المحلى - ابن حزم ج 1
المحلى
ابن حزم ج 1(1/)
المحلى تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الاصولي، قوي العارضة شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والاصول والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الاندلس ابي محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456 ه.
طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الاستاذ الشيخ احمد محمد شاكر الجزء الاول دار الفكر(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله قال على بن أحمد بن سعيد بن حزم رضى الله عنه: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين والمرسلين وسلم تسليما ونسأل الله تعالى أن يصحبنا العصمة من كل خطأ وزلل ويوفقنا للصواب في كل قول وعمل.
آمين آمين * (أما بعد) * وفقنا الله وإياكم لطاعته فانكم رغبتم أن نعمل للمسائل المختصرة التى جمعناها في كتابنا المرسوم بالمجلى شرحا مختصرا أيضا نقتصر فيه على قواعد
البراهين بغير اكثار ليكون مأخذه سهلا على الطالب والمبتدئ ودرجا له إلى التبحر في الحجاج ومعرفة الاختلاف وتصحيح الدلائل المؤدية إلى معرفة الحق مما تنازع الناس فيه والاشراف على أحكام القرآن والوقوف على جمهرة السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمييزها مما لم يصح والوقوف على الثقات من رواة الاخبار وتمييزهم من غيرهم والتنبيه على فساد القياس وتناقضه وتناقض القائلين به.
فاستخرت الله عزوجل على عمل ذلك واستعنته تعالى على الهداية إلى نصر الحق وسألته التأييد على بيان ذلك وتقريبه وأن يجعله لوجهه خالصا وفيه محضا.
آمين.
آمين.
رب العالمين وليعلم من قرأ كتابنا هذا أننا لم نحتج إلا بخبر صحيح من رواية الثقات مسند ولا خالفنا إلا خبرا ضعيفا فبينا ضعفه أو منسوخا فأوضحنا نسخه.
وما توفيقنا إلا بالله تعالى * (التوحيد) * 1 - مسألة - قال أبو محمد رضى الله عنه: أول ما يلزم كل أحد ولا يصح الاسلام إلا به أن يعلم المرء بقلبه علم يقين وإخلاص لا يكون لشئ من الشك فيه أثر وينطق(1/2)
بلسانه ولا بد بأن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله.
برهان ذلك: ما حدثناه عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا احمد ابن على نا مسلم بن الحجاج نا أمية بن بسطام نا يزيد بن زريع نا روح عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله الا الله ويؤمنوا بى وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) وقد روى معنى هذا مسندا معاذ وابن عباس وغيرهم.
قال الله تعالى: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وهو قول جميع الصحابة وجميع أهل الاسلام.
وأما
وجوب عقد ذلك بالقلب فلقول الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدو الله مخلصين له الدين).
والاخلاص فعل النفس.
وأما وجوب النطق باللسان فان الشهادة بذلك المخرجة للدم والمال من التحليل إلى التحريم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا باللسان ضرورة.
2 - مسألة - قال أبو محمد: وتفسير هذه الجملة هو أن الله تعالى إله كل شئ دونه وخالق كل شئ دونه.
برهان ذلك: أن العالم بكل ما فيه ذو زمان لم ينفك عنه قط ولا يتوهم ولا يمكن أن يخلو العالم عن زمان.
ومعنى الزمان هو مدة بقاء الجسم متحركا أو ساكنا ومدة وجود العرض في الجسم واذ الزمان مدة كما ذ كرنا فهو عدد معدود ويزيد بمروره ودوامه والزيادة لا تكون البتة الا في ذي مبدأ ونهاية من أوله إلى ما زاد فيه.
والعدد أيضا ذو مبدأ ولابد والزمان بلا شك من أجزائه وكل جزء من أجزاء الزمان فهو بيقين ذو نهاية من أوله ومنتهاه والكل ليس هو شيئا غير أجزائه وأجزاؤه كلها ذات مبدأ فهو كله ذو مبدأ ضرورة.
فلما كان الزمان لابد له من مبدأ ضرورة وكان العالم كله لا ينفك عن زمان والزمان ذو مبدأ فما لم يتقدم ذا المبدإ فهو ذو مبدأ ولا بد فالعالم كله جوهره وعرضه ذو مبدأ واذ هو ذو مبدأ فهو محدث والمحدث يقتضى محدثا ضرورة إذ لا يتوهم أصلا ولا يمكن محدث إلا وله محدث فالعالم كله مخلوق وله خالق لم يزل وهو ملك كل ما خلق فهو إله كل ما خلق ومخترعه لا إله الا هو.
3 - مسألة - قال أبو محمد: هو الله لا إله الا هو وانه تعالى واحد لم يزل ولا يزال(1/3)
برهان ذلك: أنه لما صح ضرورة أن العالم كله مخلوق وأن له خالقا وجب أن لو كان الخالق أكثر من واحد أن يكون قد حصرهما العدد وكل معدود فذو نهاية كما ذكرنا وكل ذى نهاية فمحدث.
وأيضا فكل اثنين فهما غيران وكل غيرين ففيهما أو في أحدهما معنى ما صار به غير الآخر فعلى هذا كان يكون أحدهما ولا بد مركبا
من ذاته ومما غاير به الآخر وإذا كان مركبا فهو مخلوق مدبر فبطل كل ذلك وعاد الامر إلى وجوب أنه واحد ولابد وأنه بخلاف خلقه من جميع الوجوه والخلق كثير محدث فصح أنه تعالى بخلاف ذلك وأنه واحد لم يزل إذ لو لم يكن كذلك لكان من جملة العالم تعالى الله عن ذلك.
(ليس كمثله شئ).
وقال تعالى (ولم يكن له كفوا احد).
4 - مسألة - وأنه خلق كل شئ لغير علة أوجبت عليه أن يخلق.
برهان ذلك: أنه لو فعل شيئا مما فعل لعلة لكانت تلك العلة إما لم تزل معه وإما مخلوقة محدثة ولا سبيل إلى قسم ثالث فلو كانت لم تزل معه لوجب من ذلك شيئان ممتنعان: أحدهما أن معه تعالى غيره لم يزل فكان يبطل التوحيد الذى قد أبقا برهانه آنفا والثانى أنه كان يجب إذ كانت علة الخلق لم تزل أن يكون الخلق لم يزل لان العلة لا تفارق المعلول ولو فارقته لم تكن علة له وقد أوضحنا آنفا برهان وجوب حدوث العالم كله.
وأيضا فلو كانت ههنا علة موجبة عليه تعالى أن يفعل ما فعل لكان مضطرا مطبوعا أو مدبرا مقهورا لتلك العلة وهذا خروج عن الالهية ولو كانت العلة محدثة لكانت ولا بد إما مخلوقة له تعالى وإما غير مخلوقة فان كانت غير مخلوقة فقد أوضحنا آنفا وجوب كون كل شئ محدث مخلوقا فبطل هذا القسم وان كانت غير مخلوقه وجب ولا بد أن تكون مخلوقه لعلة أخرى أو لغير علة فان وجب أن تكون مخلوقة لعلة أخرى وجب مثل ذلك في العلة الثانية وهكذا أبدا وهذا يوجب وجوب محدثين لا نهاية لعددهم وهذا باطل لما ذكرنا آنفا وبأن كل ما خرج إلى الفعل فقد حصره العدد ضرورة بمساحته أو بزمانه ولا بد وكل ما حصره العدد فهو متناه.
فبطل هذا القسم أيضا وصح ما قلناه ولله تعالى الحمد.
وان قالوا: بل خلقت العلة لا لعلة سئلوا: من أين وجب أن يخلق الا شياء لعلة لا لعلة؟ ولا سبيل إلى دليل(1/4)
5 - مسألة - وأن النفس مخلوقة.
برهان هذا: أننا نجد الجسم في بعض أحواله
لا يحسن شيئا وان المرء إذا فكر في شئ ما فانه كلما تخلى عن الجسد كان أصح لفهمه وأقوى لادراكه فعلمنا أن الحساس العالم الذاكر (1) هو شئ غير الجسد ونجد الجسد إذا تخلى منه ذلك الشئ موجودا بكل أعضائه ولا حس له ولا فهم إما بموت وإما باغماء وإما بنوم فصح أن الحساس الذكر هو غير الجسد وهو المسمى في اللغة نفسا وروحا وقال الله تعالى ذكره: (الله يتوفى الانفس حين موتها والتى لم تمت في منامها فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الاخرى إلى أجل مسمى) فكانت النفوس كما نص تعالى كثيرة وكذلك وجدناها نفسا خبيثة وأخرى طيبة ونفسا ذات شجاعة وأخرى ذات جبن وأخرى عالمة وأخرى جاهلة فصح يقينا أن لكل حى نفسا غير نفس غيره فإذا تيقن ذلك وكانت النفوس كثيرة مركبة من جوهرها وصفاتها فهي من جملة العالم وهي ما لم ينفك قط من زمان وعدد فهي محدثة مركبة وكل محدث مركب مخلوق.
ومن جعل شيئا مما دون الله تعالى غير مخلوق فقد خالف الله تعالى في قوله: (خلق كل شئ) وخالف ما جاءت به النبوة وما أجمع عليه المسلون وما قام به البرهان العقلي (2) * 6 - مسألة - وهى الروح نفسه برهان ذلك: أنه قد قام البرهان كما ذكرنا بأن ههنا شيئا مدبرا للجسد هي الحى االحساس المخاطب ولم يقم برهان قط بأنهما شيئان فكان من زعم بأن الروح غير النفس قد زعم بأنهما شيئان وقال مالا برهان له فليس له بصحته وهذا باطل قال تعالى (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) فمن لا برهان له فليس صادقا فصح أن النفس والروح اسمان لمسمى واحد.
حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود السجستاني نا أحمد بن صالح نا عبد الله بن وهب أخبرني يونس هو ابن يزيد عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبى هريرة في حديث ذكره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلان (إكلا
__________
(1) في النسخة اليمنية (الدال) وما هنا أصح
(2) في النسخة اليمنية (برهان العقل)(1/5)
لنا الليل فغلبت بلالا عيناه فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظا فقال: يا بلال (فقال) (1) أخذ بنفسى الذى أخذ بنفسك بأبى أنت وأمى يا رسول الله) وذكر الحديث.
وقال الله تعالى: (الله يتوفى الانفس حين موتها) إلى قوله (أجل مسمى) وحدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود نا على بن نصر هو الجهضمي نا الاسود بن شيبان نا خالد بن سمير (2) نا عبد الله بن رباح حدثني أبو قتادة الانصاري في حديث ذكر فيه نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلعت الشمس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا إنا نحمد الله (أنا) (3) لم نكن في شئ من أمر (4) الدنيا يشغلنا عن صلاتنا ولكن أرواحنا كانت بيد الله عزوجل فأرسلها أنى شاء) فعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالانفس وبالارواح عن شئ واحد (5) ولا يثبت عنه عليه السلام في هذا الباب خلاف لهذا أصلا.
وبالله تعالى نتأيذ.
__________
(1) لفظ (فقال) سقط من الاصل وزدناه من أبى داود فيكون قوله (أخذ بنفسى) من كلام بلال لا من المرفوع وهو الصواب قال شارح أبي داود: (فقال يا بلال) والعتاب محذوف أو مقدر أي لم نمت حتى فاتتنا الصلاة (فقال) أي بلال معتذرا (أخذ بنفسى) اه وفي صحيح مسلم في هذا الحديث: (ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أي بلال فقال بلال أخذ بنفسى) الخ وهو صريح في أنه كلام بلال (2) بضم السين المهملة مصغرا كما ضبطه الذهبي في المشتبه (3) الزيادة من أبي داود (4) في أبي داود: (من أمور الدنيا)
(5) ظهر لك أن التعبير الاول هو من بلال وليس مرفوعا فلا؟؟؟ فيه لما أراده المؤلف.
والامر أهون من هذا فان العرب يعبرون كثيرا عن النفس بالروح، قال الراغب الاصفهانى في المفردات: (وجعل الروح اسما للنفس قال الشاعر في صفة النار فقلت له ارفعها اليك وأحيها بروحك واجعلها لها فيئة قدرا(1/6)
7 - مسألة - والعرش مخلوق برهان ذلك قول الله تعالى: (رب العرش العظيم) وكل ماكان مربوبا فهو مخلوق 8 - مسألة - وانه تعالى ليس كمثله شئ ولا يتمثل في صورة شئ مما خلق.
قد مضى الكلام في هذا ولو تمثل تعالي في صورة شئ لكانت تلك الصورة مثلا له وهو تعالى يقول: (ليس كمثله شئ) 9 - مسألة - وان النبوة حق برهان ذلك: أن ما غاب عنا أو كان قبلنا فلا يعرف الا با لخبر عنه.
وخبر التواتر يوجب العلم الضروري ولا بد ولو دخلت في نقل التواتر داخلة أو شك لوجب أن يدخل الشك هل كان قبلنا خلق أم لا إذا لم نعرف كون الخلق موجودا قبلنا إلا بالخبر ومن بلغ ههنا فقد فارق المعقول وبنقل التواتر المذكور صح أن قوما من الناس أتوا أهل زمانهم يذكرون أن الله تعالى خالق الخلق أوحى إليهم يأمرهم بانذار قومهم بأوامر ألزمهم الله تعالى إياها فسئلوا برهانا على صحة ما قالوا فأتوا بأعمال هي خلاف لطبائع ما في العالم لا يمكن البتة في العقل أن يقدر عليها مخلوق حاشا خالقها الذى ابتدعها كما شاء كقلب عصا حية تسعى وشق البحر لعسكر جازوافيه وغرق من اتبعهم وكا حياء ميت قد صح موته وكابراء أكمه ولد أعمى وكناقة خرجت من صخرة وكانسان رمى في النار فلم يحترق وكاشباع عشرات من الناس من صاع شعير وكنبعان الماء من بين أصابع إنسان حتى روى العسكر كله.
فصح ضرورة ان الله تعالى شهد لهم بما اظهر على ايديهم بصحة ما أتوا به عنه وانه تعالى صدقهم
فيما قالوه
__________
وذلك لكون النفس بعض الروح كتسمية النوع باسم الجنس نحو تسمية الانسان بالحيوان.
وجعل اسما للجزء الذى تحصل به الحياة والتحرك واستجلاب المنافع واندفاع المضار وهو المذكور في قوله: (ويسئلونك عن الروح) وقال ابن الانباري: (الروح والنفس واحد غير أن الروح مذكر والنفس مؤنثة عند العرب) وقال في اللسان: (النفس الروح.
قال ابن سيده: وبينهما فرق ليس من غرض هذا الكتاب) ثم ذكر شواهد على استعمال النفس بمعنى الروح واستعمالها بمعاني أخر لم نرالاطالة بذكرها(1/7)
10 - مسألة - وان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله إلى جميع الانس والجن كافرهم ومؤمنهم برهان ذلك: انه عليه السلام أتى بهذا القرآن المنقول الينا بأتم ما يكون من نقل التواتر وأنه دعا من خالفه إلى أن يأتوا بمثله فعجزوا كلهم عن ذلك وأنه شق له القمر قال الله عزوجل: (اقتربت الساعة وانشق القمر وان يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواء هم وكل أمر مستقر ولقد جاءهم من الا نباء ما فيه مزدجر حكمة با لغة فما تغنى النذر).
وحن الجذع إذ فقده حنينا سمعه كل من حضره وهم جموع كثيرة ودعا اليهود إلى تمني الموت ان كانوا صادقين وأخبرهم أنهم لا يتمنونه فعجزوا كلهم عن تمنيه جهارا ودعا النصارى إلى مباهلته فأبوا كلهم.
وهذان البرهانان مذكوران جميعا في نص القرآن كما ذكر فيه تعجيزه جميع العرب عن أن يأتوا بمثاه أولهم عن آخرهم.
ونبع لهم الماء من بين أصابعه وأطعم مئين من الناس من صاع شعير وجدى وأذعن ملوك اليمن والبحرين وعمان لامره للايات التى صحت عندهم عنه فنزلوا عن ملكهم كلهم طوعا دون رهبة أصلا ولا خوقا من أن يغزوهم ولا برغبة رغبهم بها بل كان فقيرا يتنما.
وهناك قوم يدعون النبوة كصاحب صنعاء
وكصاحب اليمامة كلاهما أقوى جيشا وأوسع منه بلادا فما التفت لهم أحد غير قومها وكان هو أضعفهم جندا وأضعفهم بلدا وأبعدهم من بلاد الملوك دارا فدعا الملوك والفرسان الذين قد ملؤوا جزيرة العرب وهى نهو شهرين في نهو ذلك إلى اقامة الصلاة وأداء الزكاة واسقاط الفخر والتجبر والتزام التواضع والصبر للقصاص في النفس فما دونها من كل حقير أو رفيع دون أن يكون معه مال ولا عشيرة تنصره بل اتبعه كل من اتبعه مذعنا لما بهرهم من آياته ولم يأخذ قط بلدة عنوة وغلبة الا خيبر ومكه فقط.
وفي القرآن العظيم (يا أيها الناس إنى رسول الله اليكم جميعا) وقال تعالى (يا معشر الجن والانس).
وقال تعالى (قل أوحى الي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فاآمنابه) إلى قوله (وأنا منا المسلمون ومنا القسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) وقال تعالى (ومن يبتغ غير الا سلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) * 11 - مسألة - نسخ عزوجل بملته كل ملة وألزم أهل الارض جنهم وانسهم اتباع(1/8)
شريعته التى بعثه بها ولا يقبل من أحد سواها وانه عليه السلام خاتم النبيين لا نبى بعده برهان ذلك: قول الله تعالى (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين).
حدثنا احمد بن محمد بن الجسور نا وهب بن مسرة (1) ثنا محمد ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا عبد الله بن ادريس عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان النبوة والرسالة قد انقطعت فجزع الناس فقال: قد بقيت مبشرات وهن جزء من النبوة 12 - مسألة - إلا أن عيسى بن مريم عليه السلام سينزل وقد كان قبله عليه السلام أنبياء كثيرة ممن سمى الله تعالى ومنهم من لم يسم والا يمان بجميعهم فرض برهان ذلك: ما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا الوليد بن شجاع
وهارون بن عبد الله وحجاج بن الشاعر قالوا حدثنا حجاج وهو ابن محمد عن ابن جريج قال أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة.
قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا.
فيقول: لا إن بعضكم (2) على بعض أمراء تكرمة الله هذه الامة).
وذكر الله تعالى في القرآن آدم ونوحا وإدريس وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وداود
__________
(1) مسرة بفتح الميم والسين وتشديد الراء وفى نسخة (ميسرة) وهو خطأ ووهب هذا هو أبو الحزم التميمي كان حافظا للفقه والحديث والعلل فاضلا ورعا.
أخذوا عليه هفوة في الكلام في القدر.
حدث بمسند أبي بكر بن أبى شيبة مات في شعبان سنة 346 وأما تلميذه احمد بن محمد بن الجسور فان في نسخة من الاصل (الحصور) وفي سائر الاصول (الجسور) وفى تذكرة الحفاظ (أبو عمر أحمد ابن الجسور) قال في الرواة عن وهب وهو الصواب وسيأتي كذلك صحيحا (2) في الاصل (بعضهم) وصححناه من صحيح مسلم(1/9)
وسليمان ويونس واليسع وإلياس وزكريا ويحيى وأيوب وعيسى وهودا وصالحا وشعيبا ولوطا.
وقال تعالى: (ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك) وقال تعالى: (يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا) 13 - مسألة - وأن جميع النبيين وعيسى ومحمدا عليهم السلام عبيدالله تعالى مخلوقون ناس كسائر الناس مولودون من ذكر وأنثى إلا آدم وعيسى فان آدم خلقه االله تعالى من تراب بيده لا من ذكر ولا من أنثى وعيسى خلق في بطن أمه من غير ذكر.
قال الله عزوجل عن الرسل عليهم السلام أنهم قالوا: (إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) وقال تعالى (أنا خلقناكم من ذكر
وأنثى).
وقال تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب).
وقال تعالى (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى) وقال تعالى عن جبريل عليه السلام أنه قال لمريم عليها السلام: (انما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسني بشر و لم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو على هين).
وقال تعالى: (ومريم ابنت عمران التى أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا) 14 - مسألة - وأن الجنة حق دار مخلوقة للمؤمنين ولا يدخلها كافرأبدا قال تعالى: (وجنة عرضها السموات والارض أعدت للمتقين).
وقال تعالى: (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أومما رزقكم الله قالوا ان الله حرمهما على الكافرين) 15 - مسألة - وان الجنة حق دار مخلوقة لا يخلد فيها مؤمن.
قال تعالى: (لا يصلاها إلا الاشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الاتقى) 16 - مسألة - يدخل النار من شاء الله تعالى من المسلمين الذين رجحت كبائرهم وسيئاتهم على حسناتهم ثم يخرجون منها بالشفاعة ويدخلون الجنة.
قال عزوجل: (ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) وقال تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين).
وقال تعالى: (فأما من(1/10)
ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حامية).
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو غسان المسمعي ومحمد بن المثني صل الله عليه واله وسلم قال (يخرج من النا ر من قال لا إله الا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ثم يخرج من النار من قال لا إله الا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة ثم يخرج من النار من قال لا إله الا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة)
17 - مسألة - لا تفنى الجنة ولا النار ولا أحد ممن فيهما أبدا.
برهان ذلك: قول الله عزوجل مخبرا عن كل واحدة من هاتين الدارين ومن فيهما: (خالدين فيها أبدا) و (خالدين فيها مادامت السموات والارض الا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) حدثنا عبد الله بن يوسف بن نامي ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودى ثنا ابراهيم بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبى شيبة وأبو كريب قالا ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن أبى صالح عن أبي سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يجاء بالموت (1) يوم القيامة كأنه كبش أملح فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون نعم هذا الموت ويقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون فيقولون نعم هذا الموت.
فيؤمر به فيذبح ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت.
ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الامر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون) وأشار بيده إلى أهل الدنيا) (2) زاد أبو كريب في روايته بعد كبش أملح: (فيوقف بين الجنة والنار) وقال عزوجل في أهل الجنة (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الاولى) وقال في أهل النار (لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها).
وبالله تعالى التوفيق.
__________
(1) في الاصل (يجئ الموت) وهو خطأ (2) في مسلم (إلى الدنيا) وفى النسخة اليمنية (إلى أهل النار)(1/11)
18 - مسألة - وأن أهل الجنة يأكلون ويشربون ويطؤن ويلبسون ويتلذذون ولا يرون بؤسا أبدا وكل ذلك.
بخلاف ما في الدنيا لكن ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وحور العين حق نساء مطهرات خلقهن الله عزوجل للمؤمنين.
قال تعالى (يطوف عليهم والدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين
لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون).
وقال تعالى (ولباسهم فيها حرير).
وقال تعالى (وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا).
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا محمد بن عيسى ثنا ابراهيم بن محمد ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا سفيان عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عزوجل: أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، مصداق ذلك في كتاب الله تعالى (فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)) (وبه إلى مسلم) حدثنى الحسن الحلواني ثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبولون ولكن طعامهم ذلك جشاء كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد كما يلهمون النفس) وهذا نص على أنه خلاف ما في الدنيا.
19 - مسألة - وأهل النار يعذبون بالسلاسل والاغلال والقطران وأطباق النيران أكلهم الزقوم وشرابهم ماء كالمهل والحميم، نعوذ بالله من ذلك.
وقال تعالى (سرابيلهم من قطران) وقال تعالى (وانا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا) وقال تعالى (يريدون أن يخرجوا من النار وماهم بخارجين منها) وقال تعالى (ان شجرة الزقوم طعام الاثيم) وقال تعالى (في سموم وحميم) وقال تعالى (وان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه).
20 - مسألة - وكل من كفر بما بلغه وصح عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أجمع عليه المؤمنون مما جاء به النبي عليه السلام فهو كافر كما قال الله تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم).(1/12)
21 - مسألة - وان القرآن الذى في المصاحف بأيدى المسلمين شرقا وغربا فما بين ذلك من أول أم القرآن إلى آخر المعوذتين كلام الله عزوجل ووحيه أنزله على قلب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من كفر بحرف منه فهو كافر.
قال تعالى (فأجره حتى يسمع كلام الله) وقال تعالى (نزل به الروح الامين على قلبك) وقال تعالى (وكذلك أوحينا اليك قرآنا عربيا).
وكل ما روى عن ابن مسعود من أن المعوذتين وأم القرءان لم تكن في مصحفه فكذب موضوع لا يصح وانما صحت عنه قراءة عاصم عن زر بن حبيش عن ابن مسعود وفيها أم القرءان والمعوذتان.
22 - مسألة - وكل ما فيه من خبر عن نبى من الانبياء أو مسخ أو عذاب أو نعيم أو غير ذلك فهو حق على ظاهره لا رمز في شئ منه.
قال تعالى: (قرآنا عربيا) وقال تعالى (تبيانا لكل شئ) وأنكر تعالى على قوم خالفوا هذا فقال تعالى: (يحرفون الكلم عن مواضعه).
23 - مسألة - ولا سر في الدين عند أحد.
قال الله عزوجل: (ان الذين يكتمون ما أنزلنا منن البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا) وقال تعالى: (لتبيتنه للناس ولا تكتمونه).
24 - مسألة - وان الملائكة حق، وهم خلق من خلق الله عزوجل مكرمون كلهم رسل الله.
قال الله تعالى: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب).
وقال تعالى: (بل عباد مكرمون) وقال تعالى: (جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة).
25 - مسألة - خلقوا كلهم من نور وخلق آدم من ماء وتراب وخلق الجن من نار.
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا محمد بن عيسى ثنا ابراهيم بن محمد ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبد بن حميد ثنا عبد بن حميد ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلقت
الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم).
وقال تعالى: (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين).
26 - مسألة - والملائكة أفضل خلق الله تعالى، لا يعصى أحد منهم في صغيرة(1/13)
ولا كبيرة وهم سكان السماوات.
قال الله تعالى: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) وقال تعالى: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون).
فهذا تفضيل لهم على المسيح عليه السلام وقال تعالى: (ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).
ولم يقل تعالى على كل من خلقنا.
ولا خلاف في أن بنى آدم أفضل من كل خلق سوى الملائكة فلم يبق إلا الملائكة، وإسجاده تعالى الملائكة لآدم على جميعهم السلام سجود تحية فلو لم يكونوا أفضل منه لم يكن له فضيلة في أن يكرم بأن يحيوه.
وقد تقصينا هذا الباب في كتاب (الفصل) غاية التقصى والحمد الله رب العالمين.
وقال تعالى: (وترى الملائكة حافين من حول العرش).
27 - مسألة - وأن الجن حق وهم خلق من خلق الله عزوجل فيهم الكافر والمؤمن يروننا ولا نراهم يأكلون وينسلون ويموتون.
قال الله تعالى: (يا معشر الجن والانس).
وقال تعالى: (والجان خلقناه من قبل من نار السموم).
وقال تعالى حاكيا عنهم أنهما قالوا: (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا).
وقال تعالى: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم).
وقال تعالى: (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني) وقال تعالى: (كل من عليها فان).
وقال تعالى: (كل نفس ذائقة الموت).
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور و عبد الله بن ربيع قال أحمد أخبرنا وهب بن مسرة نا محمد بن وضاح نا أبو بكر بن أبى شيبة، وقال عبد الله: نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا
هناد بن السرى، ثم اتفق ابن أبى شيبة وهناد قالا: نا حفص بن غياث عن داود الطائى عن الشعبى عن علقمة عن عبد الله بن سمعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تستنجوا بالعظام ولا بالروث فانهما زاد اخوانكم من الجن).
28 - مسألة - وأن البعث حق وهو وقت ينقضى فيه بقاء الخلق في الدنيا فيموت كل من فيها ثم يجيى الموتى يجيى عظامهم التى في القبور وهى رميم ويعيد الاجسام كما كانت ويرد إليها الارواح كما كانت ويجمع الاولين والآخرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يحاسب فيه الجن والانس فيوفى كل أحد قدر عمله.
قال(1/14)
الله تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيى الموتى وأنه على كل شئ قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور).
وقال تعالى: (قال من يحيي العظام وهى رميم قل يحييها الذى أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم).
وقال تعالى: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون).
وقال تعالى: (قل إن الاولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم).
وقال تعالى: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة).
وقال تعالى: (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب).
29 - مسألة - وأن الوحوش تحشر.
قال الله تعالى: (وإذا الوحوش حشرت).
وقال تعالى: (وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون).
حدثنا عبد الله بن يوسف.
نا أحمد ابن فتح.
نا عبد الوهاب بن عيسى.
نا أحمد بن محمد.
نا أحمد بن على.
نا مسلم ابن الحجاج.
نا قتيبة بن سعيد.
نا اسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء).
30 - مسألة - وأن الصراط حق وهو طريق يوضع بين ظهرانى جهنم فينجو من شاء الله تعالى ويهلك من شاء.
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا يعقوب بن ابرهيم بن سعد ثنا أبي عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث: (ويضرب الصراط بنى ظهرى جهنم) وقال عليه السلام في هذا الحديث أيضا: (وفى جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان؟ فانها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر (1) عظمها الا الله عزوجل تخطف الناس بأعمالهم فمنهم يعنى الموبق
__________
(1) في صحيح مسلم طبع بولاق ج 1: ص 65 (لا يعلم ما قدر) وما هنا نسخة بهامش طبعة الاستانة ج 1: ص 113(1/15)
بعمله (1) ومنهما المخردل (2) حتى ينجى).
وذكر باقي الخبر * 31 - مسألة - وأن الموازين حق توزن فيها أعمال العباد نؤمن بها ولا ندرى كيف هي.
قال الله عزوجل: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين).
وقال تعالى: (والوزن يومئذ الحق).
وقال تعالى: (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حامية) * 32 - مسألة - وأن الحوض حق من شرب منه لم يظمأ أبدا.
ثنا عبد الله ابن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد ابن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمى عن أبي عمران الجونى عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: (قلت يا رسول الله ما آنية الحوض؟ قال: والذى نفسي بيده (3) لآنيته أكثر من عدد نجوم المساء وكواكبها
(ألا) (4) في الليلة المظلمة المصحية آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمأ عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل) * 33 - مسألة - وان شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من أمته حق فيخرجون من النار ويدخلون الجنة.
قال الله عزوجل: (ومن ذا الذى يشفع عنده إلا باذنه)
__________
(1) في مسلم طبع بولاق (فمنهم المؤمن يقى بعمله) وفي طبعة الاستانة نسخ مختلفة منها ما ذكره المؤلف هنا وقد انتقده العلامة الامير الصنعانى وذكر في هامش النسخة اليمنية لفظ مسلم كما في طبعة بولاق، وقد ظهر لك أن النسخ مختلفة وسيأتي بهذا اللفظ في المسألة 83 (2) المحردل المصروع المرمي وقيل المقطع تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي في النار قاله في اللسان.
والذي في مسلم في الطبعتين بدل ذلك (المجازى) وهو واضح (3) في صحيح مسلم ج 2: ص 209 بولاق (والذي نفس محمد بيده) (4) زيادة من صحيح مسلم(1/16)
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو غسان المسمعى ثنا معاذ - يعني ابن هشام الدستوائى - ثنا أبى عن قتادة ثنا أنس بن مالك أن نبى الله صلى الله عليه وسلم قال: (لكل نبى دعوة دعاها لامته واني اختبات دعوتي شفاعة لامتي يوم القيامة) * وبه إلى مسلم: ثنا نصر بن على ثنا بشر - يعنى ابن المفضل - عن أبي مسلمة - هو سعيد بن يزيد - عن أبى نضرة عن أبي سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أما (1) أهل النار الذين هم أهلها فانهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم
فأماتهم الله اماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجئ (2) بهم ضبائر ضبائر (3) فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل) * 34 - مسألة - وان الصحف التي تكتب فيها أعمال العباد الملائكة حق نؤمن بها ولا ندرى كيف هي.
قال الله عزوجل (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد) وقال عزوجل (انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) وقال تعالى (وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك) * 35 - مسألة - وان الناس يعطون كتبهم يوم القيامة، فالمؤمنون الفائزون الذين لا يعذبون يعطونها.
بأيمانهم والكفار بأشملهم (4) والمؤمنون أهل الكبائر وراء ظهورهم قال الله عزوجل: (فاما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا
__________
(1) زيادة عن صحيح مسلم ج 1: ص 68 بولاق (2) في الاصل (فيجئ) وهو خطأ (3) يعنى جماعات (4) جمع شمال كشمائل وشمل قال أبو النجم: يأتي لها من أيمن وأشمل(1/17)
ويصلى سعيرا انه كان في أهله مسرورا انه ظن أن لن يحور).
وقال تعالى: (وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول يا ليتنى لم أوت كتابيه، ولم أدر ما حسابيه، يا ليتها كانت القاضية، ما أغني عني ماليه، هلك عنى سلطانيه، خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه، انه كان لا يؤمن بالله العظيم، ولا يحض على طعام المسكين) *
36 - مسألة - وان على كل انسان حافظين من الملائكة يحصيان أقواله وأعماله قال عزوجل: (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد) * 37 - مسألة - ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فان عملها كتبت له عشرا.
ومن هم بسيئة فان تركها لله تعالى كتبت له حسنة، فان تركها بغلبة أو نحو ذلك لم تكتب عليه.
فان عملها كتبت له سيئة واحدة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد ابن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا عبد الرزاق اخبرنا معمر عن همام بن منبه هذا ما حدثنا ابو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذكر أحاديث منها (1)) قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)) (قال الله عزوجل إذا تحدث عبدى بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل فإذا عملها فانا أكتبها بعشر أمثالها وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها فإذا عملها فانا أكتبها له بمثلها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قالت الملائكة رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به فقال ارقبوه فان عملها فاكتبوها له بمثلها وان تكرها فاكتبوها له حسنة انما تركها من جراى (3)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحسن أحدكم اسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وكل سيئة تكتب (له) (4) بمثلها حتى يلقى الله عزوجل) *
__________
(1) و (2) الزيادة من صحيح مسلم ج 1: ص 47 - 48 بولاق (3) أي من أجلى (4) الزيادة من صحيح مسلم(1/18)
38 - مسألة - ومن عمل في كفره عملا سيئا ثم أسلم، فان تمادى على تلك الاساءة حوسب وجوزي في الآخرة بما عمل من ذلك في شركه واسلامه، وان تاب عن ذلك
سقط عنه ما عمل في شركه.
ومن عمل في كفره أعمالا صالحة ثم أسلم جوزي في الجنة بما عمل من ذلك في شركه واسلامه، فان لم يسلم جوزي بذلك في الدنيا ولم ينتفع بذلك في الآخرة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن حاتم بن ميمون وابراهيم ابن دينار واللفظ له قالا ثنا حجاج - هو ابن محمد - عن ابن جريج قال اخبرني يعلى بن مسلم أنه سمع سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس ((ان ناسا من أهل الشرك قتلوافأ كثروا وزنوافأ كثروا، ثم أتوا محمدا صلى الله عليه وسلم (1) فقالوا ان الذى تقول وتدعو (إليه) (2) لحسن (3) ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت: (والذين لا يدعون مع الله الها آخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما (4) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا الا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا).
فلم يسقط الله عزوجل تلك الاعمال السيئة الا بالايمان مع التوبة مع العمل الصالح * وبه إلى مسلم حدثنا عثمان بن أبى شيبة ثنا جرير عن منصور عن أبى وائل عن ابن مسعود قال (قال أناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية قال: أما من أحسن منكم في الاسلام فلا يؤاخذ بها ومن أساء أخذ بعمله في الجاهلية والاسلام) * وبه إلى مسلم حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا وكيع عن الاعمش عن أبى وائل عن ابن مسعود (قال قلنا يا رسول الله) أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟
__________
(1) هذا لفظ مسلم وفي الاصل (وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم) (2) زيادة من صحيح مسلم (3) في الاصل (لو) بحذف الواو (4) في مسلم إلى هنا ولم يذكر باقي الآيات (5) الزيادة من صحيح مسلم(1/19)
فقال (من أحسن في الاسلام لم يؤاخذ (1) بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الاسلام أخذ بالاول والآخر) * وبه إلى مسلم حدثنا حسن الحلواني ثنا يعقوب - هو ابن ابراهيم بن سعد - ثنا أبى عن صالح - هو ابن كيسان - عن ابن شهاب أخبرنا عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره (2) أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم أفيها أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما أسلفت من خير) فان ذكروا قول الله عزوجل (قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) وقوله عليه السلام لعمر وبن العاص (ان الاسلام يهدم ما كان قبله، وان الهجرة تهدم ما كان قبلها، وإن الحج يهدم ما كان قبله) قلنا: ان كلامه عليه السلام لا يعارض كلامه ولا كلام ربه.
ولو كان ذلك - وقد أعاذ الله من هذا - لما كان بعضه أولى من بعض ولبطلت حجة كل أحد بما يتعلق به منه، وكذلك القرآن لا يعارض القرآن ولا السنة قال عزوجل (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) فاما قوله تعالى (ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) فنعم هذا هو نفس قولنا: ان من انتهى غفر له، وأما من لم ينته عنه فلم يقل الله تعالى انه يغفره له فبطل تعلقهم بالآية.
وأما قوله عليه السلام (ان الاسلام يهدم ما كان قبله) فحق وهو قولنا لان الاسلام اسم واقع على جميع الطاعات، والتوبة من عمل السوء من الطاعات، وكذلك قوله عليه السلام في الهجرة انما هي التوبة من كل ذنب، كما صح عنه عليه السلام: (المهاجر من هجر ما نهى عنه) حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد بنا محمد بن يوسف الفربرى ثنا البخاري ثنا آدم (بن أبي اياس) (3) ثنا شعبة عن عبد الله بن أبى السفر واسماعيل بن أبى خالد عن الشعبى عن عبد لله بن عمرو بن العاصى عن النبي
__________
(1) في الاصل (من أحسن منكم في الاسلام ولم يؤاخذ) وهو خطأ صححناه عن مسلم
(2) في الاصل (أخبر) (3) زيادة من البخاري(1/20)
صلى الله عليه وسلم قال (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن ممد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حفص بن غياث عن داود (1) عن الشعبي عن مسروق عن عائشة أم المؤمنين قالت (قلت يا رسول الله ان (2) ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك (3) نافعه؟ قال: لا ينفعه إنه لم يقل يوما رب اغفر لى خطيئتي يوم الدين) * حدثنا عبد الله يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا محمد بن عيسى ثنا ابراهيم بن محمد ثنا مسلم ثنا زهير بن حرب ثنا يزيد بن هرون ثنا همام بن يحيى عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله لا يظلم مؤما حسنة، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة.
وأما الكافر فيعطى (4) بحساب ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها) * 39 - مسألة - وان عذاب القبر حق ومسألة الارواح بعد الموت حق ولا يحيا أحد بعد موته إلى يوم القيامة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا محمد بن عيسى ثنا ابراهيم بن محمد ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن بشار بن عثمان العبدى ثنا محمد بن جعفر - هو غندر - ثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) قال نزلت في عذاب القبر يقال (5) من ربك فيقول ربي الله ونبي محمد) * وبه إلى مسلم ثنا عبيد الله بن عمر القواريرى ثنا حماد بن زيد ثنا بديل عن عبد الله بن شقيق عن أبى هريرة قال: (إذا خرجت روح المؤمن
__________
(1) هو ابن أبى هند.
من هامش الاصل (2) في مسلم بحذف (ان) (3)؟؟؟ مسلم (ذاك) (4) في مسلم ج 2: ص 345 (فيطعم) (5) في مسلم ج 2: ص 358 (فيقال)(1/21)
تلقاها (1) ملكان يصعدانها ويقول أهل السماء روح طيبة جاءت من قبل الارض صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه، فينطلقوا به إلى ربه ثم يقول انطلقوا به إلى آخر الاجل.
قال وان الكافر إذا خرجت روحه يقول أهل السماء روح خبيثة جاءت من قبل الارض فيقال انطلقوا به الي آخر الاجل.
قال أبو هريرة: فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريطة (2) كانت عليه على أنفه) وقال الله تعالى (كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) فصح أنهما حياتان وموتان فقط، ولا ترد الروح الا لمن كان ذلك آية، كمن أحياه عيسى عليه السلام وكل من جاء فيه بذلك نص وهو قول من روى عنه في ذلك قول من الصحابة رضي الله عنهم * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا اسماعيل ابن اسحاق ثنا عيسى بن حبيب ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن يزيد المقرئ ثنا جدي محمد بن عبد الله ثنا سفيان بن عيينة عن منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية بنت شيبة قالت (دخل ابن عمر المسجد فأبصر ابن الزبير مطروحا قبل أن يصلب، فقيل له هذه أسماء فمال إليها وعزاها، وقال ان هذه الجثث ليست بشئ وان الارواح عند الله عزوجل، فقالت له أسماء وما يمنعنى وقد أهدى رأس زكريا (3) الي بغى من بقايا بني اسرائيل) ولم يرو أحد أن في عذاب القبر رد الروح إلى الجسد الا المنهال بن عمرو وليس بالقوى * 40 - مسألة - والحسنات تذهب السيئات بالموازنة، والتوبة تسقط السيئات
والقصاص من الحسنات.
قال الله عزوجل (وانى لغفار لمن تاب) وقال تعالى (ان الحسنات يذهبن السيئات) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب ابن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد
__________
(1) في الاصل (إذا أخرجت روح المؤمن تلقاه) وصححناه من مسلم ج 2 ص 358 (2) الريطة - بالياء المثناة التحتية - الملاءة أو الثوب الرقيق.
قال الازهري: لا تكون الريطة الا بيضاء (3) هنا بهامش الاصل ما نصه (المعروف في كتب التفسير والآثار أن يحيى هو الذي أهدى رأسه إلى البغي وأما زكريا فانه نشر بالمنشار في باطن الشجرة فكأنه سقط لفظ (يحيى) وان الاصل يحيى بن زكريا)(1/22)
ثنا اسماعيل عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أتدرون ما المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال ان المفلس من أمتى من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتى قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا (وضرب هذا) (1) فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) وقال عزوجل (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت) * 41 - مسألة - وأن عيسى عليه السلام لم يقتل ولم يصلب ولكن توفاه الله عزوجل ثم رفعه إليه.
وقال عزوجل (وما قتلوه وما صلبوه) وقال تعالى (انى متوفيك ورافعك إلى) وقال تعالى عنه أنه قال (وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد) وقال تعالى (الله يتوفى الانفس حين موتها والتى لم تمت في منامها) فالوفاة قسمان: نوم وموت
فقط، ولم يرد عيسي عليه السلام بقوله (فلما توفيتنى) وفاة النوم فصح أنه انما عنى وفاة الموت، ومن قال انه عليه السلام قتل أو صلب فهو كافر مرتد حلال دمه وماله لتكذيبه القرآن وخلافه الاجماع.
42 - مسألة - وأنه لا يرجع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من من أصحابه رضي الله عنهم الا يوم القيامة إذا رجع (الله) المؤمنين والكافرين للحساب والجزاء.
وهذا اجماع جميع أهل الاسلام المتيقن قبل حدوث الروافض المخالفين لاجماع أهل الاسلام المبدلين للقرآن المكذبين بصحيح سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم المجاهرين بتوليد الكذب المتناقضين في كذبهم أيضا، وقال عزوجل.
(وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) وقال تعالى (ثم انكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) فادعوا من رجوع على رضى الله عنه مالا يعجز أحد عن أن يدعى مثله لعمر أو لعثمان أو لمعاوية رضى الله عنهما أو لغير هؤلاء: إذا لم يبال بالكذب
__________
(1) الزيادة من مسلم ج 2: ص 283(1/23)
والدعوى بلا برهان لا من قرآن ولا من سنة ولا من اجماع ولا من معقول وبالله تعالى التوفيق * 43 - مسألة - وان الانفس حيث رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به أرواح أهل السعادة عن يمين آدم عليه السلام وأرواح أهل الشقاء عن شماله عند سماء أهل الدنيا (1) لا تفنى ولا تنتقل إلى أجسام أخر لكنها باقية حية حساسة عاقلة في نعيم أو نكد إلى يوم القيامة فترد إلى أجسادها للحسنات وللجزاء بالجنة أو النار حاشى أرواح الانبياء عليهم السلام وأراح الشهداء فانها الآن ترزق وتنعم.
ومن قال بانتقال الانفس إلى أجسام أخر بعد مفارقتها هذه الاجساد فقد كفر.
برهان هذا * ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب
ابن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب انا يونس - هو ابن يزيد - عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فرج سقف بيتى وأنا بمكة فنزل جبريل (عليه السلام) (2) ففرج صدري ثم غسله من ماء زمزم ثم جاء بطست (3) من ذهب ممتلئ حكمة وايمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدى فعرج بى إلى السماء الدنيا فلما جئنا السماء الدنيا (4) قال جبريل (صلى الله عليه وسلم) (5) لخازن السماء الدنيا افتح قال من هذا قال جبريل قال هل معك أحد قال نعم معي محمد (صلى الله عليه وسلم) (6) قال فأرسل إليه قال نعم ففتح (7) فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن
__________
(1) كذا بالاصل بزيادة لفظ (أهل) (2) زيادة من مسلم ج 1: ص 59 (3) بالسين المهملة وفي الاصل بالمعجمة وهو تصحيف (4) هذا لفظ صحيح مسلم وفي الاصل (فعرج بنا إلى السماء فلما جئنا إلى السماء الدنيا) (5 و 6) الصلاة في الموضعين ليست مذكورة في صحيح مسلم ولكنها في الاصل (7) في الاصل (فافتح) وهو خطأ(1/24)
يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى قال فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح فقلت (1) يا جبريل من هذا قال هذا آدم (صلى الله عليه وسلم) (2) وهذه الاسودة (التى) (3) عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل (4) اليمين أهل الجنة والاسودة التى عن شماله أهل النار فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى (قال) (5) ثم عرج (6) بى جبريل (صلى الله عليه وسلم) حتى أتى السماء الثانية) قال أنس: فذكر أنه وجد في السماوات آدم وادريس وعيسى وموسى وابراهيم (صلوات الله عليهم) ولم يثبت كيف منازلهم (7) غير أنه (ذكر أنه) (8) قد وجد
آدم في السماء الدنيا وابراهيم في السماء السادسة.
وذكر الحديث ففى هذا الخبر مكان الارواح وأن أرواح الانبياء في الجنة * وأما الشهداء فان الله عزوجل يقول (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله اموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) وقال تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله) ولا خلاف بين مسلمين (9) في أن الانبياء عليهم السلام أرفع قدرا ودرجة وأتم فضيلة عند الله عزوجل وأعلى كرامة من كل من دونهم، ومن خالف في هذا فليس مسلما * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا محمد بن عيسى ثنا ابراهيم بن محمد ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبد بن حميد اخبرنا عبد الرزاق
__________
(1) في مسلم (قال قلت) (2) الصلاة في المواضع الثلاثة ليست في صحيح مسلم ولكنها في الاصل (3) زيادة من مسلم (4) في الاصل (وأهل) (5) زيادة من مسلم (6) في الاصل (خرج) وهو خطأ (7) في الاصل (فلم يثبت منازلهم) (8) زيادة من مسلم (9) كذا في الاصل(1/25)
ثنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الرجل عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ان كان من أهل الجنة فالجنة (1) وان كان من أهل النار فالنار ثم يقال له هذا مقعدك الذى تبعث إليه يوم القيامة) ففى هذا الحديث ان الارواح حساسة عالمة مميزة بعد فراقها الاجساد.
وأما من
زعم أن الارواح تنقل إلى أجساد أخر فهو قول أصحاب التناسخ، وهو كفر عند جميع أهل الاسلام.
وبالله تعالي التوفيق * 44 - مسألة - وان الوحي قد انقطع مذ مات النبي صلى الله عليه وسلم.
برهان ذلك أن الوحي لا يكون الا إلى نبى وقد قال عزوجل: (وما كان محمد أبا أحد من رجالكم لكن رسول الله وخاتم النبيين) * 45 - مسألة - والدين قد تم فلا يزاد فيه ولا ينقص منه ولا يبدل.
قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) وقال تعالى: (لا تبديل لكلمات الله) والنقص والزيادة تبديل * 46 - مسألة - قد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين كله وبين جميعه كما أمره الله تعالى: قال تعالى: (وانك لتهدى الي صراط مستقيم صراط الله) وقال تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم) * 47 - مسألة - وحجة الله تعالى قد قامت واستبانت لكل من بلغته النذارة من مؤمن وكافر وبر وفاجر.
قال الله عزوجل: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وقال تعالى: (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) * 48 - مسألة - والامر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضان على كل أحد - على قدر طاقته - باليد فمن لم يقدر فبلسانه فمن لم يقدر فبقلبه وذلك أضعف الايمان ليس وراء ذلك من الايمان شئ.
قال عزوجل: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف
__________
(1) في الاصل (فمن أهل الجنة) وهو خطأ صححناه من صحيح مسلم ج 2: ص 357(1/26)
وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) وقال تعالى: (وان طائفتان من المؤمنين
اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد ابن المثنى قال ابن أبى شيبة ثنا وكيع عن سفيان الثوري وقال ابن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة ثم اتفق سفيان وشعبة كلاهما عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال قال أبو سعيد الخدرى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان) * وبه إلى مسلم حدثنا عبد بن حميد ثنا يعقوب بن ابراهيم بن سعد ثنا أبى عن صالح ابن كيسان عن الحارث - هو ابن الفضيل الخطمى - عن جعفر بن عبد الله بن عبد الحكم عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبى رافع هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من نبى بعثه الله في أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم انها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه (فهو مؤمن) (1) ومن جاهد هم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل).
قال على: لم يختلف أحد من المسلمين في أن الآيتين المذكورتين محكمتان غير منسوختين، فصح أن ما عارضهما أو عارض الاحاديث التى في معناهما هو المنسوخ بلا شك * 49 - مسألة - فمن عجز لجهله أو عتمته (2) عن معرفة كل هذا فلا بد له أن يعتقد بقلبه ويقول بلسانه - حسب طاقته بعد أن يفسر له -: لا اله الا الله محمد رسول الله
__________
(1) سقط من الاصل واكملناه من صحيح مسلم ج 1: ص 29 (2) كذا في النسخة اليمنية وفي المصرية (وعميته) وكلاهما لا معنى له
والصواب فيما يبدو لى (أو عجمته) كما هو ظاهر من سياق الكلام(1/27)
كل ما جاء به حق وكل دين سواه باطل * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أمية بن بسطام ثنا يزيد بن زريع ثنا روح عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله الا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهما على الله).
وقال عزوجل (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) * 50 - مسألة - وبعد هذا فان أفضل الانس والجن الرسل ثم الانبياء على جميعهم من الله تعالى ثم منا أفضل الصلاة والسلام ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الصالحون.
قال تعالى (جاعل الملائكة رسلا).
وقال تعالى: (الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس) وهذا لا خلاف فيه من أحد، وقال عزوجل (لا يستوى من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود السجستاني ثنا مسدد ثنا أبو معاوية - هو محمد بن خازم (1) الضرير - ثنا الاعمش عن أبى صالح عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا أصحابي فو الذى نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود السجستاني ثنا عمر وبن عون ومسدد قالا ثنا أبو عوانة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن الحصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير أمتى
القرن الذين (2) بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يظهر قوم يشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويحربون ولا يؤتمنون ويفشو فيهم السمن).
هكذا
__________
(1) بالخاء والزاى المعجمتين (2) في أبي داود المطبوع في الهند مع شرحه عون المعبود ج 4 ص 346 (الذى)(1/28)
حدثنا عبد الله بن ربيع (يحربون) بحاء غير منقوطة وراء مرفوعة وباء منقوطة واحدة من أسفل (1) ورويناه من طرق كثيرة (يخونون) بالخاء المنقوطة من فوق وواو بعدها نون، ومن حان فقد حرب (2) * 51 - مسألة - وان الله تعالى خالق كل شئ سواه لا خالق سواه.
قال الله عز وجل: (خالق كل شئ) وقال تعالى: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه) وقال تعالى: (خلق السماوات والارض وما بينهما) * 52 - مسألة - ولا يشبهه عزوجل شئ من خلقه في شئ من الاشياء قال عزوجل: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) وقال تعالى (ولم يكن له كفوا أحد) * 53 - مسألة - وأنه تعالى لا في مكان ولا في زمان بل هو تعالى خالق الازمنة والامكنة.
قال تعالى (خلق كل شئ فقدره تقديرا) وقال تعالى: (خلق السماوات والارض وما بينهما) والزمان والمكان فهما مخلوقان، قد كان تعالى دونهما، والمكان انما هو للاجسام، والزمان انما هو مدة كل ساكن أو متحرك أو محمول في ساكن أو متحرك، وكل هذا مبعد عن الله عزوجل * 54 - مسألة - ولا يحل لاحد أن يسمى الله عزوجل بغير ما سمى به نفسه ولا أن يصفه بغير ما أخبر به تعالى عن نفسه.
قال عزوجل: (ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه) فمنع تعالى أن يسمى الا بأسمائه الحسني
وأخبر أن من سماه بغيرها فقد ألحد، والاسماء الحسنى بالالف واللام لا تكون الا معهودة ولا معروف في ذلك الا ما نص الله تعالى عليه، ومن ادعى زيادة على ذلك كلف البرهان على ما ادعى ولا سبيل له إليه، ومن لا برهان له فهو كاذب في قوله ودعواه.
__________
(1) هكذا في النسخة المصرية وهو ظاهر وفى اليمنية (وراء غير مرفوعة وباء غير منقوطة واحدة من أسفل) بزيادة (غير) مرتين وهو خطأ و (يحربون) من حربه يحربه حربا كطلبه يطلبه طلبا إذا سلب ماله (2) رواية أبي داود في النسخ التي بأيدينا (يخونون) بالخاء والنون(1/29)
قال عزوجل: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) * 55 - مسألة - وان له عزوجل تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد، وهى اسماؤه الحسنى، من زاد شيئا من عند نفسه فقد ألحد في اسمائه، وهى الاسماء المذكورة في القرآن والسنة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رافع ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب وهمام بن منبه قال أيوب عن ابن سيرين عن أبى هريرة وقال همام عن أبى هريرة - ثم اتفقا - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدا من أحصاها دخل الجنة) زاد همام في حديثه ((انه وتريحب الوتر).
وقد صح انها تسعة وتسعون اسما فقط ولا يحل لاحد أن يجيز أن يكون له اسم زائد لانه عليه السلام قال (مائة غير واحد) فلو جاز أن يكون له تعالى اسم زائد لكانت مائة اسم، ولو كان هذا لكان قوله عليه السلام (مائة غير واحد) كذبا ومن أجاز هذا فهو كافر.
وقال تعالى (هو الله الذى لا إله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون، هو الله الخالق البارئ المصو ر له الاسماء الحسنى) وقد تقصينا كثيرا منها بالاسانيد الصحاح في كتاب
(الايصال) والحمد لله رب العالمين * 56 - مسألة - ولا يحل لاحد أن يشتق لله تعالى اسما لم يسم به نفسه.
برهان ذلك أنه تعالى قال (والسماء وآما بناها) وقال (وأكيد كيدا) وقال تعالى: (خير الما كرين) (ومكروا ومكر الله).
ولا يحل لاحد أن يسميه البناء ولا الكياد ولا الماكر ولا المتجبر ولا المستكبر، لا على أنه المجازى بذلك ولا على وجه أصلا، ومن ادعي غير هذا فقد ألحد في أسمائه تعالى وتناقض وقال على الله تعالى الكذب وما لا برهان له به.
وبالله تعالي التوفيق * 57 - مسألة - وان الله تعالى يتنزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وهو فعل يفعله عز وجل ليس حركة ولا نقله.
برهان ذلك * ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج(1/30)
ثنا يحيى بن يحيى قرأت على مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبى عبد الله (1) الاغر و (عن) (2) أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يتنزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا (3) حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني (4) فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له " قال مسلم وحدثناه قتيبة بن سعيد ثنا يعقوب هو ابن عبد الرحمن القارى عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ينزل الله إلى سماء (5) الدنيا كل ليلة حين (6) يمضي ثلث الليل (الاول) (7) فيقول أنا الملك أنا الملك من ذا الذى يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألنى فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يضئ الفجر " قال مسلم وحدثناه اسحاق بن منصور ثنا أبو المغيرة ثنا الاوزاعي ثنا يحيى - هو ابن ابى كثير - ثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن ثنا أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه
ينزل الله (تبارك وتعالى) (8) إلى السماء الدنيا فيقول هل من سائل يعطى هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له حتى ينفجر الصبح).
قال على: فالرواية عن أبى سلمة عن أبى هريرة من طريق الزهري " إذا بقى ثلث الليل الآخر " ومن طريق يحيى بن أبى كثير " إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه " ومن طريق أبى صالح عن أبى هريرة " إذا مضى ثلث الليل الاول إلى أن يضئ الفجر " وهكذا رواه ابنا أبى شيبة وابن راهويه عن جرير عن منصور عن ابى اسحاق السبيعي عن الاغر عن أبى
__________
(1) في الاصل (عبيد الله) وهو خطأ صححناه من صحيح مسلم 1: 210 (2) الزيادة من صحيح مسلم (3) في مسلم " يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا " (4) في الاصل " يدعيني " وهو خطأ (5) في مسلم " السماء " (6) في الاصل " حتى " وهو خطأ (7 و 8) الزيادة من مسلم(1/31)
هريرة وأبى سعيد الخدري، واوقات الليل مختلفة باختلاف تقدم غروب الشمس عن أهل المشرق وأهل المغرب، فصح أنه فعل يفعله الباري عزوجل من قبول الدعاء في هذه الاوقات، لا حركة، والحركة والنقلة من صفات المخلوقين حاشى لله تعالى منها * 58 - مسألة - والقرآن كلام الله وعلمه غير مخلوق.
قال عزوجل (ولو لا كلمة سبقت من ربك لقضى بينهم) فأخبر عزوجل أن كلامه هو علمه وعلمه تعالى لم يزل غير مخلوق.
59 - مسألة - وهو المكتوب في المصاحف والمسموع من القارئ والمحفوظ في
الصدور والذى نزل به جبريل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم -: كل ذلك كتاب الله تعالى وكلامه القرآن حقيقة لا مجازا، من قال في شئ من هذا انه ليس هو القرآن ولا هو كلام الله تعالى فقد كفر، لخلافه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم واجماع أهل الاسلام.
قال عزوجل (فأجره حتى يسمع كلام الله) وقال تعالى (وقد كان فريق منهما يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعدما عقلوه وهم يعلمون) وقال تعالى (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) وقال تعالى (في كتاب مكنون لا يمسه الا المطهرون تنزيل من رب العالمين) وقال تعالى (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) وقال تعالى (نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى ارض العدو) ولا يحل لا حد أن يصرف كلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المجاز عن الحقيقة بدعواه الكاذبة.
وبالله تعالي التوفيق.
60 - مسألة - وعلم الله تعالى حق لم يزل عزوجل عليما بكل ما كان أو يكون مما دق أو جل لا يخفى عليه شئ.
قال عزوجل (وهو بكل شئ عليم) وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه شئ، وقال تعالى (يعلم السر وأخفى) والاخفى من السر هو مما لم يكن بعده (1)
__________
(1) كذا بالاصل(1/32)
61 - مسألة - وقدرته عزوجل وقوته حق لا يعجز عن شئ، ولا عن كل ما يسأل عنه السائل من محال أو غيره مما لا يكون أبدا.
عزوجل (أولم يروا أن الله الذى خلقهم هو أشد منهم قوة) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد البلخى ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا ابراهيم بن المنذر الحزامى ثنا
معن بن عيسى ثنا عبد الرحمن بن أبى الموال سمعت محمد بن المنكدر يحدث عبد الله بن الحسن قال حدثني جابر بن عبد الله قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الاستخارة - فذكر الحديث وفيه - اللهم انى أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك.
وقال عزوجل (لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا ان كنا فاعلين) وقال تعالى (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء) وقد أخبر عزوجل أنه قادر على مالا يكون أبدا.
قال عزوجل (عسى ربه ان طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن) وقال تعالى (والله على كل شئ قدير) وقال تعالى (انما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) ولو لم يكن تعالى كذلك لكان متناهى القدرة، ولو كان متناهى القدرة لكان محدثنا، تعالى الله عن ذلك، وهو تعالى مرتب كل ما خلق، وهو الذي أوجب الواجب وأمكن الممكن وأحل المحال، ولو شاء أن يفعل كل ذلك على خلاف ما فعله، لما أعجزه ذلك، ولكان قادرا عليه، ولو لم يكن كذلك لكان مضطرا لا مختارا.
وهذا كفر ممن قاله (1).
قال عزوجل (وربك يخلق ما يشاء ويختار) 62 - مسألة - وان لله عزوجل عزا وعزة وجلالا واكراما ويدا ويدين وأيديا ووجها وعينا وأعينا وكبرياء، وكل ذلك حق لا يرجع منه ولا من علمه تعالى وقدره وقوته الا إلى الله تعالى، لا إلى شئ غير الله عزوجل أصلا، مقر من ذلك مما في القرآن وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا يحل أن يزاد في ذلك ما لم يأت به نص من قرآن أو سنة صحيحة.
قال عزوجل (ذو الجلال والاكرام) وقال تعالى (يد الله فوق أيديهم)
__________
(1) هذه المسألة كلها مغالطات من المؤلف، ظاهر ذلك بأدنى نظر (م ه ج 1 المحلى)(1/33)
و (لما خلقت بيدى) و (مما عملت أيدينا أنعاما) (انما نطعمكم لوجه الله) (ولتصنع على عيني) (إنك بأعيننا).
ولا يحل أن يقال (عينين) لانه لم يأت بذلك نص
ولا أن يقال " سمع وبصر ولا حياة " لانه لم يأت بذلك نص، لكنه تعالى سميع بصير حي قيوم * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج حدثنى احمد بن يوسف الازدي ثنا عمر بن حفص بن غياث ثنا أبى ثنا الاعمش ثنا أبو إسحاق - هو السبيعي - عن أبى مسلم الاغر أنه حدثه عن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة قالا (جميعا) (1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العزازاره والكبرياء رداؤه " يعنى الله تعالى - * حدثنا عبد الله بن زبيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أنا اسحق بن ابراهيم أنا الفضل بن موسى ثنا محمد بن عمرو ثنا أبو سلمة - هو ابن عبد الرحمن ابن عوف - عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث خلق الله تعالى الجنة والنار - " أن جبريل قال لله تعالى: وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد " ولو كان شئ من ذلك غير الله تعالى لكان إما لم يزل واما محدثنا، فلو كان لم يزل لكان مع الله تعالى أشياء غيره لم تزل، وهذا شرك مجرد، ولو كان محدثا لكان تعالى بلا علم ولا قوة ولا قدرة ولا عز ولا كبرياء قبل أن يخلق كل ذلك، وهذا كفر وقال تعالى (انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) وقال تعالى (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) وقال تعالى (ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) وقال تعالى (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) فصح أنه لا يحل أن يضاف إليه تعالى شئ، ولا أن يخبر عنه بشئ، ولا أن يسمى بشئ الا ما جاء به النص.
ونقول: إن لله تعالى مكرا وكيدا.
قال تعالي (أفأمنوا مكر الله) وقال تعالى (وأكيد كيدا) وكل ذلك خلق له تعالى.
وبالله تعالى التوفيق * 63 - مسألة - وأن الله تعالى يراه المسلمون يوم القيامة بقوة غير هذه القوة.
قال
__________
(1) لفظ (جميعا) ليس في صحيح مسلم 2: 292(1/34)
عزوجل (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا ابن أبى شيبة هو أبو بكر ثنا جرير ووكيع وأبو أسامة كلهم عن اسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم عن جرير بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ونظر إلى القمر " انكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته " ولو كانت هذه القوة لكانت لا تقع الا على الالوان، تعالى الله عن ذلك وأما الكفار فان الله عزوجل قال (انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) 64 مسألة وان الله تعالى كلم موسى عليه السلام ومن شاء من رسله.
قال تعالى (وكلم الله موسى تكليما) (انى اصطفيتك على الناس برسالتى (1) وبكلامي) (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله) 65 مسألة وان الله تعالى اتخذ ابراهيم ومحمدا صلى الله عليهما وسلم خليلين.
قال عزوجل (واتخذ الله ابراهيم خليلا) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج (حدثنا محمد بن بشار العبدى) (2) ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن اسماعيل بن رجاء (3) قال: سمعت عبد الله بن أبى الهذيل يحدث عن أبى الاحوص قال (4) سمعت عبد الله بن مسعود (يحدث) (5) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكنه أخى وصاحبى، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا " *
__________
(1) بالافراد والمراد به المصدر أي بارسالى إياك وهى قراءة نافع وابن كثير وأبي جعفر وابن محيصن وقرأ باقى الاربعة عشر " برسالاتي " بالجمع (2) هذا نقلناه من مسلم 2: 230 وفى الاصل بدله " ثنا محمد بن المثنى " وهو خطأ، فان ابن المثنى روى هذا الحديث عن محمد بن جعفر عن شعبة باسناد آخر
ولفظ آخر، وأما هذا الاسناد وهذا اللفظ اللذان هنا فهما رواية محمد بن بشار وحده، وانظر الاسانيد في صحيح مسلم (3) في الاصل " اسماعيل بن أبى رجاء " وهو خطأ (4) ليست في صحيح مسلم (5) في الاصل " يقول " وصححناه من مسلم(1/35)
66 مسألة وان محمدا صلى الله عليه وسلم أسرى به ربه بجسده وروحه، وطاف في السماوات سماء سماء، ورأى أرواح الانبياء عليهم السلام هنالك.
قال عزوجل (سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى) ولو كان ذلك رؤيا منام ما كذبه في ذلك أحد كما لا نكذب نحن كافرا في رؤيا يذكرها.
وقد ذكرنا رؤيته عليه السلام للانبياء عليهم السلام قبل فأغنى عن اعادته 67 مسألة وان المعجزات لا يأتي بها أحد إلا الانبياء عليهم السلام.
قال عزوجل (ما كان لرسول أن يأتي باية الا باذن الله) وقال تعالى (وان يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) وقال تعالى حاكيا عن موسى عليه السلام انه قال (أولو جئتك بشئ مبين قال فأت به ان كنت من الصادقين فألقى عصاه) وقال تعالى (فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه) فصح أنه لو أمكن أن يأتي أحد ساحر أو غيره بما يحيل طبيعة أو يقلب نوعا، لما سمى الله تعالى ما يأتي به الانبياء عليهم السلام برهانا لهم ولا آية لهم، ولا أنكر على من سمى ذلك سحرا، ولا يكون ذلك آية لهم عليهم السلام.
ومن ادعى أن احالة الطبيعة لا تكون آية الا حتى يتحدى فيها النبي صلى الله عليه وسلم الناس فقد كذب وادعى ما لا دليل عليه أصلا، لا من عقل ولا من نص قرآن ولا سنة، وما كان هكذا فهو باطل، ويجب من هذا أن حنين الجذع واطعام النفر الكثير من الطعام اليسير حتى شبعوا وهم مئون من صاع شعير ونبعان (1) الماء من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم وارواء الف وأربعمائة من قدح صغير
تضيق سعته عن شبر ليس شئ من ذلك آية له عليه السلام، لانه عليه السلام لم يتحد (2) بشئ من ذلك أحدا * 68 مسألة والسحر حيل وتخييل لا يحيل طبيعة أصلا.
قال عزوجل (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) فصح أنها تخييلات لا حقيقة لها، ولو أحال
__________
(1) هذا مصدر لم يذكره الا صاحب مختار الصحاح ونقله شارح القاموس عن شيخه، واستعمله المؤلف ايضا في الاحكام في الاصول (ج 2 ص 19) (2) بالحاء والدال المهملتين من التحدي، وفى الاصل (لم يتخذ) بالمعجمتين وهو خطأ(1/36)
الساحر طبيعة لكان لا فرق بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كفر ممن أجازه * 69 مسألة وأن القدر حق، ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا.
قال الله عزوجل (ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها) * 70 مسألة ولا يموت أحد قبل أجله، مقتولا أو غير مقتول، قال الله عزوجل (وما كان لنفس أن تموت الا باذن الله كتابا مؤجلا) وقال تعالى (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وقال تعالى (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) 71 مسألة وحتى يستوفى رزقه ويعمل بما يسر له، السعيد من سعد في علم الله تعالى، والشقي (1) من شقى في علمه تعالى: حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على (2) ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبى وأبو معاوية ووكيع قالوا ثنا الاعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود (قال) (3) حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق
المصدوق " ان أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون (في ذلك) (4) علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل (الله تعالى) (5) الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وان أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " 72 مسألة وجميع أعمال العباد خيرها وشرها كل ذلك مخلوق
__________
(1) في النسخة اليمنية " والشر " وهو خطأ (2) في اليمنية " احمد بن مسلم " وهو خطأ (3 و 4 و 5) الزيادة في المواضع الثلاثة من مسلم 297 2(1/37)
خلقه الله عزوجل، وهو تعالى خالق الاختيار والارادة والمعرفة في نفوس عباده.
قال عزوجل (خلقكم وما تعملون) وقال تعالى (انا كل شئ خلقناه بقدر) وقال تعالى (خلق السماوات والارض وما بينهما) * 73 مسألة لا حجة على الله تعالى، ولله الحجة القائمة على كل أحد.
قال تعالى (لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون) وقال تعالى (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) * 74 مسألة ولا عذر لاحد بما قدره الله عزوجل من ذلك، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وكل أفعاله تعالى عدل وحكمة.
ولان الله تعالى واضع كل موجود في موضعه، وهو الحاكم الذى لا حاكم عليه ولا معقب لحكه.
قال تعالى (فعال لما يريد) * 75 مسألة الايمان والاسلام شئ واحد.
قال عزوجل (فأخرجنا من
كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) وقال تعالى (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان ان كنتم صادقين) * 76 مسألة كل ذلك عقد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
وقال عزوجل (فاما الذين آمنوا فزادتهم ايمانا) حدثنا عبد الله ابن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد ابن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثنا أبي ثنا كهمس التميمي (1) عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال قال لى (2) عبد الله بن عمر: حدثني أبى عمر بن الخطاب قال " بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا محمد اخبرني عن الاسلام
__________
(1) في الاصلين " النميري " وهو خطأ (2) في النسخة اليمنية " عبيد الله " وهو خطأ(1/38)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الاسلام) (1) أن تشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ان استطعت إليه سبيلا قال: صدقت فأخبرني عن الايمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال صدقت وذكر باقى الحديث وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عمر أتدرى من السائل، قلت الله ورسوله أعلم قال: فانه جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم " * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا عبد الله بن محمد ثنا أبو عامر العقدى ثنا سليمان بن بلال عن عبد الله ابن دينار عن أبى صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الايمان بضع وستون (2)
شعبة والحياء شعبة من الايمان " * وبه إلى البخاري: ثنا قتيبة ثنا الليث عن يزيد ين أبي حبيب عن أبى الخير عن عبد الله بن عمرو " أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الاسلام خير، قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رمح ثنا الليث عن ابن الهاد عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنساء " ما رأيت من ناقصات دين وعقل (3) أغلب لذى لب منكن: قالت (امرأة) (4)
__________
(1) زيادة من مسلم (1: 17) (2) في الاصلين " بضعة وسبعون " وهو خطأ في موضعين، لان الصحيح من روايات البخاري " بضع " بدون التاء.
قال ابن حجر: ووقع في بعض الروايات بضعة بتاء التأنيث ويحتاج إلى تأويل اه، ثم إن رواية البخاري " وستون " لا " وسبعون " ولم تختلف الطرق عن أبى عامر العقدى في ذلك، وتابعه يحيى الحماني ورواه مسلم من طريق سهيل عن ابن دينار " بضع وستون أو بضع وسبعون " (3) كذا في الاصلين وفي صحيح مسلم (ج 1 ص 35) " عقل ودين " (4) ليست لفظة " امرأة " في صحيح مسلم وانما زادها المؤلف لانه اختصر الحديث(1/39)
يا رسول الله وما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالى ما تصلى وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين.
(قال على) قال الله عزوجل (ان الدين عند الله الاسلام) فصح أن الدين هو الاسلام، وقد صح أن الاسلام هو الايمان، فالدين هو الايمان، والدين ينقص بنقص الايمان ويزيد.
وبالله تعالى التوفيق *
77 مسألة من اعتقد الايمان بقلبه ولم ينطق به بلسانه دون تقيه فهو كافر عند الله تعالى وعند المسلمين.
ومن نطق به دون أن يعتقده بقلبه فهو كافر عند الله وعند المسلمين.
قال الله تعالى عن اليهود والنصارى انهم يعلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعلمون أبناءهم (1)، وقال تعالى (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) وقال تعالى (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسوا الله والله يعلم انك لرسوله والله يشهد ان المنافقين لكاذبون) * 78 مسألة ومن اعتقد الايمان بقلبه ونطق به بلسانه فقد وفق، سواء استدل أو لم يستدل، فهو مؤمن عند الله تعالى وعند المسلمين.
قال الله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) ولم يشترط عزوجل في ذلك استدلالا، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ بعثه الله عزوجل إلى أن قبضه يقاتل الناس حتى يقروا بالاسلام ويلتزموه ولم يكلفهم قط استدلالا، ولا سألهم هل استدلوا أم لا، وعلى هذا جرى جميع الاسلام إلى اليوم.
وبالله تعالى التوفيق * 79 مسألة ومن ضيع الاعمال كلها فهو مؤمن عاص ناقص الايمان لا يكفر * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا يعقوب بن ابراهيم
__________
(1) لم يرد المؤلف لفظ التلاوة بل أراد معنى الآية(1/40)
ابن سعد ثنا أبى عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثى ان أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل " حتى إذا فرغ الله من قضائه (1) بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله عزوجل أن يرحمه ممن يقول لا إله الا الله " *
80 مسألة واليقين لا يتفاضل، لكن إن دخل فيه شئ من شك أو جحد بطل كله.
برهان ذلك أن اليقين هو اثبات الشئ، ولا يمكن أن يكون اثبات أكثر من اثبات، فان لم يحقق الاثبات صار شكا * 81 مسألة والمعاصي كبائر فواحش (2) وسيئات صغائر ولمم، واللمم مغفور جملة، فالكبائر الفواحش هو ما توعد الله تعالى عليه بالنار في القرآن أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن اجتنبها غفرت له جميع سيئاته الصغائر.
برهان ذلك قول الله عزوجل (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش الا اللمم ان ربك واسع المغفرة) واللمم هو الهم بالشئ وقد تقدم ذكرنا الاثر في أن من هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شئ * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا سعيد بن منصور ثنا أبو عوانة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان الله تجاوز لامتي (3) عما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به " وقال الله عزوجل (ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم).
وبالضرورة نعرف أنه لا يكون كبيرا الا بالاضافة إلى ما هو أصغر منه، لا يمكن غير هذا أصلا، فإذا كان العقاب بالغا أشد ما يتخوف فالموجب له هو كبير بلا شك، وما لا توعد فيه بالنار فلا يلحق في العظم ما توعد فيه بالنار فهو الصغير بلا شك إذ لا سبيل إلى قسم ثالث *
__________
(1) في مسلم " من القضاء بين العباد " (2) كذا بالنسخة المصرية وفي اليمنية (مسألة والمعاصي كبائر فواحش هي) الخ.
والذى هنا أحسن (3) في صحيح مسلم 1: 47 " ما حدثت " بحذف " عن "(1/41)
82 مسألة ومن لم يحتنب الكبائر حوسب على كل ما عمل، ووازن الله عزوجل بين
أعماله من الحسنات وبين جميع معاصيه التى لم يتب منها ولا أقيم عليه حدها: فمن رجحت حسناته فهو في الجنة، وكذلك من ساوت حسناته سيئاته.
قال الله عزوجل (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) وقال تعالى (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية) ومن تساوت فهم أهل الاعراف.
قال الله عزوجل (ان الحسنات يذهبن السيئات) ولا خلاف في أن التوبة تسقط الذنوب * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثنى اسماعيل بن سالم أخبرني هشيم ثنا خالد عن أبى قلابة عن أبى الاشعث الصنعانى عن عبادة بن الصامت قال " أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء: أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا يعضه (1) بعضنا بعضا فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أتى منكم حدا فأقيم عليه فهو كفارة له (2) ومن ستره الله عليه فأمره إلى الله ان شاء عذبه وان شاء غفر له " * 83 مسألة ومن رجحت سيئاته بحسناته فهم الخارجون من النار بالشفاعة على قدر أعمالهم.
قال الله عزوجل (وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حامية) وقال عزوجل (من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وقال تعالى (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا يعقوب بن ابراهيم بن سعد ثنا أبى عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في
__________
(1) أي لا يرميه بالعضيهة وهي البهتان والكذب.
وقد عضهه يعضهه بفتح الضاء فيهما عضها باسكانها قاله ابن الاثير، فبابه اذن (منع) وفي القاموس واللسان أنه يأتي أيضا من باب (فرح).
والعضه والعضيهة القالة القبيحة والنميمة
(2) في مسلم 2: 39 " فهو كفارته "(1/42)
حديث طويل (1) " ويضرب الصراط بين ظهرى جهنم، فأكون أنا وأمتى أول من يجيز ولا يتكلم يومئذ الا الرسل، ودعوي الرسل يومئذ اللهم سلم سلم.
وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها الا الله عزوجل، تخطف الناس بأعمالهم فمنهم (يعنى) الموبق بعمله ومنهم المخردل حتى ينجى (2) " وبه إلى مسلم ثنا أبو غسان المسمعى ومحمد بن المثنى قالا ثنا معاذ - وهو ابن هشام الدستوائى أخبرنا أبى عن قتادة ثنا أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ثم يخرج من النار من قال لا إله الا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة) (قال على) وليس قول الله عزوجل (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة الذى ذكرناه آنفا " ان شاء غفر له وان شاء عذبه " بمعارض لما ذكرنا، لانه ليس في هذين النصين الا أنه تعالى يغفر ما دون الشرك لمن يشاء، وهذا صحيح لا شك فيه كما أن قوله تعالى (ان الله يغفر الذنوب جميعا) وقوله تعالى في النصارى حاكيا عن عيسى عليه السلام انه قال (ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) ليس بمعارض لهذين النصين، وليس في شئ من هذا انه قد يغفر ولا يعذب من رجحت سيئاته على حسناته، والمبين لاحكان هؤلاء مما ذكرنا هو الحاكم على سائر النصوص المجملة، وكذلك تقضى هذه النصوص على كل نص فيه: من فعل كذا حرم الله عليه الجنة، ومن قال لا اله الا الله مخلصا حرم الله عليه النار، وعلى قوله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) ومعنى كل هذا أن الله يحرم الجنة عليه حتى يقتص منه، ويحرم النار عليه أن يخلد فيها أبدا، وخالدا
فيها مدة حتى تخرجه الشفاعة، إذ لا بد من جمع النصوص كلها.
وبالله التوفيق *
__________
(1) مضي بعضه في المسئلتين 30 و 79 ورواه مسلم بطوله ج 1 ص 6564 طبع بولاق (2) انظر هامش المسألة 30(1/43)
84 مسألة والناس في الجنة على قدر فضلهم عند الله تعالى، فافضل الناس أعلاهم في الجنة درجة.
برهان ذلك قوله تعالى (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم) ولو جاز أن يكون الافضل انقص درجة لبطل الفضل ولم يكن له معنى ولا رغب فيه راغب، وليس للفضل معنى الا أمر الله تعالى بتعظيم الا رفع (1) في الدنيا وترفيع منزلة في الجنة * 85 مسألة وهم الانبياء ثم أزواجهم ثم سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميعهم في الجنة.
وقد ذكرنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم انه لو كان لاحدنا مثل أحد ذهبا فأنفقه ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وقد ذكرنا أن أفضل الناس أعلاهم درجة في الجنة، ولا منزلة أعلى من درجة الانبياء عليهم السلام فمن كان معهم في درجتهم فهو أفضل ممن دونهم وليس ذلك الا لنسائهم فقط.
وقال تعالى (لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) وقال عزوجل (ان الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون، لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون، لا يحزنهم الفزع الاكبر) فجاء النص ان من صحب (2) النبي صلى الله عليه وسلم فقد وعده الله تعالى الحسنى.
وقد نص الله تعالى (ان الله لا يخلف الميعاد) وصح بالنص كل من سبقت له من الله تعالى الحسنى فانه مبعد عن النار لا يسمع حسيسها وهو فيما اشتهي خالد لا يحزنه الفزع الاكبر.
وهذا نص ما قلنا، وليس المنافقون ولا سائر الكفار: من أصحابه عليه السلام ولا من المضافين إليه عليه السلام *
86 مسألة ولا تجوز الخلافة الا في قريش، وهم ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة الذين يرجعون بأنساب آبائهم إليه * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا احمد بن (عبد الله بن) (3) يونس ثنا عاصم بن محمد
__________
(1) في اليمنية " الافضل " (2) في اليمنية " بأن كل من صحب " (3) الزيادة من صحيح مسلم 2: 79(1/44)
ابن زيد (1) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال: قال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يزال هذا الامر في قريش ما بقى من الناس اثنان " (قال على) هذه اللفظة لفظة الخبر، فان كان معناه الامر فحرام أن يكون الامر في غيرهم أبدا، وان كان معناه معنى الخبر كلفظه فلا شك في أن من لم يكن من قريش فلا أمر له وان ادعاه فعلى كل حال فهذا خبر يوجب منع الامر عمن سواهم * 87 مسألة ولا يجوز الامر لغير بالغ ولا مجنون ولا امرأة، ولا يجوز أن يكون في الدنيا الا امام فقط، ومن بات ليلة وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا يجوز التردد بعد موت الامام في اختيار الامام اكثر من ثلاث.
برهان ذلك * ما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبى شيبة ثنا جرير عن عطاء بن السائب عن أبى ظبيان عن على بن أبى طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يبلغ وعن المبتلى حتى يعقل " (2) (قال على) الامام انما جعل ليقيم للناس الصلاة ويأخذ صدقاتهم ويقيم حدودهم
__________
(1) وقع في صحيح مسلم طبع بولاق بمصر " يزيد " وهو خطأ (2) هذا الحديث رواه أبو داود في باب " المجنون يسرق أو يصيب حدا "
ولفظه من هذا الطريق: " عن ابي ظبيان قال اتي عمر بأمرأة قد فجرت فأمر برجمها، فمر على رضى الله عنه فاخذها فخلى سبيلها، فأخبر عمر قال ادعوا لي عليا فجاء على رضى الله عنه فقال يا أمير المؤمنين لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن الصبى حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المعتوه حتى يبرأ.
وإن هذه معتوهة بنى فلان لعل الذى أتاها أتاها وهى في بلائها.
قال: فقال عمر لا أدرى.
فقال على عليه السلام وأنا لا أدرى " ورواه أيضا عن ابى ظبيان عن ابن عباس بألفاظ أخر ليس فيها " وعن المبتلى حتى يعقل " كما هنا ورواه من حديث الاسود عن عائشة مختصرا ولفظه: " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ وعن الصبى حتى يكبر " فلعل المؤلف رواه من حفظه بالمعنى(1/45)
ويمضى أحكامهم ويجاهد عدوهم، وهذه كلها عقود ولا يخاطب بها من لم يبلغ أو من لا يعقل * حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة ثنا الليث هو ابن سعد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فان أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " * وبه إلى مسلم ثنا وهب بن بقية الواسطي ثنا خالد بن عبد الله الواسطي عن الجريرى عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما " * وبه إلى مسلم ثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ثنا أبى ثنا عاصم هو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر (عن زيد ابن محمد) (1) عن نافع عن عبد الله بن عمر قال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة
مات ميتة جاهلية " * حدثنا احمد بن محمد الجسورى ثنا وهب بن مسرة ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبى شيبة عن أبى داود الطيالسي عن عيينة (2) بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة " * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى أسماء الرحبى (3) عن ثوبان
__________
(1) حذف من الاصل وزدناه من صحيح مسلم.
وزيد وهذا هو أخو عاصم بن محمد الراوى عنه (2) في أحد الاصلين " عتبة " وفي الآخر " عتيبة " وكلاهما خطأ، وعيينة هذا هو ابن عبد الرحمن بن جوشن الغطفانى الجوشنى أبو مالك وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي وابن حبان.
وأبوه ثقة وثقه ابن سعد وابو زرعة والعجلي وكان صهر أبى بكرة على ابنته.
وهذا الحديث موجود في مسند الطيالسي بصحيفة 118 رقم 878.
ورواه أيضا البخاري في الصحيح في كتاب " الفتن " عن عثمان بن الهيثم عن عوف عن الحسن عن أبى بكرة بمعناه (3) بفتح الحاء المهملة واسمه عمرو بن مرثد(1/46)
ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك (1) " فصح أن أهل كل عصر لا يجوز أن يخلوا من أن يكون فيهم قائل بالحق، فإذا صح اجماعهم على شئ فهو حق مقطوع بذلك، إذا تيقن أنه لا مخالف في ذلك وقطع به، وقد صح يقينا أن جميع أهل الاسلام رضوا بقاء الستة إذ مات عمر رضى الله عن جميعهم ثلاثة أيام يرتؤون في امام، فصح هذا وبطل ما زاد عليه، إذ لم تبحه سنة ولا إجماع.
وبالله تعالى التوفيق.
ثم تدبرنا هذه القصة فوجدنا عمر رضى الله عنه قد ولى الامر أحد الستة المعينين أيهم اختاروا لانفسهم
فصح يقينا أن عثمان كان الامام ساعة موت عمر في علم الله تعالى، باسناد عمر الامر إليه بالصفة التي ظهرت فيه من اختيارهم اياه، فارتفع الاشكال وصح أنهم لم يبقوا ساعة فكيف ليلة دون امام، بل كان لهم امام معين محدود موصوف معهود إليه بعينه وان لم تعرفه الناس بعينه مدة ثلاثة أيام (2)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الامارة (2: 106105) عن سعيد بن منصور وأبى الربيع العتكى وقتيبة بهذا اللفظ وقال في آخره " وليس في حديث قتيبة: وهم كذلك " فكان اذن على ابن حزم اما أن يحذفها وقد رواه من طريق قتيبة واما أن يرويه من أحد الطريقين الآخرين (2) هذه مغالطة ظاهرة من أبى محمد فان حصر عمر استخلافه في ستة ترك لهم اختيار واحد منهم لا يكون تعيينا له مطلقا ولو وصفه بأوصاف تنطبق عليه.
ثم إن الواقع أن عمر لم يصف خليفته بأوصاف ترشدهم إليه، بل جعل الشورى للستة الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم من أهل الجنة.
ونصحهم وحذرهم الفتنة ثم قال " وما أظن أن يلى الا أحد رجلين على أو عثمان فان ولى عثمان فرجل فيه لين وان ولى على ففيه دعابة، وأحر به أن يحملهم على طريق الحق " ثم وصف الباقين بما فيهم من فضل.
وأجلهم ثلاثا للشورى ولم يخالفه الصحابة رضوان الله عليهم، لانه أميرهم أمر بمصلحة للمسلمين وطاعته في أعناقهم، فليس هذا اجماعا ولا تشريعا.
بل هو من المصالح المرسلة التي يجوز لاولى الامر الفصل فيها وتحديدها بما يرونه خيرا للمسلمين.
ولو أن عمر جعل أمد الشورى أكثر من(1/47)
88 مسألة والتوبة من الكفر والزنى وفعل قوم لوط والخمر وأكل الاشياء المحرمة كالخنزير والدم والميتة وغير ذلك: تكون بالندم والاقلاع والعزيمة على أن لا عودة أبدا واستغفار الله تعالى.
هذا أجماع لا خلاف فيه.
والتوبة من ظلم الناس في أعراضهم وأبشارهم
وأموالهم لا تكون الا برد أموالهم إليهم ورد كل ما تولد منها معها أو مثل ذلك ان فات فان جهلوا ففى المساكين ووجوه البر مع الندم والاقلاع والاستغفار وتحللهم من أعراضهم وأبشارهم، فان لم يمكن ذلك فالامر إلى الله تعالى.
ولا بد للمظلوم من الانتصاف يوم القيامة يوم يقتص للشاة الجماء من القرناء.
والتوبة من القتل أعظم من هذا كله، ولا تكون الا بالقصاص، فان لم يمكن فليكثر من فعل الخير ليرجح ميزان الحسنات * حدثنا عبد الله ابن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد ابن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدرامى ثنا مروان يعني ابن محمد الدمشقي ثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبى ادريس الخولانى عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تعالى أنه قال " يا عبادي انما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم اياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه " * وبه إلى مسلم ثنا قتيبة بن سعيد ثنا اسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.
فقال عليه السلام: ان المفلس من أمتى من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتى قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فان فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار، لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة
__________
ثلاث لم اعترضه واحد منهم.
ولو رأى ذلك أولو الرأى من المسلمين ما كان عليهم من بأس.
وأخيرا نعجب لابن حزم كيف رضى لنفسه أن يداور ويحاول اثبات انهم كانوا في ثلاثة الايام لهم امام معين محدود موصوف بعينه وكيف يكون اماما قبل أن يختاروه وأن يكلوا إليه أمورهم، ولا بيعة له في أعناقهم!(1/48)
حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء (1) * (قال على): هذا كله خبر مفسر مخصص لا يجوز نسخه ولا تخصيصه بعموم خبر آخر * 89 - مسألة - وأن الدجال سيأتي وهو كافر أعور ممخرق (2) ذو حيل * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا محمد بن عيسى ثنا ابراهيم بن محمد (3) ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة قال سمعت أنس بن مالك يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من نبى الا وقد أنذر أمته الاعور الكذاب ألا إنه أعور وان ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه ك ف ر) وبه الي مسلم ثنا سريج بن يونس ثنا هشيم عن اسماعيل ابن أبى خالد عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة قال: (ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر ما سألته عنه (4) قال وما سؤالك عنه قال (قلت) انهم يقولون معه جبال من خبز ولحم ونهر من ماء قال: هو أهون على الله من ذلك) * ثنا
__________
(1) من قوله (لتؤدن) حديث آخر في صحيح مسلم رواه بهذا الاسناد وكان على المؤلف أن يبين هذا أو يشير إليه.
وأصل الجلح انحسار الشعر عن جانبى الرأس ثم استعمل بمعنى ما لا قرن له.
قال الازهرى.
(وهذا يبين أن الجلحاء من الشاء والبقر بمنزلة الجماء التى لا قرن لها) وقال ابن سيده: (وعنز جلحاء جماء على التشبيه بجلح الشعر) (2) كتب في الاصل المصرى (محرق) بدون ضبط والصواب كما في النسخة اليمنية (ممخرق) بضم الاولى وفتح الثانية واسكان الخاء وكسر الراء.
قال في اللسان: (الممخرق المموه وهى المخرقة مأخوذة من مخاريق الصبيان) وقد ورد وصف الدجال بالمخرفة بمعنى التمويه (3) في اليمنية: (عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا
مسلم بن الحجاج) وللمؤلف إسنادان إلى مسلم من طريق عبد الوهاب بن عيسى هما هذان (4) لفظ (عنه) ليس في صحيح مسلم ج 2 ص 378(1/49)
عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود السجستاني ثنا موسى بن اسماعيل نا جرير نا حميد بن هلال عن أبى الدهماء قال: سمعت عمران بن حصين يحدث قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سمع بالدجال فلينأ عنه فو الله ان الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات أو لما يبعث به من الشبهات قال هكذا قال نعم) * 90 - مسألة - والنبوة هي الوحي من الله تعالى بأن يعلم الموحى إليه بأمرما يعلمه لم يكن يعلمه قبل.
والرسالة هي النبوة وزيادة وهى بعثته إلى خلق ما بأمرما - هذا ما لا خلاف فيه - والخضر عليه السلام نبى قد مات ومحمد صلى الله عليه وسلم لا نبي بعده قال الله عزوجل حاكيا عن الخضر (وما فعلته عن أمرى) فصحت نبوته وقال تعالى (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) * 91 - مسألة - وان ابليس باق حى قد خاطب الله عزوجل معترفا بذنبه مصرا عليه موقنا بأن الله عزوجل خلقه من نار وأنه تعالى خلق آدم من تراب وأنه تعالى أمره بالسجود لآدم فامتنع واستخف بآدم فكفر.
قال تعالى حاكيا عنه أنه قال (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) وأنه قال (أنظرني إلى يوم يبعثون) وأنه قال: (فيما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم).
وقال تعالى: (وكان من الكافرين) * مسائل من الاصول.
92 - مسألة - دين الاسلام اللازم لكل أحد لا يؤخذ الا من القرآن أومما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اما برواية جميع علماء الامة عنه عليه
الصلاة والسلام وهو الاجماع واما بنقل جماعة عنه عليه الصلاة والسلام وهو نقل الكافة.
واما برواية الثقات واحدا عن واحد حتى يبلغ إليه عليه الصلاة والسلام ولا مزيد * قال تعالى (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى) وقال تعالى: (اتبعوا(1/50)
ما أنزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) وقال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) فان تعارض فيما يرى المرء آيتان أو حديثان صحيحان أو حديث صحيح وآية فالواجب استعمالهما جميعا لان طاعتهما سواء في الوجوب فلا يحل ترك أحدهما للآخر ما دمنا نقدر على ذلك.
وليس هذا الا بأن يستثنى الاقل معاني من الاكثر فان لم نقدر على ذلك وجب الاخذ بالزائد حكما لانه متيقن وجوبه ولا يحل ترك اليقين بالظنون، ولا اشكال في الدين قد بين الله تعالى دينه، قال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) وقال تعالى (تبيانا لكل شئ) * 93 - مسألة - الموقوف والمرسل لا تقوم بهما حجة، وكذلك ما لم يروه إلا من لا يوثق بدينه وبحفظه، ولا يحل ترك ما جاء في القرآن أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول صاحب أو غيره سواء كان هو راوي الحديث أو لم يكن، والمرسل هو ما كان بين أخذ رواته أو بين الراوى وبين النبي صلى الله عليه وسلم وسلم من لا يعرف، والموقوف هو ما لم يبلغ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم * برهان بطلان الموقوف - قول الله عزوجل (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) فلا حجة في أجد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا يحل لا حد أن يضيف ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لانه ظن وقد قال تعالى (وان الظن لا يغني من الحق شيئا) وقال تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) * وأما المرسل ومن في رواته من لا يوثق بدينه وحفظه فلقول الله تعالى (فلولا نفر
من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) فأوجب عزوجل قبول نذارة النافر للتفقه في الدين وقال (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق ينبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) وليس في العالم إلا عدل أو فاسق فحرم تعالى علينا قبول خبر الفاسق فلم يبق الا العدل وصخ أنه هو المأمور وبقبول نذارته * وأما المجهول فلسنا على ثقة من أنه على الصفة التي أمر الله تعالى معها بقبول نذارته وهي التفقه في الدين فلا يحل لنا قبول نذارته حتى يصح عندنا فقهه في الدين وحفظه لما ضبط عن ذلك وبراءته من الفسق.
وبالله تعالى التوفيق *(1/51)
ولم يختلف أحد من الامم في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى الملوك رسولا - رسولا واحدا - إلى كل مملكة يدعوهم إلى الاسلام واحدا واحدا، إلى كل مدينة والى كل قبيلة كصنعاء والجند (1) وحضرموت وتيماء ونجران والبحرين وعمان وغيرها، يعلمهم احكام الدين كلها، وافترض على كل جهة قبول رواية اميرهم ومعلمهم، فصح قبول خبر الواحد الثقة عن مثله مبلغا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم * ومن ترك القرآن أو ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول صاحب أو غيره سواء كان راوي ذلك الخبر أو غيره فقد ترك ما أمره الله تعالى باتباعه لقول من لم يأمره الله تعالى قط بطاعته ولا باتباعه، وهذا خلاف لامر الله تعالى * وليس فضل الصاحب عند الله بموجب تقليد قوله وتأويله لان الله تعالى لم يأمر بذلك، لكن موجب تعظيمه ومحبته وقبول روايته فقط لان هذا هو الذي أوجب الله تعالى * 94 - مسألة - والقرآن ينسخ القرآن والسنة تنسخ السنة والقرآن (2) *
قال عزوجل (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) وقال تعالى (لتبين للناس ما نرل إليهم) وقال تعالى (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى
__________
(1) بفتحتين بلد باليمن (2) ما ذهب إليه من نسخ القرآن بالسنة حكى قولا للشافعي وحكى كثيرون عنه انه لا ينسخ الكتاب بالسنة جزما كما في المحلي على جمع الجوامع وقال ابن تيمية -: يتوجه الاحتجاج بآية (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) على انمه لا ينسخ القرآن إلا قرآن كما هو مذهب الشافعي وهو أشهر الروايتين عن الامام احمد وعليها عامة أصحابه اه ودليله جلي وهو ان الظني الدلالة لا يساوي قطعيها فلا يقوى على نسخه وقد نقل الرازي وغيره عن أبي مسلم الاصفهاني ان النسخ غير واقع في التنزيل ورد كل آية قيل بنسخها إلى انها محكمة كما تراه مبسوطا في مواضع من تفسيره والمسألة مبسوطة في مواضع أخر(1/52)
يوحى) وأمره تعالى أن يقول (ان اتبع الا ما يوحى إلى) وقال تعالى (ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين) وصح ان كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله تعالى قالة، والنسخ بعض من أبعاض البيان وكل ذلك من عند الله تعالى * 95 - مسألة - ولا يحل لاحد أن يقول في آية أو في خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت: هذا منسوخ وهذا مخصوص في بعض ما يقتضيه ظاهر لفظه، ولا أن لهذا النص تأويلا غير مقتضى ظاهر لفظه، ولا أن هذا الحكم غير واجب علينا من حين وروده الا بنص آخر وارد بأن هذا النص كما ذكر أو باجماع متيقن بأنه كما ذكر أو بضرورة حس موجبة انه كما ذكر والا فهو كاذب * برهان ذلك قول الله عزوجل (وما أرسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله)
وقال تعالى (وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم) وقال تعالى (بلسان عربي مبين) وقال تعالى (وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه) وقال تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) فقوله تعالى (وما أرسلنا من رسول الا ليطاع) موجب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به، وقوله تعالى (أطيعوا الله) موجب طاعة القرآن، ومن ادعى في آية أو خبر نسخا فقد أسقط وجوب طاعتهما فهو مخالف لامر الله في ذلك.
وقوله تعالى (وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم) موجب أخذ كل نص في القرآن والاخبار على ظاهره ومقتضاه، ومن حمله على غير مقتضاه في اللغة العربية فقد خالف قول الله تعالى وحكمه، وقال عليه عزوجل الباطل وخلاف قوله عزوجل، ومن ادعى ان المراد بالنص بعض ما يقتضيه في اللغة العربية لا كل ما يقتضيه فقد أسقط بيان النص وأسقط وجوب الطاعة له بدعواه الكاذبة وهذا قول على الله تعالى بالباطل، وليس بعض ما يقتضيه النص بأولى بالاقتصار عليه من سائر ما يقتضيه، وقوله تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) موجب للوعيد على من قال: لا تجب على موافقة أمره، وموجب أن جميع النصوص على الوجوب، ومن ادعى تأخير الوجوب مدة ما فقد أسقط وجوب طاعة الله ووجوب ما أوجب(1/53)
عزوجل من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في تلك المدة، وهذا خلاف لامر الله عزوجل، فإذا شهد لدعوى من ادعى بعض ما ذكرنا قرآن أو سنة ثابتة اما باجماع أو نقل صحيح فقد صح قوله ووجب طاعة الله تعالى في ذلك، وكذلك من شهدت له ضرورة الحس، لانها فعل الله تعالى في النفوس، والا فهي أقوال مؤدية إلى ابطال السلام وابطال جميع العلوم وابطال جميع اللغات كلها وكفى بهذا فسادا وبالله تعالى التوفيق *
96 - مسألة - والاجماع هو ما تيقن ان جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفوه وقالوا به ولم يختلف منهم أحد كتيقننا انهم كلهم رضى الله عنهم صلوا معه عليه السلام الصلوات الخمس كما هي في عدد ركوعها وسجودها أو علموا انه صلاها مع الناس كذلك وانهم كلهم صاموا معه أو علموا انه صام مع الناس رمضان في الحضر وكذلك سائر الشرائع التى تيقنت مثل هذا اليقين والتى من لم يقر بها لم يكن من المؤمنين.
وهذا ما لا يختلف أحد في انه اجماع وهم كانوا حينئذ جميع المؤمنين لا مؤمن في الارض غيرهم ومن ادعى ان غير هذا هو اجماع كلف البرهان على ما يدعى ولا سبيل إليه * 97 - مسألة - وما صح فيه خلاف من واحد منهما أو لم يتيقن ان كل واحد منهم رضى الله عنهم عرفه ودان به فليس اجماعا، لان من ادعى الاجماع ههنا فقد كذب وقفا ما لا علم له به، والله تعالى يقول (ولا تقف ما ليس لك به علم) * 98 - مسألة - ولو جاز أن يتيقن اجماع أهل عصر بعدهم أولهم عن آخرهم على حكم نص لا يقطع فيه باجماع الصحابة رضى الله عنهم لوجب القطع بأنه حق وحجة وليس كان يكون اجماعا * أما القطع بأنه حق وحجة فلما ذكرناه قبل باسناده من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن تزال طائفة من أمتى ظاهرة على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله).
فصح من هذا انه لا يجوز البتة أن يجمع أهل عصر ولو طرفة عين على خطأ، ولا بد من قائل بالحق فيهم.
وأما انه ليس اجماعا فلان أهل كل عصر بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم ليس جميع المؤمنين وانما هم بعض المؤمنين، والاجماع انما هو اجماع جميع المؤمنين لا اجماع بعضهم، ولو جاز أن يسمى اجماعا ما خرج عن(1/54)
الجملة واحد لا يعرف أيوافق سائرهم أم يخالفهم لجاز أن يسمى اجماعا ما خرج عنهم فيه اثنان وثلاثة وأربعة وهكذا أبدا إلى أن يرجع الامر إلى أن يسمى اجماعا ما قاله
واحد وهذا باطل ولكن لا سبيل إلى تيقن اجماع جميع أهل عصر بعد الصحابة رضى الله عنهم كذلك بل كانوا عددا ممكنا حصره وضبطه وضبط أقوالهم في المسألة وبالله تعالى التوفيق.
وقال بعض الناس يعلم ذلك من.
حيث يعلم رضا أصحاب مالك وأصحاب أبى حنيفة وأصحاب الشافعي بأقوال هؤلاء (قال على) وهذا خطأ لانه لا سبيل أن يكون مسألة قال بها أحد من هؤلاء الفقهاء الا وفي أصحابه من يمكن أن يخالفه فيها وان وافقه في سائر أقواله * 99 - مسألة - والواجب إذا اختلف الناس أو نازع واحد في مسألة ما أن يرجع إلى القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إلى شئ غيرهما ولا يجوز الرجوع إلى عمل أهل المدينة ولا غيرهم * برهان ذلك قول الله عزوجل (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) فصح انه لا يحل الرد عند التنازع إلى شئ غير كلام الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفى هذا تحريم الرجوع إلى قول أحد دون رسول الله صلي الله عليه وسلم لان من رجع إلى قول انسان دونه عليه السلام فقد خالف أمر الله تعالى بالرد إليه والى رسوله لاسيما مع تعليقه تعالى ذلك بقوله (ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) ولم يأمر الله تعالى بالرجوع الي قول بعض المؤمنين دون جميعهم، وقد كان الخلفاء رضى الله عنهم كأبى بكر وعمر وعثمان بالمدينة وعمالهم باليمن ومكة وسائر البلاد وعمال عمر بالبصرة والكوفة ومصر والشام.
ومن الباطل المتيقن الممتنع الذى لا يمكن أن يكونوا رضى الله عنهم طووا علم الواجب والحلال والحرام عن سائر الامصار واختصوا به أهل المدينة فهذه صفة سوء قد أعاذهم الله تعالى منها وقد عمل ملوك بنى أمية باسقاط بعض التكبير من الصلاة وبتقديم الخطبة على الصلاة في العيدين حتى فشا ذلك في الارض فصح انه لا حجة في عمل أحد دون رسول الله
صلى الله عليه وسلم *(1/55)
100 - مسألة - ولا يحل القول بالقياس في الدين ولا بارأى (1) لان أمر الله تعالى عند التنازع بالرد إلى كتابه والى رسوله صلى الله عليه وسلم قد صح فمن رد إلى قياس والى تعليل يدعيه أو إلى رأى فقد خالف أمر الله تعالى المعلق بالايمان ورد إلى غير من أمر الله تعالى بالرد إليه وفي هذا ما فيه (قال على) وقول الله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وقوله تعالى (تبيانا لكل شئ) وقوله تعالى (لتبين للناس ما نزل إليهم) وقوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) ابطال للقياس وللرأى لانه لا يختلف أهل القياس والرأى انه لا يجوز استعمالهما ما دام يوجد نص وقد شهد الله تعالى بان النص لم يفرط فيه شيئا وان رسوله عليه الصلاة والسلام قد بين للناس كل ما نزل إليهم وان الدين قد كمل فصح ان النص قد استوفى جميع الدين فإذا كان ذلك كذلك فلا حاجة بأحد إلى قياس ولا إلى رأيه ولا إلى رأى غيره * ونسأل من قال بالقياس هل كل قياس قاسه قائس حق أم منه حق ومنه باطل فان قال كل قياس حق أحال لان المقاييس تتعارض ويبطل بعضها بعضا ومن المحال أن يكون الشئ وضده من التحريم والتحليل حقا معا وليس هذا مكان نسخ ولا تخصيص كالاخبار المتعارضة التي ينسخ بعضها بعضا ويخصص بعضها بعضا، وان قال منها حق ومنها باطل قيل له فعرفنا بماذا تعرف القياس والصحيح من الفاسد ولا سبيل لهم إلى وجود ذلك أبدا وإذا لم يوجد دليل على تصحيح الصحيح من القياس من الباطل منه فقد بطل كله وصار دعوى بلا برهان فان ادعوا أن القياس قد أمر الله تعالى به سئلوا أين وجدوا ذلك فان قالوا: قال الله عزوجل (فاعتبروا يا أولى الابصار) قيل لهم ان الاعتبار ليس هو في كلام العرب الذي به نزل القرآن الا التعجب قال الله تعالى عزوجل (وان لكم في الانعام لعبرة) أي لعجبا وقال تعالى (لقد كان
__________
(1) فسر المصنف الرأى في بعض رسائله بانه الحكم في الدين بغير نص بل بما يراه المفتي احوط واعدل في التحليل والتحريم والايجاب (قال) ومن وقف على هذا الحد وعرف ما معنى الرأي اكتفى في ايجاب المنع منه بغير برهان إذ هو قول بلا برهان اه وكان حدوث الرأي في القرن الاول قرن الصحابة والقياس في القرن الثاني اه من حاشية الاصل منسوبا للسيد محمد بن اسمعيل الامير علامة اليمن(1/56)
في قصصهم عبرة) أي عجب ومن العجيب أن يكون معنى الاعتبار القياس ويقول الله تعالى لنا قيسوا ثم لا يبين لنا ماذا نقيس ولا كيف نقيس ولا على ماذا نقيس.
هذا ما لا سبيل إليه لانه ليس في وسع أحد أن يعلم شيئا من الدين الا بتعليم الله تعالى له اياه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) فان ذكروا أحاديث وآيات فيها تشبيه شئ بشئ وأن الله قضى وحكم بأمر كذا من أجل أمر كذا قلنا لهم كل ما قاله الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك فهو حق لا يحل لاحد خلافه وهو نص به نقول، وكل ما تريدون أن تشبهوه في الدين وأن تعللوه مما لم ينص عليه الله تعالى ولا رسوله عليه الصلاة والسلام فهو باطل ولابد وشرع لم يأذن الله تعالى به وهذا يبطل عليهم تهويلهم بذكر آية جزاء الصيد و (أرأيت لو مضمضت) و (من أجل ذلك كتبنا على بنى اسرائيل).
وكل آية وحديث موهوا بايراده هو مع ذلك حجة عليهم على ما قد بيناه في كتاب (الاحكام لاصول الاحكام) وفى كتاب (النكت) وفى كتاب (الدرة) وفي كتاب (النبذة)) (1) * (قال على) وقد عارضناهم في كل قياس قاسوه بقياس مثله وأوضح منه على أصولهم لنريهم فساد القياس جملة فموه منهم مموهون بأن قالوا أنتم دأبا تبطلون القياس بالقياس وهذا منكم رجوع إلى القياس واحتجاج به وأنتم في ذلك بمنزلة المحتج على
غيره بحجة العقل ليبطل حجة العقل وبدليل من النظر ليبطل به النظر * (قال علي) فقلنا هذا شعب سهل افساده ولله الحمد ونحن لم نحتج بالقياس في إبطال القياس ومعاذ الله من هذا لكن أريناكم أن أصلكم الذى أثبتموه من تصحيح القياس يشهد بفساد جميع قياساتكم ولا قول أظهر باطلا من قول أكذب نفسه وقد نص تعالى على هذا فقال تعالى (وقالت اليهود والنصارى نحن ابناء الله واحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم) فليس هذا تصحيحا لقولهم انهم أبناء الله وأحباؤه ولكن الزام لهم ما يفسد به قولهم ولسنا في ذلك كمن ذكرتم ممن يحتج في ابطال حجة العقل
__________
(1) في اليمنية (النبذ)(1/57)
بحجة العقل لكن فاعل ذلك مصحح لقضيته العقلية التى يحتج بها فظهر تناقضه من قريب ولا حجة له غيرها فقد ظهر بطلان قوله، وأما نحن فلم نحتج قط في ابطال القياس بقياس نصححه، لكن نبطل القياس بالنصوص وببراهين العقل ثم نزيد بيانا في فساده منه نفسه بأن نرى تناقضه جملة فقط، والقياس الذي نعارض به قياسكم نحن نقر بفساده وفساد قياسكم الذى هو مثله أو اضعف منه، وكما نحتج على أهل كل مقالة من معتزلة ورافضة ومرجئة وخوارج ويهود ونصارى ودهرية من أقوالهم التي يشهدون بصحتها فنريهم تفاسدها وتناقضها، وأنتم تحتجون عليهم معنا بذلك ولسنا نحن ولا أنتم ممن يقر بتلك الاقوال التي نحتج عليهم بها، بل هي عندنا في غاية البطلان والفساد، وكاحتجاجنا علي اليهود والنصارى من كتبهم التي بأيديهم.
ونحن لا نصححها بل نقول انها لمحرفة مبدلة، لكن لنريهم تناقض أصولهم وفروعهم لاسيما وجميع أصحاب القياس مختلفون في قياساتهم، لا تكاد توجد مسألة الا وكل طائفة منهم تأتي بقياس تدعى صحته تعارض به قياس الاخرى وهم كلهم مقرون مجمعون، على أنه ليس كل قياس صحيحا ولا كل رأى حقا، فقلنا لهم، فهاتوا حد القياس الصحيح والرأى الصحيح
الذى يتميزان به من القياس الفساد والرأى الفاسد وهاتوا حد العلة الصحيحة التى لا تقيسون إلا عليها من العلة الفاسدة فلجلجوا (1) * (قال على) وهذا مكان إن زم (2) عليهم فيه ظهر فساد قولهم جملة، ولم يكن لهم إلى جواب يفهم سبيل أبدا وبالله تعالى التوفيق، فان اتوا في ذلك بنص قلنا النص حق والذى تريدون أنتم اضافته إلى النص بآرائكم باطل وفي هذا خولفتم، وهكذا أبدا فان ادعوا أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على القول بالقياس قيل لهم، وكذبتم بل الحق أنهم كلهم
__________
(1) العلة الصحيحة هي ما دل عليها التعليل للحكم بها في نص الكتاب أو السنة باي حروف التعليل المعروفة في اللغة أو بتعليق الحكم على الوصف المناسب للتعليل.
والعلة الفاسدة ما لم يأت تعليل الحكم بها في كتاب ولا سنة كالشبه والدوران ونحوهما من مسالكها الباطلة اه عن الامير الصنعاني (2) معنى زم شد قال في اللسان " زم الشئ يزمه زما فانزم شده "(1/58)
أجمعوا على ابطاله، برهان كذبهم أنه لا سبيل لهم وجود حديث عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم انه أطلق الامر بالقول بالقياس أبدا الا في الرسالة المكذوبة الموضوعة على عمر رضى الله عنه فان فيها: واعرف الاشباه والامثال وقس الامور.
وهذه رسالة لم يروها الا عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه وهو ساقط بلا خلاف (1) وأبوه أسقط منه أو من هو مثله في السقوط فكيف وفى هذه الرسالة
__________
(1) في الميزان عبد الملك بن الوليد بن معدان عن عاصم بن أبي النجود قال يحيي بن معين صالح وقال أبو حاتم ضعيف وقال ابن حبان يقلب الاسانيد لا يحل الاحتجاج به وقال البخاري فيه نظر اه من حاشية الاصل وكتب فيها ايضا: تأمل القول بان كتاب عمر إلى أبي موسى كتاب مكذوب وقد شرحه ابن القيم في كتابه اعلام الموقعين اه ولا يلزم من شرحه صحته فان المدار في الصحة على
الرجال لا على الشروح * قال أبو الأشبال عفا الله عنه: أما عبد الملك فقد اختلف في شأنه كما ترى وانفرد ابن حزم بتضعيفه إلى النهاية وانما هو متوسط، وأما أبوه فقال ابن حبان في الثقات: (الوليد بن معدان الصيفي يروى عن ابن عمر روى عنه ابنه عبد الملك يعتبر بحديثه من غير رواية ابنه) نقله ابن حجر في اللسان وقال: (انفرد بحديث عمر في كتابه الي أبي موسى) واسناد رسالة عمر ذكره ابن القيم في اعلام الموقعين ج 1 ص 98 هكذا: (قال أبو عبيد ثنا كثير بن هشام عن جعفر بن برقان وقال أبو نعيم عن جعفر بن برقان عن معمر البصري عن ابي العوام.
وقال سفيان بن عيينة ثنا ادريس أبو عبد الله بن ادريس قال أتيت سعيد بن أبي بردة فسألته عن رسل عمر بن الخطاب التي كان يكتب إلى ابي موسى الاشعري وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بردة فأخرج إليه كتبا فرأيت في كتاب منها) وذكر الرسالة بنصها ثم قال: (قال أبو عبيد قلت لكثير هل اسنده جعفر قال لا.
وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة والحاكم والمفتى أحوج شئ إليه والى تأمله والتفقه فيه) وذكرها المبرد في أول كتابه الكامل بدون إسناد وشرحها.
ورواها الدارقطني في سننه ص 512 واسناده: (حدثنا أبو جعفر محمد بن سليمان بن محمد النعماني ثنا عبد الله بن(1/59)
نفسها اشياء خالفوا فيها عمر رضى الله عنه منها قوله فيها: والمسلمون عدول بعضهم على بعض الا مجلودا في حد أو ظنينا في ولاء أو نسب، وهم لا يقولون بهذا يعني جميع الحاضرين من أصحاب القياس حنفيهم وشافعيهم ومالكيهم وان كان قول عمر لو صح في تلك الرسالة في القياس حجة فقوله في ان المسلمين عدول كلهم الا مجلودا في حد حجة وان لم يكن قوله في ذلك حجة فليس قوله في القياس حجة لو
صح فكيف ولم يصح * واما برهان صحة قولنا في اجماع الصحابة رضى الله عنهم على ابطال القياس فانه لا يختلف اثنان في ان جميع الصحابة مصدقون بالقرآن وفيه (اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) وفيه (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) فمن الباطل المحال ان يكون الصحابة رضى الله
__________
عبد الصمد بن ابى خداش نا عيسى بن يونس نا عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح الهذلى قال كتب عمر بن الخطاب) الخ قال شارحه (في اسناده عبيد الله ابن أبي حميد وهو ضعيف وأخرجه البيهقى في المعرفة أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن اسحاق الصغاني ثنا محمد بن عبد الله ابن كناسة ثنا جعفر بن برقان عن معمر البصري عن أبي العوام البصري قال كتب عمر فذكره).
وخير هذه الاسانيد فيما نرى اسناد سفيان بن عيينة عن ادريس وهو ادريس بن يزيد بن عبد الرحمن الاودى وهو ثقة أن سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى أراه الكتاب وقرأه لديه وهذه وجادة جيدة في قوة الاسناد الصحيح ان لم تكن اقوى منه فالقراءة من الكتاب اوثق من التلقى عن الحفظ.
وقد نقلها ايضا ابن الجوزي في سيرة عمر بن الخطاب ص 135 (عن ابي عبد الله بن ادريس - وهو ادريس بن يزيد - قال اتيت سعيد بن ابي بردة فسألته عن رسائل عمر بن الخطاب التي كان يكتب بها إلى أبي موسى وكان أبو موسى قد اوصى إلى ابي بردة قال فاخرج إلى كتبا فرأيت في كتاب منها) الخ(1/60)
عنهم يعلمون هدا ويؤمنون به ثم يردون عند التنازع إلى قياس أو رأي (1) هذا ما لا يظنه بهم ذو عقل فكيف وقد ثبت عن الصديق رضي الله عنه أنه قال:
أي أرض تقلني أو أي سماء تظلنى ان قلت في آية من كتاب الله برأي أو بما لا أعلم (2) وصح عن الفاروق رضى الله عنه أنه قال: اتهموا الرأي على الدين وان الرأي منا هو الظن والتكلف.
وعن عثمان رضي الله عنه في فتيا أفتى بها انما كان رأيا رأيته فمن شاء أخذ ومن شاء تركه، وعن علي رضي الله عنه: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه (3) * وعن سهل بن حنيف رضى الله عنه: ايها الناس اتهموا رأيكم على دينكم.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار، وعن ابن مسعود رضي الله عنه: سأقول فيها بجهد رأيى فان كان صوابا فمن الله وحده وان كان خطأ فمنى ومن الشيطان والله ورسوله برئ، وعن معاذ بن جبل في حديث يبتدع كلا ما ليس من كتاب الله
__________
(1) يقال عليه هم إذا ردوه إلى قياس له علة منصوصة في كتاب أو سنة فقد ردوا إلى الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله أن عمل الصحابة بالقياس والرأى متواتر تواترا معنويا في عدة قضايا ذكر منها شطرا واسعا اه.
عن الامير الصنعانى (بحاشية الاصل) (2) هذا أثر خاص بتفسير القرآن والنزاع في الاحكام أخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد عن ابراهيم التيمي قال: سئل أبو بكر عن الاب ما هو فقال أي سماء تظلنى وأى أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم فكلامه في تفسير لفظه لغوية جهل معناها فليس من محل النزاع في ورد ولا اصدار إذ النزاع الحاق فرع بأصل في حكمه لمشاركته في علة منصوصة لا في تفسير لفظة لغوية وقد اتفق لعمر كما اتفق لابي بكر في الآية فاخرج عبد بن حميد وابن الانباري في المصاحف عن أنس قال قرأ عمر (وفاكهة وأبا) قال هذه الفاكهة قد عرفناها فما الاب قال قد نهينا عن التكلف اه.
عن الامير الصنعانى (3) تمامه " لكنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على أعلاه "
فكأنه قال: لو لا النص لمسحنا برأينا أسفل الخف ففيه اثبات للرأى لولا النص اه أمير(1/61)
عزوجل ولا من سنة رسول الله صلى عليه وسلم فاياكم واياه فانه بدعة وضلالة.
وعلى هذا النحو كل رأى روي عن بعض الصحابة رضى الله عنهم لا على أنه إلزام ولا أنه حق لكنه إشارة بعفو أو صلح أو تورع فقط لا على سبيل الايجاب (1) وحديث معاذ الذي فيه أجتهد رأيي ولا آلو لا يصح لانه لم يروه أحد الا الحارث بن عمرو وهو مجهول لا ندري من هو عن رجال من أهل حمص لم يسمهم عن معاذ وقد (2) تقصينا أسانيد هذه الاحاديث كلها في كتابنا المذكور ولله تعالى الحمد * حدثنا احمد بن قاسم حدثنا أبي قاسم بن محمد حدثنا جدي قاسم بن اصبغ أخبرنا محمد بن اسماعيل الترمذي حدثنا نعيم بن حماد أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا عيسى بن يونس بن أبى اسحق السبيعى عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن ابن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الاشجعى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تفترق أمتى على بضع وسبعين فرقة أعظمهم فتنة على أمتى قوم يقيسون الامور بآرائهم (3) فيحلون الحرام ويحرمون الحلال (4) (قال على) والشريعة كلها إما
__________
(1) يقال: وقع للصحابة الخلاف في ميراث الجد والحكم بالرأي لانهم لم يجدوا فيه نصا وغير ذلك من الآراء التى حكموا بها اه.
أمير (2) حديث معاذ رواه أبو داود والترمذي وقال (لا نعرفه الا من هذا الوجه وليس اسناده عندي بمتصل).
انظر شرح أبي داود ج 3 ص 330 وجامع بيان العلم لابن عبد البر النمري ج 2 ص 55 (3) هذا في قوم يخالفون صرائح النصوص بقياساتهم فان قوله فيحلون الحرام ويحرمون الحلال دال على انهم يفعلون ذلك فيما ثبت النص فيهما على
خلاف ما قالوه لانه كان حلالا وحراما ولا يتصف بذلك الا عن نص وكون الاصل الحل هو عن نص وهو ما ذكره المصنف من قوله تعالى (خلق لكم في الارض جميعا) اه امير وأقول المصنف حكم في الفصل بوضع هذا الحديث (4) هذا الحديث رواه أيضا ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ج 2 ص 76: (حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك قال حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنى عيسى بن(1/62)
فرض يعصى من تركه، واما حرام يعصى من فعله، وإما مباح لا يعصى من فعله ولا من تركه، وهذا المباح ينقسم ثلاثة أقسام اما مندوب إليه يؤجر من فعله ولا يعصى من تركه، واما مكروه يؤجر من تركه ولا يعصى من فعله، واما مطلق لا يؤجر من فعله ولا من تركه ولا يعصى من فعله ولا من تكره.
وقال عزوجل (خلق لكم ما في الارض جميعا) وقال تعالى (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) فصح ان كل شئ حلال الا ما فصل تحريمه في القرآن أو السنة * حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا احمد بن فتح حدثنا عبد الوهاب بن عيسى
__________
يونس عن حريز بن عثمان) الخ وليس فيه ذكر لعبد الله بن المبارك بين نعيم وعيسى وهو الصواب لان الحديث معروف أنه من رواية نعيم عن عيسى.
ونسبه الهيثمي في مجمع الزوائد إلى الطبراني في الكبير والبزار.
ورجال اسناد الحديث ثقات كلهم الا أنه حديث ضعيف جدا أخطأ فيه نعيم واليك ما قاله أئمة الحديث.
قال ابن حجر في التهذيب (قال أبو زرعة الدمشقي قلت لدحيم حدثنا نعيم بن حماد عن عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تفترق امتي على بضع وسبعين فرقة.
الحديث.
فقال.
هذا الحديث صفوان بن عمرو وحديث
معاوية يعنى ان اسناده مقلوب.
قال أبو زرعة وقلت لابن معين في هذا الحديث فأنكره.
قلت فمن أين يؤتى قال شبه لهم.
وقال محمد بن على المروزى سألت يحى ابن معين عنه فقال ليس له اصل قلت فنعيم قال ثقة قلت كيف يحدث ثقة بباطل قال شبه له وقال ابن عدي بعد ان اورد هذا الحديث من رواية سويد ابن سعيد عن عيسى هذا انما يعرف بنعيم بن حماد رواه عن عيسى بن يونس فتكلم الناس فيه ثم رواه رجل من اهل خراسان يقال له الحكم بن المبارك ثم سرقه ضعفاء ممن يعرفون بسرقة الحديث.
وقال عبد الغني بن سعيد المصرى كل من حدث به عن عيسى بن يونس غير نعيم بن حماد فانما اخذه من نعيم وبهذا الحديث سقط نعيم عند كثير من اهل العلم بالحديث الا ان يحيى بن معين لم يكن ينسبه إلى الكذب بل كان ينسبه إلى الوهم)(1/63)
حدثنا احمد بن محمد حدثنا احمد بن على حدثنا مسلم بن الحجاج أخبرني زهير بن حرب حدثنا يزيد بن هرون حدثنا الربيع بن مسلم القرشى عن محمد بن زياد عن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال (أيها الناس ان الله قد فرض عليكم (1) الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى أعادها ثلاثا (2) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ذروني ما تركتكم فانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على إنبيائهم فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه) * (قال على) فجمع هذا الحديث جميع أحكام الدين أولها عن آخرها ففيه ان ما سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمر به ولا نهى عنه فهو مباح وليس حراما ولا فرضا وان ما أمر به فهو فرض وما نهى عنه فهو حرام وان ما أمرنا به فانما يلزمنا منه ما نستطيع فقط وأن نفعل مرة واحدة تؤدى ما ألزمنا ولا يلزمنا تكراره فأى حاجة
باحد إلى قياس أو رأى مع هذا البيان الواضح (3) ونحمد الله على عظم نعمه * (فان قال قائل) لا يجوز ابطال القول بالقياس إلا حتى توجدونا تحريم القول به
__________
(1) في صحيح مسلم قد فرض الله عليكم الخ (2) في صحيح مسلم حتى قالها ثلاثا (3) قلت أما مع النص على الحكم فلا قائل بالقياس ولكنه من المعلوم يقينا أنه لم يأت في كل حادثة نص بحكمها فانه من المعلوم يقينا أنها اتفقت قضايا اختلف فيها الصحابة لعدم النص وهم أعرف الناس بالنصوص فانهم اختلفوا في مسائل من المواريث كميراث الجد ومسائل العول ومسألة بيع أمهات الاولاد وهذه مسائل لا تنحصر في التنوع من الطلاق والعدد وحكموا فيها تحليلا وتحريما بالآراء وقد صرح المصنف رحمه الله أنه وقع الرأي في القرن الاول وهو قرن الصحابة فكيف يقول فأى حاجة للقياس على أننا حققنا لك أن القياس على العلة المنصوصة هو من النص فالرجوع إليه عند التنازع رجوع إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وليس هذا القياس من ضرب الامثال في الدين بل هو من الدين اه السيد محمد الامير(1/64)
نصا في القرآن.
قلنا لهم: قد أوجدنا لكم البرهان نصا بذلك وبأن لا يرد التنازع الا إلى القرآن والسنة فقط، وقال تعالى (اتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) وقال تعالى (فلا تضربوا لله الامثال ان الله يعلم وأنتم لا تعلمون) والقياس ضرب أمثال في الدين لله تعالى.
ثم يقال لهم: ان عارضكم الروافض بمثل هذا فقالوا لكم لا يجوز القول بابطال الالهام ولا بابطال اتباع الامام الا حتى توجدوا لنا تحريم ذلك نصا، أو قال لكم ذلك أهل كل مقالة في تقليد كل انسان بعينه.
بماذا تنفصلون؟ بل الحق انه لا يحل أن يقال على الله تعالى انه حرم أو حلل أو أوجب الا بنص فقط.
وبالله تعالى التوفيق * 101 - مسألة - وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليست فرضا الا ما كان منها بيانا لامر فهو حينئذ أمر، لكن الائتساء به عليه الصلاة والسلام فيها حسن * برهان ذلك هذا الخبر الذى ذكرنا آنفا من أنه لا يلزمنا شئ الا ما أمرنا به أو نهانا عنه وان ما سكت عنه فعفو ساقط عنا، وقال عزوجل (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) * 102 - مسألة - ولا يحل لنا اتباع شريعة نبى قبل نبينا صلى الله عليه وسلم قال عزوجل (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * حدثنا احمد بن محمد بن الجسور حدثنا وهب بن مسرة حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا هشيم أخبرنا سيار عن يزيد الفقير أخبرنا جابر ابن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى، نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لى الارض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لى الغنائم ولم تحل لاحد قبلى، واعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة (1)) فإذا صح أن الانبياء عليهم السلام لم يبعث أحد منهم الا إلى قومه خاصة فقد صح أن شرائعهم
__________
(1) الحديث رواه البخاري ومسلم والنسائي(1/65)
لم تلزم الا من بعثوا إليه فقط، وإذا لم يبعثوا الينا فلم يخاطبونا قط بشئ ولا أمرونا ولا نهونا، ولو أمرونا ونهونا وخاطبونا لما كان لنبينا صلى الله عليه وسلم فضيلة عليهم في هذا الباب.
ومن قال بهذا فقد كذب هذا الحديث وأبطل هذه الفضيلة التى خصه الله تعالى بها، فإذا قد صح أنهم عليهم السلام لم يخاطبونا بشئ فقد صح يقينا أن شرائعهم لا تلزمنا أصلا.
وبالله تعالى التوفيق *
103 - مسألة - ولا يحل لا حد أن يقلد أحدا لا حيا ولا ميتا وعلى كل أحد من الاجتهاد حسب طاقته، فمن سأل عن دينه فانما يريد معرفة ما ألزمه الله عزوجل في هذا الدين، ففرض عليه إن كان أجهل البرية أن يسأل عن أعلم أهل موضعه بالدين الذى جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا دل عليه سأله، فإذا أفتاه قال له: هكذا قال الله عزوجل ورسوله؟ فان قال له نعم أخذ بذلك وعمل به أبدا، وان قال له هذا رأيى أو هذا قياس أو هذا قول فلان وذكر له صاحبا أو تابعا أو فقيها قديما أو حديثا أو سكت أو انتهره أو قال له لا أدرى، فلا يحل له أن يأخذ بقوله ولكنه يسأل غيره.
برهان ذلك قول الله عزوجل (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم) فلم يأمرنا عزوجل قط بطاعة بعض أولي الامر، فمن قلد عالما أو جماعة علماء فلم يطع الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أولى الامر، وإذا لم يرد إلى من ذكرنا فقد خالف أمر الله عزوجل ولم يأمر الله عزوجل قط بطاعة بعض اولي الامر دون بعض (1) *
__________
(1) كلام المصنف رحمه الله مبنى على ان المراد باولى الامر العلماء وهو احد اقوال السلف في تفسير الآية، ولكنه اخراج ابن ابى شيبة والبخاري ومسلم وابن جرير وابن ابي حاتم عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من اطاعني فقد اطاع الله ومن أطاع أميرى فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى اميرى فقد عصاني) وفي الآية احاديث مرفوعة بنحوه وآثار عن السلف مختلفة منهم من فسرهم بالعلماء على كلام المصنف المراد استرووا العلماء عن احكام الكتاب والسنة وان الفتيا(1/66)
فان قيل: فان الله عزوجل قال (فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون) وقال تعالى: (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم).
قلنا: نعم ولم يأمر الله عزوجل أن يقبل
من النافر للتفقه في الدين رأيه، ولا أن يطاع أهل الذكر في رأيهم ولا في دين يشرعونه لم يأذن به الله عزوجل وانما أمر تعالى بأن يسأل أهل الذكر عما يعلمونه في الذكر الوارد من عند الله تعالى فقط لا عمن قاله من لا سمع له ولا طاعة، وانما أمر الله تعالى بقبول نذارة النافر للتفقه في الدين فيما تفقه فيه من دين الله تعالى الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في دين لم يشرعه الله عزوجل، ومن ادعى وجوب تقليد العامي للمفتي فقد ادعى الباطل وقال قولا لم يأت به قط نص قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا قياس، وما كان هكذا فهو باطل لانه قول بلا دليل، بل البرهان قد جاء بابطاله، قال تعالى ذاما لقوم قالوا (انا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا) والاجتهاد انما معناه بلوغ الجهد في طلب دين الله عزوجل الذى أوجبه على عباده، وبالضرورة يدرى كل ذى حس سليم أن المسلم لا يكون مسلما إلا حتى يقر بأن الله تعالى الهه لا إله غيره وأن محمدا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بهذا الدين إليه والى غيره، فإذ لا شك في هذا فكل سائل في الارض عن نازلة في دينه فانما يسأل عما حكم الله تعالى به في هذه النازلة، فإذ لا شك في هذا ففرض عليه أن يسأل إذا سمع فتيا: أهذا حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا لا يعجز عنه من يدرى ما الاسلام ولو أنه كما جلب من قوقوا (1) وبالله تعالى التوفيق * 104 - مسألة - وإذا قيل له إذا سأل عن أعلم أهل بلده بالدين: هذا صاحب حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا صاحب رأى وقياس فليسأل صاحب
__________
(1) معناها رواية الكتاب والسنة، وقبول رواية العالم ليس تقليدا له بل من العمل بخبر الآحاد الذي تعبد الله بالعمل به العباد وهو العمل بالظن المستفاد من اخبار الآحاد، وفي قوله لم يأمر الله بطاعة بعض اولى الامر دون بعض ايهام انه لا يقبل فتوى العالم الواحد حتى تكون اجماعا وهو خلاف ما قرره كما لا يخفى اه السيد محمد الامير رضى الله عنه وانظر ما كتبناه تعليقا على الاحكام للمؤلف (ج 4 ص 135) (1) هكذا في الاصل ولعله من قاف وهو على ما يزعمون الجبل المحيط
بالدنيا والمراد المبالغة في بعدما بينهما(1/67)
الحديث ولا يحل له أن يسأل صاحب الرأى أصلا * برهان ذلك قول الله عزوجل (اليوم أكملت لكم دينكم) وقوله تعالى (لتبين للناس ما نزل إليهم) فهذا هو الدين، لا دين سوى ذلك، والرأى والقياس ظن والظن باطل * حدثنا احمد بن محمد بن الجسور حدثنا احمد بن سعيد حدثنا ابن وضاح حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث) (حدثنا) يونس بن عبد الله حدثنا يحيى بن مالك بن عائذ اخبرنا أبو عبد الله بن ابى حنيفة اخبرنا أبو جعفر احمد بن محمد بن سلامة الطحاوي حدثنا يوسف بن يزيد القراطيسى اخبرنا سعيد بن منصور اخبرنا جرير بن عبد المجيد عن المغيرة ابن مقسم عن الشعبي قال: السنة لم توضع بالمقاييس.
(حدثنا) محمد بن سعيد ابن نبات أخبرنا اسماعيل بن اسحق البصري اخبرنا احمد بن سعيد بن حزم اخبرنا محمد بن ابراهيم بن حيون الحجازى اخبرنا عبد الله بن احمد بن حنبل قال سمعت ابى يقول: الحديث الضعيف احب الينا من الرأى (حدثنا حمام بن احمد اخبرنا عباس بن اصغ حدثنا محمد بن عبد الملك بن ايمن حدثنا عبد الله ابن احمد بن حنبل قال: سألت ابى عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيه الا صاحب حديث لا يعرف صحيحه من سقيمه واصحاب رأى، فتنزل به النازلة من يسأل؟ فقال ابى: يسأل صاحب الحديث ولا يسأل صاحب الرأى، ضعيف الحديث اقوى من رأى ابى حنيفة * 105 - مسألة - ولا حكم للخطأ ولا النسيان الا حيث جاء في القرآن أو
السنة لهما حكم * قال تعالى (ليس عليكم جناح فيما اخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) وقال تعالى (ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو اخطأنا) * 106 - مسألة - وكل فرض كلفه الله تعالى الانسان فان قدر عليه لزمه، وان عجز عن جميعه سقط عنه، وان قوي على بعضه وعجز عن بعضه سقط عنه ما عجز عنه(1/68)
ولزمه ما قدر عليه منه سواء اقله أو اكثره برهان ذلك قول الله عزوجل: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وقد ذكرناه قبل باسناده.
وبالله تعالى التوفيق * 107 - مسألة - ولا يجوز ان يعمل أحد شيئا من الدين مؤقتا بوقت قبل وقته، فان كان الاول من وقته والآخر من وقته لم يجز أن يعمل قبل وقته ولا بعد وقته * لقول الله تعالى (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وقال تعالى (تلك حدود الله فلا تعتدوها) والاوقات حدود فمن تعدى بالعمل وقته الذى حده الله تعالى له فقد تعدى حدود الله * حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا احمد بن فتح حدثنا عبد الوهاب بن عيسى حدثنا احمد بن محمد اخبرنا احمد بن على اخبرنا مسلم بن الحجاج اخبرنا اسحق بن ابراهيم هو ابن راهوية عن ابي عامر العقدى حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري عن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن قال: سألت القاسم بن محمد بن ابى بكر الصديق فقال اخبرتني عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد) * قال على: ومن امره الله تعالى ان يعمل عملا في وقت سماه له فعمله في غير ذلك
الوقت - اما قبل الوقت واما بعد الوقت - فقد عمل عملا ليس عليه امر الله تعالى ولا امر رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو مردود باطل غير مقبول، وهو غير العمل الذي امر به، فان جاء نص بأنه يجزئ في وقت آخر فهو وقته ايضا حينئذ، وانما الذى لا يكون وقتا للعمل فهو ما لا نص فيه.
وبالله تعالى التوفيق * 108 - مسألة - والمجتهد المخطئ افضل عند الله تعالى من المقلد المصيب.
هذا في أهل الاسلام خاصة، واما غير اهل الاسلام فلا عذر للمجتهد المستدل ولا للمقلد، وكلاهما هالك * برهان هذا ما ذكرناه آنفا باسناده من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله اجر) وذم الله التقليد جملة، فالمقلد عاص والمجتهد مأجور(1/69)
وليس من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم مقلدا لانه فعل ما امره الله تعالى به، وانما المقلد من اتبع من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه فعل ما لم يأمره الله تعالى به، وأما غير أهل الاسلام فان الله تعالى يقول (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) * 109 - مسألة - والحق من الاقوال في واحد منها وسائرها خطأ.
وبالله تعالى التوفيق * قال الله تعالى (فماذا بعد الحق الا الضلال)، وقال تعالى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) وذم الله الاختلاف فقال (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) وقال تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا) وقال تعالى (تبيانا لكل شئ) فصح أن الحق في الاقوال ما حكم الله تعالى به فيه، وهو واحد لا يختلف، وأن الخطأ ما لم يكن من عند الله عزوجل.
ومن ادعى أن الاقوال كلها حق وأن كل مجتهد مصيب فقد قال قولا لم يأت به قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا معقول، وما كان هكذا
فهو باطل، ويبطله أيضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر) فنص عليه الصلاة والسلام أن المجتهد قد يخطئ، ومن قال: ان الناس لم يكلفوا الا اجتهادهم فقد أخطأ، بل ما كلفوا الا اصابة ما أمر الله به قال الله عزوجل (اتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) فافترض عزوجل اتباع ما أنزل الينا وأن لا نتبع غيره وأن لا نتعدى حدوده، وانما أجر المجتهد المخطئ أجرا واحدا على نيته في طلب الحق فقط، ولم يأثم إذا حرم الاصابة، فلو أصاب الحق اجر أجرا آخر كما قال عليه السلام (إنه إذا أصاب أجر أجرا ثانيا) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد اخبرنا ابراهيم بن احمد الفربري حدثنا البخاري حدثنا عبد الله بن المقرئ حدثنا حيوة بن شريح حدثنا يزيد ابن عبد الله بن الهاد عن محمد بن ابراهيم بن الحرث عن بسر بن سعيد عن أبى قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) *(1/70)
ولا يحل الحكم بالظن أصلا (1) لقول الله تعالى (ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئا) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث) وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) اقول هذا النفي في انه لا يحل الحكم بالظن مشكل غاية الاشكال وقد آن أن نحقق البحث للناظرين دفعا للاغترار بكلام هذا المحقق رحمه الله فنقول: الظن لفظ مشترك بين معان يطلق على الشك كما صرح ائمة اللغة ففى القاموس: الظن التردد والراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم انتهى فهذان اطلاقان.
ويطلق على اليقين كما في قوله تعالى (الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم وانهم إليه راجعون) مع قوله في صفة المؤمنين (وهم بالآخرة هم يوقنون) لانه لا بد من اليقين في الايمان بالآخرة
ويطلق على التهمة كما في قوله تعالى (وما هو علي الغيب بظنين) فيمن قرأه بالظاء المشالة اي بمتهم كما قال ائمة التفسير.
وإذا عرفت هذا عرفت ان المذموم من الظن هو ما كان بمعنى الشك وهو التردد بين طرفي الامر، فطرفاه مستويان لازاجح فيهما، فهذا يحرم العمل به اتفاقا وهو الذى هو اكذب الحديث، وهو الذى لا يغني من الحق شيئا، وهو بعض الاثم الذى اراد تعالى (ان بعض الظن اثم) وذلك لما تقرر في الفطرة وقررته الشريعة ان لا عمل الا براجح يستفاد من علم أو ظن.
واما الظن الذي بمعنى الطرف الراجح فهو متعبد به فطعا بل اكثر الاحكام الشرعية دائرة عليه: وهو البعض الذى ليس فيه اثم، المفهوم من قوله تعالى (ان بعض الظن اثم) فان خبر الآحاد معمول به في الاحكام وهو لا يفيد بنفسه الا الظن.
والمصنف (ابن حزم) تقدم له ان الجاهل يسال العالم عن الحكم فيما يعرض له فإذا افتاه وقال هذا حكم الله ورسوله عمل به أبدا، ومعلوم ان هذه رواية آحادية من العالم بالمعنى ولا تفيد الا الظن وقد أوجب قبولها، وكذلك امر الله باشهاد ذوى عدل فان شهدا وجب على الحاكم الحكم بما شهدا به، وشهادتهما لا تفيد الا الظن، بل كونهما ذوي عدل لا يكون الا بالظن، بل قال صلى الله عليه وسلم (انكم تختصمون الي) إلى قوله (فانما اقطع له قطعة من نار) وهذا صريح انه صلى الله عليه وسلم حكم بالظن الحاصل عن البينة، إذ لو كان بالعلم لما كان المحكوم به قطعة من نار، لانه يجوز ان البينة التى حكم بها باطلة في(1/71)
كتاب الطهارة بسم الله الرحمن الرحيم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم 110 - مسألة - الوضوء للصلاة فرض لا تجزئ الصلاة الا به لمن وجد الماء.
هذا اجماع لا خلاف فيه من أحد، وأصله قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنو إذا
__________
نفس الامر، وفى حديث ابن مسعود في سجود السهو (إذا كنت في صلاة فشككت في ثلاث أو أربع واكثر ظنك على اربع) الحديث، فاعتبر الظن في اشرف العبادات وحديث الطبراني والحاكم (قال الله: انا عند ظن عبدي بي فليظن بى ما شاء) وحديث (لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن بالله) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه.
فهذا كله عمل بالظن الراجح الصادر عن امارة صحيحة، وأما ما صدر لا عن امارة صحيحة نحو ظن الكفار أنه (لن ينقلب الرسول والمؤمنون) الآية (وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا) فهذا ظن باطل مستند إلى أن الله تعالى لا ينصر رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ومصل ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون الذي حكاه الله تعالى عنهم بقوله (ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين) فظنهم هذا مستند إلى الجهل بعلم الله وإحاطته، ومنه في قصة الاحزاب في ظن المنافقين (واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) فانهم ظنوا غلبة الاحزاب للرسول صلى الله عليه وسلم ولذا قالوا (ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا) وعكسهم أهل الايمان فانهم قالوا (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا ايمانا وتسليما) فهذا البحث بحمد الله تعالى لا تجده في كتاب.
وانما هو من فتح الكريم الوهاب وبه يزول الاشكال والاضطراب، وتعلم أن المصنف أوجز في محل الاطناب، فأخل بما يذكره هو في هذا الكتاب، فانه لا يزال يستدل فيه باخبار الآحاد وبعموم ألفاظها وألفاظ القرآن، والكل لا يخرج عن الادلة الظنية، فاعرف قدر هذه الفائدة السنية اه من افادة خاتمة المحققين السيد محمد بن اسماعيل الامير جزاه الله عن الاسلام خيرا(1/72)
قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * 111 - مسألة - ولا يجزئ الوضوء الا بنية الطهارة للصلاة فرضا وتطوعا لا يجزئ أحدهما دون الآخر ولا صلاة دون صلاة * برهان ذلك الآية المذكورة.
لان الله تعالى لم يأمر فيها بالوضوء الا للصلاة على عمومها، لم يخص تعالى صلاة من صلاة فلا يجوز تخصيصها، ولا يجزئ لغير ما أمر الله تعالي به.
وقال أبو حنيفة: يجزئ الوضوء والغسل بلا نية وبنية التبرد والتنظف.
كان حجتهم أن قالوا: انما أمر بغسل جسمه أو هذه الاعضاء فقد فعل ما أمر به وقالوا: قسنا ذلك على ازالة النجاسة فانها تجزئ بلا نية، ومن قولهم: ان التيمم لا يجزئ الا بنية.
وقال الحسن بن حي: الوضوء والغسل والتيمم يجزئ كل ذلك بلا نية وقال أبو يوسف: ان انغمس جنب في بئر ليخرج دلوا منها لم يجزه ذلك من غسل الجنابة وقال محمد بن الحسن: يجزية من غسل الجنابة قال علي: أما احتجاجهم بأنه انما أمر بغسل جسمه أو هذه الاعضاء وقد فعل ما أمر، فكذب بل ما أمر الا بغسلها بنية القصد إلى العمل الذي أمره الله تعالى به في ذلك الوجه، قال الله تعالى: (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) فنفى عزوجل أن يكون أمرنا بشئ الا بعبادته مفردين له نياتنا بدينه الذى أمرنا به فعم بهذا جميع أعمال الشريعة كلها * حدثنا حمام بن احمد ثنا عبد الله بن ابراهيم ثنا ابو زيد المروي ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا الحميدى ثنا سفيان بن عيينة ثنا يحيى بن سعيد الانصاري أخبرني محمد بن ابراهيم التيمي انه سمع علقمة بن وقاص الليثى يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول على المنبر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (انما الاعمال بالنيات وانما
لكل امرئ ما نوى) فهذا أيضا عموم لكل عمل، ولا يجوز أن يخص به بعض الاعمال دون بعض بالدعوى(1/73)
وأما قياسهم ذلك على ازالة النجاسة فباطل لانه قياس والقياس كله باطل، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل، لوجوه: منها أن يقال لهم: ليس قياسكم الوضوء والغسل على ازالة النجاسة بأولى من قياسكم ذلك على التيمم الذى هو وضوء في بعض الاحوال ايضا، وكما قستم التيمم على الوضوء في بعض الاحوال وهو بلوغ المسح إلى المرفقين، فهلا قستم الوضوء على التيمم في أنه لا يجزئ كل واحد منهما الا بنية لان كليهما طهر للصلاة * فان قالوا: ان الله تعالى قال (فتيمموا صعيدا طيبا) ولم يقل ذلك في الوضوء، قلنا نعم فكان ماذا؟ وكذلك قال تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) فصح انه لا يجزئ ذلك الغسل الا للصلاة بنص الآية * والوجه الثاني أن دعواهم أن غسل النجاسة يجزئ بلا نية باطل ليس كما قالوا، بل كل تطهير لنجاسة امر الله تعالى به على صفة ما فانه لا يجزئ الا بنية وعلى تلك الصفة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وقد ذكرناه باسناده قبل، وكل نجاسة ليس فيها أمر بصفة ما فانما على الناس أن يصلوا بغير نجاسة في أجسامهم ولا في ثيابهم ولا في موضع صلاتهم، فإذا صلوا كذلك فقد فعلوا ما أمروا به، فظهر فساد احتجاجهم وعظم تناقضهم في الفرق بين الوضوء والغسل وبين التيمم والصلاة وغير ذلك من الاعمال بلا برهان، واختلافهم في الجنب ينغمس في البئر كما ذكرنا بلا دليل وقال بعضهم: لو احتاج الوضوء إلى نية لاحتاجت النية إلى نية وهكذا أبدا، قلنا لهم: هذا لازم لكم فيما أوجبتم من النية للتيمم وللصلاة وهذا محال، لان النية
المأمور بها هي مأمور بها لنفسها لانها القصد إلى ما أمر به فقط.
وأما الحسن بن حي فانه ينقض قوله بالآية التى ذكرنا والحديث الذي أوردنا * وقولنا في هذا قول مالك والشافعي واحمد بن حنبل واسحاق وداود وغيرهم وبالله تعالى التوفيق * 112 - مسألة - ويجزئ الوضوء قبل الوقت وبعده، وقال بعض الناس لا يجزئ الوضوء ولا التيمم الا بعد دخول وقت الصلاة وقال آخرون: يجزئ الوضوء(1/74)
قبل الوقت ولا يجزئ التيمم الا بعد الوقت، وقال آخرون: الوضوء والتيمم يجزيان قبل الوقت * واحتج من رأى كل ذلك لا يجزئ الا بعد دخول الوقت بقول الله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وان كنتم جنبا فاطهروا وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أولا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) * قال على وهذا لا حجة لهم فيه بل هو حجة عليهم كافية، لان الله تعلى لم يقل: إذا قمتم إلى صلاة فرض، ولا إذا دخل وقت صلاة فرض فقمتم إليها، بل قال عزوجل (إذا قمتم إلى الصلاة) فعم تعالى ولم يخص، والصلاة تكون فرضا وتكون تطوعا بلا خلاف، وقد أجمع أهل الارض قاطبة من المسلمين على أن صلاة التطوع لا تجزئ الا بطهارة من وضوء أو تيمم أو غسل ولا بد، فوجب بنص الآية ضرورة أن المرء إذا أراد صلاة فرض أو تطوع وقام إليها أن يتوضأ أو يغتسل ان كان حنبا أو يتيمم ان كان من أهل التيمم ثم ليصل، فإذ ذلك نص الآية بيقين فإذا أتم المرء غسله أو وضوءه أو تيممه فقد طهر بلا شك، واذ قد صحت طهارته فجائز له أن يجعل بين
طهارته وبين الصلاة التى قام إليها مهلة من مشى أو حديث أو عمل، لان الآية لم توجب اتصال الصلاة بالطهارة لا بنصها ولا بدليل فيها، وإذا جاز أن يكون بين طهارته وبين صلاته مهلة فجائز أن تمتد المهلة ما لم يمنع من تماديها قرآن أو سنة، وذلك يمتد إلى آخر اوقات الفرض، وأما في التطوع فما شاء * فصح بنص الآية جواز التطهر بالغسل وبالوضوء وبالتيمم قبل وقت صلاة الفرض، وانما وجب بنص الآية أن لا يكون شئ من ذلك الا بنية التطهر للصلاة فقط ولا مزيد * ودليل آخر: وهو أن الصلاة جائزة بلا خلاف في أول وقتها، فإذ ذلك كذلك فلا يكون ذلك البتة الا وقد صحت الطهارة لها قبل ذلك، وهذا ينتج ولا بد جواز التطهر بكل ذلك قبل أول الوقت *(1/75)
برهان آخر وهو ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد ابن شعيب (1) ثنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة وراح (2) فكأنما قدم (3) بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكانما قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر).
فهذا نص جلي على جواز الوضوء للصلاة والتيمم لها قبل دخول وقتها، لان الامام يوم الجمعة لابد ضرورة من أن يخرج قبل الوقت أو بعد دخول الوقت، وأي الامرين كان فتطهر هذا الرائح من أول النهار كان قبل وقت الجمعة بلا شك، وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في الرائحين إلى الجمعة المتيمم في السفر والمتوضئ * واما من فرق بين جواز الوضوء قبل الوقت وجواز التيمم قبل الوقت فمنع منه:
فانهم ادعوا أن حكم الآية يوجب أن يكون كل ذلك بعد الوقت، وادعوا أن الوضوء خرج بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح الصلوات كلها بوضوء واحد، وهذا لا حجة لهم فيه، لانه ليس في هذا الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ قبل دخول وقت الصلاة، ولعله توضأ بعد دخول الوقت ثم بقى يصلى بطهارته ما لم تنتقض، فإذ هذا ممكن فلا دليل في هذا الخبر على جواز الوضوء قبل دخول الوقت.
وبالله تعالى التوفيق * 113 - مسألة - فان خلط بنية الطهارة للصلاة نية لتبرد أو لغير ذلك لم تجزه الصلاة بذلك الوضوء * برهان ذلك قول الله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) فمن مزج بالنية التى أمر بها نية لم يؤمر بها فلم يخلص لله تعالى العبادة بدينه ذلك، وإذا لم يخلص فلم يأت بالوضوء الذى أمره الله تعالى به، فلو نوى مع وضوئه للصلاة أن
__________
(1) هو النسائي (2) في النسائي (ج 1: ص 206) (ثم راح) (3) في النسائي (قرب)(1/76)
يعلم الوضوء من بحضرته أجزأته الصلاة به لان تعليم الناس الدين مأمور به.
وبالله تعالى التوفيق * 114 - مسألة - ولا تجزئ النية في ذلك ولافي غيره من الاعمال إلا قبل الابتداء بالوضوء أو بأى عمل كان متصلة بالابتداء به لا يحول بينهما وقت قل أم كثر * برهان ذلك أن النية لما صح أنها فرض في العمل وجب أن تكون لا يخلو منها شئ من العمل، وإذا لم تكن كما ذكرنا فهى إما أن يحول بينها وبين العمل زمان فيصير العمل بلا نية، وأيضا فانه لو جاز أن يحول بين النية وبين العمل دقيقة لجاز أن يحول بينهما دقيقتان وثلاث وأربع وما زاد إلى أن يلغ الامر إلى عشرات أعوام،
وإما أن يكون مقارنا للنية فيكون أول العمل خاليا من نية دخل فيه بها، لان النية هي القصد بالعمل والارادة به ما افترض الله تعالى في ذلك العمل، وهذا لا يكون إلا معتقدا قبل العمل ومعه كما ذكرنا.
وبالله تعالى التوفيق * 115 - مسألة - ومن غمس أعضاء الوضوء في الماء ونوى به الوضوء للصلاة، أو وقف تحت ميزاب حتى عمها الماء ونوى بذلك الوضوء للصلاة أو صب الماء على أعضاء الوضوء للصلاة أو صب الماء على أعضاء الوضوء غيره ونوى هو بذلك الوضوء للصلاة أجزأه * برهان ذلك ان اسم (غسل) يقع على ذلك كله في اللغة التى بها نزل القرآن، ومن ادعى ان اسم الغسل لا يقع إلا على التدلك باليد (1) فقد ادعى مالا برهان له به.
وقولنا هذا قول أبى حنيفة والشافعي وداود.
وبالله تعالى التوفيق * 116 - مسألة - وقراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى جائز كل ذلك بوضوء وبغير وضوء وللجنب والحائض * برهان ذلك ان قراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى افعال
__________
(1) قال الامير الصنعاني: يقال غسل لغة تقتضي مباشرة الغاسل فلا يجزئ وقوفه تحت ميزاب ولا صب غيره على أعضائه، فتأمل فان المصنف أهمل المباشرة وتكلم على الدلك اه.(1/77)
خير مندوب إليها مأجور فاعلها، فمن ادعى المنع فيها في بعض الاحوال كلف أن يأتي بالبرهان فأما قراءة القرآن فان الحاضرين من المخالفين موافقون لنا في هذا لمن كان على غير وضوء، واختلفوا في الجنب والحائض، فقالت طائفة: لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن، وهو قول روى عن عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما وعن غيرهما روى أيضا كالحسن البصري وقتادة والنخعي وغيرهم، وقالت طائفة:
اما الحائض فتقرأ ما شاءت من القرآن، وأما الجنب فيقرأ الآيتين ونحوهما، وهو قول مالك، وقال بعضهم: لا يتم الآية وهو قول أبى حنيفة * فاما من منع الجنب من قراءة شئ من القرآن فاحتجوا بما رواه عبد الله بن سلمة عن على بن أبي طالب رضى الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يحجزه عن القرآن شئ ليس الجنابة) وهذا لا حجة لهم فيه، لانه ليس فيه نهى عن أن يقرأ الجنب القرآن، وانما هو فعل منه عليه السلام لا يلزم، ولا بين عليه السلام أنه انما يمتنع من قراءة القرآن من أجل الجنابة، وقد يتفق له عليه السلام ترك القراءة في تلك الحال ليس من أجل الجنابة، وهو عليه السلام لم يصم قط شهرا كاملا غير رمضان ولم يزد قط في قيامه على ثلاث عشرة ركعة، ولا أكل قط على خوان، ولا أكل متكئا.
أفيحرم أن يصام شهر كامل غير رمضان، أو ان يتهجد المرء بأكثر من ثلاث عشرة ركعة، أو أن يأكل على خوان أو أن يأكل متكئا؟ هذا لا يقولونه، ومثل هذا كثير جدا وقد جاءت آثار في نهى الجنب ومن ليس على طهر عن أن يقرأ شيئا من القرآن، ولا يصح منها شئ، وقد بينا ضعف أسانيدها في غير موضع، ولو صحت لكانت حجة على من يبيح له قراءة الآية التامة أو بعض الآية، لانها كلها نهي عن قراءة القرآن للجنب جملة.
وأما من قال يقرأ الجنب الآية أو نحوها، أو قال لا يتم الآية، أو أباح للحائض ومنع الجنب فأقوال فاسدة، لانها دعاوى لا يعضدها دليل لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من اجماع ولا من قول صاحب ولا من قياس ولا من رأى سديد، لان بعض الآية والآية قرآن بلا شك، ولا فرق بين أن يباح له آية أو أن يباح له أخرى، أو بين أن يمنع من آية أو يمنع من أخرى، وأهل هذه الاقوال(1/78)
يشنعون مخالفة الصاحب الذى لا يعرف له مخالف، وهم قد خالفوا ههنا عمر بن
الخطاب وعلى بن أبى طالب وسلمان الفارسي، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة رضى الله عنهم * وأيضا فان من الآيات ما هو كلمة واحدة مثل (والضحى) و (مدهامتان) و (والعصر) و (والفجر) ومنها كلمات كثيرة كآية الدين، فإذ لا شك في هذا فان في اباحتهم له قراءة آية الدين والتي بعدها أو آية الكرسي أو بعضها ولا يتمها ومنعهم اياه من قراءة (والفجر وليال عشر والشفع والوتر) أو منعهم له من اتمام (مدهامتان) لعجبا وكذلك تفريقهم بين الحائض والجنب بأن أمر الحائض يطول، فهو محال، لانه ان كانت قراءتها للقرآن حراما فلا يبيحة لها طول أمرها، وان كان ذلك لها حلالا فلا معنى للاحتجاج بطول أمرها، حدثنا محمد بن سعيد بن نبات (1) ثنا عبد الله بن نصر عن قاسم بن أصبغ عن محمد بن وضاح عن موسى بن معاوية ثنا ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ربيعة قال: لا بأس أن يقرأ الجنب القرآن.
وبه إلى موسى ابن معاوية ثنا يوسف بن خالد السمتى (2) ثنا ادريس عن حماد قال: سألت سعيد بن المسيب عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ فقال: وكيف لا يقرؤه وهو في جوفه.
وبه إلى يوسف السمتي عن نصر الباهلى قال: كان ابن عباس يقرأ البقرة وهو جنب * أخبرني محمد بن سعيد بن نبات ثنا احمد بن عون الله (3) ثنا
__________
(1) بالنون والباء والتاء كما في الاحكام للمؤلف والمشتبه للذهبي وشرح القاموس.
ومحمد بن سعيد هذا هو أبو عبد الله النباتي بفتح النون نسبة إلى جده مات بعد سنة 400 قاله السمعاني * (2) بفتح السين المهملة واسكان الميم وبعدها تاء.
قيل له ذلك لهيئته وسمته.
قال ابن سعد: كان له بصر بالرأي والفتوى والشروط.
وقال ابن معين: كذاب زنديق لا يكتب حديثه.
وكذلك كذبه الفلاس وأبو داود وضعفه الشافعي وابن قانع والساجى.
وقال ابن حبان: كان يضع الاحاديث على الشيوخ.
مات سنة 189 * (3) في الاحكام للمؤلف: (أحمد بن عون) فيحرر *(1/79)
قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن حماد بن أبى سليمان قال: سألت سعيد بن جبير عن الجنب يقرأ فلم ير به بأسا، وقال: أليس في جوفه القرآن؟ وهو قول داود وجميع أصحابنا.
وأما سجود القرآن فانه ليس صلاة أصلا.
لما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد ابن معاوية ثنا احمد بن شعيب ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الرحمن بن مهدى ومحمد ابن جعفر قالا ثنا شعبة عن يعلى بن عطاء انه سمع عليا الازدي (1) وهو على بن عبد الله البارقي ثقة انه سمع ابن عمر يقول (2) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) وقد صح عليه السلام انه قال (الوتر ركعة من آخر الليل) فصح ان ما لم يكن ركعة تامة أو ركعتين فصاعدا فليس صلاة، والسجود في قراءة القرآن ليس ركعة ولا ركعتين فليس صلاة، وإذ ليس هو صلاة فهو جائز بلا وضوء وللجنب وللحائض والى غير القبلة كسائر الذكر ولا فرق، إذ لا يلزم الوضوء الا للصلاة فقط، إذ لم يأت بايجابه لغير الصلاة قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا قياس * فان قيل.
ان السجود من الصلاة، وبعض الصلاة صلاة.
قلنا وبالله تعالى التوفيق: هذا باطل، لانه لا يكون بعض الصلاة صلاة الا إذا تمت كما أمر بها المصلى، ولو ان امرأ كبر وقرأ وركع ثم قطع عمدا لما قال أحد من أهل الاسلام إنه صلى شيئا، بل يقولون كلهم انه لم يصل، فلو أتمها ركعة في الوتر أو ركعتين في الجمعة والصبح والسفر والتطوع لكان قد صلى بلا خلاف * ثم نقول لهم: ان القيام بعض الصلاة والتكبير بعض الصلاة وقراءة أم القرآن بعض الصلاة والجلوس بعض الصلاة والسلام بعض الصلاة: فيلزمكم على هذا
أن لا تجيزوا لاحد أن يقوم ولا أن يكبر ولا أن يقرأ أم القرآن ولا يجلس ولا يسلم الا على وضوء، فهذا ما لا يقولونه فبطل احتجاجهم.
وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في أحد الاصلين (الاسدي) وهو خطأ صححناه من النسخة اليمنية والنسائي والتهذيث * (2) في النسائي: (يحدث) *(1/80)
فان قالوا: هذا اجماع، قلنا لهم: قد أقررتم (1) بصحة الاجماع على بطلان حجتكم وافساد علتكم وبالله تعالى التوفيق (2) وأما مس المصحف فان الآثار التى احتج بها من لم يجز للجنب مسه فانه لا يصح منها شئ، لانها اما مرسلة واما صحيفة لا تسند (3) وإما عن مجهول وإما عن
__________
(1) في النسخة اليمنية (قيل فقد أقررتم) * (2) قال البخاري في الصحيح: (باب سجود المسلمين مع المشركين.
والمشرك نجس ليس له وضوء.
وكان ابن عمر رضى الله عنهما يسجد على غير وضوء) ثم روى الحديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والانس) قال ابن حجر: (وأما ما رواه البيهقى باسناد صحيح عن الليث عن نافع عن ابن عمر قال لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر.
فيجمع بينهما بأنه أراد بقوله طاهر الطهارة الكبرى أو الثاني على حالة الاختيار والاول على الضرورة) ثم قال بعد كلام: (ويحتمل أن يجمع بين الترجمة وأثر ابن عمر بأنه يبعد في العادة أن يكون جميع من حضر من المسلمين كانوا عند قراءة الآية على وضوء لانهم لم يتأهبوا لذلك، وإذا كان كذلك فمن بادر منهم إلى السجود خوف الفوات بلا وضوء وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك استدل بذلك على جواز السجود بلا وضوء عند وجود
المشقة بالوضوء، ويؤيده أن لفظ المتن: وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والانس، فسوى ابن عباس في نسخة السجود بين الجميع وفيهم من لا يصح منه الوضوء، فيلزم أن يصح السجود ممن كان بوضوء وممن لم يكن بوضوء والله أعلم) ثم قال (لم يوافق ابن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبى أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح وأخرجه أيضا بسند حسن عن أبى عبد الرحمن السلمى أنه كان يقرأ السجدة ثم يسلم وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشى يومئ ايماء) * (3) يشير إلى حديث مالك في الموطأ: (عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم: ان في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: ان لا يمس القرآن إلا طاهر).
وهذا مرسل وهو قطعة من كتاب كتبه رسول الله(1/81)
ضعيف، وقد تقصيناها في غير هذا المكان.
وانما الصحيح ما حدثناه عبد الله بن ربيع قال ثنا محمد بن أحمد بن مفرج (4) نا سعيد بن السكن ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا الحكم بن نافع ثنا شعيب عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس أخبره أن أبا سفيان أخبره أنه كان عند هرقل فدعا هرقل بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الدي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا
__________
صلى الله عليه وسلم إلى أقيال اليمن وبعث به عمرو بن حزم وبقى بعده عند آله.
وروى الدارقطني في السنن والحاكم في المستدرك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثه الانصاري التابعي الثقة (أن عمر بن عبد العزيز حين استخلف أرسل إلى المدينة يلتمس عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقات فوجد عند آل عمرو بن حزم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم في الصدقات ووجد عند آل عمر بن الخطاب كتاب عمر إلى عماله في الصدقات بمثل
كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم، فأمر عمر بن عبد العزيز عماله على الصدقات أن يأخذوا بما في دينك الكتلبين).
وكتاب عمرو بن حزم هذا بحث عن لفظه كله حتى وفقني الله للاهتداء إليه، فوحدت الحاكم رواه بطوله في المستدرك (ج 1 ص 395 طبع الهند) من طريق الحاكم بن موسى عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود عن الزهري عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده.
وروى بعضه بهذا الاسناد النسائي وابن حبان والدار قطني والبيهقي، وهو اسناد صحيح بينت صحته بيانا شافيا والحمد لله في شرحي على التحقيق لابن الجوزي ج 1 ص 97 في المسألة رقم 42 (4) هكذا في النسخة المصرية وهو الصواب، وفي اليمنية (احمد بن محمد ابن مفرج) وهو خطأ وهو محمد بن أحمد بن يحيى بن مفرج، انظر تذكرة الحفاظ (ج 3 ص 140) في ترجمة ابن السكن ولسان الميزان (ج 5 ص 387).
وأما (مفرج) هل هو بالجيم أو بالحاء فهذا موضع نظر ووقع في جميع ما ذكرنا بالحاء الا في النسخة المصرية وفى تذكرة الحفاظ في ترجمة ابن الاعرابي (ج 3 ص 66) فانه بالجيم.
وأنا أميل إلى ترجيح أنه بالجيم فان شارح القاموس لم يذكر في الاعلام من اسمه (مفرح) بالحاء المهملة، وانظر ما سيأتي بهامش المسألة رقم 118(1/82)
فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله (1) إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى (أما بعد) فاني أدعوك بدعاية الاسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فان عليك اثم الاريسيين و (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)) فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث كتابا وفيه هذه الآية إلى النصارى وقد أيقن أنهم يمسون ذلك الكتاب *
فان ذكروا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر قال: (كان ينهى النبي صلعم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو يخاف أن يناله العدو (2)) فهذا حق يلزم اتباعه وليس فيه أن لا يمس المصحف جنب ولا كافر، وانما فيه أن لا ينال أهل أرض الحرب القرآن فقط * فان قالوا: انما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل آية واحدة، قيل لهم: ولم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيرها وأنتم أهل قياس فان لم تقيسوا على الآية ما هو أكثر منها فلا تقيسوا على هذه الآية غيرها * فان ذكروا قول الله تعالى: (في كتاب مكنون لا يمسه الا المطهرون) فهذا لا حجة لهم فيه لانه ليس أمرا وانما هو خبر، والله تعالى لا يقول الا حقا، ولا يجوز أن يصرف لفظ الخبر إلى معنى الامر إلا بنص جلى أو اجماع متيقن، فلما رأينا المصحف يمسه الطاهر وغير الطاهر علمنا أنه عزوجل لم يعن المصحف وانما عنى كتابا آخر، كما أخبرنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم ابن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا سفيان الثوري عن جامع بن أبى راشد عن سعيد بن جبير في قول الله تعالى (لا يمسه الا المطهرون) قال: الملائكة الذين في السماء * حدثنا حمام بن أحمد ثنا
__________
(1) في المصرية (عبد الله رسول الله) وفي اليمنية (من محمد رسول الله) وصححناه من البخاري (انظر الفتح 1: 42 30) (2) رواه أيضا مالك والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه(1/83)
ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى (1) ثنا عبد الرزاق ثنا يحيى بن العلاء (2) عن الاعمش عن ابراهيم النخعي عن علقمة قال: أتينا سليمان الفارسى فخرج علينا من
كنيف له فقلنا له: لو توضأت يا أبا عبد الله ثم قرأت علينا سورة كذا، فقال سلمان: انما قال الله عزوجل (في كتاب مكنون لا يمسه الا المطهرون) وهو الذكر الذى في السماء لا يمسه الا الملائكة (3) * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا احمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة ثنا منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي عن علقمة بن قيس: انه كان إذا أراد أن يتخذ مصحفا أمر نصرانيا فنسخه له * وقال أبو حنيفة: لا بأس أن يحمل الجنب المصحف بعلاقته ولا يحمله بغير علاقة، وغير المتوضئ عندهم كذلك، وقال مالك: لا يحمل الجنب ولا غير المتوضئ المصحف لا بعلاقة ولا على وسادة، فان كان في خرج أو تابوت فلا بأس أن يحمله اليهودي والنصراني والجنب وغير الطاهر * قال على: هذه تفاريق لا دليل على صحتها لا من قرآن ولا من سنة لا صحيحة ولا سقيمة ولا من اجماع ولا من قياس ولا من قول صاحب، ولئن كان الخرج حاجزا بين الحامل وبين القرآن فان اللوح وظهر الورقة حاجز أيضا ببن الماس وبين القرآن ولا فرق، وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) بفتح الدال والباء ونسبة إلى دبر وهى قرية من قرى صنعاء اليمن وهو أبو يعقوب اسحق بن ابراهيم بن عباد راوي كتب عبد الرزاق بن همام عنه مات سنة 285 (2) يحيى بن العلاء البجلى أبو سلمة.
قال احمد بن حنبل: كذاب يضع الحديث، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال وكيع: كان يكذب (3) في الموطأ: (قال مالك أحسن ما سمعت في هذه الآية (لا يمسه الا المطهرون) أنها بمنزلة هذه الآية التى في عبس وتولى قول الله تعالى (كلا انها تذكرة فمن
شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة))(1/84)
177 مسألة وكذلك الا ذان والاقامه يجزئان أيضا بلا طهارة وفي حال الجنابة * وهذا قول أبى حنيفة وأصحابه وقول أبى سليمان وأصحابنا، وقال الشافعي: يكره ذلك ويجزئ ان وقع، وقال عطاء: لا يؤذن المؤذن الا متوضئا، وقال مالك: يؤذن من ليس على وضوء ولا يقيم الا متوضئ * قال على: هذا فرق لا دليل على صحته لا من قرآن ولا من سنة ولا اجماع ولا قول صاحب ولا قياس، فان قالوا: ان الاقامة متصلة بالصلاة، قيل لهم: وقد لا تتصل ويكون بينهما مهلة من حديث بدأ فيه الامام مع انسان يمكن فيه الغسل والوضوء، وقد يكون الاذان متصلا بالاقامة والصلاة كصلاة المغرب وغيرها ولا فرق وإذا لم يأت نص بايجاب أن لا يكون الاذان والاقامة الا بطهارة من الجنابة وغيرها فقول من أوجب (1) ذلك خطأ، لانه احداث شرع من غير قرآن ولا سنة ولا اجماع وهذا باطل، فان قيل: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (كرهت أن أذكر الله إلا على طهر (2))، قيل لهم: هذه كراهة لا منع، وهو عليكم لا لكم لانكم تجيزون الاذان وقراءة القرآن وذكر الله تعالى على غير طهر وهذا هو الذي نص على كراهته في الخبر، وأنتم لا تكرهونه أصلا، فهذا الخبر أعظم حجة عليكم، وأما نحن فهو قولنا وكل ما ذكرنا فهو عندنا على طهارة أفضل، ولا نكرهه على غير طهارة، لان هذه الكراهة منسوخة على ما نذكره بعد ان شاء الله تعالى * 118 مسألة ويستحب الوضوء للجنب إذا أراد الاكل أو النوم ولرد السلام ولذكر الله تعالى وليس ذلك بواجب.
فان قيل: فهلا أوجبتم ذلك كله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (اني كرهت أن أذكر الله
__________
(1) في اليمنية (أحب) (2) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ولفظ أبي داود: (عن المهاجر ابن قنفذ قال: انه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال انى كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر أو قال على طهارة) واسناده صحيح(1/85)
إلا على طهر) ولقوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ ذكر له أنه تصيبه الجنابة من الليل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ((توضأ واغسل ذكرك ثم نم) (1) ولما روته عائشة رضى الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة) (1) قلنا وبالله تعالى التوفيق: أما الحديث في كراهة ذكر الله تعالى إلا على طهر فانه منسوخ بما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا صدقة ثنا الوليد بن مسلم ثنا الاوزاعي حدثنى عمير بن هانئ حدثنى جنادة بن أبى أمية ثنا عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تعار (3) من الليل فقال: لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير الحمد الله وسبحان الله (ولا اله الا الله) (4) والله أكبر ولا حول ولا قوة الا بالله (ثم قال) اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له، فان توضأ ووصلى قبلت صلاته)) * قال علي: فهذه اباحة لذكر الله تعالى بعد الانتباه من النوم في الليل وقبل الوضوء نصا، وهى فضيلة، والفضائل لا تنسخ لانها من نعم الله علينا، قال الله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) وهذا أمر باق غير منسوخ بلا خلاف من أحد.
وقال تعالى (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فهذا
عموم ضمان لا يخيس (5)، قال الله تعالى (ان الله لا يخلف الميعاد)، وقد أيقنا بما ذكرنا قبل من إخباره عليه السلام انه قال (لا تزال طائفة من أمتى على الحق).
ان جميع
__________
(1) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن (2) رواه مسلم وغيره (3) بفتح التاء المثناة والعين المهملة والراء المشددة أي هب من نومه واستيقظ (4) الزيادة في الموضعين من البخاري.
(5) بالخاء المعجمة والسين المهملة، يقال.
خاس فلان بوعده يخيس إذا أخلف، وخاس بعهده إذا غدر ونكث(1/86)
الامة لا تغير أصلا، وإذا صح ان الامة كلها لا تغير أبدا، فقد أيقنا ان الله تعالى لا يغير نعمه عند الامة أبدا.
وبالله تعالى التوفيق.
وأما أمره عليه السلام بالوضوء فهو ندب، لما حدثناه حمام قال ثنا عمر بن مفرج (1) قال ثنا ابن الاعرابي قال ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أبي اسحاق عن الاسود بن يزيد عن عائشة أم المومنين قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام جنبا ولا يمس ماء) (2).
وهذا لفظ يدل على مداومته صلى الله عليه وسلم لذلك وهى رضى الله عنها أحدث الناس عهدا بمبيته ونومه جنبا وطاهرا * فان قيل: ان هذا الحديث أخطأ فيه سفيان، لان زهير بن معاوية خالفه فيه.
قلنا بل أخطأ بلا شك (3) من خطأ سفيان بالدعوى بلا دليل، وسفيان أحفظ من زهير بلا شك.
وبالله تعالى التوفيق * قال على: وكان اللازم للقائلين بالقياس أن يقولوا: لما كانت الصلاة وهى ذكر لا تجزئ إلا بوضوء أن يكون سائر الذكر كله كذلك، ولكن هذا مما تناقضوا فيه.
ولا يمكنهم ههنا دعوى الاجماع، لما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله محمد بن
__________
(1) هنا رسم في النسخة اليمنية (مفرح) بالحاء المهملة ووضع الناسخ نقطة
تحت الحاء خارج دائراتها وهذه علامة التأكيد بأنها مهملة، فليراجع هذا فانه موضع نظر مع ما قلناه في هامش المسألة رقم 116 (2) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (3) القول ما قال المؤلف والحديث صحيح، والمحدثون انما عللوه بتخطئة أبى اسحق لا سفيان في ذكر (ولا يمس ماء) قال البيهقي (وذلك لان الحفاظ طعنوا في هذه اللفظة وتوهموها مأخوذة عن غير الاسود، وأن أبا اسحق ربما دلس فرأوها من تدليساته، واحتجوا على ذلك برواية ابراهيم النخعي وعبد الرحمن بن الاسود عن الاسود بخلاف رواية أبي اسحق).
ثم ذكر الروايات الاخرى التي فيها انه كان يسوضأ قبل الاكل أو النوم، ولا منافاة بين هذه الروايات، فان الوضوء مستحب للجنب قبل الاكل أو النوم، والترك ابيان الجواز.(1/87)
عثمان ثنا احمد بن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد ابن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: انه كان لا يقرأ القرآن ولا يرد السلام ولا يذكر الله الا وهو طاهر * إلا معاودة الجنب للجماع فالوضوء عليه فرض بينهما * للخبر الذي رويناه من طريق حفص بن غياث وابن عيينة كلاهما عن عاصم الاحول عن أبى المتوكل عن أبى سعيد الخدرى عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءا)، هذا لفظ حفص بن غياث ولفظ ابن عيينة (إذا أراد أن يعود فلا يعود حتى يتوضأ (1))، ولم نجد لهذا الخبر ما يخصصه ولا ما يخرجه إلى الندب إلا خبرا ضعيفا من رواية يحيى بن أيوب، وبايجاب الوضوء في ذلك يقول عمر بن الخطاب وعطاء وعكرمة وابراهيم والحسن وابن سيرين *
119 مسألة والشرائع لا تلزم الا بالاحتلام أو بالانبات للرجل والمرأة أو بانزال الماء الذى يكون منه الولد وان لم يكن احتلام أو بتمام تسعة عشر عاما كل ذلك للرجل والمرأة أو بالحيض للمرأة * برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب ثنا احمد بن عمر وبن السرح عن ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن سليمان هو الاعمش عن أبى ظبيان عن عبد الله بن عباس، ان على بن أبى طالب قال لعمر بن الخطاب: أو ما تذكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (رفع القلم عن ثلاث، عن المجنون المغلوب على عقله وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم) والصبى لفظ يعم الصنف كله الذكر والانثى في اللغة التى بها خوطبنا.
حدثنا حمام
__________
(1) اللفظ الاول لفظ مسلم في الصحيح (ج 1 ص 98) وفيه (ثم أراد أن يعود) والحديث رواه أيضا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وفي رواية ابن حبان وابن خزيمة والحاكم والبيهقي زيادة (فانه أنشط للعود) وهذه الزيادة قرينة على صرف الامر إلى الندب(1/88)
ابن احمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن (1) ثنا عبد الله ابن روح ثنا يزيد بن هارون ثنا حماد بن سلمة عن عبد الملك بن عمير عن عطية القرظى قال: (لما كان يوم قريظة جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنبت ضرب عنقه فكنت فيمن لم ينبت فعرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلى عنى (2)) * قال علي لا معنى لمن فرق بين أحكام الانبات، فأباح سفك الدم به في الاسراء (3) خاصة، جعله هنالك بلوغا ولم يجعله بلوغا في غير ذلك، لان من المحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحل دم من لم يبلغ مبلغ الرجال ويخرج عن الصبيان الذين قد صح نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلهم.
ومن الممتنع المحال أن يكون انسان واحد رجلا بالغا غير
رجل ولا بالغ معا في وقت واحد * وأما ظهور الماء في اليقظة الذى يكون منه المحل فيصير به الذكر أبا والانثى أما قبلوغ لا خلاف فيه من أحد.
وأما استكمال التسعة عشر عاما فاجماع متيقن، وأصله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد المدينة وفيها صبيان وشبان وكهول، فألزم الاحكام من خرج عن الصبا إلى الرجولة، ولم يلزمها الصبيان، ولم يكشف أحدا من كل من حواليه من الرجال: هل احتلمت يا فلان؟ وهل أشعرت؟ وهل أنزلت؟ وهل حضت يا فلانة؟ هذا أمر متيقن لا شك فيه، فصح يقينا أن ههنا سنا إذا بلغها الرجل أو المرأة فهما ممن ينزل أو ينبت أو يحيض، إلا أن يكون فيهما آفة تمنع من ذلك،
__________
(1) في اليمنية (ثنا محمد بن عبد الملك بن عمير عن أيمن) وهو خطأ فاحش واضح والصواب ما هنا، ومحمد هذا هو الحافظ الكبير الامام أبو عبد الله القرطبى (330 252) وترجمة في تذكرة الحفاظ (ج 3 ص 53) (2) الحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والطيالسي وقال الترمذي (حسن صحيح).
(3) في اللسان (الاسير المسجون والجمع أسراء وأسارى وأسارى وأسرى)(1/89)
كما بالاطلس (1) آفة منعته من اللحية، لولاها لكان من أهل اللحى (2) بلا شك، هذا أمر يعرف بما ذكرنا من التوقف وبضرورة الطبيعة الجارية في جميع أهل الارض ولا شك في أن من أكمل تسع عشرة سنة ودخل في عشرين سنة فقد فارق الصبا ولحق بالرجال لا يختلف اثنان من أهل كل ملة وبلدة في ذلك وان كانت به آفة منعته من إنزال المنى في أو نوم يقظة ومن إنبات الشعر ومن الحيض * وأما الحيض فحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا
أبو سعيد بن الاعرابي ثنا محمد بن الجارود القطان ثنا عفان بن مسلم ثنا حماد ابن زيد ثنا قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة حائض الا بخمار (3)) فأخبر عليه السلام أن الحائض تلزمها الاحكام، وأن صلاتها تقبل على صفة ما ولا تقبل على غيرها * وقال الشافعي: من استكمل خمس عشرة سنة فهو بالغ، واحتج بأن رسول الله
__________
(1) الاطلس من الذئاب الذي تساقط شعره وهو أخبث ما يكون (2) لحى بكسر اللام وضمها وفتح الحاء مقصور، جمع لحية (3) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
قال أبو داود: (رواه سعيد يعنى ابن أبى عروبه عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم).
وقال الحاكم: (حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وأظن انه لخلاف فيه عن قتادة) ثم رواه من طريق ابن أبي عروبة.
وكأنهما يشيران إلى تعليل الموصول بالمرسل.
وهو تعليل ضعيف فان الطريقين مختلفان وحماد بن سلمة الذي رواه عن قتادة موصولا ثقة امام حجة وقد أخطأ أبو محمد بن حزم هنا في ذكر حماد بن زيد عن قتادة، فان الحديث حديث حماد بن سلمة كما هو مصرح به في سنن الترمذي وابن ماجه وعلل الدارقطني، وكما يفهم من تصحيح الحاكم له على شرط مسلم لان حماد بن سلمة روى له مسلم ولم يرو له البخاري، وأما ابن زيد فانه روى له الشيخان ولو كان هو لكان الحديث على شرطهما في اصطلاح الحاكم *(1/90)
صلى الله عليه وسلم عرض عليه ابن عمر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه، وعرض عليه يوم الخندق هو ورافع بن خديج وهما ابنا خمس عشرة سنة فأجازهما
قال على: وهذا لا حجة له فيه لوجهين: أحدهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل إنى أجزتهما من أجل أنهما ابنا خمس عشرة سنة، فذ ذلك كذلك فلا يجوز لاحد أن يضيف إليه عليه السلام ما لم يخبر به عن نفسه (1)، وقد يمكن أن يجيزهما يوم الخندق لانه كان يوم حصار في المدينة نفسها، ينتفع فيه بالصبيان في رمى الحجارة وغير ذلك، ولم يجزه يوم أحد لانه كان يوم قتال بعدوا فيه عن المدينة فلا يحضره إلا اهل القوة والجلد.
والوجه الثاني أنه ليس في هذا الخبر أنهما في تلك الساعة أكملا معا خمسة عشر عاما لا بنص ولا بدليل كما قال الشافعي، ولا خلاف في أنه يقال في اللغة لمن بقى عليه من ستة عشر عاما الشهر والشهران: هذا ابن خمسة عشر عاما، فبطل التعلق بهذا الخبر جملة.
وبالله تعالى التوفيق * 120 مسألة وازالة النجاسة وكل ما أمر الله تعالى بازالته فهو فرض
__________
(1) الذي في كتب السير وتراجم الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم رد ابن عمر غزوة أحد وأجازه في الخندق كما هنا.
وأما رافع فقد رده يوم بدر وأجازه يوم أحد فشهدها، انظر الاصابة (ج 2 ص 186) وغيرها وقال ابن هشام في السيرة (560): (وأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سمرة بن حندب الفزاري ورافع بن خديج أخا بنى حارثة وهما ابنا خمس عشرة سنة وكان قد ردهما فقيل له يا رسول الله ان رافعا رام فأجازه فلما أجاز رافعا قيل له يا رسول الله فان سمرة يصرع رافعا فأجازه) وفي تاريخ الطبري (ج 3 ص 13) أنه أمرهما بالمصارعة فتصارعا فصرع سمرة رافعا فاجاز.
وفيه أيضا (ج 3 ص 12): (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استصغر رافعا فقام على خفين له فيهما رقاع وتطاول على أطراف أصابعه فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم أجازه).
وكل هذا يؤيد أن سبب الاجازة ليس البلوغ أو السن وإنما هو القوة والقدرة على مخاطر الحروب *(1/91)
هذه المسألة تنقسم أقساما كثيرة يجمعها أن كل شئ أمر الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتنابه أو جاء نص بتحريمه أو أمر كذلك بغسله أو مسحه، فكل ذلك فرض يعصى من خالفه، لما ذكرنا قبل من أن طاعته تعالى وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض.
وبالله تعالى التوفيق (1) * 121 مسألة فما كان في الخف أو النعل من دم أو خمر أو عذرة أو بول أو غير ذلك فتطهيرهما بأن يمسحا بالتراب حتى يزول الاثر ثم يصلى فيهما، فان غسلهما أجزأه إذا مسهما بالتراب قبل ذلك * برهان ذلك أن كل ما ذكرنا من الدم والخمر والعذرة والبول حرام، والحرام فرض اجتنابه لا خلاف في ذلك، حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن اسماعيل الصائغ ثنا سليمان بن حرب الواشحي (2) ثنا حماد بن سلمة عن أبي نعامة عن أبي نضرة عن أبى سعيد الخدرى قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى باصحابه فخلع نعليه فوضعهما عن يساره، فخلع القوم نعالهم، فلما سلم قال: لم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال: ان جبريل أتانى
__________
(1) يحتاج هنا إلى البحث في حكم الصلاة مع وجود النجاسة الحقيقية في الجسد أو الثوب أصحيحة هي أم باطلة.
أما الآيات والاحاديث فالحق أنها تدل على وجوب التطهر من النجاسات خلافا لمذهب مالك في أنه سنة.
ولكن هل هو شرط في صحة الصلاة والفرق واضح بين الفرض والواجب وبين الشرط يظهر لنا أن المؤلف رحمه الله يميل إلى القول بأنه شرط وهو ظاهر القول في المذاهب المعروفة ولكن أين الدليل على الشرطية؟ لم نر إلا أوامر فقط، والامر للوجوب، لا نخالف فيه، وأنما الشرطية لا تثبت إلا بدليل يدل على أن من صلى وثوبه أو بدنه نجس فصلاته باطل.
وهذا ما لم نجده قط بعد التتبع.
بل وجدنا الادلة متضافرة على صحة هذه الصلاة.
وانظر تحقيق ذلك فيما كتبناه على التحقيق لابن الجوزي في المسألة رقم 118 * (2) بالشين المعجمة والحاء المهملة، ونسبة إلى واشح وهم بطن من الازد من قبائل الغطاريف نزلوا البصرة(1/92)
فأخبرني أن فيهما قذرا.
قال عليه السلام إذا جاء أحدكم إلى الصلاة فلينظر إلى نعليه فان كان فهيما قذر أو أذى فليمسحه وليصل فيهما (1)) أبو نعامة هو عبد ربه السعدى، وأبو نضرة هو المنذر بن مالك العبدى (2) كلاهما ثقة * حدثنا عبد الله بن الربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم.
ثنا ابن الاعرابي ثنا ابو داود ثنا احمد بن ابراهيم حدثنى محمد بن كثير عن الاوزاعي عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبيه عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فمنن وطئ الا ذي بخفيه فطهورهما التراب) (3)
__________
(1) الحديث رواه أبو داود الطيالسي عن حماد بن سلمة ورواه الدارمي عن حجاج بن منهال وأبي النعمان عن حماد بن سلمة.
ورواه الحاكم في المستدرك من طريق يزيد بن هرون عن حماد بن سلمة، وكذلك رواه البيهقي من طريق حماد بن سلمة.
ورواه أبو داود السجستاني في سننه عن موسى بن اسمعيل المنقري التبوذكى عن حماد بن يزيد عن أبي نعامة.
وهذا في رأينا خطأ لاتفاق كل كل هؤلاء على أنه حماد بن سلمة، ولانه لم يذكر في التراجم رواية لحماد ابن زيد عن أبي نعامة بل الراوي عنه حماد بن سلمة وكذلك لم تذكر رواية لموسى بن اسمعيل عن حماد بن زيد بل هو يروى عن حماد بن سلمة.
ولعل الخطأ من أبي داود أو من رواة كتابه، وقد صحح الحاكم الحديث على شرط مسلم ووافقه الذهبي *
(2) أبو نضرة بفتح النون واسكان الضاد المعجمة.
والعبدي بالعين والباء والدال.
وفى هامش النسخة اليمنية هنا ما نصه: (في التقريب العوقى بفتح المهملة والواو ثم قاف انتهى وكأنه تصحف هنا على النساخ إلا أن الذي في الجامع لابن الاثير العبدي كما هنا فينظر).
وكلاهما صحيح فانه أبو نضرة العبدي ثم العوقى كما في تهذيب التهذيب، والعوقى بالعين المهملة والواو المفتوحتين وآخره قاف نسبة إلى العوقة بطن من عبد القيس ومحله من محال البصرة قال ابن السمعاني في (النسب) (يشبه أن تكون هذه القبيلة نزلت ذلك الموضع فنسب إليهم) وكذلك قال ياقوت * (3) في الاصلين بحذف (وطئ) وهو خطأ ولفظ ابي داود (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا وطئ الاذى بخفيه فطهورهما التراب).
والحديث(1/93)
قال على: وروينا عن عروة بن الزبير فيمن أصاب نعليه الروث، قال يمسحهما ولا يصلي فيهما، وعن الحسن البصري انه كان يمسح نعليه مسحا شديدا ويصلي فيهما، وهو قول الاوزاعي وأبى ثور وأبى سليمان (1) وأصحابنا قال علي: الغسل بالماء وغيره يقع عليه اسم مسح، تقول مسحت الشئ بالماء وبالدهن، فكل غسل مسح وليس كل مسح غسلا، ولكن الخبر الذى رويناه من طريق أبى داود ثنا احمد بن ابراهيم ثنا محمد بن كثير عن الاوزاعي عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبرى عن أبيه عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا وطئ أحدكم الاذى بخفه أو نعلم فليمسهما التراب) (2) وهذا زائدا على حديث أبى سعيد الخدرى في المسح بيانا وحكما، فواجب أن يضاف الزائد إلى الانقص حكما، فيكون ذلك استعمالا لجميع الآثار، لان من استعمل حديث أبى هريرة لم يخالف خبر أبى سعيد، ومن استعمل خبر أبى سعيد خالف خبر أبي هريرة وقال مالك والشافعي لا تجرئ ازالة النجاسة حيث كانت الا بالماء حاشا العذرة
في المقعدة خاصة والبول في الاحليل خاصة فيزالان بغير الماء، وهذا مكان تركوا في أكثره النصوص كما ذكرنا في هذا الباب وغيره، ولم يقيسوا سائر النجاسات على النجاسة في المقعدة والاحليل وهما أصل النجاسات.
قال على: وهذا خلاف لهذه النصوص المذكورة وللقياس * وقال أبو حنيفة: إذا أصاب الخف أو النعل روث فرس أو حمار أو أي روث كان فان كان أكثر من قدر الدرهم البغلى لم يجز أن يصلي به، وكذلك ان أصابهما عذرة انسان أو دم أو مني فان كان قدر الدرهم البغلى فأقل أجزأت الصلاة به، فان كان كل ما ذكرنا يابسا أجزأه أن يحكه فقط ثم يصلى به، وان كان شئ من ذلك رطبا لم تجزه
__________
رواه أيضا ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال (صحيح على شرط مسلم) وصححه النووي أيضا (1) في اليمنية (وأبي موسى) (2) لم أجد هذا اللفظ في سنن أبى داود(1/94)
الصلاة به الا أن يغسله بالماء، فان أصاب الخف بول انسان أو حمار أو مالا يؤكل لحمه فان كان أكثر من قدر الدرهم البغلى لم تجزه الصلاة به، ولم يجوزه فيه مسح أصلا، ولا بد من الغسل بالماء كان يابسا أو رطبا، فان كان قدر الدرهم البغلي فأقل جاز أن يصلي به وان لم يغسله ولا مسحه، قال: وأما بول افرس فالصلاة به جائزة ما لم يكن كثيرا فاحشا، وكذلك بول ما يؤكل لحمه، ولم يحد في الكثير الفاحش من ذلك حدا فان كان فيهما خرؤ مالا يؤكل لحمه من الطير أو ما يوكل لحمه منها وكان أكثر من قدر الدرهم فالصلاة به جائزة ما لم يكن كثيرا فاحشا، فان كان كل ذلك في الجسد لم تجز ازالته الا بالماء، وأما ما كان من ذلك في الثوب فتجزئ ازالته بالماء وغيره من المائعات كلها! وهذه أقوال ينبغى حمد الله تعالى على السلامة عند سماعها.
وبالله
تعالى التوفيق * وأعجب من ذلك انهم لم يتعلقوا بالنصوص الواردة في ذلك البتة، ولا قاسوا على شئ من النصوص في ذلك، ولا قاسوا النجاسة في الجسد على النجاسة في الجسد وهي العذرة في المخرج والبول في الاحليل، ولا قاسوا النجاسة في الثياب على الجسد، ولا تعلقوا في أقوالهم في ذلك بقول أحد من الامة قبلهم، ويسألون قبل كل شئ: أين وجدوا تغليظ بعض النجاسات وتخفيف بعضها؟ أفي قرآن أو سنة أو قياس! اللهم إلا أن الذى قد جاء في ازالته التغليظ قد خالفوه كالاناء يلغ فيه الكلب وكالعذرة فيما يستنجى فيه فقط * 122 مسألة وتطهير القبل والدبر من البول والغائط والدم من الرجل والمرأة لا يكون الا بالماء حتى يزول الاثر، أو بثلاثة أحجار متغايرة فان لم ينق فعلى الوتر أبدا يزيد كذلك حتى ينقى، لاأقل من ذلك، ولا يكون في شئ منها غائط أو بالتراب أو الرمل بلا عدد، ولكن ما أزال الاثر فقط على الوتر ولا بد، ولا يجزئ أحدا أن يستنجى بيمينه ولا وهو مستقبل القبلة، فان بدأ بمخرج البول أجزأت تلك الاحجار بأعيانها لمخرج الغائط، وان بدأ بمخرج الغائط لم يجزه من تلك الاحجار لمخرج البول إلا ما كان لا رجيع عليه فقط * حدثنثا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد(1/95)
ابن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثن محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا سفيان الثوري عن الاعمش ومنصور بن المعتمر كلاهما عن ابراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان الفارسى قال: (قال لنا المشركون: انى أرى صاحبكم يعلمكم كل شئ حتى (يعلمكم) (1) الخراءة فقال سلمان أجل، انه نهانا أن يستنجى أحدنا بيمينه أو يستقبل (2) القبلة ونهانا عن الروث والعظام، وقال:
لا يستنجي (3) أحدكم بدون ثلاثة أحجار) * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد ابن وضاح ثنا موسي بن معاوية ثنا وكيع بن الجراح عن الاعمش عن ابراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان الفارسي (ان بعض المشركين قال له: انى لارى صاحبكم يعلمكم حتى الخراءة قال أجل، أمرنا أن لا نستقبل القبلة، ولا نستنجي بأيماننا، ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيهن رجيع ولا عظم) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب ثنا اسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه ثنا أبو معاوية ثنا الاعمش عن ابراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان الفارسى قال: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو نستنجي بأيماننا أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار) * حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا احمد بن سعيد ثنا عبيد (4) الله بن يحيي بن يحيي ثنا أبى ثنا مالك عن ابن شهاب عن أبي ادريس الخولانى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وإذا استجمرت فأوتر) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عطاء بن أبى ميمونة
__________
(1) لفظ (يعلمكم) زدناه من صحيح مسلم ج 1 ص 88 (2) في الاصل (مستقبل) بالميم وصححناه من مسلم * (3) هكذا هو في الاصول وفى صحيح مسلم في جميع نسخه، وله وجه في العربية * (4) بالتصغير وفى النسخة المصرية بالتكبير وهو خطأ *(1/96)
سمع أنس بن مالك قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء (1) فأحمل أنا وغلام (2)
إدواة من ماء وعنزة يستنجى بالماء) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد ابن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا اسماعيل هو ابن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وجعلت لى الارض طهورا ومسجدا) ورويناه أيضا من طريق جابر مسندا * وقال أبو حنيفة ومالك بأي شئ استنجي دون عدد فأنقى أجزأه، وهذا خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لانه نهى أن يكتفى أحد بدون ثلاثة أحجار وأمر بالوتر في الاستجمار وما نعلم لهم متعلقا الا أنهم ذكروا اثرا فيه: ان عمر رضى الله عنه كان له عظم أو حجر يستنحي به ثم يتوضأ ويصلى، وهذا لا حجة فيه، لانه شك: اما حجر واما عظم، وقد خالفوا عمر في المسح على العمامة وغير ذلك، ولو صح لكان لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما وقد خالفه سلمان وغيره من الصحابة رضى الله عنهم، فأخبروا ان حكم الاستنجاء هو ما علمهم اياه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألا يكتفى بدون ثلاثة احجار) * فان قيل: امره عليه السلام بثلاثة احجار هو للغائط والبول معا، فوقع لكل واحد منهما اقل من ثلاثة احجار.
قلنا: هذا باطل لان النص قد ورد بأن لا نستنجي بأقل من ثلاثقة احجار ومسح البول لا يسمى استنجاء، فحصل النص في الاستنجاء والخراءة أن لا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار، وحصل النص مجملا في أن لا يجزئ
__________
(1) في النسخة المصرية (إذا دخل الخلاء) وما هنا هو الموافق لليمنية ولصحيح البخاري (ج 1 ص 28) * (2) في النسخة اليمنية (وأنا غلام) بتقديم الواو، وما هنا هو الموافق للمصرية وللبخاري(1/97)
أقل من ثلاثة أحجار على البول نفسه وعلى النجو (1) فصح ما قلناه * ومسح البول باليمين جائز، وكذلك مستقب القبلة، لانه لم ينه عن ذلك في البول، وانما نهى في الاستنجاء فقط * وقال الشافعي ثلاث مسحات بحجر واحد، وأجاز الاستنجاء بكل شئ حاشا العظم والروث والحممة (2) والقصب والجلود التى لم تدبغ، وهذا أيضا خلاف لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بألا يكتفى بأقل من ثلاثة أحجار * فان قالوا: قسنا على الاحجار، قلنا لهم: فقيسوا على التراب في التيمم ولا فرق.
* فان ذكروا حديثا رواه ابن أخى الزهري مسندا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تغوط أحدكم فليتمسح ثلاث مرات) * قيل: ابن أخي الزهري ضعيف والذي رواه عنه محمد بن يحيى الكنانى وهو مجهول (3) ولو صح لما كانت فيه حجة لانه ليس فيها أن تلك المسحات تكون بحجر واحد، فزيادة هذا لا تحل * وأما من قال: ان حديث (من استجمر فليوتر) معارض لحديث الثلاثة الاحجار.
قلنا هذا خطأ، بل كل حديث منها قائم بنفسه، فلا يجزئ من الاحجار
__________
(1) بفتح النون واسكان الجيم وهو العذرة * (2) بضم الحاء وبالميمين.
قال في اللسان.
(الحمم الفحم واحدته حممة.
والحمم الرماد والفحم وكل ما احترق من النار) وهو المراد هنا (3) هو أبو غسان محمد بن يحيى بن على بن عبد الحميد.
روى عنه كثير وذكره ابن حبان في الثقات وأخرج له البخاري.
قال ابن حجر: (قال الحافظ أبو بكر بن مفوز الشاطى كان أحد الثقات المشاهير يحمل الحديث والادب والتفسير ومن بيت علم ونباهة.
قلت: هذا الكلام راد على ابن حزم
في دعواه أن أبا غسان مجهول.
ولفظ ابن حزم: محمد بن يحيى الكنانى مجهول.
فلعله ظنه آخر) اه كلام ابن حجر وأما ابن أخى الزهري فهو محمد بن عبد الله ابن مسلم.
وهو ثقة روى له البخاري حديثين.
ومسلم استشهادا وكان في حفظه شئ وأنكروا عليه بعض أحاديث انفرد بها ليس هذا منها *(1/98)
الا ثلاثة لا رجيع فيها، ويجزئ من التراب الوتر، ولا يجزئ غير ذلك من كل ما لا يسمى أرضا الا الماء * فان كان على حجر نجاسة غير الرجيع أجزأ ما لم يأت عنه نهى (1).
وممن جاء عنه ألا يجزئ الا ثلاثة احجار سعيد بن المسيب والحسن وغيرهما * فان ذكر ذاكر حديثا رويناه من طريق ابن الحصين الحبراني عن ابى سعيد أو ابى سعد عن ابى هريرة مسندا: (من استجمر فليوتر من فعل فقد احسن ومن لا فلا حرج) فان ابن الحصين مجهول وابو سعيد أو ابو سعد الخير كذلك (2) *
__________
(1) هذا خلط من المؤلف أن لا يرى جواز الاستجمار بغير جنس الارض إذا كان طاهرا وهو يجيزه بحجر عليه نجاسة، فان المقصود للشارع التطهير والنظافة لا النجاسة والقذر.
رواه أبو داود في سننه عن ابراهيم بن موسى الرازي عن عيسى بن يونس عن ثور عن الحصين الحبرانى عن أبي سعيد عن أبي هريرة.
ورواه ابن ماجه عن محمد بن بشار وعبد الرحمن بن عمر عن عبد الملك بن الصباح عن ثور ابن يزيد عن حصين الحميري عن أبي سعيد الخير عن أبي هريرة.
وقال أبو داود بعد روايته: (رواه أبو عاصم عن ثور قال حصين الحميري.
ورواه عبد الملك ابن الصباح عن ثور فقال أبو سعيد الخير، قال أبو داود، أبو سعيد الخير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم).
والحبراني بضم الحاء المهملة واسكان الباء
الموحدة.
وحبران بطن من حمير.
وحصين هذا ذكره ابن حبان في الثقات وقال الذهبي لا يعرف.
وقد أخطأ المؤلف هنا في تسميته (ابن الحصين).
وأما أبو سعيد أو أبو سعد فقد اختلف فيه فظن بعضهم أنهما واحد والصحيح أن راوي هذا الحديث هو أبو سعيد الحبراني الحميري الحمصي وهو مجهول كما قال أبو زرعة.
قال حجر في التهذيب (الصواب التفريق بينهما فقد نص على كون أبى سعد الخير صحابيا البخاري وأبو حاتم وابن حبان والبغوي وابن قانع وجماعة.
وأما أبو سعيد الحبرانى فتابعي قطعا، وانما وهم بعض الرواة فقال في حديثه عن أبي سعد الخير ولعله تصحيف وحذف)(1/99)
فان ذكروا حديث ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (ابغني احجارا فأتيته بحجرين وروثة فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: انها ركس) فهذا لا حجة فيه لانه ليس في الحديث أنه عليه السلام اكتفى بالحجرين، وقد صح أمره عليه السلام له بأن يأتيه بأحجار، فالامر باق لازم لابد من إبقائه، وعلى أن هذا الحديث قد قيل فيه: ان أبا اسحاق دلسه، وقد رويناه من طريق أبى اسحاق عن علقمة وفيه: (ابغنى ثالثا (1)) * فان قيل: انما نهى عن العظم والروث لانهما زاد اخواننا من الجن.
قلنا: نعم فكان ماذا؟ بل هذا موجب أن المستنجي بأحدهما عاص مرتين: إحداهما خلافه نص الخبر، والثانى تقديره زاد من نهي عن تقذير زاده، والمعصية لا تجزئ بدل الطاعة، وممن قال لا يجزئ بالعظم ولا باليمين الشافعي وأبو سليمان وغيرهما * 123 مسألة وتطهير بول الذكر أي ذكر كان في اي شئ كان فبأن يرش الماء عليه رشا يزيل اثره، وبول الانثى يغسل، فان كان البول في الارض أي بول كان فبأن يصب الماء عليه صبا يزيل اثره فقط *
حدثنا احمد بن محمد بن الجسور ثنا احمد بن الفضل الدينوري (2) ثنا محمد ابن جرير ثنا عمرو بن على ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا يحيى بن الوليد عن محل (3)
__________
(1) رواية علقمة هذه رواها أحمد في المسند من طريق معمر عن أبي اسحق عن علقمة عن ابن مسعود في هذا الحديث وفيه: (فألقى الروثة وقال: انها ركس ائتني بحجر) ورجاله ثقات أثبات.
وانظر كلامنا تفصيلا على هذا الحديث في شرحنا للتحقيق لابن الجوزي في المسألة رقم 28 * (2) قال ابن الفرضي: (قدم الاندلس سنة 341 وكان يكتب كتابا ضعيفا لزم محمد بن جرير يعني الطبري وخدمه وتحقق به وسمع منه.
وكان عنده مناكير).
وقال أبو عبد الله محمد بن يحيى (لقد كان بمصر يلعب به الاحداث ويسرقون كتبه وما كان ممن يكتب عنه توفي في المحرم سنة 349) نقل ذلك ابن حجر في اللسان (3) بضم الميم وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام(1/100)
بن خليفة الطائي ثنا ابو السمح قال: (كنت اخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بحسن أو حسين فبال على صدره فدعا بماء فرشه عليه ثم قال عليه السلام: هكذا يصنع يرش من الذكر ويغسل من الانثى) (1) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف ثنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة عن ام قيس بنت محصن: (انها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم على حجره فبال على ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليه السلام بماء فنضحه ولم يغسله) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا
البخاري ثنا موسي بن اسماعيل ثنا همام هو ابن يحيى ثنا اسحاق هو ابن عبد الله بن أبى طلحة عن انس بن مالك: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى اعرابيا يبول في المسجد فدعا بماء فصبه عليه).
قال علي: ليس تحديد ذلك بأكل الصبي الطعام من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)، وممن فرق بين بول الغلام وبول الجارية ام سلمة ام المؤمنين وعلى بن
__________
(1) رواه أبو داود بلفظ (أتى بحسن أو حسين فبال على صدره فجئت أغسله فقال يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام) ورواه الحاكم في المستدرك بلفظ: (فأرادوا أن يغسلوه فقال رشوه رشا فانه يغسل بول الجارية ويرش بول الغلام) وصححه ووافقه الذهبي، ورواه أيضا البزار والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وقال البخاري (حديث حسن) وأبو السمح هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه.
قال أبو زرعة (لا أعرف اسمه ولا أعرف له غير هذا الحديث) (2) ولكنهم فقهوا ذلك من لفظه واشارته، فقد قال في حديث أبى السمح (الغلام) والرواية التى ذكرها المؤلف بلفظ (الذكر) فيها ضعف من قبل أحمد بن الفضل الدينورى، وقد روى أحمد والترمذي من حديث على بن ابى طالب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية(1/101)
ابى طالب، ولا مخالف لهما من الصحابة رضي الله عنهم، وبه يقول قتادة والزهري، وقال: مضت السنة بذلك، وعطاء بن ابى رباح والحسن البصري وابراهيم النخعي وسفيان الثوري والاوزاعي والشافعي واحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وابو ثور وداود بن على وابن وهب وغيرهم.
الا انه قد روى عن الحسن وسفيان التسوية بين بول الغلام والجارية في الرش عليهما جميعا.
وقال ابو حنيفة ومالك والحسن بن
حي: يسغل بول الصبى كبول الصبية، وما نعلم لهم متعلقا لا من قرآن ولا من سنة ولا من قول صاحب، نعم ولا عن احد من التابعين، الا ان بعض المتأخرين ذكر ذلك عن النخعي، والمشهور عنه خلاف ذلك، وقوله عن سعيد بن المسيب: الرش من الرش والصب من الصب من الابوال كلها، وهذا نصا (1) خلاف قولهم.
وبالله تعالى التوفيق * 124 مسألة وتطهير دم الحيض أو أي دم كان سواء دم سمك كان أو غيره إذا كان في الثوب أو الجسد فلا يكون الا بالماء، حاشا دم البراغيث ودم الجسد، فلا يلزم تطهيرهما إلا ما لا حرج في غسله على الانسان، فيطهر المرء ذلك حسب ما لا مشقة عليه فيه * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبى شبية وأبو كريب قالا جميعا ثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت (جاءت فاطمة بنت أبى حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله اني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال لا انما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) وهذا عموم منه صلى الله عليه
__________
يغسل) وحسنه الترمذي.
والمطلق يحمل على المقيد، وبخاصة للتشديد من الشارع في الاحتراز من البول والتوعد من أجله، فيجب أن نقتصر على ما ورد ولا نتوسع فيه (1) كذا في المصرية وفي اليمنية (أيضا)(1/102)
وسلم لنوع الدم (1) ولا نبالي بالسؤال إذا كان جوابه عليه السلام قائما بنفسه غير مردود بضمير إلى السؤال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا
البخاري ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان عن هشام بن عروة حدثتني فاطمة هي بنت المنذر بن الزبير عن أسماء هي ابنة أبى بكر الصديق قالت (أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت احدانا تحيض في الثوب كيف تصنع قال: تحته ثم تقرصه (2) بالماء وتنضحه وتصلى فيه).
ويستحب أن تستعمل في غسل المحيض شيئا من مسك، حدثنا عبد الرحمن ابن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا.
يحيى ثنا ابن عيينة عن منصور بن صفية عن أمه عن عائشة: (ان امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل قال: خذي فرصة من مسك (3) فتطهري
__________
(1) هنا بهامش اليمنية ما نصه (بل الاظهر أنه يريد دم الحيض.
واللام للعهد الذكرى الدال عليه ذكر الحيضة والسياق فهو كعود الضمير سواء فلا يتم قوله: وهذا عموم الخ) وهو استدراك واضح صحيح (2) قال ابن حجر في الفتح.
(بالفتح واسكان القاف وضم الراء والصاد المهملتين كذا في روايتنا.
وحكى القاضي عياض وغيره فيه الضم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة أي تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها ليتحلل بذلك ويخرج ما تشربه الثوب منه) (3) الفرصة بكسر الفاء ويجوز تثليثها قطعة من صوف أو قطن.
والمسك بكسر الميم معروف، وفي بعض نسخ البخاري بفتحها وتأوله الشراح كثيرا وكله تكلف والصواب الكسر، ويدل عليه ترجمة البخاري على الحديث بقوله (وتأخذ فرصة ممسكة) ثم رواه من طريق وهيب عن منصور بلفظ (خذي فرصة ممسكة) وهي الرواية التي أتى بها المؤلف هنا من صحيح مسلم.
والروايات يفسر بعضها بعضا(1/103)
بها قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: سبحان الله تطهري، فاجتبذتها إلى فقلت تتبعي بها أثر الدم (1) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد بن احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا احمد بن سعيد الدرامى ثنا حبان هو ابن هلال ثنا وهيب ثنا منصور هو ابن صفية عن أمه عن عائشة (ان امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أغتسل عند الطهر؟ فقال: خذي فرصة ممسكة فتوضئى بها) ثم ذكر نحو حديث سفيان * قال علي: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تتطهر بالفرصة المذكورة وهي القطعة وأن تتوضأ بها، وانما بعثه الله تعالى مبينا ومعلما، فلو كان ذلك فرضا لعلمها عليه السلام كيف تتوضأ بها أو كيف تتطهر، فلما لم يفعل كان ذلك غير واجب مع صحة الاجماع جيلا بعد جيل على ان ذلك ليس واجبا، فلم تزل النساء في كل بيت ودار على عهده صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يتطهرن من الحيض، فما قال أحد إن هذا فرض.
ويكفى من هذا كله أنه لم تسند هذه اللفظة الا من طريق ابراهيم بن مهاجر وهو ضعيف، ومن طريق منصور بن صفية وقد ضعف (2) وليس ممن بحتج بروايته (3) فسقط هذا الحكم جملة والحمد لله رب العالمين * وكل ما أمرنا الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم فيه بالتطهير أو الغسل فلا يكون الا بالماء أو بالتراب ان عدم الماء، الا أن يأتي نص بأنه بغير الماء فنقف عنده، لما حدثناه عبد
__________
(1) الرواية في الاصلين.
(خذي فرصة من مسك فتطهري بها قلت كيف أتطهر قال تطهري بها قلت كيف أتطهر قال سبحان الله تطهري) الخ والذي أخذناه هنا هو رواية البخاري في الصحيح فلعل المؤلف رواه من حفظه فأخطأ فيه (2) في اليمنية (وهو ضعيف ليس) الخ (3) أما ابراهيم بن المهاجر فروايته في صحيح مسلم وهو ثقة لا بأس به
وثقة ابن سعد وقال ابن حبان هو كثير الخطأ.
واما منصور بن صفية فأبوه عبد الرحمن بن طلحة الحجبي وأمه صفية بنت شيبة وهو ثقة روى له الشيخان كما ترى، ولم أجد أحدا ضعفه قبل ابن حزم ولا أرى له حجة في هذا(1/104)
الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبى شيبة وأبو كريب قال أبو بكر ثنا محمد بن فضيل عن أبي مالك الاشجعي، وقال أبو كريب ثنا ابن أبى زائدة هو يحيى بن زكريا عن أبى مالك هو سعد بن طارق عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((فضلنا على الناس بثلاث) فذكر فيها (وجعلت لن الارض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء) ولا شك في أن كل غسل مأمور به في الدين فهو تطهر وليس كل تطهر غسلا.
فصح انه لا طهر الا بالماء أو بالتراب عند عدم الماء * وقال أبو حنيفة: دم السمك كثر أو قل لا ينجس الثوب ولا الجسد ولا الماء، ودم البرغبث والبق كذلك، وأما سائر الدماء كلها فان قليلها وكثيرها يفسد الماء، وأما في الثوب والجسد: فان كان في أحدهما منه مقدار الدرهم البغلي فأقل فلا ينجس ويصلي به وما كان منه أكثر من قدر الدرهم البغلي فانه ينجس وتبطل به الصلاة، فان كان في الجسد فلا يزال الا بالماء، وإذا كان في الثوب فانه يزال بالماء وبأى شئ أزاله من غير الماء، فان كان في خف أو نعل فان كان يابسا أجزأ فيه الحك فقط، وان كان رطبا لم يجزئ الا الغسل بأى شئ غسل * وقال مالك: ازالة ذلك كله ليس فرضا، ولا يزال الا بالماء.
وقال الشافعي: ازالته فرض ولا يزال الا بالماء * قال على: قال الله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال تعالى:
(لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقال تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وبالضرورة ندري انه لا يمكن الانفكاك من دم البراغيث ولا من دم الجسد، فإذ ذلك كذلك فلا يلزم من غسله الا مالا حرج فيه ولا عسر مما هو في الوسع * وفرق بعضهم بين دم ماله نفس سائلة ودم ما ليس له نفس سائلة، وهذا خطأ لانه قول لم يأت به قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا قول صاحب ولا قياس * وفرق بعضهم بين الدم المسفوح وغير المسفوح، وتعلقوا بقوله تعالى (أو دما مسفوحا)(1/105)
وقد قال تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) فعم تعالى كل دم وكل يمتة، فكان هذا شرعا زائدا على الآية الاخرى، ولم يخص تعالى من تحريم الميتة ما لها نفس سائلة مما لا نفس سائلة لها * وتعلق بعضهم في الدرهم البغلي بحديث ساقط، ثم لو صح لكان عليهم، لان فيه الاعادة من قدر الدرهم، بخلاف قولهم.
وقال بعضهم: قيس على الدبر، فقيل لهم: فهلا قستموه على حرف الاحليل ومخرج البول وحكمهما في الاستنجاء سواء، وقد تركوا قياسهم هذا إذ لم يروا ازالة ذلك من الجسد بما يزال به من الدبر.
وأما من لم ير غسل ذلك فرضا فالسنن التي أوردناها مخالفة لقوله.
وبالله تعالى التوفيق.
125 مسألة والمذى تطهيره بالماء يغسل مخرجه من الذكر وينضح بالماء ما مس منه الثوب.
قال مالك يغسل الذكر كله * حدثنا احمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عبد الله بن أبى دليم ثنا ابن وضاح ثنا يحيى بن يحيى ثنا مالك عن أبى النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الاسود (ان على بن أبى طالب أمره أن يسأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من امرأته فخرج منه المذى (1)، قال فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه (بالماء) (2) وليتوضأ وضوءه للصلاة
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن مفرج ثنا ابن السكن ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو الوليد هو الطيالسي ثنا زائدة عن أبى حصين عن أبى عبد الرحمن السلمى عن على بن أبى طالب قال: (كنت رجلا مذاء فأمرت رجلا يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته فسأل فقال: توضأ واغسل ذكرك) * حدثنا حمام بن احمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا
__________
(1) في الموطأ ص (14): (إذا دنا من أهله فخرج منه المذى ماذا عليه؟ قال على: فان عندي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أستحيي أن أسأله، قال المقداد: فسألت) الخ (2) الزيادة من الموطأ، وفي اليمنية (فليغسل ذكره) وما هنا هو الموافق للموطأ(1/106)
بكر بن حماد ومحمد بن وضاح قال بكر ثنا مسدد ثنا حماد بن زيد، وقال ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا اسماعيل بن علية ويزيد بن هرون، ثم اتفق حماد واسماعيل ويزيد كلهم عن محمد بن اسحاق ثنا سعيد بن عبيد بن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف قال حماد في حديثه (كنت ألقى من المذى شدة فكنت أكثر الغسل منه) ثم اتفقوا كلهم قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي فقال: يكفيك منه الوضوء، قلت: أرأيت ما يصيب ثوبي منه؟ قال: يأخذ كفا من ماء فتنضح ثوبك حيث ترى أنه أصابه) (1) قال على: غسل مخرج المذى من الذكر يقع عليه اسم غسل الذكر، كما يقول القائل إذا غسله: غسلت ذكري من البول، فزيادة ايجاب غسل كله شرع لا دليل عليه، وقال بعضهم: في ذلك تقليص (2) فيقال له: فعانوا ذلك بالقوابض من العقاقير اذن فهو أبلغ *
وهذا الخبر يرد على أبى حنيفة قوله: ان النجاسات لا تزال من الجسد الا بالماء وتزال من الثياب بغير الماء.
فان تعلقوا بأن عائشة رضى الله عنها كانت تجيز إزالة دم الحيض من الثوب بالريق، قيل لهم فان ابن عمر كان يجيز مسح الدم من المحاجم بالحصاة دون غسل، ولا حجة إلا فيما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم * 126 مسألة وتطهير الاناء إذا كان لكتابي من كل ما يجب تطهيره منه بالماء وعلى كل حال إذا لم يجد غيرها سواء علمنا فيه نجاسة أو لم نعلم بالماء، فان كان اناء مسلم فهو طاهر، فان تيقن فيه ما يلزم اجتنابه فبأي شئ أزاله كائنا ما كان من
__________
(1) رواه أيضا أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة.
قال الترمذي (هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه الا من حديث محمد بن اسحاق في المذى مثل هذا.
وقد اختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب.
فقال بعضهم لا يجزئ الا الغسل، وهو قول الشافعي واسحاق، وقال بعضهم: يجزئه النضح، وقال احمد أرجو أن يجزئه النضح بالماء) ج 1 ص 24.
وفي اسناد الحديث محمد بن اسحاق وهو قد يدلس ولكنه صرح بالتحديث فهو اذن حجة (2) هذا القائل هو الطحاوي(1/107)
الطاهرات الا أن يكون لحم حمار أهلى أو ودكه أو شحمه أو شيئا منه فلا يجوز أن يطهر الا بالماء ولا بد * حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث ثنا أبو عيسى بن أبي عيسى ثنا احمد بن خالد ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبى شيبة عن محمد بن بشر ثنا سعيد بن أبى عروبة عن أيوب السختيانى عن أبى قلابة عن أبي ثعلبة الخشنى أنه قال: (يا نبى الله انا بأرض أهلها اهل كتاب تحتاج فيه إلى قدورهم وآنيتهم، فقال عليه السلام: لا تقربوها ما وجدتم بدا، فإذا لم تجدوا بدا فاغسلوها بالماء واطبخوا واشربوا (1) *
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عباد وقتيبة قالا ثنا حاتم هو ابن اسماعيل عن يزيد بن ابي عبيد عن سلمة بن الا كوع قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر (ثم ان الله تعالى فتحها عليهم) (2) فلما أمسى الناس (مساء) (3) اليوم الذى فتحت عليهم أو قدوا نيرانا كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذه النيران على أي شئ توقدون؟ قالوا: على لحم قال: (على) (4) أي لحم؟ قالوا (على) (4) لحم الحمر الانسية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهريقوها واكسروها فقال رجل: يا رسول الله أو نهريقها ونغسلها قال: أو ذاك)) *
__________
(1) رواه أيضا البخاري ومسلم وغيرهما بمعناه (2) هذه الجملة ليست من لفظ الحديث في صحيح مسلم وانما هي من المؤلف اختصارا لقصة الفتح (3) زيادة من مسلم (4) لفظ (على) في الموضعين لم يوجد في صحيح مسلم (5) الذي في مسلم (فقال رجل أو يهريقوها ويغسلوها) وفى شرحه المطبوع بهامشه في الاستانة: هكذا رواية مسلم بالجزم أي وليهريقوها ويغسلوها، فالفعل مجزوم بلام الامر المحذوفة عند القائلين بجواز حذفها مطردا في نحو قولك: قل له يفعل، وقول الشاعر محمد تفد نفسك كل نفس أي لتفد(1/108)
قال علي: قد قدمنا أن كل غسل أمر به في الدين فهو تطهير، وكل تطهير فلا يكون إلا بالماء.
وبالله تعالى التوفيق * ولا يجوز أن يقاس تطهير الاناء من غير ما ذكرنا من الحمر الاهلية على تطهيره
من لحوم الحمر لان النصوص اختلفت في تطهير الآنية من الكلب ومن لحم الحمار فليس القياس على بعضها أولى من القياس على بعض، لو كان القياس حثا، ولا يجوز أن يضاف إلى ما حكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يحكم، لانه يكون قولا عليه ما لم يقل، أو شرعا في الدين ما لم يأذن به الله تعالى.
والوقوف عند اوامره عليه السلام اولى من الوقوف عند الدرهم البغلي، وتلك الفروق الفاسدة وبالله تعالى التوفيق * 127 مسألة فان ولغ في الاناء كلب أي اناء كان واى كلب كان كلب صيده أو غيره صغيرا أو كبيرا فلفرض اهراق ما في ذلك الاناء كائنا ما كان ثم يغسل بالماء سبع مرات ولا بد اولاهن بالتراب مع الماء ولا بد، وذلك الماء الذى يطهر به الاناء طاهر حلال، فان اكل الكلب في الاناء ولم يلغ فيه أو أدخل رجله أو ذنبه أو وقع بكله فيه لم يلزم غسل الاناء ولا هرق ما فيه البتة وهو حلال طاهر كله كما كان، وكذلك لو ولغ الكب في بقعة في الارض أو في يد انسان أو في مالا يسمى اناء فلا يلزم غسل شئ من ذلك ولا هرق ما فيه والولوغ هو الشرب فقط (1) فلو مس
__________
حتى جعلوا منه قوله تعالى (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا) أي ليقيموا وينفقوا.
أو هو مجزوم لوقوعه في جواب أمر محذوف تقديره أو قل لهم أهريقوها واغسلوها يهريقوها ويغسلوها اه (1) كل هذا تغال ومبالغة في التمسك بالظاهر بدون نظر إلى معاني الشريعة وما يتفق مع المعقول.
فما حرم الله شيئا الا وهو قذر مؤذ، ولا حكم بنجاسة شئ الا وكان مما تتجنبه الطباع النقية.
وازالة النجاسات واجب معقول المعنى فمن العجيب اذن أن يفرق ابن حزم بين أكل الكلب من الاناء وبين شربه! بل الاعجب أن يفرق بين الشرب وبين وقوع الكلب كله في الاناء! والكلب قذر بكل حال، وقد ثبت من الطب الحديث أنه يحمل كثيرا من الامراض(1/109)
لعاب الكلب أو عرقه الجسد أو الثوب أو الاناء أو متاعا ما أو الصيد ففرض ازالة ذلك بما أزاله ماء كان أو غيره، ولا بد من كل ما ذكرنا الا من الثوب فلا يزال الا بالماء * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد ابن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا على بن حجر السعدى ثنا على بن مسهر أنا الاعمش عن ابى رزين وابى صالح عن ابى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في اناء احدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرار) * وبه إلى مسلم ثنا زهير بن حرب ثنا اسماعيل بن ابراهيم عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن ابى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(طهور إناء احدكم إذا ولغ فيه الكلب ان يغسله مرات اولاهن بالتراب)) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا شعبة ثنا أبوالتياح عن مطرف ابن عبد الله بن الشخير عن ابن مغفل قال: (أمر (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم قال: ما لهم ولها؟ فرخص في كلب الصيد و (في) (2) كلب الغنم وقال عليه السلام: إذا ولغ الكلب في الاناء فاغسلوه سبع مرات والثامنة عفروه بالتراب) (3) قال على: فأمر عليه السلام بهرق ما في الاناء إذا ولغ فيه الكلب، ولم يخص شيئا من شئ: ولم يأمر عليه السلام باجتناب ما ولغ فيه في غير الاناء، بلا نهى عن اضاعة المال، وقد جاء هذا الخبر بروايات شتى، في بعضها: (والسابعة بالتراب) وفى بعضها: (احداهن بالتراب)) وكل ذلك لا يختلف معناه، لان الاولى هي بلا
__________
الخبيثة ينقلها للانسان، والتوقي منه ضروري، وهذا مصدق لما نفهم من معاني الشريعة في هذا الباب.
والنظافة من الايمان
(1) الذي في أبي داود (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر) الخ (2) زيادة من أبي داود (3) رواه أيضا مسلم والنسائي وابن ماجه(1/110)
شك احدى الغسلات، وفي لفظة (الاولى) بيان أيتهن هي، فمن جعل التراب في أولاهن فقد جعله في احداهن بلا شك واستعمل اللفظتين معا، ومن جعله في غير اولاهن فقد خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يكون ذلك في أولاهن وهذا لا يحل، ولا شك ندري أن تعفيره بالتراب في أولاهن تطهير ثامن إلى السبع غسلات، وان تلك الغسلة سابقة لسائرهن إذا جمعن، وبهذا تصح الطاعة لجميع ألفاظه عليه السلام المأثورة في هذا الخبر، ولا يجزئ بدل التراب غيره، لانه تعد لحد رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) والماء الذى يسغل به الاناء طاهر، لانه لم يأت نص باجتنابه، ولا شريعة الا ما أخبرنا بها عليه السلام، وما عدا ذلك فهو مما لم يأذن الله تعالى به، والماء حلال شربه طاهر فلا يحرم الا بأمر منه عليه السلام (2) وأما ما أكل فيه الكلب أو وقع فيه أو دخل فيه بعض أعضائه فلا غسل في ذلك ولا هرق لانه حلال طاهر قبل ذلك بيقين ان كان مما أباحه الله تعالى من المطاعم والمشارب وسائر المباحات فلا ينتقل إلى التحريم والتنجيس الا بنص لا بدعوى * وأما وجوب ازالة لعاب الكلب وعرقه في أي شئ كان فلان الله تعالى حرم كل ذى ناب من السباع، والكلب ذو ناب من السباع، فهو حرام، وبعض الحرام حرام بلا شك، ولعابه وعرقه بعضه فهما حرام، والحرام فرض ازالته واجتنابه (3)
__________
(1) ثبت في الطب ان بعض ما في لعاب الكلب من الامراض لا علاج له
الا الدلك بالتراب (2) معاذ الله ان يكون هذا الماء طاهرا وهو مما دل قوله صلى الله عليه وسلم (طهور اناء أحدكم) على نجاسته بمعناه الظاهر الذى لا يحتاج إلى تأويل وهو ماء قذر مستنكر (3) اذن أفليس ما أكل منه الكلب من طعام أو وقع فيه من شراب أو دخل فيه بعض أعضائه بقى فيه شئ من لعابه أو عرقه أو نتنه ويحرم تناوله وتجب اراقته لذلك؟ اللهم غفرا(1/111)
ولم يجز أن يزال من الثوب الا بالماء لقول الله تعالى (وثيابك فطهر) وقد قلنا ان التطهير لا يكون الا بالماء وبالتراب عند عدم الماء * وممن قال بقولنا في غسل ما ولغ فيه الكلب سبعا أبو هريرة، كما حدثنا بونس ابن عبد الله ثنا أبو بكر بن احمد بن خالد ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا اسماعيل هو ابن علية عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة قال: إذا ولغ الكلب في الاناء غسل سبع مرات أولاهن أو احداهن بالتراب والهرمرة، وروينا عن الحسن البصري: إذا ولغ الكلب في الاناء أهرقه واغلسه سبع مرات، وبه يقول ابن عباس وعروة بن الزبير وطاوس وعمرو ابن دينار، وقال الاوزاعي: ان ولغ الكب في اناء فيه عشرة أقساط (1) لبن يهرق كله ويغسل الاناء سبع مرات احداهن بالتراب، فان ولغ في ماء في بقعة صغيرة مقدار ما يتوضأ به انسان فهو طاهر، ويتوضأ بذلك الماء ويغسل لعاب الكلب من الثوب ومن الصيد * قال على ك قول الاوزاعي هو نفس قولنا، وبهذا يقول يعنى غسل الاناء من ولوغ الكلب سبعا احداهن بالتراب احمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وأبو
عبيد وأبو ثور وداود وجملة أصحاب الحديث * وقال الشافعي كذلك إلا انه قال: ان كان الماء في الاناء خمسمائة رطل لم يهرق لولوغ الكلب فيه، ورأى هرق ما عدا الماء وان كثر، ورأى أن يغسل من ولوغ الخنزير في الاناء سبعا كما يغسل من الكلب، ولم ير ذلك في ولوغ شئ من السباع ولا غير الخنزير أصلا * قال على: وهذا خطأ لان عموم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الامر بهرقه أولى أن يتبع، واما قياس الخنزير على الكلب فخطأ ظاهر لو كان القياس حقا لان الكلب بعض السباع
__________
(1) في اللسان (كل مقدار فهو قسط في الماء وغيره) وفيه أيضا (والقسط الكوز عند أهل الامصار والقسط مكيال وهو نصف صاع، والفرق ستة أقساط.
والمبرد: القسط أربعمائة واحد وثمانون درهما)(1/112)
لم يحرم إلا بعموم تحريم لحوم السباع فقط، فكان قياس السباع وما ولغت فيه على الكلب الذى هو بعضها والتى يجوز أكل صيدها إذا علمت: أولى من قياس الخنزير على الكلب، وكما لم يجز أن يقاس الخنزير على الكلب في جواز اتخاذه وأكل صيده، فكذلك لا يجوز أن يقاس الخنزير على الكلب في عدد غسل الاناء من ولوغه، فكيف والقياس كله باطل * وقال مالك في بعض أقواله: يتوضأ بذلك الماء وتردد (1) في غسل الاناء سبع مرات، فمرة لم يره ومرة رآه، وقال في قول له آخر: يهرق الماء ويغسل الاناء سبع مرات، فان كان لبنا لم يهرق ولكن يغسل الاناء سبع مرات ويؤكل ما فيه، ومرة قال: يهرق كل ذلك ويغسل الاناء سبع مرات * قال على: هذه تفاريق ظاهرة الخطأ.
لا النص اتبع في بعضها، ولا القياس اطرد فيها، ولا قول أحد من الصحابة أو التابعين رضى الله عنهم قلد فيها *
وروى عنه أنه قال: اني لاراه عظيما أن يعمد إلى رزق من رزق الله فيهرق من أجل كلب ولغ فيه * قال على فيقال لمن احتج بهذا القول: أعظم من ذلك أن تخالف أمر الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بهرقه.
وأعظم مما استعظمتموه أن يعمد إلى رزق من رزق الله فيهرق من أجل عصفور مات فيه بغير أمر من الله بهرقه.
فان قالوا: العصفور الميت حرام، قلنا: نعم لم نخالفكم في هذا، ولكن المائع الذى مات فيه حلال، فتحريمكم الحلال من أجل مماسته الحرام هو الباطل، إلا أن يأمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطاع أمره، ولا يتعدى حده، ولا يضاف إليه ما لم يقل * وقال أبو حنيفة: يهرق كل ملولغ فيه الكلب أي شئ كان كثر أم قل، ومن توضأ بذلك الماء أعاد الوضوء والصلوات أبدا، ولا يغسل الاناء منه إلا مرة *
__________
(1) في اليمنية (وترجح) وفي المصرية (ويرجح) وكلاهما فيما نظن خطأ نرجح ان صوابه (وتردد) كما يقضى السياق(1/113)
قال على: وهذا قول لا يحفظ عن أحد من الصحابة ولا من التابعين، إلا أننا روينا عن ابراهيم أنه قال فيما ولغ فيه الكلب: اغسله، وقال مرة: اغسله حتى تنقيه، ولم يذكر تحديدا.
وهو قول مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التى أوردنا، وكفى بهذا خطأ * واحتج له بعض مقلديه بأن قال: إن أبا هريرة وهو أحد من روى هذا الخبر قد روى عنه أنه خالفه * قال على: فيقال له: هذا باطل من وجوه، أحدها: انه انما روى ذلك الخبر الساقط عبد السلام بن حرب وهو ضعيف، ولا مجاهرة أقبح من الاعتراض على ما رواه عن أبى هريرة ابن علية عن أيوب عن ابن سيرين النجوم الثواقب بمثل
رواية عبد السلام بن حرب (1)، وثانيها: أن رواية عبد السلام على
__________
(1) أثر أبي هريرة رواه الطحاوي في معاني الآثار (ج 1 ص 13) من طريق عبد السلام بن حرب عن عبد الملك هو ابن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة، ورواه الدارقطني في سننه (ص 24 و 25) منطريق اسحق الازرق وابن فضيل عن عبد الملك، فبرأ عبد السلام بن حرب من التفرد به، وعبد السلام ثقة روى له الشيخان، وانما حكم حفاظ الحديث بالخطأ فيه على عبد الملك بن أبي سليمان، قال الدارقطني: (لم يروه هكذا غير عبد الملك عن عطاء) وقال البيهقى في سننه الكبرى (1: 242) (وقد روى حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة فتواه بالسبع كما رواه، وفي ذلك دلالة على خطأ رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة في الثلاث، وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف فيه الثقات) وقال ابن حجر في الفتح: (ثبت انه يعني أبا هريرة أفتى بالغسل سبعا، ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرصح من رواية من روى عنه مخالفتها، من حيث الاسناد ومن حيث النظر، أما النظر فظاهر، وأما الاسناد فالموافقة وردت من رواية خماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه، وهذا من أصح الاسانيد، وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء(1/114)
نحسها (1) انما فيها أنه يغسل الاناء ثلاث مرات، فايحصلوا إلا على خلاف السنة وخلاف ما اعترضوا به عن أبى هريرة، فلا النبي صلى الله عليه وسلم اتبعوا، ولا أبا هريرة الذى احتجوا به قلدوا.
وثالثا: أنه لو صح ذلك عن أبى هريرة لما حل أن يعترض بذلك على ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، لان الحجة إنما هي في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في قول أحد سواه (2)، لان الصاحب قد ينسى ما روى وقد يتأول فيه، والواجب إذا وجد مثل هذا ان يضعف ما روى عن الصاحب من قوله، وأن يغلب عليه ما روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم، لا أن نضعف ما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم ونغلب عليه ما روى عن الصاحب، فهذا هو الباطل الذى لا يحل، ورابعها: أنه حتى لو صح عن أبي هريرة خلاف ما روى ومعاذ الله من ذلك فقد رواه من الصحابة غير أبى هريرة وهو ابن مغفل ولم يخالف ما روى وقال بعضهم: انما كان هذا إذ أمر بقتل الكلاب، فلما نهى عن قتلها نسخ ذلك قال على: وهذا كذب بحث لوجهين، أحدهما: لانه دعوى فاضحة بلا دليل، وقفو ما لا علم لقائله به، وهذا حرام.
والثانى: أن ابن مغفل روى النهي عن قتل الكلاب والامر بغسل الاناء منها سبعا في خبر واحد معا، وقد ذكرناه قبل.
وأيضا: فان الامر بقتل الكلاب كان في أول الهجرة، وإنما روى غسل الاناء منها سبعا أبو هريرة وابن مغفل، وإسلامهما متأخر * وقال بعضهم: كان الامر بغسل الاناء سبعا على وجه التغليظ.
قال على: يقال لهم: أبحق أمر النبي عليه السلام في ذلك وبما تلزم طاعته فيه أم أمر بباطل وبما لا مؤونة في معصيته في ذلك؟ فان قالوا: بحق وبما تلزم طاعته فيه، فقد أسقطوا شغبهم بذكر التغليظ.
وأما القول الآخر فالقول به كفر مجرد لا يقوله مسلم *
__________
عنه، وهو دون الاول في القوة بكثير)، وعبد الملك ثقة ثبت حجة أخرج له مسلم، وانما أنكروا عليه تفرده عن عطاء بخبر الشفعة للجار، وما هذا بقادح في صحة روايته، ولعله أخطأ أو نسى أبو هريرة حين أفتى بالثلاث.
(1) في اليمنية (تحسينها) (2) في اليمنية (غيره)(1/115)
وقال بعضهم: قد جاء أثر بأنه إنما أمر بقتلها لانها كانت تروع المؤمنين.
قيل له: لسنا في قتلها! إنما نحن في غسل الاناء من ولوغها، مع أن ذلك الاثر ليس فيه
إلا ذكر قتلها فقط، وهو أيضا موضوع لانه من رواية الحسين بن عبيد الله العجلى (1) وهو ساقط * وشغب بعضهم فذكر الحديث الذى فيه المغفرة للبغي التى سقت الكلب بخفها قال على: وهذا عجب جدا، لان ذلك الخبر كان في غيرنا، ولا تلزمنا شريعة من قبلنا.
وأيضا: فمن لهم ان ذلك الخف شرب فيه ما بعد ذلك، وانه لم يغسل، وأن تلك البغى عرفت سنة غسل الاناء من ولوغ الكلب؟ ولم تكن تلك البغي نبية فيحتج بفعلها، وهذا كله دفع باراح، وخبط يجب أن يستحى منه * ويجزئ غسل من غسله وان كان غير صاحبه، لقوله عليه السلام: (فاغسلوه) فهو أمر عام * قال على: فان أنكروا علينا التفريق بين ما ولغ الكلب فيه وبين ما أكل فيه أو وقع فيه أو أدخل فيه عضوا من أعضائه غير لسانه قلنا لهم: لا نكرة على من قال ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل ما لم يقل عليه السلام ولم يخالف ما أمره به نبيه عليه السلام، ولا شرع ما لم يشرعه لعيه السلام في الدين، وانما النكرة على من أبطل الصلاة بما زاد على الدرهم البغلى في الثوب من دم الدجاج فأبطل به الصلاة، ولم يبطل الصلاة بثوب غمس في دم السمك، ومن أبطل الصلاة بقدر الدرهم البغلى في الثوب من خرء الدجاج وروث الخيل، ولم يبطلها بأقل من ربع الثوب من بول الخيل وخرء الغراب، وعلى من أراق الماء يلغ فيه الكلب، ولم يرق اللبن إذا ولغ فيه الكلب، وعلى من أمر بهرق خمسمائة رطل غير أوقية من ماء وقع فيه درهم من لعاب كلب، فان وقع فيه رطل من لعاب الكلب كان طاهرا لا يراق منه شئ (2) فهذه
__________
(1) الحسين هذا قال الدارقطني: كان يضع الحديث.
(2) الكلام هنا ناقص سقط منه شئ ويظهر ان صوابه: فان كان خمسمائة رطل ووقع فيه رطل من لعاب الكلب.
الخ لانه يريد بهذا الرد على الشافعية
الذين يذهبون إلى أن الماء لا ينجس إذا كان قلتين، وفسروهما بخمسمائة رطل.(1/116)
هي النكرات حقا لا ما قلنا.
وبالله تعالى نتأيد * 128 مسألة فان ولغ في الاناء الهر لم يهرق ما فيه، لكن يؤكل أو يشرب أو يستعمل ثم يغسل الاناء بالماء مرة واحدة فقط، ولا يلزم إزالة لعابه مما عدا الاناع والثوب بالماء لكن بما أزاله ومن الثوب بالماء فقط * حدثنا احمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكى ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت ثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا عمرو بن على الصيرفي ثنا أبو عاصم الضحاك ابن مخلد ثنا قرة بن خالد عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ولغ الكلب في الاناء فاغسله سبع مرات والهرمرة (1)) حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ثنا زيد بن الحباب ثنا مالك بن أنس أخبرني اسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة الانصاري عن حميدة بنت عبيد بن رافع (2) عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ولد أبى قتادة: (أنها صبت لابي قتادة ماء يتوضأ به، فجاءت هرة تشرت فأصغى لها الاناء فجعلت أنظر، فقال: أتعجبين يا ابنة أخى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انها ليست بنجس انما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات (3)) قال على: فوجب غسل الاناء ولم يجب اهراق ما فيه، لانه لم ينجس، ووجب
__________
(1) هذا الحديث رواه أيضا الترمذي والدار قطني والحاكم وغيرهم، وقد رجح حفاظ الحديث أن قوله (والهرمرة) موقوف من كلام أبي هريرة، وأوضحنا ذلك فيما علقناه على التحقيق في المسألة رقم 16 (2) حميدة بضم الحاء بنت عبيد بضم العين بن رفاعة بن رافع بن مالك الانصاري.
وأخطأ يحيى الليثي في روايته الموطأ عن مالك فقال
(حميدة بفتح الحاء بنت أبي عبيدة بن فروة) (3) رواه أيضا الشافعي واحمد والدارمى وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدار قطني وصححه البخاري والعقيلي والدار قطني والبيهقي والحاكم ووافقه الذهبي، وقال الترمذي (حديث حسن صحيح).(1/117)
غسل لعابه من الثوب، لان الهر ذوناب من السباع فهو حرام، وبعض الحرام حرام، وليس كل حرام نجسا، ولا نجس الا ما سماه الله تعالى أو رسوله نجسا، والحرير والذهب حرام على الرجال وليسا بنجسين، وقال الله تعالى: (وثيابكم فطهر).
وقال أبو حنيفة: يهرق ما ولغ فيه الهر ولا يجزئ الوضوء به، ويغسل الاناء مرة (1)، وهذا خلاف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أبى قتادة.
وقال مالك والشافعي: يتوضأ بما ولغ فيه الهر ولا يغسل منه الاناء.
وهذا خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة.
وممن أمر بغسل الاناء من ولوغ الهر أبو هريرة وسعيد بن المسيب والحسن البصري وطاوس وعطاء، الا أن طاوسا وعطاء جعلاه بمنزلة ما ولغ فيه الكلب.
وممن أباح أن يستعمل ما ولغ فيه الهر أبو قتادة وابن عباس وأبو هريرة وأم سلمة وعلى وابن عمر باختلاف عنه، فصح قول أبى هريرة كقولنا نصا.
والحمد لله رب العالمين 129 مسألة وتطهير جلد الميتة أي ميتة كانت ولو أنها جلد خنزير أو كلب أو سبع أو غير ذلك: فانه بالدباغ بأى شئ دبغ طاهر، فإذا دبغ حل بيعه والصلاة عليه، وكان كجلد ما ذكى مما يحل أكله، إلا أن جلد الميتة المذكور لا يحل أكله بحال، حاشا جلد الانسان، فانه لا يحل أن يدبغ ولا أن يسلخ، ولا بد من دفنه وإن كان كافرا.
وصوف الميتة وشعرها وريشها وويرها حرام قبل الدباغ حلال
بعده، وعظمها وقرنها مباح كله لا يحل أكله، (2) ولا يحل بيع الميتة ولا الانتفاع بعصبها ولا شحمها * حدثنى أحمد بن قاسم ثنا أبى قاسم بن محمد بن قاسم ثنا جدى قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن اسماعيل الترمذي ثنا الحميدى ثنا سفيان هو ابن عيينة ثنا زيد بن أسلم أنه سمع عبد الرحمن بن وعلة المصرى يقول: سمعت ابن عباس يثول: سمعت
__________
(1) هذا النقل خطأ.
قال في الهداية: (وسؤر الهرة طاهر مكروه، وعن أبي يوسف انه غير مكروه) (2) في المصرية (حرام كله ولا يحل بيعه)(1/118)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أيما أهاب دبغ فقد طهر (1)) حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاة لمولاة لميمونة ميتة فقال: أفلا انتفعتم باهابها! قالوا: وكيف وهى ميتة يا رسول الله؟ قال: انما حرم لحمها (2).
) حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا قتيبة ين سعيد ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة (3): (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على شاة ملقاة، فقال: لمن هذه؟ قالوا: لميمونة، قال: ما عليها لو انتفعت باهابها! قالوا انها ميتة، قال: انما حرم الله أكلها).
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد ابن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبى شيبة وعمرو الناقد وابن أبي عمر كلهم عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: (تصدق على مولاة لميمونة بشاة فماتت، فمر
بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلا أخذتم اهابها فدبغتموه فانتفعتم به؟ فقالوا: انها ميتة، فقال: انما حرم أكلها) حدثنا حمام ثنا بن مفرج ثنا بن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق أرنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس: (أخبرتني ميمونة أن شاة ماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا دبغتم إهابها!) حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب ثنا عبيد الله
__________
(1) رواه أيضا مسلم واحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وابن حبان في صحيحه والدار قطني وغيرهم.
(2) رواه أيضا البخاري ومسلم وأصحاب السنن.
(3) سقط من اليمنية ذكر ميمونة وصار فيها من حديث ابن عباس وهو خطأ، وما هنا هو الصواب الموافق للمصرية ولسنن النسائي (ج 2 ص 191 190(1/119)
ابن سعيد ثنا معاذ بن هشام الدستوائي حدثني أبى عن قتادة (1) عن الحسن عن الجون بن قتادة عن سلمة بن المحبق: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأة فقالت: ما عندي الا في قربة لى ميتة، قال: أليس قد دبغتها؟ قالت بلى.
قال: فان دباغها ذكاتها.
) حدثنا أحمد بن محمد الجسوري ثنا أحمد بن الفضل الدينورى ثنا محمد بن جرير الطبري ثنا محمد بن حاتم ثنا هشيم عن منصور بن زاذان عن الحسن ثنا جون بن قتادة التميمي (2) قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في حديث ذكره: فان دباغ الميتة طهورها) قال على: جون وسلمة لهما صحبة (3)
__________
(1) في المصرية (معاذ بن هشام الدستوائى ثنا قتادة) والصواب ما في اليمنية وهو الموافق لسنن النسائي (2: 191)
(2) في اليمنية (التيمى) وهو خطأ.
انظر التهذيب والاصابة (3) حديث سلمة بن المحبق رواه أيضا أبو داود والبيهقي وابن حبان والحاكم، وقال ابن حجر اسناد صحيح، ورواه البغوي وابن منده وابن قافع من حديث الحسن عن جون قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
الخ قال البغوي: (هكذا حدث به هشيم لم يجاوز به جون بن قتادة وليست لجون صحبة) واتفق حفاظ الحديث على أن هشيما أخطأ في هذا الحديث.
قال الحافظ ابن حجر: (واغتر أبو محمد بن حزم بظاهر اسناد هشيم فروى من طريق الطبري عن محمد بن حاتم عن هشيم فذكره.
وقال: هذا حديث صحيح وجون قد صحت صحبته.
وتعقبه أبو بكر بن مفوز فقال: هذا خطأ فجون رجل تابعي مجهول، لا يعرف من روى عنه الا الحسن، وروايته لهذا الحديث انما هي عن سلمة بن المحبق، أخطأ فيه محمد بن حاتم.
قلت ولم يصب في نسبته للخطأ فيه إلى محمد بن حاتم.
وأما قوله ان جونا مجهول فقد قاله أبو طالب والاثرم عن احمد ابن حنبل.
وقال أبو الحسن بن البراء عن على بن المدينى: جون معروف وان كان لم يرو عنه الا الحسن، وعده في موضع آخر في شيوخ الحسن المجهولين.
وقد روى جون بن قتادة أيضا عن الزبير بن العوام وشهد معه الجمل) اه من الاصابة (ج 1 ص 284) باختصار(1/120)
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن عطاء بن أبى رباح عن جابر ابن عبد الله انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: (ان الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة (1) والخنزير والاصنام، فقيل يا رسول الله: أرأيت شحوم الميتة فانه يطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ قال لا: هو حرام
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك) (2): قاتل الله اليهود، ان الله لما حرم عليهم شحومها أجملوه (3) ثم باعوه فأكلوا تمنه).
قال على: ذهب أحمد بن حنبل إلى انه لا يحل استعمال جلد الميتة وان دبغ، وذكر ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا محمد ابن قدامة ثنا جرير عن منصور عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن عبد الله بن حكيم قال: (كتب الينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تستنفعوا (4) من الميتة باهاب ولا عصب).
قال علي: هذا خبر صحيح (5) ولا يخالف ما قبله، بل هو حق، لا يحل أن ينتفع من الميتة باهاب الا حتى يدبغ، كما جاء في الاحاديث الاخر، إذ ضم أقواله عليه السلام بعضها لبعض فرض، ولا يحل ضرب بعضها ببعض، لانها كلها حق
__________
(1) هنا في اليمنية زيادة (والدم) ولا توجد في سنن النسائي (2: 192) (2) الزيادة التي بين القوسين من النسائي (3) في النسائي (الشحوم جملوه) وأجمل الشحم وجمله أذابه واستخرج دهنه، وجمل أغصح من أجمل.
قاله في اللسان (4) كذا في المصرية وفي اليمنية (تنتفعوا) وفي النسائي (2: 192) (تستمتعوا) (5) كلا، بل هو حديث مضطرب أو مرسل، لان عبد الله بن عكيم بضم العين وفتح الكاف ليس صحابيا.
ولم يسمعه ابن أبى ليلى منه، وقد أو فينا الكلام عليه في حواشيها على التحقيق في المسألة 17(1/121)
من عند الله عزوجل، قال الله تعالى: (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى) وقال تعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا).
وروى عن
عائشة أم المؤمنين باسناد في غاية الصحة: (دباغ الاديم ذكاته) (1) وهذا عموم لكل أديم، وعن ابن عباس عن أم المؤمنين ميمونة: انها دبغت جلد شاة ميتة فلم تزل تنبذ فيه حتى بلى، وعن عمر بن الخطاب: دباغ الاديم ذكاته وقال ابراهيم النخعي في جلود البقر والغنم تموت فتدبغ: إنها تباع وتلبس، وعن الاوزاعي اباحة بيعها، وعن سفيان الثوري اباحة الصلاة فيها، وعن الليث بن سعد اباحة بيعها، وعن سعيد بن جبير في الميتة: دباغها ذكاتها، وأباح الزهري جلود النمور، واحتج بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في جلد الميتة، وعن عمر بن عبد العزيز وعروة ابن الزبير وابن سيرين مثل ذلك * وقال أبو حنيفة: جلد الميتة إذا دبغ وعظامها وعصبها وعقبها وصوفها وشعرها ووبرها وقرنها لا بأس بالانتفاع بكل ذلك، وبيعه جائز، والصلاة في جلدها إذا دبغ جائز، أي جلد كان حاشا جلد الخنزير وقال مالك: لا خير في عظام الميتة، وهى ميتة، ولا يصلى في شئ من جلود الميتة وإن دبغت، ولا يحل بيعها أي جلد كان، ولا يستقى فهيا، لكن جلود ما يؤكل لحمه إذا دبغت جائز القعود عليها وأن يغربل عليها، وكره الاستقاء فيها بآخرة لنفسه، ولم يمنع عن ذلك غيره، ورأى جلود السباع إذا دبغت مباحة للجلوس والغربلة، ولم ير جلد الحمار وان دبغ يجوز استعماله، ولم ير (2) استعمال قرن (3) الميتة ولا سنها ولا ظلفها ولا ريشها، وأباح صوف الميتة وشعرها ووبرها، وكذلك ان أخذت من حى * وقال الشافعي: يتوضأ جلود الميتة إذا دبغت أي جلد كان، إلا جلد كلب
__________
(1) رواه الدارقطني مرفوعا بلفظ: (طهور كل أديم دباغه) وقال (اسناد حسن كلهم ثقات) ورواه النسائي وابن حبان والطبراني والبيهقي.
(2) في اليمنية (ولم يجز)
(3) في اليمنية (جلد) وما هنا أظهر.(1/122)
أو خنزير، ولا يطهر بالدباغ لا صوف ولا شعر ولا وبر ولا عظم ولا قرن ولا سن ولا ريش، إلا الجلد وحده فقط * قال على: أما اباحة أبي حنيفة العظم والعقب من الميتة فخطأ، لانه خلاف الاثر الصحيح الذى أوردنا: (ألا ننتفع من الميتة باهاب ولا عصب) وجاء الخبر باباحة الاهاب إذا دبغ، فبقى العصب على التحريم، والعقب عصب بلا شك، وكذلك تفريقه بين جلود السباع والميتات وجلد الخنزير خطأ، لان كل ذلك ميتة محرم، ولا نعلم هذا التفاريق ولا هذا القول عن أحد قبله.
وأما تفريق مالك بين جلد ما يؤكل لحمه وبين جلد ما لا يؤكل لحمه فخطأ، لان الله تعالى حرم الميتة كما حرم الخنزير ولا فرق، قال الله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) ولا فرق بين كبش ميت وبين خنزير ميت عنده ولا عندنا ولا عند مسلم في التحريم وكذلك فرقه بين جلد الحمار وجلد السباع خطأ لان التحريم جاء في السباع كما جاء في الحمير ولا فرق والعجب أن أصحابه لا يجيزون الانتفاع بجلد الفرس إذا دبغ ولحمه إذا ذكى حلال بالنص، ويجيزون الانتفاع بجلد السبع إذا دبغ، وهو حرام لا تعمل فيه الذكاة بالنص، وكذلك منعه من الصلاة عليها إذا دبغت خطأ، لانه تفريق بين وجوه الانتفاع بلا نص قرآن ولا سنة ولا قول صاحب ولا تابع ولا قياس، ولا نعلم هذا التفريق عن أحد قبله وأما تفريق الشافعي بين جلود السباع وجلد الكلب والخنزير فحطأ لان كل ذلك ميتة حرام سواء، ودعواه أن معنى قوله عليه السلام: (إذا دبغ الاهاب فقد طهر): ان معناه عاد إلى طهارته خطأ وقول بلا برهان، بل هو على ظاهره أنه حينئذ طهر، ولا نعلم هذا التفريق عن أحد قبله *
قال على: أما كل ما كان على الجلد من صوف أو شعر أو وبر فهو بعد الدباغ طاهر كله لا قبل الدباغ، لان النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أن على جلود الميتة الشعر والريش والوبر والصوف فلم يأمر بازالة ذلك ولا أباح استعمال شئ من ذلك قبل الدباغ، وكل ذلك قبل الدباغ بعض الميتة حرام، وكل ذلك بعد الدباغ طاهر ليس ميتة، فهو حلال حاشا أكله، واذ هو حلال فلباسه في الصلاة وغيرها وبيع كل ذلك داخل في الانتفاع(1/123)
الذى أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فان أزيل ذلك عن الجلد قبل الدباغ لم يجز الانتفاع بشئ منه، وهو حرام، إذ لا يدخل الدباغ فيه، وان أزيل بعد الدباغ فقد طهر، فهو حلال بعد كسائر المباحات حاشا أكله فقط * وأما العظم والريش والقرن فكل ذلك من الحى بعض الحى، والحى مباح ملكه (1) وبيعه إلا ما منع من ذلك نص، وكل ذلك من الميتة ميتة، وقد صح تحريم النبي صلى الله عليه وسلم بيع الميتة، وبعض الميتة ميتة، فلا يحل بيع شئ من ذلك، والانتفاع بكل ذلك جائز، لقوله عليه السلام: (إنما حرم أكلها) فأباح ما عدا ذلك إلا ما حرم باسمه من بيعها والادهان بشحومها، ومن عصبها ولحمها * وأما شعر الخنزيز وعظمه فحرام كله، لا يحل أن يتملك ولا أن ينتفع بشئ منه، لان الله تعالى قال: (أو لحم خنزير فانه رجس) والضمير راجع إلى أقرب مذكور، فالخنزير كله رجس، والرجس واجب اجتنابه، بقوله تعالى: (رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) حاشا الجلد فانه بالدباغ طاهر، بعموم قوله عليه السلام: (وأيما أهاب دبغ فقد طهر) * قال على: وأما جلد الانسان فقد صح نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة، والسلخ أعظم المثلة، فلا يحل التمثيل بكافر ولا مؤمن، وصح أمره عليه السلام بالقاء قتلى كفار بدر في القليب، فوجب دفن كل ميت كافر ومؤمن.
وبالله تعالى التوفيق *
130 مسألة وإناء الخمر إن تخللت الخمر فيه فقد صار طاهرا يتوضأ فيه ويشرب وإن لم يغسل، فان أهرقت ازيل أثر الخمر ولا بد بأى شئ من الطاهرات أزيل، ويطهر الاناء حينئذ سواء كان فخارا أو عودا أو خشبا أو نحاسا أو حجرا أو غير ذلك أما الخمر فمحرمة بالنص والاجماع المتقين، فواجب اجتنابها، قال تعالى: (إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) فإذا تخللت الخمر أو خللت فالخل حلال بالنص طاهر * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا
__________
(1) في اليمنية (لا مباح أكله وبيعه)(1/124)
عثمان بن أبى شيبة ثنا معاوية بن هشام ثنا سفيان هو الثوري عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم الادام الخل (1)) فعم عليه السلام ولم يخص والخل ليس خمرا لان الحلال الطاهر غير الحرام الرجس بلا شك فاذن لا خمر هنالك أصلا، ولا أثر لها في الاناء، فليس هنالك شئ يجب اجتنابه وإزالته، وأما إذا ظهر أثر الخمر في الاناء فهى هنالك بلا شك، وإزالتها واجتنابها فرض، ولا نص ولا إجماع في شئ ما بعينه تزال به، فصح أن كل شئ أزيلت به فقد أدينا ما علينا من واجب إرالتها.
والحمد لله رب العالمين.
وإذا أزيلت فالاناء طاهر، لانه ليس هنالك شئ يجب اجتنابه من أجله * 131 مسألة والمني طاهر في الماء كان أو في الجسد أو في الثوب ولا تجب ازالته والبصاق مثله ولا فرق.
حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري وسفيان بن عيينة كلاهما عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي عن
همام بن الحارث قال: (أرسلت عائشة أم المؤمنين إلى ضيف لها تدعوه فقالوا: هو يغسل جنابة في ثوبه، قالت ولم يغسله؟ لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فأنكرت رضى الله عنها غسل المنى.
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا احمد بن جواس (2) الحنفي أبو عاصم ثنا ابو الاحوص عن شبيب بن غرقدة (3) عن عبد الله بن شهاب الخولانى قال: (كنت نازلا على عائشة فاحتلمت في ثوبي فغمستهما في الماء فرأتني جارية لعائشة فأخبرتها، فبعثت إلى عائشة: ما حملك على ما صنعت بثوبيك؟ قلت: رأيت ما يرى النائم في منامه، قالت: هل رأيت فيهما شيئا؟ قلت: لا، قالت: فلو رايت شيئا غسلته! لقد رأيتنى وانى لاحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفري)
__________
(1) رواه أيضا الترمذي وابن ماجه، ورواه الترمذي من حديث عائشة (2) بالجيم المفتوحة وتشديد الواو وآخره سين مهملة.
(3) بفتح الغين المعجمة واسكان الراء.(1/125)
فهذه الرواية تبين كذب من تخرص بلا علم، وقال: كانت تفركه بالماء حدثنا حمام ثنا عباس بن اصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا احمد بن زهير بن حرب ثنا موسى بن اسماعيل ثنا حماد بن سلمة ثنا حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم عن الاسود بن يزيد ان عائشة قالت: (كنت أفرك المنى من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلى فيه) وقد رواه أيضا علقمة بن قيس والحارث بن نوفل عن عائشة مسندا، وهذا تواتر، وصح عن سعد بن أبى وقاص انه كان يفرك المنى من ثوبه، وصح عن ابن عباس في المني يصيب الثوب: هو بمنزلة النخام والبزاق امسحه باذخرة أو بخرقة، ولا تغسله ان شئت الا أن تقذره أو تكره أن
يرى في ثوبك، وهو قول سقيان الثوري والشافعي وأبى ثور وأحمد بن حنبل وأبى سليمان وجميع أصحابهم وقال مالك: هو نجس ولا يجزئ الا غسله بالماء، وروينا غسله عن عمر بن الخطاب وأبى هريرة وأنس وسعيد بن المسيب وقال أبو حنيفة: هو نجس، فان كان في الجسد منه أكثر من قدر الدرهم البغلى لم يجزئ في ازالته غير الماء، فان كان قدر الدرهم البغلى فأقل أجزأت ازالته بغير الماء، فان كان في الثوب أو النعل أو الخف منه أكثر من قدر الدرهم البغلى، فان كان رطبا لم يجز الا غسله بأى مائع كان، فان كان يابسا أو كان قدر الدرهم البغلى فأقل (1) وان كان رطبا أجزأ مسحه فقط، وروينا عن ابن عمر انه قال: ان كان رطبا فاغسله وان كان يابسا فحته.
قال على: واحتج من رأى نجاسة المنى بحديث رويناه من طريق سليمان بن يسار عن عائشة: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل المنى وكنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقالوا: هو خارج من مخرج البول فينجس لذلك، وذكروا حديثا رويناه من طريق أبى حذيفة عن سفيان الثوري، مرة قال عن الاعمش، ومرة قال: عن منصور، دثم استمر، عن ابراهيم عن همام بن الحارث
__________
(1) أين جواب الشرط؟ لعله سقط من النساخ(1/126)
عن عائشة في المني: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بحته) قال على: وهذا لا حجة لهم فيه.
أما الصحابة رضى الله عنهم فقد روينا عن عائشة وسعد وابن عباس مثل قولنا، وإذا تنازع الصحابة رضى الله عنهم فليس بعضهم أولى من بعض، بل الرد حينئذ واجب إلى القرآن والسنة.
وأما حديث سليمان بن يسار فليس فيه أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسله ولا بازالته ولا
بأنه نجس، وانما فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسله، وأن عائشة كانت تغسله، وأفعاله صلى الله عليه وسلم ليست على الوجوب، وقد حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مالك بن اسماعيل ثنا زهير هو ابن معاوية ثنا حميد ثنا عن أنس بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فحكها (1) بيده ورئى كراهيته لذلك (2)) فلم يكن هذا دليلا عند خصومنا على نجاسة النخامة، وقد يغسل المرء ثوبه مما ليس نجا.
وأما حديث سفيان فانما انفرد به أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي، بصرى ضعيف مصحف كثير الخطأ، روى عن سفيان البواطل، قال أحمد بن حنبل فيه: هو شبه لا شئ، كأن سفيان الذى يحدث عنه أبو حذيفة ليس سفيان الذى يحدث عنه الناس (3)
__________
(1) في الاصلين (فحكه) وصححناه من البخاري (ج 1 ص 64) (2) في البخاري (فرئي منه كراهية أو رئى كراهيته لذلك وشدته عليه) (3) حديث عائشة الذي رواه أبو حذيفة أخرجه ابن الجارود في المنتقى (ج 71 ص 72) ونصه: (حدثنا محمد بن يحيى واحمد بن يوسف قالا ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن منصور عن ابراهيم هم همام بن الحارث قال: كان ضعيف عند عائشة رضى الله عنها فأجنب فجعل يغسل ما أصابه، فقالت عائشة رضى الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بحته) وهو اسناد صحيح كما قال ابن حجر في التلخيص (ج 1 ص 191) وقال: (وهذا الحديث قد رواه مسلم من هذا الوجه بلفظ: لقد رأيتنى أحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفرى.
ولم يذكر الامر) فالحديث له أصل صحيح، وأبو حذيفة ثقة أخرج له البخاري، وقال أبو حاتم (صدوق معروف بالثوري ولكن كان يصحف)(1/127)
وأما قولهم: إنه يخرج من مخرج البول، فلا حجة في هذا، لانه لا حكم للبول
ما لم يظهر، وقد قال الله تعالى: (من بين فرث ودم لبنا خالصا) فلم يكن خروج اللبن من بين الفرث والدم منجسا له، فسقط كل ما تعلقوا به.
وبالله تعالى التوفيق * وقال بعضهم: يغسله رطبا على حديث سليمان بن يسار، ويحكه يابسا على سائر الاحاديث قال على: وهذا باطل، لانه ليس في حديث سليمان أنه كان رطبا، ولا في سائر الاحاديث أنه كان يابسا، الا في حديث الخولانى وحده، فحصل هذا القائل على الكذب والتحكم، إذ زاد في الاخبار ما ليس فيها قال على: وقد قال بعضهم: معنى (كنت افركه) أي بالماء قال على وهذا كذب آخر وزيادة في الخبر، فكيف وفي بعض الاخبار كما اوردنا (يابسا بظفرى).
قال علي: ولو كان نجسا لما ترك الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي به، ولا خبره كما أخبره إذ صلى بنعليه وفيهما قذر فخلعهما، وقذ ذكرناه قبل هذا باسناده.
وبالله تعالى التوفيق * 123 مسألة وإذا أحرقت العذرة أو الميتة أو تغيرت فصارت رمادا أو ترابا، فكل ذلك طاهر.
ويتيمم بذلك التراب.
برهان ذلك ان الاحكام انما هي على ما حكم الله تعالى بها فيه مما يقع عليه ذلك الاسم الذي به خاطبنا الله عزوجل فإذا سقط ذلك الحكم وانه غير الذى حكم الله تعالى فيه والعذرة غير التراب وغير الرماد.
وكذلك الخمر غير الخل.
والانسان غير الدم الذى منه خلق.
والميتة غير التراب
__________
وقال ابن سعد في الطبقات (ج 7 ق 2 ص 55) (كان كثير الحديث ثقة ان شاء الله تعالى، وكان حسن الرواية عن عكرمة بن عمار وزهير بن محمد وسفيان الثوري، ويذكرون أن سفيان كان تزوج أمه حين قدم البصرة) مات في جمادى الآخرة سنة 220.
وكلمة أحمد فيه لعلها لما جاء به من أحاديث عن سفيان لا يعرفها غيره، وليس هذا قدحا فيه، وقد قال احمد حين سئل عنه أما من أهل
الصدق فنعم.
)(1/128)
133 مسألة ولعاب المؤمنين من الرجال والنساء.
الجنب منهم والحائض وغيرهما ولعاب الخيل وكل ما يؤكل لحمه، وعرق كل ذلك ودمعه، وسؤر كل ما يؤكل لحمه: طاهر مباح الصلاة به * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا على بن عبد الله ثنا يحيى هو ابن سعيد القطان ثنا حميد ثنا بكر عن أبى رافع عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وأبو هريرة جنب (1) قال فأنخنست منه (2) فذهبت فاغتسلت ثم جئت (3) فقال: أين كنت يا أبا هريرة.
؟ قال: كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة قال: سبحان الله! ان المؤمن لا ينجس) * قال على: وكل ما يؤكل لحمه فلا خلاف في انه طاهر، قال الله تعالى (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) فكل حلال هو طيب، والطيب لا يكون نجسا بل هو طاهر، وبعض الطاهر طاهر بلا شك، لان الكل ليس هو شيئا غير أبعاضه الا أن يأتي نص بتحريم بعض الطاهر فيوقف عنده، كالدم والبول والرجيع، ويكون مستثنى من جملة الطاهر، ويبقى سائرها على الطهارة.
وبالله تعالى التوفيق * 134 مسألة ولعاب الكفار من الرجال والنساء الكتابيين وغيرهم نجس كله، وكذلك العرق منهم والدمع، وكل ما كان منهم، ولعاب كل ما لا يحل أكل لحمه من طائر أو غيره، من خنزير أو كلب أو هر أو سبع أو فأر، حاشا الضبع فقط، وعرق كل ما ذكرنا ودمعه: حرام واجب اجتنابه * برهان ذلك قول الله تعالى (انما المشركون نجس) وبيقين يجب أن بعض النجس نجس، لان الكل ليس هو شيئا غير ابعاضه، فان قيل: ان معناه نجس
__________
(1) في البخاري (ج 1 ص 45): (وهو جنب)
(2) في الاصلين (عنه) وصححناه من البخاري (3) في البخاري: (فذهب فاغتسل ثم جاء).
وانخنس أي مضى مستخفيا من الخنوس وهو الانقباض والاستخفاء(1/129)
الدين قيل: هبكم أن ذلك كذلك، أيجب من ذلك ان المشركين طاهرون؟ حاش لله من هذا، وما فهم قط من قول الله تعالى (انما المشركون نجس) مع قول نبيه صلى الله عليه وسلم (ان المؤمن لا ينجس) ان المشركين طاهرون، ولا عجب في الدنيا أعجب ممن يقول فيمن نص الله تعالى: أنهم نجس: إنهم طاهرون، ثم يقول في المنى الذى لم يأت قط بنجاسته نص: انه نجس، ويكفى من هذا القول سماعه.
ونحمد الله على السلامة * فان قيل: قد أبيح لنا نكاح الكتابيات ووطؤهن، قلنا: نعم فأي دليل في هذا على أن لعلبها وعرقها ودمعها طاهر؟ فان قيل: انه لا يقدر على التحفظ من ذلك، قلنا: هذا خطأ، بل يفعل فيما مسه من لعلبها وعرقها مثل الذى يفعل إذا مسه بولها أو دمها أو مائية فرجها ولا فرق، ولا حرج في ذلك، ثم هبك أنه لو صح لهم ذلك في نساء أهل الكتاب، من أين لهم طهارة رجالهم أو طهارة النساء والرجال من غير أهل الكتاب؟ فان قالوا: قلنا ذلك قياسا على أهل الكتاب، قلنا: القياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، لان أول بطلانه أن علتهم في طهارة الكتابيات جواز نكاحهن، وهذه العلة معدومة باقرارهم في غير الكتابيات، والقياس عندهم لا يجوز إلا بعلة جامعة بين الحكمين، وهذه علة مفرقة لا جامعة وبالله تعالى التوفيق (1) *
__________
(1) القول بنجاسة بدن الكافر وعرقه وريقه الخ قول شاذ لم أعرفه روى عن أحد من العلماء إلا ما نقله ابن كثير في تفسيره (ج 4 ص 372) عن بعض أهل
الظاهر ولعله يريد المؤلف، وإلا ما نقله الطبري في تفسيره (ج 10 ص 74) عن الحسن (لا تصافحوهم فمن صافحهم فليتوضأ) ومن العجب العجاب أن ينسب أبو حيان في النهر بهامش البحر (ج 5 ص 27) للطبري القول بنجاسة أعيانهم! والطبري انما ذكره قولا عن أناس، وحكى أنه منسوب لابن عباس من غير وجه حميد فكره ذكره، والمؤلف انما اتى بمغالطات زعمها أدلة، وقد أباح الله للمؤمنين طعام أهل الكتاب ومؤاكلتهم، ولن يخلو هذا من آثارهم، وزواج الكتابيات يدعو إلى مخالطتهن أتم مخالطة، مما لا يمكن معه الاحتراز عن ريقهن وعرقهن في بدن(1/130)
واما كل ما لا يحل أكله فهو حرام بالنص، والحرام واجب اجتنابه، وبعض الحرام حرام، وبعض الواجب اجتنابه واجب اجتنابه، وروينا من طريق شعبة عن قتادة عن أبى الطفيل قال سمعت حذيفة بن أسيد (1) يقول عن الدجال: (ولا يسخر له من المطايا الا الحمار فهو رجس على رجس) (2) وقد قال احمد بن حنبل عرق الحمار نجس * وأما استثناء الضبع فلما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا أبو عوانة عن أبى بشر عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع
__________
لمؤمن وثوبه وفراشه، والآية ظاهرة في أن المراد نجاستهم المعنوية من جهة لاعتقاد الباطل، وعدم الحرص على الطهارات وانهم، لا يتحرزون من النجاسات.
قال السيد الامير الصنعاني فما علقه على هامش المحلى: (وقوله تعالى: (انما المشركون نجس) ليس المراد به المعنى الشرعي بل الاستقذار وعدم أهليتهم قربان المسجد الحرام، ولفظ (نجس) في اللغة مشترك بين معان، والقرائن هنا تدل أنه أريد به أن المشركين مستقذرون مبعدون عن بيوت الله
لها معهم من نجاسة الاعتقاد والهية الاوثان، فيقصون عن أشرف مكان، ويبعدون عن أفضل متعبدات أهل الايمان) (1) بفتح الهمزة وكسر السين المهملة (2) لم اجد هذا اللفظ، ولكني وجدت حديث حذيفة بن أسيد مرفوعا في خروج الدجال، رواه مسلم (ج 2 ص 367) من طريق شعبة عن فرات القزاز عن أبي الطفيل، ورواه أبو داود (ج 4 ص 192) من طريق أبي الاحوص وهناد عن فرات عن أبي الطفيل، ورواه الطيالسي (ص 143) عن المسعودي عن فرات عن أبى الطفيل، فاتفاق هذه الطرق يرجح عندي أن ذكر قتادة هنا خطأ من الناسخين في الاصلين وأن صوابه (فرات القزاز) وان كان قتادة يروي أيضا عن أبى الطفيل ويروي عنه شعبة.(1/131)
وعن كل ذى مخلب من الطير) (1) * وبه إلى أبي داود ثنا محمد بن عبد الله الخزاعي ثنا جرير بن حازم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عبد الرحمن بن أبى عمار عن جابر بن عبد الله قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع، فقال: هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم) (2) * 135 مسألة وسؤر كل كافر أو كافرة وسؤر كل ما يؤكل لحمه أو يؤكل لحمه من خنزير أو سبع أو حمار أهلى أو دجاج مخلى أو غير مخلي إذا لم يظهر هنالك للعاب مالا يؤكل لحمه أثر فهو طاهر حلال حاشا ما ولغ فيه الكلب فقط، ولا يجب غسل الاناء من شئ منه حاشا ما ولغ فيه الكلب والهر فقط * برهان ذلك: ان الله تعالى حكم بطهارة الطاهر وتنجس النجس وتحريم الحرام وتحليل الحلال، وذم (3) أن تتعدى حدوده.
فكل ما حكم الله تعالى انه طاهر فهو طاهر، ولا يجوز أن يتنجس بملاقاة النجس له، لان الله تعالى لم يوجب ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
وكل ما حكم الله تعالى أنه نجس فانه لا يطهر بملاقاة الطاهر
له، لان الله تعالى لم يوجب ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
وكل ما أحله الله تعالى فانه لا يحرم بملاقاة الحرام له، لان الله تعالى لم يوجب ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وكل ما حرمه الله تعالى فانه لا يحل بملاقاة الحلال له، لان الله تعالى لم يوجب ذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا فرق بين من ادعى أن الطاهر يتنجس بملاقاة النجس.
وان الحلال يحرم بملاقاة الحرام، وبين من عكس الامر فقال: بل النجس يطهر بملاقاة الطاهر، والحرام يحل بملاقاة الحلال، وكلا القولين باطل.
بل كل ذلك باق على حكم الله عز وجل فيه، الا أن يأتي نص بخلاف هذا في شئ ما فيوقف عنده، ولا يتعدى إلى غيره.
فإذا شرب كل ما ذكرنا في اناء أو أكل أو أدخل فيه عضوا منه أو وقع فيه فسؤره حلال طاهر ولا يتنجس بشئ مما ماسه من الحرام أو النجس، إلا ان
__________
(1) رواه مسلم (ج 2 ص 110) وابن ماجه (ج 2 ص 153) ونسبه المنتقى أيضا للنسائي ولم أجده فيه (2) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح (3) في اليمنية (وحرم)(1/132)
يظهر بعض الحرام في ذلك الشئ وبعض الحرام حرام كما قدمنا.
حاشى الكلب والهر، فقد ذكرنا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله رب العالمين * وقال أبو حنيفة: إن شرب في الاناء شئ من الحيوان الدى يؤكل لحمه فهو طاهر، والوضؤ بذلك الماء جائز، الفرس والبقر والضأن وغير ذلك سواء، وكذلك اسآر جميع الطير، وما أكل لحمه وما لم يؤكل لحمه منها، والدجاج المخلى وغيره، فان الوضوء بذلك الماء جائز وأكرهه، وأكل أسآرها حلال.
قال: فان شرب في الاناء ما لا يؤكل لحمه من بغل أو حمار أو كلب أو هر أو سبع أو خنزير فهو نجس، ولا يجزئ الوضوء به، ومن توضأ به أعاد أبدا، وكذلك ان وقع شئ من لعابها في ماء أو غيره،
قال: وهذا ومالا يؤكل لحمه من الطير سوأ في القياس، ولكني أدع القياس وأستحسن * قال على: هذا فرق فاسد، ولا نعلم أحدا قبله فرق هذا الفرق، ولئن كان القياس حقا، فلقد أخطأ في تركه الحق، وفي استحسان خلاف الحق، ولئن كان القياس باطلا، فلقد أخطأ في استعمال الباطل حيث استعمله ودان به * وقال بعض القائلين: حكم المائع حكم اللحم المماس له قال على: هذه دعوى بلا دليل، وما كان هكذا فهو باطل، وأيضا فان كان أراد أن الحكم لهما واحد في التحريم، فقد كذب، لان لحم ابن آدم حرام، وهم لا يحرمون ما شرب فيه أو أدخل فيه لسانه، وان كان أراد في النجاسة والطهارة، فمن له بنجاسة الحيوان الذى لا يؤكل لحمه مادام حيا؟ ولا دليل له على ذلك، ولا يكون نجسا الا ما جاء النص بأنه نجس، والا فلو كان كل حرام نجسا لكان ابن آدم نجسا * وقال مالك: سؤر الحمار والبغل وكل مالا يؤ كل لحمه طاهر كسؤر غيره ولا فرق، قال: وأما ما أكل الجيف من الطير والسباع فان شرب من ماء لم يتوضأ به وكذلك الدجاج التى تأكل النتن، فان توضأ به لم يعد إلا في الوقت، فان شرب شئ من ذلك في لبن فان تبين في منقاره قذر لم يؤكل، وأما ما لم ير في منقاره فلا بأس.
قال ابن القاسم صاحبه: يتوضأ به ان لم يجد غيره ويتيمم، إذا علم أنها تأكل النتن، وقال مالك: لا بأس بلعاب الكلب * قال على ايجابه الاعادة في الوقت خطأ على أصله، لانه لا يخلو من أن يكون(1/133)
أدى الطهارة والصلاة كما أمر، أو لم يؤدهما كما أمر، فان كان أدى الصلاة والطهارة كما أمر فلا يحل له أن يصلى ظهرين ليوم واحد في وقت واحد، وكذلك سائر الصلوات، وان كان لم يؤدهما كما أمر فالصلاة عليه أبدا، وهي تؤدي عنده بعد الوقت * وقد قال بعض المتعصبين له إذ سئل بهذا السؤال فقال: صلى ولم يصل،
فلما أنكر عليه هذا ذكر قول الله تعالى: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) قال ابو محمد على: وهذا الاحتجاج بالآية في غير موضعها أقبح من القول المموه له بذلك، لان الله تعالى أخبر أن رسوله صلى الله عليه وسلم لم يرم إذ رمى، ولكنه تعالى هو رماها، فهذا البائس الذى صلى ولم يصل، من صلاها عنه؟! فلا بد للصلاة ان كانت موجودة منه من أن يكون لها فاعل، كما كان للرمية رام، وهو الخلاق عزوجل، إذ وجود فعل لا فاعل له محال وضلال، وليس من أقوال أهل التوحيد، وان كانت الصلاة التى أمر بها غير موجودة منه فليصلها على اصلهم أبدا * وأما قول ابن القاسم: انه ان لم يجد غيره يتوضأ به ويتيمم إذا علم أنها تأكل النتن: فمتناقض لانه إما ماء وإما ليس ماء، فان كان ماء فانه لئن كان يجزئ الوضوء به إذا لم يجد غيره، فانه يجزئ وان وجد غيره، لانه ماء، وان كان لا يجزئ إذا وجد غيره، فانه لا يجزئ إذا لم يجد غيره ان كن ليس ماء، لانه لا يعوض من الماء الا التراب، وادخال التيمم في ذلك خطأ ظاهر، لان التيمم لا يحل مادام يوجد ماء يجزئ به الوضوء * وقال الشافعي: سو ركل شئ من الحيوان الحلال أكله والحرام أكله طاهر، وكذلك لعابه حاشى الكلب والخنزير، واحتج لقوله هذا بعض أصحابه بأنه قاس ذلك على أسآر بنى آدم ولعابهم، فان لحومهم حرام ولعابهم وأسارهم كل ذلك طاهر * قال علي: القياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، لان قياس سائر السباع على الكلب الذي لم يحرم إلا أنه من جملتها، وبعموم تحريم الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم كل ذي ناب من السسباع فقط فدخل الكلب في جملتها بهذا النص: ولو لاه لكان حلالا أولى من قياسها على ابن(1/134)
آدم الذي لا علة تجمع بينه وبينها.
لان بنى آدم متعنبدون، والسباع وسائر الحيوان غير متعبدة، وإناث بنى آدم حلال لذكورهم بالتزويج المباح وبملك اليمين المبيح للوطئ، وليس كذلك اناث سائر الحيوان والبان نساء بني آدم حلال وليس كذلك البان اناث السباع والاتن.
فظهر خطأ هذا القياس بيقين * فان قالوا: قسناها على الهر، قيل لهم: وما الذي أوجب أن تقيسوها على الهر دون أن تقيسوها على الكلب؟ لا سيما وقد قستم الخنزير على الكلب ولم تقيسوه على الهر، كما قستم السباع على الهر، هذا لو سلم لكم أمر الهر.
فكيف والنص الثابت الذي هو أثبت من حديث حميدة عن كبشة قد ورد مبينا لوجوب غسل الاناء من ولوغ الهر.
فهذه مقاييس أصحاب القياس كما ترى.
والحمد لله رب العالمين على عظيم نعمه * 136 مسألة وكل شئ مائع من ماء أو زيت أو سمن أو بان (1) أو ماء ورد أو عسل أو مرق أو طيب أو غير ذلك، أي شئ كان: إذا وقعت فيه نجاسة أو شئ حرام يجب اجتنابه أو ميتة، فان غير ذلك لون ما وقع فيه أو طعمه أو ريحه، فقد فسد كله، وحرم أكله، ولم يجز استعماله ولا بيعه.
فان لم يغير شيئا من لون ما وقع فيه ولا من طعمه ولا من ريحه، فذلك المائع حلال أكله وشربه واستعماله ان كان قبل ذلك كذلك والوضوء حلال بذلك الماء، والتطهر به في الغسل أيضا كذلك، وبيع ما كان جائزا بيعه قبل ذلك حلال.
ولا معنى لتبين أمره، وهو بمنزلة ما وقع فيه مخاط أو بصاق، الا أن البائل في الماء الراكد الذي لا يجرى: حرام عليه الوضوء بذلك الماء والاغتسال به لفرض أو لغيره، وحكمه التيمم ان لم يجد غيره.
وذلك الماء طاهر حلال شربه له ولغيره، وان لم يغير البول شيئا من أوصافه وحلال الوضوء به والغسل به لغيره (2) فلو أحدث في الماء أو بال
__________
(1) كذا في الاصلين، والبان شجر له دهن، والاظهر والانسب أن يكون صوابه (أو لبن)
(2) هنا بهامش اليمنية ما نصه (هذه المسألة استوفى المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله في شرح الالمام البحث فيها مع المصنف وتتبع كلامه فيها) والالمام هو كتاب ألفه ابن دقيق العيد في أحاديث الاحكام وشرحه شرحا وافيا سماه(1/135)
خارجا منه ثم جرى البول فيه فهو طاهر، يجوز الوضوء منه والغسل له ولغيره، الا أن يغير ذلك البول أو الحدث شيئا من أوصاف الماء فلا يجزئ حينئذ استعماله أصلا لا له ولا لغيره، وحاشى ما ولغ فيه الكلب، فانه يهرق ولا بد، كما قدمنا في بابه، وحاشى السمن يقع فيه الفأر ميتا أو يموت فيه أو يخرج منه حيا ذكرا كان الفأر أو أنثى، صغيرا أو كبيرا فانه إن كان ذائبا حين موت الفأر فيه، أو حين وقوعه فيه ميتا أو خرج منه حيا أهرق كله ولو أنه الف الف قنطار، أو أقل أو أكثر ولم يحل الانتفاع به، جمد بعد ذلك أو لم يجميد، وان كان حين موت الفأر فيه أو وقوعه فيه ميتا جامدا واتصل جموده فان الفأر يؤخذ منه وما حوله ويرمى، والباقى حلال أكله وبيعه والادهان به، قل أو كثر.
وحاشى الماء فلا يحل بيعه لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك عن على ما نذكر في البيوع ان شاء الله تعالى * برهان ذلك: ما ذكرنا قبل من أن كل ما أحل الله تعالى وحكم تفيه بأنه طاهر فهو كذلك أبدا ما لم يأت نص آخر بتحريمه أو نجاسته (1) وكل ما حرم الله تعالى أو نجسه فهو كذلك ابدا ما لم يأت نص آخر باباحته أو تطهيره، وما عدا هذا فهو تعد لحدود الله تعالى.
وقال تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها).
وقال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام).
وقال تعالى (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل الله أذن لكم أم على الله تفترون) وصح بهذا يقينا أن الطاهر لا ينجس بملاقاة النجس، وأن
__________
(الامام) قال الادفوي في الطالع السعيد (لو كملت نسخته في الوجود لاغنت
عن كل مصنف في ذلك).
ويظهر من كثرة النقول عنه أنه أتمه وهو عزيز الوجود لم نسمع بوجوده في عصرنا، الا أن هذه التعليقة تدل على وجوده بالاقطار اليمنية السعيدة، ونرجو ممن يطلع على كلمتنا هذه من أهل اليمن بعد طبع الجزء الاول إذا وحد لديهم هذا الكتاب أو شئ منه أن ينقل ما كتبه ابن دقيق على هذه المسألة وأن يرسله الينا حبا في خدمة العلم، لنطبعه في رسالة خاصة نلحقها بالجزء الثاني من المحلى.
والتوفيق من الله سبحانه وتعالى.
(1) في اليمنية (أو نجاسة)(1/136)
النجس لا يطهر بملاقاة الطاهر، وأن الحلال لا يحرم بملاقاة الحرام، والحرام لا يحل بملاقاة الحلال، بل الحلال حلال كما كان، والحرام حرام كما كان، والطاهر طاهر كما كان والنجس نجس كما كان، إلا أن يرد نص باحاله حكم من ذلك، فسمعا وطاعة، وإلا فلا * ولو تنجس الماء بما يلاقيه من النجاسات ما طهر شئ أبدا، لانه كان إذا صب على النجاسة لغسلها ينجس على قولهم ولا بد، وإذا تنجس وجب تطهيره، وهكذا أبدا، ولو كان كذلك لتنجس البحر والانهار الجارية كلها، لانه إذا تنجس الماء الذى خالطته النجاسة وجب أن يتنجس الماء الذى يماسه أيضا، ثم يجب ان يتنجس ما مسه ايضا كذلك أبدا، وهذا لا مخلص منه * فان قالوا في شئ من ذلك: لا يتنجس.
تركوا قولهم ورجعوا إلى الحخق، وتناقضوا، وفي اجماعهم معنا على بطلان ذلك وعلى تطهير المخرج والدم في الفم والثوب والجسم: اقرار بأنه لا نجاسة إلا ما ظهرت فيه عين النجاسة، ولا يحرم إلا ما ظهر فيه عين المنصوص على تحريمه فقط، وسائر قولهم فاسد * فان فرقوا بين الماء الوارد وبين الذى ترده النجاسة.
زادوا في التخليط بلا
دليل * وأما إذا تغير لون الحلال الطاهر بما مازجه من نجس أو حرام أو تغير طعمه بذلك، أو تغير ريحه بذلك، فاننا جينئذ لا نقدر على استعمال الحلال إلا باستعمال الحرام، واستعمال الحرام في الاكل والشرب وفي الصلاة حرام كما قلنا، ولذلك وجب الامتناع منه، لا لان الحلال الطاهر حرم ولا تنجست عينه، ولو قدرنا على تخليص الحلال الطاهر من الحرام والنجس، لكان حلالا بحسبه * وكذلك إذا كانت النجاسة أو الحرام على جرم طاهر فأزلناها، فان النجس لم يطهر والحرام لم يحل، لكنه زايل الحلال الطاهر، فقدرنا على أن نستعمله حينئذ حلالا طاهرا كما كان (1) *
__________
(1) في المصرية: (كأن كذا كان)(1/137)
وكذلك إذا استحالت صفات عين النجس أو الحرام، فبطل عنه الاسم الذي به ورد ذلك الحكم فيه، وانتقل إلى اسم آخر وارد على حلال طاهر: فليس هو ذلك النجس ولا الحرام، بل قد صار شيئا آخر، ذا حكم آخر * وكذلك إذا استحالت صفات عين الحلال الطاهر، فبطل عنه الاسم افذى به ورد ذلك الحكم فيه، وانتقل إلى اسم آخر وارد على حرام أو نجس: فليس هو ذلك الحلال الطاهر، بل قد صار شيئا آخر ذا حكم آخر، وكالعصير يصير خمرا، أو الخمر يصير خلا، أو لحم النزير تأكله دجاجة يستحيل فيها لحم دجاج حلالا، وكالماء يصير بولا، والطعام يصير عذرة، والعذرة والبول تدهن بهما الارض فيعودان ثمرة حلالا، ومثل هذا كثير، وكنقطة ماء تقع في خمر أو نقطة خمر تقع في ماء، فلا يظهر لشئ من ذلك أثر، وهكذا كل شئ.
والاحكام للاسماء، والاسماء تابعة للصفات التى هي حد ما هي فيه (1) المفرق بين أنواعه *
وأما اباحة بيعه والاستصباح به، فانما بيع الجرم الحلال، لا ما مازجه من الحرام، وبيع الحلال حلال كما كان قبل، ومن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل * وممن أجاز بيع المائعات تقع فيها النجاسة والانتفاع بها: على وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبو موسى الاشعري وأبو سعيد الخدرى والقاسم وسالم وعطاء والليث وأبو حنيفة وسفيان واسحق وغيرهم * فان قيل: فان في الناس من يحرم ذلك، ولا يستجيز أن يأخذه ولو أعطيه بلا ثمن، فكتمانه ذلك غش، والغش حرام، والدين النصيحة.
قلنا: نعم، كما أن أكثر الناس لا يستسهل أن يأخذ مائعا وقعت فيه مخطة مجذوم، أو ادخل فيه يده، ولو أعطية باطلا (2)، وهذا عند الجامدين (3) من خصومنا لا معنى له، وليس شئ
__________
(1) في المصرية (التي هي حدود ما هيته) (2) كذا في الاصلين، ولعله يقصد به انه بلا ثمن (3) في اليمنية (عند الحاضر)(1/138)
من هذا غشا، انما الغش ما كان في الدين، والنصيحة كذلك، لا في الظنون الكاذبة المخالفة لا مر الله تعالى * على أن في القائلين من يقول بأن البصاق نجس ممن هو أفضل من الارض مملوءة (1) من مثل من قلده هؤلاء المتأخرون، كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن المثنى ثننا أبو عامر العقدى ثنا سفيان الثوري عن حماد بن أبى سليمان عن ربعى بن حراش عن سلمان هو الفارسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا بصقت (2) على جلدك وأنت متوضئ فان البصاق (2) ليس بطاهر فلا تصلى حتى تغسله، قال ابن المثنى: وحدثنا مخلد بن يزيد الحرانى عن التيمى عن المغيرة بن مقسم عن ابرهيم النخعي قال: البصاق بمنزلة العذرة.
ولكن لا حجة في أحد من الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم *
فأما حكم البائل فلما حدثنا أحمد بن القاسم حدثنى أبى قاسم بن محمد بن قاسم ثنا جدى قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ثنا حامد بن يحيى البلخى ثنا سفيان بن عيينة عن أيوب هو السختيانى عن محمد هو ابن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذى لا يجرى ثم يغتسل منه) * حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن سعيد بن حزم ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ثنا أبى ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذى لا يجري ثم يغتسل منه) * حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن سعيد بن حزم ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه (3)) *
__________
(1) كذا في الاصلين، ولعل الصواب: ممن هو أفضل من مل ء الارض من مثل من قلده الخ (2) في اليمنية (بزقت) و (البزاق) (3) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه(1/139)
فلو أراد عليه السلام أن ينهى عن ذلك غير البائل لما سكت عن ذلك عجزا ولا نسيانا ولا تعنيتا لنا بأن يكلفنا علم ما لم يبده لنا من الغيب (1) فأما أمر الكلب فقد مضى الكلام فيه * وأما السمن فان حمام بن احمد ثنا قال ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمور عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة
__________
(1) تغالى أبو محمد رحمه الله في التمسك بالظاهر حتي أغرب جدا، وذهب في
هذه المسألة مذهبا لا يؤيده عقل ولا يوافقه النقل، وقد رد عليه النووي في المجموع أبلغ رد فقال (ج 1 ص 119 118): (نقل أصحابنا عن داود بن على الظاهرى الاصبهاني رحمه الله مذهبا عجيبا، فقالوا: انفرد داود بأن قال: لو بال رجل في ماء راكد لم يجز أن يتوضأ هو منه لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم صم يتوضأ منه) وهو حديث صحيح، قال ويجوز لغيره لانه ليس بنجس عنده، ولو بال في إناء ثم صبه في ماء أو بال في شط نهر ثم جرى البول إلى النهر، قال يجوز أن يتوضأ هو منه، لانه ما بال فيه بل في غيره، قال ولو تغوط في ماء جاز جاز أن يتوضأ منه، لانه تغوط ولم يبل، وهذا مذهب عجيب وفى غاية الفساد، فهو أشنع ما نقل عنه ان صح عنه رحمه الله.
وفساده مغن عن الاحتجاج عليه، ولهذا أعرض جماعة من أصحابنا المعتنين بذكر الخلاف عن الرد عليه بعد حكايتهم مذهبه، وقالوا: فساده مغن عن افساده.
وقد خرق الاجماع في قوله في الغائط، إذ لم يفرق أحد بينه وبين البول، ثم فرقه بين البول في نفس الماء والبول في إناء يصب في الماء من أعجب الاشياء! ومن أخصر ما يرد به عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم؟؟ بالبول على ما في معناه من التغوط وبول غيره، كما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال في الفأرة تموت في السمن: (ان كان جامدا فألقوها وما حولها) وأجمعوا أن السنور كالفأرة في ذلك، وغير السمن من الدهن كالسمن، وفي الصحيح: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله) فلو أمر غيره فغسله، ان قال داود لا يطهر لكونه ما غسله هو، خرق الاجماع، وان قال يطهر * فقد نظر إلى المعنى وناقض قوله.
والله أعلم)(1/140)
قال: ((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفأرة تقع في السمن قال: إذا كان جامدا فألقوها
وما حولها وان كان مائعا فلا تقربوه (1)) قال عبد الرزاق: وقد كان معمر يذكره أيضا عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن ميمونة.
قال: وكذلك حدثناه ابن عيينة * قال على: الفأرة والحية والدجاجة والحمامة والعرس أسماء كل واحد منها يقع على الذكر في لغة العرب وقوعه على الانثى، وفى قوله صلى الله عليه وسلم: (ألقوها وما حولها) برهان بأنها لا تكون الا مينة، إذ لا يمكن ذلك من الحية * فان قيل: فان عبد الواحد بن زياد روى عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة هذا الخبر فقال: (وان كان ذائبا أو مائعا فاستصبحوا به أو قال: انتفعوا (2) به).
قلنا وبالله تعالى التوفيق: عبد الواحد قد شك في لفظة الحديث، فصح انه لم يضبطه.
ولا شك في أن عبد الرزاق أحفظ لحديث معمر.
وأيضا فلم يختلف عن معمر عن الزهري عن عبيد الله أن ابن عباس عن ميمونة.
ومن لم يختلف عليه أحق بالضبط ممن اختلف عليه.
وأما الذي نعتمد عليه في هذا فهو أن كلا الروايتين حق، فأما رواية عبد الواحد فموافقة لما كنا نكون عليه لو لم يرد شئ من هذه الرواية، لان الاصل اباحة الانتفاع بالسمن وغيره، لقول الله تعالى: (خلق لكم ما في الارض جميعا).
وأما رواية عبد الرزاق فشرع وارد وحكم زائد ناسخ للاباحة المتقدمة بيقين لا شك فيه.
ونحن على يقين من أن الله تعالى لو أعاد حكم المنسوخ وأبطل حكم الناسخ لبين ذلك بيانا يرفع به الاشكال، قال الله تعالى:
__________
(1) رواه أبو داود (ج 3 ص 429) من طريق عبد الرزاق، وذكره الترمذي معلقا (ج 1 ص 332) ونقل عن البخاري انه قال: (هذا خطأ أخطأ فيه معمر قال والصحيح حديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة) وحديث ابن عباس عن ميمونة الذى ذكره المؤلف عقب هذا وأشار إليه البخاري رواه البخاري وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه.
(2) في اليمنية (فاستنفعوا به)(1/141)
(لتبين للناس ما نزل إليهم).
فبطل حكم رواية عبد الواحد بيقين لا شك فيه.
وبالله تعالى التوفيق * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن فضيل ثنا عطاء بن السائب عن ميسرة النهدي (1) عن على بن أبى طالب رضى الله عنه في الفأرة إذا وقعت في السمن فماتت فيه قال: ان كان جامدا فاطرحها وما حولها وكل بقيته، وان كان دائبا فاهرقه.
قال على: والمأخوذ مما حولها هو أقل ما يمكن أن يؤخذ وأرقه غلظا، لان هذا هو الذى يقع عليه اسم ما حولها، وأما ما زاد على ذلك فمن المأمور بأكله والمنهي عن تضييعه * فان قيل: فقد روى: خذوا مما حولها قدر الكف.
قيل: هذا انما جاء مرسلا من رواية أبى جابر البياضى (2) وهو كذاب عن ابن المسيب فقط، ومن رواية شريك بن أبى نمر وهو ضعيف عن عطاء بن يسار، وشريك ضعيف (3)، ولا حجة في مرسل ولو رواه الثقات، فكيف من روايه الضعفاء * ولا يجوز أن يحكم لغير الفأر في غير السمن، ولا للفأر في غير السمن ولا لغير الفأرة في السمن: بحكم الفأر في السمن، لانه لا نص في غير الفأر في السمن.
ومن المحال أن يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم حكما في غير الفأر في غير السمن ثم يسكت عنه ولا يخبرنا به ويكلنا إلى علم الغيب والقول بما لا نعلم على الله تعالى، وما يعجز (4) عليه السلام قط عن أن يقول لو أراد: إذا وقع النجس أو الحرام في المائع فافعلوا كذا، حاش لله من أبن يدع عليه السلام بيان ما أمره ربه تعالى بتبليغه، هذا هو الباطل المقطوع على بطلانه بلا شك *
__________
(1) هذا منقطع لان ميسرة بن حبيب النهدي متأخر لم يدرك عليا.
(2) نقل بهامش اليمنية عن التقريب.
(صدوق يخطئ) وهو خطأ فليس
لابي جابر ذكر في التقريب بل هو في لسان الميزان واسمه محمد بن عبد الرحمن ج 5 ص 244) وهو كذاب كما قال ابن معين وغيره.
(3) كلا بل شريك ثقة روى له الشيخان وموثقه ابن سعد وأبو داود وغيرهما.
(4) في اليمنية (وما عجز)(1/142)
فان قيل: فانه قد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة وقعت في ودك فقال عليه السلام: (اطرحوها وما حولها إن كان جامدا، قيل: وإن كان مائعا؟ قال: فانتفعوا به ولا تأكلوه (1)) قلنا: هذا لم يروه أحد إلا عبد الجبار بن عمر (2)، وهو لا شئ، ضعفه ابن معين والبخاري وأبو داود والساجى (3) وغيرهم، وأيضا فليس فيه الا الفأر في الودك فقط، وقد قيل: ان الودك في اللغة للسمن والمرق خاصة والدسم للشحم * وقال أبو حنيفة: ان وقعت خمر أو ميتة أو بول أو عذرة أو نجاسة في ماء راكد نجس كله قلت النجاسة أو كثرت، ووجب هرقه كله ولم تجز صلاة من توضأ منه أو اغتسل منه ولم يحل شربه كثر ذلك الماء أو قل، الا أن يكون إذا حرك أحد طرفيه لم يتحرك الآخر، فانه طاهر حينئذ، وجائز التطهر به وشربه.
فانه وقعت كذلك في مائع غير الماء حرم أكله وشربه، وجاز الاستصباح به والانتفاع به وبيعه.
فان وقعت النجاسة أو الحرام في بئر، فان كان ذلك عصفورا فمات أو فأرة فماتت فأخرجا فان البئر قد تنجست وطهورها ان يستقى منها عشرون دلوا والباقى طاهر.
فان كانت دجاجة أو سنورا فاخرجا حين ماتا فطهورها أربعون دلوا والباقى طاهر.
فان كانت شاة فأخرجت حين ماتت أو بعد ما انتفخت أو تفسخت أو لم تخرج الفأرة ولا العصفور ولا الدجاجة أو السنور إلا بعد الانتفاخ أو الانفساخ، فطهور البئر أن تنزح.
وحد النزح عند أبى حنيفة وأبى يوسف أن يغلبه الماء، وعند محمد بن الحسن مائتا دلو.
فلو وقع في
البئر سنور أو فأر أو حنش فأخرج ذلك وهى أحياء، فالماء طاهر يتوضأ به، ويستحب أن ينزح منها عشرون دلوا.
فلو وقع فيها كلب أو حمار فأخرجا حيين فلا بد من نزح البئر حتى يغلبهم الماء.
فلو بالت شاة في البئر وجب نزحها حتى يغلبهم قل البول أو كثر.
__________
(1) الحديث نقله الدهبى في الميزان (ج 2 ص 92) عن العقبلى باسناده.
(2) هو الايلى (بفتح الهمزة واسكان الياء المثناة) قال أبو حاتم، (منكر الحديث ضعيف ليس محله الكذب).
(3) كذا في الاصلين، وبهامش المصرية ما يدل على أن في نسخة اصلاح ذلك وجعله (والنسائي) وهو الصواب، فان النسائي ضعف عبد الجبار هذا.(1/143)
وكذلك لو بال فيها بعير عندهم.
فلو وقع فيها بعرتان من بعر الابل أو بعر الغنم لم يضرها ذلك.
وكذلك لو وقع في الماء خرء حمام أو خرء عصفور لم يضره.
قال أبو حنيفة: من توضأ من بئر ثم أخرج منها ميتة: فأرة أو دجاجة أو نحو ذلك فان كانت لم تتفسخ أعاد صلاة يوم وليلة وان كانت قد انفسخت أعاد صلاة ثلاثة أيام بلياليها.
فان كان طائرا رأوه وقع في البئر، فان أخرج ولم يتفسخ لم يعيدوا شيئا وان أخرج متفسخا أعادوا صلاة ثلاثة أيام بلياليها.
فان رمي شئ من خمر أو دم في بئر نزحت كلها.
فلو رمي في بئي عطم ميتة، فان كان عليه لحم أو دم تنجست البئر كلها، ووجب نزحها، فان لم يكن عليه دم أو لحم (1) لم تتنجس البئر، إلا أن يكون عظم خنزير أو شعرة واحدة من خنزير، فان البئر كلها تتنجس ويجب نزحها، كان عليهما لحم أو دسم أو لم يكن * وقال أبو يوسف ومحمد: لو ماتت فأرة في ماء في طست وصب ذلك الماء في بئر، فانه ينزح منها عشرون دلوا فقط، فلو توضأ رجل مسلم طاهر في طست طاهره بماء طاهر وصب ذلك الماء في البئر، قال أبوبوسف: قد تنجست البئر وتنزح كلها،
وقال محمد بن الحسن: ينزح منها عشرون دلوا كما ينزح من الفأرة الميتة، فلو وقعت فأرة في خابية ماء فماتت فصب ذلك الماء في بئر، فان أبا يوسف قال: ينزح منها مثل الماء الذى رمى فيها فقط.
وقال محمد بن الحسن: ينزح الاكثر من ذلك الماء أو من عشرين دلوا.
وقال أبو يوسف: لو ماتت فأرة في خابية فرميت الفأرة في بئر ورمي الماء في بئر أخرى فان الفأرة تخرج ويخرج معها عشرون دلوا فقط.
ويخرج من الماء من البئر الاخرى مثل الماء الذى رمى فيها وعشرون دلوا زيادة فقط.
فلو أن فأرة وقعت في بئر فأخرجت وأخرج معها عشرون دلوا ثم رميت الفأرة وتلك العشرون دلوا معها في بئر أخرى فانه يخرج الفأرة وعشرون دلوا فقط.
قالوا: فلو مات في الماء ضفدع أو ذباب أو زنبور أو عقرب أو خنفساء أو جراد أو نمل أو صرار أو سمك فطفا أو كل ما لا دم له: فان الماء طاهر جائز الوضوء به والغسل، والسمك الطافى عندهم لا يحل أكله.
وكذلك
__________
(1) في اليمنية (فان لم يكن عليه لحم ولا دسم).(1/144)
إن مات كل ذلك في مائع غير الماء فهو طاهر حلال أكله، قالوا: فان مانت في الماء أو في مائع غيره حية فدقد تنجس ذلك الماء وذلك المائع، لان لها دما.
فان ذبح كلب أو حمار أو سبع ثم رمى كل ذلك في راكد لم يتنجس ذلك الماء، وان ذلك اللحم حرام لا يحل أكله، وهكذا كل شئ الا الخنزير وابن آدم، فانهما وان ذبحا ينجسان الماء * قال على: فمن يقول هذه الاقوال التى كثير مما يأتي به المبرسم أشبه منها ألا يستحيى من أن ينكر على من اتبع أو امر رسول الله صلى الله عليه وسلم وموجبات العقول في فهم ما أمر الله تعالى به على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، ولم يتعد حدود ما أمر الله تعالى به! ولكن ما رأينا سنة مضاعة، إلا ومعها بدعة مذاعة.
وهذه أقوال لو تتبع ما فيها من التخليط لقام في بيان ذلك سفر ضخم، إذ كل فصل منها مصيبة في التحكم والفساد
والتناقض، وانها أقوال لم يقلها قط أحد قبلهم، ولا لها حظ من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا من قياس يعقل، ولا من رأى سديد، ولا من باطل مطرد، ولكن من باطل متخاذل في غاية السخافة.
والعجب أنهم موهوا برواية عن ابن عباس وابن الزبير: انهما نزحا زمزم من زنجبي مات فنيها، وعن علي بن أبي طالب رضى الله عنه وعن ابراهيم النخعي وعطاء والشعبى والحسن وحماد بن أبي سليمان وسلمة ابن كهيل * قال علي بن أحمد: وكل ما روى عن هؤلاء الصحابة وهؤلاء التابعين رضى الله عنهم فمخالف لاقوال أبى حنيفة وأصحابه * أما على فاننا روينا عنه أنه قال في فأرة وقعت في بئر فماتت: انه ينزح ماؤها، وأنه قال في فأرة وقعت في بئر فتقطعت: يخرج (1) منها سبع دلاء، فان كانت الفأرة كهيأتها لم تتقطع: ينزح (2) منها دلو أو دلوان، فان كانت منتنة: ينزح (2) من البئر
__________
(1) في اليمنية (ينزح) (2) في اليمنية (نزح)(1/145)
ما يذهب الريح، وهاتان الروايتان ليست واحدة منهما قول أبى حنيفة أصلا * وأما الرواية عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما فلو صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجب بذلك فرض نزح البئر مما يقع فيها من النجاسات، فكيف عمن دونه عليه السلام، لانه ليس فيه أنهما أوجبا نزحها ولا أمرا به، وانما هو فعل منهما قد يفعلانه عن طيب النفس، لا على أن ذلك واجب.
فبطل تعلقهم بفعل ابن عباس وابن الزبير، وأيضا فان في الخبر نفسه: أنه قيل لابن عباس: قد غلبتنا عين من جهة الحجر، فأعطاهم كساء خز فحشوه فيها حتى نزحوها، وليس هذا قول أبي حنيفة وأصحابه، لان حد النزح عند أبى حنيفة أن يغلبهم الماء فقط، وعند محمد مائتا
دلو فقط، وعند أبي يوسف كقول أبى حنيفة، فمن أضل ممن يحتج بخبر يقضى بأنه حجة على من لا يراه حجة ثم يكون المحتج به أول مخالف لما احتج! فكيف ولو صح انهما رضى الله عنهما أمرا بنزحها لما كان للحنفيين في ذلك حجة، لانه لا يجوز أن يظن بهم إلا أن زمزم تغيرت بموت الزنجي، وهذا قولنا.
ويؤيد هذا صحة الخبر عن ابن عباس الذى رويناه من طريق وكيع عن زكرياء بن أبى زائدة عن الشعبي عن ابن عباس: أربع لا تنجس، الماء والثوب والانسان والارض.
وقد روينا عن عمر بن الخطاب: ان الله جعل الماء طهورا * وأما التابعون المذكورون، فان ابراهيم النخعي قال: في الفأرة أربعون دلوا، وفى السنور أربعون دلوا، وقال الشعبى: في الدجاجة سبعون دلوا، وقال حماد بن أبي سليمان: في السنور ثلاثة دلوا، وفى الدجاجة ثلاثون دلوا، وقال سلمة بن كهيل: في الدجاجة أربعون دلوا، وقال الحسن: في الفأرة أربعون دلوا، وقال عطاء: في الفأرة عشرون دلوا، وفى الشاة تموت في البئر أربعون دلوا، فان تفسخت فمائة دلو أو تنزح، وفي الكلب يقع في البئر ان أخرج منها حيا عشرون دلوا، فان مات فأخرج حين موته فستون دلوا، فان تفسخ فمائة دلو أو تنزح.
فهل من هذه الاقوال قول يوافق أقوال أبى حنيفة وأصحابه إلا قول عطاء في الفأرة؟ دون أن يقسم تقسيم أبى حنيفة، وقول ابراهيم في السنور دون أن يقسم أيضا تقسيم أبي حنيفة، فلم يحصلوا إلا على خلاف الصحابة والتابعين كلهم فلا تعلق بشئ من السنن أو المقاييس(1/146)
ومن عجيب ما أوردنا عنهم قولهم في بعض أقوالهم: ان ماء وضوء المسلم الطاهر النظيف أنجس من الفأرة الميتة، ولو أوردنا التشنيع عليهم بالحق لالزمناهم ذلك في وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاما أن يتركوا قولهم، واما أن يخرجوا عن الاسلام، أو في وضوء أبى بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم وقولهم: إن حرم طرفه لم
يتحرك الطرف الآخر، فليت شعرى هذه الحركة بماذا تكون: أباصبع طفل، أم بتبنة، أو بعود مغزل، أو بعوم عائم، أو بوقوع فيل، أو بحصاة صغيرة، أو بحجر منجنيق، أو بانهدام جرف؟ نحمد الله على السلامة من هذه التخاليط، لا سيما فرقهم في ذلك بين الماء وسائر المائعات، فان ادعوا فيه اجماعا، قلنا لهم: كذبتم، هذا ابن الماجشون يقول: ان كل ماء أصابته نجاسة فقد تنجس، إلا أن يكون غديرا إذا حرك وسطه تتحرك أطرافه * وقال مالك في البئر تقع فيها (1) الدجاجة فتموت فيها: انه ينزف الا أن تغلبهم كثرة الماء، ولا يؤكل طعام عجن به، ويغسل من الثياب ما غسل به، ويعيد كل من توضأ بذلك الماء أو اغتسل به كل صلاة صلاها ما كان في الوقت.
قال: فان وقعت في البئرر الوزغة أو الفأرة فماتتا: انه يستقى منها حتى تطيب، ينزفون منها ما استطاعوا، فلو وقع خمر في ماء فان من يتوضأ منه يعيد في الوقت فقط، فلو وقع شئ من ذلك في مائع غير الماء لم يحل أكله تغير أو لم يتغير، فان بل في الماء خبز لم يجز الوضوء منه، وأعاد من توضأ به أبدا، فلو تغير الماء من النجاسة المذكورة أو من شئ طاهر أعاد من توضأ به وصلى أبدا، فلو مات شئ من خشاش الارض في ماء أو في طعام أو شراب أو غير ذلك لم يضره، ويوكل كل ذلك ويشرب، وذلك نحو الزنبور والعقرب والصرار والخنفساء والسرطان والضفدع وما أشبه ذلك * وقال ابن القاسم صاحبة: قليل الماء يفسده قليل النجاسة ويتيمم من لم يجد سواه (2)، فان توضأ وصلى به لم يعد إلا في الوقت *
__________
(1) في الاصلين (فيه) وهو خطأ لان البئر مؤنثة.
(2) في اليمنية (غيره)(1/147)
قال على: إن كان فرق بهذا القول بين ما ماتت فيه الوزغة والفأرة وبين ما ماتت فيه الدجاجة فهو خطأ، لانه قول بلا برهان، وان ساوى بين كل ذلك فقد تناقض قوله، إذ منع من أكل الطعام المعمول بذلك الماء، واذ أمر بغسل ما مسه من الثياب، ثم لم يأمر باعادة الصلاة الا في الوقت، وهذا عنده اختيار لا ايجاب.
فان كانت الصلاة التى يأمرة بأن يأتي بها في الوقت تطوعا عنده، فأى معنى للتطوع في اصلاح ما فسد من صلاة الفريضة؟ فان قال: ان لذلك معنى، قيل له: فما الذى يفسد ذلك المعنى إذا خرج الوقت؟ وما الوجة الذى رغبتموه من أجله في أن يتطوع في الوقت، ولم ترغبوه في التطوع بعد الوقت؟ وان كانت الصلاة التي يأمره أن يأتي بها في الوقت فرضا، فكيف يجوز أن يصلى ظهرين ليوم واحد في وقت واحد؟ وما الذى أسقطها عنه إذا خرج الوقت؟ وهو يرى أن الصلاة الفرض يؤديها التارك لها فرضا ولا بد وان خرج الوقت * ثم العجب من تفريق أبى حنيفة ومالك بين مالا دم له يموت في الماء وفى المائعات وبين ماله دم يموت فيها، وهذا فرق لم يأت به قط قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا قول صاحب ولا قياس ولا معقول، والعجب من تحديدهم ذلك بما له دم! وبالعيان ندرى أن البرغوث له دم والذباب له دم * فان قالوا: أردنا ماله دم سائل، قيل: وهذا زائد في العجب! ومن أين لكم هذا التقسيم بين الدماء في الميتات؟ وأنتم مجمعون معنا ومع جميع أهل الاسلام على أن كل ميتة فهى حرام، وبذلك جاء القرآن، والبرغوث الميت والذباب الميت والعقرب الميت والخنفساء الميت: حرام بلا خلاف من أحد، فمن أين وقع لكم هذا التفريق بين أصناف الميتات المحرمات؟ فقال بعضهم: قد أجمع المسلمون على أكل الباقلاء المطبوخ وفيه الدقش (1) الميت، وعلى أكل العسل وفيه
__________
(1) بفتح الدال المهملة واسكان القاف وآخره شين معجمة، ورسم في
الاصل المصرى بدون نقط، وفي النميي هكذا (الرقيس) ولم أصل إلى نحقيق الصواب الا أن ما ذكرناه أقرب إلى الصحة، قال في اللسان: (الدقشة دويبة رقشاء وقيل رقطاء أصغر من العظاءة) والله أعلم(1/148)
النحل الميت، وعلى أكل الخل وفيه الدود الميت، وعلى أكل الجبن والتين كذلك، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقل (1) الذباب في الطعام.
قيل لهم وبالله تعالى التوفيق: إن كان الاجماع صح بذلك كما ادعيتم، وكان في الحديث المذكور دليل على جواز أكل الطعام يموت فيه الذباب كما زعمتم: فان وجه العمل في ذلك أحد وجهين: إما ان تقتصروا على ما صح به الاجماع من ذلك وجاء به الخبر خاصة، ويكون ما عدا ذلك بخلافه، إذ أصلكم أن ما لاقى الطاهرات من الانجاس فانه ينجسها، وما خرج عن أصله عندكم فانكم لا ترون القياس عليه سائغا أو تقيسوا على الذباب كل طائر، وعلى الدقش كل حيوان ذى أرجل، وعلى الدود كل منساب.
ومن أين وقع لكم أن تقيسوا على ذلك مالا دم له؟ فأخطأتم مرتين احداهما أن الذباب له دم، والثانية اقتصاركم بالقياس على مالا دم له، دون أن تقيسوا على الذباب كل ذى جناحين أو كل ذى روح * فان قالوا: قسنا ما عدا ذلك على حديث الفأر في السمن.
قيل لهم: ومن أين لكم عموم القياس على ذلك الخبر؟ فهلا قستم على الفأر كل ذى ذنب طويل، أو كل حشرة من غير السباع! وهذا مالا انفصال لهم منه أصلا.
والعجب كله من حكمهم ان ما كان له دم سائل فهو النجس، فيقال لهم: فأى فرق بين تحريم الله تعالى الميتة وبين تحريم الله تعالى الدم؟ فمن أين جعلتم النجاسة للدم دون الميتة؟ وأغرب ذلك ان الميتة لا دم لها بعد الموت؟ فظهر فساد قولهم بكل وجه * وأما قول ابن القاسم فظاهر الخطأ، لانه رأى التيمم أولى من الماء النجس،
فوجب أن المستعمل له ليس متوضئا، ثم لم ير الاعادة على من صلى كذلك الا في الوقت، وهو عنده مصل (2) بغير وضوء *
__________
(1) مقل النسئ في الشئ يمقله مقلا من باب قتل غمسه وغطسه قاله في اللسان.
(2) في الاصلين (مصلى) وهو غلط(1/149)
وقال الشافعي: إذا كان الماء غير جار فسواء البئر والاناء والبقعة وغير ذلك إذا كان أقل من خمسمائة رطل بالبغدادي، بما قل أو كثر: فانه ينجسه كل نجس وقع فيه وكل ميتة، سواء ماله دم سائل وما ليس له دم سائل، وكل ذلك ميتة نجس يفسد ما وقع فيه، فان كان خمسمائة رطل لم ينجسه شئ مما وقع فيه إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه.
فان كان ذلك في مائع غير الماء نجس كله وحرم استعماله، كثيرا كان أو قليلا * وقال أبو ثور صاحبه: جميع المائعات بمنزلة الماء، إذا كان المائع خمسمائة رطل لم ينجسه شئ مما وقع فيه الا ان يغير لونه أو طعمه أو ريحه، فان كان أقل من خمسمائة رطل ينجس * ولم يختلف أصحاب الشافعي - وهو الواجب ولا بد على أصله - في أن (1) اناء فيه خمسمائة رطل من ماء غير أوقية فوقع فيه نقطة بول أو خمر أو نجاسة ما فانه كله نجس حرام ولا يجوز (2) الوضوء فيه وان يظهر لذلك فيه أثر، فلو وقع فيه (3) رطل بول أو خمر أو نجاسة ما فلم يظهر لها فيه أثر فالماء طاهر يجزئ الوضوء به ويجوز شربه.
واحتج أصحاب الشافعي لقولهم هذا بالحديث المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غسل الاناء من ولوغ الكلب وهرقه، وبأمره صلى الله عليه وسلم من استيقظ من نومه بغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها في وضوئه فانه لا يدرى أين باتت يده، وبأمره صلى الله عليه وسلم البائل في الماء ألا
يتوضأ منه ولا يغتسل، وبقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شئ
__________
(1) في الاصلين (فهو أن) وهو خطأ (2) في اليمنية (لا يجزئ) (3) بهامش اليمنية (لعله يريد ماء هو خمسمائة رطل وأوقية) وهو غير صحيح، بل مراد المؤلف أن يرد على الشافعية بالقياس على أصلهم، لان الماء إذا كان خمسمائة رطل إلا أوقية ثم وقع فيه رطل مما ذكر صار كثيرا أكثر من القلتين فلم ينجس إذا لم يظهر للنجاسة أثر، وأياما كان ففي هذا من المغالطة الظاهرة ما فيه.(1/150)
ولم يقبل الخبث) قالوا: فدلت هذه الاحاديث على أن الماء يقبل النجاسة ما لم يبلغ حدا ما، قالوا: فكانت القلتان حدا منصوصا عليه فيما لا يقبل النجاسة منه، واحتج بهذا أيضا أصحاب أبي حنيفة في قولهم * ثم اختلفوا في تحديد القلتين، فقال بعض أصحاب أبى حنيفة: القلة أعلى الشئ، فمعنى القلتين ههنا القامتان، وقال الشافعي بما روى عن ابن جريج: ان القلتين من قلال هجر، وان قلال هجر القلة الواحدة قربتان أو قربتان وشئ، قال الشافعي: القربة مائة رطل، وقال أحمد بن حنبل بذلك، ولم يحد في القلتين حدا أكثر من انه قال مرة: القلتان أربع قرب، ومرة قال: خمس قرب، ولم يحدها بأرطال.
وقال اسحاق: القلتان ست قرب، وقال وكيع ويحيى بن آدم: القلة الجرة وهو قول الحسن البصري، أي جرة كانت فهي قلة، وهو قول مجاهد وأبى عبيد، قال مجاهد: القلة الجرة، ولم يحد أبو عبيد في القلة حدا * وأظرف شئ تفريقهم بين الماء الجارى وغير الجارى، فان احتجوا في ذلك بان الماء الجارى إذا خالطته النجاسة مضى وخلفه طاهر: فقد علموا يقينا ان الذى خالطته النجاسة إذا انحدر فانما ينحدر كما هو، وهم يبيحون لمن تناوله في انحداره
فتطهر به أن يتوضأ منه ويغتسل ويشرب، والنجاسة قد خالطته بلا شك، فوقعوا في نفس ما شنعوا وأنكروا.
فان قالوا: لم نحتج في الفرق بين الماء الجارى وغير الجاري إلا بأن النهى إنما ورد عن الماء الراكد الذى يبال (1) فيه.
قلنا: صدقتم، وهذا هو الحق، وبذلك الامر نفسه في ذلك الخبر نفسه فرقنا نحن بين من ورد عليه النهى وهو البائل، وبين من لم يرد عليه النهى وهو غير البائل، ولا سبيل إلى دليل يفرق بين ما أخذوا به من ذلك الخبر وبين ما تركوا منه.
وبالله تعالى التوفيق * واحتجوا بحديث الفأرة في السمن فيما ادعوه من قبول ما عدا الماء للنجاسة * قال على: هذا كل ما احتجوا به، ما لهم حجة أصلا غير ما ذكرنا، وكل هذه الاحاديث صحاح ثابتة لا مغمز فيها، وكلها لا حجة لهم في شئ منها، وكلها حجة
__________
(1) كتب في الاصلين (يبل)(1/151)
عليهم لنا، على ما نبين ان شاء الله عزوجل وبه تعالى نستعين * فأول ذلك أنهم كلهم أقوالهم مخالفة لما في هذه الاخبار، ونحن نقول بها كلها والحمد لله على ذلك * أما حديث ولوغ الكلب في الاناء، فان أبا حنيفة وأصحابه خالفوه جهارا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسله سبع مرات أولاهن بالتراب، فقالوا هم: لا بل مرة واحدة فقط، فسقط تعلقهم بقول هم أول من عصاه وخالفه، فتركوا ما فيه وادعوا فيه ما ليس فيه وأخطؤا مرتين * وأما مالك فقال: لا يهرق إلا أن يكون ماء، فخالف الحديث أيضا علانية، وهو وأصحابه موافقون لنا على أن هذا الخبر لا يتعدى به إلى سواه، وأنه لا يقاس شئ من النجاسات بولوغ الكلب.
وصدقوا في ذلك، إذ من ادعى خلاف هذا فقد زاد في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله عليه السلام قط *
وأما الشافعي فانه قال: ان كان ما في الاناء من الماء خمسمائة رطل فلا يهرق ولا يغسل الاناء، وان كان فيه غير الماء أهرق بالغا ما بلغ، وهذا ليس في الحديث أصلا لا بنص ولا بدليل.
فقد خالف هذا الخبر وزاد فيه ما ليس فيه من أنه ان أدخل فيه يده أو رجله أو ذنبه أهرق وغسل سبع مرات إحداهن بالتراب، وهذه زيادة ليست في كلامه عليه السلام أصلا، وقال: إن ولغ في الاناء خنزير كان حكمه حكم ما ولغ فيه الكلب: يغسل سبعا احداهن بالتراب، قال: فان ولغ فيه سبع لم يغسل أصلا ولا أهرق.
فقاس الخنزير على الكلب، ولم يقس السباع على الكلب - وهو بعضها - وإنما حرم الكلب بعموم النهي عن أكل كل ذى ناب من السباع.
فقد ظهر خلاف أقوالهم لهذا الخبر وموافقتنا نحن لما فيه، فهو حجة لنا عليهم.
والحمد لله رب العالمين كثيرا، وظهر فساد قياسهم وبطلانه، وأنه دعاوى لا دليل على شئ منها * وأما الخبر فيمن استيقظ من نومه فليغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها في وضوئه فان أحدكم لا يدرى اين باتت يده -: فانهم كلهم مخالفون له، وقائلون: إن هذا لا يجب على المستيقظ من نومه، وقلنا نحن: بل هو واجب عليه.
وقالوا كلهم: إن النجاسات التى احتجوا بهذه الاخبار في قبول الماء لها، وفرقوا بها بين ورود النجاسة(1/152)
على الماء وبين ورود الماء على النجاسة: فانها تزال بغسلة واحدة وهذا خلاف ما في هذين الخبرين جهارا، لان في أحدهما تطهير الاناء بسبع غسلات أولاهن بالتراب، وفى الآخر تطهير اليد بثلاث غسلات.
وهم لا يقولون بهذا في النجاسات، ولو كان هذان الخبران دليلين على قبول الماء للنجاسة لوجب أن يكون حكمهما مستعملا في إزالة النجاسات.
فبطل احتجاجهم بهذين الخبرين جملة.
والحمد لله * ومن الباطل المتيقن أن يكون ما ظنت به النجاسة من اليد لا يطهر إلا بثلاث غسلات، وإذا تيقنت النجاسة فيها اكتفى في ازالتها بغسلة واحدة.
فهذا قولهم
الذى لا شنعة أشنع منه، وهم يدعون إنفاذ حكم العقول في قياساتهم، ولا حكم أشد منافرة للعقل من هذا الحكم، ولو قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لسمعنا وأطعنا، وقلنا: هو الحق، لكن لما لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب اطراحه والرغبة عنه، وأن نوقن بأنه الباطل.
ومن المحال أيضا أن يكون الامر للمتنبه بغسل اليد ثلاثا خوف أن تقع على نجاسة، إذ لو كان كذلك لكانت رجله في ذلك كيده، ولكان باطن فخذيه وباطن إليتيه أحق بذلك من يده * وأما مالك فموافق لنا في الخبر أنه ليس دليلا على قبول الماء للنجاسة، فبطل تعلقهم أيضا بهذا الخبر جملة، وصح أنه حجة لنا عليهم، والحمد لله رب العالمين، فصح اتفاق جميعهم على أن هذين الخبرين لا يجعلان أصلا لسائر النجاسات، وألا يقاس سائر النجاسات على حكمهما، فبطل تعلقهم بهما * وأما حديث نهي البائل في الماء الراكد عن أن يتوضأ منه أو يغتسل، فانهم كلهم مخالفون له أيضا.
أما أبو حنيفة فانه قال: ان كان الماء بركة إذا حرك طرفها الواحد لم يتحرك طرفها الآخر فانه لو بال فيها ما شاء أن يبول فله أن يتوضأ منها ويغتسل، فان كانت أقل من ذلك لم يكن له ولا لغيره أن يتوضأ منها ولا أن يغتسل، فزاد في الحديث ما ليس فيه من تحريم ذلك على غير البائل، وخالف الحديث فيما فيه باباحته في بعض أحوال كثرة الماء وقلته للبائل فيه أن يتوضأ منه ويغتسل.
وكذلك قول الشافعي في الماء إذا كان خمسمائة رطل أو أقل من خمسمائة رطل، فخالف(1/153)
الحديث كما خالفه أبو حنيفة، وزاد فيه كما زاد أبو حنيفة.
وأما مالك فخالفه كله، قال: إذا لم يتغير الماء ببوله فله أن يتوضأ منه ويغتسل، وقال في بعض أقواله: إذا كان كثيرا.
فبطل تعلقهم بهذا الخبر جملة لمخالفتهم له.
وأما نحن فأخذنا به كما ورد، ولله الحمد كثيرا *
وأما حديث الفأر في السمن فانهم كلهم خالفوه، لان أبا حنيفة ومالكا والشافعي أباحوا الاستصباح به، وفى الحديث: (لا تقربوه) وأباح أبو حنيفة بيعه، فبطل تعلقهم بجميع هذه الآثار وصح خلافهم لها، وأنها حجة لنا عليهم * فان قيل: فما معنى هذه الآثار ان كانت لا تدل على قبول الماء النجاسة وما فائدتها قلنا: معناها ما اقتضاه لفظها، لا يحل لاحد أن يقول إنسانا من الناس مالا يقتضيه كلامه، فكيف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى جاء الوعيد الشديد على من قوله ما لم يقل * وأما فائدتها فهى أعظم فائدة، وهى دخول الجنة بالطاعة لها، وليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه * وأما حديث القلتين فلا حجة لهم فيه أصلا: أول ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحد مقدار القلتين، ولا شك في أنه عليه السلام لو أراد أن يجعلهما حدا بين ما يقبل النجاسة وبين ما لا يقبلها لما أهمل أن يحدها لنا بحد ظاهر لا يحيل، وليس هذا مما يوجب على المرء ويوكل فيه إلى اختياره، ولو كان ذلك لكانت كل قلتين صغرتا أو كبرتا - حدا في ذلك.
فاما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا: القلة القامة، ومع ذلك فقد خالفوا هذا الخبر - على أن نسلم لهم تأويلهم الفاسد لان البئر وان كان فيها قامتان أو ثلاث فانها عندهم تنجس.
وأما الشافعي فليس حده في القلتين بأولى من حد غيره ممن فسر القلتين بغير تفسيره، وكل قول لا برهان له فهو باطل.
وأما نحن فنقول بهذا الخبر حقا، ونقول: ان الماء إذا بلغ قلتين لم ينجس ولم يقبل الخبث.
والقلتان ما وقع عليه في اللغة اسم قلتين، صغرتا أو كبرتا، ولا خلاف في أن القلة التى تسع عشرة أرطال ماء تسمى عند العرب قلة، وليس في هذا الخبر ذكر لقلال هجر أصلا، ولا شك في أن بهجر قلالا صغارا وكبارا *(1/154)
فان قيل: إنه صلى الله عليه وسلم قد ذكر قلال هجر في حديث الاسراء (1).
قلنا: نعم، وليس
ذلك يوجب أنه صلى الله عليه وسلم متى ما ذكر قلة فانما أراد من قلال هجر، وليس تفسير ابن جريج للقلتين بأولى من تفسير مجاهد الذى قال: هما جرتان، وتفسير الحسن كذلك: إنها أي جرة كانت * وليس في قوله صلى الله عليه وسلم هذا دليل ولا نص على أن ما دون القلتين ينجس ويحمل الخبث (2) ومن زاد هذا في الخبر فقد قوله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، فوجب طلب حكم ما دون القلتين من غير هذا الخبر، فنظرنا فوجدنا ما حدثنا حمام قال: ثنا عباس ابن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو على عبد الصمد ابن أبى سكينة - وهو ثقة - ثنا عبد العزيز بن أبى حازم أبو تمام عن أبيه عن سهل ابن سعد الساعدي قال: (قالوا يا رسول الله: انا نتوضأ (3) من بئر بضاعة وفيها ما ينجي (4) الناس والحائض والجيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماء لا ينجسه شئ (5)) * حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور أخبرنا وهب بن مسرة ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ثنا محمد بن فضيل عن أبى مالك الاشجعى عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضلنا على الناس بثلاث وذكر صلى الله عليه وسلم فيها وجعلت لنا الارض
__________
(1) بهامش اليمنية (يعني في ثمر سدرة المنتهى) (2) بهامش اليمنية (هذا مبنى على عدم القول بالمفهوم وهو مذهب المصنف) (3) في المصرية (انك تتوضأ) وهو الموافق لها في التلخيص.
(4) بضم الياء واسكان النون، والنجو ما يخرج من البطن، وأنجى أحدث أو ألقى نجوه.
(5) حديث بئر بضاعة معروف من حديث ابي سعيد الخدرى، وأما من حديث سهل بن سعد فانا لم نره الا في هذه الرواية وهي رواية محمد بن وضاح، فقد رواه عنه قاسم بن أصبغ في مصنفه، ومحمد بن عبد الملك بن أيمن في مستخرجه على سنن أبى داود، ذكر هذا ابن حجر في التلخيص (ج 1 ص 91) وقال:
(قال ابن وضاح لقيت ابن أبى سكينة بحلب فذكره.
وقال قاسم بن أصبغ: هذا(1/155)
كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء (1)) ثم عليه السلام كل ماء ولم يخص ماء من ماء * فقالوا: فانكم تقولون إن الماء إذا طهرت فيه النجاسة فغيرت لونه وطعمه وريحه فانه ينجس، فقد خالفتم هذين الخبرين.
قلنا: معاذ الله من هذا أن نقوله، بل الماء لا بنجس أصلا، ولكنه طاهر بحسبه (2)، لو أمكننا تخليصه من جملة المحرم علينا لاستعملناه، ولكنا لما لم نقدر على الوصول إلى استعماله كما أمرنا سقط عنا حكمه، وهكذا كل شئ، كثوب طاهر صب عليه خمر أو دم أو بول، فالثوب طاهر كما كان إن أمكننا إزالة النجس عنه صلينا فيه، وإن لم يمكنا الصلاة فيه الا باستعمال النجس المحرم سقط عنا حكمه، ولم تبطل الصلاة للباس ذلك الثوب، لكن لاستعمال النجاسة التى فيه، وكذلك خبز دهن بودك خنزير، وهكذا كل شئ، حاشى ما جاء
__________
من أحسن شئ في بئر بضاعة، وقال ابن حزم: عبد الصمد ثقة مشهور، قال قاسم ويروى عن سهل بن سعد في بئر بضاعة من طرق هذا خيرها، قلت: ابن أبي سكينة الذي زعم ابن حزم انه مشهور قال ابن عبد البر وغير واحد: انه مجهول ولم نجد عنه راويا اؤ محمد بن وضاح) وهذا الحديث رواه الدارقطني (ص؟ 1) من طريق فضيل بن سليمان عن أبي حازم عن سهل مختصرا بدون ذكر قصة بئر بضاعة ونقله عنه ابن الجوزى في التحقيق رقم 2 وله شاهد قوى رواه البيهقي في سننه (ج 1 ص 259) عن محمد بن أبي يحى عن أبيه قال: (دخلت على سهل بن سعد الساعدي في نسوة فقال لو أني أسقيكم من بضاعة لكرهتم ذلك، وقد والله سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدى منها) قال البيهقي: (وهذا اسناد حسن موصول) ورواه الدارقطني (ص 12) من هذا الطريق مختصرا، فدلت هذه الاسانيد على أن
للحديث عن سهل أصلا صحيحا، ولئن جهل ابن عبد البر حال عبد الصمد فلقد عرفه غيره: قاسم بن أصبغ وابن حزم ومن عرف حجة على من لم يعرف.
(1) رواه مسلم وغيره (2) بهامش اليمنية (يقال عاد الخلاف لفظيا يتعلق بالتسمية لا بالحكم فانه متفق عليه) وهذا صحيح.(1/156)
النص بتحريمه بعينه فتجب الطاعة له كالمائع يلغ فيه الكلب في الاناء وكالماء الراكد للبائل وكالسمن الذائب يقع فيه الفأر الميت ولا مزيد وقد روينا من طريق قتادة أن ابن مسعود قال: لو اختلط الماء بالدم لكان الماء طهورا وبالله تعالى التوقيق * ولو كان الماء ينجس بملاقاة النجاسة للزم إذا بال انسان في ساقية ما الا يحل لاحد أن يتوضا بما هو أسفل من موضع البائل، لان ذلك الماء الذى فيه البول أو العذرة منه يتوضأ بلا شك ولما تطهر فم أحد من دم أوقي فيه لان الماء إذا دخل في الفم النجس تنجس وهكذا أبدا والمفرق بين الماء وسائر المائعات في ذلك مبطل متحكم قائل بلا برهان وهذا باطل * قال أبو محمد على: وأما تشنيعهم علينا بالفرق بين البائل المذكور في الحديث وغير البائل الذى لم يذكر فيه، وبين الفأر يقع في السمن المذكور في الحديث وبين وقوعه في الزيت أو وقوع حرام ما في السمن إذ (1) لم يذكر شئ من ذلك في الحديث -: فتشنيع فاسد عائد عليهم، ولو تدبروا كلامهم لعلموا أنهم مخطئون في التسوية بين البائل الذى ورد فيه النص وغير البائل الذي لا نص فيه، وهل فرقنا بين البائل وغير البائل إلا كفرقهم معنا بين الماء الراكد المذكور في الحديث وغير الراكد الذى لم يذكر فيه؟ والا فليقولوا لنا: ما الذى أوجب الفرق بين الماء الراكد
وغير الراكد ولم يوجب الفرق بين البائل وغير البائل؟! إلا أن ما ذكر في الحديث لا يتعدى بحكمه إلى ما لم يذكر فيه بغير نص، وكفرقهم بين الغاصب للماء فيحرم عليه شربه واستعماله، وهو حلال لغير الغاصب له، وهل البائل وغير البائل إلا كالزاني وغير الزاني والسارق وغير السارق، والمصلى وغير المصلى؟ لكل ذى اسم منها حكمه، وهل الشنعة والخطأ الظاهر الا أن يرد نص في البائل فيحمل ذلك الحكم على غير البائل! وهل هذا إلا كمن حمل حكم السارق على غير السارق، وحكم الزاني على
__________
(1) في الاصلين (إذا) وما هنا أصح(1/157)
غير الزانى وحكم المصلى على غير المصلى، وهكذا في جميع الشريعة! ونعوذ بالله من هذا.
ولو أنصفوا أنفسهم لانكر المالكيون والشافعيون على أنفسهم تفريقهم بين مس الذكر بباطن الكف فينقض الوضؤ، وبين مسه بظاهر الكف فلا ينقض الوضؤ.
ولانكر المالكيون على أنفسهم تفريقهم بين حكم الشريفة وحكم الدنية في النكاح، وما فرق الله تعالى بين فرجيهما في التحليل والتحريم والصداق والحد.
ولانكر المالكيون والشافعيون تفريقهم بين حكم التمر وحكم البسر في العرايا.
وهؤلاء المالكيون يفرقون معنا بين ما أدخل فيه الكلب لسانه وبين ما أدخل فيه ذنبه المبلول من الماء ويفرقون بين بول البقرة وبول الفرس، ولا نص في ذلك.
بل أشنع من ذلك تفريقهم بين خرء الدجاجة المخلاة وخرئها إذا كانت مقصورة وبين بول الشاة إذا شربت ماءا نجسا وبين بولها إذا شربت ماءا طاهرا، وفرقوا بين الفول وبين نفسه، فجعلوه في الزكاة مع الجلبان صنفا واحدا، وجعلوهما في البيوع صنفين، وكل ذى عقل يدرى ان الفرق بين البائل والمتغوط بنص جاء في احدهما دون الآخر اوضح من الفرق بين الفول أمس والفول اليوم، وبين الفول
ونفسه بغير نص ولا دليل اصلا.
وهؤلاء الشافعيون فرقوا بين البول في مخرجه من الاحليل فجعلوه يطهر بالحجارة وبين ذلك البول نفسه من ذلك الانسان نفسه إذا بلغ أعلى الحشفة: فجعلوه لا يطهر الا بالماء، وفرقوا بين بول الرضيع وبين غائطه في الصب والغسل، وهذا هو الذى أنكروا علينا ههنا بعينه.
وهؤلاء الحنفيون فرقوا بين بول الشاة في البئر فيفسدهما، وبين ذلك المقدار نفسه من يولها بعينها في الثوب فلا يفسده، وفرقوا بين بول البعير في البئر فيفسده، ولو أنه، نقطة فان وقعت بعرتان من بعر ذلك الجمل في ماء البئر لم يفسد الماء.
وهذا نفس ما أنكروه علينا.
وفرقوا بين روث الفرس يكون في الثوب منه أكثر من قدر الدرهم البغلى فيفسد الصلاة، وبين بول ذلك الفرس نفسه يكون في الثوب فلا(1/158)
يفسد الصلاة إلا أن يكون ربع الثوب عند أبى حنيفة، وشبرا في شبر عند أبى يوسف، فيفسدها حينئذ، وزفر منهم يقول: بول ما يؤكل لحمه طاهر كله ورجيعه نجس، وهذا هو الذى انكروا علينا.
وفرقوا بين ما يملا الفم من القلس وبين ما لا يملا الفم منه، وفرقوا بين البول في الجسد، فلا يزيله الا الماء، وبين البول في الثوب فيزيله غير الماء ولو تتبعنا سقطاتهم لقام منها ديوان فان قالوا: من قال بقولكم هذا في الفرق بين البائل والمتغوط في الماء الراكد قبلكم؟ قلنا: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم - الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - إذ بين لنا حكم البائل وسكت عن المتغوط والمتنخم والمتمخط، ولكن اخبرونا: من قال من ولد آدم بفروقكم هذه قبلكم؟ من الفرق بين بول الشاة في البئر وبولها في الثوب، وبين بولها في الجسد وبولها في الثوب؟ وبين بول الشاة
تشرب ماءا نجسا وبولها إذا شربت ماءا: طاهرا؟ وبين البول في رأس الحشفة وبينه فوق ذلك؟ فهذا هو الذى لم يقله احد قط قبلهم! وليتهم إذ قالوه مبتدئين قالوه بوجه يفهم أو يعقل، وكذلك سائر فروقهم المذكورة والحمد لله رب العالمين.
ونحن لا ننكر القول بما جاء به القرآن والسنة، وان لم نعرف قائلا مسمى به، وهم ينكرون ذلك ويفعلونه، فاللوائم لهم لازمة لا لنا، وانما ننكر غاية الانكار القول في دين الله تعالى وعلى الله ما لم يقله تعالى قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا والله هو المنكر حقا ولو قاله أهل الارض.
وكذلك ان قالوا لنا: من فرق قبلكم بين السمن يقع فيه الفأر وبين غير السمن فجوابنا هو الذى ذكرنا.
بعينه، فكيف وقد روينا الفرق بينهما عن ابن عمر، كما حدثنا احمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا على بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا هشيم عن معمر عن أبان عن راشد مولى قريش (1)
__________
(1) الاسناد فيه خطأ في الاصلين، فهو في النسخة المصرية (هشيم عن معمر ابن أبان عن راشد مولى قريش) وفى اليمنية (هشيم بن معمر بن أبان عن راشد مولى قريش) والصواب ما ذكرنا، فهشيم هو ابن بشير، ومعمر هو ابن(1/159)
عن ابن عمر أنه سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال: ان كان مائعا فألقه كله وان كان جامدا فألق الفأرة وما حولها وكل ما بقي * حدثنا حملم ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن معمر وسفيان الثوري كلاهما عن أيوب السختياني عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر انه سئل عن فأرة وقعت في عشرين فرقا من زيت، فقال ابن عمر: استسرجوا به وادهنوا به الادم.
وبه إلى عبد الرازق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: الفأرة تقع في السمن الذائب فتموت فيه أو في الدهن فتؤخذ قد تسلخت أو قد ماتت وهى شديدة لم تتسلخ؟ فقال: سواء إذا ماتت فيه، فأما
الدهن فينش فيدهن به ان لم تقذره، قلت: قالسمن أينش فيؤكل؟ قال: لا ليس ما يؤكل كهيئة شئ في الرأس يدهن به (1).
(قال أبو محمد): والزيت دهن بنص القرآن قال الله تعالي: (وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين) وقد رأى مالك غسل الزيت تقع فيه النجاسة ثم يؤكل، وقد روى ابن القاسم عن مالك في النقطة من الخمر تقع في الماء والطعام: أنه لا يفسد شئ من ذلك، وأن ذلك الماء يشرب وذلك الطعام يؤكل.
قال على: ويقال للحنفيين: انتم تخالفون بين أحكام النجاسات في الشدة والخفة بآرائكم بغير نص من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم ولا من اجماع ولا قياس،
__________
راشد الازدي، وأبان هو بن أبي عياش البصري.
وأما راشد مولى قريش فاني لم أجد له ترجمة ولم أعرف من هو.
(1) العبارة محرفة في الاصلين، فكتب في احداهما (ينبش) وفي الآخر (يلش) وصححناها من لسان العرب مادة (ن ش ش) ونص عبارته (النش الخلط..وروى عبد الرزاق عن ابن جريج: قلت لعطاء: الفأرة تموت في السمن الذائب أو الدهن، قال: أما الدهن فينش ويدهن به ان لم تقذره نفسك، قلت: ليس في نفسك من أن يأتم إذا نش؟ قال: لا، قلت: فالسمن ينش ثم يؤكل؟ قال: ليس ما يؤكل به كهيئة شئ في الرأس يدهن به.
وقوله: ينش ويدهن به ان لم تقذره نفسك.
أي يخلط ويذاف) و (يدهن) بضم الياء وفتح الدال المشددة.(1/160)
فبعضها عندكم لا ينجس الثوب والبدن والخف والنعل منه الا مقدار اكبر من الدرهم البغلي وربما قل، وبعضها لا ينجس هذه الاشياء الا ما كان ربع الثوب، ولا ندرى ما قولكم في الجسد والنعل والخف والارض، وبعضها تفرقون بين حكمها في نفسها
في الثوب والجسد وبين حكمها في نفسها في البئر، فتقولون: ان قطرة خمر أو بول تنجس البئر ولا تنجس الثوب ولا الجسد حتى يكون ذلك أكثر من الدرهم البغلى، فأخبرونا عن غدير إذا حرك طرفه الواحد لم يتحرك الآخر وقعت فيه نقطة بول كلب أو نقطة بول شاة أو حلمة (1) ميتة أو فيل ميت متفسخ، هل كل هذا سواء أم لا؟ فان ساووا بين ذلك كله نقضوا أصلهم في تغليظ بعض النجاسات دون بعض، وتركوا قولهم إن بعرتين من بعر الابل أو بعرتين من بعر الغنم لا تنجس البئر، وإن فرقوا بين كل ذلك سألناهم تفصيل ذلك، ليكون ذلك زيادة في السخرياء (2) والتخليط * قال على: وقالوا لنا: ما قولكم في خمر أو دم أو بول وقع ذلك في الماء فلم يظهر لشئ من ذلك في الماء طعم ولا لون ولا ريح، هل صار الخمر والبول والدم ماء أم بقى كل ذلك بحسبه؟ فان كان صار كل ذلك ماء فكيف هذا.
وان كان بقى كل ذلك بحسبه فقد أبحتم الخمر والبول والدم وهذا عظيم وخلاف للاسلام؟ (قال أبو محمد) جوابنا وبالله تعالى التوفيق: إن العالم كله جوهرة واحدة تختلف ابعاضها بأعراضها وبصفاتها فقط، وبحسب اختلاف صفات كل جزء من العالم تختلف أسماء تلك الاجزاء التي عليها تقع أحكام الله عزوجل في الديانة، وعليها يقع التخاطب والتفاهم من جميع الناس بجميع اللغات، فالعنب عنب وليس زبيبا، والزبيب ليس عنبا، وعصير العنب ليس عنبا ولا خمرا، والخمر ليس عصيرا، والخل ليس خمرا، وأحكام كل ذلك في الديانة تختلف، والعين الحاملة واحدة، وكل ذلك له صفات منها يقوم
__________
(1) الحلمة بفتح الحاء واللام القرادة الكبيرة وهي دويبة تعض الابل معروفة وقيل هي الصغيرة، وفى النسخة اليمنية (حلمة منتنة) (2) كذا في الاصلين بالمد ولم أجده في شئ من كتب اللغة، بل المصدر السخرية بضم السين، والاسم السخري بضم السين وكسرها مع تشديد الياء(1/161)
حده فما دامت تلك الصفات في تلك العين فهى ماء وله حكم الماء فإذا زالت تلك الصفات عن تلك العين لم تكن ماء ولم يكن لها حكم الماء، وكذلك الدم والخمر والبول وكل ما في العالم، لكل نوع منه صفات مادامت فيه فهو خمر له حكم الخمر، أو دم له حكم الدم، أو بول له حكم البول أو غير ذلك، فإذا زالت عنه لم تكن تلك العين خمرا ولا ماء ولا دما ولا بولا ولا الشئ الذي كان ذلك الاسم واقعا من أجل تلك الصفات عليه، فإذا سقط ما ذكرتم من الخمر أو البول أو الدم في الماء أو في الخل أو في اللبن أو في غير ذلك -: فان بطلت الصفات التى من أجلها سمى الدم دما والخمر خمرا والبول بولا، وبقيت صفات الشئ الذي وقع فيه ما ذكرنا بحسبها، فليس ذلك الجرم الواقع بعد خمرا ولا دما ولا بولا، بل هو ماء على الحقيقة أو لبن على الحقيقة، وهكذا في كل شئ * قان غلب الواقع مما ذكرنا وبقيت صفاته بحسبها وبطلت صفات الماء أو اللبن أو الخل فليس هو ماء بعد ولا خلا ولا لبنا، بل هو بول على الحقيقة أو خمر على الحقيقة أو دم على الحقيقة.
فان بقيت صفات الواقع ولم تبطل صفات ما وقع فيه فهو ماء وخمر أو ماء وبول أو ماء ودم، أو لبن وبول أو دم وخل وهكذا في كل شئ * ولم يحرم علينا استعمال الحلال من ذلك لو أمكننا تخليصه من الحرام، لكنا لا نقدر على استعماله الا باستعمال الحرام فعجزنا عنه فقط، والا فهو طاهر مطهر حلال بحسبه كما كان، وهكذا كل شئ في العالم، فالدم يستحيل لحما فهو حينئذ لحم وليس دما، والعين واحدة، واللحم يستحيل شحما فليس لحما بعد بل هو شحم والعين واحدة، والزبل والبراز والبول والماء والتراب يستحيل كل ذلك في النخلة ورقا ورطبا، فليس شئ من ذلك حينئذ زبلا ولا ترابا ولا ماء، بل هو رطب حلال طيب، والعين واحدة، وهكذا في سائر النبات كله، والماء يستحيل هواء متصعدا وملحا جامدا فليس هو ماء بل ولا يجوز الوضوء به والعين واحدة، ثم يعود ذلك الهواء وذلك الملح
ماء، فليس حينئذ هواء ولا ملحا، بل هو ماء حلال يجوز الوضوء به والغسل * فان أنكرتم هذا وقلتم: انه وان ذهبت صفاته فهو الذي كان نفسه، لزمكم ولا بد اباحة الوضوء بالبول لانه ماء مستحيل بلا شك، وبالعرق لانه ماء مستحيل، ولزمكم(1/162)
تحريم الثمار المغذاة بالزبل وبالعذرة، وتحريم لحوم الدجاج لانها مستحيلة عن المحرمات * فان قالوا: فنحن نجد الدم يلقى في الماء أو الخمر أو البول فلا يظهر له لون ولا ريح ولا طعم فيواتر طرحه فتظهر صفاته فيه، فهلا صار الثاني ماء كما صار الاول؟ قلنا لهم: هذا السؤال لسنا نحن المسئولين به، لكن جريتم فيه على عادتكم الذميمة في التعقب على الله تعالى والاستدراك عليه في أحكامه تعالى وأفعاله، وإياه تعالى تسألون عن هذا لا نحن، لانه هو الذى أحل الاول ولم يحل الثاني كما شاء لا نحن، وجوابه عزوجل لكم على هذا السؤال يأتيكم يوم القيامة بما تطول عليه ندامة السائل، لان الله تعالى حرم هذا السؤال إذ يقول تعالى: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) * ثم نحن نجيبكم قائمين لله تعالى كما افترض عزوجل علينا إذ يقول: (كونوا قوامين لله) فنقول لكم: هذا خلق الله تعالى ما خلق كله من ذلك كله كما شاء لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل، ونحن نجد الماء يصعده الهواء بالتجفيف فيصير الماء هواء مصعدا وليس ماء أصلا، حتى إذا كثر الماء المستحيل هواء في الجو عاد ماء كما كان، وأنزله الله تعالى من السحاب ماء، وهذا نفس ما احتججتم به علينا من أن الدم يخفى في الماء والفضة تخفى في النحاس، فإذا توبع بهما ظهرا * ولا فرق بين هذا السؤال الاحمق وبين من سأل: لم خلق الله الماء يتوضأ به ولم يجعل ماء الورد يتوضأ به؟ ولم جعل الصلاة إلى الكعبة والحج ولم يجعلها إلى كسكر أو إلى الفرما (1) أو الطور؟ ولم جعل المغرب ثلاثا والصبح ركعتين بكل حال، والظهر في
الحضر أربعا؟ ولم جعل الحمار طويل الاذنين، والجمل صغيرهما، والفأر طويل الذنب،
__________
(1) كسكر بفتح الكافين وبينهما سين مهملة ساكنة وآخره راء، قال ياقوت: (كورة واسعة...وقصبتها اليوم واسط القصبة التى بين الكوفة والبصرة) و (الفرما) بفتح الفاء والراء والميم مقصور: مدينة قديمة بين العريش والفسطاط شرقي تنيس على ساحل البحر.
قاله ياقوت، وموقعها يكون الآن شرقي (بورفؤاد) بين بحيرة (البردويل) وبين بحيرة تنيس المعروفة ببحيرة (المنزلة)(1/163)
والثعلب كذلك والمعزى قصيرة الذنب والارنب كذلك؟ ولم صار الانسان يحدث من أسفل ريحا فيلزمه غسل وجهه وذراعيه ومسح رأسه وغسل رجليه، ولا يغسل مخرج تلك الريح؟ وهذا كله ليس من سؤال العقلاء المسلمين، ولا يشبه اعتراضات العلماء المؤمنين، بل هو سؤال نوكى الملحدين وحمقى الدهريين المتحيرين الجهال * وإذا أحلناكم وسائر خصومنا على العيان ومشاهدة الحواس في انتقال الاسماء بانتقال الصفات التى فيها تقوم الحدود، ثم أريناكم بطلان الصفات التى لا تجب تلك الاسماء - عندكم وعندنا وعند كل من على أديم الارض قديما وحديثا - على تلك الاعيان الا بوجودها، هم أحلناكم على البراهين الضرورية العقلية على أن الله تعالى خالق كل ذلك على ما هو عليه كما شاء، فاعتراضكم كله هوس وباطل يؤدى إلى الالحاد * فقالوا: فما تقولون في فضة خالطها نحاس فلم يظهر له فيها أثر ولا غيرها، أتزكى بوزنها وتباع بوزنها فضة محضة أم لا؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق: القول في هذا كالقول في الماء سواء سواء ولا فرق، إن بقيت صفات الفضة بحسبها ولم يظهر للنحاس فيها أثر، فانها تزكى بوزنها وتباع بوزنها من الفضة، لا بأقل ولا بأكثر ولا نسيئة، وان غلبت صفات
النحاس حتى لا يبقى للفضة أثر، فهو كله نحاس محض لا زكاة فيه أصلا، سواء كثرت تلك الفضة التى استحالت فيه أو لم تكثر، وجائز بيعه بالفضة نقدا ونسيئة بأقل مما خالطه من الفضة وبمثل ذلك وبأكثر، وان ظهرت صفات النحاس وصفات الفضة معا فهو نحاس وفضة، تجب الزكاة فيما فيه من الفضة خاصة ان بلغت خمس أواقى وإلا فلا، كما لو انفردت، ولا يحل بيع تلك الجملة بفضة محضة أصلا لا بمقدار ما فيها من الفضة ولا بأقل ولا بأكثر لا نقدا ولا نسيئة، لاننا لا نقدر فيها على المماثلة بالوزن، وتباع تلك الجملة بالذهب نقدا لا نسيئة * فسألوا عن قدر طبخت بالخمر أو طرح فيها بول أو دم أو عذرة ولم يظهر من ذلك كله هنالك أثر أصلا، فقلنا: من طرح في القدر شيئا من ذلك عمدا فهو فاسق عاص لله عزوجل، لانه استعمل الحرام المفترض اجتنابه، وأما إذا بطل (1) كل
__________
(1) بهامش اليمنية: (يعنى استحالت صفاته كلها)(1/164)
ذلك (1) فما في القدر حلال أكله، لانه ليس فيه شئ من المحرمات أصلا، وقد أبطل الله تعالى تلك المحرمات وأحالها إلى الحلال.
ثم نقلب عليهم هذا السؤال في دن خل رمى فيه خمر فلم يظهر للخمر أثر، فقولهم إن ذلك الذي في الدن كله حلال، فهذا تناقض منهم، وقول منهم بالذى شنعوا به فلزمهم التشنيع، لانهم عظموه ورأوه حجة، ولم يلزمنا لاننا لم نعظمه ولا رأيناه حجة.
ولله الحمد * قال على: وأما متأخروهم فانهم لما رأوا أنهم لا يقدرون على ضبط هذا المذهب لفساده وسخافته فروا إلى أن قالوا: إننا لا نفرق بين غدير كبير ولا بحر ولا غير ذلك، لكن الحكم لغلبة الظن والرأى في الماء الذي يتوضأ منه ويغتسل منه، فان تيقنا أو غلب في ظنوننا أو النجاسة خالطته حرم استعماله ولو أنه ماء البحر، وان لم نتيقن ولاغلب في ظنوننا أنه خالطته نجاسة توضأنا به *
قال على: وهذا المذهب أشد فسادا من الذى رغبوا عنه لوجوه: أولها، أنهم مقرون بأنه حكم بالظن، وهذا لا يحل، لان الله تعالى يقول: (ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث).
ولا أسوأ حالا ممن يحكم في دين الله تعالى الذى هو الحق المحض بالظن الذى هو مقر بأنه لا يحققه.
والثانى، أن يقال لهم: كما تظنون أن النجاسة لم تخالطه فظنوا أنها خالطته فاجتنبوه، لان الحكم بالظن أصل من أصولكم، فما الذى جعل إحدى جنبتى الظن أولى من الاخرى؟.
والثالث، أن قولكم هذا تحكم منكم بلا دليل، وما كان هكذا فهو باطل.
والرابع، أن نقول لهم: عرفونا ما معنى هذه المخالطة من النجاسة للماء؟ فلسنا نفهمها ولا أنتم ولا أحد في العالم - ولله الحمد - فان كنتم تريدون أن كل جزء من أجزاء الماء قد جاور جزءا من أجزاء النجاسة فهذه مجاورة لا مخالطة، وهذا لا يمكن البتة الا بأن يكون مقدار النجاسة كمقدار الماء سواء سواء، وإلا فقد فضلت أجزاء من الماء لم يجاورها شئ من النجاسة * فان قالوا: فقد تنجس كل ذلك وان كان لم يجاوره من النجاسة شئ، قلنا
__________
(1) بهامش اليمنية.
(أي لون ما طرح وريحه وطعمه)(1/165)
لهم: هذا لازم لكم في البحر بنقطة بول تقع فيه ولا فرق فان أبوا (1) من هذا قلنا لهم: فعرفونا بالمقدار من النجاسة الذى إذا جاور مقدارا محدودا أيضا من الماء ولا بد نجسه، فان أقدموا على تحديد ذلك زادوا في الضلال والهوس، وان لم يقدموا على ذلك تركوا قولهم، كالميتة فسادا ومجهولا لا يحل القول به في الدين * وأيضا فان كان الحكم عندكم لغالب الظن فانه يلزمكم أن تقولوا في قدح فيه أوقيتان من ماء فوقعت فيه مقدار الصآبة (2) من بول كلب: إنه لم ينجس من الماء إلا مقدار ما يمكن أن تخالطه تلك النجاسة، وليس ذلك الا لمقدارها من الماء فقط،
ويبقى سائر ماء القدح طاهرا حلالا شربه والوضوء به.
وهكذا في جب فيه كرماء (3) وقعت فيه أوقية بول فانه على أصلكم لا ينجس الا مقدار ما مازجته تلك الاوقيه وبقى سائر ذلك طاهرا مطهرا حلالا، ونحن موقنون وأنتم أنها لم تمازج عشر الكر ولا عشر عشره، فان التزمتم هذا فارقتم جميع مذاهبكم القديمة والحديثة، التى هي أفكار سوء مفسدة للدماغ، فان رجعتم إلى أن ما قرب من النجاسة ينجس، لزمكم ذلك كما قد الزمناكم في النيل والجيحون، وفى كل ماء جار، لانه يتصل بعضه ببعض فينجس جميعه لملاقاته الذي قد تنجس ولا بد - نعم - وفى البحر من نقطة بول تقع في كل ذلك، فاختاروا ما شئتم:.
فان قالوا: لسنا على يقين من أن النهر الكبير أو البحر تنجس، ولا من أن المتوضئ به توضأ بماء خالطته النجاسة منه.
قلنا لهم: هذا نفسه موجود في الجب والبئر وفى القلة وفي قدح فيه عشرة أرطال ماء إذا لم يظهر أثر النجاسة في شئ من ذلك ولا فرق،
__________
(1) (أبى) فعل يتعدى بنفسه، وقد استعمله المؤلف كثيرا متعديا بمن كما في الاحكام له (ج 2 ص 27) وقد رد هذا نقلا عن الفارسى.
واستعمله مرة في الاحكام متعديا بعن (ج 4 ص 237) ولم أجد له سندا (2) بضم الصاد المهملة وفتح الهمزة وبعدها ألف وباء.
هي بيض البرغوث والقمل وجمعها (صئبان) وفي اليمنية (الصوانة) بالنون وهو خطأ (3) (الكر) بفتح الكاف وبالراء المشددة مكيال لاهل العراق وهو ستون قفيزا وقيل ستة أوقار حمار، قاله في اللسان(1/166)
ولا يقين في أن كل ماء فيما ذكرنا تنجس، ولا في أن المتوضئ من ذلك والشارب توضأ بنجس أو شرب نجسا، ثم حتى لو كان كما ذكروا لما وجب أن يتنجس الماء الطاهر الحلال أو المائع لذلك لمجاورة النجس أو الحرام له، ما لم يحمل صفات الحرام
أو النجس.
وبالله تعالى التوفيق * قال على: رأيت بعض من تكلم في الفقه ويميل إلى النظر يقول: ان كل ماء وقعت فيه نجاسة فلم يظهر لها فيه أثر فسواء كان قليلا أو كثيرا، الحكم واحد، وهو أن من توضأ بذلك الماء كله أو شربه حاشى مقدار ما وقع فيه من النجاسة، فوضوءه جائز وصلاته تامة وشربه حلال، وكذلك غسله منه، إذ ليس على يقين من أنه استعمل نجاسة ولا أنه شرب حراما، فان استوعب ذلك الماء كله فلا وضوء له ولا طهر وهو عاص في شربه، لاننا على يقيين من أنه استعمل نجاسة وشرب حراما، قال: وهكذا القول في البحر فما دونه ولا فرق، قال: فان توضأ بذلك الماء اثنان فصاعدا فاستوعباه أو استوعبوه كله بالغسل أو الوضوء أو الشرب فكل واحد منهما أو منهم وضوءه جائز في الظاهر، وكذلك غسله أو شربه، الا أن فيهما أو فيهم من لا وضوء له ولا غسل، ولا أعرفه بعينه، فلا ألزم أحدا منهم اعادة وضوء ولا اعادة صلاة بالظن * قال علي: وقد ناظرت صاحب هذا القول رحمه الله في هذه المسألة، وألزمته على اصل آخر له كان يذهب إليه: أن يكون يأمر جميعهم باعادة الوضوء والصلاة، لان كل واحد منهم ليس على يقين من الطهارة، وشك في الحدث، بل على أصلنا وأصل كل مسلم من أن كل واحد منهم على يقين من الحدث وعلى شك من الطهارة، فالواجب عليه أن يأتي بيقين الطهارة، وأريته أيضا بطلان القول الاول بما قدمنا من استحالة الاحكام باستحالة الاسماء، وان استحالة الاسماء باستحالة الصفات التى منها تقوم الحدود، وقلت له: فرق بين ما أجزت من هذا وبين اناءين في أحدهما ماء وفى الآخر عصير بعض الشجر، وبين بضعتي لحكم إحداهما من خنزير والثانية من كبش، وبين شاتين إحداهما مذكاة والاخرى عقيرة سبع ميتة، ولا يقدر على الفرق بين شئ من ذلك أصلا *(1/167)
قال على: وممن روى عنه هذا القول بمثل قولنا ان الماء لا ينجس شئ -: عائشة أم المؤمنين وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس والحسين بن على بن أبى طالب وميمونة أم المؤمنين وأبو هريرة وحذيفة بن اليمان رضى الله عن جميعهم، والاسود بن يزيد وعبد الرحمن اخوه وعبد الرحمن بن أبى ليلى وسعيد بن جبير ومجاهد وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق والحسن البصري وعكرمة وجابر بن زيد وعثمان البتى وغيرهم.
فان كان التقليد جائزا فتقليد من ذكرنا من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم أولى من تقليد أبي حنيفة ومالك والشافعي * 137 - مسألة - والبول كله من كل حيوان - إنسان أو غير إنسان، مما يؤكل لحمه أو لا يوكل لحمه نحو ما ذكرنا كذلك، أو من طائر يؤكل لحمه أو لا يؤكل لحمه -: فكل ذلك حرام اكله وشربه إلا لضرورة تداو أو إكراه أو جوع أو عطش فقط، وفرض اجتنابه في الطهارة والصلاة الا ما لا يمكن التحفظ منه الا بحرج فهو معفو عنه كونيم (1) الذباب ونجو البراغيث * وقال ابو حنيفة: أما البول فكله نجس سواء كان مما يؤكل لحكه أو مما لا يؤكل لحمه، إلا أن بعضه أغلظ نجاسة من بعض، فبول كل ما يؤكل لحمه من فرس أو شاة أو بعير أو بقرة أو غير ذلك - لا ينجس الثوب ولا تعاد منه الصلاة، الا أن يكون كثيرا فاحشا فينجس حينئذ وتعاد منه الصلاة أبدا.
ولم يحد أبو حنيفة في المشهور عنه في الكثير حدا، وحده أبو يوسف بأن يكون شبرا في شبر، قال: فلو بالت شاة في بئر فقد تنجست وتنزح كلها، قالوا: وأما بول الانسان وما لا يؤكل لحمه فلا تعاد منه الصلاة ولا ينجس الثوب الا أن يكون أكثر من قدر الدرهم البغلى، فان كان كذلك نجس الثوب واعيدت منه الصلاة أبدا، فان كان قدر الدرهم البغلى فأقل لم
ينجس الثوب ولم تعد منه الصلاة، وكل ما ذكرنا قبل وبعد فالعمد عندهم والنسيان سواء في كل ذلك.
قال: وأما الروث فانه سواء كله كان مما يؤكل لحمه أو مما لا
__________
(1) الونيم خرء الذباب(1/168)
يؤكل لحمه من بقر كان أو من فرس أو من حمار أو غير ذلك -، إن كان في الثوب منه أو النعل أو الخف أو الجسد أكثر من قدر الدرهم البغلى -: بطلت الصلاة وأعادها أبدا، وان كان قدر الدرهم البغلى فأقل لم يضر شيئا، فان وقع في البئر بعرتان فأقل من أبعار الابل أو الغنم لم يضر شيئا، فان كان من الروث المذكور في الخف والنعل أكثر من قدر الدرهم: فان كان يابسا أجزأ فيه الحك، وان كان رطبا لم يجز فيه إلا الغسل، فان كان مكان الروث بول لم يجز فيه الا الغسل يبس أو لم ييبس.
قال: فان صلى وفى ثوبه من خرء الطير الذي يؤكل لحمه أولا يؤكل لحمه أكثر من قدر الدرهم لم يضر شيئا ولا أعيدت منه الصلاة، الا أن يكون كثيرا فاحشا فتعاد منه الصلاة، الا أن يكون خرء دجاج فانه من صلى وفى ثوبه اكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة أبدا، فلو وقع في الماء خرء حمام أو عصفور لم يضره شيئا.
وقال زفر: بول كل ما يؤكل لحمه طاهر كثر أم قل، وأما بول مالا يؤكل لحمه ونجوه ونجو ما يؤكل لحمه فكل ذلك نجس * وقال مالك: بول مالا يؤكل لحمه ونجوه نجس، وبول ما يوكل لحمه ونجوه طاهران إلا أن يشرب ماء نجسا فبوله حينئذ نجس، وكذلك ما يأكل الدجاج من نجاسات فخرؤها نجس وقال داود: بول كل حيوان ونجوه - أكل لحمه أو لم يؤكل - فهو طاهر، حاشى بول الانسان ونجوه فقط فهما نجسان وقال الشافعي مثل قولنا الذى صدرنا به قال على: أما قول أبى حنيفة ففى غاية التخليط والتناقض والفساد، لا تعلق له
بسنة لا صحيحة ولا سقيمة، ولا بقرآن ولا بقياس ولا بدليل إجماع ولا بقول صاحب ولا برأى سديد، وما نعلم أحدا قسم النجاسات قبل ابى حنيفة هذا التقسيم، بل نقطع على انه لم يقل بهذا الترتيب فيها أحد قبله، فوجب اطراح هذا القول بيقين.
وأما قول أصحابنا (1) فانهم قالوا: الاشياء على الطهارة حتى يأتي نص بتحريم شئ أو تنجيسه فيوقف عنده، قالوا: ولا نص ولا اجماع في تنجيس
__________
(1) يعنى الظاهرية(1/169)
بول شئ من الحيوان ونجوه حاشى بول الانسان ونجوه، فوجب أن لا يقال بتنجيس شئ من ذلك، وذكروا ما رويناه من طريق أنس: (أن قوما من عكل وعرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلموا بالاسلام، فقالوا: يا رسول الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراع وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها) وذكر الحديث.
وبحديث رويناه أيضا من طريق أنس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في المدينة حيث أدركته الصلاة وفي مرابض الغنم)).
وبحديث رويناه من طريق ابن مسعود: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى عند البيت وملا من قريش جلوس وقد نحروا جزورا لهم، فقال بعضهم أيكم يأخذ هذا الفرث بدمه ثم يمهله حتي يضع وجهه ساجدا فيضعه على ظهره، قال عبد الله: فانبعث أشقاها (1) فأخذ الفرث، فامهله، فلما خر ساجدا وضعه على ظهره، فاخبرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى جارية فجاءت تسعى فأخذته من ظهره، فلما فرغ من صلاته قال: الله عليك بقريش) وذكر الحديث.
وبحديث رويناه من طريق ابن عمر: (كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت شابا عزبا، وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد، فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك).
وذكروا في ذلك عن الصحابة رضى الله عنهم ومن بعدهم ما رويناه من طريق
شعبة وسفيان كلاهما عن الاعمش عن مالك بن الحارث (2) عن أبيه قال: (صلى بنا أبو موسى الاشعري على مكان فيه سرقين)، هذا لفظ سفيان، وقال شعبة: (روث الدواب) ورويناه من طريق غيرهما (والصحراء أمام، وقال: هنا وهناك سواء) وعن أنس: (لا بأس ببول كل ذات كرش) وعن ابراهيم النخعي، قال منصور: سألته عن السرقين يصيب خف الانسان أو نعله أو قدمه؟ قال: لا بأس.
وعن ابراهيم أنه رأى رجلا قد تنحى عن بغل يبول، فقال له ابراهيم: ما عليك لو أصابك.
وقد صح عنه أنه كان لا يجيز أكل البغل.
وعن الحسن البصري: لا بأس بابوال الغنم.
وعن محمد بن على بن الحسين ونافع مولى ابن عمر فيمن أصاب عمامته بول بعير، قالا جميعا: لا يغسله.
وعن عبد الله بن مغفل أنه كان يصلى وعن رجليه أثر
__________
(1) هو عقبة بن أبى معيط (2) هو المسلمي مات سنة 94(1/170)
السرقين.
وعن عبيد بن عمير قال: إن لى عنيقا (1) تبعر في مسجدي قال أبو محمد: أما الآثار التى ذكرنا فكلها صحيح، الا أنها لا حجة لهم في شئ منها * أما حديث ابن عمر فغير مسند لانه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف ببول الكلاب في المسجد فاقره، واذ ليس هذا في الخبر فلا حجة فيه، إذ لا حجة الا في قوله عليه السلام أو في عمله أو فيما صح أنه عرفه فاقره، فسقط هذا الاحتجاج بهذا الخبر، لكن يلزم من احتج بحديث أبى سعيد: (كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من طعام) أن يحتج بهذا الخبر، لانه أقرب إلى أن يعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه إلى أن يعرف عمل بنى خدرة في جهة من جهات المدينة، ويلزم من شنع لعمل الصحابة رضى الله عنهم أن يأخذ بحديث ابن عمر هذا، فلا ير أبوال الكلاب ولا غيرها نجسا، ولكن هذا مما تناقضوا فيه * وأما حديث ابن مسعود فلا حجة لهم فيه، لان فيه ان الفرث كان معه دم، وليس
هذا دليلا عندهم، على طهارة الدم، فمن الباطل أن يكون دليلا على طهارة الفرث دون طهارة الدم، وكلاهما مذكوران معا.
وأيضا فان شعبة وسفيان وزكريا بن أبى زائدة رووا كلهم هذا الخبر عن الذى رواه عنه على بن صالح، وهو أبو إسحاق عن عمر وبن ميمون عن ابن مسعود، فذكروا أن ذلك كان سلى (2) جزور، وهم أوثق واحفظ من على بن صالح وروايتهم زائدة على روايته (3) وإذا كان الفرث والدم في السلى فهما غير طاهرين، فلا
__________
(1) تصغير عناق، وهى الانثى من ولد المعز (2) السلى هو الجلدة الرقيقة التى يكون فيها الولد من الدواب والابل، وهو من الناس المشيمة، قال ابن السكيت: يكتب بالياء.
قاله في اللسان (3) أما رواية على بن صالح فقد رواها النسائي (ج 1 ص 58) باللفظ الذى ذكره المؤلف، وأما الروايات الاخرى فقد روى الحديث البخاري (ج 1 ص 39، 78 و 2: 43، 83، 182) ومسلم (ج 2 ص 67، 68) واحمد (ج 1 ص 417) والطيالسي برقم (325) وفيها كلها (سلى جزور) الا رواية البخاري (ج 1 ص 78) - في الباب الاخير من كتاب الصلاة قبل كتاب المواقيت - من طريق اسرائيل عن أبى اسحق ولفظه: (أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها)(1/171)
حكم لهما، والقاطع ههنا أن هذا الخبر كان بمكة قبل ورود الحكم بتحريم النجو والدم، فصار منسوخا بلا شك وبطل الاحتجاج به بكل حال * وأما حديث أنس في الصلاة في مرابض الغنم فانهم قالوا: ان مرابض الغنم لا تخلو من أبوالها ولا من أبعارها.
فقلنا لهم: أما قولكم انها لا تخلو من أبوالها ولا من أبعارها فقد يبول الراعى أيضا بينهم، وليس ذلك دليلا على طهارة بول الانسان * وأيضا فان عبد الله بن ربيع حدثنا قال ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود السجستاني ثنا محمد بن كريب ثنا الحسين بن على الجعفي عن زائدة عن هشام
ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تطيب وتنظف).
قال على: الدور هي دور السكنى، وهى أيضا المحلات، تقول دار بنى ساعدة، ودار بنى النجار، ودار بني عبد الاشهل، هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو كذلك في لغة العرب، فقد صح أمره عليه السلام بتنظيف المساجد وتطييبها، وهذا يوجب الكنس لها من كل بول وبعر وغيره * وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد ابن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ وأبو الربيع الزهراني كلاهما عن عبد الوارث عن أبى التياح عن أنس بن مالك قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن (1) الناس خلقا، فربما رأيته تحضر الصلاة (2) فيأمر بالبساط الذى تحته فيكنس وينضح (3) ثم يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقوم خلفه فيصلى بنا).
فهذا أمر منه عليه السلام بكنس ما يصلى عليه ونضحه * حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر
__________
الخ، وهى متابعة لرواية على بن صالح تؤيدها وهو ثقة، ورواية هي التى فيها زيادة الفرث والدم، والزيادة مقبولة من الثقة * (1) كذا في الاصلين بزيادة (من) وقد رواه مسلم كاملا في كتاب الصلاة (ج 1 ص 183) وروى القسم الاول منه بهذا الاسناد في كتاب الفضائل (ج 2 ص 212) بحذف (من) في الموضعين (2) في مسلم في الصلاة (فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا) (3) في مسلم (ثم ينضح)(1/172)
ابن أبى شيبة ثنا اسماعيل بن علية عن ابن عون هو عبد الله عن أنس بن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس بن مالك قال: (صنع بعض عمومتي النبي صلى الله عليه وسلم طعاما وقال اني أحب أن تأكل في بيتى وتصلى فيه، فأتاه وفى
البيت فحل (1) من تلك الفحول - يعني حصيرا - فأمر عليه السلام بجانب منه فكنس ورش فصلى وصلينا معه).
فهذا أمر منه عليه الصلاة والسلام بكنس ما يصلى عليه ورشه بالماء، فدخل في ذلك مرابض الغنم وغيرها (2) * وأيضا فان هذا الحديث نفسه انما رويناه من طريق عبد الوارث عن أبى التياح عن أنس، وقد رويناه من طريق البخاري عن سليمان بن حرب عن شعبة عن أبى التياح عن أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى في مرابض الغنم قبل أن يبنى المسجد) فصح أن هذا كان في أول الهجرة قبل ورود الاخبار باجتناب كل نجو وبول * وأيضا فان يونس بن عبد الله قال ثنا أبو عيسى بن أبى عيسى ثنا أحمد بن خالد ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبى شيبة عن يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا لم تجدوا إلا مرابض الغنم وأعطان الابل فصلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في معاطن الابل) * حدثنا حمام (3) ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الاعمش عن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن البراء بن عازب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أنصلي في أعطان الابل؟ فقال لا.
قال: أنصلي في مرابض الغنم قال نعم) *
__________
(1) الفحل والفحال ذكر النخل، والفحل حصير تنسخ من فحال النخل والجمع فحول.
قاله في اللسان (2) الظاهر أن أمره عليه السلام بكنس الحصير ونضحه بالماء في حديثي أنس إنما هو من باب النظافة وتخير مكان الصلاة.
وبعيد أن يكون أمرا بكنس مكانها ورشه كلما أراد المصلى الصلاة.
وهذا واضح (3) في المصرية (ثنا حمام بن مفرج) وفي اليمنية (ثنا ابن مفرج) بحذف حمام، وكلاهما خطأ، لان ابن حزم انما يروى عن ابن مفرج بالواسطة كما مضى مرارا.
انظر المسألة رقم 116 و 118 والاحكام ج 4 ص 132(1/173)
قال على: عبد الله هذه هو عبد الله بن عبد الله ثقة كوفى ولى قضاء الرى (1).
حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن محمد البرتى (2) ثنا أبو معمر ثنا عبد الوارث بن سعيد ثنا يونس عن الحسن عن عبد الله بن مغفل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتم على مرابض الغنم فصلوا فيها، وإذا أتيتم على مبارك الابل فلا تصلوا فيها، فانها خلقت من الشياطين) قال أبو محمد: فلو كان أمره عليه السلام بالصلاة في مرابض الغنم دليلا على طهارة أبوالها وأبعارها كان نهيه عليه السلام عن الصلاة في اعطان الابل دليلا على نجاسة أبوالها وأبعارها، وان كان نهيه عليه السلام عن الصلاة في اعطان الابل ليس دليلا على نجاسة أبوالها، فليس أمره عليه السلام بالصلاة في مرابض الغنم دليلا على طهارة أبوالها وأبعارها، والمفرق بين ذلك متحكم بالباطل، لا يعجز من لا ورع له عن أن يأخذ بالطرف الثاني بدعوى كدعواه * فان قال: انما نهى عن الصلاة في أعطان الابل لانها خلقت من الشياطين كما في الحديث.
قيل له: وانما امر بالصلاة في مرابض الغنم لانها من دواب الجنة كما قد صح ذلك ايضا في الحديث، فخرجت الطهارة والنجاسة من كلا الخبرين، فسقط التعلق بهذا الخبر جملة.
وبالله تعالى التوفيق * واما حديث انس في ابوال الابل والبانها فلا حجة لهم فيه، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما اباح للعرنيين شرب ابوال الابل والبان الابل على سبيل التداوى من المرض، كما روينا من طريق مسلم: ثنا ابو بكر بن ابى شيبة ثنا ابن علية عن حجاج بن ابى عثمان حدثنى ابو رجاء مولى ابى قلابة عن ابى قلابة حدثنى انس بن مالك: (ان نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الاسلام، فاستوخموا الارض وسقمت اجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون
__________
(1) هو أبو جعفر الرازي مولى بنى هاشم.
(2) كتب في المصرية بدون نقط، وفي اليمنية (البركى) وكلاهما غير معروف عندي، وقد يكون صوابه (البرتى) ولكني لا أرحج ذلك، وانما أظنه ظنا، لان (احمد بن محمد البرتى) الحافظ هو من هذه الطبقة، انظر ترجمة في تذكرة الحفاظ (ج د ص 157) وفي الجواهر المضية (ج 1 ص 114)(1/174)
من ابوالها والبانها، فصحوا، فقتلوا الراعي وطردوا الابل) وذكر الحديث (1) فصح يقينا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما امرهم بذلك على سبيل الدواء من السقم الذى كان اصابهم، وانهم صحت اجسامهم بذلك، والتداوى بمنزلة ضرورة.
وقد قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) فما اضطر المرء إليه فهو غير محرم عليه من المأكل والمشرب * فان قيل: قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رويتموه من طريق شعبة عن سماك عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: ذكر طارق بن سويد أو سويد بن طارق: (أنه سال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه ثم سأله فنهاه، فقال يا نبي الله انها دواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ولكنها داء) وما روى من طريق جرير عن سليمان الشيباني عن حسان ابن المخارق عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ان الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم).
فهذا كله لا حجة لهم فيه لان حديث علقمة بن وائل انما جاء من طريق سماك بن حرب وهو يقبل التلقين، شهد عليه بذلك شعبة وغيره، (2) ثم لو صح لو يكن فيه
__________
(1) هو مطول في صحيح مسلم (ج 2 ص 25) (2) سماك بن حرب ثقة وكان تغير في آخر حياته فربما لقن، ولذلك كان من سمع منه قديما مثل شعبة وسفيان فحديثهم صحيح مستقيم.
وهذا الحديث رواه مسلم (ج 2 ص 125) وابو داود (ج 4 ص 7) والترمذي (ج 2 ص 4) والطيالسي (137) واحمد (4: 311 و 6: 399) كلهم من طريق شعبة عن سماك عن علقمة بن
وائل عن أبيه، وفي لفظ احمد: (أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم) الخ ورواه أحمد أيضا (4: 317) من طريق اسرائيل عن سماك.
وفي جميع هذه الروايات الحديث من رواية وائل بن حجر.
ورواه أحمد (4: 311 و 5: 292) وابن ماجه (2: 185) من طريق حماد بن سلمة عن سماك عن علقمة بن وائل عن طارق بن سويد، فجعله حماد من مسند طارق، وهو محتمل الا أبي أرجح خطأ حماد في هذه فقد خالفه شعبة واسرائيل - وهما أحفظ منه - فجعلاه من مسند وائل بن حجر والد علقمة.
ويؤيد هذه أن علقمة روى الشك في اسم طارق بن سويد.
فلو كان روي عنه الحديث مباشرة لرفع هذا الشك.
والحديث فيما نرى صحيح من طريق شعبة واسرائيل.
والله أعلم *(1/175)
حجة، لان فيه أن الخمر ليست دواء، وإذا ليست دواء فلا خلاف بيننا في ان ما ليس دواء فلا يحل تناوله إذا كان حراما، وانما خالفناهم في الدواء، وجميع الحاضرين لا يقولون بهذا، بل أصحابنا والمالكيون يبيحون للمختنق شرب الخمر إذا لم يجد ما يسيغ أكله به غيرها، والحنفيون والشافعيون يبيحونها عند شدة العطش * وأما حديث الدواء الخبيث فنعم (1) وما اباحه الله تعالى عند الضرورة فليس في تلك الحال خبيثا، بل هو حلال طيب، لان الحلال ليس خبيثا، فصح ان الدواء الخبيث هو القتال المخوف، على ان يونس بن أبى اسحاق الذى انفرد به ليس بالقوى * وأما حديث (لم يجعل الله شفاءكم فيما حرم عليكم) فباطل، لان راويه سليمان الشيباني وهو مجهول (2)، وقد جاء اليقين باباحة الميتة والخنزير عند خوف الهلاك من
__________
(1) لم يسبق ذكر هذا الحديث ولعله سقط من الاصول.
وهو حديث يونس ابن ابى اسحق عن مجاهد عن أبي هريرة قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث) رواه الترمذي (2: 4) وابن ماجه (2: 180) والحاكم
(4: 410) ونسبه ابن تيمية في المنتقى أيضا إلى أحمد ومسلم انظر نيل الاوطار (9: 93).
ونسبه ابن حجر في التلخيص (360) إلى ابن حبان أيضا.
(2) حديث أم سلمة نسبه ابن حجر في الفتح (10: 69) إلى أبى يعلى وابن حبان وصححه، وفي التلخيص (360 359) أيضا إلى البيهقي.
ولفظه كما في الفتح: (قالت اشتكت بنت لى فنبذت لها في كوز فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغلى فقال: ما هذا؟ فأخبرته فقال: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) وتصحيح ابن حبان للحديث واقرار ابن حجر عليه أوثق في نفوسنا من تعليل ابن حزم اياه.
وسليمان الشيباني ليس مجهولا بل هو (ابو اسحق الشيباني سليمان بن أبى سليمان) وهو إمام ثقة، وجرير هو ابن عبد الحميد الضبى وأما حسان بن المخارق فاني لم أجد ترجمة الا أن ابن سعد ذكر في الطبقات (6: 102) أنه يروى عن عمر بن الخطاب.
ثم ان هذا اللفظ (ان الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) ورد أيضا موقوفا على ابن مسعود من طريق صحيحة، فذكره البخاري تعليقا، ونسبه ابن حجر في الفتح (ج 10 ص 69) إلى فوائد على بن حرب واحمد في الاشربة والطبراني في الكبير وداود بن نصير(1/176)
الجوع، فقد جعل تعالى شفاءنا من الجوع المهلك فيما حرم علينا في غير تلك الحال، ونقول: نعم ان الشئ مادام حراما علينا فلا شفاء لنا فيه، فإذا اضطررنا إليه فلم يحرم علينا حينئذ بل هو حلال فهو لنا حينئذ شفاء، وهذا ظاهر الخبر * وقد قال الله تعالى فيما حرم علينا: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه) وقد قال تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه).
وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الحرير والذهب حرام على ذكور أمتى حلال لاناثها) وقال عليه السلام: (انما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة من الطرق
الثابته الموجبة للعلم.
روى تحريم الحرير عمر وابنه وابن الزبير وأبو موسى وغيرهم، ثم صح يقينا أنه عليه السلام أباح لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام لباس الحرير على سبيل التداوى من الحكة والقمل والوجع، فسقط كل ما تعلقوا به * وأما قولهم: إن الاشياء على الاباحة بقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) وبقوله تعالى: (خلق لكم ما في الارض جميعا) فصحيح وهكذا نقول: إننا إن لم نجد نصا على تحريم الابوال جملة والانجاء جملة والا فلا يحرم من ذلك شئ إلا ما أجمع عليه من بول ابن آدم ونجوه كما قالوا، فان وجدنا نصا في تحريم كل ذلك ووجوب اجتنابه فالقول بذلك واجب، فنظرنا في ذلك فوجدنا * ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد البلخى ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا ابن سلام أخبرنا عبيدة بن حميد أبو عبد الرحمن عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما فقال عليه السلام: يعذبان وما يعذبان في كبير وإنه لكبير، كان أحدهما لا يستتر من البول وكان الآخر يمشى بالنميمة) (1) وذكر الحديث
__________
الطائى.
وقال: وأخرجه ابن أبى شيبة عن جرير عن منصور وسنده صحيح على شرط الشيخين اه.
ورواه الحاكم في المستدرك (ج 4 ص 218) (1) البخاري في كتاب الادب (ج 3 ص 135)(1/177)
قال أبو محمد: كل كبير فهو صغير بالاضافة إلى ما هو أكبر منه من الشرك أو القتل * ومن طريق البخاري * حدثنا محمد بن المثنى ثنا أبو معاوية الضرير هو محمد ابن خازم (1) - ثنا الاعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشى بالنميمة) (2).
وذكر باقي الخبر
ورويناه أيضا من طريق أحمد بن حنبل عن محمد بن جعفر عن شعبة عن الاعمش، ومن طريق وكيع عن الاعمش، ومن طريق جرير وشعبة عن منصور ابن المعتمر عن مجاهد * حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث (3) ثنا أبو عيسى بن أبى عيسى ثنا أحمد بن خالد ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن عفان بن مسلم ثنا أبو عوانة عن الاعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكثر عذاب القبر في البول): ورويناه أيضا من طريق أبى معاوية عن الاعمش باسناده * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك الخولانى ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا أحمد بن حنبل ثنا يحيى بن سعيد هو القطان عن أبى حزرة (4) هو يعقوب بن مجاهد القاص - ثنا عبد الله بن محمد بن أبي بكير الصديق أخو القاسم ابن محمد قال: كنا عند عائشة أم المؤمنين فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يصلى بحضرة طعام (5) ولا وهو يدافعه الاخبثان) يعني البول والنجو.
ورويناه أيضا من طريق مسدد عن يحيى ين سعيد باسناده.
ومن طريق مسلم عن محمد بن عباد عن حاتم بن اسماعيل عن أبى حزرة (6) *
__________
(1) بالخاء المعجمة (2) البخاري في كتاب الطهارة (ج 1 ص 37) (3) في اليمنية (عن مجاهد بن يونس بن عبد الله بن مغيث) وهو خطأ انظر اسناد حديث أبى ثعلبة في المسألة 126 (4) أبو حزرة: بفتح الحاء المهملة واسكان الزاى وفتح الراء.
والقاص: بتشديد الصاد المهملة وفى الاصلين (القاضى) وهو خطأ (5) في سنن أبى داود (ج 1 ص 33) (الطعام) (6) مسلم (ج 1 ص 155)(1/178)
قال أبو محمد: فافترض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس اجتناب البول جملة، وتوعد
على ذلك بالعذاب، وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه بول دون بول، فيكون فاعل ذلك مدعيا على الله تعالى وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا علم له به بالباطل إلا بنص ثابت جلى ووجدناه عليه السلام قد سمى البول جملة والنجر جملة (الاخبثين) والخبيث محرم، قال الله تعالي: (يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) فصح أن كل أخبث وخبيث فهو حرام * فان قيل: انما خاطب عليه السلام الناس فانما أراد نجوهم وبولهم فقط.
قلنا: نعم انما خاطب عليه السلام الناس ولكن أتى بالاسم الاعم الذى يدخل تحته جنس البول والنجو.
ولا فرق بين من قال: انما أراد عليه السلام نجو الناس خاصة وبولهم، وبين من قال: بل إنما أراد عليه السلام بول كل إنسان عليه خاصة لا بول غيره من الناس وكذلك في النجو، فصح أن الواجب حمل ذلك على ما تحت الاسم الجامع للجنس كله * فان قيل: ان هذا الخبر الذى فيه العذاب في البول إنما هو من رواية الاعمش عن مجاهد، وقد تكلم فيها، وأيضا فانه مرة رواه عن مجاهد عن ابن عباس، ومرة عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس، وأيضا فان ابن راهويه ومحمد بن العلاء ويحيى وأبا سعيد الاشج رووه عن وكيع عن الاعمش فقالوا فيه: (كان لا يستتر من بوله) وهكذا رواه عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن مجاهد * قال أبو محمد: هذا كله لا شئ.
أما رواية الاعمش عن مجاهد فان الامامين شعبة ووكيعا ذكرا في هذا الحديث سماع الاعمش له من مجاهد فسقط هذا الاعتراض، وأيضا فقد رويناه آنفا من غير طريق الاعمش لكن من طريق منصور عن مجاهد عن ابن عباس، فسقط التعلل جملة.
وأما رواية هذا الخبر مرة عن مجاهد عن ابن عباس ومرة عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس فهذا قوة للحديث، ولا يتعلل بهذا إلا جاهل مكابر للحقائق، لان كليهما إمام، وكلاهما صحب ابن عباس الصحبة الطويلة، فسمعه مجاهد من
ابن عباس، وسمعه أيضا من طاوس عن ابن عباس فرواه كذلك، وإلا فأى شئ في هذا مما يقدح في الرواية؟ وددنا أن تبينوا لنا ذلك، ولا سبيل إليه إلا بدعوى فاسدة لهج(1/179)
بها قوم من أصحاب الحديث، وهم فيها مخطئون عين الخطأ، ومن قلدهم أسوأ حالا منهم.
وأما رواية من روى (من بوله) فقد عارضهم من هو فرقهم، فروى هنا دبن السرى وزهير بن حرب ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار كلهم عن وكيع فقالوا: (من البول)، ورواه ابن عون وابن جرير عن أبيه عن منصور عن مجاهد فقالا (من البول) ورواه شعبة وأبو معاوية الضرير وعبد الواحد بن زياد كلهم عن الاعمش فقالوا: (من البول) فكلا الروايتين حق، ورواية هؤلاء تزيد على رواية الآخرين، وزيادة العدل واجب قبولها، فسقط كل ما تعللوا به، وصح فرضا وجوب اجتناب كل بول ونجو * وممن قال بهذا جملة من السلف كما حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد ابن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن محمد البركى (1) القاضى ثنا أبو معمر (2) ثنا عبد الوارث بن سعيد ثنا عمارة بن أبى حفصة حدثنى أبو مجلز قال: سألت ابن عمر عن بول ناقتي قال: اغسل ما أصابك منه.
وعن أحمد بن حنبل عن المعتمر بن سليمان التيمي عن سلم بن أبى الذيال (3) عن صالح الدهان عن جابر بن زيد قال: الابوال كلها أنجاس.
وعن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: البول كله يغسل.
وعن قتادة عن سعيد بن المسيب قال: الرش بارش والصب بالصب من الابوال كلها.
وعن معمر عن الزهري فيما يصيب الراعى من أبوال الابل قال: ينضح.
وعن سفيان بن عيينة عن أبى موسى اسرائيل (4).
قال: كنت مع محمد بن سيرين فسقط عليه بول خفاش فنضحه،
__________
(1) كذا في اليمنية وفى المصرية (البرى) ولا أدرى أيتهما الصواب.
(2) في اليمنية (معمر) وهو خطأ.
وأبو معمر هو عبد الله بن عمرو بن
ابى الحجاج المقعد راوية عبد الوارث بن سعيد مات سنة 224 (3) سلم باسكان اللام، وفى الاصلين (سالم) وهو خطأ، والذيال بفتح الذال المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف وآخره لام.
(4) هو اسرائيل بن موسى البصري نزيل الهند، كان يسافر إليها.(1/180)
وقال: ما كنت أرى النضح شيئا حتى بلغني عن سبعة (1) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن وكيع عن شعبة قال: سألت حماد بن أبى سليمان عن بول الشاة فقال: اغسله.
وعن حماد أيضا في بول البعير مثل ذلك * قال أبو محمد: وأما قول زفر فلا متعلق له بشئ من هذه الاخبار، لما نذكره في إفساد قول مالك إن شاء الله تعالى لكن تعلق من ذهب مذهبه بحديث رواه عيسى بن موسى بن أبي حرب الصفار عن يحيى بن بكير (2) عن سوار بن مصعب عن مطرف عن أبي الجهم عن البراء بن عازب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أكل لحمه فلا بأس ببوله) قال على: هذا خبر باطل موضوع، لان سوار بن مصعب متروك عند جميع أهل النقل، متفق على ترك الرواية عنه، يروى الموضوعات.
فإذا سقط هذا فان زفر قاس بعض الابوال على بعض، ولم يقس النجو على البول، وهذا هو الذى أنكره أصحابه علينا في تفريقنا بين حكم البائل في الماء الراكد وبين المتغوط فيه، إلا أننا نحن قلناه اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله زفر برأيه الفاسد * وأما قول مالك فظاهر الخطأ، لانه ليس فيما احتج به الا أبوال الابل فقط، واستدلال على بول الغنم وبعرها فقط، فأدخل هو في حكم الطهارة أبوال البقر وأخثاءها وأبعار الابل وبعر كل ما يؤكل لحمه وبوله * فان قالوا: فعلنا ذلك قياسا لما يؤكل لحمه على مالا يؤكل لحمه.
قلنا لهم: فهلا قستم على الابل والغنم كل ذي أربع، لانها ذوات أربع وذوات أربع؟ أو كل حيوان
لانه حيوان وحيوان؟ أو هلا قستم كل ما عدا الابل والغنم المذكورين في الخبر على
__________
(1) في اليمنية (ستة) (2) في الاصلين (يحيى بن أبى بكر) وفي التحقيق لابن الجوزى المخطوط في المسألة رقم (21) (يحيى بن أبي بكير) وكلاهما خطأ، والصواب فيما ترجح لدي (يحيى بن بكير) وهو يحيى بن عبد الله بن بكير وهو الموافق لما في سنن الدارقطني (ص 47) وقد روى الحديث عن أبي بكر الآدمي عن عبد الله ابن أيوب المخرمى عن يحيى بن بكير.(1/181)
بول الانسان ونجوه المحرمين؟ فهذه علة أعم من علتكم ان كنتم تقولون بالاعم في العلل، فان لجأتم ههنا إلى القول بالاخص في العلل قلنا لكم: فهلا قستم من الانعام المسكوت عنها على الابل والغنم وهي ما تكون أضحية من البقر فقط كما الابل والغنم تكون أضحية، أو ما يكون فيه الزكاة من البقر فقط كما يكون في الابل والغنم، أو ما يجوز ذبحه للمحرم من البقر خاصة كما يجوز ذلك في الابل والغنم، دون أن تقيسوا على الابل والغنم والصيد والطير!؟ فهذا أخص من علتكم، فظهر فساد قياسهم جملة يقينا * فان قالوا: قسنا أبوال كل ما يؤكل لحمه وأنجاءها على ألبانها قلنا لهم: فهلا قستم أبوالها على دمائها فأوجبتم نجاسة كل ذلك؟! وأيضا فليس للذكور منها ولا للطير ألبان فتقاس أبوالها وأنجاؤها عليها.
وأيضا فقد جاء القرآن والسنة والاجماع المتيقن بافساد علتكم هذه وابطال قياسكم هذا، لصحة كل ذلك بأن لا تقاس أبوال النساء وتجوهن في (1) البانهن في الطهارة والاستحلال.
وهذا لا مخلص منه البتة وهلا قاسوا كل ذى رجلين من الطير في نجوه على نجو الانسان فهو ذو رجلين؟! فكل هذه قياسات كقياسكم أو أظهر، وهذا يرى من نصح نفسه إبطال القياس جملة، وصح أن
قول أبى حنيفة ومالك وأصحاب أبي حنيفة في هذه المسألة باطل بيقين، لانهم لا شيئا من النصوص اتبعوا، ولا شيئا من القياس ضبطوا، ولا بقول أحد من المتقدمين تعلقوا، لاسيما تفريق مالك بين بول ما شرب ماء نجسا فقال بنجاسة بوله، وبين بول ما شرب ماء طاهرا فقال بطهارة بوله، وهو يرى لحم الدجاج حلالا طيبا، هذا وهو يراه متولدا عن الميتات والعذرة، وهذا تناقض لا خفاء به.
وبالله تعالى التوفيق * 138 - مسألة - والصوف والوبر والقرن (2) والسن يؤخذ من حي فهو طاهر ولا يحل أكله *
__________
(1) كذا في الاصلين ولعل صوابه (على ألبانهن) كما هو ظاهر (2) في اليمنية (والفرث) وهو خطأ واضح(1/182)
برهان ذلك أن الحي طاهر وبعض الطاهر، والحي لا يحل أكله، وبعض ما لا يحل أكله لا يحل أكله * 139 - مسألة - وكل ذلك من الكافر نجس ومن المؤمن طاهر، والقيح من المسلم والقلس والقصة البيضاء (1) وكل ما قطع منه حيا أو ميتا ولبن المؤمنة -: كل ذلك طاهر، وكل ذلك من الكافر والكافرة نجس * برهان ذلك ما قد ذكرنا من قول الله عزوجل (انما المشركون نجس) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لا ينجس) وقد ذكرناه باسناده قبل، وبعض النجس نجس، وبعض الطاهر طاهر، لان الكل ليس هو شيئا غير أبعاضه.
وبالله تعالى التوفيق 140 - مسألة - وألبان الجلالة حرام، وهى الابل التى تأكل الجلة - وهي العذرة - والبقر والغنم كذلك -: فان منعت من أكلها حتى سقط عنها اسم جلالة فألبانها حلال طاهرة *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك الخولانى ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن المثنى وعثمان بن أبى شيبة قال ابن المثنى ثنا أبو عامر العقدى ثنا هشام الدستوائى عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبن الجلالة) وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا عبدة عن محمد بن اسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عمر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها) (2) 141 - مسألة - والوضوء بالماء المستعمل جائز، وكذلك الغسل به للجنابة، وسواء وجد ماء آخر غيره أو لم يوجد، وهو الماء الذي توضأ به بعينه لفريضة أو نافلة
__________
(1) القلس القئ.
والقصة البيضاء بفتح القاف القطنة أو الخرقة البيضاء التى تحتشى بها المرأة عند الحيض، وهذا التفسير لا معنى له هنا،؟؟ القصة كالخيط الابيض تخرج بعد انقطاع الدم كله.
وهذا المعنى أقرب أن يكون مرادا للمؤلف، وكل ما قال المؤلف هنا غريب (2) انظر شرح سنن أبي داود (ج 3 ص 412 - 413)، ونيل الاوطار (ج 8 ص 292 - 293) الطبعة المنيرية(1/183)
أو اغتسل به بعينه لجنابة أو غيرها، وسواء كان المتوضئ به رجلا أو امراة * برهان ذلك قول الله تعالى (وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا) فعم تعالى كل ماء ولم يخصه، فلا يحل لاحد أن يترك الماء في وضوئه وغسله الواجب وهو يجده إلا ما منعه منه نص ثابت أو اجماع متيقن مقطوع بصحته.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لنا الارض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء) فعم أيضا عليه السلام ولم يخص، فلا يحل تخصيص ماء بالمنع لم يخصه نص آخر أو اجماع متيقن *
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا عبد الله بن داود - وهو الخريبى - عن سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ قالت: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان بيده (1)) * وأما من الاجماع فلا يختلف اثنان من أهل الاسلام في أن كل متوضئ فانه يأخذ الماء فيغسل به ذراعيه من أطراف أصابعه إلى مرفقه، وهكذا كل عضو في الوضوء وفى غسل الجنابة، وبالضرورة والحس يدرى كل مشاهد لذلك أن ذلك الماء قد وضئت به الكف وغسلت، ثم غسل به أول الذراع ثم آخره، وهذا ماء مستعمل بيقين، ثم إنه يرد يده إلى الاناء وهي تقطر من الماء الذي طهر به العضو، فيأخذ ماء آخر للعضو الآخر، فبالضرورة يدرى كل ذي حس (2) سليم أنه لم يطهر العضو الثاني إلا بماء جديد قد مازجه ماء آخر مستعمل في تطهير عضو آخر، وهذا ما لا مخلص منه * وهو قول الحسن البصري وابراهيم النخعي وعطاء بن أبى رباح، وهو أيضا قول سفيان الثوري وأبى ثور وداود وجميع أصحابنا *
__________
(1) في سنن أبي داود (كان في يده) وهذا الحديث رواه أيضا الدارقطني بلفظ (توضأ ومسح رأسه ببلل يديه) وفي متن الحديث اضطراب انظر شرح سنن أبى داود (ج 1 ص 49) (2) في اليمنية (حسن) وهو خطأ(1/184)
وقال مالك: يتوضأ به ان لم يجد غيرهه ولا يتيمم.
وقال أبو حنيفة.
: لا يجوز الغسل ولا الوضوء بماء قد توضأ به أو اغتسل به، ويكره شربه، وروي عنه أنه طاهر، والاظهر عنه أنه نجس، وهو الذى روى عنه نصا، وأنه لا ينجس الثوب إذا أصابه الماء المستعمل الا أن يكون كثيرا فاحشا *
وقال أبو يوسف: ان كان الذى أصاب الثوب منه شبر في شبر فقد نجسه، وان كان أقل لم ينجسه * وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: ان كان رجل طاهر قد توضأ للصلاة أو لم يتوضأ لها فتوضأ في بئر فقد تنجس ماؤها كله وتنزح كلها، ولا يجزيه ذلك الوضوء ان كان غير متوضئ، فان اغتسل فيها أيضا أنجسها كلها، وكذلك لو اغتسل وهو طاهر غير جنب في سبعة (1) آبار نجسها كلها * وقال أبو يوسف: ينجسها كلها ولو أنها عشرون بئرا، وقالا جميعا: لا يجزيه ذلك الغسل.
فان طهر فيها يده أو رجله فقد تنجست كلها فان كان على ذراعيه جبائر أو على أصابع رجليه جبائر فغمسها في البئر ينوى بذلك المسح عليها لم يجزه وتنجس ماؤها كله، فلو كان على أصابع يده جبائر فغمسها في البئر ينوى بذلك المسح عليها أجزأه ولم ينجس ماؤها اليد بخلاف سائر الاعضاء، فلو انغمس فيها ولم ينو غسلا ولا وضوءا ولا تدلك فيها لم ينجس الماء حتى ينوى الغسل أو الوضوء.
وقال أبو يوسف (2) لا يطهر بذلك الانغماس.
وقال محمد بن الحسن: يطهر به.
قال أبو يوسف: فان غمس رأسه ينوى المسح عليه لم ينجس الماء، وانما ينجسه نية تطهير عضو يلزم فيه الغسل، قال: فلو غسل بعض يده بنية الوضوء أو الغسل لم ينجس الماء حتى يغسل العضو بكماله، فلو غمس رأسه أو خفه ينوى بذلك المسح أجزأه ولم يفسد الماء، وانما يفسده نية الغسل لا نية المسح.
وهذه أقوال هي إلى الهوس أقرب منها إلى ما يعقل *
__________
(1) في اليمنية (ستة) (2) في المصرية (أبو سفيان) وهو خطأ ظاهر من سياق الكلام وصححناه من اليمنية.(1/185)
وقال الشافعي: لا يجزي الوضوء ولا الغسل بماء قد اغتسل به أو توضأ به وهو طاهر كله، واصفق اصحابه (1) على أن من أدخل يده في الاناء ليتوضأ فأخذ الماء
فتمضمض واستنشق وغسل وجهه ثم ادخل يده في الاناء فقد حرم الوضوء بذلك الماء لانه قد صار ماء مستعملا، وانما يجب أن يصب منه على يده، فإذا وضأها أدخلها حينئذ في الاناء * قال أبو محمد: واحتج من منع ذلك بالحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نهيه الجنب أن يغستل في الماء الدائم * قال ابو محمد: وقالوا: انما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك لان الماء يصير مستعملا، وقال بعض من خالفهم: بل ما نهى عن ذلك عليه السلام الا خوف أن يخرج من إحليله شئ ينجس الماء * قال ابو محمد: وكلا القولين باطل نعوذ بالله من مثله، ومن أن نقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، وأن نخبر عنه ما لم يخبر به عن نفسه ولا فعله.
فهذا هو الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أكبر الكبائر ممن قطع به، فان لم يقطع به فانما هو ظن، وقد قال عزوجل: (وان الظن لا يغني من الحق شيئا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث) ولا بد لمن قال بأحد هذين التأويلين من احدى (2) هاتين المنزلتين.
فبطل تعلقهم بهذا الخبر جملة * واحتج بعضهم فقال: لم يقل أحد للمتوضئ ولا للمغتسل أن يردد ذلك الماء على أعضائه، بل أوجبوا عليه أخذ ماء جديد، وبذلك جاء عمل النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء والغسل فوجب أن لا يجزئ * قال أبو محمد: وهذا باطل لانه لم ينه أحد من السلف عن ترديد الماء على الاعضاء في الوضوء والغسل، ولا نهى عنه عليه السلام قط * ويقال للحنفيين: قد أجزتم تنكيس (3) الوضوء ولم يأت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
__________
(1) اي اطبق (2) في الاصلين (أحد) وهو خطأ (3) في المصرية (قد أخذتم بتنكيس)(1/186)
نكس وضوءه، ولا أن أحدا من المسلمين فعل ذلك، فأخذه عليه السلام ماء جديدا لكل عضو إنما هو فعل منه عليه السلام وأفعاله عليه السلام لا تلزم.
وقد صح عنه مسح رأسه المقدس بفضل ماء مستعمل * فان قيل: قد روى يؤخذ للرأس ماء جديد.
قلنا: انما رواه دهثم بن قران (1) وهو ساقط لا يحتج به عن نمران بن جارية وهو غير معروف (2) فكيف وقد أباح عليه السلام غسل الجنابة بغير تجديد ماء * كما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا اسحاق بن ابراهيم وابو بكر بن أبى شيبة وعمر والناقد وابن أبى عمر كلهم عن سفيان بن عيينه عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن
__________
(1) (دهثم) بالثاء المثلثة (ابن قران) بضم القاف وتشديد الراء (العكلي) بضم العين المهملة واسكان الكاف، وفي المصرية (دهشم بن فران) بالشين والفاء وهو خطأ فيهما (2) (نمران) بكسر النون واسكان الميم (ابن جارية) بالجيم، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن قطان: حاله مجهول.
وكتب هنا بهامش اليمنية ما نصه (بل رواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن زيد: ومسح برأسه بماء غير فضل يديه.
وليس في طريقة من ذكره المؤلف) والحديث في صحيح مسلم (ج 1 ص 83) من طريق عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن عبد الله بن زيد ابن عاصم وفيه (ثم أدخل يده فاستخرجها فمسح برأسه) ومن طريق حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد وفيه (ومسح برأسه بماء غير فضل يديه) ورواه أيضا أبو داود (ج 1 ص 46) والترمذي (ج 1 ص 9) وقال (حسن صحيح) والدارمى (ص 68) والبيهقي (ج 1 ص 65) كلهم من طريق حبان.
قال
الترمذي (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، رأوا أن يأخذ لرأسه ماء جديدا) وأما طريق نمران التى ذكرها المؤلف فقد أشار إليها الحافظ ابن حجر في التلخيص (ج 1 ص 429) وليس ضعفها سببا لضعف رواية عبد الله بن زيد الصحيحة التي أخذ بها أهل العلم.(1/187)
عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها في غسل الجنابة: (انما يكفيك أن تحثى على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين (1) عليك الماء فتطهرين * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا أبو نعيم هو الفضل بن دكين ثنا معمر بن يحيى بن سام (2) حدثني أبو جعفر محمد بن على بن الحسين قال لى جابر (3): (سألني ابن عمك فقال: كيف الغسل من الجنابة؟ فقلت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ ثلاثة أكف ويفيضها على رأسه ثم يفيض على سائر جسده) قال أبو محمد: ولو كان ما قاله أصحاب أبى حنيفة من تنجس الماء المستعمل لما صح طهر ولا وضوء ولا صلاة لاحد أبدا، لان الماء الذى يفيضه المغتسل على جسده يطهر منكبيه وصدره، ثم ينحدر إلى ظهره وبطنه، فكان يكون كل أحد مغتسلا بماء نجس، ومعاذ الله من هذا، وهكذا في غسله ذراعه ووجهه ورجله في الوضوء، لانه لا يغسل ذراعه إلا بالماء الذى غسل به كفه، ولا يغسل أسفل وجهه إلا بالماء الذى قد غسل به أعلاه وكذلك رجله * وقال بعضهم: الماء المستعمل لا بد من أن يصحبه من عرق الجسم في الغسل والوضوء شئ فهو ماء مضاف * قال أبو محمد: وهذا غث جدا، وحتى لو كان كما قالوا فكان ماذا، ومتى حرم
الوضوء والغسل بماء فيه شئ طاهر لا يظهر له في الماء رسم! فكيف وهم يجيزون الوضوء بماء قد تبرد فيه من الحر، وهذا أكثر في أن يكون فيه العرق من الماء المستعمل *
__________
(1) تفيضين بالنون كما في مسلم (ج 1 ص 102) وفي الاصلين بحذف النون (2) معمر باسكان العين وبه جزم المزى، وفي رواية بوزن محمد وبه جزم الحاكم، وسام بالسين المهملة وتخفيف الميم.
قاله في الفتح (ج 1 ص 316) (3) في البخاري (ج 1 ص 41): (اتاني ابن عمك يعرض بالحسن بن محمد ابن الحنفية)(1/188)
وقال بعضهم: قد جاء أثر بأن الخطايا تخرج مع غسل أعضاء الوضوء * قلنا: نعم - ولله الحمد - فكان ماذا؟ وإن هذا لمما يغبط باستعماله مرارا إن أمكن لفضله، وما علمنا للخطايا أجراما تحل في الماء * وقال بعضهم: الماء المستعمل كحصى الجمار الذى رمى به لا يجوز أن يرمى به ثانية * قال أبو محمد: وهذا باطل، بل حصى الجمار إذا رمى بها فجائز أخذها والرمى بها ثانية، وما ندرى شيئا يمنع من ذلك، وكذلك التراب الذى تيمم به فالتيمم به جائز، والثوب الذى سترت به العورة في الصلاة جائز أن تستر به أيضا العورة في صلاة أخرى، فان كانوا أهل قياس فهذا كله باب واحد * وقال بعضهم: الماء المستعمل بمنزلة الماء الذى طبخ فيه فول أو حمص * قال على: وهذا هوس مردود على مثله (1) وما ندرى شيئا يمنع من جواز الوضوء والغسل بماء طبخ فيه فول أو حمص أو ترمس أو لوبيا، ما دام يقع عليه اسم ماء * وقال بعضهم: لما لم يطلق على الماء المستعمل اسم الماء مفردا دون أن يتبع باسم آخر وجب أن لا يكون في حكم الماء المطلق *
قال أبو محمد: وهذه حماقة، بل يطلق عليه اسم ماء فقط، ثم لا فرق بين قولنا ماء مستعمل فيوصف بذلك، وبين قولنا ماء مطلق فيوصف بذلك، وقولنا ماء ملح أو ماء عذب أو ماء مر أو ماء سخن أو ماء مطر، وكل ذلك لا يمنع من جواز الوضوء به والغسل * ولو صح قول أبى حنيفة في نجاسة الماء المتوضأ به والمغتسل به لبطل أكثر الدين، لانه كان الانسان إذا اغتسل أو توضأ ثم لبس ثوبه لا يصلى إلا بثوب نجس كله، وللزمه أن يطهر أعضاءه منه بماء آخر * وقال بعضهم: لا ينجس إلا إذا فارق الاعضاء * قال أبو محمد: وهذه جرأة على القول بالباطل في الدين بالدعوى.
ويقال لهم: هل تنجس عندكم إلا بالاستعمال؟ فلا بد من نعم، فمن المحال أن لا ينجس في الحال
__________
(1) كذا في الاصلين، ولعل الاولى (على قائله).(1/189)
المنجسة له ثم ينجس بعد ذلك، ولا جرأة أعظم من أن يقال: هذا ماء طاهر تؤدى به الفرائض، فإذا تقرب به إلى الله في أفضل الاعمال من الوضوء والغسل تنجس أو حرم أن يتقرب إلى الله تعالى به، وما ندرى من أين وقع لهم هذا التخليط! * وقال بعضهم: قد جاء عن ابن عباس أن الجنب إذا اغتسل في الحوض أفسد ماءه، وهذا لا يصح بل هو موضوع، وانما ذكره الحنفيون عن حماد بن أبي سليمان عن ابراهيم عن ابن عباس، ولا نعلم من هو قبل حماد، ولا نعرف لابراهيم سماعا من ابن عباس (1) والصحيح عن ابن عباس خلاف هذا (2) قال ابو محمد: وقد ذكرنا عن ابن عباس قبل خلاف هذا من قوله: أربع لا تنجس الماء والارض والانسان، وذكر رابعا * وذكروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه الصدقة على آل محمد: (انما هي غسالة
أيدى الناس) وعن عمر مثل ذلك * قال أبو محمد: وهذا لا حجة فيه أصلا، لان اللازم لهم في احتجاجهم بهذا الخبر أن لا يحرم ذلك الا على آل محمد خاصة، فان عليه السلام لم يكره ذلك ولا منعه أحدا غيرهم، بل أباحه لسائر الناس.
وأما احتجاجهم بقول عمر فانهم مخالفون له، لانهم يجيزون في أصل أقوالهم شرب ذلك الماء.
وأيضا فان غسالة أيدى الناس غير وضوئهم الذى يتقربون به إلى الله تعالى، ولا عجب أكثر من اباحتهم غسالة أيدى الناس وفيها جاء ما احتجوا به، وقولهم: إنها طاهرة، وتحريمهم الماء الذي قد توضأ به قربة إلى الله تعالى! وليس في شئ من هذين الاثرين نهي عنه ونعوذ بالله من الضلال وتحريف الكلم عن مواضعه * ونسأل أصحاب الشافعي عمن وضأ عضوا من أعضاء وضوئه فقط ينوي به الوضوء في ماء دائم أو غسله كذلك وهو جنب، أو بعض عضوا أو بعض أصبع أو
__________
(1) هكذا قال حفاظ الحديث: انه لم يسمع من أحد من الصحابة.
وقيل إنه رأى عائشة ولم يسمع منها، وأدرك أنسا ولم يسمع منه.
(2) انظر السنن الكبرى البيهقى (ج 1 ص 236) فقد روى أثرا عن ابن عباس في ان المستعمل طهور ولا يطهر.(1/190)
شعرة واحدة أو مسح شعرة من رأسه أو خفه أو بعض خفه: حتى نعرف أقوالهم في ذلك * وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ وسقى إنسانا ذلك الوضوء، وأنه عليه السلام توضأ وصب وضوءه على جابر بن عبد الله، وأنه عليه السلام كان إذا توضأ تمسح الناس بوضوئه، فقالوا بآرائهم الملعونة: ان المسلم الطاهر النظيف إذا توضأ بماء طاهر ثم صب ذلك الماء في بئر فهي بمنزلة لو صب فيها فأر ميت أو نجس.
ونسأل الله العافية
من هذا القول * 142 - مسألة - وونيم (1) الذباب والبراغيث والنحل وبول الخفاش (2) ان كان لا يمكن التحفظ منه وكان في غسله حرج أو عسر لم يلزم من غسله إلا مالا حرج فيه ولا عسر * قال ابو محمد: قد قدمنا قول الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله تعالى: (يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
فالخرج والعسر مرفوعان عنا، وما كان لا حرج في غسله ولا عسر فهو لازم غسله، لانه بول ورجيع.
وبالله تعالى التوفيق * 143 - مسألة - والقئ من كل مسلم أو كافر حرام يجب اجتنابه.
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالعائد في قيئه) وانما قال عليه السلام ذلك على منع العودة في الهبة * 144 - مسألة - والخمر والميسر والانصاب والازلام رجس حرام واجب اجتنابه، فمن صلى حاملا شيئا منها بطلت صلاته.
قال الله تعالى: (انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه).
فمن لم يجتنب ذلك في صلاته فلم يصل كما أمر، ومن لم يصل كما أمر فلم يصل (3).
__________
(1) بفتح الواو وكسر النون وآخره ميم، هو خرء الذباب.
(2) في اليمنية (والنحل والخفافيش) (3) شذ ابن حزم شذوذا غريبا في القول بنجاسة الميسر والانصاب والازلام ولو شئنا أن نقول كما يقول متأخرو الفقهاء في مناظراتهم لقلنا: انه خالف الاجماع(1/191)
فقد نقل النووي وغيره الاجماع على طهارتها، ونحن لم نعلم قائلا ذهب إلى ما اختاره المؤلف رحمه الله.
ولا بأس بذلك ان كان القول المختار يرجحه الدليل
الصحيح.
والآية التى استدل بها المؤلف لا تدل على ما ذهب إليه، فان الرجس كما يطلق على النجس يطلق على المستقذر وعلى الخبيث وعلى الماثم وعلى العذاب، قال الزجاج: (الرجس في اللغة اسم لكل ما استقذر من عمل فبالغ الله تعالى في ذم هذه الاشياء وسماها رجسا) نقله في اللسان، وقال الراغب الاصفهاني: (الرجس الشئ القذر، يقال رجل رجس ورجال أرجاس، قال تعالى (رجس من عمل الشيطان)، والرجس يكون على أربعة أوجه، إما من حيث الطبع، واما من جهة العقل، وإما من جهة الشرع، واما من كل ذلك كالميتة، فان الميتة تعاف طبعا وعقلا وشرعا.
والرجس من جهة الشرع الخمر والميسر، وقيل ان ذلك رجس من جهة العقل، وعلى ذلك نبه بقوله تعالى (واثمهما أكبر من نفعهما) لان كل مايو في اثمه على نفعه فالعقل يقتضى تجنبه).
وليس معقولا في معنى الآية ارادة الرجس بمعنى النجس رغما عما اختاره المؤلف، فالميسر مثلا هو لعب القمار ولا يعقل فيه نجاسة من طهارة، وان ادعى أنه يريد آلة اللعب فهى دعوى غير موفقة، لانه ليس في آلة اللعب تحريم، انما التحريم على عمل المكلف، قال ابن جرير في التفسير (7: 21): ((رجس): يقول: اثم ونتن سخطه الله وكرهه لكم (من عمل الشيطان) يقول: شربكم الخمر وقماركم على الجزر وذبحكم للانصاب واستقسامكم.
بالازلام من تزيين الشيطان لكم ودعائه اياكم إليه وتحسينه لكم، لا من الاعمال التى ندبكم إليها ربكم، ولا مما يرضاه لكم، بل هو مما يسخطه لكم (فاجتنبوه) يقول: فاتركوه وارفضوه ولا تعملوه) وهذا تفسير دقيق لمعنى الآية يدل على خطأ ما فهمه ابن حزم من أن الرجس هو نفس الانصاب الخ وان الواجب اجتناب ذواتها وأجرامها.
ومن هذا تعلم أن الآية لا تدل على نجاسة الخمر أيضا وهو الصحيح، قال النووي في المجموع (2: 564): (ولا يظهر من الآية دلالة ظاهرة لان
الرجس عند أهل اللغة القذر ولا يلزم من ذلك النجاسة، وكذا الامر بالاجتناب لا يلزم منه النجاسة) ثم ذكر دليلا آخر على نجاستها ورده ثم قال: (وأقرب ما يقال ما ذكره الغزالي أنه يحكم بنجاستها تغليظا وزجرا عنها قياسا على الكلب وما ولغ فيه والله أعلم) وهذا دليل ضعيف جدا وان رآه النووي أقرب إلى القوة(1/192)
145 - مسألة - ونبيذ البسر والتمر والزهو (1) والرطب والزبيب إذا جمع نبيذ واحد من هذه إلى نبيذ غيره فهو حرام واجب اجتنابه * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن اسماعيل ثنا ابان هو ابن يزيد العطار - ثنا يحيى - هو ابن أبى كثير - عن عبد الله بن ابي قتادة عن ابيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن خليط الزبيب والتمر، وعن خليط البسر والتمر، وعن خليط الزهو والرطب، وقال: انتبذوا (2) كل واحد على حدة (3)) وليس كذلك الخليطان من غير هذه الخمسة بل هو طاهر حلال ما لم يكسر، لانه لم ينه الا عما ذكرنا * 146 - مسألة - ولا يجوز استقبال القبلة واستدبارها للغائط والبول، لا في بنيان ولا في صحراء، ولا يجوز استقبال القبلة فقط كذلك في حال الاستنجاء *
__________
والحق أنه لا دليل في الشريعة صريحا أصلا يدل على نجاسة الخمر، والاصل الطهارة، وحرمة شربها لا تدل على نجاستها، فان السم حرام ليس بنجس، وكذلك المخدرات الاخرى، واليه ذهب ربيعة وداود فيما حكاه النووي نقلا عن القاضى أبى الطيب، وهو الذى نختاره، والحمد لله.
ويظهر من كلام الراغب الاصفهاني الذى نقلنا آنفا أنه يميل إليه أو يختاره، واليه يرمي كلام القاضى الشوكاني كما يفهم من الدرر البهية وشرحه الروضة الندية (1: 20 - 21) واختاره أيضا العلامة محمد بن اسمعيل الامير في سبل السلام (ج 1 ص 42) الطبعة المنيرية
(1) (الزهو) بفتح الزاى وبضمها مع اسكان الهاء وآخره واو، هو البسر إذا ظهرت فيه الحمرة (2) في الاصلين انبذوا وصححناه من أبي داود (ج 3 ص 383) (3) كذا في اليمنية وأبي داود وفي المصرية (على حدته).
وهو يوافق لفظ مسلم في صحيحه (ج 2 ص 126) والحديث رواه أيضا النسائي مكررا (ج 2 ص 223 - 224) وابن ماجه (ج 2 ص 173) وفيها أيضا (على حدته) وفي بعض روايات النسائي (على حدة)(1/193)
حدثنا عبد الله يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد ابن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى قال قلت لسفيان بن عيينة: سمعت الزهري يذكر عن عطاء بن يزيد الليثى عن أبى أيوب: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شرقوا أو غربوا)؟ قال سفيان: نعم * وقد روى أيضا النهى عن ذلك أبو هريرة وغيره، وقد ذكرنا قبل حديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم: ألا يستنجى أحد مستقبل القبلة، في باب الاستنجاء * وممن أنكر ذلك أبو أيوب الانصاري - كما ذكرنا - في البيوت نصا عنه، وكذلك أيضا أبو هريرة وابن مسعود، وعن سراقة بن مالك ألا تسقبل القبلة بذلك، وعن السلف من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم جملة، وعن عطاء وابراهيم النخعي، وبقولنا في ذلك يقول سفيان الثوري والاوزاعي وأبو ثور (1) ومنع أبو حنيفة من استقبالها لبول أو غائط، وكل هؤلاء لم يفرق بين الصحارى والبناء في ذلك، وروينا من طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يكره أن تستقبل القبلتان بالفروج، وهو قول مجاهد *
قال أبو محمد: لا نرى ذلك في بيت المقدس لان النهى عن ذلك لم يصح وقال عروة بن الزبير وداود بن على: يجوز استقبال الكعبة واستدبارها بالبول والغائط، وروينا ذلك عن ابن عمر من طريق شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن نافع عن ابن عمر، وروينا عن ابن عمر من طريق أبى داود عن محمد بن يحيى بن فارس عن صفوان بن عيسى عن الحسن بن ذكوان عن مروان الاصفر عن ابن عمر أنه قال: إنما نهي عن ذلك في الفضاء، وأما إذا كان (2) بينك وبين القبلة شئ يسترك فلا بأس، وروينا أيضا هذا عن الشعبى، وهو قول مالك والشافعي فأما من أباح ذلك جملة فاحتجوا بحديث رويناه عن ابن عمر في بعض ألفاظه:
__________
(1) في المصرية (وأبو داود) وهو خطأ (2) في أبى داود (ج 1 ص 7) (فإذا كان) وهو أيضا لفظ الحاكم في المستدرك (ج 1 ص 154)(1/194)
(رقيت على بيت أختى حفصة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا لحاجته مستقبل القبلة (1)) وفى بعضها: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول حيال القبلة) وفى بعضها: (اطلعت يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهر بيت يقضى حاجته محجور عليه بلبن فرأيته مستقبل القبلة) وبحديث من طريق جابر: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها (2)) وبحديث من طريق عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده أن ناسا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد فعلوها؟ استقبلوا بمقعدتى القبلة) (3) * قال على: لا حجة لهم غير ما ذكرنا، ولا حجة لهم في شئ منه * أما حديث ابن عمر: فليس فيه أن ذلك كان بعد النهي، وإذا لم يكن ذلك فيه، فنحن على يقين من أن ما في حديث ابن عمر موافق لما كان الناس عليه قبل أن ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، هذا مالا شك فيه، فإذ لا شك في
__________
(1) رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وفي ألفاظهم: (مستقبل الشأم مستدبر الكعبة).
ووقع في رواية ابن حبان (مستقبل القبلة مستدبر الشام) قال ابن حجر: (وهى خطأ تعد من قسم المقلوب) انظر الشوكاني (ج 1 ص 98) المطبعة المنيرية (2) رواه احمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن الجارود وابن خزيمة والحاكم والدار قطني (ص 22) قال الترمذي (ج 1 ص 4) (حديث حسن غريب) وقال الحاكم (ج 1 ص 154) (صحيح على شرط مسلم) ورواه البيهقي (ج 1 ص 92) (3) رواه احمد وابن ماجه (ج 1 ص 69) والبيهقي (ج 1 ص 92 - 93) (والدار قطني (ص 22) وقال النووي في المجموع (ج 2 ص 78) (اسناده حسن لكن أشار البخاري إلى أن فيه علة) قال السندي في شرح ابن ماجه: (رجاله ثقات معروفون وأخطأ من قال خلاف ذلك، وقد علل البخاري الخبر بما ليس بقادح فيه فقال: وجاء عن عائشة أنها كانت تنكر قولهم لا تستقبلوا القبلة، وهذا أصح.
فان ثبوت ما قال لا يستلزم نفي هذا، فبعد صحة الاسناد يجب القول بصحته) وسيأتي الكلام على الحديث بعد قليل(1/195)
ذلك فحكم حديث ابن عمر منسوخ قطعا بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، هذا يعلم ضرورة، ومن الباطل المحرم ترك اليقين بالظنون، وأخذ المتيقن نسخه وترك المتيقن أنه ناسخ * وقد أوضحنا في غير هذا المكان أن كل ما صح أنه ناسخ لحكم منسوخ فمن المحال الباطل أن يكون الله تعالى يعيد الناسخ منسوخا والمنسوخ ناسخا ولا يبين ذلك تبيانا لا إشكال فيه، إذ لو كان هذا لكان الدين مشكلا غير بين، ناقصا غير كامل، وهذا باطل.
قال الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) وقال تعالى:
(لتبين للناس ما نزل إليهم) * وأيضا فانما في حديث ابن عمر ذكر استقبال القبلة فقط، فلو صح أنه ناسخ لما كان فيه نسخ تحريم استدبارها، ولكان من أقحم في ذلك إباحة استدبارها كاذبا مبطلا لشريعة ثابتة، وهذا حرام.
فبطل تعلقهم بحديث ابن عمر * وأما حديث عائشة فهو ساقط، لانه رواية (1) خالد الحذاء - وهو ثقة - عن خالد بن أبى الصلت وهو مجهول لا يدرى من هو (2)، وأخطأ فيه عبد الرزاق فرواه
__________
(1) في الاصلين (لان رواية) وهو خطأ (2) حديث عائشة رواه خالد الحذاء، واختلف الرواة عنه فيه، فرواه بعضهم عن خالد الحذاء عن عراك عن عائشة، ورواه بعضهم عن خالد الحذاء عن رجل عن عراك، ورواه حماد بن سلمة وعلى بن عاصم وعبد العزيز بن المغيرة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك بن مالك، فرواية حماد بن سلمة في ابن ماجه (ج 1 ص 69) والدار قطني (ص 22) وأشار إليها البيهقي في السنن الكبرى (ج 1 ص 93)، ورواية على بن عاصم في سنن البيهقى والدار قطني، ورواية عبد العزيز بن المغيرة في ابن ماجه، ومن بين وحفظ حجة على من أبهم ولم يحفظ، وأوضح الروايات رواية على بن عاصم، فرواها الدارقطني من طريق هارون بن عبد الله، والبيهقي من طريق يحيى بن أبي طالب، كلاهما عن على بن عاصم: (ثنا خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز في خلافته وعنده عراك بن مالك، فقال عمر: ما استقبلت القبلة ولا استدبرتها(1/196)
عن خالد الحذاء عن كثير بن الصلت، وهذا أبطل وأبطل، لان خالدا الحذاء لم يدرك كثير بن الصلت، ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة لان نصه يبين أنه انما كان قبل النهى، لان من الباطل المحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن
__________
ببول ولا غائط منذ كذا وكذا، فقال عراك: حدثتني عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه قول الناس في ذلك أمر بمقعدته فاستقبل بها القبلة) قال الدارقطني: (هذا أضبط اسناد، وزاد فيه خالد بن ابي الصلت وهو الصواب).
وقد ادعى ابن حزم أن خالد بن أبى الصلت مجهول، وتعقبه ابن مفوز فقال: (هو مشهور بالرواية معروف بحمل العلم لكن حديثه معلول) وذكره ابن حبان في الثقات، وذكره أسلم بن سهل في تاريخ واسط وحكى عن سفيان بن حسين قال: (كنا نأتي خالد بن أبي الصلت وكان عينا لعمر ابن عبد العزيز بواسط وكانت له هيئة) والعلة التي فيه هي ما نقله السندي كما ذكرنا آنفا، وقد نقل ذلك ابن حجر في التهذيب في ترجمة عن الترمذي في العلل الكبير عن البخاري أنه قال: (فيه اضطراب والصحيح عن عائشة قولها) أي إنه رجح أنه موقوف على عائشة، وهذا ترجيح لا دليل عليه، فان رواية بعض الرواة اياه موقوفا لا يمنع أن يكون مرويا مرفوعا من طريق أخرى صحيحة وقد صرح على بن عاصم في روايته بسماع خالد بن أبى الصلت من عراك بن مالك، وسماع عراك من عائشة، وعلى ثقة له أوهام وأغلاط، وقد تابعه على ذلك حماد بن سلمة، فارتفعت شبهة الغلط، فقد نقل ابن حجر في التهذيب (ج 3 ص 97) عن تاريخ البخاري قال: (قال موسى ثنا حماد هو ابن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبى الصلت قال كنا عند عمر بن عبد العزيز فقال عراك ابن مالك: سمعت عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم: حولي مقعدتى إلى القبلة) وقد نقل الحازمي في الناسخ والمنسوخ (ص 37) انه تابعه أيضا عبد الله بن المبارك، فهذه الروايات تؤكد صحة الحديث بالسند الصحيح الثابت بالسماع، وقد أعله أحمد بن حنبل بأن عراكا لم يسمع من عائشة، فقد نقل ابن أبي حاتم في المراسيل (ص 60) ذلك عن احمد ونقله ابن حجر عن
الاثرم عنه.
وهذه علة غير صحيحة لما رأيت من تصريحه بالسماع منها، ورواية عراك بعض الاحاديث عن عروة عن عائشة لا تنفى سماعه منها، قال ابن دقيق(1/197)
استقبال القبلة بالبول والغائط، ثم ينكر عليهم طاعته في ذلك، هذا مالا يظنه مسلم ولا ذو عقل، وفي هذا الخبر إنكار ذلك عليهم، فلو صح لكان منسوخا بلا شك، ثم لو صح لما كان فيه إلا إباحة الاستقبال فقط، لا إباحة الاستدبار أصلا فبطل تعلقهم بحديث عائشة جملة * وأما حديث جابر فانه رواية (1) أبان بن صالح وليس بالمشهور (2)، وأيضا
__________
العيد في الامام: (ولعراك أحاديث عديدة عن عروة عن عائشة، قال: ولكن لقائل أن يقول: إذا كان الراوي عنه قوله سمعت ثقة فهو مقدم، لاحتمال أنه لقى الشيخ بعد ذلك فحدثه إذا كان ممن يمكن لقاؤه، وقد ذكروا سماع عراك من أبي هريرة ولم ينكروه وأبو هريرة توفى هو وعائشة في سنة واحدة - سنة 58 - فلا يبعد سماعه من عائشة مع كونهما في بلد واحد، ولعل هذا هو الذى أوجب لمسلم أن أخرج في صحيحه حديث عراك عن عائشة من رواية يزيد بن أبى زياد مولى ابن عباس عن عراك عن عائشة: جاءتي سكينة تحمل ابنتين لها.
الحديث) ثم أيد ذلك ابن دقيق العيد برواية على بن عاصم التي ذكرنا.
نقل ذلك عنه الزيلعي في نصب الراية (ج 1 ص 273).
وبهذا التحقيق - الذى قد لا تجده مفصلا في كتاب - يظهر لك أن حديث عائشة صحيح على شرط مسلم.
وبالله تعالى التوفيق.
(1) في الاصلين (فان رواية) وهو خطأ (2) أبان وثقه ابن معين والعجلي وأبو زرعة وأبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات.
قال ابن حجر في التهذيب: (قال ابن عبد البر في التمهيد: حديث
جابر ليس صحيحا لان أبان بن صالح ضعيف.
وقال ابن حزم في المحلى عقب هذا الحديث: أبان ليس بالمشهور انتهى.
وهذه غفلة منهما، وخطأ تراردا عليه، فلم يضعف أبان هذا أحد قبلهما، ويكفى فيه قول ابن معين ومن تقدم معه) وهذا الحديث هو من رواية محمد بن اسحق عن أبان.
قال الزيلعى (ج 1 ص 273).
(وأخرجه ابن حبان في صحيحه في القسم الثاني والحاكم في المستدرك والدار قطني ثم البيهقي في سننهما، وعندهم الاربعة: حدثنى أبان بن صالح، فزالت تهمة التدليس) ثم نقل عن الترمذي في العلل الكبير قال: (سألت محمد بن اسمعيل - يعنى البخاري - عن هذا الحديث فقال: حديث صحيح).(1/198)
فليس فيه بيان أن استقباله القبلة عليه السلام كان بعد نهيه، ولو كان ذلك لقال جابر: ثم رأيته (1)، وأيضا فلو صح لما كان فيه الا النسخ للاستقبال فقط، وأما الاستدبار فلا أصلا، ولا يحل أن يزاد في الاخبار ما ليس فيها، فيكون من فعل ذلك كاذبا، وليس إذا نهى عن شيئين ثم نسخ أحدهما وجب نسخ الآخر، فبطل كل ما شغبوا به وبالله تعالى التوفيق، وسقط قولهم لتعريه عن البرهان * وأما من فرق بين الصحارى والبناء في ذلك فقول لا يقوم عليه دليل أصلا، إذ ليس في شئ من هذه الآثار فرق بين صحراء وبنيان، فالقول بذلك ظن، والظن أكذب الحديث، ولا يغنى عن الحق شيئا، ولا فرق بين من حمل النهى على الصحارى دون البنيان، وبين آخر قال: بل النهى عن ذلك في المدينة أو مكة خاصة، وبين آخر قال: في أيام الحج خاصة.
وكل هذا تخليط لا وجه له * وقال بعضهم: انما كان في الصحارى لان هنالك قوما يصلون فيؤذون بذلك * قال أبو محمد: هذا باطل، لان وقوع الغائط كيفا وقغ في الصحراء فموضعه لا بد أن يكون قبلة لجهة ما، وغير قبلة لجهة أخرى، فخرج قول مالك عن أن يكون له
متعلق بسنة أو بدليل أصلا، وهو قول خالف جميع أقوال الصحابة رضى الله عنهم الا رواية عن ابن عمر قد روى عنه خلافها.
وبالله تعالى التوفيق * 147 - مسألة - وكل ماء خالطه شئ طاهر مباح فظهر فيه لونه وريحه وطعمه الا أنه لم يزل عنه اسم الماء فالوضوء به جائز والغسل به للجنابة جائز *
__________
(1) هذه من أضعف حجج ابن حزم فانه حكاية عربي فصيح كجابر نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ثم تعقيبه اياها برؤيته صلى الله عليه وسلم قبل موته بعام يفعل ذلك: صريح جدا في أنه يريد بيان النسخ، وأن النهي انما كان قبل الفعل، ومثل هذا الحديث فيما نعقل لا يقوله الصحابي اعتباطا بدون مناسبة، وانما المفهوم أنه يكون في سياق سؤال أو جدال في هذا الامر.
ومع كل هذا فقد جاءت الرواية بلفظ (ثم) ففي رواية الدارقطني والبيهقي.
(ثم قد رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة) وفى رواية الحاكم (ثم رأيناه قبل موته وهو يبول مستقبل القبلة)(1/199)
برهان ذلك قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء) وهذا ماء، سواء كان الواقع فيه مسكا أو عسلا أو زعفرانا أو غير ذلك * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق ثنا ابن جريج أخبرني عطاء بن أبى رباح عن أم هانئ بنت أبى طالب أنها قالت: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وهو في قبة له، فوجدته قد اغتسل بماء كان في صحفة، إني لارى فيها أثر العجين، فوجدته يصلي الضحى) * وبه إلى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أم هانئ قالت: (نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بأعلى مكة، فأتيته بماء في جفنة انى لارى أثر العجين فيها (1)، فستره أبو ذر فاغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم ستر عليه السلام أبا ذر فاغتسل، ثم صلى ثماني ركعات وذلك في الضحى) * حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أبو عيسى بن أبى عيسى ثنا أحمد بن خالد ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبى شيبة عن زيد بن الحباب العكلى عن ابراهيم بن نافع عن ابن أبى نجيح عن مجاهد عن أم هانئ: (أن ميمونة أم المؤمنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسلا من قصعة فيها أثر العجين) * قال على: وهذا قول ثابت عن ابن مسعود قال: إذا غسل الجنب رأسه بالخطمي أجزأه، وكذلك نصا عن ابن عباس * وروي أيضا هذا عن على بن أبى طالب، وثبت عن سعيد بن المسيب وابن جريج وعن صواحب النبي صلى الله عليه وسلم من نساء الانصار والتابعات منهن: أن المرأة الجنب (2) والحائض إذا امتشطت بحناء (3) رقيق أن ذلك يجزئها من غسل رأسها للحيضة والجنابة ولا تعيد غسله، وثبت عن ابراهيم النخعي وعطاء بن ابى رباح وأبى سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن جبير أنهم قالوا في الجنب يغسل رأسه بالسدر
__________
(1) في اليمنية (انى لارى فيها أثر العجين) (2) الجنب يطلق على المذكر والمؤنث والمفرد والمثني والجمع، ومن العرب من يثنى ويجمع.
(3) الحناء بالمد والتشديد والجمع حنان بكسر الحاء وضمها وتشديد النون وفي آخره نون ثانية، وقيل أيضا حنان بالهمز بوزن عثمان، وكلها جموع على غير قياس.(1/200)
والخطمى: انه يجزئه ذلك من غسل رأسه للجنابة * وقولنا في هذا هو قول ابى حنيفة والشافعي وداود * وروى عن مالك نحو هذا أيضا.
وروى سحنون عن ابن القاسم (1) أنه سأل مالكا عن الغدير ترده المواشى فتبول فيه وتبعر حتى يتغير لون الماء وريحه: أيتوضأ منه للصلاة؟ قال مالك: أكرهه ولا أحرمه، كان ابن عمر يقول: إنى لاحب أن أجعل
بينى وبين الحرام سترة من الحلال * والذى عليه أصحابه بخلاف هذا، وهو أنه روي عنه في الماء يبل فيه الخبز أو يقع فيه الدهن: أنه لا يجوز الوضوء به، وكذلك الماء ينقع فيه الجلد (2)، وهذا خطأ من القول، لانه لا دليل عليه من قرآن ولا من سنة ولا اجماع ولا قول صاحب ولا قياس، بل خالفوا فيه ثلاثة من الصحابة رضى الله عنهم لا يعرف لهم منهم مخالف، وخالفوا فيه فقهاء المدينة كما ذكرنا، وما نعلمهم احتجوا باكثر من أن قالوا: ليس هو ماء مطلقا قال أبو محمد: وهذا خطأ، بل هو ماء مطلق وان كان فيه شئ آخر، ولا فرق بين ذلك الذي فيه وبين حجر يكون فيه، وهم يجيزون الوضوء بالماء الذي تغير من طين موضعه، وهذا تناقض *
__________
(1) في المصرية (عن ابن غانم) وفي اليمنية (عن أبي غانم) وكلاهما فيما نرى خطأ، والصواب (عن ابن القاسم) فان سحنون انما يروى الفقه عن ابن القاسم عن مالك، وهكذا المدونة، هي رواية سحنون عن ابن القاسم.
وقد جهدت أن أجد هذه المسألة - التي رواها المؤلف - في المدونة فلم أوفق إلى وجودها.
(2) هذا هو الذى في المدونة ونصها (ج 1 ص 4): (قال مالك: لا يتوضأ بالماء الذى يبل فيه الخبز..قال ابن القاسم: وأخبرني بعض أصحابنا ان انسانا سأل مالكا عن الجلد يقع في الماء فيخرج مكانه أو الثوب، هل ترى بأسا ان يتوضأ بذلك الماء؟ قال: قال مالك: لا أرى به بأسا، قال فقال له: فما بال الخبز؟ فقال له مالك: أرأيت إن أخذ رجل جلدا فانقعه اياما في ماء، أيتوضأ بذلك الماء وقد ابتل الجلد في ذلك الماء؟ فقال: لا فقال مالك: هذا مثل الخبز ولكل شئ وجه)(1/201)
ومن العجب أنهم لم يجعلوا حكم الماء للماء الذي مازجه شئ طاهر لم يزل عنه اسم الماء، وجعلوا للفضة المخلوطة بالنحاس - خلطا يغيرها - حكم الفضة المحضة،
وكذلك في الذهب الممزوج فجعلوه كالذهب الصرف في الزكاة والصرف، وهذا هو الخطأ وعكس الحقائق، لانهم أوجبوا الزكاة في الصفر الممازج للفضة، وهذا باطل، وأباحوا صرف فضة وصفر بمثل وزن الجميع من فضة محضة، وهذا الربا بعينه، وأما الوضوء بماء قد مازجه شئ طاهر فانما يتوضأ ويغتسل بالماء ولا يضره مرور شئ طاهر على أعضائه مع الماء * وقال بعضهم: هو كماء الورد.
قال أبو محمد: وهذا باطل، لان ماء الورد ليس ماء أصلا، وهذا ماء وشئ آخر معه فقط * 148 - مسألة - فان سقط عنه اسم الماء جملة كالنبيذ وغيره، ولم يجز الوضوء به ولا الغسل، والحكم حينئذ التيمم، وسواء في هذه المسألة والتى قبلها وجد ماء آخر أم لم يوجد * برهان ذلك قول الله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا)، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء) ولما كان اسم الماء لا يقع على ما غلب عليه غير الماء حتى تزول عنه جميع صفات الماء التي منها يؤخذ حده -: صح أنه ليس ماء، ولا يجوز الوضوء بغير الماء وهذا قول مالك والشافعي وأحمد وداود وغيرهم، وقال به الحسن وعطاء بن أبى رباح وسفيان الثوري وابو يوسف واسحاق وأبو ثور وغيرهم * وروى عن عكرمة أن النبيذ وضوء إذا لم يوجد الماء ولا يتيمم مع وجوده * وقال الاوزاعي: لا يتيمم إذا عدم الماء مادام يوجد نبيذ غير مسكر، فان كان مسكرا فلا يتوضأ به * وقال حميد (1) صاحب الحسن بن حي: نبيذ التمر خاصة يجوز الوضوء به والغسل المتفرض في الحضر والسفر، وجد الماء أو لم يوجد، ولا يجوز ذلك بغير نبيذ التمر، وجد الماء أو لم يوجد *
__________
(1) هو حميد بن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسى الكوفي الثقة.(1/202)
وقال أبو حنيفة في أشهر قوليه: أن نبيذ التمر خاصة إذا لم يسكر فانه يتوضأ به ويغتسل - فيما كان خارج الامصار والقرى خاصة - عند عدم الماء، فان أسكر، فان كان مطبوخا جاز الوضوء به والغسل كذلك، فان كان نيئا لم يجز استعماله أصلا في ذلك، ولا يجوز الوضوء بشئ من ذلك، لا عند عدم الماء ولا في الامصار ولا في القرى أصلا - وان عدم الماء -، ولا بشئ من الانبذة غير نبيذ التمر لا في القرى ولا في غير القرى، ولا عند عدم الماء، والرواية الاخرى عنه أن جميع الانبذة يتوضأ بها ويغتسل، كما قال في نبيذ التمر سواء سواء * وقال محمد بن الحسن: يتوضأ بنبيذ التمر عند عدم الماء ويتيمم معا * قال أبو محمد: أما قول عكرمة والاوزاعي والحسن بن حي فانهم احتجوا بحديث رويناه من طريق ابن مسعود من طرق: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن: معك ماء؟ قال: ليس معي ماء، ولكن معى إداوة فيها نبيذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تمرة طيبة وماء طهور، فتوضأ ثم صلى الصبح) وفي بعض ألفاظه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ بنبيذ، وقال: تمرة طيبة وماء طهور (1)) * وقال بعضهم: ان جماعة من الصحابة رضى الله عنهم ركبوا البحر فلم يجدوا إلا ماء البحر ونبيذا فتوضؤا بالنبيذ، ولم يتوضوا بماء البحر، وذكروا ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات قال: ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن المثنى ثنا يزيد بن هارون ثنا عبد الله بن ميسره (2) عن مزيدة بن جابر عن على بن أبى طالب رضى عنه قال: اذالم تجد الماء فلتتوضأ بالنبيذ.
قال محمد بن المثنى: وحدثنا أبو معاوية محمد بن خازم الضرير ثنا الحجاج بن أرطاة عن أبي اسحاق السبيعي عن الحارث عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال:
لا بأس بالوضوء بالنبيذ * قالوا: ولا مخالف لمن ذكرنا يعرف من الصحابة رضي الله عنهم، فهو إجماع على قول بعض مخالفينا *
__________
(1) من اول قوله (فتوضأ وصلى الصبح) إلى هنا محذوف من النسخة اليمنية (2) في المصرية (عبد الله بن مسرة) وما هنا هو الصواب والموافق لليمنية(1/203)
وقالوا: النبيذ ماء بلا شك خالطه غيره، فإذ هو كذلك فالوضوء به جائز * قال أبو محمد: هذا كل ما يمكن أن يشغبوا به، ولا حجة لهم في شئ منه.
ولله الحمد * أما الخبر المذكور فلم يصح، (1) لان في جميع طرقه من لا يعرف، أو من لا خير فيه، وقد تكلمنا عليه كلاما مستقصى (2) في غير هذا الكتاب، ثم لو صح بنقل التواتر لم يكن لهم فيه حجة، لان ليلة الجن كانت بمكة قبل الهجرة ولم تنزل آية الوضوء الا بالمدينة في سورة النساء وفي سورة المائدة، ولم يأت قط أثر بأن الوضوء كان فرضا بمكة، فإذ ذلك كذلك فالوضوء بالنبيذ كلا وضوء، فسقط التعلق به لو صح * وأما الذى رووه من فعل الصحابة رضي الله عنهم فهو عليهم لا لهم، لان الاوزاعي والحسن بن حى وأبا حنيفة وأصحابه كلهم مخالفون لما روى عن الصحابة في ذلك، مجيزون للوضوء بماء البحر، ولا يجيزون الوضوء بالنبيذ، ما دام يوجد ماء البحر، وكلهم - حاشا حميدا صاحب الحسن بن حى - لا يجيز الوضوء البتة بالنبيذ مادام يوجد ماء البحر، وحميد صاحب الحسن يجيز الوضوء بماء البحر مع وجود النبيذ، فكلهم مخالف (3) لما ادعوه من فعل الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، ومن الباطل أن يرى المرء حجة على خصمه ما لا يراه حجة عليه *
وأما الاثر عن على رضى الله عنه فلا حجة في أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيضا فان حميدا صاحب الحسن بن حي يخالف الرواية عن على في ذلك، لانه يرى الوضوء بنبيذ التمر مع وجود الماء، وهذا خلاف قول على، ويرى سائر الانبذة لا يحل بها الوضوء أصلا (4)، وهذا خلاف الرواية عن على * وأما قولهم: إن في النبيذ ماء خالطه غيره، فهو لازم لهم في لبن مزج بماء، وفي الحبر لانه ماء مع عفص وزاج، وفي الامراق لانها ماء وزيت وخل، أو ماء
__________
(1) في اليمنية (فلا يصح) (2) في اليمنية (متقصى) (3) في المصرية مخالفون (4) في اليمنية (ويرى أن سائر الانبذة لا يحل منها الوضوء أصلا)(1/204)
وزيت ومرى (1) ونحو ذلك، وهم لا يقولون بشئ من هذا، فظهر تناقضهم في كل ما احتجوا به.
ولله الحمد * وأما قولا أبى حنيفة فهو أبعدهم من أن يكون له في شئ مما ذكرنا حجة.
أما الحديث المذكور فليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حين الوضوء بالنبيذ خارج مكة، فمن أين له بتخصيص جواز الوضوء بالنبيذ خارج الامصار والقرى!؟ وهذا خلاف لما في ذلك الخبر، لا سيما وهو لا يرى التيمم فيما يقرب من القرية، ولا قصر الصلاة إلا في ثلاثة أيام، أحد وعشرين فرسخا فصاعدا، ولا سبيل له إلى دليل في شئ من ذلك إلا ودليله في ذلك جار في جميع هذه المسائل * وأما قوله الثاني الذى قاس فيه جميع الانبذة على نبيذ التمر، فهلا قاس أيضا داخل القرية على خارجها! وما المجيز له أحد القياسين والمانع له من الآخر!؟ لا سيما مع ما في الخبر من قوله: (تمرة طيبة وماء طهور) فإذ هو ماء طهور فما المانع من استعماله مع وجود ماء غيره، وكلاهما ماء طهور!؟ وهذا مالا انفكاك منه.
وان كان لا يجيزه مع وجود الماء فليجزه للمريض في الحضر مع عدم الماء *
وأما فعل الصحابة رضى الله عنهم وقول على فهو مخالف له، لانه لا يجيز الوضوء بالنبيذ مع وجود ماء البحر، ولا يجيز الوضوء بالنبيذ وان عدم الماء في القرى، وليس هذا في قول على، ولم يخص علي نبيذ تمر من غيره، وأبو حنيفة يخصه في أحد قوليه (2)، ولا أمقت في الدنيا والآخرة ممن ينكر على مخالفه ترك قول هو أول تارك له! ولا سيما ومخالفه لا يرى ذلك الذى ترك حجة، قال الله تعالى: (لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون) * وأما قولهم: إن النبيذ ماء وتمر، فيلزمهم هذا كما قلنا في الامراق وغيرها من
__________
(1) كتب بهامش اليمنية (هو الفلفل) وفي لسان العرب ضبط بالقلم بضم الميم وكسر الراء وتشديد الياء وقال: (والمرى معروف، قال ابو منصور: لا أدرى أعربي أم دخيل).
وأنا لا أدرى هل هو المراد هنا أو غيره (وفوق كل ذى علم عليم) (2) في اليمنية (يخصصه في أشهر قوليه)(1/205)
الانبذة، وهو خلاف قوله، فظهر فساد قولي أبى حنيفة معا.
والحمد لله رب العالمين * وأما قول محمد بن الحسن ففاسد، لانه لا يخلو أن يكون الوضوء بالنبيذ جائزا فالتيمم معه فضول، أو لا يكون الوضوء به جائزا فاستعماله فضول، لا سيما مع قوله: إنه إذا كان في ثوب المرء أكثر من قدر الدرهم البغلى من نبيذ مسكر بطلت صلاته، ولا شك أن المجتمع على جسد المتوضئ بالنبيذ أو المغتسل به وفى ثوبه أكثر من دراهم بغلية كثيرة * فان قال من ينتصر له: إنا لا ندرى أيلزم الوضوء به فلا يجزئ تركه وإما أنه لا يحل (1) الوضوء به فلا يجزئ فعله، فجمعنا الامرين * قيل لهم: الوضوء بالماء فرض متيقن عند وجوده، فلا يجوز تركه، والوضوء بالتيمم عند عدم ما يجزئ الوضوء به فرض متيقن، والوضوء بالنبيذ عندكم غير متيقن،
وما لم يكن متيقنا فاستعماله لا يلزم، وما لا يلزم فلا معنى لفعله، ولو جئتم إلى استعمال كل ما تشكون في وجوبه لعظم الامر عليكم، لا سيما وأنتم على يقين من أنه نجس يفسد الصلاة كونه في الثوب، وأنتم مقرون أن الوضوء بالنجس المتيقن لا يحل * وأما المالكيون والشافعيون فانهم كثيرا ما يقولون في أصولهم وفروعهم: إن خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف منهم لا يحل.
وهذا مكان نقضوا فيه هذا الاصل.
وبالله تعالى التوفيق * وأبو حنيفة يقول بالقياس وقد نقض ههنا اصله في القول به، فلم يقس الامراق ولا سائر الانبذة على نبيذ التمر، وخالف أيضا أقوال طائفة من الصحابة رضى الله عنهم كما ذكرنا دون مخالف يعرف لهم في ذلك، وهذا أيضا هادم لاصله، فليقف على ذلك من أراد الوقوف على تناقض أقوالهم، وهدم فروعهم لاصولهم.
وبالله تعالى التوفيق * 149 - مسألة - وفرض على كل مستيقظ من نوم - قل النوم أو كثر، نهارا كان أو ليلا، قاعدا أو مضطجعا أو قائما، في صلاة أو في غير صلاة، كيفما نام - ألا يدخل يده في وضوئه - في إناء كان وضوءه أو من نهر أو غير ذلك - إلا حتى يغسلها ثلاث مرات
__________
(1) كذا في الاصلين، ولعل الصواب (أو لا يحل) الخ(1/206)
ويستشق ويستنثر ثلاث مرات، فان لم يفعل لم يجزه الوضوء ولا تلك الصلاة، ناسيا ترك ذلك أو عامدا، وعليه أن يغسلها ثلاث مرات ويستنشق كذلك ثم يبتدئ الوضوء والصلاة، والماء طاهر بحسبه، فان صب على يديه وتوضأ دون أن يغمس يديه فوضوؤه غير تام (1) وصلاته غير تامة * برهان ذلك ما حدثناه يونس بن عبد الله ثنا أبو عيسى بن ابى عيسى ثنا أحمد بن خالد ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن ابى شيبة عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ
أحدكم من نوم فلا يغمس - يعنى يده - حتى يغسلها ثلاثا فانه لا يدرى أين باتت يده) قال ابو محمد: زعم قوم أن هذا الغسل خوف نجاسة تكون في اليد، وهذا باطل لا شك فيه، لانه عليه السلام لو أراد ذلك لما عجز عن أن يبينه، ولما كتمه عن أمته وأيضا فلو كان ذلك خوف نجاسة لكانت الرجل كاليد في ذلك، ولكان باطن الفخذين وما بين الاليتين أولى بذلك (2).
ومن العجب على أصولهم أن يكون ظن كون النجاسة في اليد يوجب غسلها ثلاثا، فإذا تيقن كون النجاسة فيها أجزأه إزالتها بغسلة واحدة.
وانما السبب الذي من أجله وجب غسل اليد هو ما نص عليه السلام من مغيب النائم عن درايته أين باتت يده فقط، ويجعل الله تعالى ما شاء سببا لما شاء، كما جعل تعالى الريح الخارج من أسفل سببا يوجب الوضوء وغسل الوجه ومسح الرأس وغسل الذراعين والرجلين (2) * وادعى قوم أن هذا في نوم الليل خاصة، لقوله: ((أين باتت يده) وادعوا أن المبيت لا يكون الا بالليل *
__________
(1) هنا بهامش اليمنية: (قال شيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي: قلت لم يبرهن بشئ على أن وضوءه غير تام) (2) هذا صحيح إذا كان المتوضئ سيغترف الماء برجليه أو بفخذيه أو باليتيه! وما هكذا التمسك بظواهر النصوص (3) هذا غير ذاك، فان تعليل وجوب غسل اليد ثلاثا بأن النائم لا يدري(1/207)
قال أبو محمد: وهذا خطأ، بل يقال: بات القوم يدبرون أمر كذا، وان كان نهارا.
وحدثنا عبد الرحمن بن خالد الهمداني ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري عن (1) ابراهيم بن حمزة - هو الزبيري - عن ابن أبي حازم (2) - هو عبد العزيز - عن يزيد بن عبد الله - هو ابن أسامة بن الهاد - عن محمد بن
ابراهيم حدثه عن عيسى بن طلحة عن ابى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذ استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاث مرات (3) فان الشيطان يبيت على خيشومه) كتب إلى سالم بن أحمد بن فتح قال ثنا عبد الله بن سعيد الشنتجالي (4) قال ثنا عمر بن محمد بن داود السجستاني ثنا محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودى ثنا ابراهيم بن محمد حدثنا مسلم بن الحجاج حدثنى (5) بشر بن الحكم ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن ابن الهاد عن محمد بن ابراهيم عن عيسى بن طلحة عن أبى هريرة
__________
أين باتت يده، يشير إلى المعنى الذى من أجله وجب الغسل، وهو احتمال مباشرتها النجاسة، وهذا هو الفرق بينه وبين طهرها بغسلة واحدة عند تيقن النجاسة، فان النجاسة إذ ذاك يراها المتطهر ويوقن بازالتها.
(1) في البخاري في كتاب بدء الخلق (ج 2 ص 98) (حدثنا ابراهيم بن حمزة) (2) في الاصلين (عن ابى حازم) وهو خطأ.
(3) في البخاري (ثلاثا) وبحذف مرات (4) نسبة إلى (شنتجالة) - بالشين المعجمة والنون والتاء والجيم بعدها ألف ولام وهاء - بلد بالاندلس، ووقع في النسخة اليمنية (الشنحانى) وفي المصرية (الشحال) وفى تذكرة الحفاظ (ج 3 ص 285) في ترجمة أبي ذر الهروي (الشيخاني) وكل ذلك خطأ صوابه ما ذكرنا، وعبد الله هذا كنيته أبو محمد، صحب أبا ذر الهروي ولقى أبا سعيد السجزى - وأظنه هو عمر بن محمد بن داود شيخه هنا، والنسبة إلى سجستان سجزى وسجستاني - وسمع منه صحيح مسلم، وأقام بالحرم أربعين عاما، رحل سنة 391 وعاد الي الاندلس سنة 430 وأقام بقرطبة إلى أن مات في رجب سنة 436.
وله ترجمة في معجم البلدان (ج 5 ص 300) والديباج المذهب (ص 140) (5) في اليمنية (أخبرني)(1/208)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فان الشيطان يبيت على خيشومه (1)) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أبويحيى زكريا بن يحيي الساجي (2) ثنا محمد بن زنبور المكي ثنا عبد العزيز بن أبي حازم ثنا يزيد ابن الهاد أن محمد بن ابراهيم حدثه عن عيسى بن طلحة عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنشق ثلاث مرات (3) فان الشيطان يبيت على خيشومه) * قال أبو محمد: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفرض.
قال الله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم) ومن توضأ بغير أن يفعل ما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعله فلم يتوضأ الوضوء الذى أمره الله تعالى به، ومن لم يتوضأ كذلك فلا صلاة له، لا سيما طرد الشيطان عن خيشوم المرء، فما نعلم مسلما يستسهل الانس بكون الشيطان هناك * وقد أوجب المالكيون متابعة الوضوء فرضا لا يتم الوضوء والصلاة إلا به، وأوجب الشافعي الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضا لا تتم الصلاة إلا به، وأوجب أبو حنيفة الاستنشاق والمضمضة في غسل الجنابة فرضا لا يتم الغسل والصلاة إلا به، وكل هذا لم يأمر الله تعالى به ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الذى يجب أن ينكر، لا فعل من أوجب ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل فيما قال له نبيه عليه السلام: افعل كذا
__________
(1) في مسلم (ج 1 ص 48) (على خياشيمه) (2) الساجي بالسين المهملة والجيم نسبة إلى صنع الساج أو بيعه، وهو نوع من الخشب، ووقع في المصرية (أبو يحيى بن زكريا بن يحيى الباجى) وهو خطأ في الموضعين، والساجي هذا له كتاب جليل في علل الحديث، مات سنة 307 وقد قارب التسعين، وترجمته في تذكرة الحفاظ (ج 2 ص 250) ولسان الميزان (ج 2 ص 288) (3) في اليمنية (ثلاثا)
وبحذف (مرات)(1/209)
فقال هو: لا أفعل (1) إلا أن أشاء، ودعوى الاجماع بغير يقين كذب على الامة كلها.
نعوذ بالله من ذلك * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أحق علي أن أستنشق؟ قال: نعم، قلت: كم؟ قال: ثلاثا، قلت: عمن؟ قال: عن عثمان: قال عبد الرزاق: ثنا معمر عن قتادة عن معبد الجهني قال - في المضمضة والاستنشاق -: ان كان جنبا فثلاثا، وان كان جاء من الغائط فاثنتين، وان كانت جاء من البول فواحدة.
وروى عن الحسن اعادة الوضوء والصلاة على من لم يغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها في الوضوء، وبه يقول داود وأصحابنا * 150 - مسألة - ولا يجزئ غسل الجنابة في ماء راكد، فان اغتسل فيه فلم يغتسل، والماء طاهر بحسبه، وله أن يعيد الغسل منه، وكذلك لا يجزئ الجنب أن يغتسل لفرض غير الجنابة في ماء راكد، فان كان غير جنب أجزأه الاغتسال في الماء الراكد، والوضوء جائز في الماء الراكد، فمن اغتسل وهو جنب في جون من أجوان النهر والنهر راكد لم يجزه، وأما البحر فهو جار أبدا مضطرب متحرك غير راكد، هذا أمر مشاهد عيانا، وكذلك من بال في ماء راكد ثم سرح لذلك الماء فجرى فلا يحل له الوضوء منه ولا الاغتسال، لانه قد حرم عليه الاغتسال والوضوء من عين ذلك الماء بالنص، ولو بال في ماء جار ثم أغلق صببه (2) فركد جاز له الوضوء منه والاغتسال منه، لانه لم يبل في ماء راكد.
والاغتسال للجنابة وغيرها في الماء الجاري مباح، وان بال فيه لم يحرم عليه بذلك الوضوء منه وفيه والغسل منه وفيه * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد
__________
(1) في المصرية (فقال هؤلاء أفعل) وفي اليمنية (فقاله لا أفعل لا إن أشاء) وكلاهما خطأ ظاهر.
(2) الصبب بالصاد المهملة والباء المفتوحتين - من الصب - تصوب نهر أو طريق يكون في حدور، والمراد هنا المكان الذي ينصب منه الماء فيجرى.(1/210)
ابن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو الطاهر وهارون بن سعيد الايلى عن ابن وهب أخبرنا عمرو بن الحارث عن بكير بن الاشج أن أبا السائب مولى هشام بن زهرة حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولا) (1) فهذا أبو هريرة لا يرى أن يغتسل الجنب في الماء الدائم وهو قول أبى حنيفة والشافعي، إلا أن أبا حنيفة قال: ان فعل تنجس الماء، وقد بينا فساد هذا القول قبل.
وكرهه مالك، وأجاز غسله ان اغتسل كذلك.
وهذا خطأ، لخلافه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسواء كان الماء الراكد قليلا أو كثيرا، ولو أنه فراسخ في فراسخ، لا يجزئ الجنب أن يغتسل فيه، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخص ماء من ماء، ولم ينه عن الوضوء فيه ولا عن الغسل لغير الجنب فيه، فهو مباح (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه).
151 - مسألة - وكل ماء توضأت منه امرأة - حائض أو غير حائض - أو اغتسلت منه فأفضلت منه فضلا، لم يحل لرجل الوضوء من ذلك الفضل ولا الغسل منه، سواء وجدوا ماء آخر أو لم يجدوا غيره، وفرضهم التيمم حينئذ، وحلال شربه للرجال والنساء، وجائز الوضوء به والغسل للنساء على كل حال.
ولا يكون فضلا إلا أن يكون أقل مما استعملته منه، فان كان مثله أو أكثر فليس فضلا، والوضوء والغسل به جائز للرجال والنساء *
وأما فضل الرجال فالوضوء به والغسل جائز للرجل والمرأة، الا أن يصح خبر في نهى المرأة عنه فنقف عنده، ولم نجده صحيحا (2) فان توضأ الرجل والمرأة من إناء واحد أو اغتسلا من إناء واحد يغترفان معا فذلك جائز، ولا نبالي أيهما بدأ قبل، أو أيهما أتم قبل *
__________
(1) مسلم (ج 1 ص 93) (2) بل وجد صحيحا بأصح من الاسناد الذى احتج به المؤلف، وفي نفس الحديث الذى استند إليه، كما سيأتي في الكلام على حديث عبد الله بن سرجس.(1/211)
برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع قال ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود هو - السجستاني - ثنا محمد بن بشار ثنا أبو داود - هو الطيالسي - ثنا شعبة عن عاصم بن سليمان الاحول عن أبي حاجب - هو سوادة بن عاصم - عن الحكم بن عمرو الغفاوى: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة (1)) أخبرني أصبغ قال ثنا اسحاق بن احمد ثنا محمد بن عمر العقيلى (2) ثنا على ابن عبد العزيز ثنا معلى بن أسد ثنا عبد العزيز بن المختار عن عاصم الاحول عن عبد الله بن سرجس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يغسل الرجل بفضل وضوء المرأة (3))
__________
(1) الحديث صححه ابن حبان وحصنه الترمذي.
وانظر تفصيل الكلام عليه قي نيل الاوطار (ج 1 ص 31 - 32) الطبعة المنيرية وشرح أبي داود (ج 1 ص 30 - 31) والسنن الكبرى للبيهقي (ج 1 ص 190 - 193) (2) في المصرية (محمد بن عمرو العقيلى) ورححنا ماهنا - اتباعا لليمنية - لانا وجدنا في لسان الميزان (5: 321) ترجمة (محمد بن عمر أبو بكر العقيلى،
عن هلال بن العلاء الرقى وجماعة، وعنه أبو الفتح الازدي وابن شاهين وعدة، قال الدارقطني: ضعيف جدا) وهذا من طبقة الذى هنا، فان على بن عبد العزيز البغوي الحافظ شيخ العقيلى في هذا الاسناد توفى سنة 286، وهلال بن العلاء الرقي مات سنة 280.
(3) في المصرية (بفضل المرأة) وسرجس بفتح السين المهملة واسكان الراء وكسر الجيم.
والحديث رواه أيضا الدارقطني (ص 43) من طريق أبي حاتم الرازي عن معلى بن أسد بهذا الاسناد ولفظه (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل، ولكن يشرعان جميعا) وهذا الاسناد أصح من الذى رواه به المؤلف.
ورواه البيهقى (1: 192) مختصرا.
ثم روى الدارقطني وتبعه البيهقى عقبه أثرا موقوفا على عبد الله بن سرجس بهذا المعنى، وقال الدارقطني: (هذا موقوف صحيح وهو(1/212)
ولم يخبر عليه السلام بنجاسة الماء، ولا أمر غير الرجال باجتنابه، وبهذا يقول عبد الله بن سرجس والحكم بن عمرو، وهما صاحبان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه تقول جويرية أم المؤمنين وأم سلمة أم المؤمنين وعمر بن الخطاب، وقد روى عن عمر أنه ضرب بالدرة من خالف هذا القول.
وقال قتادة: سألت سعيد بن المسيب والحسن البصري عن الوضوء بفضل المرأة، فكلاهما نهانى عنه * وروى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه لا بأس بفضل المرأة ما لم تكن حائضا أو جنبا.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يغتسل مع عائشة رضي الله عنها من اناء واحد معا حتى يقول: (ابقي لى) وتقول له: (ابق لى) وهذا حق وليس شئ من ذلك فضلا حتى يتركه.
هذا حكم اللغة بلا خلاف *
__________
أولى بالصواب) يريد بذلك أن رفعه خطأ، ولكن الحق أن الرفع زيادة تقبل
من الثقة، وأن الموقوف فتوى من الصحابي تؤيد روايته المرفوعة ولا تعارضها، قال ابن التركماني في الرد على البيهقى: (وعبد العزيز بن المختار أخرج له الشيخان وغيرهما ووثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة فلا يضره وقف من وقفه).
وله أيضا شاهد صحيح رواه أحمد وأبو داوود والنسائي والبيهقي عن حميد بن عبد الرحمن الحميرى قال: (لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة أربع سنين قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسلة أو تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة وليغرفا جميعا) هذا لفظ البيهقى.
قال ابن حجر في الفتح (ج 1 ص 260): (رجاله ثقات ولم أقف لمن أعله على حجة قوية، ودعوى البيهقى انه في معنى المرسل مردودة، لان ابهام الصحابي لا يضر، وقد صرح التابعي بأنه لقيه، ودعوى ابن حزم أن داود راويه عن حميد بن عبد الرحمن هو ابن يزيد الاودي وهو ضعيف مردودة، فانه ابن عبد الله الاودى وهو ثقة وقد صرح باسم أبيه أبو داود وغيره) وصرح في بلوغ المرام بأن اسناده صحيح، وما نقله عن ابن حزم لم نجده في المحلى، ولعله في كتاب آخر له أو في موضع آخر.(1/213)
واحتج من خالف هذا بخبر رويناه من طريق عبد الرزاق عن الثوري عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس: (ان امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم استحمت من جنابة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ من فضلها (1) فقالت له: انى اغتسلت (2) فقال: ان الماء لا ينجسه شئ (3)) وبحديث آخر رويناه من طريق الطهراني عن عبد الرزاق: أخبرني ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن ابى الشعثاء عن ابن عباس: (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة، مختصر) قال ابو محمد:
هكذا في نفسه الحديث مختصر * قال أبو محمد: وهذان حديثان لا يصحان، فأما الحديث الاول فرواية سماك ابن حرب، وهو يقبل التلقين، شهد عليه بذلك شعبة وغيره، وهذه جرحة ظاهرة (4) والثانى أخطأ فيه الطهراني (5) بيقين، لان هذا أخبرناه عبد الله بن يوسف
__________
(1) في اليمنية (بفضلها) (2) في المصرية (فقالت له انك اغتسلت بفضلها) وهو خطأ (3) رواية الثوري رواها الدارمي (ص 71) ولم يذكر لفظها ورواه أيضا عن يزيد بن عطاء، ورواه أبو داود (1: 26) والترمذي (1: 15) عن أبي الاحوص والدار قطني (ص 19) عن شريك والحاكم (1: 159) عن سفيان وشعبة، كلهم عن سماك بن حرب عن عكرمة، وفي لفظ أبي داود والترمذي (ان الماء لا يجنب) وأما اللفظ الذي هنا فهو في رواية الحاكم عن سفيان.
ورواه أيضا البيهقى (1: 188) من طريق سفيان عن سماك ولفظه: (انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض أزواجه وقد فضل من غسلها فأراد أن يتوضأ به، فقالت: يا رسول الله اني آغتسلت منه من جنابة، فقال ان الماء لا ينجس) (4) قال ابن حجر في الفتح (1: 260) (وقد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة لانه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه الا صحيح حديثهم).
(5) الطهراني - بكسر الطاء المهملة واسكان الراء - نسبة إلى طهران الرى وضبطه في الخلاصة (بكسر الظاء المعجمة) وهو خطأ، والطهراني هو الحافظ الثقة أبو عبد الله محمد بن حماد الرازي نزيل عسقلان، وثقه ابن أبي حاتم وابن خراش والدار قطني وغيرهم، ومات(1/214)
ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا اسحاق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - ومحمد بن حاتم
قال اسحاق اخبرنا محمد بن بكر وقال ابن حاتم حدثنا محمد بن بكر وهو البرسانى ثنا ابن جريج ثنا عمرو بن دينار قال: أكبر علمي والذى يخطر على بالى أن أبا الشعثاء أخبرني عن ابن عباس أنه أخبره (1): (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة) قال أبو محمد: فصح أن عمرو بن دينار شك فيه ولم يقطع باسناده، وهؤلاء أوثق من الطهراني وأحفظ بلا شك * ثم لو صح هذان الخبران ولم يكن فيهما مغمز لما كانت فيهما حجة، لان حكمهما هو الذي كان قبل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يتوضأ الرجل أو أن يغتسل (2) بفضل طهور المرأة، بلا شك في هذا، فنحن على يقين من أن حكم هذين الخبرين منسوخ قطعا، حين نطق عليه السلام بالنهي عما فيهما، لامرية في هذا، فإذ ذلك كذلك فلا يحل الاخذ بالمنسوخ وترك الناسخ، ومن ادعى ان المنسوخ قد عاد حكمه، والناسخ قد بطل رسمه، فقد ابطل وادعى غير الحق، ومن المحال الممتنع أن يكون ذلك ولا يبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المفترض عليه البيان.
وبالله تعالى التوفيق * على أن أبا حنيفة والشافعي المحتجين بهذين الخبرين مخالفان لما في أحدهما من قوله عليه السلام: (الماء لا ينجس) ومن القبيح احتجاج قوم بما يقرون انه حجة ثم يخالفونه وينكرون خلافه على من لا يراه حجة.
وبالله تعالى التوفيق * وروينا إباحة وضوء الرجل من فضل المرأة عن عائشة وعلى، إلا انه لا يصح (3)،
__________
سنة 271.
ورد الذهبي على ابن حزم قوله هذا فقال كما نقل عنه ابن حجر في التهذيب (ما أخطأ إلا أنه اختصر صورة التحمل).
وانظر ترجمته في التهذيب 9: 124 - 126) وأنساب السمعاني (374) ومعجم البلدان (6: 74) وتذكرة الحفاظ (2: 168).
(1) الذى في مسلم (1: 101) (أن ابن عباس أخبره) (2) في اليمنية (ويغتسل) (3) في المصرية (والصحيح أنه لا يصح).(1/215)
فأما الطريق عن عائشة ففيها العرزمى (1) وهو ضعيف، عن أم كلثوم وهى مجهولة لا يدري من هي.
وأما الطريق عن على فمن طريق ابن ضميرة (2) عن أبيه عن جده، وهي صحيفة موضوعة مكذوبة، لا يحتج بها إلا جاهل.
فبقى ما روى في ذلك عن ابن سرجس وغيره من الصحابة رضى الله عنهم، لا مخالف له منهم يصح ذلك عنه أصلا.
وبالله تعالى التوفيق * 152 - مسألة - ولا يحل الوضوء بماء أخذ بغير حق، ولا من إناء مغصوب أو مأخوذ بغير حق، ولا الغسل: إلا لصاحبة أو باذن صاحبه، فمن فعل ذلك فلا صلاة له، وعليه إعادة الوضوء والغسل (3) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا بشر هو ابن عمر ثنا عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين
__________
(1) بفتح العين والزاى بينهما راء ساكنة نسبة إلى جبانة عرزم بالكوفة، وهو محمد بن عبد الله بن أبى سليمان.
(2) بضم الضاد مصغر، وفى المصرية (ابن عميرة) وهو خطأ، وابن ضميرة هذا هو الحسين بن عبد الله بن ضميرة ابن أبى ضميرة الحميري المدنى، كذبه مالك وأبو حاتم وابن الجارود، أنظر لسان الميزان (ج 2 ص 289) (3) ما ذهب إليه المؤلف من بطلان الوضوء بالماء المغصوب داخل تحت المسألة الخلافية المشهورة في الصلاة في الدار المغصوبة، والكلام عليها معروف في كثير من كتب الاصول والفقه، والذي نراه حقا أن اثم الغاصب بغصبه لا أثر له في صحة وضوئه أو صلاته، لان الغصب فعل خاص، له آثار: منها وجوب رد المغصوب أو قيمته وعقاب فاعله، والوضوء أو الصلاة فعل آخر له آثار أخرى، واتصال الفعلين أو تجاورهما لا يجعل لاحدهما أثرا في الآخر، وقد يصلى المرء وهو يضمر في نفسه قتل آخر ويعزم عليه ويصر، فهل
يؤثر هذا في صلاته فيجعلها باطلة؟ نعم ان ملابسة الماء للوضوء واتصال المكان بالصلاة اكثر دخولا في فعل الوضوء والصلاة من العزم الذى في القلب، ولكن المثال ما يزال صحيحا، لان كل فعل من هذه الافعال له مقومات خاصة تجعله ماهية وحدها، تترتب عليها آثارها، ولا تتعدى لفعل آخر معها، مهما اشتدت الرابطة بينهما، الا بنص صريح من الشارع *(1/216)
عن عبد الرحمن بن أبى بكرة عن أبيه: (قعد النبي صلى الله عليه وسلم على بعيره (1) فقال - وذكر الحديث وفيه - إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد الغائب، فان الشاهد عسى أن (2) يبلغ من هو أوعى له منه).
ورويناه أيضا من طريق جابر بن عبد الله وابن عمر مسندا صحيحا ومن طريق أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله (3)) * فكان من توضأ بماء مغصوب أو أخذ بغير حق أو أغتسل به أو من إناء كذلك، فلا خلاف بين أحد من أهل الاسلام أن استعماله ذلك الماء وذلك الاناء في غسله ووضوئه حرام (4) وبضرورة يدري كل ذي حس سليم (5) أن الحرام المنهي عنه هو غير الواجب المفترض عمله، فإذ لا شك في هذا فلم يتوضأ الوضوء الذي أمره الله تعالى به، والذى لا تجزئ الصلاة إلا به، بل هو وضوء محرم، هو فيه عاص لله تعالى، وكذلك الغسل، والصلاة بغير الوضوء الذي أمره الله تعالى به وبغير الغسل الذي أمر الله تعالى به لا تجزئ، وهذا أمر لا إشكال فيه * ونسأل المخالفين لنا عمن عليه كفارة إطعام مساكين، فأطعمهم مال غيره، أو من عليه صيام أيام، فصام أيام الفطر والنحر والتشريق، ومن عليه عتق رقبة فأعتق أمة غيره: أيجزيه ذلك مما افترض الله تعالى عليه؟ فمن قولهم: لا، فيقال لهم: فمن أين منعتم هذا وأجزتم الوضوء والغسل بماء مغصوب وإناء مغصوب؟
وكل هؤلاء مفترض عليه عمل موصوف في مال نفسه، محرم عليه ذلك من مال غيره باقراركم سواء سواء.
وهذا لا سبيل لهم إلى الانفكاك منه.
وليس هذا قياسا بل هو
__________
(1) في البخاري (ج 1 ص 15) (ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره).
(2) في المصرية بحذف (أن) وزدناها من اليمنية والبخاري.
(3) في اليمنية (دمه وماله وعرضه) وللحديث روايات كثيرة (4) هذا نص اليمنية وهو أحسن، وفي المصرية (ان استعماله ذلك الماء في وضوئه وذلك الاناء في غسله حرام).
(5) في المصرية (يدرى من كل ذي حس سليم) وهو خطأ.(1/217)
حكم واحد داخل (1) تحت تحريم الاموال، وتحت العمل بخلاف أمر الله تعالى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وكل هؤلاء عمل عملا ليس عليه أمر الله تعالى وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مردود بحكم النبي صلى الله عليه وسلم، وهم في هذا ومن قال إنما يحرم من الاموال البر والتمر وأما الشعير والزبيب فلا، وهذا تحكم فاسد (2) * والعجب أن الحنفيين يبطلون طهارة من تطهر بماء مستعمل، وكذلك الشافعيون، وأن المالكيين يبطلون طهارة من تطهر بماء بل فيه خبز، دون نص في تحريم ذلك، ولا حجة بأيديهم إلا تشغيب يدعون أنه نهى عن هذين الماءين، ثم يجيزون الطهارة بماء وإناء يقرون كلهم بأنه قد صح النهي عنه، وثبت تحريمه وتحريم استعماله في الوضوء والغسل عليه، وهذا عجب لا يكاد يوجد مثله! وهذا مما خالفوا فيه النص والاجماع المتيقن الذين هم من جملة المانعين منه في الاصل، وخالفوا أيضا القياس، وما تعلقوا في جوازه بشئ أصلا.
وبالله تعالى التوفيق * 153 - مسألة - ولا يجوز الوضوء ولا الغسل من إناء ذهب ولامن إناء فضة لا لرجل ولا لامرأة
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع ثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة (3) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حذيفة قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير والديباج وآنية الذهب والفضة، وقال: هو لهم في الدنيا وهو لكم (4) في الآخرة) وقد روينا أيضا عن البراء بن عازب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن آنية الفضة (5)
__________
(1) في اليمنية (واقع) (2) كذا في المصرية، وفي اليمنية (وهم يوافقون في هذا ومن قال أنه يحرم من الاحوال البر والتمر وأما الشعير والزبيب فلا وهذا حكم فاسد) والعبارتان مضطربتان، ولعل المراد أنهم يوافقون في هذا ويخالفون من قال الخ والله أعلم.
(3) بضم العين وفتح التاء المثناة من فوق والباء الموحدة بينهما ياء ساكنة، وفى الاصلين (عيينة) بياءين ونون وهو خطأ (4) في المصرية (لنا) وما هنا هو الذي في اليمنية والموافق لما في البخاري (ج 3 ص 83) ومسلم (ج 2 ص 150) (5) حديث البراء رواه مسلم (ج 2 ص 149)(1/218)
فان قيل: إنما نهى عن الاكل فيها والشرب.
قلنا: هذان الخبران نهى عام عنهما جملة، فهما زائدان حكما وشرعا على الاخبار التى فيها النهي عن الشرب فقط أو الاكل والشرب فقط والزيادة في الحكم لا يحل خلافها * فان قيل: فقد جاء أن الذهب والحرير (حرام على ذكور أمتى حل لاناثها).
قلنا: نعم، وحديث النهي عن آنية الذهب والفضة مستثنى من إباحة الذهب للنساء، لانه أقل منه، ولا بد من استعمال جميع الاخبار، ولا يوصل إلى استعمالها الا هكذا، وهم قد فعلوا هذا في الشرب في إناء الذهب والفضة، فانهم منعوا النساء من ذلك، واستثنوه من اباحة الذهب لهن * فان قيل: فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرم شيئا (1))،
قلنا: نعم، هذا حق وبه نقول، والماء الذى في إناء الذهب والفضة شربه حلال، والتطهر به حلال، وانما حرم استعمال الاناء، فلما لم يكن بد في الشرب (2) منه وفى التطهر منه من معصية الله تعالى - التى هي استعمال الاناء المحرم - صار فاعل ذلك مجرجرا في بطنه نار جهنم بالنص، وكان في حال وضوئه وغسله عاصيا لله تعالى بذلك التطهر نفسه، ومن الباطل أن تنوب المعصية عن الطاعة، وأن يجزئ تطهير محرم عن تطهير مفترض * ثم نقول لهم: ان من العجب احتجاجكم بهذا الخبر علينا، ونحن نقول به وأنتم تخالفونه، فأبو حنيفة والشافعي يحرمون الوضوء والغسل بماء في إناء كان فيه خمر لم يظهر منها في الماء أثر، فقد جعلوا هذا الاناء يحرم هذا الماء، خلافا للخبر الثابت، وأما مالك فانه يحرم النبيذ الذى في الدباء والمزفت، وهو الذى أبطل هذا الخبر وفيه ورد، وقد صح عن عائشة رضي الله عنها إباحة الحلى للنساء وتحريم الاناء من الفضة أو الاناء المفضض عليهن.
وهو قولنا وبالله تعالى التوفيق.
154 - مسألة - ولا يحل الوضوء من ماء بئار الحجر - وهى أرض ثمود -
__________
(1) رواه الجماعة الا البخاري وأبا داود كما قال ابن تيمية في المنتقى.
وانظر نيل الاوطار (ج 9 ص 69) الطبعة المنيرية (2) في اليمنية (من الشرب) وهو خطأ(1/219)
ولا الشرب، حاشى بثر الناقة فكل ذلك جائز منها * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا محمد بن مسكين ثنا يحيى بن حسان بن حيان ثنا سليمان عن عبد الله ابن دينار عن ابن عمر قال: (لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها، قالوا: قد عجنا منها واستقينا، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا ذلك العجين ويهريقوا (1) ذلك الماء) *
وبه إلى البخاري: حدثنا ابراهيم بن المنذر الحزامى ثنا أنس بن عياض عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه أخبره: (أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض ثمود الحجر واستقوا من بئارها (2)، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا (3) ما استقوا من بئارها (4)، وأن يعلفوا الابل العجين، وأمرهم أن يستقوا من بئر الناقة التى كان تردها الناقة (5)) قال أبو محمد: هي معروفة بتبوك * 155 - مسألة - وكل ماء اعتصر من شجر كماء الورد وغيره فلا يحل الوضوء به للصلاة، ولا الغسل به لشئ من الفرائض (6) لانه ليس ماء، ولا طهارة الا بالماء والتراب أو الصعيد عند عدمه * 156 - مسألة - مسألة والوضوء للصلاة والغسل للفروض جائز بماء البحر وبالماء المسخن والمشمس وبماء أذيب من الثلج أو البرد أو الجليد أو من الملح الذي كان أصله ماء ولم يكن أصله معدنا * برهان ذلك أن كل ما ذكرنا يقع عليه اسم ماء، وقال تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) والملح كا ماء ثم جمد كما يجمد الثلج، فسقط عن كل ذلك
__________
(1) ما هنا هو الذى في اليمنية والبخاري (ج 2 ص 112) وفى المصرية (ويهرقوا) (2) في البخاري (ج 2 ص 113) (فاستقوا من بئرها واعتجنوا) (3) في المصرية (يهرقوا) (4) في البخاري (بئرها) (5) في البخاري (وأمرهم أن يستقوا من البئر التى كان تردها الناقة) (6) في اليمنية (الفروض)(1/220)
اسم الماء، فحرم الوضوء للصلاة به والغسل للفروض، فإذا صار ماء عاد عليه اسم الماء، فعاد حكم الوضوء والغسل به كما كان، وليس كذلك الملح المعدني، لانه لم يكن قط ماء.
وبالله تعالى التوفيق *
وفى بعض هذا خلاف قديم: روينا عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وأبى هريرة ان الوضوء للصلاة والغسل من ماء البحر لا يجوز ولا يجزئ، ولقد كان يلزم من يقول بتقليد الصاحب ويقول إذا وافقه قوله: مثل هذا لا يقال بالرأى -: أن يقول بقولهم ههنا، وكذلك من لم يقل بالعموم، لان الخبر: (هو الطهور ماؤه الحل (1) ميته) لا يصح (2)، ولذلك لم نحتج به، وروي عن مجاهد الكراهة للماء المسخن، وعن الشافعي الكراهة للماء المشمس (3)، وكل هذا لا معنى له، ولا حجة إلا في قرآن أو سنة ثابتة أو اجماع متيقن.
وبالله تعالى التوفيق * 157 - مسألة - الاشياء الموجبة للوضوء ولا يوجب الوضوء غيرها، قال قوم: ذهاب العقل بأى شئ ذهب من جنون أو اغماء أو سكر من أي شئ سكر، وقالوا: هذا اجماع متيقن * وبرهان ذلك أن من ذهب عقله سقط عنه الخطاب، وإذا كان كذلك فقد بطلت
__________
(1) في اليمنية (والحل) وهى رواية في الحديث (2) كلا بل هو حديث صحيح رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن؟؟ والحاكم في المسترك وغيرهم، وصححه الترمذي وحكى عن البخاري تصحيحه وصححه أيضا كثير من العلماء الحفاظ، واطال ابن حجر في التلخيص (ص 2 - 3) وتبعه الشوكاتى (ج 1 ص 17 - 19) الكلام على أسانيده وليس لمن ضعفه حجة.
(3) ليس في الماء المشمس خبر صحيح ولا ضعيف، انظر البهيقى (ج 1 ص 6 - 7) وورد أثر عن عمر باسناد لا بأس به، والشافعي انما كرهه من جهة الطب - وقد كان عالما به - فقد قال في الام (ج 1 ص 3): ولا أكره الماء المشمس الا من جهة الطب) فالعجب من الشافعية إذ أخذوا قوله هذا حكما وجعلوه مكروها شرعا، ولا حجة لهم وقد يخطئ الطبيب.
وقد نص الشافعي في الام على انه انما كرهه من جهة الطب، ولم يدع انه اعتمد فيه على حديث.(1/221)
حال طهارته التى كان فيها، ولو لاصحة الاجماع أن حكم جنابته لا يرجع عليه لوجب أن يرجع عليه (1).
وبالله تعالى التوفيق * قال ابو محمد: وليس كما قالوا، أما دعوى الاجماع فباطل، وما وجدنا في هذا عن أحد من الصحابة كلمة، ولاعن أحد التابعين إلا عن ثلاثة نفر: ابراهيم النخعي - على أن الطريق إليه واهية - وحماد والحسن فقط، عن اثنين منهم الوضوء، وعن الثالث ايجاب الغسل، روينا عن سعيد بن منصور عن سويد بن سعيد الحدثانى (2) وهشيم قال سويد أخبرنا مغيرة عن ابراهيم في المجنون إذا أفاق: يتوضأ، وقال هشيم عن بعض أصحابه عن ابراهيم مثله، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن حماد بن أبى سليمان قال: إذا أفاق المجنون توضأ وضوء للصلاة، ومن طريق عبد الرزق عن هشام بن حسان عن الحسن البصري قال: إذا أفاق المجنون اغتسل.
فاين الاجماع ليت شعرى؟! فان قالوا: قسناه على النوم، قلنا: القياس باطل، لكن قد وافقتمونا على أنه لا يوجب إحدى الطهارتين وهي الغسل، فقيسوا على سقوطها سقوط الاخرى وهي الوضوء، فهذا قياس يعارض قياسكم، والنوم لا يشبه الاغماء ولا الجنون ولا السكر فيقاس عليه، وقد اتفقوا على أنه لا يبطل احرامه ولا صيامه ولا شئ من عقوده، فمن أين لهم ابطال وضوئه بغير نص في ذلك؟ وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر المشهور الثابت من طريق عائشة أم المؤمنين: أنه عليه السلام في علته التى مات فيها أراد الخروج للصلاة فاغمى عليه، فلما أفاق اغتسل.
ولم تذكر وضوءا وانما كان غسله ليقوى على الخروج فقط * 158 - مسألة - والنوم في ذاته حدث ينقض الوضوء سواء قل أو كثر، قاعدا أو قائما، في صلاة أو غيرها، أو راكعا كذلك أو ساجدا كذلك أو متكئا
أو مضجعا، أيقن من حواليه أنه لم يحدث أو لم يوقنوا *
__________
(1) في اليمنية (لا يرجع) وهو خطأ (2) بفتح الحاء والدال المهملتين نسبة إلى الحديثة بلد على الفرات(1/222)
برهان ذلك ما حدثناه يونس بن عبد الله وعبد الله بن ربيع قالا ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا محمد بن عبد الاعلى ويحيى بن آدم وقتيبة بن سعيد قال محمد ثنا شعبة وقال قتيبة ثنا سفيان بن عيينه وقال يحيى ثنا سفيان الثوري وزهير - هو ابن معاوية - ومالك بن مغول وسفيان بن عيينة واللفظ ليحى، ثم اتفق شعبة وسفيان وسفيان (1) وزهير وابن مغول عن عاصم ابن أبى النجود عن زر بن حبيش قال: سألت صفوان بن عسال عن المسح على الخفين فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا (2) ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة) ولفظ شعبة في روايته: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا (إذا كنا مسافرين) (3) ألا ننزعه ثلاثا إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم) (4) فعم عليه السلام كل نوم، ولم يخص قليله من كثيره، ولا حالا من حال، وسوى بينه وبين الغائط والبول.
وهذا قول أبى هريرة وأبي رافع وعروة بن الزبير وعطاء والحسن البصري وسعيد بن المسيب وعكرمة والزهري والمزنى وغيرهم كثير *
__________
(1) في اليمنية لم يذكر سفيان إلا مرة واحدة، وما هنا هو الصواب لان المراد الثوري وابن عيينة.
(2) في اليمنية (أخفافنا) وخف يجمع على (خفاف) و (أخفاف).
(3) زيادة من اليمنية.
(4) لا أدرى أين هذه الاسانيد في سنن النسائي؟ والذى فيهما هو: (أخبرنا احمد بن سليمان الرهاوى قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا سفيان الثوري ومالك ابن مغول وزهير وأبو بكر بن عياش وسفيان بن عيينة عن عاصم عن زر قال:
سألت صفوان بن عسال عن المسح على الخفين فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة) (ج 1 ص 32) وفي الاسناد الذى جاء به المؤلف خطأ واضح لا شك فيه، فقد جعل النسائي يروي عن يحيى بن آدم بغير واسطة، وهذا غير صحيح، فان يحيى مات سنة 203 والنسائي ولد سنة 214 أو 215 أي بعد وفاة يحيى بأكثر من عشر سنين.(1/223)
وذهب الاوزاعي إلى أن النوم لا ينقض الوضوء كيف كان.
وهو قول صحيح عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم وعن ابن عمر وعن مكحول وعبيدة السلمانى نذكر بعض ذلك باسناده لان الحاضرين من خصومنا لا يعرفونه ولقد ادعى بعضهم الاجماع على خلافه جهلا وجرأة * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا احمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن السلام الخشنى ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون (1) الصلاة فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقومون إلى الصلاة) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن حبيب الحارثى ثنا خالد - هو ابن الحارث - ثنا شعبة عن قتادة قال سمعت أنسا يقول: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضؤن) فقلت لقتادة: سمعته من أنس؟ قال إى والله (2) * قال أبو محمد: لو جاز القطع بالاجماع فيما لا يتيقن أنه لم يشذ عنه أحد لكان هذا يجب أن يقطع فيه بأنه إجماع لا لتلك الاكاذيب التى لا يبالى من لا دين له
باطلاق دعوى الاجماع فيها * وذهب داود بن على إلى أن النوم لا ينقض الوضوء إلا نوم المضطجع فقط وهو قول روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعن ابن عباس، ولم يصح عنهما، وعن ابن عمر، صح عنه وصح عن ابراهيم النخعي وعن عطاء والليث وسفيان الثوري والحسن بن حى * وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا ينقض النوم الوضوء إلا أن يصطجع أو يتكئ أو
__________
(1) في المصرية (ينظرون) وهو خطأ.
(2) صحيح مسلم (ج 1 ص 112).(1/224)
متوكأ على إحدى إليتيه أو إحدى وركيه (1) فقط ولا ينقضه ساجدا أو قائما أو قاعدا أو راكعا طال ذلك أو قصر، وقال أبو يوسف: إن نام ساجدا غير متعمد فوصوؤه باق، وان تعمد ذلك بطل وضوؤه، ومولا يفرق بين العمد والغلبة فيما ينقض الوضوء والصلاة من غير هذا، وهو قول لا يعلم (2) عن أحد من المتقدمين الا أن بعضهم ذكر ذلك عن حماد بن أبى سليمان والحكم ولا نعلم كيف قالا * وقال مالك واحمد بن حنبل: من نام نوما يسيرا وهو قاعد لم ينتقض وضوؤه، وكذلك النوم القليل للراكب، وقد روى عنه نحو ذلك في السجود أيضا، ورأى أيضا فيما عدا هذه الاحوال أن قليل النوم وكثيره ينقض الوضوء، وهو قول الزهري وربيعة، وذكر عن ابن عباس ولم يصح * وقال الشافعي: جميع النوم ينقض الوضوء قليله وكثيره الا من نام جالسا غير زائل عن مستوى الجلوس، فهذا لا ينتقض وضوؤه، طال نومه أو قصر، وما نعلم هذا التقسيم يصح عن أحد من المتقدمين، الا أن بعض الناس ذكر ذلك عن طاوس وابن سيرين ولا نحققه *
قال أبو محمد: احتج من لم ير النوم حدثا بالثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه كان ينام ولا يعيد وضوءا يصلى * قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم لان عائشة رضى الله عنهما ذكرت أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتنام قبل أن توتر؟ قال: ان عيني تنامان ولا ينام قلبى (3)) فصح أنه عليه السلام بخلاف الناس في ذلك، وصح أن نوم القلب الموجود من كل من دونه هو النوم الموجب للوضوء فسقط هذا القول.
ولله الحمد * ووجدنا من حجة من لا يرى الوضوء من النوم إلا من الاضطجاع حديثا روى فيه: (انما الوضوء على من نام مضطجعا فانه إذا اضطجع استرخت مفاصله) وحديثا
__________
(1) في اليمنية (أحد اليتيه أو أحد وركيه) وهو خطأ لان الالية والورك مؤنثتان (2) في اليمنية (لا نعلمه) (3) رواه البخاري (ج 1 ص 160) ومسلم (ج 1 ص 204 - 205) وغيرهما(1/225)
آخر فيه: (أعلي في هذا وضوء يا رسول الله؟ قال: لا إلا أن تضع جنبك) وحديثا آخر فيه: (من وضع جنبه فليتوضأ) * قال أبو محمد: وهذا كله لا حجة فيه أما الحديث الاول فانه من رواية عبد السلام بن حرب عن ابى خالد الدالانى عن قنادة عن أبى العالية عن ابن عباس وعبد السلام ضعيف لا يحتج به ضعفه ابن المبارك وغيره، والدالانى ليس بالقوى، روينا عن شعبة أنه قال: لم يسمع قتادة من أبى العالية الا أربعة أحاديث، ليس هذا منها، فسقط جملة ولله الحمد (1) *
__________
(1) الحديث رواه احمد وأبو داود (ج 1 ص 80 - 81) والترمذي (ج 1 ص 16 - 17) والدار قطني (ص 58) والبيهقي (ج 1 ص 121 - 122) كلهم من طريق عبد السلام بن حرب عن أبي خالد، قال البيهقى (تفرد بهذا
الحديث على هذا الوجه يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني) وقال الدارقطني (تفرد به أبو خالد عن قتادة ولا يصح) وقال أبو داود (قوله الوضوء على من نام مضطجعا) هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة، وروى أوله جماعة عن ابن عباس لم يذكروا شيئا من هذا، وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظا، وقالت عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناى ولا ينام قلبى، وقال شعبة: انما سمع قتادة عن أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث القضاة ثلاثة، وحديث ابن عباس حدثني رجال مرضيون منهم عمر وأرضاهم عندي عمر.
قال أبو داود: وذكرت حديث يزيد الدالاني لاحمد بن حنبل فانتهرني استعظاما له فقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة! ولم يعبأ بالحديث) وقال الترمذي: (وقد روي الحديث ابن عباس سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله: ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه).
والحديث في رأينا حسن الاسناد، لان عبد السلام بن حرب ثقة روى له مسلم، ويزيد ليس ضعيفا ضعفا تطرح معه رواياته، قال ابن معين والنسائي وأحمد بن حنبل (ليس به بأس) وقال أبو حاتم (صدوق ثقة) وقال الحاكم (ان الائمة المتقدمين شهدوا له بالصدق والاتقان) وضعفه ابن سعد وابن حبان وابن عبد البر، كما في التهذيب(1/226)
والثا.
لا تحل روايته الا على بيان سقوطه لان رواية بحر بن كنيز السقاء (1) وهو لا خير فيه متفق على اطراحه فسقط جملة * والثالث رواه معاوية بن يحيى وهو ضعيف يحدث بالمناكير (2) فسقط هذا
__________
ونقل الزيلعي في نصب الراية (ج 1 ص 25) عن الترمذي في العلل: (سألت محمد بن اسماعيل - يعنى البخاري - عن هذا الحديث فقال: لا شئ، رواه سعيد
ابن ابى عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية، ولا أعرف لابي خالد الدالاني سماعا من قتادة، وأبو خالد صدوق ولكنه يهم في الشئ) قال الزيلعى (وكان هذا على مذهبه في اشتراطه في الاتصال السماع ولو مرة) يعنى أن البخاري شرطه معروف وهو ثبوت سماع الراوى من شيخه، ولكنه خولف هي هذا الشرط والراجح عنر المحدثين الاكتفاء بالمعاصرة إذا كان الراوى ثقة، ومن عادة المتقدمين رحمهم الله الاحتياط الشديد فإذا رأوا راويا زاد عن غيره في الاسناد شيخا أو كلاما لم يروه غيره بادروا إلى اطراحه والانكار على راويه، وقد يجعلون هذا سببا للطعن في الراوي الثقة ولا مشعن فيه، ويظهر للناظر في الكلام علي هذا الحديث أنه سبب طعنهم علي أني خالد ورميهم له بالخطأ أو التدليس، والحق أن الثقة إذا زاد في الاسناد راويا أو في لفظ الحديث كلاما كان هذا أقوى دلالة على حفظه واتقانه، وانه علم ما لم يعلم الآخر أو حفظ ما نسيه.
وانما ترد الزيادة التى رواها الثقة إذا كانت تخالف رواية من هو أوثق منه وأكثر مخالفة لا يمكن بها الجمع بين الروايتين، فاجعل هذه القاعدة على ذكر منك فقد تنفع كثيرا في الكلام على علل الاحاديث، وصنيع ابن حزم في كتبه يدل علي أنه يتخذها دستورا له، وقد خالفها هنا ولا نرى وجها لذلك.
والعلم عند الله (1) في المصرية (يحيى بن كثير) وفى اليمنية (بحر بن كثير) وكلاهما خطأ وصوابه بحر بن كنيز وحديثه رواه البيهقى (ج 1 ص 120) من حديث حذيفة، وقال: (هذا الحديث ينفرد به بحر بن كنيز السقاء عن ميمون الخياط وهو ضعيف لا يحتج بروايته) (2) هذا الحديث الثالث لم أجده، ومعاوية بن يحيى ان كان أبا مطيع الاطرابلسى فليس ضعيفا بل هو صدوق لا بأس به، وان كان أبا روح الصدفي فهو ضعيف حفا.(1/227)
الباب كله وبالله تعالى نتايد * وذكروا أيضا حديث فيه: (إذا نام العبد ساجدا باهى الله به الملائكة) وهذا لا شئ لانه مرسل لم يخبر الحسن ممن سمعه ثم لو صح لم يكن فيه اسقاط الوضوء عنه * وذكروا أيضا حديثين صحيحين أحدهما عن عطاء عن ابن عباس والآخر من طريق ابن جريج عن نافع عن ابن عمر فيهما (1): ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة حتى نام الناس ثم استيقظوا ثم ناموا، ثم استيقظوا، فجاء عمر فقال: الصلاة: يا رسول الله فصلوا ولم يذكر أنهم توضؤا (2) قال أبو محمد: والثانى من طريق شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس: (أقيمت الصلاة والنبى صلى الله عليه وسلم يناجى رجلا فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه، ثم جاء فصلى بهم (3)) وحديثا ثابتا (4) من طريق عروة عن عائشة قالت: (أعتم (5) النبي صلى الله عليه وسلم بالعشاء حتى ناداه عمر: نام النساء والصبيان، فخرج عليه السلام (6)) * قال أبو محمد: وكل هذا لا حجة فيه البتة لمن فرق بين أحوال النائم ولا بين أحوال النوم، لانها ليس في شئ منها ذكر حال من نام كيف نام، من جلوس أو اضطجاع أو اتكاء أو تورك أو استناد، وانما يمكن أن يحتج بها من لا يرى الوضوء من النوم أصلا، ومع ذلك فلا حجة لهم في شئ منه لانه ليس في شئ منها أن
__________
(1) في المصرية (فيه) وهو خطأ (2) حديث ابن عمر رواه البخاري ومسلم وأبو داود انظر شرح سنن ابى داود (ج 1 ص 79) (3) رواه البخاري ومسلم وأبو داود، ورواه أيضا أبو داود من طريق ثابت البنانى عن أنس أنظر الشرح (ج 1 ص 79 - 80) و (ج 1 ص 214) (4) في المصرية (ثالثا) وكذلك في اليمنية ولكن صححه ناسخها بحاشية النسخة (ثابتا) (5) أعتم أي دخل في العتمة، يعنى أخر
صلاة العشاء (6) رواه البخاري ومسلم والنسائي (أنظر نيل الاوطار (ج 1 ص 411 - 412) طبع ادارة الطباعة المنيرية(1/228)
رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بنوم من نام ولم يأمره بالوضوء، ولا حجة لهم الا فيما علمه النبي صلى الله عليه وسلم فأقره، أو فيما أمر به، أو فيما فعله، فكيف وفى حديث ابن عمر وعائشة: (انه لم يكن اسلام يومئذ الا بالمدينة، فلو صح أنه عليه السلام علم ذلك منهم لكان حديث صفوان ناسخا له، لان اسلام صفوان متأخر (1) فسقط التعلق بهذه الا خبار جملة، وبالله تعالى التوفيق * وأما (2) قول أبى حنيفة والشافعي ومالك وأحمد فلا متعلق لمن ذهب إلى شئ منها لا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا سقيمة، ولا بعمل صحابة ولا بقول صح عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم، ولا بقياس ولا باحتياط، وهى أقوال مختلقة كما ترى، ليس لاحد من مقلديهم أن يدعى عملا الا كان لخصومه أن يدعي لنفسه مثل ذلك، وقد لاح ان كل ما شغبوا به من أفعال الصحابة رضى الله عنهم فانما هو إيهام مفتضح، لانه ليس في شئ من الروايات انهم ناموا على الحال التى يسقطون الوضوء عمن نام كذلك، فسقطت الاقوال كلها من طريق السنن الا قولنا.
والحمد لله رب العالمين * قال أبو محمد وأما من طريق النظر فانه لا يخلو النوم من أحد وجهين لا ثالث لهما: اما أن يكون النوم حدثا واما ان لا يكون حدثا، فان كان ليس حدثا فقليله وكثيره - كيف كان لا ينقض الوضوء، وهذا خلاف قولهم، وان كان حدثا فقليله وكثيره - كيف كان - ينقض الوضوء.
وهذا قولنا فصح أن الحكم بالتقريق بين احوال النوم خطأ وتحكم بلا دليل، ودعوي لا برهان (3) عليها *
__________
(1) لا أدرى من أين جاء ابن حزم بدعوى أن صفوان متأخر الاسلام؟
فليس في ترجمة شئ من هذا، ولكن روى أحمد في مسنده (ج 4 ص 239) عن عبد الصمد بن عبد الوارث وابن سعد في الطبقات (ج 6 ص 17) عن عمرو ابن عاصم الكلابي كلاهما عن همام عن عاصم عن زر بن حبيش قال: (لقيت صفوان بن عسال المرادى، فقلت له: هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم وغزوت معه ثنتى عشرة غزوة) وهذا اسناد صحيح جدا، وهو يدل على أنه قديم الاسلام (2) في اليمنية (فأما) (3) في اليمنية (بلا برهان)(1/229)
فان قال قائل أن النوم ليس حدثا وانما يخاف أن يحدث فيه المرء.
قلنا لهم: هذا لا متعلق لكم بشئ، منه لان الحدث ممكن كونه من المرء في أخف ما يكون من النوم، كما هو ممكن أن يكون منه في النوم الثقيل (1) وممكن أن يكون من الجالس كما هو ممكن أن يكون من المضجع، وقد يكون الحديث من اليقظان وليس الحدث عملا يطول بل هو كلمح البصر، وقد يمكن أن يكون النوم الكثير من المضحع لا حدث فيه، ويكون الحدث في أقل ما يكون من نوم الجالس، فهذا لا فائدة لهم فيه أصلا وأيضا فان خوف الحدث ليس حدثا ولا ينتقض به الوضوء وانما ينقض الوضوء يقين الحدث.
وبالله تعالى التوفيق * واذ الامر كما ذكرنا فليس الا أحد أمرين: اما أن يكون خوف كون الحدث حدثا، فقليل النوم وكثيره يوجب نقض الوضوء، لان خوق الحدث جار فيه.
وأما أن يكون خوف الحدث ليس حدثا فلنوم قليله وكثيره لا ينقض الوضوء وبطلت أقوال هؤلاء على كل بيقين لا شك فيه * وقد ذكر قوم أحاديث منها ما يصح ومنها مالا يصح يجب أن ننبه عليها بعون الله تعالى * منها حديث عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا نعس أحدكم
وهو يصلى فليرقد حتى يذهب عنه النوم، لان أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدرى لعله يستغفر فيسب نفسه) وفى بعض الفاظه (لعله يدعو على نفسه وهو لا يدرى) وحديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يدرى ما يقرأ) * قال أبو محمد: هذان صحيحان، وهما حجة لنا، لان فيهما أن الناعس لا يدرى ما يقرأ ولا ما يقول، والنهي عن الصلاة على تلك الحال جملة، فإذ الناعس لا يدرى ما يقول فهو في حال ذهاب العقل بلا شك، ولا يختلفون أن من ذهب
__________
(1) في اليمنية (الطويل)(1/230)
عقله بطلت طهارته، فيلزمهم أن يكون النوم كذلك والآخر من طريق معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم (العينان وكاء السه فإذا نامت العين استطلق الوكاء) والثاني من طريق على عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ) (1) قال على بن أحمد: لو صحا لكانا أعظم حجة لقولنا، لان فيهما إيجاب الوضوء من النوم جملة، دون تخصيص حال من حال، ولا كثير نوم من قليله، بل من كل نوم نصا، ولكنا لسنا ممن يحتج بما لا يحل الاحتجاج به نصرا لقوله ومعاذ الله من ذلك، وهذان أثران ساقطان لا يحل الاحتجاج بهما * أما حديث معاوية فمن طريق بقية وهو ضعيف، عن ابى بكر بن أبى مريم وهو مذكور بالكذب عن عطية بن قيس وهو مجهول (2) * وأما حديث على فراويه أيضا بقية عن الوضين بن عطاء وكلاهما ضعيف (3).
وبالله تعالى التوفيق
__________
(1) حديث معاوية رواه احمد والدار قطني والبيهقي.
وحديث على رواه احمد
وأبو داود وابن ماجه والدار قطني وأنظر نيل الاوطار (ج 1 ص 241 - 242) (2) أما بقية بن الوليد فليس ضعيفا، وانما أخطأ في بعض حديثه من حفظه وهو ثقة إذا صرح بالسماع.
وأما أبو بكر بن أبي مريم فهو ابن عبد الله بن ابى مريم كان من العباد المجتهدين ومن خيار أهل الشام، وكان ردئ الحفظ كثير الوهم فترك حديثه، ولم أر أحدا رماه بالكذب وأما عطية بن قيس فانه ليس مجهولا ولعل ابن حزم جهله ولم يعرفه، وما هذا بمطعن فيه، قال ابن سعد: (كان معروفا وله أحاديث) وقال أبو حاتم (صالح الحديث) وذكره ابن حبان في الثقات وروى له مسلم في صحيحه.
ومات سنة 121 وله 104 سنة (3) الوضين بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة.
وثقه احمد وابن معين ودحيم وقال أبو داود (صالح الحديث) ومن ضعفه فانما تكلم فيه لانه كان يري القدر، وليس هذا كافيا في الحكم بضعف الراوي، وقال الساجى (عنده حديث واحد منكر(1/231)
159 - مسألة - والمذى والبول والغائط من أي موضع خرجا من الدبر والاحليل أو من جرح في المثانة أو البطن أو غير ذلك من الجسد (1) أو من الفم * فاما المذي فقد ذكرنا في باب تطهير المذى من كتابنا هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن وجده: (وليتوضأ (2) وضؤه للصلاة) وأما البول والغائط فاجماع متيقن، وأما قولنا من أي موضع خرج فلعموم امره عليه السلام بالوضوء منهما، ولم يخص خروجهما من المخرجين دون غيرهما، وهذان الا سمان واقعان عليهما في اللغة التى بها خاطبنا عليه السلام من حيث ما خرجا، وممن قال بقولنا ههنا أبو حنيفة وأصحابه، ولا حجة لمن أسقط الوضوء منهما إذا خرجا من غير المخرجين، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس، بل القرآن جاء بما قلناه، قال الله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء)
وقد يكون خروج الغائط والبول من غير المخرجين، فلم يخص تعالى بالامر بالوضوء والتيمم من ذلك حالا دون حال، ولا المخرجين من غيرهما.
وبالله تعالى التوفيق * 160 - مسألة - والريح الخارجة من الدبر - خاصة لا من غيره - بصوت خرجت أم بغير صوت.
وهذا أيضا إجماع متيقن، ولا خلاف في أن الوضوء من الفسو والضراط، وهذان الاسمان لا يقعان على الريح البتة (3) إلا إن خرجت من الدبر، والا فانما يسمى جشاء أو عطاسا فقط.
وبالله تعالى التوفيق *
__________
عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن على حديث: (العينان وكاء السه) قال الساجى: (رأيت أبا داود أدخل هذا الحديث في كتاب السنن ولا أراه ذكره الا وهو عنده صحيح) وانظر شرح أبي داود (ج 1 ص 81 - 82) وظهر من كل هذا أن الحديث بطريقين حديث حسن، والطريقان يؤيد بعضهما بعضا.
والسه بفتح السين المهملة والهاء الدبر.
والوكاء ما تشد به القربة وغيرها والمعنى اليقظة وكاء الدبر أي حافظة ما فيه من الخروج (1) في اليمنية (أو من أين خرج من المثانة أو البطن وغير ذلك من الجسد (2) في المصرية (فليتوضأ) (3) في المصرية (اسمان لا يقعان على ريح البتة) الخ(1/232)
161 - مسألة - فمن كان مستنكحا (1) بشئ مما ذكرنا توضأ - ولا بد - لكل صلاة فرضا أو نافلة، ثم لا شئ عليه فيما خرج منه من ذلك في الصلاة أو فيما بين وضوئه وصلاته، ولا يجزيه الوضوء الا في أقرب ما يمكن أن يكون وضوؤه من صلاته، ولا بد للمستنكح أيضا أن يغسل ما خرج منه من البول والغائط والمذى حسب طاقته، مما لا حرج عليه فيه، ويسقط عنه (2) من ذلك ما فيه عليه الحرج منه * برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قد ذكرناه في مسألة إبطال القياس من
صدر كتابنا هذا، من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وقول الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) فصح انه مأمور بالصلاة والوضوء من الحدث، وهذا كله حدث، فالواجب أن يأتي من ذلك ما يستطيع، وما لا حرج عليه فيه ولا عسر، وهو مستطيع على الصلاة وعلى الوضوء لها، ولا حرج عليه في ذلك، فعليه أن يأتي بهما، وهو غير مستطيع للامتناع (3) مما يخرج عنه من ذلك في الصلاة، وفيما بين وضوئه وصلاته، فسقط عنه، وكذلك القول في غسل ما خرج منه من ذلك * قال أبو محمد: وهذا قول سفيان الثوري وأصحاب الظاهر.
وقال أبو حنيفة: يتوضأ هؤلاء لكل وقت صلاة وينقون على وضوئهم إلى دخول وقت صلاة أخرى فيتوضئون، وقال مالك: لا وضوء عليه من ذلك، وقال الشافعي: يتوضأ لكل صلاة فرض فيصلى بذلك الوضوء ما شاء من النوافل خاصة قال على: انما قالوا كل هذا قياسا على المستحاضة، على حسب قول كل واحد
__________
(1) المراد منه واضح وهو من غلب عليه شئ من هذا.
قال في اللسان: (ونكح النعس عينه وناله المطر الارض وناله النعاس عينه إذا غلب عليها) ولم أجد استعمال (مستنكح) كما استعمله المؤلف.
(2) في المصرية (عليه) وهو خطأ (3) استعمل المؤلف استطاع متعديا بعلى ثم متعديا باللام، وهو يتعدي بنفسه، ولم أجد نصا على تعديته بالحرف(1/233)
منهم فيها، والقياس باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا لان الثابت في المستحاضة هو غير ما قالوه، لكن ما سنذكره إن شاء الله تعالى في باب المستحاضة، وهو وجوب الغسل لكل صلاة فرض، أو للجمع بين الظهر والعصر، ثم بين المغرب
والعتمة، ثم للصبح، ودخول وقت صلاة ما ليس حدثا بلا شك، وإذا لم يكن حدثا فلا ينقض طهارة قد صحت بلا نص وارد في ذلك، واسقاط مالك الوضوء مما قد أوجبه الله تعالى منه ورسوله صلى الله عليه وسلم منه بالاجماع وبالنصوص الثابتة خطأ لا يحل * وقد شغب بعضهم في هذا بما روينا عن عمر رضى الله عنه وعن سعيد بن المسيب في المذى قال عمر: إنى لاجده ينحدر على فحذي على المنبر فما أباليه، وقال سعيد مثل ذلك عن نفسه في الصلاة، فأوهموا أنهما رضى الله عنهما كانا مستنكحين بذلك قال أبو محمد: وهذا كذب مجرد، لا ندرى كيف استحله من أطلق به لسانه، لانه لم يأت في شئ من هذا الاثر ولا من غيره نص ولا دليل بذلك، ونعوذ بالله من الاقدام على مثل هذا، وانما الحق من ذلك ان عمر كان لا يرى الوضوء منه وكذلك ابن المسيب لان السنة في ذلك لم تبلغ عمر ثم بلغته فرجع إلى ايجاب الوضوء منه * حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن أبى دليم ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر ابن أبي شية ثنا محمد بن بشر العبدى ثنا مسعر بن كدام عن مصعب بن شيبة عن أبي حبيب بن يعلى بن منية (1) عن ابن عباس أنه وعمر بن الخطاب أتيا إلى أبى بن كعب فخرج اليهما أبى وقال: إنى وجدت مذيا فغسلت ذكرى وتوضأت، فقال له عمر: أو يجزى ذلك؟ قال: نعم، قال عمر أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم (2) * حدثنا حمام ثنا ابن مفرح ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن معمر وسفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: انه ليخرج من أحدنا مثل الجمانة (3) فإذا وجد أحدكم ذلك فليغسل ذكره
__________
(1) بضم الميم واسكان النون وفتح الياء (2) الاثر رواه ابن ماجه (ج 1: ص 94) عن أبي بكر بن أبى شيبة باسناده.
وقال شارحه السندي: (وقد نبه صاحب الزوائد على أن الحديث في الزوائد وأن أصله في الصحيحين) (3) الجمان بضم الجيم اللؤلؤ واحدته جمانة(1/234)
وليتوضأ، وبه إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أنه قال في المذى: يغسل ذكر هو ويتوضأ وضوءه للصلاة، فهذا هو الثابت عن عمر * وكذلك قول الشافعي أيضا خطأ ظاهر، لان من المحال الظاهر أن يكون انسان متوضئا طاهرا لنافلة ان أراد أن يصليها غير متوضئ ولا طاهر لفريضة ان أراد أن يصليها فهذا قول لم يأت به قط نص قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس، ولا وجدوا له في الاصول نظيرا، وهم يدعون أنهم أصحاب نظر وقياس، وهذا مقدار نظرهم وقياسهم، وبقى قول أبى حنيفة ومالك والشافعي عاريا من أن تكون له حجة من قرآن أو سنة صحيحة أو سقيمة أو من اجماع أو من قول صاحب أو من قياس أصلا * 162 - مسألة فهذه الوجوه تنقض الوضوء عمدا كان أو نسيانا أو بغلبة، وهذا اجماع الا ما ذكرنا مما فيه الخلاف، وقام البرهان من ذلك على ما ذكرنا.
وبالله تعالى التوفيق * 163 - مسألة - ومس الرجل ذكر نفسه خاصة عمدا بأى شئ مسه من باطن يده أو من ظاهرها أو بذراعه حاشا مسه بالفخذ أو الساق أو الرجل من نفسه فلا يوجب وضوءا ومس المرأة فرجها عمدا كذلك أيضا سواء سواء، ولا ينقض الوضوء شئ من ذلك بالنسيان، ومس الرجل ذكر غيره من صغير أو كبير ميت أو حي بأى عضو مسه عمدا من جميع جسده من ذى رحم محرمة أو من غيره ومس المرأة فرج غيرها عمدا أيضا كذلك سواء سواء، لا معنى للذة في شئ من ذلك، فان كان كل ذلك على ثوب رقيق أو كيف، للذة أو لغير لذة، باليد أو بغير اليد، عمدا أو غير عمد، لم ينقض الوضوء، وكذلك ان مسه بغلبة أو نسيان فلا ينقض الوضوء * برهان ذلك ما حدثناه حمام بن احمد قال: ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال: " " تذاكر
هو ومروان الوضوء فقال مروان حدثتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر (1) بالوضوء من مس الفرج) *
__________
(1) في اليمنية " أمر "(1/235)
قال أبو محمد: فان قيل: إن هذا خبر رواه الزهري عن عبد الله بن أبي بكر ابن عمرو بن حزم عن عروة، قلنا: مرحبا بهذا، وعبد الله ثقة، والزهرى لا خلاف في انه سمع من عروة، وجالسه، فرواه عن عروة ورواه أيضا عن عبد الله بن أبى بكر عن عروة، فهذا قوة للخبر والحمد لله رب العالمين * قال على: مروان ما نعلم له جرحة قبل خروجه على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضى الله عنهما، ولم يلقه عروة قط الا قبل خروجه على أخيه لا بعد خروجه هذا ما لا شك فيه (1) وبسرة مشهورة من صواحب رسول الله صلى الله عليه وسلم المبايعات المهاجرات - هي بسرة بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بنت أخي ورقة (2) بن نوفل، وأبوها ابن عم خديجة أم المؤمنين لحا (3) * ولفظ هذا الحديث عام يقتضى كل ما ذكرناه (4) وأما مس الرجل (5) فرج نفسه بساقه ورجله وفخذه فلا خلاف في أن المرء مأمور بالصلاة في قميص كثيف وفى مئزر وقميص، ولا بد له ضرورة في صلاته كذلك من وقوع فرجه على ساقه ورجله
__________
(1) في اليمنية " مما لا شك فيه " (2) وكان مروان بن الحكم زوج بنت ابنها عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص فولدت له أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان.
كذا ذكره ابن سعد في الطبقات (ج 8 ص) ونقل الحاكم في المستدرك (ج 1 ص 138) عن مالك أنها جدة عبد الملك أم أمه.
وعن مصعب ابن عبد الله الزبيري أنها زوجة معاوية بن المغيرة بن أبى العاص.
فيكون مروان زوج بنتها عائشة (3) بفتح اللام وتشديد الحاء المهملة.
وفي اللسان: " وهو
ابن عم لح في النكرة بالكسر لانه نعت للعم وهو ابن عمي لحا في المعرفة أي لارق النسب من ذلك، ونصب لحا على الحال لان ما قبله معرفة والواحد والاثنان والجميع والمؤنث في هذا سواء بمنزلة الواحد، وقال اللحياني: هما ابنا عم لح ولحا وهما ابنا خالة ولا يقال هما ابنا خال لحا ولا ابنا عمة لحا لانهما مفترقان إذ هما رحل وامرأة، وإذا لم يكن ابن العم لحا وكان رجلا من العشيرة قلت هو ابن عم الكلالة وابن عم كلالة) (4) في اليمية (ولفظ هذا الحديث عام لم يقتضي كلما قلنا) وهو خطأ صرف (5) في اليمنية (المرء)(1/236)
وفخذه، فخرج هذا بهذا الاجماع المنصوص عليه عن جملة هذا الخبر * وممن قال بالوضوء من مس الفرج سعد بن أبى وقاص وابن عمر رضى الله عنهما وعطاء وعروة وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وأبان بن عثمان وابن جريج والاوزاعي والليث والشافعي وداود واحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وغيرهم، الا أن الاوزاعي والشافعي لم يريا الوضوء ينقض ذلك الا بمسه بباطن الكف فقط لا بظاهرها، وقال عطاء بن أبي رباح: لا ينقض الوضوء مس الفرج بالفخذ والساق وينقض (1) مسه بالذراع، وقال مالك: مس الفرج من الرجل فرج نفسه الذكر فقط بباطن الكف لا بظاهرها ولا بالذراع يوجب الوضوء، فان صلى ولم يتوضأ لم يعد الصلاة الا في الوقت وقال أبو حنيفة: لا ينقض الوضوء مس الذكر كيف كان، وقال الشافعي: ينقض الوضوء مس الدبر ومس المرأة فرجها، وقال مالك لا ينقض الوضوء مس الدبر ولا مس المرأة فرجها أن تقبض وتلطف (2) أي تدخل أصبعها بين شفريها، ونحا بعض أصحابه بنقض الوضوء من مس الذكر نحو اللذة * فاما قول الاوزاعي والشافعي ومالك في مراعاة باطن الكف دون ظاهرها فقول
لا دليل عليه لا من قرآن ولا من سنة ولا من اجماع ولا من قول صاحب ولا من قياس ولا من رأى صحيح * وشغب بعضهم بان قال: في بعض الآثار: (من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ (3))
__________
(1) في اليمنية (وينقضه) (2) في اليمنية (تطلف) بتقديم الطاء وهو خطأ.
وفي اللسان (ألطف الرجل البعير وألطف له أدخل قضيبه في حياء الناقة) (3) نسبة في المنتقي إلى احمد من حديث ابى هريرة ولفظه (من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء) ونسبه شارحه الشوكاني (ج 1 ص 251) إلى ابن حبان في صحيحه وانه قال (حديث صحيح سنده عدول نقلته والى الحاكم وابن عبد البر والطبراني في الصغير.
ولم أجده في المستدرك بهذا اللفظ بل بلفظ: (من مس فرجه فليتوضأ) وصححه (ج 1 ص 138) ورواه من حديث بسرة بلفظ: (إذا أفضي أحدكم إلى ذكره فلا يصل حتي يتوضأ) (ج 1 ص 136) وروى البيهقي حديث ابى هريرة (ج 1 ص 133) بلفظ قريب من لفظ احمد بن حنبل(1/237)
قال أبو محمد: وهذا لا يصح أصلا، ولو صح لما كان فيه دليل على ما يقولون، لان الافضاء باليد يكون بظاهر (1) اليد كما يكون بباطنها، وحتى لو كان الافضاء بباطن اليد لما كان في ذلك ما يسقط الوضوء عن غير الافضاء، إذا جاء أثر بزيادة على لفظ الافضاء، فكيف والافضاء يكون بجميع الجسد، قال الله تعالى: (وقد أفضى بعضكم إلى بعض) * وأما قول مالك في ايجاب الوضوء منه ثم لم ير الاعادة الا في الوقت فقول متناقض لانه لا يخلو أن يكون انتقض وضوؤه أو لم ينتقض، فان كان انتقض فعلى أصله يلزمه أن يعيد أبدا، وان كان لم ينتقض فلا يجوز له أن يصلى صلاه فرض واحدة في يوم مرتين، وكذلك فرق مالك بين مس الرجل فرجه وبين المرأة فرجها فهو قول
لا دليل عليه فهو ساقط * وأما ايجاب الشافعي الوضوء من مس الدبر فهو خطأ، لان الدبر لا يسمى فرجا فان قال: قسته على الذكر قيل له: القياس عند القائلين به لا يكون الا على علة جامعة بين الحكمين، ولا علة جامعة بين مس الذكر ومس الدبر، فان قال: كلاهما مخرج للنجاسة، قيل له: ليس كون الذكر مخرجا للنجاسة هو علة انتقاض الوضوء من مسه، ومن قوله ان مس النجاسة لا ينقض الوضوء، فكيف مس مخرجها.
وبالله تعالى التوفيق * وأما أصحاب أبي حنيفة فاحتجوا بحديث طلق بن على: (ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره بعد أن يتوضأ (3) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل هو الا بضعة منك (4))
__________
(1) في اليمنية (بظهر) (2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي والدار قطني وصححه عمرو بن على الفلاس والطحاوى وابن حبان والطبراني.
(3) ليس في اليمنية قوله (بعد ان يتوضأ) (4) في المصرية (بين)(1/238)
قال على: وهذا خبر صحيح، الا أنهم لا حجة لهم فيه لوجوه: أحدها أن هذا الخبر موافق لما كان الناس عليه قبل ورود الامر بالوضوء من مس الفرج، هذا لا شك فيه، فإذ هو كذلك فحكمه منسوخ يقينا حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوضوء من مس الفرج، ولا يحل ترك ما تيقن أنه ناسخ والاخذ بما تيقن أنه منسوخ، وثانيها أن كلامه عليه السلام (هل هو الا بضعة منك) دليل بين على أنه كان قبل الامر بالوضوء منه، لانه لو كان بعده لم يقل عليه السلام هذا الكلام،
بل كان يبين أن الامر بذلك قد نسخ، وقوله هذا يدل على أنه لم يكن سلف فيه حكم أصلا وأنه كسائر الاعضاء * قال أبو محمد: وقال بعضهم: يكون الوضوء من ذلك غسل اليد قال أبو محمد: وهذا باطل، لم يقل أحد إن غسل اليد واجب أو مستحب من مس الفرج، لا المتأولون لهذا التأويل الفاسد ولا غيرهم، ويقال لهم: ان كان كما تقولون فأنتم من أول (1) من خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تأولتموه في أمره، وهذا استخفاف ظاهر، وأيضا فانه لا يطلق الوضوء في الشريعة الا لوضوء الصلاة فقط، وقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ايقاع هذه اللفظة علي غير الوضوء للصلاة، كما رويناه من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث عن ابن عباس قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء من الغائط وأتى بطعام فقيل: ألا تتوضأ: (فقال عليه السلام: لم أصلى (2) فأتوضأ) فكيف وقد روينا من طريق مالك عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول: ان مروان قال له: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة (3)) ورواه أيضا غير مالك عن الثقات
__________
(1) في اليمنية (فانتم أول) (2) كذا في الاصلين باثبات الياء وهو جائز (3) أما موطأ مالك برواية يحيى بن يحيى فليس فيه لفظ.
(وضوءه للصلاة) (ص 14) فلعل هذا في رواية أخرى من روايات الموطأ مما ليس بين أيدينا.
وقد رواه بهذه الزيادة البيهقي(1/239)
كذلك، كما حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن سعيد بن حزم ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبو صالح الحكم ابن موسى ثنا سعيب بن إسحاق أخبرني هشام بن عروة عن أبيه أن مروان بن
الحكم حدثه عن بسرة بنت صفوان وكانت قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مس أحدكم ذكره فلا يصل (1) حتى يتوضأ) فأنكر ذلك عروة، وسأل بسرة فصدقته بما قال (2) * قال على: أبو صالح وشعيب ثقتان مشهوران، فبطل التعلل بمروان، وصح أن بسرة مشهورة صاحبة، ولقد كان ينبغى لهم أن ينكروا على أنفسهم شرع الدين وأبطال السنن برواية أبى نصر بن مالك وعمير (3) والعالية زوجة أبي اسحاق وشيخ من بني كنانة (4)، وكل هؤلاء لا يدرى أحد من الناس من هم؟
__________
(ج 1 ص 128) من طريق يحيى بن بكير عن مالك.
فيظهر من هذا أنه في الموطأ برواية ابن بكير (1) في اليمنية (فلا يصلين) (2) هذا اللفظ لم يذكره عبد الله بن أحمد في مسند أبيه ولعله في كتاب آخر من كتبه، وقد رواه الحاكم في المستدرك (ج 1 ص 137) من طريق محمد بن ابراهيم البوشنجى عن الحكم بن موسى بلفظ (من مس فرجه فليتوضأ) وأنا أعتقد أن هذا خطأ من الناسخين فقد رواه البيهقي في السنن الكبرى (ج 1 ص 130 129) عن الحكم بهذا الاسناد بلفظ (إذا مس أحدكم ذكره فلا يصلين حتى) يتوضأ ورواه البيهقي أيضا عن الحكم من طريق على بن المدينى عن أبى الاسود حميد بن الاسود عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة بهذا اللفظ.
وهو أيضا في المستدرك الا أنه سقط بعض الاسناد وظهرت صحة ذلك من المقابلة على سنن البيهقى.
وكذلك رواه البيهقي من طريق الدارقطي عن عبد الله ابن محمد بن عبد العزيز عن الحكم.
ورواه الحاكم من طريق عنبسة بن عبد الواحد عن هشام.
وهذه الطرق تؤيد صحة الحديث بهذا اللفظ والله أعلم (3) في اليمنية (قمير) (4) هؤلاء الاربعة لا أدري من هم، ولا أعرف لهم روايات احتج بها من يرد عليهم ابن حزم، والعلم عند الله(1/240)
وقال بعضهم: هذا مما تعظم به البلوى، فلو كان لما جهله ابن مسعود ولا غيره من العلماء * قال أبو محمد وهذه حماقة، وقد غاب عن جمهور الصحابة رضى الله عنهم الغسل من الايلاج الذى لا إنزال معه، وهو مما تكثر به البلوى، ورأى أبو حنيفة الوضوء من الرعاف وهو مما تكثر به البلوى ولم يعرف ذلك جمهور العلماء ورأى الوضوء من مل ء الفم من القلس ولم يره من أقل من ذلك، وهذا تعظم به البلوى، ولم يعرف ذلك أحد من ولد آدم قبله، ومثل هذا لهم كثير جدا، ومثل هذا من التخليظ لا يعارض به سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الا مخذول.
وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: والماس على الثوب ليس ماسا، ولا معنى للذة، لانه لم يأت بها نص ولا إجماع، وانما هي دعوى بظن كاذب، وأما النسيان في هذا فقد قال الله تعالى: (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم)، وهذا قول ابن عباس، وروينا من طريق وكيع عن خصيف عن عكرمة عنه أنه قال: مس الذكر عمدا ينقض الوضوء ولا ينقضه بالنسيان (1) * 164 مسألة وأكل لحوم الابل نيئة ومطبوخة أو مشوية عمدا وهو يدرى أنه لحم جمل أو ناقة فانه (2) ينقض الوضوء، ولا ينقض الوضوء أكل شحومها محضة ولا أكل شئ منها غير لحمها، فان كان يقع على بطونها أو رؤسها أو أرجلها اسم لحم عند العرب نقض أكلها الوضوء وإلا فلا، ولا ينقض الوضوء كل شئ مسته النار غير ذلك، وبهذا يقول أبو موسى الاشعري وجابر بن سمرة، ومن الفقهاء أبو خيثمة زهير بن حرب ويحيى بن يحيى وأحمد بن حنبل واسحق بن راهوية *
__________
(1) هذا الاثر لم أجده في شئ من الروايات الاخرى.
ولا أعرف اسناده
إلى وكيع، وأما خصيف بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة فهو ابن عبد الرحمن الجزرى ضعفه احمد بن حنبل وغيره، وهو ثقة الا أنه كان كثير الخطأ في حديثه، وإذا حدث عنه ثقة فلا بأس بحديثه (2) في اليمنية بحذف (فانه)(1/241)
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كامل الفضيل بن حسين الجحدرى والقاسم بن زكريا قال الفضيل ثنا أبو عوانة عن عثمان بن عبد الله بن موهب وقال القاسم ثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن عثمان بن عبد الله بن موهب وأشعث بن ابي الشعثاء كلاهما عن جعفر بن أبى ثور عن جابر بن سمرة قال: (سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ (1) من لحوم الغنم؟ قال: ان شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ، قال: أتوضأ (2) من لحوم الابل، قال: نعم فتوضأ من لحوم الابل) * وحدثنا يحيى بن عبد الرحمن ثنا أحمد بن سعيد بن حزم ثنا محمد بن عبد الملك ابن أيمن ثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ثنا أبى ثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان الثوري عن الاعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحوم الابل؟ قال: نعم (3)) * قال أبو محمد: عبد الله بن عبد الله الرازي أبو جعفر قاضي الري ثقة قال أبو محمد: وقد مضى الكلام في الفصل الذي قبل هذا في ابطال قول من تعلل في رد السنن بأن هذا مما تعظم به البلوي، وإبطال قول من قال: لعل هذا الوضوء غسل اليد، فأغنى عن إعادته، ولو أن المعترض بهذا ينكر على نفسه القول
__________
(1) في اليمنية " أتوضأ " بحذف همزة الاستفهام وفى المصرية " أنتوضأ "
والذى هنا هو ما في مسلم (ج 1 ص 108) (2) في المصرية " أنتوضأ " وما هنا هو الذى في مسلم وفي اليمنية (3) الحديث مطول في مسند احمد (ج 4 ص 303) بهذا الاسناد وقال عبد الله بن احمد عقب روايته: " عبد الله ابن عبد الله رازى وكان قاضي الرى وكانت جدته مولاة لعلى أو جارية، قال عبد الله قال أبى: ورواه عنه آدم وسعيد بن مسروق وكان ثقة " ورواه احمد أيضا (ج 4 ص 288) عن أبي معاوية عن الاعمش.(1/242)
بالوضوء من القهقهة في الصلاة ولا يرى فيها الوضوء في غير الصلاة -: لكان أولى به وأما الوضوء مما مست النار، فانه قد صحت في ايجاب الوضوء منه أحاديث ثابتة من طريق عائشة وأم حبيبة أمي المؤمنين وأبى ايوب وأبى طلحة وأبي هريرة وزيد بن ثابت رضى الله عنهم، وقال به كل من ذكرنا وابن عمر وأبو موسى الاشعري وأنس بن مالك وأبو مسعود، وجماعة من التابعين منهم أهل المدينة جملة وسعيد بن المسيب وأبو ميسرة وأبو مجلز (1) ويحيى بن يعمر والزهري وستة من أبناء النقباء من الانصار والحسن البصري وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز ومعمر وأبو قلابة وغيرهم، ولو لا أنه منسوخ لوجب القول به * كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا عمرو بن منصور ثنا على بن عياش ثنا شعيب بن أبى حمزة عن محمد بن المنكدر قال سمعت جابر بن عبد الله قال: " كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك لوضوء مما مست النار (2) " فصح نسخ تلك الاحاديث ولله الحمد * قال على: وقد ادعى قوم أن هذا الحديث مختصر من الحديث الذى حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا ابراهيم بن الحسن الخثعمي ثنا حجاج قال قال ابن جريج أخبرني محمد بن المنكدر سمعت جابر بن
عبد الله يقول: " قرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خبز ولحم (3) فأكل ثم دعا بوضوء فتوضأ (به) (4) ثم صلى الظهر ثم دعا بفضل طعامه فأكل ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ * قال أبو محمد: القطع بان ذلك الحديث مختصر من هذا قول بالظن، والظن أكذب الحديث (5) بل هما حديثان كما وردا *
__________
(1) ابو ميسرة هو عمرو بن شر حبيل الهمداني ومجلز بكسر الميم واسكان الجيم وفتح اللام وآخره زاى واسمه " لاحق بن حميد السدوسى " وفي المصرية " أبو مخلد " وهو خطأ (2) في سنن النسائي (ج 1 ص 40) (3) في أبى داود (ج ص 75) " قربت للنبى صلى الله عليه وسلم خبزا ولحما " (4) لفظ " به " زيادة من ابى داود (5) الذى قال بأن الحديث الاول مختصر من هذا هو أبو داود في سننه، وهذا ادعاء لا دليل عليه، بل هما حديثان كما قال ابن حزم(1/243)
قال على: وأما كل حديث احتج به من لا يرى الوضوء مما مست النار من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ولم يتوضأ ونحو ذلك -: فلا حجة لهم فيه، لان أحاديث أيجاب الوضوء هي الواردة بالحكم الزائد على هذه التي هي موافقة لما كان الناس عليه قبل ورود الامر دبالوضوء مما مست النار، ولو لا حديث شعيب بن أبى حمزة الذى ذكرنا لما حل لاحد ترك الوضوء مما مست النار * قال أبو محمد فان قيل " لم خصصتم لحوم الابل خاصة من جملة ما نسخ من الوضوء مما مست النار؟ قلنا: لان الامر الوارد بالوضوء من لحوم الابل إنما هو حكم فيها خاصة، سواء مستها النار أو لم تمسها النار، فليس مس النار إياها - ان طبخت - يوجب الوضوء منها بل الوضوء واجب منها كما هي فحكمها خارج عن الاخبار الواردة بالوضوء مما مست النار، وبنسخ الوضوء منه.
وبالله تعالى التوفيق * وأما أكلها بنسيان أو بغير علم أنه من لحوم الابل -: فقد ذكرنا قول الله
تعالي: (ليس عليكم جناج فيما أخطأتم به) فمن فعل شيئا عن غير قصد فسواء ذلك وتركه، الا أن يأتي نص في ايجاب حكم النسيان فيوقف عنده.
وبالله تعالى التوفيق * 165 - مسألة - ومس الرجل المرأة والمرأة الرجل (1) بأى عضو مس أحدهما الآخر، إذا كان عمدا، دون أن يحول بينهما ثوب أو غيره، سواء أمه كانت أو ابنته (2)، أو مست ابنها أو أباها، الصغير والكبير سواء، لا معني للذة في شئ من ذلك (3)، وكذلك لو مسها على ثوب للذة لم ينتقض وضوؤه وبهذا يقول الشافعي وأصحاب الظاهر * برهان ذلك قول الله تبارك وتعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) * قال أبو محمد: والملامسة فعل من فاعلين وبيقين ندرى أن الرجال والنساء
__________
(1) في اليمنية (ولمس المرأة الرجل) (2) في اليمنية (سواء كانت أمة أو بنته) (3) الخبر محذوف يفهم من بساط القول وسياق الكلام، والمراد أن من فعل شيئا مما ذكره المؤلف انتقض وضوؤه فيما اختاره ابن حزم(1/244)
مخاطبون بهذه الآية، لا خلاف بين أحد من الامة في هذا، لان أول الآية وأخرها عموم للجميع من الذين آمنوا، فصح أن هذا الحكم لازم للرجال إذا لامسوا النساء، والنساء إذا لامسن الرجال، ولم يخص الله تعالى امرأة من امرأة، ولا لذة من غير لذة، فتخصيص ذلك لا يجوز، وهو قول ابن مسعود وغيره * وادعى (1) قوم أن اللمس (2) المذكور في هذه الآية هو الجماع * قال أبو محمد: وهذا تخصيص لا برهان عليه، ومن الباطل الممتنع أن يريد الله عزوجل لماسا من لماس فلا يبينه.
نعوذ بالله من هذا * قال على: واحتج من رأى اللماس المذكور في هذه الآية هو الجماع بحديث
فيه: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل ولا يتوضأ) وهذا حديث لا يصح، لان راويه أبوروق وهو ضعيف، ومن طريق رجل اسمه عروة المزني، وهو مجهول، رويناه من طريق الاعمش عن أصحاب له لم يسمهم عن عروة المزني، وهو مجهول (3)
__________
(1) في المصرية (فادعى) (2) في اليمنية (اللماس) مصدر (لامس) (3) هذا الحديث ورد من ثلاث طرق: أولها طريق أبي روق عن ابراهيم التيمي عن عائشة رواه أبو داود (ج 1 ص 69) والنسائي (ج 1 ص 39) وهو مرسل لان ابراهيم التيمى لم يسمع من عائشة شيئا كما قال البخاري وأبو داود، وأما أبوروق فاسمه عطية بن الحارث الهمداني الكوفي وهو صدوق لا بأس به، لم أر أحدا ضعفه غير ابن حزم، والطريق الثاني طريق عبد الرحمن ابن مغراء عن الاعمش عن اصحاب له عن عروة المزني عن عائشة، رواه أبو داود (ج 1: ص 70) وهو ضعيف لجهل شيوخ الاعمش وجهل حال عروة المزني، وعبد الرحمن بن مغراء ثقة الا أنه ينكر عليه بعض أحاديث رواها عن الاعمش لا يتابعه عليها الثقات، وهذا منها قطعا لان الثقات من اصحاب الاعمش خالفوه كوكيع وعلى بن هاشم وأبي يحيى الحماني، الطريق الثالث طريق وكيع عن الاعمش عن حبيب هو ابن أبي ثابت عن عروة عن عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ فقلت لها من هي الا أنت؟ فضحكت) رواه أبو داود (ج 1: ص 70) والترمذي (ج 1: ص 19) وابن ماجه(1/245)
ولو صح لما كان (1) لهم فيه حجة، لان معنى هذا الخبر منسوخ بيقين، لانه موافق لما كان الناس عليه قبل نزول الآية، ووردت الآية بشرع زائد لا يجوز تركه ولا تخصيصه * وذكروا أيضا حديثين صحيحين: أحدهما من طريق عائشة أم المؤمنين:
(التمست رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل فلم أجده، فوقعت يدى على باطن قدمه وهو ساجد (2)) *
__________
(ج 1: ص 93) والبيهقي (ج 1: ص 126 125) قال أبو داود: (وروي عن الثوري قال ما حدثنا حبيب الا عن عروة المزني، يعني لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشئ، قال أبو داود وقد روس حمزة الزبات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثا صحيحا) فهذا رد من أبى داود على الثوري زعمه أن حبيب بن أبي ثابت لم يحدث عن عروة بن الزبير، وأصرح من هذا أن رواية ابن ماجه صرح فيها بانه عروة بن الزبير، قال شارح أبى داود: (ثم الاعمش أيضا ليس متفردا بهذا بل تابعه أبو أويس بلفظ عروة بن الزبير ثم حبيب بن أبى ثابت أيضا ليس متفردا بل تابعه هشام بن عروة عن أبيه، ومعلوم قطعا أنه ابن الزبير فثبت أن المحفوظ عروة بن الزبير فبعض الحفاظ أطلقه وبعضهم نسبه، وقد تقرر في موضعه أن زيادة الثقة مقبولة، وأما عروة المزني فغلط من عبد الرحمن ابن مغراء).
ويؤيد صحة الحديث ما رواه البزار في مسنده ونقله عنه ابن التركماني في الجوهر النقي (ج 1.
ص 125) من طريق عبد الكريم الحرزى عن عائشة (أنه عليه السلام كان يقبل بعض نسائه ولا يتوضأ) واسناده جيد ونقل عن عبد الحق أنه قال (لا أعلم له علة توجب تركه) وذكر له طريقين آخرين يقويانه (1) في المصرية (لما كانت) (2) أصرح من هذا ما روى النسائي (ج 1: ص 38) عن عائشة قالت: (ان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله) وإسناده صحيح كما قال ابن حجر في التلخيص ومثله كثير، وتأول كل هذه الاحاديث باحتمال وجود الحائل حين المس تكلف(1/246)
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لان الوضوء انما هو على القاصد إلى اللمس، لا على الملموس دون أن يقصد هو إلى فعل الملامسة لانه لم يلامس، ودليل آخر، وهو أنه ليس في هذا الخبر أنه عليه السلام كان في صلاة، وقد يسجد المسلم في غير صلاة، لان السجود فعل خير، وحتى لو صح لهم أنه عليه السلام كان في صلاة وهذا مالا يصح فليس في الخبر أنه عليه السلام لم ينتقض وضوؤه، ولا أنه صلى صلاة مستأنفة دون تجديد وضوء، فإذ ليس في الخبر شئ من هذا فلا متعلق لهم به أصلا، ثم لو صح أنه عليه السلام كان في صلاة، وصح أنه عليه السلام تمادى عليها أو صلى غيرها دون تجديد وضوء وهذا كله لا يصح أبدا: فانه كان يكون هذا الخبر موافقا للحال التى كان الناس عليها قبل نزول الآية بلا شك، وهى حال لا مرية في نسخها وارتفاع حكمها بنزول الآية، ومن الباطل الاخذ بما قد تيقن نسخه وترك الناسخ، فبطل أن يكون لهم متعلق بهذا الخبر.
والحمد لله رب العالمين * والخبر الثاني من طريق أبى قتادة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل امامة بنت أبى العاصى وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاتقه يضعها، إذ سجد، ويرفعها إذا قام) * قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه أصلا، لانه ليس فيه نص أن يديها ورجليها لمست (1) شيئا من بشرته عليه السلام، إذ قد تكون (2) موشحة برداء أو بقفازين وجوربين، أو يكون ثوبها سابغا (3) يواري يديها ورجليها، وهذا الاولى أن يظن بمثلها بحضرة الرجال (4)، وإذا لم يكن ما ذكرنا في الحديث فلا يحل لاحد أن يزيد فيه ما ليس فيه (5) فيكون كاذبا، وإذا كان ما ظنوا ليس في الخبر وما قلنا ممكنا،
__________
شديد ولا دليل عليه في الشريعة، واللمس واللماس في الآية على القراءتين انما هو الجماع كما فسره ابن عباس وكما هو ظاهر لمن تأمل معنى الآية وسياقها ولم يملكه الهوى والعصبية
(1) في اليمنية (مست) (2) في المصرية (وقد تكون) (3) في المصرية (مانعا) وما هنا أوضح (4) أليس هذا غاية في التكلف والمحاولة؟ (5) في اليمنية (ما ليس منه)(1/247)
والذي لا يمكن غيره * فقد بطل تعلقهم به، ولم يحل ترك الآية المتيقن وجوب حكمها لظن كاذب، وقال تعالى *: (ان الظن لا يغنى من الحق شيئا) * وأيضا فان هذا الخبر والذى قبله ليس فيهما أيهما كانا بعد نزول الآيه والآية متأخرة النزول، فلو صح انه عليه السلام مس يديها ورجليها في الصلاة لكان موافقا للحال التى كان الناس عليها قبل نزول الآية، وعلى كل حال فنحن على يقين من أن معنى هذا الخبر لو صح لهم كما يريدون فانه منسوخ بلا شك ولا يحل الرجوع إلى المتيقن انه منسوخ وترك الناسخ * فصح أنهم يوهمون بأخبار لا متعلق لهم بشئ منها، يرومون بها ترك اليقين من القرآن والسنن * وقال أبو حنيفة: لا ينقض الوضوء قبلة ولا ملامسة للذة كانت أو لغير لذة، ولا أن يقبض (1) بيده على فرجها كذلك، إلا أن يباشرها بجسدها دون حائل وينعظ فهذا وحده ينقض الوضوء * وقال مالك: لا وضوء من ملامسة المرأة الرجل، ولا الرجل المرأة، إذا كانت لغير شهوة تحت الثياب أو فوقها، فان كانت الملامسة للذة فعلى الملتذ منهما الوضوء، سواء كان فوق الثياب أو تحتها، أنعظ أو لم ينعظ، والقبلة كالملامسة في كل ذلك، وهو قول أحمد بن حنبل * وقال الشافعي كقولنا، إلا أنه روى عنه أن مس شعر المرأة خاصة لا ينقض الوضوء *
قال أبو محمد: أما قول أبى حنيفة فظاهر التناقض، ولا يمكنه التعلق بالتأويل الذي تأوله قوم في الآية: ان الملامسة المذكورة فيها هو الجماع فقط، لانه أوجب الوضوء من المباشرة إذا كان معها انعاظ، وأما مناقضته فتفريقه بين القبلة يكون معها إنعاظ فلا ينقض الوضوء، وبين المباشرة يكون معها إنعاظ فتنقض الوضوء، وهذا فرق لم يؤيده قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس، بل هو مخالف لكل ذلك، ومن مناقضاته أيضا أنه جعل القبلة لشهوة
__________
(1) في المصرية (يفتض) وهو خطأ(1/248)
واللمس لشهوة بمنزلة القبلة لغير الشهوة واللمس لغير الشهوة لا ينقض الوضوء شئ من ذلك، ثم رأى ان القبلة لشهوة واللمس لشهوة رجعة في الطلاق، بخلاف القبلة لغير شهوة واللمس لغير شهوة، وهذا كما ترى لا اتباع القرآن، ولا التعلق بالسنة ولا طرد قياس، ولا سداد رأى، ولا تقليل صاحب.
ونسأل الله تعالى التوفيق * وأما قول مالك في مراعاة الشهوة واللذة، فقول لا دليل عليه لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة، لا قول صاحب ولا ضبط قياس ولا احتياط، وكذلك تفريق الشافعي بين الشعر وغيره، فقول لا يعضده أيضا قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس، بل هو خلاف ذلك كله، وهذه الاقوال الثلاثة كما أوردناها لم نعرف أنه قال بها أحد قبلهم وبالله تعالى التوفيق * فان قيل: قد رويتم عن النخعي والشعبي: إذا قبل أو لمس لشهوة فعليه الوضوء، وعن حماد: أي الزوجين قبل صاحبه والآخر لا يريد ذلك، فلا وضوء على الذى لا يريد ذلك، إلا أن يجد لذة، وعلى القاصد لذلك الوضوء.
قلنا: قد صح عن الشعبى والنخعي وحماد ايجاب الوضوء من القبله على القاصد بكل حال، واذ ذلك كذلك فاللذة داخلة في هذا القول، وبه نقول، وليس ذلك قول مالك *
والعجب ان مالكا لا يرى الوضوء من الملامسة إلا حتى يكون معها شهوة، ثم لا يرى الوضوء يجب من الشهوة دون ملامسة! فكل واحد من المعنيين لا يوجب الوضوء على انفراده! فمن أين له ايجاب الوضوء عند اجتماعهما؟ * 166 مسألة وايلاج الذكر في الفرج يوجب الوصوء، كان معه انزال أو لم يكن * برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب محمد بن العلاء ثنا أبو معاوية محمد بن خازم ثنا هشام هو ابن عروة عن أبيه عن أبي أيوب الانصاري عن أبى بن كعب قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل(1/249)
يصيب من المرأة ثم يكسل (1)، قال يغسل ما أصابه من المرأة ثم يتوضأ ويصلى (2)) ورويناه أيضا عن شعبة (عن الحكم (3)) عن أبى صالح عن ذكوان عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فالوضوء لا بد منه مع الغسل على ما نذكره (4) بعد هذا ان شاء الله تعالى (5) 167 مسألة وحمل الميت في نعش أو في غيره.
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان الاسدي ثنا أحمد بن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل ميتا فليغتسل ومن حملها فليتوضأ (6)) قال أبو محمد: يعنى الجنازة.
ورويناه أيضا من طريق سفيان بن عيينة عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن اسحاق مولى زائدة عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، واسحاق مولى زائدة ثقة مدنى وتابعي، وثقه أحمد بن صالح الكوفى وغيره، وروى عن سعد بن أبى وقاص وأبى هريرة ورويناه بالسند المذكور إلى حماد بن سلمة عن أيوب السختيانى عن محمد بن
سيرين قال: كنت مع عبد الله بن عتبة بن مسعود (7) في جنازة، فلما جئنا دخل
__________
(1) اكسل الرجل إذا جامع ثم ادركه فتور فلم ينزل أي صار ذا كسل (2) في صحيح مسلم (ج 1 ص 106) (3) سقط من الاصلين في الاسناد (عن الحكم) وهو ضروري انظر صحيح مسلم (ج 1 ص 106) (4) في المصرية (على ما سنذكره) (5) غلا ابو محمد رحمه الله في التمسك بظواهر النصوص حتى كاد يخرج ببعضها عن معانيها الاصلية التي تفسرها الروايات الاخرى كما سبق مرارا وكما صنع هنا فان هذين الحديثين حديث أبي بن كعب وحديث ابي سعيد الخدري انما هما في أن الغسل لا يجب الا عند إنزال الماء وان الايلاج بدون إنزال لا غسل فيه.
وهذا واضح لكل من له علم بالسنة، فلا يدلان على وجوب الوضوء بلمس المرأة (6) رواه أحمد وأصحاب السنن والبيهقي وانظر تفصيل الكلام عليه في نيل الاوطار (ج 1 ص 298 297) (7) هو ابن أخي عبد الله بن مسعود، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت له عنه رواية، وروى عن عمه عبد الله بن مسعود وعمر وعمار وأبي هريرة وغيرهم، مات سنة 74.(1/250)
المسجد، فدخل عبد الله بيته يتوضأ ثم خرج إلى المسجد فقال لى: أما توضأت؟ قلت: لا، فقال: كان عمر بن الخطاب ومن دونه من الخلفاء إذا صلى أحدهم على الجنازة ثم أراد أن يصلى المكتوبة توضأ، حتى إن أحدهم كان يكون في المسجد فيدعو بالطشت (1) فيتوضأ فيها * قال أبو محمد: لا يجوز أن يكون وضوءهم رضى الله عنهم لان الصلاة على الجنازة حدث، ولا يجوز أن يظن بهم إلا اتباع السنه التي ذكرنا، والسنة تكفى.
وقد ذكرنا من أقوال أبي حنيفة ومالك والشافعي التى لم يقلها أحد قبلهم كثيرا، كالابواب
التي قبل هذا الباب ببابين، وكنقض الوضوء بمل ء الفم من القلس دون مالا يملؤه منه، وسائر الاقوال التي ذكرنا عنهم، لم يتعلقوا فيها بقرآن ولا سنة ولا بقياس ولا بقول قائل.
وبالله تعالى التوفيق * 168 مسألة وظهور دم الاستحاضة أو العرق السائل من الفرج إذا كان بعد انقطاع الحيض فانه يوجب الوضوء ولا بد لكل صلاه تلى ظهور ذلك الدم سواء تميز دمها أو لم يتميز، عرفت أيامها أو لم تعرف * برهان ذلك ما حدثنا يونس (2) بن عبد الله ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا يحيي بن حبيب بن عربي عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (استحيضت فاطمة بنت أبى حبيش فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، قالت يا رسو ل الله: اني أستحاض فلا اطهر، فأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا اقبلت الحيضة فدعى الصلاة فإذا (3) أدبرت فاغسلي عنك أثر الدم وتوضئ (وصلى) (4) فانما ذلك عرق وليست (5) بالحيضة) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن أبى عدي من كتابه (6) عن محمد هو ابن عمرو بن علقمة بن
__________
(1) فيه لغتان: السين المهملة والشين المعجمة.
(2) في المصرية يوسف وهو خطأ (3) في سنن النسائي (ج 66 1 (وإذا) (4) لفظ (وصلى) ليس في الاصلين وزدناه من سنن النسائي (5) في المصرية (فليست) وهو خطأ (6) يعنى حدثهم هذا الحديث من أصله المكتوب(1/251)
وقاص عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش: (أنها كانت تستحاض فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان الحيض فانه دم اسود يعرف، فامسكي (1) عن الصلاة، وإذا (2) كان الآخر فتوضئ فانه عرق (3) *
قال على: فعم عليه السلام كل دم خرج من الفرج بعد دم الحيضة ولم يخص، وأوجب الوضوء منه لانه عرق * وممن قال بايجاب الوضوء لكل صلاة على التى يتمادى بها الدم من فرجها متصلا بدم المحيض: عائشة أم المؤمنين وعلى بن أبى طالب وابن عباس وفقهاء المدينة عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله ومحمد بن على بن الحسين وعطاء بن أبى رباح والحسن البصري، وهو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأبى عبيد وغيرهم.
قالت عائشة رضي الله عنها: تغتسل وتتوضأ لكل صلاة رويناه من طريق وكيع عن اسماعيل بن أبي خالد عن الشعبى عن امرأة (4) مسروق عن عائشة ومن طريق عدي بن ثابت عن أبيه عن على بن أبى طالب: المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وعن شعبة عن عمار بن أبى عمار عن ابن عباس: المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وعن قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيب:
__________
لا من حفظه، وفي النسائي بعد رواية لفظ الحديث (قال محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدى هذا من كتابه) ووقع في الاصلين (من كنانه) وهو خطأ واضح (1) في الاصلين (فأمسكن) بنون المخاطبات وهو خطأ صححناه من النسائي (ج 1: ص 66) (2) في اليمنية (فإذا) وما هنا هو الذى في المصرية والنسائي (3) لفظ (فانه عرق) ليس في اليمنية والذى في النسائي (فانما هو عرق) (4) في اليمنية (أهيلة مسروق) وامرأة مسروق هذه تابعية ثقة اسمها (قمير بوزن عظيم - بنت عمرو الكوفية).
وروايتها عن عائشة رواها أبو داود (ج 1: ص 120) مرفوعة وموقوفة بان المستحاضة تغتسل كل يوم مرة، وروي أحاديث أخرى ثم قال: (وهذه الاحاديث كلها ضعيفة الا حديث قمير وحديث عمار مولى بنى هاشم وحديث هشام ابن عروة عن ابيه) وروايته عنها تخالف ما رواه المؤلف هنا(1/252)
المستحاضة تتوضأ لكل صلاة.
وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن هشام بن عروة التى يتمادى بها الدم أنها تتوضأ لكل صلاة، وعن شعبة عن الحكم بن عتيبة محمد بن على بن الحسين: المستحاضة تتوضأ لكل صلاة * قال أبو محمد: وقال أبو حنيفة في المتصلة الدم كما ذكرنا: أنها تتوضأ لدخول كل وقت صلاة فتكون طاهرا بذلك الوضوء، حتى يدخل وقت صلاة أخرى فينتقض وضوؤها ويلزمها أن تتوضأ لها، وروى عن محمد بن الحسن عن أبى يوسف عن أبى حنيفة في هذه: إذا توضأت إثر طلوع الشمس للصلاة انها تكون طاهرا إلى خروج وقت الظهر، وأنكر ذلك عليه أبو يوسف، وحكى أنه لم يرو عن أبى حنيفة إلا أنها تكون طاهرا إلى دخول وقت الظهر، وغلب بعض أصحابه رواية محمد * قال أبو محمد: وليس كما قال، بل قول أبى يوسف أشبه بأقوال أبى حنيفة وقال مالك: لا وضوء عليها من هذا الدم إلا استحبابا لا ايجابا، وهي طاهر ما لم تحدث حدثا آخر * وقال الشافعي واحمد عليها فرضا أن تتوضأ لكل صلاة فرض وتصلى بين ذلك من النوافل ما أحبت، قبل الفرض وبعده بذلك الوضوء * قال أبو محمد أما قول مالك فخطأ لانه خلاف للحديث الوارد في ذلك، والعجب أنهم يقولون بالمنقطع من الخبر إذا وافقهم، وههنا منقطع أحسن من كل ما أخذوا به، وهو ما رويناه من طريق ابن أبي شيبة وموسي بن معاوية عن وكيع عن الاعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت.
انى استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: لا انما ذلك عرق وليس بالحيضة فاجتنبي الصلاة أيام محيضك ثم اغتسلي وتوضئ لكل صلاة وصلى (1) وان قطر الدم على الحصير (2) *
__________
(1) في المصرية (فصلى) (2) في الاصلين (على الحصر) والحديث رواه الدارقطني (ص 78) من طريق على بن هاشم وقرة بن عيسى وعبد الله بن داود ومحمد بن ربيعة ووكيع ورواه البيهقى (ج 1 ص 344) من طريق وكيع كلهم عن الاعمش بهذا الاسناد.
ورواه أبو داود (1: 120) مختصرا(1/253)
فان قالوا هذا علي الندب، قيل لهم: وكل ما أوجبتموه من الاستطهار وغير ذلك لعله ندب، ولا فرق، وهذا قول يؤدي إلى ابطال الشرائع كلها مع خلافه لامر الله تعالى في قوله عزوجل: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وما نعلم لهم متعلقا في قولهم هذا لا بقرآن ولا بسنة ولا بدليل ولا بقول صاحب ولا بقياس * وأما قول أبى حنيفة ففاسد أيضا، لانه مخالف للخبر الذى تعلق به، ومخالف للمعقول وللقياس، وما وجدنا قط طهارة تنتقض بخروج وقت وتصح بكون الوقت قائما، وموه بعضهم في هذا بأن قالوا: قد وجدنا الماسح في السفر والحضر تنتقض طهارتهما بخروج الوقت المحدود لهما فنقيس عليهما المستحاضة * قال أبو محمد: القياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لانه قياس خطأ وعلى خطأ، وما انتقضت قط طهارة الماسح بانقضاء الامد المذكور بل هو طاهر كما كان، ويصلى ما لم يتنقض وضوؤه بحدث من الاحداث، وانما جاءت السنة بمنعه من الابتداء للمسح فقط، لا بانتقاض طهارته، ثم لو صح لهم ما ذكروا في الماسح وهو لا يصح لكان قياسهم هذا باطلا، لانهم قاسوا خروج وقت كل صلاة في السفر والحضر على انقضاء يوم وليلة في الحضر، وعلى انقضاء ثلاثة أيام بلياليهن في السفر، وهذا قياس سخيف جدا، وانما كانوا يكونون قائسين على ما ذكروا لو جعلوا المتسحاضة تبقى بوضوئها يوما وليلة في الحضر، وثلاثة في السفر
ولو فعلوا هذا لوجدوا فيما يشبه بعض ذلك سلفا، وهو سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد، فقد صح عنهم (1) انها تغتسل من الظهر إلى الظهر (2) وأما قولهم هذا فعار من أن يكون لهم فيه سلف، وما نعلم لقولهم حجة، لا من قرآن ولا
__________
وقد ذهب ابن حزم إلى انه منقطع اتباعا لمن زعم أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير، وقد بينا خطأ هذا الزعم في كلامنا على حديث عدم الوضوء من التقبيل في المسألة رقم 165 (1) في الاصلين (عنهما) وهو خطأ ظاهر (2) في اليمنية (من الظهر إلى العصر) وهو خطأ(1/254)
من سنة ولا من قول صاحب ولا من قياس ولا من معقول * وأما المسألة التى اختلف فيها عن أبي حنيفة فأن قول أبي يوسف أشبه باصولهم لان أثر طلوع الشمس ليس هو وقت صلاة فرض مارا إلى وقت الظهر (1) وهو وقت تطوع، فالمتوضئة فيه للصلاة كالمتوضئة لصلاة العصر في وقت الظهر، ولا يجزيها ذلك عندهم * وأما قول الشافعي وأحمد فخطأ ومن المحال الممتنع في الدين الذى لم يأت به قط نص ولا دليل -: أن يكون انسان طاهرا إن اراد أن يصلى تطوعا ومحدثا غير طاهر في ذلك الوقت بعينه إن أراد أن يصلى فريضة، هذا مالا خفاء به وليس إلا طاهر أو محدث، فان كانت طاهرا فانها تصلى ما شاءت من الفرائض، والنوافل، وان كانت محدثة فما يحل لها أن تصلى لا فرضا ولا نافلة * وأقبح من هذا يدخل على المالكيين في قولهم: من تيمم لفريضة فلم أن يصلى بذلك التيمم بعد أن يصلى الفريضة ما شاء من النوافل، وليس له أن يصلى نافلة قبل تلك الفريضة بذلك التيمم، ولا أن يصلى به صلاتي فرض، فهذا هو نظرهم
وقياسهم وأما تعلق بأثر، فالآثار حاضرة وأقوالهم حاضرة * قال أبو محمد: وهم كلهم يشغبون بخلاف الصاحب الذى لا يعرف له مخالف منهم وجميع الحنفيين والمالكيين والشافعيين قد خالفوا في هذه المسألة عائشة وعليا وابن عباس رضي الله عنهم، ولا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضي الله عنهم في ذلك وخالف المالكيون في ذلك فقهاء المدينة كما أوردنا فصارت أقوالهم مبتدأة ممن قالها بلا برهان أصلا.
وبالله تعالى التوفيق * 169 - مسألة - قال على لا ينقض الوضوء شئ غير ما ذكرنا، لا رعاف ولا دم سائل من شئ من الجسد أو من الحلق أو من الاسنان أو من الاحليل أو من الدبر.
ولا حجامة ولا فصد، ولا قئ كثر أو قل، ولا قلس ولا قيح ولا ماء ولا دم تراه الحامل من فرجها، ولا أذى المسلم ولا ظلمه، ولا مس الصليب والوثن، ولا الردة ولا الانعاظ للذة أو لغير لذة، ولا المعاصي من غير ما ذكرنا، ولا شئ يخرج
__________
(1) في اليمنية (ما زال وقت الظهر) وهو تصحيف(1/255)
من الدبر لا عذرة عليه، سواء في ذلك الدود والحجر والحيات، ولا حقنة ولا تقطير دواء في المخرجين ولا مس حيا بهيمة، ولا قبلها، ولا حلق الشعر بعد الوضوء، ولا قص الظفر ولا شئ يخرج من فرج المرأة من قصة بيضاء أو صفرة أو كدرة أو كغسالة اللحم أو دم أحمر لم يتقدمه حيض، ولا الضحك في الصلاة، ولا شئ غير ذلك * قال أبو محمد: برهان اسقاطنا الوضوء من كل ما ذكرنا، هو أنه لم يأت قرآن ولا سنة ولا اجماع بايجاب وضوء في شئ من ذلك ولا شرع الله تعالى على أحد من الانس والجن إلا من أحد هذه الوجوه، وما عداها فباطل، ولا شرع الا ما أوجبه الله تبارك وتعالى وأتانا به رسوله صلى الله عليه وسلم، وفى كل ما ذكرنا خلاف نذكر منه ما كان المخالفون فيه حاضرين، ونضرب عما قد درس القول به، الا ذكرا خفيفا.
وبالله تعالى التوفيق *
قال على: قال أبو حنيفة: كل دم سائل أو قيح سائل أو ماء سائل من أي موضع سال من الجسد فانه ينقض الوضوء، فان لم يسل لم ينقض الوضوء منه، إلا أن يكون خرج ذلك من الانف أو الاذن، فان خرج من الانف أو الاذن، فان كان ذلك دما أو قيحا فبلغ إلى موضع الاستنشاق من الانف أو إلى ما يلحقه الغسل من داخل الاذن فالوضوء منتقض، وان لم يبلغ إلى ما ذكرنا لم ينتقض الوضوء، فان خرج من الانف مخاط (1) أو ماء فلا ينتقض (2) الوضوء، وكذلك ان خرج من الاذن ماء فلا ينتقض الوضوء * قال: فان خرج من الجوف إلى الفم أو من اللثات دم فان كان غالبا على البزاق (3) ففيه الوضوء وان لم يملا الفم، وان لم يغلب على البزاق (3) فلا وضوء فيه، فان تساويا فيستحسن فيأمر (4) فيه بالوضوء، فان خرج من الجرح دم فظهر ولم يسل فلا وضوء فيه، فان سال ففيه الوضوء فلو خرج من الجرح دود أو لحم فلا وضوء فيه، فان خرج الدود من الدبر ففيه الوضوء، فان عصب الجرح نظر (فان كان لو ترك سال ففيه الوضوء، وان كان لو ترك لم يسل فلا وضوء *
__________
(1) في المصرية (مخاطا) وهو لحن (2) في اليمنية (لم ينتقض) (3) في اليمنية (البصاق) في الموضعين (4) في اليمنية (ويأمر)(1/256)
قال وأما القئ والقلس وكل شئ خرج من الجوف إلى الفم فان ملا الفم نقض الوضوء وإن لم يملا الفم لم ينقض الوضوء، وحد بعضهم ما يملا الفم بمقدار اللقمة - على أن اللقمة تختلف - وحد بعضهم مالا يقدر على إمساكه في الفم.
قال أبو حنيفة حاشا البلغم فلا وضوء فيه وان ملا الفم وكثر جدا، قال أبو يوسف: بل فيه الوضوء إذا ملا الفم، وقال محمد بن الحسن كقول أبى حنيفة في كل ذلك الا الدم، فان قوله فيه: إن خرج من اللثاة أو من الجسد أو من الفم كقول أبى حنيفة فان خرج من
الجوف لم ينقض الوضوء إلا ان يملا الفم فينقض الوضوء حينئذ، وقال زفر كقول أبى حنيفة في كل شئ الا القلس فانه قال ينقض الوضوء قليله وكثيره * قال على مثل هذا لا يقبل - ولاكرامة - الا من رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن خالقنا ورازقنا تعالى أمره ونهيه وأما من أحد دونه فهو هذيان وتخليظ كتخليط المبرسم وأقوال مقطوع على أنه لم يقلها أحد قبل أبي حنيفة، ولم يؤيدها (1) معقول ولا نص ولا قياس، أفيسوغ لمن يأتي بهذه الوساوس أن ينكر على من اتبع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في البائل في الماء الراكد وفى الفأرة تموت في السمن؟! ان هذا لعجب ما مثله عجب * قال أبو محمد وموه بعضهم بخبر رويناه عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبيه يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الوضوء من القئ وان كان قلسا يقلسه فليتوضأ إذا رعف أحد في الصلاة أو ذرعه القئ وان كان قلسا يقلسه أو وجد مذيا فلينصرف وليتوضأ ثم يرجع فيتم ما بقى من صلاته ولا يستقبلها جديدا) وخبر آخر رويناه من طريق اسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن أبيه وعن ابن أبى مليكة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قاء أحدكم أو قلس فليتوضأ ثم ليبن على ما مضى ما لم يتكلم) * قال أبو محمد: وهذان الاثران ساقطان لان والد ابن جريج لا صحبة له فهو منقطع، والآخر من رواية اسماعيل بن عياش وهو ساقط لاسيما فيما روى عن الحجازيين، ثم لو صحا لكانا (2) حجة على الحنفيين، لانه ليس شئ من هذين الخبرين
__________
(1) في اليمنية (ولا يؤيدها) (2) في المصرية (لكان) وهو خطأ(1/257)
يفرق بين مل ء الفم من القئ والقلس، وما دون مل ء الفم من القئ والقلس، ولا بين ما يخرج من نفاطة فينقض الوضوء وما يسيل من الانف فلا ينقض الوضوء ولا فيه ذكر دم خارج من الجوف ولا من الجسد ولا من اللثاة ولا من الجرح وانما فيهما القئ
والقلس والرعاف فقط فلا على الخبرين اقتصروا كما فعلوا بزعمهم في خبر الوضوء من القهقهة والوضوء بالنبيذ، ولا قاسوا عليهما (1) فطردوا قياسهم، لكن خلطوا تخليطا خرجوا به إلى الهوس المحض فقط، فهو حجة عليهم - لو صح - وقد خالفوه * واحتجوا أيضا بحديث رويناه من طريق الاوزاعي عن يعيش بن الوليد عن أبيه عن معدان بن أبى طلحة عن أبي الدرداء: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء قتوضأ، فلقيت ثوبان فذكرت ذلك له فقال: صدقت أنا صببت له وضوءه يعنى النبي صلى الله عليه وسلم) ورويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبى كثير عن يعيش بن الوليد عن خالد ابن معدان بن أبى طلحة عن أبى الدرداء قال: (استقاء (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم فافطر ودعا بماء فتوضأ) قال أبو محمد: هذا الحديث الاول فيه يعيش بن الوليد أعن أبيه وليسا مشهورين والثاني مدلس لم يسمعه يحيى من يعيش، ثخم لو صحا لما كان لهم فيه متعلق، لانه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تقيأ فليتوضأ، ولا أن وضوءه عليه السلام كان من أجل القئ، وقد صح عنه عليه السلام التيمم لذكر الله تعالى، وهم لا يقولون بذلك وليس فيه أيضا فرق بين ما يملا الفم من القئ وبين مالا يملؤه، ولا فيهما شئ غير القئ، فلا على ما فيهما اقتصروا، ولا قاسوا عليهما قياسا مطردا * وذكروا أيضا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فاطمة بنت أبى حبيش - وقد ذكرناه قبل - وهو قوله عليه السلام: (انما ذلك عرق وليس بالحيضة) وأوجب عليه السلام فيه الوضوء، قالوا: فوجب ذلك في كل عرق سائل * قال على: وهذا قياس، والقياس باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، لانه إذا لم يجز أن يقيسوا دم العرق الخارج من الفرج على دم الحيض الخارج
__________
(1) في المصرية (عليها) وهذا خطأ (2) في اليمنية (استسقى) وهو خطأ(1/258)
من الفرج، وكلاهما دم خارج من الفرج وكان الله تعالى قد فرق بين حكميهما فمن الباطل أن يقاس دم خارج من غير الفرج على دم خارج من الفرج وأبطل من ذلك أن يقاس القيح على الدم، ولا يقدرون على ادعاء إجماع في ذلك، فقد صح عن الحسن وأبى مجلز الفرق بين الدم والقيح، وأبطل (1) من ذلك أن يقاس الماء الخارج من النفاطة، على الدم والقيح، ولا يقاس الماء الخارج من الانف والاذن على الماء الخارج من النفاطة، وأبطل من ذلك أن يكون دم العرق الخارج من الفرج يوجب الوضوء قليله وكثيره، ويكون القئ (2) المقيس عليه لا ينقض الوضوء إلا حتى يملا الفم، ثم لم يقيسوا الدود الخارج من الجرح (3) على الدود الخارج من الدبر، وهذا من التخليط في الغاية القصوى * فان قالوا: قسنا كل ذلك على الغائط، لان كل ذلك نجاسة قلنا لهم: وقد وجدنا الريح تخرج من الدبر فتنقض الوضوء وليست نجاسة، فهلا قستم عليها الجشوة والعطسة لانها ريح خارجة من الجوف كذلك ولا فرق؟ وأنتم قد أبطلتم قياسكم هذا فنقضتم الوضوء بقليل البول والغائط وكثيره، ولم تنقضوا الوضوء من القيح والقئ والدم والماء الا بمقدار ملء الفم أو بما سال أو بما غلب، وهذا تخليط وترك للقياس * فان قالوا: قد روى الوضوء من الرعاف ومن كل دم سائل عن عطاء وابراهيم ومجاهد (4) وقتادة وابن سيرين وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب والحسن البصري وفى الرعاف عن الزهري (نعم) (5).
وعن على وابن عمر رضى الله عنهم، وعن عطاء الوضوء من القلس والقئ والقيح، وعن قتادة في القيح، وعن الحكم بن عتيبة في القلس، وعن ابن عمر في القئ، قلنا: نعم إلا أنه ليس منهم أحد حد شيئا من ذلك بملء الفم، ولو كان فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خالف
__________
(1) في اليمنية (وأبطلوا) وهو خطأ (2) في الاصلين (القيح) وسياق الكلام يأباه والخطأ فيه واضح، وقد كتب بهامش اليمنية أن الظاهر (القئ)
وهو الصواب (3) في المصرية (من المخرج) وهو خطأ (4) مجاهدكم لم يذكر في اليمنية (5) لفظ (نعم) زيادة من اليمنية(1/259)
هؤلاء نطراؤهم، فصح عن أبى هريرة: أنه أدخل إصبعه في أنفه فخرج فيها دم ففته بين إصبعه ثم صلى ولم يتوضأ، وعن ابن عمر: أنه عصر بثرة بوجهه فخرج منها دم ففته بين إصبعيه وقام فصلى (1)، وعن طاوس أنه كان لا يرى في الرعاف وضوءا، وعن عطاء انه كان لا يرى في الرعاف وضوءا، وعن الحسن أنه كان لا يرى في القلس وضوءا، وعن مجاهد أنه كان لا يرى في القلس وضوءا * والعجب كله أن أبا حنيفة وأصحابه لا يرون الغسل من المنى إذا خرج من الذكر لغير لذة، وهو المنى نفسه الذى أوجب الله تعالى ورسوله عليه السلام فيه الغسل ثم يوجبون الوضوء من القيح يخرج من الوجه قياسا على الدم يخرج من الفرج! والعجب كله أنهم سمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه عن التذكية بالسن فانه عظم، فرأوا الذكاة غير جائزة بكل عظم، ثم أتوا إلى قوله عليه السلام في وضوء المستحاضة: (فان عرق) فقاسوا عليه دم الرعاف واللثاة والقيح، فهذا مقدار علمهم بالقياس.
ومقدار اتباعهم للآثار، ومقدار تقليدهم من سلف * وأما الشافعي فانه جعل العلة في نقض الوضوء للمخرج وجعله أبو حنيفة للخارج وعظم تناقضه في ذلك كما ذكرنا، وتعليل كلا الرجلين مضاد لتعليل الآخر ومعارض له، وكلاهما خطا لانه قول بلا برهان، ودعوى لا دليل عليها، قال الله تعالى: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) * قال أبو محمد: ويقال للشافعيين والحنفيين معا: قد وجدنا الخارج من المخرجين مختلف الحكم، فمنه ما يوجب الغسل كالحيض والمنى ودم النفاس، ومنه ما يوجب الوضوء فقط كالبول والغائط والريح والمذى، ومنه ما لا يوجب شيئا كالقصة البيضاء،
فمن أين لكم أن تقيسوا ما اشتهيتم فأوجبتم فيه الوضوء قياسا على ما يوجب الوضوء من ذلك، دون أن توجبوا فيه الغسل قياسا على ما يوجب الغسل من ذلك، أو دون أن لا يتوجبوا فيه شيئا قياسا على ما لا يجب فيه شئ من ذلك؟ وهل هذا إلا التحكم بالهوى الذى حرم الله تعالى الحكم به وبالظن الذي أخبر تعالى أنه لا يغنى
__________
(1) في اليمنية (فقام وصلى)(1/260)
من الحق شيئا، مع فساد القياس ومعارضة بعضه بعضا وأما الماليكون فلم يقيسوا ههنا فوفقوا، وعللوا ههنا بخارج ولا بمخرج ولا بنجاسة فأصابوا، ولو فعلوا ذلك في تعليلهم الملامسة بالشهوة، وفى تعليلهم النهي عن البول في الماء الراكد، والفأرة تموت في السمن -: لوفقوا ولكن لم يطردوا أقوالهم.
فالحمد لله على عظم نعمه علينا.
وهم يدعون أنهم يقولون بالمرسل، وقد أوردنا في هذا الباب مرسلات لم يأخذوا بها، وهذا أيضا تناقض * وأما الوضوء من أذى المسلم فقد روينا (1) عن عائشة رضي الله عنها قالت: يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب، ولا يتوضأ من الكلمة العوراء يقولها لاخيه! وعن ابن مسعود رضي الله عنه: لان أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب إلى من أن أتوضأ من الطعام الطيب.
وعن ابن عباس: الحدث حدثان، حدث الفرج وحدث اللسان، وأشدهما حدث اللسان.
وعن ابراهيم النخعي: إني لاصلى الظهر والعصر والمغرب بوضوء واحد، إلا أن أحدث أو أقول منكرا، الوضوء من الحدث وأذى المسلم.
وعن عبيدة السلمانى: الوضوء يجب من الحدث وأذى المسلم (2).
وروينا من طريق داود بن المحبر عن شعبة عن قتادة عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ من الحدث وأذى المسلم) * (3) قال على: داود بن المحبر كذاب مشهور بوضع الحديث، ولكن لا فرق بين تقليد من ذكرنا قبل في الوضوء من الرعاف والقئ والقلس، والاخذ بذلك الاثر الساقط،
وبين تقليد من ذكرنا ههنا في الوضوء من أذى (4) المسلم، والاخذ بهذا الاثر الساقط، بل هذا على أصولهم أوكد، لان الخلاف هنالك بين الصحابة رضى الله عنهم موجود، ولا مخالف يعرف ههنا لعائشة وابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهم، وهم يشنعون مثل هذا إذا وافقهم * وأما نحن فلا حجة عندنا إلا فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرآن أو خبر * وأما مس الصليب والوثن فاننا روينا عن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة
__________
(1) في اليمنية (فروينا) (2) قول عبيدة لم يذكر في اليمنية (3) هذا الحديث ظاهر الوضع لنسبة اذى المسلم للرسول صلى الله عليه وسلم (4) في المصرية (اذاء)(1/261)
عن عمار الدهني عن أبى عمرو الشيباني: (أن على بن أبى طالب رضى لله عنه استتاب المستورد العجلى، وأن عليا مس بيده صليبا كانت في عنق المستورد فلما دخل علي في الصلاة قدم رجلا وذهب، ثم أخبر الناس أنه لم يفعل ذلك لحدث أحدثه، ولكنه مس هذه (1) الانجاس فأحب أن يحدث منها وضوءا).
وروينا أثرا من طريق يعلى بن عبيد عن صالح بن حيان عن ابن بريدة عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بريدة وقد مس صنما فتوضأ) * قال على: صالح بن حيان ضعيف لا يحتج به، ولقد كان يلزم من يعظم خلاف الصاحب ويرى الاخذ بالآثار الواهية مثل الذى (2) قدمنا أن يأخذ بهذا الاثر، فهو أحسن من كثير مما يأخذون به مما قد ذكرناه،، ولا يعرف لعلي ههنا مخالف من الصحابة رضى الله عنهم، وهذا مما تناقضوا فيه * وأما نحن فلا حجة عندنا الا في خبر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو القرآن.
والحمد لله رب العالمين.
لاسيما وعلى رضى الله عنه قد قطع صلاة الفرض بالناس من
أجل ذلك، وما كان رضي الله عنه ليقطعها فيها لا يراه واجبا * فان قالوا: لعل هذا استحباب قلنا: ولعل كل ما أوجبتم فيه الوضوء من الرعاف وغيره تقليدا لمن سلف انما هو استحباب وكذلك المذى، وهذا كله لا معنى له وانما هي دعا ومخالفة للحقائق.
وبالله تعالى التوفيق * وأما الردة فان المسلم لو توضأ واغتسل للجنابة أو كانت امرأة فاغتسلت من الحيض ثم ارتدا ثم راجعا الاسلام دون حدث يكون منهما فانه لم يأت قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا اجماع ولا قياس بأن الردة حدث ينقض الطهارة وهم يجمعون معنا على أن الردة لا تنقض غسل الجنابة ولا غسل الحيض ولا أحباسه السالفة ولا عتقه السالف ولا حرمة الرجل فمن أين وقع لهم انها تنقض الوضوء وهم اصحاب قياس فهلا قاسوا الوضوء على الغسل في ذلك فكان يكون أصح قياس
__________
(1) في المصرية (مس من هذه) (2) في المصرية (التي)(1/262)
لو كان شئ من القياس صحيحا فان ذكروا قول الله تعالى (لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) قلنا هذا على من مات كافرا لا على من راجع الاسلام يبين ذلك قول الله تعالى (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت أعمالهم) وقوله تعالى (ولتكونن من الخاسرين) شهادة صحيحة قاطعة لقولنا لانه لا خلاف بين أحد (1) من الامة في ان من ارتد ثم راجع الاسلام ومات مسلما فانه ليس من الخاسرين، بل من الرابحين المفلحين، وانما الخاسر من مات كافرا وهذا بين والحمد لله.
واما الدم الظاهر من فرج المرأة الحامل فقد اختلف الناس فيه فروينا من طريق أم علقمة عن عائشة أم المؤمنين ان الحامل تحيض وهو احد قولى الزهري، وهو قول عكرمة وقتادة وبكر بن عبد الله المزني وربيعة ومالك والليث والشافعي، وروينا عن سعيد بن المسيب والحسن وحماد بن أبي
سليمان أنها مستحاضة لا حائض (2) وروى عن مالك أنه قال في الحامل ترى الدم انها لا تصلى الا ان يطول ذلك بها فحيئذ تغتسل وتصلى، ولم يحد في الطول حدا وقال أيضا ليس اول الحمل كآخره، ويجتهد لها ولا حد في ذلك، وروينا من طريق عطاء عن عائشة أم المؤمنين: أن الحامل وان رأت الدم فانها تتوضأ وتصلى وهو قول عطاء والحكم بن عتيبة والنخعي والشعبى وسليمان بن يسار ونافع مولي ابن عمر وأحد قولى الزهري وهو قول سفيان الثوري والاوزاعي وأبي حنيفة واحمد ابن حنبل وأبي ثور وأبي عبيد وداود وأصحابهم: قال ابو محمد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن طلاق الحائض وأمر بالطلاق في حال الحمل وإذا كانت حائلا فصح ان حال الحائض والحائل غير حال الحامل (3).
وقد اتفق المخالفون لنا على أن ظهور الحيض استبراء وبراءة من الحمل، فلو جاز أن تحيض الحامل لما كان الحيض براءة من الحمل، وهذا بين جدا والحمد لله، وإذا كان ليس حيضا ولا عرق استحاضة فهو غير موجب للغسل ولا للوضوء إذ لم يوجب ذلك نص ولا اجماع وكذلك دم
__________
(1) في اليمنية (فانه لا خلاف من أحد) (2) في اليمنية (أنها لا مستحاضة ولا حائض) (3) في اليمنية (أن حال لحمل والحائل غير حال الحائض)(1/263)
النفاس فانما يوجب الغسل لانه دم حيض على ما بينا بعد هذا (1) والحمد لله رب العالمين * وكذلك القول في الذبح والقتل وان كان معصية فان كل ذلك لا ينقض الطهارة.
لانه لم يأت بذلك قرآن ولا سنة، وكذلك من مس المرأة على ثوب لانه انما لامس الثوب لا المرأة، وكذلك مس الرجل الرجل بغير الفرج ومس المرأة المرأة بغير الفرج والانعاظ والتذكر وقرقرة البطن في الصلاة ومس الابط ونتفه ومس الانثيين والرفغين وقص الشعر والاظفار لان كل ما ذكرنا لم يأت نص ولا اجماع بايجاب (2) الوضوء في
شئ منه * وقد اوجب الوضوء في بعض ما ذكرنا بل في أكثره بل في كله، طوائف من الناس فاوجب الوضوء من قرقرة البطن في الصلاة ابراهيم النخعي واوجب الوضوء في الانعاظ والتذكر والمس على الثوب لشهوة بعض المتأخرين، وروينا ايجاب الوضوء في مس الابط عن عمر بن الخطاب ومجاهد وإيجاب الغسل من نتفه عن علي ابن ابى طالب وعبد الله بن عمرو (3) وعن مجاهد الوضوء من تنقية الانف، وروينا عن علي بن ابى طالب ومجاهد وذر والد عمر بن ذر، إيجاب الوضوء من قص الاظفار وقص الشعر، وأما الدود والحجر يخرجان من الدبر فان الشافعي اوجب الوضوء من ذلك ولم يوجبه مالك ولا اصحابنا وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مس انثييه أو رفغيه فليتوضأ) ولكنه مرسل لا يسند * واما الصفرة والكدرة والدم الاحمر فسيذكر في الكلام في الحيض ان شاء الله حكمه وانه ليس حيضا ولا عرقا فإذ ليس حيضا ولا عرقا فلا وضوء فيه.
إذ لم يوجب في ذلك قرآن ولا سنة ولا اجماع * وأما الضحك في الصلاة فانا روينا في ايجاب الوضوء منه أثرا واهيا لا يصح،
__________
(1) كذا في الاصلين ولعل صوابه (على ما تبين بعد هذا (2) في المصرية (فايجاب) وهو خطأ (3) في اليمنية (وعبد الله بن عمر)(1/264)
لانه مرسل (1) من طريق أبى العالية وابراهيم النخعي وابن سيرين والزهرى وعن الحسن عن معبد بن صبيح (2) ومعبد الجهنى، وإما مسند من طريق أنس وأبى موسى وأبي هريرة وعمر ان بن حصين وجابر وأبى المليح، وروينا إيجاب الوضوء منه عن أبي موسى الاشعري وابراهيم النخعي والشعبى وسفيان الثوري والاوزاعي والحسن بن حى وعبيد الله بن الحسن وأبى حنيفة وأصحابه * فأما حديث أنس فانه من طريق احمد بن عبد الله بن زيادة التتري عن
عبد الرحمن بن عمر وأبى حيله وهو مجهول، وأما حديث أبي موسى ففيه محمد بن نعيم وهو مجهول، وأما حديث أبى هريرة ففيه عبد الكريم بن أبى المخارق وهو غير ثقة وأما حديث عمران بن حصين ففيه إسماعيل بن عياش وعبد الوهاب بن نجدة وهما ضعيفان، وأما حديث جابر ففيه أبو سفيان وهو ضعيف، وأما حديث أبى المليح ففيه الحسن بن دينار وهو مذكور بالكذب * ولا حجة الا في القرآن أو أثر صحيح مسند * وقد كان يلزم المالكيين والشافعيين القائلين بالمتواتر من الاخبار حتى ادعوا التواتر لحديث معاذ (أجتهد رأيى) والقائلين بمرسل سعيد وطاوس أن يقولوا بهذه الآثار، فانها أشد تواترا مما ادعوا له التواتر، وأكثر ظهورا في عدد من أرسله من النهى عن بيع اللحم والحيوان بالحيوان، وسائر ما قاقوا به من المراسيل * وكذلك كان يلزم أبا حنيفة وأصحابة المخالفين الخبر الصحيح في المصراة وفي حج المرأة عن الهرم الحى وفى سائر ما تركوا فيه السنن الثابتة للقياس -: أن يرفضوا هذا الخبر الفاسد قياسا على ما أجمع عليه من أن الضحك لا ينقض الوضوء في غير الصلاة، فكذلك لا يجب أن ينقضه في الصلاة، ولكنهم لا يطردون القياس ولا يتبعون السنن ولا يلتزمون ما أحلوا من قبول المرسل والمتواتر، الا ريثما
__________
(1) كذا بالاصلين ولعل صوابه (لانه إما مرسل) (2) لم أجد من يسمى (معبد بن صبيح) هذا فيبحث عنه(1/265)
يأتي موافقا لآرائهم أو تقليدهم، ثم هم أول رافضين له إذا خالف تقليدهم وآراءهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل * ويقال لهم: في أي قرآن أو في أي سنة أو في أي قياس وجدتم تغليظ بعض الاحداث فينقض الوضوء قليلها وكثيرها، وتخفيف بعضها قد ينقض الوضوء الا
النهى عن بيع اللحم والحيوان بالحيوان، وسائر ما قاقوا به من المراسيل * وكذلك كان يلزم أبا حنيفة وأصحابة المخالفين الخبر الصحيح في المصراة وفي حج المرأة عن الهرم الحى وفى سائر ما تركوا فيه السنن الثابتة للقياس -: أن يرفضوا هذا الخبر الفاسد قياسا على ما أجمع عليه من أن الضحك لا ينقض الوضوء في غير الصلاة، فكذلك لا يجب أن ينقضه في الصلاة، ولكنهم لا يطردون القياس ولا يتبعون السنن ولا يلتزمون ما أحلوا من قبول المرسل والمتواتر، الا ريثما
__________
(1) كذا بالاصلين ولعل صوابه (لانه إما مرسل) (2) لم أجد من يسمى (معبد بن صبيح) هذا فيبحث عنه(1/266)
يأتي موافقا لآرائهم أو تقليدهم، ثم هم أول رافضين له إذا خالف تقليدهم وآراءهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل * ويقال لهم: في أي قرآن أو في أي سنة أو في أي قياس وجدتم تغليظ بعض الاحداث فينقض الوضوء قليلها وكثيرها، وتخفيف بعضها قد ينقض الوضوء الا مقدارا حددتموه منها؟ والنص فيها كلها جاء مجيئا واحدا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ) ولا يخفى على ذي عقل أن بعض الحدث حدث، فإذا هو كذلك فقليله وكثيره ينقض الطهارة، وما لم يكن حدثنا فكثيره وقليله لا ينقض الطهارة.
وبالله تعالى التوفيق * تم بحمد الله تعالى وحسن توفيقه طبع الجزء الاول من كتاب المحلى شرح المجلى للامام العلامة أبى محمد على بن حزم الاندلسي رحمه الله وجعل الجنة مثواه ويتلوه الجزء الثاني ان شاء الله تعالى ومطلعه (الاشياء الموجبة غسل الجسد كله) ونسأل الله عزوجل الاعانة على إكماله وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الآل والاصحاب والتابعين لهم باحسان الي يوم المآب(1/266)
المحلى - ابن حزم ج 2
المحلى
ابن حزم ج 2(2/)
المحلى تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الاصولي، قوي العارضة شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والاصول والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الاندلس ابي محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456 ه.
طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الاستاذ الشيخ احمد محمد شاكر الجزء الثاني دار الفكر(2/1)
بسم الله الرحمن الرحيم الاشياء الموجبة غسل الجسد كله 170 - مسألة - ايلاج الحشفة أو إيلاج مقدارها، من الذكر الذاهب الحشفة والذاهب أكثر من الحشفة في فرج المرأة الذى هو مخرج الولد منها، بحرام أو حلال، إذ كان تعمدا (1) أنزل أو لم ينزل، فان عمدت هي أيضا لذلك (2) فكذلك أنزلت أو لم تنزل، فان كان أحدهما مجنونا (3) أو سكران أو نائما أو مغمى عليه أم مكرها، فليس على من هذه صفته (4) منهما إلا الوضوء فقط إذا أفاق أو استيقظ إلا أن ينزل، فان كان أحدهما غير بالغ فلا غسل عليه ولا وضوء، فإذا بلغ لزمه الغسل فيما يحدث (5)
لافيما سلف له من ذلك والوضوء * برهان ذلك ما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكى ثنا محمد بن أحمد بن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن عبد الله الانصاري ثنا هشام بن حسان عن حميد بن هلال عن أبى بردة ابن أبى موسى الاشعري عن أبيه (6) عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا التقى الختانان وجب الغسل) * وحدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب (7) ثنا مسلم بن ابراهيم ثنا شعبة وهشام الدستوائى كلاهما عن قتادة
__________
(1) في اليمنية (بعد) (2) كلمة (لذلك) محذوفة في اليمنية (3) في المصرية (مجبوبا) وهو خطأ ظاهر (4) في المصرية (هذا صفته) (5) في اليمنية (مما يحدث) (6) في اليمنية (عن أبى بردة عن أبي موسى الاشعري عن أبيه) وهو خطأ (7) في المصرية (أحمد بن وهب بن حرب) وهو خطأ(2/2)
عن الحسن البصري عن أبى رافع عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قعد بين شعبها الاربع وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل) * قال أحمد بن زهير: وحدثنا عفان بن مسلم ثنا همام بن يحيى وأبان بن يزيد العطار قالا جميعا ثنا قتادة عن الحسن عن أبى رافع عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قعد بين شعبها الاربع وأجهد نفسه فقد وجب عليه الغسل أنزل أو لم ينزل) قال أبو محمد: هذا فيه زيادة ثابتة عن الاحاديث التى فيها اسقاط الغسل، والزيادة شريعة وارده لا يجوز تركها * وانما قلنا في مخرج الولد لانه لا ختان الا هنالك، فسواء كان مختونا أو غير مختون (1)، لان لفظة (أجهد نفسه) تقتضي ذلك، ولم يخص عليه السلام حراما
من حلال * وانما قلنا بذلك في العمد دون الاحوال التى ذكرنا، لان قوله عليه السلام: (إذا قعد ثم أجهد) وهذا الاطلاق ليس الا للمختار القاصد، ولا يسمى المغلوب أنه قعد ولا النائم ولا المغمى عليه (2) وأما المجنون فقد ذكرنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة) فذكر عليه السلام (المجنون حتى يفيق والصبى حتى يبلغ) فإذا زالت (3) هذه الاحوال كلها من الجنون والاغماء والنوم والصبا فالوضوء لازم لهم فقط، لانهم يصيرون مخاطبين بالصلاة وبالوضوء لها جملة، وبالغسل (4) ان كانوا مجنبين، وهؤلاء ليسوا بمجنبين.
وبالله تعالى التوفيق (5)
__________
(1) في المصرية (مجبوبا أو غير مجبوب) وهو خطأ (2) هنا بهامش اليمنية ما نصه (قال شمس الدين الذهبي: هذا فيه نظر أن لو وكلنا إلى هذا الحديث وقد قال صلى الله عليه وسلم: إذا التقى الختانان.
في الحديث الآخر! وهذا مما غفل عنه ابن حزم فان النبي عليه السلام أوجب الغسل بالتقاء الختانين لم يخص مكرها ولا نائما، وأظنه خرق الاجماع بهذا) (3) في اليمنية (فإذا زادت) وهو خطأ (4) في المصرية (وبالغسل وبالوضوء) (5) هنا بهامش اليمنية ما نصه: (قال الشيخ شمس الدين الذهبي: أتراه إذا أجنب المجنون يقول لا غسل عليه لكونه رفع عنه القلم؟ بل حكم(2/3)
فان قيل: فهلا أوجبتم الغسل بقوله عليه السلام (إذا التقى الختانان وجب الغسل)؟ قلنا: هذا الخبر أعم من قوله عليه السلام: (إذا أقحطت أو أكسلت فلا غسل عليك) فوجب أن يستثنى الاقل (1) من الاعم ولا بد، ليوخذ بهما معا، ثم حديث أبى هريرة زائد حكما على حديث الاكسال فوجب إعماله أيضا * وأما كل موضع لا ختان فيه ولا يمكن فيه الختان فلم يأت نص ولا سنة بايجاب
الغسل من الايلاج فيه، وممن رأى أن لا غسل من الايلاج في الفرج ان لم يكن أنزل: عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبى وقاص وابن مسعود ورافع بن خديج وأبو سعيد الخدرى وأبى بن كعب وأبو أيوب الانصاري وابن عباس والنعمان بن بشير وزيد بن ثابت وجمهور (2) الانصار رضى الله عنهم وعطاء بن أبى رباح وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهشام بن عروة والاعمش وبعض أهل الظاهر * (3) وروى الغسل في ذلك عن عائشة أم المؤمنين وأبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلى وابن مسعود وابن عباس وابن عمر والمهاجرين رضى الله عنهم، وبه يقول أبو حنيفة ومالك والشافعي وبعض أصحاب الظاهر * 171 - مسألة - فلو أجنب كل من ذكرنا وجب عليهم غسل الرأس وجميع الجسد إذا أفاق المغمى عليه والمجنون وانتبه النائم وصحا السركان وأسلم الكافر، وبالاجناب يجب الغسل والبلوغ * (4) برهان ذلك قول الله تعالى: (فان كنتم جنبا فاطهروا) فلو اغتسل الكافر قبل أن يسلم والمجنون قبل أن يفيق أو غسل المغمى عليه قبل أن يفيق والسكران: لم يجزهم ذلك من غسل الجنابة وعليهم اعادة الغسل لانهم بخروج الجنابة منهم صاروا
__________
انزاله في جنونه حكم ولوج ذكره في فرج) (1) في اليمنية (الاول) بدل (الاقل) وهو خطأ (2) في اليمنية (وجمهرة الانصار) (3) في اليمنية (وبعض أصحاب الظاهر) (4) كلمة (والبلوغ) ثابتة في الاصلين ولا نرى لها موقعا في سياق القول، ونظها من أخطاء الناسخين(2/4)
جنبا ووجب الغسل به ولا يجزى الفرض المأمور به إلا بنية أدائه قصدا.
إلى تأدية ما أمر الله تعالى به قال الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)
وكذلك لو توضؤا في هذه الاحوال للحدث لم يجزهم ولا بد من اعادته بعد زوالها لما ذكرنا (1) * 172 - مسألة - والجنابة هي الماء الذى يكون من نوعه الولد، وهو من الرجل أبيض غليظ رائحته رائحة الطلع وهو من المرأة رقيق أصفر، وماء العقيم والعاقر يوجب الغسل، وماء الخصى (2) لا يوجب الغسل، وأما المجبوب الذكر السالم الانثيين أو إحداهما فماؤه يوجب الغسل * برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب ابن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عباس بن الوليد ثنا يزيد بن ريع ثنا سعيد - هو ابن أبى عروبة - عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم أن أم سليم حدثت (أنها سألت نبى الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل قيل وهل يكون هذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم فمن أين يكون الشبه! ان ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه) * قال أبو محمد فهذا هو الماء الذى يوجب الغسل وماء العقيم والعاقر والسالم الخصية وان كان مجبوبا فهذه صفته وقد يولد لهذا وأما ماء الخصى فانما هو أصفر فليس هو الماء الذى جاء النص بايجاب الغسل فيه فلا غسل فيه ولو ان امرأة شفرت (3) وهى بالغ أو غير بالغ فدخل المنى فرجها فحملت فالغسل عليها ولا بد لانها قد أنزلت الماء يقينا.
173 - مسألة وكيفما خرجت الجنابة المذكورة بضربة أو علة أو لغير لذة أو لم يشعر به حتى وجده أو باستنكاح فالغسل واجب في ذلك برهان ذلك قوله تعالى: (وان كنتم جنبا فاطهروا) وأمره عليه السلام إذا فضخ (4)
__________
(1) في المصرية (كما ذكرنا) (2) في المصرية (وماء الحيض) وهو خطأ (3) بضم الشين وكسر الفاء مبنى لما لم يسم فاعله.
والشفر بضم الشين واسكان
الفاء حرف الفرج وشفر المرأة بفتح الشين والفاء ضرب شفرها (4) بالضاد(2/5)
الماء أن يغتسل، وهذا عموم لكل من خرجت منه الجنابة، ولم يستثن عزوجل ولا رسوله عليه السلام حالا من حال فلا يحل لاحد أن يخص النص برأيه بغير نص، وهذا هو قول الشافعي وداود.
وقال ابو حنيفة ومالك من خرج منه المنى - لعلة قال أبو حنيفة: أو ضرب على استه فخرج منه المنى فعليه الوضوء ولا غسل عليه وهذا قول خلاف للقرآن وللسنن الثابتة وللقياس وما نعلمه عن أحد من السلف إلا عن سعيد بن جبير وحده فانه ذكر عنه لا غسل إلا من شهوة * قال أبو محمد: أما خلافهم للقياس فان الغائط والبول والريح موجبة للوضوء ولا يختلفون أن كيفما خرج ذلك فالوضوء فيه وكذلك الحيض موجب للغسل وكيفما خرج فالغسل فيه فكان الواجب أن يكون المنى كذلك فلا بالقرآن أخذوا ولا بالسنة عملوا ولا القياس طردوا * والعجب أن بعضهم احتج في ذلك بأن الغائط والبول ليس في خروجهما حال تحليل الجسد قال: والمنى إذا خرج لشهوة أذهب الشهوة وأحدث في الجسد أثرا فوجب أن يكون بخلافهما * قال على: وهذا تخليط بل اللذة في خروج البول والغائط والريح أشد عند الحاجة إلى خروجها منها في خروج المنى وضرر الم (1) امتناع خروجها (2) أشد من ضرر امتناع خروج المنى فقد استوى الحكم في ذلك (3) وبالله تعالى التوفيق.
فان تأذى المستنكح بالغسل فليتيمم لانه غير واجد ما يقدر على الغسل به فحكمه التيمم بنص القرآن.
وبالله تعالى التوفيق * 174 - مسألة ولو أن امرأة وطئت ثم اغتسلت ثم خرج ماء الرجل من فرجها
فلا شئ عليها، لا غسل ولا وضوء لان الغسل انما يجب عليها من إنزالها لا من إنزال غيرها والوضوء انما يجب عليها من حدثها لا من حدث غيرها وخروج ماء
__________
والخاء المعجمتين أي دفق وفضخ الماء دفقه (1) لفظ (ألم) ساقط من اليمنية (2) في المصرية (خروجه) (3) هذه الجملة في اليمنية غير واضحة ونصها (وضرر امتناع خروجها أشد عند الحاجة إلى خروجها فقد استويا في الحكم في ذلك) وهو تحريف(2/6)
الرجل من فرجها ليس انزالا منها ولا حدثا منها (1) فلا غسل عليها ولا وضوء.
وقد روى عن الحسن أنها تغتسل وعن قتادة والاوزاعي وأحمد واسحاق تتوضأ.
قال على: ليس قول أحد حجة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
175 - مسألة - فلو أن امرأة شفرها رجل فدخل ماؤه فرجها فلا غسل عليها إذا لم تنزل هي.
وقد روى عن عطاء والزهرى وقتادة: عليها الغسل قال على: إيجاب الغسل لا يلزم الا بنص قرآن أو سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * 176 - مسألة - ولو أن رجلا أو امرأة أجنبا وكان منهما وطئ دون إنزال (2) فاغتسلا وبالا أو لم يبولا (3) ثم خرج منهما أو من أحدهما بقية من الماء المذكور أو كله فالغسل واجب في ذلك ولا بد، فلو صليا قبل ذلك أجزأتهما صلاتهم ثم لا بد من الغسل، فلو خرج في نفس الغسل وقد بقى أقله أو أكثره لزمهما أو الذي خرج ذلك منه ابتداء الغسل ولا بد * برهان ذلك عموم قوله عزوجل: (وان كنتم جنبا فاطهروا) والجنب هو من ظهرت منه الجنابة.
وقوله عليه السلام: (إذا فضخ الماء فليغتسل) ولا يجوز تخصيص هذا العمل بالرأى وقال أبو حنيفة: ان كان الذى خرج منه المنى قد بال قبل ذلك فالغسل عليه وان كان لم يبل فلا غسل عليه
وقال مالك: لا غسل عليه بال أو لم يبل وقال الشافعي كقولنا.
قال أبو محمد: واحتج من لم ير الغسل بأنه قد اغتسل والغسل انما هو لتزول الجنابة من الجسد وإن لم تظهر
__________
وخطأ.
والصواب ما هنا وهو الذى في المصرية (1) أما وجوب الغسل فلا دليل عليه لانه لم يحصل منها انزال، وأما الوضوء فالظاهر وجوبه لان الخارج منها وان كان منى الرجل الا انه لا يخلو من اختلاطه برطوبات خارجية منها.
وهذا الاحوط (2) في المصرية (وطئ فقصد دون انزال) ولفظ (فقصد) لا معنى له ولعل صوابه (فقط) والذى هنا هو ما في اليمنية (3) في المصرية (أو لم ينزلا) وهو خطأ يأباه السياة(2/7)
قال على: وهذا ليس كما قالوا بل ما الغسل إلا من ظهور الجنابة (1) لقوله عليه السلام: (إذا رأت الماء)) ولو ان امرأ التذ بالتذكر حتى أيقن أن المنى قد صار في المثانة ولم يظهر ما وجب عليه غسل لانه ليس جنبا بعد ومن ادعى عليه وجوب الغسل فعليه البرهان من القرآن أو السنة * فان قيل: قد روى نحو قول مالك عن على وابن عباس وعطاء.
قلنا: لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صح عن علي وابن عباس وابن الزبير ايجاب الغسل على المستحاضة لكل صلاة، فلم يأخذ بذلك مالك ولا أبو حنيفة، ومن الباطل أن يكون على وابن عباس رضى الله عنهما حجة في مسألة غير حجة في أخرى.
وبالله تعالى التوفيق * 177 - مسألة - ومن أولج في الفرج وأجنب فعليه النية في غسله ذلك لهما معا، وعليه أيضا الوضوء ولا بد، ويجزيه في أعضاء الوضوء غسل واحد ينوى به الوضوء والغسل من الايلاج ومن الجنابة، فان نوى بعض هذه الثلاثة ولم ينو سائرها أجزأه
لما نوى، وعليه الاعادة لما لم ينو، فان كان مجنبا باحتلام أو يقظة من غير إيلاج فليس عليه إلا نية واحدة للغسل من الجنابة فقط * برهان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب الغسل من الايلاج وان لم يكن انزال (2) ومن الانزال وان لم يكن إيلاج، وأوجب الوضوء من الايلاج، فهي أعمال متغايرة، وقد قال عليه السلام (انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى)، فلا بد لكل عمل مأمور به من القصد إلى تأديته كما أمره الله تعالى ويجزئ من كل ذلك عمل واحد لانه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يغتسل غسلا واحدا من كل ذلك، وفأجزأ ذلك بالنص، ووجبت النيات بالنص، ولم يأت نص بأن نية لبعض ذلك تجزئ عن نية الجميع، فلم يجز ذلك.
وبالله تعالى التوفيق * 178 - مسألة - وغسل يوم الجمعة فرض لازم لكل بالغ من الرجال والنساء وكذلك الطيب والسواك
__________
(1) في اليمنية (إلا لظهور الجنابة) (2) في المصرية (وان لم يكن أنزال)(2/8)
برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن عبد الله الهمداني ثنا أبو إسحاق ابراهيم ابن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا على - هو ابن المديني - ثنا حرمى بن عمارة (1) ثنا شعبة عن أبى بكر بن المنكدر حدثنى عمرو بن سليم الانصاري قال: أشهد على أبي سعيد الخدرى قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن وأن يمس طيبا) قال عمرو بن سليم: أما الغسل فأشهد انه واجب وأما الاستنان والطيب فالله أعلم أواجب هو أم لا ولكن هكذا في الحديث * وروينا إيجاب الغسل أيضا مسندا من طريق عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس وأبى هريرة كلها في غاية الصحة فصار خبرا متواترا يوجب العلم (2) وممن قال بوجوب فرض الغسل يوم الجمعة عمر بن الخطاب بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لم يخالفه فيه
أحد منهم، وأبو هريرة وابن عباس وأبو سعيد الخدرى وسعد بن أبى وقاص وعبد الله بن مسعود وعمرو بن سليم وعطاء وكعب والمسيب بن رافع * أما عمر فانه قال على المنبر لعثمان يوم الجمعة وقد قال عثمان: ما هو الا أن سمعت الاذان الاول فتوضأت وخرجت فقال له عمر: والله لقد علمت ما هو بالوضوء، والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل * وروينا عن أبى هريرة انه قال: لله على كل مسلم أن يغتسل من كل سبعة أيام يوما فيغسل كل شئ منه ويمس طيبا إن كان لاهله، والغسل يوم الجمعة واجب كغسل الجنابة * فأما اللفظ الاول فمن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس عن أبى هريرة واللفظ الثاني عن مالك بن أنس عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة * وعن سعد بن أبي وقاص: ما كنت أرى مسلما يدع الغسل يوم الجمعة وقال ابن مسعود في شئ ظن به: لانا أحمق من الذي لا يغتسل يوم الجمعة * قال أبو محمد: لا يحمق من ترك ما ليس فرضا، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه:
__________
(1) حرمي - بالحاء والراء المفتوحتين - وعمارة بالميم والراء - ووقع في المصرية (عبادة) بالباء والدال وهو خطأ (2) في اليمنية (فوجب العلم)(2/9)
(أفلح إن صدق، دخل الجنة إن صدق) والمفلح المضمون له الجنة ليس أحمق وعن عمار بن ياسر في شئ ظن به: أنا إذن كمن لا يغتسل يوم الجمعة وعن أبي سعيد الخدرى: أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل يوم الجمعة على كل محتلم وعن ابن عمر - وسئل عن الغسل يوم الجمعة فقال -: أمرنا به رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
وعن كعب انه قال: لله على كل حالم أن يغتسل في كل سبعة أيام مرة فيغسل رأسه جسده وهو يوم الجمعة، فقال ابن عباس: وأنا أرى أن يتطيب من طيب أهله ان كان لهم * وسئل ابن عباس عن غسل يوم الجمعة فقال: اغتسل.
وروينا أمره بالطيب من طريق حماد بن سلمة عن جعفر بن أبى وحشية عن مجاهد عن ابن عباس، وأمره بالغسل عن ابن جريج عن عطاء عنه.
وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري أن غسل يوم الجمعة واجب * وروينا من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان بن عيينة عن ابراهيم بن ميسرة عن طاوس قال: سمعت أبا هريرة يوجب الطيب يوم الجمعة وروينا من طريق يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال سمعت أبا سعيد الخدرى يقول: ثلاث هن على كل مسلم يوم الجمعة: الغسل والسواك ويمس من طيب ان وجده * قال أبو محمد: ما نعلم أنه يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم إسقاط فرض الغسل يوم الجمعة وذهب جماعة من المتأخرين إلى أنه ليس بواجب واحتجوا بحديث عمر وعثمان الذي ذكرناه وبحديث رويناه من طريق عائشة رضي الله عنها: (كان الناس يأتون الجمعة من منازلهم ومن العوالي فيأتون في العباء ويصيبهم الغبار فيخرج منهم الريح فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا).
وعنها أيضا: (كان الناس أهل عمل ولم يكن لهم كفاة فكان(2/10)
يكون لهم تفل (1) فقيل لهم: لو اغتسلتم يوم الجمعة وبحديث عن الحسن: (أنبئنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يغتسل يوم الجمعة ولكن كان أصحابه
يغتسلون) * وبحديث من طريق ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اغتسل وربما لم يغتسل يوم الجمعة).
وبحديث آخر من طريق ابن عباس في الغسل يوم الجمعة: (أنه خير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس بواجب، وسأخبركم كيف بدأ الغسل، (2) كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقا مقارب السقف، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار وعرق الناس في الصفوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضا، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الريح قال أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم طيبا أفضل ما يجد من دهنه وطيبه قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير، ولبسوا غير الصوف.
وكفوا العمل، ووسعوا مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضا من من العرق) * وبحديث عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل) ومثله من طريق أنس عنه عليه السلام نصا، وكذلك من طريق الحسن، ومن طريق جابر عنه عليه السلام، ومثله نصا (3) عن عبد الرحمن ابن سمرة وأبى هريرة، ومثله عن يزيد بن عبد الله أبي العلاء (4) * وهذا كل ما شغبوا به، وكله لا حجة لهم فيه، لان كل هذه الآثار لا خير فيها، حاشا حديث عائشة وعمر فهما صحيحان، ولا حجة لهم فيهما على ما سنبين ان شاء الله تعالى.
أما حديث الحسن ويزيد بن عبد الله فمرسلان، وكم من مرسل للحسن
__________
(1) بفتح التاء المثناة والفاء أي ريح كريهة (2) في اليمنية (كيف كان بدء الغسل (3) في اليمنية (أيضا) (4) حديث يزيد هذا لم أعرفه ولم يتكلم عليه المؤلف فيما يأتي، فان كان كما قال
فهو مرسل لان يزيد من التابعين مات سنة 108 أو 111(2/11)
لا يأخذون به، كمرسله في الوضوء من الضحك في الصلاة، لا يأخذ به المالكيون والشافعيون، وكمرسله (ان الارض لا تنجس) لا يأخذ به الحنفيون، وكذلك ليزيد بن عبد الله، ومما يوجب المقت من الله تعالى أن يجعلوا المرسل حجة ثم لا يأخذون به، أو أن لا يروه حجة ثم يحتجون به، فيقولون ما لا يفعلون (كبر مقتا عند الله) * وأما حديثا (1) ابن عباس فأحدهما من طريق محمد بن معاوية النيسابوري، وهو معروف بوضع الاحاديث والكذب والثانى من طريق عمرو بن أبى عمرو عن عكرمة وقد روينا من طريق عمرو بن أبى عمرو - هذه نفسها - عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه) فان كان خبر عمرو جحة فليأخذوا بهذا (2)، وان كان ليس بحجة فلا يحل لهم الاحتجاج به في رد السنن الثابتة وأما عمرو فضعيف لا نحتج به لنا، ولا نقبله حجة علينا، وهذا هو الحق الذى لا يحل خلافه، ولو احتججنا به في موضع واحد لاخذنا بخبره في كل موضع (3) فان قالوا: قد صح عن ابن عباس خلاف ما روى عنه عمرو في قتل البهيمة ومن أتاها، قلنا لهم: وقد صح عن ابن عباس خلاف ما روى عنه عمرو في إسقاط غسل الجمعة ولا فرق، ثم لو صح حديث عمرو هذا لما كان لهم فيه حجة، بل لكان لنا حجة عليهم (4) لانه ليس فيه من كلام (5) النبي صلى الله عليه وسلم إلا الامر بالغسل وإيجابه وأما كل ما تعلقوا به من إسقاط وجوب الغسل فليس من كلامه عليه السلام، وانما هو من كلام ابن عباس وظنه ولا حجة في أحذ دونه عليه السلام وأما حديث سمرة فانما هو من طريق الحسن عن سمرة، ولا يصح للحسن سماع من سمرة إلا حديث العقيقة وحده، فان أبوا الا الاحتجاج به، قلنا لهم: قد روينا
__________
(1) في المصرية (حديث) بالافراد وهو خطأ (2) في المصرية (قلنا خذوا بهذا) (3) عمرو بن أبي عمرو ثقة وثقه أبو زرعة والعجلي وقال احمد وأبو حاتم: ليس به بأس، وقد أنكروا عليه حديث البهيمة.
وروى له الشيخان وقال الذهبي.
حديثه حسن منحط عن الرتبة العليا من الصحيح (4) في اليمنية (بل كان حجة لنا عليهم) (5) في المصرية (كلام من)(2/12)
من طريق الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل عبده قتلناه ومن جدعه جدعناه) والحنفيون والمالكيون والشافعيون لا يأخذون بهذا، وروينا أيضا عنه عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (عهدة الرقيق أربع) وهم لا يأخذون بهذا.
ومن الباطل والعار احتجاجهم في الدين برواية ما إذا وافقت تقليدهم، ومخالفتهم لها بعينها إذا خالفت تقليدهم، ما نرى دينا يبقى (1) مع هذا، لانه اتباع الهوى في الدين وأما حديث أنس فهو من رواية يزيد الرقاشي وهو ضعيف، صح عن شعبة أنه قال: لان أقطع الطريق وأزني أحب الي من أن أروى عن يزيد الرقاشى، ورب حديث ليزيد الرقاشى تركوه لم يحتجوا فيه الا بضعفه فقط (2)، ومن رواية الضحاك ابن حمزة وهو هالك، عن الحجاج بن أزطاة وهو ساقط، عن ابراهيم بن مهاجر وهو ضعيف، ثم نظرنا في حديث جابر فوجدناه ساقطا، لانه لم يرو الا من طرق (3) في أحدها رجل مسكوت عن اسمه لا يعرف من هو، وفى ثانيهما أبو سفيان عن جابر وهو ضعيف، ومحمد بن الصلت وهو مجهول، وفى الثالث منها الحسن عن جابر ولا يصح سماع الحسن من جابر * وأما حديث عبد الرحمن بن سمرة فهو من طريق سلم بن سليمان أبى هشام البصري وليس بالقوى (4) وأما حديث أبي هريرة فهو من رواية أبى بكر الهذلى وهو ضعيف جدا (5)
__________
(1) في المصرية (ينبغي) (2) يزيد بن ابان الرقاشي رجل قاص زاهد سئ الحفظ قال ابن حبان: (كان من خيار عباد الله من البكائين بالليل لكنه غفل عن حفظ الحديث شغلا بالعبادة، لا تحل الرواية عنه الا على جهة التعجب) (3) في المصرية (طريق) بالافراد وهو خطأ (4) في المصرية (سالم بن سليمان أبى هشام) وفي اليمنية (سلم بن سليم بن هشام) وكلاهما خطأ، والصواب أن اسمه سلم بن سليمان، وكنيته أبو هاشم أو أبو هشام على اختلاف فيها قال العقيلى: (لا يقيم الحديث) وحديث سلم هذا ذكره في لسان الميزان أنه رواه سلم عن أبي حرة عن الحسن عن سمرة.
ولم يذكر عبد الرحمن بن سمرة فالله أعلم بالصواب.
(5) في اليمنية بحذف (جدا)(2/13)
فسقطت هذه (1) الآثار كلها ثم لو صحت لم يكن فيها نص ولا دليل على أن غسل الجمعة ليس بواجب، وانما فيها أن الوضوء نعم العمل (2)، وأن الغسل أفضل وهذا لا شك فيه، وقد قال الله تعالى: (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم) فهل دل هذا اللفظ على ان الايمان والتقوى ليس فرضا؟! حاشا لله من هذا، ثم لو كان في جميع هذه الاحاديث نص على أن غسل الجمعة ليس (3) فرضا لما كان في ذلك حجة، لان ذلك كان يكون موافقا لما كان الامر عليه قبل قوله عليه السلام (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وعلى كل مسلم) وهذا القول منه عليه السلام شرع وارد وحكم زائد ناسخ للحالة الاولى بيقين لا شك فيه، ولا يحل ترك الناسخ بيقين، والاخذ بالمنسوخ * وأما حديث عائشة رضى الله عنها: (كانوا عمال انفسهم ويأتون في العباء والغبار من العوالي فتثور لهم روائح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تطهرتم ليومكم هذا) أو (أو لا تغتسلون) فهو خبر صحيح، الا أنه لا حجة لهم فيه أصلا، لانه لا يخلو هذا من أن
يكون قبل أن يخطب عليه السلام على المنبر فأمر الناس بالغسل يوم الجمعة، وقبل أن يخبر عليه السلام بان غسل يوم الجمعة واجب على كل مسلم وكل محتلم والطيب والسواك وقبل أن يخبر عليه السلام أنه حق لله تعالى على كل مسلم، أو يكون بعد كل ما ذكرنا ولا سبيل إلى قسم ثالث، فان كان خبر عائشة قبل ما رواه عمر بن الخطاب وابنه وأبو هريرة وابن عباس، وابو سعيد الخدرى وجابر، فلا يشك ذو حس سليم في أن الحكم للمتأخر، وان كان خبر عائشة بعد كل ما ذكرنا من ايجاب الغسل يوم الجمعة والسواك والطيب وأنه حق الله تعالى على كل مسلم، فليس فيه نص ولا دليل على نسخ الايجاب المتقدم، ولا على اسقاط حق الله تعالى المنصوص على اثباته، وانما هو تبكيت لمن ترك الغسل المأمور به الموجب فقط، وهذا تأكيد للامر المتيقن لا إسقاط له فقد نهى
__________
(1) في اليمنية بحذف لفظ (هذه) (2) في اليمنية (يعم العمل) وهو خطأ (3) في اليمنية بحذف (ليس) وهو خطأ(2/14)
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال فلم ينتهوا فواصل بهم تنكيلا لهم، أفيسوغ في عقل أحد أن ذلك نسخ للنهي عن الوصال؟! وكل ما اخبر عليه السلام أنه واجب على كل مسلم، وحق الله تعالى على كل محتلم، فلا يحل تركه ولا القول بانه منسوخ أو أنه ندب، الا بنص جلى بذلك، مقطوع على أنه وارد بعده، مبين انه ندب أو أنه نسخ، لا بالظنون الكاذبة المتروك لها اليقين * هذا لو صح أن خبر عائشة كان بعد الايجاب للغسل (1) وهذا لا يصح أبدا بل في خبر عائشة دليل بين على أنه كان قبل الايجاب، لانها ذكرت أن ذلك كان والناس عمال انفسهم، وفي ضيق من الحال وقلة من المال، وهذه صفة أول الهجرة بلا شك والراوي لايجاب الغسل أبو هريرة، وابن عباس وكلاهما متأخر الاسلام والصحبة
أما أبو هريرة فاسلامه اثر فتح خيبر، حين اتسعت أحوال المسلمين، وارتفع الجهد والضيق عنهم، وأما ابن عباس فبعد فتح مكة قبل موت رسول الله صلعم بعامين ونصف فقط، فارتفع الاشكال جملة والحمد لله رب العالمين واما حديث عمر فانهم قالوا: لو كان غسل الجمعة واجبا عند عمر وعثمان ومن حضر من الصحابة رضي الله عنهم لما تركه عثمان ولا أقر عمر وسائر الصحابة عثمان على تركه وقالوا: فدل هذا على انه عندهم غير فرض قال أبو محمد: هذا قول لا ندرى كيف استطلقت (2) به ألسنتهم! لانه كله قول بما ليس في الخبر منه شئ لا نص ولا دليل، بل نصه ودليله بخلاف ما قالوه أول ذلك أن يقال لهم: من لكم بأن عثمان لم يكن اغتسل في صدر يومه ذلك؟ ومن لكم بأن عمر لم يأمره بالرجوع للغسل؟ فان قالوا: ومن لكم بأن عثمان كان اغتسل في صدر يومه؟ ومن لكم بأن عمر أمره بالرجوع إلى الغسل قلنا: هبكم أنه لا دليل عندنا بهذا، ولا دليل عندكم بخلافه
__________
(1) في اليمنية (هذا لو صح خبر عائشة كان هذا الايجاب للغسل) وهو خطأ وتحريف (2) في اليمنية (انطلقت)(2/15)
فمن جعل دعواكم في الخبر، وتكهنكم ما ليس فيه، وقفوكم مالا علم لكم به: أولى من مثل ذلك من غيركم؟ وانما الحق في هذا - إذ دعواكم ودعوانا ممكنة أن يبقى الخبر لا حجة فيه لكم ولا عليكم، ولا لنا ولا علينا، هذا ما مخلص منه، فكيف ومعنا الدليل على كل ما قلناه؟ * وأما عثمان رضى الله عنه فان عبد الله بن يوسف حدثنا قال ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب محمد بن العلاء واسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - كلاهما عن
وكيع عن مسععر بن كدام عن جامع بن شداد قال سمعت حمران بن أبان قال: كنت أضع لعثمان طهوره فما أتى عليه يوم الا وهو يفيض عليه نطفة (1).
فقد ثبت بأصح إسناد أن عثمان كان يغتسل كل يوم، فيوم الجمعة يوم من الايام بلا شك، ولو لم يكن هذا الخبر عندنا، لوجب أن لا يظن بمثله رضى الله عنه خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بل لا يقطع عليه إلا بطاعته، وان لم يعين ذلك في خبر، كما يقطع بأنه صلى الصبح في ذلك اليوم وسائر اللوازم له بلا شك وان لم يرو لنا ذلك * وأما عمر رضى الله عنه ومن معه من الصحابة رضى الله عنهم، فهذا الخبر عنهم حجة لنا ظاهرة بلا شك، لان عمر قطع الخطبة منكرا على عثمان أن لم يصل الغسل بالرواح، فلو لم يكن ذلك فرضا عنده وعندهم لما قطع له الخطبة، وعمر قد حلف: (والله ما هو بالوضوء) فلو لم يكن الغسل عنده فرضا لما كانت يمينه صادقة، والذى حصل من عمر بن الخطاب ومن الصحابة بلا شك فهو إنكار ترك الغسل، والاعلان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل يوم الجمعة، ولا يجوز أن نظن بأحد من الصحابة رضى الله عنهم أن يستجيز خلاف أمره عليه السلام، مع قول الله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) فصح ذلك الخبر
__________
(1) في الاصل (لعيط عليه لطعه) بدون اعجام وهو خطأ.
والصواب ما هنا وصححناه من صحيح مسلم.
قال النووي: (النطفة بضم النون وهي الماء القليل ومراده لم يكن يمر عليه يوم الا اغتسل) انظر هامش القسطلاني (ج 2 ص 224)(2/16)
حجة لنا وإجماعا من الصحابة رضى الله عنهم، إذ لم فيهم آخر يقول لعمر: ليس ذلك عليه واجبا * قال أبو محمد: وبيقين ندرى أن عثمان قد أجاب عمر في انكاره عليه وتعظيمه أمر الغسل بأحد أجوبة لابد من أحدها: إما أن يقول له: قد كنت اغتسلت قبل
خروجي إلى السوق، وإما أن يقول له: بى عذر مانع من الغسل، أو يقول له: أنسيت وهأنذا راجع (1) فاغتسل، فداره كانت على باب المسجد مشهورة إلى الآن أو يقول له: سأغتسل، فان الغسل لليوم لا للصلاة.
فهذه أربعة أجوبة كلها موافقة لقولنا.
أو يقول له: هذا أمر ندب وليس فرضا، وهذا الجواب موافق لقول خصومنا * فليت شعرى! من الذى جعل لهم التعلق بجواب واحد من جملة خمسة أجوبة كلها ممكن، وكلها ليس في الخبر شئ آمنها أصلا؟ دون أن يحاسبوا أنفسهم بالاجوبة الاخر، التى هي أدخل في الامكان من الذى تعلقوا به، لانها كلها موافقة لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما خاطبه به عمر رضى الله عنه بحضرة الصحابة رضى الله عنهم.
والذى تعلقواهم به تكهنا مخالف لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما أجمع عليه الصحابة * ثم لو صح لهم ما يدعونه من الباطل من أن عمر ومن بحضرته رأوا الامر بالغسل ندبا وهذا لا يصح بل الصحيح بنص الخبر، فقد أوردنا عن أبى هريرة وسعد وأبى سعيد وابن عباس القطع بايجاب الغسل يوم الجمعة بعد موت عمر بدهر -: فصح وجود خلاف ما يدعونه بالدعوى الكاذبة إجماعا، وإذا وجد التنازع فليس قول بعضهم أولى من قول بعض، بل الواجب حينئذ الرد إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنته عليه السلام قد جاءت بايجاب الغسل والسواك والطيب، إلا أن يدعوا ان أبا هريرة وسعدا وأبا سعيد وابن مسعود وابن عباس خالفوا الاجماع فحسبهم بهذا ضلالا *
__________
(1) في اليمنية (وهأنا أرجع)(2/17)
ثم لو صح لهم ان عمر وعثمان قالا بأن الغسل يوم الجمعة ندب - ومعاذ الله من.
أن يصح هذا عنهما - فمن أين لهم تعظيم خلاف عمر وعثمان في هذا الباطل المتكهن؟ ولم يعظموا على أنفسهم خلاف عمر وعثمان بحضرة الصحابة رضى الله عنهم في هذا الخبر
نفسه، في ترك عمر الخطبة، وأخذه في الكلام مع عثمان، ومجاوبة (1) عثمان له بعد شروع عمر في الخطبة، وهم لا يجيزون هذا * وكذلك الخبر الثابت من طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه: أن عمر قرأ السجدة على المنبر يوم الجمعة فنزل وسجد وسجدوا معه، ثم قرأها في الجمعة الاخرى فتهيئوا للسجود فقال لهم عمر: على رسلكم، إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء.
فقال المالكيون: ليس العمل على هذا، وقال الحنفيون: السجود واجب * قال أبو محمد: أفيكون أعجب من هذا أو أدخل في الباطل منه أن يكون كلام عمر مع عثمان في الخطبة بما لا يجدونه فيه من إسقاط فرض غسل الجمعة - حجة عندهم، ثم لا يبالون مخالفة عمر في عمله وقوله بحضرة الصحابة رضى الله عنهم - إن السجود ليس مكتوبا علينا عند قراءة السجدة وفى نزوله عن المنبر للسجود إذا قرأ السجدة؟ أفيكون في العجب أكثر من هذا؟! وأن هذا إلى التلاعب أقرب منه إلى الجد * وكم قصة خالفوا فيها عمر وعثمان تقليدا لآراء من لا يضمن له الصواب في كل أقواله، كقول عثمان وعلى وطلحة والزبير وغيرهم: أن لا غسل من الايلاج إذا لم يكن هنالك إمناء (2) وكقول عمر وابن مسعود: من أجنب ولم يجد الماء فلا يجوز له التيمم ولا الصلاة ولو بقى كذلك شهرا وكما روى عن عمر وعثمان بالقضاء بأولاد الغارة (3) رقيقا لسيدها، ومثل هذا كثير جدا * وقال بعضهم: هذا مما تعظم به البلوى، فلو كان فرضا لما خفى على العلماء، قلنا:
__________
(1) في المصرية (ولمجاوبة) وهو خطأ (2) في المصرية (منيا) وهو خطأ ولحن.
(3) بالغين المعجمة وهو التي خدع فيها زوجها ففهم أنها حرة ثم ظهر له أنها أمة.
ونقله هذا يخالف ما نقله ابن الاثير في النهاية ان عمر قضى فيه بغرة أي يغرم الزوج لمولاها عبدا أو أمة ويرجع بها على من غرة ويكون ولده حرا *(2/18)
نعم ما خفى، قد عرفه جميع الصحابة رضى الله عنهم وقالوا به * وهؤلاء الحنفيون قد أوجبوا الوضوء من كل دم خارج من اللثات أو الجسد أو من القلس، وهو أمر تعظم به البلوى، ولا يعرفه غيرهم، فلم يروا ذلك حجة على أنفسهم * والمالكيون يوجبون التدلك في الغسل فرضا، والفور في الوضوء فرضا، تبطل الطهارة والصلاة بتركه وهذا أمر تعظم به البلوى، ولا يعرف ذلك غيرهم، فلم يروا ذلك حجة على أنفسهم * والشافعيون يرون الوضوء من مس الدبر، ومن مس الرجل ابنته وأمه، وهو أمر تعظم به البلوى، ولا يعرف ذلك غيرهم، فلم يروا ذلك حجة على أنفسهم، ثم يرونه حجة إذا خالف (1) أهواءهم وتقليدهم: ونعوذ بالله من مثل هذا العمل في الدين ومن ان يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ: إنه واجب على كل مسلم وعلى كل محتلم، وانه حق الله تعالى على كل مسلم محتلم.
ثم نقول نحن: ليس هو واجبا ولا هو حق الله تعالى.
هذا أمر تقشعر منه الجلود والحمد لله رب العالمين على عظيم نعمته * 179 - مسألة - وغسل يوم الجمعة انما هو لليوم لا للصلاة، فان صلى الجمعة والعصر ولم يغتسل أجزأه (2) ذلك وأول أوقات الغسل المذكور إثر طلوع الفجر من يوم الجمعة، إلى (3) أن يبقى من قرص الشمس مقدار ما يتم غسله قبل غروب آخره، وأفضله أن يكون متصلا بالرواح إلى الجمعة، وهو لازم للحائض والنفساء كلزومه لغيرهما * برهان ذلك ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ثنا شعيب - هو ابن أبى حمزة
__________
(1) في اليمنية " إذا خالفوا " وهو خطأ (2) هكذا في الاصلين " ولم يغتسل " ويظهر لي أنه خطأ.
وان الصواب " فان صلى الجمعة والعصر ثم اغتسل أجزأه ذلك "
كما يدل عليه بساط القول، لان المؤلف يذهب إلى أن الغسل لليوم فقط وأن وقت الغسل من بعد الفجر إلى قبيل الغروب، وأن هذا الغسل واجب، فلا معنى اذن لان يقول ان ترك الغسل مجزئ، وهذا ظاهر.
(3) في المصرية " الا أن يبقى " وهو خطأ.(2/19)
- عن الزهري قال طاوس: قلت لابن عباس: ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغتسلوا يوم الجمعة وان لم تكونوا جنبا وأصيبوا (1) من الطيب " قال: أما الغسل فنعم، وأما الطيب فلا أدرى * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد ابن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج حدثنى محمد بن حاتم ثنا بهز ثنا وهيب - هو بن خالد ثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " حق الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يغسل رأسه وجسده " * حدثنا احمد بن محمد الطلمنكى ثنا محمد بن أحمد (2) بن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ثنا يحيى بن حبيب بن عربي ثنا روح بن عبادة ثنا شعبة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن أبى هريرة رفعه قال: (على كل مسلم في كل سبعة أيام غسل وهو يوم الجمعة) * وهكذا رويناه من طريق جابر والبراء مسندا، فصح بهذا أنه لليوم لا للصلاة وروينا عن نافع عن ابن عمر: أنه كان يغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة فيجتزئ به من غسل الجمعة، وعن شعبة - عن منصور بن المعتمر عن مجاهد قال: إذا اغتسل الرجل بعد طلوع الفجر أجزأه، وعن الحسن: إذا اغتسل يوم الجمعة بعد طلوع الفجر أجزأه للجمعة فاذن هو لليوم ففى أي وقت من اليوم اغتسل أجزأه، وعن ابراهيم النخعي كذلك *
فان قال قائل: فانكم قد رويتم من طريق شعبة عن الحكم عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل).
ورويتم من طريق الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل) وعن الليث عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو قائم على المنبر: (من جاء منكم الجمعة فليغتسل) *
__________
(4) في المصرية (واطيبوا) وهو خطأ وتصحيف.
(5) في اليمنية (أحمد بن محمد بن مفرج) وهو خطأ.
وانظر هامش المسألتين 116 و 118 بالجزء الاول(2/20)
قلنا: نعم، وهذه آثار صحاح، وكلها لا خلاف فيها لما قلنا * أما قوله عليه السلام: (من جاء منكم الجمعة فليغتسل) فهو نص قولنا، وانما فيه أمر لمن جاء الجمعة بالغسل، وليس فيه أي وقت يغتسل، لا بنص ولا بدليل، وانما فيه بعض ما في الاحاديث الاخر، لان في هذا ايجاب الغسل على كل من جاء إلى الجمعة فليس فيه إسقاط الغسل عمن لا يأتي الجمعة (1) وفى الاحاديث الاخر التى من طريق ابن عمر وأبى هريرة وأبي سعيد وابن عباس وغيرهم إيجاب الغسل على كل مسلم وعلى كل محتلم، فهي زائدة حكما على ما في حديث ابن عمر، فالاخذ بها واجب * وأما قوله عليه السلام: (إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل) فكذلك أيضا سواء سواء وقد يريد الرجل أن يأتي الجمعة من أول النهار، وليس في هذا الخبر ولا في غيره إلزامه أن يكون اتيانه الجمعة لا من أول النهار وليس في هذا الخبر ولا في غيره الزامه أن يكون أتى متصلا بارادته لاتيانها، بل جائز أن يكون بينهما ساعات، فليس في هذا اللفظ أيضا دليل ولا نص يوجب أن يكون الغسل متصلا بالرواح * وأما قوله عليه السلام: (إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل) فظاهر هذا اللفظ أن الغسل بعد الرواح، كما قال تعالى: (فإذا اطمأننتم فاقيموا الصلاة) ومع الرواح
كما قال تعالى (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) أو قبل الرواح كما قال تعالى: (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة) فلما كان كل ذلك ممكنا، ولم يكن في هذا اللفظ نص ولا دليل على وجوب اتصال الغسل بالرواح أصلا صح قولنا، والحمد لله * وأيضا فاننا إذا حققنا مقتضى ألفاظ حديث ابن عمر كان ذلك دالا على قولنا لانه انما فيها: (إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل) (أو أراد أحدكم أن يأتي إلى الجمعة (2) فليغتسل).
(من جاء منكم الجمعة فليغتسل) وهذه ألفاظ ليس يفهم منها الا أن من كان من أهل الرواح إلى الجمعة وممن يجئ إلى الجمعة ومن أهل
__________
(1) في المصرية (على كل من لم يأت إلى الجمعة) (2) في اليمنية (أن يأتي الجمعة)(2/21)
الارادة للاتيان إلى الجمعة فعليه الغسل، ولا مزيد، وليس في شئ منها وقت الغسل، فصارت ألفاظ خبر ابن عمر موافقة لقولنا * وعهدنا بخصومنا يقولون: ان من روى حديثا فهو أعرف بتأويله، وهذا ابن عمر راوي هذا الخبر قد روينا عنه انه كان يغتسل يوم الجمعة إثر طلوع الفجر من يومها * وقال مالك والاوزاعي: لا يجزى غسل يوم الجمعة الا متصلا بالرواح، إلا أن الاوزاعي قال: ان اغتسل قبل الفجر ونهض إلى الجمعة أجزأه، وقال مالك: ان بال أو أحدث بعد الغسل لم ينتقض غسله ويتوضأ فقط، فان أكل أو نام انتقض غسله قال أبو محمد: وهذا عجب جدا وقال أبو حنيفة والليث وسفيان وعبد العزيز بن أبى سلمة والشافعي وأحمد بن حنبل واسحق بن راهوية وداود كقولنا، وقال طاوس والزهري وقتادة ويحيى بن
أبى كثير: من اغتسل للجمعة ثم أحدث فيستحب (1) أن يعيد غسله * قال علي: ما نعلم مثل قول مالك عن أحد من الصحابة والتابعين، ولا له حجة من قرآن ولا سنة ولا قياس ولا قول صاحب، وكثيرا ما يقولون في مثل هذا بتشنيع خلاف قول الصاحب الذي لا يعرف له من الصحابة مخالف، وهذا مكان خلفوا فيه ابن عمر، وما يعلم له من الصحابة في ذلك مخالف * فان قالوا: من قال قبلكم إن الغسل لليوم؟ قلنا: كل من ذكرنا عنه في ذلك قولا من الصحابة رضي الله عنهم، فهو ظاهر قولهم، وهو قول أبى يوسف نصا وغيره، وأعجب شئ أن يكونوا مبيحين للغسل يوم الجمعة في كل وقت، ومبيحين لتركه في اليوم كله، ثم ينكرون على من قال بالغسل في وقت هم يبيحونه فيه.
وبالله تعالى التوفيق * 180 - مسألة - وغسل كل ميت من المسلمين فرض ولا بد، فان دفن بغير غسل أخرج ولا بد، ما دام يمكن أن يوجد منه شئ ويغسل (2) الا الشهيد الذى
__________
(1) في اليمنية (فليستحب) وهو تحريف (2) في الاصلين (ويغتسل) وهو خطأ.(2/22)
قتله المشركون في المعركة فمات فيها، فانه لا يلزم غسله برهان ذلك ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري (1) ثنا اسماعيل بن عبد الله هو ابن أبي أويس حدثني مالك عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية الانصارية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليهن حين توفيت ابنته فقال: (اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر (2) من ذلك ان رأيتن ذلك).
فأمر عليه السلام بالغسل ثلاثا، وأمره فرض، وخير في أكثر على الوتر، وأما الشهيد فمذكور في الجنائز إن شاء الله عزوجل 181 - مسألة ومن غسل ميتا متوليا ذلك بنفسه - بصب أو عرك - فعليه
أن يغتسل فرضا * برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا احمد بن صالح ثنا ابن أبى فديك حدثنى ابن أبى ذئب عن القاسم بن عباس عن عمرو بن عمير عن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل الميت فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ).
قال أبو داود: وحدثنا حامد ابن يحيى عن سفيان بن عيينة عن سهيل بن ابى صالح عن أبيه عن اسحق مولى زائدة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه * وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان الاسدي ثنا احمد ابن خالد ثنا على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن محمد ابن عمرو عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غسل ميتا فليغتسل ومن حملها فليتوضأ)، قال أبو محمد: يعنى من حمل الجنازة * وممن قال بهذا على بن أبي طالب وغيره، روينا ذلك من طريق عبد الرحمن ابن مهدى عن هشام الدستوائى عن حماد بن أبى سليمان عن ابراهيم النخعي عن على قال: من غسل ميتا فليغتسل، ومن طريق وكيع عن سعيد بن عبد العزيز التنوخى
__________
(1) في المصرية بتكرار لفظ (أو أكثر) مرتين وهو خطأ (2) سقط من المصرية لفظ (ثنا البخاري) وهو خطأ(2/23)
عن مكحول أن حذيفة سأله رجل مات أبوه، فقال حذيفة: اغسله فإذا فرغت فاغتسل، وعن أبى هريرة من غسل ميتا فليغتسل، ومن طريق حماد بن سلمة عن حماد بن ابى سليمان عن ابراهيم النخعي قال كان أصحاب على يغتسلون منه، يعنى من غسل الميت * قال على: وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وداود: لا يجب الغسل من غسل
الميت، واحتج أصحابنا في ذلك بالاثر الذى فيه: (انما الماء من الماء) * قال على: وهذا لا حجة فيه، لان الامر بالغسل من غسل الميت ومن الايلاج وان لم يكن إنزال - هما شرعان زائدان على خبر (الماء من الماء) والزيادة واردة من عند الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فرض الاخذ بها، * واحتج غيرهم في ذلك بأثر رويناه من طريق ابن وهب قال: اخبرني من اثق به يرفع (1) الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتنجسوا من موتاكم) وكره ذلك لهم، (2) وعن رجال من أهل العلم عن سعيد وجابر وابن مسعود وابن عباس وابن عمر انه لا غسل من غسل الميت، وبحديث رويناه من طريق مالك عن عبد الله ابن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق فلما فرغت قالت لمن حضرها من المهاجرين انى صائمة وان هذا يوم شديد البرد فهل على من غسل؟ قالوا: لا، وعن ابراهيم النخعي: كان ابن مسعود وأصحابه لا يغتسلون من غسل الميت وبحديث رويناه من طريق شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة العدوية سئلت (3) عائشة رضي الله عنها: أيغتسل من غسل المتوفيين؟ قالت لا: قال أبو محمد وكل هذا لا حجة لهم فيه أما الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ففى غاية السقوط، لان ابن وهب لم يسم من أخبره، والمسافة بين ابن وهب وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيدة جدا، ثم لو صح بنقل الكافة ما كان لهم فيه متعلق، لانه ليس فيه الا أن لا نتنجس (4) من موتانا فقط، وهذا نص قولنا، ومعاذ الله أن نكون
__________
(1) في اليمنية (ويرفع) (2) في اليمنية (وكره لهم ذلك) (3) في اليمنية (سألت عائشة) (4) في اليمنية (أن لا ننجس)(2/24)
نتنجس من ميت مسلم، أو أن يكون المسلم نجسا، بل هو طاهر حيا وميتا وليس الغسل الواجب من غسل الميت لنجاسة أصلا، لكن كغسل الميت الواجب عندنا
وعندهم، كما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أطهر ولد آدم حيا وميتا، وغسل أصحابه رضي الله عنهم إذ ماتوا وهم الطاهرون الطيبون أحياء وأمواتا، وكغسل الجمعة ولا نجاسة هنالك، فبطل تمويههم بهذا الخبر * وأما حديث أسماء فان عبد الله بن أبي بكر لم يكن ولد يوم مات أبو بكر الصديق، نعم ولا أبوه أيضا، ثم لو صح كل ما ذكروا (3) عن الصحابة لكان قد عارضه ما رويناه من خلاف ذلك عن على وحذيفة وأبى هريرة، وإذا وقع التنازع وجب الرد إلى ما افترض الله تعالى الرد إليه، من كلامه وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم والسنة قد ذكرناها بالاسناد الثابت بايجاب الغسل من غسل الميت، وكم قصة خالفوا فيها الجمهور من الصحابة لا يعرف منهم مخالف، وقد أفردنا لذلك كتابا ضخما، والعجب من احتجاجهم بقول عائشة وهم قد (4) خالفوها في إيجاب الوضوء مما مست النار! وخالفوا على بن أبى طالب وابن عباس وابن الزبير في ايجاب الغسل على المستحاضة لكل صلاة أو للجمع (5) بين صلاتين، وعائشة في قولها.
تغتسل كل يوم عند صلاة الظهر، ولا مخالف يعرف لهؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم: ومثل هذا كثير جدا * 182 - مسألة - ومن صب على مغتسل ونوى ذلك المغتسل الغسل أجزأه * برهان ذلك ان الغسل هو إمساس الماء البشرة بالقصد إلى تأدية ما افترض الله تعالى من ذلك، فإذا نوى ذلك المرء فقد فعل الغسل الذى أمر به، ولم يأت نص ولا إجماع بأن يتولى هو ذلك بيده.
وبالله تعالى التوفيق * 183 - مسألة - وانقطاع دم الحيض في مدة الحيض - ومن جملته دم النفاس - يوجب الغسل لجميع الجسد والرأس * وهذا إجماع متيقن، من خالفه كفر عن نصوص ثابتة.
وبالله تعالى نتأيد.
__________
(1) في المصرية (ثم لو صح ما ذكرنا) وهو خطأ (2) في اليمنية (وقد)
(3) في اليمنية (والجمع)(2/25)
وقد ذكرنا أن الحامل لا تحيض، ودم النفاس هو الخارج إثر وضع المرأة آخر ولد في بطنها لانه المتفق عليه، وأما الخارج قبل ذلك فليست نفساء، وليس دم نفاس، ولا نص فيه ولا اجماع، وسنذكر في الكلام في الحيض مدة الحيض ومدة النفاس ان شاء الله تعالى * 184 - مسألة - والنفساء والحائض شئ واحد، فأيتهما أرادت الحج أو العمرة ففرض عليها أن تغتسل ثم تهل * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج حدثنى هناد بن السرى وزهير ابن حرب وعثمان بن أبى شيبة كلهم عن عبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين قالت (1): (نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن بكر الصديق بالشجرة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن تغتسل وتهل) وجاء في الخبر الصحيح: نفست أسماء بنت عميس بالشجرة بمحمد بن أبى بكر فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاضت عائشة وأم سلمة أما المؤمنين رضى الله عنهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل واحدة منهما (أنفست؟) قالت: نعم، فصح أن الحيض يسمى نفاسا، فصح انهما شئ واحد وحكم واحد ولا فرق، وأمر عليه السلام التى ترى الدم الاسود بترك الصلاة، وحكم بأنه حيض وأنها حائض، وأن الدم الآخر ليس حيضا ولا هي به حائض، (2) وأخبر أن الحيض شئ كتبه الله تعالى على بنات آدم، فكل دم أسود ظاهر (3) من فرج المرأة من (4) مكان خروج الولد فهو حيض، إلا ما ورد النص باخراجه من هذه الجملة وهى الحامل (5) والتى لا يتميز دمها ولا ينقطع.
وبالله تعالى التوفيق *
185 - مسألة - والمرأة تهل بعمرة ثم تحيض ففرض عليها أن تغتسل ثم تعمل
__________
(1) في المصرية (قال) وهو خطأ * (2) كلمة (ولا هي به حائض) محذوفة في اليمنية (3) (ظهر) (4) لفظ (من) زدناه من اليمنية (5) في اليمنية (وهي الحايل) وهو خطأ(2/26)
في حجها ما سنذكره في الحج ان شاء الله تعالى حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث - هو ابن سعد - عن أبي الزبير عن جابر قال: (اقبلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بحج مفردا وأقبلت عائشة بعمرة حتى إذا كنا بسرف عركت) ثم ذكر الحديث وفيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقالت: قد حضت وحل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان هذا كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلى بالحج ففعلت) * 186 - مسألة - والمتصلة الدم الاسود الذى لا يتميز ولا تعرف أيامها فان الغسل فرض عليها ان شاءت لكل صلاة فرض أو تطوع، وان شاءت إذا كان (1) قرب آخر وقت الظهر اغتسلت وتوضأت وصلت الظهر بقدر ما تسلم منها بعد دخول وقت العصر، ثم تتوضأ وتصلى العصر، ثخم إذا كان قبل غروب الشفق (2) اغتسلت وتوضأت وصلت المغرب بقدر ما تفرغ منها بعد غروب الشفق، ثم تتوضأ وتصلى العتمة، ثم تغتسل وتتوضأ لصلاة الفجر، وان شاءت حينئذ أن تتنفل عند كل صلاة فرض وتتوضأ بعد الفريضة أو قبلها فلها ذلك، وسنذكر البرهان على ذلك في كلامنا في الحيض ان شاء الله تعالى * 187 - مسألة - ولا يوجب الغسل شئ غير ما ذكرنا أصلا لانه لم يأت في
غير ذلك أثر يصح (3) البتة، وقد جاء أثر في الغسل من موارة الكافر فيه ناجية (4) ابن كعب وهو مجهول، والشرائع لا تؤخذ الا من كلام الله أو من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم * وممن لا يرى (5) الغسل من الايلاج في حياء البهيمة (6) ان لم يكن انزال
__________
(1) في المصرية وان شاءت لكل صلاة إذا كان) الخ (2) في المصرية (ثم إذا كانت قبل غروب الشمس) وهو خطأ (3) في اليمنية (أثر صحيح) (4) في المصرية (بأخته) وهو خطأ (5) في اليمنية (لم ير) (6) حياء البهيمة وحياها رحمها أو فرجها يمد ويقصر كما حكاه الليث والصحيح الذى اختاره صاحب اللسان انه لا يجوز قصره الا في ضرورة الشعر لان أصله الحياء من الاستحياء *(2/27)
أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك في الوطئ في الدبر: لا غسل فيه ان لم يكن انزال، فمن قاس ذلك على الوطئ في الفرج قيل له: بل هو معصية، فقياسها على سائر المعاصي من القتل وترك الصلاة أولى، ولا غسل في شئ من ذلك باجماع، فكيف والقياس كله باطل.
* * (صفة الغسل الواجب في كل ما ذكرنا (1)) * 188 - مسألة - أما غسل الجنابة فيختار - دون أن يجب ذلك فرضا - أن يبدأ بغسل فرجه ان كان من جماع، وأن يمسح بيده الجدار أو الارض بعد غسله ثم يمضمض ويستنشق ويستنثر ثلاثا ثلاثا ثم يغمس يديه في الاناء (2) بعد أن يغسلها ثلاثا فرضا ولا بد، ان قام من نوم والا فلا، فيخلل أصول شعره حتى يوقن أنه قد بل الجلد ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثا بيده، وأن (3) يبدأ بميامنه وأما الفرض الذى لا بد منه فأن يغسل يديه ثلاثا قبل أن يدخلها في الماء ان كان قام من نوم والا فلا، ويغسل فرجه ان كان من جماع، ثم يفيض الماء على رأسه ثم جسده بعد رأسه ولا بد افاضة يوقن أنه قد وصل الماء إلى بشرة رأسه وجميع شعره وجميع جسده *
برهان ذلك قوله عزوجل: (وان كنتم جنبا فاطهروا) فكيفما أتى بالطهور فقد أدى ما أفترض الله تعالى عليه * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بنا خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا مسدد، ثنا يحيى بن سعيد - هو القطان - ثنا عوف - (4) هو ابن أبى جميلة - ثنا أبو رجاء عن عمران - هو ابن حصين قال:: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر - فذكر الحديث وفيه -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الذى أصابته الجنابة اناء من ماء وقال: اذهب فأفرغه عليك) *
__________
(1) هذا العنوان لم يجعل في اليمنية عنوانا بل جعل صدر المسألة 188 وما هنا أحسن كثيرا (2) في اليمنية (ثم يغمس يده في الماء) (3) في المصرية (فان) وهو خطأ (4) في المصرية (عون) بالنون وهو خطأ صوابه بالفاء(2/28)
وانما استحببنا ما ذكرنا قبل لما رويناه بالسند المذكور إلى البخاري ثنا الحميدى ثنا سفيان ثنا الاعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة (ان النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة فغسل فرجه بيده ثم دلك بها الحائط ثم غسلها ثم توضأ وضوءه للصلاة، فلما فرغ من غسله غسل رجليه) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا على بن حجر السعدى ثنا عيسى بن يونس ثنا الاعمش عن سالم بن أبى الجعد عن كريب عن ابن عباس حدثتني خالتي ميمونة قالت أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا ثم أدخل يده في الاناء ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله ثم ضرب بشماله الارض فدلكها دلكا شديدا ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم افرغ على رأسه ثلاث حفنات مل ء كفه، ثم غسل سائر جسده ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده) وقد ذكرنا قوله
عليه السلام لام سلمة: انما يكفيك أو تحثي على رأسك ثم تفيضي الماء عليك فإذا بك قد طهرت) * (فله أن يقدم غسل فرجه واعضاء وضوئه قبل رأسه فقط ان شاء فان انغمس في ماء جار فعليه ان ينوى تقديم رأسه على جسده * ولا يلزمه ذلك في سائر الاغسال الواجبة (1) إذا لم يأت بذلك نص، الا أن يصح أن هكذا (2) علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحيض فنقف عنده والا فلا، ولم يأت ذلك في الحيض الا من طريق ابراهيم بن المهاجر، وهو ضعيف ورويناه (3) من طريق عبد بن حميد عند عبد الرزاق، وليس ذكر الحيض محفوظا عن عبد الرزاق أصلا، فان صح ذلك في الحيض قلنا به، ولم نستجز مخالفته * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا حفص بن عمر ثنا شعبة أخبرني أشعث بن سليم قال: سمعت أبى عن مسروق
__________
(1) في المصرية (في سائر الاغتسال) وبحذف (الواجبة) وهو خطأ (2) في المصرية (الا أن يصح هكذا) بحذف (أن) الثانية وهو خطأ (3) في المصرية (وروينا) بحذف الضمير وهو خطأ(2/29)
عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره في شأنه كله) * 189 - مسألة - وليس عليه أن يتدلك: وهو قول سفيان الثوري والاوزاعي وأحمد بن حنبل وداود وأبى حنيفة والشافعي وقال مالك بوجوب التدلك * قال أبو محمد: برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر أبى شيبة واسحاق بن ابراهيم وعمر والناقد وابن أبى عمر كلهم عن
سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبرى عن عبد الله ابن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت (قلت يا رسول الله: إنى امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة، فقال: لا انما يكفيك أن تحثى على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضي عليك فتطهرين) * وبهذا جاءت الآثار كلها في صفة غسله عليه السلام، لا ذكر للتدلك (2) في شئ من ذلك.
وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال في الغسل من الجنابة: فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اغسل رأسك ثلاثا ثم أفض الماء على جلدك.
وعن الشعبى والنخعي والحسن في الجنب ينغمس في الماء انه يجزيه من الغسل * واحتج من رأى التدلك فرضا بأن قال: قد صح الاجماع على أن الغسل إذا تدلك فيه فانه (3) قد تم واختلف فيه إذا لم يتدلك، فالواجب أن لا يجزئ زوال الجنابة إلا بالاجماع.
وذكروا حديثا فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم عائشة الغسل من الجنابة فقال لها عليه السلام: (يا عائشة اغسلي يديك) ثم قال لها: (تمضمضي ثم استنشقي وانثرى (4) ثم اغسلي وجهك) ثم قال: (اغسلي يديك إلى المرفقين) ثم قال: (أفرغي على رأسك)) ثم قال (أفرغي على جلدك) ثم أمرها تدلك وتتبع بيدها كل شئ لم يمسه الماء من جسدها، ثم قال: (يا عائشة أفرغي على رأسك الذى بقى
__________
(1) هكذا هو في البخاري في كتاب الوضوء في باب (التيمن في الوضوء والغسل) بلفظ (في شأنه كله) بدون واو العطف (2) في اليمنية (لتدلك) (3) في المصرية (بأنه) (4) في اليمنية (واستنثرى)(2/30)
ثم أدلكي جلدك وتتبعي) وبحديث آخر فيه أنه عليه السلام قال: (ان تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وانقوا البشر وبحديث آخر فيه * (خلل أصول الشعر وانق البشر) وبحديث آخر فيه: أن امرأة سألته عليه السلام عن غسل الجنابة.
فقال عليه السلام (تأخذ احداكن ماءها فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ في الطهور ثم تصب الماء على رأسها فتدلك حتى يبلغ شوون رأسها ثم تفيض الماء على رأسها) وقال بعضهم: قسنا ذلك على غسل النجاسة لا يجزى إلا بعرك.
وقال بعضهم: قوله تعالى: (فاطهروا) دليل على المبالغة * قال أبو محمد: هذا كل ما شغبوا به، وكله ايهام وباطل أما قولهم: ان الغسل إذا كان بتدلك فقد أجمع على تمامه ولم يجمع على تمامه دون تدلك -: فقول فاسد، أول ذلك أنه ليس ذلك مما يجب أن يراعي في الدين لان الله تعالى انما أمرنا باتباع الاجماع فيما صح وجوبه من طريق الاجماع أو صح تحريمه من طريق الاجماع أو صح تحليله من طريق الاجماع، فهذا هو الحق: وأما العمل الذى ذكروا فانما هو ايجاب اتباع الاختلاف لا وجوب اتباع الاجماع، وهذا باطلا، لان التدلك لم يتفق على وجوبه ولا جاء به نص، وفى العمل الذى ذكروا ايجاب القول بما لا نص فيه ولا اجماع، وهذا باطل ثم هم أول من نقض هذا الاصل، وان اتبعوه بطل عليهم أكثر من تسعة أعشار مذاهبهم، أول ذلك أنه يقال لهم ان اغتسل ولم يمضمض ولا استنشق فأبو حنيفة يقول لا غسل له ولا تحل له الصلاة بهذا الاغتسال (1) فيقال لهم: فيلزمكم ايجاب المضمضة والاستنشاق في الغسل فرضا لانهما ان أتى بهما المغتسل فقد صح الاجماع على أنه قد اغتسل، وان لم يأت بهما فلم يصح الاجماع على أنه قد اغتسل فالواجب ان لا يزول حكم الجنابة الا بالاجماع، وهكذا فيمن اغتسل بماء من بئر قد بالت فيه شاة فلم يظهر فيها للبول أثر وهكذا فيمن نكس وضوءه وهذا أكثر من أن يحصر (2)، بل هو
__________
(1) في اليمنية (ولا تحل الصلاة بهذا الغسل) (2) في اليمنية (يحصى)(2/31)
داخل في أكثر مسائلهم، وما يكاد يخلص لهم ولغيرهم مسألة من هذا الالزام (1) ويكفى من هذا أنه حكم فاسد لم يوجبه قرآن ولا سنة لان الله تعالى لم يأمرنا بالرد عند التنازع الا
إلى القرآن والسنة فقط، وحكم التدلك مكان تنازع (2) فلا يراعى فيه الاجماع أصلا * وأما خبر عائشة رضى الله عنها فساقط لانه من طريق عكرمة بن عمار عن عبد الله بن عبيد بن عمير أن عائشة، وعكرمة ساقط (3)، وقد وجدنا عنه حديثا موضوعا في نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بعد فتح مكة، ثم هو مرسل، لان عبد الله بن عبيد بن عمير لم يدرك عائشة، وأبعد ذكره رواية ابن عمر أيام ابن الزبير، فسقط هذا الخبر، ثم لو صح لكان حجة عليهم لانه جاء فيه الامر بالتدلك كما جاء فيه بالمضمضة والاستنثار والاستنشاق (4) ولا فرق وهم لا يرون شيئا من ذلك فرضا، وأبو حنيفة يرى كل ذلك فرضا ولا يرى التدلك فرضا، فكلهم ان احتج بهذا الخبر فقد خالفوا حجتهم وأسقطوها، وعصوا ما أقروا انه لا يحل عصيانه، وليس لاحدى الطائفتين من أن تحمل ما وافقها على الفرض وما خالفها على الندب إلا مثل ما للاخرى من ذلك، وأما نحن فانه لو صح لقلنا بكل ما فيه فإذ لم يصح (5) فكله متروك * وأما الخبر (ان تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وانقوا البشر) فانه من رواية الحارس بن وجيه، وهو ضعيف، ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة، لانه ليس فيه الا غسل الشعر وانقاء البشر، وهذا صحيح ولا دليل على أن ذلك لا يكون الا بالتدلك، بل هو تام دون تدلك * وأما الخبر الذى فيه (خلل أصول الشعر وأنق البشر) فهو من رواية يحيى بن عنبسة عن حميد عن أنس، ويحيى بن عنبسة مشهور برواية الكذب، فسقط، ثم لو صح لما كان فيه الا إيجاب التخليل فقط، لا التدلك، وهذا خلاف قولهم، لانهم
__________
(1) في المصرية (من هذه الالزام) وهو تحريف (2) في المصرية (مكان التنازع) أما عكرمة فليس ساقطا ولا روي حديثا موضوعا (4) في المصرية (والاستنشاق والاستنثار) (5) في المصرية فإذا لم يصح(2/32)
لا يختلفون فيمن صب الماء على رأسه ومعك (1) بيديه دون أن يخلله أن يجزيه، فسقط تعلقهم بهذا الخبر ولله الحمد.
* وأما حديث (تأخذ إحداكن ماءها) فانه (2) من طريق ابراهيم بن مهاجر عن صفية عن عائشة، وابراهيم هذا ضعيف، ثم لو صح لما كان إلا عليهم لا لهم، لانه ليس فيه الا دلك شؤون رأسها فقط، وهذا خلاف قولهم، فسقط كل ما تعلقوا به من الاخبار * (3) وأما قولهم قسنا ذلك على غسل النجاسة، فالقياس كله باطل، ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل، لان حكم النجاسة يختلف، فمنها ما يزال بثلاثة أحجاز دون ماء، ومنها ما يزال بصب الماء فقط دون عرك، ومنها ما لابد من غسله وازالة عينه (4) فما الذى جعل غسل الجنابة أن يقاس علي بعض ذلك دون بعض؟! فكيف وهو فاسد على أصول أصحاب القياس، لان النجاسة عين تجب ازالتها، وليس في جلد الجنب عين تجب ازالتها، فظهر فساد قولهم جملة.
وبالله تعالى التوفيق * وأيضا فان عين النجاسة إذا زال بصب الماء فانه لا يحتاج فيها إلى عرك ولا دلك، بل يجزئ الصب، فهلا قاسوا غسل الجنابة على هذا النوع من ازاله النجاسة فهو أشبه به؟! إذ كلاهما لا عين هناك تزال وبالله تعالى التوفيق * وأما قولهم: ان قوله تعالى: (فاطهروا) دليل على المبالغة، فتخليط لا يعقل، ولا ندرى في أي شريعة وجدوا هذا أو في أي لغة؟! وقد قال تعالى في التيمم: (ولكن يريد ليطهركم) وهو مسح خفيف بأجماع منا ومنهم، فسقط كل ماموهوا به، ووضح ان التدلك لا معنى له في الغسل.
وبالله تعالى التوفيق.
وما نعلم لهم سلفا من الصحابة رضى الله عنهم في القول بذلك * 190 - مسألة - ولا معنى لتخليل اللحية في الغسل ولا في الوضوء، وهو قول
مالك وأبى حنيفة والشافعي وداود
__________
(1) المعك الدلك (2) في المصرية (فانها) وهو خطأ (3) في اليمنية (كل ما تعلقوا به من ذلك) (4) في المصرية (وازالة عينها)(2/33)
والحجة في ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع (1) ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد شعيب ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن سفيان الثوري ثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: (ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فتوضأ مرة مرة) * قال على: وغسل الوجه مرة لا يمكن معه بلوغ الماء إلى أصول الشعر، ولا يتم ذلك الا بترداد الغسل والعرك، وقال عزوجل: (فاغسلوا وجوهكم) والوجه هو ما واجه ما قابله (2) بظاهره، وليس الباطن وجها، * وذهب إلى ايجاب التخليل قوم، كما روينا عن مصعب بن سعد (3) أن عمر ابن الخطاب رأى قوما يتوضؤن، فقال خللوا، وعن ابنه عبد الله (4) أيضا مثل ذلك، وعن ابن جريح عن عطاء أنه قال.
اغسل أصول شعر اللحية، قال ابن جريج: قلت لعطاء: أيحق على أن ابل أصل (5) كل شعرة في الوجة؟ قال نعم، قال ابن جريج: وأن أزيد (6) مع اللحية الشاربين والحاجبين؟ قال: نعم، وعن ابن سابط وعبد الرحمن ابن أبى ليلى وسعيد بن جبير أيجاب تخليل اللحية في الوضوء والغسل، وروينا عن غير هؤلاء فعل التخليل دون أن يأمروا بذلك فروينا عن عثمان بن عفان انه توضأ فخلل لحيته، وعن عمار بن ياسر مثل ذلك، وعن عبد الله بن أبى أوفى وعن أبى الدرداء وعلي بن أبي طالب مثل ذلك، والى هذا كان يذهب أحمد بن حنبل، وهو قول أبى البخترى وأبي ميسرة وابن سيرين والحسن وأبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود وعبد الرزاق وغيره *
قال أبو محمد: واحتج من رأى ايجاب ذلك بحديث رويناه عن أنس: (أن
__________
(1) في المصرية (عبد الله بن وكيع) وهو خطأ (2) في اليمنية (من قابله) (3) في اليمنية (مصعب بن سعيد) وهو خطأ.
وهذا الاثر مرسل لان مصعب لم يدرك عمر بل اختلف في ادراكه عثمان (4) في اليمنية (وعن أبيه عبد الله) وهو تصحيف (5) في اليمنية (أيحق أن أبل) بحذف (على) (6) في اليمنية (وأنا أزيد) وهو خطأ ظاهر(2/34)
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فادخله تحت حنكه فخلل به لحيته، وقال بهذا أمرنى ربى).
وبحديث آخر عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اتانى جبريل) فقال: ان ربك يأمرك بغسل الفينك (والفينك الذقن) خلل لحيتك عند الطهور) - وعن ابن عباس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهر ويخلل لحيته، ويقول: هكذا أمرنى ربى).
ومن طريق وهب: (هكذا أمرنى ربي) * قال أبو محمد: وكل هذا لا يصح، ولو صح لقلنا به: أما حديث أنس فانه من طريق الوليد بن زوران ومجهول (1) والطريق الآخر فيها عمر بن ذؤيب (2) وهو مجهول، والطريق الثالثة من طريق مقاتل بن سليمان وهو مغموز بالكذب، والطريق الرابعة فيها الهيثم بن جماز (3) وهو ضعيف، عن يزيد الرقاشى وهو لا شئ، فسقطت كلها.
ثم نظرنا في حديث ابن عباس فوجدناه من طريق نافع مولى يوسف وهو ضعيف منكر الحديث، والاخرى فيها مجهولون لا يعرفون، والذى من طريق ابن وهب لم يسم فيه ممن بين ابن وهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحد (4)، فسقط كل ذلك * وأما من استحب التخليل فاحتجوا بحديث من طريق عثمان بن عفان: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته) وعن عمار بن ياسر مثل ذلك، وعن عائشة مثل ذلك، وعن عبد الله بن (5) أوفى مثل ذلك، وعن الحسن مثل ذلك، وعن أبى
أيوب مثل ذلك، وعن أنس مثل ذلك، وعن أم سلمة مثل ذلك، وعن جابر مثل
__________
(1) (زوران) بتقديم الزاي على الراء.
والوليد ليس مجهولا ذكره ابن حبان في الثقات.
وقال أبو داود: لا ندرى سمع من أنس أو لا.
(2) في المصرية (عمرو بن ذئب) وفي اليمنية (عمرو بن ذؤيب) وكلاهما خطأ والتصحيح من لسان الميزان.
قال العقيلى (عمر بن ذؤيب) عن ثابت مجهول وحديثه غير محفوظ ثم ساقه عن ثابت عن أنس في تخليل اللحية وقال بهذا أمرني ربي).
(3) في المصرية (حمان) وفي اليمنية (جمان) وكلاهما خطأ، وصوابه (جماز) بالجيم والزاي (4) هو نائب فاعل لم يسم (5) في اليمنية (عبيد الله بن ابى أوفي) وهو خطأ(2/35)
ذلك وعن عمرو بن الحارث (1) مثل ذلك * قال أبو محمد: وهذا كله لا يصح منه شئ: أما حديث عثمان فمن طريق اسرائيل وليس بالقوى، عن عامر بن شقيق وليس مشهورا بقوة النقل (2) وأما حديث عمار فمن طريق حسان بن بلال المزني وهو مجهول، وأيضا (3) فلا يعرف له لقاء لعمار وأما حديث عائشة فانه من طريق رجل مجهول لا يعرف من هو؟ شعبة يسميه عمرو بن أبي وهب.
وأمية بن خالد يسميه عمران بن أبى وهب (4).
وأما حديث ابن أبى أوفى فهو من طريق أبى الورقاء فائد بن عبد الرحمن (5) العطار وهو ضعيف أسقطه أحمد ويحيى والبخاري وغيرهم.
وأما حديث أبى أيوب فمن طريق واصل بن السائب وهو ضعيف، وأبو أيوب المذكور فيه ليس هو أبا أيوب الانصاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قاله ابن معين وأما حديث أنس فهو من طريق أيوب بن عبد الله وهو مجهول (6) وأما حديث أم سلمة فهو من طريق خالد بن الياس المدينى (7) من ولد أبى الجهم بن حذيفة العدوى وهو ساقط منكر الحديث، وليس هو خالد بن الياس الذى يروى
__________
(1) في المصرية (وعن عائشة) وفي اليمنية (وعن عمر بن الحارث) وكلاهما
خطأ، لان حديث عائشة سبق ذكره، والحديث حديث عمرو بن الحارث كما سيجئ في كلام المؤلف على كل هذه الاحاديث (2) قال ابن حجر في التهذيب: (صحح الترمذي حديثه في التخليل وقال في العلل الكبير: قال محمد أصح شئ في التخليل عندي حديث عثمان، قلت انهم يتكلمون في هذا فقال هو حسن، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم (3) في الاصلين (وهو مجهول أيضا) بحذف الواو، وزيادتها لازمة، لانه يعلله بجهل حال الراوى، وارسال الحديث لعدم لقائه من حدث عنه، فهما علتان لا علة واحدة.
وقال ابن حجر بعد حكاية كلام ابن حزم: (قوله مجهول مردود فقد روي عنه جماعة ووثقه ابن المديني وكفى به) (4) لم أجد له ترجمة (5) فائد بالفاء وفي اليمنية بالقاف وهو خطأ (6) هو الملاح.
له ترجمة في لسان الميزان (7) في الاصل (خالد بن الناس) بالنون وهو خطأ.
ولخالد ترجمة في التهذيب(2/36)
عنه شعبة، ذا بصرى ثقة.
وأما حديث جابر فهو من طريق أصرم بن غياث وهو ساقط البتة، لا يحتج به (1) وأما حديث الحسن وعمرو بن الحارث فمرسلان فسقط كل ما في هذا الباب * ولقد كان يلزم من يحتج بحديث معاذ: (اجتهد رأيى) ويجعله أصلا في الدين وباحاديث الوضوء بالنبيذ وبالوضوء من القهقهة في الصلاة، وبحديث بيع اللحم بالحيوان، ويدعى فيها الظهور والتواتر - أن يحتج بهذه الاخبار (2) فهى أشد ظهورا وأكثر تواترا - من تلك، ولكن القوم انما همهم نصر ما هم فيه في الوقت فقط * واحتج أيضا من رأى التخليل بأن قالوا: وجدنا الوجه يلزم غسله بلا خلاف قبل نبات اللحية، فلما نبتت ادعى قوم سقوط ذلك (3) وثبت عليه آخرون، فواجب
أن لا يسقط ما اتفقنا عليه الا بنص آخر أو إجماع * قال أبو محمد: وهذا حق، وقد سقط ذلك بالنص، لانه انما يلزم (4) غسله مادام يسمى وجها، فلما خفى بنبات الشعر سقط عنه اسم الوجه وانتقل هذا الاسم إلى ما ظهر على الوجه من الشعر، واذ سقط اسمه سقط حكمه وبالله تعالى التوفيق * 191 - مسألة - وليس على المرأة ان تخلل (5) شعر ناصيتها أو ضفائرها في غسل الجنابة فقط، لما ذكرناه قبل هذا ببابين في باب التدلك (6) وهو قول الحاضرين من المخالفين لنا * 192 - مسألة - ويلزم المرأة حل ضفائرها وناصيتها في غسل الحيض وغسل الجمعة والغسل من غسل الميت ومن النفاس * لما حدثناه يونس (7) بن عبد الله بن مغيث ثنا أبو عيسى بن أبى عيسى ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبى شيبة عن وكيع عن هشام بن
__________
(1) له ترجمة في لسان الميزان.
(2) في المصرية (فهو) وهذا خطأ (3) في اليمنية (سقوطها) وما هنا أحسن (4) في المصرية (انما الزم) (5) في المصرية (تحل) (6) في المسألة 189 (7) في المصرية (يوسف) وهو خطأ.
انظر المسألة 126 وغيرها من الكتاب(2/37)
عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في الحيض: (انقضي رأسك واغتسلي) * قال على: والاصل في الغسل الاستيعاب لجميع الشعر، وايصال الماء إلى البشرة بيقين، بخلاف المسح، فلا يسقط ذلك إلا حيث أسقطه النص، وليس ذلك إلا في الجنابة فقط، وقد صح الاجماع بان غسل النفاس كغسل الحيض * فان قيل: فان عبد الله بن يوسف حدثكم قال ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب ابن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبد بن حميد
عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبرى عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة أم المؤمنين قالت: (يا رسول الله انى امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ قال: لا) * قال علي: قوله ههنا راجع على الجنابة لا غير، وأما النقض في الحيض فالنص قد ورد به، ولو كان كذلك لكان الاخذ به واجب إلا أن حديث عائشة رضي الله عنها نسخ ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لها في غسل الحيض: (انقضى رأسك واغتسلي) فوجب الاخذ بهذا الحديث (1) * قال على: قلنا: نعم، إلا أن حديث هشام بن عروه عن عائشة - الوارد بنقض ضفرها في غسل الحيضة - هو زائد حكما ومثبت شرعا على حديث أم سلمة والزيادة لا يجوز تركها * قال أبو محمد: وقد روينا حديثا ساقطا عن عبد الملك بن حبيب عن عبد الله ابن عبد الحكم عن ابن لهيعة عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: في المرأة تغتسل من حيضة أو جنابة، (لا تنقض شعرها) وهذا حديث
__________
(1) هذه القطعة من أول قوله قال على: (قوله ههنا راجع إلى الجنابة) الخ إلى قوله (فوجب الاخذ بهذا الحديث) غير موجودة في اليمنية.
وحذفها في رأينا أولى من اثباتها، وما نرى لها موقعا مع ما سيجئ عقيبها في الاجابة عن حديث عائشة وان كان اجابة متكلفة(2/38)
لو لم يكن فيه إلا ابن لهيعة لكفى سقوطا، فكيف وفيه عبد الملك بن حبيب وحسبك (1) به، ثم لم يقل فيه أبو الزبير (حدثنا) وهو مدلس في جابر ما لم يقله * فان قيل: قسنا غسل الحيض على غسل الجنابة، قلنا القياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، لان الاصل يقين ايصال الماء إلى جميع
الشعر، وهم يقولون: ان ما خرج عن أصله لم يقس عليه، وأكثرهم يقول: لا يؤخذ به كما فعلوا في حديث المصراة، وخبر جعل الآبق، وغير ذلك * فان قيل: فان عائشة قد أنكرت نقض الضفائر، كما حدثكم عبد الله بن يوسف قال ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى (2) ثنا اسماعيل بن علية عن أيوب السختيانى عن أبى الزبير عن عبيد بن عمير قال: (بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو ابن العاصى يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن روسهن فقالت: يا عجبا لا بن عمرو هذا؟ يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن روسهن.
أو لا يأمرهن أن يحلقن رؤسهن؟ لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات * قال أبو محمد: هذا لا حجة علينا فيه لوجوه: أحدها أن عائشة رضى الله عنها لم تعن بهذا إلا غسل الجنابة فقط (3) وهكذا نقول (4)، وبيان ذلك إحالتها (5) في آخر الحديث على غسلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وهذا انما هو بلا شك للجنابة لا للحيض، والثانى أن لو صح فيه أنها أرادت الحيض لما كان علينا فيه حجة لاننا لم نؤمر بقبول رأيها، انما أمرنا بقبول روايتها، فهذا هو الفرض اللازم، والثالث أنه قد خالفها عبد الله بن عمرو، وهو صاحب، وإذا وقع التنازع، وجب الرد إلى
__________
(1) هو الاندلسي أبو مروان السلمي.
له ترجمة في التهذيب وقد تحامل عليه ابن احزم (2) في اليمنية: (يحيى بن أبي يحيى) وهو خطأ (3) في اليمنية (لم تعن بهذا الغسل الا الجنابة فقط) وما هنا أحسن: (4) في المصرية (وهكذا القول) (5) في اليمنية (وبيان ذلك ان احالتها)(2/39)
القرآن والسنة، لا إلى قول أحد المتنازعين دون الآخر، وفى السنة ما ذكرنا.
والحمد
لله رب العالمين * (1) 193 - مسألة - فلو انغمس من عليه غسل واجب - أي غسل كان - في ماء جار أجزأه إذا نوى به ذلك الغسل، وكذلك لو وقف تحت ميزاب ونوى به ذلك الغسل أجزأه، إذا عم جميع جسده.
لما قد ذكرنا من أن التدلك لا معنى له وهو قد تطهر واغتسل كما أمر، وهو قول أبى حنيفة وسفيان الثوري والاوزاعي والشافعي وأحمد وداود وغيرهم * 194 - مسألة - فلو انغمس من عليه غسل واجب في ماء راكد، ونوى الغسل أجزأه من الحيض ومن النفاس ومن غسل الجمعة ومن الغسل من غسل الميت ولم يجزه للجنابة، فان كان جبنا ونوى بانغماسه في الماء الراكد غسلا من هذه الاغسال ولم ينو غسل الجنابة، أو نواه، لم يجزه أصلا، لا للجنابة ولا لسائر الاغسال، والماء في كل ذلك طاهر بحسبه، قل أو كثر، مطهر له إذا تناوله، ولغيره على كل حال، وسواء في كل ما ذكرنا كان ماء قليلا في مطهرة أوجب أو بئر، أو كان غديرا راكدا فراسخ في فراسخ، كل ذلك سواء * برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب ابن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو الطاهر
__________
(1) تكلف ابن حزم تكلفا شديدا في التفصي من الحجة التي لزمته بحديث عائشة، وحاول محاولة غير مقبولة.
فتأوله بما لا يرضاه منصف لنفسه.
فان دعواه ان حديث عائشة في غسل الجنابة فقط دعوى لا دليل عليها.
ثم قاصمة الظهر دعواه ان هذا رأي لعائشة فلا حجة فيه إذا صح أنه في غسل الحيض - وقد عارضها ابن عمرو.
هذا مع انه يسلم أن اقرار الرسول صلى الله عليه وسلم عمل الصحابة حجة.
ولن يكون اقرار أكثر من اقراره عمل زوجة وهي تغتسل معه من اناء واحد.
فوقع فيما أكثر الطعن به على مخالفيه من نصرهم المسألة الحاضرة فقط.
والله الهادي إلى
سواء السبيل(2/40)
وهارون بن سعيد الايلى عن ابن وهب ثنا عمرو بن الحارث (1) عن بكير بن الاشج أن أبا السائب مولى هشام بن زهرة حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم (2) وهو جنب) فقيل: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولا) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن محمد بن عجلان قال سمعت أبى يحدث عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة) * حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن أبى دليم ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر ابن أبى شيبة ثنا على بن هاشم (3) عن ابن أبى ليلى عن أبى الزبير عن جابر قال: (كنا نستحب أن نأخذ من ماء الغدير ونغتسل به في ناحية) * قال أبو محمد: فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنب عن أن يغتسل في الماء الدائم - في رواية أبى السائب عن أبى هريرة - جملة، فوجب منه أن كل من اغتسل وهو جنب في ماء دائم، فقد عصى الله تعالى ان كان عالما بالنهي، ولا يجزيه لاى غسل (4) نواه، لانه خالف ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة * وهذا الحديث أعم من حديث ابن عجلان عن أبيه، لانه لو لم يكن إلا حديث ابن عجلان لاجزأ الجنب أن يغتسل في الماء الدائم لغير الجنابة، لكن العموم وزيادة العدل لا يحل خلافها * ومن رأى أن اغتسال الجنب في الماء الدائم لا يجزيه أبو حنيفة، الا أنه عم
__________
(1) في المصرية (عمر بن الحارث) وهو خطأ (2) في المصرية (الراكد)
(3) في اليمنية (على بن هشام) وهو خطأ، بل هو على بن هاشم بن البريد، وابن ابى ليلى هو محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى (4) في اليمنية (لا في غسل) واستظهر كاتبها بحاشيتها أن يكون (لاجل غسل) والصواب ما هنا(2/41)
بذلك كل غسل وكل وضوء، وخص بذلك ما كان دون الغدير الذى إذا حرك طرفه لم يتحرك الاخر، ورأى الماء يفسد بذلك، فكان ما زاد بذلك على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم - من عموم كل غسل - خطأ، ومن تنجيس الماء، وكان ما نقص بذلك من أمره عليه السلام - من تخصيصه بعض المياه الرواكد دون بعض -: خطأ، وكان ما وافق فيه أمره عليه السلام صوابا، وقاله أيضا الحسن بن حى، إلا أنه خص به ما دون الكر (1) من الماء، فكان هذا التخصيص خطأ (2) وقال به أيضا الشافعي إلا أنه خص به ما دون خمسماية رطل، فكان هذا التخصيص خطأ، وعم به كل غسل، فكان هذا الذى زاده خطأ، ورأى الماء لا يفسد، فأصاب، وكره مالك ذلك، وأجازه إذا وقع، فكان هذا منه خطأ، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) ومن المحال أن يجزئ غسل نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غسل أمر به، أبى الله أن تنوب المعصية عن الطاعة، وان يجزئ الحرام مكان الفرض * وقولنا هو قول أبي هريرة وجابر من الصحابة رضى الله عنهم، وما نعلم لهما (3) في ذلك مخالفا من الصحابة رضى الله عنهم * قال علي: فلو غسل الجنب شيئا من جسده في الماء الدائم لم يجزه، ولو أنه شعرة واحدة، لان بعض الغسل غسل، ولم ينه عليه السلام عن أن يغتسل غير الجنب في الماء الدائم، (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) (وما كان ربك نسيا)
فصح أن غير الجنب يجزيه أن يغتسل في الماء الدائم لكل غسل واجب أو غير واجب وبالله تعالى التوفيق * 195 - مسألة - ومن أجنب يوم الجمعة من رجل أو امرأة فلا يجزيه الاغسلان غسل ينوى به الجنابة ولا بد، وغسل أخر ينوى به الجمعة ولا بد، فلو غسل ميتا
__________
(1) الكر بفتح الكاف وتشديد الراء مكيال لاهل العراق مختلف في مقداره (2) في اليمنية (فكان هذا تخصيص خطأ) وهو لحن (3) في الاصلين (لهم) وفي اليمنية بحذف (في ذلك)(2/42)
أيضا لم يجزه إلا غسل ثالث ينوى به ولا بد، فلو حاضت أمرأة بعد أن وطئت فهى بالخيار ان شاءت عجلت الغسل للجنابة وأن شاءت أخرته حتى تطهر، فإذا طهرت لم يجزها إلا غسلان، غسل تنوى به الجنابة وغسل آخر تنوى به الحيض، فلو صادفت يوم جمعة وغسلت ميتا لم يجزها أربعة أغسال كما ذكرنا (1) فلو نوى بغسل واحد غسلين مما ذكرنا فاكثر، لم يجزه ولا لواحد منهما، وعليه أن يعيدهما، وكذلك ان نوى أكثر من غسلين، ولو أن كل من ذكرنا يغسل كل عضو من أعضائه مرتين - ان كان عليه غسلان - أو ثلاثا (2) - ان كان عليه ثلاثة أغسال (3) - أو أربعا - ان كان عليه أربعة أغسال - ونوى في كل غسلة الوجه الذى غسله له (4) أجزأه ذلك والا فلا، فلو أراد من ذكرنا، الوضوء، لم يجزه إلا المجئ بالوضوء بنية الوضوء مفردا عن كل غسل ذكرنا، حاشا غسل الجنابة وحده فقط، فانه إن نوى بغسل أعضاء الوضوء غسل الجنابة والوضوء معا أجزأه ذلك، فان لم ينو الا الغسل فقط لم يجزه للوضوء، ولو نواه للوضوء فقط لم يجزه للغسل، ولا يجزئ للوضوء ما ذكرنا إلا مرتبا على ما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى * برهان ذلك قول الله تعالى: (وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) وقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) فصح يقينا أنه مأمور بكل غسل من هذه الاغسال، فإذ قد صح ذلك فمن الباطل أن يجزئ عمل واحد عن عملين أو عن أكثر، وصح يقينا أنه ان نوى أحد (ما عليه من ذلك فانما له - بشهادة) رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادقة -: الذى نواه فقط وليس له ما لم ينوه، (5) فان نوى بعمله ذلك غسلين فصاعدا فقد خالف ما أمره به، لاأنه مأمور بغسل تام لكل وجه من الوجوه التى ذكرنا، فلم يفعل ذلك، والغسل لا ينقسم، فبطل عمله كله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) * وأما غسل الجنابة والوضوء فأنه أجزأ فيهما عمل واحد بنية واحدة لهما جميعا للنص
__________
(1) في المصرية (اربع اغتسالات) (2) في المصرية (أو ثلاث) وهو لحن (3) في المصرية (ثلاث اغتسالات) (4) في اليمنية (غسله به) (5) في اليمنية (الذى نوى فقط وليس له ما لم ينو)(2/43)
الوارد في ذلك، كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف ثنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه، ثم توضأ (1) كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيده، ثم يفيض الماء على جلده كله).
وهكذا رواه أبو معاوية وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة وغيرهم عن هشام عن أبيه عن عائشة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا على بن حجر السعدي ثنا عيسى بن يونس ثنا الاعمش عن سالم بن أبى الجعد عن كريب عن ابن عباس
قال: حدثتني خالتي ميمونة قالت.
(أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا، ثم أدخل يده في الاناء، ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الارض فدلكها دلكا شديدا، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات مل ء كفيه، (2) ثم غسل سائر جسده، ثم تنحي عن مقامه ذلك فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده) فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعد غسل أعضاء الوضوء في غسله للجنابة، ونحن نشهد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ضيع نية كل عمل افترضه الله عليه، فوجب ذلك في غسل الجنابة خاصة وبقيت سائر الاغسال على حكمها * قال أبو محمد: وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي يجزئ غسل واحد للجنابة والحيض، وقال بعض أصحاب مالك: يجزئ غسل واحد للجمعة والجنابة، وقال بعضهم.
ان نوي الجنابة لم يجزه من الجمعة، وان نوى الجمعة أجزأه، من الجنابة: * قال على وهذا في غاية الفساد، لان غسل الجمعة عندهم تطوع، فكيف يجزئ تطوع عن فرض؟ أم كيف تجزى نية في فرض لم تخلص وأضيف إليها نية تطوع؟
__________
(1) في اليمنية (يتوضأ) (2) في اليمنية (كفه) بالافراد(2/44)
ان هذا لعجب! * قال على: واحتجوا في ذلك بأن قالوا: وجدنا وضوءا واحدا وتيمما واحد يجزئ عن جميع الاحداث الناقضة للوضوء، غسلا واحدا يجزئ عن جنابات كثيرة، وغسلا واحدا يجزئ عن حيض أيام، (1) وطوافا واحدا (2) يجزئ عن عمرة وحج في القران، فوجب أن يكون كذلك كل ما يوجب الغسل * قال أبو محمد: وهذا قياس والقياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، لانه لو صح القياس لم يكن القياس لان يجزئ غسل واحد (3) عن غسلين مأمور
بهما على ما ذكروا في الوضوء -: بأولى من أن يقاس حكم من عليه غسلان على من عليه يومان من شهر رمضان، (4) أو رقبتان عن ظهارين، أو كفارتان (5) عن يمينين، أو هديان عن متعتين، أو صلاتا ظهر من يومين، أو درهمان من عشرة دراهم عن مالين مختلفين، فيلزمهم أن يجزئ في كل ذلك صيام يوم واحد، ورقبة واحدة، وكفارة واحدة، وهدى واحد، وصلاة واحدة ودرهم واحد، وهكذا في كل شئ من الشريعة (6) وهذا ما لا يقوله أحد، فبطل قياسهم الفاسد * ثم نقول لهم وبالله تعالى التوفيق: أما الوضوء فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ) وسنذكره ان شاء الله تعالى باسناده في باب الحدث في الصلاة، فصح بهذا الخبر أن الوضوء من الحدث جملة، فدخل في ذلك كل حدث، وقال تعالى: (وان كنتم جنبا فاطهروا) فدخل في ذلك كل جنابة، وصح أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء واحد للصلاة من كل حدث سلف، من نوم وبول وحاجة المرء وملامسة، وأنه عليه السلام كان يطوف على نسائه بغسل واحد،
__________
(1) في المصرية (يجزئ عن غسل حيض أيام) وهو خطأ (2) في الاصلين (وطواف واحد) بالرفع وهو لحن (3) في المصرية (لان يجزئ واحد) وما هنا أصح (4) في اليمنية (من أن شهر رمضان) وزيادة (أن) خطأ (5) في المصرية (أو كفارتان) وهو خطأ فاحش (6) في المصرية (من الشرعية)(2/45)
كما حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا ابن أبى دليم ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر ابن أبى شيبه ثنا هشيم ثنا حميد الطويل عن أنس.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه، في ليلة بغسل واحد) *
وأما - طواف واحد وسعى واحد في القرآن عن الحج والعمرة، فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طواف واحد يكفيك لحجك وعمرتك.
) وقوله عليه السلام: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) * والعجب كله من أبى حنيفة إذ يجزئ (1) عنده غسل واحد عن الحيض والجنابة والتبرد، ولا يجزئ عنده للحج والعمرة في القرآن الا طوافان وسعيان، وهذا عكس الحقائق وابطال السنن (2) * قال أبو محمد: (وممن قال بقولنا جماعة من السلف كما روينا عن عبد الرحمن ابن مهدى، قال: ثنا حبيب وسفيان الثوري و عبد الله بن المبارك وعبد الاعلى وبشر بن منصور (3) قال حبيب عن عمرو بن هرم (4) قال: سئل جابر بن زيد - هو ابو الشعثاء - عن المرأة تجامع ثم تحيض؟ قال: عليها أن تغتسل يعنى للجنابة (5) وقال سفيان عن ليث والمغيرة بن مقسم (6) وهشام بن حسان، قال ليث: عن طاوس، وقال المغيرة عن ابراهيم النخعي، وقال هشام عن الحسن، قالوا كلهم في المرأة تجنب ثم تحيض: أنها تغتسل، يعنون للجنابة، وقال ابن المبارك عن الحجاج عن ميمون بن مهران وعمرو بن شعيب في المرأة تكون جنبا ثم تحيض قالا جميعا: تغتسل، يعنيان للجنابة، قال: وسألت عنها الحكم بن عتيبة (7) قال: تصب عليها الماء، غسلة دون غسلة، وقال عبد الاعلى ثنا معمر ويونس بن عبيد وسعيد ابن أبى عمرويه (8) قال معمر عن الزهري، وقال يونس عن الحسن وقال سعيد عن
__________
(1) في اليمنية (أن يجزئ) (2) في المصرية (عكس للحقائق وابطال للسنن) (3) في اليمنية (بشير وهو خطأ (4) في المصرية (عمر) وهو خطأ (5) في اليمنية من الجنابة (6) في اليمنية والمغيرة بن مقيم وهو خطأ (7) في اليمنية (عيينة) وهو خطأ (8) في اليمنية (وعن سعيد بن أبي عروبة) وهو خطأ(2/46)
قتادة، قالوا كلهم في المرأة تجامع ثم تحيض، أنها تغتسل لجنابتها وقال بشر بن منصور عن ابن جريج عن عطاء بن أبى رباح في المرأة تجامع ثم تحيض أنها تغتسل فان أخرت فغسلان عند طهرها.
فهولاء جابر بن زيد والحسن وقتادة وابراهيم النخعي والحكم وطاوس وعطاء وعمرو بن شعيب والزهرى وميمون بن مهران، وهو قول داود وأصحابنا * 196 - مسألة - ويكره للمغتسل أن يتنشف في ثوب غير ثوبه الذي يلبس فان فعل فلا حرج، ولا يكره ذلك في الوضوء * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن مفرج ثنا ابن السكن ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا موسى ثنا أبو عوانة ثنا الاعمش عن سالم بن أبى الجعد عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة بنت الحارث قالت: (وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسلا وسترته - فذكرت صفة غسله عليه السلام قالت - وغسل رأسه ثم صب على جسده، ثم تنحى فغسل قدميه، فناولته خرقة، فقال بيده وهكذا ولم يردها * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا هشام ثنا أبو مروان ومحمد بن المثنى قالا حدثنا الوليد بن مسلم ثنا الاوزاعي سمعت يحيى بن أبى كثير (1) يقول حدثنى محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زراره عن قيس ابن سعد (2) قال (زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا - فذكر الحديث وفيه - وان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر له سعد بغسل فاغتسل، ثم ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورس فاشتمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال أبو محمد هذا لا يضاد الاول، لانه عليه السلام اشتمل فيها فصارت لباسه (3) حينئذ وقال بهذا بعض السلف، كما روينا عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء: أنه سئل عن المنديل المهذب: أيمسح به الرجل الماء؟ فأبى أن يرخص فيه،
__________
(1) في المصرية (يحيى بن كثير) وهو خطأ (2) في اليمنية بحذف (عن قيس بن سعد) (3) تصحفت الكلمة على ناسخ النسخة المصرية فكتبها (لنا سنة) وهو تصحيف طريف لكنه لا معنى له *(2/47)
وقال: هو شئ أحدث، قلت: أرأيت ان كنت أريد أن يذهب عنى المنديل يرد الماء! قال: فلا بأس به اذن، ولم ينه عليه السلام عن ذلك في الوضوء فهو مباح فيه (1) 197 - مسألة - وكل غسل ذكرنا فللمرء أن يبدأ به من رجليه أو من أي أعضائه شاء، حاشا غسل الجمعة والجنابة، فلا يجزئ فيهما الا البداءة بغسل الرأس أولا ثم الجسد، فان انغمس في ماء فعليه ان ينوي البداءة برأسه ثم بجسده ولا بد * برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى قد ذكرناه باسناده: (حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما، يغسل رأسه وجسده)) وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ابدؤا بما بدأ الله به) وسنذكره في ترتيب الوضوء باسناده ان شاء الله تعالى، وقد بدا عليه السلام بالرأس قبل الجسد، وقال تعالى: (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى)، فصح أن ما ابتدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في نطقه فعن وحي اتاه من عند الله تعالى، فالله تعالى هو الذى بدأ بالذى بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم * 198 - مسألة - وصفة الوضوء أنه ان كان انتبه من نوم فعليه أن يغسل يديه ثلاثا كما قد ذكرنا قبل، وأن يستنشق وأن يستنثر ثلاثا، ليطرد الشيطان عن خيشومه كما قد وصفنا، وسواء تباعد ما بين نومه ووضوئة أم لم يتباعد، فان كان قد فعل كل ذلك فليس عليه أن يعيد ذلك الوضوء من حدث غير النوم، فلو صب على يديه من اناء دون أن يدخل يده فيه لزمه غسل يده أيضا ثلاثا ان قام من نومه، ثم نختار له
ان يتمضمض ثلاثا، وليست المضمضة فرضا، وان تركها فوضوؤه تام وصلاته تامة، عمدا تركها أو نسيانا، ثم ينوى وضوءه للصلاة كما قدمنا، ثم يضع الماء في انفه ويجبذه (2)
__________
(1) لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في خبر صحيح نهي عن المنديل بعد الغسل ولا بعد الوضوء ولا يفهم أحد من رده المنديل بعد الغسل أنه كره ذلك.
ومن فهم هكذا فانما اشتبه عليه وجه الحق.
وظاهر من مثل هذا أنه انما رده لعدم الحاجة إليه.
لا أنه مكروه شرعا (2) في اليمنية (ويحتديه) وهو خطأ(2/48)
بنفسه ولا بد، ثم ينثره بأصابعه ولا بد مرة، فان فعل الثانية والثالثة فحسن، وهما فرضان لا يجزئ الوضوء ولا الصلاة دونهما، لا عمدا ولا نسيانا، ثم يغسل وجهه من حد منابت الشعر في أعلى الجبهة إلى أصول الاذنين معا إلى منقطع الذقن، ويستحب أن يغسل ذلك ثلاثا أو اثنتين وتجزئ مرة، وليس عليه أن يمس الماء ما انحدر من لحيته تحت ذقنه، ولا أن بخلل لحيته، ثم يغسل ذراعيه من منقطع الاظفار إلى أول المرافق مما يلى الذراعين، فان غسل ذلك كله ثلاثا فحسن، ومرتين حسن، وتجزئ مرة، ولا بد ضرورة من أيصال الماء بيقين إلى ما تحت الخاتم بتحريكه عن مكانه، ثم يمسح رأسه كيفما مسحه اجزأه وأحب الينا ان يعم رأسه بالمسح، فكيفما مسحه بيديه (1) أو بيد واحدة أو باصبع واحدة أجزأه.
فلو مسح بعض رأسه أجزأه وان قل، ونستحب أن يمسح رأسه ثلاثا أو مرتين وواحدة تجزئ، وليس علي المرأة والرجل مس ما انحدر (2) من الشعر عن منابت الشعر على القفا والجبهة، ثم يستحب له مسح أذنيه، ان شاء بما مسح به رأسه وان شاء بماء جديد، ويستحب تجديد الماء لكل عضو، ثم يغسل رجليه من مبتدأ منقطع الاظفار إلى آخر الكعبين مما يلى الساق، فان غسل ذلك ثلاثا فحسن، ومرتين حسن ومرة تجزئ، وتستحب تسمية الله تعالى على الوضوء، وان لم يفعل فوضوؤه تام *
أما قولنا في المضمضة فلم يصح بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر، وانما هي (3) فعل فعله عليه السلام، وقد قدمنا أن أفعاله صلى الله عليه وسلم ليست فرضا، وانما فيها الايتساء به عليه السلام، لان الله تعالى انما أمرنا بطاعة أمر نبيه عليه السلام ولم يأمرنا بأن نفعل أفعاله، قال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) وقال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)
__________
(1) في المصرية (بيده) وهو خطأ (2) في المصرية (ما ينحدر) (3) في المصرية (هو)(2/49)
وأما الاستنشاق والاستنثار فان عبد الله بن ربيع حدثنا قال ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن منصور ثنا سفيان - هو ابن عيينة - عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر)، ورويناه أيضا من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة مسندا، ومن طريق سلمة بن قيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال علي: قال مالك والشافعي: ليس الاستنشاق والاستنثار فرضا في الوضوء ولا في الغسل من الجنابة، وقال أبو حنيفة.
هما فرض في الغسل من الجنابة وليس فرضا في الوضوء، وقال أحمد بن حنبل وداود: الاستنشاق والاستنثار فرضان في الوضوء وليسا فرضين في الغسل من الجنابة (1)، وليست المضمضة فرضا لا في الوضوء ولا في غسل الجنابة وهذا هو الحق (2) * وممن صح عنهم الامر بذلك جماعة من السلف.
روينا عن على بن أبى طالب إذا توضأت فانثر فأذهب ما في المنخرين من الخبث، وعن شعبة قال حماد بن أبي سليمان فيمن نسى أن يمضمض ويستنشق قال: يستقبل (3) وعن شعبة عن الحكم ابن عتيبة فيمن صلى وقد نسى أن يمضمض ويستنشق قال: أحب إلى أن يعيد -
يعنى الصلاة - وعن وكيع عن سفيان الثوري عن مجاهد: الاستنشاق شطر الوضوء، وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبى سليمان وابن أبى ليلى قالا جميعا: إذا نسى المضمضة والاستنشاق في الوضوء أعاد يعنون (4) الصلاة - وعن
__________
(1) في اليمنية (الاستنشاق والاستنثار فرضان وليس فرضين في غسل الجنابة) وهو سقط ظاهر (2) هنا بهامش اليمنية ما نصه (وقال شيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي رحمه الله تعالى: احتجاجه ب (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة) يدل على أن أفعاله تتأكد فينا، وفي حديث رواه أبو داود في مسنده باسناد حسن: إذا توضأت فتمضمض.
(3) يعني يعيد الوضوء، ووقع في الاصلين (بعمل) بدون اعجام وهو خطأ (4) كذا في الاصلين، واستظهر بحاشية اليمنية انه (يعنيان) وهو أظهر(2/50)
عبد الرزاق عن معمر الزهري من نسي المضمضة والاستنشاق في الوضوء أعاد - يعني الصلاة - وعن ابن أبى شيبة عن أبى خالد الاحمر عن هشام عن الحسن في المضمضة والاستنشاق والاستنثار وغسل الوجه واليدين والرجلين: ثنتان تجزيان وثلاث أفضل * قال على وشغب قوم بان الاستنشاق والاستنثار ليسا مذكورين في القرآن وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتم صلاة أحدكم حتى يتوضأ كما أمره الله تعالى) * قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لان الله تعالى يقول: (من يطع الرسول فقط أطاع الله) فكل ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله تعالى أمر به.
* وأما قولنا في الوجه، فانه لا خلاف في أن الذي قلنا فرض غسله قبل خروج اللحية، فإذا خرجت اللحية فهى مكان ما سترت، ولا يسقط غسل شئ يقع عليه اسم الوجه بالدعوى، ولا يجوز أن يؤخذ بالرأى فرق بين ما يغسل الامرد من وجهه والكوسج
والالحى (1) وأما ما انحدر عن الذقن من اللحية وما انحدر عن منابت الشعر من القفا والجبهة فانما أمرنا عزوجل لغسل الوجه ومسح الرأس (2) وبالضرورة يدرى كل أحد أن رأس الانسان ليس في قفاه، وأن الجبهة من الوجه المغسول، لا حظ فيها للرأس الممسوح، وأن الوجه ليس في العنق ولا في الصدر، فلا يلزم في كل ذلك شئ، إذ لم يوجبه قرآن ولا سنة، * وأما قولنا في غسل الذراعين وما تحت الخاتم والمرفقين، فان الله تعالى قال: (وأيديكم إلى المرافق) فمن ترك شيئا ولو قدر شعرة مما أمر الله تعالى بغسله فلم يتوضأ كما أمره الله تعالى، ومن لم يتوضأ كما أمره الله تعالى فلم يتوضأ أصلا، ولا صلاة له فوجب ايصال الماء بيقين إلى ما ستر الخاتم من الاصبع، وأما المرافق فان (إلى) في لغة العرب التى بها نزل القرآن تقع على معنيين، تكون بمعنى الغاية، وتكون بمعنى مع، قال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) بمعني مع أموالكم، فلما كانت تقع (إلى) على هذين المعنيين وقوعا صحيحا مستويا، لم يجز أن يقتصر بها على أحدهما دون
__________
(1) الكوسج هو الذى لم ينبت له لحية: قال الازهرى لا أصل له في العربية: وقيل معرب والالحى (2) في المصرية (ويمسح الرأس ويغسل الوجه)(2/51)
الآخر، فيكون ذلك تخصيصا لما تقع عليه بلا برهان، فوجب أن يجزئ غسل الذراعين إلى اول المرفقين بأحد المعنيين، فيجزئ فان غسل المرافق فلا بأس أيضا.
* وأما قولنا في مسح الرأس فان الناس اختلفوا.
فقال مالك بعموم مسح الرأس في الوضوء، وقال أبو حنيفة يمسح من الرأس فرضا مقدار ثلاث أصابع، وذكر عنه تحديد الفرض مما يمسح من الرأس بأنه ربع الرأس وأنه ان مسح رأسه بأصبعين أو بأصبع لم يجزه ذلك، فان مسح بثلاث أصابع أجزأه، وقال سفيان الثوري: يجزئ من الرأس مسح بعضه ولو شعرة واحدة، ويجزئ مسحه باصبع وببعض أصبع،
وحد أصحاب الشافعي ما يجزئ من مسح الرأس بشعرتين، ويجزئ بأصبع وببعض أصبع وأحب (1) ذلك إلى الشافعي العموم بثلاث مرات، وقال أحمد بن حنبل يجزئ المرأة أن تمسح بمقدم رأسها وقال الاوزاعي والليث: يجزئ مسح مقدم الرأس فقط ومسح بعضه كذلك، وقال داود: يجزئ من ذلك ما وقع عليه اسم مسح، وكذلك بما مسح من أصبع أو أقل أو أكثر وأحب إليه العموم ثلاثا وهذا هو الصحيح، وأما الاقتصار على بعض الرأس فان الله تعالى يقول (وامسحوا برءوسكم) والمسح في اللغة التي نزل بها القرآن هو غير الغسل بلا خلاف، والغسل يقتضى الاستيعاب، والمسح لا يقتضيه * حدثنا حمام بن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبى ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا التيمى (2) هو سليمان - عن بكر بن عبد الله المزني عن الحسن - هو البصري - عن ابن المغيرة ابن شعبة - هو حمزة - عن أبيه: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته ومسح على الخفين والعمامة) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا مسدد عن المعتمر بن سليمان التيمى قال: سمعت أبى يحدث عن بكر بن عبد الله
__________
(1) في اليمنية (واجب) وهو تصحيف (2) في المصرية (التميمي وهو خطأ(2/52)
المزني عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه: (أن رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين وعلى ناصيته وعلى عمامته) قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة: وممن قال بهذا جماعة من السلف، روينا عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع (2) عن ابن عمر: أنه كان يدخل يده في الوضوء فيمسح به مسحة واحدة،
اليافوخ فقط.
ورويناه أيضا (3) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر.
وعن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير: أنها كانت تمسح عارضها الايمن بيدها اليمنى، وعارضها الايسر بيدها اليسرى من تحت الخمار، وفاطمة هذه أدركت جدتها أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها وروت عنها.
وعن وكيع عن قيس عن أبي هاشم عن النخعي قال: إن أصاب هذا يعنى مقدم رأسه وصدغيه أجزأه يعنى في الوضوء وعن وكيع عن اسماعيل الازرق عن الشعبى قال: ان مسح جانب رأسه أجزأه.
وروى أيضا عن عطاء وصفية بنت أبى عبيد (4) وعكرمة والحسن وأبي العالية وعبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهم * قال أبو محمد: ولا يعرف عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم خلاف لما رويناه عن ابن عمر في ذلك، ولا حجة لمن خالفنا فيمن روى عنه من الصحابة وغيرهم مسح جميع رأسه، لاننا لا ننكر ذلك بل نستحبه، وانما نطالبهم بمن (5) أنكر الاقتصار على بعض الرأس في الوضوء فلا يجدونه * قال علي: ومن خالفنا في هذا فانهم يتناقضون، فيقولون في المسح على الخفين: إنه خطوط لا يعم الخفين، فما الفرق بين مسح الخفين ومسح الرأس؟ وأخرى.
وهى (6) أن يقال لهم: ان كان المسح عندكم يقتضى العموم فهو والغسل سواء، وما الفرق بينه
__________
(1) في اليمنية أن نبي الله (2) في اليمنية (عن رافع) وهو خطأ (3) في المصرية (وروينا من طريق) وهو سقط (4) في اليمنية (بنت عبيدة) وهو خطأ (5) في المصرية (فيمن) وهو خطأ (6) في الاصلين (وهم) وهو خطأ، لان المراد وحجة عليهم أخرى وهي ما سيذكره.(2/53)
وبين الغسل؟ وان كان كذلك (1) فلم تنكرون مسح الرجلين في الوضوء وتأبون إلا غسلهما ان كان كلاهما يقتضى العموم؟ وأيضا فانكم لا تختلفون في أن غسل الجنابة يلزم تقصى الرأس بالماء، وأن ذلك لا يلزم في الوضوء، فقد أقررتم بأن المسح بالرأس خلاف الغسل، وليس هنا فرق إلا أن المسح لا يقتضى العموم فقط، وهذا ترك لقولكم (2).
وأيضا فما تقولون فيمن ترك بعض شعرة (3) واحدة في الوضوء فلم يمسح عليها؟ فمن قولهم: إنه يجزيه، وهذا ترك منهم لقولهم.
فان قالوا: انما نقول بالاغلب، قيل لهم: فترك شعرتين أو ثلاثا؟ وهكذا أبدا، فان حدوا حدا قالوا بباطل لا دليل عليه، وان تمادوا صاروا إلى قولنا، وهو الحق * فان قالوا يسن عم رأسه فقد صح أنه توضأ، ومن لم يعمه فلم يتفق (4) على أنه توضأ، قلنا لهم، فأوجبوا بهذا الدليل نفسه الاستنشاق فرضا والترتيب فرضا، وغير ذلك مما فيه ترك لجمهور مذهبهم * فان قالوا: مسحه عليه السلام مع ناصيته على عمامته يدل على العموم، قلنا: هذا أعجب شئ، لانكم لا تجيزون ذلك من فعل من فعله، فكيف تحتجون بما لا يجوز عندكم، وأيضا فمن لكم بأنه فعل واحد؟ بل هما فعلان متغايران على ظاهر الاخبار في ذلك * وأما تخصيص أبى حنيفة لربع الرأس أو لمقدار ثلاثة أصابع ففاسد، لانه قول لا دليل عليه، فان قالوا: هو مقادر الناصية، قلنا لهم: ومن لكم (5) بأن هذا هو مقدار الناصية؟ والاصابع تختلف، وتحديد ربع الرأس يحتاج إلى تكسير ومساحة، وهذا باطل، وكذلك قولهم في منع المسح بأصبع أو باصبعين.
فان قالوا: انما أردنا أكثر اليد، قلنا لهم: أنتم لا توجبون المسح باليد فرضا، بل تقولون انه لو وقف (6)
__________
(1) في المصرية (وان كان ذلك) (2) في المصرية (لقولهم) وهو خطأ لان المقام مقام خطاب
(3) في اليمنية (فما تقولون ان نقص بعض شعرة) وما هنا أحسن (4) في المصرية (فلم يتيقن) وهو خطأ (5) في اليمنية (ومن أين لكم) (6) في اليمنية (انه ان وقف)(2/54)
تحت ميزاب فمس الماء منه مقدار ربع رأسه أجزأه، فظهر فساد قولهم.
ويسألون أيضا عن قولهم بأكثر اليد؟ فانهم (1) لا يجدون دليلا على تصحيحه، وكذلك يسألون عن اقتصارهم على مقدار الناصية؟ فان قالوا: اتباعا للخبر في ذلك، قيل لهم: فلم تعديتم الناصية إلى مؤخر الرأس؟ وما الفرق بين تعديكم الناصية إلى غيرها وبين تعدى مقدارها إلى غير مقدارها؟ * وأما قول الشافعي فان النص لم يأت بمسح الشعر فيكون ما قال من مراعاة عدد الشعر، وانما جاء القرآن بمسح الرأس، فوجب أن لا يراعى الا ما يسمى مسح الرأس فقط (2)، والخبر الذي ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك هو بعض ما جاء به القرآن، فالآية أعم من ذلك الخبر، وليس في الخبر منع من استعمال الآية، ولا دليل على الاقتصار على الناصية فقط.
وبالله تعالى التوفيق * 199 - مسألة - وأما مسح الاذنين فليسا فرضا، ولا هما من الرأس لان الآثار في ذلك واهية كلها، قد ذكرنا فسادها في غير هذا المكان، ولا يختلف أحد في أن البياض الذي بين منابت الشعر من الرأس وبين الاذنين ليس هو من الرأس في حكم الوضوء، فمن المحال أن يكون يحول بين أجزاء رأس الحى عضو ليس من الرأس، وأن يكون بعض رأس الحى مباينا لسائر رأسه، وأيضا فلو كان الاذنان من الرأس لوجب حلق شعرهما في الحج، وهم لا يقولون هذا، وقد ذكرنا البرهان على صحة الاقتصار على بعض الرأس في الوضوء، فلو كان الاذنان من الرأس لا جزأ أن يمسحا عن مسح الرأس، وهذا لا يقوله أحد، ويقال لهم: ان
كانتا من الرأس فما بالكم تأخذون لهما ماء جديدا وهما بعض الرأس؟ وأين رأيتم (3) عضوا يجدد لبعضه ماء غير الماء الذي مسح به سائره.
ثم لو صح الاثر أنهما من
__________
(1) في المصرية (بأنهم) وهو خطأ (2) هنا بهامش اليمنية ما نصه (الصحيح أن قول الشافعي رحمه الله لا يتقدر بثلاث شعرات، بل الواجب عنده ما يقع عليه اسم المسح، كقول سفيان الثوري وداود ومن معهما كما اختاره ابن حزم (3) في المصرية (وأين رأيتكم)(2/55)
الرأس، لما كان علينا في ذلك نقض لشئ من أقوالنا وبالله تعالى التوفيق * 200 - مسألة - وأما قولنا في الرجلين فان القرآن نزل بالمسح، قال الله تعالى (وامسحوا برءوسكم وأرجلكم) وسواء قرئ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال (1) عطف على الرؤوس: إما على اللفظ وإما على الموضع، لا يجوز غير ذلك، لانه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة.
وهكذا جاء عن ابن عباس: نزل القرآن بالمسح - يعني في الرجلين في الوضوء * وقد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السلف، منهم علي بن أبى طالب وابن عباس والحسن وعكرمة والشعبي وجماعة غيرهم، وهو قول الطبري، ورويت في ذلك آثار * منها أثر من طريق همام عن اسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة ثنا علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه - هو رفاعة بن رافع - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (انها لا يجوز صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عزوجل ثم يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين) * وعن اسحاق بن راهويه ثنا عيسى بن يونس (2) عن الاعمش عن عبد خير
عن علي (كنت أرى باطن القدمين أحق بالمسح حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهرهما) * قال علي بن أحمد: وانما قلنا بالغسل فيهما لما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا أبو عوانة، عن أبى بشر عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمر وبن العاص قال: (تخلف النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فادركنا وقد أرهقنا (3) العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته ويل للاعقاب من النار، مرتين أو ثلاثا) *
__________
(1) في المصرية (هي كل حال) بحذف (على) (2) في المصرية عيسى بن يوسف وهو خطأ (3) في المصرية (راهقنا) (4) انظر ضبطه وترجمة في المسألة 149(2/56)
كتب إلى سالم بن أحمد قال ثنا عبد الله بن سعيد الشنتجالى ثنا عمر (1) بن محمد السجستاني ثنا محمد بن عيسى الجلودى ثنا ابراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم ابن الحجاج ثنا إسحاق بن راهويه ثنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن منصور - - هو ابن المعتمر - عن هلال بن أساف (2) عن أبى يحيى (3) - هو مصدع الاعرج - عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر، فتوضؤا وهم عجال، فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويل للاعقاب من النار، أسبغوا الوضوء) فأمر عليه السلام باسباغ الوضوء في الرجلين، وتوعد بالنار على ترك الاعقاب، * فكان هذا الخبر زائدا على ما في الآية، وعلى الاخبار التى ذكرنا، وناسخا لما فيها، ولما في الآية والاخذ بالزائد واجب، ولقد كان يلزم من يقول بترك الاخبار
للقرآن أن يترك هذا الخبر للآية ولقد كان يلزم من يترك الاخبار الصحاح للقياس أن يترك هذا الخبر، لاننا وجدنا الرجلين يسقط حكمهما في التيمم، كما يسقط الرأس، فكان حملهما على ما يسقطان (4) بسقوطه ويثبتان بثباته أولى من حملهما على مالا يثبتان بثباته، وأيضا فالرجلان مذكوران مع الرأس، فكان حملهما على ما ذكرا معه أولى من حملهما على ما لم يذكرا معه، وأيضا فالرأس طرف والرجلان طرف، فكان قياس الطرف على الطرف أولى من قياس الطرف على الوسط، وأيضا فانهم يقولون بالمسح على الخفين فكان تعويض المسح من المسح أولى من تعويض المسح من الغسل، وأيضا فأنه لما جاز المسح على ساتر للرجلين (5) ولم يجز على ساتر دون الوجه والذراعين دل - على أصول أصحاب القياس - أن أمر الرجلين أخف من أمر الوجه والذراعين،
__________
(1) في المصرية (عمرو) بفتح العين وهو خطأ (2) في اليمنية (يسار) وهو خطأ (3) في المصرية (عن ابن يحيى) وهو خطأ (4) في اليمنية (يسقط) (5) في اليمنية (على ساتر الرجلين(2/57)
فإذ ذلك كذلك فليس إلا المسح ولا بد، فهذا أصح قياس في الارض لو كان القياس حقا * وقد قال بعضهم: قد سقط حكم الجسد في التيمم ولم يدل ذلك على أن حكمه المسح * قال أبو محمد: فنقول: صدقت، وهذا يبطل قولكم بالقياس، ويريكم تفاسده كله، وبالله تعالى التوفيق.
وهكذا كل ما رمتم الجمع بينهما بالقياس - لا جتماعهما في بعض الصفات - فانه لا بد فيهما من صفة يفترقان فيها * قال علي: وقال بعضهم: لما قال الله تعالى في الرجلين: (إلى الكعبين) كما قال
في الايدي: (إلى المرافق) دل على أن حكم الرجلين حكم الذراعين، قيل له: (1) ليس ذكر المرفقين والكعبين دليلا على وجوب غسل ذلك، لانه تعالى قد ذكر الوجه ولم يذكر في مبلغه حدا، وكان حكمه الغسل، لكن لما أمر الله تعالى في الذراعين بالغسل (2) كان حكمهما الغسل، وإذا لم يذكر ذلك في الرجلين وجب أن لا يكون حكمهما ما لم يذكر فيهما الا أن يوجبه نص آخر * قال على: والحكم للنصوص لا للدعاوى والظنون.
وبالله تعالى التوفيق * 201 - مسألة - وكل ما لبس على الرأس من عمامة أو خمار أو قلنسوة أو بيضة أو مغفر أو غير ذلك: - أجزأ المسح عليها، المرأه والرجل سواء في ذلك، لعلة أو غير علة (3) * برهان ذلك حديث المغيرة الذى ذكرنا آنفا، حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا احمد بن سعيد بن حزم ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن احمد بن حنبل حدثني الحكم بن موسى ثنا بشر بن اسماعيل عن الاوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير (4) حدثني أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف - حدثني
__________
(1) كلمة (له) سقطت من المصرية (2) كلمة (بالغسل) سقطت من المصرية (3) في اليمنية (المرأة والرجل سواء ذلك العلة ولغير علة) (4) في اليمنية (عن أبي يحيى بن ابي كثير) وهو خطأ(2/58)
عمرو بن أمية الضمري: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والعمامة) ورويناه من طريق البخاري عن عبدان عن عبد الله بن داود الخيربي (1) عن الاوزاعي عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمرى عن أبيه.
وهذا قوة للخبر لان أبا سلمة سمعه من عمرو بن أمية الضمرى سماعا، وسمعه أيضامن جعفر ابنه عنه (2) كما فعل بكر بن عبد الله المزني
الذى سمع حديث المغيرة من حمزة بن المغيرة (3) وسمعه أيضا من الحسن (4) عن حمزة * وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا ابو بكر بن أبى شيبة وأبو كريب محمد بن العلاء (5) واسحاق بن ابراهيم - هو ابن راهويه قال أبو بكر وأبو كريب: ثنا معاوية وقال ابن راهويه، ثنا عيسى بن يونس، ثم اتفق أبو معاوية وعيسى كلاهما عن الاعمش عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار) وروينا أيضا من طريق أبى ادريس الخولاني عن بلال: (انه عليه السلام مسح على العمامة والموقين) وروينا أيضا من طريق أيوب السختياني عن أبى قلابة عن سلمان (6) ومن طريق مخلد بن الحسين عن هشام بن حسان عن حميد بن هلال عن عبد الله ابن الصامت عن أبى ذر: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الموقين والخمار) *
__________
(1) بضم الخاء وفتح الراء، وبالباء، وفي المصرية (الخريمي) بالميم وهو خطأ (2) في الاصلين (عن جعفر أبيه عنه) وهو خطأ واضح (3) قوله (من حمزة بن المغيرة) سقط من المصرية (4) في المصرية (عن الحسن) وهو غير جيد (5) في المصرية (وأبو كريب ثنا محمد بن العلاء) وهو خطأ (6) في المصرية في الموضعين (سليمان) وهو خطأ(2/59)
فهؤلاء ستة من الصحابة رضى الله عنهم: المغيرة بن شعبة وبلال وسلمان (1) وعمرو بن أمية وكعب بن عجرة (2) وأبو ذر -: كلهم يروى ذلك عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بأسانيد لا معارض لها ولا مطعن فيها * وبهذا القول يقول جمهور الصحابة والتابعين، كما روينا من طريق ابن أبى شيبة عن عبد الله بن نمير واسماعيل بن علية كلاهما عن محمد بن اسحق عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير مرثد بن عبد الله اليزنى عن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابجي قال: رأيت أبا بكر الصديق يمسح على الخمار - يعنى في الوضوء - * وعن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن عمران بن مسلم عن سويد ابن غفلة قال: سأل نباتة الجعفي (3) عمر بن الخطاب عن المسح على العمامة، فقال له عمر بن الخطاب.
ان شئت فامسح على العمامة وان شئت فدع * وعن عبد الرحمن بن مهدى عن أبى جعفر عبد الله بن عبد الله الرازي عن زيد بن أسلم قال قال عمر بن الخطاب: من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله * وعن حماد بن سلمة عن ثابت البنانى وعبيد الله بن أبى بكر بن أنس كلاهما عن أنس بن مالك: انه كان يمسح على الجوربين والخفين والعمامة، وهذه أسانيد في غاية الصحة * وعن الحسن البصري عن أمه: أن أم سلمة أم المؤمنين كانت تمسح على الخمار وعن سلمان الفارسى: أنه قال لرجل: امسح على خفيك وعلى خمارك وامسح بناصيتك.
وعن أبى موسى الاشعري: أنه خرج من حدث فمسح على خفيه وقلنسوته.
وعن أبي أمامة الباهلي أنه كان يمسح على الجوربين والخفين والعمامة.
وعن على بن أبي طالب: أنه سئل عن المسح على الخفين؟ فقال.
نعم، وعلى النعلين والخمار.
وهو قول سفيان الثوري، رويناه عن عبد الرزاق عنه قال: القلنسوة بمنزلة
__________
(1) في المصرية سليمان وهو خطأ (2) في المصرية (عجزة) بالزاي وهو تصحيف قبيح (3) نباته بضم النون - ويقال بفتحها - ثم الباء الموحدة المفتوحة ثم تاء مثناة
مفتوحة.
ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان من المعلمين على عهد عمر.(2/60)
العمامة - يعنى في جواز المسح عليها - وهو قول الاوزاعي واحمد بن حنبل واسحق بن راهويه وأبي ثور وداود بن على وغيرهم.
وقال الشافعي: ان صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبه أقول * قال على: والخبر - ولله الحمد - قد صح فهو قوله.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يمسح على عمامة ولا خمار ولا غير ذلك وهو قول الشافعي، قال: الا أن يصح الخبر * قال على: ما نعلم للمانعين من ذلك حجة أصلا، فان قالوا جاء القرآن بمسح الرؤوس، قلنا: نعم، وبالمسح على الرجلين، فأجزتم المسح على الخفين، وليس بأثبت من المسح على العمامة، والمانعون من المسح على الخفين من الصحابة رضي الله عنهم أكثر من المانعين من المسح على العمامة، فما روى المنع من المسح على العمامة الا عن جابر وابن عمر، وقد جاء المنع من المسح على الخفين عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس.
وأبطلتم مسح الرجلين وهو نص القرآن بخبر يدعي مخالفنا ومخالفكم أننا سامحنا أنفسنا وسامحتم أنفسكم فيه، وأنه لا يدل على المنع من مسحها وقد قال بمسحها طائفة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقلتم بالمسح على الجبائر ولم يصح قط فيه أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا تخليط * وقال بعضهم: حديث المغيرة بن شعبة فيه: (انه مسح بناصيته وعلى عمامته) فأما من لا يرى المسح على الناصية يجزى فقد جاهر الله تعالى والناس في احتجاجه بهذا الخبر، وهو عاص لكل ما فيه * وأما من يرى المسح على بعض الرأس يجزئ فانهم قالوا: ان الذى أجزأه عليه السلام فهو مسح الناصية فقط وكان مسح العمامة فضلا *
قال أبو محمد: رام هؤلاء أن يجعلوا كل ما في خبر المغيرة حكاية عن وضوء واحد، وهذا كذب وجرأة على الباطل، بل هو خبر عن عملين متغايرين، هذا ظاهر الحديث ومقتضاه، وكيف وقد رواه جماعة غير المغيرة! * وقال بعضهم: أخطأ الاوزاعي في حديث عمرو بن أمية، لان هذا خبر رواه عن يحيى بن أبي كثير - شيبان وحرب بن شداد وبكر بن مضر وأبان العطار(2/61)
وعلى بن المبارك فلم يذكروا فيه المسح على العمامة * قال على: فقلنا لهم فكان ماذا؟ قد علم كل ذى علم بالحديث أن الاوزاعي أحفظ من كل واحد من هولاء، وهو حجة عليهم، وليسوا حجة عليه، والاوزاعي ثقة، وزيادة الثقة لا يحل ردها، وما الفرق بينكم وبين من قال في كل خبر احتججتم به: ان راويه أخطأ فيه، لان فلانا وفلانا لم يرو هذا الخبر؟ * وقال بعضهم لا يجوز المسح على العمامة كما لا يجوز المسح على القفازين * قال أبو محمد.
وهذا قياس، والقياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، لانهم يعارضون فيه، فيقال لهم ان كان هذا القياس عندكم صحيحا فابطلوا به المسح على الخفين؟ لان الرجلين (1) باليدين أشبه منهما بالرأس، فقولوا: كما لا يجوز المسح على القفازين كذلك لا يجوز المسح على الخفين ولا فرق * فان قالوا: قد صح المسح على الخفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل لهم (2): وقد صح المسح على العمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * ويعارضون أيضا بأن يقال لهم: ان الله تعالى قرن الرؤوس بالارجل في الوضوء وأنتم تجيزون المسح على الخفين فأجيزوا المسح على العمامة، لانهما جميعا عضوان يسقطان في التيمم، ولانه لما جاز تعويض المسح عندكم من غسل الرجلين فينبغي أن يكون يجوز تعويض المسح من المسح في العمامة على الرأس أولى، لان الرأس طرف
والرجلان طرف، وأيضا فقد صح تعويض المسح من جميع أعضاء الوضوء، فعوض المسح بالتراب في الوجه والذراعين من غسل كل ذلك، وعوض المسح على الخفين من غسل الرجلين، فوجب أيضا أن يجوز (3) تعويض المسح على العمامة من المسح علي الرأس، لتتفق أحكام جيمع أعضاء الوضوء في ذلك قال علي: كل هذا انما أوردناه معارضة لقياسهم الفاسد وأنه لا شئ من الاحكام قالوا فيه بالقياس الا ولمن خالفهم
__________
(1) في اليمنية (لان الرجل) بالافراد، وهو خطأ (2) في اليمنية (قلت لهم) (3) في اليمنية (فوجب أيضا تجوز) وهو خطأ(2/62)
- من التعلق بالقياس - كالذى لهم أو أكثر، فيظهر بذلك بطلان القياس لكل من أراد الله توفيقه * وقال بعضهم: انما مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على العمامة والخمار لمرض كان في رأسه قال على: هذا كلام من لا مؤونة عليه من الكذب، ومن يستغفر الله تعالى من مكالمة مثله، لانه متعمد للكذب والا فك بقول لم يأت به قط لا نص ولا دليل، وقد عجل الله العقوبة لمن هذه صفته، بأن تبوأ مقعده من النار، لكذبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم * ثم يقال لهم: قولوا مثل هذا في المسح على الخفين، أنه كان لعلة بقدميه ولا فرق، على أن امرأ لو قال هذا لكان أعذر منهم (1)، لاننا قد روينا عن ابن عباس أنه قال في المسح على الخفين: لو قلتم ذلك في البرد الشديد أو السفر الطويل.
ولم يرو قط عن أحد من الصحابة أنه قال ذلك في المسح على العمامة والخمار (2)، فبطل قول من منع المسح على العمامة والخمار، وصح خلافه للسنن الثابتة، ولابي بكر وعمر وعلى وأنس وأم سلمة وأبي موسى الاشعري (3) وأبى أمامة وغيرهم وللقياس (4)
ان كان من أهل القياس * فان قال قائل: انه لم (5) يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على غير العمامة والخمار، فلا يجوز ترك ما جاء في القرآن من مسح الرأس لغير (6) ما صح النص به، والقياس باطل، وليس فعله عليه السلام عموم لفظ (7) فيحمل على عمومه *
__________
(1) في اليمنية (لكان عذر منهم) وهو خطأ (2) كلمة (والخمار) سقطت من اليمنية (3) في المصرية بين أم سلمة وأبي موسى زيادة لفظ (فكيف) وهي زيادة مقحمة لا معنى لها.
(4) في المصرية (والقياس) وما هنا أصح (5) في المصرية بحذف (انه) (6) في المصرية (بغير) (7) في المصرية (لفظه) بزيادة الضمير(2/63)
قلنا: هذا خطأ، لانه عليه السلام لم يقل إنه لا يمسح إلا على عمامة أو خمار، لكن علمنا بمسحه عليها أن مباشرة الرأس بالماء ليس فرضا، فإذ ذلك كذلك، فأى شئ لبس على الرأس جاز المسح عليه * ثم نقول (1) لهم: قولو ا لنا لو أن الراوى قال مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمامة صفراء من كتان مطوية (2) ثلاث طيات، أكان يجوز عندكم المسح على حمراء من قطن ملوية (3) عشر مرات أم لا؟ وكذلك لو قال مسح (4) عليه السلام على خفين أسودين، أكان يجوز على أبيضين أم لا؟ فان لزموا قول الرواى أحدثوا دينا (5) جديدا، وإن لم يراعوه رجعوا إلى قولنا * 202 - مسألة قال أبو محمد: وسواء لبس ما ذكرنا (6) على طهارة أو غير طهارة: قال ابو ثور: لا يمسح على العمامة والخمار إلا من لبسهما على طهارة، قياسا على الخفين
وقال اصحابنا كما قلنا * قال على القياس باطل، وليس هنا علة جامعة بين حكم المسح على العمامة والخمار والمسح على الخفين، وانما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللباس على الطهارة -: على الخفين، ولم ينص ذلك في العمامة (7) والخمار، قال الله تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم) (وما كان ربك نسيا) فلو وجب هذا في العمامة والخمار، لبينه عليه السلام، كما بين ذلك في الخفين، ومدعى المساواة في ذلك بين العمامة والخمار وبين الخفين -: مدع بلا دليل، ويكلف البرهان على صحة دعواه في ذلك؟ فيقال له: من اين وجب - إذ نص عليه السلام في المسح على الخفين انه لبسهما على طهارة: ان يجب هذا الحكم في العمامة والخمار ولا سبيل له (8) إليه اصلا بأكثر من قضية من رأيه، وهذا لا معنى له، قال الله تعالى: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) *
__________
(1) في المصرية (مطويات) وهو خطأ (2) في اليمنية (ثم يقال لهم) (3) في المصرية ملونة وهو تصحيف (4) في اليمنية) يمسح وهو خطأ (5) في المصرية (حكما) وما هنا أحسن وأظهر (6) في المصرية (ما ذكر) (7) في المصرية (على العمامة) (8) كلمة (له) سقطت من المصرية(2/64)
203 - مسألة - ويمسح على كل ذلك أمدا بلا توقيت ولا تحديد، وقد جاء عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه التوقيت في ذلك ثاتبا عنه (1) كالمسح على الخفين وبه قال أبو ثور، وقال أصحابنا كما قلنا * ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقياس باطل، وقول القائل: لما كان المسح على الخفين موقتا بوقت محدود في السفر، ووقت في الحضر وجب أن يكون المسح على العمامة كذلك: دعوى (2) بلا برهان على صحتها وقول (3) لا دليل على وجوبه، ويقال له ما دليلك على صحة ما تذكر من أن يحكم للمسح (4)
على العمامة بمثل الوقتين المنصوصين في المسح على الخفين؟ وهذا لا سبيل إلى وجوده بأكثر من الدعوى، وقد مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على العمامة والخمار، ولم يوقت في ذلك وقتا، ووقت في المسح على الخفين فيلزمنا ان نقول ما قاله عليه السلام وان لا نقول في الدين ما لم يقله عليه السلام قال الله تعالى (تلك حدود الله فلا تعتدوها) * 204 - مسألة فلو كان تحت ما لبس على الرأس خضاب أو دواء جاز المسح عليهما كما قلنا ولا فرق، وكذلك لو تعمد لباس ذلك ليمسح عليه جاز المسح ايضا، وانما المسح المذكور في الوضوء خاصة، وأما في كل غسل واجب فلا، ولا بد من خلع كل ذلك وغسل الرأس * برهان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة وعلى الخمار، ولم يخص لنا حالا من حال، فلا يجوز أن يخص بالمسح حال دون حال وإذا كان المسح جائزا فاقصد إلى الجائز جائز، وانما مسح عليه السلام في الوضوء خاصة، فلا يجوز أن يضاف إلى ذلك ما لم يفعله عليه السلام، ولا يجوز أن يزاد في السنن ما لم يأت فيها، ولا أن ينقص منها ما اقتضاه لفظ الخبر بها.
وبالله تعالى التوفيق، وهكذا يقول (5) خصومنا في
__________
(1) كلمة (عنه) سقطت من المصرية (2) كلمة (دعوى) سقطت من اليمنية (3) في الاصلين (وقولا) بالنصب وهو لحن (4) في المصرية من أن الحكم للمسح) (5) في اليمنية (وبهذا يقول)(2/65)
المسح على الخفين سواء سواء * 205 - مسألة ومن ترك مما يلزمه غسله في الوضوء أو الغسل الواجب ولو قدر شعرة عمدا أو نسيانا: لم تجزه الصلاة بذلك الغسل والوضوء حتى يوعبه كله، لانه لم يصل بالطهارة التى أمر بها، وقال عليه السلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا
فهو رد) * 206 - مسألة ومن نكس وضوءه أو قدم عضوا على المذكور قبله في القرآن عمدا أو نسيانا لم تجزه الصلاة أصلا، وفرض عليه أن يبدأ بوجهه ثم ذراعيه ثم رأسه ثم رجليه، ولا بد في الذراعين والرجلين من الابتداء باليمين قبل اليسار كما جاء في السنة.
فان جعل الاستنشاق والاستنثار في آخر وضوئه أو بعد عضو من الاعضاء المذكورة لم يجز ذلك فان فعل شيئا مما ذكرنا لزمه أن يعود إلى الذي بدأ به قبل الذى ذكره الله تعالى قبله فيعمله إلى أن يتم وضوءه، وليس عليه أن يبتدئ من اول الوضوء، وهو قول الشافعي وابي ثور واحمد بن حنبل واسحاق فان انغمس في ماء جار وهو جنب ونوى الغسل والوضوء معا لم يجزه ذلك من الوضوء ولا من الغسل وعليه ان يأتي به مرتبا (1) وهو قول اسحاق * برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا ابراهيم بن هارون البلخي ثنا حاتم بن اسماعيل ثنا جعفر بن محمد عن ابيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله فقلت: اخبرني عن حجة برسول الله صلى الله عليه وسلم قال جابر: (خرجنا معه - فذكر الحديث وفيه - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا إلى الصفا قال: (ان الصفا والمروة من شعائر الله ابدأوا بما بدأ الله به) * قال على: وهذا عموم لا يجوز أن يخص منه شئ وانما قلنا: لا يجزئ في الاعضاء المغموسة معا لا الوضوء والا الغسل إذا نوى بذلك الغمس كلا الامرين
__________
(1) في الاصلين (لم يجزه ذلك من الوضوء ولا من الغسل في تلك الا وعليه أن يأتي به مرتبا) فزيادة (في تلك إلا) زيادة مقحمة لم نفهم معناها ولا نراها صوابا فلذلك حذفناها(2/66)
فلانه لم يأت بالوضوء كما أمر، ولم يخلص الغسل فيجزيه، لكن (1) خلطه بعمل
فاسد فبطل أيضا الغسل في تلك الاعضاء لانه أتي به بخلاف ما أمره الله تعالى به، وأما الاستنشاق والاستنثار فلم يأت فيهما (2) في الوضوء ذكر بتقديم ولا تأخير فكيفما أتى بهما في وضوئه أو بعد وضوئه وقبل صلاته (3) أو قبل وضوئه -: أجزأه (4) * قال على: وقال أبو حنيفة: جائز تنكيس الوضوء والآذان والطواف والسعى والاقامة، وقال مالك: يجوز تنكيس الوضوء ولا يجوز تنكيس الطواف ولا السعي ولا الآذان ولا الاقامة * قال أبو محمد: لا يجوز تنكيس شئ من ذلك كله، ولا يجزئ شئ منه منكسا، فاما قول مالك فظاهر التناقض، لانه فرق بين ما لا فرق بينه، وأما أبو حنيفة فانه أطرد قولا، وأكثر خطأ، والقوم أصحاب قياس بزعمهم، فهلا قاسوا ذلك على ما اتفق عليه من المنع من تنكيس الصلاة؟! على أنه قد صح الاجماع في بعض الاوقات على تنكيس الصلاة وهى حال من وجد الامام جالسا أو ساجدا، فانه يبدأ بذلك وهو آخر الصلاة وهذا مما تناقضوا فيه في قياسهم * وقد روينا عن على بن أبي طالب وابن عباس جواز تنكيس الوضوء، ولكن لا حجة في أحد مع القرآن إلا في الذى أمر ببيانه وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مما
__________
(1) في المسرية (ولكن) (2) في المصرية (فلم يأت بينهما في الوضوء) وهو خطأ (3) في المصرية (أو قبل صلاته) وما هنا أحسن.
(4) هذا مناقض لما قاله المؤلف في أول هذه المسألة (فان جعل الاستنشاق والاستنثار في آخر وضوئه أو بعد عضو من الاعضاء المذكورة لم يجز ذلك) وأظن أن الصواب ما هنا لانه استدل على جوازه بأنه لم يأت فيهما ذكر بتقديم ولا تأخير، واذن فيكون ما هناك خطأ من النساخ ولعل صوابه (جاز ذلك ودليل المؤلف في هذه النقطة ضعيف لان الامر جاء صريحا بهما وبين رسول الله بفعله موضعهما فهو بيان ملحق بامره يدل على الوجوب في الفعل وفي الترتيب.
وكذلك المضمضة في رأينا، بل نرى أن المضمضة
والاستنشاق والاستنثار انما هي جزء من غسل الوجه جاء فعل النبي فيها مبينا للواجب مرة غسله بنص القرآن الكريم(2/67)
تناقض فيه الشافعيون فتركوا فيه قول صاحبين لا يعرف لهما من الصحابة مخالف.
وبالله تعالى التوفيق * والعجب كله أن المالكيين أجازوا تنكيس الوضوء الذى لم يأت نص من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم فيه، ثم أتوا إلى ما أجاز الله تعالى تنكيسه فمنعوا من ذلك، وهو الرمي والحلق (1) والنحر والذبح والطواف، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز تقديم بعض ذلك على بعض، كما سنذكر ان شاء الله تعالى في كتاب الحج، فقالوا: لا يجوز تقديم الطواف على الرمى ولا تقديم الحلق على الرمى وهذا كما ترى * حدثنا أحمد بن قاسم ثنا أبى حدثنى جدى قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ثنا أحمد بن واقد ثنا زهير بن معاوية عن الاعمش عن أبى صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأتم ولبستم فابدأوا بميامنكم) * وأما وجوب تقديم الاستنشاق والاستنثار ولا بد، فلحديث رفاعة بن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عزوجل ويغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين فصح أن ههنا اسباغا عطف عليه غسل الوجه، وليس الا الاستنشاق والاستنثار (2) * 207 - مسألة - ومن فرق وضوءه أو غسله أجزأه ذلك وان طالت المدة في خلال ذلك أو قصرت، ما لم يحدث في خلال وضوئه ما ينقض الوضوء، وما لم يحدث في خلال غسله ما ينقض الغسل * برهان ذلك ان الله عزوجل أمر بالتطهر من الجنابة والحيض، وبالوضوء من الاحداث، ولم يشترط عزوجل في ذلك متابعة فيكفما أتى به المرء أجزأه، لانه قد وقع
عليه اسم الاخبار بأنه تطهر، وبأنه غسل وجهه وذراعيه ومسح رأسه وغسل رجليه * حدثنا عبد الله بن (3) ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا
__________
(1) في المصرية (والحلاق) وهو خطأ (2) من أول (حدثنا احمد بن قاسم) إلى هنا سقط من اليمنية، وكلامه هنا يناقض ما سبق للمؤلف من عدم وجوب تقديم الاستنشاق والاستنثار، (3) في اليمنية (عبد الله بن فتح) وهو خطأ(2/68)
على بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبى سلمة - وهو ابن عبد الرحمن بن عوف - عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ثلاثا ثم يأخذ بيمينه فيصب على يساره فيغسل فرجه حتى ينقيه ثم يغسل يديه غسلا حسنا ثم يمضمض ثلاثا، ثم يستنشق ثلاثا ويغسل وجهه ثلاثا، ويغسل ذراعيه ثلاثا ثم يصب على رأسه ثلاثا، ثم يغسل جسده غسلا، فإذا خرج من مغتسله غسل رجليه * قال على: إذا جاز أن يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين وضوئه وغسله وبين تمامهما بغسل رجليه مهلة خروجه من مغتسله فالتفريق بين المدد لا نص فيه ولا برهان وهذا قول السلف كما روينا من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر: أنه بال بالسوق ثم توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دعى لجنازة (1) حين دخل المسجد ليصلى عليها فمسح (2) على خفيه ثم صلى عليها، وروينا عن سفيان الثوري عن المغيرة عن ابراهيم قال كان أحدهم يغسل رأسه من الجنابة بالسدر ثم يمكث ساعة ثم يغسل سائر جسده.
وابراهيم تابع أدرك أكابر التابعين وصغار (3) الصحابة رضى الله عنهم، قال ابراهيم في الرجل تكون له المرأة والجارية فيرافث (4) امرأته بالغسل أنه لا بأس بأن يغسل رأسه ثم يمكث ثم يغسل سائر جسده بعد ولا يغسل رأسه.
وعن عبد الرزاق
عن ابن جريج عن عطاء قال: إن غسل الجنب رأسه بالسدر أو بالخطمى ثم يجلس حتى يجف رأسه فحسبه ذلك * وهو قول أبى حنيفة والشافعي وسفيان الثوري والاوزاعي والحسن بن حي، وقد روى نحو هذا عن سعيد بن المسيب وطاوس، وقال مالك: ان طال الامد (5) ابتدأ الوضوء، وان لم يطل بنى على وضوئه، وقد روينا عن قتادة وابن أبى ليلي وغيرهم نحو هذا *
__________
(1) في الاصل المصري (ثم دعا بجنازة) وهو خطأ صححناه من الموطأ ص 12 (2) من أول قوله (فغسل وجهه) إلى هنا سقط من النسخة اليمنية، وهو خطأ (3) في المصرية (وصغائر) وهو خطأ (4) في اليمنية (فيراقب) وهو تصحيف (5) في المصرية (ان طال الامر) وهو خطأ(2/69)
وحد بعضهم ذلك بالجفوف، وحد بعضهم ذلك بأن يكون في طلب الماء فيبنى أو يترك وضوءه ويبتدئ (1) * قال أبو محمد: أما تحديد مالك بالطول فانه يكلف المنتصر له بيان (2) ما ذلك الطول الذى تجب (3) به شريعة ابتداء الوضوء، والقصر الذى لا تجب به هذه الشريعة، فلا سبيل لهم إلى ذلك الا بالدعوى التي لا يعجز عنها أحد، وما كان من الاقوال لا برهان على صحته فهو باطل، إذ الشرائع غير واجبة على أحد حتى يوجبها الله تعالى على لسان رسوله الله صلى الله عليه وسلم * وأما من حد ذلك بجفوف الماء فخطأ ظاهر، لانه دعوى بلا برهان، وما كان هكذا فهو باطل لما ذكرناه، وأيضا فان (4) في الصيف في البلاد الحارة لا يتم أحد وضوءه حتى يجف وجهه، ولا يصح وضوء على هذا * وأما من حد في ذلك بمادام في طلب الماء فقول أيضا لا دليل على صحته،
والدعوى لا يعجز عنها أحد، (5) والعجب أن مالكا يجيز أن يجعل المرء إذا رعف بين أجزاء صلاته (6) مدة وعملا ليس من الصلاة، ثم يمنع من ذلك في الوضوء * قال على: فان تعلق بعضهم بخبر رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق بقية عن بحير (7) عن خالد عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم (8) رأى رجلا يصلى وفى قدمه لمعة لم يصبها الماء فأمره عليه السلام أن يعيد الوضوء والصلاة:)
__________
(1) في اليمنية (فيبتدى) (2) في اليمنية (بيان ذلك) (3) في اليمنية (الذى تحد به) وهو خطأ (4) في المصرية (وأيضا فكان) وهو خطأ (5) كلمة (أحد) سقطت من المصرية (6) في المصرية (بين آخر صلاته) وهو خطأ واضح (7) بفتح الباء الموحدة وكسر الحاء المهملة، وهو ابن سعد ووقع في الاصل (يحيي) وهو خطأ، وخالد هو بن معدان (8) في اليمنية (بخبر رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي) الخ.
باسقاط السند وهو خطأ.(2/70)
فان هذا خبر لا يصح لان رواية بقية، وليس بالقوى، وفى السند من لا يدري (1) من هو: وروينا أيضا عن خالد الجذاء عن أبى قلابه عن عمر بن الخطاب: وعن أبي سفيان (2) عن جابر عن عمر بن الخطاب: أنه رأى رجلا يصلى وقد ترك من رجله موضع ظفر فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة (3) * قال على: أما الرواية عن عمر أيضا فلا تصح، لان ابا قلابة لم يدرك عمر، وابو سفيان ضعيف وقد جاء أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أحسن من هذا، رويناه من طريق قاسم بن
أصبغ ثنا بكر بن مضر عن حرملة بن يحيى (4) ثنا ابن وهب عن جرير بن حازم عن قتادة عن أنس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه وقد توضأ وترك موضع الظفر لم يصبه الماء (5) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع فأحسن وضوءك) وعن ابن وهب عن ابن لهيعة
__________
(1) الحديث رواه أبو داود في سننه (ج 1 ص 68) عن حيوة بن شريح عن بقية ثقة وانما عيب عليه التدليس فإذا صرح بالتحديث فحديثه صحيح، وقد نقل الشوكاني في نيل الاوطار (ج 1 ص 211) أن في المستدرك تصريح بقية بالحديث ولم أجد هذا الحديث في المستدرك.
وأما جهالة الصحابة فانها لا تضر، قال الاثرم: (قلت لاحمد: هذا اسناد جيد؟ قال نعم، فقلت له: إذا قال رجل من التابعين: حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فالحديث صحيح؟ قال نعم) وهذا الحديث رواه أيضا أبو داود (ج 1 ص 67) والبيهقي (ج 1 ص 70) ونسبه الشوكاني لاحمد وابن ماجه وابن خزيمة والدار قطني كلهم من حديث أنس بلفظ (ارجع فأحسن وضوءك) وهو حديث صحيح من الطريقين كل منهما شاهد للآخر يقويه.
وسيروي المؤلف حديث أنس بعد أسطر من طريق قتادة (2) في المصرية (عن أبي سفيان) بحذف واو العطف وهو خطأ.
(3) من أول قوله (كان هذا خبر لا يصح) إلى هنا سقط من اليمنية، وحديث عمر هذا سيأتي مرفوعا من طريق صحيحة وهو شاهد قوي للموقوف.
(4) في اليمنية (ثنا حرملة) (5) في اليمنية بحذف قوله (لم يصبه الماء)(2/71)
عن أبى الزبير عن جابر عن عمر مثل هذا أيضا (1) * قال على: لا يصح عن أحد من الصحابة خلاف فعل عمر (2) هذا فقد خالفوا ههنا صاحبا لا يعرف له من الصحابة مخالف، وبيقين يدرى كل ذى علم أن مرور الاوقات ليس من الاحداث الناقضة للوضوء، وقد تناقض مالك في هذا المكان،
فرأى أن من نسى عضوا من اعضاء وضوئه فان غسله أجزأه، ورأى فيمن توضأ ومسح على خفيه وبقى كذلك نهارة ثم خلع خفيه فان وضوء رجليه عنده قد انتقض، وانه ليس عليه الا غسل رجليه فقط، وهذا تبعيض الوضوء الوضوء (3) الذى منع منه.
وبالله تعالى التوفيق * 208 - مسألة - ويكره الاكثار (4) من الماء في الغسل والوضوء، والزيادة على الثلاث في غسل أعضاء الوضوء ومسح الرأس، لانه لم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك * وروينا من طريق سفيان الثوري عن أبى اسحاق عن أبى حية بن قيس: (أن عليا توضأ ثلاثا ثلاثا وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (5)).
وعن ابن المبارك عن الاوزاعي حدثنى المطلب بن عبد الله بن حنطب: (أن عبد الله بن
__________
(1) حديث عمر رواه مسلم (ج 1: ص 85) والبيهقي (ج 1: ص 70) من طريق معقل عن أبي الزبير عن جابر قال: (أخبرني عمر بن الخطاب أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فاحسن وضوءك، فرجع ثم صلى) (2) في المصرية (ابن عمر) وهو خطأ (3) في المصرية (وهذا بنقيض الوضوء) وهو تصحيف (4) في اليمنية (ويلزم الاكثار) وهو خطأ غريب (5) حديث الثوري عن ابي اسحق رواه الترمذي (ج 1 ص 11).
ورواه هو أيضا (ج 1 ص 11) وأبو داود (ج 1 ص 43) وابن ماجه (ج 1 ص 86) والنسائي (ج 1 ص 28) من طريق أبي الاحوص عن أبي اسحق عن أبي حية مفصلا وفيه الوضوء ثلاثا ثلاثا ومسح الرأس مرة واحدة وهذا الفصل يبين المجمل في رواية الثوري كما هو ظاهر.
وانظر نيل الاوطار (ج 1 ص 196 - و 199)(2/72)
عمر توضأ ثلاثا يسند ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) (1) وعن عثمان أيضا مثل ذلك (2) فلم يخص في هذه الآثار رأسا من غيره * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد ابن منصور ثنا سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد الذى أرى النداء قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثلاثا ويديه مرتين ومسح برأسه مرتين) (3) * وقد روينا عن أنس مسح رأسه في الوضوء ثلاثا واثنتين، وعن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء: أكثر ما أمسح برأسي ثلاث مرات لا أزيد بكف واحدة لا أزيد ولا أنقص، وعن حماد بن سلمة ثنا جرير بن حازم: رأيت محمد بن سيرين توضأ فمسح برأسه مسحتين احداهما ببلل يديه والاخرى بماء جديد، وعن أبى عبيد ثنا هشيم ثنا العوام: أن ابراهيم التيمى (4) كان يمسح رأسه ثلاثا، وهو قول الشافعي وداود وغيرهم وأما الاكثار من الماء فمذموم من الجميع * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن نافع ثنا شبابة ثنا ليث - هو ابن سعد - عن يزيد بن أبى حبيب عن عراك بن مالك عن حفصة
__________
(1) الحديث رواه ابن ماجه (ج 1: ص 83) من طريق الوليد بن مسلم عن الاوزاعي، والنسائي (ج 1: ص 25) من طريق ابن المبارك عن الاوزاعي (2) حديث عثمان رواه أبو داود (ج 1: ص 40) وقال: (أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مصح الرأس انه مرة، فانهم ذكروا الوضوء ثلاث وقالوا فيها: ومسح رأسه لم يذكروا عددا ذكروا في غيره) (3) في سنن النسائي (ج 1: ص 28) ورواه البيهقي (ج 1: ص 63) وقال: (وقد خالفه
- يعني سفيان بن عيينه - مالك ووهيب وسليمان بن بلال وخالد الواسطي وغيرهم فرووه عن عمرو بن يحيى في مسح الرأس مرة الا انه قال اقبل وأدبر) وقد رواه الترمذي (ج 1: ص 11) من طريق ابن عيينة بدون ذكر تكرار مسح الرأس.
(4) في اليمنية (ثنا العوام بن ابراهيم التيمى) وهو خطأ(2/73)
بنت عبد الرحمن بن أبى بكر - وكانت تحت المنذر بن الزبير - قالت: (إن عائشة أم المؤمنين أخترتها أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن حبيب الانصاري قال سمعت عباد بن تميم عن جدتى - وهي أم عمارة -: (ان النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأتى باناء فيه قدر ثلثي المد) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد ابن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن سلمة المرادى ثنا ابن وهب عن عياض بن عبد الله الفهرى عن مخرمة بن سليمان القرشى عن كريب مولى ابن عباس أن ابن عباس أخبره: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من النوم فعمد إلى شجب (1) من ماء فتسوك وتوضأ فاسبغ الوضوء ولم يهرق من الماء الا قليلا.
) وذكر الحديث * قال على: وقد جاءت آثار أنه عليه السلام توضأ بالمد واغتسل بالصاع، وأنه عليه السلام توضأ بمكوك واغتسل بخمس مكاكى (2) وأنه عليه السلام كان يتوضأ من إناء فيه مد وربع، وكل هذا صحيح لا يختلف، وانما هو ما أجزأ فقط.
وبالله تعالى التوفيق * 209 - مسألة - ومن كان على ذراعيه أو أصابعه أو رجليه (3) جبائر أو دواء
ملصق لضرورة فليس عليه أن يمسح على شئ من ذلك، وقد سقط حكم ذلك المكان، فان سقط شئ من ذلك بعد تمام الوضوء فليس عليه إمساس ذلك المكان بالماء، وهو على طهارته ما لم يحدث * برهان ذلك قول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
) فسقط بالقرآن والسنة كل ما عجز
__________
(1) الشجب بالسكون السقاء الذى قد خلق وبلى وصار شنا (2) في اليمنية (يغتسل بخمسة مكاكي) (3) في اليمنية (على ذراعه أو اصابعه أو رجله) وما هنا احسن(2/74)
عنه المرء، وكان التعويض منه شرعا، والشرع لا يلزم الا بقرآن أو سنة، ولم يأت قرآن ولا سنة بتعويض المسح على الجبائر والدواء من غسل مالا يقدر على غسله، فسقط القول بذلك * فان قيل فانه (1) قد روى من طريق زيد عن أبيه عن جده عن علي: (قلت يا رسول الله أمسح على الجبائر؟ قال: نعم امسح عليها).
قلنا: هذا خبر لا تحل روايته إلا على بيان سقوطه، لانه انفرد به أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي، وهو مذكور بالكذب (2) * فان قيل: فقد جاء أنه عليه السلام أمرهم يمسحوا على العصائب والتساخين قلنا: هذا لا يصح من طريق الاسناد، ولو كان لما كانت فيه حجه، لان العصائب هي العمائم، قال الفرزدق: * وركب كأن الريح تطلب عندهم لهاترة من جذبها بالعصائب 03)
__________
(1) كلمة (فانه) سقطت من المصرية (2) ابو خالد هذا وضاع قال وكيع: (كان في جوارنا يضع الحديث فلما فطن
له تحول إلى واسط) وقال احمد: (يروى عن زيد بن على عن آبائه احاديث موضوعة يكذب) وقال ابن معين: (كذاب غير ثقة ولا مأمون) واحاديثه التي يرويها هي التي عرفت باسم (مسند زيد) أو (المجموع الفقهي) وطبع في ميلانو بايطاليا سنة 1919 وفى مصر سنة 1340 هجرية ومما يؤسف له ان يقرظه بعض افاضل العلماء من شيوخنا علماء الازهر غير متحرين معرفة ما فيه من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ناظرين إلى عاقبة وثوق العامة - ممن لا يعرف الصحيح من السقيم - بوجود توقيعاتهم على مدائح لهذه الاكاذيب، ولله الامر من قبل ومن بعد.
(3) الترة الثأر والبيت هنا كرواية الاغانى (ج 1 ص 336) طبع دار الكتب وهو الموافق لما في ديوان الفرزدق ورواه صاحب اللسان في مادة عصب وركب كأن الريح تطلب منهم لها سلبا من جذبها بالعصائب وكذلك رواه أبو علي القالى في الامالى (ج 3 ص 40) طبع دار الكتب.(2/75)
والتساخين (1) هي الخفاف * وانما أوجب المسح على الجبائر قياسا على المسح على الخفين، والقياس باطل، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا، لان المسح على الخفين فيه توقيت، ولا توقيت في المسح على الجبائر، مع أن قول القائل: لما جاز المسح على الخفين وجب المسح على الجبائر -: دعوى بلا دليل، وقضية من عنده، ثم هي أيضا موضوعة وضعا فاسدا، لانه إيجاب فرض قيس على إباحة وتخيير، وهذا ليس من القياس في شئ * وقد روينا مثل قولنا عن بعض السلف، كما روينا من طريق ابن المبارك عن سفيان الثوري عن عبد الملك بن أبجر (2) عن الشعبى أنه قال في الجراحة: -
اغسل ما حولها * فان قيل: قد رويتم عن ابن عمر أنه ألقم أصبع رجله مرارة (3) فكان يمسح عليها، قلنا: هذا فعل منه، وليس إيجابا للمسح عليها، وقد صح عنه رضى الله عنه أنه كان يدخل الماء في باطن عينيه في الوضوء والغسل، وأنتم لا ترون ذلك، فضلا عن أن توجبوه فرضا، وصح انه كان يجيز بيع الحامل واستثناء ما في بطنها، وهذا عندكم حرام، ومن المقت عند الله تعالى أن تحتجوا به فيما اشتهيتم وتسقطوا الحجة
__________
وبعد هذا البيت كما في الاغاني والامالي على اختلاف في بعض الالفاظ - سروا يركبون الريح وهي تلفهم على شعب الاكوار من كل جانب إذا استوضحوا نارا يقولون ليتها وقد خصرت ايديهم نار غالب قال في اللسان (والعصابة العمامة والعمائم يقال لها العصائب) (1) في المصرية في الموضعين (والساخى) وهو خطأ لا معنى له.
(2) بفتح الهمزة وإسكان الباء الموحدة وفتح الجيم وهو عبد الملك بن سعيد بن حيان بن أبجر، وكان ثقة من الابرار ومن أعلم الناس بالطب ولا يأخذ عليه أجرا.
ووقع في اليمنية (بحر) وهو خطأ (3) المرارة هنة لازقة بالكبد وهي التى تمرئ الطعام، تكون لكل ذى روح الا النعام والابل فانها لا مرارة لها.
قاله في اللسان.
وأثر ابن عمر هذا رواه البيهقي (ج 1: ص 228)(2/76)
به حيث لم تشتهوا، وهذا عظيم في الدين جدا * واذ قد صح ما ذكرنا فالوضوء إذا تم وجازت به الصلاة فلا ينقضه إلا حدث أو نص جلى (1) وارد بانتقاضه، وليس سقوط اللصقة أو الجبيره أن الرباط حدثا، ولا جاء نص بايجاب الوضوء من ذلك، والشرائع لا تؤخذ (2) إلا عن الله تعالى على
لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وممن رأى المسح على الجبائر أبو حنيفة ومالك والشافعي ولم ير ذلك داود وأصحابنا.
وبالله تعالى التوفيق * 210 - مسألة - ولا يجوز لاحد مس ذكراه بيمينه جملة إلا عند ضرورة لا يمكنه غير ذلك، ولا بأس بأن يمس بيمينه ثوبا على ذكره، ومس الذكر بالشمال مباح، ومسح سائر أعضمائه بيمينه وبشماله مباح، ومس الرجل ذكر صغير لمداواة أو نحو ذلك من أبواب (3) الخير كالختان ونحوه -: جائز باليمين والشمال، ومس المرأة فرجها بيمينها وشمالها جائز، وكذلك مسها ذكر زوجها أو سيدها بيمينها أو بشمالها جائز * برهان ذلك أن كل ما ذكرنا فلا نص في النهى عنه، وكل مالا نص في تحريمه فهو مباح بقول الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه).
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعظم الناس جرما في الاسلام من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسألته): وقوله عليه السلام: (دعوني ما تركتكم فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه): أو كما قال عليه السلام فنص تعالى على أن كل محرم قد فصل لنا باسمه، وفصح أن ما لم يفصل تحريمه فلم يحرم، وكذلك بالخبرين المذكورين * وقد جاء النهى عن مس الرجل ذكره بيمينه كما حدثنا حمام وعبد الله بن يوسف قال عبد الله ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد
__________
(1) في اليمنية (إلا حدثا ونص جلى) وفي المصرية (إلا حدث أو بنص جلى) وكلاهما غير صواب (2) في المصرية (لا توجد) وهو تصحيف (3) في المصرية) أثواب) وهو تصحيف(2/77)
ابن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا ابن أبى عمر ثنا الثقفى - هو عبد الوهاب بن عبد
المجيد - عن أيوب السختياني، قال حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن محمد البرتي (1) قاضى بغداد ثنا أبو نعيم - هو الفضل ابن دكين - ثنا سفيان - هو الثوري - عن معمر، ثم اتفق أيوب السختيانى ومعمر، كلاهما عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمس الرجل ذكره بيمينه).
هذا لفظ معمر.
ولفظ أيوب: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الاناء وأن يمس ذكره بيمينه وأن يستطيب بيمينه).
وبهذا الخبر حرم أن يزيل أحد (2) أثر البول بيمينه بغسل أو مسح، لانه استطابة * قال علي: رواية معمر وأيوب زائدة على كل ما رواه غيرهما عن يحيى بن أبى كثير من الاقتصار بالنهي عن مسم الذكر باليمين في حال البول وعند دخول الخلاء، والزيادة مقبولة لا يجوز ردها، لاسيما وأيوب ومعمر أحفظ ممن روى بعض ما روياه، وكل ذلك حق، وأخذ كل ذلك فرض لا يحل رد شئ (3) مما رواه الثقات، فمن أخذ برواية أيوب ومعمر أخذ برواية همام وهشام الدستوائي والاوزاعي وأبي اسماعيل، ومن أخذ بروايه هؤلاء وخالف رواية أيوب ومعمر فقد عصى (4) * وقد روينا مثل قولنا هذا عن بعض السلف، كما روينا من طريق وكيع عن
__________
(1) بكسر الباء الموحدة واسكان الراء وكسر التاء المثناة نسبة إلى (برت) بليدة في سواد بغداد وهو احمد بن محمد بن عيسى بن الازهرى الحافظ وقد سبق ذكره في المسألة رقم 137 وترددنا في صحة اسمه لعدم اتفاق النسخ ولكن تبين لنا الآن صحة انه (البرتي) لانه هو الذى ولي قضاء بغداد وروى عن أبي نعيم، وترجمته في السمعاني (ورقة 71) وتذكرة الحفاظ (ج 2: ص 157) وطبقات الحنفية (ج 1: ص 114) ومعجم البلدان (ج 2: ص 109) (2) في الاصلين (أحدا) بالنصب وهو لحن (3) في المصرية (لا يحل شئ)
وهو خطأ (4) في اليمنية (فقد عصاه)(2/78)
الصلت بن دينار عقبة بن صهبان (1): سمعت أمير المؤمنين عثمان رضى الله عنه يقول: ما مسست ذكرى بيميني مذ (2) بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه إلى وكيع عن خالد بن دينار سمعت أبا العالية يقول: ما مسست ذكرى بيميني مذ (3) ستين سنة أو سبعين سنة، وروينا عن مسلم بن يسار وكان من خيار التابعين أنه قال: لا أمس ذكرى بيميني وأنا أرجو أن آخذ بها كتابي.
وبالله تعالى التوفيق * 211 - مسألة - ومن أيقن بالوضوء والغسل ثم شك هل أحدث أو كان منه ما يوجب الغسل أم لا فهو على طهارته، وليس عليه أن يجدد غسلا ولا وضوءا، فلو اغتسل وتوضأ ثم أيقن (4) أنه كان محدثا أو مجنبا أو أنه قد أتى بما يوجب الغسل لم يجزه الغسل ولا الوضوء اللذان أحدثا بالشك، وعليه أن يأتي بغسل آخر ووضوء آخر، ومن أيقن بالحدث وشك في الوضوء أو الغسل فعليه ان يأتي بما شك فيه من ذلك، فان لم يفعل وصلى بشكه ثم ايقن انه لم يكن محدثا ولا كان عليه غسل لم تجزه صلاته تلك أصلا * برهان ذلك قول الله تعالى: (ان يتبعون إلا الظن وان الظن لا يغنى من الحق شيئا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فان الظن اكذب الحديث) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن اسماعيل ثنا حماد ثنا سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره احدث أو لم يحدث فأشكل (5) عليه فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) وهذا قول
__________
(1) الصلت - بفتح الصاد المهملة واسكان اللام - ضعيف.
وعقبة بن صهبان - بضم الصاد المهملة واسكان الهاء - ثقة من التابعين (2) في اليمنية (منذ)
(3) في اليمنية (منذ) (4) في المصرية (ثم تيقن) (5) في المصرية (أشكل) بدون الفاء وهو خطأ، صححناه من اليمنية ومن ابي داود (ج 1: ص 69) والحديث رواه أيضا مسلم (ج 1: ص 108) والترمذي بلفظ آخر (ج 1: ص 16)(2/79)
أبى حنيفة والشافعي وداود * وقال مالك يتوضأ في كلا الوجهين، واحتج بعض مقلديه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم امر من شك فلم يدر كم صلى بأن يلغى الشك ويبني على اليقين * قال ابو محمد: وهذا خطأ من وجهين احدهما تركهم (1) للخبر الوارد في المسألة بعينها، ومخالفتهم له، وان يجعلوا هذا الامر حدثا يوجب الوضوء في غير الصلاة ولا يوجبه (2) في الصلاة، وهذا تناقض قد انكروا مثله على ابى حنيفة في الوضوء من القهقهة في الصلاة دون غيرها، واخذهم بخبر جاء في حكم آخر.
والثانى انهم احتجوا بخبر هو حجة عليهم، لانه عليه السلام لم يجعل للشك حكما، وابقاه على اليقين عنده بلا شك، وان جاز (3) ان يكون الامر كما ظن - هذا - إلى تناقضهم، فانهم يقولون: من شك اطلق ام لم يطلق،، وايقن بصحة النكاح فلا يلزمه طلاق، ومن ايقن بصحة الملك فشك انه اعتق ام لم يعتق (4) فلا يلزمه عتق، ومن تيقنت حياته وشك في موته فهو على الحياة، وهكذا في كل شئ * قال على: فإذ هو كما ذكرنا فان توضأ كما ذكرنا وهو شاك في الحديث ثم ايقن بأنه كان احدث لم يجزه ذلك الوضوء، لانه لم يتوضأ الوضوء الواجب عليه، وانما توضأ وضوءا لم يؤمر به، ولا ينوب وضوء لم يأمر الله عزوجل به عن وضوء أمر الله تعالى به.
وبالله تعالى التوفيق * 212 - مسألة - والمسح على كل ما لبس في الرجلين - مما يحل لباسه مما
يبلغ فوق الكعبين - سنة سواء كانا خفين من جلود أو لبود (5) أو عود أو حلفاء أو جوربين من كتان أو صوف أو قطن أو وبر أو شعر - كان عليهما جلد أو لم يكن - أو جرموقين أو خفين على خفين أو جوربين على جوربين أو ما كثر من ذلك
__________
(1) في المصرية (تركهما) وهو خطأ (2) في المصرية (ولا يوجبها) (3) في اليمنية (وانه أجاز) وهو خطأ (4) في اليمنية (فشك اعتق أو لم يعتق) (5) اللبود بضم اللام وتخفيف الباء جمع لبد ولبدة وهو كل شعر أو صوف ملتبد بعضه على بعض(2/80)
أو هراكس، وكذلك إن لبست المرأة ما ذكرنا من الحرير، فكل ما ذكرنا إذا لبس على وضوء جاز المسح عليه للمقيم يوما وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، ثم لا يحل له المسح، فإذا انقضى هذان الامران - يعنى أحدهما - لمن وقت له صلى بذلك المسح ما لم تنتقض طهارته، فان انتقضت لم يحل له أن يمسح، لكن يخلع ما على رجليه ويتوضأ ولا بد، فان أصابه ما يوجب الغسل خلعهما ولا بد، ثم مسح كما ذكرنا ان شاء، وهكذا أبدا كما وصفنا * برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب ابن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبى ثنا زكرياء بن أبى زائدة عن عامر هو الشعبي ثنا عروة (1) بن المغيرة بن شعبة عن أبيه قال: (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) - فذكر وضوءه عليه السلام - قال المغيرة (ثم أهويت لانزع الخفين (2)، فقال عليه السلام: دعهما فانى أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما) * حدثنا أحمد بن محمد الطمنكى ثنا ابن مفرج ثنا ابراهيم بن أحمد بن على بن احمد بن فراس ثنا محمد بن على بن زيد الصائغ ثنا سعيد بن منصور ثنا أبو الأحوص
ثنا الاعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال: (كنت أمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فانتهي إلى سباطة (3) ناس فبال عليها قائما ثم توضأ ومسح على خفيه) * حدثنا عبد الله بن ربيع ويحيى بن عبد الرحمن بن مسعود قال عبد الله - ثنا محمد بن معاوية القرشي الهشامى ثنا أحمد بن شعيب ثنا اسحق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - وقال يحيى ثنا أحمد بن سعيد بن حزم ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن
__________
(1) في الاصل (عوروة) وهو خطأ والصواب (عروة) (2) في مسلم (ج 1: ص 90) (أخبرني) وفى اليمنية (أخبرنا) (3) في اليمنية (اسباطة) وهو خطأ، والسباطة الكناسة وزنا ومعنى(2/81)
ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبى، ثم اتفق أحمد واسحاق واللفظ لاحمد قالا ثنا (1) وكيع ثنا سفيان الثوري عن ابى قيس عبد الرحمن بن ثروان (2) عن هزيل (3) بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجورجين والنعلين) (4) * حدثنا يونس بن عبد الله ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب ثنا هناد بن السرى عن أبى معاوية عن الاعمش عن الحكم هو ابن عتيبة عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال.
سألت عائشة أم المؤمنين عن المسح على الخفين فقالت.
ائت على بن ابى طالب فانه اعلم بذلك منى فاتيت عليا فسألته عن المسح؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثا (5).
ورويناه ايضا كذلك من طريق مسلم بن الحجاج عن اسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق وزكريا بن عدى قال عبد الرزاق انا سفيان الثوري عن عمرو بن قيس الملائى - وكان سفيان إذا ذكره اثنى عليه -، وقال زكريا عن عبيد الله بن عمرو الرقى (6) عن
__________
(1) في المصرية (قال وكيع) وهو خطأ (2) بفتح الثاء المثلثة واسكان الراء
(3) بضم الهاء وفتح الزاي (4) هذا الحديث لا يوجد في سنن النسائي المطبوعة وهي رواية أبي القاسم، وانما وجد زائدا في نسخة أخرى وطبع بالهامش وذكر المصحح أنه في رواية ابن الاحمر وانه عزاه في الاطراف إلى النسائي، (انظر النسائي ج 1: ص 32) وابن الاحمر هو محمد بن معاوية بن الاحمر الاندلسي شيخ شيخ ابن حزم في هذا الاسناد، وقد رواه أبو داود (ج 1: ص 61 - و 62) والترمذي (ج 1: ص 2) وابن ماجه (ج 1: ص 102) والبيهقي (ج 1: ص 283 - 284) وصححه الترمذي وابن حبان، وأعله النسائي وأبو داود تبعا لعبد الرحمن بن مهدي وغيره بأن المعروف من رواية المغيرة (ومسح على الخفين) وبسببه تكلم بعضهم في ابي قيس والحق أنه ثقة ثبت وأن الحديث صحيح لان حكاية المسح على الخفين لا تنافي المسح على الجوربين بل هما حديثان مختلفان يحمل كل منهما على حكاية حال غير حال الآخر وهو واضح لا يحتمل أي اشتباه (5) في النسائي (ج 1: ص 32) (6) في اليمنية (عبيد الله بن عمر) وهو خطأ(2/82)
زيد بن ابي انيسة، ثم اتفق زيد وعمرو (1) عن الحكم بن عتيبة بمثل حديث الاعمش عن الحكم واسناده (2) * حدثنا هشام بن سعيد الخير ثنا عبد الجبار بن احمد المقرى ثنا الحسن بن الحسين النجيرمى ثنا جعفر بن محمد بن الحسن الاصبهاني ثنا يونس بن حبيب بن عبد القاهر ثنا أبو داود الطيالسي ثنا حماد بن سلمة وحماد بن زيد وهمام بن يحيى وشعبة بن الحجاج (3)، كلهم عن عاصم ابن ابى النجود عن زر بن حبيش قال.
اتيت صفوان بن عسال (4) فقلت: إنه حك في نفسي من المسح على الخفين شئ (5) فهل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا؟ فقال.
(كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر (6) فأمرنا أن نمسح عليهما (7) ثلاثة ايام ولياليهن من غائط وبول ونوم الا من
جنابة (8)) ورويناه ايضا من طريق معمر وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة كلهم عن عاصم عن زر عن صفوان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله * وهذا نقل تواتر يوجب العلم، ففى حديث المغيرة أن المسح انما هو على من أدخل الرجلين وهما طاهرتان، وفي حديث حذيفة المسح في الحضر، وفي حديث هزيل عن المغيرة المسح على الجورجين، وفي حديث على عموم المسح على كل ما لبس في الرجلين يوما وليلة للمقيم، وثلاثا للمسافر، وأن لا يخلع إلا لغسل الجنابة في حديث صفوان * وأما قولنا إنه انقضى أحد الامدين (9) المذكورين صلى الماسح بذلك المسح ما لم ينتقض وضوؤه، ولا يجوز له أن يمسح الا حتى ينزعهما ويتوضأ: - فلان
__________
(1) في اليمنية (زيد وعمر) وهو خطأ (2) في صحيح مسلم (ج 1 ص 91) (3) في المصرية (وسعيد بن الحجاج) وهو تصحيف (4) في مسند أبي داود الطيالسي برقم 1166 (غدوت على صفوان بن عسال) (5) كلمة (شئ) زدناها من مسند الطيالسي (6) في المسند (سفرا أو مسافرين) (7) في الاصلين (عليها) وصححناه من المسند (8) في اليمنية (لامن جنابة وهو خطأ (9) في اليمنية (الامرين) وهو خطأ(2/83)
رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ان يمسح ان كان مسافرا ثلاثا فقط، وان كان مقيما يوما (1) وليله فقط، وأمر عليه السلام بالصلاة بذلك المسح، ولم ينهه عن الصلاة به بعد أمده (2) المؤقت له، وانما نهاه عن المسح فقط، وهذا نص الخبر في ذلك * وممن قال بالمسح على الجوربين جماعة من السلف، كما روينا عن سفيان الثوري عن الزبرقان بن عبد الله العبدى (3) ويحيى بن أبى حية (4) والاعمش قال الزبرقان عن كعب بن عبد الله قال: رأيت على بن أبى طالب رضى الله عنه بال فمسح على
جوربيه ونعليه (5)، وقال يحيى عن أبى الجلاس (6) عن ابن عمر: أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه، وقال الاعمش عن اسماعيل بن رجاء وابراهيم النخعي وسعيد ابن عبد الله بن ضرار قال اسماعيل عن أبيه قال رأيت البراء بن عازب يمسح على جوربيه ونعليه (7)، وقال ابراهيم عن همام بن الحارث عن أبى مسعود البدرى (8): أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه، وقال سعيد بن عبد الله: رأيت أنس بن مالك أتى الخلاء ثم خرج وعليه قلنسوة بيضاء مزرورة (9) فمسح على القلنسوه وعلى
__________
(1) في المصرية (فيوما) (2) في المصرية (بعد أمره) وهو خطأ (3) الزبرقان هذا في حديثه وهم، قاله البخاري (4) يحيى هذا هو أبو جناب الكلبى وهو لا بأس به الا أنه مدلس (5) أثر على هذا رواه البيهقي باسنادين آخرين من طريق الزبرقان بن عبد الله وهو ابو الورقاء (ج 1 ص 285) (6) بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره سين مهملة وأظنه الكوفى الذى يروى عن على، وأثر ابن عمر هذا لم أجد من رواه (7) رواه البيهقي (ج 1 ص 285) من طريق الاعمش (8) في المصرية (عن ابن مسعود البدرى) وهو خطأ (9) كذا في المصرية وسنن البيهقي ولعل معناه أن لها زرا أي تشد به كأزرار القميص، وفى اليمنية (مرره) بدون نقط(2/84)
جوربين له من خز عربي أسود (1) ثم صلى، ومن طريق الضحاك بن مخلد عن سفيان الثوري حدثني عاصم الاحول قال.
رأيت انس بن مالك مسح على جوربيه، وعن حماد بن سلمة عن ثابت البنانى وعبيد الله بن أبى بكر بن أنس بن مالك قالا جميعا.
كان أنس بن مالك يمسح على الجوربين والخفين والعمامة (2)، وعن
حماد بن سلمة عن أبى غالب (3) عن أبى أمامة الباهلى أنه كان يمسح على الجوربين والخفين والعمامة، وعن وكيع عن ابن جناب (4) عن أبيه عن خلاس (5) بن عمرو عن ابن عمر قال: بال عمر بن الخطاب يوم جمعة ثم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين وصلى بالناس الجمعة.
وعن وكيع عن مهدى بن ميمون عن واصل الاحدب
__________
(1) في اليمنية (من حر عري اسود) بدون نقط، وفي المصرية (من مر عربي أسود) وفي البيهقي (وعلى حوربين أسودين مر عزين) وفي نسخة منه (مرعدين) وقد رجحنا أن صحته (من خز عربي أسود) لرواية ثانية رواها البيهقي وفيها وعليه جوربان أسفلهما جلود وأعلاهما خز فمسح عليهما) ويحتمل أن يكون الاصل هنا (وعلى جوربين له من مرعزى أسود) والمرعزي هو الصوف وهو بكسر الميم وفتحها واسكان الراء وكسر العين المهملة وتشديد الزاى المفتوحة، ويقوى هذا الاحتمال ما رواه الدولابى في الكني والاسماء (ج 1 ص 181): (أخبرني احمد بن شعيب - هو النسائي - عن عمرو بن على قال أخبرني سهل بن زياد أبو زياد الطحان قال حدثنا الازرق بن قيس قال: رأيت أنس بن مالك أحدث فغسل وجهه ويديه ومسح على جوربين من صوف، فقلت: أتمسح عليهما؟ فقال: انهما خفان ولكنهما من صوف) * (2) الاثر عن أنس من طريق الضحاك وطريق حماد اسناداهما صحيحان (3) أبو غالب صاحب أبي أمامة هذا اختلف في اسمه وهو ثقة وصحح له الترمذي أحاديث وضعفه بعضهم (4) في المصرية (ابن حبان) وفي اليمنية (أبي خباب) وكلاهما تصحيف والصواب (جناب) بفتح الجيم وتخفيف النون، وهو يحيى بن أبى حية السابق ذهره وأبوه ابو حية اسمه (حى) (5) خلاس بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام(2/85)
عن ابى وائل عن ابى مسعود أنه مسح على جوربين له من شعر (1) وعن وكيع عن يحيى البكاء (2) قال سمعت ابن عمر يقول المسح على الجوربين كالمسح على الخفين: وعن قتادة عن سعيد بن المسيب الجوربان بمنزلة الخفين في المسح، وعن عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء (3) نمسح على الجوربين؟ قال نعم امسحوا عليهما (4) مثل الخفين، وعن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن ابراهيم النحعى: أنه كان لا يرى بالمسح على الجوربين بأسا (5) وعن أبي نعيم الفضل بن دكين قال: سمعت الاعمش (6) سئل عن الجوربين أيمسح عليهما من بات فيهما؟ قال نعم، ومن قتادة عن الحسن وخلاس بن عمر أنهما كانا يريان الجوربين في المسح بمنزلة الخفين وقد روى أيضا عن عبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسهل بن سعد وعمر وبن حريث، وعن سعيد بن جبير ونافع مولى بن عمر فهم عمر وعلى وعبد الله بن عمرو وأبو مسعود والبراء ابن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وابن مسعود وسعد وسهل بن سعد وعمرو بن حريث لا يعرف لهم ممن يجيز المسح على الخفين من الصحابة رضي الله عنهم مخالف: ومن التابعين سعيد بن المسيب وعطاء وابراهيم النخعي والاعمش وخلاس بن عمرو وسعيد بن جبير ونافع مولى ابن عمر، وهو قول سفيان الثوري والحسن بن حى وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وأبى ثور وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وداود ابن على وغيرهم * وقال أبو حنيفة: لا يمسح على الجوربين، وقال مالك: لا يمسح عليهما الا ان يكون أسفلهما قد خرز عليه جلد، ثم رجع فقال: لا يمسح عليهما، وقال الشافعي لا يمسح عليهما الا أن يكونا مجلدين قال على: اشتراط التجليد خطأ لا معنى له، لانه لم يأت به قرآن ولا سنة ولا
__________
(1) أثر أبى مسعود الانصاري رواه البيهقي أيضا (2) يحيى بن مسلم البكاء ضعيف (3) في اليمنية (أنمسح) (4) في المصرية (امسح عليها)
(5) في اليمنية (أنه كان لا يرى بالمسح على الجوربين كالمسح على الخفين باسأ) (6) في اليمنية (يسأل)(2/86)
قياس ولا قول صاحب، والمنع من المسح على الجوربين خطأ لانه خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلاف الآثار، ولم يخص عليه السلام في الاخبار التى ذكرنا خفين من غيرهم، والعجب أن الحنفيين والمالكيين والشافعيين يشنعون ويعظمون مخالفة الصاحب إذا وافق تقليدهم! وهم قد خالفوا ههنا احد عشر صاحبا، لا مخالف لهم من الصحابة ممن يجيز المسح، فيهم عمر وابنه وعلى وابن مسعود وخالفوا أيضا من لا يجيز المسح من الصحابة، فحصلوا على خلاف كل من روى عنه في هذه المسألة شئ من الصحابة رضى الله عنهم، وخالفوا السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس بلا معنى.
وبالله تعالى التوفيق * وأما القائلون بالتوقيت في المسح من الصحابة رضي الله عنهم فروينا من طريق شعبة وابن المبارك عن عاصم الاحول عن أبى عثمان النهدي (1) قال: شهدت سعد بن أبى وقاص وعبد الله بن عمر اختلفا في المسح، فمسح سعد ولم يمسح ابن عمر، فسألوا عمر بن الخطاب وأنا شاهد فقال عمر: امسح يومك وليلتك إلى الغد ساعتك * وعن شعبة عن عمران بن مسلم سمعت سويد بن غفلة قال بعثنا نباتة الجعفي إلى عمر بن الخطاب يسأله عن المسح على الخفين، قال فسأله فقال عمر: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة يمسح على الخفين والعمامة، وهذان اسنادان لا نظير لهما في الصحة والجلالة * وقد روينا ذلك ايضا من طريق سعيد بن المسيب وزييد (2) بن الصلت
كلاهما عن عمر * ومن طريق سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن ابراهيم التيمى عن الحارث
__________
(1) في اليمنية (الهذلي) وهو خطأ (2) بضم الزاي وياءين مثناتين الاولى مفتوحة تصغير (زيد) وفي المصرية زبير) وهو خطأ(2/87)
ابن سويد عن عبد الله بن مسعود قال ثلاثة أيام للمسافر ويوم للمقيم يعني في المسح وروينا أيضا من طريق شقيق بن سلمة (1) عن ابن مسعود، وهذا أيضا اسناد صحيح * ومن طريق وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن القاسم بن مخيمرة (2) عن شريح بن هانئ الحارث: سألت عليا عن المسح فقال للمسافر ثلاثا وللمقيم يوما وليلة * وعن شعبة عن قتادة عن موسى بن سلمة قال: سألت ابن عباس عن المسح على الخفين فقال: ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم، وهذا اسناد في غاية الصحة * وعن الشعبى عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن ابيه قال صارت سنة للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة في المسح * وعن حماد بن سلمة عن سعيد بن قطن (3) عن أبى زيد الانصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن والمقيم يوما وليلة (4) * وعن عبد الرزاق عن ابن جريج ومحمد بن راشد ويحيى بن ربيعة قال ابن جريج أخبرني أبان بن صالح أن عمر بن شريح (5) أخبره أن شريكا القاضى كان يقول للمقيم يوم إلى الليل وللمسافر ثلاث، وقال ابن أبى راشد أخبرني سليمان بن موسي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل المصيصة: أن اخلعوا (6) الخفاف في كل
__________
(1) في المصرية (سفيان بن سلمة) وهو خطأ (2) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة واسكان الياء وفتح الميم الثانية والراء وآخره هاء (3) بفتح القاف والطاء المهملة (4) في اليمنية (وللمقيم يوم وليلة) (5) كذا في المصرية وفي اليمنية (عمير بن شريح) ولم اتحقق من صحة هذا الاسم فانه ليس في الرواة من يدعى هكذا الا (عمر بن سريح) وصحة اسمه على التحقيق (عمر بن سعيد بن سريح) ولكنه غير الذى هنا فذاك يروى عن الزهري المتوفي سنة 123 أو سنة 124 والذى هنا يروى عن شريك بن عبد الله القاضى المتوفي سنة 177 أو سنة 178 وبين الطبقتين بون شاسع (6) في المصرية (أن اجعلوا) وهو خطأ(2/88)
ثلاث وقال يحيى بن ربيعة: سألت عطاء بن أبى رباح عن المسح على الخفين فقال ثلاث للمسافر ويوم للمقيم، وقد روي أيضا عن الشعبي * وهو قول سفيان الثوري والاوزاعي والحسن بن حى وأبى حنيفة والشافعي واحمد بن حنبل وداود بن على وجميع اصحابهم، وهو قول اسحاق بن راهويه وجملة أصحاب الحديث * وقد رواه أيضا أشهب عن مالك والرواية عن مالك مختلفة، فالاظهر عنه كراهة المسح للمقيم وقد روى عنه اجازة (1) المسح للمقيم، وانه لا يرى التوقيت لا للمقيم ولا للمسافر وانهما يمسحان أبدا ما لم يجنبا * وتعلق مقلدوه في ذلك بأخبار ساقطة لا يصح منها شئ، أرفعها من طريق خزيمة بن ثابت، رواه أبو عبد الله الجدلي صاحب راية الكافر المختار، ولا يعتمد على روايته (2)، ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة، لانه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح المسح أكثر من ثلاث ولكن في آخر الخبر من قول الراوى: ولو تمادى
السائل لزادنا.
وهذا ظن وغيب لا يحل القطع به في أخبار الناس، فكيف في الدين إلا أنه صح من هذا اللفظ أن السائل لم يتماد فلم يزدهم شيئا، فصار هذا الخبر
__________
في اليمنية (إجابة) وهو خطأ (2) الجدلي بفتح الجيم والدال المهملة.
وأبو عبد الله هذا اسمه عبد بن عبد وقيل عبد الرحمن بن عبد.
وهو ثقة وثقه احمد وابن معين والعجلي وضعفه ابن سعد قال ابن حجر في التهذيب: (كان ابن الزبير قد دعا محمد بن الحنفية إلى بيعته فأبى فحصره في الشعب وأخافه هو ومن معه مدة، فبلغ ذلك المختار بن أبى عبيد وهو على الكوفة، فأرسل إليه حبيشا مع أبي عبد الله الجدلي إلى مكة فأخرجوا محمد بن الحنفية من محبسه، وكفهم محمد عن القتال في الحرم، فمن هنا أخذوا على أبي عبد الله الجدلي وعلى أبي الطفيل أيضا، لانه كان في ذلك الحبيش، ولا يقدح ذلك فيهما ان شاء الله تعالى) وحديثه هذا رواه أبو داود (ج 1: ص 60) والترمذي (ج 1: ص 21) وابن ماجه *(2/89)
لو صح - حجة لنا عليهم، ومبطلا لقولهم، ومبينا لتوقيت الثلاثة أيام في السفر واليوم والليلة في الحضر * وآخر من طريق أنس، رواه أسد بن موسي عن حماد بن سلمة، وأسد منكر الحديث (1)، ولم يرو هذا الخبر أحد من ثقات أصحاب حماد بن سلمة * وآخر من طريق أنس منقطع، ليس فيه إلا: (توضأ أحدكم ولبس (2) خفيه فليصل فيهما وليمسح عليهما ما لم يخلعهما إلا من جنابة (3)) ثم لو صح لكانت أحاديث التوقيت زائدة عليه، والزيادة لا يحل تركها * وآخر من طريق أبي بن عمارة (4)، فيه يحيى بن أيوب الكوفي وأخر مجهولون وآخر فيه: قال عمر بن اسحاق بن يسار - أخو محمد بن اسحاق -: قرأت في كتاب لعطاء بن يسار مع عطاء بن يسار: سألت ميمونة عن المسح على الخفين
فقالت: (قلت: يا رسول الله أكل ساعة يمسح الانسان على الخفين ولا ينزعهما؟ قال نعم)
__________
(1) كلا بل أسد ثقة وثقه النسائي والعجلي والبزار وغيرهما، قال ابن دقيق العيد في الامام - فيما نقله عنه الزيلعي في نصب الراية (ج 1 ص 93 و 94): (ولعل ابن حزم وقف على قول ابن يونس في تاريخ الغرباء: أسد بن موسى حدث بأحاديث منكرة وكان ثقة وأحسب الآفة من غيره فان كان أخذ كلامه من هذا فليس بجيد لان من يقال فيه منكر الحديث ليس كمن يقال فيه روى احاديث منكرة لان منكر الحديث وصف في الرجل يستحق به الترك لحديثه، والعبارة الاخرى تقتضي انه وقع له في حين لا دائما) ثم قال: (وقد حكم ابن يونس بأنه ثقة، وكيف يكون ثقة وهو لايختج بحديثه!).
والحديث رواه البيهقى (ج 1 ص 279 و 280) (2) في اليمنية (فليس) (3) رواه البيهقي (ج 1 ص 279) (4) بكسر العين وهو الاشهر، وقيل بضمها، وفى اليمنية (أبي بن أبي عمارة) وهو خطأ.
وحديث أبي هذا رواه أبو داود (ج 1 ص 60 و 61) والبيهقي (ج 1 ص 278 و 279) والحاكم (ج 1 ص 170 و 171) وهو حديث ضعيف مضطرب(2/90)
قال على: هذا لا حجة فيه لان عطاء بن يسار لم يذكر لعمر بن اسحاق أنه هو السائل ميمونة، ولعل السائل غيره، ولا يجوز القطع في الدين بالشك (1) ثم لو صح لم تكن فيه حجة لهم، لانه ليس فيه إلا إباحة المسح في كل ساعة، وهكذا قول، إذا أتى بشروط المسح من اتمام الوضوء ولباسهما على طهارة واتمام الوقت المحدود وخلعهما للجنابة، وهذا كله ليس مذكورا منه شئ في هذا الخبر، فبطل تعلقهم به: وذكروا آثارا عن الصحابة رضى الله عنهم لا تصح (2)
منها أثر عن أسد بن موسى عن حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن زييد بن الصلت (3) سمعت عمر بن الخطاب يقول: إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما وليصل فيهما ما لم يخلعهما إلا من جنابة.
وهذا مما انفرد به أسد بن موسى عن حماد، وأسد منكر الحديث لا يحتج به، وقد أحاله، والصحيح من هذا الخبر هو ما رويناه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن محمد بن زياد قال سمعت زييد (4) بن الصلت سمعت عمر بن الخطاب يقول (5) إذا توضأ أحدكم وأدخل خفيه في رجليه وهما طاهرتان فليمسح عليهما ان شاء ولا يخلعهما إلا من جنابة.
وهذا ليس فيه (ما لم يخلعهما) كما روى أسد، والثابت عن عمر في التوقيت برواية، نباتة الجعفي وأبى عثمان النهدي، وهما من أوثق التابعين هو الزائد على ما في هذا الخبر *
__________
(1) احتمال أن السائل غيره احتمال بعيد يأباه سياق الكلام: والحديث رواه الدارقطني (ص 73) من طريق احمد بن حنبل (2) في الاصلين لا يصح منها أثر) والذى نراه أن الاحسن جعل (منها اثر) استئناف لبيان الآثار التى وصفها بعدم الصحة كما يقضي بذلك السياق: (3) في اليمنية (عن محمد بن زياد بن الصلت) وهو خطأ، وزييد بياءين مثناتين كما سبق، وحديثه في البيهقي (ج 1: ص 279) (4) في الاصل المصرى (زيد) وهو خطأ (5) من اول قول عمر في الاثر (إذا توضأ) الخ الذي رواه اسد بن موسى - إلى هنا سقط من اليمنية(2/91)
وآخر من طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب كان لا يجعل في المسح على الخفين وقتا، وهذا منقطع، لان عبيد الله بن عمر لم يدرك
أحدا أدرك عمر، فكيف عمر * وآخر من طريق كثير بن شنظير (1) عن الحسن: سافرنا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا (2) يمسحون على خفافهم من غير وقت ولا عذر، وكثير ضعيف جدا * وخبر رويناه من طريق عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن يزيد عن بن أبى حبيب (3) عن على (4) بن رباح عن عقبة بن عامر أن عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة بعثاه بريدا (5) إلى أبى بكر برأس سان (6) - فذكر الحديث وفيه -: ثم أقبل على عقبة وقال: مذ كم لم تنزع خفيك؟ قال: من الجمعة إلى الجمعة، قال أصبت.
وقد حدث به عبد الرحمن مرة عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير (7) عن عقبة * قال على: هذا أقرب أن يغلط فيه من لا يعرف الحديث، وهذا خبر معلول، لان يزيد بن أبى حبيب لم يسمعه من على بن رباح ولا من أبي الخير، وانما سمعه من عبد الله بن الحكم البلوى عن على بن رباح، وعبد الله بن الحكم
__________
(1) كثير بفتح الكاف وشنظير بكسر الشين المعجمة واسكان النون وكسر الظاء المعجمة، وفي اليمنية (شطير) بالطاء المهملة ووضع لها علامة الاهمال وبحذف النون وهو خطأ، وفي المصرية بدون نقط فلم تتبين في القراءة.
وكثير هذا ثقة فيه بعض ضعف ويحتمل لصدقه وقد روى له البخاري ومسلم.
(2) في المصرية (وكانوا) (3) في اليمنية (عن سعيد بن يزيد بن أبى حبيب) وهو خطأ وسقط (4) بضم العين وفتح اللام مصغر (5) في المصرية (بعثا يزيدا) وهو خطأ ولحن (6) كذا في الاصلين رسم بدون اعجام، وقد حاولت جهدي أن أعرف صحة هذا الاسم أو ذكر شئ عن هذه الرأس المحمولة فلم أصل إلى تحقيق صحيح في ذلك والعلم عند الله (7) في اليمنية (عن أبى الحسين) وهو خطأ وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله اليزنى(2/92)
مجهول، هكذا رويناه من طريق ابن وهب عن عمر وبن الحارث والليث بن سعد كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحكم أنه سمع على بن رباح اللخمي يخبر أن عقبة بن عامر الجهني قال: قدمت على عمر بفتح الشام وعلى خفان لى (1) جرموقان (2) غليظان، فقال لي عمر: كم لك مذ لم تنزعهما؟ - قلت: لبستهما يوم الجمعة واليوم الجمعة، قال: أصبت (3) قال ابن وهب: وسمعت زيد بن الحباب (4) يذكر عن عمر بن الخطاب أنه قال: لو لبست الخفين ورجلاي طاهرتان وأنا على وضوء لم أبال أن لا أنزعهما حتى أبلغ العراق * قال على فهكذا هو الحديث فسقط جملة - ولله الحمد - وزيد بن الحباب لم يلق أحدا رأى عمر فكيف عمر (5) وقد روى أيضا هذا الخبر من طريق معاوية بن صالح عن عياض القرشى عن يزيد بن أبي حبيب ان عقبة (6) وهذا اسقط واخبث، لان يزيد لم يدرك عقبة، وفيه معاوية بن صالح وليس بالقوى، فبطل كل ما جاء في هذا الباب * ولا يصح خلاف التوقيت عن أحد من الصحابة إلا عن ابن عمر فقط، فاننا روينا من طريق هشام بن حسان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يوقت في المسح على الخفين شيئا *
__________
(1) كلمة (لي) سقطت من اليمنية (2) الجرموق - بضم الجيم واسكان الراء - خف صغير يلبس فوق الخف، وفي سنن البيهقي (جرمقانيان) وفي شرح معاني الآثار للطحاوي (مجرمقانيان) وليس لهما معنى معروف، فان الجرمقانى هو واحد الجرامقة وهم أنباط الشأم، وعلى كل فالحرف معرب لا أصل له في كلام العرب * (3) رواه البيهقي (ج 1: ص 280) من طرق والطحاوي (ج 1: ص 48) ورواه الدارقطني (72) مختصرا.
(4) في اليمنية (الحبان) وهو خطأ (5) نعم لان زيد بن الحباب
من الرواة عن مالك والثوري وغيرهما، مات سنة 203 (6) في المصرية (عن يزيد أبى حبيب بن عقبة) وفي اليمنية عن يزيد بن أبى حبيب أن عتبة) وكل منهما خطأ(2/93)
قال أبو محمد: وهذا لا حجة فيه، لان ابن عمر لم يكن عنده المسح ولا عرفه، بل أنكره حتى اعلمه به سعد بالكوفة، ثم ابوه بالمدينة في خلافته، فلم يكن في علم المسح كغيره، وعلى ذلك فقد روى عنه التوقيت، روينا من طريق حماد بن زيد عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن نافع عن ابن عمر قال: أين السائلون عن المسح على الخفين، للمسافر ثلاثا وللمقيم يوما وليلة * ثم لو صح عن أبى بكر وعمر وعقبة (1) رضى الله عنهم ما ذكرنا وكان قد خالف ذلك على وابن مسعود وغيرهما -: لوجب عند التنازع الرد إلى بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيانه عليه السلام قد صح بالتوقيت، ولم يصح عنه شئ غيره أصلا، فكيف ولم يصح قط عن عمر الا التوقيت * قال على.
فإذا انقضى الامدان (2) المذكوران فان أبا حنيفة والشافعي وبعض أصحابنا قالوا: يخلعهما ويغسل رجليه ولا بد، وقال: أبو حنيفة -: إذا قعد الانسان مقدار التشهد في آخر صلاته ثم أحدث عمدا أو نسيانا ببول أو ريح أو غيره ذلك أو تكلم عمدا ونسيانا فقد تمت صلاته، وليس السلام من الصلاة فرضا، قال: فان قعد مقدار التشهد في آخر صلاته وانقضى وقت المسح بعد ذلك فقد بطلت صلاته وبطلت طهارته ما لم يسلم (3) وفي هذا من التناقض والخطأ مالا يحتاج معه إلى تكليف رد عليه والحمد لله على السلامة * وقد قال الشافعي مرة: يبتدئ الوضوء، * وقال ابراهيم النخعي والحسن البصري وابن أبى ليلى وداود: يصلى ما لم تنتقض
طهارته بحدث ينقض الوضوء، وهذا هو القول الذى لا يجوز غيره لانه ليس في شئ من الاخبار (4) أن الطهارة تنتقض عن أعضاء الوضوء ولا عن بعضها بانقضاء وقت المسح، وانما نهي عليه السلام عن أن يمسح أحد أكثر من ثلاث للمسافر أو يوم وليلة للمقيم *
__________
(1) في المصرية (وقتيبة) وهو خطأ (2) (في المصرية الامران) وهو تصحيف (3) قوله) ما لم يسلم) سقط من اليمنية (4) في المصرية (من الآثار)(2/94)
فمن قال غير هذا فقد اقحم في الخبر (1) ما ليس فيه، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، فمن فعل ذلك واهما فلا شئ عليه، ومن فعل ذلك عامدا بعد قيام الحجة عليه فقد أتى كبيرة من الكبائر،، والطهارة لا ينقضها الا الحدث، وهذا قد صحت طهارته ولم يحدث فهو طاهر، والطاهر يصلى ما لم يحدث أو ما لم يأت (2) نص جلى في أن طهارته انتقضت وان لم يحدث وهذا الذي انقضى وقت مسحه لم يحدث ولا جاء نص في أن طهارته انتقضت لا عن بعض اعضائه ولا عن جميعها، فهو طاهر يصلى حتى يحدث فيخلع خفيه حينئذ وما على قدميه ويتوضا ثم يستأنف المسح توقيتا آخر وهكذا أبدا وبالله تعالى التوفيق * وأما من قال ان الطهارة تنتقض عن قدميه خاصة، فقول فاسد لا دليل عليه لا من سنة ولا من قرآن ولا من خبر واه ولا من اجماع، ولا من قول صاحب ولا من قياس ولا رأى سديد أصلا، وما علم في الدين قط حدث ينقض الطهارة - بعد تمامها وبعد جواز الصلاة بها - عن بعض الاعضاء دون بعض وبالله تعالى التوفيق.
وأما تقسيم أبى حنيفة فما روى قط عن أحد من الناس قبله.
وبالله تعالى نتأيد * 213 - مسألة - ويبدأ بعد اليوم والليلة المقيم وبعد الثلاثة الايام بلياليها
المسافر من حين يجوز له المسح أثر حدثه، سواء مسح وتوضأ أو لم يمسح ولا توضأ عامدا أو ساهيا، فان أحدث يومه بعد ما مضى أكثر هذين (3) الامدين (4) أو أقلهما كان له أن يمسح باقي الامدين فقط، ولو مسح قبل انقضاء أحد الامدين بدقيقة كان له أن يصلى به ما لم يحدث * قال على: قال أبو حنيفة والشافعي والثوري: يبتدئ بعد هذين الوقتين من حين يحدث وقال احمد بن حنبل يبدأ بعدهما من حين يمسح، وروى عن الشعبى يمسح
__________
(1) في اليمنية (فقد أقحم بالحديث) (2) في المصرية (أو لم يأت) وهو خطأ (3) في المصرية (بعد مضى هذين) وما هنا أصح (4 و 5) في الاصلين (في الموضعين (الامرين) بالراء وهو خطأ واضح(2/95)
لخمس صلوات فقط ان كان مقيما ولا يمسح لاكثر ويمسح لخمس عشرة صلاة فقط، ان كان مسافرا ولا يمسح لاكثر، وبه يقول اسحاق بن راهويه وسليمان بن داود الهاشمي وأبو ثور قال على: فلما اختلفوا وجب ان ننظر في هذه الاقوال ونردها إلى ما افترض الله عزوجل علينا أن نردها عليه من القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) ففعلنا فنظرنا في قول من قال يبدأ بعد الوقتين من حين يحدث، فوجدناه ظاهر الفساد لان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم - الذى به تعلقوا كلهم وبه اخذوا أو وقفوا في أخذهم به - إنما جاءنا بالمسح مدة أحد الامدين (5) المذكورين، وهم يقرون بهذا، ومن المحال الباطل أن يجوز له المسح في الوضوء في حال الحدث، هذا مالا يقولون به هم ولا غيرهم، ووجدنا (3) بعض الاحداث قد تطول جدا الساعة والساعتين والاكثر كالغائط، ومنها ما يدوم أقل كألبول، فسقط هذا القول بيقين لا شك فيه، وهو أيضا مخالف لنص الخبر، ولا حجة لهم فيه أصلا * ثم نظرنا في قول من حد ذلك بالصلوات الخمس أو الخمس عشرة، فوجدناهم
لا حجة لهم فيه إلا مراعاة عدد الصلوات في اليوم والليلة وفى الثلاثة الايام بلياليهن، وهذا لا معنى له، لانه إذا مسح (4) المرء بعد الزوال في آخر وقت الظهر فانه يمسح إلى صلاة الصبح ثم لا يكون له أن يصلى الضحى بالمسح، ولا صلاة بعدها إلى الظهر وكذلك من مسح لصلاة الصبح في آخر وقتها فانه يمسح إلى أن يصلى العتمة، ثم لا يكون له أن يوتر ولا أن يتهجد ولا أن يركع ركعتي الفجر بمسح وهذا خلاف لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لانه عليه السلام فسح للمقيم في مسح يوم وليلة، وهم منعوه من المسح إلا يوما وبعض ليلة، أو ليلة وأقل من نصف يوم، وهذا خطأ بين *
__________
(1) في اليمنية (ونردها إلى ما افترض الله علينا من سنة رسول الله) الخ وما هنا أصح وأوضح (2) في اليمنية (انما جاء باباحة المسح من الامدين) (3) في المصرية (وقد وجدنا) (4) في الاصلين (إذا تيمم) وهو خطأ يأباه بساط القول، فان البحث انما هو في المسح لا في التيمم، ولذلك صححناه.(2/96)
وأيضا فانه يلزمهم أن من عليه خمس صلوات نام عنهن ثم استيقظ - وكان قد توضأ ولبس خفيه على طهارة ثم نام - انه يمسح عليهما (1)، فإذا أتمهن لم يجز أن يمسح بعدهن باقى يومه وليلته، وهذا خلاف الخبر، فسقط هذا القول بمخالفته للخبر (2) وتعريه من أن يكون لصحته برهان * ثم نظرنا في قول أحمد فوجدناه يلزمه ان كان انسان فاسق قد توضأ ولبس خفيه على طهارة ثم بقى شهرا لا يصلى عامدا ثم تاب: أن له أن يمسح من حين توبته يوما وليلة أو ثلاثا ان كان مسافرا، وكذلك ان مسح يوما ثم تعمد ترك الصلاة أياما فان له ان يمسح ليلة، وهكذا في المسافر، فعلى هذا يتمادى ماسحا عاما وأكثر، وهذا خلاف نص الخبر، فسقط أيضا هذا القول ولم يبق الا قولنا * فنظرنا فيه فوجدناه موافقا لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي صح عنه،
وموافقا لنص الخبر الوارد في ذلك، ولم يبق غيره فوجب القول به، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بأن يمسح يوما وليلة، فله أن يمسح ان شاء، وأن يخلع ما على رجليه، لا بد له من أحدهما، ولا يجزيه غيرهما، وهو عاص لله عزوجل، فاسق ان لم يأت بأحدهما، فان مسح فله ذلك وقد أحسن، وان لم يمسح فقد عصى الله، أو أخطأ (3) ان فعل ذلك ناسيا ولا حرج عليه، وقد مضى من الامد الذى وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة، وبقى باقيها فقط، وهكذا ان تعمد أو نسى حتى ينقضى اليوم والليلة للمقيم والثلاثة الايام بلياليهن للمسافر، فقد مضى الوقت الذى وقته له الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس له أن يمسح في غير الوقت الذى أمره الله تعالى بالمسح فيه * فلو كان فرضه التيمم ولم يجد ماء فتيمم ثم لبس خفيه، فله انه يمسح إذا وجد
__________
(1) في اليمنية (يمسح لهن) وفي اليمنية (يمسح عليهن) وكل منهما خطأ، لان المقصود المسح عليهما أي على الخفين، وهذا ظاهر بأدنى تأمل (2) في اليمنية (لمخالفته الخبر) (3) في المصرية (فقد عصى واخطأ) الخ وهو غلط(2/97)
الماء لان التيمم طهارة تامة، قال الله تعالى وقد ذكر التيمم: (ولكن يريد ليطهركم) ومن جازت له الصلاة بالتيمم فهو بلا شك، وإذا كان طاهرا كله فقدماه طاهرتان بلا شك، فقد أدخل خفيه القدمين وهما طاهرتان، فجائز له المسح عليهما الامد المذكور للمسافر، فان لم يجد الماء إلا بعد تمام الثلاث بأيامها من حين أحدث بعد لباس خفيه على طهارة التيمم لم يجز له المسح، لان الامد قد تم وقد كان ممكنا له أن يمسح بنزول مطر أو وجود من معه ماء، وكذلك لو لم يجد الماء الا بعد مضى بعض الامد المذكور، فليس له أن يمسح الا باقي الامد فقط * قال على: فإذا تم حدثه (1) فحينئذ جاز له الوضوء والمسح ولا يبالى بالاستنجاء
لان الاستنجاء بعد الوضوء جائز وليس فرضه أن يكون قبل الوضوء ولا بد، لانه لم يأت بذلك أمر في قرآن (2) ولا سنة، وانما هي عين أمرنا بازالتها بصفة ما للصلاة فقط، فمتى أزيلت قبل الصلاة وبعد الوضوء أو قبل الوضوء -: فقد أدى مزيلها ما عليه، وليس بقاء البول في ظاهر الخرت (3) وبقاء النجو في ظاهر المخرج حدثا انما الحدث خروجهما من المخرجين فقط، فإذا ظهرا فانهما خبثان في الجلد تجب إزالتهما للصلاة فقط، فمن حينئذ يعد، سواء كان وقت صلاة أو لم يكن، لان التطهر للصلاة قبل دخول وقتها جائز، وقد يصلى بذلك الوضوء في ذلك الوقت صلاة فائتة، أو ركعتي دخول المسجد، فان كان مقيما فالى مثل ذلك الوقت من الغد ان كان ذلك نهارا، والى مثله من الليلة القابلة ان كان ذلك ليلا، فان انقضى له الامد المذكور وقد مسح أحد خفيه ولم يمسح شيئا من الآخر بطل المسح، ولزمه خلعهما وغسلهما، لانه لم يتم له مسحه إلا في وقت قد حرم عليه فيه المسح، وان كان مسافرا فالى مثل ذلك الوقت من اليوم الرابع ان كان حدثه نهارا أو إلى مثل ذلك الوقت من الليلة الرابعة ان كان ذلك ليلا وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في اليمنية (وان أتم حدثه) (2) في المصرية (في الفر؟ (3) الخرت بفتح الخاء وضمها مع اسكان الراء فيهما: الثقب في الاذان والابرة وغير ذلك، وفي اليمنية (في ظاهر الحديث) وهو خطأ سخيف ليس له معنى.(2/98)
214 - مسألة - والرجال والنساء (1) في كل ذكرنا سواء، وسفر الطاعة (2) والمعصية في كل ذلك سواء، وكذلك ما ليس طاعة ولا معصية، وقليل السفر وكثيره سواء * برهان ذلك عموم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه، ولو أراد عليه السلام تخصيص سفر من سفر، ومعصية من طاعة، لما عجز عن ذلك، وواهب الرزق والصحة وعلو اليد
للعاصي والمرجو للمغفرة له يتصدق عليه من فسح الدين بما شاء، وقولنا هو قول أبى حنيفة * ولا معنى لتفريق من فرق في ذلك بين سفر الطاعة وسفر المعصية -، لا من طريق الخبر ولا من طريق النظر * أما الخبر فالله تعالى يقول: (لتبين للناس ما نزل إليهم) فلو كان ههنا فرق لما أهمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا كلفنا علم ما لم يخبرنا به، ولا ألزمنا العمل بما لم يعرفنا به، هذا أمر قد أمناه ولله الحمد * وأما من طريق النظر فان المقيم قد تكون اقامته اقامة معصية وظلم للمسلمين وعدوانا على الاسلام أشد من سفر المعصية، وقد يطيع المسافر في المعصية في بعض اعماله، وأولها الوضوء الذى يكون فيه المسح (3) المذكور الذي منعوه منه فمنعوه من المسح الذى هو طاعة وأمروه بالغسل الذى هو طاعة أيضا، وهذا فساد من القول جدا، وأطلقوا المسح للمقيم العاصي في اقامته * فان قالوا المسح رخصة ورحمة قلنا ما ما حجر على الله الترخيص للعاصي في بعض أعمال طاعته ولا رحمة الله تعالى له الا جاهل بالله تعالى، قائل بمالا علم له به، وكل سفر تقصر فيه الصلاة فيمسح فيه مسح سفر، وما لا قصر فيه (4) فهو حضر واقامة، لا يمسح فيه (5) الا مسح المقيم وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في اليمنية سقطت كلمة (والرجال) (2) في اليمنية (وسنن الطاعة) وهو خطأ سخيف (3) في المصرية (يكن) ولحن (4) في اليمنية (وما لا تصرف فيه) وهو خطأ (5) في المصرية (لا يمسح فيها)(2/99)
215 - مسألة - ومن توضأ فلبس أحد خفيه بعد أن غسل تلك الرجل ثم أنه غسل الاخرى بعد لباسه الخف على المغسولة ثم لبس الخف الآخر ثم أحدث فالمسح له جائز
كما لو ابتدأ لباسهما بعد غسل كلتي رجليه، وبه يقول أبو حنيفة وداود وأصحابهما، وهو قول يحيى بن آدم وأبي ثور والمزنى، وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل: لا يمسح لكن إن خلع التي لبس أولا ثم أعادها من حينه فان له المسح * قال على كلا القولين عمدة أهله علي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعهما فانى أدخلتهما طاهرتين) فوجب النظر في أي القولين هو أسعد (1) بهذا القول، فوجدنا من طهر احدى رجليه ثم ألبسها الخف فلم يلبس الخفين، انما لبس الواحد، ولا أدخل القدمين الخفين، انما أدخل القدم الواحدة فلما طهر الثانية ثم ألبسها الخف الثاني صار حيئنذ مستحقا لان يخبر عنه أنه ادخلهما طاهرتين (2) ولم يستحق هذا الوصف قبل ذلك، فصح أن له أن يمسح، ولو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذهب إليه مالك والشافعي لما قال هذا اللفظ، وانما كان يقول: دعهما فانى ابتدأت أدخالهما في الخفين بعد تمام طهارتهما جميعا فإذ لم يقل عليه السلام هذا القول فكل من صدق الخبر عنه بأنه أدخل قدميه جميعا في الخفين وهما طاهرتان فجائز له أن يمسح إذا أحدث بعد الادخال، وما علمنا خلع خف وإعادته في الوقت يحدث طهارة لم تكن، ولا حكما في الشرع لم يكن، فالموجب له مدع بلا برهان.
وبالله تعالى التوفيق * - 216 - مسألة فان كان في الخفين أو فيما لبس على الرجلين خرق صغير أو كبير طولا أو عرضا فظهر منه (3) شئ من القدم أقل القدم أو أكثرها أو كلاهما: - فكل ذلك سواء والمسح على كل ذلك جائز، مادام يتعلق بالرجلين منهما شئ، وهو قول سفيان الثوري وداود وأبى ثور واسحاق بن راهويه ويزيد بن هارون (4) *
__________
(1) في المصرية (أبعد) وهو خطأ (2) في اليمنية (طاهرتان) وهو لحن (3) في اليمنية (يظهر منه) (4) هو يزيد بن هرون الواسطي أبو خالد أحد الاعلام الحفاظ المشاهير، مات سنة 206 في خلافة المأمون، ووقع في المصرية (زيد بن هرون) وهو خطأ(2/100)
قال أبو حنيفة: ان كان واحد من الخفين خرق عرضا يبرز من كل خرق أصبعان فأقل أو مقدار أصبعين فأقل: جاز المسح عليهما فان ظهر من أحدهما دون الآخر ثلاثة أصابع أو مقدارها فأكثر لم يجز المسح عليهما قال: فان كان الخرق طويلا مما لو فتح ظهر أكثر من ثلاثة أصابع جاز المسح وقال مالك: ان كان الخرق يسيرا لا يظهر منه القدم جاز المسح، وان كان كبيرا فاحشا لم يجز المسح عليهما، فيهما كان أو في أحدهما * وقال الحسن بن حي والشافعي وأحمد: ان ظهر من القدم شئ من الخرق لم يجز المسح عليهما، فان لم يظهر من الخرق شئ من القدم جاز المسح عليهما * قال الحسن بن حي: فان كان من تحت الخرق قل أم كثر جورب يستر القدم جاز المسح * وقال الاوزاعي: ان انكشف من الخرق في الخف شئ من القدم مسح على الخفين وغسل ما انكشف من القدم أو القدمين وصلى، فان لم يغسل ما ظهر أعاد الصلاة * قال على: فلما اختلفوا وجب أن ننظر ما احتجت به كل طائفة لقولها، فوجدنا قول مالك لا معنى له، لانه منع من المسح في حال ما وأباحه في حال أخرى ولم يبين لمقلديه ولا لمريدي معرفة قوله ولا لمن استفتاه: ما هي الحال التى حل فيها المسح؟ ولا ما الحال الذي يحرم فيها المسح؟ فهذا إنشاب (1) للمستفتي فيما لا يعرف، وأيضا فانه (2) قول لا دليل على صحته، ودعوى لا برهان عليها، فسقط هذا القول * ثم نظرنا في قول أبى حنيفة فكان تحكما بلا دليل، وفرقا بلا برهان، لا يعجز عن مثله أحد، ولا يحل القول في الدين بمثل هذا وأيضا فالاصابع تختلف في الكبر
__________
(1) بكسر الهمزة واسكان النون وبالشين المعجمة، من (نشب) الشئ في الشئ - من باب طرب) علق فيه وانشبته أنا فيه انشابا أي أعلقته فانتشب.
والمعنى انه لم يفت السائل بفتوى قاطعة، بل جعله مترددا معلقا فيما يجهل * (2) في المصرية (فانها) وهو خطأ(2/101)
والصغر تفاوتا شديدا، فليت شعري أي الاصابع أراد! وما نعلم أحدا سبقه إلى هذا القول مع فساده، فسقط أيضا هذا القول بيقين * ثم نظرنا في قول الحسن بن حي والشافعي وأحمد فوجدنا حجتهم أن فرض الرجلين الغسل إن كانتا مكشوفتين أو المسح ان كانتا مستورتين، فإذا انكشف شئ منهما وان قل فقد انكشف شئ فرضه الغسل، قالوا: ولا يجتمع غسل ومسح في رجل واحدة، وما نعلم لهم حجة غير هذا * قال على: كل ما قالوه صحيح، إلا قولهم إذا انكشف من القدم شئ فقد انكشف شئ فرضه الغسل، فانه قول غير صحيح، ولا يوافقون عليه، إذ لم يأت به قرآن ولا سنة ولا إجماع، لكن الحق في ذلك ما جاءت به السنة المبينة للقرآن من أن حكم القدمين اللتين ليس عليهما شئ ملبوس يمسح عليه أن يغسلا، وحكمهما إذا كان عليهما شئ ملبوس أن يمسح على ذلك الشئ، بهذا جاءت السنة، (وما كان ربك نسيا) وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أمر بالمسح على الخفين وما يلبس في (1) الرجلين ومسح على الجوربين أن من الخفاف والجوراب وغير ذلك مما يلبس على الرجلين المخرق خرقا فاحشا أو غير فاحش، وغير المخرق، والاحمر والاسود والابيض، والجديد والبالي، فما خص عليه السلام بعض ذلك دون بعض، ولو كان حكم ذلك في الدين يختلف (2) لما أغفله الله تعالى أن يوحى به، ولا أهمله رسول الله صلى الله عليه وسلم المفترض عليه البيان، حاشا له من ذلك، فصح أن حكم ذلك المسح على كل حال، والمسح لا يقتضى الاستيعاب في اللغة التى بها خوطبنا، وهكذا روينا عن سفيان الثوري أنه قال: امسح مادام يسمى خفا، وهل كانت خفاف (3) المهاجرين
والانصار إلا مشققة مخرقة ممزقة؟! * وأما قول الاوزاعي فنذكره إن شاء الله تعالى في المسألة التالية لهذه وبالله تعالى نتأيد *
__________
(1) في المصرية (وما يلبس الرجلين) (2) في المصرية (مختلف) وهو خطأ (3) في اليمنية (اخفاف)) وهو جائز، وكلاهما جمع خف(2/102)
217 - مسألة - فان كان الخفان (1) مقطوعين تحت الكعبين فالمسح جائز عليهما، وهو قول الاوزاعي، روى عنه انه قال: يمسح المحرم على الخفين المقطوعين تحت الكعبين، وقال غيره لا يمسح عليهما إلا أن يكونا فوق الكعبين.
قال على: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الامر بالمسح على الخفين، وأنه مسح على الجوربين، ولو كان ههنا حد محدود لما) همله عليها السلام ولا اغفله، فوجب أن كل ما يقع عليه اسم خف أو جورب أو لبس على الرجلين فالمسح عليه جائز، وقد ذكرنا بطلان قول من قال، إن المسح لا يجوز إلا على ما يستر جميع الرجلين والكعبين وبذلك الدليل يبطل هذا القول الذي لهم في هذه المسألة، لا سيما قول أبى حنيفة المجيز المسح على الخفين اللذين يظهر منهما مقدار أصبعين من كل خف، فانه يلزمه ان ظهر من الكعبين من كل قدم فوق الخف مقدار أصبعين فالمسح جائز والا فلا، وكذلك يلزم المالكيين أن يقولوا ان كان الظاهر من الكعبين فوق الخف يسيرا جاز المسح، وان كان فاحشا لم يجز، وما ندري على م بنوا هذين القولين؟ فانهما لا نص ولا قياس ولا اتباع.
وبالله تعالى التوفيق * قال على: وأما قول الاوزاعي في الجمع بين الغسل والمسح في رجل واحدة فقول لا دليل على صحته، لا من نص ولا من إجماع ولا قياس ولا قول صاحب، وحكم الرجلين الملبوس عليهما شئ المسح فقط بالسنن الثابتة، فلا معنى لزيادة الغسل
على ذلك * 218 - مسألة - ومن لبس خفيه أو جوربيه أو غير ذلك على طهارة ثم خلع أحدهما دون الآخر فان فرضه أن يخلع الآخر ان كان قد احدث ولا بد، ويغسل قدميه، وقد روى المعافى بن عمران (2) ومحمد بن يوسف الفريابى (3) عن سفيان الثوري أنه يغسل الرجل المكشوفة ويمسح على الاخرى المستورة، وروى
__________
(1) في اليمنية (فان كان الخفاف) وهو خطأ (2) في اليمنية (المعافى بن عمرو) وهو خطأ (3) في المصرية (محمدان يوسف) في اليمنية (محمد بن يوسف الغرياني) بالنون وكلاهما خطأ(2/103)
الفضل بن دكين عنه أن ينزع ما على الرجل الاخرى، ويغسلهما، وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي * قال على: فنظرنا في ذلك فوجدنا نص حكمه عليه السلام أنه مسح عليهما لانه أدخلهما طاهرتين، وأمره عليه السلام بغسل القدمين المكشوفتين، فكان هذان النصان لا يحل الخروج عنهما، ووجدنا من غسل رجلا ومسح على الاخرى قد عمل عملا لم يأت به قرآن ولا سنة ولا دليل من لفظيهما (1)، ولا يجوز في الدين إلا ما وجد في كلام الله تعالى أو كلام نبيه عليه السلام، فوجب أن لا يجزئ غسل رجل ومسح على الاخرى، وأنه لا بد من غسلهما أو المسح عليهما، سواء في ذلك في الابتداء أو بعد المسح عليهما * وقد حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث قال: ثنا أبو عيسى بن أبى عيسى ثنا أحمد بن خالد ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبى شيبة عن عبد الله بن أدريس - هو الاودي - عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبى سعيد - هو المقبري -
عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا لبس أحدكم فليبدأ باليمني، وإذا خلعه فليبدأ باليسرى، ولا يمشي في نعل واحدة ولا خف واحدة، ليخلعهما جميعا أو ليمش فيهما جميعا * فأوجب عليه السلام خلعهما ولا بد أو تركهما جيعا، فان خلع إحداهما دون الاخرى فقد عصى الله في إبقائه (2) الذي أبقى، وإذا كان بابقائه عاصيا فلا يحل له المسح على خف فرضه نزعه، فان كان ذلك العلة برجله لم يلزمه في تلك الرجل شئ أصلا، لا مسح ولا غسل، لان فرضه قد سقط * ووجدنا بعص الموافقين لنا قد احتج في هذا بأنه لما لم يجز عند أحد ابتداء الوضوء بغسل رجل ومسح على خف على أخرى لم يجز ذلك بعد نزع أحد الخفين * قال أبو محمد: وهذا كلام فاسد، لان ابتداء الوضوء يرد على رجلين غير طاهرتين، وليس كذلك الامر بعد صحة المسح عليهما بعد ادخالهما طاهرتين، فبين
__________
(1) في اليمنية (لفظهما) (2) في المصرية (في القائه) وهو خطأ(2/104)
الامرين أعظم فرق.
وبالله تعالى التوفيق * 219 - مسألة - ومن مسح كما ذكرنا على ما في رجليه ثم خلعهما لم يضره ذلك شيئا، ولا يلزمه إعادة وضوء ولا غسل رجليه، بل هو طاهر كما كان ويصلى كذلك وكذلك لو مسح على عمامة أو خمار ثم نزعهما فليس عليه إعادة وضوء ولا مسح رأسه بل هو طاهر كما كان ويصلى كذلك، وكذلك لو مسح على خف على خف (1) ثم نزع الا على فلا يضره ذلك شيئا، ويصلي كما هو دون أن يعيد مسحا، وكذلك من توضأ أو اغتسل ثم حلق شعره أو تقصص أو قلم أظفاره فهو في كل ذلك على وضوئه وطهارته ويصلي كما هو دون أن يمسح مواضع القص * وهذا قول طائفة من السلف، كما روينا عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن
هشام بن حسان، وروينا عن سفيان الثوري عن الفضيل (2) بن عمرو عن ابراهيم النخعي: أنه كان يحدث ثم يمسح على جرموقين له من لبود ثم ينزعهما فإذا قام إلى الصلاة لبسهما وصلى * وأما أبو حنيفة فانه قال: من توضأ ثم مسح على خفيه ثم أخرج قدمه الواحدة من موضعها إلى موضع الساق أو أخرح كلتيهما كذلك فقد بطل مسحه، ويلزمه أن يخرج قدميه جميعا ويغسلهما، وكذلك عنده لو أخرجهما بالكل، قال أبو يوسف وكذلك إذا أخرج أكثر من نصف القدم إلى موضع الساق: قال فلو لبس جرموقين على خفين ثم مسح عليهما ثم خلع احد الجرموقين فعليه أن يمسح على الخف الذى كان تحت الجرموق ويمسح أيضا على الجرموق الثاني ولا بد لان بعض المسح إذا انتقض انتقض كله، قال: فلو توضأ ثم جز شعره وقص شاربه وأظفاره فهو على طهارته، وليس عليه أن يمس الماء شيئا من ذلك *
__________
(1) يعنى على خف ملبوس على خف آخر (2) الفضيل بالتصغير وهو الفضيل بن عمرو الفقيمى الثقة مات سنة 110، وفى المصرية (الفضل بن عمر) وفى اليمنية (الفضل بن عمرو) وكلاهما خطأ(2/105)
وأما مالك فأنه قال: من مسح على خفيه ثم خلع أحدهما فانه يلزمه أن يخلع الثاني ويغسل رجليه، وكذلك لو خلعهما جميعا وكذلك من أحرج احدى رجليه (1) أو كلتاهما من موضع القدم إلى موضع الساق فانه يخلعهما جميعا ولا بد ويغسل قدميه فان لم يغسل قدميه في فوره ذلك لزمه ابتداء الوضوء، فلو توضأ و؟؟ بعد ذلك شعره أو قص أظفاره فليس عليه أن يمس شيئا من ذلك الماء (2)، قال فلو أخرج عقيمه (3) أو إحداهما من موضع القدم إلى موضع الساق إلا ان سائر قدميه في موضع القدم فليس عليه أن يخرج رجليه لذلك وهو على طهارته *
وقال الشافعي: من خلع أحد خفيه لزمه خلع الثاني وغسل قدميه، فان خلعهما جميعا فكذلك، فلو أخرج رجليه كليهما (4) عن موضعهما ولم يخرجهما ولا شيئا منهما عن موضع ساق الخف فهو على طهارته، ولا شئ عليه حتى يخرج شيئا مما يجب غسله عن جميع الخف، فيلزمه أن يخلعهما.
حينئذ ويغسلهما، فان توضأ ثم جز شعره أو قص أظفاره فهو طهارته، وليس عليه أن يمس الماء شيئا من ذلك * وقال الاوزاعي إن خلع خفيه أو جز شعره أو قص اظفاره لزمه ان يبتدئ الوضوء في خلع الخفين وان يمسح على رأسه ويمس الماء موضع القطع من أظفاره في الجز والقص، وهو قول عطاء، وكذلك قال الاوزاعي فيمن مسح على عمامته ثم نزعها فانه يمسح رأسه بالماء * قال على: أما قول أبي يوسف في مراعاة اخراج أكثر من نصف القدم عن موضعها فيلزمه الغسل في رجليه معا أو اخراج نصفها فأقل فلا يلزمه غسل رجليه -: فتحكم في الدين ظاهر وشرع لم يأذن به الله تعالى، ولا أوجبه قرآن ولا سنة، ولا قياس ولا قول صاحب ولا رأى مطرد، لانهم يرون مرة الكثير أكثر من النصف، ومرة الثلث، ومرة الربع ومرة شبرا في شبر، ومرة اكثر من قدر الدرهم، وكل هذا تخليط
__________
(1) في الاصل (أحد رجليه) وهو لحن (2) من أول قوله (وأما مالك) إلى هنا سقط من اليمنية.
(3) في اليمنية (فلو أخرج قدميه) (4) في اليمنية (كلاهما) وهو لحن(2/106)
وأما فرق مالك بين اخراج العقب إلى موضع الساق فلا ينتقض المسح وبين اخراج القدم كلها إلى موضع الساق فينتقض المسح -: فتحكم أيضا لا يجوز القول به، ولا يوجبه قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأي مطرد، لانه يرى أن بقاء العقب في الوضوء لا يطهر (1) أن فاعل ذلك لا وضوء له،
فان كان المسح قد انتقض عن الرجل بخروجها عن موضع القدم، فلا بد من انتقاض المسح عن العقب بخروجها عن موضعها إلى موضع الساق لا يجوز غير ذلك، وان كان المسح لا ينتقض عن العقب بخروجها إلى موضع الساق فانه لا ينتقض أيضا بخروج القدم إلى موضع الساق كما قال الشافعي * وأما تفريقهم جميعهم بين المسح على الخفين ثم يخلعان فينتقض المسح ويلزم اتمام الوضوء، وبين الوضوء ثم يجز الشعر وتقص الاظفار فلا ينتقض الغسل عن مقص الاظفار ولا المسح على الرأس -: ففرق فاسد (2) ظاهر التناقض ولو عكس إنسان هذا القول فأوجب مسح الرأس على من حلق شعره ومس عجز الاظفار بالماء ولم ير المسح على من خلع خفيه -: لما كان بيهما فرق * قال على: وما وجدنا لهم في ذلك متعلقا أصلا إلا أن بعضهم قال: وجدنا مسح الرأس وغسل القدمين في الوضوء انما قصد به الرأس لا الشعر، وانما قصد به الاصابع لا الاظافر (3)، فلما جز الشعر وقطعت الاظفار بقى الوضوء بحسبه، وأما المسح فانما قصد به الخفان لا الرجلان، فلما نزعا بقت الرجلان لم توضأ فهو يصلى برجلين لا مغسولتين ولا ممسوح عليهما فهو ناقص الوضوء * قال أبو محمد: وهذا لا شئ لانه باطل وتحكم بالباطل، فلو عكس عليه قوله فقيل له: بل المسح على الرأس وغسل الاظفار انما قصد به الشعر والاظفار فقط، بدليل أنه لو كان على الشعر حناء وعلى الاظفار كذلك لم يجز الوضوء، وأما الخفان فالمقصود
__________
(1) في المصرية (لا يظهر) بالظاء المشالة وهو تصحيف (2) في اليمنية (فقول فاسد) (3) في اليمنية لا الاظفار)(2/107)
بالمسح القدمان لا الخفان، لان الخفين لولا القدمان لم يجز المسح عليهما، فصح أن حكم القدمين الغسل، ان كانتا مكشوفتين، والمسح ان كانتا في خفين لما كان: -
بين القولين فرق * ثم يقال لهم: هبكم أن الامر كما قلتم، في أن المقصود بالمسح الخفان، وبالمسح في الوضوء الرأس، وبغسل اليدين الاصابع لا الاظفار -: فكان ماذا؟ أو من أين وجب من هذا أن يعاد المسح بخلع الخفين ولا يعاد بحلق الشعر؟ * قال علي: فظهر فساد هذا القول * وأما قولهم: انه يصلى بقدمين لا مغسولتين ولا ممسوح عليهما - فباطل، بل ما يصلى - إلا على قدمين ممسوح على خفين عليهما * قال علي: فبطل هذا القول كما بينا.
وكذلك قولهم: يغسل رجليه فقط، فهو باطل متيقن، لانه قد كان باقرارهم قد تم وضوؤه وجازت له الصلاة به ثم أمرتموه بغسل رجليه فقط، ولا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما، إما أن يكون الوضوء الذى قد كان تم قد بطل أو يكون لم يبطل،، فان كان لم يبطل فهذا قولنا، وان كان قد بطل فعليه أن يبتدئ الوضوء، والا فمن المحال الباطل الذي لا يخيل (1): - أن يكون وضوء قد تم ثم ينقض بعضه ولا ينقض بعضه، هذا أمر لا يوجبه نص ولا قياس ولا رأي يصح، فبطلت هذه الاقوال كلها، ولم يبق إلا قولنا أو قول الاوزاعي، فنظرنا في ذلك فوجدنا البرهان قد صح بنص السنة والقرآن على أن من توضأ ومسح على عمامته وخفيه فانه قد تم وضوؤه وارتفع حدثه وجازت له الصلاة، وأجمع هؤلاء المخالفون لنا على ذلك فيمن (2) مسح رأسه وخفيه ثم إنه لما خلع خفيه وعمامته وحلق رأسه أو تقصص وقطع أظفاره: قال قوم: قد انتقض وضوؤه، وقال آخرون: لم ينتقض وضوؤه فنظرنا في ذلك، فوجدنا الحلق وقص الشعر وقص الاظفار، وخلع الخفين والعمامة ليس شئ منه حدثنا، والطهارة لا ينقضها إلا الاحداث، أو نص وارد بانتقاضها، وأنه (3) لم يكن حدث ولا نص ههنا على انتقاض طهارته ولا على انتقاض
__________
(1) في اليمنية (الذى لا يحل) في الاصلين (فيما) وهو خطأ (3) في المصرية
(فان لم يكن) وفي اليمنية (وان لم يكن) وكل منهما خطأ يأباه سياق الكلام(2/108)
بعضها فبطل هذا القول، وصح القول بأنه على طهارته، وأنه يصلي ما لم يحدث، ولا يلزمه مسح رأسه ولا أظفاره ولا غسل رجليه ولا إعادة وضوئه، وكان من أوجب الوضوء من ذلك كمن أوجبه من المشى أو من الكلام أو من خلف قميصه ولا فرق.
وبالله تعالى التوفيق * 220 - مسألة - ومن تعمد لباس الخفين على طهارة ليمسح عليهما أو خضب رجليه أو حمل عليهما دواء ثم لبسهما ليمسح على ذلك.
أو خضب رأسه أو حمل عليه دواء ثم لبس العمامة أو الخمار ليمسح على ذلك: - فقد أحسن.
وذلك لانه قد جاء النص باباحة المسح على كل ذلك مطلقا.
ولم يحظر عليه شيئا من هذا كله نص: (وما كان ربك نسيا).
وبلغنا عن بعض المتقدمين أنه قال: من توضأ ثم لبس خفيه ليبيت (1) فيها ليمسح عليهما، فلا يجوز له المسح.
وهذا خطأ لانه دعوى بلا برهان.
وتخصيص للسنة بلا دليل.
وكل قول لم يصححه النص فهو باطل.
وبالله تعالى التوفيق * 221 - مسألة - ومن مسح في الحضر ثم سافر - قبل انقضاء اليوم والليلة أو بعد انقضائهما - مسح أيضا حتى يتم لمسحه في كل ما مسح في حضره وسفره معا ثلاثة أيام بلياليها.
ثم لا يحل له المسح فان مسح في سفر ثم أقام أو دخل موضعه ابتدأ مسح يوم وليلة ان كان قد مسح في السفر (2) يومين وليلتين فأقل.
ثم لا يحل له المسح فان كان مسح في سفره (3) أقل من ثلاث أيام بلياليها وأكثر من يومين وليلتين مسح باقي اليوم الثالث وليلته فقط.
ثم لا يحل له المسح.
فان كان قد أتم في السفر مسح ثلاثة أيام بلياليها خلع ولا بد.
ولا يحل له المسح حتى يغسل رجليه *
برهان ذلك ما قد ذكرناه من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبح المسح الا ثلاثة أيام
__________
(1) في اليمنية (ليثبت) وهو خطأ (2) في اليمنة (في الحضر) وهو خطأ (3) في اليمنية (في سفر)(2/109)
المسافر بلياليها ويوما وليلة للمقيم، فصح يقينا أنه لم يبح لاحد أن يمسح أكثر من ثلاثة أيام بلياليها، لا مقيما ولا مسافرا، وانما نهى عن ابتداء المسح - لاعن الصلاة (1) بالمسح المتقدم - فوجب ما قلنا، فلو مسح في الحضر يوما وليلة ثم سافر ثم رجع قبل أن يتم يوما وليلة في السفر أو بعد أن اتمهما (2) لم يجزله المسح اصلا، لانه لو مسح لكان قد مسح وهو في الحضر اكثر من يوم وليلة، وهذا لا يحل البتة * وقال ابو حنيفة وسفيان: من مسح وهو مقيم فان كان لم يتم يوما وليلة حتى سافر مسح حتى يتم ثلاثة ايام بلياليها من حين أحدث وهو مقيم، فان كان قد أتم يوما وليلة في حضره ثم سافر لم يجز له المسح، ولا بدله من غسل رجليه، قال.
فان سافر فمسح يوما وليلة فأكثر ثم قدم أو أقام لم يجز له المسح حتى يغسل رجليه، فلو مسح في سفره أقل من يوم وليلة ثم قدم أو أقام كان له أن يمسح تمام ذلك اليوم والليلة فقط، وليس له أن يستأنف مسح يوم وليلة * وقال الشافعي من مسح في الحضر ثم سافر فان كان قد أتم اليوم والليلة خلع ولا بد، وان كان لم يتم يوما وليلة مسح باقى ذلك اليوم فقط (3) ثم يخلع (4) وكذلك لو مسح في السفر ثم قدم سواء سواء، ان كان مسح في سفره يوما وليلة وقدم أو أقام (5) فانه يخلع ولا بد، وان كان مسح اقل من يوم وليلة في سفرة أثم باقي ذلك اليوم والليلة (6) بالمسح فقط * واختلف أصحابنا، فقال بعضهم كما قلنا، وقال بعضهم: إذا مسح في سفره
اقل من ثلاثة ايام بلياليها أو ثلاثة ايام بلياليها لا اكثر وقدم استأنف مسح يوم
__________
(1) في المصرية (عن الصلاة) بحذف (لا) وهو خطأ (2) في اليمنية (أو بعد أن يتمها) (3) من أول قوله (وليس له أن يستأنف) الخ إلى هنا سقط من اليمنية (4) في اليمنية (ثم خلع) (5) في اليمنية (يوما وليلة قدم إذا قام) وهو خطأ لا معنى له (6) كلمة (والليلة) سقطت من اليمنية(2/110)
وليلة، فان لم يزد على ذلك حتى سافر استأنف ثلاثة ايام بلياليها، واحتج هؤلاء بظاهر لفظ الخبر في ذلك * قال على: وظاهر لفظه يوجب صحة قولنا، لان الناس قسمان: مقيم ومسافر، ولم يبح عليه السلام للمسافر الا ثلاثا، ولا أباح للمقيم الا بعض الثلاث، فلم يبح لاحد - لا مقيم ولا مسافر - أكثر من ثلاث، ومن خرج إلى سفر تقصر في مثله الصلاة مسح مسح مسافر، ثلاثا بلياليهن، ومن خرج دون ذلك مسح مسح مقيم، لان حكم هذا البروز (2) حكم الحضر وبالله تعالى التوفيق * 222 - مسألة - والمسح على الخفين وما لبس على الرجلين انما هو على ظاهرهما فقط، ولا يصح معنى لمسح باطنهما الاسفل تحت القدم، ولا لاستيعاب (3) ظاهرهما، وما مسح من ظاهرهما بأصبع أو أكثر أجزأ (4) * برهان ذلك ما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق بن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء ثنا حفص بن غياث الاعمش عن أبى اسحق (5) عن عبد خير عن على قال: (لو كان الدين بالرأى لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر الخفين (6) *
وبه يقول أبو حنيفة وسفيان الثوري وداود، وهو قول على بن أبى طالب كما ذكرنا وقيس بن سعد كما روينا من طريق عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري ثنا أبو إسحاق هو السبيعى عن يزيد بن أبي العلاء (3) قال: رأيت قيس بن سعد بال
__________
(1) في المصرية (البزر) وهو خطأ قبيح (2) في المصرية (ولا استيعاب) (3) في المصرية (أجزأهما) وما هنا أحسن (4) في المصرية (عن ابن اسحق) وهو خطأ (5) في سنن أبى داود (ج 1: ص 63) (عن الاعمش) بدل (ثنا الاعمش) وفيه أيضا (على ظاهر خفيه) وهذا الحديث صححه ابن حجر في التلخيص وحسنه في بلوغ المرام (6) هو يزيد بن عبد الله بن الشخير وكنيته أبو العلاء.
وفي اليمنية (يزيد ابن العلاء) وهو خطأ(2/111)
ثم أتى رحله فتوضأ ومسح على خفيه على أعلاهما حتى رأيت أثر أصابعه على خفيه.
ورويناه عن معمر بن أيوب السختياني قال: رأيت الحسن بال ثم توضأ ثم مسح على خفيه على ظاهرهما مسحة واحدة، فرأيت أثر أصابعه على الخفين.
وروينا عن ابن جريج: قلت لعطاء: أمسح على بطون الخفين؟ قال لا الا بظهورهما * قال علي: والمسح لا يقتضى الاستيعاب، فما وقع عليه اسم مسح فقد أدى فرضه، إلا أن أبا حنيفة قال: لا يجزئ المسح على الخفين إلا بثلاثة أصابع لا بأقل، وقال سفيان وزفر والشافعي وداود: ان مسح باصبع واحدة أجزأه، قال زفر: إذا مسح على (1) أكثر الخفين * قال أبو محمد: تحديد الثلاث أصابع وأكثر الخفين كلام فاسد، وشرع في الدين بارد (2) لم يأذن به الله تعالى *
واحتج بعضهم بأنهم قد اتفقوا على أنه إن مسح (3) بثلاث أصابع أجزأه، وان مسح بأقل فقد اختلفوا * قال على: وهذا يهدم عليهم أكثر مذاهبهم، ويقال لهم مثل هذا في فور الوضوء وفى الاستنشاق والاستنثار وفى الوضوء بالنيبذ (4) وغير ذلك، فكيف ولا تحل (5) مرعاة اجماع إذا وجد النص يشهد لقول بعض العلماء (6)! وقد جاء النص بالمسح دون تحديد ثلاثة أصابع أو أقل، (وما كان ربك نسيا) بل هذا الذى قالوا هو إيجاب الفرائض بالدعوى المختلف فيها بلا نص، وهذا الباطل المجمع على أنه باطل (7) *
__________
(1) في اليمنية بحذف (على) (2) كلمة (بارد) زيادة من اليمنية (3) في المصرية (على انه يمسح) وهو خطأ (4) قوله (وفي الوضوء بالنبيذ) سقط من اليمنية (5) في المصرية (فكيف لا تحل) بحذف الواو (6) في المصرية (لقول العلماء) (7) في اليمنية (المجمع على الباطل) وهو خطأ(2/112)
ويعارضون بأن يقال لهم: قد صح اجماعهم على وجوب المسح بأصبع واحدة واختلفوا في وجوب المسح بما زاد، فلا يجب ما اختلف فيه، وانما الواجب ما اتفق عليه، وهذا أصح في الاستدلال إذا لم يوجد لفظ مروى * وقال الشافعي: يستحب مسح ظاهر الخفين وباطنهما، فان اقتصر على ظاهرهما دون الباطن أجزأه، وان اقتصر على الباطن دون الظاهر لم يجزه * قال علي: وهذا (1) لا معنى له إذا كان مسح الاسفل ليس فرضا ولا جاء ندب إليه: - فلا معنى له * وقال مالك: يمسح (2) ظاهرهما وباطنهما، وقال ابن القاسم صاحبه: (3) ان مسح الظاهر دون الباطن أعاد في الوقت، وان مسح الباطن دون الظاهر أعاد أبدا.
وقد روينا مسح ظاهر الخفين وباطنهما عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمرو عن معمر عن الزهري * قال على: الاعادة في الوقت على أصول هؤلاء القوم لا معنى لها، لانه (4) ان كان أدى فرض طهارته وصلاته فلا معنى للاعادة، وان كان لم يؤدهما فيلزمه عندهم أن يصلى أبدا * واحتج من رأى مسح باطن الخفين مع ظاهرهما بحديث رويناه من طريق الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخفين وأسفلهما) وحديث آخر رويناه عن ابن وهب عن سليمان بن يزيد الكعبي (5) عن عبد الله بن عامر الاسلمي عن ابن شهاب عن المغيرة بن شعبة: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح أعلى الخفين
__________
(1) كلمة (وهذا) سقطت من المصرية خطأ (2) في اليمنية (لا يمسح) وهو خطأ (3) كلمة (صاحبه) سقطت من المصرية (4) في المصرية (لانها) وهو خطأ (5) هو ابن المثنى الكعبي، وهو ضعيف، ووقع في التهذيب في الكنى (ص 12 ج 221) (الكلبى) وهو خطأ، وقد ذكر على الصواب (الكعبي) في الاسماء في التهذيب وفي الميزان وفي لسان الميزان 6: ص 812 و 848(2/113)
وأسفلهما) وآخر رويناه من طريق ابن وهب: حدثني رجل عن رجل من أعين عن أشياخ لهم عن أبى أمامة الباهلى وعبادة بن الصامت: (أنهم رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح أعلى الخفين وأسفلهما) * قال على: هذا كله لا شئ، أما حديث أبي أمامة وعبادة فأسقط من أن يخفى على ذى لب، لانه عمن لا يسمى عمن لا يدرى من هو عمن لا يعرف، وهذا فضيحة * وأما حديثا (1) المغيرة فأحذهما عن ابن شهاب عن المغيرة، ولم يولد ابن شهاب
الا بعد موت المغيره بدهر طويل، والثاني مدلس أخطأ فيه الوليد بن مسلم في موضعين، وهذا خبر حدثناه حمام قال ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك ابن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبى قال قال عبد الرحمن بن مهدى عن عبد الله بن المبارك عن ثور بن يزيد قال حدثت (2) عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخفين وأسفلهما) فصح أن ثورا لم يسمعه من رجاء بن حيوة، وأنه مرسل لم يذكر فيه المغيرة، وعلة ثالثة وهى أنه لم يسم فيه كاتب المغيرة، فسقط كل ما في هذا الباب.
وبالله تعالى التوفيق * 223 - مسألة - ومن لبس على رجليه شيئا مما يجوز المسح عليه على غير طهارة ثم أحدث فلما أراد الوضوء وتوضأ ولم يبق له غير رجليه فجئه خوف شديد لم يدرك معه غسل رجليه بعد نزع خفيه: - فانه ينهض ولا يمسح عليهما، ويصلى كما هو، وصلاته تامة، فإذا أمكنه نزع خفيه ووجد الماء بعد تمام صلاته فقد قال قوم: يلزمه نزعهما وغسل رجليه فرضا، ولا يعيد ما صلى، فان قدر على ذلك قبل أن يسلم بطلت صلاته، ونزع ما على رجليه وغسلهما وابتدأ الصلاة، وقال آخرون قد تم وضوؤه ويصلى بذلك الوضوء ما لم ينتقض بحدث، لا بوجود الماء، وهذا أصح * برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد ذكرناه باسناده فيما مضى من كتابنا هذا -: (إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم) وقول الله تعالى:
__________
(1) في المصرية (حديث) بالافراد وهو لحن (2) في اليمنية (حدثنا) وكلاهما مبنى لما لم يسم فاعله(2/114)
(لا يكلف الله نفسا الا وسعها) فلما عجز هذا عن غسل رجليه سقط حكمهما، وبقى عليه ما قدر عليه من وضوء سائر أعضائه، وإذا كان كذلك فقد توضأ كما أمره الله عزوجل، ومن توضأ كما أمر الله فصلاته تامة *
وأما من قال: انه إذا قدر على الماء لزمه انما وضوئه فرضا وقد تمت صلاته، فلو قدر على ذلك في صلاته فقد لزمه فرضا أن لا يتم ما بقى من صلاته الا بوضوء قام، والصلاة لا يحل أن يفرق بين أعمالها بما ليس منها: فقول غير صحيح، ودعوى بلا برهان، بل قد قام البرهان (1) من النص من القرآن والسنة (2) على أنه قد توضأ كما أمر، وقد تمت طهارته، وأن له أن يصلي، فمن الباطل أن يعود عليه حكم الحدث من غير أن يحدث، إلا أن يوجب ذلك نص فيوقف عنده، ولا نص في هذه المسألة يوجب عليه اعادة الوضوء، فلا يلزمه اعادته ولا غسل رجليه، لانه على طهارة تامة، لكن يصلى بذلك الوضوء ما لم يحدث لما ذكرناه * فان قيل: قسنا ذلك على التيمم.
قلنا: القياس باطل كله، ومن أين لكم إذا وجب ذلك في التيمم أن يجب في العاجز عن بعض أعضائه؟ فليس بأيديكم غير دعواكم أن هذا وجب في العاجز كما وجب في التيمم، وهذه دعوى مفتقرة إلى برهان، ومن أراد أن يعطى بدعواه فقد أراد الباطل، ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا، لانهم موافقون لنا على أن العاجز عن بعض أعضائه كمن ذهبت رجلاه أو نحو ذلك لا يجوز له التيمم، وأن حكمه انما هو غسل ما بقى من وجهه وذراعيه ومسح رأسه فقط، وعن وضوءه بذلك تام وصلاته جائزة، فلما لم يجعلوا له أن يتيمم لم يجز أن يجعل له حكم التيمم (3) وهذا أصح من قياسهم.
والحمد لله رب العالمين *
__________
(1) في المصرية (بل من قام البرهان) وفى اليمنية حذفت هذه القطعة وكل منهما خطأ (2) في المصرية (أو السنة) وهو خطأ (3) في المصرية (لم يجز أن يجعل حكم التيمم) وفى اليمنية (لم يجز أن يجز أن يجعل له التيمم) وكل مهنما خطأ(2/115)
* (كتاب التيمم) * 224 مسألة: لا يتيمم من المرضى الا من لا يجد الماء، أو من عليه مشقة وحرج في الوضوء بالماء أو في الغسل به أو المسافر الذى لا يجد الماء الذى يقدر على الوضوء به أو الغسل به * برهان ذلك قول الله تعالى: (وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا وجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) فهذا نص ما قلناه واسقاط الحرج، وقال تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) فالحرج (1) والعسر ساقطان ولله تعالى الحمد سواء زادت علته أو لم تزد وكذلك إن خشى زيادة علته فهو أيضا عسر وحرج، وقال عطاء والحسن.
والمريض لا يتيمم أصلا ما دام يجد الماء (2)، ولا يجزيه الا الغسل والوضوء، المجدور وغير المجدور سواء * 225 مسألة: وسواء كان السفر قريبا أو بعيدا سفر طاعة كان أو سفر معصية أو مباحا، هذا مما لا نعلم فيه خلافا (3) الا ان بعض العلماء ذكر قولا لم ينسبه إلى أحد، وهو ان التيمم لا يجوز الا في سفر نقصر فيه الصلاة * قال على ولقد كان يلزم من حد في قصر الصلاة والفطر سفران دون سفر، في بعض المسافات دون بعض، وفى بعض الاسفار دون بعض، وفرق بين سفر الطاعة والمعصية في ذلك (4): أن يفعل ذلك في التيمم، ولكن هذا (5) مما تناقضوا فيه اقبح تناقض، فان ادعوا ههنا اجماعا لزمهم إذ هم أصحاب قياس بزعمهم أن يقيسوا ما اختلف فيهه من صفة السفر في القصر والفطر والمسح على ما اتفق عليه من صفة
__________
(1) في المصرية (والحرج) وما هنا أحسن (2) في المصرية (يجد ماء) (3) في المصرية (مما لا يعلم فيه خلاف)
(4) قوله (في ذلك) محذوف من اليمنية (5) في اليمنية (ولكان هذا) وهو خطأ(2/116)
السفر في التيمم، والا فقد تركوا القياس، وخالفوا القرآن والسنن وبالله تعالى التوفيق * 226 مسألة: والمرض هو كل ما أحال الانسان عن القوة والتصرف، هذا حكم اللغة التي بها نزل القرآن وبالله تعالى التوفيق * 227 مسألة: قال على: ويتيمم من كان في الحضر صحيحا إذا كان (1) لا يقدر على الماء الا بعد خروج وقت الصلاة، ولو أنه على شفير البئر والدلو في يده أو على شفير النهر والساقية والعين، الا انه يوقن أنه لا يتم وضوءه أو غسله حتى يطلع أول قرن الشمس، وكذلك المسجون والخائف * برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب ابن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا محمد بن فضيل عن أبى مالك الاشجعى عن ربعى بن حراش عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فضلنا علي الناس بثلاث فذكر فيها: وجعلت لنا الارض مسجدا، وجعلت تربته لنا طهورا إذا لم نجد الماء) * وبه إلى مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا اسماعيل هو ابن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فضلت على الانبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لى الغنائم، وجعلت لى الارض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الناس كافة، وختم بى النبيون) فهذا عموم دخل فيه الحاضر والبادى * فان قيل: فان الله تعالى قال: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم
سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا الا عابرى سبيل حتى تغتسلوا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ).
فلم يبح عزوجل للجنب أن يقرب الصلاة حتى يغتسل أو يتوضأ الا مسافرا، قلنا: نعم، قال الله تعالى هذا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكرتم، وقال تعالى
__________
(1) في المصرية إذ كان وهو خطأ(2/117)
(وان كنتم جنبا فاطهروا وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منك من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) فكانت هذه الآية زائدة حكما، وواردة بشرع ليس في الآية التى ذكرتم، بل فيها أباحة أن يقرب الصلاة الجنب دون أن يغتسل، وهو غير عابر سبيل، لكن إذا كان مريضا لا يجد الماء أو عليه فيه حرج وكانت هذه الآية أيضا زائدة حكما على الخبر الذى لفظه (لا تقبل صلاة (1) من أحدث حتى يتوضأ): ثم جاء الخبران اللذان ذكرنا بزيادة (2) وعموم على الآيتين والخبر المذكور، فدخل في هذين الخبرين الصحيح (3) المقيم إذا لم يجد الماء، وكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فرض جمع بعضه إلى بعض وكله من عند الله تعالى * وقولنا هذا هو قول مالك وسفيان والليث: وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يتيمم الحاضر، لكن ان لم يقدر على الماء الا حتى يفوت الوقت تيمم وصلى، ثم أعاد ولا بد إذا وجد الماء، وقال زفر: لا يتيمم الصحيح في الحضر البتة وان خرج الوقت، لكن يصبر حتى يخرج الوقت ويجد الماء فيصلى حينئذ * قال على: أما قول أبى حنيفة والشافعي فظاهر الفساد، لانه لا يخلو أمرهما له بالتيمم والصلاة من أن يكونا أمراه بصلاة هي فرض الله تعالى عليه أو بصلاة لم
يفرضها (4) الله تعالى عليه، ولا سبيل إلى قسم ثالث فان قال مقلدهما أمراه بصلاة: هي فرض عليه، قلنا فلم (5) يعيدها بعد الوقت ان كان قد أدى فرضه؟ وان قالوا: بل (6) امراه بصلاة ليست فرضا عليه، أقرا بأنهما ألزماه مالا يلزمه، وهذا خطأ، وأما
__________
(1) في المصرية (على الخبر الذي فيه: لا يقبل الله صلاة الخ) (2) في المصرية (زيادة) بحذف الجار وهو خطأ (3) في اليمنية (الصحيحين) على انه وصف للخبرين، والذي هنا أحسن، لان المراد أن الخبرين دخل في عمومهما الشخص الصحيح المقيم.
(4) في اليمنية (لم يفترضها) (5) في اليمنية (قلنا: نعم فلم) الخ.
(6) في اليمنية بحذف (بل)(2/118)
قول زفر فخطأ، لانه أسقط فرض الله تعالى في الصلاة في الوقت الذى امر الله تعالى بأدائها فيه، والزمه اياها في الوقت الذى حرم الله تعالى تأخيرها إليه * قال أبو محمد: والصلاة فرض معلق بوقت محدود، والتأكيد فيها أعظم من أن يجهله مسلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
فوجدنا هذا الذي حضرته الصلاة هو مأمور بالوضوء وبالغسل إن كان جبنا وبالصلاة فإذا عجز عن الغسل والوضوء سقطا عنه، وقد نص عليه السلام على أن الارض طهور (1) إذا لم يجد (2) الماء وهو غير قادر عليه، فهو غير باق عليه (3) وهو قادر على الصلاة فهى باقية عليه، وهذا بين.
والحمد لله رب العالمين * 228 مسألة والسفر الذى يتيمم فيه هو الذى يسمى عند العرب سفرا، سواء كان مما تقصر فيه الصلاة أو مما لا تقصر فيه الصلاة، وما كان دون ذلك مما لا يقع عليه اسم السفر من البروز عن المنازل فهو في حكم الحاضر، فاما المسافر سفرا يقع عليه سفر والمريض الذى له التيمم فالافضل لهما أن يتيمما في أول الوقت، سواء رجوا الماء (4) أو أيقنا بوجوده قبل خروج الوقت، أو أيقنا
أنه لا يوجد حتى يخرج الوقت، وكذلك رجاء الصحة ولا فرق، وأما الحاضر الصحيح ومن له حكم الحاضر فلا يحل له التيمم إلا حتى يوقن بخروج الوقت قبل إمكان الماء * برهان ذلك ان النص ورد في المسافر الذى لا يجد الماء، وفى المريض كذلك وفى المريض ذى الحرج، وكان البدار إلى الصلاة أفضل، لقول الله تعالى (سارعوا
__________
(1) في اليمنية (طهورا) بالنصب وهو لحن (2) في المصرية (نجد) بالنون وهو خطأ (3) في المصرية (وهو قادر عليه فهو باق عليه) وفى اليمنية (وهو قادر عليه فهو غير باقي عليه) وكل منهما خطأ يأباه سياق الكلام والزام الحجة كما هو واضح (4) في المصرية (رجوا من الماء)(2/119)
إلى مغفرة من ربكم) وأما الحاضر فلا خلاف من أحد في انه ما دام يرجو بوجود الماء قبل خروج الوقت فانه لا يحل له التيمم، وما أبيح له التيمم عند تيقن خروج (1) الوقت إلا باختلاف، ولولا النص ما حل له * وقال أبو حنيفة في المشهور عنه: لا يتيمم المسافر إلا في آخر وقت الصلاة، إلا انه قد روى عنه ان هذا انما هو مادام يطمع في الماء فان لم يرج به (2) فليتيمم في اول الوقت، وقال سفيان: يؤخر المسافر التيمم إلى آخر الوقت لعله يجد الماء، وهو قول احمد بن حنبل، وروى أيضا عن علي وعطاء، وقال مالك مرة: لا يعجل ولا يؤخر، ولكن في وسط الوقت، وقال مرة: إن ايقن بوجود الماء قبل خروج وقت الصلاة فانه يؤخر التيمم إلى آخر الوقت، فان وجد الماء والا تيمم وصلى، وان كان طامعا في وجود (3) الماء قبل خروج الوقت أخر التيمم إلى وسط الوقت، فيتيمم
في وسطه ويصلي، وان كان موقتا انه لا يجد الماء حتى يخرج الوقت فيتيمم في اول الوقت ويصلي، وقال الاوزاعي: كل ذلك سواء * قال على: التعلق بتأخير التيمم لعله يجد الماء لا معنى له، لانه لا نص ولا إجماع على ان عمل المتوضئ افضل من عمل المتيمم، ولا على ان صلاة المتوضئ افضل ولا اتم من صلاة المتيمم (4) وكلا الامرين طهارة تامة، وصلاة تامة، وفرض في حالة فإذ ذلك كذلك فتأخير الصلاة رجاء وجود الماء ترك للفضل في البدار إلى افضل الاعمال بلا معنى، وقد جاء مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن ابن عمر وغيره * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا
__________
(1) في اليمنية (عند خروج) بحذف (تيقن) (2) في المصرية (فان لم يرج فيه) (3) في المصرية (بوجود) (4) في اليمنية (ولا على أن صلاة المتيمم أفضل ولا أتم من صلاة المتوضى) وما هنا أحسن(2/120)
البخاري ثنا يحيى بن بكير (1) (قال حدثنا الليث) (2) عن جعفر بن ربيعة عن الاعرج قال: سمعت عميرا مولى ابن عباس قال: اقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبى جهيم بن الحارث بن الصمة الانصاري قال: (اقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي (3) صلى الله عليه وسلم حتى اقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام * وروينا عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد الانصاري عن نافع: ان ابن عمر تيمم ثم صلى العصر وبينه وبين المدينة ميل أو ميلان ثم دخل المدينة والشمس
مرتفعة فلم يعد، وعن مالك عن نافع: انه اقبل مع ابن عمر من الجرف فلما أتى المربد لم يجد ماء فنزل فتيمم بالصعيد وصلى ثم لم يعد تلك الصلاة * قال على: وهو قول داود وأصحابنا * وقال محمد بن الحسن: أما المسافر فان كانا الماء منه على أقل من ميل طلبه وان خرج الوقت، فان كان على ميل لم يلزمه طلبه وتيمم، قال: وأما من خرج من مصره غير مسافر فان كان بحيث لا يسمع حس الناس واصواتهم تيمم * قال على: وهذه أقوال نحمد الله على السلامة منها ومن مثلها * 229 - مسألة - ومن كان الماء منه قريبا إلا انه يخاف ضياع رحله أو فوت الرفقة أو حال بينه وبين الماء عدو ظالم أو نار أو أي خوف كان في القصد إليه مشقة ففرضه التيمم.
برهان ذلك قول الله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) وكل هؤلاء لا يجدون ماء يقدرون على الطهارة به * 230 - مسألة فان طلب بحق فلا عنه له في ذلك، ولا يجزيه التيمم، لان فرضا عليه أن لا يمتنع من كل حق قبله لله تعالى أو لعباده، فان امتنع فهو عاص.
__________
(1) في المصرية (يحيى بن بكر) وهو خطأ (2) في الاصلين (يحيى بن بكير عن جعفر) باسقاط (قال حدثنا الليث) وهو خطأ، صححناه من البخاري (ج 1: ص 52) ومن كتب الرجال (3) في اليمنية (فلم يرد النبي) بحذف (عليه) وما هنا هو الصحيح الموافق للبخاري(2/121)
قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطى كل ذى حق حقه.
وبالله تعالى التوفيق * 231 - مسألة - فلو كان على بئر يراها ويعرفها في سفر وخاف فوات أصحابه (1) أو فوت صلاة الجماعة أو خروج الوقت: تيمم واجزأه لكن يتوضأ
لما يستأنف، لان كل هذا عذر مانع من استعماله الماء، فهو غير واجد الماء يمكنه (2) استعماله بلا حرج * 232 - مسألة - ومن كان الماء في رحله (3) فنسيه أو كان بقربه بئر أو عين لا يدري بها فتيمم وصلى أجزأه، لان هذين غير واجدين للماء، ومن لم يجد الماء تيمم بنص كلام الله تعالى، وهذا قول أبي حنيفة وداود، وقال مالك: يعيد في الوقت ولا يعيد ان خرج الوقت.
وقال أبو يوسف والشافعي: يعيد أبدا.
وقال ابو يوسف: ان كانت البئر منه على رمية سهم أو نحوها وهو لا يعلم بها أجزأه التيمم، فان كان على شفيرها أو بقربها وهو لا يعلم بها لم يجزه التيمم (4) * 233 - مسألة - وكل حدث ينقض الوضوء فانه ينقض التيمم، هذا ما لا خلاف فيه من أحد من أهل الاسلام 234 - مسألة - وينقض التيمم أيضا وجود الماء، وسواء وجده في صلاة أو بعد أن صلى أو قبل أن يصلى، فان صلاته التي هو فيها تنتقض لا نتقض طهارته، ويتوضأ أو يغتسل، ثم يبتدئ الصلاة، ولا قضاء عليه فيما قد صلى بالتيمم * ولو وجد الماء أثر سلامه منها، الخلاف في هذا في ثلاث مواضع * أحدها خلاف قديم في أن الماء (5) إذا وجد لم يكن على المتيمم الوضوء به ولا الغسل ما لم يحدث منه ما يوجب الغسل أو الوضوء *
__________
(1) في اليمنية (فوت أصحابه) (2) في اليمنية (فهو غير واجد لا يمكنه) الخ (3) في المصرية (في خرجه) وهي كلمة عامية من أغلاط الناسخين (4) في اليمنية (لم يضره التيمم) وهو خطأ (5) في اليمنية (خلاف قديم فان الماء) وهو خطأ ظاهر(2/122)
وروينا ذلك عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة أن أبا سلمة بن
عبد الرحمن بن عوف قال: إذا كنت جنبا في سفر فتمسح ثم إذا وجدت الماء فلا تغتسل من جنابة ان شئت، قال عبد الحميد: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال: ما يدريه؟ إذا وجدت الماء فاغتسل.
وباحداث الغسل والوضوء يقول جمهور المتأخرين * وكان من حجة من لا يرى تجديد الوضوء والغسل أن قال: التيمم طهارة صحيحة، فإذ ذلك كذلك فلا ينقضها الا ما ينقض الطهارات، وليس وجود الماء حدثا، فوجود الماء لا ينقض طهارة التيمم * قال على.
وكان هذا قولا صحيحا لو لا (1) ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله قال ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيي بن سعيد - هو القطان - ثنا عوف - هو ابن أبي جميلة - ثنا أبو رجاء العطاردي عن عمران بن الحصين قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر) فذكر الحديث وفيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس، فلما انفتل رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته إذ هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، فقال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: (عليك بالصعيد فانه يكفيك) ثم ذكر في حديثه ذلك أمر الماء الذي أحدثه الله تعالى آية لنبيه عليه السلام قال: - (وكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة اناء من ماء، وقال: إذهب فأفرغه عليك) * حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا ابراهيم ابن اسحق النيسابوري ببغداد ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبى ثنا اسماعيل بن مسلم (2) ثنا أبو رجاء العطاردي عن عمران بن الحصين قال: (كنت مع رسول
__________
(1) في اليمنية (وهذا قول صحيح لولا) الخ (2) في اليمنية (ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا اسمعيل بن مسلم) بحذف والد ابن نمير من الاسناد وهو خطأ، واسمعيل بن مسلم ضعيف من قبل حفظه وكان
صدوقا يكثر الغلط، وقال ابن معين: ليس بشئ(2/123)
الله صلى الله عليه وسلم وفى القوم جنب، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فتيمم وصلى، ثم وجدنا الماء بعد فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل ولا يعيد الصلاة) وقد ذكرنا حديث حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لنا الارض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء).
فصح بهذه الاحاديث أن الطهور بالتراب انما هو ما لم يوجد الماء، وهذا لفظ يقتضي أن لا يجوز التطهر (1) بالتراب الا إذا لم يوجد (2) الماء ويقتضى أن لا يصح طهور بالتراب الا ان لا نجد (3) الماء الا لمن أباح له ذلك نص آخر.
وإذا كان هذا فلا يجوز أن يخص بالقبول أحد المعنيين دون الآخر، بفرض العمل بهما معا، وصحح (4) هذا أيضا أمره عليه السلام المجنب بالتيمم بالصعيد والصلاة، ثم أمره عند وجود الماء بالغسل فصح ما قلناه نصا والحمد لله * والموضع الثاني: ان وجد الماء بعد الصلاة (5) أيعيدها أم لا؟ فقال سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والشعبي والحسن وأبو سلمة بن عبد الرحمن: إنه يعيد مادام (6) في الوقت: رويناه من طريق معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحى (7) عن أبى سلمة، وعن طريق حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن، ومن طريق الحجاج بن المنهال عن سفيان الثوري عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة (8) عن سعيد بن المسيب، ومن طريق وكيع عن زكريا بن أبى زائدة عن الشعبى، ومن طريق سفيان الثوري عن ليث بن أبى سليم عن عطاء، ومن طريق الحسن بن صالح عن العلاء بن المسيب عن طاوس *
__________
(1) في اليمنية (التطهير) (2) في اليمنية (نجد) (3) في اليمنية (يوجد) (4) في اليمنية (وصح) وهو خطأ
(5) في اليمنية (يعيد الصلاة) وهو خطأ (6) في اليمنية (يعيدها دام) وهو خطأ وتصحيف (7) بضم الجيم وفتح الميم وكسر الحاء المهملة، وهو ضعيف، وفي اليمنية (الحشى) بالحاء المهملة والشين وهو خطأ.
(8) في اليمنية (عبد الحميد بن جبير بن أبي شيبة) وهو خطأ(2/124)
وقال مالك: المسافر والمريض والخائف يتيممون في وسط الوقت، فان تيمموا وصلوا ثم وجدوا الماء في الوقت فان المسافر لا يعيد، وأما المريض والخائف فيعيدان الصلاة * قال على: أما قول مالك فظاهر الخطأ في تفريقه بين المريض والخائف وبين المسافر لان المريض الذى لا يجد الماء مأمور بالتيمم والصلاة، كما أمر به المسافر في آية واحدة ولا فرق وأما المريض والخائف المباح لهما التيمم لرفع الحرج والعسر فكذلك أيضا، وكل من ذكرنا (1) فلم يأت بالفرق بين أحد منهم في ذلك قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأى له وجه، نعم، ولا نعلم أحدا قاله قبل مالك، فسقط هذا القول جملة، ولم يبق إلا قول من قال: يعيد الكل، وقول من قال: لا يعيد، فنظرنا، فوجدنا كل من ذكرنا (2) مأمورا بالتيمم بنص القرآن، فلما صلوا كانوا لا يخلون من أحد وجهين: إما ان يكونوا صلوا كما أمروا، أو لم يصلوا كما أمروا، فان قالوا: لم يصلوا كما أمروا، قلنا لهم: فهم إذا منهيون عن التيمم والصلاة ابتداء، لابد من هذه! وهذا لا يقوله أحد، ولو قاله لكان مخطئا مخالفا للقرآن والسنن والاجماع، فإذ قد سقط (3) هذا القسم بيقين فلم يبق الا القسم الثاني، وهو انهم قد صلوا كما أمروا فإذ قد صلوا كما أمروا (4) فلا تحل لهم اعادة صلاة واحدة في يوم مرتين، لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم *
حدثنا بذلك عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا أبو كامل ثنا يزيد - يعني ابن زريع - (5) ثنا حسين - هو المعلم (6) عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار مولى ميمونه قال: أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلون فقال: انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تصلوا صلاة
__________
(1) في المصرية (وكل ما ذكرنا) وما هنا أحسن (2) في اليمنية (فوجدنا لكل من ذكرنا) وهو خطأ (3) في اليمنية (فان قد سقط) وهو خطأ (4) في اليمنية (فان صلوا) وهو خطأ (5) في المصرية (زريعة) وهو خطأ (6) في اليمنية (هو العلم) وهو تصحيف(2/125)
في يوم مرتين).
فسقط الامر بالاعادة جملة.
والحمد لله رب العالمين * والثالث من رأي الماء وهو في الصلاة، فأن مالكا والشافعي وأحمد بن حنبل وأبا ثور وداود قالوا: ان رأى الماء وهو في الصلاة فليتماد على صلاته ولا يعيدها، ولا تنتقض طهارته بذلك، وان رآه بعد الصلاة فليتوضأ وليغتسل ولا بد، لا تجزيه صلاة مستأنفة الا بذلك، وقال أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري والاوزاعي: سواء وجد الماء في الصلاة أو بعد الصلاة يقطع الصلاة ولا بد، ويتوضأ أو يغتسل ويبتديها، وأما إن رآه بعد الصلاة فقد تمت صلاته تلك، ولا بد له من الطهارة بالماء لما يستأنف لا تجزيه صلاة يستأنفها الا بذلك * قال على: فلما اختلفوا نظرنا في ذلك، فوجدنا حجة من فرق بين وجود الماء في الصلاة ووجوده بعد الصلاة ان قالوا: قد دخل في الصلاة كما أمر، فلا يجوز له ان ينقضها الا بنص أو إجماع * قال أبو محمد: لا نعلم (1) لهم حجة غير هذه، ولا متعلق لهم بها، لانه - وان كان قد دخل في الصلاة كما أمره الله تعالى - فلا يخلو وجود الماء من أن يكون (2)
ينقض الطهارة ويعيده في حكم المحدث أو المجنب، أو يكون لا ينقض الطهارة ولا يعيده في حكم المجنب أو المحدث (3) فان قالوا: لا ينقض الطهارة ولا يعيده مجنبا ولا محدثا، فهذا جواب أبى سليمان وأصحابنا، قلنا: فلا (4) عليكم، أنتم مقرون بأنه مع ذلك مفترض عليه الغسل أو الوضوء متي وجد الماء بلا خلاف منكم، فمن قولهم: نعم، فقلنا لهم: فهو مأمور بذلك في حين وجوده في الصلاة وغير الصلاة بنص مذهبنا ومذهبكم في البدار إلى ما أمرنا به، فان قالوا: ليس مأمورا بذلك في الصلاة لشغله بها، قلنا: هذا فرق لا دليل عليه، ودعوى بلا برهان فإذ هو مأمور بذلك في الصلاة وغير الصلاة فقد صبح إذ هو مأمور بذلك في الصلاة ان أمركم بالتمادي على
__________
(1) في اليمنية (ما نعلم) (2) في اليمنية (فلا يخلوا وجوده من الماء أن يكون) وهو خطأ (3) هذا الشق الثاني محذوف من اليمنية (4) في اليمنية (فلا حجة عليكم) وهو خطأ(2/126)
ترك استعمال الماء خطأ، لانه على أصلكم لا تنتقض بذلك صلاته، فكان اللازم على أصولكم أن يستعمل الماء ويبني على ما مضى من صلاته كما تقولون في المحدث ولا فرق، وهم لا يقولون هذا، فسقط قولهم * وأما المالكيون والشافعيون فجوابهم أن وجود الماء ينقضى الطهارة ويعيد التيمم مجنبا ومحدثا في غير الصلاة، ولا ينقض الطهارة في الصلاة * قال على: فكان هذا قولا ظاهر الفساد ودعوي عارية عن الدليل، وما جاء قط في قرآن ولا سنة ولا في قياس ولا في رأي له وجه ان شيئا يكون حدثا في غير الصلاة ولا يكون حدثا في الصلاة والدعوى لا يعجز عنها أحد، وهى باطل ما لم يصححها برهان من قرآن أو سنة، لا سيما قولهم: أن وجود المصلى (1) الماء في حال صلاته لا ينقض صلاته، فإذا سلم انتقضت طهارته بالوجود الذي كان في
الصلاة، وان لم يتماد ذلك الوجود إلى بعد الصلاة، فذا أطرف (2) ما يكون! شئ ينقض الطهارة إذا عدم ولا ينقضها إذا وجد! وهم قد انكروا هذا بعينه على أبى حنيفة في قوله: ان القهقهة تنقض الوضوء في الصلاة ولا تنقضها في غير الصلاة * قال على: فإذ قد ظهر ايضا فساد هذا القول فقد ذكرنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان التراب طهور ما لم يوجد الماء) فصح ان لا طهارة تصح بتراب مع وجود الماء إلا لمن اجازه له النص من المريض الذي عليه من استعماله حرج، فإذ ذلك كذلك فقد صح بطلان طهارة المتيمم إذا وجد الماء في صلاة كان أو في غير صلاة، وصح قول سفيان ومن وافقه، الا ان ابا حنيفة تناقض ههنا في موضعين احدهما انه يرى لمن احدث مغلوبا ان يتوضأ ويبنى، وهذا احدث مغلوبا، فكان الواجب على أصله أن يأمره بأن يتوضأ ويبنى والثانى: أنه يرى السلام من الصلاة ليس فرضا، وأن من قعد في آخر صلاته مقدار التشهد فقد تمت صلاته، وانه ان احدث عامدا أو ناسيا فقد صحت صلاته
__________
(1) في اليمنية (ان وجد المصلى) (2) بالطاء المهملة / وفي المصرية بالمعجمة وهو تصحيف.(2/127)
ولا اعادة عليه، ثم رأى ههنا انه وان قعد في آخر صلاته مقدار التشهد ثم وجد الماء وان لم يسلم فان صلاته تلك قد بطلت، وكذلك طهارته وعليه أن يتطهر ويعيدها أبدا، وهذا تناقض في غاية القبح والبعد عن النصوص والقياس وسداد الرأي، وما علمنا هذه التفاريق لاحد قبل أبى حنيفة * 235 - مسألة: والمريض المباح له التيمم مع وجود الماء بخلاف ما ذكرنا، فان صحته لا تنتقض طهارته * برهان ذلك ان الخبر الذي أتبعنا انما جاء فيمن لم يجد الماء، (1) فهو الذي
تنتقض طهارته بوجود الماء، وأما من أمره الله تعالى بالتيمم والصلاة مع وجود الماء فان وجود الماء قد صح يقينا انه لا ينقض طهارته بل هي صحيحة مع وجود الماء فإذ ذاك كذلك فان الصحة ليست حدثا أصلا، إذ لم يأت بأنها حدث لا قرآن ولا سنة، فان قالوا: قسنا المريض على المسافر.
قلنا: القياس كله بأطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، لانه قياس الشئ على ضده، وهذا باطل عند أصحاب القياس، وهو قياس واجد الماء على عادمه، وقياس مريض على صحيح، وهم لا يختلفون أن احكامهما في الصلاة وغيرها تختلف وبالله تعالى التوفيق * 236 - مسألة: والمتيمم يصلى بتيممه ما شاء من الصلوات الفرض والنوافل ما لم ينتقض تيممه بحدث أو بوجود الماء، وأما المريض فلا ينقض (2) طهارته بالتيمم الا ما ينقض الطهارة من الاحداث فقط، وبهذا يقول أبو حنيفة وسفيان الثوري والليث بن سعد وداود * وروينا (3) أيضا عن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: يصلى الصلوات كلها بتيمم واحد مثل الوضوء ما لم يحدث، وعن معمر قال سمعت الزهري يقول: التيمم بمنزلة الماء، يقول يصلى به ما لم يحدث، وعن قتادة عن سعيد ابن المسيب قال: صل بتيمم واحد الصلوات كلها ما لم تحدث، هو بمنزلة الماء.
وهو
__________
(1) في المصرية (في من لا يجد الماء) (2) في الماء (تنقض) وهو خطأ (3) في اليمنية (ورويناه)(2/128)
قول يزيد بن هارون ومحمد بن على بن الحسين (1) وغيرهم * وقال مالك: لا يصلى صلاتا فرض بتيمم واحد وعليه أن يتيمم لكل صلاة، فان تيمم وتطوع بركعتي الفجر أو غيرهما (2) فلا بدله من أن يتيمم تيمما آخر للفريضة فلو تيمم ثم صلى الفريضة جاز له أن يتنفل بعدها بذلك التيمم *
وقال الشافعي يتيمم لكل صلاة فرض ولا بد، وله أن يتنفل قبلها وبعدها بذلك التيمم * وقال شريك يتيمم لكل صلاة، وروى مثل قول شريك عن ابراهيم النخعي والشعبى وربيعة وقتادة ويحيى بن سعيد الانصاري، وهو قول الليث بن سعد واحمد واسحاق * وقال أبو ثور: يتيمم لكل وقت صلاة فرض الا أنه يصلى الفوائت من الفروض كلها بتيمم واحد * قال على: أما قول مالك فلا متعلق له بحجة أصلا، لا بقرآن ولا بسنة صحيحة ولا سقيمة ولا بقياس، ولا يخلو التيمم من أن يكون طهارة أولا طهارة، فان كان طهارة، فيصلى بطهارته (3) ما لم يوجب نقضها قرآن أو سنة، وان كان ليس طهارة فلا يجوز له أن يصلى بغير طهارة * وقال بعضهم: ليس طهارة تامة ولكنه استباحة للصلاة * قال على: وهذا باطل من وجوه: أحدها أنه قول بلا برهان، وما كان
__________
(1) في اليمنية (ومحمد بن على بن الحسن) وهو خطأ، لان المراد هنا أبو جعفر الباقر محمد بن على بن الحسين بن على بن أبي طالب وكان من التابعين من فقهاء أهل المدينة.
مات سنة 114 أو سنة 117 (2) في المصرية (وتطوع بركعتي الفجر وغيرهما) وفي اليمنية (وتطوع ركعتي الفجر أو غيرهما) فجمعنا بين النسختين بزيادة الباء والهمزة لتكون العبارة أصح من كل منهما (3) في المصرية (فبطل بطهارته) وهو خطأ(2/129)
هكذا فهو باطل.
والثانى أنه قول يكذبه القرآن، قال الله تعالى: (فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وايديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد
ليطهركم) فنص تعالى على أن التيمم طهارة من الله تعالى.
والثالث أنه تناقض منهم لانهم قالوا: ليس طهارة تامة ولكنه استباحة للصلاة، وهذا كلام ينقض أوله آخره لان الاستباحة للصلاة لا تكون الا بطهارة، فهو اذن طهارة لا طهارة.
والرابع أنه هبك أنه كما قالوا استباحة للصلاة، فمن أين لهم أن لا يستبيحوا بهذه الاستباحة الصلاة الثانية كما استباحوا به الصلاة الاولى؟! ومن أين وجب ان يكون استباحة للصلاة الاولى دون ان يكون استباحة للثانية؟! * وقالوا: ان طلب الماء ينقض طهارة المتيمم وعليه ان يطلب الماء لكل صلاة قلنا لهم: هذا باطل، أول ذلك ان قولكم: ان طلب الماء ينقض طهارة المتيمم دعوى كاذبة بلا برهان، وثانية أن قولكم: ان عليه طلب الماء لكل صلاة باطل، وأى ماء (1) يطلب؟ وهو قد طلبه وأيقن أنه لا يجده؟! ثم لو كان كذلك، فأي ماء يطلبه المريض الواجد الماء؟ فظهر فساد هذا القول جملة، لا سيما قول مالك في بقاء الطهارة بعد الفريضة للنوافل وانتقاض الطهارة بعد النافلة للفريضة، وبعد الفريضة للفريضة، وطلب الماء على قولهم يلزم للنافلة ولا بد، كما يلزم للفريضة، إذا لا فرق في وجوب الطهارة (2) للنافلة كما تجب للفريضة ولا فرق، بلا خلاف به من أحد من الامة (3) وان اختلفت أحكامها في غير ذلك، لا سيما وشيخهم الذى قلدوه - مالك - يقول في الموطأ: ليس المتوضئ بأطهر من المتيمم، ومن تيمم فقد فعل ما أمره الله تعالى به (4) *
__________
(1) في المصرية (والى ما) وهو خطأ (2) في اليمنية (إذ لا فرق لوجوب ما الطاهرة) وهو خطأ (3) في المصرية (فلا خلاف بين أحد من الامة) وما هنا أصح (4) لفظ مالك في الموطأ (ص 19): (من قام إلى الصلاة فلم يجد ماء فعمل بما أمره الله به من التيمم فقد أطاع الله عزوجل، وليس الذى وجد الماء بأطهر منه(2/130)
وأما قول الشافعي فظاهر الخطأ أيضا، لانه أوجب تجديد التيمم للفريضة ولم يوجبه للنافلة، وهذا خطأ بكل ما ذكرناه * وأما قول أبى ثور فظاهر الخطأ أيضا، لانه جعل الطهارة (1) بالتيمم تصح (2) ببقاء وقت الصلاة وتنتقض بخروج الوقت، وما علمنا في الاحداث خروج وقت أصلا، لا في قرآن ولا سنة، وانما جاء الامر بالغسل في كل صلاة فرض أو في الجمع بين الصلاتين في المستحاضة، والقياس باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا، لان قياس المتيمم على المستحاضة لم يوجبه شبه (3) بينهما ولا علة جامعة، فهو باطل بكل حال، فحصلت هذه الاقوال دعوى كلها بلا برهان وبالله تعالى التوفيق * فان قالوا ان قولنا هذا هو قول ابن عباس وعلى وابن عمر وعمرو بن العاص * قلنا أما الرواية عن ابن عباس فساقطة لانها من طريق الحسن بن عمارة وهو هالك وعن رجل لم يسم * وأما الرواية عن عمرو بن العاص فانما هي عن قتادة عن عمرو بن العاص، وقتادة لم يولد الا بعد موت عمرو بن العاص * والرواية في ذلك عن على وابن عمر أيضا لا تصح، ولو صحت لما كان في ذلك حجة، إذ ليس في قول أحد حجة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * وأيضا فان تقسيم مالك والشافعي وأبى ثور لم يرو عن أحد ممن ذكرنا، فهم مخالفون الصحابة (4) المذكورين (5) في كل ذلك *
__________
ولا أتم صلاة، لانهما أمرا جميعا، فكل عمل بما أمره الله عزوجل به وانما العمل بما امر الله تعالى به من الوضوء لمن وجد الماء والتيمم لمن لم يجد الماء قبل أن يدخل في الصلاة) (1) في المصرية (للطهارة) وهو خطأ
(2) في المصرية (لا تصح) وهو خطأ تنافيه حكاية قول أبو ثور الماضية (3) في المصرية (لم توجبه سنة) وهو تصحيف (4) في المصرية (لاصحابه) وهو خطأ (5) في اليمنية (المذكورون) وهو لحن(2/131)
وأيضا فقد روى نحو قولنا عن ابن عباس أيضا، فصح قولنا وبالله تعالى التوفيق * وقد قال بعضهم: لما قال الله عزوجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) إلى قوله: (فتيمموا صعيدا طيبا) قال: فأوجب عزوجل الوضوء على كل قائم إلى الصلاة: فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات بوضوء واحد خرج الوضوء بذلك عن حكم الآية، وبقى التيمم على وجوبه على كل قائم للصلاة * قال على رضى الله عنه وهذا ليس كما قالوا، لا سيما المالكيين والشافعيين المبيحين للقيام إلى صلاة النافلة بعد الفريضة بغير احداث تيمم ولا احداث طلب للماء، فلا متعلق لهاتين الطائفتين (1) بشئ مما ذكرنا في هذا الباب، وانما الكلام بيننا وبين من قال بقول شريك، فنقول وبالله تعالى التوفيق: إن الآية لا توجب (2) شيئا مما ذكرتم، ولو أوجبت ذلك لاوجبت غسل الجنابة على كل قائم إلى الصلاة أبدا، وانما حكم الآية في إيجاب الله تعالى الوضوء والتيمم والغسل انما هو علي المجنبين والمحدثين فقط، بنص آخر الآية المبين لاولها، لقول الله تعالى فيها (وان كنتم جنبا فاطهروا وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) ولا يختلف اثنان من الامة في أن ههنا حذفا دل عليه العطف (3) وان معنى الآية:: وان كنتم مرضى أو على سفر فأحدثتم أو جاء أحد منكم من الغائط، فبطل ما شغبوا به * بل لو قال قائل أن حكم تجديد الطهارة عند القيام إلى الصلاة انما هو بنص الآية انما هو على من حكمه الوضوء لا على من حكمه التيمم لكان أحق بظاهر
الآية منهم لان الله تعالى لم يأمر قط بالتيمم في الآية الا من كان محدثا فقط، لا كل قائم إلى الصلاة أصلا، وهذا لا مخلص لهم منه البتة.
فبطل تعلقهم في ايجاب تجديد
__________
(1) في المصرية (لها بين الطائفتين) وهو تصحيف (2) في المصرية (لم توجب) (3) في اليمنية (دل على العطف) وهو خطأ(2/132)
التيمم لكل صلاة بالآية (1) وصارت الآية موجبة لقولنا، ومسقطة للتيمم الا عمن كان محدثا فقط، (2) وان التيمم طهارة صحيحة بنص الآية، فإذ الآية موجبة لذلك فقد صح أنه يصلي بتيمم واحد ما شاء المصلى من صلوات الفرض في اليوم والليلة وفى أكثر من ذلك ومن النافلة، ما لم يحدث أو يجنب أو يجد الماء بنص الآية نفسها والحمد لله رب العالمين * 237 - مسألة - والتيمم جائز قبل الوقت وفى الوقت إذا أراد أن يصلى به نافلة أو فرضا كالوضوء ولا فرق، لان الله تعالى أمر بالوضوء والغسل والتيمم عند القيام إلى الصلاة، ولم يقل تعالى إلى صلاة فرض دون النافلة، فكل مريد صلاة فالفرض عليه أن يتطهر لها بالغسل ان كان جنبا، وبالوضوء أو التيمم ان كان محدثا، فإذ ذلك كذلك فلا بد لمريد الصلاة من أن يكون بين تطهره وبين صلاته مهلة من الزمان، فإذ لا يمكن غير ذلك فمن حد في قدر تلك المهلة حدا (4) فهو مبطل، لانه يقول من ذلك ما لم يأت به قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا قياس ولا قول صاحب، فإذ هذا كما ذكرنا فلا ينقض الطهارة بالوضوء ولا بالتيمم طول تلك المهلة ولا قصرها وهذا في غاية البيان.
والحمد لله رب العالمين * 238 - مسألة - ومن كان في رحله ماء فنسيه فتيمم وصلى فصلاته تامة، لان الناسي غير واجد للماء.
وبالله تعالى التوفيق *
239 - مسألة - ومن كان في البحر والسفينة تجري فان كان قادرا على أخذ ماء البحر والتطهر به لم يجزه غير ذلك، فان لم يقدر على أخذه تيمم وأجزأه * روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهم أن ماء البحر لا يجزئ الوضوء به، وأن حكم من لم يجد غيره التيمم، وروينا عن عمر رضى الله عنه الوضوء بماء البحر، وهو الصحيح، لقول الله تعالى: (فلم يجدوا ماء فتيمموا) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت تربتها لنا (2) طهورا إذا لم
__________
(1) في اليمنية (والآية) وهو خطأ (2) في اليمنية (فان) وما هنا أصح (3) في اليمنية (فمن حد في قدر ذلك حدا) (4) في المصرية بحذف (لنا)(2/133)
نجد الماء) وماء البحر ماء مطلق، فان لم يقدر على أخد الماء منه فهو لا يجد ماء يقدر على التهطر به (1)، ففرضه التيممم * 240 - مسألة - وكذلك من كان في سفر أو حضر وهو صحيح أو مريض فلم يجد الا ماء يخاف على نفسه منه الموت أو المرض، ولا يقدر على تسخينه الا حتى يخرج الوقت: - فانه يتيمم ويصلي، لانه لا يجد ماء يقدر على التطهر به (2) * 241 - مسألة - وليس على من لا ماء معه (3) أن يشتريه للوضوء ولا للغسل لا بما قل ولا بما كثر، فان اشتراه لم يجزه الوضوء به ولا الغسل وفرضه التيمم، وله أن يشتريه للشرب ان لم يعطه بلا ثمن، وأن يطلبه للوضوء (4) فذلك له وليس ذلك عليه، فان وهب له توضأ به ولا بد، ولا يجزيه (5) غير ذلك * برهان ذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الماء، وروينا من طريق مسلم: حدثنا أحمد بن عثمان النوفلي ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ثنا ابن جريج أخبرني زياد بن سعد أخبرني هلال بن أسامة (6) أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يباع فضل الماء ليباع به الكلا) (7)
حدثنا حمام ثنا عيسى بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا أبى عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أخبره أبو المنهال
__________
(1) في المصرية (بحذف (به) (2) في اليمنية (لانه لا يقدر على التطهر به) وما هنا أصح وأوضح (3) في اليمنية (من لا معه) بحذف (ماء) وهو خطأ (4) في اليمنية (وان طلبه للوضوء) (5) في المصرية (ولا يجزيه) (6) في صحيح مسلم (ج 1: ص 460 - و 461 (أن هلال بن أسامة أخبره) (7) رواه أيضا مسلم من طريق ابن شهاب عن ابن المسيب وأبى سلمة عن أبى هريرة، ورواه مالك (ص 311) والبخاري (ج 5: ص 21 فتح) والترمذي (ج 1: ص 240) وابن ماجه (ج 2: ص 49) ويحيى بن آدم في الخراج (رقم 316) من طريق أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة.
والكلا مهموز مقصور ما يرعاه الحيوان من رطب ويابس.(2/134)
أن إياس بن عبد (1) قال لرجل: (لا تبع الماء، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء.
) ومن طريق ابن أبى شيبة ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبى المنهال عن إياس بن عبد (2) المزني - ورأى ناسا يبيعون الماء -.
فقال: (لا تبيعوا الماء، فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع (3)) ومن طريق ابن أبى شيبة.
ثنا يزيد بن هارون ثنا أبو إسحاق عن محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمنع نقع البئر (4) يعنى فضل الماء -) هكذا في الحديث تفسيره، ورويناه أيضا مسندا من طريق جابر (1) فهؤلاء أربعة من الصحابة، فهو نقل تواتر لا تحل مخالفته * قال على: وقد تقصيت الكلام في هذا في مسألة المنع من بيع الماء في كتاب
البيوع من ديواننا هذا.
والحمد لله * قال أبو محمد: (6) فاذنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعه (7) فبيعه حرام، وإذ هو كذلك فأخذه بالبيع أخذ بالباطل، وإذ هو مأخوذ بالباطل فهو غير متملك له، وإذ هو غير متملك (8) له فلا يحل استعماله، لقول الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم
__________
(1) عبد بالتنون بدون اضافة لفظ الجلالة، وفي الاصل (عبد الله) وهو خطأ (2) في الاصل (عبد الله) وهو خطأ (3) رواه يحيى بن آدم في الخراج (رقم 338) عن سفيان بن عيينة وأنظر ما كتبناه في شرحنا عليه.
(4) نقع - بفتح النون واسكان القاف - البئر هو الماء المجتمع فيها قبل أن يستقى، وفي الاصل (نفع) بالفاء وهو تصحيف.
والحديث رواه أيضا يحيى بن آدم في الخراج (رقم 321) عن ابراهيم بن أبى يحيى عن صالح بن كيسان عن ابن الرجال وهو محمد بن عبد الرحمن، وابراهيم بن أبى يحيى ضعيف ورواه غيره أيضا بأسانيد فيها مقال، والاسناد الذى هنا اسناد صحيح فهو يقوى تلك الاسانيد ويؤيد صحة الحديث.
وانظر ما كتبناه في شرح الخراج (5) رواه مسلم (ج 1: ص 460 * وأحمد (ج 3: ص 338) (6) من أول قوله (وروينا من طريق مسلم) إلى هنا من النسخة اليمنية (7) في اليمنية (فإذا نهي عليه السلام عن بيعه) (8) في اليمنية (فإذا هو غير مالك له)(2/135)
بينكم بالباطل، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) فإذا لم يجده إلا بوجه حرام - من غصب أو بيع محرم - فهو غير واجد الماء، وإذا لم يجد الماء ففرضه التيمم * وأما ابتياعه للشرب فهو مضطر إلى ذلك، والثمن حرام على البائع، لانه أخذه بغير حق، ومنع فضل الماء هو محرم عليه ذلك (1).
وأما استبهابه الماء فلم يأت بذلك
إيجاب ولا جاء عنه منع فهو مباح، قال عليه السلام: (دعوني ما تركتكم فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه) أو كما قال عليه السلام، فإذا ملكه بهبة فقد ملكه بحق، فواجب عليه استعماله في الطهارة وبالله تعالى التوفيق * وقد اختلف الناس في هذا فقال الاوزاعي والشافعي واسحاق عليه أن يشترى الماء للوضوء بثمنه، فان طلب منه أكثر من ثمنه، تيمم (2) ولم يشتره.
وقال أبو حنيفة: لا يشتريه بثمن كثير، وقال مالك: ان كان قليل الدراهم ولم يجد الماء إلا بثمن غال تيمم، وان كان كثيرا المال اشترى ما لم يشطوا عليه في الثمن، وهو قول أحمد، وقال الحسن البصري: يشتريه ولو بماله كله * قال أبو محمد: ان كان واجده بالثمن واجدا للماء (3) فالحكم ما قاله الحسن، وان كان غير واجد فالقول قولنا وأما التقسيم في ابتياعه ما لم يغل عليه، فيه، وتركه ان غولى به: - فلا دليل على صحة هذا القول، وكل ما دعت إليه ضرورة فليس غاليا بشئ أصلا (4) وبالله تعالى التوفيق * 242 - مسألة - ومن كان معه ماء يسير يكفيه لشربه فقط ففرضه التيمم، قول الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) *
__________
(1) في اليمنية بحذف (عليه ذلك) (2) في المصرية) يتيمم) بالمضارع ويأباه السياق، وفي اليمنية حذفت هذه الكلمة (3) في المصرية (واجد الماء) (4) في اليمنية بحذف قوله (وكل ما دعت إليه ضرورة فليس بشئ أصلا)(2/136)
243 - مسألة - ومن كان معه ماء يسير يكفيه للوضوء وهو جنب تيمم للجنابة وتوضأ بالماء، لا يبالى أيهما قدم، لا يجزيه غير ذلك، لانهما فرضان متغايران،
وإذا هما كذلك فلا ينوب أحدهما عن الآخر على ما قدمنا، وهو قادر على أن يؤدى أحدهما بكماله بالماء، فلا يجزيه الا ذلك، ويؤدى الآخر بالتيمم أيضا كما أمر * 244 - مسألة - فلو فضل له من الماء يسير فلو استعمله (1) في بعض أعضائه ذهب ولم يمكنه أن يعم به سائر أعضائه -: ففرضه غسل ما أمكنه والتيمم، وقال الشافعي: يغسل به أي أعضائه شاء ويتيمم (2) * قال على.
قال أصحابنا: وهذا خطأ، لانه غير عاجز (3) عن سائر أعضائه.
بمنع منها فيجزيه تطهير بعضها -: ولكنه عاجز عن تطهير ما أمر بتطهيره بالماء، ومن هذه صفته فالفرض عليه التيمم ولا بد، بتعويض الله تعالى الصعيد من الماء إذا لم يوجد.
وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم) وهذا مستطيع لان يأتي ببعض وضوئه أو ببعض غسله، غير مستطيع على (4) باقيه، ففرض عليه أن يأتي من الغسل بما يستطيع في الاول فالاول من أعضاء الوضوء وأعضاء الغسل حيث (5) بلغ، فإذا نفد لزمه التيمم لباقي أعضائه ولا بد، لانه غير واجد للماء في تطهيرها، فالواجب عليه تعويض التراب كما أمره الله تعالى، فلو كان بعض أعضائه ذاهبا أو لا يقدر على مسه الماء لجرح أو كسر: سقط حكمه، قل أو كثر، وأجزأه غسل ما بقى، لانه واجد للماء عاجز عن تطهير الاعضاء، وليس من أهل
__________
(1) في المصرية (يسيرا فلو استعمله) وفي اليمنية (يسيرا أو استعمله) وكلاهما خطأ (2) هنا بهامش اليمنية ما نصه (هذا على أحد قولى الشافعي، وقوله: انه يغسل به أي أعضائه شاء انما هو في الجنب مع أن الاولى أن يغسل به أعضاء الوضوء، وأما المحدث فانه يغسل به الوجه ثم اليدين على ما عرف من وجوب الترتيب عنده.
) (3) في اليمنية (لانه ليس عاجزا) (4) كذا في الاصل، عدى (استطاع) ب (على) (5) في اليمنية (من أعضاء الوضوء أو أعضائه حيث بلغ) وهو خطأ.(2/137)
التيمم لوجوده الماء، وسقط عنه ما عجز عنه لقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إ لا وسعها) وبالله التوفيق * 245 - مسألة - فمن أجنب ولا ماء معه فلا بدله من أن يتيمم تيممين، ينوى بأحدهما تطهير الجنابة وبالآخر الوضوء، ولا يبالى أيهما قدم * برهان ذلك أنهما عملان متغايران كما قدمنا، فلا يجزئ عمل واحد عن عملين مفترضين الا بأن يأتي (1) نص بأنه يجزئ عنهما، والنص قد جاء بأن غسل أعضاء الوضوء يجزئ عن ذلك وعن غسلها في غسل الجنابة فصرنا إلى ذلك، ولم يأت ههنا نص بأن تيمما واحدا يجزئ عن الجنابة وعن الوضوء (2).
وكذلك لو أجنبت المرأة ثم حاضت ثم طهرت يوم جمعة وهى مسافرة ولا ماء معها فلا بد لما من أربع تيممات: تيمم للحيض وتيمم للجنابة وتيمم للوضوء وتيمم للجمعة لما ذكرناه، فان كانت قد غسلت ميتا فتيمم خامس، والبرهان في ذلك قد ذكرناه في الغسل واجتماع وجوهه الموجبة له.
وبالله تعالى التوفيق * 246 - مسألة - ومن كان محبوسا في حضر أو سفر بحيث لا يجد ترابا ولا ماء أو كان مصلوبا وجاءت الصلاة فليصل كما هو، وصلاته تامة ولا يعيدها، سواء وجد الماء (3) في الوقت أو لم يجده الا بعد الوقت * برهان ذلك قول الله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) وقوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)
__________
(1) في اليمنية (إلا أن يأتي) (2) هنا بهامش اليمنية ما نصه (قال الشيخ شمس الدين الذهبي رضى الله عنه: حديث عمار يدل على أنه يكفيه تيمم واحد للجنابة والوضوء، فانه قال: أجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: انما يكفيك أن تقول
بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الارض مرة ومسح الشمال على اليمنين ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه.
أخرجه خ م، وجه الدلالة منه قوله: انما يكفيك، وانما من صيغ الحصر) (3) كلمة (الماء) سقطت من اليمنية.(2/138)
وقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) فصح بهذه النصوص (1) أنه لا يلزمنا من الشرائع الا ما استطعنا، وأن ما لم نستطعه فساقط عنا، وصح أن الله تعالى حرم علينا ترك الوضوء أو التيمم للصلاة الا أن نضطر إليه، والممنوع من الماء والتراب مضطر إلى ما حرم عليه من ترك التطهر بالماء أو التراب، فسقط عنا تحريم ذلك (2) عليه، وهو قادر على الصلاة بتوفيتها أحكامها وبالايمان (3) فبقى عليه ما قدر عليه فإذا (4)، صلى كما ذكرنا فقد صلى كما أمره الله تعالى، ومن صلى كما أمره الله تعالى فلا شئ عليه، والمبادرة إلى الصلاة في أول الوقت أفضل لما ذكرنا قبل * وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري والاوزاعي فيمن هذه صفته (5) لا يصلى حتى يجد الماء متى وجده، قال أبو حنيفة: فان قدر على التيمم تيمم وصلى، ثم إذا وجد الماء أعاد ولا بد متى وجده، وان خشى الموت من البرد تيمم وصلى وأجزأه * وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي: يصلي كما هو، فإذا وجد الماء أعاد متى وجده، فان قدر في المصر على التراب تيمم وصلى، وأعاد أيضا ولا بد إذا وجد الماء، وقال زفر في المحبوس في المصر بحيث لا يجد ماء ولا ترابا أو بحيث يجد التراب -: إنه لا يصلي أصلا حتى يجد الماء، لا بتيمم (6) ولا بلا تيمم، فإذا وجد الماء توضأ وصلى تلك الصلوات، وقال بعض أصحابنا: لا يصلي ولا يعيد، وقال أبو ثور: يصلي كما هو ولا يعيد (7) * قال علي أما قول أبى حنيفه فظاهر التناقض، لانه لا يجيز الصلاة بالتيمم في المصر لغير المريض وخائف الموت، كما لا يجيز له الصلاة بغير الوضوء والتيمم ولا فرق،
ثم فرق بينهما - وكلاهما عنده لا تجزيه صلاته - فأمر أحدهما بأن يصلي صلاة لا تجزيه، وأمر الآخر بأن لا يصليها، وذا خطأ لاخفاء به، فسقط هذا القول سقوطا
__________
(1) في المصرية (بهذا النصوص) وهو خطأ (2) من قوله (من ترك التطهر بالماء) إلى هنا سقط من اليمنية خطأ (3) في اليمنية (أو بالايمان) وهو خلط (4) كلمة (عليه) محذوفة من اليمنية (5) في اليمنية (من هذه صفته) (6) في المصرية (لا يتيمم) وهو تصحيف (7) مذهب أبى ثور لم يذكر في اليمنية.(2/139)
لاخفاء به، وماله حجة أصلا يمكن أن يتعلق بها (1) * وأما قول أبى يوسف ومحمد فخطأ، لانهما أمراه بصلاة لا تجزيه ولا لها معنى، فهى باطل (2) وقد قال الله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) * وأما قول زفر فخطأ أيضا، لانه أمره بأن يصلى في الوقت الذي أمر الله تعالى بالصلاة فيه، وأمره أن يصلى في الوقت الذى نهاه الله تعالى عن تأخيره الصلاة إليه (3) وقد أمره الله تعالى بالصلاة في وقتها أوكد (4) أمر وأشده، قال الله تعالى: (فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) فلم يأمر تعالى بتخليه سبيل الكافر حتى يتوب من الكفر ويقيم الصلاة ويؤتى الزكاة، فلا يحل ترك ما هذه صفته عن الوقت الذى لم يفسح تعالى في تأخيره عنه، فظهر فساد قول زفر وكل من أمره بتأخير الصلاة عن وقتها * وأما من قال: لا يصلى أصلا فانهم احتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ) وقال عليه السلام: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) قالوا: فلا نأمره بما لم يقبله الله تعالى منه، لانه في وقتها غير متوضئ ولا متطهر، وهو بعد الوقت محرم عليه تأخير الصلاة عن وقتها * قال على: هذا كان أصح الاقوال، لو لا ما ذكرنا من أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط عنا
ما لا نستطيع مما أمرنا به، وأبقى علينا ما نستطيع، وان الله تعالى أسقط عنا مالا نقدر عليه، وأبقى علينا ما نقدر عليه، بقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) فصح أن قوله عليه السلام: (لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ) و: (لا يقبل الله صلاة إلا بطهور) إنما كلف ذلك من يقدر على الوضوء أو الطهور (5) بوجود الماء أو التراب، لا من لا يقدر على وضوء ولا تيمم، هذا هو نص القرآن والسنن، فلما
__________
(1) في الاصلين (به) وهو خطأ (2) يستعمل المؤلف دائما لفظ (باطل) في وصف المؤنث والاخبار عنه وهو جائز (3) في اليمنية (عن تأخير) الصلاة إليه) (4) في اليمنية (أوكد) بالمعجمة وهو تصحيف لا معنى له.
(5) في المصرية (أو الطهر(2/140)
صح ذلك سقط عنا تكليف ما لا نطيق من ذلك، وبقى علينا تكليف ما نطيقه، وهو الصلاة، فإذ ذلك كذلك فالمصلى كذلك مؤد ما أمر به، ومن أدى ما أمر به فلا قضاء عليه.
وبالله تعالى التوفيق * فكيف وقد جاء في هذا نص كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا النفيلى ثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن الحضير (6) وأناسا معه في طلب قلادة أضلتها عائشة، فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك (7) له، فأنزلت آية التيمم * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربرى (1) ثنا البخاري ثنا زكريا بن يحيى ثنا ابن نمير - هو عبد الله - ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: (أنها استعارت من أسماء قلادة (2) فهلكت، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا (3) فوجدها، فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوا، فشكوا ذلك
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى آية التيمم).
فهذا أسيد وطائفة من الصحابة مع حكم الله تعالى ورضاء نبيه صلى الله عليه وسلم.
وبالله تعالى التوفيق * 247 - مسألة - ومن كان في سفر ولا ماء معه أو كان مريضا يشق عليه استعمال الماء فله أن يقبل زوجته وأن يطأها، وهو قول ابن عباس وجابر بن زيد
__________
(1) (أسيد) بالتصغير (ابن الحضير) بالحاء المهملة والضاد المعجمة وبالتصغير أيضا، وفي المصرية (أسد بن الخضر) وهو خطأ وتصحيف (2) في اليمنية بحذف (له) وهى ثابتة في أبى داود (ج 1: ص 125) (3) في المصرية (حدثنا عبد الرحمن ابن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى) بزيادة (ثنا إبراهيم ابن خالد) في الاسناد وهو خطأ.
وفي اليمنية لم تذكر هذه الزيادة على الصواب، ولكن فيها (ثنا ابراهيم بن احمد الفربرى) وهو خطأ، لان الفربرى شيخ إبراهيم ابن احمد كما هو ظاهر.
(4) ما هنا هو الذي في اليمنية والموافق للبخاري (ج 1 ص 52) وفي المصرية (قلادة من أسماء) (5) كلمة (رجلا) سقطت من الاصلين وزدناها من البخاري(2/141)
والحسن البصري وسعيد بن المسيب وقتادة وسفيان الثوري والاوزاعي وأبى حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل واسحاق وداود وجمهور أصحاب الحديث * وروي عن على وابن مسعود وابن عوف وابن عمر النهي عن ذلك، وقال عطاء: إن كان بينه وبين الماء ثلاث ليال فأقل فلا يطؤها، وإن كان بينه وبين الماء أربع ليال فله أن يطأها، وقال الزهري: إن كان مسافرا فلا يطؤها وإن كان مغربا رحالا (2) فله أن يطأها، وإن كان لا ماء معه، وقال مالك: إن كان مسافرا فلا يطؤها ولا يقبلها إن كان على وضوء، فان كان به جراح يكون حكمه معها التيمم فله أن يطأها ويقبلها، لان أمر هذا يطول، قال: فان كانت حائض فطهرت فتيممت وصلت
فليس لزوجها أن يطأها.
قال: وكذك لا يطؤها وإن كانت طاهرا متيممة * قال على: أما تقسيم عطاء فلا وجه له، لانه لم يوجب ذلك الحد قرآن ولا سنة، وكذلك تقسيم الزهري، وأما قول مالك فكذلك أيضا، لانه تفريق لم يوجبه قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا إجماع ولا قول صاحب لم يخالف ولا قياس ولا احتياط، لان الله تعالى سمى التيمم طهرا، والصلاة به جائزة، وقد حض الله تعالى على مباضعة (3) الرجل امرأته، وصح أنه مأجور في ذلك، وما خص الله تعالى بذلك من حكمه التيمم ممن حكمه (4) الغسل أو الوضوء * قال أبو محمد: والعجب أنه يرى أنه يجزئ للجنابة وللوضوء وللحيض (5) تيمم واحد، ثم يمنع المحدثة والمتطهرة (6) من الحيض بالتيمم والمحدث أن يطأ امرأته فقد أوجب أنهما عملان متغايران، فكيف يجزئ عنده عنهما عمل واحد! * قال على: ولا حجة للمانع من ذلك أصلا، لان الله تعالى جعل نساءنا حرثا لنا ولباسا لنا، وأمرنا بالوطئ في الزوجات وذوات الايمان، حتى أوجب تعالى على
__________
(1) يعني كثير الغربة والارتحال لا يقر بمكان كالاعراب البادين (2) في اليمنية (مياضعة) بالياء المثناة وهو تصحيف (3) في اليمنية (من حكمة التيمم بمن حكمه) وهو خطأ (4) في المصرية (أنه يرى للجنابة وللحيض) بحذف (أنه يجزئ) وبحذف (وللوضوء) وهو خطأ (5) في اليمنية (والتطهر) وهو خطأ(2/142)
الحالف أن يطأ امرأته أجلا محدودا -: إما أن يطأ وإما أن يطلق، وجعل حكم الواطئ والمحدث (1) الغسل والوضوء أن وجد الماء والتيمم ان لم يجد الماء، لا فضل لاحد العملين على الآخر، وليس أحدهما بأطهر من الآخر ولا بأتم صلاة، فصح أن لكل واحد حكمه، فلا معنى لمنع من حكمه التيمم من الوطئ، كما لا معنى لمنع من حكمه
الغسل من الوطئ، وكل ذلك في النص سواء، ليس أحدهما أصلا والثانى فرعا، بل هما في القرآن سواء.
وبالله تعالى التوفيق * 248 - مسألة - وجائز أن يؤم المتيمم المتوضئين والمتوضئ المتيممين والماسح الغاسلين والغاسل الماسحين، (2) لان كل واحد ممن ذكرنا قد أدى فرضه، وليس أحدهما بأطهر من الآخر، لا أحدهما أتم صلاة من الآخر وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرت الصلاة أن يؤمهم أقرؤهم، لم يخص عليه السلام غير ذلك، ولو كان ههنا واجب غير ما ذكره عليه السلام لبينه لا أهمله، حاشا لله من ذلك، وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف وزفر وسفيان والشافعي وداود وأحمد واسحاق وأبى ثور، وروى ذلك عن ابن عباس وعمار بن ياسر وجماعة من الصحابة رضى الله عنهم، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وعطاء والزهرى وحماد بن أبى سليمان * وروى المنع في ذلك عن على على بن أبى طالب، قال: لا يؤم المتيمم المتوضئين ولا المقيد المطلقين، وقال ربيعة: لا يؤم المتيمم من جنابة إلا من هو مثله، وبه يقول يحيى بن سيعد الانصاري.
وقال محمد بن الحسن والحسن بن حى: لا يؤمهم، وكره مالك وعبيد الله بن الحسن (1) أن يؤمهم، فان فعل أجزأه، وقال الاوزاعي: لا يؤمهم إلا إن كان أميرا *
__________
(1) في المصرية (حكم الواطئ المحدث) وهو خطأ (2) في المصرية (والماسح للغاسلين والغاسل للماسحين) (3) عبيد الله بالتصغير، وهو ابن الحسن العنبري القاضى الفقيه ولى قضاء البصرة وكان من سادات أهلها علما وفقها ولد سنة 105 ومات في ذى القعدة سنة 168 وفي اليمنية (وعبيد الله) وحذف اسم أبيه وهو خطأ(2/143)
قال على: النهي عن ذلك أو كراهته لا دليل عليه من قرآن ولا من سنة ولا
من إجماع ولا من قياس وكذلك تقسيم من قسم (1).
وبالله تعالى التوفيق * 249 - مسألة - ويتيمم الجنب والحائض وكل من عليه غسل واجب كما يتيمم المحدث ولا فرق * وروينا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود رضى الله عنهما: أن الجنب لا يتيمم حتى يجد الماء، وعن الاسود وابراهيم مثل ذلك * كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن واصل الا حدب والحكم بن عتيبة قال واصل: سمعت أبا وائل قال كان عمر بن الخطاب و عبد الله بن مسعود وهما خير منى يقولان: ان لم يجد الماء لم يصل، يعنى الجنب، قال: وانا لو لم أجد الماء لتيممت وصليت، قال الحكم: سألت ابراهيم النخعي إذا لم تجد الماء وأنت جنب؟ قال: لا أصلى، قال شعبة: وقلت لابي اسحاق: أقال ابن مسعود: ان لم أجد الماء شهرا لم أصل؟ يعنى الجنب، فقال أبو إسحاق: قال: نعم والاسود (1) * وقال غيرهما من الصحابة يتيمم الجنب: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا عوف هو ابن أبى جميلة ثنا أبو رجاء هو العطاردي عن عمران ابن الحصين قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) فذكر الحديث وأنه عليه السلام صلى
__________
(1) في اليمنية (النهى عن ذلك كله من قسم) وهو سقط أضاع فائدة الكلام (2) في المصرية (بيان) وهو خطأ (3) في المصرية (عيينة) وهو خطأ (4) يعني قال ابن مسعود: نعم وكذلك قال الاسود.
وفي المصرية بحذف (قال) وفي اليمنية (أقال) بهمزة الاستفهام، وزيادة الهمزة لا معنى لها(2/144)
بالناس (فلما انفتل عليه السلام من صلاته إذا هو (1) برجل معتزل لم يصل مع القوم، فقال: ما منعك أن (2) تصلى مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فانه يكفيك) واحتج من ذهب إلى قول ابن مسعود بقوله تعالى: (فان كنتم جنبا فاطهروا) قال: - فلم يجعل للجنب إلا الغسل، قلنا له: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله عزوجل قال الله تعالى (لتبين للناس ما نزل إليهم) وقال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وقال تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو الا وحى يوحى) وهو عليه السلام قد بين أن الجنب حكمه التيمم عند عدم الماء * فان ذكروا ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشنى ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن ابى عدي ثنا شعبة عن المخارق (3) ابن عبد الله عن طارق بن شهاب قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله انى أجنبت فلم أصل، فقال: أحسنت، وجاءه آخر فقال: انى أجنبت فتيممت فصليت، قال: أحسنت) قلنا: هذا خبر صحيح، والمخارق ثقة: تابع، وطارق صاحب، صحيح الصحبة مشهور (4)، والخبر به نقول (5) وهذا الذى أجنب
__________
(1) في المصرية (إذ هو عليه السلام) وما هنا هو الموافق للبخاري (ج 1 ص 53) (2) في البخاري (قال ما منعك يا فلان أن تصلى) الخ (3) بضم الميمم وبالخاء المعجمة والراء والقاف، وفي اليمنية كتب بالجيم والزاى والفاء وهو خطأ وتصحيف (4) طارق بن شهاب قال أبو داود: (رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئا) تهذيب (ج 5 ص 4) وقد حكي هو عن نفسه انه رأى النبي وغزا في خلافة أبى بكر كما في طبقات ابن سعد (ج 6 ص 43) ومسند الطيالسي (ص 180) والاستيعاب (ص 220) باسناد صحيح، ويؤيد
ما قاله ابن حزم من أنه صاحب صحيح الصحبة ما رواه الطيالسي (ص 181): (حدثنا شعبة عن مخارق قال سمعت طارق بن شهاب يقول: قدم وفد بجيلة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ابدأ بالاحمسين، ودعا لنا) وهذا انما يحكيه من شهد الحال وسمع الكلام كما هو ظاهر أو راجح، وبذلك يكون مخارق من التابعين (5) في المصرية(2/145)
فلم يصل لم يكن عليه التيمم، فأصاب إذ لم يصل بمالا يدرى، وانما تلزم الشرائع بعد البلوغ، قال الله تعالى: (لانذركم به ومن بلغ) والذى تيمم علم فرض التيمم ففعله (1) لا يجوز البتة ان يكون غير هذا * فإما أن يكون التيمم فرض المجنب إذا لم يجد الماء -: فيخطئ من ترك الفرض ممن عليه، أو يكون التيمم ليس فرض المنب المذكور فيخطئ من فعله، وقد صح أنه فرضه بما ذكرنا في خبر عمران بن الحصين، فصح ما قلناه من أن أحدهما لم يعلمه والآخر علمه (2) فأتى به وبالله تعالى التوفيق * وأما الحائض وكل من عليه غسل واجب فقد ذكرنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جعلت لنا الارض مسجدا وتربتها طهورا إذا لم نجد الماء) وكل مأمور بالطهور إذا لم يجد الماء (3) فالتراب بنص عموم هذا الخبر.
وبالله تعالى التوفيق * 250 - مسألة - وصفة التيمم للجنابة وللحيض ولكل غسل واجب وللوضوء صفة عمل واحد، انما يجب في كل ذلك أن ينوى به الوجه الذي تيمم له، من طهارة للصلاة أو جنابة أو ايلاج في الفرج أو طهارة من حيض أو من نفاس أو ليوم الجمعة أو من غسل الميت، ثم يضرب الارض بكفيه متصلا بهذه النية، ثم ينفخ فيهما ويمسح وجهه وظهر كفيه إلى الكوعين بضربة واحدة فقط، وليس عليه استيعاب الوجه ولا الكفين ولا يمسح في شئ من التيمم ذراعيه ولا رأسه ولا رجليه ولا شيئا من جسمه * أما النية فقد ذكرنا وجوبها قبل، وقال أبو حنيفة (4) يجزئ الوضوء وغسل
الجنابة بلا نية، ولا يجزئ التيمم فيهما (5) الا بنية، وقال الحسن بن حى: كل ذلك يجزئ بلا نية (6) *
__________
(مشهور الخبر به نقول) بحذف الواو وهو خطأ (1) في اليمنية (فعله) (2) قوله (والآخر علمه) سقط من اليمنية خطأ (3) في اليمنية (فكل مأمور بالطهور ان لم يجد الماء).
(4) في المصرية (أبو يوسف) (5) في المصرية (فيها) وهو خطأ (6) كلمة (يجزئ) سقطت من المصرية(2/146)
وأما كون (1) عمل التيمم للجنابة وللحيض وللنفاس ولسائر ما ذكرنا - كصفته لرفع الحدث -: فاجماع لا خلاف فيه من كل من يقول بشئ من هذه الاغسال وبالتيمم لها * وأما سقوط مسح الرأس والرجلين وسائر الجسد في التيمم فاجماع (2) متيقن، الاشيئا فعله عمار بن ياسر رضى الله عنه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاه عنه عليه السلام * وفى سائر ذلك (3) اختلاف، وهو أن قوما قالوا بأن التيمم ضربتان ولابد، وقالت طائفة عليه استيعاب الوجه والكفين، وقالت طائفة عليه استيعاب ذراعيه إلى الآباط، وقال آخرون إلى المرافق * فأما الذين قالوا: ان التيمم ضربتان واحدة للوجه والاخرى لليدين والذراعين (4) إلى المرافق: فانهم احتجوا بحديث من طريق أبى أمامة الباهلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في التيمم: (ضربتان (5)، ضربة للوجه وأخرى (6) للذراعين) وبحديث من طريق عمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إلى المرفقين)، وبحديث من طريق ابن
عمر قال:: (سلم رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة من السكك فلم يرد عليه ثم ضرب بيديه عليه السلام على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه ثم رد على الرجل، وقال عليه السلام (7): (انه لم يمنعنى أن أرد عليك السلام الا أنى لم أكن على طهر)، ثم بحديث الاسلع رجل من بنى الاعرج بن كعب قال: (قلت يا رسول الله أصابتني جنابة؟ فسكت عليه السلام حتى جاءه جبريل بالصعيد، فقال قم
__________
(1) كلمة (كون) سقطت من اليمنية (2) في المصرية (باجماع) وهو خطأ (3) في اليمنية (وفي ذلك سائر ذلك) ف (ذلك) الاولى (زائدة) لا موقع لها (4) في المصرية (للذراعين واليدين) وما هنا أحسن (5) في اليمنية (ضربتين) وهو لحن (6) في المصرية (والاخرى) (7) في المصرية (وقال انه السلام) وهو خطأ(2/147)
يا أسلع فارحل (1)، قال ثم علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التيمم، فضرب بكفيه الارض ثم نقضهما ثم مسح بهما وجهه حتى أمر على لحيته ثم أعادها إلى الارض فمسح كفيه الارض فدلك إحداهما بالاخرى ثم نفضهما ثم مسح ذراعيه ظاهرهما، وباطنهما.
) وبحديث عن أبى ذر (2) قال: (وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه على الارض ثم نفضهما، ثم مسح وجهه ويديه إلى المرفقين.
) ليس في هذا الخبر الا ضربة واحدة، وبحديث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم: (ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) وبحديث عن الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) * وقالوا: قد صح عن عمر بن الخطاب وعن جابر بن عبد الله وعن ابن عمر، من فتياهم وفعلهم أن التيمم ضربتان، ضربة للوجه وضربة للذراعين واليدين، قالوا:
والتيمم بدل من الوضوء، فلما كان يجدد الماء للوجه وماء آخر للذراعين وجب كذلك في التيمم، ولما كان الوضوء إلى المرفقين وجب أن يكون التيمم الذي هو بدله كذلك * هذا كل ما شغبوا به، وكله لا حجة لهم فيه * أما الاخبار فكلها ساقطة، لا يجوز الاحتجاج بشئ منها * أما حديث أبى أمامة فاننا رويناه من طريق ابن وهب عن محمد بن عمرو اليافعي عن رجل حدثه عن جعفر بن الزبير عن القاسم بن عبد الرحمن (3) عن أبى أمامة، ففيه علتان: احداهما القاسم وهو ضعيف، والثانية أن محمد بن عمرو لم يسم من أخبره به عن جعفر بن الزبير وقد دلسه بعض الناس فقال: عن محمد بن عمرو عن جعفر،
__________
(1) في الاصلين قم يا سلع فاغتسل) وهو خطأ في موضعين، لان اسمه (أسلع) ولان الاسلع - كما جاء في هذه القصة - كان يخدم رسول الله ويرحل له راحلته، وأنظر لفظ الحديث مطولا في الاصابة لابن حجر (ج 1 ص 34، 35) (2) في اليمنية (من طريق أبى ذر) وما هنا أصح (3) في المصرية (القاسم بن عبد الله) وهو خطأ، بل هو القاسم بن عبد الرحمن.
الشامي الدمشقي، وهو ثقة وانما أنكروا عليه أحاديث رواها عنه الضعفاء كحفر ابن الزبير، فاطلاق ابن حزم تضعيفه ليس بجيد(2/148)
ومحمد لم يدرك جعفر بن الزبير (1) فسقط هذا الخبر * وأما حديث عمار فاننا رويناه من طريق أبان بن يزيد العطار عن قتادة قال: حدثنى محدث (2) عن الشعبى عن عبد الرحمن بن أبزي عن عمار، فلم يسم قتادة من حدثه، والاخبار الثابتة كلها عن عمار بخلاف هذا، فسقط هذا الخبر أيضا * وأما حديث ابن عمر فاننا رويناه من طريق محمد بن ابراهيم الموصلي عن محمد بن ثابت العبدي عن نافع عن ابن (3) عمر، ومحمد بن ثابت العبدي ضعيف لا يحتج
بحديثه، ثم لو صح لكان حجة عليهم، لان فيه التيمم في الحضر للصحيح، والتيمم لرد السلام، وترك رد السلام على غير طهارة، وهم لا يقولون بشئ من هذا كله، ومن المقت احتجاج أمرئ بمالا يراه لا هو ولا خصمه حجة، احتجاجه بشئ هو أول مخالف له، فان كان هذا الخبر حجة في التيمم (4) إلى المرفقين، فهو حجة في ترك رد السلام الا على طهر، وفى التيمم بين الحيطان في المدينة (5) لرد السلام، وان لم يكن حجة في هذا (6) فليس حجة فيما احتجوا به.
فان قالوا: هو على الندب، قلنا: وكذلك قولوا في صفة التيمم فيه مرتين والى المرفقين (7) أنه على الندب ولا فرق، فسقط هذا الخبر أيضا * وأما حديث الاسلع ففى غاية السقوط، لاننا رويناه من طريق يحيى بن عبد الحميد الحمانى عن عليلة (8) - هو الربيع - عن أبيه عن جده عن
__________
(1) بل ضعف الحديث انما جاء من جعفر بن الزبير الدمشقي هذا.
قال ابن حبان: (يروى عن القاسم وغيره أشياء موضوعة وروى عن القاسم عن أبى أمامة نسخة موضوعة) وقال شعبة: (وضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة حديث كذب) (2) في المصرية (محمد) بدل (محدث) وهو خطأ ظاهر (3) رواية محمد بن ثابت العبدى رواها أبو داود (ج 1 ص 129) والبيهقي (ج 1 ص 206) وانظر الكلام عليها فيهما وفي نصب الراية (ج 1 ص 79) وقد ورد عن ابن عمر مرفوعا من طرق اصح منها (4) في المصرية (فان كان في هذا الخبر في التيمم) الخ وهو خطأ (5) كلمة (في المدينة) سقطت من اليمنية (6) قوله (وان لم يكن حجة في هذا) سقطت من اليمنية (7) كلمة (أنه) سقطت من اليمنية (8) بضم العين المهملة وفتح اللامين وبينهما ياء وهو لقب الربيع وهو ضعيف ليس بثقة(2/149)
الاسلع (1)، وكل من ذكرنا فليسوا بشئ ولا يحتج بهم *
وأما حديث أبي ذر فانا رويناه من طريق ابن جريج عن عطاء: حدثنى رجل أن أبا ذر، وهذا كما ترى، لا ندرى من ذلك الرجل، فسقط هذا الخبر أيضا * وأما حديث ابن عمر الثاني فرويناه من طريق شبابة بن سوار عن سليمان بن داود الحرانى (2) عن سالم ونافع عن ابن عمر، وسليمان بن داود الحرانى ضعيف لا يحتج به * وأما حديث الواقدي فأسقط من أن يشتغل به، لانه عن الواقدي وهو مذكور بالكذب ثم مرسل من عنده، فسقط كل ما موهوا به من الآثار * وأما احتجاجهم بما صح من ذلك عن عمر وابن عمر وجابر فقد صح عن عمر وابن مسعود: لا يتيمم الجنب وإن لم يجد الماء شهرا، وقد صح عن أبى بكر وعمر وابن مسعود وأم سملة وغيرهم المسح على العمامة، فلم يلتفتوا إلى ذلك، فما الذى جعلهم حجة حيث يشتهى هؤلاء ولم يجعلهم حجة حيث لا يشتهون؟! هذا موجب للنار في الآخرة وللعار في الدنيا، فكيف وقد خالف في هذه المسألة عمر وابنه وجابرا على ابن أبى طالب (3) وابن مسعود وعمار وابن عباس، على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى، فسقط تعلقهم بالصحابة رضى الله عنهم * وأما قولهم: إن التيمم بدل من الوضوء، فيقال لهم: فكان ما ذا؟ ومن أين
__________
(1) الاسلع هذا في اثبات شخصه وصحبته نظر، لانه لم يرو عنه الا من هذا الطريق الواهي.
وحديثه رواه البيهقى (ج 1: ص 208) والطبراني، نسبه إليه ابن حجر في الاصابة (ج 1: ص 34 و 35) وانظر الكلام عليه فيهما (2) الحراني بالراء، وفي المصرية - في الموضعين - الحداني بالدال وهو خطأ صححناه من المستدرك ولسان الميزان (ج 3: ص 90) والمشتبه (ص 61) وهذا الحديث رواه الحاكم (ج 1: ص 180) وقال انه ذكره في الشواهد يعنى لم يحتج به، وفيه (سليمان بن ابى داود الحراني) وكذلك في نصب الراية (ج 1: ص 79) وما هنا هو الصواب
(3) عمر ومن عطفا عليه بالنصب، وعلى ومن عطفوا عليه بالرفع وفي اليمنية (وجابر وعلى بن ابى طالب) الخ بعطف الجميع وهو خطأ(2/150)
وجب أن يكون البدل على صفة المبدل منه؟! وإن كان هذا فأنتم أول مخالف لهذا الحكم الذى قضيتم أنه حق، فأسقطتم في التيمم الرأس والرجلين، وهما فرضان في الوضوء، وأسقطتم جميع الجسد في التيمم للجنابة، وهو فرض في الغسل، وأوجبتم أن يجمل الماء إلى الاعضاء في الوضوء، ولم توجبوا (1) حمل شئ من التراب إلى الوجه والذراعين في التيمم، واسقط أبو حنيفة منهم النية في الوضوء والغسل وأوجبها في التيمم، ثم أين وجدتم في القرآن أو السنة أو الاجماع أن البدل لا يكون إلا على صفة المبدل منه؟ وهل هذا إلا دعوى فاسدة كاذبة؟ وقد وجدنا الرقبة واجبة في الظهار وفى كفارة اليمين (2) وكفارة قتل الخطأ وكفارة المجامع عمدا نهارا في رمضان وهو صائم: ثم عوضها تعالى وأبدل من رقبة الكفارة صيام ثلاثة أيام، ومن رقاب القتل والجماع والظهار صيام شهرين متتابعين، وعوض من ذلك إطعاما في الظهار والجماع، ولم يعوضه في القتل، وهكذا في كل شئ * فان قالوا: قسنا التيمم على الوضوء، قلنا: القياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل، وهلا قستم ما يتيمم (3) من اليدين على ما يقطع من اليدين في السرقة! كما تركتم أن تقيسوا ما يستباح به فرج الحرة في النكاح على ما يستباح به فرج الامة في البيع، وقستموه على ما تقطع فيه يد السارق، لا سيما وقد فرقتم بالنص والاجماع بين حكم التيمم وبين الوضوء في سقوط الرأس والرجلين في التيمم دون الوضوء، وسقوط الجسد كله في التيمم دون الغسل * ويقال لهم كما جعلتم سكوت الله تعالى عن ذكر الرأس والرجلين في التيمم دليلا على سقوط ذلك فيه ولم تقيسوه على الوضوء -: فهلا جعلتم سكوته تعالى عن ذكر
التحديد إلى المرافق في التيمم دليلا على سقوط ذلك، ولا تقيسوه على الوضوء؟! كما فعل أبو حنيفة وأصحابه في سكوت الله تعالى عن دين الرقبة (4) في الظهار، ولم
__________
(1) هو في اليمنية (فلم يوجبوا) وهو خطأ (2) في اليمنية (في الطهارة وفي هذه اليمين) وهو خطأ (3) في اليمنية (ما تيمموا) وهو خطأ (4) في المصرية (عن عتق الرقبة) وهو خطأ، لان الشاهد في مسألة اشتراط الاسلام في العتق كما هو ظاهر(2/151)
يقيسوها على المنصوص عليها في رقبة القتل، وإذا قستم التيمم للوضوء على الوضوء فقيسوا التيمم للجنابة على الجنابة، فعموا به الجسد! وهذا مالا مخلص منه (1) وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: وقد رأى قوم أن التيمم ضربتان، ضربة للوجه وضربة للكفين فقط، واحتجوا بحديث رويناه من طريق حرمى بن عمارة ثنا الحريش بن الخريت (2) أخو الزبير بن الخريت ثنا عبد الله بن أبى مليكة عن عائشة أم المؤمنين: (نزلت آية التيمم فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربة ومسح بها وجهه، ثم ضرب على الارض أخرى فمسح بها كفيه) (3) وبحديث رويناه من طريق شبابة بن سوار عن سليمان بن داود الحرانى عن سالم ونافع عن ابن عمر (4) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في التيمم: (ضربة للوجه وضربة للكفين) * قال على: وهذا لا شئ، لان أحدهما من طريق الحريش بن الخريت وهو ضعيف، والثانى من طريق سليمان بن داود الحرانى وهو ضعيف * وممن رأى أن التيمم ضربتان ضربة للوجه والاخرى لليدين والذراعين إلى المرفقين -: الحسن البصري وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري وابن أبى ليلى والحسن ابن حى والشافعي وأبو ثور، قالوا (5): الا أن يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير ذلك
__________
(1) في اليمنية (وهذا مما لاتخلص منه) (2) الحريش - بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وآخره شين معجمة - والخريت بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء وكسرها وآخره تاء مثناء (3) نسبه الزيلعى في نصب الراية (ج 1: ص 79) إلى البزار في مسنده بلفظ غير هذا بمعناه وقال: (قال البزار: لا نعلمه يروى عن عائشة الا من هذا الوجه، والحريش رجل من أهل البصرة أخو الزبير بن الخريت انتهى: ورواه ابن عدى في الكامل وأسند عن البخاري أنه قال: حريش بن الخريت فيه نظر، قال: وانا لا أعرف حاله فاني لم أعتبر حديثه) ونقل في التهذيب عن البخاري أنه قال: ارجو أن يكون صالحا، وعن يحيى بن معين: ليس به بأس.
(4) في المصرية (ونافع وابن عمر) وهو خطأ (5) في اليمنية (قالا) وهو الاظهر عندي أن يكون القائل بهذا القيد الشافعي وابو ثور(2/152)
فنقول به، واختلف في ذلك عن الشعبى * وقال ابراهيم: أحب إلى أن يكون إلى المرفقين، ولهذا قال مالك، ولم ير علي من تيمم إلى الكوعين أن يعيد الصلاة إلا في الوقت * وقد ذهب قوم إلى أن التيمم إلى المناكب، واحتجوا بما رويناه من طريق العباس بن عبد العظيم عن عبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد عن عمه جويرية بن أسماء عن مالك بن أنس عن الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن عمار بن ياسر قال: (تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب.
) ورويناه أيضا من طريق يعقوب بن ابراهيم بن سعد: ثنا أبى عن صالح بن كيسان عن الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن عمار بن ياسر فذكر نزول آية التيمم قال: (فقام المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربوا أيديهم إلى الارض ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئا، فمسحوا وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ومن بطون أيديهم إلى الاباط)
وروينا من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري: حدثنى عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة عن أبيه عن عمار، وبه كان يقول عمار والزهرى، روينا من طريق سليمان ابن حرب الواشحى (1): ثنا حماد بن زيد عن أيوب السختيانى قال: سمعت الزهري يقول: التيمم إلى المنكبين * قال على: هذا أثر صحيح (2) الا أنه ليس فيه نص ببيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، فيكون ذلك حكم التيمم وفرضه، ولا نص بيان (3) بأنه عليه السلام علم بذلك فأقره، فيكون ذلك نديا مستحبا، ولا حجة في فعل أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وان العجب ليطول ممن يرى انكار عمر على عثمان أن لم يصل الغسل بالرواح إلى الجمعة بحضرة الصحابة رضى الله عنهم -: حجة في ابطال وجوب الغسل، وهذا الخبر مؤكد لوجوبه منكر لتركه، ثم لا يرى عمل المسلمين في التيمم إلى المناكب مع
__________
(1) بالشين المعجمة والحاء المهملة، وواشح بطن من الازد (2) في اليمنية (هذا أصح (الخ (3) كلمة (بيان) حذفت من اليمنية(2/153)
رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة في وجوب ذلك! قال علي: فإذ لا حجة في شئ من هذه الآثار - وقد اختلف الناس كما ذكرنا - فالواجب الرجوع إلى ما افترض الله الرجوع إليه من القرآن والسنة عن التنازع، ففعلنا فوجدنا الله تعالى يقول: (فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) فلم نجد الله تعالى ذكر غير اليدين (1) ونحن على يقين من أن الله تعالى لو أراد إلى المرافق (2) والرأس والرجلين لبينه ونص عليه كما فعل في الوضوء، ولو أراد جميع الجسد لبينه كما فعل في الغسل، فإذ لم يزيد عزوجل على ذكر الوجه واليدين فلا يجوز لاحد أن يزيد في ذلك ما لم يذكره الله تعالى، من الذراعين والرأس والرجلين وسائر الجسد، ولم يلزم في التيمم إلا الوجه والكفان، وهما أقل ما يقع عليه إسم يدين،
ووجدنا السنة الثابتة قد جاءت بذلك لا الاكاذيب (3) الملفقة * كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد البلخى ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا محمد (4) بن كثير أخبرنا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن ذر هو ابن عبد الله المرهبى عن ابن عبد الرحمن بن أبزى - هو سعيد - عن أبيه قال قال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: (تمعكت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يكفيك الوجه والكفان (5) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبى شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير كلهم عن أبى معاوية عن الاعمش عن شقيق ابن سلمة قال: كنت جالسا مع عبد الله بن مسعود وأبى موسى الاشعري - فذكر الحديث وفيه - فقال أبو موسى لابن موسى لابن مسعود: (ألم تسمع قول عمار: بعثنى رسول
__________
(1) في الاصلين (فلم يحد الله تعالى غير اليدين) ونحن نوقن أنه سقط منهما كلمة (ذكر) كما هو ظاهر من سياق الكلام فلذلك زدناها (2) في اليمنية (إلى المرفقين) (3) في اليمنية (المكاذيب) (4) في اليمنية (احمد بن كثير) وهو خطأ (5) في الاصلين (والكفين) وهو لحن، صححناه من البخاري (ج 1: ص 52)(2/154)
الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: انما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه (1) الارض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه؟) وبه إلى مسلم ثنا عبد الله بن هاشم العبدى ثنا يحيى بن سعيد القطان عن
شعبة ثنا الحكم عن ذر - هو ابن عبد الله - عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال: انى أجنبت فلم أجد ماء (2)، قال عمر لا تصل، فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذا أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت (3) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما يكفيك (4) أن تضرب الارض بيديك (5) ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك) وذكر باقي الحديث * قال على: في هذا الحديث إبطال القياس، لان عمارا قدر أن المسكوت عنه من التيممم للجنابة حكمه حكم الغسل للجنابة، إذ هو بدل منه، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم (6) ذلك وأعلمه أن لكل شئ حكمه المنصوص عليه فقط، وفيه أن الصاحب قد يهم وينسى، وفيه نص حكم التيمم * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن الاعرج قال سمعت عميرا مولى ابن عباس قال: أقبلت أناد عبد الله ابن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبى جهيم (7) بن الحارث بن
__________
(1) في الاصلين (بيده) وصححناه من مسلم (ج 1: ص 110) (2) في اليمنية (فقال عمر) وفي مسلم (ج 1: ص 110) (فقال) فقط (3) في مسلم (فصليت) (4) في مسلم (انما كان يكفيك) (5) في مسلم (بيديك الارض) (6) من قوله (حكم الغسل) إلى هنا سقط من اليمنية (7) بالتصغير، وفي اليمنية في الموضعين (جهم) وهو خطأ(2/155)
الصمة الانصاري فقال أبو جهيم: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل،
فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، (1) حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد السلام (2) * قال أبو محمد: هذا هو الثابت لاحديث محمد بن ثابت (3).
وهذا فعل مستحب يعنى التيمم لرد السلام في الحضر، * وبهذا يقول جماعة من السلف، كما روينا عن عطاء بن السائب عن أبى البخترى عن على بن أبى طالب قال التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الرسغين (4)، وروينا عن أحمد بن حنبل ثنا يحيى بن حنبل ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا شعبة ثنا حصين بن عبد الرحمن عن أبى مالك الاشجعى قال سمعت عمار بن ياسر يقول: التيمم ضربة للوجه والكفين، وروينا عن محمد بن أبى عدي حدثنا شبعة عن حصين بن عبد الرحمن عن أبى مالك أنه سمع عمار بن ياسر يقول في خطبته التيمم هكذا وضرب ضربة للوجه والكفين * قال أبو محمد: هذا بحضرة الصحابة في الخطبة، فلم يخالفه ممن حضر أحد، * وعن أحمد بن حنبل حدثني مسكين بن بكير ثنا الاوزاعي عن عطاء أن ابن عباس وابن مسعود كانا يقولان: التيمم للكفين والوجه، قال الاوزاعي وبهذا كان يقول عطاء ومكحول، وهو الثابت عن الشعبي وقتادة وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وبه يقول الاوزاعي وأحمد بن حنبل واسحاق وداود * قال علي: وأما استيعاب الوجه والكفين فما نعلم في ذلك لمن أوجبه حجة الا قياس ذلك على استيعابهما بالماء * قال أبو محمد: والقياس باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا، لان حكم الرجلين عندنا وعندهم في الوضوء الغسل، فلما عوض منه المسح على الخفين سقط
__________
(1) في البخاري (ج 1: ص 52) (فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم) (2) في البخاري (ثم رد عليه السلام) (3) يعنى حديث ابن عمر الذي
مضى من رواية محمد بن ثابت العبدى (4) في اليمنية (الرصغين) بالصاد، والرضع لغة في الرسغ،(2/156)
الاستيعاب عندهم، فيلزمهم - ان كانوا يدرون ما القياس - أن كذلك لما كان حكم الوجه واليدين في الوضوء الغسل ثم عوض منه المسح في التيمم -: ان يسقط الاستيعاب كما سقط في المسح على الخفين، لا سيما ومن أصول أصحاب القياس أن المشبه بالشئ لا يقوى قوة الشئ بعينه * قال أبو محمد: هذا كله لا شئ، وانما نورده لنريهم (1) تناقضهم وفساد أصولهم، وهدم بعضها لبعض، كما نحتج على كل ملة وكل نحلة وكل قولة بأقوالها الهادم بعضها لبعض، لانهم (2) يصححونها كلها، لا على أننا نصحح منها شيئا، وانما عمدتنا ههنا ان الله تعالى قال: (بلسان عربي مبين) وقال تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) والمسح في اللغة لا يقتضى الاستيعاب، فوجب الوقوف عند ذلك (3) ولم يأت بالاستيعاب في التيمم قرآن ولا سنة ولا اجماع ولا قول صاحب، نعم ولا قياس، فبطل القول به، وممن قال بقولنا في هذا وأنه انما هو ما وقع عليه اسم مسح فقط: - أبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي (4) وغيره قال أبو محمد: والعجب أن لفظة المسح لم تأت في الشريعة إلا في أربعة مواضع ولا مزيد: مسح الرأس، ومسح الوجه واليدين في التيمم ومسح على الخفين والعمامة والخمار، ومسح الحجر الاسود في الطواف، ولم يختلف (5) أحد من خصومنا المخالفين لنا في أن مسح الخفين ومسح الحجر الاسود لا يقتضى الاستيعاب، وكذلك من قال منهم بالمسح على العمامة والخمار، ثم نقضوا ذلك في التيمم، فأوجبوا فيه الاستيعاب تحكما بلا برهان، واضطربوا في الرأس، فلم يوجب أبو حنيفة ولا الشافعي فيه
__________
(1) في المصرية (لنوريهم) وهو خطأ من الناسخ قبيح
(2) في المصرية (لانها) وهو خطأ (3) في اليمنية (عنده) (4) سليمان هذا هو ابن داود بن على بن عبد الله بن عباس، تلميذ الشافعي وشيخ البخاري واحمد بن حنبل، قال الشافعي: ما رأيت أعقل من رجلين احمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي) وقال احمد: (لو قيل لى.
اختر للامة رجلا استخلف عليهم، استخلفت عليهم سليمان بن داود) (5) في اليمنية (فلم يختلف)(2/157)
الاستيعاب، وهم مالك بأن يوجبه، وكاد فلم يفعل، فمن أين وقع (1) لهم تخصيص المسح في التيمم بالاستيعاب بلا حجة، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا من لغة ولا من إجماع ولا من قول صاحب ولا من قياس؟! وبالله تعالى التوفيق (2) * 251 - مسألة - وان عدم الميت الماء يمم كما يتيمم الحى، لان غسله فرض، وقد ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أن التراب طهور إذا لم نجد الماء، فهذا عموم لكل طهور واجب، ولا خلاف في أن كل غسل طهور * 252 - مسألة - ولا يجوز التيمم إلا بالارض، ثم تنقسم الارض إلى قسمين: تراب وغير تراب، فأما التراب فالتيمم به جائز، كان في موضعه من الارض، أو منزوعا مجعولا في إناء أو في ثوب أو على يد انسان أو حيوان، أو نفض غبار من كل ذلك فاجتمع منه ما يوضع عليه الكف، أو كان في بناء لبن أو طابية (3) أو غير ذلك، وأما ما عدا التراب من الحصى أو الحصباء أو الصحراء (4) أو الرضراض (5) أو الهضاب أو الصفا أو الرخام أو الرمل أو معدن كحل أو معدن زرنيخ أو جيار (6) أو جص أو معدن ذهب أو توتيا أو كبريت (7) أولا زورد أو معدن ملح أو غير
__________
(1) في اليمنية (يقع)
(2) هنا بهامش اليمنية ما نصه (قال الشيخ شمس الدين الذهبي: يلزمه على هذا التقدير أن يقول في مسح التيمم بجواز بعض الوجه وبعض اليدين كما قال في مسح اليسير من الرأس والخفين، وما أمكن يقول بهذا أحد)! وكذا بالاصل (وما أمكن) ولعل صوابها: (وما أظن) فتصحفت على الناسخ (3) كذا في الاصلين.
(4) كذا فيهما.
(5) كذا في المصرية والرضراض الحصى، والصفى، وفي اليمنية (الرصاص) (6) بفتح الجيم وتشديد الياء وهو النورة، وقيل الجير إذا خلط بالنورة، وفى المصرية (جبار) وفي اليمنية (حيار) وكلاهما خطأ (7) في اليمنية (كبريتا) وهو خطأ(2/158)
ذلك: - فان كان في الارض غير مزال عنها (1) إلى شئ آخر فالتيمم بكل ذلك جائز، وان كان شئ من ذلك مزال إلى إناء أو إلى ثوب أو نحو ذلك لم يجز التيمم بشئ منه، ولا يجوز التيمم بالآجر فأن رض حتى يقع عليه اسم تراب جاز التيمم به، وكذلك الطين (2) لا يجوز التيمم به، فان جف حتى يسمي ترابا جاز التيمم به، ولا يجوز التيمم بملح انعقد من الماء كأن في موضعه أو لم يكن، ولا بثلج ولا بورق ولا بحشيش ولا بخشب ولا بغير ذلك مما يحول بين المتيمم وبين الارض * برهان ذلك قول الله تعالى (فتيمموا صعيد طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء) وقال عليه السلام (جعلت لى الارض مسجدا وطهورا) وقد ذكرنا كل ذلك باسناده قبل فأغنى عن اعادته، فصح أنه لا يجوز (3) التيمم إلا بما نص عليه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يأت النص إلا بما ذكرنا من الصعيد، وهو وجه الارض في اللغة التى بها نزل القرآن وبالارض - وهي معروفة (4) - وبالتراب فقط فوجدنا التراب سواء كان منزوعا عن الارض محمولا في ثوب أو في اناء أو على وجه انسان أو عرق فرس أو لبد أو كان
لبنا أو طابية أو رضاض آجر أو غير ذلك (5) فانه تراب لا يسقط عنه هذا الاسم، فكان التيمم به على كل حال جائزا، ووجدنا الآجر والطين قد سقط عنهما اسم تراب واسم أرض واسم صعيد فلم يجز التيمم به، فإذا رض أو جفف عاد عليه اسم تراب فجاز التيمم به، ووجدنا سائر ما ذكرنا من الصخر ومن الرمل ومن المعادن ما دامت في الارض فان اسم الصعيد واسم الارض يقع على كل ذلك، فكان التيمم بكل ذلك جائزا، ووجدنا كل ذلك إذا أزيل عن الارض سقط عنه اسم الارض واسم
__________
(1) في اليمنية أو معدن ملح أو غير ذلك فان كان في الارض غير ذلك فان في الارض مزال عنها) وهو خلط (2) في المصرية (وكذلك التيمم بالطين) (3) في المصرية (لا يحل) (4) في المصرية (التى هي معروفة) (5) في اليمنية (أو رصاص لم يجز غير ذلك) وهو كلام لا معنى له(2/159)
الصعيد ولم يسم ترابا، فلم يجز التيمم بشئ من ذلك، ووجدنا الملح المنعقد من الماء والثلج والحشيش والورق لا يسمى شيئا من ذلك صعيدا ولا أرضا ولا ترابا، فلم يجز التيمم به، وهذا هو الذى لا يجوز غيره * وفى هذا خلاف من ذلك ان الحسن بن زياد قال ان وضع التراب في ثوب لم يجز التيمم به، وهذا تفريق لا دليل عليه وقال مالك يتيمم على الثلج وروى أيضا ذلك عن أبى حنيفة، وهذا خطأ لانه لم يأت به نص ولا اجماع فان قيل: ما حال بينك وبين الارض فهو أرض قيل لهم فان حال بينه وبين الارض قتلى (1) أو غنم أو ثياب أو خشب أيكون ذلك من الارض (2) فيتيمم عليه؟! وهم لا يقولون بذلك، وقولهم: ان ما حال بينك وبين الارض فهو أرض
أو من الارض - فقول فاسد لم يوجبه قرآن ولا سنة ولا لغة ولا اجماع ولا قول صاحب ولا قياس) * قال على: والثلج والطين والملح لا يتوضأ بشئ منها ولا يتيمم، لانه ليس شئ من ذلك يسمى ماء ولا ترابا ولا أرضا ولا صعيدا، فإذا ذاب الملح والثلج فصارا ماء جاز (1) الوضوء بهما، لانهما ماء، وإذا جف الطين جاز التيمم به لانه تراب * وقال الشافعي وابو يوسف: لا يتيمم الا بالتراب خاصة، لا بشئ غير ذلك، فادعوا أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت تربتها لنا طهورا) بيان لمراد الله تعالى بالصعيد، ولمراده عليه السلام بقوله: (جعلت لى الارض مسجدا وطهورا) * قال على: وهذا خطأ، لانه دعوى بلا برهان، وما كان هكذا فهو باطل قال عزوجل: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين)، بل كل ما قال عزوجل ورسوله عليه السلام فهو حق، فقال الله عزو جل: (صعيدا طيبا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الارض مسجد وطهور) وقال عليه السلام: (الارض مسجد وتربتها طهور)
__________
(1) في المصرية (قتلاء) وهو خطأ، ولم يذكر في اليمنية (2) من قوله (فهو أرض قيل لهم) حذف من اليمنية، وهو سقط من الناسخ (3) في المصرية (فإذا أذيب الملح والثلج فصار ماء) وما هنا أحسن(2/160)
فكل ذلك حق، وكل ذلك مأخوذ به، وكل ذلك لا يحل ترك شئ منه لشئ آخر فالتراب كله طهور والارض كلها طهور والصعيد كله طهور، والآية وحديث جابر في عموم الارض زائد حكما على حديث حذيفة في الاقتصار على التربة، فالاخذ بالزائد واجب، ولا يمنع ذلك من الاخذ بحديث حذيفة، وفى الاقتصار على ما في حديث حذيفة مخالفة للقرآن ولما في حديث جابر، وهذا لا يحل.
وبالله تعالى التوفيق * وقال أبو حنيفة: الصعيد كله يتيمم به، كالتراب والطين والزرنيخ والجير
والكحل والمرد اسنج (1) وكل تراب نفض من وسادة أو فراش أو من حنطة أو شعير: فالتيمم به جائز وكذلك قال سفيان الثوري: ان كان في ثوبك أو سرجك أو بردعتك تراب أو على شجر فتيمم به، وهذا قولنا.
وبالله تعالى التوفيق * 253 - مسألة - قال الاعمش: يقدم في التيمم اليدان قبل الوجه، وقال الشافعي يقدم الوجه على الكفين ولا بد، وأباح أبو حنيفة تقديم كل منهما على الآخر * قال على: وبهذا نقول، لاننا روينا من طريق البخاري عن محمد بن سلام عن أبى معاوية عن الاعمش عن شقيق عن أبى موسى الاشعري عن عمار بن ياسر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التيمم فضرب ضربة بكفه على الارض ثم نفضها ثم مسح بها (2) ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه ثم مسح بها وجهه) فكان هذا حكما زائدا، وبيانا أن كل ذلك جائز، بخلاف الوضوء.
وبالله تعالى التوفيق * فمن أخذ بظاهر القرآن فبدأ بالوجه فحسن، ومن أخذ بحديث عمار فبدأ باليدين قبل الوجه فحسن، ثم استدركنا قوله عليه السلام: (ابدأوا بما بدأ الله به) فوجب أن لا يجزئ الا الابتداء بالوجه ثم اليدين *
__________
(1) كذا في المصرية، وفى اليمنية (والمراد امسح) والله اعلم (2) في المصرية (بهما) وهو خطأ.
وانظر البخاري (ج 1 ص 54)(2/161)
* (كتاب الحيض والاستحاضة (2)) * 254 - مسألة (3) - الحيض هو الدم الاسود الخاثر الكريه الرائحة خاصة، فمتى ظهر من فرج المرأة لم يحل لها أن تصلى ولا أن تصوم ولا أن تطوف بالبيت ولا أن يطأها زوجها ولا سيدها في الفرج، الا حتى ترى الطهر، فإذا رأت أحمر أو كغسالة اللحم أو صفرة أو كدرة أو بياضا أو جفوفا (4) فقد طهرت وفرض عليها أن تغتسل (5)
جميع رأسها وجسدها بالماء فان لم تجد الماء فلتتيمم ثم تصلي وتصوم وتطوف بالبيت ويأتيها زوجها أو سيدها، وكل ما ذكرنا فهو قبل الحيض وبعده طهر ليس شئ منه حيضا أصلا * أما امتناع الصلاة والصوم والطواف والوطئ في الفرج في حال (6) الحيض فاجماع متيقن مقطوع به، لا خلاف بين أحد (7) من أهل الاسلام فيه، وقد خالف في ذلك قوم من الازارقة حقهم ألا يعدوا في أهل الاسلام (8) * وأما ما هو الحيض؟ فان يونس بن عبد الله بن مغيث حدثنا قال ثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ثنا أحمد بن خالد ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد ابن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا هشام بن عروة حدثني أبى عن عائشة: (ان فاطمة ابنة أبى حبيش أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إنى أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة، قال: ليس ذلك بالحيض، انما ذلك عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة، وإذا أدبرت (9) فاغتسلي وصلي).
وهكذا رويناه من طريق حماد بن زيد وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وابن جريج ومعمر وزهير بن معاوية
__________
(1) كلمة كتاب زدناها من اليمنية (2) في اليمنية زيادة (من المحلى شرح المجلى) (3) في اليمنية (مسألة قال ابو محمد على بن احمد بن سعيد بن حزم الفقيه رضى الله عنه) (4) يقال: جف الشئ جفوفا وجفافا (5) في المصرية (ان تغتسل) وهو خطأ (6) كلمة (حال) سقطت من اليمنية (7) في اليمنية (من أحد) (8) في اليمنية (من أهل الاسلام، وأما ما هو الحيض) الخ وسقط ما في اثناء ذلك (9) في اليمنية (فإذا ادبرت)(2/162)
وأبى معاوية و عبد الله بن نمير ووكيع بن الجراح وجرير وعبد العزيز بن محمد الذراوردى وأبى يوسف كلهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
ورويناه من
طريق مالك والليث وحماد بن سلمة وعمرو بن الحارث وسعيد بن عبد الرحمن الجمحى كلهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة، وإذا ذهبت فاغسلي عنك الدم ثم صلى) وفي بعضها (فتوضئ) * وحدثنا يونس بن عبد الله ثنا أبو بكر بن أحمد بن خالد ثنا أبى ثنا على بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام حدثني محمد بن كثير عن الاوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (استحيضت أم حبيبة بنت جحش فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه السلام: انها ليست بالحيضة ولكنه عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة، وإذا أدبرت (1) فاغتسلي وصلي * حدثنا أبو سعيد الجعفري ثنا أبو بكر الاذفونى (2) المقرئ ثنا أحمد بن محمد بن اسماعيل ثنا الحسن بن غليب (3) ثنا يحيى بن عبد الله ثنا الليث عن يزيد بن أبى حبيب عن بكير بن عبد الله بن الاشج عن النذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير أن فاطمة بنت أبى حبيش أخبرته: (انها أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه الدم، فقال: انما ذلك عرق، فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلي، فإذا مر القرء فتطهري ثم صلي من القرء إلى القرء) * فأمر عليه السلام باجتناب الصلاة لاقبال الحيضة، وبالغسل لادبارها، وخاطب (4) بذلك نساء قريش والعرب العارفات بما يقع عليه اسم الحيضة، فوجب أن يطلب بيان ذلك وما هي الحيضة في الشريعة واللغة، فوجدنا ما حدثناه حمام ابن أحمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا عبد الله بن أحمد بن
__________
(1) في اليمنية (فإذا ادبرت) (2) كذا في المصرية، وفي اليمنية (أبو بكر بن الادلولى) بدون اعجام ولم اعرف من هو ولا ما صحة هذه النسبة (3) بالغين المعجمة مصغر وفي اليمنية بالمهملة وهو تصحيف
(4) في المصرية (وحاضت) وهو تصحيف(2/163)
حنبل ثنا أبي ثنا محمد بن أبى عدى ثنا محمد بن عمرو هو ابن علقمة بن وقاص - عن الزهري عن عروة عن فاطمة بنت أبى حبيش: (كانت استحيضت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان دم الحيض اسود (1) يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئ وصلى، فانما هو عرق (2) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا قتيبة ثنا يزيد بن زريع (3) عن خالد الحذاء عن عكرمة عن عائشة قالت (اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه، فكانت ترى الصفرة والدم والطست تحتها (4)، وهى تصلى) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد ابن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن سلمة المرادى ثنا عبد الله ابن وهب عن عمرو الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن كلاهما (5) عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (ان أم حبيبة بنت حبيش كانت تحت عبد الرحمن بن عوف (6) استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلى، قالت عائشة فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتى تعلو حمرة الدم الماء) *
__________
(1) في اليمنية (الحيضة) (2) الحديث بهذا الاسناد ليس في مسند احمد بن حنبل، وانما هو فيه من حديث فاطمة باسنادين آخرين انظر المسند (ج 6 ص 420 و 463 و 464) (3) في اليمنية (ثنا قتيبة بن يزيد بن زريع) وهو خطأ (4) في البخاري (ج 1 ص 284): (اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم امرأة من ازواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة، فربما وضعنا الطست تحتها وهى تصلى) وفى اليمنية (الطشت) (5) كلمة (كلاهما) ليست في صحيح مسلم (6) في مسلم (ج 1 ص 103) (بنت حبيش ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف)(2/164)
فصح بما ذكرنا أن الحيض انما هو الدم الاسود وحده وأن الحمرة والصفرة والكدرة عرق وليس حيضا، ولا يمنع شئ من ذلك الصلاة) * فإن قيل: انما هذا للتى يتصل بها الدم أبدا، قلنا فان اتصل بها الدم بعض دهرها وانقطع بعضه فما قولكم؟ ألها هذا الحكم أم لا؟ فكلهم مجمع على أن هذا الحكم لها، فقلنا لهم: حدوا لنا المدة التى إذا اتصل (1) بها الدم والصفرة والكدرة كان لهم هذا الحكم الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم والمدة التى إذا اتصل بها هذا كله لم يكن لها ذلك الحكم، فكان الذى وقفوا عليه من ذلك أن قالت طائفة تلك المدة هي أيامها المعتادة لها، وقالت طائفة أخرى: بل تلك المدة هي أكثر من أيامها المعتادة (2) لها، فإذا كان ذلك (3) راعوا في أيام عادتها تكون الدم والا فلا، فقلت لهم: هاتان دعويان (4) قد سمعناهما، والدعوى مردودة ساقطة الا ببرهان، فهاتوا برهانكم ان كنتم صادقين، فقال بعضهم قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اقعدي أيام أقرائك ودعى الصلاة (5) قدر الايام التى كنت تحيضين فيها) قلنا: نعم هذا صحيح، وانما أمر عليه السلام بهذا التي لا تميز دمها والذي هو كله (6) أسود متصل، برهان ذلك قوله للتى تميز دمها: (ان دم الحيض أسود يعرف فإذا جاء الآخر فصلى وإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلى واغسلى عنك الدم وصلى) على ما نبين في باب المستحاضة ان شاء الله تعالى * قال أبو محمد: وهذا لا مخلص لهم منه، فان تعلقوا بمن روى عنه مثل قولهم،
__________
(1) في المصرية (اتصلت) وهو خطأ (2) في اليمنية (فكان الذى وقفوا عليه من ذلك قالت طائفة تلك المدة هي اكثر) الخ وهذا خطأ (3) في المصرية (كذلك) (4) في المصرية (فقلت لهم هذا دعويان) وفي اليمنية (فقلنا لهم هذه دعويان) وكلاهما خطأ (5) في المصرية (قدر) وهو خطأ (6) في اليمنية (التى لا يتميز دمها والتي هو كله(2/165)
مثل ما رويناه من طريق علقمة بن أبى علقمة (1) عن أمه كنت أري النساء يرسلن إلى عائشة بالدرحة فيها الكرسف (2) فيها الصفرة يسألنها عن الصلاة فسمعت عائشة تقول: لا تصلين حتى ترين القصة البيضاء * قال أبو محمد: ما نعلم لهم عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم متعلقا الا هذه الرواية وحدها، وقد خولف أم علقمة في ذلك عن عائشة، وخالف هذه الرواية عن أم علقمة غير أم المؤمنين من الصحابة * فأما الرواية عن عائشة رضى الله عنها فان احمد بن عمر بن أنس (3) قال ثنا عبد بن احمد الهروي أبو ذر ثنا أحمد بن عبدان الحافظ بنيسابور ثنا محمد بن سهل ابن عبد الله المقرئ البصري ثنا محمد بن اسماعيل البخاري - هو جامع الصحيح - قال: قال لنا على بن ابراهيم ثنا محمد بن أبى الشمال (4) العطاردي البصري حدثتني أم طلحة قالت: سألت عائشة أم المؤمنين فقالت: دم الحيض بحراني أسود * حدثا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن أبي بكر الهذلى عن معاذة العدوية عن عائشة قالت.
ما كنا نعد الصفرة والكدرة حيضا * وروينا من طريق أحمد بن حنبل ثنا اسماعيل بن علية ثنا خالد الحذاء عن
__________
(1) في اليمنية (علقمة بن علقمة) وهو خطأ (2) في المصرية (الكرفس) وهو خطأ.
والكرسف بضم الكاف والسين المهملة وبينهما راء ساكنة هو القطن (3) في المصرية (احمد بن عفراء بن أنس) وهو خطأ (4) في اليمنية (السماك) وهو خطأ.
وابن ابى الشمال هذا ذكره ابن حبان في الثقات فقال وقال البخاري: لا يتابع على حديثه) واثره هذا رواه العقيلى في الضعفاء من طريق محمد بن المثنى عنه، نقله في لسان الميزان (ج 5 ص 199 و 200) وفيه (ان دم الحيض احمر بحراني) قال في المصباح (يقال للدم الخالص شديد الحمرة باحر وبحراني، وقيل الدم البحراني منسوب إلى بحر الرحم وهو عمقها)(2/166)
أنس بن سيرين قال: استحيضت امرأة من آل أنس فأمروني فسألت ابن عباس فقال: أما ما رأت الدم البحراني فلا تصلى، فإذا رأت الطهر ولو ساعة من نهار فلتغتسل وتصلى.
فلم يلتفت ابن عباس إلى اتصال الدم، بل رأي وأفتي أن ما عدا الدم البحراني فهو طهر، تصلى مع وجوده، ولو لم ترإلا ساعة من النهار، وانه لا يمنع الصلاة الا الدم البحراني، وهذا اسناد في غاية الجلالة * ومن طريق البخاري: حدثنا قتيبة ثنا اسماعيل - هو ابن علية - عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت: كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئا.
وأم عطية من المبايعات من نساء الانصار (1) قديمة الصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم (2) وفاطمة بنت أبى حبيش (3) وأم حبيبة بنت جحش هذا نفسه، وكل هذا الثابت الصحيح بالاسانيد (4) العالية الصحيحة * وروينا عن على بن أبى طالب: إذا رأت بعد الطهر (5) مثل غسالة اللحم أو مثل قطرة الدم من الرعاف فانما تلك ركضة من ركضات الشيطان فلتنضح بالماء
ولتتوضأ ولتصل فان كان عبيطا لاخفاء به فلتدع الصلاة.
وعن ثوبان في المرأة ترى البرية (6) قال: تتوضأ وتصلى، قيل: أشئ تقوله أم سمعته؟ قال: ففاضت عيناه وقال: بل سمعته * قال أبو محمد: فهذا أقوى من رواية أم علقمة وأولى، وقد روى ما يوافق رواية
__________
(1) قوله (من نساء الانصار) ليس في اليمنية (2) قوله (وقد ذكر عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم) سقط من المصريا فاختل الكلام حتى لم يفهم، وزدناه من اليمنية (3) في اليمنية (وفاطمة بنت ابى جحش وهو خطأ (4) في اليمنية (والاسانيد) وهو خطأ (5) في اليمنية (إذا رأت الطهر) بحذف (بعد) وهو خطأ (6) كذا في المصرية وفي اليمنية (الثربة) وكلاهما غير مفهوم، ولم أجد هذا الحديث في مسند احمد ولا في غيره من كتب السنة(2/167)
أم علقمة عن عمرة من رأيها، وعن ربيعة ويحيى بن سعيد مثل ذلك، وقد خالف هؤلاء من التابعين من هو أجل منهم، كسعيد بن المسيب، روينا من طريق قتادة عنه في المرأة ترى الصفرة والكدرة: أنها تغتسل وتصلى وروينا عن سفيان الثوري عن القعقاع: سألنا ابراهيم النخعي عن المرأة ترى الصفرة؟ قال: تتوضأ وتصلى، وعن مكحول مثل ذلك * فان ذكروا حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذى يأتي امرأته وهي حائض قال: (ان كان الدم عبيطا فدينار، وان كان فيه صفرة فنصف دينار) قلنا: هذا حديث لو صح لكانوا قد خالفوا ما فيه، ومن الباطل أن يكون بعض الخبر حجة وبعضه ليس حجة، فكيف وهو باطل لا يصح لان روايه عبد الكريم بن أبي
المخارق وليس بثقة جرحه (1) أيوب السختيانى وأحمد بن حنبل وغيرهما * فان قالوا: ان حديث ابن أبى عدى اضطرب فيه، فمرة حدث به من حفظه (2)، فقال: عن الزهري عن عروة عن عائشة، ومرة حدث به من كتابه فقال: عن الزهري عن عروة عن فاطمة بنت أبى حبيش، ولم يذكر هذا الكلام أحد غير محمد بن أبى عدى، قلنا: هذا كله قوة للخبر، وليس هذا اضطرابا، لان عروة رواه عن فاطمة وعائشة معا، وأدركهما (3) معا، فعائشة خالته أخت أمه (4)، وفاطمة بنت أبى حبيش ابن المطلب بن أسد (5) ابنة عمه، وهو عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد ابن أسد (6)، ومحمد بن أبى عدى الثقة الحافظ المأمون، ولا يعترض بهذا الا المعتزلة الذين لا يقولون بخبر الواحد، تعللا على إبطال السنن فسقط كل ما تعلقوا به.
والحمد لله رب العالمين * وقولنا هذا هو قول جمهور أصحابنا * وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري والاوزاعي والشافعي وأحمد واسحاق وعبد الرحمن
__________
(1) في اليمنية (خرجه) وهو تصحيف (2) في اليمنية (من لفظه) وهو خطأ (3) في اليمنية (فادركهما) وما هنا أصح (4) لان أمه اسماء بنت أبى بكر الصديق (5) في المصرية (أسيد) بالتصغير وهو خطأ (6) في اليمنية بحذف ابن أسد)(2/168)
ابن مهدي: الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيص، وليست في غير أيام الحيض حيضا، وقال الليث بن سعد: الدم والصفرة والكدرة في غير أيام الحيض ليس شئ من ذلك حيضا، وكل ذلك في أيام الحيض حيض (1) وقال مالك وعبيد الله بن الحسن (2) * الصفرة والكدرة حيض، سواء كان في أيام الحيض أو في غير أيام الحيض، وقال أبو يوسف ومحمد: الصفرة والدم فكل ذلك في أيام الحيض حيض (3) وأما الكدرة فهى في أيام الحيض قبل الحيض ليست حيضا، وأما بعد الحيض فهى حيض، وكل ذلك
ليس في غير أيام الحيض حيضا (4)، على عظيم اضطرابهم في الدم في غير أيام الحيض، فان أبا حنيفة قال: إذا رأت المرأة الدم قبل أيام حيضها ثلاثة أيام فأكثر وانقطع في أيام حيضها أو اتصل أقل من ثلاثة أيام منها فليس شئ من ذلك حيضا ولا تمتنع بذلك من الصلاة والصوم والوطئ إلا أن يتكرر ذلك عليها مرتين ويتصل كذلك فهو حيض متصل (5)، قال: فان رأت الدم قبل أيام حيضها بيومين فأقل واتصل بها في أيامها ثلاثة أيام فاكثر فهو كله حيض، ما لم تجاوز عشرة أيام، قال: فان رأت الدم قبل أيام حيضها ثلاثة أيام فصاعدا وفى أيام الحيض متصلا بذلك ثلاثه ايام فصاعدا، فمرة قال: كل ذلك حيض، ومرة قال: أما ما رأت قبل أيامها فليس حيضا، وأما ما رأت في أيامها حيض، وهذه تخاليط ناهيك بها! وقال أبو ثور وبعض اصحابنا: الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض ليستا حيضا، وفى أيام الحيض قبل الدم ليستا حيضا، وأما بعد الدم متصلا به فهما حيض * قال على: واحتج هؤلاء بان قالوا: ما لم يتيقن الحيض فلا يجوز أن تترك الصلاة
__________
(1) في الاصلين (حيضا) وهو لحن (2) هو عبيد الله بن الحسن العنبري قاضى البصرة فقيه ثقة.
وهو الذي قال ان كل مجتهد مصيب، وأخذت عليه هذه الغلطة وقيل انه رجع عنها.
ولد سنة 105 ومات سنة 168.
وفي المصرية (عبد الله) بالتكبير وهو خطأ (3) في اليمنية (حيضا) وهو لحن (4) في اليمنية (حيض) وهو لحن (5) في اليمنية (فهو حيض ومنتقل) وهو خطأ(2/169)
والصوم المتيقن وجوبهما، ولا أن تمنع من الوطئ المتيقن تحليله حتى إذا تيقن (1) الحيض وحرمت الصلاة والصوم والوطئ بيقين لم يسقط تحريم ذلك الا بيقين آخر * قال على وهذا عمل غير صحيح البيان، بل هو مموه، وذلك أن هاتين المقدمتين حق الا أن اليقين الذى ذكروا هو النص، وقد صح النص بان ما عدا الدم (2)
الاسود ليس حيضا، ولا يمنع من صلاة ولا من صوم ولا من وطئ، فصارت حجتهم حجة عليهم، وأيضا فلو لم يكن ههنا هذا النص لما وجب ما قلوه، لان الصلاة والصوم فرضان قد تيقن وجوبهما والوطئ حق قد تيقنت اباحته في الزوجة والامة المباحة والحيض قد تيقن أنه محرم به كل ذلك، فلا يجوز أن يقطع على شئ بان حيض محرم للصلاة وللصوم وللوطئ الا بنص وارد أو باجماع متيقن، وأما بدعوى مختلف فيها فلا، فهذا هو الحق، ولا نص ولا إجماع ولا لغة في أن ما عدا الدم الاسود حيض أصلا، وقد صح النص والاجماع واللغة على أن الدم الاسود حيض، فلا يجوز أن يسمى حيضا الا ما صح النص والاجماع بأنه حيض، لا مالا نص فيه ولا إجماع * واحتج بعض أهل المقالة الاولى بان قال لما كان السواد حيضا وكانت الحمرة جزءا من أجزاء السواد وجب أن تكون حيضا، ولما كانت الصفرة جزءا من أجزاء الحمرة وجب أن تكون حيضا (3)، ولما كانت الكدرة جزءا من أجزاء الصفرة وجب أن تكون حيضا، ولما كان كل ذلك في بعض الاحوال حيضا وجب أن يكون في كل الاحوال حيضا * قال أبو محمد: وهذا قياس والقياس كله باطل ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه عين الباطل، لانه يعارض بان يقال له: لما كانت القصة البيضاء طهرا وليست حيضا باجماع ثم كانت الكدرة بياضا غير ناصع -: وجب أن لا تكون حيضا، ثم لما كانت
__________
(1) في المصرية (إذا لم يتيقن) وهو خطأ (2) في المصرية (وقد صح النص فان ما عدا الدم) وفي اليمنية (بل ما عدا الدم) (3) في اليمنية (وجب ان تكون في بعض الاحوال حيضا) وهذه الزيادة لالزوم لها هنا الآن.(2/170)
الصفرة كدرة مشبعة وجب ان لا تكون حيضا ثم لما كانت الحمرة صفرة مشبعة وجب
ان لا تكون حيضا ولما كان ذلك في بعض الاحوال وهو ما كان بعد أكثر أيام الحيض ليس حيضا وجب أن يكون في جميع الاحوال ليس حيضا فهذا أصح من قياسهم، لاننا لم نساعدهم قط على ان الحمرة والصفره والكدرة حيض في حل من الاحوال، ولا في وقت من الاوقات، ولا جاء بذلك قط نص ولا اجماع ولا قياس غير معارض ولا قول صاحب لم يعارض، وهم كلهم قد وافقونا على أن كل ذلك ليس حيضا إذا رؤى فيما زاد في أيام الحيض، فبطل قياسهم، وكان ما جئناهم به لو صح القياس لا يصح غيره، وكذلك لا يوافقون على أن الحمرة جزء من السواد، ولا أن الصفرة جزء من الحمرة، ولا أن الكدرة جزء من الصفرة، بل هي دعوى عارضناهم بدعوى مثلها فسقط كل ما قالوه، والحمد لله رب العالمين، وثبت قولنا بشهادة النص والاجماع له.
* 255 مسألة فإذا رأت الطهر (1) كما ذكرنا لم تحل لها الصلاة ولا الطواف بالكعبة حتى تغسل جميع رأسها وجسدها بالماء، أو تتيمم ان عدمت الماء أو كانت مريضة عليها في الغسل حرج، وإن أصبحت صائمة ولم تغتسل فاغتسلت أو تيممت ان كانت من أهل التيمم بمقدار ما تدخل في صلاة الصبح صح صيامها، وهذا كله إجماع متيقن، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واذأ ادبرت الحيضة فتطهري: ولقول الله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهن) وقد أخبر عليه السلام أن الارض طهور (2) إذا لم نجد الماء، فوجب التيمم للحائض عند عدم الماء وفي تأخيرها الغسل والتيمم عن هذا المقدار خلاف نذكره في كتاب الصيام إن شاء الله * 256 مسألة وأما وطئ زوجها أو سيدها لها إذا رأت الطهر فلا يحل إلا بأن تغسل جميع رأسها وجسدها بالماء أو بأن تتيمم (3) ان كانت من أهل التيمم فان لم تفعل فبأن تتوضأ وضوء الصلاة أو تتيمم ان كانت من أهل التيمم، فان لم تفعل فبأن تغسل فرجها بالماء ولا بد أي هذه الوجوه الاربعة فعلت حل له وطؤها *
__________
(1) في المصرية (الكدرة) وهو خطأ (2) في المصرية (طهورا) وهو لحن
(3) في المصرية (وأن تتيمم) وما هنا أحسن(2/171)
برهان ذلك قول الله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتي يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) فقوله: (حتي يطهرن) معناه حتى يحصل لهن الطهر الذى هو عدم الحيض، وقوله تعالى: (فإذا تطهرن) هو صفة فعلهن وكل ما ذكرنا يسمى في الشريعة وفى اللغة تطهرا وطهورا وطهرا، فأي ذلك فعلت فقد تطهرت: قال الله تعالى: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) فجاء النص والاجماع بأنه غسل الفرج والدبر بالماء.
وقال عليه السلام: (جعلت لى الارض مسجدا وطهورا) فصح أن التيمم للجنابة وللحدث طهور.
وقال تعالى.
(وان كنتم جنبا فاطهروا) وقال عليه السلام: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) يعني الوضوء * ومن اقتصر بقوله تعالى: (فإذا تطهرن) على غسل الرأس والجسد كله دون الوضوء ودون التيمم ودون غسل الفرج بالماء فقد قفا مالا علم له به، وادعى أن الله تعالى أراد بعض ما يقع عليه كلامه بلا برهان من الله تعالى * ويقال لهم: هلا فعلتم هذا في الشفق (1)؟ إذ قلتم أي شئ توقع عليه اسم الشفق فبغر وبه تدخل صلاة العتمة، فمرة تحملون اللفظ على كل ما يقتضيه، ومرة على بعض ما يقتضيه بالدعوي والهوس * فان قال إذا حاضت حرمت باجماع فلا تحل الا باجماع آخر، قلنا هذا باطل، ودعوي كاذبة، لم يوجبها لا نص ولا اجماع، بل إذا حرم الشئ باجماع ثم جاء نص يبيحه فهو مباح، ما نبالي أجمع على اباحته أم اختلف فيها، ولو كانت قضيتكم هذه صحيحة لبطل بها عليكم أكثر أقوالكم، فيقال لكم: قد حرمتم الصلاة على المحدث والمجنب باجماع، فلا تحل لهما الا باجماع ولا تجيزوا للجنب (2) أن يصلى
بالتيمم ولو عدم الماء شهرا فلا اجماع في ذلك، بل عمر بن الخطاب وابن مسعود وابراهيم والاسود لا يجيزون له الصلاة بالتيمم، وأبطلوا صلاة من توضأ ولم يستنشق،
__________
(1) في اليمنية (في السقف) وهو خطأ يفسد المعنى (2) من قوله (فيقال لكم) إلى هنا سقط من اليمنية(2/172)
لانه لا اجماع في صحتها (1) وأبطلوا صلاة من توضأ بفضل امرأة (2) ومن لم يتوضأ مما مست النار، وهذا كثير جدا، وكذلك القول في الصيام والزكاة والحج وجميع الشرائع، فصح أن قضيتهم (3) هذه في غاية الفساد في ذاتها، في غاية الافساد لقولهم * قال على: وممن قال بقولنا في هذه المسألة عطاء وطاوس ومجاهد، وهو قول أصحابنا * وقال أبو حنيفة وأصحابه: ان كانت أيامها عشرة أيام فبانقطاع العشرة الايام يحل له وطؤها، اغتسلت أو لم تغتسل، مضى لها وقت صلاة (4) أو لم يمض توضأت أو لم توضأ، تيممت أو لم تتيمم، غسلت فرجها أو لم تغسله فان كانت أيام حيضها أقل من عشرة أيام لم يحل له أن يطأها إلا بأن تغتسل أو يمضى لها وقت ادنى صلاة من طهرها فان مضى لها وقت صلاة واحدة طهرت فيه أو قبله ولم تغتسل فيه فله وطؤها، وان لم تغتسل ولا تيممت ولا توضأت ولا غسلت فرجها فان كانت كتابية حل له وطؤها إذا رأت الطهر على كل حال * وهذه أقوال نحمد الله على السلامة منها، ولم يرو عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم في هذه المسألة شئ، ولا نعلم أيضا (5) عن أحد من التابعين إلا عن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار والزهرى وربيعة المنع من وطئها حتى تغتسل ولا حجة في قولهم لو انفردوا، فكيف وقد عارضهم من هو مثلهم.
وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) قوله (وابطلو صلاة من توضأ ولم يستنشق لانه لا اجماع في صحتها) سقط من اليمنية (2) في المصرية (بفضل امرأته) وما هنا أصح (3) في المصرية (قضيتكم) وما هنا أنسب لسياق الكلام (4) في المصرية (وقت الصلاة) وما هنا أحسن (5) في المصرية (ولا يعلمه أحد أيضا) وما هنا أقرب إلى الصواب، فليس من عادة ابن حزم أن يجزم بمثل هذه الدعوى العريضة: أنه لا يوجد أحد من الناس يعلم قولا عن واحد من التابعين في هذه المسألة الا ما علمه هو فقط(2/173)
وكم من مسألة خالفوا فيها أكثر عددا (1) من هؤلاء من الصحابة رضى الله عنهم لا يعرف لهم فيها مخالف، وقد ذكرنا منها كثيرا قبل، ونذكر ان شاء الله عزوجل من ذلك الرواية عن عمر وعلى وابن عباس وأنس وأبي هريرة وعبد الله بن عمر ونافع بن جبير: لا تجوز الصلاة في مقبرة ولا إلى قبر (2)، ولا يعرف لهم في ذلك مخالف من الصحابة، فخالفوهم بآرائهم، أو عن أ؟؟؟ بكر وثابت بن قيس وأنس: الفخذ ليست عورة (3) ولا يعرف لهم في ذلك مخالف من الصحابة، فخالفوهم، ومثل ذلك كثير جدا * ولو أن الله تعالى أراد بقوله: (تطهرن) بعض ما يقع عليه اللفظ دون بعض لما أغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان ذلك، فلما لم يخص (4) عليه السلام ذلك وأحالنا على القرآن أيقنا قطعا بأن الله عزوجل لم يرد بعد ما يقتضيه اللفظ دون بعض فان قالوا قولنا أحوط قلنا حاشا الله، بل الاحوط أن لا يحرم عليه ما أحله الله عزوجل من الوطئ بغير يقين فان قالوا: لا حل له وطؤها إلا بما يحل لها الصلاة، قلنا هذه دعوي باطل منتقضة، أول ذلك أنها لا برهان على صحتها، والثانى أنه قد يحل له وطؤها حيث لا تحل لها الصلاة، وهو كونها مجنبة ومحدثة، والثالث أن يقال لهم: هلا قلتم لا يحل له وطؤها
الا بما يحل لها به الصوم وهو يحل لها عندهم برؤية الطهر فقط فهذه دعوى بدعوى! * فان قال بعضهم: وجدنا التحريم يدخل بأدق الاشياء (5)، ولا يدخل التحليل الا بأغلظ الاشياء، كنكاح ما نكح الآباء، يحرم بالعقد، وتحليل المطلقة ثلاثا لا يحل لها الا بالعقد والوطئ قلنا ليس كما قلتم، بل قد خالفتم قضيتكم هذه على فسادها وبطلانها فتركتم أغلظ الاشياء مما قاله غيركم وهو الاجناب، فان الحسن البصري لا يرى المطلقة ثلاثا تحل الا بالعقد والوطئ والانزال ولا بد، وسعيد بن
__________
(1) في اليمنية (الاكثر عددا) (2) في اليمنية (في حفيرة ولا لى قبر) (3) في المصرية (الفخذ ليس عورة) وهو خطأ لان الفخذ مؤنثة (4) في اليمنية (فلم يخص) بحذف (لما) وهو خطأ (5) في اليمنية (بأذف الاشياء) وهو تصحيف(2/174)
المسيب يري أنها تحل بالعقد فقط وان لم يكن وطئ ولا دخول، ثم يقال لهم: قد وجدنا التحليل يدخل بأدق الاشياء (1) وهو فرج الاجنبية الذي في وطئه دخول النار، واباحة الدم بالرجم والشهرة بالسياط، فانه يحل بثلاث كلمات أو كلمتين: انكحني ابنتك، قال: قد انكحتها أو تلفظ هي بالرضا والولى بالاذن (2) وبأن يقول سيد الامة: هي لك هبة، ووجدنا التحريم لا يدخل الا بأغلظ الاشياء وهو طلاق الثلاث أو انقضاء أمد العدة، ووجدنا تحريم الربيبة (3) لا يدخل الا بالعقد والدخول والا فلا فظهر أن الذى قالوه تخليط، وقول بالباطل في الدين، والحق من هذا هو أن التحريم لا يدخل الا بما يدخل به التحليل، وهو القرآن أو السنة ولا مزيد.
وبالله تعالى التوفيق * 257 مسألة - وقد تقضى الحائض إذا ظهرت شيئا من الصلاة التى مرت في أيام حيضها، وتقضى صوم الايام التى مرت لها في أيام حيضها، وهذا نص مجمع
لا يختلف فيه أحد * 258 مسألة - وان حاضت امرأة في أول وقت الصلاة أو في آخر الوقت ولم تكن صلت تلك الصلاة سقطت عنها (4) ولا اعادة عليها فيها، وهو قول أبى حنيفة والاوزاعي وأصحابنا، وبه قال محمد بن سيرين وحماد بن أبي سليمان، وقال النخعي والشعبى وقتادة واسحاق: عليها القضاء، وقال الشافعي إن أمكنها أن تصليها فعليها القضاء * قال على: برهان قولنا هو أن الله تعالى جعل للصلاة وقتا محدودا أوله وآخره وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصلاة في أول وقتها وفى آخر وقتها، فصح أن المؤخر لها
__________
(1) في اليمنية (قد وجدنا التحليل بأزف الاشياء) (2) كلمة (بالاذن) محذوفة في اليمنية (3) في اليمنية (الزنيه) وهو خطأ (4) في اليمنية (وان حاضت امرأة في أول الوقت ولم تكن صلاة سقطت عنها) الخ وهو سقط ضاع به كثير من معنى الكلام، وما هنا هو الصواب(2/175)
لى آخر وقتها ليس عاصيا، لانه عليه السلام لا يفعل المعصية، فإذ ليست عاصية فلم تتعين الصلاة عليهما بعد ولها تأخيرها، فإذا لم تتعين عليها حتى حاضت فقد سقطت عنها، لو كان الصلاة تجب بأول الوقت لكان من صلاها بعد مضى مقدار تأديتها من أول وقتها قاضيا لها لا مصليا، وفاسقا بتأخيرها عن وقتها، ومؤخرا لها عن وقتها، وهذا باطل لا اختلاف فيه من أحد * 259 - مسألة فان طهرت في آخر وقت الصلاة بمقدار مالا يمكنها الغسل والوضوء حتى خرج الوقت، فلا تلزمها تلك الصلاة ولا قضاؤها، وهو قول الاوزاعي وأصحابنا، وقال الشافعي وأحمد: عليها أن تصلى.
قال أبو محمد: برهان صحة قولنا أن الله عزوجل لم يبح (1) الصلاة إلا بطهور، وقد حد الله تعالى للصلوات أوقاتها،
فإذا لم يمكنها الطهور وفى الوقت بقية فنحن على يقين من أنها لم تكلف تلك الصلاة التى لم يحل لها أن تؤديها في وقتها * 260 - مسألة - وللرجل أن يتلذذ من امرأته الحائض بكل شئ، حاشا الايلاج في الفرج، وله أن يشفر ولا يولج وأما الدبر فحرام في كل وقت * وفي هذا خلاف فروينا عن ابن عباس أنه كان يعتزل فراش امرأته إذا حاضت وقال عمر بن الخطاب وسعيد بن المسيب وعطاء - إلا أنه لا يصح عن عمر - وأبو حنيفة (2) ومالك والشافعي: له ما فوق الازار من السرة فصاعدا إلى أعلاها، وليس له ما دون ذلك * فأما من ذهب مذهب ابن عباس فانه احتج بقول الله تعالى.
(ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن)
__________
(1) في المصرية (لم يحتج) وبحذف (الصلاة) وهو خطأ غريب (2) في المصرية (وقال أبو حنيفة) وهو خطأ، لانه يكون قول عمر وسعيد وعطاء محذوفا، مع أن المراد انهم هم وأبو حنيفة ومالك والشافعي قالوا: له ما فوق الازار الخ الا ان هذا لم يصح عن عمر، وهذا ظاهر من سياق كلام المؤلف(2/176)
وبحديث رويناه من طريق أبى داود عن سعيد بن عبد الجبار (1) عن عبد العزيز الدراوردي (2) عن أبى اليمان عن أم ذرة (3) عن عائشة أم المؤمنين قالت: (كنت إذا حضت نزلت عن المثال (4) على الحصير فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ندن منه حتى نطهر (5) * قال أبو محمد: وأما هذا الخبر فانه من طريق أبى اليمان كثير بن اليمان الرحال وليس بالمشهور، عن أم ذرة وهى مجهولة فسقط (6) وأما الآية فهى (7) موجبة لفعل بن عباس، الا أن يأتي بيان صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيوقف عنده، فأرجأنا
أمر الآية، * ثم نظرنا فيما احتج به من ذهب إلى ما قال به أبو حنيفة ومالك، فوجدناهم يحتجون بخبر رويناه من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن كريب مولى ابن عباس سمعت ميمونة أم المؤمنين قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معى وأنا حائض وبيني وبينه ثوب)، * وبحديث آخر رويناه من طريق الليث بن سعد عن الزهري عن حبيب مولى
__________
(1) في اليمنية (سعيد بن الحباب) وهو خطأ (2) براءين بينهما ألف وواو، وفى المصرية (الداوردى بحذف الراء الاولى وهو خطأ (3) بفتح الذال المعجمة وفي الاصلين بالدال المهملة وهو تصحيف (4) في المصرية (على المثال) وفي اليمنية (عن المنال) وكلاهما خطأ صححناه من أبى داود (ج 1 ص 110) والمثال بالثاء المثلثة الفراش.
(5) في المصرية (فلم يقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدن مثنية حتى يطهر) وفي اليمنية (ولم يدن منى حتى يطهر) وكلاهما خطأ صححناه من أبى داود (6) ان جهلهما ابن حزم فقد عرفهما غيره فأبو اليمان ذكره ابن حبان في الثقات وام ذرة هي مولاة عائشة روى عنها ابن المنكدر وأبو اليمان هذا وعائشة بنت سعد فارتفعت جهالة عينها وذكرها ابن حبان في الثقات وقال العجلى (تابعية ثقة) فارتفعت جهالة وصفها.
(8) في المصرية (فهو) وهو خطأ(2/177)
عروة عن ندبة مولاة ميمونة: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهى حائض إذا كان عليها إزار يبلغ انصاف الفخذين (1) أو الركبتين وهى محتجزة (2) * وبحديث رويناه من طريق أبى خليفة عن مسدد عن أبى عوانة عن عمر بن أبى سلمة عن أبيه عن عائشة: (انها كانت تنام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض
وبينهما ثوب) * وبخبر رويناه عن أبى اسحاق عن عاصم بن عمرو العجلى أن نفرا سألوا عمر فقال (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل للرجل من أمرأته حائضا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك ما فوق الازار، لا تطلعن إلى ما تحته حتى تطهر)، وروى أيضا عن أبى اسحاق عن عمير مولى عمر مثله، وعن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك بن مغول عن عاصم بن عمرو: ان عمر مثله (3) وريناه أيضا عن مسدد عن أبى الاحوص عن طارق بن عبد الرحمن عن عاصم بن عمرو، * وبحديث رويناه من طريق هرون بن محمد بن بكار ثنا مروان - يعنى ابن محمد - ثنا الهيثم بن حميد ثنا العلاء بن الحارث (4) عن حرام بن حكيم (5) عن عمه: (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحل لى من امرأتي وهى حائض؟ قال: لك ما فوق الازار) * وبخبر رويناه من طريق هشام بن عبد الملك اليزنى (6) عن بقية بن الوليد
__________
(1) في اليمنية (الفخذ) وهو خطأ (2) في الاصل بالراء وفي اليمنية (محجزة) وكل خطأ، والحجز المنع والحاجز الحائل أي تشد الازار على وسطها وفي أبي داود (ج 1 ص 109) (أو الركبتين تحتجز به،.
(3) في المصرية (عن عاصم بن عمرو ان مثله) وهو خطأ (4) العلاء بالعين المهملة.
وفي اليمنية (الجلاء) بالجيم وهو خطأ (5) حرام بفتح الحاء والراء المهملتين، وعمه هو عبد الله بن سعد بن الحكم الانصاري وقد روى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
انظر مسند احمد (ج 4 ص 342 وج 5 ص 293) وطبقات ابن سعد (ج 7 ق 2 ص 193) وليس فيهما هذا الحديث (6) بفتح الياء والزاى وآخره نون ثم ياء النسبة(2/178)
عن سعيد بن عبد الله الاغطش (1) عن عبد الرحمن بن عائد الازدي - هو ابن قرط أمير حمص - عن معاذ بن جبل: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهى حائض؟ قال: ما فوق الازار، والتعفف عن ذلك أفضل) * وبحديث رويناه من طريق عبد الرحيم بن سليمان ثنا محمد بن كريب عن كريب عن ابن عباس انه سئل عما يحل من المرأة وهى حائض لزوجها؟) قال: سمعنا والله أعلم ان كان قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كذلك: يحل ما فوق الازار، * وبخبر رويناه من طريق محمد بن الجهم عن محمد بن الفرج (2) عن يونس بن محمد ثنا عبد الله بن عمر عن أبي النضر عن أبى سلمة عن عائشة:) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ما يحل للرجل من امرأته؟ قال: ما فوق الازار) * فنظرنا في هذه الآثار فوجدناها لا يصح منها شئ، أما حديثا ميمونة فأحدهما عن مخرمة بن بكير عن أبيه ولم يسمع من أبيه، وأيضا فقد قال فيه ابن معين: مخرمة هو ضعيف ليس حديثه (3) بشئ والآخر من طريق ندبة وهي مجهولة لا تعرف، وأبو داود يروي هذا الحديث عن الليث فقال: قال ندبة بفتح النون والدال ومعمر يرويه ويقول: ندبة بضم النون واسكان الدال، ويونس يقول بدية، بالباء المضمومة والدال المفتوحة والياء المشددة، كلهم يرويه عن الزهري كذلك، فسقط خبرا ميمونة) * وأما حديثا عائشة فأحدهما من طريق عمر بن أبى سلمة، وقد ضعفه شعبة ولم
__________
(1) الاغطش بالغين المعجمة والطاء المهملة والشين المعجمة، وفي اليمنية بالعين المهملة وهو تصحيف، وسعيد هذا اختلف في اسمه فقيل سعد وقيل سعيد.
(2) بالجيم وفي الاصلين بالحاء المهملة وهو تصحيف (3) أما أنه لم يسمع من أبيه فنعم، وقيل أنه سمع منه حديثا واحدا هو حديث الوتر، وأما أنه ضعيف فلا، فقد وثقه مالك واحمد وابن المدينى وابن
سعد وغيرهم *(2/179)
يوثقة أحد (1) فسقط، وأما الثاني: فمن طريق عبد الله بن عمر وهو العمرى الصغير، وهو متفق على ضعفه، انما الثقة أخوه عبيد الله، فسقط حديثا عائشة * وأما حديث عمر فان أبا اسحاق لم يسمعه من عمير مولى عمر، هكذا رويناه من طريق زهير بن حرب: ثنا عبد الله بن جعفر المخرمى (2) ثنا عبيد الله بن عمرو الجزرى (3) عن زيد بن أبى أنيسة عن أبى اسحاق عن عاصم بن عمرو عن عمير مولى عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر هذا الحديث نصا، فسقط اسناده لا ن عاصم بن عمرو لم يسمعه من عمر بل رواه كما ذكرنا منقطعا عن عمير، ورويناه أيضا عن زهير بن معاوية عن أبى اسحاق عن عاصم بن عمرو الشافعي عن أحد النفر الذين أتوا عمر فذكر هذا الحديث بنصه، ورويناه أيضا من طريق شعبة قال: سمعت عاصم بن عمرو (4) البجلى يحدث عن رجل عن القوم (5) الذين سألوا عمر فذكر الحديث نفسه فانما رواه عاصم عن رجل مجهول عن مجهولين، فسقط جملة * ثم نظرنا في حديث حرام بن حكيم عن عمه فوجدناه لا يصح، لان حرام بن
__________
(1) كيف هذا وقد روى عن ابن معين انه صحح له حديثا، وقال ابن حنبل صالح ثقة ان شاء الله، وقال ابن عدى: حسن الحديث لا بأس به! ولعل قول ابن عدي هو اعدل ما قيل فيه (2) بفتح الميم واسكان الخاء المعجمة وتخفيف الراء المفتوحة وأظن ان ذكر (المخرمي) هنا خطأ من ابن حزم لان المخرمي هذا مات سنة 170 وعبيد الله بن عمرو الجزرى مات سنة 180 فبعيد أن يروى المخرمي عنه ولم يذكر أحد أنه روى عنه، والظاهر ان صوابه (عبد الله بن جعفر الرقي) وهو المعروف بالرواية عن عبيد الله بن عمرو، ومات الرقي سنة 220
(3) هو عبيد الله بن عمرو ابو وهب الجزرى الرقي.
وفي المصرية (الجوزى) وهو خطأ (4) في المصرية (البلخى) وهو خطأ (5) في اليمنية (عن العوام) وما هنا أصح(2/180)
حكيم ضعيف، وهو الذى روى غسل الانثيين من المذى (1)، وأيضا فان هذا الخبر رواه عن حرام مروان بن محمد وهو ضعيف (2) * ثم نظرنا في حديث معاذ فوجدناه لا يصح، لانه عن بقية وليس بالقوى، عن سعيد الاغطش (3) وهو مجهول، مع ما فيه من ان التعفف عن ذلك أفضل، وهم لا يقولون بهذا * ثم نظرنا في حديث ابن عباس فوجدناه لم يحقق اسناده، فسقطت هذه الاخبار كلها ولم يجز التعلق بشئ منها (4) * ثم نطرنا فيما قلناه فوجدنا الصحيح عن ميمونة وعائشة أمي المؤمنين رضى الله عنهما هو ما رويناه من طريق عبد الله بن شداد عن ميمونه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الازار وهن حيض) وما رويناه من طريق عبد الرحمن بن الاسود وابراهيم النخعي كلاهما عن الاسود عن عائشة: (أنه عليه السلام كان يأمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها، وأيكم يملك إربه (5) كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه) *
__________
(1) في اليمنية هنا في الموضعين (حزام) بالزاى وكذلك في طبقات ابن سعد (ج 7 ق 2 ص 193) وهو تصحيف.
وفي ابن سعد ايضا (حزام) بن معاوية وقد فرق البخاري بين حرام بن حكيم وحرام بن معاوية، قال الخطيب.
وهم البخاري في ذلك لانه رجل واحد اختلف على معاوية بن صالح في اسم ابيه.
وحرام هذا وثقه العجلى ودحيم
وابن حبان، قال ابن حجر في التهذيب: (وقد ضعفه ابن حزم في المحلى بغير مستند) (2) مروان بن محمد هو الاسدي الطاطري - بفتح الطاءين المهملتين - وهو ثقة.
قال ابن حجر (ضعفه أبو محمد بن حزم فأخطأ لانا لا نعلم له سلفا في تضعيفه الا ابن قانع وقول ابن قانع غير مقنع) (3) في اليمنية (الاعطش) باهمال العين وهو تصحيف (4) ثم هو ضعيف لان في اسناده محمد بن كريب، قال احمد والبخاري (منكر الحديث (5) في اليمنية (اريه) بالياء المثناة وهو تصحيف، والارب بكسر الهمزة وبالباء الموحدة هو العضو والمعنى انه يملك نفسه عن الوقوع في محظور تدعوه إليه شهوته فهو يقمعها(2/181)
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا عمرو بن منصور ثنا هشام بن عبد الملك - هو الطيالسي - ثنا يحيى بن سعيد - هو القطان - حدثنى جابر بن صبح قال سمعت خلاس بن عمرو يقول سمعت عائشة أم المؤمنين تقول: (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعار الواحد وأنا حائض فان أصابه منى شئ غسله لم يعده إلى غيره وصلى فيه ثم يعود معي (1)) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا موسى بن اسماعيل ثنا حماد - هو ابن سلمة - عن أيوب عن عكرمة عن بعض أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا (2)) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا خماد ين سلمة (3)، ثنا ثابت - هوالبنانى - عن أنس بن مالك: (أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة لم يواكلوها ولم يجامعوهن في البيوت،
فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شئ إلا النكاح) * فكان هذا الخبر بصحته وبيان أنه كان أثر نزول الآية هو البيان عن حكم الله تعالى في الآية، وهو الذى لا يجوز تعديه، وأيضا فقد يكون المحيض في اللغة موضع الحيض وهو الفرج، وهذا فصيح معروف، فتكون الآية حينئذ موافقة للخبر
__________
(1) هذا الحديث في النسائي (ج 1 ص 54) عن محمد بن المثنى عن يحى بن سعيد ولم أجده فيه بالاسناد الذى هنا ورواه ابو داود عن مسدد عن يحيى (ج 1 ص 110) (2) رواه ابو داود (ج 1 ص 111) ونقل شارحه عن الفتح انه قال (اسناده قوى) (3) من أول قول (ثنا عمرو بن منصور ثنا هشام بن عبد الملك) في حديث احمد بن شعيب النسائي الذي قبل هذا بحديث إلى هنا سقط من النسخة اليمنية وهو خطأ(2/182)
المذكور، ويكون معناها: فاعتزلوا النساء في موضع الحيض، وهذا هو الذى صح عمن جاء عنه في ذلك شئ من الصحابة رضى الله عنهم، كما روينا عن أيوب السختيانى عن أبى معشر عن ابراهيم النخعي عن مسروق قال: سألت عائشة: ما يحل لى من امرأتي وهى حائض؟ قالت كل شئ إلا الفرج، وعن علي بن أبى طلحة (1) عن ابن عباس (فاعتزلوا النساء في المحيض) (2) قال: اعزلوا نكاح فروجهن، وهو قول أم سلمة أم المؤمنين ومسروق والحسن وعطاء وابراهيم النخعي والشعبى، وهو قول سفيان الثوري ومحمد بن الحسن والصحيح من قول الشافعي، وهو قول داود وغيره من أصحاب الحديث * قال أبو محمد: وقال من لا يبالى بما أطلق به لسانه: إن حديث عمر الذى لا يصح ناسخ لحديث أنس - الذى لا يثبت غيره في معناه - قال: لان حديث أنس كان
متصلا بنزول الآيه * قال علي: وهذا هو الكذب بعينه وقفو مالا علم له به، ولو صح حديث عمر فمن له أنه كان بعد نزول الاية؟ ولعله كان قبل نزولها! فإذ ذلك ممكن هكذا فلا يجوز القطع بأحدهما، ولا يجوز ترك يقين ما جاء به القرآن وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم اثر نزول الآية لظن كاذب في حديث لا يصح، مع أن الحديثين الثابتين اللذين رويناهما: أحدهما عن الاعمش عن ثابت بن عبيد (3) عن القاسم بن محمد عن عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ناوليني الخمرة من المسجد، قالت فقلت: انني حائض،
__________
(1) في التهذيب في ترجمة على بن طلحة أنه روى عن ابن عباس ولم يسمع منه (2) في اليمنية (وعن على بن أبى طالب قال) (اعتزلوا النساء في المحيض) الخ فجعله من كلام على بن أبى طالب بدلا من ابن عباس وحذف على بن أبى طلحة وأسقط الفاء من لفظ الآية، ونحن نرجح ما هنا لان هذا الاثر رواه الطبري في تفسيره (ج 2: 225) عن على عن ابن عباس.
(3) هو ثابت بن عبيد الانصاري مولى زيد بن ثابت.
وفي المصرية (ثابت عن عبيد) وهو خطأ(2/183)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان حيضتك ليست في يدك) (1) وروينا الآخر من طريق يحيى بن سعيد القطان عن يزيد بن كيسان وأبى حازم عن أبى هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في المسجد فقال: يا عائشة ناوليني الثوب فقالت: اني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في يدك فهما دليل أن لا يجتنب إلا الموضع الذى فيه الحيضه وحده.
وبالله تعالى التوفيق * 261 - مسألة - ودم النفاس يمنع ما يمنع منه دم الحيض، هذا لا خلاف فيه من أحد، حاشا الطواف بالبيت، فان النفساء تطوف به، لان النهى ورد في الحائض
ولم يرد في النفساء (وما كان ربك نسيا) ثم استدركنا فرأينا أن النفاس حيض صحيح، وحكمه حكم الحيض في كل شئ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: (أنفست؟ قالت: نعم (فسمى الحيض نفاسا، وكذلك الغسل منه واجب باجماع * 262 - مسألة - وجائز للحائض والنفساء أن يتزوجا وأن يدخلا (2) المسجد وكذلك الجنب، لانه لم يأت نهى عن شئ من ذلك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لا ينجس) وقد كان أهل الصفة يبيتون في المسجد بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم جماعة كثيرة ولا شك (3) في أن فيهم من يحتلم، فما نهوا قط عن ذلك * وقال قوم: لا يدخل المسجد (4) الجنب والحائض إلا مجتازين، هذا قول الشافعي، وذكروا قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا) فادعوا أن زيد بن أسلم أو غيره قال (5).
معناه لا تقربوا مواضع الصلاة * قال على: ولا حجة في قول زيد ولو صح أنه قاله لكان خطأ منه لانه لا يجوز
__________
(1) رواه أبو داود (ج 1 ص 108) ورواه مسلم والترمذي والنسائي (2) في اليمنية (والنفساء يروحا بأن يدخلا) وهو خطأ (3) كلمة (ولا شك) حذفت من المصرية (4) في اليمنية (المساجد) (5) من أول قوله (وأنتم سكارى) إلى هنا حذف من المصرية وهو خطأ(2/184)
أن يظن أن الله تعالى أراد أن يقول لا تقربوا مواضع الصلاة (1) فيلبس علينا فيقول: (لا تقربوا الصلاة) وروى ان الآية في الصلاة نفسها عن على بن أبى طالب وابن عباس وجماعة، * وقال مالك: لا يمرا فيه أصلا، وقال أبو حنيفة وسفيان لا يمرا فيه، فان
اضطرا إلى ذلك تيمما ثم مرا فيه، * واحتج من منع من ذلك بحديث رويناه من طريق أفلت بن خليفة عن جسرة بنت دجاجة (2) عن عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه: وجهوا هذه البيوت عن المسجد فانى لا أحل المسجد لحائض ولا جنب (3) وآخر رويناه من طريق ابن أبى غنية (4) عن أبى الخطاب الهجري عن محدوج (5) الهذلى عن جسر بنت دجاجة حدثتني أم سلمة: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى بأعلى صوته: ألا إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا حائض الا للنبى وأزواجه وعلى وفاطمة) وخبر آخر رويناه عن عبد الوهاب عن عطاء الخفاف (6) عن ابن أبى غنية عن اسماعيل عن جسرة بنت دجاجة عن أم سلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا المسجد حرام على كل جنب من الرجال وحائض من النساء الا محمدا وأزواجه وعليا وفاطمة) وخبر آخر رويناه من طريق محمد بن الحسن بن زبالة (7) عن سفيان بن حمزة عن كثير بن
__________
(1) في اليمنية (اراد بقوله لنا لا تقربوا مواضع الصلاة) وهو خطأ (2) أفلت باسكان الفاء وفتح اللام وآخره تاء مثناة وجسرة بفتح الجيم واسكان السين المهملة ودجاجة بكسر الدال لا غير (3) رواه أبو داود بهذا الاسناد (ج 1: ص 92 - 93) ونسبه ابن حجر في التهذيب إلى صحيح ابن خزيمة (ج 1: ص 366) (4) بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد الياء، وهو عبد المالك بن حميد بن أبي غنية (5) بفتح الميمم واسكان الحاء المهملة وضم الدال وآخره جيم، وفي المصرية (محروج) بالراء، وفي اليمنية (مخدوج) بالخاء وكلاهما خطأ (6) في اليمنية (عبد الوهاب بن عطاء الحفاف) وهو خطأ (7) بفتح الباء والزاى(2/185)
زيد عن المطلب بن عبد الله (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن أذن لا حد أن يجلس في المسجد ولا يمر فيه وهو جنب الا على بن أبى طالب) *
قال على: وهذا كله باطل أما أفلت فغير مشهور ولا معروف بالثقة، وأما محدوج (1) فساقط يروى المعضلات عن جسرة، وأبو الخطاب (2) الهجرى مجهول وأما عطاء الخفاف فهو عطاء بن مسلم منكر الحديث، واسماعيل مجهول، ومحمد بن الحسن مذكور بالكذب وكثير بن زيد (3) مثله، فسقط كل ما في هذا الخبر جملة * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبيد بن اسماعيل ثنا أبو أسامة هشام بن عروة عن أبيه (4) عن عائشة أم المؤمنين: (أن وليدة سوداء كانت لحي من العرب فأعتقوها فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت فكان لها خباء في المسجد أو حفش (5)) * قال على: فهذه امرأة ساكنة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمعهود من النساء الحيض فما منعها عليه السلام من ذلك ولا نهي عنه، وكل ما لم ينه عليه السلام عنه فمباح
__________
(1) في المصرية (محروج) وفي اليمنية (مخدوج) وكلاهما خطأ كما سبق (2) في اليمنية (ابن الخطاب) وهو خطأ (3) كثير بن زيد هو الاسلمي السهمي، ولم يجرحه أحد بالكذب، وهو مختلف فيه وثقه بعضهم وضعفه آخرون.
قال ابن حجر في التهذيب وخلطه ابن حزم بكثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف فقال في الصلح: روينا من طريق كثير بن عبد الله وهو كثير بن زيد عن ابيه عن جده حديث الصلح جائز بين المسلمين) الحديث.
ثم: قال كثير بن عبد الله بن زيد بن عمرو ساقط متفق على اطراحه وان الرواية لا تحل عنه، وتعقبه الخطيب)...ثم قال ابن حجر (فظنهما ابن حزم واحدا وكثير بن زيد لم يوصف بشئ مما قال بخلاف كثير بن عبد الله) (4) كلمة (عن ابيه) سقطت من المصرية.
(5) بكسر الحاء واسكان الفاء: البيت الصغر أو من الشعر والحديث مطول في البخاري (ج 1 ص 67)(2/186)
وقد ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (جعلت لى الارض مسجدا)، ولا خلاف في أن الحائض والجنب مباح لهما جميع الارض، وهى مسجد، فلا يجوز أن يخص بالمنع من بعض المساجد دون بعض، ولو كان دخول المسجد لا يجوز للحائض لاخبر بذلك عليه السلام عائشة إذ حاضت فلم ينهها الا عن الطواف بالبيت فقط، ومن باطل المتيقن أن يكون لا يحل لها دخول المسجد فلا ينهاها عليه السلام عن ذلك يقتصر على منعها من الطواف، وهذا قول المزني وداود وغيرهما.
وبالله تعالى التوفيق * 263 - مسألة - ومن وطئ حائضا فقد عصى الله تعالى، وفرض عليه التوبة والاستغفار، ولا كفارة عليه في ذلك * وقال ابن عباس: ان أصابها في الدم فيتصدق بدينار، وان كان في انقطاع الدم فنصف دينار، وروينا عنه أيضا قال: من وطئ حائضا فعليه عتق رقبة، وروينا عن عطاء بن أبي رباح أنه قال في الذى يطأ امرأته وهى حائض: يتصدق بدينار، وروينا عن قتادة: ان كان واجدا فدينار وان لم يجد فنصف دينار، وقال الاوزاعي ومحمد بن الحسن: يتصدق بدينار، وقال أحمد بن حنبل: يتصدق بدينار وان شاء بنصف دينار، وقال الحسن البصري: يعتق رقبة، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فان لم يستطع فاطعام ستين مسكينا * فأما من قال: يتصدق بدينار أو نصف دينار فاحتجوا بحديث رويناه من طريق مقسم عن ابن عباس: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يتصدق بدينار أو بنصف دينار) وفى بعض ألفاظ هذا الخبر: (ان كان الدم عبيطا (1) فدينار، وان كان فيه صفرة فنصف دينار) وبحديث روينا من طريق شريك عن خصيف (2) عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذى يأتي أهله حائضا: (يتصدق (3)
__________
(1) الدم العبيط: الطرى الخالص (2) بالخاء المعجمة والصاد المهملة مصغر، في المصرية (خفض) وهو خطأ فاحش (3) في اليمنية (فيتصدق) والفاء موقع لها هنا(2/187)
بنصف دينار) وبحديث روى من طريق الاوزاعي عن يزيد بن أبي مالك (1) عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره (2) - يعنى الذى يعمد وطئ حائض - أن يتصدق بخمسى (3) دينار) وبحديث رويناه من طريق عبد الملك بن حبيب ثنا أصبغ بن الفرج عن السبيعى عن زيد بن عبد الحميد عن أبيه: (ان عمر بن الخطاب وطئ جاريته فإذا بها حائض (4)، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدق بنصف دينار) وآخر رويناه من طريق عبد الملك بن حبيب عن المكفوف عن أيوب بن خوط عن قتادة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم (فليتصدق بدينار أو بنصف دينار (5)) وبحديث آخر رويناه من طريق موسى بن أيوب بن الوليد بن مسلم عن ابن جابر (6) عن على بن بذيمة (7) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أصاب حائضا بعتق نسمة) ورويناه أيضا من طريق محمود بن خالد عن الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن ابن يزيد السلمى (8) عن على بن بذيمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي
__________
(1) في الاصلين (زيد بن مالك وهو خطأ صححناه من أبي داود والبيهقي والتهذيب (2) في المصرية (أمر) بدون الضمير وهو خطأ (3) في المصرية (بخمس) وفى اليمنية (بخمسين) وكلاهما خطأ والصواب (بخمسى) كما في أبى داود (ج 1 ص 109) وقد رواه معلقا عن الاوزاعي ورواه البيهقي كذلك من طريق أبي داود (ج 1 ص 316) وفيهما (عن عبد الحميد بن عبد الرحمن أظنه عن عمر بن الخطاب)
(4) في اليمنية (حائضا) وهو لحن (5) في المصرية (بدينار وبنصف دينار) وهو خطأ (6) في المصرية (عن جابر) ورجحنا ما في اليمنية لانا نرجح أنه عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر الازدي (7) بفتح الباء وكسر الذال المعجمة وفي اليمنية (قديمة) وهو خطأ (8) هذا غير ابن جابر فان هذا هو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمى وكلاهما يروى عن على بن بذيمة(2/188)
صلى الله عليه وسلم بمثله (1) نصا: واحتج من أوجب عليه العتق أو الصيام أو الاطعام بقياسه على الوطئ نهارا في رمضان * قال أبو محمد.
كل لا يصح منه شئ، أما حديث مقسم فمقسم ليس بالقوي، فسقط الاحتجاج به، وأما حديث عكرمة فرواه شريك عن خصيف وكلاهما ضعيف وأما حديث الاوزاعي فمرسل، وأما حديثا عبد الملك بن حبيب فلو لم يكن غيره لكفى به سقوطا (2) فكيف وأحدهما عن السبيعى، ولا يدرى من هو؟ ومرسل مع ذلك، والآخر مع المكفوف، ولا يدرى من هو؟ عن أيوب بن خوط وهو ساقط وأما حديثا الوليد بن مسلم فمن طريق موسى بن أيوب وعبد الرحمن بن يزيد وهما ضعيفان، فسقط جميع الاثار في هذا الباب، وأما قياس الواطئ حائضا على الواطئ في رمضان فالقياس باطل * ولقد كان يلزم الآخذين بالآثار الواهية كحديث حزام في الاستظهار وأحاديث الوضوء بالنبيذ وأحاديث الجعل في الانف وحديث الوضوء من القهقهة، وأحاديث جسرة بنت دجاجة وغيرها في أن لا يدخل المسجد حائض ولا جنب وبالاخبار الواهية في أن لا يقرأ القرآن الجنب: أن يقولوا بهذه الآثار فهى أحسن على
علاتها من تلك الصلع الدبرة التى أخذوا بها ههنا (3)، ولكن هذا يليح اضطرابهم وأنهم لا يتعلقون بمرسل ولا مسند ولا قوى ولا ضعيف الاما وافق تقليدهم (4)، ولقد كان
__________
(1) في اليمنية (أيضا) (2) عبد الملك بن حبيب الاندلسي تحامل عليه ابن حزم كثيرا ونسبه إلى الكذب، وتعقبه جماعة بأنه لم يسبقه أحد إلى رميه بالكذب، واعدل ما قيل فيه انه كان يروى الحديث من كتب غيره فيغلط، وما اكثر من يفعل هذا ولم يكن سببا لجرحه، الا ان ابن حبيب ليست له معرفة بالحديث بل كان فقيها (3) في المصرية (من ذلك الضلع الدبرة الذى أخذوا بها هنالك) وفي اليمنية من من تلك الصلع الدبرة الذي أخذوا بها ههنا فاخترنا اليمنية، وصححناه (الذى) إلى (التى) ولم نعرف مراده تماما من هذه الجملة (4) في المصرية (مقلديهم)(2/189)
يلزم من قاس الاكل في رمضان على الواطئ فيه في ايجاب الكفارة أن يقيس واطئ الحائض على الواطئ في رمضان، لان كليهما وطئ فرجا حلالا في الاصل حراما بصفة تدور، وهذا أصح من قياساتهم الفاسدة، فان الواطئ أشبه بالواطئ من الاكل بالواطئ نعم ومن الزيت بالسمن ومن المتغوط بالبائل ومن الخنزير بالكلب ومن فرج الزوجة المسلمة بيد السارق الملعون، وسائر تلك المقاييس الفاسدة، وبهذا يتبين كل ذي فهم أنهم لا النصوص يلتزمون، ولا القياس يتبعون، وانما هم مقلدون أو مستحسنون وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: وأما نحن فلو صح شئ من هذه الآثار لاخذنا به فإذ لم يصح في ايجاب شئ على واطئ الحائض فماله حرام، فلا يجوز أن يلزم حكما أكثر مما ألزمه الله من التوبة من المعصية التى عمل، والاستغفار والتعزير، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده) وقد ذكرناه باسناده، وسنذكر مقدار التعزيز
في موضعه ان شاء الله عزوجل وبه نتأيد * 264 - مسألة - وكل دم رأته الحامل ما لم تضع آخر ولد في بطنها فليس حيضا (1) ولا نفاسا، ولا يمنع من شئ، وقد ذكرنا أنه ليس حيضا قبل وبرهانه، وليس أيضا نفاسا لانها لم تنفس ولا وضعت حملها بعد (2) ولا حائض، ولا إجماع بأنه حيض أو نفاس، وبالله تعالى التوفيق، فلا يسقط عنها ما قد صح وجوبه من الصلاة والصوم وإباحة الجماع الا بنص ثابت لا بالدعوى الكاذبة * 265 مسألة - وان رأت العجوز المسنة دما أسود فهو حيض مانع من الصلاة والصوم والطواف والوطئ * برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ذكرناه قبل باسناده: (إن دم الحيض أسود يعرف) وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأته بترك الصلاة، وقوله عليه السلام
__________
(1) قوله (فليس حيضا) سقط من اليمنية (2) كلمة (بعد) محذوفة من اليمنية(2/190)
في الحيض: (هذا شئ كتبه الله على بنات آدم) فهذا دم أسود وهي من بنات آدم، ولم يأت نص ولا إجماع بأنه ليس حيضا كما جاء به النص في الحامل، فان ذكروا قول الله عزوجل: (واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر) قلنا: انما أخبر الله تعالى عنهن بيأسهن، ولم يخبر تعالى أن يأسهن (1) حق قاطع لحيضهن، ولم ننكر (2) يأسهن من الحيض، لكن قلنا: إن يأسهن من الحيض ليس مانعا من أن يحدث الله تعالى لهن حيضا، ولا أخبر تعالى بأن ذلك لا يكون، ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى (والقواعد من النساء اللاتى لا يرجون نكاحا) فاخبر تعالى أنهن يائسات من النكاح، ولم يكن ذلك مانعا من أن ينكحن بلا خلاف من أحد، ولا فرق بين ورود الكلامين من الله تعالى في اللائى يئسن من المحيض
واللاتي لا يرجون نكاحا وكلاهما حكم وارد في اللواتى يظنن هذين الظنين وكلاهما لا يمنع مما يئسن منه، ومن المحيض والنكاح، وبقولنا في العجوز يقول الشافعي وبالله تعالى التوفيق * 266 - مسألة - وأقل الحيض دفعة، فإذا رأت المرأة الدم الاسود من فرجها أمسكت عن الصلاة والصوم وحرم وطؤها على بعلها وسيدها، فان رأت أثرة الدم الاحمر أو كغسالة اللحم أو الصفرة أو الكدرة أو البياض أو الجفوف التام - فقد طهرت، وتغتسل أو تتيمم ان كانت من أهل التيمم، وتصلي وتصوم ويأتيها بعلها أو سيدها، وهكذا أبدا متى رأت الدم الاسود فهو حيض، ومتى رأت غيره فهو طهر، وتعتد بذلك من الطلاق، فان تمادى الاسود فهو حيض إلى تمام سبعة عشر يوما، فان زاد ما قل أو كثر فليس حيضا (3)، ونذكر حكم ذلك بعد هذا ان شاء الله عزوجل *
__________
(1) في اليمنية (أنه حق) (2) في اليمنية (ولم نذكر) وهو خطأ (3) في اليمنية (فليس حيض) وهو لحن(2/191)
برهان ذلك ما ذكرناه من ورود النص بأن دم الحيض أسود يعرف، وما عداه ليس حيضا، ولم يخص عليه السلام لذلك عدد أوقات من عدد، بل أوجب برؤيته أن لا تصلي ولا تصوم، وحرم تعالى نكاحهن فيه، وأمر عليه السلام بالصلاة عند إدبار والصوم، وأباح تعالى الوطئ عند الطهر منه، فلا يجوز تخصيص وقت دون وقت بذلك، وما دام يوجد الحيض فله حكمه الذى جعله الله تعالى له، حتى يأتي نص أو اجماع على أنه ليس حيضا، ولا نص ولا اجماع في أقل من سبعة عشر يوما، فما صح الاجماع فيه أنه ليس حيضا وقف عنده وانتقلت عن حكم الحائض (1)
وما اختلف فيه فمردود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عليه السلام جعل الدم الاسود حكم الحيض، فهو حيض مانع مما ذكرنا، ولم يأت نص ولا اجماع على أن بعض الطهر المبيع للصلاة والصوم لا يكون قرءا في العدة، فالمفرق بين ذلك مخطئ متيقن الخطأ، قائل مالا قرآن جاء به ولا سنة، لا صحيحة ولا سقيمة، ولا قياس ولا اجماع، بل القرآن والسنة كلاهما يوجب ما قلنا: من امتناع الصلاة والصوم بالحيض، ووجودهما بعدم الحيض، ووجود الطهر وكون الطهر بين الحيضتين قرءا يحتسب به في العدة (2) قال الله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) فمن حد في أيام القرء حدا فهو مبطل، وقاف مالا علم له به، وما لم يأت به نص ولا اجماع * وفى هذا خلاف في ثلاثة مواضع: أحدها أقل مدة الحيض، والثانى أكثر مدة الحيض، والثالث الفرق بين العدة في ذلك وبين الصلاة والصوم، فأما أقل مدة الحيض فان طائفة (3) قالت: أقل الحيض دفعة تترك لها الصلاة والصوم ويحرم الوطئ، وأما في العدة فأقله ثلاثة أيام، وهو قول مالك، وقد روى عن مالك: أقله في العدة خمسة
__________
(1) في المصرية (وانتقلت إلى حكم الحائض) وهو خطأ (2) في اليمنية (وكون الطهر بين الطهر قد يحسب به في العدة) وهو خطأ (3) في المصرية (فاطمه) بدل (طائفة) وهو خطأ سخيف(2/192)
أيام وقالت طائفة: أقل الحيض دفعة واحدة في الصلاة والصوم والوطئ والعدة، وهو قول الاوزاعي وأحد قولى الشافعي وداود وأصحابه، وقالت طائفة: أقل الحيض يوم وليلة وهو الاشهر من قولى (1) الشافعي وأحمد بن حنبل وهو قول عطاء، وقالت طائفة أقل الحيض ثلاثة أيام، فان انقطع قبل الثلاثة الايام فهو استحاضة وليس حيضا، ولا تترك له صلاة ولا صوم، وهو قول أبى حنيفة وأصحابه وسفيان، وقالت طائفة: حيض النساء ست أو سبع، وهو قول لاحمد بن حنبل *
قال على: أما من فرق بين الصلاة والصوم وتحريم الوطئ وبين العدة فقول (2) ظاهر الخطأ، ولا نعلم له حجة أصلا، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من اجماع ولا من قول صاحب ولا من قياس ولا من احتياط ولا من رأى له وجه، فوجب تركه، * ثم نظرنا في قول من قال: حيض النساء يدور على ست أو سبع فلم نجد لهم حجة إلا أن قالوا: هذا هو المعهود في النساء، وذكروا حديثا رويناه من طريق ابن جريج عن عبد الله بن محمد عن ابراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة (3) عن أم حبيبة: (انها استحيضت (4) فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل حيضتها ستة أيام أو سبعة) ورويناه أيضا من طريق الحارث بن أبى أسامة عن زكريا بن عدى عن عبيد الله بن (5) عمرو الرقى عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن ابراهيم بن
__________
(1) في الاصلين (قول) بالافراد وهو خطأ (2) في اليمنية (فهو قول) (3) في المصرية (عن عبد الله بن محمد بن طلحة عن عمه عمر بن طلحة) وفي اليمنية (عن عبد الله بن محمد عن ابراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمر بن طلحة) وهو خطأ فيهما في اسم (عمران بن طلحة) وفى المصرية في الاسناد كله.
وعبد الله بن محمد هو ابن عقيل بن أبي طالب (4) في اليمنية (استحاضت) وهو لحن (5) في اليمنية (عبيد الله بن عمر) وهو خطأ(2/193)
محمد بن طلحة عن عمه عمران (1) بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: تحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله عزوجل ثم اغتسلي، فإذا (2) استنقأت فصلى أربعا وعشرين أو ثلاثا وعشرين وأيامها وصومي كذلك، وافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن) (3) وقد أخذ بهذا الحديث أبو عبيد فجعل هذا حكم المبتدأة *
قال على أما هذان الخبران فلا يصحان، أما أحدهما فان ابن جريج لم يسمعه من عبد الله بن محمد بن عقيل، كذلك حدثناه حمام عن عباس بن أصبغ (4) عن ابن ايمن عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه وذكر هذا الحديث فقال - قال ابن جريج: حدثت عن ابن عقيل، ولم يسمعه، قال أحمد: وقد رواه ابن جريج عن النعمان بن راشد قال أحمد: والنعمان يعرف فيه الضعف، وقد رواه أيضا شريك وزهير بن محمد وكلاهما ضعيف، وعن عمرو بن ثابت (5) وهو ضعيف، وأيضا فعمر
__________
(1) في المصرية (عمر) وهو خطأ (2) استنقأت بالهمزة وأصله استتقيت وقد يهمز العرب ما لا يهمز زيادة في الفصاحة (3) الحديث رواه أبو داود (ج 1: ص 116) والترمذي (ج 1: ص 27) كلاهما من طريق زهير بن محمد عن ابن عقيل ورواه ابن ماجه (ج 1: ص 112) من طريق شريك عن ابن عقيل.
قال الترمذي: (حديث حسن صحيح، ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي وابن جريج وشريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن ابراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران عن أمه حمنة، إلا أن ابن جريج يقول عمر ابن طلحة والصحيح عمران بن طلحة، وسألت محمدا - يعنى البخاري - عن هذا الحديث فقال هو حديث حسن صحيح وهكذا قال احمد بن حنبل هو حديث حسن صحيح) (4) في المصرية (حمام بن عباس بن أصبغ) وهو خطأ (5) في المصرية (عمير بن ثابت) وفي اليمنية (عمر بن ثابت) ورجحنا انه (جمرو بن ثابت) لانه يروى عن عبد الله بن محمد بن عقيل(2/194)
ابن طلحة غير مخلوق، لا يعرف لطلحة ابن اسمه عمر * وأما الآخر فمن طريق الحارث بن أبي أسامة وقد ترك حديثه فسقط
الخبر جملة (1) * وأما قولهم: ان هذا هو المعهود من حيض النساء فلا حجة في هذا، لانه لم يوجب مراعاة ذلك قرآن ولا سنة ولا اجماع، وقد يوجد في النساء من لا تحيض أصلا فلا يجعل لها حكم الحيض، فبطل حملهن على المعهود، وقد يوجد من تحيض أقل وأكثر، فسقط هذا القول * ثم نظرنا في قول من قال: أقل الحيض خمس، فوجدناه قولا بلا دليل، وما كان هكذا فهو ساقط * ثم نظرنا في قول من جعل أقل الحيض ثلاثة أيام فوجدناهم يحتجون بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعي الصلاة قدر الايام التى كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلى) رويناه من طريق أبى أسامة: سمعت هشام بن عروة أخبرني أبى عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك لفاطمة بنت أبى حبيش، ورويناه أيضا من طريق سهيل بن أبى صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير: حدثتني فاطمة بنت أبى حبيش: (أنها أمرت أسماء، أو أسماء حدثتني (2) أنها أمرتها فاطمة بنت أبى حبيش أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تقعد (3) الايام التى كانت تقعد (3) ثم تغتسل) * قال أبو محمد: وقالوا: أقل ما يقع عليه السلام أيام فثلاثة، (4) وبحديث رويناه
__________
(1) في المصرية (كله).
وهنا بهامش اليمنية ما نصه: (قال الشيخ شمس الدين الذهبي: هذا يدل على قلة معرفة المؤلف، إذ يسقط هذا الحديث برواية الحارث له، كأنه لم يروه الا الحارث، وقد رواه جماعة غيره، وقد صححه الترمذي وأخرجه هو وأبو داود) وقد بينا هذا فيما سبق (2) في المصرية (أنها أمرت أسماء حدثتني) وهو خطأ (3) في المصرية في الموضعين (تعقد) وهو تصحيف (4) في المصرية (ثلاثة) بحذف الفاء، وفي اليمنية (اسم فثلاثة) بحذف (أيام)
فجمعنا بينهما ليكون التركيب أصح والمعنى أوضح(2/195)
من طريق جعفر بن محمد بن بريق عن عبد الرحمن بن نافع درخت ثنا أسد بن سعيد البلخي عن محمد بن الحسن الصدفى عن عبادة بن نسى عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حيض أقل من ثلاث ولا فوق عشر) قالوا: وهو قول أنس بن مالك، رويناه من طريق الجلد بن أيوب عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك، (1) وروينا أيضا عن عائشة أفتت بذلك بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق ابن عقيل عن نهية (2) وهو قول الحسن * قال على: أما الخبر الصحيح في هذا من طريق عائشة وفاطمة وأسماء فلا حجة لهم فيه، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك من كانت لها أيام معهودة، هذا نص ذلك الخبر الذى لا يحل أن يحال عنه ولم يأمر عليه السلام بذلك من لا ايام لها * برهان ذلك أن الناس والجم (3) الغفير يحيى بن سعيد القطان وزهير بن معاوية وحماد زيد وسفيان (4) وأبو معاوية وجرير (5) وعبد الله بن نمير وابن جريج والدراوردى (6) ووكيع بن الجراح، كلهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة، فإذا أدبرت الحيضة فاغتسلي وصلى) ورواه مالك والليث بن سعد وسيعد بن عبد الرحمن وحماد بن سلمة وعمرو بن الحارث كلهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلى) ورواه الاوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة، والمنذر بن المغيرة عن عروة كلهم: (إذا جاءت الحيضة) و (إذا جاء قرؤك) و (إذا جاء الدم الاسود) دون ذكر أيام *
__________
(1) أنظر طرق أثر أنس هذا والكلام عليها في البيهقي (ج 1: ص 322 - و 323)
(2) هكذا في الاصلين ولا أعرفها، وفي اليمنية (أبى عقيل) بدلا من (ابن عقيل) ولم أجد هذا الاثر بهذا الاسناد.
(3) في اليمنية (والجماء) (4) يعنى الثوري وابن عيينة، وحذف أحدهما في المصرية (5) في المصرية (وجريج) وهو خطأ (6) في المصرية (والداوردي) وهو خطأ(2/196)
وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى (1) ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رمح وقتيبة كلاهما عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن جعفر بن ربيعة عن عراك ابن مالك عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين قالت: (إن أم حبيبة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم، قالت عائشة: رأيت مركنها ملآن (2) فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: امكثى قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلى) فهذا أمر لمن كانت حيضتها أقل من ثلاثة أيام، ومن يوم وأكثر من عشرة أيام أيضا، وهذه كلها فتاوى حق لا يحل تركها، ولا إحالة شئ منها عن ظاهرها، ولا يحل لاحد أن يقول إن مراده عليه السلام بقوله كل ما (3) ذكرنا: انما أراد ثلاثة أيام، فان أقدم على ذلك مقدم كان كاذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقط تعلقهم بالحديث * وأما خبر معاذ ففى غاية السقوط، لانه من طريق محمد بن الحسن الصدفى (4) وهو مجهول، فهو موضوع بلا شك، والعجب من انتصارهم (5) ههنا على أنه لا يقع اسم الايام إلا على ثلاث لا أقل، وهم يقولن: ان قول الله تعالى: (فان كان له إخوة فلامه السدس): أنه يقع على أخوين فقط! فهلا جعلوا لفظة الايام تقع ههنا على يومين؟! * وأما احتجاجهم بقول أنس وعائشة فلا يصح عنهما، لانه من طريق الجلد بن أيوب (6) وهو ضعيف، ومن طريق ابن عقيل (7) وليس بالقوى، ثم لو صح عنه
__________
(1) في المصرية (عبد الواحد بن عيسى) وهو خطأ (2) في الاصلين ملا وصححناه من مسلم (ج 1: ص 103 - و 104) (3) في المصرية (بقوله كما ذكرنا) وهو غير صواب (4) بالفاء وفى اليمنية (الصدني) وهو تصحيف وحديثه هذا لا أصل له (5) في المصرية (اقتصارهم) وفي اليمنية (انتضارهم) وكلاهما خطأ (6) في المصرية (الجلد بن أتوب) وهو خطأ (7) في اليمنية (أبي عقيل) وينظر(2/197)
وعن أم المؤمنين لما كان في ذلك حجة، لانه قد خالفهما غيرهما من الصحابة على ما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى، فكيف وانما أفتت أم المؤمنين بذلك من لها أيام معهودة وبالله تعالى التوفيق، فسقط هذا القول وبالله تعالى التوفيق * ثم نظرنا في قول من قال: أقل الحيض يوم وليلة، فوجدناه أيضا لا حجة لهم من شئ من النصوص، فان ادعى مدع إجماعا في ذلك فهذا خطأ، لان الاوزاعي يقول: إنه يعرف امرأه تطهر عشية وتحيض غدوة، وأيضا فان مالكا والشافعي قد أوجبا برؤية دفعة من الدم ترك الصلاة وفطر الصائمة وتحريم الوطئ، وهذه أحكام الحيض، فسقط أيضا هذا القول.
وبالله تعالى التوفيق * قال على: ثم نسألهم عمن رأت الدم في أيام حيضتها: بماذا تفتونها؟ فلا يختلف منهم أحد في أنها حائض ولا تصلى ولا تصوم (1)، فنسألهم: إن رأت الطهر إثرها؟ فكلهم يقول: تغتسل وتصلى، فظهر فساد قولهم، وكان يلزمهم إذا رأت الدم في أيام حيضتها ألا تفطر ولا تدع الصلاة والا يحرم وطؤها إلا حتى تتم يوما وليلة، في قول من يرى ذلك أقل الحيض، أو ثلاثة أيام بلياليها في قول من رأى ذلك أقل الحيض، فإذ لا يقولون بهذا ولا يقوله أحد من أهل الاسلام فقد ظهر فساد قولهم، وصح
الاجماع على صحة قولنا.
والحمد لله * وأيضا فان الآثار الصحاح كما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغتسلي وصلى) دون تحديد وقت، وهذا هو قولنا، وقد ذكرنا قبل - بأصح إسناد يكون - عن ابن عباس أنه أفتى إذا رأت الدم البحراني أن تدع الصلاة فإذا رأت الطهر ولو ساعة من نهار فلتغتسل وتصلى * وأما أكثر مدة الحيض فان مالكا والشافعي قالا: أكثره خمسة عشر يوما لا يكون أكثر، وقال سعيد بن جبير: أكثر الحيض ثلاثة عشر يوما، وقال أبو حنيفة وسفيان: أكثره عشرة أيام *
__________
(1) في اليمنية (حائض لا تصوم ولا تصلى)(2/198)
فاحتج أبو حنيفة بالاخبار التى ذكرنا، وقال: لا يقع اسم أيام (1) إلا على عشرة وادعى بعضهم أنه لم يقل أحد إن الحيض أقل من ذلك * قال على أما قولهم: إن اسم أيام لا يقع على أكثر من عشرة (2) فكذب لا توجبه لغة ولا شريعة، وقد قال عزوجل: (فعدة من أيام أخر) وهذا يقع على ثلاثين يوما بلا خلاف، وحديث معاذ قد ذكرنا بطلانه وأما قولهم: انه لم يقل أحد ان أيام الحيض أقل من عشرة فهو كذب، وقد ذكرنا قول من قال: ان أيام الحيض ستة أو سبعة، وقول مالك أقل الحيض خمسة أيام، فحصل (3) قولهم دعوى بلا برهان وهذا باطل.
وأما من حد ثلاثة عشر يوما فكذلك أيضا، وأما من قال خمسة عشر يوما فانهم ادعوا الاجماع على أنه لا يكون حيض أكثر من ذلك * قال على: وهذا باطل، قد روى من طريق عبد الرحمن بن مهدي: أن الثقة أخبره أن امرأة كانت تحيض سبعة عشر يوما، ورويناه عن أحمد بن حنبل قال: أكثر ما سمعنا سبعة عشر يوما، وعن نساء آل الماجشون أنهن كن يحضن سبعة
عشر يوما * قال على: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دم الحيض أسود فإذا رأته المرأة لم تصل، فوجب الانقياد لذلك، وصح أنها ما دامت تراه فهي حائض لها حكم الحيض ما لم يأت نص أو اجماع في دم أسود أنه ليس حيضا، وقد صح النص بأنه قد يكون دم أسود وليس حيضا، ولم يوقت لنا في أكثر عدة الحيض من شئ، فوجب أن نراعي أكثر ما قيل، فلم نجد إلا سبعة عشر يوما، فقلنا بذلك، وأوجبنا ترك الصلاة برؤية الدم الاسود هذه المدة - لا مزيد - فأقل، وكان ما زاد على ذلك اجماعا متيقنا أنه ليس حيضا * وقالوا: إن كان الحيض أكثر من خمسة عشر يوما فانه يجب من ذلك أن يكون
__________
(1) في المصرية (لا يقع عليه اسم أيام) وزيادة (عليه) خطأ (2) في الاصلين (لا يقع إلا على أكثر من عشرة) بزيادة (الا) وهو خطأ واضح (3) في المصرية (فجعل) وهو خطأ(2/199)
الحيض أكثر من الطهر وهذا محال، فقلنا لهم: من أين لكم أنه محال؟ وما المانع إن وجدنا ذلك (1) ألا يوقف عنده؟ فما نعلم منع من هذا قرآن ولا سنة أصلا ولا اجماع ولا قياس ولا قول صاحب، وبالله تعالى التوفيق * - 267 - مسألة ولا حد لاقل الطهر ولا لاكثره (2)، فقد يتصل الطهر باقي عمر المرأة فلا تحيض بلا خلاف من أحد مع المشاهدة لذلك، وقد ترى الطهر ساعة وأكثر بالمشاهدة * وقال أبو حنيفة: لا يكون طهر أقل من خمسة عشر يوما، وقال بعض المتأخرين: لا يكون طهر أقل من تسعة عشر يوما، وقال مالك: الايام الثلاثة والاربعة والخمسة بين الحيضتين ليس طهرا وكل ذلك حيض واحد، وقال الشافعي في أحد أقواله
كقول أبى حنيفة، والثانى أنه لاحد (3) لاقل الطهر، وهو قول أصحابنا، وهو قول ابن عباس كما أوردنا قبل، ولا مخالف له في ذلك من الصحابة رضى الله عنهم * فأما من قال لا يكون طهر أقل من خمسة عشر يوما فما نعلم لهم حجة يشتغل بها أصلا، وأما من قال: لا يكون طهر أقل من تسعة عشر يوما فانهم احتجوا فقالوا: ان الله تعالى جعل العدة ثلاثة قروء التى تحيض وجعل التى لا تحيض ثلاثة أشهر، قالوا: فصح أن بأزاء كل حيض وطهر شهرا (4)، فلا يكون حيض وطهر في أقل من شهر * قال أبو محمد: وهذا لا حجة فيه، لانه قول لم يقله الله تعالى فناسبه إلى الله تعالى كاذب، نعنى أن الله تعالى لم يقل قط انى جعلت بأزاء كل حيضة وطهر شهرا، بل لا يختلف اثنان من المسلمين في ان هذا باطل، لاننا وهم لا نختلف في امرأة تحيض في كل شهرين مرة أو في كل ثلاثة أشهر مرة -: فانها تتربص حتى تتم لها ثلاثة قروء وبلابد، فظهر كذب من قال: ان الله تعالى جعل بدل كله حيضة وطهر شهرا، بل قد وجدنا
__________
(1) في المصرية (ان وجد ذلك) (2) في المصرية (ولا أكثره) (3) في المصرية (والثانى لاحد) بحذف (أنه) (4) في اليمنية (فصح أن كل حيض وطهر شهرا) بحذف (بأزاء) وبنصب (شهرا) وهو خطأ(2/200)
العدة تنقضي في ساعة يوضع الحمل، فبطل كل هذر أتوا به وكل ظن كاذب شرعوا به الدين * وأما قول مالك فظاهر الخطأ أيضا، لانه لم يجعل خمسة أيام بين الحيضتين طهرا وهو يأمرها فيه بالصلاة وبالصوم ويبيح وطأها لزوجها، فكيف لا يكون طهرا ما هذه صفته؟ وكيف لا يعد اليوم وأقل منه حيضا وهو يأمرها فيه بالفطر في رمضان وبترك الصلاة؟ وهذه أقوال يغنى ذكرها عن تكلف فسادها، ولا يعرف لشئ منها قائل
من الصحابة رضى الله عنهم * فان قالوا فانكم ترون العدة تنقضي في يوم أو في يومين على قولكم؟ قلنا نعم، فكان ماذا؟ وأين منع الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم من هذا؟ وأنتم أصحاب قياس بزعمكم وقد أريناكم العدة تنقضي في أقل من ساعة فما أنكرتم من ذلك!؟ * فان قالوا: ان هذا لا يؤمن معه أن تكون حاملا، قلنا لهم: ليست العدة للبراءة من الحمل (1)، لبراهين: أول ذلك: أنه منكم دعوى كاذبة لم يأت بها نص ولا اجماع، والثانى: أن العدة عندنا وعندكم تلزم العجوز ابنة المائة عام، ونحن على يقين من أنها لا حمل بها، والثالث: أن العدة تلزم الصغيرة التى لا تحمل، والرابع: أنها تلزم من العقيم، والخامس: أنها تلزم من الخصى ما بقى له ما يولجه، والسادس: أنها تلزم العاقر، (2)، والسابع: أنها تلزم من وطئ مرة ثم غاب إلى الهند وأقام هنالك عشرين سنة ثم طلقها، وكل هؤلاء نحن على يقين من أنها لا حمل بها، والثامن: أنه لو كانت من أجل الحمل لكانت حيضة واحدة تبرئ (3) من ذلك، والتاسع: أنها تلزم المطلقة أثر نفاسها ولا حمل بها، والعاشر: أن المكيين بالضد منهم، قالوا: لا تصدق
__________
(1) في المصرية (ليست العدة للمرأة من الحمل) وهو خطأ (2) في المصرية (انها تلزم من العاقر) وهو خطأ، لان المراد هنا المرأة التى لا تحمل وانها تجب عليها العدة، والاصل في العقر انه استعقام الرحم فلا تحمل المرأة، وقد يقال للرجل (عاقر) و (عقير) بمعنى أنه لا يولد له، ولكنه غير مراد هنا (3) في المصرية (تبرأ) وهو خطأ(2/201)
المرأة في أن عدتها انقضت في أقل من ثلاثة أشهر، وتصدق في ثلاثة أشهر، وقال أبو حنيفة: لا تصدق المرأة في أن عدتها انقضت في أقل من ستين يوما، وتصدق في الستين، وقال محمد بن الحسن: تصدق في أربعة وخمسين يوما لا في أقل،
وقال مالك: تصدق في أربعين يوما لا في أقل، وقال أبو يوسف: تصدق في تسعة وثلاثين يوما لا أقل، وقال الشافعي: تصدق في ثلاثة وثلاثين يوما لا أقل * قال على: وكل هذه المدد التى بنوها خلى أصولهم لا يؤمن مع انقضاء وجود الحمل، فهم أول من أبطل علتهم، وكذب دليلهم، ولا يجوز البتة أن يؤمن الحمل إلا بعد انقضاء أزيد من أربعة أشهر، فكيف وهم المحتاطون بزعمهم للحمل وهم يصدقون قولها، ولو أنها أفسق البرية، أكذبهم في هذه المدد، أما نحن فلا نصدقها الا بينة من أربع قوابل عدول عالمات، فظهر من المحتاط للحمل، لا سيما مع قول أكثرهم: ان الحامل تحيض، فهذا يبطل قول من قال منهم: ان العدة وضعت لبراءة الرحم من الحمل، وقد روينا عن هشيم عن اسماعيل بن أبى خالد عن الشعبي: أن على بن أبى طالب أتى برجل طلق امرأته فحاضت ثلاث حيض في شهر أو خمس وثلاثين ليلة، فقال علي لشريح: اقض فيها، قال: إن جاءت بالبينة من النساء العدول من بطانة أهلها ممن يرضى صدقه وعدله: أنها رأت ما يحرم عليها الصلاة من الطمث الذي هو الطمث وتغتسل عند كل قرء وتصلى فقد انقضت عدتها والا فهى كاذبة، قال على بن ابى طالب: قالون، معناها أصبت (1) *
__________
(1) هذا الاثر ذكره البخاري في الصحيح تعليقا بلفظ (ويذكر عن على وشريح ان جاءت) الخ ابن حجر (ج 1: ص 360) (وصله الدارمي ورجاله ثقات، وانما لم يجزم به للتردد في سماع الشعبى من على، ولم يقل انه سمع من شريح فيكون موصولا) رواه من طريق الدارمي وكذلك فعل العينى (ج 3: ص 306) ثم نقله أيضا من المحلى كما هنا، والاثر في مسند الدارمي (ص 80): أخبرنا يعلى - هو ابن عبيد - ثنا اسماعيل - هو ابن أبى خالد - عن عامر - هو الشعبي - قال: جاءت امرأة إلى على تخاصم زوجها طلقها فقالت: قد حضت في شهر ثلاث حيض، فقال علي لشريح: اقض بينهما، قال: يا أمير المؤمنين وأنت ههنا! قال اقض(2/202)
قال على بن أحمد: وهذا نص قولنا، وروي عنه محمد بن سيرين أنه سئل: أيكون طهرا خمسة أيام؟ قال النساء أعلم بذلك * قال على: لا يصح عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم خلاف قول على بن أبى طالب وابن عباس، وهو قولنا.
وبالله تعالى التوفيق، والنفاس والحيض سواء في كل شئ.
وبالله تعالى التوفيق (1) * 268 - مسألة - ولا حد لاقل النفاس، وأما اكثره فسبعة ايام لا مزيد قال ابو محمد: ولم يختلف احد في أن دم النفاس (2) ان كان دفعة ثم انقطع الدم ولم يعاودها فانها تصوم وتصلي ويأتيها زوجها، وقال أبو يوسف: ان عاودها دم في الاربعين يوما فهو دم نفاس، وقال محمد بن الحسن.
ان عاودها بعد الخمسة عشر يوما فليس دم نفاس * قال ابو محمد: وهذه حدود لم يأذن الله تعالى بها ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فهى باطل * واما أكثر النفاس فان مالكا قال مرة: ستون يوما، ثم رجع عن ذلك، وهو قول الشافعي وقال مالك: النساء أعلم، وقال أبو حنيفة: أكثر النفاس اربعون يوما، فأما من حد ستين يوما فما نعلم لهم حجة، راما من قال: اربعون يوما (3) فانهم
__________
(1) بينهما، قال أمير المؤمنين وأنت ههنا قال اقض بينهما قال ان جاءت من بطانة أهلها ممن يرضى دينه وأمانته يزعم أنها حاضت ثلاث حيض عند كل قرءو وتصلي جاز لها والا فلا، فقال على: قالون، وقالون بلسان الروم: أحسنت.
ملحوظة: في العيى طبع الادارة المنيرية في هذا الاثر عندما نقله الشارح عن المحلى -: غلطتان يجب تصحيحهما، أولا: أنها رأت ما يحرم عليهما الصلاة من الطهر الذي هو الطمث) فقوله (من الطهر) خطأ صحته (من الطمث).
ثانيا.
(وتغتسل عند كل قرء وتصلى فيه فقد انقضت عدتها فكلمة (فيه) زائدة لا موقع لها في المعنى وليست في المحلى وهو الذي نقل عنه العيني.
(1) قوله (والنفاس والحيض) الخ سقط من اليمنية (2) في اليمنية (مسألة ولم يختلف في أن دم النفاس) الخ وما هنا أصح وأحسن (3) من قوله (فأما من حدستين) إلى هنا سقط من اليمنية وهو خطأ(2/203)
ذكروا روايات عن أم سلمة من طريق مسة الازدية (1) وهى مجهولة، ورواية عن عمر من طريق جابر الجعفي، وهو كذاب، ورواية عن عائذ بن عمرو (2): أن امرأته رأت الطهر بعد عشرين يوما فاغتسلت ودخلت معه في لحافه فضربها برجله وقال: لا تغضي من ديني (3) حتى تمضي الاربعون، وهم لا يقولون بهذا، ولا أسوأ حالا ممن يحتج بما لا يراه حجة وهو أيضا عن الجلد بن أيوب وليس بالقوي (4)، وعن الحسن عن عثمان بن أبى العاصى مثله (5)، وعن جابر عن خيثمة عن أنس بن مالك، وعن وكيع (6)
__________
(1) بضم الميم وفتح السين المهملة المشددة، والازدية بالزاي.
وفي المصرية (الاسدية) وفي اليمنية (سد) بدون نقط ومن غير ميم وكلاهما خطأ.
وحديث مسة هذا عن أم سلمة رواه أبو داود (ج 1: ص 123) والترمذي (ج 1: ص 30) وابن ماجه (ج 1: ص 115) والبيهقي (ج 1: ص 341) ولفظ الحديث في الترمذي (عن على بن عبد الاعلى عن ابى سهل عن مسة الازدية عن أم سلمة قالت.
كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما) قال الترمذي.
(هذا حديث لا نعرفه الا من حديث أبى سهل عن مسة عن أم سلمة، واسم ابى سهل كثير بن زياد، قال محمد بن اسمعيل.
على ابن عبد الاعلى ثقة وأبو سهل ثقة ولم يعرف محمد هذا الحديث إلا من حديث أبى سهل).
ورواه الحاكم أيضا في المستدرك (ج 1: ص 175) وصححه هو والذهبي، ولكن قال ابن حجر في التلخيص ان مسة مجهولة الحالة مع أنه لم يتكلم عليها في التهذيب ونقل عن الدارقطني انها لا يقوم بها حجة، وعن ابن القطان: لا تعرف (2) في اليمنية (عائذ بن عمر) وهو خطأ
(3) في اليمنية (لا تغريني من ديني) وفي الدارقطني (ص 82): اليك عنى فلست بالذى تغريني عن ديني حتي تمضي لك أربعون ليلة) قال الدارقطني: لم يروه عن معاوية بن قرة غير الجلد بن أيوب وهو ضعيف اه (4) بل هو ضعيف جدا (5) رواه الحاكم في المستدرك مرفوعا (ج 1: ص 176) والبيهقي موقوفا (ج 1: ص 341) قال الحاكم: (مرسل صحيح فان الحسن لم يسمع من عثمان بن أبى العاص) ووافقه الذهبي، والمرسل لا يكون صحيحا ولا حجة، ومراسيل الحسن أضعف من مراسيل غيره (6) في اليمنية (عن وكيع) بحذف الواو وهو خطأ ظاهر(2/204)
عن أبى عوانة عن جعفر بن إياس عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس: تنتظر النفساء نحوا من أربعين يوما (1) * قال أبو محمد: لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا ونذكر ما خالفوا فيه الصاحب والصحابة لا يعرف لهم منهم مخالفون (2).
وأقرب ذلك ما ذكرناه في المسألة المتصلة بهذه من حد أقل الطهر، فانهم خالفوا فيه ابن عباس ولا مخالف له من الصحابة أصلا، ولقد يلزم المالكيين والشافعيين المنشنعين بخلاف الصاحب الذى لا يعرف له من الصحابة مخالف: - أن يقولوا بما روي ههنا عمن ذكرنا من الصحابة رضى الله عنهم * قال على: فلما لم يأت في أكثر مدة النفاس (3) نص قرآن ولا سنة وكان الله تعالى قد فرض عليها الصلاة والصيام بيقين وأباح وطأها لزوجها لم يجزها أن تمتنع (4) من ذلك إلا حيث تمتنع بدم الحيض لانه دم حيض * وقد حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق عن معمر عن جابر عن الضحاك بن مزاحم (5) قال تنتظر إذا ولدت سبع ليال أو
أربع عشرة ليلة ثم تغتسل (6) وتصلى، قال جابر، وقال الشعبى تنتظر أقصى ما تنتظر امرأة، وبه إلى عبد الرزاق عن معمر وابن جريج، قال معمر عن قتادة، وقال ابن جريج عن عطاء ثم اتفق قتادة وعطاء: تنتظر البكر إذا ولدت كامرأة من نسائها، قال عبد الرزاق: وبهذا يقول سفيان الثوري *
__________
(1) رواه البيهقي (ج 1: ص 341) من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة وهذا أثر موقوف صحيح الاسناد (2) في اليمنية (مخالف) (3) في اليمنية (أكثر أمر النفاس) وهو خطأ (4) في اليمنية (لم يجز أن تمنع) (5) في اليمنية (عن جابر الصحابي عن مزاحم) وهو خطأ لا معني له (6) في اليمنية (تنتظر إذا ولدت) سبع عشرة ليلة ثم تغتسل وتصلى وما هنا هو الصحيح الموافق للمصرية(2/205)
قال على: وقال الاوزاعي عن أهل دمشق: تنتظر النفساء من الغلام ثلاثين ليلة ومن الجارية أربعين ليلة * قال على: إن كان خلاف الطائفة من الصحابة رضى الله عنهم - لا يعرف لهم مخالف - خلافا للاجماع فقد حصل في هذه المسألة في خلاف الاجماع الشعبى وعطاء وقتادة ومالك وسفيان الثوري والشافعي، إلا أنهم حدوا حدودا (1) لا يدل على شئ منها قرآن ولا سنة ولا اجماع، واما نحن فلا نقول الا بما اجمع عليه: من انه دم يمنع مما يمنع منه الحيض، فهو حيض * وقد حدثنا حمام ثنا يحيى بن مالك بن عائذ (2) ثنا ابو الحسن عبيد الله بن ابن غسان ثنا ابويحيي زكريا بن يحيى الساجى (3) ثنا ابو سعيد الاشج ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي (4) عن سلام بن سليمان المدائني عن حميد عن انس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اكثر النفاس اربعون يوما) *
قال ابو محمد: سلام بن سليمان ضعيف منكر الحديث (5)
__________
(1) في اليمنية (حدوا حدا) بالافراد وهو خطأ (2) بالهمزة والذال المعجمة وله ترجمة في تذكرة الحفاظ (ج 3 ص 197) (3) في اليمنية (أبويحى وزكريا بن الساجي) وهو خطأ، والساجي هذا هو الامام الحافظ محدث البصرة له ترجمة في التذكرة (ج 2 ص 250) (4) في الاصلين (محمد بن عبد الرحمن المحاربي) وهو خطأ بل صوابه (عبد الرحمن بن محمد) (5) هذا الحديث رواه ابن ماجه (ج 1 ص 116 و 117) من طريق المحاربي (عن سلام ابن سليم أو سلم شك أبو الحسن وأظنه هو أبو الأحوص عن حميد عن أنس) هذا لفظ ابن ماجه، وأخطأ الحافظ الهيثمي في الزوائد اعتمادا على هذا الظن فقال: (اسناد حديث أنس صحيح ورجاله ثقات) والحق انه حديث ضعيف جدا.
وأما أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي فانه ثقة حافظ، ولكنه لم يرو هذا الحديث، وانما هو من رواية سلام بن سليمان المدائني الطويل ويقال ابن سليم أو ابن سلم، وهو كما قال المؤلف منكر الحديث، وقال ابن خراش، وقال ابن حبان: (روي الموضوعات عن الثقات كأنه كان المتعمد لها) والذي يؤكد أنه هو لا أبو الأحوص(2/206)
وقال ابو حنيفة: اقل امد النفاس (1) خمسة وعشرون يوما، وقال ابو يوسف اقل أمد النفاس (2) أحد عشر يوما (3) * وقال أبو محمد: هذان حدان لم يأذن الله تعالى بهما، والعجب ممن يحد مثل هذا برأيه ولا ينكره على نفسه، ثم ينكر على من وقف عندما أوجبه الله تعالى في القرآن ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه المسلمون اجماعا متيقنا! والحمد لله رب العالمين * قال أبو محمد ثم رجعنا إلى ما ذكرنا قبل من أن دم النفاس هو حيض صحيح،
وأمده (4) أمد الحيض وحكمه في كل شئ حكم الحيض، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضى الله عنها (أنفست) بمعنى حضت فهما شئ واحد، ولقوله عليه السلام في الدم الاسود ما قال من اجتناب الصلاة إذا جاء، وهم يقولون بالقياس، وقد حكموا لهما بحكم واحد في تحريم الوطئ والصلاة والصوم وغير ذلك، فيلزمهم أن يجعلوا أمدهما واحدا وبالله تعالى التوفيق * 269 مسألة - فان رأت الجارية الدم أول ما تراه أسود فهو دم حيض كما
__________
الثقة التصريح باسمه في اسناد المؤلف هنا، وقول البيهقى في السنن: (وكذلك رواه سلام الطويل عن حميد عن أنس) وقول الحافظ في التهذيب (روى له ابن عدي احاديث وقال لا يتابع عليها وأخرج له الحديث الذى أخرجه ابن ماجه وليس له عنده غيره وهو حديث أنس.
وقت للنفساء) ونقل عن ابن حبان أنه قال.
(هو الذى روى عن حميد عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوما) وكذلك أعله به الحافظ الزيلعى في نصب الراية (ج 1 ص 107).
ورواه البيهقى (ج 1 ص 343) من طريق زيد العمى عن أبي أياس عن أنس وزيد العمي ضعيف جدا، قال ابن حبان: (يروى عن أنس أشياء موضوعة لا أصول لها حتى يسبق إلى القلب انه المتعمد لها) (1) في المصرية (أقل امر النفاس) وهو خطأ (2) في المصرية (أقل أمر النفاس) وهو خطأ (3) في اليمنية (وقال أبو حنيفة أقل مدة النفاس أحدى عشر يوما) وهو خطأ لانها نسبت قول أبى يوسف لابي حنيفة وحذفت قول أبى حنيفة ولتأنيث (احدى) بدون وجه (4) في اليمنية (فأمده) وما هنا أحسن(2/207)
قدمنا، تدع الصلاة والصوم ولا يطؤها بعلها أو سيدها، فان تلون أو انقطع إلى سبعة
عشر يوما فأقل فهو طهر صحيح تغتسل وتصلى وتصوم ويأتيها زوجها (1) وإن تمادى أسود تمادت على انها حائض إلى سبع عشرة (2) ليلة، فان تمادى بعد ذلك أسود فانها تغتسل ثم تصلى وتصوم (3) ويأتيها زوجها (4)، وهي طاهرا أبدا لا ترجع إلى حكم (5) الحائضة إلا ان ينقطع أو يتلون كما ذكرنا، فيكون حكمها إذا كان أسود حكم الحيض وإذا تلون أو انقطع أو زاد على السبع عشرة (6) حكم الطهر، فاما التى قد حاضت وطهرت فتمادى بها الدم فكذلك (7) أيضا في كل شئ، إلا في تمادى الدم الاسود متصلا فانها (8) إذ جاءت الايام التى كانت تحيضها أو الوقت الذى كانت تحيضه إما مرارا في الشهر أو مرة في الشهر أو مرة في أشهر أو في عام -: فإذا جاء ذلك الامد أمسكت عما تمسك به الحائض، فإذا انقضى ذلك الوقت اغتسلت وصارت في حكم الطاهر في كل شئ وهكذا أبدا ما لم يتلون الدم أو ينقطع، فان كانت مختلفة الايام بنت على آخر ايامها قبل ان يتمادى بها الدم، فان لم تعرف وقت حيضها لزمها فرضا ان تغتسل لكل صلاة وتتوضأ لكل صلاة أو تغتسل وتتوضأ وتصلى الظهر في آخر وقتها، ثم تتوضأ وتصلى العصر في أول وقتها، ثم تغتسل وتتوضأ وتصلى المغرب في آخر وقتها، ثم تتوضأ وتصلى العتمة في أول وقتها (9) ثم تغتسل وتتوضأ لصلاة الفجر، وأن شاءت أن تغتسل في أول وقت الظهر للظهر والعصر فذلك لها، وفى أول وقت المغرب
__________
(1) في اليمنية (ويأتيها رجلها) (2) في اليمنية (سبعة عشرة) وهو خطأ (3) في المصرية (ثم تصوم وتصلى) (4) في اليمنية (ويأتيها رجلها) (5) لفظ (إلى حكم) سقط من اليمنية (6) في اليمنية (السبعة عشرة) (7) في اليمنية (وكذلك) وهو خطأ (8) في المصرية (فانه) (9) في اليمنية (لزمها فرضا ان تغتسل لكل صلاة وتتوضأ لكل صلاة أو تغتسل وتصلى الظهر في آخر وقتها ثم تتوضأ وتصلى العتمة في أول وقتها) وهذا خطأ وما هنا أصح(2/208)
للمغرب والعتمة فذلك لها، وتصلى كل صلاة لوقتها ولا بد وتتوضأ لكل صلاة فرض ونافلة في يومها وليلتها (1)، فان عجزت عن ذلك وكان عليها فيه حرج تيممت كما ذكرنا * برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم - الذى قد ذكرنا باسناده في أول مسألة من الحيض من كتابنا هذا -: (إن دم الحيض أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة وان كان الآخر فتوضئ وصلى) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة فإذا أدبرت فاغتسلي وصلى) وفي بعضها: (فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وتوضى) وفي بعضها: (فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وتوضئ وصلى) وهكذا رويناه من طريق حماد بن زيد وحماد بن سلمة كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففى الاخبار ايجاب مراعاة تلون الدم * وما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا احمد بن أبى رجاء ثنا أبو أسامة سمعت هشام بن عروة بن الزبير قال أخبرني أبى عن عائشة: أن فاطمة ينت أبى حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت إنى أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: لا: ان ذلك عرق، ولكن دعى الصلاة قدر الايام التى كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلى (2)) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن حمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن رمح وقتيبة كلاهما عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة قالت: (إن أم حبيبة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم، قالت عائشة: رأيت مركنها ملآن دما (3)، فقال لها رسول الله
__________
(1) من أول قوله (فان عجزت عن ذلك) إلى قوله فيما يأتي (وقال الشافعي تقعد يوما وليلة) الخ سقط من اليمنية (2) في البخاري (ج 1 ص 50) (3) في الاصل (ملا دما) وهو خطأ وصححناه من صحيح مسلم (ج 1 ص 103 و 104)(2/209)
صلى الله عليه وسلم: امكثى قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلى) * قال أبو محمد: ففى هذين الخبرين ايجاب مراعاة القدر الذى كانت تحيضه قبل ان يمتد بها الدم * وأما المبتدأة التى لا يتلون دمها عن السواد ولا مقدار عندها لحيض متقدم -: فنحن على يقين من وجوب الصلاة والصيام عليها، ونحن على يقين من أن الدم الاسود منه حيض ومنه ما ليس بحيض، فإذ ذلك كذلك فلا يجوز لاحد أن يجعل برأيه بعض ذلك الدم حيضا وبعضه غير حيض، لانه يكون شارعا في الدين ما لم يأذن به الله، أو قائلا على الله تعالى ما لا علم لديه، فإذ ذلك كذلك فلا يحل لها ترك يقين ما افترض الله عليها من الصوم والصلاة لظن في بعض دمها أنه حيض، ولعله ليس حيضا، والظن أكذب الحديث * وهذا الذي قلناه هو قول مالك وداود، وقال الاوزاعي: تجعل لنفسها مقدار حيض أمها وخالتها وعمتها وتكون فيما زاد في حكم المستحاضة، فان لم تعرف جعلت حيضها سبعة أيام من كل شهر، وتكون في باقي الشهر مستحاضة تصوم، وقال (1) سفيان الثوري وعطاء: تجعل لنفسها قدر حيض نسائها (2)، وقال الشافعي: تقعد يوما وليلة من كل شهر تكون فيه حائضا، وباقى الشهر مستحاضة تصلى وتصوم، والى هذا مال أحمد بن حنبل، وقال أبو حنيفة: تقعد عشرة أيام من كل شهر حائضا وباقي الشهر مستحاضة تصلى وتصوم * قال علي: يقال لجميعهم: من أين قطعتم بأنها تحيض كل شهر ولا بد؟ وفى
الممكن أن تكون ضهياء (3) لا تحيض فتركتم بالظن فرض ما أوجبه الله تعالى عليها (4) من الصلاة والصيام، ثم ليس لاحد منهم أن يقول: أقتصر بها على أقل
__________
(1) في الاصل (قال) بحذف الواو والسياق يقضى بزيادتها (2) من أول قوله (فان عجزت عن ذلك وكان عليها فيه حرج) إلى هنا سقط من اليمنية (3) الضهيأ بوزن فعيل والضهياء بوزن فعلاء هي التى لا تحيض أو التى لا ينبت ثدياها، وكذلك الضهيأة بوزن فعلاة.
(4) كلمة (عليها) محذوفة في اليمنية(2/210)
ما يكون من الحيض لئلا تترك الصلاة الا بيقين: - إلا كان للآخر (1) أن يقول: بل أقتصر بها على أكثر الحيض لئلا تصلى وتصوم ويطؤها زوجها وهى حائض، وكل هذين القولين يفسد صاحبه، وهما جميعا فاسدان (2) لانهما قول بالظن، والحكم بالظن في دين الله عزوجل لا يجوز، ونحن على يقين لاشك فيه أن هذه المبتدأة لم تحض قط، وأن الصوم والصلاة فرضان عليها، وأن زوجها مأمور ومندوب إلى وطئها، ثم لا ندرى ولا نقطع أن شيئا من هذا الدم الظاهر عليها دم حيض، فلا يحل ترك اليقين والفرائض اللازمة بظن كاذب.
وبالله تعالى التوفيق * وأما وضوؤها لكل صلاة فقد ذكرنا برهان ذلك في كتابنا هذا في الوضوء وما يوجبه * وأما غسلها لكل صلاتين أو لكل صلاة فلما حدثناه حمام بن احمد ثنا عباس ابن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا علان (3) ثنا محمد بن بشار ثنا وهب ابن جرير بن حازم ثنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف عن أم حبيبة بنت جحش: (أنها كانت تهراق الدم وأنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل لكل صلاة * وبه إلى ابن أيمن: ثنا احمد بن محمد البرتى (4) القاضى ثنا أبو معمر ثنا عبد
الوارث بن سعيد التنوري (5) عن الحسين (6) المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: أخبرتني زينب بنت أبى سلمة المخزومي:
__________
(1) في اليمنية (لآخر) (2) في المصرية (وكلاهما فاسدان) (3) بفتح العين وتشديد اللام وهو لقب جماعة من المحدثين والذى في هذه الطبقة هو على بن عبد الرحمن بن المغيرة المخزومى المصرى شيخ الطحاوي مات بمصر في 10 شعبان سنة 272 فالغالب أنه هو (4) في اليمنية (البرلى) وهو خطأ وانظر حاشية المسألة رقم 210 (5) بفتح التاء المثناة وضم النون وهما مشددتان (6) في المصرية (الحسن) وهو خطأ(2/211)
(أن امرأة كانت تهراق الدم، وكانت (1) تحت عبد الرحمن بن عوف، وان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلى) * قال على: زينب هذه ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نشأت في حجره عليه السلام، ولها صحبة به عليه السلام (2) * وبه إلى ابن أيمن: أخبرنا عبد الله بن احمد بن حنبل حدثني أبى حدثنى محمد ابن سلمة عن محمد بن اسحاق عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أم حبيبة بنت جحش (أنها استحيضت فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغسل عند كل صلاة حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا هناد ابن السرى عن عبدة بن سليمان عن محمد بن اسحق عن الزهري عن عروة عن عائشة: (أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها بالغسل لكل صلاة (3) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك الخولانى ثنا محمد بن بكر ثنا
ابو داود ثنا وهب بن بقية ثنا خالد بن اسماعيل (4) عن سهيل بن أبى صالح عن
__________
(1) في اليمنية (كانت) بحذف الواو (2) حديث زينب هذا رواه أبو داود (ج 1 ص 118) والبيهقي (ج 1 ص 351) من طريق ابى معمر عبد الله بن عمرو بن ابي الحجاج عن عبد الوارث باسناده ولفظه، ورواه البيهقي أيضا من طريق الاوزاعي عن يحى بن أبى كثير قال (حدثني أبو سلمة وعكرمة مولى ابن عباس أن زينب بنت أم سلمة كانت تعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تهريق الدم فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل لكل صلاة) وهو اسناد صحيح ولكن لعل الاوزاعي - أو من روى عنه - أخطأ، فيه لان زينب كانت صغيرة دون البلوغ عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك اختلفوا في سماعها منه، وقيل انها ولدت بالحبشة وقيل ولدت بالمدينة، وعلى كل فهذه الرواية فيها شئ من الخطأ.
(3) رواه أبى داود (ج 1 ص 118) (4) في اليمنية (خالد) وحذف اسم أبيه وهو الموافق لابي داود (ج 1 ص 119)(2/212)
الزهري عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت عميس قالت: (يا رسول الله (1) ان فاطمة بنت أبى حبيش استحيضت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا، وتغتسل المغرب والعشاء غسلا واحدا، وتغتسل للفجر غسلا (2) وتتوضأ (3) فيما بين ذلك) * فهذه آثار في غاية الصحة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع صواحب: عائشة أم المؤمنين.
وزينب بنت أم سلمة.
وأسماء بنت عميس، وأم حبيبة بنت جحش، ورواها عن كل واحدة من عائشة وأم حبيبة عروة وأبو سلمة ورواه ابو سلمة عن زينب بنت أم سلمة، ورواه عروة عن أسماء، وهذا نقل تواتر يوجب العلم *
وقال بهذا جماعة من الصحابة رضى الله عنهم، كما روينا من طريق الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: ان أم حبيبة استحيضت فكانت تغتسل لكل صلاة، فهذه أم حبيبة ترى ذلك وعائشة تذكر ذلك لا تنكره (4) ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختيانى عن سعيد بن جبير: أنه كان عند ابن عباس فأتاه كتاب امرأة، قال سعيد: فدفعه ابن عباس إلى، فقرأته فإذا فيه: إني امرأة مستحاضة أصابني بلاء وضر، وانى ادع الصلاة الزمان الطويل، وان ابن أبى طالب سئل عن ذلك فأفتانى أن أغتسل عند كل صلاة.
فقال ابن عباس: اللهم لا أجد لها ألا ما قال على، غير أنها تجمع بين الظهر والعصر بغسل واحد والمغرب والعشاء بغسل واحد وتغتسل للفجر غسلا واحدا، فقيل لابن عباس: أن الكوفة أرض باردة وانها يشق عليها، قال: لو شاء الله لابتلاها بأشد من ذلك ورويناه أيضا من طريق سفيان الثوري عن أشعث بن أبى الشعثاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، ومن طريق ابن جريج ان عمرو بن دينار اخبره انه سمع سعيد بن جبير يذكر هذا عن ابن عباس ومن طريق شعبة وحماد بن سلمة كلاهما عن حماد بن أبى
__________
(1) في سنن أبى داود (قالت: قلت يا رسول الله) (2) في سنن أبي داود (غسلا واحدا) والحديث هناك أطول فاختصره المؤلف (3) في سنن ابى داود (وتوضأ) بحذف احدى التاءين (4) في اليمنية (وعائشة تنكر ذلك لا تنكره) وهو خطأ واضح(2/213)
سليمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس * حدثنا يونس بن عبد الله ثنا أبو بكر بن احمد بن خالد ثنا أبى ثنا على بن عبد العزيز ثنا حجاج بن المنهال عن ابن جريج (1) قال: أخبرني أبو الزبير قال أخبرني سعيد بن جبير قال: أرسلت امرأة مستحاضة إلى ابن الزبير: انى أفتيت
أن أغتسل لكل صلاة، فقال ابن الزبير: ما أجد لها الا ذلك ثم أرسلت إلى ابن عباس وابن عمر فقالا جميعا: ما نجد لها الا ذلك.
ومن طريق أبى مجلز عن ابن عمر في المستحاضة قال: تغتسل لكل صلاة، وقد رواه أيضا عكرمة ومجاهد عن ابن عباس، قال مجاهد عنه: تؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل لهما غسلا واحدا، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلا واحدا، وتغتسل للفجر غسلا * وروينا عن ابن جريج (2) عن عطاء: تنتظر المستحاضة أيام اقرائها ثم تغتسل غسلا واحدا للظهر والعصر تؤخر الظهر (3) قليلا وتعجل العصر قليلا وكذلك المغرب والعشاء وتغتسل للصبح غسلا وروينا من طريق سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي مثل قول عطاء سواء سواء.
وروينا من طريق معاذ بن هشام الدستوائى عن أبيه عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال: المستحاضة تغتسل لكل صلاة وتصلي * فهؤلاء من الصحابة أم حبيبة وعلى بن أبى طالب وابن عباس وابن عمر وابن الزبير لا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضي الله عنهم، إلا رواية عن عائشة: أنها تغتسل كل يوم عند صلاة الظهر (4) ورويناه هكذا من طريق معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة هكذا مبينا: كل يوم عند صلاة الظهر.
ومن التابعين عطاء وسعيد بن المسيب والنخعي وغيرهم كل ذلك بأسانيد في غاية الصحة
__________
(1) هنا بهامش اليمنية (قال الذهبي: لم يسمع حجاج بن منهال من ابن جريج ولا أدركه) (2) في اليمنية (ورويناه من طريق ابن جريج) وما هنا أحسن كما هو واضح (3) في اليمنية (وتؤخر الظهر) بزيادة الواو (4) في اليمنية (كل يوم عند وقت صلاة الصلاة) وهو خطأ(2/214)
فأين المشنعون بمخالفة الصاحب (1) إذا وافق (2) أهواءهم وتقليدهم من الحنيفيين
والمالكيين والشافعيين عن هذا ومنعهم (3) السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!؟ * قال على: فجاءت السنة في التى تميز دمها أن الاسود حيض، وأن ما عداه طهر، فوضح أمر هذه، وجاءت السنة في التى لا تميز دمها وهو كله أسود لان ما عداه طهر لا حيض ولها وقت محدود مميز كانت تحيض فيه: أن تراعى أمد حيضها (4) فتكون فيه حائضا، ويكون ما عداه طهرا، فوجب الوقت عند ذلك، وكان (5) حكم التى كانت أيامها مختلفة منتقلة أن تبنى على آخر حيض حاضته قبل اتصال دمها، لانه هو الذى استقر عليه حكمها وبطل (6) ما قبله باليقين (7) والمشاهدة، فخرجت هاتان بحكمهما، ولم يبق إلا التى لا تميز دمها ولا لها أيام معهودة، لم يبق إلا المأمورة بالغسل لكل صلاة أو لكل صلاتين، فوجب ضرورة أن تكون هي، إذ ليست إلا ثلاث صفات وثلاثة أحكام فللصفتين (8) حكمان منصوصان عليهما، فوجب أن يكون الحكم الثالث للصفة الثالثة ضرورة ولا بد * قال على: وأما مالك فانه غلب حكم تلون الدم (9) ولم يراع (10) الايام وأما أبو حنيفة فغلب الايام ولم يراع حكم تلون الدم، وكلا العملين (11) خطأ، لانه ترك لسنة لا يحل تركها، وأما الشافعي وابن حنبل وأبو عبيد وداود فأخذوا بالحكمين معا، إلا أن احمد بن حنبل وأبا عبيد (12) غلبا الايام ولم يجعلا لتلون الدم حكما
__________
(1) في اليمنية (فأين المشنعون مخالفة الصاحب) بحذف الباء.
(2) في المصرية (إذا خالف) وهو خطأ ظاهر والتصحيح من اليمنية (3) في اليمنية (ومعهم) والصواب ما هنا (4) في اليمنية (امر حيضها) وهو خطأ (5) في اليمنية (أو كان) (6) في اليمنية (أو بطل) وهو خطأ (7) في المصرية (بالنفى) وهو خطأ (8) في اليمنية (وللصنفين) وهو خطأ (9) في اليمنية (تغير الدم) (10) في المصرية (ولم يراعى) وهو لحن (11) في اليمنية (وكلي العملين)
وهو لحن (12) في المصرية (وأبو عبيد) وهو خطأ(2/215)
إلا في التى لا تعرف (1) أيامها، وجعلا للتى تعرف أيامها حكم الايام وان تلون دمها، وأما الشافعي وداود فغلبا حكم تلون الدم، سواء عرفت أيامها أو لم تعرفها، ولم يجعلا حكم مراعاة وقت الحيض إلا للتى لا يتلون دمها (2) * قال على: فبقى النظر في أي العملين هو الحق؟ ففعلنا، فوجدنا النص قد ثبت وصح بأنه لا حيض إلا الدم الاسود، وما عداه ليس حيضا، لقوله عليه السلام: (ان دم الحيض أسود يعرف) فصح أن المتلونة الدم طاهرة تامة الطهارة لا مدخل لها في حكم الاستحاضة (3)، وأنه لا فرق بين الدم الاحمر وبين القصة البيضاء، ووجب أن الدم إذا تلون قبل انقضاء أيامها المعهودة انه طهر صحيح، فبقى الاشكال في الدم الاسود المتصل فقط، فجاء النص بمراعاة الوقت لمن تعرف وقتها، وبالغسل المردد لكل صلاة أو لصلاتين (4) في التى نسيت وقتها.
وبالله تعالى التوفيق * وما نعلم لمن ترك شيئا من هذه الاخبار (5) سببا (6) يتعلق به، لا من قياس ولا من قول صاحب ولا من قرآن ولا سنة * وقال مالك في بعض أقواله: إن (7) التي يتصل بها الدم تستظهر بثلاثة أيام ان كانت حيضتها اثنى عشر يوما فأقل، أو بيومين (8) ان كانت حيضتها ثلاثة عشر يوما، أو بيوم ان كانت حيضتها أربعة عشر يوما، ولا تستظهر بشئ ان كانت
__________
(1) في اليمنية (تفرق) وهو تصحيف (2) في المصرية (الا التي يتلون دمها) بحذف (لا) وهو خطأ (3) في المصرية (ان دم الحيض أسود يعرف، فصح أن المتلونة الدم طاهرة تامة الطهر لا مدخل لها فيه لان دم الحيض أسود يعرف فصح أن المتلونة الدم حكم
المستحاضة) وهو خطأ وخلط من الناسخين، وما هنا هو الصحيح الذى في اليمنية.
(4) في اليمنية (وبالغسل المردود بكل صلاة أو الصلاتين) وهو خطأ (5) في اليمنية (ترك هذه الاخبار) (6) في المصرية (شيئا) (7) في المصرية (بأن (وهو خطأ (8) في المصرية (أو يومين)(2/216)
حيضها خمسة عشر يوما، وهذا قول لا يعضده قرآن ولا سنة، لا صحيحة ولا سقيمة ولا قول صاحب ولا قياس ولا رأي له وجه ولا احتياط، بل فيه ايجاب ترك الصلاة المفروضة والصوم اللازم بلا معنى * واحتج له بعض مقلديه بحديث سوء رويناه من طريق ابراهيم بن حمزة عن الدراوردي عن حرام بن عثمان (1) عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر عن أبيهما قال: (جاءت أسماء بنت مرشد الحارثية (2) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس عنده فقالت: يا رسول الله حدثت لى حيضة أنكرها، أمكث بعد الطهر ثلاثا أو أربعا (3) ثم تراجعني فتحرم علي الصلاة، فقال: إذا رأيت ذلك فامكثي ثلاثا ثم تطهري اليوم الرابع فصلي الا أن تري دفعة من دم قائمة (4) * قال أبو محمد: فكان هذا الاحتجاج أقبح من القول المحتج له به، لان هذا الخبر باطل إذ هو مما انفرد به حرام بن عثمان، ومالك نفسه يقول: هو غير ثقة،
__________
(1) حرام: بفتح الحاء والراء المهملتين، وفي اليمنية (حزام) بالزاى وهو تصحيف (2) مرشد بالشين ووقع في الاصابة (مرثد) بالثاء وهو خطأ مطتعى، وليس لاسماء هذه الا هذا الحديث الواحد وهو لا يصح كما قال ابن عبد البر في الاستيعاب (ص 726) وابن الاثير في اسد الغابة (ج 5 ص 396) وابن حجر في الاصابة (ج 8 ص 11) وفى طبقات ابن سعد (ج 8 ص 245) أن اسم ابيها (مرشدة) وأنها تزوجها الضحاك بن خليفة فولدت له ثابتا وأبا جبيرة وغيرهما وأنها أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم
(3) في اليمنية (أم أربعا) (4) رواه البيهقي مختصرا وذكره ابن الاثير معلقا بطوله ونسبه ابن حجر في الاصابة إلى اسمعيل بن اسحق القاضي في احكامه والى ابن منده، وهو حديث ضعيف انفرد به حرام بن عثمان: قال الشافعي وابن معين وغيرهما (الرواية عن حرام حرام) وقال ابن المدينى: سمعت (يحيى بن سعيد يقول قلت لحرام بن عثمان: عبد الرحمن بن جابر ومحمد بن جابر وأبو عتيق هم واحد؟ قال: (ان شئت جعلتهم عشرة!) وهذا يدل على انه كذاب صفيق الوجه لا يستحي من افتعال اسماء لا تعرف *(2/217)
فالعجب لهؤلاء القوم وللحنيفيين وقد جرح أبو حنيفة جابرا الجعفي وقال: ما رأيت أكذب من جابر، ومالك جرح حرام بن عثمان وصالحا مولى التوأمة ثم لا مؤنة على المالكيين والحنيفيين إذا جاء هؤلاء خبر من رواية حرام وصالح يمكن (1) أن يوهموا به أنه حجة لتقليدهم الا احتجوا به واكذبوا تجريح مالك لهم ولا مؤنة على الحنيفيين إذا جاءهم خبر يمكن ان يوهموا به أنه حجة لتقليدهم من رواية جابر الا احتجوا به، ويكذبوا تجريح (2) أبى حنيفة له، ونحن ولله الحمد أحسن مجاملة لشيوخهم منهم، فلا نرد تجريح مالك فيمن لم تشتهر امامته * قال أبو محمد: ثم لو صح هذا الخبر لما كان لهم به متعلق لانه ليس فيه شئ من قول مالك، ولا من تلك التقاسيم، بل هو مخالف لقوله، وموجب للصلاة الا أن ترى دما، فظهر فساد احتجاجهم به (3) * وقال بعضهم: قسناه على حديث المصراة، على أجل الله تعالى لثمود، فكان هذا إلى الهزل والاستخفاف بالدين أقرب منه إلى العلم.
ونعوذ بالله من الخذلان * قال على: وروينا عن ابراهيم النخعي: ان المستحاضة تصوم وتصلى ولا يطؤها زوجها.
قال على: وهذا خطأ لانها إما حائض واما طاهر غير حائض، ولا سبيل إلى
قسم ثالث في غير الفساء، فان كانت حائضا فلا تحل لها الصلاة (4) ولا الصوم، وان كانت غير نفساء ولا حائض فوطئ زوجها لها حلال ما لم يكن أحدهما صائما أو محرما أو معتكفا أو مظاهرا منها، فبطل هذا القول.
وبالله تعالى التوفيق * * (الفطرة) * 270 مسألة السواك مستحب، ولو أمكن لكل صلاة لكان أفضل، ونتف الابط والختان وحلق العانة وقص الاظفار، وأما قص الشارب ففرض ولا يحل للمرأة (5) نتف الشعر من وجهها، ويستحب للجنب إن أراد الاكل أو النوم أو الشرب أن يتوضأ، وليس فرضا عليه، وإن أراد المعاودة فيجب عليه
__________
(1) في المصرية (يمكن) وهو خطأ (2) في اليمنية (وتركوا تجريح) (3) كلمة (به) حذفت من اليمنية (4) في اليمنية (فلا تحل لها بالصلاة) وهو خطأ (5) في اليمنية (لا يحل لامرأة)(2/218)
أن يتوضأ أيضا (1)، وان وطي زوجتين له أو زوجات أو إماء وزوجات (2) فيغتسل بين كل انثتين فحسن، وان لم يغتسل الا في آخر ذلك فحسن * برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب ابن عيس ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان والاستحداد وتقليم الاظفار ونتف الابط وقص الشارب (3)) وبه إلى مسلم: ثنا قتيبة بن سعيد وعمرو الناقد ثنا سفيان بن عيينة عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة) (4) قال على: فإذا لم يأمرهم فليس فرضا *
وبه إلى مسلم بن الحجاج: ثنا يحيي بن يحيى وقتيبة كلاهما عن جعفر بن سليمان الضبعى عن أبي عمران الجونى (5) عن أنس بن مالك قال: (وقت لنا في قص الشارب وتقليم الاظفار ونتف الابط وحلق العانة ألا تترك أكثر من أربعين ليلة (6) *
__________
(1) في اليمنية (وان أراد المعاودة فمستحب له أن يتوضأ) وهو خطأ لان المعروف عن الظاهرية القول بوجوب الوضوء إذا أراد العود قال ابن حجر في الفتح (ج 1 ص 323) واختلفوا في الوضوء بينهما - أي بين الجماعين - فقال أبو يوسف: لا يستحب، وقال الجمهور: يستحب، وقال ابن حبيب المالكي وأهل الظاهر يجب (وكذلك نقل عنهم العينى في عمدة القاري (ج 3 ص 213)، ولذلك استغرب كاتب اليمنية ما فيها فكتب على حاشيتها (تقدم في أوائل كتاب الطهارة انه يجب الوضوء بين الجماعين، وقد خالفه هنا فلينظر) (2) في الاصلين هنا زيادة (واماء) مرة أخرى ولا معنى لها (3) في صحيح مسلم (ج 1: ص 87) (4) في مسلم (ج 1: ص 86) (5) في اليمنية (الخولاني) وهو خطأ (6) (نترك) بالنون في أوله.
والحديث في مسلم (ج 1: ص 87)(2/219)
وأما فرض قص الشارب (1) واعفاء (2) اللحية فان عبد الله بن يوسف ثنا قال ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم ابن الحجاج ثنا سهل بن عثمان ثنا يزيد بن زريع عن عمر بن محمد (3) ثنا نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خالفوا المشركين، احفوا الشوارب واعفوا اللحى (4) * حدثنا يونس بن عبد الله ثنا احمد بن عبد الله (5) بن عبد الرحيم ثنا احمد ابن خالد ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا محمد
ابن عجلان قال: قال لى عثمان بن عبيد الله بن رافع (6): رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيضون شواربهم شبه الحلق، قلت: من؟ قال جابر بن عبد الله وأبا سعيد الخدرى وأبا أسيد وسلمة بن الاكوع وأنس بن مالك ورافع بن خديج * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن ابراهيم النخعي عن الاسود عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة *
__________
(1) في اليمنية (وأما قص الشارب) بحذف فرض (2) بالعين المهملة وفي اليمنية بالمعجمة وهو خطأ (3) في اليمنية (عن عمرو ابن عثمان) وهو خطأ غريب.
(4) (أحفوا) و (أعفوا) بالحاء والعين المهملتين، وفى اليمنية بالمعجمتين وهو خطأ والذى في صحيح مسلم (ج 1 ص 87) في هذا الاسناد (وأوفو اللحي) وأما رواية (واعفوا) فانها فيه من طريق عبيد الله عن نافع (5) كذا في الاصلين، وقد مضى مرارا (احمد بن عون الله) وكذلك تكرر في الاحكام للمؤلف فلا أدرى هل هو؟ أو هذا رجل آخر؟ (6) في المصرية (عثمان بن عبد الله بن رافع) ولم أجد له ترجمة وهذا الاثر رواه البيهقى (ج 1 ص 151) من طريق الفريابي عن سفيان عن محمد بن عجلان عن عبيد الله بن ابى رافع قال: (رايت أبا سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وابن عمر ورافع بن خديج وأبا أسيد الانصاري وابن الاكوع وأبا رافع ينهكون شواربهم حتى الحلق) ثم قال البيهقى: (كذا وجدته وقال غيره عن عثمان بن عبيد الله بن ابى رافع وقيل ابن رافع) فالخلاف في اسم الراوي موجود، وعبيد الله ثقة، وأما عثمان هذا فلا ندرى من هو.(2/220)
حدثنا يونس بن عبد الله ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أنا سويد بن نصر أرنا عبد الله هو ابن المبارك عن يونس هو ابن يزيد عن الزهري
عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عائشة (1) قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وان أراد (2) أن يأكل أو يشرب غسل يديه ثم يأكل أو يشرب) * فان قيل: فقد صح أن عمر ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (توضأ واغسل ذكرك ثم نم) * قلنا فحدثنا محمد بن سعيد بن نبات قال ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن أبى اسحاق عن الاسود بن يزيد عن عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب كهيئته ولا يمس ماء) * وحدثنا يونس بن عبد الله ثنا أبو عيسى بن أبى عيسى ثنا احمد بن خالد ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا أبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي عن أبي اسحاق عن الاسود عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من المسجد صلى ما قضى الله له، ثم مال إلى فراشه أو إلى أهله، فان كانت له حاجة إلى أهله قضاها ثم نام كهيئته لا يمس ماء، فإذا سمع النداء وثب، فان كان جنبا أفاض عليه الماء، وان لم يكن جنبا توضأ وصلى ركعتين ثم خرج إلى المسجد) * فهذا عموم يدخل فيه الوضوء والغسل معا وغير ذلك، ومن ادعى ان سفيان أخطأ في هذا الحديث فهو امخطئ بدعواه (3) ما لا دليل له عليه * فان قيل: قد خالفه زهير بن معاوية.
قلنا: سفيان أحفظ من زهير، ولو لم يكن لما كان في خلاف بعض الرواة لبعض دليل على خطأ أحدهم، بل الثقة مصدق في كل ما يروى.
وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) كلمة (عن عائشة) سقطت من اليمنية وهو خطأ (2) في اليمنية (فان أراد)
(3) في اليمنية (لدعواه)(2/221)
وقول عائشة هذا أخبار عن مداومته عليه السلام على ذلك، وممن روينا عنه اباحة النوم للمجامع قبل أن يتوضأ: - سعيد بن المسيب وربيعة ويزيد بن هارون والشافعي وأبو ثور * حدثنا احمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر ابن أبى شيبة عن يزيد بن هارون وهشيم وحفص بن غياث، قال يزيد: عن حماد ابن سلمة عن عبد الرحمن بن أبى رافع عن عمته سلمى عن أبى رافع: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في ليلة واحدة فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلا) (1) وقال هشيم: ثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على جميع نسائه (2) في ليلة بغسل واحد (3)) وقال حفص بن غياث: عن عاصم عن أبى المتوكل عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءا) (4)
__________
(1) حديث ابى رافع رواه احمد في مسنده عن عفان (ج 6 ص 8) وعبد الرحمن وأبى كامل (ج 6 ص 9 و 10) ويزيد بن هرون (ج 6 ص 391) كلهم عن حماد بن سلمة ورواه أبو داود (ج 1: ص 88) عن موسى بن اسمعيل عن حماد، وابن ماجه ج 1: ص 107 من طريق عبد الصمد عن حماد ونسبه المنذرى للنسائي والشوكاني للترمذي والنسائي ولم اجده فيهما ورواه البيهقي (ج 1 ص 203 و 204) (2) في اليمنية (على نسائه) (3) حديث أنس رواه مسلم (ج 1 ص 98) وابو داود (ج 1 ص 87) والترمذي ج 1 ص 30) والنسائي (ج 1 ص 51 و 52) وابن ماجه (ج 1 ص 106) والبيهقي (ج 1 ص 204) بأسانيد مختلفة ورواه البخاري (ج 1 ص 43) بلفظ (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن أحدى عشرة
قال.
قلت لانس أو كان يطيقه؟ قال.
كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين) وليس فيه التصريح بغسل واحد ولكنه مفهوم من سياقه (4) حديث أبي سعيد رواه أبو داود (ج 1 ص 88) عن عمرو بن عون عن حفص بن غياث، ورواه مسلم (ج 1 ص 98) والترمذي (ج 1 ص 30) والنسائي (ج 1 ص 51) وابن ماجه (ج 1 ص 106) ونسبه في المنتقى لاحمد، ونسبه الشوكاني لابن خزيمة وابن حبان والحاكم وأنهم رووا فيه زيادة (فانه انشط للعود) ونسب(2/222)
* (الآنية) * 271 مسألة لا يحل الوضوء ولا الغسل ولا الشر، ولا الاكل لا لرجل ولا لامرأة في أناء عمل من عظم ابن آدم.
لما ذكرنا في كتابنا هذا في جلود الميتة من وجوب دفع المؤمن والكافر، وتحريم المثلة.
ولا في أناء عمل من عظم خنزير.
لما ذكرنا من أنه كله رجس.
ولا في أناء من جلد ميتة قبل أن يدبغ، ولا في أناء فضة أو أناء ذهب * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبى شيبة والوليد بن شجاع قالا: ثنا على بن مسهر (1) عن عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر عن زيد بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) قال: (ان الذي يأكل ويشرب في آنية الذهب والفضة (3) انما يجرجر في بطنه نار جهنم) * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع ثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليل عن حذيفة قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والديباج وعن آنية الذهب والفضة، وقال: هو لهم في الدنيا وهو لنا في الآخرة (4) *
__________
الشوكاني للبيهقي وابن خزيمة ان في روايتهما (فليتوضأ وضوءه للصلاة) وليست هذه اللفظة في البيهقي انظره (ج 1 ص 204) وانما هي فيه في حديث عائشة (كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة) وهذا غير ذاك (1) في اليمنية (على بن زهير) وهو خطأ (2) قوله أن (رسول الله صلى الله عليه وسلم) زدناه من صحيح مسلم (ج 2: ص 149) لانه ليس في الاصلين (3) في مسلم يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب (4) رواه الجماعة بألفاظ مختلفة والمعنى واحد، قال ابن منده، مجمع على صحته(2/223)
ولا في اناء مأخوذ بغير حق، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام) * 272 مسألة ثم كل اناء بعد هذا من صفر أو نحاس أو رصاص أو قزدير (1) أو بللور أو زمرد (3) أو ياقوت أو غير ذلك فمباح الاكل فيه والشرب والوضوء والغسل فيه الرجال والنساء، لقول الله تعالى: (هو الذى خلق لكم ما في الارض جميعا) وقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوني ما تركتكم، فانما هلك من كان من قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه) * فصح ان كل مسكوت عن ذكره بتحرم أو أمر فمباح * والمذهب والمضبب بالذهب حلال للنساء دون الرجال لانه ليس اناء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (الحرير والذهب حلال لاناث أمتي حرام على ذكورها) أو كما قال عليه السلام، وليس المذهب (4) أناء ذهب والمفضض والمضبب بالفضة حلال للرجال والنساء، لانه ليس اناء وبالله تعالى نتأيد.
وهو حسبنا ونعم الوكيل *
273 مسألة من عجز عن بعض أعضائه في الطهارة: من قطعت يداه أو رجلاه أو بعض ذلك سقط عنه حكمه، وبقي عليه غسل ما بقى لقوله عليه السلام: (إذا امرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فان كان في الجسد جرح سقط حكمه (5) وبقى فرض غسل سائر الجسد أو الاعضاء لما ذكرناه، فان عمت القروح يديه أو يده (6) أو رجليه أو وجهه أو بعض جسده فان أخرجه ذلك إلى اسم المرض وكان عليه من إمساسه الماء حرج (تيمم فقط، لان هذا حكم المريض، وان
__________
(1) المعروف القصدير بالصاد وأما بالزاى فلم أجدها، والكلمة غير عربية على كل حال (2) الزمرد بالدال المهملة وبالذال المعجمة (3) في اليمنية (وليس للمذهب) وهو خطأ (4) في اليمنية (سقط جملة) وهو خطأ (5) كلمة (أو يده) حذفت من اليمنية(2/224)
كان لا مشقة عليه في الماء غمسه (1) فقط وأجزأه، أو صب عليه الماء واجزأه وان كان لم يخرجه إلى اسم المرض غسل ما أمكنه وسقط عنه ما عليه فيه حرج فقط كثر أو قل لما ذكرناه، ولا يجوز أن يجممع في وضوء (2) تيمم وغسل، ولا في طهر واحد أيضا إذ لم يأت بذلك نص ولا اجماع، الا في موضع واحد، وقد ذكرناه قبل، وهو: من معه ماء لا يعم به جميع اعضااء وضوئه أو جميع جسده فقط.
وبالله تعالى التوفيق * * (من شك في الماء (3)) * مسألة 274 من كان بحضرته ماء وشك أو لغ فيه الكلب أم لا؟ أم هو فضل امرأة أم لا، فله ان يتوضأ به لغير ضرورة وأن يغتسل به كذلك لانه على يقين من طهارته في أصله، وجواز التطهير به، ثم شك هل حرم ذلك فيه أم لا، والحق اليقين لا يسقطه الظن، قال الله تعالى: (ان الظن لا يغنى من
الحق شيئا)، فان شك أهو ماء أم هو معتصر من بعض النبات لم يحل له الوضوء به ولا الغسل، لانه ليس على يقين من انه جاز به التطهر يوما ما، والوضوء والغسل فرضان، فلا يرفع الفرض بالشك، فان كان بين يديه إناءآن (4) فصاعدا في أحدهما ماء طاهر بيقين، وسائرها مما ولغ فيه الكلب، أو فيها واحد ولغ فيه كلب وسائرها طاهر، ولا يميز من ذلك شيئا (5)، فله أن يتوضأ بأيها (6) شاء، ما لم يكن على يقين من أنه قد تجاوز عدد الطاهرات وتوضأ بما لا يحل (7) الوضوء به، لان كل ماء منها فعلى أصل طهارته على انفراده، فإذا حصل على يقين التطهر فيما لا يحل التطهر به فقد حصل على يقين الحرام، فعليه أن يطهر أعضاءه ان كان ذلك الماء حراما استعماله، جملة فان
__________
(1) في اليمنية (عمه) (2) في المصرية (ولا يجوز أن يجمع وضوء) بحذف (في) وهو خطأ ظاهر (3) في اليمنية (من الشك في الماء) (4) في اليمنية اثنان (5) في اليمنية (شئ) (6) في المصرية (بأيهما) (7) في اليمنية (وتوضأ ما لا يحل) الخ وهو خطأ(2/225)
كان فيها واحد معتصر لا يدرى (1)، لم يحل له الوضوء بشئ منها، لانه ليس على يقين من أنه توضأ بماء، واليقين لا يرتفع بالظن.
وبالله تعالى التوفيق وهو حسبنا (2) ونعم الوكيل * ابتداء كتاب الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وسلم * (الصلاة) * 275 - مسألة - الصلاة قسمان: فرض وتطوع، فالفرض هو الذى من تركه عامدا كان عاصيا لله عزوجل، وهو الصلوات الخمس: الظهر والعصر والمغرب والعشاء الاخيرة (3) والفجر والقضاء لما نسى منها أو ينم عنها هو هي نفسها (4) *
والفرض قسمان: فرض متعين على كل مسلم عاقل بالغ، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، وهو ما ذكرناه، وفرض على الكفاية، يلزم كل من حضر، فإذا قام به بعضهم سقط عن سائرهم، وهو الصلاة على جنائز المسلمين * والتطوع هو ما إن تركه (5) المرء عامدا لم يكن عاصيا لله عزو جل بذلك، وهو الوتر وركعتا الفجر وصلاة العيدين والاستسقاء والكسوف والضحى وما يتنفل المرء قبل صلاة الفرض وبعدها، والاشفاع في رمضان، وتهجد الليل، وكل ما يتطوع به المرء، ويكره ترك كل ذلك (6) *
__________
(1) في اليمنية (لم يدرى) وهو خطأ (2) هنا في المصرية ما نصه (تم كتاب الطهارة من المحلى الذى هو شرح المجلى بحمد الله تعالى وحسن عونه وصلواته على محمد وسلم.
وعدد مسائل الطهارة مائة واحدى وستون مسألة.
يتلوه ان شاء الله تعالى ابتداء كتاب الصلاة) (3) في اليمنية (والعشاء الاخير وهو خطأ (4) في اليمنية (هو ففي نفسها) وهو خطأ (5) في المصرية (يتركه) وهو خطأ (6) في المصرية (ويكره ترك ذلك)(2/226)
برهان ذلك (1) أنه ليس في ضرورة العقل الا القسمان المذكوران: إما شئ يعصى الله تعالى تاركه، اما شئ لا يعصى الله تعالى تاركه، ولا واسطة بينهما * وقولنا: الفرض والواجب والحتم (2) واللازم ولمكتوب: - ألفاظ معناها واحد، وهو ما ذكرنا.
وقولنا: التطوع والنافلة بمعنى واحد، وهو ما ذكرنا وقال قوم: ههنا قسم ثالث وهو الواجب * قال أبو محمد: هذا خطأ، لانه دعوى بلا برهان، وقول لا يفهم ولا يقدر قائله على أن يبين مراده فيه *
فان قالوا: ان بعض ذلك أوكد من بعض.
قلنا: نعم، بعض التطوع (3) أوكد من بعض، وليس ذلك بمخرج شئ منه عن أن يكون تطوعا، لكن أخبرونا عن هذا الذى قلتم: هو واجب لا فرض ولا تطوع: أيكون تاركه عاصيا لله عزوجل؟ أم لا يكون عاصيا؟ ولا بد من أحد هذين القسمين، ولا سبيل إلى قسم ثالث، فان كان تاركه عاصيا فهو فرض، وان كان تاركه ليس عاصيا فليس فرضا (4) * وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا حمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد عن مالك
__________
(1) كلمة (ذلك) سقطت من اليمنية خطأ (2) في الاصلين (والحكم) وهو خطأ فانه ظاهر هنا أن المقصود (الحتم) (3) في الاصلين (بعض الفرض أوكد من بعض) وهو خطأ ظاهر، لقوله بعده (وليس ذلك بمخرج شئ منه عن أن يكون تطوعا) فهو يريد أن بعض التطوع أوكد من بعضه، ولكن هذا المؤكد لا يكون مع توكيده الا تطوعا.
(4) في المصرية (وان تاركه ليس عاصيا) الخ بحذف (كان) وهو خطأ، وأما اليمنية فان الجملة كلها مضطربة فيها وسقط منها أكثرها اختل المعنى ونصها (فان كان تاركه عاصيا فليس فرضا).(2/227)
ابن أنس عن أبى سهيل بن مالك (1) عن أبيه انه سمع طلحة بن عبيد الله (2) يقول: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الاسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: هل على غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تتطوع) وذكر باقى الحديث (فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه (3)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق) *
وهذا نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم على قولنا، وأنه ليس الا واجب أو تطوع، فان ما عدا الخمس فهو تطوع، وهذا لا يسع أحدا خلافه * وأما وجوب النذر فلقول الله تعالى: (أوفوا بالعقود) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) * ولا خلاف من أحد من الامة في أن الصلوات الخمس فرض، ومن خالف ذلك فكافر * وأما كون صلاة الجنازة فرضا على الكفاية فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلوا على صاحبكم) ولا خلاف في أنه إذا قام بالصلاة عليها (4) قوم فقد سقط الفرض عن الباقين * وأما كون ما عدا ذلك تطوعا فاجماع من الحاضرين من المخالفين الا في الوتر، فان أبا حنيفة قال: انه واجب، وقد روى عن بعض المتقدمين: انه فرض * فالبرهان على من قال: انه فرض ما روينا بالسند المذكور إلى مسلم: حدثنا حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب (5) ثنا يونس هو ابن يزيد عن ابن شهاب عن
__________
(1) أبو سهيل اسمه نافع بن مالك بن أبى عامر الاصبحي، وهو عم الامام مالك بن أنس وفي اليمنية (عن سهيل بن مالك) وهو خطأ (2) في المصرية (طلحة بن عبد الله وهو خطأ (3) كلمة (منه) زيادة من اليمنية وصحيح مسلم (ج 1: ص 18 - و 19) (4) في المصرية (إذا قام إلى الصلاة عليها) (5) في اليمنية (حرملة بن يحيى بن وهب)(2/228)
أنس بن مالك - فذكر حديث الاسراء - وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ففرض الله عزوجل على أمتى خمسين صلاة) ثم ذكر عليه السلام مراجعته لربه عزوجل
في ذلك إلى أن قال: (فراجعت ربى فقال: هي خمس وهى خمسون (لا يبدل القول لدى) (1) فهذا خبر من الله عزوجل مأمون تبدله، فصح أن الصلوات لا تبدل أبدا عن خمس، وأرمنا النسخ في ذلك أبدا بهذا النص، فبطل بهذا قول من قال: ان الوتر فرض، وان تهجد الليل فرض، وهو قول رويناه عن الحسن وأيضا فان يونس بن عبد الله حدثنا قال: ثنا أبو عيسى بن أبى عيسى ثنا احمد بن خالد ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا حسين بن على - هو الجعفي - عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله (2) أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: الصلاة من جوف الليل، قال: أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال شهر الله الذي يدعونه المحرم) * (3) قال أبو محمد: فصح أن تهجد الليل ليس من المكتوبة، والوتر من تهجد الليل، فبهذين الخبرين صح أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو: (يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل) وقوله عليه السلام لحفصة عن أخيها عبد الله ابن عمر رضى الله عن جميعهم: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلى من الليل) وقوله عليه السلام الذى رويناه من طريق أحمد بن حنبل عن يحي بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر حدثنى نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا) وقوله عليه السلام: (بادروا الصبح بالوتر) و: (يا أهل القرآن أوتروا): أن هذه الاوامر كلها ندب، لا يجوز غير ذلك *
__________
(1) انظر الحديث بطوله في صحيح مسلم (ج 1 ص: 59) (2) في اليمنية (فقال: رسول الله) بحذف حرف النداء (3) رواه مسلم عن أبى بكر بن أبي شيبة بهذا الاسناد ولم يذكر لفظه (ج 1 ص 323) ورواه هو (ج 1 ص 322) من طريق جرير عن عبد الملك بن عمير بهذا الاسناد أيضا(2/229)
وأما الحديث: (ان الشيطان (1) يعقد على ما فيه رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل فارقد) وفى آخره: (فان صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) وقوله عليه السلام إذ ذكر له رجل لم يزل نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة فقال عليه السلام: (بال الشيطان في أذنه) -: إنما هو على الفرض ونومه عنه لما ذكرنا، والبرهان لا يعارض برهان، وما كان من عند الله فلا يختلف ولا يتكاذب * وروينا عن شعبة عن أبى اسحاق السبيعى عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب قال الوتر ليس بحتم ولكنه سنة.
وروينا عن سفيان الثوري عن أبي اسحاق عن عاصم عن على قال: الوتر ليس فريضة ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عبادة بن الصامت تكذيب من قال ان الوتر واجب (3).
وروينا عن الحجاج ابن المنهال ثنا جرير بن حازم قال: سألت نافعا مولى ابن عمر: أكان (3) ابن عمر يوتر على راحلته؟ قال: نعم، وهل الوتر فضيلة على سائر التطوع؟! وروينا عن أيوب السختيانى عن سعيد بن جبير.
أنه سئل عن من لم يوتر حتى أصبح؟ قال: سيوتر يوما آخر (4) وروينا عن قتادة عن سعيد المسيب: أنه سأله رجل عن الوتر؟ فقال سعيد: أوتر النبي صلى الله عليه وسلم، وان تركت فليس عليك، وصلى الضحى، وإن تركت فليس عليك، وصلى ركعتين (5) قبل الظهر وركعتين بعدها، وان تركت فليس عليك
__________
ورواه هو وأبو داود (ج 1 ص 298) والترمذي (ج 1 ص 143) والنسائي (ج 1 ص 240) كلهم عن قتيبة عن أبى عوانة عن أبى بشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة.
وروى منه فضل صيام المحرم ابن ماجه (ج 1 ص 273) عن أبى بكر بن أبى شيبة بالاسناد الذى.
ذكره المؤلف.
وبمثل لفظه.
ونسبه المنذرى في الترغيب لابن خزيمة (1) في اليمنية (وأما الحديث في أن الشيطان) الخ
(2) في اليمنية (ان الوتر واحدة) وهو خطأ (3) في اليمنية (كان) بحذف همزة الاستفهام (4) في اليمنية (سيوتر اليوم الآخر) (5) في الاصلين (وصل) على الامر والسياق يقضي أن يكون إخبارا كما هو ظاهر فلذلك أصلحناه إلى الفعل الماضي(2/230)
وعن ابن جريج: قلت لعطاء: أواجب الوتر وركعتان أمام الصبح أو شئ من الصلاة قبل المكتوبة أو بعدها؟ قال: لا.
وهو قول الشافعي وداود وجمهور المتقدمين والمتأخرين * وأما أبو حنيفة فان كان ذهب إلى أن الوتر فرض فقد ذكرنا بطلان هذا القول، وان كان ذهب إلى أن الوتر واجب لا فرض ولا تطوع، فهو قول فاسد، وقد ذكرنا ابطاله في صدر هذه المسألة * وقال مالك: ليس فرضا، ولكن من تركه أدب وكانت جرحة (1) في شهادته * قال أبو محمد: وهذا خطأ بين، لانه لا يخلو تاركه أن يكون عاصيا لله عزوجل أو غير عاص، فان كان عاصيا لله تعالى فلا يعصى أحد بترك مالا يلزمه وليس فرضا فالوتر اذن فرض وهو لا يقول بهذا، وان قال: بل هو غير عاص لله تعالى، قيل: فمن الباطل أن يؤدب من لم يعص الله تعالى، أو أن تجرح شهادة من ليس عاصيا لله عزوجل، لان من لم يعص الله عزوجل فقد أحسن والله تعالى يقول: (ما على المحسنين من سبيل).
* قال ابو محمد: إلا أن الوتر أوكد التطوع، للاحاديث التى ذكرنا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أوكدها بعد الوتر صلاة الضحى وركعتان عند دخول المسجد، وصلاة من صلى في جماعة ثم وجد جماعة يصلون تلك الصلاة، وصلاة الكسوف، وأربع بعد الجمعة، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بهذه (3)، وما أمر به عليه السلام فهو أوكد مما لم يأمر به *
روينا من طريق مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبى قتادة السلمي (4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) * وروينا عن عبد الوارث بن سعيد التنوري ثنا أبوالتياح حدثنى أبو عثمان
__________
في اليمنية (حركة) وهو خطأ (2) كلمة (شهادة) زيادة من اليمنية (3) في المصرية (لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر به) (4) في الموطأ (ص 57) (عن ابى قتادة الانصاري) وكلاهما صواب فانه أنصارى سلمى - بفتح السين واللام -(2/231)
النهدي (1) عن أبى هريرة قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد) (2) * وروينا عن شعبة (3) عن أبى نعامة عن عبد الله بن الصامت عن أبى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فصل الصلاة لوقتها، ثم إن أقيمت الصلاة فصل معهم فانها زيادة خير) * وروينا عن سفيان بن عيينة حدثنا سهل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة قال (4): (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلى أربعا بعد الجمعة) * وروينا عن الحسن بن أبى بكرة: (ان الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتموهما (5) فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم) (6) * حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا ابن أيمن نا ابن وضاح ثنا حامد بن يحيى البلخي ثنا سفيان بن عيينة ثنا سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلى بعد الجمعة أربعا) ثم بعد هذه سائر التى ذكرنا، لانه لم يأت بها أمر، لكن جاء بها عمل من عليه السلام وترغيب، وأما كراهتنا ترك ذلك فلانه فعل خير، قال الله تعالى: (وافعلوا الخير) *
276 - مسألة - ولا صلاة على من لم يبلغ من الرجال والنساء، ويستحب لو علموها إذا عقلوها (7) لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه قبل (رفع القلم عن ثلاثة) فذكر فيه الصبى حتى يبلغ وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس قبل بلوغه بعض حكم الصلاة وأمه فيها، ويستحب إذا بلغ سبع سنين أن يدرب عليها فإذا بلغ عشر سنين أدب عليها *
__________
(1) ابو التياح - بفتح التاء والياء المشددتين - هو يزيد بن حميد، وابو عثمان النهدي اسمه عبد الرحمن بن مل، وفي اليمنية (ثنا ابو التياح وأبو عثمان الهزلى) وهو خطأ صرف (2) رواه البخاري ومسلم وابو داود وغيرهم، انظر شرح ابي داود (ج 1 ص 539) والترغيب (ج 1 ص 234) (3) في اليمنية (سعيد) وهو تصحيف (4) كلمة (قال) سقطت من المصرية (5) في اليمنية (رأيتموها) وهو خطأ وما هنا هو الصواب الموافق لما في البخاري (6) رواه البخاري بهذا اللفظ (ج 1 ص 146) ورواه النسائي بمعناه (ج 1 ص 213 و 214) (4) في اليمنية (إذ عقلوها) (7) في اليمنية (وادركوا)(2/232)
لما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا ابن السليم (1) ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا محمد بن عيسى ثنا ابراهيم بن سعد عن عبد الملك بن الربيع بن سيرة عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها) (2) * 277 - مسألة - ولا على مجنون ولا مغمى عليه ولا حائض ولا نفساء، ولا قضاء على واحد منهم الا ما أفاق المجنون والمغمى عليه، أو طهرت الحائض والنفساء في وقت أدركوا (3) فيه بعد الطهارة الدخول في الصلاة * برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة) فذكر (المجنون حتى يفيق).
وأما الحائض والنفساء واسقاط القضاء عنها فاجماع متيقن *
وأما المغمي عليه فاننا روينا عن عمار بن ياسر وعطاء ومجاهد وابراهيم وحماد ابن أبى سليمان وقتادة ان المغمى عليه يقضى، وقال سفيان: يقضى إن أفاق عند غروب الشمس الظهر والعصر فقط.
وقال أبو حنيفة: ان أغمى عليه خمس صلوات قضاهن، فان اغمى عليه أكثر لم يقض شيئا * قال على: أما قول أبى حنيفة ففي غاية الفساد، لانه لا نص أتى بما قال، ولا قياس، لانه أسقط عن المغمي عليه ست صلوات ولم يرد عليه (4) قضاء شئ منهن وأوجب عليه أن أغمى عليه خمس صلوات أن يقضيهن، فلم يقس المغمى عليه على المغمى عليه في اسقاط القضاء، ولا قاس المغمى عليه على النائم في وجوب القضاء عليه في كل ما نام عنه *
__________
(1) سقط من المصرية (ثنا ابن السليم) وهو خطأ (2) رواه ابو داود (ج 1 ص 185) والترمذي (ج 1 ص 83) وقال: حسن صحيح، وروى ابو داود معناه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وسبرة بفتح السين المهملة واسكان الباء الموحدة هو ابن معبد الجهنى ويقال ابن عوسجة، صحابي شهد الخندق ومات في خلافة معاوية * (3) قوله (ولم ير عليه) سقط من المصرية فأضاع معنى الكلام.
وزدناه من اليمنية (4) في اليمنية (وعن معمر)(2/233)
وقد صح عن ابن عمر خلاف قول عمار، على ان الذى روينا عن عمار انما هو: انه اغمى عليه أربع صلوات فقضاهن، كما روينا عن عبد الرزاق بن جريج عن نافع ان ابن عمر اشتكى مرة غلب فيها على عقله حتى ترك الصلاة ثم أفاق، فلم يصل ما ترك من الصلاة وعن عبد الله بن عمر عن نافع: أغمى على ابن عمر يوما وليلة فلم يقض ما فاته.
وعن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه: إذا أغمى على المريض ثم عقل لم يعد الصلاة.
قال معمر (1): سألت الزهري عن المغمى عليه فقال لا يقضى
وعن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين (2) أنهما قالا في المغمى عليه: لا يعيد الصلاة التى أفاق عندها.
قال حماد قلت لعاصم ابن بهدلة (3): أعدت ما كان مغمى عليك؟ قال أما ذاك (4) فلا * قال على: المغمى عليه لا يعقل ولا يفهم، فالخطاب عنه مرتفع، وإذا كان كل من ذكرنا غير مخاطب بها في وقتها الذى ألزم الناس أن يؤدوها فيه -: فلا يجوز أداؤها في غير وقتها، لانه لم يأمر الله تعالى بذلك.
وصلاة لم يأمر الله تعالى بها لا تجب.
وبالله تعالى التوفيق * 278 - مسألة: وأما من سكر حتى وقت الصلاة أو نام عنها (4) حتى خرج وقتها أو نسيها حتى خرج وقتها: ففرض على هؤلاء خاصة أن يصلوها أبدا.
قال الله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فلم يبح الله تعالى للسكران أن يصلى حتى يعلم ما يقول * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب (5) ثنا قتيبة ابن سعيد ثنا حماد بن زيد عن ثابت - هو البنانى - عن عبد الله بن رباح عن أبى قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انه ليس في النوم تفريط، انما التفريط في اليقظة
__________
(1) في اليمنية (عن الحسن البصري عن معمر ومحمد بن سيرين) وهو خطأ (2) بهدلة - بفتح الباء واسكان الهاء وفتح الدال المهملة - وفي المصرية بالذال المعجمة، وفي اليمنية (مدلة) وكلاهما خطأ (3) في اليمنية (ذلك) (4) كلمة (عنها) زيادة من اليمنية (5) في اليمنية (احمد بن سعيد) وهو خطأ(2/234)
فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها).
ورويناه أيضا (1) من طريق أنس مسندا: وهذا كله اجماع متيقن * 279 - مسألة: وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها فهذا لا يقدر على
قضائها ابدا، فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوع، ليثقل ميزانه يوم القيامة، وليتب وليستغفر الله عزوجل * وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: يقضيها بعد خروج الوقت، حتى ان مالكا وأبا حنيفة قالا: من تعمد ترك صلاة أو صلوات فانه يصليها قبل التى حضر وقتها ان كانت التى تعمد تركها خمس صلوات فأقل سواء خرج وقت الحاضرة أو لم يخرج، فان كانت أكثر من خمس صلوات بدأ بالحاضرة * برهان صحة قولنا قول الله تعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) وقوله تعالى (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) فلو كان العامد لترك الصلاة مدركا لها بعد خروج وقتها لما كان له الويل، ولا لقى الغى (2)، كما لا ويل ولا غى لمن أخرها إلى آخر وقتها الذى يكون مدركا لها (3) * وأيضا فان الله تعالى جعل لكل صلاه فرض وقتا محدود الطرفين، يدخل في حين محدود، ويبطل في وقت محدود، فلا فرق بين من صلاها قبل وقتها وبين من صلاها بعد وقتها، لان كليهما صلى في غير الوقت، وليس هذا قياسا لاحدهما على الآخر، بل هما سواء في تعدى حدود الله تعالى، وقد قال الله تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * وأيضا فان القضاء ايجاب شرع، والشرع لا يجوز لغير الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم * فنسأل من أوجب على العامد قضاء ما تعمد تركه من الصلاة: أخبرنا عن هذه الصلاة التي تأمره بفعلها، أهى التى أمره الله تعالى بها؟ أم هي غيرها؟ فان قالوا: هي هي، قلنا لهم: فالعامد لتركها ليس عاصيا، لانه قد فعل ما أمره الله تعالى، ولا اثم
__________
(1) في المصرية (وروينا أيضا) (2) في اليمنية (ولا لقى غيا) (3) في المصرية (الذى يكون فيها مدركا لها)(2/235)
على قولكم ولا ملامة على من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها.
وهذا لا يقوله مسلم.
وان قالوا: ليست هي التي أمره الله تعالى بها، قلنا صدقتم، وفى هذا كفاية إذ (1) أقروا بأنهم (2) أمروه بما لم يأمره به الله تعالى * ثم نسألهم عمن تعمد ترك الصلاة بعد الوقت: أطاعة هي أم معصية؟ فان قالوا: طاعة، خالفوا اجماع أهل الاسلام كلهم المتيقن، وخالفوا القرآن والسنن الثابتة.
وان قالوا (3): هو معصية، صدقوا، ومن الباطل أن تنوب المعصية عن الطاعة * وأيضا فان الله تعالى قد حد أوقات الصلاة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعل لكل وقت صلاة منها أولا ليس ما قبله وقتا لتأديتها، وآخرا ليس ما بعده وقتا لتأديتها، هذا ما لا خلاف فيه من أحد من الامة، فلو جاز أداؤها بعد الوقت لما كان لتحديده عليه السلام آخر وقتها معنى، ولكان لغوا من الكلام وحاش لله من هذا * وأيضا فان كل عمل علق بوقت محدود فانه لا يصح في غير وقته، ولو صح في غير ذلك الوقت لما كان ذلك الوقت وقتا له.
وهذا بين.
وبالله تعالى التوفيق * ونسألهم: لم أجزتم (4) الصلاة، بعد الوقت، ولم تجيزوها قبل الوقت؟ فان ادعوا الاجماع كذبوا، لان ابن عباس والحسن البصري يجيزان الصلاة قبل الوقت لا سيما، والحنفيون والشافعيون والمالكيون يجيزون الزكاة قبل الوقت، ويدعون أن قتال أبى بكر لاهل الردة، انما كان قياس للزكاة على الصلاة، وأنه قال: لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فان الزكاة حق المال وهم قد فرقوا (5) ههنا بين حكم الزكاة والصلاة.
فليعجب المتعجبون! وان ادعوا فرقا من جهة نص أو نظر لم يجدوه فان قالوا: فانكم (7) تجيزون الناسي (3) والنائم والسكران على قضائها أبدا،
__________
(1) في اليمنية (إذا) وهو خطأ (2) في المصرية (انهم) (3) في اليمنية (فان قالوا) وهو خطأ (4) في اليمنية (لو أجزتم) وهو خطأ
(5) في اليمنية (وقد فرقوا) (6) في اليمنية (انكم) (7) كذا في الاصلين (تجيزون) وله وجه، ولعل الاحسن منه أن يكون (تجيزون)(2/236)
وهذا خلاف قولكم بالوقت؟ قلنا لا، بل وقت الصلاة للناسي والنائم والسكران ممتد أبدا غير منقض * وبرهان أنهم ليسوا عصاة في تأخيرها إلى أي وقت صلوها فيه * وكل أمر الله عزوجل فانه منقسم على ثلاثة أوجه لا رابع لها: إما أمر غير معلق بوقت، فهذا يجزئ أبدا متى أدى، كالجهاد والعمرة وصدقة التطوع والدعاء وغير ذلك (1)، فهذا يجزئ متى أدى، والمسارعة إليه أفضل، لقول الله عزوجل: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها، وإما أمر معلق بوقت محدود الاول غير محدود الآخر كالزكاة ونحوها، فهذا لا يجزئ قبل وقته، ولا يسقط بعد وجوبه أبدا، لانه لا آخر لوقته (2)، والمبادرة إليه أفضل لما ذكرنا.
وإما أمر معلق بوقت محدود أوله وآخره فهذا لا يجزئ قبل وقته ولا بعد وقته، ويجزئ في جميع وقته، في أوله وآخره ووسطه، كالصلاة الحج وصوم رمضان ونحو ذلك * ونقول لمن خالفنا: قد وافقتمونا على أن الحج لا يجزئ في غير وقته، وأن الصوم لا يجزئ في غير النهار، فمن أين أجزتم ذلك في الصلاة؟ وكل ذلك ذو وقت محدود أوله وآخره؟! وهذا مالا انفكاك منه.
فان قالوا: قسنا العامد على الناسي.
قلنا: القياس كل باطل، ثم لو كان القياس حقا (3) لكان هذا منه عين الباطل، لان القياس عند القائلين به إنما هو قياس الشئ على نظيره، لا على ضده، وهذا مالا خلاف فيه بين أحد من أهل القياس، وقد وافقهم من لا يقول بالقياس، على أنه لا يجوز قياس الشئ على ضده الطاعة، فصار اجماعا متيقنا وباطلا لا شك فيه.
والعمد
ضد النسيان، والمعصية ضد الطاعة.
بل قياس ذلك على ما ذكرنا من الحج أولى، لو كان القياس حقا، لا سيما والحنفيون والمالكيون لا يقيسون الحالف عامدا للكذب
__________
(1) في اليمنية (لغير ذلك) وهو خطأ (2) في اليمنية (لانه أخر لوقته) وفى المصرية (لانه.
آخر لوقتها) وكلاهما خطأ، الا ان الخطأ في المصرية محتمل، لانه أعاد الضمير مؤنثا (3) في اليمنية (ثم لو كان حقا)(2/237)
على الحالف فيحنث غير عاند للكذب في وجوب الكفارة، بل يسقطون الكفارة عن العامد، ويوجبونها على غير العامد، ولا يقيسون قاتل العمد على قاتل الخطأ في وجوب الكفارة عليه، بل يسقطونها عن قاتل العمد، ولا يرون قضاء الصلاة على المرتد فهذا تناقض لاخفاء به وتحكم بالدعوى وبالله تعالى التوفيق * ولو كان القضاء واجبا علي العامد لترك الصلاة حتى يخرج وقتها لما أغفل الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ذلك، ولاآ نسياه، ولا تعمدا اعناتنا بترك بيانه (وما كان ربك نسيا).
وكل شريعة لم يأت بها القرآن ولا السنة فهى باطل * وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من فاتته (2) صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله).
فصح ان ما فات فلا سبيل إلى ادراكه، ولو أدرك أو أمكن أن يدرك لما فات، كما لا تفوت المنسية أبدا، وهذا لا إشكال فيه.
والامة أيضا كلها مجمعة على القول والحكم بأن الصلاة قد فاتت إذا خرج وقتها، فصح فوتها باجماع متيقن، ولو أمكن قضاؤها وتأديتها لكان القول بأنها فاتت كذلك وباطلا.
فثبت يقينا أنه لا يمكن القضاء فيها أبدا * وممن قال بقولنا في هذا عمر بن الخطاب وابنه عبد الله، وسعد بن أبى وقاص وسليمان، وابن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبى بكر، وبديل (3) العقيلى، ومحمد
ابن سيرين، ومطرف بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم * فروينا من طريق شعبة عن يعلى بن عطاء عن عبد الله بن حراش (4) قال
__________
(1) في المصرية (وهذا) (2) في اليمنية (ان من فاتته) (3) بالباء الموحدة والدال المهملة مصغر وفى اليمنية (يزيد) وهو خطأ (4) كذا في الاصلين ولم أعرف من هو ولا صحة اسمه ولم أجد له ترجمة، فليس يوجد في كتب الرجال الا عبد الله بن خراش - بكسر الخاء المعجمة - وليس من هذه الطبقة بل هو متأخر من طبقة شعبة، مات بين سنة 160 و 170 وهو كذاب منكر الحديث، وليس من المعقول أبدا أن يكون هو.(2/238)
رأى ابن عمر (1) رجلا يقرأ صحيفة، فقال له: يا هذا القارئ، إنه لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها، فصل ثم اقرأ ما بدا لك * وروينا (2) من طريق ابراهيم بن المنذر الحزامى (3) عن عمه الضحاك بن عثمان (4) أن عمر بن الخطاب (5) قال في خطبته بالجابية: ألا وان الصلاة لها وقت شرطه الله لا تصلح الا به * ومن طريق محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن أبى نضرة عن سالم بن الجعد قال قال سليمان - هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة مكيال، فمن وفى وفى له، ومن طفف فقد علمتم ما قيل في المطففين * قال على: من أخر الصلاة عن وقتها فقد طفف * ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن أبى النجود عن مصعب ابن سعد بن أبى وقاص عن أبيه سعد أنه قال في قول الله تعالى: (والذين هم عن
__________
(1) في اليمنية (رأى عمر) ولا أعرف أيهما الصواب فانى لم أجد هذا الاثر الا هنا (2) في اليمنية (ورويناه) وهو خطأ (3) في اليمنية بكسر الحاء المهملة وفتح الزاى نسبة
إلى أحد أجداده (حزام بن خويلد بن أسد) (4) الضحاك بم عثمان اثنان: أحدهما (الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد ابن حزام بن خويلد بن الاسد) وهذا ليس مرادا هنا فانه قديم وليس عما لابراهيم بل هو عم جده، وانما المراد هنا حفيد الاول وهو (الضحاك بن عثمان بن الضحاك) وهو من أصحاب مالك، وليس عم ابراهيم بن المنذر لحا وانما هو عمه كلالة، لان ابراهيم هو ابن المنذر بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد) وهو معروف بالرواية عن الضحاك الثاني الحفيد وعلى كل فهذا الاثر منقطع لان الضحاك الاول مات سنة 153 والثاني مات سنة 180 فلم يدرك واحد منهما عمر (5) في اليمنية (الضحاك بن عثمان بن عمر بن الخطاب) وهو خطأ ظاهر(2/239)
صلاتهم ساهون) قال: السهو الترك عن الوقت (1) * قال على: لو أجزأت عنده بعد الوقت لما كان له الويل عن شئ قد أداء وبه إلى وكيع (2) عن المسعودي عن القاسم (3) - هو ابن عبد الرحمن - والحسن - هو ابن سعد (4): قيل لعبد الله بن مسعود (5) (الذين هم على صلاتهم دائمون) (والذين هم على صلاتهم يحافظون) فقال: ذلك على مواقيتها، قالوا: ما كنا نرى ذلك الا على تركها، قال: تركها هو الكفر * وعن محمد بن المثنى: حدثنا عبد الاعلى ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: ذكر لنا ان عبد الله بن مسعود كان يقول: ان للصلاة وقتا كوقت الحج، فصلوا الصلاة لميقاتها * وعن محمد بن المثنى حدثنا عبد الله بن مهدى ثنا حماد بن زيد عن يحيى ابن عتيق قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: ان للصلاة وقتا وحدا فان (6)
الذى يصلى قبل الوقت مثل الذى يصلى بعد الوقت *
__________
(1) رواه الطبري (ج 3.
ص 201) من طريق وكيع وجعله من كلام مصعب ابن سعد ورواه من طرق أخري عن مصعب عن أبيه (2) كذا في الاصلين ولم يتقدم اسناد إلى وكيع حتى يصاح أن يقول (وبه إلى وكيع) (3) القاسم هو بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي، والراوي عن المسعودي - شيخ وكيع - هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله ابن مسعود، فاشتبه الامر على ناسخ النسخة المصرية - أو صاحبها - فكتب بحاشيتها (لعله أي يريد لعل الصواب عن المسعودي أي القاسم الخ، وهذا فهم خطأ والصواب ما أوضحناه وأن المسعودي شيخ وكيع روى عن المسعودي الكبير القاسم ابن عبد الرحمن، وبذلك يستقيم الاسناد (4) (سعد) باسكان العين وهو الذي في اليمنية، وفي المصرية (سعيد) وهو خطأ (5) رواية القاسم والحسن بن سعد عن ابن مسعود مرسلة، فانهما لم يدركاه، وهذا الاثر رواه الطبري في التفسير (ج 16 ص 74 عن ابن وكيع عن أبيه، وفيه (الحسن بن مسعود) وهو خطأ وصوابه (الحسن بن سعد) (6) في المصرية وان(2/240)
ومن طريق سحنون عن ابن القاسم أخبرني مالك ان القاسم (1) بن محمد بن أبى بكر الصديق حين كانت بنو أمية يؤخرون الصلاة: أنه كان يصلى في بيته، ثم يأتي المسجد يصلى معهم، فكلم في ذلك.
فقال: أصلى مرتين أحب إلى من أن لا أصلى شيئا * قال على فهذا يوضح ان الصلاة الاولى كانت فرضه (2) والاخرى تطوع، فهما صلاتان صحيحتان، وان الصلاة بعد الوقت ليس صلاة أصلا، ولا هي شئ (3) * وعن أسد بن موسى بن مروان بن معاوية الفزارى: ان عمر بن عبد العزيز قال: سمعت الله تعالى ذكر أقواما فعابهم فقال (أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات
فسوف يلقون غيا) ولم تكن اضاعتهم اياها، أن تركوها، ولو تركوها لكانوا بتركها كفارا، ولكن أخروها عن وقتها (4) * وعن عبد الرزاق عن معمر عن بديلى العقيلى (5) قال: بلغني ان العبد إذا صلى الصلاة لوقتها صعدت ولها نور ساطع في السماء، وقالت: حفظتني حفظك الله، وإذا صلاها لغير وقتها طويت كما يطوى الثوب الخلق فضرب بها وجهه * ومن العجب أن بعضهم قال: معنى قول ابن عمر: لا صلاة لمن لم يصل الصلاة لوقتها أي لا صلاة كاملة، وكذلك قال آخرون في قوله عليه السلام: (لا صلاة لمن
__________
(1) في المدونة (ج 1: ص 87) (وأخبرني مالك عن القاسم) الخ (2) في اليمنية (فريضة) (3) في المصرية (ولا هي شيئا) (4) بهذا المعنى تقريبا كلمة أخرى لعمر بن عبد العزيز في سيرته لابن الجوزى (ص 86) وفي تفسير الطبري (ج 16 ص 74) (5) بديل - مصغر - هو ابن ميسرة العقيلى، ومعمر هو ابن راشد الازدي، وفى المصرية (عن معمر بن بديل العقيلى) وفي اليمنية (عن معمر بن زيد العقيلى) وكلاهما خطأ فاحش(2/241)
لا يقيم (1) صلبه في الركوع والسجود) وفى قوله عليه السلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) * قال على: فيقال لهؤلاء: ما حملكم على ما ادعيتم؟ فان قالوا: هو معهود كلام العرب، قلنا: ما هو كذلك، بل معهود كلام العرب الذي لا يجوز غيره - أن (لا) للنفي والتبرئة جملة إلا أن يأتي دليل من نص آخر أو ضرورة حس على خلاف ذلك ثم هبكم أنه كما قلتم، فان ذلك حجة لنا، وهو قولنا، لان كل صلاة لم تكمل ولم تتم
فهى باطل كلها، بلا خلاف منا ومنكم.
فان قالوا.
انما هذا فيما نقص من فرائضها قلنا: نعم، والوقت من فرائض الصلاة بأجماع منا ومنكم ومن كل مسلم، فهى صلاة تعمد ترك فريضة من فرائضها * قال على: ما نعلم لمن ذكرنا من الصحابة رضى الله عنهم مخالفا منهم، وهم يشنعون بخلاف الصاحب إذا وافق أهواءهم، وقد جاء عن عمر ومعاذ وعبد الرحمن ابن عوف ومعاذ بن جبل (2) وأبى هريرة وغيرهم من الصحابة رضى الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد.
وهؤلاء الخنفيون والمالكيون لا يرون على المرتد قضاء ما خرج وقته.
فهؤلاء من الصحابة رضى الله عنهم أيضا لا يرون على من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها قضاء (3) * قال على: وما جعل الله تعالى عذرا لمن خوطب بالصلاة في تأخيرها عن وقتها بوجه من الوجوه، لا في حال المطاعنة والقتال والخوف وشدة المرض والسفر.
وقال
__________
(1) في المصرية (لمن لا يقم) وفي اليمنية (لمن لم يقيم) وكلاهما خطأ والصواب (لمن لم يقيم) فقد رواه بهذا اللفظ احمد في مسنده (ج 4 ص 23) وابن ماجه (ج 1 ص 147) ونسبه اليهما ابن تيمية في المنتقى (انظر الشوكاني ج 2 ص 280) طبع ادارة الطباعة المنيرية بلفظ (لمن لم يقم) والصواب ما قلنا.
وهذا الحديث قال الهيثمى في زوائد ابن ماجه: (اسناد صحيح ورجاله ثقات ورواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما) (2) كذا في الاصلين بتكرار اسم معاذ مرتين (3) في اليمنية (حتى خرج وقتها أيضا) وما هنا أصح وأحسن(2/242)
الله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك) الآية، وقال تعالى: (فان خفتم فرجالا أو ركبانا).
ولم يفسح الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في تركها عن وقتها حتى صلاها بطائفتين من احداهما وجوه (1) احدى الطائفتين إلى غير
القبلة، على ما نذكر في صلاة الخوف ان شاء الله عزوجل.
ولم يفسح تعالى في تأخيرها عن وقتها للمريض المدنف، بل أمر إن عجز عن الصلاة قائما أنه يصلى قاعدا (2)، فان عجز عن القعود فعلى جنب، وبالتيمم ان عجز عن الماء، وبغير تيمم ان عجز عن التراب، فمن أين أجاز من أجاز تعمد تركها حتى يخرج وقتها؟ ثم أمره بأن يصليها بعد الوقت، وأخبره بأنها تجزئه كذلك (3)، من غير قرآن ولا سنة، لا صحيحة ولا سقيمة، ولا قول لصاحب ولا قياس * وقد أقدم بعضهم فذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق الظهر والعصر بعد غروب الشمس، ثم أشار إلى أنه عليه السلام تركها متعمدا ذاكرا لها * قال على: وهذا كفر مجرد ممن أجاز ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لانهم مقرون معنا بلا خلاف من أحدهم (4) ولا من أحد من الامة في أن من تعمد ترك صلاة فرض ذاكرا لها حتى يخرج وقتها، فان فاسق مجرح الشهادة، مستحق للضرب والنكال، ومن أوجب شيئا من النكال على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو وصفه وقطع عليه بالفسق أو بجرحه في شهادته: فهو كافر مشك مرتد كاليهود والنصارى، حلال الدم والمال بلا خلاف من أحد من المسلمين * وذكر بعضهم قول الله تعالى: (أقم الصلاة لذكرى) وقوله عليه السلام: (خمس صلوات كتبهن الله تعالى): وقال قد صح وجوب الصلاة، فلا يجوز سقوطها إلا ببرهان نص أو اجماع *
__________
(1) كذا في الاصلين والمراد ظاهر والتركيب فيه شئ (2) في اليمنية (ان عجز عن الصلاة فانما أن يصلى قائما) وهو خطأ ظاهر (3) في اليمنية (وأخبره بأنه يخبره لذلك) وهو خطأ (4) في اليمنية (بلا خلاف منهم)(2/243)
قال على: وهذا قول صحيح، وقد صح البرهان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب كل صلاة في وقت محدود أوله وآخره، ولم يوجبها عليه السلام لا قبل ذلك الوقت ولا بعده، فمن أخذ بعموم هذه الآية وهذا الخبر لزمه إقامة الصلاة قبل الوقت وبعد، وهذا خلاف لتوقيت النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بوقتها (1) * وموه بعضهم بحديث رويناه من طريق أنس: انهم اشتدت الحرب غداة فتح تستر (2) فلم يصلوا إلا بعد طلوع الشمس، وهذا خبر لا يصح، لانه انما رواه مكحول: أن أنس بن مالك قال، ومكحول لم يدرك أنسا (3) ثم لو صح فانه ليس فيه أنهم تركوها عارفين بخروج وقتها، بل كانوا ناسين لها بلا شك، لا يجوز أن يظن بفاضل من عرض المسلمين غير هذا، فكيف بصاحب من الصحابة رضى الله عنهم، ولو كانوا ذاكرين لها لصلوها صلاة الخوف كما أمروا، أو رجالا وركبانا كما ألزمهم الله تعالى، لا يجوز غير هذا، فلاح يقينا كذب من ظن غير هذا.
وبالله تعالى التوفيق * 280 - مسألة - وأما قولنا: أن يتوب من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها ويستغفر الله تعالى ويكثر من التطوع: فلقول الله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوق يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأؤلئك يدخلون الجنة) ولقول الله تعالى: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا
__________
(1) في اليمنية (لوقتها) (2) تستر بضم التاء الاولى وفتح الثانية وبينهما سين مهملة ساكنة: أعظم مدينة بخوزستان: تعريب (شوشتر) بالشينين المعجمتين اولاهما مضمومة، ومعناها الانزه والاطيب والاحسن قاله ياقوت وفتحت سنة 17 وقيل سنة 16.
وأثر أنس هذا لم أجده (3) هكذا يقول ابن حزم، وما أظنه صحيحا فقد قال ابن ابي حاتم في المراسيل (ص 77) (حدثنا أبى قال: سألت أبا مسهر: هل سمع مكحول من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما صح
عندنا الا أنس بن مالك) ونقل ابن حجر في التهذيب (ج 10 ص 290) عن الترمذي قال: (سمع مكحول من واثلة وأنس وابي هند الدارى) ثم قال: ويقال أنه لم يسمع من واحد من الصحابة الا منهم *(2/244)
أنفهسم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) وقال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وقال تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا)، وأجمعت الامة وبه وردت النصوص كلها على أن للتطوع جزءا من الخير، الله أعلم بقدره، وللفريضة أيضا جزء من الخير، الله أعلم بقدره (1)، فلا بد ضرورة من أن يجتمع من جزء التطوع إذا كثر ما يوازى جزء الفريضة ويزيد عليه، وقد أخبر الله تعالى أنه لا يضيع عمل عامل، وأن الحسنات يذهبن السيئات، وأن من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، ومن خفت موازينه فأمه هاوية * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا أبو داود ثنا يعقوب بن ابرهيم (2) ثنا اسماعيل - هو ابن علية - ثنا يونس عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبى أنه لقى أبا هريره فقال له أبو هريرة: (أول ما يحاسب الناس به (3) يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، يقول ربنا تبارك وتعالى للملائكة (4) وهو أعلم: انظروا في صلاة عبدى أتمها أم نقصها؟ فان كانت تامة كتبت له تامة، وان كان انتقص منها شيئا قال (5): انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فان كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الاعمال على ذلكم (6)) * قال أبو داود: وحدثنا موسى بن اسماعيل ثنا حماد هو ابن سلمة عن داود ابن أبى هند (7) عن زرارة بن أوفى عن تميم الدارى عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى،
__________
(1) قوله (وللفريضة أيضا) إلى هنا سقط من اليمنية وهو خطأ (2) في اليمنية (ثنا يعقوب ثنا ابراهيم) وهو خطأ
(3) في المصرية (يحاسب به الناس) وما هنا أصح وهو الذى في اليمنية لموافقته لابي داود (ج ص 322) (4) في أبي داود (لملائكته) (5) في اليمنية (انتقص قال) الخ وفى المصرية (انتقص منها شئ قال) الخ وكلاهما خطأ صححناه من ابى داود (6) في ابى داود نسختان: (على ذاك) و (على ذاكم) (7) في اليمنية (داود بن هند) وهو خطأ(2/245)
قال: (ثم الزكاة مثل ذلك، ثم تؤخذ الاعمال علي حسب ذلك (1)) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح نى عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج حدثنى زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا جميعا ثنا يحيى - هو ابن سعيد القطان - عن عبيد الله - هو ابن عمر - عن نافع (2) عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده سبعا وعشرين درجة (3)) * وبه إلى مسلم: حدثنا اسحاق بن ابراهيم أخبرنا المغيرة بن سلمة المخزومى ثنا عبد الواحد هو ابن زياد ثنا عثمان بن حكيم أخبرنا عبد الرحمن بن أبى عمرة قال: دخل عثمان بن عفان رضى الله عنه المسجد بعد صلاة المغرب فقعد وحده (4) فقعدت إليه، فقال: يا ابن أخى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله (5)) * فهذا بيان مقدار (6) أجر التطوع وأجر الفريضة، وانما هذا لمن تاب وندم وأقلع واستدرك ما قرط *
__________
(1) حديث أبى هريرة نسبه المنذرى لابن ماجه ونسبه ابن تيمية في المنتقي لاحمد والترمذي والنسائي أيضا، وهو في النسائي بأسانيد مختلفة (ج 1 ص 81 و 82)
، ورواه الحاكم في المستدرك (ج 1 ص 262) وصححه هو والذهبي، وأنس بن حكيم الضبى ذكره ابن حبان في الثقات وجهله ابن القطان وابن المديني، وحديث تميمم الدارى نسبه المنذري لابن ماجه، ورواه أيضا الحاكم (ج 1 ص 262 و 263) وصححه على شرط مسلم (2) في مسلم (ج 1 ص 180) (أخبرني نافع) (3) في الاصلين (سبعا وعشرين جزأ) وهو خطأ في الرواية وفي تذكير العدد، وصححناه من صحيح مسلم (4) الزيادة من صحيح مسلم (ج 1 ص 182) (5) في مسلم (صلى الليل كله) (6) في اليمنية (بيان بمقدار)(2/246)
وأما من تعمد ترك المفروضات واقتصر على التطوع ليجبر بذلك ما عصى في تركه مصرا على ذلك، فهذا عاص في تطوعه، لانه وضعه في غير موضعه، لان الله تعالى لم يضعه لتترك الفريضة، بل ليكون زيادة خير ونافلة، فهذا هو الذى يجبر به الفرض المضيع.
وإذا عصى في تطوعه فهو غير مقبول منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) * فان ذكر ذاكر ما روى من أن التطوع لا يقبل ممن لا يؤدى الفريضة كالتاجر لا يصح له ربح حتى يخلص رأس ماله: فباطل لا يصح، لانه انما رواه موسى ابن عبيدة الربذى (1) وهو ضعيف، وعبد الملك بن حبيب الاندلسي عن المكفوف (2) عن أيوب بن خوط (3) وهذه ثلاث بلايا في نسق (4)، أحداها (5) يكفى، ومرسل أيضا، وعبد الملك بن حبيب عن مطرف عن مالك أن أبا بكر الصديق، وعبد الملك ساقط (6)، وهذا أيضا منقطع، ولو صح ذلك لكان (7) المراد به من قصد التطوع ليعوضه عن الفريضة، مصرا على ذلك غير نادم ولا
تائب.
وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) الربذي بفتح الراء والباء ثم ذال معجمة، نسبة إلى الربذة، وفى اليمنية (الزيدى) وهو تصحيف، وموسى ثقة انما ضعف من قبل حفظه حتى قيل: لا شئ (2) ذكره ابن حجر في اللسان (ج 6 ص 471) ونقل كلام المؤلف فيه في وطئ الحائض وانه قال (لا يعرف هذا المكفوف) ثم قال (تقدم في اضل الميزان قاسم ابن عبد الله المكفوف والذي قبله وهو من طبقة من يروي عن أيوب بن خوط فالله أعلم) (3) خوط بفتح الخاء المعجمة واسكان الواو وآخره طاء مهملة، وفى المصرية بالحاء المهملة، وهو تصحيف وفى اليمنية (حوق) بالمهملة والقاف، وهو خطأ (4) في اليمنية (فسق) وهو خطأ لا معنى له (5) في المصرية (احداهما) وهو خطأ (6) سبق ان قلنا مرارا ان المؤلف يحمل على عبد الملك بن حبيب بغير وجه فهو عالم جليل الا انه يخطئ في الحديث ولم يكن صناعته.
(7) في اليمنية بحذف (لكان) وهو خطأ(2/247)
الصلوات المفروضات الخمس 281 مسألة المفروض من الصلاة على كل بالغ عاقل حر أو عبد ذكر أو أنثى خمس، وهى الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة وهى العتمة وصلاة الفجر * فالصبح ركعتان أبدا، على كل أحد من صحيح أو مريض أو مسافر أو مقيم، خائف أو آمن.
والمغرب ثلاث ركعات أبدا، كما قلنا في الصبح سواء سواء.
وأما الظهر والعصر والعشاء الآخرة فكل واحدة منهن على المقيم مريضا كان أو صحيحا خائفا أو آمنا -: اربع ركعات أربع ركعات، وكل هذا اجماع متيقن مقطوع به، لا خلاف فيه بين أحد من الامة قديما ولا حديثا، ولا في شئ منه، وكل واحدة منهن على المسافر
الآمن ركعتان ركعتان.
وأما المسافر الخائف فان شاء صلى كل واحدة منهن ركعتين وان شاء صلي كل واحدة منهن ركعة واحدة، والخلاف موجود في كل هذا فيما ذلك السفر، وفى مقدار ذلك السفر من الزمان ومن المسافة، وفى هل ذلك القصر عليه فرض أم هو فيه مخير، وفى هل تجزئ ركعة واحدة في الخوف في السفر أم لا.
وسنذكر البرهان على الحق من ذلك، وبطلان الخطأ فيه، في أبوابه ان شاء الله عزوجل.
ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم.
وبه تعالى نستعين وبه نتأيد * (أقسام التطوع) 282 مسألة أوكد التطوع ما قد ذكرناه في أول مسألة من كتاب الصلاة من ديواننا هذا، من الاقسام التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوصة بأسمائها، وبعد ذلك ما لم يرد به أمر، ولكن جاء الندب إليه * أوكد ذلك ركعتان بعد الفجر الثاني وقبل صلاة الصبح، ثم صلاة العيدين، ثم صلاة الاستسقاء، وقيام رمضان، وأربع ركعات قبل الظهر بعد الزوال، وأربع ركعات بعد الظهر واربع ركعات قبل العصر إن شاء لم يسلم الا في آخرهن (1)، وإن شاء سلم من كل ركعتين، وركعتان (2) بعد صلاة العصر، وركعتان بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب،
__________
(1) في المصرية (آخرهما) وفى اليمنية (ان شاء ما لم يسلم الا في آخرهن) فضمير المثنى في المصرية خطأ، وزيادة (ما) في اليمنية خطأ أيضا والصواب ما اخترناه من مجموعهما كما هو واضح (2) في اليمنية (وركعتين) وهو خطأ(2/248)
وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان قبل صلاة العتمة، وركعتان عند القدوم من السفر في المسجد، وما تطوع به المرء إذا توضأ (1)، ثم ما تطوع به المرء في نهاره وليله * حدثنا عبد الله بن يوسف (2) ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى
ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج: حدثنى (3) زهير بن حرب ثنا يحيى بن سعيد القطان عن ابن جريج (أخبرني عطاء (4)) عن عبيد بن عمير عن عائشة أم المؤمنين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على شئ من النوافل أشد تعاهدا (5) منه على ركعتين قبل الصبح) * وبه إلى مسلم: حدثنا محمد بن عبيد الغبرى ثنا أبو عوانة (6) عن قتادة عن زرارة بن أوفى (7) عن سعد بن هشام بن عامر (8) عن عائشة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) * وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الاستسقاء على ما سنذكره في بابها إن شاء الله عزوجل (9) وحض عليه السلام (10) أيضا على قيام رمضان على ما نذكره في بابه إن شاء الله عزوجل *
__________
(1) في اليمنية (وما تطوع به المراد اتطوع) وهو خطأ لا معنى له (2) في اليمنية (عبيد الله بن يوسف) وهو خطأ (3) في اليمنية (ثنا) وما هنا هو الموافق لصحيح مسلم (ج 1 ص 201) (4) قوله (أخبرني عطاء) سقط من الاصلين وزدناه من مسلم.
(5) في مسلم (أشد معاهدة) (6) في المصرية (محمد بن عبيد الغبرانا ابو عوانة) وفى اليمنية (محمد بن عبيد العبرى ابو عوانة) وكلاهما خطأ وصححناه من مسلم (ج 1 ص 201) (7) في الاصلين (عن زرارة بن أبى أوفى) وهو خطأ (8) في المصرية (سعيد بن هشام بن عامر وفي اليمنية سعد بن زرارة بن هشام بن عامر) وكلاهما خطأ (9) في اليمنية (وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الاستسقاء على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله عزوجل) وهو خطأ في قوله (سمى) غير مفهوم (10) في اليمنية (وخط عليه السلام) وهو خلط(2/249)
وبه إلى مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى النيسابوري ثنا هشيم عن خالد (1) هو الحذاء عن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه؟ فقالت: (كان يصلى في بيته (2) قبل الظهر أربعا، ثم يخرج فيصلى بالناس، ثم يدخل فيصلى ركعتين، ويصلى (3) بالناس المغرب، ثم يدخل فيصلى ركعتين ويصلى بالناس العشاء (4)، ويدخل بيتى فيصلى ركعتين) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا حفص بن عمر هو الحوضى ثنا شعبة عن أبي اسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على ابن أبي طالب رضى الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى قبل العصر ركعتين (5)) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا اسماعيل ابن مسعود ثنا يزيد بن زريع ثنا شعبة عن أبي اسحاق عن عاصم بن ضمرة: سألنا عليا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوصف قال: (كان يصلى قبل الظهر أربعا، وبعدها ثنتين، ويصلى قبل العصر أربعا، يفصل بين كل ركعين بتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين (6)) * وبه إلى أحمد بن شعيب: أنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن عبد الرحمن ثنا حصين بن عبد الرحمن عن أبى اسحاق عن عاصم بن ضمرة قال: سألنا (7) عليا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوصف قال: كان يصلى قبل الظهر أربع ركعات، يجعل التسليم في آخر ركعة (8)، وبعدها أربع ركعات يجعل التسليم في آخر ركعة) (9)
__________
(1) في اليمنية (هشيم بن خالد) وهو خطأ (2) في الاصلين (في بيتى) وصححناه من مسلم (ج 1 ص 202) (3) في مسلم (وكان يصلى) (4) كلمة (العشاء) حذفت من اليمنية (5) في أبو داود (ج 1 ص 490 - 491) (6) الحديث في النسائي (ج 1 ص 139 - و 140) مطول واختصره المؤلف.
(7) في النسائي (سألت) (8) في اليمنية (في آخر ركعتين)
(9) الحديث بهذا الاسناد في النسائي (ج 1 ص 140) ولكن لفظه (سألت على ابن أبي طالب عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهار قبل المكتوبة؟ قال: من يطيق ذلك! أخبرنا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى حين تزيغ(2/250)
قال أبو محمد: لا تعارض بين شئ مما ذكرنا، بل كل ذلك حسن مباح، من رواية الثقات الاثبات * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلى ثنا ابن علية هو اسماعيل عن الجريرى (1) عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن معفل (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة لمن شاء) (3) * قال على: دخل في هذا العموم ما بين (4) إذ ان العتمة واقامتها، وما بين أذان المغرب واقامتها، وما بين أذان صلاة الصبح واقامتها * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا الضحاك يعني أبا عاصم ثنا ابن جريج أنا ابن شهاب أن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أخبره عن أبيه وعمه عبد الله وعبيد الله ابني كعب بن مالك عن أبيهما: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدم من سفر إلا نهارا في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه (5) ركعتين ثم جلس فيه) * وبه إلى مسلم: ثنا عبد بن حميد أنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى هريرة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
الشمس ركعتين وقبل نصف النهار أربع ركعات يجعل التسليم في آخره) والحديث عند المؤلف هنا أطول، فما أدرى من أين جاءت هذه الزيادة؟! ولعلها رواية أخرى
ليست بين أيدينا (1) في اليمنية (اسمعيل بن الجريرى) وهو خطأ (2) في اليمنية (معقل) وهو تصحيف (3) في أبى داود (ج 1 ص 495) (بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة لمن شاء).
وهذا الحديث رواه الجماعة وعند بعضهم أنه قال (لمن شاء) في المرة الثالثة (4) في اليمنية (يكن) بدل (بين) وهو خطأ (5) في اليمنية (فركع فيه) وما هنا هو الصواب الذى في صحيح مسلم (ج 1 ص 199) وفى المصرية أيضا(2/251)
يرغب (1) في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة) * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا ابراهيم بن أحمد البلخى (2) ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا اسحاق بن نصر ثنا أبو أسامة عن أبى حيان التيمي عن أبى زرعة عن أبي هريرة: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر: يا بلال، حدثنى بأرجى عمل عملته في الاسلام؟ فانى سمعت دف (3) نعليك بين يدى في الجنة قال بلال: ما عملت عملا أرجى عندي أني لم أتطهر طهورا في ساعة ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور (4) ما كتب لى أن أصلى) * * (فصل في الركعتين قبل المغرب) * 283 مسألة قال أبو محمد: منع قوم من التطوع بعد غروب الشمس وقبل صلاة المغرب، منهم مالك وأبو حنيفة، وما نعلم لهم حجة إلا أن أحمد بن محمد ابن عبد الله الطلمنكي قال ثنا محمد بن احمد بن مفرج (5) ثنا الصموت ثنا البزار ثنا عبد الواحد بن غياث (6) ثنا حيان بن عبيد الله عن عبد الله بن بريدة (7) عن
__________
(1) في المصرية (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب) وما هنا هو الذى في اليمنية والموافق لمسلم (ج 1: ص 210)
(2) في اليمنية (ابراهيم البحلى) وهو خطأ (3) بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء أي صوت، وقال البخاري (يعنى تحريك) والمعنى واحد (4) في اليمنية (الطهر) وهو خطأ وما هنا هو الصواب الموافق للبخاري (ج 1 ص 160 - و 161) (5) في الاصلين (احمد بن محمد بن مفرج) وهو خطأ انظر ما سبق في المسئلتين (116 - و 118) في تحقيقنا اسمه (6) غياث بكسر الغين المعجمة وآخره ثاء مثلثة، وفي المصرية (عبد الواحد ابن عمار) وهو خطأ (7) (حيان) بالخاء المهملة والياء المثناة وفى الاصلين (حبان) بالموحدة وهو خطأ وأبوه (عبيد الله) بالتصغير وفى اليمنية (عبد الله) بالتكبير وهو خطأ.
وفي المصرية (حبان بن عبيد الله بن عبيد الله بن بريدة) وهو خطأ فاحش(2/252)
أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة إلا المغرب) (1) قال أبو محمد: هذه اللفظة انفرد بها حيان بن عبيد الله وهو مجهول (2)، والصحيح هو ما رواه الجريري عن عبد الله بن بريدة، وقد ذكرناه آنفا، وذكروا عن ابراهيم النخعي: أن أبا بكر وعمر وعثمان لم يكونوا (3) يصلونهما
__________
(1) في اليمنية (الا صلاة المغرب) وهذا الحديث رواه البزار كما ترى واليه نسبه الزيلعى في نصب الراية (ج 1 ص 287) ورواه الدارقطني من طريق عبد الغفار بن داود وعبد الواحد بن غياث كلاهما عن حيان (ص 98 - و 99) ورواه البيهقي من طريق عبد الله بن صالح عن حيان (ج 1 ص 474) (2) أما ان حيان مجهول فلا، بل هو معروف وذكره ابن حبان في الثقات، وهو حيان بن عبيد الله بن حيان ابو زهير، قال روح بن عبادة (كان رجل صدق) وقال البزار بعد رواية هذا الحديث كما نقل عنه الزيلعي (لا نعلم رواه عن
ابن بريدة الا حيان بن عبيد الله وهو رجل مشهور من أهل البصرة لا بأس به).
وقال ابن حجر في اللسان: (قال ابن حزم مجهول فلم يصب) وقال أبو حاتم (صدوق).
وأما أن هذا الحديث ضعيف فنعم، لان حيان أخطأ فيه جدا، ولذلك قال الدارقطني (ليس بقوى) يعني حيان لخطئه في هذا الحديث وفي غيره.
قال البيهقي في السنن (ج 1 ص 474) (أنبأنا أبو عبد الله الحافظ اخبرني محمد بن اسمعيل حدثنا أبو بكر محمد بن اسحق يعني ابن خزيمة على أثر هذا الحديث قال: حيان بن عبيد الله هذا قد أخطأ في الاسناد، لان كهمس بن الحسن وسعيد ابن أياس الجريرى وعبد المؤمن العتكى رووا الخبر عن ابن بريدة عن عبد الله بن مغفل لا عن أبيه، هذا علمي من الجنس الذى كان الشافعي رحمه الله يقول: أخذ طريق المجرة.
فهذا الشيخ لما رأى أخبار ابن بريدة عن أبيه توهم أن هذا الخبر هو أيضا عن أبيه، ولعله لما رأي العامة لا تصلى قبل المغرب توهم أنه لا يصلى قبل المغرب، فزاد هذه الكلمة في الخبر وزاد علما بأن هذه الرواية خطأ ان ابن المبارك قال في حديثه عن كهمس: فكان ابن بريدة يصلى قبل المغرب ركعتين، فلو كان ابن بريدة قد سمع من أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاستثناء الذي زاد حيان بن عبيد الله في الخبر: (ما خلا صلاة المغرب): لم يكن يخالف خبر النبي صلى الله عليه وسلم اه (3) في المصرية (لم يكونا) وهو خطأ(2/253)
وهذا لا شئ، أول ذلك أنه منقطع، لان ابراهيم لم يدرك أحدا ممن ذكرناه، (1) ولا ولد الا بعد قتل عثمان بسنين، (2) ثم لو صح لما كانت فيه حجة، لانه ليس فيه أنهم رضى الله عنهم نهوا عنهما، ولا انهم كرهوهما، ونحن لا نخالفهم في أن ترك جميع التطوع مباح، ما لم يتركه المرء رغبة عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الهالك، ثم لو صح نهيهم عنهما ومعاذ الله أن يصح لما كانت في أحد منهم حجة على
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا على من صلاهما من الصحابة رضى الله عنهم، وقد خالفوا أبا بكر وعمر وجماعة من الصحابة في المسح على العمامة ومعهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا عجب أعجب من إقدامهم على مخالفة الصحابة إذا اشتهوا وتعظيمهم مخالفتهم إذا اشتهوا! وهذا تلاعب بالدين لاخفاء به! نعنى هؤلاء المقلدين المتأخرين * وذكروا عن ابن عمر أنه قال: ما رأيت (3) أحدا يصليهما.
وهذا لا شئ، أول ذلك أنه لا يصح، لانه عن أبى شعيب أو شعيب، ولا ندرى من هو؟ وأيضا فليس في هذا لو صح نهى عنهما، ونحن لا ننكر التطوع (4) ما لم ينه عنه (5) بغير حق، ثم لو صح عنه النهى عنهما وهو لا يصح أبدا، بل قد روى عنه جواز صلاتهما: لما كان فيه حجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا على سائر الصحابة النادبين اليهما، ومن العجائب أنهم لا يرون حجة قول ابن عمر: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبى بكر وعمر وعثمان فلم يقنت أحد منهم) إذ لم يوافق تقليدهم، وقد صح هذا عنه، ثم يجعلون ما لم يصح عنه، حجة إذ وافق أهواءهم! وهذا عجب جدا!! *
__________
(1) قوله (ممن ذكرنا) سقط من اليمنية وما هنا هو الصواب (2) في اليمنية (بسنتين) وهو خطأ، لان ابراهيم ولد فيما ذكره ابن حبان سنة 50 وأثره هذا رواه محمد بن الحسن في الآثار عن أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن ابراهيم.
(3) في اليمنية (ما رأينا) (4) كذا في المصرية وهو خطأ، ولعل صوابه (ونحن لا ننكر ترك التطوع) كما هو ظاهر (5) من أول قوله (ولا ندى من هو) إلى هنا سقط من اليمنية(2/254)
قال على: والحجة فيها هو (1) ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى (2) ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يزيد هو المقرئ ثنا سعيد بن أبي أيوب ثنا يزيد بن أبي حبيب سمعت مرثد بن عبد الله (3)
اليزنى هو أبو الخير قال أتيت عقبة بن عامر الجهنى فقلت: ألا أعجبك (4) من أبى تميم، يركع ركعتين قبل صلاة المغرب! فقال عقبة: (إنا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) (5) فسألت فما يمنعك الآن؟ قال: الشغل * وبه إلى البخاري: ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر غندر ثنا شعبة قال سمعت عمرو بن عارم الانصاري (6) عن أنس بن مالك قال: (كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدرون السوارى، حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك، يصلون الركعتين قبل المغرب) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب وأبو بكر بن أبى شيبة كلاهما عن ابن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: (كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نصلى ركعتين بعد غروب الشمس (7) فسألت (8): أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما؟ (9) فقال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا) *
__________
(1) في اليمنية بحذف (هو) (2) في اليمنية (ابرهيم بن احمد الفربرى) وهو خطأ (3) في اليمنية (سعيد بن أبي أيوب الجهنى سمعت مرثد بن عبد الله) وهو خطأ (4) (أعجبك) بضم الهمزة وإسكان العين، وضبط ايضا بفتح العين وتشديد الجيم.
(5) في اليمنية فقلت وفى البخاري (ج 1 ص 164) (قلت) (6) عمرو بفتح العين، وفى الاصلين (عمر) بضمها وهو خطأ صححناه من البخاري (ج 1 ص 91) (7) في اليمنية (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى ركعتين بعد غروب الشمس) وبحاشيتها (كذا وينظر في خطئه) وهو خطأ تماما لان باقى الحديث يدل على انهم الذين كانوا يصلون (8) في اليمنية (قلت) وفي مسلم (ج 1: ص 230) (فقلت له) (9) في مسلم (صلاهما)(2/255)
قال على.
ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقر الا على الحق الحسن، ولا يرى مكروها الا كرهه ولا خطأ الا نهى عنه، قال الله تعالى: (لتبين للناس ما نزل إليهم) * قال على: وقال بهذا جمهور الناس، وروينا عن عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز بن سهيب (1) عن أنس بن مالك قال: (كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السوارى فركعوا ركعتين، حتى ان الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب ان الصلاة قد صليت، لكثرة من يصليهما (2)) فهذا عموم للصحابة رضي الله عنهم * وروينا عن عبد الرحمن بن مهدى وعبد الرزاق كلاهما عن سفيان الثوري عن عاصم بن بهدلة (3) عن زر بن حبيش: أنه رأى عبد الرحمن بن عوف وأبى بن كعب يصليان الركعتين قبل صلاة المغرب.
وقال حماد بن زيد عن عاصم عن زر عن عبد الرحمن وأبى مثل ذلك، وزاد: لا يدعانهما * وعن معمر عن الزهري عن أنس: أنه كان يصلى ركعتين قبل صلاة المغرب * وعن عبد الرحمن بن مهدى عن شعبة عن يزيد بن خمير (4) عن خالد بن معدان عن رغبان (5) مولى حبيب بن مسلمة: رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يهبون إلى
__________
(1) صهيب بضم الصاد المهملة وفتح الهاء وآخره باء موحدة، وفى اليمنية (صميت) وهو تحريف (2) رواه بهذا اللفظ مسلم عن شيبان بن فروخ عن عبد الوارث (ج 1 ص 230) ورواه البيهقي في سننه من طريق الحسن بن سفيان عن شيبان بن فروخ به (ج 2 ص 475) وانظر الاحاديث والآثار الواردة في هاتين الركعتين في كتاب قيام الليل للمروزي الذي اختصره الحافظ احمد بن على المقريزي صاحب الخطط (ص 25 - و 28)
(3) في اليمنية (عاصم بن؟؟؟ له) من غير نقط وهو خطأ (4) خمير بالخاء المعجمة مصغر (5) في سنن البيهقى (زغبان) بالزاى والغين المعجمة وفى المشتبه للذهبي (ص 227 و 228) ذكر (رغبان) بالراء والمعجمة جماعة، و (زغبان) بالزاي(2/256)
الركعتين قبل صلاة المغرب كما يهبون إلى الفريضة (1) * وروينا عن وكيع عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب: ما رأيت فقيها يصلي الركعتين قبل المغرب الا سعد بن مالك، يعني سعد بن أبى وقاص * وروينا من طريق حجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة عن داود الوراق عن جعفر بن أبى وحشية: أن جابر بن عبد الله كان يصلى قبل المغرب ركعتين * وعن عبد الرحمن بن مهدى عن شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن (2) عن راشد ابن يسار قال: أشهد على خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحاب الشجرة أنهم كانوا يصلون ركعتين قبل المغرب * وعن محمد بن جعفر عن شعبة عن الحكم بن عتيبة: أنه صلى مع عبد الرحمن ابن أبى ليلى فكان يصلى الركعتين قبل المغرب * وعن وكيع عن يزيد بن ابراهيم (3): سمعت الحسن البصري يسأل عن الركعتين قبل المغرب؟ فقال: حسنتين جميلتين لمن أراد بهما (4) وجه الله تعالى.
وبه يقول الشافعي وأصحابنا *
__________
والمهملة فردا واحدا، وذكر السيد مرتضى الزبيدي في شرح القاموس (ج 1 ص 274) (ابن رعبان مولى حبيب بن مسلمة الفهرى من أهل الشأم صاحب المسجد ببغداد) في باب الراء المهملة والغين المعجمة فهو هو.
ولكني لم أجد له ترجمة ولا أرجح ان
كان (رغبان) أو (ابن رغبان) (1) هذا الاثر رواه البيهقى (ج 2 ص 476) من طريق النضر بن شميل عن شعبة، فان عرف رغبان أو ابن رغبان هذا ولم يكن فيه مطعن كان الاسناد حسنا أو صحيحا (2) لم أعرف من هو؟ وأظنه سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى المترجم في التهذيب (ج 4: ص 208).
وأما شيخه راشد بن يسار فلا أعرفه ولم أجد له ترجمة؟ (3) في اليمنية (زيد بن ابراهيم) وهو خطأ، بل هو يزيد بن ابراهيم التسترى أبو سعيد البصري (4) في المصرية (ثم أراد بهما) ولا معنى لحرف (ثم) ههنا أصلا(2/257)
284 مسألة وأما اعادة من صلى إذا وجد جماعة تصلى تلك الصلاة: - فان ذلك مستحب مكروه تركه في كل صلاة، سواء كان صلى (1) منفردا لعذر أو في جماعة، ليصلها ولو مرات كلما وجد جماعة تصليها * وقد قال قوم: لا يصليها ثانية أصلا.
وقال أبو حنيفة: لا يصلى ثانية الا الظهر والعتمة فقط، سواء كان صلاهما في جماعة أو منفردا، والاولى هي صلاته، حاشا صلاة الجمعة، فانه ان صلاها في بيته منفردا أجزأته، ولم يكن عليه أن ينهض إلى الجامع، فان خرج إلى المسجد والامام لم يسلم بعد من صلاة الجمعة، فحين خروجه لذلك تبطل صلاته التى كان (2) صلى في بيته، وكانت التى تصلى مع الامام فرضه.
وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن: لا تبطل صلاته التى صلى في بيته بخروجه إلى الجامع، لكن بدخوله مع الامام (3) في صلاة الجمعة تبطل التى صلى في منزله.
وقال مالك: يعيد من صلى في منزله صلاة فرض مع الجماعة إذا وجدها تصلى تلك الصلاة، جميع الصلوات حاشا المغرب فلا يعيدها، قال: والامر في أي الصلاتين فرضه إلى الله (4) تعالى، قال (5): فان صلى في جماعة لم يعد في أخرى * قال أبو محمد: أما من منع من الاعادة جملة فانه احتج بما رويناه من طريق
أبى داود: ثنا أبو كامل يزيد بن زريع (6) ثنا حسين هو المعلم عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار قال: أتيت ابن عمر على البلاط (7) وهم يصلون، فقلت:
__________
(1) في المصرية (يصلى) وما هنا أحسن.
(2) في اليمنية بحذف (كان) (3) في اليمنية (بخروجه إلى الجامع بخروجه مع الامام) وهو خلط لا معنى له (4) في اليمنية بحذف (إلى) وهو خطأ (5) فيها أيضا بحذف (قال) (6) بالزاي والراء وآخره مهملة مصغر وفى اليمنية (ربيع) وهو خطأ (7) في الاصلين (في البلاط) وصححناه من أبي داود (ج 1: ص 226) والبلاط موضع معروف بالمدينة(2/258)
ألا تصلى معهم؟ قال: صليت، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تصلوا صلاة في يوم (1) مرتين) * قال على: وهذا خبر صحيح لا يحل خلافه، ولا حجة لهم فيه ولم نقل قط ومعاذ الله من هذا: إنه يصلى على نية أنها الصلاة التى صلى، فيجعل في يوم واحد ظهرين أو عصرين أو صبحين أو مغربين أو عتمتين، هذا كفر لا يحل القول به لاحد لكنه يصلى نافلة كما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك * وأما قول أبى حنيفة، فانه احتج بأن التطوع بعد الصبح وبعد العصر لا يجوز، واحتج بالاخبار الواردة في ذلك، وغلبها على أحاديث الامر، وغلبنا نحن أحاديث الامر، وسنذكر البرهان على الصحيح من العملين إن شاء الله تعالى، بعد تمام كلامنا في هذه المسألة وفى التى بعدها إن شاء الله * وأما قول مالك فانهم احتجوا في المنع من أن يصلى مع الجماعة التى تصلى المغرب خاصة بأن قالوا: إن المغرب وتر النهار، فلو صلاها ثانية لشفعها، فبطل
كونها وترا * قال على: وهذا خطأ، لان إحداهما نافلة، والاخرى فريضة، باجماع منا ومنهم، والنافلة لا تشفع الفريضة، باجماع منا ومنهم * وقالوا: لا تطوع (2) بثلاث، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) وهذا لا حجة لهم فيه، لان الذى وجبت طاعته في إخباره بأن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى: هو الذى أمر من صلى (3) ووجد جماعة تصلى أن يصلى معهم، ولم يخص صلاة بعد صلاة، وهو الذى أمر أن يتنفل في الوتر بواحدة أو بثلاث،
__________
(1) قوله (في يوم) سقط من الاصلين وزدناه من أبي داود، والحديث نسبه المنذري للنسائي أيضا، وأعله بأن في اسناده عمرو بن شعيب.
وعمرو ثقة حجة وسليمان بن يسار هو مولى ميمونة أحد الفقهاء السبعة والاسناد صحيح (2) في المصرية (لا يتطوع) (3) في المصرية أمر به من صلى) وزيادة (به) لا معنى لها(2/259)
والعجب من احتجاجهم بهذا الخبر، ونسوا أنفسهم في الوقت فقالوا: يصلى الظهر والعصر والعتمة مع الجماعة، فأجازوا له التطوع بأربع ركعات لا يسلم بينها (1)، وليس ذلك مثنى مثنى، وهذا تناقض منهم.
والحق في هذا هو أن جميع أوامره صلى الله عليه وسلم حق (2)، لا يضرب بعضها ببعض، بل يؤخذ بجميعها كما هي.
وقالوا: إن وقت صلاة المغرب ضيق، وهذا خطأ، لان الجماعة التى وجدها تصلى، لا شك في (3) أنها تصلى في وقت تلك الصلاة بلا خلاف، فما ضاق وقتها بعد، فبطل كل ما شغبوا به في تخصيص المغرب هم والحنفيون معا، وبالله تعالى التوفيق * وأما تخصيص المالكيين (4) بأن يصلى من صلاها منفردا فخطأ لانه لم يأت بتخصيص ذلك قرآن ولا سنة ولا اجماع، ولا قول صاحب ولا قياس، ولا رأى
صحيح، وان كانت الصلاة فضلا لمن صلى منفردا فانها أفضل لمن يصلى (5) في جماعة ولا فرق، وفضل صلاة الجماعة قائم (6) في كل جماعة يجدها ولا فرق * وأما قولهم: انه (7) لا يدرى أيهما صلاته فخطأ، لانهم لا يختلفون في أنه إن لم يصل مع الجماعة التى وجدها تصلى - غير راغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلا اثم عليه فإذ لا خلاف عندهم في أنه ان لم يصل فلا يلزمه أن يصلى ولا بد: - فلا شك في أنها نافلة (8) ان صلاها، لان هذه هي (9) صفة النافلة، فلا خلاف (10) في ان إن شاء صلاها وإن شاء لم يصلها وأيضا فانه لا يخلو إذا صلى مع الجماعة وقد صلى تلك الصلاة (11) قبل -:
__________
(1) في المصرية (لا يسلم منها) وما هنا أحسن (2) في اليمنية (حتى) بدل (حق) وهو خطأ ظاهر (3) في اليمنية بحذف (في) (4) في اليمنية (فبطل كل ما شغبوا به في تخصيص المالكيين) فسقط من كلام ما أفسد المعنى (5) في اليمنية (لمن صلاها) (6) في اليمنية (فانهم) بدل (قائم) وهو خطأ لا معنى له (7) في اليمنية بحذف (انه) (8) في المصرية (في انها هي نافلة) (9) في اليمنية بحذف (هي) (10) في اليمنية (بلا خلاف) (11) في اليمنية (وقد صلى مع الجماعة تلك الصلاة) وهو خطأ(2/260)
من أن يكون نوى صلاته اياها أنه فرضه ونوى ذلك أيضا في التى صلى في منزله، فان كان فعل هذا، فقد عصى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وخرق الاجماع، في ان صلى صلاة واحدة في يوم مرتين، على ان (1) كل واحدة منهما فرضه الذى أمر به، أو يكون لم ينو (2) شيئا من ذلك في كلتيهما، فهذا لم يصلى أصلا، ولا تجزيه واحدة منهن، وهو عابث عاص لله تعالى أو يكون نوى في الاولى أنها فرضه وفى الثانية أنها نافلة،
أو في الاولى أنها نافلة وفى الثانية أنها فرضه، فهو كما نوى، ولا يمكن غير هذا أصلا.
وقال الاوزاعي: الثانية هي فرضه * قال على: والحق في هذا: أنه إن كان ممن له عذر في التخلف عن الجماعة فصلى وحده، أو صلى في جماعة: فالاولى فرضه بلا شك، لانها هي التى أدى على أنها فرضه، ونوى ذلك فيها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انما الاعمال بالنيات، وانما لكل (3) امرئ ما نوى)، وان كان ممن لا عذر له في التأخر عن الجماعة، فالاولى (4) إن صلاها وحده باطل، والثانية فرضه، عليه أن يصلى ولا بد، على ما نذكر في وجوب فرض الجماعة ان شاء الله تعالى.
والجمعة وغيرها في كل ذلك سواء * وأما قول أبى حنيفة وأصحابه فيمن صلى الجمعة في منزله لغير عذر فباطل، لوجوه أولها تفريقه في ذلك بين الجمعة وغيرها بلا برهان، والثانى: أنه فرق (5) بين الجمعة وغيرها فقد أخطأ في قوله: إنها تجزئه إذا صلاها منفردا لغير عذر في منزله والثالث: ابطاله تلك الصلاة بعد أن جوزها، إما بخروجه إلى الجامع، وإما بدخوله مع الامام، وكل ذلك آراء فاسدة مدخولة (6)، وقول في الدين بغير علم * قال على: فإذ قد بطلت هذه الاقوال كلها فلنذكر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد
__________
(1) في اليمنية (ليس على أن) وزيادة (ليس) خطأ مفسد للمعنى (2) في اليمنية (لم يبقى) هو خطأ (3) في المصرية (ولكل امرئ) (4) في اليمنية (والاولى) (5) في المصرية (أنه إن فرق) وزيادة (ان) خطأ لا معنى له (6) في اليمنية (من حوله) وهو خطأ وتصحيف(2/261)
ابن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج: حدثنى أبو الربيع الزهراني وأبو كامل
الجحدرى قالا (1) ثنا حماد بن زيد عن أبى عمران الجونى عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال قال (لى) (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وكيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة (3) عن وقتها؟ قلت: فما تأمرني؟ قال: صل الصلاة (4) لوقتها، فان (5) أدركتها فيهم فصل فانها لك نافلة) * وبه إلى مسلم: حدثنى زهير بن حرب ثنا اسماعيل هو ابن ابراهيم بن علية عن أيوب السختيانى عن أبى العالية البراء (6) قال: أخر ابن زياد الصلاة، فجاء (7) عبد الله بن الصامت فذكرت له صنيع (8) ابن زياد فقال: سألت أبا ذر كما سألتنى فقال: (إنى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتنى فضرب فخذي وقال (9) صلى الصلاة لوقتها، فان أدركتك (الصلاة معهم (10)) فصل، ولا تقل إنى (قد (11)) صليت فلا أصلى) * فهذا عموم منه صلى الله عليه وسلم لكل صلاة، لمن صلاها في جماعة أو منفردا لا يجوز تخصيص شئ من ذلك بالدعوى بلا دليل.
وبالله تعالى التوفيق * وأخذ بهذا جماعة من السلف كما روينا عن أبى ذر: أنه أفتى بذلك، وكما روينا
__________
(1) في المصرية (قال) وهو خطأ (2) كلمة (لى) زدناها من صحيح مسلم (ج 1: ص 179) (3) في المصرية (أو يمسون الصلاة) بالسين وهو تصحيف وفي اليمنية بحذفها والتصحيح من مسلم (4) في المصرية (الصلاة) بحذف (صل) وهو خطأ (5) في المصرية (ان) بدون الفاء وهو خطأ (6) البراء بفتح الباء وتشديد الراء نسبة إلى برى الاشياء كما قال السمعاني، وأبو العالية اسمه زياد بن فيروز قيل غير ذلك، بصري تابعي ثقة مات في شوال سنة 90 (7) في مشلم (ج 1: ص 179) (فجاءني) (8) في المصرية (صنع) وما هنا هو الموافق لمسلم (9) في المصرية (فقال) وما هنا هو الموافق لمسلم، وقد اختصر المؤلف الحديث
(10 و 11) الزيادة في الموضعين من صحيح مسلم(2/262)
عن حماد بن سلمة عن حميد عن أنس بن مالك أن أبا موسى الاشعري والنعمان بن مقرن اتعدا موعدا فجاء أحدهما إلى صاحبه وقد صلى، فصلى الفجر مع صاحبه.
وبه إلى حماد بن سلمة عن ثابت البنانى وحميد كلاهما عن أنس بن مالك قال: قدمنا مع أبي موسى الاشعري فصلى بنا الفجر في المربد (1)، ثم جئنا إلى المسجد الجامع فإذا المغيرة بن شعبة يصلى بالناس، والرجال والنساء مختلطون، فصلينا معهم.
فهذا فعل الصحابة في صلاة الفجر بخلاف (2) قول أبى حنيفة، وبعد أن صلوا جماعة بخلاف قول مالك، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف يخص صلاة المنفرد دون غيره * وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر (3) عن سعد بن عبيد عن صلة بن زفر العبسى: خرجت مع حذيفة فمر بمسجد فصلى معهم (4) الظهر وقد كان صلى، ثم مر بمسجد فصلى معهم العصر وقد كان صلى، ثم مر بمسجد فصلى معهم المغرب وشفع بركعة وكان قد صلى * وعن قتادة قال: يعيد العصر إذا جاء الجماعة.
قال سعيد بن المسيب: صل مع القوم فان صلاتك معهم تفضل صلاتك وحدك بضعا وعشرين صلاة * وعن سفيان عن جابر (5) عن الشعبى: لا بأس أن تعاد الصلاة كلها * وعن ابن جريج عن عطاء: إذا صليت المكتوبة في البيت (6) ثم أدركتها مع الناس فانى أجعل التى صليتها في بيتي نافلة، وأجعل التى (7) صليت مع الناس المكتوبة، لو لم أدرك إلا ركعة واحدة منها * قال: وسئل عطاء عن المغرب يصليها الرجل في بيته ثم يجد الناس فيها؟ قال: أشفع التى صليت في بيتى بركعة ثم أسلم ثم ألحق بالناس، فأجعل التى هم بيها المكتوبة *
__________
(1) في اليمنية (بالمربد) (2) في اليمنية (خلاف) (3) جابر هو ابن يزيد الجعفي وقد ضعفه المؤلف جدا كما مضى مرارا (4) في اليمنية (يصلى معهم) وهو خطأ (5) جابر هو الجعفي أيضا (6) في اليمنية (في بيتى) (7) في اليمنية (الذي) وهو خطأ(2/263)
وروينا عن وكيع عن عمرو بن حسان عن وبرة (1) قال: صليت أنا وابراهيم النخعي وعبد الرحمن بن الاسود المغرب، ثم جئنا إلى الناس وهم في الصلاة، فدخلنا معهم، فلما سلم الامام قام ابراهيم فشفع بركعة * قال أبو محمد: لم يشفع عبد الرحمن، وكل ذلك مباح، لانه تطوع، لم يأت نهى عن شئ منه * وعن حماد بن سلمة أخبرنا عثمان البتى (2) عن أبى الضحى: أن مسروقا صلى المغرب، ثم رأى قوما يصلون فصلى المغرب معهم في جماعة، ثم شفع المغرب بركعة وعن وكيع عن الربيع بن صبيح (3) قال: تعاد الصلاة إلا الفجر والعصر، ولكن إذا أذن في المسجد فالفرار (4) أقبح من الصلاة * قال أبو محمد: فان ذكروا ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع: أن ابن عمر قال: إن كنت قد صليت في أهلك ثم ادركت الصلاة في المسجد مع الامام فصل معه، غير صلاة الصبح والمغرب، فانهما لا يصليان في يوم مرتين: فلا حجة فهم في هذا، لانهم قد خالفوه، فخالفه أبو حنيفة في زيادته العصر فيما لا يعاد وخالفه مالك في اعادة صلاة الصبح، ومن أقر على نفسه بخلاف الحق والحجة، فقد كفى خصمه مؤنته.
وبالله تعالى التوفيق * 258 - مسألة - وأما الركعتان بعد العصر فان أبا حنيفة ومالكا نهيا عنهما
وأما الشافعي فانه قال: من فاتته ركعتان قبل الظهر أو بعده (5) فله أن يصليهما بعد
__________
(1) أما عمرو بن حسان فلم أعرف من هو؟: وأما وبرة فانه بفتح الواو والباء الموحدة والراء، وأظنه وبرة بن عبد الرحمن فانه من هذه الطبقة يروى عن ابن عباس وابن عمرو الشعبى وسعيد بن جبير وغيرهم، وسقط هذا الاسم من اليمنية (2) البتى بفتح الباء الموحدة وكسر التاء المثناة المشددة (3) الربيع بفتح الراء وكسر الباء وصبيح بفتح الصاد المهملة وكسر الباء وآخره حاء مهملة (4) في اليمنية (والفرار) وهو غير الصواب (5) قوله (أو بعده) سقط من المصرية(2/264)
العصر، فان (1) صلاهما بعد العصر فله أن يثبتهما في ذلك الوقت فلا يدعهما أبدا.
وقال أحمد بن حنبل: لا أصليهما، ولا أنكر على من صلاهما: وقال أبو سليمان: هما مستحسنتان * قال على: حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة عن اسماعيل بن جعفر أخبرني محمد هو ابن ابى حرملة (2) أنا أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف: أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر؟ فقالت: (كان يصليهما قبل العصر، ثم انه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة (3) أثبتها) (4) قال على: بهذا تعلق الشافعي، ولا حجة له فيه، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل إنهما لا تجوزان إلا لمن نسيهما أو شغل عنهما ولو لم تكن صلاتهما حيئنذ جائزة حسنة ما أثبتهما في وقت لا تجوزان فيه * وأما أبو حنيفة ومالك فاحتج لهما (5) بما رويناه من طريق أبى داود: حدثنا
عبيد الله (6) بن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ثنا عمى هو يعقوب بن ابراهيم بن سعد ثنا أبى عن محمد بن اسحق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان مولى عائشة أنها حدثته: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلى بعد العصر يعنى ركعتين (7) وينهي عنهما (8) ويواصل وينهى عن الوصال) *
__________
(1) في المصرية (وإذا) (2) في اليمنية (اسماعيل بن جعفر ومحمد هو ابن أبي حرملة) وهو خطأ (3) في اليمنية بحذف كلمة (صلاة) (4) في مسلم (وكان إذا صلى صلاة أثبتها) (ج 1 ص 229 و 230) (5) في اليمنية (فاحتجا) وما هنا أحسن (6) عبيد الله بالتصغير، وفي المصرية بالتكبير وهو خطأ، وقد ساق المؤلف نسبه من عنده - وهو كذلك - ولكنه ليس في أبى داود، وانما فيه (عبيد الله بن سعد) فقط (ج 1: ص 494) (7) قوله (يعني ركعتين) تفسير من المؤلف وليس في أبي داود، (8) أي عن هذه الصلاة، وفى اليمنية (عنهما) وهو(2/265)
وبما رويناه من طريق البزار: ثنا يوسف بن موسى ثنا جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: (إنما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر لانه جاءه مال فقسمه، شغله عن الركعتين، بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر، ولم يعد لهما) * وبما رويناه من طريق ابن أيمن: ثنا قاسم بن يونس ثنا أبو صالح عبد الله ابن صالح ثنا الليث ثنا خالد بن يزيد (1) عن سعيد بن أبى هلال عن عبد الله بن بابى (2) مولى عائشة أم المؤمنين (3) أن موسى بن طلحة أخبره: (أن معاوية لما حج دخلنا عليه، فسأل ابن الزبير عن الركعتين بعد العصر اللتين صلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أخبرتنيه عائشة، فأرسل معاوية المسور بن مخرمة إلى عائشة: هل
صلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عندك؟ (4) قالت: لا، ولكن أخبرتني أم سلمة أنه صلاهما عندها، فأرسل معاوية المسور إلى أم سلمة يسألها (5)، فقالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله لقد رأيتك اليوم صليت صلاة ما رأيتك تصليها فقال: شغلنى خصم (6) فكانت ركعتين (7) وكنت (8) أصليهما (9) قبل العصر فأحببت أن أصليهما الآن، قالت: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما قبل ذلك اليوم ولا بعده) *
__________
خطأ ويدل عليه ما سيأتي للمؤلف من احتجاجه بهذا للدلالة على انه لم ينه عن الركعتين.
وكذلك هو في البيهقي (ج 2: ص 458) (1) هو الجمحى المصرى أبو عبد الرحيم ثقة مات سنة 139 وفي اليمنية (خالد بن زيد) وهو خطأ (2) ويقال (عبد الله بن باباه) ويقال (ابن بابيه) وقيل أنهم ثلاثة مختلفون والراجح أنه واحد اختلف في اسم أبيه، وهو الذي قاله ابن المديني والبخاري (3) هكذا هنا أنه مولى عائشة، والذي في التهذيب (مولى آل حجير بن أبى أهاب ويقال مولى يعلن بن أمية) فالله أعلم (4) كلمة (عندك) محذوفة من اليمنية (5) في اليمنية فسألها (6) في المصرية (شغلتني خصم) (7) في اليمنية (ركعتي) وهو خطأ (8) في اليمنية (فكنت) (9) في المصرية (أصليها)(2/266)
وبما (1) رويناه من طريق عبد الرحمن بن مهدى: ثنا سفيان هو الثوري ثنا أبو إسحق السبيعى عن عاصم بن ضمرة عن على بن أبى طالب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى دبر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا العصر والصبح (2)) * وبما رواه بعض الناس عن حماد بن سلمة عن الازرق بن قيس عن ذكوان عن أم سلمة: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ثم دخل بيتى فصلى ركعتين، فقلت:
يا رسول الله، صليت صلاة لم تصلها؟ (3) قال: قدم على مال فشغلني عن ركعتين كنت أركعهما بعد الظهر فصليتهما الآن، قلت: يا رسول الله، أفنقضيهما (4) إذا فاتتا؟ قال: لا) * وبما رواه أيضا من طريق أبى أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن عمر وبن عطاء عن عبد الرحمن بن أبى سفيان (5): (أن معاوية أرسل إلى عائشة يسألها (6) عن السجدتين بعد العصر؟ فقالت: ليس عندي صلاهما لكن أم سلمة حدثتني (7) أنه صلاهما عندها، فأرسل إلى أم سلمة فقالت: صلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي، لم أره صلاهما قبل ولا بعد، قال: هما سجدتان كنت أصليهما بعد الظهر فقدم على قلائص من الصدقة فنسيتهما حتى صليت العصر، ثم ذكرتهما، فكرهت أن أصليهما في المسجد والناس يرونى (8) فصليتهما عندك) * وذكروا الاخبار التى وردت في النهى عن الصلاة بعد العصر، وسنذكرها
__________
(1) في اليمنية (وربما) وهو خطأ سخيف (2) في اليمنية (إلا الصبح والعصر) والحديث رواه ابو داود عن محمد بن كثير عن الثوري (ج 1: ص 492) والبيهقي من طريق الحسين بن حفص عن الثوري (ج 2 ص 459) (3) في المصرية لم (تصليها) وفى اليمنية لم (تصلهما) وكلاهما خطأ ظاهر (4) في اليمنية (أنقضهما) وهو خطأ (5) في اليمنية (عبد الرحمن بن سفيان) ونرجح ما هنا وهو الذي في المصرية لاتفاق النسختين فيما سيأتي على (عبد الرحمن بن أبي سفيان).
وعبد الرحمن هذا لم أجد له ترجمة ولا ذكرا في كتب الرجال؟ (6) في اليمنية (فسألهما) وهو خطأ (7) في اليمنية (لكن حدثتني أم سلمة) (8) في اليمنية (يرون)(2/267)
ان شاء الله بعد هذه المسألة.
وبه تعالى نتأيد *
قال على: وكل هذا لا حجة لهم في شئ منه * أما حديث ذكوان عن عائشة، فليس فيه نهى عنهما وانما فيه نهى عنها (1)) يعنى عن الصلاة بعد العصر جملة، وهذا صحيح، وإذ ذلك كذلك فالواجب استعمال فعله ونهيه فننهى عن الصلاة بعد العصر، ونصلي ما صلى عليه السلام، ونخص الاقل من الاكثر، ونستعملهما جميعا، ولا نخالف واحدا منهما، ولا فرق بين من ترك الركعتين اللتين صح أنه عليه السلام صلاهما بعد العصر ونهى عنهما من أجل نهيه عن الصلاة بعد العصر: - وبين من ترك عليه السلام عن الصلاة بعد العصر من أجل صلاته الركعتين بعد العصر.
ولو قالت: وكان ينهى عنهما، لكان ذلك يدل على أنهما له خاصة، ولكن لا يحل بالكذب ولا الزيادة في الرواية، ومن فعل ذلك فليتوأ مقعده من النار.
فسقط تعلقهم بهذا الخبر جملة * وأما حديث ابن عباس فمعلول من وجوه: أولها أن جرير بن عبد الحميد لم يسمع من عطاء بن السائب إلا بعد اختلاط عطاء، وتفلت عقله، هذا معروف (2) عند أصحاب الحديث (3).
وثانيها أنه لو صح وسمعنا نحن ابن عباس يقول ذلك -: لما كانت فيه حجة، لانه رضى الله عنه أخبر بما عرف، وأخبرت عائشة بما كان عندها، مما لم يكن عند ابن عباس: من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع الركعتين بعد العصر إلى أن مات.
فهذا العلم الزائد الذى لا يحل تركه، ومن أيقن وقال: علمت (4)، أولى ممن قال: لا أعلم (5) وكلاهما صادق.
وثالثها أنه حتى لو صح قول
__________
(1) في اليمنية (فليس فيه ينهى عنهما وانما فيه نهى عنهما) وهو خطأ واضح (2) في المصرية (هذا المعروف) (3) في التهذيب عن أحمد في الكلام على عطاء (من سمع منه قديما فسماعه صحيح ومن سمع منه حديثا لم يكن بشئ، سمع منه قديما سفيان وشعبة، وسمع منه حديثا جرير وخالد) الخ وقال ابن معين (عطاء بن السائب اختلط، وما سمع منه
جرير وذووه ليس من صحيح حديثه) (4) في اليمنية (وقد علمت) وهو خطأ ظاهر (5) في اليمنية (ولم أعلم)(2/268)
ابن عباس ولم يأت عن أحد من الصحابة خلافه -: لما كانت فيه حجة، لان فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشئ مرة واحدة حجة باقية، وحق ثابت أبدا، ما لم ينه عما فعل من ذلك، ومن قال: لا يكون فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشئ حقا إلا حتى يكرر فعله (1) فهو كافر مشرك، وسخيف مع ذلك (2)، لانه يقال له مثل ذلك فيما فعل مرتين أو ثلاثا أو ألف مرة ولا فرق، وهذا لا يقوله مسلم ولا ذو عقل.
والعجب أنهم يقولون: إن الصاحب إذا روى خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خالفه فذلك دليل عندهم على وهن الخبر، وقد صح عن ابن عباس الصلاة بعد العصر كما نذكر بعد هذا! فهلا عللوا هذا الخبر بمخالفة ابن عباس لما روى في ذلك! ولكنهم لا مؤونة عليهم من التناقض.
فسقط هذا الخبر جملة.
وبالله تعالى التوفيق * وأما خبر موسى بن طلحة فلا حجة لهم فيه، لوجوه: أولها ضعف سنده، لانه من طريق أبي صالح كاتب الليث وهو ضعيف (3)، وفيه سعيد بن أبي هلال وليس بالقوى (4)، ولم يذكر فيه موسى بن طلحة سماعا من أم سلمة ولا من عائشة رضى الله عنهما.
والثانى أنه ليس فيه نهى عن صلاتهما.
والثالث أنه لو صح لكان حجة لنا، لان فيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين بعد العصر) ولو كانتا لا تجوزان أو
__________
(1) في اليمنية (الا حتى يكون فعله) وهو لا معنى له (2) قوله (مع ذلك) زيادة من اليمنية (3) عبد الله بن صالح أبو صالح كاتب الليث بن سعد ثقة أخطأ في بعض أحاديث فأخذت عليه، وانفرد عن شيخه باشياء لم يروها غيره فأنكرها بعضهم وما هي بموضع نكارة قال يحيى بن بكير (هل جئنا الليث قط الا وأبو صالح عنده! رجل كان يخرج معه إلى الاسفار والى الشريف (كذا في التهذيب) وهو كاتبه، فينكر على هذا أن يكون
عنده ما ليس عند غيره!!) وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي صالح هذا كما حققه ابن حجر (4) سعيد ثقة، وثقه ابن سعد والعجلي وابن خزيمة والدار قطني والخطيب والبيهقي وابن عبد البر وغيرهم وقال أحمد (ما أدري أي شئ؟ يخلط في الاحاديث!) وما هذا بكاف في تضعيفه مع قول من وثقه، قال ابن حجر (وقال ابن حزم: ليس بالقوي، ولعله اعتمد على قول الامام احمد فيه)(2/269)
مكروهتين ما فعلهما عليه الصلاة والسلام، وفعله عليه السلام حق وهدى، سواء فعله مرة أو ألف مرة، ومن قال: إن فعله ضلال فهو كافر.
والرابع أنه قد صح خلاف هذا عن أم سلمة رضى الله عنها كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى.
والخامس أنه موضوع بلا شك، لان فيه إنكار عائشة أنه عليه السلام صلاهما عندها، ونقل التواتر عن عائشة من رواية الائمة: إنه لم يزل عليه السلام يصليهما عندها، مثل عروة بن الزبير وعبد الله بن الزبير ومسروق والاسود بن يزيد وطاوس وأبى سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف وأيمن وغيرهم * وهذا القول سواء سواء أيضا في حديث أم سلمة الذى ذكرنا من طريق عبد الرحمن بن أبى سفيان، وعبد الرحمن هذا مجهول، ولم يذكر أيضا أنه سمعه من أم سلمة، وهو خبر موضوع لا شك فيه لان فيه كذبا (1) ظاهرا لا شك فيه، وهو ما نسب إلى عائشة من قولها: ليس عندي صلاهما: وقد ذكرنا من روى تكذيب هذا آنفا، ولان فيه أيضا لفظا لا يجوز البتة أن يقوله عليه السلام، وهو (فكرهت أن أصليهما في المسجد والناس ينظرون إلى فصليتهما عندك) إذ لا يخلو فعلهما أن يكون مكروها أو حراما أو مباحا حسنا، فان كان حراما أو مكروها، فمن نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم التستر؟ لمحرمات فهو كافر، لتفسيقه (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أمر (3) عليه السلام أن يقرأ على الناس: وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) ومن
المحال الممتنع أن يتعنى عليه السلام بتكلف صلاة مكروهة لا أجر فيها فهذا هو التكلف الذى أمره تعالى أن يقول فيه: (وما أنا من المتكلفين) وحاشى لله تعالى أن يفعل عليه السلام قاصدا إلى فعله إلا ما يقر به من ربه تعالى وقد ينسيه تعالى الشئ ليس لنا فيه (4) ما يقر بنا من ربنا عزوجل.
ولا مزيد *
__________
(1) في اليمنية (لانه كذبا) وهو خطأ أو لحن (2) في اليمنية (لتفسقه) وهو خطأ (3) في اليمنية (وما أمر) وهو خطأ غريب (4) في المصرية (وينسيه) بحذف (قد) وما هنا أحسن (5) في المصرية (الشئ لنا فيه بحذف (ليس) وهو خطأ(2/270)
وأما حديث على بن أبى طالب فلا حجة فيه أصلا، لانه ليس فيه إلا إخباره رضى الله عنه بما علم، من أنه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما، وهو الصادق في قوله، وليس في هذا نهى عنهما، ولا كراهة لهما، فما صام (1) عليه السلام قط شهرا كاملا غير رمضان، وليس هذا بموجب كراهية صوم شهر كامل تطوعا (2) ثم قد روى غير على أنه عليه السلام صلاهما فكل أخبر بعلمه، وكلهم صادق.
ثم قد صح عن على خلاف ذلك، كما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى، وهم يقولون: ان الصاحب إذا روى حديثا وخالفه فهذا دليل عندهم على سقوط ذلك الخبر، فهلا قالوا هذا ههنا! * وأما حديث حماد بن سلمة عن الازرق بن قيس عن ذكوان عن أم سلمة فحديث منكر، لانه ليس هو في كتب حماد بن سلمة، وأيضا فانه منقطع، لم يسمعه ذكوان من أم سلمة.
برهان ذلك: أن أبا الوليد الطيالسي روى هذا الخبر عن حماد ابن سلمة عن الارزق بن قيس عن ذكوان عن عائشة عن أم سلمة: (ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها ركعتين بعد العصر، فقلت ما هاتان الركعتان؟ قال: كنت أصليهما بعد الظهر، وجاءني مال فشغلني فصليتهما الآن) فهذه هي الرواية المتصلة، وليس
فيها (أفنقضيهما نحن؟ قال: لا) (3) فصح أن هذه الزيادة لم يسمعها ذكوان من أم سلمة، ولا ندرى عمن (4) أخذها؟ فسقطت (5).
ثم لو صحت هذه اللفظة لما كان لهم فيها حجة أصلا لانه ليس فيها نهى عن صلاتهما (6) أصلا، وانما فيها النهى عن قضائهما فقط، فلا يحل توثيب كلامه عليه السلام إلى ما لم يقله تلبيسا من
__________
(1) في اليمنية (وما صام) وما هنا أحسن (2) في اليمنية وليس هذا بموجب كراهية صوم رمضان وهو خطأ سخيف (3) في اليمنية (فهذه هي الرواية المتصلة فيهما أنقضيهما نحن قال لا) وهو خطأ (4) في اليمنية (من) وهو خطأ (5) نعم أن رواية ذكوان عن عائشة التى ذكرها المؤلف هي المعروفة، وأما الاولى روايته عن ام سلمة فمنكرة.
وقد روي البيهقي (ج 2 ص 457) حديث ذكوان عن عائشة من طريق عبد الملك بن ابراهيم عن حماد عن الازرق عن ذكوان، وليس فيها زيادة أفنقضيهما) الخ (6) في المصرية (فيه) وهو خطأ (7) في اليمنية (أيضا) بدل (أصلا)(2/271)
فاعل ذلك (1) في الدين.
فسقط كل ما تعلقوا به.
ولله الحمد * وأما أحاديث النهى عن الصلاة بعد العصر، فسنذكرها إن شاء الله تعالى إثر هذه المسألة والكلام عليها، بحول الله تعالى وقوته * وأما تعلق الشافعي بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ذكرنا من أنه عليه السلام (كان إذا صلى صلاة أثبتها) فلا حجة له فيه، لانه ليس فيه نهى عن أن يصليهما من لم ينس الركعتين قبل العصر، وليس فيه إلا الاباحة للصلاة (2) حينئذ، إذ لو لم تكن جائزة لما صلاها عليه السلام، قاضيا ولا مثبتا، وفى اثباته عليه السلام اياها أصح بيان بأنها حينئذ جائزة حسنة، ولم يقل عليه السلام: انه لا يصليهما إلا من نسيهما.
فسقط تعلقه به *
قال على فإذا سقط كل ما شغبوا به فلنذكر ان شاء الله عزوجل الآثار الواردة في الركعتين بعد العصر * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ومحمد بن عبد الله ابن نمير، قال زهير ثنا جرير، وقال ابن نمير: ثنا ابى، ثم اتفقا جميعا: عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط (3)) * وبه إلى مسلم: ثنا على بن حجر أنا على بن مسهر أنا أبو إسحق الشيباني عن عبد الرحمن بن الاسود بن يزيد عن أبيه عن عائشة قالت صلاتان ما تركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتى قط سرا ولا علانية: ركعتين قبل الفجر وركعتين بعد العصر (4)) وبه إلى مسلم: ثنا حسن (5) الحلواني ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن ابن طاوس
__________
(1) في اليمنية (من قائل) (2) في اليمنية (الا اباحة الصلاة) (3) هو في مسلم (ج 1 ص 230) (4) هو في مسلم (ج 1 ص 230) (5) في اليمنية (الحسن) وفى مسلم (ج 1 ص 229) (حسن بن على الحلواني)(2/272)
عن أبيه عن عائشة قالت: (لم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر): حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا ابراهيم بن احمد البلخى ثنا الفربرى ثنا البخاري ثنا ابو نعيم هو الفضل بن دكين ثنا عبد الواحد ابن أيمن حدثنى أبى انه سمع عائشة أم المؤمنين قال: (والذى ذهب به تعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركهما حتى لقي الله تعالى، تعنى الركعتين بعد العصر، قالت: وما لقى الله حتى ثقل عن الصلاة) * فهذا غاية التأكيد فيهما، وقد روتهما أيضا أم سلمة وميمونة أما المؤمنين (1)،
وتميم الدارى، وعمر بن الخطاب، وزيد بن خالد الجهنى، وغيرهم، فصار نقل تواتر يوجب العلم * حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا ابن ايمن؟؟؟؟؟؟ بن محمد البرتى القاضى ثنا أبو معمر هو عبد الله بن عمرو الرقى ثنا عبد الوارث بن سعيد ثنا حنظلة هو ابن أبى سفيان الجمحى عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: صلى بنا معاوية العصر فرأى ناسا يصلون، فقال: ما هذه الصلاة؟ فقالوا: هذه فتيا (2) عبد الله بن الزبير، فجاء عبد الله بن الزبير مع الناس، فقال له معاوية: ما هذه الفتيا التى تفتي: أن يصلوا بعد العصر؟ فقال ابن الزبير: حدثتني زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه عليه السلام صلى بعد العصر) فأرسل معاوية إلى عائشة فقالت: هذا حديث ميمونة بنت الحارث فارسل إلى ميمونة رسولين فقالت: إنما حدثت: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهز جيشا فحبسوه حتي أرهق العصر، فصلى العصر ثم رجع فصلى ما كان يصلي قبلها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى (3) صلاة أو فعل شيئا يجب أن يداوم عليه) فقال ابن الزبير: أليس قد صلى؟ والله لنصلينه! قال على: ظهرت حجة ابن الزبير، فلم يجز عليه الاعتراض
__________
(1) في اليمنية (أم المؤمنين) وما هنا أحسن (2) في المصرية (هذا فتيا) وهو خطأ، وان كان يمكن تأويله (3) في اليمنية (وكان إذا صلى)(2/273)
قال على: وقالوا: قد كان عمر يضرب الناس عليها، وابن عباس معه، قلنا: لا حجة في أحد دون رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم، لا في عمر ولا في غيره، وبل هو عليه السلام الحجة على عمر وغيره.
وقد خالف عمر في ذلك طوائف من الصحابة * وقد صح عن عمر وعن ابن عباس اباحة الركوع والتطوع، والوجه الذى من أجله ضرب عمر عليها فقد خالفوا عمر رضى الله عنه في ذلك *
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا محمد بن أحمد بن مفرج ثنا عبد الله بن جعفر بن الورد (2) ثنا يحيى بن أيوب بن بادى العلاف (3) ثنا يحيى بن بكير حدثنى الليث بن سعد عن أبى الاسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل يتيم عروة بن الزبير (4) عن عروة: (أخبرني تميم الدارى أو أخبرت أن تميما الدارى ركع ركعتين بعد العصر،؟؟؟؟؟؟ فضربه بالدرة، فأشار إليه تميم: أن اجلس فجلس عمر؟؟؟؟؟؟ تميم، فقال لعمر: لم ضربتني؟ فقال له عمر: لانك ركعت هاتين الركعتين وقد نهيت عنهما، قال له تميم (5) انى قد صليتهما مع من هو خير منك: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال له عمر إنى ليس بى إياكم أيها الرهط، ولكني اخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب، حتى يمرون بالساعة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى فيها كما صلوا بين الظهر والعصر، ثم يقولون.
قد رأينا فلانا وفلانا يصلون بعد العصر) * حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الاعرابي ثنا الدبرى ثنا عبد الرزاق ثنا ابن
__________
(1) في المصرية (لا حجة في أحد على رسول الله) وفى اليمنية (لا حجة على أحد دون رسول الله) فجمعنا منهما ما كان أصح وأحسن في المعنى، والذى هو عادة ابن حزم في كلامه، بل هي كلمة قديمة اقتبسها بهذا اللفظ (2) في اليمنية (الوراد) بزيادة الالف وهو خطأ، ولعبد الله هذا ذكر في التهذيب (ج 11 ص 185 و 429 (3) بادي بالباء الموحدة بوزن وادي، والعلاف بالفاء وفي اليمنية (العلاق) وهو تصحيف (4) سمى يتيم عروة لان أباه كان أوصى به إليه.
(5) في اليمنية بحذف (له)(2/274)
جريج سمعت أبا سعيد الاعمى (1) يحدث عن السائب مولى الفارسيين عن زيد بن خالد الجهنى: (أن عمر رآه يصلى بعد العصر ركعتين وعمر خليفة فضربه(2/275)
المحلى - ابن حزم ج 3
المحلى
ابن حزم ج 3(3/)
المحلى تصنيف الامام الجليل، المحدث، الفقيه، الاصولي، قوي العارضة شديد المعارضة، بليغ العبارة، بالغ الحجة، صاحب التصانيف الممتعة في المعقول والمنقول، والسنة، والفقه، والاصول والخلان، مجدد القرن الخامس، فخر الاندلس ابي محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456 ه.
طبعة مصححة ومقابلة على عدة مخطوطات ونسخ معتمدة كما قوبلت على النسخة التي حققها الاستاذ الشيخ احمد محمد شاكر الجزء الثالث دار الفكر(3/1)
بسم الله الرحمن الرحيم قال على: هلا قالوا: إن ابن عمر لم يكن ليخالف أباه لولا فضل علم كان عنده أثبت (1) من فعل أبيه؟ وروينا عن عبد الرزاق عن ابن جريح عن عطاء بن أبى رباح: أن عائشة وأم سلمة أمي المؤمنين كانتا تركعان (2) ركعتين بعد العصر.
وروينا عن حماد بن سلمة وهشام بن عروة، قال حماد: عن عطاء ابن السائب عن سعيد بن جبير قال: كانت عائشة أم المؤمنين تصلى ركعتين بعد العصر وهى قائمة، وكانت ميمونة (3) أم المؤمنين تصلى
أربعا وهى قاعدة، فسئلت عن ذلك، فقالت عن عائشة: انها شابة وأنا عجوز فأصلى أربعا بدل ركعتيها (4).
قال على هذا يبطل رواية من روى عن أم سلمة: (أنقضيها نحن؟ قال: لا) وقال هشام عن أبيه: كان الزبير وعبد الله بن الزبير يصليان بعد العصر ركعتين.
روينا عن عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة: كنا نصلى مع ابن الزبير (العصر في المسجد الحرام) (5) فكان يصلى بعد العصر
__________
(1) في المصرية (بأثبت) وما هنا أصح (2) في اليمنية (كانت الركعات) وهو سخف (3) في اليمنية بحذف اسم (ميمونة) وهو خطأ (4) في اليمنية (فأصلى أربعا تمام ركعتيها) (5) هذه زيادة من المصرية *(3/2)
ركعتين، وكنا نصليهما معه، نقوم صفا خلفه.
وعن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد قال سبح المنكدر بعد العصر فضربه عمر.
قال على: المنكدر والسائب صاحبان لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن ابيه: أن أبا أيوب الانصاري كان يصلى قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر، فلما استخلف عمر تركهما، فلما توفى عمر ركعهما، فقيل له: ما هذا؟ فقال: ان عمر كان يضرب الناس عليهما.
قال على: في هذا الحديث بيان واضح أن أبا بكر الصديق وعثمان رضي الله عنهما كانا يجيزان الركوع بعد العصر.
وروينا عن عبد الرحمن بن مهدى.
ثنا شعبة وسفيان جميعا قالا: ثنا أبو إسحاق السبيعى عن عاصم بن ضمرة: أن على بن أبى طالب كان في سفر فصلى العصر، ثم دخل فسطاطه فصلى ركعتين.
وعن محمد بن جعفر عن شعبة عن أبى إسحاق السبيعى قال: سألت أبا جحيفة عن الركعتين بعد العصر فقال: إن لم ينفعاك (1) لم يضراك.
وعن يحى بن سعيد القطان عن شعبة: ثنا يزيد بن خمير (2) عن عبد الله ابن يزيد عن جبير بن نفير قال: كتب عمر إلى عمير بن سعد (3) ينهاه عن
__________
(1) في اليمنية (يشفعاك) وهو خطأ (2) خمير بالخاء المعجمة مصغر ويزيد هذا ثقة (3) عمير مصغر وسعد باسكان العين، وفى المصرية (عمير بن سعيد) ولكنا رجحنا انه (عمير بن سعد) لان عمير بن سعيد متأخر عن ادراك عمر.
وأما عمير ابن سعد الانصاري الاوسي فانه صحابي وشهد فتوح الشأم واستعمله عمر على حمص.
وكان معجبا به وكان من عجبه به يسميه نسيج وحده كما روى ابن سيرين ويقال: ان عمر قال لاصحابه: تمنوا، فتمنى كل رجل أمنية، فقال عمر: لكنى أتمنى أن يكون لى رجال مثل عمير أستعين بهم على أمور المسلمين اه(3/3)
الركعتين بعد العصر، فقال أبو الدرداء: أما أنا فلا أتركهما، فمن شاء أن ينحضج فلينحضج (1).
وعن حماد بن زيد: ثنا أنس بن سيرين قال: خرجت مع انس بن مالك إلى أرضه ببذق (2) سيرين، وهى خمسة فراسخ، (3) فحضرت صلاة العصر، فأمنا قاعدا على بساط في السفينة، فصلى بنا ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بنا ركعتين.
وعن يزيد بن هرون عن عمار بن أبى معاوية الذهنى عن أبى شعبة
التميمي قال: رأيت الحسن بن على بن أبى طالب يطوف بعد العصر ويصلى.
وعن عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لم ينه عن الصلاة إلا عند غروب الشمس.
وعن عبد الرزاق عن معمر عن أبى إسحاق السبيعى عن أبى الاحوص عن ابن مسعود في حديث: سيأتي عليكم زمان كثير خطباؤه، قليل علماؤه، يطيلون (4) الخطبة ويؤخرون الصلاة، حتى يقال: هذا شرق الموتى،
__________
(1) بالحاء المهملة والضاد المعجمة وآخره جيم.
وحضج النار - من باب قتل أوقدها، والحضج - بكسر الحاء واسكان الضاد - كل ما لزق بالارض، وانحضج الرجل التهب غضبا واتقد من الغيظ فلزق بالارض، وأيضا انحضج ضرب بنفسه الارض غيظا، فإذا فعلت به أنت ذلك قلت: حضجته، وفى حديث أبى الدرداء: فمن شاء أن ينحضج فلينحضج.
أي ينقد من الغيظ وينشق.
اه من اللسان وغيره.
وكل هذه المعاني متقاربة مأخوذة من المعنيين الاولين.
ونسخ المحلى هنا مصحفة ففى المصرية بالخاء بدل الحاء وفى اليمنية (ينخضع) (2) كذا رسمها ناسخ هذه النسخة، ورسمها آخر (ببذ) وفى اليمنية (سدف) بدون اعجام وقد أعجزني أن أعرف هذا الموضع أو صحة اسمه فيراجع ان شاء الله (3) في اليمنية (وهى رأس خمسة فراسخ) (4) في اليمنية (يخطبون) وهو خطأ *(3/4)
قلت: وما شرق (1) الموتى؟ قال إذا اصفرت الشمس جدا، فمن أدراك ذلك منكم فليصل الصلاة لوقتها، فان احتبس فليصل معهم، وليجعل صلاته وحده الفريضة، وصلاته معهم تطوعا (2).
قال على: فهؤلاء أكابر الصحابة رضى الله عنهم: أبو بكر، وعمر،
وعثمان، وعلى، والزبير، وعائشة، وأم سلمة، وميمونة، أمهات المؤمنين، وابن الزبير، ومن بحضرته من الصحابة، وتميم الدارى، والمنكدر، وزيد ابن خالد الجهنى، وابن عباس، وابن عمر، وأبو أيوب الانصاري، وأبو جحيفة، وأبو الدرداء، وأنس (3)، والحسن بن على، وبلال، وطارق بن شهاب: وابن مسعود، وروى أيضا عن النعمان بن بشير وغيرهم، فمن بقى؟ وما نعلم لهم متعلقا بأحد من الصحابة رضى الله عنهم الا رواية عن أبى سعيد الخدرى، جعلها خاصة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
وإذا قال صاحب: هي خاصة، وقال آخرون منهم: هي عامة، فالسير (4) على العموم حتى يأتي نص صحيح بأنها خصوص، ولا سبيل إلى وجوده، وأخرى عن معاوية ليس، فيها نهى عنهما، بل فيها: ان الناس كانوا يصلونها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرى مرسلة لا تصح عن ابن
__________
(1) بالشين المعجمة والقاف وفى اليمنية (سرف) بالمهملة في الاولى و (شرف) بالمعجمة في الثانية مع الفاء فيهما وهو تصحيف.
وشرق الموتى هو أن يشرق الانسان بريقه عند الموت، يقال: شرقت الشمس شرقا - من باب فرح - إذا ضعف ضوؤها.
وسئل محمد بن الحنفية عنه فقال: (ألم تر إلى الشمس إذا ارتفعت عن الحيطان فصارت بين القبور كأنها لحة: فذلك شرق الموتى) اه من اللسان (2) روى بعضه مسلم باسناد آخر (ج 1: ص 150) (3) حذف اسم (انس) من اليمنية وهو خطأ فقد سبق حديثه قبل أسطر (4) في اليمنية (فالسين) وهو خطأ *(3/5)
مسعود، ليس فيها أيضا إلا: وأنا أكره ما كره عمر، وقد صح عن عمر وعن ابن مسعود أباحة ذلك، وعن أبى بكرة المنع من الصلاة جملة من حين
صفرة الشمس.
والحنيفون والمالكيون مخالفون له في ذلك، كما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وأما التابعون فكثير، منهم: هشام بن عروة، وأنس بن سيرين، كما ذكرنا آنفا.
وعن عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس قال: كان أبى لا يدعهما يعنى الركعتين بعد العصر.
وعن حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن يزيد بن طلق: أن عبد الرحمن ابن البيلمانى (1) كان يصلى بعد العصر ركعتين.
وعن عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابراهيم بن ميسرة أن طاوسا صلى بحضرته ركعتين بعد العصر، ثم قال له: أتصلى بعد العصر؟ قلت نعم، قال: أكرمت والله.
وعن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن أشعث بن أبى الشعثاء (2) هو أشعث بن سليم قال: سافرت مع أبى وعمرو بن ميمون والاسود ومسروق وأبى وائل فكانوا يصلون بعد الظهر ركعتين، وبعد العصر ركعتين.
وعن محمد بن جعفر غندر: ثنا شعبة عن أبى اسحاق السبيعى قال: رأيت شريحا القاضى يصلى بعد العصر ركعتين.
وعن محمد بن المثنى عن معاذ بن معاذ العنبري ثنا أبي عن قتادة قال: كان سعيد بن المسيب يصلى بعد العصر ركعتين.
__________
(1) بفتح الباء الموحدة واللام وبينهما ياء مثناة ساكنة، وفى المصرية (السلمانى) وهو خطأ وتصحيف (2) في المصرية (عن أشعث عن أبى الشعثاء) وهو خطأ *(3/6)
وعن محمد بن المثنى: ثنا أبو عاصم النبيل (1) عن عمر بن سعيد (2) قال: رأيت
القاسم بن محمد بن أبى بكر يطوف بعد العصر ويصلى ركعتين.
وكذلك أيضا عن الحسن.
فهؤلاء هشام بن عروة، وأنس بن سيرين، وطاوس وعبد الرحمن ابن البيلمانى (3) وابراهيم بن ميسرة، وابو الشعثاء، وأشعث ابنه، وعمرو ابن ميمون، ومسروق، والاسود، وأبو وائل، وشريح القاضى، وسعيد ابن المسيب، والقاسم بن محمد، وغيرهم، كعبد الله بن أبى الهذيل، وأبى بردة بن أبى موسى، وعبد الرحمن (4) بن الاسود والاحنف بن قيس وبهما يقول أبو خيثمة، وأبو أيوب الهاشمي (5)، وبه نأخذ ان شاء الله تعالى.
286 - مسألة ولا يجوز تعمد تأخير ما نسى (6) أو نيم عنه من الفرض ولا تعمد التطوع عند اصفرار الشمس حتى يتم غروبها، وعند استواء الشمس حتى تأخذ في الزوال، ولا بعد السلام من صلاة الصبح حتى تصفو الشمس وتبيض، ويقضى في هذه الاوقات كل ما لم يذكر الا فيها، من صلاة منسية أو نيم عنها، من فرض (7) أو تطوع، وصلاة الجنازة والاستسقاء والكسوف والركعتان عند دخول المسجد، ومن توضأ للصلاة في أحد هذه الاوقات فله أن يتطوع حينئذ ما لم (8) يتعمد المرء ترك
__________
(1) أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد (2) هو عمر بن سعيد بن أبى حسين النوفلي المكى، وفى اليمنية (عمرو بن شعيب) وهو خطأ (3) في المصرية (السلمانى) وهو خطأ (4) في اليمنية بتكرار اسم (عبد الرحمن) مرتين وهو خطأ (5) أبو أيوب الهاشمي هو سليمان بن داود بن داود بن على بن عبد الله بن عباس روى عن محمد بن ادريس الشافعي وسفيان بن عيينة، وروى عنه البخاري والامام احمد وغيرهم، وقد سبق أن حكى المؤلف قوله في بعض الخلافيات (6) في اليمنية (تأخير قضاء ما نسى) وزيادة كلمة (قضاء) لا لزوم لها (7) كلمة (من فرض) سقطت من أصل المصرية وزادها ناسخها ونبه عليها، وهو
الصواب الذى في اليمنية (8) في المصرية (حينئذ عند ما لم) الخ وزيادة (عند) لا موضع لها(3/7)
كل ذلك وهو ذاكر له حتى تدخل (1) الاوقات المذكورة.
فمن فعل هذا فلا تجزئه صلاته تلك أصلا.
وهذا نص نهيه صلى الله تعالى عليه وسلم عن تحرى الصلاة في هذه الاوقات.
وأما بعد الفجر ما لم يصل الصبح فالتطوع حينئذ جائز حسن ما أحب المرء.
وكذلك اثر غروب الشمس قبل صلاة المغرب.
وبنحو هذا يقول داود في كل ما ذكرنا، حاشا التطوع بعد العصر، فانه عنده جائز إلى بعد غروب الشمس، ورأى النهى عن ذلك منسوخا.
وقال أبو حنيفة: ثلاثة أوقات لا يصلى فيها فرض فائت أو غير فائت، ولا نفل (2) بوجه من الوجوه، وهى: عند أول طلوع قرص الشمس (3) الا أن تبيض وتصفو، أو عند استواء الشمس حتى تأخذ في الزوال، حاشا يوم الجمعة خاصة، فانها (4) يصلى فيها من جاء إلى الجامع (5) وقت استواء الشمس، وعند أخذ أول الشمس في الغروب حتى يتم غروبها، حاشا عصر يومه خاصة فانه يصلى عند الغروب وقبله وبعده، وتكره الصلاة على الجنائز (6) في هذه الاوقات، فان صلى عليها فيهن أجزأ ذلك.
وثلاثة أوقات يصلى فيهن الفروض كلها، وعلى الجنازة، ويسجد سجود التلاوة ولا يصلى فيها التطوع، ولا الركعتان إثر الطواف، ولا الصلاة المنذورة، وهى: إثر طلوع الفجر الثاني حتى يصلى الصبح، الا ركعتي الفجر فقط، وبعد صلاة العصر حتى تأخذ الشمس في الغروب، الا أنه كره الصلاة على الجنازة إذا اصفرت الشمس، (7) وكذلك سجود
__________
(1) في المصرية (يدخل) وهو خطأ (2) في اليمنية (ولا يقبل) وهو خطأ (3) في اليمنية (طلوع الشمس) (4) في اليمنية (فانه) (5) في اليمنية (من جاء الجامع) (6) في اليمنية (الجنازة) (7) في اليمنية (حتى تأخذ الشمس في الغروب وبعد صلاة الجنازة إذا اصفرت الشمس) وهو خطأ *(3/8)
التلاوة، وبعد تمام غروبها حتى يصلى المغرب، ومن جاء عنده يوم الجمعة والامام يخطب وقت رابع لهذه الثلاثة التي ذكرنا آخرا (1).
قال أبو حنيفة: فمن دخل في صلاة الصبح فطلعت له الشمس وقد صلى أقلها أو أكثرها بطلت صلاته تلك، ولو أنه قعد مقدار التشهد وتشهد ثم طلع أول قرص الشمس إثر ذلك كله (2) وقبل أن يسلم فقد بطلت صلاته، ولو قهقه حينئذ لا ينقض وضوؤه، ولو أنه أحدث عمدا أو نسيانا أو تكلم عمدا أو نسيانا بعد أن قعد مقدار التشهد وقبل أن يسلم: فصلاته تامة كاملة، ولو قهقه حينئذ لم ينقض وضوؤه.
وقال أبو يوسف ومحمد: إذا قعد مقدار التشهد قبل طلوع أول الشمس فصلاته تامة، فلو دخل في صلاة العصر فصلى أولها ولو تكبيرة أو أكثرها فغربت له الشمس كلها أو بعضها فليتماد في صلاته، ولا يضرها ذلك شيئا عند أبى حنيفة وأصحابه.
قالوا: فان صلى في منزله ركعتي الفجر ثم جاء إلى المسجد فليجلس ولا يركع.
قال أبو حنيفة: فان جاء إلى المسجد بعد تمام غروب الشمس فليقف حتى تقام الصلاة، ولا يجلس ولا يركع، قال أبو يوسف: يجلس (3) ولا يركع.
وقال مالك: يصلى الفروض كلها المنسية وغيرها في جميع هذه الاوقات، ولا يتطوع بعد صلاة الصبح (4) حتى تبيض الشمس وتصفو، ولا (5) بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا بعد غروبها حتى تصلى المغرب،
__________
(1) في اليمنية (اجزا) وهو خطأ (2) في اليمنية (اثر كله) وهو خطأ (3) في اليمنية (ولا يجلس) وهو خطأ (4) في اليمنية بحذف (بعد صلاة الصبح) وهو خطأ (5) في اليمنية (أولا) وهو خطأ *(3/9)
ومن دخل المسجد حينئذ (1) قعد ولا يركع، ولا يتطوع بعد طلوع الفجر الا بركعتي الفجر، حاشا من غلبته عينه فنام عن حزبه، فانه لا بأس بأن يصليه بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح ومن ركع ركعتي الفجر في منزله ثم أتى المسجد فان شاء ركع ركعتين، وان شاء جلس ولم يركع، وقد روى عنه: ان كان (2) مصبحا فليجلس ولا يركع.
والتطوع عنده جائز على كل حال عند استواء الشمس، ولم يكره ذلك، وأجاز الصلاة على الجنازة بعد صلاة الصبح ما لم يسفر جدا، وبعد العصر ما لم تصفر الشمس، وعنه في سجود التلاوة قولان: أحدهما: لا يسجد لها بعد صلاة الصبح حتى تصفو (3) الشمس، ولا بعد صلاة العصر ما لم تغرب الشمس، والآخر: أنه لا بأس بالسجود لها ما لم يسفر وما لم تصفر الشمس، وقال: من قراها في الوقت المنهى فيه عن السجود فليسقط الآية التى فيها السجدة، ويصل (4) التي قبلها بالتي بعدها.
وقال الشافعي: يقضي الفائتات من الفروض ويصلى كل تطوع مأمور به في هذه الاوقات، وإنما الممنوع هو ابتداء التطوع فيها فقط إلا يوم الجمعة وبمكة، فانه يتطوع في جميع هذه الاوقات وغيرها *
قال علي: أما تقاسيم أبي حنيفة فدعا وفاسدة متناقضة، لا دليل على شئ منها، لا من قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا من إجماع، ولا من قول صاحب، ولا من قياس ولا رأى سديد.
وأقوال مالك لادليل على تقسيمها، لاسيما قوله باسقاط الآية في التلاوة بين الآيتين، فهو إفساد (5) نظم القرآن، وقول ما سبقه إليه أحد، وكذلك إسقاطه وقت استواء الشمس من جملة الاوقات المنهى عن الصلاة فيها،
__________
(1) في اليمنية بحذف (حينئذ) (2) في اليمنية (انه كان) وهو خطأ (3) في اليمنية (تصفر) وهو تصحيف (4) في اليمنية (ويصلى) وهو خطأ غريب (5) في اليمنية (فساد) وهو خطأ *(3/10)
فهو خلاف الثابت (1) في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا (2) معارض له * وأما تفريق الشافعي بين مكة وغيرها وبين يوم الجمعة وغيره: فلاثرين ساقطين رويناهما، في أحدهما النهى عن الصلاة في هذه الاوقات إلا بمكة (3) وفى الآخر: (يوم الجمعة صلاة كله) (4) وليسا مما يشتغل به، ولا أورده أحد من أئمة أهل الحديث، فوجب الاضراب عن هذه الاقوال جملة، والاقبال على السنن الواردة في هذا الباب، والنظر في استعمالها كلها، وفي تغليب (5) احد الحكمين على الآخر، على ما جاء في ذلك عن الصحابة رضى الله عنهم، وعن التابعين رحمهم الله.
قال علي: حدثنا حمام ثنا عباس بن إصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن ايمن ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبى ثنا عفان بن مسلم ثنا همام بن يحيى ثنا قتادة حدثنا (6) أبو العالية عن ابن عباس قال: شهد عندي رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة بعد
صلاتين: بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس
__________
(1) في اليمنية (خلاف الثابت) (2) في اليمنية (فلا) وهو خطأ (3) الحديث رواه البيهقى (ج 2 ص 461) من طريق الشافعي عن عبد الله بن المؤمل عن حميد مولى عفراء عن قيس بن سعد عن مجاهد عن أبى ذر، ثم رواه ايضا من طريق ابراهيم بن طهمان عن حميد، وعبد الله بن المؤمل ضعيف من قبل حفظه ومتابعة ابن طهمان تقويه وضعف البيهقى الحديث بحميد الاعرج لانه ليس بالقوى، واستدرك عليه ابن التركماني بأن حميدا قيل فيه انه منكر الحديث ورمى بوضع الحديث، وهذا خطأ فاحش، فان الذى رمى بهذا هو حميد الاعرج الكوفى القاص وأما الذى في الاسناد فهو حميد بن قيس الاعرج المكى أبو صفوان مولى عفراء وهو ثقة روى له الشيخان، وانما علة الحديث انه مرسل، لان مجاهدا لا يثبت له سماع من أبى ذر كما قال البيهقى، ثم رواه من وجه آخر عن مجاهد: (بلغنا أن أبا ذر) الخ وهو يدل على ارساله (4) هذا اللفظ لم أجده مرفوعا وانما هو كلمة للحسن رواها البيهقى (ج 2 ص 465) وروى أيضا أحاديث أخر في استثناء يوم الجمعة (ج 2 ص 464 و 465) وكلها ضعيفة، حاشا الاول منها وليس فيه دلالة على ما أراد (5) في اليمنية (أو في تغليب) (6) في اليمنية (حدثنى) *(3/11)
ورويناه هكذا من طرق، اكتفينا بهذا لصحته (1)، وكلها صحاح.
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا عبد الله ابن وهب عن موسى بن على بن رباح (2) عن أبيه قال: سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا (3) أن نصلى فيهن (4) أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس (5) للغروب حتى تغرب (6) وروينا أيضا في هذه الاوقات عن الصنابحى (7) وغيره.
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك الخولانى ثنا محمد بن بكر ثنا ابو داود السجستاني ثنا الربيع بن نافع هو أبو توبة ثنا محمد بن المهاجر عن العباس بن سالم عن أبى سلام (8) عن أبى أمامة الباهلي عن عمرو بن عبسة (9) السلمى أنه قال: (قلت يارسول الله، أي الليل أسمع (10)؟ قال: جوف الليل الآخر، فصل ما شئت، فان الصلاة مشهودة مكتوبة، حتى تصلى الصبح، ثم أقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قيس رمح (11) أو رمحين، فانها تطلع بين قرنى شيطان ويصلى لها الكفار، ثم صل ما شئت، فان الصلاة مشهودة
__________
(1) رواه البخاري ومسلم وابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه (2) (على) بضم العين بالتصغير، و (رباح) بفتح الراء (3) في الاصلين (ينهى) وصححناه من مسلم (ج 1: ص 228) (4) في الاصل (فيها) والتصحيح من مسلم (5) كلمة (الشمس) زدناها من صحيح مسلم، وتضيف أصلها تتضيف فحذفت التاء الاولى، ومعناها تميل للغروب ومنه سمى الضيف ضيفا من ضاف عنه يضيف (6) رواه الجماعة الا البخاري، ورواه ايضا البيهقى (ج 2: ص 454) (7) سيأتي بعد الحديث التالى ان شاء الله (8) قوله (عن أبى سلام) حذف من اليمنية وهو خطأ (9) عبسة بالعين المهملة والباء الموحدة واليسن المهملة وكلها مفتوح، وفى المصرية (عمبسة) وفى اليمنية (عمر بن عبسة) وكلاهما خطأ (10) يعنى: أي أوقات الليل أرجى للدعوة وأولى للاستجابة، قاله الخطابى (11) قيس رمح: بكسر القاف أي قدر رمح في رأى العين.
وفى اليمنية (فق) بدون نقط وهو خطأ لا معنى له *(3/12)
مكتوبة، حتى يعدل الرمح ظله، وأقصر (1) فان جهنم تسجر وتفتح أبوابها فإذا زاغت فصل ما شئت فان الصلاة مشهودة مكتوبة، حتى تصلى العصر ثم أقصر حتى تغرب الشمس، فانها تغرب بين قرنى شيطان ويصلى لها الكفار) (2) وذكر الحديث.
وروينا من طرق عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، فإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذه الاوقات) قال علي: والعجب من مخالفة المالكيين لهذا الخبر، وهو من رواية شيخهم.
قال على: فذهب إلى هذه الآثار قوم، فلم يروا الصلاة أصلا في هذه الاوقات.
كما روينا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن عاصم بن سليمان الاحوال عن بكر بن عبد الله المزني قال: كان أبو بكرة في بستان له فنام عن العصر، فلم يستيقظ حتى اصفرت الشمس، فلم يصل حتى غربت الشمس، ثم قام فصلى.
ومن طريق عبد الرزاق عن معمر وسفيان الثوري كلاهما عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين: أن أبا بكرة أتاهم في بستان لهم فنام عن العصر فقام (3) فتوضأ، ثم لم يصل حتى غابت الشمس.
__________
(1) في ابى داود (ج 1: ص 493) (ثم أقصر) (2) إلى هنا، ما رواه أبو داود، ثم قال (وقص حديثا طويلا) وهو بطوله في صحيح مسلم (ج 1: ص 228 و 229) وسنن البيهقى (ج 2: ص 454 و 455) من طريق شداد بن عبد الله ويحيى بن أبى كثير عن أبى أمامة عن عمرو بن عبسة (3) كلمة (فقام) حذفت من اليمنية *(3/13)
وبه، إلى سفيان الثوري عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن رجل
من ولد كعب بن عجرة: أنه نام عن الفجر حتى طلعت الشمس، قال: فقمت اصلى فدعاني كعب بن عجرة فأجلسني حتى ارتفعت الشمس وابيضت، ثم قال: قم فصل.
وروينا عن محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدى وأبو عامر العقدى كلاهما عن سفيان الثوري عن زيد بن جبير عن أبى البختري قال: كان عمر بن الخطاب، يضرب على الصلاة بنصف النهار.
أبوالبختري (1) هذا هو صاحب ابن مسعود وعلى.
وذهب آخرون إلى قضاء الصلوات الفائتات في هذه الاوقات، وإلى التمادي في صلاة الصبح إذا طلعت الشمس وهو فيها، أو إذا غربت له وهو فيها، وإلى تأدية كل صلاة تطوع جاء بها أمر.
واحتجوا بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا حميد بن مسعدة عن يزيد بن زريع حدثنى حجاج الاحول (2) عن قتادة عن أنس بن مالك قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يرقد عن الصلاة أو يغفل عنها؟ فقال: كفارتها أن يصليها إذا ذكرها.
__________
(1) ابوالبخترى - بفتح الباء واسكان الخاء المعجمة وفتح التاء - اسمه سعيد بن فيروز وهو تابعي روى عن بعض الصحابة، ولم يسمع من كثير منهم بل روى عنهم مرسلا كذلك قال ابن سعد في الطبقات (ج 6: ص 204) وقال ابن حجر في التهذيب (أرسل عن عمر وعلى وحذيفة وسلمان وابن مسعود) وقال ابن معين (لم يسمع من على شيأ) وكذلك قال ابن المدينى وأبو زرعة وشعبة وانظر مراسيل ابن أبى حاتم (ص 27 و 28) ولعل المؤلف رأى بعض الروايات له عن على وابن مسعود فظنه من اصحابهما، وهو ظن خطأ (2) في اليمنية (يزيد بن زريع بن حجاج الاحول) وهو خلط، وفى المصرية (حدثنى حجاج
حدثنا الاحول) وهو خطأ بل حجاج هو ابن حجاج الباهلى البصري الاحول، وصححناه من سنن النسائي (ج 1: ص 100) *(3/14)
وبه إلى أحمد بن شعيب: أنا قتيبة بن سعيد ثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسى أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها (1) وهذا عموم (2) لكل صلاة فرض أو نافلة، وقد ذكرنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة الكسوف وبالركعتين عند دخول المسجد وبالصلاة على الجنائز وسائر ما أمر به من التطوع عليه السلام.
وأخذ بهذا جماعة من السلف كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ان المسور بن مخرمة دخل على ابن عباس فحدثه، فنام ابن عباس وانسل المسور، فلم يستيقظ حتى أصبح، فقال لغلامه: أتراني أستطيع أن أصلى قبل أن تخرج الشمس أربعا يعنى العشاء وثلاثا يعنى الوتر وركعتين يعنى ركعتي الفجر وواحدة يعنى ركعة من الصبح؟ قال: نعم، فصلاهن.
وبه إلى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عطاء بن ابي رباح عن عطاء ابن يحنس (3) انه سمع أبا هريرة يقول: إن خشيت من الصبح فواتا فبادر (4) بالركعة الاولى الشمس، فان سبقت بها الشمس فلا تعجل بالآخرة أن تكملها.
وبه إلى عبد الرزاق: أنا معمر عن الزهري عن أنس بن مالك قال: صليت
__________
(1) رواه النسائي (ج 1 ص 100 و 101) وقد رواه هكذا مختصرا وهو جزء من حديث أبى
قتادة الطويل في سيرهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونومهم عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس.
وسيأتى بأسانيد مختلفة (2) في اليمنية (وعموم) وهو خطأ (3) كذا في الاصلين، ولم أجد ذكرا لعطاء بن يحنس هذا، ويوجد في الصحابة اثنان اسم كل منهما (يحنس) فهل هو ابن احدهما.
لا أدرى.
ثم عطاء بن أبى رباح من أصحاب أبى هريرة فهل يبعد ان يكون الصواب حذف (عن عطاء بن يحنس) أظنه الاقرب للصواب، ولم أجد هذا الاثر في غير هذا الكتاب (4) في المصرية (فبادرت) وما هنا أحسن وأصح *(3/15)
خلف ابى بكر الفجر فاستفتح البقرة فقرأها في ركعتين، فقال عمر حين فرغ (1) يغفر الله لك! لقد كادت الشمس أن تطلع قبل أن تسلم قال: لو طلعت لالفتنا غير غافلين (2).
وبه إلى معمر عن عاصم بن سليمان (3) عن ابى عثمان النهدي (4) قال: صلى بنا عمر صلاة الغداة فما انصرف حتى عرف كل ذي بال أن الشمس قد طلعت فقيل له: ما فرغت حتى كادت الشمس أن تطلع؟ فقال: لو طلعت لالفتنا غير غافلين.
(5) قال على: فهذا نص جلى بأصح إسناد يكون أن أبا بكر وعمر رضى الله عنهما وكل من معهما (6) من الصحابة رضى الله عنهم لا يرون طلوع الشمس يقطع صلاة من طلعت عليه وهو يصلى الصبح.
والعجب من الحنفيين الذين يرون انكار عمر على عثمان بحضرة الصحابة ترك غسل الجمعة حجة في سقوط وجوب الغسل لها وهذا ضد ما يدل عليه انكار عمر: ثم لا يرون تجويز أبي بكر وعمر صلاة الصبح وان طلعت الشمس حجة في ذلك! بل خالفوا جميع ما جاء عن الصحابة في ذلك (7) من مبيح ومانع! وخالفوا أبا بكرة في تأخير صلاة العصر
حتى غابت الشمس، وقد ذكرنا من قال من الصحابة بالتطوع بعد العصر، ومن أمر بالاعادة مع الجماعة، والى صفرة الشمس في المسألة التى قبل هذه، فأغني عن اعادته.
__________
(1) هنا في المصرية زيادة (قال) وحذفها أحسن (2) رواه البيهقى (ج 1: ص 379) من طريق هشام عن قتادة عن أنس.
وفيه ان أبا بكر قرأ آل عمران (3) في اليمنية (عن عاصم) بحذف اسم ابيه (4) في اليمنية (الهذلى) وهو خطأ (5) رواه أيضا البيهقى (ج 1: ص 379) من طريق أبى معاوية عن عاصم الاحول - هو ابن سليمان - باسناده ومعناه وفيه (فما سلم حتى ظن الرجال ذوو العقول ان الشمس قد طلعت) (6) في المصرية (معهم) وما هنا أصح (7) قوله (في ذلك) حذف من اليمنية *(3/16)
وروينا عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم (1) عن ابراهيم النخعي في الصلاة التي تنسى، قال: يصليها حين يذكرها وان كان في وقت تكره فيه الصلاة.
ومثله أيضا عن عطاء وطاوس وغيرهم.
وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان: ثنا شعبة عن موسى بن عقبة قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يقول: إن أباه كان يطوف بعد العصر وبعد الغداة ثم يصلى الركعتين قبل طلوع الشمس، قال موسى: وكان نافع يكره ذلك، فحدثته عن سالم فقال لى نافع (2): سالم أقدم منى وأعلم.
قال علي: هذا يدل على رجوع نافع إلى القول بهذا، وعلى أنه قول موسى ابن عقبة.
قال علي: فغلب هؤلاء أحاديث الاوامر على أحاديث النهى، وقالوا: إن معنى النهى عن الصلاة في هذه الاوقات أي إلا أن تكون صلاة أمرتم بها، فصلوها فيها وفى غيرها، وقال الآخرون (3): معنى الامر بهذه الصلوات
أي إلا أن تكون وقتا نهى فيه عن الصلاة فلا تصلوها فيه.
قال على: فلما كان كلى العملين (4) ممكنا، لم يكن واحد منهما أولى من الآخر إلا ببرهان، فنظرنا في ذلك فوجدنا ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى: قرأت على مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وبسر (5) بن سعيد وعبد الرحمن الاعرج حدثوه عن أبى هريرة أن رسول الله
__________
(1) مقسم - بكسر الميم واسكان القاف وفتح السين المهملة (2) في اليمنية (فقال يا نافع) وهو خطأ ظاهر (3) في اليمنية (وقال آخرون) (4) كذا في اليمنية (كلى العملين) واعراب كلا وكلتا اعراب المثنى لغة بعض العرب، وقد اعتاد المؤلف الجرى عليها هنا وفى الاحكام كما في (ج 7 ص 32) منه وفى مواضع أخر (5) بسر - بضم الباء واسكان السين المهملة.
وفى المصرية بالمعجمة، وهو تصحيف.
وفى الموطأ (ص 2 و 3) ومسلم (ج 1 ص 169) (وعن بسر بن سعيد وعن الاعرج) *(3/17)
صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر فكان هذا مبينا غاية البيان أن قضاء الصلوات في هذه الاوقات فرض، وان الامر مستثنى من النهى بلاشك.
فان قيل: فلم قلتم: إن من أدرك أقل من ركعة من العصر ومن الصبح قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فانه يصليهما؟ قلنا: لما نذكره ان شاء الله عز وجل في أوقات الصلوات من قوله عليه السلام: (وقت صلاة الصبح ما لم يطلع قرن الشمس، ووقت صلاة العصر ما لم تغرب الشمس) فكان هذا اللفظ منه عليه السلام ممكنا أن يريد به وقت الخروج من هاتين الصلاتين،
وممكنا أن يريد به وقت الدخول فيها، فنظرنا في ذلك فكان هذا الخبر مبينا أن بعد طلوع الشمس وبعد غروبها وقت لبعض صلاة الصبح ولبعض صلاة العصر بيقين، فصح أنه عليه السلام انما أراد وقت الدخول فيهما، وكان هذا الخبر هو الزائد على الحديث الذى فيه (من أدرك ركعة)، والزيادة واجب قبولها، فوضح أن الامر مغلب (1) على النهى.
فوجدنا (2) الآخرين قد احتجوا بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي (3) ثنا محمد بن اسمعيل الصائغ ثنا عبد الله بن يزيد (4) المقرئ حدثنا الاسود بن شيبان ثنا خالد بن سمير (5) قال قدم علينا عبد الله بن رباح من المدينة وكانت الانصار تفقهه، فحدثنا قال: حدثنا أبو قتادة الانصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) في اليمنية (تغلب) (2) كذا في الاصلين، والاحسن (ووجدنا) (3) في اليمنية (محمد بن الاعرابي) زهز خطأ لانه (أبو سعيد احمد بن محمد بن زياد) (4) في اليمنية (عبد الله بن زيد) وهو خطأ (5) في اليمنية (نمير) بالنون وهو خطأ وصوابه (سمير) بضم السين المهملة كما ضبطه الذهبي في المشتبه والزبيدى في شرح القاموس ونقله شارح أبى داود عن الزيلعى وانه الحصيح المعتمد.
وضبطه في الخلاصة بالمعجمة وهو خطأ(3/18)
جيش الامراء (1)، فلم يوقظنا إلا الشمس طالعة فقمنا وهلين (2) لصلاتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم رويدا رويدا، حتى تعالت الشمس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان منكم يركع ركعتي الفجر فليركعهما، فقام من كان يركعهما ومن لم يكن يركعهما، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادى بالصلاة فيؤذن بها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا، فلما انصرف قال: إنا بحمد الله لم نكن في شئ من أمر الدنيا شغلنا عن صلاتنا) وذكر الحديث.
__________
(1) قال ابن حجر في ترجمة خالد بن سمير (ذكر له ابن جرير الطبري وابن عبد البر والبيهقي حديثا أخطأ في لفظة منه وهو قوله في الحديث: كنا في جيش الامراء، يعنى مؤتة، والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يحضرها) وهذه لفظة أيضا رواها أبو داود في هذا الحديث (ج 1 ص 168 و 169) وأما الطبري فانما فيه قصة غزوة مؤتة من طريق خالد هذا وليس فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم حضرها (انظر الطبري ج 3 ص 109) وكذلك رواها أحمد بن حنبل في مسنده (ج 5: ص 299 و 300 و 301) وليس فيه حضوره.
فما أظن خالد اوهم في هذا الحديث، وانما يرجح أنه روى القصتين قصة مؤتة وقصة النوم عن الصلاة في حكايه واحدة فلما اختصرهما الرواة اختلطتا فظهر كأن قصة النوم وقعت في غزوة مؤتة وليس كذلك بل انما وقعت في غزوة خيبر على الصحيح في الرجوع منها.
ويؤيد هذا لفظ ابى داود (قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الامراء بهذه القصة قال فلم توقظنا الا الشمس الطالعة) (2) أي فزعين (3) باقى الحديث كما في أبى داود: (ولكن أرواحنا كانت بيد الله فأرسلها أنى شاء، فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحا فليقض معها مثلها) وكذلك في سنن البيهقى (ج 2: ص 216 و 217) وفى نسخة من البيهقى بدل قوله (من غد صالحا) لفظ: (من غد صلاها).
وهذه الجملة الاخيرة في الحديث فيها علة.
فقد صح من حديث عمران بن الحصين انهم قالوا بعد الصلاة: (يارسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال: لا ينهاكم ربكم عن الربا ويقبله منكم) كما سنذكره في الحديث الذى بعد هذا.
وقد روى القصة أربعة عشر صاحبا، ورواها كثيرون عن أبى قتادة فلم يذكروا فيها الامر بصلاتها من الغد، وهذا دليل على خطأ المتفرد بهذه الجملة.
ثم وجدت في سنن النسائي (ج 1: ص 101) من طريق ثابت البنانى عن عبد الله بت رباح عن أبى قتادة (أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما ناموا عن الصلاة حتى طلعت الشمس قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: فليصلها أحدكم من الغد لوقتها) وكذلك في صحيح مسلم (فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها فإذا كان الغد فليصلها(3/19)
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا ابن وضاح ثنا ابو بكر بن أبى شيبة ثنا أبو أسامة عن هشام بن حسان عن الحسن عن عمران بن الحصين قال: (أسرينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم عرس بنا من آخر الليل، فاستيقظنا وقد طلعت الشمس، فجعل الرجل منا يثور إلى طهوره دهشا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارتحلوا، قال: فارتحلنا، حتى إذا ارتفعت الشمس نزلنا، فقضينا من جوائجنا، ثم توضأنا، ثم أمر بلالا فأذن فصلى ركعتين، ثم أقام بلال فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث (1).
حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا هشيم أخبرنا حصين ثنا عبد الله بن أبى قتادة عن أبى قتادة أبيه قال: (سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) ونحن في سفر ذات
__________
عند وقتها) (ج 1: ص 189 و 190) وكذلك في سنن ابى داود (ومن الغد للوقت) وهو ظاهر في الامر بالحرص على ادائها في اليوم الثاني لوقتها، فلعل خالد بن سمير لما سمع هذا فهم أن معناه يعيد الصلاة ثانى يوم مع صلاة الوقت فروى الحديث بالمعنى الذى فهم فأخطأ فيه، وهو قريب جدا (1) الحديث سيروية المؤلف قريبا من طريق ابى داود مختصرا.
وقد رواه البيهقى (ج 2: ص 217) من طريق مكى بن ابراهيم عن هشام، والدار قطني (ص 148) من طريقين عن روح بن عبادة عن هشام، ومن طريق ثالثة عن الاعمش عن اسماعيل عن الحسن.
ورواه ابن حزم في الاحكام (ج 7: ص 108) من طريق ابن المدينى عن عبد الاعلى عن هشام وعندهم كلهم في آخره (فقلنا يارسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال: لا ينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم) هذا لفظ الاحكام.
وقد ضعف المؤلف هذا الحديث هناك بالاختلاف في سماع الحسن من عمران وقد رجح البزار أنه سمع منه، وكذلك رجح الحاكم في المستدرك (ج 1: ص 274) حيث روى الحديث مختصرا وقال (صحيح على ما قدمنا ذكره من صحة سماع الحسن
عن عمران) ووافقه الذهبي في مختصره.
ويؤيده ان ابن حزم نفسه سيحتج بعد صحف قليلة برواية يونس عن الحسن عن عمران ويرجحها على غيرها.
فهل لنا أن نقول له كما يقول لخصومه انه لا ينظر الا إلى نصر المسألة الحاضرة فقط، وان ناقض كلامه في ذات البحث في مسألة أخرى! اللهم غفرا (2) في اليمنية (سرينا مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم) *(3/20)
ليلة، فقلنا: يا رسول الله، لو عرست بنا؟ قال: إني أخاف أن تناموا عن الصلاة، فمن يوقظنا بالصلاة؟ قال بلال: أنا يارسول الله، فعرس القوم، واستند (1) بلال إلى راحلته، فغلبته؟ عيناه، واستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بدأ حاجب الشمس، فقال: يا بلال، أين ما قلت؟ فقال: يا رسول الله، والذى بعثك بالحق، ما ألقيت على نومة مثلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الله قبض أرواحكم حين شاء، ثم أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتشروا لحاجاتهم (2)، وتوضؤا، وارتفعت الشمس، فصلى بهم الفجر (3) حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا على بن حجر أنا اسمعيل هو ابن جعفر ثنا العلاء بن عبد الرحمن: أنه دخل على انس بن مالك في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر، قال: وداره بجنب المسجد، فلما دخلنا عليه قال: صليتم (4) العصر؟ قلنا: لا، انما انصرفنا الساعة من الظهر، قال: فصلوا العصر، فقمنا فصلينا فلما انصرفنا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تلك صلاة المنافقين (5)، جلس يرقب العصر حتى إذا كانت بين قرنى الشيطان قام فنقر أربعا، لا يذكر الله فيها ألا قليلا.
ورويناه من طريق مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أنس قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تلك صلاة المنافقين (6) يجلس أحدهم (7)
__________
(1) في اليمنية (فاستند) (2) في اليمنية (لحاجتهم) (3) رواه البخاري في المواقيت (ج 1: ص 87) وفى التوحيد (ج 3: ص 339) باسنادين عن حصين مختصرا.
ورواه البيهقى أيضا مختصرا (ج 1: ص 403 وج 2 ص: 216) ورواه غيرهما (4) في النسائي (ج 1: ص 89) (أصليتم) باثبات همزة الاستفهام (5) في النسائي (تلك صلاة المنافق) وهو أجود (6) في الموطأ (ص 76) بتكرار (تلك صلاة المنافقين) ثلاث مرات (7) في الاصلين (أحدكم) وصححناه من الموطأ(3/21)
حتى إذا اصفرت الشمس فكانت بين قرنى الشيطان (1) أو على قرنى الشيطان قام فنقر أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا (2) وبما ذكرناه (3) قبل في مسألة الركعتين بعد العصر من قول ابن مسعود: يطيلون الخطبة ويؤخرون الصلاة حتى يقال هذا شرق الموتى، فقيل لابن مسعود: وما شرق الموتى؟ قال: إذا اصفرت الشمس جدا، فمن أدرك ذلك منكم فليصل الصلاة لوقتها، فان احتبس فليصل معهم، وليجعل صلاته وحده الفريضة، وصلاته معهم تطوعا.
والحديث الذى ذكرناه من طريق أبى ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها؟! قلت فما تأمرني؟ قال: صل الصلاة لوقتها، فان أدركتها معهم فصل، فانها لك نافلة) وقالوا: صح نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة جملة في الاوقات المذكورة، ونهيه عليه السلام عن الصيام جملة (4) في يوم الفطر ويوم الاضحى وأيام التشريق، وصح أمره بقضاء الصلوات من نام عنها أو نسيها، وبالنذر، وبما ذكرتم من النوافل، وبقضاء الصوم للحائض والمريض والمسافر،
__________
(1) في المصرية (شيطان) وهو خطأ (2) هكذا ورد في هذا الحديث وفى أحاديث أخرى أن الشمس تطلع وتغرب بين قرنى الشيطان، فظن بعض الشارحين انها على ظاهرها، واعترض كثير من الناس على هذه الاحاديث ممن أشربت أنفسهم الجرأة على تكذيب كل حديث لا يوافق آراءهم بل أهواءهم بل أذواقهم، وهم خليون إلا من الاهواء.
وبديه أن الشمس في كل لحظة تشرق على قوم وتغرب عن آخرين.
فالمراد من الحديث ومن الاحاديث الاخرى التمثيل أي ان الشيطان يقارن عبدة الشمس فيسول لهم أن يسجدوا لها عند الشروق وعند الاستواء وعند الغروب فكأنهم إذ يسجدون لها يسجدون لوجه الشيطان الذى يزين لهم ذلك في قلوبهم.
والحديث رواه ايضا مسلم وابو داود والترمذي والنسائي (3) في اليمنية؟ (ولما ذكرناه) وما هنا أصح) 4) في اليمنية (جملة واحدة) وهذه الزيادة لا معنى لها *(3/22)
والنذر والكفارات: فلم تختلفوا معنا في أن لا يصام شئ (1) من ذلك في الايام المنهى (2) عن صيامها، وغلبتم النهى على الامر، فوجب أن يكون كذلك في نهيه عن الصلاة في الاوقات المذكورة، مع أمره عليه السلام بما أمر به من الصلوات وقضائها، وإلا فلم فرقتم بين النهيين والامرين؟ فغلبتم في الصوم النهى على الامر، وغلبتم في الصلاة الامر على النهى؟! وهذا تحكم لا يجوز.
وقالوا: يمكن أن يكون قوله عليه السلام فيمن أدرك ركعة من صلاة الصبح ومن العصر قبل طلوع الشمس (3) وقبل غروبها فقد أدرك الصبح: قبل النهى عن الصلاة في الاوقات المذكورة.
قال على: هذا كل ما اعترضوا به، مالهم اعتراض غيره أصلا، ولسنا نعنى أصحاب أبي حنيفة، فانهم لامتعلق لهم بشئ مما ذكرنا، إذ ليس منها خبر إلا وقد خالفوه، وتحكموا فيه بالآراء الفاسدة، وانما نعنى من ذهب مذهب
المتقدمين في تغليب النهى جملة فقط.
قال على: وكذلك أيضا لا متعلق للمالكيين بشئ مما ذكرنا من الآثار، لانه ليس منها شئ إلا وقد خالفوه، وتحكموا فيه، وحملوا بعضه على الفرض وبعضه على التطوع بلا برهان، وانما نعنى من ذهب مذهب المتقدمين في تغليب الامر جملة: والكلام انما هو بين هاتين الطائفتين فقط.
قال على: كل هذا لا حجة لهم فيه.
أما حديثا (4) أبى قتادة وعمران بن الحصين فانهما قد جاءا ببيان زائد، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن اسحاق ثنا ابن الاعرابي ثنا محمد بن اسماعيل الصائغ ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن ثابت البنانى عن عبد الله بن
__________
(1) في اليمنية (بشئ) وهو خطأ (2) في اليمنية (النهى) وهو خطأ (3) كلمة (الشمس) محذوفة هنا في اليمنية وهو خطأ (4) في الاصلين (حديث) بالافراد، وهو خطأ *(3/23)
رباح عن أبى قتادة فذكر الحديث وفيه:) مال (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم وملت معه، فقال: انظر، فقلت: هذا راكب (2)، هذان راكبان (3)، هؤلاء ثلاثة حتى صرنا سبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إحفظوا علينا صلاتنا يعنى صلاة الفجر، فضرب على آذانهم، فما أيقظهم إلا حر الشمس، فقاموا فساروا هنيهة ثم نزلوا فتوضؤا (4)، وأذن بلال فصلوا ركعتي الفجر، ثم صلوا الفجر وركبوا، فقال بعضهم لبعض: لقد فرطنا في صلاتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لا تفريط في النوم، إنما التفريط في اليقظة، فمن نام عن صلاة أو نسيها فليصلها (5) إذا ذكرها) وذكر باقى الخبر (6) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا وهب بن بقية عن خالد عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عمران بن
الحصين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في مسير له، فناموا عن صلاة الفجر، فاستيقظوا بحر الشمس، فارتفعوا قليلا حتى استقلت الشمس، ثم أمر مؤذنا فأذن فصلى ركعتين قبل الفجر، ثم أقام ثم صلى الفجر (7).
فهذا يونس عن الحسن وثابت البنانى عن عبد الله بن رباح (8) وهما أحفظ
__________
(1) في الاصلين (قال) وهو خطأ ظاهر (2) في اليمنية (هذا ركب) وهو خطأ (3) في المصرية (هذا راكبان) وهو خطأ (4) في اليمنية (فتبادروا) وهو خطأ (5) في اليمنية (فليصليها) وهو خطأ (6) رواه أبو داود (ج 1: ص 167 و 168) عن موسى بن اسماعيل عن حمادبه مختصرا كماهنا، وفي آخره (فليصلها حين يذكرها ومن الغد للوقت) ورواه أحمد (ج 5: ص 298) عن يزيد بن هرون عن حماد بن سلمة عن ثابت مطولا.
ورواه مسلم مطولا أيضا (ج 1: ص 189 و 190) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت، وكذلك البيهقى (ج 2: ص 216) (7) في اليمنية بحذف كلمة (الفجر) وهو خطأ، والحديث في أبى داود (ج 1: ص 169 و 170) ورواه أيضا الدارقطني (ص 147) من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد عن يونس، وكذلك رواه البيهقى (ج 1: ص 404) من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن يونس.
وقد سبق قريبا باسناد آخر وتكلمنا عليه (8) رباح بفتح الراء والباء الموحدة، وفي اليمنية (رياح) بالياء المثناة وهو تصحيف *(3/24)
من خالد بن سمير ومن هشام بن حسان يذكران أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستيقظ إلا بحر الشمس، وبضرورة الحس والمشاهدة يدرى كل أحد أن حر الشمس لا يوقظ النائم إلا بعد صفوها وابيضاضها وارتفاعها، وأما قبل ذلك فلا: وليس في حديث عبد الله بن أبى قتادة أنه عليه السلام أمرهم بالانتظار أصلا، وانما أمرهم بالانتشار للحاجة ثم الوضوء ثم الصلاة فقط *
وإذ ذلك فقد وجب أن ننظر ما الذى من أجله أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة في ذلك اليوم؟ وحتى لو لم يذكر حر الشمس في شئ من هذا الخبر لما كان فيه حجة لمن زعم أنه عليه السلام انما أخر الصلاة من أجل أن الشمس لم تكن صفت ولا ابيضت: لانه ليس في شئ من الاخبار أصلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما أخرت الصلاة من أجل أن الشمس لم تبيض ولا ارتفعت بعد، ولا أنه عليه السلام قال، امهلوا حتى ترتفع الشمس وتبيض، وإنما ذلك ظن من بعض الرواة وقد قال الله تعالى: (ان الظن لا يغنى من الحق شيئا) * على أنه لم يقل قط أبو قتادة ولا عمران رضى الله عنهما: أن تأخيره عليه السلام الصلاة انما كان لان الشمس لم تكن ابيضت ولا ارتفعت، وانما ذكروا صفة فعله عليه السلام فقط، فحصل من قطع بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أخر الصلاة يومئذ من أجل أن الشمس لم تكن ابيضت ولا ارتفعت: على قفو ما ليس له به علم، وعلى الحكم بالظن، وكلاهما محرم بنص القرآن: وعلى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذا عظيم جدا * فوجب أن نطلب السبب الذى من أجله أخر عليه السلام الصلاة في(3/25)
ذلك اليوم: ففعلنا، فوجدنا ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج: حدثنى محمد بن حاتم ثنا يحيى بن سعيد هو القطان ثنا يزيد بن كيسان ثنا أبو حازم هو سلمان (1) الاشجعى عن أبي هريرة قال: عرسنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته، فان هذا منزل حضرنا فيه الشيطان، ففعلنا، ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين، ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة (2) * وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود السجستاني ثنا موسى بن اسماعيل ثنا أبان هو ابن يزيد العطار (3) ثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة في هذا الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة، فأمر بلالا فأذن وأقام وصلى (4) * قال على: فارتفع الاشكال جملة والحمد لله، وصح يقينا أنه عليه السلام إنما أخر الصلاة ليزولوا عن المكان الذى أصابتهم فيه الغفلة، وحضرهم فيه الشيطان فقط، لا لان الشمس لم تكن ارتفعت.
*
__________
(1) في المصرية (سليمان) وهو خطأ (2) صحيح مسلم (ج 1: ص 189) (3) بالعين وآخره راء، وفى اليمنية (القطان) وهو خطأ (4) رواه أبو داود (ج 1: ص 166 و 167) وقال عقبه) رواه (مالك وسفيان بن عيينة والاوزاعي وعبد الرزاق عن معمر وابن اسحق لم يذكر أحد منهم الاذان في حديث الزهري هذا ولم يسنده منهم أحد إلا الاوزاعي وأبان العطار عن معمر).
ولا بأس عليهما من ذلك، فانها زيادة ثقة وهى مقبولة.
وقد تأيدت برواية هشام ويونس عن الحسن عن عمران وبروايات حديث أبى قتادة وفيها كلها أنه أمر بالاذان *(3/26)
وقد قال (1) بعضهم انها حينئذ بين قرنى الشيطان فالعلة موجودة * قال على: وهذا تخديش في الرخام (2)، ولم يقل عليه السلام: إن تأخيره الصلاة من أجل كون الشمس بين قرني الشيطان، وإنما قال: (منزل حضرنا فيه الشيطان) وحضور الشيطان في منزل قوم هو بلاشك من كل ذى فهم غير كون
الشمس بين قرني الشيطان: فظهر كذب هذا القائل يقينا.
وبالله تعالى التوفيق * ووجه رابع هو: أنه حتى لو صح لهم أن تردده عليه السلام كان من أجل أن الشمس لم تكن ابيضت بعد وهذا لا يصح أبدا لكان قوله في ذلك الحديث نفسه بعد صلاته بهم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) وفي بعض الفاظ الرواة (فليصلها حين يذكرها): ناسخا لفعله في تأخير الصلاة لانه بعده * فان قيل (3): فهلا جعلتموه ناسخا لتحولهم عن المكان؟ قلنا: لا يجوز ذلك، لان قوله عليه السلام: (إذا ذكرها) و (حين يذكرها)، قصد منه إلى زمان تأديتها، وليس فيه حكم لمكان (4) تأديتها، فلا يكون لما ليس فيه خلاف بحكمه أصلا، وهذا غاية الحقيقة والبيان.
ولله الحمد * واما حديث انس (تلك صلاة المنافقين): فلا حجة لهم فيه أصلا، لوجوه * أحدها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذم في ذلك الحديث تأخير الصلاة فقط وحده، وانما ذم التأخير مع كونه ينقرها اربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا، وهذا بلا شك مذموم، أخر الصلاة أو لم يؤخرها.
وهذا مثل
__________
(1) في المصرية (وقال) (2) هكذا في المصرية بالخاء المعجمة، فان كان صوابا فمعناه أن المعترض بهذا كمن يحاول خدش الرخام الصلب بأظفاره، فلن يؤثر عمله في الرخام الصلب بأظفاره، فلن يؤثر عمله في الرخام ولكنه يؤذى نفسه.
وفى اليمنية بالحاء المهملة.
والله أعلم بالصواب (3) في اليمنية (فان قالوا) (4) في اليمنية (لزمان) وهو خطأ *(3/27)
قوله تعالى: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) *
وأيضا فانه قد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بأن من أدرك من الصبح ركعة ومن العصر ركعة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فقد أدرك الصلاتين، فمن الباطل المحال أن يكون المدرك للصلاة عاصيا بها ومصليا صلاة المنافقين، ولا يختلف اثنان في أن من أدرك الصلاة في وقتها فقد أدى ما أمر، وليس عاصيا، وان كان قد ترك الافضل * وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا زهير بن حرب ثنا مروان بن معاوية الفزاري أنا اسمعيل بن أبى خالد ثنا قيس بن أبي حازم سمعت جرير بن عبد الله يقول (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فان استطعتم أن لاتغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، يعنى العصر والفجر (1) * وبه إلى مسلم: حدثنا أبو كريب واسحاق بن ابراهيم وأبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن اسمعيل بن أبي خالد ومسعر بن كدام أنهما سمعا ابا بكر بن عمارة بن رؤيبة (2) عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، يعنى الفجر والعصر).
هكذا في الحديث نصا * قال على: فإذ هذا كذلك فظاهر الخبر (3) أنه عليه السلام عنى من أخر صلاة لا يحل تأخيرها إلى ذلك الوقت، وهذا في غير العصر بلاشك، لكن
__________
(1) هو في صحيح مسلم (ج 1: ص 175) (2) بضم الراء مصغر وفى اليمنية (دويبة) بالدال وهو خطأ والحديث في مسلم (ج 1: ص 175) (3) في اليمنية (فظاهر الحديث) *(3/28)
في الظهر المتعين تحريم تأخيرها إلى ذلك الوقت (1)، كما أخبر عليه السلام أن التفريط في اليقظة، أن تؤخر صلاة حتى يدخل وقت أخرى * فان قالوا (2) في خبر أنس: (جلس يرقب (3) وقت العصر) قلنا: نعم، وإذا أخر الظهر إلى وقت العصر راقبا للعصر فقد عصى الله تعالى، فبطل تعلقهم بهذا أيضا.
والحمد لله رب العالمين * وأما حديث ابن مسعود فحجة لنا عليهم ظاهرة، لانه لم يعن بيقين إلا صلاة الجمعة تؤخر إلى ذلك الوقت، بقوله (يطيلون الخطبة ويؤخرون الصلاة) وأيضا فانه رضى الله عنه أجاز التطوع معهم إذا اصفرت الشمس، في ذلك الخبر نفسه، فصح أن ابن مسعود موافق لنا في هذا * وأما حديث أبى ذر فكذلك أيضا، وهو خبر موافق لنا، ولله الحمد، لان نصه (4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يؤخرون الصلاة عن وقتها) وقد صح أن ما لم تغرب الشمس فهو وقت للدخول في صلاة العصر، وما لم تطلع الشمس فهو وقت للدخول في صلاة الصبح.
فبطل تعلقهم بجميع الآثار.
ولله الحمد * وأما قولهم: لعل قوله صلى الله عليه وسلم: من أدرك من صلاة الصبح ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الصبح كان قبل النهى عن الصلاة في الاوقات المذكورة: فخطأ، لان لعل لا حكم لها، وانما هي ظن.
وأيضا فالبرهان قد صح أن (5) قوله عليه السلام: (من أدرك ركعة) متأخر عن أخبار النهى أن أبا هريرة هو روى (من أدرك ركعة) وهو متأخر الصحبة
__________
(1) قوله (لكن في الظهر) إلى هنا سقط من اليمنية وهو خطأ (2) في المصرية (وان قالوا) (3) في اليمنية بحذف كلمة (يرقب) وهو خطأ (4) في اليمنية (لان نفسه) وهو خطأ لا معنى له.
(5) في اليمنية (وأيضا فان البرهان قد صح بأن) الخ *(3/29)
وروى أخبار النهى عمر بن الخطاب وعمرو بن عبسة، (1) واسلامهما قديم.
وبالجملة فلا يقدح (2) في أحد الخبرين تأخره (3) ولا تقدمه، إذا أمكن استعمالهما وضم أحدهما إلى الآخر، فالواجب الاخذ بجميعها كما قدمنا.
وبالله تعالى التوفيق * وأما قولهم: إننا قد أجمعنا (4) على تغليب خبر النهى عن صوم يومى (5) الفطر والنحر وأيام التشريق على أحاديث الامر بقضاء رمضان والنذر والكفارات، فكذلك يجب أن نغلب (6) أخبار النهى عن الصلاة في الاوقات المذكورة على أحاديث الامر بقضاء الصلاة المنسية والمنوم عنها (7) والنذر وسائر ما أمر به من التطوع: فهذا قياس، والقياس كله باطل * ولعل هذا يلزم من قال بالقياس من المالكيين والشافعيين، إلا أنهم أيضا يعارضون الحنفيين في هذا القياس، بأن يقولوا لهم: أنتم أول من نقض هذا القياس، ولم يطرده، فأجزتم (8) صلاة عصر اليوم في الوقت المنهى عن الصلاة فيه، ولم تقيسوا عليه الصبح، ولا قستموها على الصبح، ثم زدتم ابطالا لهذا القياس، فجعلتم بعض الوقت المنهى عن الصلاة فيه جملة يقضى فيه الفرض (9) ويسجد فيه للتلاوة ويصلى فيه على رالجنازة ولا يصلى فيه صلاة منذورة، وجعلتم بعضه لا يصلى فيه شئ من ذلك كله، فلم تقيسوا صلاة في بعض الوقت على صلاة في سائره، وكان هذا أصح في القياس،
__________
(1) عبسة - بفتح العين المهملة والباء الموحدة والسين المهملة وفى الاصلين (عنبسة) بزيادة نون وهو خطأ وتحريف (2) في المصرية (ولا يقدح) وفى اليمنية (فلا فلاح) بدون نقط ولا معنى لليمنية، والمصرية أصح إلا أن الواو لا موضع لها في سياق الكلام، فجمعنا بينهما ورأينا الصواب أن يكون (فلا يقدح) (3) في المصرية (تأخيره) وما هنا أصح.
(4) في اليمنية
(وأما قولهم إذا قد أجمعنا) وما هنا أصح (5) في المصرية (يوم) وهو خطأ (6) في المصرية (تغلب) (7) في اليمنية (والنوم عنها) وهو خطأ (8) في المصرية (فأخرتم) وهو تصحيف (9) في اليمنية (تقضى فيه الفروض) *(3/30)
وأولى من قياس حكم صلاة على صوم * وأما قولهم؟ لنا: لم فرقتم بين الامرين والنهيين؟ فجوابنا وبالله تعالى التوفيق: اننا فعلنا ذلك لان النصوص جاءت مثبتة (1) لتغليب أحاديث الامر بالصلوات جملة على أحاديث النهى عن الصلاة في تلك الاوقات، وبعضها متأخر ناسخ للمتقدم، ولم يأت نص أصلا بتغليب الامر بالصوم على أحاديث النهى، بل صح الاجماع المتيقن على وجوب تغليب النهى عن صيام يوم الفطر (2) والنحر (3) على أحاديث إيجاب القضاء والنذور والكفارات، وكان قوله عليه السلام في أيام التشريق إنها (4) أيام أكل وشرب موجبا للاكل والشرب فيها، فلم يجز أن تصام بغير نص جلي فيها بخلاف ما جاء في الصلاة.
وبالله تعالى التوفيق.
فسقط كل ما شغبوا به ولله الحمد * وأما جواز ابتداء التطوع بعد العصر ما لم تصفر الشمس وجواز التطوع بعد الفجر ما لم تصل صلاة الفجر على كل حال: فلما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرنا عمرو بن على ثنا عبد الرحمن ابن مهدى ثنا شعبة وسفيان الثوري كلاهما عن منصور بن المعتمر عن هلال ابن يساف (5) عن وهب بن الاجدع عن على بن أبى طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة) * وهب بن الاجدع تابع ثقة مشهور.
وسائر الرواة أشهر من أن يسال
عنهم.
وهذه زيادة عدل لا يجوز تركها *
__________
(1) من أول قوله (فجوابنا) إلى هنا سقط من اليمنية وهو خطأ (2) في اليمنية (تغليب النهى على صيام الفطر) وهو خطأ (3) في المصرية (وعلى) وزيادة الواو خطأ.
(4) في اليمنية بحذف (انها) (5) يساف - بكسر الياء المثناة وتخفيف السين المهملة.
ويقال (اساف) بالهمزة بدل الياء وهكذا هو في المصرية، وفى اليمنية (يسار) بالراء في آخره وهو خطأ *(3/31)
وأما من طلوع الفجر إلى صلاة الصبح فلحديث عمرو بن عبسة (1) الذى ذكرنا في صدر هذه المسألة، الذي فيه: (فصل (2) ما شئت فان الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلى الصبح، ثم أقصر حتى تطلع الشمس) * وبما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح أنا ابن وهب عن يونس هو ابن يزيد عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد وعبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أخبراه (3) عن عبد الرحمن بن عبدالقاري (4) قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن حزبه أو عن شئ منه فقرأه ما بين (5) صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل) * قال علي: والرواية في أن (لا صلاة بعد طلوع الفجر الا ركعتي الفجر) ساقطة مطرحة (6) مكذوبة كلها، لم يروها أحد إلا من طريق عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم (7)، وهو هالك، أو من طريق أبي بكر بن محمد، وهو مجهول
__________
(1) في المصرية (عنبسة) وهو خطأ (2) في اليمنية (فصلى) باثبات الياء وهو لحن (3) في اليمنية (وأخبراه) وهو خطأ (4) (عبد) بالتنوين، و (القارى) بتشديد الباء نسبة إلى أحد أجداده وهو القارة ابن الدبش (5) في مسلم (ج 1: ص 207) (فيما بين) (6) في لسان الميزان
نقلا عن المحلى (مطروحة) وما هنا أحسن.
(7) أنعم - بفتح الهمزة واسكان النون وضم العين المهملة.
وعبد الرحمن هذا هو الا فريقي القاضى بافريقية مات سنة 156 وقد جاوز المائة، وليس بها لك كما زعم ابن حزم وهو ثقة عدل انكروا عليه احاديث، وهذا ما لا يخلو منه اكثر الرواة.
قال أبو داود: (قلت لاحمد بن صالح: يحتج بحديث الافريقى؟ قال: نعم، قلت: صحيح الكتاب؟ قال: نعم) وقال الترمذي: (رأيت محمد بن اسماعيل يقوى أمره ويقول: هو مقارب الحديث).
وقال احمد بن صالح أيضا: (من تكلم في ابن أنعم فليس بمقبول، ابن أنعم من الثقات).
وقال أبو العرب القيرواني: (كان ابن أنعم من أجلة التابعين، عدلا في قضائه صلبا، أنكروا عليه أحاديث).
ووثقه سحنون أيضا.
وقال أبو بكر بن أبى داود: (انما تكلم الناس في الافريقى وضعفوه لانه روى عن مسلم بن يسار فقيل له: أين رأيته؟ فقال:(3/32)
لا يدري من هو، وليس هو ابن حزم، أو من طريق أبي هرون العبدي، وهو ساقط، أو من طريق يسار مولى ابن عمر، وهو مجهول ومدلس، عن كعب بن مرة ممن لا يدري من هو (1).
__________
بافريقية، فقالوا، مادخل مسلم بن يسار افريقية قط، يعنون البصري، ولم يعلموا أن مسلم بن يسار آخر يقال له أبو عثمان الطنبذى وكان الافريقى رجلا صالحا) وهذه الاقوال نقلناها من التهذيب، الا أن كلمة ابى بكر بن أبى داود الاخيرة ففيها سقط من الطبع في التهذيب صححناه من نيل الاوطار (ج 2 ص 41) (1) قوله (عن كعب بن مرة) هكذا هو في الاصلين (عن) وكذلك نقله ابن حجر في لسان الميزان عن المؤلف.
وهو خطأ في أصل الكتاب صوابه (وعن كعب بن مرة) بزيادة الواو أي انهما اسنادان في أحدهما يسار مولى ابن عمر، وفى الآخر كعب، والدليل على هذا أن يسارا انمار وى الحديث عن مولاه عبد الله بن عمر.
كما سترى.
أما الحديث المذكور فان ابن حزم شط جدا في الحكم بكذبه.
قال ابن حجر في لسان الميزان
في ترجمة المؤلف (ج 4: ص 201): (ذكر نبدة من أغلاطه في وصف الرواة: قال في الكلام على حديث - لا صلاة بعد طلوع الفجر الا ركعتي الفجر - الرواية في هذا الباب ساقطة مطروحة مكذوبة، فذكر منها طريق يسار مولى ابن عمر عن كعب بن مرة قال: ويسار مجهول ومدلس وكعب لا يدرى من هو.
قال القطب: يسار قال أبو زرعة ثقة).
وأيضا فقد ذكره ابن حبان في الثقات.
وقال الشوكاني في نيل الاوطار (ج 3: ص 111) من الطبعة المنيرية (وقد أفرط ابن حزم فقال) الخ وذكر كلام المؤلف.
وحديث يسار هذا رواه أبو داود (ج 1: ص 494) والدار قطني من طريقه (ص 161) والبيهقي (ج 2: ص 165) من طريق وهيب عن قدامة بن موسى عن ايوب بن الحصين عن أبى علقمة مولى ابن عباس عن يسار مولى ابن عمر عن ابن عمر.
ورواه البيهقى أيضا (ج 2: ص 465) من طريق سليمان بن بلال عن قدامة عن أيوب بهذا.
ورواه الترمذي (ج 1: ص 85) ومحمد بن نصر المروزى في قيام الليل (ص 79) والبيهقي أيضا (ج 2: ص 465) من طريق الدراوردى عن قدامة بهذا الاسناد إلا أنه سمى شيخ قدامة (محمد بن الحصين) والفاظهم متقاربة * وأطولها لفظ البيهقى من طريق سليمان بن بلال.
قال يسار: (قمت اصلى بعد الفجر فصليت صلاة كثيرة، فحصبنى عبد الله بن عمر، وقال: يا يسار كم صليت؟ قال قلت: لاأدرى، فقال عبد الله:(3/33)
وقد قال بهذا جماعة من السلف، كما روينا من طريق وكيع عن أفلح ابن حميد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: كنا نأتي عائشة أم المؤمنين قبل
__________
لادريت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلى هذه الصلاة فتغيظ علينا تغيظا شديدا، ثم قال ليبلغ شاهدكم غائبكم لاصلاة بعد طلوع الفجر الا ركعتي الفجر) وكذلك هذه القصة في رواية المروزى والدار قطني، وفى رواية ابى داود ان ابن عمر رأى يسارا يصلى فاخبره بالحديث فلا أدرى بعد هذا كيف يضعفه المؤلف بان يسارا مدلس!، وما وصفه بهذا أحد ولو كان مدلسا فالقصة صريحة في أنه سمعه من ابن عمر فزال خوف التدليس.
واسناد الحديث كلهم ثقات، وانما اختلفوا في محمد بن الحصين فقال الدارقطني مجهول، وذكره ابن حبان في الثقات، واختلافهم في اسمه هل هو محمد أو أيوب قليل الاثر، فقد رجح أبوجاتم أنه (محمد) وكذلك ابن حجر وقال: (أما ابوه فهو حصين وكنيته أبو أيوب فلعل من سماه أيوب وقع له غير مسمى فسماه بكنية أبيه) وهو قريب جدا.
فالضعف في هذه الاسانيد محتمل، وقد جبر بروايته من طرق أخرى.
فان الحديث إذا روى من طريقين فيهما ضعف قليل وكان الضعف من قبل سوء الحفظ أو الخطأ في الرواية أيدت احدى الروايتين الاخرى.
أما إذا كان الضعف من قبل عدم الوثوق بالراوي لتهمته في العدالة فلا ولا كرامة بل لا يزيده ذلك الا ضعفا.
وأما طريق عبد الرحمن بن انعم الافريقى فقد روى المروزى في قيام الليل (ص 79) من طريق عيسى بن يونس والدار قطني (ص 161) والبيهقي (ج 2: ص 465 و 466) من طريق سفيان الثوري والبيهقي ايضا (ج 2: ص 465) من طريق ابن وهب كلهم عن الافريقى عن عبد الله بن يزيد أبى عبد الرحمن الحبلى عن عبد الله بن عمرو بن العاص ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (لا صلاة بعد طلوع الفجر الا ركعتي الفجر) وهذا اسناد صحيح على ما رجحناه في الافريقى انه ثقة وقد تأيد بحديث ابن عمر.
وأما طريق أبى بكر بن محمد فقد ذكرها ابن حجر في التلخيص (ص 71) نقلا عن الطبراني من حديث عبد الرزاق عن ابى بكر بن محمد عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر، ثم قال: (وينظر في سنده) ونقله الزيلعى في نصب الراية (ج 1 ص 134) عن الطبراني باسناده، ولفظه كلفظ حديث الافريقى.
وابو بكر هذا الذى في الاسناد ظن ابن حجر في مختصر نصب الراية أنه ابن أبى سبرة وأنا ارجح هذا لانه معروف بالرواية عن موسى بن عقبة ومن شيوخ عبد الرزاق وهو (أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبى سبرة) وقد ينسب إلى جده وهو ضعيف جدا.
وأما طريقا أبى هرون العبدى وكعب بن مرة فلم أجدهما بعد طول التتبع فالله أعلم بهما.(3/34)
صلاة الفجر، فأتيناها يوما فإذا هي تصلي، فقلنا: ما هذه الصلاة؟ فقالت إنى نمت عن حزبي فلم أكن لادعه * وروينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري والمعتمر بن سليمان التيمى كلاهما عن ليث عن مجاهد قال: مر ابن مسعود برجلين يتكلمان بعد طلوع الفجر، فقال: يا هذان إما ان تصليا وإما أن تسكتا * وعن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح (1): أن طاوسا قال لمجاهد: أتعقل؟! إذا طلع الفجر فصل ما شئت * وعن عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمى عن أبيه عن الحسن البصري قال: صل بعد الفجر ما شئت * ومن طريق شعبة عن هشام بن عروة عن أبيه (2) أنه كان لا يرى بأسا بأن يصلي بعد الفجر أكثر من ركعتين * وروينا ذلك أيضا عن عطاء بن أبي رباح وغيره * قال علي: والعجب كله من تعلق هؤلاء القوم بحديث عقبة بن عامر الجهني، وفيه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن نقبر فيهن موتى المسلمين وهى: حين تطلع (3) الشمس بازغة (4) حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف للغروب حتى تغرب، ولم يأت قط خبر يعارض (5) هذا النهى أصلا، ثم لا يبالون باطراحه، فيجيزون أن تقبر الموتى في هذه الاوقات، دون أن يكرهوا ذلك، ثم يحرمون قضاء التطوع، وبعضهم قضاء الفرض، وقد جاءت النصوص معارضة لهذا النهى (6)! * قال علي: ولا يحل دفن الموتى في هذه الساعات البتة.
وأما الصلاة عليهم فجائزه بها، للامر بذلك عموما *
__________
(1) في اليمنية (عن أبى نجيح) وهو خطأ (2) كلمة (عن أبيه) سقطت من المصرية وزدناها
من اليمنية (3) في اليمنية (حتى تطلع) وهو خطأ (4) في اليمنية بحذف (بازغة) (5) في اليمنية (معارض) (6) حديث عقبة بن عامر رواه الجماعة الا البخاري(3/35)
ولما حدثنا حمام بن احمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن اسمعيل الترمذي ثنا سفيان هو ابن عيينة قال سمعت عبيدالله بن عمر كم مرة يقول: سمعت نافعا يقول: سمعت ابن عمر يقول: لست أنهى أحدا صلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار، ولكني أفعل كما رأيت أصحابي يفعلون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها (1) * قال علي: فانما نهى عليه السلام عن تحرى الصلاة والقصد إليها في هذين الوقتين وفي وقت الاستواء فقط.
وصح بهذا أن التطوع المأمور به والمندوب إليه يصلى في هذه الاوقات هو عمل الصحابة رضى الله عنهم، لان ابن عمر أخبر أنه (2) إنما يفعل كما رأى أصحابه يفعلون، وهو كما ذكرنا عنه آنفا يصلى إثر الطواف بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس، وبعد العصر قبل غروب الشمس (3) * وأما من رأى من أصحابنا النهى عن الصلاة بعد صلاة العصر (4) منسوخا بصلاته (5) عليه السلام الركعتين: فكان يصح هذا لولا حديث وهب بن الاجدع الذى ذكرنا، من اباحته عليه السلام الصلاة بعد العصر مادامت الشمس مرتفعة.
فبطل النسخ في ذلك، وصح أن النهى ليس إلا عن القصد بالصلاة إذا اصفرت الشمس وضافت للغروب (6) فقط.
وبالله
__________
(1) في الموطأ (ص 76) (مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: لا يتحرى احدكم فيصلى عند طلوع الشمس ولا عند غروبها) ورواه الشيخان من
طريق مالك.
وفى البخاري من طريق حماد عن ايوب عن نافع عن ابن عمر قال: (أصلى كما رأيت اصحابي يصلون، لا انهى احدا يصلى بليل ولا نهار ما شاء غير ان لاتحروا طلوع الشمس ولا غروبها) انظر العينى (ج 5: ص 83) والفتح (ج 2: ص 41 و 42) والاسناد الذى روى به المؤلف اسناد صحيح (2) كلمة (انه) زدناها من اليمنية (3) قوله (وبعد العصر) الخ سقط من اليمنية (4) في اليمنية (بعد العصر) (5) في اليمنية (لصلاته) (6) ضافت الشمس: مالت للغروب(3/36)
تعالى التوفيق * وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا محمد بن منصور ثنا سفيان بن عيينة قال سمعت من أبى الزبير قال: سمعت عبد الله ابن باباه (1) يحدث عن جبير بن مطعم أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) يا بنى عبد مناف، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية (2) ساعة شاء من ليل أو نهار) * قال على: واسلام جبير متأخر جدا، إنما أسلم يوم الفتح.
وهذا بلاشك بعد نهيه عليه السلام عن الصلاة في الاوقات المذكورة فوجب استثناء كل ذلك من النهى.
وبالله تعالى التوفيق * 287 مسألة ولايجوز أن تخص ليلة الجمعة بصلاة زائدة على سائر الليالي لما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد ابن محمد ثنا احمد بن على ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب ثنا حسين (3) الجعفي عن زائدة عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تختصوا (4) ليلة الجمعة بقيام من بين الليالى).
وذكر باقى الحديث * 288 مسألة وخير الاعمال ما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمله ومادووم عليه وان قل، وذلك أحب الينا من الزيادة عليه *
برهان ذلك قول الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) وما كان عليه السلام ليدع الافضل * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن
__________
(1) باباه - بموحدتين بينهما الف، ويقال: بابيه بتحتانية بدل الالف الثانية، ويقال: بابى بحذف الهاء (2) في الاصل (أي) وصححناه من النسائي (ج 1: ص 98) والحديث رواه الجماعة إلا الشيخان ورواه ايضا ابن خزيمة وابن حبان والدار قطني كما في الشوكاني (ج 3: ص 115) ورواه ايضا البيهقى (ج 2: ص 461) (3) في المصرية (حسن) وهو خطأ (4) في الاصلين (لا تخصوا) وصححناه من مسلم (ج 1: ص 314 و 315) قال النووي وقد جاء هكذا بزيادة التاء *(3/37)
محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني محمد بن المثنى ثنا عبد الوهاب هو الثقفي ثنا عبيدالله هو ابن عمر عن سعيد بن أبى سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس، عليكم من الاعمال ما تطيقون فان الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الاعمال إلى الله مادووم عليه وإن قل) (1) * 289 - مسألة وصلاة التطوع في الجماعة أفضل منها منفردا، وكل تطوع، فهو في البيوت أفضل منه في المساجد إلا ما صلى منه جماعة في المسجد فهو أفضل (2) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر (3) بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن أبى صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وسوقه (4) خمسا وعشرين (5) درجة) وذكر باقى الحديث (6) * وهذا عموم لكل صلاة فرض أو تطوع * وقد روينا من طريق مالك عن اسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة عن
انس: (أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فاكل منه، ثم قال: قوموا فلاصلى (7) لكم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصففت (8)
__________
(1) في مسلم (ج 1: ص 217) (2) هنا بحاشية اليمنية مانصه (قال ابن حزم ما كان عليه السلام ليدع الافضل، وهذا في هذه الوجهة، ثم قال هنا: الجماعة افضل للمتطوع وقد علم كل عالم ان عامة تنفل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان منفردا، فعلى ما اصل ابن حزم كيف كان يدع الافضل! فعلمنا بهذا ان صلاة الجماعة تفضل بخمسة وعشرين درجة إذا كانت فريضة لا تطوعا) وهو نقد وجيه، وهو الحق (3) في اليمنية (ثنا معاوية) وهو خطأ * (4) في أبى داود (ج 1: ص 219) (وصلاته في سوق) (5) في اليمنية (خمسة وعشرين) وهو خطأ (6) نسبه المنذرى أيضا إلى البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه (7) هكذا هو في البخاري (ج 1: ص 60) من طريق مالك باثبات الياء وكذلك في مسلم من طريق أخرى (ج 1 ص 183) وانظر توجيهه في شرح العينى على البخاري (ج 4 ص 109 و 112).
وفى اليمنية (فلاصل) بحذف الياء وما هنا أصح (7) في اليمنية (وصفت) بفاء واحدة وهو خطأ.
والحديث رواه أيضا أبو داود(3/38)
أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين وانصرف) وقد صلى عليه السلام بالناس في المسجد تطوعا إذ أمهم على المنبر وفي بيت عتبان بن مالك * وقد صلى ابن الزبير بالناس في المسجد الحرام ركعتين بعد العصر جماعة (1).
وكذلك أنس أيضا * وبه إلى أبى داود: ثنا احمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن ابراهيم بن أبى النضر عن أبيه عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرء في بيته افضل من صلاته في مسجد (2) إلا المكتوبة) * وروينا عن عبد الرحمن بن مهدى: ثنا سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر
والنعمان بن قيس، قال منصور: عن مجاهد قال لى أبو معمر: إذا صليت المكتوبة فارجع إلى بيتك.
وقال النعمان بن قيس ما رأيت عبيدة (3) السلمانى متطوعا في مسجد الحى قط * وروينا عن ابن المثنى: ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ثنا سفيان الثوري عن
__________
والترمذي والنسائي كما في شرح العينى (1) في اليمنية (في مسجدي) وهذا الحديث لم أجده في أبى داود بهذا الاسناد واللفظ ولكنه فيه (ج 1: ص 542) من طريق عبد الله بن سعيد عن أبى النضر، وفى النسائي (ج 1: ص 237) من طريق موسى بن عقبة عن أبى النضر، وفى مسلم (ج 1: ص 216) من الطريقين.
ولفظ مسلم وأبى داود (فان خير صلاة المرء في بيته الا المكتوبة) ولفظ النسائي مثلهما الا أنه قال (أفضل) بدل (خير).
والرواية التى هنا نسبها الشوكاني ايضا إلى احدى روايتي ابى داود بلفظ (صلاة المرء في بيته افضل من صلاته في مسجدي هذا الا المكتوبة) ثم نقل عن العراقى تصحيح اسناده (ج 3: ص 95) ورواه المروزى في قيام رمضان (ص 95) (حدثنا محمد بن يحيى ثنا معلى بن منصور عن سليمان بن بلال عن ابراهيم بن ابى النضر عن أبيه عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلاتكم في بيوتكم افضل من صلاتكم في مسجدي هذا الا المكتوبة) ثم وجدته في ابى داود (ج 1 ص 403) كما رواه المؤلف الا ان فيه (في مسجدي هذا) (3) عبيده: بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة(3/39)
منصور عن هلال بن يساف (1) عن ضمرة بن حبيب عن رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: تطوع الرجل في بيته يزيد على تطوعه عند الناس كفضل الجماعة على صلاة الرجل وحده (2) * وبه إلى ابن المثنى: ثنا عبد الرحمن بن مهدى ثنا اسرائيل عن عمران بن مسلم (3) قال كان سويد بن غفلة لا يتطوع في المسجد * وروينا عن وكيع قال قال سفيان الثوري قال نسير بن ذعلوق (4) ما رايت
الربيع بن خثيم (5) متطوعا في مسجد الحى قط * وعن وسيع عن الاعمش عن ابراهيم النخعي قال سئل حذيفة بن اليمان عن
__________
(1) اليمنية (هلال بن سباق) وهو خطأ (2) هكذا هو موقوف هنا.
وذكره المنذرى في الترغيب (ج 1: ص 159) ولفظه (عن رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اراه رفعه قال: فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل الفريضة على التطوع.
رواه البيهقى واسناده جيد ان شاء الله تعالى).
وذكره ابن حجر في الاصابة (ج 3: ص 255) بلفظ قريب من هذا مرفوعا من حديث صحابي اسمه صهيب بن النعمان (ونسبه إلى الطبراني والمعمري في اليوم والليلة.
وكذلك نسبه الشوكاني (ج 3: ص 94) إلى الطبراني في الكبير عن هذا الصحابي، ورواه ابن الاثير اسد الغابة من طريق الطبراني عن المعمرى عن ايوب الوزان عن محمد بن مصعب القرقسانى عن قيس بن الربيع عن منصور عن هلال بن يساف عن صهيب بن النعمان مرفوعا (ج 3: ص 33) فقد رجع الحديث إلى منصور عن هلال، فرواية سفيان الثوري عن منصور - التى ذكرها المؤلف - ارجح جدا من رواية قيس لان قيسا ضعيف من قبل حفظه، قال يعقوب بن ابى شيبة هو عند جميع اصحابنا صدوق وكتابه صالح وهو ردئ الحفظ جدا مضطربه كثير الخطأ ضعيف في روايته) والراوي عن قيس هو محمد بن مصعب وهو اضعف منه، قال يحيى بن معين: (ليس بشئ لم يكن من اصحاب الحديث كان مغفلا واما الثوري فانه امام حافظ كبير وبعد فانب ارجح ان الصحابي الذى سماه محمد بن مصعب وشيخه قيس (صهيب بن النعمان) لا وجود له، وانما هو خطؤهما الذى تبين في هذا الحديث اوهم وجوده، ولم يذكره الذين ترجموا الصحابة الا بهذا الحديث والاسناد وقد ظهر الوهم فيه.
والله أعلم (3) هو الجعفي الكوفى الاعمى (4) نسير - بضم النون وفتح السين المهملة - وذعلوق - بضم الذال المعجمة واسكان الغين المهملة وضم اللام وآخره قاف (5) بضم الخاء المعجمة وفتح الثاء المثلثة وفى اليمنية (حثم) وهو تصحيف *(3/40)
التطوع في المسجد بعد الفريضة؟ فقال: إني لاكرهه بينما هم جميعا إذا اختلفوا *
وعن حماد بن سلمة عن محمد بن اسحاق عن العباس بن سعد (1) قال: أدركت الناس زمان عثمان بن عفان وهم يصلون الركعتين بعد المغرب في بيوتهم * والتطوع بعد الجمعة وبعد سائر الصلوات سواء فيما ذكرنا.
وكل ذلك جائز في المسجد أيضا * وقال أبو حنيفة وأصحابه: كل ذلك في المسجد أفضل * وقال مالك كل ذلك في المسجد أفضل إلا بعد الجمعة فانه كره التطوع في المسجد بعد الجمعة.
واحتج بعض أصحابه بأن هذا خوف الذريعة في أن يقضيها أهل البدع الذين لا يعتدون بالصلاة مع الائمة * قال على: وهذا غاية في الفساد من القول لان المبتدع يفعل مثل ذلك أيضا في مساجد الجماعات بسائر الصلوات ولافرق.
وأيضا: فهم قادرون على أن ينصرفوا إلى بيوتهم فيقضونها هنالك * روينا من طريق أبى داود: ثنا ابراهيم بن الحسن ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني عطاء: أنه رأى ابن عمر يصلى بعد الجمعة، فينماز (2) عن مصلاه الذى صلى فيه الجمعة قليلا غير كثير، فيركع ركعتين ثم يمشى أنفس (3) من ذلك فيصلى أربع ركعات (4)، رأيته يصنع ذلك مرارا * وعن محمد بن المثنى: ثنا المعتمر بن سليمان التيمى قال سمعت عطاء بن السائب يحدث عن أبي عبد الرحمن السلمى قال: كان ابن مسعود يعلمنا أن نصلى بعد الجمعة
__________
(1) في المصرية (عن ابن العباس بن سعد) واظنه خطأ وانه هو العباس بن سهل بن سعد، لانه ادرك زمن عثمان ويروى عنه محمد بن اسحاق (2) بالنون والميم والزاى: انفعال من الميز وهو الفصل، ومعنى ينماز عن مصلاه: يتحول عن مقامه الذى صلى فيه (3) أي افسح وابعد قليلا (4) في ابى داود (ج 1: ص 440) فيركع اربع ركعات *(3/41)
اربعا فكنا نصلى بعدها أربعا، حتى جاء على بن أبي طالب فأمرنا ان نصلى بعدها ستا، فنحن نصلى بعدها ستا * وقد حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن اسماعيل الترمذي ثنا الحميدى ثنا سفيان بن عيينة ثنا عمرو بن دينار قبل ان نلقى الزهري عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بعد الجمعة ركعتين) (1) * 290 مسألة وأفضل الوتر من آخر الليل، وتجزئ ركعة واحدة) 2)، والوتر وتهجد الليل ينقسم على (3) ثلاثة عشر وجها، أيها فعل أجزأه، وأحبها الينا وافضلنا: أن نصلى ثنتى عشرة ركعة، نسلم من كل ركعتين ثم نصلي ركعة واحدة ونسلم * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا ابن الاعرابي ثنا أبو داود ثنا القعنبي ثنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة (أن نبى الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل ثلاث عشرة (4) ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين (5) والوجه الثاني: أن يصلي ثماني ركعات، يسلم من كل ركعتين منها، ثم يصلي خمس ركعات متصلات لا يجلس إلا في آخرهن * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا اسحاق ابن ابراهيم ثنا عبدة بن سليمان ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:
__________
(1) رواه الترمذي عن ابن أبى عمر عن سفيان ومسلم (ج 1: ص 240) عن ابن ابى شيبة وزهير ابن نمير جميعا عن سفيان.
ورواه أبو داود (ج 1: ص 440) من طريق معمر عن الزهري والبخاري (ج 1: ص 123) من طريق نافع عن ابن عمر.
ونسبه المنذرى ايضا للنسائي وابن ماجه.
وفى ابى داود في آخره زيادة (في بيته) (2) في اليمنية (وتجزئ واحدة) (3) في
اليمنية بحذف (على) (4) في اليمنية (ثلاثة عشره) وهو خطأ (5) رواه أبو داود (ج 1: ص 512)(3/42)
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر منهن بخمس ركعات، لا يجلس في شئ من الخمس إلا في آخرهن، ثم يجلس ويسلم) * والثالث: أن يصلى عشر ركعات، يسلم من آخر كل ركعتين، ثم يوتر بواحدة * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحرث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين (1) قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فيما بين أن يفرغ (2) من صلاة العشاء وهى التي يدعو الناس (3) العتمة - إلى الفجر إحدى عشرة (4) ركعة، يسلم من كل ركعتين (5)، ثم يوتر (6) بواحدة * والرابع: أن يصلي ثمان ركعات، يسلم من كل ركعتين، ثم يوتر بواحدة * لما رويناه من طريق مسلم: حدثنا محمد بن عباد ثنا سفيان بن عيينة ثنا الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه: (أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل؟ فقال: مثنى مثنى فإذا، خشيت الصبح فأوتر بركعة) (7) * والخامس: أن يصلى ثماني ركعات، لا يجلس في شئ منهن جلوس تشهد إلا في آخرها، فإذا جلس في آخرهن وتشهد، قام دون أن يسلم، فأتي بركعة
__________
(1) في صحيح مسلم (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) (ج 1: ص 204) (2) في المصرية
(يصلى من ان يفرغ) وفى اليمنية (يصلى بين ان يفرغ) وصححناه من مسلم (3) في الاصلين (يدعونها الناس) وصححناه من مسلم (4) في المصرية (احد عشرة) (5) في الاصلين (يسلم بين كل ركعتين) وصححناه من مسلم (6) في مسلم (ويوتر) (7) في مسلم (ج 1: ص 208) *(3/43)
واحدة، ثم يجلس ويتشهد ويسلم * لما روينا عن مسلم: حدثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن أبي عدي عن سعيد ابن أبي عروبة (1) عن قتادة عن زرارة بن أوفى (2) أن سعد بن هشام بن عامر أتى ابن عباس فسأله عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له ابن عباس: ألا أدلك على أعلم أهل الارض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: من؟ قال عائشة فذكر سعد: أنه دخل على عائشة أم المؤمنين فسألها عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأنها قالت له: إنه (3) كان (يصلى تسع ركعات، لا يجلس فيها إلا في الثامنة، ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلى التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلى ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد.
فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم واخذه اللحم (4) أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الاول (5) * حدثنا عبد الله بن ربيع (6) ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عثمان بن عبد الله ثنا عبيدالله بن محمد ثنا حماد عن أبى حرة (7) عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة: (أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعات، يقعد في الثامنة، ثم يقوم فيركع ركعة) * والسادس: أن يصلى ست ركعات، يسلم في آخر كل ركعتين (8) منها، ويوتر
__________
(1) في اليمنية (شعيب بن ابى عروة) وهو خطأ (2) في اليمنية (زرارة بن ابى اوفى) وهو خطأ (3) في اليمنية بحذف (انه) (4) في الاصلين (واخذ اللحم) وصححناه من مسلم
(5) في الاصلين (مثل صنيعه في الاولى) وهو خطأ صححناه من مسلم.
والحديث في صحيح مسلم مطول وقد اختصره المؤلف جدا، وانظره هناك (ج 1: ص 206 و 207) (6) في المصرية (حدثنا عبد حدثنا عبد الله بن ربيع) وهو خطأ، وقد سبق هذا الاسناد إلى النسائي مرارا (7) أبو حرة - بضم الحاء المهملة وتشديد الراء - اسمه واصل بن عبد الله البصري.
وفى اليمنية (ابن حرة) وهو خطأ (8) في المصرية (ان يصلى ست ركعات وسلم في آخر كل ركعة منها) وهو خطأ *(3/44)
بسابعة لقوله عليه السلام (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فاوتر بواحدة) * والسابع: أن يصلى سبع ركعات لا يجلس ولا يتشهد إلا في آخر السادسة منهن، ثم يقوم دون تسليم فيأتى بالسابعة، ثم يجلس ويتشهد ويسلم * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أخبرني ان زكرياء ابن يحيى (1) ثنا اسحاق انا معاذ بن هشام الدستوائى (2) ثنا ابى عن قتادة عن زرارة ابن اوفى عن سعد بن هشام بن عامر عن عائشة أم المؤمنين (أن رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم لما كبر وضعف أوتر بسبع ركعات، لا يقعد الا في السادسة، ثم ينهض ولا يسلم فيصلى السابعة، ثم يسلم تسليمة) وذكر الحديث * (4) والثامن: أن يصلى سبع ركعات، لا يجلس جلوس تشهد الا في آخرهن، فإذا كان في آخرهم جلس وتشهد وسلم * لما روينا بالسند المذكور إلى احمد بن شعيب: أنا اسماعيل بن مسعود الجحدرى (5) أنا خالد بن الحارث ثنا سعيد با أبى عروبة (6) ثنا قتادة عن زرارة بن أوفى (7) عن سعد بن هشام بن عامر أن عائشة ام المؤمنين قالت: (لما
__________
(1) في الاصلين (زكريا بن اسحق) وهو خطأ صححناه من النسائي (ج 2: ص 250) ومن كتب
الرجال فانه ليس له في رجال الكتب الستة من اسمه (زكريا بن اسحق) الا المكى، وهذا قديم من شيوخ عبد الرزاق وابن المبارك.
واما زكريا بن يحيى الذى هنا فهو المعروف بخياط السنة، روى عن اسحق بن ابراهيم بن راهويه، وروى عنه النسائي وهو من اقرانه وتوفى زكريا سنة 289 (2) في اليمنية (انا معاذ بن هشام بن عمر عن عائشة ام المؤمنين) وهو خطأ في اسم معاذ، جعل جده عمر وليس كذلك، وخطأ في حذف باقى الاسناد إلى عائشة (3) في اليمنية (ان النبي) (4) الحديث في النسائي مطول واختصره المؤلف (5) بفتح الجيم واسكان الحاء المهملة (6) في النسائي في هذا الحديث (ج 1 ص 250) (حدثنا خالد ثنا شعبة عن قتادة) وخالد روى عن شعبة وسعيد بن ابى عروبة وكلاهما يروى عن قتادة، وكلاهما روى هذا الحديث عن قتادة.
افلا احكم بترجيح ماهنا على مافى النسائي ولا بترجيح ما هناك على ماهنا.
والله اعلم (7) في اليمنية (زرارة بن ابى اوفى) وهو خطأ *(3/45)
اسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم (1) صلى سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن، ثم يصلى ركعتين بعد أن يسلم) * والتاسع: أن يصلى أربع ركعات، يتشهد ويسلم من كل ركعتين، ثم يوتر بواحدة.
لقوله عليه السلام: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأتر بواحدة).
* والعاشر أن يصلى خمس ركعات متصلات، لا يجلس ولا يتشهد الا في آخرهن * لما روينا بالسند المذكور إلى احمد بن شعيب: أنا اسحاق بن منصور أنا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس لا يجلس) 2) إلا في آخرهن) * قال على: وقد قال بهذا بعض السلف.
كما روينا من طريق عبد الرزاق عن
ابن جريج قال: أخبرني عطاء: أنه رأى عروة بن الزبير أوتر بخمس أو سبع (3) ما جلس لمثنى * ومن طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة قال: كذلك يوتر أهل البيت بخمس لا يجلس إلا في آخرهن وعن عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمى عن ليث عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: الوتر كصلاة المغرب، إلا أنه لا يقعد إلا في الثالثة (4) * قال على: قول ابن عباس هذا لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نقول به إذ لاحجة إلا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله أو عمله أو إقراره فقط *
__________
(1) هكذا هو هنا موافقا لما في النسائي (واخذ اللحم) بحذف الضمير وهو صحيح جائز المعنى (2) في النسائي (ج 1: ص 250) (ولا يجلس) (3) في اليمنية (أو بسبع) (4) في اليمنية (عن ابن عباس انه قال: إلا انه لا يفعل إلا في الثالثة) وهذا كلام مختل ليس له معنى وما هنا هو الصواب *(3/46)
والوجه الحادى عشر: أن يصلى ثلاث ركعات، يجلس في آخر الثانية منهن، ويتشهد ويسلم ثم يأتي بركعة واحدة، يتشهد في آخرها ويسلم.
لقوله عليه السلام (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأتر بواحدة) وهذا قول مالك * وقد روى بعض الناس في هذا أثرا من طريق الاوزاعي عن المطلب بن عبد الله: انه سأل ابن عمر عن الوتر؟ فأمره أن يفصل بين الركعتين والركعة بتسليم، فقال له الرجل إنى أخاف أن تكون البتيراء؟ فقال له ابن عمر: أتريد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) * والثانى عشر: أن يصلى ثلاث ركعات، يجلس في الثانية، ثم يقوم دون تسليم ويأتى بالثالثة، ثم يجلس ويتشهد ويسلم كصلاة المغرب.
وهو اختيار
أبى حنيفة * لما حدثناه بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب انا اسماعيل ابن مسعود ثنا بشر بن المفضل ثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى (2) عن سعد بن هشام بن عامر: أن عائشة أم المؤمنين حدثته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر (3) * والثالث عشر: أن يركع ركعة واحدة فقط.
وهو قول الشافعي وأبى سليمان وغيرهما * لما حدثناه حمام بن احمد ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا بكر ابن حماد ثنا مسدد يحيى هو ابن سعيد القطان - ثنا شعبة ثنا قتادة عن أبى مجلز
__________
(1) رواه الطحاوي في معاني الآثار (ج 1: ص 165) عن سليمان بن شعيب عن بشر بن بكر عن الاوزاعي قال: (حدثنى المطلب بن عبد الله المخزومى ان رجلا سأل ابن عمر) فذكر الاثر بمعناه وكذلك ذكره المروزى (ص 119) عن المطلب قال (اتى عبد الله بن عمر رجل فقال) الخ وفى سماع المطلب من ابن عمر خلاف.
والاسناد صحيح فان صحت الرواية التى هنا انه هو الذى سأل ابن عمر كان الاثر صحيحا.
وهو الراجح عندي.
(2) في اليمنية (ابن ابى اوفى) وهو خطأ (3) في اليمنية (لا يسلم الا في ركعتي الوتر).
وهو خطأ فاحش، والحديث في النسائي (ج 1: ص 248) *(3/47)
قال: سألت ابن عباس وابن عمر عن الوتر؟ فكل واحد منهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ركعة من آخر الليل) (1) * وروينا عن سعد بن أبى وقاص وابن عباس ومعاوية وغيرهم الوتر بواحدة فقط، لا يزاد عليها شئ.
وكذلك أيضا عن عثمان أمير المؤمنين وحذيفة وابن مسعود وابن عمر * قال على: هذا كل ماصح عندنا، ولو صح عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم
زيادة على هذا لقلنا به.
وبالله تعالى التوفيق * ولم يصح عن النبي صلى الله على وسلم عن البتيراء (2) ولا في الحديث - على سقوطه - بيان ماهى البتيراء (3)؟.
وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن الاعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: الثلاث بتيراء، يعنى في الوتر.
فعادت البتيراء على المحتج بالخبر الكاذب فيها (4) * فان قيل: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة المغرب (5) وتر النهار، فاوتروا صلاة الليل) * قيل لهم: ليس في هذا الخبر أن يكون وتر الليل ثلاثا كوتر النهار.
وهذا كذب ممن ينسبه إلى ارادة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فان قطعتم بذلك كذبتم وكنتم أيضا قد خالفتم ما قلتم، لانه يلزمكم أن تجهروا في الاوليين وتسروا في الثالثة كالمغرب، وأن تقنتوا (6) في المغرب كما تقنتون في الوتر، أو أن لا تقنتوا (7)
__________
(1) رواه مسلم (ج 1 ص 208 و 209) والمروزي (ص 118) والطحاوى (ج 1 ص 163) كلهم من طريق همام بن يحيى عن قتادة به واما رواية شعبة عن قتادة فرواها مسلم والطحاوى ولكن فيهما من حديث ابن عمر فقط ولم يذكرا فيه ابن عباس (2) في اليمنية (السين) بدون نقط وهو خطأ لا معنى له (3) يطول الكلام على حديث البتيراء - وهو ضعيف - فانظره في نصب الراية (ج 1: ص 277 و 278) ولسان الميزان (ج 4: ص 152) (4) في اليمنية (وفيها) وزيادة الواو خطأ (5) في اليمنية (فان قيل فانه قد صح انه عليه السلام قال: ان صلاة المغرب) الخ (6) في اليمنية (وان تقنتون) وهو خطأ أو لغة (7) في اليمنية (وان لا تقنتوا) بحذف الهمزة وما هنا احسن.(3/48)
في الوتر كما لا تقنتون في المغرب.
والقياس كله باطل.
وبالله تعالى التوفيق * 291 - مسألة والوتر آخر الليل أفضل.
ومن أوتر في أوله فحسن.
والصلاة بعد الوتر جائزة.
ولا يعيد وترا (1) آخر.
ولا يشفع بركعة *
حدثنا عبد الله بن ربيع (2) ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا ابن أبى خلف (3) ثنا أبوزكرياء السيلحينى ثنا حماد بن سلمة عن ثابت البنانى عن عبد الله بن أبى رباح عن أبى قتادة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابي بكر: متى توتر؟ قال أول الليل (4) وقال لعمر متى توتر؟ قال: آخر الليل (5).
فقال عليه السلام لابي بكر: أخذ هذا بالحذر (6).
وقال لعمر: اخذ هذا بالقوة) * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب ثنا هشام بن عمار عن يحيى - هو ابن حمزة قاضى دمشق - عن يحيى - هو ابن أبى كثير - عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف حدثتني عائشة أم المؤمنين (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى بعد العشاء الاخرة ثمانى ركعات ثم يوتر ثم يصلى ركعتين، يقرأ فيهما وهو جالس فإذا اراد ان يركع قام فركع، ثم ركع (7) بعد ذلك ركعتي الفجر * قال علي: وأما قوله عليه السلام (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا (8) و (بادروا الصبح بالوتر (9) فندب، لما قد بينا من أن الوتر ليس (10) فرضا، ومن
__________
(1) في اليمنية (ولا بعد وترا) وهو خطأ (2) في المصرية (حدثنا محمد بن عبد الله بن ربيع) وهو خطأ، فان شيخ ابن حزم هو عبد الله بن ربيع، كما مضى مرارا وتكرر أيضا في الاحكام (3) في المصرية (ابن ابى يخلف) وهو خطأ واسمه محمد بن احمد بن أبى خلف (4) في ابى داود (ج 1: ص 539) (أوتر من أول الليل) (5) في أبى داود (أوتر آخر الليل) (6) هكذا في بعض نسخ أبى داود، وفى بعضها (بالحزم) والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري واسناده صحيح (7) في اليمنية (ثم يركع) (8) رواه أبو داود (ج 1: ص 540) وكذلك رواه البخاري ومسلم (9) رواه أبو داود (ج 1: ص 539) والترمذي (ج 1: ص 93) وقال (حسن صحيح) (10) في اليمنية (من أن الوتر غير ركعتي الفجر) وسقط منها مابين قوله (الوتر) وقوله (غير(3/49)
فعله عليه السلام إذ صلى ركعتين بعد الوتر غير ركعتي الفجر ولقوله عليه السلام لابي هريرة: أن لاينام إلا على وتر، فلا يجوز ترك بعض كلامه لبعض، وليس هذا مكان نسخ لكنه اباحة كله.
وبالله تعالى نتأيد * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن (1) بكر ثنا أبو داود ثنا مسدد ثنا ملازم بن عمرو ثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق (2) قال: زارنا طلق بن على في رمضان، وامسي عندنا فأفطر (3) ثم قام بنا تلك الليلة واوتر (4) بنا، ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه، حتى إذا بقى الوتر قدم رجلا، فقال اوتر باصحابك فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا وتران في ليلة (5) وقد روى عن عثمان رضى الله عنه وغيره شفع الوتر بركعة، إذا أراد أن يصلي بعد ما يوتر.
ولا حجة إلا في رسول الله صلى الله عليه وسلم * 292 مسألة ويقرأ في الوتر (6) بما تيسر من القرآن مع أم القرآن، وإن قرأ في الثلاث ركعات مع أم القرآن بسبح اسم ربك الاعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد: فحسن، وإن اقتصر على أم القرآن فحسن، (7) وان قرأ في ركعة الوتر مع أم القرآن بمائة آية من النساء فحسن قال تعالى (فاقرؤا ما تيسر من القرآن)
__________
ركعتي الفجر) وهو سقط يختل به المعنى ويضطرب وما هنا هو الصواب (1) في اليمنية ثنا عبد الله ابن ربيع ثنا عبد الملك ثنا بكر وهو خطأ وخلط (2) في اليمنية عن قيس بن طلق بن على في رمضان وهو خطأ وسقط (3) وفى أبى داود (ج 1: ص 504) (في يوم من رمضان وأمسى عندنا وأفطر) (4) في اليمنية (أوتر) بحذف حرف العطف وهو خطأ.
(5) هذا على لغة بنى الحارث كقراءة من قرأ (ان هذان لساحران) قاله السيوطي والحديث رواه أيضا النسائي (ج 1 ص 247) عن هناد بن السرى عن ملازم بن عمرو وكما هنا.
وروى الترمذي المرفوع منه فقط (ج 1: ص 94) عن هناد عن ملازم، وقال: (حديث حسن غريب).
وروى الطيالسي المرفوع أيضا (ص 417 رقم 1095) عن أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق.
ورواه المروزى (ص 128) عن محمد بن يحيى عن
الطيالسي (6) في اليمنية (ولا يقرأ في الوتر) الخ وزيادة (لا) خطأ غريب (7) قوله وان اقتصر الخ محذوف من اليمنية *(3/50)
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا احمد بن خالد ثنا على بن عبدالعزير ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن عاصم الاحول عن أبي مجلز (أن أبا موسى الاشعري (1) كان بين مكة والمدينة، فصلى العشاء ركعتين، ثم قام فصلى ركعة أوترها، وقرأ فيها بمائة آية من النساء، وقال: ماألوت (2) أن وضعت قدمى حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن أقر أما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا احمد بن شعيب أنا الحسين بن عيسى (4) ثنا أبو أسامة ثنا زكرياء بن ابي زائدة عن ابي اسحاق السبيعى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (5) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، يقرأ فيهن (6) في الاولى بسبح اسم ربك الاعلى، وفى الثانية بقل يا أيها الكافرون، وفى الثالثة بقل هو الله أحد) (7) * 293 مسألة (8) ويوتر المرء قائما وقاعدا لغير عذر إن شاء، وعلى دابته * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا ابراهيم بن أحمد ثنا الفربرى (9) ثنا البخاري ثنا اسماعيل بن أبي اويس ثنا مالك عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن سعيد بن يسار قال (10): كنت أسير مع
__________
(1) كلمة (الاشعري) محذوفة من اليمنية (2) أي ما قصرت ولا أبطأت.
ووقعت هذه الكلمة في قيام الليل للمروزى (ما الموت) وتكلف مصححه تكلفا غريبا في تأويلها فأتى بما لم يفهم (3) الحديث رواه أبو داود الطيالسي (ص 69 رقم 512) عن ثابت أبى زيد عاصم الاحول ورواه احمد بن حنبل في مسنده (ج 1 ص 419) عن عبد الصمد عن ثابت عن عاصم.
وهذه أسانيد صحيحة.
ورواه النسائي (ج 1 ص 251) عن ابراهيم بن يعقوب عن أبى النعمان عن حماد بن سلمة
عن عاصم ورواه المروزى في قيام الليل (ص 127) وحذف المقريزى اسناده إذ اختصر الكتاب (4) في المصرية (الحسن) وهو خطأ (5) حذف (ابن عباس) من اليمنية وهو خطأ (6) كلمة فيهن ليست في النسائي (7) الحديث في النسائي (ج 1 ص 249) ورواه ايضا ابن ماجه والترمذي وابن أبى شيبة (8) في اليمنية بدل (مسألة) (قال على) وما هنا احسن (9) في اليمنية ثنا ابراهيم بن احمد الفربرى وهو خطأ (10) في البخاري (ج 1: ص 140 و 141) أنه قال *(3/51)
ابن عمر (1) بطريق مكة فحشيت الصبح فنزلت (2) فاوترت، ثم لحقته، فقال ابن عمر: أين كنت؟ فقلت: خشيت الصبح فنزلت فأوترت، فقال ابن عمر: أليس لك في رسول الله (3) أسوة حسنة؟! قلت: بلى والله قال: فان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر على راحلته (4) * وعن جرير بن حازم سألت نافعا مولى ابن عمر: أكان ابن عمر يوتر على راحلته؟ قال: نعم، وهل للوتر فضل على سائر التطوع! * وعن سفيان الثوري عن ثوير بن أبي فاختة (5) عن أبيه: أن على بن أبى طالب كان يوتر على راحلته * وعن ابن جريج قلت لعطاء: أيوتر الرجل وهو جالس؟ قال: نعم * وعن وكيع عن سفيان الثوري عن عبد الله بن أبى السفر عن الشعبي: الوتر لا يقضي، ولا ينبغي تركه، وهو تطوع، وهو أشرف التطوع * وعن حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب: الوتر والاضحى تطوع * قال على: لا خلاف في أن التطوع يصليه المرء جالسا إن شاء.
كما روينا من طريق مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد عن المطلب بن أبي وداعة السهمي (6) عن حفصة أم المؤمنين قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلي في سبحته (7) قاعدا قط (8) حتى كان قبل موته بعام، فكان يصلى في سبحته قاعدا) (9)
وبالله تعالى التوفيق *
__________
(1) في البخاري مع عبد الله بن عمر (2) في البخاري (قال سعيد: فلما خشيت الصبح نزلت) (3) في المصرية زيادة (صلى الله عليه وسلم) (4) في البخاري (على البعير) وليس في شئ من نسخه ماهنا فلعلها رواية للمؤلف (5) ثوير بالتصغير وأبوه أبو فاختة اسمه (سعيد ابن علاقة الهاشمي).
وفى اليمنية (ثوير عن ابى فاختة) وهو خطأ، وثوير هذا ضعيف (6) في اليمنية (السلمى) وهو خطأ (7) في اليمنية (سبحة) وهو خطأ، (8) كلمة (قط) زيادة من الموطأ (ص 48) (9) نسبه الزرقاني (ج 1: ص 252 و 253) إلى مسلم والترمذي من طريق مالك *(3/52)
294 مسألة، ويستجب أن يختم القرآن كله مرة في كل شهر، فان ختمه في أقل فحسن (1).
ويكره أن يختم في أقل من خمسة أيام، فان فعل ففى ثلاثة أيام (2)، لا يجوز أن يختم القرآن في أقل من ذلك.
ولايجوز لاحد أن يقرأ أكثر من ثلث القرآن في يوم وليلة * برهان ذلك ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج حدثني القاسم بن زكرياء ثنا عبيدالله بن موسى عن شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن مولى بنى زهرة (3) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ القرآن في شهر (4)، قلت إني أجد قوة، قال: فاقرأه في عشرين ليلة، قلت اني أجد قوة، قال فاقرأه في سبع، لاتزد (5) على ذلك * حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الصمد هو ابن عبد الوارث ثنا همام بن يحيى ثنا قتادة
عن يزيد بن عبد الله هو ابن الشخير عن عبد الله بن عمرو بن العاصى: (أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم (6): في كم أقرأ.
القرآن؟ قال: في شهر) ثم ذكر الحديث، وفيه أنه عليه السلام قال له: (أقرأه في سبع، قال: إني أقوى من (7) ذلك، قال عليه السلام: لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث (8) * فان قيل: قد كان عثمان يختم القرآن في ليلة.
قلنا: قد كره ذلك ابن مسعود.
وقال تعالى: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله
__________
كلمة فحسن سقطت من اليمنية وهو خطأ (2) في اليمنية (فان فعل فهى ثلاثة أيام) وما هنا أصح (3) في اليمنية (مولى بنى زهير) وهو خطأ (4) في مسلم (ج 1: ص 319 و 320) (في كل شهر) (5) في مسلم (ولا تزد) (6) في أبى داود (أنه قال يارسول الله) (ج 1: ص 527) (7) كلمة ذلك سقطت من اليمنية وهو خطأ (8) في أبى داود لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث والحديث سكت(3/53)
واليوم الآخر) وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا * وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة وسفيان كلاهما عن على ابن بذيمة عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز (1) * وعن عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمى ثنا حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف: أن سعيد بن جبير كان يقرا القرآن في ركعة، وكان ابن مسعود يكره ذلك * فان ذكروا حديثا رويناه من طريق هشام الدستوائي عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله (2) بن عمرو بن العاصى: (أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أقرأ القرآن؟ قال: اقرأه في يوم وليلة لا تزيد (3) على ذلك فان رواية عطاء لهذا الخبر مضطربة معلولة (4)، وعطاء قد اختلط
بآخرة * روينا هذا الخبر (5) نفسه من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: اقرأ القرآن في شهر، قال: فناقصني وناقصته (6) قال عطاء: فاختلفنا عن أبي، فقال بعضنا: سبعة أيام، وقال بعضنا خمسة (7) * قال علي: فعطاء يعترف باختلافهم على أبيه، وأنه لم يحقق ما قال أبوه.
__________
عنه أبو داود المنذرى (1) من الرجز أي كأنه يقرأ الشعر، فلا يتفقه في معاني القرآن، وفى المصرية (زاجر) بتقديم الزاى وهو تصحيف.
وهذا الاثر منقطع فقد سبق أن قلنا ان أبا عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود شيئا.
(2) في اليمئية (عن أبيه عبد الله بن عمرو) وهو خطأ واضح (3) هكذا في الاصلين وهو صحيح عربية (4) في اليمنية (معلومة) وهو خطأ (5) في اليمنية (ذلك الخبر) (6) من المناقصة بالصاد المهملة، وفى المصرية (فناقضني وناقضته) بالمعجمة فيهما وهو تصحيف وفى اليمنية بالمهملة في الاولى وفى المعجمة في الثانية والاولى صواب والثانية خطأ (7) رواه أبو داود (ج 1: ص 526) من طريق حماد عن عطاء *(3/54)
فان ذكروا ان داود عليه السلام كان يختم القرآن في ساعة.
قلنا: قرآن داود هو الزبور لا هذا القرآن، وشريعته غير شريعتنا.
وداود عليه السلام لم يبعث إلا إلى قومه خاصة، لا الينا، ومحمد عليه السلام هو الذي بعث الينا، صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * وأما قيام الليل فقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقم ليلة قط (1) حتى الصباح * وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة
عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاصى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأحب الصلاة إلى الله تعالى (2) صلاة داود: كان يرقد شطر الليل، ثم يقوم، ثم يرقد آخره، ثم يقوم (3) ثلث الليل بعد شطره) (4) قال علي: فإذ هذا أحب الصلاة إلى الله تعالى فما زاد على هذا فهو دون هذا بلاشك، فإذا كان دون هذا فهو عمل ضائع لا أجر فيه، فهو تكلف، وقد نهينا عن التكلف.
وقد منع من قيام الليل كله سلمان ومعاذ وغيرهما * 295 مسألة.
والجهر والاسرار في قراءة التطوع ليلا ونهارا مباح للرجال والنساء.
إذ لم يأت منع من شئ من ذلك، ولا ايجاب لشئ من ذلك في قرآن ولا سنة) *
__________
(1) في اليمنية (لم يقم قط ليلة) (2) قوله (وأحب الصلاة إلى الله تعالى) حذف من اليمنية وهو خطأ (3) في اليمنية (ثم يقوم) وهو خطأ (4) اختلط على المؤلف حديثان باسنادين في مسلم فحديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار لفظه (ج 1: 320) (وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام: كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) ولفظ حديث ابن جريج عن عمرو ابن دينار (وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام: كان يرقد شطر الليل ثم يقوم ثم يرقد آخره يقوم ثلث الليل بعد شطره) فدخل عليه حديث في حديث جاء ابسناد الاول فجعله للفظ(3/55)
فان قيل: تخفض (1) النساء قلنا ولم؟ ولم يختلف مسلمان في أن (2) سماع الناس كلام نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم مباح للرجال (3) ولا جاء نص في كراهة ذلك من سائر النساء.
(4) وبالله تعالى التوفيق * 296 مسألة والجمع بين السور في ركعة واحدة في الفرض والتطوع أيضا حسن وكذلك قراءة بعض السور في الركعة في الفرض
والتطوع أيضا حسن (5) للامام والفذ * برهان ذلك قول الله تعالى: (فاقرؤا ما تيسر من القرآن)، وقد ذكرنا عن أبي بكر وعمر رضى الله عنهما قراءتهما البقرة في صلاة الفجر في الركعتين وآل عمران كذلك بحضرة الصحابة رضى الله عنهم * 297 مسألة وجائز للمرء أن يتطوع مضطجا بغير عذر إلى القبلة وراكبا حيث توجهت به دابته إلى القبلة وغيرها، الحضر (6) والسفر سواء (7) في كل ذلك * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد (8) ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا اسحاق بن منصور ثنا روح بن عبادة انا حسين (9) هو المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن الحصين: أنه سأل نبى الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل
__________
الحديث الثاني (1) في اليمنية (بخفض) وما هنا أحسن (2) في اليمنية (قلنا: ولم يختلف في أن) الخ، بحذف لم وحذف (مسلمان) وهو خطأ (3) (للرجال) حذف من اليمنية (4) هنا بحاشية اليمنية مانصه (قال الذهبي رحمه الله: نساؤه عليه السلام أمهاتنا بخلاف غيرهن) وهو تعقب غير جيد، فانهن رضى الله عنهن أمهاتنا ولكن في التعظيم والاكرام وحرمة زواجهن، فلا يباح لاحد أن يرى منهن ما يرى من أمه وأخته، وكما قال ابن حزم لا نجد دليلا على أن صوت المرأة عورة كما يزعم الفقهاء رحمهم الله (5) قوله (وكذلك) إلى هنا سقط من اليمنية وهو خطأ (6) في المصرية في الحضر الخ وزيادة في غير جيدة هنا (7) في اليمنية (بحذف) سواء وهو خطأ (8) في اليمنية ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن احمد) وهو خطأ (9) في المصرية (الحسين) وما هنا هو الموافق للبخاري(3/56)
قاعدا (1)؟ فقال عليه السلام: إن صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد) * قال علي: لا يخرج من هذه الاباحة إلا مصلى الفرض القادر على القيام
أو على القعود فقط * وروينا من طريق مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيدالله عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن عائشة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي جالسا، فيقرأ وهو جالس، فإذا بقى من قراءته نحو من ثلاثين آية أو أربعين آية قام فقرأها وهو قائم، ثم ركع ثم سجد، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ذلك) (2) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا احمد ابن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ثنا معاذ بن معاذ العنبري عن حميد الطويل عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: (سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ فقالت كان يصلي ليلا طويلا قائما، وليلا طويلا قاعدا فإذا قرأ قائما (3) ركع قائما، وإذا قرأ قاعدا ركع قاعدا) * قال علي: كل هذا سنة ومباح، وكل ذلك قد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري حدثنا البخاري ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا شيبان (4) هو ابن فروخ عن يحيى هو ابن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن جابر بن عبد الله حدثه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) كان يصلى التطوع وهو راكب في غير القبلة) *
__________
(1) كلمة (قاعدا) زيادة من البخاري (ج 1: ص 156 (2) لفظ الموطأ (ص 48) (فإذا بقى من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأ وهو قائم ثم ركع وسجد ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك (3) في مسلم (ج 1: ص 203) (وكان إذا قرأ قائما) (4) بفتح الشين المعجمة واسكان الياء.
وفى المصرية (سنان) وفى اليمنية (شيبرا) وكلاهما خطأ (5) في البخاري (ج 1: ص 154) (أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم) *(3/57)
وبه إلى البخاري: ثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام الدستوائي عن يحيى هو ابن
ابي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان حدثني جابر قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي (1) على راحلته نحو المشرق، فإذا أراد أن يصلى المكتوبة نزل فاستقبل القبلة * قال على: فهذا عموم المراكب أي شئ ركب، وفي كل حال من سفر أو حضر.
وهذا العموم زائد على كل خبر ورد في هذا الباب، ولايجوز تركه.
وهو قول أبي يوسف وغيره * ولم يأت في الراجل نص أن يتطوع ماشيا، والقياس باطل فلا يجوز ذلك لغير الراكب * وقد روينا عن وكيع عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن ابراهيم النخعي قال: كانوا يصلون على رحالهم ودوابهم حيثما توجهت بهم.
وهذه حكاية عن الصحابة والتابعين رضى الله عنهم عموما في السفر والحضر.
وبالله تعالى التوفيق.
* 298 مسألة ويكون سجود الراكب وركوعه إذا صلى ايماء.
* حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا ابراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا موسى بن اسماعيل ثنا عبد العزيز بن مسلم ثنا عبد الله بن دينار قال: (كان عبد الله بن عمر يصلي (2) في السفر على راحلته أينما توجهت به، يومى إيماء، وذكر ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله) (3) 299 مسألة وأما صلاة الفرض فلا يحل لاحد أن يصليها إلا واقفا،
__________
(1) في البخاري (ج 1: ص 154) (عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: حدثنى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى) الخ (2) في اليمنية (عبد العزيز بن مسلم ثنا عبد الله ابن عمر يصلى) وهو خطأ وسقط (3) في البخاري (ج 1: ص 154) (على راحلته أينما توجهت يومئ وذكر عبد الله ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله) *(3/58)
إلا لعذر: من مرض، أو خوف من عدو ظالم، أو من حيوان، أو نحو ذلك أو ضعف عن القيام كمن كان في سفينة، أو من صلي مؤتما بامام مريض أو معذور فصلي قاعدا فان هؤلاء يصلون قعودا، فان لم يقدر الامام على القعود ولا القيام صلى مضطجعا، وصلوا كلهم خلفه مضطجعين ولابد، وان كان في كلى الوجهين (1) مذكر يسمع الناس تكبير الامام صلى إن شاء قائما إلى جنب الامام، وان شاء صلى كما يصلي إمامه * فاما الخائف والمريض فلقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ولقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ولقوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) فأوجب الله تعالى القيام إلا عمن أسقطه عنه بالنص، وهذا في الخائف والمريض اجماع، مع أنه عليه السلام قد صلى الفريضة قاعدا لمرض كان به ولوث ء برجله (2).
* وأما (3) من صلى خلف امام يصلي قاعدا لعذر، فان الناس اختلفوا فيه.
فقال مالك ومن قلده: لا يجوز أن يؤم المريض قاعدا الاصحاء، إلا رواية رواها عن الوليد بن مسلم موافقة لقول أبي حنيفة والشافعي * وقال أبو حنيفة والشافعي يؤم المريض قاعدا الاصحاء، إلا أنهم يصلون وراءه قياما ولابد.
قال أبو حنيفة: ولا يؤم المصلي مضطجعا لعذر الاصحاء أصلا * وقال أبو سليمان واصحابنا: يؤم المريض قاعدا الاصحاء، ولا يصلون وراءه الا قعودا كلهم ولابد * قال علي: وبهذا ناخذ إلا فيمن يصلي إلى جنب الامام يذكر الناس ويعلمهم
__________
(1) في المصرية (كلا) وكل صحيح لما ذكرنا سابقا (2) الوث ء والوثأة والوثاءة: وصم يصيب
اللحم ولا يبلغ العظم فيرم.
وفى الاصلين (لوثى) بالياء وهو خطأ قال الجوهرى: (والعامة) تقول وثى (3) جعل في اليمنية هذا بدء مسألة ولا وجه له *(3/59)
تكبير الامام، فانه مخير بين أن يصلي قاعدا وبين أن يصلي قائما * قال علي: فنظرنا هل جاء في هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان؟ فوجدنا ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله ثنا إبراهيم بن احمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبد الله بن يوسف ثنا مالك عن ابن شهاب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انما جعل الامام ليؤتم به) وذكر كلامه عليه السلام، وفيه (1): وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا اجمعون) (2) * حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة بن سعيد ثنا المغيرة الحزامي (3) عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انما جعل (4) الامام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال، سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون (5) * وبه إلى مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو الربيع الزهراني وأبو كريب هو محمد بن العلاء ومحمد بن عبد الله بن نمير، قال أبو بكر (6) واللفظ له: ثنا عبدة بن سليمان، وقال أبو الربيع: ثنا حماد بن زيد، وقال ابو كريب: ثنا عبد الله بن نمير، وقال محمد بن عبد الله: ثنا أبي، ثم اتفقوا كلهم: عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فصلوا بصلاته قياما، فأشار إليهم (7): أن اجلسوا، فجلسوا، فلما انصرف قال:
__________
(1) في اليمنية (ومنه) (2) الحديث في البخاري (ج 1: ص 100) والموطأ (ص 47) ومسلم (ج 1: ص 121) (3) بكسر الحاء المهملة وفتح الزاى نسبة إلى (حزام) جد جده (4) كلمة (جعل) محذوفة في الاصلين خطأ، وزدناها من صحيح مسلم (ج 1: ص 122) (5) رواه ايضا ابو داود باسناد آخر ولفظ اطول من هذا (ج 1: ص 234 و 235) (6) في اليمنية (قال على) وهو خطأ.
وانما هو (أبو بكر) يعنى ابن ابى شيبة (7) في الاصلين (فاشار عليهم) وهو خطأ في الرواية وفى الاستعمال، صححناه من مسلم (ج 1: ص 121) *(3/60)
انما جعل الامام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا) وروينا أيضا من طريق الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر: (اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلينا وراءه وهو قاعد، وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قياما، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعودا فلما سلم قال: إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا وائتموا بأئمتكم، إن صلى قائما فصلوا قياما، وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا (2) * ورواه أيضا قيس بن أبي حازم وهمام بن منبه وأبو علقمة وأبو يونس كلهم عن أبي هريرة وروينا أيضا من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه.
وعن عبيدالله ابن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس وعائشة.
ومن طريق الاسود عنها.
فصار نقل تواتر فوجب للعلم.
فلم يجز (3) لاحد خلاف ذلك.
فنظرنا فيما اعترض به المالكيون في منعهم من صلاة الجالس لمرض أو عذر للاصحاء، فلم نجد لهم شيئا أصلا، إلا أن قائلهم قال: هذا خصوص
للنبي صلى الله عليه وسلم، واحتجوا في ذلك بما رويناه من طريق جابر الجعفي عن الشعبي، ومن طريق عبد الملك بن حبيب عمن أخبره عن مجالد عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم بعدى جالسا).
قال علي: وهذا لا شئ.
أما قولهم: ان هذا خصوص لرسول الله صلى الله عليه وسلم فباطل، لان نص الحديث يكذب هذا القول، لانه عليه السلام قال فيه: (انما جعل الامام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا)
__________
(1) كذا في الاصلين وفى صحيح مسلم بالجمع وهو صواب (2) رواه مسلم (ج 1: ص 121) عن قتيبة ومحمد بن رمح عن الليث (3) في اليمنية (ولم يجز) *(3/61)
فصح أنه عليه السلام عم بذلك كل إمام بعده بلا إشكال.
وقوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة) تكذيب (1) لكل من ادعى الخصوص في شئ من سننه وأفعاله عليه السلام، إلا أن يأتي على دعواه بنص صحيح أو أجماع متيقن.
وأما حديث الشعبى فباطل.
لانه رواية جابر الجعفي الكذاب المشهور بالقول (2) برجعة على رضى الله عنه، ومجالد وهو ضعيف، وهو مرسل مع ذلك.
(3) * ومن العجب أن المالكيين يوهنون روايات أهل الكوفة التي لا نظير (5) لها، ولا يجدون في روايات أهل المدينة أصح منها أصلا، فما نعلم (6) لاهل المدينة أصح من رواية سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم عن الاسود وعلقمة ومسروق عن عمر بن الخطاب وعائشة أم المؤمنين وابن مسعود: ثم لا يبالون ههنا بتغليب أفتن (7) رواية لاهل (8) الكوفة وأخبثها على أصح رواية لاهل المدينة، كالزهري عن أنس، وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
وعبيدالله بن عبد الله عن عائشة، وأبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة، وسالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه، كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما بعد هذا عجب!، وأعجب (9) من ذلك أنهم يقولون: ان أفعاله عليه للسلام كاوامره، ثم لم يبالوا ههنا بخلاف آخر فعل فعله عليه السلام فان آخر صلاة صلاها عليه السلام بالناس
__________
(1) في اليمنية (فكذيب) وهو لا معنى له (2) في اليمنية (جابر الجعفي اللدان المشهود بالقول) الخ وهو خلط من الناسخ (3) حديث الشعبى رواه الدارقطني (ص 153) ثم قال: (لم يروه غير جابر الجعفي عن الشعبى، وهو متروك، والحديث لا تقوم به حجة) (4) في اليمنية (ومن العجائب) (5) من الغرائب أن ناسخ اليمنية أهمل الظاء في (نظير) ووضع تحتها نقطة دلالة على تأكيد أنها طاء مهملة، ولم أر فيما رأيت مثل هذا التصحيف المؤكد (6) في اليمنية (فما يعلم) (7) في اليمنية (تغليب افتن) بدون نقط (8) في المصرية (أهل) (9) كلمة (واعجب) ساقطة من اليمنية *(3/62)
قاعدا، كما نذكر بعد هذا ان شاء الله تعالى * فان قالوا ان صلاة القاعد ناقصة الفضل عن صلاة القائم، فكيف يؤم الصحيح؟ * قلنا: انما يكون ناقص الفضل إذا لم يقدر على القيام أو قدر عليه ففسح له في القعود، وأما إذا افترض عليه القعود فلا نقصان لفضل صلاته حينئذ.
ثم مافى هذا مما يمنع أن يؤم الانقص فضلا من هو أتم فضلا في صلاته منه؟ وقد علمنا أن لا صلاة (1) لاحد أفضل من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ائتم بأبى بكر وبعبد الرحمن بن عوف وهما أنقص صلاة منه بلاشك.
وقد يؤم عندكم المسافر وصلاته ركعتان! هذا (2) المقيم وفرضه أربع، فلم أجزتم ذلك ومنعتم هذا؟ لولا التحكم بلا برهان فسقط هذا القول.
ولله تعالى الحمد *
ثم رجعنا إلى قول الشافعي وأبي حنيفة، فوجدناهم يدعون أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة جلوسا خلف الامام الجالس لعذر أو مرض منسوخ، فسألناهم: بماذا؟ فذكروا ما حدثناه عبد الله بن يوسف ثنا احمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا احمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا احمد بن عبد الله بن يونس ثنا زائدة ثنا موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن عتبة قال: دخلت على عائشة أم المؤمنين فسألتها (3) عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت الخبر، وفيه: عهده صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بالصلاة، وأن أبا بكر صلي بالناس تلك الايام، (ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج بين رجليه، أحدهما العباس،
__________
(1) في المصرية (لا صلاة) بحذف (أن) (2) كلمة (هذا) سقطت من المصرية (3) في اليمنية (فسألناها) وفى صحيح مسلم (فقلت لها الا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم)؟ والحديث فيه مطول (ج 1: ص 122 و 123) (4) في اليمنية (عمره صلى الله تعالى عليه وسلم وأن أبا بكر) الخ وهو خطأ *(3/63)
لصلاة الظهر، وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فاوما إليه النبي صلى الله عليه وسلم: أن لا يتأخر، وقال لهما: أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، وكان أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون (1) بصلاة أبي بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد (2) فذكر عبيدالله بن عبد الله أنه عرض هذا الحديث على ابن عباس فلم ينكر منه شيئا * وبه إلى مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن ابراهيم النخعي عن الاسود عن عائشة قالت: (لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس) فذكرت الحديث وفيه: فلما دخل أبو بكر (3)
في الصلاة وجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة، فقام يهادي (4) بين رجلين، ورجلاه تخطان في الارض، فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه فذهب (5) يتأخر فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقم (6) مكانك فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر، قالت عائشة: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا، وأبو بكر قائما، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدى الناس بصلاة أبى بكر) * وبه إلى مسلم: حدثنا منجاب بن الحارث التميمي أنا ابن مسهر هو على - عن الاعمش عن ابراهيم عن الاسود عن عائشة، فذكرت هذا الحديث وفيه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس، وأبو بكر يسمعهم التكبير) (7) قال على: فنظرنا في هذا الخبر، فلم نجد فيه لا نصا (8) ولا دليلا على ما ادعوه من نسخ الامر بان يصلى الاصحاء قعودا خلف الامام المصلى قاعدا لعذر،
__________
(1) كلمة (يصلون) زياده من مسلم (2) في اليمنية سقط من لفظ الحديث ما أضاع المعنى (3) لفظ (أبو بكر) ليس في صحيح مسلم (4) في الاصلين (يتهادى) وصححناه من مسلم (ج 1: ص 123 و 124) (5) في الاصلين (ذهب) وصححناه من مسلم (6) في الاصلين (قم) (7) في مسلم (ج 1: ص 124) (8) في اليمنية (فلم نجد فيه نصا) *(3/64)
إذ ليس فيه بيان ولا إشارة بأن (1) الناس صلوا خلفه عليه السلام قياما حاشا، أبا بكر المسمع الناس (2) تكبيره فقط.
فلم تجز مخالفة يقين أمره عليه السلام بالنقل المتواتر بأن يصلى الناس جلوسا: لظن كاذب لا يصح أبدا، بل لا يحل البتة أن يظن بالصحابة رضى الله عنهم مخالفة أمره عليه السلام، * فكيف وفي نص لفظ الحديث دليل بين على أنهم لم يصلوا إلا قعودا! وذلك لان فيه: ان الناس كانوا يقتدون بصلاة أبى بكر، وبالضرورة ندري
أنهم لو كانوا قياما وأبو بكر قائم لما اقتدي بصلاته إلا الصف الاول فقط، وأما سائر الصفوف فلا، لانهم كانوا لا يرونه، لان الصف الاول يحجبهم عنه، والصفوف خلفه عليه السلام كانت مرصوصة، لامتنابذة ولا متقطعة.
فاذفى نص الخبر ولفظه: انهم كانوا يقتدون بصلاة أبي بكر، فهذا خبر عن جميعهم، فصح أنهم كانوا في حال يرونه كلهم، فيصح لهم الاقتداء بصلاته، ولايكون ذلك البتة إلا في حال قعودهم، ولايجوز تخصيص لفظ الخبر ولا حمله على المجاز إلا بنص جلى (3) * ثم لو كان في الحديث نصا (4): أنهم صلوا قياما وهذا لا يوجد أبدا - لما كان فيه (5) دليل على النسخ البتة، بل كان (6) يكون حينئذ إباحة فقط، وبيان أن ذلك الامر المتقدم ندب ولا مزيد كما قلنا في المذكر إنه جائز له أن
__________
(1) في اليمنية (فان) وهو خطأ (2) في اليمنية (المسمع للناس) (3) في هذا الكلام مفالطة وتكلف غريبان.
ثم ماذا يقول ابن حزم في كل الصلوات التى ام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيها الناس وكان قائما وكانوا قياما ايزعم انه لم يكن يقتدى به إلا الصف الاول فقط (4) في اليمنية (ثم لو كان الحديث نصا) (5) في اليمنية (لما كان في ذلك) (6) في المصرية (بل لو كان) وزيادة (لو) خطأ *(3/65)
يصلي قاعدا أو قائما، وفى الصف إن شاء أو إلى جنب الامام (1) * فبطل ما تعلقوا به جملة، وظهر تناقض أبي حنيفة في أجازته أن يصلي
__________
(1) ذهب كثير من علماء الحديث إلى ان صلاة المأموم قاعدا منسوخة، منهم البخاري في صحيحه (ج 1: ص 100) قال بعد حديث انس: (قال أبو عبد الله قال الحميدى: قوله: إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا هو في مرضه القديم ثم صلى بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم جالسا والناس خلفه قياما لم يأمرهم بالقعود، وانما يؤخذ بالاخر فالاخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم) وادعى ابن حبان
الاجماع على صلاة المأموم جالسا اتباعا لامامه، فقال فيما نقله الزيلعى في نصب الراية (ج 1: ص 248) (وفى هذا الخبر بيان واضح ان الامام إذا صلى قاعدا كان على المأمومين ان يصلوا قعودا، وافتى به من الصحابة جابر بن عبد الله وابو هريرة واسيد بن حضير وقيس بن قهد ولم يرو عن غيرهم من الصحابة خلاف هذا باسناد متصل ولا منقطع، فكان اجماعا، والاجماع عندنا اجماع الصحابة، وقد افتى به من التابعين جابر بن زيد، ولم يرو عن غيره من التابعين خلافه، باسناد صحيح ولاواه، فكان اجماع من التابعين ايضا، واول من ابطل ذلك في الامة المغيرة بن مقسم، واخذ عنه حماد بن ابى سليمان ثم اخذه عن حماد أبو حنيفة ثم عنه اصحابه، واعلى حديث احتجوا به حديث رواه جابر الجعفي عن الشعبى قال عليه السلام: لا يؤمن احد بعدى جالسا.
وهذا لو صح اسناده لكان مرسلا، والمرسل عندنا وما لم يرو سيان، لانا لو قبلنا ارسال تابعي وان كان ثقة للزمنا قبول مثله عن اتباع التابعين، وإذا قبلنا لزمنا قبوله من اتباع اتباع التابعين ويؤدى ذلك إلى ان يقبل من كل احد إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفى هذا نقض الشريعة والعجب ان ابا حنيفة يجرح جابر الجعفي ويكذبه ثم لما اضطره الامر جعل يحتج بحديثه) ثم كلام ابن حبان ودعوى النسخ يردها سياق احاديث الامر بالقعود والفاظها، فان تأكيد الامر بالقعود بأعلى الفاظ التأكيد مع الانكار عليهم بأنهم كادوا يفعلون فعل فارس والروم -: يبعد معهما النسخ الا ان ورد نص صريح يدل على اعفائهم من الامر السابق وان علة التشبه بفعل الاعاجم زالت، وهيهات ان يوجد هذا النص، بل كل ما زعموه للنسخ هو حديث عائشة ولا يدل على شئ مما ارادوا.
ثم ان في الاحاديث التصريح بايجاب صلاة المأموم قاعدا مع النص على ان هذا بناء على ان الامام انما جعل ليؤتم به ولا يزال الامام اماما والمأموم ملزما بالائتمام به في كل افعال صلاته، وامرنا بعدم الاختلاف عليه لانه جنة للمصلين، ولا اختلاف اكثر من عدم متابعته في اركان الصلاة.
ويؤيد هذا ان النبي صلى الله عليه وسلم جعل اتباع الامام في الجلوس - إذا صلى جالسا - من طاعة الائمة الواجبة ابدا - إذ هي من طاعة الله.
فقد روى الطيالسي (ص 336 رقم 2577)(3/66)
المريض (1) قاعدا بالاصحاء قياما ومنعه أن يصلى المريض مضطجعا الاصحاء، ولافرق في ذلك أصلا * وقد اعترض بعض الناس في هذا الخبر بأنه قد روى: أن أبا بكر هو كان لامام وذكروا ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا على بن حجر ثنا اسماعيل ثنا حميد عن أنس قال: (آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم: صلى في ثوب واحد متوشحا خلف أبي بكر * وبه إلى احمد بن شعيب: أنا محمد بن المثنى حدثني بكر بن عيسى قال سمعت شعبة يذكر عن نعيم بن أبي هند عن ابى وائل عن مسروق عن عائشة: (أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف) * حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنى احمد بن عون الله ثنا قاسم بن اصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار (2) ثنا بدل بن المحبر (3) ثنا شعبة عن موسى بن ابي عائشة عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عائشة: (ان ابا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه * قال علي: ولا متعلق لهم بهذا، لانهما صلاتان متغايرتان بلاشك، احداهما: التي رواها الاسود عن عائشة، وعبيدالله عنها وعن ابن عباس، صفتها: أنه عليه السلام إمام الناس، والناس خلفه، وأبو بكر رضى الله عنه عن يمينه
__________
والطحاوى من طريقه (ج 1: ص 235) عن شعبة عن يعلى بن عطاء قال: (سمعت ابا علقمة يحدث عن ابى هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من اطاعني فقد اطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن اطاع الامير فقد اطاعني ومن عصى الامير فقد عصاني، فان صلى قاعدا فصلوا قعودا) الحديث وهذا اسناد صحيح على شرط مسلم وقد اخرج الشيخان اوله.
وهذا قوى في رد دعوى النسخ، والحمد لله على توفيقه (1) كلمة (المريض) سقطت من اليمنية (2) في اليمنية (ثنا أحمد بن عون الله ثنا محمد بن بشار) وحذف من بينهما.
وهو
خطأ ظاهر (3) بدل بالباء والدال المهملة المفتوحتين.
والمحبر بضم الميم وفتح الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة المشددة.
واسناد هذا الحديث صحيح *(3/67)
عليه السلام، في موقف المأموم، يسمع الناس تكبير النبي صلى الله عليه وسلم.
والصلاة الثانية: التى رواها مسروق وعبيدالله عن عائشة، وحميد عن أنس صفتها: أنه عليه السلام كان خلف أبي بكر في الصف مع الناس.
فارتفع الاشكال جملة، (1) * وليست صلاة واحدة في الدهر فيحمل ذلك على التعارض، بل في كل يوم خمس صلوات، ومرضه عليه السلام كان مدة اثنى عشر يوما مرت فيها ستون صلاة أو نحو ذلك.
* وقد اعترض قوم في هذا الخبر برواية ساقطة واهية، انفرد بها اسرائيل - وهو ضعيف عن أبي اسحاق عن أرقم بن شرحبيل وليس بمشهور الحال فيها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استتم من حيث انتهي أبو بكر من القراءة) قال: وانتم لا تقولون بهذا * قال علي: والجواب (2) وبالله تعالى التوفيق: أن هذه الرواية المطرحة لا يعارض بها ما رواه مثل ابراهيم عن الاسود عن عائشة، وعبيدالله بن عبد الله عن ابن عباس (3) * وأيضا: فلو صح هذا الفعل لقلنا به ولحملناه على أنه عليه السلام قرأ ام القرآن التى لابد منها والتى لا صلاة لمن لم يقرأ بها، وإن لم يذكر أنه قرأها، (4) كما لا بد من الطهارة وإن لم تذكر في الحديث، ومن القبلة ومن التكبير وان لم
__________
(1) قال ابن حبان في صحيحه - فيما نقله عن الزيلعى في نصب الراية (ج 1: 247 و 248): (أقول وبالله التوفيق: ان هذه الاخبار كلها صحيحة ليس فيها تعارض فان النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرضه الذى مات فيه صلاتين في المسجد في احداهما
كان اماما وفى الاخرى كان مأموما.
والدليل على ذلك في خبر عبيدالله بن عبد الله عن عائشة انه عليه السلام خرج بين رجلين: العباس وعلى وفى خبر مسروق عنها انه عليه السلام خرج بين بريرة وثويبة) وهذا واضح ودقيق (2) في اليمنية (فالجواب) (3) في المصرية (وعبيدالله بن عبد الله بن عباس) وهو خطأ (4) قوله (وان لم يذكر) الخ محذوف من اليمنية *(3/68)