بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثاني
منهج النسائي في التوثيق والتعديل
علم الجرح والتعديل من العلوم الجليلة التي كان لها الدور العظيم في حفظ السنة النبوية ، والذود عن حِيا ضها .
وقد تصدر للبحث فيه أئمة كثيرون تباينت مداركهم ، وتنوعت مذاهبهم ، ومن ثم اختلفت أحكامهم في الرجال ، مع بذلهم الجهد واستفراغهم الواسع في إنزال الرواة منازلهم ، وقصارا هم إرضاء المولى جل ثناؤه وصون الدين ,وإسداء النصح للمسلمين ، وفي هذا يقول الذهبي : ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل ، لكن هم اكثر الناس صواباً ، وأندرهم خطأ ، أشدهم أنصافا ، أبعدهم عن التحامل . وإذا اتفقوا على تعديل أو جرح فتمسك به ، واعضض عليه بناجذيك ولا تتجاوزه فتندم ، ومن شذ منهم فلا عبرة به ، فخل عنك العناء ، وأعط القوس باريها ، فو الله لولا الحفاظ الأكابر لخطبت الزنادقة على المنابر ، ولئن خطب خاطب من آهل البدع فإنما هو بسيف الإسلام ، وبلسان الشريعة وبجاه السنة ، وبأ ظهار متابعة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - (1).
وكلام هؤلاء النقاد قائم على الاجتهاد ، وقوة ، المعرفة بأحوال الرواة ، قال زكي الدين المنذري : (( واختلاف هؤلاء كاختلاف الفقهاء ، كل ذلك يقتضيه الاجتهاد(2). وليس كل أحد يقبل رأيه واجتهاده في النقد كما لا يقبل اجتهاد كل أحد في الفقه، وإنما لهذا العلم وذاك شروط واداب ينبغي توافرهما فيمن تصدا للخوض فيهما . وقد اختصر الذهبي تلك الشروط والآداب في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة ، تام الورع(3)
__________
(1) سير أعلام النبلاء 11\82 .
(2) رسالة في الجرح والتعديل 47.
(3) ميزان الاعتدال 3\46.(1/1)
وقد قسم الذهبي أئمة الجرح والتعديل من حيث كثرة كلامهم في الرجال أو قلته ، ومن جهة اعتدالهم في النقد او عدمه إلى عدة أقسام ، فقال (( اعلم – هداك الله – أن الذين قبل الناس قولهم في الجرح والتعديل على ثلاثة أقسام :قسم تكلموا في أ كثر الرواة : كما لك ، وشعبة وقسم تكلموا في الرجال بعد الرجال : كابن عيينة ، والشافعي . والكل أيضا على ثلاثة أقسام : قسم منهم متعنت في الجرح ، متثبت في التعديل ، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث ، ويلين بذالك حديثه ، فهذا إذا وثق شخصياَ فعض على قوله بناجذيك وتمسك بتوثيقه ، وإذا ضعف رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه ، فإن وافقه ولم يوثق ذاك أحد من الحذاق فهو ضعيف ، وان وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه : لا يقبل تجريحه إلا مفسراً ... وأبن معين ، وأبو حاتم ، والجوز جاني متعنتون . وقسم في مقابلة هؤلاء: كابي عيسى الترمذي ، وأبي عبد الله الحاكم ، وأبي بكر البيهقي متساهلون . وقسم كالبخاري ، واحمد بن حنبل ، وأبي زرعه ، وابن عدي معتدلون منصفون(1).
ولا شك أ ن أبا عبد الرحمن النسائي من كبار النقاد الجهابذة الذين قبل قولهم في الجرح والتعديل ، وكان عليهم الاعتماد والتعويل ، قال أبو يعلى الخليلي : اتفقوا على حفظة وإتقانه ، ويعتمد على قوله في الجرح والتعديل(2).
وقال الذهبي : ولم يكن أحد في رأس الثلاث مائة أحفظ من النسائي ، هو أحذق بالحديث ، وعلله ، ورجاله من مسلم ، ومن أبي داود ، ومن أبي عيسى ، وهو جار في مضمار البخاري ، وأبي زرعة(3).
__________
(1) ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل 158- 159.
(2) الإرشاد1\436.
(3) سير اعلام النبلاء 14\ 133(1/2)
وقد تكلم النسائي في عدد كبير جداً من الرواة ، حيث كاد عددهم أن يقارب الثلاثة آلاف رجل ، لذا يصح إلحاقه في أهل القسم الأول الذين نعتوا بالتكلم في اكثر الرواة ، وإن لم يتكلم في أكثرهم على الحقيقة ، وإنما ألحقته فيهم لأنه أكثر تصدياً للجرح والتعديل من أهل القسم الثاني الذين وصفوا بالتكلم في كثير من الرواة .
وأما تعيين مرتبة أبي عبد الرحمن في التقسيم الآخر الذي ذكره الذهبي فسيأتي الحديث عنه فيما بعد إن شاء الله تعالى ، وإن كنت أذكر هنا أن الذهبي .
وابن حجر نسباه إلى التشدد ، فقال الذهبي : وحديث الحارث _( يعني ابن عبد الله لأعور ) – في السنن الأربعة ، والنسائي مع تعنته في الرجال فقد احتج به ، وقوى أمره ، والجمهور على توهين أمره مع
روايتهم لحديثه في الأبواب(1).
وقال أيضا : وحسبك بالنسائي وتعنته في النقد حيث يقول :وابن وهب وثقه(2).
وقال أيضاً مالك بن دينار ... فهذا النسائي قد وثقه ، وهو لا يوثق أحداً ألا بعد الجهد(3). وقال ابن حجر : أحمد بن عيسى التستر ي ... وقد احتج به النسائي مع تعنته(4)وأشرع بعد هذا التقديم في الحديث عن منهج النسائي في التوثيق والتعديل(5)فأقول : تعددت أقوال أبي عبد الرحمن في توثيق الرواة وتعديلهم حسب اختلاف درجاتهم ، ودونك ألفاظه(6)فيهما منسقة ، بادئاً بالأوثق ، ثم من يليه في المنزلة ، وهكذا فصباً :
ثقة ثبت مأمون(7)،
__________
(1) ميزان الاعتدال 1\437.
(2) سير اعلام النبلاء 9\228.
(3) المغني في الضعفاء 2\538.
(4) هدي الساري 387.
(5) وذلك في القسم الذي خصصته للدراسة والمقارنة وأخراج عن هذا كثيراً في الحاشية من غير التزام .
(6) أعني بتلك الالفاظ ما قاله النسائي في مجلس واحد ، ولم أجمع بين أكثر من قول له .
(7) قاله النسائي في بكير بن عبد الله بن الاشج وقد قاله ايضا ً في عمرو بن منصور النسائي كما في شيوخ النسائي(1/3)
ثقة مأمون أحد الأئمة(1)،ا لثقة المأمون أحد الأئمة(2)،ثقة ثبت(3),ثبت ثقة(4), ثقة مأمون صاحب حديث(5),
__________
(1) قاله في إبراهيم ابن محمد أبي اسحاق الفزاري . وقد قاله أيضا في علي بن المديني كما في تهذيب التهذيب .7/ 356 مع زيادة كلمة في الحديث .
(2) قاله في أحمد بن حنبل . وقد قاله أيضاً في يحيى بن سعيد الأنصاري كما في السنن الكبرى76 ، وفي يحيى بن معين كما في تاريخ بغداد 14/184 مع زيادة كلمة : في الحديث في أبن معين .
(3) 10) قاله في إسماعيل بن إبراهيم المعروف بإبن عليه وأيوب السختياني والحكم بن عتيبه وخالد بن الحارث الهجيمي وزهير بن معاوية الجعفي وزياد بن سعد الخرساني ، هذا وقال أبو عبد الرحمن في محمد بن يحيى الذهلي كما في تهذيب التهذيب 9 / 515 ثقة ثبت أحد الأئمة في الحديث .
(4) 11) قاله في حماد بن زيد بن درهم هذا وقد أقتصر النسائي على كلمة ثبت في سهل بن محمد بن الزبير كما في السنن الكبرى 148 وفي المعلى بن أسد كما في المصدر السابق أيضا 150 ولا شك أن عبارة ثبت ثقة أرفع منها
(5) 12) قاله في أحمد بن سليمان الرهاوي وقد قاله أيضا في عباس بن عبد العظيم العنبري كما في شيوخ النسائي 4أ ومثل هذه اللفظة قول أبي عبد الرحمن في علي بن حجر كما في شيوخ النسائي 3أ ثقة مأمون حافظ وأرفع من هذه العبارة قوله في أبي عبد الله البخاري كما في تهذيب التهذيب 9/ 55 ثقة مأمون صاحب حديث كيّس .(1/4)
ثقة مأمون(1),أحد الأئمة(2)،
__________
(1) قاله في إسحاق بن راهويه وذكوان أبي صالح وزهير بن حرب أبي خيثمه وغيرهم وزظاد في ابن راهويه سمعت سعيد بن ذؤيب يقول ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق وقال في الحارث بن مسكين ثقة مأمون ليس في أصحاب بن وهب أنبل من الحارث وفي إبراهيم بن خالد أبي ثور ثقة مأمون أحد الفقهاء ، وفي إبراهيم بن أدهم ثقة مأمون أحد الزهاد وقدقال في عبيد الله بن سعيد اليشكري كما في شيوخ النسائي 4ب ثقة مأمون قل من كتبنا عنه مثله وفي يحيى بن حبيب البصري كما في المصدر السابق أيضا 5أ ثقة مأمون قل شيخ رأيت بالبصرة مثله .
(2) قاله في إسحاق بن راهويه وقال فيه أيضا في موضع آخر أحد الأئمة أنا أقدمه على أحمد بن حنبل وقد استعمل أبو عبد الرحمن تلك اللفظة المذكورة أعلاه أيضا في سليمان بن يسار الهلالي كما في تهذيب الكمال 12/104 .وقال في سفيان بن سعيد الثوري كما في إكمال تهذيب الكمال 105ب هو أجل من أن يقال فيه ثقة وهو أحد الأئمة الذين أرجو أن يكون الله تعالى ممن جعله للمتقين إماما وقال في يحيىبن سعيد الأنصاري 10 عبدربه بن سعيد ويحيى بن سعيد وسعد بن سعيد وهم ثلاثة أخوه فيحيى أجلهم وأنبلهم وهوو أحمد الأئمة وليس بالمدينة بعد الزهري في عصره أجل منه .
(
3) بقية هذا القول كما في مجموعة رسائل للنسائي 67: منها : الزهري ، عن علي بن حسين ، عن لأ[]ه الحسين ، عن علي بن أبي طالب عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - . والزهري ، عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أ[ن عباس ، عن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأوب ،عن محمد بن سيرين ، عن عبيد ة ،عن علي ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .(1/5)
أحسن الأسانيد التي تروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة(1).. وهؤلاء أهل الثبت والعدالة مشهورون بصحة’ النقل(2)، ليس أحد من كبار التابعين أحسن رواية عن الصحابة من ثلاثة(3)، لم يكن في عصر أحمد مثل هؤلاء الأربعة(4)... ، فلان أثبت وأحفظ من فلان(5),فلان أثبت من فلان(6)،فلان أجل من فلان(7).– ثقة صدوق(8)،
__________
(2) فا الذين قال فيهم النسائي ذالك هم : محمد بن سيرين ، ونافع مولى ابن عمر ، وسالم بن عبد الله ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وزيد بن جبير
(3) الثلاثة هم : قيس بن أبي حازم ، وأبو عثمان النهدي ، وجبير بن نفير .
(4) الأربعة هم : أبن المديني ، وأبن معين ، وأحمد بن حنبل ، وأبن راهويه.
(5) ينظر ترجمة أشعث بن عبد الملك الحمراني
(6) ينظر على سبيل المثال ترجمة حماد بن زيد .
(7) قال النسائي : وسالم أجل من نافع . وقد صرح أبو عبد الرحمن بتفضيل بعض الأئمة في رجال مخصوصين فقال : وأثبت أصحاب أيوب : حماد بن زيد ، وبعده عبد الوارث واسماعيل بن علية وقال ايضاً وهو يعني حماد بن زيد أعلم الناس بأيوب. وقال أيضاً وأثبت أصحاب سفيان (يعني الثوري ) عند نا والله اعلم يحيى بن سعيد القطان ثم عبد الله بن المبارك ثم و كيع بن الجراح ثم عبد الرحمن بن مهدي ثم أبو نعيم ثم الأسود يعني ابن عامر في هذا الحديث وقال أيضا حسين ( يغني ابن ذ كوان ) أثبت عندنا من أبن وهب وقال أيضا حسين ( يعني ابن ذ كوان ) أثبت عندنا من الوليد بن ثعلبة وأعلم بعبد الله بن بريدة . أثبت الناس في ابن شهاب الزهري : مالك بن أنس ، وزياد بن سعد الخرساني . وقال أيضاً : وأثبت أصحاب سعيد بن أبي عروبة : يزيد بن ز ر يع ، وأسرار بن مجشر . وغير ذلك يسير
(8) 10) قاله في الحارث بن مسكين ، وهو الذي قال فيه أيضا في موضع أخر كما تقدم : ثقة مأ مون ليس في أ صحاب ابن وهب أنبل من الحارث ..وقد قال النسائي تلك اللفظة أيضاً في قتيبة بن سعيد كما في تهذيب التهذيب 8\360 ، والمشهور عنه قوله فيه ثقة مأمون كما في شيوخ النسائي 3ب ، وغيره فعبارة ثقة صدوق في الحارث تفرد بايرادها مغلطاي كما تفرد بذكرها في قتيبة المزي في تهذيب الكمال 1123 ، وتبعه ابن حجر في تهذيب التهذيب 8/ 360 . فإن صحت تلك العبارة عن النسائي فتكون من ألفاظ التوثيق العالية عنده وقد قال أبو عبد الرحمن نحو تلك اللفظة : ثقة من أصدق الناس لهجة . وأنبه هنا إلى أن البعض نقل عن النسائي قوله في أحمد بن عبد الله بن أيوب أبي الوليد بن أبي رجاء: ثقة لا بأس به فهذا القول مجموعاً لم يثبت عن النسائي قيه . وقد قلت هذه اللفظة عن أبيعبد الرحمن أيضاً في قريش بن حيان كما في تهذيب الكمال 1128 وفي محمد بن الوليد بن عبد الحميد كما في المعجم المشتمل 277 . فإن ثبتت عنه فيهما فإنها دون قوله :ثقة صدوق في المرتبه . ولعل قول النسائي 2ب : صدوق ثقة دون قوله ثقة صدوق أيضاً. هذا ، وقد كرر أبو عبد الرحمن لفظة : ثقة في بعض الرجال فقال في طلحة بن عبد الملك الأياي كما في السنن الكبرى 122: ثقة ثقة ثقة . وقال في محمد بن سلمة المصري كما في تهذيب الكمال 1204 كان ثقة ثقة . وزعم المزي في المصدر السابق 14 / 238 أن النسائي قال في عباس بن فروخ : ثقة ثقة .(1/6)
ثقة حافظ للحديث(1)،ثقة أمين(2)،أحد الثقات(3)،كان ثقة(4)،
__________
(1) قاله في إبراهيم بن يعقوب السعدي الجوز جاني . وقال يحيى بن حكيم المقوم كما في شيوخ النسائي 5أ ثقة حافظ وقال أيضاً في محمد بن يحيى بن أ أيوب المر وزي كما في الصدر السابق 2ب : ثقة كان يحفظ . ونحو هذه العبارات قوله في عمرو بن علي الفلاس كما في المصدر السابق 3ب : ثقة صاحب حديث حافظ . وقوله في محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي ، ومحمد بن مسلم المعروف بابن واره كما في المصدر السابق 2ب : ثقة صاحب حديث . وقوله في فطر بن خليفة كما في تهذيب الكمال 1106 : ثقة حافظ كيس
(2) قال في الحسن بن إسماعيل المجالدي . ويبدو أن عبارة : ثقة مأمون أرفع عند أبي عبد الرحمن من كلمة :ثقة أمين – ويحرص النسائي على وصف كبار الأئمة با لأمانة ، حيث أن من أرفع عبارات التوثيق عنده قوله – كما في مجموعة رسائل للنسائي 75 -: أمناء الله على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة : شعبه بن الحجاج ، ويحيى بن سعيد القطان ، ومالك بن أنس .
(3) قاله في يحيى بن سعيد السجزي .
(4) قاله في الأسود بن شيبان . وقد قاله أيضاً في أبن الزناد عبد الله بن ذ كوان كما في إكمال تهذيب الكمال 100 أ ثقة .(1/7)
كان أحد النبلاء(1)، ثقة(2)، ،من الثقات(3).
__________
(1) قاله في إبراهيم بن محمد بن طلحة – الملقب بأسد قريش وأسد الحجاز وحده . وكان إبراهيم إلى جانب ثقته ممن عرف بالصدع بالحق في وجه الحكام ، ومع نسبه ، وفصاحته وعلو همته . فلعله لأجل ذلك كله وصف بالنبل . وقد أستعمل النسائي بعض مشتقات هذا الوصف في كبار الأئمة فقال في مالك بن أنس كما في التعديل والتجريح 2/ 699 : ماعندي أحد بعد التابعين أنبل من مالك بن انس ولا أجل منه ولا أوثق ولا امن على الحديث منه ... وقال في يحيى بن سعيد الأنصاري وأخويه عبد ربه وسعيد كما في السنن الكبرى 10 : وهم ثلاثة إخوة ، فيحيى أجلهم وأنبلهم ، وهو أحد الأئمة ... .
(2) هذه الفظة من أكثر ألفاظ التوثيق استعمالاً عند النسائي . وقد قال في عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت كما في التعديل والتجريح 2/933 : هو ثقة . قيل له كيف أحاديثه عن أبيه عن جده ؟ قال ثقة لاشك فيه . ولعل أرفع من كلمة : ثقة مفردة قول النسائي في محمد بن إسماعيل الطبراني كما في تهذيب الكمال 1175 : ثقة حسن الأخذ للحديث . هذا ، وقد استعمل أبو عبد الرحمن كلمة : نعم الشيخ كان في رجلين هما : علي بن محمد بن علي بن أبي المضاء ، وهارون بن أسحاق الهمداني . وقال في كل واحد منهما في موضع آخر : ثقة . تهذيب التهذيب 7/380 –381 ، 10/3 .
(3) قاله في إسماعيل بن يعقوب الصبيحي .(1/8)
ثقة إلا أنه كان يميل إلى الإرجاء(1)،ثقة إلا أنه مرجئ(2)، لا بأس به ... صدوق(3)، صدوق لا بأس به(4)، صالح لا بأس به(5)، ما علمت فيه إلا خيراً(6)، ليس به بأس(7)،
لابأس به(8)،
__________
(1) قال في الجار ود بن معاذ.
(2) قاله في حماد بن أبي سليمان .
(3) 10) قاله في أحمد بن حفص النيسا بوري ، وكلامه فيه على وجه التمام هو : لابأس به ، نيسابوري ، صدوق . كما قاله في أحمد بن علي الأموي ولفظه فيه : لا بأس به وهو صدوق .
(4) 11) قاله في أحمد بن حفص النيسا بوري الذي مر ذكره قريباً ، وفي أحمد بن عبدة . وقد قاله كذالك في عبدة بن عبد الرحيم كما في شيوخ النسائي 4أ ، وفي محمد بن ادم كما في الصدر السابق أيضاً 2أ ، وفي محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري كما في المعجم المشتمل 249 ، وفي محمد بن علي بن ميمون كما في شيوخ النسائي 2أ .
(5) 12) قاله في أحمد بن عبد الواحد الدمشقي المعروف بابن عبود أو بعبود . وقد قاله أيضاً في عبد الله بن عثمان كما في شيوخ النسائي 2أ.
(6) 13) قاله في جابر بن كردي . وقد قال في محمد بن جعفر بن محمد الرافقي كما في تهذيب التهذيب 9/95 : ما نعلم الاخيراً .
(7) 14) هذه الكلمة تلي كلمة : ثقة من حيث كثرة أستعمال النسائي لها في التعديل .
(8) وتلي هذه العبارة لفظة : ليس به بأس في كثرة استعمالها في التعديل من قبل أبي عبد الرحمن . ففي القسم المخصص للدلااسة والمقارنة يبلغ تعداد إيراد لفظة : لا بأ س به ثلثي تعداد اللفظة الأخرى تقريباً.(1/9)
صد وق(1)ما أعلم به بأساً(2)،مستقيم الحديث(3)،صالح(4)،صالح الحديث(5).
صويلح(6)، أرجو أن لا يكون به بأس(7)، ليس بحديثه بأس ،ليس بذاك القوي(8).
__________
(1) قاله في إبراهيم بن موسى بن جميل ،وإسحاق بن إبراهيم بن يونس ، وحفص بن عبد الرحمن البلخي ، وداود بن سليمان بن حفص . كما قاله في أربعة آخرين من القسم المخصص للدراسة والمقارنة .
(2) قاله في حرملة بن يحيى التجيبي .وقد قال في سلمة بن شبيب النيسا بوري كما في تهذيب الكمال 11/286 : ما علمنا به بأساً .
(3) قاله في خالد بن زياد بن جرو . وقد قال في محمد بن جعفر بن أبي كثير كما في التعديل والتجريح 2/623 : رجل صالح مستقيم الحديث . وقال في يحيى بن عبد الله بن سالم كما في تهذيب الكمال 1506 : مستقيم الحديث .
(4) قاله في جماعة من الواة .
(5) قاله في حفص بن غيلان الدمشقي .
(6) قاله في إبراهيم بن المستمر .
(7) قاله في إسماعيل بن حفص بن عمر الأزدي ، وإسماعيل بن زكريا الخلقاني . وقد قاله أيضاً في محمد بن ميمون الخياط كما في تهذيب التهذيب 9//485 . وفي هبيرة بن مريم كما في المصدر السابق 11/ 24 . وقال في عبد الرحيم بن ميمون كما في تهذيب الكمال 828 : أرجو أنه لابأس به : ونحو هذه العبارة عند النسائي قوله في مالك بن سعد القيسي كما في تهذيب التهذيب 10 / 17 ، ومحمد بن معاوية الزيادي كما في المصدر السابق 9/ 463 ، ومحمد بن موسى بن نفيع الحرشي كما في المصدر السابق 9 /482 ، ومعاوية بن صالح الأشعري كما في المصدر نفسه 10 / 212 : أرجو أن يكون صدوقاً .
(8) قاله في أحمد بن بشير الكوفي .(1/10)
فهذه هي عامة أقوال النسائي في التوثيق والتعديل نظمتها على ست درجات ، ودونك دراسة ما ينبغي دراسته منها، فأقول : إن أشهر الصيغ التي استعملها النسائي في أعلى درجات التوثيق هما كلمة : ثقة ثبت وكلمة : ثقة مأمون . فالكلمة الأ ولى استعملها غالب النقاد ، وأما الأ خري فليست كالأولى في الشهرة عندهم . ومن أرفع عبارات التوثيق عند النسائي أيضا قوله في بعض الرجال : أحد الأئمة وهذه الكلمة ونحوها_ يستعملها طائفة من النقاد المتأخرين للإشارة إلى كثرة علم المتصف بها مع استقامة أو صلاح أمره في الجملة ، ولا يتقيدون بإطلاقها في الثقات الإثبات ، لذا قد يكون الرجل عندهم إماماً وفيه مقال .ومع اهتمام أبي عبد الرحمن في كثير من الأحيان باختيار اللفظ المناسب لوصف الإثبات من الثقات فإنه لم يلتزم هذا الأمر في جميعهم حيث اقتصر في جماعة كبيرة منهم على قوله فيهم : ثقة . فمنهم إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي ، وبشر بن المفضل الرقاشي ، وبهز بن أسد العمي وحبان بن هلال البصري ، وحبيب بن الشهيد ، ورجاء بن حيوة . كما أن النسائي قال في بعض الرجال : ثقة مأمون ولم يتبين لي وجه رفعهم عن درجة : ثقة . بل إن أبا عبد الرحمن أفرد هذه العبارة الأخيرة فيهم ، وهم : أحمد بن محمد بن المغيرة العوهي ، وإبراهيم بن أدهم الزاهد .وأما كلمة : ثقة صدوق فقد قالها النسائي في رجلين كما تقدم ، ولا شك أنها عنده أرفع من كلمة : ثقة مفردة. ولعلها تضاهي عبارة : ثقة مأمون .وأما كلمة : ثقة أمين فإن أبا عبد الرحمن قالها في رجل واحد كما تقدم ، ولم أر ما يدل على ارتفاعه عن درجة : ثقة . لكن لما زاد النسائي على هذه الكلمة الأخيرة وصفاً مادحاً استحق ذلك الكلام المجموع الرفعة على المفرد .(1/11)
ولعل كلمة : أحد الثقات أرفع عند النسائي من كلمة : ثقة لأن عامة استعماله لها في الكبار(1)
وأكثر عبارات التوثيق والتعديل استعمالاً عند أبي عبد الرحمن كلمة : ثقة(2).ثم ليس به بأس . ثم لابأس به . وقد وضعت العبارتين الأخيرتين في درجة أعلى من درجة : صدوق لأن أكثر الذين قال فيهم النسائي : ليس به بأس و: لابأس به هم ثقات مطلقاً . بل إنه قال في جماعة كبيرة منهم في موضع أخر ثقة(3):ورغم هذا فإني لا أجرؤ على وضع هاتين العبارتين في وصف كلمة ثقة .
__________
(1) فقد قال في عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب كما في شيوخ النسائي 5 ب – 6أ أحد الأئمة . وقال في محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي كما في تهذيب التهذيب 9/ 273 : كان أحد الثقات ، ما رأينا بالعراق مثله . وقال في محمد بن الفضل السدوسي عارم كما في السنن الكبرى 254 : وكان أحد الثقات قبل أن يختلط ولم ترد تلك العبارة في القسم المقرر للدراسة والمقارنة إلا في ترجمة زكريا بن يحيى السجزي وهو من الثقات الحفاظ .
(2) عامة الذين وصفهم النسائي بهذا الوصف هم ثقات مطلقاً في الواقع وقليل جداً من كان دون ذلك حسبما رأيت .
(3) وقد وصف ابن حجر كلمة ليس به باس و لا باس به عند النسائي بالتوثيق حيث قال في هدي الساري في ترجمة إبراهيم بن المنذر الحزمي 388، وإسماعيل بن أبان الوراق 390 ، وزكريا بن إسحاق المكي 402– 403 وسالم بن عجلان الأفطس 404 وسريج بن النعمان الجوهري 404 وغيرهم : وثقة النسائي مشيراً الى قوله فيهم : ليس به باس أو لابأس به . ولعله أراد بالتوثيق ما يشمل مراتب المحتج بهم . وقد مر في ترجمة حسين بن الوليد النيسابوري الملقب بكميل وروح بن القاسم البصري قول النسائي في كل واحد منهما : ليس به بأس . مع أن سائر العلماء وصفوهم بالثقة المطلقة(1/12)
وقد قدمت كلمتي : لابأس به صدوق : وصد وق لا بأس به على ليس به بأس ولا بأس به لأن كال الذين قال فيهم النسائي العبارتين الأوليين أو إحداهما قد حكم عليهم في موضع أخر بكلمة : ثقة .
وقول النسائي : ما علمت فيه إلا خيراً رفعته عن كلمة : صدوق لأن أبا عبد الرحمن قاله في جابر بن كردي الذي قال فيه في موضع أخر لابأس به(1).
وأما لفظة : صدوق فلم يكثر النسائي من استعمالها ، حيث وردت في ثمانية مواضع من القسم المقرر للدراسة والمقارنة . وقد اقتصر عليها في أربعة رجال فقط تبين لي من خلال دراسة أحوالهم أن ثلاثة منهم يقال فيهم : صدوق حسن الحديث مع إضافة كلمة : في الراجح في اثنين منهم . وأن الرابع : ثقة صحيح الحديث وأما الأربعة الآخرون فقد تعدد قول أبي عبد الرحمن فيهم حيث قال في أحدهم مرة : صدوق ومرة ليس به بأس ومرة صويلح . وقال في الثاني مرة صدوق ومرة لابأس به وقال في الثالث مرة : كتبنا عنه شيئاً يسيراً صدوق ، ومرة صالح وقال في الآخر مرة صدوق ومرة لابأس به . وقد قلت في كل واحد منهم : صدوق حسن الحديث ، مع زيادة : في الأحوط : وفي أقل أحواله في الثاني والرابع على التوالي وأما قوال النسائي :
__________
(1) كما أن النسائي قال في محمد بن جعفر بن محمد الر فقي : ما نعلم إلا خيراً . وقد قال فيه في موضوع اخر – كما في تا ريخ بغداد 2/131 -: ثقة . واستعمل أحمد بن حنبل عبارة : لاأعلم إلا خيرا ونحوها وأراد بها التوثيق المطلق ، ومن أوضح الأدلة على هذا ما قاله عبد الله بن أحمد بن حنبل في العلل ومعرفة الرجال 2/33 : سألته – يعني أباه –عن إسماعيل بن جعفر – هو الأنصاري الزرقي - ؟ قال ما أعلم إلاخيراً . قلت ثقة قال نعم . وينظر ترجمة المختار بن فلفل في تهذيب الكمال 1311 ، كما ينظر في هذه الرسالة ترجمة الأسود بن هلال ، وجميل بن مرة .(1/13)
ما أعلم به بأساً فقد قاله في رجل واحد(1)وهو حرملة بن يحيى التجيبي الذي استخلصت فيه الحكم التالي : صدوق حسن الحديث في الجملة ، وهو ثقة – لكنه يغرب – صحيح الحديث في ابن وهب خاصة ، وليس بذاك في الشافعي . لكن لما كان أصل رواياته عن الشافعي في غير الحديث ، استبعد الأكثر ون حاله فيه .
وأما كلمة : مستقيم الحديث فقد قالها النسائي في خالد بن زياد بن جرو، وهو ثقة صحيح الحديث ولم أرفع تلك العبارة عن درجة :
صدوق لأنه قالها أيضاً في رجل(2)زعم البعض أنه قال فيه مرة أخرى : صالح كما قالها في رجل اخر هو صدوق .
__________
(1) قال النسائي في سلمة بن شبيب النيسابوري : ما علمنا به بأساً وسلمة ثقة . فهذا لايكفي لرفع كلمة : ما علمنا به بأساً إلى مرتبة : ليس به بأس لأن الرجل الآخر الذي قال فيه أبو عبد الرحمن : ما أعلم به بأساً هو صدوق حسن الحديث في الجملة . ولم يستعمل النسائي هاتين العبارتين في غير هذين الرجلين .
(2) هو محمد بن جعفر بن أبي كثير الثقة الذي ادعى المزي في تهذيب الكمال 1183 أن النسائي قال فيه صالح . وقد جاء التعديل والتجريح 2/623 عن أبي عبد الرحمن قوله فيه :رجل صالح مستقيم الحديث . فكلمة رجل صالح يريد بها النسائي الصلاح في الدين حيث قال في فضيل بن عيا ض كما في تهذيب الكمال 1103 : ثقة مأمون رجل صالح . فإن كان المزي أو غيره استل تلك الكلمة من القول الذي ذكره الباجي فيترجح عندي كون عبارة : مستقيم الحديث أرفع رتبة عند النسائي عن التي اخترتها فيها . وأما الرجل الآخر الذي قال فيه أبو عبد الرحمن تلك العبارة فهو يحيى بن عبد الله بن سالم كما في تهذيب الكمال 1506 وقد استعمل ابن حبان كلمة مستقيم الحديث في الثقات الرفعاء كما أشار عداب الحمش في رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل 62.(1/14)
وأما لفظة : صالح فهي أكثر العبارات المستعملة عند النسائي في الدرجة التي وضعتها فيها ، وفي الدرجة التالية لها . ومراده بها الصلاح في الحديث ، وقلما يصرح بهذا المراد فيقول : صالح الحديث . وإطلاق كلمة : صالح في الأصل ينصرف إلى الصلاح في الدين لكن النسائي ، وجماعة آخرين قصدوا بها الحكم على الرواية . وقد أشار إلى ذاك الأصل ابن حجر فقال من عاداتهم إذا أرادوا وصف الراوي بالصلاحية في الحديث قيدوا ذلك فقالوا : صالح الحديث . فإذا أطلقوا الصلاح فإنما يريدون به في الديانة(1).
وقد اقتصر النسائي على عبارة : صالح في أحد عشر رجلاً فقط من القسم المقرر للدراسة والمقارنة . حكمت على عشرة منهم بقولي : صدوق حسن الحديث . مع زيادة : في أقل أحواله : و في الراجح و: في الجملة في ثلاثة رجال فقط ، كل لفظة في رجل . وحكم النسائي على سبعة آخرين بعبارة : صالح مع إضافتها في أحدهم إلى الحديث ، وقد حكم على هؤلاء في مواضع أخرى بعبارة : ليس به بأس أو لابأس به أوكليهما ، أو صدوق . وقلت في أكثر هؤلاء : صدوق حسن الحديث مع زيادة في الأحوط :و في الأرجح . ورجحت في الباقين جانب التوثيق المطلق . كما حكم النسائي على سبعة رجال اخرين بعبارة : صالح . وقد قال فيهم في مواضع أخرى : ليس بالقوي أو ليس بذاك القوي أوضعيف في الحديث أو : بلغني عنه شيء أحتاج أستثبت فيه ، أو لاأدري ما هو ،أو كتبت عنه ولم أقف عليه أو ليس لي به علم وقد كتبت عنه . فالأول قالفيه هذه الكلمة الأخيرة ، وقال فيه مرة أخرى : لابأس به . والثاني قال فيه مرة : لاأدري ماهو ومرة كتبت عنه ولم أقف عليه . والثالث قال فيه : ليس بالقوي وكذلك السادس .و قال في الرابع مرة ليس بالقوي ومرة بلغني عنه شيئ أحتاج أستثبت فيه .وقال في الخامس مرة ليس بالقوي ومرة ليس بذاك القوي وقال في السابع مرة ليس بالقوي
__________
(1) النكت على كتاب ابن الصلاح 2/680 .(1/15)
ومرة ضعيف في الحديث . كما أنه قال في رجل من غير هؤلاء السبعة : صالح في حديث أهل الشام ، وقال فيه مرة : ضعيف ومرة أخرى ضعيف كثير الخطأ . وخلاصة القول في هذا الرجل : أنه صدوق حسن الحديث في الأحوط وقد يكون أرفع من ذلك هذا كله في الشاميين خاصة وهو في غيرهم ضعيف وأماالسبعة فأولهم ثقة صحيح قبل العمى له اوهام بعده تنزل حديثه إلى مرتبة الحسن فيما لم ينكر عليه ولا يخرج في الجملة عن أن يكون صدوقاً وأما الرابع فثقة صحيح الحديث حسب قواعد النقاد ، والسادس ثقة أيضا وأما الباقون وهم الأكثرون فقد قلت في أحدهم صدوق حسن الحديث وفي الآخر صدوق حسن الحديث في الجملة وفي الآخر صدوق في حديثه شيء حسن الحديث في غير ما استنكر عليه إذا روى عنه ثقة وفي الآخر صدوق له أوهام حسن الحديث فيما لم يستنكر عليه وقد يقال إنه ممن يكتب حديثه للاختبار .فمما سبق يتبين رجحان وضع عبارة صالح وصالح الحديث عند النسائي في مرتبة صدوق وكثير من المتقدمين كأحمد بن حنبل على هذا الرأي .وأما عبارة : صويلح فلم يستعملها النسائي إلا في رجل واحد وهو
إبراهيم بن المستمر . وقد قال فيه في موضع اخر صدوق وفي موضع اخر أيضاً ليس به بأس وحكمت عليه بقولي صدوق حسن الحديث فهذا قد يدل على مشابهة تلك اللفضة لعبارة صالح لكن لا يكفي الاستعمال الواحد لبيان رتبة تلك الكلمة لاسيما وأن مدلولها اللغوي يجعلها دون عبارة صالح في الرتبة . وأما قول أبي عبد الرحمن : أرجو أن لايكون به بأس فقد استعمله في رجلين من القسم المقرر للدراسة وقال في أحدهما في موضع اخر ليس بالقوي .وتبين لي أنهما صدوقان حسنا الحديث.(1/16)
وقول النسائي : " ليس بحديثه بأس ليس بذاك القوي " هو من الألفاظالتي استعملها أبو عبد الرحمن في رجل واحد فقط(1)وهو أحمد بن بشير القرشي ، وقد حكمت عليه بقولي : " صدوق في حديثه شيء وهو حسن الحديث فيما لم يستنكر عليه " .
وثمة كلمة قالها النسائي في بعض الرجال وهي : " مشهور الحديث " سأرجئ الكلام عنها إلى موضوع منهج النسائي في التجهيل في الفصل الثاني من الباب الثالث .
وقد كان أبو عبد الرحمن قليل الاعتناء بوصف الحفاظ ، والفقهاء ، والعباد ، والزهاد ، بما عرفوا به من حفظ وفقه ، وعبادة ، وزهد عند كلامه فيهم جرحاً وتعديلاً . وله رسالة في تسمية فقهاء الأمصار تعرض في بعضهم للحكم على حديثهم ، وله رسالة أخرى صغيرة في المجروحين والموثقين من أصحاب أبي حنيفة . وهاتان الرسالتان موجودتان في مجموعة رسائل في علوم الحديث للنسائي . ومن الفوائد المذكورة في هذه المجموعة قول النسائي ـ الذي سبق إيراده في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد : - (لا يعاب اللحن على المحدثين ، قد كان إسماعيل بن أبي خالد يلحن ، وسفيان ، ومالك بن أنس ، وغيرهم من المحدثين) ومعنى هذا أنه لا ينبغي جعل اللحن المحتمل سبباً لغمز الثقات .
وأشير هنا إلى أن النسائي لم يكن يهتم –كعادة المتقدمين من أئمة هذا الشأن ابن معين و غيره ـ عند توثيقه وتعديله للرواة بذكر ما يؤيد رأيه من أقوال انقاد فيهم، إذ لم يجد شيئاً من هذا الأمر في القسم المقرر سوى قوله في اسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهوية : (ثقة مأمون ، سمعت سعيد بن ذؤيب يقول : ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق) . وهناك شيء آخر في ترجمة حماد بن سلمة ليس من هذا القبيل سيأتي التنبيه عليه في موضوع : منهج النسائي في الجرح والتلين في الفصل الثاني من الباب الثاني .
__________
(1) أعني في القسم المقرر للدراسة ، وفي غيره .(1/17)
وثمة أمور تعرض لها النسائي فق نقده ينبغي دراستها لأنها متممات الحديث عن منهجه ، وهي البدعة ، والاختلاط ، والتدليس .
البدعة : اختلف العلماء في الحكم على رواية المبتدع بين القبول والرد ، فتساهل البعض بإطلاق القول بقبولها ، وتشدد البعض بردها مطلقاً ، واختار الباقون التفصيل : وذلك أن المبتدع إما أن يكون ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه ، أولا يستحله . فإن استحله فعامة النقاد على تجنب حديثه ، وإن اعتقد حرمته فهر إما مكفر ببدعته ، أو غير مكفر ، فالأول قبل روايته بعض الأئمة ، والصواب ردها إذا كان التفكير متفقاً عليه حسب قواعد جميع الأئمة كدعوى حلول الإلهية في علي رضي الله عنه(1)
أو إنكار أمر متواتر من الشرع معلوم من الدين بالضرورة ، أو اعتقاد عكسه . وأما غير المكفر فقد زعم البعض أنه يقبل من روايته ما انفرد به خاصة . وذهب جماعة إلى قبول روايته مطلقاً سواء كان داعية أو غير داعية ، متفرداً أو غير متفرد ، لكن خص بعضهم قبول رواية الداعية بما إذا اشتملت على رد بدعته . واختار فريق كبير من الأئمة قبول روايته غير الداعية فقط، ونسب هذا القول للأكثرين ، ويرى بعض أصحاب هذا الفريق أنه يشترط لقبول رواية غير الداعية أن لا يروي ما يقوي بدعته .
وذهب بعض الأئمة إلى تفصيل آخر ، فقسموا البدعة إلى غليظة ، ومتوسطة، وخفيفة . فردوا رواية أهل البدعة الأولى مطلقاً ، وقبلوا رواية غير الداعية من المتوسطة ، ورجحوا القبول المطلق لرواية من كانت بدعته خفيفة . فهذا التقسيم قريب من الواقع ، لذا ينبغي دمجه مع التقسيم السابق ، حتى لا يبقى الأول نظرياً ليس له كبير حظ من التطبيق .
__________
(1) ومثل ابن حجر لذلك أيضاً بالإيمان برجوع علي رضي الله عنه إلى الدنيا قبل يوم القيامة . هدى الساري 385.(1/18)
وقد اضطربت أقوال النقاد كثيراً في دراسة مسالة البدعة من حيث قبول رواية صاحبها أو عدمه ، وأقر الذهبي بعدم اكتمال صورتها عنده فقال : (هذه مسألة كبيرة ، وهي : القدري ، والمعتزلي ، والجهمي ، والرافضي ، إذا علم صدقه في الحديث . وتقواه ، ولم يكن داعياً إلى بدعته ، فالذي عليه أكثر العلماء قبول روايته ، والعمل بحديثه ، وترددوا في الداعية ، هل يؤخذ عنه؟ فذهب كثير من الحفاظ إلى تجنب حديثه. وهجرانه ، وقال بعضهم : إذا علمنا صدقه. وكان داعية ، ووجدنا عنده سنة تفرد بها ، فكيف يسوغ لنا ترك تلك السنة؟ فجميع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بأن المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام ، ولم تبح دمه ، فإن قبول ما رواه سائغ . وهذه المسألة لم تبرهن لي كما ينبغي ، والذي أتضح لي منها أن من دخل في بدعة ، ولم يعد من رءوسها ، ولا أمعن فيها ، يقبل حديثه(1)، ولعل هذا القول من الذهبي هو من أحسن ما كتب في هذه المسألة لصراحته في التفريق بين أقوالهم النظرية المائلة إلى التضييق ، وواقعهم العملي الموسع .
__________
(1) سير أعلام النبلاء 7/154(1/19)
وأشرع الآن في الحديث عن اثر البدعة في الحكم على الرواة عند النسائي فأقول : لم يعتن أبو عبد الرحمن حالة حكمه على الرجال بذكر ما نسبوا إليه من بدع إلا في عدد يسير جداً من الرواة . ففي القسم المقرر للدراسة قال في الجار ود بن معاذ : (ثقة إلا أنه كان يميل إلى الإرجاء) . وقال في حماد بن أبي سليمان : (ثقة إلا أنه مرجئ) . كما أنه قال في أحمد بن حفص النيسابوري : (مرجئ) مع توثيقه له في موضع آخر . وقد قال أيضاً في سعيد بن أوس أبي زيد الأنصاري : (نسب إلى القدر) ، ولم يذكر فيه شيئاً آخر لذا أدرجت هذا الرجل في قسم المجروحين والملينين مع انه صدوق حسن الحديث . وقال النسائي أيضاً في أجلح بن عبد الله الكوفي : (ليس بالقوي ، وكان مسرفاً في التشيع) وقال فيه أيضاً : (ضعيف ، ليس بذاك ، وكان له رأي سوء) . وقال في حفص الفرد : (صاحب كلام لا يكتب حديثه) . فهذا جميع ما في القسم المخصص للدراسة من رمي الرواة بالبدع ، وأما في غيره فهو : قوله في عبد الله بن شريك الكوفي كما في الضعفاء والمتروكين : (ليس بالقوس مختاري) وقد قال فيه في موضع آخر : (ليس بذلك) . وفي موضع آخر : (ليس به بأس) وقوله في علي بن المنذر الطريقي كما في المعجم المشتمل : (شيعي محض ، ثقة) . وقوله في القاسم بن معن كما في السنن الكبرى : (كان القاسم بن معن من الثقات إلا أنه كان مرجئاً) . وقوله في قيس بن مسلم الجحدلي كما في تهذيب الكمال : (ثقة وكان يرى الإرجاء) . وقد قال أيضاً في يونس بن راشد كما في ميزان الاعتدال : (كان مرجئاً وكان داعياً) .
فقد لهج في هذا العدد القليل بذكر البدعة الإرجاء حيث نسبها إلى ستة من الرواة ، ووسم ثلاثة ببدعة الكوفيين ، ورمى رجلاً واحداً بالقدر، ووصف آخر بأنه صاحب كلام .(1/20)
ويستغرب منه اهتمامه بنسبة الإرجاء إلى هؤلاء الرواة مع إغفاله نسبة البدعة الشديدة والشنيعة إلى جماعات كثيرة جداً . لكنه أحسن بإطلاق التوثيق في عامة الذين نسبهم إلى الإرجاء ، مما يدل على عدم تأثير هذه البدعة عنده في الثقات الرفعاء ، أي أنها لا تخرج الثقة عن مرتبته . بيد أن قوله في يونس بن راشد : (كان مرجئاً وكان داعية) قد يفهم منه غمزة له ، لا سيما أنه لم يصرح بتعديله . لكن لا يكفي هذا المثال الواحد لإثبات منهج النسائي في الدعاة إلى البدعة وعامة النقاد على عد يونس في الدرجة التالية للتوثيق المطلق .(1/21)
ويبدوا لي من خلال استعراض عامة التراجم المدروسة أن مذهب النسائي في المبتدعة هو عدم تأثير بدعهم على حديثهم إن كانوا صادقين ضابطين ولو كانوا غلاة أو دعاة . لأنه أطلق التوثيق في الحارث بن حصيرة ، وهو متهم بالإيمان برجعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الدنيا . كما أنه أطلقه في أسد بن وداعة الحمصي ، وهو ناصبي كان يشتم علياً رضي الله عنه . ويدعو إلى ذلك . وأما توثيقه المطلق لغير الغلاة والدعاة من المبتدعة فهو كثير –ينظر ترجمة أبان تغلب وهو إن لم يكن رافضاً فغال في التشيع وربما كان داعية، وترجمه إبراهيم بن يوسف الماكيني ، وأيوب بن عائد الطائي ، وكلاهما من المرجئة ، وترجمة ثور بن زيد الديلي ، وثور بن يزيد الكلاعي ، وهما قدريان، وتلبس الأول أيضاً ببدعة الخوارج ، والآخر ببدعة النصب ، وترجمه الحسن بن علي الحلواني وقد حملوا عليه عدم تكفيره لمن وقف في القرآن ، وترجمه ذر بن عبد الله الهمداني ، وهو من المرجئة . وقد قال النسائي مرة في إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني الناصبي : (ثقة حافظ للحديث) . ومرة : (لا بأس به) . وقال في برد بن سنان مرة : (ثقة) ومرة : (ليس به بأس) . وهو قدري ، وقال في أحمد بن حرب الطائي : (لا بأس به) وهو أحب إلينا من أخيه علي بن حزب) وقد أنكر عليه تكلمه في مسألة اللفظ ، وقال في إسماعيل بن سميع : (ليس به بأس) وهو من المرجئة ، بل نسبه البعض إلى الدعوة إلى مذهبه .
لكن أبا عبد الرحمن لم يكن يقبل رواية من بالغ في غلوه إلى درجة المروق، لذا قال في حفص الفرد الذي كفره الشافعي : (صاحب كلام ، لا يكتب حديثه) .(1/22)
فهذا الذي استنبطه من مذهب النسائي في المبتدعة لم يتفرد به أبو عبدالرحمن ، وإنما ذهب إليه جماعات كثيرة، بل قال الذهبي كما تقدم : (فجمع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بأن المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام ، ولم تبح دمه ، فإن قبول ما رواه سائغ) . وقال البغوي : (وكذلك اختلفوا في رواية المبتدعة وأهل الأهواء ، فقبلها أكثر أهل الحديث إذا كانوا فيها صادقين ... )(1).
الاختلاط : وقع جماعة من الأئمة وغيرهم في الاختلاط أو التغير في آخر أعمارهم بسبب الخرف الناتج عن كبر السن ، أو فقدان بصر . أو ولد. أو مال ، أو ذهاب كتب . أو غير ذلك . والحكم فيهم إجمالاً ما قاله ابن الصلاح: ( أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط ، ولا يقبل حديث من أخذ عنهم بعد الاختلاط ، أو أشكل أمره ، فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده)(2).
وحرص النسائي عند ذكره لكثير من الرواة الذي عرض لهم هذا الأمر على التنبيه إلى تغيرهم أو اختلاطهم ، واهتم أيضاً بذكر حكم حديثهم قبل الاختلاط ، وميز في بعضهم حديثهم قبل الاختلاط عن حديثهم بعده بتسمية أشهر من روى عنهم قبل التغير وبعده. وإليك الآن سرد ما أوردته عن النسائي من ذلك في القسم المخصص للدراسة .
__________
(1) شرح السنة 1/248-249
(2) علوم الحديث 352.(1/23)
... فقد نقلت في ترجمة حماد بن زيد عن النسائي قوله : (ودخل عطاء بن السائب البصرة مرتين فمن سمع منه اول مرة فحديثه صحيح ، ومن سمع منه آخر مرة ففي حديثه شيء ، وحماد بن زيد حديثه عنه صحيح) . وأوردت في ترجمة سرار بن مجشر قول أبي عبد الرحمن فيه : (ثقة..وهو ويزيد يقدمان في سعيد بن أبي عروبة ، لأن سعيداً كان تغير في آخر عمره فمن سمع منه قديماً فحديثه صحيح) . وقال النسائي أيضاً في سعيد بن إياس الجريري : (ثقة أنكر أيام الطاعون) . وقال فيه أيضاً : (أنكر أيام الطاعون، وهو أثبت عندنا من خالد الحذاء ما سمع منه قبل أيام الطاعون) . وقال فيه أيضاً : (حماد بن سلمة في الجريري أثبت من عيسى بن يونس ، لأن الجريري كان قد اختلط ، وسماع حماد بن سلمة منه قديم قبل أن يختلط) . وقال في أصبغ مولى عمرو بن حريث مرة : (ثقة) ومرة (قيل : إنه كان تغير) . وقال في بحر بن مرارة مرة : (ليس به بأس) . ومرة (تغير) وقال في حصين بن عبد الرحمن السلمي مرة تغير ومرة : وقد كان حصين حصين بن عبد الرحمن اختلط في آخر عمره . وقال في رواد بن الجراح: (ليس بالقوي روى غير حديث منكر وكان قد اختلط) .
التدليس : وهو قسمان تدليس الإسناد ، وتدليس الشيوخ .
فأما تدليس الإسناد فهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهماً أنه سمعه منه . ويندرج تحته نوعان من التدليس ، وهما : تدليس العطف وهو أن يصرح بالتحديث عن شيخ له ويعطف عليه شيخاً آخر له ولا يكون سمع ذلك من الثاني . وتدليس القطع وهو نوعان : الأول : أن يحذف الصيغة فيقول على سبيل المثال : الزهري عن أنس . والثاني : أن يأتي بصيغة السماع ثم يسكت ناوياً القطع ثم يذكر اسم من أراد التوهيم بسماع ذلك الحديث منه . هذا ، ومما يلحق بتدليس الإسناد . تدليس التسوية وهو أن يسقط شيخ شيخه الضعيف من بين ثقتين لقي أحدهما الآخر ويأتي بينهما بصيغة العنعنة أو نحوها من تصريحه هو بالاتصال بينه وبين شيخه .(1/24)
وأما تدليس الشيوخ فهو أن يروي عن شيخ حدثاً سمعه منه فيسمسه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف . ويلحق بهذا القسم تدليس البلاد كأن يقول البغدادي حدثني فلان بما وراء النهر ويعني نهر دجلة.
وأدخل البعض تدليس الشيوخ في تدليس الإسناد . وجعل القسم الآخر: تدليس المتن وهو المدرج .
وقد اختلف الأئمة في الحكم على رواية المدلس ، فقيل : ترد مطلقاً ، وهو قول نظري . وقيل : تقبل مطلقاً ما لم يتبين في حديث بعينه عدم سماع المدلس من المدلس عنه . وقال الجمهور بالتفصيل وهو الصحيح ، وذلك أنه لا يقبل من روايته إلا ما بين فيه الاتصال بينه وبين شيخه ، مع ملاحظة الاتصال فوق ذلك فيمن عرف بتدليس التسوية . وقد احتمل تدليس البعض.
ولم يعتن النسائي حالة حكمه على الرجال بالإشارة إلى تدليس من عرف به منهم ، ففي القسم المخصص للدراسة بين حكم رواية مدلس واحد فقط وهو بقية بن الوليد فقال : (إن قال : أخبرنا أو حدثنا ، فهو ثقة ، وإن قال : عن ، فلا يؤخذ عنه ، لا يدرى عمن أخذه ) وقال فيه ثقة وإن قال : عن ، (لا يؤخذ عنه لا يدرى عمن أخذه) وقال فيه أيضاً : (إذا قال : حدثني وحدثنا ، فلا بأس) . لكن أبا عبد الرحمن سرد أسماء جماعة من المدلسين فقال : (ذكر المدلسين : الحسن وقتادة ، وحميد الطويل ، ويحي بن أبي كثير، والتميمي ، ويونس بن عبيد ، وابن أبي عروبة ، وهشيم ، وأبو اسحاق السبيعي ، واسماعيل بن أبي خالد ، والحكم ، والحجاج بن أرطأة ، ومغيرة ، والثوري ، وأبو الزبير المكي ، وابن أبي نجيح ، وابن عيينة)(1)، وذكر ابن حجر في مقدمة تعريف أهل القول السابق من هذه الرسالة أو أنه كلها .
__________
(1) كذا في سؤالات السلمي للدار قطني 172 ب نقلاً عن النسائي : وقد استبدل الذهبي في ميزان الاعتدال 1/460 ابن جريج بالثوري عند ذكره لقول النسائي هذا .(1/25)
وفي ختام هذا الموضوع – أعني منهج النسائي في التوثيق والتعديل- أشير إلى أن أبا عبد الرحمن يعد من المتشددين في التوثيق والتعديل(1)من جهة استعماله بعض العبارات في درجة أرفع مما هي عليه في اصطلاح المتأخرين . كعبارة : (ليس به بأس) فإن أكثر الذين وصفهم بها هم ثقات مطلقاً ، بل إنه قال في جماعة كبيرة منهم في موضع آخر : (ثقة) . لذا فهي أرفع عنده من عبارة : (صندوق) . كما أن عبارة (صالح) التي وضعت في أدنى مراتب التعديل تضاهي عند النسائي عبارة : (صدوق) . والله أعلم .
__________
(1) لقد اشتهر بين أهل العلم أن النسائي ينسب إلى التشدد ، لكن الشيخ عبد الرحمن المعلمي أغرب في كتابه التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل 1/66-67 حين ادعى أن النسائي متساهل في جانب توثيق المجاهيل من القدماء –وإن كان في مقام آخر من الكتاب نفسه 1/463 وصفه بالتشدد ، ومثل بثلاثة رجال درست اثنين منهم ، وهما : رافع بن اسحاق المدني ، وسعد بن سمره بن جندب الفزازي . فالأول قال فيه أحمد بن صال وابن عبد البر وابن حجر : ثقة ، وذكره ابن حبان في الثقات . وأما الآخر فإن ابن حسان ذكره في كتاب الثقات . هذا إلى جانب توثيق النسائي المطلق لهما . ولم أجد في هذين الرجلين غمزاً من أحد ، فهما إذاً جديران بذاك التوثيق . وينظر 891.(1/26)
الفصل الثاني
منهج النسائي في الجرح والتليين
تنوعت أقوال أبي عبد الرحمن في تجريح الرواة وتليينهم ، واختلفت مراتبهم لتراعي اختلاف درجاتهم ، وهذه ألفاظه(1)في ذالك منظمة ، مبتدئاً بالملينين ، ثم الضعفاء ، ثم من دونهم ، وهكذا قصباً:
__________
(1) أعني بتلك الألفاظ ما قاله النسائي في مجلس واحد ، ولم أجمع بين أكثر من قول له . كما أن الألفاظ المذكورة أعلاه منتقاة من القسم المخصص للدراسة والمقارنة فقط(1/1)
ليس بالقوي(1)، ليس بقوي(2)، ليس بالقوي في الحديث(3)، ليس بذاك القوي(4), ليس بذاك القوي يكتب حديثه(5)، ليس بذاك(6)، ليس بذاك في الحديث(7)، لين(8)، ليس ممن يعتمد عليه(9)، تكلموا فيه(10).
ليس بالقوى روى غير حديث منكر قد اختلط(11) .
__________
(1) قاله في تسعة وسبعين موضعاً . وقد قال في أجلخ بن عبد الله : ليس بالقوي ، وكان مسرفاً في التشيع . وقال في إبراهيم بن يوسف الحضرمي : وليس بالقوي
(2) قاله في ثلاثة رجال فقط ، منهم إبراهيم بن ناجية .
(3) قاله في ستة رجال فقط ، منهم إبراهيم بن يوسف الحضرمي .
(4) قاله في ستة رجال فقط ، منهم إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي .
(5) قاله في رجل واحد ، وهو السكسكي المذكور .
(6) قاله في البراء بن عبد الله الغنوي وحده .
(7) قاله في الحارث بن عبد الله الأعور , وزاد فيه : عاصم بن ضمرة أصلح منه .
(8) قاله في أسد بن خالد الخرساني فقط .
(9) 10) قاله في حيي بن عبد الله المعا فري فقط .
(10) 11) قاله في اياس بن معاوية القاضي الذي قال فيه في مو ضع اخر : ثقة . هذا ومما يلحق بهذه المرتبة من الأفاظ المهمة التي قالها النسائي في غير القسم المقرر للدراسة : لفظة : ليس با لقوي عندهم التي قالها في محمد بن عمرو الواقفي كما في تهذيب الكمال 9/379 .ولفظة : في حديثه شيء التي قالها في غيرما واحد منهم سليمان بن موسى الأموي كما في تهذيب الكمال 12/ 97 . ولفظة : نعرف وننكر التي قالها في عبد الله بن سلمة المرادي كما في الضعفاء والمتروكين نسخة مكتبة أحمد الثالث –9ب . ولعل مما يلحق بهذا المرتبة ايضاً قول النسائي في عباد بن منصور الناجي كما في السنن الكبرى 82 : ليس بحجة في الحديث .
(11) ... قال في رواد بن الجراح فقط . ولعل مما يلحق بهذه المرتبة قول النسائي في أبي حنيفة الإمام كما في مجموعة رسائل للنسائي الكبرى 82 : "ليس بحجة في الحديث" .(1/2)
ضعيف(1) ، ضعيف في الحديث(2) ، ضعيف ليس بذاك(3) ، ضعيف لا يحتج بحديثه(4)، ضعيف لا يحتج به(5) ، مضطرب الحديث(6) ، ضعيف كثير الخطأ(7) .
__________
(1) ... قاله في ثمانية وتسعين موضعاً . وقد قال في سعيد بن سلمة بن أبي الحسان : "شيخ ضعيف" .
(2) ... قاله في خصيف بن عبد الرحمن وحده .
(3) ... قاله في أجلح بن عبد الله ، وزاد فيه : "وكان له رأي سوء" .
(4) ... قال في أشعث بن سوار وحده .
(5) ... قاله في حجاج بن أرطاة فقط .
(6) ... قاله في أيوب بن عتبة فقط .
(7) ... قاله في إسماعيل بن عياش وحده . هذا ، ومن يلحق بهذه المرتبة من ألفاظ النسائي المهمة في وردت في غير القسم المخصص للدراسة : لفظة : "ضعيف لا تقوم – (أو يقوم) – بمثله حجة" . التي قالها في رجلين هما : عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان كما في السنن الكبرى 275 ، ومحمد بن الزبير الحنظلي كما في المجتبى 7/28. ولعل مما يلحق بهذه المرتبة أيضاً قول النسائي في غير ما واحد : "لا يحتج بحديثه" ، منهم يزيد بن أبي زياد الهاشمي الكوفي كما في السنن الكبرى 83 . وقد قال في يحيى بن يمان العجلي كما في المصدر السابق 133، والمجتبى 8/325 : "ولا يحتج بحديثه لسوء حفظه وكثرة خطئه" . ومما يرجع وضعه في هذه المرتبة لا في التي بعدها قول النسائي : "فيه نظر" . وقد أطلق هذه العبارة في رجلين فقط ، وهما : فطن بن إبراهيم النيسابوري كما في تهذيب الكمال 1130 وكثير بن إسماعيل التيمي كما في المصدر السابق 1141 . وقال في الأخير أيضاً كما في الضعفاء والمتروكين 206 : "ضعيف" . وقال أبو عبد الرحمن أيضاً في عبد الرزاق بن همام الصنعاني كما في المصدر السابق : 164 : "فيه نظر لمن كتب عنه بآخرة" . فقول النسائي في كثير : "ضعيف" قد يستدل به على تشابه العبارتين عنده ، ويرجح عدم إرادة أبي عبد الرحمن بتلك العبارة الضعف الشديد أنه روى عن فطن في سننه ..ويبدو أن بعض الأئمة ظن اتباع النسائي للبخاري في مراده بهذه العبارة التي يستعملها أبو عبد الله عادة في الهالكين ، قال عبد الغني بن سعيد في فطن بن إبراهيم – كما في لسان الميزان – "تركه النسائي" . وقال فيه الذهبي في ميزان الاعتدال 3/390 : "والعجب أن النسائي اخرج عنه ويقول : فيه نظر" . وقد لا يكون الذهبي فهم غير التضعف . وهذه المسألة لم تتبرهن لي كما ينبغي لقلة استعمال النسائي لتلك العبارة ، لكن الراجح ما ذكرته من إرادته بها التضعيف لا الاطراح . والله أعلم .(1/3)
- منكر الحديث(1) ، لا يعجبني حديثه(2) ، ضعيف الحديث لا يكتب حديثه(3) .- ليس بثقة(4) ، ليس بثقة ولا يكتب حديثه(5) ، ليس بثقة لا مأمون(6) ،، ضعيف ... متروك الحديث(7) ، ليس بثقة ضعيف(8) ، ليس بثقة متروك(9) ، لم يكن ثقة(10) ، متروك الحديث(11)، متروك(12) ، ليس بشيء.
__________
(1) ... قاله في عشرة من الرواة ، منهم رباح بن عبيد الله بن عمر .
(2) 10) ... قاله في تمام بن نجيح وحده .
(3) 11) ... قاله في رجلين فقط ، وهما : رشدين بن سعد المهري ، وسعيد بن سلام العطار. لكن أسقط في الاخير كلمة : "الحديث" .
(4) ... قاله في اثنين وسبعين موضعاً .
(5) ... قاله في سبعة وعشرين موضعاً .
(6) ... قاله في ستة رجال ، منهم بشير بن ميمون .
(7) ... قاله في سعيد بن سلام العطار وحده .
(8) ... قاله في إسحاق بن محمد الفروي وحده .
(9) ... قاله في رجلين فقط ، وهما : إبراهيم بن هدبة ، وداود بن عبد الجبار .
(10) ... قاله في حماد بن عمرو النصيبي وحده .
(11) ... قاله في أربعة وسبعين موضعاً .
(12) ... قال في رجلين فقط ، وهما : إسحاق بن محمد الفروي ، وجابر بن يزيد الجعفي .(1/4)
(1) ، متروك الحديث ليس بشيء(2) ، صاحب كلام لا يكتب حديثه(3) ، أحاديثه كلها موضوعه عن مالك وعن غيره(4) .
... - كذاب(5) ، كان من الكذابين(6) ، كذاب خبيث(7) ، والكذابون المعروفون بوضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة ... (8) .
__________
(1) 10) ... قاله في ثلاثة رجال فقط ، منهم حامد بن آدم المروزي . وقد قال في رجل آخر : "لا شيء ... خفيف الدماغ" مع أنه قال فيه في موضع آخر : "لا بأس به" . وهذا الرجل من أهل الاحتجاج فلا أدري ما مراد أبي عبد الرحمن بتلك العبارة المجموعة . ولا شك أن النسائي أراد بلفظه : "ليس بشيء" الترك .
(2) 11) ... قاله في إبراهيم بن الحكم بن أبان العدني فقط .
(3) 12) قاله في حفص الفرد وحده .
(4) 13) ... قال في حبيب بن أبي حبيب فقط . هذا ، ومما يلحق بهذه المرتبة من الألفاظ المهمة التي قالها الناسئي في غير القسم المخصص للدراسة : لفظة : "سقط حديثه" التي قالها في نوح بن أبي مريم كما في تهذيب الكمال 1427 . ولفظة : "لا يكتب حديثه" التي قالها في غير ما واحد ، منهم سليمان بن أرقم كما في تهذيب التهذيب 4/169 . ولفظة : "ليس بشيء ولا يكتب حديثه" التي قالها في نصر بن طريف كما في لسان الميزان : "ليس بشيء ولا يكتب حديثه" التي قالها في نصر بن طريف كما في لسان الميزان 6/154 – 155 . ولفظة : "ليس بثقة ولا مأمون متروك" التي قالها في سيف بن محمد كما في الضعفاء والمتروكين 123 .
(5) ... قاله في ستة رجال ، منهم أحمد بن عبد الرحمن بن وهب المصري .
(6) ... قاله في أيوب بن سيار الفيدي وحده .
(7) ... قاله في الحسن بن زياد اللؤلؤي فقط .
(8) ... بقية كلامه : "ابن أبي يحيى – (يعني إبراهيم بن محمد) – بالمدينة ، والواقدي ببغداد ، ومقاتل بن سليمان بخراسان ، ومحمد بن سعيد بالشام ويعرف بالمصلوب" .(1/5)
... فهذه هي عامة أقول النسائي في الجرح والتليين جعلتها على ست درجات ، والمراتب الثلاث الأخيرة لا يكتب حديث أصحابها عكس الثلاث الأول .
... وثمة أقوال للنسائي في الجرح والتليين لم يرد بها العموم ، وإنما قصد الطعن الخاص ، كغمز بعض الرواة في شيخ معين ، أو بلد معين ، وقد صرح بمراده في ذلك . فقال في زمعة بن صالح : "ليس بالقوى .. كثير الغلط عن الزهري" . وقال أيضاً : "والنعمان بن راشد كثير الخطأ عن الزهري ، ونظيره في الزهري زمعة بن صالح" . وقال أيضاً : "وأما حديث الزهري الذي أسنده جعفر بن برقان وسفيان بن حسين فليسا بالقويين في الزهري خاصة ، وقد خالفهما مالك وعبيد الله بن عمر وسفيان بن عيينة ، وهؤلاء أثبت وأحفظ من سفيان بن حسين ، ومن جعفر بن برقان" . وقال أيضاً : "سفيان بن حسين لا بأس به في غير الزهري ، وليس هو في الزهري بالقوي ، ونظيره في الزهري سليمان بن كثير ، وجعفر بن برقان ، وليس بهما بأس في غير الزهري" . وقال أيضاً : "وجعفر بن برقان ليس بالقوي في الزهري خاصة وفي غيره لا بأس به". وقال ايضاً " جعفر بن برقان في الزهري ضعيف ، وفي غيره لا بأس به". وقال أيضاً في إسحاق بن راشد : "ليس بذاك القوي في الزهري" . وقال أيضاً في إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي : "ليس بثقة إذا روى عن عمرو بن الحارث" . وقال أيضاً : "وما حدث جرير بن حازم بمصر فليس بذاك ، وحديثه عن يحيى بن أيوب أيضاً فليس بذاك". فهذا جميع ما كان من هذا النوع في القسم المخصص للدراسة .(1/6)
... واشرع الآن في دراسة ما ينبغي دراسته من ألفاظ الجرح والتليين عند النسائي فاقول : أكثر العبارات استعمالاً عنده : "ضعيف" ، ثم : "ليس بالقوي" ، ثم : "متروك الحديث" ، ثم : "ليس بثقة" ، ثم : "ليس بثقة ولا يكتب حديثه" ، ثم ، "منكر الحديث" ، ثم : "ليس بذاك القوي" و : "ليس بالقوي في الحديث" و " "ليس بثقة ولا مأمون" و " "كذاب" ، ثم : "ليس بقوي" ، : "ليس بشيء" ، ثم : "متروك ، و : "ليس بثقة متروك" . وما لم أذكره هنا فإنه ورد مرة واحدة فقط .
... فأما كلمة : "ليس بالقوي" وما شابهها فإن أبا عبد الرحمن يستعملها غالباً في الصدوقين ومن دونهم من أهل العدالة ، ويظهر هذا جلياً فيمن أفراد فيهم تلك العبارة وشبهها ، وأما من كان له فيه قولان أو أكثر فلا ينبغي أن يجعل ميزاناً لاحتمال تغير اجتهاده في الرجل الواحد .
... وقد ألمع الذهبي في غيرما موضع من كتبه إلى رفعة تلك الكلمة في استعمال النسائي لها عما درج عليه الكثيرون من جعلها في اسهل مراتب التجريح تعقيداً وتطبيقاً فقال في الموقظة : "وقد قيل في جماعات : ليس بالقوى ، واحتج به ، وهذا النسائي قد قال في عدة : ليس بالقوى . ويخرج لهم في كتابه ، قال : قولنا : ليس بالقوي ، ليس بجرح مفسد"(1) .وقال أيضاً في ترجمة حجاج بن أبي زينب من الكاشف : "ومشاه النسائي"(2) . يعني به قوله : "ليس بالقوي" .
__________
(1) ... 82 . ورغم كثرة استعمال النسائي لتلك العبارة في الصدوقين والمقبولين فإنه يريد بها التليين كما يفيد قوله : " ليس بجرح مفسد " . ولأنه حكم بها على رجال كثيرين في كتابه المختص بالضعفاء .
(2) ... 1/206 .(1/7)
... ولم يتفرد أبو عبد الرحمن بالاستعمال المذكور لكلمة : "ليس بالقوي" . بل سبقه إلى نحوه بعض الأئمة . قال الذهبي : "وبالاستقراء إذا قال أبو حاتم : ليس بالقوي . يريد بها أن هذا الشيخ لم يبلغ درجة القوي الثبت"(1) . واحتاط البعض فاستعمل تلك العبارة في الضعفاء والمتروكين . قال الذهبي أيضاً : "والبخاري قد يطلق على الشيخ : ليس بالقوي . ويريد أنه ضعيف"(2) . وقد تقدم في ترجمة سعد بن طريف وغيره أن البخاري وأبا أحمد الحاكم استعملا كلمة : "ليس بالقوي عندهم " في جماعة من المتروكين .
__________
(1) ... الموظقة 83 .
(2) ... المصدر السابق .(1/8)
... وأما عبارة النسائي : "منكر الحديث" فإني تحريت الدقة في دراستها دون تقيد بالقسم المخصص للبحث والمقارنة ، واستعمال النسائي لها على ثلاثة أنواع : الأول : إفراده لها في الحكم على بعض الرواة دون أن يذكر فيهم شيئاً آخر . الثاني : دمجها مع عبارة أخرى ف قول واحد. الثالث : تعدد أقوال أبي عبد الرحمن في جماعة ممن قال فيهم تلك العبارة . وقد أفردها في أحد عشر رجلاً ، ودمجها في أربعة ، وتعددت أقواله في أثنى عشر رجلاً. فالذين أفردها فيهم : خمسة منهم مطروحون ، وستة فوق ذلك أكثرهم ضعفاء ، وواحد منهم ثقة ، وقد تقدم في ترجمة هذا الرجل وهو جابر بن عمرو الراسبي أن أبا عبد الرحمن أراد – فيما يبدو – بقوله فيه : منكر الحديث، حديثاً واحداً ، أو الإشارة إلى مجرد التفرد . لذا ينبغي إخراج جابر من تعداد الذين أفراد النسائي فيهم تلك العبارة ، لأنه لم يرد في الحقيقة تضعيفه ، والكلام هنا فيه . وعلى هذا يكون عدد المطرحين مثل العدد الآخر ، فيتعذر الترجيح في هذا النوع إذا استقل عن غيره، وسيتوجب الأمر النظر في النوعين الآخرين . وعبارات النسائي في الدمج هي : "منكر الحديث ليس بثقة" في رجل ، و : "منكر الحديث متروكه" في آخر و : "ليس بثقة منكر الحديث" في رجلين . فهذا يرجع جانب إرادة الاطراح بعبارة : "منكر الحديث" . ويزيده رجحاناً أن غالب الذين تعدد قول أبي عبد الرحمن فيهم صرح في المواضع الأخرى بتركهم واطراحهم ، وهم كما قال .
... ولا يفوتني هنا التنبيه إلى أن النسائي قد يطلق النكارة على التفرد . قال ابن حجر في النكت على كتاب ابن الصلاح 2/674 : "فقد أطلق الإمام أحمد ، والنسائي ، وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد ، لكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم الحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده" .(1/9)
... وأما قول النسائي : " لا يعجبني حديثه" فإنه لم يستعمله في القسم المخصص للدراسة وفي غيره إلا في تمام بن نجيح وهو ضعيف جداً فيما ترجع لي لذا وضعت تلك العبارة في مرتبة متأخرة عن مرتبة : ضعيف ، وإن كان من المحتمل أن يكون فيها ، لأن تماماً مختلف فيه بين التوثق والتعديل من جهة ، والتجريح والتليين من جهة أخرى .
... وأما قوله : "ضعيف الحديث لا يكتب حديثه" فإنه استعمله بهذا اللفظ في رشدين بن سعد المهري وحده ، وقد قال فيه في موضع آخر :"متروك الحديث" . وقال النسائي في ترجمة سعيد بن سلام العطار : "ضعيف لا يكتب حديثه" . وقال فيه في موضع آخر : "ضعيف .. متروك الحديث" .
وأما عبارة : "صاحب كلام لا يكتب حديثه" فإن النسائي قالها في حفص الفرد وهو هالك ، ومنسوب إلى الكفر والعياذ بالله تعالى .
... وأم التصريح بالتكذيب فقد استعمله النسائي في أقل من خمسة وعشرين رجلاً في القسم المقرر للدراسة وفي غيره ، مع أن عدد الكذابين الذين جرحهم يربو كثيراً عن ذاك العدد . ومن هؤلاء الكذابين الذين لم يصرح النسائي بكذبهم في القسم المقرر للدراسة : إسماعيل بن أبان الغنوي، وبشر بن نمير القشيري ، وخالد بن عمرو السعيدي ، وخالد بن القاسم المدائني ، وزياد بن ميمون الثقفي(1) .
__________
(1) ... وتجدر الإشارة هنا إلى أن النسائي قال في عيسى بن حماد التجيبي زغبة كما في مجموعة رسائل للنسائي 75 : "وهو أنكد من أن يكذب" . وقال في محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري كما في المصدر السابق : "هو أظرف من أن يكذب" . وكلا الرجلين ثقة ، بل صرح النسائي نفسه بتوثيقه لهما في موضع آخر .(1/10)
... وقد سبق ي منهج النسائي في التوثيق والتعديل أنه لم يكن يهتم عند توثيقه وتعديله للرواة بذكر ما يؤيد رأيه من أقوال النقاد فيهم ، والحال كذلك في التجريح والتليين ؛ إذ لم أجد من هذا الأمر في القسم المخصص للدراسة إلا مواضع يسيرة جداً وهي : قوله في أحمد بن صالح المصري الثقة الإمام : "ليس بثقة ولا مأمون ، تركه محمد بن يحيى ، ورماه يحيى بن معين بالكذب، حدثنا معاوية بن صالح عن يحيى بن معين قال : أحمد بن صالح كذاب يتفلسف" . وقال مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال : " وقال الدار قطني في كتاب التجريح والتعديل – وقيل له : لم ضعف النسائي ابن أبي أويس – (يعني إسماعيل) - ؟ فقال : ذكر محمد بن موسى – وهو أحد الأئمة، وكان أبو عبد الرحمن يخصه بما لم يخص به ولده ، فذكر عن أبي عبد الرحمن أنه قال : حكى لي سلمة بن شبيب عنه . قال : ثم توقف أبو عبد الرحمن : قال : فما زلت بعد ذلك أداريه أن يحكي لي الحكاية ، حتى قال : قال لي سلمة بن شبيب : سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول : ربما أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم . قال البرقاني : قلت للدار قطني : من حكى لك هذا عن محمد بن موسى ؟ قال : الوزير ، كتبتها من كتابه ، وقرأته عليه – يعني ابن حنزابة-"(1) . وقال الحاكم في سؤالاته للدار قطني : "قلت لأبي الحسن : احتج أبو عبد الرحمن النسائي بسهيل بن أبي صالح ؟ فقال : إي والله ، حدثني الوزير أبو الفضل جعفر بن الفضل قال : سمعت أبا بكر محمد بن موسى بن المأمون الهاشمي يقول : سمعت رجلاً يسأل أبا عبد الرحمن : ما عندك في سُهيل بن أبي صالح ؟ فقال له أبو عبد الرحمن : سهيل بن أبي صالح خير من فليح بن سليمان ، وسهيل بن أبي صالح خير من إسماعيل بن أبي أويس ، وسهيل خير من حبيب المعلم ، وسهيل أحب إلينا من عمرو بن أبي عمرو .
__________
(1) ... 1/117 أ .(1/11)
وذكر حكاية في إسماعيل بن أبي أويس بغيضة لا ينبغي أن تذكر فإنها بغيضة"(1) .
... ومما يلحق بهذا أيضاً ما ذكره الباجي قال : "سئل النسائي عن حماد بن سلمة؟ فقال : لا بأس به . وقد كان قبل ذلك قال فيه : ثقة . قال القاسم بن مسعدة : فكلمته فيه ، فقال : ومن يجترئ يتكلم فيه ، لم يكن عند القطان هناك ، ولكن روى عنه أحاديث داري بها أهل البصرة. ثم جعل يذكر النسائي الأحاديث التي انفرد بها في التشبيه ، كأنه ذهب مخافة أن يقول الناس : إنه تكلم في حماد من طريقها" .
... وبخصوص مسائل البدعة ، والاختلاط ، والتدليس فقد تقدم الحديث عنها من وجهة نظر النسائي عند الكلام على منهجه في التوثيق والتعديل .
... وأرى لزاماً علي في هذا المقام أن أنبه إلى شدة النسائي في الجرح والتليين(2)
__________
(1) ... 171 – 173 .
(2) ... وممن أشار إلى هذه الشدة أبو القاسم الزنجاني ، قال محمد بن طاهر المقدسي في شروط الأئمة الستة 104 بعناية العلامة أبو غدة رحمه الله عليه : "سالت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني بمكة عن حال رجل من الرواة فوثقه ، فقلت : إن أبا عبد الرحمن النسائي ضعفه ، فقال : يا بُني إن لأبي عبد الرحمن في الرجال شرطاً أشد من شرط البخاري ومسلم" . وأيد الذهبي كلام الزنجاني هذا بقوله في سير أعلام النبلاء 14/131 : "صدق ، فإنه لين جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم" . لكن ابن كثير اعترض على هذا الحكم بقوله في اختصار علوم الحديث 25 : "وقول الحافظ أبي علي بن السكن وكذا الخطيب البغدادي في كتاب السنن للنسائي : إنه صحيح . فيه نظر . وإن له شرطاً في الرجال أشد من شرط مسلم . غير مسلم ، فإنه فيه رجالاً مجهولين إما عيناً أو حالاً ، وفيهم المجروح ، وفيه أحاديث ضعيفة ومعللة ومنكرة كما نبهنا عليه في الأحكام الكبير" . وقد أورد ابن طاهر في =
= ... رسالته السابقة 104 – 105 نقولاً تنوه بأحاديث النسائي لانتقائه رجلها فقال : أخبرنا أبو بكر الأديب أنبأنا محمد بن عبد الله البيع إجازة قال : سمعت أبا الحسن أحمد بن محبوب الرملي بمكة يقول : سمعت أبا عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي يقول : لما عزمت على جمع كتاب السنن استخرت الله تعالى في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء فوضعت الخيرة على تركهم ، فتركت جملة من الحديث كنت أعلو فيه عنهم ... – (ثم ساق ابن طاهر بسنده إلى أبي الحسن علي بن عمر الدار قطني قال :) - سمعت أبا طالب – (أحمد بن نصر بن طالب البغدادي) – الحافظ يقول : من يصبر على ما يصبر على ما يصبر عليه أبو عبد الرحمن النسائي ، كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة، فما حدث بها ، وكان لا يرى أن يحدث بحديث ابن لهيعة" .(1/12)
فأقول : يظهر تشدده في إطلاقه عبارة : "ليس بالقوي" وشبهها على جماعة كبيرة من الصدوقين والمقبولين، ما أنه أطلق كثيراً بعض عبارات الجرح الأخرى في رجال هم أخف ضعفاً أو أرفع رتبة مما حكم عليهم به ، وفي مقدمة هؤلاء الإمام الثبت أحمد بن صالح المصري الذي قال فيه مرة : "ليس بثقة" ومرة : "ليس بثقة ولا مأمون" . ومنهم الحسين بن داود المصيصي المعروف بسنيد ، وسالم بن أبي حفصة الكوفي ، وسالم بن عبد الله الخياط ، وسدير بن حكيم الصيرفي وقد اقتصر في كل واحد من هؤلاء الأربعة على عبارة : "ليس بثقة" . وتبين لي أن الأول صدوق حسن الحديث لكن لا يحتج به فيما رواه عن حجاج بن محمد الأعور عن أبي جريح عن شيوخه إذا لم يصرح بالاتصال بين ابن جريج وشيوخه لأجل تدليس التسوية الذي كان يحمل حجاجاً عليه . وأما الثاني فإنه إن لم يكن صدوقاً حسن الحديث في الجملة فحمله الصدق يكتب حديثه للاعتبار وهذا الأخير أولى به وأجدر إذا روعي أمر إهانة أهل البدع. وأما الثالث فهو صدوق له أوهام صالح الحديث في الجملة يحتج به على حذر ، ويحتمل أن يكون ممن يكتب حديثه للاعتبار ولا يحتج به. وأما الأخير فإنه صدوق حسن الحديث في الجملة . ومنهم أيضاً أشعث بن عبد الرحمن اليامي الذي قال فيه مرة : "ليس بثقة" ، ومرة : "ليس بثقة ولا يكتب حديثه". وحكمت عليه بقولي : محله الصدق يكتب حديثه للاختبار . ومنهم إسحاق بن محمد الفروي الذي قال فيه مرة : "ليس بثقة" ، ومرة : "ليس بثقة ضعيف" ، ومرة : "متروك" . وهو لين الحديث يكتب عنه لاعتبار، وقد يكون في أدنى مراتب التعديل ، ولو مُيز حديثه قبل ذهاب بصره عما بعده لاقتصر الضعف على القسم الآخر ويكون الأول صحيحاً أو حسناً . ومنهم أحمد بن عبد الرحمن بن وهب الذي قال فيه : "كذاب" . وتبين لي أنه حسن الحديث في أقل أحواله قبل التغير ، غير مقبولة فيما بعده، وحديثه بعد التغير منه ما هو لين ومنه الضعيف ومنه الباطل .(1/13)
ومنهم جسر بن الحسن ، وجعفر بن الحارث النخعي ، وحزور المعروف بصاحب المحجن ، وسعي بن سلمة بن أبي الحسان ، وقد اقتصر في كل واحد منهم على عبارة : "ضعيف" لكن تمام لفظه في الأخير : "شيخ ضعيف". وتبين لي أن الأول صدوق حسن الحديث أو محله الصدق يكتب حديثه للاختبار فما وافق الثقات عُد حسناً وما لم يوافق كان دون ذلك . والثاني : صدوق حسن الحديث . والثالث والرابع : كلاهما صدوق حسن الحديث في الجملة . ويزداد في الأخير : وهو ثقة صحيح الحديث إذا حدث في كتابه ، لكن لما لم يفصل الأئمة بين حديثه من كتابه وحديثه من حفظه كان الحكم الأول متعيناً.(1/14)
... فهذه نماذج دالة على تشدد النسائي في الجرح والتليين اخترتها من التراجم التي لم يختلف قول أبي عبد الرحمن في أصحابها بين الإسقاط والتضعيف والتليين لأنها هي الميزان العادل ، بخلاف التراجم التي تباين قول النسائي في أهلها ، فعلى سبيل المثال من قال فيه مرة : "ضعيف" ، ومرة : "ليس بالقوي" ، ومرة : "ليس بثقة" . إن ترجح لي أحد تلك الأقوال فيها احتمل أن يكون هو القول الآخر له ، ويكون القولان الآخران منسوخين به . وقد تباينت أقوال النسائي كثيراً في جرحه وتليينه للرجال ، وإليك بعض الإحصاءات في التراجم التي تعدد قول أبي عبد الرحمن في أصحابها من القسم المخصص للدراسة : فقد استعمل عبارة : "متروك الحديث" وشبهها في اثنين وستين ترجمة ، وقد قال في ست منها في موضع آخر : "ضعيف" . وأطلق عبارة : "ليس بثقة" في ثلاث وأربعين ترجمة ، قال في إحدى عشرة منها : "ضعيف" ، وفي خمس "ليس بالقوي" . واستعمل عبارة : "ضعيف" وشبهها في أربع وخمسين ترجمة ، وقد قال في تسع وعشرين منها في موضع آخر : "ليس بالقوي" . ويحتمل أن يكون بعض تلك الأقوال غير ثابت عن أبي عبد الرحمن، كعبارة : "ليس بالقوي" في حُميد الكوفي الأعرج . وعبارة : "ضعف" في حُميد بن زياد الخراط ، وسعيد بن زيد بن درهم ، وقد نفى الذهبي صحة ثبوت عبارة : "ليس بثقة" عن النسائي في باذام أبي صالح فقال في سير أعلام النبلاء 5/37 – 38 : "وقال النسائي : ليس بثقة. كذا عندي ، وصوابه : بقوي . فكأنها تصفحت ، فإن النسائي لا يقول : ليس بثقة في رجل مخرج في كتابه" . فيبدو أن استناد الذهبي في ذاك النفي مقتصر على عدم إخراج النسائي في سننه لمن قال فيه : "ليس بثقة" ، وقد أخرج أبو عبد الرحمن لباذام ، وقال فيه كتاب الضعفاء : "ضعيف" . وهو كما قال في هذا الكتاب .(1/15)
ولا ينبغي أن يعترض على الذهبي بذاك الأثر الواحد الذي أخرجه النسائي في السنن الكبرى 10 عن بكر بن بكار – وقد قال فيه في الموضع المذكور : "ليس بالقوي في الحديث" . وقال في الضعفاء : "ليس بثقة" – لأنه حالة إخراجه له في السنن لم يكن عنده مهدراً ، كما أنه لم يخرج له أصلاً من الأصول ، وإنما أثراً واحداً في اسم أبي هريرة تعليقاً على حدث . ويمكن أن يكون سبب بعض الاختلاف إرادة النسبية ، فالنسائي قال في سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري مرة : "ليس بالقوي" ، ومرة : "ضعيف" . وتبين لي أنه صدوق إن شاء الله حسن الحديث في الجملة . وهذا الاختيار لا يعارض قول النسائي الأول من حيث استعماله لتلك العبارة غالباً في الصدوقين ومن دونهم من أهل العدالة . وأما القول الآخر فظاهر الاختلاف مع النتيجة التي استخلصتها ، لكن يُدفع هذا الاختلاف بأن قول النسائي في سعد : "ضعيف" ذكره في معرض الحديث عن الإخوة : يحيى وعبد ربه وسعد بني سعيد بن قيس . فالأول ثبت حجة ، والثاني ثقة وهو دون يحيى ، والأخير دون أخويه ، فكأنه ضعيف بالنسبة إليهما.
... ولا يمنع اشتهار النسائي بالتشدد في الجرح والتليين أن يتساهل أحياناً في الحكم على بعض الرجال ، فقد قال في رشيد الهجري : "ليس بالقوي" مع أنه هالك . وينظر ترجمة جارية بن هرم ، والحكم بن عبد الله بن مسلمة الخراساني ، وداود بن المحبر ، وغيرهم . والله أعلم .(1/16)