الذي ذكره الإمام أحمد ظاهره من ذلك، فقد رواه في مسنده1، وكذلك البخاري2 وغيرهما عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خُفّف على داود عليه السلام القراءة، فكان يأمر بدابته تسرج، فكان يقرأ القرآن3 من قبل أن تسرج دابته، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه". فإن ظاهر هذه الرواية أنها من مفردات همام بن منبه من بين أصحاب أبي هريرة، ولعل من أجل هذا تجنب الإمام مسلم إخراجه، مع إخراجه عدداً من الأحاديث هي في صحيفة همام بن منبه. وكأن الإمام البخاري لاحظ هذا الظاهر فذكر ما يدفعه، فقال ـ بعد سياقه للحديث: رواه موسى بن عقبة، عن صفوان، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم 4.
الثاني: إطلاق هذه اللظفة على الفرد النسبي، ومن ذلك:
قال عبد الله: "حدثني أبي، قال: حدثنا يحيى، عن سفيان، عن هشام
ابن أبي عبد الله، عن عامر الأحول، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح الأمة على الحرّة. قال أبي: حديث سفيان، عن هشام بن أبي عبد الله غريب، إنما رواه عمرو بن عبيد، وهو غريب من حديث عامر الأحول. قال أبي: وحدثناه الفزاري ـ يعني مروان ـ عن هشام ابن أبي عبد الله" 5.
ـــــــ
1المسند 13/497 ح8160
2صحيح البخاري 6/453 ح3417 - مع فتح الباري.
3قال ابن القيم: والمراد بالقرآن ههنا الزبور كما أريد بالزبور القرآن في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}. تهذيب السنن 12/279.
4صحيح البخاري الموضع السابق. وذكر الحافظ ابن حجر أن البخاري وصل هذا التعليق في "خلق أفعال العباد"، وكذا الإسماعيلي في "مستخرجه"، والبيهقي في "الأسماء والصفات"، وساق الحافظ إسناد الإسماعيلي، من طريق أحمد بن حفص، عن أبيه حفص بن عبد الله، عن إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة تغليق التعليق 4/29-30.
5العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 3/91 رقم4326.(2/777)
أطلق الإمام أحمد الغرابة على رواية هذا الحديث من طريق عامر الأحول، عن الحسن البصري، فقال: غريب من حديث عامر الأحول، فالمقصود بالغرابة هنا التفرد النسبي، وليس التفرد المطلق، لأن الحديث روي من وجه آخر عن رجل، عن الحسن، وبينت رواية ابن عيينة أن الرجل المبهم هو عمرو بن عبيد1، وإنما يستغرب من رواية عامر الأحول، عن الحسن2 حيث لم يرد ذلك إلا في رواية هشام الدستوائي.
وقال عبد الله أيضاً: "حدثني أبي، قال: حدثنا هُشيم قال: أخبرنا يحيى ابن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وهي تلعب بالبنات ومعها جوار فقال لها: "ما هذا يا عائشة؟" فقالت: هذه خيل سليمان، قال: فجعل يضحك من قولها. سمعت أبي يقول: غريب، لم نسمعه من غير هُشيم، عن يحيى بن سعيد" 3.
ـــــــ
1رواه عبد الرزاق، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن مصنف عبد الرزاق 7/268 ح13101.
2رواه غير واحد فلم يذكر عامر الأحول، منهم:
أبو داود الطيالسي، عن هشام الدستوائي، عن رجل، عن الحسن. رواه ابن أبي شيبة 3/467 ح16071.
وإسماعيل بن علية قال: حدثني من سمع الحسن يقول فذكره. رواه سعيد بن منصور 1/229 ح741.
وابن جريح، رواه عن رجل عن الحسن أيضاً. رواه عبد الرزاق عنه مصنف عبد الرزاق 7/267 ح13099.
وجزم الحافظ ابن حجر بأن الرجل المبهم هو عمرو بن عبيد تلخيص الحبير 3/171.
لكن يشكل عليه أن ابن أبي شيبة رواه عن إسماعيل بن علية، عن يونس عن الحسن، فإن كان حفظ فقد يكون هو الرجل المبهم، لا عمرو بن عبيد كما قال الإمام أحمد، وكذلك الحافظ ابن حجر، لأن ابن علية أدرى بحديث أهل البصرة من ابن عيينة، إلا أن يكون غير ابن عيينة تابعه على ذكر عمرو بن عبيد، ولم أقف على من تابعه، والله أعلم.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/277 ح2242.(2/778)
هذا الحديث استغربه الإمام أحمد من حديث يحيى بن سعيد، عن محمد ابن إبراهيم التيمي، لأنه لم يسمعه من هذا الوجه إلا من هُشيم، فسماه غريباً، فهو من التفرد النسبي.
والحديث يرويه سعيد بن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب الغافقي، عن عمارة ابن غزية، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة، عن عائشة به1، وهو في الصحيح من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة بدون ذكر خيل سليمان2.
وقال الأثرم: "حدثنا أحمد، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: إذا أدرك من الجمعة ركعة صلى إليها أخرى، وإذا أدركهم جلوساً صلى أربعاً. قال أبو عبد الله: ما أغربه ـ يعني أن هذا الحديث غريب عن ابن عمر" 3.
وهذا التفسير يحتمل أنه من ابن عبد البر، وهو مشكل، فإن الرواية بهذا الأثر قد جاءت من طرق أخرى عن ابن عمر؛ رواه الثوري، عن الأشعث، عن نافع، عن ابن عمر4، وتابعه عبد الله بن عمر العمري، عن نافع5. ورواه أيضاً هشيم، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن نافع عن ابن عمر6. فلا وجه لاستغرابه من حديث ابن عمر.
والذي يظهر لي أن الإمام أحمد استغرب الحديث من رواية أيوب، عن
ـــــــ
1أخرجه أبو داود السنن 5/227 ح4932، والنسائي السنن الكبرى 5/306 ح8950.
2صحيح البخاري 10/526 ح6130، وصحيح مسلم 4/1890 ح2440.
3التمهيد 7/70. والأثر رواه عبد الراق في مصنفه 3/234 ح5471 عن معمر به.
4أخرجه عبد الرزاق المصدر نفسه 3/234 ح5473.
5أخرجه عبد الرزاق أيضاً الموضع نفسه ح5472.
6أخرجه ابن أبي شيبة 1/461 ح5334.(2/779)
نافع، عن ابن عمر، فقد رواه إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن نافع قوله1، فالمقصود بالغرابة كونه من رواية أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، والله أعلم.
وقد كان من منهج السلف ذم الأحاديث الغريبة. قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الغريب من الحديث. وقال يزيد بن أبي حبيب: إذا سمعت الحديث فأنشده كما تنشد الضالة، فإذا عُرف، وإلا فدعه2.
وقال أحمد: لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير، وعامتها عن الضعفاء3.
والأصل في ذم الغرائب ما رواه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه4 من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر الزمان دجَّالون كذَّابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم". وهذا وصف للأحاديث الغريبة.
وليس كل حديث غريب منكراً، فقد روى الخلال عن المرُّوذي قال: "ذكرتُ لأبي عبد الله حديث محمد بن سلمة الحراني، عن أبي عبد الرحيم، حدثني زيد بن أبي أُنيسة، عن المِنهال، عن أبي عُبيدة، عن مسروق: ثنا عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210] من العرش إلى الكُرسيّ". قال أبو عبد الله: هذا حديث غريب، لم يقع إلينا عن محمد بن سلمة، واستحسنه" 5.
ـــــــ
1رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 1/462 ح5346 عنه به.
2رسالة أبي داود إلى أهل مكة ص29-30.
3شرح علل الترمذي 2/623.
4صحيح مسلم 1/12.
5المنتخب من العلل للخلال ص263 رقم166.(2/780)
وعن أبي طالب أنه سأل أبا عبد الله عن هذا الحديث، وجعل يقرأه عليه فقال: ما أحسنه، إنما سمعناه عن أبي عوانة، عن الأعمش مرسلاً.ا.هـ1.
فوصف الحديث بالغرابة ثم استحسنه، فدل على أن لا تلازم بين الأمرين.
ـــــــ
1الموضع نفسه.(2/781)
المطلب الثاني: حد المنكر عند الإمام أحمد
...
المطلب الثاني: حد المنكر عند الإمام أحمد.
إن أكثر الألفاظ استعمالاً لدى الإمام أحمد في إعلال الأحاديث هو لفظ "المنكر"، وكذلك ما رواه تلاميذه عنه من الإعلال كان أغلبه بألفاظ ترجع إلى أصل هذا اللفظ مثل: "أنكره"، "وأنكره أشد الإنكار" ولما كانت المصطلحات لدى الأئمة المتقدمين قلَّما يرِد عنهم وضع لحدودها تعين على الباحث تتبع المعاني التي أطلق الإمام أحمد هذا اللفظ عليها للوصول إلى الصورة المقرِّبة لحد هذا المصطلح عند هذا الإمام. وقد تقدم ذكر مصطلح المنكر عند الإمام أحمد تحت الألفاظ التي يستعملها الإمام أحمد لأحاديث الكذّابين وإحالة بقية الكلام إلى هذا المطلب.
والكلام فيه يحتوي على مسائل:
المسألة الأولى: حد المنكر لغة.
قال ابن فارس: "النون والكاف والراء أصل صحيح يدل على خلاف المعرفة التي يسكن إليها القلب، ونكِر الشيء وأَنكَره: لم يقبله قلبُه، ولم يعترف به لسانُهُ، والباب كله راجع إلى هذا... والإنكار خلاف الاعتراف" 1.
وقال ابن المنظور: "المُنكَر من الأمر خلاف المعروف، وقد تكرّر في الحديث الإنكار والمُنكَر، وهو ضد المعروف... والجمع مناكير" 2.
المسألة الثانية: إطلاق المنكر لدى الإمام أحمد.
قد ورد عن الإمام أحمد في إطلاق لفظ "المنكر" عند إعلال الأحاديث عدة معاني يمكن إجمالها في الآتي:
ـــــــ
1معجم مقاييس اللغة 5/476.
2لسان العرب، مادة: "ن ك ر" 5/223.(2/782)
1. إطلاق المنكر بمعنى خلاف المعروف، من ذلك:
روى المرّوذي قال: "وذكرتُ له حديث زُهير بن محمد، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان نصف شعبان فلا صوم"، فأنكره، وقال: سألت ابن مهدي عنه فلم يحدّثني به وكان يتوقّاه. ثم قال أبو عبد الله: هذا خلاف الأحاديث التي رُويت عن النبي صلى الله عليه وسلم " 1.
فهذا الحديث أنكره الإمام أحمد، وذكر أن السبب في ذلك مخالفته للأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تلك الأحاديث حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيح: [لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله]2 وفي رواية أخرى لها: [لم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً]3، وكذلك حديث أم سلمة رضي الله عنها في السنن: [أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصِله برمضان]4، ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتقدمنّ أحدُكم رمضانَ بصوم يومٍ أو يومين إلا أن يكون رجلٌ كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم"5.
فلما كان هذا الحديث مخالفاً للمعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه الإمام أحمد بالنكارة، مع أن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الخُرقي ثقة عند الإمام أحمد6
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص159 رقم278.
2صحيح البخاري 4/213 ح1970، صحيح مسلم 2/811 ح782.
3صحيح مسلم 2/811 176.
4رواه أبو داود، وهذا لفظه سنن أبي داود 2/750 ح2336، والترمذي الجامع 3/113 ح736، والنسائي السنن 4/15 ح2174، وابن ماجه السنن 1/528 ح1648. وإسناده صحيح، صححه الترمذي في الشمائل ح255.
5صحيح البخاري 4/127 ح1914، صحيح مسلم 2/762 ح 1082.
6ذكر ذلك في رواية عبد الله العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله رقم3171، وفي رواية أبي داود سؤالات أبي دواد للإمام أحمد 187.(2/783)
فدل على أن من المعاني التي يطلق الإمام أحمد النكارة عليها ما كان مخالفاً للمعروف وإن كان راويه ثقة، وهذا المعنى جاري مع معنى اللفظ في اللغة1.
ومثال آخر:
قال الميموني: "سمعت أحمد بن حنبل وسُئل عن حديث أبي قيس الأودي، مما روى عن المغيرة بن شُعبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على النعلين والجوربين، فقال لي: المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفَّين، ليس هذا إلا من أبي قيس، إن له أشياء مناكير" 2.
وذكر عبد الله مثله أيضاً:
قال عبد الله: "حدّثتُ أبي بحديث الأشجعي ووكيع، عن سفيان، عن أبي قيس، عن هُزيل، عن المغيرة بن شعبة قال: [مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الجوربين والنعلين]. قال أبي: ليس يُروى هذا إلا من حديث أبي قيس، قال أبي أبى عبد الرحمن ابن مهدي أن يحدث به، يقول: هو منكر ـ يعني حديث المغيرة هذا لا يرويه إلا من حديث أبي قيس" 3.
ذكر الإمام أحمد هذا الحديث من مناكير أبي قيس، وهو عبد الرحمن بن ثروان الأودي الكوفي. قال عنه أحمد: هو كذا وكذا، روى عنه الأعمش، وشعبة، وسفيان، وهو يخالف في أحاديث4، وهذا كناية على تليينه، وبين وجه نكارته
ـــــــ
1وهناك وجه آخر لرد هذا الحديث، لكن لم يذكره الإمام أحمد وإن كان جارياً على منهجه، وهذ الوجه هو ما ذكره ابن القيم قال: ردوا هذا الحديث لهم مأخذان، أحدهما: أنه لم يتابع العلاء عليه أحد، بل انفرد به عن الناس، وكيف لا يكون هذا معروفا عند أصحاب أبي هريرة مع أنه أمر تعمّ به البلوى ويتصل به العمل؟ تهذيب السنن 6/329-330.
2العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص219 رقم417.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 3/366 رقم5612.
4 العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/412 رقم870.
ووثقه ابن معين، والعجلي. وقال عنه النسائي: ليس به بأس تهذيب الكمال 17/21.
وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، هو قليل الحديث، وليس بالحافظ الجرح والتعديل 5/218.(2/784)
بأنه مخالف للمعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أنه كان يمسح على الخفين. قال أبو داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدِّث بهذا الحديث، لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين1.
وهكذا رواه غير واحد عن المغيرة بن شبعة2. قال علي بن المديني: "حديث المغيرة بن شعبة في المسح رواه عن المغيرة أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأهل البصرة؛ ورواه هُزيل بن شرحبيل عن المغيرة، إلا أنه قال: ومسح على الجوربين عدا الناس" 3.
ـــــــ
1سنن أبي داود 1/113. وقد روى حديث أبي قيس، عن هزيل، ورواه أيضاً الترمذي الجامع 1/167 ح99 وقال: حديث حسن صحيح. ورواه النسائي السنن الكبرى 1/92 ح130، وابن ماجه السنن 1/185 ح559، وابن خزيمة صحيح ابن خزيمة 1/99 ح198.
2انظر: صحيح البخاري 1/306 ح203، وصحيح مسلم 1/228-231.
3السنن الكبرى للبيهقي 1/284. وممن أنكر الحديث سفيان الثوري راويه عن أبي قيس. وكذلك الإمام مسلم، قال: أبو قيس الأودي وهزيل بن شرحبيل لا يحتملان هذا مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة فقالوا: مسح على الخفين، وقال: لا نترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل.ا.هـ. الموضع نفسه.
وذكر البخاري أن يحيى بن معين أيضاً كان ينكر على أبي قيس هذا الحديث التاريخ الكبير 3/137. وفي رواية المفضل بن غسان عن يحيى قال: الناس كلهم يروونه: على الخفين، غير أبي قيس.ا.هـ. الإمام في معرفة أحاديث الأحكام 2/203.
وقال الدارقطني: ولم يروه غير أبي قيس، وهو مما يُغمَز عليه به، لأن المحفوظ عن المغيرة: المسح على الخفين علل الدراقطني 7/112.
وصحح الحديث الترمذي، وابن خزيمة كما تقدم. قال ابن دقيق العيد: من صححه يعتمد بعد تعديل أبي قيس على كونه ليس مخالفاً لرواية الجمهور عن المغيرة مخالفة معارضة، بل هو أمر زائد على ما رووه، ولا يعارضه، ولا سيما وهو طريق مستقل برواية هزيل، عن المغيرة لم يشارك المشهورات في سندها.ا.هـ. الإمام في معرفة أحاديث الأحكام 2/203. واعتمده الشيخ الألباني فصحح الحديث إرواء الغليل ح101.
وهذا لا يستقيم على طريقة المحدثين، فالمعارضة هنا في كونه تفرد بما لا يحتمل تفرده، ولم يتابعه أحد عليه، وهذه علة قادحة عند المحدثين كما أبانها من تقدم ذكرهم من الأئمة. وأما تصحيح الترمذي فقد يكون من أجل رواية الحديث من وجه آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث أبي موسى الأشعري، حيث أشار إليه بأنه من أحاديث الباب.(2/785)
ومثال آخر:
قال ابن هاني: "سمعت أبا عبد الله يقول: حديث وكيع، عن شَريك، عن الحر بن صَيَّاح: رأيت ابن عمر يصوم عاشوراء، ورأيت ابن عمر يصوم العشر بمكة؛ حديث الحر بن صيَّاح حديث منكر، نافع أعلم بحديث ابن عمر منه" 1.
فسمى حديث الحر بن صياح2 منكراً لمخالفته رواية نافع الذي كان أعلم بحديث ابن عمر منه، فقد روى عن ابن عمر أنه كان لا يصوم عاشوراء إلا أن يوافق صيامه3، فهذا أيضاً من إطلاق المنكر في مقابل المعروف.
ومثال آخر:
ذكر الأثرم أن أحمد سُئل عن حديث حنظلة، عن سالم، عن ابن عمر رفعه: [لا إحداد فوق ثلاث]، فقال: هذا منكر، والمعروف عن ابن عمر رأيه.ا.هـ. نقله ابن حجر عنه4.
فأطلق المنكر في مقابل المعروف.
مثال آخر:
قال مهنا بن يحيى: "سألت أبا عبد الله عن ابن أبي الصفيراء فقال: منكر الحديث. قلت: أي شيء من منكره؟ قال: يروي عن عطاء: [الشربة التي تسكر
ـــــــ
1مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابن هانئ 1/136 رقم670.
2وثقه ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي وغيرهم تهذيب الكمال 5/515.
3رواه مسلم صحيح مسلم 2/793 ح1126 119.
4فتح الباري 9/487. ولم أقف عليه لا مرفوعاً ولا موقوفاً.(2/786)
حرام]. قلت: وهذا منكر؟ قال: نعم، عن عطاء خلاف هذا" 1.
ففسر معنى المنكر بأنه ما روي مخالفاً للمعروف عن الراوي.
2. المنكر بمعنى الحديث الفرد الذي ليس له متابع، ومن ذلك:
قال عبد الله: "سألت أبي ـ رحمه الله ـ ما الذي يعتمد عليه في مواقيت الصلاة من الأحاديث التي جاءت؟ وأي حديث عندك أقوى؟ والحديث الذي روى ابن المبارك، عن الحسين بن علي، عن وهب بن كيسان، عن جابر، ما ترى فيه، وكيف حال الحسين؟ فقال أبي: أما الحسين فهو أخو أبي جعفر محمد بن علي، وحديثه الذي روى في المواقيت حديث ليس بمنكر، لأنه قد وافقه على بعض صفاته غيرُه" 2.
حديث جابر الذي أشار إليه في المواقيت رواه النسائي3، والترمذي4، وأحمد5، وابن حبان6 كلهم من طريق عبد الله بن المبارك بهذا الإسناد: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين زالت الشمسُ..." وراويه الحسين بن علي هو ابن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي7.
والشاهد فيه أن الإمام أحمد قال: حديثه هذا ليس بمنكر لأنه قد وافقه على بعض صفاته غيره8، ومفهوم هذا أن الحديث الذي لم يتابع عليه مثلُ هذا
ـــــــ
1تهذيب التهذيب 1/317. وابن أبي الصفيراء هو إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفيراء، وهو صدوق كثير الوهم تقريب التهذيب 469.
2مسائل الإمام أحمد ـ برواية عبد الله 1/174 رقم221.
3سنن النسائي 1/263 ح525.
4الجامع 1/281 ح150.
5المسند 22/408 ح14538.
6الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 4/335 ح1472.
7ويقال له: حسين الأصغر. وثقه النسائي، وقال ابن حجر: صدوق مقل، توفي سنة ستين تقريباً ـ أي بعد المئة تهذيب الكمال 6/396، تقريب التهذيب 1342.
8وافقه عليه: عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير المكي كلهم عن جابر بن عبد الله نحو حديث وهب بن كيسان عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قاله الترمذي "الجامع، الموضع نفسه".(2/787)
الراوي منكر، فهذا من إطلاق المنكر على الحديث الفرد.
ومثال آخر:
قال المروذي: "قلت لأبي عبد الله: فعبد الرحمن بن إسحاق كيف هو؟ قال: أما ما كتبنا من حديثه فقد حدّث عن الزهري بأحاديث كأنه أراد تفرد بها، ثم ذكر حديث محمد بن جُبير في الحِلف ـ حِلف المطيِّبين ـ فأنكره أبو عبد الله وقال: ما رواه غيره" 1.
هذا الحديث مما تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري، فأنكره الإمام أحمد لأنه كما قال: ما رواه غيره، وهذا من إطلاق المنكر على مفردات الرواة أمثال عبد الرحمن بن إسحاق2.
وقد جاء عن أحمد ما يدل على عدم إنكاره لهذا الحديث وذلك في مذاكرته مع أحمد بن صالح المصري، فقد قال له الإمام أحمد: "عندك عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يسرني أن لي حمرَ النَّعم وأن لي حلف المطيبين"؟ فقال أحمد بن صالح:
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص64 رقم61.
والحديث رواه أحمد المسند 3/193 ح1655، 3/210 ح1676، وابن حبان الإحسان 10/216 ح4373، والحاكم المستدرك 2/219-220، والمقدسي المختارة 3/115، 116.
2ويقال له أيضاً: عباد بن إسحاق. قال عنه الإمام أحمد: ليس به بأس العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله رقم3307، وعنه أيضاً: ليس بذاك سؤالات أبي دواد للإمام أحمد رقم178. وقال أيضاً: رجل مقبول الكامل في ضعفاء الرجال 1/185.
وأما غير الإمام أحمد فعن ابن معين، ويعقوب بن شيبة، والفسوي، والنسائي أنه ليس به بأس تهذيب الكمال 16/523-524.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وهو قريب من محمد بن إسحاق، وهو حسن الحديث، وليس بثبت ولا قوي الجرح والتعديل 5/213.(2/788)
أنت الأستاذ وتذكر مثل هذا؟ فجعل أحمد بن حنبل يبتسم ويقول: رواه عن الزهري رجل مقبول أو صالح، عبد الرحمن بن إسحاق. قال: من رواه عن عبد الرحمن ابن إسحاق؟ فقال: رجلان ثقتان: إسماعيل بن علية، وبشر بن المفضل، فقال أحمد ابن صالح لأحمد بن حنبل: سألتك بالله إلا أمليته علي... " 1، وإنكار الإمام أحمد للحديث هو آخر الأمرين منه، لأن المروذي لقي الإمام أحمد بعد هذه القصة فإن أحمد بن صالح المصري وافى العراق ولقي بأحمد سنة 212هـ2.
مثال آخر:
قال عبد الله: "حدثني أبي، نا وكيع، نا أبو بكر النهشلي، عن عاصم بن كُليب، عن أبيه، عن علي أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود، قال: وكان قد شهِد صفِّين. قال أبي: ولم يره عن عاصم غيرُ أبي بكر النهشلي أعلمه، كأنه أنكره" 3.
وفي هذه الرواية ينفي الإمام أحمد العلم بوجود متابع لأبي بكر النهشلي، وهذا دون مطلق النفي، ومع ذلك فهم ابنه عبد الله أنه ينكره، وهذا لمعرفته بأن من منهجه إطلاق الإنكار على الحديث الذي تفرد به راويه.
وأبو بكر النهشلي هو أبو بكر بن عبد الله بن قطاف، وقد وثقه أحمد4، والصحيح
ـــــــ
1الكامل في ضعفاء الرجال 1/185.
2انظر: الموضع نفسه. وانطر هذا الترجيح عند الباحث عيسى بن محمد مسلمي: "الأحاديث التي أعلها الإمام أحمد جمعاً ودراسة" 3/1147-1148.
3مسائل الإمام أحمد ـ برواية عبد الله 1/242 رقم329. ورواه في العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/374 رقم717 دون قوله: كأنه أنكره.
وهذا الأثر عن علي رواه محمد بن الحسن في "الموطأ" ص59 ح109 عن أبي بكر النهشلي. ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/225 من طريق أبي أحمد الزبيري، وأحمد بن يونس كلاهما عن أبي بكر النهشلي به. ورواه البيهقي من طريق أحمد بن يونس السنن الكبرى 2/80. وذكره البخاري تعليقاً في "جزء رفع اليدين" ص46 ح29.
4العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 3/99 رقم4371. وكذلك وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: شيخ يكتب حديثه الجرح والتعديل 9/344.(2/789)
أن هذا الحديث لم ينفرد بروايته عن عاصم بن كُليب، فقد تابعه محمد بن أبان1، عن عاصم بمثله، أخرجه محمد بن الحسن الشيباني2، وذكره الدارقطني تعليقاً3، ولعل من أجل هذا لم يجزم الإمام أحمد بنفي وجود المتابع له، بل نفى علمه بذلك فحسب.
وممن أنكر الحديث سفيان الثوري كما رواه ابن مهدي عنه4، وكذلك عثمان بن سعيد الدارمي، قال: وليس أبو بكر النهشلي ممن يحتج بروايته، أو تثبت به سنة لم يأت بها غيره.ا.هـ5.
وعلاقة هذا المعنى بالمعنى اللغوي من حيث أن الحديث الذي تفرد به راويه لا يُعرف إلا من طريقه لعدم تعدد مخرجه، فمن ثمّ صار خلاف المعروف.
3. المنكر بمعنى ما ليس له أصل:
ومن ذلك:
قال المرُّوذي: "وذكر لُويْناً فقال: قد حدّث حديثاً منكراً عن ابن عيينة ماله أصل، قلت: إيش هو؟ قال: عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه قصة علي: ما أنا الذي أخرجتُكم، ولكن الله أخرجكم، فأنكره إنكاراً شديداً وقال: ما له أصل" 6.
ـــــــ
1محمد بن أبان بن صالح بن عمير. قال أحمد: أما إنه لم يكن ممن يكذب، وضعفه ابن معين تضعيفاً شديداً. وقال البخاري: يتكلمون في حفظه. وقال أبو حاتم: ليس هو بقوي الحديث، يكتب حديثه على المجاز ولا يحتج به التاريخ الكبير 1/34، الجرح والتعديل 7/199، الكامل في ضعفاء الرجال 6/2140.
2الموطأ ـ برواية محمد بن الحسن ص58 ح105.
3علل الدارقطني 4/107.
4ذكره البخاري في "الكنى" ص9.
5نقله البيهقي عنه السنن الكبرى 2/80-81.
6العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص161 رقم280. وانظر: المنتخب من العلل للخلال ص210 رقم122.(2/790)
ولُوين هو محمد بن سليمان بن حبيب أبو جعفر المصيصي، قال عنه الإمام أحمد: لا أعرفه1. ووثقه النسائي، وقال عنه أبو حاتم: صدوق صالح الحديث، قيل له: ثقة؟ قال: صالح الحديث2.
وهذا الحديث رواه النسائي في "خصايص علي"3، والبزار4، وأبو نعيم5 من طريق لوين قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر، عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده قومٌ فدخل عليٌّ، فلما دخل خرجوا، فلما خرجوا تلاوموا فقال بعضهم لبعض: والله ما أخرجَنا، فارجعوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أدخلتُه وأخرجتُكم، ولكن الله عز وجل أدخله وأخرجكم".
قال الخطيب في وجه إعلال الإمام أحمد للحديث: "أظن أبا عبد الله أنكر على لُوين روايته متصلاً، فإن الحديث محفوظ عن سفيان بن عيينة، غير أنه مرسل، عن إبراهيم بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم..."، ثم ساقه من طريق ابن وهب، والحميدي، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر، عن إبراهيم بن سعد مرسلاً 6.
وقال البزار: "هكذا رواه محمد بن سليمان، عن سفيان، عن عمرو، عن محمد بن علي، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه؛ وغير محمد بن سليمان إنما يرويه
ـــــــ
1المصدر نفسه ص163 رقم286.
2تهذيب الكمال 25/299.
3خصائص علي ص24.
4مسند البزار 4/34 ح1195.
5تاريخ أصبهان 2/147 تحت ترجمة لوين برقم1428. وذكر هذا الحديث من مفاريده.
6تاريخ بغداد 5/293-294.(2/791)
عن سفيان، عن عمرو، عن محمد بن علي مرسلاً" 1.
وقال الدراقطني ـ بعد ذكره لرواية لوين ـ "قاله لوين عن ابن عيينة كذلك، وغيره يرويه عن ابن عيينة مرسلاً، وهو المحفوظ" 2.
فالشاهد أن الإمام أحمد أطلق النكارة على هذا الحديث، وقال عنه: ما له أصل، وبيان الخطيب يدل على أن معنى ما له أصل هنا أي لم يصح متصلاً، ويحتمل أن يكون معنى هذا النفي عند أحمد أن الحديث لم يصح عن ابن عيينة إطلاقاً لا متصلاً ولا مرسلاً.
وعلاقة هذا المعنى بالمعنى اللغوي للمنكر واضح، لأن ما لا أصل له غير معروف.
4. المنكر بمعنى الخطأ:
ومن ذلك:
قال المرُّوذي: "قلت لأحمد: تعرف عن الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: متى كُتبتَ نبيًّا؟ قال: هذا منكر، هذا من خطأ الأزواعي، هو كثيراً مما يخطئ عن يحيى بن أبي كثير، كان يقول: عن أبي المهاجر، وإنما هو أبو المهلب" 3.
فوصف الإمام أحمد هذا الحديث بالنكارة، لأن راويه وهو الأوزاعي الإمام قد أخطأ فيه. وقد تقدم الكلام حول هذا الحديث ورواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير وكيف دخلت الأخطاء على رواياته عنه بسبب ذهاب كتبه4.
ـــــــ
1مسند البزار الموضع نفسه.
2علل الدراقطني 4/363.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص150 رقم268.
4انظر: ص480.(2/792)
مثال آخر:
قال عبد الله: "حدثنا بعض الكوفيين قال: حدثنا حفص بن غِياث، عن ابن جُريج، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "خمِّروا1 وجوه موتاكم، ولا تُشَبِّهوا بيهود" فحدثت به أبي فأنكره وقال: هذا أخطأ فيه حفص فرفعه، وحدثني عن حجاج الأعور، عن ابن جُريج، عن عطاء مرسل" 2.
وفي هذا أيضاً وصفه للحديث الذي أخطأ فيه راويه بالنكارة، والراوي حفص بن غِياث أثنى عليه الإمام أحمد3، لكن قال فيه: كان مخلطاً، وضعف أمره4. وحديثه هذا رواه الطبراني5 من طريق عبد الله، والدارقطني6، والبيهقي7 كلهم من حديث حفص بن غياث به. وتابعه علي بن عاصم، عن ابن جريج8.
ووجه خطأ حفص في رواية هذا الحديث أنه رواه موصولاً، والواقع أنه مرسل عن عطاء؛ وهي رواية حجاج بن محمد المصيصي، عن ابن جريج، وحجاج كان ثبتاً في الحديث عند الإمام أحمد9، فإذا خالفه حفص يكون القولُ قولَ حجاج، ولا يقال إن علي بن عاصم قد تابع حفصاً، لأن علي بن عاصم كان
ـــــــ
1بفتح المعجمة وكسر الميم الثقيلة، أي غطوا شرح الزرقاني على موطأ مالك 4/381.
2العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/383 رقم2709.
3المصدر نفسه 2/183 ح1939.
4مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابن هانئ 2/208 رقم2135.
5المعجم الكبير 11/183 ح11436.
6سنن الدارقطني 2/297.
7السنن الكبرى 3/394.
8أخرجه الدارقطني السنن 2/256.
9بحر الدم ص107 رقم179. وقال ابن معين: كان أثبت الناس في ابن جريج شرح علل الترمذي 2/682.(2/793)
يغلط ويخطئ، وإن كان لم يكن متهماً بالكذب1، وحجاج قد تابعه الثوري، عن ابن جريج، عن عطاء مرسلاً، ورواية حجاج عن ابن جريج إذا انفرد أقوى من رواية حفص وعلي بن عاصم، فكيف وقد تابعه مثل الثوري؟2.
قال البيهقي ـ بعد حكاية عبد الله لإنكار أحمد لهذا الحديث ـ وكذلك رواه الثوري وغيره عن ابن جريج مرسلاً، وروى علي بن عاصم، عن ابن جريج كما رواه حفص، وهو وهم، والله أعلم3.
مثال آخر:
قال أبو طالب: "سألت أحمد بن حنبل عن عبد الرحمن بن أبي الموال، قال: عبد الرحمن لا بأس به، قال: كان محبوساً في المطبق حين هزم هؤلاء، يروي حديثاً لابن المنكدر عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستخارة، ليس يرويه أحد غيرُه، هو منكر. قلت: هو منكر؟ قال نعم، ليس يرويه غيره، لا بأس به، وأهل المدينة إذا كان حديث غلطٌ يقولون: ابن المنكدر، عن جابر، وأهل البصرة يقولون: ثابت، عن أنس، يحيلون عليهما" 4.
فصرح الإمام أحمد بأن هذا الحديث "منكر"، وأن مقصوده بذلك أن الحديث خطأ، يوضّح ذلك قوله: "أهل المدينة إذا كان حديث غلطٌ... "، فدل على أن هذا الحديث غلط عنده، والقرينة المرجحة لوقوع الخطأ هو تفرد راويه عبد الرحمن بن أبي الموال به، وقد وثقه، وإن كان لم يجعله في المرتبة الأولى من الثقة، بل قد أشار إلى أن فيه ليناً ما. فروى المرّوذي أنه قال فيه: "ما أرى بحديثه
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/156 رقم70.
2أخرجه ابن أبي شبية 3/304 رقم14437.
3السنن الكبرى 3/393.
4الكامل في ضعفاء الرجال 4/1616.(2/794)
بأس، هو ممن يحتمل" 1، فكأنه عند الإمام أحمد ليس له من الثقة ما يحتمل تفرده بهذا الأصل2.
ووجه مطابقة هذا المعنى للمعنى اللغوي للمنكر أن الخطأ خلاف الواقع والثابت، وذلك يتضمن مخالفته للمعروف.
وقد تقدم في مبحث الإعلال بكذب الراوي أنه أطلق "المنكر" على الحديث الموضوع، وأن وجه ذلك هو تحقق خطأ راويه وإن كان غير معروف بتعمد الكذب، مثل ما قال في بعض أحاديث عثمان بن أبي شيبة التي أنكرها عليه وقال إنها موضوعة، واعتذر له بأنه حدّث بتلك الأحاديث على سبيل التوهم والغلط3.
فهذه المعاني التي وقفت على إطلاق الإمام أحمد المنكر عليها.
وقبل استخلاص المعنى الاصطلاحي للمنكر عنده أذكر ما ورد عن بعض أهل هذا العلم من تفسير المنكر عند الإمام أحمد، وذلك في المسألة الثالثة.
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص226 رقم436.
2أما الإمام البخاري وغيره من أصحاب الكتب الستة ـ ما عدا الإمام مسلم ـ فأخرجوا الحديث انظر:صحيح البخاري 11/183 ح 6382 مع فتح الباري. وقال ابن عدي: هو ـ أي عبد الرحمن بن أبي الموال ـ مستقيم الحديث، والذي أنكر عليه حديث الاستخارة، وقد روى حديث الاستخارة غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه ابن أبي الموال الكامل في ضعفاء الرجال 4/1617.
لكن أشار الحافظ ابن حجر إلى أنه ليس في شيء من تلك الأحاديث ذكر الصلاة سوى حديث جابر فتح الباري 11/184.
ويحتمل أن يكون إخراج البخاري للحديث لكونه لم يتضمن أصلاً في الحلال والحرام، بل هو في باب الفضائل التي يتسامح في شروط القبول فيها، والله أعلم.
3انظر: ص194-195.(2/795)
المسألة الثالثة: تفسير بعض أهل العلم لمعنى "المنكر" عند الإمام أحمد.
قد اعتنى العلماء العارفون بالإمام أحمد وبمنهجه بذكر معنى المنكر عند الإمام أحمد لكثرة استعماله له، ومن هؤلاء العلماء:
الأثرم:
وأول من وقفت له على تفسير مصطلح "المنكر" عند الإمام أحمد تلميذه أبو بكر أحمد بن محمد بن هاني الأثرم.
قال الأثرم: "سمعت أبا عبد الله ذكر حديث الفضل بن دَلهم، عن الحسن، عن قبيصة بن حُريث، عن سلمة بن المحبِّق، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهنّ سبيلاً" فقال: هذا حديثٌ منكر، يعني خطأ" 1.
ثم بيّن الأثرم وجه الخطأ، فذكر الرواية الصحيحة للحديث: عن الحسن، عن حطّان، عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما رواه قتادة، ومنصور بن زاذان2. والفضل بن دلهم وإن كان الإمام أحمد قال فيه: ليس به بأس كما في رواية الأثرم، إلا أنه خالف من هو أولى منه حفظاً وكثرة فتعين الحكم عليه بالخطأ.
فقد فهم الأثرم أن هذا الاصطلاح يستعمله الإمام أحمد في وصف الحديث الذي وقع الخطأ في روايته سواء في الإسناد أو في المتن، مما يدل على أن اللفظ كان معروف المعنى عند أصحاب الإمام أحمد.
ابن رجب:
والحافظ ابن رجب أيضاً ممن عرّف بالمنكر عند الإمام أحمد، وكان من أعلم الناس بأقوال الإمام أحمد في الرجال وعلل الحديث.
قال الحافظ ابن رجب معلقاً على قول الإمام أحمد المتقدم في حديث
ـــــــ
1تهذيب الكمال 23/221.
2الموضع نفسه.(2/796)
حسين بن علي بن الحسين في مواقيت الصلاة: "حديثه الذي روى في المواقيت ليس بالمنكر، لأنه قد وافقه على بعض صفاته غيرُه"، قال ابن رجب: "وإنما قال الإمام أحمد ليس بالمنكر، لأنه قد وافقه على بعض صفاته غيرُه، لأن قاعدتَه أن ما انفرد به ثقةٌ، فإنه يتوقف فيه حتى يُتابع عليه، فإن توبع عليه زالت نكارته، خصوصاً إن كان الثقة ليس بمشتهر في الحفظ والاتقان، وهذه قاعدة يحيى القطان وابن المديني وغيرهما" 1.
وذكر أيضاً أن كلام الإمام أحمد في النكارة قريب من كلام يحيى القطان، وهو أن كل ما ينفرد به ثقة عن ثقة ولا يعرف المتن من غير ذلك الطريق فهو منكر، ولا تزول النكارة إلا بمعرفة الحديث من وجه آخر.
فهنا أطلق النكارة عليه بينما قيده في الموضع الأول بأن ذلك في الثقة الذي لم يشتهر بالحفظ والإتقان.
ثم ذكر ابن رجب جملة من الأحاديث وصفها الإمام أحمد بالنكارة وهي من هذا النوع منها:
حديث عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن بيع الولاء وهبته2. قال المرُّوذي: وسألته عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، فقال لي: "ثقة إلا حديث واحد يرويه عن ابن عمر قال: الولاء لا تُباع ولا توهب، ونافع قال في قصة بريرة: "الولاء لمن أعتق" 3 يشير إلى أن عبد الله بن دينار لم يتابع عليه، وأن الصحيح ما روى نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الولاء
ـــــــ
1فتح الباري لابن رجب 3/15.
2أخرجه البخاري 5/167 ح 2535، ومسلم 2/1145 ح1506.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص229 رقم450.(2/797)
لمن أعتق"، لم يذكر النهي عن بيع الولاء وهبته1.
والصحيح أن هذا الحديث لم ينكره الإمام أحمد لمجرد تفرد عبد الله بن دينار به، بل لأنه إضافة إلى تفرده فقد خولف، وذلك من ثلاثة أوجه:
الأول: أن نافعاً لم يذكره عن ابن عمر، ونافع وسالم أوثق الناس عن ابن عمر.
الثاني: ما أشار إليه الإمام أحمد أن نافعاً روى عن ابن عمر مرفوعاً: "الولاء لمن أعتق"، فأضاف الولاء إلى المعتِق بلام التمليك والاختصاص، وهذا المعنى معارض لقوله: الولاء لا يُباع ولا يُوهب.
الثالث: أن نافعاً قد روى عن ابن عمر النهي عن بيع الولاء وعن هبته من قوله هو غير مرفوع2.
ومما ذكره الحافظ ابن رجب من الأدلة الدالة على اعتبار الإمام أحمد تفرد الثقات منكراً أنه وصف بعض الرواة الثقات بأنهم يروون أحاديث مناكير، منهم بُريد بن عبد الله ابن أبي بُردة3، ومحمد بن إبراهيم التيمي المنفرد برواية حديث الأعمال بالنيات4، وزيد بن أبي أنيسة5، وعمرو بن الحارث6،
ـــــــ
1شرح علل الترمذي 2/629، 653.
2رواه عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن نافع،عن ابن عمر مصنف عبد الرزاق 9/5.
3قال عنه أحمد: طلحة بن يحيى أحب إلي من بُريد بن أبي بُردة، بُريد يروي أحاديث مناكير العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/11 رقم1380.
4قال أحمد: في حديثه شيء، يروي أحاديث مناكير، أو منكرة المصدر السابق 1/566 رقم1355.
5قال عنه أحمد في رواية الأثرم: إن حديثه لحسن مقارب، وإن فيها لبعض النكارة، وهو على ذلك حسن الحديث الضفعاء للعقيلي 2/428.
وفي رواية المرُّوذي: سألته ـ يعني أبا عبد الله ـ عن زيد بن أبي أنيسة كيف هو؟ فحرّك يده وقال: صالح، وليس هو بذاك العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص85 رقم118.
6قال عنه أحمد: ليس في أهل مصر أحسن حديثاً من الليث، وعمرو بن الحارث يقاربه. وقال في رواية الأثرم: قد كان عمرو بن الحارث عندي، ثم رأيت له أشياء مناكير تهذيب الكمال 21/573.(2/798)
والحسين بن واقد1، وخالد بن مخلد2. وهو مخالف لتصرف الشيخين والأكثرين، فإنهم يرون أن ما رواه الثقة عن الثقة إلى منتهاه وليس له علة فليس بمنكر، ثم ذكر عن الإمام مسلم ما حكاه عن أهل العلم أن الثقة إذا أمعن في موافقة الثقات في حديثهم، ثم تفرد عنهم بحديث قبل ما تفرد به3.
قال ابن رجب: فتلخص من هذا أن النكارة لا تزول عند يحيى القطان، والإمام أحمد، والبرديجي وغيرهم من المتقدمين إلا بالمتابعة4 لكن قيد هذا الإطلاق في موضع آخر بأنه خاص بحالة من لم يشتهر بالحفظ والإتقان كما تقدم.
ابن حجر:
قال الحافظ في ابن حجر في قول الإمام أحمد في بُريد بن عبد الله بن أبي بُردة: يروي أحاديث مناكير، قال ابن حجر: "أحمد وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة" 5.
وكذلك قال في الجواب عن قول الإمام أحمد في محمد بن إبراهيم أنه يروي أحاديث مناكير، قال ابن حجر: "المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على
ـــــــ
1قال عنه أحمد: لا بأس به، وأثنى عليه خيراً، وقال في رواية الميموني: له أشياء مناكير. في رواية عبد الله: ما أنكر حديث حُسين بن واقد وأبي المنيب عن ابن بريدة الجرح والتعديل 3/66، العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص228 رقم444، العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/301 رقم497.
2قال عنه أحمد: له أحاديث مناكير العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/18 رقم1403. وهو راوي حديث: من عادى لي ولياً... قال الذهبي: هذا حديث غريب جداً لولا هيبة الجامع الصحيح لعدوه من منكرات خالد بن مخلد ميزان الاعتدال ترجمة 2463.
3انظر: شرح علل الترمذي 2/657-658.
4المصدر نفسه 2/659.
5مقدمة فتح الباري ص392.(2/799)
الحديث الذي لا متابع له" 1.
وقال أحمد في يزيد بن عبد الله بن خُصيف: منكر الحديث، قال ذلك في رواية الآجري، عن أبي داود2. وقد قال عنه في رواية الأثرم: ثقة ثقة3؛ وفي رواية عبد الله: لا أعلم إلا خيراً4. فقال ابن حجر في هذا القول: "هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يغرب على أقرانه بالحديث، عرف ذلك بالاستقراء من حاله" 5.
وهكذا أطلق الحافظ في هذه المواضع أن الإمام أحمد يطلق "المنكر" على الحديث الفرد المطلق.
وقيد ذلك في موضع آخر: فقال "أطلق الإمام أحمد، والنسائي وغير واحد من النُّقاد لفظ "المنكر" على مجرد التفرد، لكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يُحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده" 6.
المسألة الرابعة: التعريف الاصطلاحي للمنكر عند الإمام أحمد.
مما تقدم يترجح لدي أن التعريف المرضي للمنكر بحسب إطلاقات الإمام أحمد لهذا اللفظ هو: الحديث الذي ترجح خطأ راويه بتفرد من لا يحتمل تفرده
ـــــــ
1المصدر نفسه ص437.
2نقل ذلك المزي بصيغة الجزم تهذيب الكمال 32/173، ولم أقف عليها في المطبوع من سؤالات الآجري.
3الجرح والتعديل 9/274، ومن أجل هذا وما ورد عن سائر الأئمة مثل ابن سعد، وأبي حاتم، والنسائي أنه ثقة، بل قال فيه ابن معين: ثقة حجة، استنكر د. بشار عواد ثبوت رواية الآجري عن الإمام أحمد انطر: تهذيب الكمال الموضع نفسه. ويؤيده أن ابن عدي لم يذكره في الكامل، وذكره الذهبي في الميزان ترجمة 9723، لكن لم يذكر له حديثاً منكراً، والله أعلم.
4العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/490 رقم3232.
5مقدمة فتح الباري ص453.
6النكت على كتاب ابن الصلاح 2/674.(2/800)
أو المخالفة للثابت المعروف.
فهذا التعريف يصدق على المنكر بمعنى خلاف المعروف، وبمعنى الفرد الذي ليس له متابع وليس لراويه من الثقة ما يحتمل تفرده، وبمعنى ما ليس له أصل، وبمعنى الحديث الذي ترجح خطأ راويه.(2/801)
المطلب الثالث: موقف الإمام أحمد من تفرد الراوي الثقة
...
المطلب الثالث: موقف الإمام أحمد من تفرد الراوي الثقة.
الذي يدل عليه منهج الإمام أحمد في هذا الباب أن الأصل عنده قبول ما تفرد به الراوي الثقة البارز في علمه وإتقانه، ويدل على ذلك النصوص التالية:
قال الحسن بن محمد الزعفراني1: "قلت لأحمد بن حنبل: من تابع عفاناً في حديث كذا وكذا؟ قال: وعفان يحتاج إلى أن يُتابعَه أحدٌ ـ أو كما قال" 2.
فهذا يدل على أن مثل عفان بن مسلم الصفار إذا روى حديثاً ولم يتابعه عليه أحدٌ فإنه مقبول، ومثله ليس ممن يتوقف في قبول ما تفرد به.
وقيل لأحمد في حديث تفرد به عبد الله بن إدريس: أحد يقول ذلك غيره؟ فقال: يكفيك بابن إدريس، وذلك فيما:
قال صالح بن أحمد بن حنبل: "حدثنا أبي: قال: حدثنا ابن إدريس، عن محمد بن عمارة، عن أبي بكر بن حزم، عن أبان بن عثمان، عن عثمان قال: "لا شُفعة في بئر ولا فحل"3 ولا الأُرَف4، إذا علم كل قوم حقهم تقطع كل شفعة. قلت له: أحد يقول: والأرف غير ابن إدريس؟ فقال: يكفيك بابن إدريس" 5.
ـــــــ
1هو الحسن بن محمد بن الصباح أبو علي الزعفراني. سمع ابن عيينة، وعبيدة بن حُميد، وإسماعيل
ابن علية. وروى عن أحمد. وثقه النسائي. توفي سنة 260هـ. روى له البخاري والأربعة طبقات الحنابلة 1/138، سير أعلام النبلاء 12/262.
2تاريخ بغداد 12/274.
3قال ابن إدريس: الفحل فحل النخل السنن الكبرى 6/105.
4هي المعالم. فسرها ابن إدريس نفسه في رواية أبي عبيد عنه كما رواها البيهقي السنن الكبرى 6/105. وقال ابن الأثير: الأُرَف جمع أُرْفة، وهي الحدود والمعالم، ومنه حديث عثمان: الأُرف تقطع الشفعة النهاية في غريب الحديث 1/39.
5مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابنه صالح 3/185-186 رقم1612-1613.(2/802)
هذا الأثر أخرجه ابن أبي شيبة1، والبيهقي2.
والشاهد فيه أن صالحاً سأل عن ثبوت لفظة: والأُرَف في الأثر، فإنه لا يقولها غير عبد الله بن إدريس، فقد روى مالك الحديث عن محمد بن عمارة، عن أبي بكر بن حزم، عن عثمان بن عفان بلفظ: "إذا وقعت الحدود في الأرض فلا شُفعة فيها، ولا شفعة في بئر ولا في فحل النخل"3، فلم يذكر الأُرَف. فأجاب أحمد بقوله: يكفيك بابن إدريس، أي تفرده مقبول لثقته ورفعته في العلم.
قال أحمد في عبد الله بن إدريس: هو نسيج وحده4. وهذه مبالغة في مدحه وثنائه5.
ومثال آخر:
قال الميموني: وقال ابن حنبل: ليس نجد أحداً يرفع غيرُ زُهير ـ يعني في المحرم إذا لم يجد نعليْه ـ وكان زهير من معادن العلم6
فهذا الحديث تفرد به زهير من هذا الوجه ولفظه: "من لم يجد نعلين
ـــــــ
1المصنف 4/520 ح 22744 عن عبد الله بن إدريس، ومن طريقه ابن حزم المحلى 9/83.
2السنن الكبرى 6/105 من طريق أبي عبيد.
3الموطأ 2/717، ومن طريق مالك أخرجه عبد الرزاق المصنف 9/80 ح14393. وتابع ابنَ إدريس على ذكر أبان بن عثمان صفوانُ بن عيسى قاله الدارقطني في العلل 3/15.
ورواه محمد بن أبي يحيى الأسلمي، عن أبي طوالة، عن أبان بن عثمان، عن عثمان. أخرجه عبد الرزاق المصنف 8/88 ح14428.
4العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/436 رقم973. قال ابن معين: هو ثقة في كل شيء. وقال أبو حاتم: هو حجة يحتج بها، وهو إمام من أئمة المسلمين ثقة. وقال النسائي: ثقة ثبت تهذيب الكمال 14/297-299.
5معنى نسيج وحده أي لا نظير له في علم أو غيره، وهو مثل قولك: فلان واحد عصره، وقريع قومه لسان العرب، مادة: "ن س ج" 2/376.
6العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص243 رقم484.(2/803)
فليلبس خفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل" 1.
ولفظ الحديث معروف من حديث ابن عباس. أخرجاه من رواية عمرو ابن دينار، عن جابر بن زيد عنه2.
وظاهر كلام أحمد يدل على قبوله هذا التفرد من زهير، لأنه قال: "كان زهير من معادن العلم"، وهذا مشعر بقبوله لما تفرد به. وقد قال في موضع آخر عن زهير: "حفاظ الحديث أو المتثبِّتين في الحديث أربعة: سفيان الثوري، وشعبة، وزُهير، وزَائدة" 3.
وقال ابن هانئ: "سمعت أبا عبد الله يقول: علم الناس إنما هو عن شعبة، وسفيان، وزائدة، وزُهير، هؤلاء أثبت الناس، وأعلم بالحديث من غيرهم" 4.
وسئل أحمد في رواية محمد بن يحيى الذهلي عن حديث زهير، عن أبي الزبير، عن جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ السجدة وتبارك"، قال: حسبك بزُهير إذا جاء بالشيء، زهير ثقة، وإنما ذلك ليث رواه.ا.هـ5.
ـــــــ
1أخرجه مسلم صحيح مسلم 2/836 ح1179، وعلي بن الجعد مسند علي بن الجعد ص385 ح2638، والطيالسي ص240 ح1735. وأحمد المسند 22/356 ح14465، وابن أبي شيبة 3/439 ح15777، والطحاوي شرح معاني الآثار 2/124، والدارقطني السنن 2/228، والبيهقي 5/51 من طرق عن زهير به.
2صحيح البخاري 4/57 ح1841، صحيح مسلم 2/835 ح1178.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/601 رقم3855.
4مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابن هانئ 2/213 رقم2163.
5بحر الدم ص160-161. وهذا الحديث رواه عدد من الرواة عن أبي الزبير، منهم ليث
ابن أبي سليم كما قال أحمد. رواه من طريقه الترمذي الجامع 5/165 ح2892، والنسائي السنن الكبرى 6/178 ح10543، وأحمد المسند 23/26 ح14659، والدارمي السنن 2/455، وعبد بن حميد مسند عبد بن حميد1/318 ح1040.
ومنهم المغيرة بن مسلم الخراساني: أخرج حديثه النسائي أيضاً الكبرى ح10544.
ومنهم عبد الحميد بن جعفر: أخرج حديثه الطبراني المعجم الأوسط 2/132 ح1483.
فكلهم رووه عن أبي الزبير عن جابر.
ورواه زهير بن معاوية، عن أبي الزبير: أسمعت أن جابراً يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، قال أبو الزبير حدثنيه صفوان أو أبو صفوان.ا.هـ وفي رواية عند الترمذي: أو ابن صفوان. أخرجه النسائي الكبرى 6/178 ح10545، وانظر: جامع الترمذي 5/165.
وصفوان الذي يروي عنه أبو الزبير هو صفوان بن عبد الله الأكبر بن صفوان بن أمية الجمحي المكي. قال عنه ابن حجر: ثقة تقريب التهذيب 2952. فالحديث صحيح.(2/804)
فهذا يفيد أن زهير إذا جاء بالحديث فهو مقبول، وإن تفرد به. وكأن الإمام أحمد لم يقف على رواية حديث أبي الزبير هذا إلا من طريق ليث.
ومما أخذ به وهو عنده مما تفرد الثقة بروايته:
قال أبو طالب: "قال أحمد بن حنبل: لم يرو أحد: "لا يقرأ الجنب" غير شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الله بن سلِمة، عن علي. قال سفيان بن عيينة: سمعت هذا الحديث من شعبة. قال سفيان: قال شعبة: لم يرو عمرو بن مرة أحسن من هذا الحديث، وقال شعبة: روى هذا الحديث عبد الله بن سلِمة بعد ما كبر" 1.
هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الثلاث من طريق شعبة2، وهو عند أحمد من طرق عن شعبة3.
وقد أخذ الإمام أحمد بظاهر هذا الحديث في رواية موسى بن عيسى الجصاص4، فقال: [لا يقرأ الجنب شيئاً من القرآن، والتسبيح رُخّص فيه، أما
ـــــــ
1الكامل في ضعفاء الرجال 4/1487.
2سنن أبي داود 1/155 ح229، سنن النسائي 1/144 ح265، سنن ابن ماجه 1/195 ح594.
3المسند ح627، 639، 840، 1011.
4قال عنه الخلال: ورع زاهد، سمع يحيى القطان وابن مهدي، كان لا يحدث إلا بمسائل أبي عبد الله وشيء سمعه من أبي سليمان الداراني في الزهد والورع طبقات الحنابلة 1/333.(2/805)
أن يتعمد الآية أو السورة، لا يُعجبني]1، مع قوله بأنه لم يروه أحد غير شعبة، فدل على أن تفرد الثقة مثل شعبة بالحديث مقبول عنده.
وقول الإمام أحمد: لم يروه أحد غير شعبة مشكل، فقد رواه في مسنده عن أبي معاوية، عن ابن أبي ليلى، عن عمرو بن مرّة به2. كما روي من طريق الأعمش، وابن أبي ليلى كلاهما عن عمرو بن مرة3، ورواه ابن عيينة، عن شعبة ومِسعَر4، فالله أعلم.
وقد نُقل عن الخطابي أنه قال: إن الإمام أحمد كان يوهِّن هذا الحديث، ويضعّف أمر عبد الله بن سلِمة5، فهذا وجه آخر لإعلال الحديث لدى بعض الناس6. فإن صحت هذه الرواية فيحمل ما تقدم من أخذ الإمام أحمد بمقتضى
ـــــــ
1طبقات الحنابلة 1/333.
2المسند 2/345 ح1123.
3أخرجه الترمذي الجامع 1/273 ح146، والطحاوي شرح معاني الآثار 1/87. ورواه النسائي من حديث الأعمش وحده عن عمرو السنن 1/158 ح266.
4أخرجه ابن حبان الإحسان 3/79 ح799، 800، والدارقطني السنن 1/119.
5تنقيح التحقيق 1/137.
6وبعضهم يعلّ الحديث بعبد الله بن سلمة، فإنه كان قد كبر فاختلط. قال يحيى القطان: وكان شعبة يقول في هذا الحديث: نعرف وننكر ـ يعني أن عبد الله بن سلمة كان كبر حين أدركه عمرو المنتقى لابن الجارود 1/98.
ومع ذلك كان شعبة يحسن هذا الحديث، قال سفيان بن عيينة: قال لي شعبة: ما أحدث بحديث أحسن منه سنن الدارقطني 1/119.
وصححه الترمذي الموضع السابق، وكذلك ابن خزيمة صحيح ابن خزيمة 1/104 ح208، وابن حبان الإحسان 3/79 ح 799. ونقل الحافظ ابن حجر أن كلاً من ابن السكن وعبد الحق قد صححه تلخيص الحبير 1/139. وأما هو فحسن الحديث وقال: هو من قبيل الحسن يصلح للحجة فتح الباري 1/408.
ونقل البيهقي عن الشافعي أنه قال: أهل الحديث لا يثبتونه. وضعفه النووي أيضاً تلخيص الحبير الموضع نفسه.
وضعفه الألباني إرواء الغليل 2/241 ح485.(2/806)
الحديث من باب أخذه بالحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب غيره.
خروج الإمام أحمد عن أصله في هذا الباب:
الأمثلة التي تقدم إيرادها تدل على الأصل الذي صدّرنا به هذا المطلب، وهو أن تفرد الراوي الثقة البارز في الحفظ والإتقان مقبول عند الإمام أحمد، وليس بمنكر. وقد جاء عن الإمام أحمد ما يدل على تركه لهذا الأصل في بعض المواضع، وذلك لاعتبارات تظهر لمن تتبع تلك المواضع بالنظر والدراسة.
فمن تلك الاعتبارات أن يكون الراوي الثبت معروفاً باتكاله على حفظه حتى سجلت له أخطاء عن شيخه الذي تفرد عنه. مثال ذلك:
روى عبد الله قال: "قال أبي في حديث وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في المسلم يقتل الذِّمِّي خطأً، قال: كفارتُهما سواء. قال أبي: ليس يرويه غيرُ وكيع، ما أُراه إلا خطأ" 1.
فهذا الأثر رواه ابن أبي شيبة2 عن وكيع، ولم يقبله أحمد لأن راويَه وكيع قد تفرد به، ووكيع إمام حافظ، ومع ذلك لم يقبل ما تفرد به، ويبدو أن ذلك راجع إلى كون وكيع يعتمد على حفظه، فصار احتمال وقوع الأخطاء في رواياته قوياً. قال الفضل بن زياد: "قال أحمد بن حنبل: كان وكيع يحدث من حفظه، ولم يكن ينظر في كتاب، وكان له سقط،كم يكون حفظ الرجل!" 3، ومن أجل ذلك كان عبد الرحمن أكثر إصابة عند الإمام أحمد من وكيع في حديث
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/325 رقم573.
2مصنف ابن أبي شيبة 5/415 ح27540.
3المعرفة والتاريخ 2/197.(2/807)
الثوري1، لأن عبد الرحمن كان صاحب كتاب. وتوقف أحمد عن تقديم وكيع على محمد بن يوسف الفريابي فيما تفرد به، قال أبو داود: "إذا اختلف الفِريابي ووكيع، أليس يُقضى لوكيع؟ قال: مثل ماذا؟ قلت: ما لم يروه غيره. قال: ما أدري، وكيع ربما خولف أيضاً" 2. فأشار إلى أن وكيعاً ربما تفرد بأشياء يخالَف فيها.
وهذه الرواية لم ينفرد وكيع بها عن الثوري كما ذكر الإمام أحمد، بل تابعه عبد الرزاق، وتابعه أيضاً معمرٌ متابعة قاصرة عن منصور3. ولعل الإمام أحمد وقف على هذه الرواية فيما بعدُ فذكر صحة نسبة هذا القول إلى إبراهيم. قال ابن قُدامة: "قال أحمد: الشعبي والنخعي قالا: دية المجوسي، واليهودي، والنصراني مثل دية المسلم، وإن قتله يُقتل به، هذا عجب، يصير المجوسي مثل المسلم، سبحان الله، ما هذا القول! واستبشعه وقال: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يُقتل مسلم بكافر" وهو يقول: يُقتل بكافر، فأي شي أشد من هذا!" 4، وبهذا يجمع بين إنكاره لرواية وكيع وقبوله لمقتضاها في موضع آخر.
وهذا الاعتبار نفسه ـ أعني كون الراوي المتفرد مع حفظه قد حُفظت له أخطاء وقع فيها ـ هو الذي يعود إليه إنكار الإمام أحمد لحديثين رواهما عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، وتفرد بهما عن عطاء: أحدهما حديث الشفعة بالجوار، والثاني حديث تنكح المرأة لثلاث.
قال عبد الله: "سمعت أبي يقول: حدثنا بحديث الشفعة، حديث
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/427 رقم940.
2سؤالات أبي دواد للإمام أحمد ص199 رقم139.
3أخرجه عبد الرزاق المصنف 10/98 ح18500، 18499 لكن بلفظ: "دية الذمي دية المسلم". ولفظ حديث معمر عن منصور، عن إبراهيم: "دية اليهودي والنصراني والمجوسي مثل دية المسلم". قال معمر: وقاله الشعبي.
4المغني 11/466.(2/808)
عبدالملك، عن عطاء، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: هذا حديث منكر" 1.
وقال أبو زرعة الدمشقي: "وسمعت يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل يقولان في حديث عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر في الشُّفعة، قالا لي: قد كان هذا الحديث ينكر عليه. وسمعت أحمد ويحيى يقولان: كان عبد الملك بن أبي سليمان ثقة" 2.
وحديث عبد الملك في الشفعة بالجوار أخرجه أبو داود3، والترمذي4، وابن ماجه5، وأبو داود الطيالسي6، وأحمد7، وابن أبي شيبة8، والطحاوي9، والبيهقي10. ولفظه: "الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً".
وقد تفرد به عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء، ومن أجله تكلم فيه شعبة. وقال: لو روى حديثاً آخر مثل حديث الشفعة لطرحت حديثه، ومثله عن يحيى القطان11.
ومما يدل على أن تفرده هو علة نكارته عند شعبة أن وكيعاً روى عن شعبة
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/281 رقم2256.
2تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/460 رقم1169.
3سنن أبي داود 3/787 ح3518.
4الجامع 3/651 ح1369.
5سنن ابن ماجه 2/833 ح2494.
6مسند الطيالسي ص234 ح1677.
7المسند 22/155 ح14253.
8المصنف 4/384 ح21298، 4/518 ح22721.
9شرح معاني الآثار 4/120.
10 السنن الكبرى 6/106.
11 الكامل في ضعفاء الرجال 5/1940.(2/809)
أنه قال لهم: "لو كان شيئاً يُقوِّيه !" 1، أي لو وجد له متابعٌ أو شاهدٌ يقويه لكان مقبولاً.
وكذلك أنكره الإمام أحمد، ويحيى بن معين على عبد الملك كما تقدم في السؤال. وقال البخاري: لا أعلم أحداً رواه عن عطاء غير عبد الملك بن أبي سليمان، وهو حديثه الذي تفرد به، ويروى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا2.
وإنما أنكرا عليه هذا الحديث لتفرده به عن جابر، فلم يذكره أحد من أصحاب عطاء. قال الترمذي: إنما ترك شعبة عبد الملك لهذا الحديث، لم يجد أحداً رواه غيره3.
وعبد الملك بن أبي سليمان قد وثقه الإمام أحمد كما تقدم، بل قال في رواية عبد الله: كان من الحفاظ4. لكن قال في رواية صالح: "عبد الملك بن أبي سليمان من الحفاظ، إلا أنه كان يُخالف ابن جريج في إسناد أحاديث، وابن جُريج أثبت منه عندنا" 5. وقال في رواية أبي داود: "هو ثقة، قلت: يخطئ؟ قال: نعم، وكان من حفاظ أهل الكوفة، إلا أنه رفع أحاديث عن عطاء" 6. وقد ذكر الإمام أحمد حديثاً آخر لعبد الملك خالف فيه ابنَ جريج فقضى الإمام أحمد لابن جريج7.
وقال عبد الله: "قال أبي مرة أخرى، وذكر عطاء فقال: أثبت الناس في عطاء ابن جُريج، وعمرو بن دينار" 8.
ـــــــ
1 الموضع نفسه.
2علل الترمذي الكبير 1/571.
3الموضع نفسه.
4العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/535 رقم1264.
5الجرح والتعديل 5/367.
6مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص296 رقم358.
7انظر: العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 3/254 رقم5123.
8الموضع نفسه.(2/810)
فمن سجلت عليه مخالفات لمن هو أوثق منه عن شيخ معين تأثرت به روايته عنه، فيتوقف في قبول ما تفرد به عنه. وأشار الإمام مسلم إلى هذا الضابط في مقدمة صحيحه حيث قال: "وحكم أهل العلم والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث، أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وُجد كذلك، ثم زاد بعد ذلك شيئاً ليس عند أصحابه قُبلت زيادتُه" 1.
ثم حديثه هذا مخالف لما رواه أبو سلمة وأبو الزبير عن جابر، وهذا ما أشار إليه البخاري من أنه يروى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا، وقد صرح به ابن عبد البر2.
ـــــــ
1صحيح مسلم 1/7.
2التمهيد 7/48. قال: وليس عبد الملك هذا مما يعارض به أبو سلمة وأبو الزبير وفيما ذكرنا من روايتهما عن جابر ما يدفع رواية عبد الملك هذه.
وقد أوضح بعض الأئمة عدم التعارض بين حديث عبد الملك وما رواه غيره عن جابر. قال ابن القيم: والذين ردّوا حديثه ظنوا أنه معارض لحديث جابر الذي رواه أبو سلمة عنه: "الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة"، وفي الحقيقة لا تعارض بينهما، فإن منطوق حديث أبي سلمة انتفاء الشفعة عند تميز الحدود وتصريف الطرق واختصاص كل ذي ملك بطريق، ومنطوق حديث عبد الملك إثبات الشّفعة بالجوار عند الاشتراك في الطريق، ومفهومه انتفاء الشفعة عند تصريف الطرق، فمفهومه موافق لمنطوق حديث أبي سلمة وأبي الزبير غير معارض له، وهذا بين وهو أعدل الأقوال في المسألة تهذيب السنن 9/309.
وكذلك قال ابن عبد الهادي، وزاد: وطعن شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يقدح في عبد الملك، فإن عبد الملك ثقة مأمون، وشعبة لم يكن من الحذاق في الفقه ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها، وإنما كان إماماً في الحفظ، وطعن من طعن فيه إنما هو اتباعاً لشعبة تنقيح التحقيق 3/58.
وهذا الكلام يستقيم لو كان ردهما لمجرد المخالفة، أما وأن ردهما ـ وبخاصة الإمام أحمد ـ من أجل تفرد عبد الملك بن أبي سليمان، ولا يحتمل منه مثل هذا التفرد عن عطاء، ثم عن جابر لتأخر منزلته في الحفظ من بين أصحاب عطاء، فإعلال الأئمة لحديثه قائم، والعلم عند الله.(2/811)
والحديث الثاني الذي أنكره الإمام أحمد على عبد الملك بن أبي سليمان هو:
قال أبو زرعة: "سمعت أحمد بن حنبل يقول: وقد كان يُنكر من حديثه ـ أي عبد الملك بن أبي سليمان ـ عن عطاء، عن جابر: "تنكح المرأة على ثلاث" 1.
وهذا الحديث رواه الترمذي2، من طريق إسحاق الأزرق، وابن أبي شيبة3 من طريق عبدة بن سليمان كلاهما عن عبد الملك به، ولفظه: "إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها، فعليك بذات الدِّين تربت يداك". ورواه الدارمي من طريق علي بن مسهر، عن عبد الملك بلفظ: "تنكح المرأة لأربع... " 4، فذكره بمثل لفظ حديث أبي هريرة في هذا المعنى5.
ورواه مسلم6، من طريق عبد الله بن نمير، والنسائي7 من طريق خالد بن الحارث، وأحمد8، والبيهقي9، وابن عبد البر10 من طريق إسحاق الأزرق، وأحمد11 من طريق يحيى القطان كلهم عن عبد الملك بلفظ: تزوجتُ امرأةً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا جابر تزوجتَ؟" قال: نعم، قال: "أبكرٌ أم ثيّبٌ"؟ قال: بل ثيّب. قال: "أفلا بكراً تلاعبها"؟ قال: يا رسول الله، إن
ـــــــ
1تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/460 رقم1170.
2الجامع 3/396 ح1086.
3المصنف 3/560 ح17148.
4سنن الدارمي 2/134.
5أخرجه البخاري 9/132 ح5090، ومسلم 2/1086 ح1466.
6صحيح مسلم 2/1087 ح715.
7السنن 6/65 ح3221.
8المسند 22/140 ح14237.
9السنن الكبرى 7/80.
10 التمهيد 19/167.
11 الموضع نفسه.(2/812)
لي أخواتٌ فخشيت أن تدخل بيني وبينهن، قال فقال: "فذاك إذن، إن المرأة تُنكح في دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك".
فتبين أن ما أنكره الإمام أحمد من حديث عبد الملك زيادة زادها في حديث جابر في قصة زواجه وبيعه بعيره للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم ترد هذه الزيادة إلا في حديث عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء. وقد رواه ابن جريج عن عبد الملك ولم يذكرها1. وكذلك لم يذكرها كل من روى الحديث عن جابر، وهم عمرو ابن دينار2، ومحمد بن المنكدر3، ومحارب بن دثار4، والشعبي5، ووهب ابن كيسان6، وأبي نضرة7، وسالم بن أبي الجعد8، ونُبيح العنزي9، وأبي سفيان طلحة بن نافع10.
فإنكار الإمام أحمد لهذه الزيادة من باب إنكاره وغيره من الحفاظ للحديث الذي تفرد به في الشفعة.
ومن الاعتبارات التي يعود إليها خروجُ الإمام أحمد عن أصله في هذا
ـــــــ
1وحديثه عند البخاري 4/485 ح2309، والنسائي السنن 6/61 ح3220، وأبي عوانة 3/252 ح4849، 3/253 ح4850.
2حديثه عند البخاري 9/513 ح5367، 11/190 ح6386، ومسلم صحيح مسلم 2/1087، 1088.
3وحديثه عند سعيد بن منصور السنن 1/168 ح510، وأحمد المسند 22/36 ح14132.
4وحديثه عند البخاري 9/121 ح5080، ومسلم 2/1087 ح55.
5وحديثه عند البخاري 9/341 ح5245، 5246، ومسلم 2/1088.
6وحديثه عند البخاري 4/320 ح2097، ومسلم 2/1089.
7وحديثه عند مسلم 2/1089 ح58.
8وحديثه عند أبي داود ح2048، وأحمد المسند 22/273 ح14376، وابن حبان 14/447 ح6517، والبيهقي 5/351.
9وحديثه عند أحمد 23/147 ح14861، وابن أبي شيبة المصنف 4/52.
10 وحديثه عند أحمد 23/172 ح14896.(2/813)
الباب أن يكون الراوي المتفرد مع كونه حافظاً مبرّزاً ليس في الطبقة الأولى من أصحاب شيخه الذي تفرد بالرواية عنه، إذا كان شيخه من المكثرين في الرواية وله تلاميذ كثر يعتنون بجمع أحاديثه، مثال ذلك:
قال أبو داود: "سمعت أحمد قال: عند عيسى حديث أنس، يعني عن سعيد، عن قتادة، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشُّفعة؛ قال أحمد: ليس بشيء. فقلتُ لأحمد: كلاهما عنده؟ أعني: عند عيسى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، وعن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشُّفعة؟ فلم يَعْبأ إلى جَمعه الحديثين، وأنكر حديث أنس" 1.
حديث عيسى بن يونس رواه ابن حبان2، والطحاوي3، والطبراني4، والضياء المقدسي5 كلهم من طريقه عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس.
وقد تفرد عيسى بن يونس بهذه الرواية عن سعيد عن قتادة، عن أنس، قاله الطبراني6.
وأنكر الإمام أحمد هذه الرواية على عيسى بن يونس7، وتتابع الحفاظ من بعده على إنكاره عليه؛ فقال الإمام البخاري: "الصحيح حديث الحسن عن سمرة، وحديث قتادة، عن أنس غير محفوظ، ولم يُعرف أن أحداً رواه عن ابن أبي عروبة،
ـــــــ
1مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص403 رقم1902.
2الإحسان 11/595 ح5182.
3شرح معاني الآثار 4/123.
4المعجم الكبير 7/196 ح6803، والمعجم الأوسط 8/118 ح8146.
5الأحاديث المختابرة 7/122 ح2551.
6المعجم الأوسط الموضع نفسه.
7وفي العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله رقم1481: سئل أبي عن حديث قتادة، عن أنس في الجوار قال: أخطأ فيه عيسى بن يونس.(2/814)
عن قتادة، عن أنس غير عيسى بن يونس" 1.
وقال الإمامان أبو حاتم وأبو زرعة عن الحديث: "هذا خطأ، روى هذا الحديث همام، وحماد بن سلمة، فقال حماد بن سلمة: عن قتادة، عن الشريد، وقال همام: عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن الشريد، وقالا ـ أي أبو حاتم وأبو زرعة: نظن أن عيسى وهم فيه، فشبّه الشريد بأنس" 2.
وقال الدارقطني: "رواه عيسى بن يونس، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، ووهم فيه، وغيره يرويه عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، وكذلك رواه شعبة وغيره عن قتادة، وهو الصواب" 3.
ووجه عدم قبول الإمام أحمد لهذا التفرد من عيسى بن يونس، ومثله ممن يقبل منه تفرده على أصله في هذا الباب، هو أنه مع تثبت عيسى وثقته لكنه ليس من الطبقة الأولى من أصحاب سعيد بن أبي عروبة، فإنه بالرغم من منزلته في الثقة وصحة سماعه من ابن عروبة4، لم يكن من خاصة تلاميذه العارفين بحديثه والملازمين له من البصريين أهل بلده مثل يزيد بن زريع، وخالد بن الحارث، وابن علية، وعبد الوهاب الخفاف الذين جمعوا مع الثقة والتثبت طول الملازمة، فكيف تغيب عنهم هذه الرواية ولا يرويها إلا هو، ولم يسمع من سعيد إلا في قدمته إلى الكوفة، وروايات مختلفي الأمصار يعتريها ما يعتريها من الأوهام والأغلاط.
ـــــــ
1علل الترمذي الكبير 1/568 ح228.
2علل ابن أبي حاتم 1/477.
3نقله عنه المقدسي الأحايث المختارة 7/124، وكذلك الزيلعي في نصب الراية 4/173. قال د. زهير بن ناصر الناصر: قول الدارقطني هذا لم أجده في السنن المطبوعة ولا في العلل في مسند أنس، والله أعلم.
4كان سماعه منه بالكوفة في قدمته الأولى قبل اختلاطه مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص382 رقم1745.(2/815)
والرواية المحفوظة هي عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب. هكذا رواه أصحاب سعيد بن أبي عروبة، منهم إسماعيل بن عُلية1، وقد كان إليه المنتهى في التثبت بالبصرة2، وسماعه من سعيد قديم؛ أخذه عنه إملاء3 مما يدل على مزيد ضبطه لحديثه؛ ومنهم عبد الوهاب بن عطاء الخفاف4، وكان من أعلم الناس بحديث سعيد5؛ وعبدة بن سليمان6، والمحاربي عبد الرحمن بن محمد7، والحسن بن صالح بن حيّ8.
وكذلك أصحاب قتادة رووه عنه عن الحسن، عن سمرة؛ هكذا رواه هشام الدستوائي9، وشعبة10، وهمام11، وحماد بن سلمة12. وهؤلاء ثقات أصحاب قتادة.
وقد روى عيسى بن يونس، عن سعيد، عن الحسن، عن سمرة، مثل رواية
ـــــــ
1حديثه عند الترمذي 3/650 ح1368، وأحمد المسند 33/323 ح20147.
2قاله أحمد في رواية عبد الله الجرح والتعديل 2/154.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 3/296 رقم5314.
4وحديثه عند أحمد أيضاً المسند 33/312 ح20128.
5قاله أحمد تاريخ بغداد 11/22.
6وقد تقدم أنه ثقة ثبت، وأن سماعه من سعيد كان بالكوفة قبل اختلاطه العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/163 رقم86. وحديثه عند ابن أبي شيبة المصنف 4/518 ح22720.
7وحديثه عند الروياني في "مسنده" 2/55 ح823.
8وحديثه عند الطبراني المعجم الكبير 7/197 ح6804.
9وحديثه عند أبي داود الطيالسي ص122 ح904، وأحمد المسند 33/363 ح20199.
10 وحديثه عند أبي داود السنن 3/787 ح3517، وأحمد 33/363 ح20199، وابن عدي الكامل في ضعفاء الرجال 2/729.
11 وحديثه عند أحمد المسند 33/279 ح20088، والطبراني المعجم الكبير 7/196 ح6802، والبيهقي السنن الكبرى 6/106.
12 وحديثه عند أحمد المسند 33/353 ح20183.(2/816)
الجماعة1، وذكر أبو داود هذه الرواية لأحمد كقرينة يمكن الاستدلال بها على أن جمعه للحديثين معاً يفيد كون الطريق الذي تفرد بها عن سعيد عن قتادة عن أنس محفوظاً، واعتمد هذه القرينة ابن القطان فصحح الروايتين عن عيسى بن يونس2.
وأما الإمام أحمد فلم يعبأ بهذه القرينة، ولم يقبل هذا التفرد من عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة، مع أنه من الأثبات عنده. فقد سئل عنه أحمد فقال: عيسى يُسأل عنه؟3. وسئل عن عيسى بن يونس، وأبي إسحاق الفزاري، ومروان بن معاوية أيهم أثبت؟ قال: ما فيهم إلا ثبت. قيل له: فمن تقدم؟ قال: ما فيهم إلا ثقة ثبت...4.
وكذلك أحمد بن جناب راوي الروايتين عن عيسى بن يونس نص على أن عيسى بن يونس أخطأ في حديث أنس، فقد رواه ابن أبي خيثمة، عن أحمد بن جناب، عن عيسى بن يونس، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس ثم قال: قال أحمد بن جناب: أخطأ فيه عيسى بن يونس5.
ـــــــ
1أخرج هذه الرواية ابن القطان من طريق قاسم بن أصبغ، حدثنا محمد بن إسماعيل، ثنا نعيم بن حماد، ثنا عيسى بن يونس به بيان الوهم والإيهام 5/444، نصب الراية 4/173، وكذلك الطحاوي من طريق علي بن بحر أحمد بن جناب عن عيسى بن يونس على ما ذكره الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة 2/207. والذي في شرح معاني الآثار من رواية علي بن بحر وأحمد بن جناب، عن عيسى بن يونس، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، عن سمرة. فما أدري هل ذكر أنس في هذا الإسناد من خطأ النسخة المطبوعة أم لا؟ ولم يذكر الحافظ هذا الإسناد في مسند سمرة في الإتحاف 6/51. ونص أبو داود في سؤاله هذا للإمام أحمد أن عيسى بن يونس قد روى الحديث بمثل رواية الجماعة، كما نص على ذلك البزار مسند البزار، والطبراني المعجم الأوسط 8/118.
2بيان الوهم والإيهام الموضع نفسه.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/479 رقم3146.
4العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص53 رقم39.
5انظر: إتحاف المهرة 2/207.(2/817)
ومن ناحية أخرى، ما بال هذا الحديث لا يرويه أحدٌ من أصحاب قتادة عن أنس؟ وقتادة حافظ مكثر، صاحب تلاميذ معتنين بجمع حديثه وضبطه، فلماذا لم يرو الحديث أحد من هؤلاء التلاميذ، ولا يأتي إلا من طريق عيسى عن ابن أبي عروبة؟
ومن أجل هذه الاعتبارات خرج الإمام أحمد عن أصله فلم يقبل تفرد عيسى بن يونس وحكم على روايته بالخطأ.
ومن أمثلته أيضاً رد الإمام أحمد لتفرد وهب بن جرير عن شعبة، لأنه لم يكن من أهل الطبقة الأولى من تلاميذ شعبة.
قال أبو داود: "سمعت أحمد قيل له: وهب بن جرير، عن شعبة، عن إسماعيل ـ يعني ابن أبي خالد ـ عن الشعبي، عن ابن عباس، صلى ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ على قبر؟ فأنكره وقال: ليس هذا من حديث إسماعيل" 1.
هذا الحديث رواه مسلم2، وابن حبان3، والبيهقي4 من طريق وهب ابن جرير، عن شعبة، عن إسماعيل بن خالد، عن الشعبي، عن ابن عباس قال: "أَتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر منبوذ فصلى عليه وصلينا معه".
ولم أقف على من تابعه على هذه الرواية عن شعبة أو عن غيره بذكر إسماعيل بن أبي خالد.
قال ابن عدي: ولم يقل عن شعبة، عن ابن أبي خالد، عن الشعبي غير وهب بن جرير، والمعروف عن شعبة، عن الشيباني عن الشعبي5.
ـــــــ
1مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص433 رقم1997.
2صحيح مسلم 2/658 ح954 68.
3الإحسان 7/359 ح3090.
4السنن الكبرى 4/46.
5الكامل في ضعفاء الرجال 7/2531.(2/818)
هكذا رواه أصحاب شعبة: عن الشيباني، عن الشعبي عن ابن عباس؛ منهم غندر1، وحجاج بن المنهال2، ومعاذ بن معاذ3، وسليمان بن حرب4، ومسلم ابن إبراهيم5، وخالد بن الحارث6، وأبو داود7، وأبو الوليد الطيالسيّان8.
والحديث معروف لأبي إسحاق الشيباني، رواه عنه غير واحد9.
وقد روي أيضاً من حديث أبي حصين عن الشعبي10.
وتفرد به وهب بن جرير، عن شعبة من حديث إسماعيل بن أبي خالد، فأنكره الإمام أحمد، وقال: ليس هذا من حديث إسماعيل، فلم يعتبر بروايته لتكون أصلاً للحديث من رواية إسماعيل، بل ردها لأنه ليس ممن يقبل تفرده عن شعبة، فلم يكن من أهل الطبقة الأولى من أصحابه، بل كان عبد الرحمن بن مهدي يقول: هنا قوم يحدثون عن شعبة ما رأيناهم عند شعبة، قال أحمد: قلت له: من
ـــــــ
1وحديثه عند البخاري 2/344 ح 857، ومسلم 2/658.
2وحديثه عند البخاري 3/203 ح1336.
3وحديثه عند مسلم الموضع نفسه.
4وحديثه عند البخاري 3/190 ح1322.
5وحديثه عند البخاري 3/186 ح1319.
6وحديثه عند النسائي السنن الكبرى 1/651 ح2150.
7وهو في مسنده ص344 ح2647، وأخرجه من طريقه أبو نعيم مستخرج أبي نعيم على صحيح مسلم 3/36 ح2138.
8وحديثه عند أبي نعيم الموضع نفسه.
9منهم عبد الله بن إدريس عند مسلم الموضع نفسه، وعبد الواحد بن زياد عند البخاري 3/189 ح1321، ومسلم الموضع نفسه، وهشيم بن بشير عند مسلم الموضع نفسه، والترمذي 3/355 ح1037، وجرير بن حازم عند البخاري 3/207 ح1340، ومسلم الموضع نفسه، وسفيان الثوري عند مسلم الموضع نفسه، وأبو معاوية عند البخاري 3/117 ح1247، وأبو عوانة وضاح عند الدارقطني 2/77.
10 رواه إبراهيم بن طهمان ويحيى بن ضريس عنه صحيح مسلم، الموضع نفسه، السنن الكبرى للبيهقي 4/46.(2/819)
تعني بهذا؟ قال: وهب بن جرير1 قال أحمد: "ما رئي وهب عند شعبة، ولكن كان صاحب سنة، حدث ـ زعموا ـ عن شعبة نحواً من أربعة آلاف حديث. قال عفان: هذه أحاديث الرُّصاصي. قال عبد الله: قلت لأبي: ما هذا الرصاصي؟ قال: كان إنسان بالبصرة يقال له الرصاصي، وكان قد سمع من شعبة حديثاً كثيراً واسمه عبد الرحمن بن زياد، وقع إلى مصر" 2.
لكن روى الإمام أحمد عن وهب ما يثبت سماعه من شعبة، قال: "قال وهب بن جرير: كتب لي أبي إلى شعبة فكنت أجئ فأسأله" 3.
والحاصل أن وهب بن جرير مع توثيق بعض الأئمة له4 لم يكن من تلاميذ شعبة الأثبات الملازمين له، فإذا روى حديثاً من حديث شعبة وليس عند واحد من أولئك التلاميذ، فلا يحتمل منه مثل ذلك التفرد، وإن جاء بما يخالف ما عندهم فذاك أشد، وهو الحال في هذا الحديث الذي أنكره عليه الإمام أحمد.
ومن الاعتبارات التي يمكن أن يرجع إليها خروج الإمام أحمد عن أصله في هذا الباب كون تفرد الراوي الثقة الثبت تضمّن وجهاً أو أكثر من المخالفة لرواية من هو أولى منه عن ذلك الشيخ الذي تفرد عنه، وإلى هذا الاعتبار يرجع ردّ الإمام أحمد لتفرد عبد الله بن دينار بحديث النهي عن بيع الولاء وهبته عن عبد الله بن عمر،
ـــــــ
1الكامل في ضعفاء الرجال 7/2531.
2العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/313 رقم2387.
3الموضع نفسه.
4وثقه ابن معين، وقال أبو جاتم:صدوق صالح الحديث، وقال النسائي: ليس به بأس تهذيب الكمال 31/123-124. وقال الدورقي: إذا خرجت حديث شعبة لم أقدّم على وهب بن جرير أحداً الكامل في ضعفاء الرجال 7/2531، ولم أر غيره من الحفاظ قدم وهباً في أصحاب شعبة.
وقد قال أبو حاتم لما سئل عن حرمي بن عمارة: ليس هو في عِداد يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وغندر، هو مع عبد الصمد بن عبد الوارث، ووهب بن جرير وأمثالهما الجرح والتعديل 3/307. فهو صريح في تأخر طبقة وهب عند أبي حاتم.(2/820)
فإن رد الإمام أحمد على عبد الله بن دينار لم يكن لمجرد تفرده به عن ابن عمر، بل لأنه إضافة إلى تفرده قد خُولف عن ابن عمر من قبل نافع مولاه كما تقدم.
ومن أمثلته أيضاً:
قال أبو بكر الأثرم: "قلت لأبي عبد الله: حديث السهو حديث ابن عمر يرويه أحد غير أبي أسامة؟ فقال: أبو أسامة وحده، وكأنه ضعفه. قال أبو عبد الله: زعموا أن يحيى بن سعيد قال: إنما هو عبيد الله، عن نافع مرسل" 1.
والمقصود بحديث ابن عمر في السهو هو ما رواه أبو أسامة حماد بن أسامة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فسلم في الركعتين، فقال له ذو اليدين: أقُصرت الصلاة أم نَسيت؟ فقال: "ما قُصرت الصلاةُ وما نَسيتُ"، فقال: "أكما يقول ذو اليدين"؟ فقام فصلى ثم سجد سجدتين. أخرجه أبو داود2، وابن ماجه3، وابن أبي شيبة4، وابن خزيمة5، والطحاوي6، والبيهقي7 من طرق عن أبي أسامة به.
وقد نصّ الإمام أحمد في جوابه على هذا السؤال بأن أبا أسامة تفرد بهذا الحديث عن عبيد الله بن عمر، عن نافع. وأبو أسامة كان ثبتاً صحيح الكتاب عند الإمام أحمد8. وقال أيضاً: كان أبو أسامة ضابطاً للحديث كيّساً9 وقال
ـــــــ
1تنقيح التحقيق 1/438.
2سنن أبي داود 1/618 ح1017.
3سنن ابن ماجه 1/383 ح1213.
4المصنف 1/393 ح4514.
5صحيح ابن خزيمة 2/117 ح1034.
6شرح مشكل الآثار 1/444.
7السنن الكبرى 2/359.
8العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/390 رقم772.
9المصدر نفسه 3/464 رقم5981.(2/821)
أيضاً: كان ثبتاً، ما كان أثبته، لا يكاد يخطئ1.
فتفرد مثل أبي أسامة مقبول على أصل الإمام أحمد، وإنما مال إلى تضعيفه لما قيل أن يحيى القطان خالفه، فروى الحديث عن عبيد الله، عن نافع مرسلاً، فمن أجل هذه المخالفة ردّ تفرد الثقة الثبت أبي أسامة في روايته لهذا الحديث.
وقد تابعه عبد الله العمري، فرواه بمثل روايته مختصراً. أخرجه ابن عدي من طريق عبد الله بن وهب عنه2، والعمري وإن تكلم فيه من ناحية حفظه، فهو ممن يعتبر به، فلا يبعد أن تكون رواية أبي أسامة محفوظة، والله أعلم3.
لكن هناك قرينة أخرى جعلت الإمام أحمد ينكر رواية أبي أسامة، وهي كون رواية يحيى القطان للحديث عن عبيد الله مرسلا كانت نقلا من كتاب عبيد الله، وهذا أضبط وأتقن ما يكون في صحة الرواية.
قال المرُّوذي في حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر في مثل قصة ذي اليدين، فقال: "كان يقول ـ يعني أبا أسامة ـ عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، ثم يقول: عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر مثله. وقال: قال يحيى بن سعيد: إنما هو في كتاب عبيدالله مرسل، وما ينبغي إلا كما قال يحيى، وأنكره" 4.
ومن صوَر خروج الإمام أحمد عن أصله في هذا الباب قبوله لتفرد من لم يبلغ منزلة المبرّز المشتهر بالحفظ، وإن كان يشمله وصف الثقة، وذلك حيث كانت هناك قرينة دلت على مزيد الثقة بصحة ما روى، كأن تكون روايته
ـــــــ
1الجرح والتعديل 3/133.
2الكامل في ضعفاء الرجال 4/1520.
3أما البيهقي فقبل روايته بدون متابعة. قال: تفرد به أبو أسامة، وهو من الأثبات السنن الكبرى 2/359.
4العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص147-148 رقم262.(2/822)
للحديث الذي تفرد به كانت منقولة من كتاب، مثال ذلك:
قال أبو إسماعيل الترمذي1: "حدثنا الحسن بن سوار أبو العلاء الثقة الرضى، وقلت له: الحديث الذي حدثتنا: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت... أعِده عليّ، وكان قد حدثني به قبل هذه المدة بسنتين، قال: نعم: حدثنا عِكرمة بن عمّار اليمامي، عن ضمضم بن جَوْش، عن عبد الله بن حنظلة بن الراهب قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على ناقة، لا ضرْبَ ولا طرْدَ ولا إليك إليك". قال أبو إسماعيل: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: هذا الشيخ ثقة ثقة، والحديث غريب، ثم أطرق ساعة وقال: أكتبوه من كتاب؟ قلنا: نعم" 2.
فالإمام أحمد لم ينكر هذا الحديث، وإنما وصفه بالغرابة، ووجه الغرابة أن الحديث بهذا اللفظ فيه تفرد مطلق، لا يروى إلا من حديث عبد الله بن حنظلة.
قال ابن عدي: الحديث بهذا الإسناد لم يحدث به عن عكرمة بن عمار غير الحسن بن سوار3. وقال العقيلي: ولا يُتابع الحسن بن سوار على هذا الحديث4.
وقد روى قُدامة بن عبد الله "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر، على ناقة له صهباء، لا ضرْبَ ولا طرْدَ ولا إليك
ـــــــ
1هو محمد بن إسماعيل بن يوسف، أبو إسماعيل الترمذي. قال الخلال: كان عنده عن أبي عبد الله مسائل صالحة حسان. وفيها ما أغرب به على أصحاب أبي عبد الله، وهو رجل معروف ثقة كثير العلم يتفقه.ا.هـ ووثقه النسائي، والدراقطني. وقال ابن أبي حاتم: تكلموا فيه. وقال الذهبي: انبرم الحال على توثيقه وإمامته. توفي سنة 280هـ. طبقات الحنابلة 1/279، سير أعلام النبلاء 13/243.
2تاريخ بغداد 7/318-319، رواه الخطيب من طريق عثمان بن أحمد الدقاق، عن أبي إسماعيل الترمذي.
3الكامل في ضعفاء الرجال 5/1913.
4الضعفاء للعقيلي 1/247.(2/823)
إليك]1 رواه أكثر من خسمة عشر نفساً عن أيمن بن نابل، عن قدامة.
هكذا رواه قُدامة بن عبد الله بذكر رمي جمرة العقبة، وليس الطواف. قال الذهبي عن حديث عبد الله بن حنظلة: المحفوظ حديث أيمن، عن قدامة... فذكره2.
وراوي هذا الحديث الحسن بن سوار قال فيه الإمام أحمد: ثقة ثقة، فهذا يجعله في درجة عالية من الثقة، لكن ليس بمبرَّز بالحفظ والإتقان. وقد روى حنبل بن إسحاق عن أحمد أنه قال فيه: كان شيخاً من أهل خراسان قدِم علينا ليس به بأس3. وقال صالح بن محمد: يقولون إنه صدوق، ولا أدري كيف هو4. فهذا كله يدل على أنه لم يكن مشهوراً بالحفظ، فلم تكن حالته حالة من يقبل الإمام أحمد مطلق تفرده.
ومع هذا لم يصف الإمام أحمد حديثه هذا بالنكارة، بل ذكر ما يشعر بقبوله منه، وهو سؤاله: هل كتبوه من كتاب؟ فإن فائدة هذا السؤال أن الحديث إذا كان مع غرابته مأخوذاً من كتاب إنسان ثقة فإن ذلك يدل على مزيد الثقة بما حدث به، وأن الحديث محفوظ، لأن الرجل مهما بلغ في الحفظ فالكتاب أحفظ منه، ولو لم يكن هذا الاستدلال هو المقصود لما كان لسؤاله أية فائدة.
ـــــــ
1أخرجه الترمذي الجامع 3/247 ح903، والنسائي السنن 5/270 ح3061، وابن ماجه السنن 2/1009 ح3035، والطيالسي ص190 ح 1338، وأحمد المسند 24/136 ح15410-15415، والدارمي السنن 2/62، وابن أبي شيبة المصنف 3/288 ح13745، وابن أبي عاصم 3/168 ح1499، وعبد بن حميد المنتخب من مسنده ص140 ح357، والطبراني المعجم الكبير 19/38 ح77-79، والحاكم المستدرك 1/466، 4/507، والبيهقي السنن الكبرى 5/101.
2ميزان الاعتدال ترجمة 1857.
3تاريخ بغداد 7/319.
4الموضع نفسه.(2/824)
وأما العقيلي فذكر رواية أبي إسماعيل الترمذي هذه من طريق محمد بن موسى النهرتيري مختصراً فقال عن أحمد: أما الشيخ فثقة، وأما الحديث فمنكر1، واعتمده الذهبي فذكر أن هذا الحديث مما أُنكر على الحسن بن سوار2 تبعاً للعقيلي.
ويؤيد ذلك ما ذكره الترمذي3: "سألت محمداً عن حديث الحسن بن سوار، عن عكرمة بن عمار، عن ضمضم بن جوس4، عن عبد الله بن حنظلة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على ناقة5، فقال محمد: رأيت أبا قدامة يعرض هذا الحديث على علي بن عبد الله فدفعه علي ـ يعني أنكره، وقال محمد: وقد كتب به الحسن بن سوار إلي، وكأن محمداً لم يعرف هذا الحديث". فذكر إنكار علي ابن المديني للحديث.
وعندي أن رواية الخطيب أصح من رواية العقيلي، لأن الخطيب روى القصة كاملة وذكر ما يشعر بعدم إنكار الإمام أحمد لرواية الحسن بن سوار، بينما اختصرها العقيلي، وحمل الغرابة المذكورة على النكارة.
وقد روى حديث عبد الله بن حنظلة بن الراهب ابن قانع6، والخطيب7.
ـــــــ
1الضعفاء للعقيلي الموضع نفسه.
2ميزان الاعتدال الموضع نفسه.
هذا ولم يترجم ابن عدي للحسن بن سوار.
3علل الترمذي الكبير 1/384-385.
4وقع في الأصل: بن موسى، وذكر المصنف أنه ألحقه من مصادر تخريج الحديث الموضع نفسه.
5هكذا وقع هنا بذكر رمي الجمرة، والصواب هو الطواف. وقد ذكر محقق العلل الكبير أن السيوطي عزاه في الجامع الكبير باللفظ المذكور إلى ابن منده، ولعل إنكار ابن المديني راجع إلى هذا اللفظ، والله أعلم.
6معجم الصحابة 2/90.
7تاريخ بغداد 4/140.(2/825)
ورواه البزار1 لكن قال: عن العلاء بن سنان، عن عكرمة بن عمار مكان أبي العلاء الحسن بن سوار، وأخاف أن يكون تصحيفاً من أبي العلاء بن سوار، والله أعلم.
والشاهد أن الإمام أحمد اعتد بتفرد الثقة الذي لم يكن مبرّزاً بالحفظ لكون روايته للحديث الذي تفرد به كانت من كتاب، والعلم عند الله.
ـــــــ
1مسند البزار 8/308 ح3379، وانظر: كشف الأستار 2/21 ح1109.(2/826)
المطلب الرابع: موقف الإمام أحمد من زيادات الثقات
...
المطلب الرابع: موقف الإمام أحمد من زيادات الثقات.
وهذا نوع آخر من التفرد، وهو أن يكون الحديث مشهوراً في نفسه، لكن يزيد بعض الرواة الثقات في متنه زيادة تستغرب، فهذا أيضاً حكمه مثل حكم تفرد الثقات بالحديث من أصله، فتُقبل من حافظ يعتمد على حفظه، وتُردّ إن كان ممن لا يعتمد على حفظه، ومن أمثلة ذلك عند الإمام أحمد:
1. قال أبو داود: "سمعت أحمد ذكر مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن الذين جمعوا الحج والعمرة طافوا طوافاً وحداً: لم يروه إلا مالك، ومالك ثقة" 1.
رواية مالك تضمنت زيادة في حديث عائشة كما رواه الزهري، عن عروة، عن عائشة، وهي قولها: [فأما الذين جمعوا الحج والعمرة فطافوا طوافاً واحداً]2، لم يذكرها غيره ممن روى الحديث عن الزهري3.
وقد أشار الإمام أحمد في هذه الرواية إلى قبولها، حيث قال: ومالك ثقة، أي فيقبل منه مثل هذه الزيادة، لا سيما وهو من أثبت الناس عن شيخه الزهري4.
ومما يدل على قبول الإمام أحمد لهذه الزيادة أن ظاهر مذهبه أن القارن
ـــــــ
1مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص431 رقم1995.
2أخرجه من طريق مالك البخاري صحيح البخاري ح1491، ح1557، ح4134 مع فتح الباري، ومسلم صحيح مسلم 2/870 ح1211. وانفرد يحيى الليثي من بين أصحاب مالك فرواه عن مالك من هذا الطريق ومن طريق عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة الموطأ 1/410 ح924، وانظر: التمهيد 19/263.
3أشار إلى ذلك أيضاً ابن عبد البر التمهيد 8/231. وممن رواه عن الزهري ولم يذكرها: عقيل بن أبي خالد، ومعمر، وابن عيينة، وأحاديثهم كلهم عند مسلم 2/870-871.
4شرح علل الترمذي 2/671.(2/827)
ليس عليه إلا سعي واحد1.
2. قال أبو داود: "سمعت أحمد يقول: روى مالك، عن نافع أشياء لم يروها غيرُه: ابن عمر ألحق ولد الملاعنة بأمه، يعني حديث نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه ألحق ولد الملاعَنة بأمه" 2.
وردت هذه الزيادة في رواية مالك لحديث نافع، عن ابن عمر "أن رجلاً لاعَنَ امرأتَه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها، ففرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وألحق الولد بالمرأة"3.
فذكر أحمد أن هذه الزيادة لم يروها عن نافع غيرُ مالك. وممن ذكر أن الإمام مالك تفرد بهذه الزيادة أبو داود4، والدارقطني5 وقال ابن عبد البر: وقد زعم قوم أن مالكاً انفرد في حديثه هذا بقوله فيه: "وألحق الولد بالمرأة، أو ألحق الولد بأمه"6.
وتوضيح ذلك أن الحديث رواه عبيد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر قال: "لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجل من الأنصار وامرأته وفرّق بينهما"7 فلم يذكر الزيادة التي ذكرها مالك. وكذلك رواه جويرية عن نافع،
ـــــــ
1انظر: تهذيب السنن لابن القيم 5/243.
2مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص428 رقم1987.
3الموطأ ـ برواية يحيى الليثي 2/567.
4سنن أبي داود 2/694.
5انظر: فتح الباري 9/460.
6التمهيد 15/20.
7أخرجه البخاري من حديث أنس بن عياض، عن عبيد الله صحيح البخاري9/458 ح5313 - مع فتح الباري، ومن حديث القطان عن عبيد الله ح5314، وهذا لفظه، وأخرجه من طريقه أيضاً مسلم صحيح مسلم 2/1133، ومن طريق أبي أسامة، وابن نمير كلاهما عن عبيد الله الموضع نفسه.(2/828)
عن ابن عمر بدون هذه الزيادة1.
وقال ابن عبد البر: "هكذا رواه كل من رواه عن نافع، ذكروا فيه اللعان والفرقة، ولم يذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحق الولد بالمرأة، وقاله مالك، عن نافع كما رأيت، وحسبك بمالك حفظاً وإتقاناً... " 2.
وليس في كلام الإمام أحمد إشارة إلى استنكار هذه الزيادة التي ذكرها مالك، ولم ينقل عنه القول بخلاف مقتضاها، بل ورد عنه ما يدل على القول بموجبها، فروى صالح3 عن أحمد أنه قال: "بين كل زوجين لعان، لأنه ينفي عنه الولد إذا لاعنها نفى عنه ولدها"، فذكر أن اللعان ينفي عنه الولد، وهو مفهوم قوله في حديث مالك: "وألحق الولد بأمه".
ثم إن مالكاً لم ينفرد بها، فقد وردت مثلها في رواية القاسم بن يحيى الهلالي4، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر "أن رجلاً رمى امرأته فانتفى من ولدها في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا كما قال الله، ثم قضى بالولد للمرأة، وفرّق بين المتلاعنين"، أخرجها البخاري5. فذكر أنه قضى بالولد للمرأة، فهي متابعة قوية لمالك إن كان القاسم بن يحيى حفظه عن عبيد الله، فقد خالف أربعة من الحفاظ عن عبيد الله لم يذكروها ـ وهم يحيى القطان، وأبو أسامة، وعبد الله بن نمير، وأنس بن عِياض، وقد تقدم ذكر مواضع حديثهم.
ـــــــ
1أخرجه البخاري صحيح البخاري 9/444 ح5306.
2الموضع نفسه.
3مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابنه صالح 3/58 رقم1334.
4انفرد البخاري بالرواية عنه من بين أصحاب الكتب الستة. وثقه الدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات 7/336 وقال: مستقيم الحديث. هكذا ذكر الحافظ وليس في نسخة الثقات التي بأيدينا تهذيب التهذيب 6/341. وكذلك وثقه ابن حجر 5539.
5صحيح البخاري 8/451 ح4748.(2/829)
ووقعت هذه الزايادة أيضاً في حديث فُليح عن نافع، أخرجه الإمام أحمد1 عن سريج بن يونس عن فليح به، ولفظه: "أن رجلاً لاعن امرأته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها، ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، وألحق الولد بالمرأة". وفُليح هو ابن سليمان بن أبي المغيرة الأسلمي المدني، قال عنه ابن معين: ليس بقوي، ولا يحتج بحديثه، وهو دون الدراوردي والدراوردي أثبت منه. وكذلك قال أبو حاتم، والنسائي: ليس بالقوي2. وقال ابن عدي: " له أحاديث صالحة، يروي عن نافع، عن ابن عمر نسخة... ويروي عن سائر الشيوخ من أهل المدينة أحاديث مستقيمة، وقد اعتمده البخاري في صحاحه، روى عنه الكثير... وهو عندي لا بأس به" 3.
وأما أبو داود فاحتج لصحة هذه الزيادة بورودها في حديث يونس، عن الزهري، عن سهل بن سعد في حديثه في اللعان، وفيه: "وأنكر حملها، فكان ابنها يدعى إليها"4 وذكر ابن عبد البر أن مثلها وقعت في رواية الأوزاعي، عن الزهري، عن سهل بن سعد فقال فيها: "فكان الولد لأمه"5.
ولم يتردد أصحاب الكتب الستة من إخراج هذا الحديث بالزيادة التي رواها مالك، مما يدل على صحتها عندهم.
3. قال صالح بن أحمد بن حنبل: وقال أبي: الجُمحي روى حديثين عن عبيد الله بن عمر، حديث منهما في صدقة الفطر، وقد أنكر على مالك هذا
ـــــــ
1المسند 10/263 ح6098.
2تهذيب الكمال 23/320-321.
3الكامل في ضعفاء الرجال 6/2056.
4سنن أبي داود 2/694.
5التمهيد 15/21.(2/830)
الحديث، ومالك إذا انفرد بحديث فهو ثقة، وما قال أحد ممن قال بالرأي أثبت منه في الحديث" 1.
أشار الإمام أحمد في هذه المسألة إلى رواية مالك لحديث نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس، صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، على كل حرٍّ أو عبدٍ ذكرٍ أو أُنثى من المسلمين2.
فقوله: "من المسلمين" زيادة انفرد مالك بذكرها في هذا الحديث، إذ لم يذكرها غير واحد ممن روى الحديث عن نافع، ومنهم أيوب السختياني3، وعبيد الله ابن عمر4، والليث بن سعد5، وسليمان بن موسى6، وعقيل بن أبي خالد7.
وموقف الإمام أحمد من تفرد الإمام مالك بهذه الزيادة أن مالكاً يقبل تفرده، وعلل ذلك بزيادته في التثبت على غيره.
وهناك رواية ثانية تدل على توقف الإمام أحمد في هذه الزيادة حتى توبع مالك فيها، فروى أبو داود قال: "سمعت أحمد يقول: كنتُ أتهيَّب حديث مالك ـ يعني حديث نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة رمضان على كلِّ حُرٍّ وعبدٍ وذكرٍ وأنثى من المسلمين، يعني أتهيب قوله: من المسلمين، فحدثنا
ـــــــ
1مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابنه صالح 2/459 رقم1162.
2الموطأ 1/284. وأخرجه البخاري 3/369 ح1504، ومسلم 2/677 ح98412.
3حديثه عند البخاري 3/375 ح1511 من طريق ابن علية عنه، وعند مسلم 2/677 ح68414 من طريق يزيد بن زريع عنه. وأخرجه غيرهما من طرق آخرى عن أيوب.
4حديثه عند البخاري 3/377 ح1512 من طريق يحيى القطان عنه، وعند مسلم الموضع نفسه ح13 من طريق أبي أسامة وعبد الله بن نمير عنه. وأخرجه غيرهما من طرق آخرى عن عبيد الله.
5حديثه عند البخاري 3/371 ح1507، ومسلم 2/678 ح15.
6وحديثه عند الدارقطني السنن 2/145.
7وحديثه عند ابن خزيمة صحيح ابن خزيمة 4/85 ح2404.(2/831)
أبو النضر، عن سعيد الجُمحي، عن عبيد الله قال فيه: من المسلمين، والعُمري يقول: من المسلمين" 1.
وقريب منها الرواية التي ذكرها ابن رجب2 عن أحمد أنه قال: "كنت أتهيب حديث مالك: "من المسلمين" يعني حتى وجده من حديث العمريين، قيل له: أمحفوظ هو عندك "من المسلمين"؟ قال: نعم".
قال ابن رجب: وهذه الرواية تدل على توقفه في زيادة واحد من الثقات ولو كان مثل مالك حتى يتابع على تلك الزيادة، وتدل على أن متابعة مثل العمري لمالك مما يقوي رواية مالك ويزيل عن حديثه الشذوذ والإنكار.ا.هـ3.
وذكر أحمد اثنين ممن تابع مالكاً على ذكر هذه الزيادة، وقد وردت من طريق عدد من الرواة عن نافع، منهم: عمر بن نافع العدوي مولاهم4، وحديثه عند البخاري5، وابن حبان6؛ والضحاك بن عثمان7، وحديثه عند مسلم8، وابن خزيمة9، وابن حبان10؛ وكثير بن فرقَد11، وحديثه عند
ـــــــ
1مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص431 رقم1993.
2شرح علل الترمذي 2/632.
3الموضع نفسه.
4قال أحمد هو من أوثق ولد نافع. ووثقه النسائي وغيره تهذيب الكمال 21/513.
5صحيح البخاري 3/367 ح1503- مع فتح الباري.
6الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 8/96 ح3303.
7وثقه أحمد، وابن معين، وأبو داود. وقال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به وهو صدوق. وقال ابن حجر: صدوق يهم تهذيب الكمال 13/273-274، تقريب التهذيب 2989.
8صحيح مسلم 2/678 ح16.
9صحيح ابن خزيمة 4/83 ح2398.
10 الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 8/95 ح3302.
11 وثقه ابن معين، وقال عنه أبو حاتم: صالح كان ثبتاً تهذيب الكمال 24/145.(2/832)
الدارقطني1، والبيهقي2؛ وعبد الله بن عمر العمري3، وقد ذكر أحمد متابعته لمالك، وحديثه عند الدارقطني4؛ ويونس بن يزيد الأيلي، وحديثه عند الطحاوي5، وابن عبد البر6؛ والمعلى بن إسماعيل7، وحديثه عند ابن حبان8، والدارقطني9؛ ومحمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، وحديثه عند الدارقطني10.
وقد رواها سعيد بن عبد الرحمن الجُمحي11، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع به. أخرجه أحمد12، والدارقطني13، والحاكم14، والبيهقي15، وخالف بقية الرواة عن عبيد الله. وقد روى الدارقطني16 من طريق الدبري، عن
ـــــــ
1سنن الدارقطني 2/140.
2 السنن الكبرى 4/162.
3 قال عنه أحمد: لين الحديث. وفي رواية: كان يزيد في الأسانيد، ويخالف، وكان رجلاً صالحاً العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص88 رقم124، تاريخ بغداد 10/20. والأكثرون على تضعيفه تهذيب الكمال 15/330-331.
4 سنن الدارقطني 2/140.
5 شرح معاني الآثار 2/44.
6 التمهيد 14/319.
7 ذكره ابن حبان في الثقات 7/493، وقال عنه أبو حاتم: ليس بحديثه بأس صالح، لم يرو عنه غير أرطأة.ا.هـ الجرح والتعديل 8/332.
8الإحسان 8/96 ح3304.
9سنن الدارقطني 2/140.
10 سنن الدراقطني 2/139.
11 قال عنه أحمد: ليس به بأس، حديثه مقارب سؤالات أبي دواد للإمام أحمد رقم232. ووثقه ابن معين وغيره. وقال يعقوب الفسوي: لين الحديث تهذيب التهذيب 4/56.
12 المسند 9/242 ح5339.
13 سنن الدارقطني 2/145.
14 المستدرك 1/410-411.
15 السنن الكبرى 4/166.
16 سنن الدراقطني 2/139.(2/833)
عبدالرزاق، عن الثوري، عن ابن أبي ليلى، وعبيد الله بن عمر كلاهما عن نافع به بذكر هذه الزيادة. قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون بعض رواته حمل لفظ ابن أبي ليلى على لفظ عبيد الله1.
ووردت أيضاً في حديث أيوب السختياني من رواية عبد الله بن شوذب2 عنه؛ أخرجه ابن خزيمة3، وخالف جمعاً من الحفاظ عن أيوب، منهم ابن علية، وحماد بن زيد، ويزيد بن زريع، وعبد الوارث بن سعيد، وسفيان بن عيينة وغيرهم. قال ابن عبد البر: المحفوظ عن أيوب فيه ليس فيه: من المسلمين4.
4. قال ابن رجب: "قال أحمد في حديث ابن فُضيل، عن الأعمش، عن عُمارة بن عُمير، عن أبي عطيّة، عن عائشة في تلبية النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيها: "والملك لا شريك لك"، قال أحمد: وهِم ابن فضيل في هذه الزيادة، ولا تُعرف هذه عن عائشة، إنما تُعرف عن ابن عمر، وذكر أبا معاوية روى الحديث عن الأعمش بدونها" 5.
وحديث محمد بن فضيل أخرجه أحمد6 عنه، ولفظه: [قالت عائشة: إني لأعلم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُلبِّي قال: ثم سمعتها تلبِّي تقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنِّعمة لك والمُلك لا شريك لك".
ورواه أبو معاوية7، والثوري8، وعبد الله بن نُمير9، وأبو الأحوص
ـــــــ
1 فتح الباري 3/370.
2 عبد الله بن شوذب الخراساني، صدوق عابد تقريب التهذيب 3408.
3 صحيح ابن خزيمة 4/87 ح2411.
4التمهيد 14/313.
5شرح علل الترمذي 2/632-633.
6المسند 40/44 ح24040.
7أخرجه حديثه أحمد المسند 42/89 ح25918، ومسدد في مسنده تغليق التعليق 3/54، والجوزقي في مستخرجه تعليق التعليق الموضع نفسه.
8أخرجه حديثه البخاري فتح الباري 3/408 ح1550، وأحمد المسند 49/209 ح25480.
9أخرج حديثه أحمد 43/98 ح25935، وابن أبي شيبة المصنف 13/204 ح13465، وأبو يعلى المسند 8/131ح4671.(2/834)
سلاّم ابن سُليم1، وأبو خالد الأحمر2 فكلهم ذكروا في حديثهم التلبية إلى قولها: "إن الحمد والنعمة لك". وكذلك رواه شعبة، عن الأعمش، لكن خالف في الإسناد، فقال: عن الأعمش، عن خيثمة، عن أبي عطية، عن عائشة3 وعلقه البخاري4، وصنيعه يدل على أن الطريقين محفوظان5. ورجح أبو حاتم رواية الثوري ومن تبعه، وأن شعبة غلط في الإسناد6.
ولعل من أجل هذا الاختلاف أعرض بقية أصحاب الكتب الستة ما عدا البخاري عن إخراج حديث عائشة واكتفوا بإخراج حديث ابن عمر.
وهذه الزيادة إنما وردت في حديث عبد الله بن عمر، وهو عند البخاري7، ومسلم8.
وذكر ابن رجب عن الخلال أن أبا عبد الله لا يعبأ بمن خالف أبا معاوية في الأعمش إلا أن يكون الثوري، وذكر أن هذه الزيادة رواها ابن نمير وغيره أيضاً عن الأعمش.ا.هـ9.
ـــــــ
1أخرجه حديثه الطحاوي شرح معاني الآثار 2/124.
2أخرج حديثه ابن أبي شيبة الموضع نفسه.
3أخرجه أبو داود الطيالسي ص211 ح1513، وأحمد من طريق غندر 41/221 ح24690، ومن طريق روح 43/181 ح26062، وإسحاق من طريق أبي عامر مسند إسحاق بن راهويه 3/906 ح1592.
4الموضع السابق.
5قاله الحافظ ابن حجر فتح الباري 3/411.
6علل ابن أبي حاتم 1/284 ح843.
7صحيح البخاري 3/408 ح1549.
8صحيح مسلم 2/842 ح1184.
9شرح علل الترمذي 2/633.(2/835)
وقوله: هذه الزيادة رواها ابن نمير... الظاهر أن قائل ذلك هو الخلال، كأنه يشير إلى رواية ابن أبي شيبة، فقد رواه عن أبي خالد الأحمر، وابن نمير بزيادة: [والملك] فحسب1. وما زاد عن ذلك فإنما هو من تفرد محمد بن فضيل. وابن فضيل حسن الحديث عند الإمام أحمد، ووثقه ابن معين، وقال عنه أبو حاتم: شيخ. وقال أبو زرعة: صدوق من أهل العلم2. وقال الدارقطني: أرفع الرواة عن الأعمش الثوري، وأبو معاوية، ووكيع، ويحيى القطان، وابن فضيل، وقد غلط عليه في شيء.ا.هـ3. فأشار إلى أنه غلط على الأعمش بعض الشيء.
وقد حكم الإمام أحمد على هذه الزيادة بأنها وهم من ابن فضيل، حيث لم يذكرها عن الأعمش غيره، وفيهم من هو أثبت الناس في الأعمش منهم الثوري، وأبو معاوية. ثم إنه ليس له من الحفظ ما يحتمل منه تفرده بهذه الزيادة. وهناك قرينة أخرى، وهي ورود هذه اللفظة في غير حديث عائشة، مما يقوي احتمال كونه دخل عليه لفظ حديث ابن عمر في لفظ حديث عائشة.
فهنا حكم برد الزيادة لأمرين: راويها ليس له من الحفظ ما يحتمل منه تفرده برواية الزيادة، والثاني احتمال كون الراوي دخل عليه لفظ حديث آخر في حديثه.
5. قال ابن رجب: قال أحمد في رواية الميموني: "حديث أبي هريرة في الاستسعاء4 يرويه سعيد بن أبي عروبة، وأما شعبة وهمام فلم يذكراه، ولا أذهب إلى الاستسعاء" 5.
ـــــــ
1مصنف ابن أبي شيبة الموضع نفسه.
2الجرح والتعديل 8/57.
3سؤالات أبي عبد الله بن بكير وغيره لأبي الحسن الدارقطني 46-47، وانظر: شرح علل الترمذي 2/720.
4أي أتبع به وطُلب بالسعي في فكاك ما بقي من رقبته مشارق الأنوار، مادة: "س ع ى"ص225.
5شرح علل الترمذي 2/633-634.(2/836)
وقال أحمد في رواية أخرى: ليس في الاستسعاء حديث يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي هريرة يرويه ابن أبي عروبة، وأما شعبة، وهشام الدستوائي فلم يذكراه، وحدّث به معمر1 ولم يذكر فيه السعاية.ا.هـ2.
وقال المرُّوذي: ضعف أبو عبد الله حديث سعيد3.
وقال عبد الله: "قلت لأبي حديث قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير ابن نهيك، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن كان له مال عُتق في ماله، وإن لم يكن له ما استسعي العبد غير مشقوق عليه" ؟ قال أبي: هذه رواية سعيد، ولم يذكر هشام الدستوائي السعاية. قال أبي: وأذهب إلى حديث ابن عمر، وهو أقوى من هذا وأصح في المعنى" 4.
وقد اعتبر الإمام أحمد ذكر الاستسعاء زيادة زادها سعيد بن أبي عروبة في حديث قتادة، ولم يذكرها شعبة، وهشام الدستوائي، والظاهر أنه تفرد بها عند أحمد، فلم يقبلها لمخالفته من هم أكثر عدداً منه، وذلك أن أصحاب قتادة عند أحمد هم هؤلاء الثلاثة، قال عبد الله: "قال أبي: هؤلاء أصحاب قتادة الذين لا يُختلف فيهم: شعبة، وهشام، وسعيد ابن أبي عروبة" 5. وقال المرُّوذي: "سمعت أبا عبد الله يقول: أصحاب قتادة سعيد، وهشام، وشعبة، إلا أن شعبة لم يبلغ علم هؤلاء، وكان سعيد يكتب كل شيء" 6.
ـــــــ
1كذا وقع في هذه الرواية، وقد رواه الدبري عن عبد الرزاق، عن معمر بذكر السعاية مصنف عبد الرزاق 9/151 ح16717، وعلقه أبو عوانة عن معمر مستخرج أبي عوانة 3/227.
2تهذيب السنن 10/319.
3الموضع نفسه.
4مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابنه عبد الله 3/1191 رقم1644.
5العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله رقم666.
6العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص52 رقم35.(2/837)
وهذه الرواية تفيد أن سعيداً كان أكثرهم حديثاً عن قتادة1، ومع ذلك لم يقبل الإمام أحمد زيادته لمخالفته بقية أصحاب قتادة، وفيهم هشام الدستوائي. وقد جاء عن أحمد ما يدل على تقديم هشام الدستوائي على سعيد. قال أبو زرعة الدمشقي: أخبرني أحمد بن حنبل وذكر سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي أن الاختلاف عن هشام في حديث قتادة أقل منه في حديث سعيد. قال أبو زرعة: ورأيت أحمد بن حنبل لهشام أكثر تقديماً في قتادة لضبطه وقلة الاختلاف عنه.ا.هـ2.
فاجتماع هشام وشعبة على عدم ذكر الزيادة التي تفرد سعيد بذكرها قرينة قوية لردها.
ومن القرائن لعدم قبول الإمام أحمد لهذه الزيادة أن ابن عمر روى حديث عتق الشخص نصيباً له في مملوك مشترك فلم يذكر السعاية. قال عبد الله عن أحمد: "أذهب إلى حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان له مال عُتق في ماله، وإن لم يكن له فقد عتق منه ما عُتق"، رواه مالك، وعبيد الله عن نافع، إلا أن أيوب قال: قوله: "عتق منه ما عُتق" لا أدري فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أم قول نافع" 3. فالظاهر أنه تفرد بذكرها مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن القرائن أيضاً أن الرواة اختلفوا على سعيد بن أبي عروبة في ذكر السعاية، حيث لم يذكر ذلك روح عن سعيد، قاله أبو عوانة عن أحمد4.
ومن الأدلة لردّ هذه الزيادة أن هماماً روى هذا الحديث عن قتادة فذكره
ـــــــ
1وعن يحيى القطان تصريح بذلك، فروى البيهقي من طريق علي بن المديني عنه قال: شعبة أعلم الناس بحديث قتادة، ما سمع منه وما لم يسمع، هشام أحفظ، وسعيد أكثر السنن الكبرى 10/282.
2تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/451-452 رقم1136، 1137.
3مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابنه عبد الله 3/1191 رقم1644.
4الموضع نفسه. وكذلك قاله أبو داود السنن 4/255.(2/838)
مرة بدون هذه الزيادة1، وذكره مرة بالزيادة لكن جعلها من قول قتادة لم يرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم 2، فدلّ على أنها مدرجة. وهمام في قتادة مثل سعيد بن أبي عروبة كما قال ابن مهدي3. وعن ابن مهدي: أحاديث همام عن قتادة أصح من حديث غيره، لأنه كتبها إملاءً4.
ويؤيد هذا أن الاستسعاء معروف من فُتيا قتادة، رواه الأوزاعي عن قتادة5 في عبد بين ثلاثة نفرٍ، كاتَب أحدُهم، ثم أعتق الآخر، وأمسك الثالثُ. قال ذكر عن قتادة أنه قال: لهذا الذي أمسك نصيبَه على المُعتِق إن كان ذا يسار عن حظه، وإن لم يكن له مال استسعى المملوك في الثلث من قيمته، والولاء بين المُعتِق والمكاتب: للمعتق الثلثان، وللمكاتب الثلث.
وقد وافق الإمام أحمد على رد هذه الزيادة شيخه سليمان بن حرب فيما نقله عنه الأثرم قال: طعن سليمان بن حرب في هذا الحديث، وضعفه6 وردها الشافعي وانتصر البيهقي لقوله من عدة وجوه7.
وقال الدارقطني: "وافق شعبةَ هشامُ الستوائي فلم يذكر الاستسعاء، وشعبة وهشام أحفظ من رواه عن قتادة، ورواه همام فجعل الاستسعاء من قول
ـــــــ
1وهي رواية محمد بن كثير عنه سنن أبي داود 4/252 ح3934، وعفان المسند 14/235 ح8565، وكذلك أبو الوليد الطيالسي مستخرج أبي عوانة 3/227.
2وهي رواية عبد الله بن يزيد المقرئ عنه. أخرجها الدارقطني السنن 4/127، والخطيب الفصل للوصل المدرج 1/358-359، والبيهقي السنن الكبرى 10/282.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله رقم279.
4قاله البيهقي عنه السنن الكبرى 10/282.
5السنن الكبرى 10/283.
6نقله عنه ابن القيم تهذيب السنن 10/319.
7السنن الكبرى 10/281.(2/839)
قتادة، وفصله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه ابن أبي عروبة، وجرير بن حازم، عن قتادة فجعل الاستسعاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسبهما وهِما فيه لمخالفة شعبة، وهشام، وهمّام إياهما" 1.
وخالف الإمام أحمد في هذا الحكم جماعة من النقاد منهم صاحبا الصحيحين، فأخرجا هذه الزيادة، قال الترمذي: "سألت محمداً عن هذا الحديث ـ يعني حديث السعاية ـ فقلت: أي الروايتين أصح؟ فقال: الحديثان جميعاً صحيحان، والمعنى فيه قائم، وذكر فيه عامتهم عن قتادة السعاية، إلا شعبة، وكأنه قوّى حديث سعيد بن أبي عروبة في أمره بالسعاية" 2.
وحجتهم في ذلك أن سعيد بن أبي عروبة لم ينفرد بذكر السعاية في هذا الحديث، فقد ذكر الإمام البخاري أربعة تابعوه عن قتادة، وهم: جرير بن حازم3، حجاج بن حجاج4، وأبان بن يزيد العطار5، وموسى بن خلف6. وكذلك تابعه يحيى بن صبيح الخراساني7، وحجاج بن أرطأة8.
ومع كثرة عدد هؤلاء هناك قرينة أخرى أشار إليها البخاري، وهي قوله:
ـــــــ
1السنن 4/125-126.
2علل الترمذي الكبير 1/547-548.
3وذكر البخاري حديثه قبل حديث سعيد 5/156 ح2526، وأخرجه أيضاً مسلم 2/1141 ح1503 3.
4ذكر الحافظ أن ذلك في نسخته عن قتادة من رواية أحمد بن حفص، عن أبيه، عن إبراهيم بن طهمان، عن حجاج وفيها ذكر السعاية فتح الباري 5/157. ولم أقف على هذه الرواية.
5وحديثه عند أبي داود 4/254 ح3937، والنسائي الكبرى 3/185 ح4965.
6وحديثه عند الخطيب في الفصل للوصل المدرج 1/355.
7وحديثه عند الحميدي عن سفيان عنه مقرونا بسعيد بن أبي عروبة مسند الحميدي 2/467 ح1093.
8حديثه عند الطجاوي في شرح معاني الآثار 3/107، وأحال بلفظه على لفظ حديث سعيد.(2/840)
اختصره شعبة1، يشير إلى أنه لا منافاة بين رواية شعبة ورواية من ذكر الزيادة لأنه اقتصر من الحديث على بعضه، وكذلك يقال في رواية هشام.
وانتصر لقول هؤلاء الأئمة ابن دقيق العيد2، وابن تيمية3، وابن القيم4، وابن حجر5، والعلم عند الله.
ومن أمثلة ما قبِله من زيادة الثقات لورودها من طريق عدد من الرواة:
قال ابن رجب في شرح حديث البخاري: "حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا همام، عن يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظُّهر في الأولييْن بأم الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأُخريين بأم الكتاب، ويُسمعنا الآية، ويطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الركعة الثانية، وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح".
قال: "قد خرّخ البخاري هذا الحديث فيما سبق من رواية شيبان، وهشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، وليس في حديثهما: ويقرأ في الركعتين الأخريين بأم الكتاب. وخرّجه ههنا من طريق همام عن يحيى بهذه الزيادة. وخرجها مسلم في "صحيحه" من رواية همام، وأبان العطار كلاهما عن يحيى بن أبي كثير. وقد سأل الأثرم الإمام أحمد عن هذه الزيادة: أثبتٌ هي؟ قال: رواه عِدةٌ، ورواها بعضهم عن الأوزاعي. فقال له الأثرم: هشام لا يقولها؟ قال: نعم، هشام لا يقولها" 6.
ـــــــ
1صحيح البخاري 3/156 مع فتح الباري.
2ذكر ذلك ابن حجر 3/158.
3ذكره ابن عبد الهادي عنه في تنقيح التحقيق 3/557.
4تهذيب السنن 10/320.
5فتح الباري الموضع نفسه.
6فتح الباري لابن رجب 4/476.(2/841)
فاحتج الإمام أحمد لثبوت الزيادة برواية عدد من الرواة لها، وذكر منهم رواية بعض تلاميذ الأوزاعي لها.
والذين ذكروا هذه الزيادة هم: همام كما تقدم في رواية البخاري، وكذلك أبان ابن يزيد العطار1، وذكرها أيضاً مخلد بن يزيد عن الأوزاعي2، ولم يذكرها بقية الرواة عن الأوزاعي منهم الوليد بن مسلم، وبشر بن بكر3، ومحمد بن يوسف4، وإسماعيل بن أبي سماعة5، وأبو المغيرة6، وأبو عاصم7.
والذين لم يذكروا الزيادة عن يحيى بن أبي كثير هم: هشام الدستوائي8 كما أشار إليه الأثرم ووافقه أحمد، وهشام أثبت الناس حديثاً عن
يحيى ابن أبي كثير9؛ وشيبان النحوي10، ومعمر11، وحجاج الصواف12،
ـــــــ
1أخرجه مسلم من حديثه مقروناً بهمام صحيح مسلم 1/333 ح155، وكذلك أبو داود السنن 1/504 ح799، وابن خزيمة 1/253 ح503. وأخرجه من حديث أبان وحده النسائي السنن 2/165 ح976، وأحمد المسند 37/255 ح22563.
2أخرج حديثه أحمد المسند 37/284 ح22595، وابن الجارود المنتقى 1/177 ح187.
3حديثهما عند ابن خزيمة صحيح ابن خزيمة 1/255 ح507.
4وحديثه عند البخاري صحيح البخاري 2/261 ح778 - مع فتح الباري.
5حديثه عند النسائي السنن 2/164 ح974.
6وحديثه عند الدارمي سنن الدارمي 1/296.
7وحديثه عند أحمد المسند 37/285 ح22597.
8وحديثه عند البخاري 2/246 ح762، 2/261 ح779، والنسائي السنن 2/165 ح975، وأبو داود السنن 1/503 ح798، وابن ماجه السنن 1/271 ح829.
9انظر: شرح علل الترمذي 2/677.
10 وحديثه عند البخاري 2/243 ح759.
11 وحديثه عند أبي داود السنن 1/504 ح800، وابن خزيمة 3/36 ح580.
12 وحديثه عند مسلم صحيح مسلم 1/331 ح154، وأبي داود 1/503 ح798، والنسائي السنن 2/166 ح977، وابن ماجه 1/268 ح819، وأحمد المسند 37/228 ح22539.(2/842)
وعلي ابن المبارك1، وحرب بن شدّاد2.
ومع كون الذين لم يذكروها أكثر عدداً من الذين ذكروها، وفيهم أثبت الناس عن يحيى بن أبي كثير قبلها الإمام أحمد لرواية عدد من الرواة لها، مما يدل على أنها محفوظة. ولذلك لم يتردد صاحبا الصحيح وغيرُهما من إخراج هذه الزيادة.
ما ردّه من الزيادة لقرينة تدل على أن من لم يذكرها كان أكثر ضبطاً لروايته:
قال عبد الله: "قلت لأبي: حديث عاصم بن كُليب، حديث عبد الله؟ قال: حدثناه وكيع في الجماعة قال: حدثنا سفيان عن عاصم بن كُليب، عن عبدالرحمن بن الأسود، عن علقمة، قال: قال ابن مسعود: ألا أُصلّي بكم صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة. حدثني أبي قال: حدثناه وكيع مرة أخرى بإسناده سواء فقال: قال عبد الله: أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فرفع يديه في أول. حدثني أبي قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الضرير قال: كان وكيع ربما قال يعني ثم لا يعود. قال أبي: كان وكيع يقول هذا من قِبَل نفسه، يعني ثم لا يعود. قال أبي: وقال الأشجعي: فرفع يديه في أول شيء... قال أبي: حديث عاصم بن كليب، رواه ابن إدريس فلم يقل: "ثم لا يعود". حدثني أبي: قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: أملاه علي عبد الله بن إدريس من كتابه عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود قال: حدثنا علقمة، عن عبد الله قال: علّمَناَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، فكبّر ورفع يديه ثم ركع، وطبّق يديه وجعلهما بين ركبتيه، فبلغ سعداً فقال: صدق أخي قد كنا نفعل ذلك ثم أُمرنا بهذا، وأخذ بركبتيه. حدثني عاصم بن كليب هكذا. قال أبي: هذا لفظ غير لفظ وكيع، وكيع يثبج3
ـــــــ
1وحديثه عند أحمد المسند 37/228 ح22539.
2وحديثه عند أحمد المسند 37/311 ح22628.
3ثبج الكتابَ والكلامَ تثبيجاً لم يبينه، وقيل لم يأت به على وجهه. والثبج اضطراب الكلام وتفننه لسان العرب، مادة: "ث ب ج" 2/221.(2/843)
الحديث، لأنه كان يحمل نفسه في حفظ الحديث" 1.
أشار الإمام أحمد إلى أن بعض الرواة عن وكيع رووا حديثه في رفع اليدين حديث عبد الله بن مسعود بزيادة: "ثم لا يعود"، وهو أبو عبد الرحمن بن الضرير2، فذكر الإمام أحمد أن هذه اللفظة يقولها وكيع من قبل نفسه وليست في الحديث، واحتج لردها برواية عبد الله بن إدريس للحديث، فقد روى الحديث بغير لفظ وكيع، وأشار إلى أن روايته أضبط، لأن من رواها عنه أخذها عنه إملاء من كتاب، مما يدل على مزيد ضبط الراوي.
وقد ذكر ابن المبارك هذه الزيادة عن الثوري أيضاً3، كما ذكرها
أبو حذيفة4، فدل على أن الزيادة ليست من وكيع بل من شيخه الثوري.
والألفاظ التي جاءت عن الثوري في رواية الحديث هي خمسة: "فرفع يديه أول مرة ثم لم يعد"، "فلم يرفع يديه إلا في أول مرة"5، "فلم يرفع يديه إلا مرة"6،
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/369-371 رقم709-714. وانظر: مسائل الإمام أحمد ـ برواية عبد الله 1/238-241.
2وذكرها نعيم بن حماد الخزاعي أيضاً عن وكيع شرح معاني الآثار 1/224، وكذلك يحيى الحماني فيما ذكره الدارقطني في العلل 5/173.
3أخرج هذه الرواية النسائي السنن 2/182 ح1025.
4ذكر ذلك الدراقطني العلل الموضع نفسه. وقد روى أبو داود حديث أبي أحمد الزبيري لكن لم يذكر لفظه سنن أبي داود 1/479 ح751.
5وهي رواية هناد عن وكيع، عن الثوري. أخرجها الترمذي الجامع 2/40 ح257. وأشار أبو داود إلى أن بعض الثلاثة الذين رووه عن الثوري ذكروا الحديث بهذا اللفظ، والثلاثة هم: معاوية بن هشام، وخالد بن عمرو، وأبو أحمد الزبيري سنن أبي داود، الموضع السابق.
6هذه رواية أحمد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعثمان بن أبي شيبة، ومحمود بن غيلان، وأبو خيثمة، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي كلهم عن وكيع. وأحاديثهم على اللف والنشر المرتب: مسند الإمام أحمد 6/203 ح3681، مصنف ابن أبي شيبة 1/213 ح2441، سنن أبي داود 1/477 ح748، سنن النسائي 2/195 ح1057، مسند أبي يعلى 9/203 ح5309، السنن الكبرى للبيهقي 2/78.(2/844)
"فرفع يديه مرة واحدة"1، "فرفع يديه في أول"2.
وهذه الألفظ مخالفة للفظ عبد الله بن إدريس، ومعظمها عن وكيع، وقد أشار الإمام أحمد إلى هذا، وإلى أن السبب في ذلك هو أن وكيعاً كان يحدث من حفظه، وأما رواية ابن إدريس فهي من كتاب فكانت أضبط.
وهذا أيضاً مسلك البخاري في رد الحديث على الثوري. قال في "جزء رفع اليدين في الصلاة"3: "ويُروى عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن عبدالرحمن ابن الأسود، عن علقمة قال: قال ابن مسعود: "ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فصلى ولم يرفع يديه إلا مرة". وقال أحمد بن حنبل، عن يحيى ابن آدم: نظرت في كتاب عبد الله ابن إدريس عن عاصم بن كليب ليس فيه: ثم لم يَعُد. فهذا أصح، لأن الكتاب أحفظ عند أهل العلم، لأن الرجل ربما حدّث بشيء ثم يرجع إلى الكتاب فيكون كما في الكتاب ـ ثم ساق حديث عبد الله بن إدريس بإسناده، ثم قال: وهذا المحفوظ عند أهل النظر من حديث عبد الله بن مسعود".
وقال أبو حاتم: "هذا ـ رواية فرفع يديه ثم لم يَعُد ـ خطأ، يقال: وهم فيه الثوري وروى هذا الحديث عن عاصم جماعةٌ فقالوا كلهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح فرفع يديه ثم ركع فطبق وجعلها بين ركبتيه ولم يقل أحد ما رواه الثوري" 4.
وقال أبو داود: "هذا حديث مختصر من حديث طويل، وليس هو بصحيح على هذا اللفظ" 5.
ـــــــ
1أشار أبو داود إلى أنها رواية بعض الثلاثة الذين رووا الحديث عن الثوري، وقد تقدم ذكرهم.
2هي الرواية الثانية لأحمد عن وكيع المسند 7/260 ح 4211، وذكرها في سؤال عبد الله، وهي أيضاً رواية الأشجعي عن الثوري كما ذكرها أحمد في سؤال عبد الله هذا.
3ص79-83.
4علل ابن أبي حاتم 1/96.
5سنن أبي داود 1/478.(2/845)
المطلب الخامس: موقف الإمام أحمد من تفرد الراوي الصدوق
...
المطلب الخامس: موقف الإمام أحمد من تفرد الراوي الصدوق.
الراوي الصدوق، وهو الذي خف ضبطه عن الراوي الثقة الحافظ، إذا تفرد عن شيخ حافظ كثير الحديث والتلاميذ، فتفرده في هذه الحالة يعدُ منكراً، لأن مثله ليس له من الحفظ والتثبت ما يحتمل منه مثل هذا التفرد. ومثال ذلك ما تقدم من إنكار الإمام أحمد لحديث عبد الرحمن بن إسحاق، الذي تفرد به عن الزهري في حِلف المطيّبين1، وكذلك حديث عبد الرحمن بن أبي الموال عن
ابن المنكدر في الاستخارة2.
فكلٌ من عباد بن إسحاق، وابن أبي الموال في مرتبة الصدوق عند الإمام أحمد كما تقدم، وكل واحد منهما قد تفرد عن حافظ كثير الحديث والتلاميذ، فوصف ما تفردا به بالنكارة.
ومثال آخر لما وصفه بالنكارة وهو من تفرد الراوي الصدوق:
قال حنبل: حدثني أبو عبد الله، ثنا عبد الله بن أبي شيبة، ثنا حفص بن غِياث، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطبوبى للغرباء". قيل من الغرباء؟ قال: "النزاع من القبائل". قال أبو عبد الله: هذا حديث منكر3.
هذا الحديث أخرجه الترمذي4، وابن ماجه5، وابن أبي شيبة6،
ـــــــ
1ص788.
2ص794.
3المنتخب من العلل للخلال ص57 رقم11.
4الجامع 5/18 ح2629.
5السنن 2/1320 ح3988.
6مصنف ابن أبي شيبة 7/83 ح34366.(2/846)
وأحمد1، والدارمي2، وأبو يعلى3، والشاشي4، والبزار5، والدورقي6، والطبراني7، والبيهقي8 من طرق عن حفص بن غياث به.
وهذا الحديث لا يُروى من حديث عبد الله بن مسعود إلا من حديث الأعمش، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، وتفرد به حفص بن غِياث عن الأعمش، نص على ذلك البخاري9، والترمذي10. وقال البزار: رواه عن الأعمش أبو خالد الأحمر، ويوسف بن خالد وغيرهما11. ورواية أبي خالد الأحمر أخرجها الطحاوي12، وابن عدي13. قال ابن عدي: "لا يعرف هذا الحديث إلا بحفص وبه يعرف، وحكم الناسُ بأنه حديثه عن الأعمش، حتى حدثناه الخضر بن أمية وغيره، عن مخلد بن مالك14 عن أبي خالد عن الأعمش، ولا أعلم يرويه عن أبي خالد غير مخلد بن مالك" 15، ورواه عن
ـــــــ
1المسند 6/325 ح3784.
2السنن 2/311.
3مسند أبي يعلى 8/388 ح3975.
4مسند الشاشي 2/170 ح729.
5مسند البزار 5/433 ح2069.
6مسند سعد ص164 ح 93.
7المعجم الكبير 10/99 ح10081.
8كتاب الزهد الكبير 2/117 ح206.
9 علل الترمذي الكبير 2/854.
10 الجامع الموضع نفسه.
11 مسند البزار الموضع نفسه.
12 شرح مشكل الآثار 2/170 ح688.
13 الكامل في ضعفاء الرجال 3/1130.
14 مخلد بن مالك القرشي. قال عنه أبو زرعة: لا بأس به. وقال أبو حاتم: شيخ. وذكره ابن حبان في الثقات تهذيب الكمال 27/343.
15 الموضع نفسه.(2/847)
أبي خالد محمد بن عبد العزيز الواسطي1 عند الطحاوي2. ومقتضى كلام ابن عدي وغيره أن رواية الحديث من غير طريق حفص بن غياث غير محفوظة.
وقد وصف الإمام أحمد هذا الحديث بالنكارة لتفرد حفص بن غياث به عن الأعمش من بين سائر أصحابه، وليس هو ممن يحتمل منه مثل هذا التفرد عن مثل الأعمش، فلم يكن من الثقات البارزين كما تقدم عن الإمام أحمد3، فإنه كان في حفظه شيء4، ولا كان من كبار أصحاب الأعمش كالثوري، وأبي معاوية، وشعبة.
وأما الإمام البخاري فحسن الحديث، قال: "لا أعلم أحداً روى هذا الحديث غير حفص بن غياث، وهو حديث حسن" 5، وكذلك صححه الترمذي6، والبغوي7 مع تنصيصهما على غرابته. فكلهم لم يروا في تفرد حفص به عن الأعمش أية علة.
ومتن الحديث ثابت من طرق آخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم 8.
ـــــــ
1قال أبو زرعة: ليس بالقوي: وقال أبو حاتم: كان عنده غرائب، ولم يكن عندهم بالمحمود، هو إلى الضعف ما هو الجرح والتعديل 8/8. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ربما خالف 9/81.
2الموضع السابق.
3ص793.
4انظر: شرح علل الترمذي 2/719.
5علل الترمذي الكبير 2/854.
6الجامع الموضع نفسه.
7شرح السنة 1/118.
8منها حديث أبي هريرة، وعبد الله بن عمر كلاهما عند مسلم 1/130 ح145، وسعد بن أبي وقاص عند أحمد ح1604، وأبي يعلى ح756، ومن حديث غيرهما، وهو حديث مشهور انظر: كشف الخفاء 1/333.(2/848)
وقد أنكر الإمام أحمد حديثاً آخر لحفص بن غياث تفرد به:
قال الأثرم: "قلت له ـ يعني أبا عبد الله ـ الحديث الذي يرويه حفص، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: "كنا نأكل ونحن نسعى، ونشرب ونحن قِيام" فقال: ما أدري ما ذاك كالمنكر له، ما سمعت هذا إلا من ابن أبي شيبة عن حفص. قال لي أبو عبد الله: ما سمعتَه من غير ابن أبي شيبة؟ قال: قلت له: ما أعلم أني سمعته من غيره، وما أدري رواه غيره أم لا؟ ثم سمعته أنا بعدُ من غير واحد عن حفص. قال أبو عبد الله: أما أنا فلم أسمعه إلا منه، ثم قال: إنما هو حديث يزيد بن عطارد" 1.
هذا الحديث رواه أحمد في المسند2 بالإسناد الذي ذكره هنا، ورواه أيضاً الترمذي3، وابن ماجه4، وابن حبان5 كلهم من طريق سلم بن جُنادة، عن حفص بن غياث، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر. ورواه الطحاوي6 من طريق يوسف بن عدي، عن حفص به.
وهذا الحديث تفرد به حفص عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، وقد صرح بذلك أحمد في سؤال الأثرم المروية. وقال ابن معين: لم يحدث به أحد إلا حفص7. وقال أبو زرعة: رواه حفص وحده8. وقال الترمذي: لا يُعرف عن
ـــــــ
1تاريخ بغداد 8/195.
2المسند 10/113 ح5874.
3الجامع 4/300 ح1880.
4السنن 2/1098 ح3301.
5الإحسان 12/141 ح5322.
6شرح معاني الآثار 4/273.
7تاريخ بغداد 8/195.
8تاريخ بغداد 8/196. وتحرفت العبارة في علل ابن أبي حاتم 2/10 إلى: أوله حفص وحده.(2/849)
عبيد الله إلا من وجه رواية حفص1.
وأنكره الإمام أحمد على حفص بن غياث لتفرده به عن عبيد الله، فهو ممن لا يحتمل منه مثل هذا التفرد عن عبيد الله. وذكر أن الصحيح حديث يزيد بن عطارد أبي البزري، عن ابن عمر2، أي هذا المتن يعرف بالإسناد المذكور.
وقد أشار ابن معين، وابن المديني إلى أن حفصاً سمع حديث عمران ابن حُدير، عن يزيد بن عطارد فغلط وذكر الإسناد الذي ذكره للمتن المذكور3.
وكذلك ما تقدم عن الإمام أحمد أنه وصف عدداً من الرواة أُخرج لهم في الصحيح بأنهم يروون المناكير، راجع إلى أن كل واحد منهم في مرتبة الصدوق عند الإمام أحمد، لأنه لا يخلو كل واحد منهم أن يكون في حفظه ما يجعله قاصراً عن الثقة الحافظ، فما تفرد به يكون منكراً على أصل الإمام أحمد، ومن هؤلاء الرواة بُريد بن عبد الله بن أبي بُردة4، ومحمد بن إبراهيم التيمي المنفرد برواية حديث الأعمال بالنيات5، وزيد بن أبي أنيسة6، وعمرو
ـــــــ
1علل الترمذي الكبير 2/791.
2وهذا الحديث أخرجه أئمة أهل البصرة، عن عمران بن حدير، عن أبي البزري، عن ابن عمر بلفظ حديث حفص. أخرجه أحمد المسند 8/208 ح4601، 8/385 ح4765، 8/447 ح4833، وابن أبي شيبة 5/101 ح24115، والدارمي السنن 2/120، وابن الجارود المنتقى 2/157 ح867، والطحاوي شرح معاني الآثار 4/274، وابن حبان 12/49 ح5243، وابن شاهين ناسخ الحديث ومنسوخه 1/432 ح472.
3انظر: تاريخ بغداد 8/195، 196.
4قال عنه أحمد: طلحة بن يحيى أحب إلي من بُريد بن أبي بُردة، بُريد يروي أحاديث مناكير العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/11 رقم1380.
وقد قال ابن معين في بريد: ثقة، وقال في موضع آخر: ليس به بأس. وكذلك قال النسائي فيه. وقال في موضع آخر: ليس بذاك القوي. وقال الفلاس: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن سفيان، عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة بشيء قط الكامل في ضعفاء الرجال 2/495.
5قال أحمد: في حديثه شيء، يروي أحاديث مناكير، أو منكرة المصدر السابق 1/566 رقم1355.
6قال عنه أحمد في رواية الأثرم: إن حديثه لحسن مقارب، وإن فيها لبعض النكارة، وهو على ذلك حسن الحديث الضفعاء للعقيلي 2/428.
وفي رواية المرُّوذي: سألته ـ يعني أبا عبد الله ـ عن زيد بن أبي أنيسة كيف هو؟ فحرّك يده وقال: صالح، وليس هو بذاك العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص85 رقم118.
ولم أقف على شيء مما أنكره الإمام أحمد عليه من حديثه.(2/850)
ابن الحارث1، والحسين بن واقد2، وخالد بن مخلد3، إلا محمد بن إبراهيم التيمي، فإنه ليس في كلام الأئمة ما يشعر بقصور ضبطه، فلا يبعد أن يكون الإمام أحمد شذّ بهذا القول. قال ابن عدي: "إن كان ابن حنبل أراد به محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي مديني يحدث عن أبي سلمة، فهو عندي لا بأس به، ولا أعلم له شيئاً منكراً إذا حدث عنه ثقة" 4.
ـــــــ
1قال عنه أحمد: ليس في أهل مصر أصح حديثاً من الليث، وعمرو بن الحارث يقاربه. وقال في رواية الأثرم: قد كان عمرو بن الحارث عندي، ثم رأيت له أشياء مناكير تهذيب الكمال 21/573. كأنه يشير إلى أحاديثه عن قتادة، فإنه قال: يروي عن قتادة أحاديث يضطرب فيها ويخطئ الموضع نفسه.
2قال عنه أحمد: لا بأس به، وأثنى عليه خيراً، وقال في رواية الميموني: له أشياء مناكير. في رواية عبد الله: ما أنكر حديث حُسين بن واقد وأبي المنيب عن ابن بريدة الجرح والتعديل 3/66، العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص228 رقم444، العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/301 رقم497.
وقد أنكر أحمد حديثه الذي رواه عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لوددت أن عندنا خبزة بيضاء من بر سمراء ملبقة بسمن ولبن، قال وكان ذلك عند رجل فذهب فجاء به، فقال: في أي شيء كان هذا السمن؟ قال: في عكة ضب. قال: ارفع". قال العقيلي: حدثنا أحمد بن أصرم بن خزيمة قال سمعت أحمد بن حنبل وقيل له في حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام في الملبقة فأنكره أبو عبد الله وقال: من روى هذا؟ قيل له الحسين بن واقد. فقال بيده وحرك رأسه كأنه لم يرضاه الضعفاء للعقيلي 1/270.
وذكر له الذهبي بعض ما أنكر عليه من الأحاديث ميزان الاعتدال ترجمة رقم2063.
3قال عنه أحمد: له أحاديث مناكير العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/18 رقم1403. وهو راوي حديث: من عادى لي ولياً... قال الذهبي: هذا حديث غريب جداً لولا هيبة الجامع الصحيح لعدوه من منكرات خالد بن مخلد ميزان الاعتدال ترجمة 2463.
وقد ذكر له ابن عدي عدة أحاديث أنكرت عليه الكامل في ضعفاء الرجال 3/905-907.
4الكامل في ضعفاء الرجال 6/2143.(2/851)
فإذا كانت هذه حالة حديث الصدوق إذا تفرد به من غير مخالفة لرواية غيره فحيث جاء تفرده مع المخالفة فحديثه أولى بالنكارة، ومثال ذلك:
قال ابن هانئ: "عرضت على أبي عبد الله حديث لُوين محمد بن سليمان، عن محمد بن ثابت العصري، قال: ثنا نافع، قال: انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس، فقضى حاجته وكان من حديثه يومئذ أن قال: مرّ رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد خرج من الغائط فسلّم عليه، فلم يردّ حتى كاد الرجل أن يتوارى ضرب يديه إلى الجدار، ثم مسح وجهَهُ ثم ضرب بيده على الجِدار مرة أخرى فمسح ذراعيه، ثم ردّ عليه السلام ثم قال: "إنه لم يمنعني أن أردّ عليك السلام إلا أني لم أكن طاهراً". قال لي أبو عبد الله: هذا حديث منكر، ليس هو مرفوعاً" 1.
وقال أبو داود: "سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثاً منكراً في التيّمم" 2.
حديث محمد بن ثابت العبدي رواه أبو داود3، والطحاوي4، وابن المنذر5، والدارقطني6، والطبراني7. وتفرد بذكره من هذا الوجه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وخالف بذلك الأثبات من أصحاب نافع، منهم مالك8، وأيوب9،
ـــــــ
1مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابن هانئ 1/22 رقم110.
2سنن أبي داود 1/234.
3الموضع نفسه.
4شرح معاني الآثار 1/85.
5الأوسط 2/49 ح540.
6سنن الدارقطني 1/177.
7المعجم الأوسط 8/6 ح7784.
8وحديثه في الموطأ 1/56 ح90، 91 لكن لم يذكر الضربتين وإنما ذكر التيمم إلى المرفقين.
9وحديثه عند ابن أبي شيبة المصنف 1/146 ح1673، وعبد الرزاق المصنف 1/212 ح818.(2/852)
وعبيد الله ابن عمر1، فكلهم رووه عن نافع عن ابن عمر موقوفاً عليه، وكذلك رواه معمر، عن الزهري، عن سالم عن ابن عمر2.
قال أبو داود: "لم يُتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، رووه من فعل ابن عمر" 3.
ومحمد بن ثابت لا يحتمل منه مثل هذا التفرد، أولاً لمخالفته من هو أثبت منه، وهم عدد، وثانياً لقصور منزلته في الحفظ عن الثقات الأثبات. قال أحمد في رواية أبي داود: "محمد بن ثابت العبدي ليس به بأس، لكن روى حديثاً منكراً في التيمم، لا يتابعه أحدٌ" 4، وقال في رواية المهنا: "يخطئ في حديثه" 5.
وأما سائر الأئمة فكلهم متفقون على تليينه6.
فوصف هذه الرواية التي تفرد به عن مثل نافع وخالف الأثبات من أصحابه بالنكارة أمرٌ واضح خصوصاً على منهج الإمام أحمد.
وقد ورد عن الإمام أحمد قبوله لبعض الأحاديث تفرد بها الصدوق الذي لم يبلغ منزلة الحافظ المبرز، من ذلك:
قال الخلال: "أخبرنا المرُّوذي: قال: ذكرتُ لأبي عبد الله حديثَ محمد ابن سلمة الحراني، عن أبي عبد الرحيم: حدثني زيد بن أبي أُنيسة، عن المنهال، عن أبي عبيدة، عن مسروق: ثنا عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى:
ـــــــ
1وحديثه عند ابن المنذر الأوسط 2/48 ح538، والبيهقي السنن الكبرى 1/207.
2 أخرجه عبد الرزاق المصنف 1/211 ح817، وابن المنذر الأوسط 2/48 ث 537، والدارقطني 1/182.
3 سنن أبي داود الموضع نفسه.
4سؤالات أبي دواد للإمام أحمد ص339 رقم504.
5بحر الدم رقم873.
6انظر: الكامل في ضعفاء الرجال 6/2145-2146، تهذيب الكمال 24/556.(2/853)
{فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210] من العرش إلى الكرسيّ". قال أبو عبد الله: هذا حديث غريب، لم يقع إلينا عن محمد بن سلمة، واستحسنه. وقال: قد رواه الأعمش موقوفاً، ورواه أبو يزيد الدالاني مرفوعاً. قال الخلال: وأخبرني زكريا بن يحيى: ثنا أبو طالب، أنه سأل أبا عبد الله عن هذا الحديث فجعلتُ أقرأهُ عليه فقال: ما أحسنَهُ، إنما سمعناه عن أبي عوانة، عن الأعمش مرسلاً" 1.
هذا الحديث رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل2، ومحمد بن نصر المروزي3، والطبراني4 من طريق محمد بن سلمة الحراني به مرفوعاً. ورواه المروزي5، والحاكم6 من حديث أبي يزيد الدالاني، عن المنهال بن عمرو به موقوفاً على عبدالله بن مسعود. ورواه المروزي7 من طريق الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن قيس وأبي عبيدة، عن عبد الله. وهذا مرسل، بين أبي عبيدة وأبيه، وهو حديث طويل أوله: يجمع الله الناس يوم القيامة...
وقد استحسنه الإمام أحمد مع قوله إنه غريب، وذلك أن المنهال بن عمرو قد تفرد به، وهو في مرتبة الصدوق. قال عبد الله: " سمعت أبي يقول: أبو بشر أحب إلي من المنهال بن عمرو، قلت له: أحب إليك من المنهال بن عمرو؟ قال: نعم، شديداً، أبو بشر أوثق، إلا أن المنهال أسنّ" 8.
ـــــــ
1المنتخب من العلل للخلال ص263 رقم166.
2السنة ص206 ح1133.
3تعظيم قدر الصلاة 1/303 ح280.
4المعجم الكبير 9/357 ح9763.
5المصدر نفسه 1/297 ح278.
6المستدرك 4/589.
7المصدر نفسه 1/303 ح279، 1/305 ح281.
8العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/427 رقم943.(2/854)
وقال أحمد في أبي بشر، وهو جعفر بن إياس بن أبي وحشية: ليس به بأس1.
وأما غيره من الأئمة فقد وثقوه، منهم ابن معين، والنسائي، والعجلي. وقال فيه الدارقطني: صدوق2، وأخرج له البخاري3.
ولعل وجه قبول الإمام أحمد له أن الحديث تشهد لأجزائه نصوص أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن له أصلاً، والله أعلم.
ومن أمثلة ما قبله من تفرد الراوي الصدوق، ما ذكره ابن رجب أن الإمام أحمد يقول في رواية عنه: إن نجاسة المذي نجاسة مخففة، يجزئ نضحُه بالماء كبَول الغلام الذي لم يأكل الطعام، لعموم البلوى به، ومشقة الاحتراز منه، وفيه حديث سهل بن حنيف، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما أصاب الثوب من المذي؟ فقال: "تأخذ كفاً من ماء فتنضحُ به حيث ترى أنه أصابك" 4. قال أحمد في رواية الأثرم: لا أعلم شيئاً يخالفه.ا.هـ5.
وكذلك ذكر الترمذي عن الإمام أحمد أنه قال: أرجو أن يجزئه النضح بالماء6.
فهذا يدل على أنه أخذ بهذا الحديث، وقد تفرد به ابن إسحاق. قال
ـــــــ
1المصدر نفسه 2/496 رقم3267.
2تهذيب الكمال 28/570-571.
3انظر: هدي الساري ص445-446.
4هذا الحديث أخرجه أبو داود السنن 1/144 ح210، والترمذي الجامع 1/197 ح115، وابن ماجه السنن 1/169 ح506، وأحمد المسند 25/345 ح15973، وابن خزيمة صحيح ابن خزيمة 1/147 ح291، وابن حبان الإحسان 3/387 ح1103، وعبد بن حميد المسند ص171 ح468، والطبراني المعجم الكبير 6/87 ح5593، 5594، 5595، والبيهقي السنن الكبرى 2/410.
5فتح الباري لابن رجب 1/305-306.
6الجامع 1/197.(2/855)
الترمذي: حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث ابن إسحاق.ا.هـ1.
وقال الذهبي: هذا حكم تفرد به محمد بن إسحاق2.
ومحمد بن إسحاق حسن الحديث عند الإمام أحمد3، ولم يُبلغه درجة الثقة، لأنه يخالف الناس في حديثه لقصور ضبطه. قال الأثرم: "قلت لأبي عبدالله: ما تقول في محمد بن إسحاق؟ قال: هو كثير التدليس جداً، قلت له: فإذا قال: حدثني وأخبرني فهو ثقة؟ قال: هو يقول أخبرني فيُخالِف" 4.
وقبول الإمام أحمد لهذا التفرد عن ابن إسحاق لا يهدم أصله، فإن المعروف من منهجه أنه إذا لم يكن في المسألة حديث صحيح، وكان فيها حديث ضعيف، وليس في الباب شيء يرده عمل به، قال الأثرم: "رأيت أبا عبد الله إن كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في إسناده شيء أخذ به إذا لم يجئ خلافُه أثبتُ منه... وربما أخذ بالمرسل إذا لم يجئ خلافُه" 5، وقال أبو طالب: "سمعت أبا عبد الله يقول: وربما كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في إسناده شيء فنأخذ به إذا لم يجئ خلافه أثبت منه، وربما أخدنا بالحديث المرسل إذا لم يجئ خلافه أثبت منه" 6.
على أنه قد جاءت رواية أخرى عن أحمد في الحكم الذي ورد في حديث ابن إسحاق المتقدم، ذكرها ابن رجب أن أحمد قال: "لم يروه إلا ابنُ إسحاق، وأنا أتهيَّبه" 7.
ـــــــ
1الموضع نفسه.
2ميزان الاعتدال 4/394.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص61 رقم55.
4الضفعاء للعقيلي 4/1200.
5المسودة ص246.
6المصدر نفسه ص249.
7فتح الباري لابن رجب 1/306.(2/856)
وقال الإمام أحمد في حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في كل إبل سائمة، في كل أربعين ابنة لبون، لا تُفرَّق إبلٌ على حسابها، من أعطاها مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها منه وشطر إبله، عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منها شيء" 1: ما أدري ما وجهه، وسئل عن إسناده فقال: هو عندي صالح الإسناد2. فهذا الحديث تفرد به بهز بن حكيم، ولم يرد عن الإمام أحمد أنه رفعه إلى منزلة الثقة الحافظ، بل غاية ما فيه عن أحمد أن ابن حبان نقل عنه أنه كان يحتج به3.ونقل عنه ابن القيم أنه قال: بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده صحيح4.
وأما ابن معين، وابن المديني، والنسائي فوثقوا بهز بن حكيم، وقال فيه أبو زرعة: صالح، ليس بالمشهور. وقال أبو حاتم: شيخ، يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال الحاكم: كان من الثقات، ممن يجمع حديثه، وإنما أُسقط من الصحيح روايته عن أبيه، عن جده لأنها شاذة، لا متابع له فيها. وقال ابن عدي: لم أر له حديثاً منكراً5. وقال فيه ابن حجر: صدوق6.
فتفرد مثل هذا الراوي بأصل ليس له فيه متابع يعدّ منكراً على أصل الإمام أحمد في هذا الباب. لكن ذكر أن إسناد هذا الحديث صالح، وقال بموجبه في رواية
ـــــــ
1أخرجه أبو داود السنن ح1575، والنسائي السنن 5/25، وأحمد المسند 33/220 ح20016، وابن خزيمة صحيح ابن خزيمة ح2266، والطحاوي شرح معاني الآثار 2/9، والحاكم المستدرك 1/398، والبيهقي السنن الكبرى 4/105.
2المغني 4/7، تنقيح التحقيق 2/258.
3المجروحين 1/185.
4تهذيب السنن 4/319.
5تهذيب الكمال 4/261-262.
6تقريب التهذيب 780.(2/857)
عنه1. وتوجيه ذلك عندي أن جد بهز بن حكيم، وهو معاوية بن حيدة لم يشتهر بالرواية عنه إلا ابنه حكيم بن معاوية والد بهز، وهو لم يشتهر بالرواية عنه إلا ابنه بهز، فلا يستغرب من هذا حاله أن يتفرد بأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فحاله مثل حال الوحدان من الصحابة، وهم الذين ليس لهم إلا راوٍ واحد، ومع ذلك قبلت رواياتهم التي تفردوا بها، مثل حزن بن أبي وهب المخزومي جد سعيد بن المسيب، ما روى عنه إلا ابنه المسيب، ومع ذلك أخرج حديثه في الصحيح ولم يعلّ2.
فحالة بهز بن حكيم وأمثاله تخالف حالة تلاميذ من اشتهر حديثه وتلاميذه فأمكن الوقوف على ما يستغرب من حديثه مما لا يرويه غيره من أقرانه، وأما وقد تفرد في الأصل بالرواية عن شيخه فلا يستغرب منه التفرد، لا سيما إذا لم يختلف عليه الرواة عنه كما هو حال بهز بن حكيم، فإن ذلك يدل على ضبطه لما يرويه، والعلم عند الله.
تفرد الصدوق بزيادة:
وأما الحديث الذي رواه عدد من الرواة فيشاركهم الراوي الصدوق في رواية أصل الحديث وينفرد عنهم بزيادة لم يذكرها سائر الرواة في الحديث، فهذا حكمه مثل حكم الحديث الذي تفرد به من أصله، وهو أنه لا تقبل منه هذه الزيادة لقصور حفظه عما يشترط في الراوي الذي يحتمل منه التفرد، وهو الثقة الحافظ. ومثال ذلك:
ـــــــ
1انظر: التحقيق في أحايث التعليق 2/257، والإنصاف 3/188.
2والحديث هو ما أخرجه البخاري صحيح البخاري 10/574 ح6190، وأحمد المسند 39/77 ح23673. وذكره في العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 3/184 رقم4792، ولم يتكلم عليه بالإعلال. ولفظ الحديث: عن ابن المسيب، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجده، جد سعيد: "ما اسمك"؟ قال: حُزن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل أنت سهل". فقال: لا أغير اسماً سمّانيه أبي. قال ابن المسيب: فما زالت فينا حُزونة بعد.(2/858)
قال أبو داود: "قلت لأحمد: أفلح بن حُميد؟ قال: هذا شيخ قد احتملوه، وجعل كأنه يستضعفه، قال: يكثر من الرأي، قلت: رأي القاسم؟ قال: نعم، قال: روى حديثاً منكراً، حديث المواقيت. قلت: وصح ذلك عندك، رواه غير المعافى؟ قال: المعافى ثقة" 1.
المقصود بحديث المواقيت الذي رواه أفلح بن حُميد هو ما رواه المعافى ابن عمران، عنه، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، عن عائشة [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل المدينة ذا الحُليْفَة، ولأهل الشَّام ومِصر الجُحْفَة، ولأهل العِراق ذاتَ عِرْق، ولأهل اليمن يَلَمْلَم]. أخرجه أبو داود2، والنسائي3، وابن عدي4، والبيهقي5 كلهم من طريق هشام بن بهرام عن المعافى. وأخرجه النسائي6، والدارقطني7 من طريق أبي هاشم محمد بن علي عن المعافى.
وأخرجه الطحاوي8 من طريق هشام بن بهرام وخالد ين يزيد القطربلي كلاهما عن المعافى.
وهذا الحديث قد انفرد به أفلح بن حُميد عن القاسم، قال ابن عدي: هذا الحديث ينفرد به معافى عن أفلح9. وقال الذهبي: هذا الحديث ينفرد به المعافى
ـــــــ
1مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص412 رقم1934.
2سنن أبي داود 2/354 ح1739.
3سنن النسائي 5/123 ح2653، والسنن الكبرى 2/328 ح3633.
4الكامل في ضعفاء الرجال 1/408.
5السنن الكبرى 5/28.
6السنن 5/125 ح2656، والسنن الكبرى 2/328 ح3636.
7السنن 2/236.
8شرح معاني الآثار 2/118.
9الكامل في ضعفاء الرجال الموضع نفسه.(2/859)
ابن عمران، عن أفلح عن القاسم، عن عائشة، هو صحيح غريب.ا.هـ1.
وأما الإمام أحمد فأنكره على أفلح، لأنه ليس ممن يحتمل منه مثل هذا التفرد. قال عبد الله: سألته عن أفلح؟ فقال: صالح2. وقال الميموني: سألت أبا عبد الله عن أفلح بن حُميد؟ فقال: صالح، يحتمل3. وقال عنه الذهبي: صدوق4. وقال ابن حجر: ثقة5.
وإنما أنكر قوله: "ولأهل العراق ذات عرق"، ولم ينكر الباقي من إسناده ومتنه شيئاً، قاله ابن عدي6، ووجهه أن الباقي من متنه معروف من وجوه كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس فيه ما يُستنكر، وأما الإسناد فلا يعرف عن عائشة إلا من طريقه، فحقه على أصل الإمام أحمد أن يكون منكراً أيضاً، والله أعلم.
فهذا يدل على أن إنكار الإمام أحمد موجه إلى الزيادة التي تفرد بها أفلح ابن حُميد، ويدل على أن الزيادة من الصدوق الذي لم يبلغ ضبطه ضبط الثقة الحافظ منكرة عند الإمام أحمد غير مقبولة، مثلها مثل حديثه الذي تفرد به من أصله، والله أعلم.
ـــــــ
1ميزان الاعتدال 1/440.
2العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/419 رقم914.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص224 رقم431.
4الكاشف 462.
5تقريب التهذيب 551.
6الموضع نفسه.(2/860)
المطلب السادس: موقف الإمام أحمد من تفرد الراوي الموصوف بسوء الحفظ
...
المطلب السادس: موقف الإمام أحمد من تفرد الراوي الموصوف بسوء الحفظ.
تقدم في مبحث إعلال الحديث بسوء الحفظ الملازم للراوي أن منهج الإمام أحمد في الرواة الموصوفين بسوء الحفظ أنه إذا انفرد واحد منهم بحديث ولم يتابع عليه لم يحتج به، وأن الحال في ترك الاحتجاج قد تختلف من راوٍ إلى آخر، وأشد ما يكون إذا زاد في الإسناد أو نقص أو غير الإسناد، أو جاء بما يتغير فيه المعنى1.
ومن أمثلة إعلاله الأحاديث بتفرد بعض رواتها الموصوفين بسوء الحفظ ما يلي:
الحديث الأول:
قال أبو داود: "سمعت أحمد سُئل عن يحيى بن يمان، فقال: كان يغلط، ثم ذكر حديث سفيان، عن منصور، عن خالد بن سعد، عن أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى في الطواف فاُتي بنبيذ. فقال: هذا منكر".
هذا الحديث أخرجه النسائي2، وابن أبي شيبة3، والطحاوي4، والدارقطني5، والطبراني6، البيهقي7 كلهم من طرق عن يحيى بن يمان، عن الثوري به. ولفظه كما ورد عند النسائي: عطش النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة، فاستسقى فأُتي بنبيذ من السِّقاية فشمّه فقطّب فقال: "عليّ بذَنوب من زمزم" فصب
ـــــــ
1شرح علل الترمذي 1/416، وانظر: ص263.
2السنن 8/325 ح5719، السنن الكبرى 3/237 ح5202.
3المصنف 5/79 ح23868، 3/323 ح14629.
4شرح معاني الآثار 4/219.
5السنن 4/263.
6المعجم الكبير 17/243 ح675.
7السنن الكبرى 8/304.(2/861)
عليه ثم شرب، فقال رجلٌ: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: "لا".
وأعله الإمام أحمد بالنكارة لتفرد يحيى بن يمان به عن الثوري، وقد قال فيه: كان يغلط، وهو قول مشعر بسوء حفظه. وقيل له: فرواه غيره؟ قال: لا، إلا من هو أضعف منه1. وقال أحمد في موضع آخر: ليس يحيى بن يمان بحجة في الحديث2 وقال في رواية أبي داود: عنده تخليط3. وذكر الساجي عن أحمد أنه ضعفه، وقال: حدّث عن الثوري بعجائب، لا أدري لم يزل هكذا، أو تغير حين لقيناه، أو لم يزل الخطأ في كتبه4.
وبمثل هذا أعله النسائي، قال: "هذا خبر ضعيف، لأن يحيى بن يمان انفرد به دون أصحاب الثوري، ويحيى بن يمان لا يحتج بحديثه لسوء حفظه وكثرة خطئه" 5.
وقد توبع يحيى بن يمان عن الثوري: تابعه عبد العزيز بن أبان عند الدارقطني6. قال الدراقطني: عبد العزيز بن أبان متروك الحديث. وتابعه أيضاً الواقدي كما ذكر ابن عدي7، كما تابعه اليسع بن إسماعيل، عن زيد بن الحباب، عن الثوري عند الدارقطني أيضاً، وقال: لا يصح هذا عن يزيد بن الحُباب عن الثوري، ولم يره غير اليسع بن إسماعيل، وهو ضعيف، وهذا الحديث معروف بيحيى ابن يمان.ا.هـ8.
ـــــــ
1التحقيق في أحاديث الخلاف 3/478.
2تاريخ بغداد 14/122.
3سؤالات أبي دواد للإمام أحمد ص368 رقم578.
4تاريخ بغداد 14/124.
5سنن النسائي الموضع نفسه.
6سنن الدراقطني 4/264.
7الكامل في ضعفاء الرجال 3/900.
8الموضع نفسه.(2/862)
وقد قيل إن هذا الحديث انقلب إسناده على يحيى بن يمان واختلط عليه بحديث الذي رواه عن الكلبي، عن أبي صالح، عن المطلب بن أبي وداعة: [طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار فاستسقى فأتي بإناء من نبيذ فلما رفعه إلى فيه قطب فتركه فقال الرجل: يا رسول الله هذا شراب أهل مكة أحرام هو؟ فسكت ثم أتاه الثانية فقطب فنحاه فقال له الرجل مثل ذلك فدعا بذنوب أو دلو من ماء فصبه عليه ثم سقى الذي يليه والذي عن يمينه ثم قال: "هكذا اصنعوا به إذا غلبكم". هكذا رواه أبو حذيفة عن الثوري1. وقال ابن عدي: وقال الأشجعي وغيره، عن سفيان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن المطلب: "أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بنبيذ"2، هكذا قال البخاري أيضاً3. فعاد الحديث إلى حديث الكلبي، وهو مشهور بأنه متروك الحديث.
وأما حديث الثوري، عن منصور، عن خالد بن سعد، عن أبي مسعود الذي انقلب على ابن يمان فلفظه أن أبا مسعود كان يمسح على الجوربين4، هذا ما ذهب إليه الدارقطني5، أي فانقلب على يحيى بن يمان، ودخل عليه إسناد هذا الحديث في حديث الكلبي، عن أبي صالح، عن المطلب.
أما أبو جاتم فذكر أن الحديث الذي سقط على ابن يمان هو ما رواه الثوري،
ـــــــ
1أخرجه البيهقي السنن الكبرى 8/304.
2الكامل في ضعفاء الرجال الموضع نفسه.
3التاريخ الكبير 3/153.
4رواه عبد الرزاق، عن الثوري، عن منصور، عن خالد بن سعد، كان أبو مسعود يمسح على جوربين له من شعر ونعليه مصنف عبد الرزاق 1/199 ح774. وكذلك رواه وكيع عن الثوري عند ابن أبي شيبة المصنف 1/171 ح1972. ورواه شعبة عن منصور به أيضاً السنن الكبرى للبيهقي 1/285.
5علل الدارقطني 6/193.(2/863)
عن منصور، عن خالد بن سعد مولى أبي مسعود [أنه كان يشرب نبيذ الجر]، يعني من فعل أبي مسعود غير مرفوع، فجعل إسناده لمتن حديث الثوري، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن المطلب1.
وقد سبق إلى التنبيه بهذه العلة عبد الله بن نمير، قال: أخطأ ابن يمان على الثوري فقال: عن منصور، عن خالد بن سعد، عن أبي مسعود، وإنما هو الثوري، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن المطلب قال: "عطش النبي صلى الله عليه وسلم " فذكره. وقال: ابن يمان سريع الحفظ سريع النسيان.ا.هـ2.
وقال أبو موسى: سألت عبد الرحمن بن مهدي عن حديث سفيان عن منصور في النبيذ فقال: لا تحدث بهذا3.
والشاهد أن تفرد يحيى بن يمان عن الثوري هو الذي دل إلى كشف خطئه هذا، لأنه ليس ممن يحتمل منه مثل هذا التفرد عن الثوري لسوء حفظه، والله أعلم.
الحديث الثاني:
قال عبد الله: "ذكرت لأبي حديث محمد بن جابر، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله في الرفع، فقال: هذا ابن جابر، إيش حديثه؟ هذا حديث منكر، أنكره جداً" 4.
ـــــــ
1علل ابن أبي حاتم 2/26. وهذا ما أشار إليه المزي في تحفة الأشراف 7/328 أن يحيى ابن سعيد رواه عن الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن خالد بن سعد، عن أبي مسعود فعله، أي أنه كان يشرب نبيذ الجر. وأخرج هذه الرواية البخاري تعليقاً التاريخ الكبير 3/153، والتاريخ الأوسط 2/42-43. ودخول هذا الحديث على حديث الكلبي عند يحيى بن يمان أولى من القول بدخول حديث المسح على الجوربين على حديث النبيذ كما ذهب إليه الدراقطني، والله أعلم.
2الكامل في ضعفاء الرجال الموضع نفسه.
3السنن الكبرى للبيهقي 8/304.
4العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/373 رقم716، وفي مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابنه عبد الله 1/241 رقم327.(2/864)
هذا الحديث رواه أبو يعلى1، والدارقطني2، والإسماعيلي3، والبيهقي4، والخطيب5 من طريق عن محمد بن جابر، عن حماد وهو ابن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود ولفظه: "صليتُ خلفَ النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند افتتاح الصلاة".
وقد أنكره الإمام أحمد لتفرد محمد بن جابر به، وقال: ابن جابر إيش حديثه؟ هذا حديث منكر.
وقد نص الدراقطني أيضاً على تفرد ابن جابر به. وقال العقيلي بعد أن ساق الحديث: لا يتابع عليه6.
ومحمد بن جابر هو اليمامي لا يحتج بما ينفرد به، وقد تقدمت ترجمته وأنه ممن جرحه الإمام أحمد لأنه ربما ألحق في كتابه7. وقال في رواية ابن هانئ: ليس بالقوي، روى عن حماد أحاديث8، وعنه أيضاً: أحاديثه عن حماد مضطربة، في كتبه لحوق9.
فحديثه الذي تفرد به خصوصاً عن حماد بن أبي سليمان يعد منكراً ولو لم يخالف، فكيف وقد خالف. فقد رواه حماد بن سلمة، عن حماد بن أبي سليمان،
ـــــــ
1مسند أبي يعلى 8/453 ح 5039.
2سنن الدارقطني 1/295.
3معجم شيوخ الإسماعيلي 2/693.
4السنن الكبرى 2/79.
5تاريخ بغداد 11/224.
6الضعفاء للعقيلي 4/1209.
7ص535.
8مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابن هانئ 2/228 رقم2255.
9المصدر نفسه 2/230 رقم2262.(2/865)
عن إبراهيم، عن ابن مسعود من فعله غير مرفوع. ذكره الدارقطني وقال: هو الصواب1.
فخالفه حماد بن سلمة في موضعين: رواه مرسلاً بين إبراهيم النخعي وابن مسعود، بينما ذكره محمد بن جابر موصولاً بذكر علقمة بينهما. والثاني وقف الحديث على ابن مسعود، بينما رفعه ابن جابر. فهذا مما يزيد روايته نكارة.
الحديث الرابع:
قال أبو داود: "ذكرت لأحمد حديث قيس بن الرَّبيع، عن شبعة، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاته الأربع قبل الظهر صلاّها بعد الظهر]. فقال أحمد: يرويه غير واحد ليس يذكرون هذا فيه، يعني يروون حديث خالد، عن عبد الله بن شقيق: [سألت عائشة عن تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم ]، أي فليس هذا فيه" 2.
حديث قيس بن الربيع أخرجه ابن ماجه3، وابن عدي4. قال ابن ماجه: لم يروه إلا قيس عن شبعة. وقال الترمذي: ولا نعلم رواه عن شعبة غير قيس بن الربيع5.
وذكر الإمام أحمد أن غير واحد من الرواة رواه عن خالد الحذاء بغير اللفظ الذي رواه قيس. ومن هؤلاء هشيم بن بشير6، ويزيد
ـــــــ
1سنن الدارقطني الموضع نفسه.
2مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص392 رقم1876.
3السنن 1/366 ح1158.
4الكامل في ضعفاء الرجال 6/2067-2068.
5الجامع 2/291.
6حديثه عند مسلم صحيح مسلم 1/504 ح730، وأبي داود السنن 2/43 ح1251، وأحمد المسند 40/18 ح24019، وإسحاق مسند إسحاق بن راهويه 3/698 ح1299، وابن خزيمة 2/208 ح1192، والطحاوي شرح معاني الآثار 1/281، وابن الجارود المنتقى 1/241 ح277.(2/866)
ابن زريع1، وإسماعيل بن علية2، ويزيد بن هارون3، وخالد الطحان4، وبشر بن المفضل5، كلهم رووه بلفظ: "سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كان يصلي أربعاً قبل الظهر وثنتين بعدها، وثِنتين قبل العصر وثِنتين بعد المغرب، وثِنتين بعد العشاء، ثم يصلي من الليل تسعاً. قلت: أقائماً أو قاعداً؟ قالت: يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً. قلت: كيف يصنع إذا كان قائماً، وكيف يصنع إذا كان قاعداً؟ قالت: إذا قرأ قائماً ركع قائماً، وإذا قرأ قاعداً ركع قاعداً، وركعتين قبل صلاة الصبح". وهذا لفظ حديث ابن علية.
وقد تابع قيس بن الربيع على اللفظ الذي رواه عن شعبة، عبد الوارث ابن عبيد الله، عن ابن المبارك، عن خالد الحذاء. أخرجه الترمذي6 وقال: إنما نعرفه من حديث ابن المبارك من هذا الوجه.ا.هـ.
وعبد الوارث بن عبيد الله هو العتكي روى عن ابن المبارك الكثير حتى مسائل سأله وسئل عنه وهو حاضر، قاله ابن أبي حاتم7، وذكره ابن حبان في الثقات8، ووثقه الذهبي9، وقال عنه ابن حجر: صدوق10.
ـــــــ
1روى حديثه أبو داود السنن، الموضع نفسه، ومن طريق البيهقي السنن الكبرى 2/471.
2روى حديثه أحمد المسند 43/19 ح25819.
3روى حديثه النسائي السنن الكبرى 1/146 ح336.
4روى حديثه ابن حبان الإحسان 6/225 ح2474.
5 روى حديثه الترمذي الجامع 2/299 ح436، وذكر بعض لفظ الحديث.
6الجامع 2/291 ح426.
7الجرح والتعديل 6/76.
88/416.
9الكاشف 3512.
10 تقريب التهذيب 4281.(2/867)
ومع متابعة ابن المبارك لقيس بن الربيع عن خالد الحذاء، فلا يحتمل منه التفرد عن مثل شعبة، وهو وجه لإنكار الإمام أحمد لحديثه هذا.
زيادة الراوي السيء الحفظ في الحديث:
وأما ما يتفرد به الراوي الموصوف بسوء الحفظ من زيادة فحكمها أيضاً الرد مثل تفرده بأصل الحديث.
وقد تقدم أن الإمام أحمد رد على يحيى بن أيوب الغافقي زيادته لقراءة المعوذتين في ركعة الوتر في حديث عائشة رضي الله عنها:
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن يحي بن أيوب المصري، فقال: كان يحدث من حفظه، وكان لا بأس به، وكان كثير الوهم في حفظه، فذكرت له من حديثه عن يحيى، عن عمرة، عن عائشة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر الحديث، فقال: ها، من يحتمل هذا"، وقال مرة: كم قد روى هذا عن عائشة من الناس ليس فيه هذا، وأنكر حديث يحيى خاصة1.
وتقدم أن الإمام أحمد أنكر زيادة المعوذتين. وقال العقيلي: أما المعوذتين فلا يصح2.
ـــــــ
1تنقيح التحقيق 1/516، وانظر: الضعفاء للعقيلي 4/1504.
2الضعفاء للعقيلي الموضع نفسه.(2/868)
المطلب السابع: موقف الإمام أحمد من تفرد الراوي المجهول
...
المطلب السابع: موقف الإمام أحمد من تفرد الراوي المجهول.
من أسباب وقوع النكارة في الأحاديث أن تكون رواتها غير معروفين عند أهل الحديث، ومن كان بهذه المثابة لا تعرف عدالته بله ضبطه. فإذا استغرب الحفاظ حديثاً في سنده رجال ثقات معروفون وينفرد من بينهم آخر مجهول التزقت التهمة في غرابة الحديث بذلك المجهول، وأنكروا الحديث من أجله. من أمثلة ذلك عند الإمام أحمد:
قال مهنّا: "حدثنا خالد بن خِداش، ثنا عبد الله بن وهب، ثنا السري بن يحيى أن شُجاعاً حدثه، عن أبي طيبة، عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرأ سورة الواقعة في ليلة لم تصبه فاقةٌ". قال أحمد: هذا حديث منكر. وقال: السرِّي بن يحيى ثبت ثقة ثقة، وشجاع الذي روى عنه السرِّي لا أعرفه، وأبو طيبة هذا لا أعرفه، والحديث منكر" 1.
هذا الحديث أخرجه البيهقي2 من طريق خالد بن خِداش. وأخرجه الحارث بن أبي أسامة3، والبيهقي أيضاً4 من طريق العباس بن الفضل، عن السري به. وأخرجه الإمام أحمد5، وابن عساكر6 من طرق آخرى عن السري به.
والحديث مداره على السري بن يحيى، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أوجه الاختلاف عليه في اسم شيخه، هل هو شجاع، أو أبو شجاع، وكذلك في الراوي
ـــــــ
1المنتخب من العلل للخلال ص116 رقم49.
2شعب الإيمان 2/491 ح2498.
3بغية الباحث 2/729 ح721.
4الموضع نفسه ح2499.
5فضائل الصحابة 2/726 ح1247.
6تاريخ دمشق 33/186-188.(2/869)
عن ابن مسعود هل هو أبو طيبة، أو أبو فاطمة، وإن كان أبا طيبة هل هو بالطاء المهملة أو بالظاء المعجمة1.
وقد أنكر الإمام أحمد هذا الحديث عن ابن مسعود، لأنه لا يعرف إلا من هذا الطريق، وراويه السري بن يحيى قال فيه: ثبت ثقة ثقة، لكن شيخه وشيخ شيخه نص الإمام أحمد على أنهما مجهولان، فلا يحتمل منهما التفرد بهذا الأصل عن ابن مسعود.
وكذلك وهّن حديث أبي العُشَراء في الذكاة؛ رواه حماد بن سلمة، عن أبي العُشَراء، عن أبيه قال: قلت يا رسول الله ! أما تكون الذكاة إلا في الحلق أو اللبّة؟ قال: "لو طعنت في فخذها لأجزأك"2.
قال الميموني: سألت أبا عبد الله عن حديث أبي العُشراء، قال: "هو عندي غلط، قلت: فما تقول؟ قال: أما أنا فلا يعجبني ولا أذهب إليه إلا في موضع ضرورة كيف ما أمكنتك الذكاةُ ولا تكون إلا في الحلق أو اللبّة، فينبغي للذي يذبح أن يقطع الحلق أو اللبّة" 3.
وعلة الحديث عند أحمد أنه لا يروى عنه غير هذا الحديث، قاله الميموني عن أحمد4، فهو في حكم المجهول.
قال مهنّا: "سليمان بن أبي سليمان، يحدث عنه العوام بن حَوشَب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخلافة بالمدينة والملك بالشام"، قال أحمد:
ـــــــ
1انظر: لسان الميزان 7/60-61.
2رواه الترمذي الجامع 4/75 ح1481، وأبو داود السنن 3/250 ح2825، والنسائي السنن الكبرى 3/63 ح4497، والسنن 7/228 ح4408، وابن ماجه السنن2/1063 ح3184، وأحمد المسند 31/278 ح18947.
3تهذيب الكمال 34/86.
4المصدر نفسه 34/85.(2/870)
أصحاب أبي هريرة المعروفون ليس هذا عندهم" 1.
الحديث رواه البخاري في "التاريخ الكبير"2، والحاكم3، وابن عساكر4 من طرق عن هشيم بن بشير، عن العوام بن حوْشَب، عن سليمان بن أبي سليمان، عن أبيه، عن أبي هريرة.
وهذا الراوي لم أقف على كلام الإمام أحمد فيه. وقال فيه ابن معين في رواية مهنّا هذه: لا نعرف هذا ـ يعني سليمان بن أبي سليمان5. وقال في رواية إسحاق بن منصور: لا أعرفه6.
وأورده البخاري في "التاريخ الكبير"7، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكر له هذا الحديث.
وقال الذهبي: لا يكاد يعرف8.
وقول الإمام أحمد في هذا الحديث: أصحاب أبي هريرة المعروفون ليس هذا عندهم استنكار منه لهذه الرواية لتفرد راويها بها، وهو في حكم المجهول.
وقد تقدمت أمثلة أخرى فيما مضى في مبحث الإعلال بالجهالة.
ـــــــ
1المنتخب من العلل للخلال ص228 رقم137.
24/15.
3المستدرك 3/72.
4تاريخ دمشق 1/183-184.
5المنتخب من العلل للخلال الموضع نفسه.
6تهذيب الكمال 11/443.
7الموضع نفسه.
8ميزان الاعتدل ترجمة 3476.(2/871)
المبحث الثاني: الإعلال بالمخالفة عند الإمام أحمد
مدخل
...
المبحث الثاني: الإعلال بالمخالفة عند الإمام أحمد.
من الطرق التي تكشف أخطاء الرواة في رواية الأحاديث مخالفة بعضهم لبعض، ولذلك اشتهرت مقولة أهل هذا الشأن أن الباب إذا لم يجمع طرقه لم يتبين خطؤه1، فإذا روى الراوي حديثاً وشاركه غيره في رواية ثم خالف من هو أولى منه ثقة أو كثرة حكم على روايته بالخطأ، وعلى رواية الأَوْلى بأنها المحفوظة، ووجه ذلك أن تطرق الوهم والغلط في مروي الراوي الأقل حفظاً أولى من تطرقهما إلى الأحفظ، وكذلك تطرقهما إلى عدد قليل أولى من تطرقهما إلى جماعة أكثر عدداً، وقد ذكر الإمام مسلم في مقدمة "كتاب التمييز"2 أن الذي يدور عليه معرفة الخطأ في روايات نقلة الحديث راجع إلى جهتين: الأولى: ما كان واضحاً غير خفي على أهل العلم من الأخطاء في نسبة الرواة بخلاف ما عرفوا به، أو بتصحيف في المتون يعرفه السامع الفهِم، والجهة الأخرى ـ وهي موضوع هذا المطلب ـ أن يروي نفر من حفاظ الناس حديثاً عن إمام من الأئمة بإسناد واحد ومتن واحد، فيرويه آخر سواهم عن ذلك الإمام فيخالفهم في الإسناد أو يقلب المتن، فيعلم أن الصحيح ما حدث به الجماعة من الحفاظ دون الواحد المنفرد وإن كان حافظاً.ا.هـ.
وفي هذا المبحث سأورد نماذج من أحاديث أعلها الإمام أحمد لمخالفة بعض رواتها لمن هو أولى منه، وذلك في مطلبين:
الأول: المخالفة لرواية الأحفظ.
ـــــــ
1هذه مقولة علي بن المديني، رواها عنه الخطيب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/212، وذكر كلام غيره من الأئمة مما هو في معناها في باب: كتب الطرق المختلفة من الكتاب نفسه.
2كتاب التمييز 170، 172.(2/873)
الثاني: المخالفة لرواية الأكثر عدداً.
ثم أتبع ذلك بدراسة موقف الإمام أحمد من حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه، وبذكر نماذج من نقد الإمام أحمد لمتون الأحاديث بسبب نوع من المخالفة في مطلبين آخرين.(2/874)
المطلب الأول: مخالفة الراوي لرواية الأحفظ
...
المطلب الأول: مخالفة الراوي لرواية الأحفظ.
ومن أمثلة ذلك:
1. روى يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قتادة، قال: سمعت جابر بن زيد يحدث عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقطع الصلاة المرأةُ الحائضُ، والكلبُ" 1.
قال الإمام أحمد: "ثناه يحيى قال: شعبة رفعه. قال: وهشام لم يرفعه. قال أحمد: كان هشام حافظاً" 2.
قال ابن رجب: هذا ترجيح من أحمد لوقفه.ا.هـ.
وفي قول أحمد: كان هشام حافظاً ترجيح لرواية الأحفظ.
قال عبد الله: "سألته ـ أي أباه ـ عن هشام وهمام. قال: سبحان الله، هشام أثبت، وقال شعبة: هشام أحفظ مني عن قتادة. شعبة يستعين بهشام يقول: "قال هشام" 3.
وقال أبو زرعة الدمشقي: "رأيت أحمد بن حنبل لهشام أكثر تقديماً في قتادة لضبطه وقلة الاختلاف عنه" 4.
ـــــــ
1أخرجه أبو داود السنن 1/452 ح703، والنسائي السنن 2/64 ح750، والسنن الكبرى 1/272 ح827، وابن ماجه السنن 1/305 ح949، وأحمد المسند 5/293 ح3241، وابن خزيمة صحيح ابن خزيمة 2/22 ح832، والطحاوي شرح معاني الآثار 1/408، وابن حبان الإحسان 6/198 ح2387، والطبراني 12/181 ح12824، والبيهقي السنن الكبرى 2/274 كلهم من طريق يحيى بن سعيد القطان به، إلا النسائي رواه من طريقه عن شعبة، وهشام وقال: رفعه شعبة.
2فتح الباري لابن رجب 2/703.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/348 ح2542.
4تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/452 رقم1137.(2/875)
2. وقال أبو داود: "سمعت أحمد قيل له: اختلف أيوبُ أبو العلاء وهمامٌ في حديثه: [من فاتتهُ الجمعةُ فليتصدق]. قال أحمد: همام عندي أحفظ" 1.
حديث همام رواه أبو داود2، والنسائي3، والطيالسي4، وأحمد5، وابن أبي شيبة6، وابن خزيمة7، وابن حبان8، والطبراني9، والحاكم10، والبيهقي11 من طرق عن همام بن يحيى العوذي، عن قتادة، عن قدامة بن وبرة، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك جمعة في غير عُذرٍ فليتصدق بدينار، فإن لم يجد فنصفَ دينارٍ".
وأما حديث أيوب أبي العلاء فرواه أبو داود أيضاً12، والحاكم13، والبيهقي14 من طريقه، عن قتادة، عن قدامة بن وبرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فاته الجمعة بغير عذر فليتصقد بدرهم أو نصف درهم، أو صاع حنطة، أو نصف صاع". قال الإمام أحمد: خالفه في الحكم وقصر في الإسناد15.
ـــــــ
1مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص394 رقم1880، ومثله في سنن أبي داود 1/639.
2السنن 1/638 ح1053
3السنن 3/89 ح1371، وفي الكبرى 1/517 ح1661.
4مسند الطيالسي ص122 ح901.
5المسند 33/278 ح20087، 33/330 ح20159.
6المصنف 1/480 ح5535.
7صحيح ابن خزيمة 3/177 ح1861.
8الإحسان 6/28 ح2788، 2789.
9 المعجم الكبير 7/235 ح6979.
10 المستدرك 1/280.
11 السنن الكبرى 3/248.
12 السنن 1/639 ح1054.
13 المستدرك 1/280.
14 السنن الكبرى 3/248.
15 العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/256 رقم367.(2/876)
فقدم الإمام أحمد رواية همام لأنه أحفظ من أيوب أبي العلاء. وقد سبق قول الإمام أحمد في همام أنه ثقة، وأنه ثبت في كل المشايخ1. وأما أيوب أبي العلاء وهو أيوب بن مسكين التميمي القصاب الواسطي، فقال فيه أحمد: ليس به بأس2، وقال في موضع آخر: رجل، صالح ثقة3، وقال أيضاً: كان لا يحفظ الإسناد4.
ويشهد لصحة حكم الإمام أحمد أن خالد بن قيس رواه عن قتادة فوافق هماماً في متن الحديث، وخالفه في الإسناد. قال في الإسناد: عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال في متنه: "من ترك جمعة متعمداً فليتصدق بدينار فإن لم يجد فنصف دينار". رواه أبو داود5، والبيهقي6، وقال: ولا أظنه إلا واهما في إسناده لاتفاق ما مضى على خلافه، فأما المتن فإنه يشهد بصحة رواية همام.
ويشهد له أيضاً رواية سعيد بن بشير، فقد وافق هماماً في الإسناد وخالفه في المتن، فقال: [فليتصدق بدرهم أو نصف درهم، أو صاع، أو مد]. أخرج روايته أبو داود، والبيهقي7.
وقد سبق ما يتعلق بإعلال الإمام أحمد للحديث من وجه آخر، وهو جهالة قدامة بن وبرة في مباحث الجهالة8.
ومن تقديم الإمام أحمد لرواية الأحفظ اختلاف رواية سعيد بن عبيد عن
ـــــــ
1 الجرح والتعديل 9/108.
2 العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/424 رقم932.
3 المصدر نفسه 1/518 رقم1213.
4 المصدر نفسه 2/35 رقم1470.
5 مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص394.
6 السنن الكبرى 3/248.
7الموضعان أنفسهما.
8انظر: ص125.(2/877)
بشير بن يسار في حديث سهل بن أبي حثمة في القسامة لرواية يحيى بن سعيد الأنصاري، فقدم الإمام أحمد رواية يحيى بن سعيد.
3. قال الأثرم: ضعف أحمد حديث سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار، وقال: الصحيح عن بشير بن يسار ما رواه عنه يحيى بن سعيد، قال أحمد: وإليه أذهب1.
حديث سعيد بن عبيد رواه عن بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثْمة أن نفراً من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها ووجدوا أحدهم قتيلاً، فذكر الحديث وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تأتون بالبيّنة على من قتله"؟ قالوا: ما لنا بينةٌ. قال: "فيحلفون". قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُطلَّ دمه فوداه مائة من إبل الصدقة. أخرجه البخاري2، ومسلم3 وأبو داود4، والنسائي5، والطحاوي6، والدارقطني7، والطبراني8، والبيهقي9.
وأما حديث يحيى بن سعيد الأنصاري، فرواه عن بشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة فذكر قصة القتيل وقال فيه: "فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مقتل عبد الله بن سهل فقال لهم: "أتحلفون خمسين يميناً فتستحقون صاحبكم أو قاتلكم؟" قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: "فتبرئكم يهود بخمسين يميناً؟" قالوا: وكيف نأخذ أيمان قوم كفار؟ فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده" أخرجه
ـــــــ
1التمهيد 23/209.
2صحيح البخاري 12/229 ح6898. وصدر به أحاديث القسامة.
3صحيح مسلم 3/1294 5.
4السنن ح4523.
5السنن 8/11-12.
6شرح معاني الاثار 3/198.
7السنن 3/110.
8المعجم الكبير 6/100 ح5629.
9السنن الكبرى 8/120.(2/878)
البخاري1، ومسلم2، وأبو داود3، والنسائي4، والترمذي5، وأحمد6 من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري به.
والشاهد من الاختلاف الذي من أجله أنكر الإمام أحمد رواية سعيد ابن عبيد هو أن في روايته طلب النبي صلى الله عليه وسلم البينة من أولياء المقتول ـ وهم المدّعون ـ ولما لم تكن لهم بينة طلب اليهود ـ وهم المدعى عليهم ـ أن يحلفوا، وليس في روايته طلب اليمين من أولياء المقتول، ولا ذكر للقسامة. أما في رواية يحيى بن سعيد فلم يكن هناك طلب للبينة، بل عرض اليمين على أولياء المقتول، فلما أبوا أن يحلفوا قال: تبرئكم يهود بخمسين يميناً، فذكر أصل القسامة.
قال ابن رجب: "وقد ذكر الأئمة الحفاظ أن رواية يحيى بن سعيد أصح من رواية سعيد بن عُبيد الطائي فإنه أجل وأحفظ وأعلم، وهو من أهل المدينة، وهو أعلم بحديثهم من الكوفيين. وقد ذُكر للإمام أحمد مخالفة سعيد بن عبيد ليحيى بن سعيد في هذا الحديث فنفض يده وقال: ذاك ليس بشيء، رواه على ما يقول الكوفيون، وقال: أذهب إلى حديث المدنيين يحيى بن سعيد" 7.
ومقصود الإمام أحمد بأنه رواه على ما يقول الكوفيون، هو أنهم يقولون لا يحلف إلا المدَّعَى عليه، ولا يقضى بشاهد ويمين، لأن اليمين لا تكون على المدَّعِي، ولا ترد عليه، لأنها لا تكون إلا في جانت المنكِر المدّعَى عليه حتى في القسامة.
ـــــــ
1صحيح البخاري 6/275 ح3173، وانظر: 5/305 ح2702.
2صحيح مسلم 3/1291-1293 1-4.
3السنن 4/65 ح4520.
4السنن 8/5.
5 الجامع 4/202-203 ح1422.
6 المسند 26/11 ح16091.
7جامع العلوم والحكم 2/243.(2/879)
ويحيى بن سعيد الأنصاري قال فيه أحمد: أثبت الناس1. وقال أيضاً: "محدثوا الحجاز ابن شهاب، ويحيى بن سعيد، وابن جريج، يجيئون بالحديث على وجهه" 2، وأما سعيد بن عبيد الطائي فقال في رواية عبد الله: صالح الحديث3، ووثقه في رواية أبي طالب4، ولا شك في تقديم يحيى بن سعيد الأنصاري عليه في الحفظ والضبط والعلم.
قال الإمام مسلم: "وغير مشكل على من عقل التمييز من الحفاظ من نقلة الأخبار ومن ليس كمثلهم أن يحيى بن سعيد أحفظ من سعيد بن عبيد، وأرفع منه شأناً في طريق العلم وأسبابه، فلو لم يكن إلا خلاف يحيى إياه حين اجتمعا في الرواية عن بشير بن يسار لكان الأمر واضحاً في أن أولاهما بالحفظ يحيى بن سعيد، ودافع لما خالفه... " 5.
ومن أجل هذا لم يخرج الإمام أحمد رواية سعيد بن عبيد في مسنده، واكتفى يرواية يحيى بن سعيد الأنصاري. وقد وافق الإمام أحمد على إنكار رواية سعيد بن عبيد الإمام مسلم كما تقدم، والبيهقي6، وابن عبد البر7، وابن القيم8. وانتهج الحافظان ابن رجب، وابن حجر إلى الجمع بين الروايتين بناء على صحتهما عندهما9.
ـــــــ
1تهذيب الكمال 31/356.
2الجرح والتعديل 9/148.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/494 رقم3257.
4الجرح والتعديل 4/46.
5التمييز ص194.
6السنن الكبرى 8/120.
7الاستذكار 25/301.
8تهذيب السنن 6/321.
9انظر: جامع العلوم والحكم 2/244، وفتح الباري 12/234.(2/880)
وربما أشار الإمام أحمد إلى الاختلاف ولا يبين أي الروايتين أرجح، وتلك الإشارة كافية للقدح فيما ظاهره الصحة، وقد يلتمس الترجيح بقرائن أخرى. ومن أمثلة ذلك:
قال أبو داود: "سمعت أحمد ذكر له حديث ابن أبي العشرين الذي يرويه عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة في سوق الجنة فقال: حدثنا به أبو المغيرة، عن الأوزاعي مرسل"1.
هذا الحديث رواه الترمذي2، وابن ماجه3، وابن أبي عاصم4، وابن أبي حاتم5، وابن حبان6، وابن عساكر7 من طرق عن هشام بن عمّار، عن عبد الحميد ابن أبي العشرين، عن الأوزاعي، حدثنا حسان بن عطية، عن سعيد بن المسيب أنه لقي أبا هريرة فقال: أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة، فقال سعيد: أفيها سوق؟ قال: نعم، أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم... وذكر الحديث بطوله.
وذكر الإمام أحمد أن ابن أبي العشرين قد خولف في رواية هذا الحديث عن الأوزاعي؛ خالفه أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الشامي، فرواه عن الأوزاعي مرسل. ولم أقف على هذه الرواية، وقد بين الدارقطني وجه الإرسال فقال: رواه أبو المغيرة عن الأوزاعي قال: نُبئت أن أبا هريرة لقي سعيد بن المسيب8.
ـــــــ
1مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص391 رقم1874.
2الجامع 4/685 ح2549.
3السنن 2/1450 ح4336.
4السنة 1/258 ح585.
5التفسير نقله عنه ابن كثير في تفسيره 4/100.
6الإحسان 16/466 ح7438.
7تاريخ دمشق 34/49.
8علل الدارقطني 7/276.(2/881)
وأبو المغيرة قد وثقه أحمد1. وكذلك وثقه العجلي، والدارقطني. وقال أبو حاتم: كان صدوقاً. وقال النسائي: ليس به بأس2.
وأما عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين، كاتب الأوزاعي فقد وثقه أحمد أيضاً في رواية عبد الله3، وكذلك وثقه أبو زرعة الرازي4، لكن تكلم فيه غير واحد: قال أبو حاتم: كان كاتب ديوان، لم يكن صاحب حديث5. وكذلك قال دحيم: إنه لم يكن صاحب حديث6. وقال البخاري: ربما يخالف في حديثه7. وقال النسائي: ليس بالقوي8. وقال أبو أحمد الحاكم: "ليس بالمتين عندهم، وقد حدث عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة بحديث منكر، وهو حديث سوق الجنة، لا أعرف له أصلاً في حديث أبي هريرة، ولا في حديث سعيد بن المسيب، ولا في حديث حسان بن عطية، ولا في حديث الأوزاعي، وقد تابعه سويد بن عبد العزيز، لكن متابعته كلا متابعة، ويحتمل أن يكون أخذه منه، والله أعلم" 9.
ومتابعة سويد بن عبد العزيز التي ذكرها أبو أحمد الحاكم رواها ابن أبي عاصم10، وابن عساكر11. وقد اضطرب في هذه الرواية، فمرة رواها
ـــــــ
1في روايةصالح، ذكرها ابن عساكر 36/430.
2تهذيب الكمال 18/239.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/363 رقم2610.
4الجرح والتعديل 6/11.
5الموضع نفسه.
6تهذيب الكمال 16/422.
7التاريخ الكبير 6/45.
8الضعفاء والمتروكين ص212 ترجمة 398.
9تاريخ دمشق 34/57.
10 السنة 1/260 ح586.
11 تاريخ دمشق 34/51.(2/882)
هكذا، ومرة أخرى رواها عن الأوزاعي، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد، عن أبي هريرة1. وقال مرة أخرى: عن الأوزاعي، حدثت عن سعيد2. وقال أيضا: عن الأوزاعي، عن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة3.
وسويد بن عبد العزيز متروك الحديث، قاله أحمد4. واضطرابه شاهد على ضعف حديثه.
وروى الحديث الوليد بن مزيد، عن الأوزاعي، قال: نبئت عن سعيد5 وتابعه هقل بن زياد عن الأوزاعي6.
وخالف الإمام أحمد أحمدُ بن عبد الرحيم الحوطي فرواه عن أبي المغيرة، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة. وأحمد بن عبد الرحيم الحوطي من شيوخ الطبراني7. ما وقفت له على ترجمة إلا ما ذكره ابن القطان أنه لا يعرف حاله8. وتابعه محمد بن مصعب القرفساني عن الأوزاعي. قال ابن عساكر: لم يصنعا شيئاً9.
وقول الإمام أحمد ليس صريحاً في ترجيح رواية أبي المغيرة، وإنما اقتصر على الإشارة إلى مخالفته لرواية ابن أبي العشرين فقط، ولا يقتضي ذلك ترجيحاً،
ـــــــ
1أخرج هذه الرواية ابن عساكر 34/54، وذكرها المزي في تحفة الأشراف 10/3.
2المصدر نفسه 34/51.
3ذكر هذه الرواية الدارقطني في العلل الموضع نفسه.
4العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله رقم3126، وانظر: تهذيب التهذيب 4/276-277 لأقوال بقية الحفاظ فيه.
5تاريخ دمشق 34/52.
6ذكر روايته الدارقطني الموضع نفسه، والمنذري الترغيب والترهيب 3/43.
7انظر: المعجم الصغير 1/23 ح2.
8نقله أبو زرعة ابن العراقي عنه في ذيله على ميزان الاعتدال ص101 ترجمة 108.
9 تاريخ دمشق 34/52.(2/883)
وإن كان يتضمن إعلال ما ظاهره الصحة.
وأما الإمام الدراقطني فصرح بأن رواية أبي المغيرة أشبه الطرق عن الأوزاعي بالصواب1. وكذلك قال الخليلي: رواه أصحاب الأوزاعي: الوليد ابن مزيد وغيره مرسلاً، يقول: نبئت أن أبا هريرة، ولا يتابع ابن أبي العشرين، عن الأوزاعي بالاتصال إلى النبي صلى الله عليه وسلم 2.
ومنه أيضاً:
قال أبو داود: "سألت أحمد عن حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة"؟ فقال: هذا حدثنا به عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، ليس فيه عمر" 3.
الحديث الذي ذكره أبو داود للإمام أحمد رواه يحيى بن موسى4،
وعبد بن حميد5، والحسين بن مهدي6، ومحمد بن سهل بن عسكر7، وإسحاق
ابن إبراهيم الحنظلي8 كلهم عن عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن
ـــــــ
1الموضع نفسه.
2المنتخب من الإرشاد 1/447.
3مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص392 رقم1877.
4يحيى بن موسى البلخي الكوفي الأصل، وثقه أبو زرعة، والسنائي، والسراج، والدارقطني وغيرهم تهذيب الكمال 32/9.
وحديثه عند الترمذي الجامع 4/285 ح1851.
5في مسنده 1/33 ح13.
6قال عنه أبو حاتم: صدوق الجرح والتعديل 3/65. وحديثه عند ابن ماجه السنن 2/1103 ح3319، والبزار 1/397 ح275.
7هو البخاري. وثقه النسائي، وابن عدي وغيرهما تهذيب الكمال 25/327. وحديثه عند البزار الموضع نفسه، والمقدسي في المختارة 1/172 ح82.
8وحديثه عند الحاكم المستدرك 4/122.(2/884)
أبيه، عن عمر به مرفوعاً.
ورواه أحمد بن منصور الرمادي1 فقال: أحسبه قال: عن عمر2.
وذكر الإمام أحمد أن عبد الرزاق حدثهم به عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه مرسلاً، ليس فيه عمر، وهكذا هو في "مصنف عبد الرزاق" المطبوع3، وذكر الترمذي أن سليمان بن معبد رواه كذلك4.
وهنا أيضاً لم يصرح الإمام أحمد بالترجيح، وإنما اكتفى بالإشارة إلى الاختلاف، وقد يقوى القول بالترجيح هنا لما عُلم من أن عبد الرزاق كان بآخرة يقبل التلقين، وذلك بعد ذهاب بصره، وسماع أحمد منه كان قبل ذلك وهو في الصحة، فروايته مرجحة على ما خالفها عند الاختلاف، كما هو الحال هنا.
وقد صرح بترجيح الإرسال ابن معين5، والبخاري6. وذكر أبو حاتم ما يدل على أن الرواية الموصولة كان من عبد الرزاق بآخرة، مما يدل على ترجيحه للإرسال. قال: "روى عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "كلوا الزيت وائتدموا به"، حدث به مرة عن زيد بن أسلم، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا رواه دهراً، ثم قال بعد: زيد بن أسلم، عن أبيه، أحسبه عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لم يمت حتى جعله عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك" 7.
ـــــــ
1تقدمت ترجمته ص369، وأن سماعه من عبد الرزاق كان بعد ذهاب بصره.
2أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 5/100 ح5939.
310/422 ح19568.
4الجامع الموضع نفسه.
5التاريخ ـ برواية الدوري 3/142 رقم595.
6علل الترمذي الكبير 2/779.
7علل ابن أبي حاتم 2/15-16 ح1520. وفهم محقق كتاب علل الترمذي الكبير أن هذا يقتضى تصحيح الحديث بصحة رواية الوصل حيث رواه بلا شك، ولم ينتبه إلى أن ذلك بيان لوجه علة الرواية وإشارة إلى ثبوت اضطراب عبد الرزاق في رواية الحديث بعد ذهاب بصره.(2/885)
المطلب الثاني: مخالفة الراوي لرواية الأكثر عدداً
...
المطلب الثاني: مخالفة الراوي لرواية الأكثر عدداً.
والمخالفة بين الرواة تأخذ عدة أشكال، ورواية الراوي لمن هم أولى منه كثرة تأتي في صور:
منها: أن يكون الراوي ثقة حافظاً فيخالف رواية مثله في الحفظ والثقة، ويكون مع المخالف غيره من الرواة يوافقه، فحينئذ رواية الأكثر عدداً هي المرجحة وتكون رواية المنفرد خطأ، مثال ذلك:
قال أبو داود: "سمعت أحمد ذكر له حديث جرير، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العِدّة، ثم صوموا حتى تروا الهِلال أو تُكملوا العِدّة". قال: هذا سفيان وغيره عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يعني يرويه سفيان وغيره، عن منصور، عن ربعي، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ليس من ذا شيء، يعني: ليس قوله: "عن حذيفة"، يعني: يريد ليس حذيفة بمحفوظ بهذا الحديث" 1.
هذا الحديث خالف فيه جريرُ بن عبد الحميد الضبي سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر، وكل من جرير الضبي والثوري ثقة2، فحكم الإمام أحمد بخطأ رواية جرير لمخالفته عدداً من الرواة، فقدم رواية الأكثر عدداً.
ورواية جرير الضبي أخرجها أبو داود3، والنسائي4، وابن خزيمة5،
ـــــــ
1مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص391 رقم1873.
2وجعل الدارقطني الثوري، وجرير الضبي، وشعبة أثبت أصحاب منصور شرح علل الترمذي 2/721.
3السنن 2/744 ح2326.
4السنن 4/135 ح2125، والسنن الكبرى 2/71 ح2436.
5صحيح ابن خزيمة 3/203.(2/886)
وابن حبان1، والدارقطني2، والبيهقي3.
وأخرج رواية الثوري النسائي4، وعبد الرزاق5، وأحمد6، والدارقطني7.
وتابع الثوري: زهير بن معاوية الجعفي8، وأبو الأحوص سلاّم ابن سُليم9، وعَبيدة بن حميد10.
ففي ترجيح الإمام أحمد لرواية الثوري ترجيح بكثرة العدد بين الراويين المتساوييْن في الحفظ والإتقان.
وقد لا يحكم على رواية المخالف بالخطأ، لكن يرد صلاحيتها للقدح في الرواية الأخرى، ومثال ذلك:
قال أبو زرعة الدمشقي: "سألت يحيى بن معين عن حديث أبي سلمة، عن جابر في الشفعة، قلت له: ما تقول فيه؟ قال: منكر، ورأيته يُنكر رفعه عن جابر، ويعجبه وقوفه عن سعيد، وأبي سلمة. قال أبو زرعة: قلت لأحمد بن حنبل: ما تقول فيه؟ قال: هو ثبت، ورفع منه، واعتد برواية معمر له، واحتج له برواية مالك وإن كانت موقوفة. قلت لأحمد: ومن أي شيء ثبت؟ قال: رواه صالح بن أبي الأخضر
ـــــــ
1الإحسان 8/238 ح3458.
2السنن 2/160.
3السنن الكبرى 4/208.
4السنن 4/135 ح2126، والسنن الكبرى 2/71 ح2437.
5المصنف 4/164 ح7337.
6المسند 31/122 ح18825.
7 السنن 2/161، 162.
8 أخرج حديثه الطحاوي شرح معاني الآثار 1/438.
9 أخرج حديثه ابن أبي شيبة المصنف 2/284 ح9020.
10 أخرج حديثه الدارقطني السنن 2/161.(2/887)
ـ يعني مثل رواية معمر ـ قلت: وصالح يحتج به؟ قال: يُستدل به، يعتبر به. قلت لأحمد ويحيى فقالا لي: أُخِذ عن مالك أنه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ذكرا جميعاً رفعه عن مالك، قالا ذلك لي. وقال لي أحمد: سمعه يحيى بن سعيد من مالك موقوفاً" 1.
هذا الحديث اختلف فيه مالك ومعمر على الزهري، وكلاهما ثقة حافظ، وهم من أهل الطبقة الأولى من أصحاب الزهري2، وإن كان الإمام أحمد في عدة روايات عنه يقدم مالك في الزهري على معمر، مع قلة رواية مالك عنه بالنسبة لمعمر3.
فأما مالك فروى الحديث عن الزهري، عن ابن المسيب، وأبي سلمة مرسلاً4.
وأما معمر، فرواه عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر مرفوعاً5.
ـــــــ
1تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/464 رقم1187-1188.
2شرح علل الترمذي 2/613.
3انظر: العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله رقم2543، مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابن هانئ رقم2128، 2273.
4هكذا رواه في الموطأ 2/713. وهي رواية أكثر رواة الموطأ عنه كما قال ابن عبد البر التمهيد 7/36.
ورواه عبد الملك الماجشون حديثه في شرح معاني الآثار 4/121، والسنن الكبرى 6/106 والتمهيد 7/39، وأبو عاصم النبيل وحديثه في المواضع نفسها، ويحيى بن إبراهيم بن أبي قتيلة وحديثه في المصدرين أنفسهما، والتمهيد 7/42، وأبو يوسف القاضي ذكره الدارقطني في العلل 9/338 عن مالك، عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة، عن أبي هريرة به مرفوعاً.
ولم يشر الإمام أحمد إلى هذا الاختلاف على مالك.
5أخرجه البخاري صحيح البخاري 4/407 ح2213 من طريق عبد الرزاق، و4/436 ح2257 من طريق عبد الواحد بن زياد، و5/133 ح2495 من طريق هشام بن يوسف ثلاثتهم عن معمر به، وأبو داود السنن ح3154 وابن ماجه 2/835 ح2499 كلاهما من طريق عبد الرزاق عن معمر.
وخالف صفوان بن عيسى فرواه عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة مرسلاً. أخرجه النسائي السنن 7/320 ح4703، والكبرى 4/62 ح6303.(2/888)
فاختلف الحفاظ في الترجيح، فنقل أبو زرعة الدمشقي عن ابن معين كما في السؤال أنه يقول في حديث معمر: إنه منكر، وأن الصواب رواية مالك؛ وكذلك قال البخاري1.
وأما الإمام أحمد فأثبت رواية معمر، ولم ير رواية مالك علة تعل بها روايته، واحتج في ذلك برواية صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري بمثل رواية معمر2. وصالح بن أبي الأخضر ممن لا يحتج به على الانفراد، لكن يعتبر به ويستدل به كما قال أحمد في هذا الموضع، فصنيع الإمام أحمد هذا يدل على أن رواية الحافظين المتقاربين في الحفظ إذا تعارضتا وجاءت رواية أخرى بموافقة إحدى الروايتين ـ وإن جاءت من جهة راوٍ متكلم فيه ما دام لم يبلغ حد الترك ـ حكم لها، تغليباً لجانب الكثرة، وهذا من أبرز الأمثلة على ذلك. ولم يحكم على الرواية المخالفة بأنها خطأ، إنما ردّ صلاحيتها للقدح في الرواية المحفوظة.
ومن صور المخالفة لرواية الأكثرين، مخالفة الراوي الثقة الحافظ لجمع من الرواة، وإن كان أحفظ من كل واحد منهم على الانفرد، فهنا أيضاً يرجح الإمام أحمد رواية الجماعة على الواحد، أو رواية الأكثر على الأقل، ويحكم على رواية المنفرد أو الأقلين بالخطأ. ومن أمثلة ذلك:
1. قال عبد الله: "سألت أبي عن حديث عبد الرحمن بن مهدي، عن زائدة،
ـــــــ
1قال: الصحيح فيه أنه مرسل. علل الترمذي الكبير 1/572.
2أخرج هذه الرواية الطيالسي المسند ص235 ح1691، وأحمد المسند 23/246 ح14999، والبيهقي السنن الكبرى 6/103 بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة ما لم تُقسم أو يوقف حدودُها.(2/889)
عن موسى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت على عائشة فقلت: أخبريني بمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوصفت له حتى بلغت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خِفة، فخرج يُهادى بين رجليْن وأبو بكر يصلّي بالنَّاس، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر قاعداً، وأبو بكر يصلي بالنَّاس وهو قائم يصلِّي فقال أبي: أخطأ عبد الرحمن في هذا الموضع، أو يكون زائدة أخطأ لعبد الرحمن. حدثني أبي قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ومعاوية بن عمرو، وخالفا عبد الرحمن، وهو الصواب: ما قال عبد الصمد، ومعاوية" 1.
وفي موضع آخر قال: "فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه ألا يتأخر وأمرهما فأجلساه إلى جنبه، فجعل أبو بكر يصلي قائماً والنبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلُّون بصلاة أبي بكر"2.
وحديث عبد الرحمن بن مهدي أخرجه أحمد عنه3، وأخرجه النسائي4 عن العباس بن عبد العظيم عنه. ولفظ موضع الشاهد منه: "فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه أن لا تتأخر، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه، فجعل أبو بكر يصلي قائماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعداً". ولفظ رواية النسائي: "فجعل أبو بكر يصلي قائماً والناس يصلون بصلاة أبي بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعداً".
وأما رواية عبد الصمد بن عبد الوارث5، ومعاوية بن عمرو6
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 3/304 رقم5350.
2المصدر نفسه 3/311 رقم5384.
3المسند 9/140 ح5141، 42/232 ح 26136.
4السنن 2/101 ح833، والسنن الكبرى 1/293 ح908.
5عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد التميمي. قال أحمد: لم يكن به بأس العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص128 رقم225.
6معاوية بن عمرو بن المهلب البغدادي، قال ابن سعد: روى عن زائدة كتبه ومصنفه. قال عنه أحمد: صدوق ثقة. ووثقه أبو حاتم الطبقات الكبرى 7/341، تاريخ بغداد 13/198، تهذيب الكمال 28/209.(2/890)
فأخرجها أيضاً الإمام أحمد1، ولفظ هذه الرواية في موضع الشاهد: "فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تأخر وقال لهما: "أجلساني إلى جنبه"، فأجلساه إلى جنبه، قالت: فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد].
فالاختلاف بين الروايتين كما وضّحه الإمام أحمد هو أن ابن مهدي جعل النبي صلى الله عليه وسلم مأموماً يصلي بصلاة أبي بكر وهو قاعد، والقوم قيام، بينما رواية عبد الصمد ومعاوية جعلت النبي صلى الله عليه وسلم إماماً وهو يصلي قاعداً وأبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر.
وهكذا ذكر ابن رجب هذا الاختلاف عن الإمام أحمد قال: "ورواه زائدة، واختلف عنه، فقال الأكثرون عنه: إن أبا بكر كان يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد، والناس يأتمون بأبي بكر. ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن زائدة، وقال في حديثه: فصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر قاعداً، وأبو بكر يصلي بالناس وهو قائم يصلي. وقد رجح الإمام أحمد رواية الأكثرين عن زائدة على رواية ابن مهدي" 2.
وهذا الذي ذكر عن رواية عبد الصمد ومعاوية وغيرهما3 هو واضح من
ـــــــ
1المسند 43/234 ح26138. وأخرج رواية معاوية بن عمرو لوحده ابن خزيمة صحيح ابن خزيمة 1/126 ح257، وأبو عوانة مسند أبي عوانة 1/440 ح1632. وأخرج ابن سعد الطبقات الكبرى 2/218 روايته مقروناً برواية أبي الوليد الطيالسي.
2فتح الباري لابن رجب 4/86.
3وهم جماعة، منهم:
1. أحمد بن عبد الله بن يونس، وحديثه عند البخاري صحيح البخاري 2/172 ح687، ومسلم صحيح مسلم 1/311 ح418، والدارمي سنن الدرامي 1/287، والبيهقي السنن الكبرى 1/123. =(2/891)
ألفاظ روايتهم، وأما رواية ابن مهدي فليس ذلك بواضح، لأنه ليس منصوصاً فيها على حسب ما جاء في رواية الإمام أحمد في مسنده والنسائي كلاهما لحديث ابن مهدي.
ولا شك أن الخلاف واقع بين الروايتين، لكنّ غايته أن ابن مهدي لم يصرح بأن أبا بكر صلى بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما صرّح بذلك عبد الصمد ومعاوية ابن عمرو وغيرهما. وأما على ما ذكره الإمام أحمد في العلل وكذلك ابن رجب، من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بصلاة أبي بكر فلم أقف عليه في لفظ رواية ابن مهدي.
وقد عدّ الإمام أحمد مخالفة ابن مهدي لرواية عبد الصمد ومعاوية خطأ إما من ابن مهدي نفسه، أو من زائدة حينما حدثه به، وصوّب رواية عبد الصمد ومعاوية، مع أنه ليس واحد منهما بمنزلة ابن مهدي في الحفظ، لكن قدّم روايتهما
ـــــــ
2. حسين بن علي الجعفي، وحديثه عند ابن أبي شيبة المصنف 2/118 ح7163، ومن طريق ابن حبان الإحسان 5/480 ح2106.
3. يحيى بن أبي بكير، وحديثه عند أبي عوانة مسند أبي عوانة 1/440 ح1632، وابن المنذر الأوسط 1/155 ح49.
4. أبو أسامة حماد بن أسامة، وحديثه عند إسحاق في مسنده 2/503 ح1091، ومن طريقه ابن حبان الإحسان 14/567 ح6602.
5. عبد الله بن المبارك، وحديثه عند النسائي السنن الكبرى 4/254 ح7084، وذكره مختصراً وليس فيه موضع الشاهد.
6. الوليد بن عقبة، وحديثه عند إسحاق المسند 2/505 ح1092، وأحال بلفظه على حديث أبي أسامة.
7. خلف بن تميم، ذكر حديثه أبو عوانة مقرونا بحديث معاوية بن عمرو، وابن أبي بكير مسند أبي عوانة الموضع نفسه.
8. أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، حديثه عند ابن سعد مقرونا بمعاوية بن عمرو الطبقات الكبرى 2/218.
وكل من ذُكر لفظ روايته قال: "فجعل أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد".(2/892)
على روايته لاجتماعهما، فقدم رواية الأكثر عدداً على رواية الأحفظ.
ومن أمثلة مخالفة الراوي الحافظ لرواية الأكثرين، وتقديم الإمام أحمد لرواية الأكثرين:
2. قال الأثرم: سألت أحمد بن حنبل عن حديث أبي سعيد في السهو، أتذهب إليه؟ قال: نعم، أذهب إليه. قلت: إنهم يختلفون في إسناده. قال: إنما قصر به مالك، وقد أسنده عدة، منهم ابن عجلان، وعبد العزيز بن أبي سلمة1.
حديث أبي سعيد الخدري في السهو رواه الإمام مسلم2 من طريق سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً، فلْيطرحِ الشَّكَّ ولْيَبْنِ على ما استَيْقَن، ثم يسجد سجدتيْن قبلَ أن يُسلّم، فإن كان صلّى خمساً شفعْنَ له صلاتَه، وإن كان صلى إتماماً لأربعٍ كانتا ترغيماً للشيطان".
فهنا أجاب الإمام أحمد على الاعتراض عليه من احتجاجه برواية قد دخلها الإعلال بالإرسال، بأن عدداً من الرواة قد رووا الحديث موصولاً، فلم تكن لعلة الإرسال أي أثر، ففيه تقديم الإمام أحمد لرواية العدد على رواية الأحفظ مع قصور آحادهم في الحفظ دونه. ولم يذكر جميع من روى الحديث موصولاً بل اقتصر على ذكر اثنين منهم.
والذين رووا الحديث موصولاً: سليمان بن بلال كما تقدم في رواية مسلم، ومحمد ابن عجلان3، وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون4،
ـــــــ
1التمهيد 5/25، وانظر: فتح الباري لابن رجب 6/505.
2صحيح مسلم 1/400 ح571.
3أخرج روايته أبو داود السنن 1/621 ح1024، والنسائي السنن 3/27 ح1237، والسنن الكبرى 1/205 ح584، والطحاوي شرح معاني الآثار 1/433، والدارقطني السنن 1/372.
4أخرج حديثه النسائي السنن 3/27 ح1238، والسنن الكبرى 1/368 ح1162، والدارمي السنن 1/351، وأبو عوانة مسند أبي عوانة 1/509 ح1906، والدارقطني 1/371، والبيهقي 2/331.(2/893)
وفليح بن سليمان1، وأبو غسان محمد بن مطرف2، ويحيى بن محمد بن قيس3، وهشام بن سعد4.
ورواه مرسلاً مالك5، ويعقوب بن عبد الرحمن القارئ6، وحفص ابن ميسرة7، وداود بن قيس على الصحيح8، والثوري9.
ولا شك أن عدد الذين وصلوه أكثر من الذين أرسلوه.
ومن صور مخالفة الراوي الأحفظ لرواية من هم أكثر منه عدداً ويكون الحكم لرواية الأكثر:
3. روى يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان، عن منصور، عن ربعي ابن خراش، عن طارق بن عبد الله المُحاربي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كنت في الصلاة، فلا تبزقْ عن يمنيك ولا من بين يديك، ولكن خلفَك أو تلقاءَ شمالك أو تحت قدمك اليُسرى". قال ابن رجب: وقد أنكر الإمام أحمد هذه اللفظة في هذا الحديث، وهي
ـــــــ
1أخرج حديثه أحمد المسند 18/221 ح11689، والدارقطني 1/375.
2أخرج حديثه أحمد المسند 18/346 ح11830، وأبو عوانة مسند أبي عوانة 1/509 ح1905.
3أخرج حديثه النسائي السنن الكبرى 1/205 ح586.
4أخرج حديثه البيهقي السنن الكبرى 2/331.
5الموطأ 1/95، وانظر: التمهيد 5/18. وذكر ابن عبد البر أن الوليد بن مسلم أسنده عن مالك، وكذلك يحيى بن راشد.
6أخرج حديثه أبو داود 1/623 ح1027.
7أخرج حديثه البيهقي 2/331.
8 هكذا رواه بحر بن نصر عن ابن وهب عنه. أخرجه البيهقي الموضع نفسه. وأخرجه مسلم الموضع نفسه عن أحمد بن أخي ابن وهب، عن عمه، عن داود بن قيس موصولاً. قال البيهقي: ورواية بحر بن نصر كأنها أصح.
9 ذكره ابن رجب، ولم أقف على روايته.(2/894)
قوله: "خلفك"، وقال: لم يقل ذلك وكيع، ولا عبد الرزاق1 حديث يحيى بن سعيد القطان أخرجه الترمذي2، والنسائي3، وأحمد4، وابن خزيمة5، والمقدسي6 من طرق عنه عن سفيان به بهذا اللفظ، وبعضهم قال: "تلقاء شمالك إن كان فارغاً"، وكلهم ذكروا لفظة: "خلفك".
وأنكرها الإمام أحمد لأن وكيعاً وعبد الرزاق لم يذكراها؛ أما حديث وكيع فأخرجه ابن ماجه7، وابن أبي شيبة8 أما حديث عبد الرزاق فأخرجه في "مصنفه"9، ومن طريقه الضياء المقدسي10.
وجعل الإمام أحمد اجتماعهما مرجحاً على رواية يحيى وإن كان أحفظ منهما. قال عبد الله عن أحمد: ليس من أصحاب سفيان أعلى من يحيى11، وكان يقدم يحيى وعبد الرحمن في سفيان12.
فرجح بالكثرة على رواية الأحفظ.
وممن رواه عن سفيان موافقاً لوكيع وعبد الرزاق، عبيد الله الأشجعي13،
ـــــــ
1فتح الباري لابن رجب 2/344.
2الجامع 2/460 ح571.
3السنن 2/52 ح725، والسنن الكبرى 1/265 ح805.
4المسند 45/197 ح27221.
5صحيح ابن خزيمة 2/44 ح876.
6الأحاديث المختارة 8/121 ح134، 8/122 ح136.
7السنن 1/326 ح1021.
8المصنف 2/142 ح7453.
91/432 ح1688.
10 الأحاديث المختارة 8/123 ح138.
11 المنتخب من العلل للخلال ص320.
12 الموضع نفسه.
13 أخرج حديثه الحاكم المستدرك 1/256.(2/895)
والحسين بن حفص1.
قال الدارقطني: هي وهم من يحيى بن سعيد، ولم يذكرها جماعة من الحفاظ من أصحاب سفيان، وكذلك رواه أصحاب منصور2 عنه، لم يقل أحد منهم: [ابزق خلفك].
ومنها أيضاً:
4. روى الخطيب من طريق محمد بن صالح البغدادي3 قال: "رأيت أبا زرعة الرازي دخل على أحمد بن حنبل وحدثه، ورأيته قد مجمج4 على حديث كان حدّثه عبد الرزاق، عن معمر، عن منصور، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى بين جنبيه. وقد مجمج عليه أحمد فقال له أبو زرعة: أي شيء خبر
ـــــــ
1أخرجه البيهقي السنن الكبرى 2/292، وكذلك الحاكم على ما ثبت في بعض نسخ الكتاب المخطوطة انظر: إتحاف المهرة 6/345.
2وهم:
ـ جرير بن عبد الحميد الضبي، وحديثه عند ابن خزيمة 2/45 ح877، والمقدسي الأحاديث المختارة 8/123 ح137.
ـ شعبة، وحديثه عند الطيالسي ص180 ح1275، وأحمد المسند 45/198 ح27222.
ـ وزائدة بن قدامة، وحديثه عند الطبراني المعجم الكبير 8/313 ح8167، والمقدسي 8/124 ح140.
ـ وأبو الأحوص سلام بن سليم، وحديثه عند أبي داود السنن 1/322 ح478، والطبراني المعجم الكبير 8/313 ح8168.
ـ وعبيدة بن حميد، وحديثه عند أحمد المسند 45/198 ح27223.
ـ ومفضل بن مهلهل، وحديثه البيهقي في شعب الإيمان 7/516.
ـ وعيلان بن جامع المحاربي، وحديثه عند الطبراني المعجم الأوسط 3/329 ح3307، والمقدسي 8/122 ح135.
3لم أقف على ترجمته.
4المجمجمة تغيير الكتاب وإفساده عما كتب. ويقال: مجمج خطه خلّطه، وخط مجمج لسان العرب 2/362، أساس البلاغة ص420، فالمعنى أي ضرب عليه.(2/896)
هذا الحديث؟ فقال: أخاف أن يكون غلطاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن سفيان قد حدّث عن منصور، عن إبراهيم أنه كان إذا سجد جافى بين جنبيه. فقال له أبو زرعة: يا أبا عبد الله الحديث صحيح، فنظر إليه، فقال أبو زرعة: حدثنا أبو عبد الله البخاري محمد بن إسماعيل، حدثنا رضوان البخاري، قال: حدثنا فضيل بن عِياض، عن منصور، عن سالم، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى بين جنبيه. وحدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام بن يوسف الصنعاني، أخبرنا معمر، عن منصور، عن سالم، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى بين جنبيه. فقال أحمد: هات القلم إلي، فكتب: صح، صح، صح ثلاث مرات" 1.
ففي هذه المذاكرة بين الإمام أحمد والإمام أبي زرعة الرازي كان الإمام أحمد ينكر حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى حتى يُرى بياضُ إبطيْه"2، لمخالفة الثوري له، حيث رواه عن منصور، عن إبراهيم فعله3. وذلك أن الثوري أحفظ من معمر في منصور، فقد قيل في معمر: كأنه ليس بالقوي في منصور4.
ثم رجع الإمام أحمد عن إنكاره لهذا الحديث لما ذكر له متابعة فُضيل بن عياض له عن منصور، وصحح الحديث، وكلٌ من معمر، وفضيل بن عياض لا يقارن بسفيان الثوري في الحفظ، لكن لما اجتمعا قدم قولهما على قول الثوري. ففي هذا
ـــــــ
1تاريخ بغداد 10/326.
2أخرجه عبد الرزاق المصنف 2/168 ح2922، ومن طريقه أحمد المسند 22/43 ح14138، وابن خزيمة 1/326 ح649، وابن المنذر الأوسط 3/171 ح1444، والبيهقي 2/115. وذكر سالم أبي الجعد مثبت، مما يدل على أن سقوطه في صدر رواية الخطيب سقط من الناسخ.
3أخرجه عبد الرزاق عن الثوري، عن منصور، عن إبراهيم: حُدِّثتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُرى بياض إبطه إذا سجد المصنف 2/170 ح2926.
4نقله ابن رجب شرح علل الترمذي 2/721.(2/897)
تقديم لرواية الأكثر عدداً على الأحفظ.
ومن الأمثلة على هذه الصورة أيضاً:
5. قال أبو زرعة الرازي: "سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: حديث أبي الأحوص، عن سِماك، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي بردة خطأ الإسناد والكلام، فأما الإسناد فإن شريكاً، وأيوب، ومحمد ابني جابر رووه عن سماك، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن بُريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه الناس فانتبذوا في كل وِعاء، ولا تشربوا مسكراً. قال أبو زرعة: كذا أقول، هذا خطأ، أما الصحيح حديث ابن بريدة، عن أبيه" 1.
وقال النسائي: قال أحمد بن حنبل: كان أبو الأحوص يخطئ في هذا الحديث، خالفه شريك في إسناده وفي لفظه2.
حديث أبي الأحوص أخرجه النسائي3، عن هناد بن السري، عن أبي الأحوص، عن سماك بن حرب، عن القاسم بن عبد الرحمن المسعودي، عن أبيه، عن أبي بُردة بن نيار البلوي4 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اشربوا في الظروف، ولا تَسكَروا". وأخرجه ابن أبي شيبة5، والطبراني6 بمثل هذا اللفظ. وأخرجه أبو داود الطيالسي7 بلفظ: "اشربوا، ولا تسكروا". وأخرجه الدارقطني8 بلفظ:
ـــــــ
1علل ابن أبي حاتم 2/25.
2السنن الكبرى 3/232.
3السنن 8/319 ح5693، السنن الكبرى 3/231 ح5187.
4وهو صحابي، وليس بأبي بردة بن أبي موسى الأشعري، فذاك تابعي انظر: تهذيب الكمال 33/71.
5المصنف 5/85 ح23940.
6المعجم الكبير 22/198 ح522.
7مسند الطيالسي 195 ح1369، ومن طريق البيهقي في السنن الكبرى 8/298.
8السنن 4/259.(2/898)
"اشربوا في المرفّت، ولا تسكروا" وأخرجه الطحاوي1 بلفظ: "إني كنت نهيتكم عن الشرب في الأوعية، فاشربوا فيما بدا لكم ولا تسكروا". ولم يختلفوا في الإسناد.
وذكر الإمام أحمد أن أبا الأحوص سلاّم بن سُليم أخطأ في الإسناد والمتن في هذه الرواية، وخالف عدداً من الرواة عن سماك، وذكر منهم: شريك بن عبد الله القاضي، ومحمد وأيوب ابني جابر اليماميان.
أما رواية شريك فأخرجها النسائي2 من طريق يزيد بن هارون، عن شريك، عن سماك بن حرب، عن ابن بريدة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن الدُّبَّاء، والحَنتَم، والنَّقِير، والمُزَفَّت" ثم قال: "إني كنت نهيتكم عن الظروف فانتبذوا فيما بدا لكم، واجتنوا كل مسكر". وهكذا رواه ابن عبد البر من وجه آخر عن يزيد بن هارون3. فأسقط القاسم بن عبد الرحمن، وجعله من مسند بريدة بن الحُصيب.
ورواه إسحاق الأزرق عن شريك، فقال: عن سماك، عن القاسم بن مخيمرة، عن ابن بريدة، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نهيتكم عن الأوعية فانتبذوا فيه واجتنبوا كل مسكر"، أخرجه ابن ماجه4.
وأما الرواية التي ذكرها الإمام أحمد عن شريك، عن سماك، عن القاسم ابن عبد الرحمن، عن ابن بُريدة، عن أبيه، فلم أقف عليها. والاختلاف في الروايتين السابقتين محمول على سوء حفظ شريك.
ـــــــ
1شرح معاني الآثار 4/228.
2السنن 8/319 ح5694، والسنن الكبرى 3/231 ح5188.
3التمهيد 3/227، وزاد في اللفظ ذكر النهي عن زيارة القبور، وعن ادخار لحوم الأضاحي فوق الثلاث.
4السنن 2/1127 ح3405.(2/899)
وحديث محمد بن جابر رواه الطبراني1، والدارقطني2 من طريقه عن سماك، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن بريدة، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كنا نهيناكم عن الشرب في الأوعية، فاشربوا في أي سِقاء شئتم ولا تشربوا مسكراً". هذه رواية أحمد بن إبراهيم القوهستاني عن يحيى بن يحيى النيسابوري، عن محمد بن جابر. وقال الدارقطني: هذا هو الصواب. وقال إسحاق السراج عن يحيى النيساري3، ولوين4، كلاهما عن ابن جابر: "ولا تسكروا".
وأما حديث أيوب بن جابر، فرواه أحمد5، والعقيلي6 من طريقه، عن سماك، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بوَدَّان قال: "مكانكم حتى آتيكم"، ثم جاءنا وهو ثقيل، فقال: "إني أتيتُ قبر أم محمد فسألت ربي الشفاعة فمنعنيها، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونيهيتكم عن لُحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام، فكلوا وأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن هذه الأشربة في هذه الأوعية فاشربوا فيما بدا لكم". ولفظ العقيلي: "اشربوا فيما بدا لكم ولا تسكروا". وكأن الإمام أحمد أسقط اللفظة الأخيرة من روايته لنكارتها، فإنها هي سبب إنكاره لمتن حديث أبي الأحوص. وهي تدل على أن الخطأ في المتن كان من سماك، وليس من أبي الأحوص7.
ووجه المخالفة في الإسناد أن أبا الأحوص رواه عن سماك فجعله من حديث
ـــــــ
1المعجم الأوسط 3/219 ح2966.
2السنن 4/259.
3وروايته عند الطبراني.
4وروايته عند الدارقطني.
5المسند 38/124 ح23017.
6الضعفاء 1/130.
7وهذا ما ذهب إليه أبو داود كما في بعض نسخ مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص386.(2/900)
أبي بردة بن نيار؛ ورواه من طريق القاسم بن عبد الرحمن المسعودي، عن أبيه عن أبي بردة. والباقون رووه عنه، عن القاسم، عن ابن بريدة، عن بريدة بن الحُصيب.
وأما في المتن فقال أبو الأحوص: "ولا تسكروا"، وأما الباقون ـ على اختلاف بينهم ـ فقالوا: "ولا تشربوا مسكراً"، أو "واجتنبوا كل مسكر"، وهما بمعنى. فرواية أبي الأحوص لا تدل على النهي من شرب المسكر، إنما تدل على النهي عن الإسكار، بخلاف رواية الباقين. ولذلك جاء في رواية أبي داود عن أحمد: "ومرَّ فيه، فاحتج به أصحاب الأشربة، وإنما الحديث حديث ابن بريدة" 1.
فقد اعتمد الإمام أحمد رواية هؤلاء لرد وتخطئة رواية أبي الأحوص، مع أن كل واحد منهم على الانفراد دونه في الحفظ. قال الإمام أحمد في أبي الأحوص: ليس به بأس2. وقال في موضع آخر: هو وجرير الضبي متقاربان في الحديث وهما ثقتان3. وقال عبد الله: كان أبي إذا رضي عن إنسان، وكان عنده ثقة حدث عنه وهو حي، فحدثنا عن... وأبي الأحوص وهو حي4 وقال ابن مهدي: أبو الأحوص أثبت من شريك5.
وقال في شريك القاضي: كان صدوقاً عاقلاً محدثاً عندي، فقيل له: يحتج به؟ قال: لا تسألني عن رأي في هذا6. وقال أيضاً: ليس على شريك قياس، كان يحدث الحديث بالتوهم 7.
ـــــــ
1مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص385 رقم1859.
2العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/479 رقم3148.
3مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابن هانئ 2/215 رقم2175.
4العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/238 رقم310.
5التاريخ الكبير 4/135.
6الضعفاء للعقيلي 2/574.
7المعرفة والتاريخ 2/168.(2/901)
وقد تقدم قوله في محمد بن جابر وأنه ليس بالقوي، وأنه ربما ألحق في كتابه1. وأما أخوه أيوب بن جابر، فقال فيه الإمام أحمد: ليس به بأس، وقال: ضعُف أمره في آخر أمره، كان ذهب بصرُه2. وقال أيضاً: حديثه يشبه حديث أهل الصدق3.
وتابع الإمامَ أحمد على إنكار هذا الحديث الإمام أبو زرعة الرازي كما تقدم، وكذلك الإمام النسائي، قال: "هذا حديث منكر، غلط فيه أبو الأحوص سلام ابن سُليم، لا نعلم أحداً تابعه عليه من أصحاب سماك، وسماك ليس بالقوي وكان يقبل التلقين" 4. وأما أبو داود فجعل الخطأ في الإسناد من أبي الأحوص، وفي المتن من سماك5.
وحديث بريدة مشهور من طرق صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً". أخرجه مسلم6 وغيره.
وكذلك إذا كانت المخالفة من جماعة من الرواة لمن هم أكثر منهم عدداً، وكان كلا الجانبين موصوفاً بالحفظ، فالإمام أحمد أيضاً يقدم جانب الكثرة، ولا يعتبر مخالفة الأقلين علة في رواية الأكثرين، ومن أمثلة ذلك:
قال أبو بكر الأثرم: "قلت لأبي عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل رحمه الله ـ الذي يصح في هذا الحديث، حديث كُريب، مرسل؟ أو عن ابن عباس؟ فقال: هو عن
ـــــــ
1انظر: ص535.
2سؤالات أبي دواد للإمام أحمد ص357 رقم556.
3الجرح والتعديل 2/243.
4السنن الكبرى 3/233.
5مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص385-386.
6صحيح مسلم 2/672، 3/1563.(2/902)
ابن عباس صحيح. قيل لأبي عبد الله: إن الثوري ومالكاً يرسلانه، فقال: معمر، وابن عيينة، وغيرهما قد أسندوه" 1.
والمقصود بحديث كُريب هو حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لقِي ركْباً بالرَّوْحاء، فقال: "من القومُ"؟ قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ قال: رسول الله، فرفعتْ إليه امرأةٌ صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر".
والاختلاف في وصله وإرساله وقع على إبراهيم بن عقبة راويه عن كريب.
فرواه مرسلاً: مالك2، والثوري3، وزهير ابن معاوية4، وموسى ابن عقبة5.
ـــــــ
1التمهيد 1/103.
2قال ابن عبد البر: هذا الحديث مرسل عند أكثر الرواة للموطأ التمهيد 1/95.
وهو في الموطأ ـ رواية الليثي 1/422 ـ موصول، وكذلك رواية أبي مصعب 1/488 ح1256.
قال ابن عبد البر: وقد أسنده عن مالك ابن وهب، والشافعي، ومحمد بن خالد بن أبي عثمة، وأبو مصعب، وعبد الله بن يوسف، فقالوا فيه عن مالك، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس... وكذلك رواه سحنون، والحارث بن مسكين، وأحمد بن عمرو ابن السرح، وسليمان بن داود التمهيد، الموضع نفسه.
3أخرج روايته مسلم 2/974 ح1336 من طريق ابن مهدي، وكذلك أحمد المسند 5/272 ح3196. ورواه وكيع عن الثوري، عن إبراهيم بن عقبة، ومحمد بن عقبة، عن كريب مرسلاً. أخرجه ابن أبي شيبة 3/354 ح14872.
وذكر ابن عبد البر أن القطان رواه عن الثوري، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب مرسلاً، وعن الثوري، عن محمد بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس مسنداً التمهيد 1/99-100، 103.
ورواه مسنداً عن الثوري، عن إبراهيم، عن كريب، عن ابن عباس أبو نعيم. أخرج حديثه النسائي السنن 5/121 ح2648، والسنن الكبرى 2/326 ح3628، والبيهقي السنن الكبرى 5/155، وأحمد مقروناً بأبي أحمد الزبيري المسند 5/275 ح3202.
4ذكره البخاري تعليقاً التاريخ الكبير 1/198.
5وهي رواية ابن جريج عنه كما علقه البخاري الموضع نفسه.
ورواه عبد الرحمن بن إسحاق، عنه مسنداً. أخرجه الطبراني المعجم الكبير 11/416 ح12183.(2/903)
ورواه مسنداً: معمر1، وابن عيينة2، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون3، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة4، وعبد الله بن المبارك5. ورواه بعض الرواة عن مالك، والثوري، وموسى بن عقبة6.
فرجح الإمام أحمد رواية الوصل لكثرة عدد رواتها حيث قال: معمر، وابن عيينة وغيرهما قد أسندوه.
قال ابن عبد البر: والحديث صحيح مسند ثابت الاتصال، لا يضره تقصير من قصر به، لأن الذين أسندوه حفاظ ثقات7.
وأما الإمام يحيى بن معين فرجح الرواية المرسلة؛ قال: إنما يرويه الناس مرسلاً عن كريب8.
وقال الإمام البخاري: "أخشى أن يكون هذا الحديث مرسلاً في الأصل، قال أبو ظبيان، وأبو السفر عن ابن عباس: "أيما صبي حج ثم أدرك فعليه الحج"، وهذا المعروف عن ابن عباس" 9، فكأنه يرى أن قول ابن عباس هذا معارض
ـــــــ
1أخرج حديثه أحمد المسند 3/385 ح 1899، وابن عبد البر التمهيد 1/101.
2أخرج حديثه مسلم صحيح 2/974 ح1336، وأبو داود ح1736، والنسائي 5/121 ح2648، والسنن الكبرى 2/326 ح3628، والحميدي مسنده 1/234 ح504، وأحمد المسند 3/384 ح1898، وابن خزيمة صحيح ابن خزيمة 4/349 ح3049، وابن حبان الإحسان 9/107 ح3798، والطحاوي شرح معاني الآثار 2/256. ولم يختلف عنه.
3أخرج حديثه أحمد المسند 4/71 ح2187، والبيهقي السنن الكبرى 5/155.
4أخرج حديثه الطبراني المعجم الكبير 11/414 ح12177، والبيهقي السنن الكبرى 5/155.
5علقه البخاري في التاريخ الكبير 1/198.
6أشرت إلى من قال ذلك عنهم.
7التمهيد 1/100.
8التاريخ ـ برواية الدوري 3/141 ح594.
9التاريخ الكبير 1/199.(2/904)
لحديثه الذي رواه، فلو أن الحديث عنده لما قال هذا القول، وهو قول ثابت عنه.
والذي يؤيد ما ذهب إليه الإمام أحمد أن من روى الحديث مرسلاً، قد روي عنه مسنداً أيضاً1، مما يدل على أنهم لما أرسلوه قصّروا به وهو عندهم مسند ثابت الاتصال، والعلم عند الله.
والشاهد أن الإمام أحمد رجح بالكثرة في مسألة كلا الجانبين فيها موصوف بالحفظ، ففي الجانب الأول: مالك، والثوري، وفي الجانب الثاني: معمر، وابن عيينة وغيرهما.
ومن ترجيح الإمام أحمد لرواية الجماعة على الواحد بإطلاق:
قال ابن هانئ: "وحديث سليمان بن بلال حديث أبي وجزة، عن رجل من بني مزينة، عن عمر بن أبي سلمة: دعاني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كل مما يليك"، ليس هو عن رجل، إنما هو عن أبي وجزة، عن عمر، حدثني به ثلاثة لا يقولون فيه: عن رجل" 2.
رد الإمام أحمد على رواية من قال: عن سليمان بن بلال، عن أبي وجزة، عن رجل من بني مزينة، عن عمر بن أبي سلمة، ردها بأن جماعة رووه عن سليمان بن بلال، عن أبي وجزة، عن عمر بن أبي سلمة، ليس فيه: عن رجل. وهؤلاء الثلاثة هم: أبو سعيد مولى بني هاشم3، وموسى بن داود4، ومنصور بن سلمة الخزاعي5.
ـــــــ
1إلا زهير بن معاوية، فلم أقف على روايته إلا ما ذكره البخاري عنه تعليقاً بالإرسال قولاً واحداً.
2مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابن هانئ 2/248 رقم2390.
3حديثه عند أحمد المسند 26/256 ح16338.
4حديثه عند أحمد المسند 26/257 ح16339، وابن عبد البر التمهيد 23/17.
5وحديثه عند أحمد المسند 26/257 ح16340/1.(2/905)
ولم أقف على من رواه عن سليمان بن بلال بذكر رجل من مزينة.
وإنما رواه من هذا الوجه هشام بن عروة، وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، روياه عن أبي وجزة يزيد بن عبيد1، عن رجل من مزينة، عن عمر بن أبي سلمة. أخرجه أحمد عن وكيع، عنهما به2. وأخرجه الطبراني من حديث كل واحد منها على حدة3. ورواه أبو معاوية عن هشام، فقال: عن أبي وجزة، عن رجل من بني سعد، عن رجل من مزينة، عن عمر بن أبي سلمة4. وأبو معاوية في أحاديثه عن هشام بن عروة اضطراب5.
وفي هذا الإعلال تقديم رواية الجماعة على الواحد.
فيكاد الأمر عند الإمام أحمد يطرد أنه لا يعتد برواية من خالف جمعاً من الرواة وإن كان حافظاً، مما يدل على أنه كان يعطي اعتباراً كبيراً لتعدد الرواة في الرواية، ووجه ذلك أن الجماعة أولى بالحفظ من واحد. وهذا أيضاً يعكس منهجه من رد أفراد الرواة حتى الثقات منهم إذا لم يكونوا من الحفاظ المتقنين، وحتى إنه في بعض الأحيان يتهيب من قبول أفراد الحفاظ المتقنين كما تقدم.
وإذا وقعت المخالفة من الراوي لجماعة من الروة، وكانوا مع تعددهم أكثر حفظاً منه، فحديثه أولى بالإنكار من غيره، خاصة إذا كان سيء الحفظ، ومثال ذلك:
قال المرُّوذي: "ونظر ـ أي الإمام أحمد ـ في حديث عِسل بن سفيان، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قال: النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن"، فقال:
ـــــــ
1أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي المدني. وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: لا بأس به، صاحب قرآن الجرح والتعديل 9/279.
2المسند 26/250 ح16330.
3المعجم الكبير 9/26 ح8298، 9/27 ح8301.
4أخرجه أحمد المسند 26/251 ح16331.
5شرح علل الترمذي 2/680.(2/906)
ليس من هذا شيء، من قال: عن عائشة فقد أخطأ، وضعف عِسل بن سفيان. وسألته عن حديث إسماعيل بن رافع قال: حدثني ابن أبي مليكة، عن عبد الرحمن ابن السائب، فنفض يده، وقال: ليس من هذا شيء وضعفه" 1.
حديث عائشة رواه أبو يعلى2، والحاكم3، من طريق الحارث بن مرّة4، والبخاري5، وابن عدي6 من طريق شعبة كلاهما عن عسل بن سفيان به.
وأما رواية إسماعيل بن رافع، فرواه ابن ماجه7، وأبو يعلى8، والشاشي9، والبيهقي10 من طرق عنه، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الرحمن ابن السائب، عن سعد بن أبي وقاص سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذا القرآن نزل بحُزن فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به، فمن لم يتغن به فليس منا".
وقد جزم الإمام أحمد بأن الرواية بذكر عائشة خطأ، وأن عسل بن سفيان الذي قال ذلك في روايته ضعيف، ويشير رحمه الله إلى أن غيره قد رواه ولم يذكر عائشة، وأن تلك الرواية هي المرجَّحة، وهو كذلك، فقد رواه ابن جريج، وعمرو ابن دنيار عن ابن أبي مليكة، عن عبيد الله بن أبي نهيك، عن سعد بن أبي وقاص.
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية المروذي وغيره ص143-144 رقم256، 257.
2مسند أبي يعلى 8/195 ح4755.
3المستدرك 1/570.
4وثقه أبو ابن معين، وعنه: ليس به بأس، وكذلك قال أبو داود، والنسائي. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه تهذيب التهذيب 2/156.
5التاريخ الكبير 5/401.
6الكامل في ضعفاء الرجال 5/2012.
7السنن 1/424 ح1337.
8المسند 2/50 ح689.
9مسند الشاشي 1/223 ح184.
10 السنن الكبرى 10/231.(2/907)
أما رواية ابن جريج فأخرجها الحميدي1، والحاكم2؛ ورواية عمرو ابن دينار أخرجها أبو داود3، وعبد الرزاق4، والحميدي5، وأحمد6، وابن أبي شيبة7، والدارمي8، والبزار9، والحاكم10، والبيهقي11، وذكر البخاري الروايتين تعليقاً12.
وتابعهما غير واحد منهم: سعيد بن حسان المخزومي المكي13، وحسام ابن مِصَكّ14، والليث بن سعد، لكن اختلف عليه فيه: هل هو عن عبيد الله ابن أبي نهيك، أو عن عبد الله بن أبي نهيك، وهل هو عن سعيد بن أبي سعيد،
ـــــــ
1المسند 1/41 ح77.
2المستدرك 1/569.
3السنن 2/156 ح1470.
4المصنف 2/483 ح4171.
5مسند الحميدي 1/41 ح76.
6المسند 3/99 ح1512.
7المصنف 2/157 ح8738.
8سنن الدارمي 1/349.
9مسند البزار 4/68 ح1234.
10 المستدرك 1/569.
11 السنن الكبرى 10/230.
12 التاريخ الكبير 5/401.
13 وثقه ابن معين، وأبو داود، والنسائي وغيرهم تهذيب التهذيب 4/16.
وأخرج حديثه الطيالسي ص28 ح201، وأحمد المسند 3/74 ح1476، وابن أبي شيبة المصنف 2/257 ح8739.
14 قال أحمد: مطروح الحديث، وضعفه غير واحد، وقال أبو حاتم: ليس بقوي يكتب حديثه. قال الحافظ ابن حجر: ضعيف، يكاد يترك الجرح والتعديل 3/317، تهذيب الكمال 6/7، تقريب التهذيب 1203.
وحديثه في مسند الشهاب 2/207 ح1196.(2/908)
أو عن سعد. أشار إلى هذا الاختلاف أبو داود1، والدراقطني2، والقضاعي3. وذكر الدارقطني أن رواية الغرباء عن الليث، جاءت على الصواب، أي بموافقة رواية ابن جريج، وعمرو.
فاجتماع هؤلاء على رواية الحديث على هذا الوجه عن ابن أبي مليكة، عن ابن أبي نهيك، عن سعد، يقضي بخطأ رواية عِسل بن سفيان، لما لدى رواته من مزيد الضبط والكثرة. فعِسل بن سفيان قد ذكر الإمام أحمد ضعفه. وقال في رواية عبد الله: ليس هو عندي بقوي في الحديث4، وهو متفق على ضعفه عند بقية الأئمة5. فلا يقارن بواحد من الذين خالفوه لو انفرد، فكيف وقد اجتمعوا.
ومثل هذا يقال في رواية إسماعيل بن رافع التي ضعفها الإمام أحمد أيضاً، فقد ضعفه إسماعيل بن رافع أيضاً، وقال في رواية حنبل: منكر الحديث6، وهو أيضاً متفق على ضعفه عند بقية الأئمة7.
وقد وافق الإمامَ أحمدَ الإمامُ البخاري على تخطئة الرواية التي ذكرت عائشة8، وقال رواية عمرو وابن جريج هي الأصح.
ـــــــ
1 السنن 2/156.
2علل الدارقطني 4/389.
3مسند الشهاب 2/207.
4العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/366 رقم2626.
5انظر: تهذيب الكمال 20/53.
6تهذيب الكمال 3/87.
7إلا ما نقله الترمذي عن البخاري أنه وثقه وقال: هو مقارب الحديث، ورده الذهبي عليه انظر: تهذيب الكمال 3/88، ميزان الاعتدال 1/227.
8التاريخ الكبير 5/401، وهناك وجه آخر لرواية الحديث عن ابن أبي مليكة ذكره البخاري في هذا الموضع وخطأه، وهو رواية عبيد الله بن الأخنس، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس به.(2/909)
ومثال آخر:
قال أبو داود: "قلت لأحمد: عامر الأحول؟ قال: شيخ قد احتمله الناس، وليس حديثه بذاك، روى حديث عطاء، عن أبي هريرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأَ ثلاثاً ثلاثاً"، وإنما يرويه عطاء، عن عثمان" 1.
حديث عامر الأحول أخرجه أحمد2، والطحاوي3، والطبراني4 كلهم من طريق همام، عن عامر الأحول، عن عطاء، عن أبي هريرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه ثلاثاً، ومسح برأسه ووضّأ قدميه".
فخالفه ابن جريج، وحجاج بن أرطأة، فروياه عن عطاء، عن عثمان. أخرجه أحمد5 من حديث ابن جُريج عقب حديث عامر الأحول إشارة إلى أنه معلول. وأخرجه ابن أبي شيبة6، والبخاري7، وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائده على المسند8 من حديث حجاج بن أرطأة؛ وأخرجه ابن ماجه9 مقتصراً على ذكر مسح الرأس.
ورواه عبد الرزاق10، عن ابن جريج: أخبرني عطاء أنه بلغه عن عثمان
ـــــــ
1مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص406 رقم1912.
المسند 14/241 ح 8577.
3شرح معاني الآثار 1/36.
4المعجم الأوسط 6/97 ح5912.
5المسند 14/242 ح8578.
6المصنف 1/17 ح65.
7التاريخ الكبير 6/456.
8المسند 1/514 ح472، 1/544 ح527.
9السنن 1/150 ح435.
10 المصنف 1/40 ح124.(2/910)
ابن عفان. قال أبو زرعة عن هذه الرواية، وهو الصحيح عندنا1 وهو كذلك لأن عطاء عن عثمان مرسل، قاله أبو زرعة وأبو حاتم2.
فقد خالف عامر الأحول اثنين من أصحاب عطاء، فأشار الإمام أحمد إلى أنه أخطأ لمخالفة المعروف عن عطاء، وهو متكلم فيه وخالف من هم أحفظ منه وأكثر عدداً. قال الإمام أحمد عنه: ليس بالقوي، ضعيف الحديث3.
متى يحكم بصحة الوجهين المختلفين؟
وقد تأتي روايتان على وجهين مختلفين ثم يحكم الإمام أحمد بصحة الوجهين لقرينة مرجحة لذلك، كأن تأتي رواية أخرى بذكر الوجهين معاً. ومثال ذلك:
قال أبو داود: "قلت لأحمد: حديث أبي السائب مولى هشام بن زُهرة؟ قال: قد جمعهما بعضُهم، فأرجو أن يكون كلا الحديثين صحيحاً ـ يعني حديث مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي السائب مولى هشام بن زُهرة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما صلاة لم يُقرأْ فيها بفاتحة الكتاب فهي خِداج"، ومن قال: عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة. قال أبو داود: رواه أبو أُويس، وسليمان بن بلال من رواية شيخ من أهل البصرة عنه، وابن ثوبان، عن ابن عجلان كلهم قالوا: عن العلاء، عن أبيه، وأبي السائب مولى هشام بن زهرة، عن أبي هريرة" 4.
حديث أبي هريرة المذكور في هذا السؤال اختلف فيه على العلاء بن عبد الرحمن ابن يعقوب مولى الحرقة:
ـــــــ
1 علل ابن أبي حاتم 1/63 ح164.
2 المراسيل لابن أبي حاتم 569، 570.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/183 رقم1937.
4مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص429 رقم1986.(2/911)
فقال مالك1، ومحمد بن عجلان2، ومحمد بن إسحاق3، وورقاء ابن عمر4، والوليد بن كثير5، وكذلك يحيى بن سعيد الأنصاري، وعُمارة ابن غَزيّة6: كلهم قالوا: عن العلاء، عن أبي السائب مولى هشام بن زُهرة7، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلّى صلاةً لم يَقرأْ فيها بأُمِّ القرآن فهي خِدَاجٌ، هي خِدَاجٌ غيرُ تمام". قال: فقلت: يا أبا هريرة إني أحياناً أكون وراءَ الإِمامِ. قال: فغَمَزَ ذِراعي ثم قال: اقرأْ بها في نفسك يا فارسيّ، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تبارك وتعالى: قَسَمتُ الصَّلاةَ بيني وبين عبدي نصفيْن فنصفُها لي ونصفُها لعبدي، ولعبدي ما سأل". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤا، يقول العبد: الحمدُ لله ربِّ العالمين، يقول الله تبارك وتعالى: حَمَدني عبدي، ويقول العبد: الرَّحمنِ الرَّحيم، يقول الله: أثني عليّ عبدي. ويقول العبد: مالكِ يومِ الدِّين، يقول الله: مَجَّدني عبدي، يقول العبد: إيّاك نعبدُ وإيّاك نستعين، فهذه الآية بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، يقول العبد: اهدنا الصِّراطَ المستقيمَ صراطَ الَّذين أنعمتَ
ـــــــ
1وحديثه في الموطأ 1/84، وأخرجه من طريقه مسلم 1/296 39، وأبو داود ح821، والنسائي السنن 2/135 ح908، السنن الكبرى 1/316 ح918، وعبد الرزاق المصنف 2/128 ح2768، وأحمد المسند 16/25 ح9932، وابن خزيمة 1/252 ح502، وابن حبان 5/84 ح1784، ومسند أبي عوانة 1/452 ح1673، والبيهقي السنن الكبرى 2/38، وفي كتاب القراءة خلف الإمام ص30 ح52.
2وحديثه عند البيهقي القراءة خلف الإمام ص33 ح56.
3أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة 21-22 ح73، وأحمد المسند 13/233 ح7838، والبيهقي القراءة خلف الإمام ص34 ح57، 58.
4وحديثه عند أبي داود الطيالسي مسند الطيالسي ص334 ح2561، والبيهقي القراءة خلف الإمام ص34 ح59.
5وحديثه عند البيهقي السنن الكبرى 2/166، القراءة خلف الإمام ص32 ح54.
6على ما ذكره الدارقطني في العلل 9/21 عن الاثنين.
7قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة مقبول النقل تهذيب التهذيب 12/104. ووثقه الذهبي، وابن حجر أيضاً الكاشف 6636، تقريب التهذيب 8174.(2/912)
عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالّين، فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل".
وقال سفيان بن عيينة1، وسعد بن سعيد الأنصاري2، وشعبة3، وإسماعيل بن جعفر4، وروح بن القاسم5، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي6، وعبد العزيز بن أبي حازم7، وأبو غسان محمد بن مطرف8، وإبراهيم بن طهمان9، وزهير بن محمد العنبري10، وعبد الله بن جعفر بن نجيح11، وعبد الحميد
ـــــــ
1أخرج حديثه مسلم الموضع نفسه ح38، والنسائي السنن الكبرى 5/12 ح8013، والبخاري جزء القراءة خلف الإمام 20-21 ح71، وأحمد المسند 12/239 ح7291، والبيهقي القراءة خلف الإمام ص35-36 ح63، 64، 65.
2وحديثه عند ابن حبان الإحسان 5/90 ح1788 مختصراً على قوله: فهي خداج.
3وحديثه جاء من طرق، وهو عند أحمد المسند 16/5 ح9898، 16/154 ح10198، وابن خزيمة 1/248 ح490، وابن حبان 5/91 ح1789، 5/96 ح1794، وأبو عوانة 1/453 ح1676، 1677، 1678، والبيهقي القراءة خلف الإمام ص35 ح60، 61، 62 مختصراً أيضاً. ووقع في رواية وهب بن جرير عند ابن حبان، والبيهقي: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب"، وتفرد به من بين أصحاب شعبة، قاله ابن حبان الموضع نفسه.
4وحديثه عند البخاري جزء القراءة خلف الإمام 23 ح76، أبي يعلى 11/402 ح6522، والبيهقي القراءة خلف الإمام ص38 ح69.
5وحديثه عند البخاي جزء القراءة خلف الإمام 7-8 ح11، والبيهقي القراءة خلف الإمام ص37 ح68.
6وحديثه عند الترمذي الجامع 5/201 ح2953، وابن حبان 5/96 ح1795، وعند الحميدي 2/430 ح974، والبخاري جزء القراءة خلف الإمام 23 ح78، 79 مقروناً بابن عيينة، والبيهقي القراءة خلف الإمام 38 ح71.
7وحديثه عند البخاري جزء القراءة 22 ح77، أبي عوانة مسند أبي عوانة 1/453 ح1680.
8وحديثه عند الطحاوي شرح معاني الآثار 1/216، وعند البيهقي القراءة خلف الإمام 38 ح70 مقروناً بالدراوردي.
9وحديثه عند البيهقي القراءة خلف الإمام ص37 ح66، 67.
10 وحديثه عند البيهقي السنن الكبرى 4/74، القراءة خلف الإمام ص40 ح74.
11وحديثه عند سعيد بن منصور 2/505 ح169.(2/913)
ابن جعفر1، وجهضم بن عبد الله2، ومحمد بن يزيد البصري3، وآخرون سواهم4، كلهم قالوا: عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة به، وبعضهم ذكره مختصراً، وبعضهم مطولاً.
واختلف عن ابن جريج؛ فروي عنه بمثل رواية مالك، قال ذلك:
عبد الرزاق5، ومحمد بن بكر البرساني، ومحمد بن عبد الله الأنصاري6، وهي رواية الإمام أحمد7، وأبي بكر بن أبي شيبة8، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي9، والترجماني10 كلهم عن ابن علية، عنه.
وقال سريج بن يونس، عن ابن علية، عن ابن جريج بمثل رواية سفيان ابن عيننة11.
وموقف الإمام أحمد من الروايتين المختلفين في الإسناد هو تصحيح كلا الوجهين، وحجته في ذلك أن بعض الرواة قد جمع كلا الوجهين معاً في روايته، وذكر أبو داود ثلاثة رواة جمعوا بينهما في روايتهم، وهم: أبو أُويس عبد الله
ـــــــ
1وحديثه عند النسائي السنن الكبرى 1/318 ح986، وابن خزيمة 1/252 ح500.
2وحديثه عند البيهقي القراءة خلف الإمام ص39 ح72.
3وحديثه عند البيهقي القراءة خلف الإمام ص40 ح73.
4ذكرهم الدارقطني علل الدارقطني 9/17-18.
5وهو في مصنفه 2/128 ح2767، ومن طريقه أخرجه البخاري جزء القراءة خلف الإمام ص22 ح75، ومسلم صحيح مسلم 1/297 ح40، أحمد المسند 13/231 ح7836، وأبو عوانة مسند أبي عوانة 1/453 ح1675، والبيهقي القراءة خلف الإمام ص32 ح53.
6وحديثهما عند الإمام أحمد مقرونين المسند 13/232 ح7837.
7المسند 16/214 ح10319.
8سنن ابن ماجه 1/273 ح838.
9 صحيح ابن خزيمة 1/247 ح489.
10 ذكره الدارقطني علل الدارقطني 9/19.
11 ذكره الدارقطني علل الدارقطني الموضع نفسه.(2/914)
ابن عبد الله بن أويس1، وسليمان بن بلال من رواية شيخ من أهل البصرة عنه2، وابن ثوبان3. وممن روى الوجهين غير من ذكرهم الإمام أبو داود محمد بن عجلان برواية حاتم بن إسماعيل عنه4.
وهذا مسلك الإمام أبي زرعة أيضاً في الترجيح بين الروايتين. قال الترمذي: "سمعت أبا زرعة يقول: كلاهما صحيح، واحتج برواية إسماعيل بن أبي أُويس" 5.
وأما الدارقطني فقال بعد ذكر رواية ابن عيننة ومن تابعه: وهو الصواب، وهو مشعر بترجيحه لروايتهم لأن عددهم أكثر.
والترجيح بالكثرة في مثل هذه الصورة ضعيف، لأن الرواية المرجَّحَة جاءت عن جماعة أيضاً، وفيهم أئمة كبار مثل مالك، وابن جريج، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وإن كان مجموع عددهم أقل من رواة الوجه الآخر، ويبعد جداً أن يجتموا كلهم على الخطأ. وغاية ما يقال في مثل هذه الصورة هو التوقف أو نسبة شيخهم الذي اختلفوا عليه إلى الاضطراب، فالترجيح بمطلق الكثرة يكون ترجيحاً بلا مرجح.
ثم وجود قرينة خارجة عن رواية كلا الطرفين أقوى من حيث الاعتماد عليها للحكم في مثل هذه الصورة، وهذه القرينة موجودة، وهي رواية من روى
ـــــــ
1أخرج حديثه مسلم 1/297 ح41، والترمذي الجامع 5/201 ح2953، والبيهقي السنن الكبرى 2/391، والقراءة خلف الإمام ص42 ح77، وقال في روايته: عن العلاء، سمعت من أبي ومن أبي السائب جميعاً وكان جليسي أبي هريرة قالا: فذكره.
2لم أقف على رواية سليمان بن بلال إطلاقاً.
3والمقصود رواية الحسن بن الحر عن العلاء، برواية أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، عن عبد الرحمن ابن ثابت بن ثوبان عنه. أخرج هذه الرواية البيهقي القراءة خلف الإمام ص42 ح78.
4أخرج روايته البيهقي القراءة خلف الإمام ص43 ح79.
5علل الترمذي الكبير 1/235.(2/915)
الحديث على الوجهين.
وهناك قرينة أخرى، وهي وجود أصل لرواية أبي السائب، عن أبي هريرة من غير طريق العلاء، فيتقوى وجه رواية الأقلين؛ فقد رواه الزهري، وصفوان ابن سليم، عنه، عن أبي هريرة. أخرج روايتهما البيهقي1.
وكذلك إذا روى الراوي الحديث الذي خالف به غيره على الوجهين: مرة بموافقة من خالفه ومرة أخرى بالوجه آخر الذي تفرد به.
ومثال ذلك ما ذكره ابن رجب أن الإمام أحمد وغيره من الأئمة صحح الوجهين الواردين في رواية حديث ميمونة في الفأرة إذا وقعت في السمن2. فرواه سفيان بن عيننة3، ومالك4 كلاهما عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس، عن ميمونة أن فأرة وقعت في سمن فماتت فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: "ألقوها وما حولها وكُلوه"، وتابعهما الأوزاعي5، وعبد الرحمن بن إسحاق المدني6.
ورواه معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: سئل
ـــــــ
1القراءة خلف الإمام ص44-45 ح80، 81، 82.
2شرح علل الترمذي 2/839.
3أخرج روايته البخاري 9/667 ح5538، وأبو داود ح3841، والترمذي 4/256 ح1798، والنسائي السنن 7/178 ح4257، والسنن الكبرى 3/87 ح4584، وأحمد المسند 44/379 ح26796، وابن حبان 4/234 ح1392، وابن الجارود 872، والبيهقي 9/353.
4وهو في الموطأ 2/971. وأخرجه أيضاً البخاري 1/343 ح235، 236، والنسائي السنن 7/178 ح4258، السنن الكبرى 3/87 ح4585، وأحمد المسند 44/422 ح26847، والبيهقي 9/352.
5أخرجه أحمد المسند 44/387 ح26803 وفيها أن ميمونة هي السائلة.
6أخرجه ابن أبي عاصم الآحاد والمثاني 5/435 ح3101.(2/916)
النبي صلى الله عليه وسلم عن الفأرة تقع في السمن قال: "إذا كان جامداً فألقوه وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه" 1.
فاختلف النقاد في هذا الموضع، فمنهم من حكم بغلط معمر لانفراده بهذا الحديث، ومخالفته من هم أكثر منه عدداً. قال البخاري: هذا خطأ، أخطأ فيه معمر، والصحيح حديث الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة2. وقال الترمذي عن رواية معمر: غير محفوظ3. وقال أبو حاتم: الصحيح حديث الزهري عن عبيد الله4.
وأما الإمام أحمد فذكر الحافظ ابن رجب أنه صحح الوجهين5، وكذلك قال محمد بن يحيى الذهلي: الطريقان عندنا محفوظان6. وإليه يميل موقف الدارقطني7.
والذي يدل على ذلك أن معمراً روى الحديث بالإسنادين كليهما، فقال عبد الرزاق بعد أن أورد حديث معمر من طريق الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة: وقد كان معمر أيضاً يذكره عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، عن ابن عباس، عن ميمونة8. وأخرجه أبو داود9، والنسائي10 عن عبد الرزاق، عن
ـــــــ
1أخرجه عبد الرزاق المصنف 1/84 ح278، وأحمد المسند 13/42 ح7601، 12/100 ح7177، وأبو داود 4/181 ح3842، وابن حبان 4/237 ح1393، وابن الجارود المنتقى ح871، والبيهقي 9/353.
2جامع الترمذي 4/256.
3الموضع نفسه.
4علل ابن أبي حاتم 2/12.
5شرح علل الترمذي 2/840.
6انظر: التمهيد 9/35، وفتح الباري 1/344 نقلاً من كتابه "الزهريات".
7علل الدارقطني 7/285-287.
8مصنف عبد الرزاق 1/82 ح279.
9السنن 4/182 ح3843.
10 السنن الكبرى 3/88 ح4586.(2/917)
عبد الرحمن بن بوذويه1، أن معمراً ذكره عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة بمثل حديث ابن المسيب، عن الزهري.
ويدل على ذلك أيضاً أن الحديث وجد له أصل عن سعيد بن المسيب، فقد رواه سعيد بن أبي هلال عن الزهري، عن ابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً2. قال محمد بن يحيى الذهلي: فقد وجدنا ذكر سعيد بن المسيب في هذا الحديث من غير رواية معمر، فالحديثان محفوظان3
وأما حيث لم تأت رواية تجمع الوجهين فالقول باحتمال أن يكون الحديث عند الراوي المختلف عليه على الوجهين، فحدث به كل مرة على أحدهما احتمال بعيد عن التحقيق، ومدار الأمر عند أئمة هذا الفن كما قال السخاوي على ما يقوى في الظن4.
ـــــــ
1عبد الرحمن بن بُوذُويه، ويقال: ابن عمر بن بوذُويه الصنعاني. قال الأثرم: ذكره أحمد بن حنبل فأني عليه خيراً تهذيب الكمال 17/8. وكذلك أثنى عليه الذهلي فقال: كان من متثبتيهم التمهيد 9/39. ووثقه الذهبي الكاشف 3156. وقال ابن حجر: مقبول 3842.
2ذكره ابن عبد البر التمهيد 9/39-40.
3الموضع نفسه.
4فتح المغيث 1/327.(2/918)
المطلب الثالث: إعلال حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه
...
المطلب الثالث: إعلال حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه.
إذا روى الراوي حديثاً يخالف رأيه فقد جاء عن الإمام أحمد أنه يضعف ذلك الحديث الذي روى، ويرى أن مخالفة رأيه لروايته دليل على عدم صحتها، ووجه ذلك أن المفترض وكذلك المعهود في الراوي أن يعمل بموجب ما بلغه من العلم الذي يرويه، فإذا خالفه صح الاستدلال بتلك المخالفة على عدم صحة نسبة تلك الرواية إليه.
وقد ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله قواعد كلية في باب العلل، ومنها: تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه، وذكر أن الإمام أحمد وأكثر الحفاظ ضعفوا أحاديث كثيرة بمثل هذا الاعتبار1، وذكر عدة أمثلة على ذلك عن الإمام أحمد وغيره من الحفاظ2.
ومن الأمثلة على ذلك عن الإمام أحمد عدا التي ذكرها ابن رجب:
قال أبو داود: سمعت أحمد قال: كان شعبة يتهيّب حديث ابن عمر: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى"، يعني: يتهيبه للزيادة التي فيها: [والنهار]، لأنه مشهور عن ابن عمر من وجوه: [صلاة الليل]، ليس فيه: [والنهار]، وروى نافع: أن ابن عمر كان لا يرى بأساً أن يصلّي بالنهار أربعاً، وبعضهم قال: عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يصلّي بالنهار أربعاً، فنخاف فلو كان حفظ ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة النهار مثنى مثنى" لم يكن يرى أن يصلي بالنهار أربعاً، وقد رُوي عن عبد الله بن عمر قوله: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى"، والله أعلم" 3.
ـــــــ
1شرح علل الترمذي 2/888.
2انظرها المصدر نفسه 2/889-890.
3مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص390 رقم1872.(2/919)
الشاهد في رواية أبي داود هذه أن الإمام أحمد أبدى وجهاً لكون زيادة ذكر النهار في حديث: "صلاة الليل مثنى مثنى" غير محفوظة، وهذا الوجه هو مخالفة هذه الرواية لرأي ابن عمر، فقد جاء عنه أنه كان يصلي بالنهار أربعاً. رواه عبيد الله العمري، عن نافع عنه "أنه كان يصلي بالنهار أربعاً أربعاً"1، ورواه عبد الله العمري، عن نافع، عنه "أنه كان يصلي بالليل مثنى مثنى، وبالنهار أربعاً، ثم يسلم"2، ورواه معمر، عن أيوب؛ والثوري، عن عبيد الله، كلاهما عن نافع عن ابن عمر بمثله3. فلو كان حفظ ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" ، لم يكن ليصلي أربعاً بالنهار4.
ـــــــ
1أخرجه ابن أبي شيبة المصنف 2/74 ح6675.
2أخرجه عبد الرزاق المصنف 2/501 ح4226، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن المنذر الأوسط 4/236 ح2773، لكن وقع عنده عبيد الله مكان عبد الله، وهو خطأ.
3أخرجه عبد الرزاق الموضع نفسه ح4227، وأخرجه الطحاوي من طريق الثوري، عن عبيد الله وحده شرح معاني الآثار 1/334.
4وقد أبدى الإمام أحمد وجهين آخرين لرد هذه الزيادة:
الأول: ما ذكره عن شعبة، أنه كان يفرق تلك الزيادة، وذلك أن المشهور عن ابن عمر كما رواه أصحابه: "صلاة الليل مثنى مثنى"، هكذا رواه ستة عشر راوياً عن ابن عمر، وهم:
1. نافع، وحديثه عند البخاري 1/561 ح472، 1/562 ح473، ، ومسلم 1/516 ح749145.
2. سالم، وحديثه عند البخاري 3/20 ح1137، ومسلم الموضع نفسه ح146.
3. وعبد الله بن دينار، وحديثه عند البخاري 2/477 ح990 مقروناً بنافع، وابن حبان الإحسان 6/183 ح2426.
4. وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، وحديثه عند مسلم مقرونا بسالم بن عبد الله بن عمر الموضع نفسه ح147، والنسائي السنن الكبرى 1/434 ح1381.
5. والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وحديثه عند البخاري 2/477 ح993.
6. وطاوس بن كيسان، وحديثه عند مسلم الموضع نفسه ح146.
7. وعبد الله بن شقيق، وحديثه مسلم 1/517 ح148.(2/920)
....................................................................
ـــــــ
= 8. ومحمد بن سيرين، وحديثه عند أحمد 8/480 ح4878.
9. وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وحديثه عند ابن خزيمة صحيح ابن حزيمة 2/139 ح1072، وابن حبان الإحسان 6/350 ح2620.
10. وعبيد الله بن عبد الله بن عمر، وحديثه عند مسلم 1/518 ح156.
11. وأنس بن سيرين، وحديثه مسلم 1/519 ح157.
12. وعقبة بن حريث، وحديثه عند مسلم الموضع نفسه ح159.
13. وأبو مجلز، وحديثه عند ابن ماجه السنن 1/371 ح1175.
14. وسعد بن عبيدة، وحديثه عند الطبراني المعجم الأوسط 3/363 ح3409.
15. ومجاهد، وحديثه عند الطبراني أيضاً المعجم الأوسط 4/165 ح3878.
16. وعطية العوفي، وحديثه عند أبي أمية الطرسوسي مسند عبد الله بن عمر ص21 ح5.
ورواه علي بن عبد الله الأزدي البارقي، عن ابن عمر فذكر هذه الزيادة. أخرج حديثه أبو داود ح1295 والترمذي 2/491 ح597، والنسائي 3/227 ح1665، وابن ماجه 1/419 ح1322، وابن خزيمة 2/214 ح1210، وابن حبان 6/231 ح2482.
فتفرده عن هذا العدد الكبير من ثقات أصحاب ابن عمر، مما لا يحتمل على أصول الأئمة مثل شعبة، والقطان، وأحمد. وخاصة أن علي البارقي ليس له كثير حديث كما قال ابن عدي، ولذلك لم يوثقه إلا ابن حبان، والعجلي، وقال ابن عدي: هو عندي لا بأس به تهذيب الكمال 21/42. وقال الذهبي: ما علمت لأحد في جرحة، فهو صدوق ميزان الاعتدال 5878. وقال ابن حجر: صدوق ربما أخطأ تقريب التهذيب 4796.
وذكر ابن رجب أن ابن معين أعله، لأن أصحاب ابن عمر رووه من دون ذكر النهار، فلا يقبل تفرد علي الأزدي بما يخالفهم فتح الباري لابن رجب 6/192.
وقال النسائي: هذا الحديث عندي خطأ السنن 3/227.
وقال الدارقطني: ذكر النهار فيه وهم تلخيص الحبير 2/22.
وصححه البخاري على ما نقله البيهقي بإسناده إليه السنن الكبرى 2/487.
والوجه الثاني لرد هذه الزيادة، هو ما ذكره الإمام أحمد: أنه قد روي عن ابن عمر قوله: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى". قال ابن حجر: فلعل الأزدي اختلط عليه الموقوف بالمرفوع، فلا تكون هذه الزيادة صحيحة على طريقة من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا.ا.هـ. فتح الباري 2/479.(2/921)
ومنها: قال أبو داود: "سمعت أحمد سئل عن حديث سمُرة: "من قتل عبده قتلناه"، قال: فُتيا الحسن على غيره. قال أحمد: ولكن يضرب" 1.
وقال عبد الله: "سألت أبي عن الرجل يقتل عبده، يقتله الإمام أم لا؟ فقال: يروى عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قتل عبده قتلناه". وأخشى أن يكون هذا الحديث لا يثبت. قلت لأبي: فإيش تقول أنت؟ قال: إذا كنت أخشى أن لا يكون يثبت، لا أُثبته، ولا يُقتل حرٌّ بعبد، ولا بذمِّيّ، ويقتل بالمرأة... قال أبي: فكان الحسن يقول في حديث سمرة: "من قتل عبده قتلناه" يحدث به عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحدّث به قتادة عنه، ورواه خالد، عن الحسن موقوفاً. وقال قتادة: نسي الحسن هذا الحديث بعد، وكان الحسن لا يفتي به بعدُ" 2.
ـــــــ
ورواية الوقف رواها الإمام مالك الموطأ 1/119، بلاغاً عن ابن عمر. ووصلها البخاري التاريخ الكبير 1/285 تعليقاً من طريق عبد الله بن صالح، عن الليث، والبيهقي السنن الكبرى 2/487، وابن عبد البر التمهيد 14/247، من طريق عبد الله بن وهب كلاهما عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله، عن عبد الله بن أبي سلمة، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن ابن عمر به قوله.
وخالفهما داود بن منصور، فرواه عن الليث به مرفوعاً. أخرجه الدارقطني السنن 1/417. وداود بن منصور النسائي وثقه النسائي، وقال أبو حاتم: صدوق. وقال العقيلي: يخالف في حديثه الضعفاء للعقيلي 2/385، تهذيب التهذيب 3/203. ولعل هذا من مخالفاته.
وكذلك روى عبد الله العمري، عن نافع، عن ابن عمر: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" قوله غير مرفوع. رواه الطحاوي شرح معاني الآثار 1/334، والخطيب تاريخ بغداد 13/118، وابن عبد البر 13/240. وتابعه مالك، عن نافع. قال ابن عبد البر: لم يروه عن مالك إلا الحنيني، وهو ضعيف كثير الوهم والغلط الموضع نفسه.
وقد جاء عن أحمد في رواية أخرى عن حديث علي البارقي أنه قال فيه: إسناده جيد، ونحن لا نتقيه فتح الباري لابن رجب 6/192..
1مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص307 رقم1468.
2مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابنه عبد الله 3/1227-1229 رقم1683، 1686.(2/922)
حديث الحسن عن سمرة أخرجه أصحاب السنن1 من طرق عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم "من قتل عبده قتلناه ومن جَدَعَ عبدَه جدعناه". ورواه الإمام أحمد، عن أبي النضر هاشم بن القاسم، عن شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: ولم يسمعه منه2.
ولم يُثبت الإمام أحمد هذا الحديث لأن فُتيا الحسن على خلافه. روى
أبو داود3 عن مسلم بن إبراهيم، عن هشام، عن قتادة، عن الحسن قال: "لا يقاد الحر بالعبد".
ولم يعلّ الإمام أحمد الحديث بعدم سماع الحسن له من سمرة كما رواه في مسنده.
ويعكر على هذا الاستدلال من الإمام أحمد ما ذكره قتادة أن الحسن نسي هذا الحديث فكان يفتي بخلافه، لكن رد البيهقي كلام قتادة هذا فقال: "يشبه أن يكون الحسن لم ينس الحديث، لكن رغب عنه لضعفه، وأكثر أهل العلم رغبوا عن رواية الحسن عن سمرة"4.
وقد قال أحمد أيضاً ـ كما في رواية ابن هانئ: "لا يُقتل الحر بالعبد، وقال: حديث سمرة تركه الحسن"5.
فتبين أن فتيا الحسن بخلاف ما رواه لم يكن صدور ذلك عنه عن نسيان،
ـــــــ
1أبو داود السنن 4/652-654 ح4514، 4516، 4517، والترمذي الجامع 4/26 ح1414، والنسائي السنن 8/20 ح4735، السنن الكبرى 4/218 ح6938، 6939، 6940، وابن ماجه السنن 2/888 ح2663.
2المسند 33/206 ح20104.
3السنن 4/654 ح4518.
4السنن الكبرى 8/35.
5مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابن هانئ 2/87 رقم1549.(2/923)
بل من أجل ضعف الحديث، وخاصة وقد ظهر أنه لم يسمعه من سمرة.
ومنها: قال أبو زرعة الدمشقي: "حدثنا عبيد الله بن عمر، قال: حدثنا يزيد بن زُريع قال: حدثنا خالد الحذاء، عن أنس بن سيرين قال: كانت أم ولد لآل أنس بن مالك قد استُحيضت، فأمروني أن أسأل ابن عباس فسألته، فقال: "إذا رأت الدّم البحراني أمسكت عن الصلاة". قال أبو زرعة: فسمعت أحمد بن حنبل يحتج بهذه القصة ويرد بها ما رُوي عن أنس بن مالك أن الحيض عشر، كما رواه الجلد بن أيوب، وقال: لو كان هذا عن أنس بن مالك لم يؤمر أنس بن سيرين أن يسأل ابن عباس. قال أبو زرعة: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: فحديث معاوية بن قرّة، عن أنس في الحيض صحيح؟ فلم يره صحيحاً، إذ ردّوا المسألة إلى ابن سيرين يسألهم ابن عباس، كذلك قال لي، ولم يدفع لقاء ابن سيرين ابن عباس ومسألته" 1.
ما رُوي عن أنس أن الحيض عشر، رواه جَلد بن أيوب2، عن معاوية ابن قرّة عن أنس، ورواه الأكابر عن جلد كما قال ابن دقيق العيد3، منهم
ـــــــ
1تاريخ أبي زرعة الدمشقي 2/684 رقم2093-2095. ونقله الدارقطني عن أبي زرعة السنن 1/210.
2قال عنه أحمد في رواية عبد الله: ليس يسوى حديثه شيئاً، قال عبد الله: ضعيف الحديث؟ قال: نعم ضعيف العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/391 رقم775.
وقال ابن المبارك: أهل البصرة يضعفون جلد بن أيوب، ويقولون: ليس بصاحب حديث الضعفاء للعقيلي 1/222.
وضعفه غير واحد، وقال أبو حاتم: شيخ أعرابي ضعيف الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به الجرح والتعديل 2/548.
وضعفه أبو عاصم النبيل جداً وقال: تساهل أصحابنا في الرواية عنه السنن الكبرى للبيهقي 1/323.
3الإمام 3/193.(2/924)
الثوري بلفظ: "أجَل الحيض عشر ثم هي مستحاضة"1، وكذلك أجلة أهل البصرة: حماد بن زيد2، ويزيد بن زريع3، وإسماعيل بن إبراهيم بن علية4، وعبد السلام ابن حرب5، وهشام بن حسان، وسعيد6 كلهم عن جلد، عن معاوية بن قرة، عن أنس: "الحائض تنتظر ثلاثة أيام، أو أربعة أيام، أو خمسة إلى عشرة أيام، فإذا جاوزت عشرة أيام فهي مستحاضة، تغتسل وتصلي".
واحتج الإمام أحمد لرد هذا الحديث بأنه لو كان هذا صحيحاً عن أنس لم يأمر أهلُه أنسَ بنَ سيرين أن يسأل ابن عباس عن الاستحاضة.
ومثل هذا الاستدلال سُبق إليه الإمام أحمد، فقد ذكره الشافعي عن ابن علية، قال:"أخبرني ابن علية عن الجلد بن أيوب، عن معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك أنه قال: قرء المرأة أو قرء حيض المرأة ثلاث، أو أربع، حتى انتهى إلى عشر، فقال لي ابن علية: الجلد بن أيوب أعرابي لا يعرف الحديث، وقال لي: قد استحيضت امرأة من آل أنس فسُئِل ابن عباس عنها، فأفتى فيها وأنس حي، فكيف يكون عند أنس ما قلت من علم الحيض ويحتاجون إلى مسألة غيره فيما عنده فيه علم؟ ونحن وأنت لا نثبت حديثاً عن الجلد، ويستدل على غلط من هو أحفظ منه بأقل من هذا" 7.
ـــــــ
1أخرجه عبد الرزاق المصنف 1/299 ح1150، والدراقطني 1/209، وزاد بعضهم: أدنى الحيض ثلاث.
2السنن الكبرى 1/322، وابن عدي الكامل في ضعفاء الرجال 2/598.
3الموضعان نفسهما.
4الموضعان نفسهما، وكذلك المعرفة والتاريخ 3/46-47.
5سنن الدارقطني 1/209، والكامل في ضعفاء الرجال الموضع نفسه.
6سنن الدارقطني 1/210.
7الأم 1/64، ونقله البيهقي السنن الكبرى 1/322، وابن دقيق العيد الإمام 3/196.(2/925)
لكن تعقب ابن دقيق العيد هذا الاستدلال بما حاصله أنه لو كان ما رواه الجلد من حديث أنس بن مالك مرفوعاً لقوي هذا الاستدلال بعض القوة، بأنه كيف يسأل غيره وقد سبق علمه بالحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ولما كان ما رواه موقوفاً على أنس لا يستقيم هذا الاستدلال حتى يثبت أن أنساً قال ذلك وأفتى به قبل سؤالهم لابن عباس، فيمكن أن يقال حينئذ: كيف سأل وعنده علم؟ وأيضاً ليس هناك ما يدل على أن الذي أرسل يسأل ابن عباس هو أنس1.
وما ذكره ابن دقيق العيد وارد جداً، لكن قد تقدم من منهج الإمام أحمد وغيره من الأئمة وذكره المعلمي عنهم، حيث قال: "إذا استنكر الأئمة المحققون المتن وكان ظاهر السند الصحة فإنهم يتطلبون له علة، فإذا لم يجدوا علة قادحة مطلقاً حيث وقعت أعلّوه بعلة ليست بقادحة مطلقاً، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذاك المنكر" 2، فكيف والإسناد هنا ليس بظاهر الصحة!
ومنها: "ما ذكره الميموني أن أحمد ذُكر له أن الحوضي روى من طريق الأسود، عن عائشة مرفوعاً: "يقطع الصلاةَ المرأةُ، والحِمارُ، والكلب الأسودُ"، فقال أحمد: غلط الشيخ عندنا، هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: عدلتمونا بالكلب والحِمار؟" 3.
ولم أقف على رواية الحوضي هذه، وأوضح الحافظ ابن رجب وجه إنكار الإمام أحمد للحديث فقال: يعني: "لو كان هذا عندها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قالت ما قالت" 4.
ـــــــ
1انظر: الإمام 2/196-197.
2مقدمة الفوائد المجموعة ص11-12.
3فتح الباري لابن رجب 2/705.
4الموضع نفسه.(2/926)
ومنها: قال الأثرم: "قلت لأحمد بن حنبل: حديث حسين المعلّم، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن خالد قال: [سألت خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة، والزبير، وأُبي بن كعب ـ فقالوا: "الماء من الماء"، فيه علة تدفعه بها؟ قال: نعم، بما يروى عنهم خلافه. قلت: عن عثمان، وعلي، وأبي بن كعب؟ قال: نعم. وقال أحمد بن حنبل: الذي أرى إذا جاوز الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل، قيل له: قد كنت تقول غير هذا. فقال: ما أعلمني قلت غير هذا قط. قيل له: قد بلغنا ذلك عنك، قال: الله المُستعان" 1.
حديث زيد بن خالد الجهني أخرجه البخاري2. وقد ذكر الحافظ ابن حجر عن يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني أنه شاذ3. والظاهر أنه يعله بمثل العلة التي أعله بها الإمام أحمد. فقد ذكر ابن رجب عنه أنه قال: قد روي عن علي، وعثمان، وأبي بن كعب بأسانيد جياد أنهم أفتوا بخلاف ما في هذا الحديث4.
وأجاب الحافظ عن هذا الإعلال بأن الحديث ثابت من جهة اتصال إسناده وحفظ رواته، وأنه ليس بفرد، فقد رواه ابن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار نحو رواية أبي سلمة، وكونهم أفتوا بخلافه لا يقدح في صحته لاحتمال أنه ثبت عنده ناسخه فذهبوا إليه.
وإعلال الإمام أحمد يحمل على إطلاق العلة على النسخ، والله أعلم.
ومن الأحاديث التي أعلها الإمام أحمد بمثل هذا الاستدلال، وهو مما ذكره
ـــــــ
1التمهيد 23/111، وانظر: فتح الباري 1/397.
2صحيح البخاري 1/396 ح292 - مع فتح الباري.
3فتح الباري 1/397.
4فتح الباري لابن رجب 1/375.(2/927)
ابن رجب: أن أحاديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين، أنكرها أحمد وقال: ابن عمر أنكر على سعد المسح على الخفين، فكيف يكون عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه رواية؟1
وهذه الرواية لم أقف عليها عن أحمد، لكن تقدم في مطلب الاختلاط2 أن الإمام أحمد أنكر الحديث الذي رواه سعيد بن أبي عروبة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: "كنّا نمسح ونحن مع نبينا"، أنكره هناك لأنه من رواية شعيب بن إسحاق، عن ابن أبي عروبة، وكان سماعه منه بآخرة. وفي هذه الرواية ذكر وجهاً آخر لإنكاره للرواية، وهو كونها مخالفة للمعروف عن ابن عمر أنه كان ينكر المسح على الخفين، فدل على أنه لم يكن له فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاءت رواية عنه بذلك استدل بهذا على خطئها.
وقد رُوي عن ابن عمر أنه كان يمسح على الخفين، ويأمر بالمسح على الخفين، ويقول: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك"3 وهذا محمول على ما رواه ابن عمر عن عمر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين"4، أي فهو من رواية الصحابي عن الصحابي، وذلك أن سعداً احتكم إلى عمر لما أنكر عليه ابن عمر المسح على الخفين، فأخبر عمر بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم ذلك كله.
ومنها ـ وهو مما ذكره الحافظ ابن رجب ـ أن الإمام أحمد ضعف أحاديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين، لأن أبا هريرة كان ينكر المسح على الخفين، فلا تصح له فيه رواية5.
ـــــــ
1شرح علل الترمذي 2/889.
2ص425.
3المعجم الأوسط 7/65 ح6862 من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.
4أخرجه أحمد 1/341 ح216.
5شرح علل الترمذي 2/889.(2/928)
ولم أقف على إنكار الإمام أحمد لهذه الأحاديث.
وقد جاء عن أبي هريرة عدة أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين1:
منها: حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: قالوا يا رسول الله، ما الطهور على الخفين؟ قال: "للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة" 2. وفي سنده عمر بن عبد الله بن أبي خُثعم. قال عنه البخاري: منكر الحديث ذاهب الحديث3.
وتابعه معلى بن عبد الرحمن، عن عبد الحميد بن جعفر الواسطي، وزاد المسح على الخمار، ولم يذكر التوقيت. أخرجه الطبراني4. قال الدارقطني: معلى بن عبد الرحمن الواسطي كذاب5. وضعف البخاري هذا الحديث عن أبي هريرة6.
ومن حديث أبي هريرة في المسح على الخفين ما رواه ابن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع قال نا جرير عن أيوب عن أبي زرعة بن عمرو قال رأيت جريرا مسح على خفيه، قال: وقال أبو زرعة: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أدخل أحدكم رجله في خفيه وهما طاهرتان فليمسح عليهما ثلاثاً للمسافر ويوماً للمقيم" 7. وجرير في هذا الإسناد هو ابن أيوب البجلي. قال الدارقطني عن أبي نعيم: كان
ـــــــ
1ذكرها الدارقطني مع عللها علل الدراقطني 8/274-276.
2 أخرجه مسلم كتاب التمييز ص208 ح88، والترمذي العلل الكبير بترتيب القاضي 1/171 ح61، وابن ماجه السنن 1/184 ح555.
3علل الترمذي الكبير الموضع نفسه.
4المعجم الأوسط 2/129 ح1473.
5علل الدارقطني 8/275.
6علل الترمذي الكبير الموضع نفسه.
7مصنف ابن أبي شيبة 1/164 ح1882.(2/929)
يضع الحديث. وقال الدارقطني عن هذا الحديث: باطل عن أبي هريرة.
ومن حديثه في ذلك أيضاً: ما رواه أبان بن عبد الله عن مولى لأبي هريرة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: "توضأ ومسح على خفيه"، فقلت: يا رسول الله: رجلاك، لم تغسلهما! قال: "إني أدخلتهما وهما طاهرتان" أخرجه أحمد1، وابن أبي شيبة2، والدارمي3، وأبو يعلى4. وأبان بن عبد الله البجلي ضعفه الدارقطني5، ووثقه ابن معين، وقال أحمد: صدوق صالح الحديث6. لكن اختلف عليه في الحديث، في ذكر المسح على الخفين، وفي الإسناد؛ فرواه النسائي7 من طريقه، عن إبراهيم بن جرير، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة؛ وراه عنه أيضاً8 هو وابن ماجه9 من طريقه، عن إبراهيم بن جرير، عن جرير بن عبد الله البجلي به، وليس في رواياتهم ذكر المسح على الخفين.
ومنه أيضاً: ما رواه عبد الحكم بن ميسرة عن قيس بن الربيع عن هشام ابن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على عمامته ومسح على خفيه"10. وقيس بن الربيع صدوق تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به11، والراوي عنه عبد الحكم
ـــــــ
1المسند 14/319 ح 8695.
2مصنف ابن أبي شيبة 1/167 ح1927.
3سنن الدارمي 1/173، ولم يذكر المسح على الخفين.
4مسند أبي يعلى 10/520 ح6136، ليس فيه ذكر المسح أيضاً.
5علل الدراقطني 8/276.
6تهذيب الكمال 2/15.
7السنن 1/45 ح50.
8السنن 1/45 ح51.
9السنن 1/129 ح359.
10 المعجم الأوسط 2/298 ح2033.
11 تقريب التهذيب 5608.(2/930)
ابن ميسرة لا يعرف بجرح ولا تعديل كما قال أبو موسى المديني1.
ومنه ما رواه إسحاق قال: قلت لأبي أسامة أحدثكم عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر عن مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "امسحوا على الخفين والخمار فإنه حق"، فأقر به أبو أسامة وقال نعم2. ومكحول لم يلق أبا هريرة، قاله أبو زرعة والدارقطني3.
وقد ذكر الدارقطني عن الإمام أحمد قال: وكلها باطلة، ولا يصح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح4.
وأما ما جاء من إنكار أبي هريرة للمسح على الخفين، فمنه ما رواه ابن أبي شيبة، من طريق عبد الواحد بن زياد قال حدثنا إسماعيل بن سميع5، قال: حدثني أبو رُزين قال: قال أبو هريرة: "ما أُبالي على ظهر خفي مسحت أو على ظهر خمار"6.
ومنه ما رواه مسلم7 من طريق شعبة، عن يزيد بن زاذان قال: سمعت أبا زرعة قال: سألت أبا هريرة عن المسح على الخفين قال: فدخل أبو هريرة دار مروان بن الحكم، فبال ثم دعا بماء فتوضأ وخلع خفيه وقال: "ما أَمرنا اللهُ أن نمسح على جلود البقر والغنم".
ـــــــ
1ميزان الاعتدال 4757.
2مسند إسحاق بن راهويه 1/350 ح349.
3المراسيل لابن أبي حاتم 793، جامع التحصيل ص285.
4علل الدراقطني الموضع نفسه.
5الحنفي، وهو صدوق، تكلم فيه لرأي الخوارج 456.
6مصنف ابن أبي شيبة 1/170 ح1952.
7كتاب التمييز ص209 ح89.(2/931)
وقد صحح الإمام مسلم هذين الإسنادين1.
وأنكر الإمام أحمد الروايات عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين، واستدل لذلك بإنكار أبي هريرة المسح على الخفين، وقد أوضح هذا الاستدلال الإمام مسلم، قال: "الرواية في المسح عن أبي هريرة ليست بمحفوظة، وذلك أن أبا هريرة لم يحفظ المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم لثبوت الرواية عنه بإنكاره المسح على الخفين... ولو كان قد حفظ المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم كان أجدر الناس وأولاهم للزومه والتديّن به، فلما أنكره... بان ذلك أنه غير حافظ المسح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنّ مَن أسند ذلك عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم واهي الرواية، أخطأ فيه إما سهواً أو تعمداً".
فقد اتفق الإمامان أحمد وتلميذه مسلم على الأخذ بهذا المسلك في إعلال الحديث.
وفي هذه الأمثلة ما يكفي لإبراز منهج الإمام أحمد في هذا الموضوع2.
وسلوك هذا المسلك في إنكار الأحاديث قد لا يخلو من نظر في بعض الأحيان كما سبق وأن رأينا في تعقب ابن دقيق العيد على بعض صوره، وأيضاً قد يكون الراوي حين جاء عنه ما يخالف روايته فعَل ذلك لمعارض راجح بلغه، فترك موجِبَ روايته وعمل أو أفتى بالراجح، أو يكون لناسخٍ بلغه؛ وقد يكون نسي ما روى كما قال قتادة في فُتيا الحسن بخلاف روايته في قتل الحر بالعبد3.
ـــــــ
1الموضع نفسه.
2وقد ذكر الحافظ ابن حجر حديثين آخرين أنكرهما الإمام أحمد أخذا بهذا المسلك، وهما: حديث عائشة: "دعي الصلاة أيام أقرائك" ، أنكره لأن المعروف عن عائشة أنها تقول الأقراء الأطهار، لا الحيض.
والثاني: حديثها: "لا نكاح إلا بولي"، أنكره لأنها عملت بخلافه.
3وإن مما يعتري هذا المسلك من الخلل أن يُعارَض الناقد في تحقيق المخالفة بين رواية الراوي =(2/932)
لكن الصحيح أن هذه الاعتبارات لا تُضعّف اعتماد هذا المسلك، لأن النقاد لما اعتمدوه في نقد المتون لم يكن اعتمادهم عليه اعتماداً كلياً، بل نقدهم عندما يحتجون به لا يخلو مع ذلك من النظر في الأسانيد، بل من ذلك ينطلقون في الغالب لنقد المتون. ففي الأمثلة التي مضت في هذا المطلب، لم يخل إسناد لمتن منتقد بهذه العلة من وجود علة توجب ضعفه، من إرسال، أو سماع من مختلط بعد الاختلاط، أو تفرد ممن لا يحتمل تفرده، وهذا هو الصحيح في منهج أئمة هذا الفن: إن نقدهم للمتون في أغلب الأحيان ينطلق من نقدهم للأسانيد، وقد تقدم قول الشافعي في ذلك حيث قال: "ولا يُستدلّ على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المُخبِر وكذبِه1، إلا في الخاص القليل من الحديث، وذلك أن يُستدلَّ على الصدق والكذب فيه بأن يُحدِّثَ ما لا يجوز أن يكون مثلُه2، أو ما يُخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالاتٍ بالصدق منه" 3. والعلم عند الله.
ـــــــ
ورأيه، ومثال ذلك ترجيح الإمام البخاري لرواية الإرسال في حديث كُريب، عن ابن عباس في حج الصبي الذي تقدم في المطلب الذي قبل هذا، وذلك استدلالاً بالمعروف عن ابن عباس أنه يقول: "أيما صبي حج ثم أدرك فعليه الحج"، والرواية تقول في الصبي: ألهذا؟ حج؟ قال: "نعم، ولك أجر"، فرأى أن هذا المعروف عن ابن عباس معارِض لتلك الرواية، فقوي عنده رد ذكر ابن عباس في الإسناد وترجيح الإرسال، إذ لو كانت تلك الرواية عند ابن عباس لما أوجب الحج على الصبي بعد البلوغ وقد أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم الحج في صباه. فقد يُعترض عليه بأن المخالفة في هذه الصورة غير محقَّقة، لأن إثبات الحج للصبي قد يكون من باب إثبات الأجر له لا غير، ولا يتضمن إسقاط الوجوب، لأن أداءه للعبادة قبل توجه خطاب الوجوب إليه لا يُسقط الفرض عنه. لكن هذا النوع من الخلل لا يقدح في المسلك نفسه، وإنما الخلل في طريقة استفادة الناظر منه، والله أعلم.
1وهذا إنما يتم بنقد الرجال، وهو مِن نقد الأسانيد.
2وكان هنا تامة ومن أجل ذلك استُغني بمرفوعها، والمعنى: أن يقع مثلُه.
3الرسالة ص399.(2/933)
المطلب الرابع: نماذج من نقد الإمام أحمد للمتون لمخالفتها للثابت المعروف
...
المطلب الرابع: نماذج من نقد الإمام أحمد للمتون لمخالفتها للثابت المعروف.
ومما يرده الإمام أحمد من الأحاديث ما كان مخالفاً للأحاديث الصحيحة الثابتة، أو أجمعت أئمة العلماء على القول بخلافها، وهي من جملة الأحاديث المنكرة التي يعتبرها الإمام أحمد من الشاذ المطرح1، وفيما يلي نماذج من تلك الأحاديث ووجه ردها عند الإمام أحمد.
فمنها: ما كان ردّه له بمعنى نفي الثبوت والصحة عنه بسبب مخالفته لحديثٍ أو أكثرَ أصحّ منه، ومن أمثلته:
قول الإمام أحمد في حديث أسماء بنت عُميس: "تسلَّبِي ثلاثاً، ثم اصنعي ما بدا لك"، إنه من الشاذ المطرح2.
وحديث أسماء بنت عُميس أخرجه أحمد3، وابن سعد4، وابن الجعد5، وابن حبان6، والطحاوي7، والطبراني8، والبيهقي9 من طرق عن محمد ابن طلحة بن مصرِّف، عن الحكم بن عُتيبة، عن عبد الله بن شدّاد، عن أسماء بنت عُميس قالت: لما أُصيب جعفر أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "تسلَّبي 10 ثلاثاً ثم
ـــــــ
1انظر: شرح علل الترمذي 2/624.
2شرح علل الترمذي 2/624.
3المسند 45/459 ح27468.
4الطبقات الكبرى 4/41، 8/282.
5مسند علي بن الجعد 1/389 ح2714.
6الإحسان 7/418 ح3148.
7شرح معاني الآثار 3/74-75.
8المعجم الكبير 24/139 ح369.
9السنن الكبرى 7/438.
10 معناه البسي ثوب الحِداد، وهو السِّلاب، والجمع سُلُب. وتسلّبت المرأة إذا لبسته. وقيل هو ثوب أسود تُغطي به المُحِدّ رأسَها النهاية 2/387. ووقع في رواية ابن سعد، وابن حبان: تسلمي، وتكلف ابن حبان في تفسيرها، وإنما هو تصحيف نبه عليه الحافظ ابن حجر فتح الباري 9/488.(2/934)
اصنعي ما شِئتِ".
وفي رواية لأحمد1: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر، فقال: "لا تُحدِّي بعد يومك هذا".
ورواه شعبة عن الحكم بن عُتبية، عن عبد الله بن شداد مرسلاً ليس فيه أسماء بنت عميس. أخرجه ابن حزم2، وذكره الدراقطني3.
فهذا الحديث مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في الإحداد، منها: حديث أم حبيبة وزينب بنت جحش، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تُؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحدّ على ميّت فوق ثلاث ليالٍ، إلا على زوجٍ أربعةَ أشهرٍ وعشراً" أخرجاه4. وفي حديث زينب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر.
ومنها: حديث أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُحدّ امرأةٌ على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر عشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوبَ عصْبٍ، ولا تكتحل، ولا تمسّ طيباً إلا إذا طهرت، نُبذةً من قُسْطٍ أو أظفارٍ 5". أخرجاه أيضاً6. وفي لفظ: "كنا ننهى أن نُحِدّ على ميت فوق ثلاث إلا على
ـــــــ
1المسند 45/20 ح27083.
2المحلى 10/280.
3علل الدراقطني 5/ق 171.
4صحيح البخاري 9/484 ح5334، 5335، وصحيح مسلم 2/1123 ح1486، 1487.
5قال الإمام النووي: النُّبذة بضم النون القطعة والشيء اليسير، أما القسط فبضم القاف، ويقال فيه: كست بكاف مضمومة بدل القاف، وبتاء بدل الطاء، وهو الأظفار نوعان معروفان من البخور، وليس من مقصود الطيب، رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع فيه أثر الدم لا للتطيب، والله أعلم.ا.هـ شرح النووي على صحيح مسلم 10/118-119.
6صحيح البخاري 9/491 ح5341، صحيح مسلم 2/1127 ح938 66، 67.(2/935)
زوج، أربعةَ أشهُرٍ وعشراً...".
ومنها: حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "لا تحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحدّ على ميّت فوق ثلاث إلا على زوجها" أخرجه مسلم1. ومثله عن حفصة أم المؤمنين2.
فردّ الإمام أحمد هذا الحديث بالشذوذ، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه صحح إسناد الحديث3، ولم أره في شيء من الروايات التي وقفت عليها. وهذا يدل على أن العلة الإسنادية، وهي رواية شعبة للحديث مرسلاً، لم تقدح عنده في صحة الحديث. أما الدارقطني فقال: المرسل أصح.
وقول الدارقطني وجيه، فإن محمد بن طلحة بن مصرف، وإن روى الحديث عنه الأكابر، فقد قال فيه النسائي: ليس بالقوي4. وكذلك قال البيهقي5. وقال أبو داود6، وابن حبان7: يخطئ. واختلف قول ابن معين فيه: فعنه قال: صالح، وعنه: ضعيف8.
فمثل هذا إذا خالفه شعبة فالمحفوظ ما قاله شعبة.
وممن ردّ هذا الحديث من أجل المخالفة المذكورة الإمام أبو حاتم الرازي، قال لما سئل عنه: "فسّروه على معنييْن: أحدُهما أن الحديث ليس هو عن أسماء،
ـــــــ
1صحيح مسلم 2/1127 ح1491.
2الموضع نفسه ح1490 64.
3فتح الباري 9/487.
4كتاب الضعفاء والمتروكين ص234 رقم541.
5السنن الكبرى 7/438.
6سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود 1/301 رقم485.
7الثقات 7/388.
8انظر: تهذيب الكمال 25/420-421.(2/936)
وغلِط محمد بن طلحة، وانما كانت امرأة سواها، وقال آخرون: هذا قبل أن يَنْزِل العِدَد. قال ابن أبي حاتم: قال أبي: أشبه عندى ـ والله أعلم ـ أن هذه كانت امرأة سِوى أسماءَ، وكانت من جعفر بسبيل قرابة، ولم تكن امرأته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُحِدُّ امرأةٌ على أحد فوقَ ثلاث الا على زوج" 1.
فكأنه يضيف الوهم إلى راويه حيث ذكر أن الأمر بترك الإحداد موجه إلى أسماء زوج جعفر.
ومن الآثار:
قال ابن هانئ: "سألت أبا عبد الله عن رجل صلّى بقومٍ فتقدّمه بعضُهم فصلّى قُدّامه، قال: من صلّى قُدّام الإمام يعيد الصلاةَ، قلت له: إن هماماً حدّث عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك أنه صلّى بهم في سفينة، وصلّى قومٌ قداّمَه، فلم ير بذلك بأساً. قال أبو عبد الله: ليس يقول هذا غير هماّم. قال أبو عبد الله: أُخبرتُ أن هماّماً رجع عن هذا الحديث بعدُ. ورواه شعبة، عن أنس بن سيرين، والثوري، عن أيوب، عن أنس بن سيرين لم يقولا كما قال هماّم. وقال: أذهب إلى أن من صلّى هذه الصلاة يُعيدها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جُعل الإمامُ ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا"، فكيف يمكن هذا أن يسجد إذا سجد الإمام، والإمامُ خلفَه؟ ليس هذا بشيء يعيدها 2.
لم أقف على رواية همام التي ذكرها الإمام أحمد ولا رواية شعبة، والثوري. وأخرج ابن حزم3 معلقاً، من طريق وكيع ثنا حماد بن زيد ثنا أنس بن سيرين قال:
ـــــــ
1علل ابن أبي حاتم 1/438 ح1318.
2مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابن هانئ 1/66 رقم326، ومثله عند عبد لله في مسائل الإمام أحمد بروايته 2/375-377.
3المحلى 5/7.(2/937)
"خرجتُ مع أنس بن مالك إلى أرضه ببذق سيرين ـ وهي على رأس خمسة فراسخ ـ فصلّى بنا العصر في سفينة، وهي تجري بنا في دجلة قاعدا على بُساطٍ ركعتيْن ثم سلم، ثم صلّى بنا ركعتين ثم سلم". وأخرج مثله ابن أبي شيبة، عن يونس، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك1. وليس في الروايتين أنهم صلوا قدّام الإمام، كما ذكر الإمام أحمد أن ذلك ليس في روايتي شعبة، والثوري.
وخطّأ الإمام أحمد رواية همام لمخالفتها للحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جُعل الإمامُ ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا" أخرجه البخاري2، ومسلم3 من حديث أنس بن مالك، وأخرجاه أيضاً من حديث أبي هريرة4. فكيف يخالف أنس هذا الحديث ويدع قوماً يصلّون أمامه حيث لا يمكنهم الائتمام بالإمام؟.
ومن الآثار أيضاً:
قال ابن هانئ: "قرأت على أبي عبد الله: إسماعيل بن إبراهيم، عن منصور ابن عبد الرحمن، عن الشعبي، عن علقمة قال: [أتيت ابن مسعود فيما بين رمضان إلى رمضان، فما رأيته في يوم صائماً إلا يوم عاشوراء]. قال لي أبو عبد الله: وهمٌ من منصور إن شاء الله، جميع من روى عن ابن مسعود أنه لم يكن يصوم يوم عاشوراء" 5.
حديث منصور بن عبد الرحمن، عن الشعبي، عن علقمة رواه النسائي6.
ـــــــ
1مصنف ابن أبي شيبة 2/68 ح6561.
2صحيح البخاري 2/173 ح689، 2/584 ح1113.
3صحيح مسلم 1/308 ح411.
4صحيح البخاري 2/216 ح734، صحيح مسلم 1/309 ح414.
5مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابن هانئ 1/135 ح668.
6السنن الكبرى 2/159 ح2848، ووقع تصحيف في النسخة المطبوعة، فوقع مكان: "إلا يوم عاشوراء"، فقال: "ولا يوم عاشوراء"، وهو خطأ، والصفحة نفسها مليئة بتصحيفات أخرى.(2/938)
وذكر الإمام أحمد أن هذا وهمٌ من منصور بن عبد الرحمن الغدّاني1، لأن جميع من روى عن ابن مسعود يقولون إنه لم يكن يصوم يوم عاشوراء. من ذلك ما رواه الشيخان2، من طريق منصور، عن إبراهيم، عن علقمة قال: [دخل الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن اليوم يوم عاشوراء. فقال: قد كان يُصام قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان تُرك، فإن كنت مفطراً فاطعم].
ولعل هذا مما أشار إليه الإمام أحمد أن منصور يخالف في أحاديث.
ومن الآثار أيضاً:
قال عبد الله: "حدثني أبي قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين: "لا بأس بشرب الترياق"3. سمعت أبي يقول: هذا خطأ، كان محمد يكرهه، المعروف عن خالد، عن محمد أنه كرهه، أخطأ فيه وكيع" 4.
خطّأ الإمام أحمد وكيعاً في هذه الرواية لأن المعروف عن خالد الحذاء عن محمد بن سيرين خلاف ما ذكره وكيع، فقد روى ابن علية عن خالد، عن ابن سيرين ـ قال: وذكرته له ـ فقال: "أوليس قد نهي عن كل ذي ناب، فهي ذات أنياب وحمة"5.
ـــــــ
1قال عنه أحمد: صالح، روى عنه شعبة. قال له عبد الله: ثقة؟ قال: حدث عنه شعبة، وإسماعيل، إلا أنه يخالف في أحاديث، وهو ثقة، ليس به بأس. ووثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به الجرح والتعديل 8/175.
وقال ابن حجر: صدوق يهم تقريب التهذيب 6953.
2صحيح البخاري 8/178 ح4503، صحيح مسلم 2/794 ح1127 124.
3الترياق ما يُستعمل لدفع السم من الأدوية والمعاجين، وهو معرب النهاية 1/188. وفي القاموس: دواء مركب بزيادة لحوم الأفاعي فيه القاموس المحيط 1124.
4العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/401 رقم2792.
5مصنف ابن أبي شيبة 5/56 ح23660.(2/939)
وعن ابن علية، عن ابن عون، عن ابن سيرين قال: "أمر ابن عمر بالترياق فسُقي، ولو علم فيه ما فيه ما أمر به"1.
وعن أبي أسامة، عن هشام، عن محمد "أنه كرهه يعني الترياق"2.
مخالفة الرواية للإجماع:
ومما أنكره الإمام أحمد لمخالفته للإجماع:
قال الخلال: أخبرنا الميموني أنهم ذاكروا أبا عبد الله أطفال المؤمنين فذكروا له حديث عائشة في قصة ابن الأنصاري وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فمسعت أبا عبد الله غير مرّة يقول: هذا حديث! وذكر فيه رجلاً ضعفه: طلحة. وسمعته يقول: وأحد يشكّ أنهم في الجنة، هو يُرجى لأبيه، كيف يُشك فيه؟ إنما اختلفوا في أطفال المشركين" 3.
حديث عائشة الذي ذكر في هذا السؤال هو ما رواه طلحة بن يحيى القرشي، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن أم المؤمنين عائشة قالت: دُعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جَنازَة صبيٍّ من الأنصار فقلت: يا رسول الله، طُوبى لهذا، عُصفورٌ من عصافير الجنة، لم يعمل السوءَ ولم يُدركْه. قال: "أوَ غيرَ ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنَّار أهلاً، خلقهم لها وهُم في أصلاب آبائهم" رواه مسلم4، من حديث وكيع ـ وهذا لفظه ـ وأبو داود5، والنسائي6، واللالكائي7، ثلاثتهم من حديث الثوري،
ـــــــ
1المصدر نفسه 5/57 ح23661.
2الموضع نفسه ح23662.
3المنتخب من العلل للخلال ص53 رقم10.
4صحيح مسلم 4/2050 ح2662 31.
5السنن 5/86 ح4713.
6السنن الكبرى 1/633 ح2074.
7شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3/602 رقم1072.(2/940)
وابن ماجه1 من حديث وكيع أيضاً، وأحمد2، والحميدي3، والطحاوي4 ثلاثتهم من حديث ابن عيينة؛ كلهم عن طلحة بن يحيى بمثله.
وأنكر الإمام أحمد هذا الحديث بقوله: "هذا حديث! "، ومحل الإنكار منه في الحديث ما ذُكر من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أوَ غيرَ ذلك يا عائشة!"، فإن فيه إستدراكاً لما قالته عائشة في الصبي الذي توفي وهو من أولاد الأنصار: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، فهذا الاستدراك يقتضي أن أولاد المسلمين ليسوا جميعاً من أهل الجنة، فأنكره الإمام أحمد لمخالفته الإجماع، ويفهم الإجماع من قول الإمام أحمد: "إنما اختلفوا في أولاد المشركين"، فمفهومه أنهم لم يختلفوا في أولاد المسلمين. وقد نقل ابن قُدامة عن أحمد التصريح بذلك، قال: "سئل أبو عبد الله عن أطفال المسلمين فقال: ليس فيه اختلاف أنهم في الجنة" 5.
وهذا الإجماع دلت عليه نصوص، منها ما أشار إليه أحمد: أنه يرجى لأبيه، كيف يشك فيه؟ يشير إلى حديث أبي هريرة: "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم" 6، وروي في هذا المعنى عن غيره من الصحابة. وذلك أن من كان سبباً في حجب النار عن أبويه أولى بأن يُحجب هو لأنه أصل الرحمة وسببها7.
وجاء في حديث أبي هريرة من وجه آخر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من
ـــــــ
1السنن 1/32 ح82.
2المسند 40/160 ح24132.
3مسند الحميدي 1/129 ح265.
4شرح معاني الآثار 1/507.
5المغني 13/254.
6أخرجه البخاري 11/541 ح6656، ومسلم 4/2028 ح2632.
7قاله ابن المنير فتح الباري 3/244.(2/941)
مسلميْن يموت لهما ثلاثة من أولادٍ لم يبلغوا الحِنث إلا أدخلهما الله وإياهم بفضل رحمته الجنة". قال: "يُقال لهم: ادخلوا الحنة، قال: فيقولون: حتى يجيء أبوانا"، قال: ثلاث مرات. فيقولون مثل ذلك. قال: فيقال لهم: "ادخلوا الجنة أنتم وأبواكم". أخرجه النسائي1، وأحمد2، والبيهقي3 من طرق عن عوف الأعرابي، عن محمد ابن سيرين، عن أبي هريرة به.. وروى البخاري4 من حديث أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات له ثلاثة لم يبلغوا الحِنث أدخله وإياهم بفضل رحمته الجنة".
وذكر الميموني في هذا السؤال أن أحمد ضعّف راوي الحديث طلحة، وهو طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي. قال عبد الله: "سمعت أبي يقول: طلحة بن يحيى أحب إلي من بُريد بن أبي بُردة، بُريد يروى أحاديث مناكير، وطلحة يحدث بحديث: "عصفور من عصافير الجنة" " 5.
قال الذهبي عن حديث طلحة هذا: هو مما ينكر من حديثه، لكن أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه6.
وإنما ينكر عليه صدر الحديث الذي تقدمت الإشارة إلى أنه محل إنكار الإمام أحمد، وهو استدراك النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في قولها، أما آخره فليس بمنكر، لأنه قد تابعه عليه غيره. فروى مسلم7 من طريق جرير بن عبد الحميد الضبي، عن العلاء بن المسيب، عن فضيل بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة
ـــــــ
1السنن 4/25 ح1875.
2المسند 16/364 ح10622.
3السنن الكبرى 4/68.
4الأدب المفرد ح 151، وهو في صحيح الأدب المفرد برقم113.
5العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/11 رقم1380.
6سير أعلام النبلاء 14/462.
7صحيح مسلم 4/2050 ح2662 30.(2/942)
أم المؤمنين قالت: توفي صبيٌّ فقلت: طوبى له، عصفور من عصافير الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلاً ولهذه أهلاً". وأخرجه إسحاق1، وابن حبان2 من هذا الوجه.
وتابعه أيضاً يحيى بن إسحاق، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة بمثله. أخرجه الطيالسي، عن قيس بن الربيع، عن يحيى بن إسحاق3.
فقد توبع طلحة بن يحيى على آخر الحديث دون قوله في أوله: "أو غير ذلك".
وقد أشار العقيلي إلى هذا التفصيل قال: "آخر الحديث فيه رواية من حديث الناس بأسانيد جياد، وأوله لا يحفظ إلا من هذا الوجه" 4.
ولعل هذا وجه تقديم الإمام مسلم لرواية فضيل بن عمرو التي ليس فيها اللفظة المنكرة مع نزوله فيها على رواية طلحة بن يحيى، على عادته في تأخير الأحاديث المعلّة.
وممن أنكر الحديث من الوجه الذي أنكره الإمام أحمد الحافظ ابن عبد البر؛ قال: "وفي ذلك أيضاً دليل واضح على سقوط حديث طلحة بن يحيى ـ يعني هذا الحديث ـ وهذا حديث ساقط ضعيف، مردود بما ذكرناه من الآثار والإجماع، وطلحة بن يحيى ساقط ضعيف لا يحتج به، وهذا الحديث مما انفرد به فلا يعرّج عليه" 5.
ـــــــ
1مسند إسحاق بن راهويه 2/447 ح1016.
2الإحسان 1/348 ح138.
3مسند الطيالسي ص220 ح1574.
4الضعفاء للعقيلي 2/616.
5التمهيد 6/350-351.(2/943)
مخالفة الراوية للواقع:
ومما أنكره لمخالفته للواقع:
قال صالح بن أحمد بن حنبل: "وسألته عن حديث رواه نصير بن حمد البرازي، صاحب ابن المبارك، عن عثمان بن زائدة، عن الزبير بن عدي، عن أنس ابن مالك رفعه، قال: [من أقرّ بالخراج وهو قادرٌ على أن لا يُقِرّ به فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً] فقال: ما سمعنا بهذا، هذا حديث منكر، وقد رُوي عن ابن عمر أنه كان يَكره الدخول في الخراج، وقال: إنما كان الخراج على عهد عمر" 1.
لم أجد حديث أنس هذا، وروى يحيى بن آدم، عن عبيد الله الأشجعي، عن سفيان بن سعيد، عن الزبير بن عدي، عن رجل من جُهينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أقرّ بالخراج بعد أن أنقذه الله عز وجل منه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"2 قال ابن رجب: وهذا أشبه، والجهني مجهول3 رجحه لأن عثمان بن زائدة وإن كان ثقة4 إلا أن الثوري أوثق منه، فقوله أشبه بالصواب.
والإمام أحمد أنكره لمخالفته للواقع، وذلك أن الخراج لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان في زمن عمر5، فكيف يأتي الوعيد على المقرّ به وهو لم يكن بعدُ؟
ـــــــ
1مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابنه صالح 1/280 رقم222. ونقل ابن أبي حاتم هذا السؤال عن صالح في "علل ابن أبي حاتم" 2/441 ح 2830. وذكر ابن رجب عن الميموني أنه كتب إلى أحمد يسأله عن هذا الحديث فأجابه بنحو ما ذكره هنا الاستخراج لأحكام الخراج 7.
2الخراج ليحيى بن آدم القرشي ص54 ح150.
3الاستخراج لأحكام الخراج ص8.
4قال عنه ابن حجر: ثقة زاهد تقريب التهذيب 4499.
5انظر: أحكام أهل الذمة 1/107.(2/944)
وقد جاء عن الإمام أحمد استنكار لبعض الأحاديث للمخالفة والظاهر أن ذلك ليس بمعنى التضعيف لها، أو يكون بمعنى التضعيف ويكون قوله في ذلك متعقَّب.
فمثال الأول:
قال عبد الله: "حدثني أبي، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي التياح، قال: سمعت أبا زرعة يحدّث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يُهلك أمتي هذا الحيُّ من قُريش"، قالوا: فما تأمرُنا يا رسول الله؟ قال: "لو أن الناس اعتزلوهم". قال عبد الله بن أحمد: وقال أبي في مرضه الذي مات فيه: اضرب على هذا الحديث، فإنه خلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني قوله: "اسمعوا وأَطيعوا واصبِروا "1.
قال المرّوذي: "وقد كنت سمعته يقول: هو حديث رديء، يحتج به المعتزلة في ترك الجمعة" 2.
حديث أبي هريرة أخرجه أيضاً البخاري3، ومسلم4 كلاهما من طريق شعبة به.
والذي أنكره الإمام أحمد هو قوله: "لو أن الناس اعتزلوهم"، فقد وقع السؤال في موضع آخر على هذه اللفظة كما في "كتاب الورع"5، فأجاب بما ذكره المرّوذي، وهو راوي "كتاب الورع" عن الإمام أحمد.
ـــــــ
1المسند 13/381-383 ح8005، ونقله الخلال المنتخب من العلل للخلال ص163 رقم84.
2المنتخب من العلل للخلال الموضع نفسه.
3صحيح البخاري 6/612 ح3604.
4صحيح مسلم 4/2236 ح2917.
5كتاب الورع ص36.(2/945)
وقد رُوي الحديث عن أبي هريرة من وجوه أخرى بدون هذه الزيادة التي أنكرها الإمام أحمد، وقد ذكر أنه من غرائب حديث شعبة1.
فأخرجه البخاري من حديث عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي، عن جده سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: [كنت مع مروان وأبي هريرة فسمعت أبا هريرة يقول: سمعت الصادق المصدوق يقول: "هلاك 2 أمتي على يدي غِلَمةٍ من قُريش" . فقال مروان: غلمة؟ قال أبو هريرة: لو شيت أن أسمِّيهم، بني فلان، وبني فلان]3.
وروي من حديث شعبة، وسفيان، وابن أبي زائدة عن سماك، عن مالك ابن ظالم، عن أبي هريرة بمثله4؛ ومن حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة5؛ ومن حديث عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة6.
لكن شعبة روى الحديثين، فذكر حديث مالك بن ظالم بدون الزيادة، وذكرها في حديث أبي التياح، عن أبي زرعة، ولذلك لم يتردد صاحبا الصحيح من إخراج روايته.
وأنكره الإمام أحمد لأن ظاهره مخالف للأحاديث التي وردت بالأمر بعدم الخروج عن طاعة ولي الأمر وإن كان ظالماً، وهي كثيرة ومن أصول أهل السنة،
ـــــــ
1فتح الباري 6/615.
2قال الحافظ ابن حجر: والمراد أنهم يهلكون الناس بسبب طلبهم الملك والقتال لأجله فتفسد أحوال الناس ويكثر الخبط بتوالي الفتن.ا.هـ. فتح الباري 13/10.
3صحيح البخاري 6/612 ح3605.
4أخرجه أحمد 19/255 ح7871 من حديث سفيان، و19/352 ح7974 من حديث شعبة. وأخرجه إسحاق من حديث ابن أبي زائدة مسند إسحاق 1/358 ح362. وأخرجه ابن حبان 15/108 ح6713، والحاكم المستدرك 4/527 كلاهما من طريق شعبة.
5أخرجه ابن حبان 15/107 ح6712.
6أخرجه الحاكم المستدرك 4/479.(2/946)
وقد أساء فهم هذا الحديث طائفة المعتزلة فتركوا حضور الجمعة.
والأقرب أن أمر الإمام أحمد بالضرب على هذا الحديث ليس تضعيفاً له، ولكن للنهي عن التحديث به خوفاً من أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في مخالفات أشدّ. وقد ذُكر عنه أنه كان يكره التحديث بالأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان1، فالظاهر أن هذا منه، والله أعلم.
ومثال ما استنكره من أجل المخالفة وتعقّب قوله فيه:
قال أبو داود: "سمعت أحمد ذكر حديث صالح بن كيسان، عن الحارث ابن فُضيل الخطمي، عن جعفر بن عبد الله بن الحكم، عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن الحكم، عن عبد الرحمن بن المِسوَر بن مخرمَة، عن أبي رافع، عن عبد الله ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يكون أمراء يقولون ما لا يفعلون، فمن جاهدهم بيده". قال أحمد: جعفر هذا هو أبو عبد الحميد بن جعفر، والحارث بن فُضيل ليس بمحمود الحديث، وهذا الكلام لا يشبه كلام ابن مسعود، ابن مسعود يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصبروا حتى تلقَوني" 2.
حديث ابن مسعود رواه مسلم3 من طريق صالح بن كيسان بهذا الإسناد، ومتنه: "ما من نبيٍ بعثه اللهُ في أُمّة قبلي إلا كان له من أمتِهِ حَواريُّونَ وأصحابٌ يأخذون بسنّته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلُفُ من بعدهم خُلوفٌ، يقولون مالا يَفعلون، ويَفعلون ما لا يُؤمَرون، فمن جاهَدَهم بيده فهو مُؤمن، ومن جاهَدَهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهَدَهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراءَ
ـــــــ
1فتح الباري 1/235.
2مسائل الإمام أحمد ـ برواية أبي داود ص418 رقم1950. ورواه الخلال كما في "السنة" 1/142 ح105 وفي "المنتخب من العلل للخلال" ص169-170.
3صحيح مسلم 1/69 ح50.(2/947)
ذلك من الإيمان حبّةُ خَردَل". قال أبو رافع فحدثت عبدَ الله بن عمر فأنكره عليّ، فقدِم ابنُ مسعود، فنزل بقناة فاستتبعني إليه عبدُ الله بن عمر يعوده، فانطلقتُ معه، فلما جلسنا سألت ابنَ مسعود عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته ابنَ عمر. قال صالح وقد تحدث بنحو ذلك عن أبي رافع].
وقد رواه من هذا الوجه أيضاً أحمد1، وابن مندة2، والبيهقي3. ورواه من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن الحارث بن فضيل أبو عوانة4 وابن حبان5، والطبراني6 وأبو نعيم7. ورواه أحمد8 من طريق عبد الله بن جعفر المخرمي، عن الحارث بن فضيل به.
ولم ينفرد به الحارث بن فضيل، فقد روي من وجه آخر عن ابن مسعود، فروى الإمام أحمد9 من طرق عن عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن عامر بن السِّمط، عن معاوية بن إسحاق، عن عطاء بن يسار، عن ابن مسعود فذكره مختصراً. وهكذا رواه البزار10 أيضاً. ورواه بطوله ابن حبان11. وصرح عطاء بن يسار في روايته بالسماع من ابن مسعود12، وخطّأ
ـــــــ
1المسند 7/378 ح4379.
2الإيمان 1/345 ح183.
3السنن الكبرى 10/90.
4مسند أبي عوانة 1/43 ح98.
5الإحسان 14/71 ح6193.
6المعجم الكبير 10/13 ح9784.
7المستخرج على صحيح مسلم 1/137 ح177.
8المسند 7/411 ح4402.
9المسند 7/374 ح4363.
10 مسند البزار 5/281 ح1896.
11 الإحسان 1/403 ح177.
12 قال ذلك معاذ بن معاذ عن عاصم، وتابعه عبد الواحد بن زياد عند ابن أبي حاتم في المراسيل(2/948)
ذلك أبو حاتم1. وقال البخاري: يقال سمع منه2. وذكر ابن سعد أنه سمع منه3، ونقل الذهبي مثل ذلك عن أبي داود4.
واستنكر الإمام أحمد هذا الحديث في هذه الرواية بأنه خلاف الأحاديث التي رواها ابن مسعود والتي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالصبر على جور الأئمة، ولولا كلامه في الحارث بن فضيل راوي الحديث لقلنا في هذا مثل ما سبق في الذي قبله، أن استنكاره من باب كراهية التحديث بالأحاديث التي ظاهرها الخروج على الوُلاة. لكن لما قال في الحارث بن فُضيل إنه ليس بمحمود الحديث في معرض استنكاره للحديث الذي رواه، دلّ ذلك على طعنه في صحته. والحارث بن فضيل وثقه ابن معين، والنسائي5، وقال ابن حبان: كان من خيار أهل المدينة6، ولم يلتفت النقاد المتأخرون إلى قول الإمام أحمد في الحارث فوثقه كلٌ من الذهبي، وابن حجر7، وقال ابن الصلاح: روى عنه جماعة من الثقات، ولم نجد له ذكراً في كتب الضعفاء8. ثم أنه لم ينفرد به كما تقدم.
ـــــــ
ص156. وخالفهما أبي النضر هاشم بن القاسم فرواه بالعنعنة، وهي رواية أحمد الموضع نفسه.
ومما يرجح قول أبي النضر ما ذكره الدارقطني أن ابن لهيعة خالف معاوية بن إسحاق، فرواه من وجه آخر عن عطاء، عن أبي واقد، عن ابن مسعود، وقال: ذكر أبي واقد أصح علل الدارقطني 5/342. وابن لهيعة ليس ممن يرجح قوله على مثل معاوية بن إسحاق الذي وثقه أحمد والنسائي تهذيب الكمال 28/161، والله أعلم.
1 المراسيل 572.
2 التاريخ الكبير 6/461.
3الطبقات الكبرى 5/173.
4سير أعلام النبلاء 4/449.
5الجرح والتعديل 3/86، تهذيب الكمال 5/271.
6مشاهير علماء الأمصار 1/130.
7الكاشف 869، تقريب التهذيب 1049.
8صيانة صحيح مسلم ص209.(2/949)
وتولى ابن رجب الإجابة عن هذا الاستنكار فقال: "التغيير باليد لا يستلزم القتال، وقد نص على ذلك أحمد أيضاً في رواية صالح، فقال: التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح... وليس هو من باب قتالهم، ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه، فإن هذا أكثر ما يُخشى منه أن يقتل الآمر وحده، وأما الخروج عليهم بالسيف فيخشى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين" 1.
فقد عاد الأمر إلى عدم تحقيق المخالفة لأن الجمع بين ما ظاهره التعارض ممكن، والجمع بين الأحاديث بحيث يحمل كل حديث على المعنى اللائق به فلا تتضارب معانيها منهج ثابت عند الإمام أحمد2، وقد يكون ما ذكره ابن رجب من تفسيره للتغيير رجوعاً منه عن استنكار الحديث وجمعاً بين الحديثين المتعارضين في الظاهر، والله أعلم.
ـــــــ
1جامع العلوم والحكم 2/263.
2انظر مسائل صالح 2/262-267 رقم871.(2/950)
الفصل الثاني: الإعلال بالعلل الخفية
المبحث الأول: نماذج من الأخطاء الواقعة في أحاديث الثقات
مدخل
...
الفصل الثاني: الإعلال بالعلل الخفية
المبحث الأول: نماذج من الأخطاء الواقعة في أحاديث الثقات.
والأخطاء الواقعة في أحاديث الثقات تأتي على أنواع، بعضها تقع في الإسناد وبعضهما في المتن، وبعضها فيمها معاً، وقد تقدح في صحة الحديث وقد لا تقدح. وقد اعتنى الأئمة النقاد بما فيهم الإمام أحمد بذكر هذه الأخطاء في مصنفاتهم في العلل، وسألهم تلاميذهم عنها في كتب سؤالاتهم فكشفوها، ويُلتمس من خلال ذلك الوسائل التي سلكوها للكشف عن تلك الأخطاء.
ولما كانت الأخطاء التي تقع في أحاديث الثقات مَردُّها إلى الوهم والغلط النادر الذي لا يسلم منه بشر، والأوهام والأخطاء لا حصر لأنواعها، إلا أن العلماء درجوا على تسمية بعض الأوهام والأخطاء بأسماء خاصة يندرج تحت كل جنس جملة كثيرة من الأفراد، فسلكت في هذا المبحث إيراد الأخطاء على أنواع يندرج تحت كل نوع عدد من النماذج كما وردت عن الإمام أحمد.(2/953)
المطلب الأول: أخطاء الحفاظ في الأسماء
...
المطلب الأول: أخطاء الحفاظ في الأسماء.
وهذا من أنواع الأخطاء الواقعة في الأسانيد، ولأهمية السلامة من الوقوع فيها اعتنى الأئمة النقاد بمعرفة المتشابه من الأسماء والألقاب والكنى، والتمييز بين الأسماء المتفقة لفظاً وخطاً والمفترقة في المسميات. وقد ذكر الإمام أحمد عن هشيم قال: "زعم لي بعضهم قال: كتب الحجاج أن يؤخذ إبراهيم بن يزيد إلى عامله، فلما أتاه الكتابُ قال: فكتب إليه: أن قِبَلَنا إبراهيم بن يزيد التيمي، وإبراهيم بن يزيد النخعي، فأيهما يُنفذ؟ قال: فكتب أن: خُذهما جميعاً. قال هشيم: أما إبراهيم النخعي، فلم يُوجد حتى مات، وأما إبراهيم التيمي فأُخذ(2/953)
فمات في السجن" 1، فلعدم التمييز بينهما لتشابههما في الأسماء وقع الخلط، فكذلك يقع في أسانيد الأحاديث، وإذا كان أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً فالذي يترتب على الخلط يكون أشد. مثال ذلك ما ذكره أبو طالب عن الإمام أحمد: "كل شيء روى ابنُ جُريج عن عمر بن عطاء، عن عِكرمة فهو: عمر بن عطاء بن وَزار، وكل شيء روى ابن جُريج عن عمر بن عطاء عن ابن عباس فهو عمر بن عطاء بن أبي الخُوار، كان كبيراً. قيل له: أيروي ابن أبي الخُوار عن عِكرمة؟ قال: لا، من قال: عمر ابن عطاء بن أبي الخُوار، عن عِكرمة فقد أخطأ، إنما روى عن عِكرمة عمر بن عطاء ابن وَزار، ولم يرو ابن أبي الخُوار عن عكرمة شيئاً" 2، وعمر بن عطاء بن وَزار ليس بقوي في الحديث3، وعمر بن عطاء بن أبي الخوار ثقة4.
والأخطاء من هذا النوع من أشد أنواع الأخطاء في الأسماء، لأنها تؤدي إلى تصحيح ما هو ضعيف، وأو تضعيف ما صحيح.
ودونها الأخطاء في تسمية الراوي بما ليس اسمه فيؤدي إلى تجهيله، وهذا يقع كثيراً من الثقات، بل حتى من الحفاظ البارزين. وقد قال أحمد: ما أكثر ما يخطئ شعبة في أسامي الرجال5. وقال أيضاً: كان غلط شعبة في أسماء الرجال6. وقد قال أبو داود: وشعبة يخطئ فيما لا يضره ولا يُعاب عليه، يعني في الأسماء7.
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 1/137 رقم16.
2تهذيب الكمال 21/464.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 3/317 رقم5409.
4وثقه ابن معين، وأبو زرعة تهذيب الكمال 24/462.
5مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابن هانئ 2/245-246.
6الجرح والتعديل 4/370.
7شرح علل الترمذي 1/450.(2/954)
ومن نماذج الأخطاء التي ذكرها الإمام أحمد لبعض الثقات من هذا النوع:
1. قال عبد الله: حدثني أبي قال: حدثنا يحيى بن حماد، قال: أخبرنا أبو عوانة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حُدس أبي مصعب العقيلي، عن عمّه أبي رزين وهو لقيط بن عامر المُنتَفِق أنه قال: يا رسول الله، إن كنا نذبح في رجب ذبائح فنأكل منها، ونطعِم من جاءنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا بأس بذلك". فقال وكيع: فلا أدعُها أبداً. حدثني أبي: قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد، وبَهز، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حُدْس، عن عمِّه أبي رُزَيْن العُقيلي قلت: يا رسول الله، كيف نرى ربَّنا، فذكر الحديث. وأظن أبي قال: في كتاب الأشجعي، عن سفيان، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حُدس. حدثني أبي قال: حدثنا هُشيم قال: أخبرنا يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عُدس، عن عمِّه أبي رُزيْن. حدثني أبي قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عُدس، عن عمّه أبي رُزيْن. قال أبي الصواب ما قال حماد بن سلمة،
وأبو عوانة، وسُفيان قالوا: وكيع بن حُدس، وكان الخطأ عنده ما قال شعبة، وهُشيم. وأظنه قال: هُشيم كان يُتابِع شُعبة" 1.
ففي هذا النص التنصيص على خطأ شعبة في اسم وكيع بن حُدس، حيث يقول فيه: وكيع بن عُدس بالعين المهملة، وإنما هو بالحاء المهملة كما قال ذلك حماد بن سلمة، وأبو عوانة، وسفيان الثوري من كتاب عبيد الله الأشجعي، والمسمى واحد. ومتابعة هشيم لشعبة ليس فيها تقوية لرواية شعبة، لأنه أخذ ذلك عن شعبة كما قال الإمام أحمد. وقال أبو داود: قال أحمد: وهم هُشيم، أخذه عن شعبة2. و أما الترمذي فرجح قول شعبة3.
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 3/428-429 رقم5824-5827.
2تهذيب الكمال 30/485.
3الجامع 4/536.(2/955)
ووكيع بن حُدس لم يوثقه إلا ابن حبان1. وقال عنه الذهبي: لا يعرف، تفرد عنه يعلى بن عطاء2. فهو آفة الأحاديث التي وردت في السؤال، وقد أخرجها أحمد3.
2. قال ابن هانئ: "سمعت أبا عبد الله يقول: ما أكثر ما يخطئ شعبة في أسامي الرجال، وذكر له حديث عبد ربه عن عمران بن أبي أنس: حديث [الصلاة مثنى مثنى، تشهّدُ في كل ركعتين وتخشعُ وتضرّعُ وتمسكَنُ] فقال هو: أنس بن أبي أنس، وإنما هو الصحيح: عِمران بن أبي أنس" 4.
حديث شعبة أخرجه أبو داود5، والنسائي6، وابن ماجه7، وأحمد8، وابن خزيمة9 من طرق عنه، عن عبد ربه بن سعيد، عن أنس بن أبي أنس، عن عبد الله بن نافع بن العمياء، عن عبد الله بن الحارث، عن المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلاة مثنى مثنى، وتشَّهدُ قي كل ركعتين، وتباءسُ، وتمسكنُ، وتُقنِعُ يديك وتقول: اللهم اللهم، فمن لم يفعل ذلك فهي خِداج".
فذكر أحمد أن شعبة أخطأ في قوله: أنس بن أبي أنس، وأن الصحيح إنما هو عِمران بن أبي أنس؛ هكذا رواه الليث بن سعد، عن عبد ربه بن سعيد، عن
ـــــــ
1الثقات 5/496.
2ميزان الاعتدال 9355.
3المسند 26/118 ح16202،16204، 26/111 ح16192، 26/116 ح16198، 26/100 ح16182، 26/112 ح16193.
4مسائل الإمام أحمد ـ برواية ابن هانئ 2/245-246 رقم2374.
5السنن 2/66 ح1296.
6السنن الكبرى 1/212 ح616.
7السنن 1/419 ح1325.
8المسند 29/66 ح17523 ح17524 ح17528 ح17529.
9صحيح ابن خزيمة 2/220 ح1212.(2/956)
عمران بن أبي أنس1.
وقال الفضل بن زياد: "سمعت أبا عبد الله وذكر له أبو جعفر حديث عمران بن أبي أنس، فقال أبو عبد الله: الحديث حديث الليث بن سعد، أنس بن أبي أنس من هذا؟ معروف عمران بن أبي أنس" 2.
وذكر البخاري أن الليث قد توبع3.
وقال أبو حاتم: "ما يقول الليث أصح، لأنه قد تابع الليث عمرو بن الحارث، وابن لهيعة، وعمرو والليث كانا يكتبان، وشعبة صاحب حفظ" 4.
وقد خولف شعبة في مواضع أخرى في روايته لهذا الحديث غير ما ذكره، لم يذكرها الإمام أحمد، وذكرها البخاري5، وأبو حاتم6. والحديث ضعفه البخاري7، وحسنه أبو حاتم8، والقول ما قال البخاري.
وفي هذا إشارة إلى ما سبق ذكره من أنه يترتب على خطأ الرواة في الأسماء تجهيل رواة معروفين، وذلك حيث قال الإمام أحمد: "أنس بن أبي أنس! من هذا؟ معروف عمران بن أبي أنس". فكأنه يشير إلى أن رواية شعبة جاءت براوٍ مجهول بينما الراوي في واقع الأمر شخص آخر معروف.
ـــــــ
1أخرجه الترمذي 2/225 ح385، والنسائي السنن الكبرى 1/212 ح615، وأحمد 3/315 ح1799.
2المعرفة والتاريخ 2/202.
3التاريخ الكبير 3/283.
4علل ابن أبي حاتم 1/132.
5جامع الترمذي 2/226.
6الموضع السابق.
7قال في التاريخ الكبير 5/213 في عبد الله بن نافع بن العمياء: لم يصح حديثه. وقال عنه ابن المديني: مجهول تهذيب الكمال 16/207.
8علل ابن أبي حاتم الموضع نفسه.(2/957)
3. قال عبد الله: "سمعت أبي يقول: كذا قال عندر، وأظن شعبة أخطأ في اسمه، في حديث شعبة، عن محمد بن إسحاق، عن عمر بن عاصم بن قتادة، عن محمود، عن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أسفِروا بالصُّبح"، قال أبي: وإنما هو عاصم ابن عمر بن قتادة" 1.
روى حديث شعبة الحجاج بن المنهال2، وأبو داود الطيالسي3، وعمر ابن حفص الحوضي4، وبقية بن الوليد5 كلهم عن شعبة، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج على الصواب في تسمية شيخ ابن إسحاق.
وكذلك رواه غير واحد عن ابن إسحاق، منهم: عبدة بن سليمان6، ويعلى بن عبيد7، وزائدة بن قدامة8، ويزيد بن هارون، ومحمد بن يزيد9، فكلهم قالوا في اسم شيخ محمد بن إسحاق: عاصم بن عمر بن قتادة.
ولم أقف على من تابع غندر عن شعبة في قوله: عمر بن عاصم بن قتادة، فالظاهر أن الخطأ منه لا من شعبة كما ظن الإمام أحمد، بدليل من ذكره عن شعبة على الصواب، وهم عدد.
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/160 رقم1867.
2حديثه عند الدارمي 1/277.
3وهو في مسنده 129 ح959.
4حديثه في المعجم الكبير 4/250 ح4286.
5وحديثه في الآحاد والمثاني 4/120 ح2091.
6جامع الترمذي 1/289 ح154.
7عند عبد بن حميد في مسنده ص158 ح422.
8المعجم الكبير 4/254 ح4288.
9كلاهما عند ابن حبان الإحسان 4/357 ح1490.(2/958)
قال عبد الله: "حدثني أبي قال: حدثنا وكيع، عن مالك بن أنس، عن عبيد الله بن أبي بكر الثقفي عن أنس: "غدونا مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم، فكان يُهلّ المُهِلُ ويُكبّر المُكبّر فلا يَعيب أحدُهما على صاحبِه". حدثني أبي قال: حدثنا ابن مهدي، عن مالك، عن محمد بن أبي بكر الثقفي، قال أبي: وهذا أخطأ فيه وكيع، إنما هو محمد بن أبي بكر الثقفي" 1.
حديث مالك رواه عدد كثير من الرواة عنه، عن محمد بن أبي بكر الثقفي2، أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من مِنىً إلى عرفة: "كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: كان يُهِلّ منا المُهِلّ فلا يُنكر عليه، ويُكبّر منا المُكبّر فلا يُنكر عليه" فرواه عبد الرحمن بن مهدي كما ذكره أحمد3، ويحيى بن يحيى الليثي4، وأبو مصعب الزهري5، وأبو نعيم6، وعبد الله بن يوسف التنيسي7، ويحيى بن يحيى النيسابوري8، وأبو سلمة الخزاعي9. وتابعهم موسى بن عقبة10، وعبد العزيز الماجشون11، فروياه عن محمد بن أبي بكر الثقفي به.
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/403 رقم4803.
2هو محمد بن أبي بكر بن عوف بن رباح الثقفي. وثقه النسائي، والعجلي تهذيب التهذيب 9/80.
3وهو في مسنده 19/125 ح12069.
4في الموطأ بروايته 1/337.
5وهو في الموطأ بروايته 1/431 ح1049.
6وهو عند البخاري 2/461 ح970، والنسائي السنن 5/250 ح2999.
7حديثه عند البخاري 3/510 ح1659.
8وحديثه عند مسلم 2/933 ح1285 274، والبيهقي السنن الكبرى 3/313.
9وحديثه عند أحمد ح13521.
10 أخرج حديثه مسلم 2/934 ح275، والنسائي السنن 5/251 ح3000، والحميدي المسند 2/509 ح1211.
11 أخرج حديثه أحمد المسند 19/477 ح12493، وعلي بن الجعد مسنده ص425 ح2907.(2/959)
ورواه وكيع عن مالك فقال: عن عبيد الله بن أبي بكر الثقفي، فذكر الإمام أحمد أنه وهم في ذلك. قال عبد الله في موضع آخر1: "سمعت أبي يقول: وكيعٌ يهِم في أحاديث عن مالك بن أنس منها: حديث محمد بن أبي بكر الثقفي: غدونا مع أنس، لم يقل وكيع محمد بن أبي بكر الثقفي، قال شيئاً غير محمد، خالفه ابن مهدي".
وقال الباجي: وهو وهم من وكيع، والصواب ما قال جميع الرواة عن مالك: محمد بن أبي بكر الثقفي.ا.هـ2.
5. قال عبد الله: "حدثني أبي قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال حدثنا أبو الزعراء عمرو بن عمرو، عن عمه أبي الأحوص، وقال الثوري: عمرو بن عامر أبو الزعراء، أخطأ، هو عمرو بن عمرو كما قال ابن عيينة" 3.
وهذا خلاف في اسم أبي الزعراء الصغير، وقد تابع ابن عيينة على قوله: عمرو بن عمرو أبو العميس عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود، فقال: عن أبي الزعراء عمرو بن عمرو4. وقال البخاري أيضاً: عمرو بن عمرو أصح5 وعكس يحيى بن معين فرجح عمرو بن عامر6.
فالحكم على الثوري بالخطأ إنما هو على قول الإمام أحمد لثبوب الخلاف في اسم هذا الراوي.
ـــــــ
1 العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 3/265 رقم5172.
2 التعديل والتجريح 2/691.
3العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 3/145 رقم4637.
4كتاب الأسامي والكنى للإمام أحمد ص89 رقم255. وانظر الراوية عند ابن أبي شيبة المصنف 3/160 ح13050.
5التاريخ الأوسط 2/9.
6التاريخ ـ برواية الدوري 3/351 رقم1695.(2/960)
وقد يترتب على الخطأ في التسمية ظن من ليس بصحابي صحابياً. مثال ذلك:
قال الإمام أحمد: "حدثنا محمد بن أبي عدي، عن سُليمان ـ يعني التيمي ـ عن أبي عثمان ـ يعني النهدي ـ عن قبيصة بن مُخارق قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رضْمةٍ من جبَلٍ فعلا أعلاها ثم نادى أو قال: "يا آل عبد منافاه، إني نذيرٌ، إن مَثلي ومَثَلَكم كمَثَلِ رجلٍ رأى العدُوَّ فانطلق يَرْبَأُ أهلَه يُنادي" أو قال: "يهتِف: يا صباحاه". قال عبد الله: قال أبي: قال ابن أبي عدي في هذا الحديث: عن قبيصة بن مُخارق أو وهب بن عمرو، وهو خطأ، إنما هو زهير بن عمرو، فلما أخطأ تركت وهب بن عمرو" 1.
هذا الحديث رواه محمد بن أبي عدي عن قبيصة بن مخارق أو وهب بن عمرو كما قال الإمام أحمد. وأخطأ فيه، وذلك أن الحديث رواه غير واحد عن سليمان ابن طرخان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن قبيصة بن مُخارق وزهير بن عمرو به. منهم يحيى القطان2، وإسماعيل بن علية3، ويزيد بن زريع4، ومعتمر ابن سليمان5، وعبيد الله بن معاذ6 وغيرهم.
ورواية ابن أبي عدي هذه لو ثبتت تقتضي ثبوت الصحبة لوهب بن عمرو، فيظن من ليس بصحابي صحابياً، ولجسامة هذا الخطأ ترك الإمام أحمد ذكره في السند، فهو من باب سكوته على موضع العلة على ما عُرف منه في غير ما موضع7.
ـــــــ
1المسند 25/256 ح15915.
2وحديثه عند أحمد المسند 34/209 ح20605، والنسائي الكبرى 6/244 ح10817.
3وحديثه عند أحمد المسند 34/210 ح20606.
4وحديثه عند مسلم 1/193 ح207.
5وحديثه عند مسلم الموضع نفسه، والطبري جامع البيان 19/120.
6كتاب الإيمان لابن مندة 2/886 ح995.
7انظر مثل ذلك: المسند 38/124 ح23017.(2/961)
وهناك نوع من الخطأ في التسمية يعود في حقيقته إلىنوع من القلب، لأنه يؤدي إلى إبدال من يعرف بالرواية بغيره، فيستلزم في بعض صوره وصل ما هو مرسل أو العكس، ومثال الصورة الأولى ـ هو ما يستلزم الاتصال فيما هو مرسل في الحقيقة:
قال عبد الله: "حدثني أبي قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا قُريش بن حيّان العجلي، عن أبي واصل، قال: لقيت أبا أيوب الأنصاري، ولم يقُل وكيع مرة: الأنصاري. قال أبي: أخطأ فيه وكيع، وإنما هو أبو أيوب العتكي الذي حدث عنه قتادة" 1.
وذكر الإمام أحمد رواية وكيع في المسند2 "قال: حدثنا وكيع، حدثنا قُريش ابن حيّان، عن أبي واصل قال: لقيت أبا أيوب الأنصاري فصافحني فرأى في أظفاري طولاً فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَسأل أحدُكم عن خبر السماء وهو يدَع أظفارَه كأظافير الطَّير يجتمع فيها الجنابة والخبثُ والتَّفَث". ولم يقل وكيع مرة: الأنصاري. قال غيره: أبو أيوب العتكي. قال أبو عبد الرحمن: قال أبي: يسبقه لسانُه ـ يعني وكيعاً ـ فقال: لقيت أبا أيوب الأنصاري، وإنما هو أبو أيوب العتكي".
رواه أبو داود الطيالسي، حدثنا قريش بن حيان، عن واصل بن سليم قال: أتيت أبا أيوب الأزدي فذكره3.
وقوله: واصل بن سليم خطأ نبه عليه أبو حاتم، قال: إنما هو سليمان بن فروخ4.
ورواه أبو الوليد الطيالسي حدثنا قريش، حدثني سليمان بن فروخ لقيت أبا أيوب5، فلم ينسبه.
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/281 ح2259.
2المسند 38/522 ح23542.
3مسند الطيالسي ص81 ح596.
4علل ابن أبي حاتم 2/288 ح2369.
5أخرجه البخاري التاريخ الكبير 4/128-129، والبيهقي السنن الكبرى 1/175.(2/962)
ورواه عبد الرحمن بن المبارك1 فقال: أبو أيوب الأنصاري2.
وذكر الإمام أحمد أن ما قاله وكيع خطأ، سبقه لسانُه، فنسب أبا أيوب في الإسناد بالأنصاري، وإنما هو العتكي الذي حدث عنه قتادة، وأبو أيوب العَتكي هو الأزدي الذي ورد مصرحاً في رواية أبي داود الطيالسي. قال أحمد: "أبو أيوب صاحب قتادة من العَتيك، اسمه يحيى" 3. وقال أيضاً: "واسم أبي أيوب صاحب قتادة: يحيى بن مالك المراغي من الأزد" 4.
وهذا الخطأ جعل الحديث برواية وكيع متصلاً بينما هو مرسل، لأن أبا أيوب الأزدي تابعي، ومن أجله أدخله من أدخله في مسند أبي أيوب الأنصاري منهم محمد بن سلام كما ذكره البخاري5، ويونس بن حبيب6.
وقد وافق الإمام أحمد على هذا الإمام أبو حاتم الرازي فإنه سئل عن هذا الحديث برواية أبي داود الطيالسي فقال: "هذا خطأ، ليس هو واصل بن سليم، إنما هو أبو واصل سليمان بن فروخ، عن أبي أيوب، وليس هو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، هو أبو أيوب يحيى بن مالك العتكي من التابعين. قال ابن أبي حاتم: ولم يفهم يونس ابن حبيب أن أبا أيوب الأزدي هو العتكي فأدخله في مسند أبي أيوب الأنصاري" 7.
ـــــــ
1هو الطفاوي. وثقه ابن معين وأبو حاتم وغيرهما تهذيب التهذيب 6/264.
2أخرجه ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال 3/1162.
3كتاب الأسامي والكنى ص76 رقم202.
4المصدر نفسه ص83 رقم230. وانظر ترجمته في موضح أوهام الجمع والتفريق 2/461، وتهذيب الكمال 33/60.
5التاريخ الكبير 4/128.
6في مسند أبي داود الطيالسي.
7علل ابن أبي حاتم 2/288 ح2369.(2/963)
وكل هذه الأخطاء وما شابهها ناشئة عن الوهم الذي لا يسلم منه بشر، وغالباً ما يكون ذلك ممن يَعتمد على حفظه، ولا يرجع إلى الكتاب، وقد قال أحمد: "كان شعبة يحفظ، لم يكتب إلا شيئاً قليلاً، ربما وهم في الشي" 1، ولذلك قدّم القطان الثوري على شعبة عند الاختلاف. قال القطان: "سفيان أقل خطأ، لأنه يرجع إلى كتاب" 2. وقال أحمد: "سفيان أحفظ للإسناد وأسماء الرجال من شعبة" 3.
وقد يكون منشأ الخطأ التصحيف كما وقع لمعاذ بن معاذ:
قال عبد الله: "سمعت أبي يقول: أخطأ معاذ بن معاذ في حديث عكرمة ابن عمّار، عن ضمضم بن جَوس الهِزّاني، كذا قال معاذ، قال أبي: أخطأ معاذ، إنما هو الهِفّاني" 4.
يشير الإمام أحمد إلى رواية معاذ بن معاذ العنبري قال: "حدثنا عكرمة ابن عمّار، عن ضَمْضَم بن جَوْس، عن عبد الله بن حنظلة بن الراهب قال: [صلّى بنا عمر صلاةَ المغرِب فلم يقرأ في الركعة الأُولى شيئاً، فلما كان في الثانية قرأ بفاتحة القرآن وسورةً، ثم عاد فقرأ بفاتحة القرآن وسورة، ثم صلى حتى فرغ ثم سجد سجدتين ثم سلم]". أخرجه ابن سعد5. ولم يذكر نسبة ضمضم.
والخطأ في هذه النسبة ناشئ من التصحيف، فإن الهِفاني يسهل تصحيفه بالهِزّاني.
ـــــــ
1تاريخ بغداد 9/259.
2شرح علل الترمذي 1/453.
3الموضع نفسه.
4العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/224 رقم2081.
5الطبقات الكبرى 5/66.(2/964)
وقد يكون منشأ الخطأ الأخذ عن راوٍ ضعيف مثل ما وقع لابن جريج.
قال عبد الله: "قال أبي في حديث حمنَة بنت جحش قال ابن جريج: حُدِّثت عن ابن عقيل محمد بن عبد الله بن عقيل، وهو خطأ، وقال: إنما هو عبد الله بن محمد ابن عقيل، وقال: عن حبيبة بنت جحش، خالف الناس" 1.
وقال عبد الله في موضع آخر: "قال أبي: ابن جريج يرويه ـ يعني حديث حمنة ـ يقول: حُدِّثتُ عن ابن عقيل، لم يسمعه، ويقول: عن محمد بن عبد الله بن عقيل قلَّب اسمَه قال: يقولون: وافقه النُّعمان بن راشِدٍ، قال: ابن جريج يَروي عن النُّعمان بنِ راشِدٍ وما أُراه إلا سمعه منه، والنُّعمان بن راشِدٍ ليس بقويٍّ في الحديث تَعرِف فيه الضَّعفَ" 2.
فجعل الإمام سبب خطأ ابن جريج في اسم ابن عقيل احتمال كونه سمعه من النعمان بن راشد أحد الضعفاء، فإنه رواه وأخطأ في التسمية3، وكان ابن جريج يروي عنه، وكان معروفاً بالتدليس، فكأنه أخذه عنه ثم أبهمه في الإسناد، فتبعه على الخطأ.
ولم أقف على هذه الرواية التي أشار الإمام أحمد إلى أن ابن جريج أخطأ في اسم ابن عقيل في حديث ابنة جحش، بل الذي وقفت عليه أنه سماه عبد الله بن محمد بن عقيل على الصواب، وذلك في رواية عبد الرزاق4 عنه، ومن طريقه ابن ماجه5،
ـــــــ
1العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 3/51 رقم4120.
2العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 3/286 رقم5271.
3ولم أقف على روايته بعد بحث طويل.
4المصنف 1/306 ح1174.
5سنن ابن ماجه 1/203 ح622، رواه عن محمد بن يحيى الذهلي عنه، وأخذه الذهلي عن عبد الرزاق إملاء من كتابه.(2/965)
وابن أبي عاصم1، وابن المنذر2؛ وقد أشار الإمام البخاري3 إلى أن في رواية غير عبد الرزاق يقول ابن جريج: حُدثت، فلعلها هي التي أشار إليها الإمام أحمد.
وقال سائر الرواة ممن شارك ابن جريج في رواية الحديث عن ابن عقيل؛ وهم زهير بن محمد المروزي4، وعبيد الله بن عمرو الرقي5، وشريك بن عبد الله النخعي6، وعمر بن ثابت7، وإبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي8 كلهم رووا الحديث عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش قالت: [كنت أستحاض حيضة كثير شديد فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختى زينب بنت جحش... ] فذكرت الحديث بطوله.
وإنما خالف ابن جريج حسب الراويات التي أشرت إليها في موضعين:
الأول: قال بدل عمران بن طلحة: عمر بن طلحة9.
ـــــــ
1الآحاد والمثاني 6/12 ح3189.
2الأوسط 2/222 ح810.
3التاريخ الكبير 1/316.
4أخرج الحديث من طريقه أبو داود السنن 1/199 ح287، والترمذي 1/221 ح128، وأحمد المسند 45/467 ح27472، وإسحاق مسنده 1/82، والطبراني 24/218 ح553، والدارقطني 1/214، والحاكم المستدرك 1/172، والبيهقي 1/338.
5أخرج روايته الدارقطني 1/215، والحاكم المستدرك 1/172، والبيهقي السنن الكبرى 1/338.
6أخرج روايته أحمد المسند 45/121 ح27144، 45/465 ح27475، وابن أبي شيبة المصنف 1/120 ح1364، والبخاري الأدب المفرد ح797، وابن ماجه 1/205 ح627، وابن أبي عاصم الآحاد والمثاني 6/14 ح3190، والطبراني 24/218 ح552، والدارقطني 1/214.
7ذكر أبو داود روايته تعليقاً الموضع السابق، وأخرجها الدارقطني 1/215.
8أخرج روايته الدارقطني من طريق الشافعي عنه 1/215.
9في رواية عبد الرزاق تصرف المحقق فذكر عمران بن طلحة مع أنه مخالف لما في الأصل كما ذكر، وقد نص البخاري، والترمذي على أن ابن جريج يقول في هذا الحديث: عمر بن طلحة انظر: التاريخ الكبير 1/316، جامع الترمذي 1/222.(2/966)
الثاني: قال بدل حمنة بنت جحش: أم حبيبة بنت جحش. وقد ذكر غير واحد أنها حمنة تكنى أم حبيبة فلا خلاف بينهما على ذلك1.
ـــــــ
1انظر: السنن الكبرى 1/338.(2/967)
المطلب الثاني: أخطاء الثقات في الألفاظ
...
المطلب الثاني: أخطاء الثقات في الألفاظ.
وهذا النوع من الأخطاء الواقعة في المتون، وهو أيضاً مما لا يسلم منه بشر، فقد جاء عن رواة ثقات أخطاء من هذا النوع ولكن لم يقع الحمل عليهم بسببها لقلة ورودها عنهم، بل اجتنب النقاد تلك الأخطاء ولم يزحزحوهم عن منزلتهم في العلم والثقة.
وقد ذكر الأثرم أن ابن المديني كان يحمل على عمرو بن يحيى وذكر له هذا الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمار"، وقال: إنما هو على بعير، فقال أحمد: هذا سهل1.
وحديث عمرو بن يحيى المازني رواه مالك وغيره، عنه، عن سعيد بن يسار، عن عبد الله بن عمر أنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو موجّه إلى خيبر"2.
ورواه أبو بكر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، عن سعيد بن يسار، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر على البعير3.
ـــــــ
1شرح علل الترمذي 1/437.
2أخرجه مسلم 1/487 ح700، وأبو داود ح1226، والنسائي 2/60 ح749، السنن الكبرى 1/268 ح819، وأحمد 8/114 ح4520 من طريق مالك، وهو في الموطأ 1/150.
وأخرجه عبد الرزاق 2/575 ح4519، وأحمد 9/115 ح5099، وابن أبي شيبة 2/236 ح8506 من طريق سفيان الثوري.
وأخرجه أحمد 9/327 ح5451 من حديث حماد بن سلمة، ومن حديث زائدة بن قدامة 10/273 ح6120، وأخرجه من هذا الطريق الطبراني أيضاً المعجم الكبير 12/334 ح13274.
وأخرجه أبو يعلى المسند 10/35 ح5664 من حديث وُهيب بن خالد.
3أخرج مالك الموطأ 1/124، والبخاري 2/488 ح999، ومسلم 1/487 ح700.(2/968)
قال النسائي: "لم يتابع عمرو بن يحيى على قوله: يصلي على حمارٍ، إنما يقولون: صلى على راحلته" 1، وكذلك قال ابن عبد البر2.
فمثل هذا سهل كما قال أحمد. وقال الدارقطني: مثل هذا في الصحابة3.
ومن أخطاء الرواة الثقات في الألفاظ ما تقدم عن يحيى القطان أنه قال في حديث أنس في طلب بني سلمة التحول من ديارهم: "فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعرى المسجد"، وقال غيره: "فكره أن تُعرى المدينة"، وهو الصواب، ورواية يحيى القطان خطأ نبه عليه الإمام أحمد، وكان قد روى الحديث من طريق يحيى ثم أمر بأن يضرب عليه4.
ومنها:
قال عبد الله: "حدثني أبي قال: حدثنا غُندر قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل معنا الترابَ ولقد وَارى الترابُ بياضَ بَطنِه". وقال عفان: إِبْطِه، وهو خطأ أخطأ فيه إنما هو: بياض بطنه" 5.
وحديث البراء أخرجه البخاري6، ومسلم7، والنسائي8، وأحمد9،
ـــــــ
1السنن الكبرى 1/269.
2التمهيد 20/132.
3شرح علل الترمذي 1/436.
4تقدم في ص395.
5العلل ومعرفة الرجال ـ برواية عبد الله 2/179 رقم1929.
6صحيح البخاري 6/46 ح2836 من طريق حفص بن عمر الحوضي، و7/399 ح4104 من طريق مسلم بن إبراهيم، و12/222 ح7236 عن عبدان عن أبيه كلهم عن شعبة.
7صحيح مسلم 3/1430 ح1803 من طريق غندر ومن طريق ابن مهدي.
8السنن الكبرى 5/269 ح8857 من طريق أمية.
9المسند 30/537 ح18570 من طريق غندر.(2/969)
وأبو داود الطيالسي1، وأبو عوانة2، وابن حبان3 كلهم من طرق عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء به. وكلهم قالوا: وارى التراب بياض بطنه.
وحديث عفان أخرجه أحمد4، عنه، عن شعبة به، ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معنا التراب يوم الأحزاب ويقول: فذكر رجز ابن رواحة. فلم يذكر الإمام أحمد موضع ما واراه التراب من جسده صلى الله عليه وسلم. فكأنه ترك ذكره لثبوت خطئه عنده على ما هو معهود من منهجه5.
ومن هذه الأخطاء ما يرجع إلى الخطأ بسبب الرواية بالمعنى، وقد سبق بعض الأمثلة على ذلك في مطلب سوء الحفظ المقيد برواية الراوي إذا روى بالمعنى، ومنها: حديث صفوان بن سليم في نقل قول اليهودي، فقال يحيى القطان في روايته: نشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أحمد: خالف يحيى بن سعيد غيرُ واحدٍ، قالوا: نشهد أنك نبي. قال أبي: لو قالوا: نشهد أنك رسول الله كانا قد أسلما، ولكن يحيى أخطأ فيه خطأً قبيحاً6.
ومنها: قول محمد بن عبيد في حديث عمران بن حصين: "وخلق الذكر". قال أبو القاسم: هذا الحرف كان محمد بن عُبيد يخطىء فيه وينهاه أحمد بن حنبل أن يحدّث به، والصواب ما روى أبو بكر بن عياش وغيره: "وكتب الذكر" اهـ7.
ـــــــ
1مسند الطيالسي ص97 ح712.
2مسند أبي عوانة 4/347 ح6922 من طريق سعيد بن الربيع.
3من طريق أبي الوليد الطيالسي الإحسان 10/397 ح4535.
4المسند 30/475 ح18513.
5وقد جاء في رواية الدارمي سنن الدارمي 2/221 عن أبي الوليد، وفي رواية أبي عوانة مسنده 4/347 ح 6921 من طريق أبي داود الطيالسي: بياض إبطيه، مثل ما ذكره الإمام أحمد عن عفان، فلعل هذا من من دون أبي الوليد وأبي داود الطيالسيان عن شعبة، فقد رواه ابن حبان من طريق أبي الوليد، وأبو داود الطيالسي كما في مسنده كلاهما بلفظ: بياض بطنه.
6انظر: ص389.
7انظر: ص394.(2/970)
وقد تقدم ما ذكره أحمد من خطأ أبي الأحوص في حديث الأوعية حيث قال: "اشربوا في الأوعية ولا تسكروا"، والصواب: "ولا تشربوا مسكراً" 1.
فهذه كلها روايات بالمعنى قام بها هؤلاء الرواة الثقات الأفاضل فوقعوا في الخطأ عند تصرفهم في اللفظ ونقلهم النص بالمعنى.
ومن أخطاء الثقات في اللفظ ما كان راجعاً إلى التصحيف، الكلام عليه في المطلب الآتي إن شاء الله تعالى.
ـــــــ
1انظر: ص898.(2/971)