بحث
ترجمة لسيرة الشيخ
عبد الرحمن بن محمد بن قاسم-رحمه الله-
الحمد الله الذي بنعمه تتم الصالحات، والشكر له عدد ما في هذا الكون من آيات، وأصلي وأسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،، وبعد:
إن النظر في سير السلف الصالح يبعث الهمة ويقوي العزيمة على التأسيس بهم والسير على خطاهم، لذا أدليت دلوي واخترت الكتابة عن علم من أعلام الأمة، ومصباح من مصابيحها، صبر وصابر وصمد ليثري المكتبة الإسلامية بالعديد من الفنون، وهو العلاّمة الشيخ: عبد الرحمن بن قاسم –رحمه الله-.
وقد سرت في كتابة هذا البحث على النحو التالي:
الفصل الأول: حياته؛ وفيه مبحثين:
أ) نسبه ونشأته. ب) شيوخه وتلامذته.
الفصل الثاني: مؤلفاته، ومنهجه في التأليف؛ ويشمل أربعة مباحث:
أ) مؤلفاته. ب) أثره في الفقه.
ج) منهجه في التأليف. د) ما تميّزت به مؤلفاته.
الفصل الثالث: أخلاقه؛ ويشمل ثلاث مباحث:
أ) تواضعه. ب) أخلاقه.
ج) طرائفه.
الفصل الرابع: وفاته؛ وفيه ثلاث مباحث:
أ) مرضه ووفاته. ب) أولاده.
ج) أحفاده.
هذا وفي الختام أشكر من أتاح لي الفرصة لقراءة هذه السيرة العطرة لهذا الجهبذ –رحمه الله رحمة واسعة- الحمد لله رب العالمين.
نسبه ونشأته:
هو أبو عبد الله: الشيخ الإمام العالم العلّامة العامل المحقق المدقق المجتهد المتفنن.(1)
(الشيخ: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن قاسم من آل عاصم من قحطان القبيلة المشهورة في نجد.(2)
فآل عاصم بطن كبير في آل روق.
__________
(1) 1 - مقدمة بن جبرين على حاشية الروض 1/3 بتصرف
(2) - سيرة الشيخ عبد الرحمن بن قاسم لحفيده الشيخ عبد الملك القاسم ص 20 بتصرف(1/1)
وشيوخ آل عاصم هم آل حشر وعاصمة هجرتهم (الهيا) ثم من قرى الخرج وآل عاصم من آل روق الذين شيوخهم آل ابن رويحة نزلوا نجد من قحطان عبيدة في (السراة) وقحطان هذه التي تسمّى الصغرى هي إحدى القبائل التي تعود إلى قحطان الكبرى التي هي إحدى شعبي العرب (قحطان – عدنان).
ولادته: ولد المترجم له في قرية (البير) وهي قرية من قرى المحمل عام: 1319هـ.(1)
وقيل أنه ولد في (البير) عام 1312هـ وهذا هو المشهور عنه وهو المعتمد في كتبه.(2)
نشأته:
نشأ في قرية البير نشأة حسنة وتربى أحسن تربية فقد قرأ القرآن على أحد شيوخ قريته ومقرئيها وحفظه عن ظهر قلب (وقيل حفظ القرآن وعمره تسع سنوات).(3)
وقد قرأ مبادئ العلوم في قريته وما حولها ثم سمت همته للتزود والاستفادة وجد في طلب العلم وثابر عليه.(4)
(وقد أولع في أولويته التاريخ والأنساب والجغرافيا ووقعت له قضية بسبب التاريخ فأحرق كثيراً من أوراقه).(5)
شيوخه:
1- العلّامة عبد الله بن عبد اللطيف وتلقى عنه التوحيد والعقائد والتفسير والحديث والفقه وغيرها.
2- لازم الشيخ عبد الله العنقري فكان من أخص تلاميذه.
3- الشيخ محمد بن محمود وأخذ عنه الفقه والفرائض.
4- الشيخ سعد بن عتيق.
5- الشيخ سليمان بن سحمان وأخذ عنه التوحيد والحديث.
6- الشيخ محمد بن فارس وأخذ عنه علوم اللغة وغيرها.
7- الشيخ عبد الرحمن بن راشد.
8- الشيخ محمد بن مانع.(6)
__________
(1) - علماء نجد خلال ستة قرون للشيخ عبد الله البسام 2/414 بتصرف
(2) - وهو ما يؤكده ابنه أحمد انظر كتاب (روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين) بتصرف
(3) - عبد الرحمن بن قاسم لمؤلفه عبد الملك القاسم ص 22-23 للشيخ محمد بن عثمان ص1/235 بتصرف
(4) - روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين للشيخ محمد بن عثمان. بتصرف
(5) الأعلام للزركلي 3/336 بتصرف
(6) - عبد الرحمن بن قاسم للشيخ عبد الملك القاسم ص 23-24 بتصرف ...(1/2)
9- الشيخ محمد بن إبراهيم.(1)
تلامذته:
ذكر الشيخ عبد الله بن جبرين أنه رحمه الله (درس في المساجد).
وممن درسهم في المسجد:
الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله.
الشيخ عبد الرحمن بن فريان رحمه الله.
الشيخ فهد بن حمين.
الشيخ عبد الرحمن بن مقرن.
الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم – رحمه الله -.
الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بن قاسم حفظه الله.
وكان يعتني في الغالب في تدريسه بعلم العقيدة والتفسير والحديث والفقه والفرائض.
وكان يجلس لتدريس طلابه مرة (واحدة) في اليوم.(2)
مؤلفاته:
لما تمت أداته وصلبت قناته انصرف إلى التأليف والبحث والترتيب والنشر ، وقد تنوعت معارفه وعلومه ومؤلفاته ، وكتب في شتى فنون وعلوم الشريعة والعربية وغيرها حتى ذاع صيتها وانتشر أثرها وحمد عليها ومن أشهر مؤلفاته:
1- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه ، (37) مجلد.
2- الدرر السنية في الأجوبة النجدية ، (16) مجلد.
3- حاشية الروض المربع (7) مجلدات.
4- متن أصول الأحكام ، (مجلد).
5- شرح أصول الأحكام ، (4) مجلدات.
6- حاشية كتاب التوحيد ، (مجلد).
7- حاشية ثلاثة الأصول ، (مجلد).
8- حاشية الدرة المضيئة (مجلد).
9- السيف المسلول على عابد الرسول (مجلد).
10- مقدمة في أصول التفسير (مجلد).
11- حاشية مقدمة التفسير (مجلد).
12- حاشية مقدمة الرحبية (مجلد).
13- حاشية الأجرمية (مجلد).
14- وظائف رمضان (مجلد).
15- تحريم حلق اللحى (كتيب لطيف).
16- ملخص الفواكه العديدة في المسائل المفيدة (مجلدين).
17- كتاب التاريخ (مجلدين).
18- شرح عقيدة السفاريني (مجلد).
__________
(1) - روضة الناظرين للشيخ محمد بن عثمان 1/235 بتصرف
(2) - من كلام ابنه الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بن قاسم في كتاب الشيخ عبد الرحمن بن قاسم لمؤلفه الشيخ عبد الملك القاسم ص 237(1/3)
ومن فضل الله على الشيخ عبد الرحمن بن قاسم أنه أمر الملك فيصل بن عبد العزيز إمام المسلمين آنذاك رحمه الله بطبع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه وتوزيعها على العلماء والعامة في داخل المملكة وخارجها.
وكذلك أمر جلالة الملك عبد العزيز بلل الله ثراه بطبعها وتوزيعها على العلماء والعامة فانتشرت بين طلاب العلم والعلماء وغيرهم فصار لها أكبر الفائدة وأعظم النفع.(1)
وصدق علي بن أبي طالب حينما قال: (العلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وآثارهم في القلوب موجودة).(2)
أثره في الفقه:
إن فتاوى شيخ الإسلام التي جمعها قد حوت حوالي خمسة عشر مجلداً في الفقه منها مثلاً:
المجلد الواحد والعشرون في الطهارة وعدد صفحاته (670) صفحة.
المجلد الثاني والعشرون في الصلاة وعدد صفحاته (656) صفحة .
وغيرها من المجلدات التي وصلت إلى خمسة عشر مجلد.
وقد استغرق جمعها حوالي 40 عاماً في جمعه وترتيبه وطبعه وقد وجدوا في سبيل ذلك من العناء والمشقة ما أحتسب أن يكون رفعة وذخراً فقد عانيا من كثرة السفر والبحث عن مخطوطات شيخ الإسلام وترك الأهل والأبناء ومفارقة الأوطان مع قلة الزاد، وأيضاً في فك وقراءة خط شيخ الإسلام حيث كان شيخ الإسلام – قدس الله روحه – سريع الكتابة وكان خطه في غاية التعليق والإغلاق وبعضه بدون نقط ولا تكاد تظهر حروفه ، وقد كانت هذه مشكلة من قبله فقد أشكلت على تلميذ شيخ الإسلام ابن الوردي فقد كان يدعو تلميذه أبا عبد الله بن رشيق المغربي لحله.
__________
(1) - علماء نجد خلال ستة قرون للشيخ عبد الله البسام ص 415 – 416 بتصرف
(2) - جامع بيان العلم وفضله لمؤلفه ابن عبد البر 1/68 بتصرف(1/4)
ومن القصص أن محمد ابن الشيخ عبد الرحمن وقد كان يساعده في جمع الفتاوى أنه كان لديه مجموعة من المخطوطات لشيخ الإسلام ولم يستطع إدخالها في مجموع الفتاوى لعدم استطاعته قراءة ما فيها لرداءة الخط. وبعد حين حلها شيئا فشيئا حتى طبعها ضمن (المستدرك على مجموعة الفتاوى).(1)
قال الشيخ بكر أبو زيد عن مجموع الفتاوى (إن هذا المجموع المبارك مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه لابن قاسم هو غرة في جبين الدهر زينة لأهل الإسلام ، لسان صدق للعلماء ، عمدة للباحثين ، نفع الله به أقواما بعد آخرين وقد انتشر في العالمين انتشار
العافية ، وكتب له في القبول والانتشار ما يعز نظيره في جهود المتأخرين فالحمد لله رب العالمين.(2)
وقد سافر لجمع الفتاوى مكة وإلى بيروت ودمشق وحلب وحماة وبعد ذلك بغداد وإلى القاهرة وباريس) وقد أمر بطبع مجموع الفتاوى الملك سعود والملك خالد والملك فهد رحمهم الله وهي الآن تطبع ضممن مطبوعات مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.
ومن لطائف هذا المجموع وغيره ما ذكره الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله وشفاه (أن ابن مري المتوفى بعد سنة 728هـ كتب رسالة لتلاميذ شيخ الإسلام وقد ضمنها الوصية لكتب شيخ الإسلام ثم قال: (ووالله – إن شاء الله – ليقيمن الله سبحانه لنصر هذا الكلام ونشره وتدوينه و...... واستخراج مقاصده ، واستحسان غرائبه وعجائبه رجالاً هم الآن في أصلاب آبائهم...).
فقال الشيخ بكر أبو زيد معلقاً: (وقد برت يمين ابن مري – بحمد الله ومنّته فقام الشيخ عبد الرحمن بن قاسم المتوفى عام 1392هـ رحمه الله بمساعدة ابنه محمد بن قاسم المتوفى عام 1421هـ بعد نحو ستة قرون بهذه المهمة الجليلة في جمع مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه).
__________
(1) عبدالرحمن بن قاسم لمؤلفه، عبدالملك بن قاسمص37-38-39 بتصرف
(2) المدخل إلى آثار شيخ الإسلام للشيخ بكر أبو زيد ص1/39 بتصرف(1/5)
إذن فلا بد للأمة أن ترجع إلى كتب علمائها ومن أعلمهم وأوسعهم علماً الإمام ابن تيميه وقد وُجِدَت في خارج المملكة ما يزيد عن عشرين رسالة دكتوراه ومثلها رسائل ماجستير وفي داخل المملكة ما يقارب هذا العدد.
ومن أثره في الفقه:
? كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية، ويقع في ستة عشر مجلد وتقع كتب الفقه في سبعة مجلدات.
? كتاب حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع، ويقع في سبعة مجلدات ضخمة،و هي مقرر كمنهج دراسي في كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وكانت مدة تأليفه أربعين سنة.
منهجه في البحث والتأليف وما تميزت به مؤلفاته:
اقتصر بعض العلماء على الكتابة في فن واحد من علوم الشريعة ، والبعض الآخر كتب وألف في فنون عديدة ممن تبحر في العلوم وتزود فيها وتنوع مؤلفات الشيخ عبد الرحمن بن قاسم – رحمه الله – واختلاف مواضيعها ينبئ عن ملكة عظيمة في البحث والقراءة وسعة الإطلاع والتعمق في أمهات الكتب ، وكان مرجع هذا التنوع والتعدد في الموضوعات صفات تميز بها الشيخ رحمه الله وأبرز هذه الصفات:
1- التزامه منهج السلف الصالح في العقيدة.
2- عدم التعصب لمذهب معين: فإن الشيخ – رحمه الله – حنبلي المذهب ومع هذا يورد أقوال الأئمة كما في حاشية الروض وغيرها مستهدياً بالدليل من الكتاب والسنة.
3- الدقة المتناهية في عبارات وألفاظ كتبه ومن عباراته الرائعة يقول – رحمه الله – ) إثبات المسألة بدليلها تحقيق ، بدليل آخر تدقيق والتعبير عنها بفائق العبارة ترقيق ، ولمراعاة علم المعاني والبديع في تركيبها تنميق ، والسلامة فيها من اعتراض الشرع توفيق ، ونسأل الله بأسمائه الحسنى الهداية والتوفيق ، لما اختلف فيه من الحق إلى أقوم طريق).
4- إجلاله العلماء والثناء عليهم.
5- أمانته العلمية في النقل والعزو إلى المصادر.(1/6)
6- مما تميزت به مؤلفاته: طرح القبول لها وهذا ولله الحمد واضح من طرح القبول لمؤلفاته أن جعل كتابه حاشية الروض المربع منهجا مقرراً على طلاب كلية الشريعة.
7- كما ظهر جلياً واضحاً في مؤلفاته (الثبات على المنهج) وذلك في جميع مؤلفاته مع تنوعها وكثرتها واختلاف أزمنة جمعها وتأليفها.
هذا بالإضافة إلى سفره للخارج سواء للبلاد العربية أو بلادا أوروبية وذلك للعلاج أو لجمع الفتاوى وإقامة الشهور الطويلة هناك ، ومع ذلك كان مثالاً للمؤمن المتمسك بعقيدته المعتز بدينه ، ومن ذلك أنه كان يسافر بلباسه المعتاد في بلده (الثوب والشماغ)
8- ترتيب مؤلفاته الفقهية على أبواب الفقه المعروفة.
9- سلاسة عباراته وتجانسها وحسن انتقائها وجمال عرضها وبعدها عن الحشو والتكلف والكلام الإنشائي المكرر.
10- ظاهرة التواضع والضراعة والابتهال إلى الله تعالى بادئة في مؤلفاته وكتبه – رحمه الله – ومن ذلك يقول في مقدمة (حاشية الروض المربع) (فتطفلت بوضع هذه الحاشية).
11- محبته لمؤلفات السلف وعنايته بها: ومن ذلك اهتمامه وحرصه على مؤلفات أئمة السلف كشيخ الإسلام وأئمة الدعوة النجدية في كتابه (الدرر السنية).
12- تعظيمه لأمر الشريعة واعتناؤه بالدليل من الكتاب والسنة كما ذكر ذلك في مقدمة حاشية الروض: يتعين الاعتناء بالكتاب والسنة فقد قال تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول) في غير موضع من كتابه أي اتبعوا كتاب الله وسنة رسوله.
13- رجوعه في نقولاته إلى أمهات الكتب المعروفة من مؤلفات أئمة الهدى والدين فمثلاً كتابه حاشية الروض نقل عن جملة من الأئمة الثقات ومن علماء عصره.
14- خدمته لدينه الحنيف والشرع المطهر: فجميع كتبه ومؤلفاته تدور حول العقائد والأحكام وعلوم القرآن وحسبك جمعه لفتاوى شيخ الإسلام وجمعه لرسائل
علماء نجد (الدرر السنية في الأجوبة النجدية). وقد جمعت صفحات كتبه التي(1/7)
طبعت حتى الآن فإذا هي تقارب (40.000) صفحة أربعين ألف صفحة تقريبا ومعنى ذلك إذا حسبنا عمره (1312 – 1392) ثمانون عاما وأنه رحمه الله كان يكتب كل يوم بعد بلوغه العشرين إلى وفاته كل يوم ورقتين. قال الحسن البصري رحمه الله (يوزن مداد العلماء بدم الشهداء فيرجح مداد العلماء على مداد الشهداء).
15- السعة والشمول وتنوع المعارف في علوم الشريعة واللغة فقد ألف في جوانب متعددة منها: في الفقه مثل حاشية الروض المربع، علم الفرائض مثل حاشية على نظم الرحبية، علوم القرآن مثل حاشية مقدمة التفسير.
16- حرصه على الدليل والبحث عن القول الراجح وهذا واضح في كتبه.
17- مقدرته العلمية.
18- جهاده وصبره في إخراج المؤلفات: فمثلاً فتاوى شيخ الإسلام جلس أربعين ستة في الجمع وبدأها وعمره 28 سنة مضافاً إليها سنوات الطبع وقد تجاوزت عشر سنوات وحاشية الروض أمضى في تأليفها أربعين عاما حتى أتت تختال في عباراتها وجميل تبويبها.
19- رحلاته في جمع شتات المؤلفات: كان بعض رحلاته تطول حتى أنه يغيب عن زوجته وأولاده شهورا عدة بل وتزيد عن السنتين أحيانا.
وقد ذهب لجمع الفتاوى إلى كل من بيروت والشام والعراق ومصر وفرنسا وبغداد وغيرها وهذا دأب العلماء.
فقد جلس ابن حجر في تصنيف فتح الباري خمسة وعشرين سنة.
20- غالب مؤلفاته قُرأت على علماء أجلاء ورجال فحول فاكتسبت صبغة علمية واضحة.
مثل مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه قرئت على الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عدة مرات وغيره من العلماء.
ومثل كتاب الدرر السنية قُرأت على علماء أجلاء مثل الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ والشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري رحمهم الله جميعا.
وكتاب حاشية الروض قرأه الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله وقدم له.
21- الحاجة إلى مؤلفاته في العصر الحاضر:(1/8)
فقد أعطيت فقط داخل المملكة ما يقرب من عشرين رسالة ماجستير ودكتوراه في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله وأيضا كتاب حاشية الروض فهو معتمد كمنهج في كلية الشريعة.(1)
أعماله:
ذكر ابن الشيخ عبد الرحمن بن قاسم وهو الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بن قاسم أنه أي الشيخ عبد الرحمن رشح للقضاء فامتنع الشيخ مع رفض الحكومة لذلك فطلبت والدة الشيخ عبد الرحمن من الملك عبد العزيز أن يعفيه من القضاء ولكن الملك عبد العزيز امتنع عند ذلك خرج رحمه الله إلى أنحاء المملكة مع عمال الزكاة بأمر من الملك عبد العزيز لمدة سنوات ودرّس في المسجد سنوات عديدة وذلك عام 1373هـ ولم يكن لديه إلا عشرين طالباً وذلك لأن كثيراً من الطلاب انصرفوا إلى المعهد العلمي.(2)
وكان من أعماله أيضاً كما ذكر الشيخ ابن بسام أنه تولى الإشراف على ما يطبع في مطبعة الحكومة بمكة المكرمة سنة 1352هـ وما بعد ثم تولى إدارة المكتبة السعودية بعد ذلك.(3)
تواضعه:
كان رحمه الله متواضعا مستكينا لربه ظهر ذلك في معاملته للناس عامة وللفقراء والمحتاجين خاصة ، وكان لا يرضى أن يسمى شيخا ، وكان دائما يقول : لست شيخاً المشايخ في الرياض ، وكان يرفض أن يقبل رأسه.
ومن تواضعه أنه كان يأكل مع عمال المزرعة جميع الوجبات بل لم يتميز بوجبة خاصة إنما كان الطعام مشتركا وكان يمازحهم ويحادثهم ويعلمهم أمور دينهم ويسألهم عن ذلك.
__________
(1) الشيخ عبد الرحمن بن قاسم لمؤلفه الشيخ عبد الملك بن قاسم ص 190-227 بتصرف
(2) - كلام الشيخ أحمد بن قاسم ابن الشيخ عبد الرحمن بن قاسم.
(3) - علماء نجد خلال ثمانية قرون 3/206 للشيخ عبد الله بن بسام(1/9)
وكان يمازح الأعراب إذا أتوا ويقول لهم مختبرا قال الله عز وجل عن الأعراب: (الأعراب أشدّ كفراً ونفاقاً)(1)ثم إذا حار الأعراب في الجواب قال قولوا: (ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر)(2)
ومن تواضعه أنه يكتب عن كل مؤلف يؤلفه (الفقير إلى الله تعالى).
خلقه وأخلاقه:
ذكر عنه أنه كان: (طويلاً نحيفاً قمحي اللون يميل إلى البياض ، متوسط الشعر، دمث الأخلاق ، لا يحب المظهر ولا الشهرة ، سخياً لين العريكة ، حلو الشمائل ، وصولاً للرحم مستقيماً في دينه وخلقه).(3)
وقال الشيخ حمد الجاسر: (كان رحمه الله من أرق من عرفت من العلماء نفساً ، وألطفهم خلقاً ، وأسخاهم يداً).
وقال الشيخ عبد الله بن بسام (وكان على جانب كبير من الأخلاق حلو الشمائل مستقيم في دينه وخلقه وكان عنده غيرة على حرمات الله ويكره جدا مساكنة الكفار وجوارهم، وكان يخشى ويتخوّف دائماً بسبب سوء الأوضاع الدينية في الدول العربية والإسلامية أن يصيبها سوء بسبب معاصيها وبعدها عن الله).(4)
ورعه:
كان رحمه الله إماماً في الورع ومضرب المثل في الزهد ولعل قراءته ومطالعته في سيرة الأئمة الأعلام كأحمد بن حنبل وابن تيميه طبعت في نفسه ذلك!!
ومن ورعه أنه رحمه الله كان له دواة(5)يعبئ فيها قلمه حبراً وذلك حينما كان مديراً للمكتبة السعودية بالرياض ، وكان هناك دواة فملأ الموظف قلم الشيخ عبد الرحمن من دواة الحكومة فغضب عندما علم بذلك وقال للموظف: أتريد أن تدخلني النار.
__________
(1) - الآية في سورة التوبة رقم الآية 97
(2) - الآية في سورة التوبة رقم الآية 99
(3) - كتاب روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين للشيخ محمد بن عثمان 1/237 - 238
(4) - عبد الرحمن بن قاسم لحفيده عبد الملك القاسم ص261
(5) - وهي الوعاء الذي يحمل الحبر(1/10)
ومن ورعه رحمه الله أنه إذا ركب مع الناس في سيارة أجرة لتنقله خارج الرياض يعطي الأجرة لصاحب السيارة مثل غيره من الناس وإذا عرفه صاحب السيارة رفض أخذ الأجرة منه فيقوم إذا نزل بإلقائها عليه ويسرع ماشياً.
وكان رحمه الله يتحرج من الفتوى ولا يفتي البتة !! مع أنه ألف حاشية الروض التي لو قرأها طالب العلم وأتقنها فإنه يفتي فكيف بمن عكف على تأليفها أربعين سنة و لا يفتي ؟!
وكان لا يتقدم إماما للمصلين ويرفض ذلك.
وعندما زاره أحد العلماء وهو بمرتبة وزير وكان معه بعض القانونيين كره جلوسه معهم في المجلس ، ونهرهم وذكرهم بحكم الشرع وتحكيمه فقاموا.
وقد أوصى رحمه الله أن تمزق صورته في حفيظة النفوس إذا مات.
ومن ورعه أنه لم يدخل التلفاز ولا المذياع إلى بيته.(1)
طرائفه:
مجالس العلماء مجالس علم وفائدة ،،
يقول الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله: (فلا يخلو حديثه من فائدة دينية أو مسألة فقهية أو استشهاد بآية أو حديث).(2)
ذكر عنه رحمه الله أنه في مرحلة قوة الأخوان كانوا يقابلون من يدخل إلى الرياض
ويسألون في الأسواق: من ربك ؟ من نبيك ؟ وما دينك ؟ وكان من حظهم في أحد الأيام أنهم قابلوا الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله وهم لا يعرفونه فاستوقفوه وسألوه الأسئلة الثلاثة ، فقال الشيخ أنا أسألكم ثم أجيب فقالوا أسأل ؟ فقال: هل أنتم دخلتم في الدين أم الدين دخل فيكم ؟ فاحتاروا وتركوه.
__________
(1) - جميع ما ذكر من القصص رواها حفيده الشيخ عبد الرحمن وهو الشيخ عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن بن قاسم وذلك في كتاب عبد الرحمن بن قاسم – حياته سيرته ومؤلفاته ص 244-246
(2) - حاشية الروض المربع 1/13(1/11)
وذكر أحد المشايخ في أحد دروسه في أبواب الطهارة وأن الأصل الطهارة، ثم قال إن أحدهم سأل الشيخ عبد الرحمن بن قاسم عن سجادة في الأرض يريد أن يصلي عليها: هل هي طاهرة..!؟ فقال رحمه الله مازحاً هل رأيت أمك تبول عليها فكان ردّاً عمليّاً مباشراً).
وكان رحمه الله يذكر قصة رآها في بيروت ويندر بها فقد رأى صغاراً أربعة يمشون خلف رجل، اثنان منهم ينادونه بابا، واثنان ماما.!! فاحتار القوم الذين شهدوا الموقف، فقال لهم: هذا تحول من ذكر إلى أنثى حيث أن من يسير الأربعة معه كان أنثى، فولدت ولدين، يناديانها ماما، ثم أجريت لها عمليات جراحية فتحوّلت إلى رجل، فأنجب اثنان يناديانه بابا...!!!)(1)
قصة مرضه ووفاته:
أصيب رحمه الله في حادث سيارة في العام 1349هـ وأثر في رأسه تأثيرا بالغا والتأم بعد ذلك وعوفي فلما ضعف جسمه وصار مسنا عاوده الألم بشدة وأصيب بعد ذلك بسنوات بحادث سيارة آخر ولكنه لم يؤثر عليه بشيء والحمد لله.
وفاته:
لم يزل رحمه الله مكباً على إخراج كتبه ومؤلفاته مع ما أصابه في حياته من ألم شديد في الرأس.
وفي أواخر أيامه ضعف بصره رحمه الله من كثرة ما يقرأ ويكتب وهذه حال العلماء ، جاء في ترجمة الحافظ عبد الغني المقدسي: ( ... وقد كان ضعف بصره من كثرة المطالعة والبكاء ، وكان أوحد زمانه في علم الحديث).
وذكر ابنه أحمد أن الشيخ عبد الرحمن رأى قبل وفاته شيخ الإسلام يضع تاج على رأسه, ثم أدخل الجد –رحمه الله- المستشفى، كانت شفاهه تتحرك بقراءة القرآن ويومئ برأسه حين يمر بسجده، ولم يلبث إلا قريباً من أسبوعين حتى وافاه الأجل في مدينة الرياض في 8/8/1392هـ ودفن في مقبرة العود، وكان في مقبرة العود بجوار قبر الشيخ سعد بن عتيق رحمهما الله.(2)
أولاده:
__________
(1) - الشيخ عبد الرحمن بن قاسم حياته وسيرته ومؤلفاته للشيخ عبد الملك القاسم ص 258 - 259
(2) كتاب عبد الرحمن بن قاسم، ص 291-293(1/12)
رزق الشيخ عبد الرحمن رحمه الله بتسعة أبناء وثلاثة بنات أما أكبر أولاده فهو:
1- عبد الله: فقد كان عابداً ورعاً حافظاً لكتاب الله – عزّ وجلّ – وكان يقوم الليل حتى شق عليه القيام فأصبح يضع أسفنجاً ليقي ركبتيه أثناء السجود ، وكان من عبادته عجب فقد كان يوم الجمعة يصلي الفجر ثم يذهب إلى الجامع الكبير ويمكث في المسجد حتى يصلي الجمعة وقد توفي رحمه الله في 6/6/1402هـ.
2- إبراهيم توفي وهو ابن أربعين يوماً.
3- الشيخ محمد: العالم العابد الزاهد ، تخرج من كلية الشريعة، لازم الشيخ محمد بن إبراهيم خمس وعشرين سنة واشتغل بالتدريس بالمعهد العلمي ثم كلية الشريعة وأصول الدين بالرياض ، وهو الذي ساعد والده في جمع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه ، وأخرج فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم في ثلاثة عشر مجلداً ، وله المستدرك على فتاوى شيخ الإسلام في خمس مجلدات ، وغيرها من المؤلفات.
رشح وزيراً للعدل وعضواً في هيئة كبار العلماء ولكنه اعتذر ، توفي يوم الثلاثاء 7/6/1421هـ وكانت جنازته مشهودة.
4- عبد العزيز:
عمل مع والده في مزرعته ، محب للخير والعبادة توفي رحمه الله قبل والده بـ 18 شهراً في محرم من عام 1391هـ.
5- الشيخ أحمد:
درس على الشيخ حمد بن إبراهيم رحمه الله وهو الذي كان يقرأ عليه بعد سفر أخيه الشيخ محمد وذلك لجمع فتاوى شيخ الإسلام ، وله جهود دعوية معروفة ، عمل سكرتيراً للشيخ محمد بن إبراهيم ، ثم أميناً لمكتبة كلية الشريعة وله مؤلفات منها تفسير القرآن الكريم ، العمدة في فقه التشريع ، حفظه الله.
6- سليمان:
عمل مع والده في المزرعة ، وكان باراً بوالدته ، توفي رحمه الله في شوال عام 1421هـ بعد مرض لم يمهله طويلا.
7- الشيخ ناصر: كان موظفاً برئاسة تعليم البنات ، وله أياد في الإنفاق فقد طبع على حسابه الخاص (فتاوى شيخ الإسلام والدرر السنية ، وحاشية الروض المربع وغيرها) فجزاه الله خيرا.
8- الشيخ سعد:(1/13)
عمل مدرساً في المعهد العلمي بالرياض حتى أحيل للتقاعد وله مشاركات في المحاضرات والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأشرف على كتب والده قبل طبعها.
9- الشيخ حمد:
خريج كلية الشريعة وعنده من الفضل والأدب الكثير.(1)
أحفاده:
يوجد لدى الشيخ أحفاد كثيرون يتجاوزون المائتين ومن أشهرهم:
1- الشيخ الدكتور عبد المحسن بن محمد بن عبد الرحمن بن قاسم ويعمل قاضياً في المحكمة العامة في المدينة المنورة وإماما وخطيباً للحرم النبوي الشريف.
وله مؤلفات كثيرة منها: الخطب المنبرية (مجلدين) وهي مجمل الخطب التي خطبها في الحرم النبوي الشريف وله أيضاً تيسير الوصول شرح ثلاثة الأصول وله كتاب خطوات إلى السعادة وغيرها من المؤلفات.
2- الشيخ عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن بن قاسم:
وهو أخو الشيخ عبد المحسن ، وله مؤلفات تتجاوز المائة مؤلف ، وله جهود دعوية معروفة ، ويملك الشيخ عبد الملك (دار القاسم) ، وهي دار لطباعة الكتب الإسلامية وتصل مطبوعاتها إلى مشارق الأرض ومغاربها.(2)
الخاتمة:
الحمد الله الذي بنعمه تتم الصالحات، والشكر له عدد ما في هذا الكون من آيات، وأصلي وأسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،، وبعد:
فقد منّ الله عليّ بكتابة هذا البحث عن سيرة رجل أفنى حياته في خدمة هذا الدين العظيم، وتوصلت إلى النتائج التالية:
1- مراعاة نعمة الله عز وجل في تسخيره من يشاء من عبادة لخدمة هذا الدين ونصرة الكتاب والسنة النبوية.
2- الوفاء لأعلام الهدى في زمن الإعلام الفاسد، الذي برز السفلة وحثالة القوم من أهل الغناء والرقص.
__________
(1) - من كتاب الشيخ عبد الرحمن بن قاسم – حياته وسيرته ومؤلفاته ص 296-297-298-299
(2) - هذا الكلام عرفته بصفة قربي من ناحية النسب من عائلة آل قاسم(1/14)
3- الصبر والمصابرة في طلب العلم، والعمل به، ومن ثم نشره كما هو دأب الشيخ عبد الرحمن بن قاسم-رحمه الله- الذي لم يعيقه المرض عن جمع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية من شتى بقاع الأرض.
4- تواضع الشيخ للفقير والمسكين والصغير والكبير على الرغم من المرتبة التي وصل إليها في العلم والعمل.
5- حب الناس له، وثناؤهم عليه وحزنهم على موته.
هذا وأوصي في هذا البحث نفسي أولاً وغيري من أبناء هذه الأمة، أن ننشر سير أعلامنا وقادتنا لنكون مشعل خير في التأسيس والإتباع، جعلنا الله هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، والحمد لله رب العالمين.
فهرس الموضوعات
1- الأعلام، خير الدين الزركلي، بيروت، دار العلم للملايين. الطبعة السادسة 1984م
2- المدخل إلى تاريخ الإسلام، ابن تيمية، بكر أبو زيد، مكة المكرمة، دار عالم.
3- جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثانية 1402هـ
4- حاشية الروض المربع، عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة العاشرة، 1425هـ.
5- روضة الناظرين مآثر علماء نجد، محمد بن عثمان القاضي، مصر، مطبعة الحلبي، الطبعة الثانية 1403هـ
6- عبد الرحمن بن قاسم- عبد الملك بن محمد بن قاسم، الرياض دار القاسم، الطبعة الأولى 1246 هـ
7- علماء نجد خلال ستة قرون، عبد الله البسام، مكة المكرمة، مكتبة النهضة، الطبعة الأولى 1398 هـ.(1/15)