جامعة الأزهر
كلية اللغة العربية بالمنصورة
الدراسات العليا
قسم اللغويات
المسائل النحوية والصرفية في شرح أبي العلاء المعري على ديوان ابن أبي حصينة
بحث مقدم لنيل درجة التخصص ( الماجستير )من
الباحث
هاني محمد عبد الرازق القزاز
المعيد في جامعة الأزهر – كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدسوق
تحت إشراف
الأستاذ الدكتور ... ... ... الأستاذ الدكتور
إبراهيم حامد الإسناوي ... ... ... ... مصطفى خليل خاطر
أستاذ اللغويات المساعد ... ... ... أستاذ اللغويات
في كلية اللغة العربية بالمنصورة ... ... ... في كلية اللغة العربية بالمنصورة(1/1)
الحمد لله و صلى الله وسلم على نبيه وآله و صحبه , أجمعين ...
أما بعد ...
فإن أعظم المصادر في معرفة اللغة ـ بعد كتاب الله تعالى , و سنة نبيه الأعظم محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ شعرُ العرب ورجزُها ؛ " إذ كان الشعر ديوانَ العرب خاصة والمنظومَ من كلامها، والمقيِّدَ لأيامها، والشاهد على أحكامها. حتى لقد بلغ من كَلَف العرب به وتَفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تَخيَّرتها من الشعر القديم، فكتبتها بماء الذهب في القبَاطيّ المُدرجة، وعَلِّقتها بين أستار الكعبة " (1).
ومن الدليل على عِظَم الشِّعر عند العرب، و" جليل خَطْبهِ في قلوبهم، أنَّه لما بُعث النبيُ صلى الله عليه وسلم بالقرآن المُعجِز نظمه، المُحكم تأليفه، وأعجب قريشاً ما سمعوا منه قالوا: ما هذا إلا سِحْرٌ. وقالوا في النبيّ صلى الله عليه وسلم:"{ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ(2)}" (3).
وقال ابنِ عبّاس: الشعر عِلْم العرب وديوانها فتعلَّموه، وعليكم بشعر الحِجاز. فأحسبه ذهب إلى شعر الحجاز، وحَضَّ عليه، إذ لغتهم أَوسط اللّغات " (4).
وقال: "الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك منه, ... .وقال أبو عبيد في فضائله : حدثنا هشيم عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عبد الرحمن بن عتبة عن ابن عباس أنه كان يسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر (5) .
__________
(1) ... العقد الفريد 5/269 . ... ...
(2) ... سورة الطور , من الآية : 30 . ... ...
(3) ... العقد الفريد 5/273 . ... ...
(4) ... العقد الفريد 5/281 . ... ...
(5) ... الإتقان للسيوطي 1 /119 .(1/1)
وقال كعبُ الأحبار: إنّا نَجد قوماً في التوراة أناجيلُهم في صُدورهم، تَنطق ألسنتهم بالحِكْمة، وأظنّهم الشُّعراء. وقال عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه: أفضلُ صِناعات الرَّجل الأبيات من الشِّعر، يُقدِّمها في حاجاته، يَستعطف بها قلبَ الكريم، ويستميل بها قلب اللئيم (1).
وقال عبدُ الملك بن مروان لمؤدِّب ولده: روَهم الشِّعر يَمْجدوا ويَنْجدوا. وقالت عائشة: روُّوا أولادَكم الشعرَ تعذُب ألسنتهم " (2).
ومن بهاء الشعر و جماله , أن يكون خالياً من اللحن , فقد يكون الشعر ساقطاً مرذولاً ؛
وما ذلك إلا لأن اللحن قد دخله , قال عبد الملك بن مروان: اللحنُ في الكلام أقبح من التَّفتيق
في الثوب والجُدَريّ في الوجه...وقال: الإعراب جمالٌ للوَضِيع، واللحن هُجْنة على الشَّرِيف. وقال: تَعلَّموا النحوَ كما تتعلّمون السًّنن والفرائض.
ومما يُعْهد به إلى الشاعر والكاتب أن يكون "مُتوسِّطاً في، علم النَّحو والغَريب " (3).
وهكذا ينبغي أن تكون العلاقة بين الشعر و النحو علاقة تكاملية لا تصادمية , لكن الذي حدث بين الشعراء و النحاة بخلاف هذا , فالشعراء يرون أنفسهم أمراء الكلام , و النحاة يوجبون عليهم الالتزام بقواعد النحويين , وقد مضى كلٌ في طريقه فإذا قال عبدالله ابن أبي إسحاق الحضرمي للفرذدق لما وجهه إلى لحن في قوله:
وعَضُّ زَمَانٍ يا ابْنَ مَرْوانَ لم يَدَعْ مِنَ المَالِ إِلاَّ مُسْحَتاً أَوْ مُجَلَّفُ
قال النحاة في تخريجه : " في هذا البيت ثلاث رواياتٍ، كلها اضطرار: أحدها. فتح الياء والدال من يدع: ونصب مسحت.والثانية: فتح الياء من يدع: وكسر الدال، ورفع مسحت.والثالثة: ضم الياء، وفتح الدال، ورفع مسحت.
__________
(1) ... العقد الفريد 5/274 . ... ...
(2) ... السابق نفسه 5/274 .
(3) ... العقد الفريد4/175. ... ...(1/2)
فأما الرواية الأولى - التي ذكرها أبو القاسم، وهي المشهورة -: ففيها أربعة أقوال: أحدها: أن يكون مجلف مرفوعاً بفعل مضمر، دل عليه لم يدع كأنه قال: أو بقي مجلف.
والقول الثاني: - قول الفراء -: أن مجلف: مبتدأ مرفوع، وخبره محذوف، كأنه قال: أومجلف كذلك.
والقول الثالث: - حكاه هشام عن الكسائي -: أنه قال: تعطفه على الضمير في مسحت.
والقول الرابع - وجدته في بعض كلام أبي على الفارسي -: أنه معطوف على العض: قال:وهو مصدر جاء على صيغة المفعول، كما قال جل وعز:"{ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } (1) كأنه قال: وعض زمان، أو تجليف.
وأما على رواية من كسر الدال من يدع. ورفع المسحت فإنه جعله من قولهم: ودع في بيته، فهو وادع إذا بقى، ورفع المسحت به، وفي الكلام حذف؛ كأنه قال: من أجله أو من سببه.
ومن روى بفتح الدال، وضم الياء - على صيغة ما لم يسم فاعله - رفع المسحت: أيضاً،إلا أنه مفعول لما لم يسم فاعله، وكان يجب أن يقول: لم يودع، ولكنه حذف الواو، كما حذفت من
يدع (2).
هذا قول النحاة في تخريج ما ادعوا فيه اللحن , فماذا يقول أهل الأدب فيه ؟
قال ابن قتيبة في هذا البيت : " فرفع آخر البيت ضرورةً، وأتعب أهل الإعراب في طلب
العلة، فقالوا وأكثروا، ولم يأتوا فيه بشيءٍ يرضي، ومن ذا يخفى عليه من أهل النظر أن كل ما أتوا به من العلل احتيالٌ وتمويه؟ وقد سأل بعضهم الفرزدق عن رفعه إياه فشتمه وقال: علي أن أقول وعليكم أن تحتجوا! (3).
وقال ابن عبد ربه : " وقد أكثر النحويّون الاحتيالَ لهذا البيت، ولم يأتوا فيه بشيء يُرضي" (4).
__________
(1) ... سورة سبأ , من الآية : 19. ... ...
(2) ... الحلل في شرح أبيات الجمل صـ 82, 83. ...
(3) ... الشعر و الشعراء ... صـ 24 . ...
(4) ... العقد الفريد5/362 . ... ...(1/3)
وقد بلغ النحاة في فرض القواعد على الشعراء حداً جعلهم يُخْرِجون الشاعر عن حد الفصاحة , فيُطْرح شعره طرحاً إذا خالف كلامهم , فَعَلَ هذا الأصمعي عبد الملك بن قريب مع الطرماح , لما قال :
وَأَكرَهُ أَن يَعيبَ عَلَيَّ قَومي هِجائي المُفحَمينَ ذَوي الحِناتِ
فجمع إحنة على غير الجمع الصحيح، لأنها إحنة وإحن، ولا يقال حنات.
وقد روى أبو بصير أن عبد الملك بن قريب الأصمعي قال: كنا نظن أن الطرماح شيء حتى سمعنا قوله هذا البيت" (1).
إن النحاة قد أعلنوها صراحة أنه" َمَا جعل الله الشعراء معصومين يُوَقَّوْن الخطأ والغلط، فما صحَّ من شعرهم فمقبول، وَمَا أبَتْهُ العربية وأصولها فَمَرْدُودُ " (2) . " إذ أكثر من ألَّف في هاتين الصناعتين مشفق من أن ينسب إلى العرب الفصحاء قبحاً في مجاري كلامها إلا في الندرة , فهم يتلقون كل ما روي لهم من كلامهم صحت الرواية أو لم تصح بالتسويغ والتحسين , ولا ينسبون إليهم إساءة إلا حيث يعييهم الحيل في الاعتذار عنهم "(3) .
"ودونك هذه الدواوين الجاهلية والإسلامية , فانظر هل تجد فيها قصيدة تسلم من بيت أو أكثر لا يمكن لعائب القدْح فيه؛ إما في لفظه ونظمه، أو ترتيبه وتقسيمه، أو معناه، أو إعرابه؟ ولولا أن أهلَ الجاهلية جُدّوا بالتقدم، واعتقد الناس فيهم أنهم القدوة، والأعلام والحجة، لوجدتَ كثيراً من أشعارهم معيبة مسترذَلة، ومردودة منفية، لكن هذا الظنّ الجميل والاعتقاد الحسن ستر عليهم، ونفى الظِّنة عنهم، فذهبت الخواطر في الذبّ عنهم كلّ مذهب، وقامت في الاحتجاج لهم كل مقام" (4) .
__________
(1) ... سر الفصاحة صـ 82. ... ...
(2) ... الصاحبي صـ 469 , 470 .
(3) ... منهاج البلغاء صـ 256 .
(4) ... الوساطة بين المتنبي وخصومه صـ 4 . ...(1/4)
وأما تخريجات النحويين لـ ( أغلاط الشعراء ) فـ" يشهد القلب أن المحرّك لها، والباعث عليها شدةُ إعظام المتقدم، والكلَفُ بنُصرة ما سبق إليه الاعتقاد، وألِفته النفس " (1).
هكذا كانت رؤية فريق من النحويين لما ادعوه خطأً من الشعراء , وقد كان رد الشعراء لامبالاة من جانبهم , حتى قال أبو غَسَّان "رَفيع بن سَلَمة" تلميِذ أبي عُبيدة "المعروف بدَمَاذ، يخاطب أبا عثمان النحويَّ المازنيّ":
تَفكَّرْتُ في النَّحو حتى مَلِل تُ وأَتعبتُ نفسي له والبَدنْ
وأتعبْت بَكْراً وأصحابَه بكلّ المَسائل في كلّ فَن
سِوَى أنَّ باباً عليه العَفا ءُ لِلْفاء يا ليتَهُ لم يَكُن
فكنتُ بظاهره عالماً وكنتُ بباطِنه ذا فَطَن
وللواو بابٌ إلى جَنْبه من المَقْت أحسبُهُ قد لُعن
إذا قلتُ هاتُوا لما يُقا ل لستُ بآتيك أو تَأتين
" أَجِيبُوا لما قِيلَ هذا كذا على النَّصب قالُوا لإضمارِ أن
وما إنْ رأيتُ لها مَوْضعاً فأَعْرفَ ما قِيلَ إلاّ بفن
فقد خِفْتُ يا بكرُ من طُولِ ما أُفكِّر في أَمْر "أَن " أن أُجَن "
إن ابن عبد ربه , و هو يمثل الأدباء , يقول عن " ما غُلِط فيه على الشعراء : "وأكثر مَا أدرك على الشعراء له مجاز وتوجيه حسن، ولكنّ أصحاب اللغة لا يُنصفونهم، وربمَا غَلّطوا عليهم، وتأوّلوا غير معانيهم التي ذهبوا إليها "(2) .
__________
(1) ... الوساطة صـ 8. ...
(2) ... العقد الفريد 5/390 . ... ...(1/5)
وللإنصاف فإن ذلك كان منهجاً لقوم من نقدة كلام العرب إن في النحو أو في المعاني , اتجه قوم إلى المحافظة على ما ورد من الكلام, و رفضوا الخروج عنه لا لشيء إلا لأن العرب لم تنطق به , و لو نطقت لكان جائزاً , حتى أن أحد نقدة الأدب قال : " وليس لمتأخر الشعراء أن يخرج عن مذهب المتقدمين في هذه الأقسام، فيقف على منزلٍ عامر، أو يبكى عند مشيد البنيان ؛ لأن المتقدمين وقفوا على المنزل الداثر، والرسم العافي,أو يرحل على حمارٍ أو بغلٍ ويصفهما ؛ لأن المتقدمين رحلوا على الناقة والبعير، أو يَرِد على المياه العذاب الجواري ؛ لأن المتقدمين وردوا على الأواجن الطوامي. أو يقطع إلى الممدوح منابت النرجس والآس والورد ؛ لأن المتقدمين جروا على قطع منابت الشيح والحنووالعرارة...وليس له أن يقيس على اشتقاقهم، فيطلق ما لم يطلقوا "(1) " فما كان من الكلام منظوماً وليس على تلك الأساليب فلا يكون شعراً , وبهذا الاعتبار كان الكثير ممن لقيناه من شيوخنا في هذه الصناعة الأدبية يرون أن نظم المتنبئ والمعري ليس هو من الشعر في شئ ؛ لأنهما لم يجريا على أساليب العرب " (2) .
__________
(1) ... الشعر و الشعراء صـ 21. ...
(2) ... تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون 1 / 573 . ...(1/6)
هذا إذن منهج سارٍ في القواعد و المعاني , و قد يكون وجهاً في القواعد , لكن إن يكن في المعاني فلا , فـ " ليس لقدم العهد يفضل القائل، ولا لحدثان عهد يهتضم المصيب، ولكن يعطى كل ا ما يستحق" (1) ." ولم يقصر الله العلم والشعر والبلاغة على زمن دون زمن ولا خص به قوماً دون قومٍ، بل جعل ذلك مشتركاً مقسوماً بين عباده في كل دهر، وجعل كل قديم حديثاً في عصره، وكل شرفٍ خارجيةً في أوله "(2) . " ولو اقتصر الناس على كتب القدماء لضاع علم كثير، ولذهب أدب غزير، ولضلت أفهام ثاقبة، ولكلت ألسن لَسِنَة، ولما توشى أحد الخطابة، ولا سلك شعباً من شعاب البلاغة، ولمجت الأسماع كل مردد مكرر، وللفظت مقلوب كل مرجع ممضغ، وحتام لا يسأم" (3).
أما ابن خلدون فقد قال شططاً ؛ إذ زعم أن "الإعراب لا مدخل له في البلاغة , إنما البلاغة مطابقة الكلام للمقصود ولمقتضى الحال من الوجود, فيه سواء كان الرفع دالاً على الفاعل والنصب دالاً على المفعول أو بالعكس , وإنما يدل على ذلك قرائن الكلام كما هو في لغتهم هذه , فالدلالة بحسب ما يصطلح عليه أهل الملكة , فإذا عرف اصطلاح في ملكة واشتهر صحة الدلالة وإذا طابقت تلك الدلالة المقصود ومقتضى الحال صحت البلاغة ولا عبرة بقوانين النحاة"(4) .
الأمر إذن ليس هيناً , و الخلاف بين النحويين والشعراء خلاف حقيقي , فهل من سبيل للوساطة بينهم ؟ وهل حُكْم الشعراء في مسائل اللغة كحكم النحويين؟ يأخذون بقواعدهم أو يطرحونها ثم لا يبالون أي شيء يكون, أو هل يتوسطون فيأخذون و يرفضون , ويزيدون مايزيدون ؟
__________
(1) ... الكامل للمبرد 1/35 . ...
(2) ... الشعر والشعراء صـ 10 , 11. ... ...
(3) ... يتيمة الدهر 3/464 . ...
(4) ... تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون 1 / 583. ...(1/7)
في التراث العربي ما يُمَكِّنُنا من أن نقترب أكثر للنظر كيف يكون حكم الشعراء على الشعراء فيما اختلف عليه الشعراء و النحاة , و ذلك من خلا ل ما يسمى بـ ( الشعراء النحاة ) أو( نحاة الشعراء ) إن صحت التسمية , ومن هؤلاء , المتنبي , وأبو نواس , و أبو العلاء المعري , فكلٌ قد عرف اللغة وخبرها كمعرفته الشعر وقواعده , لكن يبدو أنه لم يكن لأحدهم مشاركة في التأليف النحوي و اللغوي إلا لأبي العلاء منهم , فقد ألف في النحو واللغة وعالج مسائلهلما بطريقة الأدباء , و من هنا فإن اعتماد أبا العلاء كَحَكَم بين النحاة و الشعراء قد يكون مفيداً في معرفة حقيقة موقف النحويين من الشعراء , أهو تعنت لأجل أنهم ماعركوا الشعر وعرفوه , و لو عالجوه لتغيرت أحكامهم؟
إن أبا العلاء قد جمع المقومات الكافية لتجعل حكمه معتبراً , ينبغي أن يرضى به الشعراء , و هو واحد منهم , بله من أمرائهم , كما ينبغي أن يرضى به النحاة ؛ لأنه محسوب عليهم معدود في جملتهم, و كيف لا يُرْضَى بحكم أبي العلاء شيخ المعرة ,وهو ( شاعر ) و(عروضي ) و ( كاتب ) و ( عالم باللغة ) و( النحو ) و ( قارئ للقرآن بالروايات) و(سمع الحديث وله فيه مسند ) ؟(1/8)
ولهذا فقد رأيت أن أدرس أحد شروح أبي العلاء , فوجدته شَرَحَ ديوان البحتري , و سماه ( عبث الوليد ) , و شرح ديوان المتنبي , و سماه ( معجز أحمد ) و ( اللامع العزيزي ) وهي شروح معروفة متداولة , لمكانة أصحابها , ومنزلة شارحها , غير أني عثرت على شرح آخر منسوب له لشاعر يجهل أمره أكثر الناس ,المتخصصين منهم و العوام ,و هو الأمير ابن أبي حصينة السُّلَمي , و بعد أن تحقق لي أن الشرح هو لأبي العلاء المعري الشاعر المشهور , صاحب المعرة , و رهين المحبسين عزمت على دراسة المسائل النحوية فيه والصرفية خاصة أني قد وجدته شرحاً لغوياً نحوياً خالصاً , و هو منهج يخالف طريقة غيره في شرح الدواوين ؛ إذ يأتون في شرحهم بما يفسر المعنى و يوضحه , و يكشفون فيه عن مشكل مسائل النحو و الصرف , إلا أن أبا العلاء لم يفعل هذا الأمر , و إنما كانت عنايته الأولى والأخيرة هي مسائل النحو و الصرف و اللغة , و لا أدري هل ذلك لأن لغة ابن أبي حصينة تستحق أن تدرس هذه الدراسة اللغوية النحوية , أو أن ذلك لسبب آخر ؟
لهذا قررت دراسة المطبوع من شرح الديوان لأعرف كيف يكون حكم الشعراء على الشعراء في مسائل النحو و اللغة ؟ أيخالفون النحاة أم يتفقون وَ هُمْ ؟ ثم لأعرف بعد حال اللغة العربية نحوها و صرفها و مفرداتها و تراكيبها في أواخر العصر العباسي الثاني , لقياس التطور اللغوي في هذه المناحي , و شعر ابن أبي حصينة بعد قراءته جدير بتوضيح هذه المسألة .
و قد حرصت في تلك الدراسة من بعد الذي سبق على عدة أمور:
1ـ إذا كانت المسألة محل الدراسة من مسائل الخلاف أن أذكر ما يترتب على الخلاف من
تجويز أمور متفرعة عنها أو منعها عند المجيزين و المانعين .
2ـ أن أذكر آراء النحاة في القياس على تلك المسألة إذا كانت من مسائل الخلاف , أو
الاقتصار فيها على السماع , لإمكان الإفادة منها في تقديم مصكوكات لغوية حديثة إن
صح التعبير .(1/9)
3ـ أن أذكر الفرق في المعنى بين الأساليب التي اختلفوا فيها بين الإباحة و الحظر , و
ذلك بتبيين رأي أصحاب المعاني فيها من البلاغيين والأدباء ؛ لأن الأمر يعنيهم , كما
أن كثيراً من تلك المسائل بالتدقيق فيها يتضح أنها ليست من مسائل الخلاف , و أن كلاً
جائزٌ , و في كلٍ في المعنى فرق , و كما يقول ابن عبد ربه : " وأكثر مَا أدرك على
الشعراء له مجاز وتوجيه حسن، ولكنّ أصحاب اللغة لا يُنصفونهم، وربمَا غَلّطوا
عليهم، وتأوّلوا غير معانيهم التي ذهبوا إليها" .
4ـ إذا كان يترتب على المسألة خلاف في الأحكام الفقهية أذكره في الحاشية , لمعرفة
فائدة دراسة اللغة في تبيين الأحكام الشرعية .
5ـ كنت أختم دراسة المسائل النحوية بالخروج بمجموعة من الأساليب التي هي صحيحة
عند قوم من النحويين , و ممتنعة عند آخرين , فأقول مثلاً : هذا الأسلوب جائز عند فلان
من النحاة , ممتنع عند فلان , بعد أن أكون قد أوضحت حجة كلٍ , و قصدت من وراء
هذا الخروج من المسألة محل الدراسة بمجموعة الأساليب الجائزة أو الممتنعة .
6ـ حرصت أكثر ما حرصت على معرفة رأي المحدثين في فهمهم لكلام القدماء في تفسير
مسائل النحو و الصرف , فراجعت آراءهم إن تيسر لي هذا , و كنت أقصد من وصل قديم النحو بحديثه , و الاستفادة من الدراسات اللغوية الحديثة إن كان ثمة استفادة , و لذلك كنت أراجع ما ينشر في الدوريات المتخصصة , و دوريات المجامع اللغوية العربية , خاصة المجمع القاهري إن في أبحاثه المنشورة أو في مجموعة قراراته, التي يجيزها في مسائل اللغة أو يمنعها , و كنت أخضعها للدرس و البحث .
7ـ لم أنسَ أن أخفف من وطأة البحث النحوي بذكر مناسبة بيت أو مورد مثل أو قصة
تاريخية , أو فائدة علمية في الحواشي.
8 ـ حاولت ما استطعت أن يكون الحكم في المنع أو الجواز دقيقاً , فلذلك وسعت من مصادر
البحث اللغوي , فاعتمدت على مصادر أصلية في الحكم على المسألة محل الخلاف , و(1/10)
هي كتب النحو مراعياً فيها المنهج التاريخي , و من بعد كتب النحو اعتمدت على
المعاجم المختلفة وكتب التفسير, والسنة الشريفة , و المجموعات الشعرية والأمهات
الأدبية , و كتب الفقه أحياناً .
وبعد ... فقد وقع البحث في مقدمة و ثلاثة أبواب وخاتمة وفيها نتائج البحث , و أردفتها بالقوائم الفنية.
الباب الأول بين يدي الشاعر و الشارح , وجاء في فصلين :
الفصل الأول : ترجمة ابن أبي حصينة وأبي العلاء المعري .
الفصل الثاني : المكانة اللغوية و النحوية لأبي العلاء المعري .
الباب الثاني ,المسائل النحوية, وجاء في ثلاثة فصول :
الفصل الأول : في المفردات أو حروف المعاني .
الفصل الثاني : في التراكيب النحوية .
الفصل الثالث : في الضرورة الشعرية .
الباب الثالث المسائل الصرفية, و جاء في سبعة فصول :
الفصل الأول : في التوهم في التصريف .
الفصل الثاني : في حروف الزيادة .
الفصل الثالث : في جموع التكسير .
الفصل الرابع : في الإعلال و الإبدال .
الفصل الخامس: في التقاء المثلين .
الفصل السادس : في النسب .
الفصل السابع : في المشتقات .
ثم الخاتمة , وفيها نتائج البحث .
وأخيراً مجموعة القوائم الفنية , و هو قوائم القرآن الكريم , و القراءات القرآنية , و الحديث الشريف , و الأمثال و أقوال العرب و النماذج النحوية , و قائمة بأشعار ابن أبي حصينة وقائمة بالشواهد النحوية من الأشعار و الأرجاز , , و أخرى للأعلام المترجم لهم في الحواشي , وقائمة بمراجع البحث , و شفعت ذلك كله بقائمة تفصيلية للبحث و أخرى إجمالية.(1/11)
وقد راعيت في تقسيم البحث هكذا أن يكون على وفق ما جاء في شرح أبي العلاء المعري لديوان ابن أبي حصينة , ليكون أقرب إلى العمل الأصلي , و لم أخالفه إلا فيما تقتضيه منهجية البحث , فلذلك بدأت بعد ذكر ما يتعلق بصاحبي الديوان و الشرح بذكر المفردات, أو حروف المعاني ؛ لأنها بسيطة ,و أتبعتها بذكر المركبات , و البسيط مقدم على المركب, أما ما يتعلق بالمفرادات و المركبات فقدمت منها في الذكر و الدراسة ماتقدم في شرح الديوان, و فعلت ذلك فيما يخص فصل الضرورة الشعرية , و إن خالفت حيناً , إذا تبين لي وجاهة المخالفة , بحسب ما يقتضيه تقسيم دراسة مسائل الضرورة .
وفي الباب الثالث , باب المسائل الصرفية , حرصت على نفس طريقة التقسيم إلا ما تقتضيه منهجية البحث , فبدأت أولاً بذكر ما يتعلق بالتوهم في التصريف , لأنه كالمدخل لباب التصريف , ثم بذكر ما يتعلق بحروف الزيادة , لأنه كالمقدمة الطبيعية له , و سرت في باقي تقسيم الفصول على البدء بما ذكر أولاً في شرح أبي العلاء على الديوان .
وفي النهاية إن أنسَ لا أنسى أن أشكر مُشرفيِّ , فقد وجدت فيهما خير موجهٍ , مع تشجيع دائب , فأشكر أستاذي الأستاذ الدكتور إبراهيم الإسناوي على رحابة صدره , ونصحه و
إرشاده , مع حرص على أن لا يُلْزمني برأيه إلا أن أهتدي إليه من واقع الدراسة .
أشكر أستاذي الأستاذ الدكتور مصطفى خليل خاطر أحد رائدي البحث النحوي المعاصر الذي شجعني على أن أمضي في طريق البحث , و إن أخطأت , مُعْلِماً إياي أن الخطأ طريق للصواب إن خلا من التعنت و العناد , فكم أسررت له بخوفي من نتيجة دراستي لبعض مسائل النحو و الصرف , فيُعْلُمُني ويُعَلِّمُني أني إن أخطأت فقد حاولت , و للمجتهد أجر .
و الحمد لله رب العالمين(1/12)
ترجمة ابن أبي حصينة(1)
اسمه ونسبه
هو : الحسن بن عبد الله بن أحمد بن عبد الجبار بن أبي حصينة أبو الفتح السلمي المعري الشاعر, " يتصل نسبه ببني سُلَيم , وهي قبيلة عربية عظيمة العدد , كثيرة الأفخاذ , يتصل نسبها بعمود النسب العدناني , فقد ذكر النسابون أن أبا هذه الأفخاذ هو سُلَيم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن معد بن عدنان , وإن بني سُلَيم كانوا يسكنون في عالية نجد , ثم انتقل بعض بطونهم وبطون إخوانهم بني عامر إلى الشام وسكنوا الجزيرة الشامية على جوار بني تغلب , وقد وقعت بين هؤلاء وبني ُسليم وبني عامر معارك , و جرت حروب في الجاهلية واستمرت إلى ما بعد الإسلام (2) .
__________
(1) ... انظر ترجمته في : تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 13 / 120 , وفوات الوفيات 1 / 332 , ومعجم الأدباء 3/ 167, و إيضاح المكنون - إسماعيل باشا البغدادي1 / 484 , والبداية والنهاية 12 / 37 , وطبقات السبكي 3 / 239 , وهو فيه : ( الحسن بن عبد الله ، وقيل عبيد الله مصغراً) , ومعجم المؤلفين - عمر كحالة 3 /237 , و الأعلام - خيرالدين الزركلي 2 / 196, وتاريخ الأدب العربي ـ بروكلمان 5/122.
(2) ... في تاريخ الطبري 2 / 493 : " كانت سليم بن منصور قد انتقض بعضهم فرجعوا كفاراً , وثبت بعضهم على الإسلام مع أمير كان لأبي بكر عليهم يقال له معن بن حاجز أحد بنى حارثة , فلما سار خالد بن الوليد إلى طليحة وأصحابه كتب إلى معن بن حاجز أن يسير بمن ثبت معه على الإسلام من بنى سليم مع خالد فسار واستخلف عل عمله أخاه طريفة ابن حاجز وقد كان لحق فيمن لحق من بنى سليم بأهل الردة أبو شجرة بن عبد العزى وهو ابن الخنساء" .(1/1)
ومن زعماء بني سُلَيم في الإسلام بنو الجحَّاف بن حكيم (1) صاحب الأخطل" (2).
حياته
انقطع إلى دولة بني مرداس ( في حلب ) فامتدح عطية بن صالح المرداسي ، فملَّكه ضيعة ، فأثرى . وأوفده ابن مرداس إلى الخليفة المستنصر العلوي بمصر ، رسولاً سنة (437ه) مدح المستنصر بقصيدة وأعقبها بثانية ( سنة451ه( فمنحه المستنصر لقب ( الإمارة ) وكتب له سجلاً بذلك ، فأصبح يحضر في زمرة الأمراء ، ويخاطب بالإمارة .
وكان الذي سعى في تأميره وكتب له سجل الإمارة أبو عليٍ صدقة بن إسماعيل بن فهدٍ
الكاتب، فمدحه الأمير أبو الفتح بقصيدةٍ منها:
قَد كانَ صَبرِي عِيل في طَلَبِ العُلا حَتّى استَنَدتُ إِلى ابنِ إِسماعِيلا
فَظَفِرتُ بِالخَطَرِ الجَليلِ وَلَم يَزَل يَحوِي الجَلِيلَ مَن استَعانَ جَلِيلاً
قال الأمير أسامة بن منقذٍ: فلما فرغ من إنشاده أحضر الأمير أسد الدولة القاضي والشهود، وأشهد على نفسه بتمليك الأمير أبي الفتح بن أبي حصينة ضيعة من ضياعه لها ارتفاق كبير،
ولما ملك محمود بن نصر بن صالح بن مرداسٍ حلب سنة اثنتين وخمسين وأربعمائةٍ، ( 425هـ ) مدحه بقصيدة منها:
كُفّي مَلامَكِ فَالتَبرِيحُ يَكفِيني أَو جَرِّبِي بَعضَ ما أَلقى وَلُومِيني
بِرَملِ يَبرِينَ أَصبَحتُم فَهَل عَلِمت رِمالُ يَبرِينَ أَنَّ الشوقَ iيَبرِيني
دعني وحيداً أُعَاِني العيش منفرداً فبعضُ معرفتي بالَّناسِ تكْفيني
__________
(1) ... هو: الجحاف بن حكيم بن عاصم بن سباع بن خزاعي بن محارب بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم السلمي الفارسي المشهور صاحب الوقائع المشهورة في زمن عبد الملك بن مروان . انظر ترجمته في : الإصابة - ابن حجر 1 / 644 .
(2) ... مقدمة شرح ديوان ابن أبي حصينة ـ محمد أسعد طلس 2/ 7 . ...(1/2)
ما ضَرَّنِي وَدِفاعُ اللَهِ iيَعصِمُني مَن باتَ يَهدِمُني فَاللَهُ iيَبنيني وَما أُبالِي وَصَرفُ الدَهرِ يُسخِطُني وَسَيبُ نُعماكَ إِنَّ السَيلَ iiيُرضِيني أَبا سَلامَةَ عِش وَاسلَم حَلِيفَ عُلاً وَسُؤددٍ بِشُعاعِ النَجمِ مَقرُونِ
أَشقى عِداكُم وَأَهوى أَن أَدِينَ لَكُم وَلِلعِدى دِينُهُم فِيكُم وَلِي iدِيني
فلما أتم إنشادها قال له تمنَّ، قال: أتمنى أن أكون أميراً، فجعله أميراً يجلس مع الأمراء،ويخاطب بالأمير وقربه، وقد تقدم أن الإمارة وجهت إليه سنة إحدى وخمسين (451 هـ ) من ديوان المستنصر بمصر، ولا منافاة بين الروايتين ؛ إذ يجوز أن يكون توجيه الإمارة إليه من الأمير محمود بن نصرٍ تالياً لتوجيهها إليه من جانب المستنصر ومؤكداً مؤيداً له، ووهبه صاحب حلب محمود أيضاً مكاناً بحلب تجاه حمام الواساني فجعله داراً وزخرفها، فلما تم بناؤها نقش على دائرة الدرابزين فيها:
دارٌ بَنَيناها وَعِشنا بِها في دَعَةٍ مِن آلِ مِرداسِ
قَومٌ مَحَوا بُؤسِي وَلَم يَترُكُوا عَلَيَّ في الأَيّامِ مِن باسِ
ولما تكامل البناء عمل دعوةً حضرها الأمير محمود بن نصرٍ، فلما رأى حسن الدار وقرأ الأبيات المتقدمة قال: يا أبا الفتح كم صرفت على بناء الدار؟ قال: يا مولاي هذا الرجل تولى عمارتها. ولا أدري كم صرف عليها؟ فسأل المعمار فقال: غرم عليها ألفا دينارٍ مصريةٍ، فأمر بإحضار ألفي دينارٍ وثوبٍ أطلسٍ (1) وعمامةٍ مذهبةٍ وحصانٍ بطوقٍ مذهبٍ وسرفسارٍ(2)ذهبٍ فسلمها إلى ابن أبي حصينة وقال له:
قُل لِبَني الدُنيا أَلا هَكَذا فَليَفعَلِ الناسُ مَعَ الناسِ
وحضر بعد أيامٍ رجل من أهل المعرة يقال له الزقوم من رعاع الناس وأسافلهم، فطلب
__________
(1) ... في التاج , مادة ( طلس ) : " الأطْلَسُ: ثَوْبٌ من حَرِيرٍ منسوجٍ ليس بعربِيٍّ. " .
(2) ... لم أهتد إلى معرفة معنى الكلمة , و يبدو أنها كلمة معربة , و هي من أنواع الجواهر, و الحلي .(1/3)
رزق جنديٍ فأعطى ذلك وجعل من أجناد المعرة، فقال أحمد بن محمدٍ المعروف بابن الزويدة المعري(1) في ذلك :
أهل المعرة تحت أقبح خطةٍ وبهم أناخ الخطب وهو جسيم
لم يكفهم تأمير ابن حصينةٍ حتى تجند بعده الزقوم
يا قوم قد سئمت لذاك نفوسنا يا قوم أين الترك أين الروم؟
فشاعت الأبيات وسمعها الأمير أبو الفتح، فذهب إلى بيت ابن الزويدة فلما دخل عليه قال له ابن الزويدة: الآن والله كان عندي الزقوم وقال لي: والله ما بي من الهجو ما بي من أنك قرنتني بابن أبي حصينة، فقال له ابن حصينة: قبحك الله وهذا هجو ثانٍ .
شعر ابن أبي حصينة (2)
لابن أبي حصينة ديوان شعر مطبوع (3) ويظهر منه أن أبا الفتح شاعر مكثر طويل النفس , يقول القصيدة تتجاوز الخمسين بيتاً , و كلها متسقة رفيعة في ألفاظها , سامية في معانيها , ثم إنه كان ذا شاعرية فياضة.وأسلوب أبي الفتح أسلوب ذو طريقة عربية خالصة منطلقة , فهو في معانيه سالك مسلك العرب القدماء , و المحدثين الذين جروا مجرى القدماء , أمثال أبي الطيب , وأبي عبادة , أما الطريقة التي جرى عليها مسلم بن الوليد , و أبو تمام من تعقيد المعاني والإغراق , فهذا أمر كان ينفر منه, أما الناحية اللفظية من شعره فيمكن القول إنه كان شاعراً معجباً بجزل الألفاظ , وفخم الكلمات, و الصناعات البديعية , وهو في بعض الأحيان متفيهق مبالغ في استعمال الكلمات الغربية , يريد بذلك أن يثبت طول ساعده في معرفة اللغة والاطلاع على الأساليب العربية القديمة ومعرفة الغريب النادر , كما في قوله : (4)
__________
(1) ... لم أعرف من هو ( ابن الزويدة ) , و لا وقفت له على ترجمة .
(2) ... ما سيأتي استفدته من كلام محقق الديوان الأستاذ محمد أسعد طلس . انظر 1/ 27: 32 .
(3) ... ذكر في : كشف الظنون 1 / 764, وإيضاح المكنون 1 / 484, وهدية العارفين 1 / 278 , والأعلام 2 / 196 .
(4) ... مقدمة شرح ديوان ابن أبي حصينة ـ محمد أسعد طلس صـ1/ 7 . ...(1/4)
... إِذا سُئِلُوا أَنطَوا جَزيلاً مُوَسَّعاً وَكَم مَعشَرٍ سِيلُوا نَوالاً فَلَم يُنطُوا (1)
وقوله: فَالعِزُّ قَد أَمطاكَ ظَهرَ جَوادِهِ وَالمُلكُ قَد أَنطاكَ فَضلَ عِنانِهِ (2)
وقوله : وَمائِرَةِ الأَزِمَّةِ مُبرَياتٍ كَأَنَّ عَلى غَوارِبِها صِلالا
... شَربنَ الخِمسَ بَعدَ الخِمسِ حَتّى ظَمِئنَ فَكِدنَ يَشرَبنَ العُلالا(3)
وقوله : لَقَد حَسُنَ الزَمانُ وَأَنتَ فيهِ وَلَولا أَنتَ ما حَسُنَ الزَمانُ (4)
والشواهد كثيرة في الديوان على إغراب أبي الفتح في انتقاء المفردات الصعبة , أو في استعمال اللغات النادرة , أو الشاذة , أو في استعمال اللهجات القليلة الاستعمال من حيث اللغة أو النمو أو من حيث التصريف .
ولعل هذا هو الذي جعل المعري الشاعر اللغوي النحوي يحفل بأمره , ويهتم بشرحه .
شعر ابن أبي حصينة في كتب الخالفين
جاء في صفة ترجمة ابن أبي حصينة أنه " شاعر مشهور" (5) .
والحقيقة أنه لم يبرز لابن أبي حصينة نجم إلا لأن أبا العلاء المعري خلد ذكره , بشرح ديوانه , أما غير هذا فلا , ويكفي أن المعري قرنه بالشعراء النابهين ممن عُنِي بشرح شعرهم , من أمثال أبي تمام والبحتري والمتنبي , فلأبي العلاء شروح ثلاثة ,ورابعهم شرح ديوان ابن حصينة .
__________
(1) ... البيت من بحر الطويل , وهو في الديوان 1/12 . وقد استعمل في البيت ما يعرف بظاهرة الاستنطاء , وهي قلب العين نوناً .
(2) ... البيت من بحر الكامل , وهو في الديوان 1/42 . وقد استعمل في البيت ما يعرف بظاهرة الاستنطاء , كما في سابقه .
(3) ... البيتان من بحر الوافر , وهما في الديوان 1/20 .
(4) ... البيت من بحر الوافر , وهو في الديوان 1/119 .
(5) ... تاريخ دمشق 14/92 .(1/5)
ولم يُعنَ المتأخرون بشعر ابن أبي حصينة إلا قليلاً , ومن هذا ما جاء في معاهد التنصيص , قال(1) : " وقد استخدم كثير من الشعراء لفظة الغضا فقال ابن أبي حصينة:
أما والذي حَجَّ الملَبُّونَ بَيتهُ فمِنْ ساجِدٍ لله فيه وراكعِ
لقد جَرَّعتني كأس بَيْنٍ مَرِيرةً من البُعْد سلمى بين تلكَ الأجارع
وحَلَّتْ بأكنافِ الغَضَا فكأنما حَشَتْ نارهُ بين الحشى والأضالع
وقد يستدلون بشعر ابن أبي حصينة على اللغة , ومن هذا ما جاء في وفيات الأعيان: " قلت: هنيدة - بضم الهاء على صورة التصغير - اسم علم على المائة، وأكثر علماء الأدب يقولون: لا يجوز إدخال الألف واللام عليها، وبعضهم يجيز ذلك، قال أبو الفتح بن أبي حصينة السلمي الحلبي الشاعر المشهور من جملة قصيدة:
أَيُّها القَلبُ لَم يَدَع لَكَ في وَص لِ العَذارى نِصفُ الهَنيدَةِ عُذرا
يعني خمسين سنة التي هي نصف المائة، والله أعلم " (2) .
وأورد شعره في الاستشهاد به على اسم موضع صاحب التاج , فقال : " وممّا يُسْتَدْرَك
عليه: هرْمَاسٌ: مَوْضِعٌ بالمَعَرَّةِ، أَو نَهرٌ، قال ابنُ أَبي حَصِينَةَ المَعَرِّيُّ:
وزَمَانِ لَهْوٍ بالمَعَرَّةِ مُونِقٍ بسِيَاثِها وبجَانِبَيْ هِرْمَاسِها "(3) .
واستدل به كذلك على أن ( الأحص ) اسم موضع , فقال : " وإِيّاه عَنَى ابنُ أَبِي حَصِينَةَ المَعَرِّيُّ: ... لَجَّ بَرْقُ الأَحَصِّ في لَمَعانِهْ فتَذَكَّرْتُ مَنْ وَرَاءَ رِعَانِهْ
فسَقَى الغَيْثُ حَيْثُ يَنْقَطِعُ الأَوْ عَسُ مِنْ رَنْدِه ومَنْبتِ بَانهْ
أ َو تَرَى النَّوْرَ مثلَ ما نُِشرَ الُبْر دُ حَوَاليْ هِضَابِه وقِنَانِهْ
تَجْلُبُ الرّيحُ مِنْه أَذْكَى مِنَ المِسْ كِ إِذَا مَرَّتِ الصَّبَا بمَكَانِهْ "(4).
__________
(1) ... معاهد التنصيص ـ للعباسي 2/269, 270 .
(2) ... وفيات الأعيان 1/326 .
(3) ... تاج العروس, مادة ( هرمس) .
(4) ... تاج العروس , مادة ( حصص) , وراجع : معجم البلدان 1/114.(1/6)
وفاة ابن أبي حصينة
الأكثرون على أن وفاة أبي الفتح ابن أبي حصينة كانت سنة ست وخمسين وأربعمائة (456) أو في سنة سبع بحلب ويقتضي أن يكون مولده قبل التسعين وثلاثمائة (1) .. لكن بعض المصادر المتأخرة ذكرت أنه تُوفي سنة خمسمائة( 500 هـ ) (2) .
ترجمة أبي العلاء المعري (3) .
اسمه ولقبه وكنيته
هو أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان التنوخي من أهل معرة النعمان المشهور صاحب التصانيف المشهورة.
حياته
__________
(1) ... انظر : تاريخ مدينة دمشق13 / 120 , و معجم الأدباء 3/167, والأعلام 2 / 196 , ومعجم المؤلفين 3 / 237 .
(2) ... انظر: فوات الوفيات1/332 , وإيضاح المكنون 1 / 484 , وهدية العارفين 1 / 278. ... ...
(3) ... انظر ترجمته في : تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي 4 / 463 , والأنساب - السمعاني 1 / 484 , 5 / 341 , و نزهة الألباء صـ 257، وإنباه الرواة 1 / 46 , و وفيات الاعيان 1 / 113 , و الوافي بالوفيات 7 / 94 , و البداية والنهاية - ابن كثير 21 / 91 , ولسان الميزان 1 / 204 , و سير أعلام النبلاء - الذهبي 18/23 , وميزان الاعتدال 1 / 112, ومعاهد التنصيص 1/127 , و بغية الوعاة 1 / 315 ، و معجم البلدان 5 / 156, ، و معجم الأدباء1/396 ، و إيضاح المكنون 2 / 427 ، وهدية العارفين 1 / 77 ، , و الأعلام - خيرالدين الزركلي 1/ 157 , و معجم المؤلفين - عمر كحالة 1 / 290 , ومعجم المطبوعات العربية - إليان سركيس 1/ 326 , و تاج العروس - الزبيدي 1 /28 , ودائرة المعارف الإسلامية 1/548 , و تاريخ الأدب العربي ـ بروكلمان 5 /35 . وانظر : " تعريف القدماء بأبي العلاء " الذي نشرته وزارة الثقافة المصرية بتحقيق عدد من الأساتذة.(1/7)
ولد يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة بالمعرة وتوفي ليلة الجمعة ثالث وقيل ثاني شهر ربيع الأول وقيل ثالث عشرة سنة تسع وأربعين وأربعمائة، وجدّر من السنة الثالثة من عمره فعمي منه، وكان يقول: لا أعرف من الألوان إلا الأحمر؛ لأني ألبست في الجدري ثوباً مصبوغاً بالعصفر, لا أعقل غير ذلك. قال الحافظ السلفي(1): أخبرني أبو محمد عبد الله بن الوليد بن غريب الإيادي أنه دخل مع عمه على أبي العلاء يزوره فرآه قاعداً على سجادة لبد , وهو شيخ فانٍ فدعا لي ومسح على رأسي، قال: وكأني أنظر إليه الساعة وإلى عينيه إحداهما نادرة والأخرى غائرة جداً ,وهو مجدر الوجه نحيف الجسم.
__________
(1) ... هو: أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد ابن إبراهيم سلفة ( بكسر السين المهملة وفتح اللام) السلفي الحافظ أبو طاهر صدر الدين الأصبهاني الشافعي . من تصانيفه : أربعين البلدانية في الحديث , و سداسيات في الحديث , و شرط القراءة على الشيوخ , والفضائل الباهرة في محاسن مصر القاهرة , و المعجم لمشيخة أصبهان , و المعجم لمشيخة بغداد . ولد سنة(478 هـ ) وتوفى سنة (576 هـ ) ست وسبعين وخمسمائة . انظر ترجمته في : هدية العارفين 1 / 87 .(1/8)
وقال أبو منصور الثعالبي(1) : وكان حدثني أبو الحسن الدلفي المصيصي الشاعر(2) وهو ممن لقيته قديماً وحديثاً في مدة ثلاثين سنة قال: لقيت بمعرة النعمان عجباً من العجب، رأيت أعمى شاعراً ظريفاً يلعب بالشطرنج والنرد ويدخل في كل فن من الجد والهزل يكنى أبا العلاء وسمعته يقول: أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر.
__________
(1) ... هو: عبدالملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري الإمام أبو منصور الثعالبي الأديب اللغوي. له من التصانيف أحاسن المحاسن , و إعجاز الإيجاز , و التمثيل والمحاضرة, و ثمار القلوب في المضاف والمنسوب , و جواهر الحكم , و يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر, و تتمة اليتيمة أيضاً في التراجم . ولد سنة (350 هـ ) وتوفى سنة( 429 هـ) تسع وعشرين وأربعمائة . انظر ترجمته في : هدية العارفين / 625 .
(2) ... هو: محمد بن عبد الله بن حمدان ، أبو الحسن الدلفي : عالم بالأدب . من نسل ( أبي دلف) العجلي ، وإليه نسبته . كان مقيماً بمصر ، ووفاته فيها . له ( شرح ديوان المتنبي) في عشر مجلدات ، قال السلفي : وقفت على نسخة مقرؤة عليه في سنة 460 بمصر . توفى : ( . . - 460 ه= . . - 1068 م) انظر ترجمته في : الأعلام - خيرالدين الزركلي 6 / 228 .(1/9)
وللناس حكايات يضعونها في عجائب ذكائه وهي مشهورة، قال فيها صاحب الوافي بالوفيات: " أظنها مستحيلة" (1) وقال عنها ابن كثير (2) :"وأما ما ينقلونه عنه من الأشياء المكذوبة المختلقة من أنه وضع تحت سريره درهم فقال : إما أن تكون السماء قد انخفضت مقدار درهم أو الأرض قد ارتفعت مقدار درهم ، أي أنه شعر بارتفاع سريره عن الأرض مقدار ذلك الدرهم الذي وضع تحته ، فهذا لا أصل له . وكذلك يذكرون عنه أنه مر في بعض أسفاره بمكان , فطأطأ رأسه فقيل له في ذلك , فقال : أما هنا شجرة ؟ قالوا : لا ، فنظروا فإذا أصل شجرة كانت هنا في الموضع الذي طأطأ رأسه فيه ، وقد قطعت ، وكان قد اجتاز بها قديما مرة فأمره من كان معه بمطأطأة رأسه لما جازوا تحتها ، فلما مر بها المرة الثانية طأطأ رأسه خوفاً من أن يصيبه شئ منها ، فهذا لا يصح "(3) .
__________
(1) ... الوافي بالوفيات 7/95 . ...
(2) ... هو: إسماعيل بن عمر القرشى ابن كثير البصري ثم الدمشقي عماد الدين أبو الفداء الحافظ المحدث الشافعي من تصانيفه : الاجتهاد في طلب الجهاد , و أحكام التنبيه , و البداية والنهاية في التاريخ , و تفسير القرآن , و تكملة أسماء الثقاة والضعفاء , و جامع المسانيد , و شرح الجامع الصحيح للبخاري قطعة من أوله , و طبقات العلماء , وغير ذلك . ولد سنة( 705 هـ) وتوفى سنة ( 774 هـ) أربع وسبعين وسبعمائة .انظر ترجمته في : هدية العارفين 1 / 215 . ...
(3) ... البداية والنهاية - ابن كثير 21 / 91. ...(1/10)
وقد كان ذكياً وإذا أراد التأليف أملى على كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم (1) وكان قانعاً باليسير, له وقف يحصل منه في العام نحو ثلاثين ديناراً , قرر منها لمن يخدمه النصف . وكان غذاؤه العدس وحلاوته التين ولباسه القطن وفراشه لبَّاداً (2) وكان لا يحمد أحداً , ولو تكسب بالمدح والشعر لنال دنيا ورياسة .
سافر إلى بغداد سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ، فسمعوا منه ديوانه المسمى بـ ( سقط الزند ) وعاد إلى المعرة سنة أربعمائة, فلزم منزله وسمى نفسه رهن المحبسين يعنى منزله وبصره(3) .
وفي خبر يروى عن غرس النعمة ابن الصابى (4) أن أبا العلاء المعرى سُئِل: ما هذا الذي يروى عنك ويحكى ؟ قال : حسدوني وكذبوا علي فقيل :على ماذا حسدوك وقد تركت لهم الدنيا والآخرة ؟ فقال الآخرة أيضاً وتألم .
__________
(1) ... انظر : الأعلام ـ خيرالدين الزركلي 1 / 157. ...
(2) ... في التاج,مادة ( لبد) : " كُلُّ شَعَرٍ أَو صُوفٍ مُتَلَبِّدٍ ...أَي بعضُه على بعْضٍ، فهو لِبْدٌ،بالكسر، ولِبْدَةٌ، بزيادة الهاء ولُبْدَةٌ، بالضَّم، أَلْبَدٌ ولُبُودٌ،على تَوهُّمِ طَرْحِ الهاءِ واللَّبَّادُككَتَّان عامِلُها،أَي اللُّبْدَ" ... .
(3) ... انظر : لسان الميزان 1/204 . ...
(4) ... هو: إبراهيم الصابى غرس النعمة أبو الحسن الحرانى الكاتب البغدادي . صنف من الكتب التاريخ الكبير مشهور ,والهفوات النادرة من المغفلين المحظوظين والسقطات البادرة من المعقلين الملحوظين . توفى سنة( 480 هـ) ثمانين وأربعمائة انظر ترجمته في : هدية العارفين 2 / 75 .(1/11)
قال السلفي من عجيب رأى أبى العلاء تركه تناول كل مأكول لا تنبته الأرض شفقة على الحيوانات حتى نسب إلى التبرهم (1)، وأنه يرى رأى البراهمة في إثبات الصانع وإنكار الرسل وفي شعره ما يدل على هذا المذهب وفيه ما يدل على غيره وكان لا يثبت على نحلة, وفي خبر آخر رواه السلفي أنه دُخِل على أبي العلاء بالمعرة في وقت خلوة بغير علم منه , فَسُمِع ينشد شيئاً ثم تأوه مرات وتلا آيات ثم صاح وبكى وطرح وجهه على الأرض ثم رفع رأسه , ومسح وجهه وقال: سبحان من تكلم بهذا في القِدَم , فصبرت ساعة ثم سلمت عليه فرد وقال : متى أتيت ؟ فقلت : الساعة .
__________
(1) ... في مقارنة الأديان ، أديان الهند - الدكتور أحمد شلبي 4/39 :" الهندوسية ديانة الجمهرة العظمى في الهند الآن ، قامت على أنقاض الويدية ، وتشربت أفكارها ، وتسلمت عن طريقها الملامح الهندية القديمة والأساطير الروحانية المختلفة التي نمت في شبه الجزيرة قبل دخول الآريين . ومن أجل هذا عدها الباحثون امتدادا للويدية وتطورا لها . وتسمى الهندوسية أو الهندوكية ، إذ تمثلت فيها تقاليد الهند وعاداتهم وأخلاقهم وصور حياتهم . وأطلق عليها البرهمية ابتداء من القرن الثامن قبل الميلاد نسبة إلى براهما Brahma وهو القوة العظيمة السحرية الكامنة التي تطلب كثيراً من العبادات كقراءة الأدعية وإنشاد الأناشيد وتقديم القرابين ، ومن براهما اشتقت الكلمة " البراهمة " لتكون علماً على رجال الدين الذين كان يعتقد أنهم يتصلون في طبائعهم بالعنصر الإلهي ، وهم لهذا كانوا كهنة الأمة ، لا تجوز الذبائح إلا في حضرتهم وعلى أيديهم " .(1/12)
فقلت :أرى في وجهك أثر غيظ ؟ فقال : تلوت شيئاً من كلام الخالق وأنشدت شيئاً من كلام المخلوق فلحقني ما ترى فتحقق صحة دينه وقوة يقينه ، ولما توفي أبو العلاء اجتمع على قبره ثمانون شاعراً, وخُتِم في أسبوع واحد عند القبر مائتا ختمة , و يحكى عنه في كتاب الفصول والغايات وكأنه معارضة منه للسور والآيات فقيل له: ليس هذا مثل القرآن فقال لم تصقله المحاريب أربعمائة سنة ، قال السلفي وفي الجملة كان من أهل الفضل الوافي والأدب الباهر والمعرفة بالنسب وأيام العرب " (1).
قرأ القرآن بروايات , وسمع الحديث اليسير بالشام على ثقات، وحدث به (2) ,
وخرَّج من حديثه سبعة أجزاء رويت عنه , وله في التوحيد واثبات النبوة وما يحض على الزهد شعر كثير والمشكل منه على زعمه له تفسير .
__________
(1) ... انظر : لسان الميزان - ابن حجر 1 / 204. ...
(2) ... انظر : الإنصاف والتحري صـ 514 . ...(1/13)
وهو من بيت علم وفضل ورياسة، له جماعة من أقاربه قضاة وعلماء وشعراء مثل سليمان بن أحمد بن سليمان جده قاضي المعرة وولي القضاء بحمص ووالده عبد الله بن سليمان كان شاعراً وأخيه محمد بن عبد الله وكان أسنّ من أبي العلاء وله شعر وأبي الهيثم أخي أبي العلاء وله شعر. وجاء من بعده جماعة من أهل بيته وقالوا الشعر ورأسوا، ساقهم الصاحب كمال الدين ابن العديم (1) على الترتيب وذكر أشعارهم وأخبارهم في مصنف له سماه "دفع التجرّي على أبي العلاء المعري". وذكرهم ياقوت في "معجم الأدباء" عند ذكر المعري أبي العلاء. وقال أبو العلاء الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة ورحل إلى بغداد ثم رجع إلى المعرة.وكان رحيله إليها سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، وأقام ببغداد سنة وسبعة أشهر .
أبو العلاء وشرح ديوان ابن أبي حصينة
ذكر المعري في مقدمة شرحه للديوان أن أبا الفتح " الحسن بن عبد الله بن أبي حصينة سأله أن يسمع شعره , فقريء عليه ما أنشأه من أنواع القريض , قال: " فوجدت لفظه غير مريض , ومعانيه صحاحاً مخترعة , و أغراضه بعيدة مبتدعة , و هو وإن كان متأخراً في الزمان , فكأنه من فرط عهد الرمان(2), من سمع كلامه علم أنه لم يغير شهادة , و لا حُرِم في إبداع الكلم سيادة " (3) .
__________
(1) ... هو: عمر بن القاضى مجد الدين أحمد بن هبة الله ابن جرادة العقيلى كمال الدين أبو حفص الحلبي الحنفي المعروف بابن العديم. من تصانيفه :الأخبار المستفادة في ذكر بنى جرادة ,وبغية الطلب في تاريخ حلب, ,و رفع الظلم والتجرى عن أبى العلاء المعرى . ولد سنة (586 هـ) وتوفى سنة ( 660 هـ) ستين وستمائة . انظر ترجمته في : هدية العارفين 1/ 787 .
(2) ... لعله : ( من فرط عهد الزمان ) .. أي تقادم الزمان .
(3) ... مقدمة ديوان ابن أبي حصينة لأبي العلاء المعري 2/3 .(1/14)
وهذا الكلام من أبي العلاء لا يفهم منه سوى أنه سمع ديوان ابن أبي حصينة , أما شرحه للديوان فلم يرد له ذكر أو إشارة في كلام المعري , كما لم يرد له ذكر في أكثر الكتب التي عُنيت بترجمة أبي العلاء , و ذكرت مصنفاته العديدة .
لكن هذا لا يعني أن الشرح المطبوع اليوم بعناية المجمع العلمي العربي بدمشق, و تحقيق الدكتور محمد أسعد طلس ليس من شرح أبي العلاء , وذلك لأمور : أولها : جاء في الإنصاف والتحري لكمال الدين ابن العديم تصريح بشرح المعري للديوان المذكور, فقال: " وجمع شعر الأمير أبي الفتح ابن حصينة السلمي , و شرح مواضع منه في ثلاث مجلدات "(1) .
تاليها: ماجاء في مقدمة شرح الديوان من تصريح بأن هذا من صنيع المعري , و فيه :
" قال الشيخ الأجل الأوحد الإمام أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري
ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح القصيدة التي أولها .." (2) .
آخرها : أن طريقة شرح هذا الديوان هي نفسها طريقة الشروح المنسوبة لأبي العلاء المعري , كـ( عبث الوليد) (3) و ( معجز أحمد ) (4) , و(اللامع العزيزي ) (5), وكانت طريقته في شرح الجميع أن يقول :" شرح القصيدة التي أولها " ثم يبدأ في شرح ما يراه مستغلق
__________
(1) ... الإنصاف والتحري صـ 541 .
(2) ... مقدمة شرح ديوان ابن أبي حصينة لأبي العلاء المعري 2 / 17 .
(3) ... وهو شرح ديوان البحتري أبي عبادة الوليد . انظر : الإنصاف والتحري صـ541 , و كشف الظنون 1 / 779 , و هدية العارفين / 77 , والأعلام 1 /157 .
(4) ... وهو شرح ديوان أبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبي . انظر : الإنصاف والتحري صـ 540 , وهدية العارفين 1 / 77 .
(5) ... وهو شرح ديوان أبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبي أيضاً . انظر : الإنصاف والتحري صـ 540 , وقال ابن العديم : " ويقال : الثابتيِّ العزيزيِّ " . وراجع : هدية العارفين 1 / 77 , و كشف الظنون 1 /810 , و الأعلام 1 / 157 .(1/15)
الفهم , للفظٍ غريب , أو لمخالفة قياس نحوي , أو تنبيه على استعمال محدث .
وهو في شرحين من شروحه خاصة, وهما عبث الوليد وشرح ديوان ابن أبي حصينة
يشرح شرحاً لغوياً خالصاً , لا يكاد يتعرض فيه لما يتعلق بالمعنى , يقول أحد الباحثين : " فهذا يقطع بأن أبا العلاء ـ قدس الله روحه ـ قد أراد في هذا النوع من كتبه البحث في المسائل من حيث علم اللغة , والصرف , و الاشتقاق , وما إلى ذلك من مباحث علم اللغة وفقهها, و كأنه أراد أن يجعل هذه الكتب للمتعمقين المنقبين عن أسرار اللغة , لا للمبتدئين المفتشين عن معاني الأبيات ليس غير " (1) .
وصف شرح ديوان ابن أبي حصينة
كانت طريقة المعري في شرح الديوان أن يقول :" شرح القصيدة التي أولها " ثم يبدأ في شرح ما يعن له, وكان يتبع في شرحه طريقة الإملاء , ومن ثم فهو قد يكرر تفسير الكلمة الواحدة أكثر من مرة , ومن هذا قوله : "و(الدمن) جمع ( دمنة) وقد تكرر ذكرها , و لا بأس بإعادته ؛ لأن هذه القصيدة قد تقع إلى من لم يقع إليه غيرها" (2) .
فإذا لم يكن للقصيدة ما يستحق الشرح أهملها , ومن هذا قوله : " لم يوجد لهذه القصيدة شرح يستحق أن يكتب , و لا للتي تليها" (3) .
ويُلحظ في الجزء المطبوع من شرح الديوان أن المطبوع ليس سوى جزء من شرحه , فقد قال ابن العديم عن مصنفات أبي العلاء : " وجمع شعر الأمير أبي الفتح ابن حصينة السلمي , و شرح مواضع منه في ثلاث مجلدات " (4) .
وقال محقق الديوان :"ومن يدقق في محتويات هذا الشرح ويقارن بينه وبين ما في الديوان من قصائد يتأكد أن ما عثر عليه من الشرح هو إحدى المجلدات الثلاث , وأن المفقود هو
__________
(1) ... مقدمة شرح ديوان ابن أبي حصينة لأبي العلاء المعري 1/ 11 .
(2) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة لأبي العلاء المعري 2/ 98 , و انظر: 2/237.
(3) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة لأبي العلاء المعري 2/ 64 , و انظر: 2/141 , 147.
(4) ... الإنصاف والتحري صـ 541 .(1/16)
المجلد تان الثانية والثالثة , ففي هذا الجزء الذي عثرنا عليه شرح لثمانين قصيدة وُجدت فيما
عثرنا عليه من الديوان , وقد بقي مما عندنا من الديوان نحو من ثلاثين قصيدة بدون (1)
__________
(1) ... هذا من كلام المحقق , والذي في اللسان , مادة ( دون) : " دونُ كلمة في معنى التحقير والتقريب، يكون ظرفاً فينصب، ويكون اسماً فيدخل حرف الجر عليه, فيقال: هذا دونك وهذا من دونك، وفي التنزيل العزيز:ووجَدَ من دُونهم امرأَتين ... وأَدخل الأَخفش عليه الباءَ فقال في كتابه في القوافي، وقد ذكر أَعرابيّاً أَنشده شعراً مُكْفَأً: فرددناه عليه وعلى نفر من أَصحابه فيهم مَن ليْسَ بدُونِه، فأَدخل عليه الباء كما ترى" . ودخول الباء على (دون) شائع عند المحدثين, وقد ورد في كلام من يحتج بشعرهم وغيرهم ومن هؤلاء: جذيمة الأبرش , وهو من شعراء العصر الجاهلي, قال :
خَبِّريني رَقاشِ لا تَكذِبيني أَبِحُرِّ زَنَيتِ أَم بِهَجينِ
أَم بِعَبدٍ فَأَنتِ أَهلٌ لِعَبدٍ أَم بُدونٍ فَأَنتَ أَهلٌ لِدونِ
وورد في قول جرير وهو من شعراء العصر الأموي :
وَتَحسُدُ أَن نَزورَكُمُ وَنَرضى بِدونِ البَذلِ لَو عَلِمَ الحَسودُ
وورد في قول الكميت , وهو من شعراء العصر الأموي :
يوغلن بالأركب العجال ويعتبن بدون السياط إن عتبوا
وورد في قول أبي تمام وهو من شعراء العصر العباسي :
البَردُ يَقتُلُ وَالكَزازُ بِدونِ ما أَحكَمتَهُ مِن شِدَّةِ التَبريدِ
وورد في قول أبي العلاء المعري وهو من شعراء العصر العباسي :
وَقَد تُقَضّى الحَياةُ راضِيَةً بِدونِ ما نيلَ مِن مَآرِبِها
وورد أيضاً في قول ابن أبي حصينة وهو من شعراء العصر العباسي :
يُثنى عَلَيهِ بِدونِ ما في طَبعِهِ كَالمِسكِ أَسيرُهُ الَّذي يَتَضَوَّعُ
و مثل هذا قد يسوغ دخول الباء على ( دون) . ... ...(1/17)
شرح ٍ, ويظهر أن المعري أبقاها إلى المجلد الثاني من الشرح"(1) .
ويقول : " ولا شك أن الذي أنشره اليوم ليس هو الديوان بكامله ..ثم إن من يدرس ما اشتمل عليه شرح أبي العلاء يجد أن هناك بعض قصائد يذكر أبو العلاء مطلعها في الشرح , و يعلق عليها ولا وجود لها في الديوان , و هذا يؤيد أن ما ننشره اليوم من الديوان هو غير كامل " "(2) " كما يجب أن نلاحظ أننا قد نجده يفسر بعض الكلمات التي لا وجود لها في القصيدة " "(3) .
والنسخة المطبوعة الآن بعناية المجمع العلمي بدمشق , و تحقيق الدكتور محمد أسعد طلس لا تزال تحتاج إلى تكرار النظر فيها , مع الجهد الوافر الذي قام به محققق الديوان , ولعل ذلك كما يقول المحقق " وقد كان عملي في هذا الجزء بعد عملي المضي في الجزء الأول جد شاق ؛ لأن اعتمادي كان على نسخة يتيمة سقيمة كثيرة الأخطاء عديدة التحريفات, و قد حاولت جهدي أن أعيد النص كما أملاه الشيخ , فرجعت إلى المظان والأمهات , و بحثت عن كل مفردة , بحث عنها الشيخ, و أرجعت الشواهد والأمثال إلى أماكنها , وما تزال بعض المسائل فيه معلقة , لم أهتد إلى الصواب فيها , و أشرت إلى ذلك في مواضعه , فلعل أحداً
يجيء بعدي , فيهديه إلى الصواب " (4) .
__________
(1) ... مقدمة شرح ديوان ابن أبي حصينة لأبي العلاء المعري 1/7 .
(2) ... مقدمة شرح ديوان ابن أبي حصينة لأبي العلاء المعري 1/41 بتصرف .
(3) ... السابق نفسه 2/16.
(4) ... مقدمة شرح ديوان ابن أبي حصينة لأبي العلاء المعري 2/16.(1/18)
وقد وقفت في الدرس على مواضع مما نبه إليه المحقق, فوجدت الكلام غير متسق , و القواعد فيها منخرمة إذا لم يكن تحريف , مما يعيي الباحث , فلا يجزم بالنفي أو الإثبات إلا بعد لأي ومشقة , فينضاف إلى جهد البحث شيء من تعب التحقق والتثبت, وقد نبهت إلى ما رأيته تحريفاً , و ذكرت ما ظننته صواباً في مواضعه, وسيُرى ذلك أثناء البحث , ولا بأس بذكر مثال على هذا , قال المعري: " و( الدلاص ) الأملس البارق , وأكثر ما يستعمل في الدروع , والنحويون يذهبون إلى أن ( فعيلاً ) , و( فاعلاً) متقاربان , وقلما جمعوا ( فعيلاً ) على ( فِعَال) وجمعوا ( فِعالاً ) على ذلك المثال ) .." (1) .
وهذا النص كما هو في النسخة المحققة لا تسقيم معه قاعدة , و لا يفهم منه مراد أبي العلاء , ولهذا رأيت بعد البحث المتأني أن الصواب أن يقال : ويذهبون إلى أن( فعيلاً ) و( فِعَالاً) متقاربان .
وفاة أبي العلاء
توفي ليلة الجمعة ثالث وقيل ثاني شهر ربيع الأول وقيل ثالث عشرة سنة تسع وأربعين وأربعمائة ( 449 هـ ) .
الفصل الثاني
المكانة اللغوية والنحوية لأبي العلاء المعري
مكانة أبي العلاء اللغوية
__________
(1) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/165.(1/19)
تواترت أقوال الأئمة المترجمين لـ أبي العلاء أنه كان في اللغة أمة , يعينه في ذلك ذاكرة حافظة مكنته من حفظ أمهات المعاجم , كـ ( التهذيب) للأزهري , و( ديوان الأدب ) للفارابي, و( جمهرة اللغة) لابن دريد, ويذكرون تدليلاً على قوة حافظته حكايات , قد تدخل في حيز المبالغة , و لكنها ـ بلا شك ـ تدل على مكانة أبي العلاء اللغوية, ومن ذلك ما ذكره صاحب الأنساب, قال : ذكر تلميذه أبو زكريا التبريزي (1) أنه كان قاعداً في مسجده بمعرة النعمان بين يدي أبي العلاء يقرأ شيئاً من تصانيفه، قال: وكنت قد أقمت عنده سنين ولم أر أحداً من أهل بلدي فدخل المسجد بعض جيراننا للصلاة فرأيته وعرفته فتغيرت من الفرح، فقال لي أبو العلاء: أيش أصابك؟
__________
(1) ... هو :التبريزي يحيى بن علي بن محمد الشيباني التبريزي ، أبو زكريا : من أئمة اللغة والأدب . أصله من تبريز . ونشأ ببغداد ورحل إلى بلاد الشام ، فقرأ " تهذيب اللغة " للازهري ، على أبي العلاء المعري ، من كتبه : " شرح ديوان الحماسة لابي تمام " ، و " تهذيب إصلاح المنطق لابن السكيت " وتهذيب الالفاظ لابن السكيت " وشرح سقط الزند للمعري. ولد وتوفى : ( 421 - 502 ه= 1030 - 1109 م) انظر ترجمته في : الأعلام - خيرالدين الزركلي 8 / 157.(1/20)
فحكيت له أني رأيت جاراً لي بعد أن لم ألق أحداً من أهل بلدي سنين فقال لي: قم فكلمّه، فقلت: حتى أتمم السبق، فقال لي: قم أنا أنتظر لك، فقمت وكلمته بلسان الأذربية شيئاً كثيراً إلى أن سألت عن كل ما أردت، فلما رجعت وقعدت بين يديه قال لي: أي لسان هذا؟ قلت: هذا لسان أذربيجان، فقال لي: ما عرفت اللسان ولا فهمته غير أني حفظت ما قلتما، ثم أعاد علي اللفظ بعينه من غير أن ينقص منه أو يزيد عليه جميع ما قلت وقال جاري، فتعجبت غاية التعجب كيف حفظ ما لم يفهمه. قلت: وهذا معجز فإنه بلغنا عن جماعة من الحفاظ وما يحكى عن البديع الهمذاني والأنباري وغير هؤلاء، وهو أمر قريب من الإمكان ؛لأن حفظ ما يفهمه الإنسان ويعرف تراكيبه أو مفرداته سهل، وأما إنه يحفظ ما لم يسمعه ولا يعلم له مفرداً ولا مركباً وهو أقل ما يكون أربعمائة سطر من سؤال غائب عن أهل بلده سنين وجوابه (1).
وجاء في التعريف أن هبة الله بن موسى (2) سمع من أخبار أبي العلاء وما أوتيه من البسطة في اللسان ما جعله هو وأخاه يرحلان إليه في المعرة , و دار بينهما حديث بالفارسية , ثم انصرفوا إلى مذاكرة أبي العلاء , قال : " فتجاذبنا الحديث إلى أن ذكرت ما وُصِف به من سرعة الحفظ, و سألته أن يريني من ذلك ما أحكيه عنه , فقال : خذ كتاباً من هذه الخزانة القريبة منك , فاذكر أوله , فإني أورده عيك حفظاً , فقلت : كتابك ليس بغريب إن حفظته , قال : قد دار بينك وبين أخيك كلام بالفارسية إن شئت أعدته عليك , قال : أعده . فأعاده, وما أخل والله منه بحرف , ولم يكن يعرف اللغة الفارسية" (3) .
__________
(1) ... انظر: الأنساب 1/224 .
(2) ... هو: هبة الله بن موسى بن الحسن بن محمد أبو الحسن المزني الموصلي يعرف بابن قتيل ، حدث عن أبي يعلى الموصلي ، روى عن أبو جعفر السمناني وغيره . انظر ترجمته في : إكمال الكمال - ابن ماكولا 7 / 128 .
(3) ... التعريف صـ 225 .(1/21)
ويبدو أن أبا العلاء كان معتزاً بذاكرته هذه , فيُحكى أنه دخل يوماً "على الشريف المرتضى، فعثر برجل فقال الرجل: مَن هذا الكلب؟ فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً " (1) .
وقد عجز السيوطي أن يحصي للكلب سبعين اسماً , قال : " قلت: وقد تتبعت كتب اللغة، فحصلتها (أكثر من ستين اسماً) " (2).
وقد ساقوا عن أبي العلاء حكايات تدل على أنه كان يحفظ كتاب التهذيب , ففي ترجمة تلميذ المعري التبريزي عن سبب توجهه إلى المعري أنه حصلت له نسخة من كتاب " التهذيب " في اللغة، تأليف أبي منصور الأزهري في عدة مجلدات لطاف، وأراد تحقيق ما فيها وأخذها عن رجل عالم باللغة، فدل على المعري، فجعل الكتاب في مخلاة وحملها على كتفه من تبريز إلى المعرة، ولم يكن له ما يستأجر به مركوباً، فنفذ العرق من ظهره إليها فأثر فيها البلل، وهي ببعض الوقوف ببغداد، وإذ رآها من لا يعرف صورة الحال فيها ظن أنها غريقة، وليس بها سوى عرق الخطيب المذكور(3).
وفي, إنباه الرواة خبر يدل على أنه كان يحفظ ديوان الأدب للفارابي , وفيه أن رجلاً من طلبة العلم باليمن وقع إليه كتاب في اللغة سقط أوله , وكان قد أعجبه جمعه و ترتيبه, فاتفق أنه حج , فحمله معه , يسأل عنه كل أديب جلس إليه , فدُلَّ بآخرة على أبي العلاء , فلما قرأ عليه أوله , قال له المعري : هذا الكتاب اسمه كذا و كذا , ومصنفه فلان بن فلان , ونقل الرجل ما نقص من الكتاب عن أبي العلاء (4).
وكذا ورد أنه يحفظ جمهرة ابن دريد, وأن جل اللغة التي ينقلها إنما هي منه ويُحكى أنه قيل
__________
(1) ... انظر : التعريف صـ223 .
(2) ... التبري من معرة المعري ضمن كتاب تعريف القدماء صـ 429.
(3) ... انظر : إنباه الرواة 4/22 . ...
(4) ... انظر : إنباه الرواة صـ 1/52 , والتعريف صـ 249 .(1/22)
لبعض أمراء حلب : إن اللغة التي ينقلها أبو العلاء إنما هي من ( الجمهرة ) , وعنده منها نسخة ليس في الدنيا مثلها , و أشاروا عليه بطلبها منه , قصداً لأذاه .
فسير أمير حلب رسولاً إلى أبي العلاء يطلبها منه , فأجابه بالسمع والطاعة , و قال تقيم عندنا أياماً حتى تقضي شغلك , ثم أمر من يقرأ عليه كتاب الجمهرة , فقُرئت عليه حتى فرغوا من قراءتها , ثم دفعها على الرسول وقال له : ما قصدت بتعويقك إلا أن أعيدها على خاطري , خوفاً من أن يكون قد ندَّ منها شيء عن خاطري , فعاد الرسول , وأخبر أميره بذلك , فقال : من يكون هذا حاله لا يجوز أن يؤخذ منه هذا الكتاب , وأمر برده إليه"(1).
هذه المعاجم الثلاثة كان يحفظها أبو العلاء , وبالإضافة إليها كان يحفظ كثيراً من كتب اللغة , كـ إصلاح المنطق , وغريب الحديث لأبي عبيد , وغيرهما الكثير من كتب اللغة , ففي إنباه الرواة " أن الخطيب أبا زكريا يحيى بن علي بن الخطيب التبريزي قرأه ـ كتاب : إصلاح المنطق ـ على أبي العلاء , و طالبه بسنده متصلاً , فقال له إن أردت الدراية فخذ عني ولا تتعد , و إن أردت الرواية فعليك بما عند غيري " (2).
يقول القفطي تعليقاً على هذا الخبر : " وهذا القول من أبي العلاء يشعر أنه قد و جد من نفسه قوة على تصحيح اللغة كما وجدها ابن السكيت (3)
__________
(1) ... انظر : التعريف صـ 227 .
(2) ... إنباه الرواة 1/ 69 .
(3) ... هو: أبو يوسف يعقوب بن اسحق البغدادي الأديب اللغوى المعروف بابن السكيت ( بكسر السين
المهملة وتشديدها ) كان يتشيع . من تآليفه اصلاح المنطق , و سرقات الشعراء وما اتفقوا عليه, و شرح شعر الأخطل , و تفسير شعر أبى نواس, و شرح شعر الأعشى , و شرح شعر زهير , وشرح شعر عمرو بن ربيعة , و شرح شعر قتال الكلابي , وشرح المعلقات. توفى سنة ( 246 هـ )ست وأربعين ومائتين. انظر ترجمته في : هدية العارفين 2 / 536 .(1/23)
مصنف الإصلاح , وربما أحس من نفسه أوفر من ذلك ؛ لأن ابن السكيت لم يصادف اللغة منقحة مؤلفة , قد تداولها العلماء قبله , و صنفوا فيها و أكثروا , كما وجدها أبو العلاء في زمانه " (1).
وفي تهذيب (إصلاح المنطق ) , قال التبريزي عن كتاب ( إصلاح المنطق ) :" وكان أبو العلاء المعري والشيوخ الذين قرأت عليهم هذا الكتاب يكرهون منه التكرار الذي فيه " (2).
وفي إنباه الرواة أن التبريزي قرأ عليه أيضاً غريب الحديث لأبي عبيد (3).
إن من يحفظ هذه المصنفات اللغوية لابد وأن يكون حجة في اللغة , كيف لا؟ وديوان الأدب
والجمهرة وغيرهما مما يحفظه أبو العلاء مما يستدل بها على مكانة اللغوي , فيقبل كلامه في اللغة إن كان من حملتها و إلا يرد "وقد أجاب ابن الشجري على قول من زعم أن " ( أمل وآمل)، أنهما لا يجوزان عنده؛لأنه لم يسمع في الماضي منهما (أمل ) خفيف الميم، فليت شعري ما الذي سمع من اللغة، ووعاه حتى أنكر أن يفوته هذا الحرف، وإنما ينكر مثل هذا من أنعم النظر في كتب اللغة كلها، ووقف على تركيب( أ م ل ) في كتاب العين للخليل، وكتاب الجمهرة لابن دريد، والمجمل لابن فارس، وديوان الأدب للفارابي، وكتاب الصحاح للجوهري، وغير ذلك من كتاب اللغة " (4).
__________
(1) ... إنباه الرواة 1/ 69 .
(2) ... تهذيب إصلاح المنطق 1/41 .
(3) ... انظر: إنباه الرواة 1/ 69 .
(4) ... الخزانة 9/150 .(1/24)
وقد أورد أبو العلاء في مصنفاته العديدة كثيراً من كتب اللغويين التي لاغنى لـ لغوي عنها , ومن هذا كتاب العين(1) , وكتاب الأبنية , للخليل بن أحمد (2) , والتثنية والجمع للفراء (3) وكتاب الإتباع , لأبي الطيب اللغوي (4) , والأضداد , لابن السكيت (5) , وكذا الألفاظ له (6) , وكتاب الخاء , لأبي عمرو الشيباني (7) , وشواذ الغريب لأبي عبيدة (8) . , والنوادر لابن الأعرابي (9) , والنوادر , لأبي زيد الأنصاري (10) .
وغير هذ الكثير (11) مما جعل بعض المعاصرين يخلص إلى نتيجة في غاية الحسن , قال :" ومن راجع أسماء هذه الكتب التي ذكرها في آثاره اتضح له غلبة الجانب اللغوي على الجوانب الأخرى من ثقافته " (12) .
__________
(1) ... ورد في : الفصول والغايات صـ 42 , ورسالة الغفران صـ 245 , وشرح ديوان ابن أبي حصينة 2/66, واللزوميات 2/137, ورسالة الملائكة صـ 267.
(2) ... ورد في : الفصول والغايات صـ 150 . ...
(3) ... ورد في : رسالة الملائكة صـ 206.
(4) ... ورد في : رسالة الغفران صـ 550.
(5) ... ورد في : شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 92, 147 .
(6) ... ورد في : الفصول والغايات صـ 52 .
(7) ... ورد في : رسالة الغفران صـ 210.
(8) ... ورد في : رسالة الصاهل والشاحج صـ 631 .
(9) ... ورد في : رسالة الصاهل والشاحج صـ 508 .
(10) ... ورد في : الفصول والغايات صـ 210, ورسالة الصاهل والشاحج صـ 294.
(11) ... جمع أحد الباحثين المعاصرين وهود/ محمد طاهر الحمصي ماورد من كتب اللغويين في مصنفات أبي العلاء , وعد منها الكثير , في كتابه القيم , علوم اللغة وأنواعها عند أبي العلاء صـ 39 : 46.
(12) ... علوم اللغة وأنواعها عند أبي العلاء لـ د/ محمد طاهر الحمصي صـ38 .(1/25)
وأبو العلاء لم يكن قط مجرد ناقل لكلام الأولين, بل كان يعلق على ما ينقل , ومن هذا أنه علق على كتاب الجمهرة " فيما يقرب من ستين موضعاً من نسخ الجمهرة المعتمدة في تحقيق النسخة المطبوعة , ما بين استدراك وتصحيح وترجيح وتحقيق" (1).
ولم يكتفِ بالتعليقات والإيضاحات , بل شارك في التأليف اللغوي , وحفظت كتب التراجم
بعض أسماء كتبه التي أفردها للغة , وإن لم يصل منها شيء, ومن هذا كتاب( تفسير خطبة الفصيح) (2) وكتاب ( نشر شواهد الجمهرة ) (3) وكتاب ( شرح فيه خطبة أدب الكاتب ) (4) ورسالة في الحروف (5) .
ولمكانة أبي العلاء في اللغة اعتمد عليه ابن منظور كأحد المصادر التي أخذ منها كتابه العظيم ( لسان العرب) , وإن لم يصرح بذلك .
يقول أحد الباحثين(6) : " ونادراً ما تضمن المعجمات تلك الفوائد اللغوية التي ذكرها المعري ت 449 هـ , وهو من هو؟! لكن حس ابن المكرم أبى إلا الإفادة منها ولو عن طريق
بعض الحواشي , نقل عن حاشية الشاطبي مانصه ..." (7).
__________
(1) ... المرجع السابق صـ 76 . ... وقد أورد هناك أمثلة , فلتراجع . ...
(2) ... ورد في : إنباه الرواة 1/59 , وكشف الظنون - حاجي خليفة 1 /715 , و هدية العارفين - إسماعيل باشا البغدادي 1 /77 , والأعلام - خيرالدين الزركلي 1 / 157.
(3) ... ورد في : الإنصاف و التحري صـ 530 , و هدية العارفين - إسماعيل باشا البغدادي 1 / 77.
(4) ... ورد في :الإنصاف و التحري صـ540. ...
(5) ... ورد في : تاريخ الأدب العربي ـ بروكلمان 5/44. ...
(6) ... هو الدكتور أحمد رزق السواحلي ـ رحمه الله ـ في كتابه القيم " تصحيح لسان العرب , تصحيح مقولات شائعة . ...
(7) ... تصحيح لسان العرب , تصحيح مقولات شائعة صـ 50 . ...(1/26)
والحقيقة أن ابن منظور نقل كلام أبي العلاء ليس عن طريق الحواشي فقط , وقد أحصيت ما في اللسان عن أبي العلاء , فوجدته كثيراً , وهذا بعضه (1):
ـ في اللسان , مادة ( سبسب) "والسباسب : أيام السعانين ، أنبأ بذلك أبو العلاء " .
ـ وفي مادة , ( سيب ): " والسِّيبُ: التُّفَّاحُ، فارِسيّ؛ قال أَبو العلاءِ: وبه سُمِّيَ سيبويه: سِيب تُفَّاحٌ، وَوَيْه رائحتُه" .
ـ وفي مادة (عصب ): "وقال أبو العلاء: يوم عصبصب بارد ذو سحاب كثير، لا يظهر فيه من السماء شيء ".
ـ وفي مادة ( وظب ) : "قال أَبو العَلاء: هو مَوْضعُ مَبْرَكِ إِبل بني سَعْد، مما يلي أَطرافَ مكة، وهو شاذ كمَوْرَقٍ، وكقولهم: ادْخُلوا مَوْحَدَ مَوْحَدَ " .
- وفي مادة ( مرج ) : " ومَرَجَ الرجلُ المرأَةَ مَرْجاً: نَكَحَها. روى ذلك أَبو العلاء يرفعه إِلى قُطْرُب (2) ، والمعروف هَرَجَها يَهْرُجُها " .
- وفي مادة ( يوح ) : " وقد جاءَ منه قولهم يُوحُ اسم للشمس؛ قال: وكان ابن الأَنباري
يقول: هو بُوحُ بالباءِ، وهو تصحيف، وذكره أَبو علي الفارسي في الحَلَبِيَّات عن المبرد،
بالياءِ المعجمة باثنتين؛ وكذلك ذكره أَبو العَلاءِ بن سليمان في شعره فقال:
* وأَنت مَتى سَفَرْتَ رَدَدْتَ يُوحا * (3)
__________
(1) ... ورد أيضاً في مواد : ( سبسب) , و ( سيب) , و ( سكت) , و ( نبر) , و (لبط) , و (رفف) , و (شعف) , و ( ذمم) , و ( سفن), و ( دمي) , و عمي) .
(2) هو: محمد بن المستنير أبو علي المعروف بـ قطرب , أخذ عن عيسى بن عمر ,اتهمه ابن
السكيت بالكذب في الرواية ,له المثلث , والنوادر , والأصوات , وإعراب القرآن ومجاز القرآن
تـ(206 هـ). انظر ترجمته في : البغية1/242 , والمزهر 2/405.
(3) ... عجز بيت من بحر الوافر ,و صدره : ويُوشَعُ رَدّ يُوحى بعضَ يومٍ .والبيت في شروح سقط الزند
1/278 ... , برواية ( يوحا ) .(1/27)
قال: ولما دخل بغداد اعترض عليه في هذا البيت فقيل له: صحفته وإِنما هو بوح، بالباءِ،
واحتجوا عليه بما ذكره ابن السكيت في أَلفاظه، فقال لهم: هذه النسخ التي بأَيديكم غيّرها
شيوخكم ولكن أَخرجوا النسخ العتيقة، فأَخرجوا النسخ العتيقة فوجدوها كما ذكره أَبو العلاء".
ـ وفي مادة ( جزع ) قال: " وقد جَزَّع البُسْرُ والرطبُ وغيرهما تجزيعاً، فهومُجَزِّع. قال شمر: قال المَعَرِّي المُجَزِّع، بالكسر، وهو عندي بالنصب على وزن مُخَطَّم. قال الأَزهري: وسماعي من الهَجَرِيّين رُطب مُجَزِّع؛ بكسر الزاي، كما رواه المعري عن أبي عبيد".
ـ وفي مادة ( أبي ) : " تريد: وابأَبي هُما. قال ابن بري: ويروى وَابِيَباهُما، على إِبدال الهمزة ياء لانكسار ما قبلها، وموضع الجار والمجرور رفع على خبرهما؛ قال ويدلُّك على
ذلك قول الآخر: * يا بأَبي أَنتَ ويا فوق البِيَبْ *(1)
قال أَبو عليّ: الياء في بِيَب مُبْدَلة من هَمزة بدلاً لازماً، قال: وحكى أَبو زيد بَيَّبْت الرجلَ إذا قلت له بِأَبي، فهذا من البِيَبِ، قال:وأَنشده ابن السكيت يا بِيَبا؛ قال: وهو الصحيح ليوافق لفظُه لفظَ البِيَبِ لأَنه مشتق منه، قال: ورواه أَبو العلاء فيما حكاه عنه التِّبْرِيزي: ويا فوق البِئَبْ، بالهمز، قال: وهو مركَّب من قولهم بأَبي، فأَبقى الهمزة لذلك ".
__________
(1) ... الرجز ورد غير منسوب في اللسان ,والتاج مادة ( خصي ) والخزانة 7/529 , وورد منسوباً لآدم مولى بلعنبر في البيان والتبيين1/182 , واللسان مادة (أبا).(1/28)
هذا ما وقفت عليه من ذكر صريح لأبي العلاء في اللسان , وأهملت بعض هذه المواضع التي أخبر بها ابن سيده (1) عن أبي العلاء لاحتمال أن يكون المقصود من أبي العلاء فيها أبا العلاء بن صاعد , و قد صرح بذلك صاحب التاج أحياناً عند ذكر ما يخبر به ابن سيده عن أبي العلاء , لكن يحتمل أن يكون المقصود بالذكر أبا العلاء المعري , خاصة أن ابن سيده وأبا العلاء كان متعاصرين . وهذه المواضع وردت في المواد : ( أمم) , و( رفف) , و ( ذمم) , و( نصي ) , و( وصي ) .
أما ما نقله ابن منظور عن طريق بعض الحواشي : فمنه ماورد في مادة ( يدي ) : " رأَيت حاشية بخط الشيخ رضيّ الدين الشاطبي، رحمه الله، قال: قال أَبو العلاء المَعري قالت العرب افْتَرَقوا أَيادِيَ سبا فلم يهمزوا لأَنهم جعلوه مع ما قبله بمنزلة الشيء الواحد، وأَكثرهم لا ينوّن( سبا) في هذا الموضع وبعضهم ينوِّن" .
هكذا كان أبو العلاء أحد مصادر ابن منظور في اللسان , وقد تنبه الخالفون لقيمة المعري
__________
(1) ... هو: علي بن إسماعيل ، المعروف بابن سيده ، أبو الحسن : إمام في اللغة وآدابها . ولد بمرسية ( في شرق الأندلس ) وانتقل إلى دانية فتوفي بها . كان ضريراً ( وكذلك أبوه ) واشتغل بنظم الشعر مدة ، ونبغ في آداب اللغة ومفرداتها ، فصنف " المخصص " ، وهو من أثمن كنوز العربية ، و " المحكم والمحيط الاعظم , و " شرح ما أشكل من شعر المتنبي , و " الأنيق " في شرح حماسة أبي تمام ، ست مجلدات ، وغير ذلك . توفى : ( 458 ه= - 1066 م ). انظر ترجمته في : الأعلام 4 / 263 .(1/29)
اللغوية فاتخذوه مصدراً من مصادرهم, وإن معجماً كمعجم التاج لم يكن ليغفل قيمة أبي العلاء اللغوية, فقد نقل عنه المواضع السالفة الذكر التي نقلها ابن منظور , وأضاف إليها , وهذا موضع يحتاج إلى بحث آخر ليس هنا موضعه , ولكن أكتفي بذكر أمثلة مما نقلها صاحب التاج عنه , ومنها ما جاء في مقدمة التاج : " ( التصحيف ) قال الراغب هو رواية الشئ على خلاف ما هو عليه لاشتباه حروفه وفى المزهر قال أبو العلاء المعرى أصل التصحيف أن يأخذ الرجل اللفظ من قراءته في صحيفة ولم يكن سمعه من الرجال فيغيره عن الصواب " (1).
وفي مادة ( فنأ ) : " الفَنَأُ محرَّكةً: الكثرَةُ يقال: مالٌ ذو فَنَإٍ، أَي كثرَةٍ كفَنَعٍ بالعين، وقال: أَرى الهمزةَ بدلاً من العينِ وأَنشد أَبو العلاء بيتَ أَبِي مِحْجَنٍ الثَّقفيّ:
وقدْ أَجودُ وما لي بذِي فَنَإٍ وأَكْتُم السِّرَّ فيه ضَرْبَةُ العُنُقِ (2)
ورواية يعقوب في الأَلفاظ: بذِي فَنَعٍ. والفَنءُ بالسكون: الجماعَةُ من النَّاس، كأَنَّه مأخوذٌمن معنى الكَثرة، يقال: جاءَ فَنْءٌ منهم أَي جماعة ".
ومنها : ما ورد في, مادة : ( جلد) : " وجُلَنْدَاءُ، بضمّ أَوّله وفتح ثانية ممدودَةً، وبضمِّ ثانِية
__________
(1) ... تاج العروس - الزبيدي 1/ 28 . ...
(2) ... البيت من بحر البسيط , وورد منسوباً لأبي محجن في العقد الفريد1/67 , ومجمع الأمثال 1/232.(1/30)
مقصورَةً: اسمُ مَلِكِ عُمَانَ... ابن الحاجب (1): الأَوْلَى أَن لا تَدخل عليه أَل،ومعناه القَوِيّ المتحمَّل، مِن الجلاَدة، كما قاله المعرّيّ في بعض رسائله ".
وفي مادة ( قرع ) : " والقَرْعُ: حَمْلُ اليَقْطين، واحدَتُه بهاءٍ، وكان النبيُّ صلّى الله عليه
وسلَّم يُحبُّه، وأكثرُ ما تُسَمِّيه العربُ: الدُّبّاءَ، وقَلَّ من يَسْتَعمِلُ القَرْعَ، وقال المعَرِّيُّ: والقَرْعُ - الذي يُؤكَلُ – فيه لُغَتان: الإسْكانُ والتحريك، والأصلُ التحريك " .
وفي مادة ( جزي ) : " والجازية بقر الوحش قال أبو العلاء المعرى في قصيدة له
كم باتَ حوْلَكِ من ريمٍ وجازِيَةٍ يَستَجدِيانِكِ حُسْنَ الدّلّ والحَوَرِ (2)
ومنها ما ورد في مادة ( برطل ): " اختلفوا في البِرْطِيل بمَعْنى الرِّشْوَةِ فظاهِرُ سِياقِ المصنِّف أنه عَرَبيٌ، فعلَى هذا: فَتْحُ بائِه مِن لُغَةِ العامَّة، لفَقْدِ فِعْلِيلٍ. وقال أبو العلاء المَعَريّ،
في عَبَثِ الوَلِيد(3): إنه بهذا المعنى غيرُ معروفٍ في كلامِ العرب، وكأنه أخِذ من البِرْطِيلِ
__________
(1) ... هو: أبو عمرو ابن الحاجب عثمان بن عمر بن أبي بكر ابن يونس الدوني ثم المصري الفقيه المالكي المعروف بابن الحاجب، الملقب جمال الدين؛ كان والده حاجباً للأمير عز الدين موسك الصلاحي وكان كردياً، كان الأغلب عليه علم العربية، وصنف مختصراً في مذهبه، ومقدمة وجيزة في النحو، وأخرى مثلها في التصريف وشرح المقدمتين, وخالف النحاة في مواضع، وأورد عليهم إشكالات وإلزامات تبعد الإجابة عنها، وكان من أحسن خلق الله ذهناً. ولد سنة سبعين وخمسمائة , (570 هـ) و توفى سنة ست وأربعين وستمائة، ( 646 هـ) .انظر ترجمته في : إنباه الرواة 2/342.
(2) ... البيت من بحر البسيط , و هو في شروح سقط الزند 1/123 .
(3) ... انظر : عبث الوليد صـ 199 . ...(1/31)
بمَعْنَى الحَجَرِالمُستطِيل، كأنّ الرشوةَ حَجَرٌ رُمِيَ به، أو شَبَّهوه بالكَلْب الذي يُرْمَى بالحَجَرِ ".
وليس أصحاب المعاجم وحدهم من تنبه لقيمة أبي العلاء كلغوي , فقد نقلت عنه الكتب
التي اهتمت بالتفسيرات اللغوية بعضاً من آرائه , و من هذا ما نقله صاحب فتح الباري في ضبط لفظة ( فَرُّوج ) قال : " وقال غيره : يعني بسنده ( فروج حرير ) أما رواية عبد الله بن يوسف فوصلها المؤلف رحمه الله في أوائل الصلاة ...المغايرة بين الروايتين على خمسة أوجه أحدها التنوين والاضافة وكا يقال ثوب خز بالإضافة وثوب خز بتنوين ثوب قاله بن التين احتمالاً , ثانيها ضم أوله وفتحه حكاه بن التين رواية قال والفتح أوجه؛ لأن( فُعُولاً) لم يرد إلا في ( سبوح) و( قدوس) و( فروخ ) يعني الفرخ من الدجاج انتهى وقد قدمت في كتاب الصلاة حكاية جواز الضم عن أبي العلاء المعري"(1).
ونقل عنه صاحب الفروق اللغوية , فقال : " وقال أبو العلاء : اللقب ما غلب على المسمى من اسم علم بعد اسمه الأول, فقولنا زيد ليس بلقب ؛لأنه أصل فلا لقب إلا علم وقد يكون علم ليس بلقب " (2).
__________
(1) ... فتح الباري - ابن حجر ج 10 / 230 , 231 , بتصرف يسير . وانظر هذا النقل في : - فتح الباري - ابن حجر ج 1 صـ 408 , ونيل الأوطار - الشوكاني 2 / 71 , و شرح سنن النسائي - جلال الدين السيوطي 2 / 72 .
(2) ... الفروق اللغوية- أبو هلال العسكري صـ 52 .(1/32)
ونقل عنه السيوطي في المزهر في أربعة مواضع , فقال في الموضع الأول : " قال المعري في بعض كتبه : كل ما في كلام العرب( أفعال) فهو جمع إلا ثلاثة عشر حرفاً : قولهم ثوب( أسْمال) و(أخْلاق) وبرمة( أَعْشار) وجفنة (أكْسار) إذا كانتا مشعوبتين ونعل (أَسْمَاط) إذا كانت غير مخصوفة وحبل( أحْذاق )و(أَرْمام) و(أَقْطاع) و(أرْماث) إذا كان متقطعاً موصلاً بعضه إلى بعض وثوب (أَكْباش) لضرب من الثياب رديء النسج وأرض) أحْصَاب) إذا كانت ذات حصى وبلد( أمْحال) أي قحط وماءٌ (أسْدام) إذا تغير من طول القدم قلت : وزاد في الصحاح : رمح (أقْصاد) أي متكسر وبلد (أخْصاب) أي خصب وقال : الواحد في هذا يُراد به الجمع . كأنهم جعلوه أجزاء قال وقلب (أعْشار) جاء على بناءِ الجمع كما قالوا : رمح (أقْصاد) " (1) .
وقال في الموضع الثاني : " قال المعري : كل ما في كلامهم ( إفعال) بكسر الألف فهو مصدر إلا أربعة أسماء قالوا : (إعْصار) و(إسْكاف) و(إمْخَاض )وهو السقاء الذي يمخض فيه اللبن و(إنشاط (يقال : (بئر إنشاط) وهي التي تخرج منها الدلو بجذبة واحدة انتهى وزاد بعضهم : ( إنسان) و( إبهام ) " (2) .
وقال في الموضع الثالث في ذكر ما جاء على ( تِفْعَال ) : " وقال ابن دريد : وكل ما كان في هذا الباب مما تدخله الهاء للمبالغة فهو معروف لا يتجاوز إلى غيره نحو : (تِكْلامة) وزاد أبوالعلاء فيما نقله ابن مكتوم في تذكرته : (التِّيتاء) للعِذْيَوْط و(التِّيعار ): للحبْل المقطوع و(التِّرباع ): موضع و(التِّنظار) من المناظرة و(تيفاق) الهلال : موافقته و(التِّمنان) : خيط يشد به الفُسطاط
__________
(1) ... المزهر 2/105. ...
(2) ... المزهر 2/105. ...(1/33)
و(التِّقوال) : كثير القول و(التِّمساح ): الدابة المعروفة و(تِرْ عام) : اسم شاعر و(التِّمزاح ( الكثير المزح و(التّيفاق ): الكثير الاتفاق و(التِّطواف ): ثوب كانت المرأة من قريش تعيره للمرأة الأجنبية تطوف به (التِّشفاق) : فرس معروف انتهى كلام أبي العلاء " (1). أما الموضع الرابع والأخير , فقد سبق الكلام عنه فيما نقله صاحب التاج عن المزهر عن أبي العلاء في معنى التصحيف (2) .
وقد اهتم صاحب الخزانة بالنقل عنه , ومن ذلك قوله في تفسير قول الشاعر
يُديرونَني عَن سالِمٍ وأريغه وَجِلدَةُ بَينَ العَينِ وَالأَنفِ سالِمُ (3)
وروى جماعة بدل أريغه: أخيله بالخاء المعجمة، يقال: أخلت السحابة وأخيلتها، إذا رأيتها مخيلةً للمطر، بضم الميم، أي: تخيل من رآها أنها ممطرة. وهو من خال، أي: ظن. ومخيلة أيضاً، أي: موضع لأن يخال فيها المطر. كذا قال المعري في شرح ديوان البحتري (4). وأنشد هذا البيت " (5).
__________
(1) ... المزهر 2/138 . ...
(2) ... انظر : المزهر 2/353. وراجع مقدمة تاج العروس 1/28 . ...
(3) ... البيت من بحر الطويل , و هو في ديوان أبي الأسود صـ 164 .
(4) ... انظر : عبث الوليد صـ 55. ...
(5) ... الخزانة 5/247 . ...(1/34)
وقال في الكلام على وزن ( فَعَالِ ) في المؤنث : " على أن (فَعَالِ ) في الأعلام الشخصية جميع ألفاظها مؤنثة. وأما(لَصافِ )هنا فإنما ذكره بإرجاع الضمير عليه من فيه، لتأويله بالموضع، وهو منزلٌ من منازل بني تميم. وروي أيضاً فيها بتأنيث الضمير، فلا إشكال حينئذ. أقول: الذي رواه: فيه بضمير المذكر هو صاحب الصحاح(1) والعباب. والذي رواه: فيها بضمير المؤنث جماعة كثيرة، منهم ابن السكيت في إصلاح المنطق(2)، والقالي في أماليه(3)، وأبو محمد الأعرابي في ضالة الأديب (4) ، وأبو العلاء المعري في شرح ديوان
البحتري(5)، وأبو عبيدٍ البكري في معجم ما استعجم (6) " (7).
وقال في ضبط كلمة الحمر من قول الشاعر:
قد كنت أحسبهم أسودَ خفيّةٍ فإذا لصاف تبيض فيه الحمَرُ(8)
:" و(الحُمَّر) بضم الحاء المهملة وتشديد الميم المفتوحة: ضربٌ من الطير كالعصفور،الواحدةحمرة، وقد تخفف الميم، فيقال: حمر وحمرة. أنشد ابن السكيت(9) لابن
__________
(1) ... انظر : الصحاح , مادة ( لصف ) .
(2) ... انظر : إصلاح المنطق صـ 178 . ...
(3) ... انظر : أمالي القالي 2/238 , و الرواية فيها بالتذكير , لا كما قال صاحب الخزانة .
(4) ... هو: الحسن بن أحمد بن محمد الأعرابي أبو محمد الغندجانى ( غندجان بلدة بفارس ) النسابة اللغوى توفى في حدود سنة (428) ثمان وعشرين وأربعمائة . صنف من الكتب أسماء الأماكن,و ضالة الأديب في الرد على نوادر ابن الأعرابي في اللغة . انظر ترجمته في : هدية العارفين1/ 275 .
(5) ... انظر : عبث الوليد صـ 202 . ...
(6) ... انظر : معجم ما استعجم 4/1151 .
(7) ... الخزانة 6/372 , 373. ...
(8) ... البيت من بحر الكامل ,لأبي المهوش الأسدي في الخزانة 6/373, وغير منسوب في الأمالي للقالي2/238 .
(9) ... انظر : إصلاح المنطق صـ 430 .(1/35)
أحمر(1): إِن لا تُدارِكهُمُ تُصبِح مَنازِلُهُم قَفراً تَبيضُ عَلى أَرجائِها الحُمرُ (2)
كذا في الصحاح، وأنشد البيت. وقال أبو حاتم في كتاب الطير: الحمر بِعظَم العصفور،
وتكون كدراء ورقشاء. قال أبو العلاء المعري في شرح ديوان البحتري (3): يجوز أن يكون كلٌ من المشدد والمخفف لغة، ويجوز أن يكون المخفف ضرورة، ؛لأن إحدى الميمين زائدة. وقد ذكر ابن السكيت المخفف في باب فعلة، فأوجب عليه ذلك أن يكون يرى التخفيف أفصح" (4).
وقال في ضبط ( تُمَاضِر ) من أسماء النساء : " و( تُمَاضِر) من أسماء النساء. قال ابن جني في إعراب الحماسة:التاء في تُمَاضِر عندنا فاءٌ، وإنما لم يصرف عندنا هذا الاسم لما فيه من التعريف والتأنيث،لا لأنه بوزن( ُتَفاعِل)، فـ( تُمَاضِر) إذان كـ( قُرَاقِر) و(عُذَاِفر). وكذا القياس في تاء تجمل وترامز. انتهى.
والظاهر أن ( تُمَاضِر)( تُفَاعِل)، والتاء زائدة لا أصلٌ ؛ إذ هو من مضر. وإليه ذهب أبو العلاء المعري في شرح ديوان البحتري (5)، قال )تُمَاضِر) بضم التاء وكسر الضاد، وهو منقول من فعل مضارع، كما سميت المرأة ( تكتم) و(تكنى ).
__________
(1) ... هو: بن أحمر عمرو بن أحمر بن العمرد بن عامر الباهلي ، أبو الخطاب : شاعر مخضرم عاش نحو 90 عاماً . كان من شعراء الجاهلية ، وأسلم . .جعله ابن سلام في الطبقة الثالثة ( الطبقات 2/570) وغزا مغازي في الروم ، وأصيبت إحدى عينيه واختار أبو تمام ( في الحماسة ) أبياتاً من شعره . وله " ديوان شعر . ولد وتوفى : ( 000 - نحو 65 ه= 000 - نحو 685 م ), انظر ترجمته في : الأعلام /5 72 .
(2) ... البيت من بحر البسيط ,لعمرو بن أحمر في جمهرة أشعار العرب صـ 253, و غير منسوب في إصلاح المنطق صـ 430 .
(3) ... انظر : عبث الوليد صـ 202 . ...
(4) ... الخزانة 6/372, 373 . ...
(5) ... انظر : عبث الوليد صـ 22. ...(1/36)
وكان في النسخة أي من ديوان البحتري، قال: تُمَاضِر بفتح التاء وضم الضاد. وهذاغلط،
والمعروف في أسماء النساء ما ذكرنا " (1) .
وقد أورد البغدادي في شرح شواهد الشافية رأيين للمعري , أولهما , قال فيه :" وبطن
الرمة قال أبو العلاء المعرى : يروى بتشديد الميم وتخفيفها ، وهو واد بنجد " (2) . وآخرهما قال فيه :" وبَوْلان - بفتح الموحدة وسكون الواو - علم مرتجل من البول . قال
أبو العلاء المعرى : يجوز أن يكون اشتقاقه من البال ، وهو الخلد والحال " (3) .ونقل عنه صاحب التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه , فقال :"وأخبرني غير واحد عن أبي العلاء
المعري أنه كان يرد هذه الرواية , و يقول إنها تصحيف" (4).
ونقل عنه صاحب تصحيح التصحيف في موضع واحد , وهو في ضبط بيت الشاعر:
وإنّ القيامَ التي حوْلَه لتحسد أقدامَها الأرْؤسُ (5)
__________
(1) ... الخزانة 8/38 , 39 . ...
(2) ... شرح شواهد الشافية صـ 10 .
(3) ... السابق نفسه صـ 49 . ...
(4) ... التنبيه للبكري صـ 87 .
(5) ... البيت من بحرالمتقارب , وهو للمتنبي في ديوانه صـ 532 , وقال صاحب تحرير التحبير صـ 349 في هذا البيت : " باب التوهيم:وهو أن يأتي المتكلم في كلامه بكلمة يوهم ما بعدها من الكلام أن المتكلم أراد تصحيفها،ومراده على خلاف ما يتوهمه السامع فيها، كقول المتنبي:
وإن الفئام التي حوله لتحسد أرجلها الأرؤس
فإن لفظة الأرجل أوهمت السامع أن لفظة الفئام بالقاف لا بالفاء، ومراد الشاعر الفئام بالفاء التي هي الجماعات، هكذا روى البيت، والمبالغة تقتضيه، إذ القيام بالقاف يصدق على أقل الجمع من العدد، والفئام بالفاء: الجماعات، وأقل ما تكون كل جماعة أقل الجمع فمفهومها أكثر من مفهوم الأول، وما في ذكر القيام بالقاف من تعظيم الممدوح بقيام الناس على رأسه حاصل في عجز البيت في قوله: * لتحسد أرجلها الأرؤس*فإن مفهوم ذلك قيام من عاد الضمير من أرجلها عليه".(1/37)
" روى ابن جِني وغيره: القيام بالقاف. ورواه المعري: الفئام بالفاء وهمز الياء، وهو اختيار أبي الطيب، ؛لأن الفئام بالفاء لا يقع إلا على الجماعة الكثيرة، بخلاف القيام بالقاف" (1) .
وإنما أطلت في الكلام على منقولات أبي العلاء في كتب اللغة وغيرها , لأمرين , أولهما : لإثبات أن أبا العلاء لغوي كبير كما هو شاعر عظيم , و إن لم يشتهر بالأمر الأول اشتهاره بالثاني .
وثانيهما : ليتضح أن كلام الأئمة المترجمين له ليس على سبيل المبالغة , فقد أفاضوا في الحديث عن مكانته اللغوية بشكل يسترعي الانتباه , ومن هذا ما قاله عنه ابن القارح (2).
__________
(1) ... تصحيح التصحيف صـ52 . ...
(2) ... هو: علي بن منصور بن طالب ، أبو الحسن الحلبي ، الملقب بدوخلة , أديب فاضل شاعر ، راوية للأخبار والآداب ، يعلم أولاد الأكابر ، كان ممن خدم أبا علي الفارسي في داره وهو صبي ، ثم لازمه وقرأ عليه على زعمه جميع كتبه وسماعاته ، وكانت معيشته التعليم بالشام ومصر , وكان يذكر مولده بحلب سنة (351) إحدى وخمسين وثلاثمائة . وهو صاحب الرسالة المعروفة برسالة ابن القارح ، كتبها إلى أبي العلاء المعري ، وأجابه عليها أبو العلاء برسالته المشهورة ( الغفران) ويظهر أنه أملاها سنة( 424)هوتوفي ابن القارح بالموصل. انظر ترجمته في : ذيل تاريخ بغداد - ابن النجار البغدادي 4 / 126,والأعلام 5/25 .(1/38)
الشيخ بالنحو أعلم من سيبويه وباللغة من الخليل " (1) , " وقال عنه التبريزي : " ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة ولم يعرفها المعري " (2) , وقال:" وأبو العلاء ممن لايتهم في حفظ اللغة "(3). وقال فيه الخطيب البغدادي " غزير الأدب عالماً باللغة حافظاً لها " (4) . وقال عنه صاحب الأنساب :" فصيح اللسان ، غزير الأدب ، عالماً باللغة حافظاً لها ، صنف التصانيف الكبار وأملاها من حفظه " (5) .
وقال :"الشاعر المعروف البحر الذي لا ساحل له في اللغة ومعرفتها أبو العلاء أحمد بن
عبد الله بن سليمان المعري البصير أعجوبة الزمان" (6). ... ... ...
وفي وفيات الأعيان في ترجمة أبي العلاء : قال :" المعري اللغوي الشاعر"(7) .وفي
الوافي بالوفيات "وكان اطلاعه على اللغة وشواهدها أمراً باهراً" (8)" . وقال ابن كثير :" أبو العلاء المعري التنوخي الشاعر ، ... اللغوي ، صاحب الدواوين والمصنفات في الشعر واللغة شاعر ، حكيم ، أديب ، لغوي ، نحوي " (9).
وفي لسان الميزان " أبو العلاء المعرى اللغوى الشاعر المشهور"(10). .وفي معجم الأدباء قال عنه : " كان عالماً باللغة حاذقاً بالنحو ", وفي مسالك الأبصار :" توسع في اللغة والنحو " (11). وقال فيه صاحب التاج :" اللغوى الشاعر " (12).
وفي معجم المطبوعات العربية " وافر الأدب عالماً باللغة" (13).
أبو العلاء والنحو
__________
(1) ... رسالة ابن القارح صـ26. ...
(2) ... الإنصاف والتحري صـ 569 . ...
(3) ... شروح سقط الزند 2/512 .
(4) ... تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي 4/ 463.
(5) ... الأنساب - السمعاني 1/ 484. ...
(6) ... السابق نفسه 5/341. ...
(7) ... وفيات الأعيان 1/113 . ...
(8) ... الوافي بالوفيات 7/96. ...
(9) ... البداية والنهاية - ابن كثير 21 / 91 . ...
(10) ... لسان الميزان 1/ 204 . ...
(11) ... مسالك الأبصار , نقلاً عن تعريف القدماء صـ 222 . ...
(12) ... التاج 1/28 . ...
(13) ... معجم المطبوعات العربية إليان سركيس 1/ 326. ...(1/39)
نبَّه علماء العربية إلى فرق ما بين اللغويين والنحويين , فقد يكون المشتغل بعلوم العربية لغوياً, ولا يكون نحوياً , والأمر نفسه يقال في النحوي , ومن هذا ما ذكره صاحب اللسان عن أبي عبيدة , قال : " وكان أبو عبيدة صاحب أخبار وغريب ولم يكن له معرفة بالنحو"(1). فهل يقال في أبي العلاء إنه كان لغوياً ولم يكن نحوياً؟
قد سبق عند الحديث عن أقوال الأئمة الذين ترجموا لأبي العلاء أنه كان نحوياً حاذقاً , وقد بالغ بعضهم فادعى أن أبا العلاء أعلم بالنحو من سيبويه , وهو أمر مبالغ فيه لاشك , لكنه يدل في الوقت نفسه على مكانة أبي العلاء النحوية وفي الحديث عن حياة أبي العلاء ذُكِر أنه من بيت علم وفضل ورياسة، له جماعة من أقاربه قضاة وعلماء وشعراء, وأول من أخذ عنه النحو أبوه , فقد قرأ النحو واللغة على أبيه بالمعرة،وفيها أيضاً أخذ عن بني كوثر وأصحاب ابن خالويه (2).
وفي حلب أخذ على محمد بن عبد الله بن سعد النحوي بحلب, وأبي بكر محمد بن مسعود ابن محمد بن يحيى بن فرج النحوي (3) .
__________
(1) ... اللسان , مادة ( صور) . ...
(2) ... انظر : إنباه الرواة 1/49 , وسير أعلام النبلاء - الذهبي 81 /25 , والتعريف صـ 190 . وابن خالويه هو: عبد الله الحسين بن محمد بن خالويه . أخذ عن جماعة مثل أبى بكر بن الأنباري وأبى عمر الزاهد . وقرأ على أبى سعيد السيرافى وخلط المذهبين . و له من الكتب ، كتاب الاشتقاق , و كتاب الجمل في النحو, و كتاب القراءات, و كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن , و كتاب المقصور والممدود , و كتاب ليس. توفى بحلب في خدمة بنى حمدان في سنة سبعين وثلثمائة (370 هـ). انظر ترجمته في : فهرست ابن النديم صـ 92 .
(3) ... انظر : الإنصاف والتحري صـ 515 .(1/40)
وفي بغداد قصد أبا الحسن علي بن عيسى الربعي (1). النحوي ليقرأ عليه فلما دخل عليه قال له: ليصعد الإصطبل، فخرج مغضباً ولم يعد إليه, وأخذ هناك على أبي أحمد عبد السلام بن الحسين البصري المعروف بـ( الواجكا) , وأبي عبد الكريم بن الحسن بن حكيم السكري النحوي اللغوي (2) .
ولم تذكر كتب التراجم من شيوخه اللغويين والنحويين غير هؤلاء أو أكثر منهم قليلاً, وهم ليسوا ذوي خطر في علم النحو مع أن الفترة التي عاش فيها المعري ( 363 ـ 449 هـ) تزخر بالعلماء النابهين في علم العربية الأول ( النحو ), ومن هؤلاء: والفارسي ( ت 377 هـ ) , والرماني ( ت هـ 384) , وابن السيرافي ( ت 385 هـ) , وابن جني ( ت392 هـ) , وابن فارس ( ت 359 هـ) , والقزاز القيرواني ( ت412 هـ) , و الهروي (ت415 هـ) , و مكي ابن أبي طالب ( ت437 هـ) .
وقد يفسر هذا قول أبي العلاء كالمعتذر : "ونشأت في بلد لاعالم فيه" (3) .ويبدو أنه لهذا السبب قد دخل بغداد " لتعرض عليه الكتب التي في خزائن بغداد , لما وصف له من كثرتها , و لم تكن رحلته لطلب دنيا " (4) .
وما كان همه الاستازدة من الشيوخ , قال : " وأحلف ما سافرت أستكثر من النشب , و لا أتكثر بلقاء الرجال , ولكن آثرت الإقامة بدار العلم " (5) .
__________
(1) ... هو: علي بن عيسى بن الفرج بن صالح الربعي الزهيري أبو الحسن، أحد أئمة النحو كان دقيق النظر جيد الفهم والقياس. أخذ عن أبي سعيد السيرافي وهاجر إلى شيراز ولازم الفارسي أبا علي عشرين سنة، فقال له أبو علي: ما بقيت تحتاج إلى شيء، ولو سرت من المشرق إلى المغرب لم تجد أنحا منك. فرجع إلى بغداد وأقام بها إلى أن مات عن نيف وتسعين سنة. توفي في المحرم سنة عشرين وأربع مائة.(420 هـ) انظر ترجمته في : البغية 2/181 .
(2) ... انظر : الإنصاف والتحري صـ 515 , 516.
(3) ... انظر : التعريف صـ 254 .
(4) ... انظر : الإنصاف والتحري صـ 516.
(5) ... انظر : الإنصاف والتحري صـ 516.(1/41)
ويفهم من السابق أمران, أولهما : أنه اخذ العلم في مرحلة الطلب بحلب وهو دون العشرين , ؛ لأنه سافر إلى بغداد سنة 399 هـ (1) , وهناك أقام سنة وتسعة أشهر , أو سنة و سبعة أشهر (2) , و " قصد أبا الحسن علي بن عيسى الربعي النحوي ليقرأ عليه فلما دخل عليه قال له: ليصعد الإصطبل، فخرج مغضباً ولم يعد إليه " (3) .
آخرهما: أنه أخذ العلم بعد ذلك من الكتب , لا عن الشيوخ ,كما صرح هو بنفسه.
وقال ابن العديم عن وجوده في بغداد :" ثُم إنه بعد ذلك ـ بعدما قابل الرضي والمرتضي ـ طلب أن تعرض عليه الكتب التي في خزائن بغداد , و جعل لا يُقرأ عليه كتاب إلا حفظ جميع ما يقرأ عليه " (4) .
ولهذا ارتباط بشخصية المعري المعتد بنفسه , فربما آثر بعدما دخل على الربعي وخرج من عنده مغضباً أن يُحصِّل العلم من الكتب . وقد أجاب بغضب عندما " دخل يوماً على الشريف المرتضى، فعثر برجل فقال الرجل: مَن هذا الكلب؟ فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً (5).
وهو القائل :" ولا أمنع أن يخالف الأول مخالف إذا أقام الحجة , وأبان الدليل "(6) .
أبو العلاء و النحاة
في ترجمة أبي العلاء ما يشعر بأنه كان على خلاف مع النحويين, وهذا يفسر زهده في أخذ النحو عنهم , و الاكتفاء بأخذ النحو عن الكتب في أكثر أحواله , ومن هذا
__________
(1) ... انظر : التعريف صـ 17, 19, 516 .
(2) ... انظر : السابق نفسه .
(3) ... الإنصاف والتحري صـ 516.
(4) ... السابق نفسه صـ 544.
(5) ... انظر :السابق نفسه صـ 543.
(6) ... رسالة الملائكة صـ 255.(1/42)
أنه عندما طلب نسخة من شرح السيرافي للكتاب وعجز عن ذلك نعت الكتاب بأشد نعت , و ادعى أنه لا يطلبه لقيمة يراها فيه , ولكن كما قال : " رجوت ببركته أن يرتفق أناس , كما قال الله تعالى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}(1) .فأما أنا فلا أقول :{ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا }(2) ...أهو الكتاب المكنون الذي {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (3) ؟ إنما هو أتياه (4) , وتعليل في أيام الحياة , { وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}(5) " (6).
ويقول فيه أيضاً : " ولا أقرأ لكتاب أبي سعيد : { أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} (7) وهو عندي أجل , والكتاب أيسر وأقل , من أن يكلف خطوات, ولو كن كدبيب القطوات " (8).
ويسخر من السيرافي عند حكاية هذين البيتين اللذين ينسبان لآدم عليه السلام:
ومما يُنْسَبُ إلى آدمَ عليه السّلام
تَغَيَّرَتِ البِلادُ ومَنْ عَلَيْها فوجْهُ الأَرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحُ
تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي رِيحٍ وطَعْمٍ وَقلَّ بَشاشَةَ الوَجْهُ المَلِيحُ (9)
__________
(1) ... سورة يوسف, الآية : 20 .
(2) ... سورة يوسف, من الآية : 1 2 , ومن سورة القصص , من الآية : 9 0
(3) ... سورة الواقعة , آية 79.
(4) ... جمع تيه , وهو الضلال .
(5) ... سورة آل عمران , من الآية 185 .
(6) ... تعريف القدماء صـ 94, بتصرف .
(7) ... سورة فصلت , من الآية : 44.
(8) ... تعريف القدماء صـ 96, بتصرف . وفي اللسان , مادة ( قطا) : " القَطا: طائر معروف، سمي بذلك لثِقَل مَشيْه، واحدته قَطاة، والجمع قَطَوات وقَطَياتٌ" .
(9) ... البستان من بحر الوافر , ونسبا لآدم عليه السلام في الحماسة البصرية 1/204 , وجمهرة أشعار العرب صـ23 , ومعجم الأدباء 1/291 , و 2/256 , و صبح الأعشى 1/256 .(1/43)
قال : " وبعضهم ينشد: * وزال بشاشة الوجه المليح* على الإقواء. وفي حكايةٍ، معناها على ما أذكر أنَّ رجلاً من بعض ولدك يعرف بابن دريد(1)
أنشد هذا الشعر، وكانت روايته: ... * وزال بَشاشَةَ الوَجْهُ المَلِيحُ *
فقال: أوَّل ما قال: أقوى. وكان في المجلس أبو سعيد السِّيرافيُّ , فقال: يجوز أن يكون قال:
* وزال بَشاشَةَ الوَجْهُ المَلِيحُ *
بنصب بشاشة على التَّمييز، وبحذف التَّنوين لإلتقاء السّاكنين، كما قال:
عَمرو الَّذي هَشَمَ الثَريدَ لِقَومِهِ وَرِجالُ مَكَّةَ مِسنِتونَ عِجافُ (2)
قلت أنا: هذا الوجه الذي قاله أبو سعيدٍ شرٌّ من إقواء عشر مراتٍ في القصيدة
الواحدة "(3).
ومن قبل شرح الكتاب للسيرافي نقد عمدة كتب البصريين الكتاب لسيبويه , قال :" وقد بان
أمر المسألة فيما ذ كر وهو جلي لا يفتقر إلى إطالة وقد يقع في الكتاب ألفاظ مستغلقةُ , فمنها ما يكون تعذر فهمه من قبل عبارة واضع الكتاب ؛لأنه يكون مستوراً على ما بعده من الألفاظ وعلى ذلك جاءت عبارة سيبويه في بعض المواضع ومنها ما يستبهم ؛لأن صاحب الكتاب يكون قاصداً لإبهامه " (4) .
__________
(1) ... هو: محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية ابن خيثم العربي اليعربى البصري أبو بكر اللغوى
الشافعي الأديب نزيل بغداد الشهير بابن دريد . من مصنفاته أدب الكاتب , و أسماء القبائل, و الجمهرة في اللغة , وكتاب الاشتقاق , و كتاب المقصورة عدد أبياتها 229 , وغير ذلك . ولد سنة( 223 هـ)وتوفى سنة (321 ) إحدى وعشرين وثلاثمائة . انظر ترجمته في : الفهرست صتـ67 , وهدية العارفين 2 /32 .
(2) ... البيت من بحر الوافر , ونسب لعبد الله بن الزبعري في سيرة ابن هشام 1/89 , والبداية و النهاية 2/311 , و سبل الهدى و الرشاد 1/269 , والحماسة البصرية 1/155 ,وصبح الأعشى 1/412, وجمهرة الأمثال 2/415, ومجمع الأمثال 1/18 .
(3) ... رسالة الغفران صـ 362 ,363 .
(4) ... رسالة الملائكة صـ 226 , 227 .(1/44)
ويرمي شيخ المدرسة البصرية سيبويه بالوهم فيقول في رواية بيت النابغة الجعدي(1) :
وَلَيسَ بِمَعرُوفٍ لَنا أَن نَرُدَّها صِحاحاً وَلاَ مُستَنكَراً أَن تُعَقَّرا (2)
قال أبو العلاء مخاطباً الجعدي : " أتقول: ولا مستنكراً، أم مستنكرٍ؟ فيقول الجعديُّ: بل مستنكراً. فيقول الشيخ: فإن أنشد منشدٌ: مستنكرٍ، ما تصنع به؟ فيقول: أزجره وأزبره، نطق بأمرٍ لا يخبره, فيقول الشيخ، طول الله له أمد البقاء: إنّا لله وإنَّا إليه راجعون، ما أرى سيبويه إلاَّ وهم في هذا البيت، لأنَّ أبا ليلى أدرك جاهليةً وإسلاماً، وغذي بالفصاحة غلاماً " (3).
وسخر من شيخ المدرسة الكوفية في زمانه أبي العباس أحمد بن يحيي ثعلب على لسان الثعلب , فقال : " أتدري يا ثعال من أي شيء اشتق الضيون؟ وهيهات! لعل سميك"أحمد بن يحيى الشيباني" ما سمع خبراً لذلك. وهو نادر من الكلام ؛لأن ياءه لم تدغم بالواو " (4).
وهاجم المدرسة البغدادية ممثلة في الحجة للفارسي , مدعياً أنها بعدت في تعليلاتها عن مراد واضعي النحو الأوائل , , فيقول: " لو عاش الدؤلي حتى يسمع كلام الفارسى في الحجة، ما فهمه فيما أحسب إلا فهم الأمة هدير السنداب.
تفسير: ... السنداب: الجمل الغليظ الشديد " (5).
__________
(1) هو : حبان بن قيس بن عبد الله بن وحوح بن عدس وقيل ابن عمرو بن عدس مكان وحوح ابن
ربيعة, جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. ، وإنما سمي النابغة لأنه أقام مدة لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله قال ابن سلام: كان الجعدي النابغة قديماً شاعراً طويلاً مفلقاً طويل البقاء في الجاهلية والإسلام، وكان أكبر من الذبياني. انظر ترجمته في : الأغاني 5/5 .
(2) ... البت من الطويل , ونسب للنابغة الجعدي في :الحماسة البصرية 1/6, والحماسة المغربية1/575.
(3) ... رسالة الغفران صـ 10 2 , 211.
(4) ... رسالة الصاهل والشاحج صـ 428.
(5) ... الفصول والغايات صـ 79 , بتصرف يسير جداً .(1/45)
وهو بَرِم بتكلف الفارسي في تأويله , يقول عنه في تفسير مراد لبيد في قوله:
وَصَبوحِ صافِيَةٍ وَجَذبِ كَرينَةٍ بِمُوَتَّرٍ تَأتالُهُ إِبهامُها (1)
" الناس يروون هذا البيت على وجهين: منهم من ينشده تأتاله، يجعله تفتعله، من آل الشيء يؤوله إذا ساسه، ومنهم من ينشد: تأتاله من الإتيان. فيقول لبيدٌ: كلا الوجهين يحتمله البيت، فيقول، أرغم الله حاسده: إنّ أبا عليّ الفارسيّ كان يدّعي، في هذا البيت،أنَّه مثل قولهم: استحى يستحي، على مذهب الخليل وسيبويه لأنهما يريان أنَّ قولهم:استحيت، إنما جاء على قولهم استحاي، كما أن استقمت على استقام، وهذا على مذهبٍ ظريفٍ؛ لأنّه يعتقد أنّ تأتى مأخوذةٌ من أوى، كأنّه بني منها افتعل، فقيل: ائتاي،فأعلّت الواو كما تعلُّ في قولنا: اعتان من العون، واقتال من القول. ثمّ قيل: ائتيت، فحذفت الألف، كما يقال: اقتلت. ثمّ قيل في المستقبل، بالحذف، كما قيل: يستحى. فيقول لبيدٌ: معترضٌ لعننٍ لم يعنه(2)، الأمر أيسر ممّا ظنَّ هذا المتكلِّف " (3).
وهو بَرِم بتعليلات النحويين عامة, ويرى أن الاشتغال ببعض هذه التعليلات عبث , فـ " لا يسخط عليك الله والملكان، إذا لم تدر لم ضمت تاء المتكلم وفتحت تاء الخطاب " (4) .
__________
(1) ... البيت من بحر الكامل , للبيد في ديوانه صـ 175 , وهو في جمهرة أشعار العرب صـ 114 .
(2) ... في مجمع الأمثال 2/320 : " معترض لعنن لم يعنه يضرب للمعترض فيما ليس من شأنه. والعنن، شوط الدابة، وأول الكلام " .وانظر هذا المثل في جمهرة الأمثال 1/552 .
(3) ... رسالة الغفران صـ 217, 218 .
(4) ... الفصول والغايات صـ 73 ... .(1/46)
ويرى أن بعض تأويلات النحويين فيها " تكلف وإنما تلك العلة شيء يتوصل به النحويون إلى تكثير المنطق ... إلا أن يدعي مدع أنه في غريزة الناطق بهذه الكلمة في بدء الخلق. وقد مضى القول في أن ألفاظ الآدميين التي جبلهم الله سبحانه عليها إنما هي كصياح الطيروصهيل الخيل ,... وهذا ما لا يحسن ؛ في القياس لأنه يؤدي إلى تكلف يشهد المعقول بخلافه " (1).
أما استشهاداتهم , فيلمز فيها , قائلاً : " قد وجدناهم يستشهدون بكلام أمةٍ وكعاء (2) يحمل القطل(3) إلى النّار الموقدة في السَّبرة (4)التي نفض عليها الشَّبم(5) ريشه، ... وكم روى النُّحاة عن طفلٍ، ماله في الأدب من كفلٍ (6)" (7).
__________
(1) ... رسالة الملائكة صـ 136 , 137 بتصرف .
(2) ... في الصحاح , مادة ( وكع ) : " أَمَةٌ وَكْعاءُ، أي حمقاءُ ".
(3) ... في الصحاح , ماد, ( قطل ) : " القَطْلُ: القَطْعُ، يقال: قَطَلَهُ فهو مَقْطولُ وقَطيلٌ"
(4) ... في التاج , مادة ( سبر ) :السَّبْرَةُ، بالفَتْح، وذِكْر الفَتْحِ مُسْتَدْرك: الغَدَاةُ البارِدَةُ. وقيل: هي ما بَيْن السَّحَر إِلىالصَّباح. وقيل: ما بَيْن غُدْوَة إِلى طُلُوعِ الشَّمس، ج سَبَرَاتٌ، مُحرَّكة".
(5) ... في الصحاح , مادة ( شبم ) : " الشَبَمُ بالتحريك: البَرْد. يقال: غداةٌ ذات شبمٍ. ".
(6) ... أي نصيب و حظ , كما في التاج , مادة ( كفل ) .
(7) ... رسالة الغفران صـ 376 ... .(1/47)
ويرميهم بتغيير الرواية في الشواهد لشعرية ليستقيم لهم ما أرادوا من التقوية أو التوهين في القاعدة النحوية , ومنه ادعائه على أبي علي الفارسي أنه غير رواية بعض الأبيات التي يستشهد بها , ويحكي ذلك في رسالة الغفران , قال : " وكنت قد رأيت في المحشر شيخًا لنا كان يدرِّس النحو في الدار العاجلة، يعرف بأبي عليّ الفارسيّ، وقد امترس به(1) قومٌ يطالبونه، ويقولون: تأوَّلت علينا وظلمتنا. فلمّا رآني أشار إليّ بيده ، فجئته فإذا عنده طبقةٌ، منهم يزيد بن الحكم الكلابيُّ، وهو يقول: ويحك، أنشدت عني هذا البيت برفع الماء، يعني قوله: ... ... فليت كفافاً كان شرُّك كلُّه، وخيرك عني ارتوى الماء مرتوي(2)
ولم أقل إلاَّ الماءَ.وكذلك زعمت أنِّي فتحت الميم في قولي:
تَبَدَّلْ خَليلاً بي كَشَكلِكَ شَكلُهُ فَإِنّي خَليلاً صالِحاً بِكَ مَقتَوَي(3)
وإنّما قلت: مُقتوي بضمِّ الميم. وإذا هناك راجزٌ يقول: تأوّلت عليّ أنّي قلت:
يا آبِلي ما ذامُهُ فَتَأبَيَه ماءٌ رَواءٌ وَنَصِيٌّ حَولَيَه (4)
فحرَّكت الياء في تأبيه ووالله ما فعلت ولا غيري من العرب وإذا رجلٌ آخر يقول: ادّعيت عليَ أن الهاء راجعةٌ على الدَّرس في قولي:
__________
(1) ... في اللسان . مادة ( مرس ) : امْتَرَسَت الأَلسُن في الخصومة: تَلاجَّتْ وأَخذ بعضها بعضاً".
(2) ... البيت من بحر الطويل , ليزيد بن الحكم الثقفي في أماليس القالي 1/ 68 , و الأغاني 12/ 344 , و الحماسة البصرية 2/276 . و انظر تفصيل الخلاف في هذا البيت في الخزانة الشاهد 884 .
(3) ... البيت من بحر الطويل , ليزيد بن الحكم الثقفي في أساس البلاغة , واللسان , مادة ( قوي ) .
(4) الرجز لـ الزفيان السعدي في : الخصائص 1/ 322, و الهمع 2/117 .(1/48)
هذا سراقَةُ للقرآن يدرُسُهُ والمرء عند الرشا أن يلقها ذيب (1)
أفمجنونٌ أنا حتّى أعتقد ذلك؟
وإذا جماعةٌ من هذا الجنس كلُّهم يلومونه على تأويله. فقلت: يا قوم، إن هذه أمورٌهيِّنةٌ،فلا تعنتوا هذا الشيخ، فإنّه يمتُّ بكتابه في القرآن المعروف بكتاب الحجَّة، وإنه ما سفك لكم دماً،ولا احتجن(2) عنكم مالاً، فتقرَّقوا عنه " (3).
وهو يرمي النحاة أحياناً بالكذب , و من هذا قوله: ": كذبت النحاة أنها تعلم لم رفع الفاعل ونصب المفعول، إنما القوم مرجمون، والعلم لعالم الغيوب خالق الأدب والآداب " (4).
ويرى أن الإبهام الموجود في كتب النحو من صنع " النحويين المتقدمين فعلوا مثل ذلك ليفتقروا إليهم في إيضاح المشكلات " (5) .
ولكنه ليس معادياً للنحو أو النحاة , وإنما كان يعادي التكلف والصعوبة الموجودة في بعض مصنفات النحويين, ولذلك فإنه يدافع عن النحاة إذا رأى الحق معهم, ومن هذا ما ساقه من قول أبي عبيدة : " " ما أكذب النحويين ؟ يزعمون أن التأنيث لا يدخل على التأنيث وأنا سمعت رؤبة بن العجاج يقول : ( علقاة ) يعني الواحدة من ( العلقى ) , وهوضرب من الشجر مُرُّ ينبت في الرمل، وليس ما ذهب أبو عبيدة إليه مبطلاً مذهب النحويين ؛لأن من قال : ( علقاة ) بالهاء جعل الألف لغير التأنيث فلا يلزمهم ما قال " (6)
ومع مخالفته لسيبويه في كثير من آرائه ونقده الشديد لكتابه لم يمنعه هذا من مدحه كإنسان
__________
(1) ... البيت من بحر البسيط , وهو من الأبيات الخمسين المجهولة في كتاب سيبويه , وانظر البيت في: الكتاب 3/67, و الأصول 2/193.
(2) ... في اللسان , مادة ( حجن ) : " الحُجْنةُ: ما اختَزَنْتَ من شيء واخْتَصَصْتَ به نفسك؛الأَزهري: ومن ذلك يقال للرجل إذا اختصَّ بشيء لنفسه قد احْتَجَنه لنفسه دون أَصحابه " .
(3) ... رسالة الغفران صـ254 ,255.
(4) ... الفصول والغايات صـ73 .
(5) ... رسالة الملائكة صـ 227 ... .
(6) ... رسالة الملائكة صـ 77 ... .(1/49)
جليل القدر يترفع عن الدنايا , يقول فيه أبو العلاء : " وسيبويه، فيما أحسب كان أجل
موضعاً من أن يدخل في هذه الدنيات، بل يعمد لأمور سنيات " (1).
وعندما يعقد لأبي علي الفارسي محاكمة في رسالة الغفران يدَّعي عليه تغيير الشواهد النحوية ـ عن قصد ـ ومن قبل اتهمه بالإغراب في كتاب الحجة , و لكنه يعتذر له في نهاية الأمر بأنه : " يمتُّ بكتابه في القرآن المعروف بكتاب الحجَّة " (2).
ولم يمدح أحداً كما مدح ابن خالويه , يقول عنه : " حلب ـ حرسها الله ـ فإنَّها من بعد أبي عبد الله بن خالويه عطلت(3) من خلخال وسوار، ونارت (4)من الأدب أشدّ النَّوار " (5).
وعندما يُنْتَقد ابن خالويه بأنه يجيب على مسائل النحو و اللغة من الكتب يعتذر عنه أبو العلاء بأنه : " ما عجز ولا أفسخ أي نسي , ولكن الحازم يريد استظهاراً، ويزيد على الشّهادة الثانية ظهاراً" (6) .
وهذا من أبي العلاء كالوفاء لابن خالويه , واعترافاً له بحسن الصنيع ؛ إذ عن أصحابه أخذ اللغة و النحو" (7) .
مذهب أبي العلاء النحوي
__________
(1) ... رسالة الغفران صـ 430 ... .
(2) ... رسالة الغفران صـ 255 . ... ...
(3) ... في الصحاح , مادة ( عطل) : " العَطَلُ أيضاً: مصدر عَطِلَتِ المرأةُ وتَعَطَّلَتْ، إذا خلاجيدها من القلائد، فهي عُطُلٌ بالضم، وعاطِلٌ ومِعْطالٌ. وقد يستعمل العَطَلُ في الخلوِّ من الشيء وإن كان أصله في الحُليّ، يقال عَطِلَ الرجلُ من المال والأدب فهو عُطْلٌ وعُطُلٌ ".
(4) ... في التاج , مادة ( نور) : " نارَت المرأةُ تَنُورُ نَوْرَاً، بالفتح، ونِوَاراً،بالكسر والفتح: نَفَرَتْ، وكذلك الظّباءُ" ... .
(5) ... رسالة الغفران صـ518 ... .
(6) ... رسالة الغفران صـ548 ... .
(7) ... انظر : إنباه الرواة1/49, وسير أعلام النبلاء - الذهبي 81 /25 , والتعريف صـ 190 . ...(1/50)
قد يتبادر إلى الذهن من بعد ما سبق أن أبا العلاء ليس نحوياً ولا يحب صناعة النحو , ولكن الذين ترجموا له أشادوا بمكانته النحوية , فذكر صاحب معجم الأدباء أنه : "كان عالماً باللغة حاذقاً بالنحو"(1) وفي مسالك الأبصار أنه" توسع في اللغة والنحو "(2) .
والحقيقة أن أبا العلاء نحوي لا كالنحاة , إنه أديب فيلسوف درس النحو وخبره من بعد ما حفظ اللغة ووعاها , فكان أصدق لهجة في الحكم على كلام العرب , وكره بعض تأويلات النحويين فاحتكم إلى ما يوجبه الطبع السليم , وإن لم يذكره أحد من النحويين , ومن هذا ما ذكره في شرح بيت البحتري :
ثَلاثَةٌ جِلَّةٌ إِن شُوِّروا نَصَحوا أَوِ اِستُعينوا كَفَوا أَو سُلِّطوا عَدَلوا(3)
"والنطق بـ ( شُوِّروا) وبابه ينفر منه الطبع , والغريزة تفر إلى همز الواو الثانية, وما علمت أن ذلك حكاه أحد" (4).
ومنه أنه أجاز إجراء الزعم مجرى الظن في نصب المفعولين , اعتماداً على تقاربهما في المعنى (5), والذي ذكره النحويون إجراء القول مجرى الظن , فأجراه مجراه في العمل .وفي هذا يقول أبو العلاء في شرح بيت البحتري :
وَقَد زَعَموا مِصرٌ مَعانٌ مِنَ الغِنى فَكَيفَ أَسَفَّت بي إِلى عَدَمٍ مِصرُ(6)
"الأجود نصب ( مصر), و ( معان ) ؛ لأنهما مفعولان, وكذلك يقولون: زعمتك ظاعناً , و المعنى : ( زعمت أنك ) فلما حذفت ( أن ) وصل الفعل فعمل , وعلى ذلك قول أبي ذؤيب :
__________
(1) ... معجم الأدباء 1/397 .
(2) ... تعريف القدماء صـ 222.
(3) ... البيت من بحر البسيط , وهو في ديوان البحتري 1/181.
(4) ... عبث الوليد صـ114.
(5) ... في المحيط في اللغة , مادة ( زعم) : " زعم يزَعَمَ زَعْماً وزُعْماً، وُيسْتَعْمَل فيما يُرْتاب به.
والزعْمُ - أيضاً -: مِثْلُ الظَن، تقول: زَعَمْتَني وزَعَمْتَ أني، ووُقُوْعُه على " أنَ " أكْثَرُ وأجْوَد ".
(6) ... البيت من بحر الطويل , في ديوان البحتري 1/176 .(1/51)
فَإِن تَزعُميني كُنتُ أَجهَلُ فيكُم فَإِنّي شَرَيتُ الحِلمَ بَعدَكِ بِالجَهلِ (1)
فالياء الأخيرة في (تزعميني) في موضع نصب , و قوله : ( كنت أجهل فيكم ) في موضع المفعول الثاني. ويتعذر رفع ( مصر) في البيت الأول , إلا أن يجعلوا ( زعموا) في معنى :
( قالوا ) , وليس ذلك بمعروف كالوجه الأول , إلا أن القياس يوجبه " (2) .
وأبو العلاء يحمل ( ليس) على ( ما ) في قولهم : (ليس الطيبُ إلا المسكُ ) (3). وعلله بأنه الأشبه في مذاهب الشعراء , فيقول تعليقاً على بيت البحتري :
فَلَستَ تَنفَكُّ مِن شُكرٍ وَمِن أَمَلٍ مُكَرَّرَينِ بِيَومٍ مِنهُمُ وَغَدِ(4)
__________
(1) ... البيت من بحر الطويل , في ديوان الهذليين صـ 36 .
(2) ... عبث الوليد صـ114.
(3) ... انظر الخلاف في إعراب هذا المثال في : الكتاب1/147 , و تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي 10 / 484 , و شرح الرضي على الكافية 1 / 458 ، 2 / 199 , 4 / 201 , ومغني اللبيب صـ70, 271, 662 , ونتائج التحصيل في شرح كتاب التسهيل للمرابط الدلائي 4/1280 .
(4) ... البيت من بحر البسيط , وهو في ديوان البحتري 1/131 .(1/52)
" مذهب سيبويه (1) أنَّ ليس ها هنا فيها ضمير , و هو عنده كقولهم :( ليس خلق الله مثله ), والأشبه بمذاهب الشعراء أن تكون ( ليس ) هاهنا في معنى ( ما ) , و لا يكون فيها ضمير؛ لأنهم إذا حملوا ( ما ) على ( ليس ) في بعض المواضع , جاز أن يحملوا ليس عليها ... ولذلك رأى سيبويه في قول الشاعر :
هي الشفاءُ لدائِي أنْ ظفرت بها وَلَيسَ منها شفاء الداء مَبذول(2)
__________
(1) ... في الكتاب 1/ 147: " وقد زعم بعضهم أنّ ليس تجعل كـ(ما) وذلك قليل لا يَكادُ يُعْرَفُ فهذا يجوز أن يكون منه ليس خَلَقَ اللهُ أَشْعَرَ منه وليس قالَها زيد قال حُمَيْدٌ وقال هشامٌ أخو ذى الرُّمَّة *هى الشَّفاءُ لِدائى لو ظَفِرْتُ بها وليس منها شِفاُء الداءِ مَبْذولُ * هذا كلُّه سُمِعَ من العرب ,والوجه والحدّ أن تَحْمِلَه على أَنّ فى ليس إضماراً وهذا مبتدأٌ كقوله إنَّه أمةُ الله ذاهبةٌ إلاَّ أنَّهم زعموا أنَّ بعضهم قال ليس الطَيبُ إلاّ المِسكُ وما كانَ الطيبُ إلا المسكُ ,فإِن قلت ما أنا زيدٌ لقيتُه رفعتَ إلاّ فى قول من نَصَبَ زيداً لقيتُه لأنَّك قد فصَلتَ كما فصلت فى قولك أنت زيدٌ لقيتَه ,وإن كانتْ ما التى هى بمنزلة ليس فكذلك كأنّك قلت لستُ زيدٌ لقيتُه لأنّك شغلت الفعل بأنا وهذا مبتدأٌ بعد اسم وهذا الكلام فى موضع خبره وهو فيه أقوى لأنَّه عاملٌ فى الاسم الذى بعده ,وألفُ الاستفهام وما فى لغة بنى تميم يفصلنَ فلا يَعْمَلنَ فإِذا اجتمع أَنك تَفصِلُ وتعمل الحرفَ فهو أقوى" .
(2) ... البيت من بحر البسيط , وهو لـ هشام أخي ذي الرمة في الكتاب 1/71, و غير منسوب في : الجمل للخليل صـ 146 , وإعراب القرآن للنحاس 2/208 .(1/53)
عنده أن في ( ليس ) ضميراً, هذا يبعد عن مذاهب الشعراء , لاسيما(1) أصحاب الطبع الذين يعربون بالغريزة, وإنما القياس أن يكونوا جعلوا ليس في هذا الموضع بمنزلة ( ما ) , فلم يحتاجوا إلى ضمير , كما قالوا : ( ليس الطيبُ إلا المسكُ ) " (2) .
__________
(1) ... هذا لفظ أبي العلاء , والأشهر في استخدام ( لا سيما ) أن تكون مقرونة بالواو , فيقال : ( ولا سيما ) , و لكن استخدامها بغير الواو قد يكون جائزاً ,قال ابن هشام : مغنى اللبيب صـ147 (سى ) من ( لا سيما ) - اسم بمنزلة مثل وزنًا ومعنى ، وعينه في الاصل واو ، وتثنيته سيان ، وتستغني حينئذ عن الاصافة كما استغنت عنها مثل في قوله : * والشر بالشر عند الله مثلان * واستغنوا بتثنيته عن تثنية سواء ، فلم يقولوا سواآن إلا شاذا كقوله :* فيا رب إن لم تقسم الحب بيننا * سواءين فاجعلني على حبها جلدا وتشديد يائه ودخول ( لا ) عليه ودخول الواو على ( لا ) واجب ، قال ثعلب : من استعمله على خلاف ما جاء في قوله : يريد خلاف البصريين الذين يقولون : إن المدة مع سوف أوسع منها مع السين ، والكوفيين الذين يقولون : إنهما مترادفان وليست المدة مع سوف أوسع ، بل هما مستويان . ألا رب يوم صالح لك منهما * ولا سيما يوم بدارة جلجل , فهو مخطئ ، اه. وذكر غيره أنه قد يخفف ، وقد تحذف الواو ، كقوله *فه بالعقود وبالايمان ، لا سيما * عقد وفاء به من أعظم القرب " . و في تصحيح التصحيف صـ325 ,326 : " يقولون: سيما أخوك، فيسقطون لا. والصواب أن يقال لاسيما، وقد أولع بذلك جماعة من الكتاب والأدباء والشعراء" . و من هذا قول العباس بن الأحنف : ما أَقتَلَ اليَأسَ لِأَهلِ الهَوى لاسِيَّما مِن بَعدِ إِطماعِ
(2) ... عبث الوليد صـ 80 , 81.(1/54)
وهو يحكم بالحسن و القبح بدافع من طابعه الشعري , لا تبعاً لأقوال النحاة فقط , ومن هذا أن النحاة أجازوا تذكير الفعل مع الفاعل المؤنث إذا كان التأنيث مجازياً , وأبو العلاء لا يرفض هذا لكنه يحكم عليه بالرداءة , يقول تعليقاً على بيت البحتري :
ِقصَّةُ التَلِّ فَاِفهمَوُها عُجابَهُ إِنَّ في مِثلِها تَطولُ الخِطابَه(1)
" يضمر في الأمر أو الشأن , حتى يمكن أن يليها الفعل , وقد يجوز أن تجعل ( الخطابة ) مرتفعة بكان , فيكون التقدير : ( كان الخطابة تطول في مثلها , إلا أن الذي ينفر من ذلك أن (الخطابة ) فيها علم التأنيث , فإن أخليت من ذلك ( يطول ) صار التقدير : ( كان الخطابةُ تطول ) فيكون المؤنث قد ذكر , وذلك جائز فيما لا حقيقة فيه كالمصادر وما جرى مجراها , مثل :( الضلالة ),و(الكآبة ) , إلا أنه مع جوازه رديء " (2) .
إن ما يشغل بال أبي العلاء الشاعر من مسائل النحويين أن لا يكون فيما يذهبون إليه من من أوجه جائزة أو ممتنعة ما يجافي الطبع السليم , ولذلك فإنه إذا رجح فيما يختلفون فيه يرجح على هذا الضابط الذي ارتضاه : الطبع والذوق, أو الخفة والثقل .
فهو مثلاً يذهب إلى أن إقرار الياء في ( صفين ) , وإعراب النون أحسن من أن تكون
مرفوعة بواو , لكي لا تكون الكسرة قريبة من الضمة , كما في قول البحتري :
تَغَنَّموا السِلمَ إِنَّ الحَربَ توعِدُكُم يَوماً يَعودُ بِهِ صِفّونَ وَالجَمَلُ(3)
يقوا أبو العلاء : " وكان الأحسن في هذا البيت أن يقول :( صفين ) فيقر الياء , و يعرب النون , و يخلص من أن يكون أول الاسم مكسوراً , ثم تجيء الضمة وليس بينها وبين الكسر إلا الفاء الساكنة , و هي الأولى من الفائين اللتين وقع بهما التشديد " (4) .
__________
(1) ... البيت من بحر الخفيف, وهو في الديوان2/185 .
(2) ... عبث الوليد صـ 52, 53.
(3) ... البيت من بحر البسيط , وهو في الديوان 2/ 352.
(4) ... عبث الوليد صـ 189, 190.(1/55)
وهو في هذا معدود في مصاف الأدباء المنتحين , ومذهبه هذا يذكر بكلام ابن الأثير : " واستعمال هذه اللفظة غير سائغ ولا لذيذ، وإن كان جائزاً ,ونحن في استعمال ما نستعمله من الألفاظ واقفون مع الحسن لا مع الجواز.وهذا كله يرجع إلى حاكم الذوق السليم، فإن صاحب هذه الصناعة يصرف الألفاظ بضروب التصريف، فما عذب في فمه منها استعمله، وما لفظه فمه تركه .... ورأيت صاحب كتاب الفصيح قد ذكرها فيما اختاره من الألفاظ الفصيحة، ويا ليت شعري ما الذي رآه من فصاحتها حتى اختارها؟ " (1) .
هذا السابق يجعل الحكم على أبي العلاء بأنه نحوي أمر يحتاج إلى مراجعة , أما إنه عالم بالنحو, فهذا مما لا ينبغي أن يُمارى فيه , وأما إنه نحوي يحكم بمذهب النحويين وأدلتهم في كل أحواله فلا , وقد سبق كيف أنه انتقد أشهر المذاهب النحوية التي عاصرها , انتقد سيبويه وكتابه وهما أساس المذهب البصري , و انتقد السيرافي وشرحه , وأعْظِمْ بهما عند نحاة المذهب , كما انتقد المذهب الكوفي ممثلاً في شيخه أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب , وانتقد المذهب البغدادي وشدد على صاحبه أبي على الفارسي , ويكاد يكون لم يمدح أحداً من النحويين سوى ابن خالويه.
يقول بعض المعاصرين : " وأما أبو العلاء المعري فتتمثل دعوته إلى الإصلاح في ثورته العارمة على مبدأ التأويل والتقدير , ولم يكن هناك ما يغيظه أكثر مما كان يقرؤه ويسمعه من تأويلات النحاة و تكلفاتهم , و تخريجهم بعض الأبيات على غير حقيقتها للاستشهاد بها على آرائهم الخاصة , وكثير من نقده ينصب على هذا الجانب من نحو النحاة , و قد سدد المعري معظم سهامه إلى نحاة البصرة الذين أكثروا من التأويل والتقدير , و تعسفوا غاية التعسف في تخريج كثير من الشواهد لتستقيم مع أصول مذهبهم " (2).
__________
(1) ... المثل الثائر1/280 بتصرف يسير .
(2) ... البحث اللغوي عند العرب ـ د/ أحمد مختار عمر صـ 113 .(1/56)
وقال آخر : " على حين وقف المعري من القياس في اللغة موقف المفكر الذي يضيق بأقيسة النحويين واللغويين , وما اتبعوه من أساليب التأويل والتقدير" (1).
ومنه يمكن أن يقال : إن أبا العلاء كان أديباً منتحياً, يعلم أصول المذاهب النحوية , و لكنه لا يرضى ببعض أحكامها , كما لا يرضى أن تكون بضاعته الناجزة الرائجة بضاعة النحو , فالنحو عنده مما لا يستغني عنه الأديب الشاعر , لكن إن يأخذ منه فبقدَر , يأخذ منه ما يخدم
صنعته الشعرية أولاً , فيُحكَِّم الطبع فيما يختلفون فيه ,والطبع من مذاهب الشعراء ,لا النحاة.
وقد يدل لهذا الحكم على أبي العلاء أنه رفض أن يؤلف في النحو على طريقة النحويين , وإنما ألف فيه على طريقة الأدباء , فسمى كتابه الذي حفظت كتب التراجم اسمه بـ ( الحقير النافع ) (2) , و لا يخفى ما في هذه التسمية من اعتراض على مؤلفات النحويين في عصره , ولم تحفظ كتب التراجم منه ما يُمَكَِّن الناظر في ثقافة أبي العلاء من الحكم عليه , غير أن صاحب إبراز المعاني نقل عنه , لكن في مؤلف آخر من مؤلفاته النحوية التي ذكرتها كتب
التراجم , و هو كتاب عون الجمل(3).
قال : " وقال أبو العلاء أحمد بن سليم المعري في كتاب : ( شرح الجمل ) واختار قوم أن يفصلوا بين المضاف والمضاف إليه بالمصدر كما يفصل بينهما بالظرف , قال وليس ذلك ببعيد ,وقد حكى أن بعض القراء قرأ{فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ }(4) على تقدير مخلف رسله وعده قال : وزعموا أن عيسى ابن عمر أنشد هذا
__________
(1) ... مع المعري اللغوي ـ د/ إبراهيم السامرائي صـ 207 .
(2) ... انظر: كشف الظنون - حاجي خليفة 1 / 674 , وهدية العارفين 1 / 77 .
(3) ... انظر : الوافي بالوفيات 7/ 103 , و كشف الظنون - حاجي خليفة 1 / 604 .
(4) ... سورة إبراهيم , من الآية :47.(1/57)
البيت : * فزججته متعرضاً زج القلوص أبي مزاح* ، قال : هكذا الرواية عنه وقد روي أبي مزادة " (1).
وقال أيضاً : " ، قلت وقد أنشد الشيخ أبو العلاء المعري في شرحه بيتاً فيه الفصل بالفاعل وبالجار والمجرور معا وهو :
تَمُرُّ عَلَى ما تَسْتَمِِرُ وَقَدْ شَفَتْ غَلَاِئِلُ عبَدُ ِالْقَيْسِ مِنْهَا صُدُورِها(2)
أي شفت عبد القيس غلائل صدورها منها " (3) .
وكتاب ( عون الجمل) واحد من أربعة كتب كانت بها عناية أبي العلاء لكتاب( الجُمَل ) للزجاجي , أما الثلاثة المتبقية فهي : ( تعليق الخُلَس ) (4) , و( إسعاف الصديق ) (5), وآخرها : ( شرح شواهد الجمل) (6) .
ويبدو أن هذه الشروح هي الأخرى كانت تنحو منحى الأدباء الذين يهتمون بالنحو , وليس في كتب المتأخرين عن أبي العلاء نقلٌُُ منها سوى ما ذكر سابقاً, لكن ما يساعد على إصدار هذا الحكم هو ما عنون به أبو العلاء مؤلفاته , وهي عناوين أدبية , كما هو ظاهر .
__________
(1) ... إبراز المعاني صـ 464.
(2) ... البيت من بحر الطويل , و ورد غير منسوب في الإنصاف 2/428 , و نسب في الخزانة شاهد
4/413 .
(3) ... إبراز المعاني صـ465 .
(4) ... في الصحاح , مادة ( خلس) : " خَلَسْتُ الشيء واخْتَلَسْتُهُ وتَخَلَّسْتُهُ، إذا اسْتَلَبْتَهُ. والتَخالُسُ: التَسالُبُ. والاسم : الخُلْسَةُ بالضم " .
(5) ... انظر : كشف الظنون - حاجي خليفة 1 / 85 , وهدية العارفين 1/ 77 .
(6) ... انظر : كشف الظنون - حاجي خليفة 1 / 604.(1/58)
هذا ما حفظته كتب التراجم من أسماء الكتب التي أفردها أبو العلاء للنحو , بالإضافة إلى كتاب يتصل بالحقير النافع, يعرف بالظل الظاهري(1) , وكتاب يعرف بـ( المختصر الفتحي ) يتصل بمختصر محمد بن سعدان النحوي (2) وكتاب يتعلق بالكافي الذي ألفه أبو جعفر النحاس سماه ( قاضي الحق ) (3) وكتاب( ظهير العضدي في النحو ) (4) , وكتاب ( تفسير أمثلة سيبويه وغريبها) (5) و شرحه لكتاب سيبويه الذي لم يتمه (6) ولم يذكروا سبباً لعدم إتمامه , لكن أُثِر عنه أنه كان يستصعب ألفاظه.
وهذه العنوانات السابقة عنوانات أدبية كما هو ظاهر .
__________
(1) ... انظر : الإنصاف والتحري صـ 538 .
(2) ... انظر : الإنصاف والتحري صـ 539 . ومحمد بن سعدان هو: أبو جعفر النحوي الضرير كان أحمد القراء وله كتاب مصنف في النحو ,وكتاب كبير في القراءات , روىعنه عبد الله بن أحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى وعبيد بن محمد المرزبان وغيرهم وكان ثقة يُقرئ بقراءة حمزة ثم اختار لنفسه ففسد عليه الأصل والفرع ,إلا أنه كان نحوياً . مات محمد بن سعدان النحوي سنة إحدى وثلاثين ومائتين (231 هـ) يوم عرفة. انظر ترجمته في : تاريخ بغداد 2 \370 .
(3) ... انظر : الإنصاف والتحري صـ 540 . والنحاس هو: أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادى أبو جعفر النحاس المصرى كان إماماً في العربية , من تصانيفه : أدب الكاتب, و التفاحة في النحو , وتفسير القرآن , و شرح شواهد كتاب سيبويه, و شرح المفضليات أي أسماء التفضيل , والكافي في النحو , و شرح المعلقات السبع , و معاني القرآن , وغير ذلك . توفى مغروقاً بمصر سنة (338 هـ) ثمان وثلاثين وثلاثمائة .انظر ترجمته في :هدية العارفين 1/ 61.
(4) ... انظر : كشف الظنون 2/1121 , و هدية العارفين 1 / 77 .
(5) ... انظر : الإنصاف والتحري صـ 540 .
(6) ... انظر : هدية العارفين 1 / 77 .(1/59)
وشيء آخر يعزز الحكم على المعري بأنه كان من العلماء بالنحو لكنه ليس نحوياً كما النحاة , وهو أنه يستخدم مسائل النحو في شعره ورسائله كصنعة أدبية , مما يدل على أنه أديب , لكنه يعلم صنعة النحو , و إن لم يرتضيها صنعته ." كأن المعري قد اتخذ من هذه الكتب التي نفترض فيها أن تكون كتباً في الأدب ؛ ؛لأن موضوع الرسائل وهي أقرب إلى الأدب مظان يفرغ فيها من علمه اللغوي وآرائه و اجتهاداته في ذلك ماشاء له أن يفعل " (1) .
يقول أحد المعاصرين : " يبدو لقارئ اللزوميات أن أبا العلاء إذا كتب ازدحمت في صوره مسائل العلم , فلا يتوقف ... , فنراه ينثر في أبيات عديدة كثيراً من المصطلحات والمسائل العلمية كالفاعل والمبتدأ والنداء وهاء العدد وألف الوصل ونحوها من مصطلح النحاة " (2) . ومن هذا استخدامه لمقولة النحويين في اعتلال نحو الفعل( قام), يقول أبو العلاء
: جِسمُ الفَتى مِثلُ قامَ فِعلٌ ... مُذ كانَ ما فارَقَ اِعتِلالا(3)
ويقول عن معاني الفاء وثم , من حروف العطف :
إِذا ماتَ اِبنُها صَرَخَت بِجَهلٍ ... وَماذا تَستَفيدُ مِنَ الصُراخِ
سَتَتبَعُهُ كَعَطفِ الفاءِ لَيسَت على ِمَهلٍ أَو كَثُمَّ عَلى التَراخي(4)
ويقول عن الإضمار في فاعل ( نعم ) :
إِذا مَرَّ أَعمى فَاِرحَموهُ وَأَيقِنوا ... وَإِن لَم تُكَفَّوا أَنَّ كُلَّكُم أَعمى
وَما زالَ نِعمَ الرَأيُ لي أَنَّ مَنزِلي ... كَأَنِّيَ فيهِ مُضمِرٌ كَنَّ في نِعم(5)
ويقول عن النصب بـ ( ما ) :
__________
(1) ... مع المعري اللغوي ـ د/ إبراهيم السامرائي صـ 8 .
(2) ... البناء اللفظي في لزوميات المعري , دراسة تحليلية بلاغية ـ د/ مصطفى السعدني صـ 141 .
(3) ... البيت من بحر البسيط , وهو في اللزوميات 2/189 .
(4) ... البيتان من بحر الوافر , وهما في اللزوميات 1/250. ...
(5) ... البيتان من بحر الطويل , وهما في اللزوميات 2/311 . ...(1/60)
الناصِبينَ لِماءِ شُربِهُمُ ... قاماتِهِم وَالناصِبينَ بِما(1)
و يقول عن مصطلحي الإشمام والروم :
فَإِن تَقِفِ الحَوادِثُ دونَ نَفسي ... فَما يَترُكنَ إِشمامي وَرَومي(2)
ومن استخدامه لمصطلحات النحو في النثر , قوله في الفصول والغايات: " رَبِّ لِأ كن بين عبادك كحرف الضمير، ناب عن الأطول وهو قصير، ولَأوجد بينهم كأحد حروف اللين لست على خلقٍ بثقيلٍ، ولتصبح يدى بما أملك منبسطةً كانبساط الضرب الأول من الطويل، وكف الباطل عنى مقبوضة كقبض عروض هذا الوزن الذكير(3)، وفمي بتسبيحك يحسب ماضي فعلٍ فتح فتحاً غير مستحيل، ودموعي من خوفك منحدرات " (4).
ويقول في الصاهل والشاحج :" ومثل أصحاب السيوف مثل الأسماء، ومثل غيرهم من الناس مثل الأفعال وحروف المعاني، ومثل الدول مثل الجمل من الكلام. وقد يمكن بناء الجملة من الأسماء والأفعال والحروف، ولا يمكن بناؤها من الحروف والأفعال دون الأسماء. وأفعال السيد "عزيز الدولة وتاج الملة أمير الأمراء، أعز الله نصره" مثل الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفعولين، ففعله- خلد الله ملكه- يرفع نفسه، وإنما عنيت رفع المحل وعلوه، ثم يكون رفع اللفظ تابعاً لذلك. ومفعولاته الثلاثة: الأول منها الرعية، والثاني العرب، والثالث الروم. وهو بتدبيره وسياسته يعمل فيمن بعد منه، فمثله مثل إن وأخواتها تتخطى ما بينها وبين معمولها من المعترضات حتى تعمل فيه.
__________
(1) ... البيت من بحرالكامل , وهو في اللزوميات 2/325 . ...
(2) ... البيت من بحر الوافر , وهو في اللزوميات 2/357 ... .
(3) ... في الصحاح , مادة ( ذكر ) : رجل ذِكِّيرٌ: جيّد الذِكْرِ والحِفْظِ ".
(4) ... الفصول والغايات صـ 94, 95 ... .(1/61)
ألا ترى إلى قوله تعالى: " {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ ... الآية ، إلى قوله تعالى : لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} كيف تخطت( إنَّ ) ألفاظ الآية , وهي كثيرة ولم يمنعها من العمل في "آيات" دخول اللام المعترضة؟ فكذلك هو- أعز الله نصره- وإن كان مقيماً في "حلب" حرسها الله، يؤثر فعله
وسياسته فيمن وراء الدروب وإن فصل بينهما أعلام وسهوب " (1) .
لعل جميع ما سبق يوضح أن أبا العلاء لم يكن بصرياً ولا كوفياً , كما لم يكن بغدادياً, ولعل أصدق ما يقال فيه : إنه أديب منتح ٍ .
أدلة النحو عند أبي العلاء
قال الأنباري عن أقسام أدلة النحو :" أقسام أدلته ثلاثة : نقل , وقياس , واستصحاب حال " (2) .
وأبو العلاء لم يخالف تلك الأدلة , إلا كما يخالفها الأديب النحوي , فهو يعلن أن : " نقل كلامهم بالسماع , فقيسَ منه ما اطرد, ورُدَّ ما خرج عن القياس إلى نقل السامعين" (3) .
فهو يحترم السماع , إلا أنه كان ينقد ما أثر عن العرب , ويتهم الرواة , و أحياناً النحاة بتغيير الرواية , و لا يفعل ذلك ليقيم قاعدة كما هو شأن النحاة , ولكن البيت إذا جافى الطبع , والذوق اتهمه بتغيير الرواية , يقول : " ويسأل عن امرىء القيس بن حجر، فيقل: ها هو ذا بحيث يسمعك. فيقول: يا أبا هند إنَّ رواة البغداديين ينشدون في
* قفا نبك *، هذه الأبيات بزيادة الواو في أوَّلها، أعني قولك:
* وكَأَنَّ ذُرى رَأسِ المُجَيمِرِ غُدوَةً * (4)
__________
(1) ... رسالة الصاهل والشاحج صـ418, 419 بتصرف يسير.
(2) ... لمع الأدلة صـ 81 . ...
(3) ... رسالة الملائكة صـ 131.
(4) ... صدر بيت من بحر الطويل , وهو في معلقة أمرئ القيس صـ 25 .وتمامه : مِنَ السَيلِ وَالغُثّاءِ فَلكَةُ مِغزَلِ.(1/62)
وكذلك: ... * وكأنَّ مكاكيَّ الجواء * (1)
*وكأنَ السِّباع فيه غرقى * (2)
فيقول: أبعد الله أولئك! لقد أساؤوا الرواية، وإذا فعلوا ذلك فأيُّ فرقٍ يقع بين النّظم والنّثر؟ وإنما ذلك شيءٌ فعله من لا غريزة له في معرفة وزن القريض، فظنَّه المتأخِّرون أصلاً في المنظوم، وهيهات هيهات! فيقول: أخبرني عن قولك:
*كبكر المقاناة البياض بصفرةٍ *
ماذا أردت بالبكر؟ فقد اختلف المتأوِّلون في ذلك فقالوا: البيضة، وقالوا:الدُّرّة، وقالوا:الرّوضة، وقالوا الزّهرة، وقالوا: البرديّة. وكيف تنشد: البياضِ، أم البياضَ،أم البياضُ؟
فيقول: كلُّ ذلك حسنٌ، وأختار البياض، بالكسر، فيقول:فرَّغ الله ذهنه للآداب: لو شرحت لك ما قال النحويّون في ذلك لعجبت. وبعض المعلِّمين ينشد قولك :
* مِنَ السَيلِ وَالغُثّاءِ فَلكَةُ مِغزَلِ * , فيشدِّد الثاءً. فيقول: إنّ هذا لجهولٌ. وهو نقيض الذين زادو الواو في أوائل الأبيات: أولئك أرادوا النَّسق، فأفسدوا الوزن, وهذا البائس أراد أن يصحِّح الزِّنة فأفسد اللّفظ " (3).
ويقول : " يقول امرؤ القيس: أمَّا أنا فما قلت في الجاهليّة إلاَّ بزحافٍ:
* لك منهَّن صالحٍ*. وأمَّا المعلِّمون في الإسلام فغيَّروه على حسب ما يريدون" (4).
و يصدر حكماً شديداً على الرواة إذا كان ما ينشدونه يتنافى مع الذوق السليم , يقول:
__________
(1) ... صدر بيت من بحر الطويل , وهو في معلقة أمرئ القيس صـ 376.
(2) ... صدر بيت من بحر الطويل , وهو في معلقة أمرئ القيس صـ 25 .والرواية فيه :
كَأَنَّ سِباعاً فيهِ غَرقى غُدَيَّةً بِأَرجائِهِ القُصوى أَنابيشُ عَنصُلِ
(3) ... رسالة الغفران صـ313 : 315 بتصرف يسير .
(4) ... رسالة الغفران صـ 318.(1/63)
" وما أعتقد أن شاعراً قوياً في الفصاحة يريد مثل هذه الزيادات , وإنما هي شواذ ونوادر, وقد ينطق بها غير فصيح ؛لأن البيت إذا قاله القائل حمله الراشد والغوي , وربما أنشده من العرب غير الفصيح فغيره بطبعه الرديء " (1).
أما العلماء فهم يصحفون لتصحيح قواعدهم , يقول : " التصحيف قد جاء عن كثير من العلماء ... الفراء ... قال: يرحم الله أبا الحسن- يعني الكسائي- ربما أنشدنا البيت
والبيتين على غير سماع (2).
وربما كان السبب في ذلك هو الحسد من بعض العلماء , يقول : " وربما حسد بعض فنسب شعره إلى المتقدمين ليكاد بذلك , و ينقص من قدره " (3).
وربما تفرد أبو العلاء برواية , يقيم عليها قاعدة , فقد ذكر أبو العلاء عن الكوفيين أن "بعض العرب إذا أنشد: * عَفَتِ الدِيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها* (4)
يحذف الهاء والألف, فيقول (مقام) وذلك إذا وقف"(5) .
وإذا كان لا يرى حرجاً في نقد الرواية الشعرية , فهو كذلك ينتقد القراءات القرآنية ,
__________
(1) ... رسالة الملائكة صـ 215 , 216 .
(2) ... رسالة الصاهل والشاحج صـ 303 .
(3) ... عبث الوليد صـ 64 .
(4) ... البيت أول معلقة لبيد فى ديوانه صـ51, وهى فى شرح المعلقات العشر للشنقيطى صـ 96, وجميع شروح الديوان بدون حذف, ورواية أبى العلاء لم أقف عليها .
(5) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 73.(1/64)
وأبو العلاء له في القراءات باعٌ كما سبق في الكلام عن حياته , وكان الأولى به أن يتحرز عن مثل ذلك , وقد تعرض لموقف العلماء من القراءات , فقال : " اختلف أهل العلم في مستنكر القراءات , فكان بعضهم يجترئ على تخطئة المتقدمين , وكان بعضهم لا يقدم على ذلك ويجعلُ لكل شيء وجهاً , وإن كان بعيداً في العربية . واحتج من أجاز غلط الرواة بأن الذين نقلوا كان فيهم قوم قد أدركوا زمن الفصاحة , فجاءوا بها على ما يجب , وقوم سبقتهم الفصاحة ولم يكن لهم علم بقياس العربية فلحقهم الوهم الذي لايتعرى منه ولد آدم صلى الله عليه وسلم " (1).
وأبو العلاء من النفر الذين يُجَوَِّزون الخطأ على القراء , يقول : " القراءة سماع وقياس واختيار, فإذا سُمع الحرف وكان السامع له من أهل المعرفة قاسه على نظائره بعد صحة الخبر فيه , فإذا وضح له أنه مستقيم كان الاختيار بعد ذلك إليه ... ولا يلزمهم إذا كان الحرف من الكتاب لغتان أو ثلاث أن يستعملوا ذلك كله, بل قراءتهم مردودة إلى الرواية ...وإنما تحمل القراءة على معظم الكلام وأقومه في قياس العربية "(2).
ويقول في قراءة ابن عامر : " وأما "أفئيدة " فإن صح أنها قرأ بها موثوق به في الفصاحة فإنها والله أعلم أفئدة في الأصل كما قرأت الجماعة ثم زيدت الياء بعد الهمزة ؛لأن الكسرة فيها لازمة " (3).
__________
(1) ... رسالة الملائكة صـ200.
(2) ... رسالة الملائكة صـ 188 .
(3) ... رسالة الملائكة صـ202 .(1/65)
ويقول :" قد روي أن الحسن قرأ "واعتدت لهن متكآءً * بالمد فهذا مُفتعال وهو يضاهي في الألف باب أفئيدة في الياء ومن مفتعال المستعمل في الضرورة قول الشاعر أنشده الفارسي: *وعن شَتْمِ الرِجالِ بِمُنتَزاحِ * (1)
يريد : بمنتزح وما أعتقد أن شاعراً قوياً في الفصاحة يريد مثل هذه الزيادات وإنما هي شواذ ونوادر وقد ينطق بها غير فصيح " (2).
وهو يستشهد بالحديث على اللغة : قال:" وهذا يذكر في الشواذ , و مثله قول لبيد
* دَرَسَ المَنا بِمُتالِعٍ فَأَبانِ * يريد ( المنازل ) , وأكثر من هذا الحذف ما جاء في الحديث ( كفى بالسيف شا) (3) يريد : ( شاهداً) " (4).
__________
(1) ... البيت : وَأَنتَ مِن الغَوائِلِ حينَ تُرمى وَمِن ذَمِّ الرِجالِ بِمُنتَزاحِ , من بحر الوافر لإبراهيم بن هرمة , وهو في : أساس البلاغة , مادة ( نزح ) , والإنصاف 1/25, وسر الفصاحة 1/80 , و الحماسة البصرية 1/190 .
(2) ... رسالة الملائكة صـ 215 .
(3) ... في : المصنف ـ عبد الرازق الصنعاني 9/ 434 : " عن معمر عن كثير بن زياد عن الحسن في الرجل يجد مع امرأته رجلاً ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كفى بالسيف شا - يريد أن يقول : شاهدا ، فلم يتم الكلام - حتى قال : إذا يتبايع فيه السكران والغيران ". ... وورد الحديث برواية ( شاهداً) في سنن أبي داود 2 / 343 , وسنن ابن ماجة 2/869 , والجامع الصغير ـ السيوطي 2/271.
(4) ... عبث الوليد صـ 79 .(1/66)
وقال أيضاً : " و( الصُوى ) جمع ( صُوَّة ) وهي الأرض المرتفعة, و قيل: (الصُوى ) منار تنصب على الأرض ليهتدى بها (1)., وفي الحديث: " إن للإسلام صُوىً ومناراً" (2).
ويبدو المعري أحياناً كالنحاة , يرفض ما يخالف أكثر الكلام , ويرفض القياس عليه , يقول عن قولهم ( استكان ) : " وقد ادعى قوم أن قولهم استكان إنما هو من استكن أي افتعل من السكون ثم زيدت عليه الألف وهذا نقص للقياس لا يجوز أن يذهب اليه ذاهب عرف أصول العربية ؛لأنهم لم تجر عادتهم بمثل ذلك ولو فعلوه في موضع لم يجعلوه أصلاًيقاس عليه"(3).
__________
(1) ... في الصحاح , مادة ( صوي) : " الصُوى: الأعلام من الحجارة، الواحدة صُوَّةٌ. وفي الحديث: "إنَّ للإسلام صُوّى ومَناراً كمنار الطريق". ومنه قيل للقبور: أَصْواءٌ" .
(2) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 77. وقد ورد الحديث في : مسند الشاميين - الطبراني 1 / 241 : 243 " عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأن للإسلام صوى ومناراً كمنار الطريق من ذلك : أن يعبد الله لا يشرك به شيئاً, وتقام الصلاة , وتؤتى الزكاة , ويحج البيت , ويصام رمضان , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وتسليمك على أهل بيتك إذا دخلت عليهم , وتسليمك على بني آدم إذا لقيتهم , فإن ردوا عليك ردت عليهم الملائكة ,وإن لم يردوا عليك ردت عليك الملائكة ولعنتهم أو سكت عنهم . ومن انتقص منهن شيئاً فهو سهم من الإسلام تركه ومن نبذهن فقد ولى الإسلام ظهره " .
(3) ... رسالة الملائكة صـ 214 .(1/67)
"وحكى أبو مسحل (1) : ( مَنديل ) في ( مِنديل) وهذه نوادر لا يطرد عليها القياس " (2).
لكنه في الأغلب ينحو منحى الأدباء ؛ إذ يتوسعون في اللغة , ويبيحون لأنفسهم ما يمنعه النحاة , فالشعراء أمراء الكلام (3) , وأبو العلاء لا يختلف عنهم , و لذلك يتوسع فيما منعه النحاة لحاجة الشعر إليه , ومن هذا أنه أجاز أن يجيء الفعل على ( فَعْلَنْ ) , مع أنه لم يرد به سماع (4) , قال : " ولا أمنع أن يجيء الفعلُ على فعلن , وان كان المتقدمون لم يذكروه ؛ لأن الاسم إذا جاء على ذلك وجب أن يجيء عليه الفعل إذا كان الاسم أصلا والفعل متفرغ منه , وقد قالوا ناقة رعشن (5). وهو من الارتعاش, وامرأة خلبن(6). وهي من الخلابة " (7).
وقال : " وسموا كل أبيض ( يقََقَاً ) , و ( يقِقَاً ) , فإذا صح ذلك لم يتعذر أن يقولوا في الفعل
(
__________
(1) ... انظر: النوادر لأبي مسحل 1/204 , وأبو مسحل هو: عبدالوهاب بن حريش أبو مسحل الهمداني النحوي كان من أهل العلم بالقرآن ووجوه إعرابه عارفاً بالعربية وحدث عن علي بن حمزة الكسائي روى عنه محمد بن يحيى الكسائي المقرئ ويقال إنه كان يكنى أبا محمد ولقب أبا مسحل وكان أعرابياً قدم بغداد وافداً على الحسن بن سهل . انظر ترجمته في : تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي 11 / 27 , وفهرست ابن النديم صـ 52 . ...
(2) ... رسالة الملائكة صـ 206 , 207. وانظر: الكتاب 4/268 .
(3) ... انظر : منهاج البلغاء صـ 143. ...
(4) ... في الخصائص 1/360 : " ألا ترى أنه ليس في الأفعال " فعلن " وإنما ذلك في الأسماء نحو علجن وخلبن " . ...
(5) ... في المحكم , مادة (رعش) : " الرَّعْشَنُ: المُرْتَعِش. نونه زائدة. وجمل رَعْشَنٌ: سريع وناقة رَعْشَنَةٌ، ورَعْشاءُ: كذلك".
(6) ... في لتاج , مادة ( خلب) :" الخَلْبَنُ والنُّونُ زَائِدَةٌ للإِلْحَاقِ وليست بأَصْلِيَّة. في الصحاح: الخَلْبَنُ: الحَمْقَاءُ" .
(7) ... رسالة الملائكة صـ263.(1/68)
يَقَّ) الشيء ( يَيِقُّ) , و هو غير معروف " (1) .
ويتوسع في الاشتقاق , فيجيز ابن أبي حصينة في اشتقاقه من ( الميلاد ) فعلاً , في قوله :
هَجَرُوا السُرورَ وَلَم يَبِت يَعتادُهُم أَسَفُ المَلامَةِ أَنَّهُم ما مَلًّدُوا (2)
" فأما (ميلدوا) (3) فكلمة ضعيفة , إلا أن تحمل على قول من قال فى (ميثاق)
__________
(1) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/211 . ...
(2) ... البيت من بحرالكامل وهو فى الديوان 1/205.
(3) ... لم أجد هذا الاستعمال فى المعاجم أو فى كتب الأدب التى وقفت عليها, ومعنى كلمة (ميلدوا) أى احتفلوا بيوم الميلاد. وفي التاج مادة ( ولد) : واللِّدَة: وَقْتُ الوِلاَدَةِ، كالمَوْلِد والمِيلادِ، أَما المَوْلد والمِيلاد فقد ذَكرَهما غيرُ واحدٍ من أَئِمّةِ اللُّغَة، وأَما اللِّدّة بمعناهما لا يَكَاد يُوجَد في الدواوينِ، ولا نَقَلَه أَحَدٌ غيرُ المُصَنّف فينبغِي التَّحَرِّي والمُرَاجَعَة حَتَّى يَظْهَرَ أَيْنَ مَأْخَذُه. ففي اللسانِ والمُحْكَم والتهذيبِ والأَساس: مَوْلِدُ الرَّجُلِ: وَقْتُ وِلاَدَتِه. ومَوْلِده: المَوْضِع الذي وُلِدَ فيه، ومثله في الصحاح. وفي المِصْباح: المَوْلِد: المَوْضِع والوَقْتُ. وفي شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/221:" و( الميلاد)الاسم الموضوع لهذا اليوم عربي صحيح , فكأنهم على هذا اشقوا منه فعلاً فقالوا) ميلدوا) على الوجه الذي ذكره أبو العلاء .(1/69)
و ( مياثق)(1) , كما قال القائل: حِمًى لا يُحَلُّ الدهرَ إلاّ بإذْنِنا ولا نسألُ الأقوامَ عَهْدَ المَياثِقِ (2)
ثم يبنى الفعل من هذا اللفظ الذى بالياء"(3) .
النحاة و أبوالعلاء .
عُنِي بعض النحاة , وتابعهم غيرهم بالنقل عن أبي العلاء , فأوردوا بعضاً من آرائه في كتبهم , ومن هذا ما نقله ابن عصفور عن أبي العلاء أن زيادة ( الواو) في نحو ( أنظور ) ليست ضرورة , و إنما هي لغة طيء (4) .
ونقل عنه أيضاً أن ( الحمى ) من قول الشاعر : * قواطناً مَكةَ من وُرْق الحَمَى * (5)
أصله " من ورق الحمام الحمى أي : ( المحميِّ ) , فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه, وخفف الياء المشددة " (6) .
ونقل عنه أبو حيان في زيادة الميم وأصالتها من ( مراجل ) , فقال :" وفي ( مراجل ) الأكثر على الأصالة , وقال أبو العلاء المعري : الميم زائدة" (7) .
__________
(1) ... انظرفي جمع (ميثاق) على (مياثق) : الصحاح مادة (وثق), و الخصائص 3/160, وعقد الخلاص فى نقد كلام الخواص لابن الحنبلى صـ347. وفي الصحاح مادة(وثق) : " وثق وثِقْتُ بفلان أَثِقُ، ثقةً إذا ائتمنته. والميثاقُ: العهدُ، صارت الواو ياءً لانكسار ما قبلها. والجمع المَواثيقُ على الأصل، والمَياثِقُ والمَياثيقُ أيضاً .
(2) ... البيت من بحر الطويل ونسب فى النوادر لأبى زيد إلى عياض بن درة الطائى برواية (عهد المواثق) , وهو بلا نسبة فى الخصائص 3/159, وابن يعيش 5/122, والارتشاف 1/465, وعقد الخلاص لابن الحنبلى صـ347, وشرح شواهد الشافية صـ95.
(3) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/221, 222.
(4) ... انظر : الضرائر ـ ابن عصفور صـ 27 .
(5) ... الرجزنسب للعجاج, وليس في ديوانه بروايةالأصمعي, و هو في أمالي القالي 2/200 , و
المستقصي 1/8 .
(6) ... انظر : الضرائر ـ ابن عصفور صـ 112 , و راجع رأي أبي العلاء في :الارتشاف 5/2418 .
(7) ... الارتشاف 1/197 . ...(1/70)
وقال أبو حيان فيما نقله عن أبي العلاء: وإذا بنيت من الرد على وزن ( اقشعر ) في قول أبي الحسن , قلت : ( اردد دت... وعلى قول المازني : اارددّد , و تقدم قول المعري أنك تفك , فتقول : ارددك" (1) .
وقال : " وقال أبو العلاء المعري : لا أعلمه سمي به في الجاهلية , إنما حدث في الإسلام , يعنون : اسم موسى عليه السلام " (2) .
وقد نقل عنه ابن هشام في إعراب قو ل المتنبي :
كَفى ثُعَلاً فَخراً بِأَنَّكَ مِنهُمُ وَدَهرٌ لِأَن أَمسَيتَ مِن أَهلِهِ أَهلُ (3)
قال : " و( ثعل ) : رهط الممدوح وهم بطن من طيئ ، وصرفه للضرورة ؛إذ فيه العدل والعلمية كـ ( عمر) ، و( دُهَر) : مرفوع عند ابن جنى بتقدير : ( وليفخر دهر) ، و( أهل) : صفة له بمعنى مستحق ، واللام متعلقة بـ( أهل ) ... وزعم المعرى أن الصواب نصب ( دهر) بالعطف على( ثعلاً ) ، أي : (وكفى دهراً هو أهل ) ؛لأن أمسيت من أهله أنه أهل لكونك من أهله ، ولا يخفى ما فيه من التعسف وشرحه أنه عطف على المفعول المتقدم ، وهو ( ثعلا ً) ، والفاعل المتأخر وهو ( أنك منهم ) منصوباً ومرفوعاً, وهما ( دهراً ) و( أن ) ومعمولاها وما تعلق بخبرها ، ثم حذف المرفوع المعطوف اكتفاء بدلالة المعنى " (4).
__________
(1) ... الارتشاف 1/340 . ...
(2) ... الارتشاف 2/641 . ...
(3) ... البيت من بحر الطويل , للمتنبي في ديوانه صـ 46 . ...
(4) ... مغنى اللبيب صـ116 .(1/71)
ومما نُقِل عن أبي العلاء الفرق بين ( لدى ) و ( عند ) , ومن هذا ما قاله ابن هشام : " تقول ( عندي مال ) وإن كان غائباً ، ولا تقول ( لدى مال ) إلا إذا كان حاضراً ، قاله الحريري(1) وأبو هلال العسكري (2) وابن الشجرى(3) ، وزعم المعرى (4) . أنه لا فرق بين لدى وعند ، وقول غيره أولى " (5).
__________
(1) ... هو: القاسم بن على بن محمد بن عثمان جمال الدين أبو محمد الحريري البصري . من تصانيفه : توشيح البيان, و درة الغواص في أوهام الخواص , وديوان الرسائل , و شرح الملحة له . , والمقامات مشهورة , و ملحة الإعراب وسخنة الآداب منظومة في النحو . ولد سنة (446 هـ)وتوفى سنة( 516 هـ) ست عشرة وخمسمائة .انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء 19/ 460 , وهدية العارفين - إسماعيل باشا البغدادي 1 / 827 .
(2) ... هو: العسكري - الحسن بن عبدالله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران بن أحمد البغدادي أبو هلال العسكري. صنف :أعلام المعاني في معاني العشر ,و تفسير القرآن ,و التلخيص في اللغة , وجمهرة الأمثال,و ديوان العسكري ,و شرح الحماسة ,و كتاب الأوائل,و لحن الخاصة , ونوادر الواحد والجمع . توفى سنة(هـ 395) خمس وتسعين وثلاثمائة انظر ترجمته في : هدية العارفين 1 / 273 .
(3) ... هو: العلامة ، شيخ النحاة ، أبو السعادات ، هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة بن علي ، الهاشمي العلوي الحسني البغدادي ، من ذرية جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب . قال ابن النجار : ابن الشجري شيخ وقته في معرفة النحو ، درس الأدب طول عمره ، وكثر تلامذته ، وطال عمره ، وكان حسن الخلق ، رفيقا . قال : ولدت في رمضان سنة خمسين وأربع مئة(450) . توفي في السادس والعشرين من رمضان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة(542 هـ) ، ودفن بداره .انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء - الذهبي 20 / 194 .
(4) ... انظر : عبث الوليد صـ 119 .
(5) ... مغنى اللبيب صـ 164..وفي التاج , مادة ( عند) : " يقال: هذا عِنِدي أَفضلُ من هذا، أَي في حُكْمِ. وأَصلُه في درة الغوّاص للحريريِّ. ولاتَقُلْ: مَضَى إلى عِندِهِ، ولا إلى لَدُنْهُ وهكذا في الصحاح. وفي درة الغواص: قولهم: ذهبتُ إلى عِنْدِه لَحْنٌ لا يَجُوز استعمالُه، ونسَبَه للعامَّةِ وفرَّق الدَّمامِينِيُّ بينَها وبين لَدُن، من وُجوه سِتَّةٍ، ورَدَّ ما زَعَمَه المَعَرِّيُّ من اتِّحادِهما، ومَحَلُّ بَسْطِه المُطَوَّلاتُ ". وراجع : درة الغواص صـ 33 .(1/72)
ومن هذا لغز له في معنى ( كاد ) قال (1) : " وقد اشتهر ذلك بينهم حتى جعله المعرى لغزاً , فقال: أنحوى هذا العصر ما هي لفظة جرت في لساني جرهم وثمود
إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت وإن أثبتت قامت مقام جحود
وقد نقل الزركشي عن أبي العلاء الفرق بين ( فَعَّال) , و ( فُعَّال) , فقال : ": ( فعال )
بالتخفيف والتشديد نحو ( عُجَاب ) و( كُبَّار) قال تعالى: { إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (2) وقال :{وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} (3) قال المعري في اللامع العزيزي فعيل إذا أريد به المبالغة نقل به الى (فُعَال) وإذا أريد به الزيادة شددوا فقالوا: ( فُعَّال) ذلك من( عجيب وعُجَاب وعُجَّاب)"(4).
وكذا نقل عنه معنى ( كلا) واستعمالها , فقال : " الصواب إن معناها مفرد صالح لكل من الأمرين المضاف إليهما, وأما مراعاة التثنية فيه فعلى سبيل التوسع. ووجه التوسع أن كل فرد في جانب الثبوت معه غيره التثنية بهذا الاعتبار. فالإفراد فيه مراعاة المعنى واللفظ , والتثنية مراعاة المعنى من بعض الوجوه في شعر أبي تمام
* كلا الآفاق * وخطأه المعرى ؛لأن ( كلا ) يستعمل في الاثنين لا الجمع , ولم يأت في المسموع : ( كلا القوم ) ولا ( كلا الأصحاب ) وإنما يقال:( كلا الرجلين) ونحوه . فإن أخذ من ( الكلأ )من قولك : ( كلأت الشئ )إذا رعيته وحفظته فالمعنى يصح إلا إن المتكلم يقصر وهي ممدودة , وقال : لا تتعرف لأنها مبهمة في العدد كـ( أين) في الأمكنة و(متى) في الأزمنة و(كيف) في الأحوال " (5) .
__________
(1) ... مغنى اللبيب صـ 626, و انظر : تحفة الأحوذي - المباركفوري 1 / 454 .
(2) ... سورة ص , من الآية : 5 .
(3) ... سورة نوح , الآية: 22.
(4) ... البرهان - الزركشي 2 / 513 . ...
(5) ... السابق نفسه 4/326: 328 . ...(1/73)
ونقل عنه الأشموني , فقال : قد ذهب أبو العلاء المعرى إلى زيادة ميم ( مرجل ) اعتماداً على الأصل المذكور, وجعل ثبوتها فى التصريف كثبوت ميم ( تمسكن) من (المسكنة) و ( تمندل) من ( المنديل) و( تمدرع )إذا لبس ( المدرعة ) والميم فيها زائدة"(1) .
... ونقل عنه صاحب الخزانة في غير موضع , و من هذا : " ما قاله عن تسكين عين فعلة الإسمي : " واعلم أن فتح عين فعلة الإسمي في الجمع واجبٌ، ويجوز تسكينه في الضرورة كما يأتي في بابه. ومنه قول البحتري:
وَكَيفَ يَجوزُ لَكُم جَحدُهُ وَطَلحَتُكُم بَعضُ طَلحاتِهِ (2)
خلافاً لأبي العلاء المعري في شرحه (3) فإنه زعم أنه غير ضرورة " (4).
وقال في الكلام على ( أبينون ) : " ( أبينون )، وأصله : ( أبينيون )، ففعل به ما فعل في (القاضون ). " (5).
وبقي مذهبٌ خامسٌ نقله الخطيب التبريزي في شرح هذا البيت من الحماسة عن أبي العلاء المعري، قال: زعم أبو العلاء أن أبينوها تصغير أبناءٍ. ولما ذكر سيبويه هذا الجمع عبر بعبارةٍ توهم أنه جمع أبنى على (أَفْعُل) ثم صغر، كما يقال: (أعشى) و (أُعَيْشٍ ) والجمع : (أُعَيْشون ). وإنما أراد أن الألف التي في أبناءٍ وبعدها الهمزة تحذف، فيصير تصغيره كتصغير (أفعل) , كأن أبا العلاء يريد أن مكبر هذا الجمع أبنى على وزن ( أفعل) مفتوح العين بوزن أعمى، ثم حُقِّر فصار: ( أُبَيْنٍ) كـ( أُعَيْمٍ )، ثم جمع بالواو والنون فصار :(أُبَيْنون)، ثم حذفت النون للإضافة.
وكان الأصل أبناءً على أفعال، فالهمزة لام الكلمة، وهي منقلبةٌ من واو، فلما حذفت الألف من ( أفعال) رجعت اللام إلى ما كانت فصارت ألفاً في آخر الكلمة، فصار: (أبنى) كأعمى،
__________
(1) ... الأشمونى 4/261.
(2) ... البيت من بحرالمتقارب , ولم أجده في ديوان البحتري ,وهوفي شرح الديوان عبث الوليد صـ 68.
(3) ... انظر : عبث الوليد صـ 68 .
(4) ... الخزانة 8/14 .
(5) ... الخزانة 8/35 .(1/74)
ثم صغر على ما تقدم. وقال: ويحسن أن يقال: جمع ابناً على (أَفْعُل)؛ لأن أصله: (فَعَل) كما يقال:(زمنٌ) و(أزمن )، ثم صغره وجمعه " (1).
ونقلُ النحاة المحققين كـ ابن عصفور وأبي حيان , وابن هشام , وغيرهم عن أبي العلاء يثبت القيمة الحقيقية لمكانة أبي العلاء النحوية , وهم وإن اختلفوا معه في آرائه فهذا لا ينفي كونه عالماً بالنحو , و إنما يثبت أن أبا العلاء كان عالماً بالنحو , لكنه يَدْرِسُه ويُدَرِّسُه على طريقة الأدباء .
وبعد أن اتضحت المكانة اللغوية والنحوية لأبي العلاء , يُسْأَل , هل يجوز الاحتجاج بشعره ؟
الإجابة العجلى عن هذا السؤال قد تجزم بالنفي , قال الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد : " المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان ، نادرة الزمان ، وأوحد الدهر حفظاً وذكاء وصفاء نفس ، وهو من شعراء العصر الثاني من الدولة العباسية ، فلا يحتج بشعره على قواعد النحو والتصريف ، والشارح إنما جاء به للتمثيل ، لا للاحتجاج والاستشهاد به " (2).
لكن بشعر أبي العلاء له خصوصية قد تُجَوِّزالاحتجاج به, فالمعري كما سبق عالم باللغة , عالم بالنحو, ورأيٌ لبعض القدماء كـ ابن هشام اللخمي (3), و المحدثين كـ الدكتور محمد حسن جبل (4) , يجيز الاحتجاج بشعر المحدثين ؛ إذا كانوا على علم باللغة.
__________
(1) ... الخزانة 8/36 .
(2) ... منحة الجليل بحاشية شرح ابن عقيل 1 / 250 . ...
(3) ... انظر : المدخل إلى تقويم اللسان صـ 67 . وابن هشام اللخمي هو: محمد بن أحمد بن هشام بن إبرهيم أبو علي اللخمي السبتي، له : المدخل إلى تقويم اللسان , و الفصول , والمجمل في شرح أبيات الجمهرة وهو شارح الدريدية ، توفي رحمه الله تعالى في حدود السبعين وخمسمائة . (507 هـ). انظر ترجمته في : البغية 1/48.
(4) ... انظر : الاحتجاج بالشعر في اللغة صـ 139 , 212 .(1/75)
وفي هذا يقول الدكتور محمد حسن جبل : " ينبغي أن نعيد النظر في معيار الفصاحة أوالسلامة اللغوية , بحيث لا يحكم على كل جديد في اللغة بأنه مولد, بمعنى انه خطأ مرفوض , بل ينبغي أن نترجم ذك الموقف التطبيقي لأئمة اللغة في معيار يقول : إن الجديد يقبل من علماء اللغة الموثوق بفصاحتهم وأمانتهم , وهم أهل الأصالة العربية فقهاً وولاءً وانتماءً , من شعراء ولغويين , وبشرط أن يكون ما يأتي به هؤلاء وأولئك متفقاً مع الأصول العربية في كل مجال من مجالات التجديد بحسبه " (1).
ويقول:" لا أظن أن أبا العلاء والحريري بحاجة إلى توثيق ليحتج بهما في اللغة " (2)
__________
(1) ... انظر : الاحتجاج بالشعر في اللغة صـ 212 .
(2) ... انظر : السابق نفسه صـ 230 .(1/76)
5 - قائمة أشعار ابن أبي حصينة
O0م ... القافية ... البحر ... البيت ... مورده فى
الشرح ... البحث
1 ... ءُ ... الخفيف ... فَتكُهُم في العِدى وَرُبَّةَ يَومٍ أَشرَفَت قَومَنا بِهِ النَعماءُ ... 1/125 ... 72
2 ... الخفيف ... لا اليَمانيُّ تُبَّعٌ كانَ شَروا هُ وَلا قَيصَرٌ وَلا السَبّاءُ ... 1/128 ... , 369
3 ... الخفيف ... رُتَبٌ تَزحَمُ الكَواكِبَ العَي يوقُ لا نِدٌّ لَها وَلا العَوّاءُ ... 1/128 ... 374
4 ... الخفيف ... َغرقُ الشَمسُ في أَواذِيّها الغُر ر وَتَرمي شَرارَها الرَمضاءُ ... 1/127 ... 408
5 ... بْ ... المتقارب ... و َلا تَخبَ إِلّا شِفارَ السُيوفِ وَهذِي الرِجالَ وَهذِي الخُطَب ... 1/ 202 ... 379
6 ... المتقارب ... وَحَجَّت إِلَيكَ وُفودُ البِلاد دِ مِن كُلِّ فَجٍ سَحيقِ الحَدَب ... 1 /202 ... 453
7 ... بَ ... الطويل ... لِمَن دِمنَةٌ مِثلُ خَطِّ الزَبورِ عَفَتها الدَبورُ وَرِيحُ الصَبا ... 1/82 ... 161
8 ... بُ ... الطويل ... غَصَبتَ الأَعادي ما اِغتَصَبتَ وَإِنَّما بِمثلِ أَبي العُلوانِ يُرتَجَعُ الغَصبُ ... 1/212 ... 198
9 ... الكامل ... لا تُغرَرَنَّ بِهِ فَتَحتَ قَميصِهِ لِلكَيدِ أَرقَمُ ضالَةٍ مُنسابُ ... 1/121 ... 232
10 ... الكامل ... وَاِفعَل كَما فَعَلَ الخَليفَةُ جَعفَرٌ بِالبُحتُرِيِّ وَرَهطُهُ الأَنجابُ ... 1/ 124 ... 347
11 ... بِ ... الكامل ... وَالمِم بِدارٍ لِلرَّبابِ وَقُل لَها يا دارُ جادَ رُباكِ صَوبُ رَبابِ ... 1/124 ... 225
12 ... البسيط ... خَيرُ الأَحاديثِ ما يَبقى عَلى الحِقَبِ وَخَيرُ مالِكَ ما دارا عَنِ الحَسَبِ ... 1/155 ... 352
13 ... جِ ... الوافر ... وَأَزعَجَني فَأَزعَجتُ القَوافي إِلَيكَ لِفَرطِ ذاكَ الإِنزِعاجِ ... 1/114 ... 222
14 ... الوافر ... سَلامٌ يُثقِلُ البُزلَ النَواجي وَتُمرِعُ مِنهُ مُمحِلَةُ الفِجاجِ ... 1/113 ... 262
15 ... الوافر ... فَكُن بِي مُحسِناً ظَنّاً فَقَلبِي لِوُدّكَ غَيرُ مُنغَلِقِ الرِتاجِ ... 1/114 ... 442
16 ... حُ ... الطويل ... وَداويّةٍ يا سَلمَ قَفرٍ كَأَنَّها بِرَأدِ الضُحى بَحرٌ مِنَ الآلِ طافِحُ ... /152 ... 431(1/1)
17 ... الطويل ... هُمُ تَوَّجُوني العِزَّ في كُلِّ بَلدَةٍ وَمِن فَضل ما قَد أَنعَمُوا أَنا فالِحُ ... 1/154 ... 440
18 ... دْ ... الطويل ... وَلا وَلَدَت حَواءُ مِن نَسلِ آدَمٍ كَأَنتَ فَتىً سَمحاً وَإِن كَثُرَ الوُلد ... 1/72 ... 59
19 ... دَ ... الكامل ... لا تَسمَعَنَّ بِحاتِمِ وَفَعالِهِ وَخُذِ الفَعالَ الظاهِرَ المَوجُودا ... 1/241 ... 398
20 ... دُ ... الخفيف ... وَرِثُوا الفَخرَ قَبلَ أَن يُخلَق الفَخ رُ وَجادُوا مِن قَبل يُعرفُ جُودُ ... 1/ 150 ... 85
21 ... الكامل ... فاسلَم لَهُم فَإِذا سَلِمتَ فَإِنَّهُم تَحتَ السَلامَةِ أَتهَمُوا أَم أَنجَدُوا ... 2 /205 ... 103
22 ... البسيط ... وَلَم تَكُن يَومَ أَعزالٍ فَوارِسُنا بِئسَ الفَوارِسُ وَالقَسطالُ مُنعَقِدُ ... 1/ 160 ... 252
23 ... الرجز ... رَبعٌ تَعَفَّت بِاللِوى عُهُودُه وَأَصبَحَت مُنهَجَةً بُرُودُه ... 1 /49 ... 286
24 ... البسيط ... لا واخَذَ اللَهُ قَوماً مِن عَشِيرَتِنا تَأَلَّبوا في زَوالِ العِزِّ وَاِجتَهَدُوا ... 1 /162 ... 300 و402
25 ... الكامل ... ما كُلُّ مَن وَرِثَ المَكارِمَ قائِمٌ فَيها وَلا كُلُّ ابنِ فَحلٍ سَيِّدُ ... 1/204 ... 364 و437
26 ... البسيط ... بَلِّغ تَحِيَّتَنا طَيّاً وَقُل لَهُمُ ما ضَرَّنا ذَلِكَ الحَشدُ الَّذي حَشَدُوا ... 1/ 161 ... 392
27 ... الكامل ... هَجَرُوا السُرورَ وَلَم يَبِت يَعتادُهُم أَسَفُ المَلامَةِ أَنَّهُم ما مَلًّدُوا ... 1 /205 ... 302 و305
28 ... الكامل ... تَبِعُوا هَواكَ فلَو أَمَرت جَمِيعُهم بِالكَفِّ عَن أَعيادِهِم ما عَيَّدُوا ... 1 /205 ... 302
29 ... الكامل ... لازالَ يَرفَعُكَ الحِجى وَالسُؤدَدُ حَتّى رَنا حَسَداً إِلَيكَ الفَرقَدُ ... 1/204 ... 313
30 ... البسيط ... في كَفِّ كُلِّ كَمِيِّ مِن فَوارِسِنا سَردُ الدِلاصِ عَلى أَكتافِهِ لِبَدُ ... 1 /160 ... 355
31 ... البسيط ... فَحينَ أَحوَجتُمُونا لَم نُلَقِّكُمُ غَيرَ السُيوفِ المَواضِي وَالقَنا القُصُدُ ... 1 /164 ... 378
32 ... دِ ... في يَومِ لا عيد وَلَكِن فَضلُهُ عِيدُ الَّذي وافى إِلَيهِ كَعِيدِهِ ... 1 /44 ... 128 و 132(1/2)
الكامل ... فَليَهنِكُم وَفدُ الخَليفَةِ إِنَّهُ وَفَد النَجاحُ عَلَيكُم بِوُفودِهِ ... 1/45 ... 395
33 ... البسيط ... حَسّانَةُ الجِيدِ مَصقُولٌ تَرائِبُها مِثلُ العَقيقَةِ في وَطفاءَ مِرعادِ ... 1 /195
34 ... رْ ... الهزج ... سَقَت أَندِيَّةُ القَطرِ دِيارَ الحَيِّ بِالغَمرِ ... 1/88 ... 344
35 ... الرجز ... مِنَ الحَبِيِّ أَو قَطَر ما دَقَّ مِن روسِ الإِبَر ... 1/14 ... 396
36 ... الرجز ... ثُمَّ تَلالا وَهَدَر هَدرَ خَطاطيفِ البكَر ... 1/14 ... 396
37 ... رُ ... الكامل ... لِلّهِ أَيُّ سَراةِ قَومِ أَصبَحُوا وَكَأَنَّما أَوصافُهُم أَسمارُ ... 1/ 219 ... 366
38 ... رِ ... البسيط ... ما أَنتَ وَالبِيضُ في شِعرٍ تَفُوهُ بِهِ بَعدَ البَياضِ الَّذي قَد لاحَ في الشَعَرِ ... 1 /6 ... 113
39 ... سِ ... البسيط ... عُوجا نُحَيِّ رُبوعاً غَيرَ أَدراسِ بَينَ اللِوى وَهِضابِ الأَرعَنِ الراسي ... 1 /178 ... 304
40 ... عُ ... الوافر ... فَتىً جَعَلَ البِلادَ مِنَ العَطايا فَأَعطى المُدنَ وَاحتَقَرَ الضِياعا ... 1 /166 ... 314
41 ... الكامل ... وَرَدَدتَ بِالبيضِ الصَوارِمِ دَولَةً لَولاكَ ما كانَ الزَمانُ أَدالَها ... 1 /85 ... 94
42 ... لَ ... الوافر ... وَمائِرَةِ الأَزِمَّةِ مُبرَياتٍ كَأَنَّ عَلى غَوارِبِها صِلالا ... 1/20 ... 119
43 ... الخفيف ... عِش مُهناً بِكُلِّ خَيرٍ مُمَلّا وَابقَ أَعلى مِنَ السِماكِ مَحَلّا ... 1/189 ... 375
45 ... الخفيف ... قَد سَمِعنا عَنِ الأَوائِلِ قَولاً وَرَأَينا مِنكَ الَّذي قِيلَ فِعلا ... 1/189 ... 405
46 ... لُ ... الطويل ... تفاءلتُ في وادي الأراكِ لعّلني أراكَ فلم يصدقْ برؤيتكَ الفالُ ... 1/ 27 ... 50
47 ... الخفيف ... يا خَليلَيَّ هَل تَجيبُ الطُلولُ إِن سَأَلنا أَينَ الخَليطُ نُزول ُ ... 1/98 ... 173
48 ... الخفيف ... مَلِكٌ مِن بَني المُلوكِ وَقَيلٌ رَهِبَتهُ في الخافِقينِ القُيولُ ... 1 /99 ... 307
49 ... مْ ... المتقارب ... نُهنِّيهِ لَما بَرا صالِحٌ وَذاكَ الهَناءُ لِكُلِّ الأُمَم ... 1 /64 ... 397
50 ... مُ ... البسيط ... تُريكَ هَضبَ هُمامٍ في حِجى مَلِكٍ مِن آلِ مِرداسَ في عِرنينهِ شَمَمُ ... 1/ 46 ... 238(1/3)
51 ... البسيط ... ما أَقبَحَ العِرضَ مَدنُوساً بِفاحِشَةٍ يَخُطُّها اللَوحُ أَو يَجري بِها القَلَمُ ... 1 /46 ... 447
52 ... مِ ... البسيط ... قَصرُهُ كَعبَةٌ وَيُمناهُ كَالرُك نِ لَنا وِاستِلامُها كَاستِلامِه ... 1 /188 ... 299
53 ... المتدراك ... لَم يَحُز قَيصَرٌ مَداهُ وَلا قا مَ اليَمانِيُّ تُبَّعٌ في مَقامه ... 1/35 ... 427
54 ... نْ ... الرجز ... أَفرَسِ مَن عُدّ منَ الفُرسانِ وَأَغزَرِ الناسِ نَدى بَنانِ ... 1 /86 ... 332
55 ... نَ ... المتقارب ... فَلي مِن نَداكَ رَبيعٌ هُناكَ وَلي مِن نَداكَ رَبيعٌ هُنا ... 1/ 85 ... 169
56 ... الطويل ... يَدُلَّكَ مِن كِلتا يَدَيهِ عَلى الغِنى فَيُسركَ لِليُسرى وَيُمنُكَ لِليُمنى ... 1 /51 ... 316
57 ... المتقارب ... فَسَل عَنهُ كَم فَرَّقَت كَفُّهُ مِنَ المالِ في جَمعِ هَذا البِنا ... 1 /85 ... 391
58 ... الوافر ... إِذا اِعتَقَلَ الرُدَيني كانَ أَوفى تَماماً مِنهُ مُعتَقِلُ الرُدَيني ... 1 /217 ... 421
59 ... نُ ... الطويل ... فَعِش عُمرَ ما حَبَّرتُ فيكَ فَإِنَّه سَيَبقى إِذا لَم يَبقَ إِنسٌ وَلا جانُ ... 1 /81 ... 276
60 ... الطويل ... حَرِصنا عَلى أَن لا تَشِطَّ نَواهُمُ فَشَطَّت وَبَعضُ الحِرصِ غَيٌّ وَحِرم وَقَد سَأَلوا عَن شانِنا بَعدَ نَأيِهِم فَقُلنا لَهُم لَم يَرقَ بَعدَكُمُ شانُ حُرمنا التَداني مِن مُحَرَّمِ عامِكُم وَشَعَّبَكُم بَعدَ المُحَرَّمِ شَعبان ... 1/78, 79 ... 379
61 ... نِ ... الخفيف ... كُلَّما هَبَّتِ الصبا نَثَرَت فيهِ شَبيهاً بِالوَردِ مِن أيهَقانِه ... 1 /75 ... 313
62 ... الخفيف ... حَبَّذا العَيشُ فيهِ لَو دامَ ذاكَ العَيشُ فيهِ وَالعُمرُ في عُنفُوانِه ... 1 /75 ... 316
63 ... هَ ... البسيط ... إِلى المُلَيحَةَ حَيثُ العَينُ جارِيَةٌ مِنَ الصَباحِ إِلى جَلهَاتِ وادِيها ... 1 /135 ... 235
64 ... وَ ... المتقارب ... وَقُمنا نَدِبُّ دَبيبَ الصِلالِ بَينَ القُلال وَبَين الجُوى ... 1 /79 ... 288
65 ... المتقارب ... وَإِنَّ حَياتي إِذا لا أَراكَ حَياةٌ وَمَوتي أَراها سِوا ... 1 /85 ... 290(1/4)
66 ... المتقارب ... وَظَلنا نُلَهوِجُ ذاكَ القَنيصَ وَنَأكُلُ مِن عَجَلٍ ما اِنشَوى ... 1/84 ... 418O(1/5)
الباب الثاني
المسائل النحوية,ويشتمل على :
الفصل الأول : في المفردات أوحروف المعاني ... 51 ـ 112
الفصل الثاني ... 113ـ 208
التراكيب النحوية
الفصل الثالث ... 207ـ 298
في الضرورة الشعرية
الفصل الأول في المفردات
أو
حروف المعاني, ويشتمل على :
دخول نون الوقاية في لعلَّ ... 52 ـ 58
دخول كاف التشبيه علىالضمير ... 59 ـ 70
رُبَّ بين الإسمية والحرفية ... 71ـ 84
حذف (أن ) المصدرية وبقاء عملها ... 85 ـ93
وقوع الضمير بعد (لولا) وإعرابه ... 94 ـ 101
استعمال( أو ) و( أم ) مع الاستفهام ... 102 ـ 112
دخول نون الوقاية في لعلَّ
كما أن الجزم من خصائص الأفعال , فإن الجر من خصائص الأسماء, ولذلك تحامت العرب من دخول الكسر في الأفعال, وإنما يدخلها الكسر عند اتصالها بياء المتكلم أو عند التخلص من الساكنين, أما اتصال الفعل بياء المتكلم فقد تحاموا منه بدخول نون قبل الياء تسمى بنون الوقاية أو نون العماد (1)
__________
(1) ... تسمى بنون العماد " لأن ياء النفس تطلب الكسرة , فعمد الفعل بهذه النون مكسورة ليسلم بناؤه " . انظر : المقتضب 1/ 39 ، و اللباب 1/483 , و كشف المشكل في النحو صـ87 ,والمغني
صـ33, والمدارس النحوية د/إبراهيم السامرائي صـ112.(1/1)
وأما التخلص من الساكنين , فلم يبالوا كثيراً بدخول الكسر في الأفعال لأجله ؛ لأنه كسر عارض(1) بخلاف ياء المتكلم مع الفعل ؛ إذ هي معه كالكلمة الواحدة. وأصل اتصال هذه النون بالأفعال (2) وتلحق الحروف التي تشبهها وهى ( إنَّ ) وأخواتها , فهذه الأحرف تشبه الأفعال من طريق اللفظ ومن طريق المعنى, " فاللفظ أنها من ثلاثة أحرف فما زاد فبنى على الفتح كـ ( ضرب) , والمعنى أن معنى( إنَّ ) : حققت, و( لكنَّ ) : استدركت , و ( كأنَّ) : شبهت , و( ليت ) : تمنيت , و( لعلَّ ) : ترجيت " (3).
وهذه الأحرف في دخول نون الوقاية عليها ثلاثة أقسام في تقسيمات النحاة (4):
الأول : قسم لا تحذف منه إلا نادراً وهو ( ليت ) .
الثاني : قسم لا تلحقه إلا نادراً وهو ( لعلَّ ) .
الثالث : قسم يجوز فيه الأمران وهو ( إنَّ ) و( كأنّ َ) و( لكنَّ ) .
... ومن دخول نون الوقاية في ( لعلَّ ), قول المجنون :
وَأَخرُجُ مِن بَينِ البُيوتِ لَعَلَّني أُحَدِّثُ عَنكِ النَفسَ بِاللَيلِ خالِيا (5)
وقد ذكر أبو العلاء أن دخول النون في ( لعلَّ ) لغة فصيحة , فقال تعليقاً على قول ابن أبي حصينة: تفاءلتُ في وادي الأراكِ لعّلني أراكَ فلم يصدقْ برؤيتكَ الفالُ (6)
__________
(1) ... انظر: الرضي 2/449, 450.
(2) ... انظر : المقتضب1/392.
(3) ... وهناك أوجه أخرى انظرها فى : شرح عيون الإعراب صـ111, و كشف المشكل صـ 348, وتوجيه اللمع صـ147, وشرح العوامل المائة النحوية صـ202.
(4) ... انظر هذه التقسيمات في الجنى صـ147.
(5) ... البيت من بحر الطويل لقيس بن الملوح في ديوانه صـ 147 , وهو في الكامل 1/242 , وعيون الأخبار 4/13 , وأمالي المرزوقي صـ376 .
(6) ... البيت من بحر الطويل , وهو في الديوان1/27.(1/2)
" و( لَعَلَّنى ) لغة فصيحة , وأكثر الاستعمال ( لَعَلِّى) قال الشاعر (1) :
أريني جَواداً مات هُزلاً لعلّني ... أرى ما ترينَ أو بخيلاً مُخلّدا " (2)
وإنما لحقت النون ( إن) وأخواتها جوازاًً لا وجوباًً , لشبهها بالأفعال كما سبق , وجاز حذفها للثقل الناشئ من اجتماع الأمثال (النونين) في ( إنَّ ) و( أنَّ ) و ( كأنَّ ) و( لكنَّ ) (3).
وهل لحاق النون أو حذفها سواء مع هذه الأحرف ؟ ظاهر كلام النحويين ذلك , وإن لم يصرحوا , لكن ابن الناظم (4)وغيره (5) صرحوا بأن الإثبات والحذف سواء .
وإذا حذفت النون من هذه الأحرف , فأي النونات هي المحذوفة ؟
__________
(1) ... البيت من بحر الطويل لحاتم الطائي في ديوانه صـ40 , وهو يخاطب امرأته وقد لامته على الجود , وهو في ابن يعيش 8/78 , وأوضح المسالك1/103 , و التصريح 1/111, والخزانة 1/406 .
(2) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/36.
(3) ... انظر: المقتضب 1/384, وابن الناظم صـ 69, وشر ح الكافية 2/449.
(4) ... انظر: شرح الألفية لابن الناظم صـ 69 . وابن الناظم هو: هو: محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي ، أبو عبد الله ، بدر الدين : نحوي : هو ابن ناظم ( الألفية ) . من أهل دمشق مولداً ووفاة . سكن بعلبك مدة . له : شرح الألفية و المصباح في المعاني والبيان ، و روض الأذهان ، و ( شرح لامية الأفعال , وكتاب في العروض, وشرح غريب تصريف ابن الحاجب ) وغير ذلك . توفي عن نيف وأربعين عاماً سنة : ( . . - 686 ه= . . - 1287 م ) . انظر ترجمته في : - الأعلام - خيرالدين الزركلي 7 / 31 .
(5) ... كالسيوطى فى (المطالع السعيدة 1/153, والهمع (1/216) والأزهرى فى(التصريح 1/109)
... والأشموني في (شرح الألفية 1/123) .(1/3)
قيل : المحذوف نون الأصل ؛ لأن التي للوقاية دخلت للفرق فلا تحذف, ثم اختلف , فقيل : المحذوف النون الأولى المدغمة ؛ لأنها ساكنة , والساكن يسرع إليه الاعتلال . وقيل : الثانية المدغم فيها ؛ لأنها طرف , وقيل : المحذوف نون الوقاية (1).
وهذا السابق في الأحرف التي تنتهي بالنون ,أما ( ليت) و( لعلَّ) فلكل منهما حكم ينفرد به .
فـ ( ليت) فلا تحذف منها النون عند لحاق ياء المتكلم بها إلا ضرورة , قال سيبويه:" كأنهم شبهوه بالاسم حيث قالوا الضاربي " (2) وقال ابن جنى : "لأنها أخت ( لعلَّ) (3) .
ولما كانت ( ليت)ليس فيها أمثال مع شبهها بالفعل أوجبوا دخول النون فيها , وجعلواالحذف
ضرورة (4) ؛ لأنها أشبهت الفعل بدليل إهمالها مع ( ما) (5) ومن الحذف قول الشاعر :
... ... ... كمُنْيَةِ جابرٍ إذ قال لَيْتي أصادِفُه وأفقِدُ بعضَ مالي (6)
__________
(1) ... انظر هذا الخلاف فى : اللباب 1/218, وشرح التسهيل للمرادى ورقة 128, وحاشية يس على
... التصريح 1/112, والهمع 1/217, وحاشية الصبان 1/124.
(2) ... الكتاب 2/368, وانظر: المقتضب 1/384.
(3) ... سر الصناعة 1/104.
(4) ... انظر: شرح الجمل لابن عصفور 1/435, والرصف صـ 298, وشرح المقرب , أ د/ على فاخر
... 2/1141 – المرفوعات .
(5) ... انظر : الهمع 1/216.
(6) ... البيت من بحر الوافر , وهو لزيد الخيل , الصحابى الجليل, والبيت فى الكتاب 1/369, والمقتضب 1/385,وابن يعيش 3/ 90 , والتوطئة صـ177, والمقرب 1/108, وشرح الجمل لابن عصفور 1 ... /435, ومجمع البيان للطبرسي 4/ 97 , وزاد المسير 4/ 99 , وابن الناظم صـ 68, والرضى 1/453, والرصف صـ 30, والارتشاف 241385, والأشمونى 1/123. وفي الصحاح , مادة ( ليت) : يقال: لَيْتي ولَيْتني، كما قالوا: لَعَلِّي ولَعَلَّني، وإنّي وإنّني. قال الشاعر: ... ... كَمُنْيَةِ جابرٍ إذ قال لَيْتي أصادفُه وأغْرَم جُلَّ مالي "
وظاهر كلام صاحب الصحاح التسوية بين ( ليت) و ( لعل) في دخول النون , يقول صاحب التاج : " " وظاهِرُه التَّساوى في الإِلحاقِ وعَدَمهِ، وليس كذلك، وفي تنظِير الجَوْهَرِيّ لها بلَعَلّ أَنهما في هذا الحُكْمِ سواءٌ، وأَنّ النونَ تَلْحَقُ لعلّ كلَيْتَ، ولا تَلْحَقُها، وليس كذلك، بل الصَّوابُ أَنّ إِلحاقَ النّون لليتَ أَكثَرُ، بخلاف لعلّ، فإِنّ الراجِحَ فيها عدَمُ إِلحاقِ النونِ" .(1/4)
واختلف هنا في كون الحذف ضرورة أو نادر ؟ ظاهر كلامهم أنه ضرورة لكن نسب ابن هشام إلى ابن الناظم القول بالندرة في الحذف وغلطه في ذلك (1).
والذي في شرح الألفية لابن الناظم أنها "لا تحذف إلا لضرورة... تنبيهاً على مزيتها على أخواتها في الشبه بالفعل ؛ إ ذ كانت تغير معنى الابتداء , ولا يتعلق ما بعدها بما قبلها" (2) .
نعم جعل المالقي (3) و الأشموني (4) الحذف نادراً , ولكن يبدو أن الندرة عندهما بمنزلة الضرورة , فقد قال الأشمونى في قول الشاعر السابق " وهو ضرورة " (5) .
__________
(1) ... انظر: أوضح المسالك 1/103.
(2) ... شرح الألفية لابن الناظم صـ69.
(3) ... انظر رأيه فى : الرصف صـ 298 .
(4) ... انظر: شرح الأشمونى 1/123.
(5) ... الأشمونى 1/123.(1/5)
وكان الفراء يجعل حذف النون من ( ليت ) لغة , وظاهره الجواز في الاختيار (1).وأما ( لعلَّ ) فقد اتفقوا على أن إلحاق نون الوقاية بها قليل , وإن جعله المالقى نادراً (2) وجعله ابن الناظم ضرورة (3) وغلطه الشيخ خالد الأزهرى (4). وهو الصواب ؛لأن الأصل في ( لعلَّ) دخول النون , يقول المالقي "وتقول (لعلني أفعل كذا) و( لعلي ) والنون الأصل ,وإنما حذفت تشبيهاً بحذفها من (أني ) و (كأني) لقرب مخرج اللام في النون " (5).ومما يضعف القول بالضرورة هنا ورودها في الشعر والنثر , والضرورة لا تكون في النثر .
ومن دخول نون الوقاية في (لعلَّ ) بالإضافة إلى ماسبق قول الشاعر :
__________
(1) ... انظر رأى الفراء فى : أوضح المسالك 1/103 , و التصريح 1/109, والأشمونى 1/123.
(2) ... انظر: الرصف صـ 298.
(3) ... انظر رأيه فى : شرح الألفية لابن الناظم صـ69.
(4) ... انظر : التصريح 1/109, وعدة السالك بحاشية أوضح المسالك 1/104. والشيخ خالد هو: خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد الجرجاوي الأزهري ، زين الدين ، وكان يعرف بالوقاد , نحوي ، من أهل مصر . ولد بجرجا ( من الصعيد) ونشأ وعاش في القاهرة . وتوفي عائداً من الحج قبل أن يدخلها . له ( المقدمة الأزهرية في علم العربية) و ( موصل الطلاب إلى قواعد الاعراب) و ( شرح الآجرومية) و ( التصريح بمضمون التوضيح) في شرح أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك . ولد وتوفى( 838 - 905 ه= 1434 - 1499 م) انظر ترجمته في : الأعلام 2/ 297 .
(5) ... الرصف صـ 298. ...(1/6)
فقلتُ أعيراني القَدومَ لعلَّنى ... أخطُّ بها قبراً لأبيضَ ماجدِ (1)
ومن وروده فى النثر , قولهم فى المثل : ( لعلنى مُضلَّلُُ كعامر) (2) .وفي الأغاني في قصة المجنون- وقد وجهه أبوه إلى مكة لسلوان ليلى ـ قول قيس:" لعلني أتنسم صبا نجد " (3) .
ومع قلة إثبات النون فى ( لعلَّ)إلا أنه أكثر من حذفها مع ( ليت ) وقد اتفق الجمهور على أن دخول النون فى( لعلَّ ) قليل لكنهم اختلفوا فى علته على رأيين.
الأول: وبه قال سيبويه(4) والمبرد (5) و أكثر النحويين (6)
__________
(1) ... البيت من بحر الطويل لمدرك بن حصن الأسدى , وهو فى شرح التسهيل لابن مالك 1/24وشرح التسهيل للمرادى 1/129,وشرح ابن عقيل 1/113, والأشمونى 1/ 123 . والقَدومُ: التي يُنْحت بها، مخفَّفة. والجمع قُدُمٌ, وأخط : أنحت , والمراد بالقبر في البيت : جفن السيف , وقرابه , وأبيض ماجد: أي سيف صقيل. والمعنى :أن الشاعر طلب آلة النجر ليصنع بها قراباُ لسيفه الأبيض المصقول.
(2) ... انظر المثل ومورده في : مجمع الأمثال 2/ 197 ، و أصله أن شابين كانا يجالسان المستوفر بن ربيعة، فقال أحدهما لصاحبه، واسمه عامر،إني أخالف إلى بيت المستوغر، فإذا قام من مجلسه فأيقظني بصوتك، ففطن المستوغر لفعله فمنعه من الصياح، ثم أخذ بيده إلى منزله، فقال: هل ترى بأساً؟ قال: لا، ثم أخذه إلى بيت الفتى، فإذا الرجل مع امرأته ، فيقول المستوغر: لعلني مضلل كعامر.فذهبت مثلاً. يضرب لمن يطمع في أن يخدعك كما خدع غيرك.
(3) ... الأغاني 2/24 .
(4) ... انظر: الكتاب 2/369 .
(5) ... انظر: المقتضب 1/294.
(6) ... كالسهيلى فى الروض 1/129, والعكبرى فى ( التبيين صـ36) , وابن الخباز فى ( توجيه اللمع
صـ 306) ,وابن يعيش فى ( شرح المفصل 3/90) ,وابن عصفور في ( شرح الجمل 1/435) والرضي في ( شرح الكافية 2/453) .(1/7)
أن حذف النون من ( لعلَّ) فرار من اجتماع شبه الأمثال ؛ إذ النون من مخرج اللام , "واللام تشبه النون فى أنهما من الأصوات المائعة" (1) ويقع التعاقب بينهما كثيراً, (2) فإذا قيل ( لعلَّ) اجتمع شبه أربعة أمثال.
وشبه النون لـ للام لا مشاحة فيه , فاللام من أقرب الحروف في المخرج من النون , فهما من موضع واحد تقريباً , فكلاهما من حروف طرف اللسان مع جانبيه , تخرج اللام بامتداد طرف اللسان حتى يلتقي بأعلى لثة الثنايا العليا , عند حافة الغار. وأما النون المظهرة فتخرج بامتداد طرف اللسان حتى يستقرا أعلى لثة الثنايا العليا (3).
و بينهما علائق صوتية فهما من حروف الجهر والرخاوة ( والقدماء تبع لسيبويه في أنهما وسط بين الشدة والرخاوة ) و الاستفال والانفتاح والذلاقة (4).
ولهذا العلائق الصوتية تدغم النون في اللام نحو : ( من لدنه) , وتبدل اللام نوناً , ومنه ما
__________
(1) ... بحوث ومقالات فى اللغة د/ رمضان عبد التواب صـ37 , و الحرف المائع هو المنوسط بين الشدة و الرخاوة . ويعني أن الهواء يتسرب مابين عضوي النطق دون إحداث أي نوع من الصفيرأو الحثيث , و الحروف المائعة مجموعة في قولهم ( لم يروعنا ) .
(2) ... انظر التعاقب بينهما في أمالي القالي 2/134.
(3) ... انظر: الكتاب 2/369, وأصوات اللغة العربية , أ د/ محمد حسن جبل صـ207, 213, والنحو
في شرح ديوان أبى تمام للتبريزى , للباحث محمد إبراهيم عطا الفيومى ورقة 259.
(4) ... انظر: البسيط 2/765, وشرح الشافية للرضى 3/2.(1/8)
حكاه الأصمعى : رأيت فى أرض بنى فلان لعاعة حسنة ونعاعة(1) وتتصاقب معانى الكلمات التي تتناظر فيها اللام والنون , ومن ذلك أنهم "استعملوا تركيب (ح ب ل) و (ح ب ن) و..... لتقاربها فى موضع واحد , وهو الالتئام والتماسك" (2) .
نعم العلاقة بين النون واللام لا مشاحة فيها , ولكن الذى يُشاحٌّ فيه هو ما قالوه في علة حذف النون من ( لعلَّ) ؛ إذ إن هذه العلة كان ينبغى أن تطرد في ( إنَّ) و ( كأنَّ ) و( لكنَّ) ؛ لأن فيها عند دخول نون الوقاية ثلاثة أمثال حقيقية , لا شبه ثلاثة أمثال , أو أربعة على قولهم ,بل إن ( لعلَّنى ) ينبغي أن تكون أخف من ( إنني) ونحوها , بدليل إن النون تدخل على ( لعلَّ ) بلا استثقال يوجب الحذف إذا قالوا( لعلَّنا ) , وأكثر من هذا أنهم قالوا بجواز الأمرين على السواء في (إنَّ ) ونحوها وأما قولهم إن فيها شبه أربعة أمثال فهو أبعد ؛ إذ إن اللام في قول زائدة , ويجوز حذفها فيقال ( علَّ ) (3)وعلى فرض أصالتها, فإن بين اللام الأولى والثانية حاجزاً حصيناً وهو العين , وعلى هذا , فلا يصح ما استدل به الكوفيون على أصالة اللام الأولى فى (لعلَّ ) , من أن النون تشبه اللام , فكانت على هذا يجتمع فى التقدير أربع لامات , فتحومي ذلك فراراً من اجتماع الأمثال (4) .
__________
(1) ... ( اللعاعُ) : نبتٌ ناعمٌ في أوَّل ما يبدو. وقال الأصمعي: ومنه قيل: الدُنيا لُعاعَةٌ. انظر الصحاح مادة ( لعع) .
(2) ... الخصائص 2/ 15بتصرف يسير.
(3) ... انظر فى زيادة لام ( لعل ) الأولى وأصالتها: أمالي القالي2/134 ,و الإنصاف 1/218, وشرح
الكافية للرضي 4/ 374 , وائتلاف النصرة صـ173, والبسيط 1/762,والرصف 373, والجنى الداني صـ 579, والهمع 1/429.
(4) ... انظر: التبيين صـ360.(1/9)
الرأى الثاني في علة حذف النون من( لعلَّ ) : ما قاله الفراء بأن الحذف في ( إنَّ ) ونحوها و ( لعلَّ ) أولى من الإثبات , و( ليت ) على لفظ الفعل , فقوى فيها إثبات النون ، فـ( ليت ) مثل ( قام) و ( باع) (1).
وضعف ( لعلَّ ) راجع إلى شبهها بحروف الجر, فى" تعليق ما بعدها بما قبلها كما فى قولك:( بت لعلَّك تفلح ) بخلاف ( ليت ) فإنها شبيهة بالفعل فى تغيير معنى الابتداء , وعدم تعلق ما بعدها بما قبلها" (2)، كما أن ( لعلَّ ) حرف جر فى لغة عقيل (3) .
ويبدو أن ابن الناظم كان يرى مذهب الفراء , وبه علل للزوم النون غالباً فى( ليت) وحذفها غالباً من ( لعلَّ ) (4) .
__________
(1) ... انظر رأى الفراء فى : ابن يعيش 3/91, وشرح الجمل لابن عصفور 1/435.
(2) ... انظر: التصريح 1/111, 112.
(3) ... انظرفي استعمال (لعل) حرف جر: معاني الحروف للرماني صـ125, و ابن يعيش 8/83, وشرح الكافية 4/373, والرصف 375, وشرح العوامل المائة النحوية صـ221.
(4) ... انظر: شرح الألفية لابن الناظم صـ 69, 70.(1/10)
والذي ذهب إليه الفراء باطل كما يقول ابن يعيش (1) وابن عصفور (2) ؛ لأنه لو كان الأمر كذلك للزمت نون الوقاية ( أنَّ ) ؛ لأنهاكـ( ردَّ ) , كما أن قول الفراء ومن ارتضى مذهبه مبنى على أصالة اللام الأولى في(لعلَّ) , وهى زائدة عند البصريين , وعليه توافق ( لعلَّ) – فى أصلها - بعض أوزان الفعل. وقولهم إن (لعلَّ ) تشبه الحرف , بدليل استخدامها جارة فى لغة عقيل , ليس دليلا ً؛ لأن أكثر استخدامها ناصبة فهي تشبه الفعل أكثر من شبهها الحرف .
وكان أبو العباس ثعلب يجيز الإثبات والحذف فى ( إنَّ) وأخواتها جميعاً , قال : " قال أبو
العباس: في كلها – إن وأخواتها - يجوز بالنون وبحذفها " (3).
و يتضح مما سبق أن مدار إثبات النون أو حذفها قائم على التعليل بشبه ( إنَّ ) وأخواتها
بالفعل بقوة أو بضعف , إن على رأى الجمهور أو على رأى الفراء ومن ارتضى مذهبه , وقد ذهب الجمهور إلى أن علة الحذف في( لعلَّ) الفرار من الأمثال , وهى علة ليست قوية بما يكفى كما سبق بيانه , وذهب الفراء إلى ضعف شبه هذه الأحرف بالفعل بخلاف ( ليت ) , وقد سبق رد مذهبه.
__________
(1) ... هو : ابن الصانع موفق الدين أبو البقاء يعيش بن على بن يعيش بن على بن أبى السريا بن محمد الأسدي الموصلي الأصل حلبى المولد والدار الشهير بابن الصانع النحوي ,ولد سنة( 556)هـ وتوفى سنة( 643 ) هـ ثلاث وأربعين وستمائة بحلب من تآليفه : حاشية على تصريف العزى لابن جنى , و شرح تصريف الملوكى كذا شرح المفصل للزمخشري . انظر ترجمته في : هدية العارفين 2 / 548 .
(2) ... انظر: شرح الجمل لابن عصفور 1/436.
(3) ... مجالس ثعلب 1/106.(1/11)
إذن رأى الجمهوروالفراء فيه مقالة, وإذا كانت علةإثبات النون فى(إنَّ) وأخواتها هى الشبه بالفعل , فلماذا لا يقال : إن دخول نون الوقاية فى (لعلَّ) هى الحمل على دخولها فى ( عسى) إذا قالوا ( عسانى) لاشتراكهما فى معنى الترجى (1) , وفي الصاحبي أنها تكون بمعنى عسى (2) وقد حملت (عسى) على( لعلَّ) فى رأى إذا جاء خبرها اسماً منصوباً , كما قالوا (عسى الغوير أبؤساً ) (3) و يجيئ خبر لعلَّ مقترناً بـ(أن) وبغيرها " فإذا كان معه(أن ) أفاد فائدة (عسى ) وإذا جاء الفعل بغير( أن) كان الفعل أقرب وقوعاً ؛لأن ( أن) للاستقبال " (4).
واختص خبر ( لعلَّ ) بجواز دخول ( أنْ ) فيه حملاً على(عسى) (5) فيقال : ( لعلَّ محمد أنْ يجتهد) , وحملوا (عساك) على( لعلك) فى رأى لبعضهم, لوقوع الضمير المنصوب بعد (عسى) وحقه أن يقع الضمير المرفوع (6).
__________
(1) ... انظر:حروف المعاني للزجاجي صـ30 ,وشرح عيون الإعراب صـ113, والكشكول صـ 429.
(2) ... انظر: الصاحبي صـ267
(3) ... انظر: الكتاب 1/51, والمقتضب 3/ 70 , 72, وابن يعيش 7/14, والمغنى صـ 160, والخزانة9/316- 318. وأصل قولهم: عسى الغوَير أَبْؤُساً. الأبؤس: جمع بأس. قال ابن الكَلْبي: الغوَير: ماء معروف لكَلْب. وهذا مثل تكلَّمت به الزباء، وذلك أنها وجَّهت قَصِيراَ اللَخْميّ بالعِير ليَجْلِب لها من بَزّالعراق، وكان يَطلبها بدم جَذيمة الأبرش، فجعل الأحمال صناديق، وجعل في كل صُندوق رجلاً معه السلاح، ثم تنكّب بهم الطريقَ وأخذ على الغُوَير، فسألْت عن خَبره فأُخبرَت بذلك، فقالت:عسى الغُوَير أَبْؤُساً. تقول: عسى أن يأتي الغُوَير بشرّ، واستنكرت أخذَه على غير الطريق. انظر المثل ومورده في مجمع الأمثال 2/ 17 , و جمهرة الأمثال 2/50 .
(4) ... شرح الحماسة للمرزوقي 3/1163 .
(5) ... انظر: الرصف صـ 374, والهمع 1/433.
(6) ... انظر: الكتاب 1/51, 3/158, والمقتضب3/71, وشروح سقط الزند 2/714, والهمع 1/422,
... والخزانة 5/362.(1/12)
ومن أجل الشبه القوى بينهما زعم الزجاج أن( عسى) حرف , لما رأى من عدم تصرفه وكونه بمعنى (لعلَّ ) (1) . وجاء عساى حملاً على ( لعلِّى ) والأكثر (عساني) (2) ." و قال أبو علي: إن ( عسى) لما كانت في المعنى بمنزلة( لعلَّ)، و( لعلَّ) و( عسى) طمع وإشفاق، فتقاربا، أجري ( عسى) مجرى( لعلَّ ) ؛ إذ كانت غير متصرفة كما أن ( لعلَّ ) كذلك" (3).
وأقرب من هذا كله ماذكره أبو العلاء فيما سبق من أن دخول نون الوقاية في( لعلَّ ) لغة وهو ما ذكره الأصمعي , يقول : " وفي لعلَّ لغات , يقول بعض العرب : لعلَّ وبعضهم يقول
: لعلَّني , وبعضهم : علِّي , وبعضهم : علَّني , وبعضهم لعنَّي : وبعضهم : لغنَّي" (4).
وإذا كان دخول النون في( لعلَّ) لغة , فلا حاجة إذن للتعليل أو التأويل , فإن التأويل يسوغ كما يقول أبو حيان "إذا كانت الجادة على شيء ثم جاء شيء يخالف الجادة فيٌتأول , أما إذا كان لغة طائفة من العرب لم تتكلم إلا بها فلا تأويل " (5).
__________
(1) ... انظر: شرح الكافية للرضى 4/214, والمغنى صـ 158.
(2) ... انظر: شرح الكافية للرضى 4/454.
(3) ... الخزانة 5/ 363 بتصرف يسير جداً .
(4) ... الكنز اللغوي صـ 33, وانظر : أمالي القالي 2/134, ومعاني الحروف للرماني صـ124 ,والتاج
مادة (لعل), والكشكول لبهاء الدين العاملي صـ429, وتاريخ آداب العرب للرافعي 2/135.
(5) ... الاقتراح صـ47 ,48وانظر: المزهر 1/258.(1/13)
وأيا ًما كانت العلة فى إثبات نون الوقاية مع ( لعلَّ) أو حذفها , فإن الثابت بلا خلاف يذكر , أن الأكثر فى( لعلَّ) الحذف , ويجوز الإثبات على قلة , أما مع ( إنَّ) ونحوها فإن الحذف معها هو الشائع , وباستعراض الإثبات والحذف فى القرآن الكريم , نجد أن الحذف هو الشائع , ففيه بالحذف لا غير "وأنا" 8 مرات , " فإني" 6 مرات , "أننا" 10 مرات , " فإنا" 10 مرات , "ولكني" 4 مرات , "ولكنا" مرتان , "لعلى" 6 مرات , وفيه كذلك "أنا" 17 مرة مقابل : " أننا" مرة واحدة , "بأنا" 6 مرات , و"إني" 13 مرة , "وإنا" 33 مرة فى مقابل
:"وإننا" مرة واحدة (1) .
* * *
ويمكن الخروج مما سبق بالآتى :
... - ( إنَّ ) ونحوها , يجوز فيها إثبات النون وحذفها , والحذف أكثر .
... - ( ليت) يجب إثبات نون الوقاية فى الغالب , وأجاز ثعلب حذفها .
... - ( لعلَّ ) يجوز الأمران , والحذف أولى من الإثبات .
دخول كاف التشبيه على الضمير
... نظر النحويون فى كلام العرب استقراءً فوجدوا حروف الجر ثلاثة أقسام:
الأول: قسم لا يجر إلا المضمر وهو ( لولا) (2) .
الثانى: قسم لا يجر إلا الظاهر, وهو: هاء التنبيه, وهمزة الاستفهام, وواو رُبَّ(3) وفاؤها ومذ ومنذ, وكاف التشبيه(4) .
الثالث والأخير: قسم يجر الظاهر والمضمر , وهو ما عدا ذلك من حروف الخفض .
__________
(1) ... انظر: كتاب ( فلوجل) "نجوم الفرقان فى أطراف القرآن" ليبزج 1898م, ص20, 21, 22,
... 173, . نقلا عن بحوث ومقالات فى فقه اللغة د/ رمضان عبد التواب صـ 38 .
(2) ... هذا على مذهب سيبويه , وقد أفردت فى البحث بكلام مستقل , فلتراجع.
(3) ... هذا على مذهب من ارتضى حرفيتها , وقد أفردت فى البحث بكلام مستقل , فلتراجع.
(4) ... انظر هذه التقسيمات فى: المقرب لابن عصفور 1/193, 194, وكشف المشكل فى النحو للحيدرة اليمنى صـ573.(1/14)
وهذه القسمة لم توجبها علة, وإنما أخذت استقراءً , فليس يمتنع قياساً أن يجر الحرف المختص بالظاهر المضمر, أو العكس, حتى أنه قد خالفت بعض الحروف مما يختص بالظاهر, فجرَّت المضمر, كأنه تنبيه على الأصل, وهذه الحروف هى ( رُبَّ(1) - حتى(2) – الكاف) .
والكلام هنا على كاف التشبيه خاصة فى دخولها على المضمر, وقد قالوا: إن دخولها على المضمر شاذ فى الاستعمال مطرد فى القياس(3) ؛ إذ لا يمنع منه مانع إلا عدم الورود, وإذا جرى الكلام على القياس, فينبغى أن لا تدخل الكاف إلا على ضمير متصل , من ضمائر الجر لا الرفع أو النصب, لكن العرب خالفت فى كلٍ, فأدخلت الكاف على الضمير المنفصل, وعلى المتصل المرفوع والمنصوب.
وقد اختلفت كلمة النحويين فى هذه الأساليب, فردها بعضهم بعدم السماع, وأجاز بعضها بعضهم فى السعة, وحكم عليها آخرون بالشذوذ, وقصروها على الضرورة, كما سيأتى.
وقد ورد من هذا قول ابن أبي حصينة:
... وَلا وَلَدَت حَواءُ مِن نَسلِ آدَمٍ كَأَنتَ فَتىً سَمحاً وَإِن كَثُرَ الوُلد (4)
__________
(1) ... فيقال (ربه) انظر: كشف المشكل فى النحوصـ573, وشرح المفصل لابن يعيش 8/24, وشرح الألفية لابن الناظم صـ 358, 359, والهمع 2/351, 352.
(2) ... ... ومنه قول الشاعر : فلا والله لا يلفي أناس ... فتى حتاك يا ابن أبى زياد.
وقد أجازه المبرد قياساً, انظر: العسكريات صـ137, وشرح التسهيل لابن مالك3/168, وشرح الكافية للرضى 4/276, 277, والارتشاف 4/1755, 176, والهمع 2/341, 342.
(3) ... انظر العسكريات صـ134, 136.
(4) ... البيت من بحر الطويل , وهو فى الديوان 1/72.(1/15)
وفيه يقول أبو العلاء "ويقال : ( أنت كأنا, وأنا كأنت) (1) , وذلك عندهم من الشواذ؛ لأن (أنت) لا ينبغى أن تقع بعد كاف التشبيه"(2) .
ويبدو أن أبا العلاء يرى جواز ذلك , و قد استخدمه في شعره , و من هذا قوله :
فأُقْسِمُ ما طُيورُ الجَوّ سُحْماً كَهُنّ ولا نَعامُ الدّو رُوحا(3)
وفي كلام أبي العلاء ثلاثة أمور:
الأمر الأول: فى اختصاص كاف التشبيه بالظاهر وعلته.
الأمر الثانى: فى دخولها على الضمير المنفصل وحكمه.
الأمر الثالث: فى دخولها على غير الضمير الموضوع للجر.
* * *
__________
(1) ... انظر المثال فى: الضرائر لابن عصفور صـ 205, وشرح التسهيل 3/169, والارتشاف 4/1711, وشرح الرضى4/327, والهمع 2/364.
(2) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/64.
(3) ... البيت من بحر الوافر , و هو في شروح سقط الزند 1/265 .(1/16)
الأمر الأول: فى اختصاص كاف التشبيه بالظاهر وعلته. ليس هناك علة موجبة لاختصاص كاف التشبيه بالظاهر, وإنما هى علة مجوزة, فقد ذهب سيبويه(1) وكثير من النحاة(2) إلى أن العلة هى الاستغناء(3) بـ( مثل ) فى دخولها على الضمير؛ لأنها بمعناها, فإنهم لو أدخلوها على مضمر لجمعوا بين كافين كقولهم ( زيد كك) (4) ففراراً من اجتماع المثلين إذا دخلت كاف التشبيه على كاف الخطاب طردوا المنع فى الباب كله, فإن العربية تميل إلى "التخلص من توالى المقاطع المتماثلة"(5) والسبب فى هذا صعوبة تتابع المقاطع والأصوات المتماثلة فى النطق.
قال السيوطى: "اجتماع الأمثال مكروه , ولذلك يفر منه إلى القلب, أو الحذف, أو الفصل"(6) .
__________
(1) ... انظر: الكتاب2/383.
(2) ... منهم السيرافى (شرح الكتاب2/210), والفارسي (العسكريات صـ136), وابن بابشاذ (شرح المقدمةالنحوية صـ185) , وابن مالك (شرح التسهيل 3/169) , و(شرح الكافية الشافية 2/793) .
(3) ... انظرفي الكلام على علة الاستغناء: الخصائص1/397, والاقتراح صـ 71, 72.وراجع : ( ظاهرة الاستغناء في الدراسة اللغوية ـ د/ السيد رزق الطويل) بحوث كلية اللغة العربية بالسعودية , جامعة أم القرى السنة الثانية , العدد الثاني ـ 1404 ـ 1405.
(4) ... انظر: توجيه اللمع صـ لابن الخبازصـ 238 , وشرح الكافية الشافية2/793.
(5) ... فى كتابه (بحوث ومقالات فى اللغة) صـ27.
(6) ... الأشباه والنظائر 1/23.(1/17)
وعلة الاستغناء ليست عزيزة فى العربية, فقد استغنوا بـ( ترك) عن ماضى ( يذر) و(يدع) (1) لا لعلة, فليس هنا علة اجتماع المثلين أو غيرها حتى نعقل علة الاستغناء , ولكن هذه سنة العربية , يقول ابن جنى: " واعلم أن استعمال ما رفضته العرب لاستغنائها بغيره جارٍ فى حكم العربية مجرى اجتماع الضدين على المحل الواحد فى حكم النظر, وذلك أنهما إذا كانا يعتقبان فى اللغة على الاستعمال جريا مجرى الضدين اللذين يتناوبان المحل الواحد فكما لا يجوز اجتماعهما عليه, فكذلك لا ينبغى أن يستعمل هذان, وأن يكتفي بأحد هما عن صاحبه,
كما يحتمل المحل الواحد, الضد الواحد دون مراسله"(2) .
__________
(1) ... انظرالخلاف في استعمال الماضي منها في: العسكريات صـ135 . وثمار الصناعة للدينوري صـ535, وأمالي المرزوقي صـ 105 , وشرح شواهد الشافية صـ50, والسماع والقياس لـ تيمور صـ29 , وفن التصريف ـ د/ يسري زعير صـ 78 .
(2) ... الخصائص1/397, 398.(1/18)
وإذا كان الاستغناء جارياً فى العربية كما يقول ابن جنى , فإن ما قالوه فى علة امتناع دخول الكاف على المضمر من الاستغناء بـ(مثل) , رده السهيلى بأنه ليس علة؛ " لأن السؤال لازم حتى له؛ لأن السائل كما له أن يقول: لِمَ لمْ تدخل على المضمر؟ كذلك له أن يقول: لِمَ استغنوا فى المضمر بـ(مثل) فيقولون: ( كَهُ) , كما يقولون: ( مثله)؛ وأيضاً, فإن الكلام بـ(مثل)إذا قلت (مثله) أطول, وهو بالكاف أو جز, فكيف استغنوا بالأطول , وبالأخف عن الأثقل"؟ (1) .
وما قاله سيبويه وغيره قوى؛ لأن العلة فيه الفرار من اجتماع المثلين لو قيل (كك) فمنعوا فى بقية الباب طرداً للقاعدة, كما قالوا بحذف الهمزة فى المضارع فى نحو: ( ُنكرم) و( تُكرم) و( يُكرم) حملاً على حذفها فى نحو ( أُُكرم) فراراً من اجتماع الهمزتين لو قيل (أؤكرم) على الأصل.
وعليه فإن قول السهيلى السابق , وتمثيله بـ( كه) فى الجواز غير متجه؛ لأن ( كه) ممنوعة بالحمل على ( كك ) طرداً للباب, فإذا نطقوا به فى الشعر فيكون من باب التنبيه على الأصل, وأما أن ( كَهُ) أوجز وأخصر من ( مثله) ونحوها, فالكلام هنا ليس موطنه الإيجاز أو الاختصار؛ إذ كلاهما خفيف.
__________
(1) ... أمالى السهيلى صـ 40. والسهيلي هو : عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أصبع بن الحسين بن سعدون بن رضوان ابن فتوح، السهيلي الأندلسي المالقي الحافظ صاحب المصنفات. ناظر علي بن الحسين بن الطراوة في كتاب سيبويه، وسمع منه كثيراً من اللغة والآداب. وكف بصره وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان عالماً بالعربية واللغة والقراءات، بارعاً في ذلك ، له من المصنفات الروض الأنف في شرح السيرة ، وشرح الجمل ولم يتم، توفي سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. ( 581 ) هـ انظر ترجمته في : الفلاكة والمفلوكون للدلجي صـ87 .(1/19)
وقد علل السهيلى لامتناع دخول الكاف على الضمير بأن العرب فعلت العكس فى مدخول الكاف " فأدخلوها على المنفصل, وهو خلاف القياس فى حروف الجر, ولم يدخلوها على ضمير متصل أبداً, لا على ضمير متكلم ولا مخاطب ولا غائب, وعلة ذلك وسره أن الكاف فيها مافي ( كأن) من معنى التشبيه, والاسم المخفوض بالكاف إذا قلت ( زيد كالأسد) , هو المرفوع بـ ( كأن) لا يتصور فيه أن يكون ضميراً متصلاً؛ لأن اسمها قد حال بينه, وبين الاتصال بها, فلما لم يكن للاسم المشبه به فى باب ( كأن) ضميراً متصلاً, لم يكن الاسم المشبه به فى باب الكاف ضميراً متصلاً ً؛ لأنه هو هو فى المعنى فحمل عليه"(1) .
وكلام السهيلى مبنى على مقدمة ليست مسلمة له, وهى منع العرب من دخول الكاف على
الضمير المتصل أصلاًً , لكن الاستقراء يشي بغير ذلك , فقد قالوا: ( كَهُ) و( كَهَا)(2) .
وأجاز سيبويه ( كِى) (3) .
وروى عن الحسن ( كِى) و( كَكَ)(4) ونطق العجاج بـ( كَنَا) (5) .
وإذا كانت المقدمة غير مسلمة , فلا شك أن النتيجة غير مسلمة أيضاً, ثم إن السهيلى يعلل لامتناع دخول الكاف على الضمير المتصل, وكلامهم فى التعليل لامتناع الدخول على الضمير أصلاً.
__________
(1) ... السابق نفسه صـ 40, 41.
(2) ... من قول الشاعر * وأم أو عال كها أو أقربا * الكتاب2/234, وشرح الكتاب للسيرافى 2/210, و
ابن يعيش 8/44, والرضى4/326.
(3) ... انظر : الكتاب 2/385 .
(4) ... انظرهذا القول فى: الضرائر لابن عصفور صـ240, والارتشاف 4/1710, والمساعد 2/276, والهمع 2/364.
(5) ... من قوله: * ولولا البلاء لكانوا كنا * وسيأتى لاحقاً. انظر : توجيه اللمع صـ 238, والارتشاف 4/ 1711 .(1/20)
ويبدو أن السهيلى ليس وحده من رفض علة الاستغناء بـ( مثل) , فالعكبرى(1)وغيره(2) عللوا ترك جر الكاف للضمير بضعف تمكن الكاف فى بابها, فهى تستعمل اسماً , كما تستعمل حرفاً, وذلك اشتراك فيها, والاشتراك فرع, والضمائر ترد الأشياء إلى أصولها, ولا أصل لها , ولهذه العلة لم تدخل ( حتى) على المضمر.
ويلزم من قال بهذا أن يمنع حروف الجر التي أجازوا وقوعها أسماء (3), كـ(عن) (4) و(على) (5) و(عدا) (6) و(خلا) (7) و(حاشا) (8)
__________
(1) ... انظر: اللباب 1/364. والعكبري هو: أبو البقاء عبد الله بن أبي عبد الله الحسين بن أبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري الأصل البغدادي المولد والدار، الضرير محب الدين؛ أخذ النحو عن أبي محمد ابن الخشاب وعن غيره من مشايخ عصره ببغداد ، وكان الغالب عليه علم النحو وصنف فيه مصنفات مفيدة، وشرح كتاب " الإيضاح " لأبي علي الفارسي، وله كتاب " إعراب القرآن الكريم " في مجلدين، وكتاب " إعراب الحديث " وشرح المفصل "للزمخشري شرحاً مستوفىً .وكانت ولادته سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة(538 )هـ. وتوفي سنة ست عشرة وستمائة (616) هـ ببغداد. انظر ترجمته في إنباه الرواة 2/116 .
(2) ... انظر : ابن يعيش8/44.
(3) ... يقول ابن الدهان في كتابه : الفصول في العربية صـ 31 : " وبعض هذه الحروف المذكورة تكون أسماء في محال , وهي : ( مذ , ومنذ , وعن , وعلى , والكاف) .
(4) ... تأتى (عن) اسماً فتكون بمعنى الجهة, انظر ابن يعيش8/40, 41, والرضى 4/323, والارتشاف 4/1729.
(5) ... تأتى (على) اسماً مثل: نهضت من عليه, انظر: ابن يعيش 8/38, والرضى 4/323, والمغنى صـ149.
(6) ... تأتى (عدا) فعلاً وحرفاً. انظر ابن يعيش 8/49, والرضى 2/88, 89.
(7) ... تأتى (خلا) فعلاً وحرفاً. انظر ابن يعيش8/49, ورصف المبانىصـ 185, والمغنىصـ 141,
142.
(8) ... تأتى (حاشا ) فعلاً عند المبرد وحرفاً عند سيبويه, انظر ابن يعيش 8/47: 49, والرضى 2/122:
125, والمغنى صـ 131 , 132.(1/21)
من الدخول على الضمائر ؛ إذ يستعمل بعضها أسماء وحروفاً , وبعضها أفعالاً وحروفاً, ولم يقل به أحد.
وقد علل العكبرى بعلة أخرى, فقال: "لما لم تكسر الكاف(1) , لم تدخل على المضمر؛ لأن من المضمرات ما يوجب كسر ما قبله, وهو ياء المتكلم , فألحق باقيها به, بخلاف اللام والباء"(2) .
و كأن العكبرى يرى منع العرب إدخال كاف التشبيه على المضمر فراراً من أن يقال ( ِكى) بدخول الكاف على ياء المتكلم أنها توجب كسر ما قبلها, وحق الكاف الفتح, فطرداً للباب, منع دخولها على بقية الضمائر.
لكن ما منعه العكبرى, أجازة سيبويه, فقال: " ولو أضطر شاعر فأضاف الكاف إلى نفسه
فقال:( ما أنت كَِى) و( كَى) خطأ من قبل أنه ليس فى العربية حرف يفتح قبل ياء الإضافة"(3) .
وقال الفارسي: "ولو قلت:( كَى) لكان خطأ؛ لأن ياء الإضافة تكسر المتحركات قبلها ولا تفتحها, وقال أبو بكر: إنما جاز ( أنت كِى ) وكان الاسم على حرف واحد؛ لأنه متصل بما
بعده, فأشبه الكاف فى قولك: ( ضربتك ) (4). ...
ومن هذا يتضح أن علة الاستغناء هى الأقوى من بين العلل التى ذكروها, لكن أولى ما يحتج به هو السماع عن العرب.
* * *
الأمر الثانى: فى دخولها على الضمير المتصل وحكمه.
__________
(1) ... الأصل فى الحروف الأحادية الفتح؛ لأنها يبتدأ بها, والابتداء بالساكن الذى هو الأصل محال , فحركت والضرورة تندفع بأخف الحركات. اللباب 1/362.
(2) ... اللباب 1/363.
(3) ... الكتاب 2/385.
(4) ... التعليقة 2/210, وانظر : الأصول 2/123, والارتشاف 4/1710.(1/22)
الأصل فى حروف الجر أن لا تدخل إلا على ضمير متصل ولا يكون منفصلاً البتة كما يقول ابن الخشاب (1), وإنما لم يكن المجرور إلا متصلاً؛ لأن المتصل "كالجزء الأخير لعامله, يعنى يجئ العامل أولاً , ثم يجئ الضمير بعده على وجه لا يمكن معه الفصل بينهما والمجرور كذلك"(2) . ويقول الزبيدي(3) :" وقد تدخل عليه كاف التشبيه تقول : ( أنت كأنا وأنا كأنت), حُكى ذلك عن العرب وكاف التشبيه لا تتصل بالمضمر وإنما تتصل بالمظهر تقول: ( أنت كزيد) ولا تقول: ( أنت كِىْ), إلا أن الضمير المنفصل عندهم كان بمنزلة المظهر فلذلك حسن وفارق المتصل" (4) .لكن بالاستقراء يتضح أن العرب أدخلت الكاف على الضميرالمتصل , وإن قال السهيلى: " ولم يدخلوها على ضمير متصل أصلاً, لا على
ضمير مخاطب ولا متكلم , ولا غائب"(5) .
__________
(1) ... انظر: المرتجل صـ 283 . وابن الخشاب هو: أبو محمد عبدالله بن أحمد بن أحمد بن أحمد البغدادي المحدث اللغوى المعروف بابن الخشاب, كان يؤدب أولاد الخليفة ,من تصانيفه حاشية على درة الغواص للحريري, و الرد على ابن بابشاذ في شرح الجمل,والرد على تهذيب الاصلاح للتبريزي,و الرد على الحريري في مقاماته,وشرح المقامات المذكورة ,وا لمرتحل في شرح الجمل الكبيرة. توفى سنة( 567 )هـ .انظر ترجمته في:هدية العارفين 1/ 456
(2) ... شرح الكافية للرضى 2/409.
(3) ... هو: الزبيدى السيد محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق أبو الفيض الزبيدى اليمنى ثم المصرى الحنفي الفقيه اللغوى الصوفى الشهير بالمرتضى. من تصانيفه : إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين لابي حامد الغزالي, والانتصار لوالد النبي , و تاج العروس من جواهر القاموس , و تكملة القاموس للفيروز آبادى. ولد سنة( 1145هـ ) وتوفى سنة ( 1205 ) هـ خمس ومائتين وألف انظر ترجمته في : - هدية العارفين 2 / 347 .
(4) ... تاج العروس , مادة ( أنا) .
(5) ... أمالى السهيلى صـ40.(1/23)
وهو قول مردود كما سبق بنطق العرب, فقد قالوا فى الدخول على ضمائر المخاطب المتصلة: ( أنا كَكَ وأنت كِىْ ) (1) وهو من كلام الحسن البصرى (2), ومن ذلك أيضاً, أن بعض الفضلاء كتب إلى ابن المقفع كتاباً يباريه فى الوجازة " بسم الله الرحمن الرحيم. نحن صالحون فكيف أنتم؟ " فكتب إليه ابن المقفع: "نحن كَكَ والسلام"(3) .
__________
(1) ... انظرهذا القول فى : الضرائر لابن عصفور صـ 240, والارتشاف 4/1710, والمساعد 2/276, والهمع 2/364, والأشمونى 2/209, والخزانة 10/197.
(2) ... هو: الحسن بن أبى الحسن البصري , ويكنى أبا سعيد. كتب لأنس بن مالك بسابور ، نحو ثلاث سنين . وهو ممن بايع لابن الأشعث . وكان من الزهاد العباد . ولما هزم ابن الأشعث وطلب أصحابه ، دخل الحسن على الحجاج ، فعاتبه وأمنه . ثم لم يثق الحسن بناحية الحجاج فتوارى إلى أن مات. وللحسن من الكتب : كتاب التفسير للقرآن ، و كتاب إلى عبد الملك بن مروان في الرد على القدرية . . ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر وتوفى ، وله تسع وثمانون سنة ، في سنة عشر ومائة (110) هـ. انظر ترجمته في : فهرست ابن النديم صـ 202.
(3) ... انظر: الخزانة 10/197, والضرائر للألوسىصـ 195.(1/24)
ومن دخولها على ضمير المتكلم للجماعة قول أبي محمد اليزيدى(1), وهو إمام كبير فى
العربية, كما يقول ابن الخباز(2):
فلولا المعافاةُ ُكُنَّا كَهُمُ ولولا البلاءُ لكانوا كَنَا(3)
__________
(1) ... أبو محمد هو: يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو محمد العدوى المعروف باليزيدى المقرئ صاحب أبى عمرو بن العلاء البصري, وإنما قيل له اليزيدي لأنه كان منقطعاً إلى يزيد بن منصور الحميري خال ولد المهدى يؤدب ولده ,وكان اليزيدي ثقة , وكان أحد القراء الفصحاء عالماً بلغات العرب , وكان أيضاً أحد الشعراء وله شعر جامع وأدب , وكان قد أخذ علم العربية وأخبار الناس عن أبى عمرو بن أبى إسحاق الحضرمي , والخليل بن أحمد ومن كان معهم في زمانهم. وألف من الكتب:كتاب النوادر ,وكتاب المقصور, والمدود, وكتاب مختصر النحو ,وكتاب النقط والشكل. توفى أبو محمد اليزيدي في سنة اثنتين ومائتين(202)هـ. انظر ترجمته في : تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي 14 / 152.
(2) ... انظر: توجيه اللمع صـ238. وابن الخباز هو:ابن الخباز الإربلي - أحمد بن الحسين بن أحمد بن معالى بن منصور بن على المعروف بابن الخباز الإربلي الموصلي النحوي الضرير أبو العباس شمس الدين , له من الكتب : التوجيه في النحو ,و شرح اللمع لابن جنى ,وشرح المقدمة الجزولية , و الغرة المخفية في شرح درة الالفية لابن معط , و النهاية في النحو . توفى سنة (637) هـ سبع وثلاثين وستمائة . انظر ترجمته في : هدية العارفين1/95, 96 .
(3) ... البيت من بحر الطويل , ونسب لليزيدى, وهو فى توجيه اللمع صـ238, والارتشاف 4/1711,
والخزانة 10/197, والضرائر للألوسى صـ194.(1/25)
... ومن ذلك ماورد في كلام صدر الأفاضل (1), وقد كتب إلى بعض أصدقائه:" كتابي إلى المجلس الرفيع جمال الحرمين،إمام الفريقين يديم الله رفعته ثم يديم، وينيم عنه طوارق الحدثان ثم ينيم، وأنا إليه كالصادي إلى قعقعة المجد، وبجماله كهو بجمال المجد"(2) .
ومن دخولها على ضمير المتكلم المفرد, قول الشاعر:
... وإذا الحرْبُ شَمَّرتْ لمَْ تَكُنْ كِِىْ حيْنَ تَدْعو الكُمَاةُ فيها نِزَالُ(3)
__________
(1) ... هو: القاسم بن الحسين بن أحمد الخوارزمي الطرائفي صدر الأفاضل مجد الدين أبو محمد النحوي الأديب الحنفي ولد سنة( 555) هـ وتوفى مقتولا سنة( 617)هـ سبع عشرة وستمائة له من الكتب . بدائع الملح , والتجمير في شرح المفصل للزمخشري كبير,و التوضيح في شرح المقامات للحريري . , و شرح الانموذج للزمخشري ,و ضرام السقط في شرح سقط الزند لأبي العلاء المعرى. انظر ترجمته في : هدية العارفين - إسماعيل باشا البغدادي 1 / 828.
(2) ... معجم الأدباء 4/588 .
(3) ... البيت من الخفيف وهو بلا نسبة فى حاشية شرح ابن يعيش8/17, والضرائر لابن عصفور صـ 240, والارتشاف4/1710, والهمع 2/363, والأشمونى 2/209, والعيني بحاشية حاشية الصبيان 2/209, والخزانة 10/197, 198, والضرائر للألوسى صـ195, والشاهد فى قوله: (لم تكن كى) لدخول الكاف على ضمير المتكلم , وقال الفراء : والبيت الذى ينشد فى (كى) مؤلف فى قول بشار لا يلتفت إليه.(1/26)
وقد يقال لا يحتج بهذا, فالكلام إما للغويين متأخرين (1), أو لشعراء محدثين.
ومن دخولها على ضمير الغيبة قول العجاج وهو ممن لا تدفع فصاحته كما يقول النحاس(2). * وأمُّ أْوْعالٍ كَها أْو أْقربا *(3)
__________
(1) ... يذهب بعض المحدثين إلى جواز الاستشهاد بكلام اللغويين الموثوق بفصاحتهم , ومن هؤلاء الدكتور محمد حسن جبل في كتابه الاحتجاج بالشعر في اللغة صـ212 , يقول : " إن الجديد يقبل من علماء اللغة الموثوق بفصاحتهم وأمانتهم , وهم أهل الأصالة العربية فقهاً وولاءً وانتماءً من شعراء ولغويين , وبشرط أن يكون مايأتي به هؤلاء وأولئك متفقاً مع الأصول العربية في كل مجال من مجالات التجديد بحسبه " .
(2) ... انظر: الخزانة 5/341.
(3) ... الرجز للعجاج وهو فى ديوانه صـ309 , والكتاب 2/ 384, وشرح كتاب سيبويه للسيرافى 2/211,وابن يعيش 8/44, وشرح الكافية الشافية 2/793, وابن الناظم صـ358 , وشرح الكافية للرضى 4/326, والارتشاف 4/1710, وأوضح المسالك 3/17, والمساعد 10/195, 196, وشرح شواهد الشافيةصـ345, والضرائر للألوسى صـ 193, 194. والبيت قاله العجاج من قصيدة مرجزة يصف بها الحمار الوحشى , و(أم أو عال) اسم هضبة بعينها, والشاهد فى قوله: (كها أو أقربا) حيث دخلت الكاف على ضمير الغائب , وقوله (أو أقربا) عطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجر.(1/27)
وقول الشنفرى(1) فَإِن يَكُ مِن جِنٍّ لَأَبَرحُ طارِقاً وَإِن يَكُ إنساً ماكَها الإنسُ تَفعَلُ (2)
والأبيات السابقة دليل على جوازدخول الكاف على الضمير المتصل, لا كما قال السهيلى, أما دخولها على المنفصل فلم ينازع فيه أحد, إلا أن ابن مالك جعله فى التسهيل(3) أقل فى ( أنت ) و( إياك) لكن نازعه فيه شراحه كما سيأتى(4).
* * *
الأمر الثالث: فى دخولها على غير الضمير الموضوع للجر.
__________
(1) ... الشنفري كان من الأوس بن الحجر بن الهنو بن الأزد بن الغوث، أسرته بنو شبابة بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان، فلم يزل فيهم حتى أسرت بنو سلامان بن مفرج بن عوف بن ميدعان بن مالك بن الأزد رجلاً من فهم، أحد بني شبابة ففدته بنو شبابة بالشنفري , فلما ترعرع الشنفري جعل يغير على الأزد مع فهم: فيقتل من أدرك منهم. انظر ترجمته وشيئاً من أخباره في : الأغاني 10/185 .
(2) ... البيت من الخفيف, وهو للشنفرى فى ديوانه صـ64, وفى شرح التسهيل 3/169, والهمع 2/363, واللسان مادة (ها) .
(3) ... انظر: التسهيل صـ 147.
(4) ... انظر هذه المنازعة فى: المساعد 2/175, والهمع 2/363, والأشمونى 2/209, والخزانة 10 ... /199.(1/28)
... الكاف حرف جر حقه أن يجر الظاهر بعده, فإن دخل على مضمر فحقه أن يكون من ضمائر الجر,لكن الواقع اللغوي بخلاف هذا , فقد دخلت الكاف على ضمائر الرفع والنصب فى النثر والشعر: أما دخولها على ضمائر الرفع المنفصلة فى النثر , فقد قالوا: ( أنا كأنت وأنت كأنا) (1) ,ومن كلام الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ " - وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي وهو من أصحابه يعوده فلما رأى سعة داره قال ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا . أَمَا أنت إليها في الآخرة كنت أحوج ... ويحك إني لست كأنت ، إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره"(2) .
__________
(1) ... انظر المثال فى: الضرائر لابن عصفور صـ 205, وشرح التسهيل 3/169, والارتشاف 4/1711, وشرح الرضى4/327, والهمع 2/364.
(2) نهج البلاغة - خطب الإمام علي 2 / 187 ,188 .(1/29)
ومنه ما حكاه ابن عصفور فى كتاب الضرائر: حكى الكسائى عن بعض العرب أنه قيل له من تعدون الصعلوك فيكم؟ فقال: (هو الغداة كأنا) (1) , وقال ابن عصفور أيضاً: "لأن الكاف لا تدخل فى سعة الكلام على مضمر إلا أن تكون صيغته صيغة ضمير رفع منفصل نحو قولهم: ( ما أنا كأنت, ولا أنت كأنا) (2). ومن وروده في كلام الإمام الشافعي ـ وهو ممن يحتج بكلامهم ـ (3) :" وأنت تعلم أنك في صلاة كهو إذا تكلمت" (4), ومن وروده فى الشعر قلت إنى كأنت ثُمَّت لمَّا شبتِ الحربُ خُضْتُها وكَعَعْتا(5)
__________
(1) ... انظر: ضرائر ابن عصفور صـ239, والخزانة 10/196, 198, والضرائر للألوسى صـ194.
(2) ... الضرائرصـ 205, وانظر : الخزانة 10/194.
(3) ... في كتاب- الكامل - عبد الله بن عدي 1 / 114 : أخبرنا يحيى بن زكريا بن حيويه ، قال سمعت أبا سعيد الفريابي ، يقول : سمعت محموداً النحوي يقول : سمعت ابن هشام النحوي يقول : طالت مجالستنا مع محمد بن إدريس الشافعي ، فما سمعت منه لحنة قط ، ولا كلمة غيرها أحسن منها
(4) ... اختلاف الحديث للإمام الشافعي صـ540 . وهذا استقراء لاستعمال ( كـ هو) في كتاب الأم للإمام الشافعي : - كتاب الأم ج1 : صـ 112 ، صـ148 ، صـ246 ، 250 ، صـ 259 ، صـ272.
... - كتاب الأم ج2 صـ 43 ، صـ 168 ، صـ 249 ، صـ 249 ، صـ 253 .
... - كتاب الأم ج3 صـ 23 ، صـ 50، صـ 55 ، صـ 104 ، صـ 108 ، صـ 133 ، صـ 162 ، صـ 189 ، صـ 200 ، صـ 229 ، صـ 231 ، صـ 249 ،
... - كتاب الأم ج4 صـ 7 ، صـ 164 ، صـ 244 ، صـ 270 .
... - كتاب الأم ج5 صـ 126 ، صـ 201 ، صـ 246 ، صـ 266 صـ 279 ، صـ 281.
... - كتاب الأم ج6 صـ 27 ، صـ 92 ، صـ 106 ، صـ 267 .
... - كتاب الأم ج7 صـ 115 .
- كتاب الأم ج8 صـ 30 ، صـ 77.
(5) ... البيت من الخفيف, وهو بلا نسبة فى شرح التسهيل 3/169, والهمع 2/364.(1/30)
وأما دخولها على ضمائر النصب فى النثر فقد قالوا: ( أنا كإياك ) (1).
وقالوا فى الشعر: وأحْسِنْ وَأَجْمِلْ في أسيرك إنّه ضعيفٌ ولم يأسِر كإياك آسرُ (2)
ودخول الكاف على ضمائر الرفع فيه إشكال ؛ إذ حقها أن تدخل على ضمائر الجر, يقول الفراء فيما حكاه أبو حيان: " لم تقل العرب ( أنت كِىْ ), وآثروا: ( أنت كأنا ) , ولم يقولوا: ( أنا كك) وآثروا: ( أنا كأنت ), وجعلوا ( أنت) و( أنا ) للخفض كما جعلوا (هو للخفض) فقالوا: (أنا كهو), والرفع أغلب على (أنا) و( أنت) و(هو) (3).
وإنما جاز هذا لوقوع الاستعارة بين الضمائر, وهو أمر جائز, كما قالوا: (لولاى) و(لولاك) و( لولاه) بوقوع ضمائر النصب والجر موضع ضمائر الرفع, خاصة أن الضمائر لا يظهر فيها إعراب, و" إنما تعرف بالدلالات, فلذلك قالوا: ( ضربتك أنت) و( مررت بك أنت) فجعلوا (أنت) للنصب والخفض, وكذلك هو وأنا"(4) .
لكن قال أبو حيان إن الكوفيين ينكرون دخول الكاف على ضمير الرفع(5) .
__________
(1) ... انظر المثال فى : شرح التسهيل 3/169, والأشمونى 2/209.
(2) ... البيت من الطويل بلا نسبة فى مجالس ثعلب 1/133, والضرائر لابن عصفور صـ205, وشرح التسهيل ... 3/170, وشرح الكافية للرضى 4/326, والهمع 2/364, والخزانة 10/194, 199, والضرائر للألوسى صـ 196.
(3) ... انظر: الخزانة 10/198.
(4) ... انظر: الخزانة 10/198.
(5) ... انظر: الارتشاف 4/1711, والخزانة 10/198.(1/31)
وكلام أبى حيان الذى نقله عن صاحب البسيط(1) ليس مُسَّلماً له؛ لأنهم يقولون بجواز الاستعارة بين الضمائر بأنواعها, وعليه اختاروا أنَّ الضمير المتصل بعد ( لولا) فى محل رفع لاستعارة ضمائر النصب والخفض لضمير الرفع(2) , , وقد " حكى الكسائى عن بعض العرب أنه قيل له من تعدون الصعلوك فيكم؟ فقال: ( هو الغداة كأنا ) (3) , "وكيف ينكرونه وهم الذى نقلوه عن العرب سماعاً" كما قال البغدادى (4) .
نعم المنقول عن ثعلب أن دخول الكاف على الضمير المنصوب لايجوز إلا في الشعر,قال : "وما رأيت كإياك لم يجئ إلا فى الشعر" (5) .
وإذا كان فى دخول الكاف على الضمير المرفوع المنفصل بعض إشكال , فإن الإشكال فى دخولها على الضمير المنصوب أقل, لما بين النصب والجر من علائق, ولها: "حمل النصب على الجر فى التثنية, والجمع الذى على حد التثنية, كذلك حمل الجر على النصب
فيما لا ينصرف"(6) .
... إذن دخول الكاف على غير الضمير المنفصل المجرور جائز, لكن هل دخول الكاف على المنفصل المرفوع كدخولها على المنفصل المنصوب؟
... يبدو أن أبا حيان قد سوى بينهما فقال: " وقد أدخلت العرب على ضمير الرفع المنفصل, وعلى ضمير النصب المنفصل الكاف, فقالت: ( ما أنا كأنت, ولا أنت كأنا ) فقال(7)
* ولم يأْسِرْ كَإِيَّاكَ آَسِرُ *"(8)
__________
(1) ... هو ابن العلج , وكان أبو حيان ينقل عنه كثيراً .
(2) ... انظر: الإنصاف 2/687, وائتلاف النصرة صـ 65.
(3) ... انظر: ضرائر ابن عصفور صـ239, والخزانة 10/196, 198, والضرائر للألوسي صـ194.
(4) ... انظر: الخزانة10/199.
(5) ... مجالس ثعلب 1/133, وانظر: الخزانة 10/194.
(6) ... الخصائص1/307, وانظر: الاقتراح صـ 64.
(7) ... سبق تخريجه صـ 66.
(8) ... الارتشاف 4/1711, وانظر: الخزانة 10/199.(1/32)
واعترض على أبى حيان البغدادى , فقال: " وهذا غير جيد؛ لأن الثانى إنما ورد فى الشعر"(1) , وكلام البغدادى مبنى على رأى الكوفيين السابق أن دخول الكاف على المضمر لا يكون فى السعة إلا أن تكون صيغته صيغة ضمير رفع منفصل, أما فى الشعر , فكما قال ثعلب" وما رأيت كإياك لم يجئ إلا فى الشعر"(2) .
لكن دخول الكاف على المنفصل المنصوب جاء فى النثر أيضاً كما سبق, فقد قالوا: ( أنا كإياك) ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
وظاهر كلام ابن مالك أنه يرى التسوية بينهما ,فقد جعل دخول الكاف على الضميرالغائب المجرور قليلاً, وعلى المرفوع والمنصوب أقل(3) , فسوى بين المرفوع والمنصوب, وإن نازعه شراحه فيما قال ,فقالوا إن لم يكونا أكثر من المخفوض, فينبغى أن يكونا متساويين(4) .
ويبدو أن ابن مالك يستند إلى الحكم الإعرابى للضمير المرفوع والمنصوب, فجعل دخول الكاف الجارة عليهما أقل؛ لأنه على خلاف الأصل , وعلى الضمير المجرور قليلاً؛ إذهذا حقه, أما شراح التسهيل فاستندوا إلى كثرة السماع وقلته؛ لأن الضمائر عندهم كحروف المعانى لا يظهر فيها إعراب , وإنما تعرف بالدلالات, وهو الحق.
وقد ارتضى المعرى أن دخول الكاف على الضمائر المنفصلة المرفوعة شاذ(5) .
* * *
هذا وقد اختلفت كلمة النحويين فى الأساليب السابقة, فأنكر بعضهم بعضها, وحكم عليها آخرون بالشذوذ, وقاسها الآخرون فى السعة, وخصها بعضهم بالضرورة, من هذا أن الكسائى والفراء ضعفوا أن يقال: ( أنت ِكى) و( أنا ِكك) واحتجوا بأنه قليل فى كلام العرب, وقال الفراء فى قول الشاعر: * وإذا الحرب شمرت لم تكن كى *(6)
__________
(1) ... الخزانة 10/199.
(2) ... المجالس 1/133.
(3) ... انظر: التسهيل صـ 147, والخزانة 10/199.
(4) ... انظر: المساعد 2/175, والهمع 2/363, والأشمونى 2/29, والخزانة 10/199.
(5) ... انظر: شرح الديوان 2/64.
(6) ... سبق تخريجه صـ 65.(1/33)
"وما سمعت أنا هذا البيت من العرب, وقال هشام: ما قالت العرب: (أنا كك وأنت كى) قال:
والبيت الذى ينشد فى ( كى) مؤلف, من قول بشار, لا يلتفت إليه, وقال الفراء: لم تقل العرب: ( أنت كى) وآثروا: ( أنت كأنا) ولم يقولوا: ( أنا كك) وآثروا: ( أنا كأنت)" (1) "فهذا قال سيبويه قياساً, وهو غير معروف فى كلامهم"(2) .
ولهذا السابق كانت آراؤهم متشعبة فى هذه المسألة على هذا النحو:
*منهم من جعل دخول الكاف على الضمير مطلقاً ضرورة فى الشعر ولم يجزه فى النثر,
قال سيبويه: "إلا أن الشعراء إذا اضطروا أضمروا فى الكاف فيجرونها على القياس"(3) , وقال: " ولو اضطر شاعر فأضاف الكاف إلى نفسه, قال: ما أنت كِى"(4) .
وقد نسب إليه أبو حيان الجواز مطلقاً فى السعة(5) .
* ومنهم من أجاز دخول الكاف على المضمر فى السعة, وهو الأخفش الذى " يجيز
الإضمار فى هذا على القياس؛ لأن المضمر عقيب المظهر, وقد نطقت به العرب"(6) .
ونسب إلى المبرد القول بالجواز فى السعة مطلقاً(7) .
* ومنهم من جعله فى ضمير الغائب قليلاً , وفى المنفصل المرفوع والمنصوب أقل, وهو ابن مالك فى التسهيل(8) , وقد نازعه فيه شراحه كما سبق , حتى جعله الأشمونى فى المتكلم والمخاطب شاذاً, وفى الغائب قليلاً(9) .
* ومنهم من جعله فى الضمير المرفوع المنفصل جائزاً فى السعة, وخصه في المنفصل
المنصوب والمخفوض بضرورة الشعر, ومنهم الرضى(10) .
* ومنهم من سوى بين المنفصل المرفوع والمنصوب, فأجاز دخول الكاف عليهما فى
__________
(1) ... انظر: الخزانة10/64.
(2) ... الأصول 2/123.
(3) ... الكتاب2/384.
(4) ... السابق نفسه 2/385.
(5) ... انظر: الارتشاف 4/1711, والخزانة 10/197, والضرائر للألوسى صـ 195.
(6) ... انظر: الخزانة 5/196.
(7) ... انظر: المقتضب 1/39, وابن يعيش8/44, وشرح الكافية للرضى4/326.
(8) ... انظر: التسهيل صـ147.
(9) ... انظر: الأشمونى 2/209.
(10) ... شرح الكافية للرضى 4/327.(1/34)
السعة, وفى غيرهما ضرورة وهو أبو حيان(1) .
القياس والسماع .
وهكذا تعددت كلمة النحويين فى حكم دخول الكاف على الضمير , فاختلفت آراؤهم فى القياس عليه أو قصره على السماع . وإذا كانت الأساليب السابقة عند بعضهم شاذة فى الاستعمال وإن كانت مطردة فى القياس, فهل يجوز القياس عليها, قال ابن جنى: "إذا كان الشئ شاذاً فى السماع مطرداً فى القياس تحاميت ما تحامت العرب من ذلك, وجريت فى نظيره على الواجب فى أمثاله , من ذلك امتناعك من ( وذر) و(ودع)؛ لأنهم لم يقولوهما, ولا غرو عليك أن تستعمل نظيرهما نحو ( وزن) و( وعد) لو لم تسمعهما"(2) .
وكلام ابن جنى يفهم منه أنه لا يجوز القياس عليهما فى السعة, لكنه قال فى موضع آخرإنه يجوز النطق به فى الشعر إن اطرد فى القياس مع شذوذه فى الاستعمال , قال: " واعلم أن الشاعر إذا اضطر, جاز له أن ينطق بما يبيحه القياس, وإن لم يرد به سماع"(3) .
ومعنى هذا جوازه فى الشعر عنده.
لكن إذا كان دخول الكاف على الضمائر أخصر وأوجز من دخول (مثل) عليها مع ورود السماع به شعراً ونثراً كما سبق وإن كان قليلاً, فلم لا يجوز القياس عليها فى السعة كما فى الشعر؟ كما أجازه االمبرد والأخفش.
* * *
وعلى كلٍ فإنه يترتب على الخلاف السابق, كما قال الفراء: جواز بعض الأساليب الممنوعة عند بعضهم فـ"من لم يقل مررت بى وزيد على اختيار, قال مختاراً: (أنت كـ(أنا) –
وزيد" و( أنا كأنت وزيد ) (4) .
ما يترتب على الخلاف من أوجه الاستعمال الجائزة والممتنعة.
يمكن الخروج من الخلاف السابق بمجموعة من الأساليب على النحو التالى:
1- دخول الكاف على الضمير مطلقاً لا يجوز فى السعة عند سيبويه.
2- دخول الكاف على الضمير مطلقاً جائز فى السعة عند الأخفش والمبرد.
__________
(1) ... انظر: الارتشاف 4/1711.
(2) ... الخصائص1/10, وانظر: الاقتراح صـ 62.
(3) ... الخصائص1/397.
(4) ... انظر: الارتشاف 4/1711.(1/35)
3- نحو ( كهو) قليل عند ابن مالك وأقل منه (كأنا) وفروعها و(كأنت) وفروعها و(كإياك)
وفروعها, وفى بقية الضمائر غير جائز.
4- نحو ( كأنا) وفروعها جائز عند الكوفيين ومعهم الرضى فى السعة, وفىغيرها
للضرورة.
5- نحو ( كأنا ) وفروعها, و( كإياك) وفروعها جائز فى السعة عند أبى حيان وفى غيرها
ضرورة.
رُبَّ بين الإسميِّة والحرفيِّة
نظر النحويون في كلام العرب فوجدوه ينقسم إلى ثلاثة أقسام, وهى اسم وفعل وحرف. وقد حدوا كلاً منها بحد يميزه عن غيره, وبعلامات لفظية ومعنوية, فقالوا: إن الاسم يدل على معنى في نفسه غير مقترن بزمان محصل, كقولك ( رجل), و( فرس) و( جمل)(1) .
والفعل لفظ يدل على معنى في نفسه مقترن بزمان محصل, مثل : ذهب وانطلق (2).
إذن كل من الاسم والفعل يدل على معنى في نفسه, إلا أنه يكون في الأول غير مقترن بزمان, وفى الثاني مقترن به.
أما الحرف فيكون معناه في غيره, كقولهم: ( هل زيد منطلق ) ؟ (3).
هذا عن الحد, أما عن العلامة التي تميزه, فهي علامات لفظية, ذكرها ابن مالك فى الألفية, فقال في علامات الاسم: بالجرِّ والتنوينِ والندا وأل ومسندٍ(4) للاسمِ تمييزٌ حصلْ(5)
وقال في علامات الفعل: بتا فعلتُ وأتتْ ويا افعلي ... ونونِ أقبلنَّ فعلٌ ينجلي(6)
وقال في الحرف: ... ... * سواهما الحرفُ كهلْ وَفِىْ وَلَمْ*(7)
وأما العلامات المعنوية في الأسماء , فنحو أن يكون فاعلاً أو مفعولاً, أو يخبر عنه أو به(8) .
__________
(1) ... انظر: الكتاب 1/12, وشرح عيون الإعراب صـ46, والتبصرة والتذكرة 1/74.
(2) ... انظر: الكتاب 1/12, وشرح عيون الإعراب صـ 47, والتبصرة 1/74.
(3) ... انظر: الكتاب 1/12, وشرح عيون الإعراب صـ 48, والتبصرة 1/74.
(4) ... الإسناد من العلامات المعنوية.
(5) ... الألفية صـ8.
(6) ... السابق نفسه .
(7) ... السابق نفسه .
(8) ... انظر: المرتجل صـ12, 13.(1/36)
وأما علامات الفعل المعنوية, فمثل أن يكون أبداً مسنداً إلى غيره, ولا يسند غيره إليه(1) .
وأما الحرف فربما عرف بعلامة سلبية, فيقال: الحرف ما لم تحسن فيه علامات الأسماء ولا علامات الأفعال(2) .
وخواص الحرف : " أن يكون صفة لغيره نحو ( مررت برجل في الدار ) فقولك : ( في الدار صفة لـ( رجل )وهو غيره . ومن خواصه امتناع الإخبار عنه وبه . ومن خواصه أن لا يستقل مع جزئين فصاعداً. ومن خواصه أن يحدث معنى في الاسم أو الفعل "(3) .
وبهذه الحدود والعلامات تمتاز أنواع الكلمة عن بعضها, غير أنه قد يجتمع في كلمة ما علامات من الإسمية والفعلية معاً, أو لا تقبل علامة من علاماتهما, لكن ليس فيها معنى
الحرفية, فينشأ الخلاف بين النحويين في تحديد نوعها, ومنه الخلاف بينهم في ( رُبَّ ) أهي
اسم أم حرف؟ مذهب البصريين أنها حرف, ومذهب الكوفيين أنها اسم.
وأبو العلاء على أنها حرف, فقد قال تعليقا على قول ابن أبى حصينة:
فَتكُهُم في العِدى وَرُبَّةَ يَومٍ أَشرَفَت قَومَنا بِهِ النَعماءُ (4)
"ويقولون: ( رُبَّ رجل) و( رُبَّت رجل) فيدخلون التاء على ( رُبَّ ), وهى حرف "(5) .
وفى كلام أبى العلاء أمران:
الأمر الأول: في الخلاف في رُبَّ: اسم هي أو حرف؟
الأمر الثاني: في دخول تاء التأنيث عليها.
* ... * ... *
الأمر الأول: في الخلاف في رُبَّ: اسم هي أو حرف؟
__________
(1) ... انظر: المرجع السابق صـ21.
(2) ... المرجع السابق صـ25.
(3) ... شرح عيون الإعراب صـ50.
(4) ... البيت من بحر الخفيف , وهو في الديوان 1/125.
(5) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة صـ126, 127.(1/37)
اختلف النحويون البصريون والكوفيون (1) في نوع ( رُبَّ ), نظراً لأنها لا يحسن فيها علامات الأسماء ولا علامات الأفعال عند البصريين, فهى عندهم حرف لهذا, ولا يحسن فيها ما يحسن فى حروف الجرعند الكوفيين, فهى عندهم اسم لهذا(2) .
فالعلة عند البصريين والكوفيين علة عدمية(3) غير أن ( رُبَّ ) عند البصريين فيها شيئ من علامات الحروف؛ إذ "إنها قد جاءت لمعنى فى غيرها, كالحرف, وهو تقليل ما دخلت عليه نحو:( رُبَّ رجل يفهم) أى ذلك قليل"(4) .
وفيها شئ من علامات الأسماء عند الكوفيين ؛ إذ صح الإسناد إليها فى قولهم: ( رُبَّ رجلٍ ظريفٌ) (5) , وهكذا اختلف النحويون فى نوع ( رُبَّ) على النحو التالى:
(أ ) ذهب الكوفيون ومنهم الكسائى(6) والفراء(7) .
__________
(1) ... ينفي أستاذي الدكتور مصطفى خاطر أن تكون هذه من مسائل الخلاف بين الصريين والكوفيين , قال في كتابه مسائل الخلاف للأنباري صـ429: " وهذه المسألة نتاج العصبية المذهبية فلم يقل أحد من الكوفيين بذلك لسبب بسيط جداًوهو عدم معقولية هذا القول" . ولكن هذه المسألة وإن قال أستاذي الكريم إنها ليست من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين , إلا إنها من مسائل الخلاف بين النحويين , , كما سيتضح لاحقاً فلذلك حسن دراستها.
(2) ... انظر: توجيه اللمع صـ232, والإنصاف 2/833, وشرح التسهيل 3/175, وائتلاف النصرة صـ144, والهمع 2/346.
(3) ... انظر: التعليل بالعلة العدمية في الاقتراح صـ80.
(4) ... الإنصاف 2/833, وانظر: شرح التسهيل 3/175, وائتلاف النصرة صـ144.
(5) ... انظر: الأصول 1/418, وابن يعيش 8/27.
(6) ... انظر رأى الكسائى فى : الأصول 1/418, وأمالى السهيلى صـ72, وابن يعيش 8/27.
(7) ... انظر رأى الفراء في : الارتشاف 4/1737.(1/38)
ومعهم ابن الطراوة(1) وارتضاه السهيلى(2) والرضى(3) إلى أن ( رُبَّ ) اسم.
(ب) قال البصريون جميعاً إن رُبَّ ( حرف ).
(ج) أجاز ابن أبى الربيع (4) أن تكون ( رُبَّ ) حرفاً واسماً(5) .
... * * *
أما من قالوا بإسمية ( رُبَّ ) فقد استدلوا بالإسناد إليها شعراً ونثراً, فمن الشعرقوله:
إِن يَقتُلوكَ فَإِن قَتَلَكَ لَم يَكُن عاراً عَلَيكَ وَبَعضُ قَتلِ عارُ (6)
وفي أمالي القالي أورد بيت مسكين الدارمي:
رُبَّ مَهْزُولٍ سَمينٌُ عِرْضُه وسمينِ الجِسْمِ مَهْزُولِ الْحَسَب
__________
(1) ... انظر رأى ابن الطراوة فى: البسيط 2/860, والارتشاف 4/1737, والجنى صـ439, والمساعد 2/284, والهمع 2/346.وابن الطرواة هو: أبو الحسن بن الطرواة المالقي النحوي , المدعو بالشيخ الأستاذ . له مصنفات في النحو مشهورة مذكورة , ولايلقب أحد في الأندلس بالأستاذ غيره , عاش نيفاً وتسعين سنة , ومات بالأندلس قبل سنة ثلاثين وخمسمائة . انظر ترجمته في : إنباه الرواة 4/107.
(2) ... انظر: أمالى السهيلى صـ 74 .
(3) ... انظر رأى الرضى فى : شرح الكافية 4/290.
(4) ... هو: عبيد الله بن أحمد بن عبيد الله ابن محمد بن عبيد الله بن أبى الربيع القرشى العثماني أبو الحسين اللأموى الإشبيلى الأديب النحوي . صنف : شرح الايضاح لابي على الفارسى في النحو , و شرح جمل الكبيرة للزجاجي في النحو , و شرح كتاب سيبويه في النحو , و ملخص القوانين في النحو . توفى سنة (688) هـ ثمان وثمانين وستمائة انظر ترجمته في :هدية العارفين 1/ 649 .
(5) ... انظر: البسيط 2/861.
(6) ... البيت من بحر الكامل, وهو لثابت بن قطنة فى : المقتضب 3/66, وكتاب الشعر 1/318, والأزهية صـ260, وأمالى ابن الشجرى 3/46, واللباب 1/364, وشرح التسهيل 3/175 ,وشرح الكافية للرضى 4/298, والمغنى صـ475, والمساعد 2/284, والتصريح 2/112, والهمع 1/316, 2/346, والخزانة 9/565.(1/39)
فمعناه: رُبَّ مهزول البدن والجسم كريم الأباء " (1) .
ومن النثر قوله ( صلى الله عليه وسلم ): "يارُبَّ كاسياتٍ فى الدنيا عاريات فى الاخرة"(2)
فيمن رفع( عاريات ). وقول العرب فيما حكاه الكسائى: "رُبَّ رجل ظريفٌ"(3) .ومنه ما جاء عن العرب : (رُبَّّ كلام أقطعُ من حُسام ) (4) (رُبّ قول أنفذُ من صَوْل)(5). (رُبّ
ساعة ليس بها طاعة) ( رُبَّ عَجلةِ تُعْقِب رَيْثاً )"(6).
ـ وقد رد البصريون هذه الشواهد, فقالوا فى البيت السابق: إن الرواية الصحيحة: "وبعض قتل عار", وإن صحت الرواية, فإن (عار) خبر مبتدأ محذوف تقديره (هو), والجملة فى
__________
(1) ... أمالي القالي 1/118 .
(2) ... رواه الإمام أحمد في مسنده 6/297.وانظر: إتحاف الحثيث للعكبرى صـ 226. وفي فتح الباري - ابن حجر 1 / 188 : " قول (فرب كاسية) استدل به بن مالك على أن ( رب ) في الغالب للتكثير ؛لأن هذا الوصف للنساء وهن أكثر أهل النار انتهى وهذا يدل لورودها في التنكير لا لأكثريتها فيه قوله عارية بتخفيف الياء وهي مجرورة في أكثر الروايات على النعت قال السهيلي إنه الأحسن عند سيبويه ؛لأن (رب)عنده حرف جر يلزم صدر الكلام قال ويجوز الرفع على إضمار مبتدأ والجملة في موضع النعت أي هي عارية والفعل الذي تتعلق به (رب) محذوف " .
(3) ... انظر: الأصول 1/1418, وابن يعيش 8/27.
(4) ... انظر : العقد الفريد 3/81 .
(5) ... هذا المثل جاء بالرفع هكذا في العقد الفريد2/12 , لكن في مجمع الأمثال 1/290 قال : يضرب عند الكلام يؤثر فيمن يواجه به قال أبو عبيد: وقد يضرب هذا المثل فيما يتقي من العار. وقال أبو الهيثم: أشد في موضع خفض لأنه تابع للقول، وما جاء بعد رب فالنعت تابع له " .
(6) ... هذا من حكم أكثم بن صيفي . انظر : العقد الفريد 3/ 78 , و جمهرة خطب العرب 1/ 138 .(1/40)
موضع صفة لـ(قتل), والتقدير: ( ورُبَّ قتل هو عار) (1) , وقد صرح بهذا الضمير فى قوله:
*يارُب هيجا هى خيرٌ من دعه*(2)
أو أن تكون الجملة خبراً لـ (قتل) ؛ إذ هو فى موضع مبتدأ, و(رُبَّ) حرف جر زائد لا يتعلق
بشئ, وما فيها من معنى التكثير هو المخصص لابتدائية (قتل) (3) .
* ... * ... *
وهكذا ينفى البصريون الإسناد إلى ( رُبَّ ), ولكن ما قالوه لا ينقاد لهم, أما ما قالوه من أن الرواية الصحيحة: ( وبعض قتل عار), فكما هو معلوم, فإن النقل لا يدفع بالنقل, فـ"كثيراً ما تروى الأبيات على أوجه مختلفة, ورُبَّما يكون الشاهد فى بعض دون بعض.... احتمال أن يكون الشاعر أنشد مرة هكذا ومرة هكذا......." (4) "وإلا فقد كانت العرب ينشد بعضهم شعر
بعض وكل تتكلم على مقتضى سجيته التى فطر عليها, ومن هنا تكثر الروايات فى بعض الأبيات"(5) .
وأما تقديرهم البيت على حذف مبتدأ يكون المرفوع ( عار) خبره, فليس له ضرورة ملجئة إلا على مذهب الحرفية فى ( رُبَّ), وتقديرهم هذا فيه ما يحوجهم إلى الاعتذار عنه, فإنه "إذا كان الرابط الضمير, إن كان مرفوعاً, لم يجز حذفه, كان مبتدأً أو غيره, وقيل إن كان مبتدأ جاز حذفها, ... والصحيح أنه لا يجوز"(6) .
وعلى فرض صحة حذف الرابط إذا كان مبتدأًً, فإنه لا يمنع أن تكون الجملة الإسمية مسندة إلى ( رُبَّ ) على القول بإسميتها, وما ذكروه من قول الشاعر:
* يارُب هيجا هى خيرٌ من دعه *
__________
(1) ... انظر: شرح الجمل لابن عصفور 1/477, وشرح التسهيل 3/175, والهمع 2/349, والخزانة 9/576.
(2) ... من الرجز للبيد في ديوانه صـ92, وفى مجالس ثعلب 2/381, والهمع 2/347, والخزانة 9/547.
(3) ... انظر: الخزانة 9/576, وحاشية المقتضب 3/65.
(4) ... الاقتراح صـ48.
(5) ... شرح شواهد المغنى 2/943, 944 رقم 211.
(6) ... الارتشاف 3/1118, 1119, بتصرف يسير, وانظر: الضرائر لابن عصفور صـ136, والمغنى صـ475, والمنصف من الكلام للشمنى 2/180.(1/41)
ليس دليلاً موجباً لحرفية ( رُبَّ ), ولا يمنع مانع من أن تكون الجملة خبراًعنه إذا كانت ( رُبَّ ) اسماً.ومثله يمكن أن يقال فى ذهابهم إلى أن ( رُبَّ ) حرف جر زائد, والجملة – على تقدير حذف المبتدأ- خبرعنه.
وكما تأول البصريون البيت السابق تأولوا الحديث, قال العكبرى: "وإن قدرالرفع وهو عندنا على تقدير حذف مبتدأ, أى: هن عاريات"(1) .
ورد ابن السراج قول العرب: "رُبَّ رجلٍ ظريفٌ" بأن هذا: "إنما يجئ على الغلط والتشبيه"(2) .
ومقالة ابن السراج يوضحها قول ابن هشام: "قال سيبويه(3) : واعلم أن ناساً من العرب يغلطون فيقولون: (إنهم أجمعين ذاهبون) و(إنك وزيد ذاهبان) ومراده بالغلط هنا ما عبر عنه غيره بالتوهم, وتوهم ابن مالك أنه أراد الخطأ فاعترض عليه بأنا متى جوزنا ذلك عليهم زالت الثقة بكلامهم , وامتنع أن تثبت شيئا نادراً لإمكان أن يقال فى كل نادر إن قائله غلط"(4) .
وهذا يمكن أن يفسر كلام البصريين عندما يصفون "بعض ما شذ على قواعدهم مما جرى على ألسنة بعض العرب بأنه غلط ولحن, وهم لا يقصدون اتهامهم بذلك, حسب المدلول الظاهر للكلمتين , إنما يقصدون أنه شاذ عن القياس الموضوع, وخارج عليه, فلا يلتفت إليه" (5).
وما ذكره الكوفيون من الاستدلال على إسمية ( رُبَّ ) بالإسناد إليها فى الشعر والنثر هو أقوى أدلتهم.
وقد استدلوا إلى جانب هذا بالقياس على ( كم ) وهى نقيضتها(6) ؛ إذ قالوا ( كم) للعدد والتكثير.
__________
(1) ... إتحاف الحثيث صـ 226.
(2) ... الأصول 1/418, وانظر: ابن يعيش 8/27.
(3) ... انظر: الكتاب 2/155.
(4) ... مغنى اللبيب صـ454.
(5) ... المدارس النحوية د/ شوقىضيف صـ161.
(6) ... قال في الاقتراح صـ72 عن علة النقيض: " وعلة نظير مثل كسرهم أحد الساكنين إذا التقيا فى الجزم حملاً على الجر إذ هو نظيره, وعلة نقيض مثل نصبهم النكرة بـ(لا) حملا علىنقيضتها (إن).(1/42)
و( رُبَّ) للعدد والتقليل, فكما أن ( كم ) اسم فكذلك ( رُبَّ ) حملاً عليها, والشئ يحمل على نقيضه, كما يحمل على نظيره(1) .
ورد ذلك الأصفهاني (2) بقوله : " الذي ذكروه باطل ؛ لأنا لم نحكم على" كم " بكونه اسماً لما ذكروه ، وإنما حكمنا بإسميته ؛ لأنه يدخل عليه حرف الجر كقولك : بكم رجل مررت ، وتخبر عنه كقولك : كم مالك ؟ ، " كم " مبتدأ و " مالك " خبره ، وهذا المعنى معدوم في " رُبَّ " فيكون حرفاً ، ولا يكون اسماً " (3).
أما إسمية ( كم) فثابتة, لم يخالف فيها(4) , وأما وجه الشبه بين ( كم) و( رُبَّ) فكلاهما يختص بالنكرة, وكلاهما له صدر الكلام(5) وأما إن ( رُبَّ) نقيضة (كم), فقالوا: إن ( كم) للتكثير و ( رُبَّ) للتقليل(6) . والقول الأخير مختلف فيه, والحق أن دلالة (رُبَّ), علىالقلة أوالكثرة يرجع فيه إلى السياق(7) .
__________
(1) ... انظر: الإنصاف 2/832, واللباب 1/363, وائتلاف النصرة صـ 144 .
(2) ... هو :أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الأصفهاني الباقولي النحوي الضرير والأصفهاني : فارسية معناها الفارس ، نسبة إلى أصفهان بفتح الهمزة وهو الأشهر –وكسرها ، وهي مدينة فارسية عظيمة مشهورة من أعلام المدن وأعيانها . من مصنفاته : اللمع ، وكشف المشكلات ، وإعراب القرآن الذي نسب خطأ للزجاج .انظر ترجمة الأصفهاني في إنباه الرواة 2 / 247 .
(3) ... شرح اللمع للأصفهاني 2 / 511 .
(4) ... انظر في الدليل على اسمية (كم): المقتضب 3/75, والأصول 1/416, والمقتصد 1/148, وابن يعيش 4/125, والبسيط 2/861.
(5) ... انظر: ابن يعيش 4/126, وشرح الجمل لابن عصفور 1/507, والجنى صـ 447 .
(6) ... انظر: المقتصد 2/828, والإنصاف 2/832, واللباب 1/363.
(7) ... انظر معنى (رب) في: الكشاف 1/201, 202, وشرح التسهيل 3/177, 178, وشرح الكافية للرضى ... 4/278, ... والارتشاف 4/1737, 1738.(1/43)
وما قالوه نازع فيه البصريون وهو حق ـ هنا ـ لأمرين كما يقول العكبرى, أولهما: " أن الإسمية لا تثبت بالإلحاق فى المعنى, فـ ( من) للتبعيض, ولا يقال هى اسم؛ لأنها فى معنى التبعيض, وكذلك معنى (ما) النفى, وهى ( حرف) وهو اسم, فعرف أن الإسمية تعرف من وجه آخر.
والثانى: أن ( كم ) اسم لعدد ولذلك يخبرعنها, وتدخل عليها حروف الجر, ولو جعل مكانها
عدد كثير أغنى عنها, كقولك: ( مائة رجل ) أو ( ألف رجل) (1).
والثانى من كلام العكبرى ليس كافياً فى نفى حمل (رُبَّ ) على ( كم )؛ إذ إن: معنى ( رُبَّ رجل) قليل من هذا الجنس, كما أن معنى (كم رجل) كثير من هذا الجنس(2) .
ومما قاله البصريون: إن العرب فرقت بين ( كم) و( رُبَّ ), فحذفت مخفوض ( كم ), فتقول: (كم عندى), و(كم ضربت زيداً ) ولا تقول: ( رُبَّ عندى ) (3).
وقال أبو على: "ومن الدليل على أنها حرف, أنهم لم يفصلوا بينها وبين المجرور, كما فصلوا بين (كم) وما تعمل فيه"(4) .
لكن ما منعه أبو على أجازه على بن المبارك الأحمر(5) ؛ إذ أجاز الفصل بينهما بالقسم, فيقال: ( رُبَّ والله رجل صالح لقيته), وجاء الفصل بينهما فى الشعر بالجار والمجرور, فى قوله: ... ... رُبَّ في النَّاسِِ مُوْسِرٌ كعديم ... ... وعديمٌ يُخَالُ ذا يسَاَرِ (6)
__________
(1) ... اللباب 1/363.
(2) ... انظر: شرح الكافية 4/253, والهمع 2/346.
(3) ... انظر: البسيط 2/861.
(4) ... الهمع 2/347.
(5) ... انظررأيه فى : شرح الجمل لابن عصفور 1/506, والارتشاف 4/1740, والهمع 2/387 . والأحمر النحوي هو: علي بن المبارك الأحمر شيخ العربية وتلميذ الكسائي، أدب الأمين بتعيين الكسائي له، وهو الذي ناظر سيبويه بحضرة يحيى بن خالد البرمكي. توفي في حدود المائتين.انظر ترجمته في : نزهة الألباء صـ80.
(6) ... البيت من الحفيف, وهو فى :الارتشاف 4/1740, والهمع 2/387.(1/44)
و مما استند إليه الكوفيون جواز التخفيف فى( رُبَّ ), قالوا: " و الذي يدل دلالة ظاهرة على أنه ليس بحرف أنه يدخله الحذف, فيقال فى ( رُبَّ) ( رُبَ), قال الله تعالى (1): "رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ" .... فدل على أنها ليست بحرف((2).
وقول الكوفيين ليس بحجة على إسمية( رُبَّ ) فإن الحرف يدخله الحذف(3) , كما يدخل الاسم, ومن من ذلك تخفيف (إنَّ), ومنه الحذف فى ( سوف) كما حكاه أبو العباس ثعلب, فإنهم قالوا: ( سف أفعل), و( سو أفعل)(4) , قال ابن جنى فى تخفيف الحروف بالحذف: "وإذا جاز أن تخفف الحروف الثقال مع كونها صحاحاً, وخفافاً, فتضعيف الضعيف الثقيل أحرى وأولى. فمن ذلك قولهم فى ( رُبَّ رجل ):( رُبَ رجل ) (5) .
* ... * ... *
وملخص ما سبق أن من الكوفيين من اعتمد على أدلة إثبات وأدلة نفي فى القول بإسمية ( رُبَّ ) , فأما أدلة الإثبات فأولها وأقواها هو الإسناد إليها شعراً ونثراً, وقد تأوله البصريون بأمرين, الأول: أن الإسناد ليس إليها وإنما إلى مبتدأ محذوف وهذا التأويل لا يصح, لما فيه من حذف رابط جملة الصفة وهو مبتدأ.
والثانى أن ( رُبَّ ) حرف جر زائد, والاسم بعدها مبتدأ فى محل رفع فصح الإسناد إليه, وهو التأويل الأولى بالقبول, لكنه لا يمنع من إثبات أن ( رُبَّ) اسم.
وثانى أدلة الإثبات عند الكوفيين هو القول بالحمل على (كم) ؛ لأنها نقيضتها, وهو قول ضعيف, كما سبق.
وثالثها, هو دخول الحذف فيها, وهو كسابقه فى الضعف.
وأما أدلة النفى, فقد قالوا إن ( رُبَّ ) تفارق حروف الجر من أوجه, وسيأتي كلامهم.
__________
(1) ... سورة الحجر آية :2.
(2) ... الإنصاف 2/833 بتصرف يسير.
(3) ... انظر: الإنصاف 2/834, وائتلاف النصرة صـ145.
(4) ... انظر: المجالس 1/315, والبغداديات صـ417, والبصريات 1/417, والجنى صـ 458 , والخزانة 7/106, واللسان مادة (سوف).
(5) ... المحتسب 1/41, 42, وانظر: البغداديات صـ388.(1/45)
* ... * ... *
وقد وجه البصريون عدة اعتراضات إلى القول بإسمية ( رُبَّ), منها:
1- لو كانت ( رُبَّ ) اسماً لكانت معربة, ولكنها مبنية من غير عارض عرض(1).
وقد أجاب عنه البغدادى بأن: "الموجب لبنائها تضمن معنى الإنشاء الذى حقه أن يؤدى بالحرف كالاستفهام والأمر والنهى"(2) .
2- لو كانت ( رُبَّ ) اسماً لصح أن يليها الفعل, وهو غير صحيح(3) .
ويمكن دفع هذا الاعتراض بأن (كم) التى حمل الكوفيون ( رُبَّ ) عليها لا يصح أن يليها
الفعل, فبطل قولهم.
3- لو كنت ( رُبَّ ) اسماً لدخلها نواسخ الابتداء(4) وهذا أيضاً غير مستقيم ؛ لأنه ليس كل اسم يصح أن تدخله النواسخ فـ( كم ) و(إذا) أسماء عند البصريين ولا يصح أن يدخلها النواسخ, وقد علل له الرضى بتعليل آخر, فقال: "لتضمنه معنى النفي الذي له صدرالكلام, فكذا, لا تدخل على ( رُبَّ) ؛ لأن القلة عندهم تجرى مجرى النفى"(5) وهذا على أن ( رُبَّ ) عنده للتقليل, ثم استعملت فى معنى التكثير(6) .
__________
(1) ... انظر: ابن يعيش 8/27, والجنى صـ439.
(2) ... الخزانة 9/535.
(3) ... انظر: الأصول 1/416, وابن يعيش 8/27.
(4) ... انظر: شرح الكافية 4/290, 291. وفي اللسان , مادة ( أنن) : " قال الليث: إذا وقعت إنَّ على الأَسماء والصفات فهي مشدّدة، وإذا وقعت على فعلٍ أَو حرفٍ لا يتمكن في صِفةٍ أَو تصريفٍ فخفِّفْها، تقول: بلغني أَن قد كان كذا وكذا، تخفِّف من أَجل كان لأَنها فعل، ... ومن ذلك قولك: إنْ رُبَّ رجل، فتخفف، فإذا اعتمدَتْ قلت: إنه رُبَّ رجل، شدَّدْت وهي مع الصفات مشدّدة إنَّ لك وإنَّ فيها وإنَّ بك وأَشباهها " . فظهر من هذا أن (رب) يجوز دخول النواسخ عليها .
(5) ... شرح الكافية 4/291.
(6) ... انظر: شرح الكافية 4/287, 288.(1/46)
4- لو كانت ( رُبَّ ) اسماً لجاز أن يتعدى إليها الفعل بحرف الجر, فيقال: ( برُبَّ رجل عالم مررت) ولجاز أن يدخلها حرف الجر كما يدخل ( كم) (1).
وهذا الإشكال قائم أيضاً لو قيل بحرفيتها, فإنه لو قيل: ( رُبَّ رجل كريم أكرمت) على قولهم لتعدى ( أكرمت ) وهو فعل متعدٍ إلى مفعوله, بحرف جر, ومثله أيضاً, ( رُبَّ رجل كريم أكرمته) ؛ لأن الفعل لا يتعدى إلى مفعول بحرف الجر وإلى ضميره معاً, فلا يقال: لزيد ضربته, قاله الرضى(2) فالإشكال بهذا قائم, إن على القول بالإسمية أو الحرفية.
وأما امتناع دخول الجار عليها فلما فيها من معنى القلة التى تشبه النفى , وكما لا يدخل الجار على النفى لا يدخل على ما بمعناه, قاله السهيلى(3) .
وهكذا تتأرجح المسألة, فلا يكاد يستقيم دليل, ولا يكاد اعتراض يصمد.
* ... * ... *
والرأى الثانى فى مسألة ( رُبَّ ) هو رأى البصريين, وعندهم أن ( رُبَّ) حرف جر, وقد استندوا فى رأيهم إلى معنى الحرف, فـ ( رُبَّ) مثلها مثل بقية الحروف, قد جاءت لمعنى فى غيرها, وهو تكثير ما دخلت عليه أو تقليله على اختلاف بينهم(4) .
__________
(1) ... انظر: الهمع 2/346.
(2) ... انظر: شرح الكافية 4/288, 289.
(3) ... انظر: أمالى السهيلى صـ 71 .
(4) ... انظر: شرح المفصل لابن يعيش 8/27, وشرح التسهيل 3/175, والإنصاف 2/833, وائتلاف النصرة صـ 144.(1/47)
والذى قالوه ليس كافياً في إثبات حرفية ( رُبَّ ), فإن( كم ) و( إذا ) وغيرهما, يدلان أيضاً على معنى فى غيرهما, وهما اسمان عندهم, وهذا ما جعل ابن أبى الربيع يعتذر عن قولهم بإسمية ( كم ) لما سبق بأن "العرب حكمت لها بأحكام الأسماء فأدخلت عليها حرف الجر, ووجد الكلام يستقل بها مع الاسم, فقالوا: ( كم رجل قائل هذا )... و( رُبَّ) لم تستعمل هكذا, فعلمنا بهذا كله أن العرب فرقت بين ( رُبَّ ) و( كم ) وتركت ( رُبَّ ) على ما يقتضى القياس فيها, وأن ( كم ) خرجت عن قياسها"(1) .
أما قوله إن ( رُبَّ ) لا يدخلها الجار, فقد سبق رد السهيلى عليه, وأما إن الكلام يستقل بـ (كم) ولا يستقل بـ ( رُبَّ ) فالاستقلال ليس دليلاً كافياً, فإن (إذا) ظرف, ولا يصح أن يستقل بها الكلام مع الاسم, فيقال: (إذا محمد عندك) أو مع الفعل, فيقال: (إذا محمد يقول).
وقد علل ابن مالك(2) والمرادى(3) لإسمية ( كم) مع ما فيها من دلالة على معنى فى غيرها, وحرفية ( رُبَّ ) مع أنها تشترك مع ( كم) فى دلالتها على معنى فى غيرها بأن مساواتها الحرف فى الدلالة على معنى فى مسمى غير مفهوم جنسها بلفظها, بخلاف أسماء الاستفهام والشرط, فإنها تدل على معنى فى مسمى مفهوم بلفظها.
لكن يمكن أن تكون ( رُبَّ ) تدل على معنى فى مسمى مفهوم بلفظها, فإن معنى ( رُبَّ رجل) قليل أو كثير من هذا الجنس , على خلاف بينهم فى معنى ( رُبَّ ) (4).
* ... * ... *
وثانى ما استدل به البصريون أن ما بعدها مجرور أبداً, ولا معنى للإضافة فيها(5) , فلا تفيد تعريفًا ولا تخصيصاً, كما أنها لا تفيد التخفيف.
وهذا الذى قالوه ينطبق أيضاً على (كم) وغيرها, والإجابة على معنى الإضافة فى (كم) هى نفسها الإجابة على معنى الإضافة فى ( رُبَّ ).
__________
(1) ... البسيط 2/861, بتصرف يسير.
(2) ... انظر: شرح التسهيل 3/175.
(3) ... انظر: الجنى صـ 438 .
(4) ... انظر: شرح الكافية 4/290.
(5) ... انظر: اللباب 1/363.(1/48)
* ... * ... *
وثالث ما استدل به البصريون أنها تتعلق أبداً بـ فعل, وهذا هو حكم حرف الجر(1) .
أما إنها تتعلق أبداً بـ فعل, فقد قال الرضى: "ولتضمنها معنى النفى, كان القياس ألا يجئ وصف مجرورها إلا فعلية, كما فى (أقل رجل) المتضمن معنى النفى, وذلك ؛لأن النفى يطلب الفعل ؛ إلا أن ( رُبَّ ) لخروجها إلى معنى الكثرة فى أكثر مواضعها جاز وقوع نعت مجرورها إسمية كما فى قوله * يا رُبَّ هَيجا هِيَ خَيرٌ مِن دَعَه* "(2)
وعلى فرض صحة ما قاله البصريون, فإن ( رُبَّ) إذا كانت تشابه حروف الجر فى تعلقها أبداً بفعل كما قالوا, فإنها تخالفها فى وجوب حذف الفعل الذي تتعلق به عندهم فتعارضا فتساقطا (3) .
بل قال ابن هشام إن ( رُبَّ ) لا تتعلق أصلاً, وإنما تدخل لإفادة التقليل أوالتكثير(4) .
* ... * ... *
ورابع ما استدل به البصريون والأخير, طريقة السبر والتقسيم(5) فقد قالوا: إن ( رُبَّ) لا تخلو أن تكون اسماً أو فعلاً أو حرفاً, ولا يحسن فيها علامات الأسماء ولا علامات الأفعال, فتعين أن تكون حرفاً.
ومقالة البصريين مبنية على تأويلهم للبيت الذي احتج به الكوفيون, وكذا الحديث الشريف
والنثر المروى عن العرب, وهذا التأويل لا يلزم الكوفيين ؛ لأن البصريين فى أدلتهم نافون, والكوفيين مثبتون, والمثبت مقدم على النافى.
* ... * ... *
__________
(1) ... انظر: اللباب 1/363.
(2) ... شرح الكافية 4/291.
(3) ... انظر: الإنصاف 2/833, وابن يعيش 8/28, 29, وائتلاف النصرة صـ 144 .
(4) ... انظر: المغنى صـ423, والخزانة 9/566.
(5) ... فى الاقتراح صـ83: "السبر والتقسيم بأن يذكر الوجوه المحتملة ثم يسبرها أى يختبر ما يصلح وينفى ما عداه بطريقة.(1/49)
وبعد, فإن جميع ما استدل به البصريون على حرفية ( رُبَّ) ينبغى أن يسقط على القول بجواز استعمال بعض الحروف أسماء كـ( عن ) و( على) و( مذ) و( منذ) (1).
* ... * ... *
وقد وجه الكوفيون اعتراضات إلى القول بحرفية ( رُبَّ ) منها(2) :
(1) ( رُبَّ ) لا تقع إلا فى صدر الكلام, وحروف الجر لا تقع فى صدر الكلام.
(2) أنها لا تعمل إلا فى نكرة, وحروف الجر تعمل فى النكرة والمعرفة.
وقد أجاب البصريون على هذين الاعتراضين, بأنه كان هذا ؛ لأنها للتقليل, وتقليل الشئ يقارب نفيه, فأشبهت حرف النفى, وحرف النفى له صدر الكلام, وأنها لما كان معناها التقليل, والنكرة تدل على الكثرة وجب ألا تدخل إلا على النكرة التى تدل على الكثرة, ليصح فيها معنى التقليل(3) .
(3) واعترض الكوفيون أيضاً بأن حروف الجر تعمل فى النكرة الموصوفة وغيرها, و(رُبَّ)
لا تعمل إلا فى النكرة الموصوفة فليست ( رُبَّ) من جنسها.
وأجاب عنه البصريون بأنهم جعلوا ذلك عوضاً فى ( رُبَّ ) عن حذف الفعل الذى تتعلق به , وقد يظهر ذلك الفعل فى ضرورة الشعر(4) .
وردُّ البصريين مبني على أن ( رُبَّ) عندهم تتعلق, لكن الراجح وهو مذهب ابن هشام أنها لا تتعلق(5) .
(4) ورابع ما اعترض به الكوفيون على حرفية ( رُبَّ) أنه لا يجوز إظهار الفعل الذى تتعلق
به, وحروف الجر يظهر معها الفعل الذى تتعلق به.
__________
(1) ... انظرفي استعمال هذه الكلمات أسماء وحروفاً فى: حروف المعانى للزجاجى صـ77, ومعانى الحروف للرمانى صـ94, 103, 104, 107.
(2) ... انظر: هذه الاعتراضات فى ابن يعيش 8/27, والإنصاف 2/832, وائتلاف النصرة صـ144.
(3) ... انظر هذا التعليل فى: المقتضب 4/139, 140, والأصول 1/416, والشعر صـ 110 , وشرح المقدمة النحوية صـ184, والإنصاف 2/832, واللباب 1/363, وابن يعيش 8/27, وشرح الجمل لابن عصفور 1/477.
(4) ... انظر: الإنصاف 2/834, وائتلاف النصرة صـ145.
(5) ... انظر: المغنى صـ423.(1/50)
وقد أجاب عنه البصريون بأنهم فعلوا ذلك إيجازاً واختصاراً للعلم به, والحذف على سبيل الجواز أو الوجوب لدلالة الحال كثير في كلامهم.
* ... * ... *
وهكذا اجتهد البصريون فى رد اعتراضات الكوفيين, ولكنها ردود يبدو فيها أحياناً التكلف, وكان يكفيهم فى رد هذه الاعتراضات أنه ليست مجرد المخالفة للشى فى جنسه كافية فى إخراجه منه كما أن المشابهة كذلك ليست موجبة للإلحاق, "ألا ترى ( ما ) تفارق حروف النفى بإعمال أهل الحجاز إياها رفع الاسم ونصب الخبز, ولا يوجب ذلك اسميتها"(1) كما قال ابن الخباز. * ... * ... *
الرأى الثالث والأخير وهو لابن أبى الربيع(2) والألوسى(3) أن ( رُبَّ) حرف جر وقد تستعمل اسماً للضرورة, كما تستعمل ( عن) اسماً.
وقولهما كأنه حل وسط للتوفيق بين حجج البصريين والمروى عن العرب الذى استدل به الكوفيون, ولكن المشكلة ما زالت قائمة؛ إذ كيف يمكننا أن نضع حدوداً واضحة للفصل بين الحرف والاسم, وقولهما هذا يلغى الفوارق الكبيرة التى وضعها النحاة بين الاسم والحرف.
* ... * ... *
__________
(1) ... توجيه اللمع صـ333.
(2) انظر : البسيط 1/861.
(3) انظر: الضرائر للألوسى صـ240. والألوسي هو: السيد الشيخ شهاب الدين محمود بن السيد
عبدالله أفندي الألوسي البغدادي, ينتهي نسبه الشريف من جهة الأب إلى سيدنا الحسين، ومن جهة الأم إلى سيدنا الحسن، كان رحمه الله تعالى خاتمة المفسرين ونخبة المحدثين، أخذ العلم عن فحول العلماء، ومنهم والده ، اشتغل بالتدريس والتأليف وهو ابن ثلاث عشرة سنة، من مؤلفاته روح المعاني في تفسير القرآن , ومنها شرح السلم في المنطق. توفي رحمه الله تعالى سنة ألف ومائتين وسبعين ( 1270) انظر ترجمته في : هدية العارفين2/ 419 .(1/51)
وهكذا تعددت الآراء فىالمسألة, ودافع كل فريق عن رأيه بحجج أحياناً قوية, وأحيانا يبدو فيها التكلف, والفصل فى المسألة ليس هيناً, يقول ابن فارس: هَذِهِ مقالاتُ القومِ فِي حدِّ الاسمِ يُعارضُها مَا قَدْ ذكرته. وَمَا أعلمُ شيئاً مما ذكرته سَلِمَ من مُعَارضَةٍ. والله أعلمُ أيُّ ذَلِكَ أصحُّ" (1).
لكن بما أن الكوفيين فى أدلتهم مثبتون, والبصريين نافون, فالمثبت مقدم على النافى خاصة أن الاسم هو الأصل, وكما يقول ابن الخشاب: "فإذا أردت سبرها –أى الكلمة- هل هى اسم أو فعل أو حرف- فعرضت عليها علامات الأسماء, فلم تقبلها, وعلامات الأفعال فلم تصح فيها, ثم لم ترها تدل على ما تدل عليه الحروف من المعنى فى غيرها عدلت إلى الحكم عليها بأنها اسم ؛ لأن الاسم هو الأصل, والمجهولات ترد إلى الأصول, وتحمل عليها دون الفروع"(2) .
للسابق يبدو أن ( رُبَّ) اسم لا حرف كما قاله البصريون.
* ... * ... *
ويترتب على ما سبق من الخلاف أن من جعل (رُبَّ) حرفاً لا يجيز العطف عليه كما عطف على ( كم), قال المبرد: "ولو قلت ( كم رجل قد أتانى لا رجل, ولا رجلان ) كان جيداً لأنك تعطف على (كم), ولا يجوز مثل هذا فى باب ( رُبَّ ) لأنها حرف"(3) .
هذا فى العطف على ( رُبَّ) أما موضع مخفوضها, فإن نحو: ( رُبَّ رجل قال ذلك) يجوز فيه الرفع على الابتداء, أو النصب على الاشتغال أو المفعول(4) .
أما من جعل ( رُبَّ ) اسماً, فينبغى أن يجوز عنده العطف كما عطفوا على ( كم), فيقال: ( رُبَّ رجل لا رجل ), والعطف حينها على ( رُبَّ ) لا على موضعها, فلا يجوز فيه إلا ما يجوز فى موضع ( رُبَّ ).
* ... * ... *
ويمكن الخروج مما سبق بمجموعة من الأساليب على النحو التالى:
(
__________
(1) الصاحبي صـ 92 .
(2) ... المرتجل صـ25.
(3) ... المقتضب 3/65, وانظر فى العطف على (كم) : الكتاب 2/168, والأشباه 2/227.
(4) ... انظر: شرح الجمل لابن خروف 2/548, والارتشاف 4/1742, والهمع 2/253.(1/52)
1) ( رُبَّ رجل ظريفٌ ) ؛ با لرفع جائز عند من قال بالإسمية , ممتنع عند البصريين.
(2) ( رُبَّ رجل ظريفٍ) بالجر, واجب عند البصريين, ومعهم الرضى ؛ لأن خبر ( رُبَّ)
عنده واجب الحذف(1) والجر جائز عند الكوفيين على أنه صفة لمجرور ( رُبَّ) والخبر
محذوف.
(3) ( رُبَّ رجل لا رجلٌ ) بالعطف على ( رُبَّ ) جائز عند من قال بالإسمية, ممتنع عند
البصريين.
دخول تاء التأنيث على ( رُبَّ )
تاء التأنيث قد تدخل على الحرف إذا كان المجرور بها مؤنثاً, والحرف في هذا كالفعل تلحقه تاء التأنيث إذا كان الفعل مؤنثاً, لكن الأصل فى الحروف أن لا تلحقها علامة, وإنما عدوا من ذلك كلمات, يقول الرضى عن تاء التأنيث: "وهى إنما تلحق الفعل وأربعة أحرف, إحداها: (لات ).... والثانية والثالثة التى التى تلحقان ( ثم ) و( رُبَّ ) والأكثر أنها لا تلحقهما إلا إذا وليهما المؤنث؛ إيذاناً به من أول الأمر... والرابعة التى تلحق (لعلَّ)" (2).
ويفهم من كلام الرضى أن هذه التاء الغالب فيها أن تلحق الحرف إذا وليه مؤنث, ومعنى هذا أنها قد تلحق الحرف, وإن لم يليه مؤنث, كما قال أبو العلاء: "ويقولون:"( رُبَّ رجل) و ( رُبَّت رجل) , فيدخلون التاء على ( رُبَّ) وهي حرف كما أدخلوها على ( ثم ), قال ضمرة بن
__________
(1) ... انظر: شرح الكافية 4/292, والخزانة 9/564.
(2) ... شرح الكافية للرضى 4/240, 241 بتصرف.(1/53)
ضمرةالنهشلي (1): مَاوِيَّ يا رُبَّتما غارةٍ شعواءَ كاللِّذْعَةِ بالمِيسَمِ " (2)
وهذا من دخول ( رُبَّ) وبعدها مؤنث. وقد تدخل وبعدها مذكر .
" قال أبو علي في كتاب الشعر: ولحقت بعض الحروف تاء التأنيث، وذلك رُبَّ ورُبَّت، وثم وثمت، ولا، ولات. قال : ... ثمت لا تجزونني عند ذاكم ولكن سيجزيني الإله فيعقبا
__________
(1) ... هو : ضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم شاعر جاهلي. ويقال: إن ضمرة كان اسمه شقة فسماه النعمان ضمرة بن ضمرة. وكان يبر أمه ويخدمها، وكانت مع ذلك تؤثر أخاً له يقال له جندب. انظر ترجمته في : طبقات فحول الشعراء 2/583. والبيت في معاني القرآن للفراء 2/236, والمقتصد 2/834, وأمالي بن الشجري 2/413, والإنصاف 1/105, و ابن يعيش 8/31, والرضي 4/288, والخزانة 9/348. و (ماوي) :/ مرخم ( ماوية ) , وهو اسم امرأة , و(الغارة) : الاسم من ( أغار القوم) أي أسرعوا في السير إلى الحرب , و ( شعواء) : متفرقة ومنتشرة , و( اللذعة) من لذعته النار : أ حرقته , و( الميسم) اسم آلة من الوسم , وبها توسم الإبل . وقد قال أبو العلاء في الصاهل والشاحج صـ 421 ,422 تعليقاً على هذا البيت وبياناً لأحكام ( رب) : " حذفت منها الهاء فقيل: رب، واجترىء عليها من بعد فخففت الباء فقيل: رُبَ، كما قال"عامر بن حليس": أَزُهَيْرَ إِنْ يَشِبِ القَذَالُ فإِنني رُبَ هَيْضلٍ لَجبٍ لَفَفْتُ بهيضلِ
ثم اجترىء على تسكين الباء، وحكى ذلك بعض الكوفيين. ثم زادت الجرأة فحذفت
رب من الكلام وخلفتها الواو في مثل قول الراجز: وبَلَدٍ عَامِيَةٍ أَعماؤه كأَنَّ لَونَ أَرضِه سماؤه
وكانت هذه الواو من صواحب "رب" القديمة في قولك: ورب غارة، ورب بلد" .
(2) ... انظر: شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/126, 127.(1/54)
وأنشد أبو زيد: (1) يا صاحبا رُبَّّّت إنسانٍ حَسَنْ يسألُ عنكَ اليومَ أو يسألُ عنْ(2)
وقياس من يسكن التاء في ثمت و رُبَّت أن يقف عليها بالتاء، كما يقف على ضربت. وقياس من حرك أن يقف بالهاء، كما يقف على كيت وذيت. "(3)
ويجوز أن يراد بالإنسان فى البيت: المؤنث, كما قال الرضى(4) و ويؤيده أن الإنسان من الناس اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والواحد والجمع كما قال الفيومى فى المصباح(5) .
__________
(1) ... هو : أبو زيد الانصاري النحوي . كان بعد المائتين . اسمه سعيد بن أوس ، أثنى عليه غير واحد . وَهِم في إسناد حديث . وقد كذبه محمد بن عبدالله الأنصاري بلا حجة . انظر ترجمته في :
ميزان الاعتدال - الذهبي 4 / 527 .
(2) ... البيت من بحر الرجز, ولم أجده في نوادر أبي زيد, وهو فى الأزهية صـ264, وابن يعيش 8/32, وشرح الكافية 4/3/323, والخزانة 7/421, 422, 9/386.
و (يا صاحبا): أصله (يا صاحبى) فالألف أصلها ياء, و(يسأل) جواب (رب), وهو العامل فى محل مجرورها, وقوله: (أو يسال عنى) معطوف على يسأل عنك, وكلاهما بياء الغيبة.
(3) ... الخزانة 7/421. وفي التاج مادة ( كيت) : " وكَيْتَ" بالفتح "ويُكْسرُ آخِرُهُمَا"، وهي كِنَايَةٌ عن القِصَّةِ أَو الأُحْدُوثَةِ، حكاهَا سيبويهِ، قال الليث: تقول العرب: كانَ من الأَمْر كَيْتَ وَكَيْتَ، "أَي كذا كذا، والتّاءُ فيهما". وفي نسخة الصّحاح: فيها "هاءٌ في الأَصل" مثل ذَيْتَ وذَيْتَ، وأَصلها كَيَّة وذَيَّة بالتشديد فصارَت تاءً في الوصل، وفي الحديث "بِئس ما لأَحَدِكُم أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وكَيْتَ".
(4) ... انظر: شرح الكافية 3/323, والخزانة 7/421.
(5) ... انظر : المصباح المنير مادة (أنس).(1/55)
وقد منع أبوزيد فى نوادره هذا التأويل فقال: " ليست التاء في ( رُبَّت) للتأنيث فلهذا جاز أن يقال: ( رُبَّت إنسان) (1)", ولا موجب لما قاله أبوزيد, كما أنه لا مانع لما قاله الرضى.
ولكن هل هذه التاء فى ( رُبَّ ) للتأنيث ؟
قال ابن جنى: هى علامة تأنيث كما فى مسلمة وعاقلة(2) .
وقال الفراء: التاء فى( رُبَّت) و( ثمت ) تشبه التأنيث, وليست بتأنيث حقيقى(3) ومثله قال العكبرى(4) , وهو الصواب ؛ إذ الحروف لا معنى لها فى نفسها حتى توصف بتأنيث أو تذكير, ويدل لذلك أنهم لم يسمعوا دخول التاء إلا فى أربعة أحرف وهى ( لات وثمت ولعلت ورُبَّت) على رأى من اختارأن ( رُبَّ ) حرف. وقد سبق. وبعضهم جعل دخول التاء فى ( رُبَّ) لغة فيقال: (رُبَّت) بضم الراء وتشديدالباء وفتحها, و(رُبَّت) بسكون التاء, و(رَبَّت) بفتح الثلاثة,
__________
(1) ... انظر: الخزانة 7/422.
(2) ... انظر: سر صناعة الإعراب 1/265.
(3) ... انظر: المذكر والمؤنث للأنبارى 1/182.
(4) ... انظر: اللباب 1/180.(1/56)
و( رَبَّتْ) بفتح الأولين وسكون التاء, وتخفيف الباء, و(رُبَّتا) بالضم, وفتح الباء المشددة(1) .
وإذا كانت التاء فى (رُبَّت) تشبه التأنيث, وهى بهذا شبيهة بالتاء فى نحو مسلمة وعاقلة, فإنها تختلف عنها فى أن الوقف عليها يكون بالتاء ؛ لأنها تشبه التاء فى ( قامت ) ؛ إذ ليست
تعقب الإعراب, وكان الكسائى يقف عليها بالهاء؛لأن قبلها فتحة كتاء شجرة(2) .
__________
(1) ... انظر هذه اللغات فى : شرح التسهيل لابن مالك 3/174, والجنى الدانى صـ447, 48 4, والمغنى صـ145, والهمع 2/345. وفي التاج مادة ( ربب) : " وفي الصّحَاح: رُبَّ ورُبَّتَ ورُبَّمَا ورُبَّتَمَا بِضَمِّهِنَّ مُشَدَّدَاتٍ ومُخَفَّفَاتٍ وبِفَتْحِهِنَّ كذلكَ،ورُبٌ بِضَمَّتَيْنِ مُخَفَّفَةً، ورُبْ كَمْذْ قال شيخُنَا: حَاصِلُ ما ذَكَرَه المُؤَلِّفُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لُغَةً، وهو قُصُورٌ ظاهِرٌ، فقد قال شيخُ الإِسلام زَكَرِيّا الأَنْصَارِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ في شَرْحِ المُنْفَرِجَةِ الكَبيرِ له ما نَصُّهُ: في رُبَّ سَبْعُونَ لُغَةً ضَمُّ الراءِ وفتحُهَا مع تَشْدِيدِ البَاءِ وتَخْفِيفِهَا مفتوحةً في الضَّمِّ والفَتْحِ، ومضمومةً في الضَّمِّ، كُلٌّ مِنَ السِّتَّةِ مع تَاءِ التأْنيثِ ساكنةً أو مفتوحة أَو مضمومةً أَو مَعَ مَا، أَو مَعَهُمَا بأَحْوَالِ التَّاءِ، أَو مجردةً منهما، فذلك ثَمَانٍ وأَرْبَعُونَ، وضَمُّهَا وَفَتْحُهَا مع إسْكَانِ البَاءِ، كُلٌّ منهما مع التَّاءِ مفتوحةً أَو مضمومةً، أَو مع مَا، أَو مَعَهُمَا بحالَتَيِ التاءِ، أَو مجردةً، فذلك اثْنَتَا عَشْرةَ، ورُبت، بضم الراءِ وفتحها مع إسْكَانِ الباءِ أَو فَتْحِهَا أَو ضَمِّهَا، مُخَفَّفَةً أَو مُشَدَّدَةً في الأَخيرتَيْنِ، فذلك عشرة" .
(2) ... انظر: معاني القرآن للفراء 2/136, 398, والمذكر والمؤنث للأنبارى 1/182, وسر الصناعة 1/365, وابن يعيش 8/32, والارتشاف 4/1750.(1/57)
حذف ( أنْ ) المصدرية وبقاء عملها
اشتهر بين النحويين أن عوامل الأفعال أضعف من عوامل الأسماء وعللوه بأن الأفعال أدوات للأسماء تعمل فيها، كما تعمل فيها الحروف الناصبة والجارة ، وإن كانت الأفعال أقوي في ذلك، ولذا كان الأصل أن لا يعمل في الأفعال شئ ؛ لأن الإعراب لا يكون إلا بعامل ، فإذا جعل لها عوامل تعمل فيها لزم أن يجعل لعواملها عوامل، وكذلك لعوامل عواملها إلي مالا نهاية(1) .
لهذا فان الأفعال في أصل وضعها لا يدخلها إعراب إلا المضارع ، لمشابهته للأسماء ؛ إذ يقع موقعها ويؤدي معانيها، فيُرْفع ويُنْصب وَُيجْزم، ولما كان الأصل أن لا يعمل في الأفعال شئ لزم إذا عمل في المضارع ناصب أو جازم أن لا يحذف ، لكن ورد في ناصب المضارع الحذف، خاصة في ( أنْ ) المصدرية ، ومن هذا ورد قول ابن أبي حصينة :
وَرِثُوا الفَخرَ قَبلَ أَن يُخلَق الفَخ رُ وَجادُوا مِن قَبل يُعرفُ جُودُ (2)
ويقول أبو العلاء في هذا : " ( وُيَعرف جود ) إذا رويت هكذا جازفي ( يُعرف ) النصب والرفع ، فالرفع علي ما يجب بالمضارع ، والنصب علي إضمار( أن ) والبصريون لا يختارون النصب في قول طرفة :
أَلا أَيُّهَذا اللائِمي أَحضُرَ الوَغى وَأَن أَشهَدَ اللَذّاتِ هَل أَنتَ مُخلِدي (3)
__________
(1) ... انظر : المقتضب 4/80 , ورسالة الغفران صـ336, والإنصاف 2/ 562.
(2) البيت من بحر الخفيف, وقاله في مدح آل مرداس وهو في الديوان 1/150 .
(3) البيت من بحر الطويل وهو لطرفة في ديوانه صـ46 ، والكتاب 3/99 ، ومجالس ثعلب 2/317 ،
وإعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج 2/630 ، والمقتصد 1/79 ، 2/1059 ، و الأمالي
الشجرية 1/123 3/209 ، والإنصاف2/560 ، و التوطئة صـ 140، وشرح الجمل لابن
عصفور 2/143 ، وشرح التسهيل 4/50 ، وشواهد التوضيح صـ 180، وشروح سقط الزند
2/834 ، والمساعد 3/109 ، والخزانة 1/119 .(1/58)
وحكي(1) المازني (2) عن قطرب عن أبيه ، أنه سمع العرب تنصب ( أحضر ) في هذا البيت " (3) .
وإنما استضعف النحويون حذف ( أنْ ) المصدرية للعلة المذكورة قبل , وقد شرطوا في
صحة المحذوف أن لا يكون عاملاً ًضعيفاً ، فلا يحذف الجارللاسم والجازم والناصب للفعل إلا في مواضع قويت فيها الدلالة وكثر فيها استعمال تلك العوامل كما يقول ابن هشام (4) .
و( أنْ ) المصدرية في عملها في المضارع النصب ضعف من وجهين :
الأول : أن الأصل أن لا يعمل في الفعل شئ .
الثاني :أنها عملت النصب لأنها أشبهت (إنَّ ) الناسخة الثقيلة من أوجه ثلاثة .
أولها : أن لفظها كلفظها إلا في التشديد.
ثانيها : أنها مختصة بالأفعال ، كما أن تلك مختصة بالأسماء .
ثالثها : أنها والفعل بعدها مصدر كما أن تلك ومعمولها مصدر ، وكل واحدة منهما
معمولة لغيرها (5).
والفرق بينهما أن الخفيفة لا يعمل فيها إلا الفعل الذي وقوعه غير متحقق ، نحو : ( كرهت و( أحببت ) و( أردت ) ؛ لأنها لمحض الاستقبال ، والثقيلة لا يعمل فيها إلا فعل العلم (6) .
__________
(1) انظر هذه الحكاية في : إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج 2/630 ، والشعر للفارسي صـ439 ,
ورسالة الغفران صـ 336, 337.
(2) ... هو : بكر بن محمد بن بقية وقيل بن عدي بن حبيب .أبو عثمان المازني, بصري المذهب روى عن أبي عبيدة , والأصمعي وأبي يزيد ,وعنه المبرد والفضل بن محمد و اليزيدي وجماعة,كان إماماً في العربية متسعاً في الرواية ,له كتاب في القرآن وآخر في علل النحووله أيضاً تفاسير كتاب سيبويه توفى (249) وقيل (248) هـ.انظرترجمته في : البغية 1/463 ,464, والفلاكة و المفلوكون للدلجي صـ70 ,71.
(3) شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/151 .
(4) انظر : المغني صـ 573 .
(5) انظر : أسرار العربية صـ 170، واللباب 2/30، وتوجيه اللمع لابن الخباز صـ 357 .
(6) ... انظر: توجيه اللمع لابن الخباز صـ 357 .(1/59)
ومع هذا الضعف حذفت ( أنْ ) المصدرية قبل المضارع ، واختلف فيه من وجهين :
الأول : من ناحية جواز الحذف .
الثاني : من ناحية الحكم الإعرابي للمضارع بعد الحذف .
* * *
الوجه الأول من ناحية جواز الحذف : ذهب جماعة من متأخري النحاة إلي أنه لا يجوز حذف ( أنْ ) لا مع العمل ، ولا مع الرفع (1).
??وذهب جماعة إلي جواز الحذف لكن مع رفع المضارع ، وهو مذهب الأخفش(2) وظاهر مذهب ابن مالك (3) الذي قال : " وهذا الحذف في ( أنْ ) نادر ، ولكنه غير مستبعد قياساً علي حذف ( إنَّ ) فإنهما أختان في المصدرية وشبيهتان في اللفظ " ومع هذا فالنصب عنده قد يجوز ، فقد علل حذف ( أنْ ) المصدرية من خبر ( كاد ) مع نصب المضارع فقال: " لأن العامل لا يحذف ، ويبقي عمله إلا إذا اطرد ثبوته " (4).
??وبعضهم أجاز الحذف لكن لدليل يدل علي المحذوف فنحو: ( يعجبني ضرب زيد
ويغضبَ ) بنصب المضارع علي أن الناصب ( أنْ ) المحذوفة ، هذا الحذف حسن
، للفرارمن عطف الفعل علي الاسم ، إذ بتقدير أن المحذوف من الكلام هو ( أنْ )
المصدرية يصح الكلام لعطف الاسم علي الاسم (5).
ومن هذا أيضاً أن يكون في الكلام مثلها ، فيحسن الحذف (6)، كالبيت السابق :
أَلا أَيُّهَذا اللائِمي أَحضُرَ الوَغى وَأَن أَشهَدَ اللَذّاتِ هَل أَنتَ مُخلِدي (7)
__________
(1) انظر : أوضح المسالك 4/178 ، والأشموني 3/315.
(2) انظر رأي الأخفش في : معاني القرآن له 1/ 133 ، 2/474 ، والارتشاف 4/1690 ، و
التصريح 2/245، والهمع 2/323 ، والأشموني 3/315 .
(3) انظر : شرح التسهيل 4/50 ، وشواهد التوضيح صـ 179 ، 180والأشموني 3/315 .
(4) شواهد التوضيح صـ 102 .
(5) انظر : الموجز لإبن السراج صـ121 , والمقتصد للإمام عبد القاهر 2/1085.
(6) انظر : شرح أبيات سيبويه للنحاس صـ 295 ، والشعر للفارسي صـ 439 ؛ واللباب 1/48,
... 2/245 ، والخزانة 1/120 .
(7) ... سبق تخريجه صـ 85.(1/60)
ومن هذا حذف ( أنْ ) بعد ( قبل) و ( قُبيل ) ؛ لأنها لازمة الإضافة ، وحكم الإضافة أن تكون إلي الأسماء ، وذلك كقول الشاعر : انْظُرَا قَبْلَ تَلُوْماني إِلَيْ طَلََلَ بَيْنَ النَّقا فالمُنُحنِي (1)
فإذا أضمر ( أنْ ) في البيت ، فكأنه قال : ( قبل لومكما ) ويجوز أن يكون أضاف ( قبل ) إلى الفعل ؛ لأنها ظرف ، والظروف تضاف إلي الجمل (2) وإنما حذفت النون من ( تلوماني ) تخفيفاً .
? وبعضهم ينظر إلي المصدر المنسبك من ( أنْ ) والفعل ، فإذا كان في محل رفع فإن
الخلاف يكون قليلاً ، ولاسيما إذا كان فاعلاً , وهو رأي أبي العلاء (3)، ولعل ذلك ؛ لأن
الرفع يكون في العُمد ، والتصرف فيها قليل , بخلاف النصب .
* * *
الوجه الثاني من ناحية الحكم الإعرابي للمضارع بعد الحذف : اختلف في الحكم الإعرابي للمضارع بعد حذف ( أنْ ) ، فذهب الكوفيون (4) إلي أنها تعمل النصب مع الحذف من غير بدل ، واحتجوا عليه بالقياس علي عوامل الأسماء ، ورده العكبري بقوله: " وهو قياس فاسد ؛ لأنها أقوي منها ، ولو جاز مثل ذلك لجاز ( يضرب ْ زيد ) وأنت تريد ( لِيضربْ زيد ) " (5).
__________
(1) ... البيت من بحر الرمل وهو في المنصف2/ 337 غير منسوب .
(2) سيأتي الكلام علي إضافة الظرف إلي الجملة صـ 128.
(3) انظر : عبث الوليد صـ 122 , وشرح الكافية للرضي 4/ 80 , واللسان مادة ( دنا).
(4) انظر مذهب الكوفيين في : الأمالي الشجرية 3/209 ، والإنصاف 2/558 ، واللباب 2/31 ،
وشرح المفصل 7/52 ، وشرح التسهيل 4/50 وشرح الكافية للرضي 4/80 ، والرصف
صـ 113، والتصريح 2/245 ، والخزانة 1/119 .
(5) اللباب 2/32 .(1/61)
كما احتجوا بمذهب البصريين في جواز الحذف بعد الفاء في جواب الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض ، وكذلك بعد الواو واللام و أو و حتى ، (1)فكذلك هاهنا (2) .
ورد هذا البصريون بأن هذه الأحرف دالة علي ( أنْ ) المحذوفة ، فنزلت منزلة ما لم يحذف ، بخلاف الذي معنا (3).
وأما أقوي ما احتج به الكوفيون فهو كثرة المسموع من حذف ( أنْ ) ونصب المضارع
بعدها وقد وردت طائفة مما يصح الاستشهاد به نثراً وشعراً ، من هذا, قوله سبحانه : " {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ } (4) في قراءة عبد الله بن مسعود ، بنصب ( لا تعبدوا ) بأن مقدرة ؛ لأن التقدير فيه : ( أن لا تعبدوا إلا الله ) فحذف ( أنْ ) وبقي الفعل علي ما كان عليه ، (5) قال المبرد فيما كان علي مثل هذا : " كل ما أضمر في العربية فهو يعمل عمله مظهراً " (6)، ومثله قال الفارسي : " وحذف ( أنْ ) وإرادتها قد كثر, وما كثر كثرته لم ينبغ إحالته " (7).
وقراءة ابن مسعود هذه يمكن تخرجها علي أن ( لا ) قبلها ناهية , فاللفظ خبري ومعناه الإنشاء (8).
__________
(1) انظر : الخلاف في ناصب المضارع بعد هذه الأحرف في : الإنصاف 2/555: 558 ، وشرح المفصل ... 7/ 21 ، وشرح الكافية للرضي 4/54 .
(2) انظر : الإنصاف 2/562 .
(3) انظر : الإنصاف 2/570.
(4) سورة البقرة من الآية :83 ، وانظر هذه القراءة في: مختصر شواذ القرآن لابن خالويه صـ 15 ،
والقرطبي 2/13 ، والبحر 1/456 , و تفسير الجلالين صـ 19.
(5) انظر : الإنصاف 2/560.
(6) ذكره القرطبي ونسبه للمبرد 2/13 ، وانظر : المقتضب 2/134 .
(7) الشعر صـ 537 .
(8) انظر : معاني القرآن للفراء 1/53 ,والمحرر الوجيز 1/336 ,والإنصاف 2/564 ، 565 ،والبحر
المحيط 1/456 . وفي البرهان - الزركشي 3 / 347, 348 : " قوله :" إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله" فإن ضمن لا تعبدون معنى لا تعبدوا بدليل قوله بعده للناس حسنا عمر وبه يزول الإشكال في عطف الإنشاء على الخبر لكن إن كان حسنا معمولا لأحسنوا فعطف قولوا عليه أولى لاتفاقهما لفظا ومعنى وإن كان التقدير ويحسنون فهو الذي قبله والعطف على القريب أولى وقيل تعبدون أبلغ من صريح النهي لما فيه من إيهام أن المنهي يسارع إلى الانتهاء فهو مخبر النبي عنه " .(1/62)
ومن هذا أيضاً قوله سبحانه " {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} (1) في قراءة من قرأ بنصب ( أعبدَ) (2)
__________
(1) سورة الزمر ,الآية: 64 .
(2) انظر : مختصر شواذ القراءات لابن خالويه صـ 132 ، والكشاف 4/141 ، والقرطبي 15/276 ، والبحر 9 ... /218 ، ودراسات لأسلوب القرآن القسم الأول 1/414 . وفي تفسير مجمع البيان – الشيخ
الطبرسي 8 / 412 , 413: " قوله ( أفغير الله تأمروني أعبد) غير ينتصب على وجهين أحدهما : أعبد غير الله فيما تأمرونني والآخر : أن ينتصب بتأمرونني أي : أتامرونني بعبادة غير الله . فلما حذف أن ارتفع ( أعبد) فصارت أن وصلتها في موضع نصب . ولا يجوز انتصاب ( غير) بأعبد على هذا ، لأنه في تقدير الصلة ، فلا يعمل فيما تقدم عليه . فموضع أعبد ، وأن المضمرة نصب على تقدير البدل من ( غير) ، كأنه قال : أبعبادة غير الله تأمروني . إلا أن الجار حذف كما حذف من قوله ( أمرتك الخير) . وصار التقدير بعد الحذف : أغير الله تأمروني عبادته . فاضمر المفعول الثاني للأمر . والمفعول الأول علامة المتكلم . وأن أعبد بدل من غير . ومثل هذا في البدل قوله : ( وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) أي : ما أنساني ذكره إلا الشيطان . وأقول في بيانه وشرحه : إن تقديره كان في الأصل أفبعبادة غير الله تأمرونني ، ثم حذف الجار الذي هو الباء ، فوصل الفعل فنصبه ، فصار : أفعبادة غير الله تامرونني . ثم حذف المضاف الذي هو عبادة ، وأقيم المضاف إليه الذي هو ( غير) مقامه ، فصار : أفغير الله تأمرونني . ثم جعل ( أعبد) الذي تقديره أن أعبده ، وهو في معنى عبادته ، بدلا من غير الله ، وبيانا للمحذوف الذي هو عبادة في قوله أفبعبادة غير الله ، فصار مثل قوله تعالى ( وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) . ومن قال إن قوله ( أعبد) في موضع نصب على الحال ، فلا وجه لقوله . وأما على الوجه الأول ، وهو أن يكون غير الله منصوباً بأعبد ، فإنه يكون تأمروني اعتراضاً بين العامل والمعمول .(1/63)
فلما حذفت ( أنْ ) بقي الفعل على ما كان عليه .
وحذف ( أنْ ) قبل المضارع ( أعبد ) هو أحد تخريجين لسيبويه في توجيه نصب ( غير ) (1)علي ما فيه من
ضعف ، من جهة أن التقدير عليه " أفغير الله تأمروني أن أعبدَ ) فتنصب ( غير ) بـ( أعبد ) و ( أعبد ) علي هذا التوجيه في صلة ( أنْ ) ، وما بعد (أنْ) لا يجوز أن يعمل فيما قبلها ، لامتناع تقديم الصلة أو شئ منها علي الموصول.
وقول سيبويه بحذف ( أنْ ) علي ما فيه من ضعف ، ومع أنه لا ضرورة ملجأة لهذا التقدير ؛ إذ إنه يمكن أن يخرج علي أن نصب ( غير) في الآية بـ ( أعبد ) و ( تأمروني ) لغو ، كقولهم : ( هو يقول ذلك بلغني ) فـ ( بلغني ) لغو ، فكذلك ( تأمروني ) وهو التوجيه الأول و الأقوى لسيبويه (2) والتقدير عليه:( قل أعبد غير الله فيما تأمروني ) تخريج سيبويه المذكور أولاً يدل علي أنه يجيز حذف ( أنْ ) من غير ضرورة مُلِحَّة ، ولكن هل يجيز سيبويه مع الحذف بقاء النصب ؟ في كلام سيبويه ما يدل علي أنه يجيز بقاءه ، ففي تخريجه لنصب ( أفعله ) من قول الشاعر : فلم أَرَ مثلَها خُبَاسةَ واحدٍ ونَهنَهتُ نفسِي بعدما كِدتُ أَفْعلَهْ (3)
قال : " فحملوه علي ( أنْ ) ؛ لأن الشعراء قد يستعملون ( أنْ ) هنا مضطرين كثيراً " (4).
__________
(1) انظر: الكتاب 3/100.
(2) انظر : المقتضب 2/83 ، وإعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج 2/630, و السيرافي بحاشية
الكتاب3/10 ، والمسائل المنثورة صـ 160، وسر الصناعة 1/256 ، 257 ، ومشكل إعراب القرآن لمكي 2 ... /63 2 ، والإملاء للعكبري 2/185 .
(3) البيت من بحر الطويل ، وهو لـ عامر بن جوين الطائي ، والبيت في الكتاب 1/307 ، والإنصاف
2/561 ، وأمالي السهيلي صـ 84 ، والروض الأنف 2/168 , والمقرب 1/270 ، وشرح التسهيل ... 4/50 , وشواهد التوضيح صـ 101 ، والارتشاف 5/2420 ، والرصف صـ 113و ( الخباسة) : الغنيمة ، و ( نهنهت) : كففت .
(4) ... الكتاب 1/307 .(1/64)
وهذا التخريج لسيبويه يدل دلالة قاطعة علي أنه يجوز عنده حذف ( أنْ ) قبل المضارع وبقاء عملها ؛ لأن هذا التأويل الذي ارتكبه فيه ضرورة بدخول ( أنْ ) في خبر ( كاد ) ومع هذه الضرورة قال سيبويه بالحذف مع بقاء النصب ، مع أنه يمكن تخريج الفتحة في ( أفعله ) بتخريجات أُخَر, أقوي منها ,كالذي قاله المبرد : الأصل ( أفعلها ) ثم حذفت الألف ونقلت حركة الهاء لما قبلها (1)أو أن الأصل ( أفعلنه ) كما حكي الأعلم (2) ثم حذفت نون التوكيد الخفيفة المتصلة بالفعل (3).
__________
(1) ... انظر قول المبرد في : الإنصاف 2/675 ، والمغني صـ 605 .
(2) ... هو: يوسف بن سليمان بن عيسىأبو الحجاج الشنتمري المعروف بالأعلم النحوي، كان عالماًبالعربية واللغة واسع الحفظ, للأشعار ومعانيها، جيد الضبط كثير العناية بهذا الشأن فكانت الرحلة إليه في وقته، وأضر بآخره، وكان مشقوق الشفة العليا شقا واسعا ولذا لقب بالأعلم. وصنف شرح الجمل في النحو لأبي القاسم الزجاج، وشرح الحماسة شرحا مطولاً ورتبها علىحروف المعجم. ولد سنة عشر وأربعمائة (410) هـ، وتوفي بإشبيلية سنة ست وسبعين وأربعمائة (476) هـ.انظر ترجمته في : إنباه الرواة 4/59.
(3) انظر : السيرافي بحاشية الكتاب 1/307 . وفي رسالة الصاهل والشاحج لأبي العلاء صـ 468 :
" وقد قال بعض الناس في قول "عامر بن جوين":
فلم أَرَ مثلَها خُبَاسةَ واحدٍ ونَهنَهتُ نفسِي بعدما كِدتُ أَفْعلَهْ
أنه نقل حركة هاء التأنيث إلى اللام. فأما "سيبويه" فدل كلامه على أنه أراد: أن. ويقال: بل أراد النون الخفيفة. وإذا صح مذهب من يزعم أن حركة هاء التأنيث تنقل إلى ما قبلها في الوقف- وهي عندهم لغة لخمية- فهي مثل الرجل طرح ثقل نفسه وحمل ثقل غيره ".(1/65)
ومما سمع فيه حذف( أنْ) وبقاء عملها قول العرب : ( مره يحفرها ) (1)، وقولهم هذا تمثل فيه حركة الإعراب دوراً مهماً , فالرفع جائز في المضارع هنا من وجهين ، الأول من ناحية الاستئناف ، والثاني من ناحية الحال ، كأنه قال : ( مره حافراً لها ).
ويجوز فيه الجزم من جهة أنه واقع في جواب الشرط المقدر ، والتقدير : ( مره إن تأمره يحفرها ) أما النصب ، فعلي تقدير ( أنْ ) المحذوفة (2).
ففي نحو هذا المثال يتعين إذا قدر حذف ( أنْ ) أن يبقي عملها ؛ لنحو هذا السبب .
ومن المسموع أيضاً قول العرب : ( خذ اللص قبل يأخذَك ) بنصب المضارع (3).
* * *
هذا بعض ما سمع عن العرب نثراً مما حذفت فيه ( أنْ ) وبقي عملها ، وكما سمع في النثر سمع في الشعر ، ومن هذا الرواية السابقة عن قطرب عن المازني عن أبيه بنصب ( أحضر ) بعد حذف ( أنْ ) في قوله : * أَلا أَيُّهَذا اللائِمي أَحضُرَ الوَغى * (4) وقد رد البصريون هذه الرواية بأن المسموع عندهم رواية الرفع ، وأما من رواه بالنصب فهو محمول علي التوهم ، توههم أنه أتي بـ ( أنْ ) فنصب ، علي طريق الغلط (5).
__________
(1) انظر : المقرب 1/270، والارتشاف 5/2420 , والمساعد 3/109 ، والهمع 2/323 , واللسان مادة (دنا).
(2) انظر هذه الأوجه في : الكتاب 3/99 ، والمقتضب 2/82 ، وأمالي السهيلي صـ 84 .
(3) انظر : مجمع الأمثال 1/262, وهوبرواية ( خذ اللص قبل أن يأخذك) , و لاشاهد , وقد ورد المثل
برواية الشاهد في : مجالس ثعلب 1/317 , و الشعر للفارسي صـ 439 , و شرح التسهيل /50 , وشرح الكافية الشافية 3/1559 , و شواهد التوضيح صـ 155 , وابن الناظم صـ 688 , و الارتشاف 5/ 2420 , و الهمع 2/323 ..
(4) سبق تخريجه صـ 85.
(5) انظر : الإنصاف 2/ 565 , وراجع في العطف على التوهم :الضرائر للألوسي صـ 277 ,والبيان
في روائع القرآن د/ تمام حسان صـ430.(1/66)
وقول البصريين هذا ليس بقوي ، فإن القول بالتوهم ليس بقوي, وليس أقوي من القول بحذف ( أنْ ) وبقاء عملها .
كذلك ورد عن العرب قول الشاعر ، وقد سبق * ونَهنَهتُ نفسِي بعدما كِدتُ أَفْعلَهْ * (1) وقد رده البصريون كسابقه بأن النصب فيه علي التوهم بذكر ( أنْ ) ، أو أن الأصل ( أفعلها ) فحذف الألف ، وألقي فتحة الهاء علي ما قبلها ، أو أن الأصل ( أفعلنه ) فحذفت نون التوكيد الخفيفة وبقيت الفتحة ، وقد سبقت هذه التخريجات (2)ولكن الأقرب منها القول بحذف ( أنْ ) وبقاء عملها ، خاصة أن ثمة نظائر سمع فيها حذف ( أنْ ) وبقاء عملها ، وما لا يحتاج إلي تأويل أولي مما يحتاج إليه .
هذه هي أدلة الكوفيين أما أدلة البصريين ، فتعتمد أساساً علي القياس , قالوا إن عوامل الأفعال ضعيفة ، فينبغي أن لا تعمل مع الحذف من غير بدل ، وكما أن ( إنَّ ) المشددة لا تعمل مع الحذف ، فينبغي أن لا تعمل( أنْ ) المخففة إذا حذفت ؛ لأنها أضعف منها , وقد عملت( أنْ ) بالحمل علي ( إنَّ ) ، فإذا لم تعمل هذه لم تعمل تلك (3).
ويدل لضعف ( أنْ ) المصدرية أنها قد تهمل مع عدم الحذف (4)، ومن هذا قول الشاعر:
__________
(1) سبق تخريجه صـ 89 .
(2) انظر : االصفحة السابقة .
(3) انظر : الإنصاف 2/562 ، 563 ، واللباب 2/31 ، وشرح المعلقات العشر للشنقيطي صـ 81 .
(4) انظر : الإنصاف 2/563 .(1/67)
أنْ َتْقرَآنِ عَلَىْ َأسْماءَ وَيحَكُمَا مِنَِيْ الَّسلامَ وَألَّا ُتْشِعرَا َأَحَدا (1)
ومع أن هذا البيت فيه توجْيهات أُخر (2) لكن علي الفرض بأن ( أنْ ) في البيت مهملة فإنه لا ينفي أن ( أنْ ) قد تحذف ويبقي عملها ، فما ورد من المسموع أقوي من القياس ، كما أن إهمال ( أنْ ) مع بقائها ليس كثيراً ، ككثرة حذف ( أنْ ) وبقاء عملها .
* * *
ولكن إذا حذفت ( أنْ ) فهل بقاء النصب واجب أو جائز ؟ وهل يُذهب الرفع بعد الحذف معني ( أنْ ) ؟
قال السهيلي : " إذا كان الكلام محمولاً علي معناها - معني ( أنْ ) (3)
__________
(1) البيت من بحر البسيط ، ونسبه في الخزانة 8/420 لـ يزيد بن مفرغ ، ومجهول القائل في مجالس ثعلب 1/322 ، وشرح الجمل لابن عصفور 1/437 ، وشرح المفصل 7/15 ، و 8/143 ، وشرح الكافية للرضي 4/35 ... والمغني صـ 42 ، 661 ، والأشموني 3/287 . وفي اللسان , مادة ( أنن) : " قال ابن جني: سأَلت أَبا عليّ،رحمه الله تعالى، لِمَ رَفَع تَقْرآنِ؟ فقال: أَراد النون الثقيلة أَي أَنكما تقْرآن؛ قال أَبو علي: وأَوْلى أَنْ المخففة من الثقيلة الفعل بلا عِوَض ضرورة، قال: وهذا على كل حال وإن كان فيه بعضُ الصَّنعة فهو أَسهلُ مما ارتكبه الكوفيون، قال: وقرأْت على محمد بن الحسن عن أَحمد بن يحيى في تفسير أَنْ تقْرآنِ، قال: شبَّه أَنْ بما فلم يُعْمِلها في صِلَتها، وهذا مذهب البَغْداديّين، قال: وفي هذا بُعْدٌ، وذلك أَنَّ أَنْ لا تقع إذاوُصلت حالاً أَبداً، إنما هي للمُضيّ أَو الاستقبال نحو سَرَّني أَن قام، ويُسرُّني أَن تقوم" .
(2) انظر هذه التوجيهات في : شرح الكافية للرضي 4/35 ، والمغني صـ 42 ، و الأشموني 3/287 .
(3) انظر معني ( أنْ ) في نتائج الفكر صـ 97, وفيه أنها تفيد الاستقبال وكذلك شرح العوامل المائة
النحوية صـ245.(1/68)
– فالنصب جائز ، والرفع جائز أيضاً ... وإذا رفعت في هذا الموضع لم يذهب الرفع معني ( أنْ ) فقد حكي سيبويه : ( مره يحفرها ) وقدره تقديرين : أن يريد الحال,أي ( مره حافراً لها) والثاني أن يريد : مره أن يحفرها ، و بيَّن ابن جني الفرق بين التقديرين ، وقال : إذا نويت ( أنْ ) فالفعل مستقبل ، وإذا لم تنوها فالفعل حاضر " (1).
* ... * ... *
وهذا القول للسهيلي وجيه وجدير بالإتباع ، وعليه فإن بقاء النصب بعد حذف ( أنْ )أو رفع المضارع راجع إلى إرادة المتكلم , فإذا أراد وجود الفعل في المستقبل نصب المضارع وإلا رفعه.
وهذا بالنسبة إلى النصب أو الرفع في المضارع ,أما حذف( أ نْ ) من الكلام فلا يختلف علي جوازه وكثرته في الكلام ، حتى قال الفارسي :" وحذف ( أنْ ) وإرادتها قد كثر ، وما كثر كثرته لم ينبغ إحالته " (2).
وقال ابن جني : " علي أن حذف ( أنْ ) قد كثر في الكلام حتى صار كلا حذف (3) " وقال الرضى : " تضمر ( أنْ ) في غير المواضع كثيراً " (4).
وحذف ( أنْ ) ظاهرة منتشرة ومستمرة في العصور المختلفة ، وإن لم تكن عصور احتجاج وهي سنة من سنن العرب كما يقو ل الثعالبي (5) ،ويبدو أن حذف ( أنْ ) قد كثر حتى ارتكبوه في خبر( عسى ) مع أنه خلاف الأصل (6) وأشار ابن السراج إلى أن ذلك الحذف مطرد في لهجة لبعض العرب (7).
__________
(1) الروض 2/168 بتصرف ، وانظر أمالي السهيلي صـ 84 .
(2) الشعر صـ 537.
(3) انظر : سر الصناعة 1/256 .
(4) شرح الكافية للرضي 4/80 .
(5) ... انظر : فقه اللغة صـ 235 , 236 .
(6) ... انظر هذا في :الضرائر لابن عصفور صـ 118 , وموارد البصائر لفرائد الضرائر صـ163.
(7) ... انظر: الموجز لابن السراج صـ60 , وراجع : ما يجوز للشاعر في الضرورة للقزاز القيرواني صـ184 , و185.(1/69)
وقد قام ا/ محمد عبد الغني حسن عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة بعمل استقراء جزئي لحذف ( أنْ ) من الشعر في عصور مختلفة ، اتضح من خلاله أن الحذف في الاستعمالات العامية له أصل في العربية (1)، وكذلك قام أ / عبد العليم فوده خبير لجنة الأصول بالمجمع باستقراء أوسع من سابقه شمل القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ، وكلام العرب نثراًوشعراً في عصور الاحتجاج وغيرها , وخلص إلي أن حذف ( أنْ ) ظاهرة لغوية مستمرة(2) .
علي أنه ينبغي أن يلتفت إلي أنه ليس كل أسلوب يجوز فيه حذف ( أنْ ) ، فنحو : ( حق لزيد يقومُ ) يجوز كما قال ثعلب (3) ، وكذلك ما ورد عن العرب من قولهم لمن توجه في أمر : ( تصنعَ ماذا ) و ( تفعلَ ماذا ) علي تقدير( تريد أن تصنع ماذا ) ، ومثل هذا الأسلوب يجوز فيه النصب ، أما نحو ( تريد ماذا ) فلا يجوز فيه إلا الرفع ؛ لأن المعني الذي يجلب معني ( أن ) الناصبة ليس في قوله : ( تريد ) إذ لا يستقيم أن يقال : تريد أن تريد (4).
* * *
القياس والسماع ذهب جماعة إلي أن حذف ( أنْ ) شاذ , وهو غير جائز لا مع الرفع ولا مع النصب (5).
__________
(1) ... انظر : مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة عدد 43 صـ 50 ، 51 .
(2) انظر : مجلة مجمع اللغة العربية عدد 61 صـ 141 : 146 .
(3) انظر : مجالس ثعلب 2/317 .
(4) انظر : الروض الأنف 2/168 .
(5) انظر : أوضح المسالك 4/178 , والتصريح 2/245 ، والأشموني 3/315 .(1/70)
وذهب الأخفش وجماعة إلي أن الحذف جائز ، لكن مع رفع المضارع فيقاس عليه(1)ومذهب الكوفيين جواز الحذف مع بقاء العمل ، والقياس عليه مطرد والبصريون بخلافهم (2)وقد أخذ مجمع اللغة العربية بالقاهرة برأي من أجاز الحذف ، لكنه لم يوضح حق المضارع من حيث النصب أو الرفع بعد الحذف (3).
والحق أن حذف ( أنْ ) لكثرته في الكلام ينبغي جواز القياس عليه ، أما نصب المضارع أو رفعه ، فأمر راجع إلي إرادة المتكلم نفسه كما سبق .
علي أن هناك بعض الأساليب التي يجب فيها نصب المضارع إذا أريد معني ( أنْ ) مثل ( مره يحفرها ) ، وهناك أساليب يجب فيها رفع المضارع ، كما في نحو ( تريد ماذا ) وقد سبق هذا كله .
* * *
ما يترتب علي ما سبق من أوجه الاستعمالات الجائزة والممتنعة .
1- نحو ( حق لزيد يقومُ ) بالرفع وحذف ( أن ) قيل المضارع غير جائز عند
جماعة من النحويين المتأخرين ، وجائز عند ثعلب وابن مالك وغيرهما.
2- نحو ( حق لزيد يقومَ ) بنصب المضارع بعد حذف ( أن ) جائز عند الكوفيين
ممتنع عند البصريين .
3- نحو( يعجبني ضرب زيد و يغضب َ) بنصب المضارع بعد حذف ( أن )
حسن عند الجرجاني لوجود دليل .
4- نحو ( أمرني ربي أعبدهَ وأن أطيع والديَّ ) جائزعند فريق من النحويين
لوجود دليل .
5- نحو ( تصنع َُماذا ) و ( تفعلُّ ماذا ) بالرفع والنصب جائز عند السهيلي .
6- نحو ( تريد ماذا ) واجب الرفع عند السهيلي .
... 7 ـ ... - نحو ( مره يحفرَها ) واجب النصب إذا أريد معني ( أنْ ) .
وقوع الضمير بعد ( لولا ) وإعرابه
__________
(1) سبق الكلام علي مذهب الأخفش ، انظر حاشية صـ 86 .
(2) سبق الكلام على مذهب الكوفيين والبصريين ، انظر : حاشية صـ 87 .
(3) انظر : مجموعة القرارات العلمية للمجمع في خمسين عاماً صـ 147 .(1/71)
الاسم الواقع بعد ( لولا) الأصل فيه أن يكون ظاهراً, وهو مرفوع بالابتداء عند البصريين وبالفاعلية عند الكوفيين(1) , فإذا كنى عنه, فينبغى أن لا يختلف إعرابه, والأجود فى الكناية أن تكون بضمير منفصل؛ لأن المنفصل يحل محل الاسم, ويعرب بإعرابه مبتدأ كان أو فاعلاً, وهذا هو الكثير والقياس. فيقال: ( لولا أنا) و( لولا أنت), و( لولا هو), قال تعالى: { لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} (2) .
وقد يكون بضمير متصل, فيقال: ( لولاك ) و( لولاه ) و( لولاى ), بوقوع ضمائر النصب والخفض بعدها , وفى صحة ذلك خلاف , وفى إعراب هذه الضمائر خلاف أيضاً.
وقد جاء على ( لولاك ) قول ابن أبى حصينة:
وَرَدَدتَ بِالبيضِ الصَوارِمِ دَولَةً لَولاكَ ما كانَ الزَمانُ أَدالَها (3)
وفى ذلك يقول أبو العلاء: "( لولاك) قد مضى ذكرها(4) , وأن بعض العلماء يجيز أن يقال: ( لولاك), و( لولاى), ومنه قول يزيد بن الحكم الثقفى(5) :
__________
(1) ... انظر: المقتضب 3/76, والأزهية صـ166, وشرح المفصل 8/145, 146و الإنصاف 1/70, والجنى الدانى صـ601.
(2) ... سورة سبأ من الآية: 31.
(3) ... البيت من بحر الكامل, وهو فى الديوان 1/85.
(4) ... لم أعثر على غير هذا الموضع مما يتعلق بـ( لولا) فى شرح الديوان, ولعله سقط , ولم يلتفت إليه المحقق. وانظر كلام أبي العلاء في شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 55 .
(5) ... هو: يزيد بن الحكم ابن أبي العاص الثقفي ، البصري ، من فصحاء الشعراء . حدث عن عمه عثمان بن أبي العاص . روى عنه معاوية بن قرة ، وعبد الرحمن بن إسحاق . وله وفادة على سليمان بن عبدالملك ، فوصله بمال جسيم ، وكان قد عين لإمرة فارس . انظر ترجمته في : الأغاني 12/233 , و سير أعلام النبلاء - الذهبي 4 / 519 :(1/72)
وكم مَوطنٍ لولاي طِحْتَ كما هَوي بأَجْرامه من قلّة النِّيق مُنْهوِي (1)
و أبو العلاء نفسه يرى جواز ذلك , و قد ورد من هذا قوله :
ولولاكَ لم تُسْلَمْ أفامِيّةُ الرّدى وقد أبصَرَتْ مِن مِثْلِها مصرَعَ الرّدي (2)
ومحل الخلاف هنا فى أمرين: الأول: فى صحة وقوع الضمائر المتصلة بعد (لولا).
الثانى: فى إعراب هذه الضمائر.
الأمر الأول: فى صحة وقوع الضمائر المتصلة بعد ( لولا).
ذهب المبرد إلى أنه لا يصلح ولا يصح أن يقال: ( لولاى) و( لولاك) و( لولاه) دافعاً ما ورد من قول يزيد بن الحكم الثقفى السابق, قائلا ً: "والذي أقوله إن هذا خطأ, لا يصلح إلا أن تقول: ( لولا أنت) كما قال الله عز وجل: { لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}ومن خالفنا يزعم أن الذى
قلناه أجود"(3).
__________
(1) ... البيت من بحر الطويل, ليزيد بن الحكم الثقفى, وهو فىالكتاب 2/374, ومعانى القرآن للفراء 2/85 , والخصائص 2/261, وسر الصناعة 1/340, وأمالى ابن الشجرى 2/512, والقرطبي 17/84 , والإنصاف 2/691, والهمع 2/374, والخزانة 5/336. و( طحت ) : أى سقطت, ويجوز فى الطاء الضم والكسر. و(هوى): سقط. و(الأجرام) جمع جرم, وجرم كل شئ جثته. و(القلة): أعلى الجبل. و(النيق): أرفع موضع فى الجبل. و(المنهوى): الساقط.
(2) ... البيت من بحر الطويل , وهو في شروح سقط الزند 1/360 .
(3) ... الكامل 2/280, وانظر: المقتضب 3/73.(1/73)
وحجته كما قال ابن يعيش(1) وابن عصفور(2) وغيرهما: أن فى هذه القصيدة لحناً كثيراً, ومن جملتها قوله: ( لولاى), فلا ينبغى أن يحتج بها, وقد رده المبرد وسفَّه قائله(3) , كمارد قول الأخفش بأنه قد استعير ضمير الخفض والنصب لضمير الرفع فاستويا, كما استوى الخفض والنصب, قائلا إنه "لا يجوز هذا , وإنما يتفق ضمير النصب وضمير الخفض كاستوائهما فى التثنية والجمع, وفى حمل المخفوض الذى لا يجرى علىلفظ النصب ومثل قولك: مررت بِعُمَرَ, استوى فيه الخفض, والنصب وأدخلت الخفض على النصب كما أدخلت النصب على الخفض, فهذا متواخيان. والرفع بائن منهما"(4) .
ومعنى هذا أن المبرد يجيز الاستعارة بين المخفوض والمنصوب دون المرفوع.
*كما احتج المبرد بأنه لم يأت فى القرآن غير الضمير المنفصل(5) .
إذن فالمبرد ينكر هذا الأسلوب لأمرين: الأول: أنه لا يصح فى القياس عنده أن يقع ضميرا النصب والخفض موضع ضمير الرفع.
والثانى: أنه لم يرد السماع به, وما ورد منه فهو لحن.
أما الأول فلا يستقيم له ؛لأن الضمائر يقع بعضها موقع بعض, وتخصيصه إياها بضميرى النصب والجر فىجواز التبادل بينهما لا معنى له, فإنه كما يستوى لفظ الضمير(6) فى النصب والخفض فى نحو: (أكرمتك) و( مررت بك) يستوى أيضاً فىالرفع والخفض فى نحو ( قمنا) و ( مر بنا) وفى النصب والخفض فى نحو ( رأيتك أنت) و( مررت بك أنت) (7) .
__________
(1) ... انظر: شرح المفصل 3/120.
(2) ... انظر: شرح الجمل الكبير 1/473.
(3) ... الخزانة 5/338, وانظر أمالى ابن الشجرى 1/277.
(4) ... المقتضب 3/73, وانظر: الكامل 2/280.
(5) ... أمالى ابن الشجرى 1/277, وانظر: الإنصاف 2/687, والخزانة 5/339.
(6) ... انظر هذا الرد وهذه الأمثلة فى : معانى القرآن للفراء 2/85, وأمالى ابن الشجرى 1/276, وشرح المفصل لابن يعيش 3/122, وأمالى ابن الحاجب 2/48, والخزانة 5/339.
(7) ... مجالس ثعلب 1/133.(1/74)
* يلزم المبرد –على قياسه- أن يرفض نحو: ( ما أنا كأنت, ولا أنت كأنا) (1) لوقوع
المرفوع موقع المجرور, وقد نسب إليه ابن يعيش جواز دخول الكاف على الضمير(2).
* كما يلزمه أن يرفض نحو ( يا أنت) لوقوع ضمير الرفع موقع ضمير النصب,
__________
(1) ... سبق تفصيل هذه المسألة صـ 59.
(2) ... شرح المفصل 8/44, وأطلق ابن يعيش ولم يفرق بين دخول الكاف على ضميرى النصب والجر وبين ضمير الرفع, لكن ما فى المقتضب 1/390, يشير إلى رفض المبرد الاستعارة بين ضميرى النصب والجر وضمير الرفع, وسبق الكلام بالتفصيل على هذه المسألة, ولكنى أذكر هنا أن ابن مالك جعل دخول الكاف على ضمير الرفع المنفصل جائزا لكنه أقل من دخول الكاف على أنت وإياك (التسهيل صـ147) و(شرح التسهيل لابن مالك) 3/169, لكن شراح التسهيل نازعوه فى مقالته, فقال ابن عقيل: " ونوزع فى كون أنت ونحوه أقل من كها, فقيل: إن لم يكن أكثر منه, فلا أقل من كونهما سيين" المساعد 2/275, وانظر فىالمنازعة : الأشمونى 2/208, والخزانة 10/199.بل إن ابن عصفور جعل حكمها فى سعة الكلام أن لا تجر إلا الظاهر أو الضمير المنفصل بجريانه مجرى الظاهر, فيقال: ماأنا كأنت, وماأنت كأنا" الخزانة 10/195, فجعل ابن عصفور بهذا وقوع المرفوع موقع المجرور جائزاً فىسعة الكلام, وجعل نحو (كها أ وكه أو كى) من قبيل الضرورة ؛ لأن المعول عنده على أن الكاف لا تجر إلا الظاهر أو ما يقوم مقامه وهو الضمير المنفصل, وليس المعول على وقوع ضمير رفع موقع نصب أو جر أو العكس.بل إنهم آثروا أن لا يقولوا : (أنا كك) مع ما فيه من إفراد للكلام بوقوع ضميرللجر بعد جار فراراً من اجتماع المثلين, وآثروا أن يقولوا: (أنا كأنت) وما ذلك كما يقول الفراء إلا لأن الكنى تجرى مجرى حروف المعانى فتعرف بالدلالات. انظر: الخزانة 10/198.(1/75)
ولم يرد عنه رفضه(1) .
* أيضاً فإن العرب استعارت ضمير النصب لضمير الرفع فى نحو ( عساك) ؛إذ إن (عسى)
اسمها يكون مرفوعاً, وهو هنا فى محل نصب؛ بدليل: (عسانى) ؛ لأن هذه النون لا تلحق
الياء بعد الفعل إلا إذا كانت منصوبة كما قال سيبويه(2) .
نعم رده المبرد بأنه فى محل نصب مفعول (عسى) مقدم والفاعل مضمر(3) , فاستقامت له قاعدته هنا, لكن قوله فيه تكلف ظاهر, وهو ليس أسهل من القول بوقوع الضمائر بعضها
موقع بعض.
* وإذا أُخذ برأى ابن مالك فى تخريج المسألة الزنبورية ( قد كنت أظن أن العقرب أشد
لسعة من الزنبور فإذا هو هى أو فإذا هو إياها) أنه قد استعير ضمير النصب لضمير
الرفع(4) , فهذا مما يؤكد وقوع الضمائر بعضها موقع بعض, وقال بهذا أيضاً فى قراءة
__________
(1) ... كذلك لم يرد عنه قبوله, لكن من أجازه ينبغى عليه أن يجيز وقوع الضمائر بعضها موقع بعض, وانظر فى (يا أنت) الكتاب 1/291, والإنصاف 1/325, وشرح التسهيل لابن مالك 3/387, 388, وشرح الكافية للرضى 1/350, و التصريح 2/165, والهمع 2/35, والأشمونى 3/135.
(2) ... انظر: الكتاب 2/375.
(3) ... انظر: المقتضب 3/71, 72. ونسب البعض للمبرد أن (الكاف) خبر واسم (عسى) ضمير, انظر فى التوفيق بينهما كلام الشيخ عضيمة بحاشية المقتضب 3/72, وفى المسألة تخريجات أخرى انظر التخرجيات ونسبة الرأى للمبرد فى: الإنصاف 2/687, 688, وشرح المفصل لابن يعيش 3/122, وشرح الكافية للرضى 2/447, والمغنى صـ160.
(4) ... انظر: المغنى صـ101.(1/76)
الحسن {إِيَّاكَ يُعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) بالبناء لما لم يسم فاعله(2) .
* بل إننا إذا أعملنا الرأى فإن الإتيان بالضمير المتصل لا يعدل عنه إلى الضمير المنفصل
إذا أمكن كما هو معلوم, فإنه أخصر وأوجز(3) .
نعم في وقوع المتصل هنا مخالفة بوقوع المنصوب والمجرور فى (لولاك) و(لولاه) و(لولاى) موقع المرفوع فى نحو (لولا أنا) و( لولا أنت) و(لولا هو), لكن له نظير كما سبق, فيقويه ,وإن كان الأجود الإتيان بالمنفصل بعده خروجاً من هذا الإشكال.وبعد الذى ذكرته لا يستقيم للمبرد أن يقول: "ومن خالفنا يزعم, أن الذى قلناه أجود, ويدعى الوجه الآخر, فيجيزه على بعده" (4) .
* ... * ... *
وإذا ثبت أن الضمائر يقوم بعضها مقام بعض , لم يبق للمبرد إلا الأمر الثاني مما احتج به
, و هو انتفاء السماع , في ( لولاي ) وأخواتها , على زعمه , و هو كثير الرد للروايات التي لا تتفق ومقاييسه (5) حتى أنه وهَّم يزيد بن الحكم في قوله السابق :
وكم مَوطنٍ لولاي طِحْتَ كما هَوي بأَجْرامه من قلَّة النِّيق مُنْهوِي
__________
(1) ... سورة الفاتحة آية : 5.
(2) ... قرأ الحسن وأبو المجلز وأبو المتوكل : (إياك يعبد) مبنيا للمفعول, وعن بعض أهل مكة (نعبد) بإسكان الدال. وقرأ زيد بن على ويحيى بن وثاب, وعبيد بن عمير الليثى: (نعبد) بكسر النون. البحر المحيط 1/41, وانظر تخريج ابن مالك لقراءة البناء للمفعول على استعارة ضميرالنصب لضمير الرفع فى شرح التسهيل 3/388.
(3) ... القاعدة أنه إذا أمكن أن يؤتى بالضمير المتصل فلا يؤتى بالضمير المنفصل. وانظر فىإيثار الضميرالمتصل على المنفصل: الخصائص 2/194, 195, وتوجيه اللمع لابن الخباز صـ308, 309, وشرح المفصل لابن يعيش 3/101, 102.
(4) ... الكامل 2/ 280 .
(5) ... انظر كلام الشيخ عضيمة ـ رحمه الله ـ عن رد المبرد للروايات في مقدمة تحقيق المقتضب 1/ 117 .(1/77)
ولم يسمع المبرد غير هذا البيت , و هو عنده خطأ , فلا يحتج به , و هو الذي قال : ( إذا جعلت النوادر والشواذ غرضك , و اعتمدت عليها في مقاييسك كثرت زلاتك " (1) .
وهو الذي قال : " والقياس المطرد لا تعترض عليه الرواية الضعيفة " (2) .
وقد حُكِى عن المبرد أنه قال : " وحدثت أن أبا عمرو اجتهد في طلب مثل ( لولاك ) و ( لولاي ) بيتاً يصدقه، أوكلاماً مأثوراً عن العرب، فلم يجده. قال أبو العباس: وهو مدفوع لم يأت عن ثقة؛ ويزيد بن الحكم ليس بالفصيح.وكذلك عنده قول الآخر(3):
*لولاكِ هذا العامُ لم أحْجُجِ * (4)
قال: إذا نظرت إلى القصيدة رأيت الخطأ فيها فاشياً "(5) .
ويبدو من هذا أن المبرد معذور في مقالته , فلم يسمع غير أبيات انتفت فصاحة صاحبيهما عنده .
أما إنكار المبرد فصاحة يزيد بن الحكم , فقد قال فيه ابن يعيش :" وإنكار مثل هذا لا يحسن ؛ إذ الثقفي من أعيان شعراء العرب , و قد روى شعره الثقات , فلا سبيل إلى منع الأخذ به " (6) .
ورد أبو عبيدة إنكار المبرد قائلاً : " ما كان لأبي العباس أن يسقط الاستشهاد بشعر رجل من العرب قد روى قصيدته النحويون وغيرهم , واستشهدوا بهذا البيت وغيره , و لا أن ينكر ما أجمع الجماعة على روايته عن العرب " (7) .
__________
(1) ... الأشباه والنظائر 3/ 22 1 .
(2) ... الكامل 1/ 58 , وانظر : الخزانة 9/ 121 . ... ... ...
(3) ... من كلام النحاس نقله عنه في الخزانة 5/ 340 . ...
(4) ... عجز بيت من السريع , صدره * أومت بعينيها من الهودج * لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه صـ 80, وهو في الإنصاف 2/ 693, وابن يعيش 3/ 19,وشرح الجمل لابن عصفور 1/ 473 , و شرح الكافية للرضي 2/444 , وشرح قطر الندى صـ 251 , والهمع 2/ 374,و الخزانة 5/ 333, 339, 340 ,342 . ...
(5) ... الخزانة 5/ 340 ... .
(6) ... شرح المفصل 3/120 . ... ...
(7) ... التعليقة للفارسي 2/99 . ... ...(1/78)
ولئن سلم بأن في القصيدة شيئاً شاذاً , فإنه لا يمنع الاستشهاد بها كما قال ابن الشجري (1) .
ومن أجل إسراف المبرد في رد الروايات و انكارها رماه أبو حيان بالهذيان(2) .
ومع هذا فقد وردت أبيات صالحة للاستشهاد بها لا مطعن في قائليها , منها قول عمرو بن
العاص ... أتُطْمِعُ فيْنا مَنْ َأَرَاْقَ ِدمَاَءَنَا وَلَوْلَاك لَمْ يَعْرضْ لِأحْسابِنَا حَسَنُ (3)
وقول عمر ابن أبي ربيعة : *لولاكِ هذا العامُ لم أحْجُجِ *
وقول رؤبة , وهو ممن لا تدفع فصاحته , كما قال النحاس (4) . ...
*لوْلاكُمَا َقْْدْ خَرَجَتْ َنفْساهُمَا*(5)
وأخيراً,فقد قال الزمخشري: و قد روى الثقات عن العرب:(لولاك ), و(لولاي .)"(6).وبهذا يندفع رفض المبرد لهذا الأسلوب , وكما قال ابن جني : " إذا أداك القياس إلى شيء ما ثم سمعت العرب قد نطقت فيه بشيء آخر على قياس غيره فدع ما كنت عليه إلى ما هم
عليه " (7) . * * *
الأمر الثاني : في إعراب هذا الضمير
__________
(1) ... انظر : الأمالي الشجرية 2/ 513 . ... ...
(2) ... انظر : الارتشاف 4/ 1757 . وهذه قسوة من أبي حيان على المبرد , و قدح العلماء في بعضهم لا يؤخذ به . ...
(3) ... البيت من بحر الطويل , و ينسب لعمرو بن العاص يقوله لمعاوية بن أبي سفيان , في شأن الحسن بن علي ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ والبيت في الإنصاف 2/ 693 ,و شرح المفصل لابن يعيش 3/ 10 , وشرح الجمل لابن عصفور 1/ 473,والأشموني 2/ 206 , والعيني بحاشية الصبان 2/ 206 , و الخزانة 5/ 342. ... ...
(4) ... نقله البغدادي في الخزانة 5/ 341,عن النحاس , قال في شرح أبيات سيبويه . و لم أجده بالنسخة التي في حوزتي . ...
(5) ... الرجز نسب لرؤبة ولم أجده في ديوانه, هو في رصف المباني 5/ 341, والخزانة 5/ 341 , والانتصاف من الإنصاف بحاشية الإنصاف 2/ 692 . ... ...
(6) ... المفصل صـ 170 . ...
(7) ... الخصائص 1/ 126 . ...(1/79)
أجاز الأسلوب السابق جمهور النحويين البصريين والكوفيين , لكنهم اختلفوا في إعراب هذا الضمير اختلافاً بعيداً , هكذا :
1 ـ ذهب سيبويه , و نسبه للخليل ويونس(1) وهو مذهب جمهور البصريين (2) أن ( لولا)
مغيرة عن بابها, وهي هنا حرف جر , والضمير بعدها في محل جر .
2ـ رأى الأخفش(3) والفراء (4) و جمهور الكوفيين (5) أن ( لولا) على بابها , والضمير
بعدهافي محل رفع , و قد استعير ضمير النصب والخفض لضمير الرفع .
3ـ ذهب الكسائي (6)إلى أن الاسم المرتفع بعد ( لولا ) فاعل بفعل محذوف يدل عليه المقام ,وتقدير الكلام : ( لو لم يكن فعلي ) . و كأنه يرى رأي الأخفش والفراء , لكنه يخالفهما في العامل , فالعامل فيهما فعل مقدر عنده , و الابتداء عندهما .
4ـ قال العكبري : الضمير لا موضع له ؛ لتعذر العامل وإذا لم يكن عامل لم يكن عمل ,
وغيرممتنع أن يكون الضمير لا موضع له كالفصل (7) .
5ـ قال العكبري أيضاً :" وممكن أن يقال : موضعه نصب ؛ لأنه من ضمائر المنصوب ,
و لا يلزم من ذلك أن لا يكون له عامل مخصوص " (8) .
__________
(1) ... انظر : الكتاب 2/ 273 , 274. ...
(2) ... نسبه إليهم الأنباري في الإنصاف 2/ 689 . ...
(3) ... انظر رأي الأخفش في : الكامل 2/ 187 , والمقتضب 3/ 73, و ابن يعيش 3/ 118 , وشرح
التسهيل 3/185 , وشرح الكافية للرضي 2/ 445 , والمغني صـ 272 . ...
(4) ... انظر رأي الفراء في : معاني القرآن له 2/ 85,والتعليقة للفارسي 2/ 91, والأزهية صـ 172 , وابن يعيش 3/ 122 , والخزانة 5/ 340 . ...
(5) ... نسبه إلى جمهورهم الأنباري في الإنصاف 2/ 687. ...
(6) ... انظر رأي الكسائي في : ابن يعيش 3/ 118 , و الخلاف في رافع الاسم بعد ( لولا) في : الأصول 1/ 68 , والإنصاف 1/ 270 , ورصف المباني صـ 293 , والمساعد 1/212 . ...
(7) ... انظر : الاقتراح صـ 58 . ...
(8) ... السابق نفسه صـ 58 . ... ...(1/80)
وبالنظر في الآراء السابقة يتضح أن تغيير ( لولا ) عن بابها أهون عند سيبويه من تغيير الضمائر عن بابها ؛ لأن لهذا الحرف ( لولا ) كما قال سيبويه (1) حالاً مع الإضمار , كما كان لـ ( لدن ) حال مع (غدوة ) (2) وكما أن ( لات ) إذا لم تعملها في الأحيان لم تعملها فيما سواها (3). وقد رد سيبويه رأي من قال بالاستعارة بين الضمائر بأن هذا مخصوص بضمائر النصب والخفض , لا ضمائر النصب والرفع (4) .
ولما كان في كلام سيبويه من البعد لكسر باب ( لولا ) , قال : " وقد يوجه الشيء على الشيء البعيد إذا لم يوجد غيره , و ربما وقع ذلك في كلامهم " (5) .
لكن كلامه هذا قد ينتقض بكلامه هو نفسه ؛ إذ أجاز أن يقال : ( يا أنت ) (6) بوقوع ضمير الرفع موضع ضمير النصب .
وقد علل ابن مالك لرأي سيبويه بأن القول بتغيير ( لولا ) عن بابها مع شذوذ هذا الرأي فيه استبقاء لحقها , و ذلك أنها " مختصة بالاسم غير مشابهة للفعل , و مقتضى ذلك أن يجر الاسم مطلقاً , لكن منع من ذلك شبهها بما اختص بالفعل من أدوات الشرط , من ربط جملة
بجملة ... , وأرادوا التنبيه على موجب العمل في الأصل , فجروا بها المضمر المشار إليه "(7) .
__________
(1) ... انظر : الكتاب 2/ 375 .
(2) ... المراد أن ( غدوة) تنصب بعد ( لدن) , و حقها الخفض للإضافة , و إنما جاز نصبها تشبيهاً لنون ( لدن) بالتنوين , و يجوز في ( غدوة) الخفض على الأصل . انظر : الروض الأنف 3/ 164 .
(3) ... المراد أن ( لات) لا تعمل الرفع والنصب إلا إذا عملت في الأحيان . انظر: شرح المفصل 3/ 121 .
(4) ... انظر : الكتاب 2/ 376 .
(5) ... السابق نفسه 2/ 376 .
(6) ... انظر : السابق نفسه 1 / 291 . ...
(7) ... شرح التسهيل لابن مالك 3/ 185 . و راجع : شرح الكافية الشافية 2/ 787 , 788 . ...(1/81)
وقد يعترض على مذهب سيبويه والجمهور بأنه لو كانت ( لولا ) جارة للزم لها ما تتعلق به(1) .
, كما أنه لو كانت جارة لضمير لوجب أن ينطق به جاراً للظاهر , و لو في الشعر ؛ لأنه الذي يأتي بالمستجاز , و المضمر فرع المظهر , فإذا لم يأتِ في الظاهر الذي تتبين به حركة
الإعراب لم يأتِ في المضمر المبني (2) .
وقد أجاب عن هذا الإشكال ابن عصفور بأن ( لولا ) تختص بالضمير , فحالها معه كحال ( لدن ) مع ( غدوة ) " فإذا وجد العامل قد يعمل في بعض الظاهرات دون بعض , مع أنها من جنس واحد , فالأحرى أن يعمل في المضمر , و لا يعمل في المظهر ؛ إذ هما جنسان مختلفان "(3) .
قال ابن الحاجب راداً على من شبه ( لولا ) مع المضمربـ ( لدن ) مع ( غدوة ) : " ولا خفاء في أن إجراء ما ذكر مجرى ( لدن ) بعيد من حيث إن ( لدن ) مستبعد عن قياس كلامهم و اقع موقع الغلط ؛ لما ثبت فيها من النون التي هي شبيهة بالتنوين , حتى توهم أنه منون ممتنع إضافته , و لا شك أنه بعيد جداً , أو غير مستقيم " (4) . ...
__________
(1) ... قيل إذا كانت ( لولا) جارة فلا تتعلق ؛ لأنها زائدة , وقيل : تتعلق بفعل واجب الإضمار . انظر تفصيل ذلك في :الإنصاف 2/ 689 , و ابن يعيش 3/ 121, 122, والمغني صـ 272, وحاشية الصبان 2/ 206 . ...
(2) ... انظر : معاني القرآن للفراء 2/ 85 , و الإنصاف 2/ 688 , والهمع 2/ 375 . ... ...
(3) ... شرح الجمل لابن عصفور 1/ 472 . ...
(4) ... أمالي ابن الحاجب 2/ 492 . ...(1/82)
ويتضح من هذا أن الأقرب إلى الصواب أن يكون الضمير في محل رفع " استصحاباً لحال الظاهر الذي حل الضمير محله " (1) , كما أن " تغيير الضمائر بقيام بعضها مقام بعض ثابت في غير هذا الباب , بخلاف تغيير ( لولا ) بجعلها حرف جر , و ارتكاب خلاف الأصل , و إن كثر إذا كان مستعملاً أهون من ارتكاب خلاف الأصل غير المستعمل , و إن قل"(2).
أما رأي العكبري الذي يرى أن الضمير لا موضع له ؛ لتعذر العامل , و هو في هذا كضمير الفصل ففيه بعد من حيث القياس على ضمير الفصل , فإن ضمير الفصل فيه خلاف , أله موقع من الإعراب أم لا (3) , كما أن الضمير في ( لولا ) قائم مقام الظاهر الذي له موقع من الإعراب , بخلاف ضمير الفصل .
أما الرأي الآخر للعكبري الذي يذهب فيه إلى أن موضع الضمير في ( لولاك ) و نحوها ) نصب ؛ لأنه من ضمائر المنصوب, فلا شك أنه أبعد الآراء ؛ إذ فيه القول بنصب الضمير دون عامل مخصوص .
وبهذا يتبين أن الأقرب للصواب هو مذهب الكوفيين ؛ " لأن فيه إقراراً لـ ( لولا ) على ما ثبت لها , وعدم مخالفة الأصل بعدم متعلق الجار" (4) .
وإن رجح مذهب سيبويه بأن التغيير عنده واحد بجعل ( لولا ) جارة , يرجح مذهب الكوفيين بأن تغيير الضمائر بقيام بعضها موقع بعض ثابت في غير هذا الباب (5) .
القياس والسماع
إذا كان نحو ( لولا أنتم ) أجود , وأكثر من ( لولاي ) ونحوها , فهل يقال إن الأسلوب الأخير مقصور على السماع ؟
__________
(1) ... الاقتراح صـ 101. وانظر علة الاستصحاب في: لمع الأدلة صـ 141, و الاقتراح صـ 101.
(2) ... شرح الكافية للرضي 4/ 445 .
(3) ... انظر الخلاف في إعراب ضمير الفصل في : الإنصاف 2/ 706 , والمغني صـ 47 . ...
(4) ... المساعد 2/ 294 . ...
(5) ... انظر : أمالي ابن الحاجب 2/ 490 , 491 , وشرح الكافية للرضي 2/ 445 . ...(1/83)
لم أقرأ لأحد من النحاة ما يشير إلى ذلك , لكن ابن عصفور في الضرائر جعل نحو ( ما أنا كأنت و لآ أنت كأنا ) وفيه وقوع الضمير المرفوع موقع الضمير المجرور , جعل هذا جائزاً في سعة الكلام (1) .فهل يجوز القياس عليه في نحو( لولاي ) بوقوع الضمير المنصوب أو المجرور موقع الضمير المرفوع في سعة الكلام ؟ يبدو هذا .
ما يترتب على ما سبق من أوجه الاستعمال الجائزة والممتنعة
1ـ ( لولاي ) و(لولاك ) و ( لولاه ) ممتنع عند المبرد , جائز عند البصريين والكوفيين.
2ـ لولاي وزيد ٍ) بالجر ممتنع عند سيبويه وجمهور النحاة البصريين و الكوفيين .
3ـ لولاي وزيداً ) ينبغي أن يكون جائزاً على مذهب العكبري . ...
استعمال( أو ) و( أم ) مع الاستفهام
كلٌ من ( أو ) و( أم ) حرف عطف (2) يقع بين شيئين , إلا أن ( أم ) المتصلة لابد أن تسبق بهمزة الاستفهام (3) وتسمى الهمزة المغنية عن ( أي ) , و جوابها يكون بالتعيين , فـ نحو: ( أقام زيد أم عمرو) ؟ معناه : ( أيهما قام ) ؟ و جوابه يكون : ( أحدهما) , و الأحسن فيها تقدم الذي يسأل عنه , من اسم أو فعل , نحو ( أزيد قام أم عمرو) ؟ و نحو ( أقام زيد أم قعد ) ؟ (4) .
__________
(1) ... انظر : ضرائر الشعر صـ 205, 239 .
(2) ... أنكر أبو عبيدة معمر بن المثنى أن تكون ( أم ) حرف عطف , بل هي بمعنى همزة الاستفهام . انظر:الهمع 3/165 . وزعم ابن كيسان أن أصلها( أو) أبدلت واوها ميماً , فزادت على معنى (أو) . أنظر : الهمع 3/166 , و الجنى الداني صـ 204 . ...
(3) ... قد تسبق بهل إذا كان الاستفهام عن كل الجملة . انظر: شواهد التوضيح صـ 88 , و الرصف صـ 94 .
(4) ... انظر : الرصف صـ 94.(1/84)
أما ( أو ) فيصح أن تسبق بالهمزة أو بغيرها من أدوات الاستفهام , و جوابها يكون بـ ( نعم ) , أو ( لا ) (1) فيقال : ( أزيد عندك أو عمرو ) , والمعنى : ( أأحدهما عندك أم لا )؟ فإن أجيب بالتعيين صح ؛ لأنه جواب وزيادة (2) .
وإنما يستعمل (الاستفهام و , أو ) إذا كان هناك فعل معلوم , نحو : ( ما أدري أقام أو قعد)؟ فهنا في الحقيقة أحد الأمرين معلوم ثابت , إلا إنه أجري عليه لفظ ( أو ) فجعله , و إن كان كائناً بمنزلة ما لم يكن لعدم الاعتداد به (3) .
وأما استعمال (الاستفهام ), و( أم ) , فيكون عند ادعاء أحد فعلين , أحدهما ثابت متيقن , فالمثال السابق لا يجوز فيه العطف بـ ( أم ) ونحو ( ما أدري أأذن أو أقام ) القياس فيه العطف بـ( أم ) إلا إنه أجري عليه ( أو ) ؛ لأنه لم يعتد به (4) .
أما نحو ( ليت شعري أزيد أفضل أم عمرو ) ؟ فلا يكون العطف إلا بـ ( أم ) ؛ لتحقق الفضل , فهو معلوم , وإنما المراد : ( أيهما أفضل ) ؟ (5) .
" فالسؤال بـ( أو) ، لا يمكن أن يكون بعد السؤال بـ(أم) ، لأنك في ( أم ) عالم بوجود أحدهما
عنده ، فكيف تسأل عما تعلم ، وتقول : ( أزيد أفضل أم عمرو )، أي : (أيهما أفضل من الآخر) ، ففيه ذكر المفضول معنى ، ولو قلت : ( أزيد أفضل أو عمرو )؟ لم يجز ، إلا إذا كان المفضول معلوماً للمخاطب ؛ إذ المعنى : ( أأحدهما أفضل )؟ ، وذلك إنما يكون إذا قال لك ، مثلاً شخص : (عندي رجل أفضل من بكر )، ثم حضر زيد وعمرو ، فتقول : أزيد ، أو
عمرو أفضل ، أي ( أأحدهما أفضل من بكر) " (6) .
__________
(1) ... انظر : الرصف صـ 94 , والمغني صـ 53 .
(2) ... انظر : المسائل المنثورة صـ 149, والمغني صـ 53 .
(3) ... انظر : الكتاب 3/169, و المسائل البصريات 1/712, و713 .
(4) ... انظر : المسائل البصريات 1/712, والمسائل المنثورة صـ 196. ...
(5) ... انظر : الكتاب 3/187, والمسائل المنثورة صـ 201, 202.
(6) ... شرح الكافية للرضي 4/415 .(1/85)
وما سبق من معنى( أو ) , و ( أم ) مع الاستفهام , وما شُرط فيهما ينطبق أيضاًَ عليهما إذا
استعمل البابان في ضمن الكلام جزاءً , مثل : ( لأضربنك أقمت أم قعدت) (1) .
وورد من هذا الأخير قول ابن أبي حصينة :
فاسلَم لَهُم فَإِذا سَلِمتَ فَإِنَّهُم تَحتَ السَلامَةِ أَتهَمُوا أَم أَنجَدُوا(2)
وفيه يقول أبو العلاء : "(وأنجدوا) أتو انجداً(3) , و يجوز : ( أو انجدوا ), و هو أسوغ في العربية من ( أم )؛ لأن دخولها يدل على أن الألف محذوفة , كأنه قال :( أتهموا أم أنجدوا ) . وحذف هذه الألف جائز كثير , قال الشاعر :
فواللهَ ما أَدري وَإِن كُنت دارياً بِسبع رمين الجَمر أَم بِثَمانِ(4)
أراد ( أبسبع ) , وإذا كان الكلام بـ ( أو ) فالمعنى :( أنهم تحت السلامة , متهمين أو منجدين ) , وتكون الجملة , و هي الفعل والضمير في موضع الحال ؛ لأن الجمل تكون وصفاً للنكرات , و حالات للمعارف(5) .
__________
(1) ... انظر : الكتاب 3/186, والمقتضب وحاشيته 3/300 , و شرح الكافية للرضي 4/412.
(2) ... البيت من بحر الكامل , وهو في الديوان 1/205 .
(3) ... في اللسان , مادة ( نجد) : " الإِنجادُ: الأَخْذُ في بلاد نجد. وأَنجدَ القومُ: أَتوا نجداً؛ وأنجدوا من تهامة إِلى نجد: ذهبوا" .
(4) ... البيت من بحر الطويل , وهو لعمر ابن أبي ربيعة في ديوانه صـ 399 , برواية * فواللهَ ما أَدري وَإِني لحاسب * وهوبالرواية الأولى في الكتاب 3/ 175 , والمقتضب 3/ 294, وتهذيب إصلاح المنطق 1/53, والأزهية صـ 127, والأمالي الشجرية 3/109, و ابن يعيش 8/154, وشرح الجمل لابن عصفور 1/238, والضرائر له صـ 125, وشرح التسهيل 3/361, وشرح الكافية الشافية 3/ 1215, و ابن الناظم صـ 530 , وشرح الكافية للرضي 4/404, ورصف المباني صـ 45, وشرح ابن عقيل 3/ 229, و المساعد 2/ 455, والهمع 3/ 167, والخزانة 11/122.
(5) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 222 , 223.(1/86)
وقد شرط النحاة للعطف بـ( أم ) المتصلة أن تكون مسبوقة بهمزة الاستفهام , سواء أكانت للتسوية , نحو ( سواء علي أقمت أم قعدت ) , أم للتعيين , نحو ( أمحمد عندك أم علي ) ؟ (1) .
وإنما اشترطوا الهمزة دون غيرها من أدوات الاستفهام ؛ " لأن ( أم ) المتصلة لازمة لمعنى الاستفهام , فشاركت همزة الاستفهام التي هي عريقة في باب الاستفهام , وعادلتها حتى كانتا معاً بمعنى ( أي ) , و أما ( هل ) فإنها دخيلة في معنى الاستفهام ؛ لأن أصلها ( قد ) نحو قوله تعالى(2) . :"{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا}"(3) . أيضاً ؛ لأن الألف قد تقع حيث تريد الإثبات والتقرير , و لا تريد التفهم والاستعلام ألا ترى أنك تقول : {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } (4) وأنت مقرر, ولا يكون ذلك في( هل ) (5) .
__________
(1) ... انظر : أمالي ابن الحاجب 2/ 744, و الارتشاف 4/ 2004 , و المغني صـ 53, والهمع 3/166 .
(2) ... سورة الإنسان , الآية : 1. ... ...
(3) ... شرح الكافية للرضي 4/404 . ...
(4) ... سورة الزمر من الآية : 36 .
(5) ... انظر : المسائل البصريات 1/718 . ...(1/87)
وربما عُطِف بـ( أم ) قبلها ( هل ) , فيقال : ( هل عندك محمد أم علي) ؟ وهو مذهب ابن مالك , و جعل منه قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لجابر لما تزوج : " هل تزوجت بكراً أم ثيباً) (1) , قال :" لأن استفهام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جابرًا لم يكن إلا بعد علمه بتزوجه إما بكراً , أو ثيباً , فطلب منه الإعلام بالتعيين, كما كان يطلب بأي " (2) .
وأجازه أبو حيان , و نسب إلى سيبويه الجواز , قال : " قال سيبويه : لو قلت : هل تضرب أو تقتل ) , أو( هل تضرب أم تقتل ) لكان واحداً " (3) .
لكن الذي في الكتاب لسيبويه بخلافه , وصواب عبارته : " وإن قلت : ( أزيداً تضرب أو تقتل ) ؟ كان كـ قولك:( أتقتل زيداً أو عمراً ) ؟ و( أم ) في كل هذا جيدة " (4) . فعطف سيبويه في المثال بعد الهمزة , لا بعد ( هل ) , وهذا بخلاف ما نقله عنه ـ خطأًـ أبو حيان , بل إن سيبويه نص صراحة على أنه لا يجوز العطف بـ ( أم ) بعد ( هل) , فقال: " وتقول هل عندك شعيرٌ أو برٌ أو تمرٌ وهل تأتينا أو تحدثنا لا يكون إلا ذلك وذاك أن هل ليست بمنزلة ألف الاستفهام لأنك إذا قلت هل تضرب زيداً فلا يكون أن تدعي أن الضرب واقعٌ وقد تقول أتضرب زيداً وأنت تدعي أن الضرب واقعٌ , ومما يدلك على أن ألف الاستفهام ليست بمنزلة (هل) أنك تقول للرجل أطرباً وأنت تعلم أنه قد طرب لتوبخه وتقرره ولا تقول هذا بعد (هل)
__________
(1) ... في صحيح البخارى 4/ 10, في قصة جابر ـ رضي الله عنه ـ " قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لى حين استأذنته هل تزوجت بكرا ًًأم ثيبا فقلت تزوجت ثيبا ً , فقال : هلا تزوجت بكرا ًتلاعبها وتلاعبك ؟ فقلت : يا رسول الله توفى والدى أو استشهد ولى أخوات صغار فكرهت أن أتزوج مثلهن, فلا تؤدبهن ولا تقوم عليهن فتزوجت ثيباً لتقوم عليهن وتؤد بهن " .
(2) ... شواهد التوضيح صـ 209 .
(3) ... الارتشاف 4/2011. ...
(4) ... انظر : الكتاب 3/183.(1/88)
وإن شئت قلت : (هل تأتيني أم تحدثني) و(هل عندك برٌ أو شعيرٌ )على كلامين وكذلك سائر حروف الاستفهام التي ذكرنا" (1) .
وفي العطف بـ( أم ) بعد ( همزة التسوية ) إشكال ؛ إذ التسوية تكون بين متعدد , و( أم ) لا تكون إلا لأحد الشيئين , و الكلام في جملتها خبري يحتمل الصدق أو الكذب , لا استفهامي , يحتاج إلى جواب .
خرج النحويون هذا الإشكال على أن كلاً من ( الهمزة ) و ( أم ) خرجت عن بابها ؛ " لأنه لا معنى للاستفهام فيها , بل المراد : الشرط ؛ لأن بين( الهمزة ) و( سواء ) و( ما أبالي ) معنى , و هو التسوية , فجردت ( الهمزة ) و( أم ) عن معنى الاستفهام , وجعلت بمنزلة ( إنْ ) وإنما أفادت الهمزة معنى ( إنْ ) الشرطية ؛ لأن ( إنْ ) تستعمل في الأمر المجهول ـ غالباًً ـ والهمزة تستعمل فيما لم يتيقن حصوله , فجاز قيامها مقامها , وجعلوا ( أم ) بمعنى
( أو ) ؛ لأنها مثلها في إفادة أحد الشيئين أو الأشياء (2) .
وعلى هذا فإن إعرابهم لمثل : ( سواء علي أقمت أم قعدت ) على أنه مبتدأ و الجملة بعده خبر , أو على أن ( سواء ) خبر مقدم , وما بعده مبتدأ مؤخر , أو على أن ( سواء ) بمعنى : ( مُستوٍ ),وما بعدها فاعل (3)هذه الأعاريب على التقدير السابق ليست دقيقة ؛لأنها لا تتضمن معنى ( إن) , و( أو ) , وأفضل منها ما قاله السيرافي (4), و الرضي (5) بجعل ( سواء ) خبر لمبتدأ محذوف , أي : ( الأمران سواء ) وهذه الجملة دالة على جواب الشرط المقدر.
__________
(1) الكتاب 3/175, 176 .
(2) ... انظر : شرح الكافية للرضي 4/ 411 ,412 . ... ...
(3) ... انظر هذه الأعاريب في : الرضي 4/ 109 , و الارتشاف 4/ 4006 , و المنصف من الكلام للشمني 1/ 92, وحاشية الدسوقي 1/44.
(4) ... انظر رأي السيرافي في : الهمع 3/ 177.
(5) ... انظر : شرح ابن عقيل 2/201, و حاشية الخضري عليه 2/53.(1/89)
وهذا التقدير الذي ذكروه بجعل (همزة التسوية و أم ) بمعنى ( إن و أو ) جواب فيه مقنع كما قال السهيلي (1) " وأما التحقيق في الجواب , فأن تقول : ألف الاستفهام لم ينخلع عنها ما وضعت له , ولا عزلت عنه , وإنما معناه : ( علمت أقام زيد أم قعد ) , أي : علمت ما كنت أقول فيه هذا القول , و أستفهم عنه بهذا اللفظ , فحكيت الكلام كما كان؛ ليعلم المخاطب أن ما كان مستفهماً عنه معلوم" (2) .
وعليه فإن الإعرابات السابقة التي منعها الرضي قد تكون متجهة .
__________
(1) ... انظر : نتائج الفكر صـ 133. ...
(2) ... نتائج الفكر صـ 133, 134 . ...(1/90)
ويبدو أن الفارسي (1), وأبا حيان (2) وابن هشام(3) كانوا يذهبون إلى التقدير الأول , و لهذا منعوا وقوع ( أو ) بعد ( سواء )؛ لأن الذي يتضمن معنى ( إن و أو ) هو (الهمزة , وأم ) , لا ( الهمزة و أو ) , ولهذا لا يجوز عندهم أن يقال : ( سواء عليَّ أقمت أو قعدت ) , و من ثم خطَّأ ابن هشام الفقهاء وغيرهم في قولهم : ( سواء كان كذا أو كذا) (4) و رمى قراءة ابن
__________
(1) ... انظر رأيه في : شرح الكافية للرضي 4/409 , و المنصف من الكلام للشمني1/ 92 . ...
(2) ... انظر: الارتشاف 4/2011. ... ... ...
(3) ... انظر : المغني صـ 55, والهمع 3/176, و المنصف من الكلام للشمني1/ 92 . ...
(4) ... وردت هذه الصورة بكثرة في كتب الفقهاء . انظر مثلاً : السرائر - ابن إدريس الحلي : 1/ 115 ، والأشباه والنظائر - يحيى بن سعيد الحلي : صـ 14، و فتح العزيز ـ عبد الكريم الرافعي : صـ 491 ، و المجموع ـ محيى الدين النووي : 1/ 349 , ، وحاشية الدسوقي 3/ 37 ، 291 ، 399 ، 4/ 223 ، 240,والشرح الكبير - أبو البركات : 3 / 101 ، والمغني - عبدالله بن قدامه 1/ 80 ، و الشرح الكبير - عبدالرحمن بن قدامه 1 / 112 ، و نيل الأوطار - الشوكاني 3 / 101 ، وشرح أصول الكافي ـ مولي محمد صالح المازندراني : صـ 247 ، وشرح مسلم - النووي 3/ 180 ، و تحفة الأحوذي - المباركفوري 1/ 91 . ووردت بالعطف ب( أم) بعد ( سواء) مع حذف همزة الاستفهام في : روضة الطالبين - محيى الدين النووي : صـ 168.(1/91)
محيصن(1) . {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (2)
__________
(1) ... هو: عمر بن عبد الرحمان بن محيصن القرشي السهمي ، أبو حفص المكي ، قارئ أهل مكة . قرأ على سعيد بن جبير ، قال مجاهد : ابن محيصن يبني ويرص ، يعني أنه عالم بالأثر والعربية . روي عن درباس أنه قال : ما رأيت أحداً أعلم من ابن محيصن بالقرآن والعربية . قال الهذلي : توفي سنة ثلاث وعشرين ومئة (123) هـ. روى له مسلم ، والترمذي ، والنسائي حديثاً واحداً. انظر ترجمته في : تهذيب الكمال - المزي 12 / 429 , و تهذيب التهذيب ـ ابن حجر7/417 .
(2) ... سورة البقرة , آية : 6 . وقرأ الزهري وابن محيصن ( أنذرتهم) بحذف الهمزة الأولى , وفي الآية قراءات أخرى كثيرة , انظرها في : إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج 1/ 352 , و الكشاف 1/ 48 , و المحرر الوجيز 1/ 152 , 153, والإملاء للعكبري 1/ 14, والقرطبي 1/183 , و البحر المحيط 1/79 .(1/92)
بالعطف بـ ( أو ) بالشذوذ(1).
__________
(1) ... انظر : المغني صـ 55 . وقال صاحب مجمع البيان ـ الشيخ الطبرسي 1/ 92 : " وقوله : ( ءأنذرتهم أم لم تنذرهم) لفظه الاستفهام ومعناه الخبر . وهذه الهمزة تسمى ألف التسوية . والتسوية آلتها همزة الإستفهام ، وأم ، تقول : أزيد عندك أم عمرو ؟ تريد أيهما عندك . ولا يجوز في مكانها أو لأن أو لا يكون معادلة الهمزة ، وتفسير المعادلة : أن تكون أم مع الهمزة بمنزلة أي فإذا قلت : أزيد عندك أو عمرو ، كان معناه أحد هذين عندك . ويدل على ذلك أن الجواب مع زيد أم عمرو يقع بالتعيين ، ومع أزيد أو عمرو يقع بنعم أو لا ، وإنما جرى عليه لفظ الإستفهام ، وإن كان خبرا ، لأن فيه التسوية التي في الإستفهام . ألا ترى أنك إذا قلت : سواء علي أقمت أم قعدت ، فقد سويت الأمرين عليك ، كما أنك إذا استفهمت فقلت : أقام زيد أم قعد ، فقد استوى الأمران عندك في الاستفهام ، وعدم علم أحدهما بعينه . فلما عمتهما التسوية ، جرى على هذا الخبر لفظ الاستفهام ، لمشاركته له في الإبهام . فكل استفهام تسوية ، وإن لم يكن كل تسوية استفهاما . وقال النحويون : إن نظير ( سواء) في هذا قولك : ما أبالي أقبلت أم أدبرت ، لأنه وقع موقع أي ، فكأنك قلت : ما أبالي أي هذين كان منك . وما أدري أحسنت أم أسأت ، وليت شعري أقام أم قعد " .(1/93)
وعلله الشمني (1) بأن ما تقتضيه ( أو ) مناف لما تقتضيه التسوية ؛ لأن( أو ) تقتضي أحد الشيئين أو الأشياء , و التسوية تقتضي نفس الشيئين أو الأشياء" (2) .
لكن السيرافي أجازه , و وجه المنع بما إذا سُبِقت التسوية بالهمزة . أما إذا لم تسبق كما في قول الفقهاء , و قراءة ابن محيصن , فلا منع , وأما التعارض بين ( أو) ومعنى التسوية المذكور قبل , فوجَّهه السيرافي أيضاً بأن الكلام محمول على معنى المجازاة , والتقدير في نحو : ( سواء علي قمت أو قعدت ) هو: ( إن قمت أو قعدت فالأمران سواء) (3), وقد سبق هذا الإعراب , وأيضاً فإن ( أم ) مثل ( أو ) تقتضي أحد الشيئين أو الأشياء ,كما قال الرضي(4) .
__________
(1) ... هو: أحمد بن كمال الدين محمد بن الحسن بن محمد ابن على بن يحيى بن محمد الشمنى المصرى تقى الدين الحنفي ( الشمنى بضم الشين والميم وتشديد النون موضع بمصر) ولد بالإسكندرية سنة (810 هـ ) وتوفى بمصر سنة (872 هـ) اثنتين وسبعين وثمانمائة من تصانيفه: أوفق المسالك لتأدية المناسك , و عالى الرتبة في شرح نظم النخبة لوالده في الحديث , و كمال الدراية في شرح النقاية , و مزيل الخفا عن ألفاظ الشفا , و المنصف من الكلام على مغنى ابن هشام في النحو . انظر ترجمته في : هدية العارفين 1 / 132 . ...
(2) ... انظر : المنصف من الكلام للشمني1/ 92 . ... ...
(3) ... انظر : المنصف من الكلام للشمني1/ 92 , و حاشية الدسوقي 1/44. ... ...
(4) ... انظر : شرح الكافية للرضي 4/413 , و المنصف من الكلام للشمني1/ 92 . ...(1/94)
أما إذا عطف بغير أن تسبق همزة الاستفهام في غير لفظي ( سواء ) , و( ما أبالي ) بقصد التسوية فالغالب التصريح بأو في موضع أم ، بلا همزة استفهام قبلها ، نحو : لأضربنه قام أو قعد فالمعنى ذلك المعنى ، والتقدير ذاك التقدير ؛ إذ المقصود : إن قام أوقعد فلأضربنه )أي : قيامه و قعوده مستويان عندي ، لا يمنعني أحدهما من ضربه ، كما قال الرضي (1) . و إنما غلب في سواء و ما أبالي الهمزة و أم المتصلة مع أنه لا معنى للاستفهام ههنا ،بل المراد الشرط ، لأن بين لفظي : سواء ، ولا أبالي ، وبين معنى الهمزة وأم المتصلة جامعاً ومناسبة ، وهو التسوية ، فهي التي جوزت الإتيان بهما بعد اللفظين ، بتجريد الهمزة وأم عن معنى الاستفهام وجعلهما بمعنى : إن ، وأو ، كما تقدم ، ويجوز ، مع هذا ، بعد سواء ، ولا أبالي : أن تأتي بأو ، مجرداً عن الهمزة نحو : سواء علي قمت أو قعدت ، ولا أبالي قمت أو قعدت بتقدير حرف الشرط ، ومن هذا قول الشاعر , وهو من شواهد سيبويه:
ولست ُُأَُبَالي بَعدَ موْتِ مُطرِّفٍ حُتُوفَ المنايا َأْْكْثرَتْ أوْ َأَقلَّتِ (2)
وإنما جاز"الإتيان بـ( أو ) مجرداً عن الهمزة بعد (سواء)، و(لا أبالي)، بتقدير حرف الشرط كما في البيت، فإن ( أو ) لم تسبق بهمزة، والتقدير: (إن أكثرت، أو أقلت، فلست أبالي) .
وهذا قول السيرافي، قال في شرح الكتاب: و( سواء ) إذا أدخلت بعدها ألف استفهام لزمت( أم)
__________
(1) ... انظر : شرح الكافية للرضي 4/412 . ...
(2) ... البيت من بحر الطويل وهو بلا نسبة في : الكتاب 3/ 185, وأمالي ابن الحاجب 2/ 747 , و شرح الكافية للرضي 4/413 , والخزانة 11/170 . ... ...(1/95)
بعدها، كقولك: ( سواء علي أقمت أم قعدت )، وإذا كان بعد ( سواء ) فعلان بغير استفهام، جاز عطف أحدهما على الآخر بـ(أو)، كقولك: ( سواء علي قمت أو قعدت )؛ فإن الكلام محمول على معنى المجازاة, فإذا قلت: (سواء علي قمت)، أو قعدت، فتقديره: إن قمت، أو قعدت فهما علي سواء" (1) .
وقال ابن الحاجب في أماليه في البيت الشاهد: "لا يجوز فيه إلا ( أو ) من غير همزة، على ما قال سيبويه؛ لأنه لما أعطى:( أبالي) مفعولها، وجب أن يكون ما بعدها المذكور في موضع الحال، فيصير المعنى: ما أبالي حتوف المنايا مكثرة أو مقلة. وهذا معنى( أو), ولو قلته بـ( أم) لفسد من وجهين: أحدهما: أن المعنى يكون: (ما أبالي حتوف المنايا كثرةً وقلة). وذلك غير مستقيم في قصده. والآخر: أن يكون( ما أبا لي حتوف المنايا كثيرة وقليلة)، وذلك فاسد ؛ لأنه يؤدي إلى اجتماع الحالين، وهو محال، فوجب استعمال( أو) " (2) .
ومثل السابق إلا أنه لم يقع بعد ( سواء ) أو ( أبالي ) , و نحوها , قول الشاعر :
__________
(1) ... الخزانة 11/169 . ... ...
(2) ... أمالي ابن الحاجب 2/ 747 . ...(1/96)
إذا ما انتَهى علمي تناهَيتُ عِندَهُ أطالَ فأمْلَى أم تَنَاهَى فأقصَرَا(1)
قال الرضي : " روي : (أو تناهى) ، فالهمزة في ( أطال ) ليست استفهامية ، بل : (أطال )، ماض من الإطالة ، وروي : (أم تناهى) ، فالهمزة استفهامية ، و(طال): ماض من الطول ، ولا تجئ بالهمزة قبل ( أو ) ، فلا تقل : ( لا أبالي أقمت أو قعدت )، ولا : (لأضربنه أقام أو قعد )؛ لأنك إنما جئت بالهمزة مع (أم ) وإن لم يكن فيها معني ، الاستفهام؛ لما فيها من معنى التسوية ههنا ، وليس في الهمزة مع ( أو ) معنى التسوية " (2) .
وإذا تقرر هذا فإن قول ابن أبي حصينة صاحب الديوان :
__________
(1) ... البيت من بحر الطويل , لـ زياد بن زيد العذري , و هو في الكتاب لسيبويه3/ 185 , والمقتضب 3/302, وعيون الأخبار2/126 , والأمالي لابن الحاجب 2/ 747 , ومحاضرات الأدباء ـ للراغب الأصفهاني1/72 , وشرح الكافية للرضي 4 /414 , و اللسان , مادة ( نهي) , و الخزانة11/173 : "وقال فيها: قوله: أطال الهمزة للصيرورة، ومصدره الإطالة. ولايجوز أن تكون همزة الاستفهام، لقول الشارح المحقق: ولا تجيء بالهمزة قبل أو. و قال الأعلم في تحصيل عين الذهب بحاشية الكتاب 1/490: "الشاهد دخول أو لأحد الأمرين على حد قولك:لأضربنه ذهب، أو مكث، أي: لأضربنه على إحدى الحالين ذاهباً أو ماكثاً. وكذلك معنى:*أطال فأملى أو تناهى فأقصرا *أي: انتهى حيث انتهى بي العلم، ولا أتخطاه، مطيلاً كان أو مقصراً.ومعنى أطال: صار إلى طول المدة. وأقصر: صار إلى قصرها، وأملى من المليّ، وهوالزمن الطويل " . وقال ابن الحاجب في أماليه 2/748: أو هنا واجبة، "لأنه لو قال بأم لفسد على الوجهين المذكورين في قوله:ولست أبالي بعد موت مطرفٍ .............. البيت .
(2) ... شرح الرضي على الكافية 4 / 414. ...(1/97)
فاسلَم لَهُم فَإِذا سَلِمتَ فَإِنَّهُم تَحتَ السَلامَةِ أَتهَمُوا أَم أَنجَدُوا(1)
ليس بالجيد , وكما قال أبو العلاء : " , و يجوز : (أو انجدوا ), و هو أسوغ في العربية من(أم )؛ لأن دخولها يدل على أن الألف محذوفة , كأنه قال :(أتهموا أم انجدوا )" (2) .
... وحذف الألف حكم عليه أبو العلاء بأنه " جائز كثير" (3) .
وهذا بخلاف ما عليه أكثر النحاة كالفارسي الذي زعم أنه ليس بقياس , و ذلك ؛لأن الحرف نائب عن الفعل وفاعله , فـ ( ما ) النافية تنوب عن ( أنفي ) , و ( هل ) عن ( أستفهم ) ...فلو ذهبت تحذف الحرف لكان ذلك اختصاراً , و اختصار المختصر مجحف , إلا إذا صح التوجه إليه جاز حذفه في بعض الأحوال لقوة الدلالة عليه (4) .
وذكر الهمزة , أو حذفها يترتب عليه صحة بعض الأساليب , أو فسادها ؛ إذ يجوز العطف بـ(أو ) في حالة حذف الهمزة بعد لفظ ( سواء ) كماسبق , فإذا ذكرت الهمزة تعينت ( أم) في العطف و لا يجوز ( أو ) عند جمهور النحاة .
وثمة أمر آخر ينبغي الالتفات إليه؛ إذا أخذ برأي من قال : إن(الهمزة و أم) بعد لفظ ( سواء )
بمعنى ( إن و أو ) , فالهمزة هنا لها وجود قوي , و حذفها فيه إشكال , و لهذا خص بعضهم حذف الهمزة مع (أم) ... بضرورة الشعر (5) .
__________
(1) ... البيت من بحر الكامل , وهو في الديوان 1/205 .
(2) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 222 .
(3) ... السابق نفسه 2/ 222 .
(4) ... انظر : المحتسب 1/ 51. ... ...
(5) ... انظر : الكتاب 3/174 , والمقتضب 3/ 294 , والضرائر لابن عصفور صـ 124 , وشرح المفصل 8/ 154. ... ... ...(1/98)
أما من لم يقل إنها بمعنى( إنْ ) الشرطية , وأن التسوية مستفادة من لفظ ( سواء ) وحده , فيجوز عنده حذف الهمزة اختياراً باطراد, قبل( أم ) المتصلة لكثرته نظماً ونثراً, ومن هؤلاء أبو العلاء كما سبق , و قد نقل الدماميني ذلك عن بعض النحويين" (1) , ومنه في القرآن قراءة ابن محيصن : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}
بحذف إحدى همزتي ( أأنذرتهم) والعطف بـ( أم) (2) .
قالوا : " وكأن الذي سهله في الآية كراهة اجتماع همزتين لو ذكرت الهمزة , و لأن قوله : سواء " سواء عليهم" لابد أن يكون التسوية بين شيئين, و لمجيء ( أم ) " (3) .
ومن هذا أيضاً قوله سبحانه : {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (4) في قراءة أبي جعفر بهمزة وصل (5) .
__________
(1) ... انظر : حاشية الصبان 3/101 . ... ...
(2) ... سورة البقرة , آية :6 , و في تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي 1 / 90 " قوله تعالى : ( أنذرتهم ) فيه ثلاث قراءات : قرأ عاصم وحمزة والكسائي ، إذا حقق بهمزتين . وقرأ أهل الحجاز وأبو عمر بالهمزة والمد وتليين الهمزة الثانية . والباقون يجعلونها بين بين . وكذلك قراءة الكسائي إذا خففت . وأبو عمرو أطول مدا من ابن كثير . واختلف في المد عن نافع . وقرأ ابن عامر بألف بين همزتين .... : أما من اكتفى بهمزة واحدة ، فإنه طرح همزة الإستفهام ، وهو ضعيف ، وقد جاء في الشعر" .
(3) ... المحتسب 1/51, وانظر : إملاء ما من به الرحمن 1/14, والضرائر لابن عصفور صـ 125, والقرطبي 1/185 . ... ...
(4) ... سورة المنافقون ,الآية : 6. ...
(5) ... قرأ ( آستغفرت) بالمد , و روي عنه ( استغفرت) بالوصل . انظر : المحتسب 2/ 322, والكشاف 4/ 543, والبحر المحيط 10/ 182.(1/99)
وقال أبو الفتح في قوله تعالى : {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ} (1) : " أراد : (أو تلك نعمة )؟ (2) .
ومن حذف الهمزة في الفصيح كما قال ابن مالك , قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " يا أبا ذر "عيرَّته بأمه" (3) أراد : أعيرته" ؟ (4) .
ويظهر مما سبق أن النحويين في حذف الهمزة مختلفون هكذا:
? منهم من خصه بالاضطرار,كسيبويه (5) , والمبرد (6) وابن جني (7) وابن
عصفور(8),وابن يعيش(9) .
? ومنهم من أجاز حذفها مع ( أم ) خاصة , و إلا فلا (10) .
__________
(1) ... سورة الشعراء , من الآية : 22. ... ...
(2) ... انظر : المحتسب 1/50 , وشواهد التوضيح صـ 87 , و الخزانة 11/ 123 . ... ...
(3) ... ورد الحديث في صحيح البخارى 1/ 13 عن واصل عن المعرور قال لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك فقال: إنى ساببت رجلاً , فعيرته بأمه , فقال لى النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر أعيرته بأمه, فقال : إنك امرؤ فيك جاهلية إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل , و ليلبسه مما يلبس ". والحديث بهذه الرواية لا شاهد فيه , و قد ورد الحديث بهذه الرواية أيضاً في : البخاري 3 / 123 , و الأدب المفرد - البخاري صـ 50 , و السنن الكبرى– البيهقي 8 / 7 ، وفتح الباري 1 / 81 , 5 /126, وعون المعبود - العظيم آبادي 14 / 46, و مسند ابن راهويه 1 / 427 , و مسند الشاميين ـ الطبراني : 3/ 306 , و كنز العمال - المتقي الهندي9 / 202 . ولم أجده برواية الشاهد . ...
(4) ... شواهد التوضيح صـ 87 , و انظر : الخزانة 11/123. ...
(5) ... انظر : الكتاب 3/174. ...
(6) ... انظر : المقتضب 3/ 294. ...
(7) ... انظر : الخصائص 2/ 281 .
(8) ... انظر : الضرائر له صـ 124. ...
(9) ... انظر : شرح المفصل 8/ 154. ... ...
(10) ... انظر : الخزانة 11/ 123 . ...(1/100)
? ومنهم من أجاز حذفها مطلقاً , و هو المذهب الراجح لكثرته في الكلام شعراً ونثراً, مع
دلالة التنغيم الصوتي الدال على الاستفهام , وقد أخذ بهذا الرأي الأخفش(1), وأبو العلاء(2) ,وابن مالك (3) ومجمع اللغة العربية بالقاهرة , الذي رتب عليه صحة عدة أساليب على النحو التالي:
? سواء على أحضرت أم غبت ... ـ بذكر الهمزة والعطف بـ( أم ) . ...
? سواء على حضرت أم غبت ... ـ بحذف الهمزة والعطف بـ( أم ) . ...
? سواء على أحضرت أو غبت ... ـ بذكر الهمزة والعطف بـ( أو ) .
? سواء على حضرت أو غبت ... ـ بحذف الهمزة والعطف بـ( أو ) .
غير إنهم قالوا : إن الأكثر في الفصيح استعمال الهمزة و ( أم ) في أسلوب ( سواء ) (4) .
إعراب الحملة الواقعة بعد ( أو ) في الأسلوب السابق .
ذكر أبو العلاء أن الجملة الواقعة بعد ( أو) في الأسلوب السابق تعرب حالاً , و تقدر بالوصف .
وهذا مستفاد من تقدير سيبويه الذي قال : " وتقول : (لأضربنه ذهب أو مكث ) كأنه قال لأضربنه ذاهباً أو ماكثاً ولأضربنه إن ذهب أو مكث (5) , و قال : "وإنما فارق هذا سواء وما أبالي ؛لأنك إذا قلت : (سواءٌ علي أذهبت أم مكثت) فهذا الكلام في موضع سواءٌ علىَّ هذان وإذا قلت ما أبالي أذهبت أم مكثت فهو في موضع ما أبالي واحداً من هذين وأنت لا تريد أن تقول في الأول لأضربن هذين ولا تريد أن تقول تناهيت هذين ولكنك إنما تريد أن تقول إن الأمر يقع على إحدى الحالين (6) .
__________
(1) ... انظر رأيه في : شرح الكافية الشافية 3/ 1216, والخزانة 11/ 123. ... ...
(2) ... انظر : شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 222 , 223. ...
(3) ... انظر رأيه في : شرح الكافية الشافية 3/ 1215, وشواهد التوضيح صـ 87 , والأشموني 3/ 101 ... .
(4) ... انظر : كتاب في أصول اللغة الذي أصدره المجمع سنة 1968 . مؤتمر ( د) 34 . ...
(5) ... الكتاب 3/ 185 . ... ...
(6) ... الكتاب 3/ 186 . ... ...(1/101)
وقال :" وتدخل (أو) على وجهين على أنه يكون صفة للحق وعلى أن يكون حالاً كما قلت لأضربنه ذهب أو مكث أي لأضربنه كائناً ما كان فبعدت أم ههنا حيث كان خبراً في موضع ما ينتصب حالاً وفي موضع الصفة " (1) .
وقال السيرافي : " ( كائناً) نصب على الحال من الهاء في ( لأضربنه ) " (2) .
لكن كيف يصح هذا والكلام في تقدير الجزاء , كأنه قيل : ( لأضربنه إن ذهب أو مكث )
كما قدره سيبويه (3) وجملة الشرط والجزاء لا تقع حالاً ؟
أجاب عن هذا الفارسي بأن الأصل فيه كان الجزاء, , كأنه أراد : ( لأضربنه إن ذهب ) ثم بدا له أن يضربه البتة على جميع الأحوال , فقال : ( أو مكث ) , فهذا حال على المعنى , و إنما صار المعنى على هذا وحسن , و إن كان الأصل الجزاء ؛ لأن الجزاء ليس حكمه أن يقع إن وقع الشيء وخلافه, و إنما حكمه أن يجب بشرطه , فلما لم يكن الجزاء على هذا وقع موقع الحال في المعنى , كأنه قال : ( أضربه على جميع الأحوال ) (4) .
وقد شرط ابن الحاجب لوقوع الجملة حالاً أن يكو ن العطف بـ ( أو ) (5) , فقال : " كل موضع قدرت فيه الجملتان ، أي المعطوفة إحداهما على الأخرى : بالحال ، فـ ( أو )، نحو : لأضربنه قام أو قعد ؛ إذ المعنى : قائماً كان أو قاعداً ، وإن قدر الكلام بالتسوية من غير استفهام ، فـ( أم )، نحو : ( ما أبالي أقمت أم قعدت ) "(6) .
__________
(1) ... الكتاب 3/ 187 . ... ...
(2) ... السيرافي بحاشية الكتاب 3/187 . ...
(3) ... انظر :الكتاب 3/ 185 . ... ...
(4) ... انظر : المسائل البصريات 1/722.
(5) ... انظر : أمالي ابن الحاجب 2/ 745 , و شرح الكافية للرضي 4/414 .
(6) ... شرح الكافية للرضي 4/414 , و راجع : أمالي ابن الحاجب 2/745.(1/102)
و اعترض الرضي على ابن الحاجب في هذا الشرط , فقال : " هذا كلامه ، ولقائل أن يطالبه باختصاص معنى الحالية بـ (أو )، وقد ذكرنا أن كل موضع يجوز فيه ( أو ) يجوز فيه ( أم ) وبالعكس " (1) .
ويبدو من الأمثلة التي مثلوا بها أن الفعل الواقع بعد ( أو ) يجب أن يكون ماضياً مع إعرابهم له حالاً , ولم يجيزوا أن يكون مضارعاً , مع أن المضارع أدخل في الحال من الماضي , و قد دفع هذا الإشكال الفارسي بأنه لما كان الأصل في نحو( لأضربنه أذهب أو مكث ) معنى الجزاء , فإنه لم يجز وضع ( يذهب ) و ( يمكث ) موضع (ذهب) و( مكث), فكما
يقبح وقوع الجزاء مضارعاً من حيث لم يكن له جواب مجزوم فكذلك هنا " (2) .
" وسألوا أبا الحسن الأخفش عن قوله : لأضربنه أذهب أو مكث ) فقالوا : أتجيز : (لأضربنه يذهب أو يمكث ) ؟ فقال : لا أجيزه ؛ لأن ( إنْ ) تحذف مع الماضي , و لا تحذف مع المستقبل , ألا ترى أنك تقول: ( أنت ظالم إنْ فعلت ) و لا يجوز ( إنْ) تفعل , فكذلك ثَمَّ " (3) .
وقد وضع ابن الحاجب ضابطاً للعطف بـ ( أو) أو بـ ( أم ) وإعراب الفعل بعدهما , فيقدر ( أم ) بالواو , والفعل بالمصدر , و التقدير في نحو ( سواء عليَّ أقمت أم قعدت ) : ( سواء عليَّ قيامك و قعودك ).
و يقدر الفعل بعد ( أو ) باسم الفاعل أو المفعول , على حسب التلفظ به , أما ( أو ) فيجب
أن تكون باقية على معناها في إثبات أحد الأمرين , (4) و عليه فالتقدير في نحو ( أنا
__________
(1) ... شرح الكافية للرضي 4/415 . ...
(2) ... السابق نفسه 4/414 . ...
(3) ... المسائل المنثورة صـ 199. ...
(4) ... انظر : أمالي ابن الحاجب 2/ 745. ...(1/103)
أضربك قمت أو قعدت ) : ( أنا أضربك قائماً أو قاعداً) ولا يجوز التقدير بالمصدر , فيقال : أنا أضربك قياماً و قعوداًً ) لعدم قياسية مجيء الحال من المصدر (1) .
والذي ذكره ابن الحاجب في التقدير الأول مبني على إعراب ( سواء ) خبراً مقدماً , أما ما اختاره الرضي من كونه خبر مبتدأ محذوف على تقدير الجزاء فلا يستقيم هذا التقدير أما التقدير الثاني الذي ذكره ابن الحاجب فهو مستقيم على معنى الجزاء .
ما يترتب على الخلاف من أوجه الاستعمال الجائزة و الممتنعة
1ـ نحو ( سواء عليَّ أقمت أم قعدت ) جائز بإجماع .
2ـ ( سواء عليَِّ قمت أو قعدت ) ممتنع عند الفارسي وأبي حيان وابن هشام و جائز عند
غيرهم.
3ـ( سواء عليَِّ قمت أم قعدت) أجازه مجمع اللغة العربية بالقاهرة .
4ـ ( سواء عليَِّ قمت أو قعدت ) أجازه مجمع اللغة العربية بالقاهرة .
5 ـ ( هل عندك محمد أم علي ) ممتنع عند الجمهور , جائز عند ابن مالك وأبي حيان
والمالقي .
6ـ نحو ( لأضربنه أذهب أم مكث ) جائز عند الخليل , و لم يستحسنه الفارسي .
7ـ نحو ( لأضربنه ذهب أو مكث) جائز بالإجماع .
8 ـ نحو ( لأضربنه أذهب أو مكث) ممتنع عند الأكثرين , و ينبغي أن يكو ن جائزاً عند
أصحاب مجمع اللغة العربية بالقاهرة .
9 ـ نحو ( لأضربنه أيذهب أم يمكث ) ممتنع عند الجميع .
الفصل الثاني
التراكيب النحوية , و يشتمل على :
ترجيح العطف علي النصب في المفعول معه ... 114ـ 118
باب (سنة) في الملحق بجمع المذكر السالم ... 119 ـ127
إضافة الزمان إلى الجملة ... 128 ـ 134
التركيب فى ( حبذا ) ... 135 ـ 145
مخصوص (حبذا) : شروطه, وإعرابه, وحذفه ... 146 ـ 155
إعراب الاسم المنصوب بعد (حبذا ) ... 156 ـ160
إضافة الموصوف إلى الصفة ... 161 ـ 167
الفرق بين ( هنا ) و ( هناك ) ... 168ـ 172
__________
(1) ... انظر في مجيء الحال من المصدر والخلاف فيه : الكتاب 1/371, وابن يعيش 2/59 , وشرح الكافية للرضي 2/ 38 , و الارتشاف 3/1570 . ...(1/104)
النعت بالمصدر ... 173ـ 181
الخفض على الجوار ... 182 ـ197
أحوال العلم فى دخول ( أل ) عليه ... 198 ـ 206
ترجيح العطف علي النصب في المفعول معه
من المشتهر علي ألسنة النحويين أن ما لا يحتاج إلي تأويل أولي مما يحتاج إلي ، وعليه فإن الأساليب التي يصح فيها العطف بلا تكلف مع صحة المعني ينبغي أن لا يعدل فيها عن العطف ، فنحو ( قام محمد وعمر ) ينبغي أن لا يجوز فيه سوي العطف , وكذلك العبارة المأثورة عن العرب ( كل رجل وضيعته ) (1) ينبغي أن لا يصح فيها سوي العطف ، لكن النحويين خالفوا فيما سبق , يقول ابن الحاجب : " فإن كان الفعل لفظاً وجاز العطف فالوجهان " (2) ويقول الرضي في شرحه علي ما سبق : " هذا أولي مما قاله عبد القاهر(3) في نحو : ( قام زيد وعمرو ) إنه لا يجوز فيه إلا العطف ، ولعله قال ذلك ؛ لأنه مخالفة للأصل الذي هو العطف لا لداع, وهو ممنوع ؛لأن ههنا داعياً ، وهو النص علي المصا حبة " (4).
فإن قال قائل : نحن متى عطفنا شيئاً على شيء بالواو , و دخل الثاني فيما دخل فيه الأول اشتركا في المعنى , و كانت الواو بمعنى مع ؛ لاشتراك المعطوف والمعطوف عليه كقولنا : ( قام زيد وعمرو ) , فكيف اختصصتم هذا الباب ...و ما قبله بمعنى مع ؟
__________
(1) ... في اللسان , مادة ( صحب) : " قالوا: كل رجل وضَيْعَتُه؛ فكل مبتدأ، وضيعته معطوف على كل،
ولم يأت له بخبر، وإِنما أَغنى عن الخبر كون الواو في معنى مع، والضيعة هنا: الحرفة، كأَنه قال: كل رجل مع حرفته. وكذلك قولهم: كل رجل وشأْنه" .
(2) ... الكافية لابن الحاجب صـ 102 .
(3) ... انظر رأي عبد القاهر في : المقتصد 1/661 .
(4) ... شرح الكافية للرضي 1/599 ، وانظر : رصف المباني صـ 420، 421 ، والتصريح 1/344 ، ... 345 ، والأشموني 2/138 .(1/105)
قيل له : نحن متى عطفنا شيئاً على شيء بالواو دخل في معناه , و لم يكن بين المعطوف والمعطوف عليه فرق في وقوع ذلك المعنى لكل واحد منهما , و ليس أحدهما ملابساً للآخر, وإذا قلنا : ما صنعت ؟ أو قلنا في الباب الثاني : ( ما أنت والفخر ) ؟ فإنما يراد : ( ما صنعت مع أبيك ), و أين بلغت فيما فعلته به أو فعله بك ؟ وما أنت مع الفخر في افتخارك وتحققك به؟ فالمعنيان مختلفان , غير أن اللفظ في قولك : ( ماأنت و الفخر) ؟ كقولك : ( أنت وزيد قائمان , أو أنت وزيد في الدار )... ويدلك على صحة المعنى الذي ذكرته أن قائلاً لو قال : ( زيد وعمرو ) وهو يريد : ( زيد وعمرو قائمان أو خارجان) , أو ما أشبهه لم يجز حذف الخبر ؛ لأنه بمنزلة قولك : ( زيد مُعرَّى من الخير ) , ويجوز أن تقول : ( كل رجل أنت وشأنك ) و( كل رجل و ضيعته وكل امريء وصنعته ) فيكتفون بذلك ؛ لأن معنى الواو معنى ( مع ) , كانهم قالوا : ( كل رجل مع ضيعته ) و (أنت مع شأنك ) و هذا كلام مُكْتفٍ"(1) .
وأجاز الصيمري (2) في نحو ( كل رجل وضيعته ) العدول عن العطف إلي النصب (3).
وبينما أوجب سيبويه وغيره في نحو ( أنت وشأنك ) العطف (4) ،
__________
(1) ... شرح الكتاب للسيرافي 5/ 74 , بتصرف يسير .
(2) ... هو: عبد الله بن علي بن إسحاق الصيمري، أبو محمد النحوي. له كتابٌ في النحوجليلٌ، أكثرما يشتغل به أهل المغرب سماه كتاب التبصرة.أكثر ابو حيان من النقل عنه . لم تذكرالمصادر تاريخ حياته أو وفاته. انظر ترجمته في : البغية 2/49.
(3) ... انظر : التبصرة والتذكرة 1/257, وشرح الجمل ـ ابن عصفور 2/452, والرضي 1/525 ,
والارتشاف3/1483, وأوضح المسالك2/213, والتصريح 1/343 , و الهمع2/181.
(4) ... انظر: الكتاب 1/ 305 ، 306 ، و التوطئة صـ 309 ، والمقرب 1/160 ، والرضي 1/525 ،
والهمع 2/180 .(1/106)
أجاز إذا تقدم نفي أو استفهام نحو ( ما أنت وزيد ) و ( كيف أنت وزيد ) العدول عن العطف إلي النصب وإن كان قليلاً (1).
وعلي هذا الأسلوب جاء قول النبي ـصلى الله عليه وسلم ـ "كيف أنت وأئمةُ من بعدي يستأثرون بهذا الفيئ" (2),قال العكبري : " يجوز رفع ( أئمة ) على أنه مبتدأ, ومن ( بعدي) صفة, (يستأثرون) الخبر , وكان الرفع أجود ؛لأنه ليس قبله فعل , فتكون الواو بمعنى ( مع ) فيقوى الفعل , فتنصب , ويجوز النصب على تقدير : ( كيف تصنع مع أئمة هذه صفتهم ) فيكون مفعولآً معه " (3).
و منه ورد قول ابن أبي حصينة :
ما أَنتَ وَالبِيضُ في شِعرٍ تَفُوهُ بِهِ بَعدَ البَياضِ الَّذي قَد لاحَ في الشَعَرِ (4)
وفيه يقول أبو العلاء : " قوله : ما أنت والبيضُ ) يجوز فيه الرفع والنصب ، فأما النصب فعلي أن يُجعل مفعولاً معه ، والرفع أجود ، وهذا البيت ينشد علي وجهين ؛ يقول
__________
(1) ... انظر : الكتاب 1/303 .
(2) ... أخرجه الإمام أحمد في مسنده 5/180.
(3) ... إتحاف الحثيث, للعكبري صـ69 , 70.
(4) ... البيت من بحر البسيط وهو في الديوان 1/6 . ...(1/107)
الشاعر (1) : ما أَنا وَالسَيرَ في مَتلَفٍ يُعَبِّرُ بِالذَكَرِ الضابِطِ " (2)
أما جواز الرفع وهو الأصل فعلي العطف ، وأما جواز النصب ، فعلي تقدير ( كان ) أو
( يكون ) ؛لأن ( كنت ) و ( تكون ) يقعان هنا كثيراً ولا ينقضان ما أُريد من معني الحديث
كما يقول سيبويه (3) .
والتقدير في البيت ( كيف تكون والسير ) أو ( ما تكون والسير) ؟، فلما حذف الفعل انفصل الضمير المستكن فيه ، فقيل : ( كيف أنت والسير ) و ( ما أنت والسير ) (4), ولا يشترط تقدير لفظ الكون ، بل كل فعل مناسب للمعني نحو ( تصنع ) و ( تلابس ) يجوز تقديره (5) .
وإذا قدر ما اشتق من لفظ الكون فإن سيبويه قدره بالمضارع مع ( كيف ) و بالماضي مع
(
__________
(1) ... البيت من بحر المتقارب ، وهو لأسامة بن حبيب الهذلي في ديوان الهذليين 2/195 ،و الكتاب 1/303 ... ،وشرح أبيات سيبويه للنحاس صـ 141 ، وشرح المفصل 2/52 ، والانتخاب لابن عدلان الموصلي صـ53, والرصف صـ 421 ، والهمع 2/181 والأشموني 2/224 . و ( متلف) أي مهلك ، و( الذكر) الجمل ،( الضابط) : القوي وفي الانتخاب صـ 53 : " و (المتلف) موضع التلف , والمحفوظ في البيت (مَتْلِف)بكسر اللام وفتح الميم , كذا قرأته على مشايخي وعلمته من الأصول المنقحة بالضبط والقراءة . وقد وقع في بعض نسخ الحذاق : ( ُمتَلَف), بضم الميم وفتح اللام , وهو بعيد , و(برَّح) به : حمله على ما يكره في السير ويشق عليه . و( الضابط) : الشديد من البعران . ونصب ( السير) على أنه مفعول معه , وليس قبله فعل , وذكر الفعل قبله شرط لنصبه , ولكن نصبه على معنى : ( و ما أكون) , فحذف (أكون) لوجودها كثيراً في ذا الموقع ".
(2) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/17 .
(3) ... انظر : الكتاب 1/303 ، وابن يعيش 2/52 , وشرح التسهيل 2/249 .
(4) ... انظر : التصريح 1/343 ، والأشموني 2/138 .
(5) ... انظر : المراجع السابقة نفسها , وحاشية الصبان 2/138 .(1/108)
ما ) (1) , واختلف في تقديره ذلك ، فقال السيرافي هو غير مقصود و لو عكس لجاز(2) ، وزعم ابن ولاد (3) أنه لا يحوز إلا ما قدره سيبويه ؛لأن( ما) دخلها معني التحقير والإنكار ،وليست سؤالاً عن مسألة مجهولة ، ولو كانت لمجرد الاستفهام لجاز فيها المضارع و الماضي (4).
وهل( كان ) المقدرة هي الناقصة أو التامة ؟ نص الفارسي (5),وغيره علي أنها التامة فتكون ( كيف ) في موضع النصب علي الحال , وأما ( ما ) فلا تكون حالاً بل مفعولاً مطلقاً ، وزعم بعضهم أنها مخرجة عن أصلها للسؤال عن الحال (6), وقيل إنها ناقصة ، و( كيف ) و ( ما ) في موضع نصب خبرها ، والتقدير : ( علي أي حال تكون أو كنت ) (7) .
واختلف في إضمار ( كان ) بين الجواز و الوجوب , قال الأشموني بوجوب الإضمار ، واختار الصبان الجواز (8).
ومع تجويزهم النصب إلا إنهم رجحوا عليه العطف ، لما فيه من مخالفة الظاهر , ولهذا منع ابن الحاجب النصب في مثل هذا ، وأوجب العطف في مثل ( ما أنت وزيد ) و ( كيف
أنت وزيد ) (9) .
__________
(1) ... انظر : الكتاب 1/303 ، و التصريح 1/343 .
(2) ... انظر : شرح الكتاب للسيرافي 5/ 75 .
(3) ... هو :أبو العباس ولاّد أحمد النحوي بن محمد بن الوليد بن محمد يعرف بولاّد من أهل بيت علم وكنيته أبو العباس، وكان بصيراً بالنحو أستاذاً فيه، رحل إلى بغداد من وطنه مصر ولقي إبراهيم الزجاج وغيره، وله المقصور والممدود والانتصار . توفي سنة اثنتين وثلاثمائة(302)هـ. ا نظر ترجمته في :هدية العارفين 1/60 .
(4) ... انظر :الانتصار لابن و لاد صـ 100 ، 101 , و التصريح 1/343 .
(5) ... انظر رأيه في : الارتشاف 3/1489 ، والتصريح 1/343 .
(6) ... انظر: الارتشاف 3/1489 .
(7) ... انظر : الرضي 1/524 ، والارتشاف 3/1489 ، والتصريح 1/342 ، والهمع 2/181 ... والأشموني 2/134 .
(8) ... انظر : الأشموني و حاشية الصبان 2/137 .
(9) ... انظر : الرضي 1/521 ، والهمع 2/181 .(1/109)
وإذا كان النصب قليلاً في الكلام كما قال سيبويه (1),فقد نسب المبرد إليه تجويزه جوازاًً حسناً (2) .
أما ابن عصفور فلم يكن يري ترجيح العطف عند إرادة الجمع ، بل كان يوجب النصب (3) فإذا عطف ، فيكون التقدير : ( كيف أنت وكيف زيد ) فيكون سؤالاً عن كل واحد منهما علي الانفراد فيتغير المعني (4) .
لكن اختار ترجيح العطف وإن قصدت المصاحبة الرضي ، وعلله بعدم الناصب ( الفعل ) وضعف الدال عليه ، وهو ( ما ) الاستفهامية ، و ( كيف ) وذلك لكثرة دخولهما في غير الفعلية (5) .
وهذا الذي قاله الرضي فيه نظر للصناعة مع إغفال للمعني ، فإن الكلام بالعطف مع الاستفهام إنما يكون إذا أريد التحقير أو التعظيم في تالي الواو (6) ، فإذا قيل:
( ما أنت وزيد ) أو ( كيف أنت وزيد) بالعطف ، فإنما يقال ذلك في المنع من التعرض له ،
كما يقول العكبري (7)، ومع النصب لا يكون هذا المعني .
* * *
السماع والقياس
أكثر هذا الباب مقيس عند أكثر البصريين ، كما يقول العكبري (8) لصحة المعني وتصور عامل النصب .
وامتنع قوم منهم من القياس علي المسموع ؛ لأن إقامة الحرف مقام الاسم مع اختلاف معناهما وعملهما غير مقيس (9).
__________
(1) ... انظر: الكتاب 1/303.
(2) ... انظر: الكامل 1/272 .
(3) ... انظر : شرح الجمل لابن عصفور 2/455 ، والارتشاف 3/1489.
(4) ... انظر : شرح الجمل لابن عصفور 2/455 ، والارتشاف 3/1489 .
(5) ... انظر: الرضي 1/524 .
(6) ... انظر: الكتاب 1/303 .
(7) ... انظر: اللباب 1/283 .
(8) ... انظر: اللباب 1/283 .
(9) ... انظر الآراء في السماع والقياس في : المقتصد1/663, وأسرار العربية صـ 109 , وابن يعيش 2/52, والبسيط 1/468 ، والارتشاف 3/1493 , 1495 .(1/110)
والمحدثون من النحاة كالقدماء، فمنهم من يقصره علي السماع ، كالدكتور عباس حسن الذي لا يري داعياً إلي تقدير فعل بعد الاستفهام ، ويكتفي بأن ما جاء منه منصوباً ، فذلك راجع إلي اختلاف لهجات العرب , وعليه فيقتصر فيما ورد منه على السماع ، ولا يقاس
عليه الأسلوب ، كما لا يقاس عليه من أدوات الاستفهام غير ( ما ) و( كيف ) (1) .
أما الدكتور علي فاخر فيري وجوب قياسية الأساليب الواردة في المفعول معه , يقول :
" وأري أن الأمثلة التي عرضتها عليك في طول هذا الباب مما نستعمله ، في حياتنا كل يوم ، ونحتاجه في كل أمر وشأن ، فوجب أن يكون هذا الباب مقيساً مطرداً مسايرة لحياة الناس وكلام أصحاب الكلام " (2) .
باب ( سنة ) فى الملحق بجمع المذكر السالم
من المعرب بالحروف نيابة عن الحركات جمع المذكر السالم ، ويسمى بالجمع على حد التثنية (3) كما يسمى بـ( ذى الهجائين)(4) وهو مطرد فى كل اسم خال من تاء التأنيث ، لمذكر ، عاقل ، علم ، أو صفة تقبل تاء التأنيث باطراد إن قصد معناه،أو فى معنى ما يقبلها، كـ ( ضارب)و( مذنب) (5) وما خرج عن هذا وجمع على حد التثنية يسمى ملحقاً بجمع المذكر السالم ,ومنه باب ( سنة) وهو كل مؤنث بالتاء محذوف اللام ، غير ثابت التكسير وكانت لامه معتلة ، ولم يكن المحذوف منه غير حرف مد ولين ، ولم يكن له مذكر (6).
__________
(1) ... انظر : حاشية النحو الوافي 2/308 .
(2) ... شرح المقرب لـ أ. د / علي محمد فاخر . المنصوبات 2/705 .
(3) ... انظر: شرح الكتاب للسيرا فى 1/236 ، وشرح اللمع للواسطى الضرير صـ 24 ، والمقتصد
... 1/192 ، والأشمونى 1/80 .
(4) ... انظر: توجيه اللمع لابن الخبازصـ93 ، وشرح اللمع للواسطى الضرير صـ 24 .
(5) ... انظر هذه الشروط فى : ابن الناظم صـ 46 ، وشرح الكافية للرضى 3/372 ، والارتشاف
2/571 ، والاشمونى 1/80 .
(6) ... انظر: الكتاب 3/598 ، والروض الأنف 3/222 ، ونتائج الفكر صـ 119 ، وشرح التسهيل
1/83 ، والرضى 3/381 ، والارتشاف 2/572 ، وشرح قطر الندى صـ 49 ، 50 ، و
... التصريح 1/73 ، والهمع 1/155 .(1/111)
ومما جاء من هذا ، وجمع على حد التثنية كلمات مثل : ( عِزون) (1) و( عِضون) (2)و
( ثِبون) (3) و( بِرون ) (4)، وقد جاءت هذه الكلمة مجموعة بالألف والتاء فى قول ابن أبى
حصينة . وَمائِرَةِ الأَزِمَّةِ مُبرَياتٍ كَأَنَّ عَلى غَوارِبِها صِلالا(5)
__________
(1) ... في المحيط في اللغة , مادة (عزو): " العِزَةُ: الجَمَاعَةُ، والجَميعُ: عِزَوْنَ، ويُقال: عِزَيْنٌ، فَتُعْرَب
نُوْنُه ". وفي اللسان , مادة ( عزو) : "العِزَة: الجماعةُ والفِرْقَةُ من الناسِ، والهاءُ عِوَضٌ من
الياء، والجَمع عِزىً على فِعَل , وعِزُون، وعُزون أَيضاً بالضم، ولم يقولوا عِزات كما قالوا
ثُبات " .
(2) ... في الصحاح , مادة ( عضا) : " العِضَةُ: الكذب والبهتان، وجمعها عِضونَ مثل عِزَةٍ وعِزين. قال تعالى: "الذين جَعَلوا القُرآنَ عِضينَ". ويقال نقصانه الواو وأصلُهُ عِضْوة، وهو من عَضَوْتُهُ أي فرَّقته؛ لأن المشركين فرَّقوا أقاويلهم فيه فجعلوه كذباً وسحراً، وكِهانةً وشِعراً. ويقال نقصانه الهاءوأصله عِضَهَةٌ" .
(3) ... في الصحاح , مادة ( ثبي) : " الثُبَةُ: الجماعةُ: وأصلها ثُبَيٌ، والجمع ثُباتٍ وثُبونَ وثِبونَ وأثابيُّ.
وفي الغريب المصنف 1/365 : " و(الثبة) : الجماعة، و جمعها : ( ثُبَات) و ( ثُبُون)" .
(4) ... في الجمهرة , مادة ( بره) : " البُرَة: الحلقة التي تُجعل في حِتار أنف البعير، والجمع بُرًى وبُرِين
وبِرِين " .
(5) ... البيت من بحر الوافر , فى الديون 1/ 20 . و(المائرة) اسم فاعل من ماريمور إذا تحرك وجاء
وذهب , و(الأزِمَّة) جمع زمام وهو للبعير الخيط الذى يشد فى البرة ., و (الغارب) ما بين العنق والسنام , و( الصلال) : جمع ( صل) وهو نوع من الحيات والعرب تشبه الأزمة بالحيات , و البيت في وصف ناقة .(1/112)
وفيه يقول أبو العلاء " و ( مُبْرَيَات) أى عليها ُبَرى : وهى حلقات من صُفْر أو فضة ، يقال : ( بُرَة) و ( بُرَىً) و ( بُرُون) وكذلك يفعلون فى الناقص مثل : ( قُلَة) و ( ثُبَة) : فيقولون فى الرفع ( قُلُون) و( ثُبُون) ويقولون فى النصب والخفض ( قُلِين و( ثُبِين) وربما أفردوا وأعربوا بالنون ، فجعلوها كـ نون ( مسكين)" (1).
وفى إعراب هذه الأسماء على حد التثنية أمران :
الأول : فى جمع هذه الأسماء على حد التثنية .
الثانى : فى جعل النون فيها معتقب الإعراب .
الأمر الأول : فى جمع هذه الأسماء على حد التثنية . ما كان من باب ( سنة) يجمع على حد التثنية بالشروط السابقة ، ولذلك لا يجمع هذه الجمع نحو : ( شفة) و ( شاة) ؛لأن المحذوف منها هاء ، وليست حرف مد أو لين(2) وما كان من نحو ( أََمَة) لا يجمع هذا الجمع ؛لأن له مذكراً ، وإن لم يكن على لفظها ، فقالوا فى جمعها ( إموان) (3) وإن قال المبرد : "النحويون يجيزون ( أَمُون) و( إمون) و ( شَفون) و ( شِفون) فى ( أَمَة) و ( شِفَة) (4).
ونحو ( تمرة ) لا يجمع على حد التثنية لعدم الحذف (5) ونحو ( عدة) و ( زنة) كذلك ؛ لأن المحذوف منهما الفاء لا اللام (6) ، ومثلهما ( يد) و ( دم ) ونحوهما ؛لأن المحذوف منهما لم يعوض عنه (7) .
__________
(1) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 33 .
(2) ... انظر: نتائج الفكر صـ 119.
(3) ... انظر : الروض الأنف 3/222 ونتائج الفكر صـ 119 ، وشرح التسهيل 1 / 83 وشرح ابن
عقيل 1 / 57 ، والتصريح 1 / 74 ، 75 ، والأشمونى 1 /57 .
(4) ... انظر رأيه فى : الارتشاف 2 / 578 .
(5) ... انظر: التصريح 1 / 74 ، والهمع 1/ 155 ، والأشمونى 1 / 84 .
(6) ... انظر : المساعد 1 / 52 ، والتصريح 1 / 74 ، والأشمونى 1 / 84 .
(7) ... انظر : التصريح 1 /74 ، والاشمونى 1/ 84 .(1/113)
وما كان نحو ( اسم) و ( أخت) و ( بنت) أيضاً ، ؛لأن التعويض فيهن عن لامهن المحذوفة غير الهاء (1) .
وإنما جمعت الأسماء التى وافقت الضابط السابق على حد التثنية مع أنها مؤنثة وليست واقعة على من يعقل قالوا : جبراً لما فاتها من النقص بحذف اللام ، والجمع يرد الأشياء إلى أصولها(2).
وقال الرضى : " علل النحاه جمع ما حذفت لامه أو فاؤه هذا الجمع ، بأن هذا الجمع أفضل الجموع , لكونه خاصاً بالعلماء(3) فجبر بهذا الأفضل ما لحق الاسم من النقصان باالحذف نسياً (4) .
وهذه العله التى ذكروا علة مُجِّوزة لا موجبة (5) كما يقول العكبرى (6) .
ولهذا فإن الباب مع إطراده فى أكثر الكلام لم ينضبط انضباطاً تاماً , من ذلك جمعُ ما حذف فاؤه على حد التثنية , و هم قد شرطوا حذف اللام لا الفاء مثل : ( رِقََة) و ( لِدَة) فإنهم قالوا : وإن كان قليلاً ( رِقون) و ( لِدُون) وكان المبرد لا يحيز فى ( عدة) إلا ( عدات) (7) .
وقد جمع أيضاً ما ثبت تكسيره مع أنهم شرطوا أن لا يثبت له جمع مُكَسَّر(8)نحو ( ظبة ) (9)
__________
(1) ... انظر: شرح التسهيل 1/ 83 والمساعد 1/53 ، والأشمونى 1/84 .
(2) ... انظر: الكتاب 3 / 598 : وسر الصناعة 2/ 155 وشرح اللمع للواسطى صـ24 و
ابن يعيش 5 /5 ، وشرح التسهيل 1 / 83 ، وشرح قطر الندى صـ 29 ، والرضى 3 / 382 .
(3) ... يعني : العقلاء .
(4) ... شرح الكافية للرضى 3 / 382 بتصرف يسير .
(5) ... انظر فى العلة المجوزة والموجبة : الخصائص 1 / 165 ، والاقتراح صـ 73 .
(6) ... قاله فى اللباب 1/114 ، وانظر: أسرار العربية صـ 52 .
(7) ... انظررأيه فى: الارتشاف 2 /572 .
(8) ... انظر فى هذا : شرح التسهيل 1 / 84 , وابن الناظم صـ 47 ، والرضى 3/381 ، والارتشاف
... 2 /573 ، والتصريح 1 /74 والهمع 1/155 .
(9) ... في اللسان , مادة ( ظبا) : " ظُبَة السيف: حَدُّه، وهو ما يَلي طَرَف السيف، ومثله ذُبابه ... والجمع
ظُباتٌ وظِبُونَ وظُبُونَ" .(1/114)
و( برة) فقالوا : ( ظباء) و(ظبون) ومنه فى ( ظبون) قول كعب فى يوم أحد .
تَعَاوَرَ أيمانُهُمْ بَيْنَهُمْ كُؤُوسَ المَنَايَا بِحَدِّ الظُّبِينَا (1)
وقالوا فى ( بُرَة) و( بُرَىً)(2) : ( بُرُون) ، وقد صرحوا بأنه قليل (3)غير أن سيبويه لم يُجِز فى ( ُظَبة) إلا ( ظُبَات) قال :" وقد يجمعون الشئ بالتاء ، ولا يجاوزون به ذلك استغناء ، وذلك ( ظُبَة) و ( ظُبَات) و( شِيَة) و ( شِيَات) " (4) وعلله بأنه لم يسمع فيه إلا هذا .
أما ( بُرَه) فأجاز فيها ( بُرُون) قال :" وقالوا : ( بُرَه) و( بُرَات) و( بُرُون) و( بُرَىً) و( لُغَة) و ( لُغَى ) فكسروها على الأصل كما كسروا نظائرها التى لم تحذف نحو ( كُلْيَة) و( كُلَىً) فقد يستغنون بالشئ عن الشئ ، وقد يستعملون فيه جميع ما يكون فى بابه" (5).
وكما جمعوا ( ظُبَة) و( بُرَىًً) مع سماع التكسير فيها ، جمعوا ( أَمَة) , و( شفة) ، فقالوا : ( إمون) و( شفون) ، وأجازه المبرد (6) وقصره سيبويه (7) على السماع .
وإنما أجازه المبرد قياساً ؛ لأن ما جاز جمعه بالألف والتاء وبالواو والنون ، والمسموع
فيه واحد منهما فقط , فالنحويون يجيزون فيه الثانى وإن لم يسمع (8).
__________
(1) ... البيت من بحر المتقارب , وهو فى سيرة ابن هشام 3/66 .
(2) ... قال الرضى فى شرح الشافية 2/101 عن وزن (فعَُل) : "وقد جاء فى ناقصه (فُعَل) أيضاً شاذاً كـ
(قرية) و(قرى) ، قال أبو على : و(بروة) و(بَرى) .
(3) ... انظر : شرح التسهيل 1/84 ، والرضى 3/381 .
(4) ... الكتاب 3/598 .
(5) ... السابق نفسه 3/598 .
(6) ... انظر رأيه فى : الارتشاف 2/578 ، 579.
(7) ... انظر رأيه فى: الكتاب 3/598 ، والارتشاف 2/578 .
(8) ... انظر: الارتشاف 2/578 .(1/115)
وقد جمع هذه الجمع ما لم تحذف لامه ، لكنها قلبت ألفاً وهم قد شرطوا الحذف لا القلب كـ ( الأضاة) (1)و ( القناة) (2) لكن تحذف لامه نساً منسياً حتى يصير كالسنة ، فيقال : ( أضون) و(قنون) ولو اعتبرت لاماتها لقيل : (القنوْن) و(الأضوْن) (3).
وربما جاء فى المضعف (4) أيضاً كـ ( إِوِزِّيْن)(5) ( حِرِّين) (6) .
* * *
حركة الفاء فى باب ( سنة ) عند جمعه على حد التثنية
لما كان هذا الجمع على خلاف الأصل ، فقد غيروا حركة فائه ، تنبيهاًً على
هذا(7)
__________
(1) ... في العين , تجت الجذر ( أضو) : " الغدير. والأضَين: جماعة الأضاة، مثل: سنين وسنة. والأَضينَ:جَماعة الأضاة مثل سِنين وسَنة. ويقال إضاةٌ وأضاةٌ بالكسر والفتح والجمع أَضَا، مقصور، على تقدير أَكَمة وأَكَم، وإضاء على تقدير إِكام، وثلاثُ أَضَوات، والجمع أضُون " .
(2) ... في اللسان , مادة ( قنن) : " قُنَّةُ الجبل وقُلَّتُه: أَعلاه، والجمع القُنَنُ والقُلَلُ، وقيل: الجمع قُنَنٌ وقِنانٌ
وقُنَّاتٌ وقُنُونٌ" .
(3) ... انظر: الرضى 3/382 .
(4) ... انظر: السابق نفسه 3/382 .
(5) ... في اللسان , مادة ( وزز) : " الوَزَّةُ البَطَّةُ، وجمعها وَزٌّ، وهي الإِوَزَّةُ أَيضاً، والجمع إِوَزٌّ وإِوَزُّونَ؛ قال: ...
(6) ... في التاج , مادة ( حرر) : " الحَرَّةُ: اسمٌ أَرضٍ ذاتِ حجارةٍ نَخِرَةٍ سُودٍ، كأَنَّهَا أُحْرِقَتْ بالنّار،
وقيل: الحَرَّةُ مِن الأَرضِينَ: الصُّلْبَةُ والغَلِيظَةُ التي أَلْبسَتْها حِجارَةٌ سُودٌ نَخِرَةٌ، كأَنَّهَا مُطِرَتْ، كالحِرَارِ بالكسر جمْع تَكْسِيرٍ، وهومَقِيسٌ... وزَعَمَ يُونُسُ أيضاًأنهم يقولون: حَرَّةٌ وإحَرُّونَ، يَعْنِي الحِرَارَ، كأَنه جمْعُ إِحَرَّةٍ، ولكن لا يُتَكَلَّمُ بها" .
(7) ... انظر: الكتاب 3/598 ، وسر الصناعة 2/162 ، وابن يعيش 5/5 ، وأسرار العربية صـ52 ،
ونتائج الفكر صـ 119 .(1/116)
وبعضهم لا يغير كما قال سيبويه (1)، وحركة الفاء فى الجمع تتغير تبعاً لحركتها فى المفرد على النحو التالى :
ما كان مفتوح الفاء فى المفرد كـ ( سنة ) لا يجوزفيه إلا الكسر (2)هذا هو الأشهر ، لكن قد يضم مع الكسر مثل ( سنون) وهو قليل (3).
وما كان مكسور الفاء فى المفرد لا يغير فى الجمع(4) هذا هو الغالب فيه . وقد عللوه
باعتدال الكسرة بين الضمة والفتحة (5) وعلله السهيلى بالفرار من اللبس بما هو على وزن ( فَعُول) فى الواحد إذا ضم تحقيقاً للجمع ؛ إذ ليس فى الكلام اسم على وزن ( فَعُول) ولا ( فعيل)(6) .
لكن مع هذا ورد الضم وإن كان قليلاً ، حكى الصغاني ( عُزُون)(7) وحكى أيضاً ( فُئُون) و ( سُنون) بالضم (8) .
وما كان مضموم الفاء فى المفرد نحو ( قُلَة) و( بُرَة) يجوز الكسر فى أوائلها عند الجميع مع الضم (9) والكسر هو الأكثر (10) .
وهل كل ما كان مضموم الفاء يجوز فى فائه عند الجمع الكسر والضم باطراد ؟
قال الرضى "وليس بمطرد ؛ إذ : ( الظُبون) و( الكُرون) لم يسمع فيهما الكسر (11).
__________
(1) ... انظر: الكتاب 3/598 .
(2) ... انظر : شرح التسهيل 1/48 ، وابن الناظم صـ 48 ، والمساعد 1/53 ، والهمع 1/156 ،
والأشموني 1/84 .
(3) ... انظر : شرح الشافية للرضى 2/110 ، وشرح الكافية له 3/381 ، والهمع 1/156 .
(4) ... انظر: شرح التسهيل 1/84 ، وابن الناظم صـ 47 ، والمساعد 1/53 ، والتصريح 1/74 .
(5) ... انظر: شرح الكافية للرضى 3/381 .
(6) ... انظر: نتائج الفكر صـ 120 .
(7) ... انظر: الهمع 1/156 .
(8) ... انظر الأشمونى 1/84 .
(9) ... انظر: سر الصناعة 2/164 ، وشرح التسهيل 1/83 ، وابن الناظم صـ 47 ، والمساعد 1/53 ،
والهمع 1/156 ، والأشمونى 1/86 .
(10) ... انظر: التصريح على التوضيح 1/74 .
(11) ... شرح الكافية للرضى 3/381 . وهذا ليس صحيحاً , قال في اللسان , مادة ( ظبا) : " والجمع
ظُباتٌ وظِبُونَ وظُبُونَ" . وقال في مادة ( كرا) : " الكُرةُ: التي يُلعَبُ بها، أَصلها كُرْوةٌ فحذفت الواو، كما قالوا قُلةٌ للتي يُلعب بها، والأَصل قُلْوةٌ، وجمع الكُرةِ كُراتٌ وكُرُون... الكُرةُ التي تُضرب بالصَّوْلَجان وأَصلها كُرَوٌ، والهاء عِوض، وتجمع على كُرين وكِرينَ أَيضاً، بالكسر، وكُراتٍ؛ ...ويجمع أَيضاً على أُكَرٍ، وأَصله وُكَرٌ مقلوب اللام إِلى موضع الفاء، ثم أُبدلت الواو همزة" .(1/117)
* * *
الأمر الثانى : فى جعل النون فيما كان على باب ( سنة ) معتقب الإعراب .
لما كان هذا الباب خار جاً عما وضعوه من شروط فيما يجمع على حد التثنية ومن أجله غيروا حركة الفاء منه عند الجمع تنبيهاًً على أنه ليس أصلاً ، جاز أن يعامل فى بعض لهجات العرب ، كـ تميم وأسد وعامر معاملة المفرد مع لزوم الياء عندهم فيصير نظير (غسلين) و( مسكين) (1) وعلل له الأزهرى بأن لزوم الياء عندهم ؛لأنها أخف عليهم ، ويجعل الإعراب على النون ، لأنها قامت مقام الذاهب فىالكلمة ، ولو كان الذاهب موجوداً .
ومع الإعراب على النون فإن بني عامر ينونون , أما تميم فلا تنون (2) .
وترك التنوين لازم فى القياس ؛لأن وجوده مع هذه النون كوجود تنوينين فى حرف واحد (3) .
لكن الوارد عنهم بخلاف القياس المذكور ، فقد ذكر ابن عقيل أن حذف التنوين أقل من
الإثبات (4) .
وعلى لغة بني عامر ، ورد قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – فى بعض الروايات :
"اللهم أجعلها عليهم سنيناً كسنين يوسف" (5) .
وبلغتهم قال شاعرهم : دعانِيَ من نجدٍ فإن سنينه لعبن بنا شيباً وشيبننا مردا
متى ننحُ حَبْوَاً من سِنِْينٍ مُلِحَّةٍ نَشِرُّ لأُخْرَى تُنْزِلُ الأعْصَمَ الفَرْدَ ا (6)
__________
(1) ... انظر : معانى القرآن للفراء 2/ 92 ، والارتشاف 2/578 ، 579 ، والتصريح 1/77 ، والمساعد 1/55 ، والهمع 1/156 .
(2) ... انظر : الارتشاف 3/578 ، 579 ، والمساعد 1/55 ، والتصريح 1/77 , والهمع 1/156 .
(3) ... انظر: شرح التسهيل 1/85 .
(4) ... انظر: شرح ابن عقيل 1/57 , والمساعد 1/56 .
(5) ... في مسند أحمد 2 / 521 : " اللهم انج عياش بن أبى ربيعة اللهم انج المستضعفين من المؤمنين اللهم
اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها سنين كسنين يوسف قال أبى وقال عبد الوهاب كسنى يوسف " .
(6) ... البيتان من بحر الطويل وهما من قصيدة للصمة بن عبدالله بن الطفيل ، شاعر إسلامى بدوى مقل
من شعراء الدولة الأموية ، والقصيدة قالها ، وقد اشتاق إلى وطنه نجد ، والبيت الأول فى معانى القرآن للفراء 2/92 ، وابن يعيش 5/11 ، والرضى 3/383 ، والتصريح 1/77 ، والاشمونى 1/86 والشاهد فى البيت الأول قوله : ( فإن سنينه) بإعراب بالحركة على النون بدليل عدم سقوط النون للإضافة وفى البيت الثانى ( من سنين ) بالإعراب بالحركة مع التنوين على لغة بن عامر .(1/118)
ولزوم الياء مع جعل الإعراب على النون فى تميم وأسد وبني عامر كثير ، كما يقول الفراء(1) وليس مستبعداً فى القياس وقال الفارسي "وقد كثر هذا الضرب فى الجمع حتى لو
جعل قياساً مستمراً كان مذهباً" (2) .
وثمة ملاحظة مهمة , وهي أن الإعراب بالحركات على آخر ما يعرب بعلامات فرعية , كـ الأسماء االستة , والمثنى , و الجمع السالم بنوعيه المذكر والمؤنث , ورد منسوباً غالباًً إلى لهجات عربية , كما في لغة النقص في الأسماء الستة (3), وكما في تحريك نون المثنى
بالضم "وقد بقيت هذه في ألسنة بعض العرب ,. فلقد حكي عنهم :( الزيدان ُ ), و( العمرانُ) " (4) .
وكما في نصب جمع المؤنث السالم بالفتحة في قولهم على ما حكاه الخليل بن أحمد :
(
__________
(1) ... انظر: معانى القرآن للفراء 2/92 .
(2) ... الشعر للفارسى صـ 186 .
(3) ... راجع : شرح المفصل 1/52, 53 .
(4) ... الألفاظ الشاذة في اللغة والنحوـ دراسة وتويب ـ بحث منشور بحولية كلية الدراسات الإسلامية والعربية
بالقاهرة ـ د/ أحمد عبد التواب الفيومي ـ العدد ( 11) صـ 565. وراجع في تحريك نون التثنية بالضم :
شرح المفصل 4/43 .(1/119)
استأصل الله عرقاتََهم ) , أي أصولهم بفتح التاء من ( عرقاتهم (1) , وحكى الكسائي : ( سمعت لغاتَهم ) بفتح التاء (2), وحكى ابن سيده(3) : ( رأيت بناَتك ) بفتح التاء (4) , وجاء الإعراب على النون في جمع المذكر السالم كما سبق .
ومثل هذا قد يرجح أن الإعراب فيما سبق أصله أن يكون بالحركة , لا بالحرف , أما الحروف التي تلازمه في حالات الإعراب المختلفة فـ "هذه العناصر , هي الألف والنون في التثنية , والواو والنون في الجمع لم تكن في أصل اللغة أكثر من كونها علامات دالة على التثنية والجمع , ولم تكن تدل على الإعراب , إنما إعراب المثنى والجمع كان يتم بواسطة حركات قصيرة تتعاقب على النون , شأنه شأن المفرد تماماً , الضمة في حالة الرفع , والكسرة في حالة الجر , و الفتحة في حالة النصب " (5).
__________
(1) ... راجع : الكتاب 3/293 , ومعاني القرآن للفراء 2/ 92, 93 , وشرح المفصل 5/9 .
(2) ... راجع : شرح المفصل 5/8 .
(3) ... هو :على بن إسماعيل المرسى اللغوى أبو الحسن المعروف بابن سيده , كان من أعلم أهل عصره باللغة حافظاً لها جمع فيها عدة تصانيف نافعة , ومنها المحكم و المخصص ,وقد طعن فيه السهيلي في الروض , له شرح ( الحماسة ) في خمسة أسفار وكتاب ( العالم والمتعلم ) كله أسئله وأجوبة وله ( شاذ اللغة ) وذكر اليسع ابن حزم أنه كان يرى رأى الشعوبية فيفضل العجم على العرب ومن شيوخه أبوه وصاعد بن الحسن اللغوي .كانت وفاة أبي الحسن بن سيده بدابية في ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وأربع مائة(458 ) وله ستون سنة أو نحوها . انظر ترجمته في : - لسان الميزان - ابن حجر 4 / 205 .
(4) ... الألفاظ الشاذة في اللغة والنحو صـ 568, 569 .
(5) ... راجع : شرح المفصل 5/8 .(1/120)
ولكن هل جعل النون معتقب الإعراب خاصاً بلزوم الياء أو يجوز مع لزوم الواو ؟ نُسِب إلى المبرد (1) أنه أجازه قياساً على ( زيتون) ، وقد رده الفارسى بأنه بعيد من جهه القياس مع أنه لم يرد مسموعاً عن العرب (2) .
وقوَّى ابن مالك المذهب الأول بأن باب ( غسلين) أوسع مجالاً من باب ( عربون) , ولأن الواو كانت إعراباً صحيحاً ؛إذ لم يشترك فيها شيئان ، فلو لزمت عند الإعراب بالحركات لكان الرفع بالضمة معها كرفعين ، بخلاف الياء ؛إذ لم ينفرد بها شئ واحد (3).
ومع هذا فإنه أجاز الإعراب على النون مع لزوم الواو ، وإن كان قليلاً ، والحمل عليه ضعيف (4).
أما جعل الإعراب بالحركة لا بالحرف فيما كان على باب ( سنة) ، فقد أجازه المبرد (5) وظاهر كلام الزمخشرى فى المفصل الجواز (6) والكلام فى هذه المسألة متنوع ، فمن قائل بجواز الإعراب بالحركة على أنه لغة قوم ومنهم من خصة بالضرورة (7).
هذا قبل التسمية ، أما بعدها ، فكون النون معتقب الإعراب شائع فى الاختيار (8).
ويُلَاحظ أن باب ( سنة) قد يُشَبَّه بباب ( غسلين) فيعرب بالحركات مثله فهل يشبه باب (غسلين) بباب سنة فيعرب بالحروف مثله ؟ الوجه المختار عند المبرد فى الجمع الإعراب بالحروف وأما الواحد نحو ( غسلين) فالوجهان مقولان معتدلان (9) .
__________
(1) ... انظر رأى المبرد فى : المقتضب 3/332 ، وابن يعيش 5/12 ، وشرح التسهيل 1/ 587 .
(2) ... انظر: الشعر صـ184 .
(3) ... انظر: شرح التسهيل 1/86 .
(4) ... انظر: السابق 1/86 .
(5) ... انظر: المقتضب 3/332.
(6) ... انظر: المفصل صـ 229 .
(7) ... انظر: شرح التسهيل 1/85 ، 86 ، والرضى 3/369 ، 370 ، والارتشاف 2/568 ، وأوضح
المسالك 1/48 ، والأشمونى 1/ 78 .
(8) ... انظر: المقتضب 4/37 ، وسر الصناعة 2/62 ، والرضى 3/284 .
(9) ... انظر: المقتضب 3/332 .(1/121)
وإذا جاز لهم الانقياد إلى التشبيه اللفظى فى الخروج عن أصل إلى فرع ، فالانقياد إليه فى الخروج عن فرع إلى أصل أحق بالجواز ، وذلك أنهم قالوا فى ( ياسمين) و( سرحين) و ( شياطين) ( ياسمون) و( سرجون) و( شياطون) فأعربوها إعراب جمع التصحيح تشبيهاً للآخر بالآخرين (1) . * * *
ويترتب على كل ما سبق أن من أعرب بالحركات على النون يجمع بين النون والإضافة ،
ولا تسقط النون حينها ، لأنها صارت كـ جزء الكلمة (2).
السماع والقياس
الإعراب بالحركة فى باب ( سنة) مطرد عند الفراء (3) واختلف فى اطراده ، قال الأشمونى : والصحيح قصره على السماع (4).
أما فى غير باب ( سنة) فقصره ابن مالك على محذوف اللام ، وإن كان يجوز قياساً فى ألفاظ العقود ، وفى محذوف الفاء ، لكنه لم يسمع (5) أما ما سمع فيه جمع التكسير ، فقد
قصره سيبويه على ما سمع منه ، وقال المبرد النحويون يجيزونه (6) .
وأصل هذه المسألة يرجع إلى الخلاف فى القياس على لغات العرب ، وقد سبق أن الإعراب بالحركات لغة تميم وقيس وبني عامر, أما الإعراب بالحروف فى باب سنين فلغة الحجاز وعليا قيس (7) فهل يجوز الاحتجاج بكل لغات العرب والقياس عليها ؟ مذهب ابن جنى أن لغات العرب كلها حجه (8) وأصرح من هذا قول أبي حيان كل ما كانت لغة لقبيلة قيس عليه (9).
__________
(1) ... شرح التسهيل 1/86 ،و انظر: التصريح 1/75 ، 76 ، والهمع 1/157 .
(2) ... انظر : مجالس ثعلب 1/265 ، والشعر للفارسى صـ 183 ، وابن الناظم صـ 48 ، والرضى
... 3/382 .
(3) ... انظر : معانى القرآن للفراء 2/92 ، وانظر أيضاً : ابن الناظم صـ 47 والتصريح 1/77 .
(4) ... انظر : الأشمونى 1/87 ، وانظر أيضاً : ابن عقيل 1/75 ، والتصريح 1/77 .
(5) ... انظر: شرح التسهيل 1/85 .
(6) ... انظر: الارتشاف 2/578 .
(7) ... انظر: السابق نفسه صـ 5578 , والهمع 1/156 .
(8) ... انظر: الخصائص 2/12 .
(9) ... انظر :الاقتراح صـ 0108(1/122)
أما بعض المحدثين كالدكتور عباس حسن فيرى أنه لا يصح إخضاع لغة لقبيلة من العرب للغة قبيلة أخرى ، وليس هذا من حقنا (1) .
ما يترتب على ما سبق من أوجه الاستعمال الجائزة والممتنعة .
1- نحو : ( ظبة) لا يجوز فيه عند سيبويه إلا ( ظبات) وأجاز باقى النحويين: ( ظبون) .
2- نحو : ( عدة) لا يجوز فيه عند المبرد إلا ( عدات) وأجاز أبو حيان ( عدون) .
3- نحو : ( أمة) و( شفة) لا يجوز فيه عند سيبويه إلا ( إماء) و( شفاه) ويقصره على السماع
، وأجاز المبرد ( إمون) و ( شفون) .
4- نحو : (هذه سنينُ) و (رأيت سنينَ) و(مررت بسنينِ) بجعل الإعراب على النون شائع عند
تميم وأسد و بني عامر ، بخلاف الحجاز وعليا قيس .
5- نحو ( هذه سنينٌ ) و( رأيت سنيناً ) و( مررت بسنينٍ) بالتنوين شائع عند بني عامر وبنو تميم
لاينونون .
6- نحو : (هذه عزونُ) و( قلونُ ) و( ثبونُ) بجعل الإعراب على النون مع لزوم الواو جائز
عند المبرد ، وعند غيره ممتنع أو قليل .
7- نحو : (هذان خليلان ُ) بجعل الإعراب على النون جائز على لغة لبعض العرب وإن
منعه بعض النحاة .
8- نحو : ( هذه ظباتُ ) بجعل الإعراب على التاء جائز عند جميع النحاة .
9- نحو (غسلين) يجوز فيه الإعراب بالحركة أو الإعراب بالحرف .
إضافة الزمان إلى الجملة
__________
(1) ... انظر: حاشية النحو الوافى 2/309 .(1/123)
حق الإضافة أن تكون إلى الاسم , و أن يكون هذا الاسم مفرداً , و لا يضاف إلى فعل؛ لأن الفعل لا يتصور فيه جر ؛ إذ الجر يكون بأدوات يستحيل دخولها على الأفعال , و هي حروف الخفض , و عامل الإضافة المحضة , لا معنى لها يعقل في الأفعال (1) . ولهذا قالوا:( غلام محمد ) ولم يقولوا( غلام يقوم) , وما ورد منه كقولهم : ( ائتني بآية قام زيد) (2) وقولهم : ( اذهب بذي تسلم) (3) فهو مؤول (4) .
وكما لا يضاف إلى فعل لا يضاف إلى جملة , و يستثنى من هذا أسماء الزمان غير المثناة , فتضاف إلى الجملة بشرط أن تكون الجملة خبرية مبتدأ , أو منسوخة الابتداء بـ( لا) التبرئة , أو ( ما )أو( لا) العاملتين عمل ليس (5) . ومن هذا ما ورد في قول ابن أبي حصينة :
__________
(1) ... انظر : الإيضاح للزجاجي صـ 107 , 108 , و شرح الكتاب للسيرافي 1 /95, 96 , والعلل في النحو للوراق صـ 258 . ... ...
(2) ... انظر : شرح الكتاب للسيرافي 1 /98 . ... ...
(3) ... السابق نفسه1/ 98 . ...
(4) ... في اللسان, مادة ( سلم) : " يقال: (اذهب بذي تسلم يا فتى)، و(اذهبا بذي تسلمان)، أي اذهب بسلامتك، قال الأخفش: وقوله(ذي مضاف) إلى (تسلم) ،وكذلك قول الأعشى :
... ... ... بآية يقدمون الخيل زورا ... كأن على سنابكها مداما
أضاف(آية) إلى (يقدمون)، وهما نادران، لأنه ليس شيء من الأسماء يضاف إلى الفعل غير أسماء الزمان كقولك هذا يوم يفعل أي يفعل فيه، وحكى سيبويه: (لا أفعل ذلك بذي تسلم)" . جاز إضافة ( آية) ؛ لأنها بمنزلة الوقت , و جازت الإضافة في ( اذهب بذي تسلم) ؛ لأن معناه : (اذهب بسلامتك) , و قيل : معناه : ( اذهب بالذي تسلم) و (ذي) موصولة , و العائد محذوف . انظر : شرح الكتاب للسيرافي 1 /98 , 99 , وابن يعيش 3/ 18, 19 , و شرح التسهيل 3/ 258 : 261 . ...
(5) ... انظر : شرح التسهيل 3 /257 , و الارتشاف 4/ 1827 , 1828 , والمساعد 2 /356 , والهمع 3 /127 . ...(1/124)
في يَومِ لا عيد وَلَكِن فَضلُهُ عِيدُ الَّذي وافى إِلَيهِ كَعِيدِهِ (1)
وفيه يقول أبو العلاء (2) : " ويجوز رفع ( عيد ) و خفضه , فإذا خفض , فمعناه ( في يوم عيد ) وإذا رفع جعل ( يوماً ) مضافاً إلى الجملة ؛ لأن الاسم للزمان مضاف إليها , كما قال سبحانه : { يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ } (3) و{هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ} (4) ".
وهذا إذا كانت الجملة إسمية , أما إذا كانت فعلية , فيضاف إليها الزمان أيضاً , بشرط أن تكون مصدرة بمتصرف ماض ٍ أو مضارع أو ( لو ) وهو قليل (5) .
وإذا كانوا قد استثنوا من الإضافة إلى الجملة أسماء الزمان , فإن في إضافتها إليه أموراً : الأول : لماذا اختص الزمان بالإضافة إلى الجمل دون غيره ؟
الثاني : هل الإضافة إلى الجملة نفسها , أو إلى مفرد مفهوم منها ؟
الثالث : هل كل زمان يضاف إلى كل جملة ؟
* * *
الأمر الأول : لماذا اختص الزمان بالإضافة إلى الجمل دون غيره ؟
أصل إضافة الزمان أن يكون إلى جملة الفعل للشبه بين الفعل والزمان , فالفعل حدث , والحدث مقترن بالضرورة بزمن , و الفعل كما يقول ابن الشجري : " نتيجة حركات الفاعلين , كما أن الزمان نتيجة حركات الفلك " (6) .
ومن هذا قوله تعالى : { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } (7) . ومنه أيضاً قوله سبحانه{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (8) ثم أضافوا الزمان إلى جملة الابتداء ؛ لأنها أخت الجملة الفعلية .
__________
(1) ... البيت من بحر الكامل , و هو في الديوان 1 /44. ...
(2) ... شرح دوان ابن أبي حصينة 2 /47 . ...
(3) ... سورة المائدة , من الآية : 122. ...
(4) ... سورة المرسلات , الآية : 35. ...
(5) ... انظر : الارتشاف 4/ 1827. ... ...
(6) ... الأمالي الشجرية 1 /199 , وانظر : المقتصد 1 /127 , واللباب 1 /392 . ...
(7) ... سورة غافر , من الآية : 16 . ...
(8) ... سورة المطففين , آية : 6 . ...(1/125)
وقال قوم : إنما أضيف الزمان إلى الفعل ؛ لأن الفعل يدل على الحدث , و الزمان , فالزمان أحد مدلولي الفعل , فساغت الإضافة إليه كإضافة البعض إلى الكل " (1) .
وقال الأخفش : " إنما أضيفت أسماء الزمان إلى الأفعال ؛ لأن الأزمنة كلها ظروف للأفعال والمصادر , والظروف أضعف من الأسماء , فقووها بالإضافة إلى الأفعال " (2) .
وضعَّف هذه العلة الزجاجي بأن الأفعال أضعف من الأسماء ؛ لأن الضعف والقوة في العربية إنما هما في التمكن والامتناع منه , والأسماء أمكن من الأفعال" (3) .
وأيضاً فإن شرط صحة العلة إطرادها , و عليه فينبغي أن يقووا كل ضعيف من الأسماء بإضافته إلى الأفعال , فلما لم يفعلوه دل على ضعف هذه العلة .
ومما يدل على ضعفها أيضاً أنهم أجازوا في الزمان إذا أضيف إلى مبني أن يكتسب البناء , كما قال الشاعر : عَلى حينَ عاتَبتُ المَشيبَ عَلى الصِبا وَقُلتُ أَلَمّا أَصحُ وَالشَيبُ وازِعُ (4)
أكثر الرواة كما يقول الزجاجي على فتح ( حين ) هاهنا , بناءً لإضافتها إلى الفعل(5) .
وإن كانت الإضافة للأفعال إنما هي لتقويتها , فقد كان يجب إعرابها في كل حال (6) .
ومن علة اختصاص الزمان بالإضافة إلى الجمل رأي آخر للأخفش, أن ظروف الزمان
خاصها وعامها يتعدى إليها الفعل بغير واسطة , و ظروف المكان إذا كانت خاصة , لا
__________
(1) ... ابن يعيش 3 / 16 , و انظر : الإيضاح للزجاجي صـ 114 . ... ...
(2) ... الإيضاح للزجاجي صـ 114 . ... ...
(3) ... السابق نفسه صـ 114 . ...
(4) ... البيت من الطويل , للنابغة الذبياني في ديوانه صـ 32, و الكتاب 2/ 330 , و الكامل 1 /158 , و سر الصناعة 2 /69 , والمنصف لابن جني 1 /5 8 , وابن يعيش 3 /16 , و 4 /519 , و 8 /137 , و الهمع 2 /170 . ... ...
(5) ... الإيضاح للزجاجي صـ 114 . ... ...
(6) ... السابق نفسه صـ 115 . ... ...(1/126)
يتعدى الفعل إليها إلا بواسطة , نحو ( قمت في الدار ) , ولا يجوز : ( قمت الدار ) , كما يقال : ( يوم الجمة ) , فأضيف ظروف الزمان إلى الجمل عوضاً من اختصاص ظروف المكان بها , ثم أضيفت إلى الجمل الإسمية ؛ لأنها أختها (1) .
وقال أبو علي : جاز إضافة أسماء الزمان إلى الفعل , و إن لم يكن باب الفعل أن يضاف إليه , كما جاز أن يكون صفة ... فخرج الفعل عن بابه , فأضيف إليه كما خرج عن بابه فوصف به (2) .
وجواب آخر قاله الزجاجي , وهو أن الغرض من الإضافة إلى الأفعال " إنما هو المصادر , فكأن المضاف إليه في الحقيقة المصدر ؛ لأن تأويل قولك : ( هذا يوم يقوم زيد ) : (هذا يوم قيام زيد ) , ليس هذا المعنى موجوداً في إضافة سائر الأسماء إليها ؛ لأنه لا فائدة تقع فيه"(3).
الأمر الثاني : هل الإضافة إلى الجملة نفسها , أو إلى مفرد مفهوم منها ؟
أكثر النحاة (4) على أن الإضافة إلى الجملة نفسها , لا إلى الفعل وحده , و تكون الإضافة في اللفظ إلى الجملة , و المراد المصدر, فنحو (هذا يوم يقوم زيد ) المراد منه : ( هذا يوم قيام زيد ) , فكأنه أضاف إلى مدلولات الجمل , والمدلولات معانٍ , و الأزمنة تكون ظروفاً للمعاني دون الجثة , يقال : ( القتال اليوم ) و لا يقال : ( زيد اليوم ) , فالملابسة بين الزمان والمعاني ظاهرة , والإضافة تصح بأدنى ملابسة (5) .
__________
(1) ... انظر : العلل للوراق صـ 285 . ...
(2) ... انظر : التعليقة للفارسي 2 /329 . ...
(3) ... الإيضاح صـ 113 . ...
(4) ... انظر : الأصول 2 /224 , و المقتصد 1 /172 , وابن يعيش 2 /16 . ... ...
(5) ... انظر: نتائج الفكر صـ 74 , وابن يعيش 3 /16 . ... ...(1/127)
وذهب الفارسي(1) وابن درستويه (2) وغيرهما إلى أن الإضافة إلى الفعل نفسه , تنزيلاً له منزلة الفعل المسمى مصدراً, و قد يقع الفعل موقع المصدر في مواضع , نحو : ( تسمع بالمعيدي لا أن تراه) والحقيقة أن النزاع منتف ٍ كما يقول الرضي : " ٍ؛ لأن الإضافة في اللفظ إلى ظاهر الجملة بلا خلاف ، ومن حيث المعنى إلى مصدرها ؛ لأن معنى( يوم قدم زيد) :( يوم قدومه) ، ولو كان مضافاً في الحقيقة إلى ظاهر الجملة ، وهي خبر ، لكان المعنى : ( يوم هذا الخبر المعين) ، وأيضاً ، الإضافة في المعنى لتخصيص الزمن ، ولا بد في الإضافة المفيدة للتخصيص من صحة تقديرلام التخصيص، واللام يتعذر دخولها على ( بالمعيدي خير من أن تراه ) (3)
__________
(1) ... انظر رأيه في : الحجة 3 /138 . ... ...
(2) ... انظر رأيه في : ابن يعيش 3 /16 . وابن درستويه هو: هو عبد الله بن جعفر بن درستويه , بضم الدال والراء , أ و بالفتح , صحب المبرد , ولقي ابن قتيبة, وأخذ عن الدارقطني , كان شديد الانتصار للبصريين في النحو واللغة , له الإرشاد في النحو , وشرح الفصيح , ... وغريب الحديث , والمقصور والممدود . ولد سنة( 258 )هـ , وتوفى( 347)هـ. انظر ترجمته في البغية 2/36.
(3) ... أصل هذ المثل أنه لما دخل ضَمْرة بن ضَمْرة، على النُّعمان بن المنذر، زَرَى عليه، للذي رأى مِن دَمامته وقِصَرِه وقِلّته، فقال النُّعمان: تَسْمَعُ بالمُعَيْديِّ لا أنْ تراه، فقال: أبيتَ اللّعنَ إنّ الرّجالَ لا
تُكال بالقُفْزان، ولا تُوزَن بالميزان، وليست بمُسوكٍ يُستَقَى بها، وإنَّما المرء بأصغريه: بقلبه
ولسانه، إن صالَ صال بِجَنَانٍ، وإن قال قال بِبَيان " انظر المثل , و مورده في : أمالي القالي 1/46 , و المستقصي في الأمثال للزمخشري1/371 , و جمهرة الأمثال للعسكري1/266 , و مجمع الأمثال 1/129 , و2/420, وفصل المقال في شرح كتاب الأمثال لأبي عبيد البكري 1/126 . ... ...(1/128)
, ونحو قوله تعالى { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} (1) و المراد الإنذار وعدمه .
واحتج الفارسي (2) بأن الإضافة إلى الفعل نفسه , و لو كانت الإضافة إلى المصدر لم يبن لبناء المضاف إليه في نحو* عَلى حينَ عاتَبتُ المَشيبَ عَلى الصِبا *(3) " (4) .
الأمر الثالث : هل كل زمان يضاف إلى كل جملة ؟
شرط النحويون(5) في الزمان الذي يضاف إلى الجملة أن يكون مبهماً , والمبهم ما لا يدل على وقت بعينه و أن لا يكون مثنى , و يشمل الزمان المبهم ما لا يختص بوجه ما كـ ( حين ) و ( فترة ) و ( زمن ) ,وما يختص بوجهٍ دون وجه ٍ كـ ( بُكْرة ), و( عشية) (6) .
أما إذا كان محدوداً بالتثنية كـ ( يومين ) لم تجز إضافته , خلافاً لابن كيسان (7) والمغاربة(8) , قال أبو حيان : " و الصحيح المنع ؛ إذ لم يسمع " (9) .
وما كان من الظروف الزمانية لازماً إضافته لم يضف حتى يكف بـ ( ما) , نحو : ( قبل ) و ( بعد ) , و هذا الظرف الذي يضاف إما أن يكون منصوباً على الظرفية ويسمى بالظرف العرفي (10) أو يتصرف فيه فيستعمل فاعلاً ومفعولاً, ومبتدأً ومجررواً.
وهل تضاف أزمنة كـ( مذ ) , و( منذ ) على القول بإسميتهما ؟
__________
(1) ... سورة البقرة من الآية : 6,و سورة يس , من الآية : 10 . ... ...
(2) ... انظر رأيه في الحجة 3 /138 . ... ... ...
(3) ... شطر بيت من الطويل , وسبق تخريجه صـ 129 . ...
(4) ... شرح الرضي على الكافية 3 / 175, 176 . ... ...
(5) ... انظر : اللباب 1 /393 , و المقرب 1 /2251 , و شرح التسهيل 2 /252 , والارتشاف 4 /1825 , و الهمع 2/170 . ... ...
(6) ... انظر: شرح التسهيل 3 /253 , و الارتشاف 4/ 1825 , والهمع 3 /170 . ... ...
(7) ... انظر رأيه في : شرح التسهيل 3 /254 , و الارتشاف 4/ 1825. ... ...
(8) ... انظر : التصريح 2 /42 . ... ... ...
(9) ... الارتشاف 4/ 1825. ... ...
(10) ... الارتشاف 4/ 1825. ... ...(1/129)
أجازه سيبويه (1) , فتقول : ( ما رأيته مذ أو منذ كان كذا ) تريد : مدة كذا .
ومن أسماء الزمان المضافة إلى الجمل المسموعة عن العرب : ( يوم ) و( أيام ) و( ليلة ) و
( ليالي ) , و( أزمان) ,و( زمن ) , و( عصر ) و( عشية ) , و(غداة ), و حين ) (2) .
وإنما شرطوا أن يكون الزمان مبهماً ؛ لأن الأصل في إضافة اسم الزمان إلى الجمل هو ( إذ ) , و ( إذا ) فما ساواهما في الإبهام أو قاربه جازت إضافته (3) .
وهذا شرط الزمان أما شرط الجملة الذي يضاف إليها كما دل عليه الاستقراء إذا كانت الجملة إسمية فأن تكون خبراً لمبتدأ , أو لناسخ بـ ( لا ) النافية للجنس , أو ( ما ) , و ( لا ) العاملتين عمل ( ليس ) (4) .
أما إذا كانت الجملة مصدرة بـ( لا) التي لنفي الجنس , فيبقى اسمها على ما كان عليه , من بناء أو نصب , و قد يجر , وقد يرفع , ومنه ورد قول ابن أبي حصينة السابق:
في يَومِ لا عيد وَلَكِن فَضلُهُ عِيدُ الَّذي وافى إِلَيهِ كَعِيدِهِ
ويجوز رفع ( عيد ) و خفضه , فإذا خفض , فمعناه ( في يوم عيد ) وإذا رفع جعل ( يوماً ) مضافاً إلى الجملة ؛ لأن الاسم للزمان مضاف إليها , و لا يجوز في ( عيد ) البناء على الفتح ؛ لدخول عامل قبل (لا ) وهو حرف الجر ( في ) .
وعلى السابق ورد قول الشاعر :
__________
(1) ... انظر : الكتاب 3 /117 , وراجع : ابن يعيش 3/ 17 , و الارتشاف 4/ 1825 . ... ...
(2) ... انظر : الارتشاف 4/ 1827. ... ...
(3) ... انظر: شرح التسهيل 3 /254 , و الارتشاف 4/ 1825 . ... ...
(4) ... انظر : الارتشاف 4/ 1827 . ...(1/130)
تَرَكْتَنِي حِينَ لا مَالٌ أعِيشُ بِهِ وَحِينَ جُن زَمَانُ النَّاسِ أوْ كَلِبَا(1)
قال الفارسي في هذا البيت : " الجر على الإضافة , والرفع على أن تضيف ( حين ) إلى الجمل , و( لا ) عاملة عمل ( ليس ) , و إذا أضفتها إلى الجمل جاز ذلك فيها , والنصب : تجعله كما كان مبنياً , وتعمل الإضافة (2) .
وعلى السابق قالت العرب فيما حكاه الأخفش : ( جئتك يوم لا حر و لا برد) , بالإضافة والبناء على الرفع (3) .
أما إذا كانت ( لا) النافية تعمل عمل( ليس ) , فيتعين بقاء عملها , وكذا حكم ( ما ) أختها ,
وعليه ورد قول الشاعر : وكُنْ لي شَفِيعاً يومَ لا ذُو شَفاعَةٍ سِواكَ بمُغْن عن سَوادِ بنِ قارِب(4)
وهذه الشروط في الجملة الإسمية , أما إذا كانت الجملة فعلية فشرطها بالاستقراء أن تكون خبرية مصدرة بمتصرف ماضٍ أو مضارع أو بـ( لو) وهو قليل كما يقول أبو حيان (5) .
__________
(1) ... البيت من بحر البسيط , وهو لأبي الطفيل في الكتاب 2 /303 , والمسائل المنثورة صـ101, و شرح التسهيل 3 /258 , وشرح الكافية للرضي 2 /162 , و الخزانة 4 /3 9, 40 , 50 . ومعنى ( جُن) بضم الجيم من الجنون , و هو مبني للمفعول , و ( كَلِبا) مصدر : ( كَلِب كَلَبَا)فهو ( كَلِب), من باب ( تَعِب), و هو داء بشبه الجنون و ( كاب الزمن) شدته . ...
(2) ... المسائل المنثورة صـ 101, و انظر : الكتاب 2 /303 , 304 , و الخزانة 4 /39 . ...
(3) ... انظر : شرح التسهيل 3 /257 , و الارتشاف 4/ 1828 , والمساعد 2 /354 . ...
(4) ... البيت من بحر الطويل وهولسواد بن قارب في شرح التسهيل 3 /258 , والارتشاف 4 /1828 , والجنى الداني صـ 54 , و التصريح 1 /201 , و2/41 , و بلا نسبة في الأشموني 2 /256 , والهمع 1 /405 , ويروى البيت برواية أخرى , و هي *بمغن فتيلاً عن سواد بن قارب* ...
(5) ... الارتشاف 4/ 1827 . ...(1/131)
وليس كل زمان يضاف إلى كل جملة , بل إذا أضيف اسم الزمان إلى جملة إسمية امتنع عند سيبويه أن تكون مستقبلة المعنى , و إذا كان الزمان ماضياً أضيف إلى كل جملة إسمية أو فعلية , قال سيبويه : "جملة هذا الباب , أن الزمان إذا كان ماضياً , أضيف إلى الفعل , وإلى الابتداء و الخبر ؛ لأنه في معنى ( إذ ) , فأضيف إلى ما يضاف إليه(إذ) , و إن كان لما لم يقع لم يضف إلا إلى الأفعال ؛ لأنه في معنى ( إذا ) , و( إذا ) هذه لا تضاف إلا إلى الأفعال" (1) .
وعليه , فإن نحو ( كان ذاك زمن زيد أمير ) صحيح , أما ( يكون هذا يوم زيد أمير ) فلا .
وقد عللوا ما سبق بأنه من جهة عروض معنى الشرط في ( إذا ) وخروجه عن أصله من الوقت المعين جاز استعماله , و لا يلزم وقوع الفعل بعدها عند الأخفش .
أما ( إذ ) فلما مضى , و يقع بعدها الجملتان بلا فصل ؛ لأنه لا يطرأ عليها معنى الشرط , كما في إذا ؛ لأن جميع أسماء الشرط متضمنة لمعنى ( إنْ) , و( إنْ ) للشرط في المستقبل , و ( إذ ) موضوعة للماضي (2) .
لكن الوارد في فصيح الكلام (3) بخلاف ما قالوا , قال الله تعالى : {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } (4)
وقال سبحانه : {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} (5) .
قال ابن مالك فيما سبق : " والصحيح جوازه لكن على قلة " (6) .
__________
(1) ... الكتاب 3 /119 , و انظر : المقتضب 3 /77 1 . ...
(2) ... انظر : المقتضب 3 /77 1 , وابن يعيش 3/ 95 , و شرح التسهيل 3/ 208 , وشرح الكافية للرضي 3 /187 , 200 . ... ...
(3) ... انظر : إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج 3 /815 , و 816, والارتشاف 4 / 1832 . ...
(4) ... سورة غافر , من الآية : 16. ... ...
(5) ... سورة الذاريات , الآية : 13 . ...
(6) ... شرح التسهيل 3 /258 , بتصرف يسير . ...(1/132)
وزعم السيرافي أنه لاخلاف , فسيبويه يوجب أن يقع بعد ( إذا ) فعل , و الأخفش يجيزه اسماً , فنحو ( أجيئك إذ زيد قائم ) جائز عند الأخفش ممتنع عند سيبويه (1) .
وعلى كلٍ , فإذا أضيف اسم الزمان إلى الجملة بعده , يجب ألا يعود منها ضمير على اسم الزمان , فإن عاد كانت الجملة صفة لاسم الزمان , لا في محل جر بالإضافة , فنحو: ( يعجبني يوم تقوم فيه ) الجملة صفة لعود الضمير , و لا يجوز أن تكون في محل جر ؛ لأن
الصفة لا تضاف إلى الموصوف (2) .
ويترتب على ما سبق أنه لا يجوز توكيد اليوم لعود العائد , لا يقال : ( يوم قمت كله , ولا بعضه , و لا نفسه , و لا أجمع , و لا يجوز أيضاً إتباعه , لا يقال: ( يوم قمت البارد , و لا بارداً ) إلا أن يكون على كلامين , و هو قبيح (3) .
ما يترتب على ما سبق من أوجه الاستعمال الجائزة و الممتنعة
1ـ نحو : ( أعجبني يوم تقوم ) , و ( أعجبني يوم أنت قائم ) صحيح , بلا خلاف .
2ـ نحو : ( يعجبني يوم قمت ) , ممتنع عند سيبويه , جائز عند ابن مالك وغيره .
3ـ نحو : ( أعجبني يوم قمت فيه ) , ممتنع عند الجميع على الإضافة , أما على الصفة ,
فلا , و هو مما تقع فيه العامة , كما قال الرضي : " وقد يقول العوامُّ يوم تسود فيه
الوجوه) و نحو ذلك (4) .
4ـ نحو : ( أعجبني يومين قمت فيهما ) ممتنع عند الجمهور , جائز عند ابن كيسان ,
والمغاربة .
5ـ نحو : ( أعجبني أيام قمت ) جائز عند الجمهور على الإضافة .
6ـ نحو : ( أتيتك سنة زيد أمير ) لا يجوز ؛ لأنه محدود .
التركيب فى ( حبَّذا )
(
__________
(1) ... انظر : شرح ابن عقيل 3 /57 . ... ...
(2) ... انظر : الأصول 2 /11, والمقرب 1 /215 , 216 , و شرح الكافية للرضي 3 /179 , 180 , و الارتشاف 4 /1829. ... ...
(3) ... انظر : الارتشاف 4 /1830. ... ...
(4) ... انظر : الارتشاف 4 /1830. ... ...(1/133)
حبَّذا ) قيل في تعريفها : هي " فعل مركب مع اسم غير متصرف , ولا يتغيربتثنية ولا جمع ولا تأنيث ,. ولا فك نظام " (1) .
و( حبَّ) من ( حبَّذا) فعل مضاعف, عينه ولامه من وادٍ, وفيه لغتان: ( حببت) و( أحببت), و ( أحببت) أكثر(2) ثم تنقل إلى المدح على زون ( فعُل) (3) .
وذهب الفراء (4) إلى أن أصله ( حبُب) مضموم العين كـ( كرُم), لكن رجح ابن يعيش أنه من باب ( فعَل) ؛ لأنه قد جاء متعدياً, و( فعُل) لا يكون متعدياً(5) .
وقيل هما لغتان : فتح الحاء وضمها , و الفتح أفصح"(6) .
__________
(1) ... البد يع لابن الأثير 2/494.
(2) ... يقال: (حببته وأحببته, فهو محبوب, وُمحَبَّ) انظر: تهذيب إصلاح المنطق 1/268.
(3) ... يحول الفعل إلى وزن (فعُل) للدلالة على المدح أو الذم مع تضمنه معنى التعجب. انظر: الروض الأنف 2 /26, وشرح التسهيل 3/20, 21.
(4) ... انظر رأيه في: شرح المفصل 7/138, وقارنه بـ شرح التسهيل 3/22,23, وشرح الكافية للرضى 4/255, والمساعد 2/140, والتوابع فى الصرف للقرامانى, بتحقيق أستاذي , الدكتور إبراهيم الإسناوي صـ86 , وشرح العوامل المائة النحوية صـ297, 298.
(5) ... انظر: شرح المفصل 7/138.
(6) ... انظر: البديع 2/494.(1/134)
فإذا أسندت ( حبَّ ) إلى ( ذا) صارت كـ( نِعْمَ) فى الدلالة على المدح إلا أنها تشعر بقرب الممدوح من القلب؛ لأن ( حبَّ) فعل قلبى, و( ذا) تدل على قرب المشار إليه من القلب(1) , قال ابن الأثير(2) : " وقيل معنى ( حبَّ ) صار محبوباً جداً " (3) .
وتلزم حينئذ صيغة واحدة ( حبَّذا) مع المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث, ولا يتغير(ذا) بحسب المشار إليه(4), فهما ( حبَّ ) و( ذا) كلمتان جعلتا كالشئ الواحد, وفى هذا يقول أبو العلاء تعليقاً على قول ابن أبى حصينة:
حبَّذا العَيشُ فيهِ لَو دامَ ذاكَ العَيـ شُ وَالعُمرُ في عُنفُوانِه (5)
__________
(1) ... قال ابن يعيش في شرح المفصل 7/138: "اعلم أن ( حبَّذا) تقارب فى المعنى (نعم) ؛ لأنها للمدح, كما أن (نعم) كذلك إلا أن(حبَّذا) تفضلها بأن فيها تقريباً للمذكور من القلب, وليس كذلك ( نعم)" وانظر في هذا: البديع لابن الأثير 2/494,و شرح التسهيل 3/26, والهمع 3/30, والأشمونى 3/40. وتركيب (حبَّذا) من (حب) وهو فعل قلبى, ومن (ذا) وهو اسم إشارة للقريب يرشد إلى هذا. انظر: شرح التسهيل 3/26, وحاشية الصبان 3/40, والنحو الوافى 3/380.
(2) ... هو: المبارك بن محمد الشيباني بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني أبو السعادات الملقب بمجد الدين المعروف بابن الأثير. كان عالماً فاضلاً وسيداً كاملاً، قد جمع بين علم العربية والقرآن والنحو واللغة والحديث وشيوخه وصحته وسقمه والفقه وكان شافعياً، وصنف في كل ذلك تصانيف هي مشهورة بالموصل وغيره , منها : كتاب البديع في النحو ، وكتاب الباهر في الفروق في النحو أيضاً، وكتاب تهذيب فصول ابن الدهان، وكتاب الإنصاف في تفسير. توفى سنة (606). انظر ترجمته في: إنباه الرواة 3/257, وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان6/135 .
(3) ... البديع 2/494.
(4) ... انظر: سر الصناعة 1/199, وشرح عيون الإعراب صـ85. ...
(5) ... البيت من بحر الخفيف , وهو في الديوان 1/75.(1/135)
" و(حبَّذا) جعلتا كلمتين كالشئ الواحد, ووقعت بعدهما المعرفة والنكرة(1) مرفوعتين , فقيل: ( حبَّذا زيد) و( حبَّذا رجل لقينا اليوم) وهى كلمة جرت مجرى المثل الذى يوضع للمذكر ثم ينقل للمؤنث, وهو على حاله, أو توضع لمؤنث, ثم تنقل لمذكرين, وتستعمل للمذكر والمؤنث"(2) .
والذي ذكره أبو العلاء من كون ( حبَّذا) كلمة جرت مجرى المثل , ولذلك جاز فوات المطابقة بين ( ذا) وما يليها, وجه من وجوه عديدة, هذا تفصيلها:
أولاً: قيل : هذا شاذ, للزومه صورة واحدة وفوات المطابقة, والذي سهله أنه "كلام جرى
مجرى المثل, فاستغنى بتبيين حال المخصوص لنسبة إلى ما ذكر عن مطابقته اسم
الإشارة له " (3) .
وبهذا قال سيبويه (4) والمبرد (5) وابن السراج(6) وكثير من النحاة(7) , وأخذ به أبو العلاء كما سبق(8) وقد عارض هذا التوجيه ابن عصفور, وقال: "هذا فاسد؛ لأنه إذا أمكن أن يحمل اللفظ على غير الشذوذ كان أولى" (9) .
ثانياً: قيل: هو إشارة إلى مذكر محذوف, ثم حذف المضاف, وأقيم المضاف إليه مقامه,
والتقدير فى ( حبَّذا زيد): ( حبَّذا حُسْن زيد) .
__________
(1) ... انظر: شرح عيون الإعراب صـ85.
(2) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة بتصرف يسير 2/66.
(3) ... منهج السالك صـ 402 .
(4) ... انظر: الكتاب 2/180.
(5) ... انظر: المقتضب 2/143.
(6) ... انظر: الأصول 1/115.
(7) ... انظر: شرح المفصل لابن يعيش 7/141, وشرح التسهيل 3/23, وشرح الألفية لابن الناظم صـ475, والمساعد 2/141, والهمع 3/30.
(8) ... انظر: شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/66.
(9) ... شرح الجمل 1/609.(1/136)
وهذا رأى ابن كيسان(1) , لكن ضعفه ابن عصفور بأن " العرب إذا حذفت المضاف وأقامت المضاف إليه مقامه, فإنما تجعل الحكم من تذكير وتأنيث وإفراد وتثنية وجمع, وغير ذلك على حسب الملفوظ به, لا على حسب المحذوف, فتقول :(اجتمعت اليمامة) ولا تقول: (اجتمع اليمامة) (2) .
وقد صحح أبو حيان رأى ابن كيسان, فقال رادَّاً على ابن عصفور: " وليس بصحيح؛ إذ هما طريقان أحدهما ما ذكره , والآخر مراعاة المحذوف, وإن كان أقل من الأول,وقد جاء ذلك فى أفصح كلام, قال تعالى: "أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِه مَوْجٌ "(3) التقدير أو كـ( ذي ظلمات) ولذلك عاد الضمير على(ذي) المحذوف" (4) .
__________
(1) ... انظر رأيه في شرح الجمل 1/610, وابن الناظم صـ474. وابن كيسان هو : ابن كيسان النحوي محمد بن أحمد بن كيسان أبو الحسن النحوي اللغوي ، كان يحفظ علم البصريين والكوفيين في النحو ؛ لأنه أخذ عن المبرد وثعلب، لكن غلب عليه المذهب البصري , وكان أبو بكر ابن مجاهد المقرىء يقول: هو أنحى منهما، من مؤلفاته : المهذب في النحو , وغلط أدب الكاتب , واللامات , وما اختلف فيه البصريون والكوفيين . توفي سنة تسع وتسعين و مائتين (299 ) هـ في خلافة المقتدر.انظر ترجمته في البغية 2/267, والمزهر 2/409.
(2) ... شرح الجمل 1/610.
(3) ... سورة النور من الآية: 40.
(4) ... منهج السالك صـ403 .(1/137)
لكن ناظر الجيش(1) نقض كلام ابن كيسان من وجه آخر, مدعياً أن " ما ذهب إليه ابن كيسان دعوى لا دليل عليها؛ إذ لم يتكلموا به فى موضع, وإنما يدعى الإضمار أن لو نطق بذلك المضمر فى موضع ما(2), وبأن ما بعد اسم الإشارة وصف له, ولا يحذف؛ لأنه هو المعتمد ؛ لأن اسم الإشارة لازم الوصف فى موضع الإبهام, كما فى النداء, وبأنه كالمضمر فى التفسير, وبأنه لو كان الأمر كذلك لجاز أن يقال: (حبَّذا) ويتم المقصود؛لأنه ليس لازم الوصف, من حيث أن القائل بهذا القول قد جوز الحذف" (3) .
وقريب من هذا رأى الفارسى الذى فسر فوات المطابقة بين (ذا) وما يليها, بأن ( ذا) فى هذا الموضع لِمَا كان اسماً شائعاً يدل على كثرة, والدليل على ذلك أنه لا يجوز: ( حب زيد), كما لا يجوز : ( نِعْمَ زيد ) ؛ لأنه فعل يقتضى اسما عاماً مثله, ووضعه للمدح, كما وضع ( نعم ) له. والأسماء المبهمة إذا كانت للجميع كان للمذكر والمؤنث على لفظ واحد, كـ( أولئك ) و ( أولاك ) و( ما ) ونحو ذلك "(4) .
__________
(1) ... هو : ناظر الجيش الحلبي محمد بن يوسف بن أحمد محب الدين الحلبي المعروف بناظر الجيش . صنف شرح تسهيل الفوائد لابن مالك في النحو . شرح تلخيص المفتاح في المعاني والبيان . توفى سنة 778.انظر ترجمته في : هدية العارفين - إسماعيل باشا البغدادي 2 / 169, والأعلام 7/135.
(2) ... وبه رد ابن العلج الرأى السابق انظر: التصريح 2/100.
(3) ... شرح التسهيل لناظر الجيش المسمى تمهيد القواعد, نقلا عن شرح المقرب لـ ا.د/ على فاخر الجزء الأول (المرفوعات) القسم الأول صـ 433 , 434.
(4) ... البغداديات صـ202, 203, وانظر: التصريح 2/100, والهمع 3/31.(1/138)
أما ما اعترض به ناظر الجيش, من أنه لو كان الأمر كذلك لجاز أن يقال: (حبَّذا) ويتم المقصود؛ لأنه ليس لازم الوصف, فيرده قول الفارسي إن هذا ليس لازماً؛ "فلا يلزم من أجله أيضاً أن يكون الفعل مبنياً مع الاسم , ألا ترى أنه لا يجوز أيضاً أن تقول:( نعم الرجل ) حتى تتبعه بالممدوح المخصص, نحو (زيد) وما أشبهه, وليس (نعم) مبنياً
مع الرجل, وإن كان كذلك , فـ كذلك ( حبَّذا) " (1) .
وبمثل هذا قال الرضى, وفسره بأن( ذا) " مبهم كالضمير في (نعم) و(بئس) فألزم الإفراد مثله وخلع منه الإشارة لغرض الإبهام, فـ (حبَّذا) بمعنى ( حبَّ الشئ) (2) "وألزم منع التصرف لكونهما علمين في المدح والذم " (3) فـ " كل لفظ صار علماً لمعنى من المعاني, وإن كان جملة فالقياس ألا يتصرف فيه احتياطاً لتحصيل الفهم " (4).
__________
(1) ... البغداديات صـ202,203.
(2) ... شرح الكافية 4/256. وهو رأى ابن الطراوة أيضاً انظر: منهج السالك 4/259.
(3) ... شرح الكافية 4/255.
(4) ... السابق نفسه 4/228.(1/139)
يقول المرزوقي : (1) "ومن هذا القبيل قولهم: نعم الرجل زيدٌ، وحبَّذا زيد ؛لأن ذا كالرجل، والرجل اسم جنس ,والمعنى: زيد محمود في قبيله، إلاّ أنه ليس بمستغرق، بدلالة أنه ثني وجمع، فقيل (نعم الرجلان الزيدان)، ( نعم الرجال الزيدون) ، ولو كان مستغرقاً لما صح تثنيته " (2) .
وقد فسر ابن الأثير فوات المطابقة بأنه " إنما امتنع من ذلك للتركيب الحادث فيه , و إيغاله في شبه الحرف " (3) .
وأصل هذا الخلاف راجع إلى الخلاف فى تركيب ( حبَّذا) وإفرادها , فمن أعرب ( حبَّذا) فعلاً وفاعلاً مدعياً فيها الإفراد احتاج إلى الاعتذار عن عدم المطابقة بما سبق, ومن جعل ( حبَّ ) مركبة مع( ذا) وغلب الإسمية أو الفعلية لم يحتج إلى الاعتذار, كما نبه إليه ابن عصفور(4) والشيخ خالد الأزهرى(5) .
__________
(1) ... هو : أحمد بن محمد، بن الحسن المرزوقي أبو علي، من أهل أصبهان، كان غاية في الذكاء والفطنة، وحسن التصنيف، وإقامة الحجج، وحسن الاختيار , وتصانيفه لا مزيد عليها ، وكان قد قرأ كتاب سيبويه، على أبي على الفارسى، وتتلمذ له، بعد أن كان رأساً بنفسه وله من الكتب: كتاب شرح الحماسة، وكتاب شرح المفضليات، وكتاب شرح الفصيح، وكتاب شرح أشعار هذيل، وكتاب الأزمنة، وكتاب شرح الموجز، كتاب شرح النحو,توفى فيما ذكره أبو زكريا، يحيى بن مندة في ذي الحجة، سنة إحدى وعشرين وأربعمائة, ( 421) هـ. انظر ترجمته في: إنباه الرواة1/89.
(2) ... الأمالي للمرزوقي صـ199, وراجع : شرح الحماسة له 4/1751.
(3) البديع 2/495.
(4) ... انظر: شرح الجمل 1/610, والمقرب 1/70.
(5) ... انظر: التصريح 2/99, 100.(1/140)
وقد يعترض على هذا بأن القول بالتركيب وتغليب الإسمية فيه فوات للمطابقة بين المبتدأ أو الخبر فى حال تثنية المخصوص أو جمعه فيحتاج إلى الاعتذار عن عدم المطابقة بينهما بأنه مراعاة لمعنى كل من (الزيدين) أو( الزيود) إذا قيل ( حبَّذا الزيدان) أو ( حبَّذا الزيود) كما نبه
إلى هذا الصبان(1) .
وعبارة سيبويه فى هذا المقام مبهمة أيما إبهام, يقول: "وزعم الخليل –رحمه الله- أن( حبَّذا) بمنزلة : ( حبَّ الشئ), ولكن (ذا) و( حبَّ ) بمنزلة كلمة واحدة نحو ( لولا), وهو اسم مرفوع,كما تقول:يا ابن عمَّ, فالعم مجرور" (2) .
وواضح من العبارة أن( حبَّذا ) مركبة " بمنزلة كلمة واحدة " , ولكن الخلاف فى التركيب أيغير الكلمة عن أصلها أم لا ؟ ثم إن قوله : " نحو ( لولا ) وقوله: " وهو اسم مرفوع " أنشأ الخلاف , فهل الضمير ( هو) راجع إلى ( حبَّذا) بتمامها, فتتغلب الإسمية , أو راجع إلى(ذا) منها, فتكون ( حبَّذا) جملة فعلية مكونة من فعل لازم, وفاعله اسم الإشارة (ذا) ؟
__________
(1) ... انظر: حاشية الصبان 3/41.
(2) ... الكتاب 2/180.(1/141)
فُهِمَت العبارة بالتأويلين, حتى قال ابن خروف (1): " إعراب ( حبَّذا) كإعراب ( نعم الرجل زيد) هذا قول سيبويه , وأخطأ من زعم عليه غير ذلك " (2) ومن زعم عليه غير ذلك هو ابن هشام اللخمى(3) وابن عصفور(4) وابن أبى الربيع(5) وغيرهم.
__________
(1) ... هو: ابن خروف النحوي علي بن محمد بن علي بن محمد، نظامُ الدين، أبو الحسن، ابن خروف الأندلسي، وكان إماماً في العربية، و مشاركاً في علم الأصول. صنَّف شرحاً لكتاب سيبويه جليلَ الفائدة, وشرحاً للجُمل، وكتاباً في الفرائض. وله ردٌّ على أبي زيد السُّهيلي وعلى جماعة، في العربية. اختلَّ عقله بأَخَرَة، حتَّى مشى في الأسواق عُرياناً، باديَ العورة، مكشوف الرأس.توفِّي سنة تسع وست مائة، (609) هـ. وقيل سنة خمس وست مائة,( 605) هـ. انظر ترجمته في : إنباه الرواة 4/186.
(2) ... شرح الجمل لابن خروف 2/599, وانظر: شرح التسهيل 3/23, وشرح الألفية لابن الناظم صـ475, والأشمونى 3/40.
(3) ... انظر رأيه في : شرح التسهيل 3/23, والمساعد 2/1 41 .
(4) ... انظر رأيه فى : شرح الأشمونى 3/40.
(5) ... انظر رأيه فى: المساعد 2/141.(1/142)
وقال أبو نصر المجريطى القرطبى(1) : وإنما أراد بقوله: "وهو اسم مرفوع " (ذا) الموصول به ( حبَّ), كما أن ( العم) فى قولك: ( يا ابن عم) مجرور و( ذا) فى قولك ( حبَّذا زيد) هو الفاعل المبنى على ( حبَّ ) , ويدلك على ذلك قول الخليل – رحمه الله : إن ( حبَّذا) بمنزلة: حبَّ الشئ, و( حبَّ ) في هذا التمثيل فعل, فكذلك هو فعل أيضاً إذا وصل, كما أن (لو) حرف فإذا وصل بـ(لا) لم ينتقل إلى غيرالحرف "(2) .
وقال أبو حيان : " يقول أستاذنا أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير(3) ـ رحمه الله ـ
لا تعلق لمن ينسب إليه يقصد سيبويه ـ أن حبَّذا كله اسم بهذا اللفظ ؛إذ ليس صريحاً, بل لو قيل إن ظاهره رَعْي الفعل لكان الوجه , ألا ترى تنظيره بابن عم , وقوله فالعم مجرور , وتعويله على تعليل بقاء ( ذا ) مع المذكر والمؤنث على صورة واحدة , فلهذاعوَّل ابن خروف وأبو علي الشلوبين على هذا المفهوم ,ومال إلى الأول السيرافي" (4) .
__________
(1) ... هو: هارون بن موسى بن صالح بن جندل القيسي ، القرطبي ، المجريطي الاصل ( أبو نصر) أديب . حضر مجلس أبي علي القالي وهو يملي كتابه النوادر بجامع الزهراء ، ولازمه يأخذ عنه إلى أن توفي بقرطبة لأربع بقين من ذي القعدة . من آثاره: تفسير عيون كتاب سيبويه في النحو .انظر ترجمته في هدية العارفين 2/503 .
(2) ... شرح عيون كتاب سيبويه صـ157.
(3) ... هو: أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي ، أبو جعفر : محدث مؤرخ ، من أبناء العرب الداخلين إلى الأندلس . انتهت إليه الرياسة بها في العربية ورواية الحديث والتفسير والأصول . ولد في جيان وأقام بمالقة , و البرهان في ترتيب سور القرآن , و الإعلام بمن ختم به القطر الأندلسي من الأعلام و ( معجم) جمع فيه أسماء شيوخه وتراجمهم . ولد( 627) هـ وتوفى ( 708) هـ. انظر ترجمته في : الأعلام 1/ 86.
(4) ... منهج السالك صـ402 , 403 .(1/143)
وهكذا فهمت عبارة سيبويه بتأويلين, وترتب عليه الخلاف فى إعراب ( حبَّذا) وإعراب الاسم الواقع بعدها, وأهمية هذا راجعة إلى أن " أول واجب على المعرب أن يفهم معنى ما يعربه مفردًا أو مركباً"(1) كما يقول ابن هشام .
ويمكن حل الخلاف إذا نظر إلى التركيب فى ( حبَّذا), وهل يغير الكلمة عما كانت عليه أولا؟.يقول ابن جنى فى الخصائص فى باب ( عكس التقدير) هذا موضع من العربية غريب, وذلك أن تعتقد فى أمر من الأمور حكماً ما وقتاً ما, ثم تَحُوْر فى ذلك الشئ عينه وفى وقت آخر, فتعتقد فيه حكماً آخر"(2) ويمضى يضرب أمثلة على كلمات يكون لها حكم فى التركيب يختلف عنه فى الإفراد. ويقول الأنباري : " الحرف إذا ركب مع غيره خرج كل واحد منهما عن حكمه , وثبت له بالتركيب حكماًً لم يكن له في حال الإفراد" (3).
ويقوي هذا قول ابن هشام أنه " قد يكون للشئ إعراب إذا كان وحده, فإذا اتصل به شئ تغير إعرابه " (4) .
والشرط فى تغير الإعراب أن تتغير الكلمة فى لفظها ومعناها بعد تركيبها, فهل تغيرت ( حبَّ) معنى ولفظا بعد تركبها مع ( ذا) ؟ ينفى ابن مالك هذا, فيقول "أنهما بعد التركيب لم يتغيرا معنى ولا لفظاً, فوجب بقاؤهما على ما كانا عليه, كما وجب بقاء حرفية (لا) إسمية ما ركب معها فى نحو (لا غلام لك) (5) .
__________
(1) ... المغنى صـ497.
(2) ... الخصائص 1/272.
(3) ... لمع الأدلة للأنباري صـ130 .
(4) ... المغنى صـ636.
(5) ... شرح التسهيل لابن مالك 3/23, 24.(1/144)
وما قاله ابن مالك فيه نظر, فإن معنى (حبَّ) مفردة عن ( ذا) المدح مع التعجب وتكون مثل ( ساء) و(حسُن) و غيرهما من الأفعال التى حولت إلى وزن ( فعُل) للدلالة على المدح مع تضمن معنى التعجب, فإذا أسندت إلى ( ذا) فإنها تتغير لفظاً بلزوم فتح (الحاء) منها, أما إذا أفردت فيجوز حينئذ أن تفتح حاؤها استصحاباً لحالها, وأن تجعل عليها الضمة التى كانت للعين, فيقال: ( حُبَّ زيد ) و( حَبَّ زيد ), قال الشاعر:
* وحُبَّ بها مقتولةً حين تُقتَلُ* (1)
أيضاً يجوز في فاعل ( حبَّ ) فى حال الإفراد جره بالباء الزائدة, كالشاهد السابق تشبيهاً بفاعل أفعل في التعجب(2) بل إن ابن مالك يصرح بأن التركيب قد أحدث فى اسم (لا) لفظاً ومعنىً ما لم يكن, ويستدل به على أن بقاء جزئى (حبَّذا) على ما كانا عليه أولى ؛لأن التركيب لم يغيرهما لفظا ومعنى على قوله(3) لكنه منقوض بما سبق.
__________
(1) ... عجز بيت من الطويل للأخطل وصدره * فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها * وهو في تهذيب إصلاح
المنطق 1/120, وشرح المفصل لابن يعيش 7/129, 138, 141, وشرح المكودى صـ187, والأشمونى 3/42, والهمع 3/35, وشرح شواهد الشافية صـ14, والخزانة 9/427. ويروى البيت بفتح الحاء وضمها, ويروى أيضاً (فأطيب بها) ولا شاهد فيها.وهي رواية الديوان بشرح : مهدي محمد ناصر الدين صـ224 .
(2) ... انظر الكلام على (حب) و(ذا) فى حال الإفراد والتركيب, والفرق بينهما في: شرح المفصل لابن
يعيش7/141, وشرح التسهيل 3/28,29وشرح الكافية للرضى 4/257, والارتشاف 4/ 2063 والهمع 3/35.
(3) ... انظر : شرح التسهيل 3//24.(1/145)
ويستدل أيضاً بأنه " لو كان ( حبَّذا ) مركباً مخرجاً لها من نوع إلى نوع لكان لازماً, كلزوم تركيب (إذ ما) (1) ومعلوم أن تركيب ( حبَّذا) لا يلزم, لجواز الاقتصار على( حب) عند العطف, كقول بعض الأنصار – رضى الله عنهم- * فحبَّذا َربَّا وحَبَّ دينا * (2)
يقول أبو حيان رادَّاً على ابن مالك: " ولا دليل فى ذلك؛ إذ قوله: ( وحبَّ ديناً ) من باب:
( نعم رجلاً ) أى: وحب ديناً ديننا, أضمر فى ( حبَّ ) كما أضمر فى ( نعم) و( ديناً) تمييزلذلك المضمر, وحذف المخصوص لدلالة المعنى عليه" (3) .
__________
(1) ... (إذ) تكون حرفاً عند سيبويه –رحمه الله- فى باب الشرط والجزاء بشرط اقتران (ما) بها. رصف المبانىصـ95, وانظر أيضاً : شرح التسهيل لابن مالك 4/72, والارتشاف4/1862, وشرح قطر الندى صـ37.
(2) ... الرجز لعبد الله بن رواحة, وهو فى : شرح التسهيل لابن مالك 3/24, 28, وشرح الكافية الشافية 2/1116, وشرح الألفية لابن الناظم 476, والمساعد 2/144, والتصريح 2/499, واللسان مادة (بدا) والهمع 3/31, 32, و الأشمونى 3/42, والدرر 3/283, وبدينا: بدأنا, وهى لغة الأنصار, (فحبَّذا ربا) المقصود مدح الله, و(حب دينا) المقصود مدح الإسلام. والشاهد فيه قوله: (فحبَّذا ربا وحب دينا) استشهد به أبو العلاء على جعل (حبَّذا) كلاما تاما ونصب ما بعدها على التمييز, وعلى إضمار المخصوص في (وحب دينا) , واستشهد به (دريور) على أن (ذا) من (حبَّذا) زائدة, وليست للإشارة بدليل حذفها من : وحب دينا) وقال العيني: "والشاهد فى (وحب دينا) حيث جاء (حب) للمدح مفتوحة الحاء, وكان الأصل ضم حائه, وفتحت هنا وهى لغة.و(ربا ودينا) منصوبان على التمييز. شرح الشواهد للعينى بأسفل حاشية الصبان 3/43.
(3) ... الارتشاف 4/263.(1/146)
ودعوى التركيب فى ( حبَّذا) ليست مستبعدة, فإن فريقاً قد ذهب فى ( نعم الرجل) من ( نعم الرجل زيد) مذهب التركيب, فهما اسمان عندهم محكيان بمنزلة ( تأبط شرا) و ( برق نحره ) وهما جملتان فى الأصل نقلا عن أصلهما وسمى بهما, وعليه فالأولى فى ( حبَّذا)
القول بالتركيب(1) .
ومما يقوى مذهب التركيب أنه " لما ركب الفعل مع الفاعل فى ( حبَّذا) لم يجز تأنيث الفعل ولا تثنيته ولا جمعه ؛لأنه قد صار فى منزلة بعض الكلمة وبعض الكلمة لا يجوز فيه شئ من ذلك, والذى يدل على أنهما بنيا وجعلا شيئاً واحداً أنه لا يجوز أن يفصل بين الفعل فيه وبين ( ذا) بشئ, ولا يقال: ( حب فى الدار ذا ), ولا ( حب اليوم ذا )" (2) كما أنه لا يقال: ( حبَّذا) ويكتفى به ككلام تام مكون من فعل وفاعل, فدل هذا على أنه مركب تركيباً يغير حال الكلمة عما كانت له, وله نظائر فى التركيب الإسنادى, مثل: (تأبط شراً) و( برق نحره), ويقوى ذلك أيضاً قول العرب:( لا تحبذه بما لا ينفعه) (3)
__________
(1) ... انظر: في إسناد (نعم) إلى الفاعل وجعلهما اسمين محكيين : تلقين المتعلم من النحو , لابن قتيبة صـ307, و شرح المقدمة الجزولية الكبير 3/909 , و الارتشاف4/2041, والمساعد 2/120, و التصريح 2/94, والهمع 3/18.
(2) ... شرح المفصل لابن يعيش 7/140, انظر: منهج السالك صـ403, وشرح الجمل لابن عصفور 1/610, و التصريح 2/99.
(3) في التاج مادة (حبذ): لا تحبذ ني تَحْبِيذاً، أَهمله الجوهريّ وصاحب اللسان، وقال الصَّغانيُّ
عن الفرَّاءِ:أَي لاتَقُلْ لي:حبَّذا، هكذا رواه، وهو من الأَلفاظ المُولَّدةِ المَنحوتة من قولهم: حبَّذا، في المدح، ولا حبَّذا، في الذمّ، وفي زيادَةِ مِثْله على الصحاح نَظرٌ، قال شيخنا: ثم ظاهر كلامه بل صريحة أَنها لا تُستعمل إِلاَّ في النهْيِ، لأَنه جاءَ بالفعل مَقروناً بلا النهاية، وفسَّرها بقوله لا تَقُلْ لي حبَّذا، والصواب أَن الذي استعملوها بغير نهي، فقالوا: حَبَّذَهُ يُحَبِّذه تَحبِيذاً: قال له حبَّذا، ولا تُحَبِّذْ: لا تَقُلْ ذلك، وهو لفظٌ منحوت من لفظِ حبَّذا المُركَّب من حَبَّ وذَا، وإِلاّ لكان آخِرُه حَرْفَ عِلَّة، كما لا يخفَى، وهذا إِنما قاله بعضُ النحويّين، وليس من اللغة في شيْءٍ، فلذلك لم يَذكره الجوهريُّ وغيرُه من أَئمة اللغة، انتهى" .(1/147)
, أى لا تقل له: ( حبَّذا) فاشتقاقهم الفعل منهما أقوى دلالة على شدة امتزاجهما"(1) .
ثم إن من ارتضوا التركيب فى ( حبَّذا) اختلفوا, فغلب بعضهم الإسمية, وغلب آخرون
الفعلية, وممن ادعىالإسمية المبرد(2) وابن السراج(3) والسيرافى(4) وابن عصفور(5) وذكر أبو حيان أنه مذهب الأكثرين(6) وقد استند هؤلاء فى دعواهم إلى (7) أن :
?الاسم أشرف من الفعل (8).
? و يستقل به الكلام.
? ويقع فيه التركيب كثيراً نحو (بعلبك) و( رام هرمز) ولم يوجد من الأفعال ما هو مركب.
? وأنهم قالوا: ( ما أحيبذه), فصغروه تصغير المفرد.
? لا يحذف ويضمر فى الفعل كما فعل فى ( نعم).
? نداءه يكثر فى قولهم: ( يا حبَّذا) دون استيحاش, ومن ذلك قول الشاعر :
يا حبَّذا جَبلُ الرَّيان مِن جبلٍ وحبَّذا ساكنُ الرَّيانِ مِنْ كانَا (9)
__________
(1) ... سر الصناعة 1/200.
(2) ... انظر: المقتضب 2/143.
(3) ... انظر: الأصول 1/115.
(4) ... انظر رأي السيرافى في: الارتشاف 4/2059, والتصريح 2/100.
(5) ... انظر رأى ابن عصفور فى: المقرب 1/69, وشرح الجمل لابن عصفور 1/601, 611.
(6) ... انظر: الارتشاف 4/2059, وانظر: أسرار العربية صـ75.
(7) ... انظر هذه الأدلة فى: اللباب صـ 188, 189, وابن يعيش 7/140, 141, وشرح التسهيل لابن مالك 3/24,
والتصريح 2/99, والهمع 3/31, والأشمونى 3/40, وشرح الجمل لابن عصفور1/610,
611 , والمقرب 1/70.
(8) ... انظر: إيضاح الشعر للفارسي صـ 115, والخصائص 3/84.
(9) ... البيت من بحر البسيط لجرير في ديوانه صـ493, وهو في شرح عيون الإعراب صـ85, والمقرب 1/70 , ومنهج السالك صـ403, والهمع 3/30, والخزانة 11/197, 199.(1/148)
هذه هى الأدلة التى استند إليها من غلب الإسمية, وهى أدلة قوية, غير أنه قد اعترض عليها جماعة منهم العكبرى(1) , والشلوبين (2) , وابن مالك(3) وابنه(4) وابن عقيل(5) وغيرهم.
ومجمل ما اعترض به هؤلاء أن القول بالإسمية تكلف وإخراج للفظ عن أصله بلا دليل (6) .
أما قولهم: ( ما أحيبذه) فمن الشذوذ الذى لا يستدل به على أصل(7) .
وما قالوه لا ينهض للرد على مدعىالإسمية؛ إذ إن خروج ( حبَّذا) عن أصله له نظير من تركيب الاسم مع الفعل مع تغلب الإسمية فى نحو: (برق نحره, وتأبط شراً ).
__________
(1) ... انظر: اللباب 1/189.
(2) انظر: التوطئة صـ 251. والشلوبين هو: عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله الأزدي الإشبيلى النحوي على
المالكيالمعروف بالشلوبينى ( شلوبينيه بفتح الشين و اللاء وسكون الواو حصن من أعمال البيرة من الأندلس). له من التصانيف: تعليقة على شرح أبيات كتاب سيبوبه,وتعليقة على شرح المفصل لفخر الدين الرازي في النحو ,والتوطئة في النحو ,وشرح مقدمة الجزولية في النحو . ولد سنة (562) هـ وتوفى سنة( 645) هـ خمس وأربعين وستمائة انظر ترجمته في هدية العارفين 1/ 78 .
(3) ... انظر: شرح التسهيل لابن مالك 3/24, 25.
(4) ... انظر: شرح الألفية لابن الناظم صـ474 .
(5) ... انظر المساعد 2/140.
(6) ... انظر: المساعد 2/140.
(7) ... انظر: شرح الألفية لابن الناظم 474, والمساعد 2/140.(1/149)
أما القول بالشذوذ فى ( ما أحيبذه ) فلا يستدل به على مذهب من ادعىالإسمية؛ إذالإسمية غالبة عنده والتصغير يدخل الأسماء. نعم اعترض هؤلاء(1) على ابن عصفور فى استدلاله بنداء (حبَّذا) على إسميتها, واعتراضهم وجيه قوى؛ لأن دخول ( يا) علىفعل الأمر أكثر من دخولها على (حبَّذا), فمن ذلك قراءة الكسائى:"أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ (2) .وقال العلماء: تقديره: ( ألا يا هؤلاء اسجدوا) فكذلك يكون التقدير في ( يا حبَّذا) :( يا قوم حبَّذا) ونحو ذلك, فإن حذف المنادى وإبقاء حرف النداء يجوز بإجماع .
ومن عجيب أن الذين ردوا أدلة الكوفيين على إسمية ( نعم) و( بئس) بدخول النداء عليها, قائلين إن النداء يدخل على الفعل والحرف هم أنفسهم الذين استدلوا على إسمية ( حبَّذا) بدخول النداء عليها (3) .
__________
(1) ... منهم العكبري في (اللباب 1/189), وابن مالك فى (شرح التسهيل 3/24, 25وابن عقيل في (المساعد 3/14, وانظر: الهمع 3/18.
(2) سورة النمل من الآية : 25, والقراءة فى : السبعةلابن مجاهد صـ 480,والحجة لابن خالويه صـ271, وحجة القراءات صـ 256 ,وإبراز المعاني لأبي شامة صـ626 , وقال في توجيه هذه القراءة :" قراءة الكسائي بتخفيف ألا جعله حرف تنبيه نحو (ألا إن أولياء الله)-(ألا إنهم يثنون صدورهم) ، وتقدير الآيتين: ألا يسجدوا قراءة راو فيكون يسجدوا بعده كلمتين تقريرهما يا اسجدوا بحرف النداء وفعل الأمر والمنادى محذوف أي يا قوم اسجدوا وهذه لغة فصيحة مشهورة كثيرة ومنها قول الشماخ ، (ألا يا أصبحاني قبل غارة سنجال) .
(3) ... انظر رد هؤلاء على الكوفيين فى اسمية ( نعم) و( بئس) فى الهمع 3/18واستدلالهم بـ دخول (يا) على ( حبَّذا) على أنها اسم فى: شرح الجمل 1/610, والمقرب 1/70.(1/150)
أما قول ابن مالك فى الرد على مدعىالإسمية فى ( حبَّذا ) بأنه "لو كان للزم إذا دخلت عليه (لا) أن يعطف عليه منفي بـ ( لا ) أخرى , فكما يمتنع أن يقال : ( لا حبَّذا زيد ) حتى يقال: ( ولا مرضي فعله) " (1).
هذا منه ليس كافياً ؛لأن في دخول (لا) على( حبَّذا) إشكالاً, ويبقى هذا الإشكال حتى على مذهب ابن مالك فى إدعاء فعلية ( حبَّ) وفاعلية (ذا) , يقول أبو حيان: " ودخول (لا) على ( حبَّذا) مشكل على كل إعراب ( حبَّذا) (2) ووجه الإشكال دخول ( لا) على الماضى الذى لا يتصرف – على رأى ابن مالك فى (حبَّذا) سواء أكان ( حبَّذا) فعلاً وفاعلاً أم اسماً, أما إذا كان اسماً لزم عدم تكرار ( لا) كما استشكله ابن مالك, لكن ابن مالك احتج على مدعىالإسمية – المبرد وغيره- بما هو جائزعنده فإن المبرد يجيز دخول (لا) التبرئة بدون تكرار إذا فقدت شرطاً فى النثرفضلا ًعن الشعر(3) .
أما أقوى الردود على مدعي الإسمية فهو ما قاله ابن مالك إنه " لو كان ( حبَّذا) مبتدأً لدخلت عليه نواسخ الابتداء, كما تدخل على غيره من المبتدأت, فكما يمتنع أن يقال: ( إن حبَّذا زيد وكان حبَّذا زيد) وفى منع ذلك دلالة على أن ( حبَّذا) ليس مبتدأ " (4) .
__________
(1) ... شرح التسهيل 3/24 .
(2) ... الارتشاف 4/2060.
(3) ... انظر رأي المبرد هذا فى: المقتضب 4/360, وشرح المفصل لابن يعيش 2/112, وشرح الكافية للرضى 2/161, والخزانة 1/467, وانظر الإشكال فى دخول (لا) على (حبَّذا) فى المساعد 2/140, والتصريح 2/99, والهمع 3/34, 35, وحاشية الصبان 3/40.
(4) ... شرح التسهيل لابن مالك 3/24.(1/151)
ويمكن الإجابة عليه بما ارتضاه ابن مالك نفسه فى ( حبَّذا) من كونها جارية مجرى المثل, ولذلك لا يدخل عليها النواسخ, قال عن نواسخ الابتداء ودخولها على ( حبَّذا ):" وهى هنا لا تدخل ؛ لأن ( حبَّذا) جار مجرى المثل,والمثل وما جرى مجراه لا يغيران"(1).
وفى مقابل من غلب الإسمية بعد التركيب فى ( حبَّذا ) غلب فريق الفعلية عليها,منهم:الأخفش(2) وابن درستويه(3) ومجمل ما استدل به هؤلاء وغيرهم:
? أنه أسبق لفظاً, وأنهم صرفوه فقالوا: ( لا يحبذه بما لا ينفعه).
? وبأنه أكثر حروفاً وسلامة مدعيها مما لزم مدعىالإسمية من شذوذ تخالف المخبر
والمخبر عنه, ومن تمييز ما ليس مبهم وهو الممدوح ؛ لأنه قد يذ كر بكثرة مع ( حبَّذا) تمييز ما قبل المخصوص وبعده, مثل: ( حبَّذا الصبر شيمة لا مرئ).
وهذا الرأى كما يقول ابن هشام وابن عقيل(4) أضعف الآراء.
__________
(1) ... شرح التسهيل لابن مالك 3/27, وانظر الارتشاف 4/2061.
(2) ... انظر رأى الأخفش فى: الارتشاف 4/2059, والمساعد 2/142, والتصريح 2/100.
(3) ... انظر رأى ابن درستويه فى : شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 3/169, والمساعد 2/142.
(4) ... انظر: المغنى صـ 525, وشرح ابن عقيل 3/169.(1/152)
وقد رده الفارسى(1) وابن مالك(2) بأن فيه تغليب أضعف الجزأين (الفعل) على أقواهما (الاسم) (3) ومن ادعاء تركيب فعل من فعل واسم, ولا نظير لذلك, ورد ابن يعيش قولهم: (لايحبذه) قال: " كأنهم اشتقوا فعلاً من لفظ الجملة كقولهم: ( حمدل ) فى قولهم: ( الحمد لله ) (4).وهكذا كان للنحويين في ( حبَّذا) مذهبان, منهم من لم يغلب الفعلية أوالإسمية فى ( حبَّذا) جاعلاً (حبً) فعلاً و( ذا) فاعلاً, ومنهم من غلب الإسمية عليها, وبعضهم غلب الفعلية.
بقي مذهب خالف المذهبين السابقين, فادعى أن ( ذا) من (حبَّذا) زائدة, وهو مذهب الربعى ,قال: مثل ( ماذا صنعت ) (5) و دريود (6) واستدل بحذفها من قوله: * وحب دينا*
أما استدلال دريود فلا حجة فيه؛ لأن ( حبَّ ) مفردة عن ( ذا) غير ( حبَّ ) إذا أسندت إليها وتختلف عنها فى معناها وأحكامها كما سبق. وأما ما قاله الربعى فهو وجيه, وبه يحل كثير من مشكلات الصناعة إن فى التركيب وإن فى إعراب المخصوص كما سيأتى .
لكن يشكل عليه قول ابن هشام "والتحقيق أن الأسماء لا تزاد " (7) .
__________
(1) ... إيضاح الشعر صـ 115, 116.
(2) ... شرح التسهيل لابن مالك 3/26.
(3) ... انظرفي قوة الاسم وضعف الفعل: إيضاح الشعر للفارسىصـ114, 115,والخصائص3/84.
(4) ... وهو ما يعرف بالنحت وسماه الدكتور صبحى الصالح فى دراسات فى فقه اللغة صـ243 بالاشتقاق الكبار.
(5) ... انظر رأيه فى : شرح الكافية للرضى 4/255. ...
(6) ... انظر رأيه في :الارتشاف 4/2059, والهمع3/31. ودريود هو: عبد الله بن سليمان المعروف
بدرود وبعضهم يصغره فيقول: دريود من أهل النحووالشعر، وله كتاب في العربية شرح به كتاب الكسائي, توفى سنة( 352) هـ. انظر ترجمته في: جذوة المقتبس للحميدي صـ262 , والبغية 2/44.
(7) ... المغنى صـ 298, وانظر: المنصف من الكلام للشمنى 2/78, وحاشية الدسوقى 1/302.(1/153)
أما ابن مالك فقد ارتضى زيادتها(1) وعلى مذهبه فيها يبدو مذهب الربعى ودريود في ( حبَّذا) أقوى المذاهب .
مخصوص ( حبَّذا ) : شروطه, وإعرابه, وحذفه
أولا: شروط المخصوص: يقول أبو العلاء عن مخصوص ( حبَّذا ) : " ووقعت بعدهما المعرفة والنكرة مرفوعتين فقيل: ( حبَّذا زيد ) و( حبَّذا رجل لقينا اليوم )(2).
وكلامه هنا يوحى بأن المخصوص كما يقع معرفة يقع نكرة, لكنه أطق اللفظ وقيد بالمثال فى قوله :( وحبَّذا رجل لقينا اليوم ) فالنكرة هنا موصوفة بالجملة بعدها, فصح وقوع المخصوص نكرة لأنها موصوفة وقد شرط النحاة فى اسم الممدوح أو المذموم أن يكون أبداً أخص من فاعلهما, فلو كان أعم منه أو مساوياً له لم يجز, ونحو: ( نعم الرجل إنسان) و( حبَّذا الرجل) لا يجوز؛ لأن الإنسان فى المثال الأول أعم من الرجل لأنه يطلق على الرجل والمرأة, وفى المثال الثانى ( حبَّذا رجل) ( ذا ) اسم إشارة مبهم, فلا يؤتى بنكرة مبهمة بعده لتفسره (3) .
يقول ابن مالك: "ومن حق المخصوص بالمدح والذم أن يكون معرفة أو مقارباً لها بالتخصيص" (4) . ... ... * ... * ... *
ثانيا: إعراب المخصوص .
الخلاف في إعراب المخصوص أثر من آثار الخلاف فى الإفراد والتركيب فى (حبَّذا),ولذلك تنوع إعراب المخصوص على النحو التالى:
(أ ) أولا : عند من قال بالإفراد فى ( حبَّذا ) : اتفق هؤلاء على أن (حبَّذا) فعل وفاعل, ثم
__________
(1) ... انظر: شرح التسهيل لابن مالك 1/196.
(2) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/66, وانظر: شرح عيون الإعراب صـ85 .
(3) ... انظر: شرح الجمل لابن عصفور 1/602, 603, والمقرب 1/67, وحاشية الصبان 3/38.
(4) ... شرح التسهيل لابن مالك 3/18, وانظر : شرح الكافية للرضى 4/254.(1/154)
اختلفوا فقال أبو على(1) وابن برهان(2) وابن خروف(3) وغيرهم ونسب إلى الخليل
وسيبويه أن( حبَّذا) خبر مقدم جملة فعلية والمخصوص مبتدأ مؤخر, وهذا أحد وجهين
جائزين عندهم.
(ب ) قال ابن الباذش(4) فى باب ( نعم وبئس ) :" لا يجيز سيبويه أن يكون المختص المدح
__________
(1) ... انظر: البغداديات صـ 201 - 204.
(2) ... انظر: شرح اللمع لابن برهان 1/420.وابن برهان هو: العبكرى - عبد الواحد بن على بن عمر بن إبراهيم ابن برهان اللإسلام أبو القاسم الأسدي البغدادي الفقيه المتكلم اللغوى المعروف بالعكبرى ( بضم العين وسكون الكاف وفتح الباء الموحدة وبعدها راء . وهذه النسبة إلى عكبرا بليدة على دجلة فوق بغداد. له من الكتب . الاختيار في الفقه مشهور ,و أصول اللغة . توفى سنة (456 ) هـ ست وخمسين وأربعمائة – انظر ترجمته في: هدية العارفين 1/ 634 .
(3) ... انظر: شرح الجمل لابن خروف 2/599.
(4) ... انظر رأيه في: التصريح 2/97, والأشمونى 3/37.وابن الباذش هو: على بن أحمد بن خلف بن محمدالأنصاري الغرناطي الأندلسي أبو الحسن المالكى المعروف بابن الباذش الأديب النحوي . من تصانيفه شرح أصول ابن السراج في النحو , و شرح الإيضاح لأبي على الفارسي, و شرح جمل الكبيرة, و شرح الكافي لأبي جعفر النحاس , و شرح كتاب سيبويه , و المقتضب من كلام العرب . توفى سنة (528 ) هـ ثمان وعشرين وخمسمائة . انظر ترجمته في :هدية العارفين 1 / 696 .(1/155)
أوالذم إلا مبتدأ " و" حكى الأندلسى(1) مثله عن سيبويه " (2) وقواه الرضى, " ولا يجوز فيه غير هذا عند ابن خروف, ويقال إنه مذهب سيبويه " (3) فهل مذهب سيبويه فى باب (نعم وبئس) كمذهبه فى باب (حبَّذا) ؟ كلام سيبويه يشعر بجواز هذا الوجه لا وجوبه, يقول: "وأما قولهم: ( نعم الرجل عبد الله) فهو بمنزلة: ( ذهب أخوه عبد الله) , عمل : نعم في ( الرجل) ولم يعمل فى (عبد الله ), وإذا قال: ( عبد الله نعم الرجل) فهو بمنزلة عبد الله ذهب أخوه كأنه قال: (نعم الرجل) فقيل له من هو؟ فقال: عبد الله ....." (4) .
ويفهم من كلامه جواز رفع المخصوص على أنه مبتدأ والجمل قبله خبر أو رفع المخصوص على أنه خبر لمبتدأ محذوف, وهو الإعراب الثانى فى باب (حبَّذا) (5) كماسيأتى, قال ابن مالك: "وأجاز سيبويه كون المخصوص خبر مبتدأ واجب الإضمار" (6) .
إذن هذا الإعراب غير متعين عند سيبويه, ويشكل عليه أمور منها:
أـ فوات المطابقة بين المبتدأ والخبر بالتزام (ذا) من (حبَّذا) حالة واحدة, وقد سبق الكلام عليها.
__________
(1) ... هو :القاسم بن أحمد بن الموفق الأندلسي المرسي اللورقي , من علماء العربية بالأندلس . نسبته إلى لورقة Lorca بمرسية . رحل إلى العراق وسورية ، وتوفي بدمشق . له " شرح المفصل , و " شرح الشاطبية " و " المباحث الكاملية في شرح الجزولية " .ولد وتوفى ( 575 - 661 ه= 1180 - 1263 م ) انظر ترجمته في : الأعلام 5 / 172 .
(2) ... شرح الكافية للرضى 4/254.
(3) ... المساعد 2/134.
(4) ... الكتاب 2/176, 177.
(5) ... انظر: شرح عيون كتاب سيبويه صـ 152- 154.
(6) ... شرح التسهيل لابن مالك 3/16.(1/156)
ب ـ حذف رابط جملة الخبر الفعلية بالمبتدأ, وقيل فى توجيهه: الرابط (1) اسم الإشارة –(ذا)
من(حبَّذا)- كقوله تعالى: " { وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ } " فى قراءة من رفع " لباس
التقوى" (2) ,وقيل : العموم, إن أريد بـ(ذا) من ( حبَّذا) الجنس(3) .
ج ـ تقدم الخبر وجوباًً, وهو خلاف الأصل كما يقول الصبان(4) ؛إذ تقدم المخصوص
ممتنع, كما يقول ابن مالك؛ لأن ( حبَّذا) جار مجرى المثل (5) . أما العكبري فعلله بأن " ( حبَّذا) صارت كالحرف المثبت لمعنى في غيره فيكون له صدر الكلام وهو الأصل" (6)خلافا لابن بابشاذ(7) الذى منع من تقدمه لخوف توهم كون المراد من (زيد حبَّذا) زيد أحب هذا وبكلامه أخذ د/ عباس حسن (8) .
__________
(1) ... قاله ابن عصفور : (شرح الجمل 1/96) وابن مالك: (شرح التسهيل 3/27) وأبو حيان: (الارتشاف 4/2060, وابن هشام : (المغنى صـ525), وانظر: التصريح 2/99, والهمع 3/30.
(2) ... سورة الأعراف , من الآية :26, قرأ نافع وابن عامر الكسائى بالنصب والباقون بالرفع: انظر: التذكرة لابن غلبون 2/417, والكشاف 2/97, والقرطبى 7/185.
(3) ... انظر: منهج السالك صـ403, والهمع 3/30, وحاشية الصبان 3/37, وانظرفى رابط جملة الخبر(العموم) المغنى صـ 473 .
(4) ... انظر: حاشية الصبان 3/37.
(5) ... انظر: شرح التسهيل لابن مالك 3/27.
(6) ... اللباب 1/188.
(7) ... انظر رأيه فى: شرح التسهيل لابن مالك 3/27,و المساعد 2/140, والهمع 3/31.وابن بابشاذ هو: طاهر بن أحمد ابن بابشاذ بن داود بن سليمان بن إبراهيم أبو الحسن المصري المعروف بابن بابشاذ النحوي اللغوي, له من التصانيف: شرح الجمل للزجاجي،وشرح النخبة، والتعليق في النحو خمسة عشر مجلداً سماه تلامذته من بعده تعلق الغرفة, توفى يوم الرابع من رجبٍ، سنة تسعٍ وستين وأربعمائةٍ (469 ) هـ. انظر ترجمته في : إنباه الرواة 2/95.
(8) ... انظر : النحو الوافى 3/381.(1/157)
أما الوجه الثاني عند هؤلاء فقائم على النظر فى المعنى مع صحة الصناعة, والإعراب عندهم على أن ( حبَّذا) فعل وفاعل أما المخصوص فيجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف(1) فإذا قيل: ( حبَّذا) فكأن سائلاً سأل من هو؟ فقيل زيد (2).
وواضح أن هذا الوجه قائم على تكثير الجمل, فهو مما يناسب مقام المدح والمبالغة فيه " والكلام على هذا جملتان, وعلى ما تقدم جملة واحدة, ولا موضع لهاتين الجملتين من الإعراب,ولها فيما تقدم موضع من الإعراب, والكلام فى تقدير الجملتين: أمدح ؛ لأنه يستحب في المدح التطويل والتكبير بالجمل" (3) .
واختلف في جواز التصريح بهذا المبتدأ المحذوف قالوا : التصريح به هنا ممتنع (4) ؛لأن الكلام - كما وجهوا- جارٍ مجرى المثل, ولا يجوز الزيادة فيه أو النقص.
وإنما جاز الوجه الثاني من الإعراب فى (حبَّذا) عند ابن مالك ومنعه فى باب ( نعم وبئس)
؛لأن " مطعنه هناك نشأ من دخول نواسخ الابتداء وهى هنا لا تدخل؛ لأن " (حبَّذا) جار مجرى المثل, والمثل وما جرى مجراه لا يغيران" (5) .
يتضح مما سبق أن هذا الوجه من الإعراب أوجه من سابقه لمراعاة المعنى فيه مع عدم تقدم الخبر وجوباًً, وهو خلاف الأصل.
مشكلات هذاالإعراب .
أ- فيه حذف المبتدأ وجوباًًً مع فقد ما يسد مسده وهو خلاف الأصل أيضاً.
__________
(1) ... انظر هذا الإعراب فى: شرح المقدمة النحوية لابن بابشاذ صـ 345, واللباب 1/190, وتوجيه اللمع لابن الخباز صـ 391 , وشرح الجمل لابن عصفور 1/609, وشرح التسهيل 3/23.
(2) ... انظر شرح العوامل المائة النحوية صـ 298.
(3) ... شرح المقدمة النحوية صـ 345.
(4) ... انظر: شرح التسهيل 3/16, والمساعد 2/142, والأشمونى 3/37.
(5) ... شرح التسهيل لابن مالك 3/27وانظرفى هذا: شرح الكافية للرضى 4/254, 256, والمساعد 2/143.(1/158)
ب- ينبغى على ابن مالك, وقد أجاز حذف المخصوص (1) أن لا يجيز حذف المبتدأ ؛
إذ " يلزم حذف الجملة بأسرها من غير عوض عنها, ولا قائم مقامها, وذلك لا يجوز"(2) .
* * *
وهناك وجه ثالث عند من لم يقل بالتركيب فى (حبَّذا) وهو إعراب (حبَّذا) فعل وفاعل والمخصوص مبتدأ حذف خبره وجوباًً ووجه كسابقه بأن فيه تكثيراً للجمل, فإذا قيل: ( حبَّذا زيد) فكأن سائلا سأل: ما شأنه ؟ فيقال : المحبوب, وقد ذكر هذا الإعراب ابن عصفور(3) .
مشكلات هذا الإعراب .
أـ فيه ما فى سابقه من حذف الخبر وجوباً, دون دليل يدل عليه(4) .
ب ـ يلزم عليه حذف الجملة بأسرها عند من أجاز حذف المخصوص.
ج ـ الكلام تام دون ذكر الخبر المحذوف, وهو لا يفيد كبير معنى ؛ إذ معنى (زيد المحبوب) فى هذا الإعراب علىتقدير ابن عصفور مفهوم من (حبَّذا زيد), فلم يفد فائدة جديدة , و " إذا دار الأمر بين كون المحذوف مبتدأً وكونه خبراً, فأيهما أولى ؟
__________
(1) ... انظر: شرح التسهيل لابن مالك 3/28, وحذف المخصوص سيأتى صـ 146.
(2) ... انظر: منهج السالك صـ 403 , والهمع 3/32.
(3) ... انظر: شرح الجمل 1/609, وقاله فى باب (نعم) و(بئس) فى المقرب 1/69, وانظر رأيه فى: شرح التسهيل 3/17, والأشمونى 3/37, وراجع منهج السالك صـ 403.
(4) ... هذا رد ابن مالك على ابن عصفور. انظر: شرح التسهيل 3/17.(1/159)
قال الواسطى (1) : الأولى كون المحذوف المبتدأ ؛ لأن الخبر محط الفائدة , وقال العبدي (2) الأولى كونه الخبر ؛ لأن التجوز فى أواخرالجمل أسهل.
ولو عرض ما يوجب اليقين, عمل به, كما فى (نعم الرجل زيد) على القول بأنهما جملتان ؛ إذ لا يحذف الخبر وجوباً إلا إذا سد شئ مسده, ومثله : (حبَّذا زيد) إذا حُمل على الحذف" (3). وهكذا يكون للمخصوص إعرابات ثلاثة عند من لم يقل بالتركيب:
1- ... ( حبَّذا) فعل وفاعل, خبر مقدم وجوباً, والمخصوص متدأ مؤخر وجوباًً أيضاً.
2- ... ( حبَّذا) فعل وفاعل, والمخصوص خبر مبتدأ محذوف وجوباًً.
3- ... ( حبَّذا) فعل وفاعل, والمخصوص خبرمبتدأ محوف وجوباً وقد ظهر ما فى هذه
الإعرابات من إشكالات.
ثانياً: إعراب المخصوص عند من قال با لتركيب.
__________
(1) ... انظر رأيه فى: شرح اللمع له صـ33. والواسطي هو: القاسم بن محمد بن الواسطي مباشر الواسطي أبو نصر النحوي، لقي ببغداد أصحاب أبي العلي، وتنقل في البلاد حتى نزل مصر فاستوطنها فقرأ عليه أهلها، وأخذ عنه أبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ وبه تخرج، وزوجه من أخته، وكان ابن بابشاذ يخدمه وبه انتفع، ومات بمصر. وله من الكتب: كتاب شرح اللمع،و كتاب في النحو رتبه على أبواب الجمل، وشرح من كل باب مسألة.لم تذكر كتب التراجم سنة وفاته. انظر معجم المؤلفين 8/123.
(2) ... هو : أبو طالب العبدي النحوي أحمد بن بكر بن أحمد بن بقية العبدي أبو طالب النحوي أحد الأئمة النحاة المشهورين صاحب شرح الإيضاح وغيره من المصنفات، قرأ النحو على أبي سعيد السيرافي ورأى الرماني وأبا علي الفارسي ,حدث عن أبيه وعن دعلج بكتاب غريب الحديث لأبي عبيد، روى عنه أبو الحسين محمد بن محمد بن علي الوراق، وتوفي سنة ست وأربعمائة (406) هـ. انظر ترجمته في : هدية العارفين 1/71.
(3) ... مغني اللبيب صـ580 , 581 , بتصرف يسير.(1/160)
يختلف إعراب المخصوص عندهم بحسب تغليبهم الإسمية أوالفعلية على ( حبَّذا), وهذه أوجه الإعراب عند من غلب الإسمية بعد القول بالتركيب :-
(1) ( حبَّذا) مبتدأ, والمخصوص خبره, وهو رأى المبرد(1).
(2) ( حبَّذا) خبر مقدم, والمخصوص مبتدأ مؤخر, ونسب هذا إلى الفارسى(2) لكن ما فى
مصنفاته يفهم منه غير ذلك, فقد قال فى ( إيضاح الشعر) "من زعم أن ( حب) مع (ذا) فى
قولهم: ( حبَّذا زيد) بمنزلة شئ واحد, وجب أن يزعم أن ارتفاع ( زيد) بعده بمنزلة ارتفاع
الاسم بعد الاسم المبتدأ, ولا يكون بمنزلة ارتفاعه بعد الفعل نحو: ( قام زيد) (3).
ومن كلامه يفهم جواز ارتفاع المخصوص بالخبرية, ولعله جوَّز ارتفاع المخصوص على أنه مبتدأ مؤخر و( حبَّذا) خبر مقدم فيما لم أقف عليه, لكن ابن عقيل يقول: " وأجاز الفارسي كون ( حبَّذا ) خبراً, والمخصوص مبتدأً, ومنع ما اختاره المبرد" (4) .
ثم إن الفارسى رجح الإفراد فى ( حبَّذا) وجعل ( حب) فعلاً و(ذا) فاعله, ورد على مدعى التركيب(5) .
ويبدو أن كلامه فى ( إيضاح الشعر) يدل عنده على جواز التركيب ( عقلياً) مع تغليب الإسمية (6) وأياً ما كان الأمر, فإن ثمة مشكلين على هذا الإعراب .
أولهما: حذف الخبر دون وجود ما يسد مسده عند من أجاز حذف المخصوص.
وثانيهما على هذا الإعراب : تقديم الخبر وجوباًً دون موجب له إذ يمتنع تقديم المخصوص
على ( حبَّذا ) لما سبق.
(3) جواز الوجهين على السواء, يجعل ( حبَّذا) مبتدأ, والمخصوص خبره أو ( حبَّذا) خبراً
مقدماً, والمخصوص مبتدأ مؤخر.
__________
(1) ... انظر: المقتضب 2/143, وراجع : المساعد 2/134, والهمع 3/31.
(2) ... نسب إليه في المساعد 2/143, والهمع 3/31.
(3) ... إيضاح الشعر صـ114.
(4) ... المساعد 2/143.
(5) ... انظر: البغداديات صـ201- 204.
(6) ... انظر: إيضاح الشعرصـ 114- 115.(1/161)
قال ابن هشام: " وإذا قيل: ( حبَّذا) اسم للمحبوب, فهو مبتدأ, و( زيد) : خبر, أو بالعكس عند من يجيز الوجهين فى قولك : ( زيد الفاضل ) (1) .
المشكل في هذا الإعراب :
ـ فيه تقديم الخبر وجوباً دون موجب على القول بإعراب (حبَّذا) خبراً مقدما جوازاً.
(4) إعراب ( حبَّذا) مبتدأً, والمخصوص مبتدأً محذوف الخبر,ذكره أبو حيان(2) وابن
عقيل(3) .
ويبدو أن في هذا الإعراب نظراً إلى المعنى دون نظر إلى الصناعة, فإعرابه قائم على تكثير الجمل, فهو مكون من جملتين: كبرى وصغرى, وكلاهما إسمية لتدل على الثبوت والدوام أما من ناحية الصناعة ففيه حذف الخبر دون موجب.
مشكلات هذا الإعراب.
أ ـ فيه حذف الخبر وجوباً دون وجود ما يسد مسده.
ب ـ ما لا يحتاج إلى تقدير أولى مما يحتاج.
ج ـ لم يفد الخبر المحذوف عند ذكره (تقديراً) فائدة جديدة؛ إذ القول فى التقدير: ( زيدالمحبوب) مستفاد من القول ( حبَّذا زيد).
ومما سبق يتضح أن الأقرب إلى الصواب فى إعراب (حبَّذا) على القول بتغليب الإسمية إعرابها مبتدأ مقدماً وجوباًً, و( زيد) خبراً مؤخراً وجوباًً لخلوه من المشكلات السابقة.
ثمة وجه رابع عند من لم يقل بالتركيب, لكنه اختلف عن السابقين فى علة فوات المطابقة بين ( ذا) من ( حبَّذا) والمخصوص وهو ابن كيسان فقد أعرب المخصوص بدلاً لازم التبعية لـ (ذا (واختاره ابن الحاج(4)
__________
(1) ... المغنى صـ526, وانظر: المساعد 2/143والتصريح 2/99, وانظر الخلاف فى إعراب هذا المثال فى المغنى صـ431.
(2) ... انظر: منهج السالك صـ 403.
(3) ... انظر: المساعد 2/143.
(4) ... انظر رأيه فى: الارتشاف 4/2060. وابن الحاج هو: محمد بن عبدا لله بن
محمد بن أحمد بن عبدالله التجيبى بن خلف أبو الحسن المعروف بابن الحسن المعروف بابن الحاج القرطى النحوي المالكى . من تصانيفه المقاصد الكافية في علم لسان العرب في النحو . نزهة الألباب في محاسن الآداب . توفى سنة (641 ) هـ إحدى وأربع وستمائة . انظر ترجمته في : هدية العارفين 2 / 121 .(1/162)
وبه أخذ أبو العلاء, قال: " ثم يجئ الاسم المرفوع بدلاً من قولهم ( ذا) " (1) .
وقد سبق في الكلام على توجيه فوات المطابقة بين ( ذا) من ( حبَّذا) والمخصوص
أن ابن كيسان وجهه بأن الإشارة إلى مضاف محذوف والتقدير فى ( حبَّذا زيد) : ( حبَّذا حُسْن زيد) فهل من علاقة بين إعراب المخصوص بدلاً لازماً, وتوجيه ابن كيسان لفوات المطابقة ؟ يقول أ. د/ على فاخر " ولما ذكر ابن كيسان أن ( ذا) من ( حبَّذا) مشار به أبداً إلى مذكر محذوف, ...فعلى مذهبه يكون (زيد) تابعاً لـ ( ذا) تبعا لازماً, وكأنه حكم للمضاف إليه ( زيد) بما كان يحكم به للمضاف (حسن) بعد حذفه وهو رأى مقبول.." (2).
والكلام إذن من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وهو أمرجائز, يقول ابن مالك: " يجوز حذف المضاف للعلم به ملتفتاً و مطرحاً, ويعرب بإعراب المضاف إليه قياساً إن امتنع استبداده به, وإلا فسماعاً " (3) .
وهذا الإعراب على وجاهته فيه مشكلات بعضها راجع إلى الصناعة والآخر إلى المعنى.
مشكلات هذا الإعراب .
أ ـ وهو مما يتصل بالصناعة أن البدل على نية تكرار العامل, ولا يجوز فى ( حبَّذازيد) :
( حب زيد) (4) .
ولا يلزم ما ذكروه ؛ لأن الكلام – كما قالوا - جار مجرى المثل, والأمثال لا تغير, قال ابن الحاج: " ولا يلزم منه: ( حب زيد) ؛ لأنه استعمل استعمال الأمثال " (5) .
__________
(1) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 66.
(2) ... شرح المقرب – المرفوعات- الجزء الأول صـ440.
(3) ... التسهيل صـ 159 160, وانظرفي هذه المسألة : شرح التسهيل لابن مالك 3/365, والمطالع
السعيدة للسيوطى 2/590.
(4) ... انظر: منهج السالك صـ403, والمغنى صـ525, والهمع 3/32, والأشمونى 3/37.
(5) ... انظر: الارتشاف 4/2060.(1/163)
وقد يجوز " في الاسم إذا وقع بدلاً ما لا يجوز فيه إذا ولى العامل, فإنهم قد حملوا: ( إنك أنت قائم) على البدل, وإن كان لا يجوز: ( إنَّ أنت ) (1) .
ب ـ وهو مما يتصل بالصناعة أيضاً أنه لا يجوز الاستغناء عنه, فلا يقال: ( حبَّذا) هكذا
على أنها كلام تام, والبدل يجوز الاستغناء عنه.
لكن ذكر ابن كيسان أن البدلية هنا لازمة, ورد بأن التابع لا يلزم, وأجيب بأنه "لا مانع من كون التابع لازماً لكونه مقصوداً, وكونه تابعاًًًً لا يقدح في اللزوم كتابع مجرور رًُبَّ" (2) .
ج ـ وهو راجع إلى المعنى: "أن حاجة اسم الإشارة ( ذا) إلى المخصوص الذى يوضحه
أشد من حاجته إلى البدل وغيره من التوابع " (3) وهذا أقرب إلىالصواب, فكما
منعوا فى فاعل ( نعم وبئس) إذا كان ضميراً أن يتبع بشئ من التوابع, فكذلك ينبغى فى باب ( حبَّذا) لما فى ( ذا) من الخفاء, فأشبهت فاعل نعم وبئس إذا كان ضميراً (4) .
قال أبو حيان: " ومن ذهب إلى أن ( ذا) فاعل فى ( حبَّذا) لا يجيز إتباعه لا بنعت ولا تأكيد ولا بدل ولا عطف" (5) .
بقي وجه أخير فى إعراب المخصوص, وهو إعرابه على أنه عطف بيان(6) وبه قيل في إعراب مخصوص ( حبَّذا) ولم يقل به فىإعراب مخصوص( نعم و بئس) لدخول النواسخ فيها(7) .
__________
(1) ... انظر: الارتشاف 4/2055, وحاشية الصبان 3/37.
(2) ... حاشية الصبان 3/37.
(3) ... انظر: حاشية النحو الوافى 3/381. بتصرف يسير.
(4) ... انظرفي منع توكيد فاعل ( نعم وبئس) إذا كان ضميرا: شرح التسهيل لابن مالك 3/12, وشرح الكافية للرضى 4/249, والمساعد 2/229, والهمع 3/22.
(5) ... الارتشاف 4/2060, وانظر: حاشية الخضرى 2/45.
(6) ... انظر هذا الإعراب فى: شرح الكافية للرضى 4/255, والارتشاف 4/2060, ومنهج السالك صـ403, والمغنى صـ525, 526, والمساعد 2/143, والهمع 3/31.
(7) ... انظر: شرح الكافية للرضى 4/256.(1/164)
وإنما قيل به ؛ لأنه موضح لـ ( ذا) من ( حبَّذا) ولا يصح إعرابه بدلاً ؛ لفوات صحة تسلط العامل عليه, فأعرب عطف بيان(1) .
مشكل هذا الإعراب:
رد هذا الإعراب بمجيئه نكرة, واسم الإشارة معرفة(2) , ومنه قول الشاعر:
وحبَّذا نَفَحاتٌ مِن يَمانِيَةٍ تأْتِيكَ مِن قِبَلِ الرَّيانِ أَحْيانا (3)
وما قالوه ليس حجة, فإن بعض النكرات أخص من بعض, والنكرة فى البيت ( نفحات) مخصصة بالوصف ( من يمانية ) , وقد أجاز ابن مالك فى عطف البيان أن يكون فى الاختصاص فائقاً ومفوقاً ومساوياً (4) , وعطف البيان فى البيت – على إعرابهم- مفوق في الاختصاص, فلا مانع – على رأيه- من الإعراب.
* ... * ... *
ويتلخص ما سبق فى إعراب المخصوص على القول بالإفراد أن يعرب مبتدأً والجملة قبله خبر, أو يكون خبراً لمبتدأ محذوف , أو مبتدأ خبره محذوف, أو يعرب بدلاً أو عطف بيان, وأقوى هذه الإعرابات من ناحية المعنى أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف, أما من ناحية
الصناعة ففى جميعها إشكالات كما سبق بيانه, وقد اختار أبو العلاء إعرابه بدلاً.
أما من ادعى التركيب فى ( حبَّذا) مع تغليب الإسمية فقد أعرب المخصوص على أنه خبر و( حبَّذا) مبتدأ, أو هو مبتدأ مؤخر و(حبَّذا) خبرمقدم, أو الوجهان على السواء, أو إعرابه على أنه مبتدا حذف خبره وبعضهم غلب الفعلية على ( حبَّذا) مع القول بالتركيب والمخصوص عندهم فاعل, وهو ضعيف.
__________
(1) ... انظر فيما يتعين فيه عطف البيان ولا يصح أن يكون بدلاً: شرح التسهيل لابن مالك 3/327, والمغنى صـ437, والهمع 3/133- 135, والأشمونى 3/86- 88.
(2) ... انظر: منهج السالك صـ403, والمغنى صـ525, 226, والهمع 3/32.
(3) ... البيت من البسيط, وقائله: جرير, وهو فى ديوانه صـ493 والشطر الأول منه فى مغنى اللبيب صـ526, والبيت فى المنصف من الكلام للشمنى 2/ 216, وشروح سقط الزند 3/1194, والهمع 3/30 .
(4) ... انظر: شرح التسهيل 3/326.(1/165)
والقول التركيب قد يكون الأقرب إلى الصواب, وإعراب المخصوص على أنه خبر و ( حبَّذا) مبتدأ يحل كثيراً من مشكلات الإعراب , ويستقيم به المعنى.
أما من ادعى زيادة ( ذا) من ( حبَّذا) فهو وجه قوى, وإن قال فى أسرار العربية إنه "أضعف الوجوه" (1) ولم يعلل.
* ... * ... *
بقى مما يتصل بالمخصوص البحث فى جواز حذفه أو امتناعه
وإليه أشار أبو العلاء بقوله: " فأما قول الراجز:
باسمِ الإلهِ رِّبنا َبِديْنا ... ولو عبْدنا غيْرَه َشقيْنا ... فحبَّذا ربَّا وحبَّ ِدْينا (2)
فإنه جعل ( حبَّذا) كلاماً تاماً كما يقال: ( كرُم ذا) (3) و( حسُن أو حسَن ذا ) (4) فنصب ( رباً ) على التمييز, وأضمرفى ( حب) الثانية ( الدين) كأنه قال: " وحب الدين ديناً" (5) .
وأبو العلاء – من خلال ما سبق- أجاز حذف المخصوص فى قوله: " وأضمر في حب الثانية الدين, كأنه قال : " وحبَّ الدينُ ديْنَا "(6) .
وأخذ به ابن مالك, فقال: " وقد يستغنى هنا – باب حبَّذا- عن المخصوص لظهور معناه, فمن الاستغناء عنه قول بعض الأنصار....." (7)وساق الرجز السابق.
ومذهبه فى جواز حذف المخصوص فى باب (حبَّذا) هو مذهبه فى باب (نعم وبئس) قال فيه: "والمخصوص بالمدح والذم لا يجب أن يصرح بذكره, ولا أن يؤخر إذا ذكر, بل الواجب أن
يكون معلوماً" (8) .
__________
(1) ... أسرار العربية صـ76.
(2) ... سبق تخريجه صـ 141 .
(3) ... قال المبرد فى المقتضب 2/143 : "وأما ( حبَّذا) فإنما كانت فى الأصل: ( حبَّذا الشئ) ؛ لأن ( ذا) اسم مبهم يقع على كل شئ , فإنما هو: (حب هذا) مثل قولك: ( كرم هذا).
(4) ... قال فى اللسان مادة : ( حسُن) : " حَسُنَ وحَسَن يَحْسُن حُسْناً فيهما، فهو حاسِنٌ وحَسَن" .
(5) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/66, 67.
(6) ... شرح الديوان 3/67.
(7) ... شرح التسهيل 3/28 .
(8) ... شرح التسهيل لابن مالك 3/28.(1/166)
وجواز حذف المخصوص عنده ليس مقصوراً على ذكر التمييز بعده كما فى الرجز السابق, بل قد يكون دون تمييز, كقول الشاعر:
ألا حبَّذا لولا الحياءُ وربما منحتُ الهوى مَنْ لَيْسَ بالمتقاربِ (1)
وبه أخذ ابن هشام واستدل بالبيت السابق (2) .
وفي هذا البيت يقول المرزوقي :" وقوله "ألا حبَّذا"المحبوب محذوف، كما حذف المحمود في قوله تعالى:(3) " نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ " (4) .
ويذهب بعض المحدثين (5) إلى وجوب ذكر المخصوص ويعلله بـ "أن ( ذا) فى ( حبَّذا) اسم إشارة مبهم فوجب تفسيره بالمخصوص فلزم ذكره, وأيضاً, فإن هذا الأسلوب يجرى مجرى (نعم وبئس) بل هو فرع منه, ومخصوص ( نعم وبئس) لا يجوز حذفه؛ لأنه المقصود بالكلام, فمن باب أولى لا يجوز حذف المخصوص فى باب ( حبَّذا) تقول: " حبَّذا خلقاً الكرم, ولا يجوز أن تقول: ( حبَّذا خلقاً) أو( حبَّذا) وتسكت" (6) .
وكلامه قوى غير أنه ذكر أن مخصوص ( نعم) و( بئس ) لا يجوز حذفه , وقاس عليه امتناع حذف مخصوص ( حبَّذا ) .
__________
(1) ... البيت من الطويل وهو للمرار بن هماس الطائى أو لـ (مرداس) بن هماس الطائى (انظرترجمته في : ( معجم الشعراء صـ445) والبيت فى شرح التسهيل 3/28, والكافية الشافية 2/1116, والمغنى صـ526, والمساعد 2/145 برواية ( من ليس بالمتقارب) والأشمونى 3/41.
(2) ... انظر: المغني صـ 526 .
(3) ... سورة ص من الآية :30.
(4) ... شرح الحماسة للمرزوقي 3/1409 .
(5) ... هو ا د/ على فاخر فى كتابه شرح المقرب المرفوعات الجزء الأول صـ436.
(6) ... شرح المقرب المرفوعات الجزء الأول صـ436.(1/167)
لكن حذف المخصوص في باب ( نعم ) و( بئس ) جائز كما هو فى باب ( حبَّذا) وقد سبق الكلام عليه, وحذف المخصوص أجازه أكثر النحاة تقدم ما يدل عليه أولم يتقدم , يقول أبو حيان : " والمخصوص بالمدح والذم يجوز حذفه إذا دل عليه الدليل, نحو قوله تعالى: " نِعْمَ الْعَبْدُ "(1) أي: أيوب, و" فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ " (2) أي : نحن, وذهب بعض المتأخرين إلى أنه لا يجوز حذفه إلا إذا تقدم ذكره, والأكثرون لم يشترطوا فى جواز حذفه التقديم" (3) .
هذا فى مخصوص ( نعم) و( بئس), أما فى مخصوص ( حبَّذا) فحذفه عنده جائز أيضاً, لكنه قليل, يقول فيه: "وقد يحذف المخصوص للعلم به, كما فى ( نعم) ( بئس) إلا إن حذفه قليل"(4) .
إعراب الاسم المنصوب بعد ( حبَّذا )
إذا كان أكثر النحويين قد اتفقوا على أن الاسم المنصوب فى باب ( نعم) إذا كان الفاعل ضميراً يعرب تمييزاً(5) في مثل: ( نعم زيد رجلاً) فإنهم قد اختلفوا فى انتصاب الاسم بعد ( حبَّذا) فى نحو: ( حبَّذا زيد رجلاً) و(حبَّذا زيد قائماً) وفى هذا يقول أبو العلاء: تعليقاً على قول
الشاعر السابق * فحبَّذا رباً وحب ديناً *
"إنه جعل ( حبَّذا ) كلاماً تاماً, كما يقال: ( كرُم ذا) و( حسُن أو حسَن ذا) فنصب ( رباً ) على التمييز" (6) .
وقد أجاز النحويون فى باب ( حبَّذا ) أن يقال: ( حبَّذا زيد) و( حبَّذا زيد رجلاً ) بذكر الاسم المنصوب وحذفه, بخلاف باب ( نعم) فإنهم منعوا نحو: ( نعم زيد) إلا فى الضرورة.
__________
(1) ... سورة ص من الآية :30.
(2) ... سورة الذاريات من الآية : 48.
(3) ... انظر: الارتشاف 4/2055.
(4) ... منهج السالك صـ404.
(5) ... خالف الكسائى فأعرب المنصوب فى باب (نعم) حالاً, وعنده الفاعل هو المخصوص, لا الضمير المستتر, انظر: الارتشاف 4/2048, والهمع 3/22, والأشمونى 3/33.
(6) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/67, وهو يقصد قول الراجز وقد سبق *فحبَّذا ربا وحب دينا*.(1/168)
وعللوه فى ( حبَّذا) بأن ( ذا) لظهوره كان قوياً فاستغنى عن ذكرالمنصوب بعده, بخلاف الضمير فى باب ( نعم ) (1) .
ومن ثم فإن إعرابهم للمنصوب فى باب ( حبَّذا ) لم يكن كإعرابه فى باب ( نعم) فبينما أعربوه فى ( نعم ) على أنه تمييز باتفاق بينهم إلا الكسائى ودُرَيْوِد فهو عندهما حال(2) اختلفوا فى إعرابه فى ( حبَّذا ) على النحو التالى :
أ ـ ذهب جماعة منهم الأخفش(3) والفارسى(4) والربعى(5) وخطاب(6) وجماعة من
البصريين إلى أنه منصوب على الحال لا غير, وسواء أكان جامدا أم مشتقاً.
ب ـ ذهب أبو عمرو بن العلاء (7) إلى أنه منصوب على التمييز لا غير, جامداً كان
أومشتقاً, وأجاز الكوفيون وبعض البصريين نصبه تمييزاًَ.
ج - وفصل بعضهم, فقال: إن كان مشتقاً فهو حال وإن كان جامداً فهو تمييز(8) .
د - ونصبه بعضهم على أنه مفعول به, وناصبه محذوف تقديره: ( أعني )(9) .
__________
(1) ... انظر هذا التعليل فى: توجيه اللمع لابن الخباز صـ392, وشرح المفصل لابن يعيش 7/142, وشرح الكافية للرضى 4/257.
(2) ... انظر رأييهما فى :الارتشاف 4/2048, والهمع 3/22, والأشمونى 3/33.
(3) ... انظر رأى الأخفش فى: الارتشاف 4/2061, والمغنى صـ442, والمساعد 2/144, والهمع 3/33.
(4) ... انظر رأى الفارسى فى :البصريات 1/845, وإيضاح الشعر صـ97, والارتشاف 4/2061, والمغنى صـ442, والمساعد 2/144, والهمع 3/33, وراجع: التذكرة لأبى حيان صـ464.
(5) ... انظر رأي الربعى فى :الارتشاف 4/2061, والمغنى صـ442.
(6) ... انظر رأى خطاب فى :الارتشاف 4/2061.
(7) ... انظر رأي أبى عمرو فى : شرح الجمل لابن عصفور 1/611, والارتشاف 4/6021, ومنهج
السالك صـ405, والمغنى صـ442, والمساعد 2/144, والهمع 3/33.
(8) ... انظر: الارتشاف 4/2061, والمساعد 2/144, والهمع 3/33.
(9) ... ذكره صاحب البسيط (ابن العلج ), وانظر رأيه فى :الارتشاف 4/2061, والمساعد 2/144, والهمع 3/33.(1/169)
هـ - وقيل: الجامد تمييز والمشتق إن أريد تقييد المدح به فحال, وإلا فتمييز وهو رأى أبى
حيان(1) وبه أخذ ابن هشام(2) .
قال أبو حيان : "مثال الأول: *يا حبَّذا المال مبذولاً بلا سرف *(3)
ومثال الثانى: ( حبَّذا راكباً زيد), وهذا يدخل عليه ( من) فتقول: "من راكب" (4) .
وربما استند أصحاب الرأى الأول إلى صحة المعنى فى نحو: ( حبَّذا زيد رجلاً) و( حبَّذا زيد راكباً) ؛إذ المعنى عليه: زيد محبوب حالة كونه رجلاً, وحالة كونه قائماً.
* ... * ... *
أماأصحاب الرأىالثانى فمستندهم (5) جواز دخول ( من) علىالاسم المنصوب, فيقال: ( حبَّذا زيد رجلاً) و( حبَّذا زيد من رجل) كما يقال : ( حبَّذا زيد راكباً) و(حبَّذا زيد من راكب), قال الشاعر: يا حبَّذا جَبَلُ الرَيّانِ مِن جَبَلٍ وَحبَّذا ساكِنُ الرَيّانِ مَن كانا
ولم يأت المنصوب بعد ( حبَّذا) مجروراً بفى, ومعلوم أن التمييز يكون بمعنى ( من) والحال تكون بمعنى ( فى) (6).غير أن فى هذا الإعراب إشكالاً لمجئ الاسم المنصوب مشتقاً, قال ابن مالك: " والتزم بعض المتأخرين(7) كون المنصوب بعد ( ذا) تمييزاً, وليس ذلك ملتزماً ؛ لأن الحال قد أغنت عنه في النظم والنثر" (8) .
__________
(1) ... انظر: الارتشاف 4/2061.
(2) ... انظر: المغنى صـ 442 .
(3) ... ذكره صاحب البسيط (ابن العلج), وانظر رأيه فى :الارتشاف 4/2061, والمساعد 2/144, والهمع 3/33.
(4) ... الارتشاف 4/2061, 2062.
(5) ... انظر: منهج السالك صـ408.
(6) ... قال ابن بابشاذ " قيل هو تمييز مقدر بـ (من), وقيل: "هو حال مقدر بفى" شرح المقدمة النحوية صـ346 , وانظر : المرتجل صـ162, وشرح التسهيل لابن مالك 3/321, 379.
(7) ... لعله يقصد ابن عصفور, انظررأيه فى: شرح الجمل له 1/611, والمقرب 1/70.
(8) ... شرح التسهيل لابن مالك 3/ 28.(1/170)
وإذا كان مجئ التمييز مشتقاً خلاف الأصل, فإن مجئ الحال جامدة بخلاف الأصل أيضاً, قال ابن هشام: "حق الحال الاشتقاق, وحق التمييز الجمود, وقد يتعاكسان, فتقع الحال جامدة
... ويقع التمييز مشتقاً " (1) .
* ... * ... *
وقد نظر بعضهم إلى الاسم المنصوب, فقال بنصبه علىالحالية إذا كان مشتقاً, وعلى التمييز إذا كان جامداً قال ابن بابشاذ : "وإذا وقع الاسم بعد ( حبَّذا) منصوباً نظر, فإن كان جنساً مثل: ( حبَّذا رجلاً) و( حبَّذا امرأة) قيل : هو تمييز مقدر بـ ( من) ومتى كان المنصوب مشتقاً مثل: ( حبَّذا قائماً زيد ) و( حبَّذا قائمة هند ) قيل: هو حال مقدر بـ ( في)" (2) .
وهذا راجع إلى ما تبينه الحال, فإنه يبين هيئة صاحبه, والمشتق يدل على الحدث وصاحبه أما التمييز فيبين هيئة الذوات(3) .
* ... * ... *
أما من نصبه على أنه مفعول به, فقد قال فيه أبو حيان: "وهو قول غريب" (4) .
وفصل أبو حيان, فنصب على التمييز الاسم بعد ( حبَّذا) إذا كان جامداً هكذا قولاً واحداً, أما إذا كان مشتقاً فتمييز إن لم يرد به تقييد المبالغة فى مدح المخصوص بوصف فتمييز وإلا فحال(5) , وبمقالته قال ابن هشام(6) .
وكأن أبا حيان وابن هشام جعلا تقييد المبالغة فى مدح المخصوص بوصف دليلاً على إرادة الحال, وإلا فإن الأصل بعد حبَّذا أن يجاء بالتمييز لرفع الإبهام الموجود في (ذا) من (حبَّذا).
__________
(1) ... مغنى اللبيب صـ442.
(2) ... شرح المقدمة النحوية 346.
(3) ... انظر: المغنى صـ440.
(4) ... الارتشاف 4/2070.
(5) ... انظر: الارتشاف 4/2061.
(6) ... انظر: المغنى صـ442.(1/171)
بقي رأي أخير في إعراب الاسم المنصوب بعد حبَّذا,وهو رأي الأخفش , يقول : (حبَّذا ) يرفع الاسم وينصب الخبر(1) يقول الدينوري (2) :" وهذا القول مما يجب أن يتصامم عنه ,ولا يتشاغل به , لضعفه وركته " (3) .
... * ... * ... *
وبعد عرض الآراء فى إعراب المنصوب بعد (حبَّذا) يتضح أنه من العسير الفصل فى هذه المسألة, فالحال والتمييز يشتركان في أمور كثيرة من أهمها اشتراكهما فى رفع الإبهام(4) حتى أن كثيراً من النحويين اختلفوا فى الأسماء المنصوبة من مثل(5) : "تفقأ زيد شحماً, وكَرُم زيد ضيفاً", و" {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا } (6)" فقال بعضهم بنصبها على الحال, والآخر بنصبها على التمييز, وهذا يدل على عسرالفصل بين التمييز والحال أحياناً.
غير أنه من الأفضل عند قصد التمييز إدخال ( من) الجنسية عليه(7).
وعلى القول بأن المنصوب بعد ( حبَّذا) تمييز فإنه يكون مطابقاً للمخصوص إفراداً وتثنية وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً (8) فيقال: ( حبَّذا زيد رجلاً), و( حبَّذا الزيدان رجلين) و( حبَّذا الزيدون رجالاً) و( حبَّذا هند امرأة) و( حبَّذا الهندان امرأتين) و( حبَّذا الهندات نساء).
__________
(1) ... انظر رأيه في : ثمار الصناعة للدينوري صـ299 .
(2) ... هو: الحسين بن موسى بن هبة الله أبو عبدالله النحوي المعروف بالجليس الدينوري . صنف من الكتب ثمار الصناعة , و الحروف السبعة من الكلام . توفى سنة ( 490 ) هـ تسعين وأربعمائة . انظر ترجمته في : - هدية العارفين 1 / 310.
(3) ... ثمار الصناعة صـ299.
(4) ... انظر: شرح المفصل لابن يعيش 2/70, ومغنى اللبيب صـ440.
(5) ... انظر: هذه الأمثلة والخلاف فى إعرابها في : الارتشاف 4/1622, 1623.
(6) ... سورة القمر , من الآية :12.
(7) ... انظر: شرح التسهيل لابن مالك 3/ 384, والارتشاف 4/1625, والمغنى صـ442.
(8) ... انظر: شرح التسهيل لابن مالك 3/27, 28, و التصريح 2/95, والهمع 3/22.(1/172)
ويكون منتصباً بعد تمام كلام, وحينئذ لايكون منقولاً, ولا مشبهاً بالمنقول بدليل جواز دخول ( من) عليه فى نحو: ( حبَّذا من رجل زيد ), وقد ذكر ابن عصفور أن ( من) لا تدخل على التمييز إذا كان منقولاً أو مشبهاً به, وتدخل عليه إذا كان غير مشبه بالمنقول(1) .
أما على القول بإعرابه حالاً فإنه يكون حالاً مؤسساً, والعامل فيه عند ابن مالك ( حب)(2) ؛ لأنه اختار فعلية ( حب ) وفاعلية ( ذا ) كما سبق.
ما يترتب على الخلاف من أوجه الاستعمال الجائزة أو الممتنعة
إذا كان النصب على التمييز, فالأحسن أن يلى ( ذا) ولا يكون بعد (زيد) فى مثل ( حبَّذا رجلاً زيد) (3) وعليه فالأحسن أن يقال: ( حبَّذا رجلاً زيد) مع جواز: ( حبَّذا زيد رجلاً).
وقال ابن خروف: تقديم التمييز على المخصوص أحسن,وسوى بين التقديم والتأخير فى الحال(4) .
وحكى الفارسى عن الكوفيين أنهم لا يجيزون ( حبَّذا رجلاً زيد) (5) .
وإنما كان التقديم والتأخير فى الحال سواء ؛ لأنه كما قال ابن مالك: "إذا كان صاحب الحال منصوباً أو مرفوعاً جاز تقديم الحال عليه ظاهراً أو مضمراً عند البصريين.. ومنع الكوفيون تقدم حال المنصوب إذا كان ظاهراً؛ لئلا يتوهم كون الحال مفعولاً, وكون صاحبه بدلاً"(6) .
__________
(1) ... انظر: شرح الجمل لابن عصفور 2/282, 283, وقال أبو حيان: "وتارة يكون مشبها بالمنقول, فقيل منه...... و(حبَّذا رجلا زيد) والصواب مذهب ابن عصفور بدليل دخول (من) عليه في قول الشاعر: * يا حبَّذا جبل الريان من جبل* انظر: الارتشاف 4/1624.
(2) ... التسهيل صـ129, وانظر: شرح الكافية للرضى 4/256, والمساعد 2/144.
(3) ... انظر: شرح التسهيل لابن مالك 3/27, 28, والارتشاف 4/2062.
(4) ... انظر رأيه فى :الارتشاف 4/2062.
(5) ... انظر: البصريات 1/848, والارتشاف 4/206
(6) ... شرح التسهيل لابن مالك 2/ 340, بتصرف يسير.(1/173)
أما إيلاء التمييز ( ذا) وتأخيره عن المخصوص فإنما كان أحسن ؛ لأن الأفضل فى التمييز
أن يلى الفاعل, وهذا بناء على أن ( ذا) عند ابن مالك وأبى حيان فاعل ( حبَّ).
ولذا قال الجرمى (1)إن الأحسن تأخير التمييز وجعله بعد المخصوص ؛ لأن المخصوص عنده فاعل(2) .
أما جواز الأمرين فإنه بالإجماع يجوز توسط التمييز بين العامل ومميزه(3) .
وعلى ما سبق فإن هناك بعض أساليب مستحسنة أوجائزة أو ممتنعة على هذا النحو:
أولاً: على جعل المنصوب تمييزاً:
(1) ... (حبَّذا رجلاً زيد) أفضل من (حبَّذا زيد رجلاً ) عند من جعل(ذا) فاعلاً.
(2) ... (حبَّذا زيد رجلاً) أفضل من (حبَّذا رجلاً زيد ) عند من جعل المخصوص فاعلاً.
(3) ... ( حبَّذا رجلاً زيد ) ممنوع عند الكوفيين جائز عند غيرهم.
ثانياً: على جعل المنصوب حالاً:
(1) ... ( حبَّذا رجلاً زيد ) و( حبَّذا زيد رجلاً ) جائزان على السواء فى الحسن عند البصريين
والكوفيين.
(2) ... ( رجلاً حبَّذا زيد ) ممتنع عند البصريين والكوفيين حالاً أو تمييزاً إما لأن ( حبَّذا) فعل
جامد, أو لأنه يجرى مجرى الأمثال فلا يغير.
إضافة الموصوف إلى الصفة
__________
(1) هو :أبو عمر صالح بن إسحاق وهو مولى لجرم بن زمان وجرم من قبائل اليمن وأخذأبو عمر
النحوعن الأخفش وغيره وقرأ كتاب سيبويه على الأخفش ولقي يونس بن حبيب ولم يلق سيبويه وأخذ اللغة عبد أبي عبيدة وأبي زيد والأصمعي وطبقتهم وكان ذا دين مات سنة خمس وعشرين ومائتين (225 ) هـ بأصبهان .انظر ترجمته في: نزهة الألباء صـ114 .
(2) ... انظر رأيه في :الارتشاف 4/2062.
(3) ... نقل الإجماع ابن عصفور ( شرح الجمل له 2/283, قال: بلا خلاف) والأزهرى (التصريح 1/400), والصبان (حاشية الصبان على الأشمونى 2/200).(1/174)
تنقسم الإضافة إلى قسمين , الأول : لفظية ، وهى التى لها عمل فى المضاف إليه بحذف التنوين أو النون ,وتكون فى الوصف العامل عمل الفعل ، وهذه الإضافة لا يتخصص بها المضاف إليه ولا يتعرف ، بل هو باقٍ معها على إبهامه .
والقسم الثانى من الإضافة ، وهو الإضافة المعنوية ، وهى التى تكسب المضاف إليه التخصيص ، إن كان نكرة ، أو التعريف إن كان معرفة .
ولأن المضاف يتخصص بالمضاف إليه أو يتعرف ، فقد كان ينبغى أن لا يضاف الشئ إلى نفسه ؛ لأنه يستغنى عن الإضافة إن كان معرفة ؛ لأنه لو كان معرفة بنفسه لما احتيج إلى إضافته, وإنما يضاف إلى غيره ليعرفه .
ويستغني عن الإضافة أيضاً إن كان نكرة ؛ لأن الإضافة إلى النكرة تفيد التخصيص ، والشئ لا يخصص بنفسه ، وإلا كان كل شئ مخصصاً (1), ومع هذا ، فالوارد عن العرب بخلاف السابق ، فقد أضافوا الصفة إلى الموصوف فقالوا : ( سحق عمامة) و ( جرد قطيفة) و ( أخلاق ثياب) ، قالوا: ومنه قوله تعالى:"وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " (2) .
وأضافوا الموصوف إلى الصفة ، فقالوا ( مسجد الجامع ) و ( حبة الخضراء ) و( صلاة الأولى) قالوا : ومنه قوله تعالى :" وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا " (3)قيل : ومن إضافة الموصوف إلى الصفة قولهم فى الريح ( ريح الجنوب ) و ( ريح الدبور) و ( ريح الصبا ) ، ومنه فى الشعر قول ابن أبى حصينة فى ( ريح الصبا ) .
لِمَن دِمنَةٌ مِثلُ خَطِّ الزَبورِ عَفَتها الدَبورُ وَرِيحُ الصَبا (4)
__________
(1) ... انظر : سر الصناعة 1 /41 ، والمقتصد 2/894 ، والإنصاف 2/37 ، واللباب 1/391 ، وابن يعيش 3/10.
(2) ... سورة البقرة من الآية : 196 .
(3) ... سورة يوسف من الآية : 109 .
(4) ... البيت من بحر الطويل , وهو فى الديوان 1/82 .(1/175)
قال أبو العلاء فى البيت السابق :" وقوله: ( ريح الصبا) مثل قولهم : ( حب الحصيد) فى بعض الأقوال ، ومثله قولهم ( صلاة الأولى ) والمعنى ( الصلاة الأولى) و( مسجد الجامع) والمراد : ( المسجد الجامع) وإذا قالوا ( ريح الدبور) و( ريح الصبا) فالغرض : ( الريح الصبا) و( الريح الدبور)(1).
وأبو العلاء يكثر من هذا الأسلوب التعبيري إكثاراً يلفت نظر دارسه كما في قوله :
يا ساهِرَ البَرْقِ أيقِظْ راقِدَ السَّمُرِ لعلَّ بالجِزْعِ أعواناً على السّهَرِ (2)
وقال التبريزى فى ( ريح الجنوب) وغيرها "إنما أصل الكلام أن يقال : ( الريح الجنوب) , وكذلك : ( الريح القبول) و( الريح الشمال) ، فإذا قيل : ( ريح الجنوب) جاز أن يراد : ريح من الجنس الذى يعرف بالجنوب ولا اختلاف أنه سائغ ، وهو من باب قولهم ( مسجد الجامع)
و( صلاة الأولى)(3) .
ولمخالفة إضافة الصفة إلى الموصوف وعكسه للقياس تأوله البصريون, ولورود السماع به كثيراً أجازه الكوفيون دون تأويل .
وفى إضافة الموصوف إلى الصفة أمران :
الأول : فى الخلاف بين البصريين والكوفيين فى جوازه .
الثانى : فى فائدة هذه الإضافة وبيان نوعها .
* * *
الأمر الأول : فى الخلاف بين البصريين والكوفيين فى جوازه
أولاً : مذهب البصرين : استند البصريون إلى القياس فى منع إضافة الموصوف إلى الصفة
، قالوا : إن الغرض من الإضافة إنما هو التخصيص والتعريف والشئ لا يعرفه نفسه ،
واستدل ابن جنى عليه بجواز إضافة المصدر إلى الفاعل تارة ، نحو : ( عجبت من قيام
زيد) ، (وإلى المفعول أخرى) نحو : ( عجبت من أكل الخبز) لأنه فى المعنى غيرهما ،
__________
(1) ... شرح الديوان 2/75 .
(2) ... البيت من بحر البسيط , وهو في شروح سسقط الزند 1/116 .
(3) ... شرح التبريزى على ديوان أبى تمام 4/49 ، وهو بهذا يقصد بيت أبى تمام :
حَلَّ عُقالَيها كَما أَطلَقَت مِن عُقَدِ المُزنَةِ ريحُ الجَنوبِ(1/176)
ومثلهما إضافة الفاعل إلى المفعول نحو : ( عجبت من ضارب زيد) وقوله سبحانه"هَدْيًا
بَالِغَ الْكَعْبَةِ" (1)و"هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا " (2).
أما نحو : ( سررت بطالعة الشمس ) فلا يجوز ؛ لأن الطالعة هى الشمس ، فلا تضيفها إلى نفسها ، بخلاف : ( سررت بطلوع الشمس) فجائز؛ لأنه غيرها (3) لهذا لم يرد عن العرب : (هذا غلامه) و ( مررت بصاحبه) إذا كان الضمير فيهما راجعاً إلى الغلام والصاحب, هذا مع فساده فى المعنى ؛لأن الإنسان لا يكون أخا نفسه ولا صاحبها (4) .
والذى قالوه معتبر وإن لم يكن مطرداً ، فإن العرب أضافت لأدنى ملابسة بين المضاف والمضاف إليه ، بشرط التغاير اللفظى بينهما , وعليه قالوا : ( سعيد كرز) بإضافة الإسم إلى اللقب ، وقالوا :( شهر رمضان ) , و( يوم الخميس) ، كما جاء ذلك فى النعت والعطف والتوكيد (5)، نحو قوله تعالى : " وَغَرَابِيبُ سُودٌ " (6) . وقول الشاعر في العطف : كذباً ومينا(7) و قوله سبحانه في التوكيد " فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ " (8)و جاء عن العرب :( مررت بزيد نفسِه ) و(هذا نفسُ الحق) وروى عنهم :
( هذا ذو زيد ) (9) ومعناه : (هذا زيد) وقال الشاعر :
__________
(1) ... سورة المائدة من الآية : 95.
(2) ... سورة الأحقاف من الآية : 24.
(3) ... انظر: سر الصناعة 1/42 .
(4) ... انظر : الخصائص 3/26 . ...
(5) ... انظر: الهمع 2/8 ، 419 ، وحاشية يس على التصريح 2/34.
(6) ... سورة فاطر من الآية : 27 .
(7) ... جزء بيت من الوافر , وسيأتي تمامه , وهو لعدى بن زيد فى الطبقات لابن سلام 1/75 ، وشرح المفصل 1/10 ، وحاشية يس على التصريح 2/34 ، واللسان مادة ( مين).
(8) ... سورة الحجر من الآية : 30 .
(9) ... رواه أحمد بن إبراهيم أستاذ ثعلب انظر: الخصائص 3/31 ، وابن يعيش 3/14 .(1/177)
إِلى الحَولِ ثُمَّ اِسمُ السَلامِ عَلَيكُما وَمَن يَبكِ حَولاً كامِلاً فَقَدِ اِعتَذَر (1)
وإنما جاز هذا ؛لأن العرب تضيف لأدنى ملابسه بين المتضايفين كما سبق هذا مع التغاير اللفظى بين المضاف والمضاف إليه .
بل إنهم أضافوا الاسم إلى نفسه مجموعاً للدلالة على أنه أفضل أنواعه (2)، كقولنا : ( الله ملك الملوك) وكما فى قول أبى تمام :
عَجائِباً زَعَموا الأَيّامَ مُجفِلَةً عَنهُنَّ في صَفَرِ الأَصفارِ أَو رَجَبِ (3)
- ومما قاله البصريون لمنع إضافة الموصوف إلى الصفة ما قاله ابن الحاجب : إنه يجب
توافق الصفة والموصوف فى الإعراب (4).
وقد رد هذا الرضى بأن ذلك إنما يكون إذا بقيا على حالهما ، أما مع طلب التخفيف بالإضافة ، وهو موطن النزاع فلا (5).
ثانياً: مذهب الكوفيين
مذهب الكوفيين(6) الجواز؛لأن الصفة قد ذهب بها مذهب الجنس (7) ,وقد شرطوا له التغاير اللفظى بين المضاف والمضاف إليه ، قال الفراء : فى قوله تعالى " ولَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ " (8) "أضيفت الدار إلى الآخرة ، وهى الآخرة ، وقد تضيف العرب الشئ إلى نفسه ، إذا اختلف لفظه" (9).
__________
(1) ... البيت من بحرالطويل , للبيد فى ديوانه صـ 79 , وهوفي الخصائص 3/31 ، والمنصف 3/135 ،) وتصحيح الفصيح صـ 242 ، وابن يعيش 3/13 ، 14 ، والخزانة 4/337 .
(2) ... انظر: أزاهير الفصحى فى دقائق اللغة للأستاذ عباس أبو السعود صـ 248 .
(3) ... انظر: ديوان أبى تمام صـ23 .
(4) ... انظر: شرح الكافية للرضى 2/224 ، وتوجيه اللمع صـ 205 .
(5) ... انظر: شرح الكافية للرضى 2/224, وحاشية يس على التصريح 2/33 .
(6) ... ينظر مذهب الكوفيين فى : معانى القرآن للفراء 1 /330 ، 2/55 ، والإنصاف 2/436 واللباب
... 1/391 ، وائتلاف النصرة صـ 54 .
(7) ... انظر: الارتشاف 4/1806 .
(8) ... سورة يوسف من الآية : 109 .
(9) ... معانى القرآن للفراء 2/55 ، 56 وانظر: 1/330 ، وراجع : إعراب القرآن للنحاس 3/347 ،
... ومشكل إعراب القرآن لمكى 1/439 ، والقرطبى 9/275 .(1/178)
واستند الكوفيون إلى وردوه بكثرة ، فهو من سنن العرب فى كلا مهم كما يقول الثعالبي (1).
ومنه فى القرآن الكريم ، قوله تعالى : " وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ " (2)وقوله سبحانه :
" وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ " (3) و"لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ " (4) وقوله "
فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ " (5)وقوله " وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ "(6) ومنه فى الحديث "يا
نساءُ المؤمنات" (7) قال السهيلي "وأما : يا نساءُ المؤمنات " بالرفع ، فنعت على اللفظ ، لأنه معرفة بالنداء ، وبالنصب نعت على الموضع ، وأما نصب (النساء) فالإضافة إلى المؤمنات ، كما تقول : ( جانب الغربى ) (8) .
__________
(1) ... انظر: فقه اللغة وأسرار العربية صـ230 .
(2) ... سورة البقرة من الآيتين : 87 ، 253 .
(3) ... سورة يونس , من الآية : 2 .
(4) ... سورة الرعد من الآية : 14 .
(5) ... سورة ق من الآية : 9 .
(6) ... سورة البينة من الآية : 5.
(7) ... عن أبى هريرة رضى الله عنه ، عن النبى صلى الله عليه وسلم ، قال "يا نساء المسلمات لا تحقر به جارة لجارتها ، ولو فرس شاه" انظر : كتاب الموطأ 2/ 996 , ومسند أحمد 4/64 , 5/377 .
(8) ... أمالى السهيلى صـ 69 ، 70 وانظر: التذكرة لأبى حيان صـ 489 .(1/179)
ومنه ما جاء في النهاية لابن الأثير من حديث أبي ذر ( قلت : يا رسول الله كم الرسل ؟ قال : ثلاثمائة وخمسة عشر - وفي رواية - ثلاثة عشر ، جم الغفير ) هكذا جاءت الرواية . قالوا : والصواب جماء غفيراً . يقال : جاء القوم جماً غفيراً ، والجماء الغفير ، وجماء غفيراً : أي مجتمعين كثيرين . والذي أنكر من الرواية صحيح ، فإنه يقال جاؤا الجم الغفير ، ثم حذف الألف واللام ، وأضاف ، من باب صلاة الأولى ، ومسجد الجامع . وأصل الكلمة من الجموم والجمة ، وهي الاجتماع والكثرة ، والغفير من الغفر ، وهو التغطية والستر ، فجعلت الكلمتان في موضع الشمول والإحاطة . ولم تقل العرب الجماء إلا موصوفاً ، وهو منصوب على المصدر ، كـ طراً ، وقاطبة ، فإنها أسماء وضعت موضع المصدر" (1).
ومنه فى الشعر : ولو أقْوَتْ عليكَ دِيَارُ عَبْسٍ عَرَفْتَ الذَُلَّ عِرْفَانَ اليقينِ (2)
ومنه فى كلام العرب(3) قولهم ( صلاة الأولى) و ( مسجد الجامع ) و( جانب الغربى ) و( بقلة الحمقاء ) (4).
وقد تأول البصريون ما سبق على أنه صفة لموصوف محذوف(5) ،
__________
(1) ... النهاية : في غريب الحديث - ابن الأثير 1 / 289 .
(2) ... البيت من الوافر ، وهو غير منسوب فى معانى القرآن للفراء 2/56 ، والقرطبى 9/75 .
(3) ... انظر هذه الأقوال فى :الإنصاف 2/237 ، وشرح الجمل لابن خروف 2/2675 وابن يعيش
3/10 ، وشرح الكافية للرضى 2/343 ، 344 وابن الناظم صـ 388 ، والارتشاف 4/1086 ،
و توجيه اللمع 2/481 .
(4) ... سميت بذلك لأنها تنبت فى مجاري السيل ، فيمر السيل فيقطعها فتطؤها الأقدام ، انظر: ابن يعيش 3/10 وشرح الكافية 2/344 ، والتصريح 2/33 .
(5) ... انظر: إعراب القرآن المنسوب للزجاج 1/287 ,وسر الصناعة 1/41 ، وشرح المقدمة النحوية
لابن بابشاذ صـ 284 ، والمقتصد 2/893 ، وشرح الجمل لابن عصفور 2/71 وأوضح المسالك
... 3/97 وشرح ابن عقيل 3/48 ، والهمع 2/481 .(1/180)
فقالوا فى قوله تعالى " وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا "(1) و( لدار الساعة الآخرة) .
وقالوا فى : ( صلا ة الأولى ) أى ( صلاة الساعة الأولى) يعنى من الزوال وقالوا فى( مسجد
الجامع) : ( مسجد الوقت الجامع ) وقالوا فى ( جانب الغربى) ( جانب المكان الغربى) و( بقلة الحمقاء) ( بقلة الحبة الحمقاء ) .
لكن هذا التأويل الذى ذكروه قد يستقيم أحياناً ، لكنه لا يستقيم دائماً, يقول ابن خروف: " وتقديرهم : صلاة الساعة الأولى ومسجد الموضع الجامع ، وجانب المكان الغربى فاسد ولا يطرد لهم فى الأيام والشهور ، و ( عرق النسا ) و ( حبل الوريد) (2).
ولهذا فقد يؤله بعضهم على أن المراد بالمضاف إليه الجنس بالنسبة للمضاف ، فيكون من باب إضافة البعض إلى الكل على حد / خاتم فضة وثوب خز ، ومن هذا تأويل ابن جنى لقوله تعالى " وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ " (3) قال : "إن الحق هنا غير اليقين ، وإنما هو خالصه وواضحه ، فجرى مجرى إضافة البعض إلى الكل ، نحو هذا ثوب خز(4) .
وفى مقابل هذا التأويل تأويل الفراء لقوله تعالى " إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ " (5) يقول "وقد تضيف العرب الشئ إلى نفسه إذا اختلف لفظه ، كقوله " إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ(6) .
__________
(1) ... سبق تخريجه صـ 161, وانظر: إعراب القرآن للنحاس 3/347 , ومشكل إعراب القرآن لمكى
1/439 ، والقرطبى 9/275 .
(2) ... شرح الجمل لابن خروف 2/675 ، وانظر: أمالى السهيلى صـ 69، 70 .
(3) ... سورة الحاقة آية : 51 .
(4) ... الخصائص 3/337 .
(5) ... سورة الواقعة آية : 95 .
(6) ... معانى القرآن للفراء 2/56 .(1/181)
وقد استند الكوفيون فى إجازتهم المسألة إلى القياس بالإضافة إلى السماع السابق ، فقاسوه على العطف ، وقالوا : العرب أجازت أن تعطف الشئ على نفسه إذا اختلف اللفظان ، وإن كان الأصل فى العطف المغايرة والمضاف والمضاف إليه ، كالمعطوف ، والمعطوف عليه ، ومثال هذا فى العطف قول الشاعر .
وَقَدَّمَتِ الأَدِيمَ لِراهِشَيهِ وَأَلْفَى قَوْلَها كَذِباً وَمَينا (1)
فإذا جاز عطف الشئ على نفسه ، فيجوز إضافة الشئ إلى نفسه قياساً عليه(2).
وبالإضافة إلى مذهب البصريين والكوفيين السابق ذهب بعض النحاة إلى أنه من قبيل ما أضيف فيه المسمى إلى الاسم كأنه قيل " البقلة إلى هى صاحبة هذا الاسم) وكذا الباقى (3).
وأجاز الرضى أن تكون إضافة الموصوف إلى الصفة من باب ( طور سيناء) و ( جبل أُحُد)
فيكون من إضافة العام إلى الخاص ، وذلك بأن يجعل الجامع مسجداً مخصوصاً والغرب جانباً مخصوصاً ، والأولى صلاة مخصوصة ، والحمقاء بقلة مخصوصة فهو من الصفات الغالبة ، ثم يضاف المسجد والجانب والصلاة والبقلة إلى هذه المختصة ، لفائدة التخصيص ، فتكون ( صلاة الأولى) كصلاة الوتيرة ، و( بقلة الحمقاء) كبقلة الكزبرة ، و( جانب الغربى) كـ ( جانب اليمين )(4).
والذى قاله الرضى وجه جيد محتمل ، لكنه لا يطرد فى كل الأمثلة .
ويبدو رأى الكوفيين فى هذه المسألة الأقرب للصواب ؛ إذ لا يحتاج إلى تأويل خاصة مع كثرة السماع وتأييد القياس له .
__________
(1) ... سبق تخريجه صـ 162 .
(2) ... انظر: الهمع 2/418 ، وحاشية يس على التصريح 2/34 .
(3) ... انظر : أمالى السهيلى صـ 7، والارتشاف 4/1806 ، والمساعد 2/333 .
(4) ... انظر: شرح الكافية للرضى 2/245 .(1/182)
ويترتب على ما سبق : أن بعض الأساليب الشائعة كـ (رخاء الدعة) و(عناء التعب) و (رغد الرخاء) أساليب صحيحة ، ولا داعى لتخطئتها كما أراد بعضهم(1) والإنصاف كما يقول الرضى "أن مثله كثير لا يمكن دفعه ولو قلنا إن بين الإسمين في كل موضع فرقاً لاحتجنا إلى تعسفات كثيرة"(2).
* * *
القياس والسماع
ما كان من إضافة الموصوف إلى الصفة يقتصر فيه على السماع عند البصريين (3)، لأنه خلاف الأصل عندهم لما يلزم فيه على تأويلهم من قبح لإقامة الصفة مقام الموصوف (4).
أما عند الكوفيين فلا حرج فى القياس عليه ؛ إذ لا مجافاة فيه للواقع اللغوى كما أن القياس يسانده .
* * *
الأمر الثانى : فى فائدة هذه الإضافة وبيان نوعها
ذهب الكوفيين إلى أن فائدة الإضافة فى هذه المسألة هى التخفيف فى المضاف بحذف
التنوين بإضافة الصفة إلى الموصوف كما فى ( جرد قطيفة) ، أو بحذف اللام فى إضافة الموصوف إلى الصفة ، كما فى ( مسجد الجامع)؛ إذ أصلهما : ( قطيفة جرد) ، و ( المسجد الجامع)(5) .
وهذه فائدة لفظية ، وثمة فائدة معنوية تتحقق فى إضافة الصفة إلى الموصوف ، ففى قول
زهير : ومن يُوفِ لايُذممْ ومَنْ يُفْضِ قلبه إلى مطمئن البرِّ لا يتجمجمِ (6)
يقول الدكتور / أحمد محمد على "ولما كان المضاف والمضاف إليه كالشئ الواحد كانت
إضافة الصفة هنا إلى الموصوف قد خلقت نوعاً من التلازم والترابط بينهما ، حتى لا يكادان ينفكان ، ولا يكون الأمر كذلك إذا أتبعت الموصوف بالصفة" (7).
__________
(1) ... انظر: النحو الوافى 3/52 .
(2) ... شرح الكافية للرضى 2/245 ، 246 بتصرف يسير.
(3) ... انظر : الارتشاف 2/1806 ، والمساعد 2/333 ، والهمع 2/419 .
(4) ... انظر: ابن يعيش 3/10
(5) ... انظر: شرح الكافية للرضى 2/243 ، 244 .
(6) ... البيت من صغرى المعلقات, معلقة زهير بن أبى سلمى ، وهى من الطويل فى الديوان صـ87 .
(7) ... معلقة زهير فى ضوء نظرية النظم صـ 113.(1/183)
وإذا كان فى إضافة الموصوف إلى الصفة تلك الفائدة اللفظية ، فهل تكون الإضافة فيها
محضة أو غير محضة؟
أقوال(1)الأول: قاله جماعة ، واختاره أبو حيان أنها إضافة محضة ، لأنه لا يقع بعد ( رُبَّ) ولا ( أل ) ولا ينعت بنكرة ، ولا ورد نكرة ، فلا يحفظ (صلاة أولى) و(مسجد جامع) .
الثانى : قاله الفارسى(2)وابن الدباس(3)وغيرهما أنها غير محضة ، لشبهه بـ ( الحسن الوجه) (4) وأمثاله ؛ لأن الأصل فى (صلاة الأولى ) ونحوه (الصلاة الأولى) على النعت ، ثم أزيل عن حده ، كما أن أصل أحسن الوجه (حسن وجهه) فأزيل عن الرفع .
وقال ابن بابشاذ :إضافته غير محضة ، لكنها تتعرف بما تضاف إليه (5) وقال ابن أبى الربيع : "الإضافة فيه معرفة ، وإن لم يكن القصد بالإضافة إلا التخفيف" (6).
قال ابن خروف : " فاسد ، وكيف يتم التعرف بجامع تقدير الانفصال ، هذا تناقض" (7).
__________
(1) ... انظر هذه الأقوال فى : المقتصد 2/893 ، وشرح التسهيل 3/229 ، والارتشاف 4/1805 ،
... 1806 ... والمساعد 2/333 ، والهمع 2/419 .
(2) ... انظر رأيه فى : الإيضاح 269 ، 270 ، والارتشاف 4/1805 ، والمساعد 2/333 ، والهمع 2/419 ... .
(3) ... انظر رأيه فى :الارتشاف 4/1805 ،والمساعد 2/333 , وابن الدباس هو: المبارك بن فاخر بن
محمد بن يعقوب ، أبو الكرم ابن الدباس : عالم بالعربية . من أهل بغداد ، له كتب منها " المعلم " في لنحو و " شرح خطبة أدب الكتاب " و " جواب " مسائل . ولد وتوفى : ( 431 - 500 ه( انظر ترجمته في : إنباه الرواة /256 , و الأعلام 5 /271 .
(4) ... قال الواسطى الضرير: " فأما باب حسن الوجه فلا يتعرف ، وإن أضيف إلى معرفة ، لأجل
الفصل أيضاً ، ولأنه قد تدخل عليه الألف واللام ، فتقول : الحسن الوجه ، شرح اللمع للواسطى صـ96.
(5) ... انظر رأيه فى : شرح الجمل لابن خروف 2/675 .
(6) ... البسيط 1/312 .
(7) ... شرح الجمل لابن خروف 2/ 675 .(1/184)
الثالث: " قاله ابن مالك(1) وهو أنها شبيهة بالمحضة ؛لأن لها اعتبارين : اتصال من وجه
أن (الأول) غير مفصول بضمير ، وانفصاله من وجه ، أن المعنى لا يصح إلا بتكليف خروجه عن الظاهرة ، قال أبو حيان "ولا أعلم له سلفاً فى ذلك"(2).
ما يترتب على ما سبق من أوجه الاستعمال لجائزة والممتنعة
نحو ( باب الحديد) ينبغى أن يقتصر فيه على السماع عند البصريين وهو جائز عند الكوفيين .
الفرق بين ( هنا ) و ( هناك )
عقد ابن جني في الخصائص باباً في خلع الأدلة (3) ، ويقصد بها " تجريد الأدلة من المعاني المعروفة لها والمتبادرة فيها وإرادة معانٍ أخر لها ، أو تجريدها من بعض معناها"(4).
ومن هذا استعمال كاف الخطاب اسماً ، (5)وحرفاً ، فالكاف في ( رأيتك ) اسم في حين أنها في ( أرأيتك ) حرف(6) وكذلك الكاف في ( رويدك ) (7)، و ( النجاء ك )(8)
__________
(1) ... انظر رأيه فى: شرح التسهيل 3/229 ، والارتشاف 4/1805 ، والهمع 2/4198 ، وحاشية
يسن على التصريح 2/34 .
(2) ... الارتشاف 4/1806.
(3) ... انظر: الخصائص 2/181 .
(4) ... حاشية الخصائص 2/181 .
(5) ... انظر في مجيء الكاف اسماً وحرفاً : البغداديات صـ 110، والشعر صـ 288 ، 289 ، والعسكريات صـ 138 ، وسر الصناعة 1/273 ، وابن يعيش 3/134 ، والرضي 2/461 .
(6) ... انظر : مجالس ثعلب 1/116 ، والبغداديات صـ 111 ، وسر الصناعة 1/273 ، والرصف
صـ 207 ، والارتشاف 2/980 ، والمغني صـ 634 ، والمساعد 1/190 ، والهمع 1/251 .
(7) ... انظر : المقتضب 1/178 ، والمساعد 1/190 ، والهمع 1/251 .
(8) ... انظر : سيبويه 1/245 ، وسر الصناعة 1/273 ، وابن يعيش 3/99 ، وشرح التسهيل1/246 ،
والرصف صـ 206 ، والارتشاف 2/978 ، والهمع 1/251 .(1/185)
و( أبصرتك ) (1) و ( إياك )(2) و ( كلَّاك , و ليسك , و نعمك , و بئسك , وحسبك )(3), و( بَلَاك )(4)، و ( حيهلك ) (5).
ومنه أيضاً الكاف في أسماء الإشارة ، مثل ( ذلك ) و ( هناك ) ، وقد صرحوا بأن الكاف فيها حرف بلا خلاف (6)، وشبهوها بالتاء في ( أنت )(7) .
ودخول الكاف في أسماء الإشارة يختلف عن دخولها في الأسماء السابقة ؛ إذ دخولها في تلك الأسماء لمجرد الخطاب ، أما دخولها في أسماء الإشارة فللدلالة علي بعد المخاطب ، وتجريد أسماء الإشارة منها للدلالة علي قرب المخاطب فـ اسم الإشارة ( هنا ) للقريب ، فإذا دخلت عليه الكاف كانت الإشارة للبعيد حقيقة أو حكماً كأن يكون المخاطب نائماً أو ساهياً ،
ومن هذا ورد قول ابن أبي حصينة : ... ...
فَلي مِن نَداكَ رَبيعٌ هُناكَ وَلي مِن نَداكَ رَبيعٌ هُنا(8)
__________
(1) ... انظر : المقتضب 1/178 ، وسر الصناعة 1/273 ، والمساعد 1/190.
(2) ... انظر : إعراب القرآن المنسوب إلي الزجاج 1/167 ، وابن يعيش 3/134 ، والإنصاف 2/695 ، وشرح التسهيل 1/147 .
(3) ... انظر : شرح التسهيل 1/246 ، وشرح المرادى علي التسهيل ورقة 252 ، والمساعد 1/190.
(4) ... انظر : الارتشاف 2/981 .
(5) 11) ... انظر : سيبويه 1/245 ، والحجة للفارسي 1/98, وشرح التسهيل 1/246 ، والارتشاف 2/981 ، والإتقان للسيوطي 1/168 , والهمع 1/251 .
(6) ... انظر: المساعد 1/188 ، وشرح ابن عقيل علي الألفية 1/116, والهمع 1/246 والمطالع السعيدة 1/171 .
(7) ... انظر : سيبويه 1/245 ، والبغداديات صـ 111 ، والبصريات 2/913 ، والخصائص 2/191 ،
وسر الصناعة 1/157 ، واللباب 1/476 ، وشرح التسهيل 1/246 ، والبسيط 1/306 .
(8) ... البيت من بحر المتقارب وهو في مدح أبي علي صالح بن مرداس السلمي،والبيت في الديوان 1/85 .(1/186)
ويوضح هذا أبو العلاء بقوله : " والفرق بين ( هُناك ) و ( هُنا ) أن الكاف تدل علي التراخي والبعد ، وإذا قيل ( هُُنا ) بغير كاف دلت علي القرب ، والكاف في ( هناك ) لا موضع لها من الإعراب ؛ لأنها دلت علي الخطاب في مثل كاف ( ذاك ) ، في الموضع والمعني ، تقول : (أكرم ذاك الرجل ) و ( ذا الغلام ) فيدل الكلام بالكاف علي أن الرجل أبعد مكاناً من الغلام (1) .
وإذا كانوا قد أجمعوا علي أن الكاف في أسماء الإشارة حرف لا موضع له من الإعراب ، فما الدليل علي ذلك ؟ ولماذا لا تكون الكاف اسماً ؟
اتبع سيبويه (2)في استدلاله علي حرفية الكاف في أسماء الإشارة طريقة السبر والتقسيم ، فالكاف إذا كانت اسماً لا تخلو من أن تكون مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة ؛ ولا يجوز أن تكون مرفوعة ؛ لأنها ليست من ضمائر المرفوع ، ولا يجوز أن تكون منصوبة لعدم تصور ناصب لها إذا قيل : ( ذلك زيد ) ، ولا يجوز أيضاً أن تكون مجرورة ؛ لأنه لا جارَّ في الكلام من حرف ، ولا يجوز أن يكون الجار بالإضافة ، من قبل أن الغرض في الإضافة إنما هو التعريف ، وأسماء الإشارة معارف كلها , و إذا كان من شروط الإضافة أنه لا يضاف الاسم إلا وهو نكرة ، فما لا يجوز أن ينكر البتة لا يجوز أن يضاف البتة ، وأسماء الإشارة مما لا يجوز تنكيره فلا تجوز أيضاً إضافته كما يقول ابن جني (3).
* ومما يدل علي أن الكاف في اسم الإشارة حرف وليست اسماً أنه يقال : ( عندي الرجل
نفسه ) ولا يجوز ( ذاك نفسك )(4).
__________
(1) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/85 .
(2) ... انظر : سيبويه 1/245 ، وراجع : سر الصناعة 1/273 ، وأسرار العربية صـ 198 ، واللباب
1 /479 ، وابن يعيش 3/134 ، والرصف صـ 207 .
(3) ... انظر : سر الصناعة 1/273 ، وراجع : ابن الناظم صـ 78 ، والرصف صـ 207 ، وحاشية يس ... علي التصريح 1/128 .
(4) ... انظر : إعراب القرآن المنسوب إلي الزجاج 1/168 ، وسر الصناعة 1/273 .(1/187)
* كما أن الكاف في اسم الإشارة لا تزيد معني يختل بسقوطها(1) .
* ومما يؤكد كون الكاف حرفية امتناع وقوع الظاهر موقعها ، ولو كانت اسماًً لم يمنع كما
في ( ضربك ) (2).
* واستدل ابن جني(3) وغيره(4)علي حرفية الكاف بأنها لو كانت اسماً لوجب حذف النون
إذا قيل ( ذانك ) و ( تانك ) – في تثنية ( ذاك ) – وجرها هي بالإضافة ، كما يقال :
( غلاماك ) .
·?ومما قد يعترض به علي حرفية الكاف في اسم الإشارة أنها تثني وتجمع ، و التثنية
والجمع من خصائص الأسماء لا الحروف(5).
أجاب العكبري عن هذا بأن نحو ( ذلكما ) و ( ذلكم ) ليسوا بتثنية ولا جمع لـ ( ذاك ) بل هي صيغة وضعت لهما ابتداءً كما في ( أنتما ) و ( أنتم ) .
أو أن الكاف في الأصل اسم مضمر ثم خلعت دلالةالإسمية ، وبقيت لمجرد الخطاب ، فبقي عليها اللفظ الذي كان لها وهي اسم (6).
وإذ قد ثبتت حرفية الكاف بما سبق ، فلماذا اختصت الكاف بالإشارة إلي البعيد ؟
__________
(1) ... انظر : سيبويه 1/245 ، وإعراب القرآن المنسوب إلي الزجاج 1/168 .
(2) ... انظر : شرح الكافية للرضي 2/477 ، وحاشية يس علي التصريح 1/128 .
(3) ... انظر : سر الصناعة 1/273 .
(4) ... كالزجاج في ( إعراب القرآن المنسوب إليه 1/168) وابن يعيش في ( شرح المفصل 3/134) .
(5) ... انظر اللباب 2/141 .
(6) ... اللباب 2/141 .(1/188)
علل لهذا الرضي بأن وضع أسماء الإشارة للمشار إليه حساًً ، و لا يشار بالإشارة الحسية في الأغلب إلا إلي الحاضر الذي يصلح لكونه مخاطباً , ولما كانت الكاف موضوعة للمخاطب أخرجت الكاف أسماء الإشارة عن صلاحيتها الإشارة إلي المخاطب ؛ إذ لا يخاطب اثنان في كلام واحد إلا أن يجمعا في كلمة الخطاب ، نحو:( يا زيدان فعلتما ) و ( أنتما قلتما ) أو بعطف أحدهما علي الآخر نحو : ( أنت و أنت فعلتما ) ، فصار ( ذاك ) مثل ( غلامك ) فلا يقال :( هذاك ) كما لا يقال:( يا غلامك ) ، و لا ( غلامك قلت هذا ) ، وإن لم يمتنع حضوره ، إذ ربما قيل هذا مع حضور غلام المخاطب .
فلما أوردت الكاف في اسم الإشارة معني الغيبة ، وأصل اسم الإشارة أن يكون موضوعاً للحضور من حيث كونه موضوعاً للمشار إليه القريب ، صار مع الكاف بين الحضور والغيبة ، وهذا هو حال المتوسط ، فإن أريد التنصيص علي البعد جئ بعلامته واللام (1) .
وتعليل الرضي هذا قائم على أن اعتبار مراتب الإشارة ثلاثة ، وهو أمر مختلف فيه (2) كما أنه علل لكون الكاف في اسم الإشارة من دون اللام للإشارة إلي المتوسط , ومع اللام للبعيد , ولم يعلل لكون الإشارة مع اللام والكاف للبعيد .
وقد علل له السهيلي بأن زيادة المبني لزيادة المعني , فكثَّروا الحروف حين كثرت مساحة
__________
(1) ... انظر : شرح الكافية للرضي 2/477 ، 478 .
(2) ... اختار ابن مالك وغيره أن للإشارة مرتبتين فقط , ورد قول من قال بأن مراتب الإشارة ثلاث بأدلة ،وانظرفي هذا الخلاف : شرح الكتاب للسيرافي 1/176 ، وشرح الجمل لابن خروف 2/1066 ، وشرح التسهيل1/2ا39 ، والرضي 2/480, وشرح التسهيل للمرادي ورقة 247 ، وقطر الندي صـ 10 ، والمغني صـ 238 ، والمطالع السعيدة 1/172 ، والأشموني 1/139 .(1/189)
الإشارة ؛ لأن اللام قد وجدت في كلامهم توكيداً ، وهذا الموطن شبيه به ؛ لأنه إذا أشير إلي الغائب بالاسم المبهم , فإنما يشار إلي المخاطب وهو موجود مرأىِّ إما بالعين أو بالقلب , فلذلك يؤتي بكاف الخطاب ، فكأنه يقال : ( لك أقول ) أو ( لك أرمز ) بهذا الاسم , ففي اللام طرف من هذا المعني كما كان ذلك في الكاف ، وكما لم تكن الكاف هنا اسماً مضمراًِ لم تكن
اللام لام جر(1).
ويبطل هذا أن قبيلة تميم لا تلحق اللا م في اسم الإشارة المفرد المذكر والمؤنث في حالة البعد , بل تلحق به كاف الخطاب , أماالحجازيون فيلحقون به اللام مع الكاف , فدخول اللام على هذا مرده إلى اختلاف اللهجات ,ولاحاجة للتعليلات السابقة(2) .
أما دخول الكاف في اسم الإشارة فيدل علي أن المخاطب أبعد رتبة من المجرد منها, ودخول الكاف في اسم الإشارة جاء لهذا الغرض .
وإذا كان هذا فلماذا لم تدخل الكاف مع( ثمَّ ) وهي للإشارة للمكان البعيد كما أدخلوها علي ( هنا ) فقالوا ( هناك ) ؟
قالوا إنما زادوا الكاف في الصورة في ( هناك ) ولم يزيدوها في ( ثَمَّ ) ؛لأن صورته تدل عليه (3) .
فالفرق بين ( هنا ) و( هناك ) أن المجردة من الكاف للقريب ، والتي بالكاف للبعيد ، ومن الفروق بينهما أيضاً أن هاء التنبيه تدخل بكثرة في ( هنا ) وبقِلةٍ في ( هناك ) ولا يجوز دخولها في ( هنالك ) ؛ إذ لا يجمع بين هاء التنبيه وزيادة اللام مع الكاف (4)و ( هناك ) مثل :( هنالك ) كلاهما للإشارة إلي المكان إلا أن المجردة من اللام للمكان البعيد علي الراجح أو المتوسط علي رأي و( هنالك ) للمكان البعيد باتفاق .
__________
(1) ... انظر: نتائج الفكر صـ 178 .
(2) ... انظر: الرضي 2/482, و اللهجات العربية في التراث د/أحمد علم الدين الجندي 2/679, 670.
(3) ... انظر : شرح الكتاب للسيرفي 1/176 ، وابن يعيش 3/138 .
(4) ... انظر : ابن الناظم صـ79 , والرضي 2/482 .(1/190)
إلا أن المفضل الضبي (1) كان يري أن ( هناك ) للمكان و( هنالك ) للزمان (2).
وإذا كانت الكاف تدل علي معني في اسم الإشارة ليس في المجرد منها ، فإنها في( هناك ) تختلف عنها في ( ذلك ) في أنها تتصرف للمثني والجمع والمذكر والمؤنث في ( ذلك ) بينما تلزم صورة واحدة في ( هناك ) (3) .
هذه هي مواضع الفرق بين ( هنا ) و (هناك ) .
أما موضع الاتفاق فكلاهما يكون للإشارة للمكان , وقد يشار بهما للزمان وأصله للمكان(4)، كقوله تعالي : {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (5) أي في ذلك الزمان .
... وفي ( هنا ) لغات وهي : ( هُناَ ) و ( هَنّا ) و ( هِنَّا ) وأفصحها ( هُناَ ) بضم الياء ، وأردؤها ( هِنَّا ) بالكسر (6) قال ذو الرمة في التشديد :
__________
(1) ... هو : المفضل بن محمد بن يعلى أبو عبد الرحمن الضبي، الراوية الأديب النحوي اللغوي، كان من أكابرعلماء الكوفة، عالماً بالأخبار والشعر والعربية. أخذ عنه أبو عبد الله بن الأعرابي، وأبو زيد الأنصاري، وخلف الأحمر وغيرهم وكان ثقة ثبتاً, وللمفضل من التصانيف: كتاب الاختيارات، وكتاب معاني الشعر، وكتاب الأمثال، والمفضليات وهي أشعار مختارة جمعها للمهدي وفي بعض نسخها زيادة ونقص، وأصحها التي رواها عنه أبو عبد الله بن الأعرابي . انظر ترجمته في نزهة الألباء صـ51.
(2) ... انظر رأي المفضل في: القرطبي 4/72 ، والارتشاف 2/982 ، والهمع 1/255 .وراجع : إتحاف
... الحثيث صـ41, و ابن الناظم صـ 80 , والرضي 2/484, والإتقان 1/178.
(3) ... انظر : الارتشاف 2/982 ، والهمع 1/250 ، والمطالع السعيدة 1/172.
(4) ... انظر : القرطبي 4/72 ، وشرح الكافية للرضي 2/484 ، وابن الناظم صـ80 ، والهمع 1/254.
(5) ... سورة الأحزاب من الآية : 10 .
(6) ... انظر هذه اللغات في : شرح الكتاب للسيرافي 1/176 ، وابن يعيش 3/137 ، وشرح الكافية للرضي2/484 ، والارتشاف 2/983 .(1/191)
هَنّا وَهِنّا وَمِن هُنا لَهُنَّ بِها ذاتَ الشَمائِلِ وَالأَيمانِ هَينوم ُ (1)
النعت بالمصدر
يقع كل من الخبر والحال والنعت أو الصفة(2) مصدراً، إلا أن النحويين لم يستسيغوه ، وعدوا ذلك علي خلاف الأصل ؛ لأن المصدر يدل علي المعني لا علي صاحبه ، ومع هذا فوقوعها مصدراًً ثابت في فصيح الكلام شعراً ، ونثراً ، وإن كان وقوع الحال مصدراً أكثر من وقوع النعت (3) ، ولمخالفة المسموع لقياسهم اضطروا إلي تأويله ، واختلفوا في ذلك ، فقيل : هو علي حذف مضاف ، وقيل علي التأويل بالمشتق ، وقيل ، ليس واحداً منهما ، بل المراد منه المبالغة ، بجعل الصفة نفس العين (4).
ومن ورود الوصف بالمصدر قول ابن أبي حصينة
يا خَليلَيَّ هَل تَجيبُ الطُلولُ إِن سَأَلنا أَينَ الخَليطُ نُزول ُ(5)
__________
(1) ... البيت من البسيط ,لذي الرمة في ديوانه 1/576 , وهو في شرح كتاب سيبويه للسيرافي 1/176 ، وابن يعيش3/137 ، وشروح سقط الزند 3/1164 ، وفيه العجز : " إذا تجاوب صوت الريح هينوم " . وفي التصريح 1/129 ، والأشموني 1/145 . و ( هينوم) أي الصوت الخفي .
(2) ... النعت عبارة الكوفيين وربما استعملها البصريون, والفرق بينهما أن النعت ما يمكن زواله والصفة ما لا يزول إلا بمحل زواله محله. انظر: توجيه اللمع صـ258, والمساعد 2/11, والكواكب الدرية صـ 519 , والمدارس النحوية للدكتور إبراهيم السامرائي صـ133, 134.
(3) ... انظر: الأشمونى 3/64.
(4) ... انظر : شرح ابن عقيل 2/201, و حاشية الخضري عليه 2/53.
(5) ... البيت من بحر الخفيف , وهو في الديوان 1/98 ,.وقال محقق الديوان : يظهر أن رواية البيت : (إن سألنا أين الخليط حلول)لأن المعري ذكره هكذا , وفي (س) : (إن سألنا أين الخليط نزول) .(1/192)
وفيه يقول أبو العلاء : " و ( الحلول ) (1) يحتمل وجهين ، أحدهما : أن يكون جمع ( حالّ ) كما يقال ( شاهد وشهود ) و( قاعد وقعود ). والآخر أن يكون مصدراً من قولهم ( حل يحل حلولاً ) ، ويكون ( خليطاً ) قد وصف به كما يوصف بالمصدر (2) ، يقال : ( رجل زور ) أي ( ذو زور ) في معني : ( زيارة ) ، و ( رجل عدل ) أي : ( عادل ) ، والأشبه أن يكون ( حُلول ) جمع حال ؛ لأنه لو كان مصدراً لوجب أن يقال : ( حُلُول ) فيصفون بهذا الواحد والجمع ، كما يقولون :( رجل ضيف ) (3) .
ويظهر من تعريف النعت كما عرفه ابن مالك بأنه " التابع المقصود بالاشتقاق وضعاً أو تأويلاً ، مسوقاً لتخصيص أو تعميم أو تفصيل أو مدح أو ذم أو ترحم أو إبهام أو
توكيد " (4) .أن النعت لا يكون إلا مشتقاً أو مؤولاً به ، وهو أمر لابد منه كما يقول ابن الخباز (5) ؛ لأن المقصود من الصفة الفرق بين المشتركين في الاسم ، وذلك لا يحصل إلا بذكرالمعاني العارضة القائمة بالذوات التي تدل عليها الأسماء المشتقة .
__________
(1) ... هذا على رواية (الحلول) كما سبق بيانه.
(2) ... ليس المراد بالوصف هنا النعت الاصطلاحي , وإنما المراد به هو الإسناد ؛ لأن( الخليط) في البيت مسند إليه؛ إذ هو مبتدأ , و( حلول) خبره فيكون من باب الإخبار بالمصدر؟ قال الرضي في شرح الكافية 2/ 283: " الصفة تطلق باعتبارين : عام ، وخاص ، والمراد بالعام : كل لفظ فيه معنى الوصفية ، جرى تابعاً أو ، لا ، فيدخل فيه خبر المبتدأ والحال في نحو : زيد قائم ، وجاءني زيد راكباً ، إذ يقال هما وصفان ،ونعني بالخاص : ما فيه معنى الوصفية إذا جرى تابعاً ، نحو : جاءني رجل ضارب ، قال : حد العام : ما دل على ذات باعتبار معنى هو المقصود" .
(3) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/97 .
(4) ... التسهيل صـ167.
(5) ... انظر: توجيه اللمع صـ260.(1/193)
وما شرطوه في النعت شرطوه في الخبر ، فنحو ( زيد عدل ) لا يدخل هنا كما يقول أبو حيان ، بل يكون سماعاً ، لا تجعله خبراً ، حتي يكون كأنه هو ثم تجوزت (1).وشرطوه في الحال أيضاً (2) .
إلا أن ابن الحاجب (3) لم يشترطه في النعت أو في الحال ، فلم يفرق بين أن يكون النعت مشتقاً أو غيره ، إذا كان وضعه لغرض بأن يدل النعت علي معني في متبوعه ، فإذا كانت دلالته كذلك صح ، ولا فرق بين أن يكون مشتقاً أو غيره ، لكن لما كان الأكثر في الدلالة علي المعني في المتبوع هو المشتق ، توهم (4) كثير من النحويين أن الاشتقاق شرط حتى تأولوا غير المشتق بالمشتق (5) .
وقال ابن الحاجب في الحال : " وكل ما دل على هيئة صح أن يقع حالاً .. " (6) .
وقال الجامي (7)
__________
(1) ... انظر: شرح الجمل لابن خروف 1/392, والروض الأنف 1/196, والارتشاف 3/1373.
(2) ... انظر: اللباب 1/215, وشرح التسهيل 2/322, والارتشاف 3/1570, وشرح الكافية
للجامي 1/390, وشرح ابن عقيل 2/244, التصريح 1/374.
(3) ... في التاج , مادة ( دنف ) : " الدَّنَفُ، مُحَرَّكَةً: الْمَرَضُ الْمُلاَزِمُ " .
(4) ... انظر: شرح المفصل لابن الحاجب 1/442, وشرح الكافية للرضى 2/289.
(5) ... انظر: شرح المفصل لابن الحاجب 2/289.
(6) ... انظر: الكافية صـ104 , وشرح الكافية 2/32.
(7) ... هو : عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الجامي، نور الدين مفسر ، فاضل. ولد في جام ( من بلاد ما
وراء النهر) وانتقل إلى هراة . وتفقه ، وصحب مشايخ الصوفية ، وحج سنة 877 ه. له تفسير القرآن , و شرح فصوص الحكم لابن عربي , و شرح الكافية لابن الحاجب, قال صاحب الأعلام : " وهو أحسن شروحها ، سماه ( الفوائد الضيائية)". توفى سنة( 898) هـ. انظر ترجمته في : الأعلام 3 / 296 , و تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 5/315 .(1/194)
في الشرح : " سواء كان الدال مشتقاً أو جامداً صح أن يقع حالاً من غير أن يؤول الجامد بالمشتق ؛ لأن المقصود من الحال بيان الهيئة ، في تأويل الجامد
بالمشتق " (1) .
وإنما كان وقوع الخبر والحال والنعت مصدراً أو اسم مصدر (2) خلاف الأصل ؛ لأنه يدل علي المعني لا علي صاحبه ، والخبر يدل علي معني في المبتدأ والحال تدل علي معني في صاحبها ، والنعت يدل علي معني في منعوته ، فمن ثم شرط النحويون – أغلبهم ومعهم أبو العلاء- الاشتقاق في الثلاثة مع اعترافهم بوقوعها مصدراً كثيراً ، ولكنهم لم يجيزوا القياس عليه . وإذا كانوا قد شرطوا في الخبر موافقة المبتدأ في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، وكذا في الحال والنعت ، فإنهم التزموا فيها الإفراد والتذكير ، (3) إذا وقعت مصادراً ، فيخالف بهذا الخبر المبتدأ والحال صاحبها ، والنعت منعوته .
__________
(1) ... شرح الكافية للجامى 1/389, 390, وانظر: الرضى 2/32.
(2) ... انظر: أوضح المسالك 3/218, وحاشية يس على التصريح 2/113.
(3) ... انظر: الخصائص 2/202, وابن يعيش 3/50, 51, والروض الأنف 1/51, والأشمونى 3/64.(1/195)
وإنما التزموا فيها الإفراد والتذكير لأمر راجع إلي طبيعة المصدر ذاته وكما يقول ابن جني : " فلما كان المصدر في قولهم : ( رجل عدل ) و ( امرأة عدل) هو إرادة المصدر والجنس جعل الإفراد والتذكير أمارة للمصدر المذكر " (1) ؛ لأن المصادر أنفسها قبل أن يوصف بها لا تثني ولا تجمع ولا تؤنث ، وليس من المصادر شيء إلا وضعه موضع الصفات جائز فيه مطرد منقاس غير منكسر ، كما يقول ابن درستويه (2) " وإنما كان التذكير والإفراد أقوي من قبل أنك لما وصفت بالمصدر أردت المبالغة ؛ لأن التأنيث والجمع يذهب بالكلمة مذهب الصفة الحقيقية التي لا معني للمبالغة فيها " (3) فهذا من تجاذب الإعراب والمعني ، ونحو : ( رجل دنِف ) (4) و( قوم مرضيون ) بالصفة الصريحة لا يدل علي ما يدل عليه : ( رجل دَنَف ) و ( قوم رضاً ) بالوصف بالمصدر ، وإن كان الأول هو الأصل ، وإنما انصرفت عنه العرب في بعض الأحوال إلي أن وصفت بالمصدر ، لأمر ين : أحدهما صناعي ، والآخر معنوي ، أما الصناعي فلشبه المصدر للصفة التي وقع موقعها ، كما وقعت الصفة موقع المصدر في نحو قولك : ( أقائماً والناس قعود ) أي ( أتقوم قياماً والناس قعود ) . ونحو ذلك .
وأما المعنوي ، فللمبالغة ؛ لأنه إذا وصف بالمصدر صار الموصوف كأنه في الحقيقة مخلوق من ذلك الفعل .
__________
(1) ... الخصائص 2/206, وانظر: توجيه اللمع صـ169, والتصريح 2/113, والكواكب الدرية صـ519.
(2) ... انظر: تصحيح الفصيح صـ 253.
(3) ... الخصائص 2/209.
(4) ... انظر: تصحيح الفصيح صـ 253.(1/196)
وعلي هذا فإن ( رجل دنِف ) أقوي إعراباً ، و ( رجل دنَف ) أقوي معني (1) ومع هذا فقد نطقت العرب بالمصادر مثناة ومجموعة ومؤنثة, فى نحو: العبادة والجهومة بالتأنيث, ومثل هذين المصدرين أحجى بتأنيثه ؛ لأنها مصادر غير مشكوك فيها, فلحاق التاء لا يخرجها عما تثبت فى النفس من مصدريتها, وليس كذلك الصفة ؛ لأنها ليست فى الحقيقة مصدراً, وإنما هى متأولة عليه, بخلاف ما لو قيل: ( رجل عدل) و( امرأة عد لة) فقد يظن بها صفة حقيقية, كـ( صعبة) من ( صعب) و( ندبة) من ( ندب), وأما ما أثر عن العرب من قولهم: ( رجل عدل) و( امرأة عدلة) و(فرس طوعة القياد) فقيل فيه: هذا مما خرج على صورة الصفة ؛ لأنهم لم يؤثروا أن يبعدوا كل البعد عن أصل الوصف, الذى بابه أن يقع فيه الفرق بين مذكره ومؤنثه , فكأن هذا تنبيه على الأصل , وعلى هذا أنث بعضهم المصدر وثناه وجمعه(2) , "إذا كثر استعماله فى الوصف ودام الاستماع له وألف واعتيد حتى يزول عن شبه المصادر, ويدخل فى الأسماء والصفات بطول العادة وذلك فى الكلام قليل"(3) وقد ورد فى القرآن الكريم مصادر مثناة فى قوله تعالى: "هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ "(4) , ومجموعة فى قوله:, "قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ "(5) . وقوله سبحانه: " هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ"(6).
__________
(1) ... انظر: الخصائص 3/262, 263.
(2) ... انظر: الخصائص 2/206, 207, وتوجيه اللمع صـ 169, 170, و التصريح 2/113.
(3) ... تصحيح الفصيح صـ 253, وانظر ابن يعيش 3/50, 51.
(4) ... سورة الحج , من الآية : 19.
(5) ... سورة الحجر,آية: 68.
(6) ... سورة الذاريات , آية : 24 .(1/197)
ولما فى التزامهم الإفراد والتذكير من فوات المطابقة اختلف النحويون فى تخريجه, فذهب الكوفيون إلى تأويله بالمشتق, فنحو ( رجل عدل) عندهم بمعنى: ( رجل عادل) و( امرأة عدل) بمعنى: ( امرأة عادلة) و( رجال عدل) بمعنى: ( رجال عادلون) و( نساء عدل) بمعنى: ( نساء عادلات) (1) .
ومذهب الكوفيين هو ظاهر مذهب سيبويه(2) والمبرد(3) والفراء(4) وابن درستويه(5) وأبوالعلاء (6)والسهيلى(7) والقرطبى(8) .
وقد اعترض على هذا التخريج ابن عصفور بأن هذا " إخراج للمصدر عن أصله, ومهما أمكن بقاؤه على أصله كان أولى, ومما يبين أنه باقٍ على أصليته أنه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث, كما كان قبل أن تصف به"(9) .
ويندفع كلام ابن عصفور بما سبق من كلام ابن جنى أن المصدر يقع موقع الصفة كما تقع الصفة موقع المصدر فى قولهم ( أقائماً والناس قعود).
أما مذهب البصريين فالتأويل على حذف مضاف, وكأنهم قصدوا بذلك التنبيه على أن أصل : ( رجل عدل): ( رجل ذى عدل) فلما حذفوا المضاف تركوا المضاف إليه على ما كان
عليه (10) .
__________
(1) ... انظر رأي الكوفيين فى: شرح الجمل لابن عصفور 1/198 والارتشاف 4/1919, وائتلاف النصرة صـ74, وأوضح المسالك 3/279, والأشمونى 3/64.
(2) ... انظر: الكتاب 2/120, وشرح أبيات الكتاب للنحاس صـ55.
(3) ... انظر: الكامل 2/263, والمقتضب 4/304.
(4) ... انظر: معانى القرآن للفراء 2/38.
(5) ... انظر: تصحيح الفصيح صـ198.
(6) ... انظر : شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/213 , 214.
(7) ... انظر: نتائج الفكر صـ 58.
(8) ... انظر: تفسير القرطبى 9/149.
(9) ... انظر: شرح الجمل لابن خروف 1/392, وشرح الجمل لابن عصفور 1/198.
(10) ... انظر: ائتلاف النصرة صـ74, وابن الناظم صـ495, والمطالع السعيدة للسيوطى 2/716, والكواكب الدرية صـ519.(1/198)
وقد رجح الحذف ابن هشام بدليل عدم التثنية والجمع, ولو أوول لوجب تثنيته وجمعه(1) لكن ابن الحاجب ضعف هذا المذهب بأمرين:
الأول: أنه يلزمه أن يوصف بجميع المصادر على هذا النحو.
الأخير: أنه يلزمه حذف مضاف على ما ذكر(2) .
والخلاف بين الكوفيين والبصريين ليس مطرداً عندهم فى بابى الحال والنعت, فقد خالف كل فريق ما ادعاه, فذهب البصريون إلى تأويل المصدر بالمشتق فى باب الحال فى نحو: ( أتيته ركضاً) وقال الكوفيون إنه على حذف مضاف(3) .
والمذهب الثالث والأخير وهو لابن جنى(4) والبلاغيين(5) أن الوصف بالمصدر يكون على سبيل المبالغة مجازاً أو ادعاء.
وقد رجح ابن جنى هذا المذهب بعد ذكره لمذهب من قال بحذف مضاف, فقال: " تصفه بالمصدر إن شئت على حذف المضاف, وإن شئت على وجه آخر, أصنع من هذا وألطف, وذلك أن تجعله نفسه هو المصدر للمبالغة, كقول الخنساء:
تَرتَعُ ما رَتَعَت حَتّى إِذا اِدَّكَرَت فَإِنَّما هِيَ إِقبالٌ وَإِدبارُ (6)
إن شئت على ذات إقبال وإدبار, وإن شئت جعلتها نفسها هى الإقبال والإدبار, أى مخلوقة منهما, ويدلل على أن هذا مَعنىِّّ عندهم, لا على حذف المضاف, بل لأنهم جعلوه الحدث
نفسه قولهم, أنشدناه أبو على:
__________
(1) ... انظر: شرح الجمل لابن عصفور 1/198, 199, وأوضح المسالك 3/278.
(2) ... انظر: الإيضاح فى شرح المفصل لابن الحاجب 1/443.
(3) ... انظر: حاشية يس على شرح القطر 2/217, وعلى التصريح 2/113, وحاشية الخضرى على ابن عقيل2/53, 54.
(4) ... انظر: الخصائص 2/204, والمحتسب 2/46.
(5) ... وهو مجاز مرسل كما قال الخضرى فى: حاشيته على شرح ابن عقيل 2/54.
(6) ... البيت من بحر البسيط فى ديوان الخنساء صـ48, وهو فى الكتاب 1/337, والمقتضب 4/305, وشرح أبيات سيبويه للنحاس صـ55, والمحتسب 2/43, 46, والمنصف 1/197, وابن يعيش 1/115.(1/199)
أَلا أَصبحتْ أسماءُ جاذمَةَ الحَبْلِ وضَنَّتْ علينا والضَّنِينُ من البُخْلِ(1)
..... ويكفى من هذا كله قول الله سبحانه " خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ "(2) أى من العجلة"(3)
وقد رد الإمام عبد القاهر(4) قولهم فى بيت الخنساء السابق إنه على حذف مضاف بأنه "ليس بالوجه أن يعد هذا على الإطلاق مما حذف منه المضاف, وأقيم المضاف إليه مقامه"(5) .
ويبدو أنه لا خلاف بين النحويون والبلاغيين فى هذه المسألة, فالأمر راجع إلى إرادة المتكلم, إن أراد المبالغة, فلا يكون الكلام على حذف مضاف أو التأويل بالمشتق, وإلا كان على واحد منهما(6) .
* ... * ... *
السماع والقياس فى هذه المسألة
__________
(1) ... البيت من الطويل, وهو للبعيث خدام بن بشر, والبيت فى الخصائص 2/202, والمحتسب 2/46, واللسان مادة (جذم) و(ضنن).و( الجذم): القطع, و(الضن)البخل, والمعنى أن أسماء هذه تضن عليه بلقائها لذا فهى بخيلة.
(2) ... سورة الأنبياء من الآية : 37.
(3) ... المحتسب 2/46 بتصرف, وانظر: الخصائص 2/204.
(4) ... هو: شيخ العربية ، أبو بكر ، عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني . أخذ النحو بجرجان عن أبي الحسين محمد بن حسن بن أخت الأستاذ أبي علي الفارسي . صنف شرحاً حافلاً " للإيضاح "وله " إعجاز القرآن " ، و " مختصر شرح الإيضاح " ، و " الجمل " ، ودلائل الإعجاز , وأسرار البلاغة , وغير ذلك. وكان شافعياً ، عالماً ، أشعرياً ، ذا نسك ودين ، دخل عليه لص ، فأخذ ما وجد ، وهو ينظر ، وهو في الصلاة فما قطعها. وكان آية في النحو . توفي سنة إحدى وسبعين وأربع مئة (471) وقيل : سنة أربع وسبعين (74). انظر ترجمته في: - سير أعلام النبلاء 18/ 432.
(5) ... دلائل الإعجاز صـ301, وانظر: المقتصد 1/245.
(6) ... انظر: الارتشاف 4/1919, والمساعد 2/411, والكواكب الدرية صـ519.(1/200)
صرح النحويون البصريون والكوفيون بأن النعت بالمصدر أو وقوعه خبراً أو حالاً شائع كثير(1) , لكنهم قصروا ما ورد منه على السماع, وإن قالوا إن وقوع الحال مصدراً أكثر من وقوعه نعتاً(2), ومستندهم فى هذا أن المشتق هو الذى يؤدى الغرض المقصود, بخلاف المصدر, , ولذلك شرطوا فى المصدر الذى ينعت به شروطاً.
أولها: أن لا يكون بمعنى الأمر أو الدعاء, فمثل: ( سقياً له) لا ينعت؛ لأنه بدل من اللفظ
بالفعل, ولا ينعت به؛ لأنه طلب(3) .
وثانيها: أن يكون المصدر صريحاً لا مؤولاً خلافاً للفارسى(4) والرضى(5) فقد زعما أن
نحو: ( مررت برجل ما شئت من رجل) ( ما) مصدرية نعت بها وبصلتها, كما ينعت
بالمصدر الصريح, قال ابن مالك: "وليس قوله بصحيح؛ لأن المصدر لكونه أصل
الفعل اختص بالتوكيد به, وبوقوعه نعتاً وحالاً, والحرف المصدرى لا يؤكد به فعل,
ولا يقع نعتاً ولا حالاً"(6) .
وثالثها: أن يكون المصدر غير مبدوء بميم زائدة, فلا ينعت بـ نحو ( مزار) و(مسير) وغيره
من المشتقات لمكان أو زمان أو آلة, وإنما يكون المشتق للفاعل ويشمل أسماء
الفاعلين, وأمثلة المبالغة, والصفة المشبهة باسم الفاعل, وأفعل المفضل به الفاعل
مثل: (أنا أعلم منك) ويكون للمفعول, والمشتق للمفعول يعم أسماء المفاعيل, وأفعل
__________
(1) ... انظر: شرح التسهيل 3/315, وشرح الكافية 2/295, والارتشاف 4/1919, وائتلاف النصرة صـ74, والأشمونى 3/64, والكواكب الدرية صـ 519 , وحاشية الخضري 2/53 .
(2) ... انظر : حاشية الخضري 2/53.
(3) ... انظر: شرح التسهيل 3/321.
(4) ... انظر رأي الفارسى فى :البغداديات صـ275, والحلبيات صـ183, والمسائل المنثورة صـ44, وشرح التسهيل 3/316, والارتشاف 4/1921.
(5) ... انظر: شرح الكافية 2/293.
(6) ... شرح التسهيل 3/316.(1/201)
المفضل به المفعول مثل: ( أنت أنجب من غيرك) (1) .
ورابعها: أن يكون المصدر المنعوت به لفعل ثلاثى, فنحو ( كَرَم) ينعت به, ونحو ( إكرام) لا
ينعت به(2).
وخا مسها: أن يكون منُكََّراً(3) .
واشتراطهم التنكير وكونه ثلاثياً, وألا يكون بالميم لا فائدة منه إلا ضبط المسموع (4) لا القياس عليها, فإنهم صرحوا بأنها مع كثرتها ووردها فى السماع الفصيح شعراً ونثراً لا يجوز القياس عليها.
وهذا منهم عجيب فوروده فى فصيح الكلام بكثرة يدل على إطراده وإن خالف أقيستهم, ومن وروده فى القرآن العظيم قوله تعالى: " وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ "(5) وقوله سبحانه: " أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا "(6) وقوله جل شأنه: " إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا "(7) .
وقوله عز القائل: " لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا "(8) ومنه قراءة حمزة والكسائى: "حرَجاً" بفتح الراء فى قوله تعالى: " وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا "(9) .
قال الفارسى: "من فتح الراء كان وصفاً بالمصدر"(10) .
__________
(1) ... انظر: شرح التسهيل 3/213, 214, وشرح الكافية 2/295, وابن الناظم صـ493, والارتشاف 4/1919, الأشمونى 3/65.
(2) ... انظر: التصريح 2/113, وحاشية الخضرى 2/ 54 , والكواكب الدرية صـ 519 .
(3) ... انظر: حاشية الخضرى2/53, والنحو الوافى 3/460.
(4) ... انظر: حاشية يس على التصريح 2/113 , و حاشية الخضرى على ابن عقيل 2/53.
(5) ... سورة يوسف من الآية : 18.
(6) ... سورة الكهف من الآية : 41.
(7) ... سورة الجن من الآية : 1.
(8) ... سورة الجن من الآية : 16.
(9) ... سورة الأنعام من الآية : 125, وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائى (حرجا) مفتوحة الراء, وقرأ نافع وعاصم فى رواية أبىبكر ( حرجا) مكسورة الراء. انظر: الحجة للفارسى 3/127, والقرطبى 7/81.
(10) ... الحجة 3/228.(1/202)
ومنه قراءة السلمى (1): " لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا أدًّا "(2) بالفتح, وخرجه ابن جنى على النعت
بالمصدر (3) , ومن ذلك قراءة مجاهد وأبى روق (4):" يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقُّ "(5) برفع (الحق) نعتا للفظ الجلالة , خرجه ابن جنى على النعت بالمصدر أيضاً. ومنه قراءة سعيد بن جبير (6) :
__________
(1) ... هو : أبو عبد الرحمن السلمي مقرئ الكوفة وعالمها عبد الله بن حبيب بن ربيعة الكوفي, قرأ على عثمان وعلى وابن مسعود وسمع منهم ومن عمر , وتصدر للاقراء في خلافة عثمان إلى أن مات في سنة ثلاث وسبعين أو بعدها. وكان ثقة رفيع المحل رحمه الله تعالى .انظر ترجمته في : تذكرة الحفاظ - الذهبي 1 / 58 .
(2) ... سورة مريم الآية : 89, قرأ على بن أبى طالب والسلمى بفتحها. انظر: المحتسب 2/46, والبحر
المحيط7 /300.
(3) ... انظر: المحتسب 2/46.
(4) ... هو : بن محمد بن بكر ، أبوروق الهزانى ، عن الفلاس وعدة . وهو صدوق ، وكان ظاهرياً . انظر ترجمته في : ميزان الاعتدال - الذهبي 1/ 132 .
(5) ... سورة النور من الآية : 25. قرأ مجاهد وأبو روق وأبو حيوة بالرفع, وقرأ الجمهور بالنصب. انظر: المحتسب 2/2107, والبحر المحيط 8/27.
(6) ... هو : سعيدبن جبير مولى أسد بن خزيمة يكنى أبا عبد الله , تابعي ، وهو حبشي الأصل ، من موالي بني والبة بن الحارث من بني أسد . أخذ العلم عن عبد الله بن عباس وابن عمر. قال الإمام أحمد بن حنبل : قتل الحجاج سعيداً وما على وجه الارض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه .
مات سنة خمس وتسعين (95) هـ . انظر ترجمته في : طبقات خليفة صـ 491, والأعلام 3 / 93 .(1/203)
"ِسْلمَا" بكسر السين وسكون اللام فى قوله تعالى: " ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ "(1) , قال أبو حيان: عن هذه القراءة وقراءة الجمهور: "وهما مصدران, وصف بهما مبالغة فى الخلوص من الشركة" (2).
إذن ورود الوصف بالمصدر كثير وشائع باعتراف النحاة أنفسهم, فلماذا قصروه على السماع , و حكموا بعدم اطراداه مع تأويلهم له إما بحذف مضاف أو بتأويله بمشتق أوعلى المبالغة, وكلها أمورمطردة, كما صرح به علماء المعانى ؟!(3) اللهم إلا أن يدعى اختلاف مذهبى النحاة وأهل المعانى , وهذا لا يسوغ .
ويبدو أن ابن جنى كان لا يرى مذهب المانعين, فلم يصرح بالمنع, بل واستخدم الوصف بالمصدر فى كلامه بقوله فى الخصائص: "وهو مذهب هول"(4) .
وإذا أُخذ برأى ابن الحاجب فى عدم اشتراط الاشتقاق إن دل على معنى مفهوم, فينبغى أن تهمل هذه الشروط التى وضعوها؛ لأن القياس حينها يكون صحيحاً, وعليه فيجوز الوصف بالمصدر إذا كان غير ثلاثى أو مبدوءاً بميم زائدة أو مُنَكَّراً.
لكن مجمع اللغة العربية بالقاهرة توسط, فأجاز الوصف المصدر قياساً لكثرة المسموع منه, لكن بالشروط الثلاثة السابقة (5) , كما أجاز وقوع الحال مصدراً (6).
ما يترتب على السابق من أوجه الاستعمال الجائزة أو الممتنعة.
1- نحو: (أنت رجل عدل) و( ما أنت إلا عدل) جائز بلا خلاف.
__________
(1) ... سورة الزمر من الآية : 29, قرأ سعيد بن جبير وعكرمة, وأبو العالية ونصر (سِلما) بكسر السين وسكون اللام. انظر: الحجة للفارسي 2/226 , والقرطبى 1/253.
(2) ... انظر: المقتضب 1/294.
(3) ... انظر: حاشية الصبان 3/64, 65.
(4) ... انظر: الخصائص 2/191.
(5) ... أجازه مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة فى دورته السابعة والثلاثين, وانظر مجموعة القرارت العلمية في خمسين عاماً صـ108 .
(6) ... انظر : مجموعة القرارات العلمية في خمسين عاماًصـ109.(1/204)
2- نحو: ( أنت رجل زور) و( ما أنت إلا زور) ممتنع عند الجمهور, وينبغى جوازه عند
ابن الحاجب.
3- نحو: ( أنت رجل كرم ) و( ما أنت إلا كرم ) جائز بالإجماع, أما نحو: ( أنت رجل إكرام)
و( ما أنت إلا إكرام) فممتنع عند الجمهور, وينبغى جوازه على رأى ابن الحاجب.
4- نحو: ( أنت محمد الكرم ) و( ما أنت إلا الكرم ) ممتنع عند الجمهور, وينبغى جوازه
علىرأى ابن الحاجب.
الخفض على الجوار
... المعربات معمولات, والمعمولات تقتضى العوامل, والعوامل على ضربين: لفظى ومعنوى, واللفظى هو الأصل ؛ لأنه الأقوى؛ إذ كان محسوساً ؛ لأنه يدرك بالسمع, والمعنوى دونه ؛ لأنه معقول مستنبط, كما يقول ابن الخشاب(1) وقد جرى أغلب النحويين على أن العامل المعنوى إنما يكون في موضعين أو ثلاثة(2) اثنان منهما متفق عليهما, وهما عامل الابتداء , و رافع الفعل المضارع.
وأما العامل المعنوى المختلف فيه, فعامل الصفة فى نحو: (مررت برجل ضارب) فى قول الأخفش (3) غير أن ثمة عوامل معنوية أخرى أوصلها أحد الباحثين(4)
__________
(1) ... انظر: المرتجل صـ114.
(2) ... انظر: السابق نفسه صـ114, 115.
(3) ... اتفق سيبويه والمبردعلى أن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف ...
(4) انظر: الكتاب 1/228 , و المقتضب 4/315. بينما العامل عند الأخفش كونه وصفاً لمجرور , وكذلك إن ارتفع أو انتصب . انظر المرتجل صـ115.
(
) ... هو الدكتور الحسينى القهوجى فى بحثه (العوامل المعنوية بين ا لبصريين والكوفيين) بحث منشور فى مجلة كلية اللغة العربية بالمنصورة عدد 15, 2/ 165- 199- سنة 1996.(1/205)
إلى ثمانية عشرعاملاً , ومن هذه العوامل المعنوية عامل الجوار(1) .
والجوار له اعتبار قوى إن على مستوى البنية الداخلية للكلمة (المستوى الصرفى) وإن على مستوى العلاقة بين أجزاء الجملة الواحدة / المستوى النحوى), وهو ما عبر عنه ابن جنى بتجاور الألفاظ فى المتصل ( المستوى الصرفى) والمنفصل ( المستوى النحوى) (2) .
ومن ذلك صرفياً قولهم (ِ قِنية) و(ِ صِبية) (3) و( فلان من عِلية الناس) والقياس فيها: (قِنوة) و( صِنوه) و(عِلوة) لكن لما جاورت الواوالكسرة قبلها صارت الكسرة كأنها قبل الواو, ولم يعتد بالساكن حاجزاً لضعفه(4) ومنه أيضاً قولهم فى (صوَّم): (صيَّم) , شبهوا باب (صَّوم) بباب (عُصىِّ) فقلبه بعضهم(5) ومن ذلك أيضاً قلبهم الواو المجاورة للطرف همزة فى قولهم (أوائل) كما لو وقعت طرفاً(6) .
__________
(1) ... في ثمار الصناعة للدينوري صـ135 : " قد يعد مع التوابع ما يتبع بالحكاية وبالمجاورة " وفي صـ 248 :" فأما التابع بالحكاية والتابع بالمجاورة فليسا في الأصل من التوابع ولامعدود ين فيها بل لاحقين بها ومضافين إليها ".وانظر شرح اللمحة البدرية 2/234.
(2) ... انظر: الخصائص 3/221.
(3) ... في اللسان , مادة ( قنو) : " قنا القِنْوةُ والقُنْوةُ والقِنْيةُ والقُنْية: الكِسْبةُ، قلبوا فيه الواو ياءً للكسرة القريبة منها، وأَما قُنْية فأُقِرَّت الياء بحالها التي كانت عليها في لغة من كسر، هذا قول البصريين، وأَما الكوفيون فجعلوا قَنَيْت وقَنَوْت لغتين، فمن قال قَنَيْت على قلتها فلا نظر في قِنْية وقُنْية في قوله، ومن قال قَنَوت فالكلام في قوله هو الكلام في قول من قال صُبْيان، قَنَوْت الشيء قُنُوّاً وقُنْواناً واقْتَنَيْتُه: كسبته" .
(4) ... انظر: المنصف لابن جنى 2/2.
(5) ... انظر: الخصائص 3/221, 222, والمغنى صـ648.
(6) ... انظر: إملاء ما من به الرحمن للعكبرى 1/209, وشرح الشافية للرضى 3/130.(1/206)
وكما قالوا: ( الغدايا ) إذا قالوا: ( العشايا ) والغداة وحدها لا تجمع (غدايا)(1) وغير ذلك كثير, وهو موضع يحتمل أن يكتب فيه أوراق من الشواهد كما يقول العكبرى(2) .
* ومنه نحوياً التأنيث في نحو ( قامت هند ) وجوباًً في الفعل, ولو فصل بينهما لأنث الفعل جوازاًً لفوات المجاورة(3) , ولمجاورة المذكر للمؤنث فى قولهم: ( قطعت بعض أصابعه أنث الفعل(4) .
* ومنه استحسان النصب فى الاشتغال بعد جملة فعلية, نحو: ( قام محمد وعليا كلمته )
لمجاورة الفعل (5) .
* ومنه عمل الثانى من الفعلين فى مسألة التنازع, وهو اختيار البصريين لمجاورته
للعامل(6).
* ومنه ما ذهب إليه الكوفيون من القول بجزم جواب الشرط لمجاورته لفعل الشرط
ولزومه له (7) .
* ومنه صرف الممنوع إذا جاور مصروفاً فى نحو قوله تعالى: (سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا) (8) فقد
__________
(1) ... انظر: شرح الكتاب للسيرافى 1/205, والإملاء 1/209. وقد سماه ابن فارس في الصاحبي صـ384 بالازدواج , وقال فيه الحريري في درة الغواص صـ 67 : " قد نطقت العرب بعدة ألفاظ غيرت مبانيها لأجل الازدواج وأعادتها إلى أصولها عند الانفراد فقالوا الغدايا والعشايا إذا قرنوا بينهما فإن أفردوا الغدايا ردوها إلى أصلها فقالوا الغدوات وقالوا هنأني الشيء ومرأني الشيء فإن أفردوا مرأني قالوا أمرأني وقالوا فعلت به ما ساءه وناءه فإن أفردوا قالوا أناءه" .
(2) ... انظر: الإملاء 1/209.
(3) ... انظر: الإملاء 1/209.
(4) ... انظر: الكتاب 1/51, 402, والمذكر والمؤنث للأنبارى 2/186.
(5) ... انظر: شرح المفصل 1/32, وشرح الكافية للرضى 1/457, والمطالع السعيدة 2/707, والهمع 3/106.
(6) ... انظر: شرح المفصل 1/78, وشرح الكافية للرضى 1/204, 205, والمطالع 2/698, والهمع 3/94.
(7) ... انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرافي صـ 143, و الإنصاف 2/602.
(8) ... سورة الإنسان من الآية : 4.(1/207)
قرئ سلاسلاً) بالتنوين فى الوصل(1) , للتناسب مع ( أغلالاً).
* ومنه جريان التابع على مجاوره لا على متبوعه فى قولهم: ( هذا جحر ضب خرب )(2)
وعليه جاء قول الراعى النميرى (3):
يا نُعمَها لَيلَةً حَتّى تَخَوَّنَها داعٍ دَعا في فُروعِ الصُبحِ شَحّاجِ (4)
قال أبو العلاء تعليقاً عليه: "وإنما يعنى مؤذناً, وخفض (شحاجاً) على الجوار"(5) .
... والجوار كعامل نحوى مع كثرة وقوعه في اللغة, حتى قال ابن جنى فيه: " وأما أنا فعندى أن فى القرآن مثل هذا الموضع نيفاً على ألف موضع"(6) لم يكن موضع اتفاق بين النحويين, سواء فى وجوده كعامل, أو فيما يدخله من التوابع, وفى هذا أمران: الأول: اختلاف العلماء فى جوازه.
والثانى: فيما يدخله من التوابع.
* * *
الأمر الأول: فى اختلاف العلماء فى جوازه
__________
(1) ... قرأ نافع وهشام وأبو بكر والكسائى (سلاسلا) بالتنوين فى الوصل, ووصل الباقون بغيرتنوين. انظر: التذكرة لابن غلبون 2/745, والكشاف 4/676, والقرطبى 19/123, والبحر المحيط 10/362.
(2) ... انظر: الخصائص 3/223, والمحتسب 2/289, والتذكرة لأبى حيان صـ346.
(3) ... هو :أبو المرهف نصر بن منصور بن الحسن الراعي بن الحصين بن معاوية الضرير الشاعر المشهور؛ قدم بغداد في صباه، وسكنها إلى حين وفاته، وحفظ القرآن المجيد، وتفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، رضي الله عنه ، وكانت ولادته سنة (501) هـ وتوفي ببغداد (588) هـ. انظر ترجمته في :الأعلام 4/189.
(4) ... البيت من بحر البسيط وهو للراعى النميرى في ديوانه صـ 29 , وهو في الكامل 1/233 , وقال المبرد1/234 : " وقوله:" حتى تخونها ": يريد تنقصها، يقال: تخونني السفر، أي تنقصني، والداعي: المؤذن. وقوله:" شحاج "، إنما هو استعارة في شدة الصوت، وأصله للبغل، والعرب تستعير من بعضٍ لبعض" .
(5) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/122.
(6) ... الخصائص 1/193.(1/208)
القول بالجوار لم يكن محل اتفاق بين النحويين,وتبعهم الفقهاء والمفسرون , حتى أجازه بعضهم بكثرة, وأنكره آخرون إطلاقاً, وقصره بعضهم على الضرورة, وقصره البعض على السماع ومنع القياس على ما جاء منه, وأجازه آخرون لكن بشرط.
فبينما قال ابن جنى إن فى القرآن منه عنده نيفاً على ألف موضع كما سبق, وقال المرزوقي : " وهذا لميلهم إلى الحمل علىالأقرب،ولأمنهم الالتباس"(1) . وقال العكبرى: "وليس بممتنع أن يقع فى القرآن لكثرته, فقد جاء فى القرآن والشعر (2) , وقال : " والجوار مشهور عندهم في الإعراب"(3) وقال الكاساني(4) : " الاعراب بالمجاورة طريقة شائعة في اللغة بغير حائل وبحائل "(5) ..
__________
(1) ... شر ح الحماسة للمرزوقي 1/88.
(2) ... إملاء ما من به الرحمن 1/209.
(3) ... السابق 1/209.
(4) ... هو : أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاسانى علاء الدين الشاشى الحنفي نزيل حلب توفى بها سنة ( 587) هـ سبع وثمانين وخمسمائة . له :بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع في شرح تحفة الفقهاء لأستاذه السمرقندى, و السلطان المبين في أصول الدين . انظر ترجمته في : هدية العارفين - إسماعيل باشا البغدادي 1/235.
(5) ... بدائع الصنائع - أبو بكر الكاساني 1 / 6. ...(1/209)
وقال ابن الجوزي (1) : "لأن العرب ربما قلبت إعراب الشئ لتتبع اللفظ اللفظ كما قالوا جحر ضب خرب وإنما الخرب من نعت الجحر "(2) .وقال ابن إياز(3) : " كثيراً ما يعطون الشيء حكم مجاوره " (4) .
__________
(1) ... هو: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن ابى الحسن على بن محمد بن على بن عبيد الله التيمى البكري البغدادي الحنبلى الواعظ المفسر صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم , وعرف جدهم بالجوزى بجوزة كانت في داره بواسط لم يكن بواسط جوزة سواها , . من تصانيفه : كتاب " المغنى " في علوم القرآن ، وكتاب " زاد المسير " ، و تذكرة الأريب " في اللغة . ولد تقريبا سنة عشر وخمس مائة (510) هـ أو قبلها ، وأول سماعه في سنة ست عشرة انظر ترجمته في : - تذكرة الحفاظ - الذهبي 4 / 1342 . ...
(2) ... زاد المسير - ابن الجوزي 8 / 148 .
(3) ... هو:الحسين بن بدر بن إياز بن عبدالله البغدادي جمال الدين أبو محمد من تصانيفه . الإسعاف في علم الخلاف , و شرح التصريف لابن مالك ,و القواعد في المطارحة ,و المأخذ المتبع . ,والمحصول شرح الفصول ( فصول ابن معط في النحو),و مسائل الخلاف في النحو . توفى سنة ( 681) هـ إحدى وثمانين وستمائة انظر ترجمته في : - هدية العارفين 1 / 313.
(4) ... شرح التعريف بضروري التصريف لابن إياز صـ 116.(1/210)
وقال النووي(1)عن الخفض على الجوار :" هذا مشهور في لغة العرب وفيه أشعار كثيرة مشهورة وفيه من منثور كلامهم كثير : من ذلك قولهم هذا جحر ضب خرب بجر خرب على جوار ضب وهو مرفوع صفة لجحر" (2).وقال ابن هشام: "الشئ يعطى حكم الشئ إذا جاوره"(3) .
وقال ابن كثير " في قول العرب :( جحر ضب خرب )وكقوله تعالى " عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ "(4) وهذا سائغ ذائع في لغة العرب شائع "(5) .
__________
(1) ... هو: الحافظ محيى الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مر بن جمعة بن حزام النووي المحدث الفقيه الشافعي الشهير بالنووى ( نوى بلدة بحوران بينها وبين دمشق مسافة يومين). له من التصانيف :الأربعين في الحديث مشهور وعليها عدة شروح وحواشي ,والإرشاد في أصول الحديث . ولد سنة ( 631) هـ وتوفى بليده سنة( 676) هـ ست وسبعين وستمائة انظر ترجمته في : هدية العارفين 2/ 524.
(2) ... المجموع - محيى الدين النووي 1 / 419 .
(3) ... المغنى صـ646.
(4) ... سورة الإنسان , من الآية : 21 .
(5) ... تفسير ابن كثير 2/27. وقد ذكر د/تمام حسان في كتابه الأصول صـ43 ،أن الحمل على الجوار كثير عند الكوفيين , وهو من الأصول الكوفية التي يرفضها البصربون . وواضح مما ذكر هنا أن الحقيقة بخلاف ما قاله .(1/211)
فى مقابل هذا يقول ابن الحاجب عنه: "وليس بجيد؛ إذ لم يأت الخفض على الجوار فى القرآن, ولا فى الكلام الفصيح, وإنما هو شاذ فى كلام من لا يؤبه به من العرب"(1). وقال صاحب مجمع البيان : " والخفض على الجوار ، لا يجوز في كتاب الله تعالى" (2) وقال: " إن المحققين من النحويين نفوا أن يكون الإعراب بالمجاورة جائزاً في كلام العرب " (3) . وقال القرطبي :" قال النحاس (4): لا يجوز أن يعرب الشئ على الجوار في كتاب الله ولا في شئ من الكلام ، وإنما الجوار غلط ، وإنما وقع في شئ شاذ ، وهو قولهم : هذا ( جحر ضب خرب ) ، والدليل على أنه غلط قول العرب في التثنية : هذان جحرا ضب خربان ، وإنما هذا بمنزلة الإقواء ، ولا يجوز أن يحمل شئ من كتاب الله على هذا ، ولا يكون إلا بأفصح اللغات وأصحها"(5) .
وبالتتبع يتضح أن النحويين فى هذه المسألة على قولين:
__________
(1) ... أمالى بن الحاجب 1/280.
(2) ... تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي 3 / 285.
(3) السابق نفسه : 3 / 287 .
(4) ... انظر : إعراب القرآن للنحاس1/307 , و2/9 , و5/195.
(5) ... تفسير القرطبي 3 / 44 .(1/212)
الأول: وهو قول الجمهور من البصريين والكوفيين(1) إن الخفض على الجوار فى النعت جائز لوقوعه فى القرآن الكريم (2) , ولوروده فى كلام العرب شعراً ونثراً فمنه فى القرآن الكريم, قوله سبحانه: "َإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ "(3) واليوم ليس بمحيط, وإنما المحيط هو العذاب, ومنه قوله تعالى: " مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ "(4) و( عاصف) ليس من صفة اليوم, بل من صفة الريح, وقد خفض كل من ( محيط) و( عاصف) فى الآيتين السابقتين للجوار (5) .
ومنه أيضاً قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ "(6) فى قراءة من قرأ بخفض (المتين) (7).
__________
(1) ... انظر: المطالع السعيدة 2/601, والهمع 2/440.
(2) ... انظر: المطالع السعيدة 2/601, والهمع 2/440.
(3) ... سورة هود من الآية :84.
(4) ... سورة إبراهيم من الآية: 18.
(5) ... انظر : إملاء ما من به الرحمن - أبو البقاء العكبري 1 / 209.
(6) ... سورة الذاريات من الآية : 58.
(7) ... قرأ يحيى والأعمش (المتين) بالجر والجمهور بالرفع, انظر: المحتسب 2/289, والقرطبى 19/56.(1/213)
ومنه في كلام الرسول ـصلى الله عليه وسلم ـ : " ماذكره المباركفوري (1) , قال في قول الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ :( من ملك ذا رحم محرم ) (2).:" بالجر وكان القياس أن يكون بالنصب لأنه صفة ذا رحم لا نعت رحم ولعله من باب جر الجوار كقوله بيت ضب خرب وماء شن بارد " (3).
وقال في حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( وعشرين بني مخاض ذكوراً ) (4). بالنصب كذا في النسخ الحاضرة وفي المشكاة ذكور بالجر قال القاري بالجر على الجوار كما في المثل .
ويمكن أن يكون منه قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ :" أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير يلمق حرير محشو بالقز ، يقاتل فيه"(5). و( محشو ) من صفة ( يلمق ) لا من صفة ( حرير ) لكنه جر لمجاورته لـ ( حرير ) .
__________
(1) ... هو: عبد الرحمن المباركفوري . عالم مشارك في أنواع من العلوم . ولد في بلدة مباركفور من أعمال اعظمكره ، ونشأ بها ، وقرأ العلوم العربية والمنطق والفلسفة والهيئة والفقه وأصول الفقه على علماء كثيرين . توفى ( 000 - 1353 ه 000 - 1934 م) من مؤلفاته : السنن. انظر ترجمته في : معجم المؤلفين - عمر كحالة 5 / 166.
(2) ... في مسند الإمام أحمد بن حنبل 5 / 18 : "عن الحسن عن سمرة بن جند ب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ملك ذا رحم محرم فهو عتيق " .
(3) ... تحفة الأحوذي - المباركفوري 4 / 502 ...
(4) ... في : ضعيف سنن الترمذي- محمد ناصر الألباني صـ 157 :" عن الحجاج ، عن زيد بن جبير ، عن خشف بن مالك ، قال : "سمعت ابن مسعود قال :" قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم : في دية الخطأ عشرين ابنة مخاض ، وعشرين بني مخاض ذكوراً ، وعشرين بنت لبون ، وعشرين جذعة ، وعشرين حقة " . ...
(5) ... كذا في سير أعلام النبلاء - الذهبي 1 /52 . ولم أجده في غيره .(1/214)
ومنه في لسان العرب نثراً قولهم: (هذا جحر ضب خرب), وقول أبى ثروان العكلى (1) في المفضل : كان والله من رجال العرب المعروف له ذلك"(2) , ومنه ماذكره الكاساني : قال : " الإعراب بالمجاورة طريقة شائعة في اللغة بغير حائل وبحائل أما بغير الحائل فكقولهم جحر ضب خرب وماء شن بارد(3) والخرب نعت الجحر لا نعت الضب والبرودة نعت الماء لا نعت الشن ثم خفض لمكان المجاورة "(4) .
ومنه في لسان العرب شعر:اً قول الشاعر:
كَأَنَّما ضُرِبَت قُدامَ أَعيُنِها قُطنٌ لِمُستَحصِدِ الأَوتارِ مَحلوجِ (5)
بخفض محلوج على الجوار.
__________
(1) ... هو: أبو ثروان العكلي أحد بني عكل، وعكل: اسم امرأة حضنت ولد عوف بن وائل، بن قيس، بن عوف، بن عبد مناف، ابن أد، ً. وكان أبو ثروان أعرابياً بدوياً، تعلم في البادية ، ذكره يعقوب بن السكيت، ووجد بخطه، وكان فصيحاً. قال محمد بن إسحاق, وله من الكتب: كتاب خلق الفرس، وكتاب معاني الشعر.انظر ترجمته في: معجم الأدباء 2/368 .
(2) ... انظر: الهمع 2/442, والخزانة 5/90.
(3) ... كذا ذكره الكاساني , و يبدو أن هذا جزء بيت من شعر عنترة في ديوانه صـ24:
... ... كَذَبَ العَتيقُ وَماءُ شَنٍّ بارِدٍ إِن كُنتِ سائِلَتي غَبوقاً فَاِذهَبي
والبيت بهذه الرواية لاشاهد فيه .
(4) ... بدائع الصنائع - أبو بكر الكاساني 1 / 6 .
(5) ... البيت من بحر البسيط وهو لذى الرمة فى ديوانه صـ75, والبيت غير منسوب فى معانى القرآن للفراء 2/74, والإنصاف 2/605, وشرح التسهيل لابن مالك 3/308, وتذكرة النحاة صـ610, الخزانة 5/91.و: (القطن): النبات المعروف, (مستحصد الأوتار) من إضافة الصفة للموصوف أى: الأوتار المحكمة الفتل, (المحلوج): المستخرج منه الحب.(1/215)
وقول امرئ القيس: ... كَأَنَّ أَباناً في أَفانينِ وَدقِهِ كَبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ (1)
وقول العجاج: كأنَّ نسجَ العنكبوتِ المزمَّلِ على ذُرا كلامهِ المُهَدَّلِ
سبوت كتانٍ بأيدى غُزَّلِ(2)
إذن فالجوار عند من يقول به وقع فى القرآن الكريم, وفى الشعر والنثر, ولكن هل يجيزه هؤلاء إطلاقا بلا شروط ؟
__________
(1) ... البيت من بحر الطويل, وهو لامرئ القيس فى ديوانه صـ25 , وهو في : المحتسب 2/135, وشرح القصائد العشرللتبريزي صـ70, وشروح سقط الزند 3/1160, وتذكرة النحاة صـ308, والمغنى صـ 486, 646, واللسان مادة (زمل) ,والخزانة 5/98, 99, 100, 102, 9/37, وشرح المعلقات العشر للشنقيطى صـ 74 . و (أباناً) ويروى (ثبيراً) فى شرح التسهيل 3/309, وكلاهما اسم جبل (أفانين ودقه): ضروب قطره, (البجار) : الكساء المخطط, (مزمل) ملتف: ويروى: (كأن ثبيرا فى عرانين).
(2) ... الرجز للعجاج فى ديوانه صـ 158 , 159 , والكتاب 1/437, وشرح أبيات سيبويه للنحاس صـ 168, ولرؤبة فى شرح التسهيل 3/309. والنسج: الغزل. والمرمل: المنسوج، والمغزول. والذرى: الأعالي، جمع ذروة بالكسر, والمهدل: المدلى. والسبوب: جمع سب بالكسر، كجذوع. والسب: ثوب من كتان أبيض. والغسل: جمع غاسل وغاسلة. يعني أن العنكبوت قد نسجت على القلام الذي نبت حول الماء. شبه ما نسجت العنكبوت عليه بثوب رقيق من الكتان.(1/216)
سيبويه يجيز الحمل على الجوار بلا شرط إذا أُمِن إشكال المعنى(1) , والخليل يشترط فيه توافق المضاف والمضاف إليه إفراداً وتثنية وجمعاً, وتذكيراً وتأنيثاً, فلا يجيز إلا : ( هذا جحرا ضب خربان) ولا يجيز (خربين) (2) , وهو عند سيبويه جائز, قال: "وهذا قول الخليل –رحمه الله- ولا نرى هذا والأول إلا سواء ؛ لأنه إذا قال: ( هذا جحر ضب متهدم), ففيه من البيان, أنه ليس ( بضب), مثل ما فى التثنية من البيان أنه ليس بـ(الضب ), وقال العجاج:
* كأنَّ نسجَ العنكبوتِ المزمَّلِ *(3)
فـ(النسج) مذكر, و(العنكبوت) أنثى"(4) .
وللخليل أن يمنع هذا كما يقول البغدادى بأن العنكبوت قد جاء مذكراً أيضاً(5), فى قول الشاعر: * كأنَّ نسجَ العنكبوتِ المزمَّلِ *
"ووجه الاستدلال منه أن( العنكبوت) مؤنث و(المزمل) مذكر، لأنه وصف للنسج، فقد اختلفا
تأنيثاً وتذكيراً. وللخليل أن يمنع هذا أيضاً فإن العنكبوت قد جاء مذكراً أيضاً، نقل ذلك
عن العرب , وأنشدوا:
على هطّالهم منهم بيوتٌ كأنّ العنكبوت هو ابتناها(6)
__________
(1) ... انظر: الكتاب 1/436, والمقتضب 4/73.
(2) ... انظر: الكتاب1/37, والنكت للأعلم الشنتمرى 2/31, والارتشاف 4/1913, والهمع 2/442, والمطالع ... 2/602.
(3) ... سبق تخريجه في الصفحة السابقة.
(4) ... الكتاب 1/437.
(5) ... في المذكر والمؤنث لابن التستري صـ52: " ومن الأسماء مايؤدي لفظ الذكر عن الأنثى , و هو العقرب , والضبُع , والعنكبوت" .
(6) ... البيت من بحر الوافر , وقد ورد غبر منسوب في : إعراب القرآن للنحاس 3/ 257 , والصحاح , مادة ( هطل) , و مجمع البيان 8/27, ووزاد المسير 6/132, والقرطبي 13/345 , ومعجم البلدان 5/ 408 , واللسان , مادتي ( هطل ) , و ( عنكب ) , و التاج , مادة ( هطل ) .(1/217)
وعلى تسليم أنها في البيت مؤنثة فإنه تأنيث ليس بعلامة؛ إذ ليس مؤنثاً بالتاء ولا بإحدىالألفين المقصورة والممدودة، فأشبه التذكير ؛إذ لم يظهر فيه من التنافر ما يظهر في التثنية " (1).
وخصه قوم بالنكرة ؛ لأنه المسموع, ورد بما حكاه أبو ثروان "كان والله من رجال العرب المعروف له ذلك"(2) وأبو ثروان ممن تؤخذ عنه اللغة والعربية(3) .
على أن هذا فى النكرة أسهل منه فى المعرفة, وذلك أن النكرة أشد حاجة إلى الصفة فأما المعرفة فتقل حاجتها(4) .
وخصه الأكثرون بالخفض, قال الصبان: "والجواز يختص بالجر"(5) , وأجازه بعضهم فى المرفوع(6) , وجعل منه قول الشاعر:
السالِكُ الثُغرَةَ اليَقظانَ كالِئُها مَشيَ الهَلوكِ عَلَيها الخَيعَلُ الفُضُلُ (7)
برفع (الفضل) إتباعاً للمرفوع قبله بقرينة.
ورد بأنه نعت لـ( الهلوك) على الموضع ؛ لأن معناه: (كما تمشى الهلوك الفضل وعليها( الخيعل) (8).
__________
(1) ... الخزانة 5/87.
(2) ... قاله فى المفضل, وانظر: المطالع السعيدة 2/ 601, والهمع 2/242, والخزانة 5/ 90.
(3) ... انظر: الخزانة 5/90.
(4) ... انظر: المحتسب 2/289.
(5) ... حاشية الصبان 3/57.
(6) ... انظر: أمالى ابن الشجرى 2/222, والتذكرة لأبى حيان صـ346, والارتشاف 4/1914, والخزانة ... 5/101.
(7) ... البيت من بحر البسيط, وهو للمتنخل الهذلى فى الخصائص 2/169, وسر الصناعة 2/158, وفى شرح التسهيل 3/120, وتذكرة النحاة صـ346, والخزانة 5/11, 101, وشرح أشعار الهذليين 2/34, و (الثغرة) موضع المخافة, و(الكالىء): الحافظ, و(الخيعل): ثوب يخاط أحد جانبيه, ويترك الآخر, و(الهلوك): المتثنية المتكسرة (الفضل): المرأة الفضل التى تكون فى ثوب واحد, لا ثوب فوقه أو تحته. والشاهد فى قوله: (مشى الهلوك عليها الخيعل الفضل) برفع الفضل على الجوار لـ (الخيعل) وحقه الجر نعتا لـ(الهلوك).
(8) ... انظر: أمالى ابن الشجرى 2/222, وتذكرة النحاة صـ 347.(1/218)
وهكذا اتفق جمهور البصريين والكوفيين على القول بالجوار كعامل نحوى, لكنهم اختلفوا, فأجازه سيبويه إطلاقاً بشرط أمن الإشكال فى المعنى, وشرطه الخليل بالاتفاق فى الإفراد والتثنية والجمع, وخصه بعضهم بالنكرة, وخصه الأكثرون بالخفض.
* * *
الثانى: وهو قول السيرافى والفارسى, وابن جنى(1) أنه يجوز فى مسألة الخفض على الجوار وجه آخر بأن يقال فى ( هذا جحر ضب خرب ): الأصل فيه عند ابن جنى: ( هذا جحرضب خرب جحره) حذف الجحرالمضاف إلى الهاء, وأقيمت الهاء مقامه فارتفعت ؛ لأن المضاف المحذوف كان مرفوعًا, فلما ارتفعت استتر الضمير المرفوع فى نفس (خرب), فجرى وصفاً على (ضب) وإن كان الخراب لـ( الجحر) لا لـ(الضب)(2) .
فالمسألة عنده من باب النعت السببى.
أما عند السيرافى والفارسى فمعناه:( هذا جحر ضب خرب الجحر منه) وهو من باب (حسن الوجه), وفى (خرب) ضمير الجحر مرفوع ؛ لأن التقدير كان: (خرب جحره) ويبدو أن هذا الرأى كان شائعاً عند بعض النحويين البصريين, فقد قال السيرافى: "ورأيت بعض النحويين البصريين قال فى: (هذا جحر ضب خرب) قولاً شرحته, وقويته بما احتمله من التقوية, والذى قاله هذا النحوى(3) ....." ولعله يقصد ابن جنى فقد كان معاصراً للسيرافى, فهذا أيضاً لا يبيح لابن جنى أن يدعى انفراده بهذا الرأى(4) , فقد سبقه إليه أستاذه الفارسى باعتراف ابن
جنى نفسه, قال: "وعلى نحو من هذا حمل أبو على –رحمه الله-
* كَبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ * "(5)
__________
(1) ... انظر رأيهم في : الخصائص 1/193, 194, والنكت للأعلم 2/31, والمغنى صـ647, والخزانة 5/88, 89.
(2) ... انظر: الخصائص 1/193, والمغنى صـ647, والخزانة 5/88.
(3) ... لعله يقصد ابن جنى, وقد كانا متعاصرين, انظر: حاشية الخصائص 1/192.
(4) ... انظر: الخصائص 1/192.
(5) ... الخصائص 1/193, وانظر: شرح المعلقات العشر للشنقيطى صـ74.(1/219)
وقد خطأ هذا الرأى أبو حيان بأنه لا يوجد فىكلام العرب: ( مررت بوجه رجل حسن الوجه, ولا حسن وجهه), ولأنه من حيث أجرى ( الخراب) صفة على ( الضب) لزم إبراز الضمير لئلا يُلْبِس(1) .
ولأن معمول هذه الصفة لا يتصرف فيه بالحذف لضعف عملها, ولأن هذه الصفة لا يجوز نقل الضمير إليها حتى يصح نسبتها إلى الموصوف على طريق الحقيقة, كما لا يصح أن يقال: ( مررت برجل حائض البنت) ؛ لأن (الحيض) لا يكون للرجل, وكذلك (الخراب) لا يكون لـ(الضب).
وأنه قد جرى الجوار فى غيرالنعت, فجاء فى التوكيد, فى قول الشاعر:
يا صاح بلّغ ذوي الحاجاتِ كلّهم أن ليس وصلٌ إذا انحلّت عُرى الذّنب(2)
وقول أبي ثروان في المفضل كان والله من رجال العرب المعروف له ذلك بخفض المعروف على المجاورة. وفي كلام أبي ثروان، وهو ممن تؤخذ عنه اللغة والعربية، رد على من يقول إن الجوار لا يكون إلا مع النكرة؛ فإن كلاً من البيت، ومن كلام أبي ثروان لا يمكن فيه أن يكون تابعاً للمجرور الذي قبله بحال , بخفض (كلهم) على الجوار (3) .
وقول ابن جنى نفسه: "وأما أنا فعندى فى القرآن مثل هذا الموضع نيفاً على ألف موضع"(4) ما يجعل القول بتأويل ابن جنى له فيه ضرب من التكلف لا يسوغ مع هذه الكثرة.
ولكن هل هذا الرأى لهم على سبيل الجواز أو الوجوب؟ يبدو أنه عندهم – خاصة ابن جنى- جائز لكن مع هذا راجح, يدل لذلك كلام ابن جنى نفسه بعد أن ذكر رأىالفارسى فى قول الشاعر: * كَبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ *(5)
__________
(1) ... وقال مثله ابن هشام فى المغنى صـ647.
(2) ... البيت من بحرالبسيط, وهو لأبى الجراج العقيلى فى معانى القرآن للفراء 2/75, ولأبى غريب النصرى فى الخزانة 5/90, 93, 94, والبيت ذكر فى شرح التسهيل 3/310, والتذكرة لأبى حيان صـ537.
(3) ... انظر هذه الردود من أبى حيان فى :الخزانة 5/89, 90.
(4) ... الخصائص 1/193.
(5) ... سبق تخريجه صـ 187.(1/220)
قال: "فقد يكون أيضاً على هذا النحو من الجوار, فأما عندنا نحن, فإنه أراد: (مزمل فيه)"(1) .
... ويؤيد هذا أنه لم يذكر فى المحتسب(2)غيره فى قول الله سبحانه: " {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } " فى قراءة من قرأ ( المتين) بالجر(3) .
وكذا في المنصف(4) بيت الشاعر:
فَإِيّاكُم وَحَيَّةَ بَطنِ وادٍ هَموزَ النابِ لَيسَ لَكُم بِسِيِّ (5)
وفي اللسان ذكر مسألة خرجها على الجر بالجوار , و نسبها لابن جني ولم يذكر غيره(6).
وبهذا يرد قول ابن هشام فى المغنى(7) والسيوطى فى الهمع(8) والمطالع السعيدة(9) بإنكار ابن جنى والسيرافى للخفض على الجوار.
وقد ذكر التبريزي وجهاً آخر في تأويل مثل هذا , قال : " وفي البيت(10) وجه آخر , وهو أن يكون على قول من قال : ( كسيت زيدا ًجبة ) فيكون التقدير :( في بجاد مزمله الكساء ) ثم تحذف , كما تقول : ( مررت برجل مكسوته جبة ) ثم تكني عن الجبة , فتقول : ( مررت برجل مكسوته ) ثم تحذف الهاء في الشعر , هذا قول بعض النحويين " (11).
__________
(1) ... الخصائص 3/224.
(2) ... سورة الذارايات الآية : 58.
(3) ... سبق تخريج القراءة صـ 186.
(4) ... المنصف لابن جنى 2/2.
(5) ... البيت من بحر الوافر , وهو للحطيئة فى ديوانه صـ190, وبه (حديد الناب) بدلا من (هموز), وهو فى الخصائص 3/223, والمنصف 2/2, وشرح التسهيل 3/309 وبه (ضموز الناب) وابن يعيش 2/85,و: (فإياكم وحية) يعنى نفسه, و(الهموز) من الهمز, وهو الغمز, (ليس لكم بسى) بمثل, أى لا تستوون معه, بل هو أشرف منكم, فهو يحمى ناحيته, كما تحمى الحية بطن واديها.
(6) ... انظر: اللسان مادة ( حشد) .
(7) ... انظر: المغنى صـ647.
(8) ... انظر: المطالع السعيدة 2/602, والهمع 2/441.
(9) ... انظر: المطالع السعيدة 2/602, والهمع 2/441.
(10) ... يقصد بيت امرئ القيس السابق .
(11) ... شرح القصائد الشر للتبريزي صـ70 .(1/221)
وعلى كل, فالجوار ثابت فى العربية على المستويين الصرفى والنحوى, وكما يقال:
* قد يؤخذ الجار بجرم الجار *(1)
* * *
القياس والسماع: الذين أجازوا الجوار اختلفوا فيما بينهم, فقد نسب إلىالفراء أنه(2) قصره على السماع, ومنع القياس عليه, فلا يجوز عنده: ( هذه جحرة ضباب خربة) بالجر, لكن الذى فى المعانى له لا يدل على ذلك(3) .
وذهب الأخفش إلى أن هذا جائز في الاضطرار (4) , وقال الزركشى: "وعندنا ذلك ضرورة ولا يحمل عليه الفصيح"(5) .
ومثله قال الأنبارى فى أسرار العربية(6) ونسب الأنبارى إلى البصريين أنه محمول على الشذوذ الذى يقتصر فيه على السماع لقلته, ولا يقاس عليه(7) , وقال أبو حيان: "الخفض على الجوار فى غاية الشذوذ"(8) .
* * *
الأمر الثانى: فيما يدخله الجوار من التوابع: بالإضافة إلى دخول الجوار فى النعت كما سبق, دخل فى التوكيد(9) , لكنه نادر, كما قال ابن هشام(10) وجعلوا منه قول الشاعر:
__________
(1) ... فى مجمع الأمثال 2/505 , مثل إسلامى وقع فى شعر الحكمى.
(2) ... نسب إليه فى :الارتشاف 4/1913, والمساعد 2/403, والهمع 2/241, 242, والأشمونى 3/57, والخزانة ... 5/91.
(3) ... انظر: معانى القرآن للفراء 2/74, 75, 3/123.
(4) ... انظر: معانى القرآن للأخفش 1/277. هذه عبارته , ولكن رأيه في هذه المسألة مشكل ففي1/81, 82:" كما أن بعض الكلام يعرب لفظه , و المعنى على خلاف ذلك...ويقولون ( هذا جحر ضب خرب) و ( الخرب) هو ( الجحر)...وهذا في الكلام كثير " .
(5) ... انظر: البرهان 1/304 .
(6) ... انظر: أسرار العربية صـ74.
(7) ... انظر: الإنصاف 2/615.
(8) ... البحر المحيط 10/34.
(9) ... انظر: المغنى صـ646
(10) ... انظر: مجاز القرآن لأبى عبيدة 1/155, ومعانى القرآن للأخفش 1/255, وشرح التسهيل 3/309, 310, والارتشاف 4/1913, والمساعد 2/403, والهمع 2/440, 441, والخزانة 5/93.(1/222)
يا صاح بلّغ ذوي الحاجاتِ كلّهم أن ليس وصلٌ إذا انحلّت عُرى الذّنب (1)
وأجازه قوم فى عطف النسق(2) , وجعلوا منه قوله تعالى: " وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ "(3) فى قراءة من قرأ "وأرجلكم" بالخفض عطفاً على بـ"رؤوسكم"(4) .
ورده الأنبارى(5) بأنه معطوف نعم على "رؤوسكم" لكن المراد بالمسح فى (الأرجل) الغسل, وقال أبوزيد الأنصارى: "المسح خفيف الغسل" (6) .
__________
(1) ... سبق تخريجه صـ 190.
(2) ... منهم أبو عبيدة فى مجاز القرآن 1/155, والأخفش فى معانى القرآن 1/277, والعكبرى فى الإملاء 1/209, وانظر: الارتشاف 4/1913, 1914, والمساعد 2/403.
(3) ... سورة المائدة من الآية : 6 .
(4) ... قرأ نافع والكسائى وابن عامر وحفص, و(أرجلكم) بالنصب, وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر وأنس وعكرمة والشعبى (وأرجلكم) بالخفض. انظر: السبعة لأبن مجاهد صـ242, و البحرالمحيط 4/190, 192. والنشر 2/ 254 , والوافي في شرح الشاطبية ـ عبد الفتاح القاضي صـ251.
(5) ... انظر: الإنصاف 2/609.
(6) ... السابق نفسه 2/609.وفي اللسان مادة ( مسح) : " قوله تعالى: وامْسَحُوا برؤُوسكم وأَرجلكم إِلى الكعبين؛ فسره ثعلب فقال: نزل القرآن بالمَسْح والسنَّةُ بالغَسْل، وفي الحديث: أَنه تَمَسَّحَ وصَلَّى أَي توضأ. قال ابن الأَثير: يقال للرجل إذا توضأ قد تَمَسَّحَ، والمَسْحُ يكون مَسْحاً باليد وغَسْلاً " . وانظر: النهاية لابن الأثير مادة ( مسح )4/327.(1/223)
وعللوه بأن العاطف يمنع من التجاور(1) .
__________
(1) ... انظر: معانى القرآن للزجاج 2/153, وشذور الذهب صـ312, والمغنى صـ 646 , والخزانة 5/94, 95. وهذه المسألة كانت سبباً للخلاف بين الفقهاء ـ خاصة بين الشيعة والسنة ـ في حكم ما يجب في الرجل عند الوضوء , ففي - الأحكام - الآمدي 3 / 63 : "إن الكسر بسبب المجاورة إنما يصح إذا لم يكن بين المتجاورين فاصل كما ذكروه من الشعر ، وأما إذا فصل بينهما حرف العطف فلا . وإن سلمنا جوازه غير أنه مما لا يتحمل إلا لضرورة الشعر ، فلا ينتهض موجبا لإتباعه ، وترك ما أوجبه العطف . ومثل ذلك ، وإن ورد في النثر ، كما في قولهم جحر ضب خرب وماء شن بارد فمن النوادر الشاذة التي لا يقاس عليها "..وفي - المجموع - محيى الدين النووي 1 / 419, 420: "الجر علي مجاورة الرؤوس مع أن الأرجل منصوبة وهذا مشهور في لغة العرب وفيه أشعار كثيرة مشهورة وفيه من منثور كلامهم كثير : من ذلك قولهم هذا جحر ضب خرب بجر خرب على جوار ضب وهو مرفوع صفة لجحر ومنه في القرآن ( أني أخاف عليكم عذاب يوم أليم) فجر أليماً على جوار يوم وهو منصوب صفة لعذاب , فان قيل إنما يصح الإتباع إذا لم يكن هناك واو فان كانت لم يصح والآية فيها واو قلنا هذا غلط فان الإتباع مع الواو مشهور في أشعارهم من ذلك ما انشدوه : لم يبق إلا أسير غير منفلت * وموثق في عقال الأسر مكبول فخفض موثقا لمجاورته منفلت وهو مرفوع معطوف على أسير فان قالوا الإتباع إنما يكون فيما لا لبس فيه وهذا فيه لبس قلنا لا لبس هنا لأنه حدد بالكعبين والمسح لا يكون إلى الكعبين بالاتفاق" وفي - الانتصار - الشريف المرتضى صـ 106 : "أجبنا عن سؤال من يسألنا فيقول : ما أنكرتم أن الأرجل إنما انجرت بالمجاورة لا لعطفها في الحكم على الرؤوس بأجوبة : منها : أن الإعراب بالمجاورة شاذ نادر ورد في مواضع لا يلحق بها غيرها ، ولا يقاس عليها سواها بغير خلاف بن أهل اللغة ، ولا يجوز حمل كتاب الله تعالى / صفحة 107 / على الشذوذ الذي ليس بمعهود ولا مألوف . ومنها أن الإعراب بالمجاورة عند من أجازه إنما يكون مع فقد حرف العطف ، وأي مجاورة تكون مع وجود الحائل ؟ ولو كان ما بينه وبين غيره حائل مجاوراً لكانت المفارقة مفقودة ، وكل موضع استشهد به على الإعراب بالمجاورة مثل قولهم : جحر ضب خرب ، وكبير أناس في بجاد مزمل ، لا حرف فيه حائل بين ما تعدى إليه إعراب من غيره للمجاورة . ومنها : أن الإعراب بالمجاورة إنما استعمل في الموضع الذي ترتفع فيه الشبهة ويزول اللبس في الأحكام ، ألا ترى أن أحداً لا يشتبه عليه أن لفظة خرب من صفات الجحر لا الضب ، وأن إلحاقها في الإعراب بها لا يوهم خلاف المقصود وكذلك لفظة ( مزمل) لا شبهة في أنها من صفات الكبير لا صفة البجاد ، وليس كذلك الأرجل لأنه من الجائز أن تكون ممسوحة كالرؤوس فإذا أعربت بإعرابها للمجاورة ولها حكم الأيدي في الغسل كان غاية اللبس والاشتباه ، ولم تجر بذلك عادة القوم . ومنها ولم نذكر هذا الوجه في مسائل الخلاف - : أن محصلي أهل النحو ومحققيهم نفوا أن يكونوا أعربوا بالمجاورة في موضع من المواضع وتأولوا : الجر في جحر ضب خرب على أنهم أرادوا خرب جحره ، وكبير أناس في بجاد مزمل كبيره ، ويجري ذلك مجرى مررت برجل حسن وجهه . وقد بينا أيضاً في مسائل الخلاف بطلان قول من ادعى أن الغسل الخفيف يسمى مسحا "وفي التفسير الصافي - الفيض الكاساني 2 / 16 وهومن تفاسير الشيعة : "دلالة الآية على مسح الرجلين دون غسلهما أظهر من الشمس في رابعة النهار وخصوصا على قراءة الجر ولذلك اعترف بها جمع كثير من القائلين بالغسل . في التهذيب عن الباقر ( عليه السلام) أنه سئل عن قول الله عز وجل فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين على الخفض هي أم على النصب قال بل هي على الخفض . أقول : وعلى تقدير القراءة على النصب أيضاً يدل على المسح لانها تكون حينئذ / صفحة 17 / معطوفة على محل الرؤوس كما تقول مررت بزيد وعمروا إذ عطفتها على الوجوه خارج عن قانون الفصاحة بل عن أسلوب العربية روى العامة عن أمير المؤمنين ( عليه السلام) وابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه السلام) أنه توضأ ومسح على قدميه ونعليه . ورووا أيضاً عن ابن عباس أنه قال إن كتاب الله المسح ويأبى الناس إلا الغسل وانه قال الوضوء غسلتان ومسحتان من باهلني باهلته وأنه وصف وضوء رسول الله ( صلى الله عليه وآله) فمسح على رجليه . وفي التهذيب عن الباقر ( عليه السلام) أنه سئل عن مسح الرجلين فقال هو الذي نزل به جبرئيل . وراجع الفسير الكبير للرازي 11/161 , وروح المعاني للألوسي 6/37, وغرائب القرآن للنيسابوري 4/206.(1/224)
وأجازه ابن مالك لكن فى العطف بالواو خاصة(1) , وربما كان ذلك ؛لأنها أم الباب ويجوز فيها ما لا يجوز فى غيرها, وإذا أجازوا الجوار فى النعت, فلا مانع من جوازه فى العطف ؛إذ المتعاطفان كالشئ الواحد فى اللزوم, والواو تجعل ما بعدها مشاركاً لما قبلها فى الحكم والإعراب, فلا مانع من القول بالجواز فيها.
وأجازه ابن هشام فى عطف البيان قياساً(2) .
وأما فى البدل, فلا يحفظ ذلك من كلامهم كما يقول أبو حيان, ولا خرج عليه أحد(3) وسبب ذلك أنه معمول لعامل آخر, لا للعامل الأول على الأصح(4) وقال ابن هشام: ينبغى امتناعه ؛ لأنه فى التقدير من جملة أخرى, فهو محجوز تقديراً(5) .
* * *
رأي المحدثين في الخفض على الجوار .
__________
(1) ... انظر: حاشية الصبان 3/57, والمنصف من الكلام 2/278. وفي المبسوط - السرخسي 1/ 8 : أن الجوار مع العطف بالفاء جائز . كما أن الإتباع مع الفعل جائز هو الآخر .
(2) ... انظر: شذور الذهب صـ430, والمطالع السعيدة 2/602, والهمع 2/441.
(3) ... انظر: الارتشاف 4/1914, والمطالع 2/602, والهمع 2/441, والخزانة 5/95.
(4) ... انظر: الخزانة 5/95.
(5) ... انظر: شذور الذهب صـ 430.(1/225)
المحدثون كالقدماء, منهم من أنكر الخفض على الجوار باعتباره مظهراً من مظاهر الخلل, ينبغي أن تنزه اللغة عنه, يقول بعض المعاصرين (1) :" ولو أنهم قطعوا القول بحمل ما زعم أنه من قول العرب على الخطأ لانتهى هذا اللغط , ولكان من هذا أننا لم نشقَ بما حمل إلينا من صنعة لم تبن على علم حسن , ولكن النحاة قدموا على ما أخذوا به أنفسهم , وراحوا يتلمسون الشواهد التي تؤيد قولهم ليفرضوا علينا ظاهرة مفتعلة , لم تجر على سنن كلام العرب " (2)يقول أحد المعاصرين : " لاريب أن تلك الشواهد التي ذكرها النحاة استشهاداً لهذا اللون من الحركات التي تطرأ على أواخر اللفظة المعربة من شأنها لو استقام الاستشهاد بها أن تثبت إعراباً على غير وجه الإعراب الذي ينظم سلكه كل أبواب النحو على طريق مستقيم ,وقياس مطرد" (3).
ومن ثم ذهبوا يتأولون شواهد المثبتين لهذه الظاهرة بشكل يخرجها عن سببية الجوار,ومن هذ ا قول بعضهم عن ( هذا جحر ضب خرب ): " ولو سلمنا ـ جدلاً ـ أنه شاهد صحيح , فإن ( خرب ) لم يخفض على المجاورة , بل إن القائل الأول لهذا قد أجرى عليه سنن العربية , فوقف عليه بالسكون , فتكون ( خرب ) ساكنة , والقاريء يدرك دون جهد أن موضعه رفع ولايمكن أن يكون خفضاً " (4) .
__________
(1) ... منهم : الدكتور/ إبراهيم السامرائي في كتابه : (أشتات في اللغة والأدب) صـ 176, و الدكتور مصطفى خاطرفي بحثه المنشور بمجلة كلية اللغة العربية بالمنصورة عدد ـ 14( حسن المجاورة في أمر حركة الإتباع والمجاورة) , و الدكتور محمود الدريني , في كتابه : (الجر على الجوار بين الاعتماد والرد) .
(2) ... أشتات في اللغة والأدب صـ 176.
(3) ... حسن المجاورة في أمر حركة الإتباع والمجاورة صـ 110 .
(4) ... الجر على الجوار بين الاعتماد والرد صـ 12, 13 .(1/226)
أما القراءت القرآنية التي خرجت على الخفض على الجوار فـ " الحمل على الجوار في بعض الآيات يحيل المعنى , ويغيره ويصرفه عن جهته , كـ آية البروج " وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ,ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ" (1), فإنه يلزم م إعراب (المجيد) مجروراً لمجاورته المجرور ( العرش ) عدم وصف العرش بـ ( المجيد" (2).
وأما الشواهد الشعرية فـ " يمكن حملها على ضرورة الشعر ؛ لأنه باب ضرورة لاقامة الوزن والروي على نسق واحد في جميع أبيات القصيدة " (3).
ومن المحدثين من تابع القدماء في إثبات هذه الظاهرة قائلاً:" إن الفنون العربية أكثر من أن يحصرها عد, ومن عادتهم أن يتوسعوا في الكلام ويخلطوا بعضه ببعض ....وقد ذهبوا شأواً بعيداً وتفننوا في التلاعب بالألفاظ والأساليب , فهم يعطون الشئ حكم ما أشبهه في معناه أوفي لفظه أو في كليهما , كجواز حذف خبر المبتدأ في ( إن زيداً قائم وعمرو ) اكتفاءً بخبر ( إ نَّ ) , لما كان ( إن زيدأً قائم ) في معنى : ( زيد قائم ) (4) , ويقول : " وقد أشرنا إلى أنواع الإعراب المختلفة , كالإعراب بقصد اللفظ والحكاية , والإعراب على التوهم , والإعراب على العارية . وقد أقر العلماء هذه الأنواع من الإعراب , واعترفوا بأصالتها العربية ولم ينكروها , فما المانع من اعتبار الإعراب على المجاورة ضمن هذه الأساليب العربية التي ذكرنا ؟ إنني لا أرى غضاضة أو حرجاً في اعتماد هذا الأسلوب " (5).
__________
(1) ... سورة البروج , الآيتان : 14, 15 .
(2) ... الجر على الجوار بين الاعتماد والرد صـ 43 .
(3) ... حسن المجاورة في أمر حركة الإتباع والمجاورة صـ 139.
(4) ... المجاورة في اللغة العربية, د/ زيان أحمد الحاج , بحث منشور بمجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة عدد 61 , صـ190 .
(5) ... المرجع السابق صـ191.(1/227)
ويقول :" إذا نفينا أسلوباً من أساليب العربية ؛ لأنه لم يرقنا , أو لندرة شواهده كان لزاماً إنكار باقي الأساليب المشابهة كالإعراب على التوهم , مع أنه ورد في القرآن الكريم باسم العطف على المعنى , كما سماه العلماء , تنزيهاً لكلام الله تعالى عن لفظ ( التوهم ) , وكذا الحال في الإعراب بقصد اللفظ والحكاية وغيرهما " (1) .
ومن ثم فإنه يرى " إباحة الأخذ بهذا الأسلوب والقياس عليه عند الضرورة ؛ إذا لم يؤد إلى اللبس " (2) .
ويقوي هذا ما قاله الدسوقي(3) : " حركة المجاورة ليست حركة بناء ولا إعراب , أي وإنما هي حركة اجتلبت للمناسبة بين اللفظين المتجاورين , فلا تحتاج إلىعامل ؛لأن الإتيان بها إنما هو لمجرد أمر استحساني لفظي,لا تعلق له بالمعنى " (4) .
__________
(1) ... المرجع السابق صـ191.
(2) ... السابق نفسه صـ 192.
(3) ... هو: محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي , من علماء العربية . من أهل دسوق ( بمصر) تعلم وأقام وتوفي بالقاهرة . وكان من المدرسين في الأزهر . له كتب ، منها ( الحدود الفقهية) في فقه الامام مالك ، و ( حاشية على مغني اللبيب) ، و ( حاشية على السعد التفتازاني ) ، و ( حاشية على الشرح الكبير على مختصر خليل) فقه ، و ( حاشية على شرح السنوسي لمقدمته أم البراهين). ولد ( . . - 1230 ه= . . - 1815 م) . انظر ترجمته في : - الأعلام 6/ 17.
(4) ... حاشية الدسوقي على مغني اللبيب 2/303 .(1/228)
ولعل هذا ما جعل بعضهم (1) ينظر إلى مسألة الجوار باعتبارها دليلاً له على أن الحركة الإعرابية قد تتخلف إذا أمن اللبس , وهو مذهب لبعض القدماء أيضاً (2) , يقول : في قول العرب ( هذ ا جحر ضب خرب ): " فسر النحاة ذلك على إعراب الجوار ( أي : المناسبة الصوتية بين الكلمة وجارتها ) وقد أمن اللبس بالمناسبة المعجمية بين الصفة وموصوفها , وبالمفارقة المعجمية بين الكلمة و شريكتها في الإعراب ؛ لأن ( الضب ) لايوصف بالخراب ,وإنما يوصف به (الجحر) " (3) .
__________
(1) ... منهم د/ تمام حسان في كتابه : التبيان في روائع القرآن 1/255.
(2) ... قال السيرافي في (ما يحتمل الشعر من الضرورة) صـ209:" ويعكس الإعراب , فيجعل الفاعل مفعولاً, والمفعول فاعلاً , وأكثر ذالك فيما لا يشكل معناه" وقال في صـ215 :" ولو قال قائل إن التقديم والتأخير فيما ذكرناه ليس من الضرورة لم يكن عندي بعيداً؛ لأنها أشياء قد فهم معانيها , وليست بأبعد من قولهم:( أدخلت القلنسوة في رأسي)و ( الخاتم في إصبعي) " . وقال في صـ 144: " فلما كانت حركة الإعراب يجوز ذهابها للإدغام ,.طلبًا للتخفيف , وليس لقول من يأبى ذلك , ويحتج في فساده بأنه يذهب منه حركة الإعراب معنى ؛ لأن الإدغام ُيذهب أيضأً حركة الإعراب " وانظر تفصيل هذه المسألة في : النوادر لأبي زيد صـ187 , 188, و الخصائص 2/342, و العمدة 2/1028, و شرح الجمل لابن عصفور 2/583 , 602 , و المطالع السعيدة 2/908 , و الهمع 3/249, و العلامة الإعرابية ـ د/ محمد حماسة عبد اللطيف . ...
(3) ... السابق نفسه 1/255 .(1/229)
ومنهم من نظر إلى الخفض على الجوار باعتباره خاصاً بلغة الشعر , فـ " هو في حقيقة أمره موافقة حركة روي البيت لحركة روي القصيدة كلها , وقد تجاوز النحاة عن ذلك , ووضعوا لهذه الظاهرة هذا المصطلح " (1) .
ومن ثم فإنه يذهب إلى أن " مسألة الخفض على الجوار هذه , مسألة اصطنعها النحويون لتفسير هذه الأبيات التي لم يجدوا سبباً يؤدي إلى جر الكلمات المجاورة وفقاً لنظام القافية, أو حركة الروي بها " (2) .
والحق أن مسألة الخفض على الجوار ينبغي أن لا تكون سبباً للخلاف بين النحويين, وإنما دفع المنكريين لهذه الظاهرة حرصهم على أن لا تتخلف العلامة الإعرابية , و هي الأمر اليسير الذي أجازه العلماء إذا لم يؤدِ ذلك إلى لبس , و هو جائز في الشعر , و قد أجازه قوم في الكلام فضلاً عن الشعر (3) .
وعبارة ابن جني الذي نُسِب إليه إنكار هذه الظاهرة كما سبق قد تتعارض مع قوله في موطن آخر : " فإن كان ترك زيغ الإعراب يكسر البيت كسراً لا يزاحفه زحافاً , فإنه لابد
من ضعف زيغ الإعراب, واحتمال ضرورته" (4), ويقول: " فإن أمنت كسر البيت اجتنبت ضعف الإعراب , وإن أشفقت من كسره البيت دخلت تحت كسر الإعراب" (5) .
لإن كان ابن جني قد وجد تفسيراً آخر لما قالوا فيه بالجوار فإن الدافع إليه هو المحافظة على العلامة الإعرابية , و ها هو يجيز ترك علامة الإعراب إذا أدى الحفاظ عليها إلى كسر الوزن .
__________
(1) ... حركة الروي في القصيدة العربية ـ د/ محمد حماسة عبد اللطيف , بحث منشور بمجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة عدد 59 صـ 120 .
(2) ... اللغة وبناء الشعر , د/ محمد حماسة عبد اللطيف صـ 222, 223.
(3) ... انظر: الضرائر للقزاز صـ 103 , تحقيق د/ محمد زغلول سلام , ود/ محمد مصطفى هدارة .
(4) ... الخصائص 1/234.
(5) ... الخصائص 1/235, 236.(1/230)
وفي التاج مادة ( لبب) جاء : أَنّه قيل " للأَسْودِ: يا أَبا عَمْرٍو: قال: لَبَّيْكَ، قال: لَبَّي يَدَيْكَ". قال الخَطّابَيُّ: معناهُ سَلِمَتْ يَدَاكَ وصَحَّتَا وإِنَّمَا تَرَك الإِعرابَ في قَوْله:، يَدَيْكَ، وكان حقُّه أَن يقولَ: يَداك، لِيَزْدَوِجَ " .
فهذا يدل على أن التخريج على تخلف العلامة الإعرابية عندهم أمر جائز إذا أمن اللبس .
ما يترتب على ما سبق من أوجه الاستعمال الجائزة والممتنعة.
(1) نحو: (هذان جحرا ضب خربين) جائز عند سيبويه وغيره ومنعه الخليل.
(2) نحو: (هذه جحرة ضباب خربة) جائز عند سيبويه والخليل وممتنع عند الفراء.
(3) نحو: ( محمد من الرجال المعروفِ له بالفضل) ممتنع عند قوم وأجازه أكثر النحويين.
(4) نحو: (فاطمة تمشى مشى الهلوك عليها الخيعل الفضل) جائز عند قلة من النحويين ممتنع عند أكثرهم.
(5) نحو: ( يا محمد بلغ ذوى الحاجات كُلِّهم أن اليوم قضاء حوائجهم) جائز عند الجميع
لكنه نادر.
(6) نحو قوله تعالى: "امسحوا برؤوسكم وأرجلِكم إلىالكعبين" جائز عند ابن مالك,
وغيره, ممتنع عند أبى حيان وابن هشام وغيرهما.
(7) نحو: (يارب اهدنا طريق المؤمنين, طريقِ ِالجنة) ممتنع عند الجميع.(1/231)
أحوال العلم فى دخول ( أل ) (1) عليه
من المقرر فى أصول النحو أنه لا يدخل مُعَرِّفان على مُعَرَّف(2)، ولذلك منعوا دخول (أل) المعرفة على العلم ، فإذا وجد فى كلامهم مثله ، فقد يخرج على زيادة (أل) أو يعد من قبيل الضرورة ، أو يكون للتعريف بعد اعتقاد التنكير فى العلم ، أو تكون (أل) للمح الأصل فيه .
والعلم فى دخول (أل) عليه يختلف أحواله بحسب نوعه ، فإذا كان مرتجلاً (لم يسبق له استعمال فى غير العلمية) فلا تحذف ( أل) إذا قارنت الأداة الوضع ، وحذفها حينها يكون ضرورة ، أما إذا لم تقارن الأداة الوضع فلا يجوز دخولها عليه إلا ضرورة أيضاً .
وإذا كان العَلَم منقولاً ، فالباب سماعى ، منه ما يلزم التعريف ، ولا تدخل عليه (أل) مثل : ( محمد) و( على) ومنه ما يجوز فيه إدخال ( أل ) وحذفها كالعباس والفضل ، وفى ذلك يقول أبوالعلاء تعليقاً على قول ابن أبى حصينة :
__________
(1) ... حرف التعريف عند سيبويه اللام وحده ، والهمزة للوصل ، وفتحت مع أن أصلهاالكسر , لكثرة استعمالها ، وأما عند الخليل ، فحرف التعريف مجموع الألف واللام, والهمزة عنده للقطع فحذفت عند الدرج لكثرة استعمالها ، وأما عند المبرد ، فالهمرة وحدها للتعريف وإنما زيدت اللام بعده للفرق بينه وبين همزة الوصل ، وبين همزة الاستفهام ، وانظر هذا الخلاف فى :الكتاب 2/294 ، وسر الصناعة 1/292 ، وشرح المقدمة النحوية لابن بابشاذ صـ 216 ، وتوجيه اللمع لابن الخبازصـ317 ، واللباب 1/490 ، وشرح الكافية للجامى صـ185 ، وشرح الكافية لحاجى عوض مخطوط لوحة , 6 , وما فات الإنصاف من الخلا ف صـ 53 . ويبدو أن أبا العلاء كان يميل إلى رأى الخليل ، كما هو واضح من النص أعلى إذا يستخدم دائماً لفظ : الألف واللام .
(2) ... في شرح ابن عقيل 1 /127 : " لا يجوز أن يجتمع على الاسم الواحد معرفان " .(1/232)
غَصَبتَ الأَعادي ما اِغتَصَبتَ وَإِنَّما بِمثلِ أَبي العُلوانِ يُرتَجَعُ الغَصبُ (1)
( وأبو العلوان) دخلت الألف واللام فيه ، ؛لأن العرب تفعل ذلك بالأسماء المعارف ، وهم من الأسماء على ثلاثة أضرب ، فمنهم من يلزمها التعريف ، كقولهم : ( محمد) و(على) (2) فهذان لا يستعملان إلا بغير ألف ولام ، ومن الأسماء ما يستعمل مرة بعلامة التعريف ، ومرة بغيرها ، كقولهم ( الحسن) و(الحسين) يقولون مرة : ( حسن) و(حسين) فيحذفون ، وتارة يعرفون ، وكذلك ( العباس بن عبدالمطلب) .
والفقهاء مصطلحون على أن يقولوا : (عبدالله بن عباس) بغير ألف ولام ، وهذا البيت
ينشد بغير ألف واللام : أَتَرجو أُمَّةٌ قَتَلَت حُسَيناً شَفاعَةَ جَدِّهِ يَومَ الحِسابِ(3)
وكذلك ينشدون قول الآخر :
أيطمعُ فينا منْ أراق دماءَنا ... ... ولولاكَ لمْ يعْرِضْ لأحساِبنا حَسَن ُ
ولو أدخلت الألف واللام فى هذا البيت لاستقام الوزن ، ولكن الرواية بغيرألف ولام , ومن الأسماء مايلزمونه الألف واللام, كقولهم : ( الخمس التغلبي ) (4) و( إلياس بن مضر) (5)
__________
(1) ... البيت من بحر الطويل ,وهو فى الديوان 1/212 .
(2) ... انظر: شرح الكافية 1/368 .
(3) ... البيت من بحر الكامل لأبى الأسود الدؤلى ، وهو فى : ديوانه صـ 151 , و مجمع الزوائد 9 /199 ، و تفسير القرطبي13/ 19 , و فتح القدير 4 / 69 ، و تاريخ مدينة دمشق – ابن عساكر14 /243 ، 244 ، و ذيل تاريخ بغداد –ابن النجار البغدادي 4 /159 ، و البداية والنهاية : - ابن كثير 8/ 218 , و سبل الهدى والرشاد ـ الصالحي الشامي 11 /80 .
(4) ... في التاج , مادة ( خمس) : " الخِمْسُ: اسمُ رَجُلٍ ومَلِكٍ باليَمَنْ، وهو أَوَّلُ مَن عُمِلَ له البُرْدُ المَعْرُوفُ بالخِمْسِ، نُسِبَتْ إِليه. وسُمِّيَتْ به".
(5) ... قال في التاح , مادة ( ألس) : إلْياسُ، بالكَسْر، والفتح، وبه قرأَ الأَعرجُ ونُبيح وأَبو وَاقِدٍ والجَرَّاحُ:
"وإنَّ إلْيَاسَ" عَلَمٌ أَعْجَمِيٌّ، وزادَ في العُباب: لا ينصرفُ للعُجْمَة والتَّعريف. قال الله تعالى: "وإنَّ إلياسَ لُمِنَ المُرْسَلينَ" وقال الجَوْهَرِيّ: اسمٌ أَعجَمِيٌّ. " . وعلى هذا ، فليست (أل) فيه زائدة للتعريف أو لغيره ، وفى شرح شواهد الشافية صـ 37 أن اللام فيه للتعريف وألفه ألف وصل ، واشتقاقه من اليأس وهو السل ، وهذا يقتضى أنه عربى و(أل) فيه لازمة.(1/233)
إلا أن الشاعر لو اضطر لجاز له أن يحذف الألف واللام من الاسم الذى لم تجر العادة بأن يدخلا فيه ، كما قال القائل
جعلوا يزيدَ بنَ الوليدِ خليفةًًًً ... ... ويلَ ُأْمهِ لو َزاَرهُ َمروَانُ(1)
وقال الآخر : عشيةَ ضحَّاكِ بنِ ُسُفْيَان قائمَُ بسيفِ رسولِ اللهِ والموتُ كانعُ(2)
فحذف الألف واللام من الاسم ، ولم تجر العادة بذلك" (3) .
وقال أبو العلاء فى موضع آخر "قوله: ( المعدُّ) تقدم مثله فى إدخال الألف واللام على
ما لم تجر العادة بإدخالها فيه ، كما قالوا فى قول الشاعر(4) :
__________
(1) ... البيت من بحر الكامل ولم أقف له على تخريج.
(2) ... البيت من بحر الكامل , لعباس بن مرداس الصحابى الجليل برواية :
... ... عشية ضحاك بن سفيان معتص ... ... لسيف رسول الله والموت واقع
فى المجموع للنووى 18/433 وكنز العمال للمتقى الهندى 3/ 443 , وتاريخ مدينة دمشق
26/416 , والبداية والنهآية لابن كثير 4/391 ، والسيرة النبوية لابن هشام 4/99 . و فى المعجم الكبير للطبرانى 8/299 " ضحاك بن سفيان الكلابى من بنى بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر" . وانظر: الجرح والتعديل للرازى 4/457.
(3) ... شرح ديوان ابن ابى حصينة 2/ 227 , 228 .
(4) ... البيت من بحر الكامل وهو في : المقتضب 4/48 بغير نسبة , وكذا فى فتح البارى
10/ 137 الشطر الأول منه, والبيت بتمامه فى : مادة ( عسقل) ، في العين والصحاح ، و القرطبى 19/252 ، واللسان مادة ( حجر), و ( وبر) , و( عسقل) و ( جني) ، والتاج مادة ( وبر) , و( عسقل) , و ( جني) , وشرح ابن عقيل 1/ 181 .(1/234)
ولقد جَنْيتك أَكْمُؤاً وعَسَاقلاً ولقد نَهَيتكَ عن بناتِ الأوبر "ِ(1)
وقول أبى العلاء "وهم من الأسماء على ثلاثة أضرب " يتفق مع كلام النحاة لكنه يختلف معهم فى التقسيم ، فعندهم ينقسم العلم إلى مرتجل , وهو ما لم يسبق له استعمال فى غير العلمية ، ومنقول " ومعنى النقل أن يكون الاسم بإزاء حقيقة شاملة ، فتنقله إلى حقيقة أخرى خاصة ، وليس له أن يتسمى بها فى الأصل" (2) .
__________
(1) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 62 . وفى كلام أبى العلاء – إذا لم يكن ثلم أوخرم أو تحريف إشكال أى إشكال , فالأبيات التي استشهد بها لاتصلح لما قال , فإن قوله (لو اضطر) لا معنى له على ما استدل به من الأبيات ، فحذف (أل) من ( يزيد بن الوليد) على كلامه لو كان جائزاً بغير ضرورة ، لأن الأصل عدم دخول (أل) عليه ، كما فى معانى القرآن للفراء 2/480 ، وهو ما جاء فى البيت مستقيماً ، فلا ضرورة هنا بدخول (أل) ولا ضرورة بحذفها, والبيت لاشاهد فيه على كلام أبى العلاء , وأما البيت الثانى الذى استشهد به (عشية ضحاك بن سفيان .. .) فقد يكون شاهداً مع انتقاء زوال الإشكال على كلامه ، لأن الضحاك يستعمل بأل ويدونها ، كما فى المجموع للنوى 18/439 ، والمعجم الكبير للطبراني 8/299 ، والجرح والتعديل للرازى 4/ 457 .وفي عبث الوليد صـ 45 " ويقولون : (الضحاك) بالألف واللام , فلا يكادون يحذفون منه إلا في الشعر" .
(2) ... شرح المفصل 1/29 . وانظر : المبهج لابن جني صـ 6 .(1/235)
والنقل يكون عن اسم وفعل وصوت، والنقل عن الاسم يشمل الاسم الصفة وغيرها ، فالأول نحو: (مالك) و(فاطمة) ، فهذان الإسمان وصفان فى الأصل ؛ لأنهما أسماء فاعلين ، ثم نقلت فصارت أعلاماً , والثانى وهو الاسم غير الصفة , نحو ( ثور) و( أسد) و( حجر) مسمىً بها , والنقل عن الفعل يكون عن الماضى نحو (شَمَّرَ) والمضارع نحو (يَشْكُر) و (تغلب) و(يزيد) وهو كثير ، والنقل عن الأمر نحو (إصمت) و(إصمتة) اسم مكان (1)،والنقل عن الصوت كتسمية عبدالله بن الحارث بـ (ببة) وكانت أمه ترقصه به وهو صبى (2)
__________
(1) ... في معجم البلدان - الحموي 1 / 212 : :" (إصمت)بالكسر ، وكسر الميم ، وتاء مثناة : اسم علم لبرية بعينها ، قال الراعي : أشلى سلوقية باتت ، وبات بها ، بوحش إصمت في أصلابها ، أود وقال بعضهم : العلم هو وحش إصمت ، الكلمتان معاً ، وقال أبو زيد : يقال لقيته بوحش إصمت وببلدة إصمت أي بمكان قفر ، وإصمت منقول من فعل الأمر مجرداً عن الضمير وقطعت همزته ليجري على غالب الأسماء ، وهكذا جميع ما يسمى به من فعل الأمر وكسر الهمزة من إصمت إما لغة لم تبلغنا , وإما أن يكون غير في التسمية به عن أصمت بالضم الذي هو منقول في مضارع هذا الفعل ، وإما أن يكون مجرداً مرتجلاً وافق لفظ الأمر الذي بمعنى اسكت ، وربما كان تسمية هذه الصحراء بهذا الفعل للغلية لكثرة ما يقول الرجل لصاحبه إذا سلكها اصمت لئلا تسمع فنهلك لشدة الخوف بها " .
(2) ... انظر : شرح ابن يعيش 1/32029 وشرح التسهيل 2/171 ، 172 ، وابن الناظم صـ 102
و,أوضح المسالك ... 1/162 ، وشرح ابن عقيل 1/155 والهمع 1/235 .وفي : - كتاب المنمق- محمد بن حبيب البغدادي صـ 347 : " وقالت هند بنت أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب تزفن ابنها عبد الله بن الحارث بن نوفل :والله ورب الكعبة لأنكحن ببه
... ... ... ... جارية في نقبه مكرمة محبة
تحب من أحبه
وعبدالله بن الحارث هو: عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي القرشي ، من أشراف قريش . من أهل المدينة . أمه هند أخت معاوية . كانت ترقصه وتسميه ببة . وكان ورعاً ظاهر الصلاح . ولاه ابن الزبير على البصرة ولما قامت فتنة ابن الأشعث ، خرج إلى عمان هارباً من الحجاج ، فتوفي فيها . ولد وتوفى : ( 9 - 84 ه= 630 - 703 م). انظر ترجمته في : الأعلام - خيرالدين الزركلي 4 / 77 .(1/236)
وهذا فى علم الشخص .
يقول ابن جني : " الأسماء المنقولة إلى العلمية ضربان: عين معنى والعين أيضاً ضربان: اسم غيرصفة واسم صفة. الأول منها : نحو أوس وحجر وبكر وجمل. والأوس هنا الذئب, وإن كان قد يمكن أن يكون العطية من قولهم أست الرجل أؤسه أوساً إذا أعطيته.
الثاني من هذه القسمة : هو الاسم الصفة , وذلك نحو مالك وجابر وحاتم وفاطمة ونائلة , فهذه في الأصل أوصاف ثم نقلت فصارت أعلاماً كما صار أوس وحجر وبكر وجمل ونحو ذلك أعلاماً.
وهذه الصفة المنقولة ضربان : أحدهما, ما نقل وفيه اللام فأقرت بعد النقل عليه وذلك نحو الحارث والعباس , والآخر ما نقل ولا لام فيه نحو سعيد ومكرم وما فيه اللام بعد النقل ببقايا
أحكام الصفة أحرى. وأما المعنى فنحو قولهم أوس وأنت تعني به العطية وزيد وعمرووأنت
تعني العمر الذي هوالحياة والزيد مصدر زاد يزيد زيداً وزياداً وزيادة صوم وفطر" (1).
ومن أقسام العلم العلم بالغلبة على خلاف بين النحويين أهو منقول أم لا ؟ وبعضهم على أنه واسطة بين المنقول والمرتجل (2)والعلم بالغلبة هو كل اسم اشتهر به بعض ما هو له اشتهاراً تاماً ، وهو ضربان : مضاف كـ (ابن عمر) والاستعمال غالب على عبدالله بن عمر الصحابى الجليل .
وذو أداة كـ (الأعشى) وغلب على ميمون بن قيس الشاعر المخضرم (3)و(النابغة) وغلب على زياد بن معاوية الذبيانى (4)و( الكتاب) وغلب على كتاب سيبويه ـ رحمه الله.
ومن أقسام العلم علم الجنس ، ويسمى اسم الجنس عند بعضهم(5)
__________
(1) ... المبهج صـ6 .
(2) ... انظر: الارتشاف 2/966 ، 967 ، والاشمونى 1/131 ، والهمع 1/235 .
(3) ... انظر: طبقات فحول الشعراء 1/52 , والأغاني 9/127 , وشرح المعلقات العشر للشنقيطى صـ42.
(4) ... انظر : طبقات فحول الشعراء1/51 ، والأغاني 11/5 , وشرح المعلقات العشر للشنقطيى صـ 52 .
(5) ... انظر : شرح الكافية للرضي 3/246 ، ، والمطالع السعيدة للسيوطى 1/257 ، والهمع 1/232 ،
والأشمونى1/135 ، 136 .وراجع أيضاً بحثاً لـ د / صلاح عبدا لعزيز : علم الجنس واسمه ،
والجمع اسمه وجمع الجمع فى ضوء دراسة الأساليب العربية بمجلة كلية اللغة العربية بالمنصورة العدد 14 ج 3/ 77 ـ 102 .(1/237)
وهو معرفة لا محالة كما يقول ابن يعيش (1)بدليل منعه من الصرف إذا كان مضافاً كـ(ابن قترة) وامتناعه من (أل) إذا لم يكن مضافاً ، ويدل لهذا مجئ الحال منه ، مثل : "هذا أسامة مقبلاً " والحال لا تجئ من النكرة هكذا قالوا (2).
هذه هى أقسام العلم التي أشار إليها أبو العلاء ، ولكل منها حكم يختص به فى دخول (أل) عليه .
أولاً : دخول (أل) على العلم المرتجل .
العلم المرتجل إذا ارتجل بالأداة لا يجوز التجرد منها إلا فى نداء أو إضافة أو غيرهما من العوارض ، وقد مثل له أبو العلاء بـ( الخمس التغلبى) و ( إلياس بن مضر) وهذا النوع أحق الأنواع بعدم التجرد ، ؛لأن الأداة فيه مقصودة فى التسمية قصد همزة ( أحمد) وياء ( يشكر) كما نبه إليه ابن مالك (3) .
ثانياً: دخول أل على العلم بالغلبة .
إذا كان العلم فى الأصل للجنس ثم كثر استعماله فى واحد من أفراده لخصلة مختصة به ، فيسمي بالعلم بالغلبة ، وبالعلم الاتفاقى (4)، وهذا العلم إذا كان بـ الأداة كـ (الأعشى) وذو
الأداة لا بد أن يكون استعماله لذلك الوحد الذى اختص به قبل العلمية مع (أل) ، لأنه لم يعد علماً إلا مع اللام فصارت كبعض حروف ذلك العلم (5).
__________
(1) ... فى شرح المفصل 1/35 ، وانظر: ابن الناظم صـ76.
(2) ... انظر : شرح المفصل 1/35 ، 236 وابن الناظم صـ100 ، وأوضح المسالك 1/121 ، والهمع
... 1/232 ، والأشمونى 1/134 .
(3) ... انظر: شرح التسهيل 1/176 ، وانظر: أيضاً : ابن الناظم صـ 100 ، وأوضح المسالك 1/162
، والمغنى صـ 63 ، والهمع 1/238 ، والمطالع السعيدة 1/165 .
(4) ... انظر: شرح الكافية 1/ 367 .
(5) ... انظر: ابن يعيش 1/42 ، والتوطئة صـ 180 ، وشرح التسهيل 1/174 ، وشرح الكافية 1/367 ،والارتشاف 2/966 ، والمساعد 1/130 ، والهمع 1/237 .(1/238)
وهل (أل) فيه لازمة أو غالبة؟ بعض النحاة (1)على أنها لازمة ، ولا تحذف من العلم الاتفاقى إلا لضرورة ، وقال أبو حيان : غالبة ، ويجوز حذفها ، قالوا : (هذا العيوق(2) طالعاً) و ( هذا عيوق طالعاً) ومجئ الحال من العلم فى المثالين دليل على تعريفه فى الحالين(3) ورده المبرد وقال : هو حال من النكرة ، ولا يكون علماً إلا مع اللام لكونه من الغالبة (4).
وما قاله المبرد هو الأقرب إلى الصواب ؛ إذ إن (أل) قد صحبته قبل الغلبة فصار كبعض أجزاء العلم فإذا حذف تنكر ، والحال قد تجئ من النكرة كقولهم : (مررت برجل قائماً(5) ويؤيد هذا أن (أل) فى العلم الاتفاقى للعهد (6) .(أل) العهدية يضيع بحذفها المعنى الذى احتلبت له .
وعلى هذا إذا قدر زوال الاختصاص بالإضافة أو (أل) جاز أن يتنكر ، فيقال: ( ما من ابن عمر أفضل من ابن الفاروق) و(هذا نابغة بنى زبيان) (7).
ثالثاً : دخول ( أل )على الجنس .
الأصل فى العلم ألا تدخل عليه (أل) المُعرِّفة ، سواء أكان علم جنس أم علم شخص ، وقد ورد دخول (أل) على علم الجنس فى (بنات أوبر) فى قول الشاعر :
__________
(1) ... منهم المبرد ، كما فى شرح الكافية 3/246 64 ، وابن هشام فى المغنى صـ 63 .
(2) ... (العيووق) نجم أحمر مضئ بجبال الثريا فى ناحية الشمال ، وسمى بذلك ، لأنه يعوق (الثريا) عن
... لقاء الدبران . انظر: اللسان مادة ( عوق) .
(3) ... انظر: شرح التسهيل 1/176 ، وشواهد التوضيح صـ216 ، والارتشاف 2/966 .
(4) ... انظر رأى المبرد فى : شرح الكافية 3/246 ، والمبرد يجيز مجئ الحال من النكرة قليلاً . انظر:المقتصب4/286 ، 397 ، وراجع فى هذه المسألة : الكتاب 2/112 ، 113 .
(5) ... انظر: الكتاب 2/112 ، 113 .
(6) ... انظر فى كون (أل) للعهد : شرح الكافية 1/367 الارتشاف 2/986 ، والمغنىصـ 631 والجنى
... الدانىصـ197 .
(7) ... انظر: شرح التسهيل 1/176 ، والارتشاف 2 /966 ، 967.(1/239)
ولقد جَنْيتك أَكْمُؤاً وعَسَاقلاً ولقد نَهَيتكَ عن بناتِ الأوبرِ (1)
فاختلفت فيه على أقوال ثلاثة(2): الأول : قيل (أل) زائدة للضرورة ، ؛لأن (ابن أوبر) علم
على نوع من الكمأة ، ثم جمع على (بنات أوبر) .
ورد هذا الرأى السخاوى (3) بأنها لو كانت زائدة لكان وجودها كما العدم ، فكان يخفضه بالفتحة ، ؛لأن فيه العلمية والوزن .
قال ابن هشام : "وهذا سهو منه ؛ لأن (أل) تقتضى أن ينجرالاسم بالكسرة ولو كانت زائدة فيه ؛ لأنه قد أمنت فيه التنوين (4).
الثانى : قيل (أل) فيه للمح الأصل ؛لأن (أوبر) صفة (5)كـ (حسن) و (حسين) و(أحمد) .
الثالث : قيل (بنات أوبر) نكرة ، و(أل) فيهما للتعريف ، قاله المبرد (6)، ورد هذا الرأى ابن
هشام بأن (بنات أوبر) لم يسمع إلا ممنوع الصرف ، ولو كانت نكرة لصرفت (7).
__________
(1) ... سبق تخريجه صـ 199 .
(2) ... انظر: المغنى صـ 64 .
(3) ... هو: أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد بن عطاس الهمداني ، المصري ، السخاوي ،الشافعي ، نزيل دمشق, وكان إماماً في العربية ، بصيراً باللغة ، فقيهاً ، مفتياً ، عالماً بالقراءات وعللها ، مجوداً لها ، بارعاً في التفسير . صنف وأقرأ وأفاد ، شرح " المفصل " في أربع مجلدات ، وله النظم والنثر . . ولد سنة ثمان وخمسين ، أو سنة تسع .وخمسين وستمائة (658) هـ أو ( 659) هـ قال الإمام أبو شامة: وفي ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة (643) هـ توفي شيخنا. انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء - الذهبي 23 / 122.
(4) ... المغني صـ 64 .
(5) ... أى بمعنى : ثبت لها الوبر ، فلما نقل ذلك اللفظ للعلمية الجنسية أو دخلت عليه (أل) للمح الأصل ،
... انظر: حاشية الدسوقي على مغنى اللبيب 1/55 .
(6) ... انظر : المقتصب 4/48 ، 49 ، وراجع : شرح الجمل 3/138 ، والمغني صـ 63 ، وابن عقيل
1/155 ، والأشمونى 1/133 .
(7) ... المغنى صـ64.(1/240)
قال الشمني : "ولا يلزم ، لأنه كـ ( أحمر) علماً عند سيبوبه أنه يُمنع من الصرف بعد التنكير اعتباراً للصفة الأصلية ، و(أوبر) صفة فى الأصل ، وعلى هذا ، فإذا نكر يمنع للوصفية ، وإذا تعرف يمنع للعلمية مع الوزن ، وخالف الأخفش سيبوبه ، فصرف نحو (أحمر) بعد تنكيره" (1).
و رأى المبرد السابق فى (أل) من (بنات الأوبر) هو أحد رأيين له ، ففى المقتضب فى الكلام على البيت السابق " دخول الألف واللام على وجهين أحدهما : أن يكون دخولهما ، كدخولها فى (الفضل) و(العباس) على ما وصفت لك ، لأن (أوبر) نعت نكرة فى الأصل . والآخر : على قولك : ( هذا ابن عرس آخر) تجعله نكرة (2).
وعلى هذا فإن ( بنات أوبر) عنده علم جنس ، ودخول (أل) فيها إما للمح الأصل أو للتعريف بعد التنكير ، وهو بهذا يتفق مع سيبوبه (3)فى كون (بنات أوبر) علماً لكن فى نقده للكتاب ناقش سيبوبه فى استدلاله العلمية ( بنات أوبر) ثم اختار رأى الأصمعى بأن(أل) فى البيت للمح الأصل (4) .
ويبدو أنه كما يقول الشيخ عضيمه - رحمه الله – كان متردداً بين القولين فى نقده للكتاب ثم
استقر على العلمية فى المقتضب (5).
والأقرب إلى الصواب ما قالوه من كون ( بنات أوبر) علماً و( أل ) فيها للمح الأصل ، أو لقصد التعريف بعد التنكير إذا اعتقد فيها الشركة .
ولا يقال : إن العلم هو ( بنت أوبر) وإنه لما جمعه على (بنات أوبر) كان لا بد له من قصد تنكيره فاقترانه بـ ( أل ) بعد الجمع لازم" كما يقول الشيخ محمد محى الدين عبدالحميد (6) رحمة الله .
رابعاً: دخول ( أل ) على العلم المنقول .
__________
(1) ... المنصف من الكلام 1/114.
(2) ... المقتضب 4/94 .
(3) ... انظر: الكتاب 2/195 ، وراجع : سر الصناعة 1/319 ، والمنصف لابن جنى 3/134 .
(4) ... انظر: الانتصار صـ 133 ، 134 .
(5) ... انظر : حاشية المقتصب 4/49 .
(6) ... انظر: عدة السالك بحاشية أوضح المسالك 1/183 ،وراجع حاشية يس على التصريح 1/151 .(1/241)
الأصل فى أسماء الأعلام أن لا تدخل عليها ( أل ) لاستغنائها بتعريف العلمية عن تعريف آخر ، وكما يقول الفارسى " وذلك أن تعليقها على من تعلق عليه وتخصيصه بها يغنى عن الألف واللام (1).
فأما دخول ( أل) على العلم المنقول ، فهو على ضربين أحدهما لا تدخله ( أل) وقد مثل له أبو العلاء بـ ( محمد ) و ( على ) فهذان لا يستعملان إلا بغير ألف ولام ؛ إذ الباب كله
سماعى (2).
وآخرهما : ما يستعمل مرة بعلامة التعريف ، ومرة بغيرها ، ومثل له أبو العلاء بـ (الحسن) و(الحسين) يقولون مرة (حسن) و(حسين) فيحذفون ، وتارة يعرفون ، وهذا فى العلم المنقول لا المرتجل ، وقد يكون العلم المنقول فى صفة كالحارث والعباس ، أو مصدركـ(الفضل) و(العلاء) أو اسم عين كـ(ليث) و(خرنق) ، فيجوز بعد النقل إذا لم يكن بـ(أل) أن تدخل عليه للمح الأصل ، أولا تلمح ، فيستدام تجر يده (3)وهذا فى غير المصدر المنقول ، أما فيه ، فعند الفارسى (4)لا تلحق (أل) المصادر غير الصفات إذا سمى بها ؛لأن الأصل فى لحاق اللام إنما هو فى الصفات ، لأنها تعتبر بمنزلة الوصف الغالب نحو (النابغة) .
وأما الذين أجازوا إلحاق (أل) المصدر إذا صار علماً نحو (التيم) و(الفضل) فهم الذين جعلوا المصدر بمنزلة الوصف ، فأجروه مجراها فى إلحاق (أل) (5).
__________
(1) ... الحجة 3/ 181 , و انظر : المسائل الحلبيات صـ 285 .
(2) ... انظر: شرح الكافية :1/368 ، وأوضح المسالك 1/183 والمغنى صـ 63 .
(3) ... انظر : المبهج لابن جنى صـ 6 .
(4) ... انظر: الشعر للفارسى صـ 47 ، 48 .
(5) ... انظر: المرجع السابق صـ 47 ، 48 .(1/242)
وأكثر دخول ( أل) على المنقول من صفة كـ( حسن) و( حسين) ، ويلى ذلك المصدر كـ(فضل) و( قيس) ثم اسم عين كـ( ليث) و( خرنق) (1)وأما المنقول عن فعل ، فلا تدخله ( أل) إلابعد عروض تنكيره (2)أو فى ضرورة الشعر(3)، كقول الشاعر :
رَأَيتُ الوَليدَ ِبنَ اليَزيدِ مُبارِكاً شَديداً بِأَحناءِ الخِلافَةِ كاهِلُه(4).
__________
(1) ... انظر: شرح التسهيل 1/180 ، وابن الناظم صـ100 .
(2) ... انظر: المرجع السابق 1/180 .
(3) ... انظر: معانى القرآن للفراء 2/ 408 ، ورسالة الشياطين لأبى العلاء ضمن مجموعة رسائله صـ 112 .
(4) ... البيت من بحر الطويل للرماح بن ميادة وهو فى معانى القرآن للفراء 2/408 ، وليس لابن خالويه صـ 71 ، ورسالة الشياطين صـ 112 ، وشرح الجمل لابن خروف 1/246 ، 2/664 ، وشرح الجمل لابن عصفور 2/138 ، وشرح الكافية للرضى 1/368 ، والمغنى صـ 63 ، والتصريح 1/150، والخزانة 2/226 ، 7/247 ، 9/442.(1/243)
وليس دخول ( أل) كخروجها, فقد يفيد معنى بدخول ( أل) عليه ، كما إذا سمى (الحارث) تفاؤلاً ، فإن لم يقصد التفاؤل ، وإنما قصد منه العلم فقط ، قيل ( حارث) وعلى هذا فليست (أل) زائدة ، وكذلك ليس حذفها وذكرها على السواء (1) والفرق بينهما أن (الحارث) (أل) فيه للمح الصفة ، فكان معنى الصفة .فيه باق ، ويتحمل الضمير الذى يعود على (أل) ويكسر على ( حُرَّث) كتكسير (فاعل) (2)فى الصفات ، كقولهم ( صائم) و ( صوَّم) أما إذا نزعت ( أل) فقيل ( حارث) فقياس تكسيره حينئذ ( حوارث) ؛ لأنه حينها لا يلمح فيه معنى الصفة ، فكأنه اسم (3). وهذا معنى ما قاله سيبوبه : "وزعم الخليل – رحمة الله – أن الذين قالوا : ( الحارث) و ( الحسن ) و ( العباس) إنما أرادوا أن يجعلوا الرجل هو الشئ بعينه ، ولم يجعلوه مسمى به ، ولكنهم جعلوه ، كأنه وصف له وغلب عليه . ومن قال : ( حارث وعباس) فهو يجريه مجرى (زيد) (4).
لكن ذكر الفارسي أن إدخال (أل) وإخراجها على ما كان مثل (الحسن) و (العباس) بعد التسمية بهما واحد ، عند الكسائي والفراء (5) .
"وقال الكسائي والفراء : إذا سمينا بالحسن والعباس وكان نعتاً ، فقد خرج إلى الاسم ، والاسم يحتاج إلى الألف واللام ، لأنك تقول : (هذا زيد الساعة ، وغداً وأمس) فتكون له الحالات ، وإذا قال : (الحسن) فتركت الألف واللام فيه ، فهو للمعهود" (6).
__________
(1) ... انظر: شرح ابن عقيل 1/155 .
(2) ... سيأتى الكلام على تكسير (فاعل) لاحقاً فى مبحث جموع التكسير صـ 332.
(3) ... انظر: الحجه 3/181 ، 182 ، والمسائل الحلبيات صـ 285 ، وابن يعيش 1/43 ، والارتشاف 2/968 .
(4) ... الكتاب 2/101, وراجع ابن يعيش 1/29 ، 30.
(5) ... انظر: المسائل البصريات 1/415 .
(6) ... المرجع السابق 1/415 ، 416 .(1/244)
هذا فى العلم المنقول عن الوصف والمصدر ، أما ما نقل عن غيرهما ، فإن كان فيه معنى المدح أو الذم ، فالأولى جواز لمح الأصل ، نحو الأسد فى المسمى به ، وإلا فلا ، بخلاف ما إذا وقع اشتراك اتفاقى فحينئذ أما أن يضاف العلم أو يعرف بـ (أل) (1).
و يترتب على اختلافهم فى فائدة (أل) فى نحو (الحسن) أن المعطوف بحرف الممتنع دخول
(يا) عليه فى باب النداء يختار الخليل (2)فيه الرفع مع تجويز النصب فى نحو ( يا على والحسن) ؛لأن المعطوف بحرف فى الحقيقة منادى مستقل ، ولكن لما لم يباشره حرف
النداء جعلت تلك الحالة إعراباً فصارت رفعاً .
أما أبو عمرو بن العلاء (3) فيختار النصب مع تجويز الرفع ، لأنه ليس منادى مستقلاً ؛ إذ لا يصح أن يباشره حرف النداء ، فلا يبقى له إلا حكم التابع ، وتابع المبنى تابع لمحله ، ومحله النصب .
وقد فصَّل المبرد (4)، فنظر إلى نوع ( أل ) وفائدتها ، فقال إن كانت ( أل ) فى المعطوف للمح الأصل ، كما فى (الحسن) فيجوز نزع ( أل) منها ، فهو كالخليل يختار الرفع ، وذلك ؛لأن ( أل) هنا لا معنى لها فيه و تفيد التعريف ، بل يلمح بها الوصفية الأصلية فقط ، فكأنه مجرد عنها ؛لأن تعريفه بالعلمية فقط .
أما إذا كانت (أل) لا يجوز نزعها من الاسم لكونها لازمة كما فى (النجم) و(الصعق) فالمبرد كأبى عمرو يختار النصب لامتناع جعله منادى مستقلاً ، و(أل) فيها تفيد التعريف ، فليس الاسم كالمجرد عنها(5).
ما يترتب على ما سبق من أوجه الاستعمال الجائزة أو الممتنعة .
__________
(1) ... انظر: شرح الكافية 1/368 .
(2) ... انظر رأيه فى : ابن يعيش 2/3 ، والإيضاح لابن الحاجب 1/264 ، وشرح الكافية للرضى
1/365 ،وشرحها للجامى 1/331 .
(3) ... انظررأيه فى : المراجع السابقة نفسها.
(4) ... انظر رأيه فى : المقتضب 4/212 ، 213, وشرح الكافية للرضى 1/365 ، وشرح الكافية للجامى 1/331 .
(5) ... انظر: شرح الكافية للرضى 1/370 .(1/245)
- نحو (محمد) و (على) لا يجوز دخول (أل) فيهما فى السعة إلا بعد عروض التنكير .
- نحو (إلياس) و (اليسع) لا يجوز فيه التجريد من (أل) فى السعة مع بقاء التعريف .
- نحو (الأعشى) مما كانت فيه (أل) غالبة لا يجوز فيه الحذف عند المبرد مع بقاء التعريف,
ويجوز عند ابن مالك وأبى حيان وغيرهما .
- نحو (يزيد) و(يشكر) لا تدخله (أل) فى سعة الكلام .
- ليست (أل) فى (الحارث) زائدة ،وليس ذكرها وحذفها سواء عند ابن عقيل بخلاف
أكثرالنحاة .
- أكثر دخول (أل) على المنقول من صفة كـ ( حسن) ، ويلى ذلك المصدر كـ( فضل) ثم اسم
عين كـ( ليث) .
- ( الحارث) يكسر على ( حُرَّث) و(حارث) يكسر على (حوارث) عند غير الفراء والكسائى .
- نحو ( الأسد) إذا سمى به فالأولى دخول (أل) فيه للمح الأصل ، أما غيره مما لا معنى
للمدح أو الذم فيه ، فالأولى عدم دخول ( أل ) .
الفصل الثالث
في الضرورة الشعرية , و يشتمل على :
الضرورة بين البصريين والكوفيين ... 208 ـ 209
الضرورة عند سيبويه ... 209
الضرورة عند الأخفش ... 209ـ 210
الضرورة عند المبرد ... 210
الضرورة عند ابن جني ... 210ـ 212
الضرورة عند ابن فارس والبلاغيين ... 212ـ 215
الضرورة الشعرية عند أبي العلاء ... 215 ـ 217
قطع ألف الوصل ... 220ـ 224
وصل همزة القطع ... 225 ـ 227
تحريك الساكن ... 231 ـ 234
تسكين المتحرك ... 235 ـ 236
ترك صرف ما ينصرف ... 237 ـ 247
صرف الممنوع من الصرف ... 248 ـ 251
إشباع الحركات فى ضرورة الشعر ... 252 ـ 261
تسكين ياء المنصوب ... 262 ـ 265
تغيير الأعلام ... 266 ـ 270
تخفيف المشدد ... 274ـ 277
حذف الضمير في القافية ... 278 ـ 285
الوقف على هاء المذكر فى القافية ... 286 ـ 287
قصر الممدود ... 288ـ 293(1/246)
الأمر في تحديد مفهوم الضرورة الشعرية جد صعب , فالضرورة بمعناها اللغوي (1) يفهم منه أنها ما لا مندوحة للشاعر عنه , بينما الواقع اللغوي بخلاف هذا , فكثيرة هي القضايا التي جاءت في الشعر مخالفة لقياس القاعدة النحوية , ولم يكن الوزن وراء تلك المخالفة .
ومع أن النحويين كانوا على رأيين في تحديد مفهوم الضرورة , الأول : أن الضرورة ما يقع في الشعر , سواء أكان عنه مندوحة أم لا , و هذا رأي الجمهور (2) .
الثاني : وهو أن الضرورة مالا مندوحة للشاعر عنه , و اختاره عدد من النحاة , كـ سيبويه (3) والمبرد (4) وابن مالك (5) .
مع أن القسمة هكذا تبدو واضحة و بسيطة إلا أن المشكلة فيها أعمق من هذا بكثير , فالآراء داخل كل فريق مختلفة في جزئيات مهمة , ولكل رأي فيها وجهة , ووجاهة .
وهذا عرض للآراء في مفهوم الضرورة ـ بإيجاز مناسب ـ
الضرورة بين البصريين والكوفيين
__________
(1) ... في اللسان , مادة ( ضرر) : " اضْطُرَّ إِلى الشَّيءِ أَي أُلْجئ إِليه؛ ... تقول: حَمَلَتْني الضّرُورَةُ على كذا وكذا. " .
(2) ... انظر : الخزانة 1/ 33.
(3) ... انظر رأيه في : الكتاب 1/ 85, وشرح الجمل 2 /546 .
(4) ... انظر رأيه في : ما يحتمل الشعر من الضرورة ـ السيرافي صـ 164 .
(5) ... انظر رأيه في : شرح التسهيل 1/ 202, والهمع 3/ 235 , و الخزانة 1/ 33.(1/247)
يرتبط موضوع الضرورة أساساً بموضوع مصادر الاحتجاج , فكلما توسعت مدرسة نحوية في مصادر الاحتجاج باللغة قل قولها بالضرورة ؛ إذ لن تعدم من مصادر الاحتجاج المتنوعة لديها ما يجعل ما حكم عليه النحويون بالضرورة , مسموعاً في غير الشعر , فتنفي عنه صفة الضرورة , وهذا ما جعل القول بالضرورة عند الكوفيين أقل منه عند البصريين ؛ إذ مصادر الاحتجاج عند الكوفيين متنوعة , فقد احتجوا بما منعه أغلب البصريين , كالحديث الشريف , وتوسعوا في الاحتجاج بالقراءات القرآنية , المتواتر منها وغيره ؛ لأنهم كانوا أصحاب قراءات , بينما ضيق البصريون الأمر في الاحتجاج بها , وخاصة غير المتواتر منها (1) . وتوسع الكوفيون في الرواية , حتى لو سمعوا بيتاً واحداً فيه جواز شيء مخالف للأصول جعلوه أصلاً , و بوبوا عليه (2) بينما بالغ البصريون في التحري و التنقيب عن الشواهد السليمة ـ حسب مقاييسهم ـ ورفضوا كثيراً من المسموع بحجة الطعن في قائليه , أو لجهل قائله , ومن ثم كثر عندهم التأويل و الشذوذ والإنكار والاضطرار , بينما قلت هذه الأربعة عند الكوفيين (3) وقريب من رأي الكوفيين رأي ابن مالك , فقد اشتهر عنه أنه كان أمة لا في الإطلاع على كتب النحاة وآرائهم فقط , بل أيضاً في اللغة و أشعار العرب التي
__________
(1) ... انظر في هذا : المدارس النحوية ـ د/ إبراهيم السامرائي صـ 22, 23.
(2) ... انظر : الاقتراح صـ 114 , و نشأة النحو ـ الشيخ محمد الطنطاوي صـ 85 , و المدارس النحوية ـ د/ شوقي ضيف صـ 162 .
(3) ... نشأة النحو ـ الشيخ محمد الطنطاوي صـ 91. ...(1/248)
يُحتج بها , وكذلك كان أمة في القراءات , ورواية الحديث النبوي الشريف (1), ولذلك قلت الضرورة عنده , فلن يعدم من مصادره المتنوعة ما يُخرج به المخالفة النحوية لأكثر الكلام على أن له نظيراً من كلام العرب في غير الشعر, إن في لهجة أو في قراءة أو غير هذا , وهو بذلك يكون أقرب لمفهوم الضرورة عند الكوفيين من البصريين, و لهذا قال إن الضرورة , ما لا مندوحة عنه (2) .
الضرورة عند سيبويه
عقد سيبويه في أول كتابه باباً تحت عنوان ( باب ما يحتمل الشعر ) ولم يصرح باسم الضرورة فيه , كما لم يصرح برأيه في تحديد مفهومها , لكنه صرح بلفظ الضرورة في موضع آخر , ترجمه بـ ( باب ما رخمت الشعراء في غير النداء اضطراراً ) (3) و ألمح إليه في موضع آخر , ترجمه بـ ( ما يجوز في الشعر من (إيا) , ولا يجوز في الكلام ) (4) .
" ولم يتناول سيبويه ضرورة الشعر منفصلة في غير هذه المواضع الثلاثة من كتابه " (5) .
لكن كلام سيبويه قد يفهم منه أن الضرورة في الشعر ما لا مندوحة للشاعر عنه , فقد قال في أول باب من أبواب الاشتغال , في قول الشاعر :
قَد أَصبَحَت أُمُّ الخَيارِ تَدَّعي ... عَليَّ ذَنباً كُلُّهُ لَم أَصنَعِ (6)
__________
(1) ... انظر: الفلا كة والمفلوكون ـ الدلجي صـ 64, وقارنه بالمدارس النحوية ـ د/ شوقي ضيف صـ ... 309, 310.
(2) ... انظر رأيه في : شرح التسهيل 1/ 202, وشواهد التوضيح صـ 101, 162 , والهمع 3/ 235 , و الخزانة 1/ 33.
(3) ... انظر: الكتاب 2/ 269 .
(4) ... السابق 2/ 362 .
(5) ... انظر : الضرورة الشعرية ـ د/ محمد حماسة عبد اللطيف صـ 133.
(6) ... الرجز لأبي النجم العجلي في ديوانه صـ 150, و هو في الكتاب1/85 , وأسرار البلاغة صـ 338 , و الإيضاح في علوم البلاغة للقزويني 1/29 , 68 , ومعاهد التنصيص 1/77, و الخزانة1/359 .(1/249)
" فهذا ضعيفٌ وهو بمنزلته فى غير الشَّعر ؛ لأنّ النصب لا يَكْسِرُ البيتَ ولا يُخِلُّ به تركُ إِظهار الهاء " (1) . وقال البغدادي : "وظاهر كلام سيبوبه أن الضرورة ما ليس للشاعر عنه فسحة " (2) . وقد نسب غير واحد إلى سيبويه أن الضرورة عنده ما لا مندوحة للشاعر عنه(3), لكن القول بالضرورة عنده مشروط بشرطين كما يقول أبو حيان : الاضطرار إليه , ورد فرع على أصل , و تشبيه غير جائز بجائز (4) .
الضرورة عند الأخفش
نسب إلى الأخفش (5) أنه يرى أن لغة الشعراء تتيح لهم أن يتكلموا في النثر بما يتكلمون به
__________
(1) ... الكتاب 1/ 85 .
(2) ... الخزانة 1/360 .
(3) ... كـ ابن عصفور في شرح الجمل 2/ 549 , وأبي حيان في الارتشاف 5/ 2377 .
(4) ... انظر : الارتشاف 5/ 2377 , و قارنه بـ شرح الجمل 2/ 549 .
(5) ... انظر هذه النسبة في : شرح الجمل 2/ 550, و ضرائر الشعر صـ 16 , والهمع 1/ 121 .(1/250)
في الشعر , و إن كان ضرورة ؛ " لأن لسانه قد اعتاد الضرائر , فيجوز له ما لا يجوز لغيره لذلك " (1) ووافقه في هذا الزمخشري , فقد أجاز في تنوين( سلاسلا) من قوله تعالى : {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا} (2) في قراءة نافع و الكسائي أن يكون صاحب القراءة ممن ضري برواية الشعر , ومرن لسانه على صرف غير المنصرف" (3). ولهذا الرأي وجاهة من حيث كان الشعراء أمراء الكلام (4) وهم الطبقة اللغوية التي تصدر المصكوكات اللغوية ـ إن صح التعبير ـ فتنقل عنهم , و تستخدم في لغة النثر , لكن بقلة ؛ لأنها لغة شعرية خاصة , فهي , وإن استخدمت في النثر ففي الذاكرة أن هذا لغة شعرية . الضرورة عند المبرد
ذكر السيرافي حكاية عن المبرد يفهم منها أن الضرورة عنده ما لا مندوحة عنه , فقال بعد أن ذكر عدة أبيات : قال أبو العباس : هذه أبيات لو أنشدت على الصواب لم تنكسر , فلا وجه لإجازتها (5) .
__________
(1) ... شرح الجمل 2/ 550
(2) ... سورة الإنسان , من الآية : 4 . وانظر هذه القراءة في : معاني القرآن للفراء 3/ 214, والتذكرة لابن غلبون 2 /745 , والسبعة لابن جاهد صـ 663, والبحر المحيط 10 /360 .
(3) ... انظر : الكشاف 4/ 667 .
(4) ... انظر : ذم الخطأ في الشعر صـ 21 , والصاحبي صـ 468 , والمزهر 2/ 471 .
(5) ... انظر : ما يحتمل الشعر من الضرورة ـ السيرافي صـ 164 .(1/251)
والحقيقة أن فكرة الضرورة عند المبرد قائمة على أنها ترد الأشياء إلى أصولها (1) , ومنهجه هذا جعله يجوِّز بعض المسائل , كصرف ما لا ينصرف (2) ؛ لأن الأصل في الأشياء الصرف , ويمنع ما لا يكون له أصل يرد إليه , كمنع المصروف , ومن ثم فهو يرد الروايات أو يأولها تأويلاً يناسب قياسه . وهذا شيء يظهر به الخلاف بينه وبين غيره من النحويين , فهو يجيز الرجوع إلى الأصل , و إن لم يرد به سماع من أجل هذا (3) و من ذلك أن المبرد يجيز تصحيح نحو ( مصوون) في اسم المفعول من الواوي , وبينما يرفضه البصريون يقول عنه المبرد : " ولست أراه ممتنعاً , عند الضرورة " (4) .
الضرورة عند ابن جني قد يكون ابن جني مع من قال إن الضرورة ما وقع في الشعر مطلقاً مع مندوحة أو غيرها (5) , يقول : " إن العرب قد تلزم الضرورة في الشعر في حال السعة أنساً بها واعتياداً لهاوإعداداً لها لذلك عند وقت الحاجة إليها ألا ترى إلى قوله :
قَد أَصبَحَت أُمُّ الخَيارِ تَدَّعي ... عَليَّ ذَنباً كُلُّهُ لَم أَصنَعِ
فرفع للضرورة ولو نصب لما كسر الوزن , وله نظائر " (6) ,وهو لا ينكر أنهم قد يدخلون تحت الضرورة مع قدرتهم على تركها (7) , و مع ذلك فقد يفهم من كلامه في موضع آخر أن الضرورة عنده هي ضرورة الوزن, يقول في قول الشاعر :
__________
(1) ... انظر : المقتضب 1/ 279, 280 .
(2) ... انظر : المقتضب 1/ 281 .
(3) ... انظر : الضرورة الشعرية ـ السيد إبراهيم محمد صـ 34 , بتصرف يسير .
(4) ... انظر : المقتضب 1/ 240 .
(5) ... نسب إليه هذا الرأي في : شرح الجمل 2/ 549, و الارتشاف 5/ 2377 , والمطالع السعيدة 2/ ... 909 , والهمع 3/ 235 . ...
(6) ... الخصائص 3/ 306 .
(7) ... السابق نفسه 3/ 63 .(1/252)
لهُ زَجَلٌ كَأنه َصَوتُ حادٍ إِذا طَلَبَ الوَسيقَةَ أَو زَميرُ (1)
" يجب عندي وينبغي ألا يكون لغة لضعفه في القياس . ..فيجب أن يكون ذلك ضرورة للوزن لا لغة (2) , ويقول أيضاً : " فاعرف إذاً حال ضعف الإعراب الذي لا بد من التزامه مخافة كسر البيت من الزحاف الذي يرتكبه الجفاة الفصحاء إذا أمنوا كسر البيت ويدعه من حافظ على صحة الوزن من غير زحاف وهو كثير , فإن أمنت كسر البيت اجتنبت ضعف الإعراب وإن أشفقت من كسره البتة دخلت تحت كسر الإعراب " (3) .
فهذا يظهر منه أن الضرورة الشعرية من أسباب الوزن الذي يضطر الشاعر إلى مخالفة القياس , يقول أحد المعاصرين : " ويظهر تشتت ابن جني دائماً بين هذين المعنيين , فاعتبار الوزن الشعري يجعله يحيل على الضرورة , فيما لا يستطيع له وجهاً من القياس" (4).
__________
(1) ... البيت من بحر الوافر , للشماخ, وهو في الجمل للخليل صـ 235 , والكتاب 1/ 30 ,وإعراب القرآن للنحاس 1/215 , و2/284 , والإنصاف 2/516 .و( الزمير) : اللعب والجلبة ورفع الصوت، وخص بعضهم به التطريب، و( الحادي ) : الراجز خلف الإبل , و (الوسيقة ) مايساق من الإبل , و ( الزمير ) : الصوت الذي يظهر من القصب إذا نفخ فيه أو غنى.والبيت يصف فيه
حمار وحش هائجا يطلب وسيقته ، وهى إنثاه التى يضمها ويجمعها " .
(2) ... الخصائص 1/ 372 , باختصار .
(3) ... السابق 1 /335 , 336 .
(4) ... انظر : الضرورة الشعرية ـ السيد إبراهيم محمد صـ 58.(1/253)
أما قوله إنهم يدخلون تحت الضرورة مع قدرتهم على تركها (1) فمراده من هذا أن الضرورة قد تمثل وجهاً ضعيفاً في العربية و الشعراء قد يستعملونه مع ضعفه , و قدرتهم على تركه : " تأنيساً لك بإجازة الوجه الأضعف لتصح به طريقك ويرحب به خناقك إذا لم تجد وجهاً غيره فتقول : إذا أجازوا نحو هذا ومنه بد وعنه مندوحة فما ظنك بهم إذا لم يجدوا منه بدلاً ولا عنه معدلاً" (2) .
وكيف لا يرى ابن جني أن الضرورة ما لا مندوحة عنه , و هي بتعبيره : قبيحة , و تنخرق بها الأصول " (3) , و إنما يرتكبها ليعلم مدى صحتها , و إن كانت ضعيفة فهي بمثابة الإعداد لها عند وقت الحاجة إليها (4) . إن عقلية كعقلية ابن جني على غرمها بالقياس
والتعليل لا يتصور منها أن ترضى هكذا وجود ما خالف القياس في الشعر مع القدرة علىتركه , بحجة أن الشعر " موضع ضرورة, يحتمل فيه وضع الشيء في غير موضعه ,
__________
(1) ... انظر : الخصائص 3/ 36 .
(2) ... الخصائص 3 /62, 63 .
(3) ... السابق نفسه 2 /349 .
(4) ... السابق 3/ 306 .(1/254)
دون إحراز فائدة , و لا تحصيل معنى" (1) . كيف هذا وهو الذي ردد في أكثر من موضع في الخصائص عبارة سيبويه : " وليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهاً " (2) . ويفسره بقوله : " فإذا لم يخل مع الضرورة من وجه من القياس محاول فَهُمْ لذلك مع الفسحة في حال السعة أولى بأن يحاولوه وأحجى بأن يناهدوه فيتعللوا به ولا يهملوه " (3) , وقد عقد ابن جني تأليفه الخصائص من أجل هذه الغاية , فجعل موضوع الغرض فيه " تقرير الأصول , و إحكام معاقدها , و التنبيه على شرف هذه اللغة , و سداد مصادرها ومواردها " (4) و عقد للقراءات غير المتواترة تأليفاً مستقلاً مضى فيه على نفس طريقته في التفكير , فجعل" الغرض منه إبانة ما لطفت صنعته , و أغربت طريقته " (5) .
الضرورة عند ابن فارس والبلاغيين
يكاد ابن فارس ينكرالضرورة , فالشعراء عنده وإن كانوا من عصور الاحتجاج ليسوا " معصومين يُوَقَّوْن الخطأ والغلط، فما صحَّ من شعرهم فمقبول، وَمَا أبَتْهُ العربية وأصولها فَمَرْدُودُ " (6) , وإن" ناساً من قدماء الشعراء , ومن بعدهم أصابوا في أكثر ما نظموه من شعرهم , وأخطأوا في اليسير من ذلك , فجعل ناس من أهل العربية يوجهون لخطأ الشعراء وجوهاً , و يتمحلون لذلك تأويلات" (7) .
وهو يقصد بـ( ناساً ) سيبويه و" سائر أهل العربية من الكوفيين والبصريين ؛ لأن كلاً أو الأكثر وقعوا في مثل ذلك " (8) .
__________
(1) ... تحصيل عين الذهب بأسفل الكتاب 1 /29 .
(2) ... انظر : الخصائص 1/54, و2/ 215 , و 297 .
(3) ... الخصائص 2/ 297 .
(4) ... الخصائص 1/ 78.
(5) ... المحتسب 1/ 35 .
(6) ... ذم الخطأ في الشعر صـ 23 .
(7) ... السابق نفسه صـ 17.
(8) ... السابق صـ 20 .(1/255)
أما البلاغيون فلا يختلف حالهم كثيراً عن ابن فارس , يقول القرطاجني : " إذ أكثر من ألَّف في هاتين الصناعتين مشفق من أن ينسب إلى العرب الفصحاء قبحاً في مجاري كلامها إلا في الندرة , فهم يتلقون كل ما روي لهم من كلامهم صحت الرواية أو لم تصح بالتسويغ والتحسين , ولا ينسبون إليهم إساءة إلا حيث يعييهم الحيل في الاعتذار عنهم "(1) .
ويقول الجرجاني (2) : "ودونك هذه الدواوين الجاهلية والإسلامية , فانظر هل تجد فيها قصيدة تسلم من بيت أوأكثر لا يمكن لعائب القدْح فيه؛ إما في لفظه ونظمه، أو ترتيبه وتقسيمه، أو معناه، أوإعرابه؟ ولولا أن أهلَ الجاهلية جُدّوا بالتقدم، واعتقد الناس فيهم أنهم القدوة، والأعلام والحجة، لوجدتَ كثيراً من أشعارهم معيبة مسترذَلة، ومردودة منفية، لكن هذا الظنّ الجميل والاعتقاد الحسن ستر عليهم، ونفى الظِّنة عنهم، فذهبت الخواطر في الذبّ عنهم كلّ مذهب، وقامت في الاحتجاج لهم كل مقام" (3) .
ويقول عن تخريجات النحويين لما أسماه ( أغلاط الشعراء ) :" يشهد القلب أن المحرّك لها، والباعث عليها شدةُ إعظام المتقدم، والكلَفُ بنُصرة ما سبق إليه الاعتقاد، وألِفته النفس " (4).
__________
(1) ... منهاج البلغاء صـ 256 .
(2) ... هو: القاضي العلامة ، أبو الحسن ، علي بن عبد العزيز الجرجاني, الفقيه الشافعي الشاعر ،. ولي القضاء فحمد فيه ، وكان صاحب فنون ويد طولى في براعة الخط . ورد نيسابور في صباه , وسمع الحديث . وقد أبان عن علم غزير في كتاب " الوساطة بين المتنبي وخصومه "، ولي قضاء الري مدة . وله تفسير كبير ، وكتاب " تهذيب التاريخ. مات بالري في سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة ، انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء - الذهبي ج 17 / 19.
(3) ... الوساطة بين المتنبي وخصومه صـ 4 . ...
(4) ... الوساطة صـ 8. ...(1/256)
ولما كان كلام البلاغيين على أن الضرورة لحن وقع فيه الشعراء , فقد أوجبوا على الشاعر ألا " يضع في نفسه أن الشعر موضع اضطرار , و أنه قد سلك سبيل من كان قبله , و يحتج بالأبيات التي قد عيب على قائلهيا , فليس يقتدى بالمسيء , وإنما يقتدى بالمحسن" (1) .
وهذا الرأي لابن فارس والبلاغيين ظاهرهم عليه بعض المعاصرين كـ الدكتور إبراهيم السامرائي الذي يقول : " حفل الأدب القديم بهذه الغرائب التي عدت ضرورات " (2) , ويقول : " فالشاعر على قدرته وسطوته ممتحن حتى في عصور الجاهلية بصنعته , فهو يأتي بما لا يجوز اعتقاداً منه أنه يحق له " (3) .
أما الدكتور رمضان عبد التواب , فيرى " أن الضرورة الشعرية ليست إلا مخالفة للمألوف في الشعر والنثر(4) " ومن ثم فهو يدعو إلى" أنه لابد من إعادة النظر مرة أخرى في قواعد اللغويين و النحاة , وتخليصها من هذه النوادر التي تخالف القواعد المطردة "(5) .
وهذا المذهب أيضاً كان للدكتور علي فاخر الذي يرى " أن ما خالف المشهور , فقد أخطأ قائله , حتى لو كان من أصحاب المعلقات , و لكن النحاة تحرجوا من القول بذلك , و تحفظوا عليه , و تأدبوا مع أصحابه , وهم أصحاب الكلام المحتذى بهم , فقالوا عن المخالف للمشهور مما يحتج به : إنه شاذ أو ضرورة , أو لغة لقوم أو رأي لبعضهم " (6) .
__________
(1) ... عيار الشعر ـ ابن طباطبا صـ 15,16 , و انظر : الصناعتين صـ 150.
(2) ... أشتات في اللغة و الأدب ـ د/ إبراهيم السامرائي صـ 189 .
(3) ... السابق نفسه صـ 193 .
(4) ... مقدمة ذم الخطأ في الشعر ـ د/ رمضان عبد التواب صـ 5, و انظر : فصول في فقه العربية له صـ 163.
(5) ... مقدمة ذم الخطأ في الشعر صـ 8 .
(6) ... تغيير النحويين للشواهد ـ أد/ علي فاخرصـ 37 , 38 .(1/257)
وهذا القول منهم يصدق إذا لم يكن الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه كما يقول ابن سلام (1), بل إن " مِنْ شعراء العرب مَن كان يدع القصيدةَ تمكث عنده حولاً كَريتاً، وزَمناً طويلاً، يردِّد فيها نَظَرَه، ويُجِيل فيها عقله، ويقلِّب فيها رأيَه، اتّهاماً لعقله، وتتبُّعاً على نفسه، فيجعل عقلَه، زِماماً على رأيه، ورأيَه عِياراً على شعره؛ إشفاقاً على أدبه، وإحرازاً لما خوّله اللَّه تعالى من نِعمته، وكانوا يسمُّون تلك القصائدَ: الحوليّاتِ، والمقلَّدات، والمنقَّحات،
والمُحكَمات؛ ليصير قائلها فحلاً خِنذيداً، وشاعراً مُفْلقاً، وفي بيوت الشِّعر الأمثال والأوابد،
ومنها الشَّواهد، ومنها الشوارد،" (2) .
يقول أحد المعاصرين : " ومع هذا الجهد الكبير الذي بذله شعراء الجاهلية في أشعارهم , و بخاصة في المعلقات , نرى النحويين يعرضون كثيراً من هذا الشعر على أنه ضرورة لم يستطع الشاعر أن يتخطاها إلى الصواب , وصحة التعبير " (3) .
__________
(1) ... انظر : طبقات فحول الشعراء صـ 1/24 , و قد رواه عن سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه , و انظر : المزهر 2/437 , 438 . وابن سلام هو : أبو عبد الله محمد بن سلام الجمحى ، أحد الإخباريين والرواة . وله من الكتب ، كتاب الفاضل في ملح الأخبار والأشعار , و كتاب بيوتات العرب ,وكتاب طبقات الشعراء الجاهليين . كتاب طبقات الشعراء الاسلاميين . توفى سنة( 232 ) اثنتين وثلاثين ومائتين. انظر ترجمته في : الفهرست صـ 126 , و هدية العارفين 2 / 12.
(2) ... البيان والتبيين 2/ 9, وانظر في صناعة الشعر : الخصائص 1/324 , و ما بعدها .
(3) ... شواهد سيبويه من المعلقات ـ د/ عبد العال سالم مكرم صـ 69 , 70 . ...(1/258)
وليس هذا كل حال المعاصرين في موقفهم من الضرورة , الاتهام بالخطأ , ومن ثم نفي القول بالضرورة , فإن منهم من لم يذهب إلى تلحين الضرورات الشعرية " وإنما اعتمدوا على أن الشعر نفسه ضرورة , أو كما يقول أبو حيان : " وإنما يعنون بالضرورة أن ذلك من تراكيبهم الواقعة في الشعر , المختصة به دون الكلام "(1) ففصلوا بين المستويين الشعري والنثري , واعتبروا ذلك من لغة الشعر الخاصة التي لا يجوز القياس عليها , وممن ذهب هذاالمذهب من المعاصرين الدكتور , رمضان عبد التواب (2) و الدكتور محمد حماسةعبد اللطيف (3) .
وصعوبة هذا الرأي هي الفصل الحاد بين المستويين الشعري والنثري , بحيث إنه قد يجوز لنا " أن نضع نحواً خاصاً بالشعر , فيما وصل إلينا من شعر الجاهليين والإسلاميين , مما خرج عن نحو الكلام المنثور " (4) .
ومن جهة أخرى فإن الشعر يحتج به على غريب القرآن ومشكله , قال ابن عباس : "الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك منه, ثم أخرج من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : إذا سألتموني عن غريب القرآن فالمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب وقال أبو عبيد في فضائله : حدثنا هشيم عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عبد الرحمن بن عتبة عن ابن عباس أنه كان يسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر (5) .
__________
(1) ... الهمع 3/ 235 , باختصار . ...
(2) ... في كتابه : فصول في فقه العربية صـ 157 .
(3) ... في كتابه : الضرورة الشعرية صـ 540 .
(4) ... أشتات في اللغة و الأدب ـ د/ إبراهيم السامرائي صـ 193 .
(5) ... الإتقان للسيوطي 1 /119 .(1/259)
والواقع اللغوي يشهد بغير هذا الادعاء , فإن الثابت عن العرب أنهم كانوا يحككون أشعارهم , بهدف الاستحواذ على إعجاب المتلقين , ولا يقبل عقلاً , والنقد الأدبي يؤكد هذا , أن يسمحوا باللحن في الشعر , بحجة أن هذا من لغة الشعر الخاصة , وكم سجل الواقع النقدي مؤاخذات من الشعراء على الشعراء ؛ لأنها خالفت مشهور الكلام .
ولعل أنسب ما يقال في الضرورة , بعد هذا العرض للمذاهب ما ارتضاه بعض المعاصرين من أن هذا هو في الحقيقة بقايا لغة قليلة " هجرها العرب حتى أهملت و
تجمدت " (1) . وهذا الرأي صرح به ابن جني في ( باب ما يرد عن العرب مخالفاً لما عليه الجمهور ) , قال : " إذا اتفق شيء من ذلك فانظر في حال ذلك العربي وفيما جاء به , فإن كان الإنسان فصيحاً في جميع ما عدا ذلك القدر الذي انفرد به وكان ما أورده مما يقبله القياس ...قيل : قد يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها وعفا رسمها وتأبدت معالمها" (2) .
__________
(1) ... ذهب إلى هذا د/ أحمد علم الدين الجندي في كتابه : اللهجات العربية في التراث 2/484 .
(2) ... الخصائص 3/ 386 , 387 . بتصرف يسير .(1/260)
وقد تظاهرت الأقوال على أن استقراء لغة العرب لم يكن كاملاً , ومن هذا ما قاله ابن سلام عن أبي عمرو بن العلاء : " ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، و لو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير" (1) . وقال ابن رشيق(2) ": ما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون؛ فلم يحفظ من المنثور عشره، ولا ضاع من الموزون عشره " (3) .
وبعد هذا التبيان للآراء في مفهوم الضرورة الشعرية , يبقى أن يُعرف موقف أبي العلاء منها .
الضرورة الشعرية عند أبي العلاء
__________
(1) ... طبقات فحول الشعراء 1/25 . ...
(2) ... هو: الحسن بن رشيق أبو على الازدي المعروف بالقيرواني نزيل صقلية. من تصانيفه انموذج في الشعراء . تاريخ قيروان . رفع الإشكال ودفع المحال ,و ساجور الكلب في أغلاط ابن شرف القيرواني ,و الشذرة في اللغة ,وشرح الموطا للمالك العمدة في صناعة الشعر ,و ميزان العمل في التاريخ. ولد سنة 390 وتوفى سنة 463 ثلاث وستين وأربعمائة انظر ترجمته في: - هدية العارفين 1/ 276.
(3) ... العمدة 1/74 , و انظر: المزهر 2/ 472.(1/261)
أبو العلاء له بالوزن عناية خاصة ؛ إذ هو عروضي (1) و آثاره في العروض تشهد بذلك(2) , كما أنه أديب شاعر يعلم ما يحتاجه الشعر من لغة خاصة , و رُخَص لا تجوز في النثر , و تجوز في الشعر , ومن أهمها رخصة الوزن , ويضاف لذلك أنه عالم بالنحو , و مذاهب النحويين في الاحتجاج بالشعر , و ما يجوز وما يمتنع فيه, وهذا يجعل أبا العلاء أقرب للصدق في الحكم على مسألة الضرورة الشعرية ؛ لأنه طرف مشترك بين الأطراف الثلاثة ,العروضيين , و الشعراء , والنحويين .
ويبدو أن أبا العلاء كان يرى أن الضرورة في الشعر هي ضرورة الوزن , يظهر هذا من
قوله في التعليق على بيت الشاعر
تُواهِقُ رِجلاها يَدَاهُ وَرَأسهُ لَها قَتَبٌ فَوقَ الحَقيبَةِ رادِفُ" (3)
قال : " فإنَّي لا أختار أن ترفع الرِّجلان واليدان، ولم تدعُ إلى ذلك ضرورةٌ؛لأنِّك لو قلت: تواهق رجليها يداه لم يزغ الوزن " (4) .
وقال في بيت الشاعر :
عَلَيْهِنَّ فِرْسَانٌ كِرَامٌ لِبَاسُهمْ سَوَابيغُ زُغْفٌ لاْ تُخَرِّقُها نَبْلُ (5)
" فهذه زيادة بغير ضرورة ؛لأنه لو حذف الياء لم يضر بالبيت" (6) .
وقال أيضاً : " ومن أتباع الناس ما يلحق للضرورة إلا أن الحاجة إليه أدعى منه إلى ما تقدم ذكره، فيكون مثله مثل الواو والياء والألف يزدادان لإقامة الوزن" (7) .
__________
(1) ... انظر هذا في كتاب الدكتور محمد عبد المجيد الطويل العروض والقوافي عند أبي العلاء المعري .
(2) ... من مؤلفاته في العروض التي حفظتها كتب التراجم , و هي مفقودة : جامع الاوزان الخمسة , و مثقال النظم في العروض , و كتاب القوافى . انظر : كشف الظنون 1 /537 , وهدية العارفين 1/77.
(3) ... البيت من بحر الطويل لأوس بن حجر في ديوانه صـ73 .
(4) ... رسالة الغفران صـ 342 .
(5) ... البيت من بحر الطويل , لزهير في ديوانه صـ 60 .
(6) ... رسالة الملائكة صـ ... 205. ...
(7) ... رسالة الصاهل والشاحج صـ 476 . ... ...(1/262)
والضرورة عند أبي العلاء , لا تجوِّز الخروج على أبنية العربية , فيجب أن تأتي على وجه يوافقها , و لو كان بعيداً , يقول عن وزن ( يفتعيل , و مفتعيل ) : " واستكان على القول الذي حُكي وزنه ( افتعال) و(يستكين ) وزنه ( يفتعيل) و( مستكين وزنه ( مفتعيل) وهذه أبنية مستنكرة , وإنما يستعمل مثلها في الضرورة فأما في عمود اللفظ فلا يجوز أن تقع... وما أعتقد أن شاعراً قوياً في الفصاحة يريد مثل هذه الزيادات وإنما هي شواذ ...والمذهب القديم أن الألف هي الأصلية ؛لأن ردهم الأشياء إلى أصولها عند الضرورات أشبه من اجتذاب ما يستحدث من الزيادات " (1) .
وقال "والقسطال" فى معنى القسطل ، وإنما يستعمل لضرورة يراد به : الغبار قال أوس بن حجر (2) : * وَالخَيلُ خارِجَةٌ مِنَ القَسطالِ * (3) ، وهم يزيدون الألف بعد الحرف المفتوح إذا
احتاجوا إلى ذلك لإقامة الوزن ، قال الراجز :
__________
(1) ... رسالة الملائكة صـ216 .
(2) ... اختلف في نسبه، فقال الأصمعي: هو أوس بن حجر بن مالك بن حزن بن عقيل بن خلف بن
نمير. وقال ابن حبيب، فيما ذكره السكري عنه: هو أوس بن حجر من شعراء الجاهلية وفحولها .
وذكر أبو عبيدة أنه من الطبقة الثالثة، وقرنه بالحطيئة نابغة بني جعدة . في الشعر, كان أوس شاعر مضر حتى أسقطه النابغة وزهير، فهو شاعر تميم في الجاهلية غير مدافع . انظر ترجمته في : الطبقات لابن سلام 1/ 97 , و الأغاني 11/73 .
(3) ... عجز بيت من بحر الكامل , وهو فى ديوان أوس بن حجر صـ 108 والخصائص 3/16 . وصدر البيت *وَلَنِعمَ مَأوى المُستَضيفِ إِذا دَع *(1/263)
أَعُوذُ بالله من العَقْرَابِ الشَّائِلاَتِ عُقَدَ الأَذْنَابِ (1)
و) فعْلال) في غير المضاعف قليل(2), وإنما يستعملونه في مثل ( الَزْلَزال ) و( الجَرْجَار ) و هو ضرب من النبت, " (3) .
وواضح من هذا النص أن أبا العلاء قال بالضرورة هنا ؛ لأن الإشباع أدى إلى بناء قليل في غير المضاعف , وهو( فَعْلَال) .
والقول بالضرورة عند أبي العلاء مشروط بألا يقع له نظير في القرآن , و لا القراءات ؛ " لأنَّ الفرقان ليس بموضع ضرورةٍ، وإنّما حُكي مثل هذا في المنظوم "(4) .
أيضاً ما كان لغة لا يدخل في ضرورة الشعر عنده (5) .
وأقسام الضرورة عند أبي العلاء : صدرية , و عجزية , و حشوية , وحذف (6) .
والضرورات ثلاثة : مقيسة , و مسموعة , و شاذة (7) .
والضرورة تفعل الشيء وضده (8) .
__________
(1) ... الرجز ورد غير منسوب في رسالة الملائكة صـ213 , وضرائر الشعر لابن عصفور صـ 24 ,وشرح الجمل له 1/121 , 557 , و فتح القدير 5/159 , ورصف المباني صـ 12 , و الضرائر للألوسي صـ 285 , و اللسان , مادة سبسب , والتاج , مادتي ( سبسب) , و (عقرب)
(2) ... انظر: ليس فى كلام العرب صـ 60 والخصائص 3/216 ، ورسالة الغفران صـ342 ، وأبنيةالأسماء والأفعال والمصادر لابن القطاع صـ 300 ، وشرح أدب الكاتب لابن الجواليقي صـ 209 والمزهر 2/65 ، والسماع والقياس لأحمد ... تيمور صـ 58 ، ودراسات فى أسلوب القرآن الكريم 5/508 ، 509 .
(3) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة2/ 166 ، وانظر: الفصول والغايات صـ 123 ، 124 .
(4) ... رسالة الغفران صـ 638 , وقارنه بالفريدة في شرح القصيدة صـ 70 .
(5) ... انظر : عبث الوليد صـ 62, 77 , 149 .
(6) ... انظر : رسائل أبي العلاء صـ 103 .
(7) ... انظر : رسائل أبي العلاء صـ 165 .
(8) ... انظر : رسالة الصاهل والشاحج صـ 464.(1/264)
وتخفيف همز أو ممدود في القافية (لا) (1) يجري مجرى الضرورات التي في حشو البيت ؛ لأن الأواخر تحتمل ما لا تحتمل الأوساط والأوائل(2) .
... ... * * *
هذا مفهوم الضرورة عند أبي العلاء وغيره , و حسم الخلاف في مفهومها ليس هيناً , لكن ينبغي قبل دراسة مسائل الضرورة هنا الاتفاق على الآتي :
? الكتاب ( القرآن العظيم )أعرب , وأقوى في الحجة من الشعر(3) .
? اللغة إذا وردت في القرآن , فهي أفصح مما في غير القرآن , لا خلاف في ذلك ,
كما يقول ابن خالويه .
? ينبغي أن تصحح قواعد العربية بالقراءة , لا أن تصحح القراءة بقواعد العربية .
? السنة تقضي على اللغة , واللغة لا تقضي على السنة (4) .
? موافقة ما قالوا إنه ضرورة لإحدى لغات العرب, يخرج المسألة من باب الضرورة .
? الضرورة تقدر بقدرها , و لا ينبغي أن يتوسع فيها (5) .
? النثر ليس موضع اضطرار (6) . ...
أما دراسة المسائل التي حكم عليها أبو العلاء في شرحه لديوان ابن أبي حصينة بأنها من ضرورة الشعر , فستكون على وفق تقسيمه هو : الضرورات صدرية , وحشوية , وعجزية.
...
من ضرورات الصدر
قطع ألف الوصل ... ...
عد النحويون من ضرائر الزيادة (7) قطع ألف الوصل (8)
__________
(1) ... زيادة ( لا) اقتضاها السياق , وليست في النص المحقق.
(2) ... انظر : شرح ديوان ابن أبى حصينة2/ 84 .
(3) ... انظر : معاني القرآن للفراء 1 /14 . ...
(4) ... انظر : مجالس ثعلب 1/ 216 . وفي إتحاف الحثيث للعكبري صـ 205 , ذكر حديثاً , و قال : وهو موضع ضرورة .
(5) ... انظر : الضرائر للألوسي صـ 18 .
(6) ... انظر : الخصائص 3 /151 .
(7) ... انظر : ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 79 ، وشرح الجمل 2/554 ، والعمدة 2/1031 .
(8) ... من النحويين من يسيمها بألف الوصل ومنهم من يسميها همزة الوصل ، انظرفى هذا بحثاً
للدكتور بسيونى عبدالعظيم بعنوان : ألف الوصل بين التراث وعلم اللغة الحديث : مجلة كلية اللغة العربية بالمنصورة عدد 22سنة 1424 صـ 565 .(1/265)
أو همزة الوصل , وفرقوا بين القطع فى حشو البيت فكرهوه ، وبين أوائل أنصاف الأبيات ، فعدوه من أقرب الضرورة(1)؛ لأن أنصاف الأبيات مواضع فصول ، فإنما ابتداؤها بعد قطع (2) وسوغ ذلك "أن الشطر الأول من البيت يوقف عليه ثم يبتدأ ما بعده فقطع على هذه النية"(3) وذلك لعذر من انقطاع النفس وشبهه" (4) فإن العرب قد تقف على العروض نحواً من الوقوف على الضرب" (5) .
وقد صرحوا بأن قطع ألف الوصل فى الشعر مقيس(6) قال المبرد عنه "وهذا كثير غير معيب" (7) وادعى ابن جني فيه الإجماع ، فقال "ولا اختلاف بينهم فيها" (8).
وقال أبو يعلى : " وقد يجوز قطع ألف الوصل في أول النصف الثاني لتمام الكلام قبله، ...وهذا كثير شائع " (9).
ولكثرة قطع الألف مع ألف التعريف أوائل أنصاف الأبيات ذهب ابن كيسان(10) إلى أن الهمزة التى مع لام التعريف هى همزة قطع لا وصل ، وإنما حذفت تخفيفاً وقد اطرد فى قصيدة لعبيد بن الأبرص (11)
__________
(1) ... انظر: تحصيل عين الذهب 2/274 . وانظرأيضاً : ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 76 ، وما
يجوز للشاعر فى الضرورة للقزاز القيرواني صـ 167 ، والضرائر لابن عصفور صـ 41 ، وارتشاف الضرب 5/2383 ، والخزانة 7/209 وشرح شواهد الشافية صـ 183 .
(2) ... انظر: الكتاب 4 / 150 ، وشرح الشافية 2/266 .
(3) ... تحصيل عين الذهب بأسفل الكتاب 2/274 .
(4) ... شرح الشافية 2/266 .
(5) ... الخصائص 1/17 ، وانظر :الأشمونى 4/206 .
(6) ... انظر: شرح الجمل 2/ 566 ، وموارد البصائر صـ 74 .
(7) ... الكامل 2/92 .
(8) ... سر الصناعة 1/299 .
(9) ... القوافي لأبي يعلى صـ 94 .
(10) ... انظر رأى ابن كيسان في : شرح الجمل 2/556 .
(11) ... هو: عبيد بن الأبرص بن حنتم بن عامر بن مالك بن زهير بنمالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة
بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. شاعر فحل فصيح من شعراء الجاهلية، وجعله ابن سلام في الطبقة الرابعة من فحول الجاهلية، وقرن به طرفة وعلقمة بن عبدة وعدي بن زيد , قال محمد بن سلام: عبيد بن الأبرص قديم الذكر، عظيم الشهرة، وشعره مضطرب ذاهب لا أعرف له إلا قوله في كلمته:أقفر من أهله ملحوب ولا أدري ما بعد ذلك" انظر ترجمته في : طبقات فحول الشعراء 1/137 , و الأغاني 22/85 .(1/266)
عددها بضعة عشر بيتاً قطع ألف الوصل فى جميعها
إلا بيتاً واحداً (1) من جملتها وهى القصيدة التى منها .
يا خَليلَيَّ اِربَعا وَاِستَخبِرا ال مَنزِلِ الدارِسَ مِن أَهلِ الحَلالِ (2)
وإن كانوا قد ردوا رأى ابن كيسان هذا بقطع الألف مع غير لام التعريف ، كما فى قول الشاعر (3): لا نسبَ اليومَ ولا خُلَّةً ... إِتَّسَعَ الخَرقُ عَلى الراقِع (4)
قال السيرافى "فقطع ألف (اتسع) وليست هى مع اللام (5).
ويبدو من استعراض الشواهد أن قطع ألف الوصل أكثر ما يكون مع الأسماء (6)
ومن ذلك قول الشاعر :
لَتَسمَعُنَّ وَشيكاً في دِيارِكُمُ اللَهُ أَكبَرُ يا ثاراتِ عُثمانا (7)
__________
(1) ... انظر: الخصائص 2/260, والمنصف 1/66 , والخزانة 7/198 .
(2) ... البيت من بحر الرمل , لعبيد بن الأبرص في ديوانه صـ 128 .
(3) ... البيت من بحر الرمل لعبيد بن الأبرص فى ديوانه صـ 120 ، وهو فى : الخصائص 2/257 ،
والمنصف 1/66 والخزانة 7/198 ، 205 .
(4) ... انظرهذا الرد فى : ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 78 ، وما يجوز للشاعر فى الضرورة
للقزاز صـ 197 , و المستقصي 1/ 35 , وابن يعيش 2 / 101 و شرح الجمل 1/253 ، والضرائر لابن عصفور صـ ... 42 ، وموارد البصائر صـ 72 .
(5) ... ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 78 .
(6) ... انظر: المحتسب 1/248 .
(7) ... البيت من بحر البسيط لحسان بن ثابت من قصيدة فى رثاء عثمان بن عفان ، والبيت فى : ديوانه 1/96, و شرح أبيات سيبويه للنحاس صـ 333 ، وما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 76 ، والمنصف 1/68 ، وشرح الجمل 2/555 , والضرائر لابن عصفور صـ 41 ، والارتشاف5/ 2383 ، والبحر المحيط 3/10 ، والخزانة 7/21 ، وموارد البصائر صـ 73 .(1/267)
وقول لبيد : ولا يُبَادِرُ في الشِّتَاءِ وَلِيْدُنَا أَلْقِدْرُ يُنْزِلُهَا بِغَيِرِ جِعَالِ (1)
وقد تقطع الألف فى حشو البيت ، قال ابن عصفور وذلك قليل جداً (2).
ومنه قول قيس بن الخطيم (3) إِذا جاوَزَ الإِثنَينِ سِرٌّ فَإِنَّهُ بِنَشرٍ وَتَكثيرِ الحَديثِ قَمينُ (4)
__________
(1) ... البيت من بحر الكامل ،ونسب للبيد وليس فىديوانه , وهو في الضرائر لابن عصفورصـ41 ، وشرح شواهد الشافية صـ 188 ، والبيت بلا نسبة فى الكتاب 4/150 ، وشرح أبيات سيبوبة للنحاس صـ 333 ، وشرح الشافية 2/266 . ، وفي القوافى لأبى يعلى صـ 94 : " الجعال خرقة تنزل بها القدر، وهي الجعالة أيضاً".
(2) ... شرح الجمل 2/556 .
(3) ... هو: قيس بن الخطيم بن عدي بن عمرو بن سود بن ظفر، ويكنى قيس أبا يزيد. وكان أبوه الخطيم قتل وهو صغير، قتله رجل من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج، فلما بلغ قتل قاتل أبيه ونشبت لذلك حروب بين قومه وبين. كان قيس بن الخطيم مقرون الحاجبين أدعج العينين أحمر الشفتين براق الثنايا كأن بينهما برقاً". انظر ترجمته في : الأغاني 3/3 .
(4) ... البيت من الطويل لقيس بن الخطيم فى ديوانه ، وهو فى سر الصناعة 1/299 ، وابن يعيش 9/19
، 137 والضرائر لابن عصفور صـ 42 ، وشرح الشافية 1/265 وشرح شواهد الشافية
صـ 183 ، والهمع 3/403 . و في تصحيح التصحيف للصفدي صـ79 , 80 : " ومن جملة أوهامهم أن يسكّنوا لام التعريف في مثل الاثنَين، وقطعوا ألف الوصل احتجاجاً بقول قَيْس بن الخَطيم:
إذا جاوزَ الإثنين سِرٌ فإنه بِنَثٍّ وتكثير الوُشاةِ قمينُ
والصواب في ذلك أن تُسْقَطَ همزة الوصل وتُكْسَر لام التعريف، والعلة في ذلك أنه لما دخلت
لام التعريف على هذه الأسماء صارت همزة الوصل حشواً، والتقى من الكلمة ساكنان: لام
التعريف والحرف الساكن الذي بعد همزة الوصل، فلهذا وجب كسر لام التعريف، وأما
البيت فمحمول على الضرورة، على أن أبا العباس المبرد ذكر أن الرواية فيه: إذا جاوزَ الخِلَّيْنِ ...
قلت: وقد أحسن، وبالغ في الأمر بحفظه السرّ وألاّ يخرج من فم صاحبه، مَنْ فسّر الاثنينِ
في بيت قيس بن الخطيم، أن المراد بذلك الشفتان ".(1/268)
وقول جميل : ... أَلا لا أَرى اِثنَين أَحسَنَ شيمَةً عَلى حَدَثانِ الدَهرِ مِنّي وَمِن جُملِ(1)
ومثله ورد قوله ابن أبى حصينة :
... وَأَزعَجَني فَأَزعَجتُ القَوافي إِلَيكَ لِفَرطِ ذاكَ الإِنزِعاجِ (2)
وفيه يقول أبو العلاء : و( الانزعاج) على لغة من قال "زعجته (3) فانزعج" وقد قطع ألف الوصل ، وقد جاء عن العرب مثل ذلك ، وبعض الناس ينشد قول ابن قيس الرقيات ... يَتَّقي اللَهَ في الأُمورِ وَقَد أَف لَحَ مَن كانَ هَمَّهُ الإِتِّقاءُ (4)
فبعض الناس ينشده بقطع الألف في( الاتقاء) فأما المحدثون ، كالبحترى ، ومن جرى مجراه فيكثرون قطع هذه الألف التى فى المصادر" (5).
ويتحصل ما ذكره النحويون فى قطع ألف الوصل أنه من ضرائر الزيادة ، وأنه كثير مقيس فى الشعر وأن أكثر وروده فى أوائل النصف الثانى من الأبيات, و هو عندهم ضرورة ، وإن كان ضرورة حسنة , أو بتعبيرهم من أقرب الضرورة .
وعدهم إياه من الضرورة يستقيم إذا لم يوجد فى غير الشعر, لكن قطع الألف قد جاء بالإضافة إلى الشعر – فى القراءات القرآنية (6).
__________
(1) ... البيت من الطويل لجميل بثينة فى ديوانه صـ 68 ، وهو فى : المحتسب 1/248 ، وابن يعيش 9 ... /19 ،ورصف لمبانى صـ41 ,وأوضح المسالك 4/368 ، والتصريح 2/366 ، والخزانة 7/202 .
(2) ... البيت من بحر الوافر ، وهو فى الديوان 1/114 .
(3) ... في اللسان , مادة ( زعج): " الإِزْعاجُ: نقيضُ الاقرار؛ تقول أَزْعَجْتُه من بلاده فشخص، وانْزَعَج
قليلاً؛ قال: ولو قيل انْزَعَجَ وازْدَعَجَ لكان قياساً، ولا يقولون أَزْعَجْتُه فزَعَج ". وانظر : ديوان
... الأدب 2/ 422 .
(4) ... البيت من بحر الخفيف , و هو فى ديوانه صـ 92 .
(5) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/113 ، 114 .
(6) ... انظر : القراءات القرآنية فى ضوء علم اللغة الحديث د/ عبدالصبور شاهين صـ 188 – 190 .(1/269)
فمن هذا القراءة بقطع ألف (الآن) فى قوله تعالى "قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ"(1) حكى الأخفش – على ما ذكره القرطبى " قَالُوا الْآَنَ " بقطع ألف الوصل كما يقال: (ياألله) (2). وكان ابن جنى يرفض هذا ، ويخرجه على الوقف فى (قالوا) ثم الابتداء بـ (الآن) وهمزتها حينئذ همزة قطع ، قال : "فجرى هذا التمييل فى التلوم (3) عليه وتطاول الصوت به مجرى وقفة التذكر فى نحو قولك " وأنت تتذكر – الآن من قول الله سبحانه " قَالُوا الْآَنَ " فتثبت الواو من ( قالوا) لتلومك عليها للاستذكار ثم تثبت همزة الآن أعنى همزة التعريف" (4) وقال مثل هذا التخريج أيضاً فى قوله تعالى " أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى "(5) إذا وقف على (اشتروا) لاستذكار الضلالة ثم الابتداء بـ (الضلالة) (6).
وحجته فى هذا التخريج أن قطع الألف "إنما يسوغ لضرورة الشعر، فأما فى القرآن فمعاذ
الله" (7).
ومما قطع فيه الألف ما روى عن يحيى بن آدم (8) عن أبى بكر بن عياش (9)
__________
(1) ... سورة البقرة من الآية : 71 .
(2) ... انظررأيه فى : القرطبى 1/455 ولم أجده فى معانى القرآن له ، وذكر ابن عطية فى المحرر
الوجيز 1/319 مثل هذا الرأى لكنه لم يصرح باسم الأخفش .
(3) ... أى : التمكث والانتظار .
(4) ... المحتسب 1/247 .
(5) ... سورة البقرة من الآية : 16 .
(6) ... انظر: المحتسب 1/247 .
(7) ... المحتسب 1/247 .
(8) ... هو: يحيى بن آدم بن سليمان ويكنى أبا زكريا مولى لخالد بن خالد بن عمارة بن عقبة بن أبي
معيط , وقد روى عن سفيان الثوري وغيره وكان ثقة . توفي بفم الصلح في النصف من شهر ربيع الأول سنة ثلاث ومائتين (203) هـ في خلافة المأمون . انظر ترجمته في : طبقات خليفة صـ 294 , و الطبقات الكبرى - محمد بن سعد 6 / 402 .
(9) ... هو: أبوبكر بن عياش مولى واصل بن حيان الأحدب الأسدي ,ولكنه بقي وعمر حتى كتب عنه
الأحداث , وكان من العباد . وكان أبو بكر ثقة صدوقا عارفاً بالحديث والعلم إلا أنه كثير الغلط . وقال لعجلي في معرفة الثقات 2 / 389 : "أبو بكر بن عياش كوفى ثقة مولى بنى أسد .وتوفي أبو بكر بالكوفة في جمادي الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة في الشهر الذي توفي فيه هارون أمير المؤمنين بطوس .انظر ترجمته في : معرفةالثقات للعجلي 2/389 , والطبقات الكبرى6/ 386 .(1/270)
فى قوله تعالى "وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ " (1) بالتنوين فى (شهادة) بقطع الألف دون مد (2) ,وقد قال ابن جنى فى قطع الألف فى هذه القراءة مثل ما قال فى سابقتها "وبيانه أنه لما نون (شهادة) فأدرج وقرَّ الهمزة عن حذفها ، كما يجب فيها من حيث كانت همزة وصل ، فأقرها مقطوعة ، كما تقطع مبتدأة ، فقد جمع فى هذه القراءة بين حالى الوصل والوقف ، أما الوصل فلتنوين (شهادة) وأما الوقف فلإثباته همزة الوصل التى إنما تقطع إذا وقف على ما قبلها ثم استؤنفت" (3)، والغرض من ذلك القطع ثم الاستئناف هو تمكن حال القسم (4) بتوفية اللفظ جميع وجوهه ، وقطع ليكون فى حال إدراجها فى لفظ المبدوء بها لا الآتية مأتى النيف الذى لم يوف من صدر الكلام ما يحب لها (5).
والقراءات السابقة فى قطع الألف كانت فى الأسماء .
ومن قطعها في الأفعال ما روى عن أبى عمرو فى قوله تعالى "حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا
جَمِيعًا " بقطع الألف فى (اداركوا) (6) وروى عنه أيضاً" (حتى إذا ) يقف ثم يقول : (تداركوا).
وقد اجتهد ابن جنى فى تخريج هذه القراءة كما اجتهد فى سابقها ، لكن ما قاله من الوقف ثم
__________
(1) ... سورة المائدة من الآية : 106 .
(2) ... انظرهذه القراءة فى :المحتسب 1/221 ، والبحر 4/397 .
(3) ... المحتسب 1/221 .
(4) ... قرأت القراءة السابقة بخفض لفظ الجلالة من (شهادة الله) وخرجوه على حذف حرف القسم قبله
دون تعويض حرف الاستفهام : انظر:المحتسب 1/121 ، 122 .
(5) ... انظرهذه القراءة فى : مختصر الشواذ صـ 41 ، والمحتسب 1/ 121 ، 122، والبحر 4 /397 .
(6) ... سورة الأعراف من الآية : 35 ، وانظرهذه القراءة فى : المحتسب 1/247 ، والقرطبى 7/204 ، ... 205 ، وإملاء ما من به الرحمن 1/273 ، والبحر 5/49 .(1/271)
الابتداء فيما سبق لا يمكن أن يقال هنا ، قال أبو الفتح :" قطع أبى عمرو همزة (ادراكوا) فى الوصل مشكل ، وذلك أنه لا مانع من حذف الهمزة إذا ليست مبتدأ كقراءته الأخرى مع الجماعة, وأمثل ما يصرف إليه هذا أن يكون وقف على ألف (إذا) مميِّلاً بين هذه القراءة وقراءته الأخرى ، التى هى ( تداركوا) فلما أطمأن على الألف لذلك القدر من التمييل بين القراءتين لزمه الابتداء بأول الحرف فأثبت همزة الوصل مكسورة على ما يجب من ذلك فى ابتدائها" (1).
"ولا يحسن أن تقول إنه قطع همزة الوصل ارتجالاً هكذا ؛ لأن هذا إنما يسوغ لضرورة الشعر ، فأما فى القرآن فمعاذ الله ، وحاشا أبى عمرو ، ولاسيما وهذه الهمزة إنما هى فى فعل ، وقلما جاء فى الشعر قطع همزة الوصل فى الفعل وإنما يجئ الشئ النذر من ذلك فى الاسم (2) .
إن ابن جنى كان على حق عندما قال "لا عذر لأحد أن يرتجل قراءة وإن سوغتها العربية من حيث كانت القراءة سنة متبعة" (3) .
ولكن ها هو يدعى على أبى عمرو أنه يميِّل بين قراءتيه السابقتين حتى أمكنه قطع الألف ، فأين إذن قول ابن جنى "القراءة سنة متبعة" ؟!
ويبدو أن الذى دفع ابن جنى إلى هذه التأويلات تصميمه على أن قطع الألف ضرورة ، والضرورة لا تقع فى القرآن ، ولو ارتضى أن قطع الألف ليس ضرورة لما اجتهد كل هذا الاجتهاد خاصة مع قولهم إن القطع فيها من أقرب الضرورة ، وأنه كثير مقيس – فى الشعر – كما سبق .
وقطع الألف حينئذ لم يأت عبثاً ، وإنما له غرض أشار إليه ابن جنى نفسه وهو أن الوقف ثم الاستئناف أوقر, وأشد هيبة من أن يدرج فى عرض القول(4).
وصل همزة القطع (5)
__________
(1) ... المحتسب 1/247 .
(2) ... المحتسب 1/248 .
(3) ... المحتسب 1/292 .
(4) ... انظر: المحتسب 1/221 .
(5) ... ليس وصل همزة القطع من ضرورات الصدر عند النحويين , ولكن ذكرتها هنا لمناسبة الحديث عن نظيرتها قبلها ( قطع ألف الوصل ) .(1/272)
البعض كابن جنى (1)وابن عصفور (2)وتابعهم الألوسى(3)على أن حذف همزة القطع وتحويلها إلى ألف وصل تسقط فى درج الكلام ضرورة ولا يصح وقوعها إلا فى الشعر ، وعدوا هذا من ضرائر النقص(4)، وحكم عليه ابن عصفور بأنه فى الشعر كثير (5)وجعل منه قول الشاعر : يابا المُغيرَةِ رُبَّ أَمرٍ مُعضِلٍ فَرَّجتُهُ بِالمكرِ مِنّي وَالدَّها (6)
يريد : ( يا أبا المغيرة) .
قال : وقد جاء ذلك فى الفعل : قال الطرماح (7):
ألا أيُّها اللَّيلُ الطَّويلُ ألا اصبَحِ بصبحٍ وما الإصباحُ فيها بأروحِ (8)
يريد: ألا أصبح (9).
ومثل هذا البيت ورد قول ابن أبى حصينة :
وَالمِم بِدارٍ لِلرَّبابِ وَقُل لَها يا دارُ جادَ رُباكِ صَوبُ رَبابِ (10)
__________
(1) ... انظر :المحتسب 1/273 .
(2) ... انظر: ضرائر الشعر صـ 75 .
(3) ... انظر:الضرائر للألوسي : 137 .
(4) ... انظر: ضرائر الشعر صـ 75 .
(5) ... انظر: المرجع السابق نفسه صـ 77 .
(6) ... البيت من بحر الكامل ، وهو لأبي لأبى الأسود فى ديونه صـ 170, و ضرائر الشعر صـ 75.
(7) ... هو: الطرماح بن حكيم بن الحكم بن نفر بن قيس بن جحدر بن ثعلبة . والطرماح: الطويل القامة.
... وقيل: إنه كان يلقب الطرماح , لقوله:
ألا أيها الليل الطويل ألا ارتح بصبحٍ وما الإصباح منك بأروح
بلى إن للعينين في الصبح رحمةً بطرحهما طرفيهما كل مطرح
والطرماح من فحول الشعراء وفصحائهم. ومنشؤه بالشام، وانتقل إلى الكوفة بعد ذلك مع من وردها من جيوش أهل الشام، واعتقد مذهب الشراة الأزارقة . انظر ترجمته في الأغاني12/43 .
(8) ... البيت من بحر الطويل ونسب للطرماح بن حكيم فى الضرائر لابن عصفور صـ 77 .
(9) ... الضرائر لابن عصفور صـ 77 .
(10) ... البيت من بحر الكامل ، وهو فى الديوان 1/224 ، و(الفتخات) : حلقات من الفضة لا فص لها
... ، وتستخدمها النساء للتحلى .(1/273)
وفيه يقول أبو العلاء : "إذا قيل : و( المم ) فقد وصلت ألف القطع ، وقد أنشدوا أبياتاً منها قول الراجز : إنْ َلمْ ُأَقِاِتْلَ ا ِْلُبُسوني بُرْقُعَاً ... ... وَفَتَخاتٍ فى اليدينِ َأْرَبَعاً(1)
والأجود أن تحذف الواو : فيقال : ( ألممْ ) (2) .
والحق أن هذا ليس بضرورة ، والدليل عليه أن من عده من النحويين ضرورة قليلون ، كابن جنى الذى قال فيه : "والشعر أولى به من القرآن" (3) وهذا على مذهبه فى أن حذف
الهمز وإبداله غير مقيس عليه إلا عند الضرورة (4).
ويبدو أن أبا العلاء هو الآخر ذهب هذا المذهب وإن لم يصرح به لكن عبارته السابقة قد يفهم منها هذا ، وقد صرح بهذا فى عبث الوليد (5).
أما ابن عصفور ، فقد جعله فى ( ضرورة الشعر) (6)من ضرائر النقص ، وفى ذات الكتاب بعد هذا الموضع بقليل جداً ذكر أنه جاء منه "شئ فى الكلام : حكى أبوزيد : ( لاب لك)(7) يريدون لا أب لك ، وقرأ سالم بن عبدالله (8):
__________
(1) ... الرجز بلا نسبة فى : الخصائص 3/153 ، والقرطبى 3/14 ، و5/101 والضرائر لابن عصفور
صـ 75 ، والضرائر للألوسي صـ 137 .
(2) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 235 وانظر: رسالة الغفران صـ 190 ، وعبث الوليد صـ 148 ... , 149 ، وفيه صرح بأن ذلك ردئ .
(3) ... المحتسب 1/273.
(4) ... انظر: الخصائص 3/150.
(5) ... انظر: عبث الوليد صـ 149 .
(6) ... انظر: الضرائر لابن عصفور صـ 75 .
(7) ... لم أجده في النوادر لأبي زيد ، و هو في الخصائص 3/153 , وفي اللسان , مادة ( أبو) : "
حكى اللحياني عن الكسائي:ما يُدْرى له مَن أَبٌ وما أَبٌ أَي لا يُدْرى مَن أَبوه وما أَبوه.وقالوا: (لابَ لك) يريدون : (لا أَبَ لك)، فحذفوا الهمزة البتَّة، ونظيرقولهم: (وَيْلُمِّه)، يريدون : (وَيْلَ أُمِّه)".
(8) ... هو: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله ,وأمه أم
ولد ويكنى سالم أبا عمير فولد سالم عمر وأبا بكر وأمهما أم الحكم بنت يزيد بن عبد قيس وعبد الله وعاصماً وجعفراً وحفصة وفاطمة وعن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال كان أشبه ولد عمر به عبد الله وأشبه ولد عبد الله به سالم .توفي سنة سبع ومائة (107) هـ . انظر ترجمته في : الطبقات الكبرى - محمد بن سعد 5 / 195, وطبقات خليفة صـ 427 .(1/274)
" فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى " (1)بحذف همزة "إثم ، وقرأ ابن محيصن "وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا"(2) بوصل همزة القطع , وقرأ ابن كثير فى بعض الروايات عنه " إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ " (3) بحذف همزة (إحدى) .
وحكى أبو على الدينورى(4)أن العرب يقولون ( مخيرك) يريدون :( ما أخيرك ) وحكى أيضاً عن المازنى أن العرب يقولون : ( ما شر اللحم للمريض) ( ما خير اللبن) تريد : ( ما أشر) ،و( ماأخير) ، وحكى الكوفيون أيضاً عن العرب : ( ما خير اللبن للصحيح ، وما شره للمبطون) (5).
__________
(1) ... سورة البقرة من الآية : 203، وانظرالقراءة فى : المحرر الوجيز 2/10 ، والقرطبى 3/14 ،
والبحر 2/322 .
(2) ... سورة النساء من الآية : 20، وانظرالقراءة فى : القرطبي 5/101 .
(3) ... سورة المدثر آية : 35 ، وانظرهذه القراءة فى :السبعة لابن مجاهد صـ 659 ، 660 ، والمحتسب1/273 .
(4) ... هو:أحمد بن جعفر أبو على الدينورى البغدادي ختن ثعلب أحد النحاة المبرزين أخذ من علماء
البصرة سافر إلى مصر عاد إلى بغداد ثم رجع إلى مصر ومات بها سنة( 289)تسع وثمانين ومائتين . صنف ضمائر القرآن . المهذب في النحو . انظر ترجمته في : هدية العارفين 1 / 53 .
(5) ... انظرهذه الرواية فى : الخصائص 3/143 . وفي التاج , مادة ( خير): " قال شَمِرٌ: قال أَعرابِيُّ
لخَلَفٍ الأَحْمَر: (ما خَيْرَ اللَّبَنَ للمْرِيض)أَي بنَصْبِ الراءِ والنّون وذلِك بمَحْضَر من أَبي زَيْد، قال له خَلَف: ما أَحْسَنَهَا مِنْ كَلِمَة لو لم تُدَنِّسْهَا بإِسماعها النَّاسَ قال: وكانَ ضَنيناً. فَرَجَعَ أَبُو زيد إِلى أَصْحابِه فقال: لَهُم: إِذا أَقبل خَلَف الأَحْمَر فقُولُوا بأَجْمَعِكم: ما خَيْرَ اللَّبَنَ للمَرِيض؟ ففَعَلُوا ذلِك عند
إِقْبَاله، فعَلِم أَنَّه من فِعْل أَبِي زَيْد. وهو تَعَجَّبٌ ".(1/275)
وهكذا جعل ابن عصفور مثل هذا من ضرائر الشعر ، ثم ذكر أنه وقع فى الكلام فى القراءات القرآنية ، وفى كلام العرب نثراً ، فهل وقع فى تناقض ؟ يبدو أنه فى هذا تابع لابن جنى الذى جعل حذف الهمز وإبداله فى النثر والنظم غير مقيس عليه إلا عند الضرورة (1)، فليست المسألة خاصة بوصل همزة القطع والدليل عليه أنه مثَّل فى وصل ألف القطع – بقول الشاعر : حتى يقول من رآهُ إذْ رَاهْ يا وَيْحَه مِنْ جَمَلٍ ما أَشْقاهْ (2)
قال :" يريد من رآه إذا رآه (3) و واضح أن هذا من تخفيف الهمز لا من وصل ألف لقطع .
__________
(1) ... انظر: الخصائص 3/150 . و في اللسان , مادة ( رأي) : " أَنشد ابن جني:
حتى يقول من رآهُ إذْ رَاهْ: يا وَيْحَه مِنْ جَمَلٍ ما أَشْقاهْ،
أَراد كلَّ من رآهُ إذْ رآهُ، فسَكَّنَ الهاءَ وأَلقَى حركةَ الهمزة وقوله:
مَنْ رَا مِثْلَ مَعْمدانَ بنِ يَحْيَى، إذا ما النِّسْعُ طال على المَطِيَّهْ؟
ومَنْ رَامثلَ مَعْدانَ بن يَحْيَى، إذا هَبَّتْ شآمِيَةٌ عَرِيَّهْ؟
أَصل هذا: من رأَى فخفَّف الهمزة على حدّ: لا هَناك المَرْتَعُ، فاجتمعت أَلفان فحذف إحداهما لالتقاء الساكنين؛ وقال ابن سيده: أَصله رأَى فأَبدل الهمزة ياء كما يقال في سأَلْت سَيَلْت، وفي قرأْت قَرَيْت، وفي أَخْطأْت أَخْطَيْت، فلما أُبْدِلت الهمزة التي هي عين ياء أَبدلوا الياء أَلفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت الأَلف المنقلبة عن الياء التي هي لام الفعل لسكونها وسكون الأَلف التي هي عين الفعل" .
(2) ... الرجز نسب لدلم أبى زغيب فى اللسان مادة (دلم) وبلا نسبة فى ضرائر الشعر صـ 76 .
(3) ... ضرائر الشعر صـ 77 .(1/276)
وقد أحسن ابن السِّيْد(1) حين قال : "إلقاء حركة ألف القطع على ما قبلها من ضرورة الشعر ، ليس بصحيح على الإطلاق ؛ لأن ذلك مستعمل فى الكلام و قرأ به القراء (2).
وقال صاحب مجمع البيان : "العرب إذا لينوا الهمزة المتحركة وقبلها ساكن ، ألقوا حركتها على ما قبلها ، قالوا : منَ بُوك ، ومنُ مُك ، وكمِ بِلِك ؟ " (3) .
ويبدو أن هذه المسألة إنما تخضع لظاهرة تخفيف الهمزة أو تحقيقه ، فكأن الأمر إذن راجع إلى اختلاف اللهجات ، ويؤكد هذا ما ذكره القرطبى فى قراءة ابن محيص السابقة . " وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا" " بوصل ألف إحداهن : قال : "وهى لغة" (4).
من ضرورات الحشو
...
__________
(1) ... هو: ابن السيد البطليوسى - عبدالله بن محمد الإمام أبو محمد المالكى النحوي اللغوى المعروف بالسيد البطليوسى ( السيد بكسر السين المهلمة وسكون الياء المثناة والدال) من أسماء الذئب. له من التصانيف :إصلاح الخلل الواقع في الجمل للزجاجي في النحو , و الاقتضاب في شرح أدب الكتاب , و الحلل في شرح أبيات الجمل للزجاجي المذكور , و شرح ديوان المتنبي,و شرح سقط الزند لأبي العلاء المعرى ,و شرح الموطا للامام مالك. ) ولد في بلنسية سنة ( 444) هـ وتوفى سنة (521 ) هـ انظر ترجمته في : هدية العارفين 1/ 454 .
(2) ... إصلاح الخلل صـ 406 .
(3) ... مجمع البيان 1/91 .
(4) ... القرطبى 5/101 .(1/277)
احتفلت العرب كثيراً بالوزن الشعرى , والوزن كما يقول القرطاجنى (1): "أن تكون المقادير المقفاة تتساوى فى أزمنة متساوية لاتفاقها فى عدد الحركات والسكنات والترتيب"(2)وكثيراً ما تحرف أبنية الكلم , وتحال فيه المُثُل عن أوضاع صيغها لأجله كما يقول ابن جنى (3).
وعبارات النحويين واللغويين فى هذا المقام صريحة فى أن الأهم والمعتبر عندهم هو الوزن , ومن أجله قد تحرف أبنية الكلام , بل قد يغير الإعراب عن جهته , فالشعراء كما يقول ابن فارس أمراء الكلام (4)" والعرب تبسط الاسم فتزيد فى عدد حروفها ولعل أكثر ذلك لإقامة وزن الشعر , وتسوية قوافيه" (5).
نقرأ للسيرافى قوله : " اعلم أن الشعر لما كان موزوناً تكون الزيادة فيه, والنقص منه يخرجه عن صحة الوزن , ويحيله عن طريق الشعر المقصود مع صحة معناه استجيز فيه لتقويم وزنه من زيادة ونقصان , وغير ذلك مما لا يستجاز فى الكلام مثله" (6) .
فهم قد يحركون الساكن أو يسكنون المتحرك ليستوى وزن الشعر به كما يقول السيرافى (7).
__________
(1) ... هو: حازم بن محمد بن حسن بن محمد بن خلف بن حازم الأنصاري ، القرطاجاني ( أبو الحسن هنئ الدين) ، عالم في البلاغة والأدب واللغة والعروض ، ناثر ، ناظم ، . من آثاره : منهاج البلغاء في علمي البلاغة والبيان ، والقصيدة الميمية في النحو . توفى: (684 ه- 1285 م) . انظر ترجمته في : معجم المؤلفين - عمر كحالة 3 / 177 .
(2) ... منهاج البلغاء للقرطاجنى صـ265. ويقول صـ 71: " الشعر كلام موزون مقفى , من شأنه أن يحبب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها , ويكره إليها ما قصد تكريهه" .
(3) ... انظر: الخصائص 3/181.
(4) ... انظر: الصاحبى صـ 468 .
(5) ... السابق نفسه صـ 438.
(6) ... ما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرافى صـ 34 .
(7) ... انظر: السابق نفسه صـ 155.(1/278)
ويقول القرطاجني : " ضروب التغييرات التي تُصيِّر غير الموزون موزوناً هي إ سكان متحرك, أو تحريك ساكن , أو زيادة في اللفظ , أو عدل صيغة عن أخرى , أو تقديم أو تأخير , أو إبدال لفظة مكان أخرى " (1).
كما نقرأ لابن جنى أنهم "إذا استكرهوا فى الشعر لإقامة الوزن خلَّطوا فيه" (2) بل إنه إذا تعارض إقامة الوزن مع صحة الإعراب لم يلتفت إلى صحة الإعراب ؛ لأجل إقامة الوزن , يقول ابن جنى : " فإن كان تر
ك زيغ الإعراب يكسر البيت كسراً لا يزحفه زحافاً , فإنه لابد من ضعف زيغ الإعراب, واحتمال ضرورته" (3), ويقول: " فإن أمنت كسر البيت اجتنبت ضعف الإعراب , وإن
أشفقت من كسره البيت دخلت تحت كسر الإعراب" (4) .
ويقول الخفاجى (5) : "وجميع ذلك مما يهجن استعماله إلا فى ضرورة الشعر التى يجوز فيها ما حظر لإقامة الوزن" (6).
__________
(1) ... منهاج البلغاء صـ 211 .
(2) ... الخصائص 3/211. ومعنى ( خلطوا) : في الصحاح , مادة ( خلطوا) : " خَلَطْتُ الشيءَ بغيره خَلْطاً فاخْتَلَطَ. وخالَطَهُ مُخالَطَةً وخِلاطاً. واخْتَلَطَ فلانٌ، أي فسَد عقلُه. والتَخليطُ في الأمر: الإفسادُ فيه" .
(3) ... الخصائص 1/234.
(4) ... الخصائص 1/235, 236.
(5) ... هو: أحمد بن محمد بن عمر ، شهاب الدين الخفاجي المصري : قاضي القضاة وصاحب التصانيف في الأدب واللغة . نسبته إلى قبيلة خفاجة . ولد ونشأ بمصر وولي قضاء يعيش منه فاستقر إلى أن توفي . من أشهر كتبه ( ريحانة الألبا ), ترجم به معاصريه على نسق اليتيمة ، و ( شفاء العليل فيما في كلام العرب من الدخيل و ( شرح درة الغواص في أوهام الخواص للحريري و ( طراز المجالس ) و ( نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض ) . توفى : ( 1069 ه= 1659 م ). انظر ترجمته في : الأعلام1/238.
(6) ... شرح درة الغواص صـ 79.(1/279)
وتزداد العناية بالوزن فى قافية البيت. فكلما تطرف الحرف فى القافية ازدادوا عناية به ومحافظة على حكمه كما يقول ابن جنى (1), وحكمه الذى يحافظ عليه هنا ليس هو حكمه الإعرابى , وإنما حكمه الموسيقى (2) .
ومع أن بعض النحويين كالسيرافى (3)واللغويين كابن فارس (4)لم يجيزوا كسر الإعراب لأجل إقامة الوزن إلا أنهم مع ذلك نصوا على جواز كسر بنية الكلمة لأجل الغرض السابق . فهل يستدل بالشعر بعد ذلك على استخراج قواعد الصرف مع أن التحريف فيها كما يقول ابن جنى"لا تعتد أصولاً ولا تثبت بها مُثُل موافقة ولا مخالفة" (5)؟ هذا أمر يحتاج إلى بحث وإعادة نظر (6).
إن تحريفات البنية فى الشعر كثيرة ,ومنها ما ورد فى ديوان ابن أبى حصينة وشرحه لأبى العلاء المعرى , كـ تسكين ياء المنصوب , وتحريك الساكن ومنها ما يخص أحكام القوافى , ومنها ما يتصل بالهمزة , على أن بعضها قد يراعى فيه اعتبارات قد تخرجه عن حد الضرورة . وهذا تفصيلها .
تحريك الساكن
الضرورة تفعل الشئ وضده , كما يقول أبو العلاء (7), تسكن المتحرك , وتحرك الساكن , وقد ورد من تحريك الساكن , تحريك (الخفق) فى قول رؤبة :
__________
(1) ... الخصائص 1/85.
(2) ... انظر: الضرورة الشعرية د/ محمد حماسة عبد اللطيف صـ 398.
(3) ... انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرافى صـ 34.
(4) ... انظر: الصاحبى صـ 468, وانظر الروض الأنف 3/238.
(5) ... الخصائص 3/21 .
(6) ... اختار بعض المعاصرين ومنهم د/محمد حماسة عبد اللطيف عدم الاعتماد على الشعر فى استخراج قواعدالصرف لهذا السبب. انظر له: الضرورةالشعرية صـ 220. وبحثه فى مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة: "إشباع حركة الأبنية وموقف النحاة منه" عدد ـ 40 صـ 136 .
(7) ... انظر: رسالة الصاهل والشاحج صـ 464.(1/280)
وقاتِم الأَعْماقِ خاوِي المُخْتَرَقْ مُشْتَبِه الأَعْلامِ لَمّاعِ الخَفَقْ (1)
ومثله ما قاله أبو العلاء فى شرح ديوان ابن أبى حصينة : "السكون فى الصاد فى قولك : (الوصْم) (2), وتحريك هذا الحرف للضرورة , كما قال الشاعر:
*يُزجي أَوائِلَها التَبغيلُ وَالرَتَكُ * (3)
__________
(1) ... من رجز لرؤبة , وهو فى ديوانه صـ 104, والكتاب 4/110, ما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرافى صـ ... 58, والخصائص2/228, وسر الصناعة 2/58, 180, والمنصف 2/308, والعمدة لابن رشيق2/1806, وابن يعيش 2/228, 9/34, وشرح الجمل لابن عصفور 2/561, والضرائر له صـ 8, ورصف المبانى صـ 355والمغنى صـ 332 ,350, والتصريح 1/37, والأشمونى 1/12, والخزانة 1/78 ... ,10/25. ولايقال إن الخَفَق) محركاً , لغة في ( الخفْق) بالتسكين , ففي الجمهرة , مادة ( خفق) : " خَفَقَ النجمُ يخفِق خفوقاً، إذا أضاء وتلألأ... وخفَق السَّرابُ خَفْقاً، إذا اضطرب. فأما قول رؤبة:
وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترَقْ
مشتبِهِ الأعلام لَمّاعِ الخَفَقْ
فإنما حرَّكه اضطراراً كما حرَّك زهير "الحَشَك"، وهو الحَشْك بالسكون " .
(2) ... الوصم هو كما في التهذيب , مادة ( وصم) : " العيب يكون في الإنسان وفي كل شيء، يقال ما في فلان َصْمَةٌ،أي عيبٌ" .
(3) ... شطربيت من بحر البسيط , وصدره: * هَل تُبلِغَنِّيَ أَدنى دارِهِم قُلُصٌ * وهو لزهير فى ديوانه صـ 48,وانظر: الجمهرة 1/318. و(الرتك) كما في الجمهرة , مادة ( رتك) "الرَّتْك والرَّتَك والرَّتَكان: ضرب من سير الإبل رتَك يَرْتِك رَتْكاً ورَتَكاً ورَتَكاناً. والكِتْر: السَّنام". و(التبغيل) : كما في التاج , مادة ( بغل) : " بَغَّلَت الإبِلُ: إذا مَشَتْ بينَ الهَمْلَجَةِ والعَنَقِ ومنه اشتِقاقُ البَغْلِ، كما قاله ابنُ دُرَيْد. وقِيل: التَّبْغِيلُ: هو المَشْيُ الذي يُرفَقُ فيه، يُقال: أعْيَا فبَغَّلَ: إذا هَمْلَج " .(1/281)
إنما هو : 0الرْتك بسكون التاء, وكذلك قول رؤبة :
*مُشْتَبِه الأَعْلامِ لَمّاعِ الخَفَقْ * (1)
لكن في الجمهرة , مادة ( رتك ): " الرَّتْك والرَّتَك والرَّتَكان: ضرب من سير الإبل رتَك يَرْتِك رَتْكاً ورَتَكاً ورَتَكاناً" .
ومن هذا النص يظهر أن ( الرَتَك ) بالتحريك , و( الرْتك ) بالتسكين , كلاهما مصدر لـ ( رَتَك ) . وليس كما قالوا: حًُرِك للضرورة . ...
ومن تحريك الساكن فك الإدغام الواجب بتحريك أول (2)المثلين
وذلك كقول زهير : ثُمَّ اِستَمَرّوا وَقالوا إِنَّ مَشرَبَكُم ماءٌ بِشَرقِيِّ سَلمى فَيدُ أَو رَكَكُ (3)
__________
(1) ... سبق تخريجه صـ 231, وانظر شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/48,ولم أعثر علىالبيت الذى شرحه ... أبو العلاء, ولعله سقط من محقق الديوان.
(2) ... انظر: ما يجوز للشاعر فى الضرورة , للقزاز صـ 219.
(3) ... البيت من بحر البسيط , وهو لزهير فى ديوانه صـ 48 , وانظر: الكامل للمبرد1/457, والمقتضب1/336, والخصائص2/334, والمحتسب1/87, 2/27, والمنصف2/309, وشرح الجمل 2/561, والضرائر لابن عصفور صـ 9 , والممتع 2/643. وفي الكامل 1/457:" زعم الأصمعي أنه سأل أعرابياً، وهو بالموضع الذي ذكره زهيرٌ:
ثم استمروا وقالوا إن مشربكم ماء بشرقي سلمى فيدُ أو رككُ
قال الأصمعي: فقلت لأعرابي: أتعرف رككاً؟ فقال: لا، ولكن قد كان ههنا ماء يسمى ركاً. فهذا ليست فيه لغتان، ولكن الشاعر إذا احتاج إلى الحركة اتبع الحرف المتحرك الذي يليه الساكنُ ما يشاكله، فحرك الساكن بتلك الحركة. وفي معجم البلدان - الحموي 3 / 64 :" ( ركك) بفتح أوله وثانيه ، وتكرير الكاف ، وهو فك رك ، والرك المطر الضعيف : وهى محلة من محال سلمى أحد جبلى طئ ، قال الاصمعي : قلت لاعرابي أين ركك ؟ قال : لاأعرفه ولكن ههنا ماء يقال له رك ، فاحتاج ففك تضعيفه زهير " .(1/282)
والقياس فيه أن يقول : ( أو ركُّ) بالإدغام , لكنه حرك أول المثلين , ففك الإدغام لأجل إقامة الوزن . ومثله جاء قول ابن أبى حصينة :
لا تُغرَرَنَّ بِهِ فَتَحتَ قَميصِهِ لِلكَيدِ أَرقَمُ ضالَةٍ مُنسابُ (1)
وفيه يقول أبو العلاء : "و( لا تغررن ) ظهور الراء هنا ضعيف , وإنما يستعمل فى الشعر , ويجب أن يقال : (لا تغرن به ) , وإنما لزم الإدغام لمجئ النون" (2) .
هذا ما اتفق عليه المتقدمون من النحاة , ولكن بالنظر والبحث يتضح مجئ مثل هذا فى غير الشعر , فقد جاء تحريك الساكن فى قراءة ابن كثير : " سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ " (3) بفتح الميم من خمسة (4).
وإن تأوله ابن جنى بقوله : "لم يحرك ميم ( خمسة) إلا عن سماع , وينبغى أن يكون أتبعت (عشرة) (5)وليس يحسن أن يقال : إنه أتبع الفتح الفتح , كقول رؤبة :
* مُشْتَبِه الأَعْلامِ لَمّاعِ الخَفَقْ * (6)
وهو يريد (الخَفْق) ؛ لأن هذا أمر يختص به ضرورة الشعر" (7).
__________
(1) ... البيت من بحر الكامل, وهو فىالديوان1/ 121, و0الأرقم : أخبث الحيات, وأطلبها للناس.
(2) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة2/ 123, وانظر: المرجع السابق نفسه 2/ 58, 96.
(3) ... سورةالكهف من الآية : 22 .
(4) ... قرأ ابن كثير وحده فى رواية حسن بن محمد عن شبل (خمسة) بفتح الميم. انظر: ... المحتسب2/27 , والبحرالمحيط: 7/159.
(5) ... أى الفتح لغة كالفتح فى (عشرة) : انظر: البحر المحيط7/159.
(6) ... سبق تخريجه صـ 237 .
(7) ... المحتسب 2/27.(1/283)
واختصاص تحريك الساكن بضرورة الشعر أمر نبه عليه كثيرون كابن السراج (1)وابن جنى (2)والمعرى (3)مع أنه قد يكون راجعاً إلى اختلاف اللهجات , وهو ما استشعره ابن جنى فى بيت زهير السابق * ماء بشرقى سلمى فيد أوركك * (4) قال : "وقد يجوز أن يكونا لغتين ( رك) و ( ركك) كـ(القص) و(القصص) (5) و(النّشْز) و(الَّنشَز) " (6).
وإن كان المبرد قد نفى هذا , فليس فيه لغتان عنده , ولكن الشاعر إذا احتاج إلى الحركة أتبع الحرف المتحرك الذى يليه الساكن ما يشاكله . كما يقول (7) .
والأمر فى غير هذا البيت فيه متسع , فقد وردت أبيات أُخَر حرَّك فيها أول المثلين ففك الإدغام الواجب , كقول قعنب بن أم صاحب (8)
مَهْلاً أعاذِلَ قد جَرَّبْتِ مِن خُلُقِي أَنّي أَجُودُ لأقْوامٍ وإنْ ضَنِنُوا (9)
__________
(1) ... انظر: الأصول 3/441.
(2) ... انظر: المحتسب 2/27.
(3) ... انظر: شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 48, 121 ورسالة الصاهل والشاحج صـ 464.
(4) ... سبق تخريجه صـ 232.
(5) ... انظر: المقتضب 1/336.
(6) ... المحتسب 2/27, وانظر: المنصف 2/309.
(7) ... نظر: الكامل للمبرد 1/457 .
(8) ... هو : قعنب بن ضمرة, أخو بنى سحيم بنعمرو بن خديج بنعوف بن ثعلبة .انظر: نوادر المخطوطات 1/102.
(9) ... البيت من بحر البسيط, وهو فى الكتاب 1/29, 3/535, والمقتضب 1/280, 388, وشرح أبيات سيبويه للنحاس صـ 11, والحجة 1/207, والخصائص1/161, والمنصف1/339, 2/303, وما يجوز للشاعر فى الضرورة للقزازالقيروانى صـ 220, وابن يعيش3/12, وضرائر الشعرلابن عصفور صـ 11, وشرح الشافية3/ 241, والتنبيه صـ 82, وشرح شواهد الشافية صـ 490, والضرائر للألوسى صـ 138, وموارد البصائر صـ 68.(1/284)
ولا مانع من أن يقال فى البيت ومثله إنه قد فك الإدغام لأجل إقامة الوزن , وسهله أن فك الإدغام هنا رد إلى الأصل , كما نبه إليه المبرد (1) وغيره (2), ولكن هذا لا يعنى أنه خاص بالشعر , فقد جاء فى الهمع (3)أن النبى – صلى الله عليه وسلم – قال لنسائه : أيتكن صاحبة الجمل الأدبب, تنبحها كلاب الحوأب" (4)
__________
(1) ... انظر رأيه فى: المقتضب 1/141, 142.
(2) ... انظر: شرح أبيات سيبويه للنحاس صـ 11.
(3) ... 3/251.
(4) ... في مسند الامام أحمد بن حنبل 6 / 52 : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ذات يوم كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب " والحديث باختلاف يسير في ألفاظه , وليس فيها ( الأدبب) في المستدرك للنيسابوري32/120, وبرواية الشاهد في: مجمع الزوائد للهيثمي7/234 , قال : رواه البزار , ورجاله ثقات .
... وفي الفائق في غريب الحديث - جار الله الزمخشري 1 / 353 : قال صلى الله عليه وآله وسلم لنسائة : ليت شعري أيتكن صاحبه الجمل الأدبب تسير أو تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب ؟ الأدب كالأزب ، وهو الكثير وبر الوجه ، والحوأب : منهل ، وأصله الوادي الواسع .
وفي شرح نهج البلاغة : 6 / 225 " لما انتهت عائشة في مسيرها إلى الحوأب وهو ماء لبنى عامر بن صعصعة ، نبحتها الكلاب ، حتى نفرت صعاب إبلها ، فقال قائل من أصحابها : ألا ترون ، ما أكثر كلاب الحوأب ، وما أشد نباحها ! فأمسكت زمام بعيرها ، وقالت : وإنها لكلاب الحوأب ردوني ردوني ، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول . . . وذ كرت الخبر ، فقال لها قائل : مهلا يرحمك الله ! فقد جزنا ماء الحوأب ، فقالت : فهل من شاهد ؟ فلفقوا لها خمسين أعرابياً ، جعلوا لهم جعلاً ، فحلفوالها إن هذا ليس بماء الحوأب ، فسارت لوجهها" .(1/285)
, والقياس : (الأدب) بالإدغام , لكنه كما يقول د/ علم الدين الجندى "فكه فكثرت حروفه حتى يزدوج فى الوزن مع ( الحوأب ) " (1).
ومن السابق يتضح أن تحريك الساكن فى الإدغام وغيره , جاء فى الشعر, وفى الكلام , مما يقطع بأنه ليس ضرورة شعرية إلا على رأى الأخفش –واختاره السيوطى أن الضرورة تجرى فى النثر للتناسب والسجع (2).
تسكين المتحرك
وقد جاء هدا في فى(َ فََعَلات) جمعًا لـ( فَْعْلة) , فكما أجازوا تحريك الساكن لإقامة الوزن , أجازوا تسكين المتحرك للغرض ذاته , وقد جاء منه فى جمع المؤنث ( فَعَلَات) جمعا لـ( فَعَْلة) بتسكين العين وحقها الفتح , ومنه قول الشاعر : *فَتَسْتَريحَ النَفْسُ من زَفْراتِها* (3)
بإسكان عين ( زفراتها) وقياسه الفتح لما سيأتى .
ومثله جاء قول ابن أبى حصنة :
إِلى المُلَيحَةَ حَيثُ العَينُ جارِيَةٌ مِنَ الصَباحِ إِلى جَلهَاتِ وادِيها (4)
يقول أبو العلاء تعليقا على هذا : " و( جََلَهَات) جمع ( جَلْهة) , وهى جانب الوادى (5)
__________
(1) ... اللهجات العربية فى التراث 2/709.
(2) ... انظر: الهمع 3/250.
(3) ... الرجز لرؤبة فى ديوانه صـ 104 وهو فى الفراء3/235, والخصائص1/317, وسر الصناعة1/348, وابن يعيش3/120, وضرائر الشعر لابن عصفورصـ66, والرصف صـ249,والأشمونى 3/570, 668, وشرح شواهد الشافية صـ 129. وفي الصحاح , مادة ( زفر) : " وقد زَفَرَ يَزْفِرُ. والاسم الزَفْرَةُ. والجمع زَفرات بالتحريك، لأنّه اسم وليس بِنَعْتٍ. وربَّما سكّنها الشاعر للضرورة، كما قال: فَتَسْتَريحَ النَفْسُ من زَفْراتِها" .
(4) ... البيت من بحر البسيط , وهو فى الديوان 1/ 135, للوادى (جلهتان) أى طرفان, ولكنهم قد ... يستعملون الجمع موضع المثنى, و(المُلَيْحة) تصغير (ملحة) .
(5) ... في الصحاح , مادة ( جله) : "الجَلْهَةُ: ما استقبلكَ من حروف الوادي. وجَلْهَتا الوادي: ناحِيَتاهُ و
حَرْفاهُ ".(1/286)
, وجمعها فى أدنى العدد ( جَلَهَات) على وزن ( حَفَنَات) , ويجوز ( حَفْنات) بسكون اللام(1) فى الشعر, كما يقال: ( رَفَضَات) و( رَفْضَات) , قال ذو الرمة:
أَبَت ذِكَرٌ عَوَّدنَ أَحشاءَ قَلبِهِ خُفوقاً وَرَفضاتُ الهَوى في المَفاصِلِ (2)
وجمع (جلهة) فى أدنى العدد (جلاه)" (3).
ومن المقرر عند النحويين أن ما كان على(فَعَلة) بفتح العين يجمع فى أدنى العدد على(فَعَلَات) بفتح العين متى كان اسماً مؤنثاً ثلاثياً, سالم العين , غير مضعفها ولا معتلها (4) .
إلا أنه ورد فى الشعر إسكان العين فى مثل هذا لإقامة الوزن , وتسكين العين هنا فى الشعر كثير, كما قال أبو حيان (5), ولعل هذا ما دفع بعض النحويين للقول إنه لغة (6) ومع هذا فقد قالوا إن التسكين فى مثله ضرورة (7), وقد خصه أبو العلاء فى النص السابق بالشعر , قال : "ويجوز ( حفنات) بسكون اللام فى الشعر" (8) .
__________
(1) ... يقصد سكون لام ( جلهات ) .
(2) ... البيت من الطويل لذى الرمة فى ديوانه صـ 494, وهو فى المقتضب 2/192, والمحتسب 1/56, ... 2/171, وشرح المفصل 5/28, والضرائر لابن عصفور صـ 65, والخزانة 8/87.
(3) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 141.
(4) ... انظر: الكتاب 3/397, 578, 627, والمقتضب2/186, 187, وابن يعيش5/28,والارتشاف 2/594,والمساعد 1/68, والتصريح2/298, والأشمونى 4/116, 117, والهمع1/82, وشذا العرف للشيخ الحملاوى صـ 126, وعلم الصرف دراسةوصفية د/ محمد أبو الفتوح شريف صـ 147.
(5) ... انظر: الارتشاف 2/592.
(6) ... انظر: شرح المفصل لابن يعيش 5/29.
(7) ... انظر: الضرائر لابن عصفورصـ 65, وشرح الشافية2/109.
(8) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 141. , وهويقصد اللام من ( جلهات ) .(1/287)
لكن نسب إليه في الخزانة أن هذا عنده ليس من الضرورة , قال البغدادي : " واعلم أن فتح عين (فَعْلة) الإسمي في الجمع واجبٌ، ويجوز تسكينه في الضرورة كما يأتي في بابه. ومنه قول البحتري وَكَيفَ يَجوزُ لَكُم جَحدُهُ وَطَلحَتُكُم بَعضُ طَلحاتِهِ (1)
خلافاً لأبي العلاء المعري في شرحه (2) فإنه زعم أنه غير ضرورة " (3).
وتسكين العين هنا قالوا عنه : ضرورة حسنة, كما نبه إليه كثير من النحاة (4)وعللوه بأن العين قد تسكن للضرورة مع الإفراد والتذكير(5), فهو من أسهل الضرورات كما قال ابن مالك (6)والسيوطى (7) .
لكن مع هذا فقد تأول ابن جنى (8)وابن مالك (9)وغيرهما (10)السكون فى( رفْضات) فى البيت السابق, فقالوا إن ( رفضات ) أسهل فى تسكين عينها, فرقاً بينها وبين الاسم (11) .
ترك صرف ما ينصرف
__________
(1) ... البيت من بحرالمتقارب ,ولم أجده في ديوان البحتري ,وهوفي شرح الديوان عبث الوليد صـ 68.
(2) ... انظر عبث الوليد صـ 68 .
(3) ... الخزانة 8/14 .
(4) ... انظر: شرح التسهيل لابن مالك1/101, والتصريح2/298, والاقتراح صـ 20,والهمع1/84.
(5) ... انظر: شرح التسهيل1/101, والتصريح 2/298.
(6) ... انظر: شرح التسهيل1/101.
(7) ... انظر: الهمع 1/84.
(8) ... انظر رأيه فى :المحتسب1/56, 57, وشرح التسهيل1/101.
(9) ... انظر: شرح التسهيل 1/101.
(10) ... انظر: الضرائر لابن عصفور صـ 66, 67.
(11) ... انظر: ابن يعيش 5/28, والضرائر لابن عصفور صـ 66.(1/288)
التنوين من علامات الأسماء ، غير أن ثمة أسماء امتنعت من دخول التنوين فيها ، فسمي النحويون ما دخله التنوين بالمنصرف ، أما الذي امتنع من دخوله فسموه بالممنوع من الصرف (1)، فكأن الصرف عندهم هو التنوين , والمنع من الصرف هو عدمه(2).
__________
(1) ... انظر : الروض الأنف 3/222 ، واللباب 1/520، والبسيط1/214 . وقد ذكر ابن الأنباري في أسرارالعربية صـ 39علة دخول التنوين في المنصرف دون غيره فقال : " إن أولى ما يزاد حروف المد واللين , وهي الألف والياء والواو , إلا أنهم عدلوا عن زيادتها, ألا ترى أنهم لو جعلوا الواو علامة للصرف لانقلبت ياء في الجر لانكسار ما قبلها , وكذلك حكم الياء والألف في الاعتلال والانتقال من حال إلى حال , وكان التنوين أولى من غيره لأنه خفيف يضارع حروف العلة , ألا ترى أنه غنة في الخيشوم , وأنه لامعتمد له في الحلق , فأشبه الألف ؛ إذ كان حرفاً هوائياً ".
وهذه العلة من ابن الأنباري قد يفهم منها أن دخول التنوين في المنصرف استحساني لاوجوبي , غالب لا لازم.
(2) ... انظر الخلاف في معني الممنوع من الصرف في : المقتضب 1/383 ، وأسرار العربية صـ162 ، واللباب1/71، 72، 520 ، وشرح المفصل 1/57 ، وشرح الكافية للرضي 1/101 ، 102, وظاهرة التنوين في اللغة العربية ـ د/ عوض المرسي جهاوي صـ 12 , وقد رجح فيه أن حمل الصرف على التنوين أولى من حمله على التنوين والجر بالكسرة . ...(1/289)
وقد اختلفوا في علة زيادة تنوين الصرف علي الاسم ، ونقل الخلاف عنهم العكبري يقول : " أريد بذلك بيان خفة الاسم وثقل الفعل ، وقال الفراء : المراد به الفرق بين الاسم والفعل ، وقال قوم : المراد به الفرق بين المفرد والمضاف " (1) وفائدته التفرقة بين المنفصل ( غير المضاف ) والمتصل ( المضاف ) فلا يدخل في الاسم إلا علامة لانفصاله مما بعده ، ولذلك يكثر في النكرات (2) لفرط احتياجها إلي التخصيص بالإضافة ، فإذا لم تضف احتاجت إلي التنوين تنبيهاًً علي أنها غير مضافة ، أما المعارف فلأنها لا تحتاج إلي زيادة تخصيص فلا يكاد يدخلها التنوين ، وما لا يتصور فيه الإضافة لا يدخله التنوين بحال , كالضمائر و أسماء الإشارةوالمعرف بأل , وهذه علة عدمه في الوقف ؛ لأن الموقوف عليه لا يكون مضافاً إلي غيره (3) .
واختلافهم في غرض التنوين نتج عنه اختلافهم في معني الصرف ؛ فقيل في معني غير المنصرف أي لم ينصرف من حال النصب إلي حال الخفض ، وقيل : لم ينصرف عن شبه الفعل (4) .
فالقضية إذن في الممنوع من الصرف هي قضية التنوين ، وكما سبق فإن التنوين يدخل في
النكرات كثيراً , بخلاف المعارف ، ولذلك فإنه إذا دخل علي المعارف – خاصة الأعلام – يكون خلاف الأصل ، فإذا دخل العلَم فلعلة ، وكما يقول السهيلي : " وإنما ينون من الأعلام ما كان قبل التسمية منوناً " (5).
" علي أن الشعراء كثيراً ما يتركون صرف العلم كانت فيه تلك العلة أو لم تكن "(6) .
ومن هذا قول ابن أبي حصينة :
__________
(1) ... المسائل الخلافية صـ 95 ، 96، وانظر : الخصائص 3/240 . ...
(2) ... انظر : الخصائص 3/240. ...
(3) ... انظر : أمالي السهيلي صـ 25 ، 26 ، والروض الأنف3/237 ، ونتائج الفكر صـ 69 , وبدائع الفوائد 1 ... 1/36 ... . ... ...
(4) ... انظر : البسيط 1/214 ، 215 . ...
(5) ... أمالي السهيلي صـ 28 . ...
(6) ... أمالي السهيلي صـ 26 . ...(1/290)
تُريكَ هَضبَ هُمامٍ في حِجى مَلِكٍ مِن آلِ مِرداسَ في عِرنينهِ شَمَمُ (1)
وفيه يقول أبو العلاء : " وبعض الناس إذا صرف ( مرداس ) كسر السين ، وأهل الكوفة يرون فتحها ، وقد ذكر حذف التنوين في الشعر القديم , إلا إنه في المرفوع والمنصوب أكثر منه في المخفوض ، قال ذو الإصبع العداواني :
وَمِمَّن وَلَدوا عامِرَ ذو الطولِ وَذو العَرضِ(2)
وقال عباس بن مرداس(3):
وَما كانَ حِصن ٌولا حابِسٌ يَفوقانِ مِرداسَ في مَجمَعِ (4)
__________
(1) ... البيت من بحر البسيط ، وهو في الديوان 1/46 . و ( الهضب) أي : الجبل الصغير , و ( هُمام) اسم جبل لباهلة ، ويروي البيت : شمام, و ( العرنين) من كل شئ أوله . ...
(2) ... البيت من الهزج ، لذي الإصبع العدواني ،وهو في : الأصول 3/438 , وشرح الكتاب للسيرافي 2/104، والضرائر للقزاز صـ 161 ، والإنصاف 2/501 ، ، وابن يعيش 1/68 ، وشرح الجمل لابن عصفور5/567 ، والضرائر له صـ 79 ، والاقتراح صـ 92.
(3) ... هو: العباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد قيس بن رفاعة بن الحارث بن يحيى بن الحارث بن بهثة بن سليم أبو الهيثم السلمي, مات أبوه وشريكه حرب بن أمية والد أبي سفيان في يوم واحد قتلهما الجن ,ولهما في ذلك قصة ,وشهد العباس بن مرداس مع النبي صلى الله عليه وسلم الفتح وحنين وهو القائل لما أعطى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الاقرع بن حابس وعيينة بن حصن من غنائم حنين أكثر مما أعطاه أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والاقرع وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع . انظر ترجمته في : الإصابة لابن حجر 3 / 512, 513 . ...
(4) ... البيت من المتقارب للعباس بن مرداس, وهو في : الأصول 3/437 ، وشرح الكتاب للسيرافي 2/104 ، وسر الصناعة 2/101 ، وضرائر الشعر للقزاز صـ 161 ، والإنصاف 2/499، وابن يعيش 1/68 ، وشرح الجمل لابن عصفور 2/566 ، والضرائر له صـ 78 ، وللألوسي صـ 134 ،
والخزانة 1/149 ... .(1/291)
ومما جاء في المخفوض قول دوسر بن ذُهيل القريعي(1) :
وَقائِلَةٍ ما بالُ دَوسَرَ بَعدَنا صَحا قَلبُهُ عَن آلِ لَيلى وَعَن هِندِ " (2)
وإذا كان البعض قد جري علي أن الممنوع من الصرف هو الممنوع من التنوين ، وإنما لم
يدخله الخفض كما لم يدخله التنوين لئلا يشبه ما يضيفه المتكلم إلى نفسه إذا حذف التنوين
مع بقاء الكسر, ولاسيما وأكثرهم يكتفي بالكسرة من الياء (3) ، وهو في القرآن كثير نحو : ( نكير ) (4) و ( نذير ) (5) .
إذا كان هذا فإن ابن عصفور كان يري المنع في اجتماع الأمرين معاًً , حذف التنوين والجر بالفتحة في موضع الخفض ، أما حذف التنوين وحده فهو عنده جائز , وليس من باب الممنوع من الصرف(6) .
وكلامه هذا في مقابل كلام السيرافي الذي قال إن : " التنوين علامة تفرق بن ما ينصرف وما لا ينصرف " (7).
وأصل هذا راجع إلي الخلاف بين النحويين في معني المنع من الصرف أهو ذهاب التنوين وحده وتحول الكسرة إلي الفتحة تبعاً له ، أم اجتماع الأمرين معاً .
__________
(1) ... البيت من الطويل ، لدوسر بن دهبل القريعي ,وهو في : شرح الكتاب للسيرافي 2/106 ، وشرح الجمل لابن عصفور 2/566 ، والضرائر له صـ 79 ، وللألوسي صـ 134.
(2) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/49 . ...
(3) ... انظر : أمالي السهيلي صـ 29 ، والروض الأنف 3/222 .
(4) ... من قوله تعالي في سورة سبأ الآية :45 : " فكيف كان نكير " ، وقد قرأ يعقوب : ( نكيري) بالياء في الوصل والوقف ، انظر : التذكرة في القراءات لابن غلبون 2/626 .
(5) ... من قوله تعالي في سورة الملك آية 17 : " فستعلمون كيف نذير " ، وقد قرأ يعقوب ( نذيري) بالياء في الوصل و الوقف . انظر : التذكرة لابن غلبون 2/726 .
(6) ... انظر : شرح الجمل لابن عصفور 2/586 ، والضرائر له صـ 79 .
(7) ... انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرافي صـ 52 .(1/292)
فلو أُخِذ بالرأي الثاني لأمكن ضبط باب الممنوع من الصرف أكثر من قبل ، ويمكن حينها تخريج كثير من الشواهد التي قالوا إن حقها الصرف ، لكنها منعت بدليل حذف التنوين منها مع أنها في غير موضع الجر ، ويؤيد هذا أن حذف التنوين ورد في كلام العرب في النثر فضلاً عن الشعر، ولم يقل أحد فيه بالمنع من الصرف ، فقد قالوا : ( سلامُ عليكم ) (1) ، وقال ابن جني فيه : " والقول فيه : إن اللفظة كثرت في كلامهم فحذف تنوينها تخفيفاً "(2) .
وإذا كان السيرافي في النص السابق لا يجيز حذف التنوين ؛ لأن وجوده علامة علي انصراف الاسم أو عدمه ، وسقوطه يوقع في اللبس ، فإن مراده من هذا الكلام كما يقول أحد الباحثين(3) هو اللبس في قواعد النحاة التي تفرق بين نوعين من الأسماء هما المصروف وغيره .
وإلا فإن السيرافي نفسه هو القائل : " وحذف التنوين غير داخل في ضرورة الشعر " (4).
أما قول السيرافي إن سقوط تنوين الصرف يوقع اللبس ، فماذا يقول إذن في دخول التنوين الممنوع من الصرف ، وقد أجازه النحاة جميعهم في ضرورة الشعر (5) ، وهو واحد منهم ، ألا يوقع ذلك أيضاًًُ في لبس(6) ؟!
إذا أخذ برأي ابن عصفور السابق – وهو رأي قوي – ولعل أبا العلاء بقوله : " وقد ذكر حذف التنوين في الشعر القديم ، إلا أنه في المرفوع والمنصوب أكثر منه في المخفوض (7) " قد ذهب هذا المذهب .
__________
(1) ... رواه الأخفش عن العرب ، انظره في : سر الصناعة 2/102،والمغني صـ587, والخزانة 1 ... /149 .
(2) ... سر الصناعة 2/102 .
(3) ... هو الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف في كتابه : الضرورة الشعرية صـ 406 . ...
(4) ... ما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرافي صـ 122 . ...
(5) ... انظر : الكتاب 1/26 ، والمقتضب 3/354 ، والأصول 3/346 ، وأمالي الزجاجي صـ 84 , و سر الصناعة2/101 والأشموني 3/273. ...
(6) ... انظر : الإنصاف 2/519 ، 520. ... ...
(7) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/49 . ...(1/293)
وقد فسر أبو العلاء استحسانه لحذف التنوين من المرفوع والمنصوب أكثر من المخفوض بأن " الكسرة إذا حصلت في آخر الاسم طلبت التنوين إذا كان ما لا ينصرف لا يكسر "(1).
إذا أخذ بهذا الرأي ، وأضيف إليه أن أكثر الشواهد التي ورد فيها ترك صرف الممنوع كانت في الأعلام أمكن ضبط الباب بشكل أفضل ، وعليه فإذا سقط التنوين من العلم المستحق المنع من الصرف – علي رأي النحاة – لا إشكال فيه أيضاً ، وهو مذهب السهيلي (2) .
إن العلل التي ذكرها النحاة لمنع الاسم من الصرف ليست بالقوة الكافية لكي تُتبع ، فليس شبه الاسم بالفعل هو المانع للاسم من الصرف ، وإلا لوجب أن يمنع كل اسم فاعل من الصرف لشبهه بالفعل المضارع ، كما أعربوا المضارع لشبهه باسم الفاعل , وإليه أشار السهيلي (3) .
وليس التخفيف في الاسم إذا اجتمع معه أكثر من علة من العلل التي ذكرها النحاة هو السبب في منع الاسم من الخفض ، والتنوين ، فإن العرب صرفت أسماء ثقيلة فأ دخلتها التنوين والخفض كـ ( فرذدق ) و ( شمردل ) في حين أنها منعت الصرف أسماء خفيفة كـ ( زينب ) و ( سعاد ) (4) .
ولهذا وهَّن السهيلي علل النحاة في منع الاسم من الصرف ، وانتهي إلي أنهم لو قصروه علي السماع ، ولم يعللوه بأكثر من النقل عن العرب لانتُفع بنقلهم (5) .
ويمكن أن يفسر هذا الباب علي أنه من قبيل اختلاف اللهجات , وقد نقل لنا الأخفش في مسألة صرف الممنوع من الصرف هذه الأمور:
• صرف صيغة الجمع لغة لقوم (6).
__________
(1) ... عبث الوليد صـ 188 . ...
(2) انظر رأي السهيلي في : أماليه صـ 26 ، والروض الأنف 1/210 ، 3/273 ، و4/96 ، وابن
يعيش 1/69 ، والتصريح 2/228 ، والأشموني 3/276 ، والخزانة 1/147 ، 148 . ...
(3) ... انظر : أمالي السهيلي صـ 20 . ...
(4) ... انظر : أمالي السهيلي صـ 22 . ...
(5) ... انظر : السابق نفسه صـ 19 . ...
(6) ... انظر : البجر المحيط 10/360 ، والمساعد 3/44 ، وحاشية الصبان 3/275 .(1/294)
• صرف الممنوع بشكل عام جائز عند قوم آخرين (1) .
• ولهذا فقد أجاز الكسائي و الأخفش وثعلب صرف الممنوع ، ولوكان في كلام الناس(2) .
وفي مقابل صرف الممنوع وجدنا من العلماء من يجيز منع المصروف (3) ، مطلقاً في الكلام وفي الشعر ، ومن هؤلاء ثعلب، فقد حكي أبو موسي الحامض (4) أنه قال :
" قلت لأبي العباس :
أُؤمِّل أن أعِيش وأن يَوْمِي بأوَّلَ أو بأهْوَنَ أو جُبَارِ
أو التَّالِي دُبار فإنَّ فيها فمُؤُنِس أو عَرُوبة أو شِيَار(5)
- موضوع ؟ قال : لم ؟ قلت : لأن ( مؤنساً ) و ( جياراً ) و ( ودباراً ) تنصرف ، وقد ترك صرفها ، فقال: هذا جائز في الكلام ، فكيف في الشعر ؟ ! " (6)
__________
(1) ... انظر : شرح الكافية للرضي 1/106 ، 107 ، والارتشاف 2/891 ، والمساعد 3/44 ، و التصريح 2 /227, ...
228 ، والهمع 1/121 ، وحاشية الصبان 3/275 . ...
(2) ... انظر : شرح الكافية اللرضي 1/107 ، والارتشاف 2/891 ، والمساعد 3/44 ، والهمع 1/121 ، والأشموني 3/276 . ...
(3) ... انظر : التصريح 2/227 ، والهمع 1/121 ، والأشموني 3/276 ، والخزانة 1/148 . ...
(4) ... هو: أبو موسي سليمان بن محمد بن أحمد الحامض النحوي المشهور ، أخذ عن ثعلب وخلفه بعد موته ، له من الكتب ( خلق الإنسان) ، و ( غريب الحديث) و ( الوحوش) وتوفي( 305) هـ . انظرترجمته في : نزهة الألباء صـ181. ...
(5) ... البيتان من الوافر ، ونسبنهما القلقشندي إلي النابغة في صبح الأعشي 2/391 ، وهما في : الإنصاف /497 ، وشرح الكافية الشافية 2/104 ، وابن الناظم صـ 633 ، والهمع 1/122 . والأسماء المذكورة في البيتين هي أسماء أيامهم قديماً . و ( أول) هو الأحد ، و ( أهون) هو الاثنين ،( وجبار) هو الثلاثاء , و( دبار) هو الأربعاء و ( مؤنس) هو الخميس و عروبة هو الجمعة. ...
(6) ... انظر : الارتشاف 2/892 ، والمساعد 3/44 ، والهمع 1/122 . ...(1/295)
فهل يقال بعد هذا إن ما سمع فيه المنع أو الصرف راجع إلي اختلاف اللهجات ، والأولي الاقتصار فيه علي السماع كما قال السهيلي سابقاً ؟ ربما .
ويتحصل مما سبق أن النحاة في مسألة منع المصروف علي ثلاثة مذاهب .
الأول : لا يكون الاسم ممنوعاً من الصرف حتى يسقط منه التنوين والخفض ، ولوسقط
التنوين وحده ، والاسم مرفوع أو منصوب ، فليس ممنوعاً من الصرف عند ابن عصفور .
الثاني : سقوط التنوين من العلم – خاصة – لا إشكال فيه ؛ لأن الأصل في الأعلام أن لا
تنون إلا لعلة ، فإذا سقط التنوين رجع الاسم إلي أصله ، وهو مذهب السهيلي .
يقول ابن يعيش : " فإذا اعتبرت النصوص الواردة في هذا الباب كان أكثرها أعلاماً معارف ، فامتنع الصرف للضرورة بسبب واحد من سببين ، فلو جاء مثل : ( رجل ) , ( فرس ) وأريد منعه الصرف للضرورة لم يجز عندي " (1) ، وقال الأزهري "ويؤيده أنه لم يسمع إلا في العلم " (2) .
ويلاحظ أن ابن يعيش ، قال : ( أكثرها ) ومعني هذا أن صرف الممنوع قد جاء في غيرالعلم ، وإن كان قليلاً ، ومن هذا صرف ( عريان ) في قول الشاعر :
فأوفضَ عنها وهي َترغو حشاشة بذي نفسها والسيف عُريان أحمر (3)
فترك صرف ( عُريان ) وهو منصرف ؛ لأن مؤنثه عُريانة ، لا عُريا ، وشبهه ببا ب سكران (4).
لكن ينبغي الانتباه إلي أن حذف التنوين من ( عُريان ) في البيت جائز على مذهب ابن عصفور ؛ لأنه في البيت مرفوع وليس مخفوضاً .
ومما ورد فيه حذف التنوين من ( عُريان ) قول ابن أبي حصينة :
__________
(1) ... شرح المفصل 1/69 . وانظر: الفريدة في شرح القصيدة صـ80. ...
(2) ... التصريح 2/228. ...
(3) ... البيت من بحر الطويل ولم أقف علي نسبته ، وهو في شرح اللمع لابن برهان 2/485 , ، والإنصاف2/497 ، والخزانة 1/148 ، 254 , و ( أوفض) : أسرع ، و ( ترغو) : الرغاء : صوت الإبل ، و( الحشاشة) : بقية الروح في المريض . ...
(4) ... انظر : الإنصاف 2/497 ، والخزانة 1/254 . ...(1/296)
عُريانَ في رَهَج الوَغى وَكَأَنَّهُ شاكي السِلاحِ بِنابِهِ وَالمخلَبِ(1)
وفيه يقول أبو العلاء : " و ( عُريان ) حقه أن ينوّن ، والشعراء يتركون تنوينه في بعض المواضع قال الشاعر : فأوفض عنها وهي ترعو حشاشة بذي نفسها والسيف عُريان أحمر "(2)
الثالث : أجاز قوم منهم ثعلب منع المصروف في الكلام شعراً ونثراً ، ولعل هؤلاء نظروا
إلي أن الصرف والمنع راجع إلي لهجات العرب المختلفة .
ومقالة هؤلاء بخلاف مقالة البصريين والكوفيين ، فإنهم اتفقوا على أن المنع من
الصرف لا يقع في الكلام النثري ، ثم اختلفوا في الشعر منه .
ومن المهم الوقوف علي مذهب الكوفيين والبصريين في هذه المسألة .
أولاً : رأي الكوفيين
أجاز معظم الكوفيين و الأخفش والفارسي (3) وابن برهان (4) وغيرهم منع المصروف ، واستند هؤلاء إلي السماع والقياس ، أما السماع فقد سمع من الشعر الكثير مما فيه ترك صرف ما ينصرف ، وسبق نماذج له عند ذكر تعليق أبي العلاء علي بيت ابن أبي حصينة .
__________
(1) ... البيت من بحر الكامل ، وهو في الديوان 1/144 . ...
(2) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/146 . ...
(3) ... انظر رأيهم في : شرح السيرافي للكتاب 2/104 ، والإنصاف 2/4493 ، وشرح الجمل لابن
عصفور 2/566 ، والارتشاف 2/892 ، و ائتلاف النصرة صـ 59 . و يقول أستاذي الدكتورمصطفى خاطر عن عزو هذا الرأي للكوفيين في كتابه ( مسائل الخلاف للأنباري بين الإنصاف والاعتساف) صـ280:" والملاحظ أن المبرد لم يذكر خلافاً في هذا الذي ذكره ولم يشر أو يذكر أن الأخفش يرى جواز منع المنصرف في ضرورة الشعر, هذا ولم أقف في معاني القرآن للفراء, ولا في معاني القرآن للأخفش ولا في مجالس ثعلب ولافي الأصول لابن السراج على ما يشير إلى هذا الذي عزاه الأنباري إلى الكوفيين , فلعل هذا عند المتأخرين منهم ". ...
(4) ... انظر رأيه في : شرح اللمع له 2/501 ، والإنصاف 2/493 ، وائتلاف النصرة صـ 59 . ...(1/297)
لكن الأبيات التي استند إليها هؤلاء تعرضت من قبل المانعين إما للإنكار أو التأويل ،
فيخرج علي وجه يصح معه المنع من الصرف (1) ، ومن هذا إنكار المبرد (2) لرواية البيت : وَما كانَ حِصن ٌولا حابِسٌ يَفوقانِ مِرداسَ في مَجمَعِ
قال : إن الرواية الصحيحة : ( يفوقان شيخي في مجمع ) .
و قال المنكرون في قول الشاعر :
ومُصعَبُ حين َ جِدِّ الأمـ ر أَكثَرُها وَأَطيَبُها (3)
الرواية الصحيحة : ( وأنتم حين جد الأمر ) (4) .
وقفة مع إنكار الروايات
نشأ إنكار الروايات من تعدد الرواية (5) في البيت الواحد ، بحيث يكون في إحداها شاهد علي قاعدة ٍما وضعها النحويون في حين تخلو الرواية الثانية من هذا الشاهد ، فهل يقال كما قال ابن جني في بيت( ابن مرداس ) السابق " رواية بروايةِ والقياس فيما بعد معنا "(6) . وقوله في موضع آخر " رواية برواية والقياس من بعد حاكم " (7).
__________
(1) ... انظر : الإنصاف 2/514 ، 520 ، وشرح الجمل لابن عصفور 2/568 :570 . ...
(2) ... انظر : الأصول 3/437 ، وشرح السيرافي للكتاب 2/105 ، وشرح ديوان ابن أبي حصينة للمعري 2/91 ,وسر الصناعة 2/101 ، والإنصاف 2/500، وابن يعيش 1/68 . ...
(3) ... البيت من الوافر المجزوء ، لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه صـ124 ،برواية لَمُصعَبُ عِندَ جِدِّ القَو لِ أَكثَرُها وَأَطيَبُها , وهو في الأصول 3/439 ، وشرح السيرافي 2/104، والإنصاف 2/501 ، وابن يعيش 1/68 ، وأنكر البصريون روايته علي هذا النحو . ...
(4) ... انظر : الأصول 3/438، والإنصاف 2/500، وابن يعيش 1/68 .
(5) ... انظر الكلام علي تعدد الرواية في : النوادر لأبي زيد صـ526 : 530. , و العمدة 2/985 ، ومجالس ثعلب 2/413 ، وتاريخ آداب العرب للرافعي 1/319 ... .
(6) ... سر الصناعة 2/101 . ...
(7) ... الخصائص 2/386 ، ...(1/298)
إذا أخذ برأي ابن جني هذا ، فكيف تُفسر الأبيات المردود روايتها ؟ هل يقال فيها أنها من غلط الرواة فلا يستدل بها ؟
الواقع كما يقول السيوطي أنه كثيراً ما تروي الأبيات علي أوجه مختلفة ، وربما كان الشاهد في بعض دون بعض ، فربما كان الشاعر أنشده مرة هكذا ومرة هكذا (1) .
ويحتمل أن يكون من تغيير الرواة ؛ فإن العرب كما يقول ابن هشام كانت تنشد بعضهم شعربعض ، وكل يتكلم علي مقتضي سجيته التي فُطر عليها ، فتكثر الروايات في بعض الأبيات(2) .
فكأن الأمر إذن راجع إلي اختلاف اللغات ، واللغات كلها حجة كما يقول ابن جني (3).
وعليه فإن الرواية لو ثبتت عن ثقة لم يجز ردها ، وإن ثبتت رواية أخري (4) .
أما إذا لم يتعرض البيت للإنكار فإنه يدخله التأويل من قبل المانعين ، ومثال هذا ما قالوه في قول الشاعر: وَمِمَّن وَلَدوا عامِرَ ذو الطولِ وَذو العَرضِ
فإن البصريين قالوا فيه إن ( عامر ) في البيت يستحق المنع ؛ لأنه جعله علماً علي القبيلة ؛
إذ هو أبوها ، فمُنع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي ، وإنما قيل( ذو ) حملاً علي
المعني ؛ والحمل علي المعني كثير في كلامهم (5) .
وممن أوّل هذا التأويل أبو العلاء المعري ، قال في صرف ( مرداس ) في بيت عباس بن مرداس السابق : " وكان محمد بن يزيد المبرد ينشد : ( يفوقان شيخي في مجمع ) ، وإذا ترك التنوين جاز أن يذهب بهذا الاسم مذهب ( كلاب و عقيل ونمير ) (6) ؛لأن الله تعالي قد أنشأ تلك الشجرة فروعاًِ كثيرة "(7).
__________
(1) ... انظر : الاقتراح صـ48 . ...
(2) ... انظر: السابق نفسه صـ 48 . ...
(3) ... الخصائص 2/386 . ...
(4) ... انظر : شرح الكافية للرضي 1/108 .
(5) ... انظر : الأصول 3/437 ، وشرح السيرافي للكتاب 2/105 ، والإنصاف 2/506 ، وابن يعيش 1 ... /68 و شرح الجمل لابن عصفور 2/569 . ...
(6) ... هذه أسماء قبائل . ...
(7) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/91 . ...(1/299)
إن ما قاله البصريون من التأويل في هذا البيت ممكن ، كما يقول ابن عصفور(1) ولكنه لا يستقيم في باقي الأبيات التي سمع فيها ترك التنوين ؟
لاشك أن مقالة النحويين ( ما لا يحتاج إلي تأويل أولي مما يحتاج ) تحل المشكلة في هذه المسألة .
ويبقي البصريون بين الإنكار والتأويل ، وكلاهما فيه مقالة كما سبق .
* * *
كان ما سبق هو الحجة الأولي للكوفيين في جواز منع المصروف في ضرورة الشعر , وهو السماع .
أما الحجة الثانية لهم ، فهي القياس علي حذف الواو المتحركة للضرورة من نحو قوله :
فَبَيناهُ يَشري رَحلَهُ قال قائِلٌ لِمَن جَمَلٌ رِخوُ المِلاطِ نجيبُ(2)
فحذف الواو من ( هو ) وأصل الكلام : ( فبيناهو ) والواو حرف أصلي ، فلأن يجوز حذف التنوين وهو زائد أولي (3).
وقد رد البصريون هذا القياس بأن حذف الواو من ( هو ) في البيت السابق لا يؤدي إلي الالتباس ، بخلاف حذف التنوين ؛ إذ يؤدي حذفه إلي إشكال في معرفة المصروف من الممنوع (4).لكن كلام البصريين لا يستقيم لهم ؛ إذ أجازوا في ضرورة الشعرأن يحذف التنوين من الاسم المصروف ، فهلا منعوه لئلا يلتبس المصروف بالممنوع قياساً علي منعهم
ترك صرف ماينصرف فراراً من اللبس(5) .
وقد يستدل الكوفيون بأن الشاعر له أن يجري الوصل مجري الوقف حتى أنه يصل الاسم
__________
(1) ... انظر : الضرائر لابن عصفور صـ 79 . ...
(2) ... البيت من الطويل ونسب إلي العجير السلولي وإلي المخلب الهلالي في الخزانة 5/260 ، والبيت في الخصائص 1/70 ، والإنصاف 2/512 ، 513 ، 514 ، ابن يعيش 1/68 و الخزانة 1/150 ، 5/257,9/473 ، و ( يشري) : هنا بمعني : يبيع ، وهو من الأضداد ، ( الرحل) كل شيئ يعد للرحيل من وعاء ومركب ، و( الملاط) بكسر الميم الجنب ، و( رخو الملاط) سهله.
(3) ... انظر : الأصول 3/439 ، وشرح السيرافي 2/107 , والإنصاف 2/513 ، وابن يعيش 1/68 .
(4) ... انظر: الإنصاف 2/514 . ...
(5) ... انظر الإنصاف 2/520. ...(1/300)
المؤنث بالهاء كما يقف عليه ، فلأن يجوز له حذف التنوين ، وإبقاء الحركة أولي (1).
ثانياً: رأى البصريين
منع أغلب البصريين ترك صرف ما ينصرف وأنكروا أو أوّلوا ما سمع فيه ترك التنوين كما سبق ، واستندوا في هذا إلي أنه ليس للممنوع من الصرف أصل يرد إليه بصرفه ؛ إذ الأصل في الأسماء أن يدخلها التنوين ، لا أن يحذف منها , بخلاف صرف الممنوع ؛ لأن الأصل في الأسماء الصرف (2) وكلامهم هذا قد ينتقض بأن الأصل في الأعلام – خاصة – أن لا يدخلها التنوين إلا لعلة علي رأي السهيلي ، فإذا حذف التنوين رجع الاسم إلي أصله .
وعلي فرض أن القياس عند البصريين أقوي منه عند الكوفيين فإنه إذا تعارض قوة القياس وكثرة الاستعمال ، قُدم ما كثر استعماله كما يقول ابن جني (3). أو كما يقول الأنباري : " والاستدلال بالقياس في مقابلة النص عن العرب في ترك الصرف لايجوز " (4) .
ولهذا قال : " والذي أذهب إليه في هذه المسألة مذهب الكوفيين , لكثرة النقل الذي خرج عن حكم الشذوذ ، لا لقوته في القياس " (5) .
وأفضل من ... هذا كله ما ذكره سيبويه من أن التنوين علامة للامكن عندهم والأخف عليهم
__________
(1) ... انظر : اللباب 1/524. ...
(2) ... انظر : المقتضب 3/354 ، والضرائر لابن عصفور صـ 78 ، والإنصاف 2/514 . ...
(3) ... انظر :الخصائص 1/125 ، والاقتراح صـ 109 . ...
(4) ... الإغراب في جدل الإعراب صـ 54 . ...
(5) ... الإنصاف 2/514 . ...(1/301)
وتركه علامة لمايستثقلون(1) .
__________
(1) ... الكتاب 1/22, ومن هذا يفهم أن علة دخول التنوين في الأسماء أو حذفه أمر استحساني لا وجوبي ؛ لأن الخفة والثقل أمر نسبي , يختلف باختلاف السياق والمقام , كما يختلف باختلاف اللهجات وهو ما يعزز الفهم المذكور سابقاً بأن الصرف وعدمه قد يكون راجعاً لاختلاف اللهجات , يقول د/ أحمد عبد التواب الفيومي في بحثه : ( الألفاظ الشاذة في اللغة والنحو/ دراسة و تبويب) بحث منشور بحولية كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة العدد 11 سنة 1413 ـ 1993 :" ويبدو أن هذه النون كانت تلحق الاسم على سبيل الاستحسان والإباحة لا على سبيل الحتمية والإلزام بحيث كان للناطق الحق في النطق بها وزيادتها على آخر الكلمة أو تركها. ويقدم تفسيراً لدخول النون في بعض الأسماء دون بعض , وقال صـ589:" وعلى أية حال فإن العربية قد اتجهت في مرحلتها الأخيرة إلى عدم إلحاق هذه النون بالكلمات التي ثقلت بكثرة عدد أحرفها نحو ( معد يكرب) و( مساجد) و( مصابيح) وبالكلمات التي خرجت ونقلت عن بابها إلى باب آخر , للإشعار بأنها منقولة , لا أنها أصل في بابها. كما لا تلحق ( حمراء) و( صفراء) ونحوهما لئلا يثقل آخر الكلمة بكثرة الزيادات . وقد يعزز هذا الكلام الذي ذكره الدكتور أحمد عبد التواب ماجاء في الأشباه والنظائر2/164 : "الجموع تستثقل , فإذا كان فيها ياء خففت إما بالبدل ..وإمابالقلب ... وإما بالحذف " .
وفي الأشباه 2/163: " قال في البسيط لايوجد في الجمع ثلاثة أحرف أصول بعد ألف التكسير لئلا يكون صدر الكلمة أقل من عجزها" .
يقول الدكتور أحمد عبد التواب عن فائدة دخول التنوين صـ 588: " والبحث يرى أن التنوين في كل هذه الشواهد من باب واحد , وذا نمط ومنهج موحد غير مختلف , فهو في كل الحالات وفي جميع المواضع ليس إلا نوناً زيد ت على آخر الكلمة , لتحسين اللفظ بما تمنحه إ ياه وتضفي عليه من جرس صوتي خاص , كما قد يعمل بجانب هذا على استقامة واعتدال صيغة الكلمة , وإبرازها على وجه معتدل , ومثال ما تقبله مُثُُل العرب وأبنية كلامها , كما أنه كثيراً ما يلمس بدخولها تمكين المعنى وتحقيقه بما تمنحه هذه النون من فضل تثبت وطول إقامة على اللفظ .
وفي ( ظاهرة التنوين في اللغة العربية ـ د/عوض مرسي جهاوي صـ33 ) :" الوقف على الكلمة بالتنوين يغير من نظام مقاطعها , فمحمد عندما وقفنا عليها بالحركة ـ بدون تنوين ـ وجدنا انها تكونت من أربع مقاطع من النوع الول , ولكن إذاوقفنا عليها منونة نجد أنها تتكون من أربعة مقاطع ـ أيضاً ـ ولكن على نظام آخر ...ولابد أن يؤثرالتنوين في تحديد موضع النبر في الكلمة ".
وفسر في بحثه المذكور قريباً صـ 583 الجر بالفتحة في الأسماءالمخصوصة بـ أن: " مسألة المنع من الصرف تبنى وتقوم على العدول عن النطق بالكسرة في حالة الجر إلى النطق بالفتحة , ويمثل هذا التصرف مسألة مستقلة ليس لها ارتباط أو تعلق بمسألة ترك التنوين " .
وهذا منه يذ كِّر برأي ابن عصفور الذي يرى أنه لابد من اجتماع الأمرين معاً , حذف التنوين والجر بالفتحة . فكأن ابن عصفور يرى جواز حذف التنوين , وإن كان الاسم ممنوعاً من الصرف .
أما لماذا يجر الاسم بالفتحة دون الكسرة في هذا الباب , فلما سبق قوله من أن التنوين لا يدخل الأسماء الثقيلة , ومثل هل يستحسن معه ختم الاسم بالفتحة دون الكسرة ؛ إذ الكسرة ثقيلة , والفتحة علم الخفة , والتعاقب بينهما شائع , فقد تعاقبا في باب جمع المؤنث السالم , وتعاقبا هنا , و اشتركا في إعراب المثنى وجمع المذكر السالم في حالتي النصب والجر . ...(1/302)
* * *
ما يترتب علي ما سبق من أوجه الاستعمال الجائزة والممتنعة .
1- ترك صرف نحو ( محمد ) في الشعر مرفوعاً أو منصوباً أو مخفوضاً جائز
عند السهيلي .
2- ترك صرف نحو ( محمد ) و ( عريان ) في االشعر والنثر جائز عند ثعلب .
3- ترك صرف نحو ( محمد ) و ( عريان ) مرفوعاً أو منصوباً أو مخفوضاً
جائزعند الكوفيين في الشعر ممتنع في النثر .
4- ترك صرف نحو ( محمد ) و ( عريان ) مرفوعاً أو منصوباً أو مخفوضاً
ممتنع عند البصريين في الشعر والنثر .
5- حذف التنوين من نحو ( محمد ) و ( عريان ) في الشعر جاء مرفوعاً أو
منصوباً ليس من المتروك صرفه عند ابن عصفور ، بخلافه إذا جاء
مخفوضاً .
صرف الممنوع من الصرف
نظر النحويون في الأسماء العربية ، فوجدوا منها منوناً وغير منون ، فسموا الأول بالمنصرف ، والثاني بغير المنصرف ، أو بالمجري وغير المجري (1) وعللوه بأن الأول متمكن أمكن في باب الإسمية ، فلخفته يجوز أن يلحقه نوع ثقل ، وهو التنوين .
أما الثاني ، ففيه من شبه الفعل شيء وكما لا يدخل الفعل التنوين ؛ لأنه ثقيل - أثقل من الاسم – فكذلك ما أشبهه من الأسماء ، وجعلوا هذا النوع من الأسماء متمكناً لكنه ، ليس أمكن في باب الإسمية .
__________
(1) ... عبارة سيبويه في الكتاب 3/193 " هذا باب ما ينصرف وما لا ينصرف " وعبارة المبرد في
المقتضب 3/309 : " ما يجري وما لا يجري " وفي ابن يعيش 1/57 أن البغداديين يسمون باب ما لا ينصرف : باب ما لا يجري ، قال " والصرف قريب من الإجراء ؛ لأن صرف الاسم إجراؤه علي ما له في الأصل من دخول الحركات الثلاث التي هي علامات الإعراب " . وانظر : مجالس ثعلب 1/128 ، والمدارس النحوية للدكتور شوقي ضيف صـ167 .(1/303)
وعليه قالوا إن نحو ( محمد ) منصرف يدخله التنوين ، أما نحو ( أحمد ) فممنوع من الصرف ، مع أن( محمداً ) أثقل في اللفظ من ( أحمد ) ؛ إذ حروفه أكثر منه ، كما أن ( محمداً) بما فيه من تضعيف يضيف ثقلاً آخر ليس موجوداً في ( أحمد ) وعلتهم هذه اعترض عليها السهيلي (1) وسيأتي الكلام عليها (2).
ثم قالوا : إن الأسماء كلها حقها الصرف ، أما ما مُنع منها ، فلشبهها بالفعل ، ولهذا يجوز في الضرورة أن ترد الأسماء الممنوعة إلي أصلها ، وهو الصرف . ومن هذا قول امرئ
القيس : تَقَطَّعُ أَسبابُ اللُبانَةِ وَالهَوى عَشِيَّةَ جاوَزنا حَماةَ وَشَيزَرا(3)
وفيه يقول أبو العلاء عن صرف ( حماة ) و ( شيرزا ) في البيت " وصرفتا لضرورة الشعر كما يصرف غيرهما مما لا ينصرف "(4) .
وصرف الممنوع من الصرف جائز عند النحويين جميعهم ؛ لأنه الأصل في الأسماء ، وبصرفها ترد إلي أصلها(5).
لكن هل صرف الممنوع من الصرف مطرد في الأسماء كلها ؟
استثني الكوفيون من هذا ( أفعل من ) ، وعللوه بأن ( من ) فيه قامت مقام الإضافة ، ولا
يجوز الجمع بين التنوين والإضافة ، فكذلك ما قام مقام الإضافة وهو ( من ) .
__________
(1) ... عقد السهيلي في أماليه صـ1 فصلاً بعنوان " مسالة فيما لا ينصرف من الأسماء " .
(2) ... في مسألة ( ترك صرف ما ينصرف) . ...
(3) ... البيت من بحر الطويل ، وهو لامرئ القيس في ديوانه صـ 62, وذكره المعري أثناء شرحه لقصيدة ابن أبي حصينة التي مطلعها :
ما قُدِّمَ البَغيُ إِلّا أُخِّرَ الرَشَدُ وَالناسُ يُلقونَ عُقبى كُلِّ ما اِعتَقَدُوا ...
(4) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/168 .
(5) ... انظر : الكتاب 1/26 ، والمقتضب 3/354 ، والأصول 3/346 ، وأمالي الزجاجي صـ 84 ، وشرح الكتاب للسيرافي 2/101 ، وسر الصناعة 2/101 ، واللباب 1/522 ، والمقرب 2/279 ، والأشموني 3/273 . ...(1/304)
أما البصريون فذهبوا إلي جوازه ؛ لأنه ليست ( من ) قائمة مقام الإضافة(1)" ولأنه يلزمهم أن يمنع الصرف من ( خير ) من قولهم ( مررت برجل خير من عمرو ) و( هذا خير منك ) والعرب لم تمنعه الصرف قط ، فدل علي أنه امتنع من الصرف لوزن الفعل والصفة ، فلما زال وزن الفعل
صرف " (2).
واستثني الكوفيون أيضاً ما آخره ألف التأنيث ، (3),وعللوه بأنه لا فائدة فيه ؛ لأنه مستوفي الرفع والنصب والجر ، ولأنه إذا زيد فيه التنوين سقطت الألف لالتقاء الساكنين ، فينقص بقدر ما يزيد (4) .
" لكن قد يكون فيه فائدة بأن تلتقي الألف مع ساكن بعده ، فيحتاج الشاعر إلي كسر الأول ، فينون ثم يكسر ، ومقتضي هذا أنه إذا لم يحتج إلي تنوينه لم ينون " (5) .
وهل صرف الممنوع من الصرف خاص بضرورة الشعر ؟
__________
(1) ... انظر : الأصول 3/437 ، والسيرافي 2/101 ، واللباب 1/522 ، والإنصاف 2/488 ، وشرح الكافيةللرضي 1/107 ، وائتلاف النصرة صـ 64 ، والارتشاف 2/891 ، والأشموني 3/273 ، وما فات لإنصاف للدكتور فتحي بيومي حمودة صـ 343 . وقد نبه أستاذي الدكتور مصطفى خاطر في كتابه ( مسائل الخلاف للأنباري بين الإنصاف والاعتساف) صـ277إلى أن مذهب البصريين في (أفعل منك) أنه لاينصرف معرفة ولانكرة, وأثبت ذلك من خلال كتب البصريين , ومنها كتاب سيبويه 3/202, والمقتضب 3/377 . وقد ذكر أيضاً في صـ278أن الكوفيين لا يعدون مخالفين للبصريين في هذه المسألة , و أثبت ذلك بالدليل . ...
(2) ... شرح الجمل لابن عصفور 2/112 ، وانظر : الإنصاف2/491 . ...
(3) ... انظر : الارتشاف 2/891 ، 892 ، و المساعد 3/43, والهمع 1/121 ، وحاشية الصبان 3/274 ، وما فات الإنصاف صـ 343 . ...
(4) ... انظر : الهمع 1/121، وحاشية الصبان 3/274 . ... ...
(5) ... حاشية الصبان 3/274 , وانظر :الهمع 1/121 . ...(1/305)
ذكر ابن هشام (1) وغيره أن صرف الممنوع قد يعرض لأسباب أربعة ، وهي :
تنكير العلم ، والتصغير ، و الضرورة ، و الأخير يشمل أمرين أولهما : ما دخله الكسر ، دون التنوين ، وحقه الفتح ، كقول الشاعر:
إِذا ماغَزوا بِالجَيشِ حَلَّقَ فَوقَهُم عَصائِبُ طَيرٍ تَهتَدي بِعَصائِبِ(2)
وثانيهما : ما دخله الكسر مع التنوين ، كقول الشاعر :
وَيَومَ دَخَلتُ الخِدرَ خِدرَ عُنَيزَةٍ فَقالَت لَكَ الوَيلاتُ إِنَّكَ مُرجِلي(3)
والرابع الذي يصرف الممنوع لأجله التناسب للمنصرف كقراءة نافع والكسائي " إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلاَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا" (4)فصرف( سلاسلاً ) لمناسبة ( أغلالاً ) وحقها المنع ؛ لأنها علي صيغة الجمع المتناهي .
وقد أجاز الزمخشري أن يكون تنوين ( سلاسلاً ) بدلاً من حرف الإطلاق ، ويجري الوصل مجري الوقف .
كما أجاز أن يكون صاحب القراءة ممن ضري بروايةِ الشعر ، ومرن لسانه علي صرف غير المنصرف (5).
ويبدو أن الأمر في هذا الشأن راجع إلى اختلاف اللهجات , يتضح هذا من الآتي:
__________
(1) ... ذكره في :أوضح المسالك 4/126 ، وانظر : شرح الجمل لابن خروف 2/897 ، 898 ، وأمالي ابن الحاجب2/521 ، والارتشاف 2/891 ، والمساعد 3/43 ، 44 ، والتصريح 2/287، والهمع 1/121. ...
(2) ... البيت من بحر الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه صـ 42 , وانظر : أساس البلاغة 1/137 ، وشرح المفصل 1/68 ، والحيوان للجاحظ 6/ 322 ، 7/21 ، والضرائر للألوسي صـ 133 ، و التصريح2/227 ، والخزانة 4/289 . ...
(3) ... البيت من بحر الطويل ، وهو لامرئ القيس في ديوانه صـ 11 , و التصريح 2/227 ، والضرئر
للألوسي صـ 133 ، الأشموني 3/274 ، والمعلقات العشر للشنقيطي صـ 64 . ...
(4) ... سورة الإنسان ,الآية: 4 ، وانظر هذه القراءة في معاني القرآن للفراء3/214 ، والإملاء للعكبري 2/41 ،والبحر المحيط 10/360 ,و الإتحاف 2/576. ...
(5) ... انظر : الكشاف 4/667 . ...(1/306)
• حكي الأخفش أن بعض العرب يصرف الجمع المتناهي ، قال سمعت ذلك ، وسببه جمعهم له جمع سلامة نحو ( صواحبات ) فأشبه بذلك الآحاد (1)، لكن الصرف ورد في غير الجمع المتناهي (2) ، فقد قرأ الأعمش : " وَلَا يَغُوثَا وَيَعُوقَ وَنَسْرًا "(3) قال الزمخشري " وهذي قراءة مشكلة ؛ لأنهما إن كانا عربيين أو أعجمين ، ففيهما سبب منع الصرف : إما التعريف ووزن الفعل , وإما التعريف و العجمة ,ولعله ، قصد الازدواج فصرفهما , لمصادفته أخواتهما منصرفات " وداً و سواعاً ونسرا " (4) ومع هذا فالصرف أكثر في الجمع منه في غيره حتي قال بعض الرجاز :
والصرفُ في الجمعِ أتي كثيراً حتى ادعي القومُ به التخييرا(5)
• وحكي الأخفش أيضاً أن صرف ما لا ينصرف مطلقاً لغة لقوم (6).
• وأجازه الكسائي(7) وثعلب (8) وأنكره غيرهما كما قال الرضي ؛ لأنه ليس بمشهور
عن عن أحد في الاختيار (9).
قال ابن عقيل : " والأعرف قصر ذلك علي نحو ( سلاسل ) و ( قواريراً ) (10) .
__________
(1) ... انظر : البحر المحيط 10/360 , والمساعد 3/44 ، وحاشية الصبان 3/275 . ...
(2) ... انظر : التصريح 2/227 . ...
(3) ... سورة نوح من الآية: 23 ، وانظر هذه القراءة في مختصر شواذ القرآن صـ 162 ، والكشاف 4/619 ، والبحر المحيط 10/286 , والإتحاف 2/564. ...
(4) ... الكشاف 4/619 . ...
(5) ... انظر : البحر المحيط 10/360 . ... ...
(6) ... انظر رأي الأخفش في : شرح الكافية للرضي 1/ 106 ، 107 ، و الارتشاف2/891 ، والمساعد3/44 ، والتصريح 2/227 ، 228 ،والهمع 1/121 , وحاشية الصبان 3/275 .
(7) ... انظر رأيه في : شرح الكافية للرضي 1/107 . ...
(8) ... انظر رأيه في : الارتشاف 2/891 ، والمساعد 3/44 ، والهمع 1/121 ، والأشموني 3/276 .
(9) ... شرح الكافية للرضي 1/107 . ...
(10) ... المساعد 3/44 . ... ...(1/307)
ولعل هذا ماجعل أحد الباحثين يعتبر صرف الممنوع مرده إلى اختلاف اللهجات (1) .
ما يترتب علي ما سبق من أوجه الاستعمال الجائزة والممتنعة .
1- نحو ( أحمد ) و ( إبراهيم ) يجوز جرهما بالكسرة ودخول التنوين فيهما في
ضرورة الشعر .
2- نحو ( مساجد ) و ( سجاجيد ) يجوز صرفهما ، فيدخلهما الكسر والتنوين
مطلقاً في غير شعر عند قوم في لغة لهم .
3- نحو( أحمد ) و ( إبراهيم ) و ( أحمر ) ... وكل ما كان ممنوعاً من الصرف
4- يجوز صرفه فيدخله الجر والتنوين ، في لغة حكاها الأخفش عن قوم ,
وأجازها الكسائي وثعلب
5- نحو ( قابلت محمداً و أحمداً ) قد يجوز للتناسب .
إشباع الحركات فى ضرورة الشعر
الحركات الثلاث : الفتحة والضمة والكسرة هى بالترتيب أبعاض حروف المد واللين : الألف والواو والياء (2) . فإذا حدث لهذه الحركات مط أو إشباع انتقلت من حيِّز الحركات القصار إلى مجال حروف المد واللين ، وقد يجرى لهذه الحروف اقتصار ، فيكتفى من الألف بالفتحة ، ومن الواو بالضمة ، ومن الهاء بالكسرة ، وهو ما سماه ابن فارس بالقبض ، كما سبق.
وكما أن الحذف والاقتصار أو القبض من سنن العرب كما قال ابن فارس (3) فكذلك الإشباع أو المطل . فإن "العرب تبسط الاسم والفعل فتزيد فى عدد حروفهما" (4) وإذا فعلت ذلك " أنشأت عن الحركة الحرف من جنسها ، فتنشئ بعد الفتحة الألف ، وبعد الكسرة الياء ، وبعد الضمة الواو" (5) .
__________
(1) ... هو الكتور عبده الراجحي في كتابه : اللهجات العربية في القراءات القرآنية صـ191. ...
(2) ... انظر: الخصائص 2/317 وسر الصناعة 1/28 .
(3) ... انظر :الصاحبي صـ 381 .
(4) ... الصاحبي صـ 380 .
(5) ... الخصائص 3/123 ، وانظر:الحجة 1/59 ، 60 , وسر الصناعة 1/59، 60 .(1/308)
ولهذا الإشباع وظائف , منها : إقامة وزن الشعر وتسوية قوافيه يقول ابن جنى:" وإذا احتاج الشاعر إلى إقامة الوزن مطل الحركة ، وأنشأ عنها حرفاً من جنسها" (1) ويقول ابن فارس " ولعل أكثر ذلك لإقامة وزن الشعر وتسوية قوافيه" (2) ، فالفتحة إذا أشبعت يتولد عنها الألف ، ومن هذا قول ابن هرمة (3) .
وَأَنتَ مِن الغَوائِلِ حينَ تُرمى وَمِن ذَمِّ الرِجالِ بِمُنتَزاحِ (4)
أنشده الجوهرى ، وقال : "أشبع فتحة الزاى فتولدت الألف" (5) .
وهذا من الإشباع فى الاسم ، ومثله جاء قول ابن أبى حصينة :
وَلَم تَكُن يَومَ أَعزالٍ فَوارِسُنا بِئسَ الفَوارِسُ وَالقَسطالُ مُنعَقِدُ (6)
وفى هذا يقول أبو العلاء "والقَسْطَال" فى معنى القسطل ، وإنما يستعمل لضرورة يراد به : الغبار قال أوس بن حجر:
* وَالخَيلُ خارِجَةٌ مِنَ القَسطالِ *(7)
__________
(1) ... الخصائص 2/317 ، وانظر: سر الصناعة 1/33 .
(2) ... الصاحبي صـ 380 .
(3) ... هو: إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة بن الهديل بن ربيع بن عامر بن صبيح بن الحارث بن فهر - وفهرٌ أصل قريش، فمن لم يكن من ولده لم يعد من قريش، كان يقول: أنا ألأم العرب. كان الأصمعي يقول : ختم الشعراء بابن هرمة، والحكم الخضري، وابن ميادة، وطفيل الكناني، ومكين العذري. انظر ترحمته في :الأغاني 4/361.
(4) ... البيت من بحر الوافر لابن هرمة ، وهو فى : الحجة 1/60 والخصائص 2/106 ، وسر الصناعة
1/35، والمحتسب 1/166 ، 340،والإنصاف 1/255 ،وضرائر الشعر لابن عصفور صـ24، وشرح شواهد الشافية صـ 25 ، والخزانة 7/557 .
(5) ... الصحاح , مادة (نزح) .
(6) ... البيت من بحر البسيط ، وهو فى الديوان 1/ 160 .
(7) ... عجز بيت من بحر الكامل , وهو فى ديوان أوس بن حجر صـ 108 والخصائص 3/16 . وصدر البيت *وَلَنِعمَ مَأوى المُستَضيفِ إِذا دَع * ...(1/309)
وهم يزيدون الألف بعد الحرف المفتوح إذا احتاجوا إلى ذلك لإقامة الوزن ، قال الراجز (1) : أَعُوذُ بالله من العَقْرَابِ الشَّائِلاَتِ عُقَدَ الأَذْنَابِ
و(َ فَعْلال) في غير المضاعف قليل(2), وإنما يستعملونه في مثل ( الَزْلَزال ) و ( الجَرْجَار ) و هو ضرب من النبت, و ( جسد مَرْمار ) , أي متمرمر, أي مُرِّر في نعمة (3) , وقالوا في غير المضاعف : ناقة ( خَزْعَال (4), أي ظلع " (5) .
وواضح من هذا النص أن أبا العلاء قال بالضرورة هنا ؛ لأن الإشباع أدى إلى بناء قليل في غير المضاعف , وهو( فَعْلَال) .
ومن إشباع الفتحة فى الفعل قول الشاعر :
__________
(1) ... الرجز بلا نسبة فى رسالة الملائكة صـ 215، وضرائر الشعر لابن عصفور صـ 24 ، 25 ، وشرح الجمل له 1/12 ، 2/557 ، ورصف المبانى صـ 12 ،والارتشاف 5/2391 ، والضرائر للألوسى صـ 285 ، ونسب لدهلب بن قريع فى اللسان مادة (وشح) . ...
(2) ... انظر: ليس فى كلام العرب صـ 60 , والخصائص 3/216 ، ورسالة الغفران صـ342 ، وأبنية الأسماء والأفعال والمصادر لابن القطاع صـ 300 ، وشرح أدب الكاتب لابن الجواليقي ... صـ 209 , والمزهر 2/65 ، والسماع والقياس لأحمد تيمور صـ 58 ، ودراسات فى أسلوب القرآن الكريم 5/508 ، 509 ...
(3) ... في التاج , مادة ( مرر) : " المَرْمَر والمَرْمار: الناعمُ المُرْتَجُّ، كالمُرامِر، كعُلابِط، والمَرْمور، ... يقال: جسمٌ مَرْمَارٌ ومَرْمُورٌ ومُرامِر: ناعم " . ...
(4) ... في الجمهرة تحت الجذر ( خذ ) : " قولهم: ناقة بها خَزْعال، بفتح الخاء. قال أبو بكر: وليس في كلامهم فَعْلال، غير مضاعف، غير هذا الحرف، إذا كانت تنبُث التراب برجليها إذا مشت ".
(5) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة2/ 166 ، وانظر: الفصول والغايات صـ 123 ، 124 .(1/310)
يَنباعُ مِن ذِفرى غَضوبٍ جَسرَةٍ زَيّافَةٍ مِثلَ الفَنيقِ المُكدَمِ (1)
بإشباع فتحة ( ينبع) ، وإن كان ابن الأعرابى يرى أن الألف من الكلمة أصلية، فهو على وزن
( ينفعل) من ( باع يبوع ) إذا مر مراً ليناً فيه تَلَوِّ(2) لكن القول بالإشباع فى البيت قول كثير من
النحويين (3) .
__________
(1) ... البيت من بحر الكامل لعنترة فى ديوانه صـ 195 ، وهو فى :الخصائص 3/121 ، 122 ، وسر
الصناعة 2/297 ، والمحتسب 1/78 ،166 ، 258 ، وضرائر الشعر لابن عصور صـ25 ، وشرح الشافية 1/7 ، 2 /84 ، ورصف المبانى صـ 91 ، وشرح شواهد الشافية صـ 24 ، والخرانة 1/122 ، 11 ، 183 ، والضرائر للألوسي صـ 284 ، و(الذفرى) : العظم خلف الأذن ، و(الغضوب) هى الناقة ، و(الجسرة) : الطويلة العظيمة الجسم ، و(الزيافة) : السريعة ، و(الفنيق) الفخل ، (المكرم) وروى البيت بـ رواية (المقرم) وكلاهما : الفحل الذى يترك من العمل ويودع للضراب .
(2) ... انظر: الخزانة 1/122 . وفي التاج مادة ( بوع ) : " انْبَاعَ العَرَقُ: سالَ، قالَ عَنْتَرَةُ العَبْسِيّ:
يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْرَى غَضَوبٍ جَسْرَةٍ زَيَّافَةٍ مِثْلِ الفَنِيقِ المُكْدَمِ
وَصَفَ عَرَقَ النَّاقَةِ، وأَنَّهُ يَتَلَوَّى في هذا المَوْضِعِ، وأَصْلُه يَنْبَوِعُ، صارَت الوَاو أَلفِاً لتَحَرُّكِها وانْفِتَاحِ ما قَبْلَها. وقَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ يَنْبَاع كانَ في الأَصْلِ يَنْبَعُ فوَصَلَ فَتْحَةَ الباءِ
بالأَلِفِ للإِشْبَاع. وقد حَقَّقْنَاه في رسالَتِنا: التَّعْرِيف بضَرُورِيِّ عِلْمِ التَّصْرِيف. ويُرْوَى يَنْهَمُّ. وكُلُّ راشِحٍ يَنْبَاعٌ. وأَنْشَدَ ابنُ فارِسٍ في الزَّيْتِ:
ومُطَّرِدٌ لَدْنُ الكُعُوبِ كَأَنَّمَا تَغَشَّاهُ مُنْبَاعٌ مِنَ الزَّيْتِ سائِلُ " .
فظهر من هذا النص أن الألف في ( ينباع ) أصل . ...
(3) ... انظر: الخصائص 1/121 ، 122 ، والمحتسب 1/78 ،166 ، وضرائر الشعر لابن عصفور
صـ 25.(1/311)
وإذا أشبعت الضمة يتولد عنها الواو ، كما فى قول الشاعر :
خَوْدٌ أَناةٌ كالمَهاة عُطْبُول كأَنَّ في أَنْيابها القَرَنْفُول (1)
وهذا فى الأسماء ، ومن إشباع الضمة فى الفعل ، قول ابن هرمة
وَأَنَّني حَوثُما يَشري الهَوى بَصَري مِن حَيثُما سَلَكوا أَدنو فَأَنظُورُ(2)
__________
(1) ... الرجز بلا نسبة فى الخصائص 3/126 ، برواية : ممكورة جم العظام عطبول كأن فى أنيابها القرنفول واانظرالبيت فى الإنصاف 6/24 ، وضرائر الشعر لابن عصفور صـ 26 ، وفي العين , مادة ( قرفل) مايفهم منه أن ( القرنفول) في ( القرنفل)ضرورة , قال : " القَرَنْفُلُ: حمل شجرة هندية.وطيب مُقَرْفل: فيه قَرَنْفُل، ويجوز للشاعر أن يقول: قَرَنْفُول.
لكن ما في اللسان مادة (قرنفل) يفهم منه أن ( القرنفول قد يكون لغة في ( القرنفل) , قال : " القَرَنْفُل والقَرَنْفُول: شجر هنديُّ ليس من نبات أَرض العرب؛ وذكره امرؤ القيس في شعره
فقال: نَسِيم الصَّبا جاءت برَيَّا القَرَنْفُل
ومن العرب من يقول قَرَنْفُول. ابن بري: القَرَنْفُل هذا الطيب الرائحة وقد كثر في كلامهم
وأَشعارهم؛ قال: وابأَبي ثَغْرك ذاك المَعْسولْ كأَنَّ في أَنْيابه القَرَنْفُولْ
وقيل: إِنما أَشبع الفاء للضرورة؛ وأَنشد الأَزهري في القَرَنْفول أَيضاً:
خَوْدٌ أَناةٌ كالمَهاة عُطْبُول كأَنَّ في أَنْيابها القَرَنْفُول ...
(2) ... البيت فى بحر البسيط لابن هرمة ، وهو فى إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج 3/932 ، والحجة للفارسى 1/59 ، ، والخصائص 2/316 ، وسر الصناعة 1/36 ، 2/297 ، والمحتسب 1/259 ، والصاحبي صـ 30 ، والضرائر للقزازصـ 176 ، وشواهد التوضيح صـ 24 ، والخزانة 1/121 ، و 7/ 7 ، 8 /220 ، والضرائر للألوسى صـ 283 . ...(1/312)
وإن كان أبو العلاء المعرى (1) ، وأبو بكر بن دريد (2) يريان أن ( أنظور) لغة طئ فى ( أنظر) وإذا أشبعت الكسرة يتولد عنها الياء ، كما فى قول الشاعر
كَأَنّي بِفَتخاءِ الجَناحَينِ لَقوَةٍ صَيودٍ مِنَ العِقبانِ طَأطَأتُ شيمالى (3)
وهذا من الإشباع فى الاسم المفرد ، وقد تزاد الياء فى الجمع (4) إشباعاً ، كما فى قول الشاعر : عليهنَّ فرسانٌ كرامٌ لباسُهم سَوايبِغُ بيضٌ لا تُخَرِّقُها النَبلُ"(5)
ويمكن أن يكون من إشباع الياء فى الفعل قول الشاعر :
... أَلَم يَبلُغكَ وَالأَنماءُ تَنمي بِما لاقَت لَبونُ بَني زِيادِ (6)
__________
(1) ... انظررأى المعرى فى : رسالة الملائكة صـ 218 , و ضرائر الشعر لابن عصفور صـ 27 .
(2) ... في الجمهرة , تحت الجذر ( رظن ) : " طيّىء: نظرتُ إليه أنظور، في معنى أنظُر. قال الشاعر:
*حتى كأنّ الهوى من حيث أنظورُ * أي أنظُر".
(3) ... البيت من الطويل لامرئ القيس فى ديوانه صـ 38 ، وهو فى الخصائص 1/11 برواية : (شملال) فى القافية ولاشاهد فيه، والبيت برواة الشاهد فى الإنصاف 1/28, وضرائر الشعر لابن عصفور صـ 27 . ...
(4) ... سيأتى الحديث مفصلاً عن هذه المسألة فى فصل جموع التكسير صـ 322 .
(5) ... البيت من بحر الطويل, لزهير وهو فى ديوانه صـ60 براوية (سوابغ) ولا شاهد فيها, وانظر البيت فى الارتشاف 5/2392, والأشمونى 4/152, والهمع 3/133.
(6) ... البيت من بحر الوافر لقيس بن زهير العبسي فى الكتاب 3/316 ، ومعانى القرآن للقراء 1/161 ... , و2/188 ، وما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرا فى :6 صـ ، والحجة 1/244 والخصائص
1/334 ،237 ، وسر الصناعة 1/81 ، 2/176 ، والمحتسب 1/67 ، والمنصف 2/81 ، 114 ... ,والصاحبي صـ 468 ، وشروح سقط الزند 4/1449 ، والإنصاف 1/30 ، وشرح المفصل
8/24 ، 10/104 ، والمقرب 1/50 ، وشرح الجمل 1/284 ، وشواهد التوضيح صـ 21 ، ورصف المبانى صـ 149 ، والارتشاف 4/1702 ، 5/3387 وأوضح المسالك 1/76 ، و التصريح 1/87 ، والأشموني 1/103 ، والخزانة 8/395 ، 361 ، 362 ،365 . وفي الحلل لابن السيد صـ411, 412 " وأنشد أبو القاسم في باب التصريف:
أَلَمْ يأْتِيكَ والأنْباء تَنْمِي بِما لاَقَتْ لَبُونُ بَنِي زِياد
هذا الشعر لقيس بن زهير العبسي. قاله فيما شجر بينه، وبين الربيع بن زيادة العبسي.وذلك أن أحيحة بن الجلاح، كان وهب لقيس درعاً يقال لها: ذات الحواش، فأخذها منه الربيع بن زياد، ولم يردها له فأغار قيس على إبل الربيع بن زياد، وأخذ له أربعمائة ناقة، وقتل رعاتها، وفر إلى مكة، فباعها من حرب بن أمية،وهشام بن المغيرة بخيل وسلاح، وقال في ذلك:
ألم يأتيك والأنباء تَنْمِي بما لاقتْ لَبُونُ بَنِي زيَادِ
وقوله: والأنباء تنمي يريد، شهرتها وسيرها في الناس حتى تصل، يقال: نمى الخبر لي، ينمي.
واللبون الإبل ذوات اللبن، وهو اسم مفرد أراد به الجنس.والباء في قوله: بما لاقت زائدة، كزيادتها في قوله تعالى: "وكفى بالله شهيداً". أجرى يأتيك مجرى الأفعال الصحيحة، فحذف الضمة للجزم لأنه إذا اضطر في غير جزم حركها بالضم. وقول أبي القاسم رحمه الله تعالى: إنها لغة خطأ" .(1/313)
هذا هو الغرض الأهم من الإشباع إقامة الشعر وتسوية قوافيه ، وقد جعل النحاة الإشباع ضرورة (1) بل هو من أقبح الضرائر (2) مثله فى ذلك مثل الحذف والاقتصار, وعلتهم فى هذا أنه خروج للكلمة عن أصل وضعها ، يقول السيوطى "أقبح الضرائر الزيادة المؤدية لما ليس أصلاً فى كلامهم كقوله (أدنو فأنظور) أى : أنظر ، والزيادة المؤدية لما يقل فى الكلام ، كقوله طأطأت شيمالى وكذلك النقص المجحف" (3) .
وكان أبو العلاء يرى هذا ، واستدل على أن الألف زائدة للإشباع فى
*وَالخَيلُ خارِجَةٌ مِنَ القَسطالِ *
... ... ... *أَعُوذُ بالله من العَقْرَابِ*
بأنه لو لم تكن الألف فيه زائدة للإشباع لأدَّت إلى وزن قليل وهو (فَعْلال) فى غير المضاعف ، يقول تعليقاً على البيتين السابقين : "و( فَعْلال) فى غير المضاعف قليل ، وإنما يستعملونه فى مثل (الزلزال) و ( الجرجار) (4) وقال فى قول الشاعر :* وَمِن ذَمِّ الرِجالِ بِمُنتَزاحِ*
"وهذه أبنية مستنكرة ، وإنما يستعمل مثلها فى الضرورة ،فأما فى عمود اللفظ ، فلا يجوز أن تقع .. ومن (مُفْتَعال) المستعمل فى الضرورة قول الشاعر ، أنشده الفارسى:
... * وعن شتم الرِجالِ بِمُنتَزاحِ *
يريد : بـ (منتزح) ، وما أعتقد أن شاعراً قوياً فى الفصاحة ، يريد مثل هذه الزيادات ، وإنما هى شواذ ونوادر ، وقد يجوز أن ينطق بها غير فصيح ؛لأن البيت إذا قاله القائل حمله الراشد والغوى ، وربما أنشده من العرب غير الفصيح فغيَّره بطبعه الردىء" (5) .
__________
(1) ... انظر: الضرائر للقزاز صـ 76، والإنصاف 1/31 , وضرائر الشعر لابن عصفور صـ 230 ، وشرح الجمل له1/120 ، 121 ، والارتشاف 5/2311, وموارد البصائر لفرائد الضرائرصـ 84 .
(2) ... انظر: المزهر 1/189 والهمع 3/2106 .
(3) ... المزهر 1/189 ، وانظر :الاقتراح صـ 20،21 والهمع 3/236
(4) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/166 ، 167 .
(5) ... رسالة الملائكة صـ 215, 216 بتصرف .(1/314)
هكذا حكم النحاة على الإشباع بالضرورة مع أنه عبارة عن مط للحركة القصيرة ، وإحداث حرف من جنس الحركة ، وقد أجرت العرب أيضاً الحرف مجرى الحركة فى قولهم لم يخشَ ، ولم يسعَ ولم يغزُ ، ولم يقضِ (1) وأجرت الحرف مجرى الحركة فى إعراب الأسماء الستة ، فالألف تنوب عن الفتحة , والواو تنوب عن الضمة ، والياء تنوب عن الكسرة ، وهذا رأى المازنى (2) ولكن النحاة لإثبات قاعدتهم ، قالوا "هذا ظاهر الفساد ؛ لأن إشباع الحركات إنما يكون ذلك فى ضرورة الشعر ، كما أنشدوه من الأبيات ، وأما فى حال الكلام فلا يجوز بالإجماع" (3) .
وهذا منهم صحيح إذا لم يوجد فى غير الشعر ، لكن المازنى يرى أنه يوجد فى الشعر وغيره(4) بل وجد فى القراءات القرآنية (5)، فمن إشباع الفتحة ، قوله تعالى " وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ "(6) قرأ الحسن ( تنحاتون) بإشباع الفتحة (7) كقوله :*ينباع من ذكرى غصوب جسرة *
__________
(1) ... انظر: سر الصناعة 1/36 .
(2) ... انظررأيه فى : ابن يعيش 1/78 ، وشرح الكافية 1/78 .
(3) ... الإنصاف 1/31 ، وانظر: ابن يعيش 1/52 ، وشرح التسهيل 1/43 ، وشرح الكافية 1/78 .
(4) ... انظر: شرح المفصل 1/52 .
(5) ... انظر: دراسات ف أسلوب القرآن الكريم 5/145 – 148 .
(6) ... سورة الشعراء من الآية :149 .
(7) ... انظرهذه القراءة فى :المختصرصـ 109 , والبحر 8/182 .(1/315)
وقرأ سعيد بن المسيب (1) قوله تعالى "عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ " (عراف) بألف(2) بعد الراء ، قال أبوحيان . "وهى إشباع مثالها: أعوذ بالله من العقراب (3) .
وجاء منه في الحديث قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لا يتعاطى أحدكم من أسير أخيه
فيقتله "(4) . قال العكبري : " الصواب : لا يتعاطَ , بغير ألف ؛ لأنه نهي ... وقد ورد في هذذه الرواية بألف , و الأشبه أنه سهو , فإن وجد في كل الطرق هكذا , فيؤول على وجهين : أحدهما : أن يكون نفياً في اللفظ , وهو نهي في المعنى , كقوله تعالى : { لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ } " (5) .
والثاني : أن يكون أشبع فتحة الطاء , فنشأت منها الألف " (6) .
__________
(1) ... هو: سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة الإمام العلم ، أبو محمد القرشي المخزومي ، عالم أهل المدينة ، وسيد التابعين في زمانه . ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي الله عنه ، وقيل : لأربع مضين منها بالمدينة . رأى عمر ، وسمع عثمان ، وعلياً ، وزيد بن ثابت ، وأبا موسى ، وسعداً ، وعائشة وأبا هريرة ، وابن عباس ، ومحمد بن مسلمة ، وأم سلمة ، وخلقاً سواهم . وقيل : إنه سمع من عمر ,وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر الصديق وكان زوج بنت أبي هريرة ، وأعلم الناس بحديثه . انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء - الذهبي 4 / 217 , و طبقات ابن سعد 5 / 119 .
(2) ... سورة التحريم من الآية : 3 , وانظرالقراءة هذه فى :ابن خالويه صـ 159 ، والبحر 10/210.
(3) ... البحر المحيط 10/210 .
(4) ... في مسند الإمام أحمد 5/18, ومجمع الزوائد 5/333. وهو فيهما برواية الشاهد.
(5) ... سورة البقرة , من الآية : 84.
(6) ... اتحاف الحثيث صـ 114, 115 بتصرف يسير .(1/316)
ويبدو أن المعرى كان ينكر مثل هذه القراءة إذا أدت إلى بناء مستنكر عنده ، فقد قال فى قوله تعالى :" وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً " (1) "وهذه أبنية مستنكرة ، وإنما يستعمل مثلها فى الضرورة ، فأما فى عمود اللفظ ، فلا يجوز أن تقع ، وقد روى أن الحسن قرأ: " وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً " (2) بالمد ، فهذا مفتعال .. ومن مفتعال المستعمل فى الضرورة قول الشاعر, أنشده الفارسي *وعن شتم الرجال بمنتزاح * (3) .
والمستنكر هو قول المعرى لا قراءة الحسن السابقة .
ومن إشباع الضمة قراءة الحسن "سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ " (4) ( سأوريكم) قال بن جنى أراد ( سأريكم) وأشبع ضمه الهمزة فأنشأ عنها واواً ، وهو أبو سعيد ، والمأثور من فصاحته ، ومتعالم قوة إعرابه وعربيته" (5) .
والعجيب من أبى حيان أنه أنكر على ابن جنى هذا التخريج قائلاً : "هذا التوجيه ضعيف ؛لأن الإشباع بابه ضرورة الشعر" (6) ووجه العجب أن أبا حيان نفسه خرج قراءة سعيد بن المسيب السابقة" عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ " على الإشباع (7) كما أن أبا حيان رجح رأى الزمخشرى بأن الإشباع في (سأوريكم ) لغة حجازية (8) وكون الإشباع لهجة ينافى كونه ضرورة .
ومن إشباع الكسرة قراءة أحمد بن صالح (9)
__________
(1) ... سورة يوسف من الآية : 31 .
(2) ... انظرهذه القراءة فى :المحتسب 1/340 , و الإتحاف 2/146.
(3) ... رسالة الملائكة صـ116 بتصرف .
(4) ... سورة الأعراف من الآية : 145 ، وانظرهذه القراءة فى : ابن خالويه صـ 51 ، والمحتسب ... 2/258 .
(5) ... المحتسب 2/258 .
(6) ... البحر 5/172 .
(7) ... انظر: البحر 10/210 .
(8) ... انظر: الكشاف 2/158 ، والبحر 5/173 .
(9) ... هو : أحمد بن صالح المصري أبو جعفر روى عن ابن عيينة وابن وهب وعبد الرزاق . وكان
محمد بن عبد الله بن نمير يقول حدثنا أحمد بن صالح فإذا جاوزت الفرات فليس أحد مثله . وقال عبد الرحمن قال سئل عن أحمد بن صالح المصري فقال ثقة . مات في ذى القعدة سنة ثمان وأربعين ومائتين (248) هـ. انظر ترجمته في : التاريخ الكبير - البخاري 2 / 6 ,والجرح والتعديل - الرازي 2 / 56 .(1/317)
"مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ "(1) ( ملكى) بإشباع كسرة
الكاف ، وقال ابن عطية فى هذه القراءة " وهى لغة للعرب" (2) .
ومنه أيضاً قراءة هشام "فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ" (3) (أفئيدة) بإشباع الياء بعد الهمزة ، وقد وقع أبوحيان هنا فى تناقض كسابقه حيث ادعى أن "الإشباع لا يكون فى ضرورة الشعر" (4) .
لكن ابن الجزرى(5) قال : "ليست ضرورة بل هى لغة مستعملة" (6) .
__________
(1) ... سورة الفاتحة , الآية : 4 ، وانظرهذه القراءة فى : الحجةلابن خلويه صـ 62 , وحجة القراءات 1/ 77 ,و المحرر الوجيز 1/106 ، وشواهد التوضيح صـ 23 ، والبحر المحيط 1/36 .
(2) ... المحرر الوجيز 1/106 ، وانظر: القرطبى 1/140 .
(3) ... سورة إبراهيم من الآية : 37 , وانظرهذه القراءة فى : ابن خالويه صـ 73 ، والبحر 6 /447
(4) ... البحر المحيط 6/447.
(5) ... هو" ابن الجزري الحافظ المقرئ شيخ الإقراء في زمانه شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الدمشقي الشافعي , كان إماماً في القراءات لا نظير له في عصره في الدنيا حافظًا للحديث وغيره أتقن منه ولم يكن له في الفقه معرفة . ألف ( النشر في القراآت العشر) لم يصنف مثله وله أشياء أخر ، ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة (751) هـ مات سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة ( 833) هـ. انظر ترجمته في: ذيل تذكرة الحفاظ- الذهبي صـ 376 , و الأعلام 1 /227 .
(6) ... النشر 2/299 .(1/318)
بهذا يتضح أن الإشباع ليس خاصاً بالشعر حتى يكون ضرورة ، بل ورد فى القراءات القرآنية ، وورد فى كلام العرب ، قال ابن جنى "وقد جاء من هذا الإشباع الذى تنشأ عنه الحروف شئ صالح نثراً ونظماً ، فمن المنثور قولهم : ( بينا زيد قائم جاء عمرو) إنما يراد: ( بين أوقات زيد قائم جاء فلان) ، فأشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفاً"(1) ويقرر ابن جنى أن الإشباع قليل فى النثر ، بقوله :"ولعمرى إن هذا مما تختص به ضرورة الشعر ، وقلما يجئ فى النثر" (2) .
ومن ورود الإشباع فى الكلام ما حكاه أبو على عن أحمد بن يحيى أنه سمع : "جئ به من
حيثُ وليْسَا" بإشباع حركة ليس) (3)
__________
(1) ... المحتسب 1/259 ، وانظر: سر الصناعة 2/ 252 .
(2) ... المحتسب 1/340 .
(3) ... انظر: الخصائص 3/125 ، وسر الصناعة 2/217 ، 252 ، والمحتسب 1/357 ، والضرائر ... لابن عصفور صـ 25 . وفي اللسان , مادة ( ليس) : " قال الفراء: أَصل ليس لا أَيْسَ، ودليل
ذلك قول العرب ائتِنِي به من حيث أَيْسَ ولَيْس، وجِئ به من أَيْسَ ولَيْسَ أَي من حيث هُوَ ولَيْسَ هُوَ؛ قال سيبويه: وقالوا لَسْتُ كما قالوا مَسْتُ ولم يقولوا لِسْتُ كما قالوا خِفْتُ لأَنه لم يتمكَّن تمكن
الأَفعال، وحكى أَبو علي أَنهم يقولون: جِئ به من حَيْثُ ولَيْسا يريدون ولَيْسَ فيشبعون فتحة السين، إ ِما لبيان الحركة في الوقف، وإِما كما لحقت بَيْنا في الوصل. حَكى أَبُو عليٍّ أَنَّهُم يقولون: جِيءْ به من حَيْثُ ولَيْسَا، يريدون: ولَيْسَ، فيُشْبِعُون فتحةَ السِّين لِبيانِ الحَرَكةِ في الوَقْفِ " .(1/319)
وحكى الفراء : ( أكلت لحما شاة ) أراد : لحم شاة (1) وجاء فى المثل : ( مخرنبق لينباع) (2) .
ويبدو أن الإشباع ظاهرة لهجية ، لا ضرورة شعرية ، فقد ذكر ابن مالك أنها لغة معروفة(3) ووردت هذه اللغة معزوة ، فقد ذكر اللغويون أن طيئاً كانوا يقولون : ( المنخور) فى (المنخر) (4) ، وأن التميمين ، وبعض ربيعة وقيس يثبتون ألف (أنا) فى الوقف والوصل(5), أما سائر العرب فيحذفونها فى الوصل نطقاً ، وأن الربعيين يشبعون حركة ضمير الخطاب ، فيقولون للمرأة ، ضربتيه ، وأعطيتيكيه وللرجل : أعطيتكا (6) وأن أهل اليمن كانوا يقولون : ( عراف) فى معنى ( عرف) (7) ، وأن أزد السراة يشبعون حركة الإعراب فى الوقف ، فيقولون : (هذا زيدو) و( رأيت زيدا) و ( مررت بزيدى) (8) والواجب عنند غيرهم الوقف بالتسكين فى غير النصب (9) .
__________
(1) ... انظر: الخصائص 3/125 ، والمحتسب 1/165 ، 258 ، والضرائر لابن عصفور صـ 26 ، وشواهد التوضيح صـ 22 .
(2) ... انظر: مجمع الأمثال 2/309 . وفيه : (الاخرنباق)، الإطراق والسكوت. و(الانبياع)، الامتداد ... والوثب. أي، أنه أطرق ليثب. ويروى، لينباق. أي يأتي بالبائقة وهي الداهية ".
(3) ... انظر: شواهد التوضيح صـ 22 .
(4) ... انظر: شواهد التوضيح صـ 22 .
(5) ... انظر: التسهيل صـ 25 .
(6) ... انظر: الكتاب 4/200 ، والارتشاف 2/912 ، 917 ، 919 .
(7) ... انظر: ابن خالويه صـ 159 ، والبحر 10/210 .
(8) ... انظر: الكتاب 4/167 ، وابن يعيش 9/70 ، واشرح الكافية الشافية 4/1981 ، وشرح الشافية ... ... 2/80 ، والأشمونى 4/204 .
(9) ... انظر: التسهيل صـ 328 ، وشرح الكافية الشافية 4/1980 . والارتشاف 2/ 799 و التصريح ... 2/338 ، والأشمونى 4/204 .(1/320)
يقول أحد الباحثين :" ويبدو أن حكم النحاة على بعض الاستعمالات اللهجية بالضرورة نابع من تقسيمهم اللهجات إلى مستويات ، يرتضون بعضاً ويعرضون عن بعض ، فهنا الفصيح ، والجيدة والحسنة ، والمأخوذ بها ، والقبيحة والرديئة والشنعاء والمرغوب عنها ... الخ فما استجادوه أخذوا به ، وما رغبوا عنه لم يجز عندهم استعماله إلا فى الضرورة ، فإن جاء فى كلام فصيح لم يعدموا الحيلة فى تخريجه" (1) .
وإذا ثبت بما سبق أن المط أو الإشباع لهجة ، وأنها بقراءة المصادر اللغوية لهجة بدوية فهل هذا يتعارض مع ما عرف عن قبائل البدو من ميلهم إلى السرعة فى الكلام ؟ يجيب عن هذا التساؤل الباحث السابق بأن " مطل الحركة هنا كان أحياناً ضرورة تفرضها عليهم سرعتهم فى النطق ؛ لأن هذه السرعة تحتاج إلى شئ يحد منها ، وكان المطل فى بعض الكلمات بمثابة كابح يكبح جماح هذه السرعة فيعطى الكلام دفعات من الروية" (2) ويؤكد هذا ما ذكره ابن جنى من أن المطل لا يكون مع الإسراع والاستحثاث ، وإنما يكون مع الروية
والتثبت"(3) .
__________
(1) ... الحركات العربية فى ضوء علم اللغة الحديث د/ الموافى البيلى صـ 198 .
(2) ... الحركات العربية د/ البيلى صـ 201 .
(3) ... انظر : المحتسب 1/165 .(1/321)
وهذه الوظيفة للمط أو الإشباع ليست الوحيدة ، فهناك وظائف دلالية تجعله نوعاً من أنواع النبر يسميه المحدثون النبر الدلالى أو نبر السياق (1) فما وقع فيه الإشباع من الكلمات وقع غالباًً "على المقطع الأخير ، ويسمى نبر العلو ونبر هذا المقطع يقتضى إطالة الحركة حتى يبرز الصوت (2) ومن الوظائف الدلالية للإشباع ما ذكره ابن جنى فى قراءة الحسن السابقة "سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ " (3) بإشباع ضمة الهمزة ، قال ابن جنى "وزاد من احتمال الواو فى هذا الموضع أنه موضع وعيد وإغلاظ ، فمكن الصوت فيه ، وزاد إشباعه ، واعتماده ، فألحقت الواو فيه لما ذكرنا" (4) وهذه اللفتة من ابن جنى في فائدة الإشباع ، تتوافق مع ما رآه من فائدة الحذف والاقتصار نقيض الإشباع فى ترخيم المنادى فى قراءة على بن أبى طالب وابن مسعود رضى الله عنهما .. ويحيى والأعمش "وَنَادَوْا يَا مَالِكُ " (5) , قرأوا ( يا مالِ) قال ابن جني : "هذا المذهب مألوف فى الترخيم ، إلا أن فيه فى هذا الموضع سراً جديداً ، وذلك أنهم لعظم ما هم عليه ضعفت قواهم ، وذلت أنفسهم وصغر كلامهم فكان هذا من مواضع الاختصار ضرورة عليه" (6).
فكأن للإشباع وكذا للحذف فائدة دلالية ينبغى التنبه إليها دون الإسراع إلى الحكم بالضرورة ، كما فعل النحويون .
__________
(1) ... مناهج البحث فى اللغة د /تمام حسان صـ 163 .
(2) ... اللهجات العربية فى التراث 2/673 .
(3) ... سورة الأعراف من الآية : 145 .
(4) ... المحتسب 1/259 .
(5) ... سورة الزخرف من الآية :77 , وانظرهذه القراءة فى : المحتسب 2/257.
(6) ... المحتسب 2/257 .(1/322)
وثمة فوائد أخرى للإشباع ذكرها ابن جنى كـ التذكر ، نحو قولهم فى الوقف : (قالا) أى: (قال زيد) فجعلوا الاستطالة بالألف دليلاً على أن الكلام ناقص (1) ، وكـ الشك نحو (قد) وأنت تريد: (قد قام ونحوه )، إلا أنك تشك أو تتاوم لرأى تراه من ترك المبادرة بما بعد ذلك : قدي ، و ( من): ( مني ) ، وفى (هل) :(هلى) (2) وكـ القلوم أى التمكث بأن يعرض للمتكلم الانصراف عن معنى بدأه إلى معنى آخر ، فيمطل الحركة لتتهيأ له الفرصة الانتقال (3) وكـ الإنكار ، والإشباع فيه زيادة تلحق فى الاستفهام فى آخر الكلمة ، إذا أنكرت أن يكون رأى المتكلم على ما ذكر أو يكون على خلاف ما ذكرت فإن كان ما قبله مفتوحاً ، كانت الزيادة ألفاً ، وإن كان مكسوراً كانت الزيادة ياءً ، وإن كان مرفوعاً ، كانت الزيادة ألفاً ، وإن كان مكسوراً كانت الزيادة ياءً ، وإن كان مرفوعاً ، كانت الزيادة واواً ، وإن كان ساكناً حرك لئلا يلتقى ساكنان ؛ لأن النون هى التنوين ساكنة ، فحركتها بالكسر لئلاً يلتقى ساكنان فإن قال : رأيت عثمان قلت أعثماناه ، فإن قال : أتانى عمرو ، قلت : أعمروه (4) ومن ذلك الحكايةالتي ذكرها ابن
جنى فى المحتسب (5) أن امرأة قالت للقاضى تخاطب زوجها : لا تضربه ليس هوا بنك ،ومدت فتحة النون جداً ، فقال الرجل متعجباً والله ما كان فيه هذا الطويل الطويل .
وإنما أطالت المرأة الصوت هكذا؛ لأن طول الأصوات وقصرها يكون لقوة المعانى المعبر بها عنها وضعفها ، فالأصوات تابعة للمعانى فمتى قويت قويت ومتى ضعفت ضعفت (6) .
ويبقى بعد هذا أن الإشباع جاء نظماً ونثراً ، وأن أكثره يجاور الطرف " لنعمته وللين
__________
(1) ... انظر: الخصائص 3/930 ، 13 وسر الصناعة 2/253 .
(2) ... الخصائص 3/123 .
(3) ... انظر: الخصائص 3/123 ، والحركات العربية صـ 203 .
(4) ... انظر: أمالى القالى 2/13 .
(5) ... انظر: المحتسب 2/210 .
(6) ... انظر: المحتسب 2/210 .(1/323)
الصوت به ، وذلك أن آخر الكلمة موضع الوقف ، ومكان الاستراحة والأون (1) ، فقدموا أمام الحرف الموقوف عليه ما يؤذن بسكونه وما يخفض من غلواء الناطق ، واستمراره على سنن جريه وتتابع نقطة (2) .
وأن أفضل الإشباع يكون بالألف ، وذلك أن أصل المد وأقواه وأعلاه وأنعمه وأنداه إنما هو للألف وإنما الياء والواو فى ذلك محمولات عليها (3) .
تسكين ياء المنصوب
تقدر علامة الإعراب على أحرف العلة الثلاثة : الألف والواو والياء للثقل أو للتعذر ، إلا أن الفتحة تظهر على الياء والواو لخفة النطق بها عليهما ، فالفتحة أخف الحركات ، بدليل أن كل ما كان على (فَعِل) كـ ( كَتِف) و ( عَلِم) أو على ( فَعُل) كـ ( عَجُز) و ( عَضَُد) يجوز فيه التسكين لثقل الضمة والكسرة (4) ، ولا يجوز فيما كان على (فََََعَل) التسكين (5) .
ومع هذا ، فقد تستثقل الفتحة على الياء والواو فيستروح إلى تسكينها ؛ لأن أحرف العلة ضعيفة وتحملها للحركة أيضاً ضعيف ، ولذلك كانت أثقل الحروف وهى الألف لا تقبل الحركة أصلاً حتى لو كانت الفتحة (6) والفتحة وإن كانت خفيفة ، فالسكون أخف منها (7) .
ولهذا كثر إسكان الياء فى موضع النصب (8) وهذا فى الشعر كثير وفى الكتاب منه غير بيت كما يقول الفارسي (9) ومن هذا قول بعض السعديين فيها أنشد ، سيبويه :
__________
(1) ... أى الدعة والسكون .
(2) ... الخصائص 1/ 234 .
(3) ... الخصائص 3/129 .
(4) ... انظر: الكتاب 4/113 ،و المقتضب 1/255 ، 395 ،و الأصول 3/158 ، 159 ،و شرح المقدمة
الجزولية الكبير 1/419 .
(5) ... انظرفى سبب ثقل الضمة والكسرة وخفة الفتحة : شرح المقدمة الجذولية الكبير 1/426 .
(6) ... انظر: الخصائص 2/293 ، وشرح أبيات سيبويه للنحاس صـ 319 .
(7) ... انظر: المقتصد 2/1038 .
(8) ... انظرالمسائل العسكرية صـ 151 ، والخصائص 2/343 ، 344 .
(9) ... انظر: المسائل العسكرية صـ151 .(1/324)
يا دَارَ هِندٍ عَفَت إِلّا أَثافِيها بَينَ الطَويِّ فَصاراتٍ فَواديها (1)
وبمثل هذا جاء قول أبن أبى حصينة :
سَلامٌ يُثقِلُ البُزلَ النَواجي وَتُمرِعُ مِنهُ مُمحِلَةُ الفِجاجِ (2)
وفيه يقول أبو العلاء : "سكن الياء ، فى ( النواجى ) وتسكينها جائز بلا اختلاف ، وإذا كان فى حشو البيت فهو أيسر منه فى القافية ؛ لأنها موضع حذف واقتصار ، ومما أسكنت فيه هذه الياء فى حشو قول زهير:
وَغَيثٍ مِنَ الوَسمِيِّ حُوٍّ تِلاعُهُ أَجابَت رَوابيهِ النِجا وَهَواطِلُه (3)
و(الروابى) مفعوله و(هو اطله) كأنها دعتها فأحابتها إلى ما تريده" (4) .
و قد سكن أبو العلاء نفسُه ياء المنصوب في قوله :
يُهِمّ الليالي بعضُ ما أنا مُضْمِرٌ ويُثْقِلُ رَضْوَى دونَ ما أنا حامِل(5)
وقوله: إذا جَلّى ليالي الشهرِ سَيْرٌ عليكَ أخَذْتَ أسْبَغَها حِدادا(6)
__________
(1) ... البيت من بحر البسيط للحطيئة فى ديوانه صـ 197 , وهو فى الكتاب 3/306 ونسبة إلى بعض
السعديين ، وانظرالبيت فى : شرح أبيات سيبويه للنحاس صـ 319 ، والخصائص 1/308 ، 2 ... /293 ، والمحتسب 1/126 ، وابن يعيش 10/102 . و (عفت) : (درست) ، و(الأثافى) جمع
أثفية ، وهى الحجارة التي يوضع عليها القدور .
(2) ... البيت فى بحر الوافر ، وهو فى ديوان بن أبى حصينة 1/113 ، و(البزل) الإ بل إذا دخلت فى
السنة التاسعة و(النواجى) : السريعة , و(تمرع) : أرض مريعة أى خصبة ، و(الممحلة) الجد باء.
(3) ... البيت من بحر الطويل ، وهو لزهير فى ديوانه صـ65 ، و(الوسمى): نبات يختضب بورقه،
و(حو) :جمع أحوى أى أسود ، و((التلاع) مفرده تلعة ، وهو من الأضداد يقال للمرتفع وللمنخفض من الأرض .
(4) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/112 ، وانظر : المرجع نفسه صـ191 ، وعبث الوليد صـ146 .
(5) ... البيت من بحر الطويل , وهو في شروح سقط الزند 2/524 .
(6) ... البيت من بحر الوافر , وهو في شروح سقط الزند 2/774.(1/325)
وقد علل النحاة لإسكان الياء فى موضع النصب بأنها شُبِّهت بالألف ؛لأنها أختها ، والألف لا تتحرك (1) .
والتسكين فى موضع النصب ليس خاصاً بالياء ، فقد جاء تسكين الواو فى المنصوب ، ومن هذا قول الشاعر : فَما سَوَّدَتني عامِرٌ عَن قَرابَةٍ أَبى اللَهُ أَن أَسمو بِأُمٍّ وَلا أَبِ (2)
وقد عللوه بتشبيه الواو بالياء فى جواز التسكين (3) لكنهم مع ذلك قالوا إن الموضع للياء ، وسكون الواو فى موضع النصب قليل (4) حتى إنه لو جاء به فى النثر لكان جائزاً (5)
__________
(1) ... انظر: الكامل للمبرد 2/46 ، والمقتضب 4/24 ، والخصائص 2/344 ، والمحتسب 1/125 ،
والمنصف 1/161 ، والمقتصد 2/1038 ، وابن يعيش 10/101 ، 103 ، وشرح شواهد الشافية صـ411 .
(2) ... البيت من بحر الطويل لعامر بن الطفيل ، وهو فى عيون الأخبار لابن قيتبة 1/27 ، وأمالى القالى
3/118 ، والخصائص 2/342 ، والمحتسب 1/127 ، والحيوان للجاحظ 2/95 ، وابن يعيش
10/101 ، وشرح المقدمة الجزولية الكبير 1/4, 25 والضرائر للألوسى صـ 177 .
(3) ... انظر: الخصائص 2/344 ، والمحتسب 1/125 ، والمنصف 1/161 وابن يعيش 10/101
(4) ... انظر: المحتسب 1/125 ، والمنصف 1/161 ، 2/114 -116 .
(5) ... انظررأى المبرد فى : الكامل 2/46 ، والمقتضب 4/24 ، والمسائل العسكرية صـ 148 ،
والمحتسب 1/126 و 2/343 ، وابن يعيش 10/101 .(1/326)
ومجئ إسكان الياء المنصوبة فى النثر ليس عزيزاً ، فقد جاء منه : (لا أكلمك حيرىْ الدهر) (1) بإسكان الياء ، وإن كان ابن جنى قد خرجه على أن أصله بتشديد الياء ، فحذفت إحدى اليائين ، وبقيت الأولى ساكنة (2) لكن ورد منه أيضاً قولهم فى المثل:( أعط القوس باريْها) بإسكان الياء (3) وأكثر من هذا وروده فى القرآن الكريم ، فقد قرأ طلحة بن سليمان (4)
__________
(1) ... انظر الكتاب 3/37 ، والمسائل العسكرية صـ 151 ، والمحتسب 2/343 .
(2) ... انظر: المحتسب 2/343 .
(3) ... انظرهذا المثل فى : ابن يعيش 10/103 ، و شرح شواهد الشافية صـ 411 . و في مجمع الأمثال2/19(أعط القوس باريها) أي استعن على عملك بأهل المعرفة والحذق فيه وينشد:
يا باري القوس برياً لست تحسنها لا تفسدنها واعط القوس باريها
(4) ... هو: طلحة بن سليمان .أخو إسحاق بن سليمان الرازي وكان مقرياً,صاحب قرآن ويعرف بطلحة
السمان روى عن فياض بن غزوان وقرأ عليه القرآن ,و روى عن سفيان الثوري روى عنه أخوه إسحاق بن سليمان . توفي سنة تسع وعشرين وثلاث مئة (329).انظر ترجمته في :الجرح والتعديل - الرازي 4/ 483 , و الثقات لابن حبان 6/490 , و الأنساب - السمعاني 5/ 275.(1/327)
"أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى" (1) بسكون الياء وجاء أيضاً فى الواو فى قوله تعالى "إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ" (2) فقد قرأ الحسن بسكون الواو(3) .وبورود الإسكان فى حال السعة كما سبق ينبغى أن تطرح المسألة من باب الضرورة الشعرية ؛ لأن الفرقان ليس بموضع ضرورة كما يقول أبو العلاء (4) , وقراءاته أيضاً كذلك(5) .
إن تصريح النحويين بجواز التسكين بكثرة فيما سبق ، وبجواز مجيئه فى النثر وسعة الكلام (6) يتناقض مع قولهم إنه من الضرورات المستحسنة (7) .
يقول الفارسي عن هذا:"وكثرذلك في الشعر حتى ذهب بعضهم إلى استجازته في الكلام"(8).
ولعل بعضهم قد استشعر هذا التناقض ، فخرجه على أن الإسكان فيما سبق لغة فصيحة (9)
وقد حكى هذا أبو العلاء عن الفراء (10) .
__________
(1) ... سورة القيامة من الآية : 40 ، وانظرالقراءة فى : المحتسب 2/343 ، والبحر المحيط 1/354 .
(2) ... سورة البقرة من الآية : 237 .
(3) ... انظرالقراءة فى: المحتسب 1/125 ، والقرطبى 3/206 .
(4) ... انظر: رسالة الغفران صـ 638 .
(5) ... انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرا فى صـ 124 وشرح درة الغواص للشهاب الخفاجى صـ 449 .
(6) ... انظر: المسائل العسكرية صـ 151 .
(7) ... انظر: المحتسب 1/126 ، وابن يعيش 10/101 ، وموارد البصائر لمحمد سليم بن حسين بن
عبدالحليم صـ 182 .
(8) ... انظر: الحجة 1/316 , وراجع : الحجة 1/67 .
(9) ... انظر: عبث الوليدصـ 146 ، وابن يعيش 10/101 ، والضرائر للألوسى صـ177 ، وموارد
البصائر صـ 182 .
(10) ... انظر: عبث الوليد صـ 147.(1/328)
والقول إن هذا لغة ليس مستبعداً , فلغات العرب فى المعتل قد تجمع بين الشئ ونقيضه ، فبينما يسكنون حركات الإعراب جميعها على الياء – لو أخذ بأن تسكين الياء على المنصوب لغة – يُظْهر قوم من العرب حركات الإعراب جميعها على الياء ، فيقولون : (هذا قاضىُ) و (رأيت قاضياً) و( مررت بقاضيٍ ) بإظهار حركات الإعراب على الياء (1), يقول أحد المحدثين: " وهذا يقود إلى القول : إن المنقوص في أولى مراحل العربية كانت ياؤه تحرك بالضمة في حالة الرفع , وبالكسرة في حالة الجر , وبالفتحة في النصب , وتبع ذلك تطور المنقوص تطوراً آخر , عبر عنه النحاة بقولهم : إن بعض العرب يسكنون ياء المنقوص مطلقاً, أي رفعاً ونصبأً وجراً .
وهذا الاتجاه تم في مرحلة متأخرة عن الأول ؛ إذ هو تطور عنه , ويتمثل في تحويل الياء إلى مد طويل في حالة الرفع والنصب والجر , فيقال : (جاء القاضي ) و(رأيت القاضي ) و ( مررت بقاضٍ ) وذلك عن طريق قلب الفتحة التي تحرك بها الياء في حالبة النصب كسرة , وقلب الضمة التي تحرك بها في حالة الرفع كسرة أيضاً, اتباعاً لكسرة ما قبلها , وحذف الياء لوقوعها بين كسرتين , واتحاد الكسرتين في كسرة واحدة ممدودة , وهذه الكسرة
الممدودة تبقى كما هي ؛ إذ لم يجئ بعدها ساكن , وتتحول إلى كسرة قصيرة إذا جاء بعدها ساكن " (2) .
فلا التفات إذن لقول الألوسى "والصحيح أن ذلك من الضرائر .. ولا التفات لمن قال إنه
لغة وليس بضرورة" (3) .
__________
(1) ... انظر: الكتاب 3/310 ، 312 , وشرح شواهد سيبوبه للنحاس صـ 13, وابن يعيش 10/103 ،
وشرح المقدمة الجزولية الكبير 1/422 – 424 ، وشرح الشافية 3/183 وأوضح المسالك
4/140 ، والموارد صـ 138.
(2) ... الألفاظ الشاذة في اللغة والنحو / درسة وتبويب ـ د/ اجمد عبد التواب الفيومي ـ بحث منشور بـ
حولية كلية الراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة العدد 11 صـ 547 , 548 .
(3) ... الضرائر للألوسي صـ 177 بتصرف .(1/329)
وتخريج المسألة على اختلاف اللغات يخالف ما ذهب إليه أحد المحدثين؛ إذ كان يرى أن هذا مما حذفت فيه علامة الإعراب ,لأنهم قد يحذفون العلامة إذا توفرت قرائن سياقية أخرى غير الحركات الإعرابية توضح المقصود (1) بدليل حذف الحركات مما آخرة صحيح ومعتل فيما ورد كثيراً عن العرب (2) لكن الأشبه أن يكون هذا من اختلاف اللغات ؛ لأن حذف حركة الإعراب غير الفتحة واجب على آخر المعتل ، بينما تظهر الفتحة على الياء والواو ، ويجوز أن تشبه الياء بالألف ، والواو بالياء فلا تظهر عليهما العلامة ولعل هذا هو الذى جعل المبرد يتحمس لحذف حركة الإعراب من آخر المنصوب إذا كان معتلاً بالياء ، فيجعله كثيراً ، ويعده من الضرورات المستحسنة ، بينما كان يرفض القول بحذف علامة الإعراب مما أخره صحيح ، ويتهم الروايات التى قد يفهم منها هذا ، أو يردها (3).
تغيير الأعلام
مما يراعى لأجل الوزن تحريف الأعلام فى الشعر ، والشعر موضع اضطرار واعتذار ، وكثيراً ما يحرف فيه الكلم – ومنه الأعلام – وتحال فيه المُُُثل عن أوضاع صيغها لأجله ، كما يقول ابن جنى (4) حتى إنهم قد يحذفون بعض الكلم استخفافاً حذفاً يخل بالبقية ويعرض لها الشُّبَه " (5) .
__________
(1) ... الضرورة الشعرية لـ د/ محمد حماسة صـ 389 – 393 .
(2) ... انظر: النوادر لأبى زيد صـ 187 ، 188 والخصائص 2/342 ، وشرح الجمل لابن عصفور
2/582 ، والهمع 3/249 ، والمطالع السعيدة للسيوطى 2/908.
(3) ... انظر رأى المبرد فى : ما يحتمل الشعر من الضرورة للسير فى صـ 144 والخصائص 2/343 .
(4) ... انظر: الخصائص 3/191.
(5) ... الخصائص 1/89 ، 82 .(1/330)
وباستصحاب هذا القانون يمكن تفسير ظاهرة تغيير الأعلام فى الكلام العربى والشعر منه خاصة ، ولعل هذا التغيير فى الأعلام بكثرة ؛ لأن العلم تعريفه بغير واسطة ، وأقل القرائن فيه تكفى لتعينيه بعد تحريف بنيته ، فهو " الاسم الخاص الذى لا أخص منه" (1) "وقد خرجت الأعلام عن شياع الأجناس إلى خصوصها بأنفسها لا بحرف يفيد التعريف فيها" (2) ولهذا فـ"الأعلام تأتى مخالفة للأجناس فى كثير من الأحكام" (3) وقد تخالف قانون الإعلال كما فى ( موهب )، و( موظب) و( حيوه )" ؛لأن الأعلام كثيراً ما تغير على خلاف ما يجب أن تكون الكلمة علية تنبيهاًً على خروجها عن وضعها الأصلى" (4) .
والتغييرات التى تدخل الأعلام قد تأتى على قانون مطرد ، فهى تدخل الكلام والشعر ومن ذلك التحريف الناتج عن تصغير الترخيم (5)
__________
(1) ... شرح المفصل 1/27 .
(2) ... الخصائص 3 / 82 .
(3) ... الخصائص 1/156 ، وانظرالمرجع نفسه 1/158 .
(4) ... شرح الشافية للرضى 3/141 ، وانظر: شرح المفصل 2/19 .
(5) ... رأى الفراء أن تصغير الترخيم مقصور على العلم وحده ، لأن ما أبقى منه دليل على شهرته ،
وأجازه البصرية فى غير العلم انظر: شرح الشافية 1/283 ورسالة الشياطين للمعرى صـ 99.(1/331)
عند الفراء , وترخيم المنادى (1) إذا كان علماً أو نكرة مقصودة ؛ لأنها كالعلم فى التعيين للإقبال (2) وقد عللوا ذلك بأن العلم لكثرته يناسبه التخفيف بالترخيم (3) والذى جوز الحذف فى الأعلام المناداة أنها متعينة لأصحابها ، وكونها مناداة يطلب إليها الإقبال يجعلها لا تلتبس بغيرها (4) فكأن النداء موضع ترتجل فيه الأعلام كما يقول الفارسى (5) أما دخول الترخيم فى الأعلام غير المناداة ، فهو عند كثير من النحاة خاص بضرورة الشعر(6) .
وثمة تغييرات تدخل على الأعلام ، ولكنها لا تجرى على قانون مطرد ، فقصرها النحاة على ضرورة الشعر ، وذلك كقولهم فى ( عطية) اسم رجل ( عطاء ) فى قول الشاعر :
أبوكَ عَطَاءُ ألْأَمُ الَّناسِ كُلِّهِمُ فَقُبِّحْتَ منْ فَحْلٍ ، وَقُبِّحَ منْ َنْجلِ (7)
يريد : أباه عطية ، فاشتق منه "عطاء" وجعله أباً له؛ لأن العرب تسمى العم أباً" (8)
__________
(1) ... شرط النحاة فى الاسم المرخم فى النداء أن يكون زائداً على ثلاثة أحرف ، وان يكون مفرداً معرفة : شرح السيرا فى بحاشية الكتاب 2/240, وانظرفى ترخيم المنادى : الكتاب 2/239 ، وشرح المفصل 2/20 ، 21 ، وشرح التسهيل 3/421 ، والارتشاف 5/2227 ، والهمع 2/57 ، والأشمونى 3/171 .
(2) ... انظر: الأشمونى 3/138 .
(3) ... انظر: حاشية الصبان 3/175 .
(4) ... انظر: الضرورة الشعرية د/ حماسة صـ 281 .
(5) ... انظر:الحجة للفارسى 2/230.
(6) ... انظر:الكتاب 2/239 ، 247 ، 254 ، 269 ، 272 ، وما يحتمل الشعر من الضرورة
للسيرا فى صـ 95 ، 96 ، وشرح المفصل 2/19 ، وضرائر الشعر لابن عصفور صـ 106 ، والهمع 2/57 ، والضرائر للألوسي صـ 58 ورسالة الشياطين صـ 104 .
(7) ... البيت من الطويل : للبعيث يهجو جريراً , وهو فى الخصائص 3/191 ، 2/239 ، والضرائر لابن عصفور 188 واللسان مادة (عطا) .
(8) ... ضرائر الشعر لابن عصفور صـ 188 .(1/332)
ومن ذلك قول الراعى : سَيَكفيكِ الإِلَهُ َمُسنَماتٌ كَجَندَلِ لُبنَ تَطَّرِدُ الصِلالا (1)
يقول أبو العلاء : "المراد به لبنان هذا الجبل ، فإنه حذف الألف والنون ، كما يغيرون الأسماء فى الشعر ، فيقولون ( سلاَّم) يريدون به( سليمان) ، و( ثبات) يريدون به ( ثابتاً) (2) .
وأبو العلاء يشير بهذا إلى تصرف الشعراء باسم النبى ( سليمان) ، فقد جعله بعضهم ( سلاَّماً) كما ذكر أبو العلاء ، وذلك فى قول الحطيئة :
فيهِ الرِماحُ وَفيهِ كُلُّ سابِغَةٍ جَدلاءَ مُبهَمَةٍ مِن نَسجِ سَلّامِِ (3)
وجعله النابغة الدبيانى (سُلَيْماً) فى قوله
__________
(1) ... البيت من بحر الوافر للراعى صـ 213: و( لبن) كما قال ياقوت : اسم جبل فى شعر الراعى ، واستشهد بالشطر الثانى من شعر الراعى وفي معجم البلدان - الحموي 5 / 12: " لبن : اسم جبل في قول الراعي : * كجندل لبن تطرد الصلالا * وفي شعر مسلم بن معبد حيث قال :
*جلاد مثل جندل لبن فيها خبور مثل ما خشف الحساء *
ويؤنث ، قال الأبيوردي : لبن هضبة حمراء في بلاد بني عمرو بن كلاب بأعلى الحلقوم وحربة ، وقال الأصمعي : لبن الأعلى ولبن الأسفل في بلاد هذيل ويقال لهما لبنان ، ولبنان : جبلان ذكرا آنفاً " .
(2) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 135 وانظر: رسالة الصاهل والشاحج صـ448 ، 449 ، وعبث الوليد صـ 89, 175.
(3) ... البيت من بحر البسيط , للحطيئة فى ديوانه صـ174 ، وما يحتمل الشعر من الضرورة
للسيرا فى صـ168 ، وشرح الجمل لابن عصفور 2/597 ، والضرائر له صـ 133 ، 187
، والمزهر 1 /1898 ، وموارد البصائر صـ 345 ,وفي المعاني الكبير لابن قتيبة 2/1035: " قال الحطيئة: فيه الرماحُ وفيه كل سابغةٍ جَدلاء مبهمة من نسجِ سلاّم
سابغة درع، جدلاء مدورة الحلق، مبهمة مستوية الحلق، وأراد بسلام : سليمان صلى الله
عليه, ولم يعمل الدروع سليمان وإنما عملها داود عليه السلام" .(1/333)
وَكُلُّ صَموتٍ نَثلَةٍ تُبَّعِيَّةٍ وَنَسجُ سُلَيمٍ كُلَّ قَضّاءَ ذائِلِ (1)
ويحتمل أن يكون ( سُلَيْم) فى البيت مرخماً من ( سليمان) فأسقط الألف والنون أو مصغراً
تصغير ترخيم ، وعليه يكون جائزاً فى الشعر وفى الكلام كما يقول السيرافي (2) وظاهر أن تغيير الأعلام فيما سبق سببه إصلاح الوزن ، وسهله أن التغييرإنما كان باشتقاق اسم من
اسم .
يقول ابن أبي الإصبع (3)عن ائتلاف اللفظ مع الوزن : " هو أن تكون الأسماء والأفعال تامة، لم يضطر الشاعرَ الوزنُ إلى نقصها عن البقية، ولا إلى الزيادة فيها، ولا يقدم منها المؤخر، ولا يؤخر منها المقدم، ولا يدخل فيها ما يلتبس به المعنى،...كقول القائل يصف درعاً:*من نسج داود أبي سَلاَّم*فإنه يريد سليمان، لكن الوزن اضطره إلى حذف الياء والنون
من سليمان، وتشديد اللام وتقديم الألف على الميم " (4).
وقد يكون الوزن لا يساعد على الإتيان بالعَلَم ، ولا المشتق منه ، فيؤتى باسم يصلح للوزن يكون شريكاً للاسم المراد فى إطلاقه عليه (5) كمافي قول الأحمر :
__________
(1) ... البيت من بحر الطويل للنابغة فى ديوانه صـ 146 ، وهو فى : ما يجوز للشاعر فى الضرورة للقزازصـ 167 ، والضرائر لابن عصفور صـ 132 وأساس البلاغة مادة (صمت) ، وموارد البصائر صـ 344 .
(2) ... انظر : ما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرا فى صـ 167 ، وشرح الكتاب للسيرا فى 2/188 ، والقزاز صـ 26 ، وموارد البصائر صـ 344 .
(3) ... هو: ابن أبى الإصبع - عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر ابن عبدالله بن محمد القيرواني ثم المصرى أبو محمد الشاعر المعروف بابن أبى الإصبع. صنف بدائع القرآن, و تحرير التحبير في علم البديع, و خواطر السوانح في أسرار الفواتح وغير ذلك . توفى سنة (654) هـ أربع وخمسين وستمائة . انظر ترجمته في : هدية العارفين - إسماعيل باشا البغدادي 1 / 585.
(4) ... تحرير التحبير صـ 221 .
(5) ... انظر: ضرائر الشعر لابن عصفور صـ 187 .(1/334)
حَدُوا بِأَبِي أُمِّ الِّرئَالِ فأ جْفَلَتْ ... ... نعامَتُهُ عنْ عَاِرضٍ مُتََلَهِّبِ (1)
يقول ابن عصفور "يريد (أبى أم الرئال) ( قطرياً) وكنيته ( أبو نعامة) فوضع ( نعامة) لما اضطره الوزن (2) .
ومثله أن يجعل بدل الاسم ما هو منه بسبب نحو قول لبيد :
بِخَطِيرَةٍ تِوفِي الْجَدِيلَ سَرِيحَةٍ مِثْلِ الْمَشُوفِ هَنَأْتَهُ بعَصِيمِ (3)
"أراد أن يقول : هنأته بهناء ، فلم يمكنه فأوقع موقعة (العصيم) وهو أثر الهناء" (4) .
ومن صور التصرف فى العلم لأجل الوزن تثنيته ، وهو مفرد ، كما فى قول جرير :
بانَ الخَليطُ بِرامَتَينِ فَوَدَّعوا أَو كُلَّما رَفَعوا لِبَينٍ تَجزَعُ (5)
يقول ابن جنى "وإنها (رامة) أرض واحدة معروفة" (6) .
__________
(1) ... البيت من بحر الطويل مجهول القائل ، وهو فى الضرائر لابن عصفور صـ 189 .
(2) ... ضرائر الشعر صـ 189 .
(3) ... البيت من بحر الكامل للبيد فى ديوانه صـ 191 ، وضرائر الشعر لابن عصفور صـ 191 . وفي التاج ,مادة ( شوف) : " بِخَطِيرَةٍ تِوفِي الْجَدِيلَ سَرِيحَةٍ مِثْلِ الْمَشُوفِ هَنَأْتَهُ بعَصِيمِ
يَحْتَمِلُ المَعْنَيَيْن، قال أَبو عمرٍو، ويُرْوَي: المَسُوفِ بالسِّينِ، يَعْنِي المَشْمُومَ، إِذا جَرِبَ البَعِيرُفطِلُىَ بالقَطِرَانِ شَّمَّتْهُ الإِبِلُ.وقيل: المَشُوفُ الْمُزَيَّنُ بالْعُهُونِ، وغَيْرِهَا. والخَطِيرَةُ: التي تَخْطِرُ بذَنَبِهَا نشاطاً، والسَّرِيحَةُ: السَّرِيعَةُ، السَّهْلَةُ السَّيْرِ. والشَّيِّفَةُ، كَكَيِّسَةٍ، والشَّيِّفَانُ، بِشَدِّ يَائِهِمَا الْمَكْسُورَةِ: الطَّلِيعَةُ الذي يَشْتَافُ لَهُمْ" .
(4) ... ضرائر الشعر لابن عصفور صـ 191 .
(5) ... البيت من بحر الكامل لجرير فى ديوانه صـ 267، والخصائص 2/242.
(6) ... الخصائص 2/242. وفي معجم البلدان - الحموي 3 / 16 : "رامتين : هو تثنية رامة يثنى كما
قيل عمايتين وهو واحد ، وهو رامة بعينه ، وقد ذكرناه بعد ، قال جرير : يجعلن مدفع عاقلين أيامنا ، وجعلن أمعز رامتين شمالا وعاقلين أيضاً أراد به عاقلا ، وفي هذا الموضوع جاء : تسألني برامتين سلجما " وقال أيضاً في 4 / 164 : "عنيزتين : تثنية الذي قبله بمعناه
، قال العمراني : هو موضع آخر ، والذي أظنه أنه موضع واحد كما قالوا في عماية عمايتان وفي رامة رامتان وأمثالها كثيرة".(1/335)
وفى اللسان :"و( عاقل ) جبل ، وثناه الشاعر للضرورة ، فقال(1) :
يَجعَلنَ مَدفَعَ عاقِلَينِ أَيامِناً وَجَعَلنَ أَمعَزَ رامَتَينِ شِمالا " (2)
ومن صور التصرف أيضاً جمعه ، وهو مفرد ، كما فى قول : عبيد :
أ َقفَرَ مِن أَهلِهِ مَلحوبُ فَالقُطَبِيّاتُ فَالذَنوبُ (3)
يقول ابن جنى "وإنما القطبية ماء واحد معروف" (4) .
وهذه الصور السابقة فى تغيير العلم جعلها ابن عصفور جائزة فى الشعر دون الكلام (5) ، ولم يذكر صور التغيير فى العلم بتثنيته وجمعه ، وهو مفرد وذكر ضرباً من التغيير فى الأعلام لا يجوز فى الشعر ولا فى الكلام ، وهو ما جاء على طريق الغلط ؛ لأن الغالط لا ينبغى أن يتبع على غلطه , مثل قول الشاعر : *والشيخُ عُْثَمانُ َأُبو عَفَّان *(6)
__________
(1) ... البيت من بحر الكامل , لجرير في جمهرة أشعار العرب صـ 268 , و معجم البلدان 3/16 , و اللسان , مادة ( عقل ) .
(2) ... اللسان , مادة (عقل) .
(3) ... البيت من مخلع البسيط ، لعبيد بن الأبرص أول بيت فى معلقته فى ديوانه صـ10 ،
والخصائص 2/241 ،والمعلقات العشر للشنقيطى صـ 171 .
(4) ... الخصائص 2/422 . وفي معجم البلدان - الحموي 4 / 371 : "القطبيات : بالضم ثم التشديد ،
وبعده باء موحدة ، وياء مشددة ، أظنه جمع قطبية من القطب وهو المزج : اسم جبل في شعر عبيد : أقفر من أهله ملحوب فالقطبيات فالذنوب
القطبية : بالضم ثم الفتح والتشديد ، وباء موحدة ، وياء نسبة ، وهو واحد الذي قبله : ماء لبني زنباع من بني أبي بكر بن كلاب وكانت القطبية ردهة في جوف سواج " .
(5) ... انظر: ضرائر الشعر لابن عصفور صـ 187.
(6) ... شطر من بحر السريع قال الشنقيطى في الدرر اللوامع2/532 "ولم أعثر على قائله ، ولاتتمته" ،
وهوفى ما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرا فى صـ 170 ، وضرائر الشعر لابن عصفور
صـ 192 ، والمزهر 2/500 ، والهمع 3/205 .(1/336)
فكنى(عثمان) (أبا عفان) على وجه الغلط ، وإنما كنيته أبو عمرو ، و(عفان) اسم أبيه (1) .
وهذه الصور المذكورة ينبغى أن لا تعامل معاملة واحدة من حيث الحسن أو القبح ، فأقربها
الصورة الأولى التى اشتق فيها اسم من اسم ، وهى على كل حال ينبغى قصرها على الشعر فى حال الضرورة ، أما سائر الصور المذكورة ، ففيها لبس ظاهر ، ينبغى الاحتراز منه ، وهى ضرورة قبيحة ، كما قال النحاة (2) .
ومن الصور الجائزة في تغيير العلم أن يجري التصرف في العلم الأعجمي , والشعراء
يجترئون على تغييره أكثر من اجترائهم على الأسماء العربية المحضة, كما يقول أبو العلاء (3) .
وقد خالفهم المحدثون فى هذا ، فذهب بعضهم إلى أن هذا استعمال شعرى خاص بالأعلام ، ولا داعى لفرضه على النثر ، ولا داعى لوصفه بالضرورة (4) .
كذلك ذهب آخرون إلى أنه من الضرورات الحسنة التصرف فى بنية العلم بتغييره عن
صورته الأصلية حين لا تنسجم مع اللفظ (5) ولعل قولهم هذا راجع إلى الاعتماد على القرينة الذاتية فى العلم ، والتى أتاحت التصرف فيه بأشكال مختلفة كالترخيم فى التصغير والنداء .
لكن يبدو أنهم لم يلتفتوا إلى أن هذا التغيير يجرى على قانون مطرد يعرف به العلم بعد التغيير ، ويؤمن فيه اللبس ، بخلاف التغيير فى الأعلام ، والذى يكون بتغيير الحركة أو تقديم بعض الحروف على بعض أو حذفها أو إيراده مثنى أو مجموعاً (6) فالأفضل قصر هذا على الضرروة ، ومتابعة النحاة والبلاغين فى أنها ضرورة قبيحة .
__________
(1) ... انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 170 ، وشرح الجمل لابن عصفور 2/598 ، والضرائر له صـ192 ، وموارد البصائر صـ 345 .
(2) ... انظر: الاقتراح صـ20 ، والمزهر 1/189 .
(3) ... انظر:عبث الوليد صـ 102, 201, 225 .
(4) ... منهم د/ محمد حماسة عبد اللطيف في: الضرورة الشعرية صـ 287 .
(5) ... منهم د/ خليل بنيان الحسون فى : الضرورات الشعرية صـ 92.
(6) ... السابق نفسه صـ 92 .(1/337)
يقول ابن فارس : " مَا جعل الله الشعراء معصومين يُوَقَّوْن الخطأ والغلط، فما صحَّ من شعرهم فمقبول، وَمَا أبَتْهُ العربية وأصولها فَمَرْدُودُ. بَلَى للشاعر إذَا لَمْ يَطَّرِدْ لَهُ الَّذِي يُريده فِي وزن شعره أن يأتي بما يقوم مقامه بَسْطاً واختِصاراً وإبْدالاً بعد أن لا يكون فيما يأتيه مُخْطِئاً أَوْ لاحناً، فله أن يقول: * كالنَّحْلِ فِي ماءِ رُضابِ العَذْبِ *
وهو يُريد العسَل، وله أن يقول: * مثل الفَنِيق هَنَأتَهُ بعَصيمِ* (1)و "العصيم" أثر الهِناء. وإنما أراد هَنَأتَه بهِناء" (2) .
من أحكام القوافي في الإنشاد
أو من ضرورات العجز
آخر الأبيات هو المعد للوقف اتفاقاً بين النحويين (3) " والعناية في الشعر إنما هي بالقوافي ؛ لأنها المقاطع ، و آخر القافية أشرف عندهم من أولها ، والعناية بها أمس ، والحشد عليها أوفي وأهم ، وكذلك كلما تطرف الحرف في القافية ازدادوا عناية به ، ومحافظة علي حكمه "(4)
__________
(1) ... الرجز لرؤبة , و هو في الصاحبي صـ470 , بلا نسبة , و منسوب لرؤبة في اللسان , و التاج , مادة( رضب ) .
(2) ... الصاحبي صـ 469 , 470 .
(3) ... انظر: شرح الشافية 2/319 ، وحاشية الصبان 4/206 .
(4) ... الخصائص 1/85 .(1/338)
قال ابن الأعرابي (1) :" استجيدوا القوافي ؛ فإنها حوافر الشعر , وقال الشجري : القافية رأس البييت ...وإنما غرضه فيها أنها أشرف مافيه"(2) .
وقد عقد سيبويه في الكتاب باباً في " وجوه القوافي في الإنشاد " (3) ، وقال الشنتمري: " إنما ذكر سيبويه هذا الباب عُقيب باب الوقف، ليري الفرق بين القوافي ، وأواخر الكلام ، وبيَّن اختلاف العرب في ذلك عن الترنم وغيره وبيّن علّة ذلك كله " (4) .
__________
(1) ... هو أبو عبد الله محمد بن زياد الأعرابي . ، قال أبو العباس ثعلب : شاهدت مجلس ابن الأعرابي وكان يحضره زهاء مائة إنسان . وكان يسئل ويقرأ عليه ، فيجيب من غير كتاب . قال و لزمته بضع عشرة سنة ما رأيت بيده كتابا قط . ومات بسرمرى وقد جاوز الثمانين . قال أبو العباس : قد أملا على الناس ما يحمل على أجمال ، لم ير أحد في علم الشعر أغزر منه . سمع من المفضل بن محمد . وكان يذكر أنه ربيب المفضل ، كانت أمه تحته . قال ثعلب سمعت ابن الأعرابي في سنة خمس وعشرين ومائتين يقول : ولدت في الليلة التى مات فيها أبو حنيفة . ومات سنة إحدى وثلاثين . وكان عمره إحدى وثمانين سنة وأربعة أشهر وثلاثة أيام . انظر ترجمته في : فهرست ابن النديم صـ 75 .
(2) ... المحتسب 2/210. بتصرف يسير جداًَ.
(3) ... انظر : الكتاب 4/204 .
(4) تحصيل عين الذهب بحاشية الكتاب 2/298.(1/339)
ويفهم من كلام الشنتمري ( الفرق بين القوافي ، وأواخر الكلام) أن للقوافي في الإنشاد أحكاماً تخالف الكلام ؛ لأن الشعر موضع للغناء والترنم (1) وهم يترنمون بالشعر ، ويحدون به ، ويقع فيه تطريب ، وأكثر ما يقع ذلك في الأواخر (2) ، ولذلك يقع في قوافي الشعر ما لا يقع في الكلام ، من إلحاق المدة في حرف الروي (3) ، وقد جوزوا في القوافي – خاصة – بعد تضعيف الحرف الساكن أن يحركوا المضعف لقصد الإتيان بحرف الإطلاق لقصد الترنم والغناء (4) ، كما أن جميع ما لا يحذف من الياءات والواوات في الكلام ن مثل ( القاضي ) و
( الداعي ) قد يحذف في القوافي (5) .
"ومن ذلك ما تستعمله العرب من إشباع مدات( التأسيس والردف والوصل والخروج) (6)
عناية بالقافية ؛ إذ كانت للشعر نظاماً , وللبيت اختتاماً"(7) .
__________
(1) انظر : الكتاب 4/206 .
(2) ... انظر : الكتاب للسيرافي 2/99 ، وما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرافي صـ 39، 40، وشرح الشافية 2/316.
(3) ... انظر : الكتاب 4/26 ، وشرح الكتاب للسيرافي 2/99، 100، وشرح الشافية 2/316 ،والضرائر
للألوسي صـ 287، 288.
(4) ... انظر : شرح الشافية 2/316، 317.
(5) ... انظر : التكملة للفارسي صـ 22، 23 .
(6) ... (التأسيس) وهو مأخوذ من أسست البناء. والتأسيس ألف بينها وبين الروي حرف يكون بعدها وقبله، ويسمى الدخيل تعاقبه جميع الحروف.(الردف) وهو مأخوذ من ردف الراكب لأن الروي أصل فهو الراكب، وهذا كردفه, وهو يكون من أحد ثلاثة أحرف: الواو، والألف، والياء. (الصلة)وتسمى الوصل أيضاً وهي حرف يكون بعد الروي متصل به. ويكون أحد أربعة أحرف: الواو، والألف، والياء، والهاء.انظر القوافي لأبي يعلي صـ 110, 118 , 123, 132.
(7) ... المحتسب 2/209.(1/340)
وبسبب الطبيعة الخاصة للقوافي في الشعر جاءت كثير من الأحكام النحوية والصرفية مخالفة لكلام النحويين ، فوسموها بالضرورة ، تقول إحدي الباحثات : " لقد كانت القافية نعمة بما تسبغه من حس الموسيقي ، وإيقاع يحبب الشعر إلي النفوس ، ويميزه عن النثر ، إلا إنها كانت في كثيرٍ من الأحيان نقمة بخلقها كثيراً من المشاكل اللغوية ولقد خدمت هذه ضرائر الشعر لا تصل إلي الحد التي تسمي فيه ظواهر لغوية القافية كثيراً ، وربما كانت كل الظواهر اللغوية التي يشيع فيها الاضطراب من صنع القوافي " (1) .
وما سمته الباحثة ( اضطراباً )هو ما صنفه النحويون تحت اسم الضرورة غالباًً .
ومن هذا ما ذكره أبو العلاء في شرح ديوان ابن أبي حصينة : قال : " القافية يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها من تخفيف المشدد ، وحذف واو الجمع ، وهاء التأنيث عند الوقف "(2) و" تخفيف همز أو ممدود في القافية ونحو ذلك ، فإنه يجري مجري الضرورات التي في حشو البيت ؛ لأن الأواخر تحتمل ما لا تحتمل الأوساط والأوائل " (3) .
واللفظ " مهموزفي أول البيت ، وفي آخره لا يهمز؛ لأن الهمزة تعتبر ، ولا اختلاف في أن ذلك جائز " (4) .
وتخفيف ياء النسب في القافية " أسهل وأخف ؛ لأنه إذا وقعت ياء النسب في آخر البيت مخففة آثروا التخفيف " (5).
__________
(1) ... دراسة لغوية في أراجيز رؤبة والعجاج . د / خوله تقي الدين الهلالي صـ 172.
(2) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 73 .
(3) ... السابق نفسه 2/ 84 .
(4) ... السابق نفسه صـ 113 .
(5) ... السابق نفسه صـ 113 .(1/341)
وإنما كان الاحتمال حسناً في أواخرالشعر دون أوائله" فلأنها حروف الرويّ وخواتم القوافي، ومنقطع الكلام، فاحتملت ما لا يحتمله غيرها, ولو ساغ أن يُنصب ذلك علَماً، ويجعل عبرة،ويستمرّ على شريطة القياس لوجب أن لا ينكر على الشاعر إذا قال: رأيت حسنَّاً؛ فشدد النون، أو ضربت محمدَّاً فثقل الدال؛ كما جاز لك في الطولّ ومستقرنّ، ويجري ذلك في سائرالأسماء وجميع الحروف والأفعال، وهذا أمر لا ينتهي إليه عاقل. وقد جاء عن العرب التشديد في أواخر الأسماء إذا وقفوا عليها، وهذا ما يؤكد ما قلناه في تمييز القوافي عن غيرها؛ من حيث كانت العرب تقف عليها، وإن كانت مطلقة"(1).
وهذا تفصيل ما ذكره أبو العلاء مما يحسن في القافية ولا يحسن في غيرها .
تخفيف المشدد
الأصل بقاء الشيء علي ما كان عليه ، فالحرف المشدد من الكلمة يبقي علي حاله ولا يخفف " (2) وقد استثني الألوسي من هذا الحكم الشعر ، قال : " وليس هذا الحكم بجارٍ في الشعر ، فإن له حكماً آخر لا يشاركه فيه باب المنثور من الكلام " (3) وقد كثر اجتراؤهم علي تخفيف المشدد في القوافي (4).
لكن تخفيف المشدد يختلف حاله باختلاف موقعه ، فهو في الحشو مكروه جداً ، أما في القافية فجائز " (5) وهو في القافية المقيدة أكثر منه في القافية المطلقة (6) .
__________
(1) الوساطة للقاضي الجرجاني صـ 409.
(2) ... الضرائر للألوسي صـ 86، 87 .
(3) ... السابق نفسه صـ 87 ، وسيأتي الرد على هذا بتفصيل أكثر في مسألة تخفيف ياء النسب صـ421 .
(4) ... انظر : رسالة الملائكة صـ153 .
(5) ... انظر : الأصول 3/448 ، وشرح ديوان ابن أبي حصينة 2/79 ، والعمدة 2/1021 .
(6) ... انظر : ما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرافي صـ 89 ، 92 ، والخصائص 2/230، 322 ، وشرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 116 ، والقافية المقيدة ما كانت غير موصولة ، والمطلقة ما كانت موصولة ، انظر الكافي في العروض والقوافي للتبريزي صـ 316 ، 317 .(1/342)
وتخفيف المشدد له حالان ، الأول :
أن يحذف أحد الحرفين المشددين، وحرف بعده (1) وعليه قول الشاعر :
وقَبِيلٌ من لُكَيْزٍ حاضِرٌ رهْطُ مرجومٍ ورهطُ ابن المُعَلْ(2)
" يريد ( المُعلَّي ) فلما حذف الألف حذف معها فتحتها ، فبقي ( المُعلّ ) ، فلما وقف في القافية المقيدة علي الحرف المشدد خففه " (3).
وفي هذا من الشذوذ حذف الألف المقصورة ، وهي لا تحذف ، وإنما حُذف وخُفف لأجل القافية ضرورة (4).
الثاني : أن تحذف الحركة وأحد الحرفين اللذين حدث معهما التشديد (5)
كقول الشاعر: لا وَأَبيكَ اِبنَةَ العامِرِيِّ لا يَدَّعي القَومُ أَنّي أَفِرْ (6)
__________
(1) ... انظر : ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 90 ، وضرائر الشعر لابن عصفور صـ104 .
(2) ... البيت من بحر الرمل نسب للبيد , و ليس في ديوانه , و الذي فيه صـ 145 وَقَبيلٌ مِن عُقَيلٍ صادِقٌ كَلُيوثٍ بَينَ غابٍ وَعَصَل، وهو في الكتاب 4/188 ، والبغداديات صـ 507 ، والحجة
1/58 ، 105 ، والخصائص 2/293 ، وسر الصناعة 2/ 81 ، 259 ، والمحتسب 1/342 ، والضرائر لابن عصفورصـ 104. وشرح شواهد الشافية صـ 207 .
(3) ... المحتسب 1/342 .
(4) ... انظر : البغداديات صـ 507 ، والحجة 1/85 ، 105 ، وسر الصناعة 2/81 ، 259
والأشموني4/205 .
(5) ... انظر : ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 89 ، وشرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 79 ، وضرائر
الشعر لابن عصفور صـ 103 ، والضرائر للألوسي صـ 86 .
(6) ... البيت من بحر المتقارب، لامرئ القيس في ديوانه صـ154 ، وقبله :
أَحارِ بنُ عَمروٍ كَأَنّي خَمِر وَيَعدو عَلى المَرءِ ما يَأتَمِر
وبعده : ... ... تَميمُ بنُ مُرٍّ وَأَشياعُها وَكِندَةُ حَولي جَميعاً صُبُر
وهو في : المحتسب 2/273 ، والصاحبي صـ 411 ، ورسالة الشياطين ضمن رسائل أبي العلاء صـ 88 ، وضرائر الشعر لابن عصفور صـ 103، والخزانة 1/374 ، 11/221،222.(1/343)
ومثله قول طرفة : أَصَحَوتَ اليَومَ أَم شاقَتكَ هِر وَمِنَ الحُبِّ جُنونٌ مُستَعِر(1)
قال السيرافي في البيت الأول " فأكثر الإنشاد في هذا حذف أحد الحرفين ليتشاكل أواخر الأبيات ، ويكون علي وزن واحد ؛ لأنك إذا قلت * لا يدعي القوم أني أفرْ *" صار آخر جزء في
البيت ( فعلْ ) في وزن العروض ؛ لأنه من المتقارب من الضرب الثالث , وإذا شدد الراء صار آخر أجزائه عل ( فعول ) من الضرب الثاني من المتقارب ، فهو مضطر إلي حذف
أحد الحرفين لاستواء الوزن ومطابقة البيت لسائر أبيات القصيدة " (2) .
وظاهر من كلام السيرافي أن الوزن هو الذي ألجأ الشاعر إلي التخفيف .
هذا السابق هو الكثير الغالب في تخفيف المشدد , الحذف من القوافي ، وأن تكون القوافي مقيدة ، وقد يأتي دون هذا ، فيحذفون من القوافي المطلقة علي إنشاد من ينشدها بالوقف الحذف المذكور في القوافي المقيدة ، ومن هذا قول النابغة :
إِذا حاوَلتَ في أَسَدٍ فُجوراً فَإِنّي لَستُ مِنكَ وَلَستَ مِنّي (3)
قال السيرافي : " أراد ( منّي ) والقصيدة مطلقة وإنما هذا إنشاد بعضهم " (4).
__________
(1) ... الييت من بحر الرمل لطرفة في ديوانه صـ 75، وهو في ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 89 ،والخصائص 2/230 ، 322 .
(2) ... ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 89 ، 90 ، وانظر : الضرائر لابن عصفور صـ 103 ،
... والخزانة 11/222، 223 ، والضرائر للألوسي صـ 87 ، وموارد البصائر صـ 191 .
(3) ... البيت من بحر الوافر ، للنابغة في ديوانه صـ 127 . برواية .
إِذا حاوَلتَ في أَسَدٍ فُجوراً فَإِنّي لَستُ مِنكَ وَلَستَ مِنّي ,
ولا شاهد فيها وانظر البيت برواية الشاهد في : الكتاب 4/186 ، وشرح أبيات سيبويه للنحاس صـ 336 ، وما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 92 ، والحجة 1/128 ، والارتشاف 5/2413 ،وشرح شواهد الشافية صـ 210 .
(4) ... ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 93 .(1/344)
وأنشد سيبويه هذا البيت في باب ما يحذف من الأسماء من الياءات في الوقف (1) .
وأنشد بعده : وَهُم وَرَدوا الجِفارَ عَلى تَميمٍ وَهُم أَصحابُ يَومِ عُكاظَ إنْ(2)
وقال : " يريد ( إنِّي ) سمعنا ذلك ممن يرويه عن العرب الموثوق بهم ، وترك الحذف أقيس"(3) , ومن هذا قول عمران بن حطان (4):
قد كنتُ عندك حولاً لا تُروعُني فيه روائعُ من إنسٍٍ ولا جانِِ (5)
ومثله قول ابن أبي حصينة :
فَعِش عُمرَ ما حَبَّرتُ فيكَ فَإِنَّه سَيَبقى إِذا لَم يَبقَ إِنسٌ وَلا جانُ (6)
وفيه يقول أبو العلاء : " و ( الجان ) في كتاب الله مثقّل النون ، وقد جاء تخفيفه في
شعرإسلامي ، وذلك آخر بيت ينسب إلي عمران : * حيين من إنس ومن جانِي *
__________
(1) ... انظر : الكتاب 4/185 .
(2) ... البيت من بحر الوافر للنابغة في ديوانه صـ 127 برواية .
إِذا حاوَلتَ في أَسَدٍ فُجوراً فَإِنّي لَستُ مِنكَ وَلَستَ مِنّي
فَهُم دِرعي الَّتي اِستَلأَمتُ فيها إِلى يَومِ النِسارِ وَهُم مِجَنّي
َهُم وَرَدوا الجِفارَ عَلى تَميمٍ وَهُم أَصحابُ يَومِ عُكاظَ إِنّ
شَهِدتُ لَهُم مَواطِنَ صادِقاتٍ أَتَينَهُمُ بِوُدَّ الصَدرِ مِنّي ,
ليس هنا شاهد .
(3) انظر : الكتاب 4/186 .
(4) هو:عمران بن حطان السدوسي يروى عن عائشة وابن عمر وابن عباس كان يميل إلى مذهب ... الشراةروى عنه محمد بن سيرين ويحيى بن أبى كثير وصالح بن سرج عمران بن أبى الجعد
يروى عن بن عمر روى عنه إسماعيل بن أبى خالد .انظر ترجمته في: االثقات لابن حبان 5/ 222 .
(5) ... البيت من بحر البسيط ، وهو لعمران ابن حطان ، انظر : إعراب القرآن المنسوب إلي الزجاج 3/841 ، والحجة تحقيق د/ عبد العزيز رباح 4/336، 5/454، 6/104 ، والمحتسب 2/76 ، وشرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 72 .
(6) ... البيت من بحر الطويل ، وهو في الديوان 1/81 .(1/345)
وتخفيفه في القافية أسهل من تخفيفه في حشو البيت ؛ لأن القافية يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها من تخفيف المشدد " (1) .
ويبدو أن النحويين كرهوا تخفيف المشدد من القافية المطلقة حتي إنهم تأولوا بيت عمران السابق تأويلات مختلفة ، من هذا ما ذكره ابن جني من أنه قد أبدلت النون الثانية من ( جانّ ) ياءً لاجتماع (2) المثلين كقولهم : ( أمليت الكتاب ) في معني ( أمللت ) .. فإذا أمكن ذلك – والكلام لابن جني – كان محل بيت بن عمران علي هذا الضرب من البدل أخلق من حمله علي الحذف ؛ لأن البدل علي كل حال أحسن من الحذف (3) .
ويمكن أن يكون ذلك من تخفيف المشدد في القافية المطلقة ، لكن هذا ليس كثيراً ، قال أبو العلاء في تخفيف المشدد" فيه اضطراب؛ لأنه خفف المثقل في قافية الشعر المطلق، وإنما يكثر التخفيف في المقيد " (4) .
وكما أن الحذف من القوافي المطلقة قليل كما سبق ، فإن الحذف من الحواشي قليل ، بل مكروه ومن هذا قول الشاعر : أَلا لَيتَ اللَحى كانَت حَشيشاً فَنعلِفَها دَوابَ المُسلِمينا(5)
بتخفيف ( دوابُ ) من البيت .
هذا هو كلام النحويين الذين جعلوا تخفيف المشدد ضرورة مع أنه قد وقع مثله في
__________
(1) شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 72، 73 .
(2) ... انظر في إبدال المضعف ياءً : الكتاب 4/224 ، وأمالي القالي2/171 ، وإعراب القرآن المنسوب
إلي الزجاج 3/ 802 ، 860 .
(3) ... انظر : لسان العرب مادة (جنن).
(4) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 116 .
(5) ... البيت من بحر الوافر ليزيد بن مفرغ في ديوانه صـ 225، وهو في الضرائر لابن عصفور صـ105، واللسان مادة ( عدس) والخزانة 4/326 ، وفي الخزانة 6/45 برواية أخري وهي ( خيول المسلمينا) ولا شاهد فيها .(1/346)
القراءات القرآنية ، فقد قرأ ابن يعمر(1): "فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ "(2) .
بتخفيف الراء من ( فمرت ) (3). يقول ابن جني : " أصله : ( فمرَّت به ) مثقلة كقراءة الجماعة, غير أنهم قد حذفوا نحو هذا لثقل التضعيف"(4) .
وقرأ الزهري : " وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ" خفيفة الباء(5) .
قال ابن جني : " ولا أعلم أحداً خففها سواه " (6) وحكم علي هذه القراءة بالضعف فقال : "لعمري إن تخفيفها قليل وضعيف قياساً وسماعاً " (7) وذكر أن هذا الباب " إنما يحمله الشعر " (8) .
وهكذا حكم ابن جني علي القراءة القرآنية بالضعف من أجل تصحيح قاعدة النحويين التي وضعوها من أنه لا يجوز تخفيف المشدد إلا في الشعر ، وهم محجوجون بورود ذلك في القرآن ،كما في قراءة الزهري السابقة .
__________
(1) ... هو: يحيىبن يعمر الليثي من بني كنانة وكان من أهل البصرة وكان نحوياً صاحب علم بالعربية والقرآن ثم أتى خراسان فنزل مرو وولي القضاء بها فكان يقضي باليمين مع الشاهد وكان ثقة. انظر ترجمته في : الطبقات الكبرى 7 / 368 , و الجرح والتعديل ـ الرازي 4/110.
(2) ... سورة الأعراف من الآية : 189.
(3) ... انظر هذه القراءة في المحتسب 1/269 , ومختصر الشواذ صـ93.
(4) ... المحتسب 1/269.
(5) ... سورة الحج , من الآية : 18 ، والقراءة في : المحتسب 2/76 ، ودراسات في أسلوب القرآن 7/494 .
(6) ... المحتسب 2/76 .
(7) ... السابق نفسه 2/76 .
(8) ... السابق نفسه 2/77 .(1/347)
وكما في قوله تعالي " الِْحَوَارِيِّينَ " (1) مخففة الياء في جميع القرآن في قراءة إبراهيم وأبي بكر الثقفي (2) , وقرأ الأعمش : " وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ " (3) بتسكين الياء .
وقد خففت ياء النسب في غير موضع مع كونها مفيدة لمعني النسب ، فكيف بها إذا كان لفظها لفظ النسب ، ولا حقيقة له هناك ، فهي بمنزلة ( كرسي ) بعبارة ابن جني نفسه (4) .
وربما يكون التشديد والتخفيف راجعاً إلي اختلاف اللهجات , فالقبائل البدوية تميل إلي الشدة حين الكلام ، و " ذلك لما في طبعها من جفاء وغلظة ، ولكن أهل المدن المتحضرة يميلون إلي التؤدة والليونة؛ لأن ذلك ينسجم مع بيئتهم وطبيعتهم " (5) .
حذف الضمير في القافية
... الحذف والاختصار أو ( القبض ) كما سماه ابن فارس من سنن العرب فى كلامها(6) حتى إنهم قد يحذفون بعض الكلم استخفافاً, حذفاً يخل بالبقية, ويعرض لها الشبه كما يقول ابن جنى(7) .
والحذف فى العربية يأتى على أنواع منها:
• أن يحذف حرف أو أكثر من أصول الكلمة, فيقولون مثلا فى " درس المنازل" : ( درس
__________
(1) ... (الحواريون)في : آل عمران من الآية : 52 , والمائدة من الآية: 112, والصف من الآية : 14 .
(2) ... انظر : المحتسب 1/323 ، والمحرر الوجيز 2/239 ، والإملاء للعكبري 1/162.
(3) ... سورة هود من الآية : 44 ، وانظر القراءة في : المحتسب 1/323 ، والمحرر الوجيز 2/439 ،والإملاء 1/162 ، والبحر 2/174 , والاتحاف 1/127.
(4) ... انظر : المحتسب 2/76 .
(5) ... اللهجات العربية في التراث 2/657، وانظر : في اللهجات العربية د/ أنيس صـ 89 .
(6) ... انظر: الصاحبى صـ 381.
(7) ... انظر: الخصائص 1/81, 2/438.(1/348)
المنا ) (1) ومن هذا مالا يجرى على قياس كما سبق , ومنه ما يجرى على قياس مطرد كما فى الترخيم فى التصغير(2) والنداء(3) , وفى غير النداء(4) .
• تقصير الحركة الطويلة فى هاء الكناية فى الوصل, فيقولون مثلا فى (لَهُ) و(بِهِ) : (لَهْ)
و( بِهْ) بدلا من ( لهو) و( بهى) (5) وقد يحذفون الحركة كلها, وتسكن الهاء(6) .
• وقد يحذفون من الكلمة حرف العلة غير الألف(7) , كما حذفت الواو من الرسم القرآنى فى
قوله تعالى: "وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ "(8) , وقوله تعالى: "وَيَمْحُ اللَّهُ
__________
(1) ... هذا جزء من شطر بيت للبيدصـ 26 وتمامه: دَرَسَ المَنا بِمُتالِعٍ فَأَبانِ وَتَقادَمَت بِالحُبسِ فَالسوبانِ وانظر فى حذف الحرف من أصل الكلمة : الكتاب 3/32, وما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرافى صـ 102, والخصائص 1/82, 2/439, والصاحبى صـ 381, ورسالة الشياطين ضمن رسائل أبى العلاء صـ 104, والمزهر 1/189.
(2) ... انظر: شرح الشافية 1/283, ورسالة الشياطين للمعرى ضمن رسائل أبى العلاء صـ 99.
(3) ... انظر: الكتاب 2/239, وشرح المفصل 2/20, 21, وشرح التسهيل 3/421, والأشمونى3/171.
(4) ... انظر: الكتاب 2/239, 247, 254, 269, 272, وما يحتمل الشعر من الضرورة
للسيرافى صـ 95, 96, وشرح المفصل 2/19, وضرائر الشعر لابن عصفور صـ 106, والهمع ... 2/57, والضرائر للألوسىصـ 58.
(5) ... انظر: الكتاب 4/190, 191, والمقتضب 1/400, والروض الأنف1/22, وشرح الشافية 3 ... /308.
(6) ... انظر: المقتضب 1/394, 402, والحجة 1/99, 100, والخصائص 1/129, وسر الصناعة 2/80, 259, والمحتسب 1/244, والروض الأنف 1/22, والخزانة 5/269, والألوسى صـ 81.
(7) ... انظر فى حذف الألف: الكتاب 4/209, 210, والتكملة للفارسى صـ 23, والحجة 1/57, 58, وسر الصناعة 2/80, وشرح الملوكى صـ 391, وشرح الشافية 2/303.
(8) ... سورة الإسراء من الآية: 11.(1/349)
الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ "(1) , وقوله تعالى: "يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ
نُكُرٍ"(2) وقوله سبحانه: "سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ "(3) .
وحذفت الياء فى القراءات السبع فى الرسم القرآنى فيما يزيد على مائة موضع(4) ومنه
قوله تعالى: "أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ "(5) وقوله سبحانه: "فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ"(6) وفى هذا يقول سيبويه: "وجميع ما لا يحذف فى الكلام, وما لا يختار فيه أن لا يحذف, يحذف فى الفواصل والقوافى.. والأسماء أجدر أن تحذف إذا كان الحذف فيها فى غير الفواصل والقوافى.. وإثبات الياءات والواوات أقيس الكلامين, وهذا جائز عربى كثير"(7) .
ويعلل الرضى لجواز الحذف فى الوقف فى الياء بأنه "موضع استراحة, والياء المكسور ما قبلها ثقيل"(8) .
- وقد يحذفون من الكلمة الضمير( واو الجماعة وياء المؤنثة), اكتفاء من الواو بضم ما قبلها, ومن الياء بكسرة ما قبلها(9) .
أما حذف الواو والياء وهما ضميران فى الفواصل والقوافى فسهَّله كثرة حذفهما فى الفواصل والقوافى وهما حرفا علة كما سبق, "ولما استمر ذلك فيها , وكثر جعلوا ما كان اسماً بمنزلة غيره فى استجازة حذفهما"(10) .
__________
(1) ... سورة الشورى من الآية: 24.
(2) ... سورة القمر من الآية: 7.
(3) ... سورة العلق , الآية: 18.
(4) ... انظر: فهارس التذكرة لابن غلبون: 2/833- 836.
(5) ... سورة البقرة من الآية: 86.
(6) ... سورة آل عمران من الآية: 20.
(7) ... الكتاب 4/184, 185, بتصرف, وانظر: التكملة للفارسى صـ 22, 23, وابن يعيش 9/78, 79, وشرح الشافية 2/301.
(8) ... شرح الشافية 2/300.
(9) ... انظر: معانى القرآن للفراء 1/91, والضرائر للقزاز صـ241, والإنصاف 2/546, وشرح المفصل ... 9/80.
(10) ... الحجة للفارسى 1/57, وانظر: الكتاب 4/211, وسر الصناعة 2/80.(1/350)
قال سيبويه: "وقد دعاهم حذف ياء ( يقضى) (1) إلى أن حذف ناس كثير من قيس وأسد الياء والواو اللتين هما علامة المضمر, ولم تكثر واحدة منهما فى الحذف كـ كثرة ياء ( يقضى) لأنهما تجيئان لمعنى الأسماء, وليستا حرفين بنيا على ما قبلهما"(2) .
وقال أبو العلاء: " القافية يجوز فيها ما لا يجوز فى غيرها من تخفيف المشدد وحذف واو الجمع, وهاء التأنيث عند الوقف؛ لأنهم ينشدون:
لا يُبْعِدِ الله ُجيراناً بعدوا لَمْ أَدْرِ بَعْدَ غَدَاةِ البَيْنِ مَا صَنَعُ(3)
فهم يحذفون الواو التى بعد العين"(4) .
ومثل البيت السابق قول الشاعر:
لَوْ سَاوَفَتْنَا بِسَوْفٍٍ مِنْ تَحِيَّتَها سَوْفَ العَيُوفِ لرَاحَ الرَّكْبُ قَدْ قنِعُ (5)
قال أبو يعلي(6) : " ومنهم من يحذف واو الجميع فينشد:
لا يُبْعِدُ اللهُ جِيرَاناً لَمَال ظَعَنُوا لَمْ أَدْرِ بَعْدَ غَداةِ البَيْنِ مَا صَنَعُ
وينشد أيضاً بقوله:
__________
(1) ... أى فى الفواصل والقوافى.
(2) ... الكتاب 4/211, وانظر: شرح شواهد الشافية صـ 236, 237.
(3) ... البيت من بحر البسيط لابن مقبل فى: الحجة للفارسى 1/57, وسر الصناعة2/80,وابن يعيش 9/78, وشرح الشافية للرضى 2/306, وشرح الشافية لنقرة كار صـ 118,
وشرح شواهد الشافية صـ 236, وورد البيت فى الكتاب 4/211, برواية (قنْع) بالتسكين.
(4) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 73.
(5) ... البيت من بحر البسيط لتميم بن مقبل فى الكتاب 4/212, والحجة للفارسى 1/57, ومعنى ساوفتنا: أى وعدتنا بقولها ( سوف) , و( العيوف) الكاره للشئ, وهو أيضاً من الإبل: ما يشم الماء فيدعه وهو عطشان.
(6) ... هو: عبد الرحيم بن المحسن بن عبد الباقي بن عبد الله بن أبي حصين أبو محمد التنوخي المعري .توفي بميافارقين في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة (504 ) . انظر ترجمته في : تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 36 / 140 :(1/351)
جَزَيْتُ ابنَ أَوْفَى بِالمدينةِ قَرْضةُ وَقُلْتُ لِشُّفَاعِ المَدِينَةِ أَوجِفُِ (1)
يريد أوجفوا: وهذا أقبح من حذف الصلات ؛لأن هذه الواو هنا مفيدة معنى. وقد أجرى من حذف الصلات الياء التي من الأصل، مجرى الياء التي للوصل، فأنشد:
وَلأنْتَ تَفْرِي ممَا خَلَقْتَ وَبَعضُ القَومِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يَفْر (2)
بحذف الياء من يفرى وكذلك واو يدعو إذا كانت العين للروي. فإن كانت روي الشعر فلا
يجوز حذفها " ِ (3) .
وفى البيت الأول وقف بحذف واو الجماعة من ( قنعوا), وحذف الضمة قبلها, والوقف عليها بالسكون؛ لأن البيت من قصيدة مقيدة, ويمكن أن يكون روعى فى اسم الجمع ( الركب) (4) لفظه فأفرد, ووقف بالسكون عليه.
ومما حذفت فيه ياء المخاطبة المؤنثة, قول عنترة:
إِنَّ الغَبُوقَ لَهُ وأَنتِ مَسُوءةٌ فَتَأَوَّهِي ما شِئتِ ثُمَّ تَحَوَّبِي
إِنَّ العَدُوَّ لَهُمْ إِلَيْكِ وَسِيلَةٌ أَن يَأْخُذُوكِ، تَكَحَّلِي وَتَخَضَّبي(5)
بحذف ياء المخاطبة من ( تخضبى ) اجتزاء عنها بالكسرة.
ومثله قول عنترة أيضاً:
__________
(1) ... البيت من بحر الطويل لـ تميم بن أُبَيِّ في القوافي لأبي يعلي صـ 166 .
(2) ... البيت من بحر الكامل لزهير في ديوانه صـ56 , وهو في الحماسة المغربية 1/137 , وجمهرة الأمثال 2/ 50 , والصناعتين صـ 386 , و474 .
(3) ... القوافي صـ 166, 167 .
(4) ... انظر: شرح الشافية 2/202, وشرح الكافية للرضى 3/367.
(5) ... البيتان من بحر الكامل لعنترة فى ديوانه صـ 42, ونسب فى الحيوان 4/364 إلى خرز بن لوذان, وذكر فى الخزانة 6/190 عن الصاغانى أن الشعر فى ديوانى الرجلين, وانظر البيت فى: معانى القرآن للفراء 1/91.(1/352)
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِ وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي (1)
بحذف ياء المخاطبة من الأمر (تكلم) والوقف عليه بالسكون.
... هذا ما ذكره النحاة من حذف الضمير, وقد قصروه على واو الجماعة, وياء المخاطبة, وقالوا إن ألف التثنية لا تحذف(2) , وقال فريق منهم إن حذفهما ضرورة(3) لأجل القافية, وجعله أبو العلاء مما يستحسن فى القافية ويقبح فى الحشو(4) , وهذا منه أدق؛ لأنه ورد الحذف فى الحشو, فى قول الشاعر:
ولوْ أنَّ الأَطِبَّا كانُ حولى وكانَ مَعََ الأطباءِ الشُّفاةُ(5)
"وكلما كانت الصلة من الأصل مثل واو يدعو وألف يخشى وياء يرمي كان حذفها أبعد.
وقد أنشد بعضهم قول يزيد بن الحكم الثقفي:
جَمَعْت وَفحشاً غِيبَةً وَنَمِيمَةً ثَلاَثَ خِلالٍ لَسْتَ عَنْهَا بِمُرْعَوِ(6)
وأنشد قطرب:
تُكَاشِرُنِي كَرْهاً كَأَنَّكَ نَاصِحٌ وَغَيبُكَ يُبْدِي أنَّ صَدْرَكَ لِي دَوِ(7)
يريد دوى. وأنشد أيضاً:
__________
(1) ... البيت من بحر الكامل لعنترة فى ديوانه صـ 289, وهو فى :الكتاب 2/269, 4/213, وسر الصناعة2/80, وشرح الشافية 2/306, والتصريح 2/185, وشرح شواهد الشافية صـ306.
(2) ... انظر: الكتاب 4/214, والحجة 1/57, والشافية 239, 240.
(3) ... انظر: الإنصاف 2/545, وابن يعيش 9/80, والضرائر للألوسى صـ 108.
(4) ... انظر: شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 73.
(5) ... البيت من بحر الوافر مجهول القائل , وهو فى معانى القرآن للفراء 1/91, ومجالس ثعلب 1/88, وما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 131, وابن يعيش 9/80, وشرح الكافية 2/413, والبحر المحيط 7/546, والخزانة 5/229.
(6) ... البيت من بحرالطويل, وهو في :إعراب القرآن للنحاس 5/316 غير منسوب .
(7) ... البيت من بحرالطويل, ليزيد بن الحكم في الأمالي للقالي 1/66 , و الأغاني 12/344 ,وديوان المعاني لأبي هلال العسكري 2/199.(1/353)
عَدُوُّكَ يَخْشَى صَولَتي أَنْ تَرُومُني وَأنْتَ عَدُوِّي لَيْسَ ذَاكَ بِمُسْتَو(1)
يريد بمستوٍ. وهذا قبيح من أجل أنه حذف حرفاً أصلياً.
قال بعض أهل العلم: الأحسن إثبات الياء من قبل أن الواو إذا كانت قبلها فتحة، انقلبت ألفاً. كما يفعل بها في الترخيم" ِ (2) .
لكن جعل الحذف فى السابق ضرورة لا يستقيم؛ لأنه على ما يبدو لهجة وقد نسبت إلى قيس وأسد وهوازن فى الكتاب وغيره(3) .
__________
(1) ... البيت من بحرالطويل, ليزيد بن الحكم في الأمالي للقالي 1/66 , ومعاهد التنصيص 1/130 ,ونسب لطرفة في الأغاني 12/ 342 : قال : " أنشدني أبو الزعراء رجل من بني قيس بن ثعلبة لطرفة بن العبد : تكاشرني كرها كأنك ناصح وعينك تبدي أن صدرك لي جوي
قال فعجبت من ذلك , وأنشدته أبا عمرو بن العلاء , وقلت له إني كنت أرويه ليزيد بن الحكم الثقفي فأنشدنيه أبو الزعراء لطرفة بن العبد, فقال لي أبو عمرو : إن أبا الزعراء في سن يزيد بن الحكم ويزيد مولد يجيد الشعر وقد يجوز أن يكون أبو الزعراء صادقا .
قال مؤلف هذا : الكتاب ما أظن أبا الزعراء صدق فيما حكاه ؛لأن العلماء من رواة الشعر رووها ليزيد بن الحكم وهذا أعرابي لا يحصل ما يقوله , ولو كان هذا الشعر مشكوكاً فيه أنه ليزيد بن الحكم , وليس كذلك لكان معلوماً أنه ليس لطرفة ولا موجوداً في شعره على سائر الروايات , ولا هو أيضاً مشبهاً لمذهب طرفة ونمطه , وهو بيزيد أشبه وله في معناه عدة قصائد يعاتب فيها أخاه عبد ربه بن الحكم وابن عمه عبد الرحمن بن عثمان بن أبي العاص" .
(2) ... القوافي صـ 168 , 169 . ... ...
(3) ... انظر: الكتاب 4/211, والفراء 1/91, وشرح الشافية 2/305, والضرائر للألوسى
صـ 108, 291.(1/354)
وهذه القبائل فى جملتها بدوية, ومن سمات النطق عند البدوالسرعة, ومن مظاهر هذه السرعة اختصار الحركات الطويلة, وقد علل ابن جنى تقصير الحركة بتعليلات مختلفة, فمرة هو للتخفيف, ومرة للاختصار, وثالثة لكثرة الاستعمال"(1) .
"ويظهر – والله أعلم- أن لهجة تميم كانت النغمة الموسيقية عندها فى حال الوقف هابطة, وكانت القافية تميل إذ ذاك إلى الغناء فى أصواتها , وحركاتها, وذاك يلائم الطابع العام للهجتها, حيث كانت تميل إلى السرعة فى نطقها وتتلمس أيسر السبل لذلك, ولذلك تركت الترنم فى الإنشاد , فزال معه تمام الوزن, وحل به النقص, وقصر الصوت , كما يظهر أن فناء الأصوات , واختصارها لم يكن خاصاً بـ تميم , بل ربما شمل قيساً وأسداً"(2) .
وربما كان الذى سهل الحذف فى الواو والياء دون الألف عند هؤلاء أن مدهما أقل من مد الألف, كما قال الخليل(3) .
وأيضاً فإن "الحركة أبعاض حروف المد واللين, فالفتحة بعض الألف , والكسرة بعض الياء, والضمة بعض الواو, وقد كان متقدمو النحويين يسمون الفتحة الألف الصغيرة, والكسرة الياء الصغيرة, والضمة الواو الصغيرة, وقد كانوا فى ذلك على طريق مستقيمة"(4) .
فكأن الواو والياء جاز حذفهما والاستعاضة عنهما بأبعاضهما؛ لأن مدهما أقل من مد الألف, ولهذا لم يحذف إلا شذوذاً على قول النحويين. يقول ابن رشيق:"ومنهم من يجري القوافي مجراها ولو لم تكن قوافي فيقف على المرفوع والمكسور موقوفين , ويعوض المنصوب ألفاً على كل حال، وهم ناس كثير من قيس وأسد، فينشدون
لا يُبْعِدُ الله أصْحَاباً تَرَكْتُهُمُ لم أدْرِ بعد غَداةِ البَيْنِ ما صَنَعْ
يريد "ما صنعوا". وكذلك ينشدون
__________
(1) ... الحركات العربية فى ضوء علم اللغة الحديث د/ الموافى البيلى صـ 22.
(2) ... اللهجات العربية فى التراث د/ الجندى 2/523.
(3) ... انظر: الكتاب 4/436, وشرح الشافية 2/285.
(4) ... سر الصناعة 1/28 بتصرف.(1/355)
فَفاضَت دُموعُ العَينِ مِنّي صَبابَةً عَلى النَحرِ حَتّى بَلَّ دَمعِيَ مِحمَلْ(1)
فإذا وصلوا جعلوه كالكلام وتركوا المدة لعلهم أنها في أصل البناء"(2) .
ومما يؤكد أن هذا الحذف ليس ضرورة شعرية تخريج بعض النحويين لقراءات قرآنية عليه, ففى قراءة ابن محيصن " لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ "(3) بالضم في ( يتمُّ ) خرجه بعضهم – كما يقول البغدادى- على حذف واو الجماعة والاجتزاء عنها بالضمة(4) .
وقال التبريزى فى قراءة يحيى بن يعمر " تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ "(5) بالرفع أصله :(أحسنوا) فحذفت الواو اجتزاء عنها بالضمة(6) .
وكذلك خرج الزمخشرى, قراءة من قرأ " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ "(7) بضم الحاء على حذف واو الجماعة, والاجتزاء عنها بالضمة(8) .
ومما ورد مثله فى النثر ما حكاه ابن عصفور من أن من العرب من يقول:( الزيدون قامُ ) (9).
وهذا, وما سبق يقطع بأن ما كان من مثله فهو لهجة لا ضرورة.
الوقف على هاء المؤنث فى القافية.
__________
(1) ... البيت من بحر الطويل لامرئ القيس من معلقته وهو في الديوان صـ 9, وجمهرة أشعر العرب صـ80 , ونفح الطيب 5/520 .
(2) ... العمدة 2/1085 .
(3) ... سورة البقرة من الآية : 232, وانظر هذه القراءة فى : البحرالمحيط 2/498, 499, والمغني صـ 520, والإتحاف 1/440 .
(4) ... انظر: الخزانة 5/232.
(5) ... سورة الأنعام من الآية: 154, وانظر القراءة فى :الكشاف 2/81, والبحر 4/694 , والاتحاف 2 ... /38.
(6) ... انظر: البحر المحيط 4/694, والمغنى صـ 52, والخزانة5/ 232.
(7) ... سورة المؤمنون آية: 1, وانظر القراءة فى: السبعة صـ 148, والحجةلابن خالويه صـ 184 ,والبحر7/546.
(8) ... انظر: البحر المحيط 7/546, والمغنى صـ 52, والخزانة 5/231.
(9) ... انظر: شرح الجمل 2/333 , و الارتشاف 2/914 .(1/356)
... ليس لهاء التأنيث عند الوقف عليها نصيب من إشمام(1) , ولا روم ولا تضعيف كما هو الحال فى الوقف على غيرها(2) لأنه لم يكن على الهاء حركة فينبه عليها بالروم أو الإشمام(3) .
وهل يجوز الوقف على هاء المؤنث بحذفها كما فعل بـ واو الجماعة , وياء المخاطبة ؟ ذكر أبو العلاء عن الكوفيين أن "بعض العرب إذا أنشد: * عَفَتِ الدِيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها * (4)
يحذف الهاء والألف, فيقول ( مقام) وذلك إذا وقف"(5) .
فلئن صحت هذه الحكاية – ولم أقف على صحتها- فإنها مما يجوز عند الكوفيين, ولا تجوز بحال عند البصريين , قال سيبويه: "وأما الهاء فلا تحذف من قولك ( شتى طرائقه) ؛ لأن الهاء ليست من حروف المد واللين"(6) ويعلل المبرد للزوم الهاء والفتحة لضمير المؤنث بـ "الفصل بين المذكر والمؤنث"(7) .
نعم ورد فى الشعر حذف الألف من هاء المؤنث والاجتزاء عنها بالفتحة, كما فى قول
__________
(1) ... الروم هو الإشارة إلى الحركة مع صوت خفى فى المرفوع والمضموم, والمجرور والمكسور, دون المنصوب والمفتوح, والإشمام هو الإشارة إلى الحركة من غير تصويت, ويختص بالمرفوع والمضموم دون غيرهما, فالروم يدركه الأعمى والبصير, أما الإشمام , فلا يدركه غير المبصر, انظر: شرح الكافية الشافية لابن مالك 4/899, وشرح الشافية للرضى 2/271, 275, والهمع 3/391, 392, وأثر القراءات فى الأصوات والنحو العربى د/ عبد الصبور شاهين صـ 117.
(2) ... انظر: شرح الكافية الشافية 4/1988, وشرح الشافية 2/276.
(3) ... انظر: شرح الشافية 2/277.
(4) ... صدربيت أول معلقة لبيد فى ديوانه صـ 51 , وعجز البيت *بِمَنىً تَأَبَّدَ غَولُها فَرِجامُها *وهى فى شرح المعلقات العشر للشنقيطى صـ 96, وجميع شروح الديوان من دون حذف, ورواية أبي العلاء لم أقف عليها .
(5) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 73.
(6) ... الكتاب 4/213.
(7) ... المقتضب 1/400.(1/357)
أَمَا تَقُولُ بِهِ شَاةٌ فَيَأْكُلهَا أَوْ أَن تَبِيعَهَ في بَعْضِ الأَرَاكِيبِ(1)
قال ابن جنى: "يريد : ( تبيعها ) فحذف الألف. وهذا شاذ"(2) والعلة فى الحذف هنا "التشبيه بالواو والياء لما بينها وبينهما من الشبه"(3) .
وهذا الحذف ليس خاصاً بالوقف, كما قال الفارسى: "على أن ناساً أجازوا حذف الألف فى الوقف"(4) بدليل البيت السابق.
وقد ورد الحذف فى الوقف أيضاً , كما فى قول الشاعر:
فإنِّى قدْ سَئِمْتُ بِدَارِ قَوْمِىْ أموراً كُنْتُ فىْ لَخَمٍ أَخَافُهَ(5)
ومثل هذا الحذف حكم عليه ابن جنى بالشذوذ(6) وابن عصفور بأنه من قبيح الضرائر(7) كما حكموا من قبل على حذف واو الجماعة وياء المخاطبة.
__________
(1) ... البيت من بحر البسيط بلا نسبة فى سر الصناعة 2/259, وضرائر الشعر لابن عصفورصـ 97, ورصف المبانى صـ 15, والخزانة 5/272. وفي التاج مادة ( ركب) :" الأُرْكُوبُ بالضَّمِّ أَكْثَرُ مِنَ الرَّكْبِ جَمْعُهُ أَرَاكِيبُ، وأنشد ابنُ جِنِّي:
... ... أَعْلَقْت بالذِّئْبِ حَبْلاً ثُمَّ قُلْت لَهُ الْحَقْ بِأَهْلِكَ واسْلَمْ أَيُّهَا الذِّيبُ
أَمَا تَقُولُ بِهِ شَاةٌ فَيَأْكُلهَا أَوْ أَن تَبِيعَهَ في بَعْضِ الأَرَاكِيبِ
َأرَادَ "تَبِيعَهَا" فحَذَفَ الأَلِفَ" .
(2) ... سر الصناعة 2/259.
(3) ... سر الصناعة 2/258.
(4) ... الحجة 1/103.
(5) ... البيت من بحر الوافر , بلا نسبة فى الإنصاف 2/568, والضرائر لابن عصفور صـ 97, وشرح الكافية الشافية 4/1991.
(6) ... انظر: سر الصناعة 2/259.
(7) ... انظر: ضرائر الشعر له صـ 97.(1/358)
يقول ابن رشيق عما يجوز للشاعر : " وأن يحذف من المكنى في الوصل ما يحذف منه في الوقف.. كقول الشاعر:فَإِن يَكُ غَثّاً أَو سَميناً فَإِنَّني سَأَجعَلُ عَينَيهِ لِنَفسِهِ مَقنَعا (1)
وأقبح منه أن يحذف من المكنى المنفصل كقول الآخر:
فَبَيناهُ يَشري رَحلَهُ قال قائِلٌ لِمَن جَمَلٌ رِخوُ المِلاطِ طَويلُ (2)
وأقبح من ذلك أن يحذف الألف من ضمير المؤنث.. أنشد قطرب:
أَمَا تَقُولُ بِهِ شَاةٌ فَيَأْكُلهَا أَوْ أَن تَبِيعَهَ في بَعْضِ الأَرَاكِيبِ
أراد " تبيعها" فحذف الألف، قال :ولا يجوز استعمال هذا للمحدث لشذوذه وقبحه " (3) .
وإذا ثبت أن حذفهما لهجة لا ضرورة, فإن حذف الألف من هاء التأنيث والاجتزاء عنها بالفتحة هو الآخر لهجة لا ضرورة, وقد نسبها صاحب الإنصاف إلى لخم, قال : "وهى لغة لخم"(4) , وكذلك فعل ابن مالك(5) .
ومما يؤكد أنها لهجة , ورودها فى النثر : حكى الفراء: ( بالفضل ذو فضلكم الله به, والكرامة ذات أكرمكم الله به) يريد (بها) ونقلت حركة الهاء إلى الباء(6) . وقال الفارسى: "ومن كلام أهل بغداد الكسائى والفراء: ( نحن جئناك بَهْ) طرح حركة الهاء على الباء, وهو يريد جئناك بها"(7) .
__________
(1) ... عجز بيت من بحر الطويل , لمالك ابن خريم الهمداني وصدره فَإِن يَكُ غَثّاً أَو سَميناً والبيت منسوب في : الجمل للخليل صـ 234 , و3/459 , والكتاب 1/28 والأنصاف 2/517 , وسر الفصاحة صـ 80 .
(2) ... البيت من بحر الطويل للعجير السلولي ,وقد سبق تخريجه صـ 244 , وهوهناك بقافية ( طويل).
(3) ... العمدة 2/1022, 1023 .
(4) ... الإنصاف 2/568.
(5) ... انظر: التسهيل 330, وشرح الكافية الشافية 4/1990, والهمع 3/389.
(6) ... انظر: الضرائر لابن عصفور صـ 97, والارتشاف 2/917, 803, والتصريح 2/339, والأشمونى 4/206.
(7) ... الحجة 1/103, وانظر: الإنصاف 2/568.(1/359)
أما حذف هاء التأنيث والألف معا على ما حكاه أبو العلاء عن الكوفيين فليس مستبعداً إذا وجدت قرينة تدل على التأنيث كما فى بيت لبيد السابق ,ويقويه الشبه بين واو الجماعة وياء المخاطبة وهاء التأنيث كما يقول ابن جنى(1) .
الوقف على هاء المذكر فى القافية
الشعر موضع للغناء والترنم وترجيع الصوت, ولاسيما فى أواخر الأبيات, وحروف الإطلاق, أى الألف والواو والياء هى المتعينة من بين الحروف للترديد والترجيع. فألحقوا كل حرف الذى حركته منه كما يقول سيبويه(2) "فمن ثم تلحق فى الشعر لقصد الإطلاق كلمات لا تلحقها فى غير الشعر"(3) ولا شك أن مثل هذا المد تتحقق به الاستراحة التى يميل إليها الشاعر فى نهاية القافية, وذلك بمثابة السكتة الزمنية فى الإيقاع"(4) .
__________
(1) ... انظر: سر الصناعة 2/258.
(2) ... انظر: الكتاب 4/26, وشرح الكتاب للسيرافى 2/99, 100, وما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرافىصـ 35 وما بعده, وشرح الشافية 2/316, والضرائر للألوسى صـ 287, 288, وموارد البصائر لفوائد الضرائر صـ 77, 78.
(3) ... ويجوز على لغة أزد السراة إلحاقها فى الوقف فى غير الشعر. انظر: شرح الشافية 2/317.
(4) ... اللهجات العربية فى التراث 2/521.(1/360)
وهاء المذكر أصلها أن تلحقها واو زائدة ؛لأن الهاء خفية(1) فتوصل بها الواو إذا وصلت , فإن وقف عليها لم تلحق الواو لئلا يكون الزائد كالأصلى(2) وإذا وقف على هاء الضمير, فإن كانت مضمومة نحو ( رأيته) أو مكسورة نحو ( مررت به) تحذف الصلة ويوقف على الهاء ساكنة , وإن كانت مفتوحة نحو (هند رأيتها) وقف عليها بالألف ولم تحذف(3) , وفى هذا يقول
ابن مالك وَاحْذِفْ لِوَقْفٍ فِي سِوَى اضْطِرَارِ صِلَةَ غَيْرِ الْفَتْحِ فِي الإِضْمَار (4)
وإثبات الصلة فى المضموم والمكسور عند الوقف فى القوافى قال عنه النحويون إنه ضرورة(5) .
لكن أبا العلاء يبدو أنه يرى أن إثبات الصلة فيما سبق أمر اختيارى يرجع إلى المنشد, قال تعليقاً على بيت ابن أبى حصينة:
رَبعٌ تَعَفَّت بِاللِوى عُهُودُه وَأَصبَحَت مُنهَجَةً بُرُودُه (6)
__________
(1) ... الهاء حرف مهموس انظر سر الصناعة 2/107, والواو حرف مجهور: السابق نفسه 2/125.
(2) ... انظر: الكتاب 4/195, والمقتضب 1/174, 175.
(3) ... انظر: شرح الجمل لابن عصفور2/434, وأوضح المسالك لابن هشام 4/342, وشرح ابن عقيل ومعه حاشية الخضرى 2/175, والتصريح 2/339, والأشمونى 4/205.
(4) ... ألفية ابن مالك صـ 71.
(5) ... انظر: أوضح المسالك 4/342, وشرح ابن عقيل ومعه حاشية الخضرى 2/175, وشرح
التصريح 2/339, والأشمونى 4/205, وموار البصائر لفرائد الضرائر صـ 90.
(6) ... الرجز فى الديوان 1/ 49.(1/361)
"الاختيار فى وقف الهاء ووصلها بالواو إلى المنشد, والذى اختاره المتقدمون وأصحاب الغرائز أن يوصل بالواو ؛ لأنه أقوى فى السمع, وعلى ذلك جاءت قصائد المتقدمين من الشعراء الأولين والمحدثين , كقوله: وَبَلَدٍ عامِيَة أَعْمَاؤُهُ كَأَنَّ لَوْن أَرْضِهِ سَمَاؤُهُ (1)
إتباع الهاء أحسن , وكذلك قول الحكمى(2) :
لَمّا غَدا الثَعلَبُ مِن وِجارِهِ يَلتَمِسُ الكَسبَ عَلى صِغارِهِ
إتباع الياء بالهاء أقوى للشعر, وكذلك قول أبى الطيب المتنبى :
حَجَّبَ ذا البَحرَ بِحارٌ دونَهُ يَذُمُّها الناسُ وَيَحمَدونَهُ (3)
إلا أن وقف الهاء فى المنصوب أحسن منه فى المرفوع والمخفوض(4) .
__________
(1) ... الرجزنسب لرؤبة , ولم أجده فى ديوانه, وهو فى تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة صـ 197, وسر الصناعة 2/181, والصاحبى صـ 330, والإنصاف 1/377, و2/529, وأوضح المسالك 4/342, ومعنى اللبيب صـ 658, وحاشية الصبان 4/206, وحاشية الخضرى 2/276. وفي التهذيب , مادة ( عمي) : " الأعماء جمع عَمىً وأنشد: وبلد عاميِة أعماؤه
وقال غيره: عامِيَة: دارسة. وأعماؤه. مجاهله. بلد مَجْهل وعَمىً: لايُهتدى فيه. والمعامى: الأرضوت المجهولة. والواحدة مَعْمِيَة في القياس، ولم أسمع لها بواحدة ".
(2) ... هو: أبو نواس , والبيت فى ديوانه صـ 349.ولقب بالحكمي ؛ لأنه كان مولى الحكم بن سعد العشيرة، من اليمن . وكني بأبي نواس لضفيرتين كانتا تنوسان على عاتقه.
(3) ... الرجز للمتنبي , وهو فى الديوان صـ 368 .
(4) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 50. وفي التاج , مادة ( نفذ) : " النَّفَاذُ عند الأَخفش: حَرَكَةُ هَاءِ الوَصْلِ التي تكون للإِضْمَارِ، ولم يَتَحَرَّكْ مِن حُرُوف الوَصْلِ غَيْرُهَا كَكَسْرَة، هَاء مِن قوله :
تَجَرُّدَ المَجْنُونِ مِنْ كِسائِهِ
وفتحة الهاءِ من قوله: رَحَلَتْ سُمَيَّةُ غُدْوَةً أَحْمَالَها
وضَمَّة الهاءِ من قوله: وَبَلدٍ عَامِيَةٍ أَعْمَاؤُهُ
سُمِّيَ بذلك لأَنّه أَنْفَذَ حَركَةَ هاءِ الوَصْلِ إِلى حَرْفِ الخُرُوجِ وقد دَلَّت الدَّلاَلَةُ على أَنَّ حَرَكَة هاءِ الوَصْلِ ليس لها قُوَّةٌ في القِيَاسِ مِنْ قِبَلِ أَنّ حُرُوفَ الوَصْلِ المَتَمَكِّنة فيه، التي هي الهاءُ، مَحمولَةٌ في الوصلِ عليها، وهي الأَلف والياءُ والواو، لا يَكُنَّ في الوَصْلِ إِلاَّ سَوَاكِنَ، فلما تحَرَّكَتْ هاءُ الوصلِ شابَهَتْ بذلكَ حُروفَ الرَّويّ تَنَزّلَتْ حُرُوفُ الخُرُوجِ مِن هاءِ الوَصْلِ قَبْلَهَا مَنْزِلَةَ حُروفِ الوَصْلِ من حَرْفِ الرَّوِيّ قَبْلَهَا، فكما سُمِّيَتْ حَرَكَةُ هاءِ الوَصْلِ نَفَاذًا، لأَن الصوت جَرَى فيها حَتَّى اسْتَطَالَ بِحُرُوفِ الوَصْلِ وتَمَكَّنَ بها اللِّينُ، كما سُمِّيَتْ حَرَكَة هاءِ الوَصْلِ نَفَاذاً لأَنّ الصَّوْتَ نَفَذَ فيها إلى الخُرُوجِ حَتّى استَطَالَ بها وتَمَكَّنَ المَدُّ فيها ".(1/362)
ويفهم من كلام أبى العلاء هذا أن الوصل والوقف ليس من الضرورة , ولكنه اختار الوقف فى المنصوب, والوصل فى المرفوع والمخفوض؛ لأنه كما يقول أقوى فى السمع , فعلى أى أساس اختار الحسن في الوقف والوصل؟ يقول أحد المحدثين: "واستحسان المعرى للوقف فى المنصوب أكثر من المرفوع أو المخفوض عائد إلى كونه الفتح, وهو علامة النصب أخف الحركات, فيكون أضعف من الضم والكسرة فى السمع, فيحسن الوقف فيه أكثر من غيره؛ لأنه إذا وصل لم تكن له قوة المرفوع "(1) .
قصر الممدود
... يعرف النحويون المقصور بأنه الاسم المتمكن الذى آخره ألف لازمة مفتوح ما قبلها.
والممدود هو الاسم المعرب الذى آخره همزة بعد ألف زائدة(2) .
ومعنى هذا التعريف " أن آخر الأسماء المقصور صائت طويل مفتوح, وأن كمية هذا الصائت تزداد فى الممدود حتى تخلق همزة"(3) .
__________
(1) ... علوم اللغة و أنواعها عند أبي العلاء المعري , محمد طاهر الحمصي صـ 252 .
(2) ... انظر تعريف المقصور والممدود فى: شرح الشافية 2/324, والهمع 3/306, 307, والأشمونى
4/106.
(3) ... اللهجات العربية فى القراءات القرآنية د/ عبده الراجحي صـ 167.(1/363)
وعلى هذا, فإن الاسم الممدود هو ذاته المقصور إلا أنه يزيد عليه فى كمية الصائت, واعتماداً على هذا الفهم ذكر النحاة أنه يجوز قصر الممدود؛ لأنه رد إلى الأصل(1) , فالاسم الممدود "إذا قصرته حذفت منه, والعرب من كلامها الحذف استخفافاً"(2) و"كما زيدت الألف إشباعاً, فقد حذفت اختصاراً, ومن ذلك قصر الممدود"(3) كما يقول ابن جنى وقد حكى الإجماع على جواز قصر الممدود السيرافى(4) وغيره(5) , لكنهم خصوا ذلك بالشعر, واعتبروه ضرورة(6) واعترفوا بأنه فى الشعر كثير(7) وحكموا عليه بأنه ضرورة حسنة(8) , ومما ورد من قصر الممدود قول الشاعر:
فلو أن الأطِبّا كانُ حَوْلي وكَانَ مَعَ الأطَِّبَاءِ الأُسَاةُ (9)
__________
(1) ... انظر هذه العلة فى: الأصول 3/447, وما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرافى صـ 115, وشرح الجمل لابن عصفور 2/557, والضرائر له صـ 90, وائتلاف النصرة صـ 71, والعمدة 2/1020, وأوضح المسالك 4/295, والضرائر للألوسى صـ 57, وموارد البصائر صـ 228.
(2) ... ما يجوز للشاعر فى الضرورة للقزاز صـ 237.
(3) ... سر الصناعة 2/253.
(4) ... انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 107.
(5) ... كـ ابن عصفور فى الضرائر صـ 90, وابن رشيق فى العمدة 2/1020, وابن هشام فى أوضح المسالك: 4/295, والألوسى فى الضرائر صـ 57.
(6) ... انظر: الأصول 3/447, والقزاز صـ 237, والضرائر لابن عصفور صـ 90, والعمدة 2/1032, وأوضح المسالك 4/295, والهمع 3/240, وموارد البصائر صـ 133.
(7) ... انظر: الأصول 3/447.
(8) ... انظر:الاقتراح صـ 20, والمزهر 1/189, والضرائر للألوسى صـ 57.
(9) ... سبق تخريجه صـ 281.(1/364)
وقول الراجز : * لا بُدَّ مِنْ صَنْعا وإِنْ طالَ السَّفَرْ * (1)
ويمكن أن يكون منه قول ابن أبى حصينة :
وَقُمنا نَدِبُّ دَبيبَ الصِلالِ بَينَ القُلال وَبَين الجُوى (2)
وفيه يقول أبو العلاء: "والجُوَى جمع ( جَوٍّ) (3) وهو البطن من الأرض, ويجوز أن يكون واحداً؛ لأنه يقال للغامض من الأرض ( جواء ) (4) , فقصر الممدود لأجل القافية"(5) .
__________
(1) ... الرجز لم ينسب لقائل فى: ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 107, وإصلاح الخلل لابن السيد صـ 394, والفريدة فى شرح القصيدة لابن الخباز صـ 124, وضرائر الشعر ابن عصفور صـ 90, وأوضح المسالك 4/296, والتصريح 2/293, وعقد الخلاص لابن الحنبلىصـ 218, والأشمونى 4/109.
(2) ... البيت من بحر المتقارب, وهو فى الديوان1/ 79, و(الصلال) جمع (صل) وهو الحية الذكر, و(القلال) جمع (قلة) وهى أعلا الجبل.
(3) ... في اللسان , مادة (جوا): " الجُوَّة: القطعة من الأَرض فيها غِلَظ. والجُوَّةُ: نُقْرة... والجَوُّ والجَوَّة المنخفض من الأَرض ... قال الأَزهري: الجِوَاءُ جمع الجَوِّ" .
(4) ... انظر: المنقوص والممدود ط دار المعارف صـ 43.
(5) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة2 / 79, وانظر أيضاً: 2/ 112.(1/365)
وهذا الإجماع السابق خرقه الفراء بأنه "لا يجوز أن يقصر من الممدود إلا ما يجوز أن يجئ فى بابه مقصوراً, فلا يجوز عنده قصر ( حمراء), و(صفراء) وأشباهما؛ لأن مذكرهما (أفعل) والصفة إذا كانت للمذكر على وزن ( أفْعَل) لم يكن المؤنث إلا على وزن ( فَعْلَاء)" (1) وكذلك لا يقصر ( فقهاء) ونحوه ؛ لأنه جمع( فقيه), وما كان من (فعلاء) جمع ( فعيل) لم يكن إلا ممدوداً نحو: ( كريم) و( كرماء) (2) .
__________
(1) ... انظر: ضرائر الشعر لابن عصفور صـ 92, وانظر رأى الفراء فى: ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 109, والإنصاف 2/745, وشرح الجمل 2/558, والهمع 3/240, والضرائر للألوسى صـ 57, وموارد البصائر صـ 135, 230.
(2) ... انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 109.(1/366)
وقد رد النحاة هذا بورود السماع بعكسه(1) , كذلك حكى السكرى (2) عن الكسائى(3) والفراء(4) فى شرحه شعر الكميت (5)
__________
(1) ... انظر: السابق نفسه صـ 111, 112, وضرائر الشعر صـ 92-94.
(2) ... هو: السكرى أبو سعيد الحسن بن الحسين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن العلاء السكرى . حسن المعرفة باللغة والأنساب والأيام . مرغوب في خطه لصحته . وله من الكتب ، كتاب الوحوش ، جود في تأليفه , وكتاب النبات ، وعمل السكرى أشعار جماعة من الفحول ، وقطعة من القبائل . فمن عمل من الشعراء: امرؤ القيس, والنابغتين . وقيس بن الخطيم , وتميم ابن أبى بن مقبل وأشعار اللصوص , وأشعار هذيل وهدبة بن خشرم , والأعشى , ومزاحم العقيلى , والأخطل , وزهير . وغير ذلك . وعمل شعر أبى نواس على معانيه وغريبه نحو ألف ورقة . ولد سنة ( 212) هـ وتوفى سنة ( 275) هـ خمسين وسبعين ومائتين . انظر ترجمته في : - فهرست ابن النديم- صـ 86 , و هدية العارفين 1 /267.
(3) ... انظر رأى الفراء فى: ضرائر الشعر صـ91, والارتشاف 5/2415.
(4) ... انظر رأى الكسائى فى: ضرائر الشعر صـ 91, والارتشاف 5/2415, والهمع 3/240.
(5) ... هو: الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد بن وهيب بن عمرو بن سبيع. وقيل: الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد بن ذؤيبة بن قيس بن عمرو بن سبيع بن مالك . شاعر مقدم، عالم بلغات العرب، خبير بأيامها، من شعراء مضر وألسنتها، والمتعصبين على القحطانية، المقارنين المقارعين لشعرائهم، العلماء بالمثالب والأيام، المفاخرين بها. وكان في أيام بني أمية، ولم يدرك الدولة العباسية، ومات قبلها. وكان معروفاً بالتشيع لبني هاشم، مشهوراً بذلك، وقصائده الهاشميات من جيد شعره, و عن خلف الأحمر: أنه رأى الكميت يعلم الصبيان في مسجد الكوفة. انظر ترجمته في : الأغاني 17/3 ..(1/367)
أنهما قالا: إن العرب لا تكاد تقصر ممدوداً فى رفع ولا خفض, فكأن قصر الممدود عندهما خاص بالمنصوب, أما البصريون فلا فرق عندهم بين المنصوب وغيره(1) .
أيضاً استثنى ابن هشام فى حواشيه على شرح الألفية لابن الناظم نحو (سواء) قال: "لأنهم قالوا فيه ( سوى) بالضم والكسر مع القصر فيهما, وحيث فتحوا مدوا لا غير (2), فليس يجوز عنده الفتح والقصر للضرورة؛ لأن ثمة مندوحة فى الضم مع الكسر, فلا يقع تجوز فى الكلمة وخروج عن أصلها مع جواز النطق بها على القياس, وهذا على مذهبه بأن الضرورة ما لا مندوحة عنه(3) قال السيوطى: "وغيره لم يستثن ذلك"(4) .
ومما ورد بخلاف ما منعه ابن هشام فى ( سواء) قول ابن أبى حصينة:
وَإِنَّ حَياتي إِذا لا أَراكَ حَياةٌ وَمَوتي أَراها سِوا (5)
وفيه يقول أبو العلاء: " وما جاء فى هذه القصيدة وأمثالها من تخفيف همز أو ممدود فى القافية يجرى مجرى الضرورات التى فى حشو البيت؛ لأن الأواخر تحتمل ما لا تحتمل الأوساط والأوائل. ويقال: ( سِوَى) و( سَوَاء) إذا فتحت السين مدت الكلمة, وإذا كُسِرت أو ضُمَّت فالقصر لا غير"(6) .
__________
(1) ... انظر: ضرائر الشعر صـ 92.
(2) ... في الصحاح , مادة ( سوا) : " السَواءُ: العدلُ. قال الله تعالى: "فانْبِذ إليهِمْ عَلى سَواءِ". وسَواءُ الشيء: وسَطه. قال تعالى: "في سَواءِ الجحيم" . وسَواءُ الشيء: غَيرُه. قال الأخفش: سِوى إذا كان بمعنى غَيْرٍأو بمعنى العَدْلِ يكون فيه ثلاث لغات: إنْ ضممت السين أو كسرتها قصرت فيهما جميعاً، وإن فتحت مددت لا غير. تقول: مكانٌ سُوّى وسِوّى وسَواءٌ، أي عدلٌ ووسطٌ فيما بين الفريقين"
(3) ... انظر: الهمع 3/240.
(4) ... السابق نفسه 3/240.
(5) ... البيت من بحرالمتقارب , وهو فى الديوان1/ 85.
(6) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 84, وانظر اللغات الواردة فى ( سوى) فى: المقصور والممدود
صـ 40 , و شرح الكتاب للسيرافى 2/254, و ليس لابن خالويه صـ 99, والحجة للفارسي 1/186 وشرح المفصل 2/83, وشرح الكافية الشافية 2/928, والارتشاف 3/1546, والمغنى صـ 148, وشرح ابن عقيل 1/117, والأشمونى 2/ 158, والهمع 3/240 . ...(1/368)
وهكذا حكم النحاة على قصر الممدود بأنه كثير, وأنه ضرورة, لكنه ضرورة حسنة, وادعوا الإجماع على جوازه إلا ما استثناه الفراء والكسائى وابن هشام ,لكن الذى قالو إنه ضرورة لا يتوافق مع الواقع اللغوى, فقد ورد قصر الممدود فى القراءات القرآنية(1) , ومن ذلك قراءة البزى (2) عن ابن كثير: " وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ " بقصر (شركائى) (3) قال أبو حيان عنها: "وذكروا أنه من ضرورة الشعر, ولا ينبغى ذلك لثبوته فى هذه القراءة, فيجوز قليلاً فى الكلام"(4) وقال عنها ابن الجزرى : "وقد طعن النحاة فى هذه الرواية بالضعف, من حيث إن الممدود لا يقصر إلا فى ضرورة الشعر, والحق أن هذه الرواية ثبتت عن البزى... فينبغى أن يكون قصر الممدود جائزاً فى الكلام على قلته"(5) .
__________
(1) ... انظر: دراسات فى أسلوب القرآن الكريم 7/185.
(2) ... هو :البزي بفتح الباء المنقوطة من تحت بنقطة وكسر الزاي المشددة ,والمشهور بهذه النسبة أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة المكي مقرئ أهل مكة ، وهو صاحب قراءة عبد الله بن كثير ، قال الدارقطني : البزي الذي ينسب إليه قراءة أهل مكة . انظر ترجمته في : ميزان الاعتدال - الذهبي 1 / 144 , و الأنساب - السمعاني 1 / 345 . ...
(3) ... سورة النحل من الآية: 27 . وانظر هذه القراءة فى: البحر 6/522 ,والنشر2/303 , والإتحاف ... 2/182.
(4) ... البحر 6/522.
(5) ... النشر 2/303 , بتصرف يسير.(1/369)
وأبو حيان الذى أجاز قصر الممدود فى الكلام على قلة هو نفسه الذى منعه فى القرآن بحجة أنه ضرورة ولا يقع إلا فى الشعر, فقد قال فى قراءة يحيى بن يعمر فى قوله تعالى: "أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ " بقصر (أشداء) (1) : "وهى شاذة ؛لأن قصر الممدود إنما يكون فى الشعر, نحو قوله: * لا بُدَّ مِنْ صَنْعا وإِنْ طالَ السَّفَرْ* "(2)
ومما ورد من قصر الممدود فى كلام العرب نثراً أن الفراء حكى عن الكسائى أنه سمع: ( اسقنى شربة ما يا هذا ) يريد: شربة ماء. فقصر(3) .
إذن قصر الممدود ورد السماع به فى غير الشعر, فينبغى أن لا يكون ضرورة, وكما قال ابن برى: "ما بعد السماع إلا ما يصم الأسماع, ويعيي الطباع"(4) .
__________
(1) ... سورة الفتح من الآية: 29, وانظر القراءة فى: مختصر الشواذ صـ 142, والبحر 9/500, 501.
(2) ... البيت سبق تخريجه صـ 288 , وانظر كلام أبى حيان فى البحر 9/500, 501.
(3) ... انظر: مجالس ثعلب 1/87.
(4) ... شرح درة الغواص للشهاب الخفاجى صـ 252.(1/370)
واعتماداً على ما سبق من أن الاسم الممدود هو ذاته المقصور إلا إنه يزيد فى كمية الصائت ويؤكد هذا أن النحاة صنفوا ( قصر الممدود) على أنه من ضرائر الحذف(1) ,اعتماداً على هذا يمكن القول بأن قصر الممدود ينبغى أن يكون جائزاً فى الكلام وفى الشعر من غير ضرورة, ويحتمل أن يكون لغة, فقد ذكر مكى (2) أنها لغة(3) واتفقت الروايات على أن الممدود من لهجات الحجاز حيث يذهب بنو تميم وربيعة وأسد إلى القصر, وذلك يناسب كلاً من البيئتين ؛ إذ إن القبائل الحجازية المتحضرة تذهب إلى التأنى وتحقيق الصوت فى كمية الصائت حتى تصل إلى الهمزة, بينما تميل القبائل البادية من تميم وقيس وربيعة وأسد إلى السرعة فى النطق, مما يؤدى بها إلى كثير من الحذف(4) كما أن من ظواهر العربية الأصلية انتقاص الصوت وضعفه(5) .
الخلاف بين القراء والنحاة فى قصر الممدود.
__________
(1) ... انظر: ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ115, وضرائر الشعر صـ 90, والهمع 3/240, والضرائر للألوسى صـ57.
(2) ... هو: مكي ابن أبي طالب حموش أبو محمد القيسي المقرئ المالكي ، كان راوية مقرئاً أديباً متفنناً ، ألف ما يربو على تسعين كتاباً في علوم القرآن منها : ( الكشف عن وجوه القراءات السبع) ، وكتاب ( مشكل إعراب القرآن) ، و ( الإبانة عن معاني القراءات) ، و ( والرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة) . أخذ عنه أبو الوليد الباجي بالأندلس .ولد وتوفى . ( 355 / 437 ه/ 965 - 1045 م) انظر ترجمته في : - التعديل والتجريح - سليمان بن خلف الباجي 1/ 72 .
(3) ... انظر: الكشف لمكى بن أبى طالب 2/36.
(4) ... انظر: اللجهات العربية فى القراءات القرآنية صـ 168, وفى اللهجات العربية د/ أنيس صـ 132.
(5) ... انظر: الصراع بين القراء والنحاة د/ أحمد علم الدين الجندى. مجلة مجمع اللغة العربية39/122.(1/371)
حكم أبو شامة (1)على القراءة السابقة: " وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ " بقصر (شركائى) بأنها قراءة ضعيفة. قال: "وقصر الممدود ضعيف لا يجيزه النحويون إلا فى ضرورة الشعر, فهذه قراءة ضعيفة"(2) وقبله حكم الشاطبى (3) بضعف الرواية والقراءة(4) وسبق أن أبا حيان حكم على قراءة " أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ " بالقصر بالشذوذ؛ لأنها لا تتفق ومقاييس النحو.
__________
(1) ... هو:الحافظ العلامة المجتهد ذو الفنون شهاب الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان المقدسي ثم الدمشقي الشافعي المقرئ النحوي ، وكمل القراءات وهو حَدَث على الشيخ علم الدين السخاوى ، وأتقن علم اللسان وبرع في القراءات ، وعمل شرحاً نفيساً للشاطبية ، واختصر تاريخ دمشق مرتين . وله كتاب " الروضتين في أخبار الدولتين " و " كتاب الذيل " عليهما وتصانيفه كثيرة مفيدة ، وكان مع براعته في العلوم متواضعاً تاركاً للتكلف ثقة في النقل كان فوق حاجبه الأيسر شامة كبيرة . مولده سنة تسع وتسعين وخمس مائة (599)هـ, و توفى في تاسع عشر رمضان سنة خمس وستين وست مائة (665)هـ . انظر ترجمته في : تذكرة الحفاظ الذهبي 4 /1460 .
(2) ... إبراز المعانى لأبى شامة صـ 557.
(3) ... هو: القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الرعيني ، أبو محمد الشاطبي : إمام القراء . كان ضريراً . ولد بشاطبة ( في الأندلس) وتوفي بمصر . وهو صاحب " حرز الأماني قصيدة في القراءات تعرف بالشاطبية . وكان عالماً بالحديث والتفسير واللغة ،,كان إذا قرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ ، تصحح النسخ من حفظه . والرعيني نسبة إلى ذي رعين أحد أقيال اليمن . ولد وتوفى ( 538 - 590 ه= 1144 - 1194 م) انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء 21/161 , و الأعلام - خيرالدين الزركلي 5 / 180 .
(4) ... انظر: إبراز المعاني صـ 557.(1/372)
وهذا منهم عجيب ؛ لأن القراءة هى الأصل, والعربية تصحح بالقراءات لا القراءات بالعربية(1) كما أن الكتاب ( القرآن ) أعرب وأقوى فى الحجة من الشعر(2) ويكفى أن يعلم أن سيبويه كما يقول ابن جنى: "اغترق جميع كلام الصرحاء والهجناء, والعبيد والإماء فى أطرار الأرض ذات الطول والعرض ما بين منثور إلى منظوم, ومخطوب به إلى مسجوع, حتى لغات الرعاة الأجلاف, والرواعى ذوات صرار الأخلاف وعقلائهم والمدخولين, وهذاتهم والموسوسين فى جدهم وهزلهم وحربهم وسلمهم, وتغاير الأحوال عليهم"(3) .
فلئن قبل كلام سيبويه وقد أخذ من ( المدخولين والهذاة والموسوسين ) أفينكر على القراء قراءاتهم ؛لأنها لا تتفق وقواعد النحاة ؟!.
وينبغي أن يُعْلم أن قصر الممدود جائز مسستحب , و قد عبروا عنه بأنه من الضرائر الحسنة , يقول ابن عبد ربه (4): " وتحب العربُ التخْفيف والحَذْف، ولهَربها من التثْقيل والتطويل كان قَصْرُ المَمْدود أحبَّ إليها من مدّ المَقْصور، وتَسْكينُ المُتحرّك أخف عليها من تَحْريك الساكن ؛ لأنّ الحَركة عَمَل والسُّكون راحة. وفي كلام العرب الاختصار والإطناب، والاختصار عندهم أحمد في الجُملة، وإن كان للإطناب مَوْضع لا يَصْلح إلا له. وقد تُومِىء إلى الشيء فَتَستغني عن التَّفسير بالإيماءة، كما قالوا: لمحةٌ دالّة "(5) .
__________
(1) ... انظر: الصراع بين القراء والنحاة 39/120.
(2) ... انظر: معانى القرآن للفراء 1/14.
(3) ... الخصائص 3/189.
(4) ... هو : العلامة الأديب الإخباري ، صاحب " كتاب العقد " أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حبيب بن حدير المرواني مولى أمير الأندلس هشام بن الداخل الأندلسي القرطبي . سمع بقي بن مخلد ، وجماعة . وكان موثقاً نبيلاً بليغا ًشاعراً . عاش اثنين وثمانين سنة(82)هـ . وتوفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمئة(328) هـ. انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء - الذهبي 15 / 283 .
(5) ... العقد الفريد 4/156 .(1/373)
الباب الثالث ...
المسائل الصرفية , ويشتمل على :
الفصل الأول ... 295 ـ 311
التوهم في التصريف
الفصل الثاني ... 312 ـ 320
في حروف الزيادة
الفصل الثالث ... 321 ـ 367
في جموع التكسير
الفصل الرابع ... 368 ـ409
في الإعلال والإبدال
الفصل الخامس ... 409ـ 419
في التقاء المثلين
الفصل السادس ... 420 ـ 433
في النسب
الفصل السابع ... 434ـ 454
في المشتقات
الفصل الأول
التوهم في التصريف , و يشتمل على :
الهمز على التوهم. ... 299 ـ301
الإعلال على التوهم . ... 301 ـ 303
الجمع على التوهم ... 303 ـ 304
توهم أصالة الحرف الزائد. ... 304 ـ 307
التوهم في التصريف وأمن اللبس. ... 307 ـ 310
أمن اللبس والترخص في الإعراب. ... 310 ـ 311
... المقصود من التوهم (1) فى التصريف هو إعطاء ما يستحقه حكمٌُ ما لحكم آخر لا يستحقه لشبه بين الحكمين.
... وليس المراد به " انحراف السلائق عن قانونها الذى تجرى عليه اطراداً"(2) وهو ما ذهب إليه بعض المحدثين رافضاً اعتماد التوهم فى اللغة ؛ لأنه خطأ أو غلط لا يجوز وقوعه فى قواعد العربية, و"عنده أن الأمثال التى تساق على التوهم إنما جرى فيها ما جرى عن وعي و إرادة وقصد لا عن غفلة وتوهم , وأن من قالوا بالتوهم أعربوا عن غفلة عن طبيعة اللغة وقوانينها الدقيقة"(3) .
__________
(1) ... في اللسان , مادة ( وهم) : "الوَهْمُ: من خَطَراتِ القلب، والجمع أَوْهامٌ، وللقلب وَهْمٌ. وتَوَهَّمَ الشيءَ: تخيَّله وتمثَّلَه، كان في الوجود أَو لم يكن. وقال: تَوهَّمْتُ الشيءَ وتفَرَّسْتُه وتَوسَّمْتُه وتَبَيَّنْتُه بمعنى واحد... إذا أَغفَلْته. ويقال: وَهِمْتُ في كذا وكذا أي غلِطْتُ ".
(2) ... تحقيق معنى بناء اللغة على التوهم أ/ محمد شوقى أمين, بحث منشور بمجلة مجمع اللغة العربية بدمشق المجلد52 الجزء الثانى صـ360.
(3) ... السابق نفسه صـ361.(1/1)
وكلامه هذا صحيح, فما قيل إنه توهم جرى عن قصد وإرادة لا عن غفلة وغلط, والقول بالتوهم فيه, لفائدة لفظية ومعنوية – كما سيأتى- أما رفض القول بالتوهم بناء على أنه ( انحراف لغوى) فهو ما ليس صحيحاً؛ لأن حقيقة معنى التوهم مردها إلى اللغة , واللغة تقول: " توهمت الشئ وتفرسته وتوسمته, وتبنيته بمعنى واحد"(1) .
ويطلق التوهم أيضا على الغلط(2) والمراد بالغلط هنا الخروج عن الأقيسة, لا الانحراف أو الاعتباط ؛ لأن كل ما يروى عن العرب يحتج به " فعلة القول بالبناء على التوهم هى أنها خرجت عن الأقيسة, وجاءت على غير السنن فاقتضى الأمر إلى إعمال الذهن فى التأويل والتعليل"(3) .
ويحسم هذه المسألة قول ابن هشام: " قال سيبويه(4) : واعلم أن ناساً من العرب يغلطون فيقولون: ( إنهم أجمعين ذاهبون ) و( إنك وزيد ذاهبان) ومراده بالغلط هنا ما عبر عنه غيره بالتوهم, وتوهم ابن مالك أنه أراد الخطأ فاعترض عليه بأنا متى جوزنا ذلك عليهم زالت الثقة بكلامهم , وامتنع أن تثبت شيئا نادراً لإمكان أن يقال فى كل نادر إن قائله غلط"(5) . وفى كتاب سيبويه ما يقوى هذا الفهم , فقد قال فى جمع ( مصيبة) على ( مصائب ), " فأما قولهم ( مصائب ) فإنه غلط منهم, وذلك أنهم توهموا أن( مصيبة )( فعيلة ) "(6) وفى الصحاح
__________
(1) ... اللسان , مادة ( وهم ).
(2) ... انظرمادة ( وهم ) في : العين للخليل, و اللسان , والقاموس , وراجع : شرح درة الغواص للشهاب الخفاجى صـ62, وعقد الخلاص فى نقد كلام الخواص لابن الحنبلى صـ175.
(3) ... تحقيق معنى بناء اللغة على التوهم صـ 364 .
(4) ... انظر: الكتاب 2/155.
(5) ... مغنى اللبيب صـ 454.
(6) ... الكتاب 4/356.(1/2)
للجوهرى(1) مثل ذلك: قال فى جمع ( مأقى ) "جمعوه على ( مآق) على التوهم"(2).
وهذا يمكن أن يفسر كلام البصريين عندما يصفون " بعض ما شذ على قواعدهم مما جرى على ألسنة بعض العرب بأنه غلط ولحن, وهم لا يقصدون اتهامهم بذلك, حسب المدلول الظاهر للكلمتين , إنما يقصدون أنه شاذ عن القياس الموضوع, وخارج عليه, فلا يلتفت إليه. وتوقف كثير من المعاصرين الذين يخوضون فى المباحث النحوية عند هذين اللفظين وحاولوا الرد على البصريين غير متنبهين لمدلول الكلمتين عندهم ومقصدهم منهما"(3) .
وقد عقد ابن جنى فى الخصائص ما سماه بـ( باب فى أغلاط العرب ) (4) وقال : "كان أبو على –رحمه الله- يرى وجه ذلك , ويقول: إنما دخل هذا النحو فى كلامهم ؛ لأنهم ليست لهم أصول يراجعونها ولا قوانين يعتصمون بها , وإنما تهجم به طباعهم على ما ينطقون به, فربما استهواهم الشئ فزاغوا به عن القصد"(5) .
__________
(1) ... هو: الفارابي الإمام أبو نصر إسماعيل بن حماد الفارابي الجوهري كان أديباً فاضلاً . أخذ عن أبي على الفارسي وعن خاله أبي نصر الفارابي صاحب ديوان الأدب وصنف الصحاح في اللغة للأستاذ أبي منصور البيشكي . أصله من الترك من فاراب . وهو إمام في علم اللغة والأدب وخطه يضرب به المثل في الجودة . توفى( 393 هـ) . انظر ترجمته في : معجم المطبوعات العربية - إليان سركيس 1/ 723 .
(2) ... الصحاح مادة ( مأق ) .
(3) ... المدارس النحوية د/ شوقىضَيف صـ161.
(4) ... الخصائص 3/276.
(5) ... السابق نفسه 3/276.(1/3)
وقول أبى على : " فربما استهواهم الشئ فزاغوا به عن القصد" يفهم منه أن خروجهم عن القياس عن وعى منهم وغاية, وهو ما صرح به الفراء فى قوله عن همز العرب لما لا يهمز "خرجت فصاحتهم إلى أن يهمزوا ما ليس بمهموز"(1) وفسر الطبرى(2) الغلط فى همز ما لا يهمز بأنهم ( يتغلطون ) (3) .
وينظر بعض المحدثين إلى ما قيل فيه بالتوهم على أنه تدرج لغوى وهو مسئول عن خلق صيغ جديدة فى الحقل اللغوى, ولا يصح النظر إليه على أنه صيغ شاذة كما يرى علماء العربية, يقول(4) : " بل هى كما نفهمها مرحلة من مراحل حياة الكلمة لم تتكامل فى تطورها ونموها"(5) . وأياً ما كان الأمر فى تفسير هذه الظاهرة, فالثابت أنها واقعة فى الكلام, ويبدو أن أبا العلاء كان يقول هو الآخر بالتوهم على نحو ما سيتضح الآن فى معالجة الهمز على التوهم وكذا الإعلال والجمع على التوهم ، وأخيراً توهم أصالة الحرف الزائد .
الهمز على التوهم.
__________
(1) ... انظر رأيه فى : اللسان , والصحاح مادتي : (لبأ) و ( رثي) .
(2) ... هو: أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد الطبري الآملي . كان متفنناً في جميع العلوم ، علم القرآن والنحو والشعر واللغة والفقه ، كثير الحفظ . ذكر ابن النديم انه رأى للطبري بخطه شيئاً كثيراً من كتب اللغة والنحو والشعر والقبائل . وله مذهب في الفقه اختاره لنفسه . وله في ذلك عدة كتب منها ، كتاب التفسير ، لم يعمل أحسن منه . ولد بآمل سنة أربع وعشرين ومائتين ( 224) . توفى: في شوال سنة عشر وثلثمائة (310) , وله سبع وثمانون سنة. انظر ترجمته في : - فهرست ابن النديم صـ291 .
(3) ... انظر: تفسير الطبرى 11/125.
(4) ... انظر: اللهجات العربية فى التراث د/ أحمد علم الدين الجندى 2/547, 548.
(5) ... السابق نفسه 2/548.(1/4)
من أنواع الهمز همزة التوهم كما سماها ابن منظور(1) وقد روى الفراء "عن بعض العرب أنهم يهمزون ما لا همز فيه إذا ضارع المهموز , قال : وسمعت امرأة من غنى(2) تقول: ( رثأت زوجى بأبيات ) كأنها لما سمعت : ( رثأت اللبن ) (3) ذهبت إلى أن مرثية الميت منها, ويقولون : ( لبأت بالحج) (4) و( حلأت السويق) (5)
__________
(1) ... انظر: اللسان باب تفسير الحروف المقطعة, فصل الهمزة .
(2) ... في معجم قبائل العرب ـ عمر كحالة 3/ 895 : " غنى بطن من عمرو بن الزبير بن العوام من بني أسد بن عبد العزى , من قريش ,من العدنانية , كانت مساكنهم بالبهنسانية بالديارالمصرية " .
(3) ... في التاج , مادة ( رثا ) : " رَثَأَ اللبنَ، كمَنَعَ: حَبَبَه على حامِضٍ فخَثُرَ، وهو الرَّثيئَةُ،.... ورَثَأَ مهموزٌ لغةٌ في رَثىالمَيتَ المعتل، رَثَأْتُ الرجُلَ بعد موته رَثَأً: مَدَحْته. وكذلك رَثَأَتْ المرأة زوجها، في رَثَتْ، وهي المَرْثِئَةُ، وقالت امرأةٌ من العرب: رَثَأْتُ زَوْجي بأَبياتٍ، وهمزَتْ، أَرادتْ رَثَيْتُه. قال الجوهريّ والصاغانيّ، نقلاً عن ابن السكِّيت، وأصله غير مهموزٍ، قال الفرَّاء: وهذا من المرأة على التوهُّمِ؛ لأنَّها رأَتهم يقولون رَثَأْتُ اللبَنَ، فظنَّت أَنَّ المَرْثِيَةَ منها".
(4) ... في اللسان , مادة ( لبب) : " أَصله لَبَّبْت فعَّلْت، من أَلَبَّ بالمكان، فأُبدلت الباء ياءً لأَجلِ التضعيف ... . وحكى ثعلب: لَبَّأْتُ بالحج. قال: وكان ينبغي أَن يقول: لَبَّيْتُ بالحج. ولكن العرب قد قالته بالهمز، وهو على غير القياس" .
(5) ... في التاج , مادة ( حلا) أحْلأْتُ السَّويقَ، قال الفرَّاء: قد هَمَزوا غيرَ مهموزٍ؛ لأنَّه من الحَلْواءِ بالمدِّ، وكذلك رَثأْتُ المَيْتَ "..(1/5)
فيغلطون ؛ لأن ( حلأت ) يقال فى دفع العطشان عن الماء (1), و( لبأت) يذهب بها اللباء (2), وقالوا: ( استنشأت الريح) والصواب: ( استنشيت ) ذهبوا به إلى قولهم : ( نشا السحاب)" (3) .
ويقول أبو العلاء فى هذا تعليقاًً على قول ابن أبى حصينة:
... قَصرُهُ كَعبَةٌ وَيُمناهُ كَالرُك نِ لَنا وِاستِلامُها كَاستِلامِه (4)
" ويقال : ( استلم ) الركن إذا مسَّه بيده, ويجوز أن يكون مأخوذاً من السلام, أى جعل مسَّه مثل التسليم, ويمكن أن يكون قولهم ( استلم الركن ) مأخوذاً من السَّلِمة, وهى الحجرة ؛ لأنه الركن من الحجارة (5)
__________
(1) ... في اللسان ,مادة ( حلا ) : " حَلأَ الإبلَ والماشِيةَ عن الماء تَحْلِيئاً وتَحْلِئةً: طَرَدها أَو حبَسَها عن الوُرُود ومَنَعَها أَن تَرِده " .
(2) ... في اللسان , مادة ( لبا ) : " اللِّبَأُ، على فِعَلٍ، بكسر الفاء وفتح العين: أَوّلُ اللبن في النِّتاجِ. أَبو زيد: أَوّلُ الأَلْبانِ اللِّبَأُ عند الوِلادةِ، وأَكثرُ ما يكون ثلاثَ حَلْباتٍ وأَقله حَلْبةٌ. وقال الليث: اللِّبَأُ، مهموز مقصور: أَوَّلُ حَلَبٍ عند وضع المُلْبِئ. ولَبأَتِ الشاةُ ولَدَها أَي أَرْضَعَتْه اللِّبَأَ، وهي تَلْبَؤُه، والتَبَأْتُ أَنا: شَرِبتُ اللِّبَأَ. ولَبَأْتُ الجَدْيَ: أَطْعَمْتُه اللِّبَأَ. ويقال: لَبَأْتُ اللِّبَأَ أَلْبَؤُه لَبْأً إذا حلبت الشاة لِبَأً "
(3) ... السابق نفسه 1/17, وراجع المصدر نفسه 1/60, وتفسير الطبرى 11/125, وتهذيب إصلاح المنطق 1/396 , وشرح ديوان ابن أبي حصينة 2/62.
(4) ... البيت من بحر البسيط, وهو فى الديوان 1/188.
(5) ... في اللسان , مادة ( سلم ) : "استلم الحجر واستلأمه: قبله أو اعتنقه، وليس أصله الهمز، وله نظائر. قال سيبويه: استلم من السلام لا يدل على معنى الاتخاذ، ... ابن السكيت: استلأمت الحجر،
وإنما هو من السلام، وهي الحجارة، وكأن الأصل استلمت. افتعال في التقدير مأخوذ من السلام، وهي الحجارة " .وراجع رأي سيبويه في : الكتاب 4/70 .(1/6)
وبعض العرب يقول: ( استلأم الركن) فيهمز, وذلك عند أصحاب النظر جار مجرى الغلط من العرب, كما قالوا: ( حلأت السويق) و( رثأت الميت)" (1) .
ومن الجلى أن المراد بـ( الغلط ) عن العرب هو مجئ الكلام مخالفاً للقياس, لا أن ( الغلط ) هو فساد الكلام وتخليطه, وإلا لما كان كل ما يروى عن العرب يحتج به , وقد نبه ابن جنى على هذا , فقال: " ولا يقطع بأن هذا خطأ من العرب ما وجد له وُجَيْهاً ما , ألا ترى أن سيبويه قال فى باب ما يضطر إليه الشاعر: وليس شئ مما يضطرون إليه, وإلا هم يحاولون به وجهاً (2) , وكذلك قولهم : ( حلأت السويق) و( رثأت زوجى بأبيات ) إنما هو مشبه فى اللفظ بغيره, وإن لم يكن من معناه"(3) .
ويزيد هذا إيضاحاً ما قاله الفراء من أنه قد خرجت بهم فصاحتهم إلى أن يهمزوا ما ليس بمهموز"(4) وفسر الطبرى الغلط بأنهم ( يتغلطون) (5) .
أما تغلط العرب فى همز ما لا يهمز , فله فائدة دلالية , وهى التأكيد فـ"الهمزة ليست - فى الغالب - سوى وظيفة صوتية يعمد إليها المحققون, وهم الذين يريدون أن يؤكدوا نبرهم للمقطع المنبور"(6) , " إن وصف الهمز بأنه مرتجل هو فى الحقيقة إشارة إلى وظيفة ؛ لأن العربى الذى ارتجله إنما اختار له موقعاً معيناً خضوعاً لظاهرة صوتية معينة, نرى نحن أنها النبر على حين وقف القدماء أمامه مكتفين بالحكم بشذوذه"(7) .
__________
(1) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/195 , وانظر : المرجع نفسه2/57 , و62 .
(2) ... انظر: الكتاب 1/13 ط بولاق.
(3) ... المنصف1/310.
(4) ... انظر رأيه فى: الصحاح , واللسان , مادتي : ( لبأ) و( رثي).
(5) ... انظر: تفسير الطبرى 11/125.
(6) ... القراءات القرآنية فى ضوء علم اللغة الحديث د/ عبد الصبور شاهين صـ105.
(7) ... السابق نفسه صـ 128.(1/7)
وكما يجرى التوهم فى همز ما لا يهمز قد يجرى التوهم فيترك همز ما حقه الهمز وقد يكون منه ترك الهمز في قولهم : ( لبأت ) يذهب بها اللباء, * وتيم تلبي في العروج، وتحلب* "أَي تَحْلُبُ اللَّبَأَ وتَشْرَبهُ؛ جعله من اللِّبإِ، فترك همزه، ولم يجعله من لَبَّ بالمكان وأَلَبَّ " (1).
ومن هذا قولهم: ( واخذه الله ) يريدون: ( آخذه الله ) (2), لكنهم لما كانوا يقولون فى المضارع ( يواخذ) بتخفيف الهمزة بقلبها واواً, توهموا أن الواو أصل فى المضارع فقالوا فى الماضى : ( واخذ ) , وهذا التوجيه ذكره أبو العلاء تعليقاًً على قول ابن أبى حصينة:
لا واخَذَ اللَهُ قَوماً مِن عَشِيرَتِنا تَأَلَّبوا في زَوالِ العِزِّ وَاِجتَهَدُوا (3)
يقول أبو العلاء: " الأجود: ( آخذ الله ) و( واخذ ) جائز, ولكن الهمزة أجود, وإنما حملهم على تغيير الهمزة إلى الواو أنهم يقولون فى المضارع ( يؤاخذ ) , فإذا وقعت الهمزة مفتوحة وقبلها ضمة جاز أن تجعل واواً خالصة , فلما قالوا: ( يواخذنا) بالواو, ظنوه مثل ( يوازن) و( يواعد) , فجاءوا بالواو فى الماضى"(4) .
__________
(1) ... اللسان , مادة ( لبب).
(2) ... في اللسان , مادة ( أخذ) : والعامة تقول واخَذَه.
(3) ... البيت من بحرالبسيط, وهو فى الديوان 1/162.
(4) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/170.(1/8)
وهذا الكلام لأبى العلاء واضح منه تمام الوضوح القول بالتوهم, وقوله : ( ظنه) مثل ( يوازن) – هو المقصود بالقول بالتوهم فـ"مراد علماء العربية بالبناء على التوهم- أنهم يسوقون كلمة التوهم مقصوداً بها التمثل , ولذلك يستخدمون مرادفات ونظائر تساق ساقها , وتحل محلها , ومنها (الإشباه) و(المشابهة) و(التشبه) و(المشاكلة) و( كأنه كذا) , وإلحاق هذا بذاك .. ويقول المعرى: ( كأنه كذا ) فى تعليل منع صرف فينان"(1) .
ويجري التوهم في متصرفات الفعل ( أخذ ) من وجه آخر يقال : " ائْتَخَذْنا في القتال، بهمزتين: أَخَذَ بعضُنا بعضاً. والاتِّخاذ: افتعال أَيضاً من الأَخذ إِلا أَنه أُدغم بعد تليين الهمزة وإِبدال التاء، ثم لما كثر استعماله على لفظ الافتعال توهموا أَن التاء أَصلية فبنوا منه فَعِلَ يَفْعَلُ "(2).
وقد يكون من الهمز على التوهم قولهم : ( أرض مجرودة ) من الجراد، قال ابن سيده :" فالوجه عندي: أن تكون "مفعولة" من جردها الجراد، كما تقدم. والآخر: أن يعني بها كثرة الجراد: كما قالوا: أرض موحوشة: كثيرة الوحش، فيكون على صيغة "مفعول" من غير فعل إلا بحسب التوهم؛ كأنه جردت الأرض: أي حدث فيها الجراد أو كأنها رميت بذلك" (3).
الإعلال على التوهم .
__________
(1) ... تحقيق معنى بناء اللغة على التوهم , ـ أ/ محمد شوقى أمين: بحث بمجلة المجمع العلمي بدمشق المجلد 52 ج 2 ص362, 363, بتصرف يسير جدا.
(2) ... اللسان , مادة ( أخذ) .
(3) ... المحكم , مادة ( جرد) .(1/9)
قد يكثر استعمال صيغةٍ ما بعد دخول التغيير فيها إعلالاً أو إبدالاً حتى تتوهم الأصالة فى الصيغة بعد تغييرها لكثرة استخدامها على هذا النحو, ومن هذا قولهم فى جمع ( ريح) : ( أرياح) والأصل فى المفرد قبل دخول الإعلال ( رِوْح) فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ,ولكثرة استخدامها بهذه الصورة قال بعضهم فى الجمع ( أرياح) توهماً منه أن الياء أصل فى المفرد على ما ذهب إليه بعض المحدثين(1) .
__________
(1) ... كالأستاذ عبد القادر المغربى. انظر رأيه فى: الشواهد على قاعدة توهم أصالة الحرف بحث منشور بمجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة 7/362. ود/أحمد علم الد ين الجندي في بحثه دراسات في النظام الصوتي الصرفي ـ مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة ـ عدد 61, صـ66 .(1/10)
ويوضح هذا إنكار أبى حاتم(1) على عمارة بن عقيل(2) جمعه ( الريح) على ( أرياح).قال: "فقلت له فيه : إنما هى ( أرواح ), فقال: قد قال –عز وجل-{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } (3) , وإنما ( الأرواح) جمع ( روح)" (4) . وفى الأغانى تكرار لهذه القصة , لكن باختلاف يسير, وفيها رد عمارة بن عقيل على أبى حاتم بقوله : "لقد جذبنى إليها طبعى"(5) .
أى أنه توهم أن الياء في(ريح) أصلية لا معلة عن الواو.
__________
(1) ... هو :سهيل بن محمد بن عثمان بن القاسم أبو حاتم السجستانى إمام فى علوم القرآن واللغة والشعر, أعلم الناس بالعروض واستخراج المعمى, ولم يكن حاذقاً بالنحو, له لحن العامة, والمقصور والممدود, والقراءات , وخلق الإنسان وغير ذلك ت سنة (248) أو( 250), أو (254), أو ( 255 ) عن 90 سنة . انظر ترجمته فى البغية 1/606.
(2) ... هو: ابن عقيل بن بلال بن جرير بن عطية الخطفى, ويكنى عمارة أبا عقيل, شاعر مقدم فصيح, قال الأخفش: سمعت المبرد يقول: ختمت الفصاحة فى شعر المحدثين بعمارة بن عقيل. انظر ترجمته فى : الأغانى 24/ 203 , وشعراء الأ عراب ـ خليل مرد م بك صـ55 .
(3) ... سورة الحجر من الآية: 22.
(4) ... الخصائص 3/298.
(5) ... انظر: الأغانى24 / 209 , وانظر فى جمع (ريح) على (أرياح) : المحرر الوجيز 1/470, وتحفة المجد الصريح ـ اللبلى صـ222, 223, والمدخل إلى تقويم اللسان لابن هشام اللخمى صـ40, والروض الأنف 3/45, ودرة الغواص صـ51, وشرحها للشهاب الخفاجى صـ190, وعقد الخلاص لابن الحنبلى صـ203, وشرح الملوكى صـ243.(1/11)
ومثل (ريح) و(أرياح) قولهم : ( عيد) و( أعياد) و"أصل ( عِيْد) : (عِوْد) من (العَوْد) , فالواجب أن يقولوا فى جمعه (أعواد) فلم يقولوه , وإنما قالوا : (أعياد) , وعللوا ذلك بالتفرقة بين (أعياد) بمعنى المواسم و(أعواد) بمعنى الأخشاب"(1) وإلى هذا ذهب أبوالعلاء فى تعليقه على بيت ابن أبى حصينة : تَبِعُوا هَواكَ فلَو أَمَرت جَمِيعُهم بِالكَفِّ عَن أَعيادِهِم ما عَيَّدُوا (2)
قال : "و( عيَّدوا ) الكلمة أصلها من الواو, ولم يتكلموا بها إلا بالياء , وإنما هي مأخوذة من ( عاد اليوم يعود ) فلو جاء في الأصل وجب أن يقال : (عَوَّد) , ولكنهم قلبو الواو ياء فى (العيد) , لكسر العين , فقالوا فى الجمع ( أعياد ) , فلزموا الياء فى الجمع خشية أن تلتبس بـ ( أعواد ) جمع ( عُوْد ) أو جمع ( عَوْد ) (3) من الإبل"(4) .
والذى قاله أبو العلاء وغيره وجه , ووجه آخر أن يكونوا قد توهموا الياء فى (عيد) أصلية لا منقلبة عن أصل , فلذلك أبقوا عليها فى الجمع فقالوا ( أعياد ) وأبقوا عليها فى التصغير , فقالوا : (عُيَيْد) , وفى الفعل فقالوا : ( عيَّدو ا) وفى المصدر فقالوا: ( تعييداً ).
وكالسابق تماما قولهم إذا اشتقوا من ( الميلاد ) فعلاًً: ( ميلدوا ) فكأنهم توهموا أن الياء أصلية لا منقلبة عن واو, وفى هذا يقول أبو العلاء تعليقاً على قول ابن أبى حصينة :
__________
(1) ... الشواهد على قاعدة توهم أصالة الحرف 7/363.
(2) ... البيت من بحرالكامل وهو فى الديوان 1/205.
(3) ... في المحكم , مادة ( عود) : " والعَوْدُ: الجمل المسن وفيه بقية والجمع عِيَدَةٌ وعِوَدَةٌ والأنثى عَوْدَةٌ والجمع عِيَادٌ، وقد عادَ عَوْدًا وعَوَّدَ وهو مُعَوِّدٌ. والعَوْدُ أيضا: الشاة المسن والأنثى كالأنثى ".
(4) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/222.(1/12)
هَجَرُوا السُرورَ وَلَم يَبِت يَعتادُهُم أَسَفُ المَلامَةِ أَنَّهُم ما مَلًّدُوا (1)
" فأما ( ميلدوا ) (2) فكلمة ضعيفة , إلا أن تحمل على قول من قال في:
( ميثاق) و( مياثق) (3) , كما قال القائل:
__________
(1) ... البيت من بحرالكامل وهو فى الديوان 1/205.
(2) ... لم أجد هذا الاستعمال فى المعاجم أو فى كتب الأدب التى وقفت عليها, ومعنى كلمة (ميلدوا) أى احتفلوا بيوم الميلاد. وفي التاج , مادة ( ولد) : واللِّدَة: وَقْتُ الوِلاَدَةِ، كالمَوْلِد والمِيلادِ، أَما المَوْلد والمِيلاد فقد ذَكرَهما غيرُ واحدٍ من أَئِمّةِ اللُّغَة، وأَما اللِّدّة بمعناهما لا يَكَاد يُوجَد في الدواوينِ، ولا نَقَلَه أَحَدٌ غيرُ المُصَنّف فينبغِي التَّحَرِّي والمُرَاجَعَة حَتَّى يَظْهَرَ أَيْنَ مَأْخَذُه. ففي اللسانِ والمُحْكَم والتهذيبِ والأَساس: مَوْلِدُ الرَّجُلِ: وَقْتُ وِلاَدَتِه. ومَوْلِده: المَوْضِع الذي وُلِدَ فيه، ومثله في الصحاح. وفي المِصْباح: المَوْلِد: المَوْضِع والوَقْتُ. وفي شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/221:" و( الميلاد )الاسم الموضوع لهذا اليوم عربي صحيح , فكأنهم على هذا اشقوا منه فعلاً , فقالوا ( ميلدوا ) على الوجه الذي ذكره أبو العلاء .
(3) ... انظر فى جمع (ميثاق) على (مياثق) : الصحاح مادة (وثق) ,والخصائص 3/160, وعقد الخلاص فى نقد كلام الخواص لابن الحنبلى صـ347. وفي الصحاح مادة (وثق ) : " وثق وثِقْتُ بفلان أَثِقُ، ثقةً إذا ائتمنته. والميثاقُ: العهدُ، صارت الواو ياءً لانكسار ما قبلها. والجمع المَواثيقُ على الأصل، والمَياثِقُ والمَياثيقُ أيضاً " .(1/13)
حِمًى لا يُحَلُّ الدهرَ إلاّ بإذْنِنا ولا نسألُ الأقوامَ عَهْدَ المَياثِقِ (1)
ثم يبنى الفعل من هذا اللفظ الذى بالياء"(2) .
وقد عقد ابن جنى باباً فى الخصائص بعنوان: " باب فى بقاء الحكم مع زوال العلة" , قال: "هذا موضع ربما ( أوهم ) فساد العلة , وهو مع التأمل بضد ذلك , نحو قولهم فيما أنشده أبوزيد"(3) وأنشد البيت السابق.وقال فى نفس الباب : "فأما (مياثق) و(دياوين) فإنه لما كثر عندهم واطرد فى الواحد القلب, وكانوا كثيراً ما يجرون الجمع على حكم الواحد, وإن لم يستوف الجمع جميع أحكام الواحد, نحو ( دِيْمة) و( دِيَم) و ( قِيْمة) و( قِيَم) صار الأثر فى الواحد كأنه ليس مسبباً عندهم من أمر.. حتى صار الحرف المقلوب إليه لتمكنه فى القلب كأنه أصل فى موضعه , وغير مسبب عندهم عن علة, فمعرض لانتقاله بانتقالها حتى أجروا ياء ( ميثاق) مجرى الياء الأصلية(4) .
وليس أصرح من كلام ابن جنى هذا فى اعتداهم بالتوهم وبناء الأحكام عليه.
الجمع على التوهم.
__________
(1) ... البيت من بحر الطويل ونسب فى النوادر لأبى زيد إلى عياض بن درة الطائى برواية (عهد المواثق) , وهو بلا نسبة فى الخصائص 3/159, وابن يعيش 5/122, والارتشاف 1/465, وعقد الخلاص لابن الحنبلى صـ347, وشرح شواهد الشافية صـ95.
(2) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/221, 222.
(3) ... الخصائص 3/159.
(4) ... الخصائص 3/161, 162.(1/14)
باب جمع التكسير باب كثير الشذوذ , ومن ثم فهو كثير التأويل ولابن جنى فى جموع التكسير الشاذة رأى مؤاده أن الجموع ليست شاذة, وإنما هى قياسية , جاءت على مفرد متوهم يكون به الجمع قياسياً وإن لم يكن هذا المفرد منطوقاً به(1) , وهذا عنده أهون من أن يكون الجمع شاذاً , ومثال ذلك قولهم فى جمع (دانق) (2): (دوانيق) وعند ابن جنى: (دوانيق) جمع (داناق) لا جمع (دانق) (3) حتى يكون الجمع قياسياً , وكذا ( دراهيم) ليست جمع ( درهم)
وإنما هى جمع ( درهام ) عنده(4) يقول ابن جنى: "وهذا التغيير ( المتوهم ) كثير, وعليه باب جميع ما غيرته الصنعة عن حاله , ونقلته من صورة إلى صورة"(5) .
ومن هذا قولهم بالجمع على حذف الزوائد , وإنما هو فى الحقيقة توهم لمفرد يكون به الجمع قياسياً, كقولهم فى جمع ( صاحب) على ( أصحاب) إنه جمع على تقدير حذف الزوائد, والتقدير : ( صحب ) (6).
__________
(1) ... انظر رأيه فى: الخصائص 3/121, والارتشاف 1/468 وراجع: تصريف الأسماء للشيخ طنطاوى صـ233.
(2) ... في التاج , مادة ( دنق ):" الدّانِقُ: سُدُسُ الدِّينارِ، ....وتُفْتَحُ نُونُه وبهما رُوِىَ قولُ الحَسَنِ: "لَعَنَ اللهُ الدّانِقَ ومَنْ دَنَّقَ" كأَنّه أَرادَ النَّهي عن التَّقْدِيرِ , والنَّظَر في الشيء- التّافِهِ الحَقِيرِ، والجمعُ دَوانِقُ، ودَوانِيقُ. كالدّاناقِّ بإِشْباع الفَتْحة، كما قالُوا للدِّرْهَم: دِرهامٌ، قال سيبَوَيْهِ: أَمّا الَّذِينَ قالُوا: دَوانِيقُ، فإِنَّما جَعَلُوه تَكْسِير فاعال، وإِن لم يكُن في كَلامِهم، كما قالُوا: مَلاميحَ، وتَصغِيرُه: دُوَينيق وهو شاذ أَيضاً" .
(3) ... انظر: الخصائص 3/121.
(4) ... انظر: سر الصناعة 2/291.
(5) ... الخصائص 3/121.
(6) ... انظر: حاشية الشنوانى على شرح الأزهرية مخطوط, لوحة 7, وراجع: الروض الأنف 1/58, 3/183, وشرح درة الغواص صـ44.(1/15)
وإلى هذا ذهب أبو العلاء فى جمع (أدراس) على (دارس) , فقد قال تعليقاً على بيت ابن أبى حصينة: عُوجا نُحَيِّ رُبوعاً غَيرَ أَدراسِ بَينَ اللِوى وَهِضابِ الأَرعَنِ الراسي (1)
"قوله: ( أدراس ) جمع ( دارس ) على حذف الزوائد, كما قالوا: شاهد و أشهاد"(2) .
__________
(1) ... البيت من بحرالبسيط , وهو فى الديوان 1/178.
(2) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/182.(1/16)
ومن هذا القول بالشبه فى الجمع , فإنهم قالوا بالتقارض بين صيغ الجمع إذا صح التعبير – نتيجة للشبه اللفظى أو المعنوى بين مفردات هذه الجموع , ومن هذا قولهم إن ( دِلَاصاً ) (1) و( هِجَاناً ) (2)مفرد وجمع, والوزن فى الحالين ( فِعَال) , وإنما جاز جمع (فِعَال) على ( فِعَال) ؛ لأن ( فِعَالاً) يشبه ( فعيلاً) , و( فعيل ) يجمع قياساً على ( فِعَال) فلما أشبه ( فعال) ( فعيلاً) جمع على ما يجمع عليه, وفى هذا يقول أبو العلاء: "النحويون يذهبون إلى أن ( الدِّلَاص) يكون واحداً وجمعاً , ويذهبون إلى أن ( فعيلاً ) و( فِعَالاً ) (3) متقاربان, وقلما جمعوا ( فعيلاً ) على ( فِعَال ) وجمعوا ( فِعَالاً ) على ذلك المثال"(4) .
__________
(1) ... في التاج , مادة ( د لص) : " الدَّلِيصُ، كَأَمِيرٍ: اللّيِّنُ البَرّاقُ، الأَمْلَسُ، كالدِّلاَصِ، بالكَسْرِ، والدَّلِصِ، والدَّلاّصِ، ككَتِفٍ وكَتّانٍ، والدَّلِيصُ: البَرِيقُ، وأَيْضاً: ماءُ الذَّهَبِ، وقِيلَ: الذَّهَبُ لَهُ بَرِيقٌ، ... ودِرْعٌ دلاَصٌ، ككِتَابٍ: مَلْسَاءُ لَيِّنَةٌ بَرّاقَةٌ، بيِّنَةُ الدَّلَصِ، وقد دَلَصَتْ دَلاَصَةً، ج: دِلاَصٌ، بالكَسْر أَيْضاً، قَالَ الجَوْهَرِيُّ: الواحد والجَمْعُ عَلَى لَفْظٍ وَاحدٍ، وقالَ الليث: جمع دِلاَصٍ دُلُصٌ، بضَمَّتَيْنِ. وأَرْضٌ دَلاّصٌ ونَاقَةٌ دَلاّصٌ، ككَتّانٍ: مَلْسَاءُ ".
(2) ... في التهذيب , تحت الجذر ( هجن ) : " قال الليث: الهِجَان من الإبل: البِيضُ الكِرامُ، ناقةٌ هِجان وبعيرٌ هِجان، ويُجمَع علىالهَجائن " .
(3) ... فى النص المحقق ( فاعلاً ) ولعل الصواب ما ذكرته , لكى يستقيم الكلام بعده, وسيأتى فى مبحث جموع التكسيرصـ354 تفصيل وجه الشبه بين (فعيل) و(فعال) ومناقشة هذه المسألة تفصيلاً.
(4) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/165, وراجع المصدر نفسه 2/143, وشرح الحماسة للمرزوقى2/136.(1/17)
... ودعوى الشبه بين ( فعيل) و( فِعَال)هي كما سبق أحد وجوه القول بالتوهم, فكأن هذا القول كان ثابتاً فى أذهانهم يلجئون إليه كلما أحوجهم الشذوذ فى الكلام إليه, وإن لم يصرحوا بذلك.
توهم أصالة الحرف الزائد.
"وأكثر ما يخالف فيه القياس بسبب التوهم ألفاظ مبدوءات بميم مصادر أو أوصاف أو
أسماء أمكنة أو أسماء آلات"(1) "وعلى هذا قالوا : ( تمسكن الرجل) و( تمدرع ) و( تمندل) "(2)
__________
(1) ... الشواهد على توهم أصالة الحرف 7/363.
(2) ... في النوادر , لأبي مسحل 1/204 : " ويقال : ( مِسْكين) , و ( مِنْدِيل) , و قد ( تمسكن ) , و
(
تمندل ) و (تندل ) و ( تسكن ) و هي أقيسها , و أجودها " .(1/18)
من ( المدرعة) و( المسكين) و( المنديل) , فجاء وا به على ( تمفعل ) , وتجشموا زيادة الميم فى الفعل , وإنما هى من خواص الاسم ومثله ( تمنطق) من ( المنطقة) و( مرحبك الله ومسهلك ) وفلان ( يتمولى علينا ) أى يروم أن يكون لنا مولى , وكان يسمى محمداً ثم تمسلم"(1) وهذا بصريح لفظ الرضى من قبيل التوهم فى أصالة الحرف الزائد, قال: "هى من قبيل التوهم والتغلط, ظنوا أن ميم ( منديل) و( مسكين) و( مدرعة) فاء الكلمة كـ قاف ( قنديل) ودال ( درهم) .. فـ( تمدرع) و( تمندل) و ( تمسكن) . وإن كانت على ( تمفعل) فى الحقيقة لكن فى توهمهم على ( تفعلل)" (2) وفى هذا يقول أبو العلاء تعليقاً على قول ابن أبى حصينة السابق : هَجَرُوا السُرورَ وَلَم يَبِت يَعتادُهُم أَسَفُ المَلامَةِ أَنَّهُم ما مَلًّدُوا (3)
"أقيس ذلك أن يقال ( مولد) فيستعمل الميم مع الفعل فى أوله, ويشبه ذلك قولهم: ( تمدرع الرجل) و( تدرع ) , و( تمسكن الرجل ) وإنما القياس ( تسكن ) وحكى أبوزيد ( مرحبك الله ومسهلك ) (4) وإنما هو من الرحب والسهولة"(5).
__________
(1) ... المبهج لابن جنى صـ213, وراجع: الخصائص 1/129, وسر الصناعة 1/364, 365, وليس لابن خالوية صـ65, وشرح الشافية للرضى 1/68, والارتشاف 1/199, والأشمونى 4/261, ومباحث فى علم الصرف د/ عبد الستنار عبد اللطيف أحمد سعيد 1/79- 81, وأزاهير الفصحى ـ ا/ عباس أبو السعود صـ363.
(2) ... شرح الشافية للرضى 10/68 بتصرف يسير.
(3) ... البيت من بحر البسيط , وهو فى الديوان 1/205.
(4) ... لم أجد هذا القول فى النوادر لأبى زيد , والذى فى اللسان والتاج , مادة (رحب) حكايته عن ابن الأعرابى لا عن أبى زيد.
(5) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/221, وانظر أيضا 2/200.(1/19)
ومثل هذا عند أبى العلاء اشتقاق اسم المفعول من ( رجل الحائك الثوب ) (1) فقالوا: ثوب ممرجل فـ " قد ذهب أبو العلاء المعرى إلى زيادة ميم ( مرجل) اعتماداً على الأصل المذكور, وجعل ثبوتها فى التصريف كثبوت ميم ( تمسكن) من ( المسكنة ) و( تمندل) من ( المنديل) و( تمدرع إذا لبس ( المدرعة) والميم فيها زائدة"(2) وقد علل أبو العلاء ذلك بأن "الميم لما كثر لزومها البناء أدخلوا عليها الميم التى تلحق المفعول فى مثل ( مدحرج ) وبابه كما قالوا ( تمسكن) , فجعلوا الميم كأنها من الأصل"(3) .
وفى مجمع الأمثال للميدانى(4) تصريح بأن هذا على سبيل التوهم, قال: "وهذا كما أنهم توهموا الميم فى ( المسكين ) أصلية فقالوا: ( تمسكن) ولهذا نظائر"(5) .
__________
(1) ... أى وشاه وزينه كما فى اللسان , مادة ( رجل ) , وجاء فيه : "المُمَرْجَل ضرب من ثياب الوشي فيه صور المَراجل، فمُمَرْجَل على هذا مُمَفْعَل، ... وأَما سيبويه فجعله رباعيّاً ... لقوله: *بشِيَةٍ كشِيَةِ المُمَرْجَل* وجعل دليله على ذلك ثبات الميم في المُمَرْجَل، قال: وقد يجوز أَن يكون من باب تَمَدْرَع وتَمَسْكَن فلا يكون له في ذلك دليل.
(2) ... الأشمونى 4/261.
(3) ... رسالة الملائكة لأبى العلاء صـ237.
(4) ... الميداني هو: أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو الفضل الميداني النيسابوري كان أديباً عارفاً بالنحو واللغة توفى بنيسابور سنة (518) ثمان عشرة وخمسمائة من تصانيفه :الأنموذج في النحو , و السامى في الأسامي في اللغة فارسي , وشرح المفضليات أي أسماء التفضيل , و غريب اللغة , و مأوى الغريب ومرعى الأديب , ومجمع الأمثال مشهور , و المصادر في اللغة, ونزهة الطرف في علم الصرف , وهادى الشادى في النحو. انظر ترجمته في : هدية العارفين - إسماعيل باشا البغدادي 1 / 82 .
(5) ... مجمع الأمثال 1/84 , وانظر : الشعور بالعور للصفدي 1/ 57.(1/20)
وهذا ( التوهم ) يتم منهم عن وعى وإرادة لا عن غفلة وخطأ, فقد قال ابن جنى فى ( باب فى الرد على من ادعى على العرب عنايتها بالألفاظ وإغفالها المعانى ) (1) "وإذا كان الزائد غير ذى المعنى قد قوى سببه حتى لحق بالأصول عندهم, فما ظنك بالزائد ذى المعنى .... وعليه جاء (تمسكن) و(تمدرع) و(تمنطق) و(تمندل) ... ففى هذا شيئان, أحدهما حرمة الزائد فى الكلمة عندهم حتى أقروه إقرار الأصول......" (2) .
وذهب بعض المحدثين ناسباً القول إلى ابن جنى – "إلى أن العرب لجأت إلى هذه الصيغة للتفرقة بين دلالتين : دلالة الفعل المشتق من الحروف الأصلية, ودلالة الفعل المشتق منها, ومما زيد معها من الميم, ويوضح ابن جنى(3) ذلك فى الفعلين: ( تمدرع) و( تمسكن) , فإن دلالة مجردهما من الميم: ( تدرع) و( تسكن) تغاير دلالة المزيد و( تدرع) : لبس درع الحرب, و(تمدرع): لبس مدرعة أو قميصاً من الصوف, و(سكن) من السكون, و(تمسكن) من المسكنة: أى الفقر"(4) .
... وهى ملاحظة واعية, نبَّه إليها ابن جنى حين قال : "ألا تراهم إذا قالوا ( تمدرع ) و ( تمسكن) وإن كانت أقوى اللغتين عند أصحابنا, فقد عرضوا أنفسهم لئلا يعرف غرضهم : أمن ( الدرع) و( السكون ) , أم من ( المدرعة ) و( المسكنة ) وكذلك بقية الباب"(5) .
ومع وجاهة هذه الملاحظة إلا أنها لا تطرد فى بقية الباب على ما ادعاه ابن جنى, فهى على سبيل المثال لا تطرد فى قولهم: ( مرحبك الله ومسهلك ) ولا فى قولهم : ( فلان يتمولى علينا).
وقد ذهب ابن يعيش مذهبا مخالفاً, قائلاً إن زيادة الميم فى صيغة ( تمفعل) " قليل من قبيل الغلط, فكأنهم اشتقوا من لفظ الاسم كما يشتقون من الجُمل, نحو ( حوقل) و( سبحل)" (6) .
__________
(1) ... انظر: الخصائص 1/216.
(2) ... الخصائص 1/228, 229 بتصرف.
(3) ... انظر: الخصائص 1/229.
(4) ... تيسيرات لغوية ـ د/ شوقي ضيف صـ 99.
(5) ... الخصائص 1/229.
(6) ... شرح المفصل 9/152.(1/21)
وأياً ما كان الأمر فى تفسير زيادة الميم فى الفعل, فالثابت أنه واقع فى العربية عن قصد وإرادة , لا عن غفلة وتوهم. ولهذا, فقد أحسن مجمع اللغة العربية بالقاهرة ؛ إذ أجاز زيادة الميم فى الفعل وإن لم يكن مسموعاً (1) .
وقد يكون من توهم أصالة الحرف الزائد قولهم فى جمع( قيل) : ( أقوال) و( أقيال) (2) " و ( الأقوال) جمع ( قيِّل) وأصله ( قَيْوِل) : ( فَيْعِل) من القول , فحذفت عينه, ومثله ( أموات) فى جمع ( ميْت) مخفف ( ميِّت ) وأما ( أقيال) فمحمول على لفظ ( قَيْل) كما قالوا ( أرياح) جمع ( ريح) , والشائع المقيس : ( أرواح )" (3) .
فكأنهم إذن اعتبروا أن الياء من ( قيول ) أصل لا ياء ( فيعل) فلما خففوا حذفوا الواو من ( قيول ) فصار ( قيَْل) فتوهموا أصالة الياء فيها فقالوا فى الجمع ( أقيال ).
وفى ذلك يقول أبو العلاء تعليقاً على قول ابن أبى حصينة:
مَلِكٌ مِن بَني المُلوكِ وَقَيلٌ رَهِبَتهُ في الخافِقينِ القُيولُ (4)
__________
(1) ... انظر: مجوعة اللقرارات العلمية في ثلاثين عاما للمجمع , صـ 10, و كتاب فى أصول اللغة لمجمع اللغة العربية 1/44.
(2) ... انظر: إصلاح المنطق صـ 10, 11, والحجة للفارسى 1/256, وتهذيب إصلاح المنطق للتبريزى 1/66, وشرح الشافية 2/177, والخزانة 2/:289, و9/562, 563.
(3) ... النهاية فى غريب الحديث والأثر 4/122.
(4) ... البيت من بحر الخفيف , وهو فى الديوان 1/99.(1/22)
"و( القَيَْل ) فى معنى الملك, وقيل هو ملك دون الملك الأعظم(1) وسمى ( قيَْلاً ) ؛ لأنه يُرَجع إلى قوله , وأصله ( قِّيل) فخففت الياء كما قيل فى ( ميِّت) ( ميْت ) (2) وألزموا التخفيف فى ( قَيْل) ... ويدل على أنه من ذوات الواو قولهم فى الجمع (أقوال) كما قالوا (أموات)" (3).
إن اعتبار التوهم فى كل ما سبق لم يكن عن غفلة أو عبث وإنما هو مقصود مراد كما سبق فى كل موضع من مواضعه , وقول ابن جنى فى توهم أصالة الحرف الزائد إن "حرمة الزائد فى الكلمة عندهم حتى أقروه إقرار الأصول"(4) يدل على أن عناية العرب بالألفاظ كعنايتهم بالمعانى.
التوهم في التصريف وأمن اللبس. ...
في مقابل التوهم في التصريف كظاهرة لغوية يأتي أمن اللبس كقاعدة حاكمة لهذه الظاهرة , فالعرب لا تعطي كلمة ما تستحقه كلمة أخرى لشبهٍ لفظي أو معنوي بينهما إلا عند أمن اللبس, وهذا يفهم من تعليل النحويين , كما قالوا فيما سبق من الحديث عن الفرق بين (أعواد ) و( أعياد )في قول أبي العلاء : "و(عيَّدوا) الكلمة أصلها من الواو, ولم يتكلموا بها إلا بالياء , وإنما هى مأخوذة من (عاد اليوم يعود) فلو جاء فى الأصل وجب أن يقال : (عَوْد) , ولكنهم قلبو الواو ياء فى (العيد) , لكسر العين , فقالوا فى الجمع (أعياد) , فلزموا الياء فى الجمع خشية أن تلتبس بـ( أعواد) جمع ( عُوْد ) أو جمع (عَوْد) من الإبل"(5) .
وقال أيضاً في تعيلقه على بيت ابن أبي حصينة:
__________
(1) ... انظر: الصحاح , واللسان, مادة ( قيل ).
(2) ... انظر فى تخفيف ( سيد) و(ميت) : الكتاب 3/371, والمقتضب 1/263, 357, والحجة للفارسى 1/256, و3/225, 226, والخصائص 2/291, والمنصف 2/15, والإنصاف 2/798, وشرح الملوكى صـ465, والمزهر 2/112, 270, وعنقود الزواهر للقوشجى صـ454.
(3) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/102.
(4) ... الخصائص 1/229.
(5) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/222.(1/23)
لا اليَمانيُّ تُبَّعٌ كانَ شَروا هُ وَلا قَيصَرٌ وَلا السَبّاءُ(1)
" و( السَّباء ) : يريد به سبأ بن يشجب(2) ؛ لأنهم كانوا يزعمون أنه أول من ساق السبأ , وقد استعملوه مهموزاً, ويجوز أن يكون أصل السبي في الناس الهمزة , إلا إنه ترك إرادة أن يفرقوا بين قولهم ( سبأت الخمر ) (3) وسبيت الناس "(4).
وهذا من أبي العلاء اجتهاد لم يقل به غيره ـ فيما أعلم ـ دفعه إليه حرصه على تلمس الفروق بين الصيغ المتشابهة إرادة أمن اللبس.
__________
(1) ... البيت من بحر الخفيف , و هو في ديوان ابن أبى حصينة 1/128.
(2) ... هو: سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان , من كبار ملوك اليمن في الجاهلية الأولى . قيل اسمه عبد شمس وقيل عامر . ويظن أنه كان في القرن العشرين قبل الميلاد . ملك صنعاء وما جاورها ، ووصفه مؤرخوه بالشجاعة وعلو الهمة ، وقالوا : إنه طمح إلى إخضاع القبائل النائية ، فحاربها ، وأولع بالعمران ، فابتنى مدينة مأرب وفيها السد . وقالوا إن سبأ أول من خطب في الجاهلية ، ولم تكن الخطابة على ملأ من الناس معروفة قبله . ويقال : إنه أغار على بابل ففتحها وأخذ إتاوتها ، وإنه أول من فتح البلاد وأخذ الإتاوات . انظر ترجمته في: الأعلام - خيرالدين الزركلي3 / 76 .
(3) ... في الصحاح مادة ( سبأ) :" سبأ سَبَأْتُ الخمر سَبْأًز ومَسْبَأً، إذا اشتريتَها لتشربها. واسْتَبَأْتُها مثله، والاسم: السِباءُ، ومنه سُمِّيَتِ الخَمْرُ سَبِيئَةً. ويُسَمَّونَ الخمًّار: السَّبَّاء. فأمَّا إذا اشتريتها لتحملها إلى بلدٍ آخر قلت: سَبَيْتُ الخمر بلا همزٍ. وسَبَأَ فلانٌ على يمين" وفي أدب الكاتب صـ282:" و"سَبَأتُ الخمر" اشتريتها، و"سَبَيْت" العدو"
(4) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/132, 133.(1/24)
ومن اجتهاد أبي العلاء أيضاً في مسألة أمن اللبس تفريقه بين لفظة( مولد ) و( ولادة) , فالأولى عند أبي العلاء تقال للإنسان , والثانية تقال للحيوان , يقول أبو العلاء : " أن يفرقوا بين لفظه ولفظ الحيوان (1), فإن أقيس ذلك أن يقال مولد , فيستعمل الميم مع الفعل في أوله" (2).
وقال في موضع آخر : " ( اعتقدوا ) الكلمة مأخوذة في الأصل من عقد الحبل والخيط ,
ثم نقلت على ما يجعله الرجل في ضميره ثابتاً من دين و وفاء وغير ذلك , فأما عقدت العسل ونحوه فأصله من عقدت الحبل أيضاً , إلا أنهم فرقوا بين اللفظين كأنهم أرادوا صيرته إلى حال يثبت فيها لليد , كما يثبت عقد الحبل " (3).
__________
(1) ... في التاج ماة ( ولد ) : ، أَما المَوْلد والمِيلاد فقد ذَكرَهما غيرُ واحدٍ من أَئِمّةِ اللُّغَة" . ولم يذكر أحد من أصحاب المعاجم أن الولادة تقال للحيوان فرقاًَ بينها وبين المولد والميلاد الذي يقال للإنسان , والذي في التهذيب أن كلا ًمنهما يقال للإنسان والحيوان . قال الأزهري في التهذيب , تحت الجذر ( ولد ) : " شاة والدٌ وهي الحامل، والجميع وُلْدٌ وإنها لبيَّنة الولاد، وأما الولادة فهو وضع الوالدة ولدها ... ابن السكيت: شاة والِدٌ أي حامل ويقال: لأم الرجل هذه والدةٌ " .
(2) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/221 .
(3) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/162, وفي التاج , مادة ( عقد) : " عَقَدَ الحَبْلَ والبَيْعَ والعَهْدَ يَعْقِدُهُ عَقْداً فانعقَدَ: شَدَّهُ. والذي صَرَّحَ به أَئِمَّةُ الاشتِقَاقِ: أَنَّ أَصلَ العَقْدِ نَقِيض الحَلِّ، عَقَدَه يَعْقِده عَقْداً وتَعْقَاداً، وعَقَّده، وقد انْعَقد، وتَعَقَّدَ، ثم استُعمل في أنواع العُقُودِ من البيوعاتِ، والعُقُود وغيرها، ثم استُعْمِل في التصميم والاعتقادِ الجَازمِ ".(1/25)
وقريب من هذا قولهم :" . ورجل نَشْيانُ للخبربيِّن النِّشوة، بالكسر، وإِنما قالوه بالياء للفرق بينه وبين النَّشْوانِ، وأصل الياء في نَشِيت واو، قلبت ياء للكسرة. قال شمر: ورجل نَشْيانُ للخبَر ونَشْوانُ من السُّكر، وأَصلهما الواو , ففَرقوا بينهما" (1) .
ومن هذا تفريقهم بين ( العدل ), و( العديل ) , فـ( العديل) ماعادلك من الناس , و( العدل ) لايكون إلا للمتاع , ولكنهم فرقوا بين البنائين ليفصلوا بين المتاع وغيره , ومن هذا أيضاً قولهم : ( حصين) للبناء, و و(حَصان) للمرأة , و( الرزين ) للحجارة , والمرأة ( رَزَان ) فرقوا بين ما يحمل , وما ثقل في مجلسه , فلم يخف (2) .
__________
(1) ... اللسان , مادة ( نشا).
(2) ... انظر : الكتاب 1/101 ,102.(1/26)
وقد فرقت العرب بين الأبنية المتشابهة في أصل المادة , فخصوا كلاً منها ببناء , ومن هذا ماذكره ابن قتيبة (1) في أدب الكاتب , في فصل عنونه بـ ( باب الحرفين اللذين يتقاربان في اللفظ وفي المعنى ويلتبسان , فربما وضع الناس أحدهما موضع الآخر )(2) ,قال : " و"جَمَام الفرس" بالفتح، و"جُمامُ المَكُّوك" دقيقاً بالضم.و"السَّدَاد" في المنطق والفعل بالفتح، وهو الإصابة، و"السِّداد" - بكسر السين - كل شيء سددت به شيئاً مثلَ سِداد القارورة، وسِداد الثَّغْر أيضاً، ويقال "أصبت سِداداً من عيش",أي: ما تَسُد به الخَلّة، و"هذا سِداد من عَوَزٍ".و"القَوَام" العَدْل، قال الله عزّ وجلّ: "وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا " (3) و"قَوام الرجل" قامته، و"القِوام"- بكسر القاف - ما أقامَكَ من الرزق، ويقال "أصبت قِوَاماً من عيش" و"ما قِوَامي إلابكذا". و"لَيْلٌ تِمَام" بالكسر لا غير، و"ولَدٌ تِمَام" و"قمر تِمام" بالفتح
الكسر فيهما. و"الدِّعْوَة" في النسب بكسر الدال، و"الدَّعْوَةُ" إلى الطَّعام بالفتح " (4).
__________
(1) ... هو: محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري الكاتب ، من أهل الدينور ، سكن بغداد ، وهو صاحب التصانيف ، ك" غريب الحديث " ، و " مختلف الحديث " و " المعارف " و " مشكل القرآن " ، و " مشكل الحديث " و " أدب الكاتب " ، و " عيون الأخبار " و " الأنوار " . وغيرها من الكتب الحسنة المفيدة .. قيل : إن أباه مروزي ، وأما هو فمولده ببغداد ، وأقام بالدينور مدة فنسب إليها . ومات فجاءة ، صاح صيحة سمعت من بعد ، ثم أغمي عليه ، ثم هدأ ، فما زال يتشهد إلى وقت السحر ، ومات أول ليلة من رجب سنة ست وسبعين ومائتين (276) ، وقيل : مات في ذي القعدة سنة سبعين ومائتين 270). انظر ترجمته في : الأنساب - السمعاني 4 / 452.
(2) ... أدب الكاتب صـ 245 .
(3) ... سورة الفرقان من الآية : 67 .
(4) ... أدب الكاتب صـ 246.(1/27)
قد يفهم مما سبق أن هذا شأن العرب في جميع كلامها , التفريق بين الأبنية فراراً من اللبس, والحقيقة بخلاف هذا, و قراء ة لكتاب ككتاب ( ما اتفق لفظه واختلف معناه ) لأبي العميثل الأعرابي (1) توضح أن هذا عندهم استحساني لا وجوبي, فالسياق وحده قد يكون كافياً للفرار من اللبس , وكذا ما قيل فيه بالتوهم مما سبق وغيره .
إن القول بالتوهم وثبوته عن العرب لا يتصادم مع الأصل الثابت عن العربية وهو الفرار من اللبس , وعند التدقيق يتضح أنهما متكاملان ,لا متناقضان, فالعرب لاتلجأ إلى هذا الترخص في العدول عن الأصل , فتلبس صورة بأخرى متوهمة أنها هي هي إلا إذا أمنت اللبس .
وقد جعل ابن هشام هذا الترخص من ملح كلامهم قال: " من ملح كلامهم تقارض اللفظين في الأحكام كإعطاء الفاعل إعراب المفعول وعكسه عند أمن اللبس مثل : ( خرق الثوبُ المسمارَ) و( كسر الزجاجُ الحجرَ ) (2).
وقد كان ابن الطراوة يقول : إذا فهم المعنى فارفع ما شئت وانصب ما شئت وإنما يحافظ على رفع الفاعل ونصب المفعول إذا احتمل كل واحد منهما أن يكون فاعلاً وذلك نحو : " ضرب زيد عمراً" لو لم ترفع " زيداً " وتنصب "عمراً" لم يعلم الفاعل من المفعول (3) .
__________
(1) ... هو: عبد الله بن خليد ، مولى جعفر بن سليمان . والعميثل من أسماء الخيل وهو السبط الذيال المتبختر في مشيته . وكان يؤدب ولد عبد الله بن طاهر بخراسان . ويقال أصله من الرى ، يفخم كلامه ويعربه . وكان يقول : أبى مولى بنى هاشم . واسم جده سعد مولى العباس بن عبد المطلب . . توفى أبو العميثل سنة أربعين ومائة (140) هـ. وله من الكتب كتاب( ما اتفق لفظه واختلف معناه ) وكتاب (التشابه )و كتاب الابيات السائرة ) ,كتاب( معاني الشعر) انظر ترجمته في : فهرست ابن النديم صـ 54 .
(2) ... انظر : مغني اللبيب صـ 661 , 662 .
(3) ... البسيط 1/262، وقد تعقب ابن أبي الربيع ابن الطراوة وجعل رفع المفعول وإن فهم المعنى كالغلط .(1/28)
إن من أهم مصادر اللبس إذن " العدول عن أصل الوضع" ، بواسطة الحذف أو الإضمار أو الفصل أو تشويش الرتبة بالتقديم والتأخير أو التوسع في الإعراب، وهذا العدول إما أن يكون مطرداً إذا أمن اللبس - وذلك بوجود دليل على المحذوف وضرورة التفسير عند الإضمار وما يفرض من شروط على الفصل بين المتلازمين وعلى التقديم والتأخير وهلم جرا (1)، وإما أن يكون غير مطرد إذا خيف اللبس- فللبس دور أساسي في تصريف أحوال العدول والتصرف فيها.
أمن اللبس والترخص في الإعراب.
يقول الجاحظ: " يكفي من حظ البلاغة ألا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق ... ولا يؤتى
الناطق من سوء فهم السامع " (2) .
" لهذا صاغ النحويون العرب قواعد من مثل : " الأصل في الكلام أن يوضع للفائدة" ، و" لا يجوز الابتداء بالنكرة ؛ لأنها لا تفيد"... ومتى زالت الفائدة أو التبست صار الكلام عبارة عن ركام من الألفاظ" (3).
فالمتكلم حين يقصد إفهام المخاطب رسالته اللغوية فإنه يرتبها على منوال لا يدع معه للبس مجالاً حتى يدرك مقاصده ذلك الإدراك الذي يتوخاه، فالالتباس ممنوع أبداً لمنافاته القصد من وضع اللغة.
__________
(1) ... انظر: الأصول، تمام حسان صـ 139.
(2) ... البيان والتبيين 1/87. , و راجع : سر الفصاحة 1/ 61 .
(3) ... أمن اللبس ومراتب الألفاظ في النحو العربي ـ د. رشيد بلحبيب , بحث منشور بمجلة اللسان العربي.(1/29)
إن " شروط الرخصة في أي قرينة ألا يتوقف عليها المعنى , وأن يؤمن اللبس مع الترخص في الإعراب" (1) . وقد سبق في دراسة مسألة الخفض على الجوار أن بعض المعاصرين ينظر إليها باعتبارها شاهداً له على جواز تخلف العلامة الإعرابية عند أمن اللبس , قال في قول العرب ( هذ ا جحر ضب خرب ): " فسر النحاة ذلك على إعراب الجوار ( أي : المناسبة الصوتية بين الكلمة وجارتها ) وقد أمن اللبس بالمناسبة المعجمية بين الصفة وموصوفها , وبالمفارقة المعجمية بين الكلمة و شريكتها في الإعراب ؛ لأن ( الضب ) لا يوصف بالخراب ,. وإنما يوصف به ( الجحر) " (2) .
لقد عقد السيوطي في الأشباه والنظائر فصلاً تحت عنوان" اللبس محذور " (3) وهذا " يدل على فهم اللغويين العرب لهذه الظاهرة فهماً دقيقاً ومراعاتها في التحليل، فقد استقر عندهم أن الالتباس لا يسوغ بوجه من الوجوه لمخالفته الغاية من وضع اللغة ؛إذ يكفي من حظ البلاغة ألا يؤتى السامع من سوء إفهام الناطق... ولا يؤتى الناطق من سوء فهم السامع فإن ذلك من شروط نجاح أي عملية تواصلية أو فشلها" (4).
الفصل الثاني
في حروف الزيادة , و يشتمل على :
( 1 ) زيادة الهمزة وأصالتها فى (الأيهقان) ... 313
(2) زيادة الدال فى (السؤدد) . ... 313
(3) زيادة الميم وأصالتها فى (المدينة) . ... 313 ـ 315
(4) زيادة الميم فى الأفعال ... 315 ـ 316
(5) زيادة النون وأصالتها فى (عُنْفُوَان) . ... 316
(6) زيادة الألف وأصالتها في ( كلتا ). ... 316 ـ 320
( 1 ) زيادة الهمزة وأصالتها فى ( الأَيْهُقان) (5) .
__________
(1) ... البيان في روائع القرآن ـ د/تمام حسان 1/255 .
(2) ... السابق نفسه 1/255 .
(3) ... انظر : الأشباه والنظائر1/137 .
(4) ... أمن اللبس ومراتب الألفاظ في النحو العربي ـ د. رشيد بلحبيب , بحث منشور بمجلة االلسان العربي.
(5) ... ( الأيهقان) الجرجير البرى كما فى النهاية 1/88, و اللسان , مادة ( أهق) .(1/30)
الهمزة فى ( أيهقان ) أصل, والياء والألف زائدتان, ووزن الكلمة ( فَيْعُلان) (1) , ونسب أبو العلاء إلى الخليل أن اشتقاقها من ( الهقن), فتكون الهمزة زائدة, والوزن :( أيفعال). يقول أبو العلاء تعليقاًً على بيت ابن أبى حصينة :
كُلَّما هَبَّتِ الصبا نَثَرَت فيهِ شَبيهاً بِالوَردِ مِن أيهَقانِه (2)
"و( الأيهقان ) ضرب من النبات, ويقال: إنه ( الحَرَض ) (3) وقيل بل هو نبت يشبهه, ووزن (الأيْهُقان) هو (فَيعُلان) , وفى كتان (العين) أن اشتقاقه من ( الهقن) , ولو صح هذا القول لوجب أن يكون ( أَيْفُعال), وهذا مستكبر, والأول أكيس"(4) .
وفى هذه النسبة إلى كتاب العين نظر, ففيه أن ( هقن) غير مستعمل, والمستعمل من تقاليب الكلمة ( ن- هـ- ق) و( ن- ق- هـ ) (5) .
وجاء في المحكم , تحت الجذر ( هقا) : من أن" الأيْهُقان مغير عن النهق مقلوب منه خطأ ؛ لأن سيبويه (6) قد حكى الأيْهُقانَ في الأمثلة الصحيحة الوضعية التي لم يُعْنَ بها غيرها، فقال: ويكون على فيْعُلان في الاسم والصفة، فالصفة نحو الأيْهُقان، ... وإنما حملناه على فيعلان دون أفْعُلان، وإن كانت الهمزة تقع أولا زائدة، لكثرة فَيْعُلان كالخَيْزُران ...، وقلة أَفْعُلاَن " .
فيكون أبو العلاء قد أخطأ فى هذه النسبة.
(2) زيادة الدال فى ( السُّؤدد ) .
قال ابن خالويه : " ليس فى كلام العرب ما زيد فيه حرف من جنس لامه من غير الملحق إلا (السؤدد) زادوا فيه (دالاً) , وإنما هو من السيادة , سيِّد بيِّن السُؤْدَد"(7) وفى هذا يقول أبو العلاء تعليقاً على بيت ابن أبى حصينة :
__________
(1) ... انظر: اللسان , مادة ( أهق) .
(2) ... البيت من بحرالخفيف, وهو فى الديوان 1/75.
(3) ... فى الصحاح مادة ( حرض) (الحُرُض) و(الحُرْض) الأشنان.
(4) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/66.
(5) ... انظر: العين, تحت الجذر (هقن).
(6) ... انظر: الكتاب 4/262 .
(7) ... ليس في كلام العرب صـ199.(1/31)
لازالَ يَرفَعُكَ الحِجى وَالسُؤدَدُ حَتّى رَنا حَسَداً إِلَيكَ الفَرقَدُ (1)
" و( السُؤدَد) من ( ساد يسود) وإحدى الدالين زائدة, وحُكِى ( سُؤدد) بضم الدال الأولى(2) وفتحها"(3) .
والأولى أن الدال الثانية هى الزائدة؛ لأن الأواخر هى محل التغيير.
(3) زيادة الميم وأصالتها فى ( المدينة) .
اختلف النحويون فى زيادة ميم ( مدينة) أو أصالتها , فمن "أخذها من ( دان يدين) فمعناه أنها أطاعت صاحبها وتذللت له, والدين الطاعة"(4) وعليه فالميم زائدة, و"وزنها ( مفعولة)
وأصلها ( مديونة) استثقلوا الضم على الياء وبعدها واو فحذفوها فالتقى ساكنان الياء والواو, فحذفوا الواولالتقاء الساكنين, وكسروا ما قبل الياء, فصار اللفظ إلى ( مدينة), مثل ( منيعة) و ( مريشة) وجمعها: ( مداين) غير مهموزة على ( مفاعل )"(5).
* ويجوز أن تكون من ( دان) لكن وزنها ( مفْعِلة) "استثقلوا الكسرة على الياء, فنقلت إلى
الدال , فصارت ( مدينة) وجمعها: ( مداين) بلا همز على مفاعل(6) .
أما من أخذها من ( مدن ) ( يمدن ) إذا أقام فهو مادن, وجمعها ( مدائن ) مهموزة على
فعائل"(7) فالميم أصلية , والياء زائدة, ولذلك تهمز فى الجمع الأقصى.
وكلٌ قد أتى عن العرب , الهمز وغيره " فالذين جعلوها ( فعائل) احتجوا بـ( مدن) , فقالوا: ( مدن) يدل على أن الميم من الأصل وليست بزائدة, وقال غير هؤلاء هى ( مفاعل), والميم الزائدة؛ لأنه من دان يدين, وهؤلاء الذين لم يهمزوا , وكلا الاشتقاقين مذهب"(8) .
__________
(1) ... البيت من بحر الكامل , وهو فى الديوان 1/204.
(2) ... فى اللسان , مادة ( سود): (السؤُدد) بضم الدال الأولى لغة طئ.
(3) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/219.
(4) ... المنصف 1/312.
(5) ... أبنية الأسماء لابن القطاع صـ362.
(6) ... السابق نفسه صـ 362 .
(7) ... السابق نفسه صـ 362 .
(8) ... المنصف 1/312.(1/32)
وقد حكى هذا الخلاف أبو العلاء, فقال تعليقاً على قول ابن أبى حصينة :
فَتىً جَعَلَ البِلادَ مِنَ العَطايا فَأَعطى المُدنَ وَاحتَقَرَ الضِياعا (1)
"و( المُدُن) جمع ( مدينة ) وقياس ذلك أن تكون الميم فيها أصلية(2) مثل ( صحيفة ) و ( صُحُف ), وأما من قال ( مداين ) فلم يهمز, وجعلها من ( الدين ) أى الطاعة, فإنه يضعف على مذهبه أن يقال: ( المُدُن ) ؛ لأن الميم زائدة , إلا أنهم قد قالوا: ( مسيل ) و( مُسُل ) (3) .
وإذا كانت ميم (المدينة) أصلية, فاشتقاقها من ( مدن) بالمكان إذا أقام(4) , وهمز (المدائن) وترك همزها ليست دليلاً قوياً على أصالة الياء أو زيادتها, فإن قوماً من العرب يتركون الهمز مطلقاً(5) وقد يهمز حرف العلة وإن كان أصلياً ومنه (مصائب) و(معائش) و(منائر) ونحوها(6).
وقد جاء عن العرب فى جمع ( مهيع ) (7) : ( مهايع) فلم يهمزوا , وهو من(هاع يهيع).
__________
(1) ... البيت من بحرالوافر , وهو فى الديوان 1/166.
(2) ... قال المازنى: "فالذين جعلوها (فعائل) احتجوا ب(مدن), فقالوا: (مدن) يدل على أن الميم من الأصل وليست بزائدة" انظر: المنصف 1/312.
(3) ... فى القاموس مادة ( سيل ) " و(مسيل الماء) موضع سيله كمسله محركة والجمع (مسايل) و(مسل) و(أمسلة) و(مسلان) .
(4) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/172.
(5) ... انظر: المقتضب 1/302.
(6) ... هذا عند البصريين شاذ أو غلط. انظر :الكتاب 4/356, والمقتضب 1/261, والمنصف
1/307, وشرح الشافية 3/1344, والتصريح 2/369, والأشمونى 4/289.
(7) ... انظر: العين, تحت الجذر ( هوع). وفي التاج , مادة ( هيع ) : " وطَرِيقٌ مَهْيَعٌ، كمَقْعَدٍ: واسِعٌ بَيِّنٌ مُنْبَسِطٌ، وهُوَ مَفْعَلٌ من التَّهَيُّعِ، وهُوَ الانْبِسَاطُ، قالَ الأزْهَرِيُّ: ومنْ قالَ: مَهْيَعٌ فَعْيلٌ فقَدْ أخْطَأَ... قالَ اللَّيْثُ: ج: مَهايِعُ، بلا هَمْزٍ؛ لأنَّه مَفْعَلٌ " .(1/33)
والأقرب للصواب أن اشتقاقها من ( مدن ) , فالمعنى أقام بالمدينة. وهو أفضل من قولهم : ( دان يدين ) أى : أطاعته المدينة.
وأقوى من هذا أنهم اشتقوا منها فعلا ً, فقالوا: ( مدن الرجل) (1) إذا أتى المدينة, والأصل أن الميم لا تزاد فى الأفعال(2) , فدل هذا على أن الميم فيها أصلية.
(4) زيادة الميم فى الأفعال(3) .
قد تجشمت العرب "زيادة الميم فى الفعل , وإنما هى من خواص الاسم , ومثله : ( التمنطق) من ( المنطقة) و( مرحبك الله ومسهلك) و( فلان يتمولى علينا) أى يروم أن يكون لنا مولى, وكان يسمى محمداً ثم تمسلم"(4) وفى هذا يقول أبو العلاء تعليقاً على بيت ابن أبى
حصينة : هَجَرُوا السُرورَ وَلَم يَبِت يَعتادُهُم أَسَفُ المَلامَةِ أَنَّهُم ما مَلًّدُوا (5)
"أقيس ذلك أن يقال: ( مولد ) فيستعمل الميم مع الفعل فى أوله, ويشبه ذلك قولهم : ( تمدرع الرجل) و( تدرع ) و( تمسكن الرجل) وإنما القياس : ( تسكن ) وحكى أبوزيد ( مرحبك الله ومسهلك ) وإنما هو من الرحب والسهولة" (6).
__________
(1) ... انظر: العين , تحت الجذر ( ندم )
(2) ... انظر: المبهج لابن جنى صـ213, وشرح المفصل 9/152, وحروف الزيادة وأثرها فى بنية الكلمة ا د/ محمود الدرينى صـ69.
(3) ... سبق دراسته فى مبحث التوهم فى التصريف صـ 295 .
(4) ... المبهج صـ213, وراجع: الخصائص 1/229, وسر الصناعة 1/433, و365, وشرح الشافية 1/68, والأشمونى 4/161.
(5) ... البيت من بحر الكامل وهو فى الديوان 1/178.
(6) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/67.(1/34)
وذهب بعض المحدثين ناسباً القول إلى ابن جنى – "إلى أن العرب لجأت إلى هذه الصيغة للتفرقة بين دلالتين : دلالة الفعل المشتق من الحروف الأصلية, ودلالة الفعل المشتق منها, ومما زيد معها من الميم, ويوضح ابن جنى(1) ذلك فى الفعلين: ( تمدرع) و( تمسكن) , فإن دلالة مجردهما من الميم: ( تدرع) و( تسكن) تغاير دلالة المزيد و( تدرع) : لبس درع الحرب, و(تمدرع): لبس مدرعة أو قميصاً من الصوف, و( سكن) من السكون, و( تمسكن) من المسكنة: أى الفقر"(2) .
... وهى ملاحظة واعية, نبه إليها ابن جنى حين قال : "ألا تراهم إذا قالوا ( تدرع ) و( تسكن) وإن كانت أقوى اللغتين عند أصحابنا. فقد عرضوا أنفسهم لئلا يعرف غرضهم : أمن ( الدرع ) و( السكون ) , أم من ( المدرعة ) و( المسكنة ) وكذلك بقية الباب"(3) .
ومع وجاهة هذه الملاحظة إلا أنها لا تطرد فى بقية الباب على ما ادعاه ابن جنى, فهى على سبيل المثال لا تطرد فى قولهم: ( مرحبك الله ومسهلك) ولا فى قولهم : ( فلان يتمولى علينا).
... وقد ذهب ابن يعيش مذهباً مخالفاً, قائلاً إن زيادة الميم فى صيغة ( تمفعل) " قليل من قبيل الغلط, فكأنهم اشتقوا من لفظ الاسم كما يشتقون من الجُمل,نحو ( حوقل) و( سبحل)" (4) .
وأياً ما كان الأمر فى تفسير زيادة الميم فى الفعل, فالثابت أنه واقع فى العربية عن قصد وإرادة , لا عن غفلة وتوهم. ولهذا, فقد أحسن مجمع اللغة العربية بالقاهرة ؛ إذ أجاز زيادة الميم فى الفعل وإن لم يكن مسموعاً(5) .
(5) زيادة النون وأصالتها فى (عُنْفُوَان ) .
(
__________
(1) ... انظر: الخصائص 1/229.
(2) ... تيسيرات لغوية د/ شوقي ضيف صـ99.
(3) ... الخصائص 1/229.
(4) ... شرح المفصل 9/152.
(5) ... انظر: كتاب فى أصول اللغة لمجمع اللغة العربية 1/44, 3/326.(1/35)
النون) فى (عُنْفُوَان) قد تكون أصلاً, واشتقاقها حينئذ من (العنف) فيكون وزنها (فُعْلُوَان), وقد تكون أصلية إذا كانت من (العفو) فيكون وزنها (فُنْعُلَان).
وقد حكى الوجهين أبو العلاء, فقال تعليقاًً على قول ابن أبى حصينة:
حَبَّذا العَيشُ فيهِ لَو دامَ ذاكَ العَيشُ فيهِ وَالعُمرُ في عُنفُوانِه (1)
"والعُنْفُوَان أول الشئ وقت نمائه, واشتقاقه يحمل على وجهين, أحدهما أن يكون من (العنف) فيكون ( فُعْلُوَاَن) مثل ( عُنْظُوَان ) (2)؛ لأن الشئ إذا كان مبتدءً فى إقباله يكون ماضياً , فكأنه يعنف لصيده , والآخر أن يكون من (العفو) مصدر (عفا الشئ) إذا كثر(3) , فيكون على (فُنْعُلَان)" (4) .
ولو كان اشتقاقه من ( العنف ) والألف واللام زائدتان لكان ممنوعاً من الصرف (5).
وذهب ابن فارس مذهباً مخالفاً " قال : " ( عنفوان ) الشئ: أوله, فهذا ليس من الأول – يقصد من (عنف )- وإنما هذا من باب الإبدال, وهو أن العين مبدلة من الهمزة, والأصل: الألف وأنف كل شئ أوله " (6). وعليه تكون النون أصلية لا زائدة".
(6) زيادة الألف وأصالتها فى ( كلتا ).
__________
(1) ... البيت من بحر الخفيف وهو فى الديوان ص1/75.
(2) ... في العين , تحت الجذر ( عنظ ) : العُنْظُوانُ نباتٌ إذا استكثر منه البعيرُ وَجِعَ بطنُه. عَظِيَ البعير عظىً فهو عظٍ. النون زائدة، وأصل الكلام: العين والظاء والواو، ولكنّ الواو إذا بنيت منه فَعِلَ قلت: عَظِيَ مثل :رَضِيَ، فالياء هو الواو وكسرته الضاد المكسورة، والدليل عليه الرِّضوان ".
(3) ... فى أساس البلاغة مادة ( عفو ) : "وتقول: فى واديهم كلأ عاف, وعشب واف وهو الكثير".
(4) ... شرح ديوان ابن حصينة 2/ 67 .
(5) ... نبهني إلى هذا أستاذي الأستاذ الدكتور إبراهيم الإسناوي .
(6) المقاييس لابن فارس مادة ( عنف) .(1/36)
اختلف النحويون فى الألف من ( كلتا ) هل هى زائدة أو أصل؟ سيبويه(1) على أنها زائدة للتأنيث , والتاء من ( كلتا ) بدل من الواو(2) , والأصل ( كلوا) ؛ وأبدلوا الواو تاء؛ لأن التاء
علم للتأنيث, والوزن عند سيبويه : ( فِعْلَى) (3) .
وقال أبو عمر الجرمى: التاء ملحقة, والألف أصل, وهى لام الفعل, والوزن عنده ( فِعْتَل) (4) وقد ذكر الخلاف فى أصل ألف ( كلتا ) أبو العلاء بقوله, تعليقاًً على بيت ابن أبىحصينة :
يَدُلَّكَ مِن كِلتا يَدَيهِ عَلى الغِنى فَيُسركَ لِليُسرى وَيُمنُكَ لِليُمنى (5)
"وألف ( كلتا ) فهى (6) ألف ( كلا ) فى قول قوم, وقال آخرون: بل ألفها للتأنيث, ووزنها على القول الأول( ِفعْتَل ) (7) وعلى القول الثانى (ِ فِعْلى)" (8).
وأصل الخلاف بين سيبويه والجرمى أن التاء يندر زيادتها حشواً , فلهذا ذهب الأكثرون إلى أنها بدل من الواو فى ( كلتا ) (9) .
__________
(1) ... انظر رأيه فى : الكتاب 3/364, وسر الصناعة 1/142, والتبصرة والتذكرة للصيمرى 2/810, 811, وشرح الملوكى صـ300, وشرح الكافية للرضى 1/221.
(2) ... وقيل أصلها الياء بدليل سماع الإمالة فيها. انظر: شرح الملوكى صـ33, وشرح الكافية 1/92,
واللسان , مادة ( كلا ) .
(3) ... انظر: الكتاب 3/364.
(4) ... انظر: ليس لابن خالويه صـ142, والخصا ئص 1/204, وسر الصناعة 1/142, والتبصرة والتذكرة 2/810, وأبنية الأسماء لابن القطاع صـ367, والقرطبى 10/402, وابن يعيش 1/55, وشرح الملوكى صـ302.
(5) ... البيت من بحرالطويل , وهو فى الديوان 1/51.
(6) ... الفاء هنا لتحسين اللفظ.
(7) ... فى التحقيق 2/52 ( فعيل) , ولعل الصواب ما ذكرته.
(8) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/52.
(9) ... انظر: الارتشاف 1/216, والأشمونى 4/268, وحروف الزيادة وأثرها فى بنية العربية د/محمود
الدرينى صـ96.(1/37)
وقد اتهم ابن جنى رأى الجرمى بالفساد , فقال: "ويشهد بفساد هذا الرأى أن التاء لا تكون علامة تأنيث الواحد إلا وقبلها فتحو نحو: (طلحة) و(حمزة) و(قائمة) و(قاعدة), أو تكون قبلها ألف نحو ( سعلاة ) (1) و( عزهاة ) (2) واللام فى ( كلتا ) ساكنة كما ترى , فهذا وجه.
ووجه آخر , وهو أن علامة التأنيث لا تكون أبداً وسطاً, إنما تكون آخراً لا محالة"(3).
وكلام ابن جنى لا يسلم له؛ لأنها إنما كانت ساكنة ؛ لأن التاء لم تتمخض للتأنيث فلهذا كانت ساكنة, ولهذا جاز توسطها(4) بل إن ابن جنى نفسه يصرح بأن التاء فى ( كلتا) ليست بعلامة تأنيث(5) .
وعلى رأى سيبويه تجتمع علامتا تأنيث ( التاء ) و( الألف ) , لكن الصيمرى يعلل هذا بأن الألف فى ( كلتا ) قد تصير مع المضمر ياء, فتخرج من علم التأنيث, فصار فى إبدال الواو تاء تأكيد للتأنيث, ولو كانت التاء فى ( كلتا ) للإلحاق المحض, وليس فيها من علم التأنيث ما
ذكرناه لوجب أن تثبت فى النسب , فيقال: ( كِلْتَوِىِّ ) (6) فلما أجمعوا على إسقاطها فى النسبة دل ذلك على أنهم قد أجروها مجرى التاء فى ( أخت )" (7) .
والذى قاله ليس بلازم للجرمى؛ لأنه يقول إن ألف ( كلتا ) لام الكلمة, وليست التاء بدلاً من اللام, ولا فيه معنى التأنيث, فيقول: ( كِلْتَوِىِّ ) كـ( أَعْلَوِىِّ) (8) .
__________
(1) ... رجل (عزهاة) و(عنزهوة) و(عزهاءة) و(عزهى) أى لئيم كما فى اللسان( عزه).
(2) ... (السعلاة) الغول أو ساحرة الجن انظر: اللسان , مادة ( سعل ) .
(3) ... سر الصناعة 1/142, وراجع شرح الملوكى صـ302, 303.
(4) ... سر الصناعة 1/142
(5) ... سر الصناعة 1/142
(6) ... انظر فى النسب إلى ما آخره تاء: الكتاب 3/363, وشرح الشافية 2/60.
(7) ... انظر: التبصرة والتذكرة 2/811 وراجع: الصحاح مادة ( كلي) , والقرطبى 10/402.
(8) ... انظر: شرح الشافية 2/70.(1/38)
ومما ضعفوا به رأى الجرمى أن وزن ( فِعْتَل) لم يثبت مثله فى كلامهم(1) لكن هذا ليس بحجة , فمن الثابت أن أمثلة كثيرة قد فاتت جامعى اللغة, وقد استدرك ابن جنى على سيبويه بعضها(2) فيمكن أن يكون هذا الوزن مما فاتهم جمعه, وبهذا صرح ابن جني , قال : " غير أني قد وجدت لهذا القول نحواً ونظيراً ، وذلك فيما حكاه الأصمعي من قولهم للرجل القوَّاد ( الكَلْبَتانِ) (3)، وقال مع ذلك : هو من الكَلَب وهو القيادة ، فقد ترى التاء على هذا زائدة حشواً، ووزنه فِعْتَلان ، ففي هذا شيئان: أحدهما التسديد عن قول أبي عمر ، والآخر إثبات مثال فائت للكتاب " (4) .
__________
(1) ... انظر: سر الصناعة 1/143, وشرح الكافية للرضى 1/93.
(2) ... عقد ابن جنى فى الخصائص 3/190 بابا أسماه: ذكر الأمثلة الفائتة للكتاب.
(3) ... في التاج , مادة ( كلب ):" الكَلَبُ: القيادَةُ، بالكَسْر، كالمَكْلَبَةِ، بالفتح، قال الأَصْمَعِيّ: ومِنْهُ اشتقاقُ الكَلْبَتانِ بتقديم المُثَنَّاة الفوقية على الموَحَّدَة للْقَوّادِ وهو الّذِي تقُولُه العامّة: القَلْطَبَانُ ، أَو: القَرْطَبَانُ، والتّاءُ على هذا زائدةٌ، حكاهما ابْنُ الأَعْرابِيّ يَرفَعُهُمَا إِليه، ولم يذكر سِيبَوَيْهِ في الأَمْثلة فَعْتَلان قال ابْنُ سِيدَهْ: وأَمْثَلُ مايُصْرَفُ إِليه ذلك أَن يكونَ الكَلَبُ ثُلاثِيّاً". ...
(4) ... الخصائص 1/23 , و قد ناقض ابن جني نفسه , ؛ إذ ادعى في سر الصناعة 1/143 أن وزن ( فعتل ) لا يوجد في الكلام , قال : " وأيضاً فإن ( فعتل ) مثال لا يوجد في الكلام أصلاً , فيحمل هذا عليه " وانظر أبنية الأسماء صـ 188 . ...(1/39)
وإذا كان هذا الوزن نادراً , فإن إبدال الواو تاء فى غيرالأوائل , كإبدال واو ( كلتا ) تاءً, هو الآخر نادر(1) مع ما فى هذا القول من اجتماع علامتى تأنيث ( التاء) و( الألف) واعتذارهم عن ذلك بأن التاء ليست للتأنيث المحض على ما سبق ذكره , وأيضا فإن التاء لا تكاد تقلب من الواو فى غير الأوائل(2) .
والأمر الذى يستحق النظر فى كلام الجرمى هو فائدة زيادة التاء للإلحاق فى ( كلتا ) , فهى عنده ليست للتأنيث , فإذا كان كذلك, فما الذى يدل على أن (كلتا) تستعمل للمثنى المؤنث فى مقابل ( كلا ) الذى يستعمل للمثنى المذكر؟
وربما كان هذا ما جعل الكوفيين(3) يخرجون من هذا بأن جعلوا الألف فى ( كلا) و( كلتا) للتثنية, والتاء زائدة للتأنيث , والألف فيهما كالألف فى ( الزيدان ) و( العمران ) ولزم حذف
نون التثنية منهما للزومهما الإضافة.
وأما لام الكلمة فمحذوف ؛ لأن أصل ( كلا) و( كلتا) عندهم: ( كُلّ) (4) فخففت اللام. والوزن عندهم على هذا هو ( فِعْتَا), والدليل على أن الألف للتثنية معاملته معاملة المثنى عند إضافته إلى المضمر, فيقلب ياء فى حالتى النصب والجر وتبقى الألف فى حالة الرفع.
__________
(1) ... انظر: الارتشاف 1/216, والأشمونى 4/268, وحروف الزيادة د/ محمود الدرينى صـ96.
(2) ... انظر: التبصرة والتذكرة 2/810.
(3) ... انظر رأيهم فى: الإنصاف 2/439 , والقرطبى 10/402, وشرح الكافية 1/93, والخزانة1/130.
(4) ... هذا رأى الفراء. انظر: معانى القرآن للفراء 2/142, والصحاح مادة ( كلي ) والقرطبى 10/402. وفي معاني القرآن للفراء 2/142 : " وأصله : ( كل ) , كما تقول للثلاثة : (كل ) فكان القضاء أن يكون للثنتية كماكان للجمع , لاأن يفرد للواحد شئ , فجاز توحيده على مذهب ( كل) , وتأنيثه جائز للتأنيث الذي ظهر في ( كلتا )" .(1/40)
وقد ضعفوا هذا الرأى للكوفيين بسماع الإمالة(1) فى ألف ( كلا) و( كلتا ) , وألف التثنية قالوا لا تجوز إمالتها, فدل ذلك على أنها ليست للتثنية(2) .
وهذا ليس مٌسَلَّماً , فإن ألف التثنية قد تمال إذا وجد سببها , وهى هنا أنها تصير إلى الياء فى حالتى النصب والجر عند الإضافة إلى المضمر(3) , وأيضاً وقوعها بعد حرف ولى كسرة فى ( كلا ) وبعد حرفين وليا كسرة أو لهما ساكن فى ( كلتا ) (4) .
ولم أجد من نص على أن ألف التثنية لا تمال إلا ما ذكر سابقاً.
ومما ضعفوا به رأى الكوفيين أن الألف فى ( كلا ) و( كلتا ) لو كانت للتثنية لانقلبت ياء عند إضافتها إلى المظهر كما تنقلب عند إضافتها إلى المضمر(5) .
لكن ربما كان هذا ؛ لأن ( كلا) و( كلتا) ليست لهما قوة المثنى, وإنما هما ملحقان به, ولذلك يعملان فى أحوال مخصوصة.
وبالنظر فى رأى الكوفيين يتضح أن الاعتراضات عليه أقل من الاعتراضات على غيره, فالتاء فى ( كلتا) تاء التأنيث ولحقت آخراً, كما هو حق التاء التى للتأنيث , والألف فيها للتثنية , وهذا حق المثنى أن يعبر عنه بعلامة.
__________
(1) ... الإمالة هى أن ينحى بالفتحة نحو الكسرة أو بالألف نحو الياء. انظر: شرح الشافية1/4, وعنقود الزواهر فى الصرف للقوشجى صـ501.
(2) ... انظر: الإنصاف 2/448, واللسان , مادة ( كلا ) .
(3) ... انظر: الأشمونى 4/221.
(4) ... انظر: السابق نفسه 4/225.
(5) ... انظر: الإنصاف 2/448.(1/41)
وهذا بخلاف مذهب سيبويه الذى ذهب إلى أن ( كلا) و( كلتا) تلزم الإفراد لفظاً, وتدل فى معناها على التثنية, ولعله مما يقوى رأى الكوفيين أن الألف فى ( كلا ) و( كلتا ) قد تعامل معاملة المثنى فى بعض لغات العرب, الذين يلزمون المثنى الألف فى جميع الأحوال , فإن صح أن " بعض العرب يثبت الألف فى (كلا) و(كلتا) مضافين إلى المضمر فى الأحوال كلها , كما فى المضافين إلى المظهر"(1) فيكون هذا دليلاًً على أن الألف فيهما تكون لتثنية , كما أن الألف فى لغة من يلزم المثنى الألف فى جميع الأحوال تكون للتثنية , كذلك ثبت منسوباً إلى كنانة أنها تجري " كلا " مع المظهر مجراها مع المضمر ، فتقول : رأيت كلي أخويك ، ومررت بكلي أخويك (2) .
يقول أحد المعاصرين (3) : " ومن الأدلة لزوم ( كلا ) و( كلتا ) الألف رفعاً ونصباً وجراً , عند إضافتها إلى الاسم الظاهر , فعلم التثنية في كل منهما : الألف والنون , ولكن النون حذفت لملازمتهما الإضافة , والتاء في ( كلتا ) للتأنيث كما هي في ( قائمتان ) مثنى ( قائمة ) , ولضعف معنى التثنية في ( كلا ) جاء الإخبار عنهما بالمفرد في قولهم ( كلا أخويك سافر ) , ولما في فيهما من معنى التوكيد جاز إضافتهما إلى المثنى في قولهم ( جاءني كلا أخويك ) و ( كلا الرجلين )" (4).
الفصل الثالث
في جموع التكسير , و يشتمل على :
زيادة الياء وحذفها فى الجمع الأقصى ... 322 ـ 328
حذف حرف من الجمع الأقصى ... 329 ـ 331
جمع ( فاعل ) وصفا لمذكر عاقل على ( فواعل ) ... 332ـ 342
__________
(1) ... شرح الكافية للرضى 1/92.
(2) ... انظر : شرح التسهيل 1 / 67 ، 68 .
(3) ... هو الدكتور أحمد عبد التواب الفيومي , في بحثه : الألفاظ الشاذة في اللغة والنحو / دراسة وتبويب , بحث منشور بـ مجلة كلية الدراسات العربية و الإسلامية بالقاهرة ,.العدد 11 , سنة 1413ـ 1993.
(4) ... الألفاظ الشاذة في اللغة والنحو / دراسة وتبويب ج11/ صـ 571.(1/42)
جمع الثلاثى المقصور على أفعلة ... 343 ـ 346
جمع فعيل على أفعال ... 347 ـ350
جمع ( فعيل ) على ( أفاعيل) ... 351 ـ 353
(دِلَاص) بين الجمع و اسم الجنس الجمعي ... 354 ـ 356
الجمع على ( فُعَال ) ... 357 ـ 363
جمع (فعيل) على(فَعَلَة ) ... 364 ـ 367
زيادة الياء فى الجمع الأقصى
تدخل الياء فى الجمع على وجهين: أحدهما: أن يكون الاسم الواحد على خمسة أحرف, ورابعه حرف مد ولين, فيقلب ياء فى الجمع, إذا كان ألفاً أو واواً, فيقال فى: ( صندوق) : ( صناديق) و( قنديل) : ( قناديل), وفى ( مفتاح) : ( مفاتيح ).
والآخر: أن يكون الاسم الواحد على خمسة أحرف أو أكثر, وليس رابعه حرفاً من حروف المد واللين, فيحذف من الواحد حرف, حتى يبقى الاسم على أربعة أحرف ثم يجمع, فإذا جمع جاز التعويض عن المحذوف بياء قبل الآخر , مثل ( سفرجل ) , و ( سفاريج ) (1) .
وغير هذا لا يجوز فيه زيادة الياء عند البصريين إلا فى ضرورة الشعر, وأيضاً لا يجوز حذفها إذا كانت واجبة الدخول كما سبق.
أما عند الكوفيين فيجوز زيادة الياء فى غير ما ذكر, وإن كان فى سعة الكلام, كما يجوز حذفها عندهم كذلك(2) .
__________
(1) ... انظر: شرح الكتاب للسيرافى 2/128, 129, وثمار الصناعة للدينورى صـ 493, 494, وشرح الجمل ... 2/557, والارتشاف 1/464.
(2) ... انظر الخلاف بينهما فى: ضرائر الشعر لابن عصفورصـ28, والارتشاف 1/465, 5/2391,
والهمع ... 3/331, والأشمونى 4/151, وتصريف الأسماء للشيخ الطنطاوى صـ 232.(1/43)
وقد وافق ابن مالك(1) الكوفيين, وأجاز الجرمى زيادة الياء فى جمع ( فاعل ) على ( فواعل) فيجوز عنده ( خواتيم) (2) و( طوابيق) (3) فى ( خاتم ) و(طابق ). وكذلك كل ما يجمع على ( فعالل) جعله قياساً مطرداً(4) .
وخالف الفراء(5) وابن مالك(6) فيما كان على ( فواعل) فى الجمع, فلا يجوز زيادة الياء ، فلا يقال عندهما فى ( ضوارب): ( ضواريب ) إلا ما شذ.
__________
(1) ... انظر رأيه فى: التسهيل صـ 279, والارتشاف 1/465.
(2) ... في الصحاح , مادة ( ختم ) : " الخاتِمُ، بكسر التاء وفتحها. والخَيْتامُ والخاتامُ كلُّه بمعنىً؛ والجمع الخَواتيمُ.
(3) ... في التاج , مادة ( طبق ) : " الطّابَق، بفتح الباءِ: ظرْفٌ من حَديد، أو نُحاس، يُطْبَخُ فيهِ فارسيّ معرَّب تابَهْ ج: طَوابِقُ وطَوابيقُ قال سيبَوَيْه: أما الّذين قالوا طَوابيق فإنّما جعلوه تَكْسيرَ فاعال، وإن لم يكن في كَلامِهم، كما قالوا: ملامِح " .
(4) ... انظر: الارتشاف 1/465.
(5) ... انظر رأيه فى: ضرائر الشعر صـ 28, والارتشاف 5/2392, وموارد البصائر صـ 88.
(6) ... انظر رأيه فى: التسهيل صـ 279, والارتشاف 1/466, والأشمونى 4/151.(1/44)
لكن حكى سيبويه(1) عن العرب ( دوانيق) (2)و( طوابيق), و( خواتيم) وهى ( فواعيل). كذلك لا يجوز عند الفراء زيادة الياء فيما كان قبل الآخر مضعفاً غير مدغم, نحو ( قردد ) و
( قراديد ) (3) كراهية التضعيف(4) .
أما إذا كان مضعف الآخر مدغماً نحو ( مَرَدّ ) فلا يجوز عنده زيادة الياء؛ لأن الحرف المضعف بمنزلة حرف واحد, فكرهوا أن يصير فى الجمع اثنين بظهور التضعيف(5).
__________
(1) ... انظر: الكتاب 3/425.
(2) ... في التاج , مادة ( دنق ) : " الدّانِقُ: سُدُسُ الدِّينارِ، والدِّرْهَم ...وتُفْتَحُ نُونُه وبهما رُوِىَ قولُ الحَسَنِ: "لَعَنَ اللهُ الدّانِقَ ومَنْ دَنَّقَ" كأَنّه أَرادَ النَّهي عن التَّقْدِيرِ والنَّظَر في الشيء- التّافِهِ الحَقِيرِ، والجمعُ دَوانِقُ، ودَوانِيقُ. كالدّاناقِّ بإِشْباع الفَتْحة، كما قالُوا للدِّرْهَم: دِرهامٌ، قال سيبَوَيْهِ: أَمّا الَّذِينَ قالُوا: دَوانِيقُ، فإِنَّما جَعَلُوه تَكْسِير فاعال، وإِن لم يكُن في كَلامِهم، كما قالُوا: مَلاميحَ" .
(3) ... في الصحاح , مادة ( قرد ) : " القَرْدَدُ: المكانُ الغليظ المرتفع. والجمع قَرادِدُ. وقدقالوا: قَراديدُ، كراهية الدالين " وفي التاج , مادة ( قرد ) : " قال الجوهريُّ: قَرَادِدُ قال: قد قالوا: قَرَادِيدُ كَراهِيَة الدَّاليْنِ، كالقُرْدُودَةِ، بالضمّ. والقُرْدُود، بغير هاءٍ أَيضاً، وهو ما ارتفَع من الأَرض وغَلُظَ، قال ابنُ سِيدَهْ: فَعَلى هذا لا مَعْنَى لقولِ سِيبويهِ إِن القَراديدَ جَمْعُ قَرْدَد" .
(4) ... انظر: ضرائر الشعر/ 28, والارتشاف 5/2392.
(5) ... انظر: ضرائر الشعرصـ 28.(1/45)
وحجة من منع زيادة الياء فى ( فواعل) جمع (فاعل) هى حمل الجمع على ما يحتمله المفرد, فإذا قالت العرب فى الجمع ( براقيع) و( مفاتيح ) فلأنها قالت فى المفرد ( برقوع ) (1)و( مفتاح). أما ( فاعل) فلم يُقَل فيه ( فاعيل) حتى يقولوا فى الجمع ( فواعيل ) (2) فكأن الذى سوغ زيادة الياء فى الجمع هو الحمل على المفرد الذى يجوز فى جمعه الزيادة.
__________
(1) ... في اللسان , مادة ( برقع ) : " قال الفراء: بِرْقَعٌ نادر ومثله هِجْرَعٌ، وقال الأَصمعي: هَجْرع، قال أَبو حاتم: تقول بُرْقُع ولا تقول بُرْقَع ولا بُرْقُوع؛ وأَنشد بيت الجعدي: وخدّ كبُرْقُع الفتاةِ؛ ومن
أَنشده: كبُرْقُوعِ، فإِنما فَرَّ من الزِّحافِ. قال الأَزهري: وفي قول من قدَّم الثلاث لغات... دليل على أَن البرقوع لغة في البرقُع. قال الليث: جمع البُرْقُع البَراقِعُ، قال: وتَلْبَسُها الدوابّ وتلبسها نساء الأَعراب وفيه خَرْقان" . ...
(2) ... انظر: ضرائر الشعر صـ 28.(1/46)
لكن الفراء ناقض نفسه؛ إذ حكى أنه سمع: ( منكر) و( مناكير) (1)و( موعظة) و ( مواعيظ ) (2) و( معذرة ) و( معاذير) (3), و( مخمصة ) و( مخاميص ) (4)
__________
(1) ... في التاج , مادة ( نكر ) : " رجلٌ مُنْكَرٌ، كمُكْرَم، أَي بفتح الرَّاءِ، للفاعل: داهٍ فَطِنٌ، ولا يُقال للرجل: أَنْكَرُ، بهذا المعنى، من قومٍ مناكيرَ، حكاه سيبويه، قال ابنُ جِنّي: قلتُ لأَبي عليٍّ في هذا ونحوِه: أَفنقول إنَّ هذا لأَنَّه قد جاء عنهم مُفْعِلٌ ومِفعال في معنى واحدٍ كثيراً، نحو مُذْكِر ومِذْكار، ومُؤْنِث ومِئْناث، ومُحْمِق ومِحْماق، ونحو ذلك فصار جمع أَحدِهما كجَمع صاحِبِه، فإذا جَمَعَ مُحْمِقاً فكّأَنَّه جَمَعَ مِحْماقاً؟ فقال أبو عليّ: فلستُ أَدْفَعُ ذلك ولا آباهُ " , وسيأتي لاحقاً عند الحديث عن ( دراهيم ) صـ 324 أن أبا العلاء يقول بهذا .
(2) ... في اللسان , مادة ( صملق ) مايفهم منه أن دخول الياء في (المواعيظ ) عوض عن حذف الهاء في المفرد ( موعظة ) , قال : " الصَّمْلَقُ: لغة في السَّمْلَقِ وهو القاع الأَملس، وهي مضارعة وذلك لمكان القاف وهي فرع، وحكى سيبويه صمالِيق؛ قال ابن سيده: ولا أَدري ما كَسَّر إِلا أَن يكونوا قد قالوا صَمحلَقة في هذا المعنى فعوَّض من الهاء كما حكي مَواعِيظ " .
(3) ... في المحيط في اللغة , مادة ( عذر ) : " عَذرتُه عُذْراً وعُذُراً وعِذْرَةً ومَعذِرَةً وعُذْرى؛ وأعْذَرْتُه: جَميعاً في معنىً. واعْتذَرَ وتعَذرَ: سَوَاء. والمِعْذَارُ: الاسمُ من العذر. والجميع: المَعَاذِيْر ". ففهم من هذا أن ( المعاذير ) جمع لـ ( معذار ) , ويمكن أن يكون دخول الياء في الجمع عوضاً عن الهاء المحذوفة في المفرد ( معذرة , قال في التاج , مادة ( عذر ) : " مَعْذِرَةً، بكسر الذَّال، ومَعْذُرَةً، بضمِّها،جمعهما مَعَاذِيِرُ" .
(4) ... في التاج , مادة ( خمص ) : " المِخْمَاصُ كالخَمِيصِ، قالَ أُمَيّةُ ابنُ أَبِي عائِذٍ:
أَوْ مُغْزِلٍ بالخَلِّ أَوْ بِحُلَيَّةٍ تَقْرُو السَّلامَ بشَادِنٍ مِخْماصِ
والخَمْصُ، والخَمَصُ، المَخْمَصَةُ. والمَخامِيصُ: خُمُصُ البُطُونِ " ومنه يفهم أن ( مخاميص ) قد يكون جمعاً لـ ( مخماص ) , أو يكون عوضاً عن حذف الهاء في المفرد ( مخمصة ) .(1/47)
و( مطفل) و( مطافيل) (1) , و( مدخل) و( مداخيل) (2)
__________
(1) ... في الصحاح , مادة ( طفل ) : " المُطْفِلُ: الظبيةُ معها طِفْلُها وهي قريبة عهدٍ بالنَتاج، وكذلك الناقة. والجمع مَطافِل ومَطافيلُ " . وفي اللسان , و التاج , مادة ( طفل ) تصريح بأن ذلك من الإشباع , قال في اللسان : " مُطْفِلٌ ونوق مَطافِلُ ومَطافِيلُ، بالإِشباع، معها أَولادها " .
(2) ... لم أجد ( مداخيل ) جمعاً لـ ( مدخل ) في المعاجم , لكن وجدت , تحت الجذر( دخل ) : "
الدَّوْخَلَةُ هي الوَشِيجة التي تُسَوَّى من الخوص للتَّمْر، وتُجمع: دَواخل ودَوَاخيل " . ...(1/48)
و( دِمَّل) و( دماميل) (1) , وهذه المفردات لتلك الجموع لم يحك فيها (مُفْعِيل) و(مُفْعَال) حتى يحمل عليها الجمع الذى فيه الياء (2) .
ويبقى أن العلة الحقيقية لزيادة الياء فى الجمع هى إشباع الكسرة كما أشار إليه ابن جنى(3) "وذلك أنه موضع تلزمه الكسرة فتشبع فتصير ياء"(4) .
__________
(1) ... في اللسان , مادة ( دمل ) :جمع (دمِّل) " ج: دَمامِيلُ نادِرٌ ". ويحتمل أن يكون دخو ل الياء في الجمع كراهية التضعيف لو قالوا ( دمامل ) , كما قالوا ذلك في ( قراديد) .
(2) ... ... رد أبو العلاء على الفراء قوله , فقال في رسالة الملائكة صـ 206 , 207 : " وقياس قول الفراء أنك إذا قلت (فواعل) كان دخول الياء فيه أصلح من دخولها في غيرها ؛ لأنه قد جاء فاعول في معنى فاعل كقولك (رجل حاطوم وقاشور) ويجب على قياس قوله أن يكون دخول الياء في مثل (مذاود) أقوى منها في (فواعل)؛ لأن (مفاعل) و(مفاعيل) تشتركان كثيراً ولأن (مفعلاً) مقصور من (مفعال) وقولك في (منخير) أقوى من قولك في (مسجد) ؛ لأن (مفعيلا)ً قد كثر نحو (المعطير) و(المحضير) و(مفعيل) قليل على إن الفراء قد حكى (مسكين) بفتح الميم في كتاب التثنية والجمع وحكى أبو مسحل (مَنديل) في (مِنديل) وهذه نوادر لا يطرد عليها القياس وقولنا (مفاعيل ) في( مفاعل )عند الضرورة أقوى من قولهم (أفاعيل )في( أفاعل) إذا كانت (أفاعل) جمع (أفعل )مثل (أحمر) و(أحامر) ؛ لأنه لا يجيء مثل (أفعال) في الواحد إلا وهو يراد به الجمع" .
(3) ... انظر: سر الصناعة 2/291.
(4) ... الكامل 1/211, وانظر: المقتضب 2/256.(1/49)
وقد سبق أن النحاة على أن إشباع الحركات إنما يكون فى ضرورة الشعر وأما فى حال الكلام فلا يجوز(1) فلا غرو هنا أن يقول نحاة البصرة إن زيادة الياء فى الجمع إشباعاً للكسرة خاص بضرورة الشعر, ثم يتأولون ما ورد من ذلك فى الكلام, مع أن ابن جنى اعترف بوقوعه فى الكلام, وفى الشعر, قال: " وقد جاء من هنا الإشباع الذى تنشأ عنه الحروف شئ صالح نثراً ونظماً"(2) ومن هذا تأويلهم(3) لزيادة الياء فى (المعاذير) فى قوله تعالى: " {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} "(4) , فقد جعله الزمخشرى اسم جمع لا جمع(5) مع أن القرطبى قال: " ( والمعاذير) و( المعاذر) جمع: ( معذرة) (6) وقال أبو حيان فيه: "وليس هذا البناء من أبنية أسماء الجموع, وإنما هو من أبنية جمع التكسير"(7) .
وقالوا أيضاً إنه جمع ( معذار) فى لغة أهل اليمن لا جمع (معذرة) (8) , وعليه فـ ( معاذير) جمع قياسى.
أما ما ورد من ذلك فى الشعر, فهو ضرورة عندهم, كما فى بيت الكتاب
__________
(1) ... انظر: الإنصاف 1/31, وابن يعيش 1/52, وشرح التسهيل 1/43, وشرح الكافية 1/78.
(2) ... المحتسب 1/259, وانظر: سر الصناعة 2/252.
(3) ... انظر: الهمع 3/332, ومباحث فى علم الصرف د/ عبد الستار عبد اللطيف أحمد سعيد 2/210.
(4) ... سورة القيامة من الآية : 15.
(5) ... انظر: الكشاف 4/661.
(6) ... القرطبى 19/101.
(7) ... البحر المحيط 10/347.
(8) ... انظر: الكشاف 4/661, والقرطبى 19/101, والبحر 10/347, والهمع 3/332.(1/50)
تَنْفي يداها الحَصى في كل هاجِرَةٍ نَفْيَ الدَراهيمِ تنقادُ الصَياريفِ(1)
__________
(1) ... البيت من بحر البسيط, ونسب للفرذدق وليس فى ديوانه, وهو فى الكتاب 1/10, والكامل 1/211, والمقتضب 2 ... /256, والأصول 3/450, وسر الصناعة 1/34, 2/291, وما يجوز للشاعر فى الضرورة للقزازالقيروانى صـ 177, ورسالة الغفران صـ 562, وفيها أشار المعرى إلى أن ثمة رواية أخرى لا إشكال فيها, وهى ( نفى الدنانير), وانظر البيت أيضاً فى العمدة 2/1031, وشرح المفضليات للأنبارى صـ 469, وشرح الجمل 2/557, وضرائر الشعر صـ 27, , و التصريح 2/370, والخزانة 4/424, 426, والألوسى صـ 285, وموارد البصائر صـ 87. وفي الصحاح , مادة ( درهم ) : " الدِرْهَمُ فارسيّ معرّب، وكسر الهاء لغة، وربَّما قالوا دِرْهامٌ. وجمع الدِرْهَمِ دَراهِمُ،وجمع الدِرْهامِ دَراهيمُ. وقال:
تَنْفي يداها الحَصى في كل هاجِرَةٍ نَفْيَ الدَراهيمِ تنقادُ الصَياريفِ
وفي اللسان , مادة ( درهم ) : " إنما جاء في قول الفرزدق:
تَنْفِي يَداها الحَصى في كلِّ هاجِرَةٍ، نَفْيَ الدَّراهِيمِ تَنْقادُ الصَّياريفِ
قال ابن بري: شَبَّهَ خروج الحصى من تحت مَناسِمِها بارتفاع الدراهم عن الأَصابع إذانُقِدَتْ " .(1/51)
قال ابن جنى: "يريد ( الصيارف) فأشبع كسرة الراء, فتولدت بعدها ياء, فأما ( الدراهيم) فإن كان جمع ( درهم ) فهو كـ ( الصياريف ) , وإن كان جمع ( درهام) فلا ضرورة فيه"(1) , وقال القزاز (2): "قيل: أشبعت الكسرة, وقيل هو جمع على غير واحده, كـ ( مذاكير) فى جمع ( ذكر) , وقيل الرواية : ( نفى الدنانير) جمع ( دينار) على القياس"(3) .
ومثل السابق ماقاله أبو العلاء :" وقد زادوا الياء في: سواعيد، وأزاميل(4)، قال "التغلبي (5)
__________
(1) ... سر الصناعة 2/291, وانظر: أسرار العربية لـ تيمور صـ 43.
(2) ... هو: القيرواني - محمد بن جعفر بن أحمد التميمي أبو عبدالله النحوي المعروف بالقزاز القيرواني , له من الكتب أدب السلطان , وجامع اللغة و, ضرائر الشعر , و كتاب المفترق في النحو . ما أخذ على المتنبي . وغير ذلك . ولد سنة (342 )وتوفى سنة ( 412)اثنتى عشرة وأربعمائة . انظر ترجمته في : هدية العارفين 2 / 61 .
(3) ... ما يحتمل الشعر من الضرورة صـ 177.
(4) ... في التاج , مادة ( زمل ) : " الأَزْمَلُ: كُلُّ صَوْتٍ مُخْتَلِطٍ، أوصَوْتٌ يَخْرُجُ مِنْ قُنْبِ دَابَّةٍ، وهو وِعاءُ جُرْدَانِهِ، ولا فِعْلَ له. وأَخَذَهُ، أي الشَّيْءَ، بِأَزْمَلِهِ:أي جَمِيعَهُ، وكُلَّهُ " .
(5) ... هو: كلثوم بن عمرو، وهو من بني تغلب، من ولد عمرو بن كلثوم التغلبي قاتل عمر بن هند. ويكنى أبا عمرو، من أهل قنسرين. كان العتابي مجيداً مقتدراً على الشعر عذب الكلام، وكاتباً جيد الرسائل حاذقاً، وقلما يجتمع هذا لأحد، وكان العتابي أديباً مصنفاً، وله من الكتب: كتاب المنطق، وكتاب الآداب، وكتاب فنون الحكم، وكتاب الخليل لطيف، وكتاب الألفاظ رواه أبو عمر الزاهد
عن المبرد عنه. انظر ترجمته في : الأغاني 11/54 , ومعجم الأدباء 5/ 18.(1/52)
وسَواعيدَ يُخْتَلَيْنَ اختِلاءً كالمَغَالِي يَطِرْنَ كلَّ مَطيرٍ (1)
وقال "الهذلي" (2):
ولِلقِسِيِّ أَزاميلٌ وغَمْغمةٌ حِسَّ الشَّمالِ تَسوقُ الماءَ والبَرَدا " (3)
ومثله قول العتابى (4):
فُتَّ المَدَائِحَ إِلاَّ أَنَّ أَلْسُنَنا مُسْتَنْطَقاتٌ بما تُخْفِى الضَّمايِيرُ (5)
ومثله ورد قول ابن أبى حصينة :
وَرَوّى شَماريخَ المَضيقِ بِصَيّبٍ يُرى مِنهُ أَسرابُ الأَياييلِ جُفَّلا (6)
وفيه يقو ل أبو العلاء : " و(الأياييل) جمع : (أِّيِّل ) (7), وتزاد فيه الياء كما زيدت فى (الضمايير) و(السوابيغ) , والسواعيد, ومن ذلك قول زهير, أنشده الفراء
عليهنَّ فرسانٌ كرامٌ لباسُهم سَوايبِغُ بيضٌ لا تُخَرِّقُها النَبلُ"(8)
__________
(1) ... البيت من بحر الخفيف, منسوب لعمرو بن الأهتم التغلبى. وهو فى الارتشاف 5/2392.
(2) ... هو : عبد مناف بن ربع ( بكسر الراء وسكون الباء ) الجربي ، من هذيل : شاعر جاهلي . نسبته إلى (جُرَيْب) ( كَقُرَيْش ) وهو بطن من هذيل . أورد البغدادي قصيدة له ، ذكر فيها يوم ( أنف ) من أيام الجاهلية ، بين هذيل وبني ظفر من سليم .انظر ترجمته في:الأنساب 2/39,والأعلام4/166 .
(3) ... البيت من بحر البسيط لعبد مناف الهذلي , و هو في ديوان الهذليين 2/41 , ورسالة الصاهل والشاحج صـ 478 .
(4) ... هو: عمرو بن كلثوم , المذكور قريباً ترجمته . ...
(5) ... البيت فى العقد الفريد 2/136.
(6) ... البيت من بحرالطويل , وهو فى الديوان1/ 52.
(7) ... في المصباح , مادة ( أيل ) : " (الإيِّل), بضم الهمزة وكسرها , والياء فيهما مشددة , مفتوحة : ذكر الأوعال , وهو التيس الجبلي , والجمع:( الأياييل ) . ...
(8) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 53, وقارنه أيضاً بالمرجع نفسه2/ 154, ورسالة الملائكة صـ
... 205 ,وعبث الوليد صـ26. وبيت زهير من بحر الطويل, وهو فى ديوانه صـ60 براوية (سوابغ) ولا شاهد فيها, وانظر البيت فى : الارتشاف 5/2392, والأشمونى 4/152, والهمع 3/133.(1/53)
وقال أيضاً في موضع آخر : " وقد زادوا الياء للزوم الكسرة في مواضع كثيرة قالوا
سواعيدُ في جمع ساعدٍ وإنما المعروف سواعدُ قال التغلبيُّ :
وسَواعيدَ يُخْتَلَيْنَ اختِلاءً كالمَغَالِي يَطِرْنَ كلَّ مَطيرٍ
يختلين يقطعن مثل ما يختلي الزرع والمغالي السهام التي يغلي بها أي يرمى بها فهذه ضرورة. وأنشد الفراء قول زهير:
عليهنَّ فرسانٌ كرامٌ لباسُهم سَوايبِغُ بيضٌ لا تُخَرِّقُها النَبل
فهذه زيادة بغير ضرورة ؛ لأنه لو حذف الياء لم يضر بالبيت وكذلك قولهم ( حواجيب ) في جمع ( حاجب ) و( توابيل) في جمع( تابل )هو من هذا الباب... من باب (أفئيدة) قول
عبد مناف بن ربع الهذلى: ولِلقِسِيِّ أَزاميلٌ وغَمْغمةٌ حِسَّ الشَّمالِ تَسوقُ الماءَ والبَرَدا
فـ ( أزا ميل) جمع( أزمل) وهو الصوت وإنما القياس( أزامل) وقولهم في الضرورة (أزانيد) أسوغ من قولهم ( أزميل) ؛ لأنهم قالوا( زند ) وأزند وجاء (أزناد) فإذا قيل( أزانيد) كان على (أزناد) وإذا قيل( أزاند ) , وهو الوجه كان على( أزند) , قال أبو ذؤيب:
أَقَبّا الكُشوحِ أَبيَضانِ كِلاهُما كَعالِيَةِ الخَطِّيِّ وارى الأَزانِدِ(1)
ومن هذا البيت الذي أنشده سيبويه:
تَنْفي يداها الحَصى في كل هاجِرَةٍ نَفْيَ الدَراهيمِ تنقادُ الصَياريفِ
__________
(1) ... البيت من بحرالطويل ,لأبي ذؤيب وهو فى ديوان الهذليين1/ 121.(1/54)
فهذا البيت ذكروه في ضرورة الشعر,والأشبه أن يكون المراد به زيادة الياء في التصاريف ؛ لأن الواحد صيرف والباب صيارف كما انك إذا جمعت( جيدراً) وهو القصير قلت (جيادر) (1) ومن روى( الدراهم) فإنه يحتمل وجهين أحدهما أن يكون من باب ( سواعيد) وهو أقوى منه ؛ لأن (فِعْلالاً) كثير, ويجوز أن يكون على قول من قال ( درهام) فان كان( درهام) نطقوا به في غير الضرورة فليس في قول الفرزدق (الدارهيم) شيء يحمل على الاضطرار ؛ لأن الباب على ذلك كما تقول (عرزال( و(عرزازيل) (2) و(قنطار) و(قناطير) وان كانوا لم يقولوا (درهام) إلا في الضرورة كما قال الراجز: ...
لو أَنَّ عِندي مائِتي دِرْهَامِ لاَبْتعْتُ داراً في بني حَرامِ
وعِشتُ عَيْشَ الملِكِ الهُمامِ وسِرْتُ في الأَرْضِ بِلا خاتامِ(3)
فإن( دراهيم ) يجوز أن يشبه بما ذكره النحويون من الضروة التي يلتزمها الشاعر خشية
النقص على الوزن. وإن لم يكن استعمال غيرها مخلاً بالنظم " (4) .
__________
(1) ... في العين , مادة ( جدر ) : " امرأة جَيدَرةٌ: قصيرةٌ، ورجل جيدرٌ وجَيدَرَةٌ أيضاً". ...
(2) ... في التاج , مادة ( عرزل ) : " (العِرْزَالُ): الْحَانُوتُ. وأيضاً: الْفِرْقَةُ مِنْ النَّاسِ يَجْتَمِعُونَ. وأيضاً: الثِّقَلُ، يُقالُ: أَلْقَى عليْهِ عِرْزَالَهُ، أي ثِقَلَهُ، وكذلكَ: أَلْقَى عليْهِ عَرَازِيلَهُ. والْعِرْزَالُ: الذَّلِيلُ الْحَقِيرُ" .
(3) ... الرجز ورد غير منسوب في : رسالة الملائكة صـ 216 , و الصحاح , و اللسان , و التاج , مادة ( درهم ) لكن برواية : لو أَنَّ عِنْدي مائتي دِرْهامِ، لجاز في آفاقِها خاتامي
... وخطأ الصاغاني هذه الرواية , قال في التكملة 6/20 , مادة ( درهم) : " هذا الإنشاد فاسد ، والرواية : لو أن عندي مائتي درهام * لابتعت داراً في بني حرام وعشت عيش الملك الهمام * وسرت في الأرض بلا خاتام" .
(4) ... رسالة الملائكة صـ 216 . ...(1/55)
وإذا كان قد سبق أن الإشباع ليس ضرورة على إطلاقه , وإنما يلجأ إليه الشاعر إذا أحوجه الوزن إليه كما فهم من كلام أبي العلاء السابق ,فالإشباع يأتي لغرض, كما اتضح من قبل فيكون الحكم بالضرورة هنا غير مستقيم, وفائدة الإشباع هنا أنه يمثل نبراً(1) بغرض التركيز على معنى معين, والضغط عليه, فيتولد عن الحركة المنبورة حركة طويلة من جنسها(2) .
كما أن الإشباع فى الجموع يستملح خاصة إذا جاور الطرف؛ إذ يعطى الكلمة طويلة المقطع راحة وهدوءً, يقول ابن جنى: "إنما جئ بالمد فى هذا المواضع لنعمته وللين الصوت به, وذلك أن آخر الكلمة موضع الوقف, ومكان الاستراحة والأون (3), فقدموا أمام الحرف الموقوف عليه ما يؤذن بسكونه, وما يخفض من غلواء الناطق, واستمراره على سنن جريه, وتتابع نطقه, ولذلك كثرت حروف المد قبل حرف الروى كالتأسيس والردف – ليكون ذلك مؤذناً بالوقوف ومؤدياً إلى الراحة والسكون , وكلما جاور حرف المد الروى كان آنس به وأشد إنعاماً لمستمعه"(4) .
__________
(1) ... (النبر) معناه: (الضغط), والمقصود به الضغط على مقطع من مقاطع الكلمة, أو على كلمة من كلمات الجملة, انظر: أصوات اللغة العربية د/ جبل صـ 263, والبيان فى روائع القرآن د / تمام حسان 1/179, 180.
(2) ... انظر: إشباع حركة الأبنية فى الشعر, وموقف النحاة منه د/ محمد حماسة بحث منشور بمجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة عدد 40 صـ 144.
(3) ... في الصحاح , مادة ( أون ): " (الأوْنُ): الدَعَة والسكينة والرِفق. تقول منه: أنْتُ أَيون أَوْناً. ورجلٌ آيِنٌ، أي رافِهٌ وادعٌ. والأوْنُ أيضاً: المَشْي الرويد" .
(4) ... الخصائص 1/234, 235.(1/56)
ولهذا يكثر دخول الياء في الجمع , على غير قياس النحاة , وإن حكموا عليه بالشذوذ , وقد سبق ذكر أمثلة لهذا , ويضاف إلى ما سبق منها : ( سجاسيج ) , في جمع ( سجسج ) (1) , و ( مجاديح ) في ( جمع ( مجدح ) (2).
حذف الياء من الجمع الأقصى
__________
(1) ... في التاج , مادة ( سجسج ) : " "يوم سَجْسَجٌ" كجَعْفَر: "لا حَر" مُؤْذ "ولا قَرٌّ". وكل هواءٍ معتدلٍ طَيِّبٍ: سَجْسَجٌ، وظِلٌّ سجسَجٌ ورِيح سَجْسَجٌ: لَيِّنَةُ الهواءِ مُعتدِلةٌ. قال مُلَيْحٌ:
هَلْ هَيَّجَتْكَ طُلولُ الحَيِّ مُقْفرةً تَعْفَو مَعارِفَها النُّكْبُ السَّجاسِيجُ.
احتاج فكَسَّر سَجْسَجاً على سَجاسِيج. "
(2) ... في التاج , مادة ( جدح) : " المِجْدَحُ في أَمرِ السّماءِ يقال: تَرَدُّدُرَيِّقِ الماءِ في السَّحابِ، ورواه عن اللَّيث. وقال: أَمَّا ما قله اللّيث في تفسير المَجادِيحِ أَنها تَردُّدُ رَيِّقِ المَاءِ في السَّحاب فباطِلٌ، والعَرب لا تَعرفُه. ورُوِيَ عن عُمرَ رضي الله عنه أَنه خرجَ إِلى الاستسقاءِ، فصَعِدَ المِنْبَرَ فلم يَزِدْ على الاستغفارِ حتّى نَزَلَ. فقِيل له: إِنّك لم تَسْتَسْقِ، فقال: لقد اسْتَسْقَيْت بمَجادِيحِ السَّماءِ. قال ابنُ الأَثير: الياءُ زائدةٌ للإِشباعِ. قال: والقِياس أَن يكون واحِدُها مِجْدَاحاً، فأَمّا مِجْدَحٌ فجمْعُه مَجادِحُ ".
... وفي : تصحيفات المحدثين- العسكري صـ 124, 125 : "ومنه قول عمر رضي الله عنه لقد استسقيت بمجاديح السماء : انما هو جمع مجدح أو مجداح وقد قال الخليل يقال له مجداح" .
... وراجع : الفائق في غريب الحديث ـ الزمخشري 1/170 , والنهاية لابن الأثير 1/236 .(1/57)
الخلاف بين البصريين والكوفيين فى زيادة الياء فى الجمع, كالخلاف بينهما فى حذف الياء فيما حقه أن يكون بالياء فى الجمع(1) , فبينما يجعله البصريون جائزاً فى الشعر خاصة للضرورة, يجيزه الكوفيون فى سعة الكلام, وعليه جاء عندهم قوله تعالى: "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ"(2) , و(المفاتح ) جمع: (مفتاح) (3), ويدل لهذا قراءة من قرأ ( مفاتيح ) (4) وقد وافق ابن مالك الكوفيين فى الحذف كما وافقهم فى الزيادة(5) وقد تأوله البصريون بأنه جمع ( مَفْتَح) –بفتح الميم- وهو المخزن(6) ,وحكموا على ما جاء منه فى الشعر بالضرورة(7).
__________
(1) ... انظر: الارتشاف 1/465. والهمع 3/331, والأشمونى 4/151.
(2) ... سورة الأنعام من الآية: 59.
(3) ... في التاج , مادة ( فتح ): " قال الليث: جمع المِفْتَاحِ الذي يُفْتَح به المِغْلاقُ :مَفاتيحُ، وجمع المَفْتَحِ: الخِزانةِ المَفَاتِحُ" . ...
(4) ... الكشاف 2/31, والقرطبى 7/1, والبحر المحيط 4/534.
(5) ... انظر رأيه فى :التسهيل صـ 279, والارتشاف 1/465, والهمع 3/332, والأشمونى 4/151.
(6) ... انظر: الكشاف 2/31, والبحر المحيط 4/534, والهمع 3/332. وفي المحيط في اللغة , مادة
( فتح ) : " المُفْتَحُ: الخِزَانَةُ ؛ ويقال: مَفْتَحٌٌ أيضاً، والجَميعُ: المَفَاتِحُ. وقيل: هي الكُنُوْزُ".
(7) ... انظر: الروض الأنف 1/138, و3/220.(1/58)
ومن هذا عندهم قول الراجز:* والبَكَراتِ الفُسَّجَ العَطامِسا *(1)
ومثله قول الشاعر: وبُدِّلْتُ بَعْدَالزَّعْفَرَانِ وَطِيْبِهِ صَدَا الِّدرْعِ منْ مُسْتَحْكَمَات ِالمسامرِ(2)
ويمكن أن يكون منه قول ابن أبى حصينة:
فَعُدنَ رِواءً تَرتَوي تَحتَ وَطئِنا عِطاشُ الفَيافي وَالقِفارُ الأَمالِسُ
فَتىً أَعجَزَ المُدّاحَ نَظمُ صِفاتِهِ فَقَد فَنِيَت أَقلامُنا وَالقَراطِسُ (3)
__________
(1) ... الرجز لعيلان بن حريث الربعى فى الكتاب 3/444, 445, وبلا نسبة فى: الخصائص 2/64 والمحتسب 1/94, 300, واللسان , والتاج , مادة( فسج ) والهمع 3/245. وفي اللسان , مادة ( فسج ) : " الفاسِجُ من الإِبل: اللاَّقِحُ، وقيل: اللاقحُ مع سِمَنٍ، وقيل: هي الحائِل السمينة، والجمع فَواسِجُ وفُسَّجٌ " . وفي التاج , مادة( عطمس ) : " العَيْطَمُوسُ: الناقَةُ الهَرِمَةُ، فإِطْلاقُه عَلَيْهَا وعلىالفَتِيَّةِ، ... من الأَضدادِ، ولم يُنَبِهْ عليه المصنِّف. ج عَطَامِيسُ، و قد جاءَ في ضَرُورَةِ الشِّعْرِ: عَطَامِسُ، وهو نادِرٌ, قال الراجِزُ:يا رُبَّ بَيْضَاءَ مِن العَطَامِس تَضْحَكُ عَن ذِي أُشُرٍ عُضَارِسِ
وكان حَقُّه أَن يقولَ: عَطامِيس، فحَذَفَ الياءَ لضَرُورَةِ الشِّعْرِ " .
(2) ... البيت من بحر الطويل لعبيد الله بن الحر (ترجمته فى الخزانة 1/296) , وهو فى سرالصناعة
2/293, والمحتسب 1/95, 300. وموارد البصائر صـ 215.
(3) ... البيتان من قصيدة من بحرالطويل , وهما فى الديوان1/ 140.(1/59)
وفيهما يقول أبو العلاء:"والأمالس جمع ( أملس) (1) على حذف الياء, وهى الأرض التى
لا شئ فيها, ومع ذلك تكون سهلة مستوية, و( القراطس ) إن جعل جمع ( قرطاس ) فهو مثل قولهم: ( مصابح ) وإن جعل جمع ( قرطس) فلا حذف فيه ؛ لأنهم قد قالوا: ( قرطس ) (2), كما قالوا:( قرطاس )"(3) .
__________
(1) ... قول أبى العلاء (الأمالس) جمع (أملس) ليس صواباً, وإنما هو جمع (إمليس) أو (ملساء) حتى يستقيم كلامه بعد ذلك, ففي التاج , مادة ( ملس): " (الإِمْلِيسُ)، بالكَسْر، (الإِمْلِيَسةُ) بهاءٍ، وهذه عن ابن عَبّاد:الفَلاَةُ ليس بهَا نَبَاتٌ، ج، أَمَاليِسُ، وأَمَالِسُ شاذٌّ، حُذِفَت ياؤُه لضرورة الشِّعْر في قول ذي الرُّمَّة:أَقولُ لِعَجْلَي بَيْنَ يَمٍّ ودَاحِسٍ أَجِدِّي فَقَدْ أَقْوَتْ عَلَيْكِ الأَمَالِسُ
وقال شَمِرٌ: (الأَمَالِيسُ): الأَرْضُ الَّتِي لَيْسَ بها شَجَرٌ ولا يَبِيسٌ ولا كَلأٌ ولا نَبَاتٌ، ... وقيل: الأَمَالِيسُ: جَمْعُ أَمْلاَس، وأَمْلاسٌ: جَمْع مَلَسٍ، محرَّكَةً، وهو المكانُ المسْتَوِي لا نَبَاتَ
به، قال الحُطَيْئَةُ وإِنْ لمْ يَكُنْ إِلاّ الأَمالِيسُ أَصْبَحَتْ لَهَا حُلَّقٌ ضَرَّاتُهَا شَكِرَاتِ
والكَثِيرُ: مُلُوسٌ، وأَرْضٌ مَلَسٌ ومَلَسَى ومَلْسَاءُ وإِمْلِيسٌ: لا تُنْبِتُ، وسَنَةٌ مَلْسَاءُ والجَمْعُ أَمَالِسُ وأَمالِيسُ، على غَيْر قياسٍ جَدْبَةٌ " .
(2) ... في الصحاح , مادة ( قرطس ) : " القِرْطاسُ: الذي يكتب فيه. والقُرْطاسُ بالضم مثله، وكذلك القَرْطَسُ. ذكره أبو زيد في نوادره. وأنشد:
كأنَّ بحَيْثُ استودعَ الدارَ أهْلُها مَخَطَّ زَبورٍ من دواةٍ وقَرْطَ ...
(3) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة2/ 144,و راجع السابق نفسه2/ 168, 184.(1/60)
أما قول البصريين إن زيادة الياء أو حذفها فى الجمع ضرورة فى الشعر, فهو منقوض بمجيئه فى النثر, وأما تأويلهم إياه بجعله لمفرد يستحق زيادة الياء أو حذفها فى الجمع , ليكون الجمع قياساً, فقد لا يكون صواباً؛ لأنهم يجعلون نحو ( درهم ) و(درهام) أصلين مختلفين, مع أنهما فى الأصل شئ واحد, لكن حدث الإشباع فى أحدهما, والإشباع ليس بلازم للكلمة حتى يجعل الجمع ذو الياء لذلك المفرد المشبع, أو يجعل الجمع المجرد من الياء للمفرد الخالى من الإشباع, , كما فى تخريج أبى العلاء لـ ( القراطس ) فى جمع (قرطاس) أو (قرطس) عنده. أو كما سبق كلامه عند حديثه عن ( دراهيم ) .
ويدل لهذا تخريج ابن جنى لـ ( دوانيق) فى الجمع, قال: "وعليه عندى قولهم فى جمع (دانق) : ( دوانيق), وذلك أنه زاد على فتحة عينه ألفاً, فصار: (داناق) ثم كسرة على (دوانيق.... وإن شئت قلت: لما كسره فصار إلى (دوانق) أشبع الكسرة , فصار: (دوانيق) كـ (الصياريف) و(المطافيل), وهذا التغيير المتوهم كثير"(1) .
وابن جنى كما هو واضح من هذا النص يجعل ذلك التغييرتوهماً , و يحكم عليه بأنه كثير.
وربما يكون أسلم من هذا قوله بجواز الإشباع, قال أيضاً فى الحذف: "وربما عكست العرب هذا, فحذفت الياء فى غير موضع الحذف, واكتفت بالكسرة منها"(2) .
ويدل لهذا أنه قد يحذف حرف المد اجتزاء ببعضه عنه, وإن كان فى غير الجمع الأقصى,كما فى قول الأخطل كَلَمعِ أَيدي مَثاكيلٍ مُسَلِّبَةٍ يَنعَينَ فِتيانَ ضَرسِ الدَهرِ وَالخُطُبِ (3)
يريد (الخطوب) كما قال ابن جنى(4) .
وقد يكون من هذا الأخير قول عمرو بن كلثوم:
__________
(1) ... الخصائص 3/121 بتصرف يسير.
(2) ... سر الصناعة 2/292.
(3) ... البيت من بحر البسيط, للأخطل فى ديوانه صـ 36, وهو فى الخصائص 1/334, و3/136, والمحتسب 1/199, 300, 2/8.
(4) ... انظر: المحتسب 1/300.(1/61)
وَقَد عَلِمَ القَبائِلُ مِن مَعَدٍّ إِذا قُبَبٌ بِأَبطَحِها بُنينا (1)
يقول أبو العلاء: " و( القِبَابُ) جمع قُبَّة, ويقال: إنها أخذت من قولهم: ( قَبَبْت): جمعت أطرافه(2) , وقالوا فى الجمع ( قُبَب) بضم القاف, و( قِبَب) بكسرها, فإذا قالوا: (قُبَب) فهو على القياس, مثل : ( ظُلْمة) و(ظُلَم), وإذا كسروا فكأنهم حذفوا الألف من (قِبَاب), وبيت عمرو بن كلثوم(3) ينشد على الوجهين"(4) .
فإذا جاز لهم أن يقولوا بحذف المد والاجتزاء بحركته عنه هنا , فلماذا ذهبوا إلى التأويل بتقدير مفرد يكون له قياساً؟ فهلا فعلوا ذلك هنا أيضاً.
جمع ( فاعل ) وصفاً لمذكر عاقل على ( فواعل )
__________
(1) ... البيت من معلقته الشهيرة, وهى من بحر الوافر,في ديوانه صـ 149 , وانظر: جمهرة أشعار العرب صـ12 2, وهى برواية *وقد علم القبائل غير فخر* وكذلك فى شرح المعلقات السبع للزوزنى صـ 134, وانظر: المعلقات العشر للشنقيطىصـ 119.
(2) ... في اللسان , مادة ( قبب) :" القِبَابُ جَمْعُ القُبَّة بالضَّمِ كالقُبَبِ بالكَسْر، هَكَذَا في نُسْخَتِنا مَضْبُوطٌ بالقلم، والظاهر أَنَّه بالضَّمِّ، ثم رأَيْتَ شيْخنا ضبطَه كغُرَف فلا مَحِيدَ عنْه. والقُبَّةُ من البنَاء معْرُوفَة. وقيل:هيَ البَنَاءُ من الأَدَم خَاصَّة مُشْتَقٌّ من ذلِكَ. وقال ابنُ الأَثِير: القُبَّة مِنَ الخِبَاء: بَيْتٌ صَغير مُسْتَدِير، وهو من بُيُوتِ العَرب". بالبِناءِ. القَبَّابُ كَكَتَّان: الأَسَدُ كالمُقَبْقِبِ، نَقَلَهُمَا الصَّاغَانِيُّ.
(3) ... يقصد البيت السابق الذكر.
(4) شرح ديوان أبي حصينة 2/157, وراجع :المصدر نفسه 2/ 107, 193 . ... ... ... ... ... شرح ديوان ابن ... شرح ديوان ابن أبى حصينة / 157, وقارنه بالمرجع نفسه/ 107, 193.(1/62)
... ذكر النحاة أنه لا يجمع على صيغة ( فواعل) إلا ما كان صفة المؤنث نحو: ( كاتبة) , فيقال فيها: ( كواتب) , أو اسماً لمؤنث نحو ( حائض) و( حوائض), أو صفة لمذكر أو لمؤنث غير عاقل نحو: ( صاهل) و( شاهق), أو كان اسماً على وزن ( فوْعَل), نحو: ( جوهر) , أو (فوْعَلة) نحو: ( صومعة), أو على ( فاعل) مثل: ( خاتم) (1) .
... وما جاء بخلاف ما ذكروا حكموا عليه بالضرورة إذا كان فى الشعر, أو حكموا عليه بالشذوذ فى غير ذلك, وتأولوه, ومن هذا جمع ( ناكس ) على (نواكس) فى قول الشاعر:
وَإِذا الرِجالُ رَأَوا يَزيدَ رَأَيتَهُم خُضُعَ الرِقابِ نَواكِسَ الأَبصارِ (2)
فقد حكموا عليه بالضرورة(3) وهو عند المبرد جائز فى الشعر؛ لأن جمع ( فاعل) على (فواعل) أصل, لكنهم خصوا ( فواعل) بجمع المؤنث, لئلا يلتبس بجمع المذكر , وللمذكر أبنية كثيرة, فلا بأس بتخصيص بناء ( فواعل ) بجمع المؤنث, فإذا جاء فى الشعر جمع ( فاعل) المذكر عليه, فهو رد إلى الأصل, وهو جائز كثير فى الشعر خاصة(4) .
__________
(1) ... انظر: الكتاب 3/632, 633, والمقتضب 1/258, والفوائد والقواعد للثمانينى صـ 673, وشرح المفصل صـ52, وشرح الشافية 2/151, والمزهر 2/74, وجموع التكسير القياسية ـ الشيخ أحمد على الإسكندرى بحث منشور بمجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة 4/202, ومن قضايا النحووالتصريف د/جابر المبارك صـ 49.
(2) ... البيت من بحر الكامل, لـ الفرذدق فى ديوانه صـ 304, وهو فى الكتاب 3/633, والكامل 1/372, والمقتضب1/259, وعيون الأخبار 1/294, وشرح الجمل 2/539, وشرح الشافية 2/153, والعقد الفريد 2/488, والمزهر 2/74, و الخزانة 1/204.
(3) ... انظر: الكتاب 3/633, والمقتضب 1/259, والكامل 1/272, وموارد البصائرصـ 455.
(4) ... انظر: الكامل 1/372, والمقتضب 1/258, 259, وشرح الشافية 2/153, والارتشاف 1/451.(1/63)
يقول ابن عبد ربه الأندلسي في البيت السابق : " قال أبو العبّاس محمد بن يزيد النَّحويّ: في هذا البيت شيء مُسْتطرف عند أهل النَّحو, وذلك أنه جمع فاعل على فواعل، وإذا كان هكَذا لم يكن بين المُذكر والمُؤنث فَرْق؛ لأنك تقول: ضاربة وضوارب، ولا يقال في المذكر فواعل إلا في موضعين، وذلك قولهم: فوارس وهوالك، ولكنّه اضطر في الشّعر فأخرجه عن الأصل ولولا الضرورة ما جاز له"(1).
ولم يخرج أبو العلاء عما قرره النحاة, من أن جمع ( فاعل) على ( فواعل) فى صفة المذكر العاقل عنده شاذ, يتضح هذا من قوله فى التعليق على بيت ابن أبى حصينة:
أَفرَسِ مَن عُدّ منَ الفُرسانِ وَأَغزَرِ الناسِ نَدى بَنانِ (2)
" يقال:( فارس) و( فرسان) كما يقال: (راكب) و(ركبان) ,و( فارس) و( فوارس) ,وهذا الحرف شاذ ؛ لأن( فاعلاً ) إذا كان للمذكر يجب ألا يجمع على ( فواعل) ,ولكن يجمع على( فُعَّال) مثل ( شاهد) و( شُهَّاد) ويجوز أن تحذف الألف , فيقال: ( شُهَّد ) (3) , وإنما يجمع ( فاعل) على ( فواعل) إذا كان للمؤنث , أو لمن لا يعقل, يقال: ( جمل بارك ) و( جِمال بوارك ) , و( امرأة عاطل) (4) و( نساء عواطل)" (5) .
__________
(1) ... العقد الفريد 2/488.
(2) ... الرجز فى الديوان1/ 86.
(3) ... انظر: الكتاب 3/633, والفوائد والقواعد للثمانينى صـ 673, وشرح الشافية 2/155, ويبدو أن أبا العلاء كان يرى أن صيغة (فُعَّل) مقصورة من (فَُّعال), وهذا يتوافق مع ما ذكر من قبل فى دراسة إشباع الحركات أو تقصيرها. وهذا الرأي له يذكر برأي من ذهب إلى أن ( فُعَال ) في الجمع أصلها ( فُعَل ) وأشبعت الفتحة , فصارت ألفاً , وسيأتي صـ 357 .
(4) ... في التاج مادة ( عطل ) : " قال الرَّاغِبُ: العَطَلُ: فِقدانُ الزِّينَةِ والشُّغْلِ فهي عاطِلٌ بغير هاءٍ" .
(5) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 85 , 86. وانظر: المرجع نفسه 2/240, وعبث الوليد صـ 164, 165.(1/64)
وجمع ( فاعل) على ( فواعل) فى صفة المذكر العاقل موضع تعاورته الأ قلام بالاستدراك , فقد قال ابن خالويه: "ليس فى كلام العرب صفة جمعت على (فواعل) إلا أربعة أحرف: ( فارس) و(فوارس) (1) , و( هالك) و( هوالك) (2) و( خاشع) و( خواشع) (3) و( ناكس) و (نواكس)" (4) .
__________
(1) ... ومنه قول الحطيئة : بَنو عَبسٍ فَوارِسُ كُلِّ يَومٍ تَكادُ الهامُ خَشيَتَهُ تَطيرُ
(2) ... في التاج , مادة ( هلك ) : " ورَجُلٌ هالِكٌ من قوْمِ هَلْكى قال الخلِيلُ: إِنّما قالُوا هَلْكى وزَمْنى ومَرضى؛ لأَنّها أَشياءُ ضُرِبُوا بها، وأُدْخِلُوا فيها. وهُم لها كارِهُون ويجْمَعُ أَيْضًا على هُلَّك وهُلاَّك كسُكَّرٍ ورُمّانٍ،
وهَوالِكُ أَيْضًا، ومنه المَثَلُ: فلانٌ هالِكٌ من الهَوالِكِ، وأَنْشَدَ أَبو عَمْرو لابْنِ جِذْلِ الطِّعانِ:
تَجاوَزْتُ هِنْداً رَغْبَةً عن قِتالِه إِلَى مالِك أَعْشُو إِلى ذِكر مالكِ.
فأَيْقَنْتُ أَنِّي ثائِر ابن مُكَدَّمٍ غَداتَئذٍ أَو هالِكٌ في الهَوالِكِ
قالَ: وهذا شَاذٌّ على ما فسِّرَ في فوارِس، قال ابنُ بَرِّيّ: يجوزُ أَن يُرِيدَ هالِكٌ في الأمَمِ الهَوالِكِ، فيكونُ جَمْعَ هالِكَة على القياسِ، وإِنّما جازَ فوارِس لأَنّه مَخْصُوصٌ بالرِّجالِ، فلا لَبس فيهِ، قال: وصَوابُ إٍنشادِ البَيتِ : فأَيْقَنْتُ أنِّي عندَ ذلِكَ ثائِر" ...
(3) ... في اللسان , مادة ( خشع ) :" خَشَع يَخْشَعُ خُشوعاً واخْتَشَع وتَخَشَّعَ: رمى ببصره نحو الأَرض وغَضَّه وخفَضَ صوته. وقوم خُشَّع: مُتَخَشِّعُون. وخشَع بصرُه: انكسر، ولا يقال اخْتَشع؛ ...واخْتشعَ إذا طأْطأَ صَدْرَه وتواضع، وقيل: الخُشوع قريب من الخُضوع إِلا أَنّ الخُضوع في البدن، وهو الإِقْرار بالاستِخْذاء، والخُشوعَ في البدَن والصوْت والبصر" .ولم أجد ( خواشع ) جمعاً لصفة المذكر العاقل .
(4) ... ليس لابن خالويه صـ 147.(1/65)
وزاد على بن حمزة(1) صاحب التنبيهات: (طوائح) (2) و(عوارم) (3).
بينما قال صاحب الصحاح: " فأما مذكر ما يعقل فلم يجمع عليه إلا (فوارس) و(هوالك)
و( نواكس) (4) .
__________
(1) ... هو : علي بن حمزة البصري ، أبو القاسم , لغوي ، من العلماء بالأدب . له كتب ، منها " التنبيهات على أغاليط الرواة " وردود على : " الإصلاح " لابن السكيت و " فصيح " لثعلب و " النبات " للدينوري و " الحيوان " للجاحظ . توفى : ( 375 ه). انظر ترجمته في : الأعلام - خيرالدين الزركلي 4 / 283 .
(2) ... في اللسان , مادة ( طوح ) : "المَطاوِحُ: المَقاذِفُ. وطَوَّحَتْه الطَّوائِح: قَذَفَتْه القَواذِفُ. ولا يقال المُطَوِّحاتُ، وهو من النَّوادر كقوله تعالى: وأَرسلنا الرياحَ لَواقِحَ؛ على أَحد التأْويلين. وطَوَّح الشيءَ وطَيَّحه: ضيَّعه" . وهذا الجمع على فواعل جمع قياسي , لا كما قالوا ؛ لأنه جاء في جمع غير العاقل .
(3) ... في الصحاح ,مادة ( عرم ) :" العَرِم: المُسَنَّاةُ، لا واحدَ لها من لفظها، ويقال واحدها عَرِمَةٌ. وعَرَمْتُ العظم أعْرُمُهُ وأعْرِمُهُ عَرْماً، إذا عَرَقْتَهُ. وكذلك عَرَمَتِ الإبلُ الشجرَ: نالَتْ منه. والعُرامُ الضم: العُراقُ من العظم والشجر. وتَعَرَّمْتُ العظمَ: تَعَرَّقْتُهُ. وصبيٌّ عارِمٌ بيِّن العُرام بالضم، أي شَرِسٌ" . ولم أجد عارم جمعاً لـ عوارم صفة لمذكر عاقل .
(4) ... الصحاح , مادة ( فرس) .(1/66)
أما ابن القطاع(1) فزاد: (حاجب) و(حواجب) (2) و(صاحب) و(صواحب) (3)
__________
(1) ... هو:ابن القطاع السعدي الصقلى المكاتب ولد بصقلية, أخذ بها عن أبي بكر محمد بن علي بن البراء اللغوى وغيره وبرع في النحو وصنف تصانيف , له كتاب أبنية الأسماء , وله مصنف في العروض ومصنف في شعراء جزيرته صقلية أورد فيه لمائة وسبعين ( 170) شاعراً وكان نقاد البصريين ينسبونه إلى التساهل في الرواية , ولد سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة ( 433) و مات سنة أربع عشرة وخمس مائة ( 514) انظر ترجمته في : لسان الميزان 4 / 209 .
(2) ... في الصحاح , مادة ( حجب) : " الحجاب: السِتْرُ. وحجاب الجوف: ما يحتجب بينا لفؤاد وسائره. وحجَبه أي منعه عن الدخول. والمحجوب: الضرير. وحاجب العين جمعه حواجب، وحاجب الأمير جمعه حُجَّاب".
(3) ... في التاج , مادة ( صحب ) : " يُقَالُ: صَاحِبٌ وأَصْحَابٌ، كما يُقَالُ: شَاهِدٌ وأَشْهَادٌ، ونَاصِرٌ وأَنْصَارٌ. وَمَنْ قَالَ: صَاحِبٌ وصُحْبَة فهو كَقَوْلِكَ: فَارِهٌ وفُرْهَة. وغُلاَمٌ رَائِقٌ والجمع رُوقَة. والصُّحْبَةُ مَصْدَرُقَوْلِكَ: صَحِبَ يَصْحَب صُحْبَةً. وقالوا: في النِّسَاءِ: هُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفٍ. وحَكَىالفَارِسِيُّ عَنْ أَبِي الحَسَن: هُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُف. جَمَعُوا صَوَاحِبَ جَمْعَ السَّلاَمَة..وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل 4 / 412 : عن أبى بردة بن أبى موسى قال مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه فقال مروا أبا بكر يصل بالناس فقالت عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق متى يقوم مقامك لا يستطيع أن يصلى بالناس فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحبات يوسف" وفي فتح الباري - ابن حجر 2 / 128 : صواحب جمع صاحبة والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحد وهي عائشة فقط كما أن صواحب صيغة جمع والمراد زليخا" ولم يستخدم صواحب إلا في جمع المؤنث , أو في غير العاقل , ومنه ماورد في قول الفرذدق : ...
بَل ما رَأَيتُ وَلا سَمِعتُ بِهِ يَوماً كَيَومِ صَواحِبَ القَصرِ
وقول جرير : ... قَيسٌ تَبيتُ عَلى الثُغورِ جِيادُهُم وَتَبيتُ عِندَ صَواحِبِ الماخورِ
وقول ذي الرمة : وَأَنَّ صَواحِبَ الأظعانِ جُمٌّ وَأَنَّ لَهُنَّ أَعجازاً ثِقالا
وقول ابن أبي ربيعة : لِجَّت فُطَيمَةُ مِنكَ في هَجرِ غَدراً وَهُنَّ صَواحِبُ الغَدرِ
وقد بحثت كثيراً في المعاجم , وفي كتب الأدب واللغة عن ( صواحب ) جمعأ لمذكر عاقل , فلم أجد .(1/67)
و( شارب) و( شوارب) (1)و( ساعد) و( سواعد) (2), و( ناظر), و( نواظر) (3), و( حارك) , و
(
__________
(1) ... في مفردات غريب القرآن- الراغب الاصفهاني صـ 257 : "والشريب المشارب والشراب وسمى الشعر على الشفة العليا والعرق الذى في باطن الحلق شارباً وجمعه (شوارب) لتصورهما بصورة الشاربين " . وراجع مادة ( شرب) في اللسان , والتاج , ومنه يظهر أن جمع شارب على ( شوارب ) صفة لمذكر عاقل لم يرد .
(2) ... لم يجمع (ساعد) صفة لمذكر عاقل على( سواعد ) وإنما الذي جمع عليه هو الساعِد بمعنى : مُلْتَقَى الزَّنْدَيْنِ من لَدُن المِرْفَقِ إلى الرُّسْغِ، والسَّوَاعِدُ: مَجَأرِي الماءِ إلى النَّهْر أَو إلى البَحْر هاءٍ. والسوَاعِدِ مَجْرَى المُخِّ من العِظَام، كالقُطْبِ. والساعِدَةُ: خَشَبَةٌ تُنْصَب تُمْسِكُ البَكَرَةَ، وجمْعُها السَّوَاعِد والسّاعد: إحليل خِلْف الناقِة يخرج منه اللبن، ويجمع سواعد. انظر مادة ( سعد ) في : التهذيب واللسان والتاج , وفي العين تحت الجذر ( عسد ) : " سَعِدَ فلانٌ يَسْعَدُ سَعْداً وسَعادةً فهو سعيد ويجمع سُعَداء، نقيض أشقياء. وتقول:أَسْعَدُه اللهُ وأسْعَدَ جَدَّه. وإذا كان اسماً لا نعتاً فجمعه سعيدون لا سعداء" .
(3) ... في التاج , مادة ( نظر) : " النَّاظِرُ: العَيْنُ نَفْسُها، أو هو النُّقطةُ السوداءُ الصافية التي في وَسط سَواد العين وبها يَرى النَّاظِرُ ما يُرى، أو البصرُ نَفْسُه،... وناظِرَةُ: جبلٌ أو ماءٌ لبني عَبْس بأعلى الشَّقيق أو ع، قاله ابنُ دُرَيْد، وقيل: ناظِرَة وشَرْجٌ: ماءان لعَبْس... ونَواظِر: آكامٌ بأرض باهِلَة" . ولم أقف على نواظر جمعاً لـ ( ناظر ) صفة لمذكر عاقل .(1/68)
حوارك) (1), و( غارب) , و( غوارب)(2) . وزاد الجواليقى(3) على ما سبق: ( حارس ) و ( حوارس) (4)
__________
(1) ... في التاج , مادة ( حرك) : " الحارِكُ: أَعْلَى الكاهِلِ من الفَرَسِ وقيل: هو عَظْمٌ مُشْرِفٌ من جانِبَيهِ اكْتَنَفَه فَزعا الكَتِفَيْن، وقيل: هو مَنْبِتُ أَدْنَى العُرفِ إِلى الظّهْرِ الذي يَأْخُذ به مَنْ يَركَبُه ...والجَمْعُ حَوارِكُ" ومن هذا يظهر أن هذا الجمع قياسي ؛ لأنه لم يأت في العاقل , كما سيأتي .
(2) ... انظر: أبنية الأسماء صـ 273. و في الصحاح , مادة ( غرب ) : " الغارِب: ما بين السنام والعنق. ومنه قولهم: حَبْلُكِ على غارِبك، أي اذهبي حيث شئت. وأصله أنَّ الناقة إذا رعت وعليها الخِطامُ أُلقِي على غاربها؛ لأنَّها إذا رأت الخطام لم يهنئها بشيء. وغَوارِب الماء: أعالي موجه، شبِّهت بغوارب الإبل " وهذا الجمع كسابقه , جمع قياسي ؛ لأنه في غير العاقل.
(3) ... انظر: شرح أدب الكاتب لابن الجواليقى صـ 26, 27. و الجواليقي هو: موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن ، أبو منصور ابن الجواليقى : عالم بالأدب واللغة . مولده ووفاته ببغداد . كان يصلى إماماًَ بالمقتفي. من كتبه ( المعرب) في ما تكلمت به العرب من الكلام الأعجمي ، و ( تكملة إصلاح ما تغلط فيه العامة ) و ( شرح أدب الكاتب) و ( العروض ). قال ابن الجوزى : لقيت الشيخ أبا منصور الجواليقى ، فكان كثير الصمت ، شديد التحرى فيما يقول ، متقناً محققاً ، وربما سئل المسألة الظاهرة التى يبادر بجوابها بعض غلمانه ، فيتوقف فيها حتى يتيقن. توفى : (540 ) . انظر ترجمته في :الأعلام 7/ 335 .
(4) ... في التاج , مادة ( حرس ) : " حَرَسَه يَحْرُسُه ويَحْرِسُه حَرْسَاً وحِراسةً، بالكَسْر: حَفِظَه، فهو حارِسٌ، ج حَرَسٌ، ُحرّكةً، وأَحْرَاسٌ، وحُرّاسٌ، كخادِم وَخَدَمٍ وخُدّامٍ " ..ولم أجد في كتب اللغة أو المعاجم أو كتب الأدب جمعاً لـ ( حارس ) صفة لمذكر عاقل على ( حوارس ) .(1/69)
, و( حاجب), و( حواجب), قال: من ( الحجابة), و( حاجّ ) و( حواج) و( داجّ) و ( دواج) من قولهم : ( أما وحواج الله ودواجه) (1)و( خاطئ) و( خواطئ) من قولهم فى المثل: ( مع الخواطئ سهم صائب) (2) و( غائب) و( غوائب ) (3) و( شاهد) و( شواهد ) (4) .
__________
(1) ... في المحكم , مادة ( دجج) : " الحاج: الذين يحجّون، والدّاجّ: الذين معهم من الأجراء والمكارين
ونحوهم. وقيل: هم الذين يدبون في آثارهم من التجار وغيرهم. وفي كلام بعضهم: أما وحَوَاجّ بيت الله ودَوَاجِّه لأفعلنَّ كذا وكذا" .
(2) ... انظر: شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد 6/255, و16/120, وانظر أيضاً مادة ( خطأ) في : الصحاح, واللسان, والقاموس المحيط , والتاج .وفي مجمع المثال 2/280: " من الخواطئ سهم صائب يضرب للذي يخطئ مراراً أو يصيب مرة. والخواطئ التي تخطئ القرطاس، وهي من خطئت أي أخطأت. قال أبو الهيثم: وهي لغة رديئة. قال: ومثل العامة في هذا، رب رمية من غير رام " .
(3) ... في شرح شافية ابن الحاجب 2 / 153 : قال السيرافي : وجاء في الشعر : ومثلى في غوائبكم قليل , وذكر المبرد أن فواعل في فاعل الغالب أصل ، وأنه في الشعر سائغ حسن ... قال : والغوائب : جمع غائب . روى أن عتيبة بن الحرث قال لجزء بن سعد هذا البيت فقال له جزء : نعم وفي شواهدنا . والشواهد : جمع شاهد ، وهو مثل الغوائب . والاستشهاد بالبيت في قوله " غوائبكم " حيث جمع فاعلاً على فواعل شذوذاً .
(4) ... سبق في الكلام على ( غوائب )أن( شاهد) قد جمع على( شواهد) . ...(1/70)
وفي القرطبى: "( فاعل) لا يجمع على ( فواعل) إلا فى حروف مختصرة لا يقاس عليها, وهى: ( فارس ) و( فوارس ) , و( هالك ) و( هوالك ) , و( خالف ) و( خوالف ) (1)" . واستدرك ابن ما لك: ( دواخن) (2) و( حوائج ) (3) فى جمع ( داخنة ) و( حائجة ) .
__________
(1) ... القرطبى 12/62.
(2) ... في التهذيب ,تحت الجذر : ( دخن ) : " وجمع الدُّخان: دَوَاخنُ، عَلَى غير قياس " وانظر مادة (دخن ) في : (اللسان) , و(التاج)ِ. و يظهر من هذا أنه جاء في غير العاقل , فظهر بهذا أنه جمع قياسي .
(3) ... انظر: التسهيل صـ 276. وفي التاج , مادة (حوج ) : " تُجْمع الحاجَةُ على "حَاجَاتٍ" جمْعَ سَلاَمةٍ، وحِوَجٍ"، بكسر ففتح، قاله ثعلب،.. "وَحَوائجُ غيرُ قِيَاسيٍّ"، وهو رأْى الأَكثَرِ "أَو مُوَلَّدَةٌ"، وكان الأَصمعيّ يُنكِره ويقول: هومُوَلَّدٌ: قال الجَوهريّ، وإِنما أَنكَره بخُروجه عن القياس، وإِلاّ فهو في كَثيرٍ من كلامِ العرب...أَوْ كَأَنَّهمْ جَمَعُوا حَائِجَةً"، ولم يُنْطَقْ به قال ابن بَرِّىّ، كما زعمه النّحويُّونَ، قال: وذَكر بعضُهم أَنه سُمعَ حائِجةٌ لُغَةً في الحاجَة، قال: وأَمّا قولُه: إِنّه مُولَّد، فإِنه خَطأٌ منه، لأَنَّهُ قد جاءَ ذلك في حديثِ سيِّدِنا رسولِ الله، صلَّى الله عليه وسلّم، وفي أَشعارِ العربِ" . ويظهر من هذا الكلام أن (الحوائج) على ( فواعل ) قياسي ؛ لأنه جاء في غير العاقل .(1/71)
وزاد أبو حيان على ما سبق: ( ناشئ ) و(نواشئ ) (1), وجاء في ابن عقيل ( سابق ) و ( سوابق (2).
__________
(1) ... انظر: الارتشاف 1/451, وفي اللسان , مادة , ( نشأ) : " نَشَأَ يَنْشَأُ نَشْأً ونُشُوءاً ونَشاءً: رَبا وشَبَّ. ونَشَأْتُ في بني فلان نَشْأً ونُشُوءاً: شَبَبْتُ فيهم. ونُشِّئ وأُنْشئ، بمعنى.... وقيل الناشِئ فوَيْقَ المُحْتَلِمِ، وقيل: هو الحَدَثُ الذي جاوَزَحَدَّ الصِّغَر، وكذلك الأُنثى ناشِئ، بغير هاءٍ أَيضاً، والجمع منهما نَشَأٌ مثل طالِبٍ وطَلَبٍ، حَدَّ الصِّغَر، وكذلك الأُنثى ناشِئ، بغير هاءٍ أَيضاً، والجمع منهما نَشَأٌ مثل طالِبٍ وطَلَبٍ، وكذلك النَشْءُ مثل صاحِبٍ وصَحْبٍ".
(2) ... انظر : شرح ابن عقيل 2/469 . و في اللسان , مادة ( سبق) : "السَّبْق: القُدْمةُ في الجَرْي وفي كل شيء؛ تقول: له في كل أمر سُبْقةٌ وسابِقةٌ وسَبْقٌ، والجمع الأَسْباق والسَّوابِقُ" ولم أجد في المعاجم ( ( السوابق )تجمع على ( سوابق ) صفة لمذكر عاقل , لكن وجدت في المستدرك - الحاكم النيسابوري 3 / 239 : "قال كان خالد بن سعيد وأبان بن سعيد وعمرو بن سعيد من أهل السوابق في الإسلام " وفي مجمع الزوائد - الهيثمى 7 / 313 : "قال إن منكم سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم وإن منكم سوابق كسوابق الخيل ".
... وفي الكامل للمبرد1/101 , قول لأبي مخزوم النهشلي يفخر بقومه
إنا بني نهشل لا ندعي لأبٍ عنه، ولا هو بالأبناء يشرينا
إن تبتدر غايةٌ يوماً لمكرمةٍ تلق السوابق منا والمصلينا
قال المبرد1/103 تعليقاًً على البيت :"وقوله: تلق السوابق منا والمصلينا
فالمصلي الذي في إثر السابق، وإنما سمي مصلياً ؛ لأنه مع صلوي السابق" .(1/72)
وذكر ابن حجر (1): أن أبا عبيدة استدرك: (شاهق) و(شواهق) (2), و(داجن) و(دواجن) (3) هذا بالإضافة إلى (نواكس) (4) .
__________
(1) ... هو: ابن حجر العسقلاني أحمد بن على بن محمد بن محمد ابن على بن حجر الكنانى الحافظ أبو الفضل شهاب الدين العسقلاني ثم المصرى الشافعي. من مصنفاته : المسانيد الأربعة, والإتقان في فضائل القران , و بلوغ المرام من أحاديث الأحكام . وعرائس الأساس في مختصر أساس البلاغة للزمخشري, و فتح الباري شرح صحيح البخاري, وهدى السارى لمقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري له , وغير ذلك . ولد سنة( 773) وتوفى سنة( 852 )اثنتين وخمسين وثمانمائة . انظر ترجمته في : هدية العارفين 1 / 128 .
(2) ... في اللسان , مادة ( شهق ) : " الشاهِقُ: الجبل المرتفع. وجبل شاهِقٌ: طويل عالٍ، وقد شَهَق شُهوقاً.وكل ما رُفِعَ من بناء أو غيره وطال فهو شاهِقٌ، وقد شَهَقَ؛ ومنه يقال: شَهِقَ يَشْهَقُ إذا تَنفَّس تنفُّساً، ومنه الجبل الشاهِقُ. وجبل شاهِقٌ: ممتنع طولاً، والجمع شواهق" . ولم أجد في كتب اللغة أو المعاجم أو كتب الأدب جمعاً لـ ( شاهق ) صفةلمذكر عاقل على ( شواهق ) . ...
(3) ... في الجمهرة تحت جذر ( جدن ) : "بعير داجن، إذا ألِفَ المكانَ وأقام به، وكذلك شاة داجن: ملزومة في البيت لا ترعى، والجمع دَواجن" . ولم أجد في كتب اللغة أو المعاجم أو كتب الأدب جمعاً لـ ( داجن ) صفةلمذكر عاقل على ( دواجن ) . ...
(4) ... انظر: فتح البارى 8/236.(1/73)
قال ابن حجر (1): "واستدرك بعض الشراح.. : ( كامل) و(كوامل) (2), و(جانح), و ( جوانح ) (3),
و(غاش), و(غواش) (4) .
وكان للمحدثين أيضاً مشاركة فى هذا الاستدراك, فقد استدركوا ( روافد) فى جمع ( رافد) (5)
__________
(1) ... السابق نفسه 8/236.
(2) ... في التاج , مادة ( كمل) :" يُجمَعُ الكامِلُ على الكُمَّلِ، كسُكَّرٍ، وعلى كَمَلَةٍ، كَكَتَبةٍ ". ولم أجد في كتب اللغة أو المعاجم أو كتب الأدب جمعاً لـ ( كامل ) صفةلمذكر عاقل على ( كوامل ) . ...
(3) ... في الصحاح , مادة ( جنح ) :" الجَوانِحُ: الأضلاع التي تحت الترائب، وهي مما يلي الصَدْر كالضُّلوع مما يلي الظهر، الواحدة جانِحةٌ. وجُنِحَ البعير: انكسرت جَوانِحُهُ من الحِمْل الثقيل. وجَناح الطائر: يدُه. والجمع أَجْنِحَةٌ" . ولم أجد في كتب اللغة أو المعاجم أو كتب الأدب جمعاً لـ
( جانح ) صفة لمذكر عاقل على ( جوانح ) .
(4) ... في صحيح ابن حبان 1/ 520 : عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سيكون من بعدي أمراء يغشاهم غواش من الناس فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأنا منه برئ وهو مني برئ ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأنا منه وهو مني. فجمع (غواش) في الحديث صفة لمذكر عاقل , وهو غاش , ويحتمل أن يكون مفرده ( غاشية ) فيكون على القياس .
(5) ... انظر: من قضايا النحو والتصريف لـ د/ جابر المبارك صـ 51, 52. وفي التاج , مادة ( رفد ) : " والرَّوافِدُ: خَشَبُ السَّقْفِ ....ومما يستدرك عليه:الرَّافِدُ هو الذي يَلِي المَلِكَ ويَقُوم مَقَامَه إذا غَابَ، أَورَدَه ابنُ بَرّيّ في حَواشِيه" وقد جمع رافد على ( روافد ) بمعنى : ( خشب السقف ) ومماجمع على روافد وهو صفة لمكر عاقل , قول ضمرة النهشلي :
وطارقِ ليلٍ كنتُ حمّ مبيته إذا قلَّ في الحَيِّ الجميعِ الروافدُ(1/74)
و(بواسل) فى جمع (باسل) (1) , و(قوارئ) فى جمع (قارئ) (2) و(نياطل) فى جمع (ناطل) (3) , و(عواذل) فى (عاذل) (4)
__________
(1) ... انظر: أزاهير الفصحى صـ 17.
(2) ... في التاج , مادة ( قرأ ) : " القارئ والمُتَقَرِّئ ج قُرَّاءون مذكر سالم وقَوارِئُ كدَنانير , وفي نسختنا قَوارئ فَواعل، وجعله شيخنا من التحريف. قلت إِذا كانَ جمعَ قارِئٍ فلا مُخالفة للسَّماع ولا للقياس، فإن فاعلاً يُجمع على فواعل".
(3) ... في اللسان , مادة ( نطل) : " أَبو عمرو: النَّياطِل مَكاييل الخمر، واحدها نأْطَل، وبعضهم يقول ناطِل، بكسر الطاء غيرمهموز والأَول مهموز. الليث: الناطِلُ مكيال يكال به اللبن ونحوه، وجمعه النَّواطِل....الجوهري: الناطِل، بالكسر غير مهموز، كوز كان يكال به الخمر، والجمع النَّياطِل. قال ابن بري: قول الجوهري الجمع نَياطِل هو قول أَبي عمرو الشيباني، قال: والقياس منعُه لأَن فاعِلاً لا يجمع على فَياعِل، قال: والصواب أَن نَياطِل جمع نَيْطَل لغة في الناطَل والناطِل؛ حكاهاابن الأَنباري عن أَبيه عن الطوسي" .
(4) ... في التهذيب , تحت الجذر ( عذل ) : " العَذْل: اللوم. وقال غيره: العَذَل مثله. وهو مصدر عَذل يَعْذل عَذْلا وعَذَلاً. والعُذَّال جمع العاذل. والعواذل من النساء جمع العاذلة، ويجوز العاذلات "
... ففهم من هذا أن ( عواذل ) لا يكون جمعاً لـ ( عذل ) صفة لمكر عاقل . وقد وجدت في مقاتل الطالبيين- أبو الفرج الاصفهاني 1/235, 236:
... قال أبو زيد : وأنشدني ابن رواحة وفليج بن إسماعيل لعبدالله بن الحسن ابن الحسين في هند بنت أبي عبيدة شعرا : يا هند إنك لو علم ت بعاذلين تتابعا
... قالا فلم يسمع لما قالا وقلت بل اسمعا
هند احب إلي من ... ... أهلي ومالي أجمعا
وعصيت فيك عواذلي وأطعت قلباً موجعا
فجمع ( عاذل )على( عواذل ) وهو صفة لمذكر عاقل , بدليل جمعه في البيت الأول على (عاذلين ).(1/75)
, و(فوارط ) فى (فارط ) (1) , و(نواكل) فى (ناكل)(2).وقَوابِس(3) في قابس .
واستدركوا (4) ( ناكص) و ( نواكص ) (5) ,و ( غافل ) وغوافل ) (6)
__________
(1) ... في التاج ,مادة ( فرط ) : " الفارِطُ: مُتَقَدِّمُ الوارِدَةِ - كالفَرَطِ - والمُتَقَدِّمُ لحَفْرِ القَبْرِ، جَمْعُهُ: فُرَّاطٌ، ... وقد يُجمعُ الفارِطُ على فَوَارِطَ، وهو نادِرٌ، كفارِسٍ وفَوَارِسٍ، كمافي العباب" .
(2) ... انظر: السماع والقياس لـ أحمد تيمورصـ 20, 21. وفي اللسان , مادة ( نكل ) : " الناكِلُ: الجَبانُ الضعيفُ"ولم أجد هذا الجمع على ( فواعل ) فيما وقفتت عليه من كتب الأدب أو اللغة أوالمعاجم .
(3) ... في اللسان , مادة , (قبس) :" القَبَس: النار. والقَبَس: الشُّعْلة من النار. وفي التهذيب: القَبَس شُعلة من نار تَقْتَبِسها من مُعْظَم، واقْتِباسها الأَخذ منها. وقوله تعالى: بشهاب قَبَس: القَبَس: الجَذْوَة، وهي النار التي تأْخذها في طَرَف عُود. . والقابِس: طالِب النار، وهو فاعِل من قَبَس، والجمع أَقْباسٌ، لا يكسَّر على غير ذلك، وكذلك المِقْباس... والقَوابِسُ: الذين يَقْبِسُون الناس الخير يعني يعلِّمون".
فظهر من هذا أن القابس للعلم ورد تكسيره على فواعل , مع أنه جاء في صفة المذكر العاقل . ...
(4) ... انظر : الفيصل في ألوان الجموع ـ أ/ عباس أبو السعود صـ 76.
(5) ... في المصباح , مادة ( فرس) ( نواكص ) جمع (ناكص ) وهو المحجم عن الشئ.
(6) ... في الجمهرة , مادة ( غفل ) : " غَفَلَ الرجلُ عن الشيء يغفُل غُفولاً فهو غافل. ورجل مغفَّل: لا فطنةَ له. ...وجمع غافل غَفول وغُفَّل".
ولم أقف على جمع ( غافل ) صفة لمذكر عاقل على (غوافل ) . والبيت الذي استشهد به أ /عباس أبو السعود في ـ الفيصل في ألوان الجموع صـ 77 وهو
حَصانٌ رَزانٌ ما تُزِنُّ بِريبَةٍ وَتُصبِحُ غَرثى مِن لُحومِ الغَوافِلِ
هذا في في وصف المؤنث لا المذكر , ولا أدري كيف استشهد به على جمع ( فواعل )
في صفة المذكر العاقل ؟(1/76)
و( لاحٍ ) و( لواحٍ ) من لحاه يلحاه إذا لامه (1), ومثله ( لوائم ) في جمع ( لائم ) (2)
و( حازٍ) و( حَوَازٍ ) وهم الكهان(3) , و( كاهن ) و( كواهن ) (4) ,
__________
(1) ... في المحيط في اللغة : " واللِّحَاءُ - مَمْدُوْدٌ -: المَلاحَاةُ والمُشَاتَمَةُ، وهي العَذْلُ. واللَّعْنُ أيضاً. واللَّوَاحي: العَوَاذِلُ" . وهكذا ذكر في أكثر المعاجم , ولايفهم منه إن كان جمعاً لصفة المذكر العاقل أو لا , فلا يستدل به عليه, بل لو كان جمعاً لصفة المذكر العاقل , لنبهوا عليه , كما نبهوا على نظرائه . أما استدلال صاحب ـ الفيصل في ألوان الجموع بقول علي بن خليل للخليفة المهدي : إذا ما كنت شاربها فسراً ... ودع قول اللوائم واللواحي ...
فمما ينبغي أن لايحتج به ؛ إذ ليس قائله ممن يحتج بكلامه .
(2) ... في الصحاح , مادة ( لوم ) : "اللَوْمُ: العَذْلُ. تقول: لامَهُ على كذا لَوْماً ولَوْمَةً، فهو مَلومٌ. ولَوَّمَهُ شدِّد للمبالغة. واللُوَّمُ: جمع لائِم" . وليس فيما وقفت عليه من معاجم جمع لـ ( لائم ) على( لوائم) صفة لمذكر عاقل , لكن يمكن أن يكون منه ماجاءفي مقاتل الطالبيين- ابو الفرج الاصفهاني 2/454 وهو من قول موسى بن عيسى :
بني عمنا ردوا فضول دمائنا ينم ليلكم أولا يلمنا اللوائم
فانا وإياكم وما كان بيننا كذي الدين يقضي دينه وهو راغم ...
(3) ... في التهذيب , تحت الجذر ( حزو ) : " قال الليث: الحَازى الكاهِنُ تقول: حَزَا يَحْزُو ويَحْزى ويتَحَزَّى " . وفي التاج , مادة ( نشع ) : " قالَ ابنُ سِيدَه: الحَوازِي: الكَوَاهِنُ، واسْتَحَتْ أنْ تَأْخُذَ أجْرَ الكَهَانَةِ" وهذا يدل على أن (_ الحوازي ) جاء في جمع المؤنث , لا كما قالوا ... .
(4) ... في الصحاح , مادة ( كهن ) : " الكاهِنُ معروف، والجمع الكُهَّانُ والكَهَنَةُ. يقال: كَهَنَ يَكْهُنُ كِهانَةً، إذا تَكَهَّنَ. وإذا أردت أنَّه صار كاهِناً قلت: كهُنَ يَكْهُنُ كَهانَةً" ... .(1/77)
و( باسل ) و( بواسل ) (1), و(غامض ) و ( غوامض ) بمعنى الفاتر من الحملة من الرجال (2) , و( عاجز ) و ( عواجز ) (3)
و( حاسر ) ( و( حواسر ) (4)
__________
(1) ... في المحيط , مادة ( بسل ) : بَسُلَ الرجُلُ يَبْسُلُ؛ فهو باسِل: وهو عُبُوْسَةُ الغَضَبِ والشجَاعَةِ. وأسَد باسِل. وتَبَسلَ الرَّجُلُ واسْتَبْسَلَ: صارَ باسِلاً. وأبْسَلَ نَفْسَه للمَوْتِ: إذا وَطَّنَ نَفْسَه عليه" . ولم يجمع ( باسل ) على ( بواسل ) فيما وقفت عليه من المعاجم , لكنه ورد في شعر من يحتج به , ومنه قول الأحوص الأنصاري: وَلَولا الَّذي قَد عَوَّدَتنا خَلائِفٌ غَطاريفُ كانَت كَاللُيوثِ البَواسِلِ
(2) ... في التاج , مادة ( غمض ) : " الغَامِضُ: "الرَّجُلُ الفَاتِرُ عن الحَمْلَةِ"، جَمْعُه غَوَامِضُ، قالَهُ اللَّيْثُ وأَنْشَدَ: والغَرْبُ غَرْبٌ بَقَرِيٌّ فارِضُ لا يَسْتَطِيعُ جَرَّهُ الغَوَامِضُ ... ...
(3) ... في التاج , مادة ( عجز ) : " يقال: عَجَزَ عن الأمرِ وعَجِزَ، يَعْجِز ويَعْجَز عَجْزَاً وعُجوزاً وعَجَزاناً، فهو عاجزٌ، من قومٍ عَواجِز، قال الصَّاغانِيّ: وهُذَيْل وَحْدَها تَجْمَع العاجِز من الرجال عَواجِز،وهو نادر" . ... ...
(4) ... في التاج , مادة ( حسر ) : قال ابنُ سِيدَه: امرأةٌ حَاسِرٌ: حَسَرَتْ عنها دِرْعَها. وكُلُّ مَكْشُوفَةِ الرَّأْسِ والذَّراعَين حَاسِرٌ. والجمع حُسَّرٌ وحَوَاسِرُ ".
وفي الخزانة1/205 نص على أن ( حواسر ) تكون في جمع المؤنث , أو غير العاقل , قال : " فاعل إذا كان اسماً نحو كاهل، أو صفة مؤنث سواء كان ممن يعقل نحو حائض أو ممن لا يعقل نحو ناقة حاسر: إذا أعيت، أو صفة مذكر غير عاقل نحو صاهل -يجمع قياساً على فواعل، تقول: كواهل وحوائض وحواسر وصواهل. أما إذا كان صفة المذكر عاقل لا يجمع على فواعل". لكن في سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي 5 / 380 , عند شرح غريب قول العباس بن مرداس :
... ... ... نَصَرنا رَسولَ اللَهِ مِن غَضَبٍ لَهُ بِأَلفِ كَمِيٍّ لا تُعَدُّ حَواسِرُه
"الحواسر : الجموع الذين لا درع عليهم ، ويقال : رجل حاسر إذا لم يكن عليه درع ".(1/78)
, و ( سابح ) و ( سوابح ) (1) .
ووجدت مما لم يذكروه هذه الكلمات:,
مسلسل ... المفرد ... الجمع ... تفسير الغريب ... المصدر
1- ... ساقط ... سواقط ... هواللئيم فى حسبه ونفسه ... العين والتهذيب , مادة ( سقط ) , وشرح نهج البلاغة 15/15 (2).
2ـ ... شافع ... شوافع ... الذي ينظر نظرين ... التاج مادة ( شفع ) (3)
3- ... ضابح ... ضوابح ... الذىيرفع صوته بالقراءة ... النهايةلابن الأثير 2/71, واللسان , والتاج , مادة ( ضبح ) (4).
__________
(1) ... لم أجد( سوابح ) جمعاً لـ ( سابح) صفة المذكر العاقل في المعاجم , لكن وجدت منه في شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 3 / 72, قول رجل من طئ, خاله جرير الشاعر:
وإن قلت لا أرضى علياً إمامنا ... فدع عنك بحراً ضل فيه السوابح
أبى الله إلا أنه خير دهره ... ... وأفضل من ضمت عليه الأباطح ... ...
(2) ... في التهذيب , تحت الجذر ( سقط ) : " السَّاقطةُ : اللَّئيمُ في حسبه ونفسه، وهوالسّاقِط أيضاً، والجميع السواقِط وأنشد: ... ... نحنُ الصميمُ وهم السّواقِط
(3) ... في التاج , مادة ( شفع ) : " َعَيْنٌ شافِعَةٌ: تَنْظُرُ نَظَرَيْن، وأنشدَ ابْن الأَعْرابِيّ:
ما كان أَبْصَرني بغِرّاتِ الصِّبا فاليومَ قد شُفِعَتْ لي الأَشْباحُ
بالضَّمّ: أي: أرى الشخصَ شَخْصَيْن؛ لضَعفِ بصَري وانتِشارِه وأنشدَ ثَعْلَبٌ:
لنَفسي حَديثٌ دونَ صَحْبِي وأَصْبَحَت تَزيدُ لعَيْنَيَّ الشُّخوصُ الشَّوافِعُ
ولم يُفَسِّرْه، وهو عندي مثلُ الذي تقدّم " . ففي البيت الثاني جمع ( شافع ) لمذكر عاقل على ( شوافع ) .
(4) ... في التاج , مادة ( ضبح ) : " والمُضابَحةُ: المُقابَحة والمُكافَحَة" والمُدَافَعةُ عنك. ومما يستدرك عليه: الضَّوَابِحُ، وهو في شِعر أَبي طَالِب: فإِنّي والضّوابحِ كلَّ يَوْمٍ
جمع ضَابِحٍ، يريد القَسَمَ بمن رَفَعَ صَوْتَه بالقرَاءَةِ، وهو جِمعٌ شاذٌّ في صفة الآدَميّ، كفَوَارسَ ".(1/79)
4 ـ ... ناظر ... نواظر ... جمع ناظر ... الجمهرة , الجذر ( رظن) (1)
ويمكن أن يكون منها ما سيأتى لكن ليس بصورة حاسمة:
1 ( الخوارج ) , وهم طائفة خرجت على حكم الإمام على ـ رضي الله عنه ـ والواحد منهم
خارجى.
2ـ ( الروافض ) وهم فرقة رفضوا التحكيم أيام الإمام على والواحد منهم رافضى.
3ـ (النوابغ) فى جمع ( نابغة) كما فى القاموس , مادة ( نبغ ) .
4ـ ( النواجع ) فى جمع ( ناجعة) كما فى المصباح , ماة ( نجع ) .
وإنما لم يمكن الحسم فى هذه الآواخر؛ لأنها تحتمل التأويل المقبول فـ ( الخوارج) و ( الروافض) يمكن أن يكونا جمعاً لفرقة ( خارجة) و( رافضة) و( النوابغ) , و (النواجع) للتاء فى المفرد, مع أنها زائدة للمبالغة , لكن التأنيث اللفظى فيها قد يُجَوِّز معاملتها معاملة المؤنث, فتجمع على ( فواعل).
وهكذا كثرت الاستدراكات حتى قاربت ستين كلمة , وذلك جعل بعض المحدثين يقول بجوازجمع( فاعل) على ( فواعل) (2) لكن بنقد هذه الاستدراكات يتضح أن أكثرها غير متجه, فالذى نص عليه سيبويه أنه "إن كان ( فاعل) لغير الآدميين كسر على ( فواعل), وإن كان لمذكر أيضاً؛ لأنه لا يجوز فيه ما جاز فى الآدميين من الواو والنون"(3) .
__________
(1) ... في الجمهرة , تحت الجذر (رظن ) : " النَّواظر: جمع ناظر. وقد سمَّت العرب ناظراًومنظوراً ".
(2) ... منهم د/ عباس حسن فى النحو الوافى: حاشية 4/654, وا/ عباس أبو السعود فى: أزاهير الفصحى صـ 17, 18, والفيصل في ألوان الجموع صـ 77 , و د/ جابر المبارك فى: من قضايا النحو والتصريف صـ 52, د/ أبو الفتوح شريف فى: علم الصرف صـ 173.
(3) ... الكتاب 3/633, وقارنه بـ : شرح الكافية الشافية 4/1865, والارتشاف 1/449.(1/80)
وهكذا فإنه لا يسلم مما استُدرِك إلا ما يقرب من خمسة وعشرين كلمة,وهي : ( فوارس) و(هوالك) و( نواكس) , و( خواشع), و( نواشئ) , و( حواج), و( دواج), و(غوائب), و(شواهد), و(قوارئ) و( فوارط) ,و( قوابس ) , و ( سوابق ) , و ( غواشٍ) , و ( روافد ) , و( بواسل ) , و( عواذل ) و ( نواكص ) , و ( لوائم ) , و ( غوامض ) , و ( عواجز ) , و ( سوابح ) , و ( سواقط ) , و( ضوابح ) , و( خوارج ) , و( روافض ) , و( نوابغ ) , و( نواجع ) ؛لأنها جميعاً فى صفات المذكر العاقل.
أما بقية ما استدركوا, وهو يقارب واحداً وثلاثين كلمة فقد جاء لغير عاقل أو لمؤنث, فيكون جمعه على (فواعل) قياسياً, ومن هذا قولهم: ( خالف) و( خوالف) من قوله سبحانه :
" رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ "(1) وهذا لا يصح استدراكه إلا إن كان المقصود به الذكور, ففى فتح البارى "يجوز أن يكون الخوالف هنا النساء"(2), وأما ( طوائح) و( عوارم) فهما لغير العاقل(3) وكذا ( حواجب) و( شوارب) و( سواعد) و( نواظر) و( حوارك) و ( غوارب ) و( شواهق) و( دواجن) و( جوانح) , وأما ( حواجب ) من الحجابة, فلم يجمع هذا الجمع فى المعاجم, وإنما جمعها ( حجاب ) .
__________
(1) ... سورة التوبة من الآية: 87.
(2) ... فتح البارى 8/236, وانظر: تفسير ابن كثير 3/463, 464, والطبرى 10/259, ومعانى القرآن للنحاس 3/241.
(3) ... (الطوائح) هى المقاذف, والطائح أيضا المشرف على الهلاك, ولم يجمع على (طوائح). انظرمادة ( طوح في الصحاح واللسان . (العارم) القوى الشديد, يقال يوم عارم: أى شديد البرد. انظر: القاموس , مادة ( عرم ).(1/81)
وكذا ( حوارس) الذى فى المعاجم جمعها على ( حراس) (1) ومثلها: ( كوامل) وأما (خواطئ) فى قولهم ( مع الخواطئ سهم صائب ) فلا شك أنها لغير عاقل. كما أن مفردها مؤنث .
... واستدراك المحدثين أيضاً مع أنهم تنبهوا إلى ما شرطه سيبويه من العقل فى صفة المذكر الذى يجمع هذا الجمع لم يمنعهم من أن يذكروا فى استدراكهم صفات غير العاقل, ومن ثم أجازوا جمع (فاعل) المذكر ( العاقل ) على ( فواعل ) .
وهذا منهم قال عنه ابن مالك : ( غلط ), قال: " وغلط كثير من المتأخرين فحكم على هذه بالشذوذ, وإنما الشاذ جمع (فاعل) صفة لمذكر عاقل على ( فواعل) , وأما ( فاعل ) اسماً كـ ( عاتق) و( كاهل), فـ ( فواعل) فيه مطرد"(2) .
ومع هذا لم يسلم ابن مالك من هذا ( الغلط ), فهو الذى حكم على (دواخن) و(حوائج) بالشذوذ(3).
وبعد هذا كله, هل يجوز جمع ( فاعل) صفة لمذكر عاقل على ( فواعل) ؟
اتضح بعد نقد الاستدراكات السابقة أن أكثرها غير متجه, وبقيت كلمات لكنها ليست قليلة وإن لم تسلم من التأويل, فقد قالوا فى ( فوارس) إنما جمع؛ لأنه شئ لا يكون فى المؤنث, فلم يخف فيه اللبس(4) .
وأما ( هوالك ) فإنما جاء فى المثل, يقال: ( هالك فى الهوالك ) (5)
__________
(1) ... هذا فى العاقل أما فى غيره فيجمع على (حوارس) كما فى قول الإمام على: (الاستغفار حوارس الذنوب). انظر: شرح نهج البلاغة 18/239.
(2) ... شرح الكافية الشافية 4/1865.
(3) ... انظر: التسهيل صـ 276.
(4) ... انظر: شرح ديوان ابن أبى حصينة2/ 86, وابن يعيش 5/56, وشرح الشافية للجار بردى 2 ... /99, والتصريح 2/313.
(5) ... في العقد الفريد 5/175أن عمروبن خالد بن الشريد قد نهى أخاه مالكاً عن غَزو بني فِراس، فعصاه وانصرف للغَزْو عنهم. فقال عبدُ الله بن جذل:
تجنبتُ هِنداً رغبةً عن قتاله إِلى مالكٍ أَعْشُو إلى ضَوْء مالِك
فأيقنت أنّي ثائرُ ابن مُكَدَّم غَداتئذ أو هالك في الهَوالك(1/82)
فجرى على الأصل؛ لأنه قد يجئ فى الأمثال ما لا يجئ فى غيرها, وأما (نواكس) فقد جاء فى ضرورة الشعر.
وقالوا أيضا إن هذه الألفاظ تجئ بتأويل أن المراد (طائفة هوالك) و(طائفة فوارس) وهكذا(1). يقول ابن حجر : " والمشهور في( فواعل) جمع ( فاعلة )فإن كان من صفة النساء فواضح وقد تحذف الهاء في صفة المفرد من النساء وإن كان من صفة الرجال فالهاء للمبالغة يقال رجل خالفة لا خير فيه والأصل في جمعه بالنون ....ولا تجمع النحاة ما كان من فاعل نعتاً على فواعل لئلا يلتبس بالمؤنث ولم يأت ذا إلا في حرفين فارس وفوارس وهالك وهوالك أما الأول فإنه لا يستعمل في الفرد فأمن فيه اللبس ,وأما الثاني فلأنه جرى مجرى المثل, يقولون هالك في الهوالك فأجروه على أصله لكثرة الاستعمال قلت فظهر أن الضابط في هذا أن يؤمن اللبس أو يكثر الاستعمال أو تكون الهاء للمبالغة أو يكون في ضرورة الشعر "(2) .
ومن هذا يظهر أن ابن حجر يجيز القياس على ما سمع من جمع( فاعل) على ( فواعل )في صفة المذكر العاقل, لكن بالضوابط التي ذكرها .
وذلك ما جعل بعض المحدثين يقول بجوازجمع( فاعل) على ( فواعل) (3). وبه أخذ مجمع اللغة العربية بالقاهرة , ففي مجموعة القرارات العلمية , قال :" لامانع من جمع( فاعل )على ( فواعل ) , وذلك لماورد من أمثلته الكثيرة في فصيح الكلام " (4) .
__________
(1) ... انظر هذه التأويلات: فى الكامل 1/372, والارتشاف 1/451, وشرح الشافية للرضى 2/154, و التصريح 2/313, والخزانة 1/205, 206, وشرح شواهد الشافية صـ 142 .
(2) ... فتح الباري - ابن حجر 8 / 236 . ...
(3) ... منهم د/ عباس حسن فى النحو الوافى: حاشية 4/654, وا/ عباس أبو السعود فى: أزاهير الفصحى/ 17/ 18, والفيصل في ألوان الجموع صـ 77 , و د/ جابر المبارك فى: من قضايا النحو والتصريف صـ 52, ود/ أبو الفتوح شريف فى: علم الصرف صـ 173.
(4) ... انظر: مجموعة القرارات العلمية في خمسين عاماً صـ 78 .(1/83)
ولا شك أن تتابع البحث سينتج كلمات أُخَرجمعت على ( فواعل ) وهي صفة لمذكر عاقل .
ومن ثم يمكن القول إن هذا الجمع بهذه الصفة جائز , وإن كان قليلاً, وقد تشبه الصفة بالاسم فتجمع هذا الجمع كما قال الأصمعى(1) .
وأختم هنا بما قاله التوحيدى: "ليس للنحوى أن يلزم مثل هذا الحكم إلا بعد التبحر, والسماع الواسع, وليس للتقليد وجه إذا كانت الرواية شائعة, والقياس مطرداً"(2) .
جمع الثلاثى المقصور على أفعلة
يطرد ( أفعلة ) فى اسم مذكر رباعى بمدة ثالثة, نحو ( طعام ) و( أطعمة ), و( رغيف) و ( أرغفة), و( عمود) و( أعمدة) (3) قالوا: وقد شذ من ذلك كلمات ثلاثية مقصورة جمعت على ( أفعلة) نحو ( قفا) و( أقفية) و( رحى) و( أرحية) (4) و( ندى) و(أندية) (5).
قال أبو هلال العسكري :" والأندية هاهنا جمع ندى، والأصل في جمع ما كان على هذا البناء أفعال، مثل: ندىوأنداء، وقفا وأقفاء، ولم يجىء في جمع هذا أفعلة إلا هاهنا " (6).
وقد ادعى ابن خالويه أنه ليس فى كلام العرب مقصور جمع على ( أفعلة) كما يجمع الممدود إلا الثلاثة السابقة(7) .
__________
(1) ... انظر رأى الأصمعى فى :الارتشاف 1/451.
(2) ... معجم الأدباء 4/300 .
(3) ... انظر: الكتاب 3/601, 602, والمقتضب 2/204, وشرح الكافية الشافية 4/1823, والارتشاف 1/416, والأشمونى 4/126, وتصريف الأسماء لـ د/ بدوى المختون صـ 134, 135.
(4) ... انظر فى (أقفية) و(أرحية): ليس لابن خالويه صـ 133, وسر الصناعة 2/168, ودرة الغواص صـ 74, والصحاح , مادتي : ( قفو ), و( رحي ) .
(5) ... انظر فى (أندية) : ليس صـ 133, ودرة الغواص صـ 74, والروض الأنف 3/215, وأمالى المرزوقى صـ 123, 124 , والصحاح , مادة ( ندي) , وشرح شواهد الشافية صـ 277, وتصريف الأسماء لـ د/ بدوى المختون صـ 135.
(6) ... جمهرة الأمثال 2/161 . ...
(7) ... انظر: ليس لابن خالويه صـ 133.(1/84)
نعم جمع المقصور على أفعلة قليل, لكن الحصر فيما ذكره أبو هلا ل و ابن خالويه ليس مستقيماً, فقد ذكر الشهاب الخفاجى من ذلك؛ (سدى) و(أسدية) (1) و( لوى) و( ألوية) (2) و( شرى) و(أشرية) (3) .
ووجدت من ذلك ( سرى) و( أسرية) (4) و( غمى) و( أغمية) (5) و( قذى) و( أقذية) (6) .
__________
(1) ... يقال: سديت الأرض إذا كثر نداها من السماء كان أو من الأرض, الواحد: (سدى) والجمع (أسدية) كما فى: الصحاح, واللسان مادة : ( سدي ) .
(2) ... (اللوى) ما التوى من الرمل, وقيل هو مسترقه, والجمع : (ألواء), وكسره يعقوب على (ألوية) انظر: النهاية لابن الأثير 4/279, وفي التهذيب , تحت الجذر ( لوى ) : ".وجمع "لواء" الأمير: ألوية وأَلْواء. وجمع "لِوَى" الرمل: الوية، وألواء".
(3) ... (الشرى): هو البيع, ويجمع على (أشرية) قال فى اللسان , مادة ( شري ) : " يجمَع الشِّرى على أَشْرِبةٍ، وهو شاذّ، لأَن فِعَلاً لا يجمع على أَفعِلَة. قال ابن بري: ويجوز أَن يكون أَشْرِيَةٌ جمعاً للممدود كما قالوا أَقْفِية في جمع قَفاً" . أَن منهم من يمُدُّه ".
(4) ... (السرى): نهر صغير كالجدول, والجمع (أسرية) و(سريان) انظر مادة "( سري ) في : الصحاح , والقاموس , واللسان.
(5) ... رجل (غمى) مقصور, أى: مغمى عليه للواحد والاثنين والجمع, ويجمع على (أغمية) , وفي اللسان , مادة( غمي) : " الغَمَى: سَقْفُ البيتِ، فإذا كسَرْتَ الغينَ مَدَدْت، وقيل: الغَمى القَصَب وما فَوقَ السَّقْفِ من التُّرابِ وما أَشْبَهه، والتثنية غَمَيان وغَمَوان؛ عن اللحياني، قال: والجمع أَغْمِيةٌ، وهو شاذٌ، ونظيره نَدىً وأَنْدِيةٌ، والصحيح أَنَّ أَغْمِيةً جمعُ غِماءٍ كرِداءٍ وأَرْدِيةٍ، وأَن جمع غَمىً إنما هو أَغْماءٌ كنَقىً وأَنْقاء" .
(6) ... فى فتح البارى 1/460 أن (القذى) جمع (قذاة) وجمع الجمع (أقذية).(1/85)
وقد ذهب قوم يخطئون ما كان من ذلك إذا جمع على ( أفعلة), ومن هذا أن الحريرى (1) قال: "الصواب فى ( أرحية ) و(أقفية): (أرحاء ) و( أقفاء ) "(2).
أما ما ورد منه فى الشعر " فقد حمله بعضهم على الشذوذ, وبعضهم على وجه ضرورة الشعر"(3) .
ومن هذا قول ابن محكان السعدى(4) :
في ليلةٍ مِن جُمادَى ذَاتِ أَندِيةٍ لا يُبصر الكلبُ من ظلمائها الطُنُبا (5)
__________
(1) ... هو : القاسم بن على بن محمد بن عثمان جمال الدين أبو محمد الحريري البصري الحرامى ولد سنة( 446) وتوفى سنة (516) ست عشرة وخمسمائة . من تصانيفه توشيح البيان, و درة الغواص في اوهام الخواص , و ديوان الرسائل , و شرح الملحة له, و المقامات مشهورة , وملحة الاعراب وسخنة الآداب منظومة في النحو . انظر ترجمته في : هدية العارفين 1 / 827.
(2) ... درة الغواص صـ 74.
(3) ... المرجع السابق نفسه صـ 75.
(4) ... في الأغاني 22/322 :" هو : مرة بن محكان ولم يقع إلينا باقي نسبه، أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم. شاعرمقل إسلامي من شعراء الدولة الأموية، وكان في عصر جرير والفرزدق، فأخملا ذكره، لنباهتهما في الشعر.وكان مرة شريفاً جوداً وهو أحد من حبس في المناح والإطعام.ينحر مائة بعير" .
(5) ... البيت من بحر البسيط لمرة بن محكان, وهو فى المقتضب 2/204, والخصائص 3/54, وسر الصناعة ... 2/167, والحيوان 2/352, وأمالى المرزوقى123, شرح الحماسة له4/1563, ومعجم الشعراء صـ29 6, والقرطبى2/24, وشرح شواهد الشافية صـ 277, 278, وموارد البصائر صـ 457.(1/86)
وما ورد منه في الكلام تأولوه , واختلفوا فيه , فقد قالوا(1)في نحو ( أندية ) : هو جمع جمع , فكأنه جمع ( ندى ) على ( نداء ) , مثل : ( جمل ) و( جمال ) , ثم جمع على أندية ,مثل : ( رشاء ) (2) و( أرشية ).
وفى هذا يقول أبو العلاء تعليقاً على قول ابن أبى حصينة:
سَقَت أَندِيَّةُ القَطرِ دِيارَ الحَيِّ بِالغَمرِ (3)
" ( أندية) جمع ( نَدَى) على غير قياس, وقيل: جمع (ندى) على (فِعَال) حتى صار فى وزن ( رِشَاء), ثم قيل ( أندية ) كما يقال: ( رِشَاء) و(أرشية), ومن ذلك قول السعدى:
في ليلةٍ مِن جُمادَى ذَاتِ أَندِيةٍ لا يُبصر الكلبُ من ظلمائها الطُنُبا "(4)
وهذا التوجيه غير مستقيم من وجهين, الأول: أن جمع الجمع غير مقيس, والثانى ما رد به السهيلى بأن "( فِعَالاً) جمع كثرة, فلا يجمع هذا الجمع الذى هو للقلة"(5) . وهو رد فى غاية الحسن.
__________
(1) ... انظر : سر الصناعة 2/168, وأمالي المزوقي صـ 124, والروض الأنف 3/215, ودرة الغواص صـ 76, وشرح الدرة للشهاب الخفاجي صـ 254, وشرح شواهد الشافية صـ 277.
(2) ... في الصحاح , مادة ( رشأ ) : " الرِشاءُ: الحبل، والجمع أَرْشِيَةٌ ". وفي اللسان , مادة ( رشأ ) : الرِّشاءُ: الحبْلُ، والجمع أَرْشِيَةٌ. قال ابن سيده: وإنما حملناه على الواو لأَنه يُوصَلُ به إلىالماء كما يوصَلُ بالرُّشْوَةِ إلى ما يُطلَبُ من الأَشياء" .
(3) ... البيت من بحرالهزج , وهو فى الديوان 1/ 88.
(4) شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 88, 89 . ...
(5) ... الروض الأنف 3/215, وشرح درة الغواص صـ 254.(1/87)
أما المبرد(1) فكان يرى أنه جمع ( ندىِّ) كـ (غنى), و( الندى) هو المجلس. واحتج فى ذلك بأن من عادة العرب عند اختلاف الأنواء, وإمحال السنة أن يبرز أماثل كل قبيلة إلى ناديهم, فيواسوا بفضلات الزاد.
وهذا وإن كان محتملاً لكنه كما يقول السهيلى لا يشبه معنى البيت(2) .
ويلحظ أن هذا التوجيه والذى قبله " ليست ( أندية) فيها لفظ جمع اسم ثلاثى, إنما هو جمع ما كان على (فِعَال) أو (فعيل) أو نحوهما"(3) ولهذا فقد جوز أبو على الفارسي(4) وتلميذه ابن جنى(5) أن يكون جمع ( ندا) على ( أندٍ) كما يجمع (فَعَل) على (أَفْعُل) (6) نحو (زَمَن) و( أََزْمُن) ثم ألحقه علامة التأنيث التى تلحق الجمع فى مثل: (ذكورة) و(جمالة) فصار ( أندية).
فكأن وزن ( أندية ) ( أفعلة ), وإنما قلبت الضمة كسرة لتسلم الياء من القلب واواً.
يقول ابن جنى عن هذا الوجه: " والذى ذهبنا إليه نحن من كون ( أندية) ( أفعلة ) بضم العين أمثل؛ لأن (أفعلة) إنما هى تأنيث ( أفعل), و( أفعل) جمع كثير من الثلاثى وإن كان فى ( فَْعل) أكثر"(7) .
والذى ذكره الفارسي وابن جنى وجه, لكن إذا كان ( أفعل) كثيراً على هذا الوجه فكان ينبغى كثرة الأمثلة التى جاءت من الثلاثى المقصور على (أفعل) ولحقتها تاء التأنيث.
__________
(1) ... انظر رأيه فى: المقتضب 2/204, وسر الصناعة 2/168, وأمالى المرزوقى صـ 123 وشرح الحماسة له 4/1546 وشرح شواهد الشافية صـ 277, 278.
(2) ... انظر: الروض الأنف 3/215.
(3) ... سر الصناعة 2/168.
(4) ... انظر رأيه فى: درة الغواص صـ 76.
(5) ... انظر رأيه فى: سر الصناعة 2/168.
(6) ... انظر فى جمع ( فعل) على (أفعل): الكتاب 3/571, والمقتضب 2/198, والارتشاف 1/410, وابن يعيش5/18. وهو عند النحويين شاذ.
(7) ... سر الصناعة 2/168.(1/88)
ويبدو أن ابن جنى لم يكن مقتنعاً بهذا التخريج اقتناعاً كاملاً, يدل لهذا أنه وجه الجمع على (أندية) توجيهاً صوتياً, متنبهاً إلى أن الفرق بين الممدود والمقصور هو فى كمية حركات الفتحة, فهى فى الممدود أكثر منها فى المقصور, ولا يفرق بينهما غير ذلك, وكما يجوز أن يجمع الممدود قياساً مطرداً على ( أفعلة) يجوز أن يجمع المقصور كذلك؛ لأن الفتحة فى(ندى) تقوم مقام الهمزة فى (نداء), ففتحة (ندى) إذا طالت تحولت إلى همز, يقول ابن جنى فى هذا: "فتكسيرهم ( ندى) على ( أندية ) يشهد بأنهم أجروا ( ندى ) وهو ( فَعَل) مجرى ( فَعَال) "(1) .
وثمة وجه ذهب إليه السهيلى, وهو الحمل على المعنى, فإن (ندى) فيه معنى الرذاذ, و(الرذاذ) رباعى, فكذا جاز أن يجمع ( الندى) وهو ثلاثى؛ لأنه بمعنى الرباعى(2) .
وقريب من هذا ما ذهب إليه الخوارزمى من أن ( ندى) وإن كان فى نفسه ( فعلاًًً ) لكن بالنظر إلى ما يقابله وهو ( الجفاف): ( فعال) فمن ثم كسروه على ( أفعلة).
وهذا التفسير تفسير جزئى مبنى على أنه لم يجمع من المقصور على (أفعلة) سوى (أندية), لكن جمع ( أرحية) و( أقضية) و( أسرية) و( أغمية) و( أقذية) و( أشرية) و( ألوية) على ( أفعلة) لا
يتصور فيها هذا التأويل, والتأويل يجب أن يكون مطرداً.
__________
(1) ... الخصائص 3/54, وانظر: شرح المفصل 10/17, وشرح الملوكى صـ 244, وشرح شواهد الشافية صـ 277.
(2) ... انظر: الروض الأنف 3/215, وشرح درة الغواص صـ 254, وشرح شواهد الشافية صـ 278.(1/89)
وذهب ابن خالويه إلى أن المقصور والممدود يتعاقبان فيما يجمعان عليه, فهم يحملون المقصور على الممدود فيما سبق, كما يحمل الممدود على المقصور, فيقولون فى جمع (هباء) و(حياء): (أهباء) و(أحياء) والقياس: (أهبية) (1) و(أحيية) (2) .
وهذا قريب مما ذكره ابن جنى من أن الفتحة قامت مقام الهمزة فى ( ندى). وهو التفسير الأقرب.
جمع فعيل على أفعال
ذهب النحويون (3), وتبعهم أبو العلاء إلى أن (فعيلاً ) لا يجمع على ( أفعال )(4), وما جاء منه فهو قليل يحفظ و لا يقاس عليه , وفي هذا يقول أبو العلاء تعليقاًً على قول ابن أبي حصينة :
وَاِفعَل كَما فَعَلَ الخَليفَةُ جَعفَرٌ بِالبُحتُرِيِّ وَرَهطُهُ الأَنجابُ(5)
" و (الأنجاب ) جمع ( نجيب) , وهو مثل قولهم : ( يتيم ) , و( أيتام ) , و( فعيل )لا يجيء على (أفعال ) إلا قليلاً " (6).
__________
(1) ... انظر : ليس لابن خالويه صـ 134, وشرح درة الغواص صـ 252 . ولم أجد الجمع بهذه الكيفية فيما تحت يدي من المعاجم , والذي في اللسان , مادة ( هبو ) : " الهَبْوة: الغَبَرَة، والجمع أَهْباء، على غير قياس. وأَهْباءُ الزَّوْبَعةِ: شِبه الغُبار يرتفع في الجوّ" . ...
(2) ... في الصحاح , مادة ( حيي) : "الحَيا، مقصورٌ: المطرُ والخصبُ، إذا اثنّيتَ قلت حَيَيانِ، فتبيِّن الياء؛ لأن الحركة غير لازمة والحَياءُ ممدودٌ: الاستحياءُ. والحَياءُ أيضاً: رَحِمُ الناقةِ والجمع أَحْيِيَةٌ ".
(3) ... انظر : الكتاب 3 / 636 , والمقتضب 2 /218 , والارتشاف 1 /431 . ...
(4) ... انظر : شرح ديوان ابن أبي حصينة 2 /124 , و عبث الوليد صـ 72 . ...
(5) ... البيت من بحر الكامل , و هو في الديوان 1/ 124 .
(6) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2 /124 .(1/90)
وهذا الحكم قد لا يكون مستقيماً , فقد ذكر السيوطي في المزهر عدداً مما جمع على ( أفعال) ومفرده ( فعيل ) , فقال : " ليس في كلامهم (فَعيل) وجمعه ( أفْعال) إلا أحرف من السالم : ( شريف وأشراف ) (1) و( فَنيق وأفناق) (2) و( بَديل وأبدال) وهم الصالحون(3)
__________
(1) ... في العين , تحت الجذر ( شرف ) : الشَّرفُ: مصدر الشَّريف من الناس. شرف يشرف وقوم أشراف، مثل شهيد وأشهاد ونصير وأنصار ".
(2) ... في الصحاح , مادة ( فنق ) : " تَفَنَّقَ الرجلُ، أي تنعّم. وفَنَّقَهُ غيره تَفْنيقاً وفانَقَهُ بمعنًى، أي نعَّمه. يقال: عيشٌ مُفانِقٌ.... والفنيقُ: الفحل المُكْرَمُ. وقال أبوزيد: هو اسمٌ من أسمائه؛ والجمع فُنُقٌ. وقال ابن دريد: والجمع أفْناقٌ ".
(3) ... في الصحاح , مادة ( بدل) : " الأَبْدالُ: قومٌ من الصالحين لا تخلُو الدنيا منهم، إذا مات
واحدٌ أَبْدَلَ الله مكانَهُ بآخر. قال ابن دريد: الواحدُ بَديلٌ ".(1/91)
, و( بَكيم - بمعنى أبكم – وأبكام( ذكره في الجمهرة (1) وزاد في الصحاح : (بريء وأبراء) (2) و( مليح وأملاح ) (3) و(نصير وأنصار ) (4) وزاد ابن مكتوم(5) في تذكرته :
(يتيم وأيتام) (6)
__________
(1) ... في المحكم , مادة ( بكم ) : " البكِيم: الأَبكم، والجمع: أَبْكام " , و في الجمهرة , تحت الجذر ( بكم ) : " قالوا: بَكيم في معنى أبكم، وجمعوه أبكاماً، وهو أحد ما جاء على فَعيل فجُمع على أفعال، وهي قليلة" .
(2) ... في الصحاح , مادة (برأ) : " قلت في الجمع: نحن منه بُرآء، مثل: فقيه وفقهاء، وبِراءٌ أيضاً، مثل: كريم وكِرام، وأبراءٌ، مثل: شريفٍ وأشرافٍ. وأبرياء أيضاً مثل نصيب وأنصباء، وبريئون" .
(3) ... في الصحاح , مادة ( ملح ) : " مَلُحَ الشيءُ بالضم يَمْلح مُلوحَةً ومَلاحَةً , أي حَسُنَ، فهو مَليحٌ ومُلاحٌ بالضم مخففٌ. واسْتَمْلَحَه: عَدَّهُ مَليحاً. وجمع المَليحِ مِلاحٌ وأملاحٌ. " .
(4) ... في الصحاح , مادة ( نصر ) : " نَصَرَهُ الله على عدوِّه يَنْصُرُهُ نَصْراً. والاسم النُصْرَةُ. والنَصيرُ: الناصِرُ؛ والجمع الأنصارُ. وجمع الناصِرِ نَصْرٌ" .
(5) ... هو:أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم القيسي ، أبو محمد ، تاج الدين : عالم بالتراجم ، مصري . له معرفة بالتفسير وفقه الحنفية . وله نظم جيد . ناب في الحكم بالقاهرة وتوفي بها . من كتبه ( الدر اللقيط من البحر المحيط ) في التفسير ، و ( التذكرة ) تشتمل على فوائد ، و ( الجمع المتناه في أخبار النحاه ) , توفى (749 هـ ) انظر ترجمته في : الأعلام 1 / 153 .
(6) ... في الصحاح , مادة ( يتم ) : " اليَتيمُ جمعه أيْتامٌ ويَتامى " , وفي الجمهرة , تحت الجذر ( تمي ) : " وأيتام أحد الحروف التي جاءت على فَعيل وجُمعت على أفعال، مثل شريف وأشراف،
وهو قليل في كلامهم ".(1/92)
و( طويّ وأطواء ) (1) و( نفير وأنفار) (2)
__________
(1) ... في اللسان , مادة ( طوي ) : " الطَّوِيُّ: البئرُ المَطْوِيَّة بالحجارة، مُذَكَّر، فإِن أُنِّثَ فَعَلى المعنى كما ذُكِّرَ البئرُ على المعنى ... وجمع الطّوِيِّ البئرِ أَطواءٌ. وفي حديث بَدْرٍ: فَقُذِفوا في طَوِيٍّ من أَطْواءِ بَدْرٍ أَي بِئرٍ مَطوِيَّةٍ من آبارِها؛ قال ابن الأَثير:والطَّوِيُّ في الأَصْل صِفَةٌ فعيلٌ بمعنى مَفْعول، فلذلك جَمَعُوه على الأَطْواء كَشَرِيفٍ وأَشرافٍ ويَتِيمٍ وأَيْتامٍ، وإِن كان قد انْتَقَلَ إِلى بابِ الاسْمِيّة ". وانظر : النهاية لابن الأثير 3 /146 .
(2) ... في شرح مسلم - النووي 16 / 29:"(الأنفار) جمع نفر أو نفير وهو الذي ينفر عند الاستغاثة" .
وفي الصحاح , مادة ( نفر ) : " النَّفرُ النَّفير، والجماعةُ: أَنفار، وهم الذّين إذاحَزَبَهُمْ أمر اجتمعوا . ونفروا إلى عدوّهم " .(1/93)
و(قَمير وأقمار) (1) و( شَرير وأشرار) (2) و( نَضِيح وأنضاح ) (3) و( قريّ وأقراء) (4) و( كَمِيّ وأكْمَاء ) (5) و( شَهيد وأَشْهاد) (6) و( أصيل وآصال ( (7)
__________
(1) ... في المحكم , مادة ( قمر ) : ".قميرك: الذي يقامرك، عن ابن جني. وجمعه: أقمار، عنه أيضاً، وهو شاذ كنصير وانصار ".
(2) ... في الصحاح , مادة ( شرر) : " الشَرُّ: نقيض الخير. ...قال يونس: واحِد الأَشْرارِ رجلٌ شَرٌّ. وقال الأخفش: واحدها شريرٌ، وهو الرجل ذو الشَرِّ " .
(3) ... في الجمهرة , تحت الجذر ( حضن ) : " نَضَحَ الرجلُ عن نفسه، إذا دفع عنها في حرب أو خصومة، وانتضح أيضاً. وجمع نَضيح أنضاح، وهو أحد ما جاء من وزن فَعيل على أفعال، وهي قليلة" .
(4) ... في الجمهرة , تحت الجذر (رقي ) : " القَرِيَّ: مَسيل ماء من غِلَظ إلى روضة. ... والجمع قرْيان، وقد جمعوا قَريّاً أقراء، كما جمعوا طَويّاً أطواء " .
(5) ... في : شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد 17 / 7 : " جمع يتيم على أيتام كما قالوا : شريف وأشراف . وحكى أبو على في التكمله : " كمئ وأكماء ", و في اللسان , مادة ( كمي ) : "الكَمِيُّ: اللابسُ السلاحِ، وقيل: هو الشجاع المُقْدِمُ الجَريء، كان عليه سلاح أَو لم يكن،وقيل: الكَمِيُّ الذي لا يَحِيد عن قِرنه ولا يَرُوغ عن شيء، والجمع أَكْماء " .
(6) ... في العين , تحت الجذر ( شرف ) : " قوم أشراف، مثل شهيد وأشهادونصير وأنصار ".
(7) ... في التاج , مادة ( أصل ) : " الأَصِيلُ: العَشِيُّ وهو الوَقْتُ بعدَ العَصْرِ إِلى المَغْرِب
أُصُلٌ، بضَمَّتَيْنِ كقَضِيبٍ وقُضُبٍ، وأُصْلانٌ بالضّمِّ كبَعِيرٍ وبُعْرانٍ وآصالٌ بالمَدِّ كشَهِيدٍ وأَشْهاد وطَوى وأَطْواءٍ " .(1/94)
و( أبيل وآبال) (1) قال : ولعل ذلك جميع ما جاء منه " (2) .
وما ذكره السيوطي يبلغ ثمان عشرة كلمة , فجمع ( فعيل ) على ( أفعال) ليس قليلاًً كما ذكروا , و قد وقفت بالإضافة إلى ما نقله السيوطي على مجموعة من الكلمات ,
و هذه هي مرتبة بحسب مدرسة الصدر :
المسلسل ... المفرد ... الجمع ... المعنى في المفرد ... المرجع
1 ... أصيل ... آصال ... العشي , و هو الوقت بعد العصر إلى المغرب ... مادة ( أصل ) في التاج .
2 ... تليد ... أتلاد ... رجل تليد في قوم أي مقيم فيهم ... مادة (تلد ) في التاج .
3 ... ثليث ... أثلاث ... (ثليث ) لغة في ( ثُلث ) أي جزء من ثلاثة . ... مادة ( ثلث ) في اللسان .
4 ... ثمين ... أثمان ... لغة في ( ثُمن) , أي جزء من ثمانية ... مادة ( ثمن ) في القاموس .
5 ... جليد ... أجلاد ... أي بيِّن الشدة و القوة . ... مادة ( جلد ) في التاج .
6 ... حليف ... أحلاف ... الحليف : النصير . ... مادة ( حلف ) في اللسان , و التاج .
7 ... خميس ... أخماس ... لغة في ( خُمْس ) , وهو الجزء من الخمسة . ... مادة ( خمس ) في اللسان , و التاج .
8 ... خريف ... أخراف ... ( الخريف ) أحد فصول العام . ... مسند الإمام أحمد6/ 276 .
9 ... دريس ... أدراس ... ثوب دريس , أي خلِق . ... مادة ( خلق ) في اللسان , والقاموس , والتاج .
10 ... ذمير ... أذمار ... الذمير : الشجاع . ... مادة ( ذمر ) في اللسان , و التاج.
11 ... ربيع ... أرباع ... لغة في (رُبْع) , وهو الجزء من الأربعة . ... مادة ( ربع ) في اللسان , و التاج .
12 ... سبيع ... أسباع ... لغة في (سُبْع) , وهو الجزء من السبعة . ... مادة ( سبع ) في اللسان , و التاج.
13 ... سليب ... أسلاب ... السلب : الغنيمة . ... مادة ( سلب ) في اللسان .
14 ... شريك ... أشراك ... الشريك هو المخالط . ... غريب الحديث لابن قتيبة 2/48.
15 ... عشير ... أعشار ... لغة في (عُشْر) , وهو الجزء من العشرة . ... مادة ( عشر ) في التاج.
16 ... قصي ... أقصاء ... القصي , والقاصي ... مادة ( قصو ) في المحكم .
: البعيد .
__________
(1) ... في اللسان , مادة( أبل ) : " كانوا يسمون عيسى، عليه السلام، أَبِيلَ الأَبيليين، وقيل: هو الشيخ، والجمع آبال" .
(2) ... المزهر 2 /61, 62 . ...(1/95)
17 ... غبي ... أغباء ... القليل الفطنة ... النهاية لابن الأثير 3 /314 , و اللسان , مادة ( غبي ) .
18 ... مشيج ... أمشاج ... المشج بين الشيئين : الخلط بينهما . ... مادة ( مشج ) في الصحاح , و اللسان , و القاموس , و التاج.
19 ... نسيم ... أنسام ... النسيم : الريح يجيئ منها نفس ضعيف . ... مادة ( نسم ) في اللسان , و القاموس.
20 ... نصيف ... أنصاف ... النصيف: أحد شقي الشيء . ... مادة ( نصف ) في اللسان , و القاموس.
21 ... نمير ... أنمار ... حسب نمير : أي : زاكٍ . ... مادة ( نمر ) في اللسان .
22 ... يمين ... أيمان ... اليمين : القسم . ... مادة ( يمن ) في : الصحاح , و اللسان , و التاج .
وبهذا يظهر أن جمع ( فعيل على "( أفعال ) ليس قليلاً , كما قالوا , بل إن ما ورد منه كثير , حتى لو قيل إنه قياس لم يبعد , كما قال أبو حيان في شيء قريب من هذا (1).
وقد أحسن السيوطي ؛ إذ أطلق في جمع غير الثلاثي على (أفعال ) , فقال : " يطرد فيه غير الثلاثي , كـ( شريف وأشراف ) " (2).
جمع ( فعيل ) على ( أفاعيل )
__________
(1) ... قال أبو حيان في جمع ( فَعْل) على ( أفعال ) , في الارتشاف 1 /413 :" وورد منه ما لا يكاد يحصى , فلو ذهب ذاهب إلى اقتياس ذلك لذهب مذهباً حسناً " .
(2) الهمع 3 /309 . ...(1/96)
ذكر سيبويه(1) أن ما كان على ( فعيل) يكسر فى أدنى العدد على ( أفْعِلَة ) (2) كـ( جريب ) و ( أجربة) و( رغيف ) و( أرغفة ) وفى أكثره على ( فُعْلان) (3) فيقال فيما سبق ( جُرْبان) و ( رُغْفان), وعلى ( فُعُل) (4) فيقال فيها ( رُغُف) وفى ( عصيب) : ( عُصُب).
وربما كسر على ( أفْعِلاء) (5) كـ( نصيب) و( أنْصِباء), و( خميس)و( أخْمِساء), وقد كسره بعضهم على( فُعْلَان) (6) , وهو قليل كـ( ظليم) و( ظُلْمَان) و( قضيب) و( قُضْبِان).
__________
(1) ... انظر: الكتاب 3/604, 605.
(2) ... انظر: المقتضب 2/204, والأصول 2/448, والموجز لابن السراج صـ156, وابن يعيش 5/41, 42, وشرح اللمع لابن برهان 2/525, وشرح اللمع للواسطى الضرير صـ220.وشرح الشافية للرضى 2/131, وللجار بردى 2/95, والهمع 3/310.
(3) ... انظر: الموجز صـ156, وشرح ديوان ابن أبى حصينة 2/137, وشرح الشافية للرضى 2 ... /131, وللجار بردى2/95.
(4) ... انظر: المقتضب 2/207, والأصول 3/6, والموجز صـ156, والمقرب 2/474, وشرح المفصل 5/42, والارتشاف 1/448, والتصريح 2/311.
(5) ... انظر: المقتضب 2/210, وشرح الكافية الشافية 4/1834, وشرح الشافية للرضى 2/131.
(6) ... انظر: شرح المفصل 2/45, وشرح الشافية للجار بردى 2/95, والهمع 3/321.(1/97)
وقد ورد ما ظاهره جمع ( فعيل) على ( أفاعيل) فى ( حديث) و( أحاديث) و( قطيع) و ( أقاطيع) (1) , لكنهم اختلفوا فى ( أحاديث) على النحو التالى:
1ـ ذهب سيبويه(2) , وتبعه جماعة(3) إلى أنه جمع على واحد غير مستعمل, فهو
جمع شاذ.
2ـ يرى الفراء(4) أن واحد (الأحاديث) : (أُحْدُوثة) ثم جعلوه جمعا لـ( حديث ).
وردوا هذا بأن ( الأحدوثة ) بمعنى: ( الأعجوبة ), فهى ليست بمعنى ( الحديث ) حتى يحمل
__________
(1) ... انظر : السماع والقياس لأحمد تيمورصـ 85. وفي اللسان , مادة ( قطع ) : " القَطِيع: الغُصْنُ تَقْطَعُه من الشجرة، والجمع أَقْطِعةٌ وقُطُعٌ وقُطُعاتٌ وأَقاطِيعُ كحديثٍ وأَحاديثَ. والقِطْعُ من الشجر: كالقَطِيعِ، والجمع أَقطاعٌ" . ومثل( أحاديث) , و(أقاطيع) : ( أماتيع ) , جاء في التاج , مادة ( ةتع) : " وهذهِ أمْتِعَةُ فُلانٍ، وأماتِعُه: جَمْعُ الجَمْعِ، وحَكَى ابنُ الأعْرَابِيّ أماتِيعُ، فَهُو منْ بابِ أقاطِيعَ " , وكذا ( أعاريض ) , ففي الصحاح , مادة ( عرض ) : " العَروضُ: ميزان الشِعر؛ لأنَّه يُعارِضُ بها. وهي مؤنَّثة، ولا تجمع ؛ لأنَّها اسمُ جنسٍ. والعَروضُ أيضاً: اسمُ الجزء الذي فيه آخر النصف الأول من البيت، ويجمع على أعاريضَ على غير قياس، كأنَّهم جمعوا إعْرِيضاً، وإن شئت جمعته على أَعارِضَ ".
(2) ... انظر رأيه فى: الكتاب 3/6.
(3) ... منهم ابن السراج فى الأصول 3/29, والفارسى فى التكملة صـ1, وابن الحاجب فى الإيضاح فى شرح المفصل 2/550, والرضى فى شرح الشافية صـ204.
(4) ... انظر رأيه فى: شرح المفصل 5/73, , والارتشاف 1/467. وفي الصحاح , مادة ( حدث ) : " الحديثُ: نقيض القديم. والحديثُ: الخبرُ، يأتي على القليل والكثير، ويُجمَعُ على أحاديثَ على غير قياس. قال الفراء: نُرَى أنّ واحدَ الأحاديث أُحْدوثَةٌ، ثم جعلوه جمعاً للحديث " .(1/98)
عليها(1) , وقال الرضى: " وكذا (أحاديث) النبى –صلى الله عليه وسلم- فى جمع ( الحديث), وليس جمع (الأحدوثة) المستعملة؛ لأنها الشئ الطفيف الرذل, حوشى –صلى الله عليه وسلم- عن مثله"(2) .
هكذا قالوا. لكن الذى فى العين للخليل يدل على أن (الأحدوثة) و(الحديث) مترادفان, قال
__________
(1) ... في التاج, مادة ( حدث ): " نقل الجَوْهَرِيّ عن الفَرّاءِ، نُرَى أَنّ واحِدَ الأَحَادِيثِ أُحْدُوثَةٌ، ثم جَعَلُوهُ جَمْعاً للحَدِيثِ. قال ابنُ بَرِّىّ: ليسَ الأَمْرُ كما زَعَمَ الفَرّاءُ؛ لأَنَّ الأُحْدُوثَةَ بمَعْنَى الأُعْجُوبَةِ، يقال: قد صارَ فُلانٌ أُحْدُوثَةً. فَأَمَّا أَحاديثُ النَّبِيّ، صلى الله عليه وسلم، فلا يكون واحدُهَا إِلاّ حَدِيثاً، ولا يُكونُ أُحْدُوثَةً، قال: وكذلك ذَكَرَهُ سِيبويْه في باب ما جاءَ جَمْعُه على غيرِ واحِدهِ المُسْتَعْمَلِ، كَعُروضٍ وأَعارِيضَ، وباطِلٍ وأَباطِيلَ، انتهى. قال شيخُنا: وصَرَّحُوا بأَنَّه لا فَرْقَ بينَها وبينَ الحَدِيثِ في الاستعمالِ والدَّلالَةِ على الخَيْرِ والشَّرِّ، خلافاً لمن خَصَّهَا بما لا فَائِدَةَ فيهِ، ولا صِحَّةَ له، كأَخْبَارِ الغَزَلِ ونحوِهَا من أَكاذِيبِ العَرَبِ، فقد خَصَّ الفرّاءُ الأُحْدُوثَةَ بأَنّها تكونُ للمُضْحِكات، والخُرَافَاتِ، بخلافِ الحَدِيث، وكذلك قالَ ابن هشامٍ اللَّخْمِيّ في شَرْحِ الفَصِيح: الأُحْدُوثَةُ لا تُسْتَعْمَلُ إِلاّ في الشَّرِّ، ورد عليه أَبو جَعْفَرٍ اللَّبْلِىّ في شرحِه، فإِنّه قال: قد تُسْتَعْمَلُ في الخَيْرِ، قال يعقُوبُ في إِصلاحِه: يُقَالُ: انتَشر له في النَّاسِ أُحْدُوثَةٌ حَسَنَةٌ، قال أَبو جَعْفَر: فهذَا في الخَيْرِ" .
(2) ... شرح الكافية 3/368.(1/99)
الخليل: "و(الأحدوثة) : ( الحديث ) نفسه"(1) وفى أساس البلاغة للزمخشرى:"سمعت منه (أحدوثة) مليحة وله ( أحاديث) ملاح"(2) وورد ( أحدوثة) بمعنى ( الحديث) فى قول الشاعر:
مِنَ الخَفراتِ البيضِ وَدَّ جَليسُها إِذا ما اِنقَضَت أُحدوثَةٌ لَو تُعيدُها (3)
3- ذهب الزمخشرى فى الكشاف(4) إلى أن (الأحاديث) اسم جمع, وقد رده أبو حيان بأنه "
... ليس باسم جمع كما ذكر, بل هو جمع تكسير لـ( حديث) على غير قياس, كما قالوا :
( باطل )و( أباطيل) ولم يأت اسم جمع على هذا الوزن"(5).
ويبدو أن الزمخشرى كان متأرجحاً فى هذه المسألة, فبينما ذكر فى الكشاف أن ( أحاديث) اسم جمع, ذكر فى المفصل أنه جمع لواحد غير مستعمل(6).
4ـ يرى أبو العلاء أن (أحاديث) : جمع جمع, فيقول تعليقاًً على قول ابن أبى حصينة:
خَيرُ الأَحاديثِ ما يَبقى عَلى الحِقَبِ وَخَيرُ مالِكَ ما دارا عَنِ الحَسَبِ (7)
"( الأحاديث) كأنها جمع جمع, و( فعيل) يجمع على ( فُعُل) فى الكثير مثل: ( رغيف )
و( رُغُف) وعلى( فُعْلان) مثل: ( رغيف) و( رُغْفان ) , وفى القلة: ( أفعلة ) مثل: ( أرغفة) ولم
__________
(1) ... في العين, مادة ( حدث) : "يقال: صارَ فلان أُحدوثة أي كَثَّروا فيه الأحاديث. ...والأُحدوثة: الحديث نفسه. والحديث: الجديد من الأشياء".
(2) ... أساس البلاغة, مادة ( حدث) .
(3) ... البيت من بحر الطويل وهو لـ العوام بن عقبة, انظر: التاج, مادة ( حدث ) ونسب لـ كثير عزة ومجنون ليلى ونصيب بن رباح, والبيت فى: الكامل 1/528, والعقد الفريد 6/48, والقوافى لأبى يعلى صـ150, والمستطرف للأبشيهى صـ445.
(4) ... انظر: الكشاف 2/445.
(5) ... البحر المحيط 6/239, 240.
(6) ... المفصل صـ 240 , وانظر: شرح المفصل 5/72.
(7) ... البيت من بحرالبسيط , وهو فى الديوان 1/155.(1/100)
يرد فى ( حديث ) جمع ( أحِْدثة) على( حديث ) على ( أحاديث ), وزادوا الياء كما زادوها فى ( مذاكير) و( سوابيغ ) جمع ( سابغة) من الدروع , وكان القياس أن يقال: ( أحادث ) بلا ياء, ولكن لم يستعملوه"(1) .
ويتضح من هذا النص لأبى العلاء أنه يرى أن ( أحاديث) جمعاً لـ( أحدثة) غير المستعمل, وأن القياس فيه ( أحادث) ثم زادوا الياء .
لكن فيه أنه جمع لجمع غير مستعمل, فهو ليس أسهل مما ذهب إليه سيبويه من أنه جمع لواحد غير مستعمل.
5- ذهب السيوطى إلى أن ( أحاديث) جمع ( إحداث) كـ( إعصار) (2) وكأنه يرى مذهب ابن
جنى فى"أن الاسم بعينه يغير إلى هيئة أخرى, وحينئذ يكسر"(3) .
ويبدو من عرض هذه المذاهب أن أقربها رأى الفراء, وهو أن ( أحاديث ) جمع( أحدوثة ), وإذا كان كذلك, فإنه قد يكون جمعاً لـ( حديث ) أيضاً, فإن ( حديث ) و( أحدوثة ) مترادفان كما سبق, وقد قال ابن مالك: "وقد يكون للمعنى اسمان, فيجمع أحدهما على ما يستحقه الآخر, ولا يقتصر فى ذلك على السماع وفاقاً للفراء"(4) .
ويبقى ما قاله ابن جنى من أن هذا الخلاف بين العلماء فى آحاد الجموع سائر عنهم مطرد من مذاهبهم, وإنما سببه وعلة وقوعه بينهم أن مثال جمع التكسير تفقد فيه صيغة الواحد, فيحتمل الأمرين والثلاثة, ونحو ذلك, وليس كذلك مثال جمع التصحيح"(5) .
... ... ... ( دِلَاص ) (6) بين الجمع و الإفراد
__________
(1) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/154.
(2) ... انظر: الأشباه والنظائر4/248.
(3) ... انظر رأيه فى: الخصائص 3/121, وسر الصناعة 2/157, 158, والارتشاف 1/468.
(4) ... التسهيل صـ280.
(5) ... سر الصناعة 2/158.
(6) ... في الصحاح , مادة ( دلص ) : " الدَليصُ والدِلاصُ: الليِّنُ البرّاقُ. يقال: درعٌ دِلاصٌ وأدرعٌ دِلاصٌ، الواحد والجمع على لفظ واحد" .(1/101)
قد يستوي لفظ المفرد و الجمع و المؤنث والمذكر(1) فيأتي الجميع على لفظ واحد , ومن هذا : ( الزود ) (2) من الإبل , فهو واحد , و جمع لا واحد له , و كذلك ( الفلك ) , و المنون ) و( الطاغوت ) عند ابن خالويه (3) .
ومن هذا ما ورد على وزن ( فَعَال ) , مثل : ( الحَضَار ) (4) , و( الشَغَار ) (5) , و( العَدَاب )(6) , الجميع كـ ( سحاب ) , قيل يأتي بلفظ واحد للمفرد والجمع , و المذكر والمؤنث , ومنه ما يأتي على وزن ( فِعَال ) كـ ( دِلَاص ) , و ( هِجَان ) (7), و( شِمَال ) , و ( عِصَام ) (8) .
__________
(1) ... انظر : القياس والسماع لـ تيمور صـ 25, 26 .
(2) ... في الصحاح , مادة ( زود ) : "الذوْدُ من الإبل: ما بين الثلاث إلى العشر؛ وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها، والكثير أَذْواد. وفي المثل: الذَوْدُ إلى الذَوْدِ إبِلٌ " .
(3) ... انظر : ليس في كلام العرب صـ 268 , و قارنه بـ المقتضب 2/ 205, 206 .
(4) ... في الصحاح , مادة ( حضر ) : " الحَضارُ أيضاً من الإبل: الهِجان، واحده وجمعه سواء. ويقال: ناقة حِضارٌ، إذا جمعت قوّةً ورُِحلةً، أي جَودة سير " .
(5) ... في التاج , مادة ( شغر ) : " الشغارُ، كسحابٍ: الفارغُ، قاله الصاغانيّ. الشغارُ منَ الآبارِ: الكثيرةُ الماءِ، للجمعِ والواحدِ، وفي النوادرِ: بئرٌ شَغارٌ، وبئارٌ شَغارٌ: كثيرةُ الماءِ واسعة الأعطانِ ".
(6) ... في التاج , مادة ( عدب ) : " العَدَاب، كَسَحَابٍ بالعَيْنِ والدَّالِ المُهْمَلَتَيْنِ، مِنَ الرَّمْلِ: كالأَوعَسِ، وقِيلَ هُوَ مَا اسْتَرَقَّ مِنَ الرَّمْلِ حَيْثُ يَذْهَبُ مُعْظَمُه وَيَبْقَى شَيْءٌ من لَيْنِه قَبْلَ أَنْ يَنْقَطِعَ ".
(7) ... في اللسان , مادة ( هجن ) : " الهِجانُ من الإِبل: البيضُ الكرام" .
(8) ... في اللسان , مادة ( عصم ) : " عصامُ القِرْبةِ والدَّلْوِ والإداوة: حَبْلٌ تُشدُّ به ".(1/102)
ومثل هذا اُختلِف فيه بين كونه جمعاً أو اسم جنس جمعي , و الأصل أنه يفرق بين " ما يقع على الجمع وعلى الواحد أيضاً , مما ليس في الأصل مصدراً وصف به ، يعرف كونه لفظاً مشتركاً بين الواحد والجمع أو كونه اسم جنس ، بأن ينظر ، فان لم يثن إلا لاختلاف النوعين ، فهو اسم جنس ، كالتمر والعسل ، وإن ثني لا، لاختلاف النوعين ، فهو جمع مقدر تغييره ، كهِجَان ، بمعنى الأبيض ، وكالفلك ، والدِلَاص ، تقول في التثنية : (هِجَانان ) و ( فلكان )، و( دِلَاصان) ، فـ ( هِجَان ودِلَاص )، في الواحد ، كـ( حمار وكتاب ) ، و(فُلْك )، كـ ( قُفْل) ، وفي الجمع : كـ( رجال ) و ( خُضْر) ، الحركات والحرف المزيد ، غير حركات المفرد وحروفه تقديراً " (1) .
ومذهب الخليل , و سيبويه أن نحو ( دِلَاص) و ( هِجَان) مفرد و جمع يقال بلفظ واحد , قال سيبويه : " وزعم الخليل أن قولهم ( هِجَان ) للجماعة بمنزلة ( ظراف ) , وكسروا عليه ( فِعَالاً) فوافق : ( فعيلاً ) ها هنا , كما وافقه في الأسماء " (2) .
" ويدلك على أن ( دِلَاصاً ) , و ( هِجَاناً ) جمع لـ ( دِلَاص) و ( هِجَان ) وأنه كـ ( جَوَاد ) و
(جِيَاد ) وليس كـ( جُنُب )قولهم : ( هِجَانان) , و ( دِلَاصان ) فالتثنية , دليل هذا النحو " (3) .
وإلى هذا الرأي ذهب أبو العلاء , فقال تعليقاًً على بيت ابن أبي حصينة :
في كَفِّ كُلِّ كَمِيِّ مِن فَوارِسِنا سَردُ الدِلاصِ عَلى أَكتافِهِ لِبَدُ (4)
__________
(1) ... شرح الرضي على الكافية 3 / 368 .
(2) ... الكتاب 3/ 639 .
(3) ... السابق نفسه 3/639 .
(4) ... البيت من بحر البسيط , و هو في ديوان ابن أبي حصينة 1/ 160 ... .(1/103)
" والنحويون يذهبون إلى أن ( الدِلَاص ) يكون واحداً , وجمعاً , ويذهبون إلى أن( فَعِيْلاً ), و( فِعَالاً ) (1) متقاربان , و قلما جمعوا : ( فَعِيْلاً ) على ( فِعَال ) , و جمعوا( فِعَالاً ) على ذلك المثال , و يقولون : ( على فلان دِلَاص) أي ( درع ) , فهذه في معنى الواحد , قال الشاعر :
عَلَيَّ دِلَاصُ قَدْ اخْتَارَهَا ... سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ إِذْ َيْصَنعُ
وقال رجل من أصحاب علي عليه السلام:
لِأَورِدَنَّ العاصي اِبنَ العاصي سَبعينَ أَلفاً عاقِدي النَواصي
مُستَلئمينَ حَلقَ الدَلاصَ(2)
__________
(1) ... في النشرة المحققة : ( فاعلاً ) , ولعل الصواب ما ذكرت ؛ ليستقيم به الكلام بعد .
(2) ... الرجز نسب للإمام علي , وهو في ديوانه صـ 23, و شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد : ... 3/169 ، و أنساب الأشراف - البلاذري صـ 292 ، و , 480 ، وتاريخ الطبري 3 / 562 ،
و وقعة صفين - ابن مزاحم المنقري صـ 137 ، و في تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر 22 /429 , أن " علياً لما استخلف عبد الله بن عباس على البصرة سار إلى الكوفة , فتهيأ منها إلى صفين فاستشار الناس في ذلك فأشار عليه قوم أن يبعث الجنود ويقيم , وأشار آخرون بالمسير فأبى إلا المباشرة , فجهز ذلك فبلغ معاوية ذلك فدعا ابن العاص , فاستشاره , فقال : أما إذا بلغك أنه يسير فسر ولا تغب عنه برأيك ومكيدتك قال : أما إذا يا أبا عبد الله فجهز الناس فجاء عمرو فحضض الناس ودعا علياً وضعفه وأصحابه وقال :إن أهل العراق قد فرقوا جمعهم وأوهنوا شوكتهم وقطعوا حدهم ثم إن أهل البصرة مخالفون لعلي قد قتلهم ووترهم وقد تفاتر صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل وإنما سار علي في شرذمة قليلة منهم من قد قتل خليفتكم فالله الله في حقكم أن تضيعوه وفي دمكم أن تبطلوه . وكتب في أجناد الشام وعقد لواءه فعقد لوردان غلامه فيمن عقد وابنيه عبد الله ومحمد ، وعقد علي لغلامه قنبر ثم قال عمرو * هل يعين وردان عني قنبرا * ويغني السكون عني حميرا إذاا لكمأة لبسوا السنورا * فبلغ ذلك عليا فقال * لأصبحن العاصي بن العاصي * سبعين ألفا عاقدي النواصي محبسين الخيل بالقلاصي * مستحقين حلق الدلاصي * فلما سمع ذلك معاوية قال ما أرى ابن أبي طالب إلا وقد وفى لك " .(1/104)
فـ(الدِلَاص) هنا جمع " (1) .
وإنما ذهب سيبويه وتبعه أبو العلاء إلى أن ( دِلَاصاً ) من قبيل جمع( فِعَال) على( فِعَال ) , تشبيهاً لـ (فِعَال ) المفرد بـ( فََعِيْل) المفرد, فكما يجمع فَعِيْل )المفرد على ( فِعَال ) (2) نحو
( ظريف ) و ( ظِراف ) و ( كريم ) و ( كِرام ) يجمع ما أشبه ( فَعِيْلاً ) و هو( فِعَال)المفرد على ( فِعَال) الجمع , ووجه الشبه بينهما " أَن الأَلف في (هِجانٍ )الواحد بمنزلة أَلِفِ ( ناقةٍ كِنَازٍ) و( امرأَةٍ ضِنَاك)، والأَلفُ في( هِجانٍ ) في الجمع بمنزلة أَلِفِ ( ظِرافٍ وشِرافٍ )، وذلك لأَن
العرب كَسَّرَتْ( فِعَالاً) على ( فِعَالٍ ) كما كسرت( فَعِيلاً على ( فِعَالٍ)،وعُذْرُها في ذلك أَن (فعيلاً أُخت فِعَالٍ )، أَلا ترى أَن كل واحد منهما ثلاثي الأَصل وثالثه حرف لين؟ وقد اعْتَقَبا أَيضاً على المعنى الواحد نحو كَلِيبٍ وكِلابٍ وعَبِيدٍ وعِبادٍ، فلما كانا كذلك وإِنما بينهما اختلافٌ في حرف اللين لا غير، قال:ومعلومٌ مع ذلك قربُ الياء من الأَلف، وأَنها إِلى الياء أَقرب منها إِلى الواو، كُسِّرَ أَحدهما على ما كسر عليه صاحبه فقيل ناقة هِجانٌ وأَيْنُقٌ هِجانٌ، كما قيل ظريف وظِراف وشريف وشِرَاف " (3) .
__________
(1) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 165, 166, و انظر : المرجع نفسه 2/ 143 ... .
(2) ... انظر في جمع ( فعيل ) على( فِعَال) :الكتاب 3/ 634 , والمقتضب 2/ 208 , ومعاني القرآن للأخفش 1/ 201 , والأصول 3/ 6 , وابن يعيش 5/ 45, وشرح الشافية 2/ 149 , والهمع
3/316 ... .
(3) ... اللسان , مادة ( هجن ) , وانظر : الأزمنة والأمكنة للمرزوقي صـ59 , وشرح ديوان الحماسة له ... 2/ 1136 , وشرح شواهد الشافية صـ 6 13.(1/105)
وقد ذهب كثير من أهل اللغة إلى خلاف السابق , و عندهم أن نحو ( هِجَان ) , و ( دِلَاص) من باب الوصف بالمصدر , فمثله مثل : ( جُنُب ) , و لهذا لا يثنى و لا يجمع , قال أبو عبيد : " (هِجَان ) لفظ مفرد , يقع للواحد و الجمع , و لم يذكر سيبويه هذا , و لا يطلق ( هِجَان ) و ( دِلَاص) على المثنى ) , و لا يقال :( ناقتان هِجَان ) , و لا (درعان دِلَاص) "(1) .
لكن حكى الجرمي (2) أنه يقال ذلك , وقد جُمِع ( هِجَان ) و ( دِلَاص) على ( فُعُل) , قالوا : ( نياق هُجُن ) , و ( دروع دُلُص) (3) .
وثنيا أيضاً , فقيل : ( هِجَانان ) و ( دِلَاصان ) (4) , وبهذا استدل سيبويه ـ كما سبق ـ على أن هذا ليس بمصدر , بينما استدل به المبرد على أنه ليس باسم جنس جمعي(5) .
واستدلال سيبويه والمبرد بتثنية ( هِجَان ) و ( دلاص) وجمعهما على نفي كونه مصدراًعند الأول , أو كونه اسم جنس جمعي عند الثاني , مبني على أن المصادر , لا تثنى ولا تجمع .
وكلامهما هذا منطبق على كلام العرب الفصحاء , فهم لا يثنون الاسم و لا يجمعونه إذا كان مصدراً , ومنهم من يثنيه , و يجمعه (6) , وهم يثنون المصدر , و يجمعونه إذا اختلفت أنواعه (7) , و بهذا أخذ مجمع اللغة العربية بالقاهرة (8) .
__________
(1) ... الارتشاف 1/ 432 .
(2) ... انظر : اللسان , مادة ( هجن ) , وانظر : الأزمنة والأمكنة للمرزوقي صـ 59 , وشرح ديوان الحماسة له2/ 1136 , وشرح شواهد الشافية صـ 6 13 .
(3) ... الارتشاف 1/ 432 , وانظر: اللسان , مادة ( هجن ) .
(4) ... الارتشاف 1/ 432 .
(5) ... انظر : حاشية المقتضب 2/ 204 .
(6) ... انظر : التذكرة لأبي حيان صـ 528 .
(7) ... انظر : المحتسب 1/82,وعبث الوليد صـ 106 , 135 ,وإتحاف الحثيث للعكبري صـ93.
(8) ... انظر : مجموعة القرارات العلمية في خمسين عاماً صـ 88 .(1/106)
نعم الأصل في المصادر ألا تثنى و لا تجمع , و لكن هذا غالب , لا واجب , و لهذا فاستدلال سيبويه والمبرد قد لا يكون قاطعاً , وربما كان مذهب أهل اللغة أكثرهم في كون نحو ( دِلَاص) و ( هِجَان ) من باب ( جُنُب) و ( رضا ) كما سبق أسلم ؛ لأن الأصل المخالفة بين المفرد والجمع .
الجمع على ( فُعَال )
... الأصل فى ( فُعَال) أن يكون من أبنية المصادر والمفردات, فيأتى اسماً نحو ( فُؤاد) و ( غُلام), ونعتا كـ ( طُوال) , ومصدراً كـ ( سُكَات ) (1) , هذا لا خلاف عليه, والذى فيه خلاف كون ( فُعَال) من أبنية الجموع , فهو عند الرضى وغيره(2) من أسماء الجموع لا من أبنية الجموع(3) أما عند سيبويه(4) وابن مالك(5) فهو عندهما جمع لا اسم جمع, ويبدو أن أبا العلاء قد ذهب مذهب سيبويه فى أن ( فُعَال) من أبنية الجموع, فقد قال تعليقاًً على بيت ابن أبى حصينة:
__________
(1) انظر: أبنية الأسماء لابن القطاع صـ 274, وتصريف الأسماء للشيخ محمد الطنطاوى صـ 209.
(2) انظر: شرح الشافية للرضى 2/166, 201, 204, والارتشاف 1/404, 405, وشرح الشافية لـ
... نقرة كار صـ/ 98.
(3) ... الفرق بين الجمع واسم الجمع أن للجمع صيغاً معروفة تخالف صيغ المفرد, بخلاف اسم الجمع,
فليس له واحد من لفظه, وقد يكون له واحد من لفظه, لكنه ليس على وزن من أوزان الجموع المعروفة, ويعامل معاملة المفرد, فيصغر على لفظه, ويعود عليه الضمير مذكراً. انظر: شرح الشافية للرضى 2/201: 205, وعلم الجنس واسمه لـ الأستاذ الدكتور صلاح عبد العزيز صـ/ 102, 103.
(4) ... انظر: الكتاب 3/617, ونسب إلي سيبويه د/ بدوى المختون ـ خطأـ فى تصريف الأسماء صـ/ 153 أن مثل هذا اسم جمع عنده لا جمع.
(5) ... انظر رأيه فى: التسهيل صـ/ 274, وشرح عمدة الحافظ 2/932, وشرح الأشمونى 4/145.(1/107)
إِذا حَلَّ أَرضاً حَلَّها الخَيرُ وَاِنجَلى بِهِ البُؤسُ عَنها فَرَدُهُ وَتُوآمُهُ (1)
"يقال للولد: ( توأم) وللاثنين: ( توأمان ) , وللجميع: ( توائم ) و( تُؤَام ), وهو أحد ما جاء من الجموع على ( فُعَال ) "(2) .
وقد فصَّل فى موضع آخر ما أجمله هنا, فقال: "( الرُخَال) جمع ( رخل) وهى الأنثى من أولاد الضأن(3) .
__________
(1) ... البيت من بحرالطويل , وهو فى الديوان 1/183.
(2) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة2// 187. و في التهذ يب , مادة ( تأم ) : " وقال ابن السكيت: أتأمَتْ المرأة إذا ولدت اثنين في بطن، فإذا كان ذلك من عادتها قيل مِتْآمٌ. قال ويقال: هما تَوْأمان، وهذا توأمُ، وهذه توأمَةٌ، والجميع تَوائمٌ وتوآمٌ ".
(3) ... انظر: الحيوان للجاحظ 1/384. وفي التاج , مادة ( رخل ) : " الرِّخْلُ، بالكسرِ، والرِّخْلَةُ، بِهَاءٍ: لُغَةٌ فيه،والرَّخِلُ، كَكَتِفٍ، وعلى الأخيرةِ اقْتَصَرَالصّاغَانِيُّ: الأُنْثَى من أَوْلادِ الضَّأنِ، والذَّكَرُ حَمَلٌ،
ج: أرَْخُلٌ، بِضَمَّ الخاءِ، ورِخَالٌ بالكسرِ،ومنه قولُهم: هو من الرَّخالِ إناثِ السِّخالِ، ويُضَمُّ، وهو نادرٌ كَكَلِماتٍ جاءَتْ، قال بعضُهم:
... ... ... ما سَمِعْنا كَلِماً غيرَ ثَمانٍ هي جَمْعٌ وهْيَ في الوَزْنِ فُعالُ
... ... ... فتُؤَامٌ وذُرَابٌ وفُرارٌ وعُرَاقٌ وعُرامٌ ورُخالُ
... ... ... وظُؤَارٌ جَمْعٌ ظِئْرٍ وبُساطٌ جَمْعُ بُسْطٍ هكذا فيما يُقالُ
قلتُ: وقد فاتَهُ: رُبابٌ، جَمْعُ رُبَّى مِن الشِّياهِ، ورُجالٌ، جَمْعُ رَجْلٍ خِلاف الرَّاكِبِ، ورُذَال، جَمْعُ رَذْل " .(1/108)
وحكى اللحيانى(1) : ( نذل) و( نُذَال ) (2) و( ناقة بسط ) و( أنيق بُسَاط ) (3) وهى التى معها ولدها. وفى كتاب العين(4) ( ظُهَار) (5) جمع ( ظهر) للقوس" (6).
__________
(1) ... هو: على بن المبارك وقيل بل خازم , ويكنى أبا الحسن . لقى العلماء والفصحاء من الأعراب ، وعنه أخذ أبو عبيد القاسم بن سلام . وله من الكتب المصنفة ، كتاب االنوادر . توفى في حدود سنة (210 )عشر ومائتين . انظر ترجمته في : فهرست ابن النديم صـ 54 , و هدية العارفين - إسماعيل باشا البغدادي 1 / 668.
(2) ... في اللسان , مادة ( نذل ) : "النَّذْل والنَّذِيل من الناس: الذي تَزْدَرِيه في خِلْقته وعَقْله، وفي المحكم: الخَسِيسُ المُحْتَقَر في جميع أَحواله، والجمع أَنْذال ونُذُول ونُذَلاءُ، وقد نَذُل نَذالة ونُذُولة. الجوهري: النَّذالةُالسَّفالة. وقد نَذُل، بالضم، فهو نَذْل ونَذِيل أَي خسيسٌ جمع قِطْع وهو نَصْل قصير عَرِيض، وقال: نَذِيل ونُذال مثل فَرِير وفُرار ".
(3) ... في التهذيب , تحت الجذر ( بسط ) : " والبُساط: جمع بسط، وهي الناقة التي تُركت وولدها لا يمنع منها، أو لاتعطف على غيره، وهي عند العرب بِسْط وبَسوط، وجمع بِسط بُساط، وجمع بَسوط بُسُط، هكذا حفظته عن العرب، وفي التاج , مادة ( بسط ) : " البسَاط، يُروى بالفَتْحِ، والضَّمِّ، والكَسْرِ، أَمَّا بالكَسْرِ فهو جمعُ بِسْطٍ، بالكَسْرِ أَيْضاً، كما قالَهُ الأّزْهَرِيّ، وبالضَّمِّ: جمع بُسْطٍ، بالضَّمِّ أَيْضاً، كشُهْدٍ وشُهادٍ. وأَمَّا بالفَتْحِ، فإِنْ صَحَّتِ الرِّوايَةُ، فإِنَّها الأَرْضُ الواسِعَةُ " .
(4) ... انظر: العين , تحت الجذر( هظر ) , قال الخليل : " والظُّهار من الرِّيش: الّذي يَظْهَر من ريشِ الطّائِرِ وهو في الجَناح، ويُقالُ: الظُّهار جماعة،والواحد: ظَهْر، ويُجْمَع أيضاً على الظُّهْران " .
(5) ... انظر: ليس صـ 153, واللسان , مادة( ظهر ).
(6) ... ... الفصول و الغايات صـ 42..(1/109)
وقد زاد النحويون واللغويون بالإضافة إلى ما سبق: ( عُرَام) (1) وذكروا ( بُرَاء) جمع ( بُرْأة) وهى قتيرة الصيد وجمع ( برئ) وذكروا(2) ( رُذَال وثُنَاء) وذكروا(3) ( رُجَال) جمع ( راجل) بخلاف الراكب وذكروا(4) ( ظُبَاء) جمع ( ظُبية) بالضم وهى منعرج الوادى (5)
__________
(1) ... انظر: غريب الحديث لابن قتيبة 1/67, والتاج , مادة ( عرم ) , و(العُرَام) مثل (العُرَاق)
... وقد سبق معناه, قال الرياشى : "والعُرَام مثله, يقال: عرمت العظم أعرمه" انظر: غريب الحديث
... لابن قتيبة 1/67, وديوان الأدب 1/445, والصحاح , مادة ( عرم ) .
(2) ... انظر: أمالى القالى 2/291 واللسان 10/244, وحاشية يس 2/309, و(بُرَاء) فى (برئ) فيها خلاف, هل حذفت إحدى الهمزتين, والأصل (بُرَاء) , أو لم يحذف. انظر هذا الخلاف فى: المقتضب 1/302, وشرح الملوكى صـ 381, واللسان . مادة ( برأ) .
(3) ... انظر: ليس صـ 15 وشرح درة الغواص صـ 183, والأشباه والنظائر 4/248, والمزهر 2/72,
وحاشية يس على التصريح 2/309. و(الرُذَال) من الناس: المسترذل الخسيس, وهو جمع (رذل) و(ثُنَاء) جمع (ثنى) للشاة تلد فى السنة مرتين كما فى اللسان , مادة ( ثني ) .
(4) ... قال صاحب التاج في مادة ( رحل ): "وقد فاته...... (رُجَال) جمع (رجل) خلاف (الراكب) .
(5) ... انظر: شرح درة الغواص صـ 313. وفي اللسان , مادة ( ظبو ) : " الظَّبية: مُنْعَرَج الوادي، والجمع ظِبَاء، وكذلك الظُّبَة، وجمعها ظُباءٌ، وهو من الجمع العزيز؛ وقد روي بيت أَبي ذؤيب بالوجهين:
... ... ... عَرَفْتُ الديارَ لأُمّ الرَّهي نِ بينَ الظُّباء فَوَادِي عُشَرْ
قال: الظُّباء جمع ظُبَة لمُنْعَرج الوادي، وجعل ظُبَاءً مثل رُخالٍ وظُؤارٍ من الجمع الذي جاء على فُعال، وأَنكر أَن يكون أَصلَه ظُبىً ثم مَدَّه للضرورة ...وينبغي أَن يكون الظُّباء المضموم الظاء أَحدَ ما جاء من الجُمُوع على فُعال، وذلك نحو رُخال وظُؤَارٍ وعُراق وثُناء وأُناسٍ وتُؤَامٍ ورُباب، فإن قلت: فلعله أَراد ظُبىً جمع ظُبَة ثم مدّ ضرورة؟ قيل: هذا لو صح القصر، فأَما ولم يثبت القصرُ من جهة فلا وجه لذلك لتركك القياسَ إِلى الضرورة من غيرضرورة" .(1/110)
, و ( كُبَاب ) وهى الكثيرة المتراكمة(1)
و( مُلاَء ) جمع لـ مِلاء بالكسر(2) و( قُمَاش ) للمجتمع من كل ردئ(3) و( سُحَاح ) بمعنى سمان(4)
__________
(1) ... (الكباب) بالضم ما تكبب من الرمل أى تجعد لرطوبته, وهو الكثير من الإبل أيضاًًًًً. انظر: القاموس واللسان , ماة ( كبب) , ولم أعرف لها واحداً , والأشبه أن تكون اسم جمع, أما إذا كان واحدها (كبة) فهى اسم جنس. ...
(2) ... فى العين , مادة ( ملأ) : "المُلاءةُ: الرَّيْطةُ، والجميعُ: المُلاءُ" . وعليه يكون (الملاء) اسم جنس .
(3) ... فى اللسان , مادة ( قمش) : " القَمْشُ: الرّدِيءُ من كل شيء، والجمع قُماشٌ، ونظيرها عَرْقٌ وعُراقٌ وأَشياء معروفة ذكرها يعقوب وغيره. والقُماشُ أَيضاً: كالقَمْش واحدٌ مثله. والقَمْش: جمع الشيء من ههنا وههنا، وكذلك التَقْمِيش، وذلك الشيء قُماشٌ. وقَمَشَه يَقْمِشُه قَمْشاً؛ جمعه. الليث: القَمْشُ جمعُ القُماشِ وهو ما كان على وجه الأَرض من فُتاتِ الأَشياء حتى يقال لرُذالةِ الناسِ: قُماش. وقُماشُ كل شيء وقُماشتُه: فُتاتُه. وانظر: التاج, مادة ( قمش) , ويمكن أن يكون القماش مصدراً كالـ( دُقَاق) و(الحطام) كما فى اللسان و التاج ... , مادة ( جفأ).
(4) ... في التاج , مادة ( سحح) :" سُحَاحٌ" بالضَّمّ، أَي سِمانٌ، الأَخيرة "نادِرَةٌ"، من الجَمْعِ العَزِيزِ كظُؤَارٍ ورُخَالٍ، حكاه أَبو مِسْحَلٍ في نوادره ... أَنه يقال: شِيَاهٌ سُحَّاحٌ، بالضّمّ مع تشديد الحاءِ، على القياس في جمعِ فاعلٍ أُنْثَى على فُعّال، بتشديد العين، وهذا غريب لم يَتعرَّض له أَكثرُ أَهلِ اللغة. قلْت: وهذا الّذي ذكره قد حكاه ثَعلبٌ، ونقله عنه ابنُ منظورٍ، وفي الصّحاح: غَنَم سُحَّاحٌ، هكذا بالتَّشديد بخطّ الجوهريّ " .
... وفي النوادر لأبي مسحل الأعرابي 1/287 : " ويقال : شاة ساحُّ , وشياه سُحَّاح, وسُحاح , بالتخفيف والتثقيل" .(1/111)
و( رُعَاء ) جمع راع(1) , و( لُهَاث )(2) .
وذكروا(3) ( جُمَال فى جمع جَمَل) (4) وذكروا(5) ( كُثَاب ) وهى النعم الكثيرة(6).
وذكروا(7) ( رُقَاق) و ( دُقَاق(8)
__________
(1) ... فى التاج , مادة ( رعي): "(ورعاء) بالضم ويكسرلراعى الغنم, ولم يذكر الجوهرى الضم" . وفى
... فتح القدير للشوكانى 4/166, قرأ الجمهور (الرعاء) بكسر الراء,وقرأ أبو عمرو فى رواية عنه
... بفتحها وقرئ (الرعاء) بالضم اسم جمع وانظر: البحر 8/297 .
(2) ... فى اللسان , مادة (لهث) : " اللُّهاث، وهي النقَط الحمر التي في الخوص إذا شققته. وفي التاج , مادة ( لهث) : "والقِيَاسُ" فيه "الكسرُ، كنِقَاطٍ ، فيكون حينئذ جمعاً لِلُّهْثَةِ".
(3) ... انظر: السماع والقياس لـ تيمورصـ 22.
(4) ... فى اللسان , مادة ( جمل) : " قد حكي عن بعض القراء جُمَالات، برفع الجيم، فقد يكون من الشيء
... المجمل، ويكون الجُمَالات جمعاً من جمع الجِمال كما قالوا الرَّخْل والرُّخال" .
(5) ... انظر: حاشية يس على التصريح 2/309, قال يس عنها وعن (جُفََال ): "وانظر ما مفردهما".
... فيحتمل أن يكونا اسم جمع.
(6) ... في التاج , مادة( كثب) : " الكُثَابُ، كغُرَابٍ: الكَثِيرُ ونَعَمٌ كتُابٌ: أَيْ كَثيرٌ" .
(7) ... انظر: حاشية ليس لابن خالويه صـ 153, ونسب محقق الكتاب هذه الكلمات للخفاجى فى شرح
... درة الغواص, ولم أجد فيه هذه الكلمات المذكورة. راجع شرح درة الغواص صـ 383.
(8) ... (الرقيق) و(الرُقَاق) بمعنى واحد, وكذا (الدقيق) و(الدُقَاق) أى خلاف الغليظ, والأصح أن (رُقَاق)
... و(دُقَاق) وأمثالهما ليسا بجمع, فهى إما مصادر أو صفات. راجع ذلك فى :المقتضب 2/208, 209, والتنبيهات صـ 184, وأبنية الأسماء لابن القطاع صـ 274, وشرح الشافية للرضى 1/155, واللسان , مادة ( جفأ) .(1/112)
وأُنَاس(1) ).
وذكروا(2) ( جُفَال ) للصوف الكثير(3) .
وذكروا(4) ( دُرَاب) وذكروا(5) ( عُوام ) جمع عائم اسم لصنم , و( قُماء ) فى جمع قمئ(6) وباب رُبَاع).
__________
(1) ... فى اللسان , مادة ( أنس): " والإِنْسُ: جماعة الناس، والجمع أُناسٌ، وهم الأَنَسُ. تقول: رأَيت بمكان كذا وكذاأَنَساً كثيراً أَي ناساً كثيراً" . وفي التحرير والتنويرلابن عاشور 1/261: "وقد قيل إن
... (أُ ناس )جمع , وإنه من جموع جاءت على وزن ( فُعَال ) ..أنهاها بعضهم إلى أربع وعشرين , وقيل : هي اسم جمع " .
(2) ... انظر: ديوان الأدب للفارابى 1/445 , ودرة الغواص/ 131, والمزهر 2/72.
(3) ... يمكن أن يكون (جُفَال ) اسم جمع ؛ لأنه لا يعرف له واحد انظر: حاشية يس على التصريح 2/309, وإن كان مفرده (جفلة) فهو اسم جنس.
(4) ... انظر: التاج , مادتي(ظئر) , و ( رخل), هكذا ذكره صاحب التاج ولم يوضحه, وليس فى المعاجم التى وقفت عليها ما قال إنه جمع على (فُعَال) سوى التاج.
(5) ... انظر: حاشية يس على التصريح 2/309, ولم أجد هذا الجمع فيما تحت يدى من معاجم .
(6) ... في التاج , مادة ( قمئ) : قَمُأَ الرجلُ وغيرُه كجَمَعَ وكَرُم قَمْأَةً كرحْمُةٍ، ... وقُماءً بالضَّمِّ والكسر إِذا ذَلَّ وصَغُرَ في الأَعيُن فهو قَمِيءٍ كأَميرٍ: ذَليلٌ. وفي الأَساس: فُلانٌ قَمِيٌّ، لكنَّه كَمِيٌّ ج قِماءٌ وقُماءٌ كجِبالٍ ورُخالٍ الأَخيرة جمعٌ عَزيز، والأُنثى قَميئَةٌ" .(1/113)
وذكروا(1) ( ذُبَال) فى جمع ( ذبالة ), وهى الفتيلة، وذكروا(2) ( جُذَاذ ) فى جمع ( جُذَاذة ) وقيل فى جمع ( جذيذ ).وذكروا(3) ( سُقَاية) بضم السين.
أما ( ذُبَال) و(جُذَاذ) إذا كان مفرده ( جُذَاذة) فينبغى أن يكون اسم جنس للفرق بينه وبين واحدة بالتاء(4) .
__________
(1) ... انظر: أبنية الأسماء لابن القطاع صـ 275.
(2) ... فى القرطبى 11/298 هو مثل الحطام والرفات والواحدة (جُذَاذة), ويجوز فيه الفتح والكسر لغتان كالحصاد والحصاد. وفى اللسان , مادة ( جذذ) : " الجُذاذ: المُقَطَّع والجِذاذُ: القطع المكسرة، منه. فجعلهم جُذاذاً أَي حُطاماً، وقيل: هو جمع جَذيذ، وهو من الجمع العزيز. وقال الفراء في قوله: فجعلهم جُذاذاً، فهو مثل الحُطام والرُّفات، ومن قرأَها جِذاذاً، فهو جمعَ جَذيذ مثل خفيف وخفاف" .
(3) ... انظر: السماع والقياس لـ تيمور صـ 21 , و فى إعراب القراءات الشاذة للعكبرى1/611 : قوله تعالى: "سُقَاية الحج" يقرأ بكسر السين وضمها والوجه فيها أنه جمع مثل: (رُخَال) فى (رخل) و(تُؤَام) فى (توأم) هكذا ذكر بعض من علل. والأشبه عندى أن تكون بمعنى المكسورة وتكون لغة. وفى البحر 5/389: "بنى الجمع على (فُعَال) كـ (رخل) و(رُخَال) و(ظئر) و(ظُؤَار) وكان القياس أن يكون بغيرها لكنه أدخل الهاء كما دخلت فى حجارة :".
(4) ... اسم الجنس هو الاسم الموضوع لذلك المعنى الذهنى المجرد ليدل من غير تذكر فرد من أفراد ه الخارجية, ولا استحضار صورته فى دائرة الذهن ومن غير ربط بين اللفظ ومدلوله الحقيقى, ويفرق بينه وبين واحده إذا كان اسم جنس جميعاً بالتاء غالبا كـ تمر وتمرة أو ياء مشددة كروم ورومى. واسم الجنس الإفرادى يصدق على القليل والكثير من غير اعتبار للقلة والكثرة مثل: (قطن), (قمح). انظر: علم الجنس واسمه لـ د/ صلاح عبد العزيز صـ 96, 97, 101 .(1/114)
ويبدو أن ( جُفَالاً) مثله, وما سبق يشبه ( البُغَاث )(1) و( الجُمَان) (2) فى أن كلاً منهما يفرق بينه وبين واحده بالتاء .
__________
(1) ... في اللسان , مادة( بغث ) : "البَغَثُ والبُغْثة: بياضٌ يَضرِبُ إِلى الخُضرة؛ وقيل: بياض يَضرِبُ إلىِ الحُمْرة، الذكر أَبْغَثُ، والأُنثَى بَغْثاء. والأَبغَثُ: طائرٌ غَلَبَ عليه غَلَبَة الأَسماء، وأَصلُه الصفةُ للونه.
... ...والجمع البُغْثُ والأَبَاغِثُ؛ وسمي أَبْغَثَ لِبُغْثَتِه، وهو بياض إِلى الخُضرة؛ وأَما البُغاثُ: فكلُّ طائر ليس من جوارح الطير؛ يقال: هو اسم للجنس من الطير الذي يُصادُ... وبَغاثُ الطير وبُغاثها: أَلائِمها وشِرارُها، وما لا يصيد منها، واحدتُها بَغاثة، بالفتح، الذَّكر والأُنثى في ذلك سواء. وقال بعضهم: من جعل البَغاثَ واحداً، فجمعه بِغْثانٌ، مثل غَزال وغِزلانٍ؛ ومن قال للذكر والأُنثى بَغاثة، فجمعه
بَغاثٌ، مثل نَعامة ونَعام، وتكون النعامة للذكر والأُنثى؛ سيبويه: بُغاثٌ، بالضم، وبِغثانٌ،بالكسر" .
(2) ... فى اللسان مادة ( جمن) : " الجُمانُ: هَنَواتٌ تُتَّخَذُ على أَشكال اللؤلؤ من فضَّة، فارسي معرب، واحدته جُمانة" .(1/115)
هذا ما وقفت عليه مما ذكره النحويون واللغويون, وقد وجدت من ذلك أيضاً مما لم يذكروه: ( التُوَآن) (1) و ( جذاع ) (2)) و( فُرَاد ) (3)و( الُلبَان) (4).
__________
(1) ... فى الطبرى 7/362: "وكان يونس الجرمى فيما ذكر عنه يقول: (فُرَاد) جمع (فرد) كما قيل: (توأم) و(تُؤَام). وانظر اللسان , مادة ( فرد) .
(2) ... في التاج , مادة ( جذع ) : " الجَذَع: الشَّابُّ الحَدَثُ. ومِنْهُ قَوْلُ وَرَقَةَ بنِ نَوْفَلٍ: يا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعْ :أَيْ لَيْتَني أَكُونُ شَاباً حينَ تَظْهَر نُبوَّتُه حَتَّى أُبَالِغَ في نُصْرَته... يَا لَيْتَني فيهَا جَذَعْ ج: جذَاعٌ، بالكَسْر، وجذْعانٌ، بالضَّمِّ، كما في الصّحاح. وفي اللِّسَان: والجَمْعُ جُذْعٌ وجذْعانٌ، الأَخير بالكَسْر وبالضَّمِّ. قُلْتُ: الضَّمِّ عَنْ يُونُسَ، وفي العُبَابِ: وزاد يُونُسُ: جُذَاعُ، بالضَمّ، وأَجْذاعٌ ".
(3) ... فى التاج , مادة ( تئن) :": ومما يستدرك عليه: (التوآن) وهو كـ (تُؤَام) زنة ومعنى ويحتمل أن يكون التُؤَام والنوآن واحداً, وأبدلت الميم نونا, وهو جائز كثير.
(4) ... فى عقد الخلاص لابن الحنبلى صـ 249, وقال أبو سهل الهروى (لُبان) هنا جمع (لبن) وعلى قول غيره هو لغة فى (اللبن).(1/116)
ومع كثرة ما جاء على ( فُعَال) من الأبنية فإنهم اختلفوا فيه كما سبق, فهو عند سيبويه جمع تغير بناء مفرده ليصح جمعه على (فُعَال), قال سيبويه فى ( توأم) و( تُؤَام) : "كأنهم كسروا عليه ( تِْئم) كما قالوا: ( ظِئْر) و( ظُؤَار) و( رخل) و( رُخَال)" (1) واحتج ابن مالك لكونه جمعاً لا اسم جمع بأنه "لا يصح قول من جعل ( فُعَالاً) اسم جمع؛ لأنه لو كان اسم جمع لصغر على لفظه, ولنسب إليه, ولذُكِّر كما فُعِل بـ ( رَكْب) و( عَمْد) وأشباههما من أسماء الجموع, والأمور الثلاثة منتفية عن ( فُعَال) بالاستقراء, فثبت أنه جمع لا اسم جمع"(2) .
بينما احتج من قال إنه " ليس بجمع على الأصح؛ لأنها تصغر على بنائها فلا تكون جمع كثرة, وليست من أبنية القلة"(3) .
وثمة من قال إن ما جاء على ( فُعَال) من الجموع أصله ( فِعَال) بكسر الفاء, وأما الضم فهو بدل عن الكسر(4) .
وذهب بعض المحدثين إلى أن صيغة ( فُعَال) فى الجمع أصلها (فُعَل) (5) , ونسب إلى المبرد خطأ أنه يقول إن ( فُعَال) فى الجمع كثير, والذى فى المقتضب(6) أن ( فعيل) و( فُعَال) يقعان لشئ واحد كالطويل و(الطُوَال) و(الخفيف) و(الخُفَاف) و(رقيق) و(رُقَاق) قال: و"ذلك أكثر من أن يحصى"(7) .
فظن أن قول المبرد : " وذلك أكثر من أن يحصى" أنه يقصد الجمع على (فُعَال).
والصحيح أنه أراد أن "( فُعَال) يكون نعتاً كـ ( فعيل) يقال: ( طويل) و( طُوَال) و( خفيف) و ( خُفَاف) و( سريع) و( سُرَاع)" (8) .
__________
(1) ... الكتاب 3/617. وانظر: التكملة للفارسى صـ 174.
(2) ... شرح عمدة الحافظ 2/932, 933.
(3) ... شرح الشافية لـ نقرة كار صـ 98.
(4) ... انظر: شرح درة الغواص صـ382, والتاج , مادة ( تئم ).
(5) ... هو الدكتور أبو الفتوح شريف فى: علم الصرف دراسة وصفية صـ 192.
(6) ... انظر: المقتضب 2/208, 209.
(7) ... المقتضب 2/209.
(8) ... انظر: أبنية الأسماء لابن القطاع صـ 274.(1/117)
وبعد.... فإنه بالنظر فى مفرد ما جاء على ( فُعَال) يتضح أن هذا الوزن لم يطرد جمعه فى صيغة واحدة حتى يقال فيه بالجمعية, وأكثر ما جاء عليه هو ( فَعْل) فى المفرد ولم يجئ منه سوى بضعة ألفاظ, بعضها فيها مقال, أما بقية الصيغ التى أتى عليها ( فُعَال), فلم يتعد ما جاء منها فى كل صيغة خمسة ألفاظ فما دون ذلك.
وهذا بيان بالصيغ التى جاء عليها المفرد فى وزن (فُعَال).
فَعْل ... فُعَال ... فِعْل ... فُعَال ... فَعَلَة ... فُعَال ... فُعْلَة ... فُعَال ... فُعْلى ... فُعَال
بسط ... بساط ... إنس ... أُناس ... ساحة ... سحاح ... بُرأة ... براء ... رُبَّى ... رُباب
ثني ... ثُناء ... ظِئر ... ظُؤار ... ظُبية ... ظباء
رخل ... رخال ... عرق ... عُراق ... لُهثة ... لهاث
رذل ... رذال
ظهر ... ظهار
عرم ... عرام
فرد ... فراد
قمش ... قماش
نزل ... نزال
فِعيل ... فُعَال ... فوْعَل ... فُعَال ... فاعل ... فُعَال ... فِعال ... فُعَال
برئ ... براء ... توأم ... تؤام ... راجل ... رجال ... جِمال ... جمال
دقيق ... دقاق ... توأن ... تؤان ... راعٍ ... رعاء
رقيق ... رقاق ... عائم ... عوام
طويل ... طوال
فرير ... فرار
قميئ ... قماء
وبعد هذا العرض يتضح أن ما جاء على (فُعَال) لا يكاد يطرد منه شئ ولو كان جمعاً كباقى الجموع لاطرد فى المفرد.(1/118)
ويمكن أن يفهم من هذا أن أكثر ما جاء على ( فُعَال) فى المفرد هو وزن ( فَعْل), وهو من الأوزان التى يأتى عليها بإطراد (فِعَال) بكسر الفاء لا بضمها, فليس بعيداً إذن أن يكون ما جاء على ( فُعَال) أصله ( فِعَال) وأبدلت الكسرة الضمة, وهو شئ ليس غريباً فى باب الجمع, فإن الجمع كما يقول الثمانينى (1): "كثير الشذوذ كثير التداخل"(2) والجمع باب يطرد فيه التغيير كما يطرد فى النسب(3) .
__________
(1) ... هو: عمر بن ثابت الضرير النحوي أبو القاسم النحوي البغدادي المعروف بالثمانينى , ونسبته إلى قرية من نواحي جزيرة ابن عمر عند الجبل الجودي ، يقال لها ثمانين ، باسم الثمانين الذين كانوا مع نوح عليه السلام في السفينة . اشتغل على ابن جني ، وشرح كلامه ، وكان ماهراً في صناعة النحو ,صنف شرح التصريف الملوكى, و شرح اللمع لابن جنى في النحو , و الفوائد والقواعد في النحو , والمفيد في النحو . توفىسنة ( 442 ) اثنتين واربعين وأربعمائة .انظر ترجمته في : نزهة الألباء صـ 256, و البداية والنهاية 21 /78 ,و هدية العارفين 1 / 781 .
(2) ... الفوائد والقواعد للثمانينى صـ 668.
(3) ... انظر : الارتشاف 1/468 .(1/119)
ويساعد على هذا الفهم أن بعض ما جاء على ( فُعَال) جاء على الأصل بالكسر كـ ( الرُّخَال) و( الرِّخَال ) (1) و( سُحَاح) و( سِحَاح) (2) و( الُلَهاث) و( اللِهَاث) (3) , فكأن النطق بالكسر فيما سبق جاء منبهة على الأَصل. ويعزز هذا الفهم أن ( فِعَال) و (فُعَال) يشتركان في الأبنيةأحياناً , و قد عقد ابن قتيبة في أدب الكاتب باباً في ( فِعَال ) و ( فُعَال) بكسر الفاء وبضمها (4) .
أما ما أجازه بعض المحدثين من كون ( فُعَال) مقصورة من ( فُعَل) فليس الأمر كما قال؛ لأنه بالنظر فيما يأتى عليه ( فُعَل) فى الجمع يتضح اختلافه عما يأتى عليه ( فُعَال), فالأقرب إذن أن يكون أصل (فُعَال) هو ( فِعَال) بكسر الفاء, أو أن يكون وزن ( فُعَال) اسم جمع لا جمعاً, لعدم اطراده فى صيغ محددة كبقية الجموع.
__________
(1) ... انظر: الصحاح , مادة ( رخل ) .
(2) ... انظر: التاج , مادة ( سحح) , والنوادر لأبي مسحل الأعرابي1/287 .
(3) ... انظر: التاج , مادة (لهث) .
(4) ... انظر : أدب الكاتب صـ 438 وفيه : " سِوارُ المرأة وسُوار"، و"هو حسن الجِوَار والجُوَار"، و"حِوَار الناقة وحُوَار"، و"شِوَاظ من نار وشُوَاظ"، و"خِوَان وخُوَان" للذي يؤكل عليه، و"الهِيَام والهُيَام" داء يأخذ الإبل، و"النِّداء والنُّداء"، و"الهِتَاف والهُتَاف"، و"رجل شِجَاع وشُجَاع"، و"قوم شُجْعَان وشِجْعَان" وهوكريم "النِّجَار والنُّجَار"، و"النِّحاس والنُّحاس" أي: الأصل، و"الصِّياح والصُّياح" و"صِوَان الثوب وصُوَانه": التَّخْتُ أو الوعاء الذي يُصان فيه، و"هُمْ رِهَاقُ مائةٍ ورُهاقُ مائة" كقولك:هم زُهاء مائة، وصار البَيْض " فِلاقاً وفُلاقاً" أي: فَلَقاً، و"إبل طِلاحيَّة وطُلاحِيَّة" تأكُلُ الطَّلْحَ، و"رجلٌ نِبَاطيّ ونُبَاطيٌّ" منسوب وأصابه "إطَامٌ وأُطامٌ" إذا احتبس بطنه " .(1/120)
وقد ورد هذا الاحتمال عند المتأخرين , ورده ابن جني, كما جاء في اللسان , مادة ( ظبو ) :" فإن قلت: فلعله أََراد ظُبىً جمع ظُبَة ثم مدّ ضرورة؟ قيل: هذا لو صح القصر، فأَما ولم يثبت القصرُ من جهة فلا وجه لذلك لتركك القياسَ إِلى الضرورة من غيرضرورة" .
جمع ( فعيل) على ( فَعَلَة )
... ينقاس ( فَعَلَة ) فى الجمع على ما كان فى المفرد على وزن ( فاعل) وصفاً لمذكر صحيح اللام عاقل نحو: ( كافر) و( كَفَرَة) ويَقِلُّ فيما لا يعقل نحو ( ناعق) و( نَعَقَة)" (1) .
وقد جاء ( فعيل) على ( فَعَلَة ) فى صحيح العين نحو ( خبيث) و( خَبَثَة) (2) قالوا: وهو نادر(3). .ويمكن أن يكون منه ( َسَفَرة) فى جمع سفير. إذا فسر ( سَفَرَة) فى قوله تعالى: " بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ (4) بأنهم الملائكة الذين يسفرون بالوحى بين الله ورسوله, وهو ما اختاره الفراء(5) .
__________
(1) ... ... انظر: الكتاب 3/631, والمقتضب 1/262, و2/218, والموجزصـ 160, وشرح الكافية الشافية 4/1842, والارتشاف 1/440, وشرح الشافية 2/156, والهمع 3/318.
(2) ... ... انظر: شرح الكافية الشافية 4/1842, والارتشاف 1/440, والهمع 3/319, والأشمونى 4/132, وحاشية الخضرى على ابن عقيل 2/157.
(3) ... ... انظر: الارتشاف 1/440.
(4) ... ... سورة (عبس) الآيتان: 15, 16.
(5) ... انظر: معاني القرآن للفراء3/ 237 , و فتح القدير للشوكانى 5/383, وقيل فى تفسيره أيضاً: هم الكتبة, وقال الفراء, واختاره الطبرى إنهم الملائكة الذين يسفرون بالوحى بين الله ورسله. قال فيه: وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب. انظر:الطبرى 30/67.(1/121)
وقد جاء أيضاًًًً فى معتل العين نحو ( قَيِّم) و( قامة) و( عيِّل) و( عالة) عند الكوفيين؛ لأن الوزن عندهم فيما سبق(1) (فعيل) فى المفرد, وجمع على (فَعَلَة ), وعليه فيدخل عندهم فى جمع (فعيل) على (فَعَلَة ): ( سيِّد) و( سادة).
لكن هذا ممتنع عند البصريين؛ لأن ما سبق وزنه (فيعل) عندهم لا ( فعيل) , وجمع على (فَعَلَة ) كأنهم جمعوا ( قائم) و( عائل) و( سائد) (2) وبهذا أخذ أبو العلاء, فقال تعليقاًً على بيت
ابن أبى حصينة:
ما كُلُّ مَن وَرِثَ المَكارِمَ قائِمٌ فَيها وَلا كُلُّ ابنِ فَحلٍ سَيِّدُ (3)
"وليس( سادة ) جمع ( َسِِّيد) على القياس, وإن كانت العامة تظن ذلك"(4) .
__________
(1) ... ... انظر الخلاف فى هذه المسألة في: الكتاب 4/365, والمقتضب 1/263, والإنصاف 2/795.
(2) ... في اللسان , مادة : ( سود ) : " والسَّيِّدُ: الرئيس؛ وقال كُراع: وجمعه سادةٌ، ونظَّره بقَيِّم وقامة وعَيِّل وعالةٍ؛ قال ابن سيده: وعندي أَن سادةً جمع سائد على ما يكثر في هذا النحو، وأَما قامةٌ وعالةٌ فجمْع قائم وعائل لا جمعُ قَيِّمٍ وعيِّلٍ كما زعم هو، وذلك لأَنَّ فَعِلاً لا يُجْمَع على فَعَلةٍ إِنما بابه الواو والنون، وربما كُسِّر منه شيء على غير فَعَلة كأَموات وأَهْوِناء " .
(3) ... ... البيت من بحرالكامل وهو فى الديوان1/ 204.
(4) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة2 / 220.(1/122)
وأياً ما كانت نتيجة الخلاف بين البصريين والكوفيين فى وزن نحو (سيِّد) إن كان (فعيلاً) على رأى الكوفيين أو ( فيعلاً) على رأى البصريين فإن كلاً منهما ليس مقيساً جمعه على (فَعَلَة ), وإن كان (فعيلاً) فى هذا أسهل للشبه الحاصل بينه وبين ما يجمع قياساً على (فَعَلَة ) وهو (فاعل) ؛ إذ كل منهما عدته أربعة حرف, والزيادة فيه حرف ساكن(1).
وكما جاء ( فعيل) صحيح العين ومعتلها على ( فَعَلَة ) فى الجمع جاء أيضاًًًً ( فعيل) معتل اللام عليه, ولم يأت منه إلا كلمة واحدة وهى ( سَرَاة القوم) (2) بمعنى قادتهم, وواحدها ( سَرِىِّ) بوزن (فعيل).
وهو جمع على غير قياس كما سبق؛ لأن ( فعيلاً ) لا يجمع على ( فَعَلَة ) , ولأنه معتل اللام, ولو جمع على ( فَعَلَة ) لكان أسهل؛ لأن هذا الوزن يجمع عليه ما كان على فاعل معتل اللام كـ (قاض) و(قضاة) (3) .و(فعيل) تشبه (فاعلاً) كما سبق.
قال الزمخشرى فى فتح الفاء من( سَرَاة ) : " وهو غريب لضمه فاء أخواتها نحو ( غُزَاة ) و( قُضَاة ) "(4) .
__________
(1) ... انظر: شرح المفصل 5/65, والحلل لابن السيِّد صـ 270, وشرح الشافية 2/138, وقضية الشبه فى النحو االعربى د/ فؤاد أحمد السيِّد الحطاب صـ 249.
(2) ... انظر مادة , ( سرو ) في : العين , و الصحاح , وراجع : معجم البلدان 3/204, والمزهر 2/ ... 112.
(3) ... انظر: الكتاب 3/631, والمقتضب 1/263, وشرح الكافية الشافية 4/1842, والهمع 3/319.
(4) ... الفائق فى غريب الحديث للزمخشرى 2/137.(1/123)
وقد حكى الضم فقيل ( سُرَاة ) (1) , فيكون الضم أسهل من الفتح لما سبق. وأما الفتح, فكأنهم إذا جمعوا ردوه إلى جمع ( فاعل) ولم يلتفتوا إلى اعتلال لامه, وكأنه جمع ( سارٍ)؛ لأنه يقال (سرى الرجل يسرى ويسرو) إذا شرف, واسم الفاعل من ( سرى يسرى): (سارٍ) واسم الفاعل من ( سرى يسرو) : ( سََرىِّ) كما يقال ( ظرُف) فهو ( ظريف) (2).
__________
(1) ... انظر: الخصائص 2/487, والنهاية لابن الأثير 2/363, والحلل لابن السيِّد صـ 270 , و في اللسان , مادة ( سرا ) : والسَّرَاةُ: اسم للجمع، وليس بجمع عند سيبويه،قال: ودليل ذلك قولهم سَرَواتٌ؛ .... وقولهم: قومٌ سراةٌ جمعُ سَرِيٍّ، جاء على غير قياس أَن يُجْمَع فَعِيلٌ على فَعَلَة، قال: ولا يُعرَف غيره، والقياس سُراةٌ مثل قُضاةٍ ورُعاةٍ وعُراةٍ، وقيل: جَمعه سَراةٌ، بالفتح، على غير قياس، قال: وقد تضم السين، والاسم منه السَّرْو. ...،. قال ابن بري: موضوع سَراةٍ عند سيبويه اسمٌ مفردٌ للجمع كنَفَرٍ وليس بجمع مكَسَّر، وقد جمِعَ فَعِيلٌ المعتلّ على فُعَلاءَ في لَفْظَتَيْن: وهما تَقيٌّ وتُقَواء، وسَريٌّ وسُرَواء وأَسرياءقال: حكى ذلك السيرا في تفسير فَعِيلٍ من الصفات في باب تكسير ما كان من الصفات عدّته أَربعةُ أَحرف ".
(2) ... انظر: تفسير الطبرى 3/69, وراجع في : ( سرى ـ يسري ) و( سرى ـ يسرو ) : ليس لابن خالويه صـ 106 , والفريدة في شرج القصيدة صـ 112 , و شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/149 . وفي اللسان , مادة ( سرا ) : "السَّرْوُ: المُروءَةُ والشَّرَفُ. سَرُوَ يَسْرُو سَراوَةً وسَرْواً أَي صار سَرِياً؛ الأَخيرة عن سيبويه واللحياني. الجوهري: السَّروُ سَخاءٌ في مُرُوءَةٍ. وسَرَا يَسْرو سَرْواً وسَرِيَ، بالكسر، يَسْرَى سَرىً وسَرَاءً وسَرْواً إذا شَرُفَ، ولم يحك اللحياني مصدر سَرَا إلا ممدوداً..الجوهري: يقال سَرَا يَسْرُو وسَريَ، بالكسر، يَسْرَى سَرْواً فيهما وسَرُوَ يَسْرُو سَراوةً أي صارَ سَرياً. قال ابن بري: في سَرا ثلاث لغات فَعَل وفَعِلَ وفَعُلَ، وكذلك سَخِي وسَخاوسَخُو، ومن الصحيح كَمَل وكَدَر وخَثَر، في كل منها ثلاث لغات" .(1/124)
قال ابن السيِّد : "وقد يجوز أن تكون( سَرَاة) جمع ( سَرِيَِّ )، وجاز أن يكسر: فعيل على (فَعَلة ), من حيث كان( فعيل) و( فاعل ) يشتر كان في المعنى الواحد، فيقال: عليم وعالم، وقدير وقادر (1)؛ فقد اشتركا في جمعهما، كما اشتركا في مفردهما، وكما قالوا: (عالم، وعلماء)، و( شاعر، وشعراء ) ، وباب( فعلاء) في الجمع إنما هو( الفعيل)، نحو( حكيم وحكماء) ، و( بصير وبصراء ).
وقيل: إن( سَرَاة) اسم الجمع، واستدل قائل هذا بقولهم:( سرواتهم قصار) ، بمنزلة: قطاة
وقطوات , وحجة من ذهب إلى المذهب الأول: أن الجمع قد يجمع" (2) .
وكون (سَرَاة) جمعا لـ( سَرِىِّ ) هذا عند غير سيبويه, أما هو فيرى أنه اسم جمع لا جمع, مثله (نفر) و(رهط ) (3) ؛ لأنه ليس لواحده ضابط(4) وبأنه قد جمع فقيل (سَرَوَات القوم), والجمع لا يجمع(5) , ومنه ما ورد فى الحديث أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أدخل فى حلف يوم الحديبية خزاعة وكتب إليهم وإلى بديل بن ورقاء سَرَوَات بنى عمرو-(6) .
وهذا الاستدلال من سيبويه لا يلزم غيره؛ إذ أجاز قوم منهم الزجاج جمع الجمع مطلقاً(7).
__________
(1) ... في أدب الكاتب لابن قتيبة صـ 453 : " باب فَعِيل وفاعِل "ضَرِيبُ قِداح وضَارب"، و"صَرِيم وصَارِم"، و"عَرِيف وعَارِف"، .... و"سَمِيع وسامِع"، و"عَليم وعالِم"، و"قَدير وقادِر"، و"حَفيظ وحافِظ"، و"غَريق وغارِق" .
(2) ... الحلل فى شرح أبيات الجمل صـ 270 .
(3) ... انظر: معجم البلدان 3/204, وشرح الشافية 2/204.
(4) ... انظر: اللسان , مادة ( سرا ) .
(5) ... انظر: الحلل صـ 270.
(6) ... مجمع الزوائد للهيثمى 8/172.
(7) ... انظر هذا الخلاف فى: التكملة للفارسى 175 صـ , وابن يعيش 5/47, وشرح الجمل 2/545, 546, وشرح الشافية 2/208, والهمع 4/152, وموارد البصائر/ 453, والسماع والقياس لـ تيمور صـ 79.(1/125)
ويبدو أن أبا العلاء كان يرى رأياً مخالفاً لكل, ما سبق ؛ إذ يرى أن الأشبه فى (سَرَاة) أن يكون مشتبهاً بـ(سَرَاة الجبل), وهى أعلاه, فـ(سَرَاة) إذن مفرد لا جمع, يقول أبو العلاء تعليقاًً على بيت ابن أبى حصينة:
لِلّهِ أَيُّ سَراةِ قَومِ أَصبَحُوا وَكَأَنَّما أَوصافُهُم أَسمارُ (1)
" وسَرَاة القوم أعاليهم, أخذ من ( سَرَاة الفرس) و( سَرَاة الجبل) وهى أعلاه, وبعض الناس يذهب إلى أن واحد ( السَرَاة): ( سَرِىِّ) ولا ريب أنه واحد فى المعنى لا فى القياس؛ لأن ( فعيلاً) لا يجمع على ( فَعَلَة ) والأشبه أن يكون مشتبهاً بـ( سَرَاة الجبل) "(2).
وبهذا يكون أبو العلاء قد سبق السهيلى, الذى زعم أن دعوى الجمعية فى ( سَرَاة ) قد انتشرت فى النحويين, حتى قلد الخالف منهم السالف. قال السهيلى: " ويا سبحان الله! كيف يكون جمعاً له, وهم يقولون فى جمع ( سَرَاة), ( سَََرَوات), مثل ( قطا) و( قَطَوَات ), يقال: (هؤلاء من سَرَوَات الناس), كما تقول من رؤوس الناس- فإن جمع على لفظه قيل ( سَرِىِّ) و(أسَرِيِّاء)مثل: (غنى) و(أغنياء) ولكن قليل وجوده, وقلة وجوده لا يدفع القياس فيه, وقد حكاه سيبويه(3) "(4) .
وما ذهب إليه أبو العلاء والسهيلى أسلم من حيث كان القول بالجمعية أو بإسمية الجمع لا تخلو من مقالة, مع استقامة المعنى إذا قيل بالإفراد, وعدم المخالفة للقياس, وهو ما ذهب إليه أحد المحدثين, فخطأ قولهم ( سَرَاة ) فى جمع ( سرى ) (5) .
الفصل الرابع
في الإعلال والإبدال, و يشتمل على :
__________
(1) ... البيت من بحرالكامل , وهو فى الديوان1/ 219.
(2) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 233.
(3) ... فى شرح الشافية 2/137, نسب هذا القول إلى الفراء, والذى فى الكتاب 3/605 (سَرِيِّة وأسَرِيِّة وسَرِيِّات).
(4) ... الروض الأنف 3/132 بتصرف, وقارنه بالخزانة 6/353, 354.
(5) ... انظر: أزاهير الفصحى فى دقائق اللغة ـ عباس أبو السعود صـ 68.(1/126)
قلب الياء واواً إذا وقعت لاماً لـ ( َفَعْلى) اسماً ... 369 ـ 373
قلب الواو ياءً فى نحو : (سِّيد) و(ميِّت) و(علىِّ) و(ملىِّ) ... 374 ـ 375
قلب الواو والياء ألفاً ... 376ـ 387
قلب الياء ألفاً فى نحو (استافوا) ... 376 ـ 377
تصحيح الواو والياء فى نحو( استحوذ) و( أغيل) ... 377ـ 387
تخفيف الهمزة المفردة ... 389 ـ 408
ومن أحوال تخفيف الهمزة أن تحذف , كما في ( خذ ) , و ( مر ) ... 398 ـ 402
إبدال الهمزة من الواو في نحو (أوائل ) و ( عجائز) و الفرق بينهما و وزن ( أول) ... 403 ـ 408
تخفيف همزتين في أول الكلمة كلتاهما مفتوح . ... 408 ـ409
من مسائل الإعلال
قلب الياء واواً إذا وقعت لاماً لـ ( َفَعْلى) اسماً
لا يكاد أحد من النحويين يختلف على أنه قد يرتكب خلاف الأصل ، فيبدل حرف ثقيل إلى حرف أثقل منه ، كإبدال الياء إلى الواو إذا وقعت الياء لاماً فى وزن (فَعْلى) اسماً لا صفة كـ ( تَقْوَى) (1)و( َشْرَوى) (2) و( فَتْوَى) (3) ،
__________
(1) ... في التهذيب , تحت الجذر ( وقى) : " التّقوى أصلها : (وَقْوَى) على( فَعَلََى) من وقيت " .
(2) ... في اللسان , مادة ( شري ) : " شَرْوى الشيء: مثلُه، واوُه مُبْدَلةٌ من الياء لأَن الشيءَ إنما يُشْرى
بمثلهِ ولكنها قُلِبَت ياءً كما قُلِبت في تَقْوَى ونحوها. أَبو سعيد:يقال هذا شَرْواه وشَرِيُّه أَي مِثْلُه". وقد أورده صاحب المحيط في اللغة تحت , مادة ( شرو ) , وكأنه يرى أن الواو فيها أصل .
(3) ... انظر: الكتاب 4/364 ، والمقتضب 1/306 وسر الصناعة 1/88 ، 2/140 ، والمنصف
2/157 ، والتبصرة والتذكرة 2/840 ، وشرح المفصل 10/97 ، 111 وشرح الشافية 3/177 ، والاشمونى 4/310 .وفي اللسان, مادة ( فتا ) : " والفُتْيا والفُتْوَى والفَتْوَى: ما أَفتى به الفقيه، الفتح في الفَتوى لأَهل المدينة" .(1/127)
والأصل فيها (تََقَْْيا) و(شَرْيا) و (فَتْيَا) من (وقيت) و (شريت) ، و(فتيت) كما قالوا (1).
أما إذا وقعت لاماً لـ( فَعْلى) صفة لا اسماً فإنها تصحح ، وذلك مثل قولهم ،( صَدْيَا)(2) و ( خَزْيَا) (3), بتصحيح الياء ، قالوا : لأنها صفة لا اسم .
وكذا إذا وقعت الياء لاماً لـ ( فُعْلى) بضم الفاء صحت اسماً كانت أو صفة ، نحو : ( فُتْيَا) اسماً ، و( قُضْيَا) مؤنث الأقضى صفة (4) ، وقد أشار أبو العلاء إلى مثل هذا فى قوله تعليقاًً على بيت ابن أبى حصينة :
لا اليَمانيُّ تُبَّعٌ كانَ شَروا هُ وَلا قَيصَرٌ وَلا السَبّاءُ (5)
"و( شَرْوَى) الشئ مثله ، وهو مأخوذ من ( شريت ) ؛ لأن الياء تقلب إلى الواو فى مثل هذا البناء ، ولو بنوا من ( رميت) مثلى ( فَعْلى) لو جب أن يقولوا ( رَمْوَى) " (6) .
قالوا : وشذ عن ذلك كلمات ، فلم تقلب فيها الياء واواً وهى ( رَيَّا) و( سَعْيَا ) و ( طَغْيَاً ) لكن النحويين وجدوا لذلك تخريجاً (7)فقالوا فى ( ريَّا ) : إنها فى الأصل صفة فلم تقلب لذلك ، لكن
__________
(1) ... انظر: : سر الصناعة 2/140 ، وشرح المفصل 10/98 .
(2) ... في اللسان , مادة ( صدي ) : " الصَّدَى: شدَّةُ العَطَشِ، وقيل: هو العطشُ ما كان، صَدِيَ يَصْدَى
... صَدىً، فهو صَدٍ وصادٍ وصَدْيانُ، والأُنْثَى صَدْيا" .
(3) ... انظر: الكتاب 4/364 , وفي الجمهرة , تحت الجذر ( خزو ) : " خَزِيَ الرجلُ يخزَى خِزْياً من
الهوان، وخَزِيَ يخزَى خَزايةً من الاستحياء، ورجل خَزْيانُ وامرأة خَزْيا.
(4) ... انظر : الاشمونى 4/311 ، وحاشية الخضرى على ابن عقيل 2/200 .
(5) ... البيت من بحر الخفيف , وهو فى الديون 1/ 128 .
(6) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 132 .
(7) ... انظر: أوضح المسالك 4/393 ، والتصريح 2/385 , والأشمونى 4/311 .(1/128)
قال الخضرى (1) : "تُُعُقب بأن النحويين قالوا فى ( ريَّا ) إنها صفة غلبت عليها الإسمية ، والأصل ( رائحة ريا) أى مملوءة طيباً ، وفى الصحاح (2): يقال : ( امرأة رَّيا ) لم تبدل ياؤه ؛ لأنه صفة (3) وقالوا أيضاً : لو سلم بأنها اسم لا صفة ، فعدم القلب لئلا يلزم عنه العودة إلى صورتها الأولى ، فلو قلبت الياء واواً لقيل ( ريوا) فيجتمع الياء والواو والسابق منهما ساكن متأصل فى الذات والسكون ، فتقلب الواو ياء ، وتدعم فى الياء ، فيقال : ( ريَّا ) وهى أصل الكلمة (4)
__________
(1) ... هو: الخضري محمد بن مصطفى بن حسن الدمياطي ، المعروف بالخضري . نحوي ، ميقاتي ، مفسر ، فقيه ، أصولي ، بياني ، ناظم . ولد بدمياط من أعمال مصر ، ودخل الازهر فمرض ، فعاد إلى بلده ، واشتغل بالعلوم الشرعية والفلسفية ، وتوفي بدمياط . من تصانيفه : منظومة في مشابهات القرآن ، ومبادئ التفسير ، وحاشية على شرح ابن عقيل على الالفية في النحو ، وحاشية على شرح الملوي على السمرقندية في البلاغة ولد وتوفى ( 1213 - 1287 ه( 1798 - 1870 م ) . انظر ترجمته في : معجم المؤلفين 12 / 27.
(2) ... في الصحاح , مادة ( روى) : " الريان : ضد العطشان ; والمرأة ريا ، ولم يبدل من الياء واو
؛ لأنها صفة ، وإنما يبدلون الياء في فعلى إذا كانت اسماً والياء موضع اللام ، كقولك شروى هذا الثوب ، وإنما هي من شريت ، وتقوى وإنما هي من التقية كانت صفة تركوها على أصلها قالوا امرأة خزيا وريا ، ولو كانت ريا اسماً لكانت روى ؛ لأنك كنت تبدل الألف واواًً موضع اللام وتترك الواو التى هي عين فعلى على الأصل " .
(3) ... انظر : الخضرى 2/200 .
(4) ... انظر: حاشية يس على التصريح 2/315 ، وحاشية الصبان على الأشمونى 4/311 , وحاشية
الخضرى على ابن عقيل 2/200 ، وانظرفي قلب الواو ياء على الصفة المذكورة : شرح
الملوكى صـ 461 .(1/129)
وقالوا : فى ( طَغْيا ) الأكثر فيه ضم ( الفاء ) ومن فتح استصحب حالة الضم (التصحيح) ، وقالوا فى (سَعْيَا) الأصل فيه الصفة ثم نقل إلى العلمية, فاستصحب فيه الأصل.
هذا ما عليه أكثر النحاة ، ولكنهم اختلفوا فى سبب القلب ؛ إذ ليست له علة لفظية ظاهرة ، ولهذا اعتمد المازنى فيه على أنه محكى عن العرب ، وليست فيه حجة قاطعة (1) وقال القوشجى (2) فيه "وجب إبداله قياساً ، وإن لم يظهر له علة (3) .
لكن ابن جنى فتح للنحاة من بعده باب التعليل فيه ، فقال : "إنما فعلوا ذلك فى ( فَعْلى) ؛ لأنهم قد قلبوا لام ( الفُعْلى) إذا كانت اسماً (4) وكانت لامها واواً – ياءً طلباً للخفة ، وذلك نحو (الدُنيا) و (العُليا) و(القُصيا) وهى من ( دنوت ) و ( علوت ) و( قصوت) فلما قلبوا الواو ياءً فى هذا وفى غيره مما يطول تعداده ، عوضوا الواو من غلبة الياء عليها فى أكثر المواضع بأن قلبوها فى نحو (التقوى) و(الثنوى) (5)
__________
(1) ... انظر : سر الصناعة 1/89 ، والمنصف 2/157 ، وشرح المفصل 10/98 .
(2) ... هو: على بن محمد السمرقندى الأصل ثم الرومي الحنفي علاء الدين الشهير بالقوشجى. من
تصانيفه : جواهر التفسير للزهراوين ,سورة البقرة وآل عمران , و شرح الشافية في التصريف فارسي , و شرح الكافية لابن الحاجب ,و عنقود الزواهر في نظم الجواهر في التصريف . توفى سنة( 879 ) هـ تسع وسبعين وثمانمائة. انظر ترجمته في : هدية العارفين1/736.
(3) ... عنقود الزواهر صـ 31 .
(4) ... انظر القلب فيما كان بهذا الصفة فى : الكتاب 4/364 ، والمقتضب 1/307 ، وشرح المفصل
... 10/112 ، وشرح الشافية 3/178 ، والاشمونى 4/312 .
(5) ... في اللسان , مادة ( ثني) : " الثُّنْيانُ، بالضم: الاسم من الاستثناء، وكذلك الثَّنْوَى، بالفتح. والثُّنيا
والثُّنْوى: ما استثنيته، قلبت ياؤه واواًً للتصريف وتعويض الواو من كثرة دخول الياء عليها، والفرقِ أَيضاً بين الاسم والصفة ".(1/130)
واواً ليكون ذلك ضرباً من التعويض ، والتكافؤ بينهما(1) .
وما قال سيبويه وغيره بخلاف ما ذكره ابن جنى ، فالعلة عند سيبوبه هى الفرق بين الاسم والصفة ، فقلبوا الياء واواً فى الاسم ؛ لأن الاسم خفيف ، والواو ثقيلة ، فيحصل نوع من التعادل ، بينهما , وأبقوا الياء فى الصفة ؛ لأن الصفة ثقيلة ، والياء أخف من الواو فناسبها عدم القلب لئلا تزيد الكلمة ثقلاً على ثقل (2).
ويلاحظ أن مقالة النحويين فيما كان بهذه الصفة هى القلب وجوباً ، وما عداه ، فشاذ ، لكن المازنى على خلاف ما قالوا ، فقد نقل ابن جنى عنه استطرافه (3) لمثل هذا وأنه ليست فيه حجة قاطعة على وجوب القلب (4) فيقصره على السماع ولا يقيسه (5).
ومال ابن مالك إلى مثل مقالة المازنى ، فقال فى التسهيل إن القلب فيما كان بهذه الصفة شاذ ، قال :" وشذ إبدال الواو من الياء لاماً لـ (فَعْلى) اسماً (6) .
لكنه فى الخلاصة ، قال إن قلب الياء واواً فيما كان بهذه الصفة غالب لا واجب قال
مِنْ لاَمِ فَعْلَى اسْمَاً أَتَى الْوَاوُ بَدَلَْ كَتَقْوَى غَالِبَاً غَالِبَاً جَا ذَا البَدَلْ (7)
وكذا قال فى الكافية الشافية :
__________
(1) ... سر الصناعة 1/89 ، وانظر: المنصف 2/157 ، وشرح المفصل 10/111 ، 112 ، وشرح
الشافية 3/177 ، 178 .
(2) ... انظر : الكتاب 4/364 ، والتبصرة والتذكرة 2/841 ، وشرح المفصل 10/111 ، 112 ، وابن
الناظم صـ 853 .
(3) ... في الصحاح , مادة ( طرف ): " اسْتطرَفَهُ، أي عدّه طريفاً. واسْتَطْرَفْتُ الشيءَ: استحدثته.
وقولهم: فعلت ذلك فيمُسْتَطْرَفِ الأيام ومُطَّرَفِ الأيام، أي في مُسْتَأْنَفِ الأيام. والطارِفُ والطريفُ من المال:المستحدَث. وهو خلاف التالد والتليد. والاسم الطُرْفَةُ ".
(4) ... انظر : سر الصناعة 1/89 ، والمنصف 2/157.
(5) ... انظر : شرح المفصل 10/98 .
(6) ... التسهيل صـ 309 .
(7) ... الخلاصة صـ 77 .(1/131)
من لام (فَعْلى) اسماً أتى الواو بدل ... ياء كـ شروى غالباً جا ذا البدل (1)
وعنده أن ما حكموا عليه بالشذوذ ( طَغْيا) و ( سَعْياً) و( رَيَّا) هى القياس وغيره شاذ ، وأما نحو (الشَرْوَى) و(الطَغْوَى) فالواو فيها أصل عنده ، وليست منقلبة عن ياء (2) .
وحجته فى هذا على ما ذكره ابن هشام " انتفاء السبب ، واستلزام مزيد الثقل" (3) إذا قلبت الياء واواً .
ولعل ابن مالك فى هذا ناظر فى قوله بإبدال الياء واواً غالباً لا وجوباً إلى قول المبرد فى هذا الباب "؛ لأن هذا باب قد ( غلبت ) الواو على بابه " (4).
وقول ابن مالك السابق له ضرب من الوجاهة ، فإن الكلمات التى قالوا فيها بإبدال الياء واواً فيما كان بهذه الصفة قليلة ، وبعضها يمكن أن لا يكون فيه قلب , ومن هذا ما حكاه ابن
جنى فى (الشَرْوَى) ، يقال : ( لك شَرْوَاه ،وشَرْوَه) أى مثله (5).
وقالوا فى ( بَقْوَى) بوزن ( فَعْلى) :( بَقيا ) بفتح الباء ، وقالوها أيضاً بالضم (6) .
__________
(1) ... شرح الكافية الشافية 4/2120 .
(2) ... انظر : الاشمونى 4/311 .
(3) ... انظر : التصريح 2/385 .
(4) ... المقتضب 1/306 .
(5) ... انظر : التصريح 2/385 .
(6) ... انظر : حاشية يس على التصريح 2/384 . وفي اللسان , مادة ( بقي ) : " أَبقاه وبَقَّاه وتَبَقَّاه
واسْتَبْقاه، والاسم البَقْيَا والبُقْيَا. قال ابن سيده: وأَرى ثعلباً قد حكى البُقْوَى، بالواو وضم الباء. والبَقْوَى والبَقْيا: إسمان يوضعان موضع الإبْقاء، إن قيل: لم قلبت العرب لام فَعْلَى إذا كانت اسماً وكان لامها ياء واواًً حتى قالوا البَقْوَى وما أَشبه ذلك نحو التَّقْوَى والعَوَّى فالجواب: أَنهم إنما فعلوا ذلك في فَعْلى لأَنهم قد قلبوا لام الفُعْلَى، إذا كانت اسماً وكانت لامها واواًً، ياء طلباً للخفة، وذلك نحو الدُّنْيا والعُلْيا والقُصْيا، وهي من دَنَوْتُ وعَلَوْتُ وقَصَوْت، فلما قلبوا الواو ياء في هذا وفي غيره مما يطول تعداده عوَّضوا الواو من غلبة الياء عليها في أَكثر المواضع بأَن قلبوها في نحو البَقْوَى والثَّنْوَى واواًً، ليكون ذلك ضرباً من التعويض ومن التكافؤ بينهما ".(1/132)
و(أما) (الطَغْوَى) ففى الأفعال لابن القطاع (1) وللسرقطى (2) لامها واو أو ياء وكذا (اللَّغْوَى) كما فى الأفعال للسرقسطي (3).
وأما ( الرَّعْوَى) فلامها واو إذا كانت من ( ارْعَوَى) عن الشئ القبيح ، كما فى الصحاح (4).
__________
(1) ... انظر : الأفعال لابن القطاع 2/312 .
(2) ... الأفعال للسرقطى 3/281 . والسرقسطي هو:الأندلسي أبو عثمان المنبوز بالحمار أصله من
طليطلة سافر إلى قرطبة ورجع إلى بلده. له كتاب الافعال وتصريفها في مجلدين , و المقنع والتيسير في القراءة , ورسائل في الفلسفة . ولد سنة( 369) وتوفى في سنة( 444 )أربع وأربعين وأربعمائة. انظر ترجمته في : هدية العارفين 1/ 390 .
(3) ... انظر: الأفعال 2/416 .
(4) ... في الصحاح , مادة ( رعي) : " رَعا يَرْعُو، أي كفَّ عن الأمور. يقال: فلانٌ حسن الرَعْوَةِ
والرِعْوَةِ والرُعْوى والارْعِواءِ. وقد ارْعَوى عن القبيح. والاسم الرُعيا بالضم والرَعْوى بالفتح ".(1/133)
ومما قد يضعف مقالة وجوب القلب أنهم اعتمدوا فى ذلك بالإضافة إلى ما سبق من الكلمات على علة ليست مطردة وهى الفرق بين الاسم والصفة (1) ، فأوجبوا القلب فيما كانت لامه ( ياءً ) وهو ( اسم ) فقط ، ولم يفرقوا فى ذوات الواو بين الاسم والصفة (2) واحتملوا ثقل الواو مع ثقل الصفة ، فى نحو ( نشوى) وكان الأولى على تعليلهم – أن يقلبوا الواو – وهى ثقيلة – ياء وتبقى خفيفة فى الصفة ؛لأنها ثقيلة ، ليحصل نوع من التعادل الذى ذكروه فى التعليل لقلب الياء واواً فى نحو ( الفتوى) ، ولكنهم لم يفعلوه ، ولم يلتفتوا إلى التفرقة بين الاسم والصفة فيما كانت لامه واواً ، فقالوا ( نشوى) ، كما قالوا ( دعوى) وكلاهما على ( فَعْلى ) والأول منهما صفة ، والثانى اسم .وكما لم يفرقوا فيما كان على (فَعْلى) بفتح الفاء فى ذوات الواو بين الاسم والصفة لم يفرقوا فيما كان على ( فُعْلى) بضم الفاء فى ذوات الياء بينهما (3) فكأن التفرقة عندهم بين الاسم والصفة تكون فى بعض الأحوال دون بعض ، نعم ، علة القلب للفرق بين الاسم والصفة علة مقبولة ، لكن إذا كانت مطردة ، وهى ليست مطردة كما سبق بيانه ، أيضاً ، لا يحتاج الفرق بينهما إلى هذا القلب وإن كان لا بأس به ؛ لأن الفرق بينهما يعرف بطرق أخرى (4) ويكفى فى وجه الفرق الاستعمالى أن الصفة يوصف بها دون الاسم (5) .
ولهذا السابق كله ربما يكون من الأفضل الاعتداد بما قاله المازنى وابن مالك من أن قلب الياء واواً فيما كان لاماً لـ ( فَعْلى ) اسماً لا صفة شاذ مقصور على السماع ، ولا حجة فى عربيته .
قلب الواو ياء
__________
(1) ... انظر : الاشمونى 4/311 .
(2) ... انظر : الخصائص 1/134 ، 135.
(3) ... انظر وجه الفرق بينهما فى : عنقود الزواهر فى الصرف صـ 412 - 418 .
(4) ... السابق نفسه 4/312 .
(5) ... عنقود الزواهرصـ 218.(1/134)
الياء أخف من الواو ، ولذلك كان قلب الواو إلى الياء أكثر فى الكلام من عكسه ، أيضاً ؛ لأن مخرج الياء أمكن من مخرج الواو ، فمخرج الياء من وسط اللسان ، والحرف المتوسط أمكن وأولى أن يرد غيره إليه (1).
وكل من الواو والياء يجرى مجرى المثلين لاجتماعهما فى المد ، ولذلك يجتمعان فى القافية المردفة (2)، فلما كان بينهما من المماثلة والمقاربة ما ذكر, وإن تباعد مخرجاهما ، قلبوا الواو ياء .
قلب الواو ياءً فى نحو: ( سِّيد ) و( ميِّت ) و( علىِّ ) و( ملىِّ )
"الياء والواو متى اجتمعا ، وسبقت الأولى بالسكون ، منهما ولم تكن الكلمة عَلَماً ، ولا مراداً بصحة واوها التنبيه على أصول أمثالها ، ولا كانت تحقيراً محمولاً على تكسير فإن الواو منه تقلب ياء" (3) سواء أوقعت الواو عيناً ، أو لاماً أو غيرهما ، وهما وإن لم يتقاربا فى المخرج حتى يدغم أحدهما في الآخر لكن لما استثقل اجتماعهما اكتفى لتخفيفهما بالإدغام بأدنى مناسبة بينهما ، وهى كونهما من حروف المد واللين ، وجرأهم على التخفيف الإدغامي فيهما كون أولهما ساكناً ، فتقلب الواو إلى الياء ،سواء تقدمت الواو أو تأخرت , وإن كان القياس فى إدغام المتقاربين قلب الأول إلى الثانى ، وإنما فعل ذلك ليحصل التخفيف المقصود ؛ لأن الواو والياء ليست بأثقل من الواو المضعفة (4).
وهذا القلب وإلادغام متفق عليه بين النحاة (5) ،
__________
(1) ... انظر :التبصرة والتذكرة للصيمرى 2/862 .
(2) ... الردف هو ألف أوياء أو واو سواكن قبل حروف الروى معه ، والواو والياء مجتمعات فى قصيدة
واحدة ، والألف لا يكون معها غيرها انظر: الكتاب 4/127 والقوافى لأبى يعلي صـ 118 ، والكافى للتبريزى صـ153 .
(3) ... الخصائص 1/156 .
(4) ... انظر : شرح الشافية 3/139 ، 140 .
(5) ... انظر : الكتاب 4/365 ، والمقتضب 1/309 ،365 ، وسر الصناعة 1/88 ، والمنصف 1/157
،
وشرح الملوكى صـ 461 ، وشرح المفصل 10/94 ، وشرح الشافية 3/139 ، وأوضح المسالك 4/389 ، وابن الناظم صـ 855 ، والأشمونى 4/313 .(1/135)
إذا وقعت الواو عيناً كما فى (سيِّد)
و( ميِّت) و( ديِّار) و( قيِّام) و( عيِّوق) (1) ، والأصل فيها على الترتيب (سَْيوِد) و(مَيْوِت) و(دَيْوَار) و( قَيْوَام) و( قَيْوَم ) و(عَيْوُوُق) وفى هذا يقول أبو العلاء تعليقاًً على بيت أبن أبى حصينة :
رُتَبٌ تَزحَمُ الكَواكِبَ العَي يوقُ لا نِدٌّ لَها وَلا العَوّاءُ(2)
"و( العَيُّوق) نجم ، وهو ( فَيْعُول) من (عاق يعوق) وأصله : ( عَيْوُوُق) ، فقلبت الواو ياء كما قالوا ( قَيُُّوم) وهو من ( قام – يقوم) " (3) .
وهو متفق عليه أيضاً إذا وقعت الواو لاماً ، كما فى ( دُلَيَّة) و( علىِّ) و( ملىِّ) والأصل فيها بالترتيب ( دُلَيْوَة) و( عَلِيْو) و( مَلِيْو) ، وفيه يقول أبو العلاء تعليقاًً على بيت ابن أبى حصينة :
عِش مُهنىً بِكُلِّ خَيرٍ مُمَلّا وَابقَ أَعلى مِنَ السِماكِ مَحَلّا (4)
"و( المليِّ ) مأخوذ من ( الملا) وقلبت الواو فيه كما قلبت فى ( عَلِىِّ) وهو من العُلوِّ")(5).
وتعل الواو أيضاً إذا وقعت فى غير ما سبق مع الياء ، كما إذا وقعت لاماً لاسم المفعول
__________
(1) ... في العين , تحت الجذر (عيق ) : " العيّوق: كوكبٌ بحيال الثّريّا إذا طلع عُلِمَ أنّ الثّريّا قد طلعت...
وعَيُّوقٌ: فَيْعول، يحتمل أن يكون من عيق ومن عوق؛ لأنّ الواو والياء فيه سواء".
(2) ... البيت من بحرالخفيف, وهو فى الديوان 1/ 128 و(العواء) كما في العين , مادة ( عوى) : نَجْمٌ
في السَّماءِ يُؤَنَّث، يُقال لها عَوَّاء،ويقال: إذا طَلَعَتِ العَوّاءُ جَثَمَ الشِّتاءُ وطابَ الصِّلاءُ، وهي من نُجُوم السُّنْبُلة من أنْواء البَرْدِ في الرَّبيع، إذا طلعت وسَقَطَتْ جاءَتْ بالبَرد، ويُقالُ لها عَوَّاءُ
البَرْد. والعَوّا والعَوَّة، لغتان" .
(3) ... شرح ديوان ابن ابى حصينة 2/ 133.
(4) ... البيت من بحر الخفيف ، وهو فى الديوان 1/ 189 ، و(السماك) : نجم .
(5) ... شرح ديوان ابن ابى حصينة 2/196 .(1/136)
من الفعل الثلاثي الذي على وزن ( فعل ) فى نحو(مَرْمِىِّ) و ( مَكْمِىِّ)والأصل فيها بالترتيب ( مَرْمُوى) و ( مَكْمُوى) وفى هذا يقول أبو العلاء تعليقاًً على بيت ابن أبى حصينة:
فَلَم تَجُل جَولَةً حَتّى رَأَيتَهُمُ في جِيدِ كُلِّ كَمِيٍّ مِنهُمُ مَسَدُ (1)
"و( الكَمِىُّ ) الذى كمى نفسه بالسلاح أى سترها ، وهو فعيل فى معنى مفعول ، وأصله : ( مَكْمِىِّ) كما يقال( رمى) و( مَرْمِىِّ ) ووزنه مفعول؛ لأن الواو صارت ياءً إلا أنها ساكنة
إذا جاءت بعدها الياء"(2) .
قلب الواو والياء ألفاً
الألف أخف حروف العلة ، ولذلك يكثر قلب الواو والياء إليها بشرط تحركها وانفتاح ما قبلها ؛ إذ الفتحة بعض الألف ، "والعلة فى هذا القلب اجتماع الأشباه والأمثال ، وذلك أن الواو تعد بضمتين ، وكذلك الياء بكسرتين وهى فى نفسها متحركة ، وقبلها فتحة ، فاجتمع أربعة أمثال ، واجتماع الأمثال عندهم مكروه فهربوا والحالة هذه إلى الألف ؛ لأنه حرف يؤمن معه الحركة ، وسوغ ذلك انفتاح ما قبلها ؛ إذ الفتحة بعض الألف وأول لها " (3).
قلب الياء ألفاً فى نحو ( استافوا )
شرط النحاة لقلب الواو والياء ألفاً أن يتحركا حركة لازمة ، وأن ينفتح ما قبلهما ، وأن يعرى الموضع من اللبس ، أو أن يكون فى معنى مالا بد من صحة الواو والياء فيه ، أو أن يخرج على الصحة منبهة على أصل بابه (4) .
__________
(1) ... البيت من بحرالبسيط , وهو فى الديوان 1/ 128.
(2) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 163 .
(3) ... شرح المفصل 10/16 ، وانظر: التبصرة والتذكرة 2/816 وشرح الملوكى صـ 220.
(4) ... انظر : الخصائص 1/148.(1/137)
والياء فى ذلك أسرع انقلاباً إلى الألف من الواو لقرب محرج الياء من الألف وبعد الواو عنها ، حتى أن الياء تقلب ألفاً استحساناً لا وجوباً ، نحو قولهم فى ( طئ) ( طائي) ،و فى ( حيرة) ، ( حاري) وقلما يكون فى الواو مثل هذا (1) .
ومن الدليل على صحة هذا أن الياء تقلب ألفاً فى موضع لا تقلب فيه الواو إلا بشرط , فالياء إذا وقعت فى وزن (افتعل) وجب قلبها ياءً دلت على تفاعل أو لم تدل (2) كما فى (امتازوا) و(استافوا) و(ارتافوا) (3)وفى هذا يقول أبو العلاء تعليقاًً على بيت ابن أبى حصينة
رَبيعٌ يَعُمُّ الناسَ لَيسَ بِمُجدِبٍ إِذا الناجِعُ المُستافُ أَجدَبَ عامُهُ (4)
"قوله :( المُرْتَاف) المفتعل من الريف ، و( الرِّيفُ) ما قرب من الماء ، وكذلك كل ما يبنى على هذا الوزن من ذوات الواو والياء وينقلبان فيه ألفاً، فتقول فى ( افتعل) من ( السيف) : ( استاف ) وفى افتعل من ( القَوَد ) ( اقتاد ) (5) .
أما إذا كانت الواو فى وزن ( افتعل ) فلا تقلب ألفاً إلا بشرط أن لا تدل على تفاعل (6)، فنحو (اجتوروا) و( اشتوروا) تصحح فيه الواو ، قالوا :لأنها فى معنى ما يجب تصحيحه وهو
(
__________
(1) ... انظر : الخصائص 1/125 ، وشرح الملوكى صـ 226 ، وعنقود الزواهر صـ 309.
(2) ... انظر: شرح الكافية 4/2128 ، وابن الناظم صـ 857 ، والأشمونى 4/316 .
(3) ... (ارتافوا) أى : أتو الريف وسيأتى تفسيره فى كلام أبى العلاء قريباً . ولم أجد هذا الاشتقاق في أيٍ
... من المعجمات التي وقفت عليها , وكذا كتب اللغة و الأدب , والدواوين الشعرية .
(4) ... البيت من بحر الطويل , وهو فى الديوان 1/ 183 .
(5) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 186 ، 187 .
(6) ... انظر : شرح المفصل 10/86 ، وشرح الملوكى صـ 219 ، وشرح الكافية الشافية 4/ 128 ،
وشرح مختصرالتصريف العزي صـ 123 .(1/138)
تجاوروا) و( تشاوروا) فكما لا يصح فيهما الإعلال لوجود الألف قبلهما لم يعل ما كان بمعناها ، أما نحو (استافوا) فلا يراد به (تسايفوا) أى تضاربوا بالسيوف حتى يلزم صحته كما لزم صحة نحو (اجتوروا) و(اشتوروا) ، بل (استافوا) هنا بمعنى (تناولوا) سيوفهم وجردوها ، ثم يعلم بعد هذا أنهم تضاربوا بالسيوف مما دل عليه لفظ (استافوا) ، فأما تفسير أهل اللغة أن(استافوا) فى معنى ( تسايفوا) فتفسير على المعنى ، كعادتهم فى أمثال ذلك كما يقول ابن جنى (1).
تصحيح الواو والياء فى نحو ( استحوذ) و( أغيل)
قد تصحح الواو وكذا الياء إذا استكملت شروط قلبهما ألفاً ، تنبيهاً على أصل الكلمة (2).
ومن ذلك ( أعول) و( أغيل ) و( استحوذ) و(أجود) و( أطول) و( استروح) و(أطيب) و (أغيمت) و ( أخيلت) (3) وقد حصر ابن خالويه ما صح من ذلك ، فقال :" ليس فى كلام العرب فعل صح من المعتل ، ولم يعل إلا ( استحوذ ) و( أغيمت السماء)(4)
__________
(1) ... انظر: الخصائص 1/153 . وفي التاج , مادة ( سيف) : "تَسَايَفُوا، وسَايَفُوا، واسْتَافُوا، وعَلَى
الأَولِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ: أَي تَضَارَبُوا بِالسُّيُوفِ، قال اللَّيْثُ: وقد اسْتِيفَ الْقَوْمُ، قال ابنُ جَنِّي: اسْتَافُوا: تَنَاوَلُوا السُّيُوفَ، كقوْلِك: امْتَشَنُوا سُيُوفَهم، وامْتَخَطوُهَا، قال: فأما تَفْسِيرُ أَهلِ اللُّغَةِ أَنَّ اسْتَافَ القومُ، في معنَى تَسَايَفُوا، فتَفْسِيرُه علَى المَعْنَى كعَادَتِهم في أَمْثَالِ ذلك" .
(2) ... انظر : المقتضب 2/96 ، والموجز لابن السراج صـ215 ، وشرح الملوكى صـ 223 ،
... والتصريح 2/380 .
(3) ... انظر : الموجز صـ 215 ,والمنصف 1/276 ، 233 ، وشرح المفصل 10/76 ، وشرح الشافية3/96 ، 97 ، وشرح مختصر التصريف العزي صـ 127 .
(4) ... في الصحاح , مادة ( غيم ) : "الغَيْمُ: السحاب. وقد غامَتِ السماء، وأغامَتْ، وأغْيَمَتْ، وغَيَّمَتْ،
... وتَغَيَّمَتْ، كله بمعنًى. وأغْيَمَ القومُ: أصابهم غَيْمٌ ".(1/139)
و ( استنوق الجمل) (1) و( اسْتَيَسَت الشاةُ )(2) و( أغيلت المرأة) (3) .
واستدرك عليه ما سبق من الكلمات, وأيضاً قراءة الحسن "حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ " على وزن (أفْعَلَت) فى (وازينت) (4) وقولهم : (استفيل) (5)و( أحوج)(6). ويلاحظ أن التصحيح فيما سبق وقع فى الأفعال ، ولكنه مع ذلك وقع فى الأسماء (7) نحو
( القَوََد) (8)و( الأَوَد) (9)
__________
(1) ... في الجمهرة , تحت الجذر ( قنو ) : " يقولون: استنوق الجملُ، إذا صار كالناقة في لينها وانقيادها.
وأول من قال هذا طَرَفة بن العبد للمتلمّس" .
(2) ... في العين , مادة ( تيس ) : ".اسْتَتْيَسَتْ عَنزك، أي: أَشْبَهَتِ التَّيس" .
(3) ... ليس فى كلام العرب صـ 113 . ومعنى )(أغيلت) كما في العين , مادة ( غول ) : " الغَيْلُ: إرضاع المرأة ولدها على حَبَلٍ: يقال: سقيته لبناً غيلاً،والفعل: أَغْيَلَتِ المرأة " .
(4) ... سورة يونس من الآية : 24 ، وانظر: القراءة فى : مختصر الشواذ صـ 61 ، والبحر 6/38 .
(5) ... حكاها ابن جنى فى الخصائص 1/118 ، وفي التاج , مادة ( فيل ) : " اسْتَفْيَلَ الجمَلُ: صارَ
كالفيلِ في عِظَمِه، نقله الزَّمَخْشَرِيّ، وحكاه ابنُ جِنِّي في بابِ اسْتحوَذَ وأخَواته" .
(6) ... انظر: شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/ 169 . ...
(7) ... انظر : المنصف 1/332 ، وشرح الملوكى صـ 223 .
(8) ... في التاج , مادة ( قود ) : " القَّوَدُ ، مُحرَّكَةً: قَتْلُ النَّفْس بالنَّفْسِ، شاذٌّ كالحَوَكَةِ والخَوَنَةِ" .
(9) ... في اللسان , مادة ( أود ) : " أَوِدَ الشيءُ، بالكسر، يأْوَدُ أَوَداً، فهو آودٌ: اعوجَّ، وخص إبو حنيفة به
القِدْحَ. . . وآد العودَ يؤوده أَوداً إذا حماه ". ويلاحظ ورود الفعل من ( الأود ) مرة مصححاً , وأخرى معلاً .(1/140)
و( الحَيَد) (1) و( الخَونَة) (2) و( الحَوَكة ) (3) .
وقد قال النحاة إن الإعلال فى الأفعال أقوى منه فى الأسماء ؛لأن الأفعال موضوعة للتنقل في الأزمنة والتصريف ، والأسماء سمات على المسميات ، لذلك كان عامة ما شذ من ذلك فى الأسماء دون الأفعال ، ولم يشذ فى الأفعال شئ من نحو: (قال) و(باع) وأما ما سبق من الأفعال التى صححت , فلضعف الإعلال فيها من حيث كانت محمولة فى الإعلال على غيرها ؛ لأن الأصل فى الإعلال إنما هو للمجرد ، والمزيد محمول عليه (4) ، فلذلك كان أضعف ، وقد يكون بعضها لا ثلاثى له ، نحو ( استنوق) و( استيس) و( استفيل) فهو أسهل فى تصحيحه من نحو ( استحوذ) ؛ لأن هذا له ثلاثى معل ، بخلافها ، فلا فعل له أصلاً كما يقول ابن جنى (5) .
وفى هذا يقول أبو العلاء تعليقاًً على بيت ابن أبى حصينة :
فَحينَ أَحوَجتُمُونا لَم نُلَقِّكُمُ غَيرَ السُيوفِ المَواضِي وَالقَنا القُصُدُ (6)
__________
(1) ... في التاج , مادة (حيد ) : "الحَيَدُ، مُحَرَّكَةً، والذي في اللسان وغيره: الحَيَاد: الطَّعَامُ، ...ويقال:
اشتَكَت الشاةُ حَيَداً، وذلك أَن يَنْشَبَ وَلدُ الشَّاةِ ولم يَسْهُلْ مَخْرَجُهُ ".
(2) ... في اللسان , مادة ( خون) : " وخَؤُونٌ وخَوَّانٌ، والجمع خانةٌ وخَوَنةٌ؛ الأَخيرة شاذة؛ قال ابن
سيده: ولم يأْت شيء من هذا في الياء، أَعني لم يجئ مثل سائر وسَيَرة، قال: وإنما شذ من هذا ما عينه واو لا ياء. وقومٌ خَوَنةٌ كما قالوا حَوَكَة " .
(3) ... في الصحاح , مادة ( حوك ) : " حاكَ الثوب يَحوكُهُ حَوْكاً وحِيَاكَةً: نسجَه فهو حائِكٌ وقومٌ حاكَةٌ
وحَوَكَةٌ أيضاً" .
(4) ... انظر: التبصرة والتذكرة 2/118 ، 119 , وشرح المفصل 10/65 ، 66 ، وشرح الملوكى
صـ 225 ، 226 ، وشرح الشافية 3/96 .
(5) ... انظر : الخصائص 1/118 .
(6) ... البيت من بحر البسيط , وهو فى الديوان 1/ 164 .(1/141)
" و( أحوجتمونا ) كلمة استعملت على الأصل ، فصحت فيها الواو ، فلو حملت على قولهم (الحاجة) لاعتلت فصارت ألفاً ، فقال القائل : (أحاجنى) إلى كذا أى : أحوجنى إ ليه (1).
وهذه الكلمات بعضها سمع فيه الإعلال ، قال سيبوبه : "سمعنا جميع الشواذ المذكورة معلة أيضاً على القياس ، إلا ( استحوذ ) و( استروح الريح) و (أغيلت) (2) وحكى ابن السكيت
( أغالت المرأة وأغيلت ) (3) قال ابن جنى : "ولا يعرف أصحابنا الاعتلال" (4).
وكان أبوزيد يُجَوِّز تصحيح باب الإفعال والاستفعال مطلقاً قياساً إذا لم يكن لها فعل ثلاثى كذا عند الرضى فى شرح الشافية (5) .
أما الذى فى الصحاح (6) جواز النطق به على الأصل مطلقاً وإن كان له فعل ثلاثى .
والتصحيح عند سيبوية شاذ ، والإعلال قياس ، يجوز النطق به ، وإن لم يسمع (7) وهذا بخلاف ما عليه ابن السراج (8) والفارسى (9) وابن جنى (10) فلا يجوز القياس عليه عندهم .
.
__________
(1) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/169 ، 170 .
(2) ... انظر : شرح الشافية 3/197 ، ولم أجد رأيه سيبويه فى الكتاب .
(3) ... انظر : إصلاح المنطق صـ 272, وتهذيب إصلاح المنطق 2/88 .
(4) ... انظر : المنصف 1/278 .
(5) ... انظر: شرح الشافية 3/97 ، 111 , وشرح مختصرالتصريف العزي صـ 128 .
(6) ... في الصحاح , مادة ( حوذ ) : " استحوذ عليه الشيطان أي غلب . وهذا جاء بالواو على
أصله كما جاء استروح واستصوب . وقال أبو زيد: هذا الباب كله يجوز أن يتكلم به على الاصل . تقول العرب : استصاب واستصوب ، واستجاب واستجوب ، وهو قياس مطرد عندهم " .
(7) ... انظر : شرح الشافية 3/97 ، 112 ، ولم أجده فى الكتاب .
(8) ... انظر : الموجز صـ 215 .
(9) ... انظر : البغداديات صـ 516 .
(10) ... انظر:الخصائص 1/118 , والمنصف 1/276 , ووافقهم الزركشي فى البرهان 2/438 .(1/142)
ما سبق كان كلام النحويين, وقد أجمعوا على أن التصحيح فيه جاء منبهة على الأصل ، وهو مع هذا شاذ لا يصح القياس عليه ، وخالفهم أبوزيد فى هذا.
وأول ما يفجؤنا هنا أن علة قلب الواو والياء المتحركتين المفتوح ما قبلهما ألفاً ليست فى غاية المتانة ؛ لأنهما قلبتا ألفاً للاستتقال .. والواو والياء إذا انفتح ما قبلهما خف ثقلهما ، وإن كانتا أيضاً متحركتين ، والفتحة لا تقتضى مجئ الألف بعدها اقتضاء الضمة للواو والكسرة للياء (1).
و"طلب الكسرة لقلب الواو بعدها ياء أشد من طلب الفتحة لقلب الواووالياء التي بعدها ألفاً , ألا ترى إلى كثرة نحو : ( قَوْل ) و ( َبيَْع ) , وعدم نحو (قِول) بكسر الفاء وسكون الواو"(2).
ويضاف لما سبق أن الواو أو الياء متى تحركت قويت وأصبحت كالحرف الصحيح ولذلك قالوا لا بد من إيهانهما قبل القلب ألفاً (3).
ويلاحظ أنهم أكثروا من شروط القلب ، ونتج عن ذلك كثرة ما قالوا بشذوذه ولم يُعْدَم من حَكَم على مثله بالقياس كما فى ( مَرْيَم) و( مَدْيَن ) فالتصحيح فيهما عند المبرد قياس ، وعند غيره شاذ (4) .
وبعض العرب يعل ( فَعَلان ) الذى عينه واو أو ياء ، فيقول ( دَارَان) من (دار يدور) و ( هامان ) من ( هام يهيم ) و( دَالَان) من ( دال يديل) و( جَاَلان ) من ( جال يجول) وهو عند المبرد قياس ، وعند غيره شاذ قليل (5) .
ونحو ( الحَيَدى) (6)
__________
(1) ... شرح الشافية 3/95 بتصرف يسير ، وانظر: شرح الملوكى صـ 462.
(2) ... شرح الملوكى صـ 103 .
(3) ... انظر: الخصائص 2/474 , وشرح الملوكى صـ 225 .
(4) ... انظر: المقتضب 1/246 , وشرح الشافية 3/105 .
(5) ... انظر: المرجع السابق 3/106 .
(6) ... في التاج , مادة( حيد ) : " الحَيَدَى، كجَمَزَى: مشْيَةُ المُخْتَالِ، وحِمارٌ حَيَدَى، وحَيِّدٌ ككَيِّس، ... أَي
يَحِيدُ عن ظِلِّه نَشَاطاً" .(1/143)
و( الصَََوَرى) (1)التصحيح فيهما شاذ عند الأخفش ، واجب عند
سيبويه (2).
والحكم بالشذوذ أو القياس فيما سبق لعلل معنوية لا لعلل لفظية فى أغلبها كما يلاحظ أن بعض ما قالوا فيه بالشذوذ تصحيحاً أو إعلالاً جاء بعكسه كما في : (حَوَكَة) جمع حائك ، وجاءت أيضاً على القياس بالإعلال, فقالوا : ( حاكة) (3) وسبق أن سيبويه قال بسماع الإعلال فى نحو (أعول) و(أجود) و(أطول) وحكى ابن السكيت (أغال) و(أغيل) كما سبق .
وأعل نحو (الغارة) و(القارة) و(الغابة) فى الأسماء ، وإن خرجت عن وزن الأفعال كما شرطوه (4) .
وجاء تصحيح الواو وإعلاها فى وزن (افتعل) نحو (اقتادوا) و(ارتادوا) بالإعلال ونحو (اجتوروا) و(احتوشوا) بالتصحيح ، وقد عللوه بعلة معنوية , وهى أن التصحيح جاء ؛لأنه فى معنى ما يجب تصحيحه ، و ذاك أن (افتعل) فى معنى (تفاعلوا) ، و(تفاعلوا) لا يجوز إعلاله ، فكذا ما كان بمعناه , هذا مع أن الإعلال جاء فى (افتعل) بمعنى تفاعلوا – كما قالوا فى اليائى نحو (امتازوا) و(استافوا) ومع ذلك أعل, لكنهم قالوا بالإعلال فى اليائى ؛ لأن الياء أسرع انقلاباً إلى الألف من الواو .
وقد قال ابن جنى إن تفسيرهم (افتعل) فى معنى ( تفاعل) تفسير بالمعنى ، وإن كان بينهما فرق.
أيضاً قد قلبت الواو ألفاً إذا وقعت بين الياء المفتوحة والفتحة ، كما فى (يوجل) و(ياجل) ، وظاهركلام السيرافى والفارسي أن القلب قياس وإن قل, فقولهم إن الياء أسرع انقلاباً إلى الألف من الواو ليس على إطلاقه .
ويمكن أن يكون الأمر فى التصحيح والإعلال خلافاً لهجياً لا أكثر ، فبعض العرب يسرع إلى قلب الواو والياء ألفاً وبعضهم لا يقلب .
__________
(1) ... في اللسان , مادة ( صور) : " الصُّور والصَّوَر: موضع بالشام" . ...
(2) ... انظر: شرح الشافية 3/107 .
(3) ... انظر : الصحاح واللسان , مادة ( حوك) .
(4) ... انظر: شرح الشافية 3/106 .(1/144)
ويدل لهذا أن بعض الحجازيين كان يقلب الواو الساكنة ألفاً قياساً فى مضارع نحو( ايتعد) وبعض تميم يقلبون واو نحو ( أولاد) أى جمع ما فاؤه واوً ألفاً قياساً ، فيقول ( آلاد) (1).
"وطئ يفتحون ما قبل الياء إذا تحركت بفتحة غير إعرابية ، وكانت طرفاً ، وانكسر ما
قبلهما ، لتتقلب الياء ألفاً" (2) .
"واحتفظت قبيلة تميم بالصيغة الأصلية نحو ( استحوذ) و( استيس) (3) .
وهذا الخلاف اللهجى لم يأت فى الفعل الثلاثى (4)وإنما وجب إعلاله ، ولم يصح منه شئ , وعلة الإعلال فيه هى ثقل الحركات المتوالية ( كراهة توالى الأمثال) إذا نطقوا بها على الأصل ، فقالوا فى نحو ( قام) و( باع) ، ( قَوَم) و( بَيَع) وكثرة دوران حروف العلة ، وهي أثقلها ، جَوَّزت قلبها إلى ما هو أخف منهما من حروف العلة ، أى الألف , ولاسيما مع تثاقلهما بالحركة ، وتهيؤ سبب تخفيفهما بقلبهما ألف ، وذلك بانفتاح ما قبلهما (5) ويمكن أن يقال :إن هذا هو السبب الحقيقى لعدم القلب ألفاً فى المصادر الثلاثية من الأفعال الجوفاء ، نحو (القول) و(البيع) ، فالسكون أعطى للكلمة اعتدالاً فصارت فى غاية الخفة ؛ إذ فيها حرفان متحركان يتوسطهما حرف ساكن ، ولهذا أيضاً جاز الإعلال والتصحيح فى غير الثلاثى ؛ إذ لن يخلو من سكون يؤمن معه من توالى الحركات ، هذا مع تصريحهم بأن الإعلال ضربان .
__________
(1) ... انظر: الكتاب 4/334 ، وشرح الشافية 3/111 .
(2) ... انظر : شرح الشافية 3/111 .
(3) ... إعلال الواو والياء فى اللغة العربية د/ صلاح الدين صالح حسانين / مجلة مجمع اللغة العربية
... بالقاهرة عدد 48/221 .
(4) ... انظر : شرح الملوكى صـ 226.
(5) ... شرح الشافية 3/95 .(1/145)
أصل ومحمول عليه ، فالأصل ما يتحرك واوه أو ياؤه وينفتح ما قبلهما (ما يتوالى فيه الأمثال) والمحمول عليه ما ينفتح الواو والياء فيه بعد حرف كان مفتوحاً فى الماضى (فى غير الماضى هو ساكن) (1).
وقد سبق أنهم قالوا: إن التصحيح فى ذلك المحمول أسهل ؛لأنه ليس أصلياً فى الإعلال .
ومما قد يدعم هذا أن العرب جميعاً أعلوا الواو والياء فى الفعل الثلاثى رغبة فى التخفيف ، وقد بالغ بعضهم فى التخفيف فلم يكتفوا بإسكان الأوسط المعتل وإنما أسكنوا الأوسط الصحيح ، وهى لغة بن بكر بن وائل ، وأناس كثير من تميم وبعض ربيعة ، كقولهم فى (عَلِم) و( عَصُر) ( عَلْم) و(عَصْر) (2) فلئن فروا من توالى الأمثال فى الصحيح جوازاً ، ففرارهم منه فى المعتل وجوب .
وأما نحو ( حَوِل) و( حَوِر) و( هَيِف) من الثلاثى ، ونحوه من الثلاثى الأجوف الذى لم يعل ، فقال النحويون فيه إن أصل وزنه (افعلَّ) وهذا الوزن لا يُعَلُّ ، فجعلوا غير الثلاثى أصلاً له ، قالوا : "لما كان هذان البابان (3)أصلين فى المعنى عكسوا الأمر ، فأجري الثلاثى مجرى ذى الزيادة فى التصحيح تنبيهاً على أصالته فى المعنى المذكور (4) فإذا قيل لهم ، فلما لم يعل نحو (أعْوَرَّ) و(اصْيَدَّ) قالوا :لأنه لا ثلاثى له معل (5) فيجعلون كلاً منهما معللاً بالأخر .
__________
(1) ... انظر : التبصرة والتذكرة 2/819 ، وشرح المفصل 10/65 ، 66 ، وشرح الملوكى صـ225 ،
... 226 ، وشرح الشافية 3/96 .
(2) ... انظر : الخصائص 2/297 ، 2/343 ، وشرح ديوان ابن ابى حصينة 2/ 104 ، 111 ،وشرح شواهد الشافية صـ 15 .
(3) ... أى بابى (فَعِل) و(افعلَّ) .
(4) ... انظر: شرح الشافية وحاشيتها 3/98 .
(5) ... انظر : شرح الشافية 3/98 ، 99 .(1/146)
وربما الذى دفعهم إلى هذا هو رغبتهم فى اطراد قاعدة قلب الواو والياء ألفاً ، ولو تنبهوا إلى أن ذلك راجع إلى اختلاف اللهجات لحل الأمر ، فقد ذكر الخليل فى العين أن أهل الحجاز يثبتون الياء والواو فى نحو ( صَيِد) و( عَوِر) وغيرهم يقول ( يصاد ويعار) (1) .
وذكر الجوهرى رأياً له وجاهته ، وهو أن أصل نحو ( عور) هو ( اعورَّ) على وزن أفعلَّ ، فحذفت منه الزوائد تخفيفاً فكأن الثلاثى فى هذا الباب لم ينطبق به ، وإنما هو مخفف من غير الثلاثى ، فأصل باب (فَعِل) هو (افعلَّ) قال "والدليل على أنه (أفعلَّ) مجئ أخواته على هذا فى الألوان والعيوب نحو ( اسودَّ) و( احمرَّ) ولهذا لا يقال فى هذا الباب (ما أفعله) فى التعجب ؛ لأن أصله يزيد على الثلاثى (2) .
ويذهب بعض المحدثين إلى أن التصحيح في الثلاثى الأجوف إنما كان مرحلة أولى فى مراحل تطور الأفعال المعتلة فى اللغة العربية وأخواتها الساميات ، فقد تركت بعض هذه المراحل ( ركاماً لغوياً ) فى تلك اللغات هنا وهناك وقد بقيت من هذه المرحلة عدة أفعال فى العربية مثل ( حَوِل) و( حَوِر) وتلتها مرحلة هى التسكين أو ضياع الحركة بعد الواو والياء للتخفيف (3).
فإن صح منه هذا الرأى يكن خروج بعض الأفعال والأسماء عن الإعلال إلى التصحيح إنما هو من بقايا تلك المرحلة الأولى ، وهو ما عبر عنه النحاة بـ كونه منبهة على الأصل .
وقد رفض ابن جنى هذا فقال عن نحو ( قَوَم) فى ( قام) : "فأما أن يكون استعمل وقتاً من الزمان كذلك ثم انصرف عنه بعد إلى هذا اللفظ ، فخطأ لا يعتقده أحد من أهل النظر" (4).
__________
(1) ... انظر : العين , تحت الجذر ( صيد ), والتاج , مادة ( عور) .
(2) ... انظر: الصحاح واللسان , مادة ( صيد) .
(3) ... انظر : بحوث ومقالات فى اللغة د/ رمضان عبدالتواب صـ 59 ، 60 .
(4) ... الخصائص 1/258 .(1/147)
وبإثبات أن الأمر يرجح إلى اختلاف اللهجات فيما حكموا عليه بالشذوذ وبتعليلهم له بأن مسوغه هو التنبيه على الأصل ينبغى أن يعاد النظر في كلام ابن جنى .
ولهذا ربما كان من الأفضل عدم التسرع بالحكم بالشذوذ فى هذا الباب .
ويمكن الخروج من كل ما سبق بقاعدة ربما تقلل القول بالشذوذ فى هذا الباب ، وهى أنه يكثر الإعلال فيما توالى فيه ثلاث حركات وتحركت الواو أو الياء بالفتحة ـ خاصة ـ وانفتح
ما قبلهما ولم يقع بعدها حرف علة .
وما خرج عن ذلك – وهو قليل جداً – فراجع إلى اختلاف اللهجات ، وهى لهجات لا تميل إلى التخلص من توالى الأمثال المتحركة فى المعتل .
وبعرض هذه القاعدة على الكلمات التى حكم عليها بالشذوذ يثبت صحتها, فنحو ( أعول ،
وأغيل واستحوذ وأجود وأطول واستروح وأطيب وأخيل ، وأغيم) لم يتوال فيها ثلاث متحركات؛ فلذلك جاز التصحيح فيها ، ولا مانع من إعلالها فى بعض اللهجات كما سبق زيادة فى التخفيف وكذلك نحو ( مريم) و( مدين) ونحو ( حَوِر) و( حَوِل) مع وجود ثلاث متحركات فيه لم يعل قالوا :لأنه فى الأصل مقتطع من فعل لم يتوال فيه المتحركات الثلاث وهو ( اعورَّ ) و( احولَّ ) كما قال الجوهرى (1)على أن بعضهم كان يعله فراراً من ثقل الأمثال فى الصورة اللفظية الأخيرة له .
__________
(1) ... انظر : الصحاح , مادة ( صيد ) .(1/148)
وأما نحو (اجتوروا) و(اعتونوا) ففيه ثلاثة أمثال متحركة ، ومع ذلك لم يعل ، هكذا قالوا ، والصحيح ورود إعلاله كما فى اللسان (1) وبهذا يستقيم الكلام السابق .
ولم يعل نحو ( النزوان) و( الغليان ) مع توالى الأمثال المتحركة ، فراراً من اللبس لو أعل ؛ إذ يلزم عنه حذف أحد الألفين بعد القلب ، كما أن الإعلال فيه يفوت المقصود منه, فحركة الواو والياء عند التصحيح مقصودة لتدل على الحركة والاضطراب كما نبه إليه سيبويه (2) وابن جنى (3)فى إمساس الألفاظ أشباه المعانى وبالإعلال يفوت هذا الغرض وبهذا قال الرضى " ونحو (الجَولَان والحَيَوَان والَصَوَرى والحَيَدَى) للتنبيه لحركته على حركة مسماه"(4).
وكذا لم يعل نحو (خَوَنَة) و(حَوَكة) مع توالى الأمثال المتحركة ، والقياس الإعلال وبه نطق
بعض العرب كما سبق ، تخلصاً من ثقل الأمثال المتحركة ، ومن لم يعل ، فلعله لم يستروح
إلى التخفيف .
__________
(1) ... في اللسان , مادة( جور ) : " تَجاوَرُوا واجْتَوَرُوا بمعنى واحد: جاوَرَ بعضهم بعضاً؛ أَصَحُّوا اجْتَوَرُوا إذا كانت في معنى تَجاوَرُوا، فجعلوا ترك الإِعلال دليلاً على أَنه في معنى ما لا بد من صحته وهو تَجاوَرُوا. قال سيبويه: اجْتَوَرُوا تَجاوُراً وتَجاوَرُوا اجْتِواراً، وضعوا كل واحد من المصدرين موضع صاحبه، لتساوي الفعلين في المعنى وكثرة دخول كل واحد من البناءين على صاحبه؛ قال الجوهري: إِنما صحت الواو في اجْتَوَرُوا لأَنه في معنى ما لا بدّ له أَن يخرّج على الأَصل لسكون ما قبله، وهو تَجَاوَرُوا، فبني عليه، ولو لم يكن معناهما واحداً لاعتلت؛ وقد جاء: اجْتَارُوا مُعَلاًّ؛ قال مُليح الهُذلي: كدَلَخِ الشَّرَبِ المُجْتارِ زَيَّنَهُ حَمْلُ عَثَاكِيلَ، فَهْوَ الواثِنُ الرَّكِدُ
(2) ... انظر: الكتاب 4/15 .
(3) ... انظر : الخصائص 2/154 ، 155 .
(4) ... شرح الشافية 3/123 ، 124 .(1/149)
وقد حكم النحاة (1)على ( الرَوَح) (2)و( الغَيَب ) (3) و( الخَوَل) (4) و( القَوَد) (5)
__________
(1) ... انظر: شرح الشافية 3/103 .
(2) ... في التاج , مادة ( روح ) : " من الرَّوَحُ: "بالتَّحْرِيك: السَّعَةٌ" ... الرَّوَح أَيضاً: اتِّسَاعُ ما بين
الفَخِذيْنِ أَو "سعةٌ في الرِّجْلَين"، وهو "دُونَ الفَحجِ"، إِلا أَنّ الأَرْوح تَتَباعَدُ صُدُورُ قَدَميْه وتَتَدانَى عَقِباه ".
(3) ... في التاج , مادة ( غيب) : " قوم غُيَّبٌ كرُكَّع وغُيَّابٌ مثل كُفَّار وغَيَبٌ، محركة، كخَادِم وَخَدَمٍ، أَي
غَائِبُون، الأَخِيرةُ اسمٌ للجمْع، وصَحَّت اليَاءُ فيها تَنْبِيهاً على أَصْل غاب، وإِنما تَثْبُتُ فيه الياءُ مع التَّحْرِيك؛ لأَنَّه شُبِّه بِصَيَدٍ وإِنْ كان جَمْعاً، وصيَدٌ مَصْدَرُ قَوْلك: بعِيرٌ أَصْيدُ؛ لأَنَّه يجوز أَن تَنْوِيَ به المَصْدَر ".
(4) ... في التاج , مادة ( خول) : "الخَوَلُ، مُحرَّكةً: أَصْلُ فَأْسِ اللِّجام عن اللَّيث. وقال الأزهريّ: لاَعرِفُ خَوَلَ اللِّجامِ، ولا أَدْرِي ما هو. الخَوَلُ: ما أَعْطاكَ اللَّهُ تعالَى مِن النَّعَمِ والعَبيدِ والإماءِ وغيرِهم مِن الحاشِية فهو مأخوذٌ من التَّخْوِيل: بمَعْنى التَّملِيك ".
(5) ... في المحيط في اللغة , مادة ( قود ) : " القَوَد: قَتْلُ القاتِل بالقَتِيل، أقَدْتُه به، واسْتَقَدْتُ الحاكِمَ. وكذلك
الانْتِقَامُ من الإِنسانِ ".(1/150)
بالشذوذ ، قالوا :لأنه وازن الفعل ولم يعل ، ولا مانع من أن يقال إن الشذوذ فيه لتوالى الأمثال المتحركة ويؤكد هذا مجئ الأجوف الواوي واليائي من باب ( فَعَلَ )(1)و( فَعَلَة ) (2) بتوالى الأمثال فيه معلاً كثيراً ، وما جاء منها على الأصل بلا إعلال قليل(3) , ومثل هذا قولهم بالشذوذ فى مثل (المشْوَرة) و(المصْيَدة) و( المَقْوَدة) (4) ويدل على شذوذه مخالفته لبابه فقد جاء أكثر هذا الباب (مَفْعَلة) بالإعلال (5)، كما جاء أيضاً الإعلال فى (المَقْوَدة) (6) ومثل ( مِفَْعَلة) فى هذا ( مَفْعَلة) (7) ويلاحظ أن توالى الأمثال المتحركة فيما كان على ( فَعَلَة) أو ( مِفْعَلة) أو (مَفْعَلة) جاء لوجود علامة التأنيث ، والمذكر منها لا تتوالى فيه الأمثال فيكون التصحيح فيه على القاعدة ، وأما المؤنث فطارئ ، فيراعى فيه حكم الأصل وهو التذكير فيصحح مؤنثه إذا كان مصححاً ، ويعل إذا كان معلاً .
وأما حكمهم (8)بالشذوذ على نحو ( حَوِل ) و( رَوِع ) وغيره مما كان على وزن ( فَعِل ) بكسر العين فعلاً أو اسماً , فينبغى أن لا يكون صحيحاً , وذلك ؛ لأن بين الفتحة والكسرة فرق فـ"الفتح أخف الحركات ، والكسر ثقيل بالنسبة له ...ومن هنا كان مثال ( فَعْل ) بفتح فسكون أعدل الأبنية وأخفها ، حتى كثر ، وشاع وانتشر (9).
__________
(1) ... انظر : ديوان الأدب للفارابى 3/331 .
(2) ... انظر: المرجع السابق 3/339.
(3) ... انظر : المرجع السابق 3/343 ، 344 .
(4) ... انظر : شرح الشافية 3/104 ، 105.
(5) ... انظر : ديوان الأدب 3/348.
(6) ... في الصحاح , مادة ( قود ) : " قُدْتُ الفرسَ وغيرَه أقودُهُ قَوْداً ومَقادَةً وقَيْدودةً".
(7) ... انظر: ديوان الأدب 3/355 .
(8) ... انظر: شرح الشافية 3/103 .
(9) ... أصوات اللغة العربية د/ محمد حسن جبل صـ 115بتصرف يسير ، وانظر : الخصائص لابن جنى 1/61 .(1/151)
ومعلوم أن مخارج الحركات الثلاث هى مخارج أبعاضها من حروف المد الثلاث (1) ، وإذا كان أقصى اللسان يرتفع قليلاً عند النطق بالألف المفخمة ، ويرتفع وسطه قليلاً عند النطق بالألف المرتفعة ، فإن وسط اللسان يرتفع أكبر ارتفاع عند النطق بياء المد (2) .
ومعنى هذا بُعْد الفتحة عن الكسرة فى بناء ( فَعِل) وما تصرف منه ، فلذلك يكثر تصحيح
وزن ( فَعِل) فعلاً كان أو اسماً ولا يشترط فى الاسم أن يكون الوصف منه على ( أفعل) كما
شرطه النحاه (3) والدليل على هذا مجئ أفعال كثيرة على وزن ( فَعِل) مصححة.
وقد قمت باستقراء أولى لهذا النوع من الأفعال الجوفاء على , وزن ( فَعِل) فى معجم الأفعال للسرقطسى وقفت فيه على نحو من خمسة عشر فعلاً كلها مصحح وهاهي ذي مرتبة بترتيب مدرسة الصدر .
مسلسل ... الكلمة على وزن (فَعِل) ... الجزء ... الصفحة
1- ... ثَوِل ... 2 ... 630
2- ... ثَيِِل ... 2 ... 630
3- ... جَوِث ... 2 ... 305
4- ... جَيِد ... 1 ... 274
5- ... خَيِف ... 3 ... 467
6- ... دَوِش ... 1 ... 336
7- ... ذَوِط ... 2 ... 607
8- ... شَوِس ... 3 ... 391
9- ... َصِيد ... 1 ... 4298
10- ... عَوِد ... 2 ... 201
11- ... غَيِد ... 2 ... 37
12- ... لَوِد ... 1 ... 467
13- ... هَوِس ... 1 ... 184
14 ... هَيِغ ... 1 ... 175
15- ... هَيِم ... 185
ومما يوضح ما سبق أن الفعل الأجوف إذا كان يقال بالكسر فى عينه تنطق به العرب مصححاً ، فإذا نطقوا بذات الفعل مفتوحاً عينه أعلوه ، وقد وقفت فى معجم الأفعال للسرقسطى على مجموعة كبيرة من الأفعال على هذا النحو ، وها هى بالترتيب على مدرسة الصدر .
مسلسل ... الكلمة على وزن (فَعِل) ... الكلمة على ... الجزء ... الصفحة
وزن ( َفعَل)
1- ... أَوِد ... آد ... 1 ... 114 ، 117
2- ... جَوِف ... جاف ... 2 ... 274 ، 251
3- ... حَوِر ... حار ... 1 ... 371
4- ... حَوِس ... حاس ... 1 ... 417
5- ... حَوِص ... حاص ... 1 ... 418
6- ... حَوِل ... حال ... 1 ... 37 ، 334
7- ... خَوِر ... خار ... 1 ... 502
8- ... حَوِل ... خال ... 1 ... 469
9- ... سَوِد ... ساد ... 3 ... 528
__________
(1) ... انظر: أصوات اللغة العربية د/جبل صـ241 . ...
(2) ... انظر: المرجع السابق صـ 240 .
(3) ... انظر: شرح الكافية الشافية لابن مالك 4/2127 ، والأشمونى 4/315 ، 316 .(1/152)
10- ... سَوِس ... ساس ... 1 ... 563
11- ... سَوِق ... ساق ... 3 ... 527
12- ... سَوِل ... سال ... 3 ... 563
13- ... شَوِص ... شاص ... 2 ... 358
14- ... شَوِع ... شاع ... 2 ... 357
15- ... شَوِه ... شاه ... 2 ... 396
16- ... شَيِم ... شام ... 2 ... 397
17- ... صَوِر ... صار ... 3 ... 429
18- ... صَوِف ... صاف ... 3 ... 400
19- ... عَوِج ... عاج ... 1 ... 311
20- ... عَيِش ... عاس ... 1 ... 310
21- ... عَيِط ... عاط ... 1 ... 309
22- ... عَيِن ... عان ... 1 ... 246
23- ... غيَِف ... غاف ... 2 ... 40
24- ... فَوِق ... فاق ... 2 ... 35
25ـ ... فَوِه ... فاه ... 2 ... 56
26- ... قَوِد ... قاد ... 2 ... 91
27- ... قَوِس ... قاس ... 2 ... 126
28- ... كَوِع ... كاع ... 2 ... 193
29- ... كَوِه ... كاه ... 2 ... 193
30- ... لَيِث ... لاث ... 2 ... 437
31- ... لَيِع ... لاع ... 2 ... 471
32- ... مَيِل ... مال ... 4 ... 212
33- ... نَوِك ... ناك ... 3 ... 69
34- ... هَوِش ... هاش ... 1 ... 184
35- ... هَوِك ... هاك ... 1 ... 174
ويستنتج من هذا أنه لابد لقلب الواو أو الياء ألفاً من أن ينفتحا ، وأن ينفتح ما قبلهما ، ويؤدى عدم الإعلال إلى توالى ثلاثة أمثال متحركات وهذا القلب كثير ، وليس بواجب .
من مسائل الإبدال
أولاً : تخفيف الهمزة المفردة
الهمزة حرف يخرج من أقصي الحلق ، وهي أدخل الحروف في المخرج ، فلما كان كذلك استثقل أهل التخفيف (1) ( الحضر ) إخراجها من حيث كانت كالتهوع . ( تكلف إخراج القيء) ، فخففوها ، وتخفيفها لا يخلو من أن تقلب ، أو تجعل بين بين ، أو تحذف (2) .
ويجري التخفيف فيها سواء أكانت كلمة برأسها ، كهمزة الاستفهام والنداء ، أم بعض كلمة ، اسماً كانت كما في ( الأمر ) و ( القائل ) ، أو فعلاً كما في ( سأل ), و( جرؤ ) أو حرفاً كما في ( أيا ) و ( أي ) (3).
قال الزمخشري :" ولا تخفف الهمزة إلا إذا تقدمها شيء ، فإن لم يتقدمها نحو قولك ابتداءً
(
__________
(1) ... التخفيف لغة قريش وأكثر أهل الحجاز، والتحقيق لغة تميم وقيس.انظر:الكتاب 4/454 وشرح
المفصل 9/ 107 , وشرح الملوكي ، صـ 228 ،229 , وشرح الشافية 3/32 ، والإتقان 1/98 ، ودراسات في فقه اللغة د/ صبحي الصالح صـ77. ...
(2) ... انظر: أصوات اللغة العربية د/جبل صـ241 . ...
(3) ... انظر : عنقود الزواهر صـ 491 . ...(1/153)
أب ), ( أم ) ، ( إبل ) ، فالتحقيق ليس إلا " (1) " لأن المبتدأ به خفيف ؛ إذ الثقل يكون في الأواخر " (2).
ومع هذا ، فقد جاء تخفيف الهمزة في ابتداء الكلام ، في مواضع ، قالوا عنها إنها شاذة ، ومن هذا التخفيف بالإبدال في قولهم : ( هرحت ) ، و( هرقت ) و ( هياك ) بإبدال الهمزة هاء(3)، والأصل بالترتيب ( أرحت و ( أرقت ) و ( إياك ) .
وورد التخفيف بالحذف قال القوشجي: " اعلم أولاً أنهم قالوا : إنها لا تخفف مبتدأً بها ، وفيه بحث ؛ لأنه كثيراً ما يقال : همزة الاستفهام محذوفة من هذا الكلام ، وقد قالوا في وجه قراءة من قرأ : " { أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ} (4) بكسر الهمزة (5)هي علي حذف الاستفهام " (6)ومن هذا أيضاً ما ذكره أد/ محمد حسن جبل في مثل هذا ، قال : " ولا شك أن حذف الهمزة من فعل الأمر للفعلين ( أخذ ) و( أكل ) لزوماً ، وللفعل ( أمر ) جوازاً حتى عند ابتداء الكلام بهن ، فيه تخفيف من همزتين لكنه علي غير الأصل الذي قرروه " (7) .
وتخفيف الهمزة يختلف حاله كالتالي :
1ـ إذا كانت الهمزة ساكنة وقبلها ساكن لزم تحريكه بحسب ما يجب من الحركات ،
كنظيره مع غير الهمزة (8) .
2ـ إذا كانت الهمزة ساكنة ، وما قبلها متحرك ، جاز أن تخفف بإبدالها حرفاً من جنس
__________
(1) ... انظر: المفصل صـ 459 , وشرحه 9/107 . ...
(2) ... شرح الشافية 3/31 . ...
(3) ... انظر هذا الإبدال في : رسالة الملائكة صـ 342 , 343, والكنز اللغوي صـ 24, والغرة المخفية لابن الخباز 2/704 ، وشرح الملوكي صـ 283 ، وعنقود الزواهر صـ 491 . ...
(4) ... سورة ص من الآية : 75 . ...
(5) ... هي قراءة ابن كثير وأهل مكة : أنظر : السبعة صـ 556 ، والبحر 9/175 . ...
(6) ... عنقود الزواهر صـ 491 ، 492 . ...
(7) ... حاشية أصوات اللغة العربية د/ جبل صـ 346 ، وسيأتي الحديث لاحقاً عن هذه الجزئية صـ 398 . ...
(8) ... انظر : الهمع 3/431 . ...(1/154)
حركة ما قبلها، فتبدل ألفا في تحو (كأس)،وياء في نحو (ذئب)وواواً في نحو (بؤس) (1)وهذا
قياس مطرد في كل ما كان بهذه الصفة (2)ولا تخفف بغير ذالك،فلا تجعل بين بين ؛لأنها
ساكنة ولا يتأتى ذلك في الساكنة ، ولا تخفف بالحذف ؛ لأنه لا يبقى بعد حذفها ما يدل
عليها؛ إذ هي ساكنة (3) قال سيبويه: " وإنما يمنعك أن تجعل هذه السواكن بين بين أنها
حروف ميتة،وقد بلغت غاية ليس بعدها تضعيف،ولا يوصل إلى ذلك ، ولا تحذف ؛ لأنه
لم يجئ أمر تحذف له السواكن فألزموه البدل" (4) .
ومما ورد فيه تخفيف الهمزة بإبدالها ألفاً ؛لأنها ساكنة ، وقبلها متحرك قول ابن أبي
حصينة : و َلا تَخبَ إِلّا شِفارَ السُيوفِ وَهذِي الرِجالَ وَهذِي الخُطَب (5)
وفيه يقول أبو العلاء : " قوله ( لا تخبَ ) بتخفيف الهمزة ، ومثل ذلك كثير . إذا كان ما قبل الهمزة فتحة ، جعلوها ألفاً إذا كانت في آخر الحروف ؛ لأنه وقف يسكن فيه المتحرك مثل قولك( خبا ) ، ( يخبا )، فإذا سكنت جعلوها ألفاً ، كما جعلوا ذلك في همزة ( راس ) و ( فاس ) " (6).
__________
(1) ... انظر :الكتاب 3/543، 544 ، والمقتضب 1/294 , ومعاني الفرآن للأخفش 1/47 , والموجز لابن السراج صـ 133 ، وتصحيح الفصيح صـ 176 ، و التكملة للفارسي صـ 34 ، وشرح المفصل 9/107 ، وشرح الملوكي صـ 229 ، وشرح الشافية 3/31 . ...
(2) ... ومن هذا أن حمزة وهشاماً كانا يخففان الهمزة المتطرفة في الوقف فيما كان بهذه الصفة . أنظر: التذكرة لابن غلبون 1/303 . ...
(3) ... انظر : شرح المفصل 9/108 . ...
(4) ... الكتاب 3/544 . ...
(5) ... البيت من بحر المتقارب, وهو في الديوان1/ 202 . ...
(6) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 213 . ...(1/155)
ويقول في موضع آخر : " وكل همزة في آخر حرف قبلها فتحة ، يجوز أن تجعل إذا خففت ألفاً , وذلك أنه يوقف عليها ، وتسكن ، وإذا سكنت جاز أن تجعل ألفاً خالصة ، وإذا كانت في آخر الحرف ، وقبلها ضمة ، فالأجود أن ينطق بها علي حالها , ويجوزأن تجعل واواً لسكونها وضمة ما قبلها ، فيقال في ( لؤلؤ ) ( ( لولو) ، و ( جؤجؤ ) ( ( جوجو )، وإذا كان قبلها كسرة ، جعلت ياء مثل قولك : ( يخطئ ) ،ويجوز: ( يخطي ) بغير همزة"(1) .
وإنما جعل أبو العلاء الوقف بالهمزة أجود من التخفيف فيما كان ما قبل آخره مضموماً
– على ما يبدو – كراهة الوقوف علي الواو المضموم ما قبلها ؛ " لأن آخر الكلمة ينبغي
أن يكون خفيفاً حتى لو كان واواً قبلها ضمة قلبت ياء والضمة كسرة كما في التغازي"(2).
ومع أن التخفيف فيما سبق جائز ليس واجباً ؛ إلا إنه قد يكون واجباً ، وقد يكون ممتنعاً ، فيكون واجباً إذا ورد في قصيدة مردفة (3)، ويكون ممتنعاً إذا كانت القصيدة غير ذلك .
ومن هذا قول الأعلم في قول الشاعر :
عجبتُ من ليلاكَ وانتساِبها من حيثُ زارتني ولم أَوْرَا بها (4)
" الشاهد في تخفيف الهمزة الساكنة من قوله : ( أَوْرَا ) لما احتاج إليه من ردف القافية ، ولو حققها علي ما يجب ؛ لأنها طرف لم يجز له من أجل الردف المضمن في القافية " (5).
ومثل هذا ما ورد في ديوان ابن أبي حصينة :
__________
(1) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 199 ...
(2) ... شرح الشافية 3/86 ، وانظر المرجع نفسه 3/168 ، وشرح الملوكي صـ 467 . ...
(3) ... الردف هو: ألف أو ياء أو واو سواكن قبل حروف الروي معه : انظر: القوافي لأبي يعلي صـ 118 ، والكافي في العروض والقوافي للتبريزي صـ 153 . ...
(4) ... الرجز بلا نسبة في الكتاب 3/544 ، وتحصيل عين الذهب بأسفل الكتاب 2/165 ، و اللسان , مادة ( ورأ ) والهمع 1/176 . ...
(5) ... تحصيل عين الذهب بأسفل الكتاب 2/165 . ...(1/156)
حَرِصنا عَلى أَن لا تَشِطَّ نَواهُمُ فَشَطَّت وَبَعضُ الحِرصِ غَيٌّ وَحِرمانُ
وَقَد سَأَلوا عَن شانِنا بَعدَ نَأيِهِم فَقُلنا لَهُم لَم يَرقَ بَعدَكُمُ شانُ
حُرمنا التَداني مِن مُحَرَّمِ عامِكُم وَشَعَّبَكُم بَعدَ المُحَرَّمِ شَعبانُ (1)
وفيها يقول أبو العلاء :" و أصل ( الشان ) الهمز إذا كان من شئون الدنيا ، ومن شئون الرأس ، وهو آخر هذا البيت مخفف ، لا يجوز غير ذلك ؛ لأن الهمزة إذا كانت قبل الروي ، وفي قوافي القصيدة حرف لين ، وجب أن تخفف الهمزة لا غير ، وإذا كانت الهمزة في ذلك مخففة ، وفي موضعها من القوافي حرف مصمت (2)، ليس بلين ، فتخفيف الهمزة خطأ ، مثال ذلك أن امرأ القيس قال : * أَلا عِم صَباحاً أَيُّها الطَلَلُ البالي (3) *
ثم قال : * كَأَنَّ مَكانَ الرِدفِ مِنهُ عَلى رالِ* (4)
وأصل ( الرال ) الهمز ، ولا يجوز همزه في هذا البيت ، قال العجاج :
كأنه من طول جذع العفس ورَمَلان الخمس بعد الخمس
يُنحت من أقطاره بفأس (5)
ولابد من همز ( الفأس ) في هذا المو ضع , وإذا كانت الكلمة في حشو البيت ، فالمنشد
مخير في التحقيق والتخفيف " (6) .
__________
(1) ... الأبيات من بحر الطويل ، وهي في الديوان 1/ 78 ، 79 . ...
(2) ... الحرف المصمت هو الذي يعترض مجرى الهواء إما بحبس أو بتضييق. انظر : الصوت اللغوي عند القدماء و المحدثين . د/ عبد المنعم محمدالنجار .
(3) ... شطر بيت من بحر الطويل , وتمامه:* وَهَل يَعِمَن مَن كانَ في العُصُرِالخالي * وهو في الديوان صـ36.
(4) ... عجز بيت من الطويل وهو من القصيدة السابقة , وصدره : *وَصُمٌّ صِلابٌ ما يَقينَ مِنَ الوَجى *
(5) ... البيت في ديوانه صـ 36 . ...
(6) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 69 ، 70 ، وانظر أيضاً : السابق صـ 113 . ...(1/157)
3ـ ومن أحوال تخفيف الهمزة أن تتحرك بعد ساكن صحيح نحو:( يسأل ) و( يجأر ) و ( الخبء) و ( المرأة ) فتخفف بإلقاء حركتها علي ما قبلها وحذفها ، وذلك أن الحذف أبلغ في التخفيف ، وقد بقي من الهمزة ما يدل عليها ( حركتها ) ، ولا تجعل بين بين ؛ لأن في ذلك تقريباً لها من الساكن ، بل هي ساكنة عند الكوفيين فكرهوا الجمع بين ساكنين , و لا تقلب حرفاً ليناً ؛لأن قبلها ساكناً ، فكان يلتقي ساكنان (1) إلا إن سيبويه حكي عن العرب أن منهم من يقلب الهمزة ألفاً ثم يفتح ما قبلها ؛ لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحاً (2) ، وهو عند سيبويه (3) شاذ ، وعند الكسائي والفراء (4) مطرد في الهمزة المفتوحة خاصة (5).
__________
(1) ... انظر : الكتاب 3/545 ، والمقتضب 1/296 ، ومعاني القرآن للأخفش 1/47 ، والموجز لابن
السراج صـ 134 ، والتكملة للفارسي صـ 34 ، 35 ، وشرح المفصل 9/109 وشرح الكافية الشافية 4/2102 . ...
(2) ... انظر : الكتاب 3/545 . ...
(3) ... انظر: الكتاب 3/545 ، وعبارته : " ومثله قليل" . وحكي الشذوذ عنه ابن يعيش في شرح المفصل9/111 ، وانظر : الحجة للفارسي 1/30 ، وشرح الكافية الشافية 4/2102 . ...
(4) ... انظر رأييهما في: التبصرة والتذكرة 2/735 ، و شرح المفصل 9/111،وعنقود الزواهر صـ 49.
(5) ... انظر : شرح الشافية 3/40. ...(1/158)
ـ تخفيف الهمزة في ( يسأل و( اسأل ) : ورد في فعل الأمر من ( سأل ) ( اسْأَلْ ) و( سَلْ ) و ( إِسَلْ ) ، أما (اسأل ) فعلي تحقيق الهمزة ، ولا شئ فيها وأما ( سَلْ ) ، فإما أن يكون هذا علي القاعدة في تخفيف الهمزة بحذفها ، وإلقاء حركتها على ما قبلها ، ثم حذف ألف الوصل لعدم الحاجة إليها .وإما أن يكون فعل أمر من ( سال ) لغة حكاها سيبويه وغيره في ( سأل ) (1) و ( سال ) هذه ليست مهموزة ، وإنما عينها واو ، قال ابن جني:" لما حكاه أصحابنا من قولهم ( هما يتساولان ) " (2) وفي شرح الكافية الشافية : " ومن العرب من يقول : ( سلت عن الشيء أسأل ) وهذا أسول من هذا " (3) وعند الزجاج عينها ياء (4) .
وقد اختار أبو العلاء أنهما لغتان ، فقال تعليقاًً علي قول ابن أبي حصينة :
فَسَل عَنهُ كَم فَرَّقَت كَفُّهُ مِنَ المالِ في جَمعِ هَذا البِنا (5)
" ويقال : ( سل عن فلان واسأل عنه ) لغتان فصيحتان ، قال النابغة الجعدي :
وَاِسأَل بِهِم أَسَداً إِذا جُعَلَت حَربُ العَدُوِّ تَشُولُ عَن عُقمِ (6)
وقال آخر : سلي عن بني النجار يُنْبوا ويخبرك الممولُ والعديمُ (7)
__________
(1) ... انظر : الكتاب 3/555 ، والمقتضب 1/303 , والأصول 3/471 ، وما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرافي صـ 163 ، والحجة 2/169 ، وأمالي المرزوقي صـ 72 , والروض الأنف 3/238 ، وشرح الكافية الشافية4/2110 . ...
(2) ... انظر : المحتسب 1/89 . ...
(3) ... شرح الكافية الشافية 4/2110 . ...
(4) ... انظر رأيه في : الروض الأنف 3/238 . و انظر أيضاً : شرح الملوكي صـ 230 . ...
(5) ... البيت من بحر المتقارب, وهو في الديوان 1/ 85 . ...
(6) ... البيت من بحر الطويل , وهو في أدب الكاتب من دون نسبة صـ 406 . ...
(7) ... البيت من بحر الوافر , و لم أعرف له قائلاً , و لم أقف له على تخريج . ...(1/159)
وقد جاءت اللغتان في الكتاب العزيز ، قال الله جل وعلا (1):" {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ } و قال تعالي (2) : {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ } " (3).
وقد وردت لغة ثالثة في فعل الأمر من ( سأل ) ، حكي الأخفش : إن ناساً يقولون : ( إسَل ) فهؤلاء لم يسقطوا ألف الوصل لما كانت السين في تقدير السكون (4) .
وهذا عند المازني غير مرضي (5), وكذا عند السيرافي (6) .
ومن أحوال تخفيف الهمزة أن تتحرك بعد ساكن لا يمكن تحريكه ، كالواو والياء الزائدتين في بنية الكلمة إذا كانتا مدتين ، وكذا ياء التصغير، فيجوز تخفيفها بقلبها حرف مد من جنس ما قبلها ، وإدغامها فيه ، فيقال : في نحو( خطيئة ) و( مقروءة ) و( أُفَيِْئس ):( خُطَيِّة ) و ( َمْقُروَّة ) و ( ُأفيِّس ) (7)،
__________
(1) ... سورة البقرة من الآية : 211، وفي البحر المحيط 2/347 : " قرأ أبو عمرو في رواية ابن عباس
... : ( أسأل ) ، وقرأ قوم : ( اسل ) . ...
(2) ... سورة الأعراف من الآية : 162 . ...
(3) ... شرح ديوان ابن ابي حصينة2/84. ...
(4) ... انظر : الحجة 1/95 ، والمحرر الوجيز 2/29 ، وشرح الشافية 3/42، والبحر المحيط 2/ 347 . ...
(5) ... انظر رأيه في : الحجة 1/96 . ...
(6) ... انظر رأيه في : شرح الشافية 2/42 ، 43 . ...
(7) ... انظر:الكتاب 3/547 ، والمقتضب 1/297 ، والموجز لابن السراج صـ 134 ، والتكملة للفارسي
صـ 35 ، وأمالي المرزوقي صـ 72 , وشرح المفصل 9/108 ، وعنقود الزواهر صـ 492 ، والهمع 3/341 . ...(1/160)
وإنما كان كذلك ؛ لأنه لا يقدر علي إلقاء حركة الهمزة علي المد قبلها ؛ لأنه مما لا يقبل الحركة ، ؛ إذ يشبهان الألف في سكونهما ، وكون حركة ما قبلهما من جنسهما ، ولأن تحريكهما يخل بالمقصود منهما ؛ لأن تحريك حرف المد يصرفه عن المد ، ولم تجعل الهمزة بين بين ؛ لأن في ذلك تقريباً لها من الساكن ، وقبلها ساكن , أما إذا كان الساكن قبل الهمزة يمكن تحريكه ، كأن يكون من أصل الكلمة ،فالقياس في تخفيفه نقل حركة الهمزة بعد حذفها إلي ذلك الساكن (1) ، فيقال في نحو( سَؤْةَ ) و( حَوْأَب)(2): ( سوَة ) و( حوَب ) ، وبعض العرب يجعل ما يمكن تحريكه مثل ما لا يمكنتحريكه، فيقلب الهمزة حرف علة من جنس حركة ما قبله ، ويدغمه فيه ، فيقول فيما سبق:( سوَّة ) و( حوَّب ) (3) .
وعلي هذا فيقال في تخفيف همزة ( طيء ) :( طي ) بالتخفيف و ( طيّ ) بالتشديد .
وفي هذا قال أبو العلاء تعليقاًً علي بيت ابن أبي حصينة :
بَلِّغ تَحِيَّتَنا طَيّاً وَقُل لَهُمُ ما ضَرَّنا ذَلِكَ الحَشدُ الَّذي حَشَدُوا (4)
" ويقال : ( طيّ ) و (طيئ ) و بالهمزة الأصل " (5) . ...
__________
(1) ... انظر : الكتاب 3/545 ، والمقتضب 1/296 ، والموجز صـ 134 ، والحجة 1/299 ، وشرح
المفصل 9/108، وعنقود الزواهر صـ493 . ...
(2) ... أي المكان الواسع . ...
(3) ... انظر : الكتاب 3/556 ، والحجة 1/30, وشرح الشافية 3/36 .
(4) ... البيت من بحر البسيط , وهو في الديوان 1/161 ...
(5) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 1/ 168 . ...(1/161)
ومن أحوال تخفيف الهمزة أن تجعل بين بين ، أي بأن تجعل من مخرج الهمزة ومخرج الحرف الذي منه حركة الهمزة ، فتكون بين الهمزة والألف إذا كانت مفتوحة ، وبين الهمزة والواو إذا كانت مضمومة ، وبين الهمزة والياء إذا كانت مكسورة (1)هذا هو الكثير المشهور، وقد يجعل بين مخرجها، ومخرج الحرف المناسب لحركة ما قبلها كما في ( يستهزئون ) تجعل مائلة إلي مخرج الياء المناسب لكسرة الزاي ، وهو رأي الخليل وعليه بعض العرب (2) ، و لا يكون هذا في كل موضع ، بل في المواضع المعينة كما في ( سُئِل ) و ( يستهزئون ) (3) .
وإنما تخفف الهمزة بين بين إذا كانت متحركة وقبلها متحرك , " لأن فيه تخفيفاَ للهمزة بإضعاف الصوت بتليينه ، وتقريبه من الحرف الساكن مع بقية من آثار الهمزة ليكون ذلك دليلاَ علي أن أصله الهمزة ويكون فيه جمع بين الأمرين " (4).
وقد ذكر النحاة أحوال تخفيف الهمزة بين بين علي النحو التالي(5) :
أ إذا وقعت بعد فتح مطلقاً ، سواء أكانت الهمزة مفتوحة كـ ( سأل ) أو مكسورة
كـ ( سَئِم ) أو مضمومة كـ ( لَؤُم ) .
ب إذا وقعت بعد كسر أو ضم ، وهي في الصورتين مكسورة أو مضمومة ، كـ
( مِئين ) و (سُئِل ) و ( يستهزئ ) و ( رؤوس ) .
ج إذا وقعت مفتوحة بعد كسر أو ضم ، فتقلب بعد الكسر ( ياء ) كما في ( ِمَير)
__________
(1) ... انظر في معني ( بين بين ) الموجز صـ 134 ، والسيرافي بحاشية الكتاب 3/541،والحجة 2 ... /170 ، وأمالي المرزوقي صـ71 , 72 , وشرح المفصل 9/112 . ...
(2) ... انظر : الحجة 1/266، وشرح الشافية 3/31 ، و عنقود الزواهر صـ 491 . ...
(3) ... انظر : شرح الشافية 3/31 .. ...
(4) ... شرح المفصل 9/112 . ...
(5) ... انظر :الكتاب 3/541 : 543 ، والمقتضب 1/292، 293، والموجز صـ 135، والتكملة للفارسي صـ 37 , وشرح المفصل ... 9/111 ، 112 وشرح الشافية 3/47:45، وعنقود الزواهر صـ 493، 494 , والهمع 3/432 . ...(1/162)
بالتخفيف, جمع ( مئرة ) (1) ، وبعد الضم واواً كـ ( جُوَن ) بالتخفيف جمع
( ُجْؤنة ) (2) .
وخالف الأخفش (3) في صورتين ، وهي المضمومة بعد كسرة كـ( يستهزئ ) والمكسورة
بعد فتحة كـ ( سُئِل ) فأبدل الأولي ياء ، والثانية واواً .
وتخفيف الهمزة بين بين فيما سبق ليس عليه كل العرب ، فبعضهم يقلبها حرف مد من جنس حركة ما قبلها ، يقول سيبويه : " و اعلم أن الهمزة التي يحقق أمثالها أهل التحقيق من تميم وأهل الحجاز ، وتجعل في لغة أهل التخفيف بين بين ، تبدل مكانها الألف إذا كان ما قبلها مفتوحاً, والياء إذا كان ما قبلها مكسوراً ، والواو إذا كان ما قبلها مضموماً "(4).
وهذا عند سيبويه والبصريين ليس بقياس متلئب(5) وإنما يحفظ عن العرب (6) وهو في الشعر ضرورة (7) .
__________
(1) ... أي العداوة والسعي بالفساد . ...
(2) ... هي سلة مستديرة مغشاة أدماً تكون مع العطارين . ...
(3) ... انظر رأيه في : معاني القرآن له 1/49 ، وشرح المفصل 9/112 ،وشرح الكافية الشافية 4/2109 ،وشرح الشافية 3/46 ، وعنقود الزواهر صـ 493 , والهمع 3/432 , وموارد البصائر صـ 339 . ...
(4) ... الكتاب 3/353 ، 354 ، وانظر أيضاً : شرح المفصل 9/112 ، 113 ، وشرح الشافية 3/47 ،
وعنقودالزواهر صـ 498، 499 . ...
(5) ... أي مستقيمة مطردة . ...
(6) ... انظر : الكتاب 3/454 ، والخصائص 3/154 ، وشرح الشافية 3/47 ، وعنقود الزواهر صـ 498 ... .
(7) ... انظر : الكتاب 3/454 ، وما يحتمل الشعر من الضرورة للسيرافي صـ 61 ،والخصائص 3 ... /151 ، والمقرب 2/179 ، وضرائر الشعر لابن عصفور صـ 180 ، وموارد البصائر صـ 8 33 ,341 .(1/163)
أما عند ابن رشيق فهو " كثير جداًَ جائز في المنثور والفصيح " (1)، " وقد رُوِي أن من العرب من يسهل الهمزات كيفما كانت إلا ما لم يمكن تسهيله " (2)، ونسب أبو حيان هذه اللهجة إلي طيئ أو لبعض الأنصار (3) .
وعلي هذا فلا معني لجعله ضرورة ، ويمكن القول بجواز الأمرين ، لكن أكثرهما ما ذكره سيبويه وغيره ، ويؤيد هذا ورود هذه اللهجة في القراءات القرآنية (4) في قراءة الزهري {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا } (5), وقوله سبحانه:{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً }(6), وقوله سبحانه :" {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ } (7)، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} (8).
قرأ الزهري جميع هذه الآيات بإبدال الهمزة ألفاًَ في ( خطأ ) (9)( متكأ ) (10) و( بدأ ) (11) .
ويبدو أن أبا العلاء في شرحه علي ديوان ابن أبي حصينة جري في تفسير تخفيف الهمزة
__________
(1) ... العمدة 2/1207. ...
(2) ... إصلاح الخلل صـ 331 . ...
(3) ... انظر : البحر المحيط 9/47, 48 . ...
(4) ... انظر : اللهجات العربية في القراءات القرآنية د/ عبده الراجحي صـ 97 ، 98 ، والجانب الصوتي
في قراءة ابن شهاب الزهري د/عادل محمد إبراهيم حسن صـ 72 ، بحث بمجلة القبس الصادرة عن كلية الدراسات الإسلامية والعربية بـ دسوق العدد الخامس . ...
(5) ... سورة النساء من الآية :92 . ...
(6) ... سورة يوسف من الآية : 31 . ...
(7) ... سورة العنكبوت من الآية : 20 . ...
(8) ... سورة السجدة من الآية : 7. ...
(9) ... انظر هذه القراءة في :البحر المحيط 4/20 . ...
(10) ... انظر هذه القراءة في :المحتسب 1/339 ، والبحر 6/268, و الإتحاف 2/145 . ...
(11) ... انظر : المحتسب 2/173 . ...(1/164)
علي ما قاله النحاة ، وإن كانت عبارته في هذا ليست صريحة حيناً ، وليست واضحة أحياناً أخري , ومن هذا قوله فيما وقع بعد فتح : " ( الملا ) أصله الهمزة ، و ( تخفيفه ) (1) جائز ، قال قيس بن ذريح (2) :
أَتَبكي عَلى لُبنى وَأَنتَ تَرَكتَها وَكَنتَ عَلَيها بِالمَلا أَنتَ أَقدَرُ" (3)
وقال أبو العلاء في موضع آخر :"( مهنا ) أصله الهمز، وتخفيفه جائز بلا اختلاف" (4) .
وفيه يقول ابن درستويه : " ( مهنأ ) اسم رجل ، والعامة تقول : ( المهني ) ، وإبدال الألف من هذه الهمزة للتخفيف جائز ، وليس بخطأ ، والهمز أجوده " (5) .
وقال أبو العلاء في ( مبدي ) : " وأصل ( مبدي ) الهمز، والتخفيف جائز " (6) .
ومع أن عبارة أبي العلاء فيما سبق ليست صريحة في أن المراد بالتخفيف هنا جعل الهمزة بين بين ، إلا إنه لا يمنع مانع من هذا الفهم ؛ لأنه أصل ما قرره النحاة ,ولا داعي للقول بمخالفته , ولو خالفهم لصرح بذلك , أو أشار إليه , ويعزز هذا الفهم قوله في مكان آخر من الشرح تعليقاًً علي بيت ابن أبي حصينة :
فَليَهنِكُم وَفدُ الخَليفَةِ إِنَّهُ وَفَد النَجاحُ عَلَيكُم بِوُفودِهِ (7)
" فليهنكم أصله الهمز ، وكل هذه الأفعال المهموزة يجوز أن تخفف همزها علي قدر ما قبله ، فإن كان ما قبلها مفتوحاً ، جعلت ألفاً ، يقال : ( هو يقرا الكتاب ) " (8).
__________
(1) ... انظر: أصوات اللغة العربية د/جبل صـ241 . ...
(2) ... البيت من بحر الطويل , و هوفي : الأغاني 7/36 ,وتاج العروس , مادة ( ملو) .
(3) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/44 . ...
(4) ... شرح الديوان السابق 2/ 196 . ...
(5) ... تصحيح الفصيح صـ 406 . ...
(6) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 47 . ...
(7) ... البيت من بحر الكامل, وهو في الديوان 1/ 45 . ...
(8) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 48 . ...(1/165)
وعبر عن التخفيف هنا بقوله : ( جعلت ألفاً ) والمراد به جعلها بين بين ، ولو أراد به الإبدال لقال ألفاً خالصة ، كما قال في موضع آخر عند الحديث عند إبدال الهمزة الساكنةالمفتوح ما قبلها ألفاً : " وذلك أنه يوقف عليها وتسكن, وإذا سكنت جعلت ألفاً خالصة " (1).
وبهذا الفهم يتضح إشكال بقية العبارة السابقة لأبي العلاء : " وإن كان مكسوراً ، جعلت
ياءً كقولك ( هناك يهنيك ) وإن كان مضموماً جعلت واواً ، كقولك : ( جروالرجل يجرو ) و ( مرو يمرو ) " (2) .
وإنما أتي الإشكال من التسوية – في ظاهر لفظ العبارة – بين قلب الهمزة ألفاً في ( هو يقرا الكتاب ) والقياس في تخفيفها أن تجعل بين بين ، وبين قلب الهمزة ياء في ( هناك يهنيك ) والقياس في تخفيفها أن تجعل بين بين علي المشهور أو تقلب ياء علي رأي الأخفش كما سبق ، وبين قلب الهمزة واواً في ( جرو الرجل ) و ( مرو يمرو ) والقياس في تخفيفها الإبدال ، ولكن عبارة أبي العلاء لم تفرق فيما ذكره بين التخفيف بالإبدال والتخفيف بين بين ، فأوهم ظاهر لفظ العبارة التسوية بين الجميع في طريقة التخفيف ، وليس كذلك لما ذكر سابقاً . ويؤكد هذا أنه لو أراد الإبدال لقال ألفاً خالصة ، وياء خالصة .وعلي هذا الفهم يكون مراده من إطلاق لفظ التخفيف هو التخفيف بين بين في قوله : تعليقاًً علي بيت ابن أبي حصينة:
مِنَ الحَبِيِّ أَو قَطَر ما دَقَّ مِن روسِ الإِبَر (3)
" تحقيق الكلمة أن يقال ( الرؤس ) وقد تكلمت الفصحاء بـ ( الروس ) ,قال الشاعر :
إنما هند كشمس بدت يوم غيم فوق روس الجبال (4)
__________
(1) ... السابق نفسه2/ 199 . ...
(2) ... السابق نفسه2/ 48 . ...
(3) ... الرجز في الديوان 1/ 14 ،( والحَبيّ ) السحاب الذي يشرف علي الأرض من الأفق . ...
(4) ... البيت من بحر المديد , و لم أعرف له قائلاً , ولم أقف له على تخريج .(1/166)
وهذا مثل قولهم ( لييم ) في معني ( لئيم ) ، قال ابن قيس الرِقيات (1) :
إذا حبوتَ ( اللييمَ ) منك صنيعة غلب الصنيعةَ ُلؤمُه فلواها " (2)
ومراد أبي العلاء من تشبيه التخفيف في ( روس ) بالتخفيف في ( لييم ) هو مطلق التخفيف لا نوعه ؛ لأن القياس في تخفيف الأولي أن تجعل بين بين ، بينما القياس في تخفيف الثانية
الإبدال . وهذا ظاهر .
ولأبي العلاء أحكام يصدرها من عند نفسه – فيما يبدو – في تخفيف الهمزة ، فقد حكم من قبل على تخفيف الهمزة إذا وقف عليها آخراً وقبلها ضمة بأن الأجود التحقيق (3).
وحكم هنا بأن الإبدال أيسر من التخفيف بين بين ، فقال تعليقاًً علي بيت ابن أبي حصينة :
ثُمَّ تَلالا وَهَدَر هَدرَ خَطاطيفِ البكَر (4)
" و ( تلالا ) أصله الهمز , وهمزه في موضعين ، وتخفيف الهمزة في الأولي أيسر من
تخفيف الهمزة في الثانية ، وكلاهما جائز ، قال ابن أبي ربيعة (5) :
فَقالَت و لانَت وَأَفرَخَ رَوعُها كَلاكَ بِحِفظٍ رَبُّكَ المُتَكَبِّرُ" (6)
__________
(1) ... البيت من بحرالكامل , وليس في ديوانه, تحقيق د/ محمد يوسف نجم . ...
(2) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة2/ 25 . ...
(3) ... انظر شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/213 . ...
(4) ... الرجز في الديوان 1/ 14 ، و ( هدر ) أي صوت , و ( الخطاطيف ) جمع خطاف ، وهي كل
... حديدة حجناء توضع في البكرة ليستقي بها الماء بالدلو . ...
(5) ... البيت من بحر الطويل, وهو في في ديوان ابن أبي ربيعة صـ 123 برواية : * فَقالَت وقد لانَت وَأَفرَخَ رَوعُها * . ...
(6) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 25. ...(1/167)
وهذا من أبي العلاء سديد ؛ لأن الإبدال – صوتياً – أسهل من التخفيف بين بين ؛ إذ عمل اللسان في حال الإبدال واحد ، وعمله في حال التسهيل بين بين من جهتين ، من جهة الهمزة ، ومن جهة الحرف الذي منه حركته ، واختلاف النحويين فيها أهي ساكنة أم متحركة (1) يدل علي صعوبة وصفها وصفاً دقيقاًَ بخلاف الهمزة المبدلة ، بل ذهب بعض المحدثين إلي إنكار ما يسمي بهمزة بين بين ,ذاهبين إلي أنها ليست سوي حركة, والنطق بها علي ما وصفه اللغويون لا يعني سوي سقوط الهمزة أساساً ، واتصال الحركتين قبلها وبعدها مباشرة (2) .
ومن أحكام أبي العلاء في تخفيف الهمزة أن تخفيف الهمزة بين بين في وزن (فَعَلَ ) أسوغ من تخفيفها في وزن ( فعِلَ )، يقول تعليقاًً علي بيت ابن أبي
حصينة : نُهنِّيهِ لَما بَرا صالِحٌ وَذاكَ الهَناءُ لِكُلِّ الأُمَم (3)
" و ( البرء ) أصله الهمز (4) ، وتخفيفه جائز ، وفي ( برأ ) لغتان : ( برأ فلان بَرِئ ) (5) ،
__________
(1) ... هي متحركة عند البصريين ، ساكنة عند الكوفيين . انظر في هذا : الكتاب 3/549 ، 550،
والإنصاف2/726 , وشرح المفصل 9/ 113 ، 114 ، وشرح الشافية 3/45 . ...
(2) ... منهم الدكتور إبراهيم أنيس في الأصوات اللغوية صـ73 ، والدكتور عبد الصبور شاهين في :
القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث صـ 105 . ...
(3) ... البيت من بحر المتقارب ، وهو في الديوان 1/64 . ...
(4) ... هذا إذا كان بمعني الخلق , و الشفاء وأما إذا كان من ( البري ) وهو التراب فلا ، كما قال الفراء .
انظر : مادة ( برئ ) في التهذيب واللسان. ...
(5) ... قال التبريزي في تهذيب إصلاح المنطق 1/381 ، : " وقد برأت من المرض أبَرأ و أبرُؤ بُرؤاً ،
وبرئت أبرأ , وأصبح ... فلان بارئاً من مرضه . ، وانظر المرجع السابق 1/492 ، و ديوان الأدب للفارابي 4 / 209 ، 217 ، والأفعال للسرقسطي 4/ 92 ، 98 . والمزهر 2/267, 277 . وفي اللسان , مادة ( برأ) : وبَرِئْتُ مِن المَرَضِ، وبَرَأَ المرِيضُ يَبْرَأُ ويَبْرُؤُ بَرْءاً وبُرُوءاً، وأَهلُ العَالِيَةِ يقولون: بَرَأْتُ أَبْرأُ بَرْءاًوبُروءاً، وأَهلُ الحِجازِ يقولون: بَرَأْتُ مِنَ المرَضِ بَرءاً، بالفتحِ، وسائرُ العَرَبِ يقولون: بَرِئتُ مِنَ المرَضِ.وأَصْبَحَ بارِئاً مِنْ مَرَضِهِ وبَرِيئاً مِنْ قومٍ بِراءٍ، ... كقولكَ صحِيحاً، وصِحاحاً، فذلِكَ ذلك.غيرَ أَنه إِنما ذَهَبَ في بِراءٍ إلى أَنه جَمْعُ بَرِيءٍ. قال وقدْ يجوزُ أَنْ يَكون بِرَاءٌ أَيضاً جمْع بارِئ، كجائعٍ وجِياعٍ وصاحِبٍ وصِحابٍ". يقول الدكتور أحمد الجزار في : دراسة في اللهجات العربية صـ35 : " وفيما يتعلق بالموازنة بين اللهجات في الفعل المذكور فقد ورد أن (بَََرَأ) بفتح العين أفصح الأوجه التي جاء عليها الفعل المذكور , كما جاء أن ( َبرُء) بضم العين لهجة غير فصيحة. ...(1/168)
وتخفيف الهمزة من ( بَرَأ ) أسوغ من تخفيفها في ( بَرِئ ) ؛ لأَنه إذا نقلها إلي الألف من
( برأ ) صارت ألفاً لا تحتمل حركته ، وإذا خففها مِن ( برئ ) صارت الهمزة ياءً ،والأجود فيها أن تحرك حتى تكون مثل ( بَقَي ) (1) و( عَسَي ) (2) ، وتسكين الياء في مثل هذه الأشياء
قليل إلا إنه يحكي عن بعض العرب " (3) .
وهذا من أبي العلاء وجيه قوي ، فتخفيف الهمزة من ( برأ ) يكون بجعلها بين بين ،وتخفيفها في ( برئ ) يكون بالإبدال ياء ، فتكون علي وزن ( فَعِلْ ) ، وليس هذا شائعاً عند
العرب ، بل الأجود عندهم التحريك ، وبعض العرب وهم طيئ وغيرهم(4) يسكنون .
ومن أحوال تخفيف الهمزة أن تحذف, كما في ( أرى ) ومشتقاتها , والأصل فيها:( أرأي ) " غير أن كل شئ كان في أوله زائدة سوي ألف الوصل من ( رأيت ) فقد اجتمعت العرب علي تخفيفه لكثرة استعمالهم إياه " (5) .
__________
(1) ... كرر أبو العلاء الحديث عن هذا في شرح ديوان ابن أبي حصينة2/ 239 ، وفي الأفعال
للسر قسطي 4/99 :" بقِي بقاء، بقا لغة " وانظر : اللهجات العربية في التراث د/ أحمد علم الدين الجندي 2/ 533 ، 534 . ...
(2) ... في الأفعال للسرقسطي 1/314 : " عِسي وعسا الشيخ عسواً وعسياً كبر " . ...
(3) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/57 . ...
(4) ... أثبت د/ أحمد علم الدين الجندي في اللهجات العربية في التراث 2/536 أن هذه الظاهرة بالإضافة إلي نسبتها إلي طي ، فهي توجد في تميم , وأسد ، وغني ، والحارث بن كعب وغيرهم . ...
(5) ... الكتاب 3/546 ، وانظر : سر الصناعة 2/339 ، وشرح المفصل 9/110 ، وشرح الملوكي
صـ 370 ، 372 ، وشرح الشافية 3/ 38 ، 41 . ...(1/169)
وإذا اجتمعت همزتان ، وكانتا في كلمة واحدة ، فإن كانت الأولي ساكنة ، فظاهر أنها تدغم كما في ( سآل ) ، وإذا كانت الثانية ساكنة ، وجب إبدالها من جنس حركة ما قبلها حرف مد ، ألفاً كما في ( آمن ) وأصله ( أأمن )(1), أو ياءً كما في( إيمان ) , أو واواً كما في ( أومن ) , والأصل :( أؤمن ) .
وهذا الإبدال اتفاق (2), وعليه فإن القياس في تخفيف الهمزة من الأمر من( أخذ ) و( أكل ) و
( أمر ) و( أتي ) بالترتيب أن يقال : ( اوخذ ) و ( اوكل ) و ( اومر ) و ( ايت ) ؛ " لأن بناء الأمر من الثلاثي بأن يحذف منه حرف المضارعة ، ويجعل مكانه همزة وصل إن سكن ما بعده , وتضم الهمزة إن كان ما بعد الساكن مضموماً ضمة لازمة " (3)، و " تبدل الهمزة الثانية ياءًَ خالصة إن كانت همزة الوصل مكسورة " (4) .
ولكن الوارد بخلاف هذا في (أخذ) و (أكل)،فقد قالوا في الأمرمنها( خُذْ ) و( كُلْ ) بالتخفيف بالحذف، والقياس فيها القلب كما سبق، وقالوا في الأمرمن ( أمر ) : ( ُمْر ) والقياس التخفيف بالقلب لا بالحذف ، لكنهم ، التزموا الحذف في الأولين دون الثالث ، لكثرتها في الكلام ، ولما كان الأمر من ( أمر ) أقل في الاستعمال منه في( أكل )و ( أخذ ) نقص عن مرتبتهما (5) .
وفي هذا يقول أبو العلاء تعليقاًً علي بيت ابن أبي حصينة :
لا تَسمَعَنَّ بِحاتِمِ وَفَعالِهِ وَخُذِ الفَعالَ الظاهِرَ المَوجُودا (6)
" وقولهم ( خُذْ ) من الشواذ ، والأصل فيها ( أؤخذ ) فجاءت علي حرفين ، كما قالوا :
(
__________
(1) ... انظر : التكملة صـ 38 ، وشرح الشافية 3/53 ، وعنقود الزواهر صـ 495 . ...
(2) ... انظر : عنقود الزواهر صـ 495 . ...
(3) ... شرح الكافية الشافية 4/2167 . ...
(4) ... شرح المفصل 9/1125 . ...
(5) ... انظر : شرح المفصل 9/115 ، وشرح الملوكي صـ 366 ، وشرح الشافية 3/50 . ...
(6) ... البيت من بحر الكامل ، وهو في الديوان 1/241 . ...(1/170)
كُل ) والأصل ( أؤكل ) " (1) .
ومع أن الأصل فيهن هو الهمز لكنه صار أصلاً مرفوضاً عند ابن يعيش وغيره حتى إنه لا يجوز النطق به ، يقول ابن يعيش : " فالذي يغلب الأصل هو الذي لا يجوز استعمال الأصل معه ، بل يهجر الأصل فيه و يرفض ، نحو : ( خذ ) و ( كل ) و ( يد ) و( دم ) غلب الحذف علي الأصل ، فلم يجز الإتمام ، فلا يقال :( اوخذ ) ( أو كُل ) ولا ( يَدَيَ ) ولا( دَمَوَ ) وإن كان هو الأصل " (2) .
لكن ما قاله ابن يعيش منتقض بالحكاية علي مجئ هذه الثلاثة علي الأصل، علي ما حكاه سيبويه في ( أكل ) (3) والفراء في ( أخذ ) و ( أكل ) (4) وقال ابن جني في ( أكلَ ) و( أخذ) و ( أمر): " قد أخرجن علي الأصل ، فقيل : ( اؤخذ ) و ( اؤكل ) و ( اؤمر ) (5) .
ومع أنها خرجت علي الأصل لكن السيوطي يجعلها في غاية الشذوذ استعمالاً (6) ،
وهو في هذا تابع لابن مالك ، بل إن ابن مالك رفض حكاية خروجها علي الأصل ، فقال في هذه الثلاثة : " وزعم بعض العلماء أن الثلاثة قد ورد تتميمها بعطف وبغير عطف ، ولم يستشهد عل ذلك بشئ من الشعر ولا غيره " (7) .
ويفهم من قول ابن مالك السابق أنه سوي في الرفض بين مجئ الأمر علي الأصل في كل من ( أكل ) و( أخذ ) وبين الأمر من ( أمر ) وإن لم يتقدمه عاطف .
والنحاة على خلاف هذا ، فإنهم التزموا الحذف فيهما دون ( مر ) ، سواء تقدمها عاطف أو لا (8) .
__________
(1) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة2/ 250 . ...
(2) ... شرح الملوكي صـ 366 ، 367 . ...
(3) ... انظر : الكتاب 4/219 . ...
(4) ... انظر : معاني القرآن للفراء 1/125 ، و المحكم , مادة ( أخذ ) . ...
(5) ... سر الصناعة 1/109 ، وانظر : شرح الملوكي صـ 364 ، ورصف المباني صـ 40 . ...
(6) ... انظر : الهمع 3/423 . ...
(7) ... شرح الكافية الشافية 4/2167 . ...
(8) ... انظر : شرح المفصل 9/115 ، وشرح الشافية 3/50 ، وعنقود الزواهر صـ 498 . ...(1/171)
أما ( أمر ) فيجوز فيه الحذف ولإثبات ، إن لم يتقدمه عاطف ، فإذا تقدمه كان الإثبات فيه أجود من الحذف (1) .
وعلى كلٍ ، فقد حكموا علي الثلاثة بالشذوذ في القياس إذا كن محذوفات الفاء ، والشذوذ
في الاستعمال إذا نطق بهن علي الأصل ، ويستثني من ذلك الأمر من ( أمر ) ، فاستعماله علي الأصل جائز تقدمه عاطف أو لم يتقدمه ، وغير هذه الثلاثة لا يقاس علي حذف الفاء منها ، قالوا إلا ضرورة (2) كقول الشاعر :
تِ لي آلَ زيدٍ واْندُهُمْ لي جماعةًَ ... وسَلْ آلَ زيدٍ أيُّ شئٍ ُيضيُرها (3)
لكن ابن جني يجعل هذا لغة لبعض العرب ، يقول : " ( التاء ) لغة لبعض العرب ، تقول في الأمر من( أتي يأتي ) : ( تِ زيداًَ ) ، فتحذف الهمزة تخفيفاًَ كما حذفت من :( خذ ) و ( كل ) و ( مر )" (4) ، وعليه فليس هذا ضرورة .
علة الحذف فيما سبق
الأصل في هذه الثلاثة ( أُأْخذ ) ( أُأْكل ) ، ( أُأْمر ) ، فالهمزة الثانية هي فاء الفعل ، والأولي همزة الوصل ، فحذفت فاء الكلمة ، فانحذفت همزة الوصل ؛ لأن ما بعد الفاء المحذوفة محرك ، فلا حاجة لإقرارها (5) بعد زوال إحدى الهمزتين . وكان القياس هنا القلب لا الحذف ، ولكن خفف بالحذف ، كما قالوا لكثرة استعمالها " وعلي كل حال ، فالحذف أوغل في التخفيف من قلبها " (6) .
__________
(1) ... انظر : الفوائد والقواعد صـ 801 ، و شرح الكافية الشافية 4/2167 ، والارتشاف 1/243 ، و
الهمع 3/423 .
(2) ... انظر : شرح المفصل 9/115 ، وشرح الملوكي صـ 366 ، والارتشاف 1/244 ، والهمع 3/424.
(3) ... البيت من الطويل بلا نسبة في : سر الصناعة 2/366 ، وشرح الملوكي صـ 364 ، والارتشاف
... 1/244 , والهمع 3/424 . ...
(4) ... سر الصناعة 2/336 ، وانظر : شرح المملوكي صـ 368 . ...
(5) ... انظر : سر الصناعة 1/109 ، وشرح المفصل 9/115 ، والصحاح والتاج , مادة ( أخذ) ، والهمع 3/423 .
(6) ... شرح الشافية 3/50 ،وانظر : شرح المفصل 9/115 . ...(1/172)
هكذا قال الرضي ، لكن سيبويه (1) لم يجعل لهذا الحذف علة سوي السماع المحض كما قال أبو حيان (2) .
و هذه الثلاثة الأحرف حذفت فاؤها تخفيفاً،" وقال سيبويه: إنما شذت لكثرة الاستعمال فيها، وسائر ما فاؤه همزة لا تحذف منه في الأمر، وقد ردت الهمزة في ( مر) خاصة مع حرف العطف، قال الله تعالى"وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ " (3) ، ولم يرد في (خذ)،و(كل)، فأما سيبويه فزعم أن رده مع الواو بعد استمرار الحذف شذوذ ثان , وقد علل المازني هذا المكان فذكر أن رد الهمزة كان لضعف الميم والراء، وذلك أن الميم بالغنة التي فيه أشبهت النون، والنون مشبهة بحروف المد واللين، قال: والراء في مخرجه تكرار فلا يستقر اللسان عند النطق به استقراره في الحروف الشديدة، قال: فلما ضعف الحرفان وهيا برد الهمزة مع حرف العطف في بعض متصرفاته" (4) .
وذهب بعض المحدثين إلي أن علة الحذف فيما سبق هي الاقتراض اللهجي , يقول : " غير أن العربية الفصحى التي آثرت تحقيق الهمز في نطقها ، هي التي استعارت هذا النطق الخالي من الهمز من قريش ، ومن جري مجراها من القبائل المجاورة ، ومثل ذلك تماماًَ نراه في فعلي الأمر : ( كل ) و ( خذ ) في الوصل والابتداء ، وكذلك في فعلي الأمر :
( مر ) و ( سل ) ، في الابتداء فقط ، وماضي هذه الأفعال الأربعة مهموز " (5) .
فالمسألة عنده إذن لا ترجع إلي التخفيف لاجتماع همزتين فقط ، وإنما إلي الاقتراض اللهجي
،
__________
(1) ... انظر : الكتاب 1/266 . ...
(2) ... انظر : الهمع 3/423 ... .
(3) ... سورة طه من الآية :133. ...
(4) ... أمالي المرزوقي صـ 44. ...
(5) ... بحوث ومقالات في اللغة د/ رمضان عبد التواب صـ 83 . ...(1/173)
وهي مسألة ليست عزيزة , فإنه كما يقول ابن فارس : " كل هذه اللغات مسماة منسوبة إلي أصحابها ، لكن هذا موضع اختصار ، وهي و إن كانت لقوم دون قوم ، فإنها لما انتشرت تعاورها كل " (1) .
وهو وجه جري عليه ابن جني في تفسير ما وصفوه بالشذوذ ، فقال بعد أن ذكر عدداً مما حكموا عليه بالشذوذ : " واعلم أن أكثر ذلك وعامته إنما هو لغات تداخلت فتركبت .. هكذا ينبغي أن يعتقد و هو أشبه بحكمة العرب " (2) , فـ " العرب يختلف أحوالها في تلقي الواحد منهم لغة غيره فمنهم من يخف ويسرع قبول ما يسمعه ، ومنهم من يستعصم فيقيم علي لغته البتة ، ومنهم من إذا طال تكرر لغة غيره لصقت به ووجدت في كلامه " (3) .
ومع وجاهة القول بالاقتراض اللهجي هنا ، إلا إنه لم يبين اللهجة المقترض منها, وحالها في التصرف في هذه الأفعال السابقة موطن الدراسة ، ولماذا اختص الاقتراض – علي فرض صحته – بها دون غيرها ؟ ألكثرتها كما قال النحاة ؟ ربما اعتبر هذا إذا ثبت أن لهجة ما كانت تخفف المهموزمطلقاً بالحذف ، وهو رأي لقوم من النحاة , فاسد عند المبرد (4) .
ويعزز هذا الفهم ما ذكره ابن د رستويه وابن كيسان من أن أهل الحجاز قد يتركون لغتهم ، ويرجعون إلي لغة تميم في الأمر من نحو ( أنَّ ) بمعنى ( تألم ) فيقولون : ( إنّ ) فلا يفكون التضعيف (5) ولغة الحجازيين الفك ، وبعضهم يقول : ( اينن ) وأصله : ( اإنن )، فقلبت الهمزة الثانية ياء علي حد التخفيف القياسي ، أما من قال : ( إنّ ) ، فلم يفك التضعيف ، فحذف الهمزة الثانية المنقلبة ياء من ( إينن ) لا لالتقاء الساكنين .
__________
(1) ... الصاحبي صـ 31 ، وانظر : المزهر 1/256 . ...
(2) ... الخصائص 1/376 ، بتصرف يسير. ...
(3) ... السابق 1/384 . ...
(4) ... انظر : المقتضب 1/302 . ...
(5) ... انظر : الارتشاف 1/244 . ...(1/174)
وثمة ملاحظة جديرة بالنظر(1)، وهي أن الأفعال الثلاثة ( أخذ ) و ( أكل ) , ( أمر ) مضمومة العين في المضارع والأمر ، فإذا بولغ في تخفيف الهمزة سقطت في المضارع ، ومن ثم تسقط في الأمر، ويتبعها حذف ألف الوصل ؛ لأنها صارت عديمة الفائدة لتحرك ما بعدها . فكأن الحذف أصلاً كان في المضارع ثم سري منه إلي الأمر . وهذه صورته في أطواره الثلاثة : أَكَلََ _ يَأْكُل _ كُل , ومثله يقال في ( أخذ ) و ( أمر ) .
فكأن الحذف إذن ليس لالتقاء الهمزتين . ويلاحظ " أن هذا الحذف لا يحدث مع ( يَفْعِل )
مثل : أسر ( يأسِر ( ائِسر ( ايسِر .
فالهمزة في الأمر تدغم في كسرة الاتكاء (2) فتطيلها ، ويرجع السبب في سقوط الهمزة
من أمر( يفعُل ) وبقائها أو إدغامها في أمر ( يفعِل ) إلي عاملين :
من الناحية الصوتية : النطق بضمتين في ( أأُكُل ) مع الإدغام ( أوكل ) أثقل من النطق بكسرتين في ( ائِسر ) ومع الإدغام ( ايسِر ) ولا سيما أن بينهما همزة أي حرفاً حلقياً ...
من ناحية المعني يلاحظ أنه يندر أن يحدث التباس مع أمرالفعل الأجوف الواوي ، فلا يوجد ( كال ) أو ( خاذ ) الذي يعطي قياساً في الأمر ( كل ) و ( خذ ) ، أيضاً بينما يوجد خطر الالتباس بكثرة نسبياً في المكسور العين مع الأجوف اليائي مثل ( سار( سِر )
ومن ناحية أخري فإن الأفعال التي تسقط همزتها محدودة العدد كثيرة الاستعمال مثل
( مُر ) و ( كُل ) و ( ُخذ ) وما كثر استعماله ينزع إلي الخفة بحكم الميل إلي المجهود
الأدنى "(3) .
__________
(1) ... انظر: التصريف العربي من خلال علم الأصوات الحديث د/ الطيب البكوش صـ 111. ...
(2) ... أي همزة الوصل . ...
(3) ... التصريف العربي من خلال علم الأصوات الحديث د/الطيب البكوش صـ111،112بتصرف
... يسيرجدا.(1/175)
وثمة ملاحظة أخري ، وهي تتعلق بالفعل ( أخذ ) فكما تصرفوا فيه بحذف الهمزة منه في الأمر تصرفوا فيه بقلب الهمزة واواً في الماضي إذا قالوا ( آخذه الله ) . وبعضهم يقول ( واخذه الله ) ، وهو قول العامة كما في الصحاح (1) وغيره (2) .
أما أبو العلاء فيجيز النطق به هكذا ، إلا أن الهمز عنده أجود ، فيقول تعليقاًً علي بيت ابن أبي حصينة : لا واخَذَ اللَهُ قَوماً مِن عَشِيرَتِنا تَأَلَّبوا في زَوالِ العِزِّ وَاِجتَهَدُوا (3)
" الأجود ( آخذ الله ) و ( واخذ ) جائز ، ولكن الهمز أجود ، وإنما حملهم علي تغيير الهمزة إلي الواو أنهم يقولون في المضارع ( يؤاخذ ) ، فإذا وقعت الهمزة مفتوحة وقبلها ضمة جاز أن تجعل واواً خالصة ، فلما قالوا : ( يواخذنا ) بالواو ، ظنوه مثل ( يوازن )
و ( يواعد ) فجاؤا بالواو في الماضي " (4) .
وكلام اللغويين أكثرهم بخلاف ما ذكره أبو العلاء ، فقد ذهبوا إلي أن ذلك من كلام العوام ، أما أبو العلاء فيري جوازه في فصيح الكلام ، لكنه دون الأجود ويفسره بما سبق ذكره من أن التخفيف جري أولاً في المضارع ثم سرى إلي الماضي .
ويمكن أن يكون الأمر كما قال أبو العلاء ، ويكون هذا في لهجة أهل اليمن ، كما في المصباح (5) .
وآخر الملاحظات في ( أخذ ) أنهم قد يخالفون كل ما سبق,فيحققون الهمزتين جميعاً في
المضارع من ( أخذ ) ، فيقولون ( ائتخدوا ) في القتال ، بهمزتين (6) ، أي أخذ بعضهم بعضاً ، وكأنهم بذلك يفرون من التخفيف إما بالحذف أو بالإبدال .
__________
(1) ... انظر : الصحاح مادة ( أخذ) . ...
(2) ... انظر :اللسان , والقاموس , والتاج , مادة (أخذ) . ...
(3) ... البيت من بحر البسيط , وهو في الديوان 1/162 . ...
(4) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/170. ...
(5) ... انظر : المصباح , مادة ( أخذ ). ...
(6) ... انظر مادة ( أخذ) في : الصحاح , والقاموس , واللسان, والتاج . ...(1/176)
إبدال الهمزة من الواو في نحو ( أوائل ) و ( عجائز ) و الفرق بينهما , و وزن ( أوَّل)
أثقل الحركات الضمة ، وأخف منها الكسرة ، والفتحة أخفهن جميعاً (1) والأمر كذلك في واو المد وياء المد وألف المد ، والواو أثقلها ، والألف أخفها (2) ، والمقصود بهذا الثقل في الواو أنها ثقيلة بالنسبة إلي الياء والألف ، وأما بالنسبة إلي غيرها ، فحروف المد واللين الثلاثة أخف الحروف ؛ لأنها أوسعها مخرجاً (3) ولما كات الواو ثقيلة فإنهم كرهوا اجتماع
واوين بينهما حاجز ضعيف كألف التكسير ، فإذا كان ذلك وجاورت الواو الثانية الطرف ، قلبوها همزة ، وجوباً عند النحاة المتقدمين والمتأخرين (4) , كما في أوائل .
وقد علل النحاة لقلب الواو الأخيرة همزة دون غيرها كالياء مثلاً ؛ بأن الهمزة تشبه حروف المد واللين من حيث كانت تصور بصورتها ، فتكون تارة ألفاً وتارة واواً ، وتارة ياء
علي مذهب أهل الحجاز في التخفيف (5) .
وهذه العلة ليست قوية ؛ لأن فيها هروباً من ثقيل إلي أثقل وهو الهمزة التي هي كالتهوع
(
__________
(1) ... انظر :الكتاب 4/37 ,335 , 336, 383,والمقتضب1/255. ...
(2) ... انظر :الكتاب 4/167, 338 , 382, وشر ح الملوكي صـ 462. ...
(3) ... انظر: شرح الملوكي صـ101 . ...
(4) ... انظر: المقتضب 1/282 ,283,وشرح المفصل 10 /91, وشرح الملوكي صـ486,وشرح الشافية للرضي 3/130,وأوضح المسالك 4/374,وشرح المكود ي على الألفية صـ 334 ,335 ,وعنقود الزواهر صـ30, والهمع 3/427 ,428, والأشموني4/289.
(5) ... اتظر: شرح الملوكي صـ462. ...(1/177)
تكلف إخراج القئ ) مع ما سبق من أن حروف المد واللين أخف الحروف ، بل إن الواو الأخيرة المقلوبة همزة ليست ثقيلة فـ " الواو والياء متى سكن ما قبلهما لم تستثقل عليهما فتحة ولا كسرة وجريا مجري الصحيح " (1) , وربما كان من الأفضل القول بما قاله أحد المحدثين إن " الهمزة تستثقل لكلفة في إخراجها ؛ لأنه كالتهوع – على ما قاله سيبويه ، ولكنها مع ذلك لها جلادة الحروف الصحاح ، وصلابتها ، وهذا يجعلهم أحياناً يفرون من حروف العلة إليها بالقلب عندما يقع أي من تلك الحروف موقعاً يجعله عرضة للضعف والفناء ، أو يحرك فيه بحركة ثقيلة عليه أو يتعذر نطقه فيه " (2) ويؤكد هذا أن سيبويه أجاز القلب ، إن اجتمع حرفا علة وإن كانا ياءين كما في ( عيّل ) و ( عيائل ) ، أو مختلفين كما في ( سيّد ) و ( سيائد ) (3) , وإن خالفه الأخفش (4) ، فإنه لا يري الهمزة إلا في الواوين.
بل إن الأخفش (5) والزجاج (6) أوجبا ترك الهمز إذا اجتمع واوان بينهما ألف ليست ألف الجمع كما في ( عُواور) و ( قُواوم ) علي وزن ( فُواعل ) .
ويتحملون اجتماع الواوين بينهما ألف التكسير إذابعدت عن الطرف,نحو (طاووس) و ( طواويس) (7) .
__________
(1) ... شرح الملوكي صـ394 . ...
(2) ... خصائص اللغة العربية د/ محمد حسن جبل صـ74. ...
(3) ... اتظر: شرح الشافية 3/ 131,والأشموني 4/289. ...
(4) ... انظر رأي الأخفش في : المقتضب 264,وشرح الملوكي صـ 488 ,والتسهيل صـ 301,وشرح
الشافية 3/131, والارتشاف1/260 , والأشموني4/289.
(5) ... انظر رأيه في: الارتشاف 1/260. ...
(6) ... انظر رأي الزجاج في : شرح الشافية 3/134 , والارتشاف 1/260. ...
(7) ... انظر : شرح الشافية 3/102, 127 ,131 , و شرح ابن عقيل 2/551 . ...(1/178)
ويتحملون اجتماع الواوين بهذه الصفة وهي قريبة من الطرف ، في نحو ( عواور ) ، وإن قالوا بوجود ياء مقدرة قبل الطرف جعلتها بعيدة عنه ، والتقدير ( عواوير ) (1) .
أما قلب الواو همزة في نحو ( عجائز ) فإن حرف العلة إذا كان زائداً في المفرد ووقع ثالثاً يقلب بعد ألف التكسير همزة ، سواء أكان حرف العلة ألفاً كما في( رسالة ) و ( رسائل ) ، أو ياءً كما في ( كتيبة ) و ( كتائب ) أو واواً كما في ( عجوزة ) و ( عجائز ) (2) .
وقد شرط النحاة أن تكون المدة زائدة في المفرد , بخلافها في نحو ( أوائل ) ونحو ( معائش) و( منائر ) و ( مصائب ) عندهم شاذ ؛ لأنها أصلية في المفرد (3) .
وأجازالزجاج (4) قلب الهمزة في هذاالباب قياساً، لقراءة ابن كثير:" {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ } (5) بقلب الهمزة في ( شعائر) ياءً . .
__________
(1) ... انظر: المنصف 2/50, وشرح الملولكي صـ389 ,وشرح الشافية 3/131. ...
(2) ... انظر: المنصف 2 /49 و50 , وشرح الملوكي صـ389 , وشر ح الكافية الشافية 4/2085 ,2086, والتصريح2 /369.
(3) ... انظر: المقتضب 1/260 ,261 , وشرح الكافية الشافية 4/ 4208, والارتشاف 1/260, وأوضح المسالك 4/374,وشرح المكودي صـ334,وعنقود الزواهر صـ302 , والأشموني 4/288, 289 .
(4) ... انظر:إعراب القرآن للزجاج 2/ 321 , و شر ح الشافية 3/34. ...
(5) ... سورة البقرة من الآية : 158 , وانظر القراءة في : مختصر الشواذ صـ 18. ...(1/179)
والحق أن القلب في جميع ما سبق في باب ( أوائل ) أو ما كان في ( عجائز ) ونحوه لم يقلب فيه حرف العلة همزة مباشرة ، وإنما قلب ألفاً لتحركه ، وانفتاح ما قبله ، ولم يعتد بالساكن بينهما ؛ لأنه ضعيف ، ثم قلبت الألف همزة لاجتماع ساكنين ، فلا يحذف الأول مع كونه مدة (1) " لئلا يلتبس بناء بناء بل يقلب الثاني إلي حرف قابل للحركة مناسب للألف
، وهو الهمزة لكونهما حلقيين ؛ إذ الأول مدة لاحظ لها في الحركة " (2) .
وفي قلب الواو المتطرفة في نحو ( أوائل ) و ( عجائز ) ، والفرق بينهما ، يقول أبو العلاء تعليقاًً علي بيت ابن أبي حصينة :
قَد سَمِعنا عَنِ الأَوائِلِ قَولاً وَرَأَينا مِنكَ الَّذي قِيلَ فِعلا (3)
" و( الأوائل ) جمع : ( أوَّل ) ، ووزن ( أوََّل): ( أَفْعَل ) ، وإنما جعلت واوه همزة ؛ لأنها كلمة اجتمعت فيها واوان بينهما ألف , وكذلك تفعل العرب بما اجتمعت فيه واوان ، وإذا جمعوا ( أطول ) قالوا : ( الأطاول ) ؛ لأن الكلمة فيها واو واحدة ، والناس ينطقون بالهمزة الثانية في ( أوايل ) ياء خالصة لاستثقالهم الهمزة الثانية بعد الأولى , ومذهب النحويين أن الهمز هو الصواب , وليست هذه الهمزة مشابهة لهمزة ( عجائز )؛ لأن الهمزة في ( أوائل ) منقلبة عن واو أصلية , والهمزة في عجائز منقلبة عن واو زائدة " (4) .
وفي كلام أبي العلاء أمران : الأول : قوله : ووزن ( أوَّل ) : ( أفعل ) ، والثاني : قوله : والناس ينطقون بالهمزة الثانية في ( أوايل ) ياء خالصة .. ومذهب النحويين أن الهمز هو الصواب .
__________
(1) ... انظر: المقتضب 1/261 , وسر الصناعة 1/86 , 93 , والتبصرة والتذكرة 2/813, وشرح الشافية3/127 ,137, 147, وأوضح المسالك 4/3 . ...
(2) ... شرح الشافية 3/137, وراجع : 3/ 147 . ...
(3) ... البيت من بحر الخفيف , وهو في الديوان 1/189. ...
(4) ... شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/ 196 ,197. ...(1/180)
أما قوله : إن وزن ( أوّل ) أفعل ، فهو مذهب البصريين وبعض الكوفيين (1) وتركيبه عند البصريين من ( وول ) أي من واوين ولام ، وهو أفعل تفضيل ، وقولهم ( الأولي ) في تأنيثه : أصله : ( الوولي ) فألزموا الواو الأولي البدل (2) .
قال ابن الخباز : " وهذا تركيب غريب ؛ لأن الفاء والعين وقعتا واوين " (3) ، ومراده بالغرابة هنا : القلة ، لا الاعتراض ؛ لأن اجتماع المثليين في أول الكلمة . وإن كانا صحيحين مستثقل ، فلذلك قل نحو ( ببر ) (4) و ( ددن ) (5) . ووجب قلب أولي الواوين همزة ؛ لأن
الواو أثقل حروف العلة (6) .
وإذا كان أصل تركيبه من ( وول ) كما قالوا ، ثم ( أول ) ، فيقال في التفضيل منه :( أأول ) ثم ( أوّل ) بقلب ثاني الهمزتين واواً ، وإدغامها في الواو .
يقول برجشتراسر(7) :
__________
(1) ... انظر الإملاء للعكبري1/33 , والغرة المخفية لابن الخباز2/726, 727, وشرح الشافية 2/340 ,وشرح ... الكافية 3/460.
(2) ... انظر:الإملاء للعكبري 1/33. ...
(3) ... الغرة المخفية 2/727. ...
(4) ... ( الببر) :حيوان يعادي الأسد كما في المصباح مادة ( ببر) . ...
(5) ... (الددن ): اللهو كما في القاموس مادة ( ددن ) . ...
(6) ... انظر : شرح الشافية 1/76. ...
(7) ... هو: برجستريسر جوتهلف برك شتريزر () Gotthelf Bergstrasser مستشرق ألماني) ،
كان أبوه وجده من قساوسة البرتستانت في مدينة بلون Plauen من أعمال زكسن Sachsen بألمانيا . وولد ( جوتهلف ) ونشأ بها . وتعلم في جامعة ليبزيج Leipzig وأخذ العربية عن آوغست فيشر . وقام برحلة إلى الشرق ، فزار الاناضول وسورية وفلسطين ومصر . وألقى في أوائل الحرب العامة الاولى محاضرات في جامعة الآستانة ، ثم في جامعات ألمانيا ، في العلوم الإسلامية واللغات السامية . ودرس في مدينة ميونيخ إلى أن توفي مترديا من قمة جبل من جبال ( الالب ) في أثناء رحلة رياضية . تنقسم مؤلفاته إلى أربعة أنواع : كتبه عن اللغة العربية وعلم اللغات السامية ، وأبحاث في الارامية ولهجاتها . ومطبوعاته ومصنفاته في الآداب العربية والعلوم الإسلامية ، ومقالاته عن علوم اللغة التركية . ومما نشره بالعربية ( غاية النهاية في طبقات القراء ) , جرى كتاب العربية على تسميته ( برجستريسر ) أو ( برجستراسر ) كما جاء في صدر طبقات القراء . ويلفظها الألمان ( برك شتريزر ) بكسر الباء وسكون الراء والكاف ، ثم شين وتاء ساكنتين فراء مكسورة فزاي مفتوحة بعدها راء ، وألقى محاضرات بالعربية في الجامعة المصرية ( سنة 1930 و 1932 م ) عن تطور النحو في اللغة العربية ثم عن اللهجات العامية في الموصل . وتولى رئاسة تحرير المجلة الالمانية للعلوم السامية Philologie ( und Linguistik Beitragezurse انظر ترجمته في : الأعلام - خيرالدين الزركلي 2 / 143.(1/181)
" ومثال شاذ من هذ النوع ، كلمة : ( أوَّل ) كان يلزم أن تكون
( أأول ) علي وزن : ( أفعل ) كما أن المؤنث : ( أولي ) علي وزن : ( فُعلي ) و ( أأول ) لم تصر( آول ) كما أن ( أأوٍ ) صارت : ( آوٍ ) بل عوضوا عن المد الحركة بتشديد الحرف بعدها ، فصارت الكلمة : ( أوّل ) (1) .
ولذا ذهب بعضهم إلي أن تركيبه كالسابق تماماً إلا أن الهمزة الثانية لم تقلب واواً وإنما أخرت إلي ما بعد الواو ، فصارت : ( أوأل ) ثم قلبت الهمزة الثانية واواً وأدغمت في الواو ، ووزنها على هذا ( أعفل ) (2) .
قال ابن الخباز : " وأفسد أصحابنا القولين ؛ بأن تخفيف الهمزة لا يكون هكذا " (3) .
ومن قال بهذا الرأي ، فينبغي أن تكون الهمزة في ( أوائل ) جمع ( أول ) ليست منقلبة عن واو لوقوعها ثاني حرفين لينين بينهما ألف التكسير ، وإنما الهمزة علي مذهبه تكون أصلية ، وقد رجعت إلي أصلها بعد أن قلبت واواً في المفرد ؛ لأن الجموع ترد الأشياء إلي أصولها .
ومثل هذا ينبغي أن يقال فيمن ذهب إلي أن تركيبه من ( وأل ) أي ( نجا ) ؛ لأن النجاة في السبق وأصله في قولهم : ( أوأل ) ثم ( أوّل) (4) .
أما من قال إن تركيبه من( آل ) أي : ( رجع ) ؛ لأن كل شيء يرجع إلي أوله ، وأصله علي قولهم هذا :( أأول ) ، ثم ( أوّل ) بقلب الهمزة واواًَ وإدغامها في الواو وهو كأول المذاهب تماماً ، إلا أن الفرق بينهما في الاشتقاق , فالرأي الأول علي انه مشتق من ( وول ) ، والأخير علي أنه مشتق من ( أول ) ، فهو أفعل بمعني ( مفعول ) كـ ( أشهر ) و ( أحمر ) ، فقلبت في الوجهين الهمزة قلباً شاذاً (5) .
__________
(1) ... التطور النحوي لبرجشتراسر صـ40. ...
(2) ... انظر: الإملاء للعكبري 1/34. ...
(3) ... الغرة المخفية 2/727. ...
(4) ... انظر: الغرة المخفية 2/726 , وشرح الكافية 3/460 . ...
(5) ... نظر : شرح الكافية 3/460 . ...(1/182)
هذا , وقد ذهب بعض الكوفيين إلي أن ( أول ) ليس أفعل تفضيل ، وإنما تركيبه من :
( وأل ) فقلبت الهمزة إلي موضع الفاء ، وزنه عندهم : ( فوْعَل ) (1) .
وقال بعضهم هو ( فوْعَل ) لكن تركيبه من ( وول ) فقلبت الأولي همزة وتصريفه كتصريف أفعل التفضيل (2) .
قال الرضي في هذا : " واستعماله بـ ( من ) مبطل لكونه :( فوْعَلاً ) و أما قولهم : ( أوّلة )
و ( أوّلتان ) فمن كلام العوام وليس بصحيح " (3) .
وقد استشعر ابن جني احتمالية هذه التقديرات ,فقال رادَّاً علي من ذهب إلي أنه من( وأل ) أو من ( وول ) : " والقياس يُحظَّر أن يجوز فيه شيء من هذين المذهبين ؛ لأنه لو كان في الأصل : ( أوأل ) لجاز أن يجيء علي أصله ، ولم نسمعهم نطقوا به هكذا " (4) .
والمسموع بخلاف ما ذكره ابن جني ، قال الخليل عن مذهب البصريين والكوفيين : " ولكل حجة ، قال في وصف الثور والكلاب : * جَهام تَحُثُّ الوائلاتِ أَواخِرُهْ * (5)
قال: ورواه أَبو الدُّقَيش (6) :
__________
(1) ... السابق نفسه :3/460. ...
(2) ... السابق نفسه :3/460 ... .
(3) ... شرح الكافية 3/460 , وانظر : المنصف 2/201. ...
(4) ... المنصف 2/202. ...
(5) ... الرجز ورد غير منسوب في العين و التهذيب , تحت الجذر ( أول ) . ...
(6) ... هو : أبو الدقيش الأعرابي. كان أفصح الناس. حدث الأخفش قال: قال الخليل: دخلنا علىأبي الدقيش الأعرابي نعوده فقلت له: كيف تجدك؟ فقال: أجد ما لا أشتهي ، و أشتهي ما لا أجد،ولقد أصبحت في زمان سوء، من جاد لم يجد ومن وجد لم يجد. قلت: فما الدقيش؟
قال: لا أدري. قلت: فاكتنيت به ولا تدري ما هو؟ قال: إنما الأسماء والكنى علامات.أخذ عنه أعيان أهل العلم كأبي عبيدة ويونس والأصمعي والخليل بن أحمد. قال أبوعبيدة: الدقش دويبة رقطاء أصغر من العظاءة والدقش شبيه بالنقش.انظر ترجمته في : المزهر 2/318 , و الأعراب الرواة , د/ عبد الحميد الشلقامي صـ 191 .(1/183)
الأَوَّلاتِ؛ قال: والأَول والأُولى بمنزلة أَفعَل وفُعْلى، قال: وجمع أَوَّل :أَوَّلون وجمع أُولى أُولَيات" (1) .
الثاني في كلام أبي العلاء : تخطئة بعض النحويين لكلام العامة : ( أوايل ) في ( أوائل ) .
تخطئة النحاة لقول العامة ( أوايل ) بدلاً من ( أوائل ) قد لا تكون صواباً فإن قوماً من
النحاة أجازوا قلب الهمزة ياءً مطلقاً كما في : ( قريت ) و ( توضيت ) (2) وسبق أن الزجاج أجاز قلب الهمزة ياءً في باب ( عجائز ) و شبهه ، وقد صوّب ابن هشام اللخمي قول العامة ( قريت ) في ( قرأت ) ، قال : وقد حكي الأخفش ما يقوي قول أبي زيد ، ويشهد له (3) ،ذكر أن من العرب من يترك الهمز في كل ما يهمز ، إلا أن تكون الهمزة مبدوءً بها "(4) .
وقال ابن السيد:" وقد روي أن من العرب من يسهل الهمزات كيفما كانت إلا ما لم يمكن
تسهيله " (5) .
* * *
ثانياً : تخفيف همزتين في أول الكلمة كلتاهما مفتوح .
ما سبق من الحديث كان عن تخفيف الهمزة المفردة ، أما تخفيف الهمزتين المجتمعتين في كلمة ، فله أحوال ذكرها النحاة ، وتناولها أبو العلاء في شرحه علي ديوان ابن أبي حصينة في حالة واحدة ، وهي حال الهمزتين إذا وقعتا في أول الكلمة وكلتاهما مفتوح .
وإذا كانت العرب تفر من تحقيق الهمزة المفردة علي ما سبق بيانه ، فلئن تفر من اجتماع
__________
(1) ... اللسان , مادة ( وأل ) . ...
(2) ... انظر :المقتضب 1/302, وجعله ابن جني شاذاً. انظر:الخصائص3/154, والمحتسب 1/67
,وكذلك ابن خالويه , انظر : إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم صـ150,و انظر كذالك : معاني القرآن للأخفش1/335.
(3) ... سمع أبو عمرو الشيباني أبا زيد يقول :من العرب من يقول (قريت ) في معنى : ( قرأت )اانظر المحتسب 1/67 ,والمدخل إلى تقويم اللسان لإبن هشام اللخمي صـ86. ...
(4) ... المدخل إلى تقويم اللسان صـ86. ...
(5) ... إصلاح الخلل صـ331. ...(1/184)
همزتين في كلمة واحدة أولي ؛ " لأن الهمزة حرف ينطق به كأنه ( سعلة ) فاستصعب
تحقيقه ، وكثر تخفيفه مفرداً بإبدال أو تسهيل ونقل لحركته مع الحذف ، فإذا التقت همزتان تضاعف الاستثقال ، وتأكد داعي التخفيف ، فإن كانتا في كلمة ازداد داعي التخفيف قوة ، وصار الجواز وجوباً " (1) .
والتخفيف هنا يكون بإبدال الهمزة واواًً (2) ؛ لأنها أولي الحروف بقلب الهمزة إليها لمساواتها لها في عدم الخفة والخفاء ، بخلاف الألف والياء , وهذا في تعليل ابن مالك ، ولذلك أبدلت الهمزة واواً دون وجود حركة مجانسة موجودة ولا مقدرة كما يقول (3) وذلك في نحو( أوادم ) جمع ( آدم ) وأصله : ( أآدم ) فقلبت الهمزة الثانية واواً في الجمع ، وهذا القلب في ( أوادم ) ونحوه اتفاق بينهم ، وفي هذا يقول أبو العلاء تعليقاًً علي بيت ابن أبي حصينة : َغرقُ الشَمسُ في أَواذِيّها الغُر ر وَتَرمي شَرارَها الرَمضاءُ (4)
" و( الأواذي ) جمع ( آذي ) ، وهو الموج (5) ، وأصله علي رأي النحويين ( فاعول )
، كأنه ( آذوى ) ، فقلبت الواو ياء كما جرت العادة في الواو الساكنة إذا وقعت بعدها الياء (6) وأصل الجميع ( أأذي ) بهمزتين لكنهم أبدلوا من الهمزة الثانية واواً كما فعلوه في جمع ( آخر ) ؛ إذ قلت ( أواخر ) , و( آدم ) إذا قلت ( أوادم ) " (7) .
__________
(1) ... شرح الكافية الشافية 4/2094. ...
(2) ... انظر: المرجع السابق4 /2094 ,وابن الناظم صـ844, وأوضح المسالك4/384 . ...
(3) ... انظر: شرح الكافية الشافية 4/2094. ...
(4) ... البيت من بحر الخفيف , وهو في الديوان 1/127. ...
(5) ... في اللسان , مادة ( أذي ) : " الآذيُّ: المَوْجُ " .
(6) ... أي لاجتماع واو وياء في كلمة وسبق أحدهما بالسكون ,وقد سبق الكلام عليها صـ347 . ...
(7) ... شرح د يوان ابن ابي حصينة 2/131. ...(1/185)
وإذا كان النحويون متفقين على وجوب القلب واواً فيما سبق ، فقد اختلف معهم المازني(1) في تقدير القلب (2) ، فالجمهور علي أن هذه الواو مقلوبة عن الهمزة ، فأصل ( أوادم ) عندهم( أآدم ) ، وأصل( أويدم ) ، ( أأيدم ) . واختار هذا الرأي أبو العلاء ، كما سبق في كلامه : " وأصل الجميع ( أأذي ) بهمزتين لكنهم أبدلوا من الهمزة الثانية واواًُ كما فعلوه في جمع( آخر ) إذا قلت ( أواخر ) و ( آدم ) إذا قلت ( أوادم ) ".
أما المازني فيجعل الواو في الجمع والمصغر منقلبة عن الألف التي في المفرد والمكبر المنقلبة عن الهمزة ، فالجمهور يجعل القلب عن الهمزة , والمازني يجعل القلب عن الألف التي قُلبت إليها الهمزة ، فكما قلبوا الألف التي في نحو ، ( شاعر ) واواً في الجمع فقالوا : ( شوا عر ) قلبوا الألف التي في ( آدم ) واواً فقالوا : ( أوادم ) ، وإذا صغروا قلبوا تلك الألف واواً لضم ما قبلها , فقالوا : ( أويدم ) .
وقد رجح بعض المحدثين مذهب الجمهور بوجهين ، الأول : أن الجمع والتصغير يردان الأشياء إلي أصولهما ما لم يمنع من ذلك مانع , والثاني : أن قلب الهمزة ألفاً في ( آدم ) قد زال مقتضيه في ( أوادم ) و ( أويدم ) فلا سبيل إلي ادعاء أن هذه الواو منقلبة عن الألف لا عن الهمزة (3) .
__________
(1) ... انظر رأيه في : شرح الشافية 3/56 ,57, والأشموني 4/299. ...
(2) ... انظر: حاشية شرح الشافية 3/57 . ...
(3) ... انظر : السابق نفسه 3/57. ...(1/186)
ويظهر أثر الخلاف بين الجمهور والمازني في القياس علي ما لم يسمع من العرب ، فإنهم إذا أرادوا بناء أفعل التفضيل من ( أنّ ) بمعني ( تألم ) قالوا فيه: ( أونّ ) ،والأصل( أأن ) . أما المازني فيقول فيه: ( أينّ ) ، والقياس (1) عنده أقوي من الجمهور؛ لأن حق الهمزة فيه إذا سهلت أن تسهل بين الهمزة والألف علي ما سبق بيانه ، وهو هنا محال ؛ لأن قلب الهمزة المتحركة ألفاً لا يكون ، فوجب قلبها لاجتماع همزتين : إما إلي الياء أو إلي الواو , والياء أخف فقلبها إليه . وقلب الهمزة ياء ، وإن كان علي غير قياس أجازه بعض النحويين ، وهو لغة لبعض العرب كماسبق.
الفصل الخامس
في التقاء المثلين , و يشتمل على :
أولا: التخفيف بالإدغام. ... 411 ـ416
ثانياً :التخفيف بالحذف . ... 416 ـ 419
ثالثاً : التخفيف بالإبدال ياءً ... 424
(2)
__________
(1) ... انظر : شرح الشافية 3/56 ,57 , والأشموني 4/299. ...
(2)
تخفيف ياء النسب ... 421 ـ 424
تخفيف الياء فى النسبة إلى (اليمن) و(الشام) و( تهامة) ... 424
النسبة إلى ( اليمن) و ( الشأم) ... 425ـ 429
النسب إلى تهامة ... 429ـ 430
تخفيف الياء فى النسب إلى (الدو) ... 430ـ433
$%&
اسم الفاعل ... 435ـ 436
زمن اسم الفاعل والصفة المشبهة. ... 436ـ 438
اسم المفعول ... 439
مخالفة كل من اسمى الفاعل والمفعول للقياس . ... 439ـ 448
الفرق بين( فََعِيل ) و(فُعَال) و(فُعَّال) فى المبالغة. ... 449ـ 452
اسم المرة على وزن (فِعْلة). ... 453 ـ 454
$%&
اسم الفاعل
هو الصفة الدالة على فاعل جارية فى التذكير والتأنيث على المضارع $%& ( ) ... انظر: التسهيل لابن مالك صـ136, والأشمونى 2/292. والكوفيون يسمون اسم الفاعل بالفعل الدائم. انظر: معانى القرآن للفراء 2/43, 222؛ ومجالس العلماء للزجاجى صـ318.(1/187)
وهو مقيس من الثلاثى على وزن ( فاعل) فى كل فعل على وزن ( فَعَلَ) متعدياً كان أو لازماً, نحو ( ضَََرب فهو ضارب) و( ذهب فهو ذاهب) , وإن كان الفعل على وزن ( فَعِل) بكسر العين فإن كان متعدياً فقياسه أيضاً أن يأتى اسم الفاعل على (فاعل) نحو ( ركب ) فهو ( راكب ) , وإن كان لازماً فلا يقال فى اسم الفاعل منه ( فاعل) إلا سماعاً(1) نحو ( أمِن فهو آمن) و( سِلم فهو سالم) بل قياس اسم الفاعل منه أن يكون على ( فَعِل) فى الأعراض نحو ( فَرِح فهو فَرِح) و( نضر فهو نضر) (2) ويأتى أيضا على ( فعيل) نحو ( حزن فهو حزين) (3)
__________
(1) ... انظر: شرح ابن الناظم صـ440, والمصباح المنير (خاتمة) صـ355, وحاشية الخضرى 2/33.
(2) ... ومنه (حاذر) و(فارح) و(نادم) . انظر: المصباح المنير (خاتمة) صـ355. وفي الصحاح , مادة ( نضر ) : ".النَضْرَةُ: الحسنُ والرونقُ. وقد نَضَرَ وجهه يَنْضُرُ نَضْرَةً، أي حَسُنَ. ونَضَرَ الله وجهه، يتعدَّى ولا يتعدَّى. ويقال نَضُرَ بالضم نَضارَةً. وفيه لغةٌ ثالثة: نَضِرَ بالكسر. ويقال: نَضَّرَ الله وجهه بالتشديد، وأَنْضَرَ الله وجهه، بمعنًى ".
(3) ... في العين, تحت الجذر ( حزن ) : " الحُزْن والحَزَن، لغتان إذا ثقّلوا فتحوا، وإذا ضحّوا خفّفوا، يقال: أصابه حَزَنٌ شديدٌ، وحُزْنٌ شديد، ويقال: حَزَنَني الأمرُ يَحْزُنُني فأنا محزون وأحزنني فأنا مُحْزَنٌ، وهو مُحْزِنٌ لغتان أيضاً، ولا يقال حازن" . وفي الصحاح , مادة ( حزن ) : " الحُزْنُ والحَزَنُ: خلاف السرور. وحَزِنَ الرجل بالكسر فهو حَزِنٌ وَحَزينٌ. وأحَزْنَهُ غيره وحَزَنَهُ أيضاً. ومحزونٌ بُنيَ عليه. وقال اليزيدي: حَزَنَهُ لغة قريش، وأَحْزَنَهُ لغة تميم" .. لكن صاحب المحيط أجاز أن يقال ( حازن ),.قال في مادة ( حزن ) : " الحُزْنُ والحَزَنُ: مَعْرُوفان، حَزْنَني يَحْزُنُني حُزْناً، فأنا مَحْزُوْنٌ، وهو حازِنٌ" ..(1/188)
و( سعِد فهو سعيد) (1) , وفى الأخير يقول أبو العلاء تعليقاًً على بيت ابن أبى حصينة:
فَاسعَد بِهِ فَسَعادَةُ الدنيا وَمَن فِيها إِذا ما كُنتَ أَنتَ سَعيدا (2)
" يقال ( سَعِد الرجل يسعد) فهو ( سعيد) ولم يجاوزوا ذلك, كما قالوا ( راحم ورحيم) (3) , وإنما منعهم أن يقولوا: ( ساعد) فى معنى ( سعيد ) أنه غير متعد فأشبه ( فعُل) الذى يجئ اسم فاعله على ( فعيل) مثل ( كرُم فهو كريم ) (4) و( ظرُف فهو ظريف )" (5) .
وكلام أبى العلاء على سبيل الغالب لا الواجب ؛ لأنه قد يأتى اسم الفاعل من الثلاثى على وزن ( فعُل ) قليلاً نحو: ( حمُض فهو حامض ) (6)
__________
(1) ... في التاج , مادة ( سعد ) : " قد سعِدَ كعَلِمَ وعُنِيَ سَعْداً وسَعَادَة فهو سَعِيدٌ، نقيضُ شَقِيٍّ مثل سَلِمَ فهو سَلِيم وسُعِد بالضم سَعَادة، فهو مَسْعُودٌ والجمع سُعَداءُ والأُنثَى بالهاءِ. قال الأَزهريُّ: وجائزٌ أَن يكون سَعيدٌ بمعنَى مَسعودٍ، من سَعَدَه اللهُ، ويجوز أَن يكونَ من سَعِد يَسْعَد، فهو سَعِيدٌ. وقد سَعَده الله، وأَسْعَده اللهُ، فهو مَسْعُود وسَعِدَ" .
(2) ... البيت من بحرا لكامل, وهو فى الديوان 1/244.
(3) ... انظر: شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/28, 248.
(4) ... في الصحاح مادة ( كرم ) : " الكَرَمُ: ضدُّ اللؤم. وقد كَرُمَ الرجل بالضم فهو كَريمٌ" .
(5) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/250, 251.
(6) ... هكذا قالوا , والذي في التاج , مادة ( حمض ) أنها مثلثة العين , قال : " ". "وقد حَمضَ ككَرُمَ، وجَعَلَ، وفَرِحَ"، الأُولَى عن اللِّحْيَانِيّ ونَقَلَ الجَوْهَرِيّ هذه وحَمَضَ من حَدِّ نَصَر، حَمِضَ "كفَرِحَ في اللَّبَنِ خاصَّةً حَمَضاً"، مُحَرَّكَةً، وهو في الصّحاح بالفَتْح " .(1/189)
و( فرُه فهو فاره ) (1) ..وجميع هذه الصفات التى ليست على ( فاعل ) صفات مشبهة إن قصد بها الثبوت, وإطلاق اسم الفاعل عليها مجازفىالاصطلاح الشائع, فإن قصد بها الحدوث والتجدد كانت أسماء فاعلين"(2) .
وقد ذكر النحاة(3) أن بين اسم الفاعل والصفة المشبهة فروقاً, لعل أهمها "أن اسم الفاعل يصاغ من المتعدى والقاصر أى اللازم كـ( ضارب) و( قائم) و( مستخرج) و( مستكبر) , والصفة المشبهة لا تصاغ إلا من القاصر كـ( حَسَن) و( جميل) وأن اسم الفاعل يكون للأزمنة(4) الثلاثة والصفة لا تكون إلا للحاضر أى الماضى المتصل بالزمن الحاضر"(5) .
زمن اسم الفاعل والصفة المشبهة.
__________
(1) ... انظر: شرح ابن الناظم صـ441, والأشمونى 2/313. وفي الصحاح , مادة ( فره) : " الفارِهُ: الحاذِقُ بالشيء. وقد فَرُهَ بالضم يَفْرُهُ فهو فارِهٌ، وهو نادرٌ مثل حامِضٍ، وقياسه فَريهٌ وحَميضٌ. ...وقوله تعالى: "وتَنْحِتونَ من الجبالِ بُيوتاً فَرِهينَ" فمن قرأه: "فارِهينَ" فهو من فَرُهَ بالضم" .
(2) ... اسم الفاعل بين النحويين والصرفيين, القاعدة والأداء د/ محمد عبد الله سعادة, بحث منشور بمجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية العدد التاسع صـ179, 180.
(3) ... انظر هذه الفروق فى: شرح الكافية لابن القواس . رسالة دكتوراه . مخطوطة. تح د/ زيان أحمد الحاج ورقة649 ,0 65, وراجع أيضاً : مغنى اللبيب صـ437- 442.
(4) ... انظر: ليس لابن خالويه صـ129, وشرح الكافية لابن القواس ورقة649, والأشباه والنظائر 2/252 , ومعانى الأبنية فى العربية د/ فاضل صالح السامرائى صـ50- 52.
(5) ... فن التصريف د/ محمد يسرى زعير صـ84.(1/190)
اسم الفاعل صالح للأزمنة الثلاثة كما سبق أما الصفة المشبهة فلا تكون إلا للحاضر, هكذا ذكر النحاة, وعليه قالوا: "والحاصل من ذلك أنك إذا أردت ثبوت الوصف قلت: (حسن) ولا تقول ( حاسن) وإن أردت حدوثه قلت ( حاسن) ولا تقول ( حسن) (1) قال ابن الناظم : " ولو قصد بالصفة المشبهة معنى الحدوث حولت إلى بناء اسم الفاعل , واستعملت استعماله , كقولك : زيد فارح أمس وجازع غداً)" (2) ويفهم من كلام ابن الناظم أنه لا يجوز أن يقال: ( زيد فِرح أمس وجِزع غداً) ؛ لأن قصد الحدوث يكون فى اسم الفاعل , وقصد الثبوت يكون فى الصفة المشبهة . وهو فى هذا تابع للفراء الذى يقول: "العرب تقول لمن لم يمت : ( إنك ميِّت عن قليل ومائت) , ولا يقولون للميت الذى قد مات : ( هذا مائت) إنما يقال فى الاستقبال, ولا يجاوز به الاستقبال . وكذلك يقال: ( هذا سيد قومه اليوم ) فإذا أخبرت أنه يكون سيدهم عن قليل قلت: ( هذا سائد قومه عن قليل وسيِّد) وكذلك الطمع, تقول: ( هو طامع فيما قبلك غداً) فإذا وصفته بالطمع قلت : هو (طمِع) وكذلك الشريف , تقول: ( إنه لشريف قومه ) و(هو شارف عن قليل) وهذا الباب كله فى العربية على ما وصفت لك"(3) .
وهذا الذى ذكره الفراء وغيره رفضه أبو العلاء , فقال تعليقاًً على قول ابن أبى حصينة :
ما كُلُّ مَن وَرِثَ المَكارِمَ قائِمٌ فَيها وَلا كُلُّ ابنِ فَحلٍ سَيِّدُ (4)
__________
(1) ... انظر: ابن يعيش 6/82, 83, والتسهيل صـ141, وشرح الكافية لابن القواس ورقة636, 649, وابن الناظم صـ444, وشرح الكافية للرضى 3/431, 432, والتصريح 2/82, وحاشية الصبان 2/314, 3/3.
(2) ... شرح ابن الناظم صـ444.
(3) ... معانى القرآن للفراء 2/232, وراجع : المصدر نفسه 2/80, والمصباح المنير0 (خاتمة) صـ355, وأزاهير الفصحى صـ369.
(4) ... البيت من بحرالكامل , وهو فى الديوان 1/204.(1/191)
"قال الفراء : يقال فلان ( ميِّت ) إذا نزل به الموت و( مائت) أى يموت بعد, وهذا يذكر والحقيقة سواه؛ لأن القرآن لجأ لغير ذلك كقوله تعالى: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ "(1) وهم لم يموتوا بعد, (2)وينشد بيتاً ينسب لقيس بن الخطيم
أَبلِغ سويداً أَنَّني مَيِّتٌ كُلُّ اِمرِئٍ ذي حَسَبٍ مائِتُ (3)
ويجب أن يقال فلان سائد اليوم وسائد غداً؛ لأن اسم الفاعل للأزمنة الثلاثة الماضى والحاضر والمستقبل, ويجوز أن يوضع ( سيَّد) موضع ( سائد) فيقال: فلان ( سيد أمس ) وهو ( سيد الساعة ) و( هو سيد غداً )" (4) .
والذى ذهب إليه أبو العلاء ذهب إليه الرضى فهو الذى يقول: "والذى أرى أن الصفة المشبهة كما أنها موضوعة للحدوث فى زمان ليست أيضاً موضوعة للاستمرار فى جميع الأزمنة؛ لأن الحدوث والاستمرار قيدان فى الصفة ولا دليل فيها عليهما , فليس معنى ( حسن) فى الوضع إلا ( ذو حسن) سواء كان فى بعض الأزمنة , أو جميع الأزمنة"(5) .
__________
(1) ... سورة الزمر الآية :30.
(2) ... يقول أستاذي الأستاذ الدكتور إبراهيم الإسناوي في بحثه ( قراءة ابن أبي عبلة وأثرها في الدرس النحوي ) , صـ 109 : " ويحمل على هذا ما قرأ به ابن أبي عبلة في قوله تعالى " ثم إنكم بعد ذلك لميتون " حيث قرأ هو وغيره " مائتون" والفرق بين القرائتين أن الميت يدل على الثبوت والاستقرار والمائت يدل على الحدوث , كضيق و ضائق , فيقال لمن سيموت : ميت ومائت , ولمن مات ميت فقط دون مائت لاستقرار الصفة وثبوتها . وبهذ يكون قد وافق الفراء في كلامه , وخالف رأي أبي العلاء والرضي وغيرهما , كما سيأتي .
(3) ... البيت من بحرالسريع , وهو فى ديوان قيس ابن الخطيم صـ211,والبيت في الديوان برواية ( أبلغ خداشاً) .
(4) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/220, 221.
(5) ... شرح الكافية 3/431.(1/192)
وكما أن الصفة المشبهة لا تدل على الثبوت دائماً فكذلك اسم الفاعل لا يدل على الحدوث دائماً فـ"كثيرا ما يستعمل اسم الفاعل من غير مادة التجدد والحدوث, كما فى (الله عالم) وغير ذلك"(1) وهو عند البيانيين يدل على الثبوت لا على الحدوث, يقول عبد القاهر الجرجانى : "فإذا قلت زيد منطلق فقد أثبت الانطلاق فعلاً له من غير أن تجعله يتجدد, ويحدث منه شيئاً فشيئاً, بل يكون المعنى فيه كالمعنى فى قولك ( زيد طويل وعمرو قصير) " (2) .
وقال أبو حيان : "المضارع فيما ذكر البيانييون مشعر بالتجديد والحدوث بخلاف اسم الفاعل" (3).
والحقيقة كما يقول بعض الباحثين أنه "لا تناقض بين القولين وإنما يقع اسم الفاعل وسطاً بين الفعل والصفة المشبهة"(4) فهو بالنسبة إلى المضارع يدل على الثبوت , وبالنسبة إلى الصفة المشبهة يدل على الحدوث.
وعلى هذا الفهم رفض بعض المحدثين(5) قول بعض النحويين بتحويل الصيغة إلى وزن (فاعل) إذا أريد الدلالة على الحدوث, أو بتحويلها إلى وزن من أوزان الصفة المشبهة إذا أريد الدلالة على الثبوت يقول: "لأن المنهج الذى ننهجه هو أن المعنى يقرر مصير اللفظ ويحدد نوعه, فما دام الوصف هنا غير ثابت ولا دائم فإن اللفظ يكون اسم فاعل"(6) .
__________
(1) ... حاشية يس على شرح القطر للفاكهى 2/196.
(2) ... دلائل الإعجاز صـ174.
(3) ... البحر المحيط 1/ 69 .
(4) ... معانى الأبنية فى العربية صـ47.
(5) ... هو الدكتور محمد يسرى زعير فى كتابه فن التصريف صـ82.
(6) ... فن التصريف صـ81.(1/193)
ومقتضى ذلك أنها تكون اسم فاعل دون تغيير لبنائها, فتحويلها إلى فاعل ليس بواجب"(1) ولهذا رجح رأى الرضى قال: ومن هنا فإننا نرجح رأى الرضى؛ لأنه يتفق مع المنهج السائد لدى جميع العلماء فى أن الكلمة الواحدة صالحة للحدث المتجدد والثابت, ولأنه يعطى الحجة البالغة على مرونة اللغة العربية فى استعمال كلماتها, فالكلمة ليست وقفاً على معنى معين لا تخرج عنه, بل هى صالحة لكل ما يراد بها , ولأنه يثبت للعقل دوره فى إدراك المعانى المختلفة من الكلمة الواحدة التى تستعمل فى مقامات متعددة"(2) .
وبهذا الفهم يتبين صواب كلام أبى العلاء فى التسوية بين ( سِّيد) و( سائد) فى الزمن فيجوز عليه أن يقال ( فلان سِّيد أو سائد أمس والساعة وغداً ) (3) .
ومع صواب هذا الرأى فالظاهر أن الصفة المشبهة على أقسام(4) منها ما يفيد الثبوت والاستمرار نحو ( أبكم) و( أصم) و( أبيض ) و( أسود) , ومنها ما يفيد التجدد والحدوث نحو ( غضبان) و( طمعان) , فهذا يجوز فيه على رأى أبى العلاء أن يقال ( غضبان أمس أو اليوم أو غداً) وكذلك عطشان, كما يجوز أن يقال فيهما بوزن ( فاعل) فيقال ( غاضب أو طامع الأمس أو اليوم أو غداً ) .
اسم المفعول
هو ما دل على الحدث والحدوث وذات المفعول , كـ( مقتول) , و( مأمور)(5) " ويصاغ قياساً من الثلاثى على وزن ( مفعول) ومن غيره بزيادة الميم المضمومة مكان حرف المضارعة لقربها من الواو فى المخرج تلك التى زيدت بعد عين الكلمة, غير أن الميم أقوى فى الدلالة على (مفعول) منها, لوجود الميم فى غير هذه الصيغة التى للثلاثى"(6) , فيقال : ( الكتاب مقروء ) , و( الدخل محدود ) وهكذا.
__________
(1) ... السابق نفسه صـ82.
(2) ... فن التصريف صـ85.
(3) ... انظر: شرح ديوان ابن أبى حصينة صـ221.
(4) ... انظر: معانى الأبنية فى العربية صـ77.
(5) ... انظر: معانى الأبنية صـ59.
(6) ... تصريف الأسماء د/ بدوى المختون صـ69.(1/194)
ويصاغ من غير الثلاثى على زنة مضارعه بميم مضمومة مكان حرف المضارعة , وفتح ما قبل الآخر"(1) .
وقد ناب عن مفعول فى الدلالة على معناه ( فعيل) –سماعاً- نحو: ( حبيب) و( أسير) و ( ذبيح) , وقيل ينقاس ذلك فيما ليس له ( فعيل بمعنى فاعل) كـ(قتيل) و(جريح) بخلاف غيره(2).
ومن هذا ( عميد الحب) فهو معدول كما يقول أبو العلاء عن ( معمود) (3) وكذلك ( نُحِىِّ) بمعنى ( منحو) (4) و( شجىِّ ) بمعنى ( مشجو) (5) .
والفرق بين الوصف بـ( فعيل بمعنى مفعول) ووزن ( مفعول) أن الأول وصف قد وقع على صاحبه بحيث أصبح سجية له أو كالسجية , ثابتاً أو كالثابت , فتقول: (هو محمود) و(هو حميد) و( حميد) أبلغ من ( محمود) (6) وجاء فى الكليات "( الحميد) : (فعيل) من الحمد بمعنى 0محمود) وأبلغ منه, وهو من حصل له صفات الحمد أكملها"(7) .
ويرى بعض الباحثين أن ما قيل فيه بالنيابة عن صيغة (مفعول) كـ(فعيل) ليس صواباً , يقول: "لا حاجة بنا إلى الربط بين اسم الفاعل والفعل, ولا بين اسم المفعول والفعل إلا من زاوية واحدة, وهى وجود المادة الأصلية فى كل منها , ومن ثم يجوز لنا أن نقول: كل صيغة فهم منها ذات يقع عليها حدث فهى اسم مفعول"(8) .
وسيأتى بعد قليل تفصيل رأيه هذا.
مخالفة كل من اسمى الفاعل والمفعول للقياس .
سبق أن اسم الفاعل من الثلاثى يأتى على وزن ( فاعل) ومن غير الثلاثى على وزن
المضارع بإبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة وكسر ما قبل الآخر, أما اسم المفعول فيأتى من الثلاثى على وزن مفعول ومن غير الثلاثى كاسم الفاعل, لكن بفتح ما قبل الآخر.
__________
(1) ... انظر: شرح الكافية لابن القواس ورقة 636.
(2) ... انظر: الأشمونى 2/316.
(3) ... انظر: شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/154.
(4) ... انظر: السابق نفسه صـ179.
(5) ... انظر: السابق نفسه صـ245.
(6) ... معاني الأبنية صـ61.
(7) ... الكليات للكفوى صـ365 .
(8) ... فن التصريف د/ محمد يسري زعير صـ97.(1/195)
وقد جاء كلٌُُ من اسمى الفاعل والمفعول مخالفاً لما سبق , فجاء اسم الفاعل والمفعول من غير الثلاثى على وزن ما يستحقه الثلاثى منهما, وهو ( فاعل) و( مفعول ).
فمن مجئ اسم الفاعل من غير الثلاثى على وزن ( فاعل) قولهم(1) : ( أعشب المكان فهو عاشب, وأورس النبت فهو وارس, وأيفع الغلام فهو يافع(2), وأمحل البلد فهو ماحل, وأغضى الرجل فهو غاضٍٍ, وأبقلت الأرض فهى باقل, وأقرب القوم(3) وإذا كانت إبلهم قوارب فهم قاربون, ولا يقال مقربون, واستودقت الأتان(4) وأودقت فهى وادق, إذا اشتهت الفحل , ولم يقولوا : مودق ولا مستودق وأعطت فهى عاطية اسم لكرمة(5) , وأشوى السعف وهذه سعفة شاوية وأحنط فهو حانط ).
وقد يكون من هذا ( أفلح فهو فالح) , وفيه يقول أبو العلاء تعليقاًً على قول ابن أبى حصينة:
هُمُ تَوَّجُوني العِزَّ في كُلِّ بَلدَةٍ وَمِن فَضل ما قَد أَنعَمُوا أَنا فالِحُ (6)
..و( فالح ) فى معنى ( مُفْلِح ) قليل فى الاستعمال , ولكنه يحمل على ( لابن) و( تامر ) (7) .
__________
(1) ... انظر: ليس لابن خالويه صـ54, وشرح المفضليات للأنبارى صـ855, والخصائص2/218,
والمزهر2/82, والمصباح المنير (خاتمة) صـ355, وأزاهير الفصحى صـ368, 369, والسماع والقياس لتيمور صـ41, والتنبيهات صـ300- 303.
(2) ... في الغريب المصنف 1/383: " قال الكسائي : يقال : ( أيفع الغلام , فهو يافع ), وهو على غير
القياس , والقياس : ( موفع ) .
(3) ... انظر: أمالى القالى 2/243, وراجع المزاهر 2/76, والخزانة 9/275, وفى 5/276: "وقد سمع ثلاثيه, فلا شذوذ".
(4) ... انظر: المزهر 2/88.
(5) ... انظر هذه الكلمات وما بعدها فى : السماع والقياس لـ تيمور صـ41.
(6) ... البيت من بحرالطويل , وهو فى الديوان 1/154.
(7) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 2/153.(1/196)
ومما جاء من اسم المفعول من غير الثلاثى على وزن ( مفعول) قولهم(1) : ( أجنه الله فهو مجنون), و( أزكمه الله فهو مزكوم), و( أحزنه الله فهو محزون ), و( أحبه الله فهو محبوب ), و( أبرزته فهو(2) مبروز), و( أعله الله فهو عليل وربما جاء معلول) (3) , و( أحمه الله فهو محموم ), و( أسله الله فهو مسلول), (4) و( أقره من القُر بالضم فهو مقرور), و( أهمه من الهم فهو مهموم), و( أنبته الله فهو منبوت), و( أوجده الله فهو موجود), و( أكمده الله فهو مكمود), و( ألقح الفحل الناقة فهى ملقوحة(5) ) , و( أرهمت السماء فهى(6) مرهومة), و( شقاه الله وأشقاه فهو شقى(7) ومشقى).
__________
(1) ... انظر: ليس صـ121, والمزهر 2/82, 260, والسماع والقياس صـ40, 41, وأزاهير الفصحى
صـ345, 346 ... ... .
(2) ... انظر: الأفعال للسرقسطى 4/118.
(3) ... استعمل ابن جنى (معلول) فى الخصائص 1/152, فقال: "فإذا جرت العلة فى معلولها" وخطأ الحريرى فى درة الغواص صـ223 هذا الاستعمال , وأوجب (مُعَلّ) , وراجع شرح درة الغواص للخفاجى صـ589, وعقد الخلاص فى نقد كلام الخواص لابن الحنبلي صـ337, والمصباح المنير (خاتمة) صـ356.
(4) ... انظر: المزهر 2/261.
(5) ... انظر هذه الكلمات وما بعدها فى : السماع والقياس صـ40, 41.
(6) ... أى أتت بالمطر الضعيف كما فى القاموس مادة ( رهم ).
(7) ... انظر: التاج , مادة ( شقي) .(1/197)
ويقال : ( عُنِى بالشئ فهو معنى به وأعنيته وعنيته بمعنى واحد)(1) و( أفعمت الإناء إذا ملأته فهو مفعوم(2) ) , و( رضيت الشئ وارتضيته فهو مرضى) (3) , و( أسعده الله فهو مسعود(4) ) , و( أغلقت الباب فهو(5) مغلوق),و( أقفلت الباب الباب فهو مقفول ) (6) و( أكزه الله فهو مكزوز) (7) , و( آرضه(8)
__________
(1) ... انظر: اللسان , مادة ( عني).
(2) ... انظر: التاج , مادة ( فعم).
(3) ... في اللسان , مادة ( رضي ) : " رَضيتُ الشيءَ وارْتَضَيْتُه، فهو مَرْضيٌّ،وقد قالوا مَرْضُوٌّ، فجاؤوا به على الأَصْل ".
(4) ... انظر: الصحاح , مادة ( سعد) والطبرى 12/155, والقرطبى 9/102, والمزهر 2/82, 261, والتنبيهات صـ244, 245.
(5) ... انظر: تهذيب إصلاح المنطق 2/6, والصحاح , مادة ( غلق) .
(6) ... انظر: شرح ديوان ابن أبي حصينة 2/225 . وفي إصلاح المنطق صـ227 , : " وقد أغلقت الباب فهو مغلق، ولا يقال مغلوق وقد أقفلته فهو مقفل، ولا يقال مقفول " . و في التاج , مادة : ( قفل ) : " وقد أَقْفَلَ البابَ، وأَقْفَلَ عليه، فانْقَفَلَ، واقْتَفَلَ والنونُ أعلى، والبابُ مُقْفَلٌ، ولا يقال مَقْفُولٌ، وفي حديثِ ابنِ عمرَ: أَرْبَعٌ مُقْفَلاتٌ: النَّذْرُ والطَّلاقُ والعِتاقُ والنِّكاح. أي لا مَخْرَجَ منهنَّ لقائلِهِنَّ، كأنَّ عليهنَّ أَقْفالاً، فمتى جرى بهنَّ اللِّسان وَجَبَ بهنَّ الحُكمُ " .
(7) ... انظر: الخصائص 2/218, ومعنى (أكزه) أى أصابه بالكزاز, وهو تشنج يصيب الأسنان من شدة البرد, كما فى اللسان , مادة ( كزز) .
(8) ... انظر هذه الكلمة وما بعدها فى :الخصائص 2/218, والمزهر 2/260, 261, ومعنى (آرضه) : أزكمه , كما فى الصحاح , مادة ( أرض ) . ومعنى (أضأده) : أزكمه. والذى فى العين , تحت الجذر ( ضأد ) : " فهو (مضأد) . ومعنى (الزعق) : أى : النشيط الذى يفزع مع نشاطه كما فى مادة ( زعق) ..(1/198)
فهو مأروض ), و( أملأه فهو مملوء), و( أضأده فهو مضئود), و( أزعقه فهو مزعوق).
المخالفة للقياس فى كل ما سبق هى صورة من صور عديدة جاءت على غير القياس فى اسمى الفاعل والمفعول, وقد فسرت هذه المخالفة بتفسيرات مختلفة ومنها:
1ـ أن هذا جاء باعتبار الأصل(1) وهو عدم الزيادة, فكأنه جاء على حذف الزوائد فى
... اسمى الفاعل والمفعول, كما قال ابن جنى : " ونظير مجئ اسم المفعول ههنا على حذف
الزيادة- نحو : أحببته فهو محبوب- مجئ اسم الفاعل على حذفها أيضاً, وذلك نحو قولهم:
( أورس الرمث فهو وارس....) "(2) .
2- أن هذا جاء لمجئ لغة(3) أخرى فى فعله, وإن كانت قليلة الاستعمال , فيكون استعمال
اسم الفاعل معها أو المفعول من باب تداخل اللغتين نحو ( أيفع الغلام) فإنه من (يفع) (4) و ( أعشب المكان ) (5)فإنه من ( عشب) وهذا فى اسم الفاعل, أما اسم المفعول فنظيره ( محبوب) (6)من ( حب) و( مغلوق) من غلق(7) , وهذا القول أخذ به أبو العلاء , فقد قال تعليقاًً على قول ابن أبى حصينة: فَكُن بِي مُحسِناً ظَنّاً فَقَلبِي لِوُدّكَ غَيرُ مُنغَلِقِ الرِتاجِ (8)
" و( مغلوق الرتاج) على قول من يقول: ( غلقت الباب ) , وقد تكلموا بذلك قديمًا . وروى أن أبا الأسود الدؤلى قال فى شعر له:
وَلا أَقولُ لِقدرِ القَومِ قَد غَلِيَت وَلا أَقولُ لِبابِ الدارِ مَغلوقُ (9)
__________
(1) ... انظر: المصباح (خاتمة) صـ356.
(2) ... الخصائص 2/2210.
(3) ... انظر: المصباح (خاتمة) صـ 356.
(4) ... انظر: فعلت وأفعلت للزجاج صـ102.
(5) ... انظر: المصباح (خاتمة) صـ356.
(6) ... انظر: فعلت وأفعلت للزجاج صـ23.
(7) ... انظر: فعلت وأفعلت للزجاج صـ71.
(8) ... البيت من بحرالوافر, هو فى الديوان 1/114, وذكر أبو العلاء فى الشرح (مغلوق) بدلا عن (مغلق).
(9) ... البيت من بحرالبسيط, وهو فى الصحاح , مادة ( غلق ), وماتلحن فيه العامة للكسائي صـ 121.(1/199)
فهذا يدل على أن ( أغلقت) عنده هو الصحيح, وأن قولهم : ( أغلقت الباب ) هو اللغة الغالبة, وإن كانوا قالوا: ( غلقت )" (1) .
قال الكسائي : " غلت القدر بلا ياء , وتقول : ( أغلقت الباب فهو مُغْلَق , ولا يقال : مغلوق )" (2).
ونظير السابق أيضا ( أسعده الله ) فهو مسعود, وقد يكون من ( سعده الله ) , وفى هذا يقول أبو العلاء تعليقاًً على بيت ابن أبى حصينة :
فَاسعَد بِهِ فَسَعادَةُ الدنيا وَمَن فِيها إِذا ما كُنتَ أَنتَ سَعيدا (3)
"ويقال : ( أسعده الله ) وكان القياس أن يقولوا : فهو ( مُسَعد ) , فاقتصروا على قولهم : ( فهو مسعود ) , كأنهم بنوه على ( سَعِد ) وحكى قوم : سعده الله وأسعده"(4) .
__________
(1) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة 1/ 114 .
(2) ... ما تلحن فيه العامة للكسائي صـ121 . وقد نسب البيت الكسائي لحاتم الطائي وذكر له بيتاً تالياً , و هو ... ... لكن أقول غلت للقوم قدرهم ... والباب مغلق أو فالباب مصفوق
وهذان البيتان من أبي الأسود من الأهمية بمكان في مجال الدرس العربي عامة , والنحوي و اللغوي خاصة ؛ لأنه يدل على أن العرب كانت تنظر في كلامها , وتفضل بعضه على بعض .
(3) ... البيت من بحر الكامل , وهو فى الديوان 1/142.
(4) ... شرح ديوان ابن أبى حصينة صـ201.(1/200)
يقول المرزوقي عن علة الا ستغناء بفعل عن آخر : " ويدَعُ، ولم يقولوا: وذَرَ ولا ودعَ استغنوا عنهما بترك، وقال أيضاً في غير موضع (1): وقد يجري الشيء على ما لا يستعملونه في كلامهم نحو قولهم: ملامح ومذاكير ومحاسن، ونحو مصغَّرات لا مكبَّر لها نحو: كُميت (2) وكُعَيت (3)، إلى غير ذلك مما يكثر.
وقد جاء في هذا الباب ما ليس له أفعل، قالوا: ما أشغله، وهو مشغول، ، وما أملاه، وهو مملوء، كأنهم أضافوا الفعل إلى هذه الأشياء؛لأنهم يقولون: ما أفعله،فيما يكون الفعل منه، ألا ترى أنهم يقولون: ما أضربه، إذا كان مضروباً، وإنما قالوا هذه ؛لأنهم جعلوا المشغول صاحب شغل، والمجنون صاحب جنون، والمملوء صاحب ملء، فكأنهم جعلوا الشغل والجنون والملء لها وأجروها، كأنهم قالوا فيها: قد فعلت وإن لم يكونوا قالوه. ومما يسهل هذا ويقرب أنهم ربما جاؤا بالصفة على قياس الفعل، ولا يتكلمون بفعلها،قالوا: رجل أظفر، للطويل الأظفار، وأعين للكبير العين، وأعنق للطويل العنق، وكذلك رجل أشعر، وكبش أصوف، كأنهم قالوا فيها: كأنها قد فعل وإن لم يتكلموا به" (4) .
وقريب من هذا ماذكره أبو العلاء نسبةإلى الفراء أن كل (أفعلت ) يجوزفيه ( فعلت ) ,
__________
(1) ... يقصد سيبويه .
(2) ... في التاج , مادة ( كمت ): " (الكُمَيْتُ كزُبَيْرٍ) لَوْنٌ: ليس بأَشْقَرَ ولا أَدْهَمَ، قَالَ أَبو عُبَيْدةَ: فَرْقُ ما بينَ الكُمَيْتِ والأَشْقَرِ في الخَيْلِ بالعُرْف والذَّنَبِ، فإِن كانا أَحْمَرَيْنِ فهو أَشْقَرُ، وإِن كانا أَسْوَدَيْنِ فهوكُمَيْتٌ".
(3) ... في الصحاح مادة ( كعت ) : "(الكُعَيْتُ): البلبل، جاء مصغَّراً، وجمعه كِعْتانٌ. أبو زيد: رجل كَعْتٌ وامرأة كَعْتَةٌ، وهما القصيران ". ...
(4) ... أمالي المرزوقي صـ 105 .(1/201)