منهج الإمام ابن الجارود النيسابوري
( ت 307 هـ )
في كتابه " المنتقى "
د. عاصم بن عبد الله القريوتي
أستاذ مشارك بقسم السنة وعلومها
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه . وبعد :
فإن السنة النبوية حظيت بعناية الأمة الإسلامية بها عناية فائقة في جوانب متعددة ، بين تصنيف فيها و في رواتها ، و في قواعد الجرح و التعديل و علل الأحاديث ، و غير ذلك مما لا يوجد في أمة من الأمم و لا في ديانة من الديانات غيرها ، وغدا الإسناد من الدين ، و من خصائص الأمة المحمدية المباركة(1) .
و لما كان كتاب " المنتقى " للإمام الناقد ابن الجارود واحداً من تلك الجهود العظيمة المباركة ، و لكونه عُدّ من أعلى درجات الكتب الصحاح ، حيث عده الإمام ابن حزم أولى الكتب بالتعظيم بعد الصحيحين(2)، ولعناية العلماء به ، رأيت الكتابة حول منهجه في كتابه ليتجلى للناظر مكانته ، و لتعظم الاستفادة منه .
و أما الإمام ابن الجارود مع علو مكانته و رسوخ منزلته في علم الحديث ، و ما لكتابه من أهمية و عناية فلم يحظ بترجمة واسعة ، تبين عن جوانب
حول ولادته و نشأته و رحلاته و طلبه للعلم ، بل لا تكاد تجد ترجمته و ما يتعلق
بها - على وجازة ما وجد منها - إلا مفرقة في كتب التراجم و الأثبات
و غيرها .
ثم رأيت أخيراً ما سطره فضيلة الدكتور مقبل بن مريشيد الحربي في كتابه " الحافظ ابن الجارود و زوائد منتقاه على الأصول الستة " فرأيته قد بذل جهداً طيباً في ترجمة الإمام ابن الجارود وجمع شتات المادة العلمية مع قلتها كما أسلفت .
__________
(1) انظر تدريب الراوي 2/37-40 . و لراقم هذه السطور بحث مطبوع بعنوان : " الإسناد من الدين و من خصائص أمة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم " .
(2) سيأتي نص كلامه إن شاء الله مع بقية كلام العلماء عند الكلام على مكانة المنتقى .(1/1)
ولكنه لم يتعرض لمنهج ابن الجارود في كتابه . لكون بحثه في زوائد ابن الجارود كما في عنوانه .
ثم رأيت بعد ذلك كتاباً نافعا لفضيلة الدكتور محمد بن عبدالكريم بن عبيد بعنوان :
"الإمام الحافظ عبدالله ابن الجارود النيسابوري وأثره في السنة النبوية" ووجدت أنه تناول أيضاً ترجمة ابن الجارود ومنزلة كتابه ومنهج ابن الجارود في الجرح والتعديل .
وتحدث عن منهج ابن الجارود في كتابه المنتقى وسرد فضيلته في ص53 -ص 54 من كتابه تسعة أمور منها ضمن موضوعات المبحث الثالث عند كلام فضيلته على ترتيب الكتاب .
ولما سبق في هذين الكتابين جعلني أكتفي بترجمة موجزة عن هذا الإمام ، وبالتعريف بكتابه مع إضافات في بعض الجوانب مما لاح لي ،وقد قسمت البحث إلى ثلاثة فصول كما يلي :
الفصل الأول :
في ترجمة موجزة للإمام ابن الجارود النيسابوري .
الفصل الثاني :
في منزلة كتاب المنتقى بين كتب السنة وعناية العلماء به .
الفصل الثالث :
في منهج الإمام المحدث الناقد ابن الجارود النيسابوري في كتابه " المنتقى " .
ترجمة موجزة للإمام ابن الجارود النيسابوري(1) :
__________
(1) مصادر الترجمة :
? ... إتحاف المهرة بأطراف المسانيد العشرة لابن حجر العسقلاني (1/162 ) ، و مقدمة محققه ص 52.
? ... إسناد المنتقى لابن الجارود المطبوع المثبت في مقدمته ، طبعة عبدالله هاشم اليماني .
? ... الأعلام لخير الدين الزركلي 4/104.
? ... تذكرة الحفاظ 3/239 – 240 .
? ... ذكر من يعتمد قوله للذهبي ص 190 .
? ... الرسالة المستطرفة للكتاني ص 25.
? ... سير أعلام النبلاء 14/239 – 240.
? ... صلة الخلف بموصول السلف للروداني ص 406 .
? ... طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي 2/469 .
? ... فهرست ابن خير الأشبيلي ص 122 .
? ... كشف الظنون للحاجي خليفة 2/1851.
? ... المعجم الصغير للطبراني ( 1/ 224 ) .
? ... معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة 6/87.(1/2)
ابن الجارود : هو الإمام المحدث الناقد أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري(1) . ونسبه الذهبي(2) فقال : الجارودي .
أقول : لقد اشتهر مؤلف " المنتقى " بابن الجارود " في كتب التراجم والسير و التخريج وغيرها .
وأما ابن الجارود : أبو جعفر أحمد بن علي بن محمد بن الجارود
الأصبهاني ، فآخر وهو حافظ متقن صاحب تصانيف ، توفي سنة تسع وتسعين ومئتين وقيل قبلها بعام(3) .
وكذا يوجد من الأصبهانيين : أبو بكر محمد بن علي بن الجارود
الحافظ ، سمع محمد بن عيسى الزجاج و أحمد بن معاوبية الهذيل و طائفة ، روى عنه عبدالرحمن بن طلحة الطلحي الأصفهاني(4) .
ولادته : ولد الإمام ابن الجارود في حدود الثلاثين ومائتين(5). ولم تكشف لنا المصادر عن مكان مولده .
قرابته : هو خال(6) محدث نيسابور أبي محمد يحيى بن منصور بن يحيى بن عبد الملك قاضي نيسابور ، وكان غزير الحديث ، يحضر مجلسه الحفاظ ، روى عنه الحاكم و غيره ، مات سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة(7) .
الثناء عليه : وصف الذهبي ابن الجارود بالإمام الحافظ الناقد(8) .
__________
(1) سير أعلام النبلاء 14/239-240 .
(2) سير أعلام النبلاء ج14/ص241 .
(3) انظر سير أعلام النبلاء 14/ 239 ، وطبقات علماء الحديث 2/469 .
(4) طبقات علماء الحديث 2/469 .
(5) سير أعلام النبلاء 14/239 .
(6) في سير أعلام النبلاء ج11/ص298 : قال يحيى بن مندة في مناقب أحمد : أخبرنا البيهقي ، أخبرنا الحاكم ، سمعت يحيى بن منصور ، سمعت خالي عبد الله بن علي بن الجارود ، سمعت محمد بن سهل بن عسكر
يقول : كنت عند أحمد بن حنبل فدخل محمد بن يحيى فقام إليه أحمد وتعجب منه الناس ، ثم قال لبنيه وأصحابه : اذهبوا إلى أبي عبد الله فاكتبوا عنه . وانظر طبقات علماء الحديث 2/469 .
(7) سير أعلام النبلاء ج16/ص28ا
(8) تذكرة الحفاظ 3/794 .(1/3)
وذكره الذهبي في " من يعتد بقوله في الجرح والتعديل "(1) .
وقال أيضاً : " كان من العلماء المتقنين المجودين "(2) .
وقال كذلك : " كان من أئمة الأثر(3) وأثنى عليه الحاكم والناس "(4).
ووصفه ابن عبدالهادي بالحافظ الإمام المسند(5).
نُسب لابن الجارود تصنيف في شيوخه كما سيأتي في مصنفاته .
واعتنى العلماء بشيوخه فلأبي علي الحسين بن محمد الغساني الجياني ( ت 494 هـ ) تصنيف في " شيوخ بن الجارود"(6) .
و لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن خلفون الأزدي ( ت 636 هـ ) :
" شيوخ أبي محمد بن الجارود الذين روى عنهم في كتابه " المنتقى "(7) .
أقول : لكنا لم نعثر على شيء من هذه المصنفات ، وقد بلغ شيوخ ابن الجارود في كتابه " المنتقى " 98 شيخاً ، وكنت أعددت معجماً فيهم أسميته : " مشيخة ابن الجارود " قبل ثمان سنوات ، رتبت فيه أسماء شيوخ ابن الجارود في " المنتقى " على حروف المعجم ، و ذكرت ما لكل واحد منهم من روايات ، و أحلت إليها .
__________
(1) ص 204 من كتاب أربع رسائل في علوم الحديث .
(2) المصدر السابق .
(3) السير 14/240 .
(4) المصدر السابق.
(5) طبقات علماء الحديث 2/469 .
(6) تهذيب التهذيب 1/26 و 32 , 163 .
(7) ذكره الرعيني ص 55 - وقال المراكشي " شيوخ ابن الجارود مجلد متوسط " - الذيل و التكملة 6/130 .(1/4)
ثم لما رأيت خلال إعدادي هذا البحث للنشر ما كتبه أخونا فضيلة الدكتور مقبل الحربي في كتابه " الحافظ ابن الجارود و زوائد منتقاه على الأصول الستة " حيث ذكر شيوخ ابن الجارود كما أردت ، رأيت الاكتفاء هنا بذكر شيوخ ابن الجارود الذين أكثر الرواية عنهم في كتابه " المنتقى " ممن له عشرة أحاديث فصاعداً ، مرتبين حسب عدد رواياتهم في المنتقى مع ترجمة موجزة لهم ، أقتصر فيها غالباً على قول الإمام الذهبي في " تذكرة الحفاظ " لمن ترجم له منهم ، إضافة لكلام الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه " تقريب التهذيب " والإحالة لتهذيب التهذيب له .
? محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الذهلي النيسابوري ، روى عنه
( 403 ) حديثاً .
وهو شيخ الإسلام ، حافظ نيسابور ، وله عناية خاصة بحديث الزهري وكان الإمام أحمد يجله ، وقال فيه أبو حاتم الرازي : هو " إمام أهل زمانه " ، وقال الدارقطني : " من أحب أن ينظر قصور علمه فلينظر في علل حديث الزهري لمحمد بن يحيى "(1) . وقال عنه الحافظ ابن حجر " ثقة حافظ جليل ، مات سنة 258 على الصحيح وله ست وثمانون سنة " روى له البخاري وأصحاب السنن الأربعة(2) .
? محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، أبو يحيى المكي، روى عنه
( 146 ) حديثاً وهو ثقة ، مات سنة 256هـ ، روى له النسائي وابن ماجه(3) .
? عبد الله بن هاشم بن حيان العبدي ، أبو عبد الرحمن الطوسي ، روى عنه ( 78 ) حديثاً .
وهو محدث نيسابور كما قال الذهبي(4) ، وقال ابن حجر : " ثقة صاحب حديث من صغار العاشرة ، مات سنة بضع وخمسين ومائتين ، روى له مسلم "(5).
? علي بن خشرم المروزي ، روى عنه ( 65 ) حديثاً .
__________
(1) انظر تذكرة الحفاظ 2/530-532 .
(2) انظر التقريب 6387 .
(3) التقريب 6054 ، تهذيب التهذيب 9/284 .
(4) تذكرة الحفاظ 2/536 .
(5) روى له مسلم ، التقريب 3675 ، تهذيب التهذيب 6/60 .(1/5)
قال فيه ابن حجر : " ثقة ، من صغار العاشرة ، مات سنة 57 ، أو بعدها ، وقارب المائة " . روى له مسلم والترمذي والنسائي(1) .
? محمود بن آدم المروزي ، روى عنه ( 57 ) حديثاً .
ذكره ابن عدي في شيوخ البخاري ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال فيه أبو حاتم : كان ثقة رضي ، وقال النسائي : ثقة ، وقال الحافظ ابن حجر : " صدوق ، مات سنة 258(2) .
قلت : قول الحافظ ابن حجر رحمه الله فيه صدوق فقط قصور في هذا الشيخ بعد توثيق من سبق من الأئمة ، وما وجدته في ترجمته لا ينزل به عن كونه ثقة .
? الحسن بن محمد بن الصباح البغدادي الزعفراني ، روى عنه ( 43 ) حديثاً .
وهو الحافظ الفقيه ، صاحب الشافعي(3) قال فيه ابن حجر : " ثقة مات 260 هـ أو قبلها بسنة "، روى له البخاري وأصحاب السنن الأربعة(4) .
? عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الأشج الكوفي الحافظ ، روى عنه ( 32 ) حديثاً .
وهو شيخ الإسلام ، محدث الكوفة ، قال عنه أبو حاتم : إمام أهل زمانه(5) ، وقال عنه ابن حجر " ثقة من صغار العاشرة مات سنة 257 هـ " روى له البخاري ومسلم وأصحاب السنن(6) .
? محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري ، روى عنه ( 31 ) حديثاً .
وهو الإمام الحافظ فقيه عصره(7) . قال عنه ابن حجر : ثقة مات سنة 268 هـ وله ست وثمانون ، و روى له النسائي(8) .
? إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج المروزي ، روى عنه ( 27 ) حديثاً .
__________
(1) التقريب 4729 ، تهذيب التهذيب 7/317 .
(2) انظر تهذيب التهذيب 10/611 ، والتقريب ص 6509 .
(3) التذكرة 2/525-526 .
(4) التقريب 1281 ، تهذيب التهذيب 2/319 .
(5) التذكرة 2/546 .
(6) التقريب 3354 ، تهذيب التهذيب 5/236-237 .
(7) تذكرة الحفاظ 2/546 .
(8) تقريب التهذيب رقم 6028 ، وانظر تهذيب التهذيب 9/260-261(1/6)
وهو الحافظ الإمام الفقيه(1). قال فيه ابن حجر : ثقة ثبت مات سنة 251هـ، روى له الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه(2) .
? يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي ، روى عنه ( 27 ) حديثاً .
وهو الحافظ الكبير المجود(3) .
قال ابن حجر : " ثقة مات سنة 252 هـ ، وكان من الحفاظ " ، روى له الستة(4) .
? بحر بن نصر بن سابق الخولاني مولاهم المصري أبو عبد الله ، روى عنه ( 24 ) حديثاً .
قال ابن حجر : ثقة مات سنة 267 هـ(5) .
? أحمد بن يوسف بن خالد النيسابوري ، روى عنه ( 20 ) حديثاً .
وهو الإمام الحافظ محدث نيسابور(6) ، قال الحافظ ابن حجر : " المعروف بحمدان حافظ ثقة " مات سنة 264 هـ ، روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه(7) .
? أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي السرخسي ثم النيسابوري ، روى عنه ( 18 ) حديثاً .
قال ابن حجر: ثقة حافظ مات سنة 253 هـ ، روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه(8) .
? زياد بن أيوب بن زياد البغدادي الطوسي ، روى عنه ( 17 ) حديثاً .
هو الحافظ الحجة أبو هاشم ، يلقب " دلويه "، وكان يغضب منها ، ولقبه الإمام أحمد " شعبة الصغير" لإتقانه وحفظه(9).
قال ابن حجر: ثقة حافظ مات سنة 252 هـ ، روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي(10) .
? محمد بن إسماعيل بن سمرة أبو جعفر السراج الكوفي الأحمسي ، روى عنه ( 15 ) حديثاً .
__________
(1) تذكرة الحفاظ 2/524 .
(2) تقريب التهذيب 384 ، وانظر تهذيب التهذيب 11/249 -250 .
(3) تذكرة الحفاظ 2/505 .
(4) التقريب 639 ، وانظر تهذيب التهذيب 11/381-382 .
(5) التقريب 239 ، وانظر تهذيب التهذيب 1/420-421 .
(6) تذكرة الحفاظ 2/565 .
(7) التقريب 130 ، وانظر تهذيب التهذيب 1/91 .
(8) التقريب 39 ، وانظر تذكرة الحفاظ 2/548 ، تهذيب التهذيب 1/31-32 .
(9) انظر تذكرة الحفاظ 2/508 ، تهذيب التهذيب 3/355 .
(10) التقريب 2056 .(1/7)
قال ابن حجر : ثقة مات سنة260هـ وقيل قبلها ، روى له الترمذي والنسائي وابن ماجه(1) .
? الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي ، روى عنه ( 13 ) حديثاً .
وهو الحافظ الإمام محدث الديار المصرية ، صاحب الإمام الشافعي(2) . قال ابن حجر : " ثقة ، مات سنة 270هـ " ، روى له أصحاب السنن الأربعة(3) .
? محمد بن عثمان بن كرامة الكوفي ، روى عنه ( 13 ) حديثاً .
قال ابن حجر : ثقة ، مات سنة 256 هـ ، روى له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه(4).
? عبد الرحمن بن بشر بن الحكم العبدي أبو محمد النيسابوري ، روى عنه ( 11 ) حديثاً .
قال ابن حجر : ثقة ، مات سنة 260 هـ وقيل بعدها ، روى له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه(5) .
ويلاحظ في هذا الإحصاء والسرد لهؤلاء الشيوخ ما يلي :
? إن مجموع روايات هؤلاء الشيوخ 1045 حديثاً ، وهي تشكل غالبية أحاديث الكتاب إذ الترقيم الموجود لأحاديث الكتاب ( 1114 ) حديثاً ، مع ملاحظة أنه في بعضها تروى عن أكثر من شيخ ، وبعضها الآخر مما جعل له
" ح " الدالة على التحويل للسند ولم تأخذ رقماً آخر .
__________
(1) التقريب 5732 ، وانظر تهذيب التهذيب 9/58-59 . .
(2) تذكرة الحفاظ 2/586 .
(3) التقريب 1894 ، وانظر " تهذيب التهذيب " 3/245-246 .
(4) التقريب 6134 ، تهذيب التهذيب 9/339 ، ونقل فيه عن ابن الجارود أنه ذكره لشيخه محمد بن يحيى فأحسن القول فيه .
(5) التقريب 3810 ، وانظر تهذيب التهذيب 6/144-145 .(1/8)
? إن جميع هؤلاء الشيوخ أئمة ثقات حفاظ ، كما يتضح من تراجمهم في كتب الرجال ، وكما خلص إلى ذلك الحافظ ابن حجر في كتابه " تقريب التهذيب " ، ولم ينزل أحد منهم عن مرتبة ثقة ، إلا محمود بن آدم المروزي ، إذ قصرت عبارة الحافظ ابن حجر فيه عن وصفه بما يستحقه من خلال كلام أئمة الجرح والتعديل عندما قال " صدوق " ، وذلك لأن محموداً هذا قد وثقه أبو حاتم والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات كما سبق بيانه .
? كما نلاحظ أنه كان للإمام الناقد الكبير الحافظ محمد بن يحيى الذهلي النصيب الكبير في رواية الإمام ابن الجارود عنه ، إذ روى عنه ( 403 ) أحاديث ، وهذا يدلنا على حسن انتقاء ابن الجارود للشيوخ ، ويعد منقبة من مناقبه العديدة ، و ميزة من مزايا كتابه " المنتقى " .
? قلت : لم يذكر الذهبي - رحمه الله - محمد بن يحيى بن الذهلي و محمد بن عبد الله بن المقرئ من شيوخ ابن الجارود مع كثرة ما لابن الجارود من الرواية عنهما في المنتقى كما سبق .
? وقد روى ابن الجارود أيضاً عن كبار الأئمة النقاد الحديث الواحد و الحديثين ، أمثال ابن خزيمة إذ روى عنه حديثاً واحداً برقم 129 ، وأبي حاتم الرازي فقد روى عنه حديثين وهما بالرقمين : 346 ، 678 .
وقال الإمام الذهبي في السير(1) - لما ذكر خمس عشرة شيخاً من شيوخ ابن الجارود - :
" فأما قول أبي عبد الله الحاكم فيه : سمع من إسحاق بن راهويه وعلي بن حجر وأحمد بن منيع فلم أجد له شيئاً عنهم ولا أراه لحقهم " .
كما ذكر ابن عبد الهادي أن في روايته عن هؤلاء نظر ولعل الحاكم وهم في ذلك(2) .
لم نقف على عدد كبير من تلاميذ ابن الجارود والرواة عنه مع ما له من مكانة علية ، وكثرة الشيوخ ، ومن أبرز تلاميذه والرواة عنه :
أبو حامد بن أحمد بن محمد النيسابوري الشرقي(3) .
__________
(1) السير 14/240 .
(2) طبقات علماء الحديث 2/469 .
(3) السير 14/240 والتذكرة 3/794 .(1/9)
دعلج بن أحمد السجزي(1) .
أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني(2) .
يحيى بن منصور القاضي(3) .
محمد بن جبريل العجيفي(4) .
الحسن بن عبد الله الزبيدي .
محمد بن نافع الخزاعي المكي(5) .
وآخرون(6) .
قلت : ولم يسم الحافظ الذهبي - رحمه الله - غير من سبق ذكرهم ، و إن الثلاثة الأواخر هم من رواة كتاب المنتقى ، ويضاف إليهم ثلاثة أيضاً و هم :
أبو بكر أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن الزيات .
أحمد بن بقي بن مخلد بن يزيد .
أبو محمد الحسن بن يحي القلزمي .
و إن هؤلاء الستة مذكورون في إسناد الكتاب إلى ابن الجارود في مقدمة(7) كتاب " المنتقى " مما ذكرهم ابن مسدي في طرقه إلى ابن الجارود .
بينما ذكر في " صلة الخلف بموصول السلف "(8) من الرواة للمنتقى عن ابن الجارود " أبا القاسم الحسن بن عبد الله الزبيدي " فقط . و الذي في إسناد الحافظ ابن حجر إلى المنتقى في "إتحاف المهرة"(9) أن الراوي عن ابن الجارود هو : الحسن بن يحيى القلزمي ولم يذكر غيره . والذي في إسناد ابن حجر للمنتقى في المعجم الفهرس(10) من طريق حسن الزبيدي وأحمد الزيات والحسن القلزمي .
لم نقف على نص يفيدنا في رحلات ابن الجارود العلمية إلا ما ذكر نفسه عن شيخه محمد بن هشام المروزي ، فقد صرح أنه سمع الحديث منه ببغداد ، فقال : حدثنا محمد بن هشام المروزي ببغداد(11) .
ووصفه الذهبي في السير بأنه الإمام الحافظ المجاور بمكة(12) .
وإذا رأينا تنوع رواية ابن الجارود عن شيوخه الذين ينسبون إلى أمصار
__________
(1) السير 14/240 والتذكرة 3/794 .
(2) السير 14/240 والتذكرة 3/794 .
(3) السير 14/240 والتذكرة 3/794 .
(4) السير 14/240 والتذكرة 3/794 .
(5) السير 14/240 والتذكرة 3/794 .
(6) السير 14/240 والتذكرة 3/794 .
(7) ص7-11.
(8) ص 406 .
(9) 1/162 .
(10) ص 45 .
(11) حديث رقم .6 .
(12) سير أعلام النبلاء 14/239-240 .(1/10)
شتى ، فالأمر يحتمل روايته عنهم أو عن بعضهم حين لقيهم في سفره في طريقه من نيسابور إلى مكة ، أو أن بعضهم ممن جاء إلى نيسابور ، أو أنهم ممن جاء إلى مكة(1) .
مؤلفاته(2) :
... الذي وقفت عليه مما ذكر من مؤلفات الإمام ابن الجارود رحمه الله و نسب إليه ما يلي :
1- كتاب المنتقى(3) .
2- كتاب الصفات(4) .
3- كتاب الآحاد(5) . وهو في تراجم آحاد الصحابة(6) .
ولقد ساق ابن حجر إسناده إليه في المعجم المفهرس بإسناد المنتقى نفسه(7) .
و ذكره ابن خير الأشبيلي(8) من مؤلفات ابن الجارود .
و لقد كان من مصادر ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب(9) .
4- كتاب السير .
ذكر ذلك ابن الجارود نفسه عقب حديث 793 إذ قال : حدثنا محمد بن يحيى ، قال ثنا أحمد بن خالد الوهبي ، قال ثنا محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده رضي الله عنه قال : لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عام الفتح قام فينا خطيباً .
قال أبو محمد : قد كتبته في " السير " .
قلت : " ولم أر من نسب هذا الكتاب إليه " .
5- كتاب الكنى .
نسبه إليه العراقي في " فتح المغيث "(10) و سماه ابن خير الأشبيلي " الكنى و الأسماء "(11) .
6- كتاب الضعفاء .
__________
(1) انظر كتاب الحافظ ابن الجارود ص 17 .
(2) لم يذكر فضيلة الدكتور مقبل من مؤلفات ابن الجارود : " الصفات " و " السير " و " المشيخة " .
(3) و هو الكتاب الذي نحن بصدد الكلام على منهج ابن الجارود فيه .
(4) صلة الخلف ص 406 .
(5) المصدر السابق .
(6) فتح المغيث ج3/ص92 .
(7) ص 45 .
(8) فهرست ابن الخير ص 215 .
(9) ج1/ص24 .
(10) ج3/ص248 .
(11) فهرست ابن الخير ص 213 .(1/11)
لقد كثرت الإحالات جداً في كتب التراجم(1) إلى ابن الجارود في
الضعفاء ، ولا أدري هل كتابه بهذا الاسم ، أم باسم آخر ؟ والله أعلم .
7- مشيخة ابن الجارود .
نسبه إليه الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب "(2) .
و لم أرَ من نسب لابن الجارود كتاباً في هذا غيره و الله أعلم .
8- " الجرح و التعديل " ، أو " التجريح و التعديل " .
و هو كتاب جمع من كلام الإمامين يحيى بن معين و محمد بن إسماعيل البخاري و غيرهما . ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في " المعجم المفهرس "(3) ، وسماه " الجرح و التعديل "، وساق إسناده إليه من رواية الحسن بن عبدالله
عنه ، و أما ابن خير الأشبيلي فذكره و سماه : " التجريح و التعديل لأصحاب الحديث "(4) .
9-جاء في المعحم المفهرس(5) لابن حجر أن كتاب " الفضالة " لابن
الجارود ، يرويه ابن حجر بإسناد المنتقى .
ولعل في اسم الكتاب هذا تصحيفاً والله أعلم
وفاته : مات الإمام ابن الجارود سنة سبع وثلاثمائة(6) .
منزلة كتاب المنتقى بين كتب السنة وعناية العلماء به
اشتهرت تسمية كتاب " المنتقى " بهذا الاسم ، إلا أنه جاء عن الذهبي في السير تسميته بـ " المنتقى في السنن "(7) .
وذكره الكتاني في الرسالة المستطرفة و قال : أي المختار من السنن المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحكام(8) .
وأما منزلة كتاب المنتقى بين كتب السنة النبوية فقد قال ابن حزم :
__________
(1) انظر على سبيل المثال لا الحصر : تهذيب التهذيب 1/234 ، ولسان الميزان1/464 ، وتعجيل المنفعة 1/430 ، وفيض القدير 3/213 ، وتحفة الأحوذي 9/137 ، ومصباح الزجاجة 3/108 .
(2) تهذيب التهذيب ج1/ص9 في ترجمة أحمد بن إبراهيم بن كثير بن زيد الدورقي النكري البغدادي ، و قال : قال ابن الجارود في مشيخته ....
(3) ص 166 .
(4) فهرست ابن الخير ص 211-212.
(5) ص 45 .
(6) السير 14/240 ، والتذكرة 3/794.
(7) السير 14/239.
(8) ص 25 .(1/12)
" أولى الكتب بالتعظيم الصحيحان ثم " صحيح سعيد بن السكن " و " المنتقى لابن الجارود " و " المنتقى " لقاسم بن أصبغ(1) .
و قال الإمام الذهبي :
" المنتقى في السنن " مجلد واحد في الأحكام ، ولا ينزل فيه عن رتبة الحسن أبداً ، إلا في النادر في أحاديث يختلف فيها اجتهاد النقاد "(2) .
و قد سماه الحافظ ابن عبد البر وغيره صحيحاً كما قال الحافظ ابن حجر ، لكن تعقبه الحافظ ابن حجر بقوله : " هو في التحقيق مستخرج على " صحيح ابن خزيمة " باختصار"(3) . وقال في " المعجم المفهرس "(4) : " وهذا الكناب كالمستخرج على صحيح ابن خزيمة مقتصر على أصول أحاديثه " .
وقال الروداني : " كتاب المنتقى لأبي محمد عبد الله بن علي بن الجارود و هو كالمستخرج على صحيح ابن خزيمة " (5) .
وقال ابن عبدالهادي : كتاب المنتقى مجلد في السنن ، وهو نظيف الأسانيد(6) .
و قال الحافظ السيوطي في مقدمة " الجامع الكبير" - بعد ذكره رموز الصحيحين و صحيح ابن حبان و مستدرك الحاكم و الأحاديث المختارة للضياء المقدسي - ما نصه :
" جميع ما في الكتب الخمسة صحيح ، فالعزو إليها معلم بالصحة ، سوى ما في المستدرك من المتعقب فأنبه عليه ، وكذا ما في موطأ مالك ، وصحيح ابن خزيمة ، وأبي عوانة ، وابن السكن ، والمنتقى لابن الجاورد ، والمستخرجات ، فالعزو إليها معلم بالصحة أيضاً "(7) .
و ذكره الشيخ جمال الدين القاسمي في بيان ما اشتمل على الصحيح فقط(8) .
__________
(1) تذكرة الحفاظ 3/1153 ، وتدريب الراوي 1 /149 ، وقواعد التحديث ص250 .
(2) السير 14/39.
(3) مقدمة الحافظ الحائط لإتحاف المهرة 1/159 .
(4) ص 45 .
(5) صلة الخلق بموصول السلف ص 406 .
(6) طبقات علماء الحديث 2/469 .
(7) الجامع الكبير 1/14 ، وانظر قواعد التحديث ص245 .
(8) قواعد التحديث ص250 .(1/13)
وقال الكتاني : " وهو كالمستخرج على صحيح ابن خزيمة في مجلد ، وتتبعت أحاديثه فلم ينفرد عن الشيخين منها إلا بيسير "(1) .
عناية العلماء بكتاب " المنتقى " :
اعتنى العلماء بكتاب " المنتقى " عنايةً كبيرةً ، و ذلك بقراءته وسماعه على المؤلف ، و عنايتهم بقراءته و إسماعه والإجازة به ، كما يظهر من طباق السماع المثبت في مقدمة الكتاب ، وكما في كتب الفهارس و الأثبات(2) .
و لقد كان المنتقى من سماعات الإمام ابن خلفون الأزدي الأندلسي
( 636هـ )(3)، كما ساق ابن خلفون عدداً من أحاديث المنتقى في كتابه " شيوخ مالك بن أنس "(4) مما هي مروية من طريق شيوخ الإمام مالك - رحمه الله - .
الذي ذكر من شروح المنتقى كتاب " المرتضى في شرح المنتقى " للحافظ المحدث أبي عمر يوسف بن عبد الله بن سعيد بن أبي زيد الأندلسي الريبي المقرئ ( ت 575 هـ ) . ذكر ذلك الذهبي في ترجمته(5) .
وجاء في مقدمة محقق " إتحاف المهرة "(6) نقلاً عن الرسالة المستطرفة(7) تسمية الشرح بـ " المرتقى في شرح المنتقى " ونسبه لأبي عمرو الأندلسي ، وقال محققه أيضاً " لعله أبو عمرو بن عثمان بن سعيد الأندلسي المتوفى سنة 444 هـ ". وهذا الاحتمال بعيد الآن ، بعد النص على مؤلفه .
__________
(1) الرسالة المستطرفة ص 25 ط دمشق .
(2) و هي الكتب التي يجمع فيها المحدث مروياته و أشياخه . انظر سلسة العسجد ص 62 ، و تاج العروس 2/134 و 4/211 ، و فهرس الفهارس 1/69 .
(3) انظر ص 18 من مقدمة محقق كتاب " شيوخ مالك بن أنس " ، لفضيلة أخينا الأستاذ رضا بو شامة .
(4) انظر لذلك ص 113 - 114 - إلا أنه وقع فيها هناد بن الحسن بن عنبسة الوراق بدلاً من حماد بن الحسن الوراق ، وانظر ص 139 .
(5) تذكرة الحفاظ ج4/ص1366 .
(6) 1/52 ، وانظر الرسالة المستطرفة ص 25 .
(7) ص 25 .(1/14)
و أما اختصاره فقد اختصره الإمام ابن قطلوبغا(1) .
و أما العناية بأطرافه فلقد كان المنتقى أحد الكتب العشرة التي ضمن الحافظ ابن حجر أطرافها كتابه " إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة "(2) و ذلك لأهميته و مكانته .
و أما العناية بشيوخه فسبق أن ذكرت في ترجمته ما ألف في ذلك .
و أما التصنيف على غراره فلقد صنف الحافظ أبو محمد قاسم بن اصبغ بن محمد بن يوسف البياني القرطبي ( ت 340 هـ )كتاباً أسماه " المنتقى "(3) وسما ه الذهبي " المنتقى في الآثار "(4) ، وهو على نحو كتاب " المنتقى " لابن الجارود ، وكان قد فاته السماع منه ووجده قد مات ، فألفه على أبواب كتابه بأحاديث خرجها عن شيوخه(5).
و أما استخراج زوائده فلشيخنا العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - " ( ت 1420 هـ ) الحوض المورود في زائد منتقى ابن الجارود " مخطوط ولعله لم يتم(6) .
و لفضيلة الدكتور مقبل النفيعي " زوائد المنتقى " مطبوع ضمن كتابه " الحافظ ابن الجارود وزوائد منتقاه على الأصول الستة " و بلغت عنده 25 حديثاً .
أبرز معالم منهج ابن الجارود في كتابه(7) " تتجلى لنا في عدة وهي :
? عوالي أسانيد ابن الجارود في كتابه :
__________
(1) كما في " الفهرس الشامل " لمؤسسة آل البيت 3/1415 .
(2) طبع في وزارة الشؤون الإسلامية بالرياض بالتعاون مع الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية .
(3) ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ ج3/ص 854 ، وانظر الرسالة المستطرفة ص25 .
(4) تذكرة الحفاظ ج3/ص854 ، وسير أعلام النبلاء ج15/ص473 .
(5) الرسالة المستطرفة 25 ، و انظر للمزيد " الحافظ ابن الجارود " ص 64 إلى 65 .
(6) انظر كوكبة من أئمة الهدى ومصابيح الدجى بقلمي ص 232 .
(7) وقد اعتمدت على طبعة السيد عبد الله هاشم اليماني لأنها أوثق ، ولاعتماد الشيخ أبي إسحاق الحويني في تحقيقه لابن الجارود عليها .(1/15)
إن الإسناد العالي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقلة الوسائط ، مع ثقة الرواة ، و صحة الحديث ميزة من المزايا التي يرغب فيها العلماء ، و هي أجل مراتب العلو(1) , و قد قال الإمام أحمد بن حنبل ( ت 241 هـ ) : " طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف "(2) .
وإن أعلى ما وقع للإمام ابن الجارود في "المنتقى" أربع وسائط بينه وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، و عدد هذه الرباعيات من المرويات ( 29 ) حديثاً(3) وهذا أنموذج منها :
حديث رقم 59 قال ابن الجارود :
أخبرنا محمد بن يحيى ، قال أنا يزيد بن هارون ، قال أنا حميد ، عن أنس رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى نخامة في قبلة المسجد فحكها بيده ، فرئي في وجهه شدة ذلك عليه ، فقال : " إن العبد إذا قام يصلي فإنما يناجي
ربه ، أو ربه فيما بينه وبين القبلة، فإذا بزق أحدكم فليبزق عن يساره أو تحت قدمه ، أو يقول هكذا ، وبزق في ثوبه ، دلك بعضه ببعض " .
و إن لابن الجارود في المنتقى أسانيد خماسية و سداسية وسباعية و ثمانية .
فمن خماسياته(4) حديث رقم 20 :
قال ابن الجارود : حدثنا محمود بن آدم ، قال ثنا سفيان ، قال ثنا محمد بن جابر ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه رضي الله عنه أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مس الذكر فلم ير فيه وضوءا .
__________
(1) انظر تدريب الراوي 1 / 143 – 146.
(2) الجامع لأخلاق الراوي و آداب السامع 1/ 123 ، و انظر فتح المغيث 3/4 .
(3) وأذكر بقيتها كاملة للعلو الذي فيها ، وهي ذات الأرقام : 62 ، 95 ، 145 ، 174 ، 293 ، 311 ، 314 ، 327 ، 383 ، 430 ، 464 ، 524 ، 574 ، 604 ، 617 ، 641 ، 646 ، 715 ، 716 ، 726 ، 727 ، 789 ، 1013 ، 1049 ، 1051 ، 1060 ، 1083 ، 1096.
(4) أي : بينه وبين - صلى الله عليه وسلم - فيها خمسة رواة ، انظر الأحاديث : 10 ، 140، 141 ، 217،523 .(1/16)
ومن سداسياته(1) حديث رقم 85 :
قال ابن الجارود: حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا سليمان بن داود الهاشمي ، قال : ثنا ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن عروة ، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : رأيت رسول - صلى الله عليه وسلم - مسح على ظهر الخفين .
ومن سباعياته(2) حديث رقم 1016 :
قال ابن الجارود: حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : أنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن الصعب بن جثامة رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقول : " لا حمى إلا لله ورسوله " .
ومن ثمانياته(3) حديث 625 :
قال ابن الجارود: حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا عمر بن حفص بن
غياث ، قال : ثنا أبي ، عن أبي عميس ، قال : أخبرني عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث، عن أبيه ، عن جده قال : اشترى الأشعث رقيقاً من رقيق الخمس من عبد الله رضي الله عنه بعشرين ألفاً ، فأرسل عبد الله إليه في ثمنهم فقال : إنما أخذتهم بعشرة آلاف ، فقال عبد الله : فاختر رجلاً يكون بيني وبينك ، قال الأشعث : أنت بيني وبين نفسك . قال عبد الله : فإني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركا " .
__________
(1) أي : بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها ستة رواة ، انظر الأحاديث : 87 ،117، 141 ، 213، 1015 .
(2) أي : بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها سبعة رواة ، انظر الأحاديث : 212 ، 1017 ، 1019، وانظر للأخير تصويبنا لسند المنتقى بتحقيق الحويني في بحثي : " تنبيهات على ما في منتقى ابن الجارود من السقط و التحريفات " وهو معد للنشر .
(3) أي : بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها ثمانية رواة . انظر حديث : 1093 .(1/17)
? إن كتاب المنتقى كتاب في سنن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، و هو يضم الأحاديث المرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم أر فيه من الآثار الموقوفة عن الصحابة إلا أثرين مسندين ، وكلاهما عن ابن عباس رصي الله عنهما ، والأثران هما :
الأثر رقم 238 قال ابن الجارود :
حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا حجاج بن محمد ، قال : قال : بن
جريج ، أنا يعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى : عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كان جريحاً .
و الأثر الثاني برقم 381 قال ابن الجارود :
أخبرنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن عزرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال : رخص للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة في ذلك وهما يطيقان الصوم أن يفطرا ، إن شاءا أو يطعما كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليهما ، ثم نسخ ذلك في هذه الآية { فمن شهد منكم الشهر فليصمه }(1)، وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم ، والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا كل يوم مسكيناً .
? صيغ الأداء التي يستخدمها ابن الجارود في تحمله عن شيوخه هي :
" حدثنا " - وهي الغالبة على رواياته .
و " أخبرنا " استخدمها في (33) رواية(2).
و " كتب إلي " استخدمها مرة واحدة في الرواية عن شيخه جميل بن الحسن ، إذ قال في حديث 470:
__________
(1) سورة البقرة آية 185
(2) انظر أرقام الأحاديث : 40 ، 56 ، 59 ، 101 ، 350 ، 439 ، 450 ، 508 ، 618 ، 634 ، 639 ، 649 ، 654 ، 659 ، 666 ، 669 ، 670 ، 682 ، 712 ، 725 ، 755 ، 797 ، 827 ، 917 ، 1007 ، 1021 ، 1023 ، 1027 ، 1035 ، 1062 ، 1085 ، 1102، 1114 .(1/18)
كتب إلي جميل بن الحسن ، قال : ثنا محبوب - يعني بن الحسن - قال : ثنا داود عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف بعرفات فلما قال : " لبيك اللهم لبيك " قال : " إنما الخير خير الآخرة " .
و" قال " استخدمها مرة واحدة في الرواية عن شيخه أبي يحيى محمد بن سعيد العطار كما في حديث رقم 765 ، وكان ذلك عقب روايته عنه بصيغة التحديث برقم 764 .
أقول : أما " حدثنا " و " أخبرنا " فهي من صيغ الأداء في أقسام طرق تحمل الحديث ، وذلك إذا كان الراوي سمع لفظ الشيخ ، ويعد هذا من أرفع الأقسام عند الجماهير .
وقد استعمل كثير من المحدثين أخبرنا في سماع لفظ الشيخ ، بل لا يكادون يستعملون غيرها ، ثم شاع تخصيص القراءة على الشيخ بأخبرنا(1) ، و لعل الإمام ابن الجارود سار على هذا التفريق بين " حدثنا " و" أخبرنا " في كتابه المنتقى والله أعلم .
وأما الكتابة أو المكاتبة من الشيخ لتلميذه بمسموعاته أو شيء من حديثه فهي أيضاً من أقسام طرق تحمل الحديث ، وعدها السيوطي القسم الخامس منها ، وهي إما أن تكون مقرونة بالإجازة من الشيخ أو ما يشعر بها ، وهذه في الصحة والقوة كالمناولة المقرونة بالإجازة .
و أما إذا كانت الكتابة مجردة عن الإجازة ، فمنع منها بعض العلماء ، وأجازها كثير من المتقدمين والمتأخرين ، والصحيح أن يقول الراوي بها :
" كتب إلي فلان قال : حدثنا فلان " ، أو " أخبرني فلان مكاتبة أو كتابة " ونحو ذلك ، أو " حدثنا مكاتبة " ، وقال شعبة وغيره : " إذا كتب إليك العالم فقد حدثك " .
كما نص بعض العلماء على عدم جواز إطلاق " حدثنا " و " أخبرنا " دون تقييد ذلك بالكتابة ، وجوز آخرون إطلاق أخبرنا دون حدثنا(2) .
__________
(1) انظر تدريب الراوي 1/590 .
(2) انظر لهذا المبحث تدريب الراوي 1/662-666 و شرح علل الترمذي 1/ 266-267 .(1/19)
قلت : ولا شك أن تقيدها بالكتابة هو الأرجح والأدق لما سبق ، وبذلك يظهر دقة ما سار عليه الإمام ابن الجارود في بيانه لرواية الحديث عن شيخه في تصريحه بأن هذا الحديث مكاتبة .
وأما " قال " فالأصل فيها إذا كان الراوي ثقة أن تحمل على السماع ما لم يكن الراوي مدلساً ، وتكون روايته مقبولة محتجاً بها كما هو شأن الأئمة همام وحماد بن زيد وشعبة وحجاج بن محمد وغيرهم(1) .
ولا أعلم لِمَ خص الإمام ابن الجارود شيخه هنا بقال ، ولا أعلم فيه شيء من الوصف بالتدليس ، والأظهر أنه محمول على السماع ، لكن يبقى الاستغراب في سبب وجود هذا الموطن فقط، وذلك له محل من النظر والله أعلم .
? و إذا روى ابن الجارود الحديث عن عدد من الشيوخ ، فقد يجمع بينهم في نسق واحد ، وقد يفرق بينهم باستعمال " ح " الدالة على التحول في السند ، كما سيأتي خلال هذا البحث(2) .
ومثال الجمع بين شيوخه كما في حديث 828 إذ قال ابن الجارود :
حدثنا محمد بن يحيى وهارون بن إسحاق وأبو زرعة الرازي ، قالوا : ثنا عمرو بن طلحة ، عن أسباط ، عن سماك ، عن حميد بن أخت صفوان بن
أمية ، عن صفوان بن أمية رضي الله عنه قال : كنت نائماً في المسجد . وقال هارون : جالسا في المسجد على خميصة ثمن ثلاثين درهماً ، فجاء رجل فاختلسها مني ، فأخذ الرجل فأتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأمر به ليقطع ، فأتيته فقلت : أتقطعه من أجل ثلاثين درهماً أنا أبيعه وأنسيه ثمنها ، قال : " فهلا كان قبل أن تأتيني به " .
? استعماله لـ "ح" الدالة على تحول السند.
جرت عادة بعض المحدثين باستعمال " ح " في أسانيد مروياتهم و لتوضيح ذلك يقول الإمام النووي رحمه الله :
__________
(1) انظر للمزيد شرح علل الترمذي 1/376 وراجعه للتدليل على ذلك .
(2) وانظر لذلك حديث :490 وحديث : 880 .(1/20)
" وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر كتبوا عند الانتقال من الإسناد إلى إسناد " ح " وهى حاء مهملة مفردة ، والمختار أنها مأخوذة من التحول ، لتحوله من الإسناد إلى إسناد ، وأنه يقول القارئ إذا انتهى إليها " ح " ، ويستمر في قراءة ما بعدها ، وقيل : إنها مِنْ حَالَ بين الشيئين إذا حجز ؛ لكونها حالت بين الإسناد ، وأنه لا يلفظ عند الانتهاء إليها بشيء ، وليست من الرواية ، وقيل : إنها رمز إلى قوله : " الحديث " وإن أهل المغرب كلهم يقولون إذا وصلوا إليها : الحديث ، وقد كتب جماعة من الحفاظ موضعها صح ، فيشعر بأنها رمز صح " ثم قال : " هذه الحاء توجد في كتب المتأخرين كثيراً ، وهي كثيرة في صحيح مسلم قليلة في صحيح البخاري "(1).
قلت : ولقد استعمل " ح " الدالة على التحول من إسناد لآخر الإمام ابن الجارود في كتابه " المنتقى " في أحاديث عدة كما ستراها ضمن هذا البحث إن شاء الله .
? ذكره لبعض الصيغ المعروفة عند أهل الحديث في رفع الحديث إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
مثاله(2) ما في حديث 340 قال ابن الجارود :
حدثنا ابن المقرئ ، قال : ثنا سفيان ، عن عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - .
قال ابن المقرئ : وقال رواية مرة : " ليس فيما دون خمس أواق صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ، وليس فيما دون خمسة ذود صدقة " .
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 1/38 و انظر تدريب الراوي 2/37-40 .
(2) انظر كذلك الأحاديث : 185 ، 284 .(1/21)
قلت : قوله " رواية " من صيغ رفع الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد وقع استعمالها في الصحيحين أيضاً(1) . وقد تقرر عند أهل الفن أنه إذا قيل في الحديث عند ذكر الصحابي يرفعه أو ينميه أو يبلغ به أو رواية فكل هذا و شبهه مرفوع عند أهل العلم"(2) .
قلت : ومن استعمال ابن الجارود لـ " يبلغ به "(3) ما في حديث رقم 190 قال :
حدثنا علي بن خشرم ، قال : أنا بن عيينة ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا أمن القارئ فأمنوا فإن الملائكة تؤمن فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه "
? ومن منهج الإمام ابن الجارود في الرواية عن شيوخه أنه إذا روى الحديث عن شيخ له أكثر من مرة يصرح بذلك ، ويبين ما في الرواية الأخرى من المغايرة في الألفاظ بينها وبين الرواية الأولى .
مثال ذلك حديث 260 قال ابن الجارود :
حدثنا أبو سعيد الأشج ، قال : ثنا أبو خالد ، قال : ثنا عبيد الله ، عن
نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تركز له الحربة يصلي إليها يوم العيد .
ثم قال عقبه : وحدثنا به أبو سعيد الأشج مرة أخرى "ولم يذكر يوم
العيد " .
? وقد تكون في روايته عن شيخه للمرة الثانية فوائد إسناديه : ومثاله حديث 979(4) قال :
__________
(1) انظر صحيح البخاري حديث " تقاتلون قوما صغار الأعين " كتاب الجهاد و السير باب قتال الذين ينتعلون الشعر رقم الحديث 2929 .
(2) انظر تدريب الراوي 1 / 285-287 . و انظر الأحاديث 299 ، 323 ، 404 ، 434 ، 512 ، 528 ، 677 ، 954 .
(3) و انظر الأحاديث 299 ، 323 ، 404 ، 434 ، 512 ، 528 ، 677 ، 954 .
(4) انظر الأحاديث : 974 و 975 .(1/22)
حدثنا عبد الله بن هاشم ، قال : أنا يحيى ، عن ابن عجلان ، قال : ثني سعيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن - صلى الله عليه وسلم - قال : " ثلاثة كلهم حق على الله عونه : المجاهد في سبيل الله ، والناكح ليستعف ، والمكاتب الذي يريد
الأداء " .
ثم قال عقبه في حديث 980 :
حدثنا ابن هاشم مرة أخرى ، قال : ثنا يحيى ، عن ابن عجلان ، عن سعيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله .
قلت : لعله أعاد الحديث مرة أخرى عن شيخه لتأكيد أن الحديث من رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة(1) . رضي الله عنه ، ولتصريح ابن عجلان بالتحديث عن سعيد .
? ومن منهجه في الرواية عن شيوخه أنه إذا روى الحديث عن أكثر من شيخ ينص على الشيخ الذي ساق الحديث من روايته .
مثاله(2)حديث 490 قال ابن الجارود :
حدثنا محمد بن عثمان الوراق ، قال : ثنا أبو أسامة ، وحدثنا الأشج ،
قال : ثنا عقبة ، قال : ثنا عبيد الله ، قال : ثني نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له . الحديث للأشج .
فهذا الحديث قد رواه ابن الجارود عن شيخين له و هما " محمد بن عثمان الوراق " و " أبو سعيد الأشج " ، فأبان أن اللفظ الذي ساقه إنما هو لشيخه الأشج .
? إذا روى الحديث عن أكثر من شيخ ، وروى هؤلاء الشيوخ الحديث عن شيخ لهم فنسبوه عدا واحدٍ منهم ، فإن ابن الجارود يبين من لم ينسبه من
شيوخه ، و هذا مما يدل على دقة وأمانة هذا الإمام الجليل رحمه الله .
مثاله حديث 941 قال ابن الجارود:
__________
(1) انظر تهذيب التهذيب 9/314-42 .
(2) و انظر حيث رقم 242 .(1/23)
حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وعبد الله بن هاشم ، قالا : ثنا يحيى بن سعيد القطان - ولم ينسبه بن هاشم - ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر رضي الله عنهما أنه قال : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له : أوف بنذرك .
? و إذا روى الحديث عن عدد من الشيوخ ، وكان في رواياتهم اختلاف في بعض الألفاظ أو زيادات لبعضهم على بعض ينبه على ذلك(1) ، ومثاله حديث رقم 78 قال ابن الجارود:
حدثنا علي بن خشرم ، قال : أنا عيسى ، عن شعبة ، عن محمد بن زياد قال : كان أبو هريرة رضي الله عنه يمر بنا والناس يتوضئون من المطهرة فسمعته يقول : " أسبغوا الوضوء " فإني سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ويل للعراقيب من النار " .
ثم قال عقبه في حديث 79 :
حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا عبد الصمد ، وثنا أبو جعفر الدارمي ، قال : ثنا النضر جميعاً عن شعبة بهذا . قال محمد : " للعقب " ، وقال الآخر :
" للأعقاب " .
فبين ابن الجارود هنا الفرق بين رواية شيوخه الثلاثة للحديث إذ قال علي بن خشرم : "ويل للعراقيب " ، وقال محمد بن يحيى : " ويل للعقب" ، وقال أبو جعفر الدارمي : " ويل للأعقاب " .
? و قد يذكر الحديث عن شيخ له ، ثم يتبعه بسند آخر عن غير هذا الشيخ فيه متابعة قاصرة(2) لأحد رواة السند ، يبين فيها الاختلاف في بعض ألفاظ المتن(3) .
مثاله حديث 187 قال ابن الجارود :
__________
(1) وانظر رقم 358 .
(2) و هي مشاركة راوِ لغيره في حديث معين في الرواية عن شيخ أثناء السند . و أما إذا كانت المشاركة من أوله فتسمى متابعة تامة .
(3) ومثله حديث 750 .(1/24)
حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا حجاج بن منهال ، عن همام ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة ، وكان يسمعنا أحياناً الآية ، وكان يطيل في الأولى ، ما لا يطيل في الثانية ، وكان يقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب في كل ركعة . قال : وكذلك في صلاة العصر قال : وكذلك في صلاة الفجر .
قال أبو محمد : ورواه مخلد بن يزيد ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد هكذا ، غير أنه لم يذكر "وصلاة الفجر" . حدثناه محمد بن إدريس ، عن الحميدي عنه .
أقول : لقد ساق ابن الجارود هنا سنده للحديث أولاً من طريق شيخه محمد بن يحيى ، ثم ساقه من طريق أخرى عن شيخه محمد بن إدريس عن الحميدي عن مخلد بن يزيد عن الأوزاعي عن يحيى بن كثير به ، فتابع الأوزاعي في ذلك هماماً في الرواية عن يحيى ، ثم نبه ابن الجارود على المغايرة بينهما بأنه لم يذكر في الطريق الثانية " صلاة الفجر " .
? و إذا روى الحديث عن أكثر من شيخ له ، و كان في الإسناد من وصف بالتدليس و لكنه قد صرح بالتحديث في إحدى الروايات ينبه على الشيخ الذي أسند رواية التحديث .
مثاله حديث 516 قال ابن الجارود :
حدثنا إسحاق بن منصور ، قال : أنا عبد الرحمن ح وثنا عبد الله بن
هاشم ، قال : ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان ، عن زبيد ، عن إبراهيم ،عن مسروق ، عن عبد الله رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية " وفي حديث ابن هاشم قال : ثني زبيد .(1/25)
قلت : لما روى ابن الجارود هذا الحديث عن شيخين له وهما : إسحاق بن منصور و عبدالله بن هاشم وكان في إسناد الأول عنعنة سفيان - وهو ابن سعيد الثوري - عن شيخه زبيد - وهو ابن الحارث بن عبد الكريم اليامي وهو ثقة ثبت(1) ، بينما في رواية شيخ ابن الجارود الآخر عبد الله بن هاشم ، تصريح سفيان بالتحديث عن زبيد ، فنبه المؤلف رحمه الله على ذلك . وذلك لأن سفيان الثوري مع كونه ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة ، ولكنه كان مع ذلك ربما دلس كما قال الحافظ ابن حجر(2) ، وقد ذكره في النكت(3) ضمن مَنْ أَكثَر الأئمة من إخراج حديثه ، إما لإمامته ، أو لكونه قليل التدليس في جنب ما روى من الحديث الكثير ، أو أنه كان لا يدلس إلا عن ثقة .
? اهتمامه باختلاف طرق الروايات التي تروى من طريق شيخه ، ومثاله حديث 650 قال :
حدثنا محمود بن آدم ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والتمر بالتمر ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف بيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد " .
651 حدثنا محمود بن آدم ، قال : ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء ، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء ، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء ، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء " .
فأبان ابن الجارود أن الحديث يروى من طريق شيخه محمود بن آدم
بوجهين :
__________
(1) تقريب التهذيب : 1989 .
(2) تقريب التهذيب : 2445 .
(3) 2/639 . وانظر للمزيد حول ما قيل في تدليس الثوري : التدليس في الحديث لفضيلة الدكتور : مسفر الدميني ص267-272 .(1/26)
وكيع ، عن سفيان ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه . والثاني من طريق سفيان ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
? ومن منهجه أنه قد يصرح بمكان سكنى شيخه .
و مثاله حديث 464 قال ابن الجارود :
حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي سكن الري ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن معروف ، عن أبي الطفيل رضي الله عنه ، قال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف على راحلته يستلم الركن بمحجنه ، ويقبل طرف المحجن ، ثم خرج إلى الصفا فطاف سبعاً على راحلته .
قلت : ففي هذا إفادة من ابن الجارود عن شيخه محمد بن عبد الرحمن الهروي أنه سكن الري ، وهذا البيان له فوائد عدة في معرفة شيوخ الراوي ورحلاته و تمييز أحاديثه ، مما قد يكون له دخل في الترجيح بين الرواة عند حصول التعارض والاختلاف ، ومعرفة هذا من الأهمية بمكان في علم العلل .
? قد يصرح بمكان سماعه للحديث من شيخه كما في حديث رقم 6
قال :
حدثنا محمد بن هشام المروزي ببغداد ، ثنا أبو بكر يعني ابن عياش ، عن أبي حصين ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي رضي الله عنه قال : كنت رجلاً مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن ابنته كانت عندي ، فأمرت رجلاً فسأله فقال : " منه الوضوء " .
? قد يذكر تاريخ تحديث شيخه للرواية .
مثاله حديث ( 147 ) قال ابن الجارود :
حدثنا محمد بن هشام بن فلاس الدمشقي ، قال : ثنا حرملة بن عبد العزيز الجهني في سنة اثنتين وتسعين ومائة ، قال : ثني عمي عبد الملك بن الربيع ، عن أبيه ، عن جده ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " مروا الصبي بالصلاة ابن سبع سنين واضربوا عليها ابن عشر " .
? و طريقة ابن الجارود في سياقه لمتن الروايات أنه يذكر المتن غالباً خلال سياقه الإسناد .(1/27)
و أما إذا تكرر المتن فقد حصل مرة أن كرره على التوالي في ثلاثة أحاديث دون أية فوارق بينهما البتة كما في حديث " لا نكاح إلا بولي "(1).
و قد ينص على أنه مثله سواء و ينبه على الزيادة .
كما قال في حديث 632 :
حدثنا ابن عوف ، قال : ثنا عبد الله بن عبد الجبار ، قال : ثنا إسماعيل
- يعني ابن عياش - ، عن الزبيدي ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء ، وزاد :
" وأيما امرئ هلك وعنده مال امرئ بعينه اقتضى منه شيئاً أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء " .
وقد يذكر طرفاً من الرواية و يقول عقبها : " وذكره "(2) أو " وذكر باقي الحديث"(3) .
وقد يحيل إلى المتن السابق دون أن يذكر شيئاً منه باستخدام عبارات :
" به "(4) و " بمثله "(5) ، و " نحوه "(6) .
و قد يسند الحديث فيذكر ابن الجارود عن شيخه أنه قال : " وساق الحديث "(7) كما نقل عن شيخه محمد بن يحيى .
قلت : و في مثل هذه الإحالات للأسانيد للمتن السابق هل يجوز إذا أراد أحد الاقتصار على السند اللاحق أن يذكر المتن السابق ؟ فللعلماء في ذلك تفصيل ذكره(8) الإمام النووي رحمه الله فقال :
" إذا روى الشيخ الحديث بإسناد ، ثم أتبعه إسناداً آخر ، وقال عند انتهاء الإسناد : " مثله أو نحوه " فأراد السامع أن يروي المتن بالإسناد الثاني مقتصراً عليه ، فالأظهر منعه ، وهو قول شعبة .
وقال سفيان الثوري : يجوز بشرط أن يكون الشيخ المحدث ضابطاً متحفظاً مميزاً بين الألفاظ .
وقال يحيى بن معين : يجوز ذلك في قوله مثله ولا يجوز في نحوه .
__________
(1) الأحاديث من 701- 703 .
(2) انظر الحديث : 1055 .
(3) انظر الأحاديث :165 ، 1095 .
(4) انظر حديث : 229 .
(5) انظر الأحاديث : 980 ، 986 .
(6) انظر الأحاديث :49 ، 448 .
(7) انظر الحديث : 193.
(8) شرح النووي على صحيح مسلم 1/37 .(1/28)
قال الخطيب البغدادي : الذي قاله ابن معين بناء على منع الرواية بالمعنى ، فأما على جوازها فلا فرق ، وكان جماعة من العلماء يحتاطون في مثل هذا ، فإذا أرادوا رواية مثل هذا أو أورد أحدهم الإسناد الثاني ثم يقول : " مثل حديث قبله متنه كذا" ثم يسوقه ، واختار الخطيب هذا ولا شك في حسنه .
أما إذا ذكر الإسناد وطرفاً من المتن ثم قال : " وذكر الحديث " أو قال :
" واقتص الحديث " أو قال : " الحديث " أو ما أشبهه ، فأراد السامع أن يروي عنه الحديث بكماله ، فطريقه أن يقتصر على ما ذكره الشيخ ثم يقول :
" والحديث بطوله كذا " ويسوقه إلى آخره ، فإن أراد أن يرويه مطلقاً ولا يفعل ما ذكرناه فهو أولى بالمنع مما سبق في مثله ونحوه ، وممن نص على منعه الأستاذ أبو إسحاق الاسفراييني الشافعي ، وأجازه أبو بكر الإسماعيلي بشرط أن يكون السامع والمسمع عارفين ذلك الحديث " .
? قد يروي الحديث تحت باب معين ، ثم يسوقه من طريق أخرى تحت باب آخر بمعنى متقارب ، و ذلك لما يستنبط منه كما يظهر لي والله أعلم .
و مثاله قال في كتاب المناسك حديث 438 :
حدثنا ابن المقرئ ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن جريج، عن عبد الله بن عبيد ،عن ابن أبي عمار ، قال : سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن الضبع فقال : كُلْها ، قال : قلت : آكلها ؟ قال : نعم كلها بأمري قلت : صيد هي ؟ قال : نعم . قلت : سمعتَ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : نعم .
ثم روى في كتاب الأطعمة رقم 890 قال :
حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، قال : ثنا محمد بن عبد الله
الأنصاري ، قال : ثنا ابن جريج ، قال : ثنا عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار قال : لقيت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقلت له أخبرني عن السبع أنأكلها ؟ قال : " نعم " ، قلت أصيد هي ؟ قال:" نعم" قلت : سمعتَ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال: " نعم " .(1/29)
قلت : يظهر لي أنه إنما ذكر الحديث الأول أولاً في المناسك لبيان أن الضبع من الصيد ، وتجري عليه أحكام الصيد للمحرم ، ثم ذكر الرواية الأخرى في الأطعمة لبيان إباحته و الله أعلم .
و من هذا الباب أيضاً :
ذكر في باب ما جاء في الإيمان حديثاً ، ثم ذكر من طريق أخرى بمعناه في باب ما جاء في الأحكام وبيان ذلك : قال في الموطن الأول رقم 926 :
حدثنا أبو سعيد الأشج ، قال : ثنا وكيع ، قال : ثنا الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان " فنزلت { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } الآية ]سورة آل عمران آية 77[ فدخل الأشعث بن قيس رضي الله عنه فقال : ما يحدثكم أبو عبد الرحمن ، قلنا : كذا وكذا فقال : صدق فِيّ نَزَلَتْ ، كان بيني وبين رجل من قومي خصومة في أرض لنا ، فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : بينتك فلم تكن لي بينة فقال له : احلف فقلت يا رسول الله : إذاً يحلف . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان " فنزلت : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } الآية .
ثم روى في باب ما جاء في الأحكام برقم 1005 عن الأشعث بن قيس فقال :(1/30)
حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا الحارث بن سلمان الكندي ، قال : ثنا كردوس ،عن الأشعث بن قيس الكندي رضي الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ أن رجلاً من كنده ورجل من حضرموت اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أرض باليمن ، فقال الحضرمي : يا رسول الله أرضي اغتصبنيها أبو هذا ، فقال للكندي : ما تقول ؟ قال: أقول إنها أرض في يدي ورثتها من أبي ، فقال للحضرمي " هل لك من بينة ؟ " قال : لا ولكن ليحلف يا رسول الله بالله الذي لا إله إلا هو ما يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه ، فتهيأ الكندي لليمين فقال : له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنه لا يقتطع رجل مالاً بيمينه إلا لقي الله يوم القيامة وهو أجذم ، فردها الكندي .
قلت : وهذا الحديث هو بمعنى الحديث السابق(1) ، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في " إتحاف المهرة "(2) كلا الحديثين في مسند الأشعث بن قيس ، ونص على رواية ابن الجارود له بمعناه في الإسناد الآخر .
? عنايته وإشارته لإعلال الحديث ببيان الاختلاف في رفعه و إرساله .
و مثاله حديث 609 قال :
__________
(1) وقول أخينا أبي إسحاق الحويني في التعليق على الحديث : " عزاه مخرج المنتقى لمسلم وهم فاحش فالله المستعان " . قلت يقصد بذلك السيد عبد الله اليماني – رحمه الله – و في استدراك الحويني نظر إذا نظرنا إلى أصل الحديث ومسنده من الصحابة ، حيث قال الحويني في تخريج حديث رقم 1005 : " وقد مر بنحوه من حديث ابن مسعود برقم 926 " ، و هناك عزاه الحويني للصحيحين معاً ، وحديث ابن مسعود الذي قصده الحويني عده ابن حجر من مسند الأشعث بن قيس و تبعه على ذلك مخرج المنتقى اليماني ، فلذا عزاه لمسلم فاتضح بذلك أن اليماني لم يهم .
(2) 379 برقم 273 .(1/31)
حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : أنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة .
أقول : هذا مرسل ظاهر من رواية عكرمة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم أعقبه بحديث رقم 610بروايته عن عكرمة موصولاً فقال :
حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا شهاب - يعني بن عباد - ، قال : ثنا داود - يعني العطار - ، عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يباع الحيوان بالحيوان نسيئة .
ومن اهتمامه بالرواية التي تروى من وجه مرسلة ومن وجه آخر موصولة ما في حديث 93 قال :
حدثنا سليمان بن شعيب الغزي ، قال : ثنا بشر - يعني بن بكر - ، قال : حدثني الأوزاعي ، قال : حدثني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، أنها سئلت عن الرجل يجامع ولا ينزل ؟ فقالت : فعلت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلنا منه جميعاً .
ورفعه الوليد بن مسلم أيضاً .
قلت : ولعل في قول ابن الجارود " ورفعه الوليد بن مسلم أيضاً " إشارة إلى أن الأوزاعي قد أخطأ في رفعه ، إذ رواه غيره مرسلاً فبين هنا أن الوليد بن مسلم قد رفعه أيضاً .
و قال الحافظ في التلخيص(1) في هذا الحديث :
" وأعله البخاري بأن الأوزاعي أخطأ فيه ، ورواه غيره عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلاً ، واستدل على ذلك بأن أبا الزناد قال : سألت القاسم بن محمد سمعتَ في هذا الباب شيئاً ؟ فقال : لا ، وأجاب من صححه بأنه يحتمل أن يكون القاسم كان نسيه ثم تذكر فحدث به ابنه ، أو كان حدث به ابنه ثم نسي ولا يخلو الجواب عن نظر " .
فائدة : قال الحافظ ابن حجر العسقلاني :
__________
(1) انظر التلخيص الحبير (1/134 ) وراجع تعليق الشيخ أحمد شاكر على جامع الترمذي ، حديث رقم
( 108 ) .(1/32)
" إنما يقوى القول بالتعليل - يعني فيما ظاهره الصحة - عند عدم
المعارض ، و حيث يجزم المعلل بتقديم التعليل ، أو أنه الأظهر ، فأما إذا اقتصر على الإشارة إلى العلة فقط بأن يقول - مثلاً - في الموصول : رواه فلان مرسلاً أو نحو ذلك و لا يبين أي الروايتين أرجح ، فهذا هو الموجود كثيراً في كلامهم ، و لا يلزم منه رجحان الإرسال على الوصل "(1) .
? اهتمامه ببيان الاختلاف في الإسناد على الراوي .
ومثاله حديث 113 قال :
حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن صخر بن جويرية ، عن نافع ، عن سليمان بن يسار ، أنه حدثه رجل عن أم سلمة ، أن امرأة كانت تهراق دماً لا يفتر عنها ، فسألت أم سلمة النبي - صلى الله عليه وسلم -
فقال : لتنظر عدة الأيام والليالي التي كانت تحيض قبل ذلك وعددهن فلتترك الصلاة قدر ذلك ، ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل ولتستثفر بثوب وتصلي .
قال أبو محمد : وهكذا قال موسى بن عقبة والليث بن سعد عن نافع ، عن سليمان عن رجل عن أم سلمة رضي الله عنها .
وقال مالك وعبيد الله ويحيى بن سعيد وغيرهم ، عن نافع ، عن سليمان ، عن أم سلمة .
وقال أيوب ، عن سليمان نفسه ، عن أم سلمة .
قلت : أبان الإمام ابن الجارود بهذا الاختلاف في الروايات عن نافع أنه في بعضها عن نافع عن سليمان عن رجل عن أم سلمة وفي بعضها عن نافع عن سليمان عن أم سلمة .
وذكر ابن التركماني في " الجوهر النقي "(2) عن صاحب الكمال أن سليمان سمع من أم سلمة ، فيحتمل أنه قد سمع هذا الحديث منها ومن رجل عنها(3).
? و من منهجه تنبيهاته على تفرد بعض الرواة ، مما يدل على حذاقته وقوة إطلاعه .
مثاله حديث 996 قال :
__________
(1) النكت : 2/777 .
(2) السنن الكبرى 1/333 .
(3) انظر تعليق الحويني على حديث ابن الجارود .(1/33)
حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثني عبد الرزاق بين المغرب والعشاء على السراج ليلة الوداع ، قال : أنا معمر ، عن الثوري عن يحيى بن سعيد ، عن أبي بكر بن محمد ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران اثنان ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد " .
قال أبو محمد : ولا نعلم أحداً روى هذا الحديث عن الثوري غير معمر .
قلت : قوله : " لا نعلم أحداً روى هذا الحديث عن الثوري غير معمر " موافق لما قرره أهل العلم إذ قال الإمام الترمذي في هذا الحديث بعد أن ساقه عن الحسين بن مهدي عن عبدالرزاق به : حديث أبي هريرة حسن غريب من هذه الوجه ، لا نعرفه من حديث سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد إلا من حديث عبد الرزاق عن معمر عن سفيان الثوري "(1) .
وقال ابن حبان(2) : " ما روى معمر عن الثوري مسنداً إلا هذا "
لكن قال الحافظ ابن عبد البر(3) :
" لم يرو هذا الحديث عن معمر غير عبد الرزاق ، وأخشى أن يكون وهم فيه يعني في إسناده "(4) .
? ومن صور اهتمامه ببيان الاختلاف في السند على الراوي ما جاء في حديث 829 قال :
__________
(1) كتاب الأحكام ، باب ما جاء في القاضي يصيب و يخطئ ، حديث 1326 .
(2) الإحسان 7/: 259 حديث 5038 .
(3) جامع بيان العلم وفضله 2/883 .
(4) انظر للمزيد تعليق الحويني على الحديث في المنتقى .(1/34)
حدثنا أبو جعفر المخزمي محمد بن عبد الله بن المبارك ، قال : ثنا علي بن حفص(1) ، عن شعبة(2) ، عن قتادة ، عن أنس رضي الله عنه قال : أُتى النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قد شرب الخمر ، قال : فضربه بجريدتين معه نحواً من أربعين ، ثم صنع أبو بكر رضي الله عنه مثل ذلك ، فلما كان عمر رضي الله عنه استشار الناس ، فقال عبد الرحمن بن عوف : أخف الحدود ثمانين .
ثم ذكر عقبه في حديث 830 :
قال : حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم البزار ، قال : أنا شبابة ،
قال : ثنا شعبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أنس رضي الله عنه قال : أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قد شرب الخمر فضربه بجريدتين أربعين ، وصنع ذلك أبو بكر رضي الله عنه ، فلما كان عمر رضي الله عنه استشار الناس ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : أخف الحدود ثمانين ففعله .
قلت : في هذا بيان أنه اختلف على شعبة فتارة يرويه عن قتادة عن أنس رضي الله عنه ، وتارة يرويه عن قتادة عن الحسن عن أنس رضي الله عنه ، والمحفوظ هو بدون ذكر أنس كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر في " إتحاف المهرة"(3) .
? بيانه و توضيحه للإدراج في الرواية(4) .
مثاله حديث رقم 39 قال :
__________
(1) في المطبوع " علي بن جعفر " و هو تصحيف ، و التصويب من " إتحاف المهرة " 2 /226 حديث 1599 .
(2) سقط من المطبوع "عن شعبة " و التصويب من الإتحاف كما سبق ، و بسطت ذلك في تنبيهاتي على التحريفات و التصحيفات الواقعة في المنتقى .
(3) 3 /589 حديث 821 .
(4) الإدراج : هو أن يذكر أحد الرواة عقيب حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - كلاماً لنفسه أو لغيره ثم يرويه مَنْ بعده متصلاً فيقع الوهم بعد ذلك أنه من الحديث و من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - . انظر تدريب الراوي :1/450.(1/35)
حدثنا ابن المقرئ ، قال : ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صام عام الفتح حتى إذا بلغ الكديد أفطر ، وإنما يؤخذ بالآخر من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال أبو محمد : قوله " وإنما يؤخذ بالآخر " هو من قول الزهري ، بيّن ذلك معمر ، حدثناه محمد بن يحيى ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : أنا معمر .
قلت : يُبيّن الإمام ابن الجارود في هذا الحديث أن قوله : " وإنما يؤخذ بالآخر من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنما هو مدرج من قول الزهري كما بينه معمر .
? ومن عنايته اعتناؤه بعلل الحديث ، ونقله عن شيخه محمد بن يحيى كلاماً له في ذلك .
مثاله حديث 631 :
حدثنا محمد بن عوف الحمصي ، قال : ثنا عبد الله بن عبد الجبار الخبايري ، قال : ثنا إسماعيل - يعني ابن عياش - ، عن موسى بن عقبة ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أيما رجل باع سلعة فأدرك سلعته بعينها عند رجل أفلس ولم يقبض من ثمنها شيئاً فهي له ، فإن كان قضاه من ثمنها شيئاً فما بقي فهو أسوة الغرماء " .
ثم قال في حديث 632 :
حدثنا ابن عوف ، قال : ثنا عبد الله بن عبد الجبار ، قال : ثنا إسماعيل
- يعني بن عياش - ، عن الزبيدي ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء وزاد : " وأيما امرئ هلك وعنده مال امرئ بعينه اقتضى منه شيئاً أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء " .
ثم قال في حديث 633 :
حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا هشام بن عمار ، قال : ثنا إسماعيل بن عياش ، قال : ثنا موسى بن عقبة ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإفلاس .(1/36)
وقال ابن يحيى : رواه مالك وصالح بن كيسان ويونس ، عن الزهري ، عن أبي بكر مطلق ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهم أولى بالحديث يعني عن طريق الزهري .
قلت : يريد ابن الجارود في نقله عن شيخه محمد بن يحيى ترجيح المرسل على الموصول ؛ لأن من ذكرهم من الرواة إنما رووه عن الزهري عن أبي بكر بن عبدالرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ، و هم أكثر عدداً و أولى من طريق موسى بن عقبة عن الزهري في روايته للحديث عن أبي بكر بن عبدالرحمن عن أبي هريرة مرفوعاً ، و هذا من قرائن ترجيح تعارض الرفع و الإرسال .
ولقد قال أبو داود في سننه بعد أن ساق الحديث من طريق مالك عن ابن شهاب مرسلاً :
" حديث مالك أصح "(1) . أي من حديث محمد بن عوف في روايته للحديث مرفوعاً .
كما أعل الحديث الإمام الشافعي ، بينما رد على ذلك ابن القيم و صحح الحديث مرفوعاً(2).
? ومن عنايته بالإفادة عن شيخه في ذلك حديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها في الاشتراط في الحج برقم 420 ، إذ رواه عن شيخه محمد بن يحيى ثم قال المؤلف عقب الحديث :
" حدثنا الحسن بن أحمد بن سليمان ، قال : قال محمد بن يحيى : حديث عبد الرزاق عندنا محفوظ في قصة ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها محتج به لمن أراد الشرط في الحج " .
قلت : وفي هذا النص أيضاً أنموذج من النماذج الدالة على عظمة الإمام ابن الجارود ودقته ، إذ مع كونه يروي عن شيخه محمد بن يحيى أزيد من ثلث أحاديث المنتقى ، ومع ذلك لما وجد هذه الفائدة أن حديث عبد الرزاق محفوظ عن شيخه أسندها عنه بالواسطة من طريق شيخه الحسن بن أحمد بن سليمان ، فلله دره و در علمائنا فما أنصفهم و ما أورعهم .
__________
(1) أبواب الإجارة ، باب في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده حديث رقم 3520 . و هو في الموطأ : كناب البيوع ، باب ما جاء في إفلاس الغريم ، رقم 1374 .
(2) تهذيب السنن ج5 / من 175.(1/37)
? ومن عنايته بعلم علل الحديث ذكره كلاماً لجهابذة العلماء في ذلك :
و مثاله حديث 108 قال :
حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن الحكم بن عبد الحميد ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في الذي يأتي امرأته حائضاً قال : " يتصدق بدينار أو بنصف دينار "(1) .
ثم قال عقبه في حديث 109:
حدثنا أحمد بن محمد الشافعي ، قال : ثنا الحسن بن علي الحلواني ،
قال : ثنا سعيد بن عامر ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن عبد الحميد بن
مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه .
قال شعبة : وزعم فلان أن الحكم كان لا يرفعه ، فقيل لشعبة : حدثنا بما سمعت ودع قول فلان وفلان فقال : ما يسرني أن أعمر في الدنيا عمر نوح وإني تحدثت بهذا أو سكت عن هذا .
ثم ساق المؤلف بسنده تراجع شعبة عن رفع الحديث فقال في حديث 110 :
حدثنا محمد بن زكريا الجوهري ، قال : ثنا بندار ، قال : ثنا عبد
الرحمن ، قال : ثنا شعبة بهذا الحديث ولم يرفعه . فقال رجل لشعبة : إنك كنت ترفعه قال : " كنت مجنوناً فصححت " .
أقول : إنّ علم العلل علم عظيم جليل بل هو " من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها ، وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب " (2) .
__________
(1) انظر تفصيل الكلام حول هذا الحديث و من صححه و من أعله في العلل لابن أبي حاتم 1/ 50 برقم 121 ، والمجموع للنووي 2/ 360 ، و التلخيص الحبير 1/61 ، و شرح أحمد شاكر للترمذي 1/246 – 254 .
(2) علوم الحديث ص 96 .(1/38)
ولذا " لا يقوم به إلا من رزقه الله فهماً ثاقباً ، وحفظاً واسعاً ، ومعرفةً تامة بمراتب الرواة ، وملكة قوية بالأسانيد والمتون ، ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل من أهل الشأن كعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، والبخاري، ويعقوب بن أبي شيبة ، وأبي حاتم ، وأبي زرعة ، والدارقطني "(1)
وإن في إسناد الإمام ابن الجارود : تراجع الإمام شعبة بن الحجاج عن رفع الحديث ، والرجوع إلى إرساله ؛ دليل على:
أهمية علم الحديث وصعوبته ، إذ قد تخفى العلة على كبار المحدثين زمناً طويلاً ، ثم تظهر له بعد ذلك كما هو ظاهر من هذا المثال ، ولقد ساق الخطيب بسنده إلى ابن المديني أنه قال : "ربما أدركت علة حديث بعد أربعين سنة"(2) ، وقال الخطيب : " فمن الأحاديث ما تخفى علته فلا يوقف عليها إلا بعد النظر الشديد ومضي الزمن الطويل "(3) .
ثم قال : " فإذا كان القول قاله إمام العلل علي بن المديني فكيف بمن هو دونه ؟ وهذا يدل على أن من العلل ما هو غامض جداً بحيث يكون الكشف عنه يسيراً ، وإنما يتنبه له الأفذاذ ، وقد لا يكون ذلك من أول وهلة فهذا مع ما آتاهم الله من العلم والمعرفة " والله أعلم .
? بيانه ممن وقع الشك في الحديث .
مثاله حديث رقم 317:
__________
(1) النكت على نزهة النظر ص 123. وانظر لأهمية علم علل الحديث : التمييز لمسلم ، وشرح علل الترمذي لابن رجب ، وعلم علل الحديث ودوره في حفظ السنة للدكتور وصي الله عباس ، وجهود المحدثين في بيان علل الحديث للدكتور علي الصياح ، وتعليل العلل للشيخ عبد السلام علوش .
(2) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/257 .
(3) المصدر السابق .(1/39)
قال : حدثنا عبد الله بن هاشم ، قال : حدثنا يحيى ، عن ابن عجلان ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " خير صفوف الرجال في الصلاة مقدمها وشرها مؤخرها " ، لعله قال : " وشر صفوف النساء في الصلاة مقدمها وخيرها مؤخرها " الشك من أبي محمد .
قلت : أبان هنا ابن الجارود أن الشك في هذه الرواية إنما هو من أبي محمد و هو " عجلان " والد " محمد بن عجلان " .
وعجلان هو مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة المدني ، قال النسائي : لا بأس به ، وذكره ابن حبان في الثقات ، ولم يرو عنه غير ابنه محمد(1) . وقال الحافظ ابن حجر فيه : لا بأس به(2) .
? نقله كلام أئمة الجرح و التعديل في بعض الرواة .
مثال ذلك حديث 360 قال :
حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا سعيد بن منصور ، قال : ثنا إسماعيل بن زكريا الأسدي ، عن الحجاج بن دينار، عن الحكم بن عتبة ، عن حجية بن عدي ، عن علي رضي الله عنه ، أن العباس بن عبد المطلب سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل صدقته قبل أن تحل ، فرخص له في ذلك .
قال يحيى بن معين : إسماعيل بن زكريا الخلقاني ثقة ، والحجاج بن دينار الواسطي ثقة .
قلت : و هذا التوثيق الصريح من ابن معين للحجاج بن دينار لا يوجد في " تهذيب الكمال " و لا في " تهذيب التهذيب " و إنما الذي فيهما قول ابن أبي خيثمة عن ابن معين : صدوق ليس به بأس(3) .
و مثله في نقل كلام الإمام يحيى بن سعيد في أحد الرواة إذ قال حديث 1006 :
حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني وسعيد بن بحر القراطيسي ، قالا : ثنا زيد بن الحباب ، قال : أنا سيف بن سليمان ، قال : أني قيس بن سعد ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاهد ويمين .
__________
(1) تهذيب التهذيب 7/162 .
(2) تقريب التهذيب ترجمة 4534 .
(3) تهذيب التهذيب 2/20.(1/40)
حدثنا أحمد بن بكر بن خلف ، عن علي بن عبد الله قال : سألت يحيى بن سعيد عن سيف بن سليمان فقال : كان عندنا ثابتاً(1) ممن يصدق ويحفظ .
قلت : و ليس في ترجمة سيف بن سليمان وهو المخزومي ما يستوجب التوقف عن روايته إلا أنه اتهم بالقدر كما قال الساجي ، و قال الآجري : قلت لأبي داود : رمي بالقدر ؟ قال : ما أعلمه(2) . وهو ثقة ثبت كما قال الحافظ ابن حجر(3) .
? إفادته بمن روى من أئمة الجرح و التعديل عن بعض الرواة .
و مثاله حديث 876 قال :
حدثنا محمد بن خلف الحداد ، قال : ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، قال : ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي واقد الليثي قال : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم يجبون أسنمة الإبل و أليات الغنم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما قطع من البهيمة وهي حية فهو
ميت " .
قال يحيى بن معين : قد حدث يحيى القطان عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار .
قلت : ورواية الثقات عن راو قد تفيد إذ قال الإمام ابن أبي حاتم : سألت أبي عن رواية الثقات عن الرجل غير الثقة مما يقويه ؟ قال : إذا كان معروفاً بالضعف لم تقوه روايته عنه ، و إن كان مجهولاً تنفعه رواية الثقة عنه(4) .
ومن أمثلة ذكر ابن الجارود من روى من أئمة الجرح و التعديل عن بعض الرواة ما جاء في حديث 186:
__________
(1) هكذا و لعلها ثبتاً كما في إتحاف المهرة 7/656 رقم 8697 .
(2) تهذيب التهذيب 4/294-250 .
(3) تقريب التهذيب 2737 .
(4) الجرح والتعديل 1/36 ، وانظر للمزيد حول هذه المسألة شرح علل الترمذي 1/79-87 ، وتهذيب التهذيب 6/206 للكلام في الراوي جرحا و تعديلا .(1/41)
حدثنا عبد الله بن هاشم ، قال ثنا : يحيى - يعني القطان - ، عن جعفر بن ميمون ، عن أبي عثمان ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره قال : اخرج فناد في أهل المدينة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا صلاة إلا بفاتحة القرآن فما زاد... " .
قال أبو محمد : جعفر هذا روى عنه الثوري وعيسى بن يونس .
قلت : ولعل في هذا إشارة إلى توثيق الثوري بروايته عن جعفر بن ميمون ، وقد وثقه بعض أهل العلم وضعفه آخرون(1) .
? تفسيره لبعض العبارات الواردة عن أئمة الجرح والتعديل .
مثاله حديث رقم 94 قال :
حدثنا عبد الله بن هاشم ، قال : ثنا يحيى - يعني ابن سعيد - ، عن شعبة ، قال : حدثني عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة قال : أتيت علياً رضي الله عنه أنا ورجلان من قومي ورجل من بني أسد أحسب فبعثهما وجهاً فقال : إنكما علجان فعالجا عن دينكما ، ثم دخل المخرج فتهيأ ، ثم خرج فأخذ جفنة من ماء فتمسح بها ، ثم جعل يقرأ فكأنما أنكرنا عليه فقال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته ثم يخرج فيقرأ القرآن ونأكل معه اللحم ولا يحجزه ، وربما قال : ولا يحجبه عن ذلك شيء ليس الجنابة .
قال يحيى : وكان شعبة يقول في هذا الحديث : " نعرف و ننكر " يعني أن عبد الله بن سلمة كان كبر حيث أدركه عمرو .
قلت : نقل الإمام ابن الجارود عن يحيى قول شعبة في هذا الحديث : " نعرف وننكر "(2) ثم بين المراد من ذلك أن عبد الله بن سلمة كان كبر حيث أدركه عمرو . ويريد بذلك أن عبد الله بن سلمة كان تغير حين كبر .
__________
(1) تهذيب التهذيب : 2/109 .
(2) في تهذيب التهذيب ه /242 قال شعبة عن عمرو بن مرة : كان عبدالله بن سلمة يحدثنا فيعرف و ينكر كان كبر . وقال أبو حاتم أيضاً : " يعرف و ينكر " .(1/42)
و " نعرف و ننكر " مصطلح مستعمل عند أئمة الجرح والتعديل و معناها : أي يأتي مرة بالمناكير و مرة بالمشاهير(1) .
? ينبه ابن الجارود في الروايات المعلقة على الاختلاف في السند على الراوي(2) .
ومثاله حديث 44 قال :
حدثنا محمد بن عثمان الوراق ، وحجاج بن حمزة الوازي ، وأبو يحيى محمد بن سعيد القطان ، قالوا : ثنا أبو أسامة ، عن الوليد بن كثير ، عن محمد بن عباد بن جعفر ، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه رضي الله عنه ، قال : سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب فقال : " إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث " .
ثم قال عقبه في حديث 45 :
حدثنا عبد الله بن محمد بن شاكر ، قال : ثنا أبو أسامة ح وثنا محمد بن سليمان القيراطي ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن الوليد بن كثير ، عن محمد بن جعفر ، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، قال سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه .
وقال عيسى بن يونس ، عن الوليد ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه .
وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه أيضاً .
أقول : نبه المؤلف - رحمه الله - فيما رواه تعليقاً عن عيسى بن يونس ومحمد بن إسحاق أنه عندهما : عبيد الله(3) بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، خلافاً للروايتين المسندتين عنده إذ فيهما : عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما .
__________
(1) تدريب الراوي 2/583 .
(2) وانظر على سبيل المثال حديث 113 وحديث 118.
(3) انظر إتحاف المهرة 8/569 رقم 9927 . وما في هامشه رقم 2لمحققه : أي الدارمي.... " خطأ إذ هو سبق قلم من المحقق صوابه ابن الجارود .(1/43)
كما أن عبد الله و عبيد الله هما ابنان لعبد الله بن عمر بن الخطاب وأكبرهما عبد الله وكلاهما ثقة(1) .
? قد يذكر المعلقات(2) لبيان الاختلاف على الراوي في بعض ألفاظ المتن .
مثاله حديث139:
حدثنا بن المقرئ ومحمود بن آدم ، قالا : ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن أم قيس رضي الله عنها قالت : دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - بابن لي لم يأكل الطعام فبال عليه فدعا بماء فرشه .
وقال معمر والليث وعمرو بن الحارث عن الزهري في هذا " فنضحه " .
فعلق المؤلف هنا عن معمر والليث وعمرو بن الحارث روايتهم عن الإمام الزهري الحديث و نبه على ما فيها من مغايرة بقوله : " فنضحه " بدلاً من
" فرشه " .
? قد يذكر المعلقات لبيان المتابعات لأحد رواة السند .
مثاله حديث 25 :
قال : حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن جعفر بن أبي ثور ، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه ؛ أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : " لا " قال : فأصلي في مراح الغنم ؟ قال : " نعم " قال : فأتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال: " نعم " قال : فأصلي في أعطان الإبل قال : " لا " .
ثم قال في حديث 26 :
حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا محاضر الهمداني ، قال : ثنا الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ،عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أأصلي في مبارك الإبل ؟ قال : " لا " قال : فأتوضأ من لحومها؟ قال : نعم . قال : أأصلي في مرابض الغنم ؟ قال : " نعم " قال : فأتوضأ من لحومها ؟ قال : لا .
__________
(1) و انظر تهذيب التهذيب 5 286 ، والتقريب 3417 و 4310 .
(2) المعلق هو : ما حذف من أول إسناده راو أو أكثر . تدريب الراوي 1 / 328 .(1/44)
قال أبو محمد : ورواه عثمان بن عبد الله بن موهب وأشعث بن أبي الشعثاء عن جعفر بن أبي ثور .
قلت : و في هذا التعليق إفادة بمتابعة من هؤلاء لسماك بن حرب في الرواية عن جعفر بن أبي ثور .
? عنايته بالإشارة إلى شواهد الحديث و ذكر من رواه من الصحابة رضي الله عنهم .
ومثاله(1)حديث 489 قال :
حدثنا علي بن خشرم ، قال : أنا عيسى ، عن ابن جريج ، قال : سمعت ابن شهاب يقول : ثني عيسى بن طلحة ، قال : ثني عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينا هو يخطب يوم النحر فقام إليه رجل فقال : ما كنت أحسب وذكر الحديث .
قال أبو محمد : وفيه عن أبي بكرة ونبيط بن شريط وابن عمر رضي الله عنهم .
قلت : ذكر الإمام ابن الجارود في هذا الحديث أن الحديث مروي أيضاً من طريق صحابيين آخرين إضافة لجابر وهما : أبو بكرة بن شريط وابن عمر رضي الله عنهم .
وهذا الصنيع من الإمام ابن الجارود على غرار نهج الإمام الترمذي في جامعه في قوله : وفي الباب عن فلان و فلان ، و هو بالمعلقات أشبه من حيث حذف أول السند فيما يظهر لي .
فائدة : في التقييد والإيضاح(2) : " حيث يقول الترمذي وفي الباب عن فلان فإنه لا يريد بذلك الحديث المعين ، بل يريد أحاديث أخر يصح أن تكتب في الباب . قال العراقي : وهو عمل صحيح إلا أن كثيراً من الناس يفهمون من ذلك أن من سمي من الصحابة يرون ذلك الحديث بعينه وليس ذلك ، بل قد يكون كذلك وقد يكون حديثاً آخر يصح إيراده في ذلك الباب(3) .
? عنايته بتوضيح المهمل وتقييده(4) في الإسناد ، سواء أكان من ابن الجارود نفسه أو فيما ينقله عن شيوخه .
ومثال الأول حديث رقم 22 قال :
__________
(1) انظر رقم 232 .
(2) ص 102 .
(3) تدريب الراوي 1/377 .
(4) المهمل : ذكر الراوي باسمه فقط في السند دون أن ينسب لأبيه أو شيء آخر يتعين به مما قد يجعل السامع يحتمل أكثر من احتمال في تعيين الراوي و تحديده .(1/45)
حدثنا عبد الله بن هاشم ، قال : ثنا يحيى- يعني ابن سعيد - ، عن هشام - يعني : بن عروة - ، قال : ثني وهب بن كيسان ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما .
قلت : فقوله عقب يحيى " يعني ابن سعيد " ، وعقب هشام "يعني ابن عروة " بيان و توضيح للمهمل , وهذا البيان بهذه الطريقة من دقة علماء الحديث وأمانتهم في عدم إضافة حرف أو كلمة في السند إلا بهيئة متميزة لا تلتبس ، ولقد قال الإمام النووي رحمه الله في ذلك :
" فصل : ليس للراوي أن يزيد في نسب غير شيخه ولا صفته على ما سمعه من شيخه ، لئلا يكون كاذباً على شيخه ، فإن أراد تعريفه وإيضاحه وزوال اللبس المتطرق إليه لمشابهة غيره ، فطريقه أن يقول : قال : حدثني فلان يعني : ابن فلان أو الفلان أو هو ابن فلان أو الفلاني أو نحو ذلك ، فهذا جائز حسن قد استعمله الأئمة وقد أكثر البخاري ومسلم منه في الصحيحين غاية الإكثار " إلى أن قال :
" وإنما يقصدون بهذا الإيضاح كما ذكرنا أولاً ، فإنه لو قال : حدثنا داود ، أو عبد الله ، لم يعرف من هو لكثرة المشاركين في هذا الإسم ، ولا يعرف ذلك في بعض المواطن إلا الخواص والعارفون بهذه الصنعة وبمراتب الرجال ، فأوضحوه لغيرهم وخففوا عنهم مؤونة النظر والتفتيش ، وهذا الفصل نفيس يعظم الانتفاع به ، فإن من لا يعاني هذا الفن قد يتوهم أن قوله : " يعنى " وقوله : " هو " زيادة لا حاجة إليها ، وأن الأولى حذفها ، وهذا جهل قبيح ، والله أعلم "(1) انتهى .
و قد يوضح الإمام ابن الجارود المهمل في نهاية الحديث .
مثاله حديث 246 قال :
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 1/38 .(1/46)
حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا عبد الله بن إدريس ، قال : سمعت الحسن بن عبيد الله ، عن إبراهيم قال: صلى بهم علقمة خمساً ، قال : فقالوا : يا أبا شبل زدت في الصلاة ! قال : فقال :لم أفعل قال : قالوا : بلى . قال : قال إبراهيم : فقلت بلى من جانب المسجد . قال : فقال : وأنت أعور تقول ذلك . قال : فانفتل وسجد بهم سجدتين ، ثم حدثهم عن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم خمساً ، قال : فسجد بهم سجدتين وهو جالس وقال : " إنما أنا بشر أنسى كما تنسون " . إبراهيم هذا هو بن سويد النخعي وليس بإبراهيم بن يزيد النخعي . انتهى .
قلت : و إبراهيم الأول و هو المقصود في السند ثقة لم يثبت أن النسائي ضعفه(1) . و إبراهيم الثاني هو الإمام الفقيه المشهور ثقة كذلك إلا أنه كان يرسل كثيراً (2). فأراد المؤلف توضيح ذلك لأنه في إطلاق رواية إبراهيم عن علقمة ينصرف الذهن إلى الفقيه المشهور .
و مثال الثاني في توضيح وتقييد ابن الجارود المهمل فيما يسنده عن
شيوخه .
حديث 869 :
قال : حدثنا يوسف بن موسى ومحمد بن يحيى ، قالا : ثنا قبيصة ، قال : ثنا سفيان ، عن عمر بن محمد ، عن القاسم ، عن سالم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله " .
ثم قال عقبه :
حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي أويس ، قال : ثني
أخي ، عن سليمان بن بلال ، عن عمر بن محمد أن أبا بكر بن عبيد الله بن عبد الله أخبره ، أن سالم بن عبد الله أخبره ، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بهذا الخبر .
__________
(1) كما في التقريب رقم 184و انظر التهذيب 1/126- 127 .
(2) انظر تهذيب التهذيب 1/177 و التقريب رقم 270 .(1/47)
قال أبو محمد : سمعت محمد بن يحيى يقول : القاسم عندنا هو أبو بكر بن عبيد الله إن شاء الله .
قلت : أبان المؤلف - رحمه الله - في الإسناد الثاني عن شيخه محمد بن يحيى أن القاسم المذكور أولاً مهملاً هو " أبو بكر بن عبيد الله " إن شاء الله .
? بيانه لألقاب بعض الرواة وعدالتهم و معانيها .
مثاله حديث 198 :
حدثنا محمد بن يحيى ، قال : ثنا أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي ، ولقبه عارم وكان بعيداً من العرامة ، ثقة صدوقاً مسلماً . قال : ثنا ثابت بن يزيد أبو زيد الأحول ، قال : ثنا هلال ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاة .... الحديث .
قلت : فبيان الإمام ابن الجارود عن محمد بن الفضل السدوسي بأن عارم لقبه و ليس صفة له ، و أنه كان "بعيداً من العرامة ثقة صدوقا مسلماً " من فوائد معرفة الألقاب ، وهو نوع من أنواع علوم الحديث المهمة(1) .
و عارم : ثقة ثبت تغير في آخر عمره من رجال كتب الستة(2)، و العرامة هي الشراسة و الأذى(3) ، وتلقيب الإمام بـ " عارم " من الألقاب التي لا يقصد بها في حق هذا الراوي حقيقة معناها ، ولذا بين ذلك ابن الجارود .
? كتاب المنتقى من كتب أحاديث الأحكام وهو مرتب حسب الموضوعات ، مبتدئاً بباب فرض الوضوء ، و منتهياً بباب الوجوه التي يخرج فيها مال الفيء .
والمذكور من الكتب و العناوين الفقهية باسم كتاب و تحته أبواب في طبعة الشيخ السيد عبد الله هاشم اليماني - رحمه الله - أربعة كتب فقط و هي :
كتاب الزكاة .
كتاب الجنائز .
كتاب النكاح .
كتاب الطلاق .
و ما سوى ذلك فالأحاديث كلها مذكورة تحت مسمى أبواب .
__________
(1) انظر تدريب الراوي 2/ 358 .
(2) تقريب التهذيب ترجمة : 6226 .
(3) القاموس المحيط مادة ع ر م 4/150 .(1/48)
و أما في طبعة الشيخ أبي إسحاق الحويني في تحقيقه " للمنتقى " فإن المذكور من الكتب الفقهية ما يلي :
كتاب الطهارة(1) .
كتاب الصلاة(2) .
كتاب الزكاة(3) .
كتاب الصيام(4) .
كتاب المناسك(5) .
كتاب الجنائز .
كتاب البيوع والتجارات(6) .
كتاب النكاح .
كتاب الطلاق .
وبعد ذلك لم ترد العنونة للأحاديث ضمن كتاب ، وإنما هي موجودة ضمن أبواب متعددة ، ولا نعلم هل ترك المصنف العنونة باسم الكتاب أم أن الكتاب كله على هيئة أبواب كما هو شأن جامع الترمذي - عدا كتاب العلل فيه - ؟ وما جاء باسم كتاب إنما هو من غير المؤلف والله أعلم .
تجلت لنا من خلال هذا البحث أمور عدة في الإمام ابن الجارود النيسابوري ومنهجه في كتابه المنتقى أبرزها :
? مكانة الإمام الناقد ابن الجارود النيسابوري ومنزلته وثناء العلماء عليه .
? منزلة كتابه " المنتقى " وأهميته .
? جودة الترتيب لأحاديث الكتاب و حسن سياقه لها .
? نظافة أسانيده كما سبق عن الحافظ ابن عبد الهادي .
? العناية الفائقة بالأسانيد من هذا الإمام .
? امتيازه بالدقة البالغة من خلال ضبط ألفاظ المرويات عن شيوخه .
? حرصه على تحديد صيغ الأداء وأماكن وتواريخ التحمل عن شيوخه .
? اهتماماته بعلل الأحاديث والاختلاف على الرواة في سياقه للروايات و فيما ينقله عن شيوخه و غيرهم في ذلك ، وهذا الموضوع جدير بأن يعتنى به .
? عنايته بالنقل عن شيوخه في تقييد المهمل .
__________
(1) ليس في طبعة اليماني هذا العنوان وإنما بدأ باب " باب فرض الوضوء " .
(2) ليس في طبعة اليماني هذا العنوان وإنما بدأ بـ " باب فرض الصلوات وأبحاثها " .
(3) في طبعة اليماني " أول كتاب الزكاة " .
(4) في طبعة اليماني " باب الصيام " وليس فيها اسم الكتاب .
(5) ليس في طبعة اليماني وإنما فيها باب المناسك فقط .
(6) ليس في طبعة اليماني وإنما فيها باب في التجارات فقط .(1/49)
? إضافاته لفوائد في علم الجرح والتعديل وفي بيان أحوال بعض الرواة .
وغير ذلك كثير مما امتاز به عمل الإمام ابن الجارود النيسابوري - رحمه الله و جزاه خيراً - ، مما يؤكد أهمية هذا الديوان العظيم - مع الثناء الكبير من أئمة الإسلام عليه وعلى مؤلفه - ، وهذا مما يدفع الباحثين وطلبة العلم للاستفادة أكثر من هذا الكتاب المسند وأمثاله ، قراءة وحفظاً وشرحاً .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
- - -
ثبت المصادر والمراجع
-إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة ، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، (ت 852 هـ ) ، تحقيق د . زهير الناصر ومجموعة من الباحثين ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف ، الطبعة الأولى،1415هـ .
-الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ( ت 354 ) ، ترتيب الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1407هـ .
-الإسناد من الدين و من خصائص أمة سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - ، بقلم الدكتور : عاصم بن عبد الله القريوتي ، مكتبة المعلا ، الطبعة الأولى ، 1406هـ .
-الأعلام ، لخير الدين الزركلي ، الطبعة الثالثة .
-الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لأحمد محمد شاكر ( ت 1377هـ ) ، بتعليق محمد ناصر الدين الألباني ، تحقيق علي بن حسن عبد الحميد ، دار العاصمة ، ط1، 1415هـ .
-تاج العروس من جواهر القاموس للسيد محمد بن محمد مرتضى الزبيدي ( ت 1205هـ ) ، نشر وزارة الإرشاد والإفتاء ، الكويت .
-تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي ، لأبي العلى المباركفوري ( ت 1911م ) ، دار الكتاب العربي ، بيروت .
-تدريب الراوي في شرح تقريب النووي ، لأبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ( ت 911هـ ) ، تحقيق : طارق بن عوض الله ، دار العاصمة ، الطبعة الأولى ، 1424هـ -2003م .
-التدليس في الحديث ، للدكتور مسفر الدميني ، الطبعة الأولى ، 1412هـ - 1992م .(1/50)
-تذكرة الحفاظ ، لأبي عبد الله شمس الدين الذهبي ( ت 748 هـ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان .
-تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة ، لابن حجر العسقلاني ( ت 852 هـ ) ، تحقيق : إكرام الله إمداد الحق ، دار البشائر الإسلامية ، الطبعة الأولى ، 1416هـ - 1996م ، بيروت ، لبنان .
-تعليل العلل لذوي المقل ، لعبد السلام بن محمد بن عمر علوش ، مكتبة الرشد الطبعة الأولى ، 1424هـ .
-تقريب التهذيب ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ، تحقيق الشيخ : محمد عوامة ، دار الرشيد ، سوريا ، حلب الطبعة الأولى ، 1406 هـ
-التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح ، لزين الدين عبدالرحيم العراقي ( ت 806 هـ ) ، دار الحديث ، بيروت ، لبنان ،الطبعة الثالثة 1409هـ -1989م .
-التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ، لابن حجر العسقلاني ، تعليق السيد عبد الله هاشم اليماني المدني .
-التمييز ، للإمام مسلم بن الحجاج (ت 261هـ ) ، تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي ، دار الكوثر ، الرياض ، الطبعة الثالثة ، 1410هـ-1990م .
-تهذيب التهذيب ، لابن حجر العسقلاني ، الطبعة الأولى ، مطبعة دائرة المعارف الهندية ، 1325هـ .
-تهذيب السنن ، لابن قيم الجوزية ( ت 751 هـ) ، تحقيق : محمد حامد القفي ، مكتبة السنة المحمدية ، القاهرة .
-جامع التحصيل في أحكام المراسيل ، للعلائي ( ت 761 هـ ) ، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، عالم الكتب ومكتبة النهضة ، الطبعة الثانية ، 1407هـ - 1986م .
-الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي ( ت 279هـ ) ، تحقيق : أحمد محمد شاكر ، المكتبة الإسلامية .
-الجامع الكبير ، لأبي الفضل السيوطي .
-جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله ، لابن عبد البر النمري القرطبي ( ت 463هـ ) ، تحقيق : أبي الأشبال الزهيري ، مكتبة ابن الجوزي ، ط1 ، 1414 هـ .(1/51)
-الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ، للخطيب البغدادي ( ت 463 هـ ) ، تحقيق الدكتور محمود الطحان ، مكتبة المعارف ، الرياض ، 140 هـ .
-الجرح والتعديل للإمام الحافظ شيخ الإسلام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ( ت 327هـ ) ، الطبعة الأولى ، 1271هـ ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان .
-جهود المحدثين في بيان علل الحديث ، للدكتور علي الصياح ، طبع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف .
-الجوهر النقي لعلاء الدين ابن التركماني ، انظر : السنن الكبرى للبيهقي .
-الحافظ ابن الجارود و زوائد منقاه على الأصول الستة ، للدكتور مقبل بن مريشيد الحربي ، أضواء السلف ، الطبعة الأولى ، 1425 هـ .
-ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ، للذهبي ، ضمن " أربع رسائل في علوم الحديث " عناية أبي غدة ، نشر مكتبة المطبوعات الإسلامية ، حلب ، الطبعة الرابعة ، 1410 هـ .
-ذيل تذكرة الحافظ للذهبي ، لأبي المحاسن الحسيني الدمشقي ( ت 765هـ )، دار إحياء التراث العربي .
-الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة ، لمحمد بن جعفر الكتاني ( ت 1345 ) ، دار البشائر الإسلامية ، الطبعة الرابعة ، 1406هـ .
-سلسلة العسجد في ذكر مشايخ السند ، للنواب صديق حسن خان ( ت 1307هـ ) ، طبع الهند ، 1393هـ .
-السنن الكبرى ، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ( ت 458هـ ) ، دار الفكر ، بيروت .
-سير أعلام النبلاء ، للذهبي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1402هـ .
-شرح النووي على صحيح مسلم ، تحقيق وفهرسة : حازم محمد وعماد وعامر وعصام الضابطي ، دار أبي حيان ، الطبعة الأولى ، 1415هـ .
-شرح علل الترمذي ، لعبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي ( ت 795 هـ ) ، تحقيق : نور الدين العتر ، دار الملاح ، الطبعة 21 ، 1398هـ .(1/52)
-الجامع الصحيح ( صحيح البخاري ) ، لمحمد بن إسماعيل البخاري ( ت194هـ ) المطبوع مع فتح الباري لابن بن حجر العسقلاني ، دار أبي حيان ، الطبعة الأولى ، 1408 هـ .
-صلة الخلف بموصول السلف ، لمحمد بن سليمان الروداني ( ت 1094 ) ، تحقيق : د محمد حجي ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1408 هـ .
-طبقات علماء الحديث ، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي ( ت 744هـ ) ، طبع مؤسسة الرسالة ، تحقيق : أكرم البوشي و إبراهيم الزيبق .
-علل الحديث ، لابن أبي حاتم الرازي ( ت 327هـ ) ،دار المعرفة بيروت ، 1405هـ .
-علم علل الحديث ودوره في حفظ السنة ، للدكتور وصي الله محمد عباس ، طباعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف .
-علوم الحديث لابن الصلاح ( ت 643 هـ ) ، انظر شرحه : التقييد والإيضاح للعراقي .
-غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود ، لأبي إسحاق الحويني ، انظر : المنتقى .
-فتح المغيث شرح ألفية الحديث ، لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي ( ت902هـ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1403هـ
-الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط ( الحديث النبوي وعلومه )، إعداد و نشر مؤسسة المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية ، 1991م .
-فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم و المشيخات والمسلسلات ، لعبد الحي الكتاني ، (ت 1382هـ ) ، تحقيق : إحسان عباس ، دار الغرب العربي ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1402هـ .
-فهرسة ما رواه عن شيوخه من الدواوين المصنفة لابن خير الأشبيلي(ت هـ ) ، تحقيق : فرنشكة قداره ، نشر المكتب التجاري ، بيروت ، ومكتبة المثنى ومؤسسة الخانجي ، القاهرة ، الطبعة الثانية ، 1382 هـ .
-فيض القدير شرح الجامع الصغير ، لعبد الرؤوف المناوي ( ت 1031 هـ ) ، دار المعرفة ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الثانية ، 1391 هـ .(1/53)
-القاموس المحيط ، لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي ( ت 817هـ ) ، المؤسسة العربية ، بيروت ، لبنان .
-قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث ، لجمال الدين القاسمي ( ت 1332 ) ، دار إحياء السنة النبوية .
-كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، لمصطفى بن عبد الله القسطنطي الرومي المعروف بحاجي خليفة ، دار الفكر ، 1402 هـ .
-كوكبة من أئمة الهدى ومصابيح الدجى ، للدكتور عاصم القريوتي ، توزيع مكتبة المعارف ، الرياض ، 1420 هـ .
-لسان الميزان ، لابن حجر العسقلاني ، مؤسسة الأعظمي للمطبوعات ، لبنان ، الطبعة الثانية ، 1390 هـ .
-المجموع شرح المهذب لمحيي الدين زكريا النووي ( ت 676 هـ ) ، دار الفكر .
-المعجم الصغير للطبراني ( ت 360 هـ ) ، تحقيق : محمد شكور محمود الحاج ، المكتب الإسلامي ودار عمار ، الطبعة الأولى ، 1405 هـ .
-معجم المؤلفين ، لعمر رضا كحالة ، دار إحياء التراث ، بيروت .
-المعجم المفهرس ، لابن حجر العسقلاني ، تحقيق : محمد شكور، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى 1418 هـ
-معرفة علوم الحديث ، لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري ( ت 405 هـ ) ، تعليق د. السيد معظم حسين ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الثانية ، 1397 هـ.
-المنتقى ، لابن الجارود النيسابوري :
1-بتخريج أبي إسحاق الحويني باسم " غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود " ، دار الكتاب العربي ، الطبعة الأولى ، 1408 هـ ، 1408 هـ - 1988م .
2-طبعة السبد عبد الله هاشم اليماني ، مطبعة الفجالة القاهرة ، 1382 هـ - 1963م .
3-طبعة دار الجنان تحقيق : عمر البارودي ط 1، 1408 هـ .
-الموطأ ، للإمام مالك بن أنس (ت 189 هـ ) ،جمعية المكنز الإسلامي ، مصر 1421 هـ .
-نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ، دار ابن الجوزي ، الطبعة الأولى ، 1413 هـ .(1/54)
-النكت على كتاب ابن الصلاح ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ، تحقيق : د. ربيع بن هادي المدخلي ، الطبعة الأولى ، 1404 هـ .
-(1/55)