البُرهان في تبرئة أبي هريرة من البُهتان
بقلم
عبد الله بن عبد العزيز بن علي الناصر
المقدّمة
الحمد لله حمداً كثيراً يوافي نعمه ، ويكافىء مزيده ، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه لا أحصى ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله خير من اصطفى من خلقه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد .
فقد لهجت أعداء السنة و أعداء الإسلام ،في عصرنا، وشغفوا بالطعن في أبي هريرة- رضي الله عنه - ،وتشكيك الناس في صدقة و في صحة روايته، بغية أن يصلوا - زعموا إلى تشكيك الناس في الإسلام تبعاً لساداتهم، وإن تظاهروا بالقصد إلى الاقتصار على الأخذ بالقرآن، أو الأخذ بما صحّ من الحديث في رأيهم ، وما يصحّ من الحديث في رأيهم إلا ما وافق أهواءهيم ؛ وما هؤلاء بأول من حارب السنة في هذا الباب، بل ولهم في ذلك سلف من أهل الأهواء قديماً، ولكن يسير في طريقه قدماً ، ويظهره الله رغم صراخهم وعويلهم ومكرهم وكيدهم . ومن العجب أن تجد ما يقوله هؤلاء المعاصرون ، يكاد يرجع في أصوله ومعناه إلى ما قال أولئك الأقدمون، كما تجد فرقاً واضحاً بين الفريقين: فبينما تجد أولئك الأقدمين، زائغين كانوا أم ملحدين، فقد كانوا على علم ودراية واطلاع! وأما هؤلاء المعاصرون،فلا تجد فيهم إلا الجهل والجرأة وامتضاغ ألفاظ لا يحسنونها يقلدون، ثم يتعالون على كل من حاول وضعهم على الطريق القويم ، وقد اتخذوا للوصول إلى هذه الغاية أساليب متعددة من أبرزها :
أ- إتهام كبار نقله الدين والسنه وحفاظها بأنهم كفّارا ! فيزعمون ان هذا ما خرجته مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا معتقد صّرحت به رواياتهم المعتبرة .
قال علامتهم التستري في كتابه المزعوم " إحقاق الحق !! ما نصه :"
-1-(1/1)
كما جاء موسى للهداية وهدى خلقاً كثيراً من بني اسرائيل وغيرهم فارتدوا في أيام حياته ولم يبقي فيهم أحد على إيمانه سوى هارون ، كذلك جاء محمد وهدى خلقاً كثيراً ، ولكنهم بعد وفاته ارتدوا على أعقابهم .... انتهى كلامه.
وأقول: لله در القائل :
... لا تركن إلى الروافض أنهم ... شتموا الصحابة دون ما برهان
... لعنوا كما بغضوا صحابة أحمد ... وودادهم فرض على الانسان
... حب الصحابة والقرابة سنة ألقى بها ربي اذا أحياني
... إحذر عقاب الله وارج ثوابه حتى تكون كمن له قلبان
وهذا هو ما يريدون، فإذا فرغوا من أبي هريرة- رضي الله عنه - تحولوا إلى غيره من صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ونقلة سنته إلى الأمة الإسلامية . وهذا هو هدفهم الحقيقي .
فقد إتهموا كبار نقلتها، وأئمة حفّاظها بأنهم كفّار !! هذا ما خرّجته مدرسة محمد- صلى الله عليه وسلم - حسب عقيدتهم ، وهذا معتقد صرّحت به رواياتهم المعتبرة .
ومن أساليبهم المتعددة :(1/2)
ب- قولهم أنه لا يجوز أخذ حديث رسول الله إلا عن طريق أهل البيت ،ويقصدون بأهل البيت أئمتهم الإثنى عشر (1)
__________
(1) وهذا الذي ذهبوا إليه باطل لأن في القرآن شواهد كثيرة على أن " أهل البيت"هم الأزواج! فقد وردت لفظة " أهل البيت" مرتين في القرآن وذلك في سورتي هود والأحزاب ، ووردت مرة واحدة بلفظة " أهل بيت" أي نكره مجردة عن أل التعريف ووردت عدة مرات بلفظة (أهل ) ..وما تهمنا هنا اللفظة الأولى فقد قال تعالى في قصة خليل الله إبراهيم - عليه السلام - لما جاءت رسل الله إبراهيم بالبشرى قال تعالى: { قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِاللهِ رحمة الله وَ بَرَكَتُهُ عَلَْيكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنُّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } [هود /69-73] ، فاستعمل هنا { عَلَْيكُمْ } لاقترانه بلفظ "أهل" والمخاطب بهذه الآية بالإجماع هي سارة زوجة إبراهيم ، وهذا دليل على أن زوجة الرجل من أهل البيت ، والشواهد على ذلك كثيرة ، وكلها تقتضي دخول زوجات الرجل في آله لا
2
العكس كما يذهب إليه القوم يإخراجهم الزوجة من أن تكون من " أهل البيت " ، ولكن القوم
لكي يثبتوا صدق دعواهم ، ادعوا أن في الآية تحريفاً !!كما هو قول جمهورهم في القرآن الكريم، قال فخرهم المجلسي:( لعل آية التطهير وضعوها في موضع زعموا إنها تناسبه، أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية ، وقد ظهر من الأخبار!! عدم ارتباطها بقصتهن، فالاعتماد في هذا الباب على النظم والترتيب ظاهر البطلان، ولو سلم عدم التغيير في الترتيب فنقول: سيأتي أخبار مستفيضة بأنه سقط من القرآن آيات كثيرة فلعلة سقط مما قبل الآية وما بعدها آيات لو ثبت لم يفد الربط الظاهري بينها. انظر البحار، 35/234،محجة العلماء، 163، فصل الخطاب320 ، الحدائق الناضرة، 2/290 . وقال الطباطبائي في " تفسير الميزان "ما نصه:( فالآية لم تكن بحسب النزول جزء من آيات نساء النبي ولا متصلة بها وإنما وضعت بينها أما بأمر من النبي أو عند التأليف بعد الرحلة ) انظر تفسير الميزان 16/ 312 .(1/3)
.
قال شيخهم كاشف الغطا في كتابه ( أصل الشيعة ) ( ص79 ) : ( إن الإمامية لا يعتبرون من السنة إلا ما صحّ لهم من طرق أهل البيت عن جدهم يعني ما رواه الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه زين العابدين عن الحسين السبط عن أبيه أمير المؤمنين عن رسول الله ، أمّا ما يرويه مثل أبي هريرة وسمرة بن جندب و مروان ابن الحكم وعمران بن حطان الخارجي وعمرو بن العاص ونظائرهم فليس عند الإمامية من الإعتبار مقدار بعوضة ) .
لذلك ألف أحدهم، وتطلق طائفته عليه " آية الله العظمى !!" عبد الحسين شرف الدين الموسوي الذي امتلأ قلبه بالحقد الأسود، ألف كتاباً في الطعن في أبي هريرة- رضي الله عنه - (1)، أتى بأكاذيب و أباطيل وأراجيف، ومطاعن لتشويه سمعة هذا الصحابي الجليل- رضي الله عنه -، استسقى كتابين " أبو هريرة شيخ المضيرة للمدعو "محمد أبو رية" فسار على نهجه بل فاق استاذه وأكثر في مجانبة الصواب، ثم ما لبث أن طبع كتابه مرة أخرى ، لأن اليهود والشيعة اشتروا نسخه الأولى ووزعوها (2)، وهذا بعض التعويض لصاحبه .
وأما المؤلف الآخر فيدعى"محمد السماوي التيجاني" أحد رموز الباطنية والصوفية، فلو علم القاري الكريم كل ما سطرته أنامل هؤلاء ضد الأمة لذهبت نفسه حسرات من أجل ما نزل بساحة الأمة المحمدية مما تنفثه أقلام علماء السوء من المسموم والنفاق، هؤلاء هم دعاة الفرقة والانقسام الذين فرقوا صفوف الأمة وقصموا عرى اعتصامها ووحدتها واتحادها حتى أصبحت فرقاً وشيعا وأمست طعمة لكل طامع ومستعمر .
__________
(1) ثم هذا الرجل ما لبث أن قام بتأليف كتاب آخر في الطعن والحط علىالخلفاء الثلاثة واسمه " النص والاجتهاد " .
3
(2) انظر ما حدث للعلامة السباعي مع عبد الحسين وما قاله عن كتاب أبي رية من أنه لم يحصل على نسخة منه .
4(1/4)
لذلك رأيت من واجبي أن أرد تلك الشبهات التي أثاروها هؤلاء ، وما أتوا من أباطيل وتلفيقات، وأتناول خلال ذلك بعض النقاط التي اشترك فيها هؤلاء جميعاً ، مبيناً وجه الحق بالأدلة والبراهين ، معتمدًا على الله طالباً منه التوفيق والسداد .سوسو
والخلاصة: أن الغرض كما قلت ليس الطعن في أبي هريرة - رضي الله عنه -، بل أن هذا مقدمة وتوطئة لهدم الإسلام ، فإن هؤلاء المخذولون لما أرادوا رد هذه الشريعة المطهرة ومخالفتها ، طعنوا في أعراض الحاملين لها ، الذين لا طريق لنا إليها إلا من طريقهم ،
واستخفوا باهل الركيكة بهذه الذريعة الملعونة والوسيلة الشيطانية ، فهم يظهرون السب واللعن لخير الخليقة ، ويضمرون العناد للشريعة ، وليس في الكبائر ولا في معاصي العباد أشنع ولا أخنع ولا أبشع من هذه الوسيلة !لم يقفوا من أبي هرير- رضي الله عنه - وحده ذلك الموقف بل وقفوا من صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - جميعاً إلا نفراً قليلا كما سبق
وسيأتي - موقف العداء والبغض والذم حتى وصل الأمر بهم إلى تكفير جمهور الصحابة- رضي الله عنهم - وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -. إن من حق أبي هريرة - رضي الله عنه - عنه في أعناق المسلمين ، أن ينهض فيهم من يرد هذا الكيد عنه ويدفع هذا الافتراء والبهتان عن سيرته ، لأن في هذا الدفع وذلك الرد دفاعاً عن سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وحماية لها من طعون المبطلين والمفسدين .
وإني لأرجو أن يكون في هذه الصفحات التي كتبتها في رد هذه الشبهات عن هذا الصحابي الجليل - رضي الله عنه - ما يساعد على محق باطل أعداء أبي هريرة - رضي الله عنه - وكشف عوراتهم وسوآتهم وكذبهم ، { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ ، وَ يَحْيَ مَنْ حَيَّ عَن بَيّنَةٍ } [الأنفال 42]، ولاسيما أن أهل الأهواء والبدع لم يأتوا بشيء جديد سوى إنهم نفخوا في هذه الطعون وزادوا فيها مازينه لهم هواهم أن يزيدوا .(1/5)
لذلك اقدمت على كتابة هذا البحث المتواضع نصحاً لله ولرسوله ولدينه ولأئمه المسلمين وعامتهم وذبا عن الحق وكشفا الأفتراءات المبطلين وإنتحالات المنتحلين ودفاعاً عن الذين أمنوا وقد جعلته في بابين :
الباب الأول : وفيه فصلان :
الفصل الأول: تناولت فيه حياة أبي هريرة - رضي الله عنه - في مختلف مظاهرها، الخاصة والعامة.
الفصل الثاني :حياة أبي هريرة- رضي الله عنه - العلمية ، بينت فيه نشاط أبي هريرة- رضي الله عنه - العلمي ، وطرق تحمله الحديث ونشر السنة ، ومنزلته العلمية وثناء الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -والصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - عليه .
الباب الثاني: وفيه ثلاثة فصول .
الفصل الأول : عرضت ما أثاره عبد الحسين شرف الدين الموسوي من طعون في شخصية أبي هريرة وشبهات حول أحاديثه ، وناقشتها وبينت وجه الحق فيها .
الفصل الثاني : عرضت ما أثارها أبو رية من طعون وشبهات في أبي هريرة .
الفصل الثالث : عرضت ما أثارها التيجاني من شبهات حول السنة النبوية .
5
واسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد وأن يوفقنا لما يحبه ويرضى، وأشكر كل
من قام بمساعدتي في تخريج ومراجعة كتابي هذا، و آخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين وصلّى الله على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه الميامين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
... ... ... ... ... ... ... ...
...
... ... ... ... ... ... ... ... المؤلف
- - - - - -
6
الباب الأول
الفصل الأول
اسمه وكنيته :(1/6)
أبوهريرة هو عبد الرحمن بن صخر من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم ابن دوس اليماني ، فهو دوسي نسبة إلى دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران ابن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر وهو سنوءة ابن الأزد ، والأزد من أعظم قبائل العرب وأشهرها ، تنسب إلى الأزد ابن الغوث بن نبت بن مالك بن كهلان من العرب القحطانية (1).الراجح عند العلماء أن اسمه في الجاهلية : عبد شمس .
__________
(1) انظر جمهرة أنساب العرب ص358و360و361 والاستيعاب 4/1768 وتاريخ ابن خلدون 2/253 ونهاية الإرب ص91و253 ومعجم قبائل العرب القديمة والحديثة 1/394 .(1/7)
فلما أسلم سماه رسول الله- صلى الله عليه وسلم - " عبد الرحمن " ، لأنه لايجوز تسمية إنسان بأنه عبد فلان أو عبد شيء من الأشياء ، وإنما هو عبد الله فقط ، فيسمى باسم عبد الله أو عبد الرحمن وهكذا ، وعبد الرحمن هو الذي يسكن إليه القلب (1)
__________
(1) المستدرك 3/507 ، ومن المفارقات العجيبة أن الذي رد على أبي هريرة تسمى باسم لا يجوز لسببين: أولاً: شرعاً لا يجوز تسمية إنسان بأنه عبد فلان ، وإنما هو عبد الله فقط ، فيسمى باسم عبد الله أو عبد الرحمن ، وهذا مما نص عليه أئمة القوم ، فقد جاء في أصح كتاب من كتبهم المقطوع بصحتها وهو الكافي وهو أقدمها و أعظمها و أحسنها و اتقنها كما يقول عبد الحسين جاء ت عدّة روايات في أن أفضل الأسماء ما سمي بالعبودية : روى الكليني إسناده عن فلان بن حميد أنه سأل أبا عبدالله(ع) شاوره في اسم ولده ، فقال: سمه بأسماء من العبودية ، فقال: أي الأسماء هو ؟ فقال: عبد الرحمن. وروى الكليني ، عن أبي جعفر(ع) قال: أصدق الأسماء ما سمّي بالعبودية وأفضلها أسماء الأنبياء . قال المجلسي في تعليقه على هذه الرواية ما نصه:( قوله (ع) "بالعبودية " أي بالعبودية لله ، لا كعبد النبي وعبد العلي وأشباهها. وروي مثله من طريق المخالفين " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أحب أسمائكم إلى الله عبدالله وعبدالرحمن واعلم أن أصحابنا اختلفوا
7
في أن أسماء العبودية أفضل من أسماء الأنبياء والأئمة أو بالعكس ؟ فذهب المحقق في الشرايع إلى الأول ، حيث قال : " ثم يسميه أحد الأسماء المستحسنة ، وأفضلها ما يتضمن العبودية لله تعالى ويليها أسماء الأنبياء والأئمة (ع) " و تبعه العلامة في كتبه ، ولم نقف على مستندهما ، ولادلالة في هذا الخبرعليه ، لأن الاسم أصدق من غيره لا يقتضي كونه أفضل منه ، خصوصا مع التصريح بكون أسماء الأنبياء أفضل من متن هذا الخبر فانه يدل على الصدق غير الفضيلة ، وبمضمون الخبر عبّر الشهيد في اللمعة ، وذهب ابن ادريس إلى أن الأفضل أسماء الأنبياء والأئمة (ع) وأفضلها اسم نبينا وبعد ذلك العبودية لله تعالى ، وتبعه الشهيد الثاني وهو الأظهر ) . انظر مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 21/31 .
ثانياً : مخالفة هذه الأسماء المبتدعة لأئمة أهل البيت ، فأهل البيت كانوا يسمون أولادهم بأسماء الخلفاء الثلاثة ، فقد سمى علي أبناءه أحد ابنائه بأبي بكر، وآخر بعمر ، وثالث بعثمان وسمّى أحد أولاده أيضاً بعبد الرحمن ، وكذلك كان شأن ابنه الحسن ، حيث سمى أحد ابنائه بأبي بكر واثنين آخرين بعمر، وكذلك الحسين ، سمى أحد أبنائه بأبي بكر ،وآخر بعمر ،وكذلك كان موقف ابنه زين العابدين ، حيث سمى احد أولاده باسم عمر وآخر بعثمان ، أما هو فقد أحب أن يكني بأبي بكر ، وكذا حال الكاظم فسمى أحد أبنائه بأبي بكر، وآخر بعمر ، وكان ابنه الرضا يكنى بأبي بكر ، فهذه أسماء أولاد أئمة أهل البيت ، لا يوجد فيهم عبد علي ولا عبد الحسن أو عبد الحسين !!! ، فكيف يجوز أن يتسمى المسلم بأسماء الجاهلية !! ، والنبي- صلى الله عليه وسلم - كان يغّير أسماء الجاهلية كعبد شمس ، بل القرآن لم يذكر اسم عم النبي بل ذكر كنيته فقال تعالى:
{ تَبَّتْ يَدَآ أَبىِ لَهَبْ } لأن اسمه كان عبد العزى !!(1/8)
.
اشتهر أبوهريرة بكنيته ، وبها عرف حتى غلبت على اسمه فكاد ينسى .
أخرج الحاكم عن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال : إنما كنّوني بأبي هريرة لأني كنت أرعى غنما لأهلي ، فوجدت أولاد هرة وحشية ، فجعلتها في كمي ، فلما رجعت إليهم سمعوا أصوات الهر من حجري ، فقالوا: ما هذا يا عبد شمس ؟ فقلت : أولاد هرة وجدتها ، قالوا : فأنت أبوهريرة ، فلزمني بعد (1).
وأخرج الترمذي عنه قال: كنت أرعى غنم أهلي، فكانت لي هريرة صغيرة ، فكنت أضعها بالليل في الشجرة ، فإذا كان النهار ذهبت بها معي فلعبت بها فكنوني بأبي هريرة(2)
لكن يقول أبو هريرة- رضي الله عنه - :" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوني : أبا هرٍ ، ويدعوني الناس: أبا هريرة " (3) .
ولذلك يقول: " لأن تكنونني بالذكر أحب إلي من أن تكنونني بالأنثى" (4) .
اسلامه وصحبته:
المشهور أنه أسلم سنة سبع من الهجرة بين الحديبية وخيبر وكان عمره حينذاك نحواً من ثلاثين سنة ، ثم قدم المدينة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، حين رجوعه من خيبر وسكن ( الصّفة) ولازم الرسول ملازمة تامة ، يدور معه حيثما دار ، ويأكل عنده في غالب الأحيان إلى أن توفي عليه الصلاة والسلام (5) .
حفظه وقوة ذاكرته :
__________
(1) المستدرك 3/506 بسند صحيح أقره الذهبي في مختصر المستدرك .
8
(2) الترمذي وقال بأنه حسن .
(3) المستدرك 3/506 بسند صحيح أقره الذهبي .
(4) المستدرك 3 / 507 .
(5) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي لمصطفى السباعي .
9(1/9)
كان من أثر ملازمة أبي هريرة- رضي الله عنه - للرسول - صلى الله عليه وسلم - ملازمة تامة ، أن اطلع على ما لم يطلع عليه غيره من أقوال الرسول وأعماله ، ولقد كان سيء الحفظ حين أسلم ، فشكا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له : افتح كساءك فبسطه، ثم قال له : ضمه إلى صدرك فضمه ، فما نسي حديثاً بعده قط .هذه القصة - قصة بسط الثوب - أخرجها أئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأحمد ، والنسائي ، وأبي يعلى،وأبي نعيم .
الفصل الثاني
ثناء الله تعالى والرسول- صلى الله عليه وسلم - والصحابة والتابعين- رضي الله عنهم - وأهل العلم عليه :
أكرم الله تعالى الصحابة - رضي الله عنهم - بآيات كثيرة تثبت لهم الفضل والعدالة ، منها ما نزل في صحابي واحد أو في أصحاب مشهد معين مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،كرضوانه عن الذين بايعوا تحت الشجرة في الحديبية ، ومنها ما نزل فيهم عامة ودخل تحت ظلها كل صحابي ، وكذلك أكرم الرسول- صلى الله عليه وسلم - أصحابه - رضي الله عنهم - بمثل ذلك من الاستغفار وإعلان الفضل والعدالة لبعضهم أو لطبقة منهم أو لهم عامة .
فمن الآيات العامة الشاملة قوله - عز وجل - :{ مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [ الفتح /29] ، ومن آخر الآيات نزولاً قوله { لَقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهٌ فِىِ سَاعَةِ العُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُو بِهَمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [التوبة/117] .(1/10)
فأبو هريرة واحد من الصحابة - رضي الله عنهم - ينال أجر الصحبة المطلقة ، ويكسب العدالة التي لحقت بهم جميعاً وأثبتتها آيات القرآن الكريم السابقة . وهو ينال شرف دعوة النبي- صلى الله عليه وسلم - وينال أجر الهجرة إلى الله ورسوله ، إذ كانت هجرته قبل الفتح وشرف دعوة النبي- صلى الله عليه وسلم - له، وأجر الجهاد تحت راية رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وأجر حفظ حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وتبليغه .
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - :والذي نفس محمد بيده ، لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي ، لما رأيت من حرصك على العلم (1) .
وفي رواية قال : لقد ظننت لايسألني عن هذا الحديث أحد أول منك ،لما رأيت من حرصك على الحديث (2) .
وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: أبوهريرة وعاء من العلم(3)
قال زيد بن ثابت : فقلنا : يارسول الله، ونحن نسأل الله علما لاينسى فقال: سبقكم بها الغلام الدوسي (4).
جاء رجل إلى ابن عباس- رضي الله عنه - في مسألة ، فقال ابن عباس لأبي هريرة - رضي الله عنه -: أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة (5) .
قال الشافعي : أبو هريرة - رضي الله عنه - أحفظ من روى الحديث في دهره (6).
وقال البخاري : روى عنه نحو ثمانمائة من أهل العلم ، وكان أحفظ من روى الحديث في عصره (7).
__________
(1) مسند أحمد 15/208 .
10
(2) فتح الباري 1/203 ، وسير أعلام النبلاء 2/430 .
(3) سير أعلام النبلاء 2/ 430 .
(4) فتح الباري 1/226 ، وسير اعلام النبلاء 2/432 وحلية الأولياء 1/381 .
(5) سير أعلام النبلاء 2/437 .
(6) الرسالة ص281 ، سير أعلام النبلاء 2/432 .
(7) تهذيب التهذيب 12/265 ، البداية والنهاية 8/103 .(1/11)
وقال الذهبي : الإمام الفقيه المجتهد الحافظ ، صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، أبو هريرة- رضي الله عنه - الدوسي اليماني ، سيد الحفاظ الأثبات (1).
وقال في موضع آخر : أبو هريرة - رضي الله عنه - إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول- صلى الله عليه وسلم - وأدائه بحروفه (2) .
وقال أيضاً: كان أبو هريرة - رضي الله عنه - وثيق الحفظ ، ما علمنا أنه أخطأ في حديث (3).
وقال أيضاً : هو رأس في القرآن ، وفي السنة ، وفي الفقه (4).
وقال : أين مثل أبي هريرة - رضي الله عنه - في حفظه وسعة علمه (5).
الصحابة الذين روى عنه :
روى عن كثير من الصحابة منهم : أبو بكر ، وعمر ، والفضل بن العباس ، وأبي ابن كعب ، وأسامة بن زيد ، وعائشة - رضي الله عنهم - .
وأما الصحابة الذين رووا عنه : منهم ابن عباس ، وابن عمر ، وأنس بن مالك ، وواثلة بن الأسقع ، وجابر بن عبدالله الأنصاري وأبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنهم -.
التابعون الذين رووا عنه :
ومن التابعين سعيد بن المسيب وكان زوج ابنته، وعبدالله بن ثعلبة ، وعروة ابن الزبير، وقبيصة بن ذؤيب، وسلمان الأغر، وسليمان بن يسار، وعراك بن مالك ، وسالم بن عبدالله بن عمر، وأبو سلمة وحميد ابنا عبدالرحمن بن عوف، ومحمد بن سيرين ، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار- رضي الله عنهم - وكثيرون جداً بلغوا كما قال البخاري : ثمانمائة من أهل العلم والفقه .
عدة ما روي عنه من الحديث :
أخرج أحاديثه جمع من الحفاظ من أصحاب المسانيد ، والصحاح ، والسنن ، والمعاجم ، والمصنفات ، وما من كتاب معتمد في الحديث ، إلا فيه أحاديث عن الصحابي الجليل أبى هريرة - رضي الله عنه - .
__________
(1) سير أعلام النبلاء2/417 .
(2) سير أعلام النبلاء 2/445 .
11
(3) المصدر السابق ص446 .
(4) المصدر السابق ص449 .
(5) المصدر السابق ص438 .
12(1/12)
وتتناول أحاديثه معظم أبواب الفقه: في العقائد ، والعبادات ، والمعاملات ، والجهاد ، والسير، والمناقب، والتفسير، والطلاق، والنكاح، والأدب، والدعوات ، والرقاق ، والذكر والتسبيح .. وغير ذلك .
روى له الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ( 3848 ) حديثاً وفيها مكرّر كثير باللفظ والمعنى ، ويصفو له بعد حذف المكرّر خير كثير .
وروى له الإمام بقى بن مخلد ( 201 - 276 هـ ) في مسنده ( 5374 ) خمسة آلاف حديث ، وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثاً .
وروى له أصحاب الكتب الستة والإمام مالك في موطئه( 2218 ) ألفي حديث، ومائتين وثمانية عشر حديثاً مما اتفقوا عليه وانفردوا به (3) ، له في الصحيحين منها (609) ستمائة وتسعة أحاديث ، اتفق الشيخان : الإمام البخاري ، والإمام مسلم عن (326) ثلاثمائة وستة وعشرين حديثاً منها، وانفرد الإمام البخاري بـ( 93) بثلاثة وتسعين حديثاً، ومسلم بـ(190) بتسعين ومائة حديث (1) .
أصح الطرق عن أبي هريرة :
أصح أسانيد أبي هريرة في رأي البخاري ماروي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة (2).
وأصح حديث ابي هريرة في رأي الإمام أحمد مارواه محمد بن سيرين ثم مارواه سعيد بن المسيب .
أما عند الإمام علي بن المديني فهم ستة : ابن المسيب ، وأبوسلمة ، والأعرج، وأبو صالح ، وابن سيرين ، وطاوس (3).
وهم ستة أيضاً عند ابن معين: قال أبوداود : سألت ابن معين: من كان الثبت في أبي هريرة ؟ فقال: ابن المسيب وأبوصالح ، وابن سيرين ، والمقبري ، والأعرج ، وأبو رافع (4) ، وأربعة منهم وافق ابن المديني عليهم ، واستثنى أبا سلمة وطاوس ، وأبدلهما بالمقبري وابي رافع .
__________
(1) انظر الرياض المستطابة ص 70 ، وشذرات الذهب 1/63 .
(2) التهذيب 5/204 ، ميزان الاعتدال 2/36 .
13
(3) التهذيب 9/215 .
(4) التهذيب 3/220 .(1/13)
وقد أحصى أحمد محمد شاكر ، وذكر أصح أسانيد أبي هريرة ومجموع من ذكرهم ستة : مالك وابن عيينة ومعمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عنه ، ومالك عن أبي الزناد عن الأعرج عنه، وحماد بن زيد عن ايوب عن محمد بن سيرين عنه، ومعمر عن همام بن منبه عنه ، ويحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه واسماعيل ابن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عنه (1).
كثرة حديثه وأسبابها :
كان أبو هريرة - رضي الله عنه - يبين أسباب كثرة حديثه فيقول : إنكم لتقولون أكثر أبوهريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم -، والله الموعد ، ويقولون : ما للمهاجرين لا يحدثون عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - هذه الأحاديث ، وإن أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم أرضوهم والقيام عليها ، وإني كنت امرءاً مسكيناً :" ألزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - على ملء بطني " وكنت أكثر مجالسة رسول الله، أحضر إذا غابوا ، وأحفظ إذا نسوا ، وإن النبي- صلى الله عليه وسلم - حدثنا يوماً فقال: " من يبسط ثوبه حتى أفرغ فيه من حديثي ، ثم يقبضه إليه فلا ينسى شيئاً سمعه مني أبداً " فبسطت ثوبي - أو قال نمرتي - فحدثني ثم قبضته إلىّ ، فوالله ما كنت نسيت شيئاً سمعته منه .
وكان يقول: وأيم الله.. لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبداً، ثم يتلوا: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّهُ لِلنَّاسِ فىِ الْكِتَبِ أُوْلئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّعِنُونَ }. وكان يدعو الناس إلى نشر العلم، وعدم الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، من ذلك ما يرويه عن النبي- صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: " من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة " وعنه أيضاً : " ومن كذب علىّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" متفق عليه .
__________
(1) انظر مسند أحمد 1/149-150 .
14(1/14)
وقد شهد له إخوانه أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بكثرة سماعه وأخذه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، وهذه الشهادات تدفع كل ريب أو ظن حول كثرة حديثه ، حتى إن بعض الصحابة y رووا عنه لأنه سمع من النبي الكريم ولم يسمعوا ، ومن هذا أن رجلا جاء إلى طلحة ابن عبيد الله، فقال: يا أبا محمد، أرأيت هذا اليماني- يعني أبا هريرة - أهو أعلم بحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - منكم ؟ نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم ، أم هو يقول عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل ؟ قال : أما أن يكون سمع ما لم نسمع ، فلا أشك ، سأحدثك عن ذلك : إنا كنا أهل بيوتات وغنم وعمل ، كنا نأتي رسول الله- صلى الله عليه وسلم - طرفى النهار ، وكان مسكيناً ضيفاً على باب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يده مع يده ، فلا نشك أنه سمع ما لم نسمع ، ولا تجد أحداً فيه خير يقول عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -ما لم يقل وقال في رواية : " قد سمعنا كما سمع ، ولكنه حفظ ونسينا " .
وروى أشعث بن سليم عن أبيه قال : سمعت أبا أيوب " الأنصاري " يحدّث عن أبي هريرة فقيل له : أنت صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم -وتحدّث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ؟ فقال: إن أبا هريرة قد سمع ما لم نسمع ، وإني أن أحدث عنه أحبّ إليّ من أن أحدث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -- يعني ما لم أسمعه منه .
ثم إن جرأة أبى هريرة - رضي الله عنه - في سؤال الرسول- صلى الله عليه وسلم - أتاحت له أن يعرف كثيراً مما لم يعرفه أصحابه ، فكان لا يتأخر عن أن يسأله عن كل ما يعرض له، حيث كان غيره
15
لا يفعل ذلك ، قال أٌبي بن كعب : كان أبو هريرة - رضي الله عنه - جريئاً على النبي- صلى الله عليه وسلم - يسأله عن أشياء لا نسأله عنها .(1/15)
كما كان يسأل الصحابة الذين سبقوه إلى الإسلام ، فكان لا يتأخر عن طلب العلم ، بل كان يسعى إليه في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم -، وبعد وفاته .
وهو الذي يروى عنه : " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" .
وقد رأينا أبا هريرة - رضي الله عنه - يحب الخير ويعمل من أجله ، فما أظنه يتأخر عن خير من هذا النوع، وهو الذي صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لكلمة يعلمه إياها، ولحكمة يعظه بها (1)
مرضه ووفاته :
لما حضرته المنية- رضي الله عنه - قال: لاتضربوا علي فسطاطاً ، ولاتتبعوني بنار وأسرعوا بي إسراعاً ، فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا وضع الرجل الصالح - أو المؤمن - على سريره قال: قدموني، وإذا وضع الرجل الكافر - أو الفاجر - على سريره ، قال ياويلي أين تذهبون بي ؟ وكانت وفاته في السنة التي توفيت فيها عائشة أم المؤمنين عام (58 هـ) .
- - - - - -
الرد على الشبهات التي أثارها أهل البدع والمخالفين حول أبي هريرة ورواياته:
ذلكم أبو هريرة - رضي الله عنه - الذي عرفناه قبل إسلامه وبعد إسلامه ، عرفناه في هجرته وصحبته للرسول الكريم ، فكان الصاحب الأمين والطالب المجد ، يدور مع الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في حلّه وترحاله ، ويشاركه أفراحه وأحزانه،وعرفنا التزامه للسنة المطهرة، وتقواه وورعه ، في شبابه وهرمه ...وعرفنا مكانته العلمية ، وكثرة حديثه ، وقوة حافظته ، ورأينا منزلته بين أصحابه ، وثناء العلماء عليه .
__________
(1) أبوهريرة راوية الاسلام للعجاج ص117-121 .
16(1/16)
ذلكم أبو هريرة- رضي الله عنه - الذي صوّره لنا التاريخ من خلال البحث الدقيق ، إلا أن بعض الحاقدين الموتورين لم يسرهم أن يروا أبا هريرة - رضي الله عنه -في هذه المكانة السامية ، والمنزلة الرفيعة ، فدفعتهم ميولهم وأهواؤهم إلى أن يصوّروه صورة تخالف الحقيقة التي عرفناها ، فرأوا في صحبته للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، غايات خاصة ليشبع بطنه ويروي نهمه ، وصوروا أمانته خيانة ، وكرمه رياء ، وحفظه تدجيل ،وحديثه الطيب الكثير كذباً على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وبهتاناً ، ورأوا في فقره مطعناً وعاراً ، وفي تواضعه ذلاً ، وفي مرحه هذراً ، وصوروا أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر لونًا من المؤامرات لخداع العامة، ورأوا في اعتزاله الفتن تحزباً ، وفي قوله الحق انحيازاً ، فهو صنيعة الأمويين و أداتهم الداعية لمآربهم السياسية ، فكان لذلك من الكاذابين الواضاعين للأحاديث على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - افتراء وزورا !! .
وفيما يلي ذكر الأباطيل والافتراءات والشبهات التي أوردُوها ، ولنبدأ بالشبهات التي أثارها "عبد الحسين" في كتابه ( أبو هريرة ) مع أجوبتها .
17
الفصل الأوّل
"مع عبد الحسين شرف الدين الموسوي "
قال في مقدمة كتابه " أبو هريرة " (ص5) ما نصه:( هذه دراسة لحياة صحابي روى عن رسول الله فأكثر حتى أفرط و روت عنه صحاح الجمهور و سائر مسانيدهم فأكثرت حتى أفرطت أيضاً ، ولا يسعنا إزاء هذه الكثرة المزدوجة إلا أن نبحث عن مصدرها لإتصالها بحياتنا الدينية والعقلية اتصالا مباشرًا ولولا ذلك لتجاوزناها و تجاوزنا مصدرها إلى ما يغنينا عن تجشم النظر فيها وفيه .(1/17)
ولكن اسلات هذه الكثرة قد استفاضت في فروع الدين وأصوله فاحتج بها فقهاء الجمهور ومتكلموهم في كثير من أحكام الله عز وجل وشرائعه ملقين إليها سلاح النظر والتفكير ولا عجب منهم في ذلك بعد بنائهم على إصالة العدالة في الصحابة أجمعين ، وحيث لا دليل على هذا الأصل كما هو مبين في محله بإيضاح لم يكن لنا بد من البحث عن هذا المكثر نفسه وعن حديثه كما وكيفا لنكون على بصيرة فيما يتعلق من حديثه بأحكام الله فروعاً وأصولاً وهذا ما اضطرنا الى هذه الدراسة الممعنة في حياة هذا الصحابي ( وهو أبو هريرة ) وفي نواحي حديثه وقد بالغت في الفحص وأغرقت في التنقيب حتى أسفر وجه الحق في كتابي هذا وظهر فيه صبح اليقين .
أما أبو هريرة نفسه فنحيلك الآن في تاريخ حياته وتحليل نفسيته على ما ستقف عليه في الكتاب، إذ مثلناه بكنهه وحقيقته من جميع نواحيه تمثيلا تاما تدركه بحواسك كلها .
وأما حديثه فقد أمعنا النظر فيه كما وكيفا فلم يسعنا -شهد الله - إلا الانكار عليه في كل منها. وأي ذي روية متجرد متحرر يطمئن إلى هذه الكثرة لا يعد لها المجموع من كل ما حدث به الخلفاء الأربعة وأمهات المؤمنين التسع والهاشميون والهاشميات كافة . وكيف تسنى لأمي ( تأخر اسلامه فقلت صحبته أن يعي عن رسول الله(ص) ما لم يعه السابقون الأولون من الخاصة وأولي القربى . ونحن حين نحكم الذوق
18
الفني والمقياس العلمي نجدهما لا يقران كثيراً مما رواه هذا المفرط في اكثاره وعجائبه
فالسنة أرفع من أن تحتضن أعشاباً شائكة وخز بها أبو هريرة ضمائر الأذواق الفنية، وأدمى بها تفكير المقاييس العلمية ان يشوه بها السنة المنزهة ويسيء الى النبي وأمته (ص).... .(1/18)
والحق أن الصحبة بما هي فضيلة جليلة ، لكنها غير عاصمة ، والصحابة فيهم العدول وفيهم الأولياء والأصفياء والصديقون وهم علماؤهم وعظماؤهم وفيهم مجهول الحال، وفيهم المنافقون من أهل الجرائم والعظائم، والكتاب الحكيم يذكر ذلك بصراحة ومن أهل المدينة (1) مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم .
فعدولهم حجة ومجهول الحال نتبين أمره ، وأهل الجرائم لا وزن لهم ولا لحديثهم هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم والكتاب والسنة بنيا على هذا الرأي فالوضّاعون لا نعفيهم من الجرح وإن اطلق عليهم لفظ الصحابة ، لأن في اعفائهم خيانة لله عز وجل ولرسوله ولعباده ، ونحن في غنى بالعلماء والعظماء ، والصديقين ، والصالحين ، من أصحابه (ص) ومن عترته التي أنزلها منزلة الكتاب وجعلها قدوة لأولي الألباب .
وعلى هذا فقد اتفقنا في النتيجة وإن قضى الالتواء في المقدمات شيئاً من الخلاف، فإن الجمهور إنما يعفون أبا هريرة،وسمرة بن جندب،والمغيرة ، ومعاوية ، وابن العاص، ومروان، وأمثالهم تقديساً لرسول الله لكونهم في زمرة من صحبه(ص) ونحن إنما ننتقدهم تقديساً لرسول الله ولسنته (ص)شأن الأحرار في عقولهم ممن فهم الحقيقة من التقديس والتعظيم .
وبديهي - بعد - أن تكذيب كل من يروي عن رسول الله(ص) شيئاً خارجاً عن طاقة التصديق أولى بتعظيم النبي وتنزيهه وأجرى مع المنطق العلمي الذي يريده (ص) لرواد الشريعة ورواد العلم من أمته ، وقد أنذر (ص) بكثرة الكذابة عليه وتوعدهم بتبوء مقاعدهم من النار فأطلق القول بالوعيد .
__________
(1) فقول الله {ومن أهل المدينة } لا يعني أنهم من الصحابه فالمنافقون منهم من أهل المدينة ومنهم غيرهم ولكن الصحبه والنفاق لا يلتقيان وأما المكان كالمدينة والنفاق فلا مانع بل قد يكون من أهل المدينه ومكة مرده الكفر والطواغيت ، والنصوص في عدالة الصحابة كثيرة في الكتاب والسنة .
19(1/19)
وإني أنشر هذه الدراسة في كتابي هذا - أبو هريرة - مخلصاً للحق في تمحيص السنة وتنزيهها في ذاتها المقدسة وفي نسبتها لقدسي النبي الحكيم العظيم ( وما ينطق عن الهوى).
قلت: قوله بأن أبا هريرة أفرط ، فهذا كذب ، فأي إفراط كان من أبي هريرة وهو الحافظ الذي عرفناه ، والمفتي الذي احتاجت إليه الأمة بعد وفاة رؤوس الصحابة، وبقى أبو هريرة مع من بقى في المدينة مرجعاً للمسلمين في دينهم وشريعتهم ، بعد أن انطلق الصحابة إلى الأقطار الإسلامية يعلمون أهلها ويفقهونهم ، وسنتعرض للرد التفصيلي على دعواه هذه فيما بعد ، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن أبا هريرة لم يكن مفرطاً ، بل كان كغيره من علماء الصحابة ، يستفتى فيفتى ، ويسأل فيجيب ، فلم يكن مفرطاً ، في عهد الخلفاء الراشدين ولا بعدهم ، إنما وثق به القوم، وعرفوا مكانته ، فوضعوه حيث يستحق ، فكم من راحل يقطع المسافات ليرى أبا هريرة ، وكم من مقيم يترك كبار الصحابة ويأتيه في مسألة أو حديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - .
فأبو هريرة لم يكثر من عنده ، إنما وثق الناس بحفظه فحرصوا على أن ينهلوا منه، فما جريرته في ذلك ، وقد شهد بعلمه وحفظه ابن عمر وطلحة بن عبيد الله والزبير وغيرهم ، حتى إنه قال - عندما استكثروا حديثه - : ما ذنبي إذا حفظت ونسوا .
جاء في مصادر القوم ( البحار 18/13) " باب معجزات النبي في استجابة دعائه" نقلا عن الخرائج : أن أبا هريرة قال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - إني أسمع منك الحديث الكثير أنساه ، قال : أبسط رداك قال : فبسطته فوضع يده فيه ثم قال : ضمّه فضممته، فما نسيت كثيرا بعده .(1/20)
فما ذنب أبي هريرة - رضي الله عنه - إذا دعا له رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن يعطيه الله الحفظ ؟!، بل هذا أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ، يزعم أولياء " المؤلف" أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - دعا له أن يعطيه فهماً وحفظاً ، فما نسى آية من كتاب الله !! .
ففي " البحار" (40/139 ) "باب 93 أن النبي- صلى الله عليه وسلم - علّمه ألف باب" !! عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (ع) قال : كنت إذا سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أجابني ، وإن فنيت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار ولا سماء ولا أرض ولا دنيا ولا آخرة ولا جنة ولا نار ولا سهل ولا جبل ولا ضياء ولا ظلمة إلا أقرأنيها وأملاها عليّ ، وكتبت بيدي وعلّمني تأويلها وتفسيرها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها ، وكيف نزلت وأين نزلت وفيمن أنزلت إلى يوم القيامة ، دعا الله لي أن يعطيني فهماّ وحفظاّ ، فما نسيت آية من كتاب الله ، ولا على من أنزلت أملاه عليّ .
فما ذنب علي - رضي الله عنه - إذا دعا له رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن يعطيه الله الحفظ ؟! بل ، ما ذنبه إذا علمه رسول الله- صلى الله عليه وسلم -- حسب ادعاء القوم - ألف باب أو كلمة ؟!
وعن الثمالي عن أبي جعفر قال: قال علي (ع): لقد علّمني رسول الله ألف باب كل باب يفتح ألف باب!! . وفي وراية " علّم رسول الله علياً ألف كلمة كل كلمة تفتح ألف كلمة " (1) .
ونقل محمد مهدي في كتابه " الجامع لرواة وأصحاب الإمام الرضا" (1/244):
" لقول أمير المؤمنين(ع) : اقتربوا اقتربوا وسلوا وسلوا فإن العلم يفيض فيضاً، وجعل يمسح بطنه!! ويقول: ما ملئ طعام ولكن ملأه علم!! ..." .
__________
(1) البحار 40/131 وص133 .
21(1/21)
ونقل النجاشي في رجاله (2/399-400) تحت ترجمة هشام بن محمد بن السائب....، المشهور بالفضل والعلم، وكان يختص بمذهبنا وله الحديث المشهور، قال: اعتللت علّة عظيمة، نسيت علمي، فجلست إلى جعفر بن محمد(ع)، فسقاني العلم في كأس، فعاد إليّ علمي ..
أليس غريباً بعد ذلك أن يستنكر المؤلف كثرة أحاديث أبي هريرة وعلمه؟!!
ثم من العجيب أن يثير هذا في القرن العشرين !! ، فهل يعجب من قوة ذاكرة الإنسان ولاسيما العرب ؟، فقد كان العرب يحفظون أضعاف أضعاف ما حفظه أبو هريرة ؟!!
لقد حفظوا القرآن الكريم والحديث والأشعار ، فماذا يقول المؤلف" الأمين" في هؤلاء ؟ ماذا يقول في حفظ أبي بكر أنساب العرب؟ وعائشة رضي الله عنها شعرهم؟
وماذا يقول هذا الجاهل في حماد الراوية الذي كان أعلم الناس بأيام العرب وأشعارا وأخبارها وأنسابها ولغاتها ؟ وماذا يقول فيه إذا علم أنه روى على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات ، من شعر الجاهلية دون الإسلام؟
ماذا يقول في حفظ الإمام البخاري في الحديث، فقد كان يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح ، وقد صنّف كتابه في ستمائة ألف حديث .
وماذا يقول في حفظ ابن عقدة ، فقد كان يحفظ مائة وعشرين ألف حديث!!
نقل آية الله الكلبايكاني في كتابه ( أنوار الولاية ص 415) " في تحقيق سند الحديث الشريف ":( قال الشيخ الطوسي: سمعت جماعة يحكون عنه أنه قال: أحفظ مائة وعشرين ألف حديثا بأسانيدها !! ، وأذاكر بثلاثة مائة ألف حديث )!! (1) .
إن مشكلة عبد الحسين أنه يدلس في كل صفحة من صفحات كتابه ، فهو يزعم أن أبا هريرة أفرط ، وينسى أو بالأحرى يتناسى أن أئمته الذين يزعمون فيهم العصمة ! ورواتهم ، قد رووا أضعاف ما رواه أبو هريرة ، حتى أفرطوا وأفرطت كتبهم الأربعة أو أصولهم الأربعمائة ! .
__________
(1) وانظر ترجمته في رجال النجاشي 1/240 رقم 231.
22(1/22)
فعلاوة على الباب السابق الذي عقده المجلسي من بحاره والتي استغرق عرض الأحاديث فيه من (ص127 -200) ، علاوة على ذلك ، فقد زعموا لأئمتهم مثل ذلك !
قلت: استمع واقرأ واعجب من مرويات ثقاته وعددها !! .
رواة الشيعة يفرطون :
فهذا عالم الشيعة في الجرح و التعديل أبو العباس النجاشي يروي في رجاله المعروف برجال النجاشي أن الراوي أبان بن تغلب روى عن الإمام جعفر الصادق (30) ألف حديث!! (1)، بل أن هذا المؤلف بنفسه نقل هذا الكلام في كتابه الموضوع على شيخ الأزهر المسمى" بالمراجعات " (2).
قال المؤلف في مراجعاته ما نصه :( فمنهم أبو سعيد أبان بن تغلب رباح الجريري القارىء الفقيه المحدث المفسر الأصولي اللغوي المشهور،كان من أوثق الناس ، لقى الأئمة الثلاثة فروى عنهم علوماً جمة و أحاديث كثيرة ، وحسبك أنه روى عن الصادق خاصة ثلاثين ألف حديث!! كما أخرجه الميرزا محمد في ترجمة أبان من كتاب منتهى المقال بالإسناد إلى أبان بن عثمان عن الصادق(ع)...) (3).
وقال عبد الحسين: ( قال الصادق لأبان بن عثمان: إن أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث!! فاروها عني ) (4).
بل أكثر رواتهم الموثقين يروون أضعاف أضعاف هذا العدد .
محمد بن مسلم بن رباح:
فهذا عمدتهم في الرجال يذكر أحد رواتهم ويُدعى محمد بن مسلم بن رباح فيقول أنه : سأل الباقر عن ثلاثين ألف حديث!! و سأل الصادق عن ستة عشر ألف حديث!! (5) .
جابر بن يزيد الجعفي:
ومن المكثرين المفرطين جابر بن يزيد الجعفي ،كان يجيش في صدره كثرة أحاديث المعصومين حتى يأخذه الجنون، فكان يذهب إلى المقبرة ويدفن أحاديثهم !!
__________
(1) رجال النجاشي 1/78-79 ، وخاتمة وسائل الشيعة 20/116 .
(2) سيأتي ذكر هذا الكتاب وأنه ملفق بأدلة دامغة .
(3) المراجعات لعبد الحسين مراجعة رقم 110ص722 تحقيق حسين الراضي .
23
(4) المراجعات ص723 ، وانظر رجال النجاشي ص9 .
(5) رجال الكشي ص163 ، خاتمة الوسائل 20/ 343 .(1/23)
روى الكشي عن جابر الجعفي قال حدثني أبو جعفر (ع) بسبعين ألف حديث!! لم أحدث بها أحداً قط ولا أحدث بها أحد أبدا ، قال جابر فقلت لأبي جعفر (ع) جعلت فداك أنك قد حملتني وقراً عظيماً بما حدثتني به من سرّكم!! الذي لا أحدث به أحداً!! ، فربما جاش في صدري حتى يأخذني منه الجنون !! قال يا جابر فإذا كان ذلك فاخرج إلى الجبانة فاحفر حفيرة ودل رأسك ثم قل حدثني محمد بن علي بكذا وكذا (1).
وأخرج الكشي بإسناده عن جابر الجعفي قال : رويت خمسين ألف حديث ما سمعه أحد مني (2).
قال الحر العاملي في خاتمة الوسائل ما نصه : " أنه روى سبعين ألف حديث!! عن الباقر وروى مائة وأربعين ألف حديث!! ، والظاهر أنه ما روى أحد بطريق المشافهة عن الأئمة أكثر مما روى جابر (3).
وهؤلاء المكثرون المفرطون من الحديث ذكرهم عبد الحسين بنفسه في كتابه الذي لفقه وسماه " المراجعات " و دافع عنهم و اثنى عليهم . فيا عقلاء من الذي أكثر و أفرط ؟! إي إفراط كان من أبي هريرة - رضي الله عنه - ؟
وأما أن الصحاح وسائر مسانيد الجمهور قد أفرطت فيما روته عنه ، فهذا ظلم وجور ، لا نوافقه عليه ، ولا يقبله إنسان منصف ، ولا يقره عليه عقل راجح ، بل هذا الادعاء كذب مكشوف ، لأن صحاحهم هي التي أفرطت بإعترافه ! .
قال في كتابه الذي لفقه " المراجعات " ما نصه (...وأحسن ما جمع منها الكتب الأربعة التي هي مرجع الإمامية في أصولهم و فروعهم من الصدر الأول إلى هذا الزمان، وهي : الكافي، و التهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها، والكافي أقدمها و أعظمها وأحسنها و أتقنها ، وفيه ستة عشر ألف و مئة وتسعة وتسعون حديثا، وهي أكثر مما اشتملت عليه الصحاح الستة بأجمعها، كما صرح به الشهيد في الذكرى وغير واحد من الأعلام ) (4).
__________
(1) رجال الكشي ص194 .
(2) الكشي ص194 .
24
(3) خاتمة الوسائل 20/151 .
(4) المراجعات رقم 110 ص729 .
25(1/24)
فأنظروا إلى قوله :( وهي أكثر مما اشتملت عليه الصحاح الستة بأجمعها ) !
فيا عقلاء، كتب من التي أكثرت و أفرطت ؟! كتب الحديث عن أهل السنة لم تضم بين دفاتها أي حديث إلا بعد تنقيب وتمحيص .
إن كتب السنة لم تضم بين دفاتها أي حديث إلا بعد بحث وتنقيب وتمحيص ، ومقارنة وتحقيق ، يتناول حياة الراوي وسلوكه وحفظه ، ولا يؤخذ عن إنسان إلا بعد التحقق من عدالته ، فكان النقد يتناول الرجال والمتن ، ولم يكن النقد خارجياً فقط ، بل كانوا يعرضون الرواية على القرآن والسنة ، حتى يتأكدوا من صحة الخبر ، وكان منهم من يجمع الأخبار المتعارضة فيسلك طريق الدراسة والموازنة والتوفيق والترجيح حتى يتبين له وجه الحق والصواب ، فلم تكتب الصحاح إلا على أسس علمية دقيقة ، تتناول السند والمتن على السواء ، وهذا بخلاف كتب القوم ، يقول الاستاذ عبد الله فياض في كتابه الإجازات العلمية عند المسلمين : ( ويبدو أن عملية انتحال الأحاديث من قبل غلاة الشيعة القدامى ودسّها في كتب الشيعة المعتدلين لم تنته بمقتل المغيرة بن سعيد(1) (سنة 119هـ)... بل نجد إشارة للعملية نفسها تعود إلى مطلع القرن الثالث الهجري ولعل ذلك ما يدل على عمق حركة الغلو من جهة واستمراريتها من جهة أخرى ...) .
ويقول الأستاذ عبد الله فياض ما لفظه: ( ومن الجدير بالذكر أنه لم تجر عملية تهذيب وتشذيب شاملة لكتب الحديث عند الشيعة الإمامية على غرار العملية التي أجراها المحدثون عند أهل السنة والتي تمخض عنها ظهور الصحاح الستة المعروفة ونتج عن فقدان عملية التهذيب لكتب الحديث عند الشيعة الأمامية مهمتان هما :
أولاً: بقاء الأحاديث الضعيفة بجانب الأحاديث المعتبرة في بعض المجموعات الحديثية عندهم .
__________
(1) نقل المامقاني في مقدمة كتابه تنقيح المقال أن المغيرة بن سعيد قال " دسست في أخباركم أخبار كثيرة تقرب من مائة ألف حديث .(1/25)
ثانياً : تسرب أحاديث غلاة الشيعة إلى بعض كتب الحديث عند الشيعة وقد تنبه أئمة الشيعة الإمامية وعلمائهم إلى الأخطار المذكورة وحاولوا خنقها في مهدها ولكن نجاحهم لم يكن كاملا نتيجة لعدم قيام تهذيب شاملة لكتب الحديث) (1).
وهذا بخلاف كتب الحديث عند أهل السنه كما أشار إلى ذلك الأستاذ فياض ، فأنهم هذّبوا كتبهم من الروايات الموضوعة حتى ألفوا مجموعة كبيرة من المؤلفات في الأحاديث الموضوعة فألف الحافظ الجوزجاني المتوفي سنة (543هـ) أول كتاب في الموضوعات أسمه كتاب: الأباطيل ثم الحافظ ابن الجوزي المتوفى سنة (597 هـ) ألف كتاب سماه الموضوعات ثم الصاغاني اللغوي المتوفى سنة (650 هـ) له رسالتان في ذلك ثم السيوطي المتوفى سنة (910هـ) وله كتب في التعقيب على ابن الجوزي وهى : النكت البديعات والوجيز واللاّلي المصنوعة والتعقبات .
ثم محمد بن يوسف بن علي الشامي صاحب السيرة المتوفي سنة (942هـ) له كتاب " الفوائد المجموعة في بيان الأحاديث الموضوعة " ثم علي بن محمد بن عراق المتوفي سنة (963) له كتاب: تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة " ثم محمد بن طاهر الهندي المتوفى سنة (986 هـ) له كتاب " تذكرة الموضوعات " ثم الملا علي قاري المتوفي سنة (1014هـ) له كتاب تذكرة الموضوعات " ثم الشيخ السفاريني الحنبلي المتوفي سنة (1188هـ) له كتاب " الدررالمصنوعات في الأحاديث الموضوعات" في مجلد ضخم ..ثم القاضي الشوكاني المتوفى سنة (1250هـ) ألف كتاباً "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة "ولأبي المحاسن محمد بن خليل المتوفى سنة (1305) ألف كتابا " اللؤلؤ الموضوع " فيما قيل : لاأصل له أو بأصله موضوع، ولمحمد البشير ظافر الأزهري المتوفى سنة (1325هـ) كتاب سماه " تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة على سيد المرسلين " .
__________
(1) الإجازات العلمية عند المسلمين ص98 .(1/26)
كما أن هناك كتب اشتملت على الموضوع والواهي من الأحاديث مثل "التذكرة" للمقدسي و"المغني" عن الحفظ والكتاب " لعمر بن بدر الموصلي المتوفى سنة (543 هـ) وله أيضا كتاب " العقيدة الصحيحة في الموضوعات الصريحة " ومنها كتب يكثر فيها بيان الموضوع منه : تخريج أحاديث الأحياء للعراقي ومختصره لصاحب القاموس والمقاصد الحسنة في الأحاديث الدائرة على الألسنة للسخاوي وللحافظ ابن القيم رسالة باسم " المنار " فيها مباحث في شأن الحديث الموضوع ونحوه... وأخيرا ألف العلامة المعاصر الشيخ الألباني كتاباً ضخم للاحاديث الموضوعة سماه "سلسلة الأحاديث الموضوعة " و"سلسلة الأحاديث الصحيحة " .
طبعاً هذا بخلاف كتب الحديث عند الشيعة حيث لم تتعرض لمثل هذا وتجد الأحاديث الموضوعة بجانب الأحاديث الصحيحة بل لم يؤلف الشيعة إلي يومنا هذا كتاباً مفصلاً في معرفة الأحاديث الموضوعة رغم دس المغيرة وأبي الخطاب أحاديث كثيرة في أحاديثهم التي يزعمون أنهم أخذوها من أهل البيت ... بل نظرة واحدة على كتاب الكافي تكفي مؤونة التفصيل .. كتلك الأحاديث الزاعمة على أهل البيت أن القراّن محرف أو إن الأئمة يعلمون علم الغيب أو إن الأئمة يوحى إليهم أو أن الأئمة يعلمون متى يموتون ... إلى آخر هذه الأحاديث الموضوعة ، ثم ألا يعد الكليني صاحب الكافي من الغلاة الحاقدين، ألم يقل بأن الصادق يقول بتحريف القراّن حتى عقد باباً في كتاب الحجة من كافيه وأورد عشرات الأحاديث على لسان الصادق بتحريف القراّن أن الآية لم تنزل هكذا بل هكذا نزلت حسب زعمه الفاسد .
ولهذه الأسباب لم يؤلف الشيعة كتاباً واحداً في الأحاديث الموضوعة لأنهم أن فعلوا ذلك لانهار " مذهب عبد الحسين " من أساسه لأنه قائم على الأحاديث الموضوعة !!(1/27)
يقول شيخهم هاشم معروف في كتابه "الموضوعات في الآثار والأخبار" (ص253): ما نصه:( وبعد التتبع في الأحاديث المنتشرة في مجاميع الحديث كالكافي والوافي وغيرهما نجد الغلاة والحاقدين على الأئمة الهداة لم يتركوا باباً من الأبواب إلا ودخلوا منه لإفساد أحاديث الأئمة و الاساءة إلى سمعتهم وبالتالي رجعوا إلى القراّن الكريم لينفثوا سمومهم ودسائسهم لأنه الكلام الوحيد الذي يتحمل مالا يتحمله غيره ففسروا مئات الآيات بما يريدون وألصقوها بأئمة الهداة زورا وبهتاناً وتضليلا وألف علي بن حسان، وعمه عبدالرحمن بن كثير وعلي بن أبي حمزة البطائني كتبا في التفسير كلّها تخريف وتحريف وتضليل لا تنسجم مع اسلوب القرآن وبلاغته وأهدافه ) .
28
لذلك نقول " لعبد الحسين" أنك أخطأت طريقك ، وتنكبت جادة الصواب ، واتهمت المسلمين جميعاً بأنهم لم يعرفوا قيمة "الصحاح " ، في حين إنك لم تعرف حقاً قيمة صحاحك! ، ولكن " المؤلف " لا يذكر هذا ، ليعمى على المسلمين طريقهم ويشككهم في كتبهم المعتمدة ، يريد منّا أن نسلّم له بما يقول ويرى ، فنحن القُرّاء لا نعرف شيئاً عن مذهبه ، لا يمكننا أن نحكم عليه ما لم ندرس "مذهبه " دراسة نزيهه محررة ، نحكم عليه من خلالها ، أما أن نكون فريسة خياله وأهوائه فهذا خلاف البحث العلمي ، وما عهدنا بحثاً توضع نتائجه قبل منا قشته ومحاكمته ، فهذا خلاف المنهج العلمي ، لذلك كان الأولى لهذا المؤلف أن يقوم "بعملية تهذيب وتشذيب شاملة لكتبهم الحديثية ولا سيما " الكافي " من الكفريات كأحاديث تحريف القرآن وكفر الصحابة ولعنهم والقدح في أعراض أمهات المؤمنين رضي الله عنهن والغلو في الأئمة إلى درجة التأليه ... بدلا من قوله: ( الواجب تطهير الصحاح والمسانيد من كل ما لا يحتمله العقل من حديث أبي هريرة ) .(1/28)
كان الأولى به أن يقوم بهذا التطهير، بدلا من أن يشاقق الله ورسوله، ويحكم على " الكافي" ( بأنه أقدم و أعظم و أحسن و اتقن الكتب الأربعة )، لأن أهل السنة قاموا بذلك التطهير وقد تمخض عنه ظهور الكتب الستة المعروفة .
وكان الأولى به أن يقوم بذلك ، بدلا من تأليفه كتب مسمومة تفرق الأمة وتشتت شملها (1)، ككتابه " الفصول المهمة في تأليف الأمة " وهو في الحقيقة أولى
__________
(1) أكثر الكتب التي ألفها عبد الحسين ككتابه هذا الذي نحن بصدده والرد عليه ( أبو هريرة ) الذي يتاجر بالعصبية المذهبية ، كتب طائفية ، و"كالمراجعات " الذي لفقه على شيخ الأزهر، وكتاب " النص والاجتهاد " وفوق أنه ظلمات فوق ظلمات، ففيه الحط على الخلفاء الثلاثة والصحابة وأمهات المؤمنين ، وسوف أعرض لتلك النماذج فيما بعد ، وإليك بعض كتبه الطائفية الأخرى : منها " فلسفة الميثاق والولاية " و " المجالس الفاخرة في تفضيل الزهراء " و " حول الرؤية " و " النصوص الجليلة في الامامة " و " تنزيل الآيات الباهرة في الامامة " و " سبيل المؤمنين في الامامة " و" الأساليب البديعة في رجحان مآتم الشيعة " و " المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة " .(1/29)
أن يسمى " بالفصول المهمة في تشتيت الأمة (1) " . وبدلا من اهدار الوقت في الفحص والتنقيب عن صحابي أجمعت الأمة على توثيقه بتعديل الله تعالى ورسوله- صلى الله عليه وسلم - له.... وكان الأولى له أن يبحث في حياة شيخه " النوري الطبرسي" ، الذي ألف كتاباً في إثبات تحريف القرآن المجيد سماه " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب"(2) ، أورد فيه حوالي (1800) رواية من رواياتهم التي تزعم تحريف القرآن الكريم . كان الأولى على أقل تقدير أن يرد على شيخه(3)
__________
(1) يدعو في هذا الكتاب إلى تأليف الأمة ، ولكن على أي أساس ؟ أنه يريد من أهل السنة أن يؤمنوا بأن الصحابة يدينون بمبدأ فصل الدين عن الدولة -كما يفتري - إنما كانوا يتعبدون بالنصوص إذا كانت متمحضة للدين مختصة بالشئون الأخروية ..أما ما كان منها متعلقا ...فإنهم لم يكونوا يرون التعبد بها ..ولذلك عدل هؤلاء - يعني جمهور الصحابة - في الخلافة عن وليها المنصوص عليه من نبيها ، فيعقد عدة فصول يضمنها أحاديث من طرق أهل السنة تفيد الحكم، ثم يورد من طريق الشيعة ثلاثة أحاديث لم يتم واحدا منها تفيد هذا الحكم ،ثم يكشف نفسه وحقيقة مذهبه في الفصل الخامس بعد تدرج بالقاريء وخداع له طيلة الفصول التي قبله فيقول : " بأن تلك الأخبار بإيمان مطلق الموحدين مخصوصة عندهم بالإيمان بالولاية للاثنى عشر لأنهم في زعمه باب حطة لا يغفر إلا لمن دخلها ، والإيمان بهم من أصول الدين .. فمفهوم التأليف عند " عبد الحسين " أن يؤمن المسلمون بأئمته الاثنى عشر و أن يدينوا بالطعن في الصحابة والقدح فيهم، لذلك قام بعد ذلك بتأليف كتاب مستقل في هذا الافتراء سماه " النص والاجتهاد " ، وقد ذكرت نماذج من تلك الطعون ، عند مبحث زعمه أن رأيهم في الصحابة هو أوسط الآراء ، وفندتها في عجالة ، فراجعها إن شئت .
(2) المستدرك ج1/50 .
(3) " النوري الطبرسي وهو" شيخ" عبد الحسين الموسوي، كما يقول عبد الحسين بنفسه في كتابه (النص والاجتهاد) عند ذكر شيخه" النوري ( ص124) تحت المورد [11] وقال في الحاشية ما نصه : ( هو شيخ المحدثين في عصره وصدوق !!! حملة الآثار شيخنا ومولانا الأورع! الميرزا حسين النوري صاحب المستدركات على الوسائل ". ، وقد تناسى عبد الحسين أن يقول: وهو صاحب كتاب فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الارباب ؟ !!
30
31(1/30)
ويكفره لتكفير الله له بدلا من أن يكفر أبا هريرة برواية مكذوبة مفتراة وأنه من أهل النار ، وبدلا أن يمجد مولاه بأنه: " شيخ المحدثين في عصره وصدوق حملة الآثار .
رواة الشيعة في الميزان :
إن مصيبة جعفر الصادق -كما نصّت كتب القوم -أن قوماً جهّالاً يدخلون عليه ويخرجون من عنده ويقولون حدثنا جعفر بن محمد ويحدثون بأحاديث كلّها منكرات كذب موضوعة على جعفر ليتلأكلوا الناس بذلك ويأخذوا منهم الدراهم !
ومن هنا ندرك كبير الخطر حينما قالوا بأنه رَوي عن الإمام الصادق أربعة آلاف راوِ وذهب بعض علمائهم إلى القول بتوثيق الأربعة آلاف راوِ بدون استثناء و قبول روايات الكذابين على الأئمة وتوثيق هؤلاء الذين اكتنفوا جعفر مع إن أبا عبد الله شكى من كثرة الكذابين عليه، بل ويذكر أنه لا يوجد من هؤلاء الذين يدعون التشيع ولا سبعة عشر رجلاً من شيعته !.
عوف العقيلي :
ومن رواتهم ممن كان يتعاطون المسكرات كعوف العقيلي ! فقد روى الكشي في رجاله (ص 90) عن الفرات بن أحنف قال : العقيلي كان من أصحاب أمير المؤمنين وكان خماراً ولكنه يؤدي الحديث كما سمع !! .
ولا أدري كيفية تأديته للحديث هل في حالة السكر أم بعد أن يفيق !! .
محمد بن أبي عبّاد :
ومن رواتهم أيضاً الذين كانوا يتعاطون المسكرات والمعاصي ، فقد ذكر محمد مهدي في كتابه " الجامع لرواة وأصحاب الإمام الرضا" (2/31 رقم500): وكان مشتهراً بالسماع وبشرب النبيذ !!
حفص بن البختري :
ومن رواتهم حفص بن البختري فقد ذكر النجاشي في رجاله (1/324 رقم 342): أصله كوفي ثقة !! روى عن أبي عبد الله(ع) وأبي الحسن(ع) ... فغمزوا عليه بلعب الشطرنج !! .
حمّاد بن عيسى :(1/31)
ومن رواتهم حمّاد بن عيسى الذي بلغ من العمر ستين سنة ! ولا يجيد الصلاة ! ولا شيئ من أحكامها ، وقد نقل رياض محمد في كتابه" الواقفة دراسة تحليليّة"(1/311-317): ورد في أصحاب الإمام الصادق(ع) حماد بن عيسى الجهني البصري أصله كوفي ...له كتب ثقة !! ... وفي (ص 317) قال: وجاء في كتاب الوسائل الصحيحة المشهورة في باب الصلاة قال: قال لي أبو عبد الله(ع) يوماً: يا حمّاد: أتحسن أن تصلّي قال: فقلت يا سيدي أنا احفظ كتاب حريز في الصلاة قال: لا عليك! قم صل فقمت بين يديه متوجهاً إلى القبلة فاستفتحت الصلاة فركعت وسجدت فقال: يا حمّاد: لا تحسن أن تصلي ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستون أو سبعون سنة فلا يقيم صلاة واحدة يحدودها تامة قال حمّاد: فأصابني في نفسي الذل فقلت: جعلت فداك فعلّمني الصلاة فقام أبو عبد الله(ع) مستقبل القبلة ... فصل ركعتين على هذا ثم قال: يا حماد هكذا صل .
أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار:
ومن رواتهم أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار وكان خماراً !
روى الكشي بسند الأول عن محمد بن الحسن بن أبي الخطاب قال:كنت أنا وعامر بن عبد الله بن جذاعه الأزدي وحجر بن زائدة جلوساً على باب الفيل إذ دخل علينا أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار فقال لعامر بن عبد الله: يا عامر أنت حرشت عليّ أبا عبد الله فقلت أبو حمزة يشرب النبيذة !!! فقال له عامر: ما حرشت عليك أبا
32
عبد الله ولكن سألت أبا عبد الله عن المسكر فقال: كل مسكر حرام فقال: لكن أبا حمزة يشرب قال: فقال أبوحمزة :أستغفر الله منه الآن وأتوب إليه! وقال علي بن الحسن بن فضال: وكان أبوحمزة يشرب النبيذ ومتهم به (1) .
علي بن أبي حمزة البطائني:
__________
(1) الكشي في رجاله ص 76 وأخرجها المامقاني في تنقيح المقال 1/ 191 .
33(1/32)
ومن رواتهم أبو حمزة وكان يسرق أموال المعصوم وخمس الشيعة .وهذا ما نصت عليه كتب الرجال عندهم. فهذا رياض محمد ( الشيعي) يذكر في كتابه "الواقفية دراسة تحليلية " (1/418-428) ترجمة علي بن أبي حمزة أنه من الواقفة الملعونين الكذّابين ... إلى غير ذلك .
ففي (ص420): وقال الصدوق ... عن الحسن بن علي الخزاز قال: خرجنا إلى مكة ومعنا علي بن أبي حمزة ومعه مال!! ومتاع فقلنا: ما هذا ؟ قال: هذا للعبد الصالح (ع) - أي الامام - أمرني أن أحمله إلى علي ابنه(ع) وقد أوصى إليه .
قال الصدوق: إن علي بن أبي حمزة أنكر ذلك بعد وفاة موسى بن جعفر(ع) وحبس المال عن الرضا(ع) !!
وليس أبو البطائني الوحيد الذي كان يسرق خمس الشيعة وأموال المعصوم!! بل شاركه كثير من رواتهم الذين يدّعون التشيع للأئمة ومولاتهم !(1/33)
ففي (ص422): وقال الشيخ في كتاب الغيبة: روى الثقات: أن أول من ظهر الوقف علي بن أبي حمزة وزياد بن مروان القندي عثمان بن عيسى الرواسي، طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها،و استمالوا قوماً فبذلوا لهم شيئاً مما اختانوا من الأموال نحو حمزة بن يزيع وابن المكاري وكرام الخثعمي وأمثالهم !! (1) .
وأما ما ورد في ذمّه بأنه ملعون وكذّاب وأنه رجل سوء وأنه من أهل النار .
__________
(1) للمزيد انظر "الواقفية " (1/470-471 ) في ترجمة عبد الكريم بن عمرو الخثعمي ،وص 476 في ترجمة حمزة بن يزيع ، وص479 وص 520-523 في ترجمة منصور بن يونس القرشي ،وص= =563و567 في ترجمة أحمد بن أبي بشر السراج، وص 589 و592-593و595-596 في ترجمة حيّان السّراج ، وفي ص 609و612و416و617 في ترجمة زياد بن مروان القندي وللاختصار سوف أحيلك أيها القارئ الرجوع إلى تلك الأبواب التي بوّبها صاحب الكتاب المذكور ،ففي ص 81 باب السبب الأول:- الطمع وحب المال والدنيا ، = = وص 134" الإمام الكاظم ومحنة بين طواغيت عصره وأصحابه" ،وص 164 "في النهي عن مجالسة الواقفة"، وص 168 "المحاربة الاقتصادية لرجال الواقفة"، وص 176" العمل بأخبار أصحاب المذاهب الفاسدة "!!، وص 179" الاعتماد على رواية الواقفة دون سواهم"، وص 190 "الوكلاء من الواقفة الذين ورد الذم بهم" ، وص 192" نوع التصرف بالمال من قبل الوكلاء " ، وص 201 "نظرة الإمام في اختيار الوكلاء والشبهات الحائمة حولها" ، وص 317 " أصحاب الاجماع وحالة الوقف "، وص 336 " أثر المعجزة في رجوع رفاعة " .
34(1/34)
ففي (ص 423وص424وص429): روى الكشي في ذمّه روايات كثيرة منها: عن حمدوه عن الحسن بن موسى عن داود بن محمد عن أحمد بن محمد قال: وقف على أبي الحسن وهو رافع صوته: يا أحمد، قلت لبيك، قال: أنه لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جهد الناس في اطفاء نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين . فلما توفى أبو الحسن(ع) جهد علي بن أبي حمزة وأصحابه في اطفاء نور الله فأبى إلا أن يتم نوره.
وما في الكشي قال: قال ابن مسعود: حدّثني أبو الحسن علي بن الحسن بن فضال قال: علي بن أبي حمزة كذّاب متهم .
وقال في موضع آخر قال: ابن مسعود: سمعت علي بن الحسين يقول: ابن أبي حمزة كذاب معلون ....إلآ إنّي لا استحل أن أروي عنه حديثاً واحداً .
وفي(ص423): الحسن بن علي بن أبي حمزة رجل سوء .
وأما دِينه فإنه فاسد المذهب والعقيدة ، ففي (ص427): قال الوحيد في تعليقته في البطائني: قال جدي ( رحمه الله) مطعون باعتبار مذهبه الفاسد، ولذا روى عنه مشايخنا الثقات !!
أقول: وفساد مذهبه وعقيدته لأنه من الواقفة ، والواقفة كفّار(1) عند أصحاب الإمامية ، لأنهم لا يُقرّون بالأئمة الاثنى عشر (2) .
وفي (ص423): وفي معالم العلماء ترجمة لأبيه: علي بن أبي حمزة البطائني ، قائد أبي بصير، واقفي .
وأما توثيقهم لهذا الراوي فلا بد منه ،لأن سقوط هذا الراوي معناه سقوط مذهب الإمامية !! لأن الواقفة وغيرهم ، هم الذين رووا الروايات في النص على الأئمة !!
__________
(1) قال المجلسي في بحاره 37/34:( أقول: كتب أخبارنا مشحونه بالأخبار الدالة علىكفر الزيدية وأمثالهم من الفطحية والواقفة وغيرهم من الفرق المضلّة المبتدعة ...) .
(2) للمزيد انظر كتاب "عقائد الشيعة في الاسلام و المسلمين" مخطوط .(1/35)
ولو تأمل أخي القارئ كتب الرجال عندهم لوجد أن الذي وضع أساس الإمامة أمثال هؤلاء الرواة الذين ينتمون إلى أمثال هذه المذاهب الفاسدة (1) كما مرّ عليك وهم من الفطحية والواقفة والناووسية والاسماعيلية ... إلى غير ذلك من الفرق والتي تجاوزت أكثر من مائة فرقة كما نصوا على ذلك ..(2) .
عبد الله بن أبي يعفور:
ومن رواتهم عبد الله بن أبي يعفور وكان يتعاطى المسكر!! ويتمادى في شربه كسلفه الصالح !! .
روى عمدتهم في الجرح والتعديل الكشي عن ابن مسكان عن ابن أبي يعفور قال : كان إذا أصابته هذه الأوجاع فإذا اشتدت به شرب الحسو من النبيذ فسكن عنه فدخل على أبي عبد الله فأخبره بوجعه وانه إذا شرب الحسو من النبيذ سكنه فقال له: لا تشرب ، فلما أن رجع إلي الكوفة هاج به وجعه فأقبل أهله فلم يزالوا به حتى شرب فساعة شرب منه سكن عنه فعاد إلى أبي عبد الله فأخبره بوجعه وشربه فقال له: يا أبن أبي يعفور لا تشرب فأنه حرام إنما هو الشيطان موكل بك ولو قد يئس منك ذهب .
أبو هريرة البزاز :
ومنهم أبي هريرة البزاز قال العقيقي ترحم عليه أبوعبدالله(ع) وقيل له إنه كان يشرب النبيذ فقال أيعز على الله أن يغفر لمحب علي على شرب النبيذ والخمر!! (3).
السيد الحميري :
__________
(1) انظر "الو اقفية " 1/16و17و176و181 و404و405و426-و428و448و465و514و515و
526و536و551و559و560و 563 و607 ، و انظر "حاوي الأقوال" 3/162 الفصل الثالث ، الفهرست ص28-29 .
(2) أصل الشيعة وأصولها لكاشف الغطاء ص 60 الطببعة الرابعة تقديم مرتضى العسكري .
35
(3) جامع الرواة للأردبيلي 2/423 ، المستدرك 10/391ح5" أبواب المزار وما يناسبه " .
36(1/36)
ومن الموثقين عندهم شاعرهم الذي يلقبونه " بشاعر أهل البيت" السيد الحميري وكان لا يبالي من شرب الخمر !!! فعن محمد بن النعمان أنه قال: دخلت عليه في مرضه بالكوفة فرأيته وقد أسودّ وجهه وازرقّ عيناه وعطش كبده فدخلت على الصادق (ع) وهو يومئذ بالكوفة راجعا من عند الخليفة ، فقلت له : جعلت فداك إني فارقت السيدبن محمد الحميري وهو - لما به - على أسوء حال من كذا وكذا. فأمر بالاسراج وركب ومضينا معه حتى دخلنا عليه ،وعنده جماعة محدقون
به فقعد الصادق(ع) عند رأسه فقال: يا سيد! ففتح ينظر إليه ولا يطيق الكلام فحرّك الصادق(ع) شفتيه ، ثم قال له : يا سيد! . قل الحق ، يكشف الله ما بك ويرحمك ويدخلك جنته التي وعد أوليائه (1) .
وعن الصادق (ع) أيضاً أنه ذكر عنده السيد بعد وفاته ، فترحم عليه ، فقيل : إنه كان يشرب النبيذ ! فقال (ع) ثانياً : رحمه الله ! ثم قيل له : إني رأيته يشرب نبيذ الرستاق ! قال: تعنى الخمر ؟ قلت: نعم ! قال (ع) رحمه الله، وما ذلك على الله أن يغفر لمحبّ علي (ع) شرب النبيذ... (2) .
أقول : هذا الخمّار السكّير مات على ذلك الحال، ورغم ذلك فإنه من أهل الجنة ،ولا يبالي ولا خوف عليه ، لأن النار محرمة على الشيعي إلا قليلا ! وصدق أحمد أمين ، وإليك بعضاً من أبيات هذا السكّير :
... ... كذب الزاعمون أن علياً
... لا ينجي محبّه من هنات
... ... قد وربي دخلت جنة عدن
... ... ... وعفالي الإله عن سيئاتي
... ... فابشروا اليوم أولياء علي
و تولّوا علي حتى الممات
... ثم من بعده تولاّ بينه
واحدا بعد واحد بالصفات .
وأورد الخاجوئي أيضاً بعضاً من أبيات هذا السكّير من شعراء أهل البيت! منها :
أحب إلي من مات من أهل وده تلقاه بالبشرى لدى الموت يضحك
__________
(1) الروضات 1/ 104، رجال الكشي ص 242 - 245 ، اللئالي 4/216 .
(2) الروضات 1/10 و111 ترجمة اسماعيل بن محمد الحميري ، الرسائل 1/247، اللئالي 4/216.
37(1/37)
ومن مات يهوي غيره من عدّوه فليس له إلاّ إلى النار مسلك (1)
فهؤلاء كلهم ثقات في نظر القوم لأنهم يؤمنون بالولاية المزعومة لعلي- رضي الله عنه - (2)، بينما الصحابة كفّار لأنهم لم يؤمنوا بهذه الولاية ، فهل رأيتم مثل هذا الدين ، مثل هذا المنهج ! مثل هذا المذهب !! .
ولنختم هذا الباب بالقول أن الوضاعين هم الذين رووا عن الباقر والصادق والرضا وغيرهم من الأئمة .
أخرج الكشي( ص195): عند ترجمة المغيرة بن سعيد بسنده عن يونس قال: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر ووجدت أصحاب أبي عبد الله متوافرين فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله وقال لي : أن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله فلا تقبلوا علينا خلاف القراّن .
وأخرج الكشي(ص196): بسنده عن هشام إنه سمع أبا عبدالله يقول : " كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي ويأخذ كتب أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة فكان يدس الكفر والزندقة ويسندها إلى أبي ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يثبتوها في الشيعة فكل ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك مما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم" .
و نقل عالمهم في الرجال المامقاني في مقدمة كتابه "تنقيح المقال"(1/174):" أن المغيرة بن سعيد قال:" دسست في أخباركم أخباراً كثيرة تقرب من مائة ألف حديث"!
هذا هو مذهب أهل البيت يدس المغيرة بن سعيد أحاديث الكفر والزندقة -كتلك المروية في الكافي وتفسير القمي والعياشي وبحار الأنوار- فيأتي عبد الحسين الموسوي فيقول إنها روايات أخرجها أصحاب الأئمة الثقات !!!
__________
(1) الرسائل 1/247 .
(2) للزيد انظر كتاب " عقائد الشيعة في ولاية علي بن أبي طالب والأئمة " مخطوط .
38(1/38)
ولابأس أن نمر مُرورًا سريعاً على بعض الرواه الذين أثنى عليهم عبد الحسين في "مراجعاته" الذي لفقه ، وتذكر يا أخي القارئ قول جعفر الصادق- رضي الله عنه - : إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ، ويسقط -بكذبه علينا - عند الناس.
زرارة بن أعين :
أجمعت الشيعة على توثيق هذا الرجل وتصحيح ما يصح عنه رغم أنه من الملعونين على لسان أهل البيت ! كما قال الطوسي في فهرسته (1) . ومع هذا فقد اثنى عليه عبد الحسين في "مراجعاته" الموضوعة على الشيخ البشري فقال ما نصه : ( وهناك أبطال لم يدركوا الإمام زين العابدين وإنما فازوا بخدمة الباقرين الصادقين (ع) فمنهم أبو
القاسم بريد بن معاوية العجلي وأبو بصير ليث بن مراد البختري المرادي وأبو الحسن زرارة بن أعين وأبو جعفر محمد بن مسلم ...أما هؤلاء الأربعة فقد نالوا الزلفى وفازوا بالقدح المعلى والمقام الأسمى حتى قال فيهم الصادق وقد ذكرهم : " هؤلاء أمناء الله على حلاله وحرامه " وقال " ما أجد أحداً أحيا ذكرنا إلا زرارة وأبو بصير ليث ومحمد بن مسلم وبريد " ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا ثم قال : " هؤلاء حفاظ الدين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه وهم السابقون إلينا في الدنيا والسابقون إلينا في الآخرة "وقال " بشر المخبتين بالجنة .
__________
(1) الفهرست للطوسي ص104 .
39(1/39)
ثم ذكر الأربعة وقال فيه :( كان أبي ائتمنهم على حلاله وحرامه وكانوا عيبة علمه وكذلك اليوم هم عندي مستودع سري وأصحاب أبي حقاً وهم نجوم شيعتي أحياءاً وأمواتاً بهم يكشف الله كل بدعة ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأويل الغالين، إلى غير ذلك من كلماته الشريفة التي أثبتت لهم الفضل والشرف والكرامة والولاية ما لا تسع بيانه عبارة ، ومع ذلك فقد رماهم أعداء أهل البيت !! بكل أفك مبين .. وليس ذلك بقادح في سمو مقامهم وعظيم خطرهم عند الله ورسوله ! والمؤمنين ! كما أن حسدة الأنبياء ما زادوا أنبياء الله إلا رفعة ولا أثروا في شرائعهم إلا انتشاراً عند أهل الحق وقبولاً في نفوس أولى الألباب ) (1) .
وقال هذا المؤلف: ( إنالم نجد أثراً لشيء مما نسبوه إلى كل من زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم ومؤمن الطاق وأمثالهم مع إنا قد استفرغنا الوسع والطاقة في البحث عن ذلك وما هو إلا البغي والعدوان والأفك والبهتان ) (2).
وقال محشي خاتمة "الوسائل"(20/ 196 ( الحاشية ) ما نصه :
( والروايات التي ذكرها الكشي في شأن زرارة تنقسم إلى قسمين ، فبعض منها فيه المدح والثناء له والإشارة بمكانته السامية ومنزلته العظيمة عند الإمام الصادق وأبيه وتقدمه على أصحابه في العلم والمعرفة وحفظ أحاديث أهل البيت عن الضياع والتلف، وبعض منها يدل على عكس ذلك وأن الرجل كان كذاباً وضاعاً مرائياً داساً في الأحاديث ).
قلت: والحقيقة إنّا إذا حققنا هذه الأحاديث المادحة والقادحة ، لخرجنا بنتيجة أن الرجل كان كذاباً وضاعاً مرائياً ،وأنه كان يكذب على الأئمة ويكذّبهم وأنه كان سيء الأدب معهم ولاسيما مع جعفر الصادق حتى أنه روي أنه ضرط في لحية الصادق كما سيأتي .
__________
(1) لمراجعات ص727 مراجعة رقم 110 .
(2) المراجعات ص731 .
40(1/40)
وأما الأحاديث المادحة فلا تفيد في شيء وإنها ضعيفة ، ولو فرض جدلا إنها صحيحة ، لا تدل على فضله أو مدحه ، لأنه إذا اجتمع الجرح والتعديل يقدم الجرح المفصل على التعديل ، وفوق ذلك فربما استعمل الإمام معه التقية !حسب عقيدتهم في التقية!
وقد رأيت المتأخرين منهم كصاحب "معجم رجال الحديث" -للخوئي- (7/ 230وص234 وص 238) ، يحاول عبثاً أن يوّثق هذا الراوي الملعون على لسان الأئمة وذلك بقوله:( إن الروايات الذامة على ثلاث طوائف .
الطائفة الأولى : ما دلت على أن زرارة كان شاكاً في إمامة الكاظم فإنه لما توفى الصادق بعث ابنه عبيداً إلى المدينة ليختبر أمر الإمامة .
الطائفة الثانية : روايات دالة على إن زرارة قد صدر منه ما ينافي إيمانه !! .
الطائفة الثالثة : ما ورد فيها قدح زرارة من الإمام ) .
وإليك هذه الروايات المستفيضة في ذم زرارة التي رواها الكشي في رجاله .
جعفر الصادق يخرج مخازي زرارة :
حدثنا محمد بن مسعود قال:حدثنا جبرئيل بن أحمد الفاريابي قال:حدثني العبيدي محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن ابن مسكان قال : سمعت زرارة يقول: رحم الله أبا جعفر وأما جعفر فإن في قلبي عليه لفتة فقلت له: وما حمل زرارة على هذا ؟ قال : حمله على هذا أن أبا عبد الله أخرج مخازيه (1) .
زرارة يفتي برأيه في الحلال والحرام :
ففي" الكشي "( ص156 ح257 ): حدثني محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد قال حدثني العبيدي عن يونس عن ابن مسكان قال تذاكرنا عند زرارة في شيء من أمور الحلال والحرام فقال قولاً برأيه فقلت أبرأيك هذا أم برواية ! فقال إني أعرف أو ليس رب رأي خير من أثر .
زرارة يفترى على الصادق :
__________
(1) رجال الكشي ص145 ح228 .
41(1/41)
وفي (ص 157ح258): حدثني أبو صالح خلف بن حماد بن الضحاك قال حدثني أبو سعيد الآدمي قال حدثني ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال قال لي زرارة بن أعين لا ترى على أعوادها غير جعفر ، قال فلما توفى أبو عبد الله أتيته فقلت له تذكر الحديث الذي حدثتني به ؟ وذكرته له وكنت أخاف أن يجحدنيه فقال إني والله ما كنت قلت ذلك إلا برأي .
زرارة يتوقف في أمر الإمامة :
وفي (ص 157ح260): محمد بن مسعود قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي قال : حدثني الحسن بن علي الوشاء عن محمد بن حمران قال : حدثني زرارة قال : قال لي أبو جعفر: حدث عن بني إسرائيل ولا حرج قال : قلت:جعلت فداك والله إن في أحاديث الشيعة ما هو أعجب من أحاديثهم قال : وأي شيء هو يا زرارة ؟ قال : فاختلس من قلبي فمكث ساعة لا أذكر شيئاً مما أريد قال : لعلك تريد الغيبة ؟ قلت : نعم قال : فصدق بها فإنها حق .
والحديث يدل على وهن في زرارة لأنه ما سكت ولا سلّم لما قاله الإمام إلا تقية يدل على ذلك جملة من الروايات وإنه توقف في أمر الإمامة حتى مات وانطبق عليه الحديث الشيعي المشهور " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ".
42
زرارة يشك في علم الصادق :(1/42)
ففي " الكشي" ( ص 158 ح261): حدثني محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد قال : حدثني محمد بن عيسى عن يونس عن ابن مسكان قال سمعت زرارة يقول : كنت أرى جعفراً أعلم ممن هو وذاك يزعم إنه سأل أبا عبد الله عن رجل من أصحابنا مختفٍ من غرامه فقال : أصلحك الله أن رجلاً من أصحابنا كان مختفياً من غرامه فإن كان هذا الأمر قريباً صبر حتى يخرج مع القائم وإن كان فيه تأخير صالح غرامه فقال أبو عبد الله يكون إن شاء الله تعالى فقال زرارة : يكون إلى سنة ؟ فقال أبو عبد الله: يكون إن شاء الله فقال زرارة : فيكون إلى سنتين ؟ فقال: أبو عبد الله: يكون إن شاء الله، فخرج زرارة فوطن نفسه على أن يكون إلى سنتين فلم يكن فقال: ما كنت أرى جعفراً إلا أعلم مما هو .
زرارة يُكذِّب الصّادق :
وفي (ص 158ح 262):محمد بن مسعود قال : كتب إليه الفضل بن شاذان يذكر عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد الحميد عن عيسى بن أبي منصور وأبي أسامة الشحام ويعقوب الأحمر قالوا : كنا جلوساً عند أبي عبد الله (ع) فدخل عليه زرارة فقال : إن الحكم بن عيينة حدث عن أبيك إنه قال : " صل المغرب دون المزدلفة فقال له أبو عبد الله أنا تأملته: ما قال أبي هذا قط كذب الحكم على أبي قال : فخرج زرارة وهو يقول: ما أرى الحكم كذب على أبيه .
أقول: صدق جعفر الصادق- رضي الله عنه - حينما قال : إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ، ويسقط -بكذبه علينا - عند الناس منهم هذا الراوي .
43
زرارة يخالف الصّادق في الاستطاعة :(1/43)
روى الكشي(ص145 ): عن هشام ابن إبراهيم الختلي - وهو المشرقي - قال : قال لي أبو الحسن الخراساني: كيف تقولون في الاستطاعة بعد يونس فذهب فيها مذهب زرارة ومذهب زرارة هو الخطاء ؟ فقلت لا، ولكنه بأبي أنت وأمي ما يقول زرارة في الاستطاعة وقول زرارة فيمن قّدر ونحن منه براء وليس من دين آبائك قال فبأي شيء تقولون ؟ قلت بقول أبي عبد الله وسأل عن قول الله - عز وجل -:{ وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِليْهِ سَبِيلا} ما استطاعته ؟ قال ، فقال أبو عبد الله: صحته وماله فنحن بقول أبي عبد الله نأخذ قال صدق أبو عبد الله هذا هو الحق .
قلت: وهو الذي أشار إليه النجاشي في رجاله والطوسي أيضا بأن له كتاب في الاستطاعة والجبر(1) .
وصدق جعفر الصادق- رضي الله عنه - عندما قال : إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ، ويسقط -بكذبه علينا - عند الناس .
الصّادق يلعن زرارة ثلاث مرات :
ففي " الكشي" (ص 147): حدثني أبو جعفر محمد بن قولويه قال : حدثني محمد بن أبي القاسم أبو عبد الله المعروف بماجيلويه عن زياد بن أبي الحلال قال قلت لأبي عبد الله إن زرارة روى عنك في الاستطاعة فقبلنا منه وصدقناه وقد أحببت أن أعرضه عليك ! فقال هاته ! قلت فزعم إنه سألك عن قول الله - عز وجل - : { وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِليْهِ سَبِيلا} فقلت: من ملك زاداً وراحلة فقال: كل من ملك زاداً وراحلة فهو مستطيع للحج وإن لم يحج ؟ فقلت: نعم فقال: ليس هكذا سألني ولا هكذا قلت: كذب علّي والله كذب عليّ والله، لعن الله زرارة لعن الله زرارة لعن الله زرارة إنما قال لي من كان له زاد وراحلة فهو مستطيع للحج ؟ قلت وقد وجب
__________
(1) رجال النجاشي 1/ 397 .
44(1/44)
عليه ، قال فمستطيع هو ؟ فقلت لا حتى يؤذن له قلت فأخبر زرارة بذلك قال نعم قال زياد فقدمت الكوفة فلقيت زرارة فأخبرته بما قال أبو عبد الله وسكت عن لعنه فقال أما إنه قد أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم وصاحبكم هذا ليس له بصيرة بكلام الرجال .
فبدلاً من أن يعتذر زرارة يصر على أن الإمام لا يعلم , وليس للإمام بصر أو بصيرة بكلام الرجال على حد زعمه .... ولكن يأبى أولياء زرارة إلا رفع منزلة زرارة وضرب أقوال إمامهم - الذي هو معصوم وحجة عندهم - عرض الجدار وتكذيبه ، فهم يصدقون زرارة بينما يكذّبون الإمام المعصوم! مع أنهم رووا عن المعصوم في حديث صحيح عن يحيى الخثعمي قال : سأل حفص الكناسي أبا عبد الله وأنا عنده عن قول الله - عز وجل -: { وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِليْهِ سَبِيلا} ما يعني بذلك ؟ قال : من كان صحيحاً في بدنه مخلي سر به له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج أو قال : ممن كان له مال فقال له : حفص الكناسي فإذا كان صحيحاً في بدنه مخلي في سربه له زاد وراحلة فلم يحج فهو ممن يستطيع الحج ؟ قال : نعم (1).
وفي" رجال الكشي "(2/ 148 ح236): حدثنا محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد قال حدثني محمد بن عيسى بن عبيد قال: حدثني يونس بن عبد الرحمن عن عمر ابن أبان عن عبد الرحيم القصير قال قال لي أبو عبد الله أئت زرارة وبريدا فقل لهما ما هذه البدعة التي ابتدعتماها ؟ أما علمتا إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال كل بدعة ضلالة ؟ فقلت له إني أخاف منهما فأرسل معي ليثا المرادي ! فأتينا زرارة فقلنا له ما قال أبو عبد الله فقال والله لقد أعطاني الاستطاعة وما شعر فأما بريداً فقال لا والله لا أرجع عنها أبداً .
__________
(1) الوسائل 8/ 22ح4 باب اشتراط وجوب الحج بوجود الاستطاعة من الزاد والراحلة مع الحاجة اليها.
45(1/45)
وفي (ص 150ح243): عن محمد بن مسعود قال حدثني محمد بن عيسى عن حريز قال خرجت إلى فارس وخرج معنا محمد الحلبي إلى مكة فإتفق قدومنا جمعاً إلى
حين فسألت الحلبي فقلت له إطرفنا بشيء قال : نعم جئتك بما تكره قلت لأبي عبد الله ما تقول في الاستطاعة ؟ فقال ليس من ديني ولا دين آبائي ، فقلت الآن ثلج عن صدري والله لا أعود لهم مريضاً ولا أشيع لهم جنازة ولا أعطيهم شيئاً من زكاة مالي قال فاستوى أبو عبد الله جالساً وقال لي: كيف قلت: ؟ فأعدت عليه الكلام فقال أبو عبد الله: كان أبي يقول: أولئك قوم حّرم الله وجوههم على النار فقلت جعلت فداك: فكيف قلت لي ليس من ديني ولا دين آبائي ؟ قال: إنما أعني بذلك قول زرارة وأشباهه .
وفي( ص146ح231) : حدثني محمد بن نصير قال حدثني محمد بن عيسى عن حفص مؤذن علي بن يقطين يكنى أبا محمد عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله { الَّذَينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبَسُوا إِيمَنَهُمـ بِظُلْمٍ } قال: أعاذنا الله وإياك يا أبا بصير من ذلك الظلم ذلك ما ذهب فيه زرارة وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه .
.زرارة يموت تائهاً :
ففي " معجم الرجال"( 7/241): محمد بن مسعود قال حدثني جبرئيل بن أحمد عن العبيدي عن يونس عن هارون بن خارجة قال سمعت أبا عبد الله(ع) يقول لا يموت زرارة إلا تائهاً .
زرارة لايثق بالصّادق :
ففي" رجال الكشي"( ص152ح247): حدثني حمدويه قال حدثني محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن محمد بن حمران عن الوليد بن صبيح قال : دخلت على أبي عبد الله فاستقبلني زرارة خارجاً من عنده فقال لي أبو عبد الله يا وليد أما تعجب من زرارة يسألني عن أعمال هؤلاء أي شيء كان يريد ؟ أيريد أن أقول له لا !! فيروي عني ؟ ثم قال يا وليد متى كانت الشيعة تقول من أكل طعامهم وأكل شرابهم واستظل بظلهم متى كانت الشيعة تسأل عن مثل هذا .
46
زرارة يتجسس على الصّادق :(1/46)
وفي(ص 140 ): حمدويه بن نصير قال : حدثنا محمد بن عيسى عن الوشا عن هشام بن سالم عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عن جوائز العمال ؟ فقال : لا بأس به قال ثم قال : إنما أراد زرارة أن يبلغ هشاماً إني أحرم أعمال السلطان .
الصّادق يذم زرارة وآل أعين :
وفي (ص 149 ح 238 ): حدثني محمد بن مسعود قال : حدثني جبرئيل بن أحمد عن محمد بن عيسى عن يونس عن إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله قال : ذكر عنده بنو أعين فقال: الله ما يريد بنو أعين إلا أن يكونوا على غلب .
وفي (ص 153ح250 ): حدثني حمدوية قال : حدثني أيوب عن حنان بن سدير قال: كتب معي رجل أسأل أبا عبد الله عما قالت اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا هو ممن يشاء أن يقولوا قال قال لي: أن ذا من مسائل آل أعين ليس من ديني ولا دين آبائي قال قلت ما معي مسألة غير هذه .
قلت: الأخبار قد مرّت في الاستطاعة وإنها ليس من دين الصادق ولا من دين آبائه الكرام وقد أنكر الصادق على زرارة هذا المذهب ولكن زرارة حرّف الكلام فما كان من الصادق إلا أن أخرج أكاذيبه ومخازيه ولعنه ثلاثاً .
زرارة يقول بتحريف القرآن :
وفي (ص 155ح254 ): حدثني محمد بن قولويه قال حدثني سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن عبد الله المسمعي عن علي بن أسباط عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن أبيه قال : بعث زرارة عبيد ابنه يسأل عن خبر أبي الحسن فجاءه الموت قبل رجوع عبيد إليه ، فأخذ المصحف فأعلاه فوق رأسه وقال : إن الإمام بعد جعفر بن محمد من اسمه بين الدفتين في جملة القرآن منصوص عليه من الذين أوجب الله طاعتهم على خلقه انا مؤمن به قال: فأخبر بذلك أبو الحسن الأول فقال : والله كان زرارة مهاجراً إلى الله تعالى .
47(1/47)
وفي كمال الدين (ص80 ): روى ابن بابويه القمي بإسناده عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن أبيه قال : لما بعث زرارة عبيداً ابنه إلى المدينة يسأل عن الخبر بعد مضي أبي عبد الله فلما أشتد به الأمر أخذ المصحف ! وقال: من أثبت إمامته هذا المصحف فهو إمامي .
بريد بن معاوية العجلي :
قال العاملي في وسائله (20/145-146 ): وجه من وجوه أصحابنا ، ثقة فقيه، له محل عند الأئمة قاله العلامة ونحوه النجاشي وعده الكشي من أصحاب الاجماع كما مر، وروى له مدحا جليلا ، وفيه بعض الذم يأتي الوجه في مثله في زرارة .
قلت: يبالغون في مدح الرجل مع أنه ملعون على لسان المعصومين ! .
روى الكشي (ص148ح237): بإسناده عن مسمع كردين أبي سيار قال سمعت أبا عبد الله يقول لعن الله بريدا ولعن الله زرارة .
ليث البختري المرادي " أبو بصير " :
ومن رواتهم أبو بصير وكان يتعاطى المسكر!! ويتمادى في شربه كسلفه الصالح!
فعن كليب بن معاوية قال: كان أبو بصير وأصحابه يشربون النبيذ يكسرونه بالماء فحدّثت بذلك أبا عبدالله(ع) فقال لي: وكيف صار الماء يحلّل المسكر ، مرهم لا يشربوا منه قليلا ولا كثيرا، قلت: إنهم يذكرون أن الرضا من آل محمد يحلّه لهم ، فقال: وكيف كان آل محمد يحلّون المسكر وهم لا يشربون قليلا ولا كثيرا فامسكوا عن شربه فاجتمعنا عند أبي عبدالله(ع) فقال له أبو بصير: إن جائنا بكذا وبكذا وكذا فقال(ع): صدق يا أبا محمد إن الماء لا يحلّل المسكر فلا تشربوا منه قليلا ولا كثيراً (1) .
__________
(1) فروع الكافي 6/411 - 412 كتاب الاشربة .
48(1/48)
أقول: أجمعت الشيعة على توثيق هذا الرجل رغم أن حاله حال زرارة مطعون فيه كما يأتي... قال الأردبيلي : قال الغضائري : كان أبو عبدالله(ع) يتضجر به ويتبرم وأصحابه يختلفون في شأنه قال وعندي أن الطعن وقع على دينه !! لا على حديثه وهو عندي ثقة !! والذي اعتمد عليه قبول روايته وأنه من أصحابنا الامامية للحديث الصحيح الذي ذكرناه أولاً وقول ابن الغضائري لا يوجب الطعن !! (1).
هذا وقد دافعوا عنه رغم هذه الطعون الشديدة من قبل المعصوم حتى التمسوا له الأعذار الواهية فقالوا : " وقد ذكرنا شطراً مما صدر من ساحتهم في حقه وأمثاله في ترجمة بريد معاوية العجلي.. " فراجع (2).
وقال شيخهم جعفر السبحاني:( وقع في إسناد كثير من الروايات تبلغ ألفين ومائتين وخمسة وسبعين موردا عنوان " أبي بصير " فاختلف في تعيين المراد منه كما اختلف في تحقيق عدد من يطلق عليه هذه الكنية ، فذهب بعضهم إلى إطلاقها على أثنين وبعض آخر على ثلاثة وجمع كثير على أربعة وربما يظهر من بعضهم أكثر من هذا العدد أيضاً ) (3).
لكن المشهور كما ذكرنا اشتراكها بين أربعة رجال كما ذهب إليه ابن داود والتفرشي والعلامة المامقاني قال الأول : أبو بصير مشترك بين أربعة :
1- ليث بن البختري 2- يوسف بن الحارث البتري 3- يحيى بن أبي القاسم
4- عبد الله بن محمد الأسدي (4) .
وهؤلاء الأربعة ليسوا كلهم ثقات كما جاء في معجم رجال الحديث وقد ذكر بعضهم أن أبا بصير مشترك بين الثقة وغيره ، ولأجل ذلك تسقط هذه الروايات الكثيرة عن الحجية (5).
قال النجاشي في ترجمة أبي بصير البختري المرادي : ليث البختري المرادي " أبو محمد " وقيل " أبو بصير الأصغر ". فإذن النجاشي لم يوثقه في رجاله وأهمله .
__________
(1) رجال الكشي ص159 (265) .
(2) هامش رجال النجاشي 2/163 .
(3) كليات في علم !! الرجال لجعفر السبحاني ص .
(4) رجال ابن داود القسم الأول باب الكنى ص214 .
49
(5) معجم رجال الحديث 21/ 47 .(1/49)
كما أن الطوسي لم يوثقه وأهمله ...لذلك قال التستري : والشيخ والنجاشي أهملاه (1) !
وأما ابن الغضائري فقال: ليث بن البختري المرادي أبو بصير يكنى أبا محمد، كان أبو عبد الله يتضجر به، ويتبرم وأصحابه مختلفون في شأنه وعندي أن الطعن إنما وقع على دينه لا على حديثه وهو عندي ثقة (2).
روى الكشي عن حماد الناب ، قال جلس أبو بصير على باب أبي عبد الله ليطلب الإذن ، فلم يؤذن له ، فقال لو كان معنا طبق لأذن قال ، فجاء كلب فشغر في وجه أبي بصير ، قال أف أف ما هذا ؟ قال جليسه : هذا كلب شغر في وجهك(3) .
وفي رواية أخرى عن حماد ابن عثمان ، قال خرجت أنا وابن أبي يعفور وآخر إلى الحيرة أو إلى بعض المواضع فتذاكرنا الدنيا فقال أبو بصير المرادي : أما أن صاحبكم لو ظفر بها لاستأثر بها ، فأغفى فجاء كلب يريد أن يشغر عليه فذهبت لأطرده ، فقال لي ابن أبي يعفور دعه قال ، فجاء حتى شغر في أذنه (4) .
فبم يفسر لنا عبد الحسين قول أبي بصير: " لو كان معنا طبق لأذن " .
فهل يا عبد حسين هذه هي الخدمة التي فاز بها أبو بصير عند الصادق ؟ .
وروى "الكشي"( ص169ح285): عن ابن أبي يعفور قال خرجت إلى السواد نطلب دراهم !!لنحج ونحن جماعة وفينا أبو بصير المرادي قال ، قلت له يا أبا بصير اتق الله وحج بمالك فإنك ذو مال كثير ! فقال اسكت فلو أن الدنيا وقعت لصاحبك لاشتمل عليها بكسائه .
ومن المعلوم أن "صاحبك " يعني به الإمام المعصوم ، كما فسّرها محشي الكشي وهاشم معروف (5).
__________
(1) كليات في علم الرجال ص 467، قاموس الرجال 11/119.
(2) معجم رجال الحديث ص141 ترجمة ليث بن البختري .
(3) رجال الكشي ص172 ، تنقيح المقال 2/ 45 (1998) ، معجم الرجال 14/148 ، مجمع الرجال للقهبائي 5/85 .
(4) المصدر السابق .
50
(5) دراسات في الآثار والأخبار ص233 .
51(1/50)
فبالرغم من تهجمه على الصادق من دون سبب، فأنه يريد أن يحج بمال غيره ، رغم أنه يملك مالاً كثيراً ، ولكن الحسد أعمى قلبه ، فظن أن الصادق على شاكلته أن لو الدنيا وقعت له لاشتمل عليها بكسائه ، ولكن هل ارتدع أبو بصير عن غيه ؟ كلا بل زاد طعناً وشتماً وسخرية للصادق ، فأخذ يصف الصادق بقلة العلم وبالجهل في المسائل الشرعية .
روى الكشي (ص 171-172ح292) عن شعيب العقرقوفي ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عن امرأة تزوجت ولها زوج فظهر عليها ؟ قال : ترجم المرأة ويضرب الرجل مائة سوط لأنه لم يسأل ، قال شعيب : فدخلت على أبي الحسن فقلت له امرأة تزوجت ولها زوج ؟ قال ترجم المرأة ولاشيء على الرجل ، فلقيت أبا بصير فقلت له إني سألت أبا الحسن عن المرأة التي تزوجت ولها زوج قال ترجم المرأة ولاشيء على الرجل، قال فمسح على صدره وقال ما أظن صاحبنا تناهى حلمه بعد!
قال محشي الكشي في الهامش : حكمه - وتناهى أي بلغ نهايته وتكامل .
وقال معلق مجمع الرجال في الهامش ما نصه :( نعوذ بالله من هذين الحديثين)!!
وأخرج هذه الرواية أيضا الطوسي في التهذيبين (1) أي التهذيب والاستبصار .
قال صاحب معجم الرجال :روى الشيخ هذه الرواية بسند معتبر مع اختلاف يسير في المتن .
__________
(1) الاستبصار 3/190ح687 باب"في الرجل يتزوج بامرأة ثم علم بعد ما دخل بها أن لها زوجا "، والتهذيب 7 /487ح1957 باب " في الزيادات في فقه النكاح " .(1/51)
وروى هذا المضمون أيضا بإسناده عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن شعيب قال سألت أبا الحسن عن رجل تزوج امرأة لها زوج قال : يفرق بينهما ، قلت فعليه ضرب ؟ قال: لا ما له يضرب ! فخرجت من عنده وأبو بصير بحيال الميزاب فأخبرته بالمسألة والجواب ، فقال لي: أين أنا ؟ فقلت بحيال الميزاب ، قال فرفع يده : ورب هذا البيت أو رب هذه الكعبة لسمعت جعفرا يقول : أن علياً قضى في الرجل تزوج امرأة لها زوج فرجم المرأة وضرب الرجل الحد ، ثم قال: لو علمت إنك علمت لفضخت رأسك بالحجارة ، ثم قال ما أخوفني إلا يكون أوتي علمه (1) ! .
وقد طعنوا في إمامهم المعصوم !! ودافعوا عن أبي بصير!! بأن وضعوا عدة مبررات ، منها بأن قالوا أن الرواية لا تدل على ذمه ، غاية الأمر إنه كان قاصراً في معرفته بعلم الإمام في ذلك الزمان لشبهة حصلت له وهي تخيله أن حكمه كان مخالفاً ما وصل إليه من آبائه وهذا مع أنه لا دليل على بقائه واستمراره لا يضر بوثاقته !!! ومنها أن الرواية صدرت تقية !
ومن العجب أن يزعموا أن أبا بصير كان قاصراً في علم الإمام ، رغم أنه حلف برب هذا البيت أو رب هذه الكعبة أنه سمع جعفرا يقول : أن علياً قضى في الرجل تزوج امرأة لها زوج فرجم المرأة وضرب الرجل الحد ، ثم قال : لو علمت أنك علمت لفضخت رأسك بالحجارة ، ثم قال ما أخوفني إلا يكون أوتي علمه !! ولا أدرى كيف يزعمون صدور هذه الروايات تقية !! .
فأبو بصير يصر أن المعصوم ! كان قاصرًا في علمه وهو الذي يهاجم الإمام ، وليس الإمام لكي يدعى زوراً أن الإمام استعمل التقية ، فهذا الجواب في غاية السخف .
ومن هذه الرواية يتضح لك تكذيب أبي بصير لأبي الحسن أو أنه كذب على الصّادق فضرب إماميه المعصومين ، فمن الكاذب إذاً أحد الإمامين أم أبو بصير ؟ !!
نترك لهذا المؤلف ليفسر لنا بعد ذلك قول أبي بصير " أظن صاحبنا ما تكامل علمه !! .
__________
(1) التهذيب 10 /25ح76 باب "في حدود الزنا " .(1/52)
ففي" وسائل الشيعة"( 16/287): عن شعيب العقرقوفي قال:كنت عند أبي عبد الله ومعنا أبو بصير وأناس من أهل الجبل يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب فقال لهم أبو عبد الله قد سمعتم ما قال الله تعالى في كتابه إشارة إلى قوله تعالى:{وَلاَ تَأكُلُو مِمَّا لَمْـ يُذْكَرِ اسْمُـ اللهِ عَلَيْهِ } فقالوا له نحب أن تخبرنا فقال لهم لا تأكلوها فلما خرجنا قال أبو بصير : كلها في عنقي ما فيها فقد سمعته وسمعت أباه جميعاً يأمران بأكلها فرجعنا إليه فقال لي أبو بصير: سله فقلت له: جعلت فداك : ما تقول في ذبائح أهل الكتاب ؟ فقال : أليس شهدتنا بالغداة وسمعت ؟ قلت : بلى : فقال : لا تأكلها .
والرواية أخرجها الطوسي في تهذيبه وتمامه فقال أبو بصير :كلها ثم قال لي: سله ثانية فقال لي مثل مقالته الأولى وعاد لي أبو بصير فقال لي قوله الأول : في عنقي كلها ثم قال لي : سله فقلت : لا اسأله بعد مرتين .
أقول : أبو بصير يُصر على وجوب تنازل الإمام عن فتواه ولكن رغم إصراره وسؤاله للصّادق عدة مرّات وجواب الصّادق في كل مرّة بعدم الجواز مع عدم وجود غيرهما في حضرته عند كل جواب رغم ذلك حاولوا بلا فائدة الدفاع عنه وأنه هو المصيب ، فهم يخّطئون إمامهم الذي اعتقدوا فيه العصمة المطلقة ! بينما يدافعون بكل ما أوتوا من قوة عن هذا الراوي المطعون فيه حتى قال قائلهم : رواية أبي بصير محمولة على التقية (1).
قلت: أي أن أبا بصير هو الصّادق والإمام الصّادق هو الكاذب!! عند هؤلاء القوم . وأبو بصير كان يدخل على الأئمة المعصومين وهو جنب قال السيد أحمد في التحرير : " ومن ذلك أنه دخل عليه وهو جنب فنهاه عن ذلك !
__________
(1) المصدر السابق .
53(1/53)
فعن بكير قال لقيت أبا بصير المرادي قلت : أين تريد ؟ قال : أريد مولاك ؟ قلت أنا أتبعك فمضى معي فدخلنا عليه وأحدّ النظر إليه وقال هكذا تدخل بيوت الأنبياء ! وأنت جنب! قال : أعوذ بالله من غضب الله وغضبك فقال : أستغفر الله ولا عود(1)
لقد صدق الدهلوي عندما ذكر أن من رواة الشيعة من طرده جعفر الصادق من مجلسه ومع هذا تعتمد الشيعة على رواياتهم كما مرّ.
هشام بن الحكم :
هذا الرجل هو الذي فتق نظرية الإمامة والوصاية والعصمة عند الشيعة ووضع لها أصولاً وضوابط .
قال العاملي في وسائله:( ممن فتق الكلام في الإمامة وهذّب المذهب بالنظر)(2)
__________
(1) الكشي ص171ح288 ، التنقيح 2/ 45 ، معجم رجال 14/148 ، مجمع الرجال 5/83 .
(2) الوسائل 20/360،جامع الرواة 2/313 ، فهشام بن الحكم هو أول من هذب وطور عقيدة الإمامة عند الشيعة وهو شارك شيطان الطاق في ادعاء هذا. وقد روى الكشي في رجاله ما يفيد أن مؤامرة هشام بن حكم في مسألة الإمامة وصل خبرها إلى هارون الرشيد حيث قال له يحيى البرمكي : يا أمير المؤمنين أني قد استنبطت أمر هشام فإذا هو يزعم أن لله في أرضه إماما غيرك مفروض الطاعة , قال سبحان الله ! قال:نعم، ويزعم أنه لو أمره بالخروج لخرج !، فيظهر أن هارون - كما يدل عليه هذا النص - فوجىء بهذه المقالة.. فهشام بن الحكم وشيطان الطاق كما يأتي وأتباعهما هم الذين أحيوا نظرية ابن سبأ في أمير المؤمنين علي ثم عمموها على آخرين من سلالة أهل البيت ، واستغلوا بعض ما جرى على أهل البيت كمقتل علي والحسين في إثارة مشاعر الناس وعواطفهم.... فسرت هذه العقيدة و سار عليها بعد ذلك مشايخ الشيعة و ألفوا في =
54
= ذلك كتبهم في العقائد ..وروى الكشي عن يونس قال : كنت مع هشام بن الحكم في مسجده بالعشي حيث أتاه سالم ... فقال له أن يحيى بن خالد يقول : قد أفسدت على الرافضة دينهم لأنهم يزعمون أن الدين لا يقوم إلا بإمام حي وهم لا يدرون أن إمامهم اليوم حي أو ميت! فقال هشام عند ذلك : إنما علينا أن ندين بحيوة الإمام أنه حي حاضر كان عندنا متواريا عنا حتى تأتينا موته ، فما لم يأتناموته فنحن مقيمون على حياته .. انظر رجال الكشي ص258 (477) ، ص266-267(480) .(1/54)
.
وقد دافعوا عن هذا المجسم حتى قال عبد الحسين في "مراجعاته" الملفقة ما نصه: (ورماه بالتجسيم وغيره من الطامات مريدو إطفاء نور الله من مشكاته حسداً لأهل البيت وعدواناً ونحن أعرف الناس بمذهبه وفي أيدينا أحواله وأقواله وله في نصرة مذهبنا من المصنفات ما أشرنا إليه فلا يجوز أن يخفى علينا من أقواله وهو من سلفنا وفرطنا ما ظهر لغيرنا مع بعدهم عنه في المذهب والمشرب ) (1).
وقال أيضاً:( لم يعثر أحد من سلفنا على شيء مما نسبه الخصم إليه كما أنا لم نجد أثراً لشيء مما نسبوه إلى كل من زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم ومؤمن ! الطاق وأمثالهم مع أنا قد استفرغنا الوسع والطاقة في البحث عن ذلك وما هو إلا البغي والعدوان والأفك والبهتان .. وهل يليق بمثل هشام على غزارة فضله أن تنسب إليه الخرافات ؟ كلا لكن القوم أبوا إلا الإرجاف حسداً وظلماً لأهل البيت ومن يرى رأيهم... ) (2) .
قلت: في الرد على هؤلاء ولا سيما هذا المؤلف الذي يزعم أنه استفرغ الوسع والطاقة في البحث!! . جاء في " الكافي " الذي قلت عنه في مراجعاتك (ص390): (وأحسن ما جمع منها - أي من الأصول الأربعمائة - الكتب الأربعة التي هي مرجع الإمامية في أصولهم وفروعهم من الصدر الأول إلى هذا الزمان وهي : الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها ...) .
فلنورد أحاديث الكافي المقطوع بصحة مضامينه حسب زعمه ليكون ذلك حجة عليه و أضرابه ممن يزعمون انهم استفرغوا الوسع ....وليكون حجة كذلك على أولئك الذين يزعمون : أن الأصحاب اتفقوا على توثيقه ورفعة منزلة هذا المجسم عند الأئمة لكن طعن فيه أهل السنة وورد في الأخبار ذم له من جهة القول بالتجسيم !
__________
(1) المراجعات للموسوي مراجعة رقم (110) ص390 .
(2) المصدر السابق ص391 -392 .
55(1/55)
أخرج الكليني الملقب عندهم " بثقة الإسلام " !! في كافيه بسنده عن علي بن أبي حمزة قال: قلت لأبي عبد الله سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم أن الله جسم ، صمدي نوري ، معرفته ضرورة يمن بها على من يشاء من خلقه فقال: سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لا يحسد ولا يحس
ولا يجس ولا تدركه الأبصار ولا الحواس ولا يحيط به شيء ولا جسم ولا صورة ولا تخطيط ولا تحديد (1).
وقد أشار أصحاب المقالات والفرق إلى ما ذهب إليه هذا المجسم فقال البغدادي في الفرق :( زعم هشام بن الحكم أن معبوده جسم ذو حدٍ ونهاية وأنه طويل، عريض، عميق وأن طوله مثل عرضه ) (2).
وقال البغدادي والأشعري في مقالاتهما :( وذكر أبو الهذيل في بعض كتبه أن هشام بن الحكم قال له : أن ربه جسم ذاهب جاءٍ فيتحرك تارة ويسكن أخرى ويقعد مرة ويقوم أخرى ..
قال: فقلت له : فأيهما أعظم إلهك أو هذا الجبل ؟ وأومأت إلى أبي قبيس قال: فقال : هذا الجبل يوفى عليه أي هو أعظم منه ) (3).
وقال الشهرستاني والأشعري : ( حكى ابن الراوندي عن هشام أنه قال : أن بين معبوده وبين الأجسام تشابها ما بوجه من الوجوه ولولا ذلك لما دلت عليه) (4).
وأما قول هشام فيما يرويه عن أبي عبد الله الصادق أن الله جسم صمدي نوري فقد أشار إلى ذلك أصحاب المقالات منهم الأشعري والاسفرايني والبغدادي قالوا :( وزعم أنه نور ساطع له قدر من الأقدار في مكان دون مكان كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤ المستديرة من جميع جوانبها ) (5).
__________
(1) أصول الكافي 1/104 باب النهي عن الجسم والصورة ح1 ، التوحيد لابن بابويه القمي ص98 .
(2) الفرق بين الفرق للبغدادي ص65 .
56
(3) مقالات الاسلاميين 1/107 .
(4) الملل ولنحل لسهرستاني 1/184 ، ومقالات الاسلاميين 1/107 .
(5) مقالات الاسلاميين 1/106 ، الفرق بين الفرق ص65 ، التبصير في الدين ص37 .(1/56)
أخرج الكليني في كافيه وابن بابويه القمي الملقب عندهم "الصدوق " عن محمد بن حكيم قال : وصفت لأبي إبراهيم قول هشام الجواليقي وحكيت له قول هشام بن الحكم : إنه جسم فقال : أن الله لا يشبهه شيء أي فحش أو خناء أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد أو أعضاء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (1).
وأخرج الكليني الملقب عندهم " بثقة الإسلام " والقمي الملقب عندهم " بالصدوق " عن الحسن موسى بن جعفر: أن هشام بن الحكم زعم أن الله جسم ليس كمثله شيء ، عالم ، سميع بصير ، قادر ، متكلم ناطق والكلام والقدرة والعلم يجرى مجرى واحد ليس شيء منها مخلوقا فقال : قاتله الله، أما علم أن الجسم محدود والكلام غير المتكلم معاذ الله و أبرأ إلى الله من هذا القول لا جسم ولا صورة ولا تحديد وكل سواه مخلوق إنما تكون الأشياء بإرادته ومشيئته من غير كلام ولا تردد في نفس ولا نطق بلسان (2).
وقد أشار إلى هذه المقالة الشنيعة أصحاب الفرق والمقالات فقال الشهرستاني: ( ومذهب هشام أنه قال: لم يزل الباري تعالى عالما بنفسه ويعلم الأشياء بعد كونها بعلم لا يقال فيه انه محدث أو قديم لأنه صفة والصفة لا توصف ....وليس قوله في القدرة والحياة كقوله في العلم إلا انه لا يقول بحدوثهما قال : ويريد الأشياء و إرادته حركة ليس هي عين الله ولا هي غيره) (3).
وقال البغدادي : وقد روي أن هشاماً مع ضلالته في التوحيد ضل في صفات الله أيضاً ...قال في قدرة الله وسمعه وبصره وحياته و إرادته " إنها لا قديمة ولا محدثة لأن الصفة لا توصف " قال : " لو كان عالما بما يفعله عباده قبل وقوع الأفعال منهم لم يصح اختيار العباد وتكليفهم (4).
__________
(1) أصول الكافي 1/ 105ح4 ، والتوحيد للقمي ص99ح6 .
57
(2) أصول الكافي 1/106ح7 ، والتوحيد ص100ح8 .
(3) الفرق بين الفرق ص66، الشهرستاني 1/ 185 .
(4) المصدر السابق .(1/57)
وأخرج الكليني والقمي بإسنادهما عن محمد بن حكيم قال : وصفت لأبي الحسن قول هشام الجواليقي وما يقول في الشاب الموفق ، وصفت له قول هشام بن الحكم فقال : أن الله عز و جل لا يشبهه شيء (1).
وأخرج الكليني عن محمد بن الفرج ووصله القمي عنه قال : كتب إلى أبي الحسن أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة ، فكتب: دع عنك حيرة الحيران واستعذ بالله من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان (2).
وأخرج الصدوق بإسناده عن الصقر بن أبي دلف قال : سألت أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا (ع) عن التوحيد وقلت له : إني أقول بقول هشام ابن الحكم ، فغضب (ع) ثم قال : مالكم ولقول هشام ، إنه ليس منّا من زعم أن الله - عز وجل -جسم ونحن منه برآء في الدنيا والآخرة ، يا ابن أبي دلف إن الجسم محدث ، والله محدثه ومجسمه ( (3).
فأنظروا إلى جرأة كذبه بقوله : ( هل يليق بمثل هشام على غزارة فضله أن تنسب إليه الخرافات ؟ كلا لكن القوم أبوا إلا الأرجاف حسداً وظلماً لأهل البيت ومن يرى رأيهم ) !
ويذكر أن أكثر رواة الشيعة كانوا من القائلين بالتجسيم أمثال هشام بن الحكم وهشام بن سالم ويونس بن عبد الرحمن وشيطان الطاق الملقب عندهم بمؤمن الطاق وغيرهم ، حتى أن أحد الشيعة سأل شيخهم المفيد فقال :( إني لا أزال أسمع المعتزلة يدّعون على أسلافنا أنهم كانوا كلهم مشبهة(4)
__________
(1) الكافي 1/106ح8 ، التوحيد ص98ح1 .
58
(2) الكافي 1/105ح5 ، التوحيد ص98ح2 .
(3) التوحيد باب أنه - عز وجل - ليس بجسم ولا صورة ص104ح20 .
(4) هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب أحد رواة الشيعة جاء ترجمته في حاوي الأقوال 3/232 رقم1186 يكنى أبا القاسم ثقة ! وجه، وكان له مذهب في الجبر والتشبيه، لقى أبا محمد وأبا الحسن(ع) ، وفي الفهرست:( له روايات عن رجال الصادق(ع) .
ومن رواتهم محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي ذكر النجاشي في رجاله 2/284 رقم 1021، كان ثقة!! صحيح الحديث!، إلا أنه كان يقول بالجبر والتشبيه !!
ومن رواتهم يونس بن عبد الرحمن القمي انظر كتاب " الواقفة" 2/203 .(1/58)
، وأرى جماعة من أصحاب الحديث من الإمامية يطابقونهم على هذه الحكاية ، ويقولون أن نفي التشبيه إنما أخذناه من المعتزلة ) (1) .
لذلك تجدهم كثيراً كانوا يسألون المعصومين عن التوحيد الصحيح ، والروايات في هذا الباب كثيرة أخرجها القمي في كتابه " التوحيد " فراجعها (2).
فهذه هي روايات الكافي الذي قالوا عنه " بأن مضامينها مقطوع بصحتها " والذي قال العاملي في وسائله في الفائدة الرابعة : في ذكر الكتب المعتمدة التي نقل منها أحاديث هذا الكتاب - أي الوسائل - وشهد بصحتها مؤلفوها وغيرهم ومنها الكافي(3).
قال الاسفراييني في التبصير ( (4) ) :( وأما الهشامية فانهم أفصحوا عن التشبيه بما هو كفر محض باتفاق جميع المسلمين ، وهم الأصل في التشبيه و إنما أخذوا تشبيههم من اليهود حين نسبوا إليه الولد وقالوا { عُزَيرٌ ابنُ اللهِ } وأثبتوا له المكان والحد والنهاية والمجيء تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ....) .
وقد أراد بعضهم الدفاع عن هذا المجسم بأي طريقة وأسهلها هي حمل هذه الأحاديث المقطوع بصحتها حسب زعمهم بأنها " موضوعة " وبذلك ينتهي كل حديث يفضح هذا المجسم !
والعجب أن الذي يقول هذا الكلام المضحك صاحب كتاب في علم الرجال!! وهو معجم رجال الحديث ( الخوئي) .
يقول صاحب هذا الكتاب : ( و إني لأظن الروايات الدالة على أن هشاما يقول بالجسمية كلها موضوعة وقد نشأت هذه النسبة عن الحسد كما دل على ذلك رواية الكشي المتقدمة بإسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري قال:سألت أبا الحسن الرضا(ع) عن هشام بن الحكم قال : فقال رحمه الله كان عبدا أوذي من قبل أصحابه حسداً منهم له ) (5).
__________
(1) انظر كتاب الحكايات للشيخ المفيد ص77 .
(2) نظر هذه الروايات في التوحيد وهي ثمان روايات من ص100-103 .
(3) الوسائل 20/ 36 .
(4) التبصير في الدين ص 38 .
60
(5) معجم رجال الحديث / 294 .(1/59)
قلت: سبحان الله إن كان أصح كتبكم والذي تزعمون بأن مضامينها مقطوع بصحتها أحاديثه موضوعة ، فماذا بقى لكم من الكتب التي تعتمدون عليها ؟! على كل حال يعترف فطاحلتهم بأن هذا الزنديق من أصحاب التجسيم !
يقول شيخهم المفيد في كتابه " الحكايات " بعد أن سأله أحد الشيعة وهذا نصه: ( وإنما خالف هشام وأصحابه ،جماعة أبي عبد الله بقوله في الجسم ، فزعم أن الله تعالى " جسم لا كالأجسام ) (1) .
وروى الكشي عن أبي راشد عن أبي جعفر الثاني قال : قلت جعلت فداك قد اختلف أصحابنا فأصلّي خلف هشام بن الحكم فقال : يا أبا علي عليك بعلي بن حديد قلت : فآخذ بقوله ؟ فقال : نعم فلقيت علي بن حديد فقلت له : نصلّي خلف أصحاب هشام بن الحكم ؟ قال : لا (2).
وروى الكشي عن عبد الرحمن بن الحجاج قال أبو الحسن أئت هشام بن الحكم فقل له : يقول لك أبو الحسن أيسرك أن تشرك في دم امرىء مسلم فإذا قال لا فقل له ما بالك شركت في دمي (3).
وروى الكشي عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سمعته يؤدي إلى هشام بن الحكم رسالة أبي الحسن قال : فما بال هشام يتكلم وأنا لا أتكلم قال : أمرني أن آمرك أن لا تتكلم وأنا رسوله إليك قال أبو يحيى : أمسك هشام بن الحكم عن الكلام شهراً لم يتكلم ثم تكلم فأتاه عبد الرحمن بن الحجاج فقال له : سبحان الله يا أبا محمد تكلمت وقد نهيت عن الكلام قال: مثلي لا ينهى عن الكلام قال أبو يحيى: فلما كان من قابل أتاه عبد الرحمن بن الحجاج فقال له : يا هشام قال أيسرك أن تشرك في دم امرىء مسلم ؟ قال لا قال : وكيف تشرك في دمي فإن سكت وإلا فهو الذبح فما سكت حتى كان من أمره ما كان (4) .
__________
(1) الحكايات ص78-81 .
(2) رجال الكشي ص279 رقم 499 .
(3) رجال الكشي ص278-279 رقم 498 .
61
(4) رجال الكشي ص270-271رقم 488 .
62(1/60)
وروى الكشي عن جعفر بن محمد بن حكيم الخثعمي قال : اجتمع هشام بن سالم ، وهشام بن الحكم ، وجميل بن دراج ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، ومحمد بن حمران ، وسعيد بن غزوان ، ونحو من خمسة عشر رجلاً من أصحابنا ، فسألوا هشام بن الحكم أن يناظر هشام بن سالم فيما اختلفوا فيه من التوحيد وصفة الله - عز وجل -، وعن غير ذلك لينظروا أيهم أقوى حجة ، فرضي هشام بن سالم أن يتكلم عند محمد بن أبي عمير ، ورضي هشام بن الحكم أن يتكلم عند محمد بن هشام فتكلما وساق ما جرى بينهما وقال : قال عبد الرحمن بن الحجاج لهشام بن الحكم : كفرت والله وبالله العظيم وألحدت فيه ، ويحك ما قدرت أن تشبه بكلام ربك إلا العود تضرب به ، قال جعفر بن محمد بن حكيم : فكتب إلى أبي الحسن موسى يحكى لهم مخاطبتهم وكلامهم ويسأله أن يعلمه ما القول الذي ينبغي أن يدين الله به من صفة الجبار ، فأجابه في عرض كتابه : فهمت رحمك الله واعلم رحمك الله أن الله أجل وأعلى وأعظم من أن يبلغ كنه صفته ، فصفوه بما وصف به نفسه ، وكفوا عما سوى ذلك .
ثم أن هذا الزنديق من تلاميذ أبي شاكر الزنديق وزندقته ظاهرة بما مر وبما رواه كل من أصحاب الفرق ..
فقد روى "الكشي"(ص278 رقم 497): عن أبي محمد الحجال عن بعض أصحابنا عن الرضا قال : ذكر الرضا العباسي فقال هو من غلمان أبي الحارث - يعني يونس بن عبد الرحمن - وأبو الحارث من غلمان هشام وهشام من غلمان أبي شاكر ، وأبو شاكر زنديق .
وقد غمزه البرقي في رجاله :أن هشام من غلمان أبي شاكر الزنديق وهو جسمي رديء وسيأتي في الضعفاء (1).
ونقل البغدادي في الفرق قول هشام بن الحكم أن معبوده " سبعة أشبار بشبر نفسه " كأنه قاسه على الإنسان قبحه الله تعالى .
__________
(1) تنقيح المقال 1/295 .(1/61)
قال ابن قتيبة في مختلف الحديث : ثم نصير إلى هشام بن الحكم فنجده رافضياً غالياً ويقول في الله - عز وجل - بالأقطار والحدود والأشبار وأشياء يتحرج من حكايتها وذكرها (1).
وقد ترجم له ابن حجر في لسان الميزان فقال : هشام بن الحكم ..كان من كبار الرافضة ومشاهيرهم وكان مجسماً يزعم أن ربه طوله سبعة أشبار بشبر نفسه (2) .
قلت: من كل هذا ، يتبين أن الرجل غارق في التجسيم والزندقة حتى شحمتي أذنيه ، وقد اعترف بذلك شيخهم المفيد في كتابه " الحكايات " كما مر حيث قال وهذا نصه :" وإنما خالف هشام وأصحابه ، جماعة أبي عبد الله(ع) بقوله في الجسم ، فزعم أن الله تعالى " جسم لا كالأجسام " ، وقد روي أنه رجع عن هذا القول بعد ذلك وقد اختلفت الحكايات عنه ولم يصح منها إلا ما ذكرت، وأما الرد على هشام، والقول بنفي التشبيه ، فهو أكثر من أن يحصى من الرواية عن آل محمد .
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب ....عن محمد بن زياد قال : سمعت يونس يونس بن ظبيان يقول : دخلت على أبي عبد الله فقلت
له : أن هشام بن الحكم يقول في الله - عز وجل - قولا عظيماً ، إلا أني أختصر منه أحرفا : يزعم : أن الله سبحانه " جسم لا كالأجسام " لأن الأشياء شيئان : جسم وفعل الجسم ، فلا يجوز أن يكون الصانع بمعنى الفعل ، ويجب أن يكون بمعنى الفاعل، فقال أبو عبد الله: يا ويحة ! أما علم أن الجسم محدود ، متناه ، محتمل للزيادة والنقصان ، وما احتمل ذلك كان مخلوقا ؟ فلو كان الله جسماً لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق.
فهذا قول أبي عبد الله، وحجته على هشام فيما اعتل به هشام من المقال (3) .
وقد وقع بعنوان هشام بن الحكم -كما يقول صاحب معجم الرجال - في إسناد كثير من الروايات ،تبلغ مائة وستين موردا .
هشام بن سالم الجواليقي :
__________
(1) تأليف مختلف الحديث لإبن قتيبة ص35 .
(2) لسان الميزان 6/194 .
63
(3) الحكايات ص78-81 .(1/62)
قال العاملي في"خاتمة الوسائل "(20/ 362): ثقة ثقة ، قاله النجاشي والعلامة ، وروى الكشي له مدحاً .
قلت: يبالغون في توثيق الرجل مع أنه مطعون فيه عندهم ، وصاحب عقيدة فاسدة !!
قال البغدادي في الفرق والاسفرايني في التبصير : الهشامية منهم وهم فريقان أصحاب هشام بن الحكم الرافضي وأصحاب هشام بن سالم الجواليقي ، والفريقان جميعا يدينون بالتشبيه والتجسيم ، واثبات الحد والنهاية حتى قال هشام بن الحكم : أنه نور يتلألأ كقطعة من السبيكة الصافية أو كلؤلؤ بيضاء ، والجواليقي يقول بالصورة واثبات اللحم والدم واليد والرجل والأنف والأذن والعين واثبات القلب والعاقل بأول وهلة يعلم أن من كانت هذه مقالته لم يكن له في الاسلام (1).
ولابأس أن نستشهد بما جاء في الكافي الذي قال عبد الحسين عنه في مراجعاته: (بأن مضامينها مقطوع بصحتها والكافي أقدمها وأعظمها وأحسنها وأتقنها ).
فلنورد أحاديث الكافي المقطوع بصحة مضامينها حسب زعمه ليكون ذلك حجة عليه و أضرابه ممن يزعمون انهم استفرغوا الوسع !
أخرج الكليني"الكافي"( 1/106)-باب النهي عن الجسم والصور- والقمي الملقب عندهم بالصدوق بإسنادهما عن محمد بن حكيم قال : وصفت لأبي الحسن قول هشام الجواليقي وما يقول في الشاب الموفق ، وصفت له قول هشام بن الحكم فقال : أن الله عز و جل لا يشبهه شيء .
وأخرج أيضاً(1/-105)-باب النهي عن الجسم والصورة من كتاب التوحيد - عن محمد بن الفرج ووصله القمي عنه قال : كتب إلى أبي الحسن أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة ، فكتب : دع عنك حيرة الحيران واستعذ بالله من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان .
__________
(1) الفرق بين الفرق ص64-65، التبصير في الدين ص38 .
64(1/63)
وروى "الكشي"(ص284-285رقم 503): عن عبد الملك بن هشام قال : قلت لأبي الحسن الرضا أسألك جعلني الله فداك ؟ قال سل يا جبلى عماذا تسألني فقلت جعلت فداك زعم هشام بن سالم أن الله - عز وجل - صورة وأن آدم خلق على مثال الرب ويصف هذا ويصف هذا و أوميت إلى جانبي وشعر رأسي ، وزعم يونس مولى آل يقطين وهشام بن الحكم : أن الله شيء لا كالأشياء بائنة منه وهو بائن من الأشياء وزعما أن إثبات الشيء أن يقال جسم فهو جسم لا كالأجسام شيء لا كالأشياء ثابت موجود غير مفقود ولا معدوم خارج من الحدين حد الإبطال وحد التشبيه فبأي القولين أقول قال ، فقال: أراد هذا الإثبات وهذا شبه ربه تعالى بمخلوق ، تعالى الله الذي ليس له شبيه ولا عدل ولا مثل ولا نظير ولا هو في صفة المخلوقين ، لا يقل بمثل ما قال هشام بن سالم وقل بما قال مولى آل يقطين وصاحبه قال قلت فنعطي الزكاة من خالف هشاما في التوحيد فقال برأسه لا .
65
شيطان الطاق:
قال العاملي في"خاتمة الوسائل"(20/ 337):محمد بن علي بن النعمان الأحول مؤمن الطاق ثقة، كثير العلم، حسن الخاطر، قاله العلامة، ووثقه الشيخ ، وأثنى عليه النجاشي .
قلت : يبالغون في توثيق الرجل مع أنه مطعون فيه عندهم ومن القائلين بالتجسيم وهو الذي هذب المذهب ووضع الأصول والضوابط النظرية الإمامة المزعومة(1)
__________
(1) يذكر أن هذا الراوي أي شيطان الطاق والذي تلقبه الشيعة بمؤمن الطاق هو الذي كان يشيع القول بأن الإمامة محصورة بأناس مخصوصين من آل البيت .
وأنه حينما علم بذلك زيد بن علي بعث إليه ليقف على حقيقة الإشاعة .
فقد ذكر الكشي ص186 أن مؤمن الطاق قال كنت عند أبي عبد الله فدخل زيد بن علي فقال له زيد : " بلغني إنك تزعم أن في آل محمد إماما مفترض الطاعة ؟ قال شيطان الطاق : نعم وكان أبوك علي بن الحسين أحدهم فقال : وكيف وقد كان يؤتى بلقمة وهي حارة فيبردها بيده ثم يلقمنيها افترى أنه كان يشفق علي من حر اللقمة , ولا يشفق عليّ من حر النار ؟ قال -شيطان الطاق - قلت له : كره أن يخبرك فتكفر فلا يكون له فيك الشفاعة لا والله فيك المشية..
وفي رواية للكليني وتنقيح المقال قال زيد بن علي لأبي جعفر :يا أبا جعفر كنت اجلس مع أبي على الخوان فيلقمني البضعة السمينة ويبرد لي اللقمة الحارة ...- إلى أن قال - إذ أخبرك بالدين ولم يخبرني به ؟ فأجابه شيطان الطاق: جعلت فداك من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار وأخبرني أنا فأن قبلت نجوت وأن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار..
66(1/64)
.
ولابأس أن نستشهد بما جاء في الكافي إذ هو حجة عليه كما ذهب إليه المؤلف في مراجعاته !
الكليني في كافيه عن إبراهيم بن محمد الخزاز ومحمد بن الحسين قالا : دخلنا على أبي الحسن الرضا فحكينا له أن محمد رأى ربه في صورة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة وقلنا : أن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون : إنه أجوف إلى السرة والبقية صمد ، فخر ساجدا لله ثم قال : سبحانك ما عرفوك و لا وحدوك فمن أجل ذلك وصفوك ، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك ، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن يشبهوك بغيرك اللهم لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك ولا أشبهك بخلقك أنت أهل لكل خير ، فلا تجعلني من القوم الظالمين !! ، ثم التفت إلينا فقال : ما توهمتم من شيء فتوهموا الله غيره ثم قال : نحن آل محمد النمط الأوسط الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي ، يا محمد أن رسول الله حين نظر إلى
عظمة ربه كان في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة يا محمد عظم ربي عز و جل أن يكون في صفة المخلوقين (1) .
وقد أشار أصحاب الفرق والمقالات إلى هذه الفرقة والتي تنتسب إلى هذا الشيطان فقال الاسفرايني والبغدادي وغيرهما : هؤلاء أتباع محمد بن النعمان الرافضي الذي كان يلقب بشيطان الطاق، وكان في زمان جعفر الصادق ، وعاش بعده مدة وساق الإمامة إلى ابنه موسى، وقطع بموت موسى، فكان في الإمامة على مذهب القطعية وكان يقول أن الله تعالى لا يعلم الشر قبل أن يكون كما كان يقوله هشام بن الحكم وقد كان يوافق هشام الجواليقي في كثير من بدعه ، أن أفعال العباد أجسام وان العبد يصح أن يفعل الجسم (2).
__________
(1) أصول الكافي كتاب التوحيد 1/ 100 باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى .
(2) الفرق بين الفرق ص70، والتبصير في الدين ص37 .
67(1/65)
وروى عمدتهم في الجرح والتعديل الكشي تحت عنوان ما روى فيه - أي في شيطان الطاق من الذم ما يلي : عن المفضل بن عمر قال ، قال لي أبو عبدالله ائت الأحول فمره لا يتكلم ! فأتيته في منزله فاشرف علىّ فقلت له يقول لك أبو عبدالله لا تكلم قال أخاف إلا أصبر (1).
وروى الكشي عن فضيل بن عثمان قال دخلت على أبي عبد الله في جماعة من أصحابنا فلما أجلسني قال ما فعل صاحب الطاق ؟ قلت صالح قال أما أنه بلغني إنه جدل وإنه يتكلم في تيم قذر ؟ قلت أجل هو جدل قال أما أنه لو شاء طريف من مخاصميه أن يخصمه فعل ؟ قلت كيف ذاك ؟ فقال يقول أخبرني عن كلامك هذا من كلام أمامك ؟ فإن قال نعم : كذب علينا وإن قال لا : قال له كيف تتكلم بكلام لم يتكلم به إمامك ثم قال أنهم يتكلمون بكلام إن أنا أقررت به ورضيت به أقمت على الضلالة وأن برئت منهم شق عليّ نحن قليل وعدوّنا كثير قلت جعلت فداك فابلغه عنك ذلك ؟ قال أما أنهم قد دخلوا في أمر ما يمنعهم عن الرجوع عنه إلا الحمية قال فأبلغت أبا جعفر الأحول ذاك فقال صدق بأبي وأمي ما يمنعني من الرجوع عنه إلا الحمية (2).
هذا وقد ألف هشام بن الحكم كتاباً في الرد على هذا الشيطان باسم " الرد على شيطان الطاق"، ذكر ذلك شيخ طائفتهم الطوسي في فهرسته،والنجاشي في رجاله(3) .
قلت: فإن كان هؤلاء هم الأبطال الذين فازوا بخدمة الباقر والصادق ، فعلى الإسلام السلام !
طعن عبد الحسين في عدالة الصحابة :
وأما قوله بعدم وجود دليل على عدالة الصحابة كما في قوله:( هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم ، والكتاب والسنة بينا على هذا الرأي " وأن : الجمهور بالغوا في تقديس كل من يسمونه صحابياً حتى خرجوا عن الاعتدال فاحتجوا بالغث منهم والسمين ) .
__________
(1) رجال الكشي ص191 .
(2) رجال الكشي ص191 .
(3) الفهرست ص355، النجاشي ص305وانظر الذريعة 10/ 203 .
68(1/66)
قلت : إن بحثه عن أبي هريرة سيبين مقدار محافظته ودفاعه عن السنة ، فالدفاع عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وتقديس رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لايكون في سب أصحابه وتكذيبهم، والافتراء عليهم ، والاستهزاء بهم وهو القائل : " لاتسبوا أصحابي " و" احفظوني في أصحابي " .
لذلك سوف أتعرض لمسألة "عدالة الصحابة" من وجه نظر ثلاث فرق ،وهم أهل السنة والشيعة الامامية - أي مذهب المؤلف الذي يزعم أنه يتبع أهل البيت - والمعتزلة ، وقبل بيان ذلك ، لابد من تعريف " الصحابي " ومنزلته في الإسلام .
تعريف بالصحابي ومنزلته في الإسلام :
عرف العلماء وأئمة الحديث الصحابي بأنه من لقى النبي- صلى الله عليه وسلم - مؤمناً به ومات على ذلك ، فمن ارتد ومات على ردته بطلت صحبته ، و من تاب وعاد إلى الإسلام عادت إليه الصحبة على الأرجح ، وكذلك من أظهر الإسلام وأبطن الكفر من أهل النفاق بمعزل عن شرف الصحبة، وقد تكفل الله ورسوله بالكشف عن نفاق هؤلاء، والجمهور من العلماء على أن الصحبة لا يشترط فيها طول الوقت ، ولا الجهاد والإنفاق في سبيل الإسلام ، وبعض العلماء اشترط في الصحبة طول الملازمة والمعاشرة، وأن يكون غزا مع النبي غزوة أو غزوتين ، ومع أن الجمهور من العلماء على عدم اشتراط طول الصحبة أو الغزو أو الإنفاق إلا أنهم يرون أن من طالت صحبته بالنبي- صلى الله عليه وسلم - أو سمع منه أو غزا معه أو بذل نفسه وماله في سبيل نصرته أحق بالفضل وأولى بالتقديم
69
ممن ليس كذلك ، قال الحافظ ابن حجر في شرح نخبة الفكر : " لا خفاء برجحان رتبة من لازمه وقاتل معه أو قتل تحت رايته على من لم يلازم أو يحضر معه مشهداً ، وعلى من كلمه يسيراً أو ما شاه قليلا أو رآه على بعد أو في حال الطفولة ، وإن كان شرف الصحبة حاصلا للجميع ، ومن ليس له منهم سماع منه فحديثه مرسل من حيث الرواية ، وهم مع ذلك معدودون في الصحابة لما نالوه من شرف الصحبة .(1/67)
ويشير إلى هذا المعنى قول الله تعالى: { لا يَسْتَوَى مِنكُمْـ مَّنْ أَنَفَقَ مِن قَبْلَ الْفَتْحِ وَقَتَلَ أُوْلَئكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنْفَقُواْ مِنم بَعْدُ وَقَتَلُواْ وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الحْسُنَى واللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [ الحديد/10] .
أولا : موقف الجمهور من الصحابة :
الصحابة كلهم عدول عند جمهور العلماء من المحدثين والفقهاء والأصوليين ، ومعنى عدالتهم : أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لما اتصفوا به من قوة الإيمان والتزام التقوى والمروءة وسمو الأخلاق والترفع عن سفاسف الأمور وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصي أو السهو أو الغلط ، فإن ذلك لم يقل به أحد من
أهل العلم، ولم يخالف في عدالتهم إلا شذاذ من المبتدعة وأهل الأهواء ، لا يعتد بأقوالهم لعدم استنادها إلى برهان إلا وجه الشيطان كما نبينه إن شاء الله تعالى.
وعدالة الصحابة - رضي الله عنهم - ثابتة معلومة بتعديل الله تعالى، والآيات في الثناء عليهم والشهادة لهم بالإيمان وكل خير معروفة .
فمن إخباره سبحانه تعالى عن طهارتهم وأنهم خير الأمم وأوسطها وأزكاها واتقاها قوله تعالى: { وَكَذّلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [ البقرة /143]، والوسط هم الخيار العدول، إذ الوسط من كل شيء خياره وأعدله .
وقال تعالى:{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ } [عمران/110] .
70(1/68)
وليس من شك في أن الخطاب في الآيتين يدخل فيه الصحابة دخولا أولياً ، وقال تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَجِرِينَ وَالأنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوُهُم بِإحْسَنٍ رَضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } [التوبة /100] ، وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِىَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } [ الفتح /18] ، وقال تعالى: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [الفتح /29] .
ومن آخر الآيات نزولا قوله تعالى: { لَقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبيِّ وَالْمُهَجِرِينَ وَالأنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فيِ سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن م بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْـ ثُمَّـ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌـ وَ عَلَى الثَّلثَةِ الَّذِينَ خُلّفُوا}[التوبة / 118] .
وساعة العسرة : غزوة تبوك ، وكلمة " المهاجرين " هنا تشمل السابقين واللاحقين ومن كان معهم من غير الأنصار، ولا نعلمه تخلف ممن كان بالمدينة من هؤلاء أحد إلا عاجز أو مأمور بالتخلف مع شدة حرصه على الخروج .
وفي الصحيح قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من تبوك : إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم ....حبسهم العذر " .
وفي الفتح أن المهلب استشهد لهذا الحديث بقول الله تعالى:{ لا يَسْتَوِى الْقَعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلىِ الضَّرَرِ والْمُجَهِدُونَ } [ النساء / 95] ، وهو استشهاد متين، والمأمور بالتخلف أولى بالفضل . وفي هذا وآيات أخرى ثناء يعم المهاجرين ومن لحق بهم لا نعلم ثم ما يخصصه . فأما الأنصار فقد عمت الآية من خرج منهم إلى تبوك والثلاثة الذين خلفوا والعاجزين ،ولم يبق إلا نفر كانوا منافقين.(1/69)
وفي الصحيح في حديث كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا:" فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصاً عليه النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء " .
وفي هذا بيان أن المنافقين قد كانوا معروفين في الجملة قبل تبوك ، ثم تأكد ذلك بتخلفهم لغير عذر وعدم توبتهم ، ثم نزلت سورة براءة فقضحتهم ، بهذا يتضح أنهم قد كانوا مشاراً إليهم بأعيانهم قبل وفاة النبي- صلى الله عليه وسلم - ، فأما قول الله - عز وجل -:{ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } [ التوبة /101] .
فالمراد والله أعلم بالعلم ظاهره أي اليقين ، وذلك لا ينفي كونهم مغموصين أي متهمين ، غاية الأمر أنه يحتمل أن يكون في المتهمين من لم يكن منافقا في نفس الأمر، وقد قال- عز وجل - :{ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فيِ لَحْنِ الْقَوْلِ } [محمد /30 ] .
ونص في سورة براءة وغيرها على جماعة منهم بأوصافهم ، وعين النبي- صلى الله عليه وسلم - جماعة منهم ، فمن المحتمل أن الله- عز وجل - بعد أن قال تعالى:{ لاَ تَعْلَمُهُمْ } أعلمه به كلهم .
وعلى كل حال فلم يمت النبي- صلى الله عليه وسلم - إلا وقد عرف أصحابه المنافقين يقيناً أوظناً أو تهمة ،ولم يبق أحد من المنافقين غير متهم بالنفاق، ومما يدل على ذلك، وعلى قلتهم وذلتهم وانقماعهم ونفرة الناس عنهم ، أنه لم يحس لهم عند وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حراك ، ولما كانوا بهذه المثابة لم يكن لأحد منهم مجال في أن يحدث عن النبي- صلى الله عليه وسلم - لأنه يعلم أن ذلك يعرضه لزيادة التهمة ويجر اليه ما يكره ، وقد سمى أهل السير والتاريخ جماعة من المنافقين لا يعرف عن أحد منهم أنه حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجميع الذين حدثوا كانوا معروفين بين الصحابة بأنهم من خيارهم .(1/70)
وأما الأعراب فان الله - عز وجل - كشف أمرهم بموت رسوله- صلى الله عليه وسلم - ، فارتد المنافقون منهم، فيتبين أنه لم يحصل لهم بالاجتماع بالنبي- صلى الله عليه وسلم - ما يستقر لهم به اسم الصحبة الشرعية، فمن أسلم بعد ذلك منهم فحكمه حكم التابعين .
وأما مُسلمة الفتح فان الناس يغلطون فيهم يقولون : كيف يعقل أن ينقلبوا كلهم مؤمنين بين عشية وضحاها ، مع أنهم إنما أسلموا حين قهروا وغلبوا ورأوا أن بقاءهم على الشرك يضر بدنياهم ، والصواب أن الاسلام لم يزل يعمل في النفوس منذ نشأته ، ويدلك على قوة تأثيره أمور :
الأول: ما قصه الله - عز وجل - من قولهم { لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [ فصلت/26 ] .
وقولهم { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا} [ الفرقان / 42] .
72
الثاني : ما ورد من صدهم للناس أن يسمعوا القرآن حتى كان لا يرد مكة وارد إلا حذروه أن يستمع إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - ، ومن اشتراطهم على الذي أجار أبا بكر- رضي الله عنه - أن يمنعه من قراءة القرآن بحيث يسمعه الناس .
الثالث : وهو أوضحها إسلام جماعة من أبناء كبار رؤسائهم ومفارقتهم آباءهم قديما ، فمنهم عمرو وخالد ابنا أبي أحيحة سعيد بن العاص ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وهشام بن العاص بن وائل وعبد الله وأبو جندل ابنا سهيل بن عمرو وغيرهم . وآباء هؤلاء هم أكابر رؤساء قريش وأعزهم وأغناهم ، فارقوا آباءهم وأسلموا .
فتدبر هذا ، فقد جرت عادة الكتاب إذا ذكروا السابقين إلى الاسلام ذكروا الضعفاء فيتوهم القارىء أنهم أسلموا لضعفهم وسخطهم على الأقوياء وحبهم للانتقام منهم على الأقل لأنه لم يكن لهم من الرياسة والعز والغنى ما يصدهم عن قبول الحق وتحمل المشاق في سبيله .(1/71)
والحقيقة أعظم من ذلك كما رأيت ، إلا أن الرؤساء عاندوا واستكبروا ، وتابعهم أكثر قومهم مع شدة تأثرهم بالاسلام ، فكان في الشبان من كان قوي العزيمة فأسلموا
وضحوا برياستهم وعزهم وغناهم ، متقبلين ما يستقبلهم من مصاعب ومتاعب ، وبقي الاسلام يعمل عمله في نفوس الباقين ، فلم يزل الاسلام يفشو فيهم حتى بعد هجرة المصطفى ، ثم لما كان صلح الحديبية وتمكن المسلمون بعده من الاختلاط بالمشركين ودعوة كل واحد قريبه وصديقه فشا الاسلام بسرعة وأسلم في هذه المدة من الرؤساء خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة وغيرهم ، والاسلام يعمل عمله في نفوس الباقين .
ونستطيع أن نجزم أن الاسلام كان قد طرد الشرك وخرافاته من نفوس عقلاء قريش كلهم قبل فتح مكة،ولم يبق إلا العناد المحض يلفظ آخر أنفاسه ، فلما فتحت
73
مكة مات العناد ودخلوا في الاسلام الذي كان قد تربع في نفوسهم من قبل ، عند توزيع غنائم حنين، ولم يزل يتحراهم بحسن المعاملة حتى اقتلع البقية الباقية من أثر العناد.
ثم كان من معارضة الأنصار بعد النبي- صلى الله عليه وسلم - لقريش في الخلافة واستقرار الخلافة لقريش غير خاصة ببيت من بيوتها ، وخضوع العرب لها ثم العجم ، ما أكد حب الاسلام في صدر كل قرشي ، وكيف لا وقد جمع لهم إلى كل شبر كانوا يعتزون به من بطحاء مكة آلاف الأميال ، وجعلهم ملوك الدنيا والآخرة ، ومما يوضح لك ذلك أن الذين عاندوا إلى يوم الفتح كانوا بعد ذلك من أصدق الناس في الجهاد ، كسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وعمه الحارث ويزيد بن أبي سفيان .(1/72)
فأما ما يذكره كثير من الكتاب من العصبية بين بني هاشم وبني أمية فدونك الحقيقة : شمل الاسلام الفريقين ظاهراً وباطناً ، وكما أسلم قديماً جماعة من بني هاشم فكذلك من بني أمية كابني سعيد بن العاص وعثمان بن عفان وأبي حذيفة بن عتبة ، وكما تأخر إسلام جماعة من بني أمية فكذلك من بني هاشم ، وكما عاداه بعض بني أمية فكذلك بعض بني هاشم كأبي لهب بن عبدالمطلب وأبي سفيان بن الحارث بن المطلب ، ونزل القرآن بذم أبي لهب ولا نعلمه نزل في ذم أموي معين ، وتزوج النبي بنت أبي سفيان بن حرب الأموي ولم يتزوج هاشمية ، وزوج إحدى بناته في بني هاشم وزوج ثلاثا في بني أمية ، فلم يبق الاسلام في أحد الجانبين حتى يستمر هدفاً لكراهية الجانب الآخر ، بل ألف الله بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانا وأصبح الاسلام يلفهم جميعا: يحبونه جميعا ويعظمونه جميعا ويعتزون به جميعا ويحاول كل منهم أن يكون حظه منه أوفر ، ولم تكن بين فتح مكة وبين ولاية عثمان الخلافة نفرة ما بين العشيرتين ، فلما كانت الشورى وانحصر الأمر في علي وعثمان فاختير عثمان وجدت الأوهام منفذا إلى الخواطر ، ثم لما صار في أواخر خلافة عثمان جماعة من عشيرته بني أمية أمراء وعمالا وصار بعض الناس يشكوهم أشيعت عن علي كلمات يندد بهم ويتوعدهم بأنه إذا ولي الخلافة عزلهم وأخذ أموالهم وفعل وفعل ، ثم كانت الفتنة
74
وكان لبعض من يعد من أصحاب علي إصبع فيها ، حتى قتل عثمان وقام قتلته بالسعي لمبايعة علي فبويع له وبقي جماعة منهم في عسكره فمن تدبر هذا وجد هذه الأسباب العارضة كافية لتعليل ما حدث بعد ذلك ، إذن فلا وجه لاقحام ثارات بدر وأحد التي أماتها الاسلام ، وما حكي مما يشعر بذلك لا صحة له البتة ، إلا نزغة شاعر فاجر في زمن بني العباس يصح أن تعد من آثار الاسراف في النزاع لا من مؤثراته، وجرى من طلحة والزبير ما جرى ، فأي ثار لهما كان عند بني هاشم ؟ .(1/73)
وبهذا يتضح جلياً أن لا مساغ البتة لأن يعلل خلاف معاوية بطلبه بثأر من قتل من آله ببدر، ثم يتذرع بذلك إلى الطعن في إسلامه ، ثم في إسلام نظرائه !
فإن قيل : مهما يكن من حال الصحابة فإنهم لم يكونوا معصومين فغاية الأمر أن يحملوا على العدالة ما لم يتبين خلافها ، فلماذا يعدل المحدثون من تبين ما يوجب جرحه منهم ؟
قلت الجواب من أوجه :
الأول : أنهم تدبروا ما نقل من ذلك فوجدوه ما بين غير ثابت نقلا أو حكماً أو زلة تيب منها أو كان لصاحبها تأويل .
الثاني : أن القرآن جعل الكذب على الله كفرا ، قال تعالى: { وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَىَ اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقّ لَمَّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فيِ جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَفِرِينَ} [العنكبوت/68 ] ، والكذب على النبي- صلى الله عليه وسلم - في أمر الدين والغيب كذب على الله، ولهذا صرح بعض أهل العلم بأنه كفر، واقتصر بعضهم على أنه من أكبر الكبائر . وفرق شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بين من يخبر عن النبي- صلى الله عليه وسلم - بلا واسطة كالصحابي إذ قال : قال النبي- صلى الله عليه وسلم -كذا ، وبين غيره ، فمال إلى أن تعمد الأول للكذب كفر وتردد في الثاني ، ووقوع الزلة أو الهفوة من الصحابي لا يسوغ احتمال وقوع الكفر منه ، هب أن بعضهم لم يكن يرى الكذب على النبي- صلى الله عليه وسلم -كفراً ، فإنه - على كل حال - يراه أغلظ جدا من الزلات والهفوات المنقولة .
75(1/74)
الثالث : أن أئمة الحديث اعتمدوا فيمن يمكن التشكك في عدالته من الصحابة اعتبار ما ثبت أنهم حدثوا به عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابي آخر عنه ، وعرضوها على الكتاب والسنة وعلى رواية غيرهم مع ملاحظة أحوالهم وأهوائهم ، فلم يجدوا من ذلك ما يوجب التهمة ، بل وجدوا عامة ما رووه قد رواه غيرهم من الصحابة ممن لا تتجه اليه تهمة ، أو جاء في الشريعة ما في معناه أو ما يشهد له ، وهذا الوليد بن عقبة بن أبي معيط يقول المشنعون : ليس من المهاجرين ولا الأنصار ، إنما هو من الطلقاء. ويقولون: إن النبي- صلى الله عليه وسلم - لما أمر بقتل أبيه عقب بدر قال يا محمد فمن للصبية ؟ يعني بنيه، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم - : لهم النار. ويقولون إنه هو الذي أنزل الله تعالى فيه { يَأَ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ } [ الحجرات/6 ]، فنص القرآن أنه فاسق يجب التبين في خبره . ويقولون إنه في زمن عثمان كان أميراً على الكوفة فشهدوا عليه أنه شرب الخمر وكلم علي عثمان في ذلك فأمره أن يجلده فأمر على عبدالله بن جعفر فجلده ، ومنهم من يزيد أنه صلّى بهم الصبح سكرانا فصلّى أربعاً ثم التفت فقال : أزيدكم ؟ وكان الوليد أخا عثمان لأمه ، فلما قتل عثمان صار الوليد ينشيء الأشعار يتهم علياً بالممالأة على قتل عثمان ويحرض معاوية على قتل علي .
هذا جميع ما وجدناه عن الوليد عن النبي- صلى الله عليه وسلم - . وأنت إذا تفقدت السند وجدته غير صحيح لجهالة الهمداني ، وإذا تأملت المتن لم تجده منكرا ولا فيه ما يمكن أن يتهم فيه الوليد ، بل الأمر بالعكس فإنه لم يذكر أن النبي- صلى الله عليه وسلم - دعا له، وذكر أنه لم يمسح رأسه، ولذلك قال بعضهم: قد علم الله تعالى حاله فحرمه بركة يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعائه .(1/75)
أفلا ترى معي في هذا دلالة واضحة على أنه كان بين القوم وبين الكذب على النبي- صلى الله عليه وسلم - حجر محجور (1).
أنه لبلاء عظيم أن نسقط عدالة جمهور الصحابة - رضي الله عنهم - الذين اشتركوا في النزاع مع علي أو معاوية - رضي الله عنهم -، أو نسقط أحاديثهم ونحكم بكفرهم أو فسقهم ؟! . ما دخل ذلك بآرائهم السياسية وأخطائهم ؟! أليس ذلك كمن يسقط زعيماً وطنياً أبلى في القضية الوطنية أحسن البلاء وناضل الاستعمار بقلمه وماله ونفسه ، من عداد الزعماء ويجرده من صفة الوطنية ، وينكر فضائله كلها ، ويرد أخباره كلها لأنه كان زعيم حزب تولى الحكم فأخطأ ، أو لأنه حارب زعيما وطنيا آخر وناصبه العداء ، إذا كان هذا لا يجوز في حكم التاريخ والإنصاف والحق ، فأولى ألا يجوز حكم الشيعة والخوارج على الصحابة الذين لم يوافقوا علياً t في بعض المواقف السياسية ، بإسقاط عدالتهم ، وتجريحهم في مروياتهم ، ووصمهم بأوصاف لا تليق بعامة الناس - بل بتكفيرهم كل الصحابة- رضي الله عنهم - ماعدا ثلاثة أو خمسة كما في روايات الكشي- فكيف بأصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الذين كان لهم في خدمة الإسلام والرسول قدم صدق، لولاها لكنا نتيه في الظلمات ولا نعرف كيف نهتدي سبيلا (2) .
__________
(1) الأنوار الكاشفة ص259-264 .
76
(2) السنة ومكانتها في التشريع الاسلامي لمصطفى السباعي ص133 .
77(1/76)
وفيما قدمته في عدالة الصحابة- رضي الله عنهم - ما بين الحق من الباطل في هذا ، وقد بينت غير مرة أن المنافقين الذين كشف الله ورسوله سترهم ، وقف المسلمون على حقيقة أمرهم ،والمرتدين الذين ارتدوا في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم - وبعد وفاته، ولم يتوبوا ويرجعوا إلى الإسلام وماتوا على ردتهم هم بمعزل من شرف هذه الصحبة وبالتالي بمعزل عن أن يكونوا من المرادين بقول جمهور العلماء والأئمة إنهم عدول ، وفي تعريف العلماء للصحبة ما ينفي عنها هؤلاء وأولئك وكذلك بينت غير مرة أن العدالة شئ ،والعصمة شئ آخر والذين قالوا إن الصحابة عدول لم يقولوا قط أنهم معصومون من المعاصي ولا من الخطأ والسهو والنسيان ، وإنما أرادوا أنهم لا يتعمدون كذباً على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حتى الذين حدّوا في حدّ أو اقترفوا إثما تابوا أو لابسوا الفتن والحروب ما
كانوا ليعتمدوا الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ومما ينبغي أن يعلم أن الذين اقترفوا أثما ثم حدوا هم قلة نادرة جدا لا ينبغي أن يغلب شأنهم وحالهم على حال الألوف المؤلفة من الصحابة الذين ثبتوا على الجادة والصراط المستقيم ، وجانبوا المآثم والمعاصي ما كبر منها وما صغر، وما ظهر وما بطن ،والتاريخ الصادق أكبر شاهد على هذا .
وهؤلاء الذين اتخذهم الطاعنون في عدالة الصحابة ذريعة لطعنهم منهم من لا تعرف له رواية ومنهم لم يعرف له إلاّ الحديث والحديثان والثلاثة ،ومروياتهم معروفة وثابته من رواية غيرهم ، فلا يتوقف على روايتهم شئ من أصول الدين وفروعه ، مما يجعل الباحث المتثبت مطمئنا إلى ما ذهب إليه جمهور العلماء في عدالة الصحابة ، وليس أدل على هذا من أن بسر بن أرطاه وهو مختلف في صحبته ليس له إلاّ حديث في سنن أبي داود في عدم قطع الأيدي في السفر، وحديث آخر في الدعاء .(1/77)
ففي صحيح ابن حبان أنه سمع النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول :" اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ".
ونحن الذي نقول بعدالته إنما أردنا في الرواية ، وأما ملابسته للحروب والفتن،وانحيازه لمعاوية فهو أمور اجتهادية -وهذا كله قد حصل من في زمن الفتنة التي صيرت الحليم حيرانا -، وهي لا تخل بهذه العدالة ،والله يغفر لنا ولهم، ويرحم الله القائل" ان هذه دماء طهر الله منها سيوفنا، فلنطهر منها ألسنتنا (1) .
ثانياً : موقف الشيعة من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - :
يزعم عبد الحسين أن رأيهم في الصحابة- رضي الله عنهم - هو أوسط الآراء ، قال في (ص200) ما نصه : ( ونحن الإمامية لنا في الصحابة رأي هو أوسط الآراء عقدنا لبيانه في أجوبة موسى جار الله فصلا مخصوصا وعقدنا لتأييده فصلا آخر فليراجعها من أراد التحقيق من أولي الألباب والحمد لله على الهداية للصواب ).
__________
(1) دفاع عن السنة لأبي شهبة ص 247 .
78(1/78)
كما أنكر المؤلف تقية بأنهم لا يسبون الشيخين وغيرهما من الصحابة ، قال: (أن البحث يقع هنا في كل من صغرى هذا الوجه وكبراه وبعبارة أخرى هي أوضح يقع البحث في مقامين : المقام الأول: في أنهم هل يسبون ؟ أو لا يسبون ؟ والثاني: في أنه هل يكفر الساب ( والعياذ بالله )!! أو لا يكفر ، وقد رأيت البحث في المقام عبثاً صرفاً ولغوا محضاً ، إذ لا يمكن اذعان الخصم ببراءة الشيعة من هذا الأمر ، ولو حلفنا له برب الكعبة (1)، بل لا يلتفت إلى نفيه عنهم ولو جئناه بكل آية ، والإمامية طالما أذنت فلم يسمع آذانها !! وشد ما أعانت فلم يصغ لاعلانها ، فسد هذا الباب أقرب إلى الصواب وأولى بأولي الألباب (2) ولا حول ولا قوة إلا بالله ) (3).
قلت: لنستمع أولاً إلى أقوالهم في الخلفاء بشكل خاص ، ثم إلى رأي أئمتهم المعصومين حسب رواياتهم المنسوبة إلى أهل البيت ، ثم لنستمع إلى رأي هذا المؤلف بنفسه في الخلفاء بشكل خاص . لنرى هل فعلا رأيهم أوسط الآراء كما يتخرص ، أم رأيهم هو أسخف وألعن الآراء ، وأن الرجل غارق في الكذب و التقية والدجل ، يكذب حتى نخاعه !
أقوال علماء الشيعة في الخلفاء والصحابة - رضي الله عنهم - :
__________
(1) إن كنت تحلف بالله تقية وكذبا فهذا مقام آخر ، وإن كنت تريد إثبات نقيض هذا أي بأنكم لاتسبون ولا تلعنون الخلفاء والصحابة وأمهات المؤمنين ، فما عليك إلا بحرق كتبكم التي قالت ذلك ، وهذا معناه إنهيار مذهبك من أساسه ، فهل من مجيب ؟!
(2) يعلم هذا " المؤلف" أن مذهبه يكفر الصحابة والخلفاء بشكل خاص وعندهم روايات وأقوال علمائهم في هذا الصدد ، لذلك خلص إلى حيلة سد الباب في هذا الموضوع مع أنه هو الذي فتحه! فإن كنت يا هذا تعجز عن إثبات عدم السب واللعن بالأدلة وليس بكلام كله كذب ، فلم هذه التقية يا تقي ؟!
(3) الفصول المهمة لعبد الحسين ص157.
79(1/79)
قال رئيس علماء الشيعة نعمة الله الجزائري في أنواره (2/244 - 245 ) في معرض تعريفه لفرقته ما نصه: ( الإمامية قالوا بالنص الجلي على إمامة علي وكفّروا الصحابة ووقعوا فيهم وساقوا الإمامة إلى جعفر الصادق وبعده إلى أولاده المعصومين ومؤلف هذا الكتاب من هذه الفرقة الناجية !! إن شاء الله، وقد تتبعنا كتب الفرق الإسلامية ورأينا إن الحق مع الإمامية بالبراهين العقلية والنقلية ).
فقد اعترف الجزائري أن فرقته التي كفّرت الصحابة ووقعت فيهم هي الفرقة الناجية بعد تتبع الفرق، وأن الحق مع رأيهم بالبراهين النقلية والعقلية !! .
فهل هذا الرأي الذي أورده نعمة الله الجزائري في الصحابة هو أوسط الآراء؟!
نسأل الله السلامة في الدين والعقل والبعد عن الكذب والدجل ؟ على أي حال سوف نورد براهينهم النقلية و العقلية على ارتداد صحابة النبي- صلى الله عليه وسلم - .
فعن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر(ع) قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي ! إلا ثلاثة فقلت: ومن الثلاثة ؟ فقال : المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي ... ( (1) .
وعن حمران قال : قلت لأبي جعفر(ع): ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ قال: فقال ألا أخبرك بأعجب من ذلك قال : فقلت بلى قال : المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا وأشار بيده - ثلاثة ( (2).
ثم ذكر النوري هذه الروايات (3) المزعومة ثم قال ما نصه : ( وتحصل من تلك الأخبار وغيرها مما لم نذكرها أصل أصيل وهو الحكم بارتداد جميع من بقى بعد النبي
__________
(1) رجال الكشي ص6ح12وص8ح17 ، نفس الرحمن ص23 .
(2) الكشي ص7ح15و ص7ح14 وص8ح18وص11-12ح24، الاختصاص ص5-6، الروضة من الكافي 356 .
(3) نفس الرحمن ص 575-583 و583 الباب الخامس عشر .
80(1/80)
ممن صحبه في حيوته إلا ثلثة منهم أو أربعة ، والوجه في ذلك مضافا إلى تلك الأخبار هو إنكارهم ما سمعوه منه من النص على خلافة أمير المؤمنين(ع) مما هو مذكور مفصلا في كتب الإمامية ، وليس بغريب منهم ، فإن أكثر الخلائق ضلّوا عن الأنبياء الماضين وعبدوا غير رب العالمين ، بل لو لم تضل أكثر هذه الأمة كان ذلك ناقضا للعادات وخلاف ما تقتضيه طبايع البشر واختلافهم في الاعتقادات ، بل الذين كابروا واشتبه عليهم الحال بين علي(ع) وبين من تقدمه من الخلفاء أولى بالضلالة من الذين إشتبه عليهم الحال بين الله - عز وجل - وبين خشبة عبدوها من دونه ، فانهم ما كان يحصل لهم من الأصنام ذهب ولا فضة ولا ولاية ولا إنعام ، وقد حصل لهؤلاء ما كانوا يرجون من الأموال و الآمال ) .
فهذا شيخك " يحكم على صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كلهم بالارتداد ما عدا ثلاثة أو أربعة ، فأين دجلك وتقيتك بقولك الكذب : ( ونحن الإمامية لنا في الصحابة رأي هو أوسط الآراء عقدنا لبيانه في أجوبة موسى جار الله ) .(1/81)
إن الجريمة المزعومة التي اقترفها الصحابة - رضي الله عنهم - عند القوم هي انحرافهم عن الولاية المزعومة لعلي الذي نادى بها ابن سبأ وعدم التسليم له بالخلافة بعد وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم - فتصرفهم هذا أسقط عدالتهم كما يزعمون ، بينما يقرون بأن أجلة علمائهم وفقهائهم وثقاتهم من الفطحية الذين اعتقدوا بإمامة عبد الله بن جعفر الأفطح بعد أبيه جعفر الصادق وبعضهم واقفة أنكروا إمامة الرضا والأئمة من بعده ، فالسبب الذي من أجله أسقطوا عدالة الصحابة هو موجود في رواتهم فما كان منهم إلا أن أعرضوا وأغمضوا أعينهم عنهم، فالسبب موجود في كلا الطرفين لو نظرنا بمستوى عقليتهم ، ولكن وثقوا هؤلاء الرواة الذين لم يمدحهم الله ولارسوله وكفّروا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ مع أنهم رووا عمن يعتقدون أنهم معصومون أن الفطحية كفّار ! والواقفة كفّار زنادقة !
81
براهين الشيعة النقلية في لعن الصحابة - رضي الله عنهم - و زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - :
قال الجزائري في كتابه " قصص الأنبياء "(ص292): ( قال (ع): إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة لسبعة نفر : أولهم ابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود الذي حاج ابراهيم في ربه ، واثنان من بني اسرائيل هودا قومهم ونصراهم ، وفرعون الذي قال: { أنا ربكم الأعلى } ، واثنان من هذه الأمة .
وروى الكليني في كافيه عن الحسين بن ثوير وأبي سلمة السراج قالا: سمعنا أبوعبدالله(ع) وهو يلعن في دبركل مكتوبة أربعة من الرجال وأربعة من النساء فلان وفلان وفلان ويسميهم ومعاوية وفلانة وفلانة وهند وأم الحكم أخت معاوية (1).
وعلق شيخهم المجلسي في كتابه"مرآة العقول"( 15/174): ما نصه:( والكنايات الأول عبارة عن الثلاثة بترتيبهم والكنايات الأخيرتان عن عائشة وحفصة ) .
__________
(1) الوسائل 4/1037- باب استحباب لعن اعداء الدين عقيب الصلاة بأسمائهم ، عين الحياة ص599 باب " در تعقيبات نماز " .(1/82)
وروى شيخهم العياشي في تفسيره (1/200 ح152 ): عن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله قال: تدرون مات النبي أو قتل إن الله يقول:{ أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } فسّم قبل الموت أنهما سقتاه قبل الموت فقلنا إنهما وأبوهما شر من خلق الله.
ووصف المجلسي هذه الخزعبلة -أقصد الرواية- بأنها معتبرة، وعلق عليها بقوله: (إن العياشي روى بسند معتبر عن الصادق(ع) أن عائشة وحفصة لعنة الله عليهما وعلى أبويهما قتلتا رسول الله ! بالسم دبرتاه) (1).
وقال شيخهم الكاشاني في تفسيره:( يعني المرأتين لعنهما الله وأبويهما (2).
وقال عبد الحسين في كتابه " النص والاجتهاد " (ص292) تحت [المورد 79] ما نصه: لمثل العظيم في آخر سورة التحريم : ألا وهو قوله تعالى: { وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَلِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْـ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} التحريم/10 ] {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبّ ابْنِ لىِ عِندَكَ بَيْتًا فىِ الْجَنَّةِ } [ التحريم/11 ] .
هذا ما ضربه الله لهما لينذرهما به ، ولتعلما ان الزوجية بمجردها لأي كان لا تنفع ولا تضر والنافع للمرء إنما هو علمه ) .
__________
(1) حياة القلوب للمجلسي 2/700 باب " در بيان رحلت آنحضرت " .
82
(2) تفسيره الصافي 1/305 : يعني المرأتين لعنهما الله وأبويهما، البحار 6/504 ، حياة القلوب 2/700 و البرهان 1/320 ، و القمي 2/375 .(1/83)
وقال الملقب عندهم عمدة العلماء والمحققين محمد التوسيركاني مانصه:( تنبيه إعلم إن أشرف الأمكنة والأوقات والحالات وأشبها للعن عليهم - عليهم اللعنة - إذا كنت في المبال فقل عند كل واحد من التخلية والاستبراء والتطهير مراراً بفراغ من البال : اللهم العن عمر ثم أبابكر وعمرثم عثمان وعمرثم معاوية وعمر ثم يزيد وعمر ثم ابن زياد وعمرثم ابن سعد وعمرثم شمراُ وعمر ثم عسكرهم وعمر، اللهم العن عائشة وحفصة وهند وأم الحكم والعن من رضي بأفعالهم إلى يوم القيامة ) (1) .
وقال المحقق العارف محمد رضا المازندراني في تعليقه على رواية من رواياتهم ما نصه: ( والمراد بوجوب البراءة منهم وبغضهم، لعنهم والإكثار من سبهم وشتمهم والقول فيهم والوقيعة ، واعتقاد أنهم مبعدون عن رحمة الله، ومطرودون عن ساحة عز الحضور . وفائدته أن يحذرهم الناس ولا يتعلموا من بدعهم ، فأقول : اللهم العن الذين هدموا بيت النبوة والبرهان وسلبوا أهل العزة والسلطان ، وأطفئوا مصابيح النور
العرفان ، وعصوا في صفوة الملك الديّان وخاصه أبا ركب وزفر فإنهم أول من أحيوا بدع الشيطان، وأماتوا سنة الرحمن ) (2) .
دعاء في لعن الصديق والفاروق - رضي الله عنهم -:
هذا الدعاء يسمونه " بدعاء صنمي قريش " ومرادهم " بصنمي قريش " أبو بكر وعمر رضي الله عنها وأرضاهما واللعنة على كل من يبغضهما .
كما صرحوا بذلك في العديد من مصنفاتهم ، منهم الكفعمي في شرحه لهذه الخزعبلة ، والكركي في نفحاته ، والمجلسي في مرآته والحسيني في شرعته ،والتستري في إحقاقه ، والحائري في إلزامه، والنوري في فصل خطابه .
نص هذا الدعاء الملفق:
__________
(1) لئالى الأخبار لمحمد التوسيركاني 4/92 الأدعية الواردة في التعقيب .
83
(2) الرسائل 1/174،439،440،484 .(1/84)
" اللهم صل على محمد وآل محمد والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما و افكيهما وابنتيهما الذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك وجحدا أنعامك وعصيا رسولك وقلّبا دينك وحرفا كتابك وأحبا أعداءك وجحد الآئك وعطلا أحكامك وابطلا فرائضك والحدا في آياتك وعاديا أوليائك وواليا أعداءك وخربا بلادك وأفسد عبادك اللهم العنهما واتباعهما وأولياءهما وأشياعهما ومحبيهما ...".
وقد اهتم القوم بهذا الدعاء اهتماماً كبيراً واعتبروه من الأدعية المشروعة (1) فذكروه في مصنفاتهم أذكره على سبيل المثال لا الحصر : الكفعمي (2) والكاشاني (3) .
والنوري الطبرسي(4) ،وأسد الله الحائري(5)، ومرتضى حسين(6) ، ومنظور حسين(7)، والكركي(8) والداماد الحسيني( (9) ، والمجلسي(10) ،والتستري(11)، وأبو الحسن العاملي(12)، وعبد الله شبر (13)، والحائري(14) وميرزا حبيب الله (15) وغيرهم .
ولأن هذا الدعاء مهم ، فقد عمدوا إلى شرحه ، فبلغت شروحه أكثر من عشر شروح .
فهل رأيتم أكاذيبه ودجله عندما قال تقية :( والحق أن الصحبة بما هي فضيلة جليلة ، لكنها غير عاصمة ، والصحابة فيهم العدول وفيهم ...هذا رأينا في حملة الحديث من الصحابة وغيرهم والكتاب والسنة ) !!
__________
(1) الذريعة للطهراني 8/192 .
(2) البلد الأمين ص511-514 ، وفي المصباح ص548-557 .
(3) علم اليقين 2/701-703 ، وقرة العيون ص426 .
84
(4) فصل الخطاب ص221-222 .
(5) مفتاح الجنان ص113-114 .
(6) صحيفة علوية ص200-202 .
(7) تحفة العوام مقبول ص213-214 .
(8) نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت ق/أ ، 74/ ب .
(9) شرعة التسمية في زمن الغيبة ق26/أ .
(10) مرآة العقول 4/356 .
(11) في إحقاق الحق ص58و133-134 .
(12) تفسير مرآة الانوار ص113و174و226و250و290و294و313و339 .
(13) حق اليقين 1/219 .
(14) إلزام الناصب 2/95 .
(15) منهاج البراعة 14/396 الطبعة الثانية .
85(1/85)
فأنظروا إلى هؤلاء القوم كيف يلعنون حتى جد إمامهم المعصوم جعفر بن محمد- رضي الله عنه - -بهذه الروايات الباطلة- وقد قال : أولدني الصديق مرتين - كما يأتي بيانه - في حين لا يرضون بهذا السب واللعن لجد من أجدادهم ؟
من هو جد جعفر الصادق - رضي الله عنه -:
قال الاردببلي( الشيعي) في كشف الغمة في نسب جعفر الصادق : " قال محمد بن طلحة: أما نسبه أبا وأما فأبوه أبو جعفر محمد الباقر، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر. وقال الحافظ عبدالعزيز: أمه(ع) أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر (1).
فأم جعفر إذاً هي فاطمة بنت القاسم بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهم -، وأم فاطمة هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، فالقاسم هو جد جعفر من قبل أمه ، فهو حفيد القاسم بن أبي بكر الصديق ،والصديق هو الجد الأكبر لجعفر الصادق، - رضي الله عنهم - وهذا معنى قول الصادق : " أولدني الصديق مرتين " ، وفي ذلك يقول الشريف الرضي :
وحزناً عتيقاً وهو غاية فخركم بمولد بنت القاسم بن محمد
فكيف يلعن الصادق- رضي الله عنه - جده - رضي الله عنه -، بل ويأمر أتباعه بذلك في دبر كل صلاة ؟!
فهل يعقل أن يفتخر بجده من جهة ، ويطعن فيه من جهة أخرى ؟ إن مثل هذا الكلام قد لا يصدر من السوقي الجاهل !! .
فهل يجوز تجريح الخلفاء بالكلام البذيء الذي نجده في أكثر كتبهم ، الكلام الذي يغاير كل الموازين الاسلامية والاخلاقية ويناقض حتى كلام الإمام علي ومدحه وتمجيده في حقهم .
فما رأي أتباعه المزعومين ؟! أم أن التقية دينه ودين آبائه !! .
إذن أتباعه المزعومون هم الذين ساهموا مساهمة فعالة في الإساءة إليه وإلى أئمتهم الآخرين الذين يدعون أنهم من أنصارهم .
__________
(1) البحار 47/5 - 6 و 42/162 - 163 و 36/194 ، لولا السنتان للحكيمي ص23 .
86(1/86)
وأما قوله:( بأن الجمهور إنما يعفون أبا هريرة ....تقديسا لرسول الله(ص) لكونه في زمرة من صحبه ونحن إنما ننتقدهم تقديسا لرسول الله(ص) ....) .
قلت : يا ترى من أنت لكي تتكلم عن الشيعة وتجعل نفسك من سدنة هذا المذهب(1). فمتى انتقدت الشيعة أبا هريرة ؟ وفي أي كتاب ؟! .
أن أبا هريرة ثقة عند كل الفرق ما عدا عند الحاقدين وأهل الأهواء والبدع الذين لا يعتد بآرائهم كالنظام والاسكافي وابن أبي الحديد وغيرهم ! .
فهذا كتب الرجال عند الشيعة وهي : الفهرست ، ورجال الطوسي وكلاهما للطوسي ، ورجال النجاشي للشيخ النجاشي ، ورجال الكشي للكشي والذي هذبه الطوسي وسماه " اختيار معرفة الرجال " ، ورجال الغضائري ،وتلحق بهذه الكتب كتب أخرى لا تقل أهمية عنها وهي: رجال العلامة الحلي ، ورجال ابن داود الحلي المولود سنة (647هـ) ، وقد رأيت ابن داود الحلي ، يذكر أبا هريرة ضمن القسم الأول من كتابه المخصص لذكر الممدوحين ، ويقول:" عبد الله أبو هريرة،معروف ، من أصحاب الرسول(2) ، فقد مدحه صراحة،كما أن الشيخ الطوسي ذكره في كتابه رجال الطوسي (3)، فهذه الكتب قد قلبت جميع صفحاتها فلم أعثر على ترجمة لأبي هريرة ولا تكذيب له أثناء ترجمة أخرى .
فأنظروا إلى افتراء ه حتى على علماء الجرح عندهم بقوله : (ونحن إنما ننتقدهم تقديسا لرسول الله ) ، فقد أتى بضمير الجمع " نحن " ، مع أن الثابت عكس هذا الادعاء .
__________
(1) قال عن نفسه أنه سدنة المذهب الامامي في فصوله ص203 .
(2) رجال ابن داود الحلي القسم الأول ص 116 ترجمة رقم 833 .
(3) رجال الطوسي أصحاب رسول الله ص 23 ، وانظر جامع الرواة للأردبيلي 1/ 466 .
87(1/87)
فيا هذا من أنت لكي تنتقد أبا هريرة بعد هذه القرون ؟! ومن أنت لكي تحكم بهواك على صحابي مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وهو عنه راض ؟ . والله إن بدعة النيل من أبي هريرة t وتكذيبه ما كانت قبل زمن ابن داود الحلي كما رأيت أيها القارئ ، ومما يدل على ذلك ويؤكده ، أن ابن خزيمة المتوفي سنة (311هـ)، عندما دافع عن أبي هريرةt قال: "وإنما يتكلم في أمر أبي هريرة :إما معطل "جهمي" وإما "خارجي" أو " قدري" ، أو "جاهل يتعاطى الفقه "، ولم يقل وإما " شيعي"!
فإذاً ابن أبي الحديد هو الذي اخترع ذلك وأقحم الشيعة من بعده في هذا المعترك الصعب ، لذلك سوف أثبت في الفصول القادمة أن الشيعة الأوائل كانوا يروون بأسانيدهم عن أبي هريرة t ويعملون بفقه وأخباره ، تماما كما كان أهل البيت- رضي الله عنهم - يعتدون برواية أبي هريرة t وروايتهم عنه ، ورواية عدد كبير من جماهير الشيعة الكوفيين وشيعة علي t .
وأما قوله:( بأنه لم يكن لنا بد من البحث عن هذا المكثر نفسه ، وعن حديثه كماً وكيفاً لنكون على بصيرة فيما يتعلق من حديثه بأحكام الله فروعاً وأصولاً ...) .
قلت : لقد تصور لنفسه أن أحاديث أبى هريرة موضوعة ومكذوبة ، وقد تغلغل هذا الوضع في أصول الدين وفروعه ، وغفل عنه المسلمون !! لذلك كان من واجبه الدفاع عن الشريعة الغرّاء ، وحمايتها من الأكاذيب والأوهام ، فكان لا بد له من دراسة أبىهريرة ، تلك الدراسة التي كشفت عن وجه الحق - كما يدعى - إلا أنها دراسة كشفت عن نوايا خبيئة في نفوس أعداء السنة وخصوم الصحابة y، دراسة بينت حقدهم على الصحابة- رضي الله عنهم - ، وعلى أبى هريرة t بوجه خاص ، ومن يطلع على كتابه هذا ، لا يشك في أنه حلقة في سلسلة الأبحاث التي يقوم بها المستشرقون المتطرفون ، وأتباعهم المنتسبين إلى الإسلام المغرضين، متخذى خدمة لأعداء الإسلام، ووسيلة لتصديع جمع المسلمين .
88(1/88)
ويرى المؤلف عبد الحسين أنه حلل نفسية أبى هريرة تحليلاً علمياً حتى فهم كنهه وحقيقته من جميع نواحيه لندركه بحواسنا كلها . كما يرى أنه أمعن النظر في حديثه كماً وكيفاً فيقول: ( فلم يسعنا - شهد الله - إلا الإنكار عليه في كل منهما ).
ويكثر الطعن في أبى هريرة وحفظه وكثرة حديثه ويعيب عليه أميته ، ثم يقول: (ونحن حين نحكم الذوق الفني والمقياس العلمي نجدهما لا يقران كثيراً مما رواه هذا المفرط في اكثاره وعجائبه )! .
ويتابع المؤلف الحط من قدر أبى هريرة t وأقل ما قاله في الصفحة : (فالسنة أرفع من أن تحتضن أعشاباً شائكة ، وخّز بها أبو هريرة ضمائر الأذواق الفنية ، وأدمى بها تفكير المقاييس العلمية ، ...) .
و المؤلف (ينادى بالذوق الفني، والتفكيرالعلمي )، فأي ذوق يريد وأي تفكير يقصد ؟ بعد أن أجمعت الأمة من لدن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا ، على دقة الذوق الفني عند المحدثين في علمهم ومنهجهم ، حتى أصبح تثبتهم في العلم مضرب الأمثال، لم يتركوا كبيرة أو صغيرة إلا بينوها ، فعرفوا الصحيح والضعيف والسليم والمعلول ، لم تأخذهم في ذلك عاطفة أو هوى ، فطبقوا مقاييسهم الدقيقة على الجميع ، فكانوا قدوة حسنة في إخلاصهم وأمانتهم ، حتى إن الرجل يأبى أن يحدث عن أبيه أو أخيه بالرغم من ورعه وصلاحه ، ويبين أمره للناس، من ذلك قول علي بن المدينى في أبيه حين سألوه عنه قال :"سلوا عنه غيري ، فأعادوا المسألة ، فأطرق ثم رفع رأسه فقال: هو الدين إنه ضعيف .(1/89)
كما كانوا يأبون أن يحدثوا من يرتابون في أمره ، وإن كان صالحاً أو ذا منزلة ومكانة ، من هذا ، ما رواه أحمد بن أبى الحواري قال: " جاء رجل من بني هاشم ليسمع من ابن المبارك فامتنع ، فقال الهاشمي لغلامه : قم بنا ، فلما أراد الركوب ، جاء ابن المبارك ، ليمسك بركابه ، فقال : يا أبا عبدالرحمن لا ترى أن تحدثني وتمسك بركابي .. !! ؟ قال : رأيت أن أذل لك بذلي ولا أذل لك الحديث !!
89
هؤلاء جهابذة العلم ، ورجال الفن ، الذين نقبل حكمهم في أبى هريرة t، فلو عرفوا عنه شيئاً ما سكتوا عنه وإن كان صحابياً ، لأن السنة والشريعة لا تحابى أحداً .
ولكنهم لم يجدوا ما يأخذونه عليه ، بل كان عندهم الثقة الأمين .. على ضوء المقاييس العلمية والأذواق الفنية المجردة ) (1).
أجل لقد وخز أبو هريرة بقول الحق ضمائر من يريدون الباطل ، وروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا يتفق مع أهل الأهواء وعقائدهم ، فناصبوه لذلك العداء ! وإلا فأي وخز للضمائر وقد روى هذه الأحاديث التي أنكرها هذا المؤلف أئمته المعصومون في نظرهم كما يأتي تفصيل ذلك في محله إن شاء الله تعالى .
وأما قول هذا المؤلف :( ونحن حين نحكم الذوق الفني والمقياس العلمي نجدهما لا يقران كثيراً مما رواه هذا المفرط في اكثاره وعجائبه) !
قلت: يقول المثل :" رمتني بدائها وانسلت " ، فهم يكثرون أضعاف ما رواه أبو هريرة t، ويأتون بعجائب سخيفة لم يخطر على قلب بشر ، في حين يشنعون في مسائل بسيطة على أبي هريرة tهم اشتركوا في روايته إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ولعل يقصد عبد الحسين ما أنكر على تلك الأحاديث التي أوردها أبو هريرة t .
__________
(1) أبو هريرة راوية الاسلام ص163-164 للعجاج .
90(1/90)
وأما قوله أنه:( لا يصح في منطق أن نسكت عن هذا الدخل الشائن لجوهر الإسلام، وروحه الرفيعة المنادية بالتحرر والانعتاق من كبول العقائد السخيفة والخرافات التي يسبق إلى الذهن استنارها .....) .
قلت: نعم صدقت لا يصح في منطق أن نسكت عن هذا الدخل الشائن لجوهر الإسلام ، وروحه الرفيعة المنادية بالتحرر والانعتاق من كبول العقائد السخيفة والخرافات، ولكن ماذا نفعل وهذه العقائد السخيفة والخرافات هي روايات
المعصومين عندكم والذي قلت عنها ما لفظه : ( وأحسن ما جمع منها الكتب الأربعة التي هي مرجع الإمامية في أصولهم و فروعهم من الصدر الأول إلى هذا الزمان ، وهي : الكافي ، و التهذيب ، والاستبصار ، ومن لا يحضره الفقيه ، وهي متواترة ومضامينها مقطوع بصحتها ، والكافي أقدمها و أعظمها و أحسنها و اتقنها )!! ، أما أحاديث أبو هريرة فأي دخل شائن لجوهر الإسلام وروحه ؟ ) .
نحن على استعداد ، بل المسلمون جميعاً مستعدون ، للدفاع عن الإسلام وتخليصه من الشوائب إن كانت هناك خرافات أو حتى شوائب ، ولكن أي خرافات وسخافات في حديث أبى هريرة ؟
وقد شعر المؤلف الموتور بخطر بحثه فقال : ( .. أقول هذا وأنا أرى وجوهاً تنقبض دوني ، ونفوساً تنقبض مزورة عني ، وقد يكون لها بسبب الوراثة والتربية والبيئة أن تنبقض وتتقبض أمام حقيقة وضعها البحث على غير ما ألفت من احترام الصحابة واعتقاد عدالتهم أجمعين أكتعين أبصعين ، من غير أن تزن أعمالهم وأقوالهم بالموازين التي أخذ النبي بها أمته لأن الصحبة عندهم بمجردها حرم لا تنال من اعتصم به معرة ولا يمس بجرح ، وإن فعل ما فعل ، وهذا شطط على المنطق وتمرد على الأدلة)
قلت: كيف لا تتقبض النفوس الصافية عن الباطل ؟ وكيف لا يثور المرء المعتدل للحق إذا رأى هذه الخرافات والخزعبلات الموضوعة على أهل البيت- رضي الله عنهم - !!!(1/91)
هل يريد منا أن نكون في برد وسلام !! ، وكيف لا تتقبض النفوس الصافية عن الباطل ؟ وكيف لا يثور المرء المعتدل للحق إذا عندما يفترى على الصحابة نقلة الشريعة وحفاظها ، ويريد منا أن نكون في برد وسلام !! ثم من هم الصحابة الذين فعلوا ما فعلوا وجعلهم الجمهور معصومين ؟ .
لقد بينت فيما سبق أن من اختلف في عدالتهم من الصحابة لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة .. ومع هذا فقد انتصر لهم ابن العربي وبيّن الحق وأبطل ما ادعاه الخصم.
91
نعود لبحثنا فنقول : هل الحرية في التفكير أن يقول من شاء ما شاء ومتى شاء وكيف شاء ؟! .
أم أن الحرية والذوق الفني والكرامة العقلية خاصة بفئة معينة ، وخاضعة لمقاييس شخصية تتبدل حسب الميول والأهواء ؟ أم أن الكرامة العقلية والتفكير العلمي مجرد الدفاع عن مبدأ مهما كان نصيبه من الصواب والخطأ ؟ .
لا أظن أحداً يوافق على مثل هذا ، فالتفكير العلمي والذوق الفني يكونان على أسس ثابتة لا تتأثر بنزعة أو هوى ، وأسس عامة شاملة لا تنظر النظرة الخاصة الضيقة، أسس مبنية على منهج علمي سليم .
لذلك فقد كشفت هذه الدراسة التي قام بها هذا المؤلف "الموتور" عن نوايا خبيثة في نفوس أعداء السنة و خصوم الصحابة y، هذه الدراسة بينت حقدهم على الصحابةy ، وعلى أبي هريرة بوجه خاص ، ومن يطلع على كتاب هذا المؤلف، لا
يشك في أنه حلقة في سلسلة الأبحاث التي يقوم بها أذناب الاستعمار في العالم الإسلامي .
وفي(ص10-14) أورد عبدالحسين أحاديث أبي هريرة زاعماً إنها تمس عقله وعقيدته ونواميسه، وسوف نتعرض لهذه الأحاديث عند الرد على كيفية حديثه إن شاء الله تعالى .
وفي (ص19) تحت عنوان:" اسمه و نسبه" قال:( كان أبو هريرة غامض الحسب، مغمور النسب ، فاختلف الناس في اسمه واسم أبيه إختلافاً كثيراً ، لا يحاط به ولا يضبط في الجاهلية والاسلام وإنما يعرف بكنيته ، وينسب الى دوس .....) .(1/92)
قلت : لقد أراد المؤلف أن يغض من قدر أبي هريرة t، ويغمز نسبه لأنه لم يكن معروفاً في الجاهلية ،ولاختلاف الناس في اسمه، ومتى كان الاختلاف في اسم إنسان يشينه أو يسقط عدالته ؟ ويكفى أن نعرفه بكنيته كما عرفنا أبا بكر وأبا عبيدة
92
وأبا دجانة الأنصارى وأبا الدرداء ، الذين اشتهروا بكناهم وغابت أسماؤهم عن كثير من الناس .. ولم نسمع في يوم من الأيام أن الحسب والنسب يقدم صاحبه في المفاضلة العلمية أو يؤخره ثم إنه اشتهر بكنيته من صغره وعرفه الناس جميعاً بذلك ، فما يضيره أن يعرف بكنيته ويختلف اسمه ؟ والاختلاف في الاسم طبيعي وبدهى لا في أبي هريرة وحده بل في كل إنسان عرف بكنيته منذ نعومة أظفاره ، ولم هذه الحملة وإيهام القارىء بأن اسمه لا يحاط به ولا يضبط ؟ ومرد الخلاف فيه إلى ثلاثة أسماء ( عمير وعبدالله وعبد الرحمن ) كما قال ابن حجر ، وقد اختلف في اسم غيره على أكثر من ذلك ولم ير فيهم عيباً أو مطعناً بسبب ذلك (1) .
فلماذا هذا الجهل ؟!! ما كنا نظن إنساناً يحترم نفسه ويدعي العلم والمعرفة ويلقبه قومه " بأية الله" أن يهوي إلى مثل هذا القرار في تجريح صحابي مشهور - لم تخف شهرته على معاصريه ولا على الأجيال المتعاقبة من بعده - وبمثل هذا الكلام الذي نقلناه .
ولكن ماذا يقول هذا المؤلف في جهلهم لإسم أم مهديهم المنتظر، فقد اختلفوا في اسمها ، فمرة نرجس ومرة سوسن ومرة صقيل .
ففي " البحار"(51/15و360):عن غياث بن أسد قال: ولد الخلف المهدي(ع) يوم الجمعة وأمه ريحانة ويقال لها نرجس ويقال صقيل ويقال سوسن !!
وماذا يقول عن رواته الذين لم تكن لهم شهرة كزارة بن أعين ، فقد كان جده راهباً ولم يسلم ، ولا نعلم عنه شيئاً !
__________
(1) أبو هريرة راوية الاسلام للدكتور محمد عجاج الخطيب ص168 - 169 .
93(1/93)
قال الطوسي في فهرسته : زرارة بن أعين واسمه عبد ربه ، يكنى أبا الحسن وزرارة لقب له وكان أعين بن سنسن عبداً رومياً لرجل من بني شيبان تعلم القرآن ثم
أعتقه فعرض عليه أن يدخل في نسبه فأبى أعين يفعله وقال له أقرني على ولائي ، وكان سنسن راهباً في بلد الروم ... (1).
وفي (ص21) قال عبد الحسين تحت عنوان "نشأته و إسلامه و صحبته "قال ما نصه : (نشأ في مسقط رأسه (اليمن ) وشب ثمة حتى أناف على الثلاثين جاهلياً لا يستضيء بنور بصيرة ، ولا يقدح بزناد فهم ، صعلوكاً قد أخمله الدهر ويتيماً أزرى به الفقر ، يخدم هذا وذاك ، وتي وتلك مؤجراً نفسه بطعام بطنه حافياً عارياً ، راضياً بهذا الهوان لكن لما أظهر الله أمر نبيه في المدينة الطيبة بعد بدر وأحد والأحزاب وبعد اللتيا والتي، لم يكن لهذا البائس المسكين حينئذ مذهب عن باب رسول الله فهاجر اليه بعد فتح خيبر فبايعه على الاسلام وكان ذلك سنة سبع للهجرة باتفاق أهل الأخبار . أما صحبته فقد صرح أبو هريرة في حديث أخرجه بأنها إنما كانت ثلاث سنين ) .
قلت : نترك القارىء الأمين يحكم على هذا النص ويستنتج منه روح ونفسية هذا المؤلف الذي وضع نفسه قاضياً أو حكماً لينصف الإسلام في شخصية أبى هريرةt، ويضع أبا هريرة حيث يليق به .
أيها الجاهل .. هل من إنسان متجرد للحق وحده يقبل أن يقال في أبى هريرة هذا .. بعد أن رأى الصورة الصادقة التي لم يخالطها هوى ، أو تعتريها رغبات نفس حقودة ، أو طائفية موروثة !! ؟؟ .
نحن نقبل الذوق الفني والمقياس العلمي الذي ادعاه هذا المؤلف في مقدمة كتابه فنقول : متى كان الجهل يسقط العدالة ؟ وهل كان جميع الناس في الجاهلية متعلمين أو علماء ؟
ألم يكن كثير من الصحابةy أميين جاهلين قبل الإسلام فشرح الله صدورهم للإيمان ، وثبته في قلوبهم ، فغدوا سادات زمانهم ، وعلماء عصرهم ، وأساتذة أمتهم.
__________
(1) الفهرست للطوسي ص104 ، وانظر الفهرست لابن النديم ص 308 .
94(1/94)
وغريب كيف استنتج المؤلف عدم فهم أبى هريرة ؟ هل استعمل معه مقاييس الحفظ والذكاء ؟ أم أن هذا قدح ضمير وتحليق خبير ؟ أم أنه ابداع بلا تفكير !!؟ وما يضير أبا هريرة إذا لم ينتشر صيته في الآفاق ، وهل كان وحده كذلك أم أن أبا بكر وعمر وعثمان وسعداً وعبد الرحمن بن عوف وأكثر الصحابة y كانوا غير معروفين قبل الإسلام ؟ .
وهل يجرؤ امرؤ أن يسلب عدالة هؤلاء وغيرهم لأن شهرتهم لم تطر في مشارق الأرض ومغاربها قبل أن يكونوا مسلمين ؟ .
أما أنه يرمى أبا هريرةt بالتصعلك فهذا لا نرضاه من صعلوك مثله ، فإن كان يريد بها ما يفهمه عوام عصرنا ، من الدناءة والخسة وانحطاط القدر والتطفل، فيكون قد حكم عليه من غير دليل ولا حجة ، وإن كان يريد بها الفقر والفاقة وهو المعنى اللغوى فلا داعي لتكرار كلمة ( الفقر ) ثانية في جملة واحدة ، وهذا لا يليق بمن يتصدر للكتابة والحكم ، لأن في الإطالة ما يصد النفس ، ويسىء إلى الذوق ، والكاتب لا يحب أن يجرح أذواق قرائه ، لأنه يحب الذوق الفني السليم ، فتعين أن مراده المعنى الأول ، وهو أمر وأدهى .
أجل ...لم يكن أبو هريرة غنياً ولا أرستقراطياً إنه أحد ملايين الفقراء الذين عاشوا كراماً رغم الفاقة والحرمان ومتى كان الفقر رذيلة أو عاراً ؟ .
إننا لم نسمع في عصر من العصور بسقوط عدالة إنسان أو إحتقاره بسبب فقره ، وأن مثل هذا الحكم لا يصدر إلا في بيئة مادية يعيش أبناؤها مترفين مبذرين... أو في مجتمع تحكمت به عادات الأرستقراطية وحفنة أعرافها وتقاليدها .
وما كنا نظن أن يحكم هذا المؤلف على أبى هريرة بالمهانة والازدراء لكونه فقيراً ، لأننا على علم يقين بأنه ليس واحداً ممن ذكرنا، وهو الذي قال في مقدمة كتابه : إنما يحكم بما أمر الله ورسوله، ويتبع في بحثه الحق ، فعلى أي أساس بنى حكمه هذا !
95(1/95)
هل في القرآن أو السنة ما يجعل الفقرعيباً أو عاراً ؟ ..كلا .. فها هو بجانب المنهج العلمي الذي وضعه لنفسه .
ثم هل في عمل أبى هريرة وسعيه - كى لا يكون عالة على قومه - عيب ؟ وهل كان العمل في يوم من الأيام عاراً ؟ .
إن علماء الشيعة وباسم النيابة عن الإمام الغائب !! امتصوا عرق الكادحين وجهد العاملين من أبناء الشيعة فيما يسمى " بخمس أهل البيت " ، والذي يأخذونه بدعوى النيابة عن الإمام المنتظر !! وقد وضع هؤلاء الآيات - كهذا المؤلف - أنفسهم في حصانة ومكانة تذكرنا بوضع الباباوات والقسيس في النظام الكنسي، مع أن الثابت عن أئمتهم الذين اعتقدوا فيهم العصمة أنهم كانوا يحثون شيعتهم على العمل .
فهذا جعفر بن محمد يذكر لأتباعه ليعلمهم أن الفخر للعاملين الكادحين لا للمترفين العاطلين الذين يأكلون أموال الناس بالباطل من دون كدح أو عمل باسم الدين !!
روى الكليني في" الكافي"(5/74):- في باب ما يجب من الاقتداء بالأئمة في تعرض للرزق- بإسناده عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : استقبلت أبا عبدالله في بعض طرق المدينة في يوم صايف شديد الحر فقلت : جعلت فداك حالك عند الله- عز وجل - وقرابتك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت تجهد لنفسك في مثل هذا اليوم ؟ فقال : يا عبد الأعلى خرجت في طلب الرزق لاستغني عن مثلك.
وروى أيضاً: باسناده عن أيوب أخي أديم قال: كنا جلوساً عند أبي عبدالله(ع) إذ أقبل العلاء بن كامل فجلس قدّام أبي عبدالله فقال : أدعوا الله أن يرزقني في دعة فقال : لا أدعو لك أطلب كما أمرك الله - عز وجل - .
فهذا المؤلف يجلس في بيته دون أن يعمل وتأتيه أموال الشيعة ، فيتحكم فيها كيف ما شاء ، ثم تراه يزدري بأبي هريرة لفقره ! أليس هذا أضحوكة ؟!!
96(1/96)
روى أيضاً:(5/75): عن أبي حمزة قال : رأيت أبا الحسن يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق فقلت له : جعلت فداك أين الرجال ؟ فقال : يا علي قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه ومن أبي فقلت له: ومن هو ؟ فقال: رسول الله وأمير المؤمنين وآبائي(ع) كلهم كانوا قد عملوا بأيديهم وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين .
فبأي كتاب أو بأي دين يستولي مراجعهم وكل من هب ودب أمثال هذا صاحب "الخمس" على أموال الشيعة المغلوبين على أمرهم ؟ وأغرب من هذا أنه يأخذ على أبى هريرة (حفاه) ويدعى(عريه) راضياً بهذا الهوان .
أقول: هل كان جميع الناس ينتعلون الأحذية والنعال ؟ ومتى كان مقياس العدالة الانتعال أو عدمه ؟ ونحن في القرن العشرين ما سمعنا في يوم من الأيام بسقوط عدالة حاف ، أو ثبوت عدالة منتعل !! والحفاة كثيرون ، فالناس سواء حفاتهم ومنتعلوهم، وإنما المفاضلة في التقوى وحسن الخلق،كما قال - عز وجل -:{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْـ عِندَ اللهِ أَتْقَكُمْ } [ الحجرات /13] .
وإني لأعجب من ادعائه ( عرى ) أبى هريرة ، وأتساءل كيف استنتج هذا ؟ ومن نقل إليه ذلك ؟ ثم هل في كل ما سبق هوان وذل لأبى هريرة t ؟
لقد سبق أن بينت أن الفقر والمسكنة لا يحطان من قدر المرء ومكانته إلا عند من أعمت المادة قلوبهم ، ولم يكن دخول الجنة مشروطاً باللبس والبذخ: " فرب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره " الحديث .
ولعل المؤلف يرد هذا الحديث لأن راويه أبو هريرة (1)، ونسى أو تناسى أن شيوخه ، وهم شيوخ المذهب كالشيخ الصدوق روى هذا الحديث بسنده إلى أبي هريرة t.
__________
(1) العجاج ص169-171 .
97(1/97)
ففي أمالي الصدوق عن الحسن بن عبدالله بن سعيد عن عبدالله بن محمد بن عبدالكريم عن محمد بن عبدالرحمن عن عمرو بن أبي بسلمة عن أبي عمر الصنعاني عن العلا بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: رب أشعث أغبر ذي طمرين مدقع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره (1) .
فما هو رأي هذا المؤلف ؟! لقد كنا نفهم من رجل غني صاحب جاه و نفوذ أن يحتقر الفقراء ويزدريهم ، وكنا نفهم من أعداء الأنبياء ومحاربي دعواتهم أن يقولوا لهم ما قال قوم نوح لنوح - عليه السلام -{ وَمَا نَرَئك اتَّبَعَكَ إلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُناَ بَادِ الرأىَ} [هود /27] .
وكنا نفهم أن تكون البيئات الأرستقراطية الرأسمالية هي التي تستعلى على الفقراء وتزدريهم وتمتهن أقدارهم . لقد كنا نفهم كل هذا إلا من مثل هذا "المؤلف" فبأية عقلية يتكلم عن فقر أبي هريرة وعدم وجاهته !! أبعقلية الذين يكذبون رسل الله- صلى الله عليه وسلم - وأنبياءه ؟
فإن كان هو ممن يؤمن بالله ورسله وبما جاء في كتابه ، فإن الله حكى عن نوح - عليه السلام - أنه قال للذين ازدروا أتباعه المؤمنين الفقراء { وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينِ ءامَنُوا إِنَّهُم مُّلَقُوا رَبّهِمْ وَلَكِنّى أَرَئكُمْـ قَوْمًا تَجْهَلُونْ } [هود /29] ، ثم قال لهم :
{ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِى أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا ، اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِى أَنفُسِهِمْ إِنّى إِذًا لَّمِنَ الظَّلِمِينَ } [هود/ 31] .
وإن كان يتكلم بعقلية الأغنياء في وسط إسلامي ، فإنه يعلم أن الإسلام أهدر جميع القيم المادية في التفاضل بين الناس ، ولم يعترف إلا بقيمة واحدة هي قيمة التقوى حين قال:{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْـ عِندَ اللهِ أَتْقَكُمْ } [الحجرات /13] .
__________
(1) البحار 72/36 و 75/143 .
98(1/98)
إنني لم أجد مسوغاً لهذا المؤلف أو لتلميذه " أبي رية " في تلك النظرة الوقحة المخزية التي جاهرا بها في نظرتهما إلى فقر أبي هريرة وجوعه وقلة ذات يده .
لقد كان بلال مؤذن الرسول- صلى الله عليه وسلم - وهو الذي صعد على ظهر الكعبة يوم فتح مكة فوق رؤوس سادة قريش وكبرائها ليعلن كلمة الإسلام ، وكان عمر يقدم صهيباً وبلالاً وأمثالهما من الضعفاء على كبراء القوم حين يستأذنون في الدخول عليه
ومن المعلوم أن الذين آمنوا برسول الله- صلى الله عليه وسلم -، في أول الأمر واستمر ذلك سنوات كان أكثرهم من الضعفاء والفقراء والأرقاء ، فهل كان ذلك يضيرهم شيئاً عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ؟ أم كان ذلك يضيرهم شيئاً في تاريخ الدعوة الإسلامية وكفاحهم في سبيل الله ؟ أو لم يسجل تاريخ الإسلام لهؤلاء الضعفاء الفقراء الأرقام المهينين في نظر كفار قريش وأمثال - "عبد الحسين " - و " أبي رية " أروع صفحات الخلود والمجد والإخلاص للحق والتفاني في سبيل الله ونشر دينه ؟
فأين يبلغ من مكانتهم أو قريباً من مكانتهم من كان يسميهم كفار قريش وأمثال " أبي رية " بالأغنياء والشرفاء والوجهاء (1).
وأما أن صحبته ثلاث سنوات كما قال أبو هريرة نفسه ، فهذا من باب التقريب لا من باب الحصر ، فأبو هريرة لم يعلم أنه سيأتي في آخر الزمان " موتور حاقد " يحصى عليه أيام صحبته ، ويتتبع مناقصه ويزدريه لفقره ، ويرى في هذا لوناً من ألوان الهوان والذل .
وإذا عرفنا أن غزوة خيبر كانت في (محرم ) من السنة السابعة ، أي في أول تلك السنة واستمرت الغزوة نحو ثلاثين يوماً، وأن أبا هريرة قدم المدينة على أشهر الروايات أيام فتح خيبر ، ورأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - عقبها أي في العشر الأول من صفر، وأن وفاة الرسول كانت يوم الأثنين(13ربيع الأول سنة 11 للهجرة الموافق يونيو سنة 633م ).
__________
(1) السنة للسباعي ص324-325 .
99(1/99)
إذا عرفنا ذلك تبين أن أبا هريرة t قد تشرف بصحبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أربع سنوات وثلاثة وثلاثين يوماً . وإذا أراد أبو هريرة من تصريحه بالسنوات الثلاث الحصر، يكون قد رفع من صحبته وملازمته للرسول- صلى الله عليه وسلم - ما قضاه في البحرين مع العلاء الحضرمي سنة ثمان للهجرة (1).
قدمنا أن أبا هريرة t أسلم سنة سبع من الهجرة في غزوة خيبر ونزيد الآن أننا نرجح أنه أسلم قبل هذا التاريخ بزمن طويل ، ولكن هجرته إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إنما كانت في تلك السنة ، وإنما رجحنا ذلك لدليلين :
الأول - ما ذكره ابن حجر في الإصابة من ترجمة الطفيل بن عمرو الدوسي أنه أسلم قبل الهجرة ولما عاد بعد إسلامه إلى قومه - رهط أبي هريرة - دعاهم إلى الإسلام فلم يجبه إلا أبوه ، وأبو هريرة . وهذا صريح في أن إسلام أبي tهريرة قد تم قبل قدومه إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم - في غزوة خيبر بسنوات .
الثاني - ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أمر المشادة التي جرت بين أبي هريرة t وبين أبان بن سعيد بن العاص حين قسمة الغنائم بعد فتح خيبر ، فقد طلب أبان من الرسول- صلى الله عليه وسلم - أن يقسم له الغنائم ، فقال أبو هريرة : لا تقسم له يا رسول الله فإنه قاتل ابن قوقل - وهو النعمان بن مالك بن ثعلبة ولقبه قوقل بن أصرم - وذلك في معركة " أحد " إذ كان أبان لا يزال مشركاً فقتل ابن قوقل .
ومن هذه القصة ندرك أن أبا هريرة حين قدم خيبر مهاجراً إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لم يكن حديث عهد بالإسلام ، بل كان متتبعاً لمعاركه وأحداثه بحيث يعلم أن أبان بن سعيد بن العاص هو الذي قتل ( بن قوقل ) يوم أحد ، وإلى هذا ذهب الحافظ ابن حجر .
لقد كان إسلام أبي هريرة إسلاماً خالصاً لوجه الله كإسلام الصحابة جميعاً y، سمع بالإسلام لأول مرة عن طريق الطفيل بن عمرو فما لبث أن دان به وقام
__________
(1) العجاج ص172 .
100(1/100)
بشعائره، ثم ما زال متشوقاً للهجرة للرسول- صلى الله عليه وسلم - حتى قدم عليه ، وقد كان الرسول- صلى الله عليه وسلم - والمسلمون في غزوة خيبر . وأكثر الروايات على أن قدومه وافق الانتهاء من الغزوة، ولكنه حضر قسمة الغنائم ، وبعض الروايات - وهي الأوثق والأصح - تثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أمر المسلمين بأن يفرضوا له منها نصيباً . ثم لازم النبي- صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك على أن لا يلتفت إلى شيء من الدنيا إلا أن يستمع إلى الرسول ويحمل للمسلمين من بعده هدايته وينقل إليهم حديثه ، وكان طبيعياً أن يكون مكان أبي هريرة في " الصفة " وهو مكان في المسجد كان يأوي إليه المنقطعون للعلم والجهاد مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم -والذين ليس لهم مال ولا أهل في المدينة ، وقد كان في الصفة كرام الصحابةy، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يكرمهم ويحث على إكرامهم .
واستمر شأن أبي هريرةt كذلك يلازم الرسول- صلى الله عليه وسلم - أينما ذهب حتى اختار الله رسوله لجواره ، وبهذه الملازمة المستمرة من سنة سبع إلى عشر والحرص الشديد على تتبع حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من أفواه الذين سبقوا ابا هريرة t إلى الإسلام ، ومن أفواه زوجاته تجمع لأبي هريرة من الحديث ما لم يتجمع لغيره من الصحابة y الذين لم يتفرغوا تفرغه لسماع الحديث ولم يلتزموا ما التزمه أبو هريرة من ملازمة الرسول أينما سار .
تلك هي قصة إسلامه ، و قد روى لنا البخاري وغيره كالدولابي في "الكنى" حديث هجرته من دوس إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم - في المدينة ثم خيبر ، وكيف كان يتغنى في طريقه بقوله :
فياليلة من طولها وعنائها على أنها من دارة الكفر نجت(1/101)
وفي الطريق أبق غلام لأبي هريرة ، فلما قدم على النبي- صلى الله عليه وسلم - وبايعه ظهر الغلام فقال له الرسول : يا أبا هريرة ! هذا غلامك ، فقال أبو هريرة t: هو لوجه الله ، أعتقه فرحاً بلقائه رسول الله- صلى الله عليه وسلم -ومبايعته على الإسلام !
101
ومن هذا نرى أن في قصة إسلام أبي هريرة t مثلاً من أمثلة الصدق في محبة الرسول واعتناق الإسلام ، وفي الشكر علىنعمة الله بلقاء رسوله ومبايعته بإعتاق عبده الذي ليس له غيره .
ولعمري إنه مَثل يجد فيه المؤمنون الصادقون ما تفيض به النفس ثقة ورضى واطمئناناً .
ولكن "الحاقدين" وقد امتلأت نفوسهم ضغناً على أبي هريرة t، لم يرو في قصة إسلامه إلا قصة من قصص التشرد التي تحمل الجائع على التنقل من بلد إلى بلد ليملأبطنه !
ولم يرو في صحبته لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلا ذلك الرجل المتسول الذي همه في الحياة أن يسد جوعته ويشبع نهمته ! فيا عجباً ! هل يرضون هذه الصورة لأنفسهم ؟
أم هل يرضوها لأولادهم ؟ أم هل يرضوها لأحد من أصدقائهم ؟
فكيف ارتضوها لصحابي من صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، مهما كان رأي الحاقدين فيه، فلا شك أن جمهور علماء الإسلام منذ عصر التابعين حتى اليوم يرونه المثل الكريم لحامل أمانة العلم عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - (1).
- - - - - -
وفي ( ص22 -27) قال عبد الحسين تحت عنوان "على عهد النبي": وصف " هذا المؤلف" أبا هريرة t بالفقر وأنه من أهل الصفة الذين لا مأوى لهم ولا معين .
__________
(1) السنة للسباعي ص325-328 .
102(1/102)
قلت : يصف عبد الحسين أبا هريرة بالفقر وأنه من أهل الصفة الذين لا مأوى لهم ولا معين ، فهل ونسى أو تناسى أن يبين أن أهل الصفة كانوا أضياف الإسلام ، وقفوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله وطلب العلم ، وكانوا صلة بين الرسول- صلى الله عليه وسلم - وأصحابهy و عامة المسلمين ، فإذا ما أراد أن يبلغ تنزيلا أو يجمع المسلمين دعا بعض أهل الصفة لينادوا في المسلمين ويجمعوهم ، وكان أكثرهم من المهاجرين وفيهم كرام الصحابة y، وكان يحبهم رسول الله ويكرمهم ، وكثيراً ما كان يأكل معهم (1).
ثم عرض المؤلف جوع أبي هريرة وفقره ، وملازمته رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بشبع بطنه، ونسى أو تناسى أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ما كان يجد من الدقل ما يملأ به بطنه .
فعن النعمان بن بشي :" لقد رأيت نبيكم وما يجد من الدقل ما يملأ به (2).
وعن عائشة أنها قالت ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله (3).
وهل نسى أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - انتقل إلى جوار ربه ودرعه مرهونة عند أحد اليهود كما في بعض الروايات .
إن كان هذا" آية الله " قد نسى ، فسوف أذكره حتى لا ينسى مرة أخرى ، وإن كان هذا "الآية " يعلم ويستعمل " التقية " فالمصيبة أعظم .
فقد أخرج ثقتهم الكليني في كافيه عن أبي عبيدة عن أبي جعفر (ع) قال : ما كان شيء أحب إلى رسول الله من أن يظل جائعاً خائفاً في الله (4).
__________
(1) العجاج ص173 .
(2) أخرجه مسلم في الزهد والرقائق .
(3) البخاري ومسلم .
(4) الوسائل 16/ 408 باب كراهة الشبع والأكل على الشبع .(1/103)
لقد أورد التويسيركاني( الشيعي) في كتابه (1)روايات كثيرة في فضائل الجوع ، أذكر بعض منها: قال مانصه:( أقول: يستفاد من هذا الحديث وأضرابه أن فساد ملاء البطن من المأكول والمشروب لدين الرجل أكثر من فساد وعاء مملوّ من الشراب ، مال الحرام ونحوهما من المحرّمات كما أنه يستفاد من قوله السابق مامن شيئ أضرّ لقلب المؤمن من كثيرة الأكل أن فساد ذلك له أكثير من فسادها له ومشتملة على أنه قال: قال لي جبرئيل : إن ربي يقول لك : بك يا محمد ما أبغضت وعاء قط إلاّ بطنا ملآن ، وعلى أن أبعد الخلق من الله إذا امتلأ بطنه وعلى أن أبعد ما يكون العبد من الله إذا كان همه بطنه وفرجه ) (2).
أن موسى - عليه السلام - قال: يارب إني جائع قال الله تعالى: إني أعلم بجوعك، قال: بارب قال اطعمني قال: إلى أين تريد وقال رجل: لابن سيرين. علمني العبادة فقال له: كيف تأكل ؟ فقال: أكل حتى أشبع قال: هذا عاده الدواب يجب عليك أن تتعلم آداب الأكل ثم العبادة .
وقال : إن أقرب الناس إلى الله تعالى يوم القيامة من طال جوعه وعطشه وحزنه في الدنيا فهم الأتقياء الأخفياء الذين إذا شهدوا لم يعرفوا ، وإذا غابوا لم يفقدوا الحديث .
وقال الصادق: ما أكل رسول الله خبز بر قط ولا شبع من خبر الشعير قط(3).
__________
(1) الئالي الأخبار1/144 - باب " في مدح ترك الشبع " وفي ص 145 باب " في أن الشبع لدين المرء أضر من جميع المضرات " وفي ص 147 باب " في ذم الشبع وكثرة الأكل " وفي ص 149 باب " في قصة يحيى مع ابليس في ذم الشبع وأثره " وفي ص 151 باب " في ثمرات الجوع وفوائده النفسية " وفي ص 152 باب " الأخبار الواردة في فضل الجوع" وفي ص 154 باب " في وصف أكل المؤمن وكلمات الأكابر في المقام " وفي ص 155 باب " في وجوع النبي ورياضته به " وفي ص 156 باب " قصة أبي جحيفة في الجوع " .
(2) اللئالي 1/145 - 146 وص152-153 .
(3) اللئالي 1/155 و 2/360 .(1/104)
وفي حديث آخر: إنه قال لفاطمة :فوالله ما ذاقت طعاماً ثلاث وكان يضع الحجر على بطنه من شدّة الجوع ،وقد يشدّ عليه فيضطجع على فقاه ، ولم يتمكن من القيام للصلاة (1).
وفي رواية أن واحداً من الصحابةy دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو شادّ حجراً على بطنه من الجوع وهو مستلقي على قفاه لا يقدر على الجلوس ، وهو يقول: اللهم إني أعوذ بك من نوم يضجع على الفراش ويشغلني عن طاعتك (2).
قلت: فالجوع ليس مختص بأبي هريرة ، فالنبي- صلى الله عليه وسلم - كان يشكو من الجوع ، كما أن علياً كان يشكو من الجوع حتى إنه استفرض ديناراً من أجل سد الجوع ، بل أن أبناءه كالحسن والحسين وزوجته فاطمة y كانوا يشكون من الجوع ، وغيرهم من الصحابةy كانوا يشكون من الجوع. فطعن هذا المفتري واستهزائه ليس موجه لأبي هريرة فقط ، بل للنبي- صلى الله عليه وسلم - وسائر أهل البيت !!
و عن ابن عباس t قال: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعاً من شعير، أخذها رزقا لعياله (3).
وما دمنا بصدد هذا الموضوع، نضيف هنا أن الزهراء (ع) ما كانت تشكو حالها إلى أبيها ، وإليك بعض هذه الروايات .
وفي رواية: قالت فاطمة (ع) : إنك زوجتني فقيراً لا مال له ...(4) .
وفي رواية: قالت فاطمة (ع) : إنك زوجتني فقيراً لا مال له ... (5) ).
__________
(1) اللئالي 1/155 .
(2) اللئالي 1/155 - 156 .
(3) مكارم الاخلاق ص 25، الاحتجاج ص 120 ، قرب الاسناد ص 44 ،البحار 16/239 و 17/297 و 103/144 .
(4) أمالي الصدوق ص 326 ، البحار 40/6 .
(5) الارشادص16 ، انظر البحار 40/17و18و85و178و18/398و37/91 و 38/5 و 43/139، كشف اليقين ص 158 ، امالي الصدوق ص 356 ، تاويل الآيات 1/272 ، المحتضرص 143 ، المناقب1/180، اعلام الوري ص 164 .(1/105)
وفي أخرى: قال : ما يبكيك يا بنتي؟ قالت: قلة الطعام وكثرة الهم وشدة السقم، قال لها: أما والله ما عند الله خيراً لك مما ترغبين إليه، يا فاطمة أما ترضين أن زوجتك خير أمتي و أقدمهم سلما وأكثرهم علما و أفضلهم حلما (1).
ونكتفي بهذه الرواية المفجعة إذ تصوّر لنا جوع فاطمة الحسن والحسينy .
يروي شيخهم القمي في كتابه " آمالي الصدوق" (ص215) خلاصتها :" ... وعمدوا إلى ما كان الخوان فاتوه وباتوا جياعاً وأصبحوا مفطرين عندهم شيئ، قال شعيب في حديثه وأقبل علي بالحسن والحسين (ع) نحو رسول الله وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصربهم النبي- صلى الله عليه وسلم - قال يا أبا الحسن شد ما يسوءني ما أرى بكم ، انطلق إلى ابنتي فاطمة فانطلقوا إليهما وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع .."
وفي هذا كله براءة أبي هريرة t وصفاء نفسه وحسن سريرته ، ولكن لأن الحقد قد ملأ قلب عبد الحسين، بل جهله حتى بمرويات أهل البيت. فحاول أن يعرضه على القارئ عرض الفقير البائس ، المنقطع المتشرد الذي يستجدى الصحابة ويلازم الرسول فقط ليشبعه ، ولم ير في ذلك حرصه على العلم وعدم طمعه فيما في يدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وصوره الجائع المتماوت من جوعه ، يريد فتات الموائد ، ويطلب الحياة الدنيا ، وأغمض " المؤلف " عينيه عن الروايات الثانية التي تبين حقيقة ملازمته للرسول - صلى الله عليه وسلم - وزهده في الدنيا وانقطاعه لخدمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - طلباً للعلم ، وقد سأله رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: " ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك" ؟ فقال أبو هريرة t: أسألك أن تعلمني مما علمك الله.
__________
(1) كشف الغمة 1/84 ، البحار 38/19 .(1/106)
ثم ذكر عبد الحسين ثناء أبي هريرة على جعفر بن أبي طالب لأنه كان للمساكين عوناً يكرمهم ويواسيهم ، ولكن المؤلف يرى أن أبا هريرة فضل جعفرا على الناس كافة بعد النبي- صلى الله عليه وسلم - بسبب اطعامه لأبي هريرة ، وفي هذا عديد من الافتراء والكذب والتضليل ...فمدحه لجعفر بن أبي طالب ، أنه إذا سأله القرى أو القراءة لا يجيبه حتى يذهب به إلى بيته ، يقول أبو هريرة : كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة ( ظرف السمن ) التي ليس فيها شيء فنشقها ونلعق ما فيها (رواه البخاري ) ومن أجل ذلك يقول عنه أبو هريرة : إنه كان خير الناس للمساكين، وهذا حق ، فإن كرم جعفر وسخاءه وحبه للمساكين كان مشهوراً معلوماً للنبي- صلى الله عليه وسلم - وصحابته y حتى كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكنيه بأبي المساكين .
فهل يلام أبو هريرة على مدحه لجعفر بعد أن كناه النبي- صلى الله عليه وسلم - بأبي المساكين؟
وعلى هذا المعنى يحمل ما روي عن أبي هريرة : ما احتذى النعال ولا ركب المطايا ولا وطىء التراب بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أفضل من جعفر بن أبي طالب . فإنه في صدد الذين يحبون الفقراء ويعطفون على المساكين ، لا في صدد التفضيل بين صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - على الإطلاق حتى يدعي هذا المؤلف وأمثاله كتلميذه " أبي رية " أن أبا هريرة جعله أفضل من أبي بكر وعمر وسائر الصحابة y ؟ ومتى كانت " لهؤلاء الحاقدين " هذه الغيرة على صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ؟! .
ويؤيد ما قلناه من أن أبا هريرة t لا يريد الإطلاق ما قاله الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر قول أبي هريرة في جعفرt : إنه كان خير الناس للمساكين . وهذا التقييد (للمساكين) يحمل عليه المطلق الذي جاء عن عكرمة عن أبي هريرة وقال : ما احتذى النعال إلخ .... .(1/107)
وفي (ص 28) قال عبد الحسين تحت عنوان" على عهد الخليفتين" قال المؤلف: ( ألممنا بأخبار الخليفتين ، واستقرأنا ما كان على عهدهما ، فلم نجد لأبي هريرة ثمة أثراً يذكر ، سوى أن عمر بعثه والياً على البحرين سنة إحدى وعشرين ، فلما كانت سنة ثلاث وعشرين عزله وولى عثمان ابن أبي العاص الثقفي ، ولم يكتف بعزله حتى استنقذ منه لبيت المال عشرة آلاف زعم انه سرقها من مال الله في قضية مستفيضة ، وحسبك منها ما ذكره ابن عبد ربه المالكي ( فيما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم من أوائل الجزء الأول من عقده الفريد اذ قال -وقد ذكر عمر -: ثم دعا أبا هريرة فقال له : علمت إني استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ثم بلغني إنك ابتعت أفراساً بألف دينار وستماية دينار قال كانت لنا أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت ، قال : حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل فأده قال : ليس لك ذلك قال : بلى والله وأوجع ظهرك ثم قام اليه بالدرة فضربه حتى أدماه ثم قال : ائت بها قال : احتسبها عند الله، قال : ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعا ، أجئت من أقصى حجر البحرين يجبي الناس لك لا لله ولا للمسلمين ؟ ما رجعت(1) بك أميمة إلا لرعية الحمر ) .
__________
(1) قال " الحاقد "في هامش الصفحة ما نصه :( الرجع والرجيع العذرة والروث سميا رجيعا لأنهما رجعا من حالتهما الأولى بعد أن كانا طعاما وعلفا ، وأميمة أم أبي هريرة ، وكلمة الخليفة هذه من أفظع كلمات الشتم ). أقول : إن سوء فهم " الحاقد " للنص وهواه !! جعلاه يفسر هذه الكلمة بما فسر ، بينما الحقيقة ما رجعت أي ما عادت . والنص لا يحتمل أكثر من هذا التفسير , فلم هذا التحامل ؟ وهل هذا سبيل الباحث النزيه ؟!!( العجاج ص176 .(1/108)
قال ابن عبد ربه : وفي حديث أبي هريرة t: لما عزلني عمر عن البحرين قال لي: يا عدو الله كتابه سرقت مال الله ؟ قال فقلت : ما انا عدو الله وعدو كتابه ولكني عدو من عاداك وما سرقت مال الله ، قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف ؟ قال فقلت: خيل تناتجت . وعطايا تلاحقت ، وسهام تتابعت قال : فقبضها مني فلما صليت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين الحديث . وقد أورده ابن أبي الحديد إذ ألم بشيء من سيرة عمر في المجلد الثالث من شرح النهج وأخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرةt من طبقاته الكبرى من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة t قال : قال لي عمر : يا عدو الله وعدو كتابه أسرقت مال الله إلى آخر الحديث .
وأورده ابن حجر العسقلاني في ترجمة أبي هريرة من أصابته فحوّره عطفاً على أبي هريرة t تحويراً خالف فيه الحقيقة الثابتة باتفاق أهل العلم ، وذهل عما يستلزمه ذلك التحوير من الطعن بمن ضرب ظهره فأدماه وأخذ ماله وعزله .
قلت: أما أنه ألم بأخبار الخلفيتين ، واستقرأ ما كان على عهدهما ، فلم يجد لأبي هريرة أثراً يذكر ، فهذا مجرد زعم وادعاء ، فإن أبا هريرة أشرك في حروب الردة في عهد أبي بكر t، فقد روي الإمام أحمد ما دار بين أبي بكر وعمر عن أبي هريرة y وفيه ( فلما كانت الردة قال عمر لأبي بكر تقاتلهم وقد سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول كذا وكذا ؟ قال فقال أبوبكرt: والله لا أفرق بين الصلاة والزكاة ، ولأقاتلن من فرق بينهما ، قال - أبو هريرة t - فقاتلنا معه فرأينا ذلك رشداً (1).
__________
(1) مسند الإمام أحمد 1/181 بإسناد صحيح .(1/109)
وكان يعتز بموقف أبي بكر t وثنى عليه ، فقد أخرج البيهقي وابن عساكر عن أبي هريرة t قال: والذي لا إله إلاّ هو ... لولا أن أبابكر استخلف ما عبدالله تعالى ، ثم قال الثانية ، ثم قال الثالثة ، فقيل له : مه يا أباهريرة ! فقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام ، فلما تزل بذي خشب قبض النبي- صلى الله عليه وسلم - ، وارتدت العرب حول المدينة، واجتمع إليه أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقالوا : ردّ هؤلاء ، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة ؟ فقال: والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأوجل أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم - ما رددت جيشا وجهه رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ولا حللت لواء عقده ، فوجه أسامة ، فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا : لولا أن هؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم ، فلقوهم فهزموهم وقتلوهم ، ورجعوا سالمين فثبتوا على الاسلام ( (1) ).
وفي عهد عمر t اشتغل في طلب العلم والتعليم ورافق أميرالمؤمنين في حجة ، وحدثه حديث الريح عندما اشتدت بهم حين لم يذكر أحد من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - آنذاك شيئاً فيها (2).
كما اشترك في وقعة اليرموك كما أسلفنا ، فلم يخمل ذكر أبي هريرة في عهد الخليفتين الراشدين إلا أن هذا المؤلف لم يلم بأخبارهما كما ادعى ، وأما ولايته على البحرين والرواية التي ذكرها ابن عبد ربه من غير سند، ويستشهد بها ، رأى هذه الرواية توافقه فاستشهد بها ولم يذكر الرواية التي بعدها مباشرة ، فليس في تلك ضرب عمر لأبي هريرة ، بل فيها ردّ أبي هريرة على عمر حين قال له: ياعدو الله سرقت مال الله ، قال أبوهريرة : ما أنا عدو الله وعدو كتابه ، ولكني عدو ما عاداهما ...
__________
(1) البداية والنهاية 6/305 ، والخلفاء للسيوطي ص 74 ، والكامل 2/62 .
(2) مسند الإمام أحمد 4/521 بإسناد صحيح .(1/110)
إن ما استشتهد به المؤلف مجرد عن السند ، فلوكان لروايته في الأصل سند أمكننا أن نتعرض من خلاله مقدار صحتها ، بينما وردت الرواية الثانية التي لم تنص على ضرب عمر لأبي هريرة في مراجع كثيرة جداً بأسانيد صحيحة ، في حلية الأولياء وطبقات ابن سعد وتاريخ الإسلام والإصابة وفي عيون الأخبار ، وقد ذكرت هذا في ترجمته ، فهذه الرواية التي استشهد بها " هذا المؤلف" ترد لأنها تخالف روايات أصح منها . ولو فرضنا صحتها ، فإن الرواية الثانية التي تليها وليس بها ضرب عمر لأبي هريرة، بل فيها مناقشة أبي هريرة عمر، وبيان طريق أمواله التي جمعها ، ورده أتهامه الذي وجهه إليه .
أقول: إن هذه الرواية تصحح ما قبلها ، وتلقي ضوءاً عليها إذ فيها " فقبضها- الدراهم - مني فلما صليت الصبح استغفرت لأميرالمؤمنين " .
إن أبا هريرة يستغفر لأمير المؤمنين الذي شاطره ما له. وهو يعلم أن ما أخذه الأمير منه إنما هو عطاياه وأسهمه ، ومع هذا لم يحقد على عمر t بل شعره في نفسه أنه مظلوم ، فراح يستغفر لأميره ...
هذا إذا اعتبرنا صحة الرواية ، علماً بأن الروايات الآخرى تقول: " قال: فمن أين هي لك ؟ قلت: خيل نتجت، وغلة رقيق ل ، وأعطية تتابعت عليّ، فنظروا ، فوجدوه كما قال " (1).
__________
(1) تاريخ الإسلام 2/338 ، وحلية الأولياء 1/380 ، والبداية والنهاية 8/111 .(1/111)
وفي بعضها أنه أخذ منه اثنى عشر ألفاً (1) وأرجح أن عمر t شاطره ماله ، كما شاطر غيره من الأمراء إلا أنه لم يضربه ، وفي الحقيقة إن ابن عبد ربه يقول: " ولما عزل عمر أبا موسى الأشعري عن البصرة وشاطره ماله ، وعزل أباهريرة عن البحرين وشاطره ماله ، وعزل الحارث بن كعب بن وهب وشاطره ماله .. ودعا أبو موسى .. ثم دعا أبا هريرة .." (2) وقاسم عمر سعد بن أبي وقاص ماله حين عزله عن العراق(3)، فعمرt لم يتهم أبا هريرةt ولم يشاطره ماله وحده بل تلك كانت سياسته مع ولأته ، كي لا يطمع امرؤ في مال الله، ويحذر الشبهات، وكان يعزل ولاته لا عن شبهة، بل من باب الاجتهاد وحسن رعاية أمور المسلمين، فلما عزل " المغيرة بن شعبة عن كتابة أبي موسى ، قال له : أعن عجز أم خيانة يا أمير المؤمنين ؟ قال: لا عن واحدة منهما ، ولكني أكره أن أحمل عقلك على العامة (4).
وكتاب عمر t إلى العلاء بن الحضرمي يؤكد سياسته مع جميع ولاته وعماله فقد جاء في كتابه: " سر إلى عتبة بن غزوان - كان والياً على البصرة - فقد وليتك علمه ، وأعلم أنك تقدم على رجل من المهاجرين الأولين الذي سبقت لهم من الله الحسنى لم أعزله الا يكون عفيفاً صليباً شديد البأس ، ولكن ظننت أنك أعنى عن المسلمين في تلك الناحية منه ، فاعرف له حقه ، وقد وليت قبلك رجلا فمات قبل أن يصل، فإن يرد الله أن تلى وليت ، وإن يرد الله أن يلى عتبة فالخلق والأمر لله رب العالمين ." (5)
__________
(1) طبقات ابن سعد 4/59 .
(2) العقد الفريد 1/33 .
(3) طبقات ابن سعد3/105 .
(4) العقد الفريد 1/60 .
(5) طبقات ابن سعد 4/78 .(1/112)
وأما زعمه أن عمر ضربه بالدرة ، فنحن نتحداه ونتحدى كل من يتجرأ على أبي هريرة أن يثبت لنا نصا تاريخيا موثوقا بصحة هذا الخبر من كتاب علمي محترم إلا أن يكون من تلك الكتب الأدبية التي تروي التالف والساقط من الأخبار ، أو تلك الكتب الشيعية التي عرفت ببغض أبي هريرة والافتراء عليه ، وليس لهذه الكتب قيمة علمية عند من يشم رائحة العلم ! حتما ستنقطع أعناق هؤلاء الحاقدين دون العثور على نص من هذا القبيل ويأبى الله لهم ذلك ، أما إن كانت النصوص من كتاب كعيون الأخبار ، وبدائع الزهور ، والعقد الفريد ، ورواة كابن أبي الحديد والاسكافي، ومتهمين كالنظام وأمثاله ...فهيهات أن يكون ميدان هذه الكتب وهؤلاء الرواة وهؤلاء الطاعنين هو ميدان العلم والعلماء !! .(1/113)
فأبن أبي حديد من دعاة الاعتزال والرفض والكيد للإسلام ، وحاله معروفة ، والإسكافي من دعاة المعتزلة والرفض أيضا في القرن الثالث ولا يعرف له سند ، ومثل هذه الحكايات الطائشة توجد بكثرة عند الرافضة الناصبة (1) وغيرهم بما فيه انتقاص لأبي بكر وعمر وعلي وعائشة وغيرهم ، وإنما يتشبث بها من لا يعقل . وقد ذكر ابن أبي الحديد أشياء عن الاسكافي من الطعن في أبي هريرة وغيرهم من الصحابة وذكر من ذلك شيئا من مزاح أبي هريرة فقال ابن أبي الحديد : " قلت قد ذكر ابن قتيبة هذا كله في كتاب المعارف في ترجمة أبي هريرة وقوله فيه حجة لأنه غير متهم عليه " ، وفي هذا إشارة إلى أن الاسكافي متهم ، ونحن كما لا نتهم ابن قتيبة قد لا نتهم الاسكافي باختلاق الكذب ، ولكن نتهمه بتلقف الأكاذيب من أفاكي أصحابه الرافضة والمعتزلة. وأهل العلم لا يقبلون الأخبار المنقطعة ولو ذكرها كبار أئمة السنة ، فما بالك بما يحكيه ابن أبي الحديد عن الاسكافي عمن تقدم بزمان (2)وهو غير ثقة (3). فضرب عمر لأبي هريرة غير معقول لأن عمر t يعرف مكانته ومنزلته، وأما أنه أهانه وقال له:" استعملتك على البحرين بلا نعلين " ، فالواقع يكذب هذا لأن جميع المسلمين تحسنت أحوالهم أيام عمر،وكثر عطاؤهم عندما فتحت البلاد المجاورة فأغدقت عليهم الغنائم والأموال الكثيرة ، وإلى جانب هذا لم يرد في الروايات الصحيحة المعتمدة شئ من ذلك .وهناك ما يدل على عدم اتهام عمر لأبي هريرة ، ويدل على استقامته وأمانته ،وهو أن أمير المؤمنين عاد إلى
__________
(1) الرافضة الناصبة هم الذين رفضوا خلافة الشيخين وطعنوا فيهما وسبوهما ولعنوهما ، وفي نفس الوقت طعنوا في أهل بيت النبي كعائشة وحفصة ورموهما بالزنا ونصبوا لهم العداء ، ولعنوهما ، وقد اجتمع هاتان الصفتان في " هذا الحاقد " وأوليائه أمثال القمي والمجلسي والبياضي والجزائري والبحراني ..فتدبر !
(2) الأنوار الكاشفة ص152-153 .
(3) العجاج ص213 .(1/114)
أبي هريرة ، وطلب أن يستعمله ثانية على البحرين فأبى، وأن هذه الرواية تتمة ما نقله " هذا المؤلف " إلا أنه حذفها كي لا يظهر بطلان ما يدعيه ، وليتمم طعنه في أبي هريرة وفيها " فقال لي بعد ذلك : ألا تعمل ؟ قلت: لا . قال: قد عمل من هو خير منك يوسف صلوات الله عليه . قلت: يوسف نبي وأنا ابن أميمة ، أخشى أن يشتم عرضي ، وويضرب ظهري وينزع مالي" (1). هذا النص تتمة الخبر الذي رواه " هذا المؤلف الأمين " وأبى أن يثبته للحقد الذي في نفسه على راوية الإسلام ، وهذا النص يؤكد عدم ضرب عمر لأبي هريرة إذ لو صح أنه ضربه لقال أبو هريرة : لن أعود بعد أن شتم عرضي وضرب ظهري. وهكذا ثبتت براءة أبي هريرة مما تجناه عليه المؤلف(2).
__________
(1) العقد الفريد 1/34 - 35 و 60 .
(2) أبو هريرة رواية الإسلام للعجاج ص 175 - 178 .(1/115)
وفي (ص30) قال عبد الحسين تحت عنوان "على عهد عثمان" قال المؤلف ما نصه :) أخلص أبو هريرة لآل أبي العاص وسائر بني أمية على عهد عثمان واتصل بمروان وتزلف إلى أبي معيط ، فكان له بسبب ذلك شأن ، ولاسيما بعد يوم الدار إذ حوصر عثمان فكان أبو هريرة معه ، وبهذا نال نضارة بعد الذبول ونباهة بعد الخمول. سنحت له تلك الفرصة الانضواء إلى الدار فأسدى بها إلى آل أبي العاص وغيرهم من الأمويين يدا كان لها أثرها عندهم وعند أعوانهم ومقوية سلطانهم . فنضوا عن دثار الخمول ، وأشادوا بذكره ، على أنه لم يخف عليهم كونه ما استسلم إلى الحصار ولا دخل الدار إلا بعد أن كف الخليفة أيدي أوليائه عن القتال وأمرهم بالسكينة ....وإنما فعل ذلك احتياطا على نفسه واحتفاظا بأصحابه ، وكان أبو هريرة على علم بأن الثائرين لا يطلبون إلا عثمان ومروان .وهذا ما شجعه على أن يكون في المحصورين . ومهما يكن فقد اختلس الرجل هذه الفرصة فربحت صفقته وراجت سلعته وأكب بعدها بنو أمية واولياؤهم على السماع منه ، فلم يألوا جهدا في نشر حديثه والاحتجاج به ، وكان ينزل فيه على ما يرغبون . وكان مما حدثهم به عن رسول الله(ص) إن لكل نبي خليلا من أمته وان خليلي عثمان ) .
وعلق عبد الحسين في الهامش بقوله : ( أهل العلم كافة متصافقون على بطلان هذا الحديث ، لكن أولياء أبي هريرة يحيلون الآفة به على اسحاق بن نجيع الملطي أحد رجال سنده إلى أبي هريرة ، وقد أورده الذهبي في ترجمة اسحاق من ميزان الاعتدال جازما ببطلانه ) . وقال : سمعت رسول الله (ص) يقول : عثمان حيي تستحي منه الملائكة .
ورووا عنه مرفوعاً : لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان ) .(1/116)
( وعلق المؤلف في الهامش بقوله : ( هذا الحديث باطل بالاجماع ، وأولياء أبي هريرة يحيلون الآفة فيه على عثمان بن خالد ابن عمر بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان أحد سلسلة سنده المتصلة بأبي هريرة ، وقد أورده الذهبي في ترجمة عثمان بن خالد المذكور من ميزان الاعتدال وعده من منكراته ) .
ورووا عنه مرفوعا أيضاً : أتاني جبريل فقال لي : إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية الحديث ) .
( وعلق المؤلف في الهامش بقوله :( أخرجه ابن منده وقال : غريب تفرد به محمد بن عثمان بن خالد العثماني. قلت : وقد نقل هذا الحديث ابن حجر العسقلاني في آخر ترجمة السيدة أم كلثوم (ع) من الجزء الرابع من الاصابة ، وذكر أنه غريب ، وأنه تفرد به محمد بن عثمان بن خالد العثماني فراجع ).(1/117)
قلت : إن أهل البدع جريا مع عادتهم التي انفضحت في فصول هذا الكتاب قد لجأوا إلى استلال أحاديث موضوعة ضعيفة نسبت زورا وبهتانا إلى أبي هريرة في تسويغ الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فيما يوافق الحق ، ودللوا بها على كذب أبي هريرة وعمله بتلك الأحاديث ، مع أنهم ما نقلوها إلا من كتب ذكرتها للرد عليها وبيان ضعفها ، فنقلوا الأحاديث وألقوا في روع القارىء أنها صحيحة النسبة إلى أبي هريرة وتجاهلوا الرد المذكور عليها بعقبها ، لكن الغريب والجديد في أمر " هذا الآية " وفعلا هو آية لكن في الكذب ، أنه يصر على نسبة الأحاديث الموضوعة على أبي هريرة إليه . فهل رأيت مثل هذا الاصرار العجيب ؟ ضعفاء من الكذابين فضحهم أئمة النقد وجهابذة الجرح والتعديل يأبى عدو أبي هريرة إلا ان يجعلهم ثقات فيما يروونه عن أبي هريرة ويأبى إلا أن يكون أبو هريرة هو الكذاب لا هؤلاء . والله ما سمعنا بهذا من قبل عند اليهود من المستشرقين ، وغاية ما فعله مستشرقو اليهود أن اعتمدوا أحاديث موضوعة أوهموا الناس أنها صحيحة ، فتأمل الحقد !! ولكن لم نر بعد من يورد هذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، ويبين ضعفها ، ورغم ذلك يصر على حماقته ويتهم أبا هريرة بالكذب وأنه هو الذي كذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -،بل يتناقض بشكل سافر لم يعهد له مثيل من قبل ، فيورد أحاديث موضوعة ومفتراة على علي t بنفس الكيفية التي أوردها من كتب أهل السنة في عثمان من طريق أبي هريرة ، فيحكم بصحة هذه الأحاديث في فضائل علي t رغم أنها موضوعة ، ويتهم أبا هريرة بالكذب لأن هذه الأحاديث في فضائل عثمان t ، رغم أن علماء الجرح والتعديل قد حكموا عليها بالوضع ، فهل رأيتم " آية الزمان " كهذا ، حقا أنه آية ، ولكن في الدجل والكذب !! .(1/118)
فأنظروا إلى هذا المؤلف يورد هذه الأحاديث ، ويعلق في حاشية الصفحة بأن علماء الجرح والتعديل حكموا عليها بالوضع ،ولكن رغم ذلك يتهم أبا هريرة بالكذب . فلنورد مثالا على ذلك .
قال المؤلف:( أكب بنو أمية وأولياؤهم على السماع منه ، فلم يألوا جهدا في نشر حديثه والاحتجاج به ، وكان ينزل فيه على ما يرغبون ، وكان مما حدثهم به عن رسول الله(ص) ...وكان مما حدثهم به عن رسول الله(ص) إن لكل نبي خليلا من أمته وان خليلي عثمان ).
قال المؤلف في حاشية كتابه عن هذا الحديث ما نصه :( أهل العلم كافة متصافقون على بطلان هذا الحديث ، لكن أولياء أبي هريرة يحيلون الآفة به على اسحاق بن نجيع الملطي أحد رجال سنده إلى أبي هريرة ، وقد أورده الذهبي في ترجمة اسحاق من ميزان الاعتدال جازما ببطلانه ) .
فهل رأيتم مثل " هذا العلامة النحرير" !.
وفوق هذا الاتهام ، فقد ابتكر هذا "النحرير" طريقة جديدة في الحكم على الأحاديث النبوية بقوله :( أهل العلم كافة متصافقون على بطلان هذا الحديث ) ، ولا ندري من يقصد " بأهل العلم " ، لعلهم على شاكلته كابن أبي الحديد والاسكافي والنظام وأضرابهم! وإلا فإن أهل العلم فميزانهم يقول كما قال الذهبي رحمه الله في ميزانه في المقدمة : " أما الصحابة فلا أذكرهم لجلالتهم في هذا المصنف فإن الضعف جاء من جهة الرواة عنهم (1).
فهذا هو الميزان يا حضرة العلامة ! ، ولكن ماذا نفعل مع المؤلف وميزانه إذ لم نعهد مثل هذه الطرق والأساليب في معرفة الصحيح والضعيف ، ولم أعلم أحد اتبع هذا المنهج ، لا من السنة ولا من الشيعة ، إلا الذين يملكون "مجاهر" خاصة في معاملهم ومختبراتهم ، ولعل المؤلف يملك واحداً منها في مكتبته يستطيع به أن يحكم على أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهواه المجهري ! .
__________
(1) ميزان الاعتدال ص2 .(1/119)
على كل حال يعترف المؤلف بأن هذا الحديث لا يصح عن أبي هريرة إذ أورده الحافظ الذهبي من ترجمة اسحاق ، لكن رغم ذلك يتهم أبا هريرة بوضع الحديث ، وهذه حماقة حمقاء ، لأنه إن كان هناك من الرواة من يضع الحديث عليه كذبا وزورا فما ذنبه وما هو جريرته ، ولاسيما أن الحافظ بين في مقدمة ميزانه أن الصحابة لا يذكرهم بجرح لأن الضعف جاء من جهة الرواة عنهم .فهل يجوز أن نقول عن الأحاديث الموضوعة التي أوردها في حاشية كتابه (ص 32) في علي ، أن علي كرم الله وجهه كذاب ؟! أو هل يجوز أن نورد أحاديث الشيعة عن علي ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وغيرهم ، سواء في اثبات تحريف القرآن -كما فعل شيخه النوري إذ أورد (1800) رواية من طرق الأئمة في اثبات التحريف - أو في اثبات ارتداد الصحابة إلا ثلاثة- كما فعل عمدة رجالهم الكشي والكليني - أو غير ذلك من هذه الأحاديث المزعومة الموضوعة على هؤلاء الأئمة الأطهار ، هل يجوز أن نورد هذه الأحاديث ثم نقول بنفس هذا المنطق الأرعن أن "علي كذاب ، أوالباقر كذاب أوالصادق كذاب ! .
لم يفعل أهل السنة هذا ، ولم يكن هذا منهجهم أصلا ! وهكذا فعلنا مع الأحاديث التي رواها الشيعة وانفردوا بها عن الأمة كقولهم بالنص والبداء والرجعة والمتعة وغيرها ، فلم نتهم الباقر ولا الصادق ولا الرضا ولا غيرهم بالكذب والافتراء، ولكنا اتهمنا الذين رووا عنهم كزرارة وأبي بصير وهشام وشيطان الطاق وغيرهم من الوضاعين والكذابين ، واتهمنا القمي صاحب التفسير أنه كذاب ويفتري على الأئمة بأن القرآن حرّف وبدّل ، وكذا فعلنا مع تلميذه الكليني الذي يرى صحة ما يرويه في كافيه ، فاتهمناه بالكذب والافتراء على الصادق والباقر .
118(1/120)
فقد أخرج الكشي عند ترجمة المغيرة بن سعيد بسنده عن يونس قال :وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر (ع) ووجدت أصحاب أبي عبدالله(ع) متوافرين فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا(ع) فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله(ع) وقال لي: أن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله(ع) لعن الله أبي الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله(ع) فلا تقبلوا علينا خلاف القراّن .." (1).
وهكذا كان أبو هريرة فيما تبديه هذه النقول ، فإذا جاء بعده من الضعفاء المجروحين وأهل الكذب والاختلاق والتحريف من يضع الأحاديث الكاذبة وينسبها إليه ، أو ينقل مما في كتب أهل الكتاب ثم ينسب إلى أبي هريرة روايتها عنهم ، فما ذنب أبي هريرة ؟ وهل هو إلا كرسول الله- صلى الله عليه وسلم - حين ابتلى بمسيلمة الكذاب أو كعليt حين ابتلى بالحارث الأعور الكذاب ( (2) أو عبد الله بن سبأ أو كعلي بن الحسين حين ابتلى بالمختار الكذاب أو كمحمد الباقر حين ابتلى بالمغيرة بن سعيد أو كجعفر الصادق حين ابتلى بأبي الخطاب...
روى الكشي عن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله اناّ أهل بيت صديقون لا نخلو من كذّاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ، كان رسول الله أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها ،وكان مسيلمة يُكذّب عليه، وكان أمير المؤمنين (ع) أصدق من برا الله بعد رسول الله وكان الذي يُكذّب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبأ (3) .
__________
(1) رجال الكشي ص224ح401 ترجمة المغيرة بن سعيد .
(2) المصدر السابق ص441 .
(3) رجال الكشي ص108ح174 .(1/121)
وروى الكشي عن حبيب الخثعمي عن أبي عبد الله قال كان للحسن كذّاب يكذّب عليه ولم يسمه ، وكان للحسين كذّاب يكذّب عليه ولم يسمه ، وكان المختار يكذّب على علي بن الحسين وكان المغيرة بن سعيد يكذّب على أبي (1).
ويبدو أن الكذب على أبي هريرة كان قديماً ، فقد أخرج ابن عدي أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج وأبا صالح قالا : ليس أحد يحدث عن أبي هريرة إلا علمنا أصادق هو أم كاذب(2).
أي إنهم لاحاطتهم بأحاديث أبي هريرةy وشدة حفظهم لها يعرفون ما لم يروه أبو هريرة ، فلم يكن الكذب عليه قد حصل في زمانهم ، وهم تلامذة أبي هريرة ، لما قالوا قولهم هذا ، إذ ليس كل أصحاب أبي هريرة ثقات ، وإنما نجد فيهم - وإن كان ذلك نادرا - من هو ضعيف أو وضاع ، مثل ميناء مولى عبد الرحمن بن عوف ، روى عن عثمان وعلي وأبي هريرةy وغيرهم وكان يكذب كما يقول أبو حاتم (3). ومثله يزيد بن سفيان أبو المهزم ، صاحب أبي هريرة ، ضعفوه ، عداده في أهل البصرة ، وهو بكنيته أشهر ، ويقال : اسمه : عبد الرحمن بن سفيان . روى عنه شعبة ثم تركه ، وروى عنه حسين المعلم وعبد الوارث وجماعة . ضعفه ابن معين ، وقال النسائي : متروك . قال مسلم بن ابراهيم : سمعت شعبة يقول : كان أبو المهزم مطروحا في مسجد ثابت ، لو أعطاه انسان فلسا لحدثه سبعين حديثا . وقال مسلم : سمعت شعبة يقول : رأيت أبا المهزم ولو يعطي درهما لوضع حديثا " ثم قال : عامة ما يرويه عنه غير محفوظ ، وأورد نموذجا من موضوعاته على أبي هريرة . فهذا في التابعين ، لا في الطبقات المتأخرة فحسب فتأمل (4).
__________
(1) رجال الكشي ص226ح 404ترجمة المغيرة بن سعيد .
(2) الكامل لابن عدي 1/14 ، التهذيب 6/291 .
(3) الجرح والتعديل 395/ج4/ق1 .
(4) دفاع عن أبي هريرة ص442 .(1/122)
والمطالع " لميزان الاعتدال في نقد الرجال" للحافظ الذهبي يرى اسماء كثيرة لكذابين وضعوا الحديث ونسبوه إلى أبي هريرة، ويرى نماذج لموضوعاتهم ،ويرى من لم يصرحوا بأنه كاذب لكنهم أجمعوا على ضعفه وله مناكير عن أبي هريرة t.
يقول عبد المنعم صالح في كتابه " دفاع عن أبي هريرة ": ولما كنت قد سقت في الفصل السابق جملة من الأسانيد الموثوقة إلى أبي هريرة يمكنك أن تعلم بواسطتها كثيرا من الحديث الصحيح المروي عن أبي هريرة : أحببت أن أدون هنا جملة من أسماء الضعفاء من الكذابين أو المجمع على ضعفهم تعينك على معرفة ضعف ما يروى لك عن أبي هريرة وفي سند الحديث الذي يروى اسم أحد هؤلاء ، وتستطيع أيضا بنظرة سريعة أن تعلم ذلك ، لأني رتبتها لك على ترتيب الذهبي نفسه وفق حروف المعجم ، إضافة إلى ما تعلمه من نماذج الموضوعات على أبي هريرة y أو المنكرات إذا راجعت الصفحات المشار إليها في الميزان إزاء أسمائهم .أما من لم يجمع النقاد على ضعفه وعنده مناكير عن أبي هريرة ، أو من حديثه ظاهر النكارة لكن لم يصرح أحد بكذبه ، أو من فيه غفلة فانطلت عليه رواية الوضاعين ، فكثيرون أيضا ذكرهم الذهبي في الميزان ولا أرى المكان يتسع هنا لذكرهم ، كذلك ذكر الذهبي من كان يضع آلاف الأحاديث ولم يذكر في نماذجه ما هو عن أبي هريرة ، لم أذكرهم مع احتمال وجود الكثير مما وضعه على أبي هريرة t.
وهكذا تكون قد علمت أهم الأسانيد الموثوقة وأهم الأسانيد الضعيفة لما يروى عن أبي هريرة y، وهي إعانة جيدة للقارىء على تمييز ما يرد في كتب الخصوم (1)
ثم أورد الاستاذ عبد المنعم أسماء هؤلاء الكذابين في حوالي أربع صفحات وهم (155) رجلا من أهم الضعفاء الذين نسبوا لأبي هريرة أحاديث ضعيفة (2).
__________
(1) دفاع عن أبي هريرة ص443 .
(2) دفاع عن أبي هريرة لعبد المنعم العلي ص447 .(1/123)
فلنختتم هذا الفصل بما توهمه " هذا المؤلف النحرير " : أن الحديث إذا كان موضوعاً فواضعه هو من روى عنه ، وهذا جهل جهلاء ، فالآفة ممن جاء بعده من الرواة كما بينت ، ولو أن الأمر كما توهم لعاد ذلك بالتجريح على أكثر الصحابة وليس فقط أبي هريرة بمن فيهم الامام علي والحسن والحسين وهم أوصيائه ! فلنختتم هذا الفصل بمثال من كتب الرجال عند الشيعة ، ثم اعتراف هذا المؤلف بنفسه بهذا المنهج .
قال علامتهم الحلي وهو من علماء الجرح والتعديل عندهم في ترجمة : الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع): أبو محمد المعروف بابن أخ طاهر ، روى عن جده يحيى بن الحسن وغيره، وروى عن المجاهيل أحاديث منكرة .
وقال النجاشي : رأيت أصحابنا يضعفونه .
وقال ابن الغضايري : إنه كان كذاباً يضع الحديث مجاهرة ويدعي رجالا غربا لا يعرفون ، ويعتمد مجاهيل لا يذكرون ، وما تطيب الأنفس من روايته ...والأقوى عندي التوقف في روايته مطلقا .." (1).
فإذا كان هذا يكذب وهو ابن الأطهار ، فما ظنك بمن كذب على أبي هريرةy من الأشرار(2).
وهل الذي يكذب على أبي هريرةy إلا كذاك الواحد من ذرية الحسين حين أخذ يضع الحديث على أجداده الأخيار الابرار الأطهار ؟! .
بل أن عبد الحسين بنفسه صرح بهذا المنهج في كتابه " الفصول " عند دفاعه عن المجسمة أمثال هشام بن الحكم والجواليقي وشيطان الطاق ، وهذا نصه ( وقد أعرضنا عن بعض أولاد أئمتنا مع شدة اخلاصنا لهذا البيت الطاهر، وكفرنا جماعة ممن صحبهم وفسقنا آخرين وضعفنا قوما وأمسكنا عن قوم آخرين كما يشهد به الخبير بطريقتنا ) (3).
فلماذا هذه المكابرة ، لماذا هذا العناد والجهل والتناقض ؟!! ، فتواروا يا أهل البدع تواروا تواروا !! .
__________
(1) رجال العلامة ص214 .
(2) دفاع عن أبي هريرة ص482 .
(3) الفصول المهمة لعبد الحسين الموسوي ص170 .(1/124)
وأما قول هذا المؤلف:( وإنما فعل أبو هريرة ذلك احتياطا على نفسه ....وكان أبو هريرة على علم بأن الثائرين لا يطلبون إلا عثمان ومروان .وهذا ما شجعه على أن يكون في المحصورين ) .
قلت: إن هذا المؤلف لا ينشد الحق في بحثه ، لقد اتضح هذا في عرضه للفتنة التي استشهد فيها خليفة المسلمين ذو النورين ، فعندما حوصر الخليفة كان أبو هريرة أمام خيارين : إما أن يخرج ، وإما أن يهرب إذ فضل الموت مع الخليفة وحث الناس على الدفاع عنه ، فما كان من هذا المؤلف الحاقد إلا أن قال : (وإنما فعل ذلك احتياطاً على نفسه واحتفاظاً بأصحابه ، وكان أبو هريرة على علم بأن الثائرين لا يطلبون إلا عثمان ومروان .وهذا ما شجعه على أن يكون في المحصورين ).
لا أدري كيف قرأ سريرة أبي هريرة واطلع عليها،وليس لنا إلا الظاهر، فقد كان محصوراً في الدار مع عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير والحسن والحسينy، فكل افتراض يفترضه بالنسبة لأبي هريرة يفترض بالنسبة لمن كان معه ، فهل يقبل هذا المؤلف هذا لسيدي شباب أهل الجنة ؟!!
أن هذا الحكم والله لحماقة حمقاء أن يصدر ممن يلقبونه " بأية الله " !! .
وأما قول المؤلف : ( ومهما يكن فقد اختلس الرجل هذه الفرصة فربحت صفقته وراجت سلعته وأكب بعدها بنو أمية واولياؤهم على السماع منه ، فلم يألوا جهدا في نشر حديثه والاحتجاج به ، وكان ينزل فيه على ما يرغبون . وكان مما حدثهم ...).(1/125)
قلت: إن إيمان المسلم لايستقيم أبداً مع ميل القلب عن علي وكراهيته، لكن المفترين أمثال هذا المؤلف يفتري على أبي هريرة ، فيصوره عدواً لعليy وأبنائه ، كارهاً لهم ، عاملاضدهم ،مع أن الثابت أن أبا هريرة كان محباً لهم ، لأنه هو الذي روى فضائل أهل البيت (1)،كما يأتي في مبحث الرد عليه " على عهد معاوية " .
فهل يجوز بعد رواية أبي هريرة لأحاديث " فضائل أهل البيت " أن نقول كما يفتري ، لكن كما يقول المثل "رمتني بدائها وانسلت" فهذا المؤلف يطعن في أبي هريرة لأنه روى أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مناقب عثمان t ويدعي أنه بهذا الصنيع يدافع عن آل البيت في حين أنهم هم الذين طعنوا في آل البيت وافتروا عليهم المفتريات والأباطيل .
وفي (ص34) قال عبد الحسين تحت عنوان" على عهد علي" قال هذا المؤلف: ( خفت صوت أبي هريرة على عهد أمير المؤمنين واحتبى برد الخمول وكاد أن يرجج إلى سيرته الأولى حيث كان هيان بن بيان وصلعمة بن قلعمة قعد عن نصرة أمير المؤمنين فلم ينضو إلى لوائه ، بل كان وجهه ونصيحته إلى أعدائه .
وقد أرسله معاوية مع النعمان بن بشير - وكانا عنده في الشام - إلى علي (ع) يسألانه أن يدفع قتلة عثمان إلى معاوية ليقيدهم بعثمان ، وقد أراد معاوية بهذا أن يرجعا من عند علي إلى الشام وهما لمعاوية عاذران و لعلي لائمان ... و أقام النعمان بعده عند علي ثم خرج فارا إلى الشام فأخبر أهلها بما لقي إلى آخر ما كان من هذه الواقعة ) .
__________
(1) للمزيد انظر كتاب احقاق الحق!!! لآية الله المرعشي والذي يبلغ عدد أجزاء هذا الكتاب 24 مجلد وقد أثبت فيه فضائل أهل البيت من طريق أبي هريرة رضي الله عنه . وما بعد الحق إلا الضلال .(1/126)
قلت : قال العجاج: بينت فيما سبق اعتزال أبي هريرة جميع ما جرى من حوادث بعد استشهاد عثمان t، إلاّ أن المؤلف يأبى ألا أن يعتمد على روايات ضعيفة ليشرك أبا هريرة في بعض هذه الحوادث، وليته يكتفى بذلك ، بل يعرض ما يريد مستهزئاً . فيقول: ( خفت صوت أبي هريرة على عهد أمير المؤمنين، واحتبى برد الخمول،كاد أن يرجع إلى سيرته الأولى، حيث كان هيان بن بيان، وصلعمة بن قلعمة قعدا عن نصرة أمير المؤمنين فلم ينضو إلى لوائه ، بل كان وجهه ونصيحته إلى أعدائه).
ثم ساق رواية واهية مفادها أن معاوية أرسل أبا هريرة والنعمان بن بشير ليفاوضاً علياً ويأخذا قتلة عثمان إلى معاوية ، ولتجتمع كلمة المسلمين بعدها: وأقام النعمان بن تشير عند علي وعاد أبو هريرة إلى معاوية وأخبره بما حدث في محاولتهما.
قال المؤلف:( فأمره معاوية أن يعلم الناس ففعل ذلك وعمل أعمالا ترضى معاوية) وهذه الرواية لم ترو بسند صحيح قط ولم أجدها إلاّ في نهج البلاغة .
ثم إن صحت الرواية فهل يعاب على أبي هريرةt أن يكون وسيط خير وداعياً إلى جمع كلمة المسلمين !! ؟ وأما ما ذكره ابن قتيبة من قدوم أبي هريرة وأبي الدرداء على معاوية وعلى t ومناصحتهما معاوية t لحقن دماء المسلمين ثم اتصالهما بعلي t من أجل قتلة عثمان t، وفإنها تدل على اعتزال أبي هريرة الفتنة ومحاولة جمع كلمة المسلمين ، بالرغم من ضعف هذه الرواية .
ثم يقول المؤلف: ( وحين حمى وطيس الحرب ورد على أبي هريرة من الهول ما هزم فؤاده وزلزل أقدامه ، وكان في أول تلك الفتنة لا يشك في أن العاقبة ستكون لعلي، فضرب الأرض بذقعنه قابعاً في زوايا المخمول يثبط الناس عن نصرة أميرالمؤمنين بما يحدثهم به سراً ، وكان مما قاله يومئذ : سمعت رسول الله يقول: "ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ) .(1/127)
هل بعد هذا النص شك في أن الكاتب متحامل على أبي هريرة ؟ إنه يدعى البحث العلمي والذوق الفني ، ثم يسيره هواه أنى يشاء ضارباً بما ادعى عرض الحائط! ويأبى أن يقبل ما دل من النصوص على اعتزال أبي هريرة جميع الحوادث،
التي دارت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما .
ويحاول الكاتب أن يستنتج من عزوة بسر بن أبي أرطأة الحجاز واليمن قبول أبي هريرة ولاية المدينة ، فيقول(وفي ختام هذه الفظائع أخذ ( بسر) البيعة لمعاوية من أهل الحجاز واليمن عامة ، فعندها باح أبو هريرة بما في صدره واستراح إلى بسر من أرطأة بمكنون سره ، فوجد بسر منه إخلاصاً لمعاوية ونصحاً في أخذ البيعة له من الناس فولاه على المدينة حين انصرف عنها وأمر أهلها بطاعته ) . وهذا لم يثبت قط وقد بينت الصواب فيما سبق من حياة أبي هريرة (1).
وفي (ص38) قال عبد الحسين تحت عنوان " على عهد معاوية" .
وفي (ص42) تحت عنوان "أيادي بني أمية عليه " .
وفي (ص45) تحت عنوان " تطوره في شكر أياديهم" .
أتى عبد الحسين بأكاذيب وبواطيل كثيرة لا تحصى ولا تعد وإليك بعضها ، وقد كشفها الاستاذ محمد العجاج رحمه الله تعالى في كتابه القيم فراجعه .
قال عبد الحسين: ( نزل أبو هريرة أيام معاوية إلى جناب مريع وأنزل آماله منه منزل صدق ، لذلك نزل في كثير من الحديث على رغائبه فحدث الناس في فضل معاوية وغيره أحاديث عجيبة ) .
__________
(1) أبو هريرة راوية الاسلام للعجاج 179-181 .(1/128)
ثم تكلم عن وضع الحديث في عهد الأمويين وكثرة الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -. وادعى أن أبا هريرة كان في الرعيل الأول من هؤلاء فحدث بأحاديث منكرة ذكرها ابن عساكر وغيره ، وساق أحاديث موضوعة لا يقبلها عقل ولا يرضاها ضمير ، وضعها أتباع الأمويين بعد عهد معاوية ، نكاية بأتباع أمير المؤمنين علي t، وجميع ما ادعاه يعرف أهل السنة مفتريه ووضاعه ....غير أنهم لم يجعلوا الآفة فيها من أبي هريرة نفسه وإنما جعلوها ممن نقلها عنه .. وكذلك فعلوا في سائر ما صنعته يدا أبي هريرة مما ضاق ذرعهم .. وله في صحيحي البخاري ومسلم أحاديث أفرغها على هذا القالب وحاكها على هذا المنوال .
قلت: إن الكاتب يتهم أبا هريرةt اتهامين خطيرين : الأول أنه تشيع لبني أمية، الثاني أن حبه لبني أمية حمله على وضع الحديث لهم ( أي الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.ولهذا يعقد فصلين من كتابه ليبن ( أيادي بني أمية عليه ) ثم ( تطوره في شكر أياديهم ) ، وسنرد هذين الاتهامين بالحجج ، وبيان وجه الحق في ذلك فنبدأ برد الشبة الأولى .(1/129)
أولاً - هل تشيع أبو هريرة للأمويين : إن أهل العلم جميعاً يعلمون أن أبا هريرةt كان محباً لأهل البيتy ، ولم يناصبهم العداء قط، ومشهور عنه أنه تمسك بسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، فكان يحب من أحبه رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وأبو هريرة هو الذي كشف عن بطن الحسن بن علي t وقال: أرني أقبل منك حيث رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقبّل ، وقبّل سرته .ومن العجيب أن يدعي إنسان نهل عن العلم بعضه أن أبا هريرة يكره علياً وأهلهy ، وبعد أن يسمع ما دار بين مروان بن الحكم وأبي هريرة، حين أراد المسلمون دفن الحسن مع النبي- صلى الله عليه وسلم -.كان مما قاله: " والله ما أنت بوال ، وإن الوالي لغيرك فدعه ، ولكنك تدخل فيما لا يعنيك ، إنما تريد بهذا إرضاه من هو غائب عنك . يعني معاوية .. " !! ولكن الكاتب المتحامل على أبي هريرة والذي امتلأ قلبه ضغناً وحقداً عليه يرى هذا مجرد رياء ومؤامرة مدبرة بينهما ! .
ونرى أبا هريرة ينكر على مروان بن الحكم في مواضع عدة ، فهل هذا الإنكار أيضاً من باب المؤامرات التي يدبرها مروان وأبو هريرة لمخادعة العامة - كما زعم المؤلف ؟ .
لقد أنكر عليه عندما رأى في داره تصاوير فقال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: يقول الله - عز وجل -: " ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا ذرة " وأبطأ مروان بن الحكم يوماً بالجمعة فقام إليه أبو هريرة فقال:له : " أتظل عند ابنه فلان تروّحك بالمرواح وتسقيك الماء البارد ، وأبناء المهاجرين والأنصار يصهرون من الحر ؟ لقد هممت أن أفعل وأفعل ، ثم قال: اسمعوا من أميركم " .(1/130)
فهل هذا موقف المتشيع لبني أمية ، النازل على رغباتهم في الحديث ، الداعي لهم! أم أن هذا موقف ملتزم الحق ؟ إنه أنكر على الأمير تأخره ، وحفظ له حقه فأمر المسلمين بالسماع إليه. وهذا دليل آخر على مكانة أبي هريرة بين المسلمين . فلو كان حقيراً مهيناً ما سمع منه المسلمون وما تحمله مروان . مع هذا فإن المؤلف قد يرى في هذه القصة لوناً جديداً من المؤمرات لتثبيت ملك الأمويين كما يتخيل المؤلف أبا هريرة في تفكيره وعلمه وذوقه الفني ، واستنتاجه واستقرائه .. !! .
وكان يجدر بالمؤلف أن يتهم أبا هريرة بالتشيع لأهل البيت ، لما روى عنه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في مناقبهم ومدحهم مما ورد في صحاح السنة المطهرة (1)، وهذا أولى له من أن يتتبع الأحاديث الضعيفة ، والموضوعة على أبي هريرة في مدح الأمويين ، وليتهمه بموالاتهم وتأييدهم ، وبالرغم من وضوح وضع تلك الأحاديث ،ومعرفة الكذبة والواضعين لها . وجلاء أمرها .. وإليك هذه الفضائل :
أبوهريرة يروي فضائل أهل البيت النبوي :
أولا : فضائل علي t : إن فضائل علي كثيرة ومشهورة وقد روى أبو هريرةt في فضائله أحاديث كثيرة مما يبعد غاية البعد مناصرته لمعاوية ومعاداته لعلي، ويلقم هذا المؤلف حجراً .
وفي الصحيحين وغيرهما من ذلك كثير ، وفضائل سيدنا علي t أكثر من أن تحصى ، وقد ألفت في ذلك كتب مستقلة ككتاب الخصائص للإمام النسائي ، ولم يثبت في حق صحابي من الأحاديث الصحاح والحسان مثل ما ثبت في حقه ، وهذا مما ندين الله تعالى عليه إرضاء لديننا وضمائرنا ، واتباعاً لما التزمناه من قواعد البحث الحر النزيه (2).
كما أن أبو هريرة t هو الذي روى فضائل الحسنين رضي الله عنهما .
وإليك بعض منها بإختصار .
__________
(1) ستأتي هذه الأحاديث .
(2) دفاع عن السنة لأبي شهبة ص160 .(1/131)
فعن سعيد بن أبي سعيد قال : كنا مع أبي هريرة جلوساً ، فجاء حسن بن علي بن أبي طالبt ، فسلّم علينا ، فرددنا عليه وأبو هريرة لا يعلم فمضى . فقلنا : يا أبا هريرة ، هذا حسن ابن علي قد سلّم علينا . فقام فلحقه فقال : يا سيدي . فقلنا له : تقول ياسيدي ؟ قال : إني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول : " إنه لسيد " (1).
وعن محمد بن زياد عن أبي هريرةt قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - حامل الحسن بن عليt على عاتقه، ولعابه يسيل عليه (2).
وعن عمير بن إسحاق قال : رأيت أبا هريرةt لقى الحسن بن عليt فقال : اكشف لي عن بطنك حيث رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقبل منه قال : فكشف له عن بطنه فقّبله(3) .
وعن أبي مزرد قال : سمعت أبا هريرةt يقول : سمع أذناي هاتان ،وبصر عيناي هاتان ، رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أخذ بيديه جميعا بكفي الحسن والحسين y وقدميه على قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله يقول : ارقه قال : فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : افتح فاك ثم قبّله ثم قال : اللهم أحبه فإني أحبه (4).
وعن أبي حازم عن أبي هريرةt قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن ابغضهما فقد أبغضني (5).
وعن أبي حازم عن أبي هريرةt قال : نظر النبي- صلى الله عليه وسلم - إلى علي و الحسن والحسين وفاطمة y فقال : أنا حرب لمن حاربكم ، وسلم لمن سالمكم (6).
__________
(1) أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة 250 .
(2) أخرجه أحمد 2/447وابن ماجة 658 .
(3) أخرجه أحمد 2/255و493 .
(4) أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص249، 270وأيضاً 3/87 و في الأدب المفرد ص1183 وأحمد 2/532 ، ومسلم 7/129وغيرهم .
(5) اخرجه أحمد 2/288وص و440وص446، وابن ماجه 143 والنسائي في فضائل الصحابة 65 .
(6) أخرجه أحمد 2/442 .(1/132)
وعن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : نزل ملك من السماء فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أمتي وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (1) .
وعنه قال : كنا نصلّي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - العشاء فكان يصلّي ، فإذا سجد وثب الحسن والحسين y على ظهره ، وإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعاً رفيقاً، فإذا عاد عادا ، فلما صلّى جعل واحداً ها هنا وواحداً ها هنا فجئته فقلت : يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما ؟ قال:لا، فبرقت برقة فقال: إلحقا بأمكما، فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا (2).
كما أن أبا هريرة هو الذي روى مناقب جعفرt .
فعن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبي هريرةt قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: رأيت جعفراًt يطير في الجنة مع الملائكة (3).
وعن عكرمة عن أبي هريرة قال : ما احتذى النعال ولا انتعل ولا ركب المطايا ولا ركب الكور بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أفضل من جعفر بن أبي طالبt (4)
__________
(1) أخرجه النسائي في الكبرى تحفة الأشراف 10/13430 انظر هذه الروايات من المسند الجامع مسند أبي هريرة 18/191- 196 .
(2) مستدرك الحاكم 3/167، دلائل النبوة ص494 .
(3) أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث غريب من حديث أبي هريرة ، لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن جعفر ، وقد ضعفه يحيى بن معين وغيره ، وعبد الله ابن جعفر هو والد علي بن المديني .
(4) أخرجه أحمد 2/413 والترمذي والنسائي في فضائل الصحابة .(1/133)
عن سعيد المقبري عن أبي هريرة t قال : إن كنت لأسأل الرجل من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - عن الآيات من القرآن أنا أعلم بها منه ، ما أسأله إلا ليطعمني شيئا ، فكنت إذا سألت جعفر ابن أبي طالبt لم يجبني حتى يذهب بي إلى منزله فيقول لامرأته : أسماء ، أطعمينا شيئا ، فإذا أطعمتنا أجابني . وكان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه ، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يكنيه بأبي المساكين (1).
فلو كان أبو هريرة t متشيعاً للأمويين لأبى أن يروي فضائل أهل البيت ، وبوجه خاص في فضائل أمير المؤمنين علي t، ولكن شيئاً من هذا لم يقع ، وكان أبو هريرة أسمى وأعلى من أن يكتم حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، لميل أو هوى ،وأرفع من أن يكذب على حبيبه الصادق المصدوق محمد- صلى الله عليه وسلم - .
إننا نرى المنصفين من أهل العلم لم يتهموا أبا هريرة - لروايته هذا الحديث - بالتشيع لعلي t، وبالعداء لأمير المؤمنين عمر ابن خطابy ، فأبو هريرة لا يتحزب لأحد ولا يمالئ أحداً ،ولا يسير وراء هوى متبع أو شهوة جامحة ، إنما هو ذلك الصحابي العظيم الذي عرفنا استقامته وعدالته ، وتقواه وورعه وأمانته .
__________
(1) أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال الترمذي : هذا حديث غريب . وأبو اسحاق المخزومي هو إبراهيم بن الفضل المديني . وقد تكلم فيه بعض اهل الحديث من قبل حفظه ، وله غرائب .(1/134)
ولكن بعض أهل البدع ممن أعمى الله قلوبهم كهذا المؤلف وأمثاله تصور أن جميع ما بين يدي أبي هريرةt من نعمة وخير هي أفضال الأمويين عليه ، وإكرام منهم له، لما بذله في سبيل تدعيم ملكهم !! ونسى أو تناسى أن أبا هريرة كان يحب العمل إلى جانب حبه العلم ، ونسى ما كان له من أعطيات وتجارة ، كما نسى أنه ولي البحرين للخلفية عمر ابن الخطاب t، وبين له مورد ماله الذي جاء به ، بل رأى أن جميع ما بين يديه من منح بني أمية له ، فهم الذين كسوه الخز ، وألبسوه الكتان ، وبنوا له في العقيق قصراً ، وهم الذين زوجوه بسرة بنت غزوان أخت الأمير عتبة بن غزوان ، ويستشهد لذلك بما روراه مضارب بن حزن حين سمع أبا هريرة يكبر في الليل ، قال مضارب:" بينما أنا أسير تحت الليل ، إذا رجل يكبر ، فألحقه بعيري ، فقلت من هذا ؟ قال أبو هريرة . قلت: ما هذا التكبير ؟ قال: شكر . قلت: على مه ؟ قال: كنت أجيراً لبسرة بنت غزوان بعقبة رجلي ، وطعام بطني ، وكانوا إذا ركبوا سقت بهم ، وإذا تزلوا خدمتهم ، فزوجنيها الله !! فهي امرأتي" (1).
فأبو هريرة يشكر الله - عز وجل -على نعمه وتوفيقه لزواجه من بسرة ، وأي شيء في هذا ؟ أي شيء أكثر من طيب نفس أبي هريرة وصفائها ، ورضائها بما قسم الله له واحترامه لأنعم الله تعالى، وتواضعه وتذكره ما كان عليه وإقراره بفضل الله - عز وجل - عليه.
ولكن المؤلف استغل طيب نفس أبي هريرة للتشهير به ، ورأى في كل ذلك مادة غزيرة يشوهها كما يحب ويرضى .
وفي هذا كله يرى أن الأمويين استعبدوه ببرهم " فملكوا قياده ، واحتلوا سمعه وبصره وفؤاده ، فإذا هو لسان دعايتهم في سياستهم ، يتطور فيها على ما تقتضيه أهواؤهم ..".
__________
(1) سير أعلام النبلاء 2/440 .(1/135)
هكذا أراد عبد الحسين من وحي شياطينه وتقولات أولياؤه والقصاصين أن يصوّر أبا هريرة ، الذي عرفنا اعتزاله الفتن ، وسيره مع الحق ، ومناصحته للمسلمين ، وحبه لأهل البيت . وهكذا يأبى الله إلا أن يقوّض ما حاكه أعداء أبي هريرة من شبهات ضده ، ويكشف النقاب عن وجه الحق ، ليزهق الباطل ، وصدق الله العظيم إذ يقول: { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقّ عَلَى الْبَطِلِ فَيَدْمَغُهو } [الأنبياء/18] .
ثانياً: هل وضع أبو هريرة الأحاديث كذباً على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -؟ لقد افترى المؤلف " المدلس" على أبي هريرة افتراءات لا يتصورها إنسان من مستشرق متجاهل أو من عدو متحامل ، قال: ( فتارة يفتئث الأحاديث في فضائلهم ، ... وتارة يلفق أحاديث في فضائل الخلفيتي، نزولا على رغائب معاوية وفئته الباغية، إذ كانت لهم مقاصد سياسية ضد الوصي وآل النبي(ص).. وحسبك حديثه في تأمير أبي بكر على الحج سنة براءة - وهي سنة تسع للهجرة - وحديثه في أن عمر كان محدثاً تكلمه الملائكة (1) .
وقد اقتضت سياسية الأمويين في نكاية الهاشميين تثبيت هذين الحديثين وإذاعهما بكل ما لمعاوية وأعوانه ... من وسيلة أو حيلة ... حتى أخرجتهما الصحاح ... وتارة يقتضب أحاديث ضد أمير المؤمنين جرياً على مقتضى تلك السياسة كقوله : سمعت رسول الله(ص) يقول: " لم تحبس الشمس أو ترد لأحد إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس ) .
__________
(1) يشير إلى حديث أبي هريرة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : " لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر " فتح الباري 8/49 . محدث بفتح الدال : أي ملهم وصادق الظن ، يجري الصواب على لسانه ، والتاريخ يشهد لعمر بهذا في أمور مشهور ة ، راجع الرد عليه في مبحث أن الملائكة تكلم عمر .(1/136)
لقد سيطر على المؤلف هواه ، حتى أصبح لا يرى في أبي هريرة إلا الكذوب الوضّاع ، فتنكب سبيل الحق ، وقذف الصحابة بالكذب ، وتجاهل ما أجمع عليه المؤرخون الثقات ، واعتمد على روايات الضعفاء ، فكان كلام الطبرسي عنده كالتنزيل الحكيم ، وضرب بصحاح الكتب عرض الحائط ، فيحاول طمس الحق ، وتحريف الصواب ، وأنني أتساءل كيف حبست الشمس أو ردت لأمير المؤمنين علي t ؟ وهل أمسكت الشمس على الغروب ليتمكن t من أداء صلاة العصر في وقتها؟ إن هذه معجزات لا تكون في كل وقت ، ولا يمن الله بها إلاعلى رسله !! ثم لم ترد الشمس له أو تمسك ويمكنه أن يقضي الصلاة !! والصحاح لم تذكر شيئاً عن هذا الخبر، فأترك للمؤلف أن يبين لنا كيف حبست الشمس ومتى كان ذلك علنا نفيد منه ؟ لقد ادعى هذا قبله ابن مطهر الحلي ، ورد عليه ابن تيمية رداً قوياً ، وبين كذب هذا الإدعاء . وسوف أجيب عن زعمه أن الرسول- صلى الله عليه وسلم - عزل أبا بكر عن ولاية الحج في مبحث كمية حديثه .
هكذا أراد المؤلف أن يصوّر الحادثة ، وهذا ما استنتجه منها، وقد ظهر زيف ما ادعى وبطلان ما زعم .
تخيل المؤلف أن أبا هريرة كان يسير بتوجيه الأمويين ، وينزل على ما يحبون ويضع لهم الحديث ، وأدلى بحجته على ذلك فساق أخباراً لا ترقى إلى الصحة والحقيقة فقال:( قال الإمام أبو جعفر الإسكافي : إن معاوية حمل قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله ، فاختلقوا له ما أرضاه ، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة ابن الزبير إلى آخر كلامه)(1/137)
وقال: ( لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ، ثم ضرب صلعته مراراً !! وقال: يا أهل العراق .. أتزعمون أني أكذب على الله ورسوله وأحرق نفسي بالنار ؟ والله لقد سمعت رسول الله(ص) يقول: " إن لكل نبي حرماً ، وإن المدينة حرمي ، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجميعن قال: " وأشهد بالله أن علياً أحدث فيها !! فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه ، وولاه إمارة المدينة ) .
وروى في الهامش ( عن سفيان الثوري عن عبدالرحمن بن قاسم عن عمر بن عبدالغفار: أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة ، ويجلس الناس إليه فجاءه شاب من الكوفة - لعله الأصبغ بن نباته - فجلس إليه فقال: يا أبا هريرة . . أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول لعلي بن أبي طالب : " اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " ؟ قال : االلهم نعم . قال : فأشهد بالله لقد واليت عدوه عاديت وليه ثم قام عنه وانصرف ).
هذه أخبار مختلفة استشهد بها المؤلف ليدعم زعمه أن أبا هريرة كان عميلا للأمويين ، وضاعاً للحديث . إلا أن هذه الأخبار مردودة سنداً ومتناً .
أولا: أما من حيث السند. فإن ابن أبي الحديد صاحب شرح نهج البلاغة نقل هذه الأخبار عن شيخه محمد بن عبدالله أبو جعفر الإسكافي (240هـ ) وهو من أئمة المعتزلة المتشيعيين . والعداء مستحكم بين المعتزلة وأهل الحديث من أواخر القرن الأول الهجري وأصبح متوارثاً . وأترك التعريف بأبي جعفر وتزكيته لتلميذه ابن أبي الحديد فيقول : ذكر شيخنا أبو حعفر الإسكافي رحمه الله تعالى وكان من المتحققين بموالاة علي (ع) والمبالغين في تفضيله وإن كان يقول بالتفضيل عاماً شائعاً في البغداديين من أصحابنا كافة إلا أن أبا جعفر أشدهم في ذلك قولا ، أخلصهم فيه اعتقاداً (1) .
__________
(1) شرح نهج البلاغة 1/467 .(1/138)
هذه شهادة تلميذ لأستاذه لا يرقى إليه الشك ، ولا يعتريها الظن والتأويل ، والأستاذ من أهل الأهواء ، الداعي إلى هواه ، بل من المتعصبين في ذلك، بشهاد أقرب الناس إليه وأعرفهم به . فإذا سبق لأمثاله أن كذّبوا الصحابة في الحديث بل في نقل القرآن فليس بعيداً أن يكذبوا على أبي هريرة ويفتروا عليه وعلى بعض الصحابة والتابعين . فروايته مردودة لسببين :
الأول : ضعف الإسكافي لعاملين : الأول لأنه معتزلي يناصب العداء لأهل الحديث . والثاني ، أنه شيعي محترق . فقد اجتمع هذان العاملان فيه ، ويكفي أحدهما لرد روايته . وبعد هذا لا يعقل أن تقبل الجرح والتعديل أو الزواية من رجل مطعون في عدالته ، مشكوك في روايته يعادي أهل السنة ، فمن البداهة رفض روايته.
الثاني : لم تذكر هذه الروايات في مصدر موثوق بسند صحيح .
علماً بأن الإسكافي لم يذكر لها سنداً لهذه الروايات في أحسن أحوالها ضعيفة لا يحتج بها إن لم تكن موضوعة مكذوبة لا يحتج بها .
ثالثاً: وأما من حيث المتن - فلم يثبت أن معاوية حمل أحداً على الطعن في أمير المؤمنين علي t، ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه تطوع في ذلك ، أو أخذ أجراً مقابل وضع الحديث، والصحابة جميعاً أسمى وأرفع من أن ينحطوا إلى هذا الحضيض، ومعاذ الله أن يفعل هذا إنسان صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وسمع حديثه وزجره عن الكذب ،وإن جميع ما جاءنا من هذه الأخبار الباطلة ، إنما كان عن طريق أهل الأهواء الداعين إلى أهوائهم المتعصبين لمبادئهم ، فتجرأوا على الحق ، ولم يقيموا للصحبة حرمتها ، فتكلموا في خيار الصحابة واتهموا بعضهم بالضلال والفسق ، وقذفوا بعضهم بالكفر ، وافتروا على أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم .(1/139)
وقد كشف أهل الحديث عن هؤلاء الكذبة ، لذلك ناصبت أكثر الفرق العداء أصحاب الحديث ، فاخترعوا الأباطيل وأرادوا أن تفقد الأمة الثقة بهم ، وتتبعوا أحوالهم ، ومن ذلك ما فعله المعتزلة والروافض وبعض فرق الشيعة ، ومن أراد الاطلاع على بعض هذا فليراجع كتاب قبول الأخبار للبلخي .ولكن الله أبى إلاّ أن يكشف أمر هذه الفرق ، ويميط اللثام عن وجوه المتسترين وراءها ، فكان أصحاب الحديث هم جنود الله - عز وجل -، بينوا حقيقة هؤلاء ، وأظهروا نواياهم وميولهم ، فما من حديث ، أو خبر يطعن في صحابي ، أو يشكك في عقيدة ، أو يخالف مبادئ الدين الحنيف إلا بين جهابذة هذا الفن يد صانعه، وكشفوا عن علته.
فادعاء المؤلف مردود حتى يثبت زعمه يحجة صحيحة مقبولة . وكيف نتصور معاوية يحرض الصحابة على وضع الحديث كذباً وبهتاناً وزوراً ، ليطعنوا في أمير المؤمنين علي، وقد شهد ابن عباس لمعاوية y بالفضل والعقل والفقه وقد ذكر ذلك البخاري في صحيحه . فهل لعبد الحسين أن يتهم حبر الأمة وعالمها بالكذب(1) ، أو بالتشيع لمعاوية ، هذا لا يمكن وشهادة ترجمان القرآن صحيحة ، وبذلك ننفي تهمة المؤلف الأمين !! .
فالتهمة التي لفقها " المفتري" باطلة قطعاً ، فأبو هريرة والمغيرة وعمرو ومعاوية صحابيون y وكلّهم عند أهل السنة عدول ، ثم كانت الدولة لبني أمية فلو كان هؤلاء يستحلون الكذب على النبي- صلى الله عليه وسلم - في عيب عليّ لأمتلأ الصحيحان فضلا عن غيرهما بعيبه وذمه وشتمه ، فما بالنا لا نجد عن هؤلاء حديثاً صحيحاً ظاهراً في عيب علي ولا في فضل معاوية (2) ؟ .
__________
(1) راجع رواياتهم والذي رواه عمدتهم الكشي في ذم ابن عباس من هذا المبحث .
(2) الأنوار لليماني ص206-207 .(1/140)
وقد افترى الإسكافي على الصحابةy الذين ذكرهم ، وبين ابن العربي في " العواصم والقواصم " جانباً من أمرهم ومكانتهم وورعهم ، كما بينت كتب التراجم سيرتهم . ثم إن روايات أهل الأهواء تسربت إلى التاريخ الإسلامي ، وخاصة ما يتعلق بأخبار الأمويين لأن كتب التاريخ كتبت بعد بني أمية فشوهت سيرتهم ومع هذا لم يعدم التاريخ الرجال الأمناء المخلصين ، الذين دوّنوا حوادثه بأسانيدها حتى يتبين المطلع الصحيح من الباطل ، فليس كل خبر في كتاب يقبل ويؤخذ به ، فلا بد من دراسته دراسة علمية حسب منهج المحدثين الدقيق - سنداً ومتناً .ثم إنا نستبعد صحة هذا الخبر(1)، فإن عروة ولد سنة (22 هـ) فكان عمره في فتنة عثمان t (13 سنة )، وعندما استشهد أميرالمؤمنين علي t ( 18 سنة) ، فمن يتصور خليفة كمعاوية t يحمل عروة ابن الزبيرt ليضع أحاديث تطعن في علي t ؟ ثم إن عروة نفسه كان يافعاً على عتبة العلم لم يشتهر بعد ،فكان أحرى بمعاوية -لو صح الخبر - أن يغرى من هو أشهر منه وأعلم من كبار الصحابة والتابعين . وإن قال قائل إنما استعان به أيام خلافته بعد استشهاد الخلفية الراشد الرابعt ، فالجواب بديهي في أن عروة كان حين وفاة معاوية ابن (38) ثمان وثلاثين سنة ، فلم يستفيد منه ؟ وفي الأمة كبار الصحابة والتابعين . أيفيد منه ليضع له الحديث كما زعم الكاتب ؟ إن كلمة المسلمين اجتمعت سنة (40) عام الجماعة حين بايع الحسن معاوية بالخلافة وثبتت دعائم الحكم ، فلم تبق أية ضرورة للدعاية الأمويين وهم الحكام وبيدهم الزمام ، ولو سلمنا جدلاً أن عروة قد قام بما ادعاه المؤلف !! فهل يسكت عنه علماء الأمة أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ؟ وبينهم الأبطال الشجعان وفيهم الأقوياء الأفذاذ ؟ .
__________
(1) وأما الأكاذيب الموضوعات فلا دخل لها في الحساب ، على أنك تجدها تنسب إلى هؤلاء وغيرهم في إطراء عليّ أكثر منها في الغض منه .(1/141)
لقد كانت الأمة الإسلامية واعية في ذلك العصر ، عرف أبناءها الحوادث جميعها وعاصروها واختبروها فلم تعد تخفى دقائقها على أحد ، وعرف المسلمون قادتهم من صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، فلم يكن من السهل أن يغير وجه الحق بعض الصحابة والتابعين - كما زعم المؤلف - لإرضاء الخليفة وإشباع ميوله ورغباته . وإن من يحاول إثبات صحة هذا الخبر ليتجنى على الأمة جميعها ، ويجعل من عاصر تلك الحوادث بلهاً مغفلي، يعمى عليهم الحق بالدعايات الكاذبة والأخبار الموضوعة، والواقع يثبت خلاف ذلك ، ويثبت وضع الخبر وعدم صحته .
أما الخبر الثاني وهو قدوم أبي هريرةt العراق ، فإنه من رواية الإسكافي وقد عرفناه منزلة وأخباره ، فلا نعلمه ولا نكاد نصدقه ، وكيف يصح هذا في العقول وعليt كان بالعراق ومعاوية t كان بالشام وأبو هريرة كان بالحجاز ، إذ الثابت أنه بعد أن تولى إمارة البحرين في عهد عمرt لم يفارق الحجاز ، قال ابن عبد البر : أنه لما عاد من البحرين في عهد عمر t ورغب إليه عمر أن يعود والياً عليها مرة أخرى فأبى، لم يزل بالمدينة حتى مات " (1)، وهذا هو الحق (2).
اللهم إلا إذا كان هذا المؤلف يرى أن أبا هريرة أعطى بساط سليمان أو كانت تطوى له الأرض طياً !! .
ولو سلّمنا - جدلاً - بصحة هذه الرواية ، فإن أبا هريرة يدفع عن نفسه ما أشاعه بعض خصوم الأمويين . ثم إن الحديث الذي روى عن أبي هريرة ينفي نفياً قاطعاً صحة هذه الرواية ويبين زيفها .
فقد روى مسلم عن أبي هريرة t عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: " المدينةحرم ، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجميعين لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف " (3).
__________
(1) الاستيعاب 4/209 هامش الاصابة .
(2) دفاع عن السنة لمحمد أبي شهبة ، ص99و ص160.
(3) صحيح مسلم 2/999 .(1/142)
فليس فيها تلك الزيادة التي اختلقتها أيدي الواضعين في ذم الإمام علي لينال أبو هريرة أجره من معاوية y جميعاً .
والمؤلف الأمين!! يحذف من الرواية بعضها وهو " إن لكل نبي حرماً وإن حرمي بالمدينة ما بين عير وثور " لأن هذا القسم سينقض روايته وادعاءه لأن الثابت عن أبي هريرة t أنه لم يذكر هذا بل ذكره أمير المؤمنين علي t في كلمة مشهورة له كما في صحيح مسلم(1) إلا أن الإسكافي ذكرها عن أبي هريرة (2)وهذا دليل آخر على سوء نياتهم وموقفهم من أبي هريرة t خاصة وبعض الصحابة y عامة .
ثم إن المؤلف نفسه يناقض برواياته ما يزعمه ويدعيه. فقد زعم قبل قليل في (ص25) من كتابه أن بسر بن أبي أرطأة ولى أبا هريرة المدينة حين قدم إليها .
وفي (ص39) يقول:) فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاة إمارة المدينة )!!
فأي الخبرين يحب المؤلف أن نعتمد عليه ونأخذ به ؟ أم أن المؤلف يرى في الخبر الثاني توكيداً لإمارته على المدينة ؟ إن له ما أراد وما أختار من الروايات المتعارضة!!
وأما ما ذكره في الهامش من صفحة رواية عن الثوري فقد نقلها إلينا أبو جعفر الإسكافي وجربنا عليه الكذب والطعن في الصحابة فروايته هذه غير مقبولة من طريقه، وهناك رواية عن أبي هريرة ليست فيه الزيادة ورد الشاب عليه " فأشهد بالله لقد واليت .. " التي ذكرها الإسكافي ، فالرواية عن داود بن يزيد الأودي عن أبيه قال: دخل أبو هريرة المسجد فاجتمع إليه الناس فقام إليه شاب فقال: أنشدك بالله سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " رواه أبو يعلى والبزاز بنحوه (3) .
__________
(1) انظر صحيح مسلم 2/995 وما بعدها 2/1147 .
(2) شرح نهج البلاغة 1/467 .
(3) مجمع الزوائد 9/105 .(1/143)
إن هذه الرواية تثبت مكانة أبي هريرة عند أهل العراق ، إذ يستشهدونه عن سماعه لحديث في مكانة علي t، بخلاف ما ذهب إليه الكاتب ، وليس فيها تلك الزيادة التي ألحقت لحاجة في نفس من صنعها ، وحاول أن يدلس على الناس حقيقة الحديث . . وهكذا ينكشف أمر هؤلاء الذين خاضوا في الصحابة وأعراضهم وعدالتهم ودينهم y.. . ولم تكن هذه الحادثة صفعة أليمة من ذلك الشاب لأبي هريرة ، بل كانت صفعة قاضية من الحق لأعدائه !! . (1).
ويتابع المؤلف افتراءه على أبي هريرة ويتهمه بالولاء للأمويين حتى زعم أن أبا هريرة كان يرتجل الأحاديث يدافع بها عن منافقي بني أمية الذين لعنهم رسول اللهy . ولهذا عرف الأمويون فضله عندهم فعمل " مروان وبنوه في تعداد أسانيده وتكثير طرقه أعمالاً جبّارة، لم يألفوا فيها جهداً ، ولم يدّخروا وسعاً . حتى أخرجه أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد . ولمروان وبنيه في رفع مستوى أبي هريرة وتفضيله على من سواء في الحفظ والضبط والاتقان والورع أعمال كان لها أثرها إلى يومنا هذا ..".
ثم يسوق قصة كاتب مروان وأبي هريرة يوم وفاة الحسن والخلاف في مواراته في حجرة الرسول. ويروي أن هذه مؤامرة للإشادة بحفظ أبي هريرة ، وأفضليته في ذلك على كثير من الصحابة ، ويرى أن هذه المؤامرة الممثلة انتهت بتسليم مروان وخنوعه واعترافه بفضل أبي هريرة ومكانته وفي هذا يروّج - كما يزعم المؤلف - بضاعة أبي هريرة ( التي كان مروان ومعاوية وبنوهما يحاربون بها الحسن والحسين y وأباهما وبنيهما وكانت من أنجع الدعايات في تلك السياسات..) .
لقد سبق أن بينت وجه الحق في هذه الحقائق التاريخية ، وإنما نظر المؤلف إليها بمنظاره الأسود ، من خلال نفسه وآرائه ، فكانت صورة ناطقة عما يدور في ضميره وتنطوي عليه سريرته (2).
__________
(1) أخرجه أحمد 2/447وابن ماجة 658 .
(2) انظر أبو هريرة راوية الاسلام للعجاج ص181-201 .(1/144)
و في (ص50) قال عبد الحسين تحت عنوان "كمية حديثه" قارن المؤلف الخلفاء الراشدون وأبو هريرةy في مجال الحفظ وكثرة الرواية ، فقال: ( وقد نظرنا في مجموع ما روي من الحديث عن الخلفاء الأربعة فوجدناه بالنسبة إلى حديث أبي هريرة وحده أقل من السبعة والعشرين في المائة ..فلينظر ناظر بعقله في أبي هريرة وتأخره في إسلامه وخموله في حسبه وأميته وما إلى ذلك مما يوجب إقلاله ، ثم لينظر إلى الخلفاء الأربعة ! وسبقهم واختصاصهم وحضورهم تشريع الأحكام ....فكيف يمكن والحال هذه أن يكون المأثور عن أبي هريرة وحده أضعاف المأثور عنهم جميعا أفتونا يا اولي الألباب ؟! وليس أبو هريرة كعائشة وان أكثرت أيضا ! ، فقد تزوجها رسول الله قبل اسلام أبي هريرة بعشر سنين ) .
قلت : سوف نفتيك يا أيها العبقري بما تجهله ولا أدري كيف أصبح آية ربما في الجهل ! فهذا الذي زعمته باطل وخطأ فاحش لأسباب أهمها :
1- صحيح أن الصديق والفاروق وذا النورين وأبا الحسن رضي y سبقوا أبا هريرة في صحبتهم وإسلامهم ، ولم يرو عنهم مثل ما روى عنه إلا أن هؤلاء اهتموا بأمور الدولة وسياسة الحكم وأنفذوا العلماء والقراء والقضاء إلى البلدان ، فأدوا الأمانة التي حملوها كما أدّى هؤلاء الأمانة في توجيه شئون الأمة فكما لا نلوم خالد بن الوليد على قلة حديثه عن الرسول لانشغاله بالفتوحات لا نلوم أبا هريرة على كثرة حديثه لانشغاله بالعلم وهل لأحد أن يلوم عثمان أو عبدالله بن عباس- رضي الله عنهم - لأنهما لم يحملها لواء الفتوحات ؟ فكل امرئ ميسر ما خلق له .
2- انصراف أبي هريرة إلى العلم والتعليم واعتزاله السياسية واحتياج الناس إليه لامتداد عمره يجعل الموازنة بينه وبين غيره من الصحابة السابقين أو الخلفاء الراشدينy غير صحيحة بل ذات خطأ كبير. ثم إن عبد الحسين يطعن عليه في هذا المجال في حسبه ونسبه وأميته فهل لهذه النواحي أثر في كثرة الرواية وقلتها ؟ لم يقل بهذا أحد .(1/145)
وما رددنا به عليه بالنسبة لمقارنته بالخلفاء الراشدين- رضي الله عنهم - يرد بالنسبة لمقارنته بالسيدة عائشة رضي الله عنها ونضيف أن السيدة عائشة كانت تفتي للناس في دارها، وأما أبو هريرة فقد اتخذ حلقة له في المسجد النبوي كما كان أكثر احتكاكاً بالناس من السيدة أم المؤمنين رضي الله عنها بصفته رجلا كثير الغدو والرواح ، وأضيف إلى هذا أن السيدة الجليلة كان جل همّها موجها نحو نساء المؤمنين وكان يتعذر دخول كل إنسان عليها ومع هذا فإن المؤلف النزيه لم يكف لسانه عنها بل رأى أنها أكثرت أيضا !! ؟ وهو في هذا يناقض نفسه .
أما أنه يرى حديث أبي هريرة أكثر من حديث السيدة عائشة وأم سلمة وحديث بقية أمهات المؤمنين والحسنين وأمهما- رضي الله عنهم - مع حديث الخلفاء الأربعة- رضي الله عنهم - فقد سبق أن أجبت على ذلك وأضيف أن أم سلمة لم تكن مرجعاً للناس كالسيدة عائشة رضي الله تعالى عنهما وأما الحسنان رضي الله عنهما فهما من صغار الصحابة y وقد اشتغلا في الأمور السياسية فبديهي أن تكون مروياتهما قليلة ومثل هذا يقال في سيدة نساء العالمين أمهما رضي الله عنها التي توفيت بعد وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بستة شهور .فالأمر ليس مهولا يحتاج إلى تفكير أرباب العقول كما ادعى ؟؟ وهل يقصد بأرباب العقول النظام والجاحظ!؟
إن نظرة مجردة عن الهوى تدرك ما وري عن أبي هريرة من الأحاديث لا يثير العجب والدهشة ولا يحتاج إلى هذا الشغب الذي اصطنعه أهل الأهواء وأعداء السنن وان ما وراه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - سواء سمعه منه أو من الصحابة لا يشك فيه لقصر صحبته بل إن صحبته تحتمل أكثر من هذا لأنها كانت في أعظم سنوات دولة الاسلام دعوة ونشاطاً وتعليماً وتوجيها في عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - .(1/146)
فماذا يقول المؤلف الفطن في أحاديث أئمته وثقاته ؟! ، فهذا أحد المعصومين! يسأله رجل عن ستة عشر ألف حديث ؟!، فقد روى الكشي عن رجل قال سألت أبا عبدالله الصادق(ع) عن ستة عشر ألف حديث فأجاب (1). بل أن معصوماً ! كان يجيب عن ثلاثين ألف مسألة وهو طفل لم يبلغ بعد !!! .
ففي الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه قال استأذن على أبي جعفر(ع) قوم من أهل النواحي من الشيعة فأذن لهم فدخلوا فسألوا في مجلس واحد ثلاثين ألف مسألة فأجاب (ع) وله عشر سنين (2) ) !!
وهذا أحد ثقاتك يدخل على المعصوم فيسأله عن أحاديث جابر الجعفي وغرائبه وبلاياه !
فعن زياد بن الخلال قال: اختلف في جابر ين يزيد وعجايبه وأحاديثه فدخلت على أبي عبدالله وأنا أريد أن أسأله عنه فابتدأني من غير أن أسأله فقال: رحم الله جابر بن يزيد الجعفي فإنه كان يصدق علينا (3) .
وانه روى عن الباقر(ع) سبعين ألف حديث!! كان مأمورا بإظهارها وسبعين ألف حديث كان مأمورا بكتمانها ) !! (4).
وفي رواية تسعين ألف حديث.....(5).
قال الطوسي ما نصه: ( وذكر علماء الرجال أن أبان بن تغلب روى عن الباقر(ع) ثلاثين ألف حديث!! (6). وأن محمد بن مسلم روى عنه أيضاً ثلاثين ألف حديث!! وعن الصادق(ع) ستة عشر ألف حديث!! (7).
فلماذا هذا الجهل أو التدليس ؟! .
__________
(1) القطرة 1/ 208 .
(2) القطرة 1/ 248 .
(3) دلائل الامامة ص 131 .
(4) الفوائدص 262 ، الكشي ص 194 .
(5) روضة الكافي ص 138 - 139 ، اللئالي 2/20 ، مدينة المعاجز 5/44 باب الثالث والثلاثون شبه الجنون الذي إعتى جابر من حمله سبعين ألف حديث له - (ع) ، الأنوار 3/275 ، القطرة 1/ 201 ، حلية الأبرار 1/13، وانظر ما قاله صاحب الزام الناصب 2/265 .
(6) الفوائد ص 262 ، النجاشي ص 535 .
(7) الفوائد ص 262 ، الكشي ص 163 - 167 .(1/147)
أما طعن عبد الحسين في حديث الوعائين وتهكمه على أبي هريرة t واستهزاؤه مما بما في وعائه من العلم الذي لم ينشره وتساؤله عن ذلك العلم ..
فضائل أبو هريرة t :
أقول: مهما كان أبو هريرةt من العبقرية فإنه لا يستطيع أن يروي (5374) حديثاً في أربع سنين وأن ينقلها كما سمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن الحتم أن هناك سراً لهذا الأمر العجيب !! ما هو هذا السر ؟! اسمع يا " عبد الحسين " واعجب ! .
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لثلاثة من أصحابه بالفقه والعلم وعدم النسيان وهم أبا هريرة وعلي وابن عباس y. فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة حينما اشتكى أبا هريرة من نسيان ما يحفظ من أحاديثه- صلى الله عليه وسلم - ، قلت : يا رسول الله ..أسمع منك أشياء فلا أحفظها ؟ قال: ابسط رداءك ...فبسطت ...فحدّث حديثاً كثيراً فما نسيت شيئاً حدثني به .
ودعا لعلي t حينما أرسله إلى اليمن ليقضي بينهم ، فشكى للنبي - صلى الله عليه وسلم - من النسيان فدعا له - صلى الله عليه وسلم - . وأيضا دعا - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس t بالحفظ والعلم والفقة .
وهكذا تحققت معجزة النبي- صلى الله عليه وسلم - في استجابة دعائه لهؤلاء الثلاثة . ها هنا السّر يا "عبد الحسين" ! .
إنها معجزة ..ليست معجزة جاء بها أبو هريرة ...فليس لأبي هريرة معجزات!! وإنما معجزة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن تلك اللحظة الفاصلة المباركة ..ما نسى أبو هريرة حديثاً سمعه من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - .
وهذا مما ذكرها أولياؤك في مؤلفاتهم في معجزات النبي- صلى الله عليه وسلم - و استجابة دعائه، فمن ذلك ما أوردها الراوندي في خرائجه وشهراشوب في مناقبه و المجلسي في بحاره.(1/148)
ففي المناقب في استجابة دعواته- صلى الله عليه وسلم - : قال أمير المؤمنين(ع): بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن فقلت: يا رسول الله بعثتني وأنا حدث السن ولا علم لي بالقضاء ، قال رسول الله: فانطلق فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك ، قال علي (ع): فما شككت في قضاء بين اثنين (1) .
وفي كمال الدين عن أبي طفيل ، عن أبي جعفر(ع) قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لأميرالمؤمنين(ع): أكتب ما أملي عليك، قال: يا نبي الله أتخاف عليّ النسيان ؟ فقال: لست أخاف عليك النسيان ،وقد دعوت الله لك أن يحفظ ولا ينسيك ..(2) .
وفي الخرائج في معجزات نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والبحار في باب معجزاته - صلى الله عليه وسلم - و استجابة دعائه: " أنه قال لابن عباس وهو غلام : " اللهم فقهه في الدين ،وعلمه التأويل فكان فقيهاً ، عالماً بالتأويل (3).
فخرج بحرا في العلم وحبرا للأمة .
وفي الخرائج "في معجزات نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -" : أن أبا هريرة قال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - : إني أسمع منك الحديث الكثير أنساه . قال : أبسط رداك كلّه وقال: فبسطته، فوضع يده فيه ، ثم قال: ضمّه . فضممته ، فما نسيت حديثا بعده (4).
__________
(1) المناقب 1/74 شهر أشوب في استجابة دعواته - صلى الله عليه وسلم - .
(2) كمال الدين 1/199 .
(3) الخرائج 1/75 - 85 في معجزات نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، البحار 18/18 باب معجزاته - صلى الله عليه وسلم - في استجابة دعائه ، المحجة البيضاء 2/253 و8/86 و1/93 و 5/43 ، المناقب 1/74 شهر أشوب في استجابة دعواته - صلى الله عليه وسلم - .
(4) الخرائج 1/75 في معجزات نينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، البحار 18/13 في باب معجزاته - صلى الله عليه وسلم - في استجابة دعائه.(1/149)
وفي المناقب في استجابة دعواته - صلى الله عليه وسلم - : أبو هريرة : أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم - بتميرات فقلت: أدع لي بالبركة فيهن ، فدعا ثم قال: جعلهن في المزود ، قال: فلقد حملت منها كذا وكذا وسقا (1) .
وفي البحار عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: أصابنا عطش في الحديبية ، فجهشنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فبسط يديه بالدعاء فتألق السحاب،وجاء الغيث فروينا منه (2)
وفي المناقب: " وروى أبو هريرة في أصحاب الصفة وقد وضعت بين أيديهم صحفة فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده فيها فأكلوا ويقيت ملأى فيها أثر الأصابع (3).
وفي المناقب والخرائج في معجزات نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - : "قال أبو هريرة : أتيت إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - بتميرات فقلت له ادع الله لي بالبركة يا رسول الله قال فوضعهن في يده ثم دعا بالبركة قال فجعلتها في جراب فلم نزل نأكل منه ونطعم وكان لا يفارقني(4) .
فكل هذه المناقب قد ذكرها العلماء وليس أدعياء العلماء من قبل ، فلماذا هذا الجهل ؟! إن هذه القصة تؤكد أن هناك تدبيراً إلهياً ليحول بين أبي هريرة وبين التشاغل بالدنيا ليتخصص ويتفرغ تفرغاً تاماً لأمر الذي أريد أن يتفرغ له ...
أبو هريرة يأتي بتمرات ..تمرات معدودة ويقول : يا رسول الله ادع الله فيهن بالبركة !! .
__________
(1) المناقب 1/74 شهر أشوب في استجابة دعواته - صلى الله عليه وسلم - .
(2) البحار18/5 .
(3) المناقب 1/90 لشهر آشوب في تكثير الطعام والشراب .
(4) المناقب 1/90 لشهر آشوب ،الخرائج 1/55 " في معجزات نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم - "(1/150)
لاحظ هنا مطلب أبي هريرة ..وأن المخاطب هو أعلى الأنبياء وسيد الرسل . فلو كان الخير في توجيه أبي هريرة إلى الكدح في سبيل لقمة العيش لوجهه رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك ولكن استجاب له رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا إشارة إلى أن الخير بالنسبة إلى أبي هريرة أن يعفى من كدح القوت ليتفرغ لكدح أعلى ..الكدح في سبيل العلم ونشر العلم ، وإن كدح القوت أهون وأيسر كثيراً من كدح العلم فليس أثقل على النفس من طلب العلم ولولا ذلك لكان جميع " الصعاليك" آيات وعلماء! بل أن العلماء ، وليس " أدعياء العلماء " بينوا أن ما عند أبي هريرة مما لم ينشر لا يتعلق بالأحكام أو الآداب وليس مما يقوم عليه أصل من أصول الدين بل بعض أشراط الساعة أو بعض ما يقع للأمة من الفتن (1) ، ويدل على ذلك حديثه الذي ذكر بعضه لمؤلف الأمين!! ولم يذكر تعليق راوية الذي يبين قصد أبي هريرة قال أبوهريرة: " لو حدثتكم بكل ما في جوفي لرميتموني بالبعر. قال الحسن - راوي الحديث عن أبي هريرة -: صدق ، والله لو أخبرنا أن بيت الله يهدم أو يحرق ما صدقه الناس !!؟ ، وأبو هريرة ليس بدعاً في قوله فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يختص بعض أصحابه بأشياء دون الآخرين من هذا حديثه لمعاذ بن جبل t :" ما أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار". قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا ؟ قال: " إذا يتكلوا " (2)، وأخبر به معاذ عند موته تأثما خوفا من أن يكون قد كتم العلم ولم يكن معاذ ولي عهده ولا خليفته من بعده فالأمر لا يحتاج إلى ولاية عهد ولا إلى وصاية فلم ينكر " الكاتب " مثل هذا على أبي هريرة t ولا ينكره على غيره ؟ ثم ليعرف المؤلف الذي أساء كثيراً إلى أبي هريرة وشتمه وكال له السباب كيلا - أن كتمان أبي هريرة لهذا الوعاء لم يكن
__________
(1) راجع فتح الباري1/227 .
(2) فتح الباري 1/236 .(1/151)
لخوفه إلا يسمع الناس له لمهانته وضعفه فيرموه بالبعر والمزابل بل لأنه أراد أن يحدث الناس على قدر عقولهم وأن يخاطبهم بما يفهمونه ويعرفون وبذلك أوصى أمير الؤمنين عليt (1).
أما قول أبي هريرة t: أن أبا هريرة لا يكتم ولا يكتب فلا يتعارض مع حديث الوعاءين لأن أبا هريرة لا يكتم العلم النافع الضروري وما كتمه أبو هريرة لم يكن من هذا ، بل كان بعض أخبار الفتن والملاحم وما سيقع للناس مما لا يتوقف عليه شيئ من أصول الدين أو فروعه .
و أما استهزاءه بقول أبي هريرة t: ( لو حدثتكم بكل ما في جوفي لرميتموني بالبعر أو الأحجار ..) .
قلت: إذا كان كذلك فاستمع في حفظ وعلوم أهل البيت !!
ونقل علامتهم آية الله ملا زين الكلبايكاني في (كتابه أنوار الولاية ص372) : وعن أمير المؤمنين (ع) مشيراً إلى صدره: أن هاهنا لعلوماً جمة لو وجدت لها حملة . وقال (ع) أيضاً ما معناه: إنّ في صدري علماً لو أبرزته لكم لاضطربتم كاضطراب الحبل الطويل في بئر الماء العميق . وعنه (ع) أيضاً: لو فسّرت لكم قوله تعالى{ اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ } (2) لرجمتموني.
وقال سيد الساجدين (ع) :
إني لأكتم من علمي جواهره كي لا يرى الحق ذو جهل فيقتتنا
وقد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين و أوصى قبله الحسنا
يارب جوهر علم أو أبوح به لقيل فيّ أنت ممن يعبد الوثنا
ولا استحلّ رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا .
فيمكن أن نجيبه بنفس العقلية فهذا أحد رواتك الذي أثنيت عليه في مراجعاتك الملفقة يحلف دون حياء أنه لو حدث بكلّما سمعه من جعفر الصادق لانتفخت ذكور!! الرجال على الخشب ! .
__________
(1) فتح الباري 1/235 .
(2) الطلاق الآية 12 .(1/152)
فقد روى الكشي في رجاله بإسناده عن محمد بن زياد أبي عمير عن علي بن عطية عن زرارة قال : والله لو حدثت بكلّما سمعته من أبي عبد الله(ع) لأنتفخت ذكور الرجال على الخشب (1) ).
و أما استشهاده بقول أبي هريرة t: " ما من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبدالله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب" ، وبمرويات ابن عمرو التي لا تتجاوز سبعمائة حديث - على أن ابن عمرو أكثر من أبي هريرة حديثاً وأن أباهريرة بذلك يقر ويعترف بتقوله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل - فهو استشهاد في غير موضعه ، بنى على تصور خاطىء وفهم للحديث على خلاف الواقع .
إن الحديث يدل على أن عبد الله بن عمرو كان أكثر أخذاً للحديث من أبي هريرة ، لأنه كان يكتب وأبو هريرة لا يكتب . ويحتمل أن يكون قول أبي هريرة هذا في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم - قبل أن يدعو له بالحفظ وكان يعيده في كل مناسبة تقع له وإذا استبعدنا هذا الفرض فكل ما في الأمر أن عبدالله بن عمرو حمل من الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أكثر من أبي هريرة إلا إنه لم يتيسر له نشره لأسباب نبينها بعد قليل.
ولابن حجر رأى أبينه فيما يلي : قال:" قوله : فإنه كان يكتب ولا أكتب " هذا استدلال من أبي هريرة على ما ذكره من أكثرية ما عند عبدالله ابن عمرو بن العاص على ما عنده ويستفاد من ذلك أن أبا هريرة كان جازما بأنه ليس في الصحابة أكثر حديثاً عن النبي- صلى الله عليه وسلم - منه إلا عبدالله مع أن الموجود المروي عن عبدالله بن عمرو أقل من الموجود المروي عن أبي هريرة بأضعاف مضاعفة فإن قلنا : الاستثناء منقطع فلا اشكال إذ التقدير: لكن الذي كان من عبدالله - وهو الكتابة - لم يكن منى سواء لزم منه كونه أكثر حديثا لما تقتضيه العادة أم لا وإن قلنا الاستثناء متصل فالسبب فيه من جهات :
__________
(1) رجال الكشي ص134 ترجمة زرارة بن أعين .(1/153)
أحدها: أن عبد الله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم فقلت الرواية عنه.
ثانيها : إن أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار كان بمصر أو بالطائف ولم تكن الرحلة اليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة وكان أبوهريرة متصديا فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات ويظهر هذا من كثرة من حمل عن أبي هريرة فقد ذكر البخاري انه روي عنه ثمانمائة نفس من التابعين ولم يقع هذا لغيره .
ثالثها: ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بان لا ينسى ما يحدثه به .
رابعها: أن عبدالله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب فكان ينظر فيها ويحدث منها فتجنب الاخذ عنه لذلك كثير من ائمة التابعين (1).
أضيف إلى هذا أن عبدالله بن عمرو كان يتنقل بين مصر والشام والطائف وكثيرا ما كان يتردد على الطائف ليشرف على الوهط ( الكرم) الذي كان لأبيه وقد ساومه معاوية بن أبي سفيان من اجله على مال كثير فأبى أن يبيعه بشئ وقد عزا بعضهم التنافر الذي كان بينهما الى هذه الحادثة .
__________
(1) فتح الباري 1/217 .(1/154)
ولابد هنا من أن أبين أن عبدالله بن عمرو لم يفسح له مجال التحديث في عهد معاوية وابنه يزيد لانه لم يكن على وفاق دائم مع معاوية وربما منعه معاوية وابنه من ذلك ، ما رواه الإمام أحمد من طريق شهر قال: إن عبدالله بن عمرو علىنوف البكالي وهو يحدّث فقال حدث فأنا قد نهينا عن الحديث قال : ما كنت لأحدث وعندي رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم من قريش. وقول عبد الله بن عمرو " أنا قد نهينا عن الحديث" لا يريد به نهى ما يظنه أعداء السنة أن هذا النهي من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إنما يريد به نهي معاوية وابنه يزيد كما بينته رواية ثانية فيها:" فجاءه رسول يزيد بن معاوية أن أجب فقال: هذا ينهاني ( أن ) احدثكم كما كان أبوه ينهاني فربما فعل ذلك يزيد أيضا مخافة أن يؤلب عبدالله الناس على بني امية . تلك اسباب هامة في قلة روى (هكذا) عن عبدالله بن عمرو بن العاص بالنسبة لما تحمله عن الرسول تنفي ما زعم عبد الحسين من : ( أن أباهريرة إنما اعترف لعبدالله في أوائل أمره بعد رسول الله(ص) حين لم يكن مفرطاً هذا الافراط الفاحش فانه إنما تفاقم افراطه وطغى على عهد معاوية ).
قلت: وإن قلّة مرويات عبدالله بن عمرو لم تعد تثير أي شك أو تدخل أية شبه علىمرويات أبي هريرة الكثيرة بالرغم من تصريحه عن كثرة حديث ابن عمرو بعد أن عرفنا تلك الاسباب التي كان لها اثر بعيد في قلة مروياته ..." (1).
أما إنكار عبد الحسين بعض الأحاديث الصحيحة التي رواها أبو هريرة بقوله : (ألم يحدث بنوم النبي ! عن صلاة الصبح ؟ وعروض الشيطان له وهو في الصلاة ليقطعها عليه ؟ ألم يرو انه سهى فصلّى الرباعية ثنائية ...ألم يتسور على آدم ونوح وابراهيم وعيسى بما يجب تنزيههم عنه ؟ ).
__________
(1) انظر أبو هريرة راوية الاسلام ص205-210 .(1/155)
قلت : يبدو أن المؤلف الفطن لم يجد ثغرة ينفذ منها ، أو ثلماً يدس فيه هواه، بعد أن رددنا مزاعمه السابقة بالحجج الدامغة ، فانهار ما ادعاه أمام الصرح الشامخ الذي يحمي عدالة أبي هريرة ، وتحطمت سهامه الواهية على الحصن المنيع الذي بناه أبو هريرة بصدقه وأمانته واستقامته، فراح يشكك الناس في مرويات أبي هريرة ، ويستشهد ببعض الأحاديث التي وردت في الصحيحين عنه ، متخذاً طعنه في أبي هريرة وتجريحه إياه ، مطية وذريعة للتشكيك في ما ورد في الصحيحين عامة ، يريد من قرائه بل من الناس جميعاً أن لا يثقوا بالكتب التي أجمعت الأمة على صحتها ، وتلقتها بالقبول ، ولكن هل نسيت أيها المؤلف العبقري إن هذه الأحاديث أيضاً قد روواها أئمتك المعصومين في كتبك التي أثنيت عليها في مراجعاتك الملفقة أم تناسيت؟!!، ألم يحدثوا أئمتك بنوم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الصبح ؟ وعروض الشيطان له وهو في الصلاة ليقطعها عليه ؟ ألم يروو أنه سهى- صلى الله عليه وسلم - فصلّى الرباعية ثنائية ...ألم يتسوروا على آدم ونوح وابراهيم وعيسى وموسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بما يجب تنزيههم عنه ؟ كخرافات إنكار الأنبياء عليهم السلام ولاية علي المزعومة وإخراجهم من الجنة وحبسهم وتعذيبهم وتحميل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذنوب الشيعة ....و...و ...و إلى آخر هذه الأحاديث المزعومة التي مرّت وسيأتي بيان بعضها إن شاء الله تعالى .
وفي (ص59) قال عبد الحسين تحت عنوان " كيفية حديثه " أورد هذا "المؤلف" أربعين حديثاً من الأحاديث زعم أن أبا هريرة t إنفرد بها واستنكرها ، فقال ما نصه: ( الأذواق الفنية لا تسيغ كثيرا من أساليب أبي هريرة في حديثه والمقاييس العلمية عقلية ونقلية لا تقرها . وحسبك عنوانا لهذه الحقيقة أربعون حديثا صحت عنه، اتلوها الآن عليك فيها وفيما علقناه عليها متحررا متجردا، ولك بعد ذلك رأيك).(1/156)
قلت : لم يجد المؤلف" العبقري" إلى ذلك سبيلا، إلا أن يذكر بعض الأحاديث التي تتعلق بالأمور الغيبية ، ويحاول أن يحكم العقل البشري فيها ، يوازن بينها وبين الواقع ، من ذلك حديث خلق آدم فيحمل ألفاظه ما لا تحتمل ، ويفسره تفسيراً لا يقبله العقل والذوق السليم ، ويسوق غيره من الأحاديث التي تتناول بعض أحوال يوم القيامة ، كرؤية الله تعالى، وتكلم النار والجنة وينكرما جاء في حديث استجابة الله تعالى الدعاء في الثلث الأخير من كل ليلة ويحمل ألفاظه ما لا تحتمل .
لقد دأب المؤلف على تلقف المشاكل والطعون والعمل جاداً على النفخ فيها حتى يصير من الحبة قبة ولكنها لا تلبث أمام البحث العلمي الأصيل أو تزول كما تزول الفقاقيع من على وجه الماء ، ولم يخطر بباله أن يشذ ولو مرة واحدة فيذكر بعض المحاسن - وما أكثرها- في أحاديث أبي هريرة ، ولكنه لم يفعل وذلك لحاجة في نفسه!! ، و من عجيب أمره أنه يتلقف الإشكالات ويزيدها استشكالا ، ويأبى عليه سوء مقصده أن يذكر ولو بعض ما ذكره العلماء الأثبات في رد هذه الاستشكالات ولاسيما ما يتعلق منها بالأحاديث الصحيحة المروية في الصحيحين أو أحدهما ، بل ويأبى عليه سوء مقصده أن يذكر هذه الأحاديث من طرق من يعتقد أنهم أئمة معصومين !(1/157)
فهل تناسى هذا المؤلف أن نفس هذه الأحاديث التي استنكرها على أبي هريرةy قد رواها ثقاته من طرق من يعتقدون فيهم العصمة المطلقة ، فأمره لا يخلو من أمرين أحلاهُما مُرْ ، لأنه إما أن يكون لم يطلع على كتب الحديث عنده " كالكتب الأربعة " و ما كتبه الأئمة الشراح للأحاديث في هذا وهو تقصير وجهل أو أنه يريد الدليس! ، وإما أن يكون اطلع عليها ورأى أنها لا تسعفه بل وترد عليه فيما يهدف إليه فآثر طيها، وهذا خيانة وتقية وتلبيس إبليس !! لذلك سوف أقوم بتخريج هذه الأحاديث التي رواها أبو هريرة والتي استنكرها هذا المؤلف الفطن المتلبس بلبوس التقية والتدليس من غير طريق أبي هريرة ، أي من طرق من يعتقد أنهم أئمة معصومين لأنهم يزعمون كما يقول عالمهم كاشف الغطاء في " أصل الشيعة(ص79):( أنهم لا يعتبرون من السنة إلا ما صح لهم من طرق أهل البيت عن جدهم يعني ما رواه الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه زين العابدين عن الحسين السبط عن أبيه أمير المؤمنين عن رسول الله سلام الله عليهم جميعاً، أما ما يرويه مثل أبي هريرة وسمرة بن جندب و مروان ابن الحكم وعمران بن حطان الخارجي وعمرو بن العاص ونظائرهم فليس عند الإمامية من الإعتبار مقدار بعوضة ).
لكي يتبين للشيعي قبل السني مدى دجل وكذب هذا المؤلف التقي الذي يزعم أنه بالغ في التفتيش والبحث!! .
عرض الأحاديث التي استشكلها عبد الحسين والجواب عنها :
ونختصر في هذا المقام أيها القارئ على بعض هذه الأحاديث مع تخريجها من طرق الفريقين وثم أقوال شراح أهل الحديث من الفريقين بإختصار .
استنكار عبد الحسين حديث "خلق الله آدم على صورته "(1/158)
أولاً : ففي(ص59) أورد عبد الحسين حديث "خلق الله آدم على صورته": أخرج الشيخان البخاري ومسلم من طريق عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ بن منبه قال: هذا ما حدّثنا به أَبو هُرَيْرَةَ عَنِ رسول الله(ص) قَال:َ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وزاد أحمد من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً : في سبعة أذرع عرضاً قال: فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وطوله ستون ذراعاً ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ (1) ... .
__________
(1) أخرجه البخاري في الاستئذان وأحاديث الأنبياء ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها .(1/159)
وأخذ المؤلف يصول ويجول ويشكك في هذا الحديث النبوي الشريف قائلا:(وهذا مما لا يجوز على رسول الله(ص) ولا على غيره من الأنبياء ولا على أوصيائهم(1) (ع). ولعل أبا هريرة إنما أخذه عن اليهود(2) بواسطة صديقه كعب الأحبار أو غيره ، فإن مضمون هذا الحديث إنما هو عين الفقرة السابعة والعشرين من الاصحاح الأول من اصحاحات التكوين من كتاب اليهود - العهد القديم - وإليك نصها بعين لفظه قال: فخلق الله الانسان على صورته، على صورة الله خلقه ذكرا وانثى خلقهم .
تقدس الله عن الصورة والكيفية والشبيه ، وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ... ومرة رواه بلفظ : إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل : قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته ) (3).
قلت : ونختصر لرد على مفتريات وأباطيل عبد الحسين، إن هذا الحديث رواه قومك بطرقهم الخاصة عن من يعتقدون فيهم العصمة المطلقة، ونحن لا يسعنا إلا كشف تدليسه..يزعم أنه بالغ في الفحص وأغرق في التنقيب عن أحاديث أبي هريرة حتى أسفر وجه الحق وظهر صبح اليقين ، فلم يجد إلا الأنكار عليه ، سبحان الله ما أتقاه ! .
__________
(1) لا يوجد في الدين الاسلامي شيء اسمه "الوصاية " فالوصاية أو " الوصي " هو من مخترعات ابن سبأ، فهو أول بدأ يشيع القول بأن الإمامة هي وصاية من النبي ومحصورة بالوصي وإذا تولاها غير الوصي يجب البراءة منه وتكفيره " ، فلسنا بحاجة إلى هذه العقيدة اليهودية !
(2) قال " الحاقد " في هامش الصفحة ما نصه :( وكان في كثير من حديثه عيالا على اليهود ، ألا تراه يرسل قوله: إن سيحان وجيحان والفرات ونيل مصر كلها من الجنة ...وهذا مأخوذ عن العهد القديم ) .
(3) قال " الحاقد " اخرجه البخاري في الأدب المفرد ورواه أحمد بالطرق الصحيحة عن أبي هريرة ص434 من الجزء الثاني من مسنده .(1/160)
لقد أثبت صحة هذا الحديث الخميني في كتابه "زبدة الأربعين حديثاً" (ص264) الحديث الثامن والثلاثون بعنوان " أن الله خلق آدم على صورته" والذي أورد من طريق أهل البيت حجج الله على خلقه حسب اعتقادهم، وإليك نص الحديث:
فعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر(ع) عما يروون أن الله- عز وجل -خلق آدم على صورته فقال: هي صورة محدثة مخلوقة ، اصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه فقال تعالى: { بيتي } وقال: { ونفخت فيه من روحي}، ثم قال الخميني: ( وهذا الحديث من الأحاديث المشهورة بين السنة والشيعة، ويستشهد به دائماً، وقد أيّد الإمام الباقر(ع) صدروه وتولّى بيان المقصود منه ) (1) .
__________
(1) وللمزيد انظركتاب التوحيد للصدوق ص 103ح18، مصابيح الأنوار 1/206-207،علم اليقين 1/46، العوالي 1/53، تفسير القرآن 1/107وص187وص191وص235و3/503وص524 و 4/173وص383و6/47،المحجة 7/43وص 47و8/26 ، تفسير الكنز 5/244، الكافي 1/134ح4 " باب الروح" تفسير الميزان 12/174 .(1/161)
وقد علق شيخهم محمد الكراجكي في "كنز الفوائد تحت عنوان " تأويل الخبر" ما نصه: ( إن سأل سائل ، فقال: ما معنى الخبر المروي عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن الله تعالى خلق آدم على صورته ، أوليس ظاهر هذا الخبر يقتضي التشبيه له تعالى بخلقه ، فإن لم يكن على ظاهره ، فما تأويله ؟ : الجواب: قلنا : أحد الأجوبة عن هذا أن تكون الهاء عائدة إلى الله تعالى ، والمعنى أنه خلق على الصورة التي أختارها ، وقد يضاف الشيئ إلى مختاره . ومنها أن تكون الهاء عائدة إلى آدم ، ويكون المراد أن الله تعالى خلقه على صورته التي شوهد عليها ، لم ينتقل إليها عن غيرها كتنقل أولاده الذي يكون أحدهم نطفة ثم علقة مضغة ،ويخلق خلقا من بعد خلق ، ويولد طفلا صغيرا ثم يصير غلاما ثم شابا كهلا ، ولم يكن آدم (ع) كذلك ، بل خلق على صورته التي مات عليها .
و منها ما رواه الزهري عن الحسن قال مرّ النبي برجل من الأنصار وهو يضرب وجه الغلام له ويقول : قبح الله وجهك ووجه من تشبهه ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : بئسما قلت ، إن الله خلق آدم على صورته ، يعني صورة المضروب . وهذه أجوبة صحيحة والحمد لله) (1).
فهل " عبد الحسين " أعلم من الخميني ؟! أم من الشيخ الكراجكي ؟! أم يريد أن يعلم الخميني و الشيخ الكراجكي وأمثاله علم الحديث ؟!! .
__________
(1) كنز الفوائد للكراجكي 2 /167 - 168 .(1/162)
وقال شيخهم المحقق السيد هاشم الحسيني معلق كتاب التوحيد عند شرحه لهذا الحديث ما نصه:( هذا الكلام وجوه محتملة : فان الضمير إما يرجع إلى الله تعالى فالمعنى ما ذكره الإمام (ع) هنا على أن يكون الاضافة تشريفية كما في نظائرها أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صفته في مرتبة الامكان وجملة قابلا للتخلق باخلاقه ومكرما بالخلافة الاليهة ، وإما يرجع إلى آدم (ع) فالمعنى أنه تعالى خلق جوهر ذات آدم على صورته من دون دخل الملك المصور للأجنة في الأرحام كما لا دخل لغيره في تجهيز ذاته و ذات غيره أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صورته هذه من ابتداء أمره ولم يكن لجوهر جسمه انتقال من صورة إلى صورة كالصورة المنوية إلى العلقة إلى غيرهما ، أو المعنى أنه تعالى خلق آدم على صورته التي قبض عليها ولم يتغير وجهه وجسمه من بدئه إلى آخر عمره ، وإما يرجع إلى رجل يسبه رجل آخر كما فسر به في الحديث العاشر والحادي عشر من الباب الثاني عشر فراجع ) (1) .
و أخرج الصدوق بإسناده عن أبي الورد بن ثمامة عن علي (ع) قال: سمع النبي- صلى الله عليه وسلم - رجلا يقول لرجل : قبح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال: مه، لا تقل هذا ، فإن الله خلق آدم على صورته (2).
قال الصدوق في شرح الحديث ما نصه: ( تركت المشبهة من هذا الحديث أوّله و قالوا: إن الله خلق آدم على صورته ، فضلوا في معناه وأضلوا ) .
مسكين( عبد الحسين ) كم مرة يستعمل التقية والكذب والدجل فلا يفلح أبداً! يقول تقية أن :( أبا هريرة إنما أخذه عن اليهود بواسطة صديقه كعب الأحبار أو غيره ، فإن مضمون هذا الحديث إنما هو عين الفقرة السابعة والعشرين من الاصحاح الأول من اصحاحات التكوين من كتاب اليهود ) .
فهل الخميني والأئمة من أهل البيت أخذوا عن اليهود بواسطة كعب الأحبار؟!!
أو غيره ؟! نعوذ بالله من هذا الاثم والبهتان .
__________
(1) التوحيد ص103 .
(2) التوحيد ص 152 ح 10 .(1/163)
أربعة فطاحل يروون الحديث ويأبى " عبد الحسين " إلا أن يتحامل على أبي هريرة- رضي الله عنه - دحضاً للحق ونصرة للباطل!ولكن هل يستحي" آية الكذب والدجل " ؟! بالطبع لا ، فيقول دجلا : ( على أن أبا هريرة قد تطور في هذا الحديث كما هي عادته فتارة رواه كما سمعت ، وتارة رواه بلفظ : إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته،ومرة رواه بلفظ: إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ولا يقل: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته ) .
فاستمع إلى هذه الرواية الذي أخرج الصدوق بإسناده عن الحسين بن خالد ، قال: قلت للرضا(ع): يا ابن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله قال: إن الله خلق آدم على صورته ، فقال: قاتلهم الله ، لقد حذفوا أول الحديث ، إن رسول الله مرّ برجلين يتسابان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه ، قبح الله وجههك ووجه من يشبهك ، فقال: يا عبدالله لا تقل هذا لأخيك ، فإن الله- عز وجل - خلق آدم على صورته(1).
فلماذا يا عبد الحسين لم تنكر على أئمتك في روايتهم لهذا الحديث بعينه؟!!
ولماذا لم تنكر على رواتك كمحمد بن مسلم والحسين بن خالد، وأبي الورد بن ثمامة وغيرهم ، تزعم أنك بالغت في الفحص وأغرقت في التنقيب عن أحاديث أبي هريرة حتى أسفر وجه الحق وظهر صبح اليقين ، فلم تجد إلا الإنكار عليه !! ، أليس هذا من الكذب والدليس على المسلمين ؟! .
__________
(1) التوحيد ص 152 - 153 ح 11 ، عيون أخبار الرضا 1/ 120 ، الأنوار النعمانية 1/234، الاحتجاج 2/192 .(1/164)
ومن هنا تدرك أيها القاري مدى تدليسه وكذبه، وما لفقه من تهم باطلة ، فهو يعلم موضع هذه الأحاديث وأقوال علماء الحديث عنده ، لأنه يعتبر من كبار مجتهدي الشيعة، ومن وصل إلى درجة الاجتهاد عندهم لابد وأن قرأ كل الكتب،ككتب علم الكلام والحديث والتفسير والرجال والنحو ، و...، وإلا لما لقب " بآية الله " عندهم ، ولكن هذا" الآية " يريد فقط أن ينتقم من أبي هريرة ويشفي غليله وحقده الأسود ، ولو أدى ذلك إلى الطعن في أئمته المعصومين، وعلمائه ، فهو يظن أن كل الناس مغفلين ! مثله ، لا يقرأون ولا يريدون أن يجهدوا أنفسهم عناء البحث والتنقيب .
وأما قوله تحت عنوان تنبيهان :( أنه إذا كان طول آدم ستين ذراعاً يجب مع تناسب أعضائه أن يكون عرضه سبعة عشر ذراعاً وسبع الذراع ، وإذا كان عرضه سبعة أذرع يجب أن يكون طوله أربعة وعشرين ذراعاً ونصف الذراع لأن عرض الانسان مع استواء خلقه بقدر سبعي طوله فما بال أبي هريرة يقول طوله ستون ذراعاً في سبعة أذرع عرضاً ؟ فهل كان آدم غير متناسب في خلقته مشوهاً في تركيبه ؟ كلا!
بل قال الله تعالى وهو أصدق القائلين { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَنَ فىِ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } .
قلت: إن هذا الحديث قد رواه ثقتك الكليني في كافيه الذي تقول أنه أفضل وأتقن الكتب الأربعة عن أئمتك الذي تعتقد فيهم العصمة وبأنهم أفضل من الأنبياء!!(1/165)
ففي روضة الكافي(ص 195 ح 308) بإسناده عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب ، عن مقاتل بن سليمان قال سألت أبا عبدالله (ع) كم كان طول آدم - عليه السلام -حين هبط به إلى الأرض وكم كان طول حواء ؟ قال وجدنا في كتاب علي بن أبي طالب (ع) إن الله - عز وجل - لما أهبط آدم وزجته حواء عليها السلام إلى الأرض كانت رجلاه بثنية الصفا ورأسه دون أفق وإنه شكا إلى الله ما يصيبه من حر الشمس فأوحى الله - عز وجل - إلى جبريل - عليه السلام - إن آدم قد شكا ما يصيبه من حر الشمس فأغمزه وصير طوله سبعين ذراعاً بذراعه وأغمز حواء غمزة فيصير طولها خمسة وثلاثين ذراعاً بذراعها .
فهذا إمامك المعصوم يقول :" إن رجلي آدم كانت بثنية الصفا ورأسه دون الأفق ! بل يقول: إنه شكا إلى الله ما يصيبه من حر الشمس .. فأغمزه وصير طوله سبعين ذراعاً ! ، فهل كان آدم غير متناسب في خلقته مشوهاً في تركيبه ؟
إن علماءك عدّوا هذا الحديث من مشكلات الأخبار !! .
قال نعمة الله الجزائري في قصص الأنبياء (ص35) ما نصه: ( أقول هذا الحديث عده المتأخرون من مشكلات الأخبار من وجهين .... ) .
ثم بين الجزائري هذين الوجهين، فراجعهما .
كما أن السيد عبدالله شبر قد شرح هذا الحديث الشريف في كتابه " مصابيح الأنوار(1/405) في حل مشكلات الأخبار" من عشرة وجوه ، فراجعها إن شئت .
159
كما أن المجلسي في مرآته (26/171- 177 ) شرح هذا الحديث من عدة وجوه، قال:( إعلم إن هذا الخبر من المعضلات التي حيرت أفهام الناظرين والعويصات التي رجعت عنها بالخيبة أحلام الكاملين والقاصرين ) .
استنكار عبد الحسين " رؤية الله يوم القيامة "(1/166)
ثانياً: وفي (ص64) أورد عبد الحسين حديث رقم (2) " رؤية الله يوم القيامة بالعين الباصرة في صور مختفلة" أخرج الشيخان الإسناد إلى أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ قَالَ أُنَاس:ٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَلْ تُضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا:لا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ. يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُولُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَبِهِ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ(1/167)
بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلا اللَّهُ أَمَرَ الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا فَاصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ فَلا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ فَيَقُولُ لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ يَا رَبِّ قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَلا يَزَالُ يَدْعُو فَيَقُولُ لَعَلِّي إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلُنِي غَيْرَهُ فَيَقُولُ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيُعْطِي اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ ثُمَّ يَقُولُ أَوَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ فلا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ (الله)!؟ فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا(1/168)
قِيلَ لَهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى ثُمَّ يُقَالُ لَهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الْأَمَانِيُّ فَيَقُولُ لَهُ هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ (1) .
ثم أخذ المؤلف يصول ويجول مفنداً هذا الحديث النبوي الشريف قائلا: ( وهذا حديث مهول الفت إليه أرباب العقول فهل يجوز عندهم أن تكون لله صورة مختلفة ينكرون بعضها ويعرفون البعض الآخر ؟ وهل يرون ان لله ساقا تكون آية له وعلامة عليه ؟ وبأي شيء كانت ساقه علامة دون غيرها من الأعضاء ؟ وهل تجوز عليه الحركة والانتقال فيأتيهم أولا وثانيا وهل يجوز عليه الضحك؟ وأي وزن لهذا الكلام)؟
قلت: إن المؤلف مقصده الرد على أهل السنة الإنكار عليهم في معتقدهم رؤية الله يوم القيامة ، وليس مقصده كما يتخرص في مقدمة كتابه " تطهير الصحاح والمسانيد من كل ما لايحتمله العقل من حديث أبي هريرة " لذلك ألف كتاباً مستقلا في الرد عليهم سماه " كلمة حول الرؤية " ، فغرض المؤلف الرد على أهل السنة إذ أنه يعلم أن حديث رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين رواه أكثر من عشرين صحابياً عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ولكنه اتخذ أبا هريرة دهليزاً له !! وهذا هو غرضه كما بينت في مقدمة الكتاب ، على كل حال نرد في عجالة على شبهات المؤلف فقوله :( هل يجوز عندهم أن تكون لله صورة مختلفة ينكرون بعضها ويعرفون البعض الآخر )؟
__________
(1) أخرجه البخاري من كتاب الرقاق ومسلم من كتاب الايمان .(1/169)
قلت : قال ابن الجوزي : اعلم أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى لا تجوز عليه الصورة التي هي هيئة وتأليف. وقال ابن حجر نقلا عن ابن بطال: تمسك به - أي بهذا الحديث - المجسمة فأثبتوا لله صورة ، ولا حجة لهم فيه لاحتمال أن يكون بمعنى العلامة وضعها الله لهم دليلا على معرفته كما يسمى الدليل والعلامة صورة وكما تقول صورة حديثك كذا وصورة الأمر كذا والحديث والأمر لا صورة لهما حقيقة ، وأجاز غيره أن المراد بالصورة الصفة ...
ونقل ابن التين : أن معناه صورة الاعتقاد ، وأجاز الخطابي أن يكون الكلام خرج على وجه المشاكلة لما تقدم من ذكر الشمس والقمر والطواغيت .. (1).
و قال غيره من العلماء : يأتيهم بأهوال القيامة ، وصورة الملائكة ، مما لم يعهدوا مثله في الدنيا ، فيستعيذون من تلك الحال ، ويقولون : إذا جاء ربنا عرفناه،
أي أتى بما يعرفونه من لطفه ، وهي الصورة التي يعرفون فيكشف عن ساق : أي عن شدة كأنه يرفع تلك الاشدائد المهولة ، فيسجدون شكرا ، وقال بعضهم : صورة يمتحن إيمانهم بها ، كما يبعث الدجال فيقولون : نعوذ بالله منك (2) .
وأما قوله:( وهل يرون ان لله ساقاً تكون آية له وعلامة عليه ؟ وبأي شيء كانت ساقه علامة دون غيرها من الأعضاء وهل تجوز عليه الحركة والانتقال فيأتيهم أولا وثانيا وهل يجوز عليه الضحك ؟ وأي وزن لهذا الكلام) ؟ .
__________
(1) فتح الباري 13/437 .
(2) دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه لابن الجوزي ص159 .(1/170)
قلت: إن كلامه هذا يدل على جهل قبيح ليس له مثيل ، ولا أعلم أن أحداً من قبل سبقه ، ألا يقرأ هذا الذي لقبوه " بالعلامة " القرآن الكريم ! ، ألا يقرأ قوله تعالى: { هَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فىِ ظُلَلِ مّنَ الْغَمَامِـ وَالْمَلئكَةُ وَقُضِىَ الأَمْرُ } [ البقرة / 210] ، و قوله تعالى: { هَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُـ الْمَلئكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَتِ رَبّكَ } [ الأنعام /158 ] .
وقوله تعالى:{ كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } [ الفجر 21-22 ] .
وأما إنكاره لرؤية الله بقوله : ( وهذا محال لا يعقل، ولا يمكن أن يتصور متصور إلا إذا اختص الله المؤمنين في الدار الآخرة ببصر لا تكون فيه خواص الأبصار المعهودة في الحياة الدنيا .. ) .
قلت: أولا: إن المخالفين لكم ، المثبتين للرؤية وهم الصحابة والتابعون والأئمة المهتدون من أهل الفقه والحديث ممن لهم قدم صدق في العالمين، هؤلاء أكثر العقلاء، وأوفر عدداً منكم .(1/171)
قال النووي : اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا وأجمعوا أيضاً على وقوعها في الآخرة وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه وأن رؤيته مستحيلة عقلا ، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح وقد تظافرت أدلة الكتاب والسنة واجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الأمة على اثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين ورواها نحو عشرين صحابياً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآيات القرآن فيها مشهورة واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبة مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة وكذلك باقي شبههم وهي مستقاة في كتب الكلام.(1).
وقال ابن حجر في الفتح نقلا عن ابن بطال : ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الآخرة ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثا وحالا في مكان ، وأولوا قوله :{ نَاظِرَة } بمنتظرة وهو خطأ لأنه لا يتعدى بإلى ، ثم ذكر نحو ما تقدم ثم قال وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود ، والرؤية في تعلقها بالمرئي بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم فإذا كان تعلق العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه فكذلك المرئى .
قال وتعلقوا بقوله - عز وجل -:{ لاَ تُدْرِكُهُ الأبْصَرُ } [ الأنعام /103] .
وقوله- عز وجل - لموسى:{ لَن تَرَنىِ} [ الأعراف /143 ] .
والجواب عن الأول : أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا جمعا بين دليلي الآيتين ، وبأن نفي الادراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشىء من غير إحاطة بحقيقته(2).
__________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي المجلد الأول باب اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه وتعالى.
(2) الفتح 13/436 .(1/172)
على أن العقل الصحيح لا يخالف القرآن والسنة الثابتة الصحيحة ،ولا يتعارضان أبداً، وما ظهر من تعارض في الظاهر ، فإنه لعدم صحة في النقل ، أو عدم كمال في العقل ، على أن العقل إذا ترك ونفسه ، لم يحكم باستحالة رؤيته إلا إذا صرفه برهان.
وقد أسفّ هذا االمؤلف بفلسفته هذه كل إسفاف واعتسف فيها أي اعتساف في لتكون هذه الأحاديث حجة عليك يوم القيامة حين ألزمت نفسك العمل بها ودعوت الناس إليها ! والحديث الأول يقرب إلى ذهنك معنى " الإدراك " وهو قول الامام المعصوم للراوي " أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك " .
فقد روى الكليني عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر(ع): لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ؟ فقال:يا أبا هاشم أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون (1).
وروى الكليني والصدوق بإسنادهما عن يعقوب بن اسحاق قال: كتبت إلى أبي محمد أسأله كيف يعبد العبد ربّه وهو لا يراه ؟ فوقع (ع) يا أبا يوسف جلّ سيدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يرى ، قال: و سألته هل رأى رسول الله ربّه؟ فوقع (ع) إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحبّ ( (2) .
__________
(1) اصول الكافي 1/99 كتاب التوحيد باب في إبطال الرؤية ، التوحيد ص 113 ح 12 .
(2) اصول الكافي 1/95 كتاب التوحيد، التوحيد ص 108 للصدوق ح 2 .(1/173)
وروى الكليني والصدوق عن عبدالله بن سنان ، عن أبيه قال: حضرت أبا جعفر(ع) فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له : يا أبا جعفر أي شيئ تعبد ؟ قال: الله تعالى ، قال : رأيته ؟ قال: بال لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يعرف بالقياس ولا يدرك بالحواس ولا يشبه بالناس ، موصوف بالآبات ، معروف بالعلامات لا يجوز في حكمه ذلك الله ، لا إله إلا هو، قال: فخرج الرجل وهو يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالته ( (1).
وروى الكليني والصدوق عن أبي الحسن الموصلي ، عن أبي عبدالله قال: جاء حبر إلى أميرالمؤمنين (ع) فقال: يا أميرالمؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته ؟ فقال: ويلك ما كنت أعبد رباً لم أره ، قال: وكيف رأيته ؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقايق الإيمان ( (2).
وروى الصدوق في " التوحيد" (ص 112 ح 11) عن أبي هاشم الجعفر، عن أبي الحسن الرضا(ع) قال: سالته عن الله - عز وجل - هل يوصف ؟ فقال: أما تقرء القرآن ؟ ! قلت: بلى ، قال: أما تقرء قوله - عز وجل -: { لاَ تُدْرِكُهُ الأبْصَرُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَرَ } قلت: بلى ، قال: فتعرفون الأبصار؟ قلت: بلى ، قال: وما هي ؟ قلت: أبصار العيون فقال: إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام وهو يدرك الأوهام .
فقولك هذا رد على أئمتك المعصومين، لإنك لا تفهم أحاديثهم .
جواز رؤية الله تعالى يوم القيامة من طريق آل البيت :
وإليك بعض هذه الأحاديث بإختصار.
__________
(1) اصول الكافي 1/97 ح5 ، التوحيدص 108 ح 5 .
(2) أسول الكافي 1/97- 98 ح 6 ، التوحيد ص 109 ح 6 .(1/174)
فقد جاء في "لئالى الأخبار" (4/410-411 ) لعمدة العلماء والمحققين محمد التوسيركاني في " باب في أن أهل الجنة يسمعون صوته " هذا الحديث - وهو حديث طويل - ونصه : ( في أن أهل الجنة يسمعون صوته تعالى ويخاطبهم وينظرون إليه وهما ألذ الأشياء عندهم قال (ع) في حديث يذكر فيه إشتغال المؤمنين بنعم الجنة : فبينما هم كذلك إذ يسمعون صوتاًمن تحت العرش : يا أهل الجنة كيف ترون منقلبكم ؟ فيقولون : خير المنقلب منقلبنا وخير الثواب ثوابنا ، قد سمعنا الصوت واشتهينا النظر وهو أعظم ثوابنا وقد وعدته ولا تخلف الميعاد فيأمر الله الحجاب فيقوم سبعون ألف حاجب فيركبون على النوق والبرازين وعليهم الحلى والحلل فيسبرون في ظل العرش حتى ينتهوا إلى دار السلام وهي دار الله دار البهاء والنور والسرور والكرامة فيسمعون الصوت فيقولون : يا سيدنا سمعنا لذاذة منطقك وأرنا وجهك فيتجلى لهم سبحانه وتعالى ، حتى ينظرون إلى وجهه تبارك وتعالى المكنون من كل عين ناظر فلا يتمالكون حتى يخروا على وجوههم سجدا فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك يا عظيم قال فيقول : يا عبادي إرفعوا رؤسكم ليس هذا بدار عمل .... فإذا رفعوا رفعوها وقد أشرقت وجوههم من نور وجهه سبعين ضعفا ثم يقول : يا ملائكتي أطعموهم واسقوهم ..يا ملائكتي طيبوهم فيأتيهم ريح من تحت العرش يمسك أشد بياضا من الثلج ويعبر وجوههم وجباههم وجنوبهم تسمى المثيرة فيستمكنون من النظر إلى وجهه فيقولون يا سيدنا حسبنا لذاذة منطقك والنظر إلى وجهك لا نريد به بدلا ولا نبتغي به حولا فيقول الرب إني أعلم أنكم إلى أزواجكم مشتاقون وان أزواجكم إليكم مشتاقات ارجعوا إلى أزواجكم قال : فيقولون : يا سيدنا اجعل لنا شرطاً قال فإن لكم كل جمعة زورة ما بين الجمعة سبعة آلاف سنة مما تعدّون قال فينصرفون فيعطى كل رجل منهم رمانة خضر في كل رمانة سبعون حلة .... حتى يبشروا أزواجهم وهن قيام على أبواب الجنان قال: فلما دنى(1/175)
منها نظرت إلى وجهه فأنكرته من غير سوء ، وقالت: حبيبي لقد خرجت من عندي وما أنت هكذا قال: فيقول: حبيبتي تلومني أن أكون هكذا وقد نظرت إلى وجه ربي تبارك وتعالى فأشرق وجهي من نور وجهه ، ثم يعرض عنها فينظر إليها نظرة فيقول: حبيبتي لقد خرجت من عندك و ماكنت هكذا فنقول : حبيبي تلومني أن أكون هكذا، وقد نظرت إلى وجه الناظر إلى وجهه ربي فأشرق وجهي من وجه الناظر إلى وجه ربي سبعين ضعفا ، فنعانقه من باب الخيمة والرب يضحك إليهم ).
وفي " البحار" (8/126ح27 باب الجنة و نعيمها ) عن عاصم بن حميد عن أبي عبد الله (ع) قال: (مامن عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في القرآن إلا صلاة الليل ، فإن الله لم يبين ثوابها لعظيم خطرها عنده فقال:{ تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا} إلى قوله :{ يعملون } ثم قال: إن لله كرامة في عباده المؤمنين في كل يوم جمعة ، فإذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمن ملكا معه حلة فينتهي إلى باب الجنة فيقول: اسأذنوا لي على فلان فيقال له: هذا رسول ربك على الباب، فيقول: لأزواجه أي شيئ ترين عليّ أحسن ؟ فيقلن : يا سيدنا والذي أباحك الجنة ما رأينا عليك شيئا أحسن من هذا بعث إليك ربك ، فيتزر بواحدة ويتعطف بالأخرى فلا يمرّ بشيئ إلا أضاء له حتى ينتهي إلى الموعد ، فإذا اجتمعوا تجلى لهم الرب تبارك وتعالى ، فإذا نظروا إليه خرّوا سجدا فيقول: عبادي ارفعوا رؤوسكم ليس هذا يوم سجود ولا يوم عبادة قد رفعت عنكم المؤونة، فيقولون : يارب وأي شيئ أفضل مما أعطيتنا ، أعطيتنا الجنة، فيقول: لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفا ، فيرجع المؤمن في كل جمعة بسبعين ضعفا مثل ما في يديه وهو قوله:{ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } وهو يوم الجمعة ) .(1/176)
وإذا لم تستطع فهم هذه الرواية ، نورد لك كلام إمامك ووصيك الرابع فقد أثبت رؤية الله تعالى في الآخرة كما جاء في الصحيفة السجادية ، في حين عكست الآية كما سيأتي توضيحه (1).
قال الامام السجاد رحمه الله تعالى ما نصه : ( واقدر أعيينا يوم لقائك برؤيتك"
بل لا يحتاج تخصيص المؤمنين في الآخرة ببصر غير أبصارهم في الدنيا ،كما يتدعي المؤلف، لأن إمامه المعصوم يقول أنهم رأوه قبل يوم القيامة ، حين قال الله لهم : { أَلَسْتُ بِرَبّكُمْ قَالُوا بَلَى } .
فقد أخرج الصدوق في " التوحيد" (ص117ح20 ) بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت له: أخبرني عن الله- عز وجل - هل يراه المؤمنون يوم القيامة ؟ قال: نعم ، وقد رأوه قبل يوم القيامة ، فقلت: متى ؟ قال: حين قال لهم : { أَلَسْتُ بِرَبّكُمْ قَالُوا بَلَى } ثم سكت ساعة ، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة ، ألست تراه في وقتك هذا ؟ قال أبو بصير : فقلت : له جعلت فداك فأحدث بهذا عنك ؟ فقال لا ، فإنك إذا حدثت به أنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين ، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون .
__________
(1) انظر كتابه " كلمة حول الرؤية " ص 38-39 لعبد الحسين شرف الدين .(1/177)
وجاء اثبات الرؤية من كلام الامام السجاد رحمه الله تعالى الذي أعرض " المؤلف الأمين " عن ذكره هنا واقتصر على بعض الأذكار بقوله " وإليك ما يحضرني من نصوصها في الموضوع " ، فحاول طمسها في مهدها ، ولو كانت هذه النصوص في صالحه لما طمسها ومرّ عليها هكذا مرور الكرام ، وهكذا يفعلون ، ولكن شاء الله أن يفضح أمر " آية الكذب والتدليس " ، وإليك هذه الأدعية . قال في دعاء المتوسلين : ( وأقررت أعينهم بالنظر إليك يوم لقائك ) . وقال في دعاء آخر وهو دعاء المحبين :( ولا تصرف عني وجهك ) . وفي دعاء آخر وهو : ( وشوقته إلى لقائك وضيته بقضائك ومنحته بالنظر إلى وجهك ). وفي دعاء آخر وهو مناجاة الزاهدين : )ولا تحجب مشتاقيك عن النظر إلى جميل رؤيتك ) . وفي دعاء آخر وهو مناجاة المفتقرين : ( واقدر أعيينا يوم لقائك برؤيتك ) . وفي دعاء آخروهو في استكشاف الهموم ( رغبتي شوقاً إلى لقائك ..) (1) .
أما ما لفقه عبد الحسين في كتابه " كلمة حول الرؤية " (ص39) ، واستشهاده ببعض أدعية السجاد على نفي الرؤية ، فإن هذا جهل بكلام العرب ، وغريب أمر هذا المؤلف إذ كيف تستعجم عليه اللغة وقد وصل إلى درجة العلاّمة . فمثلا استشهاده بقول السجاد : ( إلهي قصرت الألسن عن بلوغ ثنائك كما يليق بجلالك، وعجزت العقول عن إدراك كنه جمالك ، وانحصرت الأبصار دون النظر إلى سبحات وجهك ، ولم تجعل للخلق طريقا إلى معرفتك إلا بالعجز عن معرفتك
الحمد لله الأول بلا أول كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده ، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين ، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين ...).
__________
(1) الصحيفة السجادية الكاملة ص 317 .(1/178)
فأين نفيه رحمه الله رؤية الله ؟ ، بل لم يستطع المؤلف أن يورد دعاء واحد يدل على نفي الرؤية وهذا عجيب ، مما يدل أنه وأتباعه ليسوا شيعة أهل البيت ، بل شيعة الطوسي والمجلسي والمفيد وأضرابهم ! ، بل وهذا من عقائد المعتزلة وغيرهم الذين نفوا رؤية الباري تعالى يوم القيامة، وأما مذهب أهل البيت هم على مذهب أهل السنة من السلف القائلين برؤية الله تعالى يوم القيامة .
وأما انكار المؤلف ضحك الله بقوله :( وهل يجوز عليه الضحك ؟ وأي وزن لهذا الكلام ) ؟
قلت: فقد روى ذلك أيضاً إمامك المعصوم فيما أخرجه المجلسي وغيره !
استنكار عبد الحسين حديث "لا تملأ النار حتى يضع الله رجله فيها "
ثالثاً: وفي (ص67-69) أورد المؤلف حديث "لا تملأ النار حتى يضع الله رجله فيها" : أخرج الشيخان من طريق عَبْدُالرَّزَّاقِ عن مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ(ص) تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ وَقَالَتِ الْجَنَّةُ مَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَقَالَ لِلنَّارِ إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي مِنْهُمَا مِلْؤُهَا فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ . الحديث (1) .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب التفسير ومسلم من كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها .(1/179)
ثم أخذ هذا المؤلف يصول ويجول مفندا هذا الحديث النبوي الشريف قائلا:( إن هذا الحديث محال ممتنع بحكم العقل والشرع، وهل يؤمن مسلم ينزه الله تعالى بأن لله رجلا ؟ وهل يصدق عاقل بأنه يضعها في جهنم لتمتلىء بها ؟ وما الحكمة من ذلك؟ وأي وزن لهذا الكلام البارد - إلى أن قال- وبأي لسان تتجاج النار والجنة؟! وبأي حواسهما أدركتا ما أدركتاه وعرفتا من دخلها وأي فضل للمتجرين والمتكبرين لتفخر بهم النار وهم يومئذ في اسفل سافلين ؟ وكيف تظن الجنة أن الفائزين بها من سقطة الناس وهم من الذين انعم الله عليهم بين نبي وصديق وشهيد وصالح ما أظن الجنة والنار قد بلغ بها الجهل والحمق والخرف إلى هذه الغاية ؟ ) .
قلت: إن حمل الألفاظ هذا الحديث على حقيقته تعنت ومكابرة بلا دليل ، والأصل أنه إذا امتنع حمل الألفاظ اللغة على الحقيقة صرفت إلى المجاز ، وهذا كثير في اللغة ، فكما تقول : خرجت المدينة تستقبل الحجاج ، وتقصد بذلك أكثر أهل المدينة، كذلك يجب أن تقول في مثل هذا الحديث وفي الآيات التي استدل بها (الشبهة) على رأيهم كآية ( الاستواء ) وغيرها . ويلزم من إنكار هذه الأحاديث لما فيها من التجسيم والتشبيه - على رأي المؤلف - إنكار جميع الآيات التي بهذا المعنى، ولا يقول بهذا مسلم ، فكما صرفت ألفاظ تلك الآيات إلى المجاز تصرف ألفاظ بعض الأحاديث أيضاً إلى ذلك ، لأن بعض الأحاديث جاءت على سنن ونهج القرآن الكريم . وإذا أبى أن تصرف هذه الأفاظ إلى المجاز قلنا له : يلزم من هذا أن تسير المدينة - في مثالنا- بأبنيتها ومساجدها وبيوتها وأشجارها ، وهذا لا يعقل ولا يتصور ، وهو خلاف العادة والعرف ، لذلك وجب صرفه إلى المجاز ، من غير أن نرد ذلك الأصل اللغوي ، الذي عليه العرب ، أدباؤهم وفصحاؤهم وعامتهم منذ عرفهم التاريخ ، وعلى هذا الأصل نحمل بعض آيات القرآن الكريم وبعض أحاديث الرسول الأمين- صلى الله عليه وسلم - (1).
__________
(1) العجاج ص238-239 .(1/180)
فيا ترى : ما الذي يدعو إلى المحالة والاستغراب والامتناع ؟ ، إن كان وجه الإنكار هو أن الله يضع رجله، ففي القرآن جاء اثبات اليد ، والوجه، والعين، والمجيء ، وغير ذلك لله قال تعالى: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلَلِ الإِكْرَامِـ } . [الرحمن / 27 ] وقال تعالى: { كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ } [ القصص/ 88 ] قال تعالى: { وَقالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيِهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ } [ المائدة /64 ] وقال تعالى:{ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لمِاَ خَلَقْتُ بِيَدَىَّ } [ص/ 75 ] وقال تعالى:{ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنى وَلِتُصْتَعَ عَلَى عَيْنِى } [طه/39] .
وبالجملة ، فإن تحكيم العقل في مسألة الألوهية ، وصفاتها من سخافة العقل نفسه ، ولا تؤدي عند هؤلاء المغترين بعقولهم ، إلا إلى الإلحاد غالباً ، فخير للعقل ، "وهذا العقل المريض" أن يفكر فيما يستطيع التفكير به ، وإن كان عقله عاجزاً عن معرفة سر الحياة في الانسان نفسه، وعن الاحاطة بجزء كحبة الرمل من صحراء هذا الكون العجيب ، فكيف يستطيع أن يعلم حقيقة خالق هذا الكون كله ؟ ، لنفرض أن تحكيم العقل في الأحاديث هو الصواب ، فنحن نسأل : أي عقل هذا الذي تريد أن تحكمه ؟! ، أعقل الفلاسفة ؟ إنهم مختلفون ، وما من متأخر منهم إلا وهو ينقض قول من سبقه . أعقل الأدباء ؟ إنه ليس من شأنهم ، فإن عنايتهم بالنوادر والحكايات . أعقل علماء الطب ، أم الهندسة ، أم الرياضيات ؟ ما لهم ولهذا ؟ ، أعقل المحدثين ؟ إنه لم يعجبكم ، بل إنكم تتهمونهم بالغباوة والبساطة ؟ ، أعقل الفقهاء ؟ إنهم مذاهب متعددة ، وعقليتهم في رأيكم كعقلية المحدثين . أعقل الملحدين ؟ إنهم يريدون أن إيمانكم بوجود الله ،جهل منكم وخرافة . أعقل المؤمنين بوجود الله ؟ تعالوا نرى طوائفهم :(1/181)
إن منهم : من يرى أن الله يحل في إنسان فيصبح إلها ؟
ومنهم : من يرى أن روح الله تتقمص في جسد ، فيكون إلها !
ومنهم :من يرى أن الله ومخلوقاته في وحدة متكاملة !
ومنهم : من يرى أن الله ذو ثلاثة أقانيم في ذات واحدة !
ومنهم : من يرى البقر والفأر والقرد يجب أن يتوجه إليها بالعبادة !
ستقولون : إننا نريد تحكيم عقل المؤمنين بإله واحد في دين الإسلام .
فنحن نسألكم : عقل أي مذهب من مذاهبهم ترضون ؟
أعقل أهل السنة والجماعة ؟ هذا لا يرضى الشيعة ، ولا المعتزلة .
أم عقل الشيعة ؟ هذا لا يرضى أهل السنة ، ولا الخوارج .
أم عقل المعتزلة ؟
إنه لا يرضى جمهور طوائف المسلمين ! فأي عقل ترتضون (1).
إن حكاية عرض الحديث على " العقل " حكاية قديمة نادى بها بعض المعتزلة، ونادى المستشرقون حديثاً ، وتابعهم فيها أحمد أمين ، وضرب لذلك أمثلة من الأحاديث الصحيحة وهي في رأيه غير مقبولة للعقل . لئن كان يريد من العقل الصريح ما يقبله العقل من بدهيات الأمور ، فهذا أمر واقع في تاريخ السنة النبوية ، فقد وضع أئمة النقد من علماء الحديث علامات لمعرفة الحديث الموضوع منها : أن يكون متنه مخالفا لبدائة العقول وللمقطوع به من الدين أو التاريخ أو الطب أو غير ذلك ، وعلى هذا نفوا آلافا من الأحاديث وحكموا عليها بالوضع .
__________
(1) السنة للسباعي ص39 .(1/182)
ولئن كان يريد غير هذا مما يستغربه " العقل " فإن " استغراب " العقل شيئاً أمر نسبي يتبع الثقافة والبيئة وغير ذلك مما لا يضبطه ولا يحدده مقياس . وكثيراً ما يكون الشيء مستغربا عند إنسان ، طبيعيا عند إنسان آخر ولا يزال الذين سمعوا بالسيارة في بلادنا ، أو استغربوها قبل أن يروها ، لأنها تسير من غير خيول تقودها ، في حين كانت عند الغربيين أمرا مألوفا عادياً . والبدوي في الصحراء كان " يستغرب " ما يقولونه عن المذياع " الراديو " في المدن ، ويعدّه كذبة من أكاذيب الحضريين . فلما سمع الراديو لأول مرّة ظن أن " الشيطان " هو الذي يتكلم فيه ، كما يظن الطفل أن الذي يتكلم إنسان ثاو فيه .
على أي حال لا حاجة لنا لعقل " عبد الحسين " ، ولا لعقل "أبي رية" ، ولا لعقل " أحمد أمين" ، فإن مذاهب العلماء معروفة في مثل هذه الألفاظ ، فالسلف يقولون بها من غير تأويل ، مع تنزيه الله عن مشابهته للبشر... ( (1) .
هذا هو الذي يُسلم به الخلف فقط ، أما السلف فكلهم مجمعون على اثبات صفات الله تعالى على الحقيقة، ولكنه ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير .
ولكن يبدو أن عقل عبد الحسين شرف الدين كلما ازداد مثاله زاده الله رعالة ، وإلا فإن هذا الحديث احتج به مشايخ الشيعة عند تفسيرهم لقوله تعالى: { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق /30 ] من دون إنكار أو تكذيب لراوي هذا الحديث سواء كان راويه أبو هريرة ، كما ذكره بنفسه ، أم كان راوية أنس، كما أخرجه السيوطي في الدر المنثور ، أم راويه أبو سعيد الخدري كما أخرجه الامام أحمد في مسنده .
__________
(1) دفاع عن أبي هريرة لعبد المنعم العلي ص260 .(1/183)
قال الطباطبائي( الشيعي) في تفسيره " الميزان " ( 18/362) بعد أن أورد حديث أنس الذي أخرجه السيوطي في الدرر عن أنس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - :" لا تزال جنهم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فيزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط وكرمك ولا يزال في الجنة حتى ينشئ الله لها خلقاً آخر فيسكنهم في قصور الجنة .
قال ما نصه :( أقول: وضع القدم على النار وقولها : قط قط مروي في روايات كثيرة من طرق أهل السنة ) .
كما احتج بهذا الحديث " فيلسوف الشيعة الملقب" بصدر المتألهين " محمد بن ابراهيم صدر الدين الشيرازي في تفسيره " القرآن الكريم" ( 1/58وص 156 ) فقال ما نصه : ( ألا ترى صدق ما قلناه النار لا تزال متألّمة لما فيها من النقيص وعدم الإمتلاء حتى يضع الجبّار قدمه فيها كما ورد في الحديث وهي إحدى تينك القدمين المذكورتين في الكرسي ) .
كما احتج بهذا الحديث السيد محمدي الري شهري ( الشيعي ) في موسعته الكبيرة " ميزان الحكمة " (2/178-179) في باب " هل من مزيد " .
وهذا هو الميزان حقاً الذي يوزن به أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إمرار هذه الأحاديث من دون التعرض لها واسناد علمها إلى الله تعالى .
وأما قول عبد الحسين: ( بأي لسان تتحاج النار والجنة ؟ وبأي حواسهما أدركتا ما أدركتاه وعرفتاه من دخلهما ) .(1/184)
قلت : إن هذا استفهام يدل على جهل " عبد الحسين " التام للقرآن الكريم، فإن كان وجه الإنكار أو الاستغراب لتكلم الجنة والنار ، فقد جاء في القرآن أن الله تعالى خاطب و قال للسموات والأرض { ائْتِياَ طَوْعًا أَوْ كُرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَآيعِيِنَ } وقال الله تعالى:{ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق/30]، فقد نطقت جهنم بكلمة { هَلْ مِن مَّزِيدٍ} . فألا يقرأ عبد الحسين آية من آيات الله في القرآن ؟!!، فهلا يستحي هذا" العلامة " بقوله :( ما الحكمة من ذلك؟ وأي وزن لهذا الكلام البارد ) .
سبحان الله كلام الله تعالى يصبح عند "هذا العلامة " كلام بارد لا وزن له!!
فهل رأيتم مثل المؤلف علاّمة!! الذي لا يفقه القرآن ولا السنة النبوية المطهرة ، ولا يفقه حتى شيئاً من أحاديث أهل البيت !! ولكن لا أظن أنه يصل إلى هذه الدرجة العظيمة من الجهل ، لا أظنه لم يطلع على كتب الحديث والفقه والتفسير والرجال وغيرها، وهو الملقب"بآية الله"، لا يمكن هذا إلا القول بأن المؤلف لا يسعى إلا إلى إشفاء غليله من أبي هريرة بأية طريقة ولو وصلت به الأمور إلى جهل آيات القرآن والسنة النبوية المطهرة في اثبات العين والوجه واليد ... ومما يؤكد ذلك ويدل عليه ، أن هذه مثل هذه الأحاديث التي رواها أبو هريرة واستنكر عليه موجودة عندهم ، روتها الشيعة من طرق من يعتقدون فيهم العصمة في اثبات تكلم النار والجنة والريح وغيرها .(1/185)
ففي "البحار" ( 8/285) باب الجنة ونعيمها، عن السكوني ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي (ع) عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: تكلم النار يوم القيامة ثلاثة: أميراً وقارئاً، وذا ثروة من المال فتقول للأمير: يامن وهب الله له سلطاناً فلم يعدل فتزدرده كما يزدرد الطير حب السمسم وتقول للقارئ : يا من تزين للناس وبازر الله بالمعاصي فتزدرده ، وتقول للغني يا من وهب الله له دنيا كثيرة واسعة فيضا وسأله الحقير اليسير قرضا فأبى إلا بخلا فتزدرده .
وأيضاً في "البحار" (8/ 198) باب الجنة ونعيمها ، عن أبي بصير عن أبي جعفرقال: إذا كان يوم القيامة نادت الجنة ربها فقالت : يارب أنت العدل قد ملأت النار من أهلها كما وعدتها ولم تملأني كما وعدتني ، قال: فيخلق الله خلقاً لم يروا الدنيا فيملأ بهم الجنة طوبى لهم .
والقمي في تفسيره { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} قال: هو استفهام لأنه وعد الله النار أن يملأها فتمتلئ النار ، ثم يقول لها : هل امتلأت ؟ وتقول هل من مزيد ؟ على حد الاستفهام ، أي ليس فيّ مزيد ، قال : فتقول الجنة : يا رب وعدت النار أن تملأها ، ووعدتني أن تملأني فلم لا تملأني وقد ملأت النار ؟ قال: فيخلق الله يومئذ خلقا يملأ بهم الجنة ، فقال أبوعبدالله (ع): طوبى لهم إنهم لم يروا غموم الدنيا وهمومها (1).
__________
(1) تفسير القمي 2/326 ، البحار 8/133 و 292 - 293 ، البرهان 4/228 .(1/186)
وعن محمد بن مسلم قال قال لي أبو جعفر (ع) كان كل شيئ ماء وكان عرشه على الماء فأمر الله الماء فاضطر نارا فأمرالله النار فخمدت فارتفع من خمودها دخان فخلق الله السموات من ذلك الدخان وخلق الله الأرض من الماء ثم أختصم الماء والنار والريح ، فقال الماء جند الله الأكبر وقالت النار أنا جند الله الأكبر وقالت الريح أنا جند الله الأكبر ، فأوحى الله الى الريح أنت جند الله الأكبر(1).
وفي" البحار" ( 8/155-156 ) باب الجنة ونعيمها، عن داود العجلي مولى أبي المعزا قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : ثلاث أعطين سمع الخلائق : الجنة ، والنار ، والحور العين ، فإذا صلّى العبد وقال اللهم أعتقني من النار وأدخلني الجنة وزوجني من الحور العين قالت النار : يا رب إن عبدك قد سألك أن تعتقه مني فأعتقه وقالت الجنة : يارب إن عبدك قد سألك إياي فأسكنه ، وقالت الحور العين : يا رب إن عبدك قد خطبنا إليك فزوجه منّا ، فإن هو انصرف من صلاته ولم يسأل من الله شيئا من هذا قلن الحور العين : إن هذا العبد فينا لزاهد وقالت الجنة : إن هذا العبد فيّ لزاهد ، وقالت النار : إن هذا العبد فيّ لجاهل .
والعجيب من هذا المؤلف التقي أنه ينكر حديث أبو هريرة في تحاج الجنة والنار ولايتعجب من حديثهم الذي ورد من طرق أئمته أن الشمس تكلم علياً !! فكيف تكلم الشمس علياً وبأي لغة ؟! .
ففي " البحار" ( 41/ 169) تاريخ أمير المؤمنين (ع) باب رد الشمس له وتكلم الشمس معه ، عن محمد بن علي بن موسى بن جعفر عن آبائه (ع) عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعلي بن أبي طالب(ع): يا أبا الحسن كلّم الشمس فإنها تكلمك ، قال علي (ع): السلام عليك أيها العبد المطيع لله ، فقالت الشمس : وعليك السلام يا أمير المؤمنين وإمام المتقين !!!." .
__________
(1) تفسير البرهان 2 / 207 وانظر الجواهر السنية ص 252 .(1/187)
فهل رأيتم مدى حقده " على الاسلام وعلى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و على أبي هريرةt بالأخص فهو يسعى كما قلت إلى إشفاء غليله منه بأية طريقة ! وتناسى أن في دينه من أمثال هذه الأحاديث ، بل أكثر وأشنع ! فإن كان عبدالحسين حقاً يجهل هذه الآيات وأحاديث من يعتقد فيهم العصمة المطلقة ! وهذا هو الاحتمال الأول- بقوله : بأي لسان تتحاج النار والجنة ؟ ،وإن كان يجهل بأي لسان تتحاج النار والجنة ؟ فإن هذا جهل قبيح !
استنكار عبد الحسين حديث نزول الربّ كل ليلة إلى سماء الدنيا :
رابعاً: وفي (ص69 ) أورد عبد الحسين حديث " نزول ربه كل ليلة إلى سماء الدنيا تعالى الله " أخرج الشيخان من طريق ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي عَبْدِاللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الأخير يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لهُ ... الحديث (1) .
وأخذ المؤلف يصول ويجول كعادته يدلس ويشكك قائلاً:( تعالى الله عن النزول والصعود والمجيئ والذهاب والحركة والانتقال وسائر العوارض والحوادث ،ثم قال: إن هذا الحديث والثلاثة التي قبله كان مصدرا للتجسيم في الإسلام ، كما ظهر في عصر التعقيد الفكري وكان من الحنابلة بسببها أنواع من البدع والاضاليل ولاسيما ابن تيمية الذي قام على منبر الجامع الأموي في دمشق يوم الجمعة خطيباً ، فقال أثناء أضاليله : إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من درج المنبر يريهم نزول الله تعالى نزولا حقيقيا ...) .
__________
(1) أخرجه البخاري في الجمعة والدعوات وفي التوحيد ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها .(1/188)
قلت: أن حديث النزول متفق عليه بين الفريقين، وسوف أثبت من كتاب الكافي الذي نص عليه عبد الحسين بفنسه في مراجعاته بأنه( أقدم و أعظم و أحسن و اتقن الكتب الأربعة ) ، وغيره من كتبهم المعتمدة ، من كان مصدر التجسيم في الإسلام ؟ وذلك بعد إيراد هذا الحديث الذي أنكره على أبي هريرة- رضي الله عنه - من طرق من يعتقد فيهم العصمة!! فقد رواه جمع من محدثي الشيعة وثقاتهم حديث النزول منهم الصدوق والكليني وغيرهم .
اثبات حديث النزول من طريق أهل البيت :
أخرج الصدوق في توحيده في حديث احتجاج الصادق على الثنوية والزناقة بإسناده عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبدالله (ع) - قال : سأله عن قوله: { الرحمن على العرش استوى } قال أبو عبدالله (ع): بذلك وصف نفسه ، وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملاً له ، و لا أن يكون العرش حاوياً له ، ولا أن العرش محتاز له ، ولكنّا نقول: هوحامل العرش ، وممسك العرش ، ونقول من ذلك ما قال: { وسع كرسيه السموات والأرض } فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته ، ونفينا أن يكون العرش أو الكرسي حاوياً له وأن يكون - عز وجل -إلى مكان أو إلى شيئ مما خلق بل خلقه محتاجون إليه .(1/189)
قال السائل : فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض ؟ قال أبو عبدالله (ع): ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء ، ولكنه - عز وجل - أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش لأنه جعله معدن الرزق فثبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين قال: ارفعوا أيديكم إلى الله - عز وجل - وهذا يجمع عليه فرق الأمة كله . قال السائل : فتقول: أنه ينزل إلى السماء الدنيا؟ قال أبوعبدالله (ع): نقول : ذلك لأن الرويات قد صحت به والأخبار ، قال السائل : فاذا نزل أليس قد حال عن العرش وحووله عن العرش صفة حدثت، قال أبوعبدالله (ع) ليس ذلك منه ما على يوجد من االمخلوقين الذي تنتقل باختلاف الحال عليه والملالة والسأمة وناقلة ينقله ويحوله من حال الى حال بل هو تبارك وتعالى لا يحدث عليه الحال ولا يجري عليه الحدوث فلا يكون نزوله كنزول المخلوق الذي متى تنحى عن مكان الى مكان خلا منه المكان الأول ، ولكنه ينزل إلى السماء الدنيا بغير معاناة وحركة فيكون كما هو في السماء السابعة على العرش كذلك هو في السماء الدنيا ، إنما يكشف عن عظمته ويرى أولياءه نفسه حيث شاء ويكشف ماشاء من قدرته،ومنظره في القرب والبعد سواء(1) .
__________
(1) التوحيد للصدوق ص 248 وفي النسخة المتداولة لا توجد العبارة الأخيرة وهي قول السائل " ينزل الى السماء الدنيا ؟ قال أبوعبدالله (ع) : نقول : ذلك لأن الرويات قد صحت به والأخبار .." ، و أثبتها المجلسي في بحاره 3/331 من كتاب التوحيد باب 14 وانظر علي في القرآن والسنة2/687 .(1/190)
و أخرج الكليني في كافيه من كتاب التوحيد بإسناده عن محمد بن عيسى قال: كتبت الى أبي الحسن على بن محمد (ع): ياسيدي قد روي لنا أن الله في موضع دون موضع على العرش استوى ، وأنه ينزل كل ليلة في النصف الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ، وروي أنه ينزل عشية عرفة ثم يرجع إلى موضعه ، فقال بعض مواليك في ذلك: إذا كان في موضع دون موضع ، فقد يلاقيه الهواء ،ويتكيف عليه والهواء جسم رقيق يتكيف على كل شيئ بقدره ، فكيف يتكيف عليه جل ثناؤه على هذا المثال ؟ فوقع (ع): علم ذلك عنده وهو المقدر له بما هو أحسن تقديرا وأعلم أنه إذا كان في السماء الدنيا فهو كما هو على العرش الأشياء كلها له سواء علما وقدرة وملكا وإحاطه (1).
قال مصحح ومعلق الكافي السيد علي أكبر الغفاري في تعليقه على هذا الحديث ما نصه : ( قوله (ع): علم ذلك عنده أي علم كيفية نزوله عنده سبحانه وليس عليكم معرفة ذلك ) (2) .
وهذا جيد يدل أن مذهب الإمام هو عدم التأويل وهو مذهب السلف رحمهم الله تعالى . نعم هذا هو مذهب أهل البيت في صفات الله إثبات دون تكييف ولا تمثيل ولا تأويل ولاتعطيل ، قال أبوعبدالله (ض): نقول : ذلك لأن الرويات قد صحت به والأخبار كما سبق ذكره .
نعود يا أخي القارئ في ذكر الروايات من طريق أهل البيت- رضي الله عنهم - الموافقة لحديث أبي هريرة t .
فعن جابر الجعفي قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إن الله تبارك وتعالى ينزل في الثلث الباقي من الليل إلى السماء الدنيا ، فينادي هل من تائب يتوب عليه ؟ وهل من مستغفر يستغفر فأغفر له ؟ وهل من داع يدعوني فأفك عنه ؟ وهل من مقتور يدعوني فأبسط له ؟ وهل من مظلوم ينصرني فأنصره (3).
__________
(1) الأصول 1/ 126 كتاب التوحيد باب الحركة والانتقال ح 4 ، المحاسن 1/140 .
(2) حاشية الأصول من الكافي 1/126 .
(3) البحار 87/168 " باب دعوة المنادي في السحر " .(1/191)
وأثبت حديث النزول المتواتر شيخهم المحقق المتتبّع محمد بن علي الاحسائي المعروف بابن أبي جمهور في كتابه "عوالي اللئالي" الفصل السابع (1/119 رواية 44): حديث:" إن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، وينزل عشية عرفة إلى أهل عرفة، و ينزل ليلة النصف من شعبان " .
وقال محدثهم محسن الكاشاني ما نصه:( الأول: أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة ،وشهر رمضان من الشهور، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل ، قال الله تعالى: { وبالأسحار هم يستغفرون } ولقوله:( ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) (1) .
وقال أيضاً في موضع آخر:( وسئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - " أي الليل أفضل ؟ فقال: نصف الليل الغابر" يعني الباقي ، ومن آخر الليل وردت الأخبار بإهتزاز العرش وانتشار الرّياح من جنات عدن ونزول الجبّار إلى السماء الدنيا وغيرها من الأخبار) (2).
ذكرأيضاً في حديث آخر بقوله :( ينزل الله تعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: هل من داع فأستجيب له ) (3).
وإليك هذه الرواية من طرق الشيعة أن الله تعالى ينزل إلى الأرض على جمل ..
__________
(1) المحجة البيضاء 2/285- كتاب الأذكار والدعوات باب " آداب الدعاء وهي عشر " .
(2) المحجة البيضاء 2/373 .
(3) المحجة البيضاء 5/15 .(1/192)
ومارواه زيد النرسي في كتابه، عن عبدالله بن سنان قال: سمعت أباعبدالله(ع) يقول : إن الله ينزل في يوم عرفه في أول الزوال إلى الأرض على جمل أفرق يصال بفخذيه أهل عرفات يميناً وشمالا ، فلا يزال كذلك حتى إذا كان عند المغرب ويقر الناس وكل الله ملكين بحيال المازمين يناديان عند المضيق الذي رأيت : يارب سلّم سلّم ، والرّب يصعد إلى السماء ويقول جل جلاله : آمين آمين رب العالمين ، فلذلك لا تكاد ترى صريعاً ولا كبيراً (1).
وعن سليمان بن خالد، عن أبي عبدالله قال سمعته يقول : إن الأعمال تعرض كل خميس على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فإذا كان يوم عرفة هبط الرب تبارك وتعالى (2).
عن عطاء عن أبي جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي(ع) عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - في حديث طويل قال فيه: قال: ثم أن الله أوحى إلى جبرئيل بعد ذلك أن أهبط إلى آدم وحواء فنحهما عن مواضع قواعد بيتي لأني أريد أن أهبط في ظلال من ملائكتي إلى أرضي فارفع أركان بيتي لملائكتي ولخلقي من ولد آدم ... قال ثم أن جبرئيل أتاهما فأنزلهما من المروة وأخبرهما أن الجبار تبارك وتعالى قد هبط إلى الأرض فرفع قواعد البيت الحرام بحجر من الصفا وحجر من المروة وحجر من طور سينا وحجر من جبل السلام .. (3) .
__________
(1) رياض العلماء 2/404 - الميرزا عبدالله أفندي الاصبهاني من إعلام القرن الثاني عشر .
(2) بصائر الدرجات للصفار ص 426رواية 15، البرهان 2 / 158 ، اليحار 23/345ح37.
(3) تفسير العياشي 1/37ح21، البحار5/49 -50 ، البرهان 1/84-85 .(1/193)
عن جابر قال قال أبوجعفر(ع) في قوله تعالى: { فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ والْمَلَيكَةُ وَقُضِيَ الأمْرُ} قال: ينزل في سبع قباب من نور ولايعلم في أيها هو حين ينزل في ظهر الكوفة فهذا حين ينزل (1).
وعن جابرين يزيد الجعفي قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر(ع) يا جابر كان الله ولا شيئ غيره ولا معلوم ولا مجهول فأول ما ابتدء من خلق خلقه أن خلق محمداً وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته - إلى أن قال - ثم أن الله هبط إلى الأرض في ظلل من الغمام و الملائكة وهبط أنوارنا أهل البيت معه وأوقفنا نوراً صفوفاً بين يديه نسبحه في أرضه كما سبحنا في سمائه " (2).
وتفسير " البرهان" ( 3 / 146 ) عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبدالله (ع)، قال إذا كان ليلة الجمعة هبط الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا فإذا طلع الفجر كان على العرش فوق البيت المعمور .
وعن سليمان بن خالد ،عن أبي عبدالله (ع) قال سمعته يقول: أن الأعمال تعرض كل خميس على رسول الله فاذا كان يوم عرفة هبط الرب تبارك وتعالى وهو قول الله تبارك وتعالى: { وَقدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمِلٍ فَجَلْنَهُ هَبَآءً مّنْثُورًا } (3) .
و عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر(ع) قال : أن الله تبارك وتعالى هبط إلى الأرض في ظل من الملائكة على آدم بوادي يقال له الروحاء وهو واد بين الطائف ومكة (4) .
__________
(1) انظر تفسير البرهان 1/209ح2وح5 وح6وح7، العياشي 1/103ح 301و303 ، تفسير الصافي 1/183 ، اللئالي 5/83 ، علي في القرآن والسنة 1/85 ، البحار25/19،الجديد في القرآن 1/247 راجع ، تفسير القرآن الكريم 5/392 ، حلية الأبرار 1/16، مدينة المعاجز2/41 ، الصحفية 1/161، العياشي 1/37 وص103ح301وح303 .
(2) صحفية الأبرار لميرزا محمد تقي 1/160- 161.
(3) تفسير البرهان 3 / 159 - البحار23/354 ، البصائر ص 426 .
(4) البرهان 2 / 300 ، الصحيفة 1/160 - 161 .(1/194)
وعن أبان عن أبي عبدالله(ع) قال: إن للجمعة حقاً وحرمة فإياك أن تضيع أو تقصر شيئ من عبادة الله والتقرب إليه بالعمل الصالح وترك المحارم كلها فإن الله يضاعف فيه الحسنات ،ويمحو فيه السيئات ويرفع فيها الدرجات قال: وذكر أن يومه مثل ليلته فإن استطعت أن تحييها بالصلاة والدعاء فافعل فإن ربك ينزل من أول ليلة الجمعة إلى سماء الدنيا فيضاعف فيه الحسنات ويمحو فيه السيئات فإن الله واسع كريم(1) .
قال محقق الكتاب الحجة السيد حسن الخرسان ما نصه:( قوله فإن ربك ينزل من أول ليلة الجمعة . يحتمل أن يكون من باب التعليل يكون المراد نزول ملائكة الرحمة ، أو المراد بنزوله تعالى : نزول للملائكة ورحتمه مجازا ويمكن أن يكون المراد نزوله من عرش العظمة إلى مقام العطف على العباد ) .
وفي تفسير "البرهان" أيضاً عن عبدالكريم بن عمرو الخثمعي , قال سمعت أباعبدالله (ع) يقول : إن ابليس قال أنظرني إلى يوم يبعثون فأبى الله ذلك عليه ، فقال يوم الوقت المعلوم وهو آخر كرة يكرها أمير المؤمنين (ع) - إلى أن قال - فكأني أنظر إلى أصحاب أمير المؤمنين(ع) قد رجعوا إلى خلفهم القهقري مائة قدم ، وكأني أنظر اليهم قد وقعت بعض أرجلهم في الفرات فعند ذلك يهبط الجبار - عز وجل - في ظل من الغمام والملائكة وقضي الأمر ورسول الله أمامه بيده حربة من نور ... (2) .
وعن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله(ع) قال: قال علي بن الحسين(ع): أما علمت أنه إذا كان عشيّة عرفة بزر الله في ملائكته إلى سماء الدنيا، ثم يقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً أرسلت إليهم رسولاً من وراء وراء فسألوني ودعوني(3) .
__________
(1) فروع الكافي 3/414 ح6 باب فضل يوم الجمعة وليلته ، التهذيب3/3 باب العمل في ليلة الجمعة ويومها - اللئالي 3/40 .
(2) تفسير البرهان 2 /343 - 1 /209، الشموس الطالعة ص410 .
(3) المستدرك 10/47ح1 " أبواب الوقوف بالمشعر" ، راجع المحاسن ص 65 .(1/195)
نزول الربّ وزيارته تعالى لقبور الأئمة !! وغير ذلك :
ثم لا أدري كيف ينكر "عبد الحسين" حديث النزول المتفق عليه، فهل خفى على هذا العلامة الكبير رواياته التي هي أعظم وأقبح وأشنع من رواية أبي هريرة t السالفة كما في اعتقاد "عبد الحسين" ؟ . فلنُخرج له بعض رواياته التي وردت من طريق أهل العصمة عندهم أن الله تعالى يزور الأئمة في قبورهم مع الملائكة والأنبياء!
فعن أبي وهب القصري قال: دخلت المدينة فأتيت أبا عبدالله(ع) فقلت له : جعلت فداك أتيتك ولم أزر قبر أميرالمؤمنين (ع) فقال: بئس ما صنعت لو لا إنك من شيعتنا ما نظرت إليك ، ألا تزور من يزوره الله تعالى مع الملائكة ويزوره الأنبياء - عليه السلام - ويزوره المؤمنون !!، قلت : جعلت فداك ما علمت ذلك .. (1) .
و عن منيع بن الحجاج عن صفوان الجمال قال: قال لي أبو عبدالله (ع) لمّا أتى الحيرة قال: هل لك في قبر الحسين ؟ قلت : أتزوره جعلت فداك ؟ قال: وكيف لا أزوره والله يزوره في كل ليلة جمعة يهبط مع الملائكة إليه والأنبياء والأصياء ومحمد أفضل الأنبياء ونحن أفضل الأوصياء فقال صفوان :جعلت فداك أفزوره في كل جمعة حتى أدرك زيارة الرب؟ قال: نعم يا صفوان الزم زيارة قبر الحسين وتكسب وذلك الفضيل، هي، (2) .
__________
(1) التهذيب 6/20 باب فضل زيارته (ع) ،كتاب المزار للمفيد ص 30 ح2 باب زيارة أميرالؤمنين (ع) ، البحار25/361 100/ 257-258"باب فضل زيارته (ع)" ، فروع الكافي 4/579-580 " باب = الزيارات وثوابها"، الوسائل 10/ 293-294" باب استحباب زيارة أمير المؤمنين (ع)" ، الملاذ9/51 " باب فضل زيارته (ع)" ، الصحيفة 1/341حديث 80 .
(2) الصحيفة 1/341 البحار 101/60 ح 32، كامل الزبارات ص222-223ح326 باب39 .(1/196)
أنكر عبد الحسين على أبي هريرة حديث النزول! ولكن لم ينكر تلك الروايات التي ذكرناها في زيارة الرب تعالى لقبور الأئمة !! وتأمل أخي المنصف ما أوردوا بأن الله تعالى ينزل ويزور قبور الأئمة ويصافحهم ويجلس معهم على سرير !!
فقد روى شيخهم العالم العلاّم ميرزا محمد تقي الملّقب بحجة الاسلام هذه الرواية نقلا من مدينة المعاجز عن دلائل الطبري : قال أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون عن أبيه عن أبي علي محمد بن همام عن أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم عن أبيه عن الحسين بن علي عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبدالله (ع) لما منع الحسين(ع) وأصحابه الماء نادى فيهم من كان ظمآن فليجئ فأتاه رجل رجل فيجعل أبهامه في راحة واحدهم فلم يزل يشرب الرجل حتى ارتووا فقال بعضهم والله لقد شربت شرابا ما شربه أحد من العالمين في دار الدنيا فلما قاتلوا الحسين(ع) فكان في اليوم الثالث عند المغرب أعقد الحسين رجلا رجلا منهم يسميهم بأسماء آبائهم فيجيبه الرجل بعد الرجل فيقعد من حوله ثم يدعو بالمائدة فيطعمهم ويأكل معهم من طعام الجنة ويسقيهم من شرابها ثم قال أبو عبدالله (ع) والله لقد رآهم عدة من الكوفيين ولقد كرّر عليهم لو عقلوا قال ثم خرجوا لرسلهم فعاد كل واحد منهم إلى بلادهم ثم أتى لجبال رضوي فلا يبقى أحد من المؤمنين إلاّ أتاه وهو على سرير من نور قد حفّ به ابراهيم وموسى وعيسى ! وجميع الانبياء ! ومن ورائهم المؤمنون ومن ورائهم الملائكة ينظرون ما يقول الحسين(ع) قل فهم بهذه الحال إلى أن يقوم القائم و إذا قام القائم(ع) وافو فيها بينهم الحسين(ع) حتى يأتي كربلاء فلا يبقى أحد سماوي ولا أرضي من المؤمنين إلاّ حفّوا بالحسين(ع) حتى أن الله تعالى يزور!! الحسين(ع) ويصافحه !! ويقعد معه !! على سرير!! يا مفضل هذه والله الرفعة التي ليس فوقها شيئ لا لورائها مطلب (1)
__________
(1) صحيفة الابرار 2/140، وفي دلائل الإمامة ص 78 ولكن الحديث بهذا النص قد بتر وحرّف، انظر مدينة المعاجز 3/464رواية980 الباب الخامس والعشرون سقيه (ع) أصحابه من إبهامه واطعامهم من طعام الجنة وسقيهم من شرابها .(1/197)
.
ثم قال في تعليقه على الرواية ما نصه: ( يقول محمد تقي الشريف مصنف هذا الكتاب هذا الحديث من الأحاديث المستصعبة!! التي لا يحتملها إلاّ ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان )!!! (1).
قال هذا الحجة في موضع آخر:( وأمّا المعصوم (ع) فهذا المقام حاصل له مساوقا لبدء خلقه فليس بين الله وبين حجته حجاب في حال من الأحوال كما مرّ صريح الحديث في ذلك في القسم الأول من الكتاب نعم أنهم (ع) يلبسوا بعض العوارض بالعرض في هذه الدار الفانية ليطيق الخلق رؤيتهم فيتمكنوا من تكميلهم و هو أحد الأسرار!! في بكائهم واستغفارهم إلى الله تعالى من غير ذنب لحق ذواتهم فافهم فإذا خلعوا هذا اللباس العرضي وانتقلوا إلى الدار الباقية خلص لهم ذلك المقام يزورهم الرب تعالى !! ويصافحهم!! ويقعدون معه!! على سرير واحد !! لاتحاد حكم العبودية مع حكم الربوبية ) (2) .
فهل يحكم عبد الحسين على أئمته كما حكم على أبي هريرة t ؟
فما رأي عبدالحسين وشيعته في أمثال هذه الأحاديث المصرحة ؟! ، فهل أئمتكم من أهل التجسيم ؟!وهل بسبب أئمتك ظهرت أنواع البدع والأضاليل؟! أم الأضاليل ظهرت بسبب رواتك الذي أثنيت عليهم في مراجعاتك الملفقة ؟!! ، إذ اشتهرت ضلالة التجسيم بين اليهود ، ولكن أول من ابتدع ذلك بين المسلمين هم الروافض ، ولهذا قال الرازي : ( اليهود أكثرهم مشبهة ، وكان بدء ظهور التشبيه في الاسلام من الروافض مثل هشام بن الحكم ، وهشام بن سالم الجواليقي ، ويونس بن عبد الرحمن القمي وأبي جعفر الأحول ) (3).
وأما قول عبد الحسين في الحاشية :( بأن الشيخ ابن تيمية مثّل لنزول الله إلى سماء الدنيا بنزوله درجة من درج المنبر الذي كان يخطب عليه يوم الجمعة، وأن هذه الواقعة حضرها ابن بطوطة بنفسه ورآها وسجلها ..).
__________
(1) صحيفة الابرار 2/140 .
(2) الصحيفة 2/141 .
(3) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص97 .(1/198)
قلت : إن هذا كذب ، وللرد على هذه الفرية انظر ما كتبه العلامة بهجة البيطار في حياة ابن تيمية رداً على ابن بطوطة (1). فابن تيمية لم يمثّل لنزول الله إلى سماء الدنيا بنزوله درجة من درج المنبر ،ولكن إمامك المعصوم هو الذي مثّل كيفية جلوس الرب!
فعن أبي حمزة الثمالي قال: رأيت علي بن الحسين قاعداً واضعاً إحدى رجليه على فخذه فقلت : إن الناس يكرهون هذه الجلسة ويقولون : إنها جلسة الرب ، فقال: إني إنما جلست هذه الجلسة للملالة، والرب لا يمل ولا تأخذه سنة ولا نوم (2)
فمن الذي شبه الله تعالى كما تزعم ابن تيمية رحمه الله أم إمامك المعصوم؟!
__________
(1) الخلافات بين السنة والشيعة كما يراها محمد رشيد رضا والشيخ تقي الدين الهلالي ص102 .
(2) انظر الأصول 2 /661 باب الجلوس ، مرآة العقول 12/563-564ح2 وقد حسن المجلسي هذا الحديث ! ، حلية الأبرار 2/74 الباب الحادي والعشرون في المفردات وص 187 الباب الثامن عشر في آداب المائدة من ذكر الله تعالى وغيره .(1/199)