنا عبد الاعلى بن عبد الاعلى عن الجريرى عن حيان بن عمير (1) أبى العلاء عن عبد الرحمن بن سمرة - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: (كنت أرمى (2) بأسهم لى في المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كسفت الشمس، فنبذتها وقلت: والله لانظرن إلى ما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس، قال: فأتيته وهو قائم في الصلاة رافع (3) (يديه، فجعل يسبح، ويحمد ويهلل ويكبر، يدعو حتى حسر عنها، فلما حسر عنها قرأ سورتين وصلى ركعتين) * وإن شاء لكسوف الشمس خاصة إن كسفت من طلوع الشمس إلى أن يصلى الظهر - صلى ركعتين كما قدمنا، وان كسفت من بعد صلاة الظهر إلى أخذها في الغروب صلى أربع ركعات كصلاة الظهر أو العصر * وفى كسوف القمر خاصة إن كسفت بعد صلاة المغرب إلى أن تصلى العشاء الآخرة صلى ثلاث ركعات كصلاة المغرب وان كسف بعد صلاة العتمة إلى الصبح صلى أربعا
كصلاة العتمة * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار ثنا عبد الوهاب - هو ابن عبد المجيد الثقفى - ثنا خالد - هو الحذاء عن أبى قلابة عن النعمان بن بشير قال: (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج يجر ثوبه فزعا، حتى اتى المسجد، فلم يزل يصلى - بنا (4) حتى انجلت، فلما انجلت (5) قال: إن ناسا يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء، وليس كذلك، إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت احد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله تعالى، وان
__________
(1) حيان: بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء المثناة التحتية، وعمير: بالتصغير (2) في الاصلين (أرتمى) وصححناه من مسلم (ج 1 ص 250 و 251) (3) في النسخة رقم (16) (رافعا) وما هنا هو الموافق لمسلم (4) كلمة (بنا) محذوفة من الاصلين، وزدناها من النسائي (ج 3 ص 141) (5) قوله (فلما انجلت) زدناه من النسائي * (م 13 - ج 5 المحلى)(5/97)
الله (1) إذا تجلى لشئ من خلقه خشع له (2) فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة) * فان قيل: ان أبا قلابة قد روى هذا الحديث عن رجل عن قبيصة العامري.
قلنا: نعم، فكان ماذا؟ وأبو قلابة قد ادرك النعمان فروى هذا الخبر عنه، ورواه أيضا عن آخر فحدث بكلتا روايتيه، ولاوجه للتعلل بمثل هذا أصلا ولا معنى له * وإن شاء في كسوف الشمس خاصة صلى ركعتين، في كل ركعة ركعتان، يقرأ ثم يركع ثم يرفع فيقرأ ثم يركع ثم يرفع فيقول: (سمع الله لمن حمده) ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم فيركع اخرى، في كل ركعة ركعتان، كما وصفنا، ثم يسجد سجدتين، ثم يجلس ويتشهد ويسلم، وهو قول مالك والشافعي واحمد وأبى وثور *
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا عبد الله ابن مسلمة عن مالك بن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس قال: (انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام قياما طويلا نحوا من قرأءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول، ثم سجد، ثم قام قايما طويلا وهو دون القيام الاول، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول، ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الاول، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول، ثم سجد (3) ثم انصرف وذكر باقى الخبر * وروينا أيضا مثله عن عائشة رضى الله عنها * وان شاء صلى في كسوف الشمس خاصة ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات، يقرأ ثم يركع ثم يرفع فيقرأ ثم يركع، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع، ثم يرفع فيقول: (سمع الله لمن حمده) ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم فيركع أيضا ركعة فيها ثلاث ركعات كما ذكرنا، ثم يرفع (4) ثم يسجد ثم يجلس ويتشهد ويسلم *
__________
(1) في النسائي (ان الله) بحذف الواو (2) كلمة (له) محذوفة في النسخة رقم (16) وانظر بحثا نفيسا جيدا في قوله (ان الله إذا تجلى لشئ من خلقه خشع له) في شرحي السيوطي والسندى على سنن النسائي وفى تهافت الفلاسفة للغزالي (ص 4 و 5) * (3) قوله (ثم سجد) سقط من النسخة رقم (16) خطأ، وما هنا هو الصواب الموافق للبخاري) ج 2 ص 92) (4) في الاصلين (ثم يركع) وهو خطأ واضح.(5/98)
وقد روينا ما يظن فيه هذا الفعل عن ابن عباس * روينا من طريق حماد بن سلمة أنا قتادة عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس: أنه صلى في زلزلة بالبصرة قام بالناس فكبر أربعا ثم قرأ ثم كبر وركع، ثم رفع رأسه فكبر اربعا،
ثم قرأما شاء الله ان يقرأ، ثم كبر فركع (1) ومن طريق معمر عن قتادة وعاصم الاحول كلاهما عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس: انه صلى بالبصرة في الزلزلة فأطال القنوت، ثم ركع ثمك رفع رأسه فأطال القنوت ثم ركع ثم رفع رأسه فأطال القنوت، ثم ركع، ثم سجد، ثم صلى الثانية كذلك، فصار ثلاث ركعات في أربع سجدات، وقال هكذا صلاة الآيات، قال قتادة: صلى حذيفة بالمدائن باصحابه مثل صلاة ابن عباس في الآيات، ثلاث ركعات ثم سجد سجدتين وفعل في الاخرى مثل ذلك * ومن طريق وكيع عن هشام الدستوائى عن قتادة عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة أم المؤمنين قالت: صلاة الآيات ست ركعات في أربع سجدات * وإن شاء صلى في كسوف الشمس خاصة ركعتين في كل ركعة أربع ركعات، يقرأ ثم يركع، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع، ثم يرفع فيقول: (سمع الله لمن حمده) ثم يسجد سجدتين، ثم يفعل في الثانية كذلك ايضا سواء سواء، ثم يجلس ويتشهد ويسلم * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا اسماعيل بن علية عن سفيان الثوري عن حبيب - هو ابن أبى ثابت - عن طاوس عن ابن عباس قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس ثمانى ركعات في أربع سجدات) * وعن على رضى الله عنه مثل ذلك * وبه إلى مسلم: ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري ثنا حبيب - هو ابن أبى ثابت - عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى في كسوف: قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم سجد، قال: والاخرى مثلها) * وهو قول على كما ذكرنا * وقد فعله أيضا ابن عباس وحبيب بن أبى ثابت *
__________
(1) هذان ركوعان فقط! *(5/99)
روينا (1) من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أن سليمان الاحول أخبره أن طاوسا أخبره: أن ابن عباس صلى إذ كشف الشمس على ظهر صفة زمزم ركعتين في كل ركعة اربع ركعات * وعن سفيان الثوري عن حبيب بن أبى ثابت: انه صلى في كسوف الشمس ركعتين، في كل ركعة اربع ركعات، كما روى * وإن شاء صلى في كسوف الشمس خاصة ركعتين، في كل ركعة خمس ركعات، يقرأ ثم يركع، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع، ثم يرفع فيقرأ ثم يركع، ثم يرفع ثم يسجد سجدتين ثم الثانية كذلك أيضا ثم يجلس ويتشهد ويسلم * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب انا إسحاق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - ثنا معاذ بن هشام الدستوائى حدثنى أبى عن قتادة في صلاة الآيات عن عطاء (2) بن أبى رباح عن عبيد بن عمير عن عائشة أم المؤمنين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات في أربع سجدات (3) * ورويناه أيضا مبينا في كسوف الشمس بصفة العمل كذلك من طريق أبى بن كعب * ومن طريق وكيع عن المبارك بن فضالة عن الحسن البصري: أن على بن أبى طالب صلى في كسوف عشر ركعات في أربع سجدات * قال أبو محمد: كل هذا في غاية الصحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمن عمل به من صاحب أو تابع * وروى عن العلاء بن زياد العدوى - وهو من كبار التابعين أن صفة صلاة الكسوف أن يقرأ ثم يركع، فان لم تنجل ركع ثم رفع، فقرأ هكذا أبدا حتى تنجلي، فإذا انجلت سجد ثم ركع الثانية، وعن اسحق بن راهويه نحو هذا *
(1) في نسخة (كما روينا) (2) في النسخة رقم (14) (وعن عطاء) وزيادة الواو خطأ، وما هنا هو الموافق للنسائي (ج 3 ص 130) (3) في الاصلين (عشر ركعات في اربع سجدات) وهو خطأ، والذى هنا هو الذى في النسائي بهذا الاسناد، وقد رواه ايضا مسلم (ج 1 ص 247) من طريق معاذ بن هشام عن ابيه بالاسناد الذى هنا وفيه ايضا (ست ركعات) ورواه ايضا النسائي ومسلم بمعناه من طريق ابن جريج عن عطاء، وهو مبين صريحا ان في كل ركعة ثلاث ركوعات *(5/100)
قال أبو محمد: لا يحل الاقتصار على بعض هذه الآثار دون بعض لانها كلها سنن، ولا يحل النهى عن شئ من السنن * فأما مالك فانه في اختياره بعض ماروى من طريق ابن عباس، وعائشة رضى الله عنهما وتقليد أصحابه له في ذلك -: هادمون أصلا لهم كبيرا، وهو أن الثابت عن عائشة، وابن عباس خلاف ما رويا (1) مما اختاره مالك كما أوردنا آنفا، ومن أصلهم أن الصاحب إذا صح عنه خلاف ما روى كان ذلك دليلا على نسخه، لانه لا يترك ما روى إلا لان عنده علما بسنة هي أولى من التى ترك، وهذا مما تناقضوا فيه * واما أبو حنيفة ومن قلده فانهم عارضوا سائر ما روى بأن قالوا: لم نجد في الاصول صفة شئ من هذه الاعمال * قال أبو محمد: وهذا ضلال يؤدى إلى الانسلاخ من الاسلام لانهم مصرحون بأن لا يؤخذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة، ولا يطاع له أمر: إلا حتى يوجد في سائر الديانة حكم آخر مثل هذا الذى خالفوا، ومع هذا فهو حمق من القول * وليت شعرى من أين وجب أن لا تؤخذ لله شريعة الا حتى توجد أخرى مثلها والا فلا؟ وما ندرى هذا يجب، لابدين ولا بعقل، ولا برأى سديد، ولا بقول متقدم، وما هم بأولى من آخر قال: بل لا آخذ بها حتى اجد لها نظيرين أو من ثالث قال: لا حتى اجد لها ثلاث نظائر والزيادة ممكنة لمن لا دين له ولا عقل ولا حياء! *
ثم نقضوا هذا فجوزوا صلاة الخوف كما جوزوها، ولم يجدوا لها في الاصول نظيرا، في ان يقف المأموم في الصلاة بعد دخوله فيها مختارا للوقوف، لا يصلى بصلاة * امامه، ولا يتم ما بقى عليه وجوزوا البناء في الحدث، ولم يجدوا في الاصول لها نظيرا، ان يكون في صلاته بلا طهارة، ثم لا يعمل عمل صلاته، ولا هو خارج عنها، والقوم لا يبالون بما قالوا * وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجهر في صلاة الكسوف.
وقال من احتج لهم: لو جهر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لعرف بما قرأ * قال أبو محمد: هذا احتجاج فاسد، وقد عرف ما قرأ * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا محمد (1) في النسخة رقم (14) (ما روينا) وهو خطأ ظاهر *(5/101)
ابن مهران - هو الرازي - ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن نمر - هو عبد الرحمن - سمع ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: (جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف بقراءته) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا العباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبى ثنا الاوزاعي أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ قراءة طويلة فجهر بها) في صفتها لصلاة الكسوف قال أبو محمد: قطع عائشة وعروة والزهرى والاوزاعي بأنه عليه السلام جهر فيها -: أولى من ظنون هؤلاء الكاذبة! * وقد روينا من طريق ابى بن كعب: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في اول ركعة من صلاة الكسوف سورة من الطول) * فان قيل: ان سمرة روى فقال: (انه عليه السلام صلى في الكسوف لا نسمع له صوتا) * قلنا هذا لا يصح، لانه لم يروه الا ثعلبة بن عباد العبدى،، وهو مجهول *
ثم لو صح لم تكن لهم فيه حجة، لانه ليس فيه انه عليه السلام لم يجهر وانما فيه (لا نسمع له صوتا) وصدق سمرة في انه لم يسمعه ولو كان بحيث يسمعه لسمعه كما سمعته عائشة رضى الله عنها اليت كانت قريبا من القبلة في حجرتها، وكلاهما صادق * ثم لو كان فيه (لم يجهر) لكان خبر عائشة زائدا على ما في خبر سمرة، والزائد أولى أو لكان كلا الامرين جائزا لا يبطل أحدهما الآخر فكيف وليس فيه شئ من هذا؟ * قال أبو محمد: ولا نعلم اختيار المالكيين روى عمله عن احد من الصحابة رضى الله عنهم ببيان اقتصاره على ذلك العمل * فان قيل: كيف تكون هذه الاعمال صحاحا كلها وانما صلاها عليه السلام مرة واحدة إذ مات ابراهيم؟ * قلنا: هذا هو الكذب والقول بالجهل * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب انا عبدة بن عبد الرحيم أنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عمرة عن عائشة: (ان رسول الله(5/102)