المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
كلية أصول الدين
قسم السُنَّة النبوية وعلومها
مَنْهَجُ الإمَامِ الدَّارَقُطْنِيِّ في تَحْسِينِ الأَحَاديثِ مِن خِلالِ كِتَابَيْهِ السُّنَن والعِلَل
دِرَاسةٌ نَظَرِيَّةٌ تَطْبِيقِيَّةٌ
رسالة مُقَدَّمَةٌ لِنَيْلِ دَرَجَةِ الماجستير في السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وعُلُومِها
إعداد
محمَّد بن ناصَر النَّاصِر الغَامِديّ
إشراف
الدكتور / ياسِر شِحَاتَة
الأستاذُ الْمُسَاعِدُ في القِسْم
1424 هـ
مقدمة
الحمد لله ذي المحامد العظيمة ، والمِنن الجسيمة ، المتفرد بالعَظَمة والكبرياء ، يستوي عنده السِّرُ والخفاء ، سبحانه الملك القدوس العزيز الحميد ، لا يكون في ملكه إلا ما يريد ، لا رادَّ لما قضى ولا مُعَقِّب لِحُكْمِه ، لا إله إلا هو إليه المصير ، وهو على كل شيء قدير .
والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله النبي الأمين ، عزيز عليه عَنَتُ أمته ، حريص على المؤمنين ، نشهد أنه رسول الله ، وقدوة الدُّعاة والهُداة ، بَيَّنَ لنا سبيل النجاة ، من اقتفى أثَرَه واستنَّ بسُنته فقد هُدي إلى صِرَاط مستقيم ... أما بعد :
فإن السُنة النبوية أشرف العلوم مع كتاب الله - عز وجل - ، ذلك أنها وحي من عند الله تعالى ، يجب اتباعها والتحاكم إليها عَمَلاً بما ورد من نصوص الكتاب والسُنّة المتظافرة في هذا المعنى . والمُشتغل بهذا العِلم الجليل لا يكاد يُحصي الثمرات الطيّبة التي يجنيها من اشتغاله به ، وممارسته له .(1/1)
ولقد يسَّر الله - عز وجل - لي أن تعلمت شيئا من مبادئ العِلم في قسم السنة بكُليّة أصول الدين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في تعليمي الجامعي ، ومَنَّ الله عليَّ مَرّة أخرى فأكملت الدراسة المنهجية التمهيدية للدراسات العُليا في هذا القسم الطيّب ، ولمّا أن أردتُ أن أختار موضوعاً لتقديمه لنيل هذه الدَّرَجة أخذتُ أُقلِّبُ النظر في الكُتُب ، وأستشير أهل العِلم والأَرَب ، وكان أن تقدمتُ بخُطة موضوع هو ( منهج الدارقطني في تحسين الأحاديث من خلال كتابيه السُّنن والعِلل ، دراسة نظرية تطبيقية ) .
وإنه ليتضحُ للناظر المتخصص – من أول وَهْلَةٍ – مدى عُمق الموضوع ، ودِقة مسالِكه ، مع ما أَعْلَمُه مِن نفسي ، وما أخشى من صعوبة تحقيق المأمول . ولم يكن لي دافع أعظم من يقيني بأني إن أنا استعنتُ بالله - عز وجل - وشرعتُ في هذا البحث بالوسائل العِلمية الصحيحة ، والطرائق الخالصة النصيحة ؛ فإني أرجو أن أخرج منه بفوائِد جمّة . وإن دراسة مثل هذا الموضوع مِن آثار مثل هذا الإمام العَلَم لهُو مما أرجو أن يكتب الله تعالى لي به حيازة حَظٍ من العلوم ، ورفع الجهل عن نفسي في طائفة من المباحث والمسائل .
لمحة عن أهمية الموضوع :
1/ إذا كان الحديث الصحيح هو ما استوفى شروط القبول المتفق عليها ، والضَّعيف هو ما أخَلَّ بشيء منها ؛ فإن الحَسَن هو درجة متوسطة بينهما ، ومن هنا فلا غرو أن تختلف فيه الأفهام ، وتتعدد في وضع حَدِّه الاجتهادات .
2/ من أهل العِلم مَن عَبَّر بعبارات لا تكاد تنضبط ، ومنهم من حاول وضع حَدٍّ لكنه نُوزِع في ذلك .(1/2)
3/ الذي يظهر أن مِن أفضل الطُرُق العِلمية التي يمكن عن طريقها كشف مراد الأئمة في قرون الرواية وعهود الحِفظ وضبطِ الحديث ، هو تتبع ما نُقِل عنهم من أحكام ، ودراستها بتأنٍّ وِفق منهج علمي منضبط . لأنّ هؤلاء الأئمة جمعوا بين الرواية والحِفظ والعَمَل ، وممارسة الحديث وجمع طًُرُقه ، وكَشْفِ عِلله ، ولمتأخِرِي أئمة هذه القرون مِيزة ، وهي أن المصطلحات في أعصارهم قد بدأت تتخذ دلالات مُسْتَقِلّةٍ ، وتسميات مستقلة مما زاد أحكامهم ووصفهم للأحاديث دِقّة على سابقيهم الذين قد لا يريدون المعنى الذي اصطلح عليه مَن بعدهم .
ومِن خلال ما سبق تتبيَّن لنا أهمية العناية بالحديث الحَسَن خاصة ، وعند الإمام الدارقطني على نحو أخَصّ . ومن هنا حرصتُ على جمع الأحاديث التي وصفها الدارقطني في سَُنِنه وفي عِلَلِه بالحُسْنِ أو بوصف مقاربٍ له كقوله :" إسناده صالح " أو " لا بأس به " ، أو ما جمع فيه بين الحَسَن وغيره كقوله : " حسن صحيح " ، أو " حسن رواته ثِقات ".
دواعي اختيار الموضوع :
1/ ما لَفَتَ النظر مِن وجود أحكامٍ للدارقطني على جُمْلَةٍ كثيرة من الأحاديث في كتابيه السُّنَن والعِلل وصفها بالحُسن أو بلفظٍ مقاربٍ له . ومع ذلك لم أر في كتب المصطلح ما يمكن أن يُجَلّي مراده بذلك ، ولم أر مَن خدمها أو تتبع مقصده فيها .
2/ ما وقع فيه بعض مَن كَتَب في هذا العِلم الجليل مِن حَمْلِ عبارات المتقدمين على معانٍ أصطَلَح عليها مَن بَعدَهم ، ولا يُدفَعُ هذا الخلط بأمثَل من الدراسة المتأنية لمقاصد الأئمة بهذه الأوصاف ، خاصة ما كان محل نزاع منها .
3/ ما يترتب على دراسة تلك الأحكام من الوصول إلى حُكم – ولو أغلبي – على حال بعض الرواة في تلك الأسانيد الذين لا نجد فيهم جرحاً ولا تعديلاً .
4/ الحكم بسماع بعض الرواة وتلقي بعضهم عن بعض – ولو على رأي الدارقطني – وذلك في حال ورود رواياتهم كذلك ، وتحسينه لها مع تفردهم بها .(1/3)
5/ التزوّد – شخصيّاً – من العِلم الشرعي في مجال الحديث النبوي إسناداً ومتناً
دراية ورواية ، وإن ممارسة كُتُب مِثل الإمام الدارقطني ومقارنة كلامه بكلام أئمة آخرين ؛ لَهُو مما أرجو نفعه ، خاصة في مثل هذه المرحلة .
وقد قسَّمتُ البحث إلى أبواب وفصول ومباحث تندرِج تحت قسمين أساسين :
الأول : قسم الدراس النظرية .
الثاني : قسم الدراسة التطبيقية .
وتتكون الخطة تفصيلاً مما يلي :
مقدِّمة ، وتمهيد ، وقسمين ، وخاتمة ، وفهارس .
المقدمة ، وفيها :
- أهمية الموضوع .
- أسباب اختياره .
- خطة البحث ، ومنهج العمل في الرِّسالة .
التمهيد ، وفيه مبحثان :
المبحث الأول : ترجمة موجزة للدارقطني .
المبحث الثاني : نشأة مراتب الحديث .
الباب الأول : الدراسة النظرية ، وفيه ثلاثة فصول :
الفصل الأوّل : أشهر تعريفات المُحَدِّثين للحديث الحَسَن ، ومنا قشتها .
الفصل الثاني : تعريف الإمام الدارقطني للحديث الحَسَن ، ومصطلحاته فيه ، وفيه ثلاثة مباحث :
- المبحث الأوّل : تعريفه للحديث الحسن .
- المبحث الثاني : المصطلحات المفردة عنده والموازنة بينها ، وفيه خمسة مطالِب :
- المطلب الأول : قوله : ( حسن ) و ( حسن الإسناد ) .
- المطلب الثاني : قوله : ( حسن ) و ( لا بأس به ) .
- المطلب الثالث : قوله : ( حسن ) و ( صالح ) .
- المطلب الرابع : قوله : ( حسن ) و ( ثابت ) .
- المطلب الخامس : قوله : ( حسن ) و ( أحسن طرقه ) ونحوها .
المبحث الثالث : المصطلحات المركبة ، ودلالتها عنده ، وفيه أربعة مطالِب :
- المطلب الأول : قوله : ( حسن صحيح ) .
- المطلب الثاني : قوله : ( حسن متصل ) .
- المطلب الثالث : قوله : ( حسن رواته ثقات ) .
- المطلب الرابع : ما نقله عنه الحُفّاظ من أحكام بالحُسْن ، غير ما وقفتُ عليه.
الفصل الثالث : حكم الحديث الحسن عند الدارقطني وغيره من جهة القبول والرد وفيه مبحثان :(1/4)
- المبحث الأول : حكم الحديث الحَسَن عند الأئمة .
- المبحث الثاني : حكم الحديث الحَسَن عند الدارقطني .
الباب الثاني : الدراسة التطبيقية:
وتشتمل على دراسة الأحاديث التي حَكَم عليها الإمام الدارقطني بالحُسن ، وِفق المنهج لتالي :
1/ نقل الحديث بسنده ، وحكمه عليه ، مع مقارنة ذلك بما نقله عنه غيره وإثبات الفروق إن وُجِدت .
2/ دراسة سند الدارقطني دراسة مفَصَّلَة .
3/ في تراجم الرِّجال أذكُرُ حكم الدارقطني عليهم – إن وُجِدَ – أولاً ، ثم أقارِن بين قوله وأقوال غيره من حيث الموافقة والمخالفة ، مع الترجيح بينهما .
4/ إذا لم أجِد للدارقطني كلاماً في الرَّجُل ، وكان ثقة باتفاق أو ضعيفاً باتفاق فإني اذكُرُ حاله إجمالاً من خلال كلام المحققين في عِلم الرِّجال .
5/ وإذا لم أجِد للدارقطني كلاماً في الراوي ، وكان مُختَلَفَاً فيه ؛ فإني أُفَصِّلُ القول فيه بِذِكرِ كلام أئمة الجرح والتعديل ، والموازنة والترجيح ، على مقتضى قواعد هذا العِلم .
6/ بعد دراسة سند الدارقطني دراسة مُفصَّلَة أُخَرِّج الحديث من مظانه .
7/ إذا ترجَّح لي أن الحديث ضعيفٌ أو حَسَنٌ ؛ فإني أحرِصُ على جمع متابعاته وما يُحتاجُ إليه من شواهد .
8/ أختِم الكلام على الحديث بِبَيان درجته – بحسب ما يظهر لي – مستعيناً بالله تعالى ، ثم بالنظر في أقوال أهل العِلم بين يدي حُكمي .
9/ أختِم الرِّسالة بخاتمة أذكر فيها أهم نتائج البحث ، ثم بالفهارس العِلمية ، وتشمل :
- فهرس الآيات القرآنية الكريمة .
- فهرس الأحاديث الشريفة .
- فهرس الأعلام .
- فهرس المصطلحات الحديثية .
- فهرس الرِّجال المترجم لهم في الأصل والحاشية .
- فهرس المصادر والمراجع .
- فهرس الموضوعات .
الضوابط والمصطلحات التفصيلية التي انتهجتُها في عملي :(1/5)
1/ رسمت الآيات الكريمة وِفقاً لرسم المصحف – الرسم العثماني – وبيَّنْتُ موضع الآية بذِكر اسم السورة ثم رقم الآية بعدها مباشرة ، فإن كان جزءاً من آية أثبَتُّ كلمة " مِن " قبل رقم الآية ، مما يدُلُّ على أن للآية تَتِمَّة. وقد ميَّزتُ الآيات الكريمة بقوسين هلاليين مزخرفين هكذا { } .
2/ الأحاديث النبوية الشريفة هي مادة هذا البحث ، وإذا ذكرتُ حديثاً حرصتُ على ضبط مُشكِلِ لَفْظِه ، وبيان غريْبِهِ ، وتخريجه ، وما يتبع ذلك مما سيأتي . وقد ميزت الأحاديث الشريفة المرفوعة – وما في حُكمِها – فكتبتُها بخط غليظ متميّز ، وجعلتُها بين قوسين هلاليين هكذا ( ) .
3/ ما أنقله من مقولات عن أهل العِلم ، من الصحابة فمن بعدهم أجعله بين شارتي تنصيص هكذا " " .
4/ اتبعتُ الرسم الإملائي الحديث ، ورسمتُ به كل نصوص الرسالة ، حتى ما وجدته في المخطوطات بالرسم القديم كإسقاط حرف الألِف في بعض الكلمات مثل : إسحق ، وإسمعيل ، ونحوهما فإني أرسمه وِفقاً للإملاء الحديث . وأنبه إلى أني اخترتُ في رسم المئة ومضاعفاتها مثل : ثلاثمئة هذا الرسم بإسقاط الألِف لأنها لا تُنطق ، ولا يصح نطقها ، وإنما كانت للتمييز ، فقد أَمِنَ الناس مِن ذلك بحمد الله تعالى (1) . على أني حَرِصْتُ في تواريخ وفيات الرواة أن أُثبتها بالأرقام ، جَريَاً على ما تتابع عليه أهل هذا العِلم ، ولِمَا أرى من فائدته في سهولة القراءة .
__________
(1) ومعلوم خِلاف مَن كتبوا في هذا الفن ، وقد اخترت القول الأقرب لنفسي ، ومما شجعني على سلوكه كثرة مَن أسمعهم ينطقونها بإثبات الألِف في نحو : مائه ، فكان الرسم الأدقُّ أمْنَاً مِن هذه العُجْمة .(1/6)
5/ ضبطْتُ مِن الكلمات في البحث ما خشيتُ الْتِبَاسَهُ على القارئ ، وقد تختلف الأنظارُ في ما هو مَظنَّةُ الالْتِبَاسِ ، وأرجو أني لم أترك كلمة تحتاج إلى تشكيل خالية منه . والأصل أن الضبط بالحركات يُغني عن الضبط بالحروف ، لكني قد أضبط الحروف في حالتين : إذا نقلتُ ذلك عن غيري ، وإذا كان الاسم مَظنَّةَ عُسرٍ في النطق ، لِقِلَةِ دَوَرَانه على الألْسِنة مِن جِهة ، ولأصله الأعجمي – غالِباً - مِن جِهة أخرى ، وهذا يَكْثُر في أسماء البُلدان ، والنِّسبَةِ إليها .
6/ عرَّفتُ بالأعلام تعريفاً موجزاً ، ومما يجب أن أُنبِه إليه هنا أني كتبتُ القسم التطبيقي من الرسالة قبل القسم النظري – كما هو معتاد – ولذلك فقد أعرِّف بالعَلَم ، بل قد أتَرجِم له ترجمة وافية في القسم التطبيقي مِن الرسالة ، فلمّا كتبتُ القسم النظري ، رأيت أنه مِن غير المناسب أن أُعيد ترجمته مَرَّة أخرى ، فكل مَن لم أترجم له في القسم النظري فإني قد فعلتُ في القسم التطبيقي ، وقد يكون تكرر اسمه مِراراً ، ومع ذلك فإني أحرِصُ أن أنبه إلى موضع ترجمته في القسم التطبيقي إن كان غير مشهور ، على أن في فهرس الأعلام مَفْزَعَاً عند الحاجة .(1/7)
7/ إذا وثَّقتُ مَقولة بِذِكر مصدرها فإني أكتب الجزء والصفحة بالرسم المعهود هكذا ( / ) فما قبل الشَّرطَة المائلة للجزء أو المُجلَّد ، وما بعدها للصفحة . وإن كان الكتاب في جزءٍ واحدٍ رسمتُ حرف صادٍ قبل رقم الصفحة هكذا ( ص ) . فإن كتبتُ رَقماً دون حرف الصاد فإني أقصد به رقم الحديث ، أو رقم الفقرة للكُتُب التي يُرَقِّم محققوها فقراتها . ومن المهم أن أنبه هنا إلى شرطي في المنقولات التي تقع في صفحتين أو أكثر ، إن شَرطي فيها أن أُثبِت رقم الصفحة التي فيها بداية الكلام ، ولا أرى كبير فائدة في أن أنبِّه على الصفحات جميعاً ، وإذا ذُكر موضع أول المنقول كفى ولا شك . ومع هذا فإني إذا خطر لي أدنى احتمال للَّبْس أُبيِّنُ ذلك في الحاشية .
8/ فيما يتعلق بالسنن : اعتمدتُ مخطوطة نفيسة لم أر أحداً ممن خدم الكتاب ذكر أنه رجع لها ، وهي منسوخة ومُقابلة في سنة وفاة المؤلِّف .
وقد قابلتُها بثلاث نُسخ مطبوعة حسبتُ أنها الأشهر :
أ – الطبعة التي اعتنى بها عبد الله هاشم اليماني ، وبحاشيتها التعليق المُغي لشمس آبادي ، وأرمز لها بكلمة ( اليماني ) .
ب – طبعة دار الفِكر بلبنان ، وبحاشيتها تخريج الأحاديث الضِّعاف للغساني .
ج - طبعة أخرى بتحقيق: مجدي الشورى ، توزيع عباس الباز، مكة المكرمة .
أما العلل فقد اعتمدتُ على النسخة المحققة التي خدمها الدكتور محفوظ الرحمن ، و هي نحو ثُلثي الكتاب ( المجلدات الثلاثة الأولى ، وورقات من المجلد الرابع ) في أحد عشر مجلداً ، وما بقي من الكتاب اعتمدتُ على المخطوطة المصرية ، والتي تبدأ بأول المجلد الرابع إلى آخر الكتاب ، وفي آخره سقط ، وتقديم وتأخير في المسانيد والسؤالات .
وهذه ضوابط تفصيلية تتعلق بالقسم التطبيقي مِن الرِّسالة سوى ما سبق:(1/8)
1 / عند توثيقي لتخريج الحديث أكتب رقم الحديث والكتاب والباب في الكُتُب الستة (1) ، والكتب التي اشتهرت بتبويبها كصحيح ابن خزيمة ، وسنن البيهقي الكبرى ، وأما غيرها مِن المصادر فإني أكتفي بِذِكر رقم الجزء والصفحة ، أو رقم الحديث ، والغالب أني أجمع بينهما . وقد اعتمدتُ في توثيق ما أنقله من سنن الدارقطني على طبعة عبد الله هاشم اليماني التي بهامشها التعليق المُغني لشُهرتها ، ولأن المطبوعات كلها متماثلة .
__________
(1) وتركتُ الجزء والصفحة في الغالب ، وذلك لكثرة الطبعات المتقاربة في الدِّقة ، وكذلك الشروح ، واستغناء مَن يريد الرجوع برقم الحديث والكتاب والباب عن رقم الجزء والصفحة عند اختلاف الطبعة ولا عكس . وإذا كان في يدي الكتب الستة في مجلد واحد فكيف أكتب الجزء والصفحة ؟! على أن الغالب أني أرجع لأكثر مِن طبعة ، وسيوجد في ثنايا البحث تنبيهات على اختلاف الطبعات في المواضع المؤثِّرة . فأما مُسند الإمام أحمد فالغالِبُ أني أكتب رقم الجزء والصفحة وِفقاً للطبعة الميمنية الشهيرة ، وأكتب الرقم وِفقاً لطبعة مؤسسة الرسالة ، وقد رأيتُ أن الطبعات الأخرى توافقها في الترقيم .(1/9)
2/ جعلت صدر ترجمة الراوي مُلخَّصاً للتعريف به ، فذكرتُ فيه الاسم ، واللقب والنسبة ، والكنية ، والبلد ، وتاريخ الوفاة ، واثنين أو ثلاثة من الشيوخ والتلاميذ أو ما وجدتُه من ذلك ، على طريقة صاحب الكاشف ، ولم أر أنه من اللازم أن أكرر بعد كل ذِكرٍ لشيوخ أو تلاميذ كلمة " وغيرهم " دلالة على أن له من الشيوخ والتلاميذ غير مَن ذكرت (1) ، وقد أبرزتُ كُلَّ ذلك بخطٍ مميز .
3 / عند ترجمتي لراوٍ أبدأ بأقدم الكتب وآصَلِها في عِلم تراجم الرجال ، وأتبع بعد ذلك التسلسل الزمني قدر الإمكان ، فلا أنقل كلمة للبخاري في تواريخه أو في علل الترمذي الكبير مِن تهذيب التهذيب ، ولا أرجع لتاريخ بغداد لنقل كلمة لابن معين ، ولا أنقل كلمة الجوزجاني في أحوال الرجال ، مِن ميزان الاعتدال ... وهكذا ، أحرصُ على الترتيب الزمني عند رجوعي للمصادر ، وتتبع تاريخ ترجمة الراوي قدر الإمكان . فإن وجدتُ في كلام المتأخر مزيد عِلم ، أو تفصيل ، أو تحقيق أثبتُه .
__________
(1) تقليداً لصاحب الكاشف ، على أنه قد يقول في أحيان قليلة :" وخَلْق " إذا كان الراوي مكثراً من الشيوخ والتلاميذ ، ولا يلتزم ذلك ، بل يفعله نادراً كما هو معلوم . وهذا خلاف منهج الحافظ ابن حجر في التهذيب ، إذ التزم أن يقول بعد ذِكر طائفة من الشيوخ والتلاميذ للمكثرين " وخلق " أو " وجماعة ". ومَرَدُ ذلك إلى أن عمله هو تهذيبُ كتابِ الإمام المزي ، ففي كلمته إشارة إلى أن في الأصل غيرهم ، بخلاف الإمام الذهبي ، فإن كتابه أصلي فلم يحتج إلى النص على ذلك .(1/10)
4 / إذا كان الراوي مُدلِّساً ، أو كان ممن اختلط مِن الرواة فإني أتتبع ذلك في كلام مَن ترجم له من الأئمة كالبخاري ، وابن أبي حاتم ، والنسائي ... ، فإن وجدتُ عند العلائي ، أو الولي العراقي ، أو ابن حجر... مزيد تحقيق ، أو تفصيل أو غيرهما أثبتُ كلامهم ، وذكرتُ اسم الكتاب في مصادر الترجمة ، وإن وجدتُ كلامهم لا يعدو أن يكون نقلاً لما جمعتُ مِن كلام الأئمة المتقدمين ، اكتفيتُ بالأصل عن الفرع . وهذه النقطة لها صِلة بما سبق ، وإنما أفردتها لأهميتها .
5 / إذا كان الراوي مُدلِّساً ، أو مُختلِطاً ، أو كثير إرسال ، أو نحوها من القوادح التي تعتري حديث الثقات ، فإني أعتني بذلك غاية العِناية أثناء جمع المادة العِلمية في ترجمة الراوي ، فإن وجدتُ أن للاختلاط صِلة بالإسناد الذي أدرسُه كأن يكون الراوي عنه ممن سمع منه بعد الاختلاط ، أو لم يتميَّز سماعه بيَّنتُ ذلك وتناولتُه بالدراسة ، وإن لم يكن له أثر ككون الراوي سمع منه قبل الاختلاط ، فإني لا أتشاغل باختلاطه ، إلا أني قد أُشير إلى أنه اختلط في آخر عمره . وما قيل في الاختلاط يصدق في التدليس والإرسال ، ويزيدان عليه بالتفصيل الآتي بعدُ .
6 / إذا كان الراوي موصوفاً بالإرسال تحرَّيْتُ عن الإسناد الذي بين يَديَّ ، فإن سَلِم من إرساله لم أنبه ، وإلا أعللتُه به على مقتضى قواعد هذا الفن ، إلا أن المكثرين من الإرسال – خاصة – أنبه على ذلك في تراجمهم ، وأُبيّنه بإيجاز .
7 / إذا كان الراوي مِن الموصوفين بالتدليس فإن حاله لا يخلو :(1/11)
أ - إما أن يكون بجانب تدليسه مِن الضعفاء كابن لهيعة (1) فإني لا أطيل البحث في تدليسه وسماعه لسقوط الحُجَّة بخبره ، إلا أن أُقَوِّيَ خبر غيره بخبره ، ولا غُنية عنه فهنا أنظر في تدليسه ، ولا أحسب أني أُلْجِئتُ إلى مثل هذه الحال في بحثي ، والحمد لله تعالى .
ب - وإما أن يكون مِن الثقات الذين وُصِفوا بالتدليس ، ففي هذا الحال أتتبع كلام أهل العلم عنه وعن شيوخه ، ومراسيله ، فإن لم أجد شيئاً مِن كلامهم يَخُصُّ حديثي ، وقد صححه أحد أهل العِلم ، فإني لا أجعل عنعنته – والحال ما بينتُ – علة في ذاتها ، لكن للمُكثر من التدليس ، أو فاحش التدليس مزيد عناية .
ج – وإما أن ذكر أهل العِلم أن الحديث غير مستقيم ، أو أن أحداً مِن أهل العِلم ضعَّفه ، فهنا أنظر ، إن كان في الحديث عِلّّة يُحمل تضعيفهم ، أو عدم استقامة الحديث عليها فالحمل هنا على تلك العِلة المجزوم بها كوجود راوٍ ضعيف ، أو صدوق كثير الخطأ أو انقطاعٍ بَيِّنٍ في سند الحديث . فإن لم أجد شيئاً مِن ذلك والحديث غير مُستقيم أو مُضعَّفٌ ؛ فإن الحمل هنا يكون على رواية المُدلِّس ما لم يُصرِّح مِن وجه يصحُّ إليه ، فإن صحَّ الطريق إليه بأنه صرَّح ؛ فقد بريء مِن تبِعة ضعف الحديث .
8 / كُل ما أنقله في أحد الرواة مِن مقولات أثبِتُ مصدره في مصادر الترجمة في الحاشية ، على أني لا أسوِّد الصفحات وأثقل الحواشي بتعداد مصادر الترجمة ، بل أكتفي منها بما نقلتُ منه فِعلاً ، فليس كل ما طالعتُه أثْبِتُه ، لكن كل ما أخذتُ منه أثْبِتُه ، وأرجو أن لا توجد كلمة في الأصل ، إلا ومصدرها موجود في الحاشية.
__________
(1) عبد الله بن لهيعة بن عُقبة الحضرمي المصري قاضيها ، أبو عبد الرحمن ، ضعيف مُخلِّط ، ورواية الأقدمين عنه – خاصة العبادلة – أمثل من غيرها ، وستأتي ترجمته تفصيلاً ، وفاته سنة 174 .(1/12)
9/ شيوخ الدارقطني الذين روى عنهم في أحاديث الرسالة ترجمتُ لهم في مطلب خاصّ في آخر ترجمته ، فمتى ذُكر الواحد منهم ذكرتُ الحكم الذي ترجّح لي فيه بأوجز عبارة ، وأحلتُ على ترجمته .
10/ ما يُقال عن عقيدة الراوي ، وما يُرمى به مِن بِدع أذكره في حالتين :
أ أن يكون لبدعته أثرٌ في روايته ، وفي القدح في استقامته ، وعدالته ، وصدقه . فهنا أُبيِّن لأثرِ ذلك في حكمي عليه .
ب أن يحمِل بعض أهل العِلم قول مَن جرَّح الراوي على ذَمِّ بدعته ، لا ضبطه وحُسن أدائه . فهُنا أُبيِّن لأسوِّغ ما ترجّح لي مِن حُكم .
11/ الصحابيّ المشهور أعرِّف به بإيجاز عند ذِكر الحديث ، مُستغنيا بشُهرته عن الإطالة في ترجمته ، والصحابي غير المشهور كقُبيصة بن ذؤيب ، وعبد الله بن السعدي أترجم لهم مع الرواة بتوسع نسبيّاً . وكذلك المُختلف في صحبتهم كمحمود بن الربيع . رضي الله تعالى عنهم أجمعين .
وأخيراً فإن مما يساعدني على إبداء ما أراه – بعد البحث – هو الصواب أني في مجال اختبار لقدرتي على النظر والتمييز مِن قِبَل مشايخي ، الذين لن يبخلوا بتوجيه ، أو تصويب . وحسبي أني أرجع عمّا أخطأتُ فيه ، لا أستنكف عن ذلك . ومما يُخفف عليَّ التسليم للصواب – ولو بعد حين – أن كل أحد من العلماء – وهم علماء - يقع في الخطأ ، فكيف بمتعلم مبتدئ ؟! لكن المحمود مَن يرجع للصواب ، ولا يجعل زلَّته وخطأه منهجاً ينافِح عنه بما يُقبل وبما لا يُقبل ، فيفسد منهجه ، ويُذهب بهرجه نعوذ بالله من سَكْرَة الهوى ، وغلبة حظِّ النفس .(1/13)
هذا وإني قد تقحَّمتُ أمراً عسيراً ، وأنا محتاج إلى الحكم والترجيح بعد فترة قصيرة من النظر ، وليس كل حديث ، ولا كُلُّ راوٍ يُمكن الحكم عليه في أيام أو حتى أشهر ، وإن تعجب فعجبٌ قول الإمام علي بن المديني (1) : " ربما أدركتُ عِلّة حديث بعد أربعين سنة ". هذا وهو إمام العِلل بلا منازع ، تفرَّد به في ذلك العصر الذهبي . ولَكَأنّي بنفسي – إن مَدَّ الله في العمر ، ويسرّ لي الاستمرار في التعلم ورفع الجهل عن نفسي – أعجبُ من خطأي ، وقصور تصوري ... ولي في ما مضى من سنوات عِبرةٌ . لكني أعتقد أن الله تعالى سائلي عمّا يبلغه علمي بعد بذل ما يجب من جهد ، وحسبي قدوة قول أمير المؤمنين عُمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - :" فتلك على ما قضينا يومئذ ، وهذه على ما قضينا اليوم " (2) .
وخِتاماً أسأل الله تعالى أن يسدد آراءنا ، ويستر عيوبنا ، ويجعل عاقبتنا إلى خير في الأمور كلها ، وبه سبحانه نعوذ مِن خِزي الدنيا ، وعذاب الآخرة .
- - - - - - -
الخاتمة وأهم النتائج والتوصيات (3)
__________
(1) الإمام الفذّ علي بن عبد الله بن جعفر السعدي مولاهم ، أبو الحسن البصري ، اشتهر بابن المديني ، أثنى عليه شيوخه الأكابر ومنهم ابن عينة ، وتلاميذه الأئمة وأشهرهم البخاري ، وفاته سنة 234 .
(2) هذا الأثر خرّجه الدارقطني في سننه بهذا اللفظ ( 4/ 88 ) وله قصة ، وهو عند ابن أبي شيبة (6/ 247 برقم 31097 ) ، وعبد الرزاق في مصنفه ( 10/ 249 ) ، والبخاري في تاريخه الكبير ( 2/ 331 ترجمة 2652 الحكم بن مسعود الثقفي ) ، والدارمي في سننه ( 1/ 162 برقم 645 ) وجعل ترجمته بابه " باب الرجل يفتي بالشيء ثم يغيره ". والبيهقي في سننه الكبرى ( 6/ 255 ) . وقال الذهبي في الميزان ( 1/ 579 – 580 ترجمة الحكم بن مسعود ) : " هذا إسناد صالح ".
(3) لم أفصل بينه النتائج والتوصيات لتداخلهما وتلازمهما ، بحيث لو فصلت بينهما لكررتُ عامة قولي مرتين .(1/14)
في ختام هذه الرسالة أتقدم بملخَّصٍ لما جاء فيه ، وهو المعتصر الذي انطبع في الذهن ، ونقَّشته المباحث والمطالب ، والأسطر والكلمات ، فأقول :
1/ ينبغي للباحثين الذين ينتسبون لهذا العِلم الشريف أن يهتموا بدراسة مناهج الأئمة الكِبار الذين كثرت أحكامهم على الراوي والمروي ، وِفق قواعد البحث المتقررة ، وأن يشرِكوا بين الدراسات النظرية ، والبحوث التطبيقية على آثار الأئمة لنتمكن من فهم الدلالات الحقيقية لإطلاقاتهم وأحكامهم كما أرادوها هم لا كما فهمها غيرهم .
2/ الحديث الحسن عند الإمام الدارقطني هو : ( الحديث الذي الفرد – مطلقاً أو نسبياً – الذي ليس في إسناده كذَّابٌ ولا متهم بالكذب ) . والغالب أن لا يخلو من علة .
3/ الإمام الدارقطني وإن لم يضع تعريفاً من قوله للحسن عنده ؛ إلا أنه كان يسلك طريقاً واحدا منضبطاً في تحسيناته ، ولو قارنّا التزامه بالتزام بعض مَن نَصَّ على تعريف خاص به لوجدناه لا يقل عنهم مراعاة لمنهجه إن لم يَزِد .
4/ الحديث الحسن عند الإمام الدارقطني ليس بِحُجّةٍ في ذاته ، كما أنه غير مختص بما دون المقبول ، بل هو شامل لدرجات من الصحيح الفرد مطلقاً أو نسبياً ، نزولاً إلى درجات الضعيف التي فوق المتروك ، ورواية المتهمين على الأرجح .
5/ الإمام الدارقطني من المتوسطين في الجرح والتعديل ، لا يمكن وصفه بالتساهل أو التشدد في الجملة ، ولا يردِ على ذلك القِلة القليلة المستثناة من هذا الأصل .(1/15)
6/ الإمام الدارقطني لا يُقدِّم الإرسال والوقف على الوصل والرَّفع مطلقاً ، ولا يقدم الوصل والرَّفع على الإرسال والوقف مطلقاً ، بل منهجه في ذلك منهج كبار الأئمة من النظر في كل حالةٍ على حِدة ، ومن نسبه لواحد من المسلكين السابقين فقد أخطأ عليه ، وأغتر ببعض تصرفاته ، ولم يُراع الجميع (1) .
7/ الإمام الدارقطني سليم العقيدة ، على منهج أهل السنة والجماعة ، والأئمة في القرون المُفضّلة فمن بعدهم ، مُسلِّمٌ للنصّ الثابت ، بعيد عن المسالك الكلامية ، والبدع المختلفة .
8/ الإمام الدارقطني لم يكتف بحفظه وحذقه وجودة نظره في الحديث وعلله ، بل أضاف إلى ذلك مراعاته لاجتهادات مَن قبله من الأمة كشعبة وسفيان ، ويحيى القطان ، وأحمد ، وابن معين ، والبخاري ، وأبي حاتم ، والنسائي ، بل وحتى معاصريه كابن حبان ، وابن عدي .
- - - - - - - -
__________
(1) وقد اجتمعت لي طائفة من أحكامه في العلل ، وتكاد أن تكون أثلاثاً بين ترجيح أحد القولين أو عدم الجزم ، على أنه يُصرِّح بأن زيادة الثقة مقبولة في المواضع التي يقبلها ، فكأنه يعني إذا كان محصل النظر في الحديث أن قبولها ممكن .(1/16)