منهج الإمام مسلم
في ترتيب كتابه الصحيح ودحض شبهات حوله
تأليف
الشيخ ربيع بن هادي المدخلي
عضو هيئة التدريس ورئيس شعبة السنة
بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية
بالمدينة المنورة سابقاً
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1408هـ - 1988م
بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي الكتاب
... هذا البحث يدفع الدعاوي الأتية لحمزة عبدالله المليباري
... أولاً : ادعاؤه أن ترتيب الإمام مسلم - رحمه الله - لطرق الحديث في كتابه الصحيح قائم على منهج علمي، إذ إنه أودع في ترتيبها دقائق علمية لا يطلع عليها إلا الحفاظ، الذين إذا سمعوا الحديث استحضروا في قلوبهم كل الوجوه التي وردت في رواية ذلك الحديث واختلافها. وذلك تطبيقاً ( كذا ) لما وعد في مقدمته .
... وهذا يفيد أن ترتيبه للأحاديث قائم على منهج علمي، وهو مراعاته ذلك الترتيب في إيراد الأحاديث في كتابه الصحيح، فإذا أورد طريق حديث من طرقه في أول الباب، فمعناه أنه أسلم من العيوب وأنقى عنده، ويجمع تارة طرقه في أول الباب لكونها على مستوى واحد في السلامة من العيوب ( كذا ) .
... ثم إذا أتبعها بطرق أخرى لذلك الحديث، وقد تكون هي طرقاً مستقلة عن الصحابي الذي قدم حديثه من طرق أخر غير هذه، فمعناه أنها ليست في مستوى تلك، لكون راويها من أهل القسم الثاني أو لسبب آخر .
... ثانياً : إن وسيلة بيان العلل هي هذا الترتيب العلمي الدقيق على هذا، فإذا قدم ماهو مستحق أن يؤخره وإذا أخر ماهو مستحق أن يقدمه فمعناه أنه أدرك فيه شيئاً جعله يتصرف كذلك ( ص 2 ) .(1/1)
... ويؤكد ذلك بقوله : " وبيان العلة في صحيح مسلم ليس على طريقة كتب العلل بأن يقول في أثناء الكلام، واختلف على فلان أو خالفه مثلاً كماهو معروف في كتب العلل لابن أبي حاتم والدارقطني وغيرهما، بل يكون البيان بذكر وجوه الاختلاف من غير أن يتعرض لقوله : خالفه فلان أو اختلف على فلان مثلا، وإذا سمعه الحافظ يفهم بأنه اختلاف واضطراب، وإذا سمعه أمثالنا فيعدوه تعدد طرق، ومثل هذا البيان كثيراً ما نجده في التاريخ الكبير، إلا في موضعين ( كذا )، وقال فيهما وخالفه " ( ص 3 ) .
... ويؤكد ذلك بقوله، بعد أن طبق قاعدته على حديث ابن عمر " صلاة في مسجدي " من طرق في الدرجة الأولى :
... " فلما وجدنا الإمام مسلماً هنا يؤخر ما كان يقدمه في أول الباب ففهم منه أنه أدرك علة فيه جعلته يؤخره في آخر الباب، أعني بعد طريقين من أهل القسم الثاني، وإنه لابد لنا من الرجوع إلى كتاب العلة لكي تتضح لنا الدقائق العلمية التي أودعها الإمام مسلم - رحمه الله - الناقد الكبير في ترتيب تلك الطرق " . وقد كرر هذا المعنى في بحثه في عدد من المواضع .
... ثالثا : تناوله صحيح البخاري أيضاً، وأن فيه اختلافاً وعللاً، حيث يقول : " وبيان العلة من الاختلاف في الوصل والإرسال وغيرهما ثابت في صحيح البخاري أيضا فيما أظهره الحافظ ابن حجر عندما أجاب في هدي الساري عما انتقد الإمام الدارقطني وغيره في بعض أحاديث صحيح البخاري " ( ص 4 ) من بحثه .
... رابعا : طعنه في طرق حديث ابن عمر " صلاة في مسجدي ..... " وهي في غاية الصحة والقوة .
... خامسا : ادعاؤه اتفاق البخاري والنسائي والدارقطني والقاضي عياض على تعليل حديث ابن عمر وميمونة " صلاة في مسجدي " وتكراره لهذا الادعاء، مع تضعيفه لشواهد هذا الحديث الكثيرة، والتى ادعى فيها التواتر .
... سادسا : مبالغاته وغلوه في هؤلاء بما يأباه ويرفضه الإسلام .(1/2)
... سابعا : ادعاؤه عدم ذكر مسلم لابن عباس في إسناد حديث ميمونة، وأن ذكره تصحيف في صحيح مسلم .
... ثامنا : هضمه لبعض الرواة بذكر الجرح فيهم والإهمال أو التقصير في ذكر ما قاله الأئمة فيهم من تعديل .
... إلى أشياء أخر ستراها في مناقشاتي له، وسوف ترى الرد عليه بأمثلة كثيرة من صحيح مسلم، وبأقوال الأئمة في صحيح مسلم، وتزييف ما قاله حول صحيح البخاري، ورد غلوه بنصوص وقواعد، وما كان عليه سلف هذه الأمة .
... المقدمة :
... الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
... أما بعد : فقد وصل إليّ بحث وهو جزء من رسالة في مرحلة الدكتوراه يحضرها أحد الطلاب بالدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة وهو حمزة المليباري وموضوعها تحقيق وتخريج القسم الثاني من " غاية المقصد في زوائد المسند " تناول في هذا البحث حديثي ابن عمر وابن عباس اللذين خرجهما الإمام مسلم رحمه الله في " صحيحه " ( 2/1013 - 1014 ) من طرق في غاية الصحة ومدارها على أربعة من كبار أصحاب نافع مولى ابن عمر - رضي الله عنهما - ولفظ حديث ابن عمر : " صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " . وحديث ابن عباس بمعناه . وشرع في تضعيفهما وتوهينهما قائلاً عن طرقهما إنها " كلها منتقدة معللة " ويقول عن مسلم إنه لم يخرجها في الأصول ولا في المتابعة وإنما أوردها في الصحيح للتنبيه على عللها(1) واستدل على رأيه هذا بقول الإمام مسلم - رحمه الله - في مقدمة صحيحه 1/59 :
__________
(1) ... وطبق هذا المنهج على حديث صحيح لم يسبقه أحد إلى تعليله وهو حديث شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر ( انظر ص 118 - 119 ) من هذا البحث علما بأنه لم يمنعه من كثرة التطبيق إلا عجزه وقد ظن أن هذا الحديث صالح للتطبيق فخاب ظنه، وانظر إبطال قوله في هذا الحديث ( ص127 - 129 ) من هذا البحث .(1/3)
... " وسنزيد إن شاء الله تعالى شرحاً وإيضاحاً في مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والإيضاح إن شاء الله تعالى " .
... ثم أضاف وجهين من الأدلة في زعمه - يستدل بهما على أن الإمام مسلماً - رحمه الله - لم يورد هذين الحديثين من تلك الطرق الصحيحة لا في الأصول ولا في المتابعة فهي غير صالحة لذلك، وإنما أرودها للتنبيه على عللها .
... ثم عقب تلك الأدلة - في زعمه - بقوله :
... " ولما أن الإمام مسلماً - رحمه الله - أخرج هذا الحديث من وجوه صحيحة واتفق ( كذا ) عليها الإمام البخاري في صحيحه، ولم يقصد بإخراج هذه الطرق المعللة والمنتقدة المتابعة، لم يتجه إليه الطعن إن شاء الله " .
... يقصد أن الإمام مسلماً أقام الدليل على أن طرق حديثي ابن عمر وابن عباس معللة منتقدة، ولا تصلح في الأصول ولا في المتابعة بهذا الترتيب، فحيث قدم حديث أبي هريرة من وجوه صحيحة وأخر حديثي ابن عمر وابن عباس فإن هذا الترتيب بالتقديم والتأخير برهان واضح على صحة ما قدم وضعف ما أخر ولو جاء المتأخر من وجوه أقوى من المتقدم. وهذا هو الذي وعد به الإمام مسلم من الشرح والإيضاح في نظر هذا الباحث .
... وكنت قد ناقشت في رسالتي ( بين الإمامين ) كلام الدارقطني والإمام البخاري والنسائي وعياض - رحمهم الله - مناقشة علمية قائمة على الحجج القوية وانتهيت في مناقشتي إلى تصحيح الحديثين وسلامتهما من العلل فذكر الباحث مناقشتي هذه وأثنى على رسالتي ثم قال : " والأمر الوحيد الذي استدعى انتباهي هو مخالفة الشيخ لما اتفق الإمام البخاري والدارقطني والنسائي والقاضي عياض على إعلالهم حديث نافع ثم إن مسلماً لم يشر إلى تصحيحه ذلك الحديث - حديث نافع وحديث ابن عباس عن ميمونة - بأي وجه من الوجوه، وللقاريء أن يفهم من هذا الكلام ما يمكنه إدراكه .
... فقد أعرضت عن مناقشته سابقا وسوف أناقشه فيما يأتي إن شاء الله " .(1/4)
... ثم مضى الرجل في مناقشتي ودراسة بعض الأسانيد دراسة غريبة بعيدة عن المنهج العلمي، وفي نهاية هذه المناقشة وصل إلى نتيجة وما أصعبها وأشد وقعها على النفس وهي قوله : " ثم فضيلة الشيخ ذكر شواهد للحديث لا يحتاج إليها، مع أن الشواهد كلها منتقدة وقد بينتها في تعليقي السابق، والله أعلم " .
... فناقشته فيما طرحه في هذا البحث :
... أولاً : فيما تعلق به من كلام مسلم وهو قوله : " وسنزيد إن شاء الله تعالى شرحاً وإيضاحاً " .
... حيث رأى أن هذين اللفظين الشرح والإيضاح إنما يتمثلان في ترتيبه للأحاديث؛ فحديث أبي هريرة ما قدمه إلا لأنه صحيح وما أخر حديثي ابن عمر وابن عباس إلا لأن طرقهما معللة منتقدة .
... فأدركت ما في هذا الاتجاه من خطر، وأن مقتضاه أن ما ساقه مسلم في أول كل باب فهو صحيح، وأن ما أخره - ولو جاء من طرق - فهو معل بحيث لا يصلح في المتابعات، وما هذا الباب إلا مثال لتطبيق هذه القاعدة(1)، فناقشته في أمر لا يطاق فأي مسلم يعرف مكانة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهون عليه أن يرى من يَقعِّدُ من حيث يدري أو لا يدري لنسف ثاني أصح الكتب بعد كتاب الله، بحيث لا تستثنى هذه القاعدة إلا الأحاديث الأوائل، كمن يحاول قذف قنبلة مثل قنبلة " هيروشيما " على مدينة من أرقى المدن ويقول في هدوء ورفق : لا تخافوا من تدمير هذه القنبلة فإنها سوف تبقى في كل بيت وأسرة أوائلها وأقوى وأصح أفرادها، ثم يصر ويصر على قذفها.
... واجهت هذا الاتجاه الخطير بصبر، وناقشته في هذه القاعدة التي يدعى جهلا على أحسن أحواله أنه استفادها من كلام مسلم، وبينت بطلانها من وجوه عديدة من تصريحات مسلم، ومن واقع صحيحه، ومن كلام أئمة هذا الشأن ومواقفهم، راجع ردي عليه من ص ( 4 - 9 ) وفيها ما يقنع طالب الحق .
__________
(1) ... وقد خيل إليه(1/5)
... فلما رآها حججاً دامغة لم يستطع الإجابة عليها، لم يرجع إلى الحق ولم يستسلم له فتحايدها في جوابه الجديد وأخذ يؤكد تلك القاعدة الباطلة بخلف الكلام ورديئه، وبكلام ينقله عن العلماء لا صلة له بهذه القنبلة المدمرة، وحاشاهم ثم حاشاهم، وبرأهم الله أن يقولوا أو يفكروا فيما يشير إلى مثلها فضلا أن يقولوا ما يؤيدها، ولو رأوها لكانت لهم مواقف صارمة من واضعها؛ ولأقاموا الدنيا وأقعدوها، وسيأتي ذكر مواقفهم من هذا الكتاب العظيم صحيح مسلم رحمه الله .
... ثانياً : ناقشته في كلامه على أسانيد الحديثين وتعليلها :
... رأيت منهجاً غريباً في أسلوبه فرأيته يحاول جاهداً من رفع شأن الأسانيد إذا كانت خارج صحيح مسلم، ويترك ما فيل فيها من خدش، ويذكر ما قيل من خدش في بعض رجال مسلم، ويقتصر على بعض ما قيل من مدح في الجبال من رجال مسلم، ورأيت روح حب الغلب قد سيطرت على بحثه، كأنه في ميدان من ميادين المباريات، ورأيته يدعي أن البخاري والدارقطني والنسائي والقاضي عياضاً قد اتفقوا على تعليل طرق حديثي ابن عباس وابن عمر، فناقشته في هذا الدعوى، وبينت الفوارق بين انتقاداتهم، بحيث لا يصح إطلاق دعوى الاتفاق، وأن شبههم ضعيفة على جلالتهم انظر ردي عليه من ص ( 17 - 24 ) .
... وانظر ردي عليه عموما إلى آخره في مناقشته في الرجال وفي القضايا الأخرى .
... وبعد كل ما وقع منه من ادعاء على الإمام مسلم، وبعدما وقع منه من أخطاء، وبعد إجهازه على كل طرق حديثي ابن عمر وابن عباس جاء بطامة كبرى على شواهد الحديثين، فقال : " إنها كلها منتقدة معللة " وأنه قد بينها في تعليقه على الحديث السابق .
... أي أنه قضى على الشهود قبل أن يؤدوا شهادتهم، ولاحول ولاقوة إلا بالله .(1/6)
... فلما وقفت على هذه النتيجة طلبت منه تعليقه الذي فعل فيه ما فعل بهذه الشواهد فأدرك أن تلك النتيجة لاتطاق مسح عبارة " كلها " وطبع بدلها كلمة " بعضها " وعلق في الحاشية بالكلام الآتي : " قد أخطأت خطأ فاحشاً في قولي : كلها منتقدة لأن حديث أبي هريرة صحيح متفق عليه، وحديث جبير بن مطعم حسن لغيره، أما حديث جابر وابن الزبير فهما منتقدان كما في التعليق السابق " .
... وفي كلامه هذا تخفيف من هول النتيجة نوعاً ما رغم إصراره على تعليل بقية أحاديث الباب إلى جانب طرق حديثي ابن عباس وابن عمر في صحيح مسلم، فبينت له أن هذه الأحاديث قد ادُّعِىَ فيها التواتر، وأنه قد خالف بتعليله لها ثلاثة عشر إماماً(1) من أئمة الحديث. انظر : ( ص 72، 80 ) وما بينهما إن شئت .
... مع أن هذا العرض لا يعطيك الحقيقة كاملة، فاقرأ الرد عليه، وستقف إن شاء الله منه على مكانة هذه الأحاديث التي انتقدها وعللها وخالف فيها أئمة الحديث الذين صححوها وترى بعده عن مناهج علماء الإسلام المنصفين، والذين تشبعوا بحب السنة واحترامها .
__________
(1) ... بل يزيد عددهم على خمسة عشر .(1/7)
... ثم اطلعت على الأوراق الأخيرة التي ضعف فيها الشواهد، فإذا به يعلق على حديث عبدالله بن الزبير الذي خرجه الإمام أحمد في المسند وأورده الهيثمى في " غاية المقصد في زوائد أحمد " والذي صححه عشرة من العلماء وصحح شواهده علماء آخرون كثيرو العدد، فترك تخريجه من مسند أحمد الذي هو أهم عمله وبدل أن يكتب عليه بضعة أسطر في بيان درجته وذكر أئمة الحديث الذي صححوه وذكر شواهده التي ترفع من شأنه فإذا به يستطرد في سبع صحائف من القطع الكبير - لعلها تبلغ إحدى عشرة صحيفة - يناقش العلماء ويصاولهم ويضعف ما صححوه، ويناقش حتى الدارقطني إذا لان، فرجح بعض الطرق، وبأساليب تدل والله على ضعفه وعلى عدم معرفته في الوقت نفسه بطرق تحقيق المخطوطات وبقواعد المحدثين في التصحيح والتضعيف وغيرهما ثم لما وصل إلى حديث ابن عمر رقم ( 5000 ) من " غاية المقصد " من طريق عطاء عنه : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه ... " الحديث، الذي أشار مؤلف " غاية المقصد " - وهو الهيثمي - إلى صحته لما وصل إليه كَرَّ عليه بالأسلوب نفسه .
... فبدل أن يتبع منهج المحققين فيكتفى ببضعة أسطر لئلا يثقل الكتاب الذي يحققه ويخرج حديث ابن عمر من صحيح مسلم كما أشار إليه المؤلف الهيثمي ويشد به أزر حديث عطاء، بدل أن يسير على هذا المنهج العلمي المعقول المقبول المسلم به في الأوساط العلمية، يخرج بعيدا عن مجال عمله ويصول ويجول في صفحات كثيرة يشتت فيها أحاديث صحهها جمهرة من علماء الحديث وادعى بعضهم فيها التواتر، ويمزقها أشلاء ضارباً باحترام العلماء لها وتصحيحهم إياها عرض الحائط .
... ومع كل هذه الأفاعيل الشنيعة والتحديات الخطيرة لأقوال العلماء ومواقفهم يستنكر عليّ تصحيح حديثي ابن عمر وابن عباس في صحيح مسلم والذي وافقني فيه معظم المحدثين، ويستبيح لنفسه مخالفة خمسة عشر عالماً بل أكثر -والحق معهم والأدلة والحجة في جانبهم- ويصف منهجه بأنه منهج علمي.(1/8)
... فللقاريء أن يتصور إلى أي حد بلغ به الغرور كما يقال .
... هل فهم أحد من العلماء أو قال: إن الإمام مسلماً التزم بيان العلل في صحيحه؟ وهل فهم أحد أو قال : إن وسيلة هذا البيان هي ترتيبه للأحاديث على النهج الذي سلكه هذا الرجل ؟ .
... الجواب على السؤال الأول :
... أن العلماء قبل القاضي عياض - رحمه الله - لم يفهموا شيئا من هذا في حدود علمي، وأن الجميع يفهمون أن مسلماً ملتزم للصحة في كتابه كله ثم بعد هذا هم على قسمين :
... 1- منهم من يرى أنه التزم الصحة في كل كتابه، وأنه أخل بهذا الالتزام في بعض الأحاديث، ومن هذا المنطلق ناقشوه في تلك الأحاديث هو وشيخه البخاري، ومن هؤلاء : الإمام الدارقطني، والإمام أبو مسعود الدمشقي، والإمام أبو علي الجياني .
... وبسبب هذا الفهم - أيضاً - ألفوا عليهما استدراكات استدركوا فيها أحاديث رأوا أنها على شرطهما في الصحة كان يلزمهما إخراجها، " كالإلزامات " للدراقطني و " الإلزامات " لتلميذه أبي ذر الهروي، و " المستدرك " للحاكم أبي عبدالله تلميذ الدارقطني .
... قال الدارقطني - رحمه الله - في كتابه " الإلزامات " ( ص 74 ) ط 1 المدني : " ذكر ما حضرني ذكره مما أخرجه البخاري ومسلم أو أحدهما من حديث بعض التابعين وتركا من حديثه شبيها به، ولم يخرجاه أو من حديث نظير له من التابعين الثقات ما يلزم إخراجه على شرطهما ومذهبهما " .
... انظر قوله : " على شرطهما ومذهبهما " فإنه يعني بذلك اشتراطهما الصحة في كتابيهما والتزامها .
... ومن هنا ذهب الحاكم والبيهقي - رحمهما الله - إلى أن مسلماً لم يخرج من أحاديث الطبقات الثلاث إلا أحاديث الطبقة الأولى وهم الحفاظ المتقنون، وتبعهما على ذلك من لا يحصى .
... قال ابن الصلاح -رحمه الله- في " صيانة مسلم من الإخلال والغلط " : " ذكر مسلم - رحمه الله - أولا : أنه يقسم الأخبار إلى ثلاثة أقسام :
... الأول : ما وراه الحفاظ المتقنون .
... الثاني : ما رواه المستورون .(1/9)
... الثالث : ما رواه الضعفاء والمتروكون .
... فإذا فرغ من القسم الأول أتبعه بذكر القسم الثاني، وأما الثالث فلا يعرج عليه، فذكر الحاكم أبو عبدالله الحافظ وصاحبه أبو بكر البيهقي أن المنية اخترمته قبل إخراج القسم الثاني " (1) .
... فأنت ترى أن هذين الإمامين يريان أن صحيح مسلم كله من أحاديث الطبقة الأولى، وأن كل أحاديثه في غاية الصحة، هذا ما استفادوه من هذا التقسيم. وقد وافقهما على هذا الرأي من لا يحصي عددهم إلا الله .
... وذكر الحافظ في " النكت " ( 1 / 433 - 434 ) رأي الحاكم والبيهقي ثم قال : " ويؤيد هذا ما رواه البيهقي بسند صحيح عن إبراهيم بن محمد ابن سفيان صاحب مسلم قال : " صنف مسلم ثلاثة كتب أحدها : هذا الذي قرأه على الناس ( يعني الصحيح )، والثاني : يدخل فيه عكرمة، وابن إسحاق وأمثالهما، والثالث : يدخل فيه الضعفاء " (2) .
... وقد نقل إمام الحرمين إجماع علماء المسلمين على صحة ما في الصحيحين. وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائييني- رحمه الله - : " أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن صاحب الشرع، وإن حصل خلاف في بعضها فذلك خلاف في طرقها ورواتها "(3) .
... وقال الحميدي في كتاب " الجمع بين الصحيحين " : " لم نجد في الأئمة الماضين - رضي الله عنهم - أجمعين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين الإمامين "(4) . يعني البخاري ومسلماً .
... وقال الإمام مجد الدين المبارك بن محمد المشهور بابن الأثير - رحمه الله - في مقدمة كتابه جامع الأصول ( 1 / 41 ) .
__________
(1) ... صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط ص 90، وانظر المدخل إلى الإكليل ( ص 33 - 34 ) تحقيق فؤاد عبدالمنعم .
(2) ... انظر مقدمة شرح مسلم للنووي ( ص 20 )، والنكت لابن حجر ( 1 / 372 ) .
(3) ... النكت لابن حجر ( 1 / 377 ) .
(4) ... مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح ( ص 40 ) .(1/10)
... " وقيل : إن أول من صنف وبوب الربيع بن صبيح بالبصرة ثم انتشر جمع الحديث وتدوينه وسطره في الأجزاء والكتب وكثر ذلك وعظم نفعه إلى زمن الإمامين أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري - رحمهما الله - فدونا كتابيهما وفعلا ما الله مجازيهما عليه من نصح المسلمين، والاهتمام بأمور الدين، وأثبتا في كتابيهما من الأحاديث ما قطعا بصحته وثبت عندهما نقله " .
... وسمى أبو بكر محمد بن عبدالله الشيباني المعروف بالجوزقي المتوفى سنة ( 388هـ ) كتابه الجمع بين الصحيحين " الصحيح من الأخبار عن رسول الله المجمع على صحته للإمامين البخاري ومسلم " .
... وقال أبو نصر عبيدالله بن سعيد بن حاتم السجزي ( ت 444هـ ) " أجمع أهل العلم الفقهاء وغيرهم أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع مافي كتاب البخاري مما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صح عنه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاله لاشك فيه أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته " (1) .
... وقال ابن الصلاح - رحمه الله - : " جميع ما حكم مسلم بصحته في هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته، والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر، وهكذا ما حكم البخاري بصحته في كتابه وذلك لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع "(2) .
... ولا تلتفت إلى مناقشة النووي - رحمه الله - لشيخه فقد حكى الإجماع على صحة ما في الصحيحين من ذكرناهم سابقاً .
__________
(1) ... مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح ( ص 38 - 39 ) .
(2) ... مقدمة شرح مسلم ( 1 / 19 ) .(1/11)
... وقد ناقش النوويَّ البلقينى في " محاسن الاصطلاح " فقال عقب قول النووي : " وقد خالفه المحققون والأكثرون " ، قال البلقيني : " وهذا ممنوع فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين عن جمع من الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة أنهم يقطعون بصحة الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول "(1) .
... وناقش الحافظ ابن حجر النووي في النكت وأطال النفس في مناقشته ونقل عن العلماء في هذا الموضوع ما يشفي وقد كتب في هذا الموضوع أئمة منهم ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من أئمة الإسلام رحمهم الله .
... ومن أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية في موضوع أخبار الآحاد إذا تلقته الأمة بالقبول(2) ومنها أخبار الصحيحين : " الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له وعملاً بموجبه أفاد العلم عند جماهير العلماء من السلف والخلف وهو الذي ذكره جمهور المصنفين في أصول الفقه كشمس الأئمة السرخسي وغيره من الحنفية والقاضي عبدالوهاب وأمثاله من المالكية، والشيخ أبي حامد الإسفرائيني، والقاضي أبي الطيب الطبري، والشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وسليم الرازي وأمثالهم من الشافعية، وأبي عبدالله بن حامد، والقاضي أبي يعلى وأبي الخطاب وغيرهم من الحنبلية، وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشاعرة وغيرهم "، وذكر أشخاصاً ثم قال " وهو مذهب أهل الحديث قاطبة " ، وأيده الحافظ ابن حجر(3).
موقف النووي رحمه الله
... قال الحافظ - رحمه الله - في مقدمة " الفتح "(4) .
__________
(1) ... محاسن الاصطلاح بهامش مقدمة ابن الصلاح ( ص 101 ) .
(2) ... انظر مجموع الفتاوى ( 8 / 40، 48 )، والصواعق المرسلة ( ص 481 - 482 ) .
(3) ... " النكت " ( 1 / 371 - 379 ) .
(4) ... ص ( 246 )، الفصل الثامن .(1/12)
... واختلف كلام الشيخ محيى الدين في هذه المواضع، فقال في مقدمة شرح مسلم : ما نصه : " فصل قد استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلا فيها بشرطهما ونزلت عن درجة ما التزماه، وقد ألف الدارقطني في ذلك، ولأبي مسعود الدمشقي - أيضاً - عليهما استدراك، ولأبي علي الغساني في جزء العلل من التقييد استدراك عليهما وقد أجيب عن ذلك أو أكثره " ا هـ .
... وقال - في مقدمة شرح البخاري - : " فصل قد استدرك الدارقطني على البخاري ومسلم أحاديث فطعن في بعضها وذلك الطعن مبني على قواعد لبعض المحدثين ضعيفة جداً مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول وغيرهم فلا تغتر بذلك " ا هـ .
... تأمل قوله : " أخلا فيها بشرطهما " - فلو كان من شرط مسلم بيان العلل القادحة هل يحسن تصدي العلماء لمناقشته في تلك الأحاديث التي عللوها، وهل يجمل بالنووي - رحمه الله - أن يقول هذا وهو يعتقد أن مسلماً شرط على نفسه بيان العلل القادحة .
... وتأمل قوله وهو ينفر ويحذر طلاب العلم أن ينخدعوا " وذلك الطعن مبني على قواعد لبعض المحدثين ضعيفة جداً مخالفة لما عليه الجمهور ... " إلى قوله : " فلا تغتر بذلك " .
... وانطلاقا منه من هذه النظرة أخذ يرد على الإمام الدارقطني من أول حديث من الأحاديث المنتقدة في صحيح مسلم إلى آخر حديث فهل يحسن به هذه المناقشات إذا كان يعتقد أن مسلماً قد شرط بيان العلل وأنه ذكرها في صحيحه وفاء بشرطه ؟ .
موقف الحافظ ابن حجر رحمه الله
... وقال الحافظ - رحمه الله - في مقدمة " الفتح " :
... " وروى الفربري عن البخاري قال : ما أدخلت في الصحيح حديثاً إلا بعد أن استخرت الله وتيقنت صحته " .
... وقال مكي بن عبدالله : سمعت مسلم بن الحجاج يقول : " عرضت كتابي هذا على أبي زرعة فكل ما أشار أن له علة تركته " .(1/13)
... قال الحافظ : " فإذا عرف وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا مالا علة له، أوله علة إلا أنها غير مؤثرة عندهما فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضاً لتصحيحهما ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما فيندفع الاعتراض من حيث الجملة " ، وأما من حيث التفصيل : فالأحاديث التي انتقدت عليهما تنقسم أقساما :
... فالقسم الأول منها : ما يختلف فيه الرواة بالزيادة والنقص في رجال الإسناد فإن أخرج صاحب الصحيح الطريق المزيدة، وعلله الناقد بالطريق الناقصة فهو تعليل مردود كما صرح به الدارقطني فيما سنحكيه عنه في الحديث الخامس والأربعين، لأن الراوي إن كان سمعه فالزيادة لاتضر، لأنه قد يكون سمعه بواسطة عن شيخه ثم لقيه فسمعه منه، وإن كان لم يسمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع، والمنقطع من قسم الضعيف، والضعيف لايعل الصحيح وسيأتي أمثلة ذلك في الحديث الثاني والثامن وغيرهما .
... وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة وعلله الناقد بالطريق المزيدة تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صححه المصنف فينظر إن كان ذلك الراوي صحابياً أو ثقة غير مدلس قد أدرك من روى عنه إدراكا بينا أو صرح بالسماع إن كان مدلساً من طريق أخرى، فإن وجد ذلك اندفع الاعتراض بذلك، وإن لم يوجد ذلك وكان الانقطاع فيه ظاهراً، فمحصل الجواب عن صاحب الصحيح أنه إنما أخرج مثل ذلك في باب ما له متابع وعاضد، أو ما حفته قرينة في الجملة تقويه ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع كما سنوضح ذلك في الكلام على الحديث الرابع والعشرين من هذه الأحاديث وغيره، وربما علل بعض النقاد أحاديث ادعى فيها الانقطاع لكونها غير مسموعة كما في الأحاديث المروية بالمكاتبة، والإجازة، وهذا لايلزم منه الانقطاع عند من يسوغ الرواية بالإجازة بل في تخريج صاحب الصحيح لمثل ذلك دليل على صحة الرواية بالإجازة عنده، وقد أشرنا إلى ذلك في الحديث السادس والثلاثين وغيره .(1/14)
... القسم الثاني منها : ما تختلف الرواة فيه بتغيير رجال بعض الإسناد فالجواب عنه إن أمكن الجمع بأن يكون الحديث عند ذلك الراوي على الوجهين جميعاً، فأخرجهما المصنف ولم يقتصر على أحدهما حيث يكون المختلفون في ذلك متعادلين بل متقاربين في الحفظ والعدد فيخرج المصنف الطريق الراجحة ويعرض عن الطريق المرجوحة أو يشير إليها كما في الحديث السابع عشر، فالتعليل بجميع ذلك من أجل مجرد الاختلاف غير قادح إذ لايلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف، فينبغي الإعراض أيضاً عما هذا سبيله والله أعلم " .
... ثم ذكر الحافظ بقية الأقسام ولايتسع المجال لنقلها انظر إلى هذا النحرير الخريت الذي يتحدث عن منهج الإمامين البخاري ومسلم عن علم وخبرة .
... 1- فحكى من أقوالهما ما يصرح بالتزامهما بالصحة في كتابيهما العظيمين .
... 2- وأن مسلماً بالتعاون مع أبي زرعة قد ترك كل حديث فيه علة .
... 3- ثم قال : فإذا عرف وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له أو له علة إلا أنها غير مؤثرة عندهما .
... ثم قسم الأحاديث المنتقدة أقساماً وبين كيف تدفع تلك العلل بناء على قواعد المحدثين والأصوليين المتينة التي يرضاها كل عاقل منصف .
... فأين هذا ممن يتعلق بخيوط العنكبوت ويبني من الحبة قبة، ويظن أنه يسير على منهج علمي، وأن العلماء يوافقونه على مزاعمه، وهو في واد وهم في واد آخر .
... فهؤلاء الأئمة وغيرهم متفقون على أن الشيخين التزما الصحة يستوي في ذلك المنتقدون لتلك الأحاديث القليلة والمدافعون عنها ومن وراءهم من الأمة، وواقع الكتابين يؤيد ذلك .
... ثم اعلم أخي القاريء : أن الرجل يؤمن بقضية الترتيب والتقديم والتأخير في صحيح الإمام مسلم وأن بيان مسلم العلل إنما يأتى من خلال هذا الترتيب والتقديم والتأخير، يؤمن بذلك إيماناً أعمى .(1/15)
... وقد أعاد هذه الفكرة وأبداها وطبقها فعلاً على حديث عبدالله بن عمر وهي بمقتضى تقريره تنطبق على أحاديث كل الأبواب من صحيح مسلم ماعدا الحديث الأول منها ثم حين يدرك خطورة هذه الفكرة وأنها تؤدي إلى هدم صحيح مسلم وفى الوقت نفسه لا تسمح له نفسه بالتخلي عنها، والرجوع عنها ويدرك أن هناك من سوف يكشف خطورة هذا الاتجاه يجعل لنفسه خطوط رجعة كما يقال، ويجعل لنفسه مخارج للهروب منها إذا أجبر على التأخر أو الخروج .
... وليس هذا مني من باب سوء الظن ولا من باب الاتهامات التى لاتسندها الأدلة، بل هذا من صريح كلامه ومن مواقفه ومن رفضه التخلي عن هذا الفكر الخطير .
... وذلك أن قوله : " وأحيانا يبين العلة " وأمثاله من التعبيرات يكون لغواً مائة في المائة ولا مجال له أبداً مع إصراره على هذه الفكرة وإلحاحه عليها وترديده لها وسعيه جاهداً بكل ما عنده من طاقة لإقناع غيره بها بحيث لم يترك مجالا لحسن الظن به .
... فمن هنا اعتبرت تلك العبارات الاستثنائية لغواً ومخارج للتهرب عند اللزوم وأنه يستحيل مع قوله بالترتيب والتقديم والتأخير على الوجه الذي فصله وأسهب فيه تطبيق تلك الاستثناءات وأنها لا تتأتي إلا مع رفض هذا الفكرة الخطيرة والتخلي عنها وهذا أمر واضح جداً عند من يعقل ويفهم ويتحلى بالعدل والإنصاف، لذا لم أقم وزنا لهذا اللون من التحايل والتهرب، وأدنته وحاسبته على تلك الفكرة التى أعتقد أنها قد سيطرت على عقله وتغلغلت في دماغه وكيانه فدفعته إلى التعسف والتهور فلا يقولن القاريء إنه استثنى وإنه قال وقال، بل عليه بالتعقل والتأمل وسيدرك أن الجمع بينها وبين هذه الاستثناءات كالجمع بين الضب والنون، وأنها تغلق الأبواب والنوافذ في وجه أى استثناء .
... فإذا أدرك القاريء هذا أدرك أنني على حق إن شاء الله فيما أدنته به وأني وضعت الأمور في نصابها .(1/16)
... وأنَّ أساليب الصوفية وما تتذرع به من تقية، ومثلها الألاعيب السياسية تحتاج إلى ذكاء وفطنة وحذر ويجب أن يكون التعامل معها على هذا الأساس .
... وأن وضع حسن الظن في غير موضعه يجافي الحكمة والشرع والعقل .
... والآن نعيد ذينك السؤالين تذكيرا للقاريء بهما :
... 1- هل فهم أحد أو قال : إن الإمام مسلماً التزم بيان العلل في صحيحه؟
... 2- وهل فهم أحد أو قال : إن وسيلة هذا البيان تكمن في ترتيبه للأحاديث، وبالتقديم والتأخير يظهر للمحدثين تلك العلل ؟
... أما الإجابة عن السؤال الأول فقد عرفها القاريء والحمد لله وأن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول والاحتفاء والتكريم، وفائدة هذا التلقي بالقبول يعطي للصحيحين ميزة لا تلحق ولا تنال، ألا وهي إفادة أخبارهما للعلم عند جماهير علماء الأمة المعتبرين .
... والقول بأن مسلماً التزم بيان العلل وشرحها وأن هذا الشرح والبيان يتم من خلال الترتيب لأحاديثه ويتم من خلال التقديم والتأخير يناقض ما قدمناه من مواقف العلماء وينافي تلقيهم إياه بالقبول والاحترام والثقة به .
... وأما الإجابة على السؤال الثاني فقد تولاها وقام بعبئها العظيم الأستاذ حمزة المليباري حيث يقول : في ص 2، ص 3 فما بعدهما :
... 1- " أن ترتيب الإمام مسلم - رحمه الله - لطرق الحديث في كتابه الصحيح قائم على منهج علمي إذ أنه أودع في ترتيبها دقائق علمية لا يطلع عليها إلا الحفاظ الذين إذا سمعوا الحديث يستحضر في قلوبهم كل الوجوه التي وردت في رواية ذلك الحديث واختلافها " .
... انظر كيف يصور منهج مسلم وأنه يودع ترتيبه للأحاديث دقائق علمية لا يدركها إلا الحفاظ الذين إذا سمعوا الحديث .. إلخ .
... كأن الإمام مسلماً من كبار أهل الباطن أعاذه الله وأعاذ علماء المسلمين من أساليبهم ومناهجهم الماكرة .
... وما هي وجوه الاختلاف التي وردت في رواية ذلك الحديث؟ وما أثرها ؟(1/17)
... إن وجوه الاختلاف تدل على الاضطراب والعلل كما سيأتى في كلامه فهذا هو المنهج العلمى في ترتيب مسلم في نظر الأستاذ المليباري، فإذا وقف الحفاظ على ذلك الترتيب هجمت على قلوبهم وثارت في وجوههم زوابع الاختلافات والاضطرابات .
... 2- ويقول ( ص 2 ) : " وذلك تطبيقاً لما وعده في مقدمته حيث قال فيها " إنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنقسمها إلى ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس على غير تكرار ... فأما القسم الأول فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التى هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى من أن يكون - يعني لكون ( كذا ) ناقلوها أهل استقامة في الحديث وإتقان لما نقلوا، لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد ولا تخليط فاحش كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين وبان ذلك في حديثهم، فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخباراً يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المتقدم قبلهم على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم، فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم ... فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون أو عند الأكثر منهم فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم ... " ا هـ .
... ثم قال المليباري :
... " وهذا يفيد أن ترتيبه للأحاديث قائم على منهج علمي وهو مراعاته ذلك الترتيب في إيراد الأحاديث في كتابه الصحيح فإذا ذكر طريق حديث من طرقه في أول الباب، فمعناه أنه أسلم من العيوب وأنقى عنده، ويجمع تارة طرقه في أول الباب، لكونها على مستوى واحد في سلامة ( كذا ) العيوب ثم إذا أتبعها بطرق أخرى لذلك الحديث وقد تكون هي طرقاً مستقلة عن الصحابي الذي قدم حديثه من طرق أخر غير هذه فمعناه أنها ليست في مستوى تلك، لكون راويها من أهل القسم الثاني أو لسبب آخر، وعلى هذا فإذا قدم ما هو مستحق أن يؤخره، وإذا أخر ما هو مستحق أن يقدمه فمعناه أنه أدرك فيه شيئا جعله يتصرف " .(1/18)
... 1- انتبه أيها القاريء لهذا الإنسان جيداً، إن الرجل وحيد في هذا الميدان لم يسبقه إلى هذا الفهم من ترتيب مسلم أحد أبداً .
... 2- قارن بين كلام مسلم وبين كلامه :
... يقول هو " إن ترتيب مسلم قائم على منهج علمي إذ أنه أودع ترتيبها ( أي الأحاديث ) دقائق علمية لا يطلع عليها إلا الحفاظ الذين إذا سمعوا الحديث ( يعني أي حديث في أي باب ) يستحضر في قلوبهم كل الوجوه التى وردت في رواية ذلك الحديث واختلافها وذلك تطبيقا لما وعده في مقدمته " .
... ومسلم يقول " فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التى هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى " وذكر أنها أحاديث أهل الاستقامة والإتقان، وهذا غاية التحري للصحة والبحث عنها، فأحاديث هذا الصنف تقدمت أو تأخرت هي في غاية من الصحة التى يتوخاها الإمام مسلم " .
... ومسلم يقول عن أهل الاستقامة والإتقان : " لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد ولا تخليط فاحش " ، فكيف يودع في ترتيب الأحاديث دقائق علمية لا يطلع عليها إلا الحفاظ الذين إذا سمعوا الحديث يستحضر في قلوبهم كل الوجوه التى وردت في رواية ذلك الحديث واختلافها ؟
... كيف يصرح بتجنب هذا النوع والابتعاد عنه ثم يحاول في خلسة أن يدس كل الوجوه التى وردت في رواية ذلك الحديث ( أى حديث في أى باب ) واختلافها ؟ فهل يستجيز هذا الأسلوب أحد يؤمن بالله ويحترم نفسه ودينه وصدقه وأمانته ونصحه ؟
... ويقول الإمام مسلم : " فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف أتبعناها أخباراً يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان ... وأنهم من أهل الصدق والستر وتعاطى العلم " . فيفيد قوله :
... أولا : أنه يتقصى أخبار أهل الحفظ والإتقان والاستقامة أى يستوعبها استيعاباً كاملاً، وواقع كتابه كذلك، ففي كثير من الأبواب لا تجد إلا أحاديث القسم الأول الحفاظ المتقنين، بل في كثير من الأبواب لا نجد إلا حديث صحابي واحد من طريق أو من طرق .(1/19)
... وثانيا : يقصد بأخبار أهل القسم الثاني تقوية ومعاضدة روايات أهل القسم الأول عند الاحتياج إليها .
... يوضحه قول الحافظ ابن حجر - رحمه الله - وهو يناقش اختلاف وجهة نظر الحاكم ومن تبعه، والقاضي عياض ومن تبعه في رواية أهل القسم الثاني، قال: " قلت : وإنما اشتبه الأمر على القاضي عياض ومن تبعه بأن الرواية عن أهل القسم الثاني موجودة في صحيحه، لكن حرف المسألة هل احتج بهم كما احتج بأهل القسم الأول أولاً ؟ " .
... والحق أنه لم يخرج شيئاً مما انفرد به الواحد منهم، وإنما احتج بأهل القسم الأول تفردوا أولاً، ويخرج من أحاديث أهل القسم الثاني ما يرفع به التفرد عن أحاديث أهل القسم الأول، وكذلك إذا كان لحديث أهل القسم الثاني طرق كثيرة يعضد بعضها بعضاً فإنه قد يخرج ذلك وهذا ظاهر بين في كتابه ولو كان يخرج جميع أحاديث أهل القسم الثاني في الأصول بل وفي المتابعات لكان كتابه أضعاف ماهو عليه .
... ألا تراه أخرج لعطاء بن السائب في المتابعات وهو من المكثرين ومع ذلك فماله عنده سوى مواضع يسيرة، وكذا محمد بن إسحاق وهو من بحور الحديث وليس له عنده في المتابعات إلا ستة أو سبعة، ولم يخرج لليث بن أبي سليم ولا ليزيد بن أبي زياد ولا لمجالد بن سعيد إلا مقروناً "(1) .
... وفى كلام الحافظ هذا ما يوضح قصد مسلم من المتابعات وأنها ليرفع بها التفرد عن أحاديث أهل القسم الأول إذا وجدت الحاجة لذلك، ويفيد قلة أحاديث أهل القسم الثاني في الصحيح نسبياً لأن هدفه الأول الصحة وقد يتحقق في كثير من الأحيان بأحاديث أهل القسم الأول .
... فقارن الآن بين كلام الإمام مسلم وبين قول المليباري : " وهذا يفيد أن ترتيبه للأحاديث قائم على منهج علمي، وهو مراعاته لذلك الترتيب في إيراد الأحاديث في كتابه الصحيح فإذا ذكر طريق حديث من طرقه في أول الباب فمعناه أنه أسلم من العيوب وأنقى عنده " .
__________
(1) ... النكت : ( 1 / 434 - 435 ) .(1/20)
... وقل معي : هذا لايفهم من كلام الإمام مسلم، فلم يخص الطريق الأول بهذه الميزة وإنما أضفاها على كل أحاديث أهل القسم الأول الحفاظ المتقنين سواء قدمها أو أخرها .
... فقد يورد حديثاً في صدر الباب ويعقبه بما هو أقوى منه، وقد يورد في صدر الباب حديث رجل من أهل الطبقة الثانية ويعقبه بأحاديث أهل القسم الأول، لأن هدفه الأول وغايته الأساسية هي وجود الصحة فيما يرويه، ثم بعد ذلك لا يهمه أقدم أحاديث أهل القسم الأول أو أخرها، وستأتي الأمثلة من صحيحه إن شاء الله .
... ثم انظر في كلامه هذا، ألا يبعث الشك والريبة فيما بعد الطريق الأول أو الحديث الأول بسبب هذا الكلام الذي لم يقله أحد ولم يؤخذ من كلام مسلم .
... وانظر إلى قوله : " ويجمع تارة طرقه في أول الباب لكونها على مستوى واحد في سلامة ( كذا ) العيوب، ثم إذا أتبعها بطرق أخرى لذلك الحديث وقد تكون هي طرقاً مستقلة عن الصحابي الذي قدم حديثه من طرق أخرى غير هذه فمعناه أنها ليست في مستوى تلك لكون راويها من أهل القسم الثاني أو لسبب آخر " .
أقول : أولا : اصبر على قراءة هذا الأسلوب .
... وثانيا : لعلك تدرك بأدنى تأمل أن هذا الكلام لم يؤخذ من كلام مسلم ولا من واقع كتابه .
... وثالثا : أن قوله : ويجمع تارة طرقه في أول الباب لكونها في مستوى واحد في سلامة العيوب لم يؤخذ من كلام مسلم - أيضا - ولا من منهجه، ويعني وتارة لا يجمعها فما هو مصير أحاديث الصحابة الآخرين التى يوردها مسلم بعد الطريق الأول الوحيد ؟
... ألا تثار فيها الشكوك والريب ؟
... ثم إن الإمام مسلماً لم يخص الحديث الأول بجمع الطرق ولم يراع فيها المستوى الواحد، فقد يجمع طرق حديث الصحابي في أول الباب وقد يجمعها في وسطه وقد يجمعها في آخره وقد تكون في حالة الجمع في مستوى واحد وقد تكون في الغالب متفاوتة فما هو مصير الأحاديث بعد الحديث الأول إذا أفردها أو جمعها ؟(1/21)
... الجواب عند أئمة الحديث وعلماء الأمة وفي طليعتهم مسلم أنها كلها صحيحة لا شك في صحتها فأما أحاديث القسم الأول وهي الأغلب فهي صحيحة كلها وما يسوقها مسلم في صحيحه إلا للاحتجاج بها سواء تقدمت أو تأخرت في الباب أو توسطته، جاءت من طريق واحد أو طرق، وعلى هذا الأساس يوردها مسلم في صحيحه، وقد شهد له العلماء بذلك، فإذا انتقده الدارقطني أو غيره فما ينقده إلا على أساس أنه أخل بمنهجه الذي التزم فيه الصحة في نظر الناقد وعلى أساس قوله : " لم أخرج في كتابي هذا إلا ما أجمعوا عليه "، ويكون في الغالب الصواب حليف مسلم - رحمه الله - وإن كان من أحاديث الطبقة الثانية فهو صحيح لغيره وما أورده إلا لهدف صحيح وهو أن يرفع به التفرد عن أحاديث القسم الأول كما قاله الحافظ الخبير ابن حجر - رحمه الله - وكما قال الحكيم ابن القيم - رحمه الله - وهو يرد على ابن القطان وقد تكلم على أحد رجال مسلم وقال : " وعيب على مسلم إخراج حديثه " ، فقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - ردا على ابن القطان : " ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه، لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه "(1) .
... وهذا كلام من درس منهج مسلم وتطبيقه في كتابه ويتجاوب مع ما قاله وقرره في مقدمته، إنه العمل الذي يليق بمكانة مسلم انتقاء من أحاديث أهل الستر الصادقين المتعاطين للعلم وطرح للغلط من أحاديث الثقات المتقنين.
... هذا هو جواب أهل العلم وأئمة الحديث .
... وكل المحدثين يقولون لابن القيم صدقت وهذا الكلام يتمشى مع عمله في الكتاب وهو صدى لما قاله في مقدمته، كيف لا وقد صرح مسلم أنه يتوخى الأخبار التى هي أسلم من العيوب وأنقى من أحاديث الثقات المتقنين الذين ليس في حديثهم اختلاف شديد ولا تخليط فاحش ويتجنب أحاديث المتهمين وكذلك من الغالب على حديثهم المنكر أو الغلط .
__________
(1) ... زاد المعاد ( 1/ 364 ) .(1/22)
... وأما جواب المليباري فهو ما سبق في الفقرات التى عرضتها وأرى أن أعيد فقرات منها .
... 1- " إن ترتيب الإمام مسلم - رحمه الله - لطرق الحديث في كتابه الصحيح قائم على منهج علمي إذ أنه أودع في ترتيبها دقائق علمية لا يطلع عليها إلا الحفاظ الذين إذا سمعوا الحديث يستحضر في قلوبهم كل الوجوه التى وردت في رواية ذلك الحديث واختلافها " .
... أى ومن هؤلاء الحفاظ المليباري، بل إنه زاد على الحفاظ بعلم الفلسفة، وبرز على الجميع بهذه المنهجية التى لم يسبق إليها .
... 2- قال : " وهذا يفيد أن ترتيب مسلم قائم على منهج علمي؛ وهو مراعاته ذلك الترتيب ... ثم إذا أتبعها بطرق أخرى لذلك الحديث - وقد تكون هي طرقا مستقلة عن الصحابي الذي قدم حديثه من طرق أخرى غير هذه - فمعناه أنها ليست في مستوى تلك لكون راويها من أهل القسم الثاني أو لسبب آخر " .
... والسبب الآخر نفسره من كلامه : أى إن في هذا الترتيب دقائق علمية لا يطلع عليها إلا الحفاظ الذين إذا سمعوا الحديث تستحضر في قلوبهم كل الوجوه التى وردت في رواية ذلك الحديث واختلافها " ، أى : وعللها واضطرابها .
... 3- قال ( ص 2 ) : " وعلى هذا فإذا قدم ماهو مستحق أن يؤخر، وإذا أخر ما هو مستحق أن يقدم فمعناه أنه أدرك فيه شيئا جعله يتصرف كذلك " .
... وهذا الشئ الذي أدركه مسلم هو الاختلاف والاضطراب كما في قول المليباري في ( ص 3 س 32 ) " وإذا سمعه الحافظ ... يفهم بأنه اختلاف واضطراب " .
... وهو العلل لأن هذا الإبهام في قوله " فمعناه أنه أدرك فيه شيئاً " قد وضحه بقوله في ( ص 7 س 19، 20، 21 ) : " فلما وجدنا الإمام مسلماً هنا يؤخر ما كان يقدمه في أول الباب، ففهم أنه أدرك فيه علة جعلته يؤخره في آخر الباب " .(1/23)
... قال في ( ص 2 ) : " ومع ذلك وله تصرف علمي آخر في صحيحه وهو بيان العلة في بعض المواضع منه، وذلك بعد أن أخرج الحديث من طريق صحيح في الأصول وإن كان لذلك الحديث علة من بعض طرقه فبين العلة إذا كان المكان مناسباً للبيان وذلك بذكر طرقه المعللة خارج الأصول ومقصود الكتاب وموضوعه وهذا البيان ليس مقصود أصلى صنف وجمع لأجله هذا الكتاب الصحيح، بل إنما هو لغرض استطرادي تعرض لبيانه للمناسبة بذلك المقام وبناء على ما وعده في مقدمة صحيحه وهو يقول : وسنزيد إن شاء الله شرحاً وإيضاحاً في مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والإيضاح إن شاء الله تعالى " 1هـ ( مقدمة صحيح مسلم مع شرح النووي ) .
... أقول بعد أن بين لنا الباحث القاعدة الأولى أو المنهج العلمي الأول وهو ترتيب مسلم للأحاديث وأنه أودع في ترتيبها دقائق لا يطلع عليها إلا الحفاظ الذين إذا سمعوا الحديث يستحضر في قلوبهم كل الوجوه التى وردت في رواية ذلك الحديث واختلافها .
... وقد تكلمت على هذا المنهج بما قرأته وأرجو أن يكون شافياً، وأن القاريء المنصف اقتنع أن هذا المنهج من نسج الخيال، وأنه لم يدر بخاطر مسلم، ولا بخاطر أحد من العلماء، برأهم الله أن ينسبوا مثله إلى إمام جليل أفنى حياته في خدمة الإسلام والسنة ونصح الأمة .
... أراد الباحث أن يضيف إلى ما سبق منهجاً آخر مغايراً للمنهج الأول سماه " تصرفاً علمياً آخر " ولاندري ما الذي منعه أن يسميه " منهجاً " وعلى كل حال لاعبرة بالأسماء فالعبرة بالحقائق لا بالألفاظ .
... ما هو التصرف الآخر ؟
... يقول : وهو بيان العلة في بعض المواضع .
... كيف هذا البيان ؟
... يقول : وذلك بعد أن أخرج الحديث من طريق صحيح في الأصول .(1/24)
يقول القاريء هذا ليس بجديد ولم يظهر لنا الفرق بين هذا التصرف العلمي وبين المنهج العلمي الذي هو الترتيب الذي ينطوي على دقائق لا يعرفها إلا الحفاظ الخ، بل قولك هذا راجع إلى الترتيب .
... على كل حال قال بعد هذا الكلام الحائر : " وإن كان لذلك الحديث علة من بعض طرقه فبين العلة إذا كان المكان مناسباً وذلك بذكر طرقه المعللة خارج الأصول ومقصود الكتاب وموضوعه " ازداد القاريء هنا بلبلة فكرية .
... ما مرجع الإشارة في قولك وإن كان لذلك الحديث علة في بعض طرقه؟
... أليس هذا هو الحديث الذي أخرجه من طريق صحيح في الأصول ؟
... فكيف تكون فيه علة وهو في الأصول وكيف تكون العلة في بعض طرقه وهو ليس له إلا طريق واحد ؟؟
... ثم هناك إشكال آخر في قولك إذا كان المكان مناسباً فهل هناك أماكن غير مناسبة لبيان العلة ؟؟ وكيف يهتدي إليها القاريء ؟
... وهل يجوز للإمام مسلم أن يورد حديثاً أو أحاديث فيها علل ثم لا يبينها وهو قد التزم الصحة وسكوته يشعر بصحة الحديث ؟
... ثم ازداد القاريء حيرة عند قول الباحث : " وذلك بذكر طرقه المعللة " .
هل واقع صحيح مسلم كذلك يكون بيان العلل بذكر طرق الحديث خارج الأصول ؟ وهل هو قال ذلك في مقدمته أو قال ذلك أحد من أئمة الحديث ؟ فإننا رأينا الدارقطني ينتقد أحاديث في أول الباب .
... وهل مراد المليباري بقوله " بذكر طرقه المعللة " : أن الحفاظ لا يدركون العلة في الحديث إلاَّ إذا ذكر مسلم عدداً من الطرق فإذا ذكر له طريقاً أو طريقين لا يدركون فيه علة وقد رأينا الدارقطني مثلاً ينتقد الحديث في صحيح مسلم سواء أكان له طريق واحد أو طرق .
... وما المراد بخارج الأصول ومقصود الكتاب وموضوعه ؟(1/25)
... فإذا كانت الأسانيد من رجال الطقبة الأولى فقد قال مسلم إنه يوردها مستقصياً لها في كتابه وقال علماء الحديث كالقاضي عياض، والحافظ ابن حجر وغيرهم : إنه يوردها في الاحتجاج، فإذا وجدت في مسلم طرقاً أو طريقاً من الطبقة الأولى فهمت أنها من الأصول أوردها أو أورده مسلم للاحتجاج كما وعد وكما قال العلماء سواء كانت في أول الباب أو وسطه أو آخره .
... ثم قال القاريء : أيها الرجل كلامك هذا غير معقول ولا مقبول ولم نسمعه إلا منك ثم نسألك أيضا ألم تقل لنا إن لمسلم تصرفا علميا آخر غير منهجه في الترتيب ؟؟
... فما هو هذا التصرف الآخر وأنت تذهب وتجئ وتدور على رحى المنهج الأول ولم تأت لنا بجديد، وبعد كل هذا الضياع وكد القاريء ذهنه ليفهم هذا التصرف العلمي فلم يظفر بشئ .
... أرغم نفسه على مواصلة القراءة فقرأ قوله : " وهذا البيان ليس بمقصود أصلي وصنف وجمع لأجله هذا الكتاب الصحيح، بل إنما لغرض استطرادي تعرض لبيانه للمناسبة بذلك المقام وبناء على ما وعده في مقدمة صحيحه وهو يقول : وسنزيد إن شاء الله شرحاً وإيضاحاً ... " الخ .
... قال القاريء : ما هو المقصود الأصلي الذي صنف مسلم وجمع لأجله هذا الكتاب الصحيح ؟ وما هو المقصود الفرعي ؟؟
... هل المقصود الأصلي هو الذي ذكرته لنا في توضيحك لمنهج مسلم العلمي وهو قولك في ( ص 2 ) " وهذا يفيد أن ترتيبه للأحاديث قائم على منهج علمي وهو مراعاته ذلك الترتيب في إيراد الأحاديث في كتابه الصحيح فإذا ذكر طريق حديث من طرقه في أول الباب فمعناه أنه أسلم من العيوب وأنقى عنده ... ثم إذا أتبعها بطرق أخرى ... فمعناه أنها ليست في مستوى تلك لكون راويها من أهل القسم الثاني أو لسبب آخر وعلى هذا فإذا قدم ما هو مستحق أن يؤخره أو أخر ما هو مستحق أن يقدمه فمعناه أنه أدرك فيه شيئاً " .
... إذا كان هذا هو مرادك بالمقصود الأصلي فهذا راجع إلى الترتيب وهو لا يترك مجالاً للأغراض الاستطرادية .(1/26)
... ومما يؤكد أنك تريد الترتيب الذي هو المنهج العلمي قولك بعد هذه الفقرة في ( ص 3 ) " إذن فواضح أنه يذكر الحديث الصحيح في مقصود كتابه وأصوله من طريق صحيحه اعتماداً عليها واحتجاجاً بها وإذا كان للحديث طرق فيها علة وكان الموضع مناسباً لبيان علتها فيذكر تلك الطرق مبينا للعلة خارج الأصول ولا يعتمد عليها بل الاعتماد على ما ذكره في الأصول " .
... إذن فأنت تلف وتدور حول الترتيب، ولم نستفد شيئا من قولك وله تصرف علمي ... الخ، ولم تقدم لنا شيئاً جديداً من كلام مسلم، لأن مسلماً وعد بأنه سيشرح ويوضح العلل، فكان ينبغي أن تقدم لنا نماذج من هذا الشرح والإيضاح والكشف عن الأمور الغامضة وإيضاح العلل الخفية وإبرازها مثل حديث اختلف راويان على شيخهما في وصله وإرساله أو اختلف جماعة على شيخهم فساق مسلم وجوه الاختلاف ورجح - إكمالاً لما وعد به - جانب الإرسال، أو ساق حديثاً في أسانيده اضطراب فساق طرقه المضطربة وصرح بأنه لايمكن الجمع بينها ولا الترجيح .
... فهذا هو الشرح والإيضاح عند العرب والعجم .
... قال المليباري ( ص 3 ) : " وأما بيان العلة في بعض المواضع من كتاب الصحيح على سبيل الاستطراد فهو شأن كتب الحديث الكثيرة كصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وسنن أبي داود، كما لايخفي ذلك على من يراجعها، ولكون الوقت غير متسع اكتفيت بمراجعة بعض مجلداتها ولم أقم بإحصاء جميع المواضع منها التي بينت العلة " .
... أقول : لما أخفق في شرح كلام مسلم وعجز أن يأتي بمثال أو أمثلة للأحاديث المعللة في صحيح مسلم على المنهج الذي تخيله ركض هنا وهناك لعله يجد ما يلهي القاريء ويشغله عن مطالبته بالحجج المقنعة على منهج مسلم وتصرفه العلمي في بيان العلل وشرحها وتوضيحها فجاء بهذه الحصيلة .
... ونسأله الآن : هل قال أحد من هؤلاء أنه لا يضع في كتابه من الصحيح إلا ما أجمعوا عليه ؟(1/27)
... وهل اشترط أبو داود أو النسائي أو الترمذي الصحة في كتبهم ؟
... وهل شرط ابن حبان وابن خزيمة يداني شرط مسلم ؟
... وهل صحيح أن ابن خزيمة وابن حبان يوردان أحاديث فيها علل على سبيل الاستطراد ؟ أو أنهما يوردان أحاديث يعتقدانها على شرطهما ويأتي نقاد الحديث فيدركون ما فيها من علل فيبينونها للناس ؟؟
... وكيف تعود من هذه الجولة مفلساً لم تأت بمثال واحد تعلل به للقاريء ؟ وهب أنك جئت بعشرات الأمثلة من هذه الكتب فهل تظن أنها تقوم مقام شرح مسلم للعلل وتوضيحها وتقوم مقام التصرف العلمي لمسلم الذي ادعيته .
... قال المليباري ( ص 3 ) : " وبيان العلة في صحيح مسلم ليس على طريقة كتب العلة بأن يقول أثناء الكلام : واختلف على فلان أو خالفه فلان مثلاً، كما هو معروف في كتب العلل لابن أبي حاتم ، والدارقطنى وغيرهما .
... بل البيان بذكر وجوه الاختلاف من غير أن يتعرض لقوله : خالفه فلان ، أو اختلف على فلان مثلا .
... وإذا سمعه الحافظ يفهم بأنه اختلاف واضطراب، وإذا سمعه أمثالنا يعدونه تعدد طرق .
... ومثل هذا البيان كثيراً ما نجده في " التاريخ الكبير " إلا في الموضعين منه ( كذا ) وقال : فيهما وخالفه ( 4 / 292 ) هكذا وجدته فيما تتبعه في ثمانية مجلداته " .
... أقول : إذا كان الإمام مسلم - رحمه الله - قد التزم بشرح العلل القادحة فيلزم لزوماً لا محيد عنه أن يسلك مسلك المحدثين في بيانها وشرحها وإيضاحها .
... وحيث لم نجد له ولا في موضع واحد شرحاً وايضاحاً للعلل القادحة فلابد إذن من حمل كلامه على تطبيقاته الكثيرة التى لاتحصى في أبواب صحيحه، تلك التطبيقات التى يسميها كثير من المحدثين عللاً وهى غير قادحة، هي التي يتعين حمل كلامه عليها، ويؤكد هذا قوله : " ليس كل صحيح وضعته هاهنا، إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه " .
... ويؤكده قوله : " عرضت كتابي هذا على أبي زرعة فما قال : إن له علة تركته، وما قال لاعلة فيه فهو هذا الذي أخرجته " .(1/28)
... والذى يقول : بأنه أراد بها العلل القادحة سوف يرجع خاسئاً وسيظل يهمهم ويزمزم مثل همهمة وزمزمة الكهان ثم لا يأتى إلا بمثل ما يحتقر به الكهان ومن دار في فلكهم، ثم انظر إلى هذا الرجل كيف أصيب في عقله، فهو كلما رأى حديثاً بعد الحديث الأول جاء من طرق مهما بلغت قوة رجالها وضبطهم، ومهما بلغت من الكثرة والصحة فإنه يرى ذلك دليلا على اضطرابها واختلافها .
... وانظر إليه ثانياً فهو مع ما أصيب به يسلك نفسه في عداد كبار الحفاظ والدليل على هذا قوله : " ومثل هذا البيان كثيرا ما نجده في " التاريخ الكبير " إلا في الموضعين ( كذا ) فلا يعرف العلل من خلال هذا البيان إلا الحفاظ " كما صرح هو بذلك فهو إذن من الحفاظ وإلا فكيف فهم ذلك الشيء الكثير من تاريخ البخاري الذي يسوق الحديث من طرق متعددة من غير أن يقول خالفه فلان واختلف فلان وفلان ولا يغرنك قوله : " وإذا سمعه أمثالنا فيعدوه تعدد طرق " فإنه يريد أن يفهم عنه الناس أنه رجل مهذب متواضع ويريد في الوقت نفسه أن يعرض بغيره ممن لم يبلغ مبلغه في الحفظ والفهم من رواد الحديث وما يدري المسكين أنه كما قال الشاعر :
يشمر للُّج عن ساقه ... ويغمره الموج في الساحل
... قال ( ص 4 ) : " وبيان العلة من الاختلاف في الوصل والإرسال ثابت في صحيح البخاري - أيضاً - فيما أظهره الحافظ ابن حجر - رحمه الله - عندما أجاب في " هدي الساري " عما انتقد الإمام الدارقطني وغيره في بعض أحاديث صحيح البخاري، ولاتنس أن ذلك البيان كان على سبيل الاستطراد "
... أقول : قد عرفت ما تشبث به المليباري وهو ما يزعم أنه منهج مسلم وعرفت في ضوء مناقشتي إياه مآل هذا التشبث والزعم .
... وعرفت تعلقه بقول مسلم رحمه الله : " وسنزيد إن شاء الله شرحاً وإيضاحاً ... الخ " وما آل إليه هذا التعلق .(1/29)
... وعرفت عجزه الواضح عن إقامة أي حجة على مزاعمه الخيالية، وأعرفك أنه قد عجز عجزاً واضحاً عن الإجابة على الحجج الدامغة التى أقمتها على بطلان دعواه في منهج مسلم، وإذا أردت أن تعرف عجزه وتهربه عن مواجهة الحجج الدامغة فأقرأ ردي عليه من ص ( 3 - 9 ) .
... وقارن بينها وبين رده علي هل ترى في كلامه رداً على حججي ؟
... ثم بعد إدراكه لعجزه عن إقامة أي حجة أو الرد على أخرى ذهب يتخبط كالغريق لا يرى شيئاً إلا تشبث به فدرس الأمهات وصحيحي ابن خزيمة وابن حبان وتاريخ البخاري وعاد بعد هذه الجهود مفلساً من أي دليل يدفع به معرة هذا العجز فرأى أنه لابد من أن يعرج على صحيح البخاري ليتحفنا بكشف جديد، وهو أن بيان العلل من الإختلاف في الوصل والإرسال وغيرها ثابت فيه وقوله " وغيرها " يعني من الاضطراب والنكارة والشذوذ .
... وهكذا يظن الرجل أن كل خلاف وراءه دماء وصرعى وجرحى وما يدرى الرجل أن الخلاف لفظي وراءه ألفة وسلامة وقوة .
... ومايعرف أن قصد الحافظ ابن حجر من قوله خلال دفاعه عن البخاري وصحيحه : " قد بين الخلاف " أنه يقصد الخلاف الذي لايضر وأنه من باب لفت النظر إلى يقظة البخاري ووعيه وفطنته لا لبيان العلل والاضطراب .
... ويوضح أن قصد الحافظ ابن حجر ما ذكرته :
... أولا : ما نقلته عنه فيما سلف انظر ص ( 10 - 23 ) .
... ثانيا : أن للحافظ رأيا في الشاذ الذي هو عبارة عن مخالفة الثقة لمن هو أوثق أو أكثر عدداً .
... قال : " لأن الإسناد إذا كان متصلاً ورواته كلهم عدولاً ضابطين، فقد انتفت عنه العلل الظاهرة، ثم إذا انتفى كونه معلولاً فما المانع من الحكم بصحته فمجرد مخالفة أحد رواته لمن هو أوثق منه أو أكثر عدداً لا يستلزم الضعف، بل يكون من باب صحيح وأصح، قال : ولم أر مع ذلك عن أحد من أئمة الحديث اشتراط نفي الشذوذ المعبر عنه بالمخالفة وإنما الموجود تقديم بعض ذلك على بعض في الصحة(1) .
__________
(1) ... تدريب الراوي : ص 23 .(1/30)
... ثالثا : تصديه لمناقشة الدارقطني، فلو كان يسلم أن في البخاري أحاديث فيها علل قادحة لما تصدى لمناقشته ولما حسن منه ذلك .
... رابعا : استعرض أجوبته على الدارقطني في " المقدمة " وفى " الفتح " ، فسوف ترى تطابقها مع هذه القواعد التى يقررها، وأن ابن حجر في واد والمليباري في واد، ابن حجر في وادي أئمة المحدثين المدافعين عن السنة وركبهم والمليباري في واد بعيد ومع ركب آخر :
سارت مشرقة وسرت مغرباً مغربا ... شتان بين مشرق ومغرب
... خامسا : تذكر ما قدمته من أقوال العلماء في شأن صحيح البخاري وصحيح مسلم ومنهم الحافظ ابن حجر .
... سادسا : لعل القاريء يدرك أن الرجل غريب الأسلوب فموضوع الرجل الأساسي : أحاديث " غاية المقصد " فقفز منه إلى حديثين في صحيح مسلم، ثم منهما إلى منهج مسلم فقال في شأنه ما لا يحتمل، ثم وثم، ثم قفز الآن إلى صحيح البخاري ينوشه ويزلزله فلو كانت هذه التصرفات العجيبة في أمور دنيوية لتركته لغيري ليوقفه عند حده، أما والمصيبة قد نزلت بأغلى وأعز ما عند المسلمين الصادقين والمحدثين المخلصين، وهناك من الأساتذة المحسوبين على السنة - وذلك من عجائب هذا الزمان - من يدلِّلُهُ ويشجعه على باطله وترهاته، فلابد من كشف زيفه وملاحقته .
... ولعل المقصود يتحقق بمناقشة بعض ما تعلق به من دفاع الحافظ عن الأحاديث المنتقدة من صحيح البخاري فلنبدأ معه مستعينين بالله :
... 1- قال في ( ص 4 ) : " وكان فيما أجاب الحافظ - رحمه الله - قوله : " ومقتضاه صحة ما اختاره البخاري واعتمده في رواية الأعمش، على أن البخاري لم يهمل حكاية الخلاف بل حكاها عقب حديث الثوري والله أعلم " " الهدي " ( ص 358 ) .(1/31)
... أقول : سوف أسوق الحديث من صحيح البخاري ومن سياقه يظهر قصده قال - رحمه الله - في 25 - كتاب الحج حديث ( 1550 ) : حدثنا محمد ابن يوسف ثنا سفيان عن الأعمش عن عمارة، عن أبي عطية، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : إنى لأعلم كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي : " لبيك اللهم لبيك " ... الحديث .
... قال البخاري : " تابعه أبو معاوية عن الأعمش " ، وقال شعبة أخبرنا سليمان سمعت خيثمة عن أبي عطية، سمعت عائشة - رضي الله عنها .
... أما قصد البخاري فهو تأييد الحديث المتصل بالحديث المعلق بناء على التزامه الصحة، وقصده إثبات سماع أبي عطية من عائشة كما أشار إلى ذلك الحافظ في الفتح، وعلى أن المعلق بصيغة الجزم يكون صحيحاً .
... وأما رأي الحافظ فاختلف فيه فقال في " المقدمة " ما نقله المليباري، وقال في " الفتح " ( 3 / 411 ) وهو رأيه الأخير وهو الحق : " والطريقان محفوظان وهو محمول على أن للأعمش فيه شيخين " ويؤيد رأيه هذا أن الإمام يحيى بن سعيد القطان قد تابع شعبة .
... 2- قال المليباري :
... وفيه أيضاً قوله : في الحديث الرابع والعشرين ص ( 358 ) : " وإنما اعتمد البخاري فيه رواية مالك التى أثبت فيها ذكر زينب ثم ساق معها رواية هشام التى سقطت منها حاكياً للخلاف فيه على عروة كعادته ... " ا هـ .
... أقول : قال الحافظ في " الهدي " ما نقله المليباري، ثم قال بعد قوله " كعادته " : " مع أن سماع عروة من أم سلمة ليس بمستبعد والله أعلم " .(1/32)
... وقال في " الفتح " ( 3 / 487 ) : ( وقد أخرج الإسماعيلي حديث الباب من طريق حسان بن إبراهيم وعلي بن هاشم ومحاضر بن المورع وعبدة بن سليمان، وهو عند النسائي أيضا من طريق عبدة، كلهم عن هشام عن أبيه، عن أم سلمة وهذا هو المحفوظ، وسماع عروة من أم سلمة ممكن، فإنه أدرك من حياتها نيفاً وثلاثين سنة وهو معها في بلد واحد، وقال الحافظ في موضع آخر من " الفتح " . " إن البخاري إنما ساقه لبيان صحته من الوجهين " ، وانظر إلى المليباري كيف حذف آخر كلام الحافظ .
... 3- قال : ومنه قوله : في الحديث الثالث والثلاثين ص ( 361 ) : " فقد أخرجه على الوجهين ومقصوده منه الاحتجاج بقصة النخل المؤبرة وهي مرفوعة بلا خلاف بدليل أنه أخرجها في أبواب المزارعة، وأما قصة العبد فأخرجها على سبيل التتبع وبين ما فيها من الاختلاف فلا اعتراض عليه " .
... أقول : ماذا يقصد الحافظ بقوله : " وقد بين ما فيها من الاختلاف " هل يريد بيان العلل والاضطراب ؟؟
... إنه يريد الاختلاف الذي لا يضر بثبوت الحديث من الوجهين، من طريق نافع ومن طريق سالم كليهما عن ابن عمر .
... وقد أخرج البخاري رواية سالم في كتاب المساقاة حديث ( 2379 ) محتجاً بها وفيها التأبير وبيع العبد .
... وقد بين الحافظ في " الفتح " ( 5 / 52 ) في الكلام على رواية سالم وذكر أن النسائي ومسلماً والدارقطني رجحوا رواية نافع، وأن البخاري رجح رواية سالم ثم قال الحافظ : " قلت : وقد نقل الترمذي في الجامع عن البخاري تصحيح الروايتين " .(1/33)
... إذن فالروايتان صحيحتان ومن هنا يعلم قصد البخاري ببيان الاختلاف وأنه ليس من باب بيان العلل، وإنما هو من بيان الاختلاف الذي لا يضر وأن الحديث صحيح من الوجهين المختلفين، وقد نقل عنه الحافظ في النكت ( 2 / 784 ) هذا المذهب، قال الحافظ : " ومنه ( أي ما وقع الاختلاف في إسناده ) حديث " أفطر الحاجم والمحجوم ". رواه جماعة عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس، ورواه آخرون عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان - رضي الله عنه ، ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة بالطريقين جميعاً، قال الترمذي : سالت محمداً عنه فصححه، فقلت : وكيف ما فيه من الاضطراب قال: كلاهما عندى صحيح " .
... قال ( ص 4 ) : " ومنه أيضاً قوله في الحديث الثامن والأربعين ( ص 364 ) وقد حكى البخاري الخلاف فيه وهو تعليل لا يضر والله أعلم " .
... وإذا كان الخلاف والتعليل لا يضر فلماذا لم تقل مثل هذا في حديث ابن عمر وابن عباس، وكيف استسلمت لقول ابن حجر هنا ولم تستسلم لثلاثة عشر(1) عالماً، ومنهم ابن حجر في حديث ابن عمر وشواهده التى وصلت إلى التواتر .
... مع أن الخلاف في هذا الحديث أشد، وقد خرج البخاري منها إسنادين في الأصول، وخرج مسلم ثالثاً، وخرج أحمد رابعاً، انظر الفتح ( 6 / 357 ) .
... أقول : والظاهر أن البخاري لا يذكر هذه الأشياء إلا في المتابعات .
... قال ( ص 4 ) : وقوله في الحديث الخمسين " فهو عنده على الاحتمال ولم يهمل حكاية الخلاف فيه " .
__________
(1) ... بل لأكثر من خمسة عشر عالما .(1/34)
... وإذا كان البخاري أخرجه على احتمال صحة الوجهين - أى أنه اختلاف لا يضر - فماذا تستفيد منه مع أن هذا من قول الحافظ اجتهاد منه في معرفة قصد البخاري، وقد يكون قصد البخاري غيره والظاهر أنه يسوقه للمتابعة والخلاف بين يحيى القطان من جهة وأبي أسامة وعبدالله بن نمير ومعتمر بن سليمان وأخرين من جهة أخرى، وقد أخرج مع هذا رواية يحيى القطان وهذا سياق البخاري، قال - رحمه الله - : حدثنا على بن عبدالله حدثنا يحيى ابن سعيد، حدثنا عبيدالله قال حدثنى سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قيل يا رسول الله من أكرم الناس ؟ الحديث رقم ( 3353 ) ثم قال : قال أبو أسامة ومعتمر عن عبيدالله عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أورد حديث معتمر عن عبيدالله برقم ( 3374 ) وخرج حديث أبي أسامة برقم ( 3383 ) وخرج حديث يحيى بن سعيد مرة أخرى برقم ( 3490، 4689 ) من طريق عبدة .
... فانظر واعتبر، الحديث عن يحيى بن سعيد عن عبيدالله بن عمر، وقد خالف يحيى بن سعيد ثلاثة من الحفاظ ومع هذا يخرج البخاري حديث يحيى في الأصول ويكرره فهل تقول في حديث يحيى: خرجه البخاري من طريق منتقدة معللة وخرجه البخاري لبيان علته ؟
... قال ( ص 4 ) : " ومنه قوله في الحديث التاسع والسبعين ص ( 375 ): " ومع ذلك فأخرج البخاري الطريقين فأفهم أنه رأى أن الموصول أرجح وهو المعتمد "
... أقول : نقل الحافظ عن الدارقطني الاختلاف بين عبدالرحمن بن القاسم بن محمد وبين يحيى بن سعيد الأنصاري على القاسم بن محمد .
... فعبدالرحمن يروي حديث الخنساء بنت خدام عن عبدالرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية، ويحيى بن سعيد يرويه عن القاسم عن عبدالرحمن بن يزيد ومجمع بن يزيد أن رجلاً يدعى خداماً أنكح ابنة له .(1/35)
... وروى البخاري هذا الحديث من هذين الوجهين في 67 - كتاب النكاح برقم ( 5138، 5139 )، ثم رواه في 90 - كتاب الحيل رقم ( 6969 ) من طريق سفيان حدثنا يحيى بن سعيد عن القاسم أن امرأة من ولد جعفر تخوفت أن يزوجها وليها وهي كارهة، فأرسلت إلى شيخين من الأنصار عبدالرحمن ومجمع ابني جارية - قالا : فلا تخشين فإن خنساء بنت خدام أنكحها أبوها وهي كارهة فرد النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك .
... فلو كان مرجوحاً عند البخاري فكيف يورده محتجاً به مرة أخرى؟ والذى ينبغي أن يقال: إن الحديث صحيح عند البخاري من الوجهين، وذلك أن عبدالرحمن ومجمعاً صحابيان فقد رويا عن رسول الله وأدركاه فتارة حدثا بما شهداه عند رسول الله، وتارة حدثا عن صاحبة القصة، وهذا مثل قصة معاذ في بعثه إلى اليمن يرويها ابن عباس تارة عن معاذ وتارة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو أن البخاري يرى أن روايتهما تعتبر من مراسيل الصحابة فهذا الذي ينبغي أن يفسر به تصرف البخاري والله أعلم .
... قال المليباري ( ص 5 ) : وقد قال الحافظ في النكت ( 1 / 269 ) : " ومنها ما يشير صاحب الصحيح إلى علته كحديث يرويه مسنداً ثم يشير إلى أنه يروي مرسلاً فذلك مصير منه إلى ترجيح رواية من أسنده على من أرسله " .
... أقول : أولاً : عد إلى ما قرره الحافظ سابقاً بشأن الصحيحين .
... وثانياً : هذا قد يفعله البخاري رحمه الله .
... أما مسلم فلا يفعله لأن البخاري له مقاصد فقهية وغيرها فيورد الآيات وأقوال الصحابة والتابعين وغيرهم ويختصر الأسانيد بالتعليق ويختصر المتون من أجل أهدافه الفقهية وكل من هذا أو ذاك لا يورده إلا للاحتجاج أو للاستشهاد أما أن يسوق البخاري أو مسلم حديثاً من طريق أو طرق صحيحة لبيان ما فيها من علل فهذا ما لايجوز أن ينسبه إليهما مسلم يؤمن بالله ويخشاه وهذا ولله الحمد لم يقله أحد من علماء الحديث منذ ألف الشيخان كتابيهما إلى يومنا هذا .(1/36)
... قال المليباري : ( ص 5 ) : " وبعد ما تبين مما سبق أن الإمام مسلماً يرتب طرق الحديث في صحيحه حسب القوة وأنه أحياناً يبين العلة خارج الأصول بعد أن اعتمد على طريق صحيح في الأصول فننظر إلى حديث : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجد الحرام " كيف رتب طرقه ؟ وكيف بين العلة في بعض طرقه ؟ " .
... أقول : لو قال بعدما تبين لك تهافت كلامي وخوائه من العلم والحجج وتعلقي من كلام العلماء بما لاينفعني بل يزيدني ضرراً وكشفاً لواقعي وأنني أجادل بالباطل. وبعدما تبين لك عجزي عن تقديم الأمثلة الواضحة لتلك القاعدة الخيالية التى لم يسبقني إليها أحد لكان خيراً له لأن الإنسان مهما تمادى في الباطل ثم رجع عنه يكون خيراً له عند الله وعند الناس من الإمعان والتمادي في الباطل الذي لا ينوي صاحبه العودة إلى الله والحق .
... ثم أحفظ قوله هذا : إن مسلماً يرتب أحاديثه بحسب القوة بهذا الإطلاق ولاتنس قوله بعد أن اعتمد على طريق صحيح في الأصول وأنه تناقض في كلامه.
... ثم قال ( ص 5 - 7 ) : " قال الإمام مسلم - رحمه الله - في صحيحه ( 9 / 163 ) مع شرحه للنووي : " حدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب واللفظ لعمرو قالا حدثنا سفيان بن عيينه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وذكر ذلك الحديث، يعني حديث " صلاة في مسجدي " .... الحديث " .
... ثم ساق المليباري حديث أبي هريرة من صحيح مسلم من أربع طرق أخرى تحت رقم ( 2، 3، 4، 5 )، ثم ساق طرق حديثي ابن عمر وابن عباس على الوجه الآتي :
... 6- وحدثنى زهير بن حرب ومحمد بن المثنى قالا حدثنا يحيى - وهو القطان - عن عبيدالله، قال أخبرني نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " .
... 7- وحدثناه أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير وأبو أسامة ( ح )(1/37)
وحدثناه ابن نمير حدثنا أبي ( ح ) وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا عبدالوهاب كلهم عن عبيدالله بهذا الإسناد .
... 8- وحدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا ابن أبي زائدة عن موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بمثله .
... 9- وحدثناه ابن أبي عمر قال حدثنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله .
... 10- وحدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح جميعاً عن الليث بن سعد قال قتيبة حدثنا ليث عن نافع عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد عن ابن عباس، وساق المليباري الحديث وفيه قصة قبل نص الحديث .
... أقول - أولاً : اعرف أن المليباري عجز عجزاً واضحاً عن تقديم أمثلة لقاعدته وهذا أكبر برهان على أنها من مخترعاته ومن خيالاته .
... وثانياً : انظر إلى هذه السياقة المحكمة الرائعة القائمة على أمتن الرجال من الطبقة الأولى التى اختارها مسلم، وانظر كم من الأئمة رووا هذا الحديث عن عبيدالله بن عمر ذلك الجبل الأشم .
... وانظر حديث ابن عباس وفيه الليث الجبل، وعنه الإمامان قتيبة وابن رمح.
... ماذا تعتقد في الإمام مسلم الأمين الناصح وقد ساق الحديث بهذه السياقة من طريق فيها الجبال الشم من جهابذة الحديث : هل يخطر ببال عاقل فضلاً عن مسلم فضلاً عن محدث أن الإمام مسلماً حشد كل هذه الطرق القوية ليبين ما في هذا الحديث العظيم من العلل ؟
... وهل خطر هذا الخاطر ببال الدارقطني والقاضي عياض والنسائي؟ هل خطر ببالهم أنَّ مسلماً ما ساق هذا الحديث من هذه الطرق برجال الطبقة الأولى إلا ليكشف عن عللها ؟ وجعلوا أكبر أدلتهم هذه السياقة واحتجوا عليها بقاعدة المليباري المستمدة من وعد مسلم كما زعم ؟
... احفظ هذا وتعال إلى أدلة المليباري لترى أنه أتى بما لم تستطعه الأوائل .(1/38)
... قال في ( ص 7 ) : " وهكذا رتب الإمام مسلم هذه الطرق فيفهم منه أن الطريق رقم ( 1، 2 ) - وكلاهما يدور على الزهري عن سعيد عن أبي هريرة - هو أسلم طرق ذلك الحديث من العيوب وأنقاها، ويليها في السلامة والصحة طريق رقم ( 3، 4، 5 )، ثم بعدها الطرق في الأرقام التالية .
... وكان من عادة الإمام مسلم - رحمه الله - في صحيحه أن يقدم طريق رقم ( 6، 9 )، وكذلك طريق رقم ( 8 ) في أول الباب أو في جملة الطرق في الأصول ولا يؤخرها عن الطريق التى فيها كلام من ناحية حال الراوي - فيما تتبعت معظم كتابه الصحيح، وذلك إذا كان الحديث واحدا وليس فيه زيادة يستحق أن يجعل بها باب مستقل .
... فلما وجدنا الإمام مسلماً هنا يؤخر ما كان يقدمه في أول الباب ففهم منه أنه أدرك علة فيه جعلته يؤخره في آخر الباب أعني به بعد طريقين من أهل القسم الثاني " .
... وهكذا يفتح الله على هذا المليباري ويمده بهذه الفيوضات ويمنحه كشف الأسرار والدقائق التى وقف المحدثون عاجزين عن كشفها وعلى رأسهم الدارقطني الذي انتقد البخاري ومسلماً في بعض أحاديثهما ولو أطلعه الله على هذه الأسرار والدقائق العلمية لانتقد ألوف الأحاديث من الصحيحين وخاصة كتاب مسلم .
... أما من الآن فقد عرفنا - بعد أن اغترفنا من بحار علوم المليباري - أننا
لسنا بحاجة إلى دراسة أحوال رجال مسلم، ولسنا بحاجة إلى العلماء والشيوخ وكتب العلل لنعرف عن طريقها الأحاديث المنتقدة من صحيح مسلم .
... لأننا والحمد لله في عصر الاكتشافات العلمية وفى عصر السرعة، فلا نضيع أوقاتنا في الدراسة والبحث عن معرفة العلل ومعرفة الشاذ وما الشاذ والمنكر وما المنكر والاضطرابات والاختلافات التى دسها مسلم تحت طيات وحجب هذا الترتيب العجيب .(1/39)
... فالآن انكشف لنا عن طريق المليباري كل شئ في أبواب صحيح مسلم نأتى إلى الباب الذي فيه عشرة أحاديث ونعد أحاديثه بدقة خشية أن نخطيء في العدد فنقول واحد اثنين هذا الحديث صحيح من هذين الطريقين؛ لأن رجاله رجال القسم الأول كما وعد مسلم، وهما أنظف أسانيده وأنقاها، ثم نعد : ثلاثة، أربعة، خمسة، ونقول للناس : هذه الثلاث الطرق جاء بها مسلم للمتابعة(1) لأن رجالها من أهل القسم الثاني .
... ثم نعد ( 6، 7، 8، 9، 10 ) ونقول هذه الطرق منتقدة معللة وقد ساقها مسلم خارج الأصول لبيان عللها فإذا انزعج الناس من هذا وغضبوا وطالبونا بالأدلة نقول لهم قال لنا المكتشف الكبير الأستاذ حمزة المليباري في ( ص 7 ) من كتاب سوف يسميه .
... " وهكذا رتب الإمام مسلم - رحمه الله - هذه الطرق للحديث فيفهم منه أن الطريق رقم ( 1، 2 ) هو أسلم طرق ذلك الحديث من العيوب وأنقاها ويليها في السلامة والصحة طريق رقم ( 3، 4، 5 ) ثم بعدها الطرق في الأرقام التالية أي ( 6، 7، 8، 9، 10 ) المعللة المنتقدة " .
__________
(1) ... هذا بناء على بعض أقواله وله قول آخر وهو الأقوى في نظره، وهو أن الاعتماد على الطريق الأولى، وما بعدها فيه شيء .(1/40)
... فإذا قالوا : هذا الدليل غير كاف لأنه لم يقم على تجربة ودراسة، قلنا لهم وهل تظنون أن هذا الفليسوف المبتكر يطلق الكلام على عواهنه بدون تجربة ودراسة؟ حاشاه ثم حاشاه لقد درس وتتبع معظم كتاب مسلم فاستمعوا له وأنصتوا إذ يقول ( في ص 7 س 13 ) فما بعده : " وكان من عادة الإمام مسلم - رحمه الله - في صحيحه أن يقدم طريق رقم ( 6، 9 ) وكذلك رقم ( 8 ) في أول الباب أو في جملة الطرق في الأصول، ولا يؤخرها عن الطريق التى فيها كلام من ناحية حال الراوي - فيما تتبعت معظم كتابه الصحيح ... فلما وجدنا الإمام مسلماً هنا يؤخر ما كان يقدمه في أول الباب ففهم منه أنه أدرك علة فيه جعلته يؤخره في آخر الباب أعني به بعد طريقين من أهل القسم الثاني " .
... ألا ترونه قال هذا بناء على دراسة وتجربة طويلة وفهم عميق لهذا الترتيب العجيب القائم بدقة على الأعداد والأرقام الصحيحة وحينئذ سيستلم له الناس وسيطلبون أن تنشر هذه الاكتشافات العلمية في الصحف وسيطلبون تعميمها إلى المدرسين في الحرمين وفى سائر مساجد المسلمين وجامعاتهم .
... وفي ضوء هذا الاكتشاف العظيم من خلال الترتيب والعدد نأتي إلى باب من أبواب مسلم نجد فيه عبيدالله بن عمر أو مالك أو الزهري أو عبدالرحمن ابن القاسم أو سفيان الثوري أو ابن عيينة أو حماد بن زيد أو أمثالهم بعد رقم ( 5 ) أى من رقم ( 6 ) فما بعده فنقول : إنها معللة منتقدة، ولأن مسلماً أخرجها خارج الأصول وهي ليست للمتابعة لأن مسلماً كما قال المليباري ما أخرها وهي مستحقة للتقديم إلا لأنه أدرك فيها علة .
... ونحن لا نريد أن نشغل المليباري عن هذه الأعمال الجليلة وعن هذه الاكتشافات .
... ومع ذلك فنجدنا بشوق شديد إلى اكتشافات أخرى في صحيح البخاري وسائر الأمهات الصحاح .(1/41)
... فلنرسل أبناءنا إلى فرقة بهائية جديدة تكتشف أسرار القرآن عن طريق الأعداد وخصوصاً الرقم ( 19 ) فلنرسل إليهم أبناءنا ليعلموهم أسرار القرآن ويكتشفوا لهم أسرار هذه الأمهات والأصول، أما صحيح مسلم فقد كفينا منه الأبواب التي تشتمل على عشرة أحاديث وتبقى بعض الإشكالات في الأبواب التي تشتمل على أكثر من عشرة أو على أقل منها من أين نبدأ في العدد فنرجو المليباري الإسراع بالإجابة حتى يتم لنا اكتشاف كل أسرار مسلم وخباياه تحت هذا الترتيب العجيب .
... وقد حصل لي أنا إشكالات بالذات : إنه أحياناً يفتتح الباب براو من الطبقة الثانية، ويختمه بحديث اتفق عليه الشيخان، وكذلك قد يوجد رقم ( 6 ) وقبله وبعده أحاديث رجالها من الدرجة الأولى ومتفق عليها أحياناً بين الشيخين .
... وأحياناً أجد الدارقطني ينتقد أحاديث تأتي الأولى في الباب وستأتي الأمثلة لذلك إن شاء الله .
... قد يقول قائل : شددت على هذا المسكين الضعيف ؟
... فأقول : إن الخطب جلل، فما رأيت أحداً من خصوم السنة يقعد لنسف كتاب عظيم ترتيبه الثاني في طليعة دواوين الإسلام مثله وأتمثل بقول الشاعر :
ولا تحتقر كيد الضعيف فربما ... تموت الأفاعى من سموم العقارب
فقد هد قدما عرش بلقيس هدهد ... وخرب فار قبل ذا سد مارب
...(1/42)
... ولقد وجدت آثار عقارب وفئران شاركت في بنيانه المتهاوي الذي حطمته بفضل الله معاول الحق والصدق، ولقد رد الله كيده في نحره ألا ترى حماية الله لهذا الكتاب العظيم أو المدينة الراقية التى عاث هذا المسكين كالفأرة الملساء فتسلق جدرانها وطاف بقصورها الشامخة وتسلل من تحت أبوابها وصعد وهبط وشرق وغرب فوجدها كلها ثابتة القواعد شامخة الجدران محكمة البنيان فلم يجد فيها أى ثغرة وتحطمت مخالبه وأسنانه فلم يستطع بحمد الله أن يأتي بلبنة واحدة من لبنات تلك المدينة الزاهية الفولاذية اللبنات ولو حاول طول عمره وساندته الفئران والعقارب فلن يستطيعوا أن يبرهنوا على تلك القاعدة الباطلة المخترعة من الهوى .
... قال المليباري ( ص 7 ) مواصلاً تخبطه - وليته لم يقل - : " ولابد لنا من الرجوع إلى كتب العلة لكي يتضح لنا الدقائق العلمية التي أودعها الإمام مسلم - رحمه الله - الناقد الكبير في ترتيب تلك الطرق، قد ذكر الإمام الدارقطني هذا الحديث مع وجوه الاختلاف على الزهري وأبي سلمة ونافع في العلل في الموضعين ليبين ما هو المحفوظ منها وما هو غير المحفوظ " .
... انظر إليه كيف يمدح الإمام مسلماً ويصفه بالناقد الكبير ليبرر ادعاءه بأن في جسم كتابه عللاً خطيرة تدمر صحته، وكيف يمدح العلل ويمجدها ويصفها بالدقائق العلمية ليهلل المحدثون ويكبروا ويرحبوا بقلوب ملؤها السرور والحبور بهذه الاكتشافات العلمية العظيمة .
... وأعجب أشد العجب لقوله : " ولابد لنا من الرجوع إلى كتب العلة لكى تتضح لنا الدقائق العلمية " الخ .
... فبدلاً من أن يتفقه في هذا الكتاب العظيم ويستفيد منه عقيدةً وآداباً وأخلاقاً ويرجع إلى شروحه فيما يشكل عليه يرى نفسه مضطراً إلى الرجوع إلى كتب العلل. لماذا ؟ لكي تتضح لنا الدقائق العلمية إلخ، أى العلل الفتاكة والأدواء القاتلة الدفينة في هذا الكتاب وكأن كتب العلل لم تؤلف إلا شروحاً لكتاب مسلم وكشف دسائسه .(1/43)
... أى قيمة لصحيح مسلم عند هذا الرجل وأى ثقة تبقى للمسلمين في هذا الكتاب - لاسمح الله - لو تقبلوا أفكار هذا الرجل ؟
... ثم نسأله الآن : أين دندنتك الكبيرة حول منهج مسلم ؟ وأين هو فهمك لترتيب مسلم ؟ وكيف نوفق بين إصرارك أن هذا هو منهج مسلم وبين قولك " ولابد من الرجوع إلى كتب العلة " .
... فإذا كان منهج مسلم كما ذكرت فلا داعى للرجوع إلى كتب العلل، فضلاً عن الضرورة إليها، وإذا كان لابد من الرجوع إليها فقد فضحت نفسك وانكشف زيف إدعاواك في هذا المنهج، وتبين أنه من نسج الخيال، وإذا أدرك القاريء ذلك واتضح له فإني أرى من حقه على أن أصل به إلى درجة اليقين - إن شاء الله - من واقع صحيح مسلم رحمه الله، وذلك بضرب أمثلة من صحيح مسلم تبين له منهجه وتوضح له كيف وفي مسلم بوعده من الشرح والتوضيح على منهج العلماء المؤمنين الناصحين ولا ينازع فيه عاقل ولا عربي ولا عجمي أنه شرح وتوضيح .
... وقبل أن أشرع في ضرب الأمثلة لما ذكرت أعطي القاريء فكرة عن واقع كتاب مسلم .
منهج مسلم في صحيحه
... اعلم أنه - رحمه الله - لم يلتزم الترتيب بين أحاديث الطبقتين اللتين ذكرهما في مقدمة كتابه ولم يعنت نفسه بذلك ولم يجعل ذلك ضربة لازب كما يتخيله من لا يعرف هذا الواقع :
... 1- فأحياناً يقدم أسانيد الطبقة الأولى .
... 2- وأحياناً يقدم أسانيد الطبقة الثانية .
... 3- وأحياناً لا يورد في الباب إلا أحاديث الطبقة الأولى .
... 4- وأحياناً لا يورد في الباب إلا أحاديث الطبقة الثانية إذا لم يجد شيئاً من أحاديث الطبقة الأولى. وإذا كانت طرق الثانية تصل بالحديث إلى درجة الصحة التي التزمها .
5- وأحياناً لا يورد في الباب إلا حديث صحابي واحد وهذه الأنواع كثيرة جداً في صحيح مسلم والأمثلة التي سأذكرها إنما هي نماذج .
... وليعلم القاريء أن الترتيب ليس هدفاً لمسلم، وأن التقديم والتأخير للأحاديث لا دخل لهما في القوة والضعف والتصحيح والتعليل .(1/44)
... ولايهبط بالمؤخر إذا كان من الطبقة الأولى فيجعله دون الثانية وخارج الأصول بل يبقى متسنماً قمة الصحة، ويبقى هو الأصل في الباب، فأصول الأبواب هي أحاديث وأسانيد الطبقة الأولى تقدمت أو تأخرت، وأسانيد وأحاديث الطبقة الثانية هي المتابعات والشواهد تقدمت أو تأخرت .
هدف مسلم الأساسى
... إن هدف مسلم الأساسي هو ثبوت الصحة فيما يرويه ثم لا يبالي بعد ذلك أقدم هذا أو ذاك ما دام قد تحقق هدفه .
... ثم إنه بعد ذلك بشر لم يخرج عن طبيعة البشر، فقد يورد حديثاً يرى أنه صحيح تكاملت فيه شروط الصحة التي التزمها ويكون في نظر غيره غير صحيح، فيكون هذا النوع - وهو قليل - هدفاً للنقد فقد يكون الناقد على صواب وذلك نادر، والغالب أن يكون الصواب في جانب الإمام مسلم رحمه الله، هذا هو واقع مسلم وهذا ما يعتقده علماء الحديث وعلماء الأمة منذ ألف مسلم كتابه العظيم إلى يومنا هذا .
أنواع من الأمثلة توضح منهج مسلم في صحيحه
...
... وهاك أنواعاً من الأمثلة التي وعدتك بها والتى تتبخر أمامها المزاعم والادعاءات الباطلة :
... أمثلة لأبواب افتتحها مسلم بأحاديث أسانيدها من رجال الطبقة الثانية، ويختم بعضها برجال من الطبقة الأولى وتكون من الأحاديث التي اتفق عليها الشيخان .
... أولا : في 5 - باب بيان أركان الإسلام حديث 16 ( 1 / 45 ) في صدر الباب قال رحمه الله : حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير الهمداني، حدثنا أبو خالد ( يعني سليمان بن حيان الأحمر ) عن أبي مالك الأشجعي، عن سعد بن عبيدة عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " بني الإسلام على خمسة :
... على أن يوحد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج".
... وأبو خالد الأحمر من رجال الطبقة الثانية قال الحافظ : صدوق يخطيء . ثم عقبه بإسناد من الطبقة الأولى، ثم ختم الباب بإسناد رجاله من الطبقة الأولى .(1/45)
... وهو من الأحاديث التي اتفق عليها الشيخان، فمسلم أخرجه من طريق ابن نمير، حدثنا أبي حدثنا حنظلة، قال : سمعت عكرمة بن خالد ... عن عبدالله ابن عمر .
... والبخاري أخرجه في 2 - باب : دعاؤكم إيمانكم، من كتاب الإيمان حديث ( 8 ) قال : حدثنا عبيدالله بن موسى، قال أخبرنا حنظلة به .
... ثانياً : وفي 19 - باب الحث على إكرام الجار والضيف، من كتاب الإيمان ( 1 / 68 ) في صدر الباب قال : حدثني حرملة بن يحيى، أنبأنا ابن وهب، قال أخبرني يونس، عن ابن شهاب عى أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " .
... وحرملة بن يحيى قال فيه الحافظ : " صدوق " فهو من الطبقة الثانية ثم أتبعه بحديث أبي هريرة وهو متفق عليه أخرجه البخاري برقم ( 6475 ) .
... ثم ختم الباب بحديث أبي شريح الخزاعي رقم ( 48 )، قال : حدثنا زهير ابن حرب ومحمد بن عبدالله بن نمير جميعاً عن ابن عيينة، قال ابن نمير : حدثنا سفيان عن عمرو أنه سمع نافع بن جبير يخبر عن أبي شريح الخزاعي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ... الحديث، ورجاله من الطبقة الأولى وهو متفق عليه. أخرجه البخاري - رحمه الله - في كتاب الرقاق حديث ( 6476 ) .
... ثالثاً : 2 - كتاب الطهارة 28 - باب النهي عن البول في الماء الراكد افتتح مسلم هذا الباب بحديث جابر رقم ( 281 ) بإسناد فيه أو الزبير، وهو من الدرجة الثانية عن جابر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يبال في الماء الراكد، ثم عقبه بحديث أبي هريرة برقم ( 282 ) .
... ساقه مسلم من طريقين من رجال الدرجة الأولى، وهو متفق عليه أخرجه البخاري في الوضوء حديث ( 236 ) .(1/46)
... رابعاً : 4 - كتاب الصلاة، باب جواز أذان الأعمى، افتتح مسلم هذا الباب بحديث عائشة - رضي الله عنها - رقم ( 381 )، بلفظ : كان ابن أم مكتوم يؤذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أعمى، وفى إسناده خالد بن مخلد القطواني ، صدوق يتشيع فهو من رجال الطبقة الثانية .
... ثم اتبعه بإسناد آخر فيه اثنان من الطبقة الثانية، وهما يحيى بن عبدالله بن سالم المدني : صدوق، وسعيد بن عبدالرحمن الجمحي : صدوق له أوهام. وقد قرن بينهما مسلم - رحمه الله - فالإسنادان يشد بعضهما بعضاً ويرتفعان بالحديث إلى درجة الصحة، فيكون صحيحا لغيره .
... وهو مثال لأبواب يكون كل رجالها من الطبقة الثانية .
... خامساً : وفى 69 - باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة حديث ( 51 )، ( 1 / 133 ) في صدر الباب قال : وحدثني حرملة بن يحيى، أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبدالرحمن وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " نحن أحق بالشك من إبراهيم - عليه السلام - إذ قال : { رب أرني كيف تحيي الموتى ... } الحديث، وحرملة من الثانية، ثم عقبه بإسناد فيه جويرية بن أسماء الضبعي عن مالك، عن الزهري به، قال الحافظ فيه "صدوق " فهو من الطبقة الثانية .
... ثم ختم الباب بإسناد فيه أبو أويس عبدالله بن عبدالله بن أويس عن الزهري، قال الحافظ فيه : " صدوق يهم " .
... فإن قلت : كيف يروي في هذا الباب الخطير بمثل هذه الأسانيد ؟
... قلت : لأن بعضها يقوي بعضاً فترتقى إلى درجة الصحة، فقد وفي مسلم بوعده بالصحة، ثم إن الحديث ثابت وله إسناد صحيح على شرط البخاري من الدرجة الأولى، وقد أخرجه البخاري في 65 - التفسير حديث ( 4537 ) قال : حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة به .(1/47)
... ومسلم يعرف هذا والله أعلم ولكنه لغرض من أغراض المحدثين كالعلو يعدل عن إخراج الحديث من الدرجة العليا إلى دونها أو لسبب أخر وهو أنه لم يخرج لأحمد بن صالح لكلام فيه لم يثبت كما تحاشى حديث عكرمة وغيره ممن تكلم فيه بكلام لا يثبت، فتركهم مسلم تورعاً كما يترك البخاري بعض رجال مسلم ممن تكلم فيه بكلام لم يثبت تورعا .
... سادساً : 4 - كتاب الطهارة، 17 - باب الاستطابة، حديث ( 262 ) ( 1 / 223 ) .
... 1، 2 - صدر مسلم هذا الباب بحديث سلمان : " لقد نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلة بغائط أو بول " ، أخرجه من طريقين من الدرجة الأولى مدارهما على الأعمش ومنصور .
... 3- ثم عقبه بحديث جابر رقم ( 263 ) من طريق فيها أبو الزبير من الدرجة الثانية .
... 4، 5 - أخرجه من حديث أبي أيوب رقم ( 264 ) من طريقين من الدرجة الأولى مدارهما على سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وهو حديث متفق عليه، أخرجه البخاري في 8 - كتاب الصلاة رقم ( 394 ) قال حدثنا على بن عبدالله حدثنا سفيان به .
... وأخرجه في 4 - الوضوء حديث ( 144 ) قال : حدثنا آدم حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري به .
... 6- ثم أخرجه مسلم رقم ( 265 ) من حديث أبي هريرة من طريق سهيل بن أبي صالح .
... 7، 8 - ثم ختم مسلم الباب بحديث ابن عمر من طريقين من الطبقة الأولى وهو من الأحاديث المتفق عليها ولفظه : ارتقيت على بيت حفصة فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضى حاجته .. الحديث، أخرجه البخاري 4 - الوضوء حديث ( 145 ) ويلتقى مسلم والبخاري فيه في يحيى بن سعيد عن محمد بن حبان عن واسع بن حبان عن عبدالله بن عمر، وحديث ( 148 ) ويلتقى مسلم والبخاري في عبيدالله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عن واسع بن حبان عن عبدالله بن عمر .(1/48)
... ثم أخرجه البخاري رقم ( 149 ) قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا يزيد بن هارون قال أخبر يحيى عن محمد بن حبان، به .
... فهل نقول : ما أخره مسلم وهو مستحق أن يقدم إلا لأنه أدرك فيه علة ؟ أو نطوح بهذا القول الفارغ وراء الدنيا، ومن المناسبات أن هذا الأخير المتفق عليه من حديث عبيدالله والحمد الله الذي يدافع عن دينه وعن سنة نبيه الصادق الأمين بفضح مثل هذه الترهات .
... سابعاً : 3 - كتاب الحيض 21 - باب إنما الماء من الماء، صدر مسلم هذا الباب بحديث أبي سعيد الخدري خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الإثنين إلى قباء وفيه " إنما الماء من الماء " رقم ( 343 ) .
... وفى إسناده : شريك بن عبدالله بن أبي نمر قال فيه الحافظ : " صدوق يخطئ " .
... 2- ثم أورده عن أبي سعيد بإسناد رجاله من الدرجة الأولى .
... 3، 4 - ثم أورده من طريقين رجالهما من الدرجة الأولى مدارهما على شعبة عن الحكم عن ذكوان عن أبي سعيد وهو متفق عليه من طريق شعبة به أخرجه البخاري في الوضوء برقم ( 180 ) .
... 5، 6 - ثم أورده من حديث أبي بن كعب من طريقين من الدرجة الأولى .
... 7- ثم أورده من حديث عثمان برجال من الدرجة الأولى غير عبدالصمد ابن عبدالوارث قال الذهبي فيه : " حجة " ، وقال الحافظ : " صدوق ثبت في شعبة " . وهو من الأحاديث المتفق عليها، أخرجه البخاري في 4 - الوضوء حديث ( 179 ) وفى 5 - الغسل حديث ( 292 )، أخرجاه من طرق مدارها على يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عطاء بن يسار عن زيد ابن خالد الجهني عن عثمان، فأين الترتيب والدقائق العلمية : أى الأدواء القتالة التي أودعها مسلم في كتابه الصحيح ؟ أى كتاب العلل على منهج المليباري .(1/49)
... ثامناً : 4 - كتاب الطهارة، 9 - باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما، حديث ( 240 ) صدر مسلم هذا الباب بحديث عائشة - رضي الله عنها - من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن سالم مولى شداد، قال : دخلت على عائشة وفيه. فقالت عائشة - رضي الله عنها - : فإنى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " ويل للأعقاب من النار " .
... 1- ومخرمة من رجال الدرجة الثانية قال الحافظ فيه : " صدوق، روايته عن أبيه وجادة من كتابه قاله أحمد وابن معين وغيرهما، وقال ابن المديني سمع من أبيه قليلاً "، وفيه سالم مولى شداد " صدوق " كما قال الحافظ فهو من الثانية .
... 2- ثم أورده من طريق أخرى فيها سالم مولى شداد، وفيه حرملة بن يحيى .
... 3- ثم أورده من طريق ثالث فيها عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير وعكرمة بن عمار " صدوق يغلط " وفى روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب، وفيها سالم مولى المهريين وهو الأول مولى شداد .
... 4- ثم أورده من طريق رابع فيه الحسن بن محمد بن أعين " صدوق " ، وفيه فليح بن سليمان الخزاعي " صدوق كثير الخطأ " عن سالم مولى شداد .
... 5، 6، 7 - ثم أورده مسلم - رحمه الله - من ثلاث طرق مدارها على مصدع الأعرج قال فيه الحافظ: " مقبول " وقال الذهبي : في الكاشف : " صدوق " .
... 8 - ثم أورده من طريق رجالها من الدرجة الأولى وهم شيبان بن فروخ وأبو كامل الجحدري عن أبي عوانة عن أبي بشر جعفر بن إياس ( ثقة ) عن يوسف بن ماهك عن عبدالله بن عمرو بن العاص بلفظ "ويل للأعقاب من النار " وهو حديث متفق عليه أخرجه البخاري في 4 - الوضوء حديث ( 163 ) وقال حدثنا موسى عن أبي عوانة عن أبي بشر به .
... 9، 10 - ثم أورده من طريقين في أولاهما عبدالرحمن بن سلام الجمحيّ قال الحافظ فيه " صدوق " وسكت عنه الذهبي .(1/50)
... وثانيهما رجالها من الطبقة الأولى قتيبة وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالوا : حدثنا وكيع، عن شعبة عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة بلفظ : " ويل للأعقاب من النار " ، وهو من الأحاديث المتفق عليها، أخرجه البخاري حديث ( 165 ) عن آدم بن أبي إياس عن شعبة به وبهذه السياقة لهذا الحديث وأمثاله تبخرت أسطورة الترتيب والأرقام وتبددت الخرافات والأوهام .
... ثم ختم الباب بحديث أبي هريرة هذا من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة .
... وهل ضر ذلك مسلماً أو أخل بشرطه ؟؟
... كلا إن أصل أحاديث الباب حديثا عبدالله بن عمرو وحديث أبي هريرة اللذين رويا برجال من الطبقة الأولى وما عداهما من الأحاديث التي رويت من طرق رجالها من الطبقة الثانية إلا ليزداد الحديث قوة خصوصاً وهو من المتفق عليه، فيصل بهذه الطرق إلى الشهرة القريبة من التواتر .
... هكذا يجب أن نفهم ولا يجوز أن نقول : قدم الأول لأنه أصح الطرق وأسلمها وما أخر البقية إلا لأنه أدرك فيها شيئاً أو علة أو لسبب آخر .
... تاسعاً : 4 - كتاب الصلاة، 8 - باب فضل الأذان وهرب الشيطان .
... 1، 2 - صدر مسلم هذا الباب بحديث معاوية - رضي الله عنه - (387) بلفظ :" المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة "، بإسنادين مدارهما على طلحة بن يحيى التيمي من الطبقة الثانية، قال الحافظ فيه:" صدوق يخطيء " .
... 3، 4 - ثم عقبه بحديث جابر - رضي الله عنه - ( 388 ) بلفظ : " إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء " ساقه بإسنادين مدارهما على أبي سفيان طلحة بن نافع " صدوق " أى أنه من الطبقة الثانية .
... 5- ثم أتبعه بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ( 389 ) بإسنادين أولهما : من الطبقة الأولى. والثاني فيه سهيل بن أبي صالح من الثانية وعبدالحميد بن بيان من الثانية أيضاً، ولفظه : " إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لايسمع صوته ... الحديث " .(1/51)
... وهو حديث اتفق على إخراجه الشيخان، أخرجه البخاري في عدد من المواضع، منها في 4 - باب فضل التأذين حديث ( 608 )، ومنها 21 - كتاب العمل في الصلاة حديث ( 1222 ) .
... فأيهما أسلم من العيوب وأنقى : حديث معاوية وجابر المقدمين أو حديث أبي هريرة المؤخر ؟ وأيهما أصل الباب ؟
... 6، 7 - ثم أورده مسلم من طريقين مدارهما على سهيل بن أبي صالح من الثانية وفى الأولى منهما عبدالحميد بن بيان الواسطي من الطبقة الثانية أيضاً.
... 8- ثم أورده بإسناد رجاله من الطبقة الأولى عن أبي الزناد عن الأعرج وهو متفق عليه، أخرجه البخاري من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة في 4 - باب فضل التأذين، حديث ( 608 )، 21 - العمل في الصلاة حديث ( 1222 ) من طريق الليث عن جعفر عن الأعرج .
... 9- ثم أخرجه بإسناد من الطبقة الأولى : محمد بن رافع عن عبدالرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة .
... عاشراً : وفى 84 - باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، من كتاب الإيمان حديث ( 188 - 195 ) ( 1 / 175 ) في صدر الباب قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح وهو من الثانية، عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة ... الحديث " .
... ثم عقبه بحديث المغيرة بن شعبة من طرق من الدرجة الأولى ثم عقبه بحديث أبي ذر من طرق رجالها من الطبقة الأولى، مدارها على الأعمش عن المغرور بن سويد عن أبي ذر مرفوعا .
... 2- ثم أتبعه بحديث ( 191 ) - عن أبي الزبير بن جابر مرفوعاً وأبو الزبير من الدرجة الثانية .(1/52)
... 3، 4 - ثم ساقه من طريقين من الدرجة العليا عن عمرو بن دينار عن جابر ثم ساقه من طريقين مدارهما على بريد الفقير ( ثقة ) عن جابر والطريق الأولى من الطبقة الأولى. وفى الطريق الثانية أبو عاصم محمد بن أبي أيوب، قال فيه الحافظ : " صدوق " فهو من الثانية .
... 5- ثم أورده من طريق حماد بن سلمة عن أبي عمران وثابت عن أنس ويمكن أن نعد هذا الإسناد من الدرجة الأولى؛ لأن حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت .
... 6- ثم أورده من طريقين من الدرجة الأولى مدارهما على قتادة عن أنس، وأورده البخاري مختصراً في كتاب التوحيد رقم ( 7516 ) قال حدثنا مسلم ابن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا قتادة عن أنس .
... 7- ثم أورده من طريق معاذ بن هشام وهو كما قال الحافظ : " صدوق ربما وهم " فهو من الطبقة الثانية .
... 8- ثم أورده من طريق من الدرجة الأولى عن قتادة به، ثم أورده من طريقين من الدرجة الأولى مدارهما على معبد بن هلال العنزي ( وهو ثقة ) عن أنس بسياق طويل وهو حديث متفق عليه وراه مسلم عن أبي الربيع العتكي وسعيد بن منصور حدثنا حماد بن زيد حدثنا سعيد بن هلال العنزي عن أنس مرفوعاً ورواه البخاري 97 - كتاب التوحيد 36 - باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم حديث ( 7510 ) قال حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد به .
... 9- ثم أورده مسلم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبدالله بن نمير قالا حدثنا محمد بن بشر ( ثقة ) حدثنا أبو حيان ( وهو يحيى بن سعيد بن حيان التيمي ثقة عابد ) عن أبي زرعة عن أبي هريرة بسياق طويل مرفوعاً رجاله من الدرجة الأولى وهو مما اتفق عليه الشيخان، أخرجه البخاري 60 - الأنبياء حديث ( 3340 ) من طريق محمد بن عبيد عن أبي حيان به .
... 10- ثم ساقه بلفظ أخصر من طريق رجاله من الدرجة الأولى إلى أبي هريرة، وأخرجه البخاري في التفسير حديث ( 4712 ) من طريق أبي زرعة به .(1/53)
... 11- ثم أورده من طريق فيها محمد بن فضيل عن أبي مالك عن أبي حازم عن أبي هريرة. فهل أخر مسلم هذه الأحاديث المتفق عليها لأنه أدرك فيها شيئاً ؟ وهل ضرها أن تأتي في الترتيب برقم ( 9، 10 ) ؟؟ وهل الإسناد الأول أقوى وأنظف من هذه الأسانيد المتأخرة في الترتيب ؟ وهل ذلك يخرجها عن كونها هي الأصول وهى عمدة الباب ؟؟
... كلا ثم كلا .
... حادي عشر : 2 - كتاب الطهارة 2 - باب وجوب الطهارة حديث ( 224 ) ( 1 / 204 ) .
... 1- في صدر الباب قال الإمام مسلم رحمه الله : حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدري ( واللفظ لسعيد ) قالوا : حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد قال : دخل عبدالله بن عمر على ابن عامر يعوده وهو مريض . فقال : ألا تدعو الله لى يا ابن عمر ؟
... قال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لايقبل الله صلاة بغير طهور ولاصدقة من غلول " . وكنت على البصرة .
... 2، 3 - ثم ساقه من طريقين مدارهما على سماك .
... 4- ثم أخرجه من حديث أبي هريرة من طريق محمد بن رافع حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه عن وهب بن منبه عن أبي هريرة مرفوعاً.
... وهذا الإسناد من الدرجة الأولى، وأخرجه البخاري في 4 - الوضوء باب 2 حديث ( 135 ) قال : حدثنا إسحاق قال أخبرنا عبدالرزاق بنحوه .
... أمثلة لأبواب متفق عليها
... أولا : 2- كتاب الطهارة 31- باب حكم بول الطفل الرضيع ( 1 / 237 - 238 ) افتتح مسلم هذا الباب بحديث عائشة 286 .
... 1، 2، 3 - أخرجه من ثلاث طرق مدارها على هشام بن عروة عن أبيه وكلها من الطبقة الأولى .(1/54)
... 4، 5، 6 - ثم أخرجه من حديث أم قيس بنت محصن من طريقين رجالها من الطبقة الأولى مدارهما على الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة ابن مسعود عن أم قيس والثالثة فيها حرملة بن يحيى من الطبقة الثانية، والحديثان أعنى حديث عائشة وأم قيس متفق عليهما أخرج البخاري حديث عائشة في أربعة مواضع منها في 4 - الوضوء 59 - باب بول الصبيان حديث ( 220 )، وأخرج حديث أم قيس في الباب نفسه رقم 221 .
... ثانيا :3 - كتاب الحيض 16 - باب تستر المغتسل بثوب ( 1 / 265 ) صدر مسلم هذا الباب بحديث أم هاني - رضي الله عنها - " ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب " رقم ( 336 ) .
... 1، 2 - ساقه من طريقين رجالهما من الطبقة الأولى وهو متفق عليه أخرجه البخاري في الغسل حديث 276 .
... 3- ثم أورده من حديثها بإسناد فيه الوليد بن كثير .
... 4- ثم ختم الباب بحديث ابن عباس عن ميمونة - رضي الله عنها - رقم ( 337 ) بلفظ : وضعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ماء وسترته. وفى إسناده موسى ابن عيسى القاري، قال الحافظ فيه صدوق، وقال في تهذيب التهذيب ( 10 / 365 ) : ذكره ابن حبان في الثقات، وقال مطين وكان ثقة، له في الصحيح حديث واحد. لكن حديثه هذا متفق عليه، أخرجه مسلم عن إسحاق بن راهوية عن موسى القاري عن زائدة عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس، وأخرجه مسلم والبخاري عن عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن سالم به في 5 - الغسل 18 - باب نفض اليدين من الغسل من الجنابة حديث ( 272 ) .
... ثالثا : 37 - كتاب اللباس 8 - باب كراهة ما زاد على الحاجة من الفراش واللباس حديث ( 2085 ) ( 3 / 1651 - 1653 ) .(1/55)
... أخرج مسلم حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - " لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء " ، من طرق كثيرة وهو من الأحاديث المتفق عليها، ثم أخرجه في آخر الباب من طريق شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو حديث متفق عليه، أخرجه البخاري في 77 - كتاب اللباس .
... 5 - باب من جر ثوبه من الخيلاء حديث ( 5788 ) ، من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وكم من حديث أخره مسلم وهو من رجال الدرجة الأولى، وكم من حديث قدمه وإسناده من رجال الثانية مما يدل أنه لا يبنى شيئاً على التقديم والتأخير .
... رابعا : 2 - كتاب الطهارة، 15 - باب السؤال، افتتحه مسلم بحديث أبي هريرة رقم ( 252 ) بلفظ " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك " وهو حديث متفق عليه أخرجه البخاري في الجمعة حديث ( 847 ) .
... 2- ثم عقبه بحديث عائشة كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك بإسناد من رجال الطبقة الأولى .
... 3- ثم عقبهما بحديث أبي موسى ( 254 ) دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وطرف السواك على لسانه رجاله من الطبقة الأولى وهو حديث متفق عليه أخرجه البخاري في 4 - الوضوء، حديث ( 241 ) .
... 4، 5 - ثم عقبه بحديث حذيفة - رضي الله عنه - رقم ( 255 ) من طريقين من رجال الطبقة الأولى وهو متفق عليه، أخرجه البخاري في الوضوء، حديث ( 242 )، وفى 17- الجمعة، باب السواك يوم الجمعة حديث (849).
... 6- ثم عقبه بحديث ابن عباس برقم ( 256 )، بإسناد رجاله من الطبقة الأولى وهو متفق عليه .
... أخرجه البخاري 65 - التفسير، 17 - باب { إن في خلق السماوات والأرض } حديث ( 4569 - 4572 ) .(1/56)
... خامسا : 3 - كتاب الحيض، 9 - باب صفة غسل الجنابة، افتتح مسلم هذا الباب بحديث عائشة : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل يبدأ فيغسل يديه ... حديث ( 316 )، ساقه من ثلاث طرق برجال كلهم من الطبقة الأولى، ثم عقبه بحديث ابن عباس عن ميمونة : أدنيت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - غسله من الجنابة فغسل كفيه مرتين أو ثلاثاً ... الحديث رقم ( 317 )، ثم عقبه بطرق مدارها على الأعمش كلهم من رجال الطبقة الأولى .
... وهو حديث متفق عليه أخرجه البخاري في 5 - الغسل حديث 246، 254، 256، 257، ثم ختمه بحديث عائشة رقم 318 بلفظ : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب .
... وهو حديث متفق عليه أخرجه البخاري برقم 255 فهذا الباب كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها وفيه شرح لبعض الألفاظ، وكم في أبوابه من هذا النوع .
... أولاً : 2 - كتاب الحيض، 6 - باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له افتتح مسلم هذا الباب بحديث عائشة - رضي الله عنها - رقم 305 .
... 1- إسناده : رجاله من الطبقة الأولى .
... 2- وعطف عليه بإسنادين كذلك، ثم أورده من حديث ابن عمر رقم 306 بالأسانيد الآتية .
... 3- فقال : وحدثني محمد بن أبي بكر المقدمى وزهير بن حرب قالا : حدثنا يحيى وهو ابن سعيد عن عبيدالله .
... 4- ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير واللفظ لهما قال ابن نمير : حدثنا أبي، وقال أبو بكر حدثنا أبو أسامة قالا : حدثنا عبيدالله عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال : يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب .
... قال : " نعم، إذا توضأ " .
... 5- وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبدالرزاق عن ابن جريج أخبرني نافع عن ابن عمر مرفوعاً .(1/57)
... 6- وحدثني يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر، وهذه الأسانيد من الطبقة الأولى، والحديث متفق عليه، أخرجه البخاري من طريق قتيبة عن الليث عن نافع به حديث 283، ومن طريق جويرية عن نافع به رقم 285، ومن طريق مالك عن نافع به برقم 286، وهذه الإحالات على طبعة البخاري نشر دار القلم .
... 7، 8 - ثم أورده من حديث عائشة رقم ( 307 ) جواباً على سؤال وجه إليها بإسنادين مدارهما على معاوية بن صالح صدوق له أوهام .
... 9، 10، 11 - ثم أورد حديثاً عن أبي سعيد ( 308 )، من ثلاث طرق مدارها على عاصم الأحول عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري بلفظ : " إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ " ورجاله من الطبقة الأولى .
... 12- ثم أخرجه عن أنس رقم ( 309 ) بإسناد من الدرجة الثانية بلفظ : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يطوف على نسائه بغسل واحد .
... لكن الحديث متفق عليه أخرجه البخاري في مواضع منها في الغسل 12 - باب إذا جامع ثم عاد، حديث ( 265 ) وفى 24 - باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره، حديث ( 280 ) من طريق قتادة عن أنس .
... وبهذا التصرف يعرف مدى التزام مسلم بالصحة، وأنه لا دخل للترتيب والحسابات والتقديم والتأخير فهذا الحديث جاء في آخر الباب، أى أن ترتيبه الثالث عشر في كتاب مسلم ولكنه في واقع أمره متفق عليه ويسبق الحديث الأول إلى الدرجة الأولى أو يزاحمه إن كان الأول من المتفق عليه .
... ثانيا : 3 - كتاب الحيض 10 - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة ( 1 / 255 - 258 )، افتتحه مسلم بحديث عائشة 319 كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل في القدح. ساقه من ثلاث طرق من الدرجة الأولى، مدارها على الزهري .(1/58)
... 4- ثم عقبه بحديثها رقم 320 بإسناد رجاله من الدرجة الأولى عن أبي سلمة بن عبدالرحمن أنه سألها عن غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعت بإناء قدر الصاع ... الحديث .
... 5- ثم أورده بإسناد فيه مخرمة بن بكير عن أبيه فهو من الثانية ثم إن أحاديث عائشة من المتفق عليها .
... 6- ثم ساقه بإسناد رجاله من الدرجة الأولى عن حفصة بنت سيرين عنها.
... 7- ثم ساقه بإسناد رجاله من الدرجة الأولى عن القاسم عنها .
... 8- ثم ساقه بإسناد رجاله من الدرجة الأولى عن معاذة عنها .
... 9، 10 - ثم أورد حديث ميمونة 322 من طريقين مدارهما على ابن عباس عنها من الدرجة الأولى وهو حديث متفق عليه .
... أخرجه البخاري من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس، وأخرجه مسلم بهذا الإسناد، وبإسناد آخر عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار .
... 11- ثم أخرجه مسلم من حديث أم سلمة 324 برجال من الدرجة الأولى إلى زينب بنت أم سلمة عنها،وهو من الأحاديث التي اتفق عليها الشيخان.
... أخرجه البخاري، انظر تحفة الأشراف ( 13 / 56 )، والبخاري كتاب الصوم حديث ( 1929 ) .
... 12، 13 - ثم أخرجه من حديث أنس - رضي الله عنه - رقم 325 من طريقين مدارهما على شعبة عن عبدالله بن عبدالله بن جبر عن أنس بلفظ كان رسول الله يغتسل بخمسة مكاكيك ويتوضأ بمكوك .
... 14- ومن طريق ثالث عن قتيبة حدثنا وكيع عن معمر عن ابن جبر وهذا الإسناد من الطبقة الأولى، وهو حديث اتفق عليه الشيخان، أخرجه البخاري في 4 - الوضوء 46 - باب الوضوء بالمد، حديث 198، قال : حدثنا أبو نعيم حدثنا مسعر به .
... 15، 16 - ثم أخرجه من حديث سفينة رقم 226 بإسنادين مدارهما على أبي ريحانة عن سفينة بلفظ : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد .
... انظر حديث ميمونة وقد جاء التاسع والعاشر في الترتيب وهو من الأحاديث المتفق عليها .(1/59)
... وحديث أم سلمة الحادي عشر في الترتيب وهو متفق عليه، وحديث أنس جاء في الترتيب 12، 13، 14، والإسناد الرابع عشر متفق عليه، وحديث سفينة جاء ترتيبه 15، 16 وليس فيه علة والحمد لله، فأين هي العلل والاختلافات والاضطرابات التي يسميها المليباري بالدقائق العلمية، والتى يدعي أن مسلماً أودعها في هذا الترتيب .
... ثالثاً : 37 - كتاب اللباس والزينة، 11 - باب تحريم خاتم الذهب على الرجال ( 3 / 1654 )، افتتح هذا الباب بحديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ : نهى عن خاتم الذهب حديث ( 2089 ) ورجاله من الطبقة الأولى .
... ثم أردفه بحديث ابن عباس رقم ( 2090 ) " أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه ... الحديث، ورجاله من الطبقة الأولى .
... ثم ثَلَّث بحديث ابن عمر رقم ( 2091 ) " أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اصطنع خاتماً من ذهب وكان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه فصنع الناس ... الحديث. ساقه من طريقين من الطبقة الأولى مدارهما على الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعاً، ثم ساقه من طرق من الطبقة الأولى مدارها على عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً وفى الرواة عن عبيدالله يحيى بن سعيد القطان ومحمد بن بشر وخالد بن الحارث وعقبة بن خالد وحديث عبيدالله متفق عليه .
... أخرجه البخاري 77 - كتاب اللباس، 45 - باب خواتم الذهب حديث ( 5865 )، 46 - باب خاتم الفضة حديث ( 5866 )، ثم ساقه من أربع طرق إلى أيوب وموسى بن عقبة وأسامة بن زيد الليثي جماعتهم عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً .
... أولا : 2 - كتاب الطهارة ، 1 - باب فضل الوضوء، فيه حديث واحد برقم 233، ( 1 / 203 ) .(1/60)
... قال مسلم - رحمه الله - : حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا حبان بن هلال حدثنا أبان، حدثنا يحيى أن زيدا حدثه أن أبا سلام حدثه عن أبي مالك الأشعرى قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الطهور شطر الإيمان، والحمدلله تملأ الميزان ... " الحديث .
... أقول : إن مسلماً أورده مصدِّرًا به هذا الكتاب؛ لأنه يعتقد صحته كما يعتقد صحة كل مايورده في كتابه .
... والحديث من الأحاديث التي انتقدها الدارقطني، ووافقه ابن القطان، وابن رجب، وادعوا أن فيه انقطاعاً بين أبي سلام وأبي مالك الأشعري .
... وتبين بالدراسة، وبالرجوع إلى تاريخ الرجال : أن أبا سلام لم يدرك أبا مالك الأشعرى، حيث توفى أبو مالك قبل أن يولد أبو سلام .
... وليس عندي من المجازفة والمكابرة ما عند بعض الناس، فلم يسعني إلا موافقة الدارقطني ومن تبعه .
... وقد اعتذر النووي عن الإمام مسلم - رحمه الله - بأن الظاهر من حال مسلم أنه علم سماع أبي سلام لهذا الحديث عن أبي مالك فيكون أبو سلام سمعه من أبي مالك وسمعه - أيضاً - من عبدالرحمن بن غنم .
... ولقناعتي بانقطاع إسناد هذا الحديث، حيث تبين لى أن أبا سلام لم يدرك أبا مالك رجحت الانقطاع بينهما استسلاماً للحق، ثم شمرت عن ساعد الجد أبحث عن متابعات وشواهد للحديث، فوجدت - ولله الحمد - طرقاً تقويه تصل إلى درجة الصحيح، ثم اعتذرت عن مسلم بأنه ظن أن أبا سلام قد عاصر أبا مالك فحكم بصحته بناء على مذهبه في الاكتفاء بمطلق المعاصرة بين الراوي وشيخه مع إمكان اللقاء ولو أن رجلاً مخلصًاً أعلمه يستطيع أن يثبت لقاء أبي سلام لأبى مالك لشددت إليه الرحال لآخذ منه هذه الفائدة ولقبلت رأسه .
... وهكذا أقول في الأحاديث القليلة التي رجحت فيها جانب الدارقطني : أتمنى بفارغ الصبر من يناقشنى فيها ويرد رأيي فيها وسوف أشد الرحال إلى من يقوم بذلك لأشكره ولأقبل رأسه فرحا بهذا العمل الجليل .(1/61)
... وليعلم القاريء أننى كنت إذا رجحت رأي الدارقطني على رأي مسلم فإنما هو من باب القيام بالقسط في نظري وفي حدود علمي مع إحساسي بالمرارة والأسى .
... ثم أشمر عن ساعد الجد في البحث عما يقوي ذلك الحديث وينهض به لذا تراني في عملي قد ركزت على الشواهد والمتابعات حتى أصل بالحديث إلى درجة تقر بها عيني وعين كل محب للسنة إن وجدت لذلك سبيلاً .
... ثم أقول الآن : أين الترتيب الذي يستدل به المليباري ؟ وإذا كان من منهج مسلم أنه إذا أدرك في الحديث شيئاً أخَّره فلماذا لم يؤخره مسلم إلى آخر الكتاب بناء على هذا الزعم .
... ثانيا : 2 - كتاب الطهارة، 23 - باب المسح على الناصية والعمامة، افتتحه مسلم - رحمه الله - بحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال - رحمه الله - : وحدثني محمد بن عبدالله بن بزيع حدثني يزيد ( يعني ابن زريع ) حدثنا حميد الطويل حدثني بكر بن عبدالله المزني عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه قال : تخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخلفت معه فلما قضى حاجته قال : " أمعك ماء " ؟ فأتيته بمطهرة فغسل كفيه ووجهه ... إلى أن قال ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه ... الحديث .
... ثم أتبعه بطرق مدارها على بكر بن عبدالله المزني عن الحسن عن ابن المغيرة، ثم اختتم الباب بحديث كعب بن عجرة وإسناده من رجال الطبقة الأولى .
والحديث المصدَّر به الباب من الأحاديث التي انتقدها الدارقطني وأصاب في نقده ووافقه أبو مسعود الدمشقى وأبو على الغساني والقاضي عياض والنووي وابن كثير والعظيم أبادي قالوا : إن وهما قد وقع في إسناد هذا الحديث إما من مسلم في نظر أبي مسعود وإما من محمد بن عبدالله بن بزيع شيخه كما قاله الآخرون والظاهر أن الوهم من شيخه .(1/62)
... وعلى كل حال لو كان مسلم - رحمه الله - أعطى للترتيب هذا الاهتمام الذي يفهم عن طريقه التصحيح والتعليل كما زعم المليباري لعاتب هؤلاء المحدثون مسلماً على تقديم هذا الحديث المعلل ولقالوا كيف يلتزم مسلم بالترتيب الدقيق المشتمل على الأسرار والحكم والمتضمن لأنظف الأسانيد وأنقاها ثم يخالف ما التزمه بتقديم هذا الإسناد المطعون فيه ولعاتبوه - أيضاً - على تقديم رجال الطبقة الثانية على رجال الطبقة الأولى في كثير من المواضع .
... ومع موافقتي لهؤلاء الأئمة فقد اعتذرت لمسلم بأعذار جيدة وسقت للحديث أربع متابعات وخمسة شواهد .
...
... لقد وعد الإمام مسلم - رحمه الله - بشرح العلل وتوضيحها فما مراده بهذه العلل ؟ الذي أقطع به أنه يريد بذلك العلل غير القادحة .
... والدليل على ذلك اتفاق الأمة على صحة كتابه وتلقيهم إياه بالقبول ولم يفهم أحد أنه يريد بهذا الشرح شرح العلل القادحة إلا القاضي عياض - رحمه الله - ويفهم من تصرفاته أن هذه الفكرة كانت غير راسخة في نفسه وقد بينت ذلك في مناقشتي السابقة للمليباري، انظر ( ص 6 - 9 ) .
... وهذا الشرح الذي هو بيان العلل غير القادحة والتي هي مجرد اختلاف في العبارات وفى الزيادة، والنقص في ألفاظ المتون، قد وفي مسلم بما وعد على أكمل الوجوه بطريق لا يضاهيه فيها أحد من المحدثين وقد بدأ في إنجاز هذا الوعد من أول حديث رواه في كتابه بعد المقدمة .
... 1- وهو حديث عمر - رضي الله عنه - بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ... وفيه سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة .
... فهو الحديث الأول من كتاب الإيمان من صحيح مسلم ( 1 / 36 )، أورده من طرق ثم قال بعد إيراده من الطريق الثانية ص 37 " وساقوا الحديث بمعنى حديث كهمس وإسناده، وفيه بعض زيادة ونقصان أحرف " .(1/63)
... وقال عقب الطريق الثانية ص 37 " فاقتص الحديث كنحو حديثهم عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه شيء من زيادة وقد نقص منه شيئاً " .
... وهذا الاختلاف بين الرواة بالزيادة والنقص يعتبر من العلل عند كثير من المحدثين ولكنها علل غير قادحة؛ لأن النقص لايضر ولأن زيادة الثقة مقبولة .
... 2 - ثم ساقه من حديث أبي هريرة ص 37 حديث رقم ( 9 ) من ثلاث طرق فقال عقب الثانية، حدثنا أبو حيان بهذا الإسناد مثله . غير أن في روايته " إذا ولدت الأمة بعلها " يعنى السراري .
... ذلك لأن في الطريق الأولى " إذا ولدت الأمة ربها " فلما اختلف اللفظان نبه على ذلك .
... 3 - باب بيان الإيمان ( 2 / 42- 43 ) حديث رقم ( 13 )، أورد مسلم - رحمه الله - حديث أبي أيوب - رضي الله عنه - أن أعرابياً عرض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... ثم قال : يا رسول الله أو يامحمد أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار ... الحديث . من ثلاث طرق .
... قال عقب الثانية : " بمثل هذا الحديث " محيلا به على الطريق الأولى أي أنه يساوى اللفظ الأول تماماً دون زيادة أو نقص، وفى آخر الطريق الثالثة " فلما أدبر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن تمسك بما أمر به دخل الجنة " ثم قال : " وفي رواية ابن أبي شيبة " إن تمسك به " .
... 4 - وأورد في هذا الباب حديث جابر ( 1 / 44 ) رقم ( 15 ) " أتى النعمان بن قوقل فقال : يارسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبة وحرمت الحرام ... " من ثلاث طرق، فقال عقب الثانية : " بمثله وزاد فيه ولم أزد على ذلك شيئاً " .
... 5 - باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وشرائع الدين . حديث رقم ( 17 ) ( 1 / 46 - 49 ) .(1/64)
... أورد مسلم - رحمه الله - فيه حديث ابن عباس في وفد عبدالقيس من سبع طرق، وقال عقب إيراده من الطريقين الأولين " زاد خلف في روايته شهادة أن لا إله إلا الله وعقد واحدة " ، وقال عقب الثانية " وقال شعبة وربما قال : المقير " ، وقال : " احفظوه وأخبروا به مِنْ ورائكم "، وقال أبو بكر في روايته " مَنْ وراءكم وليس في روايته المقير " وقال عقب الرابعة : وقال : " أنهاكم عما ينبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت " ، وزاد ابن معاذ في حديث عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأشج أشج عبد قيس " إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة " .
... وقال عقب الخامسة : " قال : وقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لأشج عبد القيس " إن فيك لخصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة " .
... وقال عقب السادسة : " بمثل حديث ابن علية غير أن فيه وتذيفون فيه من القطيعاء أو التمر والماء، ولم يقل قال سعيد أو قال : من التمر " .
... 6 - وفى باب 9 حديث 24 ( 1 / 54 )، حديث سعيد بن المسيب في وفاة أبي طالب، أورده مسلم من ثلاث طرق .
... وقال عقب الثالثة : " غير أن حديث صالح انتهى عند قوله فأنزل الله عز وجل فيه ولم يذكر الآيتين، وقال في حديثه : ويعودان في تلك المقالة وفى حديث معمر مكان هذه الكلمة فلم يزالا به " .
... 7 - مثال مهم جداً يحدد منهج مسلم في صحيحه ويبين مقصوده بالشرح والإيضاح اللذين وعد بهما في المقدمة، ووعد بتطبيقهما في كتابه في المواقف التي تتطلب الشرح والإيضاح .
... فقد أورد في 4 - كتاب الصلاة، 16 - باب التشهد ( 1 / 301 - 304 ) 1 - 5 - حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - في التشهد رقم ( 402 ) من خمس طرق كلها من الطبقة الأولى .
... 6 - 8 - ثم أورد حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - رقم (403) من ثلاث طرق مدارها على أبي الزبير .
... ثم أورد حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - رقم 404 .(1/65)
... 9 - قال حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد و أبو كامل الجحدري ومحمد بن عبدالملك الأموي ( واللفظ لأبي كامل ) قالوا : حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبدالله الرقاشي، قال صليت مع أبي موسى الأشعري صلاة فلما كان عند القعدة قال رجل من القوم أقرت الصلاة بالبر والزكاة .
... فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم انصرف فقال : أيكم القائل كلمة كذا وكذا، قال : فأرم القوم، ثم قال : أيكم القائل كلمة كذا وكذا ؟ فأرم القوم، فقال : لعلك يا حطان قلتها ؟ قال ما قلتها ولقد رهبت أن تبكعني(1) بها فقال رجل من القوم : أنا قلتها ولم أرد بها إلا الخير .
... فقال أبو موسى : أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم ؟
... إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال : " إذا صليتم فأقيمو صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا، وإذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يجبكم الله، فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم " ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فتلك بتلك " (2) .
__________
(1) ... أى خفت أن تستقبلني بما أكره .
(2) ... أى أن اللحظة التي سبقكم الإمام بها في تقدمه إلى الركوع تنجبر لكم بتأخيركم في الركوع بعد رفعه لحظة فتلك اللحظة بتلك اللحظة وصار قدر ركوعكم كقدر ركوعه .(1/66)
... وإذا قال : " سمع الله لمن حمده فقولوا : اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم، فإن الله تبارك وتعالى قال على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - : سمع الله لمن حمده . وإذا كبر وسجد، فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم " ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، " فتلك بتلك، وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم : التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله " .
... 10- ثم قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، حدثنا سعيد ابن أبي عروبة .
... 11- ح وحدثنا أبو غسان المسمعي، حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي .
... 12- ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن سليمان التيمي .
... كل هؤلاء عن قتادة في هذا الإسناد، بمثله، وفى حديث جرير من الزيادة " وإذا قرأ فأنصتوا " ، وليس في حديث أحد منهم : " فإن الله قال على لسان نبيه سمع الله لمن حمده " ، إلا في رواية أبي كامل وحده عن أبي عوانه .
... قال أبو إسحاق : قال أبو بكر ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث(1) .
... فقال مسلم : تريد أحفظ من سليمان ؟
... فقال له أبو بكر : فحديث أبي هريرة ؟
... فقال : هو صحيح، يعني " وإذا قرأ فأنصتوا "، فقال : هو عندي صحيح.
... فقال : لم لم تضعه هاهنا ؟ قال : ليس كل شئ عندي صحيح وضعته ها هنا إنما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه(2) .
... انظر أيها العاقل الواعي المنصف بجدية إلى هذا الشرح والتوضيح وافهم منهجه حق الفهم .
__________
(1) ... أى طعن فيه وقدح في صحته .
(2) ... قال بعضهم : أراد مسلم بالإجماع ، إجماع أربعة من أئمة الحديث أحمد بن حنبل، وابن معين، وعثمان بن أبي شيبة، وسعيد بن منصور الخراساني " هامش نصب الراية " ( 2 / 150 ) وفسر بغير هذا أى بما أجمعوا على شروطه وقد يريد مسلم ما هو أوسع من هذا وذاك.(1/67)
... أولاً : قال : كل هؤلاء عن قتادة في هذا الإسناد بمثله لأنه يحتمل أن يكون قتادة قد رواه من غير طريق يونس بن جبير عن حطان فقال : في هذا الإسناد .
... ثانياً : لما لم يسق المتن مرة أخرى اختصاراً، فقد يحتمل أن ألفاظ هذه الطرق الأخيرة المحال بها تغاير النص الذي أحال عليه والذي صدر به الباب فأخبر أنه مثله تماماً لم تختلف فيه ألفاظ الرواة لا في لفظ التشهد ولا في القصة ولا في صفة الصلاة .
... ثالثاً : لما كان هناك زيادتان من بعض الرواة، إحداهما في النص المحال به، وثانيتهما في النص المحال عليه، قام بواجب التنبيه عليهما كما وعد في مقدمته بالشرح والإيضاح فقال : " وفى حديث جرير عن سليمان عن قتادة من الزيادة، " وإذا قرأ فأنصتوا " .
... ثم قال : " وليس في حديث أحد منهم " فإن الله قال على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، " سمع الله لمن حمده " ، إلا في رواية أبي كامل وحده فلما عارضه أبو بكر ابن أخت أبي النضر في إحدى الزيادتين وهى" وإذا قرأ فأنصتوا " وطعن فيها بأن سليمان التيمي قد انفرد بها عن كل أصحاب قتادة أجابه بقوله : تريد أحفظ من سليمان أى أن سليمان ثقة حافظ فتفرده لا يضر وعدم ذكر أصحاب قتادة لها لا يقدح فيها ولأنه مثبت وهم غير نافين لها فلاشك في صحتها عنده وعلى مذهبه ولم يعبا بمخالفة غيره وطعنه فيها لا سيما وقد وافقه أئمة في تصحيحها وقبولها كأحمد بن حنبل - رحمه الله - ثم إنه قد أشار في مقدمته إلى قبول الزيادة بقوله : لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقوم مقام حديث تام.
... فهذه الزيادة في حديث أبي موسى هنا قائمة في نظره مقام حديث تام كأن سليمان التيمي استقل به فلا يضره سكوت غيره عنه، ثم سأله أبو بكر ليلزمه وليقيم عليه الحجة فقال : فحديث أبي هريرة فقال مسلم : هو عندي صحيح، فقال أبو بكر : لم لم تضعه ها هنا .(1/68)
... قال مسلم مبيناً منهجه وشرطه فيما يرويه في هذا الكتاب العظيم : ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه .
... قال هذا في حديث في آخر الباب هو التاسع في الترتيب، أورد فيه زيادة يرى كثير من المحدثين النقاد أن فيها علة وأنكرها عليه أبو بكر ابن أخت أبي النضر لكن الإمام مسلماً مقتنع بصحتها فوضعها في صحيحه بناء على هذا الاقتناع .
... فهذا هو منهج مسلم في صحيحه لا يورد كل صحيح عنده بل يختار نمطاً عاليا من الصحيح وهو ما أجمعوا عليه ( ويريد بذلك إجماعاً خاصاً ) وهذه هي الغاية الأساسية التي يرمي إليها، وإن كان قد يعرض له ما يعرض للبشر من رواية حديث قد يدرك الناقد فيه علة أو ضعفاً فهذا أمر شاذ وطاريء كما يحصل مثله، ممن هو أفضل منه من البشر .
... أما أن يعمد إلى أحاديث قد أدرك فيها علة فيوردها في كتابه ويقدم ما حقه أن يؤخر ويؤخر ما حقه أن يقدم من أجلها فهذا أمر لا يدل عليه قول مسلم ولا عمله في هذا الكتاب ولا يقوله إلا من لا يدري ما يقول، خصوصاً إذا علمنا أن فيما يؤخر كثيرًا منه من الأحاديث المتفق عليها وفيما يقدمه في أول الباب من أسانيد الطبقة الثانية وهذا وذاك كثير في صحيح مسلم .
... ثم لو كان مسلم التزم بيان العلل القادحة وشرحها لقال لأبي بكر : إني ما أوردت رواية سليمان التيمي إلا لبيان العلة القادحة فيه، ولو كان شرحه لها يتمثل في ترتيب الأحاديث ويقدم ما حقه أن يؤخر ويؤخر ما حقه أن يقدم لقال يا أبابكر ألا تراني أخرت رواية سليمان التيمي فإنى ما أخرتها إلا لبيان علتها .
... وهذا هو الشرح والتوضيح الذي وعد به وهو لا يحصى في كتابه ولقد تجلى بحمد الله من هذه الأمثلة الكثيرة منهج مسلم حتى أضحى كالشمس في رابعة النهار، لدرجة أنه يستطيع القاريء المنصف أن يجزم ويقسم بالله أن ما قاله المليباري باطل من أشد الأقوال بطلاناً وأبعدها من الحقيقة والواقع .(1/69)
... اللهم اجعل عملي هذا خالصاً لوجهك واجعل جهدى هذا الضعيف دفاعا عن سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - .
... قال المليباري ( ص 16، 17 ) :
... " قال - حفظه الله - ( ص 6 ) : وأظن الباحث خدع ... " إلى آخر الصفحة 8 .
... أقول : قلت - في صفحة 6 - بعد أن قررت أن مراد مسلم بالشرح شرح العلل غير القادحة - : " وأظن أن الباحث خدع بقول القاضي عياض - رحمه الله - بأن مسلماً قد التزم هذا الشرط ووفي به، وهو شرح العلل وبيانها وإيضاحها وهو قول قد خدعت به وكنت معجباً به ثم تبين لى أنه سراب وخيال ولا يستطيع القاضي عياض ولا غيره أن يأتي بحجة واضحة وصريحة من صحيح مسلم على تطبيق هذا الشرط الذي زعمه " . واقرأ كلامي في هذا الموضوع إلى ص 9 .
... ثم قال المليباري - معلقاً على طرف من كلامي هارباً عن الحجج الدامغة التي سقتها لدحض هذه الشبهة :-
... " قلت : قال القاضي عياض فيما نقله الإمام النووي في شرحه لمسلم ( كذا ) ( 1 / 24 ) : وقد فاوضت في تأويلي هذا ورأيي فيه من يفهم هذا الباب فما رأيت منصفاً إلا صوبه ... إلخ، ثم وافقه الإمام النووي فلست وحيد انخدع به، وما قال القاضي - رحمه الله - هو الظاهر بل الواقع وليس بسراب كما وصفه الشيخ فإن الشيخ نفسه قد وجده وإذا وجد الشيء فلم يكن سراباً " .
... أقول : إن كلام القاضي عياض - رحمه الله - تناول أمرين :
توضيح كلام القاضي عياض
... الأول :
... هل خرّج الإمام مسلم لطبقة واحدة من الرواة وهي الطبقة الأولى أهل الحفظ والإتقان فقط أو خرّج لطبقتين : الأولى التي ذكرناها، وللثانية التي يعد أهلها من أهل الستر والصدق وليسوا من أهل الحفظ والإتقان .
... فذكر القاضي أن الحاكم ومن تبعه قد ذهبوا إلى أن الإمام مسلماً لم يخرج إلا للأولى ولم يخرج للثانية شيئاً في صحيحه وإنما خرج لها في كتاب آخر، وخالفه عياض فذهب إلى أن مسلماً خرج للطبقتين .(1/70)
... وكلام القاضي في هذه المسألة فيه شيء من الصواب وعليه ملاحظة في الإطلاق، فإن مسلماً لم يخرج للطبقة الثانية إلا القليل من حديثهم ليرفع به التفرد عن روايات الطبقة الأولى إلى آخر ما قرره الحافظ ابن حجر(1) .
... والأمر الثانى :
... هو شرح مسلم للعلل في كتابه، فقال فيه القاضي : " وكذلك علل الحديث التي ذكر ووعد أنه يأتي بها قد جاء بها في مواضعها من الأبواب من اختلافهم في الأسانيد كالإرسال والإسناد، والزيادة والنقص، وذكر تصاحيف المصحفين .
... وهذا يدل على استيفائه غرضه في تأليفه، وإدخاله في كتابه كل ما وعد به قال القاضي : وقد فاوضت في تأويلي هذا ورأيي فيه من يفهم هذا الباب فما رأيت منصفاً إلا صوبه وبان له ما ذكرت وهو ظاهر لمن تأمل الكتاب وطالع مجموع الأبواب، ولا يعترض على هذا بما قاله ابن سفيان صاحب مسلم : إن مسلماً أخرج ثلاثة كتب من المسندات أحدها هذا الذي قرأه على الناس، والثاني يدخل فيه عكرمة وابن إسحاق صاحب المغازي وأمثالهما، والثالث يدخل فيه من الضعفاء .
... فإنك إذا تأملت ما ذكر ابن سفيان لم يطابق الغرض الذي أشار إليه الحاكم مما ذكر مسلم في صدر كتابه، فتأمله تجده كذلك إن شاء الله تعالى " .
... قال النووي : هذا آخر كلام القاضي عياض وهذا الذي اختاره ظاهر جدا والله أعلم .
... أقول : الذي يظهر لي الآن أن اهتمام القاضي عياض كان منصباً على الأمر الأول، وهو إخراج مسلم للطبقتين، ومن وافقه كان مركزا عليه ولم يعيروا اهتمامهم للأمر الثاني .
... والأدلة على فهمي هذا :
... أولا : أنه هو موضع الخلاف بين القاضي عياض وبين الحاكم والبيهقي ومن معهما .
... ثانيا : قوله : " ولا يعترض على هذا بما قال ابن سفيان " الخ، فإن ماذكره ابن سفيان يرجع إلى تقسيم مسلم الرواة إلى طبقتين وهو الأمر الأول .
...
__________
(1) ... انظر : النكت ( 1 / 433 - 434 ) .(1/71)
... ثالثا : أن موافقة النووي إنما هي على هذا الأمر ويدلك على هذا مناقشاته للدارقطني وغيره في ما يتعلق بالأحاديث المنتقدة ولو كان يؤمن بقضية شرح مسلم للعلل القادحة لما تصدى لمناقشة العلل ودفعها والحكم بتصحيح تلك الأحاديث التي ادعيت فيها العلل .
... ومما ينبغي التيقظ له أن القاضي عياضا لم يجعل الترتيب وتأخير ما يستحق التقديم وتقديم ما يستحق التأخير واحدًا من أنواع البيان التي ذكرها، هذا النوع الذي يعتبره المليباري الأسلوب الوحيد للبيان ويدعى أن القاضي عياضاً قد سبقه إليه .
... ص ( 17 - 18 ) :
... ذكر المليباري هنا عدداً من الأمثلة من رسالتي " بين الإمامين " مدعياً أنها أمثلة لتطبيق مسلم ما وعد به في مقدمته من بيان العلل .
... والجواب :
... أولاً : أنه لا يمكن أبداً أن يكون على الوجوه التي ذكرها المليباري من الترتيب والتقديم والتأخير .
... ثانيا : أن عملي وفهمي ليس بحجة على الإمام مسلم، ثم إنه لا أثر أبداً للقاعدة التي اخترعها المليباري في عملي والحمد لله .
... ثالثا : انظر عملي في الرسالة وحرصي الشديد فيه على أن تحفظ لأحاديث مسلم مكانتها من الصحة والاحترام، فالأحاديث التي انتقدها الدارقطني أناقشها وأمامي - والحمد لله - ميزان العدل فغالباً ما ترجح كفة الإمام مسلم، ولا أرى مجالاً لفكرة القاضي عياض، بل لعلها لا تخطر على بالي، وأحياناً ترجح كفة الدارقطني وقد تحضرني شبهة القاضي عياض - لا المنهج الخطير الذي اخترعه المليباري وينسبه إلى عياض برأه الله منه - فأقول مثلا : ساقه مسلم لبيان الاختلاف .
... ثم يساورني الشك فيه فأقول مثلا :
... ولعل مسلماً أراد هذا ولست أدري هل أراد مسلم هذا أو لا ونحوهما .
... ثم أسوق متابعات ذلك الحديث وشواهده ليصل إلى أعلى درجة الصحة إن وجدت إلى ذلك سبيلاً، بل قد أصل به إلى درجة التواتر، أو الشهرة القريبة من التواتر .
... ثم شرع في وضع القواعد التي مر نقدها وما آلت إليه .(1/72)
... وبرأ الله القاضي عياضاً وغيره من أهل الحديث والسنة مما اختطه المليباري انظر إلى ما قلته في ص ( 189 ) من رسالتي " بين الإمامين " .
... " ولست أدري لأي غرض أورد مسلم حديث عمرو بن يحيى المازني .... إلخ .
... فهل ترى هذا أسلوب من يؤمن بشبهة القاضي عياض، أو أسلوب الشاك المتردد فيها ؟
... وانظر ص ( 437 ) حيث قلت :
... " ومع بيان مسلم لهذا الاختلاف فإنه يكتنف موقفه شيء من الغموض، فلا ندري هل حكم له بالصحة والسلامة من هذه العلة التي رآها الدارقطني ؟ أو أنه يرى أن في الحديث علة كشفها برواية من خالفه وهما عبدالله بن المبارك وعبدالله بن وهب ؟ وتصرفه يحتمل الوجهين .
... ثم صححت الحديث من ست طرق وذكرت مصادرها وهى : " صحيح البخاري، وصحيح مسلم، والموطأ، ومسند أحمد، وسنن البيهقي، ومصنف عبدالرزاق، والأموال لأبى عبيد، وجمع الفوائد، وجامع الأصول " .
... والآن انكشف لي الغموض وظهر لي أن مسلماً يصحح طريق عبدالله بن رجاء، لأن عنده زيادة وهو ثقة في نظر الإمام مسلم، والزيادة من الثقة مقبولة .
... قلت : هذا لأنه صحح زيادة سليمان التيمي الذي خالفه ثمانية ودافع عنها، فتصحيحه لزيادة من خالفه اثنان من باب أولى .
... ص ( 564 ) من رسالتي " بين الإمامين " قلت :
... " أما المتن فصحيح على كل حال سواء رجحنا الزيادة أم الحذف، أم قلنا باحتمال سماع ابن شماسة من أبي ذر مباشرة أو بواسطة أبي بصرة " .
... ولا مؤاخذة على مسلم في إخراج هذا الحديث فقد بين الاختلاف ولعله مقتنع بصحته من الوجهين .
... ألا ترى التردد يلاحقني في شبهة القاضي عياض كما يلاحق القاضي عياضًا نفسه ؟
... وعلى كل حال فالجو الذي كنت أطلق تلك العبارة فيه غير الجو الذي يتصوره ويتشبث به المليباري، وكذلك كل ما يتشبث به من قول القاضي عياض وأقوال غيره في طول بحثه وعرضه وقد شرحت منه وسأشرح ما يأتي من أقوال العلماء، وسأفند دعاواه البعيدة عن الصواب إن شاء الله .(1/73)
... رابعاً : قد صرحت بتراجعي عن هذا الفهم، وكل ما يهمني أن أكون صادقاً في هذا التراجع مخلصاً فيه لله، ولي سلف صالح في الرجوع عن الخطأ إلى الحق من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم من أئمة الإسلام، فهل المليباري مستعد أن يعلن أخطاءه ويتراجع عنها ؟ وهل يدرك شرف هذه المنزلة ؟
... والآن أيها القاريء الكريم أنت مقدم على قراءة صفحات كثيرة(1) من ( ص 17 إلى ص 93 ) قد ملأها هذا الكاتب بأمواج من الباطل من الغلو في الإمام البخاري والدارقطني والنسائي ورفعهم إلى مستوى من لا يضل ولا ينسى بالمبالغات في حفظهم وإتقانهم، وأن ما لم يذكروه فلا وجود له، مثل رواية محمد بن رمح وقتيبة بن سعيد اللذين رويا عن الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " صلاة في مسجدي " الحديث .
... ففي نظر المليباري أن قتيبة وابن رمح لم يرويا هذا الحديث عن الليث على هذه الصورة، لماذا؟ لأن البخاري والدارقطني لم يذكراهما في " التاريخ " " والعلل " ولو كانا قد رويا هذا الحديث عن الليث لذكراهما، وحيث لم يذكراهما فهذا دليل قاطع على عدم روايتهما هذا الحديث على هذه الصورة، وكيف يفوتهما وقد درسا ورحلا وقارنا وكيف وكيف ؟
... وعلى هذا الأساس فلا وجود في نظره :
... 1- لذكر ابن عباس في صحيح مسلم في إسناد حديث ميمونة في فضل الصلاة في مسجد رسول الله، ووجوده في كل نسخ صحيح مسلم خطأ وتصحيف، والأمر كذلك في كتب الأطراف وفى كل الكتب التي نقلت هذا الإسناد من صحيح مسلم .
__________
(1) ... اكتفيت بدراسة نقاط من هذه الصفحات لأنها هي مدار بحثه وعليها يدور ويذهب ويجيء .(1/74)
... 2- لا وجود للاختلاف على الليث بين أصحابه في ذكر ابن عباس، وإنْ ذكر مسلم من أطراف الخلاف الإمامين محمد بن رمح، وقتيبة بن سعيد، وإن تقوى ذلك برواية الطحاوي هذا الحديث في " مشكل الآثار "(1) عن عبدالله ابن وهب عن الليث عن نافع به، وإن زاد ذلك قوة رواية مكى بن إبراهيم(2) وعبدالرزاق(3) عن ابن جريج عن نافع به، وإن زاد ذلك قوة رواية ابن أبي شيبة هذا الحديث بهذا الإسناد عن شبابة عن الليث عن نافع .
... وفى مواجهة هذا الباطل أحببت أن أعيد بشيء من الإيجاز دراسة هذا الحديث ومناقشة الدارقطني فيه وأحببت أن أرفق ذلك بما يبصر المسلم بالمنهج الإسلامي في إيثار الحق والحجة وتقديمها على الشخصيات مع احترامهم وتقديرهم .
... في " سنن الدارقطني " ( 3 / 57 ) : سئل عن حديث نافع عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " فقال :
... 1- يرويه موسى بن عقبة ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن نافع عن أبي هريرة .
... واختلف على نافع في إسناد هذا الحديث فرواه
... أ - عبيدالله بن عمر ... ... ب - وموسى الجهني
... ج- وعبدالله بن عمر العمري ... د - وعبدالله بن نافع مولى ابن عمر
... 2- وكذلك روى عن موسى بن عقبة عن سالم ونافع عن ابن عمر قاله أبو ضمرة عنه وخالفه يعقوب الإسكندراني، واختلف عنه ( أي عن يعقوب )، فقيل عنه عن موسى بن عقبة عن نافع عن أبي هريرة وقيل عنه عن موسى بن عقبة عن نافع عن إياس عن أبي هريرة .
... 3- ورواه ابن جريج عن نافع عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد بن عباس عن ميمونة. وقال فيه بعضهم عن ابن عباس عن ميمونة ولم يثبت .
__________
(1) ... ( 1 / 246 ) .
(2) ... روايته في " تاريخ البخاري " ( 1 / 302 ) .
(3) ... روايته في " المصنف " ( 5 / 121 )، و " مسند أحمد " ( 6 / 334 ) .(1/75)
... 4- ورواه الليث بن سعد عن نافع عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد عن ميمونة وهو الصواب عن نافع(1) .
... قد ناقشت الدارقطني وغيره في هذه القصة مرتين وترجح لي خلاف ما ذهبوا إليه .
__________
(1) ... ملاحظة مهمة جداً : يحتمل احتمالاً قوياً قول الدارقطني : " وهو الصواب عن نافع " أن يكون هذا الترجيح خاصاً بالاختلاف على نافع في حديث ميمونة فقط والدليل على ذلك : أنه عرض الاختلاف السابق ولم يعلق عليه ثم لما عرض الاختلاف عليه في حديث ميمونة صرح برأيه مرتين قال : " وقال بعضهم عن ابن عباس عن ميمونة ولم يثبت " ثم قال : ورواه الليث بن سعد عن نافع عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد عن ميمونة وهو الصواب عن نافع .
... ... يعنى أن عدم ذكر ابن عباس في إسناد حديث ميمونة هذا هو الصواب وذكره غير صواب في نظره، ولا علاقة لهذا الترجيح بحديث ابن عمر فيما يبدو فإن الدارقطني قد تركه لغيره من النقاد ليدرس ويبحث ويؤيد ما يرجحه الأدلة .
... ... وقد تنبهت لهذا بعد مناقشاتي للدارقطني وبعد فراغي من المناقشات فإن كان صواباً سقط تعلق المليباري بالدارقطني وإن كان غير صواب فإن في مناقشاتي له ما يدحض تعلقه به وبغيره والذى أحبه من القاريء التجرد لله والإخلاص له ثم تحرى الحق دون تحيز لي أو لغيري.(1/76)
... وأضيف شيئاً من التوضيح واعلم أولا أن الدارقطني - رحمه الله - كان حافظاً ناقداً مدرسة في النقد وقد استفدت من هذه المدرسة كثيراً. ومع إعجابي به وإكباري له أعرف أنه بشر يصيب ويخطيء ويحفظ وينسى شأن البشر ويفوته ما بلغ غيره والنسيان أمر لا ينجو منه أحد من البشر حتى الأنبياء قال تعالى : { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزماً }، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نسي آدم فنسيت ذريته ... " (1) الحديث، وقال تعالى حاكياً عن نبيه موسى عليه السلام حين اعتذاره إلى الخضر عليه السلام { لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً } وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شأن نبي الله موسى في قصته مع الخضر : " فكانت الأولى من موسى نسياناً "(2) .
... وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني "(3) .
... وطالب الحق لا يصرفه الإعجاب والإكبار للشخصيات الكبيرة عن اتباع الحق والإنصاف والعدل، فإنَّ الحق أحق أن يتبع، والحجة لا يجوز إسقاطها من أجل هذا الرجل العظيم أو ذاك، فمبدأ المسلم المنصف الطالب للحق دائماً { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } .
... وما آمن العقلاء بالأنبياء إلا بعد أن أقاموا البراهين على صدقهم وذمَّ الله من لم يؤمن بالبراهين والحجج ويتبع هواه ويعجب بشخصيات آبائه وأجداده، قال تعالى في سورة الزخرف الآيات ( 21 - 24 ) :
__________
(1) ... الترمذي ( 5 / 267 ) حديث 3076 وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى من غير وجه عن أبي هريرة .
(2) ... البخاري 3 - كتاب العلم، حديث ( 122 ) .
(3) ... البخاري 8 - كتاب الصلاة، حديث ( 401 ) من حديث أبي هريرة ومسلم 5 - كتاب المساجد، حديث ( 572 ) من حديث ابن مسعود .(1/77)
... { أم آتيناهم كتابًا من قبله فهم به مستمسكون * بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون * وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون * قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون * فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين } .
... فقوله { أم آتيناهم كتابًا من قبله فهم به مستمسكون } لكشف عوارهم، وأنهم ليس معهم حجة يواجهون بها الأنبياء .
... وما بعدها فيها طعن شديد عليهم لتركهم للحجج واتباع ما عليه آباؤهم بدون حجة ولا برهان وإنما هو التقليد الأعمى .
... فانتقم الله منهم وأخذهم أخذًا شديدًا لاتباع هذا الضلال السخيف .
... ونحن نرى أئمة الحديث والفقه قد سلكوا المنهج الإسلامى الحق في أخذ الأقوال المدعمة بالبراهين والحجج، ورد الأقوال التي لا برهان عليها، فقد أخذ العلماء من أقوال الصحابة ما أيده الدليل وردوا ما لم يكن كذلك، وكذلك تعاملوا مع أئمة التابعين وأتباعهم .
... ومنهج المحدثين إلى يومنا هذا ثابت على هذا الخط، ومنهم الإمام الدارقطني يأخذ ويعطي على أساس الحجة والبرهان وعلى هذا الأساس ناقش البخاري ومسلمًا رحمهما الله .
... وعلى هذا الأساس ناقش أقواله مَنْ بعده، فإذا كان قوله مدعمًا بالأدلة واتضح قوة جانبه بها قُبل قوله، وإذا ضعفت حجته وقوي جانب غيره بالحجة رد قوله فلم يمنع الدارقطني حفظ الإمامين البخاري ومسلم وتمكنهما من علوم الحديث أن يناقشهما، ولم يمنع حفظ الدارقطني وإمامته مَنْ بعده أن يناقشوه بالحجة والبرهان، وهذا هو سبيل المؤمنين .
... وعلى هذا الأساس ناقشت البخاري والدارقطنى في شأن حديث ابن عباس وابن عمر، وعلى هذا الأساس سأناقش الدارقطني - رحمه الله - ولا يمنعني من ذلك إمامته وحفظه .(1/78)
... وقبل ذلك ينبغي أن نعرف أن للمحدثين - ومنهم الإمام الدارقطني - موازين يرجحون ويوازنون بها بين الأقوال والروايات المختلفة ومنها : الكثرة في العدد، وكثرة الملازمة للشيوخ والحفظ والإتقان، وعلى هذا الأساس يسير الدارقطني في كتابيه " العلل " و " التتبع " غالبًا وقد يتغير سيره مثله مثل غيره من الأئمة لأنهم بشر معرضون للخطأ والنسيان .
... فلننظر الآن إلى موقف الدارقطني من هذا المنهج وعلى أى أساس من الأسس التي يسلم هو بها ويسير عليها .
... أقام حكمه مثلا بترجيح رواية الليث وابن جريج على رواية من خالفهما؟
... هل أقامه على أساس أن الكثرة في جانبهما ؟
... الجواب : لا .
... لأنهما اثنان ومن خالفهما أكثر، فالذين خالفوهما ستة، وهم :
... 1- عبيدالله بن عمر .
... 2- موسى الجهني .
3- موسى بن عقبة وهو إمام ثقة ومن الطبقة الثالثة(1) من أصحاب نافع أى أنه مقدم عند النسائي على الليث في نافع .
... 4- عبدالله بن عمر العمري .
... 5- عبدالله بن نافع .
... 6- أيوب السختياني كما في صحيح مسلم .
... 2- السؤال الثاني : هل ترجيحه على أساس الحفظ ؟
... الجواب : لا .
... فإن عبيدالله بن عمر مقدم مطلقاً على أصحاب نافع عند كثير من أئمة النقد، ومقدم عند أكثرهم على مثل الليث وابن جريج .
... وموسى بن عبدالله الجهني من الحفاظ، وكذلك موسى بن عقبة، وأيوب إمام،ورواية معمر عنه لا مغمز فيها عند التأمل،والثلاثة الباقون يصلحون للمتابعة.
... وإذا كان الليث وابن جريج قد خالفاهم فقد وافقهم أربعة من الثقات، وذلك دليل قوي على أنهم قد حفظوا وضبطوا هذا الحديث وإسناده .
... 3- السؤال الثالث : هل هذا الترجيح قائم على أساس أن ابن جريج والليث مدنيان أى من بلد نافع ومن مواطنيه ؟
__________
(1) ... انظر الطبقات للنسائي ( ص 51 ) ضمن مجموعة رسائل في علوم الحديث نشر مؤسسة الكتب الثقافية .(1/79)
... الجواب : لا، بل العكس هو الصواب، فإن عبيدالله وعبدالله ابني عمر، وعبدالله بن نافع، وموسى بن عقبة كلهم مدنيون .
4- السؤال الرابع : هل هذا الترجيح قائم على أساس أنهما أكثر ملازمة لنافع من الآخرين ؟
... الجواب : لا، بل عبيدالله بن عمر هو المشهور بكثرة الملازمة لنافع، والثلاثة الآخرون الذين يشاركونه في كونهم مدنيين لا تستبعد عنهم الملازمة .
... والذى يحكم في قضية لايجوز له أن يحكم إلا في حدود علمه، وعلى نحو مما يقرأ ويسمع على حد قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار "(1) .
... والشاهد منه " إنما أنا بشر " إلى قوله : " فأقضي على نحو ما أسمع " فعلى أى شخص تولى الفصل في قضية أن يحكم بعلم، وعليه أن يتحرى الوسائل التي توصله إلى العلم بجوانب تلك القضية .
... فإذا توفرت له الوسائل التي توجب عليه أن يفصل فيها وجب عليه أن يفصل فيها في ضوء تلك المعلومات .
... فإن لم يحكم بالحق الذي يعلمه بل حكم بما لايعلم كان جائرًا ظالمًا من أهل النار، وإن حكم فيها بدون تحر وبجهل كان جائرًا ظالمًا من أهل النار .
... وإن حكم بما يعلم في ضوء الأدلة التي يسمعها ويقرؤها كان عدلاً مستقيماً منصفاً من أهل الجنة(2) .
__________
(1) ... البخاري الأحكام حديث ( 7169 )، ومسلم أقضية حديث ( 4 ) 1713.
(2) ... إشارة إلى حديث بريدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضي به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضي للناس على جهل فهو من النار " .
... أخرجه أبو داود في 18- الأقضية حديث 3573 ( 4 / 5 ) والترمذي في 13- الأحكام حديث 1322 ( 3 / 604 ) بنحوه وابن ماجه في 13- الأحكام حديث 2315 ( 2 / 776 ) .(1/80)
... فمثلا هنا ظهر لنا مما سجله الدارقطني في " العلل " و " التتبع " من حيثيات وأدلة ومما سجله البخاري من حيثيات وأدلة وفيما استقيناه من غيرهما من كتب الحديث والرجال أن الأدلة الراجحة والبراهين الساطعة كلها تشهد أن الحق والصواب في جانب عبيدالله بن عمر ومن معه وأن من ظهرت له هذه الأدلة وتوفرت له، وحاد عن جادة الحق فهو إنما يتبع هواه { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض } فإذا قال إن الإمام البخاري والإمام الدارقطني إمامان حافظان وكيف رجحا الجانب الضعيف ؟
... قلنا : نعم إنهما حافظان جبلان، ونحن نجلهما ونعرف لهما قدرهما ولكنهما مع أخوتهم وأئمتهم وضعوا لنا مناهج إليها يحتكمون وبها يحاكم بعضهم بعضًا، ومن مبادئهم المسلمة أنه ما من أحد إلا ويؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
... وفى ضوء هذا المنهج كم خَطَّأ الدارقطني وصَوَّب من الأئمة ممن هم مثله أو أجل منه، مثل سفيان بن عيينة وشعبة ووكيع والبخاري وغيرهم .
وقل مثل ذلك في البخاري - رحم الله الجميع -، وقل مثل ذلك في المئات من أئمة الحديث ما منهم إلا راد ومردود عليه على شريطة أن يكون الأخذ والرد قائماً على علم وعدل وعلى منهج صحيح .
... بعد هذا أفيد القاريء أنني في بحثي السابق - لضيق الوقت - كنت قد توقفت عن ضم موسى بن عبقة إلى جانب عبيدالله وإخوته، ورأيت أن في رواياتهم غناء لطالب الحق، وقد سنحت لي الفرصة الآن لدراسة روايته فأعرض عليك ما قاله الدارقطني حول روايته ومنه ننفذ إلى ما هدانا الله إليه .
... قال - رحمه الله - جوابًا عن السؤال الذي وجه إليه حول حديث نافع : يرويه موسى بن عقبة ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن نافع واختلف على نافع ...
... ثم قال : " وكذلك روى عن موسى بن عقبة عن سالم ونافع عن ابن عمر قاله أبو ضمرة عنه ( أي عن موسى بن عقبة )، وخالفه يعقوب الإسكندراني، واختلف عنه :(1/81)
... فقيل عنه عن موسى بن عقبة عن نافع عن أبي هريرة، وقيل عنه عن موسى ابن عقبة عن نافع عن إياس عن أبي هريرة .
... هذا هو الاختلاف على موسى بن عقبة، فهل يدل هذا الاختلاف على اضطرابه ؟
... الجواب : لا، لأنه يمكن ترجيح بعض رواياته على بعض وذلك أن الاختلاف على موسى بن عقبة إنما هو بين أبي ضمرة ويعقوب الإسكندراني فقط .
... 1- فأبو ضمرة هو أنس بن عياض بن ضمرة الليثي المدني ثقة من الثامنة / ع تقريب ( ص 115 )، والكاشف ( 1 / 140 ) .
... ويعقوب الإسكندراني : هو يعقوب بن عبدالرحمن القاري المدني نزيل الإسكندرية ثقة، من الثامنة. تقريب ( ص 608 )، وسكت عنه الذهبي انظر الكاشف ( 3 / 292 ) ولايضره ذلك .
... والذى يظهر لي أن رواية أنس بن عياض أرجح من رواية الإسكندراني لأن نافعاً لم يرو عن أبي هريرة وفى إحدى روايتيه عن موسى عن نافع عن أبي هريرة وهذه الرواية كما في " مشكل الآثار " ( 1 / 246 ) راويها حسان بن غالب متروك كما في " الميزان " ( 1 / 479 ) فهو آفة هذه الرواية عن يعقوب بن عبدالرحمن الإسكندراني وفى روايته الثانية عن موسى بن عقبة عن نافع عن إياس عن أبي هريرة .
... وليس في الرواة عن أبي هريرة من يسمى إياساً، وليس في شيوخ نافع من يسمى إياساً، وهذا يدل على عدم ضبط من روى عنه وهو الأرجح .
... أما رواية أنس بن عياض : فيظهر لي أنها محفوظة، وأن أنساً قد ضبطها لأنه لم يقع اختلاف في روايته، ولأن روايته توافق رواية عبيدالله بن عمر وأصحابه .
... وليس لنا حق في رد روايته وهو ثقة بدون سبب أو حجة .
... وأما ذكره لسالم في الإسناد فلا يستبعد لأن سالمًا من كبار الرواة عن أبيه .
مآخذ على الإمام الدارقطني :
... وهو إمام مجتهد نرجو الله أن يكتب له ثواب المجتهدين على كل الأحوال، وكفاه نبلاً أن يكون كتاب " العلل " إملاءً من حفظه وكفاه نبلاً أن تعد أخطاؤه.(1/82)
... أقول : من المآخذ عليه(1) :
... 1- أنه قد خالف هنا منهج المحدثين في تقديم اثنين على جماعة توفرت في أكثرهم معظم مقومات الترجيح بينما الاثنان اللذان رجح جانبهما تنقصهما الكثرة والمواطنة والملازمة التي يتمتع بها الجانب المقابل لهما على كثرتهم .
... 2- أنه قد أسقط بعض من يشارك عبيدالله بن عمر ورفاقه ألا وهو أيوب السختياني .
...
... 3- أنه ذكر الاختلاف على موسى بن عقبة. ولم يذكر أصحاب ابن جريج الذين أشار إلى اختلافهم عليه، ولم يذكر الاختلاف على الليث .
...
... وعذره في هذين الأخيرين النسيان لأنه كان يملي " العلل " من حفظه ولا يقول عاقل إن عدم ذكره للاختلاف على الليث يدل على عدم وجوده لأن هذا يخالف أوضح البديهيات عند العقلاء فضلاً عن المسلمين وذلك أنه بشر ينسى، وقد يعلم غيره مالم يعلمه أولاً .
...
... وثانياً : أن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وقد ذكر غيره ما فاته ذكره(2) .
...
... ذكرت هذا لأن المليباري وصل من خلال بحثه إلى أنه لا وجود للاختلاف على الليث بن سعد ولا وجود لذكر ابن عباس في روايته ودندن حول هذا كثيراً بما ينبو عنه السمع والعقل وغلا في البخاري والدارقطني وأطرى في علمهما وحفظهما حتى كاد يجعلهما في مرتبة " من لايضل ولاينسى " جل شأنه وإليك ما قاله من ص ( 19 - 25 ) :
...
__________
(1) ... هذه المآخذ على فرض أنه رجح رواية الليث وابن جريج على رواية عبيدالله وأصحابه، واللائق بمنزلته ومكانته ومنهجه القول بأنه لم يرجح وترك الأمر لمن يدرس .
(2) ... ومع هذا فقد صححت حديث كلا الجانبين في رسالتي " بين الإمامين " وفي مناقشتى للمليباري وبينت هناك وجهة نظري فيهما فارجع إليهما .(1/83)
... 1- قلت : هذا الحوار حول الوجه الثاني الذي ذكرته، وقد أشرت فيما مضى إلى بطلانه، وسيأتي بيانه في الصفحة التالية ولن أناقشه هنا لما أنه يبدو من حواره أنه يستمر على فهمه من أن هناك اختلافًا على الليث بين أصحابه في هذا، كما على ابن جريج من الاختلاف، وأن كلا الوجهين ثابت عن الليث وليس الأمر كذلك كما يأتي في الصفحات الآتية .
... 2- وأنه ينبغي أن أحقق ما هو في رواية الليث هذه - هل فيها اختلاف بين أصحاب الليث في ذكر ابن عباس راوياً عن ميمونة ؟ أم أن الروايات كلها عن الليث متفقة في عدم ذكر ابن عباس راوياً عنها ؟ - وبعد ذلك أدخل في الإجابة عما تناوله فضيلة الشيخ في تلك الفقرات .
... انتباه بعد غفلة
... 3- ومن الجدير بالذكر أنني لم أكن منتبهاً - عند النقد على ما حرره فضيلة الشيخ في كتابه " بين الإمامين " في تصحيح حديث ابن عمر وميمونة معارضاً فيه لما ذهب إليه الإمام البخاري والنسائي والدارقطني والقاضي عياض من إعلالهم حديث ابن عمر، الذي أخرجه مسلم خارج الأصول - إلى ما هو في رواية الليث من الحقيقة، ومن هنا توهمت أن الاختلاف قد ورد أيضاً في رواية الليث بين أصحابه، كما ورد ذلك الاختلاف على ابن جريج، معتمداً على قول الشيخ، ولذلك كتبته وجهاً ثانياً لبيان أن مسلماً أورد تلك الطرق لبيان العلة .
... 4- ثم لما أورد فضيلة الشيخ في رده ما قاله الحافظ المزي في " تحفة الأشراف " حول تحقيق النسخة من صحيح مسلم أنه ورد الاختلاف بين نُسَخِه في ذكر " ابن عباس " راوياً عن ميمونة في رواية الليث انتبهت إلى حقيقة الأمر في رواية الليث، ولذا فإنني عزمت أن أحذف ذلك الوجه الثاني، بل إنني أضيف فيه خلاصة ما بينته فيما كتبته تمهيداً في ص ( 2 - 11 ).
... كلام المزي حجة عليه ويريد أن يلويها إليه(1/84)
... 5- فمن المناسب أن أنقل ما قاله الحافظ المزي - رحمه الله - في " تحفة الأشراف " ( 12 / 484 )، ويلاحظ أن الشيخ قد نقله في أرراقه ص ( 62 - 63 ) محاولاً أن يضم الحافظ المزي إلى صفه، ويأتي الجواب عنه في محله إن شاء الله. قال - رحمه الله - " ومن مسند ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم بن عبدالله بن معبد بن عباس عن ميمونة : حديث " صلاة فيه - تعنى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلى مسجد الكعبة ". م في الحج عن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن ليث عن نافع عنه به وفيه قصة أن امرأة اشتكت فقالت إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس .
...
... س : في ( المناسك 2 / 124 ) عن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع كلاهما عن عبدالرزاق عن ابن جريج عن نافع نحوه، وفي الصلاة عن قتيبة به، ولم يذكر القصة، ورواه موسى الجهني وغيره عن نافع عن ابن عمر، وقد مضى .
... وهكذا ذكر أبو القاسم هذا الحديث في هذه الترجمة، وهكذا وقع في بعض النسخ من كتاب أبي مسعود، وهكذا ذكر أبو بكر بن منجويه في ترجمة إبراهيم بن عبدالله بن معبد من رجال مسلم أنه يروي عن ميمونة في الحج، وكذلك رواه النسائي عن قتيبة، لم يذكر فيه " عن ابن عباس "، وهو في أول كتاب المساجد من " السنن " .
...
... وكل ذلك وهم ممن قاله، والله يغفر لنا ولهم، وهو في عامة النسخ من " صحيح مسلم " : " عن ابن عباس عن ميمونة " ، وكذلك وقع في بعض النسخ من كتاب أبي مسعود في ترجمة ابن عباس عن ميمونة. وكذلك حديث ابن جريج عند النسائي ( الكبرى المناسك 126 ) هو في جميع النسخ : عن ابن عباس عن ميمونة .(1/85)
... ولفظه : عن ابن جريج، سمعت نافعاً يقول : " حدثنا إبراهيم بن عبدالله ابن معبد أن ابن عباس حدثه أن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت " . وهذا لفظ صريح في أن الحديث عن إبراهيم عن ابن عباس عن ميمونة، لا عن إبراهيم عن ميمونة، والله أعلم .
... 6- وتعقبه الحافظ ابن حجر رحمه الله في " النكت الظراف " ( 12/181 ) بقوله : " رويناه في جزء أبي الجهم عن الليث، ليس فيه ابن عباس، وكذا أخرجه أحمد عن على بن إسحاق عن ابن المبارك عن ابن جريج، وكذا أخرجه الطحاوي من رواية أبي عاصم عن ابن جريج، ومن رواية ابن وهب عن الليث، ليس في شيء منهما : ابن عباس : ا هـ .
... 7- وتعقب الحافظ في محله، كما يأتي بيانه، وظاهر من قول الحافظ المزي المذكور أعلاه أن هناك اختلافاً بين النسخ من " صحيح مسلم " في ذكر ابن عباس راوياً عن ميمونة، وأن أبا القاسم وأبا بكر بن منجويه اعتمدا على النسخة من صحيح مسلم التي لم تذكر ابن عباس راوياً عن ميمونة، وأن في بعض النسخ من كتاب أبي مسعود - وهو أطرافه - عدم ذكر ابن عباس راوياً عنها .
... 8- وأن الحافظ المزي اختار منها ما وقع ذكر " عن ابن عباس " فيه حيث قال :
... " وكل ذلك وهم ممن قاله " إلخ، وهذا يعود إلى ما ذكره سابقاً، سواء كان في رواية الليث أو ابن جريج، وسواء كان في صحيح مسلم أو في النسائي، وسواء كان ذلك الاعتماد من ابن عساكر أو أبي بكر بن منجويه، أو من أبي مسعود الدمشقي بالنسبة إلى بعض النسخ من أطرافه. فيعود قوله إلى ذلك كله على العموم .
... 9- وأني قد راجعت أطراف ابن عساكر المصورة - ميكروفيلم في مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى وكذلك أطراف أبي مسعود الدمشقي المصورة - ميكروفيلم - في المركز بالجامعة على رقم 192 ( حديث ) 140 / ب، ووجدت فيهما " إبراهيم عن ميمونة " .(1/86)
... 10-وكذلك راجعت " جامع المسانيد " لابن كثير، المصور - ميكروفيلم - في المركز بجامعة أم القرى تحت رقم 962، 6 / 95 / ب، ويقول فيه الحافظ ابن كثير - بعد أن ذكر رواية حجاج ثنا الليث به بدون ذكر ابن عباس راوياً عنه وكذا رواه مسلم والنسائي عن قتيبة زاد مسلم " ومحمد بن رمح "، عن الليث عن نافع عن إبراهيم عن ميمونة " .
... 11- وتابع الحافظ فقال : " حدثنا عبدالرزاق أنا ابن جريج سمع نافعاً مولى ابن عمر يقول ثنا إبراهيم بن عبدالله بن معبد أن ابن عباس حدث أن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : الحديث " .
... وقال الحافظ ابن كثير : " وهكذا وراه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع عن عبدالرزاق عن ابن جريج عن نافع عن إبراهيم عن ابن عباس عن ميمونة، قال شيخنا - وهو المزي - وهو الصواب كما سيأتي " .
... ثم ذكره في ( 99 / 1 ) " حديث آخر رواه مسلم والنسائي من حديث إبراهيم بن عبدالله بن معبد بن عباس عن ابن عباس عن ميمونة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " صلاة في مسجدى " إلخ وتقدم عن إبراهيم عنها من غير ذكر ابن عباس، والله أعلم " .
... زعم خاطيء
... 12- وظاهر أن الحافظ ابن كثير ترك هذه القضية بدون تحقيق بل اكتفى بنقل الاختلاف حاكياً قول شيخه المزي رحمهما الله .
... والحافظ المزي - رحمه الله - استند في اختياره ذلك على عامة النسخ من صحيح مسلم تذكر " عن ابن عباس عنها "، وعلى أن خلفاً ذكر في ترجمة ابن عباس روايته عن ميمونة، وأنه وقع في بعض النسخ من كتاب أبي مسعود الدمشقي " ابن عباس عن ميمونة "، وعلى أن رواية ابن جريج وقع فيها التصريح " أن ابن عباس حدث إبراهيم " .
... 13- قلت : اتفاق عامة النسخ على إثبات شيء مما يرجح به أن ذلك الشيء ثابت في الكتاب، إذا لم يكن هناك قرائن مما يضعفه ويدل أن ذلك الشيء معدوم بالواقع .(1/87)
... وهى : أن الإمام البخاري لم يذكر الاختلاف على الليث بين أصحابه، في إثبات " ابن عباس " راوياً عن ميمونة، بينما ذكر ذلك الاختلاف على ابن جريج بإيراده الروايتين عن ابن جريج المختلفتين فيه، وذلك في التاريخ الكبير ( 1 / 302 ) .
... غلو شديد
... 14- وبما أن الإمام البخاري ناقد معروف، فإنه لا يكتفي بسماعه حديث الليث من رجل واحد من تلامذته، بل يدرس حديثه دراسة مقارنة وذلك بسماعه من سائر تلامذة الليث، ولذلك الغرض يرحل إلى بلد الليث وغيره من البلاد التي فيها بعض تلامذته، وأنه رحل فعلاً إلى مصر مرتين، ولاقى فيه من لاقى من الرواة، وكان بينه وبين قتيبة - أحد رواة هذا الحديث عن الليث الذي روى عنه الإمام مسلم والنسائي ذلك الحديث - علاقة قوية، وقد صاحبه كثيراً في الحضر والسفر، حتى أنه قدم معه الكوفة والبصرة مرات لا تحصى .
... غلو شديد آخر
... 15- وعلى هذا فإنه يستبعد استبعاداً أن نقول " إنه فاته حديث الليث من رواية قتيبة وابن رمح " بمجرد أن الإمام البخاري ما ذكرها في " تاريخه الكبير "، ولكن الحق في أن نقول إنه قد درس حديث الليث بسماعه من تلامذته الكثيرين، وليس قتيبة وابن رمح فقط، ولهذا، ولأنه وجد عند رواة الليث اتفاقاً في عدم إثباتهم " ابن عباس " راوياً عنها، لم يتعرض إلى بيان الاختلاف على الليث، بل اكتفى بذكر رواية واحدة عن الليث وإن كان فيه اختلاف بينهم لذكره حتماً، كما ذكر ذلك الاختلاف على ابن جريج .
... شبهة سلبية(1/88)
... 16- وثانياً : أن الإمام الدارقطني لم يذكر أيضاً الاختلاف على الليث - لا في " العلل " ، ولا في " التتبع " - بينما ذكر ذلك الاختلاف على ابن جريج. مما يدل دلالة قاطعة على أن الروايات التي حفظها، وجمعها، ودرسها دراسة مقارنة عن الليث، كلها متفقة على عدم إثبات " ابن عباس " راوياً عنها، وأن النسخة من صحيح مسلم التي عنده بعدم إثباته راوياً عنها، وإن كانت النسخة التي عنده بذكر " ابن عباس " راوياً لتعرض إلى ذكره خاصة في " التتبع "
... 17- وثالثاً : أن النسائي قد روى عن قتيبة عن الليث بدون ذكر " ابن عباس "، ولم تختلف النسخ من السنن، كما يظهر مما قاله الحافظ المزي رحمه الله ( كتاب المساجد، باب فضل الصلاة في المسجد الحرام 2 / 33 ) وهذا مما ذكره الحافظ المزي، ووجه إليه الوهم على العموم .
... شبهة سلبية
... 18- ورابعاً : أن ابن أبي حاتم وابن حبان، وقبلهما الإمام البخاري، لم يذكروا لإبراهيم بن عبدالله بن معبد بن عباس رواية عن ابن عباس، ولو ثبت عندهم " عن ابن عباس " في رواية الليث وابن جريج لذكروا لإبراهيم رواية عن ابن عباس، بل ذكر ابن أبي حاتم والإمام البخاري روايته عن ميمونة، بينما ذكر ابن حبان روايته عن أبيه. وإبراهيم هذا قليل الرواية ولم يعرف له إلا روايتان، رواية عن أبيه، ورواية عن ميمونة ولما أثبت الحافظ المزي " ابن عباس " في صحيح مسلم ذكر لإبراهيم رواية عن ابن عباس، وتبعه في ذلك الحافظ ابن حجر. وذكر أيضا رواية إبراهيم عن ميمونة، وربما يكون ذلك على سبيل الاحتمال وذلك في التهذيب .
... شبهة سلبية أخرى(1/89)
... 19- وخامساً : أن حجاج بن محمد المصيصي، وعبدالله بن صالح، وابن وهب كلهم قد رووا عن الليث بدون " عن ابن عباس " أما رواية حجاج فهي في المسند ( 6 / 333 )، ورواية عبدالله بن صالح في التاريخ الكبير (1/302)، ورواية ابن وهب في شرح معاني الآثار ( 3 / 126 )، وقد ذكره الحافظ في " النكت الظراف "، وهي في مشكل الآثار للطحاوي المطبوع ( 1 / 246 ) بإثبات " ابن عباس " راوياً عنها، وهذا يدل على وقوع الاختلاف بين النسخ من المشكل .
... وقد وقع في مصنف ابن أبي شيبة ( 2 / 371 ) حديث الليث من رواية شبابة بن سوار بذكر " ابن عباس "، حيث إنه فيه : حدثنا شبابة بن سوار عن الليث بن سعد عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة .
... فهذا مما ينبغي أن يحقق النسخة من المصنف، لأن فيه سقطاً " عن نافع " ، وكذلك ذكر " عن ابن عباس " على ضوء ما تقدم، ولا يناسب أن نأخذ منه قبل التحقيق، ونقول إن فيه اختلافاً آخر على الليث، فإنه لم يذكر فيه نافعاً، وكذلك ذكر " عن ابن عباس " ، ولم يتمكن لي مراجعة النسخ المخطوطة والمقارنة بينها، وإذا تمكن لي فأراجعها وأحقق الأمر فيها إن شاء الله، وكذلك مشكل الآثار. ومعروف لدينا أن كتاب المشكل والمصنف لم يحققا حق التحقيق بالمقارنة بين نسخهما .
... ادعاؤه عدم ذكر ابن عباس
... 20- ثم إن رواية ابن جريج لم يثبت فيها " عن ابن عباس " كما قال الإمام البخاري والدارقطني، وكلام الحافظ المزي رحمه الله يدل على أنه لم يستحضر عنده الاختلاف الوارد على ابن جريج والذي رجحه عنه الإمامان الجليلان، وإلا لما استند على روايته على هذه الصورة، ولهذا قلت : إن تعقب الحافظ عليه في محله وفي كلامه دلالة على أنه لا يرى ذلك الاختلاف وارداً بين الرواة، وإنما هو اختلاف بين النسخ فقط. وإلا لتعرض إلى ذكره .
... ادعاؤه التصحيف(1/90)
... 21- ومع ذلك فإنه يقع كثيراً في مثل هذه المواضع التصحيفات في ذكر " ابن " بدل " عن " وبالعكس أيضاً، فإن سياق الإسناد هو : " نافع عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد بن عباس عن ميمونة " ، وإذا قورن بين الإسناد الذي وقع فيه " عن ابن عباس " ، وبين الذي وقع فيه " ابن عباس " نجد فيه شيئاً يؤكد أن " عن " تصحيف عن " بن " ، لأن الإسناد الذي فيه " عن ابن عباس " ، يختصر على هذا : " نافع عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد " ، ولم يذكر فيه " ابن عباس عن ابن عباس " ، وأما الذي لم يقع فيه " عن ابن عباس " ، فهو مذكور هكذا : " إبراهيم بن عبدالله بن معبد بن عباس " ، فهو إذن وقع عن بعض النساخ اشتباه لطول اسمه مع الأجداد، فكتب قبل " ابن عباس " " عن " ، ومثل هذا التصحيف يقع عادة في غير هذا الموضع، كما لايخفي على من هو مشتغل بالتحقيق .
... جزم المليباري بعدم الاختلاف على الليث
... 22- وبعد فأقول : إنه لم يقع اختلاف على الليث بين أصحابه بل إنما هو اختلاف بين النسخ من الصحيح وغيره، وبهذا الاختلاف يسوغ لنا القول إنه اختلف على الليث، إذا لم نجد إماماً من الأئمة يقول بذلك، ولم نجد أحداً منهم يقول بذلك. إذن فمراد الإمام مسلم هنا بيان الاختلاف على نافع، وقد بينه فعلاً، ولاحاجة إلى إلزام مسلم بيان الاختلاف على الليث .
... قال ص 11 : " والذى يظهر لي أن مسلماً اختار الحديث الذي فيه ذكر ابن عباس ... إلى ص 12 وليس الواقع كما ذكر الباحث .
... قلت : " هذا الكلام لا يناسب إلا بعد أن ثبت عن مسلم أنه يرى أن الوجهين ثابتان عن الليث. وقد عرفنا من الحقيقة ما فيه .
... البدء في الجواب على الفقرات السابقة
... 1- الجواب عن فقرة ( 1 ) :
... ألا ترى أنه رجع عن بطلان قوله الأول لينتقل إلى باطل أقوى منه وأوغل في البطلان فالمسكين لا يرجع إلى الحق .
... 2- الجواب عن فقرة ( 2 ) :(1/91)
... انظر إلى هذه المكابرة، دواوين الإسلام المعتبرة أثبتت أن هناك اختلافاً بين أصحاب الليث وأنهم طائفتان في رواية حديث ميمونة :
... فطائفة تروي عن الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد عن ميمونة وهم : ...
... 1- عبدالله بن صالح كما في " تاريخ البخاري " .
... 2- وحجاج بن محمد كما في " مسند أحمد " .
... 3- وقتيبة في رواية عنه كما في " سنن النسائي " .
... وطائفة ثانية تروي الحديث عن الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة وهم :
... 1- قتيبة وروايته في " صحيح مسلم " .
... 2- ومحمد بن رمح كما في " صحيح مسلم " .
... 3- وعبدالله بن وهب كما في " مشكل الآثار " .
... 4- وشبابة بن سوار كما في " مصنف ابن أبي شيبة " .
... وإذا وصلت المكابرة التي تدعي التحقيق العلمي إلى هذا الحد فقل سلام الله على التراث الإسلامي إن تصدى لدراسته وتحقيقه مثل هذه النوعية الغربية من العقول البشرية .
... وردد معي قول الشاعر :
وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
... 3، 4 - فقرة ( 3، 4 ) :
... من كلامه تأكيد لرأيه الغريب في فقرة ( 2 ) وإمعان في الباطل .
... 5- فقرة 5 :
... نقل فيها كلام الحافظ المزي وفيه دحض لباطله لو كان يريد الحق، وانظر حجج المزي فيما سيأتي من الفقرات .
... 6، 7 - الجواب عن فقرة ( 6، 7 ) :
... ماذا يريد الحافظ بتعقبه ؟ هل يريد أن ذكر ابن عباس في صحيح مسلم من رواية الليث لا وجود له أو لايثبت ؟؟
... كلا ثم كلا، وإنما يريد الاستدراك والتنكيت على المزي بأنه فاته ذكر بعض الروايات .(1/92)
... ثم على منهج المليباري كيف تعتمد على هذه الروايات التي نقلها الحافظ من جزء أبي الجهم ومن كتاب الطحاوي ؟ وكيف تسلم بها ؟ وكيف تعتمد على مافي تاريخ البخاري ؟ كيف تعتمد على هذه المصادر وغيرها وهي لم تحظ بواحد من ألف مما أحيط به " صحيح مسلم " في مشارق الأرض ومغاربها وعلى امتداد الأجيال والتاريخ منذ صنف إلى يومنا هذا وتدعى أن ذكر ابن عباس لا وجود له في صحيح مسلم من رواية الليث لهذا الحديث وقد أحيط من العناية العظيمة بما هو معلوم لدى أولى النهى .
... وقد ساق لك المزي الأدلة على أنه موجود في عامة نسخ مسلم مع أدلته الأخرى، وما مثل مذهبك هذا إلا كمذهب الشيعة الذين يدعون التحريف في القرآن .
... وإذا سلم بمذهبك هذا فإنه لا تبقى للمسلمين ثقة في مسلم ولا في غيره.
... 8- الجواب عن الفقرة ( 8 ) :
... لماذ يوهِّمُ المزي ابن عساكر وأبا بكر بن منجويه ومن أسقط ذكر ابن عباس من بعض نسخ أبي مسعود، لو كانوا على صواب في تصرفهم ؟
... ثم لاتنس أن أطراف ابن عساكر إنما هي للسنن الأربع فقط فلا حجة فيه بالنسبة لرواية قتيبة وابن رمح عن الليث الموجودة في صحيح مسلم، وهو ليس داخلاً في أطرافه .
... وهل عامة نسخ مسلم أو نسخ أطراف خلف وبعض النسخ من أطراف أبي مسعود تنتقل إلى الناس بطريق عشوائية ليس وراءها رواة ؟
... وأما أطراف أبي مسعود المتوفي سنة ( 401هـ ) فهو خاص بالصحيحين والحجة هي النسخ الموجود فيها ذكر ابن عباس .
... وأما أطراف خلف المتوفي أيضا سنة ( 401هـ ) فقد وجد فيها ذكر ابن عباس فذلك أقوى في الحجة على ثبوت ابن عباس في إسناد هذا الحديث وهو كما يقول الكتاني " أحسن ترتيباً ورسماً وأقل خطأ ووهماً "(1) .
__________
(1) ... انظر الرسالة المستطرفة : ( ص 125 ) .(1/93)
... وقال النابلسي : " إذ كان أول مصنف في ذلك ( أى على الأطراف ) الإمامان الحافظان أبو محمد خلف بن محمد بن على الواسطي، وأبو مسعود إبراهيم ابن محمد بن عبيد الدمشقي فجمعا أطراف الصحيحين فقط وكان كتاب خلف أحسنهما جمعاً وأقلهما خطأ ووهماً "(1) .
... فقول المليباري في هذه الفقرة :
... " فتعقب الحافظ في محله ... وأن أبا القاسم وأبا بكر بن منجويه اعتمدا على النسخة من صحيح مسلم التي لم تذكر ابن عباس راوياً عن ميمونة وأن في بعض النسخ من كتاب أبي مسعود وهو أطرافه عدم ذكر ابن عباس راوياً عنها " احتجاج بما هو عليه لا له، ذلك أن تعقب الحافظ تنكيت على المزي فيما فاته من الروايات التي لم يذكر فيها ابن عباس .
... ومع ذلك فقد أقره على قوله : " وهذا لفظ صريح في أن الحديث عن إبراهيم عن ابن عباس عن ميمونة " .
... فإذن الحافظ موافق للمزي على ترجيح أن الحديث من رواية ابن عباس عن ميمونة لا عن إبراهيم عن ميمونة، ولو كان مخالفاً له لما سكت عنه ولناقشه فيما يراه غلطاً وهذه المسألة أهم من تلك والتنكيت والنقد فيها أولى. وأيضا أقر الحافظ ابن حجر الحافظ المزي على أن في جميع نسخ النسائي ذكر ابن عباس .
... وأما أبو القاسم ابن عساكر فلا علاقة لأطرافه بصحيح مسلم ولا بصحيح البخاري فهى مختصة بالسنن الأربع ومنها سنن النسائي .
... وتوهيم المزي له إنما هو بالنسبة لسنن النسائي، وذلك يدل على أن المزي يرجح أن هذا الحديث من رواية ابن عباس أينما وجد، وأن من أسقطه فهو واهم مؤلفًا كان أم راوياً .
... وأما ابن منجوية : فله أطراف الصحيحين وسنن الترمذي، وله كتاب في أسماء رجال مسلم، وهذه الرواية في كتاب " أسماء رجال مسلم "، وسقوط ذكر ابن عباس منه لا يعتبر حجة يلغى بها مافي صحيح مسلم الذي تلقته الأمة بالقبول والعناية الفائقة، والحيطة التامة .
... والسقط إما من ابن منجويه سهواً، وإما من نساخ كتابه :
__________
(1) ... ذخائر المواريث : ( 1 / 3 ) .(1/94)
أولا : لأن مقصود كتابه الرجال لا المتون فتقل فيه العناية بالمتون وأسانيدها. وثانياً : أنه كتاب لا يقاس بكتاب مسلم ولا بما هو دونه في عناية العلماء به .
... وأما ما ذكره الحافظ من روايتي الطحاوي : فهو في " شرح معانى الآثار"(1) روى أولا الحديث من طريق أبي بكرة عن أبي عاصم عن ابن جريج عن نافع عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد بن عباس عن ميمونة .
... ثم رواه عن يونس عن ابن وهب عن الليث عن نافع ثم قال : فذكر بإسناده مثله .
... ورواه في " مشكل الآثار " عن يونس عن ابن وهب عن الليث عن نافع عن إبراهيم عن ابن عباس عن ميمونة .
... والتي في " المشكل "(2) وفيها ذكر ابن عباس هي الراجحة، ويؤيدها ما في عامة نسخ صحيح مسلم وجميع نسخ النسائي، وما في نسخ أطراف خلف، وما في بعض نسخ أبي مسعود، وتقرير الحافظ المزي والحافظ ابن حجر .
... وصَدِّق يا مليباري أن كتب الدنيا كلها لو خالفت ما في "صحيح مسلم" ونسخه الذي تلقته الأمة بالقبول والحب والعناية والرعاية لقدموه عليها ولهم الحق في ذلك والحق معهم ولا يرجحون عليه إلا صحيح البخاري وهما في هذا الباب لا يختلفان، لأن عناية الله بهما ثم عناية الأمة بهما تصونهما من " الإخلال والغلط وتحميهما من الإسقاط والسقط " كما هي عبارة ابن الصلاح مسمياً بها الكتاب الذي ألفه في شأن صحيح مسلم .
... وثق أنك كما قال الشاعر :
كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
... ولايزيدك سلوك هذه الطرق العوجاء إلا صغاراً عند الله وعند الناس إلا أن تتوب إلى الله توبة نصوحاً، وقد نصحتك في ردي الأول فلم تسمع .
... 8- الفقرة ( 8 ) :
... شرح منه لكلام المزي وهو لايحتاج إلى شرح وفي بعض شرحه غلط .
... 9- الفقرة ( 9 ) :
__________
(1) ... ( 3 / 126 ) .
(2) ... ( 1 / 246 ) .(1/95)
... تكرار لما ذكره المزي عن ابن عساكر وأبي مسعود وبالنسبة لابن عساكر فكتابه لا علاقة له بصحيح مسلم، وأما أبو مسعود فكتابه له نسخ وحالها ما ذكره المزي فهو المعتمد .
... 10، 11 - الفقرتان ( 10، 11 ) :
... لا يستفيد منهما شيئاً، بل في فقرة (10) ماهو حجة عليه وهو حكاية ابن كثير عن شيخه المزي أن ذكر ابن عباس في الإسناد هو الصواب وفيه أن في مسلم وفي النسائي - وهي الصغرى - عن إبراهيم عن ابن عباس عن ميمونة .
... وهذا حجة عليه بالإضافة إلى ما في " الكبرى " .
... 12- الفقرة ( 12 ) :
... قوله " وظاهر أن ابن كثير ... " إلخ .
... ليس كما يذكر بل الظاهر تأييده لشيخه وإقراره، ولو كان يدرك أن في كلام شيخه خطأ لقومه .
... وحكى في هذه الفقرة أسباب اختيار المزي وترجيحه وكفى بما اعتمده حجة وبرهاناً .
... وزيادة على ذلك عناية الله ثم عناية الأمة بالكتاب .
... 13- الفقرة ( 13 ) :
... فيها مكابرة لم يسبق إلى مثلها، فعامة نسخ مسلم تطابقت على ذكر ابن عباس يتداولها أئمة الحديث جيلاً عن جيل في مشارق الأرض ومغاربها من أقصى خراسان إلى أقصى الأندلس والشام ومصر والحجاز واليمن وغيرها من البلدان وتؤيدها أطراف خلف وأكثر نسخ أطراف أبي مسعود ومع كل هذا لا يعتمد عليها في قضية من القضايا في نظر هذا الرجل بل يجزم بعدم وجودها . أظن أن أكبر سوفسطائي لا يصل إلى هذا الحد من المكابرة .
وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
... ما هو الدليل على أنه لا يعتمد على ما يذكر في عامة نسخ " صحيح مسلم " مهما كثرت ومهما أيدها من المؤيدات، ومهما حفت بها من قرائن تدل على ثبوت ما فيها ؟؟
... الجواب لدى المليباري :
... هو أن البخاري لم يذكر الاختلاف على الليث بين أصحابه في إثبات ابن عباس راوياً عن ميمونة، لأنه ذكر الاختلاف على ابن جريج ولم يذكر الاختلاف على الليث .(1/96)
... فمجرد سكوته عن شيء دليل قاطع على بطلان ذكر ذلك في صحيح مسلم، ولو اتفقت عليه مئات النسخ تحرسها عناية الله ثم عناية الأمة بها، ولو أيدته كتب أخرى وحتى لو روى الطحاوي وابن أبي شيبة هذا الحديث وفيه ذكر ابن عباس عن ميمونة، فلا تقبل هذه الشهادة .
... بل لو روت كل كتب السنة والتاريخ شيئا سكت عنه البخاري في كتابه " التاريخ " فلا يصدق ولا يقبل، ولا يجوز لأحد أن يصدق بوجوده .
... وما الدليل على ذلك ؟
... 14، 15 - الجواب : أقرأ ما حوتاه الفقرتان ( 14، 15 ) ومطلعهما : " وبما أن البخاري ناقد معروف، فإنه لا يكتفي بسماعه حديث الليث من رجل واحد من تلامذته بل يدرس حديثه دراسة مقارنة وذلك بسماعه من سائر تلامذة الليث ... " الخ .
... هكذا بكل قوة يؤكد ما تضمنته هذه الفقرة كأنما جاءه بهذا جبريل من رب العزة والجلال الذي أحاط بكل شيء علماً أتدري كم عدد تلاميذ الليث الذين ذكرهم المزي في تهذيب الكمال ( 3 / 1153 ) ؟؟
... يبلغ عددهم أربعة أو خمسة وسبعين تلميذا .
... والليث إمام عظيم وعالم مصر في زمانه، ولايحصي إلا الله عدد تلاميذه، فقد يكونون مئات، وقد يكونون آلافاً ؟
... أتدري كم يحفظ الليث من الأحاديث ؟
... الجواب : قال محمد بن عبدالملك بن شعيب بن الليث بن سعد : " سمعت أبي يذكر عن أبيه قال : قيل لليث : أمتع الله بك إنا نسمع منك الحديث ليس في كتبك ؟ قال : أو كل ما في صدري في كتبي ؟ لو كتبت ما في صدري ما وسعه هذا المركب " تهذيب الكمال ( 3 / 1154 ) .
... وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ ( 1 / 226 ) : " وهو إمام حجة كثير التصانيف " . دعك من الملايين، هب أن الليث يحفظ مائة ألف حديث، ودعك من آلاف في عدد تلاميذه، فهب أن له خمسمائة تلميذ .
... ودعك من المبالغات في حفظ طلابه فافرض أن كل واحد منهم حفظ عن شيخه الليث خمسين الف حديث،قل ثلاثين ألف،قل عشرة آلاف،قل خمسة آلاف(1/97)
... وعدد الطلاب مائة فقط، كل واحد يحفظ خمسة آلاف حديث، فإذا ضربنا مائة - وهو عدد طلاب الليث على أقل تقدير - في عدد ما يحفظه كل واحد منهم من حديث شيخهم الليث، يبلغ مجموع ذلك : خمسمائة ألف حديث، فكم يحتاج البخاري من الزمن لحفظ هذا العدد كما تتصوره أنت ؟؟
... إنه يحتاج إلى خمسة آلاف يوم إذا سمع كل يوم مائة حديث، وذلك يستغرق من السنين حوالى أربع عشرة سنة، هذا إذا سمع الحديث الواحد مرة واحدة .
... ثم يحتاج إلى أضعاف هذا الزمن للمقارنة والدراسة، فنسأل الأستاذ المليباري : كم عاش البخاري في مصر، أو مع أصحاب الليث؟ هل عاش خمسين سنة في مصر ؟
... يحتاج إلى وحي يخبر بمقدار الزمن الذي عاشه .
... وبعد هذه العملية الحسابية التي نزلت إلى أدنى الحدود : كم فات البخاري من حديث تلاميذ الليث ؟ وكم فاته من حديث شيوخهم الآخرين؟ وهل ترى أنه رحل إلى مصر من أجل حديث ميمونة ؟ وأنه حرص على أن يسمعه من كلا تلاميذه، فسمعه منهم جميعاً فلم يحدثوه به إلا عن إبراهيم بن معبد عن ميمونة؟ وهل كنت حاضراً معهم وأقسموا لك بالله أنهم لم يسمعوا الليث يذكر فيه ابن عباس ؟ أو جاء جبريل فأكد لك أن أصحاب الليث ما حدثوا البخاري بهذا الحديث إلاّ عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد عن ميمونة ولم يذكروا له ابن عباس، وأن البخاري استوعب كل أصحاب الليث ؟
... هذه الأعداد والحسابات التي هي أدنى التقادير هي بعض ما يحتمله كلامك فاتق الله واترك التهاويل والمجازافات .
... وأعتقد أننى أكن للبخاري من الحب والتقدير ما لا يوجد عندك، وأعتقد أن هذه التعسفات التي ترتكبها إنما هي لنصرة باطلك .(1/98)
... يا أخي : إن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وابن مسعود وغيرهم من أكابر الصحابة كانوا أفضل من البخاري وأقوى منه حافظة، وأحرص منه على حفظ حديث رسول الله، وأشد وأكثر ملازمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ملازمة البخاري لأصحاب الليث، ومع ذلك يفوت كل واحد منهم شيء من حديث رسول الله رغم أنه أستاذ واحد وليس هناك أسانيد بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
... فهل تذكر قصة أبي بكر عندما جاءته الجدة فلم يكن عنده حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ميراث الجدة، فاضطر أن يسأل الصحابة هل سمعوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا في ميراثها؟ فأخبره المغيرة بن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس، ثم شهد له محمد بن مسلمة بذلك(1) ، مع أنه لازم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سفراً وحضراً .
... وهل سمعت بالأحاديث التي فاتت أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - ومنها " حديث الاستئذان "(2) ، و " حديث إملاص المرأة "(3) ، و " حديث دية الأصابع "(4)
__________
(1) ... الترمذي ( 4 / 420 ) الفرائض، حديث 2100، 2101. وابن ماجه 23- فرائض، حديث 2724. ومالك في الموطأ ( 2 / 513 ) الفرائض، حديث 4 .
(2) ... البخاري في الاستئذان، حديث 6245، ومسلم في الأدب، حديث 33، 34، 35، 36، 37، وأبو داود ( 2 / 345، 346 ) .
(3) ... البخاري 87- الديات، حديث 6905 - 6908 ومسلم 38-القسامة، حديث 39 ( 1689 ) وأحمد ( 4/244، 253 ) وابن ماجه 21- ديات حديث ( 2640، 2641 ).
(4) ... السنن الكبرى للبيهقي ( 8/93 ) قضى عمر في الإبهام بخمس عشرة ( أى من الإبل )، وفي التي تليها بعشر، وفي الوسطى بعشر، وفي التي تلي الخنصر بتسع وفي الخنصر بست ... حتى وجد كتاب عند آل عمرو بن حزم يذكرون أنه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيما هنالك من الأصابع عشر عشر .
... وفي حديث ابن عباس وأبي موسى وعبدالله بن عمرو ما يؤيد هذا الكتاب سنن البيهقي ( 8/92 - 93 ) .
... و أبو داود كتاب الديات حديث ( 4558 - 4563 ) والترمذى 14- الديات حديث ( 1391 - 1392 ) .(1/99)
مع أنه كان يلازم رسول الله، وإذا غاب يكلف من ينوب عنه ليحفظ له حديث رسول الله، وكم أضرب لك من الأمثلة عن أصحاب رسول الله(1) فضلاً عن غيرهم .
... والآن هل ترى أنه من أمكن الممكنات أن يفوت البخاري حديث ابن عباس من طريق الليث وأصحابه أو ترى أنه يستبعد استبعاداً أن يكون فاته ؟؟
... وسأمثل لك بشيء فات البخاري وعرفه غيره، وهو الترمذي قال الترمذي
في " العلل " (2) حدثنا أبو كريب وأبو هاشم الرفاعي وأبو السائب والحسين بن الأسود، قالوا حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبدالله بن أبي بردة عن جده أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد " .
__________
(1) ... من ذلك أن زيد بن خالد الجهني سأل عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قلت : أرأيت إذا جامع الرجل امرأته ولم يمن، قال عثمان : يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره. قال عثمان سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وعن أبي موسى - رضىالله عنه - اختلف رهط من المهاجرين والأنصار فقال الأنصاريون : لايجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء . وقال المهاجرون : بل إذا خالط فقد وجب الغسل ... فسأل أبو موسى عائشة، فقالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل " مسلم،حديث 347، 349 فقد فات عثمان رضي الله عنه ومن وافقه من الأنصار الأحاديث الناسخة لهذا الحكم وعلمها غيرهم .
(2) ... ( 2/772 ) حديث ( 326 ) .(1/100)
... قال أبو عيسى هذا حديث غريب من هذا الوجه من قبل إسناده وقد روى من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما يستغرب من حديث أبي موسى، سألت محمود بن غيلان عن هذا الحديث فقال : هذا حديث أبي كريب عن أبي أسامة، وسألت محمد بن إسماعيل فقال : هذا حديث أبي كريب عن أبي أسامة لم نعرفه إلا من حديث أبي كريب عن أبي أسامة، فقلت له حدثنا غير واحد عن أبي أسامة بهذا فجعل يتعجب، وقال : ما علمت أن أحدا حدث هذا غير أبي كريب، وقال محمد كنا نرى أن أبا كريب أخذ هذا الحديث عن أبي أسامة في المذاكرة .
... وإذا فرضنا جدلاً أنه سمعه من أصحاب الليث فهل أنت مستعد أن تقبل قولي أو قول غيري أنه يحتمل إلى أبعد الحدود أن يكون نسيه حينما كان يكتب في " التاريخ "، وأنه أولى وأليق من القول بأنه تركه عمداً أو سترفع البخاري فوق مستوى الأنبياء والصحابة الكرام وستستبعد عليه النسيان استبعاداً ما بعده استبعاد ؟؟
... ثم أسالك هل يجوز أن ترد حديثاً رواه مسلم في كتابه الذي تلقته الأمة بالقبول بمثل هذه الافتراضات الخيالية التي يدرك زيفها بأدنى تأمل .
... 16، 17 ، - الفقرتان ( 16، 17 ) :
... جوابهما ما مضى مثله في البخاري، فجائز أنه يبلغهما ما بلغ مسلماً والطحاوي وابن أبي شيبة وربما بلغ غيرهما، فهناك مستخرجات، وهناك كتب علل لم تبلغك، وهناك مسانيد كمسند يعقوب بن شيبة المعلل وكمسند أبي علي الحسين بن محمد الماسرجسي الحافظ البارع له مسند قال الذهبي فيه " المسند الأكبر " وقال :" صنف المسند الكبير مهذباً معللاً في ألف جزء وثلثمائة جزء " .
... فما يدريك أن مثل أبي على ومثل يعقوب بن شيبة وغيرهما قد ذكرا الاختلاف على الليث ورجحا - مثلاً - رواية محمد بن رمح وقتيبة التي أخرجها مسلم وربما أيداها بما رواه الطحاوي من طريق ابن وهب وبما رواه ابن أبي شيبة من طريق شبابة وربما رواه غير هذين عن الليث .(1/101)
... ولا نغالي في هؤلاء، بل نقول عند البخاري ما لم يبلغهم وعند الدارقطني والنسائي ما لم يبلغهم كما بلغهم ما فات هؤلاء، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يحط بها أحد ومجموعها عند الأمة بحيث لم يفت منها شيء .
... وحسبك مثالاً قول النسائي - رحمه الله - بعد أن روى الحديث من طريق الجهني عن نافع عن ابن عمر " صلاة في مسجدي " وهو حديثنا هذا : " لا أعلم أحد روى هذا الحديث عن نافع عن عبدالله بن عمر غير موسى الجهني وخالفه ابن جريج وغيره " انظر المجتبى ( 5 / 168 ) .
... وقد علم البخاري ما جهله النسائي من مشاركة عبيدالله بن عمر للجهني في رواية هذا الحديث عن نافع، انظر : " التاريخ الكبير " ( 1 / 1 / 303 ) .
... وقد بلغ الدارقطني ما فات البخاري والنسائي، وهو مشاركة عبدالله بن عمر وموسى بن عقبة وعبدالله بن نافع و أيوب وقد ذكرهم جميعاً في " العلل " و " التتبع " وقد عرفت ذلك، وليس الدارقطني بأعلم من البخاري والنسائي فهما يعلمان الكثير مما فات الدارقطني فيما نظن، وهذه سنة الله في حلقه .
... إذا عرفت هذا فأظن أنك ستتنازل عن قولك :
... " وثانياً : أن الدارقطني لم يذكر أيضا الاختلاف على الليث لا في " العلل " ولا في " التتبع " ... مما يدل دلالة قاطعة على أن الروايات التي حفظها وجمعها ودرسها دراسة مقارنة عن الليث كلها متفقة على عدم إثبات ابن عباس " ..
... فهذا الجزم والقطع لا ينبغي إلا لنبي جاءه الوحي من عند الله بمثل هذا النبأ، أو رجل اجتمع عنده من الأدلة والبراهين الحسية والعقلية ما يكفي للجزم والقطع، وهذه أمور معلومة عند عقلاء البشر، وأما الإمام النسائي فأظن - إنْ صدق ظني - أنه سيكفيك اعترافه .
... 18- الفقرة ( 18 ) :(1/102)
... جوابها : أن البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان لم يشترطوا استيعاب شيوخ وتلاميذ من يترجمون لهم، وكم تركوا منهم وفي الوقت نفسه لم ينفوا سماع إبراهيم بن عبدالله من ابن عباس ولو نفوه وأثبته غيرهم من الأئمة لقدم الإثبات؛ لأن المثبت مقدم على النافي؛ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ .
... ثم هل علمت أن ابن حبان صرح بنفي سماع إبراهيم من ميمونة وكذلك مغلطاي، وقد ذكر المزي والحافظ ابن حجر إبراهيم في الرواة عن ابن عباس ولو اتبع الناس منهجك هذا لأنكروا سماع أكثر رواة الصحيحين بمثل حجتك هذه، فإذا لم يجد المغرض سماع شخص من شيخه في " تاريخ البخاري " و " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم أنكر سماع ذلك الراوي عن شيخه بناء على حجتك هذه، وهل تقصد بمواقفك هذه فتح أبواب الفتن على مصراعيها على كتب السنة وكتب الرجال التي يقوم عليها الإسلام .
... 19- الفقرة ( 19 ) :
... جوابها :- أيضا - روى مسلم عن قتيبة وابن رمح عن الليث الحديث بذكر ابن عباس .
... وروى الطحاوي عن عبدالله بن وهب بذكر ابن عباس، وروى ابن أبي شيبة عن شبابة عن الليث الحديث وفيه ذكر ابن عباس، ولايبعد أن تكون كتب المسانيد والمستخرجات قد روت عن آخرين عن الليث بذكر ابن عباس .
... وهل أسقطت رواية مسلم الإمام عن إمامين وهما ابن رمح وقتيبة من الحساب مع مؤيدات مسلم الكثيرة ؟
... وقوله : " وهذا يدل على وقوع الاختلاف بين النسخ من المشكل " .
... أقول : ولماذا لايدل على اختلاف النسخ من " شرح معانى الآثار " ؟ هل تظن أنك تكتب لأطفال وبلهاء ؟
... كان ينبغي أن تنزل رواية المشكل منزلة الراوى الثقة مثلاً، وزيادة الثقة مقبولة .(1/103)
... وبالنسبة لرواية شبابة بن سوار في " مصنف ابن أبي شيبة "، التي رواها عن الليث عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد عن ابن عباس تحققت أنا من صورة عن مخطوطة الظاهرية الموجودة في مكتبة الجامعة الإسلامية برقم ( 571 )، ( 2 / 82 ) فوجدتها توافق المطبوعة بإسقاط نافع من الإسناد، وهذا لايدل على أن الإسناد كله غلط، بل يقال : إن وجود ذكر ابن عباس فيها صواب، والقرائن على ثبوته وسقوط ذكر نافع ما في " صحيح مسلم " وما في " مشكل الآثار " ، حيث رواها في هذين الكتابين زملاء شبابة عن الليث عن نافع به .
... وهم: قتيبة ومحمد بن رمح في" مسلم "وعبدالله بن وهب في "المشكل" .
... ثم لو وجد في مخطوطة الإسناد متصلاً بذكر نافع إلى ابن عباس هل ستغير موقفك؟ هذا بعيد إلا أن يغير الله قلبك، فهذا بيد الله سبحانه وتعالى .
... ثم وعد أنه إذا تمكن من مراجعة مخطوطات " ابن أبي شيبة " سيقوم بتحقيق الأمر ولا ندرى ما هو هذا التحقيق ؟
... ثم أفادنا أنه معروف لدينا أن كتاب " المشكل " و " المصنف " لم يحققا حق التحقيق، وكل المصادر التي توافق هواه ومنها " شرح معانى الآثار " و "تاريخ البخاري" قد حققا حق التحقيق لأن هواه قد ضمنها من الخطأ والسقط .
... 20- الفقرة ( 20 ) أقول :
... أولاً : إن موضوع كتاب المزي إنما هو أطراف أحاديث الكتب الستة وزوائد مؤلفيها، وليس هو كتاب علل حتى يستوفي كل جهات الاختلاف .
... وثانياً : أنا لا أغلو فيه فأقول إنه صنف وجمع الطرق ودرسها دراسة مقارنة، فيبعد جدا أن يكون نسي الاختلاف على ابن جريج، بل أجوز عليه أن ينسى هذا وغيره ولو كان حافظاً كبيراً حجة شأنه شأن البشر، وأجوز عليه أنه فاته أشياء ولو وافق بحثه هواك لنسجت حوله هالة كبيرة جداً ولله في خلقه شؤون .(1/104)
... وباقي الفقرة افتراض ميت وكلام سقيم، فما هو تعقب الحافظ ابن حجر هل تعقبه في ترجيح ذكر ابن عباس؟ ثم هل تظن أن المزي وصل من الجمود وبلادة الفكر إلى هذا الحد، ألا تراه قد خرج عن موضوع كتابه منافحاً عن صحيح مسلم بكل حماس ؟
... ألم تقرأ قوله عن أبي القاسم وابن منجويه ومن شاركهما في إسقاط ابن عباس الذي يؤمن بثبوت ذكره في هذا الإسناد إيماناً قائماً على العلم : " وكل ذلك وهم ممن قاله - والله يغفر لنا ولهم " .
... إنه يرى ثبوت ذكر ابن عباس لا في صحيح مسلم فحسب بل خارج صحيح مسلم ولهذا وهم ابن عساكر صاحب أطراف السنن لا الصحيحين .
... وما مراده وقد قال مستدلاً : " وهذا اللفظ صريح في أن الحديث عن إبراهيم، عن ابن عباس، عن ميمونة لا عن إبراهيم عن ميمونة " .
... أتظنه مثل الجهلة بالحديث وعلومه من محترفي التحقيق أو مثل المستشرقين لا يهمهم إلا أن يقال : إنهم حافظوا على النص، وإنهم أمناء في النقل ثم لا يهمهم بعد ذلك أن تلك النصوص صحيحة أو باطلة؛ لأنهم لا يميزون بين الثابت وغير الثابت، وليس ذلك مما يهمهم، إنه لا يوهم ويرجح لأجل مجرد شيء مذكور في بعض النسخ ولم تذكره الأخرى فقط بل لأنه محدث ناقد يعرف ماذا يترتب على هذا الذكر أو ذلك الحذف ويوهِّم على أساس منهج نقاد الحديث ويرجح على منهج نقاد الحديث لا على طريق النساخ الجهلة التي لا يعجز عنها أحد .
... وهكذا نرى منهج هذا الرجل يحط من شأن كل ما خالفه، ومن خالف هواه، فالكتب التي تخالف هواه تحتاج إلى تحقيق، والكتب التي توافق هواه في زعمه لا تحتاج إلى تحقيق .
... والأشخاص الذين لا توافق تصرفاتهم هواه يتلاعب بكلامهم ويحطهم عن منزلتهم، فيجعل كلامهم مثل كلام الأطفال والجهلة البلهاء .
... 21، 22 - الفقرتان ( 21 - 22 ) :(1/105)
... فيهما تأكيد لكلامه الكثير الذي يردده من أن ذكر ابن عباس في صحيح مسلم وغيره محكوم عليه من قبله بالإعدام إن كان موجوداً أو مدسوساً في بعض النسخ وأنه في الأصل معدوم ولم يذكره مسلم، وأن لفظ ابن عباس كان يتسلل عبر القرون حتى تمكن من أن يدس نفسه في عامة نسخ مسلم، ولم يكتف بهذا حتى دس نفسه في كتاب الطحاوي، ثم كتاب خلف، ثم في بعض نسخ أبي مسعود، ثم نسخ السنن الكبرى عامة .
... والمحدثون في سبات عميق، وجاء المزي فلم يفعل أكثر من أن ذكر هذا الاختلاف، وجاء ابن كثير وابن حجر فرأيا عمل المزي فلم يهتز وجدانهما ولم يهبا لتحقيق هذه القضية؛ لأنهما لا يعرفان أصل القضية أن مسلمًا لم يذكر ابن عباس في إسناد حديث ميمونة حتى جاء العبقري الأستاذ حمزة المليباري فوضع الأمور في نصابها؛ لأنه يقظ جداً ومحقق مدقق، فحكم جزاه الله خيرا من إمام عالم عادل بأنه لا وجود لذكر ابن عباس في هذا الإسناد، وحتى مسلم لم يذكره، ولم يقع اختلاف على الليث، وتسلل لفظ ابن عباس إلى عامة نسخ مسلم وغيرها، مما ذكره المزي في غفلة المحدثين، وسوف يعالجه المليباري بطريقته الحكيمة أو بنشاطه في أوساط رواد الحديث؛ ليمحوه من كل هذه النسخ، فلا يجوز أن يبقى فيها بل يجب أن تعود الأمور إلى مجاريها، وأن تعود نسخ مسلم إلى مثل النسخة التي وضعها مسلم نفسه فاعتبروا يا أولى الألباب.
... ص 26 - مجادلة بالباطل ومكابرة واضحة حول سماع إبراهيم بن عبدالله للقاريء ابن معبد عن ميمونة تظهر القاريء بمجرد استعراضها .
... قال المليباري : قال ص 13 - والذي نحبه للأخ أن يرجع عن هذا الخط الخطير الذي انفرد به قبل نضجه ...
... ثم قال : " قلت ما أدري الذي يعني بقوله : الخط الخطير ... الخ ".
... أقول : ارجع إلى بحثي في ص 13 فقد بينت الفرق بينه وبين غيره في بيان التعليل .(1/106)
... فالعلماء ومنهم الإمام الدارقطني إذا وجد علة في نظره في كتاب سواء كان كتاب مسلم أو غيره وسواء وجدها في أول الباب أو آخره أو وسطه ذكرها.
... وليس ترتيب مسلم - رحمه الله - مقياساً عنده لبيان العلل وكذلك غيره من النقاد، والخط الخطير الذي انتهجه المليباري ونصحته بالرجوع عنه هو ادعاؤه أن وسيلة بيان العلل عند الإمام مسلم هو الترتيب والتقديم والتأخير .
... وهذا لاشك أنه خط خطير يؤدي إلى فساد كبير وهو تعليل أكثر أحاديث صحيح مسلم وقد بينت هذا غير مرة في ردي الأول وردي هذا .
... وهو الذي انفرد به وحده بالإضافة إلى العناد والقول الكثير بغير علم .
... ص 26 - 27 - قال : ولما وعد الإمام مسلم في المقدمة أن يضع طرق الحديث في موضعها فعلاً، فإذا رأينا المخالفة في الترتيب - في الظاهر - فينبغى لنا أن نعرف أن مسلماً قد أدرك شيئا دفعه إلى ذلك، وهذا هو الذي وقع هنا في رواية أيوب، وأنه كان في العادة أن يقدم رواية معمر عن أيوب عن أهل القسم الثاني، وعلى هذا إذا ذكرها عقب رواية عبدالرزاق عن معمر عن الزهري فيفيد أن معمرا عنده الوجهان لهذا الحديث، كما أفاد هنا بذكر رواية الزبيدي عن الزهري عن أبي سلمة عقب روايته عن معمر عن الزهري عن سعيد أن الزهري يرويه من الوجهين ومثل هذا في بعض مواضع صحيح مسلم، انظر مثلاً حديث الأعمش ( 17 / 144 ) من صحيح مسلم مع شرح النووي " .
... أقول : انظر أولاً إلى إيمان هذا الرجل بالتزام مسلم بالترتيب لأسانيد كتابه فإنه يفهم مثلاً أن مسلماً يقدم أحاديث الطبقة الأولى، ثم يعقبها بالثانية، فإذا رأينا مسلماً خالف هذا في الترتيب يعني إذا رأيناه أخر أسانيد أهل الطبقة الأولى عن أسانيد أهل الطبقة الثانية فينبغى لنا أن نعرف أن مسلماً قد أدرك شيئاً أى عللاً واختلافاً .(1/107)
... ألا ترى أن هذا المنهج المفتعل على مسلم يدمر - على أهون الافتراضات - كل الأحاديث التي يوردها بعد أحاديث أهل الطبقة الثانية وما أكثرها وقد تعد بالآلاف .
... ولقد مر بك اضطرابه وتخبطه وأنه قد قرر أن ما بعد الطريق الأول أو الحديث الأول الذي له طرق - يكون معللاً - وذلك مما يجعل القاريء لا يصدق قوله، وفي بعض الأحيان بين مسلم العلل وقد شرحت ذلك ووضحته .
... والآن نأتي إلى حديث الأعمش الذي مثل به وأعله بهذا الترتيب فقط، ولم يبين لنا علته، ولم ينقل عن أحد من العلماء أنه أعله؛ لأن البرهان الواضح عنده لتعليل الأحاديث في مسلم هو هذا الترتيب .
... 50- كتاب صفات المنافقين وأحكامهم 8 - باب انشقاق القمر ( 4 / 2158 ) ومع شرح النووي ( 17 / 143 - 145 ) .
... 1 - 5 - صدر مسلم هذا الباب بحديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - رقم 2800 من خمس طرق رجالها من الطبقة الأولى، حديث انشقاق القمر وهو متفق عليه أخرجه البخاري في مواضع .
... 6 - 8 - ثم عقبه بحديث ابن عمر - رضي الله عنه - رقم ( 2801 ) من ثلاث طرق رجالها من الطبقة الأولى مدارها على شعبة عن الأعمش ثم قال عقب الإسناد الأخير : كلاهما عن شعبة بإسناد ابن معاذ عن شعبة نحو حديثه .
... 9 - 12 - ثم ساقه من حديث أنس - رضي الله عنه- رقم ( 2802 ) برجال من الدرجة الأولى وهو حديث متفق عليه، أخرجه البخاري 61 - المناقب حديث ( 3637 ) وفي 63 - مناقب الأنصار، 36 - باب انشقاق القمر حديث ( 3868 ) وفي 65 - التفسير حديث ( 4867، 4868 ) .
... 13- ثم ساقه من حديث ابن عباس، من طريق واحدة، فيها موسى بن قريش من الثانية، لكن حديثه متفق عليه، أخرجه البخاري في المناقب حديث ( 3638، 4866 ) .
... أعجب لهذا الرجل كيف طبق منهجه على هذا الحديث، ألا وهو إعلاله بناءً على الترتيب الذي تخيله .(1/108)
... إن كلامه يفيد أن حديث الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر في هذا الباب قد ساقه مسلم لبيان علته، ودليله أن مسلماً أخره عن موضعه الذي كان يستحقه، فإيراده في نظره بعد أسانيد صدر بها الباب وبعد إسناد أو أسانيد من الطبقة الثانية يدل على أن فيه علة فطرقه الثلاث - على منهجه مع أنها من الطبقة الأولى - معللة منتقدة .
... ماهى العلة ؟ لا ندري وكفانا دليلا على إعلال هذه الطرق - رغم صحة أسانيدها - أن مسلماً أخرها، على حد زعم المليباري .
... هل أحد من المحدثين أعلها أما أنا فلا أعلم أن أحداً طعن في حديث ابن عمر من أئمة الحديث .
... ولقد علق النووي-رحمه الله-على الحديث التعليق الآتي(17 / 145) :
" قوله : وحدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي كلاهما عن شعبة بإسناد ابن معاذ هكذا هو في عامة النسخ بإسناد ابن معاذ، وفي بعضها بإسنادي معاذ. قال القاضي : وغير هذا أشبه بالصحة، لأنه ذكر لمعاذ إسنادين قبل هذا والأول أيضاً صحيح لأن الإسنادين من رواية ابن معاذ " .
... ربما رأى المليباري هذا الكلام فظنه قدحاً في أسانيد حديث ابن عمر، وهو كلام كما تراه ليس فيه أدنى إشارة إلى القدح والتعليل لحديث ابن عمر وطرقه، وإنما الكلام يدور حول عبارة مسلم - رحمه الله - ما لفظها ؟ هل هي بلفظ " بإسناد ابن معاذ " أو هي بلفظ بإسنادى معاذ، ثم إن القاضي رأى صحة العبارتين وتابعه النووي والواقع كذلك، وإذن فليس هناك علة في حديث ابن عمر ولا في طرقه وليس هناك تعليل من أحد .
... ولكن المليباري يرى أن مجيء حديث ابن عمر في هذا الموقع يدل على أنه معلل منتقد، ثم ما مصير حديثي أنس وابن عباس المتفق عليهما ؟
... الجواب على منهج المليباري - لا محالة - أولى وأولى، لأنه إذا كان حديث ابن عمر هذا خارج الأصول ومعللاً، فهما خارج خارج الأصول ويتضح للقارئ مدى إصرار هذا الرجل على هذا المنهج، وأن مقتضاه هدم صحيح مسلم ويأبي الله ذلك والمؤمنون .(1/109)
... وقد أخذ بعد هذا في صحائف كثيرة يعيد ويكرر ما قاله، ويناقشني بدون حجج، ويدندن حول تضعيف حديث ابن عمر وابن عباس بالغلو والإطراء في البخاري والدارقطني، وبجهود النقاد وحملة الحديث في الجمع والدراسة والمقارنة، وكيف ينتقدون وكيف يعللون ويقول : وسلفنا الصالح يفعلون ويفعلون وإن لهم لجهوداً عظيمة لا شك .
... لكن لست أدري هل الرجل يؤمن بما عليه هؤلاء، من عقيدة في صفات الله من الاستواء على العرش، والعلو والنزول، والرضى والغضب، والرحمة وغيرها من صفات الكمال اللائقة بالله عزوجل، وهل هو على طريقتهم في محاربة البدع: كالبناء على القبور، والغلو في الأولياء، والتعلق بهم، والاستغاثة بهم، وهل له دور يعرف به في مليبار مثلاً بين أهل الحديث ودعاة السنة والتوحيد ؟؟
... فإن كان الأمر كذلك فنحن نصدقه إذا مدحهم ونصدقه في قوله : أسلافنا، وننصحه أن يترك الغلو والإطراء فيهم ونذكره بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إياكم والغلو فإن الغلو قد أهلك من كان قبلكم " ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى بن مريم " .
... ونناشده أن يتبع منهج السلف الصحيح في حب المؤمنين جميعاً وإكرام فضلائهم، بدون إفراط ولا تفريط، ونذكره بقول المعلمي - الذي يحتج بأقواله -: " من أوسع أودية الباطل الغلو في الأفاضل، ومن أمضى أسلحته أن يرمي الغالي كلَّ من يحاول رده إلى الحق ببغض أولئك الأفاضل ومعاداتهم " التنكيل (1 / 6).
... ونأمل في عودته إلى الحق، وإن كان من السائرين في ركب المبتدعين المخرفين، وخصوم منهج المحدثين، في التمسك بالكتاب والسنة، وبما كان عليه الخلفاء الراشدون، وسائر الصحابة الكرام، وأئمة الهدي، من عقائد وعبادات، ومن محاربة الهوى والتقليد الأعمى .(1/110)
... فإن كان سائرا في ركب هؤلاء المبتدعين المخاصمين للمنهج الحق وأهله، ضعف أملنا في عودته إلى الحق، وعرفنا أن مدحه وغلوه لهؤلاء من باب التقية والخداع الذي يتقنه الصوفية أكثر من الشيعة، وأن مدحه لهم وهو يجادل بالباطل ليدحض به الحق كان لغرض نصرة باطله، وهم برءاء من هذا الباطل وأهله، وما تعلق به من أقوالهم هم مجتهدون فيه، لهم فيه أجر المخطيء وليس كما تصوره هذا الرجل فقد بينت حقيقته في بحثي الأول وزدته بياناً في هذا .
... وحيث إن كلامه تكرار وتكرار لشبه داحضة، ومناقشات فاشلة، سأتجاوز بالقاريء صفحات كثيرة ضنّاً بوقته أولاً، واحتراماً لعقله وثقافته ثانياً، إذ يكفيه ما قد عاناه من هذا التكرار، واكتفاء بمناقشتي السابقة له ثالثاً، فإنها حجج وحقائق ثابتة ثبوت الحق، ولا يضرها ما أثير حولها من ضباب وغبار، ولأن الله قد أزهق باطله، ولأن المنهج الذي تخيله لصحيح مسلم ظهر بطلانه رابعاً، ولأنني واثق أن العاقبة لحديثي ابن عمر وابن عباس خامساً .
... هذا ومع حرصي الشديد على إبعاد القاريء عن التكرار فلن ينجو منه فليصبر .
رد المليباري
... قال المليباري ( ص 70 ) :
... " قلت : آن الأوان للإجابة عما قاله الشيخ في الصفحات السابقة، من الأمور التي تفضل رواية عبيدالله وغيره على رواية ابن جريج والليث " .
... أقول : هذا اعتراف منه أن كل ما سبق من دندنته وكلامه الكثير لايعد إجابة، وسبحان الذي أنطقه بهذا الاعتراف من حيث لايدري .
... قال ص 70 : وبه تجرأ الشيخ على أن يقول : ( ص 54 ) : " ولايستطيع عاقل بعد إدراكه كل هذه المرتكزات القوية أن يقول : إن أسانيدها كلها منتقدة معللة، وإن مسلماً أوردها لبيان عللها وإيضاحها " .
... وبه سوغت له نفسه أن يدعي ( ص 58 ) :(1/111)
... " فهذا أسلوب غير علمي ولايتصور عاقل - فضلاً عن محدث - أن يقبله، ولو درس أبو حاتم أو غيره من الأئمة، حتى البخاري دراسة وافية لما تجاوزوا في نظري النتائج التي وصلتُ إليها لأني بحمد الله طبقت قواعد المحدثين بكل دقة ".
... قال : " وهذا الادعاء مرفوض تماماً ولا قيمة له، وفيه من الخطورة ما يعرفه القاريء الكريم، وهدانا الله ربنا لما يحب ويرضى من القول والعمل " .
... أقول : أولاً كلامي هذا موجه إلى العقلاء أولى الألباب، لا إلى ضحايا الصوفية الذين فاقوا الروافض في الغلو في الأشخاص، حتى رفعوا منازلهم إلى درجة الألوهية .
... فالذي ينظر إلى البخاري وأبي حاتم والدارقطني على أنهم أحاطوا بكل شيء علماً وأحصوا كل شيء عدداً، بحيث لا تفوتهم رواية ولا يعزب عن بالهم حديث، ولا تفوتهم علة حديث إذا كانت فيه علة، ولا يند عن حافظتهم اسم رجل روى حديثاً، يستفظع كلامي هذا ويرى فيه خطورة، ويرى أن في هذا الكلام تطاولاً عليهم وطعناً في مراتبهم العالية التي ضخمها الشيطان في مخيلته .
... وبهذا المنطق الصوفي المفرط في تقديس الأشخاص، يعتبر كل من خالف شخصية طاعناً فيها، متطاولاً عليها، فالأئمة الذين خالفوا كثيراً من الصحابة في آرائهم يعتبرون طاعنين في أولئك الصحابة .
... فإذا اعتذروا عنهم في مخالفة آرائهم بأنهم لم يسمعوا من رسول الله تلك الأحاديث التي خالفوها، ولم تبغلهم، كان هذا إمعاناً في الطعن عليهم وفي مكانتهم العلمية في نظر الغلاة .
... فمثلاً : قال الحبران علي وابن عباس - رضي الله عنهما - " إن المرأة الحامل تعتد بأبعد الأجلين " فخالفهما جمهور السلف وقالوا : بل عدتها بوضع الحمل محتجين بقول الله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } وبحديث سبيعة الأسلمية؛ إذ وضعت حملها أثناء عدتها فأذن لها رسول الله أن تتزوج. خالفهما العلماء محتجين بالآية والحديث، ومعتذرين عنهما بأنهما لم يبلغهما الحديث .(1/112)
... فهذا يعد طعناً في علي في نظر غلاة الشيعة، وطعناً فيه وفي ابن عباس على قاعدة غلاة الصوفية وغلاة المذهبية العمياء .
... وهل تسمح نفس هذا الصوفي أن تنزلني منزلة الهدهد، الذي خاطب مواجهة نبياً ورسولاً من رسل الله، ألا وهو سليمان الذي آتاه الله علما وفضله على كثير من عباده المؤمنين، وعلمه منطق الطير. خاطبه ذلك الطير قائلاً { أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين } .
... ألا يسمح لي - في حديث تخصصت في دراسته، ولبثت في دراسته وجمع معلومات عنه ليالي وأياماً، وناقشت فيه ونوقشت، ودرست القرائن التي حفت برواته، وتوصلت من خلال تلك الدراسة إلى نتائج ترضي العقلاء - أن أقول :
... " ولو درس أبو حاتم أو غيره من الأئمة حتى البخاري، دراسة وافية لما تجاوزا - في نظري - النتائج التي وصلت إليها، لأنى بحمد الله طبقت قواعد المحدثين بكل دقة، ولم آل في ذلك جهداً "
... ثانياً : إن هذا الصوفي الغالي، يرى هذا جرأة فيقول : " وبه تجرأ الشيخ ... الخ " لعله يرى أن الشيخ قد أتى " أمرا إدا، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا " ويراها محرمة ولهذا يقول - لا فض فوه - : " وسوغت له نفسه أن يدعي " .
... ويرى في ذلك خطورة فيقول : " وفيه من الخطورة ما يعرفه القاريء " .
... أقول : نعم، إنه الحجر الصوفي على العقول أن تفهم الإسلام، والحجر الصوفي الذي حطم عقول المسلمين، ونشر فيهم الخرافات والأساطير، حتى اصبحوا غثاء كغثاء السيل، وإنه التحريم الصوفي على المسلمين أن يفهموا حجج الله من القرآن، حتى قال قائلهم " الأخذ بظاهر القرآن شرك " .(1/113)
... نعم أنا قلت ذلك وهو منطق إسلامي، به أخذ المسلمون وأعطوا وقبلوا وردوا، وبه خالف أبا حنيفة صاحباه في ثلث مذهبه، وبه رد الشافعي على شيخه مالك، وبه خالف أحمد شيخه الشافعي في كثير من القضايا، وبه ألف ابن أبي حاتم أوهام البخاري، وبه رد البخاري على الأحناف في صحيحه كثيراً من آرائهم، وبه انتقد الدارقطني وأبو مسعود البخاري ومسلماً في أحاديث من صحيحيهما، وفي هذا المنهج خطر على المنهج الصوفي، لأنه(1) يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال .
... وقد تخرص المليباري في بحثه السابق، فظن أن الوهم من ابن أبي عمر فبينت في بحثي السابق، أن في مصنف عبدالرزاق ما يؤيد أن ابن أبي عمر قد حفظها ( أى الرواية ) .
... ويكفي أن الإمام مسلماً الذي التزم الصحة قد أوردها في صحيحه على أساس هذا الالتزام، فإذا أوردها الإمام مسلم للاحتجاج أو الاعتضاد بها، فما قيمة قول المليباري الذي يجهل بدهيات هذا العلم، خصوصاً وقد انكشف للقاريء تخبطه ومجازفاته البعيدة كل البعد عن الحجة والمنطق السليم .
... ثالثاً : رواية عبدالله بن عمر العمري، الذي عاد في حقه إلى شنشنته من سوق الجرح وإهمال التعديل، سوف أكتفي في حقه بما ساقه من جرح وأسوق فيه التعديل .
... 1- قال أحمد لا بأس به، قد روى عنه ولكن ليس مثل أخيه عبدالله .
... 2- وقال أبو حاتم : رأيت أحمد يحسن الثناء عليه .
... 3- وقال عثمان الدارمي عن ابن معين صويلح .
4- وقال ابن أبي مريم عن ابن معين ليس به بأس يكتب حديثه وعند ابن معين لا بأس به مثل " ثقة " بل صرح فقال : صالح ثقة .
... 5- وقال عبدالله بن على بن المديني عن أبيه : ضعيف(2) .
... 6- وقال يعقوب بن شيبة : ثقة صدوق في حديثه اضطراب .
... 7- وقال النسائي : ضعيف .
... 8- وقال ابن عدي : لا بأس به في رواياته، صدوق.
... 9- وقال النسائي : ليس بالقوي .
__________
(1) ... الضمير يعود إلى المنطق الإسلامي .
(2) ... انظر هذه الأقوال في تهذيب التهذيب : ( 5 / 327 - 328 ) .(1/114)
10- وقال الذهبي في " الكاشف " ( 2 / 111 ) قال ابن معين صويلح، وقال ابن عدي : لا بأس به صدوق .
11- وقال ابن حجر ضعيف عابد .
... أترى من أحسن الثناء عليه الإمام أحمد ووثقه ابن معين، وقال فيه يعقوب ابن شيبة ثقة صدوق .
... وقال ابن عدي فيه " لا بأس به في رواياته، صدوق " ، لا يعتبر به وتصبح روايته في حكم المعدوم ؟
... لا يا مليباري، لاتجعل ما قرره علماء الحديث ألعوبة في يدك، وكأنك لا تعتد بكلام أحمد وابن معين ويعقوب بن شيبة وابن عدي، ولا بما قرره علماء الحديث أن مثل هذا النوع يعتبر به، وهل تظن نفسك أنه ينطبق عليك القول :
إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام
... وأما عبدالله بن نافع : فكيف تأخذ فيه قول اثنين فقط من أئمة الحديث؟ ألأن رأيهم يوافقك؟ وهذه شنشنة معروفة منك .
... فقد قال ابن معين : " يكتب حديثه "، وقال ابن عدي : " هو ممن يكتب حديثه، وإن كان غيره يخالفه فيه " ، وقال ابن المديني : " كان عندى أحفظهم "، يعني ولد نافع، وقال ابن حبان : " كان يخطيء ولا يعلم فلا يحتج بأخباره التي لم يوافق فيها الثقات "(1) .
... وقال الذهبي : " ضعفوه "(2) ، وقال الحافظ ابن حجر : " ضعيف "(3) .
... فكيف تهدر أقوال هؤلاء وتتشبث بما تريده نفسك؟ فإذا انفرد هذا الرجل يكتب حديثه ويبحث له عن متابع، وإذا وافق الثقات احتج به كما يقول ابن حبان، لأن موافقته لهم تدل على ضبطه وقد وافقه أئمة، فليست روايته كالعدم عند من ينصف ويفهم .
... وقد تكرم الرجل، فأبقى على رواية عبيدالله ورواية الجهني مؤقتاً، فوقفتا ترتجفان تنتظران حكم الإعدام، والرعب قد لفهما، كيف لا وقد أعدم أربع روايات بكل قسوة وشدة، وسيفه مصلت وهو يزبد ويرعد ليرديهما إثر أخواتهما، والناس ينظرون ويرتجفون من الخوف ويتساءلون :
__________
(1) ... تهذيب التهذيب ( 6 / 53 ) وتركت بعض الأقوال فيه .
(2) ... الكاشف : ( 2 / 137 ) .
(3) ... التقريب : ( 1 / 456 ) .(1/115)
... أحقيقة ما نشاهد أم خيال؟ أم هذه أعمال شعوذة وسحر؟ وستظهر الحقيقة .
... فما قولك : في قول الإمام النسائي - بعد أن روى هذا الحديث من طريق موسى الجهني عن نافع عن عبدالله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " صلاة في مسجدى " قال : " لا أعلم أحدا روى هذا الحديث عن نافع عن عبدالله بن عمر غير موسى الجهني وخالفه ابن جريج وغيره " .
... ألا تراه عرض هنا الخلاف في حدود علمه فأين عبدالله بن عمر الذي ذكره البخاري مع موسى الجهنى راوياً عن نافع ؟
... وأين عبيدالله بن عمر، وأين عبدالله بن عمر، وأيوب، وموسى بن عقبة، وعبدالله بن نافع، الذين علم الدارقطني أنهم شاركوا موسى الجهني في رواية هذا الحديث عن نافع ؟
... فهل نكذب الدارقطني، ونقول له لقد تجرأت وتطاولت على الإمام النسائي الذي أحاط بكل شيء علماً ؟ وكيف تقول هذا الكلام، ولو كان أحد روى هذا الحديث غير موسى الجهني لما قال النسائي هذا الكلام ؟
... وإن عدم ذكره لهم دليل واضح على أنهم ما رووا هذا الحديث عن نافع .
... إنى أخاطب العقلاء وأقول مرة أخرى : وإن كلا من البخاري والنسائي والدارقطني أئمة حفاظ وعلماء عباقرة، وهم بشر شأنهم شأن البشر من الصحابة وغيرهم يبلغهم من العلم ما يبلغهم، ويفوتهم منه ما يفوتهم، ويفوت غيرهم، وقد يبلغ الصغير ما يفوت الكبير، وقد يحفظ الصغير ما ينساه الكبير .
... ولقد عرض كل واحد عن هذا الحديث ما بلغه من طرقه والاختلافات فيه، وفات بعضهم ما حفظه البعض الآخر، وقد بلغ الدارقطني من رواته والاختلافات فيه ما لم يبلغ البخاري والنسائي ودرس ربيع - الذي جند كثيراً من وقته - كل ما وصلت إليه يده مما سجله الأئمة المذكورون في كتبهم، وما سجله غيرهم، ودرس الاختلافات في الحديث ودرس أحوال رجال طرق هذا الحديث، ودرس القرائن التي حفت بالرجال المختلفين وتوصل إلى نتائج في اعتقاده واجتهاده أنها حق ثم سجلها في كتابه " بين الإمامين " .(1/116)
... ثم لما جاءه المليباري يناقشه - وفي نقاشه مجازفات ومبالغات ومكابرات، وكان قول ربيع محصوراً في دراسة حديث واحد - اضطر إلى أن يقول : ولو درس أبو حاتم أو غيره إلخ، لعله يرجع عن عناده ومكابرته وليس في هذا جرأة إلا في الحق إن سميناها جرأة .
... وليس في هذا خطورة لأنها لا تمس العقيدة ولا تمس جانب الألوهية والنبوة، إنما الخطورة والهلاك في الغلو ورفع الناس فوق منازلهم، وفي ذلك مس للعقيدة ولجانب الألوهية والنبوة، وفي ذلك الخطورة والهلاك " إنما أهلك من كان قبلكم الغلو " .
... ثم إن هذا الرجل مع غلوه في هؤلاء أو تغاليه لغرض، لايمنعه مبدؤه أن يخالف أكثر من خمسة عشر عالماً صححوا هذا الحديث، والحق معهم وإلى جانبهم، وقد نبهته لذلك فلم يَرْعَوِا ولم يعتذر عن مخالفتهم هذه، بل يتجاهلهم ويردد في كلامه كثيراً : النقاد يفعلون ويقولون وكأنه يلوح بأنه منهم، ويشير من طرف خفي بأن هؤلاء الذين خالفهم لا يؤبه بهم، ولا يستحقون أن يعتذر عن مخالفتهم لأنهم ليسوا من النقاد الذين رفعني الله إلى منزلتهم وصرت في عدادهم فاعتبروا يا أولي الأبصار .
... قال في ( ص 70 ) :
... " أما تلك الأمور : ففي أولها الكثرة، والباقية - غير الأخيرة - تتعلق بأحوالهم، أما الكثرة ففيها كلام .
... أولاً : رواية أيوب عن نافع به غير ثابتة، فلا يمكن جعلها متابعة .
... وثانياً : رواية عبدالله بن عمر العمري، وهو ضعيف، وقد عده على بن المديني والنسائي في طبقات الضعفاء من أصحاب نافع فلا يفيد ( كذا ) روايته عن نافع به المتابعة القوية لعبيدالله بن عمر .(1/117)
... وثالثاً : رواية عبدالله بن نافع عن نافع به - أيضاً - كذلك لا تفيده القوة، فإنه عن نافع منكر الحديث، وقد عده على بن المديني والنسائي في طبقة المتروكين من أصحاب نافع، فلا تفيد روايتهما عن نافع به لعبيد الله أى قوة عند الاختلاف بين الثقات، فبقيت رواية موسى الجهني متابعة قوية لعبيدالله، فانحصرت الكثرة في اثنين فقط وأصبحت رواية عبدالله بن عمر وعبدالله بن نافع كالعدم في عدم الإفادة عند المخالفة بين الثقات " .
... أقول : أولاً : ارجع إلى الكلام والحجج الواضحة التي أوردتها في بحثي الأول معه من ص ( 45 - 60 ) الأمر الذي يقنع العاقل المنصف، خصوصاً إذا كان يعرف منهج المحدثين وقواعدهم ويلتزمها .
... ثانياً : بالنسبة لرواية أيوب، قال عنها الدارقطني إنها غير محفوظة عن أيوب وهى دعوى مجردة عن الدليل، وقد رددتها في كتابي " بين الإمامين " ص ( 344 ) وفي البحث المشار إليه .
... ثم تشاغل السياف قليلاً بإعدام أحد المؤيدين لهما فقال : " والأمر السادس من تلك الأمور المرتكزة القوية - في زعمه - هو رواية عطاء عن ابن عمر، وهى متابعة لنافع - كما زعمه - ورواية عطاء عن ابن عمر لا تثبت لسبب اضطرابها كما سيأتي، فهز رواية عطاء وزلزلها وجعلها في حالة اضطراب وقلق ورعب ثم رشحها للإعدام .
... ثم هجم على رواية الجهني فجردها من كل سلاح؛ ترشيحاً لإعدامها فقال : " فبقى مما ذكره من الأمور المرتكزة رواية عبيدالله، وموسى الجهني لم يذكر له الشيخ من الأحوال ما يميزه ويفضله على الليث وابن جريج، فارتكزت الأمور على عبيدالله وموسى الجهني " .
... ثم قال قول الواثق بأن الناس قد استسلموا طوعاً أو كرهاً : " فهذه الحالة مما ينبغي الترجيح فيها والجمع لأن هذه الحالة جعلها الإمام البخاري والنسائي والدارقطني - ووافقهم القاضي عياض - جعلوها اختلافاً على نافع " .(1/118)
... أقول: قد علم القاريء أن النسائي قال:" لا أعلم أحداً روى هذا الحديث عن نافع عن عبدالله بن عمر غير موسى الجهني وخالفه ابن جريج وغيره ".
... فهذا الاعتراف من هذا الإمام، والفوارق الموجودة التي وضحتها بين ما قاله الدارقطني وما قاله البخاري، تقضي على دعواه التي لايكل ولا يمل من ترديدها : بأن البخاري والدارقطني والنسائي وعياضاً قد اتفقوا وقد جعلوا الاختلاف وقد وقد، فتشبثه بهذا الاتفاق دليل على عناده وإصراره على الباطل، وكيف يجوز له أن يحشر النسائي في هذا الاتفاق وقد صرح بأنه لا يعلم أن أحدًا روى هذا الحديث عن نافع غير موسى، ومقتضاه أنه لو اطلع على أن عبيدالله وعبدالله ابنى عمر، وموسى بن عقبة وعبدالله بن نافع قد شاركوا موسى الجهني في رواية هذا الحديث لقبل روايتهم كما قبلها الإمام مسلم وغيره من المحدثين .
... قال ( ص 71 ) :
... ... "ومن هنا حاول الشيخ أن يرجح رواية عبيدالله وموسى الجهني بأن عبيد الله له مزايا كثيرة، وقد ذكرها فيما قبل وله متابعات خمسة، ثلاثة منهم ثقات، واثنان ضعيفان يصلحان للاعتبار،وهذه المزايا لا توجد في رواية الليث وابن جريج .
... ثم يقول بعد هذا ( ص 57 ) : فالصواب أن كلا الوجهين صحيح في نظري. وهذا أسلوب غير معروف عند المحدثين، لأن الترجيح في حالة الاختلاف حكم بأن الراجح محفوظ والمرجوح شاذ، فكيف إذن يسوغ له أن يقول بصواب الروايتين وهذا القول لا يتأتى إلا من طريق الجمع بين وجوه الاختلاف " .
... أقول : ما ذكرته من مزايا عبيدالله لا يستطيع دفعه وأضيف الآن موسى بن عقبة فإنه إمام ثقة، وهو مدني، ويمتاز بكثير من المزايا التي أثبتها لعبيدالله، وأؤكد أن موسى الجهني وأيوب إمامان، فروايتاهما تؤيدان رواية عبيدالله وموسى بن عقبة، وأن رواية عبدالله بن عمر ورواية عبدالله بن نافع تصلحان للاعتبار .(1/119)
... والإصرار على هدم هذه الروايات يحمل تهديدا خطيراً على كل دواوين الحديث، وينطوي على الاستخفاف بمنهج المحدثين وقواعدهم. فحديث يرويه مسلم من طرق كثيرة من أقوى الطرق وأصحها، وتوجد له المتابعات والشواهد في الدواوين الأخرى، ويساق لرواة مسلم وغيرهم من المزايا التي تجعل المسلم يثق ويطمئن إلى صدق وثبوت ما رواه هؤلاء الأئمة، خصوصاً وقد خرج رواياتهم إمام ملتزم بالصحة .
... فأى ثقة تبقى لما رواه الواحد والاثنان إذا ضربنا بقواعد المحدثين، وضربنا بمرويات هذا الحشد من أئمة الحديث الحفاظ الأمناء الثقات عرض الحائط ؟
... أما ما ذكرته من ترجيح روايات عبيدالله ومن معه على رواية الليث وابن جريج، فقصدي به تقرير الحقيقة والواقع بأنها أقوى من رواية الليث وابن جريج وأريد في الوقت نفسه دفع العلة عنها .
... وأما قوله : " وهذا أسلوب غير معروف عند المحدثين "، غير معروف عند من ؟ إذا كان المليباري يجهله أو يعلمه فماذا يستفيد منه المسلمون ؟ لأنه لا يلتزم بقواعد المحدثين ومناهجهم إذا علم شيئاً منها، وإذا جهلها فربما كان ذلك خيرا ًوأسلم .
... ثم إنى سأحكي كلام النووي لمن يعقل ويفهم ويتمتع بالإنصاف قال - رحمه الله - متعقباً كلام القاضي عياض :
... " قلت : ويحتمل صحة الروايتين جميعاً كما فعله مسلم، وليس هذا الاختلاف مانعاً من ذلك. ومع هذا فالمتن صحيح بلا خلاف "(1) .
... ألا تراه قال باحتمال صحة الروايتين، ونسب إلى مسلم تصحيحهما، ولا أطيل في شرح هذا الكلام، فالذكي المنصف تكفيه الإشارة فضلاً عن العبارة .
... وقوله - معللاً ماسبق - " إنه غير معروف عند المحدثين؛ لأن الترجيح في حالة الاختلاف حكم بأن الراجح محفوظ والمرجوح شاذ فكيف يسوغ له أن يقول بصواب صحة الروايتين، وهذا القول لا يتأتى إلا من طريق الجمع بين وجوه الاختلاف " .
... استمع إلى أبعد مما قلته أنا :
__________
(1) ... " شرح النووي لمسلم " : ( 9 / 167 ) .(1/120)
... قال السخاوي في " فتح الغيث "(1) : " على أن شيخنا مال إلى النزاع في تسمية الشاذ صحيحاً وقال : غاية ما فيه رجحان رواية على أخرى والمرجوحية لا تنافي الصحة، وأكثر ما فيه أن يكون هناك صحيح وأصح، فيعمل بالراجح ولا يعمل بالمرجوح لأجل معارضته له لا لكونه لم يصح طريقه، ولا يلزم من ذلك الحكم عليه بالضعف " .
... و راجع " تدريب الراوي "(2) ففيه للحافظ كلام أطول من هذا و أوسع و أوضح، وإذا جهلت شيئاً يا مليباري فانسبه إلى نفسك ولا تنسبه إلى المحدثين، اللهم إلا إن كنت تعتبر نفسك كل المحدثين من باب المثل " كل الصيد في جوف الفرى " فهذا شيء آخر .
... ثم يقول ص 71 :
... " ومما ينبغي التيقظ له أن وجوه الترجيح كثيرة لا تحصى، وللعلماء النقدة فيه نظر خاص من طول الممارسة وسعة الحفظ ودقة الفهم يدل أن يكون عندهم مرجح خاص يشمل كل حديث، ولذا فإننا نجدهم يرجحون أحيانا للأحفظية أو للأكثرية، وأحيانا يرجحون من هو أقل عدداً أو أقل حفظاً، وهم مشتركون في الإتقان والضبط لقرينة تقوي ظنهم به وأحيانًا لا يستطيعون أن يفحصوا تلك القرينة والدليل(3) .
... أقول : المعروف أن للعلماء مذاهب في المرجحات فمثلاً في تعارض الوصل والإرسال :
... 1- قال الأصوليون والفقهاء بتقديم الوصل على الإرسال إذا كان الراوي ثقة ضابطاً، سواء أخالفه واحد أم جماعة أحفظ أم لا . ونسبه النووي للمحققين من أصحاب الحديث .
... 2- وذهب أكثر المحدثين إلى ترجيح الإرسال .
... 3- وذهب قوم إلى الترجيح بالأكثرية قال السخاوي : وقيل وهو القول المعتبر ما قاله الأكثرون من وصل أو إرسال كما نقله الحاكم في " المدخل " عن أئمة الحديث، لأن تطرق السهو والخطأ إلى الأكثر أبعد .
... 4- وذهب قوم إلى أن المعتبر ما رواه الأحفظ من وصل أو إرسال .
__________
(1) ... ( 1 / 20 ) .
(2) ... ( ص 23 - 24 ) .
(3) ... مثل هذا الكلام يأخذه من كلام العلماء ولا ينسبه إليهم موهماً أن عبقريته قد تفتقت عنه .(1/121)
... 5- قال السخاوي وفي المسألة قول خامس : وهو التساوي قاله السبكي(1) .
... وهذا بخلاف ما يوهم قول المليباري. فإنه يوهم اتفاق نقاد الحديث على ما ذكره، والواقع بخلاف ذلك. والشافعي وهو من أئمة النقد يرجح بالأكثرية .
... قال الحافظ : وقد ذكر الشافعي - رضي الله عنه - هذا في مواضع، وكثيرا ما يقول " العدد الكثير أولى بالحفظ " .
... قال ص 72 : " ثم نقل العلائي أن المرجحات كثيرة لا تحصى ولكل حديث ترجيح خاص " .
... ولاشك أن المرجحات كثيرة، وليس الشأن في حكايتها والتهويش بها لتضييع الحق، إنما الشأن في معرفتها وتطبيقها بفقه وأمانة وإنصاف.
... ( ص 72 ) : قال : " فبذلك عرفنا جيداً أن الأمور التي ذكرها الشيخ نوع من المرجحات، وليست المرجحات؛ لأنها لا تنحصر فيما ذكره الشيخ. وقد وقف عليها الأئمة حيث إنهم ذكروا تلك المتابعة لعبيد الله ويأتي البيان فيه إن شاء الله " .
... أقول : هل فهمت مما نقلته أنه لابد للمرجح أن يسرد كل المرجحات، وإذا ظن أنه عنده نقصاً يذهب إلى قبور نقاد الحديث فيسألهم بقية المرجحات التي لا يعرفها ولا يمكنه الوقوف عليها .
... لقد ذكرت من المرجحات ما يكتفي ببعضه نقاد الحديث لإصدار الحكم الذي يرونه .
... أما عرفت أن بعضهم يرجح بالحفظ وقد ذكرته في المرجحات، أما عرفت أن بعضهم يرجح بالكثرة وقد ذكرتها أما عرفت أنهم يرجحون بطول الملازمة وقد ذكرتها، وأنهم يرجحون بالمواطنة وقد ذكرتها، فالذى لا تكفيه هذه المرجحات مجتمعة فإنه ينادى على نفسه بأنه معاند مكابر .
... قال ( ص 72 ) :
... أما كونهم أحياناً لا يستطيعون الإفصاح عما استقر في نفوسهم من القرينة أو الدليل، فقد قال الحافظ في شرح النخبة ص 84 : " وقد تقصر عبارة المعلل عن إقامة الحجة على دعواه كالصيرفي في نقد الدينار والدرهم " .
__________
(1) ... فتح الغيث : ( 1 / 166 ) .(1/122)
... أقول : هذا نادر من المحدثين . ويظهر أن هذا يكون منهم إذا كان في المتن نكارة أو بطلان وزيف؛ لأنهم لكثرة ممارستهم لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحصل لهم ملكات يميزون بها كلامه من كلام غيره. ويشهد لهذا قصة أبي حاتم وأبي زرعة الآتية :
... قال ابن أبي حاتم : " سمعت أبي - رحمه الله - يقول : جاءني رجل من جلة أصحاب الرأى من أهل الفهم منهم، ومعه دفتر فعرضه علي، فقلت في بعضها : هذا حديث خطأ قد دخل لصاحبه حديث في حديث، وقلت في بعضه هذا حديث باطل، وقلت في بعضه هذا حديث منكر، وقلت في بعضه : هذا حديث كذب، وسائر ذلك أحاديث صحاح، فقال لي من أين علمت أن هذا خطأ وأن هذا باطل وأن هذا كذب ؟
... أخبرك راوي هذا الكتاب بأنى غلطت وأنى كذبت في حديث كذا ؟
... فقلت : لا، ما أدري هذا الجزء روايةُ من هو ؟ غير أني أعلم أن هذا خطأ، وأن هذا الحديث باطل، وأن هذا الحديث كذب، فقال : تدعي الغيب؟ قال، قلت : ما هذا ادعاء الغيب . قال : فما الدليل على ما تقول ؟
... قلت : سل من يحسن مثل ما أحسن فإن اتفقنا علمت أنّا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم . قال : من هو الذي يحسن مثل ما تحسن ؟
... قلت : أبو زرعة . قال : ويقول أبو زرعة مثل ما قلت ؟
... قلت نعم . قال : هذا عجب . فأخذ فكتب في كاغِد ألفاظي في تلك الأحاديث ثم رجع إلى وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث. فما قلت إنه باطل قال أبو زرعة هو كذب. قلت : الكذب والباطل واحد. وما قلت إنه كذب قال أبو زرعة إنه باطل. وما قلت إنه منكر قال هو منكر كما قلت. وما قلت إنه صحاح قال أبو زرعة : هو صحاح .
... فقال : ما أعجب هذا، تتفقان من غير مواطأة بينكما .
... فقلت : فقد قلت لك أنّا لم نجازف، وإنما قلنا بعلم ومعرفة قد أوتينا .(1/123)
والدليل على صحة ما نقوله : بأن دينارا بهرجا يحمل إلى الناقد فيقول : هذا دينار بهرج ويقول لدينار هو جيد، فإن قيل له : من أين قلت إن هذ بهرج ؟ هل كنت حاضرا حين بهرج هذا الدينار ؟ قال : لا . فإن قيل له : فأخبرك الرجل الذي بهرجه أنى بهرجت هذا الدينار ؟ قال : لا . قيل : فمن أين قلت إن هذا بهرج. قال : علماً رزقت، وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك .
... قلت له : فتحمل فص ياقوت إلى واحد من البصراء من الجوهريين، فيقول: إن هذا زجاج وإن هذا ياقوت ؟
... هل حضرت الموضع الذي صنع فيه الزجاج ؟ قال : لا . قيل له : فهل أعلمك الذي صاغه بأنه صاغ هذا زجاجا ؟ قال : لا . قال : فمن أين علمت ؟
... قال : هذا علم رزقت، وكذلك نحن رزقنا علماً لا يتهيأ لنا أن نخبرك كيف علمنا بأن هذا الحديث كذب وهذا حديث منكر إلاَّ بما نعرفه .
... ثم قال ابن أبي حاتم مشيرًا إلى طرق معرفة الحديث : تعرف جودة الدينار بالقياس إلى غيره، فإن تخلف عنه في الحمرة والصفاء علم أنه مغشوش، ويعلم جنس الجوهر بالقياس إلى غيره، فإن خالفه في الماء والصلابة علم أنه زجاج، ويقاس صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاماً يصلح أن يكون من كلام النبوة، ويعلم سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته بروايته .
... وقصة الرجل مع أبي حاتم وأبي زرعة، يبدو أن الرجل قد حذف أسانيد هذه الأحاديث التي عرضها عليهما، اختباراً لأهل الحديث، فعرفا فميزا بحكم ممارستهما لكلام النبوة وفطنتهما وذكائهما بَيْنَ ما كان من مشكاة النبوة، وبين المفتعل من المكذوب والباطل. وفي مثل هذه الحالة تقصر عبارة المحدث عن بيان العلة .(1/124)
... أما إذا كانت الأسانيد أمامهم وفيها الكذابون والضعفاء، فإنهم لا يعجزون عن القول بأن هذا الإسناد فيه فلان وهو كذاب، أو فيه فلان وهو ضعيف، أو يقلب الأسانيد أو يرسل، وأرسل هذا الحديث وقلب هذا الإسناد، واختلف فلان وفلان وفلان أحفظ، واختلف على فلان فرواه عنه فلان وفلان على الصواب وفلان على الخطأ. وكتب العلل والموضوعات مليئة ببيانهم، شاهدة على قدرتهم الفائقة على البيان .
... قال ص 72 :
... " فإذا كان هذا هو حال النقدة في الترجيح، وقد وقفوا على ماذكر الشيخ، مستفيداً فيه من عندهم من تلك المزايا، وقد اتفق على الترجيح الإمام البخاري والدارقطني وكذا النسائي، وقد وافقهم القاضي عياض، ولم نجد عليهم اعتراضاً من الإمام ( كذا ) من أهل النقد، وليس في تصرف الإمام مسلم في صحيحه بإخراجه تلك الوجوه المختلفة على نافع خارج الأصول دليل على أنه يريد به تصحيح كل الوجوه كما بينته مفصلاً ( 2 - 11 ) .
... فإذا كان هذا هو الحقيقة هنا، فكيف يدعي لو درس أبو حاتم أو غيره من الأئمة حتى البخاري دراسة وافية لما تجاوزوا في نظري النتائج التي وصلت إليها ... والله المستعان .
... أقول : أولاً يعني بحال النقدة قصورهم وعجزهم عن إقامة الحجة على دعواهم. فالمسكين يذمهم من حيث يظن أنه يمدحهم، وقد بينت لك من قصة أبي حاتم متى يكون ذلك .
... أما إذا كانت الأسانيد أمامهم، والأدلة بين أيديهم، فهم من أبرع الناس وأقدرهم على بيان الحجة .
... ثانياً : قوله : " وقد وقفوا على ما ذكر الشيخ " .
... هذا غلو فاحش من جهتين أولاً : استلزام كلامه هذا أن هؤلاء النقدة قد بلغوا من الإحاطة في العلم بحيث لا يمكن أن يفوتهم شيء. وقد ذكرنا ما يكذب هذه الدعوى السخيفة باعتراف الإمام النسائي أنه لايعلم أحداً روى حديث ابن عمر عن نافع إلا موسى الجهني، وبما قررته أن كل واحد منهم عرض من هذه القضية ما بلغه منها .(1/125)
... والجهة الثانية : قوله وقد وقفوا على ما ذكر أى وجوه الترجيح التي ذكرتها. من أخبره أنهم كلهم قد وقفوا على كل ما ذكرت ؟ إن كانوا قد ذكروا كل ذلك في كتبهم ثم رفضوه ورجحوا عكسه فليأتنا بذلك من كتبهم، وإن كان هذا مكاشفة صوفية من اللوح المحفوظ فليصرح بذلك حتى نعرف حقيقته، وإن كان مجرد دعوى فأجهل الناس وأغباهم لا يعجز أن يأتي بمثل هذه الدعاوي الفارغة وأكبر منها .
... ومنهج أهل السنة والحديث وهو الحق رفض مثل هذا الغلو والضلال واحترام الدليل والبرهان .
... ثالثاً : قوله : " ولم نجد عليهم اعتراضاً من الإمام (كذا) من أهل النقد " . أعجب لهذا الرجل على جهله البالغ وتطفله على علم يجهله. يقول هذا الكلام بعد أن ذكرت له أن النووي والمنذري وابن حزم قد صححوا حديث ابن عمر، فيتجاهلهم ولا يعتبرهم من النقدة متعالياً عليهم وعلى غيرهم ممن صححوه وصححوا شواهده الكثيرة، والذين يبلغ مجموعهم أكثر من خمسة عشر عالماً، وأَزِيدُ الآن رجالا صححوا حديث ابن عمر ألا وهم البيهقي وابن حجر والسنوسي وأحمد محمد شاكر .
... انظر " حاشية شرح الأبي " ( 3 / 480 )، و" فتح الباري " ( 3 / 7 )، وقد استشهد بحديث موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر مؤيداً به حديث أبي هريرة. فما في صحيح مسلم من طريق موسى وعبيدالله وأيوب أقوى وأصح وأولى بالاستشهاد .
... وكذا صحح أحمد شاكر حديث ابن عمر من كل الطرق التي رواها أحمد. وقوله : وليس في تصرف مسلم في صحيحه بإخراجه تلك الوجوه المختلفة على نافع خارج الأصول دليل على أنه يريد به تصحيح كل الوجوه الخ .
... أقول : إن في إيراد مسلم له، وقد التزم الصحة في كتابه من طرق كثيرة، رجالها من سادة وقادة رجال الصحيح، لأكبر دليل على إيمانه وقناعته بصحتها لقوم يعقلون. والقول بأن مسلماً لا يريد بذلك أنها صحيحة بل لبيان عللها قول فيه مكابرة وعناد لا يصدران من عاقل .(1/126)
... وما قلته عن دراستي فقد بينته، ومن مزايا الرسائل العلمية أنها تأتي بالجديد النافع وإلا فلا قيمة لها . وإذا أتت بجديد باطل من جنس هذا الذي اطلعت عليه من رسالتك فهذا هو المستنكر الذي يجب إنكاره ورفضه .
... ص 73- قال : " أما كون الإمام الدارقطني والإمام البخاري والقاضي عياض قد وقفوا على تلك المزايا. فذلك أن الدارقطني قد أورد في العلل رواية موسى الجهني وعبدالله بن عمر العمري وعبدالله بن نافع ولا أستبعد وقوف الإمام البخاري على رواية هؤلاء لما ستعرف عنه من الحفظ وسعته ورحلته وكثرتها ويكفى لنا شهادة من شيخه عمرو بن على الفلاس قوله :
... حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث ( الهدى ص 483 ) .
... إذن فالاستبعاد كل الاستبعاد في قولنا بأن البخاري لا يعرف رواية عبدالله ابن عمر العمري وابن نافع هذا . وقد ذكر البخاري رواية موسى الجهني مع رواية عبيدالله ثم وقف القاضي عياض عليها بأنه حكاها " .
... أقول : لا أدرى لماذا لم يذكر النسائي هنا فلم يشركه في هذا الاتفاق هل هو مُسَلِّم بأنه لم يعلم من الرواية عن نافع عن ابن عمر إلا رواية موسى الجهني، أو أنه نسى أن يذكر النسائي .
... على كل حال فإذا كان النسائي لم يحط بكل شيء علماً فكذلك نقول في البخاري والدارقطني والقاضي عياض. وإذا كان الأنبياء والصحابة ينسون كما هو مقرر في الكتاب والسنة وعند خلاصة الأمة، فالبخاري والدارقطني أولى بالنسيان. وإذا كان كبار الصحابة ومنهم الخلفاء الراشدون فضلاً عن صغارهم يفوتهم كثير من الأحاديث عن أستاذهم الوحيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم أحرص الناس على حديثه فالبخاري والنسائي والدارقطني وعياض أولى وأولى أن يفوتهم الكثير والكثير وأن ينسوا الكثير والكثير وأن يقعوا في الأخطاء والأوهام الكثيرة وهذه هي عقيدة الطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة التي تميزت بهذا المنهج .(1/127)
... ومن هذا المنطلق ألف ابن حاتم كتاب أخطاء البخاري في التاريخ، ومن هذا المنطلق وبهذه العقلية ناقش الدارقطني البخاري ومسلماً في الأحاديث التي انتقدهما فيها .
... وبهذه العقلية وبهذا المنهج ناقش الحافظ ابن حجر وغيره الدارقطني، وناقش ابن القطان عبدالحق، وناقش ابن تيمية وابن القيم وغيرهما أخطاء كثير من العلماء . ولوكانت هذه العقلية الخرافية وهي استبعاد أن يفوت الصحابي الفلاني أو العالم الفلاني القضية الفلانية وحديث ( كذا ) أو حديث كذا، أو استبعاد أن يخطيء فلان أو ينسى فلان، لما وجدت كتب الجرح والتعديل، ولما وجدت هذه الانتقادات التي امتلأت بها المكتبة الإسلامية .
... وبهذه العقلية الناضجة البعيدة عن الغلو والإطراء، وعن التفريط والجفاء، حفظ الله لنا هذا الدين القويم وبهذه العقلية انتخب لنا الصحيحان .
... واستمع إليه يقول : " ولا أستبعد وقوف الإمام البخاري على رواية هؤلاء لما نعرف عنه من الحفظ وسعته ورحلته وكثرتها " إلخ .
... منطقك هذا يدل أنك تستبعد نسيانه، وتستبعد عدم وقوفه على تلك الروايات. وأنا أعترف أن البخاري إمام حافظ أمير المؤمنين في الحديث، وقد صرح بأنه يحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث ضعيف وأنه انتخب صحيحه من سبعمائة ألف حديث .
... ومن منطق الإسلام أقول : إنه يجوز على هذا الإمام أن ينسى في كثير من المواقف أشياء يحفظها، ومنها حالة كتابته هذا الحديث في التاريخ فيجوز عليه أن يكون نسى روايات الجماعة الذين لم يذكرهم في التاريخ، ويجوز عليه أن تكون تلك الروايات في عداد ما بلغه لكنه لم يحفظها؛ لأن عنده سبعمائة ألف صرح بحفظ ثلاثمائة منها ويبقى أربعمائة ألف مدونة عنده لم يحفظها، فلا يبعد أن تكون في هذه الأربعمائة. ويجوز أن يكون لم يرها ولم يسمع بها، لأن غيره من العلماء يحفظ أكثر منه فهذا الإمام أحمد يحفظ مليون حديث، ويجوز أن يكون فات أحمد أحاديث حفظها من هو مثله في الحفظ أو دونه .(1/128)
... فهذا هو المنطق الإسلامي الصحيح الذي سجله القرآن والسنة، وعليه سادة الأمة. فهذا نبي الله موسى فاته ما عند الخضر من العلم، والخضر دونه. وفات الخضر ما عند موسى .
... وقد اشترط الخضر على نبي الله موسى شرطاً هو { لا تَسألْني عن شيء حتى أُحْدِثَ لك منه ذِكْرا } فنسى نبي الله موسى ذلك الشرط فلما عاتبه قال : { لا تُؤاخذني بما نَسِيتُ ولا تُرهِقْني من أمري عُسْرًا } أفلا يدل منطقك هذا أنك ترفع البخاري فوق درجات الأنبياء والصحابة؛ حيث تستبعد أن ينسى مسألة واحدة من بين ألوف المسائل، أو عدم وقوفه على مسألة من ألوف الألوف من مسائل الحديث. وإذا كنت تعرف هذا المنهج، وهذا المبدأ القرآني والنبوي، وتؤمن به وتسلم به، فلماذا تجادل بالباطل في أمور بدهية. وإذا كنت لا تعلم ذلك فلماذا تقتحم هذا الميدان وأنت في هذا المستوى من الجهل .
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
... وبالنسبة للدارقطني وقد استوعب جميع الطرق يجوز عليه الخطأ وله أخطاء كثيرة في " العلل "و" التتبع ". وعلى هذا الاعتقاد الصحيح بأخطائه ناقشه الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح فيما يخص البخاري وفى الأحاديث المتفق عليها .
... وناقشه النووي وطعن في قواعده فقال : " فصل قد استدرك الدارقطني على البخاري ومسلم أحاديث فطعن في بعضها، وذلك الطعن مبني على قواعد لبعض المحدثين ضعيفة جداً، مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول وغيرهم "(1) وأنا وإن كنت لا أسلم بهذا الطعن المطلق، لكنى رأيت أن ترجيح الدارقطني قد خالف المنهج الذي يسلم به ويسير عليه هو وغيره من أئمة الحديث، وخالف قواعدهم. فناقشته على أساس منهج واضح وقواعد مسلم بها، ولم أقنع برأيه الذي خالف فيه ذلك المنهج ولم يقم عليه أى حجة من الحجج المسلم بها .
__________
(1) ... مقدمة الفتح ( 2 / 105 )، تحقيق إبراهيم عطوة .(1/129)
... وعلى هذا الأساس صحح العلماء حديث ابن عمر ولم يبالوا بحكم الدارقطني ولا بحكم البخاري إن صح عنه؛ لأن منهجهم الصحيح قائم على الحجة والبرهان، لا على الظنون والخيالات والأَوهام ولا على الغلو في الشخصيات ورفض الحجج بمثل ما تهول به من استبعاد عدم وقوف البخاري، وبمثل استبعاد أن يخطيء الدارقطني. فهذا لا يقبله إلا غلاة الرفض والتصوف، وبمثله ضلوا وأضلوا كثيراً من الأغبياء .
... وأما القاضي عياض فلم يطلع إلا على كلام البخاري في التاريخ والدارقطني في التتبع، ولم يضف شيئاً من الأدلة، وربما لو اطلع على الطرق التي ذكرها الدارقطني مما فات النسائي والبخاري لكان له رأى آخر .
... ثم إن تفسيره لكلام البخاري فيه نظر ففي الحقيقة أنه لا يفهم من كلام البخاري أنه يضعف حديث ابن عمر وهذا كلامه موجود فلينظره المنصفون .
... وتفسير القاضي عياض له خطأ، وهو بشر يخطيء ويصيب. وقد أخطأ من هو أكبر منه . والمنهج الإسلامي رَدُّ الخطأ وأَخْذُ الصواب مهما كان مصدر هذا أو ذاك، أو التوقف عند عدم ظهور الخطأ أو الصواب .
... فقول البخاري بعد أن ساق الحديث من طرق وأبدى رأيه فيها ثم ساقه من طريق مسدد عن بشر بن المفضل عن عبيدالله عن نافع، ومن طريق مسدد عن يحيى عن موسى الجهني عن نافع قال : والأول أصح .
... فالظاهر من هذا القول أنه يريد أن رواية مسدد عن بشر بن المفضل عن عبيدالله أصح من رواية مسدد نفسه عن يحيى عن موسى. وعلى هذا الفهم الذي يبدو أنه الصواب، فالبخاري لا دخل له في تضعيف حديث عبدالله ابن عمر، وإن جادل في فهمي مجادل فليس لديه نص من البخاري على تحديد قصده فليترك عد البخاري فيمن انتقد الحديث، وليسلك مسلك العلماء في الاعتدال والإنصاف والبعد عن التهور والمجازفات. فالقاضي عياض ليس لديه إلا مجرد الظن والاحتمال. فالقول بأن تفسيره هو الحق القاطع قائم على الهوى. والقاعدة " إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال " معروفة .(1/130)
... وبعد فقد ظهر للقاريء أن هذا الرجل الذي يجهل البدهيات الإسلامية، ويخفض بموازينه الباطلة الحجج والشخصيات عندما يتخيل أنها تخالف هواه، ويرفع من شأن أباطيله، ويغلو في الشخصيات التي يتخيل أنها توافق هواه. ومن البلايا والدواهي أن ينسب مثل هذا إلى الحديث وأهله .
... قال في ص 73 :
... وقد ذكر الإمام الدارقطني رواية أيوب في التتبع، وحكم عليها بشذوذها، وهؤلاء الأئمة يعرفون أحوال عبيدالله وغيره وما لهم من المزايا، وإننا عرفناها من عندهم، وكانوا يرجحون بمثل هذه المزايا في مواضع كثيرة. وعلى أن هذه المزايا التي تحلى بها عبيدالله كانت نصب أعينهم ولم يأخذوها للترجيح، بل تحولوا منها إلى ترجيح رواية الليث وابن جريج، فإنه مما يدل دلالة قاطعة على أن هناك قرينة قوية تجعلهم يرجحون رواية الليث وابن جريج بدل رواية عبيد الله وموسى الجهني، وإلا لما تحولوا من تلك المزايا التي كانوا يرجحون بها وأمثالها في مواضع كثيرة .
... أقول : قد عرفت مما سبق أن الإمام النسائي لم يعرف من طرق حديث عبدالله بن عمر إلا طريقاً واحداً، وأن البخاري لم يعرف منها إلا طريقين فقط. ومع ذلك فلا يجوز أن ينسب إليه أنه ضعَّف حديث عبدالله بن عمر .
... وعرفت أن القاضي عياضاً لم يطلع إلاَّ على بعض الطرق، ولا أنفى أنهم يعرفون مزايا عبيدالله ومن معه .(1/131)
... لكني أقول : كيف استحضر النسائي مزايا عبيدالله عند كتابته لرواية موسى الجهني، وهو لاعلم عنده برواية عبيدالله ولا برواية غيره ممن رواها. وكيف كانت مزايا عبيدالله نصب عينيه ورواية عبيدالله التي يمكن أن تكون سبباً لاستحضار مزاياه ليست موجودة، وحتى لو كانت رواية عبيدالله عنده فمن يستطيع أن يجزم أنَّهُ استحضرها كلها لأن هذا القول لا يجوز أن يقال عن أحد إلا إذا سجل ذلك القول بقلمه. أو نقله عنه الثقات، أو نزل بذلك وحى؛ لأنه يجوز عليه نسيانها أو بعضها. ثم افرض أنه استحضرها كلها لكنه لم تبلغه رواية أيوب ولا رواية عبدالله بن عمر ولا رواية موسى بن عقبة. فلو بلغته هذه الروايات وضمها إلى رواية عبيدالله وموسى الجهني هل سيسقطها من الحسبان ؟
... إذا قلت ذلك فهات الأدلة والبراهين .
... ثم انظر إلى هذه السياسة العظيمة، وإلى هذا التدرج الحكيم. لقد استطاع أن يتخلص من خصومه واحداً واحداً، حتى لم يبق أمامه إلا عبيدالله أو رواية عبيدالله، وكان عهدي به قد أبقى على رواية عبيدالله وموسى الجهني، ولا أدري بأى طريقة تخلص من رواية موسى الجهني أو من موسى الجهني، ولا يهمنا معرفة هذه الطريقة، إنما الذي بهرنا تلك السياسة وتلك الحكمة التي استطاع أن يتخلص بها من خصومه واحداً واحداً كما يفعل دهاة السياسة في طرق التخلص من خصومهم .
... كيف يا مليباري لم تبق إلا رواية عبيدالله، وكيف تدعي أن الأئمة المذكورين تألبوا جميعاً على عبيدالله وحيداً فريداً فجردوه من كل مزاياه التي يتمتع بها ولم يعبأوا بها ولم يجعلوها في حسبانهم .(1/132)
... وما رأيك لو جاء النسائي يوم القيامة قائلا أمام الله : يا رب لقد نسب إلى المليباري ظلماً، وعلى علم، أنى أسهمت في إسقاط رواية عبيدالله بعد إسقاط كل مزاياه، وأنا يا رب وعظمتك وجلالك لا يَدَ لي في ذلك، وقد أعلنت له ولغيره أنني لم أعلم من طرق حديث ابن عمر إلا طريق الجهني، ولا علم لي برواية عبيدالله وإخوانه، ولو علمت بهذه الروايات لصححت الحديث؛ لأنك يا رب تعرف منهجي أننى أصحح بأقل من هذه الطرق شأنا وصحة، فكيف بهذه الطرق وقد اجتمعت ومنها طريق عبيدالله .
... وما هو موقفك لو جاء البخاري أمام الله، وقال يا رب أنت تعلم أنني لم أعلم من طريق حديث ابن عمر هذا إلا طريقين، ولم أصرح بضعف رواية عبيدالله، وكان يجب على المليباري أن يبتعد عن الجزم بأني أعللت حديث ابن عمر، وما يدريه أنني لو وقفت على طرقه كلها لحكمت بصحته، وانظر إليه يا رب حيث ينسب إليّ أنني استحضرت كل مزايا عبيدالله، وأنها كلها كانت نصب عيني ولم آخذها في حسباني، بل تحولت منها إلى ترجيح رواية الليث وابن جريج، هذا مع نسبته إليّ أنني قد اطعلت على الطرق كلها، وينسب إليّ من العلم ما لا يجوز أن ينسب إلا إليك يا علام الغيوب، وأنت تعلم يا رب أنني أكره هذا الغلو، وأبغض أن ينسب إليّ ما لم أقل وما لم أفعل، وانظر إليه يا رب وقد حول وهمه الخاطيء إلى علم قطعي حيث قال : " فإنه ( يعني ما نسبه إلينا ظلماً ) يدل دلالة قاطعة على أن هناك قرينة قوية تجعلهم يرجحون رواية الليث وابن جريج بدل ( كذا ) رواية عبيدالله وموسى الجهني " .
... وأنت تعلم أن كلامي لا يحتمل من الصراحة ما يخول له أن ينسب إلى هذا القول نسبة قطعية، بل الذي تعلق به احتمال مرجوح الذي يفهم منه تصحيح حديث عبيدالله أقرب إلى الصواب ممن يفهم منه تضعيفه .
... هذا بالإضافة إلي أنني لم أعلم ولم أذكر روايات حديث عبدالله بن عمر الأخرى التي لو رأيتها لكان لي موقف آخر .(1/133)
... ثم إن القرينة القوية التي يزعم أنني ضعفت بها حديث عبدالله بن عمر بعد أن أطعلت على طرقه كلها أنت تعلم أنها لم تخطر لي على بال ولم تدر لي بخيال .
... ثم لو جاء القاضي عياض فقال : يا رب أنا كذلك لم أطلع إلا على كلام البخاري في التاريخ، وعلى كلام الدارقطني في التتبع؛ حيث لم يستوف هذان الكتابان كل طرق حديث ابن عمر، ولو اطلعت على طرقه كلها لكان لي موقف آخر، وإذا كان هذا واقعي فما الذي أدرى المليباري أنني اطلعت عليها، وما الذي أدراه أنني لو اطلعت على طرقه كلها أنني سأتابع الدارقطني، ألا تراه ظالماً جريئاً متهوراً فيما ينسبه إليّ ؟
... ثم جاء الدارقطني فقال : يا رب قد علمت براءة ساحة إخواني مما ينسبه إليهم هذا الرجل، فليس له الحق أن يقطع بما نسبه إليهم، خصوصاً وقد اتضح له الفروق بين أقوالنا. ثم إنني كان لي موقفان من حديث عبدالله بن عمر، فحينما كتبت في العلل استوفيت طرق الحديث، ورجحت رواية الليث وابن جريج اجتهاداً مني، وأخطأت في هذا التصرف، فاعذرني يا رب حيث وقعت في هذا الخطأ؛ حيث خالفت المنهج الثابت الذي سار عليه أئمة الحديث، والتزمته منهجاً في معظم أحكامي في كتابي العلل والتتبع، فاغفر لي يا رب هذا الخطأ وما شاكله من الأخطاء التي لا ينجو منها بشر(1) .
... ثم ما الذي أدرى المليباري أننى عللت رواية عبيدالله وإخوانه بأنهم سلكوا الجادة، وهو يزعم أن المرجحات كثيرة لا تحصى، فما هو دليله على تعيين هذا المرجح من بين أمور كثيرة لا يحصيها إلا الله والأغرب منه نسبته الاتفاق إليّ مع الجماعة الآخرين .
__________
(1) ... انظر الملاحظة رقم (3) ص 91 فإني كتبتها بعد تسجيل هذا الكلام وهي مهمة جدا وأولى من هذا الاعتذار الذي قلته على لسان الدارقطني .(1/134)
... ثم يا رب إنك تعلم موقفى من هذا الحديث، حينما ناقشت مسلماً فإنني أجل هذا الإمام وأجل كتابه الذي ادعى له الصحة، فلما ناقشته في هذا الحديث أخذتني هيبة الصحيح وأخذتني هيبة قوة الأسانيد التي ساقها مسلم في ذلك الأسلوب الرائع، فتبددت تلك الصورة التي كنت أتصورها حينما كتبت في العلل فغيرت موقفي فلم أمس إلا إسناداً واحداً، هو إسناد معمر عن أيوب ولم أمس باقي الطرق .
... فما الذي شجع المليباري أن ينسب إليّ بكل جرأة أننى طعنت في طرق حديث ابن عمر كلها .
... وبعد لعله اتضح لك أن دعاوي المليباري كلها باطلة، وأن الصواب قد جانبه في كل خطوة وفى كل فقرة من فقرات كتابه، وأنه لا يمل من تكرار هذه الأباطيل .
... قال في ص 73 : " فلو أتى الشيخ بما لم يقفوا عليه من القرينة أو الدليل، ثم ادعى أن الصواب كذا لكان له قدر ومكانة واحترام وقبول. هذا ولم يستطع أن يذكر متابعاً واحداً غير ما ذكر الإمام الدارقطني " .
... أقول : قد تقدم جوابه .
... وأقول : أرجو أن أكون قد بذلت وسعي في جمع ما وصلت إليه يدي مما دونه هؤلاء الأئمة وغيرهم، ثم إبراز القرائن والمرجحات التي ظهرت لي، وهي تكفي طالب الحق المنصف وتقنعه، ثم أضف إلى ذلك المتابعات والشواهد، وقبل ذلك ساق له الإمام مسلم من الطرق ما أغنى كثيراً من العلماء للحكم بصحته .
... ثم أضفت إلى هذه الطرق الصحيحة القوية ما يزيدها قوة، ويقربها من التواتر، ثم تصديت للمليباري الذي زين له الشيطان سوء عمله فخيل إليه أن هذه الطرق كلها معللة منتقدة وأن الشواهد كذلك معللة منتقدة .
... وما كفاه ذلك، فذهب إلى أخطر، وهو وضع منهج يدمر جل أحاديث صحيح مسلم ويجعله في عداد كتب العلل .(1/135)
... وأستغفر الله لقد ألجأتني أن أقول إن كتاب " بين الإمامين " قد حظي بالتقدير والاحترام في الأوساط العلمية، مع أني ما كنت أنتظر من أحد ذلك، وإنما أنتظر ما ينتظره كل مسلم من الجزاء من الله وحده، وهو وحده الذي أرجو رضاه وإكرامه. وإن سخط الناس جميعاً، وأخشى سخطه وحده، فأعوذ برضاه من سخطه وبمعافاته من عقوبته .
... ص 73 - قال :
... إذن فلا بد هناك من قرينة قوية دفعتهم إلى الترجيح، وهو أن عبيدالله بن عمر لازم نافعاً ملازمة طويلة مع كونه حافظاً متقناً وبلدياً له، وبهذا كان من أعلم الناس بحديث نافع، بحيث لا يخفى عليه أحاديث نافع التي يحدث بها، فلو حدث نافع ذلك الحديث - حديث صلاة في مسجدي - عن ابن عمر وعن إبراهيم بن عبدالله بن معبد بن عباس عن ميمونة سواء كان ذلك في مجلس واحد أو في مجالس أو في الفترات. فلابد إذن من أن يكون ذلك الحديث عند عبيدالله؛ لأنه أعلم الناس بأحاديث نافع، وخاصة حين حدث به نافع ابن جريج المكي والليث بن سعد المصري، وكان سماعهما منه لذلك الحديث في فترتين على الظن الغالب، ولم يرو عن عبيدالله إلا من وجه واحد. وهذه القرينة القوية تدل على أن نافعاً قد حدث ذلك الحديث من طريق واحد، إما عن طريق ابن عمر أو عن إبراهيم بن عبدالله عن ميمونة .(1/136)
... فإذا نظرنا هنا فنجد أحاديث نافع عن ابن عمر مشهورة ومنتشرة جداً على الألسنة، بحيث يسبق اللسان إلى ابن عمر بعد ذكر نافع مباشرة إذا لم يكن واعياً في ذلك، وأن أحاديث نافع عن إبراهيم غير مشهورة، وطريقه هذه صعبة، ولم يسبق اللسان إلى إبراهيم بعد ذكر نافع، ولا يقول بهذه الطريقة إلا من حفظها وضبطها، وذلك الجادة على لغة المحدثين. فكان طريق نافع عن ابن عمر أكثرهما احتمالاً؛ لوقوع القلب والوهم في هذه الصورة. ولهذه القرينة فيما أرى أن الإمام الدارقطني وغيره رجحوا رواية الليث وابن جريج بدون أن يأخذوا بتلك المزايا في حسبانهم للترجيح وهذا هو سر الاتفاق بينهم .
... أقول : قد عرفت أولاً : مواقف الأئمة من هذه القرينة التي يتعلق بها .
... ثانياً : استدلاله بملازمة عبيدالله وحفظه وإتقانه وإحاطته بمرويات نافع على أن نافعاً لو حدث بالحديث على الوجهين لرواه عبيدالله كذلك استدلال من يجهل البدهيات. ومن هذا الباب يضل الشيطان كثيراً من البشر، ثم هو مذهب باطل .
... فقد كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وأمثالهم أشد ملازمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك فقد فاتتهم أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
... فإذا جاز هذا على صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم من هم ولا يلحقون في حفظهم واهتمامهم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاز على عبيدالله وأمثاله من باب أولى .
... ثالثاً : يجوز على عبيدالله إن كان قد سمع نافعاً يحدث بحديث إبراهيم عن ميمونة أن ينساه، كما ينسى أرقى البشر وقد ضربنا لك أمثلة. فإن عدم النسيان من خصائص الله وحده .
... وإذا كان المليباري يجوز على عبيدالله الوهم والقلب في حديثه عن ابن عمر، فأين تغاليه في عبيدالله، وما ميزة الحفظ والملازمة وكونه أعرف الناس بحديث نافع أهذه هي نتيجة تلك المزايا .(1/137)
... ألا ترى معي أن احتمال عدم سماعه لحديث نافع عن إبراهيم، واحتمال نسيانه أليق بمقام عبيدالله. ثم لماذا يجوز عليه الوهم والقلب ولايجوز عليه النسيان وعدم البلوغ. ثم إن تتابع الرواة الكثيرين وفيهم الحفاظ المتقنون على رواية الحديث عن نافع عن ابن عمر يبعد جدا هذا الاحتمال الضعيف الهزيل .
... وعلى منطق المليباري يلزم أن يرجح رواية يعقوب الإسكندراني عن موسى ابن عقبة عن نافع عن إياس عن أبي هريرة، أو عن نافع عن أبي هريرة لأنه سلك غير الجادة، وهذا دليل على يقظته وانتباهه. فإن قيل : هذا واحد وقد اختلفت عنه الرواية، فلماذا ترجحه وترجح روايته هو واحد على روايتي الليث وابن جريج، والمنطق يقتضي أن ترجح رواية الأكثر على الأقل .
... فالجواب أن نقول : هذا جرى على منهجكم الغريب الذي نسبتموه إلى الأئمة، والذى رجحتم فيه رواية اثنين وقع عليهما اختلاف في روايتهما عن نافع على رواية ستة فيهم أربعة من الأئمة الحفاظ، ولم يعرف أنه حصل اختلاف على أحد منهم .
... فعلى منطقكم هذا تكون رواية يعقوب الإسكندراني أرجح من روايتى الليث وابن جريج، ورواية الليث وابن جريج أرجح من رواية عبيدالله ومن معه، وهكذا نأتى إلى قواعد هذا العلم الثابتة فنعبث بها ونقلبها رأساً على عقب .
... ثم قد عرفت مآل الاتفاق الذي يدعيه وكيف تبين لك أن هذا زعم باطل ؟
... قال ص 74 - " وينبغي التيقظ أن مثل هذه القرينة تظهر قرينة عند من له ممارسة طويلة لهذا الشأن، وحفظ واسع وفهم ثاقب ونظر دقيق. أما نحن فنتحير من مجرد سماعها فنسأل لماذا ولماذا، أما أنا فقد حاولت أن أجد هنا في هذا الموضع تلك القرينة مستفيداً من الذي بينوه من مثل هذه القرائن في مثل هذه المواضع، وربما يكون هناك قرينة أقوى من هذا " .
... أقول : إن الرجل يعد نفسه من أهل هذه المزايا التي ذكرها من اليقظة والممارسة الطويلة والحفظ الواسع والفهم الثاقب .(1/138)
... ويريد أن يفهم القاريء أن كل من صحح حديث ابن عمر من البسطاء الذين تصيبهم الحيرة بمجرد سماع هذه القرينة، فيظلون في حيرتهم يترددون أما هو فلتمتعه بتلك المزايا العظيمة فقد تخطى هذه الدوامة، وأدرك تلك الحقيقة الكبيرة .
... وهكذا يتشبع بما لم يعط، وبينه وبين ما يرمي إليه بعد المشرقين .
... قال ص 74 : " فالذي يرى صحة الروايتين جميعاً، فإن عليه بيان ما يقوي به ظنه، كأن يذكر رواية عبيدالله بكلا الوجهين، أو أن يروي عن نافع بكلا الوجهين جميعاً في وقت واحد، ولا يكفي هنا مجرد الإدعاء أن الصواب صحة الروايتين وقد سبق أن نقلت ص 13 عن الحافظ ... فأين هذا ممن يستروح فيقول مثلاً يحتمل أن يكون عند أبي إسحاق على الوجهين، فحدث به كل مرة على أحدها ؟
... وهذا الاحتمال بعيد عن التحقيق إلا إن جاءت عن الحارث بجمعهما، ومدار الأمر عند أئمة هذا الفن على ما يقوى به الظن .
... أقول : سوف أسوق لك كلام الحافظ قبل هذه القطعة التي اقتطفها من كلام الحافظ، ليظهر لك الفرق بين المقامين والفارق بين المسألتين .
... قال الحافظ : " وكذا خطأ يحيى القطان شعبة؛ حدثوه عنه بحديث " لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يؤمن بالقدر " عن أبي إسحاق عن الحارث عن على، وقال يحيى حدثنا به سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن ابن مسعود " ولا يتأتى ليحيى أن يحكم على شعبة بالخطأ إلا بعد أن يتيقن الصواب في غير روايته(1) . وإليك الفروق :
... أولاً - أن المحدثين قد اتفقوا أنه إذا اختلف شعبة وسفيان الثوري فالقول قول سفيان. وعبيدالله أحفظ في نافع من كل من خالفه في هذا الحديث وقد تابعه خمسة فزاد قوة على قوة .
... ثانياً - أن شعبة في هذه الرواية واحد، ولا يستبعد منه وقوع الوهم بخلاف الكثرة .
__________
(1) ... فتح المغيث ( 1 / 260 ) .(1/139)
... ثالثاً - أن يحيى القطان لم يخطيء شعبة بناء على القرينة التي يدندن المليباري حولها، وإنما خطأه بشيء سمعه بأذنيه وأبصرته عيناه ووعاه قلبه من سفيان الذي هو أحفظ من شعبة فظهر الفرق بين الأمرين .
... وظهر أن المليباري بمجرد أن رأى أن المحدثين قد يرجحون بهذه القرينة، فظن أنها تصلح في كل مقام فاستروح إليها، وهول بها، وصال بها وجال ظاناً أن هذا من مجالاتها .
... وخفي عليه : أن لكل مقام مقالاً ولكل ميدان رجالاً
وللحديث رجال يعرفون به ... وللدواوين حساب وكتاب
... ولم أستروح إلى الأوهام والظنون، بل اعتمدت على الحجج القوية والقرائن الواضحة عند قوم يعقلون .
... قال ص 74 : " فبهذا الذي ذكرت ظهر وجه لترجيح الإمام البخاري وغيره، كيف لا يكون له وجه فقد رجح الإمام البخاري ثم وافقه النسائي ثم وافقه الدارقطني ثم وافقه أخيراً القاضي عياض، وهم أهل النقد .
... فكان تقليدي لهم هذا بالعلم والهدى ولله الحمد وهو الموفق .
... أقول : قد تبين لك جلياً مما سبق واقع هذا الاتفاق الذي يدعيه، وأنه من نسج خياله .
... وقوله " وهم أهل النقد " لست أدري هل هو يفهم أن هذا التركيب عند العرب يفيد الحصر أو لا ؟
... فإن كان يفهمه فلقد أهمل من لا يحصى من أئمة النقد والحديث، وأخرج من صحح هذا الحديث قصداً عن دائرة أهل النقد وقوله : فكان تقليدي لهم في هذا بالعلم والهدى .
... أقول : لقد ذكر ابن عبدالبر أن العلماء قرروا أن المقلد ليس بعالم، وقرر الأصوليون أن التقليد هو قبول قول الغير بغير حجة. فكيف يكون التقليد بالعلم والهدى ؟ والمقلد لا يميز بين العمى والهدى. يامليباري لم تسلك مسلك المقلدين فتقف عند حدك، بل ذهبت تجادل وتصاول بالباطل، ولم تسلك مسلك المجتهدين في احترام الحق والأدلة والبراهين، فترجع كما يرجع المجتهدون المخلصون إذا ظهر لهم الحق وبان ما كانوا عليه من الخطأ .
... ص 82 قال : قال الشيخ حفظه الله ص 83 :(1/140)
... وأراد الباحث أن يبرهن على ضعف حديث عبدالكريم ... لكن ابن عدي - رحمه الله - بين مراد ابن معين ... إلى آخر الصفحة .
... 1- قلت : ( المليباري ) : إن ابن عدي بين مراد ابن معين ولكن ليس كما يدعيه هذا الشيخ وليته رجع إلى الكامل .
... وإنى أنقل ما في " الكامل " من بيان مراد ابن معين وهذا نصه :
... ... حدثنا عبدالملك ثنا عباس سمعت يحيى يقول : أحاديث عبدالكريم عن عطاء رديئة .
... 2- وهذا الحديث الذي ذكره يحيى بن معين عن عبدالكريم عن عطاء هو ما رواه عبيدالله بن عمرو الرقي، عن عبدالكريم عن عطاء عن عائشة قالت : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلها ولا يحدث وضوءاً " إنما أراد ابن معين هذا الحديث لأنه ليس بمحفوظ، ولعبد الكريم أحاديث صالحة مستقيمة يرويها عن قوم ثقات، وإذا روى عنه الثقات فحديثه مستقيم .
... أخبرنا الحسن بن فرج الغزي، ثنا يوسف بن عدي، ثنا شريك، عن عبدالكريم ( الجزري ) عن عطاء عن جابر قال : " كنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وهذا عن عطاء هو في جملة ما قال ابن معين إن أحاديثه عن عطاء رديئة، ومع هذا فإن الثوري وغيره من الثقات قد حدثوا عنه ا. هـ . ( الكامل 5 / 1979 - وتتمة شرح العلل ص 449 ) .
... 3- هذا الكلام من ابن عدي ظاهر وصريح، بأنه ليس كما يدعي الشيخ بأن ابن عدي بين مراد ابن معين بقوله " إنه أراد حديث عائشة، وقيده به " .(1/141)
... 4- وقد صرح ابن عدي قوله " أحاديث عبدالكريم " بالجمع ثم ذكر حديث عائشة من رواية عبدالكريم عن عطاء، مبينا للعلة التي أدت ابن معين لقوله " هذا الحديث من أحاديث عبدالكريم عن عطاء الرديئة "، فقال : إنما أراد ابن معين هذا الحديث لأنه ليس بمحفوظ. ولم يقل ابن عدي إن ابن معين أراد بذلك القول - أحاديث عبدالكريم عن عطاء رديئة - هذا الحديث دون غيره، ثم إن ابن عدي نفسه يذكر حديثاً ثانياً من أحاديثه الرديئة حيث قال بعد أن أورد حديث عبدالكريم عن عطاء في أكل لحوم الخيل : " وهذا عن عطاء هو في جملة ما قال ابن معين إن أحاديثه عن عطاء رديئة " .
... 5 - فقد تبين جلياً أن ابن عدي لم يقيد قول ابن معين بذلك الحديث وحده، ولم يبين أن مراده بقوله هذا الحديث فقط. ثم إنه ينبغى أن يتذكر ما قلته في هذا الموضوع : " ويلاحظ أن الإمام البخاري - رحمه الله - قال بعد أن ذكر رواية عبدالكريم الجزرى عن عطاء عن جابر لا يصح، وقال بعد أن ذكر رواية عبدالكريم الجزرى عن عطاء عن ابن عمر : لايثبت " .
... 6- ويؤيده قول ابن معين : " إن أحاديث عبدالكريم الجزرى عن عطاء رديئة "، ويفسره قول ابن حبان في المجروحين 2 / 145 - 146 : عبدالكريم الجزري كان صدوقاً، ولكنه كان ينفرد عن الثقات .
... 1- الجواب عن فقرة ( 1 ) أنني حينما رأيت قول المليباري في عبدالكريم الجزري : " ولهذا قال ابن معين بأن حديثه عنه رديء " ، رجعت إلى تواريخ ابن معين فلم أجد فيها هذا الكلام، ثم رجعت إلى " تهذيب التهذيب " في ترجمة عبدالكريم ( 6 / 374 ) فوجدت الحافظ قد نقل كلام الأئمة فيه وإذا في كلامه توثيق عال ومنه قول ابن معين فيه : ثقة ثبت، وقول أحمد : ثقة ثبت . وقول ابن سعد : ثقة كثير الحديث . وقال ابن عمار والعجلي وأبو زرعة وأبو حاتم وغير واحد : ثقة . وقال أبو زرعة : أخذ عنه الأكابر .(1/142)
... وقال سفيان : ما رأيت غريباً أثبت منه . وقال الحميدي عن سفيان : كان حافظاً وكان من الثقات لا يقول إلا سمعت وحدثنا ورأيت .
... وقال الثوري لابن عيينة : أرأيت عبدالكريم الجزري وأيوب وعمرو بن دينار ليس لأحد فيهم متكلم. وقال ابن المديني: ثقة، ثبت . وقال ابن نمير والترمذي وأبو بكر البزار وابن البرقي والدارقطني: ثقة . وقال الثوري : ما رأيت أفضل منه كان يحدث بشيء لايوجد إلا عنده فلا يعرف ذلك فيه يعنى لا يفتخر.
... وقال ابن عبدالبر : كان ثقة مأموناً كثير الحديث. وقال الدوري عن ابن معين : حديث عبدالكريم عن عطاء رديء .
... وقال ابن عدي يعني عن عائشة " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلها ولا يحدث وضوءاً " : إنما أراد ابن معين هذا لأنه ليس بمحفوظ، ولعبدالكريم أحاديث صالحة مستقيمة .
... رأيت هذا كله في تهذيب التهذيب : ثناء عاطر، وتوثيق يدل على عظمة هذا الإمام وحفظه وإتقانه، وقد ترك المليباري هذا عمداً ليصل إلى غرضه، ويشفي غليله من هذا الحديث حديث فضل الصلاة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
... ورأيت الحافظ ابن حجر قد نقل قول الدوري بهذا اللفظ " وقال الدوري عن ابن معين : حديث عبدالكريم عن عطاء رديء " هكذا بإفراد لفظ حديث، وإفراد وصفه " رديء " ، ونقل تفسير ابن عدي في تعيين هذا الحديث بقوله : يعني عن عائشة " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلها ولا يحدث وضوءاً " ثم أكد ابن عدي كلامه السابق بصيغة القصر. إنما أراد ابن معين، هذا والمشار إليه واحد. ثم علل ذلك بقوله : " لأنه ليس بمحفوظ " بإفراد اسم إن وهو الضمير، وإفراد اسم ليس وهو الضمير المستتر فيها، وإفراد خبر ليس الذي أدخل عليه الباء في قوله ليس بمحفوظ، ولم يكن عندي من الإشكالات ما يدفعني أن أراجع الكامل لابن عدي.(1/143)
... و رأيت ما نقله المليباري عن ابن معين مطابقاً في اللفظ لما نقله عنه الحافظ، ورأيت في ثناء الأئمة العاطر المطلق ما يرفع من شأن عبدالكريم، فلم يكن عندي أيضاً ما يدفعني إلى مراجعة الكامل أو غيره .
... فلو كان المليباري نقل كلام ابن معين من الكامل وبلفظ الجمع لكان ربما يلزمني الرجوع إلى موضع نقله، وإذا لم يكن فلا لوم ولا تقصير، وبعد كل هذا ننظر في كلام ابن عدي في الكامل .
... قال : حدثنا عبدالملك ثنا عباس سمعت يحيى يقول : أحاديث عبدالكريم عن عطاء رديئة، وهذا الحديث الذي ذكره يحيى بن معين عن عبدالكريم عن عطاء هو مارواه عبيدالله بن عمرو الرقي عن عبدالكريم عن عائشة قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلها ولا يحدث وضوءاً، إنما أراد ابن معين هذا الحديث لأنه ليس بمحفوظ .
... علام يدل هذا السياق عند الناقد المنصف ؟
... الذي أفهم أن جملة " وأحاديث عبدالكريم عن عطاء رديئة " قد حصل فيها تحريف، والأدلة على هذا التحريف من السياق .
... أولاً - قوله : وهذا الحديث الذي ذكره يحيى بن معين بألفاظ الإفراد في اسم الإشارة هذا .
... ثانياً - إفراد لفظ الحديث .
... ثالثاً - إفراد صفة الحديث وهو الاسم الموصول " الذي " .
... رابعاً - إفراد العائد على الموصول وهو الضمير في ذكره .
... خامساً - تأكيده ذلك " إنما أراد ابن معين هذا الحديث لأنه ليس بمحفوظ " . بإفراد اسم الإشارة ولفظ الحديث، وإفراد اسم إن، وإفراد اسم ليس وخبرها .(1/144)
... سادساً - ما نقله الحافظ ابن حجر عن الدوري بلفظ الإفراد في كل ما ذكرناه، وكذلك ما نقله الزيلعي وعبدالحق الأشبيلي بالإفراد، كما سيأتي. والحافظ، إما أن يكون نقله عن الدوري من غير طريق ابن عدي، فيكون فيه دليل على التحريف في ما في الكامل، وإما أن يكون مصدره الكامل فتكون النسخة التي نقل عنها ألفاظ الجملة فيها بالإفراد. ويؤيد هذا سياق كلام ابن عدي مما يجعل المنصف البعيد عن المكابرة لا يشك في تحريف هذه الجملة .
... أنتقل إلى الفقرة 3 - وأسمع كلام المليباري حيث يقول : " هذا الكلام من ابن عدي ظاهر وصريح بأنه ليس كما يدعى الشيخ بأن ابن عدي بين مراد ابن معين بقوله : إنه أراد حديث عائشة وقيده به .
... فأين هذا الظهور، وأين هذه الصراحة، وحال السياق كما تراه وكما شرحناه ؟
... وعد بذاكرتك إلى ما ادعاه في صحيح مسلم من تحريف، مع قيام الأدلة والبراهين على بطلان دعواه .
... وهنا لو كلمه الموتى، وحشر كل شيء أمامه قبلا ما كان ليؤمن بهذا التحريف الذي قامت عليه الأدلة الواضحة، ولو وجد ما يوافق هواه فهو صحيح وصريح وثابت ولا يمكن أن يتطرق إليه التصحيف، ولو خالف هواه ما في صحيح مسلم أو البخاري فيمكن أن يكون مصحفاً ومحرفاً .
... ولو كان في غاية الصراحة والظهور فليس بصريح ولا واضح ولا ظاهر .
... 4 - فقرة ( 4 ) قوله : وقد صرح ابن عدي قوله : أحاديث عبدالكريم بالجمع ... الخ .
... أقول : إن إصراره على الصراحة والظهور، وفى كلام ابن عدي ما يدل صراحة على الإفراد، وقصده دليل واضح على مكابرته ومرجع هذا الإصرار أمور:
... أحدها : المكابرة في البدهيات التي عرفناها فيه .
... وثانيها : عجمته .
... وثالثها : مع عجمته عدم فهمه للغة العرب؛ فإن تفسيره للنصوص تفسيراً خاطئاً، وركة أسلوبه يدلان على أن الرجل إلى الآن لم يفهم العربية كما يفهمها عوام العرب، وكما يفهمها كثير من العجم .(1/145)
... الفقرتان 5، 6 - إمعان في الباطل والعناد، وجعجعة بدون أدلة، واستطراد في استطراد .
... وللقاريء أن يقرأ كلامه لينظر بماذا يرجع منه، ثم ما سيق في بحثي السابق حول هذا الحديث وغيره من الأحاديث ما يدفع الشبه عنها، ومن أقوال العلماء ومواقفهم ما يقنع القاريء بصحتها .
... وأضيف له الآن بالنسبة لحديث عائشة من طريق عبدالكريم الجزري مواقف علماء آخرين .
... قال الإمام الزيلعي في نصب الراية ( 1 / 74 ) : " طريق آخر ( يعني من طرق حديث عائشة ) روى البزار في مسنده، حدثنا إسماعيل بن يعقوب ابن صبيح ثنا محمد بن موسى بن أعين ثنا أبي عن عبدالكريم الجزري عن عطاء عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل بعض نسائه ، ثم يصلي ولا يتوضأ. وعبدالكريم روى عنه مالك في الموطأ وأخرج له الشيخان وغيرهما، ووثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم. وموسى بن أعين مشهور وثقه أبو زرعة وأبو حاتم، وأخرج له مسلم . وأبوه مشهور روى له البخاري.وإسماعيل روى عنه النسائي ووثقه، وأبو عوانة الاسفرائيني، وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه وذكره ابن حبان في الثقات . وأخرج الدارقطني هذا الحديث من وجه آخر عن عبدالكريم .
... وقال عبدالحق بعد ذكره لهذا الحديث من جهة البزار : لا أعلم له علة توجب تركه، ولا أعلم فيه مع ما تقدم أكثر من قول ابن معين حديث عبدالكريم(1) عن عطاء حديث رديء لأنه غير محفوظ وانفراد الثقة بالحديث لا يضره، فإما أن يكون قبل نزول الآية أو يكون الملامسة الجماع " .
__________
(1) ... هذا اللفظ يؤكد ما قدمناه قبل قليل من لفظ ابن عدي بالإفراد لا بالجمع .(1/146)
... ثم ساق الزيلعي لحديث عبدالكريم المذكور متابعات وشواهد قبله وبعده مما يدل على أن عبدالكريم لم ينفرد برواية هذا الحديث، وليس لابن معين حجة فيما يدعيه من رداءة حديث عبدالكريم عن عطاء، وهو قد وثق عبدالكريم ووثقه الأئمة، ومن كان هذا شأنه فلا يقبل الجرح فيه إلا مفسراً، وأين تفسير يحيى بن معين وهذ الثوري أعرف به من يحيى ابن معين يمدح عبدالكريم على افراده فكيف ما توبع فيه وله شواهد .
... وقد صحح الحديث وشواهده أحمد محمد شاكر ونقل كلام الزيلعي وزاد فيمن صححه ابن التركماني وهو كذلك .
... وانظر كلامه في الجوهر النقي(1)، فقد صححه ودفع عنه الشبه وساق له أربع متابعات من طرق إلى عائشة رضى الله عنها .
... ص 85 - قال : ولكن قول الشيخ فهذا كلام البخاري واضح في أنه لم يحكم إلا على حديث عبدالكريم بأنه لا يصح وبأنه لا يثبت، وسكت عن طريق حبيب المعلم وغيرها من الطرق غريب؛ لأن الإمام البخاري وغيره إذا سرد وجوه الاختلاف خاصة في تاريخه والعلل، ثم إذا لم يرجحوا شيئاً منها فهذا حكم منهم بأنه مضطرب(2) .
__________
(1) ... حاشية سنن البيهقي : ( 1 / 129 ) .
(2) ... إن الرجل يرى أن كل خلاف يدل على الاضطراب، وكل خلاف مؤثر ولابد. وهذا على فظاعته أكثر منه فظاعة ما ادعاه في منهج مسلم أنه ينطوي على علل، وأن بيان العلل يأتي من خلال هذا الترتيب .(1/147)
... أقول : إني قلت في ردي الأول عليه ص 74 : " ورأيته في دراسة هذا الحديث رقم ( 498 ) ينسب أقوالاً إلى بعض الأئمة، فإذا رجعت إلى أقوالهم رأيت فرقاً بينها وبين ما يجزم بنسبته إليهم. فمثلاً قال هنا قلت : إن الإمام البخاري والبزار والدارقطني يجعلون هذا الاختلاف على عطاء في هذا الحديث بالذات علة قادحة لصحته، وهذا هو المعروف عند نقاد المحدثين ص 3 ( أى من بحثه الأول ) فإذا رجعت إلى كلامهم لا تجده كما ذكر هذا الباحث. ثم عرضت كلام البخاري والبزار والدارقطني من ص 74 - 76 وإذا بكلامهم يختلف عما نسبه إليهم فعلاً فارجع إلى الصفحات المذكورة .
... ثم هو الآن مع بلاياه الكثيرة - يضيف لنا هذه الطامة وهو قوله : لأن البخاري وغيره إذا سرد وجوه الاختلاف خاصة في تاريخه والعلل ثم إذا لم يرجحوا شيئاً منها فهذا حكم منهم بأنه مضطرب " .
... أرأيت أيها القارئ مثل هذا التهور، فبدل أن يرجع إلى الحق الذي وضحته له، وبعد بياني لزيف كلامه يتمادى في باطله ويضيف ما هو أدهى وأمر .
... فكم ساق البخاري في صحيحه من وجوه الاختلاف ولم يبين الراجح من المرجوح ذهاباً منه إلى صحة هذه الوجوه كلها(1) .
... والمليباري يحكم أن مجرد سرده للاختلاف يدل على الاضطراب، وقل مثل ذلك في شأن مسلم وغيره .
__________
(1) ... راجع مقدمة الفتح الفصل : 2 ( 105 - 143 ) طبعة الحلبي فستجد أمثلة كثيرة لما ذكرت.(1/148)
... فعلى سبيل المثال أورد البخاري في صحيحه 42 - كتاب المساقاة حديث رقم ( 2359 - 2360 ) فقال : حدثنا عبدالله بن يوسف حدثنا الليث قال : حدثنى ابن شهاب عن عروة عن عبدالله بن الزبير - رضى الله عنهما - أنه حدثه أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري سرح الماء يمر، فأبى عليه فاختصما عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير : اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري فقال: أن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك { فلا ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } .
... قال محمد بن العباس، قال أبو عبدالله : ليس أحد يذكر عروة عن عبدالله إلا الليث فقط، ثم أورده برقم ( 2361 ) تحت ترجمة باب شرب الأعلى قبل الأسفل، حدثنا عبدان أخبرنا عبدالله أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة قال خاصم الزبير رجلًا من الأنصار به، ثم أورده برقم ( 2362 ) تحت ترجمة باب شرب الأعلى إلى الكعبين، حدثنا محمد أخبرنا مخلد بن يزيد الحراني قال : أخبرني ابن جريج قال : حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير أنه حدثه أن رجلاً من الأنصار به . فعلى منطق هذا الرجل يكون البخاري ساقه لبيان الاختلاف، فالحديث مضطرب، وإذا لم يحكم باضطرابه فيكون على مذهب المليباري حديث الليث معللاً لأنه خالفه جميع أصحاب الزهري .
... قال الحافظ : وذكر الدارقطني في العلل أن ابن أبي عتيق وعمر بن سعد وافقا شعيباً وابن جريج على قولهما عن عروة عن الزبير، قال : وكذلك قال أحمد بن صالح وحرملة عن ابن وهب، قال : وكذلك قال شبيب بن سعيد عن يونس وهو المحفوظ .(1/149)
... قال الحافظ : وإنما صححه البخاري مع هذا الاختلاف اعتماداً على صحة سماع عروة من أبيه، وعلى صحة سماع عبدالله بن الزبير من النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيفما دار فهو على ثقة. ثم الحديث في شيء يتعلق بالزبير فداعية ولده متوفرة على ضبطه، وقد وافقه مسلم على تصحيح طريق الليث التي ليس فيها ذكر الزبير(1) .
... وكذلك الترمذى رواه من طريق الليث به وقال : هذا حديث حسن صحيح، وأشار إلى الاختلاف المذكور، ومع ذلك صححه. فهذا البخاري سرد وجوه الاختلاف، وبين فوق ذلك أن الليث قد خالف جميع أصحاب الزهري، ومع ذلك صحح حديث الليث وساقه مساق الاحتجاج. وذكر الحافظ وجوه الاختلاف وزاد عدداً من أصحاب الزهري، وبين وجه صحة الحديث .
... ثم إن مسلماً وافق البخاري في تصحيح طريق الليث وأخرجه محتجا به :
فقال : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث، ح حدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عبدالله بن الزبير حدثه أن رجلاً من الأنصار به(2) .
... ومن الجدير بالذكر أن نقول للقاريء : انظر إلى منهج البخاري ومسلم ومن ورائهم المحدثون، كيف صححوا هذا الحديث وأمثاله مع أن الاختلاف فيه شديد والليث فيه وحيد .
... ثم عد بذاكرتك إلى المعركة التي أقامها المليباري على حديث عبيدالله بن عمر وموسى الجهني وموسى بن عقبة وعبدالله بن عمر وعبدالله بن نافع وأيوب، كل هؤلاء خالفهم اثنان على إمام كثير الحديث لايستكثر عليه أن يرويه أصحابه على الوجهين كما حصل في حديث الليث، حيث اختلف مع رفقائه وهم كثير وهو وحيد، لكن لما كان الزهري من الأئمة المكثرين واحتمل أنه رواه على الوجهين صححه البخاري ومسلم ومن ورائهم أئمة الحديث .
__________
(1) ... الفتح : ( 5 / 35 ) .
(2) ... مسلم 43 - كتاب الفضائل، حديث 2357 ( 4/1829 ) .(1/150)
... وتذكر مرة أخرى أن مسلماً روى حديث إبراهيم بن معبد عن ابن عباس عن ميمونة بهذا الإسناد: قتيبة وابن رمح عن الليث عن نافع عن إبراهيم عن ابن عباس عن ميمونة. فأعله المليباري ورجح طريق عبدالله بن صالح الضعيف الواردة روايته في تاريخ البخاري على رواية الإمامين قتيبة وابن رمح، ولا أعيد إليك الحجج الواضحة لفساد مسلك هذا الرجل ومجازفاته وادعائه على المحدثين أقوالا ومناهج يتبرؤن منها .
... وتأمل مرة أخرى قوله : " حتى أن الإمام البخاري إذا أخرج الخبر في التاريخ الكبير لا يفيده إلا وهنا فقد قال العلامة المعلمى ... فإن من شأن البخاري أن لا يخرج الخبر في التاريخ إلا ليدل على وهن راويه " .
... وهذا البخاري أورد خبراً في تاريخه فقال : عبدالله بن دينار مولى عبدالله ابن عمر المديني سمع ابن عمر روى عنه سهيل بن أبي صالح عن عبدالله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " الإيمان بضع وستون باباً " فذكر الحديث بطوله .
... فهل إيراده الحديث لبيان وَهْن راويه عبدالله بن دينار، أو لبيان وهن حديث شعب الإيمان - الحديث المتفق عليه فقد أخرجه الإمام مسلم(1) - رحمه الله - قال : حدثنا زهير بن حرب، حدثنا جرير عن سهيل عن عبدالله ابن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة .... " الحديث .
... وقال البخاري(2) - رحمه الله - : حدثنا عبدالله بن محمد حدثنا أبو عامر العقدى قال : حدثنا سليمان بن بلال عن عبدالله بن دينار به . وأخرجه مسلم بهذا الإسناد، فأين وهن الحديث وأين وهن راويه ؟
__________
(1) ... الإيمان : حديث 35 ( 1 / 63 ) .
(2) ... الإيمان : حديث ( 9 ) .(1/151)
... وقال البخاري في التاريخ ( 4 / 150 - 151 ) الترجمة 2286، السائب بن يزيد ابن أخت نمر الكندي ويقال الهذلي، قال لى عبدالرحمن بن يونس عن حاتم بن إسماعيل عن محمد بن يوسف عن السائب : حج بي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن سبع سنين " قال على : هو من الأزد ... " .
... وقد أخرج البخاري هذا الحديث بهذا الإسناد في صحيحه قال : حدثنا عبدالرحمن بن يونس حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد به. فأين الوهن ؟ أفى الصحابي أم في أحد من رجال الإسناد وقد خرج لهم محتجا بحديثهم ؟ والأمثلة التي تدحض ادعاءه كثيرة.
... وهكذا تكون أقوال هذا الرجل ومواقفه مبنية على شفا جرف هار، فتنهار في أودية سحيقة من أودية الباطل .
... 1- قال ص 75 " وهذا كلام الدارقطني في العلل 5 /71 ..... ثم هو لم يجعل الاختلاف في هذا الحديث بالذات علة قادحة في صحته كما يزعم الباحث ... ألا ترى معي أن كلام الدارقطني في واد وكلام الباحث في واد آخر، فمتى جعل الدارقطني الاختلاف في هذا الحديث بالذات علة قادحة ( ص 76 ) .
... 2- قلت : إنى أكتفي بنقل ما ذكره الدارقطني من الاختلاف على عطاء في هذا الحديث، ولا أريد أن أحلل هذا التصرف، لأن هذا لايليق بي .
... 3- قال الإمام الدارقطني - رحمه الله - في العلل 3 / 2 /124 :
" ورواه عطاء بن أبي رباح عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعائشة، وكذلك قال أبو مريم عن عطاء. ورواه الزنجي بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن عبدالله بن الزبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك حبيب المعلم والمثنى بن الصباح والربيع بن الصبيح عن عطاء عن ابن الزبير. ورواه ابن أبي ليلى عن عطاء عن أبي هريرة، وقال عبدالكريم الجزري عن عطاء عن جابر، وروى أبو إسحاق السبيعي عن عطاء بن أبي رباح مرسلاً " . ا . هـ . ولم يرجح منها شيئاً .(1/152)
... 4- ولهذا قلت في ص 1 - 2 من بحثي في حديث رقم 498 " .. هذا وفى الإسناد شيء ينبغي أن يلاحظ، وهو أن عطاء قد اختلف عنه اختلافاً كثيراً في هذا الإسناد، وقد سرده الإمام الدارقطني في علله 3 / 2 / 134، 5 / 71، وكذا البزار مختصراً على ما حكاه الهيثمي في الكشف 1 / 214، وكذا البخاري في التاريخ الكبير 4 / 30، وأورد الطحاوي تلك الوجوه في المشكل 1 / 245 من دون غرض الإعلال، وكذا وقع ... " ا . هـ .
... 5- إنى قدمت هنا الإمام الدارقطني في علله 3 / 2 / 134، وبعده 5 /71، وبعده البزار، وبعده الإمام البخاري مفرقا بينهما بقولي " وكذا " وإنما فعلت ذلك لما وجدنا من الفرق بينهم، ثم جاء الشيخ وترك ما ذكره الدارقطني في 3 / 2 / 134 الذي قدمته من كل المراجع لأنه هو المرجع الأول الذي فهمت منه الاختلاف في عطاء، وأخذ المرجع الذي بعده من العلل 5 / 71 ثم أورد ما فيه قائلاً : ألا ترى معي أن كلام الدارقطني في واد وكلام الباحث في واد آخر، فمتى جعل الدارقطني الاختلاف في هذا الحديث بالذات علة قادحة .
... الجواب عن فقرة ( 1 ) : نعم قلت هذا الكلام وسيأتى على أى أساس قلته.
... الجواب عن فقرة ( 2 )
... أقول : أنظر إليه كيف يتجرأ على الطعن في أحاديث صحيح مسلم، وكيف يتجرأ على وضع منهج باطل يهدمه ويحوله إلى كتاب علل، وكيف يتجرأ على مخالفة عدد كبير من العلماء صححوا حديث ابن عمر وابن عباس وشواهدهما .
... ثم هو بعد هذا يتأدب مع الدارقطني ويتهيب شرح كلامه في العلل وهكذا يكون التواضع و الأدب .
... وهذا يذكرني بقول ابن عمر - رضي الله عنهما - حينما سأله أناس من العراق عن دم الذباب فقال : عجباً لكم تقتلون ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتسألون عن دم الذباب .
... الجواب عن فقرة ( 3 )
... قوله : قال الإمام الدارقطني في العلل : ( 3 / 2 / 124 ) ورواه عطاء ابن أبي رباح عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعائشة ... إلخ .(1/153)
أقول : أولاً - هذا الكلام ذكره الدارقطني في ( 3 / 134 ) لا في ( 3 / 2 / 124 ) .
... ثانياً : أصل كلام الدارقطني أنه سئل عن حديث سعيد و أبي سلمة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " صلاة في مسجدي هذا " فذكر اختلافاً كثيراً على الزهري، ورجح بعض طرقه على بعض، ثم عطف عليه بذكر الاختلاف على عطاء ولم يرجح كما حكاه المليباري .
... ثم قال بعد ذكر الخلاف على عطاء مباشرة ( 3 / 2 / 134 ) : " وروى هذا الحديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي صالح السمان واختلف عنه، فرواه على بن عاصم عن يحيى بن سعيد عن أبي صالح عن أبي هريرة، وغيره يرويه عن يحيى عن أبي صالح عن إبراهيم بن عبدالله بن قارظ عن أبي هريرة وهو الصواب " .
... ويلاحظ أن الدارقطني قام بترجيح بعض روايات الزهري على بعض، ورجح في الاختلاف على يحيى بن سعيد الأنصاري بعض الطرق، ولم يقم بالترجيح في الاختلاف على عطاء فلماذا ؟
... الجواب : سكت تورعاً وأفسح المجال لغيره، ليدرس القضية ويرجح ما يقوم عليه الدليل، ورجح في الاختلاف على الزهري الطرق التي اختارها الإمام مسلم في صحيحه، ورجح في الاختلاف على يحيى بن سعيد الطرق التي خرجها الإمام مسلم في صحيحه. إذ روى مسلم هذا الحديث من طريق عبدالوهاب الثقفي، ومن طريق يحيى بن سعيد القطان كلاهما عن يحيى بن سعيد الأنصاري .
... انظر : صحيح مسلم حديث 1392 ( 3 / 1011 - 1013 ) هكذا تأسى الدارقطني بالإمام مسلم الذي انتخب من طرق حديث أبي هريرة صحيحها، وأفسح المجال لغيره ليدرسوا ويرجحوا ما قام الدليل على رجحانه، لا لأن في حديث ابن الزبير وجابر اضطراباً. فقام العلماء بترجيح بعض طرق الحديثين، وصححوها على قواعد المحدثين، ولم يروا أن في طرقهما اضطراباً .(1/154)
... ونسأل المليباري : لقد أبدى الدارقطني رأيه في الاختلاف على الزهري، وأبدى رأيه في الاختلاف على يحيى بن سعيد الأنصاري، وسكت عن الاختلاف على عطاء، فرجح عشرة من العلماء منهم ابن عبدالبر وابن حبان وابن خزيمة وابن حجر بعض طرق حديث عطاء عن ابن الزبير وحكموا بصحة الحديث، ورجح ستة من العلماء منهم ابن حزم والمنذري وابن حجر بعض طرق حديث عطاء عن جابر وحكموا بصحته، ولم يفهموا أن في طرقهما اضطراباً ولم يفهموا أن مجرد حكاية الخلاف بدون ترجيح يدل على الاضطراب .
... لماذا لم تقف خجلاً أمام هؤلاء الأئمة فتسلم لهم بالحق ؟ ولماذا تخالفهم وأنت تعتبر مخالفة العلماء طعناً فيهم كما هي طريقة غلاة الصوفية ؟(1/155)
... لقد قلت في سياق الكلام على تضعيف حديث ابن عمر وابن عباس وشواهدهما ص 66 من ردي عليه : " وقد علم القاريء الكريم أن هذا الباحث المسكين قد ضعف حديثين من صحيح مسلم جاءت من طرق صحيحة قوية ومن طريق حسن في المتابعات، وقد جلب عليها بخيله ورجله، وما ترك حقا يزعمه أو باطلاً يتعمده خطر بباله إلا ركض به عجلاً، وسعى به فرحاً؛ لتضعيف هذين الحديثين وتعليلهما . ثم إنني قد وضحت أن منهجه الذي تبناه وسار عليه في المناقشة، وزعم جهلاً أن منهج مسلم يقتضى تضعيف حديث أبي هريرة الذي أورده مسلم من طرق، فارجع إليه مرة أخرى لترى صدق كلامي. ثم ما كفاه كل هذا حتى سعى حثيثاً لنقد الشواهد التي دعمنا بها حديثي ابن عمر وميمونة، ويبين لنا أنها كلها منتقدة. فليصفق خصوم الإسلام والسنة لعمل هذا الباحث العبقري، ولا أقول يكبر خصوم الإسلام لأنهم يكفرون بهذا التكبير، ليصفقوا فرحا بما قدم لهم هذا العبقري من دراسة قائمة على منهج يسميه لهم بمنهج مسلم، وبما قدم لهم من تضعيف هذا الباب بكامله من صحيح مسلم، وما يتلوه من أبواب وأحاديث يقتضى الطعن فيها هذا المنهج الفذ الذي لم يطبقه تطبيقا كاملاً إلا هذا العبقري في القرن العشرين. فعلام يدل بالله معشر المحدثين بل وجميع المسلمين هذا التشمير الجاد في تبني هذا المنهج ... " انتهى كلامي .
... فما كان جواب المليباري ؟
... قال في ص 76 : " والذى قاله الشيخ ص 66 من التصفيق وغيره قلت - المليباري - : إنهم لا يصفقون لي قطعاً لأننى دافعت عن أئمة هذه الأمة وعارضت فضيلة الشيخ وهذا العمل مما يكرهونه بل مما يبغضهم .
... هكذا قال ورب الكعبة. لم يقل المليباري أعوذ بالله من هذه، وأبرأ إلى الله من وضع هذا المنهج الخطير على هذا الكتاب العظيم الذي يمثل أعز وأغلى وأنقى ما خلفه رسول الله من سنته ودينه .(1/156)
... وأعوذ بالله من هذه الجرأة على هذه الأحاديث، التي تعتبر من أعز وأغلى ما عند المسلمين من سنة نبيهم، وفى فضيلة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد صححها فيما بلغني خمسة عشر عالماً ، وليس للبخاري ولا للدارقطني ومن معهما حجج واضحة في تعليلها وإنما هي إشارات أو سكوت أحياناً بل تفوه المسكين بهذا الكلام .
... يعني أن هجومه على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضعه لمنهج خطير يؤدي إلى نسف ثاني أصح الكتب بعد القرآن ويمثل أعز وأغلى ما خلفه رسول الله .
... هذا العمل يغيظ الكفار أعداء الإسلام ويزعجهم، ولا سيما المستشرقين منهم مثل جولد تسيهر وصنائعه، فإنهم يتقطعون حماساً وغيرة على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن هؤلاء إذا رأوا مثل المليباري يقدم على مثل هذا العمل الخطير اضطربت الأرض من تحت أقدامهم، وجزعوا وهلعوا .
... وإننا الآن نخاف على المليباري من بطشهم ومؤامرتهم عليه؛ فلابد إذن من حراسته والحفاظ عليه من قبل عموم المسلمين؛ لأنه قدم للإسلام ولسنة رسول الله خدمة لم يسبق إليها، خصوصاً وقد أكدها بكل حماس وبشكل منقطع النظير في كتابه الجديد الذي يستحق أن يكتب بماء الذهب وبماء العيون. وكذلك مما يميت أعداء الإسلام ويقتلهم غيظا أن يدافع إنسان بالباطل في قضية إسلامية .
... ولكن الذي يفرحهم ويثلج صدورهم أن يدافع مسلم غيور عن سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ويعيد الحق إلى نصابه بمناقشة العلماء بالحجة والمنطق والبرهان مع كل احترام وأدب لأئمة الإسلام .(1/157)
... أقول : إنه لمن العجب أن يرى المليباري كل ما قمت به في خدمة السنة : من تصحيح حديثي ابن عمر وابن عباس، وتصحيح شواهدهما، ومناقشة بعض علماء السنة بالحجة والبرهان بكل أدب واحترام؛ سيرا على مناهجهم في الأخذ والرد بالحجة والدليل من العجب أن يرى هذا طعناً فيهم يفرح أعداء الإسلام ويرى أن التضحية بأحاديث في صحيح مسلم، وبأحاديث أخر تشهد لها وتقويها يبلغ مجموعها درجة التواتر، ووضع منهج خطير ينسف صحيح مسلم ومصاولة أكثر من خمسة عشر عالماً صححوا هذه الأحاديث والتعريض بهم، وأنهم ليسوا من النقاد كل هذا عمل إسلامي يغيظ الكفار أعداء الإسلام فاعتبروا يا أولى الألباب .
... الجواب على فقرة ( 4 )
... أقول : نعم إنه لما عرض هذا الكلام هكذا في بحثه السابق أشار إلى كلام الدارقطني في العلل ( 3 / 2 / 124 ) ، ( 5 / 17 )، ولم يذكر نص الدارقطني من الموضعين المشار إليهما وسأنقل كلام الدارقطني من 5 / 71 : وسئل عن حديث أبي سلمة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة " فقال : يرويه عطاء بن أبي رباح واختلف عنه فرواه ابن جريج عن عطاء واختلف عنه .
... 1- فرواه ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعائشة .
... 2- وخالفهم ( كذا ) أبو عاصم وعبدالرزاق، فروياه عن ابن جريج عن عطاء عن أبي سلمة عن أبي هريرة أو عائشة .
... 3- وقال موسى بن طارق : عن ابن جريج عن عطاء عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عائشة .
... 4- وقال عبدالغفار بن القاسم : عن عطاء .
... 5- وقال محمد بن عبيدالله العرزمي عطاء عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
... 6- وقال أبو بشر جعفر بن أبي وحشية عن عطاء عن عائشة .
... 7- وقال حماد بن زيد عن عطاء، ويشبه أن يكون قول حماد محفوظاً .
... والصحيح عن ابن جريج عن عطاء عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عائشة. والباقي وهم .(1/158)
... أقول : لماذا تجنب المليباري نقل هذا النص ؟ أظن والله أعلم لما عرفت من أساليبه أنه خاف أن يتورط في تضعيف حديث أبي هريرة في الصحيحين، فتقوم عليه ضجة تزلزله؛ لأن منهجه الذي سلكه يحتم عليه أن يضعف هذا الحديث، فابتعد بنفسه عن ساحة الخطر المكشوفة .
... ولأبين للقاريء هذه القضية :
... ألم تر أن الدارقطني قال : " والصحيح عن ابن جريج عن عطاء عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عائشة والباقي وهم " .
... ومعنى هذا أن الحديث من مسند عائشة لا من مسند أبي هريرة وقد رواه الشيخان في الصحيحين في مسند أبي هريرة .
... والدارقطني قد حكم على سائر طرقه عن عطاء بالوهم، ولم يصح في نظره عن عطاء إلا من هذا الطريق، وهو يتعلق بكلام الدارقطني لتحقيق أغراضه تعلقاً أعمى فلماذا لا يتابعه هنا، ويقول كما قال ودندن طويلاً وتغالى في الدارقطني : إن الدارقطني لم يصححه إلا لقرينة ولم يرجحه إلا لقرينة كما قال في حديث عبيدالله بن عمر وموسى الجهني وموسى بن عقبة وأيوب وعبدالله ابن عمر وعبدالله بن نافع، فليأخذ بهذه القرينة القوية وليهول بها وبالدارقطني ويقترح على المحدثين أن يعللوا هذا الحديث في الصحيحين بهذه العلة .
... وليقترح على من يحقق كتب الأطراف أن ينقلوا هذا الحديث إلى مسند عائشة، قد يتظاهر بأن الشيخين إنما خرجاه. من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة .
... فيقال بحكم تعلقك بكتاب العلل، فإن مؤدى كلامه هذا أن الحديث من مسند عائشة، وأن أبا هريرة تلقاه عنها، وكلامه واضح في ذلك لا يمكن التخلص منه إلا برد كلامه ومناقشته مناقشة علمية يتبين فيها ضعف حجته، لا طريق للخلاص من هذا المأزق إلا بسلوك منهج المحدثين في اتباع الحجة، ورد الخطأ بالحجة. لكنه على مسلك المليباري يعتبر هذا طعناً في أئمة الإسلام يفرح أعداء الإسلام .(1/159)
... فطوى هذه القضية المتعلقة بالصحيحين لخطورتها، لكن واجهته معضلة وهو في طريقه إلى بعثرة كل شواهد حديث ابن عمر وسحقها، فماذا يصنع بحديث عائشة هذا الذي صححه الدارقطني من طريق عطاء عن أبي سلمة عن أبي هريرة عنها .
... فأخذ هنا بالقاعدة " الضرورة تبيح المحظورة " فتحول إلى مجتهد يناقش الدارقطني ويأخذ ويعطى بالحجة فقال في ص 6 في الكلام على حديث (498) من تعليقه على " غاية المقصد " . " ثم الذي رجحه الدارقطني فيه لأن رواية موسى بن طارق وهو يماني أبو قرة الزبيدي، قال فيه أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به، هكذا حكاه الذهبي عنه. وذكر الذهبى أيضاً الذي في الجرح وهو قول أبي حاتم : محله الصدق، لكن الإمام أحمد أثنى عليه، ووثقه ابن حبان وكذا الحاكم والخليلي. لكن خالفه ابن المبارك - وهو إمام معروف - فرواه عن ابن جريج عن عطاء عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعائشة " .
... ما هي النتيجة إذا كان ابن المبارك إماما معروفاً وقد خالف موسى بن طارق ؟
... لا شيء. ثم قال : وخالفهما عبدالرزاق، وهو من أثبت أصحاب ابن جريج عند الإمام أحمد، فرواه عن ابن جريج عن عطاء عن أبي سلمة عن أبي هريرة أو عائشة كما تأتي روايته هذه في رقم الحديث ( 501 ) ولهذا قلت : وفى ترجيح الدارقطني .(1/160)
... وما هي النتيجة إذن ؟ لاشئ . لماذا ؟ لأنه تدرب على الهدم لا على البناء، وليس هدم الحجارة والطين إنما هو هدم سنة سيد المرسلين، ولأن تصحيح حديث عائشة مما يشهد لحديث ابن عمر، وهو لا يريد هذه الشهادة القوية لأنه يريد أن يجهز عليه، ومما يزيد الريبة في أمره وخطورة مقصده أن الدارقطني في هذا الموضع قال: وخالفهم أبو عاصم وعبدالرزاق فروياه عن ابن جريج عن عطاء عن أبي سلمة عن أبي هريرة أو عائشة، فحذف أبا عاصم النبيل الثقة الثبت لأن في ذكره مشكلة لا يستطيع دفعها في هذا المقام، لأن مشاركته مع عبدالرزاق الثقة الثبت في رواية هذا الحديث سترجح على الأقل جانبهما، ويترتب على ذلك القول بصحة حديث عائشة من هذا الوجه، وهذا أمر صعب لا يطيقه فلابد من مرمرة القضية وطيها والخروج منها بدون نتيجة .
... فلم يسلك مسلكه الأعمى بالتسليم للدارقطني فيحكم بصحة الحديث من الوجه الذي صححه الدارقطني، ولم يسلك مسلك المجتهدين في الوصول إلى الحق والقول به إما بأن يجمع بين الطرق المختلفة على عطاء فيصحح الحديث بناء على هذا كأن يقول : لا يبعد أن يكون عطاء سمع الحديث من أبي سلمة على الوجهين لأن أبا سلمة قد سمع من عائشة ومن أبي هريرة. أو يقول : إن الشك في تعيين الصحابي لا يضر، فحيث إن الحديث مداره على صحابيين فهو ثابت لا شك فيه، لأنه كيفما دار فعلى صحابي، وما كان كذلك شأنه فلا ريبة في صحته، فإذا أنف من الاسترواح إلى القول بأنه يحتمل أن يكون روى على الوجهين كما عهدناه عنه، فليسلك مسلك النقاد فيرجح بالكثرة أو الحفظ أو بهما، وذلك متوفر في رواية أبي عاصم وعبدالرزاق وإما أن يرجح بالقرينة التي أشاد بها وملأ بها صفحات كثيرة في تضعيفه لحديث عبدالله بن عمر فيقول ما رجح الدارقطني طريق موسى بن طارق إلا لأنه أدرك أوهاماً وعللاً في تلك الطرق التي خالفت موسى بن طارق .(1/161)
... أمَّا أن يردم الطرق كلها ويترك كل قواعد المحدثين، ويتسلل في خفاء للخروج من حديث عائشة بدون نتيجة فإن هذا الأمر مريب .
... هذا وحديث عائشة لا شك أنه صحيح، لأن الجمع بين طرقه ممكن، ولأن الترجيح ممكن. ولا شك أن ترجيح الدارقطني غير صحيح، لكن المليباري لم يسلك مسلك أهل العلم في رد هذا الترجيح بالحجة والبرهان وإبراز الوجه أو الوجوه الراجحة، أو يسلك مسلكهم الذي طالما استخدموه وهو الجمع بين الطرق لأنه هنا ممكن كما أشرت إلى ذلك .
... ثم ذكر فقرة يؤيد فيها وجهة نظره في رد ترجيح الدارقطني .
... ثم قال : فالخلاصة أن حديث حبيب المعلم إما أن يكون محفوظاً لما سبق من المتابعات، ولكنه بعيد عندى لما فيه من الخلاف في الحكم، أو يكون مضطرباً لما فيه من الاختلاف وهذا حقاً حيرني عليه إلا أنى أميل إلى اضطرابه .
... انظر : كان كلامه في حديث عائشة، وكان المفروض أن يأتي بخلاصة بحثه فيه والنتيجة التي وصل إليها؛ إما الحكم عليه باضطراب كما هي طريقته المفضلة، وإما الحكم بصحته باتباع إحدى الطرق المتبعة عند المحدثين وقد ذكرتها لك. وانظر إلى هذا الربط بين كلامين متنافرين بالفاء الدالة على التعقيب والترتيب.
... قال في فقرة ( 5 ) متجنياً متظلماً : " إني قدمت هنا الإمام الدارقطني في علله ( 3 / 2 / 134 ) وبعده البزار وبعده الإمام البخاري مفرقاً بينهما بقولي: وكذا، وإنما فعلت ذلك لما وجدنا من الفرق بينهم، ثم جاء الشيخ وترك ما ذكره الدارقطني في ( 3 / 143 ) الذي قدمته من كل المراجع؛ لأنه هو المرجع الأول الذي فهمت منه الاختلاف في عطاء، وأخذ المرجع بعده في العلل 5 / 71 ثم أورد ما فيه قائلاً : ألا ترى معي أن كلام الدارقطني في واد، وكلام الباحث في واد آخر . فمتى جعل الدارقطني الاختلاف في هذا الحديث بالذات علة قادحة ".(1/162)
... أقول : أولاً - إننى طلبت بحثه هذا لأنظر خلاصة ما توصل إليه في شواهد حديث ابن عمر، والتى قال إنها منتقدة معللة، ولما وصلني فعلاً نظرت فيه نظرة إجمالية وصرحت له بأني سأكتفي بنظرة إجمالية في هذا البحث وليس عندي وقت لدراسته التفصيلية .
... ثانياً - إنه هو نفسه لم يذكر النصين، فلو ذكرهما وبينهما فرق وناقشته في أحدهما وتركت الآخر الذي هو موضع الحجة في نظره لكان له الحق أن يتظلم وأعوذ بالله من الظلم والخيانة .
... ثالثاً - يدعى أن بين النصين فرقاً وبين نصوص الأئمة فروقاً وعبر عن هذه الفوارق بكلمة ( كذا ) .
... وأنا إلى الآن لا أعرف هذه اللغة، وهل هذه دلالتها عند العرب كلهم أو بعضهم ومن من اللغويين والنحاة قال إنها تدل على الفرق أو الفروق بين الكلامين أو الأقوال المتعددة ؟ خصوصاً إذا كان موضوع الأقوال موضوعاً واحداً والذى أعرفه هو الذي قاله ابن هشام في مغني اللبيب ( 1 / 187 ) " كذا " ترد على ثلاثة أوجه :
... أحدها : أن تكون كلمتين باقيتين على أصلهما، وهما كاف التشبيه وذا الإشارية كقولك : " رأيت زيداً فاضلاً ورأيت عمراً كذا " وعلى هذا الوجه حملت كلام المليباري؛ لأنه يدل على تشابه وتماثل كلام الدارقطني في الموضعين، وعلى تشابه كلام كل الأئمة الذين ذكرهم .
... قال ابن هشام : الثانى : أن تكون كلمة واحدة مركبة من كلمتين مكنياً بها عن غير عدد، كقول أئمة اللغة : قيل لبعضهم أما بمكان كذا وكذا وجذٌ ؟؟ فقال : بلى وجاذا فنصب بإضمار أعرف .
... الثالث : أن تكون كلمة واحدة مركبة مكنياً بها عن العدد .
... ولا يمكن حمل كلام المليباري على هذين الوجهين فتعين الأول وهو الذي يعرفه طلاب العلم وعوام العرب .
... رابعاً : كان ينبغي إذا أدرك الفرق بين كلامي الدارقطني أن يذكره ويذكر الفرق بينهما، والحجج التي خسرها وتجاهلتها أنا على حد زعمه وتجنيه .(1/163)
... خامسا : نقلت عن الدارقطني هذا النص الذي يتباكى عليه قبل ثمان صفحات من بحثى هذا وأدنته منه، قمت بهذا قبل أن أرى هذا التجني والذي يرمي من ورائه إلى أن يعيبني بداء من أدوائه ويصدق عليه المثل ( رمتني بدائها وانسلت ) .
... وأختم مناقشتي هذه بما ختمت به مناقشتي الأولى مع إضافة شيء جديد وهو : أنه قد سبقني إلى تصحيح حديث ابن عمر وميمونة الإمام مسلم، ومن أتى بعد مسلم من أئمة الحديث الذين تلقوا كتابه بالقبول ولم يبالوا بِشُبَهِ المنتقدين .
... وممن رجح رواية ميمونة من طريق نافع عن إبراهيم بن عبدالله بن معبد عن ابن عباس الإمام المزى في " تحفة الأشراف " .
... وممن صحح حديث ابن عمر :
... 1- المنذري . ... ... ... ... 2- ابن حزم .
... 3- البيهقي . ... ... ... ... 4- السنوسي شارح مسلم(1) .
... 5- النووي . ... ... ... ... 6- الحافظ ابن حجر(2) .
... 7- أحمد محمد شاكر حيث صحح هذا الحديث من كل طرقه فصححه من طريق عبيدالله في المسند رقم ( 4646، 5153، 5777 ) ومن طريق موسى الجهني ( 5155 )، ومن طريق عبدالله بن عمر العمري ( 5358 ) .
... وممن صحح حديث ابن الزبير، وخالفهم الباحث :
... 1- ابن عبدالبر ... . ... ... ... 2- وابن خزيمة .
... 3- وابن حبان . ... ... ... 4- وابن حزم .
... 5- والمنذري . ... ... ... ... 6- والطحاوي .
... 7- والزركشي . ... ... ... 8- وابن حجر .
... 9- والسمهودي . ... ... ... 10- والألباني .
... وممن صحح حديث جابر وخالفهم الباحث :
... 1- ابن حزم . ... ... ... ... 2- والمنذري .
... 3- وابن عبدالهادي . ... ... ... 4- وابن حجر .
... 5- والبوصيري . ... ... ... 6- والألباني .
... وممن صحح حديث عائشة : الدارقطني في العلل ( 3 / 134 ) والهيثمي في مجمع الزوائد ( 4 / 5 ) والأمر كذلك .
__________
(1) ... انظر حاشية الآبي لمسلم ( 3 / 480 )
(2) ... حيث احتج برواية موسى الجهني في الفتح ( 3 / 67 ) .(1/164)
... وعجباً للباحث أن يتجرأ على مخالفة هؤلاء جميعاً بدون حجج، ويستغرب مخالفتي لعدد قليل لهم شبه، ومعي الحجج القوية والحمدلله وإلى جانبي الكثير من الأئمة ومنهم هؤلاء وأمامك مناقشتي ودراستي في هذا البحث وفى رسالتي " بين الإمامين " ترى الحجج النيرة على ما ذهبت إليه في تصحيح هذه الأحاديث .
... ومن الجدير بالذكر أن صاحب كتاب " النظم المتناثر من حديث المتواتر " قد عد حديث " صلاة في مسجدي " من الأحاديث المتواترة. انظره :(ص 54) .
... ملاحظة : كنت قد أعرضت عن هذا التعليق؛ لأنه يمس شخصي فقط، ثم ترجح لي إلحاقه من باب " إنها صفية " .
... قال المليباري في ص ( 1 ) قال الشيخ في ص 1 ... الذي رواه البزار فقال : حدثنا إسحاق بن يوسف ...
... وهذا خطأ لأن الإمام البزارلم يروه من طريق إسحاق بن يوسف، وإنما رواه في مسنده من طريق أحمد بن عبدة ثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح إلى أن قال : والذى قلته في مستهل تعليقي على هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند هو هذا الإسناد، ذكره البزار وجهاً من وجوه الاختلاف الذي ( كذا ) ورد على عطاء يعني أنه ضعيف بسبب الاضطراب، وليس فيه ما يدل على أن البزار قد رواه من طريق إسحاق بن يوسف .
... أقول : إن مسئولية الخطأ تقع على الأخ حمزة المليباري لأنه ساق حديث رقم ( 500 ) من " غاية المقصد في زوائد مسند أحمد " بهذا الإسناد : حدثنا إسحاق بن يوسف، ثنا عبدالملك عن عطاء عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فهو أفضل " .(1/165)
... ثم علق عليه في الحاشية بالآتي " 500 هذا الإسناد ذكره البزار وجهاً من وجوه الاختلاف الذي ورد على عطاء ( الكشف 1 / 214 ) فوثقت بهذا الكلام الواضح النسبة إلى البزار وإلى كتاب " كشف الأستار عن زوائد البزار " للحافظ الهيثمي فنسبت الحديث إلى البزار بناء على كلامه، وهل لكلامه مدلول غير هذا فأي إنسان له حظ من اللغة العربية يوافق المليباري على قوله : وليس فيه ما يدل على أن البزار قد رواه من طريق إسحاق بن يوسف بعد تصريحه بقوله هذا الإسناد ذكره البزار، وفى صدر هذا الإسناد إسحاق ابن يوسف وهو يأتي في شيوخ شيوخ البزار .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
فهرس الأحاديث
الحديث ... الصفحة
( أ )
أدنيت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - غسله ... 71
إذا أتى أحدكم أهله ... 73
إذا جلس بين شعبها الأربع ... 125
إن أدنى أهل الجنة منزلة ... 65
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبنا ... 83
إن الشيطان إذا سمع النداء ... 65
إن فيك خصلتين يحبهما الله ... 82
إنما أنا بشر ... 97
إنما الماء من الماء ... 61
إني لأعلم كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبي ... 41
الإيمان بضع وستون شعبة ... 185
إن تمسك بما أمر به دخل الجنة ... 81
إن امرأة من ولد جعفر ... 45
أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير ... 182
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اصطنع خاتما من ذهب ... 75
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس ... 124
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتما من ذهب ... 75
الحديث ... الصفحة
( ب )
بني الإسلام على خمس ... 57
بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... 80
( ت )
تخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخلفت معه ... 79
( ح )
حديث وفاة أبي طالب ... 82
حديث عائشة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلها ولا يتوضأ ... 174
حديث انشقاق القمر ... 134
حديث الاستئذان ... 124
حديث إملاص المرأة ... 124
حديث دية الأصابع ... 124
( د )(1/166)
دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وطرف السواك على فيه ... 70
( ذ )
ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجدته يغتسل ... 69
( ص )
صلاة في مسجدي ... 6، 11، 46، 47
الحديث ... الصفحة
( ط )
الطهور شطر الإيمان ... 77
( ق )
قصة تأبير النخل ... 42
قيل : يا رسول الله من أكرم الناس ... 44
( ك )
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ?يغتسل في القدح ... 73
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل بخمسة مكاكيك ... 74
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ?إذا اغتسل يبدأ فيغسل يديه ... 70
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل بالصاع ... 75
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل بعض نسائه ... 179
كنا نأكل لحوم الخيل ... 174
الكافر يأكل في سبعة أمعاء ... 126
( ل )
لقد نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلة بغائط أو بول ... 60
لولا أن أشق على أمتي ... 67
( م )
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ... 58
المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة ... 64
الحديث ... الصفحة
( ن )
نحن أحق بالشك من إبراهيم ... 59
نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبال في الماء الراكد ... 58
نهى عن خاتم الذهب ... 75
( و )
وضعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماء ... 69
ويل للأعقاب من النار ... 63
( لا)
لا يقبل الله صلاة بغير طهور ... 68
لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء ... 69
( ي )
يا رسول الله أرأيت ... 81
يا رسول الله! أيرقد أحدنا وهو جنب ... 72
مصادر الكتاب
الكتاب ... المؤلف
( أ )
الإكليل ... للحاكم أبي عبدالله
الإلزامات ... للدارقطني
( ب )
بين الإمامين ... ربيع بن هادي
( ت )
التاريخ الكبير ... للبخاري
تدريب الراوي ... للسيوطي
تقريب التهذيب ... للحافظ ابن حجر
التنكيل ... للمعلمي
تهذيب التهذيب ... للحافظ ابن حجر
( ج )
جامع الأصول ... لابن الأثير
الجرح والتعديل ... لابن أبى حاتم
الجمع بين الصحيحين ... لأبي بكر الجوزقي
الكتاب ... المؤلف
( ذ )
ذخائر المواريث ... لعبدالغني النابلسي
( ر )
الرسالة المستطرفة ... للكتاني
( ز )
زاد المعاد ... لابن القيم
( س )(1/167)
السنن ... للترمذي
السنن ... للنسائي
السنن ... لأبي داود
السنن ... لابن ماجه
السنن الكبرى ... للبيهقي
( ش )
شرح مسلم ... للأبي
شرح مسلم ... للنووي
شرح معانى الآثار ... للطحاوي
الكتاب ... المؤلف
( ص )
الصحيح ... للإمام البخاري
الصحيح ... للإمام مسلم
صيانة صحيح مسلم ... لابن الصلاح
( ف )
فتح البارى ... للحافظ ابن حجر
فتح المغيث ... للسخاوي
( ك )
الكاشف ... للذهبي
الكامل ... لابن عدي
كتاب المجروحين ... لابن حبان
( م )
محاسن الاصطلاح ... للبلقيني
مجموع الفتاوى ... للإمام ابن تيمية
المسند ... للإمام أحمد
مشكل الآثار ... للطحاوي
المصنف ... لابن أبى شيبة
الكتاب ... المؤلف
المصنف ... لعبد الرزاق
المقدمة ... لابن الصلاح
الموطأ ... للإمام مالك
( ن )
نصب الراية ... للزيلعي
النكت ... للحافظ ابن حجر
( هـ )
هدى السارى ... للحافظ ابن حجر
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
بين يدي الكتاب .......................................................................... ... 3
المقدمة ..................................................................................... ... 6
نظرة العلماء إلى صحيح مسلم وآراؤهم فى منهجه .............................. ... 13
موقف إمام الحرمين ....................................................................... ... 15
موقف الحميدي ........................................................................... ... 15
موقف مجد الدين ابن الأثير ............................................................. ... 15
موقف الجوزقي ............................................................................ ... 16
موقف أبى نصر السجزي ............................................................... ... 16
موقف النووي رحمه الله ................................................................ ... 17
موقف الحافظ ابن حجر رحمه الله .................................................... ... 18(1/168)
لا يلتفت إلى استثناءات المليباري ...................................................... ... 22
عدم فهم المليباري لكلام الإمام مسلم وتحميله إياه ما لا يحتمل مما يخالف واقع صحيح مسلم ........................................................................ ... 22
ادعاء المليباري أن لمسلم تصرفا آخر غير الترتيب، وتزييف هذا الادعاء ..... ... 31
تشبيه المليباري صحيح مسلم بكتب عرف مصنفوها بالتساهل أو عدم التزام الصحة ................................................................................ ... 35
طريق مسلم فى بيان العلل فى زعم المليباري، ودحض دعواه ................. ... 36
ادعاء المليباري أن فى صحيح البخارى أحاديث مختلف فيها .................. ... 38
الموضوع ... الصفحة
ادعاء المليباري أنه لابد من الرجوع إلى كتب العلل لإدراك العلل في صحيح مسلم .............................................................................. ... 53
منهج مسلم فى صحيحه ................................................................ ... 55
هدف مسلم الأساسي ................................................................... ... 56
أنواع من الأمثلة توضح منهج مسلم فى صحيحه ................................ ... 57
أمثلة لأبواب افتتحها مسلم بأحاديث أسانيدها من رجال الطبقة الثانية ويختم بعضها التى اتفق عليها الشيخان .............................................. ... 57
أمثلة لأبواب متفق عليها ................................................................ ... 68
أمثلة لأبواب افتتحت بأسانيد من الطبقة الأولى وختمت بأسانيد كذلك متفق عليها .................................................................................. ... 72
مثالان لإسنادين صدر بهما مسلم بابيهما وأعلهما غيره ........................ ... 77(1/169)
شرح الإمام مسلم للعلل وتوضيحها ................................................. ... 80
تعلق المليباري بكلام القاضي عياض ................................................. ... 88
توضح كلام القاضي عياض ............................................................ ... 89
إحباط تعلقه بأمثلة من رسالتي " بين الإمامين " .................................. ... 91
مواجهة أباطيل وغلو يرفضه الإسلام ................................................. ... 94
إنكاره ذكر ابن عباس فى إسناد حديث ميمونة .................................. ... 94
نفيه وجود الاختلاف على الليث بين أصحابه فى ذكر ابن عباس ........... ... 95
مناقشة كلام الدارقطني فى العلل على حديث ابن عمر ........................ ... 95
الموضوع ... الصفحة
ملاحظة مهمة جداً ....................................................................... ... 96
الدارقطني إمام حافظ ناقد لكنه يخطيء ويصيب .................................. ... 97
سنة الله فى البشر ......................................................................... ... 97
ذم التقليد الأعمى ......................................................................... ... 98
منهج المحدثين واحترامهم للحق ........................................................ ... 98
مناقشة الدارقطني للبخاري ومسلم على أساس المنهج الحق .................... ... 99
موقف الدارقطني من هذا المنهج فى حديث ابن عمر على فرض تعليله مع أن الظاهر براءته من ذلك ............................................................... ... 99
أسئلة موجهة إلى عمل الدارقطني بالنسبة لحديث ابن عمر .................... ... 99
الأسس التى يقوم عليها الحكم العادل ............................................... ... 101
أئمة الحديث يصوبون ويخطئون فى ضوء منهج صحيح ........................ ... 102(1/170)
دراسة رواية موسى بن عقبة من جديد .............................................. ... 102
ترجيح رواية أنس بن عياض على رواية الإسكندراني .......................... ... 103
مأخذ على الإمام الدارقطني على فرض أنه رجح رواية الليث وابن جريج.. ... 104
انتباه المليباري بعد غفلته كما يزعم .................................................. ... 106
نفى المليباري الاختلاف على الليث .................................................. ... 106
فرحه لكلام ابن حجر ولا حجة له فيه .............................................. ... 108
تفسير خاطيء لكلام المزي .............................................. .............. ... 108
زعم خاطيء ................................................ ............................... ... 110
مكابرة مقيتة ........................................... .................................... ... 110
الموضوع ... الصفحة
غلو شديد ................................................................................... ... 110
شبهة سلبية ................................................................................. ... 111
شبهة سلبية أخرى ........................................................................ ... 112
ادعاؤه عدم ذكر ابن عباس ............................................................. ... 113
ادعاؤه التصحيف ......................................................................... ... 113
جزم المليباري بعدم الاختلاف على الليث .......................................... ... 114
الجواب عما سبق ......................................................................... ... 114
كلام المزي يدحض باطله ............................................................... ... 115(1/171)
ماذا يريد الحافظ ابن حجر بتعقبه ..................................................... ... 116
اعتماده على مصادر لم تحظ بعناية الأمة فى حين أنه لا يعتمد على عامة نسخ صحيح مسلم الذى حظى بعناية الله العظيمة ثم بعناية الأمة ............ ... 116
سرُّ توهيم المزي لابن عساكر وغيره فى إسقاط ابن عباس من الإسناد ...... ... 117
موضوع أطراف ابن عساكر وخطأ المليباري فى الاحتجاج به ................. ... 117
تمييز أطراف خلف وصحتها ................................................................... ... 117
تقرير ابن حجر للمزي ........................................................................... ... 117
لا علاقة لأطراف ابن عساكر بالصحيحين فلا حجة له فيها ..................... ... 118
لا حجة فى سقوط ذكر ابن عباس من كتاب ابن منجويه لأنه كتاب رجال ثم لم يلق اعتناء من الأئمة ............................................................ ... 118
وجه ترجيح رواية مشكل الآثار على رواية شرح المعاني .......................... ... 119
كلام ابن كثير فيه حجة على المليباري لا له ............................................ ... 120
الموضوع ... الصفحة
تطابق عامة نسخ مسلم عى ذكر ابن عباس فيه أكبر حجة لأنه كتاب تداولته أيدى الأمة جيلاً عن جيل ........................................................... ... 120
استدلال منكر وغريب، ورده ................................................................. ... 121
تزييف مغالطات مقيتة وكشف عوارها ................................................... ... 122
مثال لشئ فات البخاري ........................................................................ ... 125
لا يجوز رد حديث فى كتاب تلقته الأمة بالقبول بالافتراضات والخيالات... ... 126
يفوت العالم الإمام ما بلغ غيره والعكس بالعكس ..................................... ... 127(1/172)
فى تصريح النسائي رد لغلوه ................................................................... ... 127
لا يجوز الجزم والقطع إلا ببرهان قاطع ..................................................... ... 127
إن البخاري وابن أبى حاتم وابن حبان لم يشترطوا استيعاب شيوخ وتلاميذ من ترجموا لهم ........................................................................... ... 128
المثبت مقدم على النافي .......................................................................... ... 128
فى منهج المليباري فتح لأبواب الفتن ....................................................... ... 129
كتب شاركت صحيح مسلم فى ذكر ابن عباس فى إسناد حديث ميمونة ... 129
ادعاؤه وقوع الاختلاف فى مشكل الآثار مع لزوم مثله فى شرح معاني الآثار ..................................................................................................... ... 129
كتاب المزي هو أطراف وليس كتاب علل .............................................. ... 130
افتراض ميت وكلام سقيم ودحضه ......................................................... ... 130
إصرار على نفي ذكر ابن عباس فى إسناد حديث ميمونة الوارد فى صحيح مسلم، ثم إبطال هذا الزعم ......................................................... ... 131
الموضوع ... الصفحة
مجادلة بالباطل حول سماع إبراهيم بن معبد من ميمونة ودحض ذلك نصحه بالرجوع عن الخط الخطير الذى انتهجه وعدم إدراكه لخطورة هذا الاتجاه ................................................................................................... ... 132
لفت نظر إلى تكرار وإعادة ما قاله سابقا ومناقشته الخالية من الحجج ودفع أقواله ..................................................................................................... ... 135(1/173)
رد المليباري ........................................................................................... ... 138
إبطال غلوه ثم امتحانه بتساؤلات .......................................................... ... 138
أمثلة من واقع الصحابة والسلف يعلم فيها الصغير ما فات الكبير .............. ... 139
رد على تهويله وزعمه أن فى كلامي خطورة ......................................... ... 140
سوقه للجرح وإهماله للتعديل فى حق عبدالله بن عمر العمري وسوقي لما أهمله من أقوال الأئمة فى تعديله والوصول به إلى ما يستحقه .................. ... 141
أخذه بكلام رجلين فى عبدالله بن نافع وإهداره لكلام عدد من الأئمة و أوهم بكلامه أن عبدالله بن نافع من المتروكين ..................................... ... 142
إبقاوه على رواية موسى الجهني مؤقتا ..................................................... ... 143
نقض لما يدعيه على النسائي أنه اتفق مع البخارى وعياض والدارقطني على تضعيف حديث ابن عمر بقول النسائي نفسه .................................. ... 143
بيان تفاوت علم الأئمة بطرق حديث ابن عمر وابن عباس بحيث لا تصح دعوى اتفاقهم على تضعيفه .................................................................... ... 144
مخالفة المليباري لخمسة عشر عالما واستنكاره لمخالفتي لأربعة تدل على أنه صاحب هوى ........................................................................................ ... 145
الموضوع ... الصفحة
كلام بعيد عن العدل والانصاف وأسلوب مستهجن فى عدم الاعتداد برواية أيوب وعبدالله بن عمر العمري يمهد به لإلغاء رواية عبيدالله العمري وموسى الجهني .......................................................................... ... 145
إبطال قوله وبيان زيفه ............................................................................ ... 146(1/174)
زعمه بأن قولى فى شأن حديثي ابن عمر وابن عباس " وكلا الوجهين صحيح " شيء لا يعرف عند المحدثين، ورد هذا القول الباطل بتصحيح المحدثين لهما وبتصحيح مسلم له وكذلك النووي وغيره ومنهم ابن حجر... ... 147
حكايته لكثرة وجوه الترجيح مع عدم التزامه بذلك بل مع عدم فهمه لها وحكايته لها على غير وجهها والرد عليه بالتفصيل ................................... ... 150
قصة ابن أبي حاتم ثم بيان المراد بقولهم إن المحدث أحيانا لا يستطيع إبداء الحجة على تعليله الحديث ....................................................................... ... 150
عودته إلى ادعاء الاتفاق على تضعيف حديثي ابن عمر وابن عباس مع عودته إلى الغلو فيهم وإبطالي لهذه الدعوى والغلو .................................. ... 156
عودته إلى الغلو والمبالغة فى حق البخاري والدارقطني ونسيانه للنسائي، ورد غلوائه بالحجج الدامغة ..................................................................... ... 157
دعواه أن هناك دلالة قاطعة على أن الدارقطني ومن معه قد اطلعوا على قرينة قوية رجحوا بها رواية الليث وابن جريج على رواية عبيدالله وموسى الجهني وإبطال هذه الدعوى من وجوه ....................................... ... 163
منطق عجيب حيث يجعل من حفظ عبيدالله بن عمر وإتقانه وملازمته الطويلة لنافع دليلا على وهمه وتعليل روايته وإبطال ذلك من وجوه اشتراطه لصحة رواية عبيدالله شروطا لم يسبق إليها وضربه مثلا فى غير محله والرد عليه من وجوه ....................................................................... ... 167
الموضوع ... الصفحة
عودته إلى دعوى اتفاق البخاري والنسائي ومن معهما ويقول إنه قلدهم بالعلم والهدى ثم الرد عليه .................................................................... ... 172(1/175)
تضعيفه لروايات عبدالكريم الجزري عن عطاء وندنته حول أمور تتعلق بعبدالكريم والرد عليه من وجوه ............................................................. ... 173
زعمه أن البخاري وغيره إذا سردوا وجوه الاختلاف فى حديث ولم يرجحوا شيئا فذلك حكم منهم بأنه مضطرب ثم الرد عليه من تصرفات البخاري وغيره ....................................................................................... ... 179
إصراره على أن الاختلاف يدل على الاضطراب ثم الرد عليه وتزييف دعاواه من وجوه تكشف عن غرائب ...................................................... ... 185
ادعاؤه أن فى عمله دفاعا عن أئمة هذه الأمة وأن تصرفاته تغيظ المستشرقين ثم الرد عليه وكشف عوار الكلام ......................................... ... 189
تحايل فى النقل واضطراب فى الحكم ثم نقده فى ذلك وبيان مغالطاته تظلمه بغير حق ثم جهله باللغة العربية ثم الرد عليه .................................. ... 196
نهاية البحث وفيها بيان عدد العلماء الذين صححوا حديثي ابن عمر وابن عباس فخالفهم بهواه .............................................................................. ... 199
ملاحظة ...................................................................... ...................... ... 200
فهرس الأحاديث .................................................................................... ... 202
مصادر الكتاب ...................................................................................... ... 206
فهرس الموضوعات ................................................................................. ... 210(1/176)