- محمد بن الحنفية هو أخو الحسين بن علي ، وقد قتل أخوته وأقاربه في كربلاء ، وليس من المعقول أن يقف مع يزيد ، خاصة إذا علم أنه كان يشرب الخمر ويترك الصلاة .
- كذلك أقام علي بن الحسين طويلاً عند يزيد ( قرابة الشهر ) ، وذلك بعد مقتل والده وأقاربه في كربلاء ، ومع ذلك لم نجد رواية واحدة عن علي بن الحسين يتهم فيها يزيد بن معاوية بشرب الخمر217 .
- الصحابيان الجليلان النعمان بن بشير وعبد الله بن جعفر - رضي الله عنهما - من الذين كانت لهم صلة قوية بيزيد ، فالنعمان كان أميره على الكوفة ، ثم جعله مستشاراً له في أمور الدولة ، وعبد الله بن جعفر صحابي جليل كان يحبه - صلى الله عليه وسلم - وكان يقول : " وأما عبد الله فشبه خَلْقي وخُلُقي "217، ولم نر هذين الصحابيين الجليلين ذكرا يزيد بالخمر ، أو ترك الصلاة ، فكيف يكون لهما هذه المنزلة ولا يعرفون عن يزيد ما اطلع عليه المغرضون المتهمون يزيد بشربها .217
- لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " ولم يكن يزيد مظهراً للفواحش كما يحكي عنه خصومه 217"ا.هـ.
* ونورد فيما يلي أقوال أهل السنة والجماعة في مسألة لعن يزيد :
- قال ابن العربي - رحمه الله - : " فإن قيل إن يزيد كلن خمّاراً ، قلنا : لا يحلّ إلا بشاهدين ، فمن شهد بذلك عليه 217" ا.هـ.
- قال ابن حجر الهيتمي : " لا يجوز أن يلعن شخص بخصوصه ، إلا أن يعلم موته على الكفر كأبي جهل وأبي لهب ، ولأن اللعن هو الطرد من رحمة الله ، الملتزم لليأس منها ، وذلك إنما يليق بمن علم موته على الكفر217 " ا.هـ.(2/202)
- قال ابن الصلاح : " لم يصح عندنا أنه أمر بقتله - أي قتل الحسين - ، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله - كرمه الله - ، إنما هو يزيد بن زياد والي العراق إذ ذاك ، وأما سب يزيد ولعنه فليس من شأن المؤمنين ، فإن صح أنه قتله أو أمر بقتله، وقد ورد في الحديث المحفوظ : " أن لعن المسلم كقتله 217"، وإنما يكفر بالقتل قاتل نبي من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - ، والناس في يزيد ثلاث فرق : فرقة تحبه وتتولاّه ، وفرقة أخرى تسبه وتلعنه ، وفرقة متوسطة في ذلك لا تتولاّه ولا تلعنه ، وتسلك به سبيل سائر ملوك الإسلام وخلفائهم غير الراشدين في ذلك وشبهه ،وهذه الفرقة هي الصائبة ، ومذهبها اللائق بمن يعرف سير الماضين ،ويعلم قواعد الشريعة الطاهرة ، جعلنا الله من خيار أهلها آمين 217"
- قال الذهبي : " ويزيد ممّن لا نسبه ولا نحبه ، وله نظراء من خلفاء الدولتين ، وكذلك من ملوك النواحي ، بل فيهم من هو شر منه ، وإنما عظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بتسع وأربعين سنة ، والعهد قريب ، والصحابة موجودون ، كابن عمر الذي كان أولى منه ومن أبيه وجدّه "217
- وقال ابن الحداد الشافعي في عقيدته : " ونترحم على معاوية ، ونكل سريرة يزيد إلى الله تعالى "217
- وسئل الحافظ عبد الغني المقدسي عن يزيد بن معاوية فأجاب بقوله : " خلافته صحيحة ، وقال بعض العلماء : بايعه ستون من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم ، منهم ابن عمر ، وأما محبته : فمن أحبه فلا ينكر عليه ، ومن لم يحبه فلا يلزمه ذلك ، لأنه ليس من الصحابة الذين صحبوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيلزم محبتهم إكراماً لصحبتهم ، وليس ثم أمر يمتاز به عن غيره من خلفاء التابعين ، كعبد الملك وبنيه ، وإنما يمنع من التعرض للوقوع فيه ، خوفاً من التسلق إلى أبيه ، وسداً لباب الفتنة " 217(2/203)
- وأفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 217( فتوى رقم 1466) :" وأما يزيد بن معاوية فالناس فيه طرفان ووسط ، وأعدل الأقوال الثلاثة فيه أنه كان ملكاً من ملوك المسلمين ، له حسنات وسيئات ، ولم يولد إلا في خلافة عثمان - رضي الله عنه - ولم يكن كافراً ،ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين ، وفعل ما فعل بأهل الحرة ، ولم يكن صاحباً ، ولا من أولياء الله الصالحين ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية 217- رحمه الله - :" وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة ، وأما بالنسبة للعنه فالناس فيه ثلاث فرق ، فرقة لعنته ، وفرقة أحبّته ، وفرقة لا تسبه ولا تحبه ،.. وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد ، وعليه المقتصدون من أصحابه وغيرهم من جميع المسلمين ، وهذا القول الوسط مبني على أ،ه لم يثبت فسقه الذي يقتضي لعنه ، أو بناء على أن الفاسق المعيّن لا يلعن بخصوصه ، إما تحريماً أو تنزيهاً ، فقد ثبت في صحيح البخاري عن عمر في قصة عبد الله بن حمار الذي تكرّر منه شرب الخمر ، وجلده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لمّا لعنه بعض الصحابة ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لعن المؤمن كقتله " متفق عليه
وهذا كما أ، نصوص الوعيد عامة في أكل أموال اليتامى والزنا والسرقة فلا يشهد بها على معيّن بأنه من أصحاب النار ، لجواز تخلف المقتضى عن المقتضى ، وغير ذلك من المكفرات للذنوب ، هذا بالنسبة لمنع سبّه ولعنته .
وأما بالنسبة لترك المحبة ، فلأنه لم يصدر منه من الأعمال الصالحة ما يوجب محبته ، فبقي من الملوك السلاطين ، وحب أشخاص هذا النوع ليست مشروعة ، ولأنه صدر عنه ما يقتضي فسقه وظلمه في سيرته ، وفي أمر الحسين وأمر أهل الحرّة " ا.هـ.(2/204)
ملاحظة : إنه من العجيب والغريب حقاً أن يأتي أحد طلبة العلم الغيورين متبنياً قضية معينة ، مثل هذه القضية وهي عدم صحة تلك الافتراءات على يزيد ، وتأخذه الحماسة إلى حد بعيد لدرجة أنه يطعن في بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يبرأ يزيد من تلك التهم ، كما حدث لمؤلف كتاب " مواقف المعارضة في خلافة يزيد " لمحمد بن رزان الشيباني - هداه الله - فأراد أن يدافع عن يزيد فطعن في ابن الزبير - رضي الله عنه فقد اتهم الشيباني - حفظه الله - عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - أنه هو المتسبب في إلصاق التهمة بيزيد في شربه للخمر ، فقال : " ولاحظ ابن الزبير مشاعر السخط التي عمّت أهل الحجاز عموماً بسبب قتل الحسين ، فأخذ يدعو إلى الشورى وينال من يزيد ويشتمه ، ويذكر شربه للخمر ويثبط الناس عنه " ا.هـ. 217 وقال في موضع آخر : " فأخذ يدع ويبدو أن يزيد قد علم بتلك التهمة التي ألصقت به ، وعرف أنّ ابن الزبير - رضي الله عنه - هو المتسبب في إلصاق تلك التهمة به ، ممّا جعل يزيد ينكر ذلك ، ويؤكد النفي بأمر عملي حين جهز الجيوش لحرب ابن الزبير ، وأهل المدينة ، وكأنه يقول لهم إن الذي يشرب الخمر لا يجهز جيشاً ولا يرسل بعثاً " ا.هـ. 217(2/205)
قلت : وهذا الطعن لا يصح سنداً ولا متناً ، فقد اعتمد الشيباني على رواية الطبري في تاريخه ( 5/475) عن أبي مخنف ، و الأزرقي في أخبار مكة (1/201) بسند قال عنه الشيباني في الحاشية : " كل رجاله ثقات حتى ابن جريج " ، وهذه الروايات لا تصح فأبو مخنف تالف لا تحل الرواية عنه ، وأمّا رواية ابن جريج ففيها جهالة قال ابن جريج : سمعت غير واحد من أهل العلم ممّن حضر ابن الزبير حين هدم الكعبة وبناها " ، فابن جريج لم يسمِّ شيوخه ، وهو يروي عن الضعفاء ، فلا نقبل الرواية حتى يسمي شيوخه ، هذا من جهة السند أما من جهة المتن ففيه إساءة واضحة لصحابي جليل ، وهو الرجل الذي أول ما دخل جوفه ريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قام بتحنيكه217 ، وهو من فقهاء الصحابة المعدودين ، وكان إذا ذكر ابن الزبير عند ابن عباس قال : " قارئ لكتاب الله ، عفيف في الإسلام ، أبوه الزبير وأمه أسماء وجده أبو بكر وعمته خديجة ، وخالته عائشة ، وجدته صفية ، والله إني لأحاسب له نفسي محاسبة لم أحاسب بها لأبي بكر وعمر "217
الخاتمة ونتيجة البحث :
- لا يصح حديث " حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار "
- على طالب العلم مراعاة أقوال الأئمة المتقدمين ، والأخذ بعين الاعتبار أحكام أهل العلم ونقاد الحديث على الروايات المراد بحثها ، حتى لا تصطدم أحكامنا بأحكام أهل العلم ، وأن لا ندخل بسبب ذلك على الأحاديث الحسنة أحاديث لا تصح قد فرغ الأئمة من ردها .
- وجوب الرجوع إلى كتب علل الحديث المتخصصة والبحث عن أقوال أهل العلم ليس أمراً للتقليد وقفل باب الاجتهاد بل هو أخذ العلم من أهله ومعرفته من أربابه .
- لا يجوز الحكم على الكافر المعيّن بأنه من أهل النار ، إلا من مات على الكفر وعلمنا حاله قبل أن يموت مثل فرعون وهامان وأبي جهل وأمثالهم .
- من معتقد أهل السنة والجماعة أن لا يلعن إلا من استحق اللعنة بنص من كتاب أو سنة .(2/206)
- لا يعني التوقف في الحكم والتعيين على الكافر الميت بأنه من أهل النار أنه ليس بكافر ، بل كل من دان بدين غير الإسلام فهو كافر ، أما التعيين في أحكام الثواب والعقاب موكول إلى علم الله وحكمته .
- يجوز اللعن بوصف عام مثل : لعنة الكافرين والظالمين والمبتدعة والفاسقين لأن المراد الجنس لا الأفراد .
- لا يجوز لعن الكافر المعيّن الحي أو الميت الذي لم يظهر من شواهد الحال أنه مات على الكفر أو الإسلام .
- تحريم لعن المسلم العاصي الفاسق أو الفاجر .
- عدم جواز لعن يزيد بن معاوية لأنه لم يثبت في حقه أنه كان مظهراً للفواحش كما ادعى المدّعون .
- لا يجوز نسبة المسلم إلى كبيرة من غير تحقيق ،فالروايات التي ذكرناها لا يمكن الاعتماد على واحدة منها ، في اتهام يزيد بشرب الخمر وإباحة المدينة ، فالأمر يتعلق بعدالة خليفة المسلمين ، الذين كان فيهم العديد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا كان التحري وعدالة الشهود أساسية في إدانة أي شخص فما بالك في خليفة المسلمين في القرن المفضّل .
- عدم صحة إباحة المدينة ، وأن انتهاك الأعراض لا أساس لها من الصحة ،وتهدف إلى إظهار جيش الشام بأنه جيش بربري لا يستند لأسس دينية أو عقائدية أو أخلاقية .
- بل هذا الاتهام لا يقصد به الجيش الأموي فقط ، بل يتعدى إلى ما هو أعظم وهو اتهام الجيش الإسلامي بأنه بربري ، فإذا كانت مدينة المصطفى - عليه أفضل الصلاة والتسليم - لم تفلت من البطش والنهب وانتهاك الأعراض - كما جاءت بذلك الروايات - فما بالك بالبلدان التي افتتحتها الجيوش الإسلامية لنشر الإسلام .
- عدم إنكار معركة الحرّة ، ولكن ننكر التضخيم والتهويل والكذب ، والتي ذكرتها بعض المصادر التاريخية .
- على افتراض أنّ يزيد كان مظهراً للفواحش ، فمن أين يعلم أنه ما تاب قبل الممات .
- في اللعن خطر جسيم ، وقد يفضي بصاحبه للمهالك ، بينما في السكوت النجاة .(2/207)
- لا يجوز سب الأموات لأنهم أفضوا إلى ما قدموا ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما سمع رجلاً شتم أبا جهل فقال : " لا تسبوا الأموات فتؤذوا به الأحياء " - سلسلة الأحاديث الصحيحة (2379) .
- لا يصح نسبة مقارفة يزيد للمسكرات وأنه ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويدع الصلوات ، فو الله لو رميت هذه الأوصاف بمجنون لكان أولى ولصدّقناها ، فكيف يعقل من خليفة للمسلمين في القرن المفضل الذين كان بهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تنسب إليه هذه الأوصاف القبيحة ، التي كان العربي الجاهلي يتعفف منها ، ويتنزّهون منها ، فكيف يمكن أن يقع يزيد في مثل هذه العظائم ، ولِمَ لا يتزوج أجمل النساء وأفضلهنّ جاهاً ومكانة ونسباً ؟ ويعمد إلى الزنا بأمه وأخته وبناته ؟ فلا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم !
- الرواية التي نسبت للإمام أحمد بأنه يجوِّز لعن يزيد ، لا تصح فهي منقطعة .
- لا يجوز لعن الكافر المعيّن ، فمن باب أولى أن لا يلعن الفاسق المعيّن . كتبه سعود الزمانان
218 - أقول:
نعم لقد قتل الحسين رضي الله عنه وذهب شهيدا إلى الله تعالى وذلك حسب اجتهاده رضي الله عنه ولكنه رضي الله عنه خرج على يزيد بن معاوية بعد أن بايعته أكثر الأمة وذلك بتوريط من أهل الكوفة الذين خذلوا من كان قبله فوثق بهم وخرج على يزيد ولم يكن هناك موجب لهذا الخروج بعد أن بايعته الأمة ولو كان الحسين رضي الله عنه خيرا من ألف من مثل يزيد ولذلك فقد نهاه خيرة الصحابة والتابعين عن هذا الخروج فأبى وقد جرَّ خروجُه على الأمة شراًّ مستطيراً إلى الآن والناس في خروجه على ثلاثة أضرب :
الفريق الأول: الذين يحاكمون الأشياء بعواطغهم وليس في عقولهم فقالوا لقد كان خروجه واجبا وذلك لأن يزيدا لا يستحق الخلافة وقد فرض على الأمة بالقوة فكان يجب الخروج عليه لإصلاح هذا الخلل ورد الأمور إلى نصابها .(2/208)
وأما الفريق الثاني : فيرون أنه قد خرج بغير حق على الإمام المنتخب شرعا ، فلا يجوز خروجه هذا ، وقالوا : إذا بايعت الأمة لشخص واستقر الأمر له فلا يجوز الخروج عليه إلا بكفر بواح وما أشبه ذلك ولم يكن ذلك في يزيد بن معاوية وما اتهم به من تهم لم يثبت منها تهمة واحدة وهي من نسج خيال أعدائه ، ولو بويع لإمام وبقي نفر قليل لم يبايعوا فلا عبرة برأيهم فيجب عليهم الدخول فيما دخل فيه الناس ، والحسين رضي الله عنه ولو كان خيرا من يزيد بلا منازع ولكن الأمة لم تبايعه وليس معه نص من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالخروج ، بل النصوص الشرعية الصحيحة تمنع ذلك 000
وأما الفريق الثالث : فقد قالوا : إنه قد اجتهد فأخطأ وذلك لأنه كان قد بيَّت الخروج على يزيد قبل أن يظهر منه أي شيء يوجب هذا الخروج وظن أن الأمة ستبايعه هو لمكانته من النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك لوثوقه بأهل الكوفة ، وهم قوم لا يوثق بهم فقد قتل على يديهم فهو مأجور من حيث قصده ولكن خروجه ما كان ينبغي ، ولو نظرنا في تعامل يزيد مع خروج الحسين لوجدنا أنه قد تصرف بحكمة حتى نفذ صبره ، وإلا أي حاكم في الأرض يعلم أن شخصاً سيقوم عليه وتركه؟!(2/209)
فقد علم بخروجه وحاول والي مكة المكرمة أن يثنيه عن هذا الخروج فأبى بل أعطاه كتاباً فارغاً وقال له: اكتب فيه ما شئت من حاجات ولا تفرق صفوف الأمة فأبى رضي الله عنه ، وقد حاول خيرة الصحابة الذين عاصروه كابن عمر وابن عباس و أخيه ابن الحنفية وغيرهم أن يمنعوه فأبى ومع هذا فقد خرج وكان بإمكان ولاة يزيد منعه من ذلك ولكن لم يفعلوا وحتى عندما جاءه خبر مقتل مسلم بن عقيل الذي بعث له قبل موته أن ارجع فإن أهل الكوفة قد خذلوه وأسلموه ، ومع هذا لم يرجع حتى اقترب من الكوفة حتى بلغ السيل الزبى كان الجيش الذي شكل لقتاله هو من الذين كانوا قد بايعوه سراًّ ولم يكن فيهم أمويٌّ واحد ومع هذا ينسب قتله إلى يزيد وهو غير صحيح وقد حزن يزيد على مقتله وأكرم أهله وسيَّرهم إلى المدينة وأوصى واليه بهم خيرا حتى عندما خرج أهل المدينة عليه لم يخرج أحد من أهل الحسين رضي الله عنه، فإذا كانوا يعتقدون بأن يزيداً قد قتله بغير حق فلم لم يخرجوا وقد جاءتهم الفرصة سانحة ؟!
والصحيح انهم كانوا يعتقدون أن الذي قتله هو الذي خذله وهم أهل الكوفة وهم قاتلوه حقيقة وليس يزيد ولا حتى عبيد الله بن زياد وإن كان لعبيد الله تصرفات غير سائغة شرعاً 0
219 -قلت : هذا الخبر من رواية أبي مخنف لوط بن يحيى وهو متروك رافضي خبيث
220 - تاريخ الطبري 3/290 الوراق
221 - أخرجه بهذا اللفظ مسلم برقم (918)
222 - أخرجه أحمد في مسنده برقم (1760) وابن ماجة برقم (1668 )من طرق وهو ضعيف
223 - أخرجه البخاري برقم (1927) ومسلم برقم (103)
224 - أخرجه البخاري برقم (1296) ومسلم برقم ( 104)
225 - أخرجه مسلم برقم (934)
226 - مر تخريجه وهو حديث متواتر
227 - أخرجه البخاري برقم (1190) ومسلم برقم (1394)
228 - أخرجه البخاري برقم ( 1189) ومسلم برقم ( 1397)
وفي الموسوعة الفقهية :
زِيَارَةٌ ) التَّعْرِيفُ :(2/210)
1 - الزِّيَارَةُ فِي اللُّغَةِ : الْقَصْدُ , يُقَالُ : زَارَهُ يَزُورُهُ زَوْرًا وَزِيَارَةً : قَصَدَهُ وَعَادَهُ . وَفِي الْعُرْفِ هِيَ قَصْدُ الْمَزُورِ إكْرَامًا لَهُ وَاسْتِئْنَاسًا بِهِ . وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ . ( الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ ) : الْعِيَادَةُ : 2 - هِيَ مِنْ عَادَ الْمَرِيضَ يَعُودُهُ عِيَادَةً : إذَا زَارَهُ فِي مَرَضِهِ . فَالْعِيَادَةُ عَلَى هَذَا أَخَصُّ مِنْ الزِّيَارَةِ .
( الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ ) :
3 - تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ الزِّيَارَةِ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا , وَالْمَزُورُ , وَالزَّائِرُ . زِيَارَةُ قَبْرِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم : 4 - زِيَارَةُ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهَمِّ الْقُرُبَاتِ وَأَفْضَلِ الْمَنْدُوبَاتِ , وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ مَنَاسِكِ الْفَارِسِيِّ وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ : أَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم قَرِيبَةٌ مِنْ الْوُجُوبِ . وَفِي حَدِيثٍ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي } , وَرُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَا يَعْلَمُ لَهُ حَاجَةً إلَّا زِيَارَتِي , كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ : ( زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ) .
زِيَارَةُ الْقُبُورِ :
5 - تُسَنُّ زِيَارَةُ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ لِلرِّجَالِ بِدُونِ سَفَرٍ , لِخَبَرِ { كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا } . وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ : { نُهِينَا عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ , وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا } . وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ : ( زِيَارَةِ الْقُبُورِ ) .(2/211)
( زِيَارَةُ الْأَمَاكِنِ ) :
6 - وَرَدَتْ نُصُوصٌ وَآثَارٌ تَدْعُو إلَى زِيَارَةِ أَمَاكِنَ بِعَيْنِهَا . وَمِنْهَا مَا وَرَدَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ } " وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهُ كُلَّ سَبْتٍ " . وَالْمَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي وَرَدَ الْحَدِيثُ بِشَدِّ الرِّحَالِ إلَيْهَا وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : مَسْجِدِي هَذَا , وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى } . وَمِنْهَا جَبَلُ أُحُدٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : { جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ } وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَمَاكِنِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا نَصٌّ بِذَلِكَ فَتُسْتَحَبُّ زِيَارَتُهَا .
. زِيَارَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم التَّعْرِيفُ :
1 - الزِّيَارَةُ : اسْمٌ مِنْ زَارَهُ يَزُورُهُ زُورًا وَزِيَارَةً , قَصَدَهُ مُكْرِمًا لَهُ . وَزِيَارَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاتِهِ تَتَحَقَّقُ بِزِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم .
( الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ ) :
2 - أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى فِي الْمَذَاهِبِ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ : هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ , تَقْرُبُ مِنْ دَرَجَةِ الْوَاجِبَاتِ , وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ . وَذَهَبَ الْفَقِيهُ الْمَالِكِيُّ أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ عِيسَى الْفَاسِيُّ إلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ .(2/212)
دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّةِ الزِّيَارَةِ : 3 - مِنْ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم : قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوك فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَيٌّ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ , كَمَا أَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ , وَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : { الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ } , وَإِنَّمَا قَالَ : هُمْ أَحْيَاءٌ أَيْ لِأَنَّهُمْ كَالشُّهَدَاءِ بَلْ أَفْضَلُ , وَالشُّهَدَاءُ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ , وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْعِنْدِيَّةِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ حَيَاتَهُمْ لَيْسَتْ بِظَاهِرَةٍ عِنْدَنَا وَهِيَ كَحَيَاةِ الْمَلَائِكَةِ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ { قَالَ صلى الله عليه وسلم : مَرَرْت عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ } . وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : { فَزُورُوا الْقُبُورَ , فَإِنَّهَا تَذْكُرُ الْمَوْتَ } فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ عَامَّةً , وَزِيَارَتُهُ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى مَا يُمْتَثَلُ بِهِ هَذَا الْأَمْرُ , فَتَكُونُ زِيَارَتُهُ دَاخِلَةً فِي هَذَا الْأَمْرِ النَّبَوِيِّ الْكَرِيمِ . وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي } . وَمِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ : { مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي } . فَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ عَلَى وُجُوبِ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى مِنْ(2/213)
الْحَضِّ أَيْضًا . وَحَمَلَهَا الْجُمْهُورُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ , وَلَعَلَّ مَلْحَظَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ تُرَغِّبُ بِتَحْصِيلِ ثَوَابٍ أَوْ مَغْفِرَةٍ أَوْ فَضِيلَةٍ , وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِوَسَائِلَ أُخَرَ , فَلَا تُفِيدُ هَذِهِ الْأَدِلَّةُ الْوُجُوبَ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ : وَزِيَارَةُ قَبْرِهِ عليه الصلاة والسلام سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْمُسْلِمِينَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا , وَفَضِيلَةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا .
فَضْلُ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :
4 - دَلَّتْ الدَّلَائِلُ السَّابِقَةُ عَلَى عَظَمَةِ فَضْلِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَجَزِيلِ مَثُوبَتِهَا فَإِنَّهَا مِنْ أَهَمِّ الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ وَالْقُرُبَاتِ النَّافِعَةِ الْمَقْبُولَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى , فَبِهَا يَرْجُو الْمُؤْمِنُ مَغْفِرَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتَهُ وَتَوْبَتَهُ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ , وَبِهَا يَحْصُلُ الزَّائِرُ عَلَى شَفَاعَةٍ خَاصَّةٍ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَمَا أَعْظَمَهُ مِنْ فَوْزٍ . وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ فِي كَافَّةِ الْعُصُورِ , كَمَا صَرَّحَ بِهِ عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَالسِّنْدِيُّ وَابْنُ الْهُمَامِ . قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ : إنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَجَلِّ الْقُرُبَاتِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى ذِي الْجَلَالِ , وَإِنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا مَحَلُّ إجْمَاعٍ بِلَا نِزَاعٍ . وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَأَرْجَى الطَّاعَاتِ , وَالسَّبِيلُ إلَى أَعْلَى الدَّرَجَاتِ .
آدَابُ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم(2/214)
5 - أ - أَنْ يَنْوِيَ زِيَارَةَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَيْضًا لِتَحْصِيلِ سُنَّةِ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ وَثَوَابِهَا لِمَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : مَسْجِدِي هَذَا , وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى } . ب - الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ , وَلُبْسِ أَنْظَفِ الثِّيَابِ , وَاسْتِشْعَارُ شَرَفِ الْمَدِينَةِ لِتَشَرُّفِهَا بِهِ صلى الله عليه وسلم . ج - الْمُوَاظَبَةُ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ فِي الْمَدِينَةِ , عَمَلًا بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ } . د - أَنْ يُتْبِعَ زِيَارَتَهُ صلى الله عليه وسلم بِزِيَارَةِ صَاحِبَيْهِ شَيْخَيْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْهُمْ جَمِيعًا , أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ , وَقَبْرُهُ إلَى الْيَمِينِ قَدْرَ ذِرَاعٍ , وَعُمَرَ يَلِي قَبْرَ أَبِي بَكْرٍ إلَى الْيَمِينِ أَيْضًا .
مَا يُكْرَهُ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم(2/215)
6 - يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أُمُورٌ مَكْرُوهَةٌ فِي زِيَارَتِهِمْ لِقَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نُشِيرُ إلَى أَهَمِّهَا : 1 - التَّزَاحُمُ عِنْدَ الزِّيَارَةِ , وَذَلِكَ أَمْرٌ لَا مُوجِبَ لَهُ , بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأَدَبِ , لَا سِيَّمَا إذَا أَدَّى إلَى زِحَامِ النِّسَاءِ فَإِنَّ الْأَمْرَ شَدِيدٌ . 2 - رَفْعُ الْأَصْوَاتِ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ بِالدُّعَاءِ عِنْدَ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم . 3 - التَّمَسُّحُ بِقَبْرِهِ الشَّرِيفِ صلى الله عليه وسلم أَوْ بِشُبَّاكِ حُجْرَتِهِ . أَوْ إلْصَاقُ الظَّهْرِ أَوْ الْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ . قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ : وَلَا يُسْتَحَبُّ التَّمَسُّحُ بِحَائِطِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَقْبِيلُهُ , قَالَ أَحْمَدُ : مَا أَعْرِفُ هَذَا . قَالَ الْأَثْرَمُ : رَأَيْت أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَمَسُّونَ قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُومُونَ مِنْ نَاحِيَةٍ فَيُسَلِّمُونَ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَهَكَذَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ . وَقَالَ النَّوَوِيُّ مُنَبِّهًا مُحَذِّرًا : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطَافَ بِقَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم , وَيُكْرَهُ إلْصَاقُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ . قَالُوا : وَيُكْرَهُ مَسْحُهُ بِالْيَدِ وَتَقْبِيلُهُ , بَلْ الْأَدَبُ أَنْ يُبْعَدَ مِنْهُ , كَمَا يُبْعَدَ مِنْهُ لَوْ حَضَرَهُ فِي حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ , وَلَا يُغْتَرُّ بِمُخَالَفَةِ كَثِيرِينَ مِنْ الْعَوَّامِ وَفِعْلِهِمْ ذَلِكَ , فَإِنَّ الِاقْتِدَاءَ وَالْعَمَلَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ ,(2/216)
وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مُحْدَثَاتِ الْعَوَّام وَغَيْرِهِمْ وَجَهَالَاتِهِمْ . قَالَ صلى الله عليه وسلم : { لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا , وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا , وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ } . مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تُعَطِّلُوا الْبُيُوتَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا وَالدُّعَاءُ وَالْقِرَاءَةُ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقُبُورِ , فَأَمَرَ بِتَحَرِّي الْعِبَادَةِ بِالْبُيُوتِ وَنَهَى عَنْ تَحَرِّيهَا عِنْدَ الْقُبُورِ , عَكْسَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ النَّصَارَى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ . وَالْعِيدُ اسْمُ مَا يَعُودُ مِنْ الِاجْتِمَاعِ الْعَامِّ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَادٍ عَائِدًا مَا يَعُودُ السَّنَةُ أَوْ يَعُودُ الْأُسْبُوعُ أَوْ الشَّهْرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ . قَالَ فِي عَوْنِ الْمَعْبُودِ : قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : الْعِيدُ مَا يُعْتَادُ مَجِيئُهُ وَقَصْدُهُ مِنْ زَمَنٍ وَمَكَانٍ مَأْخُوذٍ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ وَالِاعْتِيَادِ , فَإِذَا كَانَ اسْمًا لِلْمَكَانِ فَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقْصَدُ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ وَالِانْتِيَابُ بِالْعِبَادَةِ وَبِغَيْرِهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ وَالْمَشَاعِرَ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عِيدًا لِلْحُنَفَاءِ وَمَثَابَةً لِلنَّاسِ , كَمَا جَعَلَ أَيَّامَ الْعِيدِ مِنْهَا عِيدًا . وَكَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَعْيَادٌ زَمَانِيَّةٌ وَمَكَانِيَّةٌ فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ أَبْطَلَهَا وَعَوَّضَ الْحُنَفَاءَ مِنْهَا عِيدَ الْفِطْرِ وَعِيدَ النَّحْرِ , كَمَا عَوَّضَهُمْ عَنْ أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ الْمَكَانِيَّةِ بِكَعْبَةٍ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَسَائِرِ الْمَشَاعِرِ . قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي فَيْضِ الْقَدِيرِ :(2/217)
مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنْ الِاجْتِمَاعِ لِزِيَارَتِهِ اجْتِمَاعَهُمْ لِلْعِيدِ , إمَّا لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ أَوْ كَرَاهَةِ أَنْ يَتَجَاوَزُوا حَدَّ التَّعْظِيمِ . وَقِيلَ : الْعِيدُ مَا يُعَادُ إلَيْهِ أَيْ لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا تَعُودُونَ إلَيْهِ مَتَى أَرَدْتُمْ أَنْ تُصَلُّوا عَلَيَّ , فَظَاهِرُهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمُعَاوَدَةِ وَالْمُرَادُ الْمَنْعُ عَمَّا يُوجِبُهُ , وَهُوَ ظَنُّهُمْ بِأَنَّ دُعَاءَ الْغَائِبِ لَا يَصِلُ إلَيْهِ , وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ : { وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ } أَيْ لَا تَتَكَلَّفُوا الْمُعَاوَدَةَ إلَيَّ فَقَدْ اسْتَغْنَيْتُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ . قَالَ الْمُنَاوِيُّ : وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اجْتِمَاعَ الْعَامَّةِ فِي بَعْضِ أَضْرِحَةِ الْأَوْلِيَاءِ فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ مَخْصُوصٍ مِنْ السَّنَةِ وَيَقُولُونَ : هَذَا يَوْمُ مَوْلِدِ الشَّيْخِ , وَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَرُبَّمَا يَرْقُصُونَ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا , وَعَلَى وَلِيِّ الشَّرْعِ رَدْعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ , وَإِنْكَارُهُ عَلَيْهِمْ وَإِبْطَالُهُ . وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ : الْحَدِيثُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا يَنَالُنِي مِنْكُمْ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يَحْصُلُ مَعَ قُرْبِكُمْ مِنْ قَبْرِي وَبُعْدِكُمْ عَنْهُ , فَلَا حَاجَةَ بِكُمْ إلَى اتِّخَاذِهِ عِيدًا .
صِفَةُ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم :(2/218)
7 - إذَا أَرَادَ الزَّائِرُ زِيَارَتَهُ صلى الله عليه وسلم فَلْيَنْوِ زِيَارَةَ مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ أَيْضًا , لِتَحْصُلَ سُنَّةُ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ وَثَوَابِهَا . وَإِذَا عَايَنَ بَسَاتِينَ الْمَدِينَةِ صَلَّى عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ : اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُ نَبِيِّك فَاجْعَلْهُ وِقَايَةً لِي مِنْ النَّارِ وَأَمَانًا مِنْ الْعَذَابِ وَسُوءِ الْحِسَابِ . وَإِذَا وَصَلَ بَابَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ دَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ الذِّكْرَ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ : " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ , رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك " . وَعِنْدَ الْخُرُوجِ يَقُولُ ذَلِكَ , لَكِنْ بِلَفْظِ " وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك " . وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ , ثُمَّ يَقْصِدُ الْحُجْرَةَ الشَّرِيفَةَ الَّتِي فِيهَا قَبْرُهُ عليه الصلاة والسلام فَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَيَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ وَيَقِفُ أَمَامَ النَّافِذَةِ الدَّائِرِيَّةِ الْيُسْرَى مُبْتَعِدًا عَنْهَا قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ إجْلَالًا وَتَأَدُّبًا مَعَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم فَهُوَ أَمَامَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ دُونَ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ , بِأَيِّ صِيغَةٍ تَحْضُرُهُ مِنْ صِيَغِ التَّسْلِيمِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُرْدِفُ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا يَحْضُرُهُ أَيْضًا . 8 - وَقَدْ أَوْرَدَ الْعُلَمَاءُ عِبَارَاتٍ كَثِيرَةً صَاغُوهَا لِتَعْلِيمِ النَّاسِ , ضَمَّنُوهَا ثَنَاءً عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . فَيَدْعُو الْإِنْسَانُ بِدُعَاءِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَيُصَلِّي وَيُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَدْعُو بِمَا يَفْتَحُ(2/219)
اللَّهُ عَلَيْهِ . 9 - وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ قَدْ أَوْصَاهُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَلْيَقُلْ : السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ , أَوْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ يُسَلِّمُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَوْ مَا شَابَهُ ذَلِكَ . 10 - ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى صَوْبِ الْيَمِينِ قَدْرَ ذِرَاعِ الْيَدِ لِلسَّلَامِ عَلَى الصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه , لِأَنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ كَتِفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ بِمَا يَحْضُرُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَلِيقُ بِمَقَامِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه . 11 - ثُمَّ يَتَنَحَّى صَوْبَ الْيَمِينِ قَدْرَ ذِرَاعٍ لِلسَّلَامِ عَلَى الْفَارُوقِ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه , وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ بِمَا يَحْضُرُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَلِيقُ بِمَقَامِهِ رضي الله عنه . 12 - ثُمَّ يَرْجِعُ لِيَقِفَ قُبَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَالْأَوَّلِ , وَيَدْعُو مُتَشَفِّعًا بِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ الْخَيْرَاتِ لَهُ وَلِمَنْ يُحِبُّ وَلِلْمُسْلِمِينَ . وَيُرَاعِي فِي كُلِّ ذَلِكَ أَحْوَالَ الزِّحَامِ بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي مُسْلِمًا .
زِيَارَةُ الْقُبُورِ حُكْمُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ :(2/220)
1 - لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ تُنْدَبُ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { إنِّي كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا , فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ بِالْآخِرَةِ } , وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم { كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْبَقِيعِ لِزِيَارَةِ الْمَوْتَى وَيَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا مُؤَجَّلُونَ , وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ } . وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ : { أَسْأَلُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ } . أَمَّا النِّسَاءُ , فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ تُكْرَهُ زِيَارَتُهُنَّ لِلْقُبُورِ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ } . وَلِأَنَّ النِّسَاءَ فِيهِنَّ رِقَّةُ قَلْبٍ , وَكَثْرَةُ جَزَعٍ , وَقِلَّةُ احْتِمَالٍ لِلْمَصَائِبِ , وَهَذَا مَظِنَّةٌ لِطَلَبِ بُكَائِهِنَّ , وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ . وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي الْأَصَحِّ - إلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ كَمَا يُنْدَبُ لِلرِّجَالِ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { إنِّي كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ } الْحَدِيثُ . وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ : إنْ كَانَ ذَلِكَ لِتَجْدِيدِ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّدْبِ وَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ فَلَا تَجُوزُ , وَعَلَيْهِ حُمِلَ حَدِيثُ { لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ } . وَإِنْ كَانَ لِلِاعْتِبَارِ وَالتَّرَحُّمِ مِنْ غَيْرِ بُكَاءٍ , وَالتَّبَرُّكِ بِزِيَارَةِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ فَلَا بَأْسَ - إذَا كُنَّ عَجَائِزَ - وَيُكْرَهُ إذَا كُنَّ شَوَابَّ , كَحُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ . قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ : وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ(2/221)
. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ : تُكْرَهُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلنِّسَاءِ , لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها { نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا } فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَقَعُ مِنْهُنَّ مُحَرَّمٌ , حَرُمَتْ زِيَارَتُهُنَّ الْقُبُورَ , وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : { لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ } . قَالُوا : وَإِنْ اجْتَازَتْ امْرَأَةٌ بِقَبْرٍ فِي طَرِيقِهَا فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ وَدَعَتْ لَهُ فَحَسَنٌ ; لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ لِذَلِكَ . وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْكَرَاهَةِ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم , فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُنَّ زِيَارَتُهُ , وَكَذَا قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرَهُ عليهم الصلاة والسلام , لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ فِي طَلَبِ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم .
زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ :
2 - ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ زِيَارَة قَبْرِ الْكَافِرِ جَائِزَةٌ . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : تَحْرُمُ زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ . قَالَ الْحَنَابِلَةُ : وَلَا يُسَلِّمُ مَنْ زَارَ قَبْرَ كَافِرٍ عَلَيْهِ , وَلَا يَدْعُو لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ .
شَدُّ الرِّحَالِ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ :(2/222)
3 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ شَدُّ الرَّحْلِ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ , لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ , وَخُصُوصًا قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ . وَمَنَعَ مِنْهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ , وَابْنُ تَيْمِيَّةَ - مِنْ الْحَنَابِلَةِ - لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : مَسْجِدِي هَذَا , وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } , وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ : لَقِيَ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ أَبَا هُرَيْرَةَ , وَهُوَ جَاءٍ مِنْ الطُّورِ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت ؟ قَالَ : مِنْ الطُّورِ , صَلَّيْت فِيهِ . قَالَ : أَمَا لَوْ أَدْرَكْتُك قَبْلَ أَنْ تَرْحَلَ إلَيْهِ مَا رَحَلْت , إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَمَسْجِدِي هَذَا , وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } . وَنَقَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ . وَحَمَلَ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَسَاجِدِ , فَلَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ مِنْهَا . بِدَلِيلِ جَوَازِ شَدِّ الرِّحَالِ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَلِلتِّجَارَةِ , وَفِي رِوَايَةٍ { لَا يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تُشَدَّ رِحَالُهُ إلَى مَسْجِدٍ يَنْبَغِي فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا } .
زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :(2/223)
4 - لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِحْبَابِ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي ( زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ) .
آدَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ :
5 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ : السُّنَّةُ زِيَارَتُهَا قَائِمًا , وَالدُّعَاءُ عِنْدَهَا قَائِمًا , كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْخُرُوجِ إلَى الْبَقِيعِ , وَيَقُولُ : { السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ , يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ , أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالْأَثَرِ } . - أَوْ يَقُولُ : { السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ , وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ , نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ } ثُمَّ يَدْعُو قَائِمًا , طَوِيلًا . وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ : يَدْعُو قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ , وَقِيلَ : يَسْتَقْبِلُ وَجْهَ الْمَيِّتِ . وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : يُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ الزَّائِرُ : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ , اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ , وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ , وَأَنْ يَقْرَأَ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَدْعُوَ لَهُمْ , وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمَزُورِ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ , وَأَنْ يَتَوَجَّهَ فِي الدُّعَاءِ إلَى الْقِبْلَةِ , وَعَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ إلَى وَجْهِهِ , وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ . وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ : سُنَّ وُقُوفُ زَائِرٍ أَمَامَهُ قَرِيبًا مِنْهُ , وَقَوْلُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ , أَوْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ(2/224)
لَلَاحِقُونَ , وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ أْخِرين , نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ , اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ , وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ , وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ . وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ : قَالَ أَبُو اللَّيْثِ : لَا نَعْرِفُ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْقَبْرِ سُنَّةً وَلَا مُسْتَحَبًّا وَلَا نَرَى بَأْسًا , وَعَنْ جَارِ اللَّهِ الْعَلَّامَةِ : إنَّ مَشَايِخَ مَكَّةَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ , وَيَقُولُونَ : إنَّهُ عَادَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَفِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ : إنَّهُ مِنْ عَادَةِ النَّصَارَى . قَالَ شَارِحُ الْمُنْيَةِ : لَا شَكَّ أَنَّهُ بِدْعَةٌ , لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا أَثَرَ عَنْ صَحَابِيٍّ وَلَا عَنْ إمَامٍ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيُكْرَهُ , وَلَمْ يُعْهَدْ الِاسْتِلَامُ فِي السُّنَّةِ إلَّا لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ , وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ خَاصَّةً . وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ : لَا بَأْسَ بِلَمْسِ قَبْرٍ بِيَدٍ لَا سِيَّمَا مَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ , وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ : اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ إلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ , وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ . بِدَعُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ : 6 - يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أُمُورٌ مَكْرُوهَةٌ فِي زِيَارَتِهِمْ لِلْقُبُورِ , ذَكَرَهَا الْعُلَمَاءُ فِي مَظَانِّهَا , وَفِي كُتُبِ الْآدَابِ . وَيُنْظَرُ مَا تَقَدَّمَ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ مَنْعِ اجْتِمَاعِ الْعَامَّةِ فِي بَعْضِ الْأَضْرِحَةِ .
229 - بل فيه الحسن والضعيف والمنكر والموضوع
230 - قلت : قد صح عن بعض الصحابة والتابعين ذلك
ففي أخبار مكة للفاكهي - (ج 1 / ص 202)(2/225)
184 - حدثنا يعقوب بن حميد قال : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن خثيم ، عن أبي الطفيل قال : إنه " رأى معاوية رضي الله عنه يستلم الأركان كلها "
185 - حدثنا عبد السلام بن عاصم قال : ثنا محمد بن سعيد بن سابق قال : ثنا عمرو بن أبي قيس ، عن عمار الدهني ، عن أبي شعبة قال : " رأيت الحسن والحسين رضي الله عنهما يستلمان الأركان كلها "
186 - حدثنا يعقوب بن حميد قال : ثنا سليمان بن سالم ، عن عبد الرحمن بن حميد ، عن أبيه قال : " إن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كان يطوف بالبيت فكلما بلغ ركنا من الأركان استلمه "
187 - حدثنا يعقوب بن حميد قال : ثنا بشر بن السري ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة قال : إن ابن الزبير رضي الله عنهما " كان يستلم الأركان كلها "
188 - حدثنا ميمون بن الحكم الصنعاني قال : ثنا محمد بن جعشم ، عن ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار ، عن أبي الشعثاء ، أنه كان يقول : " ومن يتقي شيئا من البيت ؟ " قال ابن جريج " وكان ابن الزبير يستلمه حين يبدأ إلى حين يختم "
189 - حدثنا محمد بن علي المروزي قال : ثنا علي بن الحسين بن واقد قال : حدثني أبي ، عن أبي الزبير ، قال سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول : " كنا نؤمر إذا طفنا أن نستلم الأركان كلها " قال أبو علي قال الشقيقي أو غيره : ورأيت ابن الزبير رضي الله عنهما يفعله
190 - حدثنا يعقوب بن حميد ، وأبو مروان قالا : ثنا عبد العزيز بن محمد ، قال يعقوب في حديثه : وأنس بن عياض ، عن هشام بن عروة قال : " إن أباه كان يختم باستلام الأركان كلها "
191 - حدثنا يعقوب بن حميد قال : ثنا معن بن عيسى ، عن ثابت بن قيس قال : " رأيت نافع بن جبير أول ما يطوف بالبيت يستلم الأركان كلها أول طوافه ولا يستلم بعده إلا اليماني والأسود "(2/226)
192 - وحدثني الحسن بن إبراهيم البياضي قال : ثنا يونس بن محمد قال : ثنا محمد بن مسلم الطائفي ، عن إبراهيم بن ميسرة قال : قال رجل لطاوس : إن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يدع الركن في كل طواف ، قال : " قد كان من هو خير منه يدعه " ، قيل : من ؟ قال : " أبوه عمر رضي الله عنهما "
وفي الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 8037)
وأمّا استلام الرّكنين الآخرين - الشّاميّ والعراقيّ - فليس بمشروعٍ في الجملة.
قال البهوتيّ: ولا يستلم ولا يقبّل الرّكنين الآخرين ، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: " لم أر النّبيّ صلى الله عليه وسلم يمسح من البيت إلاّ الرّكنين اليمانيّين "
وقد صرّح الحنفيّة والمالكيّة بكراهة استلام الرّكنين العراقيّ والشّاميّ - وهي كراهة تنزيهيّة عند الحنفيّة - قالوا: لأنّهما ليسا ركنين حقيقةً بل من وسط البيت ; لأنّ بعض الحطيم من البيت.
وقال الشّافعيّة: لا يسنّ استلام الرّكنين ولا تقبيلهما.
قال الشّربينيّ الخطيب: والمراد بعدم تقبيل الأركان الثّلاثة إنّما هو نفي كونه سنّةً ، فلو قبّلهنّ أو غيرهنّ من البيت لم يكن مكروهًا ولا خلاف الأولى ، بل يكون حسنًا ، كما نقله في الاستقصاء عن نصّ الشّافعيّ قال: وأيّ البيت قبّل فحسن غير أنّا نؤمر بالاتّباع.
قال الإسنويّ: فتفطّن له ، فإنّه أمر مهمّ.
20 - والسّبب في اختلاف الأركان في هذه الأحكام أنّ الرّكن الّذي فيه الحجر الأسود فيه فضيلتان: كون الحجر فيه ، وكونه على قواعد إبراهيم عليه السلام ، واليمانيّ فيه فضيلة واحدة ، وهو كونه على قواعد إبراهيم عليه السلام.
وأمّا الشّاميّان فليس لهما شيء من الفضيلتين.
" قال ابن عمر رضي الله عنهما: ما أراه - يعني النّبيّ صلى الله عليه وسلم - ترك استلام الرّكنين اللّذين يليان الحجر إلاّ أنّ البيت لم يتمّ على قواعد إبراهيم ، ولا طاف النّاس من وراء الحجر إلاّ لذلك "
231 - أخرجه البخاري برقم (427) ومسلم برقم (530)(2/227)
232 - أخرجه مسلم برقم (530)
233 - أخرجه البخاري برقم (435 و436) ومسلم برقم (531)
234 - أخرجه البخاري برقم (1390) ومسلم برقم (529)
235 - أخرجه مسلم برقم (532)
236 - أخرجه مسلم برقم (972)
237 - أخرجه أبو داود برقم(492) والترمذي برقم(318) وابن ماجة برقم(794)وأحمد في مسنده برقم (12108و12242) وهو حديث صحيح
238 - أخرجه البخاري برقم (434 و1341)ومسلم برقم (528)
239 - أخرجه الترمذي برقم (1076) وابن ماجة (1641) والبيهقي في السنن الكبرى برقم(7455 و7456 و7457) وهو حديث حسن
240 - أخرجه مالك في الموطأ برقم( 419 ) بسند صحيح مرسل
241 - أخرجه أحمد في مسنده برقم (9039)وهو حديث صحيح
242 - أخرجه الترمذي برقم (3375) وابن ماجة برقم (851)وأحمد في مسنده برقم (11969) والحاكم برقم (770) وهو حديث حسن
243 - أخرجه البخاري برقم (626)
244 - أخرجه مسلم برقم (649 و650)
245 - أخرجه البخاري معلقا ووصله أحمد في مسنده برقم (11165) وهو صحيح
246 - أخرجه مسلم برقم (635)
247 - أخرده مسلم برقم (654)
248 -هل تعرفون قتل الحسين رضي الله عنه
مقتل الحسين :
بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية وذلك سنة 60هـ فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة، وذلك أنهم لا يريدون يزيد ولا أباه ولا عثمان ولا عمر ولا أبا بكر ، انهم لا يريدون إلا عليا وأولاده ، وبلغت الكتب التي وصلت إلى الحسين أكثر من خمسمائة كتاب.(2/228)
عند ذلك أرسل الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل ليتقصى الأمور ويتعرف على حقيقة البيعة وجليتها، فلما وصل مسلم إلى الكوفة تيقن أن الناس يريدون الحسين ، فبايعه الناس على بيعة الحسين وذلك في دار هانئ بن عروة ، ولما بلغ الأمر يزيد بن معاوية في الشام أرسل إلى عبيد الله بن زياد والي البصرة ليعالج هذه القضية ، ويمنع أهل الكوفة من الخروج عليه مع الحسين ولم يأمره بقتل الحسين ، فدخل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ، وأخذ يتحرى الأمر ويسأل حتى علم أن دار هانئ بن عروة هي مقر مسلم بن عقيل وفيها تتم المبايعة .
فخرج مسلم بن عقيل على عبيد الله بن زياد وحاصر قصره بأربعة آلاف من مؤيديه ، وذلك في الظهيرة . فقام فيهم عبيد الله بن زياد وخوفهم بجيش الشام ورغبهم ورهبهم فصاروا ينصرفون عنه حتى لم يبق معه إلا ثلاثون رجلاً فقط . وما غابت الشمس إلا ومسلم بن عقيل وحده ليس معه أحد. فقبض عليه وأمر عبيد الله بن زياد بقتله فطلب منه مسلم أن يرسل رسالة إلى الحسين فأذن له عبيد الله ،وهذا نص رسالته : ارجع بأهلك ولا يغرنّك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي.(2/229)
ثم أمر عبيد الله بقتل مسلم بن عقيل وذلك في يوم عرفة ، وكان مسلم بن عقيل قبل ذلك قد أرسل إلى الحسين أن اقدم ، فخرج الحسين من مكة يوم التروية وحاول منعه كثير من الصحابة ونصحوه بعدم الخروج مثل ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وابن عمرو وأخيه محمد بن الحنفية وغيرهم. وهذا ابن عمر يقول للحسين : ( إني محدثك حديثا : إن جبريل أتى النبي فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا ، وإنك بضعة منه ، والله لا يليها أحد منكم أبداً وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم ، فأبى أن يرجع ، فاعتنقه وبكى وقال : استودعك الله من قتيل) ، وروى سفيان بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال للحسين في ذلك : ( لولا أن يزري -يعيبني ويعيرني- بي وبك الناس لشبثت يدي من رأسك، فلم أتركك تذهب ) .وقال عبد الله بن الزبير له : ( أين تذهب؟ إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟) وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : (عجّل الحسين قدره، والله لو أدركته ما تركته يخرج إلا أن يغلبني). (رواه يحيى بن معين بسند صحيح) .(2/230)
وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الذي أرسله مسلم ، فانطلق الحسين يسير نحو طريق الشام نحو يزيد، فلقيته الخيول بكربلاء بقيادة عمرو بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وحصين بن تميم فنزل يناشدهم الله والإسلام أن يختاروا إحدى ثلاث : أن يسيِّروه إلى أمير المؤمنين (يزيد) فيضع يده في يده (لأنه يعلم أنه لا يحب قتله) أو أن ينصرف من حيث جاء (إلى المدينة) أو يلحق بثغر من ثغور المسلمين حتى يتوفاه الله. (رواه ابن جرير من طريق حسن) . فقالوا: لا، إلا على حكم عبيد الله بن زياد. فلما سمع الحر بن يزيد ذلك (وهو أحد قادة ابن زياد) قال : ألا تقبلوا من هؤلاء ما يعرضون عليكم ؟والله لو سألكم هذا الترك والديلم ما حلَّ لكم أن تردوه. فأبوا إلا على حكم ابن زياد. فصرف الحر وجه فرسه، وانطلق إلى الحسين وأصحابه، فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم، فلما دنا منهم قلب ترسه وسلّم عليهم، ثم كرّ على أصحاب ابن زياد فقاتلهم، فقتل منهم رجلين ثم قتل رحمة الله عليه (ابن جرير بسند حسن) .
ولا شك أن المعركة كانت غير متكافئة من حيث العدد، فقتل أصحاب الحسين (رضي الله عنه وعنهم) كلهم بين يديه يدافعون عنه حتى بقي وحده وكان كالأسد، ولكنها الكثرة ،وكان كل واحد من جيش الكوفة يتمنىَّ لو غيره كفاه قتل الحسين حتى لا يبتلي بدمه (رضي الله عنه)، حتى قام رجل خبيث يقال له شمر بن ذي الجوشن فرمى الحسين برمحه فأسقطه أرضاً فاجتمعوا عليه وقتلوه شهيداً سعيداً . ويقال أن شمر بن ذي الجوشن هو الذي اجتز رأس الحسين وقيل سنان بن أنس النخعي والله أعلم.
وأما قصة منع الماء وأنه مات عطشاناً وغير ذلك من الزيادات التي إنما تذكر لدغدغة المشاعر فلا يثبت منها شيء. وما ثبت يغني . ولا شك أنها قصة محزنة مؤلمة، وخاب وخسر من شارك في قتل الحسين ومن معه وباء بغضب من ربه . وللشهيد السعيد ومن معه الرحمة والرضوان من الله ومنا الدعاء و الترضي.
من قتل مع الحسين في كربلاء:(2/231)
من أولاد علي بن أبي طالب : أبو بكر - محمد - عثمان - جعفر - العباس.
من أولاد الحسين : أبو بكر - عمر - عثمان - علي الأكبر - عبد الله.
من أولاد الحسن : أبو بكر - عمر - عبد الله - القاسم.
من أولاد عقيل : جعفر - عبد الله - عبد الرحمن - عبد الله بن مسلم بن عقيل.
من أولاد عبد الله بن جعفر : عون - محمد
وأضف إليهم الحسين ومسلم بن عقيل (رضي الله عنهم أجمعين)
و أما ما روي من أن السماء صارت تمطر دما، أو أن الجدر كان يكون عليها الدم ، أو ما يرفع حجر إلا و يوجد تحته دم ، أو ما يذبحون جزوراً إلا صار كله دماً فهذه كلها أكاذيب تذكر لإثارة العواطف ليس لها أسانيد صحيحة.
يقول ابن كثير عن ذلك: ((( وذكروا أيضا في مقتل الحسين رضي الله عنه أنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجد تحته دم عبيط وأنه كسفت الشمس واحمر الأفق وسقطت حجارة وفي كل من ذلك نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين رضي الله عنه ولم يقع شيء مما ذكروه فإنه قد قتل أبوه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أفضل منه بالإجماع ولم يقع شيء من ذلك وعثمان بن عفان رضي الله عنه قتل محصورا مظلوما ولم يكن شيء من ذلك وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل في المحراب في صلاة الصبح وكأن المسلمين لم تطرقهم مصيبة قبل ذلك ولم يكن شيء من ذلك وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر في الدنيا والآخرة يوم مات لم يكن شيء مما ذكروه ويوم مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم خسفت الشمس فقال الناس خسفت لموت إبراهيم فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته. )))
حكم خروج الحسين :(2/232)
لم يكن في خروج الحسين رضي الله عنه مصلحة ولذلك نهاه كثير من الصحابة وحاولوا منعه ولكنه لم يرجع ، و بهذا الخروج نال أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله حتى قتلوه مظلوماً شهيداً. وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده ، ولكنه أمر الله تبارك وتعالى وما قدره الله كان ولو لم يشأ الناس. وقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء وقد قُدّم رأس يحيى عليه السلام مهراً لبغي وقتل زكريا عليه السلام، وكثير من الأنبياء قتلوا كما قال تعالى : "قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين" آل عمران 183 . وكذلك قتل عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين.
كيف نتعامل مع هذا الحدث :
لا يجوز لمن يخاف الله إذا تذكر قتل الحسين ومن معه رضي الله عنهم أن يقوم بلطم الخدود وشق الجيوب والنوح وما شابه ذلك، فقد ثبت عن النبي (ص) أنه قال : ( ليس منا من لطم الخدود و شق الجيوب) (أخرجه البخاري) وقال : (أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة). أخرجه مسلم . والصالقة هي التي تصيح بصوت مرتفع . وقال : ( إن النائحة إذا لم تتب فإنها تلبس يوم القيامة درعاً من جرب و سربالاً من قطران) أخرجه مسلم. و قال ( أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب و الطعن في الأنساب و الاستسقاء بالنجوم و النياحة). و قال ( اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب و النياحة على الميت) رواه مسلم. و قال ( النياحة من أمر الجاهلية و إن النائحة إذا ماتت و لم تتب قطع الله لها ثيابا من قطران و درعاً من لهب النار) رواه ابن ماجة.(2/233)
و الواجب على المسلم العاقل إذا تذكر مثل هذه المصائب أن يقول كما أمر الله "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون". و ما علم أن علي بن الحسين أو ابنه محمداً أو ابنه جعفراً أو موسى بن جعفر رضي الله عنهم ما عرف عنهم ولا عن غيرهم من أئمة الهدى أنهم لطموا أو شقوا أو صاحوا فهؤلاء هم قدوتنا. فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح.
إنّ النياحة واللطم وما أشبهها من أمور ليست عبادة وشعائر يتقرب بها العبد إلى الله ، وما يُذكر عن فضل البكاء في عاشوراء غير صحيح ، إنما النياحة واللطم أمر من أمور الجاهلية التي نهى النبي عليه الصلاة والسلام عنها وأمر باجتنابها ، وليس هذا منطق أموي حتى يقف الشيعة منه موقف العداء بل هو منطق أهل البيت رضوان الله عليهم وهو مروي عنهم عند الشيعة كما هو مروي عنهم أيضاً عند أهل السنة.
فقد روى ابن بابويه القمي في ( من لا يحضره الفقيه )(39) أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( النياحة من عمل الجاهلية ) وفي رواية للمجلسي في بحار الأنوار 82/103 ( النياحة عمل الجاهلية ) ومن هذا المنطلق اجتنب أهل السنة النياحة في أي مصيبة مهما عظمت، امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل بالمقابل هم يصومون يوم عاشوراء ، ذلك اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام وقومه من الغرق ، وهم يرون أنّ دعوة مخلصة للحسين من قلب مؤمن صائم خير من رجل يتعبد الله بعمل أهل الجاهلية ( النياحة واللطم ) ، ففي الصائم يحصل له الخيرين ، خير صيام يوم فضيل وخير دعاء المرء وهو صائم والذي يمكن أن يجعل جزءاً منه أو كله إن أراد للإمام الحسين.(2/234)
ومما ورد من روايات في فضل صيام هذا اليوم من روايات الشيعة ما رواه الطوسي في الاستبصار 2/134 والحر العاملي في وسائل الشيعة 7/337 عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه أنّ علياً عليهما السلام قال: ( صوموا العاشوراء ، التاسع والعاشر ، فإنّه يكفّر الذنوب سنة ).
وعن أبي الحسن عليه السلام قال: ( صام رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عاشوراء ) ، وعن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: ( صيام عاشوراء كفّارة سنة ).
فما يفعله الشيعة اليوم من إقامة حسينيات أو مآتم أو لطم ونياحة وبكاء في حقيقتها إضافات لا تمت لمنهج أهل البيت ولا لعقيدة الإسلام بأي صلة ، وإذا كان الشيعة يرددون عبارة ( حلال محمد حلال إلى يوم القيامة ، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة ) فأين هذه العبارة من التطبيق حين يجعلون أموراً من الجاهلية التي نهى محمد عليه الصلاة والسلام عنها شعائراً لدين الإسلام ولأهل البيت!! والطامة الكبرى أن تجد كثيراً من مشايخ الشيعة بل من مراجعهم الكبار يستدلون بقوله تعالى { ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } على ما يُفعل في عاشوراء من نياحة ولطم وسب وشتم لخلق الله ولصحابة رسول الله ويعتبرون هذا من شعائر الله التي ينبغي أن تُعظم ومن شعائر الله التي تزداد بها التقوى !!!(2/235)
وما لا أكاد أفهمه تجاهل علماء الشيعة للروايات الواضحة في بيان فضل صيام عاشوراء بل وبالمقابل اتهام أهل السنة مراراً وتكراراً بأنهم حزب بني أمية وأنهم استحدثوا صيام هذا اليوم احتفالاً بمقتل الحسين - عياذاً بالله من ذلك - مع اتفاق أحاديث السنة والشيعة على فضل صيام هذا اليوم وأنّ نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم صامه !!! بل قل لي بربك : ألذي يصوم يوم عاشوراء ويحييه بالذكر والقرآن والعبادة في نظرك يحتفل ويفرح بمقتل الحسين أم من يوزع اللحم والطعام والشراب على الناس في هذا اليوم ويحيي الليل بإنشاد القصائد؟!! أليس هذا تناقضاً في حد ذاته؟ ألا ترى في اتهام أهل السنة بالفرح بموت الحسين والادعاء بأنّ صيامهم ليوم عاشوراء نكاية بالحسين وبأهل البيت ليس إلا دعاية مذهبية للتنفير منهم ومن مذهبهم وإبرازهم كعدو لأهل البيت دون وجه حق؟!!
موقف يزيد من قتل الحسين:
لم يكن ليزيد يد في قتل الحسين ولا نقول هذا دفاعاً عن يزيد ولكن دفاعاً عن الحق. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك، وظهر البكاء في داره ولم يسب لهم حريماً بل أكرم بيته وأجازهم حتى ردهم إلى بلادهم، وأما الروايات التي تقول إنه أهين نساء آل بيت رسول لله وأنهن أخذن إلى الشام مسبيات وأُهِنّ هناك هذا كلام باطل بل كان بنو أمية يعظمون بني هاشم ولذلك لما تزوج الحجاج بن يوسف من فاطمة بنت عبد الله بن جعفر لم يقبل عبد الملك بن مروان هذا الأمر، وأمر الحجاج أن يعتزلها، وأن يطلقها فهم كانوا يعظمون بني هاشم ولم تسب هاشمية قط."(2/236)
بل ابن زياد نفسه عندما جيء بنساء الحسين إليه وأهله، وكان أحسن شيء صنعه أن أمر لهن بمنزل من مكان معتزل، وأجرى عليهن رزقاً وأمر لهن بنفقة وكسوة. (رواه ابن جرير بسند حسن) . و قال عزت دروزة المؤرخ "ليس هناك ما يبرر نسبة قتل الحسين إلى يزيد، فهو لم يأمر بقتاله، فضلاً عن قتله، وكل ما أمر به أن يحاط به ولا يقاتل إلا إذا قاتل". و قال ابن كثير: (والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يُقتل لعفا عنه كما أوصاه بذلك أبوه، وكما صرح هو به مخبراً عن نفسه بذلك).
من قتل الحسين؟
نعم هنا يطرح السؤال المهم : من قتلة الحسين : أهم أهل السنة ؟ أم معاوية ؟ أم يزيد بن معاوية ؟ أم من ؟
إن الحقيقة المفاجئة أننا نجد العديد من كتب الشيعة تقرر وتؤكد أن شيعة الحسين هم الذين قتلوا الحسين . فقد قال السيد محسن الأمين " بايع الحسين عشرون ألفاً من أهل العراق ، غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم وقتلوه " { أعيان الشيعة 34:1 }.
وكانو تعساً الحسين يناديهم قبل أن يقتلوه : " ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار ، و أنما تقدم على جند مجندة؟ تباً لكم أيها الجماعة حين على استصرختمونا والهين ، فشحذتم علينا سيفاً كان بأيدينا ، وحششتم ناراً أضرمناها على عدوكم وعدونا ، فأصبحتم ألباً أوليائكم و سحقاً ، و يداً على أعدائكم . استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الذباب ، و تهافتم إلينا كتهافت الفراش ثم نقضتموها سفهاً ، بعداً لطواغيت هذه الأمة " { الاحتجاج للطبرسي }.
ثم ناداهم الحر بن يزيد ، أحد أصحاب الحسين وهو واقف في كربلاء فقال لهم " أدعوتم هذا العبد الصالح ، حتى إذا جاءكم أسلمتموه ، ثم عدوتم عليه لتقتلوه فصار كالأسير في أيديكم ؟ لا سقاكم الله يوم الظمأ "{ الإرشاد للمفيد 234 ، إعلام الورى بأعلام الهدى 242}.(2/237)
وهنا دعا الحسين على شيعته قائلاً : " اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً ( أي شيعاً وأحزاباً ) واجعلهم طرائق قددا ، و لا ترض الولاة عنهم أبدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا فقتلونا " { الإرشاد للمفيد 241 ، إعلام الورى للطبرسي 949، كشف الغمة 18:2و38 } .
ويذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي في تاريخه أنه لما دخل علي بن الحسين الكوفة رأى نساءها يبكين ويصرخن فقال : " هؤلاء يبكين علينا فمن قتلنا ؟ " أي من قتلنا غيرهم { تاريخ اليعقوبي 235:1 } .
ولما تنازل الحسن لمعاوية وصالحه ، نادى شيعة الحسين الذين قتلوا الحسين وغدروا به قائلاً :" ياأهل الكوفة : ذهلت نفسي عنكم لثلاث : مقتلكم لأبي ، وسلبكم ثقلي ، وطعنكم في بطني و إني قد بايعت معاوية فاسمعوا و أطيعوا ، فطعنه رجل من بني أسد في فخذه فشقه حتى بلغ العظم { كشف الغمة540، الإرشاد للمفيد190، الفصول المهمة 162، مروج الذهب للمسعودي 431:1} .
فهذه كتب الشيعة بأرقام صفحاتها تبين بجلاء أن الذين زعموا تشييع الحسين ونصرته هم أنفسهم الذين قتلوه ثم ذرفوا عليه الدموع ، وتظاهروا بالبكاء ، ولا يزالون يمشون في جنازة من قتلوه إلى يومنا هذا ، ولو كان هذا البكاء يعكس شدة المحبة لأهل البيت فلماذا لا يكون البكاء من باب أولى على حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن الفظاعة التي قتل بها لا تقل عن الطريقة التي ارتكبت في حق الحسين رضي الله عنه حيث بقر بطن حمزة واستؤصلت كبده ، فلماذا لايقيمون لموته مأتماً سنوياً يلطمون فيه وجوههم ويمزقون ثيابهم ، ويضربون أنفسهم بالسيوف والخناجر ؟ أليس هذا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ؟ بل لماذا ل ايكون هذا البكاء على موت النبي صلى الله عليه وسلم ؟! فإن المصيبة بموته تفوق كل شيء ؟ أم أن الحسين أفضل من جده لأنه تزوج ابنة كسرى الفارسية؟
رأس الحسين :(2/238)
لم يثبت أن رأس الحسين أرسل إلى يزيد بالشام بل الصحيح أن الحسين قتل في كربلاء ورأسه أخذ إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة فذهب برأسه الشريف إلى عبيد الله بن زياد، فجعل في طست ، فجعل ينكت عليه، وقال في حسنه شيئاً فقال أنس : " إنه كان أشبههم برسول الله" . رواه البخاري. وفي رواية قال: (ارفع قضيبك فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلثم حيث تضع قضيبك فانقبض) رواه البزار والطبراني. الفتح(7/96) ، ولا يعلم قبر الحسين ولا يعلم مكان رأسه.
الجزاء من جنس العمل :
لما قُتل عبيد الله بن زياد على يد الأشتر النخعي ، جيء برأسه. فنصب في المسجد، فإذا حية قد جاءت تخلل حتى دخلت في منخر ابن زياد وخرجت من فمه، ودخلت في فمه وخرجت من منخره ثلاثاً (رواه الترمذي ويعقوب بن سفيان).
والله تعالى أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو ناصر
249 -قال تعالى { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) [يونس/62-64] }
وفي التفسير الوسيط:
الأولياء : جمع ولي مأخوذ من الولي بمعنى القرب والدنو ، يقال : تباعد فلان من عبد ولي أى : بعد قرب .
والمراد بهم : أولئك المؤمنون الصادقون الذى صلحت أعمالهم ، وحسنت بالله - تعالى - صلتهم ، فصاروا يقولون ويفعلون كل ما يحبه ، ويجتنبون كل ما يكرهه .
قال الفخر الرازي : " ظهر فى علم الاشتقاق أن تركيب الواو واللام والياء يدل على معنى القرب ، فولى كل شيء هو الذى يكون قريبا منه .(2/239)
والقرب من الله إنما يتم إذا كان القلب مستغرقاً فى نور معرفته ، فإن رأى رأى دلائل قدرته ، وإن سمع سمع آيات وحدانيته ، وإن نطق نطق بالثناء عليه ، وِإن تحرك تحرك فى خدمته ، وإن اجتهد اجتهد فى طاعته ، فهنالك يكون فى غاية القرب من الله - تعالى - ويكون وليا له - سبحانه - .
وإذا كان كذلك كان الله - وليا له - أيضاً - كما قال : { الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور } وقد افتتحت الآية الكريمة بأداة الاستفتاح { ألا } وبحرف التوكيد { إن } لتنبيه الناس إلى وجوب الاقتداء بهم ، حتى ينالوا ما ناله أولئك الأولياء الصالحون من سعادة دنيوية وأخروية .
وقوله : { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } تمييز لهم عن غيرهم ممن لم يبلغوا درجتهم .
والخوف : حالة نفسية تجعل الإِنسان مضطرب المشاعر لتوقعه حصلو ما يكرهه .
والحزن اكتئاب نفسي يحدث للإِنسان من أجل وقوع ما يكرهه .
أى : أن الخوف يكون من أجل مكروه يتوقع حصوله ، بينما الحزن يكون من أجل مكروه قد وقع فعلاً .
والمعنى : ألا إن أولياء الله الذين صدق إيمانهم ، وحسن عملهم ، لا خوف علهيم من أهوال الموقف وعذاب الآخرة ، ولا هم يحزنون على ما تركوا وراءهم من الدنيا ، لأن مقصدهم الأسمى رضا الله - سبحانه - فمتى فعلوا ما يؤدي إلى ذلك هان كل ما سواه .
وقوله : { الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } استئناف مسوق لتوضيح حقيقتهم فكأن سائلا قال : ومن هم أولياء الله؟ فكان الجواب هم الذين توفر فيهم الإِيمان الصادق ، والبعد التام عن كل ما نهى الله - تعالى - عنه .
وعبر عن إيمانهم بالفعل الماضي ، للإِشارة إلى أنه إيمان ثابت راسخ . لا تزلزله الشكوك ، ولا تؤثر فيه الشبهات .(2/240)
وعبر عن تقواهم بالفعل الدال على الحال والاستقبال للإِيذان بأن اتقاءهم وابتعادهم عن كل ما يغضب الله من الأقوال والأفعال ، يتجدد ويستمر دون أن يصرفهم عن تقواهم وخوفهم منه - سبحانه - ترغيب وترهيب .
وقوله - سبحانه - { لَهُمُ البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة } زيادة تكريم وتشريف لهم .
والبشرى والبشارة : الخبر السار ، فهو أخص من الخبر ، وسمى بذلك لأن أثره يظهر على البشرة وهى ظاهر جلد الإِنسان ، فيجعله متهلل الوجه ، منبسط الأسارير ، مبتهج النفس .
أى : لهم ما يسرهم ويسعدهم فى الدنيا من حياة آمنة طيبة ، ولهم - أيضاً - فى الآخرة ما يسرهم من فوز برضوان الله ، ومن دخول جنته .
قال الآلوسى ما ملخصه : " والثابت فى أكثر الروايات ، أن البشرى فى الحياة الدنيا ، هى الرؤيا الصالحة . . فقد أخرد الطيالسي وأحمد الدارمي والترمذي . . وغيرهم عن عبادة بن الصامت قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله - تعالى - { لَهُمُ البشرى فى الحياة الدنيا } فقال : " هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له " .
وقيل المراد بالبشرى : البشرى العاجلة نحو النصر والغنيمة والثناء الحسن ، والذكر الجميل ، ومحبة الناس ، وغير ذلك .
ثم قال : وأنت تعلم أنه لا ينبغي العدول عما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى تفسير ذلك إذا صح . وحيث عدل من عدل لعدم وقوفه على ذلك فيما أظن ، فالأولى أن تحمل البشرى فى الدارين على البشارة بما يحقق نفي الخوف والحزن كائناً ما كان . . . "
وقوله : { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله } أى : لا تغيير ولا خلف لأقوال الله - تعالى - ولا لما وعد به عباده الصالحين من وعود حسنة ، على رأسها هذه البشرى التي تسعدهم فى الحياة الدنيا وفى الآخرة .
واسم الإِشارة فى قوله - تعالى - { ذلك هُوَ الفوز العظيم } يعود إلى ما ذكر من البشرى فى الدارين .(2/241)
أى : ذلك المذكور من أن لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة ، هو الفوز العظيم الذى لا فوز وراءه ، والذي لا يفوته نجاح أو فضل .
هذا ، وقبد نقل الشيخ القاسمي - رحمه الله - كلاما حسنا من كتاب " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان " فقال ما ملخصه :
هذه الآيات أصل فى بيان أولياء الله ، وقد بين - سبحانه - فى كتابه ، وبين رسوله فى سنته أن الله أولياء من الناس ، كما أن للشيطان أولياء .
وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن ، وأولياء الشيطان ، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء ، كما فرق الله ورسوله بينهما ، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون . كما فى هذه الآية ، وفى الحديث الصحيح : " من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ، أو فقد آذنته بالحرب . . . "
والولاية ضد العداوة ، وأصل الولاية المحبة والقرب ، وأصل العداوة البغض والبعد ، وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه ، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم ، وأفضلهم محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين . . فلا يكون وليا إلا من آمن به واتبعه ، ومن خالفه كان من أولياء الشيطان . . .
وإذا كان أولياء الله هم المؤمنون المتقون ، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله - تعالى - فمن كان أكمل إيماناً وتقوى ، كان أكمل ولاية لله .
فالناس متفاضلون فى ولاية الله - عز وجل - بحسب تفاضلهم فى الإِيمان والتقوى .
ومن أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض ، ولا يجتنب المحارم ، كان كاذباً فى دعواه ، أو كان مجنوناً .
وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس فى الظاهر من الأمور المباحات ، فلا يتميزون بلباس دون لباس ، ولا بحلق شعر أو تقصير . . بل يوجدون فى جميع طبقات الأمة . فيوجدون فى أهل القرآن ، وأهل العلم ، وفى أهل الجهاد والسيف ، وفى التجار والزراع والصناع . . .(2/242)
وليس من شرط الولي أن يكون معصوماً لا يغلط ولا يخطئ ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة ، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين . . .
250 - أخرجه البخاري برقم (3445و 3928 و 4021 و 6829 و6830 و 7323)
251 - أخرجه البخاري برقم (6168-6170) ومسلم برقم ( 2640 و2641)وهو حديث متواتر
252 - أخرجه أحمد في مسنده برقم (13717)وأبو يعلى في مسنده برقم(3371)وهو حديث صحيح
253 - أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه برقم ( 30413 ) والطبراني في الكبير برقم ( 10378) وهو صحيح
254 - أخرجه مسلم برقم (949)
255 - أخرجه البخاري برقم(3443)ومسلم برقم (2365)
256 - أخرجه مسلم برقم(153)
257 - أخرجه مسلم برقم (1715)
258 - أخرجه مسلم برقم (395)
259 - أخرجه البخاري برقم (481) ومسلم برقم ( 2585 )
260 - أخرجه مسلم برقم (2586)
261 - أخرجه مسلم برقم (2559)
262 - أخرجه البخاري برقم (99)
263 - أخرجه البخاري برقم( 16و21 و 6041 و 6941 ) ومسلم برقم( 43 )
264 - و في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 193)
كان الناس أمة واحدة . على نهج واحد ، وتصور واحد . وقد تكون هذه إشارة إلى حالة المجموعة البشرية الأولى الصغيرة من أسرة آدم وحواء وذراريهم ، قبل اختلاف التصورات والاعتقادات . فالقرآن يقرر أن الناس من أصل واحد . وهم أبناء الأسرة الأولى : أسرة آدم وحواء . وقد شاء الله أن يجعل البشر جميعاً نتاج أسرة واحدة صغيرة ، ليقرر مبدأ الأسرة في حياتهم ، وليجعلها هي اللبنة الأولى . وقد غبر عليهم عهد كانوا فيه في مستوى واحد واتجاه واحد وتصور واحد في نطاق الأسرة الأولى . حتى نمت وتعددت وكثر أفرادها ، وتفرقوا في المكان ، وتطورت معايشهم؛ وبرزت فيهم الاستعدادات المكنونة المختلفة ، التي فطرهم الله عليها لحكمة يعلمها ، ويعلم ما وراءها من خير للحياة في التنوع في الاستعدادات والطاقات والاتجاهات .(2/243)
عندئذ اختلفت التصورات وتباينت وجهات النظر ، وتعددت المناهج ، وتنوعت المعتقدات . . وعندئذ بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين . .
{ وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه } . .
وهنا تتبين تلك الحقيقة الكبرى . . إن من طبيعة الناس أن يختلفوا؛ لأن هذا الاختلاف أصل من أصول خلقتهم؛ يحقق حكمة عليا من استخلاف هذا الكائن في الأرض . . إن هذه الخلافة تحتاج إلى وظائف متنوعة ، واستعدادات شتى من ألوان متعددة؛ كي تتكامل جميعها وتتناسق ، وتؤدي دورها الكلي في الخلافة والعمارة ، وفق التصميم الكلي المقدر في علم الله . فلا بد إذن من تنوع في المواهب يقابل تنوع تلك الوظائف؛ ولا بد من اختلاف في الاستعدادات يقابل ذلك الاختلاف في الحاجات . . " ولا يزالون مختلفين - إلا من رحم ربك - ولذلك خلقهم " . .
هذا الاختلاف في الاستعدادات والوظائف ينشئ بدوره اختلافاً في التصورات والاهتمامات والمناهج والطرائق . . ولكن الله يحب أن تبقى هذه الاختلافات المطلوبة الواقعة داخل إطار واسع عريض يسعها جميعاً حين تصلح وتستقيم . . هذا الإطار هو إطار التصور الإيماني الصحيح . الذي ينفسح حتى يضم جوانحه على شتى الاستعدادات وشتى المواهب وشتى الطاقات؛ فلا يقتلها ولا يكبحها؛ ولكن ينظمها وينسقها ويدفعها في طريق الصلاح .
ومن ثم لم يكن بد أن يكون هناك ميزان ثابت يفيء إليه المختلفون؛ وحكم عدل يرجع إليه المختصمون؛ وقول فصل ينتهي عنده الجدل ، ويثوب الجميع منه إلى اليقين :
{ فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وأنزل معهم الكتاب بالحق ، ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه } .(2/244)
ولا بد أن نقف عند قوله تعالى { بالحق } . . فهو القول الفصل بأن الحق هو ما جاء به الكتاب؛ وأن هذا الحق قد أنزل ليكون هو الحكم العدل ، والقول الفصل ، فيما عداه من أقوال الناس وتصوراتهم ومناهجهم وقيمهم وموازينهم . . لا حق غيره . ولا حكم معه . ولا قول بعده . وبغير هذا الحق الواحد الذي لا يتعدد؛ وبغير تحكيمه في كل ما يختلف فيه الناس؛ وبغير الانتهاء إلى حكمه بلا مماحكة ولا اعتراض . . بغير هذا كله لا يستقيم أمر هذه الحياة؛ ولا ينتهي الناس من الخلاف والفرقة؛ ولا يقوم على الأرض السلام؛ ولا يدخل الناس في السلم بحال .
ولهذه الحقيقة قيمتها الكبرى في تحديد الجهة التي يتلقى منها الناس تصوراتهم وشرائعهم؛ والتي ينتهون إليها في كل ما يشجر بينهم من خلاف في شتى صور الخلاف . . إنها جهة واحدة لا تتعدد هي التي أنزلت هذا الكتاب بالحق؛ وهو مصدر واحد لا يتعدد هو هذا الكتاب الذي أنزله الله بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه . .
وهو كتاب واحد في حقيقته ، جاء به الرسل جميعاً . فهو كتاب واحد في أصله ، وهي ملة واحدة في عمومها ، وهو تصور واحد في قاعدته : إله واحد ، ورب واحد ، ومعبود واحد ، ومشرّع واحد لبني الإنسان .
ثم تختلف التفصيلات بعد ذلك وفق حاجات الأمم والأجيال؛ ووفق أطوار الحياة والارتباطات؛ حتى تكون الصورة الأخيرة التي جاء بها الإسلام ، وأطلق الحياة تنمو في محيطها الواسع الشامل بلا عوائق . بقيادة الله ومنهجه وشريعته الحية المتجددة في حدود ذلك المحيط الشامل الكبير .(2/245)
وهذا الذي يقرره القرآن في أمر الكتاب هو النظرية الإسلامية الصحيحة في خط سير الأديان والعقائد . . كل نبي جاء بهذا الدين الواحد في أصله ، يقوم على القاعدة الأصيلة : قاعدة التوحيد المطلق . . ثم يقع الانحراف عقب كل رسالة ، وتتراكم الخرافات والأساطير ، حتى يبعد الناس نهائياً عن ذلك الأصل الكبير ، وهنا تجيء رسالة جديدة تجدد العقيدة الأصيلة ، وتنفي ما علق بها من الانحرافات ، وتراعي أحوال الأمة وأطوارها في التفصيلات . . وهذه النظرية أولى بالإتباع من نظريات الباحثين في تطور العقائد من غير المسلمين ، والتي كثيرا ما يتأثر بها باحثون مسلمون ، وهم لا يشعرون ، فيقيمون بحوثهم على أساس التطور في أصل العقيدة وقاعدة التصور ، كما يقول المستشرقون وأمثالهم من الباحثين الغربيين الجاهليين!
وهذا الثبات في أصل التصور الإيماني ، هو الذي يتفق مع وظيفة الكتاب الذي أنزله الله بالحق ، ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، في كل زمان ، ومع كل رسول ، منذ أقدم الأزمان .
ولم يكن بد أن يكون هناك ميزان ثابت يفيء إليه الناس ، وأن يكون هناك قول فصل ينتهون إليه . ولم يكن بد كذلك أن يكون هذا الميزان من صنع مصدر آخر غير المصدر الإنساني ، وأن يكون هذا القول قول حاكم عدل لا يتأثر بالهوى الإنساني ، ولا يتأثر بالقصور الإنساني ، ولا يتأثر بالجهل الإنساني!
وإقامة ذلك الميزان الثابت تقتضي علماً غير محدود . علم ما كان وما هو كائن وما سيكون . علمه كله لا مقيداً بقيود الزمان التي تفصل الوجود الواحد إلى ماض وحاضر ومستقبل ، وإلى مستيقن ومظنون ومجهول ، وإلى حاضر مشهود ومغيب مخبوء . . ولا مقيداً بقيود المكان التي تفصل الوجود الواحد إلى قريب وبعيد ، ومنظور ومحجوب ، ومحسوس وغير محسوس . . في حاجة إلى إله يعلم ما خلق ، ويعلم من خلق . . ويعلم ما يصلح وما يصلح حال الجميع .(2/246)
وإقامة ذلك الميزان في حاجة كذلك إلى استعلاء على الحاجة ، واستعلاء على النقص ، واستعلاء على الفناء ، واستعلاء على الفوت ، واستعلاء على الطمع ، واستعلاء على الرغبة والرهبة . . واستعلاء على الكون كله بما فيه ومن فيه . . في حاجة إلى إله ، لا أرب له ، ولا هوى ، ولا لذة ، ولا ضعف في ذاته - سبحانه - ولا قصور!
أما العقل البشري فبحسبه أن يواجه الأحوال المتطورة ، والظروف المتغيرة ، والحاجات المتجددة؛ ثم يوائم بينها وبين الإنسان في لحظة عابرة وظرف موقوت . على أن يكون هناك الميزان الثابت الذي يفيء إليه ، فيدرك خطأه وصوابه ، وغيه ورشاده ، وحقه وباطله ، من ذلك الميزان الثابت .
. وبهذا وحده تستقيم الحياة . ويطمئن الناس إلى أن الذي يسوسهم في النهاية إله!
إن الكتاب لم ينزل بالحق ليمحو فوارق الاستعدادات والمواهب والطرائق والوسائل . إنما جاء ليحتكم الناس إليه . . وإليه وحده . . حين يختلفون . .
ومن شأن هذه الحقيقة أن تنشىء حقيقة أخرى تقوم على أساسها نظرة الإسلام التاريخية :
إن الإسلام يضع { الكتاب } الذي أنزله الله { بالحق } ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه . . يضع هذا الكتاب قاعدة للحياة البشرية . ثم تمضي الحياة . فإما اتفقت مع هذه القاعدة ، وظلت قائمة عليها ، فهذا هو الحق . وإما خرجت عنها وقامت على قواعد أخرى ، فهذا هو الباطل . . هذا هو الباطل ولو ارتضاه الناس جميعاً . في فترة من فترات التاريخ . فالناس ليسوا هم الحكم في الحق والباطل . وليس الذي يقرره الناس هو الحق ، وليس الذي يقرره الناس هو الدين . إن نظرة الإسلام تقوم ابتداء على أساس أن فعل الناس لشيء ، وقولهم لشيء ، وإقامة حياتهم على شيء . . لا تحيل هذا الشيء حقاً إذا كان مخالفاً للكتاب؛ ولا تجعله أصلاً من أصول الدين؛ ولا تجعله التفسير الواقعي لهذا الدين؛ ولا تبرره لأن أجيالاً متعاقبة قامت عليه . .(2/247)
وهذه الحقيقة ذات أهمية كبرى في عزل أصول الدين عما يدخله عليها الناس! وفي التاريخ الإسلامي مثلاً وقع انحراف ، وظل ينمو وينمو . . فلا يقال : إن هذا الانحراف متى وقع وقامت عليه حياة الناس فهو إذن الصورة الواقعية للإسلام! كلا! إن الإسلام يظل بريئاً من هذا الواقع التاريخي . ويظل هذا الذي وقع خطأ وانحرافاً لا يصلح حجة ولا سابقة؛ ومن واجب من يريد استئناف حياة إسلامية أن يلغيه ويبطله ، وأن يعود إلى الكتاب الذي أنزله الله بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه . .
ولقد جاء الكتاب . . ومع ذلك كان الهوى يغلب الناس من هناك ومن هناك؛ وكانت المطامع والرغائب والمخاوف والضلالات تبعد الناس عن قبول حكم الكتاب ، والرجوع إلى الحق الذي يردهم إليه :
{ وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات . . بغياً بينهم } . .
فالبغي . . بغي الحسد . وبغي الطمع . وبغي الحرص . وبغي الهوى . . هو الذي قاد الناس إلى المضي في الاختلاف على أصل التصور والمنهج؛ والمضي في التفرق واللجاج والعناد .
وهذه حقيقة . . فما يختلف اثنان على أصل الحق الواضح في هذا الكتاب ، القوي الصادع المشرق المنير . . ما يختلف اثنان على هذا الأصل إلا وفي نفس أحدهما بغي وهوى ، أو في نفسيهما جميعاً . . فأما حين يكون هناك إيمان فلا بد من التقاء واتفاق :
{ فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه } . .
هداهم بما في نفوسهم من صفاء ، وبما في أرواحهم من تجرد ، وبما في قلوبهم من رغبة في الوصول إلى الحق .
وما أيسر الوصول حينئذ والاستقامة :
{ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } . .
هو هذا الصراط الذي يكشف عنه ذلك الكتاب . وهو هذا المنهج الذي يقوم على الحق ويستقيم على الحق . ولا تتقاذفه الأهواء والشهوات ، ولا تتلاعب به الرغاب والنزوات . .(2/248)
والله يختار من عباده لهذا الصراط المستقيم من يشاء ، ممن يعلم منهم الاستعداد للهدى والاستقامة على الصراط؛ أولئك يدخلون في السلم ، وأولئك هم الأعلون ، ولو حسب الذين لا يزنون بميزان الله أنهم محرومون ، ولو سخروا منهم كما يسخر الكافرون من المؤمنين!
265 - أخرجه أبو داود برقم (3575) والترمذي برقم(1372) وهو حديث صحيح
266 - أخرجه البخاري برقم(2079) ومسلم برقم ( 1532)
267 - أخرجه مسلم برقم(2589)
268 - قال تعالى :{ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) [البقرة/3-5] }
269 - قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) [البقرة/6، 7] }(2/249)
270 - قال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)(2/250)
[البقرة/8-20] }
271 - الخرمية
فرقة سرية عملت في فارس قبل الإسلام وبعده، اتخذت التشيع ملجأ لها، وقد قوي نشاطها في العهد العباسي، حيث ادعى بابك الخرمي الألوهية، وتم القضاء عليه وعلى أتباعه سنة (220هـ).
272 - عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ بَيْنَا النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ قِسْمًا فَقَالَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ - رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ - يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ . قَالَ " وَيْلَكَ مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ " . فَقَالَ عُمَرُ ائْذَنْ لِى فَلأَضْرِبْ عُنُقَهُ . قَالَ " لاَ ، إِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ ، سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ ، يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْىِ الْمَرْأَةِ ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ " . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَشْهَدُ أَنِّى كُنْتُ مَعَ عَلِىٍّ حِينَ قَاتَلَهُمْ ، فَالْتُمِسَ فِى الْقَتْلَى ، فَأُتِىَ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِى نَعَتَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم .أخرجه البخاري برقم( 3344 و 3610 و 4351 و 4667 و 5058 و6163و6931 و 6933 و7432 و 7562 ) ومسلم برقم(1064)
273 - أخرجه البخاري برقم(1399و1400) ومسلم برقم( 20 ) وهو حديث متواتر ونظم المتناثر برقم(9)(2/251)
274 - أخرجه البخاري برقم(25) ومسلم برقم( 21و22) وهو حديث متواتر
275 - أخرجه مسلم برقم(1066)
276 - أخرجه البخاري برقم(7432)ومسلم برقم(1064)
277 -أخرجه الترمذي برقم(3270) وهو حديث حسن
278 - السنة لعبد الله برقم(1199) وفضائل الصحابة له برقم(44و357) والاعتقاد للبيهقي برقم(338) والخطيب في الكفاية برقم(1185) وهو صحيح ولفظه عنده 1185 مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْخُوَارَزْمِيُّ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدَانَ النَّيْسَابُورِيُّ بِخُوَارَزْمَ : قَالَ : أَمْلَى عَلَيْنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ ، ثنا أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ ، ثنا شُعْبَةُ , عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ , عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ , أَوْ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ , أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ الْجُعْفِيَّ , دَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي إِمَارَتِهِ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي مَرَرْتُ بِنَفَرٍ يَذْكُرُونَ أَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ بِغَيْرِ الَّذِي هُمَا لَهُ أَهْلٌ مِنَ الْإِسْلَامِ , لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّكَ تُضْمِرُ لَهُمَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ , وَإِنَّهُمْ لَمْ يَجْتَرِئُوا عَلَى ذَلِكَ إِلَّا وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لَكَ , وَذَكَرَ حَدِيثَ خُطْبَةِ عَلِيٍّ وَكَلَامِهِ فِي أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ , وَقَوْلِهِ فِي آخِرِهِ " أَلَا : وَلَا يَبْلُغُنِي عَنْ أَحَدٍ يُفَضِّلُنِي عَلَيْهِمَا إِلَّا جَلَدْتُهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي سُقْنَاهُ وَرَوَيْنَاهُ مِنَ الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ ,(2/252)
لِأَمَانَةِ حُمَّالِهِ , وَثِقَةِ رِجَالِهِ , وَإِتْقَانِ أَثَرَتِهِ , وَشُهْرَتِهِمْ بِالْعِلْمِ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ أَعْصَارِهِمْ , إِلَى حَيْثُ بَلَغَ مِنْ نَقْلِهِ إِلَى الْإِمَامِ الْهَادِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , حَتَّى كَأَنَّكَ شَاهِدٌ حَوْلَ الْمِنْبَرِ وَعَلِيٌّ فَوْقَهُ , وَلَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ إِسْنَادَهُ وَهْنٌ وَلَا ضَعْفٌ , لِقَوْلِ الرَّاوِي عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ أَوْ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ , لِمَا لَعَلَّهُ تَوَهَّمَهُ شَكًّا فِيهِ , وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا بِشَّكٍّ يُوهِنُ الْخَبَرَ , وَلَا يُضَعَّفُ بِهِ الْأَثَرُ , لِأَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ , فَكُلٌّ مِنْهُمَا ثِقَةٌ مَأْمُونٌ , وَبِالْعِلْمِ مَشْهُورٌ , إِنَّمَا لَوْ كَانَ الشَّكُّ فِيهِ أَنْ يَقُولَ : عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ ، كَانَ الْوَهَنُ يَدْخُلُهُ , إِذْ لَا نَعْلَمُ الْغَيْرَ مَنْ هُوَ ، فَأَمَّا إِذَا صَرَّحَ الرَّاوِي وَأَفْصَحَ بِالنَّاقِلَيْنِ أَنَّهُ عَنْ أَحَدِهِمَا , فَلَيْسَ هَذَا بِمَوْضِعِ ارْتِيَابٍ ، فَتَفَهَّمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ(2/253)
279 - عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ : أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ : صَبِيغُ بْنُ عَسَلٍ ، قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ كُتُبٌ ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ جَلَسَ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ صَبِيغٌ فَقَالَ عُمَرُ : وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ ، ثُمَّ أَهْوَى إِلَيْهِ فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِتِلْكَ الْعَرَاجِينِ ، فَمَا زَالَ يَضْرِبُهُ حَتَّى شَجَّهُ ، فَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ ، فَقَالَ : حَسْبُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَدْ وَاللَّهِ ذَهَبَ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ فِي رَأْسِي قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَمَنْ يَسْأَلُ عَنْ تَفْسِيرِ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا اسْتَحَقَّ الضَّرْبَ ، وَالتَّنْكِيلَ بِهِ وَالْهِجْرَةَ قِيلَ لَهُ : لَمْ يَكُنْ ضَرْبُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهُ بِسَبَبٍ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَلَكِنْ لَمَّا تَأَدَّى إِلَى عُمَرَ مَا كَانَ يَسْأَلُ عَنْهُ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَرَاهُ عَلِمَ أَنَّهُ مَفْتُونٌ ، قَدْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِمَا لَا يَعُودُ عَلَيْهِ نَفْعُهُ ، وَعَلِمَ أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِطَلَبِ عِلْمِ الْوَاجِبَاتِ مِنْ عِلْمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أَوْلَى بِهِ , وَتَطَلُّبُ عِلْمِ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِهِ ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى مَا لَا يَنْفَعُهُ ، سَأَلَ عُمَرُ اللَّهَ تَعَالَى أّنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهُ ، حَتَّى يُنَكِّلَ بِهِ ، وحَتَّى : يُحَذِّرُ غَيْرَهُ ؛(2/254)
لِأَنَّهُ رَاعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ تَفَقُّدُ رَعِيَّتِهِ فِي هَذَا وَفِي غَيْرِهِ ، فَأَمْكَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : سَيَكُونُ أَقْوَامٌ يُجَادِلُونَكُمْ بِمُتَشابَهِ الْقُرْآنِ فَخُذُوهُمْ بِالسُّنَنِ ، فَإِنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى *الشريعة للآجري برقم(150) والإبانة لابن بطة برقم(795) وشرح أصول الاعتقاد برقم(905و906)(2/255)
و عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , إِنَّا لَقِينَا رَجُلًا يَسْأَلُ عَنْ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ ؟ . فَقَالَ : اللَّهُمَّ أَمْكِنِّي مِنْهُ ؛ قَالَ : فَبَيْنَمَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَاتَ يَوْمٍ يُغْدِّي النَّاسَ إِذْ جَاءَهُ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَعِمَامَةٌ فَتَغَدَّى حَتَّى إِذَا فَرَغَ , قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا فَقَالَ عُمَرُ : أَنْتَ هُوَ ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ فَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ , فَلَمْ يَزَلْ يَجْلِدُهُ حَتَّى سَقَطَتْ عِمَامَتُهُ , فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ وَجَدْتُكَ مَحْلُوقًا لَضَرَبْتُ رَأْسَكَ , أَلْبِسُوهُ ثِيَابَهُ وَاحْمِلُوهُ عَلَى قَتَبٍ ثُمَّ أَخْرِجُوهُ حَتَّى تَقْدُمُوا بِهِ بِلَادَهُ ثُمَّ لَيُقِمْ خَطِيبًا ثُمَّ لَيَقُلْ : إِنَّ صَبِيغًا طَلَبَ الْعِلْمَ فَأَخْطَأَ , فَلَمْ يَزَلْ وَضِيعًا فِي قَوْمِهِ حَتَّى هَلَكَ وَكَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ وَأَنْبَأَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِنَّائِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَازِمٍ , عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : قَدِمَ الْمَدِينَةَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ صَبِيغُ بْنُ عِسْلٍ , كَانَ عِنْدَهُ كُتُبٌ وَكَانَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ , فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوًا مِنْهُ وَلَهُ طُرُقٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ فِي هَذَا الْجُزْءِ فِي الَّذِينَ قَتَلَهُمْ(2/256)
وَأَحْرَقَهُمْ . وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : *الشريعة للآجري برقم(1993)
و عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلَمَةَ , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ رَجُلًا , قَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا الْحَقَّ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا , فَنُقَاتِلُهُمْ , فَقَامَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ , فَقَالَ : تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرٍ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ ؟ فَقَالَ : لَأَسْأَلَنَّهُ حَتَّى يَمْنَعَنِي , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا الْحَقَّ وَيَمْنَعُونَا , أَنُقَاتِلُهُمْ ؟ قَالَ : " لَا عَلَيْكُمُ مَا حُمِّلْتُمْ وَعَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا " فَلَمْ يَمْنَعْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الرَّجُلَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ , وَلَا أَنْكَرَهَا عَلَيْهِ , بَلْ أَجَابَهُ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَفِي الْآثَارِ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا تَحْرِيجُ عُمَرَ فِي السُّؤَالِ عَمَّا لَمْ يَكُنْ , وَلَعْنُهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَيُحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِهِ السُّؤَالُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ وَالْمُغَالَطَةِ , لَا عَلَى سَبِيلِ التَّفَقُّهِ وَابْتِغَاءِ الْفَائِدَةِ , وَلِهَذَا ضَرَبَ صَبِيغَ بْنَ عَسَلٍ ونَفَاهُ , وَحَرَمَهُ رِزْقَهُ وَعَطَاءَهُ , لَمَّا سَأَلَ عَنْ حُرُوفٍ مِنْ مُشْكِلِ الْقُرْآنِ , فَخَشِيَ عُمَرُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِمَسْأَلَتِهِ ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعِلْمِ , لِيُوقِعَ فِي قُلُوبِهِمُ التَّشْكِيكَ وَالتَّضْلِيلَ بِتَحْرِيفِ الْقُرْآنِ عَنْ نَهْجِ التَّنْزِيلِ , وَصَرْفِهِ عَنْ صَوَابِ الْقَوْلِ فِيهِ إِلَى(2/257)
فَاسِدِ التَّأْوِيلِ , وَمَثَلَ هَذَا قَدْ وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْهُ وَالذَّمُ لِفَاعِلِهِ *أخرجه الخطيب في الفقيه والتفقه برقم( 625 ) وهو حدبث صحيح
280 - أخرجه البخاري برقم(33) ومسلم برقم( 59 )
281 - أخرجه البخاري برقم( 34 ) ومسلم برقم( 58 )
282 - أخرجه مسلم برقم(532)
283 - أخرجه مسلم برقم(1848)
284 - أخرجه مسلم برقم(1852)
285 - أخرجه مسلم برقم(1852)
286 - أخرجه مسلم برقم(2408)
287 - رواه الطبراني في الكبير برقم(12061) وهو حديث حسن
288 -أخرجه مسلم برقم(2276)
289 - أخرجه الترمذي برقم (2891) وابن ماجة برقم(44)وأحمد ب في مسنده رقم(17608) وهو حديث صحيح
290 - أخرجه الترمذي برقم(4155 و4157) وابن أبي شيبة برقم(3074) وأحمد في مسنده( 11402 ) والنسائي في الكبرى برقم( 8092 و8119و8410) والمستدرك برقم (4576و4711 ) والصحيحة (1750) وهو حديث صحيح
وقال الشيخ ناصر رحمه الله في السلسلة الصحيحة - مختصرة - (ج 4 / ص 355)
إن الحديث صحيح بعد التأكد من تخريجه وإن قال بعضهم بتضعيفه . وأن كلمة عترتي يعني بها أهل بيته كما جاء في بعض طرق الحديث وأهل بيته في الأصل هم نساؤه صلى الله عليه وسلم وفيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعا وتخصيص الشيعة أهل البيت في آيات القرآن بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم دون نسائه صلى الله عليه وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارا لأهوائهم . تابع التفصيل في الكتاب فهو مهم ومفيد
291 - وفي كتاب الفصول في الأصول للجصاص :- (ج 2 / ص 321)(2/258)
/218 بَابٌ الْقَوْلُ فِي إجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ /218 ( زَعَمَ قَوْمٌ ) مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ : أَنَّ إجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يُسَوِّغُ لِأَهْلِ سَائِرِ الْأَعْصَارِ مُخَالَفَتَهُمْ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ ، وَقَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ : أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسَائِرُ النَّاسِ غَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مَزِيَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي لُزُومِ اتِّبَاعِهِمْ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ : أَنَّ جَمِيعَ الْآيِ الدَّالَّةِ عَلَى صِحَّةِ حُجَّةِ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ فِيهَا تَخْصِيصُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ ، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } خِطَابٌ لِسَائِرِ الْأُمَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الِاسْمِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ .
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ } وَقَوْلُهُ : { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ } وقَوْله تَعَالَى : { وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إلَيَّ } قَدْ عَمَّتْ هَذِهِ الْآيَاتُ سَائِرَ الْأُمَمِ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصَّ ( بِهَا ) عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ .(2/259)
وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ ، لَجَازَ أَنْ يُقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } وقَوْله تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ } وقَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } إنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ ، فَلَمَّا بَطَلَ هَذَا لِأَنَّ عُمُومَ اللَّفْظِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ ، كَذَلِكَ حُكْمُ الْآيَاتِ الْمُوجِبَةِ لِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ ، لَمَّا كَانَتْ مُبْهَمَةً ، لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ الِاقْتِصَارُ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ ، وَلَوْ جَازَ لِقَائِلٍ أَنْ يَخُصَّ بِهَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ ، لَجَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخُصَّ بِهَا أَهْلَ الْكُوفَةِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَاتُ كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيهَا .
وَأَيْضًا : فَلَوْ كَانَ إجْمَاعُهُمْ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً ، لَمَا خَفِيَ أَمْرُهُ عَلَى التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، فَلَمَّا لَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ وَمِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ ، دَعَا سَائِرَ الْأَمْصَارِ إلَى اعْتِبَارِ إجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلُزُومِ اتِّبَاعِهِمْ .
دَلَّ ذَلِكَ : عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ مُحْدَثٌ ، لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ ، بَلْ إجْمَاعُ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ ظَاهِرٌ فِي تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ لِأَهْلِ سَائِرِ الْأَمْصَارِ مَعَهُمْ ، وَأَجَازُوا لَهُمْ مُخَالَفَتَهُمْ إيَّاهُمْ .(2/260)
فَقَدْ حَصَلَ مِنْ إجْمَاعِ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ إجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ .
وَأَيْضًا : فَلَوْ كَانَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حُجَّةً ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ ، كَمَا أَنَّ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ لَمَّا كَانَ حُجَّةً لَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهُ فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ ، لَوَجَبَ اعْتِبَارُ إجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ ، وَمَعْلُومٌ : أَنَّهُمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَجْهَلُ النَّاسِ ، وَأَقَلُّهُمْ عِلْمًا ، وَأَبْعَدُهُمْ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْآنَ إجْمَاعُ مَنْ يَتَفَقَّهُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُمْ : أَصْحَابُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ .
قِيلَ لَهُ : أَفَتَعْتَبِرُ إجْمَاعَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي هَذَا الْعَصْرِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ .
فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ .
قِيلَ لَهُ : فَاعْتَبِرْ إجْمَاعَ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ التَّابِعِينَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، فَإِنَّهُمْ أَخَذُوا الْعِلْمَ عَمَّنْ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ .
وَأَيْضًا : فَلَيْسَ يَخْلُو إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ : مِنْ أَنْ تَكُونَ صِحَّتُهُ مُتَعَلِّقَةً بِالْمَوْضِعِ ، أَوْ بِالرِّجَالِ ذَوِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ ، فَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَوْضِعِ ، فَالْمَوْضِعُ مَوْجُودٌ ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُ إجْمَاعِ أَهْلِ الْمَوْضِعِ فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ .
وَهَذَا خُلْفٌ مِنْ الْقَوْلِ .(2/261)
( وَإِنْ اُعْتُبِرَ ) بِالرِّجَالِ دُونَ الْمَوْضِعِ ، فَإِنَّ الَّذِينَ نَزَلُوا الْكُوفَةَ هُمْ عُمْدَةُ أَهْلِ ( عِلْمِ ) الدِّينِ وَأَعْلَامُهُ .
مِنْهُمْ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَحُذَيْفَةُ ، وَعَمَّارٌ ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ ، وَآخَرُونَ ، مِنْ ذَوِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ .
وَقِيلَ : إنَّهُ نَزَلَهَا مِنْ الصَّحَابَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَنَيِّفٌ ، فِيهِمْ سَبْعُونَ بَدْرِيًّا ، فَلِمَ خَصَصْت بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ مَنْ أَخَذَ عَمَّنْ بَقِيَ بِالْمَدِينَةِ ؟ دُونَ مَنْ أَخَذَ عَمَّنْ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَسَائِرَ الْأَمْصَارِ ؟ وَلِخَصْمِك أَنْ يُعَارِضَك فَيَقُولَ : إنَّمَا اُعْتُبِرَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، دُونَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ ، وَهُمْ أَعْلَامُ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَاؤُهُمْ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا خَصَصْنَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ ، لِأَنَّهَا دَارُ السُّنَّةِ وَدَارُ الْهِجْرَةِ ، وَلِأَنَّ سَائِرَ النَّاسِ عَنْهُمْ أَخَذُوا ، كَمَا كَانَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ حُجَّةً عَلَى التَّابِعِينَ ، لِأَنَّهُمْ عَنْهُمْ أَخَذُوا .(2/262)
قِيلَ لَهُ : فَتَعْتَبِرُ إجْمَاعَ ( أَهْلِ ) الْمَدِينَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ ثَبَتُوا بِالْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَخْرُجُوا عَنْهَا دُونَ مَنْ خَرَجَ عَنْهَا ، وَانْتَقَلَ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ ؟ أَوْ تَعْتَبِرُ إجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِمَّنْ كَانُوا بَعْدَ الصَّحَابَةِ ؟ فَإِنْ قَالَ : أَعْتَبِرُ إجْمَاعَهُمْ خَاصَّةً فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ ، وَبَعْدَهُمْ ، وَلَا أَعْتَدُّ بِخِلَافِ مَنْ خَالَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ خَرَجَ عَنْهَا ، قَالَ قَوْلًا قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى خِلَافِهِ ، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ بُطْلَانُهُ ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ كَذَلِكَ ، فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يُجْعَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، ( وَعَبْدُ اللَّهِ ) بْنُ مَسْعُودٍ ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَنُظَرَاؤُهُمْ ، خِلَافًا ، وَكَفَى بِهَذَا خِزْيًا لِمَنْ بَلَغَهُ .
فَإِنْ قَالَ : إنَّمَا اُعْتُبِرَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْدَ الصَّحَابَةِ ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْأَصْلِ .
قِيلَ لَهُ : فَإِنَّمَا اعْتَبَرْت إجْمَاعَهُمْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ ، لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا عَنْ الصَّحَابَةِ فَهَلَّا اعْتَبَرْت إجْمَاعَ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا عَنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ انْتَقَلُوا إلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ؟ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : إنَّ سَائِرَ النَّاسِ لَمَّا أَخَذُوا عَنْهُمْ ( وَجَبَ ) لُزُومُ اتِّبَاعِهِمْ ، كَمَا لَزِمَ التَّابِعِينَ اتِّبَاعُ الصَّحَابَةِ ، لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا عَنْهُمْ .(2/263)
قِيلَ لَهُ : فَإِنَّ تَابِعِي أَهْلِ الْكُوفَةِ أَخَذُوا عَمَّنْ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَاعْتُبِرَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ .
فَإِنْ قَالَ : إنَّمَا اُعْتُبِرَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، لِأَنَّ { النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَدَحَهُمْ فَقَالَ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَفِي مُدِّهِمْ } ، وَقَالَ : { مَنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ } ، وَقَالَ : { إنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلَى جُحْرِهَا } ، وَقَالَ : { إنَّ الْمَدِينَةَ تَنْفِي خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ } ، فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَعَا لَهُمْ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ ، وَمَدَحَهُمْ - وَجَبَ اتِّبَاعُهُمْ ، لِأَنَّهُ لَا يَدْعُو لَهُمْ وَلَا يَمْدَحُهُمْ إلَّا وَهُمْ مُؤْمِنُونَ .
قِيلَ لَهُ : وَمَا فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ مِمَّا يُوجِبُ كَوْنَ إجْمَاعِهِمْ حُجَّةً ، وَكَيْفَ وَجْهُ تَعَلُّقِ صِحَّةِ إجْمَاعِهِمْ بِهِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { مَنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الثَّلْجُ } ، لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِحُجَّةِ الْإِجْمَاعِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخِلَافِ ( عَلَيْهِمْ ) إرَادَتُهُمْ بِسُوءٍ ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتْ الصَّحَابَةُ حِينَ اخْتَلَفَتْ فِي الْحَوَادِثِ الَّتِي اجْتَهَدُوا فِيهَا آرَاءَهُمْ قَدْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِسُوءٍ .(2/264)
وَأَيْضًا : فَإِنَّمَا دَعَا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَصْرِهِ ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُهَاجِرِينَ وَأَنْصَارًا ، وَكَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِي الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا فِي الْبُلْدَانِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كُنْت إنَّمَا جَعَلْت إجْمَاعَ هَؤُلَاءِ حُجَّةً ، فَهَذَا مَا لَا تَنَازُعَ فِيهِ ، وَإِنْ أَرَدْت إجْمَاعَ مَنْ بَعْدَهُمْ ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمْ بِالْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرْت بَعْدَ ذَهَابِ الصَّحَابَةِ ؟ .
( وَمَعْنَى ) قَوْلِهِ : { إنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلَى جُحْرِهَا } : إنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ ، هَاجَرَ إلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ دُونِ الشِّرْكِ ، فَلَمَّا زَالَ فَرْضُ الْهِجْرَةِ زَالَ ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ بَعْدَ زَوَالِ الْهِجْرَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُقِيمَ فِي قَبِيلَتِهِ وَحَيِّهِ وَبَلَدِهِ ، وَلَا يُهَاجِرَ إلَيْهَا ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا عَامًّا فِي سَائِرِ الْأَزْمَانِ ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ الْآنَ .
وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَهْلَ مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ الْكِبَارِ وَقَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَهْلِ وَقِلَّةِ الدِّينِ ، وَفَسَادِ الِاعْتِقَادِ ، وَعَدَمِ الْخَيْرِ مَا اسْتَوْلَى عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ .(2/265)
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ الدَّجَّالَ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ ، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِهَا مَلَكًا شَاهِرًا سَيْفَهُ } وَهَذَا يَدُلُّ : عَلَى حِرَاسَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إيَّاهُمْ ، وَأَنَّهُ قَدْ أَبَانَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ مَزِيَّةٌ فِي لُزُومِ اتِّبَاعِهِمْ .
قِيلَ لَهُ : وَمَا فِي هَذَا مَا يُوجِبُ مَا ذَكَرْت ، وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَحْرُوسَةً سَوَاءٌ صَارَ أَهْلُهَا إلَى الضَّلَالِ ، أَوْ ثَبَتُوا عَلَى الْحَقِّ ؟ كَمَا حَرَسَ أَهْلَ مَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِ الْفِيلِ ، وَكَانُوا مُشْرِكِينَ ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ وَصْفُهَا بِأَنَّ عَلَى أَنْقَابِهَا الْمَلَائِكَةَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي حَصَرَهَا الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حِرَاسَةِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهَا بِالْمَلَائِكَةِ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَهَا ، فَيَكُونُ حُكْمُ الْخَبَرِ مَقْصُورًا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ .
292 -أخرجه البخاري برقم (6930)
293 -أخرجه مسلم برقم(1066)
294 - أخرجه مسلم برقم(1066)
295 - أخرجه البخاري برقم(6931) ومسلم برقم ( 1064 )
296 - أخرجه البخاري برقم(6933) ومسلم برقم(1064)
297 - أخرجه البخاري برقم(3344و7432) ومسلم برقم( 1064 )
298 - أخرجه البخاري برقم(7562)
299 - أخرجه النسائي في سننه برقم(4120) وأحمد في مسنده برقم ( 20314) وفيه ضعف وأصله صحيح
300 - أخرجه البخاري برقم(3611) ومسلم برقم( 1066 )
301 - أخرجه البخاري برقم(3344) ومسلم برقم( 1064 )
302 - أخرجه البخاري برقم(3481) ومسلم برقم( 2756)
303 - هل الرافضة كفار ؟؟(2/266)
إننا نعتقد بان الرافضة طائفة كفر وردة لأنها جمعت بين الشرك الأكبر والأصغر والكفر الاعتقادي والكفر العملي والنفاق الأكبر والأصغر ،فتراهم يؤلهون أهل البيت رضي الله تعالى عنهم ،ويعتقدون عصمتهم وعصمة ذرياتهم وأئمتهم و (آياتهم) !
هذا من جهة ومن جهة أخرى يسبون أبا بكر وعمر ويقذفون أم المؤمنين عائشة ويلعنون أبا هريرة ومعاوية و أبا سفيان وهذا دينهم الذي يدينون به فجعلوا من القبور معابد لهم ومن زنى المتعة زواجاً وقربة حتى أفتى علماؤهم بإعارة الفروج , أما تخوينهم لجبريل عليه السلام وتنقصهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فحدث ولا حرج , وكتبهم زاخرة بمثل هذا الكفر البواح .
أما موالاتهم لليهود والنصارى فهم علمٌ في هذا المضمار الذي لا يباريهم فيه أحد، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصر لذلك فإننا نعتقد بأنهم كفروا بأصول الدين كلِها فهم كفروا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدرِ خيرِه وشرِه ؛لذا نقول ما قاله أهل العلم في مسألة :
( حكم الرافضة في الأصل والرافضة المعاصرين )
ومن أقوال العلماء الأعلام في حكم الرافضة ما يأتي :
-احمد بن يونس ت 227 ه :(قال عنه أحمد بن حنبل وهو يأمر أحد تلامذته: ( اخرج إلى أحمد بن يونس فإنه شيخ الإسلام ) وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة(42)42 -تهذيب التهذيب 1/29
,وقد نقل ابن تيمية كلامه في حكم الرافضة فقال ( لو أن يهوديا ذبح شاة , وذبح رافضي لأ كلت ذبيحة اليهودي , ولم آكل ذبيحة الرافضي , لأنه مرتد عن الإسلام )(43) 43 -الصارم المسلول 570
- الإمام البخاري رحمه الله : قال رحمه الله:
( ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي , أم صليت خلف اليهود والنصارى , ولا يسلم عليهم ولا يعادون ولا يناكحون ولا يشهدون ولا تؤكل ذبائحهم ) (44)
44 - خلق أفعال العباد 125
- ابن حزم الأندلسي رحمه الله : قال :(2/267)
(وأما قولهم - يعني النصارى - في دعوى الروافض تبديل القرآن فإن الروافض ليسوا من المسلمين , إنما هي فرقة حدث أولها بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة ....
وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر ) (45) 45 -الفصل 2/213
- عبد القاهر البغدادي ت 429 ه : قال :
( وما رأينا ولا سمعنا بنوع من الكفر إلا وجدنا شعبة منه في مذهب الروافض ) (46) 46- الملل 52
وقال أيضا : ( وتكفير هؤلاء واجب في إجازتهم على الله البداء , وقولهم بأنه قد يريد شيئا ثم يبدو له، وقد زعموا أنه إذا أمر بشيء ثم نسخه , فإنما نسخه لأنه بدا له فيه .. ) (47) 47- المصدر نفسه
- شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
( ومن اعتقد من المنتسبين إلى العلم أو غيره أن قتال هؤلاء بمنزلة قتال البغاة الخارجين على الإمام بتأويل سائغ فهو غالط جاهل بحقيقة شريعة الإسلام ..لأن هؤلاء خارجون عن نفس شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته شرا من خروج الخوارج الحرورية , وليس لهم تأويل سائغ فإن التأويل السائغ هو الجائز الذي يقر صاحبه عليه إذا لم يكن فيه جواب كتأويل العلماء المتنازعين في موارد الاجتهاد . وهؤلاء ليس لهم ذلك بالكتاب والسنة والإجماع , ولكن لهم تأويل من جنس تأويل اليهود والنصارى , وتأويلهم شر تأويلات أهل الأهواء ) (48) 48-المجموع 28/482
- الإمام ابن كثير الدمشقي :(2/268)
قال رحمه الله تعالى عند قوله سبحانه (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)الفتح : 29 ،قال :
(( ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمه الله عليه في رواية عنه بتفكير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم , قال : لأنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه لآية , ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم على ذلك ) (49). 49-ابن كثير 4/219
- محمد بن علي الشوكاني رحمه الله قال:
( إن أصل دعوة الروافض كياد الدين , ومخالفة شريعة المسلمين والعجب كل العجب من علماء الإسلام , وسلاطين الدين , كيف تركوهم على هذا المنكر البالغ في القبح إلى غايته ونهايته , فإن هؤلاء المخذولين لما أرادوا رد هذه الشريعة المطهرة ومخالفتها طعنوا في أعراض الحاملين لها , الذين لا طريق لنا إليها إلا من طريقهم , واستزلوا أهل العقول الضعيفة بهذه الذريعة الملعونة والوسيلة الشيطانية , فهم يظهرون السب واللعن لخير الخليقة , ويضمرون العناد للشريعة , ورفع أحكامها عن العباد . وليس في الكبائر أشنع من هذه الوسيلة إلا ما توسلوا بها إليه , فإنه أقبح منها , لأنه عناد لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولشريعته .
فكان حاصل ما هم فيه من ذلك أربع كبائر كل واحدة منها كفر بواح :
الأولى : العناد لله عز وجل .
الثانية : العناد لرسوله صلى الله عليه وسلم.
الثالثة : العناد لشريعته المطهرة ومحاولة إبطالها .(2/269)
الرابعة : تكفير الصحابة رضي الله عنهم , الموصوفين في كتاب الله سبحانه بأنهم أشداء على الكفار , وأن الله تعالى يغيظ بهم الكفار , وأنه قد رضي عنهم , مع أنه قد ثبت في هذه الشريعة المطهرة أن من كفر مسلما كفر كما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه )
وبهذا يتبين أن كل رافضي خبيث يصير كافرا بتكفيره لصحابي واحد , فكيف بمن كفر كل الصحابة , واستثنى أفرادا يسيرة تغطية لما هو فيه من الضلال على الطغام الذين لا يعقلون الحجج ؟! ) إ.ه (50) .50 -نقلا عن رسالة:"أصول مذهب الشيعة "للقفاري 3/1270-1271
- الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال:
(فإذا عرفت أن آيات القرآن تكاثرت في فضلهم-يعني الصحابة- والأحاديث المتواترة بمجموعها ناصة على كمالهم , فمن اعتقد فسقهم أو فسق مجموعهم , وارتدادهم وارتداد معظمهم عن الدين, أو اعتقد حقية سبهم و أباحته,أو سبهم مع اعتقاد حقية سبهم , أو حليته فقد كفر بالله تعالى ورسوله..وغالب هؤلاء الرافضة الذين يسبون الصحابة يعتقدون حقية سبهم أو أباحته بل وجوبه,لأنهم يتقربون بذلك إلى الله تعالى ويرون ذلك من أجّل أمور دينهم ) (51) 51-الرد على الرافضة ص:18
ولا يخفى ما تفعله الرافضة من غلو في علي والحسين حتى عبدوهما من دون الله وغلوا في سب أبي بكر وعمر حتى كفروهما وقالوا:(2/270)
بأن من اعتقد في أبي بكر وعمر الإسلام فلا ينظر الله إليه ولا يكلمه وله عذاب أليم .وها هي اليوم حسينياتهم الوثنية تعج بسب أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم ولعن الشيخين وقذف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وتدعو إلى مولاة حكومة علاوي والجعفري المرتدتين وتقديس دساتيرها وانتخاباتها واحترام الصليبين ومنابذة المجاهدين وتأليب الكفار على الموحدين , وحاملُ لواء ذلك أئمتهم الكفرة من السيستاني وعبد العزيز الحكيم والصدر وأنصارهم وممثليهم في العراق وخارجه .
- الإمام الآلوسي المفسر :
قال رحمه الله : ( ذهب معظم علماء ما وراء النهر إلى كفر الاثني عشرية وحكموا بإباحة دمائهم وأموالهم وفروج نسائهم , حيث إنهم يسبون الصحابة رضي الله عنهم لا سيما الشيخين وهما السمع والبصر منه عليه الصلاة والسلام , وينكرون خلافة الصديق , ويقذفون عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها مما برأها الله تعالى منه , ويفضلون بأسرهم عليا كرم الله وجهه .. على غير أولي العزم من المرسلين , ومنهم من يفضله عليه أيضا ... ويجحدون سلامة القرآن العظيم من الزيادة والنقص ) (52)52-أصول مذهب الرافضة 3/1271
-الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن وهو من علماء الدعوة النجدية :
يقول رحمه الله :(2/271)
(وأما حكم الرافضة فيما تقدم فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله..: ومن سب الصحابة أو أحدا منهم واقترن بسبه أن جبريل غلط في الرسالة فلا شك في كفره بل لا شك في كفر من توقف في كفره ومن قذف عائشة فيما برأها الله عنه كفر بلا خلاف - إلى أن قال : وأما من زعم أن الصحابة ارتدوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر وانهم فسقوا فلا ريب أيضا في كفر قائل ذلك بل لا ريب في كفر من لم يكفره ."انتهى كلامه" ,فهذا حكم الرافضة في الأصل وأما الآن فحالهم أقبح و أشنع لأنهم أضافوا إلى ذلك الغلو في الأولياء الصالحين من أهل البيت وغيرهم واعتقدوا فيهم النفع والضر في الشدة والرخاء ويرون أن ذلك قربة تقربهم إلى الله ودين يدينون به فمن توقف في كفرهم والحالة هذه وارتاب فيه فهو جاهل بحقيقة ما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب فليراجع دينه قبل حلول رمسه , ..إلى قول :
وأما مجرد السلام على الرافضة ومصاحبتهم ومعاشرتهم مع اعتقاد كفرهم وضلالهم فخطر عظيم وذنب وخيم يخاف على مرتكبه من موت قلبه وانتكاسه , وفي الأثر أن من الذنوب ذنوبا عقوبتها موت القلوب وزوال الإيمان ) إ.ه (53) 53- الدرر السنية 7/214
- الإمام الشنقيطي:
قال رحمه الله عند تفسيره لقوله عز وجل(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ...)التوبة : 100: ( ولا يخفى انه تعالى صرح في هذه الآية الكريمة أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار , والذين اتبعوهم بإحسان , وهو دليل قرآني صريح في أن من يسبهم ويبغضهم , أنه ضال مخالف لله جل وعلا , حيث أبغض من رضي الله عنه ولا شك أن بغض من رضي الله عنه مضادة له جل وعلا , وتمرد وطغيان) (54)54 -أضواء البيان ص 352(2/272)
هذه بعض فتاوى أئمة المسلمين وعلمائهم في مسالة حكم الرافضة الذين هم شر من اليهود والنصارى لأنها ارتضت مذهبا لنفسها غير مذهب المسلمين فجاءت بالكفر من أوسع أبوابه فهم يعتقدون بأن حب علي حسنة لا يضر معها سيئة؛ لذا فإننا نعتقد بأنهم كفرة , ليسوا من الإسلام في شيء بسب شركهم وتكفيرهم للصحابة وطعنهم في كتاب الله وغيرها من عقائد الكفر عندهم
****************
ـ أقوال بعض أهل العلم في الشيعة الروافض ..!
إضافة لما تقدم .. وزيادة في قيام الحجة .. وبيان خطر وكفر هذه الطائفة الحاقدة .. نذكر أقوال بعض أهل العلم فيهم.
روى الخلال في السنة عن أبي بكر المروزي قال: سألت أبا عبد الله ـ أحمد بن حنبل ـ عن من يشتم أبا بكر وعمر وعائشة ؟ قال: ما أراه على الإسلام.
وقال ـ أي المروزي ـ: وسمعت أبا عبد الله يقول: قال مالك بن أنس: الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس لهم سهم أو نصيب في الإسلام[ ].
قلت: هذا الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقط .. فكيف إذا ضم إلى الشتم التكفير .. وخصال الكفر الأخرى التي تؤخذ على الشيعة الروافض .. لا شك أنه أولى بالكفر والخروج من الإسلام.
وقال الإمام أحمد: إذا كان جهمياً، أو قدرياً، أو رافضياً داعية، فلا يُصلى عليه، ولا يُسلم عليه[ ].
وقال البخاري رحمه الله: ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي، أم صليت خلف اليهود والنصارى، لا يُسلم عليهم، ولا يُعادون ولا يُناكحون، ولا يشهدون، ولا تُؤكل ذبائحهم[ ].
وعن موسى بن هارون بن زياد قال: سمعت الفريابي ـ وهو محمد بن يوسف الفريابي ـ ورجل يسأله عمن شتم أبا بكرٍ قال: كافر، قال: فيصلى عليه ؟ قال: لا، وسألته كيف يُصنع به وهو يقول: لا إله إلا الله ؟ قال: لا
تمسوه بأيديكم، ارفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته[ ].
وقال ـ أي محمد بن يوسف الفريابي ـ: ما أرى الرافضة والجهمية إلا زنادقة[ ].(2/273)
وقال ابن حزم في الفصل 2/78: وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القراءات فإن الروافض ليسوا من المسلمين .. وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر ا- هـ.
وقال الشافعي: ما أحد أشهد على الله بالزور من الرافضة.
وفي رواية عنه: ما رأيت في الأهواء قوماً أشهد بالزور من الرافضة[ ].
وعن أحمد بن يونس قال: أنا لا آكل ذبيحة رجل رافضي فإنه عندي مرتد[ ].
وعن عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه قال: قال الشعبي: يا مالك، لو أردت أن يعطوني ـ أي الشيعة الروافض ـ رقابهم عبيداً أو أن يملؤوا بيتي ذهباً على أن أكذب لهم على علي لفعلوا، ولكن والله لا كذبت عليه أبداً!
أحذرك الأهواء المضلة، وشرها الرافضة وذلك أن منهم يهود يغمصون الإسلام لتحيا ضلالاتهم كما يغمص بولس بن شاؤل ملك اليهود ليغلبوا.
لم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة من الله، ولكن مقتاً لأهل الإسلام وطعناً عليهم، فأحرقهم علي بن أبي طالب بالنار ونفاهم من البلدان: منهم عبد الله بن سبأ نفاه إلى ساباط، وعبد الله بن شباب نفاه إلى جازت، وأبو الكروش وابنه.
وذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود!
قالت اليهود: لا يصلح الملك إلا في آل داود.
وقالت الرافضة: لا تصلح الإمارة إلا في آل علي!
وقالت اليهود: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال أو ينزل عيسى من السماء.
وقالت الرافضة: لا جهاد حتى يخرج المهدي ثم ينادي منادي من السماء!
واليهود يؤخرون صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم، وكذلك الرافضة!
والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم ".
واليهود يولون عن القبلة شيئاً، وكذلك الرافضة!
واليهود تُسدل أثوابها، وكذلك الرافضة!
واليهود حرفوا التوراة، وكذلك الرافضة حرفوا القرآن!
واليهود يستحلون دم كل مسلم، وكذلك الرافضة!
واليهود لا يرون الطلاق ثلاثاً شيئاً، وكذلك الرافضة!(2/274)
واليهود لا يرون على النساء عدة، وكذلك الرافضة!
واليهود يبغضون جبريل ويقولون: هو عدونا من الملائكة، وكذلك صنف من الرافضة يقولون: غلط بالوحي إلى محمد!
وفُضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلتين: سُئلت اليهود من خير ملتكم ؟ قالوا: أصحاب موسى.
وسُئلت الرافضة: من شرّ أهل ملتكم ؟ قالوا: أصحاب محمد!
وسُئلت النصارى: من خير أهل ملتكم ؟ قالوا: حواري عيسى.
وسُئلت الرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: حواري محمد!
أُمروا بالاستغفار لهم فسبوهم!
فالسيف مسلول عليهم إلى يوم القيامة لا يثبت لهم قدم، ولا تقوم لهم راية، ولا تجتمع لهم كلمة.
دعوتهم مدحوضة، وجمعهم متفرق، كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله تعالى [ ].
--------------
اعتراضات: قد تأملت اعتراضات المخالفين من المعاصرين ممن لا يرون ما قررناه وأثبتناه عن القوم في هذا البحث .. فوجدتها أربع اعتراضات:
1- الاعتراض الأول: قالوا: كيف نكفرهم ونقول بردتهم وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ..؟!
أقول: يقولون لا إله إلا الله .. ويأتون بضدها وما ينقضها في آنٍ واحد .. وهم مثلهم مثل من يقول بالشيء وضده في آنٍ معاً .. ومن كان كذلك لا تنفعه " لا إله إلا الله " ولا تُقبل منه حتى يُقلع عن نواقض لا إله إلا الله، وما يُبطلها وينفيها!
فالذين يقولون: لا إله إلا الله .. ثم هم يكذبون الله .. ويكذبون بلا إله إلا الله .. ويقولون ـ بلسان الحال والمقال ـ بآلهة مع الله .. لا ينفعهم مجرد القول بلا إله إلا الله!
فلا إله إلا الله .. التي تنفع صاحبها في الدنيا والآخرة .. هو الذي يلتزمها بشروطها: اعتقاداً، وقولاً، وعملاً .. فهذا الذي جاءت فيه الأحاديث أن لا إله إلا الله تنفعه وتنجيه[ ].(2/275)
2- الاعتراض الثاني: وهو أنهم يستدلون بواقع أهل السنة .. وواقع الأنظمة السيئة الباطلة التي تحكمهم .. كمبرر للأخطاء والمآخذ التي تؤخذ على الشيعة الروافض .. وكمحاولة للتستر على عيوبهم وجرائمهم!
فإذا قيل لهم شيء عن الشيعة الروافض .. قالوا: أنظر كذلك إلى واقع أهل السنة في بلد كذا وكذا .. وإلى الحاكم كذا وكذا .. فإن واقعهم .. وأفعالهم أسوأ مما ذكرت عن الشيعة الروافض .. ظناً منهم أن ذلك يُبرر أو يُخفف من حدة ما أخذ على الشيعة الروافض ..!!
وهذا اعتراض باطل مردود، نرد عليه من أوجه:
منها: أن الخطأ لا يبرر ولا يُسوغ الخطأ .. والذنب مدان أياً كان فاعله أو صاحبه ..
ونحن عندما ننكر على الشيعة الروافض أخطاءهم وباطلهم .. لا يعني ذلك أننا ـ والعياذ بالله ـ
نقر الأخطاء الموجودة عند بعض أهل السنة أو غيرهم!
ومنها: أن معظم الأخطاء السائدة في مجتمعات أهل السنة .. هي بسبب تسلط حكام علمانيين ظالمين على مقاليد الحكم في بلادهم .. وهؤلاء غير معنيين من مسألتنا هذه؛ لأنه لا خلاف على كفرهم وجورهم .. كما أنه ليس بعد الكفر ذنب.
ونحن لم نناقش حال وواقع العلمانيين من الشيعة الروافض .. حتى يُقال لنا انظر لواقع الحكام العلمانيين في بلادكم .. فالعلمانيون خارج ساحة النقاش أو الحوار .. إذ ليس بعد الكفر ذنب .. وإنما نقاشنا عن مشائخ وآيات الشيعة .. وعن مرجعياتهم الدينية ..!
ومنها: أن جل العادات السيئة المنتشرة بين بعض أهل السنة في بلادهم .. هي أولاً بسبب بعدهم عن دين الله .. وهي ثانياً مهما تعاظمت لا ترقى إلى درجة الكفر البواح .. كما هو الحال عند الشيعة الروافض ..!(2/276)
ومنها: أن الأخطاء السائدة عند بعض أهل السنة لها الطابع الشخصي .. والكل يعلم بأنها خطأ .. بما فيهم المخطئون ذاتهم .. وهي منكرة من قبل العاملين من أهل العلم .. بينما الأخطاء والمآخذ السائدة عند أهل التشيع والرفض هي أخطاء عامة عُرفت بها عامة الشيعة الروافض .. كما أن أخطاءهم لها الطابع العقدي الديني المقدس .. الملزم لجميع أتباعهم .. والفرق بين الأمرين واضح وبين!
ومنها: أن الأخطاء عند بعض أهل السنة مرفوضة .. ومنبوذة .. ومعلوم بطلانها .. لا أحد من أهل العلم العاملين يقرهم عليها .. بينما الأخطاء عند الشيعة الروافض .. دين .. وعقيدة ملزمة .. يوالون ويُعادون عليها .. ويُكفرون المخالف فيها .. وعلماؤهم يقرونها .. ويؤصلون لها .. ويدعون إليها!
ومنها: أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن كلاً يُؤخذ منه ويُرد عليه .. يُخطئ ويُصيب .. عدا النبي صلى الله عليه وسلم .. فلا توجد عندنا مشكلة مع الخطأ .. ولا مع صاحبه .. أياً كان صاحبه!
بينما من أصول وعقيدة أهل التشيع والرفض: القول بعصمة أئمتهم عن الخطأ والزلل .. وبالتالي الخطأ الذي يقعون به أو يُنسب إليهم زوراً وإن كان المنسوب إليهم كفراً بالله تعالى .. فله القدسية والعصمة .. لا يمكن التعقيب عليه أو حتى مناقشته!!
فإذا عرفت هذا الفارق بين الأخطاء السائدة عند بعض أهل السنة، والأخطاء السائدة عند الشيعة الروافض .. أدركت أنه لا مسوغ مطلقاً لإثارة مثل هذا الاعتراض أو الشبهة سوى ترويج باطل الشيعة الروافض .. والتستر
على جرائمهم وكفرياتهم !!
3- الاعتراض الثالث: قالوا: إذا كان الشيعة الروافض مع أعداء الأمة ضد الأمة .. كما ذكرتم .. كيف نفسر موقف حزب الله الشيعي في لبنان .. المناوئ لدولة الصهاينة اليهود في فلسطين .. ؟!(2/277)
أقول: موقف حزب الله في لبنان المناوئ لدولة الصهاينة اليهود هو في حقيقته موقف إعلامي دعائي لنشر المذهب الشيعي الرافضي في البلاد ولترويجه بين عوام الناس لا غير، وبرهان ذلك من أوجه:
منها: أن حزب الله صنيعة دولة إيران الرافضية .. يتلقى منها ومن النظام البعثي النصيري السوري ـ الحليف الأكبر لإيران ـ الأوامر والتعليمات .. وما يجب عليه أن يفعله .. وما يجب عليه أن لا يفعله .. بحيث أنه لا يستطيع أن يتجاوز الأوامر وما رسم له!
ومعلوم أن إيران لا يهمها في المنطقة سوى تصدير مذهبها الشيعي الضال بين عوام الناس .. وهذه غاية لا بد لها من وسيلة .. فكانت هذه الوسيلة هي حزب الله الشيعي!
كما هو معلوم للجميع موقف سوريا الخائن والمخزي من قضية فلسطين .. وشعب فلسطين .. والتاريخ العريق المحفوف بالعمالة والخيانة .. مما يجعلنا نشكك بغايات ومصداقية هذه الهجمات التي يشنها صنيعتهم حزب الله على الصهاينة اليهود .. ونقلل من أهميتها!!
ومنها: أن دولة إيران الرافضية علمت أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للشعوب الإسلامية في العالم الإسلامي كله .. وهي لكي تصل بمذهبها الخبيث إلى تلك الشعوب .. وبأقصر وقت ممكن .. كان لا بد لها من أن تأتيه عن طريق القضية الفلسطينية .. فلم تجد لذلك سبيلاً ووسيلة .. إلا تشكيل حزب الله الشيعي في لبنان!
لذلك فهي تغدق عليه من الأموال ما يكفي كميزانية لدولة .. لكي يقوم الحزب بنشاطاته ومهامه الموكلة إليه بقوة وفاعلية!
ولا نتعدى الحقيقة والصواب لو قلنا أن هذا التحالف بين إيران والنظام السوري قائم على أساس عدم تعرض النظام السوري لحزب الله في لبنان .. مقابل منح وتسهيلات اقتصادية معروفة تقدمها إيران لسورية!!
لذا فإن الجيش السوري ـ من قبيل بسط النفوذ والهيمنة ـ لم يدع حزباً أو طائفة في لبنان إلا وتحرَّش بها وقام بضربها .. إلا حزب الله الشيعي المدلل فإنه لم يقترب منه ولا من أحد من عناصره بأي سوء!(2/278)
ومنها: أن الذي يقوم به حزب الله من عمل عسكري مناوئ .. لا يُسمح لغيره من القوى السنية ـ المتواجدة في المنطقة والمتعطشة للجهاد ـ أن تقوم به .. ولو تجرأ أحد منهم على مهاجمة الصهاينة كما يفعل حزب الله .. لقامت السلطات اللبنانية .. مع القوات السورية المتواجدة في لبنان بإحضاره .. وإنزال أشد العقوبات به!!
فعلام المباح لحزب الله .. محرم على غيره .. وعلام المباح للشيعة الروافض محرم على غيرهم ؟!!
الجواب: أن هذه الهجمات الصورية ـ المتفق عليها ـ التي يشنها حزب الله الرافضي ضد الصهاينة اليهود .. هي من لوازم الدعاية للتشيع والرفض التي تقودها إيران .. وبالتالي كان لا بد منها!
وبالفعل قد تحقق للروافض كثير من غاياتهم .. حتى أننا وجدنا صور طاغوت إيران " الخميني " وشعارات التأييد له ولثورته .. مرفوعة ومعلقة في بيوت أهل السنة وأماكنهم .. في فلسطين وغيرها من أمصار المسلمين .. ولما تسألهم عن السبب الذي حملهم على هذا التأييد والإعجاب بالخميني وثورته .. وشعاراته .. يجيبونك على الفور .. أنظر ماذا يفعل حزب الله الشيعي .. أتريد دليلاً وبرهاناً على صدق هذه الطائفة أكثر من حزب الله .. ومن صواريخ حزب الله التي يرمي بها إسرائيل ..؟!!
بل لشدة إعجاب بعض المغفلين من أهل السنة بحزب الله وبطولاته ـ التي يضخمها الإعلام وينفخ فيها ـ وجدنا منهم من يرددون الطعن والسب لمعاوية، وغيره من الصحابة .. وهذا هو مراد القوم منهم ..!
ولا نتعدى الحقيقة لو قلنا أن الدعاية التي حققها حزب الله للتشيع والرفض .. لم يحققها مشائخ وآيات الرافضة خلال مائة عام مضت .. فإذا علمت ذلك أيها القارئ .. أدركت لماذا إيران تضع كل ثقلها ـ المادي والمعنوي ـ لدعم وحماية حزب الله الشيعي في لبنان ..؟!(2/279)
ومنها: أن الهجمات التي يشنها حزب الله أكثرها صورية .. عديمة الأثر والفاعلية .. وتأتي في مناطق ميتة لم يترتب عليها أية خسارة في صفوف الصهاينة اليهود .. مما يشعرك وكأن الأمر مرتب بين الطرفين!
ومنها: أن حزب الله .. صرح أكثر من مرة .. أنه يدين بالطاعة والولاء .. للسلطة المارونية الحاكمة في لبنان .. وأنه يتحرك وفق السياسة التي تمليه عليه الدولة .. ولتي هي بدورها أداة طيعة بيد النظام السوري .. وأنه لن يوقف قتاله ضد إسرائيل إلا بعد تحرير آخر شبر من أرض لبنان .. وهذا يعني أن جهاده ليس جهاداً إسلامياً في سبيل الله .. ويعني كذلك أن القضية الفلسطينية لا تهمه في شيء .. فغاية أمره وهمه أن يُحرر أرض لبنان .. وليس فلسطين .. وينتهي الأمر!
ومنها: أن الشيعة الروافض كانوا بالأمس القريب .. بقيادة أمل الشيعية وغيرها .. يقومون بتقتيل الفلسطينيين وبمحاصرة مخيماتهم في لبنان .. إلى أن اضطروهم إلى أكل القطط والكلاب الداشرة .. والذين قُتلوا من الفلسطينيين على أيدي الشيعة الروافض في لبنان أكثر بكثير من الذين قتلوا
على أيدي الصهاينة اليهود طيلة مدة الانتفاضة الفلسطينية ..!!
ما أسرع ما ينسى المسلمون مآسيهم .. ليتحول قاتلهم بالأمس إلى صديق اليوم ؟!!
كل ذلك يجعلنا نجزم بأن الدور الأساسي لحزب الله الرافضي في لبنان هو أن يصطنع الدعاية الناجحة للتشيع والرفض .. أكثر من كونه مناوئاً بحق لدولة إسرائيل .. أو أنه يريد تحرير فلسطين .. وشعب فلسطين!!
وأن هذه الدعاية الرافضية الضخمة التي تُجيَّر لصالح حزب الله .. هي في حقيقتها دعاية إلى التشيع والرفض .. وسب الصحابة .. وأمهات المؤمنين!!(2/280)
ما من طاغوت من طواغيت الحكم في المنطقة .. إلا وركب موجة القضية الفلسطينية .. وموجة نصرة الشعب الفلسطيني .. ليستعطف إليه الجماهير الضالة .. في مرحلة من المراحل .. ثم ما إن يمضي الوقت القليل .. ويتثبت حكمه .. وتتحقق مآربه .. وتهتف الجماهير الضالة باسمه .. إلا ويتكشف على حقيقته الدالة على أنه من أشد الناس تآمراً وعداوة للقضية الفلسطينية .. والشعب الفلسطيني .. وكان من آخر هؤلاء الطواغيت الذين ركبوا موجة القضية الفلسطينية .. طاغية إيران الخميني .. ومن جاء بعده من طواغيت الحكم في إيران!!
4- الاعتراض الرابع: مفاده أن من مشائخ الشيعة الروافض المعاصرين الذين يظهرون على بعض شاشات التلفاز .. ويتكلمون في بعض وسائل الإعلام .. تراهم يترضون على الشيخين أبي بكر وعمر، وغيرهما من الصحابة .. ويُظهرون نوعاً من التودد للمسلمين .. فكيف نوفق بين ذلك وبين القول بأنهم يطعنون بالصحابة ويكفرونهم ..؟!
أقول: من أصول دين الروافض " التقية "، وأن من لا تقية له لا دين له؛ وهي تعني عندهم إظهار عكس ما يعتقدون ويُبطنون من الكفر، والحقد،
والزندقة[ ]!
لذا تراهم رهبة من جماهير الأمة .. ورغبة باستجلاب المغفلين منهم إلى حظيرة التشيع والرفض .. يتظاهرون ببعض ما ذُكر في السؤال .. فإذا خلا بعضهم إلى بعض عادوا إلى الشتم والطعن، والتكفير!
لذا هم يعتبرون موالاة علي بن أبي طالب ? ـ هذا البطل المغوار العظيم الذي لا يخشى في الحق لومة لائم ـ للخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم أجمعين .. ومبايعته لهم على السمع والطاعة .. وكذلك تزويجه لعمر بن الخطاب من ابنته " أم كلثوم " .. وكذلك مبايعة الحسن بن علي ? لمعاوية .. ومبايعة علي بن الحسين ليزيد بن معاوية .. وغيرهم من أئمة آل البيت الذين بايعوا خلفاء، وسلاطين زمانهم .. إنما حصل ذلك كله من باب التقية .. وإظهار خلاف ما يبطنون!!(2/281)
وهذا معناه أن أئمة آل البيت ـ حجة الله في أرضه .. المعصومين عن الخطأ والزلل .. الذين يعلمون ما كان وما سيكون .. والذين تخضع لولايتهم وسيطرتهم جميع ذرات هذا الكون .. وأن إرادتهم ومشيئتهم لا تُرد .. كما يزعم الشيعة الروافض! ـ كانوا شلة من الجبناء .. قد كتموا الحقّ .. ولم يصدعوا به في وجوه المخالفين لهم .. كما تزعم الرافضة .. وهذا عين الطعن والسبّ والتنقيص لكبار أئمة آل البيت رضي الله عنهم أجمعين .. حاشاهم مما ينسبه إليهم هؤلاء الزنادقة الخبثاء!
قال الخميني حجة الشيعة في هذا العصر وآيتهم، في كتابه كشف الأسرار، ص148: إن كل من له أقل قدرٍ من التعقل يدرك أن حكم التقية من أحكام الإله المؤكدة، فقد جاء أنَّ من لا تقية له لا دين له!
وكل من له دراية بالتاريخ يعلم أن الأئمة وأتباعهم الشيعة مروا بظروف قاسية، وأن السلاطين والخلفاء كانوا يُبيدون كل من ينتمي إلى الشيعة، وقد كُلِّفَ الأئمة من قبل النبي والإله بوجوب الحفاظ على أعراض الشيعة وأموالهم، ولذا فإنهم من باب التقية كانوا يصدرون أحياناً أوامر مخالفة لأحكام الله، حتى ينشب الخلاف بين الشيعة أنفسهم لتضليل الآخرين، وتفادياً لوقوعهم في المآزق!
فماذا تقولون إزاء ذلك ؟ هل تقولون: إن على الإنسان أن لا يقوم ـ في مثل هذه الظروف ـ بمخالفة أحكام الإله، فيعرض أرواح الناس وأعراضهم إلى الفناء؟! ا- هـ.
وهو يقول ذلك في معرض تفسيره وتأويله للرواية الرافضية عن زرارة، قال: سألت الإمام عن شيءٍ، فأجابني عليه جواباً. وجاء آخر وسأل عن الشيء نفسه، فأجابه جواباً آخر. وجاء ثالث وسأله عن الشيء ذاته، فأجابه بجوابٍ ثالث. قلت: لقد أجبت الشيعة الثلاثة الذين سألوا عن شيء واحدٍ أجوبة مختلفة؟! قال: حتى ينشب الخلاف فيما بينهم، ولا تظهر لهم الحقيقة! ا- هـ.(2/282)
هكذا هي التقية عند الروافض فإنها تعني تمييع الحقيقة .. وتمييع الدين .. والكذب على الناس .. وتعليمهم الأحكام الخاطئة .. لتقع الفتن والخلافات فيما بينهم .. والذي يقوم بكل ذلك الشر هم الأئمة المعصومون كما يزعمون .. ألا لعنة الله على الظالمين ؟!!
فإذا عرفت ذلك أيها القارئ بطل العجب .. وعرفت السبب والدافع الذي يحمل بعض مشائخ الشيعة الروافض ـ عبر بعض وسائل الإعلام ـ على الثناء أحياناً على الصحابة .. والتظاهر بنوع تودد للمسلمين!
304 - أخرجه مالك في الموطأ برقم (482) والبخاري برقم( 5058 )
305 - أخرجه البخاري برقم(2852) ومسلم برقم( 1873 )
306 - أخرجه أبو داود ( 2534) والبيهقي في السنن الكبرى 9/156 ( 18947)و سعيد بن منصور في سننه( 2367) وهو حسن لغيره
307 - أخرجه مسلم برقم(156و1920و1921)
308 - أخرجه أحمد في مسنده برقم ( 5835) وهو صحيح
309 - قد مر تخريجه
310 - أخرجه مسلم برقم (1065)
311 -أخرجه البخاري برقم(2704)
312 - أخرجه سعيد بن منصور برقم (2760و2761) والبيهقي في السنن الكبرى برقم(17192و17193) وهو صحيح
313 -أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم (17199) وهو حديث حسن
314 - أخرجه البخاري برقم (6930)
315 - أخرجه مسلم برقم( 1066)
316 - أخرجه البخاري برقم (1399 و1400) ومسلم برقم (20 )
317 - أخرجه أبو داود برقم (5057) وهو صحيح
318 - أخرجه البخاري برقم (3344) ومسلم برقم ( 1064 )
319 - أخرجه البخاري برقم (3610) ومسلم برقم( 1064 )
320 - أخرجه البخاري برقم(6767) ومسلم برقم ( 1920و1921 )
321 - أخرجه مسلم برقم(1925)
322 - أخرجه البخاري برقم (3641)وأبو عوانة في مستخرجه برقم(6062)
323 - أخرجه الطبراني في الكبير برقم(17139 ) وهو حديث حسن(2/283)
324 - عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- " إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلاَ خَيْرَ فِيكُمْ لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى مَنْصُورِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ".أخرجه الترمذي برقم (2351) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.وهو كما قال
325 -أخرجه البخاري برقم (2118)
326 - أخرجه مسلم برقم(2882)
327 - أخرجه مسلم برقم(2884) والبخاري برقم ( 2012)
328 - أخرجه البخاري برقم(2118)
329 -أخرجه مسلم برقم(2883)
330 -أخرجه ابن إسحاق في السيرة ابن كثير في البداية 3/366
331 - أخرجه مسلم برقم (2887)(2/284)
332 - عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ " كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ إِنِّى قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَىَّ غُلاَمًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلاَمًا يُعَلِّمُهُ فَكَانَ فِى طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلاَمَهُ فَأَعْجَبَهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ حَبَسَنِى أَهْلِى. وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ حَبَسَنِى السَّاحِرُ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ فَقَالَ الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ فَأَخَذَ حَجَرًا فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِىَ النَّاسُ. فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ أَىْ بُنَىَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّى. قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلاَ تَدُلَّ عَلَىَّ . وَكَانَ الْغُلاَمُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُدَاوِى النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِىَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ مَا هَا هُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِى فَقَالَ إِنِّى لاَ أَشْفِى أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِى اللَّهُ فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ. فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ(2/285)
كَمَا كَانَ يَجْلِسُ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ قَالَ رَبِّى. قَالَ وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِى قَالَ رَبِّى وَرَبُّكَ اللَّهُ. فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلاَمِ فَجِىءَ بِالْغُلاَمِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ أَىْ بُنَىَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ . فَقَالَ إِنِّى لاَ أَشْفِى أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِى اللَّهُ. فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ فَجِىءَ بِالرَّاهِبِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ. فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِىءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ. فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِىءَ بِالْغُلاَمِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ. فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلاَّ فَاطْرَحُوهُ فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ. فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمْشِى إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ. فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِى قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلاَّ فَاقْذِفُوهُ. فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ. فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِى(2/286)
إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ قَالَ كَفَانِيهِمُ اللَّهُ.فَقَالَ لِلْمَلِكِ إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِى حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ. قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ تَجْمَعُ النَّاسَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِى عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِى ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِى كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ.ثُمَّ ارْمِنِى فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِى. فَجَمَعَ النَّاسَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِى كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ. ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِى صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِى صُدْغِهِ فِى مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ فَقَالَ النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ.فَأُتِىَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ. فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ فِى أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ وَقَالَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا. أَوْ قِيلَ لَهُ اقْتَحِمْ. فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِىٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا فَقَالَ لَهَا الْغُلاَمُ يَا أُمَّهِ اصْبِرِى فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ ".أخرجه مسلم برقم (3005)
333 - قلت : وهذا يدل على مشروعية العمليات الاستشهادية ، بل وجوبها في بعض الأحيان إذا كان فيها نكاية بالعدو ، وهذا قول آخر لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : يقول جوابا على سؤال :
/وأما قوله : أريد أن أقتل نفسي في اللّه . فهذا كلام مجمل، فإنه إذا فعل ما أمره اللّه(2/287)
به، فأفضى ذلك إلى قتل نفسه، فهذا محسن في ذلك، كالذي يحمل على الصف وحده حملاً فيه منفعة للمسلمين، وقد اعتقد أنه يُقتل، فهذا حسن . وفي مثله أنزل اللّه قوله : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ } [ البقرة : 207 ] ، ومثل ما كان بعض الصحابة ينغمس في العدو بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم . وقد روى الخَلاَّلُ بإسناده عن عمر بن الخطاب : أن رجلاً حمل على العدو وحده، فقال الناس : ألقى بيده إلى التهلكة . فقال عمر : لا، ولكنه ممن قال اللّه فيه : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ } .
وأما إذا فعل ما لم يؤمر به، حتى أهلك نفسه، فهذا ظالم متعدٍ بذلك، مثل أن يغتسل من الجنابة في البرد الشديد بماء بارد يغلب على ظنه أنه يقتله، أو يصوم في رمضان صوماً يفضي إلى هلاكه، فهذا لا يجوز، فكيف في غير رمضان ؟ !
وقد روى أبو داود في سننه، في قصة الرجل الذي أصابته جراحة، فاستفتى من كان معه : هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا : لا نجد لك رخصة، فاغتسل، فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : / ( قَتَلوه، قتلهم اللّه، هَلا سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شِفاءُ العيِّ السؤال )
وكذلك روى حديث عمرو بن العاص، لما أصابته الجنابة في غزوة ذات السلاسل، وكانت ليلة باردة فتيمم، وصلى بأصحابه بالتيمم، ولما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال : ( ياعمرو، أصليت بأصحابك، وأنت جنب ؟ ) فقال : يارسول اللّه، إني سمعت اللّه يقول : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [ النساء : 29 ] فضحك، ولم يقل شيئاً . فهذا عمرو قد ذكر أن العبادة المفضية إلى قتل النفس بلا مصلحة مأمور بها، هي من قتل النفس المنهي عنه، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .(2/288)
وقتل الإنسان نفسه حرام بالكتاب والسنة والإجماع، كما ثبت عنه في الصحاح أنه قال : ( من قتل نفسه بشيء عُذب به يوم القيامة ) ، وفي الحديث الآخر : ( عبدي بادأني بنفسه، فحرمتُ عليه الجنة، وأوجبت له النار ) ، وحديث القاتل الذي قتل نفسه لما اشتدت عليه الجراح، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أنه من أهل النار، لعلمه بسوء خاتمته، وقد كان صلى الله عليه وسلم لا يصلى على من /قتل نفسه؛ ولهذا قال سمرة بن جندب عن ابنه لما أخبر أنه بُشِمَ، فقال : لو مات لم أصل عليه .
فينبغي للمؤمن أن يفرق بين ما نهي اللّه عنه من قصد الإنسان قتل نفسه، أو تسببه في ذلك، وبين ما شرعه اللّه من بيع المؤمنين أنفسهم وأموالهم له، كما قال تعالى : { إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ } [ التوبة : 111 ] ، وقال : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ } [ البقرة : 207 ] أي : يبيع نفسه .
والاعتبار في ذلك بما جاء به الكتاب والسنة، لا بما يستحسنه المرء أو يجده، أو يراه من الأمور المخالفة للكتاب والسنة، بل قد يكون أحد هؤلاء كما قال عمر بن عبد العزيز : من عَبَدَ اللّه بجهل، أفسد أكثر مما يصلح .
وفي شرح السير الكبير للسرخسي :
2963 - وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا حَمَلَ عَلَى أَلْفِ رَجُلٍ وَحْدَهُ فَإِنْ كَانَ يَطْمَعُ أَنْ يَظْفَرَ بِهِمْ أَوْ يَنْكَأَ فِيهِمْ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ . لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِفِعْلِهِ النَّيْلَ مِنْ الْعَدُوِّ .(2/289)
2964 - وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم , غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم , وَبَشَّرَ بَعْضَهُمْ بِالشَّهَادَةِ حِينَ اسْتَأْذَنَهُ فِي ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ لَمْ يَطْمَعْ فِي نِكَايَةٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ هَذَا الصَّنِيعُ . لِأَنَّهُ يُتْلِفُ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ , وَلَا نِكَايَةٍ فِيهِ لِلْمُشْرِكِينَ .
2965 - وَفِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ يَسَعُهُ الْإِقْدَامُ , وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَوْمَ يَقْتُلُونَهُ وَأَنَّهُ لَا يَتَفَرَّقُ جَمْعُهُمْ بِسَبَبِهِ ; لِأَنَّ الْقَوْمَ هُنَاكَ مُسْلِمُونَ مُعْتَقِدُونَ لِمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ , فَلَا بُدَّ مِنْ أَنَّ فِعْلَهُ يَنْكِي فِي قُلُوبِهِمْ , وَإِنْ كَانُوا لَا يُظْهِرُونَ ذَلِكَ , وَهَا هُنَا الْقَوْمُ كُفَّارٌ لَا يَعْتَقِدُونَ حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ وَفِعْلُهُ لَا يَنْكِي فِي بَاطِنِهِمْ , فَيُشْتَرَطُ النِّكَايَةُ ظَاهِرًا لِإِبَاحَةِ الْإِقْدَامِ .(2/290)
2966 - وَإِنْ كَانَ لَا يَطْمَعُ فِي نِكَايَةٍ وَلَكِنَّهُ يُجْزِئُ بِذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُظْهِرَ بِفِعْلِهِ النِّكَايَةَ فِي الْعَدُوِّ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ , إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى طَمَعٍ مِنْ النِّكَايَةِ بِفِعْلِهِ جَازَ لَهُ الْإِقْدَامُ , فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ يَطْمَعُ فِي النِّكَايَةِ فِيهِمْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ . وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي إرْهَابِ الْعَدُوِّ وَإِدْخَالِ الْوَهَنِ عَلَيْهِمْ بِفِعْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ; لِأَنَّ هَذَا أَفْضَلُ وُجُوهِ النِّكَايَةِ , وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَكُلُّ وَاحِدٍ يَبْذُلُ نَفْسَهُ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ .
وَلَوْ كَانَ أَسِيرًا فِي بَعْضِ حُصُونِهِمْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشُدَّ عَلَى بَعْضِهِمْ فَيَقْتُلُهُ فَإِنْ كَانَ يَطْمَعُ فِي قَتْلِهِ أَوْ فِي نِكَايَةٍ فِيهِمْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ لَا يَطْمَعُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ . لِأَنَّهُ يُلْقِي بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ , فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ بَعْدَ هَذَا وَيُمَثِّلُونَ بِهِ .
3169 - وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْحُكْمَ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ فِي الصَّيْفِ يُقَاتِلُ , وَأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ; مِنْهُمْ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَمِنْهُمْ حَمِيُّ الدَّبْرِ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ يَوْمَ الرَّجِيعِ , يَوْمَ بَنِي لِحْيَانَ , فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ هَذَا لِلْمُقَاتِلِ إذَا كَانَ يُنْكِرُ فِعْلَهُ فِيهِمْ فَلَأَنْ يَجُوزَ لِلْأَسِيرِ كَانَ أَوْلَى(2/291)
وَإِنْ أُمِرَ بِالسُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَضَرَبَهُ الَّذِي يُمْسِكُهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْتُلَ الْعِلْجَ وَيَأْبَى السُّجُودَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ . لِأَنَّ ضَرْبَ الْعِلْجِ وَقَتْلَهُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ يَكُونُ نِكَايَةً فِيهِمْ لَا مَحَالَةَ , وَفِي إبَائِهِ السُّجُودَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إعْزَازُ الدَّيْنِ , فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَفْعَلَهُ , وَلَا يَكُونُ بِهِ مُعِينًا عَلَى نَفْسِهِ .
3174 - وَلَوْ قَالَ الْأَسِيرُ لَهُمْ : أَنَا أَعْلَمُ الطِّبَّ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَسْقِيَهُمْ الدَّوَاءَ فَسَقَاهُمْ السُّمَّ فَقَتَلَهُمْ فَإِنْ سَقَى الرِّجَالَ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ . لِأَنَّ ذَلِكَ نِكَايَةٌ فِيهِمْ , وَأَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ الصِّبْيَانَ وَالنِّسَاءَ , كَمَا أَكْرَهُ لَهُ قَتْلَهُمْ . إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً مِنْهُمْ قَدْ أَضَرَّتْ بِهِ . وَقَصَدَتْ قَتْلَهُ , فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْقِيَهَا كَمَا لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْتُلَهَا إنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ . وَلَوْ أَنَّ أَسِيرًا فِيهِمْ دَلَّى نَفْسَهُ مِنْ حِصْنٍ أَوْ سُورِ مَدِينَةٍ لِيَهْرَبَ فَسَقَطَ فَمَاتَ , فَإِنْ كَانَ عَلَى طَمَعٍ مِنْ أَنْ يَنْجُوَ حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِمَا صَنَعَ . لِأَنَّ قَصْدَهُ السَّعْيُ فِي نَجَاتِهِ وَالْفِرَارُ بِدِينِهِ كَيْ لَا يُفْتَتَنَ وَالْمُجَاهِدُ فِي كُلِّ مَا يَصْنَعُ عَلَى طَمَعٍ مِنْ الظَّفَرِ وَخَوْفٍ مِنْ الْهَلَاكِ .(2/292)
3176 - فَإِنْ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ , وَإِنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْهَلَاكِ أَوْ كَانَ أَكْبَرَ الرَّأْيِ أَنَّهُ لَا يَنْجُو فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ هَذَا الصَّنِيعُ . لِأَنَّهُ يَقْتُلُ بِهِ نَفْسَهُ . 3177 - وَهُوَ نَظِيرُ مَا سَبَقَ إذَا دَلَّى نَفْسَهُ فِي قِدْرٍ مِنْ بَعْضِ الْمَطَامِيرِ لِيُقَاتِلَ الْعَدُوَّ فَإِنْ كَانَ يَطْمَعُ أَنْ يَنْكَأَ فِعْلُهُ فِيهِمْ لَمْ يَكُنْ بِمَا صَنَعَ بِهِ بَأْسٌ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يَنْكَأُ فِعْلُهُ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ
4461 - وَلَوْ أَنَّ عَسَاكِرَ ثَلَاثَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَخَلُوا أَرْضَ الْعَدُوِّ , وَدَخَلَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ نَاحِيَةً مِنْ النَّوَاحِي , فَأَتَى الْعَدُوُّ عَسْكَرَيْنِ مِنْ تِلْكَ الْعَسَاكِرِ , وَتَرَكُوا الْعَسْكَرَ الثَّالِثَ , فَأُخْبِرَ الْعَسْكَرُ الثَّالِثُ بِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ , فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْعَسْكَرِ الثَّالِثِ أَنَّ أَهْلَ الْعَسْكَرَيْنِ يَنْتَصِفُونَ مِنْ الْعَدُوِّ مَضَوْا عَلَى غَزْوِهِمْ . لِأَنَّ الْعَسْكَرَيْنِ الْآخَرَيْنِ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى إعَانَتِهِمَا(2/293)
4462 - وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ مِنْهُمْ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ يَنْتَصِفُ , وَالْآخَرَ لَا يَنْتَصِفُ أَتَوْا الْفَرِيقَ الْآخَرَ الَّذِي لَا يَنْتَصِفُ . لِمَا قُلْنَا : إنَّ فِيهِ نِكَايَةً لِلْعَدُوِّ وَنَجَاةَ الْمُسْلِمِينَ . 4463 - وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ مِنْهُمْ أَنَّ الْفَرِيقَيْنِ لَا يَنْتَصِفُونَ مِمَّنْ أَتَاهُمْ , وَإِنْ تَفَرَّقُوا لَمْ يُغْنُوا شَيْئًا , فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْعَسْكَرَيْنِ أَقْرَبَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَتَوْا الْعَسْكَرَ الْآخَرَ وَتَرَكُوهُمْ . لِمَا قُلْنَا : إنَّ الْخَوْفَ عَلَيْهِمْ أَكْبَرُ .
4464 - وَإِذَا كَانَ حَالُ الْعَسْكَرَيْنِ حَالًا وَاحِدَةً أَتَوْا أَقْرَبَ الْعَسْكَرَيْنِ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ الْعَسْكَرُ الْآخَرُ يَهْلَكُ . لِأَنَّ عَدُوَّ ذَلِكَ الْعَسْكَرِ أَقْرَبُ مِنْهُمْ .
4465 - فَإِنْ كَانَ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَلِيلًا وَالْآخَرُونَ كَثِيرًا بُدِئَ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَلَمْ يُنْظَرْ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ . لِأَنَّ حَقَّ الْأَقْرَبِ أَوْجَبُ .
4466 - إلَّا إنْ كَانَ هَذَا يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ إضْرَارًا شَدِيدًا وَيَخَافُونَ أَنْ يَهْلَكَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ وَيَذِلُّونَ , فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ هَكَذَا أَتَوْا الْكَثِيرَ . لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا أَكْثَرُ وَأَعَمُّ .(2/294)
4467 - وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ أَكْثَرَ وَالْأَبْعَدُونَ أَقَلَّ لَا يَكُونُ الْأَبْعَدُ أَوْلَى بِالنُّصْرَةِ وَلَكِنَّ الْأَقْرَبِينَ أَوْلَى . لِأَنَّ رُبَّ قَلِيلٍ يَنْتَصِفُونَ مِنْ كَثِيرٍ , وَرُبَّ كَثِيرٍ لَا يَنْتَصِفُونَ مِنْ قَلِيلٍ فَحَقُّ النُّصْرَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ , إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ . وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ
334 - أخرجه الترمذي برقم ( 1485 ) والنسائي في سننه برقم(4112)وأحمد في مسنده برقم(1674) وهو حديث صحيح
335 - أخرجه أحمد في مسنده برقم(17101) وهو حديث صحيح وأخرجه البخاري مختصرا
336 -أخرجه أحمد في مسنده برقم (24204) وهو صحيح
337 - أخرجه البخاري برقم(5590) ومسلم برقم( 215 )
338 - أخرجه مسلم برقم (1035)
339 - مر تخريجه قبل قليل وهو صحيح
340 - أخرجه مسلم برقم(1066)
341 - قد مر تخريجه
342 - أخرجه البخاري برقم (6930) ومسلم برقم( 1066 )
343 - أخرجه البخاري برقم(3344) ومسلم برقم( 1064 )
??
??
??
??
13(2/295)