كتاب
الفراء وأثره في المدرسة الكوفية
تأليف
الدكتور جميل عبدالله عويضة
1429هـ / 2008م
بسم الله الرحمن الرحيم
قال العماد الأصفهاني :
إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلاّ قال في غده :
لو غُيّر هذا لكان أحسن ، ولو زيد كذا لكان يستحسن ، ولو قُدِّم هذا
لكان أفضل ، ولو تُرك هذا لكان أجمل ، وهذا من أعظم العبر ، وهو
دليل على استيلاء النقص على جملة البشر 0
مقدمة معجم الأدباء
المقدمة
ـ 5 ـ
أ
... نشأت اللغة العربية بنشأة أبنائها في قلب جزيرة العرب ، خالصة لهم دون غيرهم ، نقية سليمة من كل ما يشوبها من لحن ، أو تداخل مع اللغات الأخرى ، وبقيت كذلك مدة إقامة العرب داخل بلادهم ، واستقلالهم بها ، واستغنائهم بأسواقهم التي يقيمونها ، وبما يحصلون عليه من لقمة العيش الخشن ، دون تطلع إلى ترف الحياة وزخرفها ، أو نظر إلى ما حولهم من مدنية الفرس والروم 0
... ولم يؤثر عن العرب أي نوع من الدراسات اللغوية قبل الإسلام ، ولم يكن البحث اللغوي عند العرب من الدراسات المبكرة التي خفّوا لها سراعا ؛ لأنهم وجّهوا اهتمامهم أولا إلى العلوم الشرعية ، وحين فرغوا منها أو كادوا ، اتجهوا إلى العلوم الأخرى ، ومنها دراسة اللغة العربية ، عندما اختلط العرب بالأعاجم ، حيث صراع اللغات عنيف ، والفاتح لابدّ أن تنتشر لغته ، ويسود لسانه البلدان التي يدخلها 0
... إنّ للنحو العربي من التاريخ مالا نعرف عن نحو آخر في لغة من اللغات ، ولا يكاد الحديث عن النحو العربي ، وعن نشأته وتطوره يخلو من المصادر التي اعتمد عليها ، والتي أخذ منها أصوله ومصطلحاته 0
... والبحث عن المصادر مسلك علمي قديم ، غير أنه ـ في الأغلب الأعم ـ كان يقود إلى معالجة قضية الأصالة والتقليد ، معالجة تبتغي وضع حدود فاصلة بين ما هو أصيل ، وما هو مأخوذ من أعمال الآخرين 0(1/1)
... من هنا كثر القول عن النحو العربي ، يراه بعضهم عربيا قد نبت عند العرب ، كما تنبت الشجرة في أرضها ، ويراه آخرون نقلا عن الهنود ، أو اليونان ، أو السريان ، بيد أن أوائل علم اللغة العربية ستبقى دائما محوطة بالغموض والظلام ، كما يرى بروكلمان (1) ،
وإننا نؤثر أن لا تبحث العلوم عند العرب في سياق الأصالة وعدمها ، بل في إطار التملك 0
... ولا يكاد الحديث عن نشأة النحو العربي يخلو من الحديث عن الأسباب التي كانت وراء هذه النشأة ، وتكاد كلها تتركز في قضية اللحن ، الذي رآه القدماء خطرا على العربية ، وعلى القرآن الكريم ، وهو رأي له ما يؤيده من روايات التاريخ ، على ما فيها من تناقض واضطراب ، غير أنّ اللحن وحده لا يفسر نشأة النحو ، وبخاصة على أول صورة وصل بها إلينا ـ وأعني بها كتاب سيبويه ـ والأقرب عندنا أنّ النحو شأن العلوم
ـ 6 ـ
الإسلامية الأخرى ، نشأ لفهم القرآن الكريم ، والبون شاسع بين محاربة اللحن ، وإرادة الفهم ، ويبدو أنّ ارتباط الدرس اللغوي بالكتب المقدسة كان أمرا قديما ، أو هو أمر يرجع إلى طبيعة الأشياء ، فقد عُرف عن النحو الهندي أنه نشأ في خدمة الفيدا ، وأنه اكتسب من الدين قداسته واحترامه 0
... ولعلنا نسرع فنقرر أنّ النحو العربي نشأ وتطور في مُناخ إسلاميّ عام ، وأنه ظلّ يتنفس جوه حتى استوت له وسائله ومناهجه ، وقررنا أنه مناخ إسلامي عام ، دون أن نصفه بأنه مناخ خاص أو محض ، حتى لا نسقط في شرك الأصالة والتقليد ، وأنّ هذا المناخ الإسلامي العام هو الذي أنتج علوما إسلامية ، تشاركت في النشأة ، وتساهمت في أسباب التطور ، وفي وجوه التأثير والتأثر 0
__________
(1) تاريخ الأدب العربي 2/123(1/2)
... لقد نشأ النحو العربي كما نشأت العلوم الأخرى وتطورت ، أمدته القراءات بالنقل والاعتماد على الرواية ، وأمدته علوم الأصول والكلام بالطابع العقلي ، الذي جعله لا يتوقف عند ظواهر اللغة توقف الوصف المباشر ، وإنما يتعداه إلى تفسير هذه الظواهر تفسيرا عقليا ، يوصله إلى القوانين المطردة ، التي يرونها فيما وراء الاستعمال اللغوي 0
... وخلاصة القول : إنّ المنهج النحوي ، لم يكن نقلا محضا ، ولم يكن عقلا محضا ، من هنا كانت الدعوة إلى تلمس مصادر هذا المنهج في داخل البيئة الاسلامية ، وليس في خارجها (1) 0
ـ 7 ـ
ب
... 000 ولكن ، لماذا يتجه الحاضر نحو الماضي ؟ ولماذا دراسة التراث النحوي ؟
نقول : إنّ عملية بعث التراث ودراسته ضرورة موضوعية ملحّة ؛ لأنها عملية كشف الإنسان في الإنسان ، وتقييم اللاحق للسابق ، وبهذا العمل يمكن أن تكتمل المثل الفكرية لعبقرية الأمم وشخصيتها الحضارية ، وتبقي على نقاء تلك القيم في حاضر أحوج ما يكون إلى القيم ، وبهذا أيضا يرتبط شرف الحاضر بشرف الماضي ، ويتحقق النصر على الجانب المادي للتراث 0
... إنّ دعاة التطور في عالمنا العربي يتفقون على ضرورة تحديث العقل العربي ومعاصرته ، فعلينا أن نكون معاصرين ، شرط أن نكون أصيلين ، فالمعاصرة لا تعني أبدا انقطاع الجذور ، كما أنّ استيعابها لا يعني التفريط بتراثنا الثقافي العظيم 0
... أمّا لماذا علم النحو بالذات من بين سائر العلوم اللغوية ؟ فنقول : إنه لمّا كانت اللغة ضرورة من ضرورات الفكر ، باعتبارها أداة لتوصيل الأفكار ، فالنحو ميزان اللغة ، وضابط لها ، ولولاه لكانت اللغة اعتباطية ، لا تقدر على أداء رسالتها0
__________
(1) انظر في ذلك : عبده الراجحي ، النحو العربي والدرس الحديث ، ص 19 ـ 20(1/3)
... لقد عني الباحثون المعاصرون بتاريخ الأدب أكثر من عنايتهم بالنحو ، فمنذ القرن العشرين حتى اليوم ، ظهر من الكتب في الحقل الأول ما لا يكاد يحصر في عدد ، على حين لم يبذل في الميدان الثاني ما يمكن أن يكون ذا غناء ، فلمّا رأينا عزوف الدارسين عن مثل هذه الدراسة ، ندبنا نفسنا لدراسة هذا الموضوع ، إيمانا منا بترك المطروق ، وطرق المتروك ، ولعشقنا النحو منذ الصغر ، فانتظمنا بحذر واستحياء في صفوف أولئك الذين احصروا في سبيل خدمة العربية وتراثها ، وانقطعوا لهذه الغاية ، إرضاء لوجدانهم ، وزلفى من أشرف هدف وأسماه ، فكانت محاولتنا هذه عملا متواضعا ، حاولنا التقرب فيه من طاقة كريمة من طاقاتنا الفكرية ، وأن نقف عند بعض نتاجها ، وفاء لوفاء أحد الرجال المخلصين للعربية ، وهو أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء إمام الدراسات النحوية في المدرسة الكوفية في القرن الثاني الهجري بدون منازع 0
... ولكن ، لماذا الفراء بالذات ؟ نقول : إنّ أول صلة لنا بأبي زكريا كانت في هذه الآراء التي يذكرها له النحاة في مختلف المسائل النحوية ، مبثوثة في كتبهم هنا وهناك ، ولم تكن هذه الآراء حين ذاك تثير فينا الاهتمام ، وإنْ كانت تومئ إلى تفرد الفراء بالرأي في هذه المسائل في كثرة ظاهرة 0
ـ 8 ـ
... وسارت الأيام خفافا أو ثقالا وشخصية الفراء ماثلة أمام نظرنا ، وفي خاطرنا ، والزمن يزيدها عندنا إجلالا وتوقيرا وقدرا ، وأحسسنا أنّ دَيناً في عنقنا يزداد ثقله كلمّا تأكدت الصلة بيننا وبين الرجل ، ولم يكن لهذا الدين من وفاء إلاّ أن نجعل الشيخ موضع دراسة علمية ، من أجل ذلكم ، ومن أجل التمرس الخالص بالبحث العلمي ـ وهو في ذاته هدف نبيل ـ أحببنا أن نلقي بدلونا بين الدلاء ، وأن نؤدي بعض الحق نحو رجل من رجالات العلم ، فنجلي شخصيته ، ونتعرّف مكانته بين السالفين والخالفين والعلماء من طبقته المعاصرين في النحو 0(1/4)
... وكان من أهداف البحث تجلية شخصية تكاد تكون غامضة ، وكان لها خطرها في الميدان العلمي في سالف الزمن ، والكشف عن خصائص المدرسة الكوفية عامة ، ومن خلال آراء الفراء ما وجدنا إلى ذلك سبيلا ، مقرونة بخصائص المدرسة البصرية ، توخيا للحكمة القائلة : وبضدها تتمايز الأشياء ، وتعرف بعض آراء الفراء في النحو واللغة ، لإثبات أثره في المدرسة الكوفية ، ولإثبات أنه كان رائد التيسير النحوي في عهده ، للانتفاع بآرائه التجديدية فيما ترمي إليه من تيسير النحو 0
... أمّا منهج البحث فكان المنهج التاريخي في تتبع الفكرة حسب التسلسل الزمني ، فجمعنا المصادر المتصلة به ، ثم نظرناها وحققنا الآراء الواردة فيها ، والظواهر الخاصة بأبي زكريا منها ، فكان الاعتماد على آثار المترجمين للفراء ، وتوثيق الآثار بالطرائق المنهجية المختلفة في استخراج الخصائص التفكيرية والتعبيرية ، والبحث عن آراء الفراء ومذاهبه واصطلاحاته المبثوثة في كتب اللغة 0
... أمّا المصادر والمراجع التي استخدمت في هذا البحث فكان منها المخطوط والمطبوع ، ولا تقلّ عنها أهمية الكتب المتأخرة التي عُرفت بالجمع والتقصي ، والتي نقلت من كتب قديمة لم نقف عليها ، ولا ننسى فضل كتب المعاصرين في بحثنا هذا ، فقد كان لها فائدة لا تجحد ، إذ أعانتنا على رسم هيكل البحث ، ووضعت بين أيدينا طرائق كثيرة ، تخيرنا منها ما رأيناه صالحا للبحث ، كما أنها دلتنا على مصادر قديمة ومتأخرة ، كان يصعب علينا معرفتها لولا هي 0
... أمّا موضوع الدراسة فهو : الفراء وأثره في المدرسة الكوفية ، ولعل هذا البحث سيلقي من الأضواء على مناطق مظلمة من تاريخ تراثنا النحوي ، فقد درج القدماء وبعض
ـ 9 ـ
المعاصرين على التسليم المطلق للنحو البصري ، فظل النحو الكوفي طيّ الكتمان ، ولعل عوامل الزمن ، وضياع أكثر كتب التراث ساعد على ذلك 0(1/5)
... لقد أعاننا ضيق الموضوع على الاستقصاء ، وتعمق الظواهر ، وتتبعها في كتب النحو ، فكان ذلك عونا لنا على الموقف الموضوعي ، ومساعدا على إطلاق الأحكام إلاّ ما ضنت به المصادر ، وبخلت به المراجع ، فتركناه ليد الشك ، حتى يفلت منها يوما إلى صدر اليقين 0
... وقد رأينا من الأفضل أن نسلك طريقا لاحبة في دراسة الموضوع ، فاقضت طبيعة البحث أن يكون في ثلاثة أبواب تسبقها مقدمة ، وتقفوها خاتمة 0
... تحدثنا في المقدمة عن نشأة النحو ، وعن موضوع البحث ، ودوافعه ، ومراميه ومنهجه ، ومصادره ، وكان هذا الإطار ضروريا للأبواب التي تليه 0
... وتحدثنا في الباب الأول عن الفراء ، واقتضى ذلك أن يكون الفصل الأول في الحياة السياسية والاجتماعية والعقلية في عصره ، والفصل الثاني عن الفراء حيا وميتا ، والفصل الثالث عن آثاره الموجودة والمفقودة 0
... أمّا الباب الثاني فقد اشتمل على ثلاثة فصول : الفصل الأول في الكوفة والبصرة وبداية المدرسة الكوفية ونهايتها ، وأشهر علمائها ، وخلافها مع المدرسة البصرية ، والفصل الثاني في السماع ، والقياس ، والمصطلحات الكوفية ، أما الفصل الثالث فكان في خصائص المدرسة الكوفية عامة ، ومن خلال آراء صاحبنا خاصة 0
... وقسمنا الباب الثالث على ثلاثة فصول أيضا ، فجعلنا الفصل الأول في مصطلحات الفراء ، والفصل الثاني في آراء الفراء النحوية ، وما زاده الفراء على النحو العربي ، وما خالف فيه أستاذه الكسائي ، ومنهجه في دراسة النحو ، وأمّا الفصل الثالث فخصصناه بجهود الفراء في الميدان اللغوي 0
... وأخذت الخاتمة تلخيص المعالم الكبرى لنتائج البحث ، لنضع الفراء في مكانته من المدرسة الكوفية ، كما احتوت بعض التوصيات من أجل تيسير هذا النحو 0(1/6)
... إنّ هذه الدراسة على ما بها من عناء ووفاء جهد المقل ، الذي يطلب النصح ، ويقبل النقد في تصحيح ما قد يكون من خطأ غير مقصود ، وإننا لنرجو أن يكون البحث وافيا بغرضه ، ملما بأصوله ، خادما للعربية في جانب من جوانبها الكثيرة 0
ـ 10 ـ
وبعد :
... فهذا محصول رحلتنا اللذيذة ـ على مرارتها ـ ونحن لا ندعي الإتيان بخارق فيه ، بل حسبنا أننا حاولنا أن نمنح عملنا كل إرادة الإنسان وصبره وطموحه ، فإن وفقنا فذاك ما عملنا من أجله بإخلاص ، وإن كانت الأخرى ، فهذا عمل إنسان ، يؤخذ منه ويطرح ، والله المسؤول أن يكتب لنا النجح بقدر ما بذلنا من جهد ، وما أخلصنا من نية ، وعلى الله قصد السبيل وفوق كل ذي علم عليم 0
جميل عبد الله عويضة
الباب الأول
ـ 12 ـ
الفصل الأول : عصر الفراء
تمهيد :
... اعتاد الباحثون أن يقدموا بين يدي بحثهم ذكر العصر الذي عاش فيه من يترجمون له ، والاهتمام بمجرياته وأحواله ، توخيا لإدراك العوامل المكونة لشخصية صاحب السيرة ، فدراسة شخصية الأديب عن طريق الظروف المحيطة به ، تعتبر حسب رأي اوستن وارين (1) من أهم مناهج الدراسة الأدبية ، وأشدها لصوقا بالحقائق التي يسعى الباحثون وراءها 0
... ولم يكن هذا النمط مقصورا فهمه على أهل العصر ـ نعني أنّ شخصية الإنسان مركبة في كثير من أحوالها وأوضاعها ، مما هو غالب على عصره من عوامل وأمور سياسية واجتماعية وثقافية ـ فإن القدماء كانوا يدركون ذلك ، ويقولون به ، وإن لم يأخذوا بما أخذ به أهل العصر من بسط القول فيه ، وجعله مقدمة لترجمة الشخص ، يدلل على ذلك قولهم ـ أي أسلافنا ـ الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم (2) 0
__________
(1) نظرية الأدب ، ص 93
(2) هذا القول حديث للرسول صلى الله عليه وسلم ، انظر ابن دريد ، المجتنى ، ص 33(1/7)
... ولا فائدة هنا من البحث في مصير الفراء ماذا كان يلقى ، وماذا كان يصبح لو أنه ولد في غير القرن الثاني الهجري ، فقد ينبغ أو لا ينبغ ، ونحب جريا على ذلك أن نلم بالعصر العباسي الأول ، الذي توسطته حياة صاحبنا ، فنتحدث بإيجاز مبتدئين بالحياة السياسية فالاجتماعية فالثقافية 0
... والجدير بالذكر أن الفراء عاش نيفا وستين عاما في العصر العباسي الأول 132 هـ ـ 232 هـ ، الذي اجتمعت فيه كل مقومات التقدم في جميع المجالات : السياسية والاجتماعية والثقافية 0
ـ 13 ـ
أ ـ الحياة السياسية :
عاش الفراء في العصر الذهبي للدولة العباسية ، فقد ولد في خلافة أبي جعفر المنصور ، وتوفي في خلافة المأمون ، حيث تمثل تلك الحقبة من الزمن فترة استقرار نسبي إذا ما قيست بحقب خلت 0
وقد وصف ابن طباطبا في كتابه الدولة الإسلامية بقوله (1) : " اعلم أنّ هذه الدولة كانت غرة في جبين الدهر ، وتاجا على مفرق العصر " 0
__________
(1) الفخري في الآداب السلطانية والدولة الإسلامية ، ص 173(1/8)
وعلى الرغم من ذلك فقد كانت الأحوال الداخلية تتسم أحيانا بالهدوء ، وأخرى بالفتن ، وبعض الحوادث التي سرعان ما أخمدت ، كحوادث العلويين والخوارج ، وكان الجوّ السياسي يتسم أحيانا بالمكايد والمؤمرات والفتن والاضطرابات ، فالصراعات بين العرب والفرس تستيقظ كلما وجدت إلى ذلك سبيلا ، وعلى الرغم من أنّ الدولة العباسية قامت على أكتاف الفرس ، غير أن الخلفاء العباسيين كانوا يلحظون نزعة السيطرة من جانب الفرس ، فيحاولون تقليم أظافرهم بين الفينة والفينة ، كما حدث مع أبي مسلم الخرساني ، وأبي سلمة الخلال ، والبرامكة ، وما الحرب بين الأمين والمأمون إلاّ صورة من صور النزاع بين العنصرين العربي والفارسي ، تلك الحرب التي ذهب ضحيتها الأمين ، كما أن ثورة نصر بن شبث ضد المأمون خير مثال ودليل على ذلك ، فقد كان يقول (1) : " هواي في بني العباس ، وإنما حاربتهم محاماة عن العرب ؛ لأنهم يقدمون عليهم العجم "0
وقد تنبه الفرس وانقضّوا على الدولة العباسية فيما بعد ، وحاربوا المأمون وجها لوجه ، كما كان ذلك في ثورة بابك الخرّمي سنة 204 هـ ، حيث انتصر على المأمون في بعض المواقع ، ولم يقض المأمون على هذه الثورة الجامحة ، بل تركها إرثاً لأخيه المعتصم ، وطلب إليه الصرامة والحزم في تعقب أتباع بابك (2) 0
كذلك عكّر الزط صفو المأمون ، كما قامت بضواحي الكوفة سنة 199هـ فتنة بزعامة أبي السرايا ، الذي كان يدعو لأحد العلويين (3) ، كما غلب على المأمون الفضل بن سهل ، حتى ضايقه فقتله ، وادّعى قوم أن المأمون دسّ عليه من قتله (4) 0
ـ 14 ـ
__________
(1) محمد كرد علي ، خطط الشام 1/186
(2) الطبري ، تاريخ الأمم والملوك 10/251
(3) حسن إبراهيم حسن ، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي 2/69 ـ 70
(4) المسعودي ، مروج الذهب ومعادن الجوهر 7 / 2ـ3(1/9)
ولم تستقر الأحوال تقريبا إلاّ في زمن المهدي والهادي والرشيد ، وهي الفترة التي امتد عمر الفراء فيها 0
وقد كان هذا العصر مبدأ ظهور الزندقة واستفحالها في المجتمع الإسلامي ، حتى أقامت الخلافة من يكفيها أمرها ، ودعته بصاحب الزندقة ، واتخذت من الزندقة تهمة العصر التقليدية ، فكل معارض عرضة للاتهام بها ، وبذا تتخلص الدولة منه 0
ومن الفتن التي عكّرت صفو المأمون فتنة أهل بغداد ضده بقيادة عمه ابراهيم بن المهدي ، وانتصار المأمون عليه ، ودخوله بغداد فاتحا ، ارتفاع النهار ، لأربع عشرة ليلة بقيت من صفر ، سنة أربع ومئتين من الهجرة (1) 0
ـ 15 ـ
ب ـ الحياة الاجتماعية :
هذا العصر هو عصر الرخاء والثراء ؛ نتيجة الفتوحات التي اتسعت ، حتى أن الرشيد نظر إلى غيمة فقال لها (2) : " اذهبي أنى شئت فسيأتيني خراجك " 0
وكانت الدولة الإسلامية تمتد ـ في هذا العصر ـ من الأندلس غربا إلى الهند والصين شرقا ، وكانت تضم تحت لوائها أماما وأجناسا شتى ، تختلف في الألوان والأشكال والصفات والمزايا بعضها عن بعض ، ولكل منها تقاليدها وعاداتها وميولها ، ففيهم العربي والفارسي والهندي000 ، ومنهم السني والشيعي 000 ، ومنهم الذمي والعبيد والموالي ، ومنهم المتطرف والمتزندق 000 وما إلى غير ذلك 0
وكانت المدن الإسلامية تموج بتلك العناصر المختلفة المتعددة ، وبغداد حينئذ موطن الحكم ، وحاضرة العام الإسلامي ، وعن ثرائها حدث ولا حرج ، حيث كانت خزائن الرشيد تفيض بالأموال التي كانت تجبى من الضرائب ، حتى بلغت في عهده ما يقرب من اثنين وسبعين مليون دينار ، عدا الضرائب العينية (3) 0
__________
(1) تاريخ الأمم والملوك 10/ 254
(2) تاريخ الإسلام السياسي 2/62
(3) القلقشندي ، صبح الأعشى 2/ 27(1/10)
وكان الخلفاء يتصفون بالكرم ، واصطبغت الدولة بالصبغة الأجنبية ، وبخاصة الفارسية ، بما فيها من ترف وسرف وزينة ومباهج واستمتاع بالحياة ، على النحو الذي كان ينتحيه أبناء الفرس ، حتى لقد بلغت نفقة المأمون في اليوم ستة آلاف دينار ، كان ينفق منها مبلغا كبيرا على مطابخه (1) 0
وتغيرت تقاليد الزواج والمصاهرة عن ذي قبل ، وترفع المجتمع العباسي عن النظرة الجاهلية التي لا تجيز مصاهرة غير العرب ، فامتزج الدم العربي بالفارسي وغيره 0
أمّا الناحية الخلقية فكانت مزيجا من الفساد والصلاح ، والهدى والضلال ، والإلحاد والزندقة ، والزهد والورع النادر كما نرى عند إبراهيم بن أدهم ت 161 هـ ، ورابعة العدوية ت 185 هـ ، ومعروف الكرخي ت 200 هـ ، إلى جانب المجون الفاجر كما نرى عند أبي نواس وأستاذه والبة بن الحباب ، في هذه البيئات ، ولد الفراء ومات 0
ـ 16 ـ
ج ـ الحياة الثقافية :
... العصر الذهبي للأمة العربية ، عصر هارون والمأمون ، والعلوم والفنون والآداب يومئذ تزخر بها معاهد البصرة والكوفة وبغداد وقرطبة ، وسائر عواصم الإسلام 0
... كان المعين فيّاضا مترعا ، والعقول في نشاط وفورة ، والتأليف والترجمة لها دوي النحل في كل صقع ، الدين يدعو إلى العلم والنور ، والمال يجود به أهل الفضل ، فيذكي العزائم ، والعلوم ولود ، وصاحبها كلما ارتوى منها عادت به في سبيل الظمأ وحيثما شبع منها رجعت به في سبيل الجوع (2) 0
... وصارت الكوفة والبصرة مركزين نشطين للحياة العلمية ، إذ فيهما وضعت علوم العقائد والفقه ، ثم نشأت في كل منهما مدرسة للنحو واللغة ، فكانت مجادلات ومنافسات بين البصريين والكوفيين (3) 0
__________
(1) الفخري في الآداب السلطانية ، ص 207
(2) الجاحظ ، الحيوان 1/3 ـ 4
(3) ف 0 بارتولد ، تاريخ الحضارة الإسلامية ، ص 40(1/11)
... وهكذا خطت الأمة الإسلامية ـ في هذا العصر ـ خطوة جديدة في حياتها العقلية ، وحركتها العلمية ، وكان هذا نتيجة لكل ما أحاط بها من بيئة طبيعية واجتماعية (1) 0
... لقد كان نشاط المسلمين العلمي يسترعي الأنظار ، وليس هناك من نشاط يشبهه إلاّ نشاط العرب في فتوح البلدان ، فقد نظم العلماء أنفسهم فرقا كفرق الجيش ، كل فرقة تغزو الجهل أو الفوضى في ناحيتها ، حتى تخضعها لنظامها ، فهذه للغة ، وتلك للحديث ، وثالثة للنحو ، ورابعة للكلام ، وخامسة للرياضيات 000 وهكذا ، وهم يتسابقون في التحصيل والتدوين والتنظيم (2) 0
... ولا شك في أن تطور العقل تابع للتطور الاقتصادي والاجتماعي ، والمتطلع على تاريخ هذه الحقبة لا يعدم الأسباب المؤدية إلى تنشيط الحركة العلمية فيها ، فانتقال الخلفاء إلى العراق ، والعراق أوفر حضارة من غيره من البلاد ، ومن قديم كانت العراق تفخر على الشام بعلومها ، حتى في العهد الأموي ، كما أن الغلبة في العصر العباسي أصبحت للفرس الذين قطعوا المراحل الأولى في العلم ، وكادوا يصلون إلى آخرها ، وكذلك النساطرة وأمثالهم ، فلمّا أعطوا الحرية اللازمة نهضوا للعلم ، وقادوا حركته 0
ـ 17 ـ
... أضف إلى ذلك مرور أكثر من قرن على ظهور الإسلام وانتشاره ، وفتوح البلدان ، وحكمها بيد العرب ، كل هذا مكّن من ظهور جيل من أبناء الفرس والروم وغيرهم ، نشأ في بلاد إسلامية ، وأصبح مسلما ، وصار يجيد العربية كأهلها ، وجمع إلى ذلك ثقافته الأصلية ، فأنشأ بالعربية ما كان يكتبه آباؤه بالفارسية أو اليونانية ، ودوّن في العلوم العربية ، على النحو الذي كانت تدوّن به العلوم في اللغات الأخرى 0
__________
(1) أحمد أمين ، ضحى الإسلام 2 / 1
(2) م 0 ن 2/19(1/12)
... هذا فضلاً عن تغير الحياة الاجتماعية ، والعوامل الشخصية ، وتشجيع الخلفاء ، يضاف إلى ذلك أنّ الأمة الإسلامية قد مرت بطور المسائل الجزئية المبعثرة ، فكان لزاما أن يسلمها ذلك بالضرورة ألى طور آخر هو طور التنظيم ، وتدوين العلوم وتمييزها (1) 0
... وإذا كان لنا أن نسجل سببا أساسيا في رقي الحركة العلمية ، فلا نغفل حرية الرأي في هذا العصر ، ويتضح هذا الأمر في هجاء الشعراء للخلفاء ، دون أن تكون الرهبة من الخلفاء ببالهم ، فقد كانت حرية الرأي شائعة في القضايا العلمية والدينية والاجتماعية والأدبية ، أمّا في القضايا السياسية التي تمس الحكام مباشرة فلم تكن مطلقة ، ولم تكن كذلك في بعض الأمور الدينية ، فهذا الطبري يروي في تاريخه أراء وأخبارا لا ترضي الخلفاء العباسيين ، وكذلك فعل الأشعري في مقالات الإسلاميين ، والشهرستاني في الملل والنحل ، والبغدادي في الفرق بين الفرق ، فنرى مذاهب وأقوالا في منتهى الحرية ، من أخذ عن الفلاسفة اليونان ومزجها بالإسلام ، ثم لا يتعرض لهم أحد ، ولا يعني ذلك أن حرية الرأي كانت مطلقة ، بل ربما رأينا نقيض ذلك في بعض الأمور التي لو قصر الناظر نظره إليها لصرح بأن حرية الرأي في ذلك العصر لم يكن لها وجود ، من ذلك أننا قلّما رأينا وزيرا في العصر العباسي مات حتف أنفه ، بل كانت الاغتيالات السياسية معروفة ، كما أننا نلاحظ أن خلفاء بني العباس قد أهانوا كثيرا من العلماء وعذبوهم كأبي حنيفة ومالك ؛ لأنهما رفضا ولاية القضاء ، وسفيان الثوري لرفضه قضاء الكوفة 00 وغيرهم (2) 0
... لقد فتح العباسيون النوافذ للثقافات العالمية من فارسة ويونانية وهندية وسريانية وغيرها من ألوان الثقافة المعاصرة ، ونتيجة التفاعل الثقافي فقد ارتقى في هذا العصر ،
__________
(1) ضحى الإسلام 2/19
(2) م 0 ن 2/37 ـ42(1/13)
ـ عصر الفراء ـ التأليف ، وكان للترجمة شأن عظيم ، وحسبك منها ما كان من حنين بن إسحاق حينما كان يأخذ من المأمون ذهبا بوزن كل كتاب ينجز ترجمته0
ـ 18 ـ
إنّ هذا العصر يختلف عن سابقه ، حيث كان العصر الأموي أشبه ما يكون بامتداد للعصر الإسلامي من حيث اقتصاره على الثقافة العربية الإسلامية البحتة ، إذا استثنينا أواخر العهد 0
... وهكذا اشتهرت العلوم الدنيوية ، وترجمت الفلسفة اليونانية ، وقدم المأمون للثقافة الإسلامية خدمة جُلّى خلال العشرين السنة من مقامه في بغداد ، عن طريق اهتمامه الشخصي بعلوم اليونان (1) 0
... ويقول ديبور (2) : وجدت في بغداد في عصر الرشيد دار للكتب ، ومعهد للعلماء ، وفي عصر المأمون ومن بعده نشطت حركة نقل الكتب اليونانية من طريق السريانية في الغالب إلى لغة العرب ، وقد ألفت مختصرات للكتب اليونانية وشروح لها 0
... من أجل كل ذلك كان هذا العصر عصر تفتح علمي وفكري ، فقد ذرّ قرن الاعتزال ، وساد بهذا منطق العلم والجدل ، وكان ذلك مدعاة لاشتداد أسر المنطق ، وسيطرته على عقول أهل هذا العصر ، وكان الصراع الفكري بين دعاوة الاعتزال وغيرها صراعا شديدا ، فقد استطاع الاعتزال أن يطبع الخلافة بطابعه زمنا ، حتى بلغ ذروته في عهد المأمون في المحنة المشهورة التي عانى فيها مخالفو الاعتزال ما عانوه من ظلم واضطهاد مقيتين ، كان داعية ردة في زمن المتوكل ، الذي لمّا أفضت الخلافة إليه أمر بترك النظر ، والمباحثة في الجدل ، والترك لما كان عليه الناس في أيام المعتصم والواثق والمأمون ، وأمر الناس بالتسليم والتقليد ، وأمر شيوخ المحدثين بالتحديث (3) 0
... وإذا كان التسليم والتقليد تسليما وتقليدا ، وليس مناقشة وإقناعا ، فقد عُدًّ المنطق وهو سلاح المناقشة زندقة ، وجاء القول القائل : من تمنطق فقد تزندق 0
__________
(1) كارل بروكلمان ، تاريخ الشعوب الإسلامية 2/38
(2) تاريخ الفلسفة في الإسلام ، ص 9 ـ 10
(3) مروج الذهب 4/86(1/14)
... وبينما كانت علوم اللغة أحوج ما تكون إلى التسليم والتقليد ، فإننا نجدها قد ابتليت بداء المنطق ، وبيان العلة والبرهان ، مما أدّى إلى حرفها عن منهجها اللاحب ، منهج الوصف والتقبل ، في هذا العصر الزاخر امتدت حياة صاحبنا الفراء 0
ـ 19 ـ
... وكانت حلقات التدريس في هذا العصر تعقد في المساجد ، إذ لم يكن الناس قد اتخذوا المدارس بعد ، فحلقة الخليل ويونس كانت في مسجد البصرة (1) ، وكانت مجالس المناظرة تعقد في البيوت ، وفي قصور الخلفاء ، وبيوت الأمراء ، وكانت حلقات الدرس غير بريئة من روح التمايز الاجتماعي والقبلي ، فقد روى ابن النديم (2) في ترجمة ابن السكيت إنه لمّا مات الكسائي ، اجتمع أصحاب الفراء ، وسألوه الجلوس لهم ، وقالوا : أنت أعلمنا ، فأبى أن يفعل ، فألحوا عليه في ذلك بالمسألة ، فأجابهم ، واحتاج أن يعرف أنسابهم ، ليرتب كل رجل منهم على قدر مجلسه ، وكان ممن سأله عن نسبه السكيت ، فقال : ما نسبك ؟ فقال : خوزي ـ أصلحك الله ـ من قرى دورق من كور الأهواز ، فبقي الفراء أربعين يوما في بيته لا يظهر لأحد من أصحابه ، فسئل عن ذلك ، فقال : سبحان الله ! استحي من السكيت ؛ لأني سألته عن نسبه ، فصدقني عن ذلك ، وفيه بعض القبح 0
... وكان أهل العلم يختلفون في أقدارهم وحظوظهم ، فمنهم من دعته الدواعي إلى التعفف ، ومنهم من كان يريد الوصول إلى الثروة والجاه ، فلا يسعده الحظ ، ومنهم من كان يصل إلى شيء مما أراد ، ومنهم من أعانه حظه على الوصول إلى ما أراد من الحظوة لدى الخلفاء والأمراء كصاحبنا الفراء 0
__________
(1) عبد الأمير الورد ، منهج الأخفش الأوسط في الدراسة النحوية ، ص 14
(2) الفهرست ، ص 107 ـ 108(1/15)
... على أن العلماء أحسوا أن المجال غير مفتوح أمامهم إلى الأمراء والخلفاء دائما ، وأن وصول أحدهم إلى ذلك يعني ذود الآخرين عنه ، فكان اعتمادهم في معاشهم على ما ينالون من أجر على التدريس من طلابهم ، وكان هذا النوع من العطاء موردا مهما من موارد عيش علماء العربية ، ولكي يضمن العالم مورد رزقه كان عليه أن يستجلب له الطلاب والدارسين ، وخير وسيلة لذلك الإغماض في كتبه ، والإبهام في أسلوبه (1) 0
... على أن هذا العصر الذي حمّل النحاة وعلماء العربية عنتا من أمر معيشتهم ، كان سخياً عليهم بالمواد الأولى في اللغة ، فقد وضع بين أيديهم نصا عربيا فصيحا لا غلط فيه ، هو القرآن الكريم ، وبادية كانت ما تزال في مبعدة عن اللحن ، بحيث كان على من يريد اللغة وقواعدها أن يجوس خلالها ، وقبائل تحيط بمواقع الدراسة حول البصرة وحول الكوفة
ـ 20 ـ
ورواة شعر وشواهد ينقلون أشعار القبائل ويروونها ، وقراء يتقنون القراءة موصولة الإسناد 0
... ويجدر القول إن حاجة العلماء إلى الخلفاء والأمراء كانت كحاجة هؤلاء إلى العلماء ؛ لتأديب أولادهم 0
... وعلى الرغم من كل مظاهر الاستبداد ، فقد كان هذا العصر عصرا مجيدا من حيث حرية الرأي العلمية إلى حد كبير ، وقد كانت خلافة المتوكل خاتمة لعصر حافل بالآراء ، وفاتحة لعصر آخر قُيدت فيه الآراء والأفكار إلى حد بعيد ، وفتحت فيه السلطة للمحافظين من الفقهاء والمحدثين (2) 0
ـ 21 ـ
الفصل الثاني : الفراء في عصره :
أ ـ اسمه ولقبه وكنيته :
... إنّ الروايات التي تتحدث عن نسب الفراء تتفق حينا ، وتختلف أحيانا ، لذا رأينا أن نقسم هذه الروايات على مجموعات منتهجين في ذلك المنهج التاريخي :
الرواية ... الأولى : يحيى بن زياد ، وقد قال بها كل من :
... ... ـ ابن قتيبة ت 286 هـ (المعارف) 0
... ... ـ أبو الطيب اللغوي ت 351 هـ (مراتب النحويين) 0
__________
(1) منهج الأخفش الأوسط في الدراسة النحوية ، ص 16
(2) ضحى الإسلام 2/ 48(1/16)
... ... ـ الأزهري ت 368 هـ (تهذيب اللغة) 0
... ... ـ ابن النديم ت 385 هـ (الفهرست) 0
... ... ـ ابن الأنباري ت 577 هـ ( نزهة الألباء ) 0
... ... ـ الذهبي ت 748 هـ ( تذكرة الحفاظ ) 0
... ... ـ اليافعي ت 768 هـ ( مرآة الزمان ) 0
... ... ـ ابن العماد ت 1089 ( شذرات الذهب ) 0
الرواية الثانية : زياد بن يحيى بن فرا يحب ، وقد قال بها :
... ... ـ ابن النديم ت 385 هـ ( الفهرست ) 0
الرواية الثالثة : يحيى بن زياد بن عبد الله ، وقد قال بها كل من :
... ... ـ ابن الأثير ت 630 هـ ( اللباب في تهذيب الأنساب ) 0
... ... ـ ابن حجر ت 852 هـ ( تقريب التهذيب ) 0
الرواية الرابعة : يحيى بن زياد بن عبد الله بن منصور ، وقد قال بها كل من :
... ... ـ الزبيدي ت 379 هـ ( طبقات النحويين واللغويين ) 0
... ... ـ ابن كثير ت 774هـ ( البداية والنهاية ) 0
... ... ـ ابن الجزري ت 833 هـ ( غاية النهاية في طبقات القراء ) 0
... ... ابن قاضي شهبة ت 874 هـ ( طبقات النحاة واللغويين ) 0
الرواية الخامسة : يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور ، وقد قال بها كل من :
... ... ـ البغدادي ت 463 هـ ( تاريخ بغداد ) 0
... ... ـ ابن خلكان ت 681هـ ( وفيات الأعيان ) 0
... ... ـ الفيروزابادي ت 817 هـ ( البلغة في تاريخ أئمة اللغة ) 0
ـ 22 ـ
... ... ـ ابن حجر ت 852 هـ ( تهذيب التهذيب ) 0
الرواية السادسة : يحيى بن زياد بن عبد الله بن مروان ، وقد قال بها كل من : ... ... ... ـ السيوطي ت 911 هـ ( بغية الوعاة ) 0
... ... ـ طاشكبري زادة ت 962 هـ ( مفتاح السعادة ) 0
الرواية السابعة : يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور بن مروان ، وقد قال بها :
... ... ـ ياقوت الحموي ت 626 هـ ( معجم الأدباء ) 0
الرواية الثامنة : يحيى بن زياد بن فرا يحب بن داود بن كوذيار ، وقد قال بها :
... ... ـ القفطي ت 646 هـ ( إنباه الرواة ) 0
وبالنظر إلى هذه الروايات نلاحظ عدة ملاحظات ، منها :(1/17)
? إنّ أقدم من تحدث عن نسب صاحبنا ـ فيما نعلم ـ ابن قتيبة (1) ، إلاّ أن ابن قتيبة في المعارف لا يركن إليه في معرفة أنساب القوم ، ذلك أنه كان يحاول جمع معلومات عامة في هذا الكتاب ، فيها من الإيجاز ما يخدم غرض المؤلف ، لذا فإن هذه الرواية لا تسعفنا في قليل أو كثير 0
* كما أن أبا الطيب اللغوي (2) ـ وهو أقرب المؤرخين إلى عصر الفراء ـ لم يذكر الكنية أواللقب ، واكتفى باسم الفراء واسم والده ، وقد استضاء الأزهري (3) بناره ، وكذلك فعل ابن النديم (4) ، وابن الأنباري (5) ، أمّا الذهبي (6) فقد أسقط الكنية ، وتابعه في ذلك اليافعي (7) ، وابن العماد الحنبلي (8) ، وتابعهم على ذلك بعض المحدثين كأحمد أمين (9) ، والمخزومي (10) 0
ـ 23 ـ
... أمّا ابن النديم في رواية اليوسفي له ، فقد ذكر اسم الفراء واسم أبيه ، وجعل اسم جده الأول فرّايحب (11) ، ولم نلاحظ هذه التسمية إلاّ عند القفطي في روايتة الثانية عن اليوسفي ، ولتي لم يعلق القفطي عليها 0
... أمّا المجموعة الثالثة فقد ذكرت اسم الفراء ، واسم أبيه ، وجعلت اسم جده الأول عبد الله (12) ، وسيأتي الحديث عن ابن حجر في المجموعة الخامسة ، ولعل الإيجاز كان سببا عند ابن حجر في الوقوف عند الجد الثاني ، وتابع ابن الأثير على الوقوف عند هذا الجد ـ عبد الله ـ كل من العاملي (13) والأعلمي (14) 0
__________
(1) المعارف ، ص 545
(2) مراتب النحويين ، ص 139
(3) تهذيب اللغة 1/18
(4) الفهرست ، ص 98
(5) نزهة الألباء في طبقات الأدباء ، ص 81
(6) تذكرة الحفاظ 1/372
(7) مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان 2/38
(8) شذرات الذهب في أخبار من ذهب 2/19
(9) ضحى الإسلام 2/307
(10) مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو ، ص 119
(11) الفهرست ، ص 98
(12) ابن الأثير الجزري ، اللباب في تهذيب الأنساب 2 / 414
(13) أعيان الشيعة 52/24
(14) دائرة المعارف المسماة بِ ( مقتبس الأثر ومجدد ما دثر ) 30/97(1/18)
... أمّا المجموعة الرابعة فالزبيدي (1) قريب عهد بأبي الطيب اللغوي ، ولكنه يذكر الجد الثاني ، فيذكر يحيى بن زياد بن عبد الله بن منصور ، وتابعه على ذلك ابن كثير (2) وابن الجزري (3) وابن قاضي شهبه (4) 0
... أمّا المجموعة الخامسة ، وعلى رأسها الخطيب البغدادي في تاريخه ، فقد رأيناها تقف عند الجد الثالث ، ولكن البغدادي يذكر منظوراً بدل منصور (5) ، وتابعه على ذلك المؤرخ المحقق ابن خلكان (6) ، والفيروزابادي (7) ، وابن حجر (8) ، والسمعاني (9) ، وعدد من المؤرخين منهم : اسماعيل باشا البغدادي (10) ، وبروكلمان (11) ، وأحمد يوسف نجاتي ،
ـ 24 ـ
ومحمد علي النجار محققا كتاب الفراء ( معاني القرآن ) (12) ، وعمر رضا كحالة (13) ، وعبد القادر حسين (14) 0
... أمّا المجموعة السادسة فقد وقفت عند الجد الثالث أيضا ، ولكنها جعلت الجد الثاني مروان ، بدل منصور أو منظور ، وعلى رأس هذه المجموعة السيوطي (15) ، ونقل عنه طاشكبري زادة (16) نقلا حرفيا ، وكذلك اعتمد عليهما الخوانساري (17) 0
... وأغلب الظن أن السيوطي اقتفى أثر ياقوت الحموي في معجم الأدباء ، غير أنه أسقط الجد الثاني وهو منظور ، ويبدو أنه لم يعمد إلى الإسقاط بقدر ما جنح للإيجاز 0
__________
(1) طبقات النحويين واللغويين ، ص 131
(2) البداية والنهاية 1/ 261
(3) غاية النهاية في طبقات القراء 2/371
(4) طبقات النحاة واللغويين 2/285 ( مخطوطة دار الكتب رقم 2146 )
(5) تاريخ بغداد 14/149
(6) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان 6/176
(7) البلغة في تاريخ أئمة اللغة ، ص 280
(8) تهذيب التهذيب 11/212
(9) الأنساب ، ص 420
(10) هدية العارفين وأسماء المؤلفين وآثار المصنفين 2/514
(11) تاريخ الأدب العربي 2/199
(12) مقدمة معاني القرآن 1/7
(13) معجم المؤلفين 13/138
(14) أثر النحاة في البحث البلاغي ، ص 131
(15) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة 2/333
(16) مفتاح السعادة ومصباح السيادة 1/178
(17) روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات 8/209(1/19)
... أمّا الرواية السابعة فقد صرحت باسم الجد الثالث مروان ، فقال ياقوت الحموي (1) : هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور بن مروان ، وعليه كان اعتماد السيوطي كما تقدم0
... وأمّا الرواية الثامنة والأخيرة ، وهي المذكورة في إنباه الرواة فقد ذكرها القفطي (2) عرضا ، وهي مخالفة للروايات المألوفة ، كما أنها تختلف عن رواية القفطي نفسه ، وقد أسند القفطي هذه التسميات إلى ابن النديم ، وهذه الروايات تحاول جاهدة أن تذكر جداً أعجمياً للفراء ، إذ يقول القفطي : وذكر محمد بن إسحاق النديم في كتابه 0000 يحيى بن زياد بن فرايحب بن داود بن كوذيار ، ومما يلفت النظر أننا عندما رجعنا إلى كتاب الفهرست لم نجد كل هذا الذي ذكره القفطي ، اللهم إلاّ رواية ابن النديم من خط اليوسفي ، والتي سبقت الإشارة إليها ، فلعل القفطي اطلع على ما لم نطلع عليه 0
... ويبدو لنا أن أوثق الروايات تلك رواية البغدادي ، ذلك أن البغدادي في تاريخه عرف بالضبط والتحري ، كما وثقه كثير من العلماء ، ومما يعضد هذه الرواية أن ابن خلكان قد قال بها ، وحسبك به ضبطا وتحريا ، كما أن ابن حجر العسقلاني من الثقات ، وكان لا
ـ 25 ـ
يروي إلاّ عن الثقات ، فارتضاؤه رواية البغدادي تزيدنا ثقة بها ، ونحن بدورنا نرجح رواية البغدادي وابن خلكان في اعتماد اسم منظور ، حيث تصدى للضبط كعادته ، ووضع النقاط على الحروف ، فقطع الشك باليقين إذ قال (3) : ومنظور بفتح الميم ، وسكون النون ، وضم الظاء المعجمة ، وسكون الواو ، وبعدها راء 0
... ومما جعلنا نرجح هذه الرواية أن تضافرت عليها أكثر الروايات ، كما أن واقع الحياة لا يمنع من التسمية بمنظور ، كما يسمى منصور 0
... وعليه فإن اسم صاحبنا هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور 0
__________
(1) معجم الأدباء 20/9
(2) إنباه الرواة على أنباه النحاة ، مصورة دار الكتب رقم 55588 عمومية ، الجزء الثاني ، القسم الثالث ، ص 311
(3) وفيات الأعيان 6/182(1/20)
... أمّا والد الفراء زياد ، فقد كان يعرف بالأقطع ، وقد أورد ابن خلكان نقلا عن المرزباني نصا خلاصته (1) أن والد الفراء هو الأقطع ، وأن يده قطعت في حربه مع الحسين ، ثم عقب بن خلكان على ذلك بقوله : وهذا عندي فيه نظر ، لأن الفراء عاش ثلاثا وستين سنة ، فتكون ولادته سنة أربع وأربعين ومئة ، وحرب الحسين كانت سنة إحدى وستين للهجرة ، فبين حرب الحسين وولادة الفراء أربع وثمانون سنة ، فكم قد عاش أبوه ؟ فإن كان الأقطع جده فيمكن ، والله أعلم 0
... على حين نرى السيوطي (2) ينقل الخبر القائل أن والد الفراء كان يعرف بالأقطع ، وأن يده قطعت في حرب الحسين بن علي ، ولم ينتبه إلى فارق السن ، وكذلك فعل طاشكبري زادة (3) ، والعاملي (4) 0
... وتتابعت الروايات على هذا النمط التقليدي عند كثير من المؤرخين ، غير أن بعض المحدثين راقه رأي ابن خلكان فتبناه ، كما فعل محقق كتاب مفتاح السعادة (5) ، وقريب من هذا ما ذهب إليه محققا كتاب معاني القرآن للفراء (6) 0
... والحق أنّ لفتة ابن خلكان لفتة ذكية ، ولكنه أخطأ حيث أراد الصواب ، فالبحث التاريخي يثبت غير ذلك ، فالحسين المقصود غير الحسين بن علي بن أبي طالب ، إنه
ـ 26 ـ
الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن ( المثلث ) بن علي بن أبي طالب ، أحد أحفاد الحسين بن علي المعروف ، كما أن الحرب التي شهدها هذا الحسين كانت في خلافة موسى الهادي ، والموقعة التي قطعت يد والد الفراء فيها تسمى موقعة فخ ، وقد وقعت سنة 169 هـ (7) ، حيث قطعت يده في اليوم الثامن من ذي الحجة في العام المذكور 0
لقبه :
__________
(1) م 0 ن ، ص 0 ن
(2) بغية الوعاة 2/333
(3) مفتاح السعادة 1/178 ـ 179
(4) أعيان الشيعة 52/24
(5) حاشية مفتاح السعادة 1/178 ـ 179
(6) مقدمة معاني القرآن 1/7
(7) انظر : الطبري ، تاريخ الأمم والملوك 10 / 24 ، ابن خلدون ، تاريخ ابن خلدون 3/215 ، روضات الجنات 8/210(1/21)
... إننا نجد أحد آباء الفراء ، وهو جده الأول ، قد لقب بالفراء ، في ضوء ما عثرنا عليه من رواية ابن النديم المذكورة آنفا ، حيث قال : يحيى بن زياد بن فرايحب ، وبمقارنة هذا الجد بسلسلة النسب نجده يقابل عبد الله ، فكأن عبد الله هو الذي كان يطلق عليه هذا اللقب ، وربما كان يعمل الفراء ، أو يبيعها ، ومنه انحدر هذا اللقب إلى الفراء 0
ومما يرجح هذا الظن ما جاء في مجالس العلماء (1) عندما سئل الفراء عن الموازنة بين علم أبي محمد والكسائي ، فأجاب جوابا لم يرق أبا محمد ، فلقيه أبو محمد ، وقال له : يا دبّاغ ، إنما سئلت عن تزكيتي أو علمي ؟ 0
هذا مجرد ترجيح لا نملك عليه الدليل القاطع ، لذا فإننا نميل إلى أن اللقب قد ورثه يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور عن جده الأول عبد الله ، ومن ثم لم يلحق به كبيراً ، وإنما ولد معه ، بل ولد قبله ، وربما قبل أبيه 0
وقد أجمع المؤرخون على أن الفراء لقب بهذا اللقب ؛ لأنه كان يفري الكلام فريا ، وما عرف عنه بيع الفراء ، ولا الاشتغال بها (2) 0
وأغلب الظن أن إطلاق لقب الفراء على أبي زكريا إنما هو تعليل لما هو كائن كيفما كان ، فحين وجدوه يفري الخصوم قالوا لذلك سمي الفراء ، وتابع الخلف السلف في ذلك 0
... ولم يكن صاحبنا هو الوحيد الذي لقب بهذا اللقب ، فقد شاركه فيه غيره ، فكثير هم الذين تلقبوا بالفراء ، وقد ذكر السمعاني قسما منهم (3) ، كما ورد قسم آخر في
مقدمة كتاب رسل الملوك (4) ، ولم يذكر السمعاني بعض من ذكر في هذه المقدمة ، وذكر
ـ 27 ـ
__________
(1) أبو القاسم الزجاجي ، مجالس العلماء ، ص 173
(2) انظر : ابن الأنباري ، الأضداد ، ص 13 ، وفيات الأعيان 6/176 ، بغية الوعاة 2/333 ، مفتاح السعادة 1/178
(3) الأنساب ، ص 419 ـ 420
(4) ابن الفراء ، مقدمة رسل الملوك ومن يصلح للرسالة والسفارة ، ص : ط ، ي(1/22)
الزبيدي بعضهم (1) ، وكذا فعل المقري (2) ، والزركلي (3) 0
... ولعل صاحبنا كان أعظمهم قدرا ، وأخلدهم ذكرا ، فسلم له هذا اللقب في أخريات الزمان ، ولم ينازعه فيه منازع ، حتى أنّ لقبه أصبح وكأنه لا ينصرف إلى غيره حين يذكر 0
كنيته ... :
... يكنى الفراء بأبي زكريا ، وتجمع المراجع التي ترجمت له على هذه الكنية ، ولسنا بحاجة إلى ذكر من عرف بهذه الكنية ؛ لأن ذلك لا يهدف إلى إزالة لبس أو إبهام ، أو زيادة إفصاح 0
... بيد أنّ مخطوطة ( المنقوص والممدود ) (4) التي اعتنى بها عبد العزيز الميمني تكني الفراء بأبي زكرياء ، ونحسب أن الكنية في هذه المخطوطة قد أصابها التحريف ، كما أصاب اسم الكتاب ، فهو المقصور والممدود ، وليس المنقوص والممدود 0
... وعليه فصاحبنا هو : أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الفراء ، ووالده زياد هو الذي عرف بالأقطع ، وقد قطعت يده في حربه إلى جانب الحسين بن علي ( المثلث ) في موقعة فخ ، سنة 169 هـ 0
ـ 28 ـ
ب ـ نسبته إلى القبائل والأقاليم :
... نسب الفراء إلى منقر (5) ، وإلى أسد (6) ، وإلى أسلم (7) ، وإلى الديلم (8) ،
__________
(1) طبقات النحويين واللغويين ، ص 61
(2) نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب 2/152 ، 235 ، 3/332 ، 382 ، 4/461
(3) الأعلام 5/338
(4) الفراء ، المنقوص والممدود ، ص 11
(5) الفهرست ، ص 98
(6) نزهة الألباء ، ص 81 ، تهذيب التهذيب 11/212 ، البداية والنهاية 10/261 ، تاريخ بغداد 14 149 ، معجم الأدباء 20/10
الأنساب ، ص 420
(7) غاية النهاية في طبقات القراء 2/371 ، وفيات الأعيان 6/176 ، معجم الأدباء 20/9
(8) طبقات النحويين واللغويين ، ص 131 ، البلغة في تاريخ أئمة اللغة ، ص 28 ، بغية الوعاة 2/333 ، مفتاح السعادة 1/178 ،
معجم الأدباء 20/9(1/23)
وقيل من أهل الكوفة (1) ، أو الكوفي (2) ، والبغدادي (3) ، أو نزيل بغداد (4) 0
... هذه بعض الروايات حول نسبة الفراء إلى القبائل والأقاليم ، فما مبعث هذه النسبة ؟ وما سببها ؟ وكيف يمكن التوفيق بين هذه الروايات ؟ ثم هل هناك تضارب بين هذه الروايات ؟ وهل يمكن التوفيق بينها ؟
... ولكن ترى من بنو أسد ؟ ومن بنو منقر ؟ أولئك الذين ينسب إليهم الفراء ، إننا نرجح أنهم يريدون بأسد أسد بني خزيمة ؛ لأنهم هم الذين تفرقوا من بلاد الحجاز على الأقطار ، كما يقول عمر رضا كحالة (5) ، فنزلوا العراق ، وسكنوا الكوفة منذ سنة 19 هـ ، ووجدت منهم فرق في جيش علي والحسين (6) ، فنزولهم العراق ، وسكنى الكوفة بالذات ، وقتالهم في جيش علي والحسين ، كل ذلك يرجح أنهم هم الذين ينتسب إليهم الفراء 0
... ولعل ما يرجح ذلك قول صاحب معجم قبائل العرب (7) : مولى بني أسد ، من أهل الكوفة 0
... إنّ قول المؤرخين مولى بني أسد دون تحديد ، جعلنا نلتمس أي بني أسد ، فهناك فضلا عن أسد بني خزيمة من مدركة ، المذكورة آنفا ، أسد بني شريك (8) ، وهناك أسد
ـ 29 ـ
__________
(1) نزهة الألباء ، ص 81 ، تاريخ بغداد 14/149 ، الأنساب ، ص 420
(2) ابن الأثير ، اللباب في تهذيب الأنساب 2/414 ، تهذيب التهذيب 11 212 ، البداية والنهاية 10/261 ، غاية النهاية 2/371 ،
معجم الأدباء 20/9 ، شذرات الذهب 2/9 ، مرآة الجنان 2/38
(3) ابن يعيش ، شرح المفصل 10/70 ، أبو علي الفارسي ، الحجة في علل القراءات السبع1/92
(4) تهذيب التهذيب 11/212 ، الأنساب ، ص 420
(5) معجم قبائل العرب القديمة والحديثة 1/32
(6) دائرة المعارف الإسلامية ، ترجمة عبد الحميد يونس وآخرين 2/102
(7) معجم قبائل العرب القديمة والحديثة 1/24
(8) محمد مرتضى الزبيدي ، تاج العروس من جواهر القاموس 2/376(1/24)
بني ربيعة (1) ، وأسد بني الحارث (2) ، وغيرهم (3) 0
... أمّا بنو منقر ، فيقول ابن عبد البر (4) : منقر من تميم 0
... فأي تميم يريد ؟ أتراه يريد تلك التي من قبائل حضرموت ، وتقيم في وادي ابن راشد (5) ؟ وهناك تميم من ثقيف (6) ، وهناك تميم بن مر ، قبيلة عظيمة من العدنانية (7) 0
... وما أظنها إلاّ تلك التي قصدها ابن عبد البر ؛ لأنها القبيلة ذات البطون الكثيرة ، ومن بطونها بنو منقر بن عبيد بن مقاعس (8) 0
... ونحن بدورنا نرجح أنه كان مولى لبني أسد ؛ لتضافر أكثر الروايات على ذلك ؛ لأن المؤرخ المحقق ابن خلكان يروي أنه كان من بني أسد ، وبصيغة التمريض يقول : وقيل من بني منقر (9) ، ثم إنّ اتخاذ بني أسد بن خزيمة حياً خاصا بهم في الكوفة نفسها ، يعضد ما ذهبنا إليه من أنه كان مولى لبني أسد ، كما أن قتال بني أسد في جيش علي والحسين يدل على تشيعهم ، وكذلك كان والد الفراء متشيعا ، حيث قطعت يده في حرب بين الشيعة والعباسيين ، وكان في صفوف الشيعة 0
... أمّا قولهم الأسلمي فذلك نسبة إلى أسلم من قبيلة أسد ، وهي بضم الهمزة وسكون السين وفتح اللام ، كما ضبطها ابن خلكان (10) 0
... إنّ أحدا من القدامى لم ينص على أن الفراء من أبناء الفرس ، وكل ما يقال عنه أنه مولى بني أسد ، أو مولى بني منقر ، والولاء كما نعلم له عدة أسباب ، فتارة يكون ولاء أحلاف ، وتارة ولاء عتق ، وأخرى يكون ولاء إسلام (11) 0
...
__________
(1) تاريخ ابن خلدون 2/300
(2) النويري ، نهاية الأرب في فنون الأدب 2/319
(3) انظر : أبو نصر بن ماكولا ، الإكمال في رفع الارتياب من المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب 1/153
(4) الإنباه على قبائل الرواة ، ص 77
(5) نعوم شقير ، تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها ، ص 668
(6) فؤاد حمزة ، قلب جزيرة العرب ، ص 134
(7) معجم قبائل العرب القديمة والحديثة 1/126
(8) م 0 ن ، ص 0 ن
(9) وفيات الأعيان 6/176
(10) م 0 ن ، ص 0 ن 0
(11) أحمد أمين ، فجر الإسلام ، ص 89(1/25)
ـ 30 ـ
أمّا من المستشرقين فقد صرح بروكلمان بأنه ـ أي الفراء ـ كان فارسي الأصل مثل الكسائي (1) ، فهل اطلع بروكلمان على نص صريح في ذلك ، أحسب أن الرجل قد استنتج ذلك استنتاجاً ، لأن المراجع التي اعتمد عليها تحت أيدينا ، ولم نعثر فيها على نص صريح يؤيد فارسيته ، بيد أن هناك رواية سبق ذكرها ، وهي رواية القفطي ، حيث نجد اسما فارسيا في نهاية سلسلة النسب ، وهو كوذيار ، والأمر الذي نميل إليه أن الفراء لم يكن من العرب الخلّص ، بل كان من أرومة فارسية ، بدليل أن السيوطي وابن خلكان وياقوت الحموي نسبوه إلى الديلم ، كما سبق أن رأينا ، والديالمة من الأعاجم في أرجح الأقوال (2) 0
بقي علينا نسبته إلى الديلم ، وهي نسبة حائرة بين المواطن والأشخاص ، فللبلاذري روايتان ، تؤيد كل رواية وجها من الوجهين ، فروايته الأولى عن المدائني تشعر أن الديالمة من بلاد الديلم (3) ، وروايته الثانية تنص صراحة على أن الديالمة إنما نسبوا إلى نقيب لهم يقال له ديلم (4) ، فقيل : حمراء ديلم ، ففي الرواية الأولى نسب الديالمة إلى المواطن ، وفي الرواية الثانية نسبوا إلى شخص 0
وأغلب الظن أنهم كانوا ينسبون إلى نقيب لهم يقال له ديلم ، بدليل ما ذكره البلاذري نفسه من أنهم كانوا من قزوين المجاورة لبلاد الديلم (5) 0
__________
(1) تاريخ الأدب العربي 2/199
(2) انظر : أبو عمر يوسف بن عبد البر ، القصد والأمم في التعريف بأصول أنساب العرب والعجم ، ص 32
(3) فتوح البلدان ، ص 279
(4) م 0 ن ، ص 0 ن 0
(5) م 0 ن ، ص 217(1/26)
حقاً إنّ نسبة ديلمي قد تدل أنه من أصل أعجمي ، ولكنها دلالة ليست قاطعة على كل حال ، فهذا أبو الفرج الأصفهاني ينسب إلى أصفهان ، وهو عربي من بني أمية (1) ، وكذلك الفيروزابادي صاحب القاموس المحيط والقابوس الوسيط لما ذهب من كلام العرب شماطيط ، ينسب إلى فيروزاباد ، وهو من أبناء أبي بكر الصديق (2) 0
ـ 31 ـ
أمّا نسبته إلى الكوفة ، فهي البلد التي تنسم فيها أول أنسام الحياة ، وهي مسقط رأسه ، ومدرج صباه ، وأمّا بغداد ، فهي البلد التي استوطنها بعد الكوفة ، وذاع فيها ذكره ، حتى أن المأمون أسند إليه فيها تأديب ولديه (3) 0
... لهذا وذاك نسب صاحبنا إلى بغداد ، كما نسب إلى الكوفة ، وكثيرا ما ينسب الرجال إلى البلاد ، فيقال : الغزي ، والدمشقي ، والحلبي ، والحمصي 000
ج ـ مولد الفراء مكاناً وزمانا :
... ولد الفراء في الكوفة (4) ، حتى أنه نسب إليها فقيل : الكوفي ، أمّا من حيث الزمان فإن الروايات التاريخية التي عرضت للفراء فتنقسم على ثلاثة أقسام :
قسم منها لم يعرض لميلاد الفراء إطلاقا ، لا تلميحا ، ولا تصريحا وذلك هو القسم الأكبر ، وهذا مما لا شأن لنا به ، وقسم عرض لميلاد الفراء تلميحا دون تصريح ، بأن ذكر تاريخ الوفاة ، ثم ذكر عمر الفراء عند الوفاة ، وعليه فإن هذا القسم يكون قد أعطانا تاريخ الميلاد ، وإن لم يأت به صريحا ، وأمّا القسم الثالث فقد صرح بتاريخ الميلاد ، وذلك في القليل النادر بالنسبة إلى القسم الأول 0
ويقسم القسم الثاني الذي عرض لميلاد الفراء بالتلميح على ثلاثة أقسام :
1 ـ ما ذكره السيوطي (5) ، وكبري زادة (6) ، من أن الفراء توفي سنة 207 هـ عن سبع
__________
(1) الفهرست ، ص 166 ، معجم الأدباء 13/94
(2) القاموس المحيط ، المقدمة 1/ 28ـ 29
(3) تاريخ بغداد 14/150
(4) الفهرست ، ص 98
(5) المزهر في علوم اللغة وأنواعها 2/463 ، بغية الوعاة 2/333
(6) مفتاح السعادة 1/178(1/27)
وستين سنة ، وعليه يكون ميلاد الفراء سنة أربعين ومئة من الهجرة 0
2 ـ ما ذكره السمعاني (1) ، وابن الأثير (2) ، من أن الفراء توفي سنة 209 هـ ، عن ثلاث
وستين سنة ، وعلى هذا يكون ميلاد الفراء سنة ست وأربعين ومئة من الهجرة 0
3 ـ ما ذكره البغدادي (3) ، وابن الأنباري (4) ، وياقوت الحموي (5) ، والحافظ الذهبي (6) من
ـ 32 ـ
أنّ الفراء توفي سنة 207 هـ ، عن ثلاث وستين سنة ، وعلى هذا يكون ميلاده سنة أربع وأربعين ومئة من الهجرة 0
... أما القسم الثالث ، ذلك الذي صرّح بتاريخ الميلاد ، فأولهم ـ فيما نعلم ـ المؤرخ المحقق ابن خلكان ، إذ قال (7) : توفي الفراء سنة سبع ومئتين ، وعمره ثلاث وستون سنة ، فيكون ميلاده سنة أربع وأربعين ومئة 0
... وحذا حذوه محمد محسن آغا بزرك الطهراني (8) ، وقريب من ذلك ما فعله الزركلي (9) فقد نصّ على تاريخ الميلاد ، وهو سنة أربع وأربعين ومئة من الهجرة ، كما نصّ على تاريخ الوفاة أنه سنة سبع ومئتين من الهجرة ، وإن لم يذكر عمر الفراء عند الوفاة 0
... أمّا إبراهيم الأبياري فقد جعل ميلاد الفراء سنة 124 هـ (10) ، غير أنه ذكر ما يقابل هذا التاريخ من التاريخ الميلادي ، وهو سنة 761 م ، وبالرجوع إلى التقويم الذي صنعه هارى وهازارد (11) وجدنا أن السنة الهجرية التي تقابل سنة 761 م هي سنة 144 هـ ، وعليه فإن التاريخ الذي ذكره الأبياري فيه تحريف مطبعي ، والأصل أنه سنة 144 هـ ، والتحريف بين 2 ، 4 جائز الحدوث 0
__________
(1) الأنساب ، ص 420
(2) اللباب في تهذيب الأنساب 2/414
(3) تاريخ بغداد 14/155
(4) نزهة الألباء ، ص 81
(5) معجم الأدباء 20 /13
(6) تذكرة الحفاظ 1/372
(7) وفيات الأعيان 6/182
(8) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1/39
(9) الأعلام 9/178
(10) الفراء ، الأيام والليالي والشهور ، صفحة الغلاف وما يليها 0
(11) أطلس التاريخ الإسلامي ، ص 44(1/28)
... مما تقدم ندرك أن الخلاف ينحصر في أن تاريخ الميلاد إمّا أن يكون سنة 140 هـ ، أو سنة 144 هـ ، أو سنة 146 هـ 0
... وأرجح هذه الأقوال هو سنة 144 هـ ؛ لتضافر أكثر الروايات تصريحا وتلميحا على ذلك ، كما أن شيخ المحققين ابن خلكان كان في هذا الجانب ، وأن الخطيب البغدادي ت 463 هـ أقرب زمنا إلى الفراء من السمعاني ت 562 هـ بنحو قرن من الزمان ، هذا فضلا عن شيوع التصحيف والتحريف في طباعة كتاب الأنساب ؛ نظرا لأنه لم يطبع طبعة علمية محققة ، ونرجح أن ابن الأثير نقل عن السمعاني ، وبذا يسقط القول بأن الفراء ولد سنة 146 هـ ، ومما يؤيد هذا الزعم أن هذه الرواية تعتمد أن الفراء توفي سنة تسع ومئتين ، والتصحيف جائز الحدوث بين سبع ، وتسع ، فالفرق بينهما في مكان النقط ليس إلاّ 0
ـ 33 ـ
... أمّا الرواية التي تجعل ميلاد الفراء سنة 140 هـ ، فعمدتها السيوطي ت 911 هـ ، وهو من المؤرخين المتأخرين نسبيا ، ثم إنه الوحيد الذي قال بهذا ، أمّا كبري زادة فجل اعتماده على السيوطي ، حتى أنه ينقل عنه نقلا حرفيا (1) ، ومثل هذا لا يدخل في الحساب عند ذكر أصحاب الآراء 0
... وعليه فإننا نعتمد الرواية التى ترى أن صاحبنا ولد في الكوفة سنة أربع وأربعين ومئة 0
د ـ أسرته ونشأته وتنقلاته :
... أسرته :
__________
(1) قارن على سبيل المثال بغية الوعاة 2/333 ، مفتاح السعادة 1/178(1/29)
... إن التاريخ لا يذكر لنا شيئا عن زياد والد الفراء ، إلاّ أنه الأقطع ، الذي كان متشيعا مع آخر دعاة الزيدية الحسين بن علي ( المثلث ) (1) ، وأم طوتها الأيام ، وزوجة تغافل عنها الزمن ، أمّا أولاد الفراء فقد أشار السيوطي إلى أحدهم حيث قال (2) : وجمع ـ يعني الفراء ـ مالا خلفه لابن له شاطر صاحب سكاكين ، وهذا الشاطر لم يكن صاحب علم كوالده ، يدلنا على ذلك ما جاء في رواية الجاحظ (3) من بيع كتب الفراء في المزاد العلني بعد وفاته 0
... وربما كان من خاصة أسرته ابن خالته القاضي الفقيه محمد بن الحسن الشيباني بالولاء (4) ، صاحب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان 0
... هذا مبلغ علمنا عن أسرة الفراء ، فقد أهملها التاريخ ، كما أهمل أمثالها من الأسر التي لم يكن لها شأن في السياسة ، أو إدارة الحكم 0
... إنّ دلالة الأسماء العربية ( يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور ) إن دلت على شيء فإنما تدل على أن آباء الفراء دخلوا الإسلام مع السابقين الأولين ، ولمّا كان مولد الفراء سنة أربع وأربعين ومئة كما أسلفنا ، وأن كل جيل يمثل من الأعوام أربعين سنة (5) ،
ـ 34 ـ
كانت ولادة منظور ـ فيما نقدر ـ في الربع الأول من القرن الهجري الأول ، ومن هنا يتبين لنا أن هذا الجد ولد في كنف العروبة والإسلام ، فسمي باسم عربي هو منظور ، وإذا علمنا أن تاريخ بني أسد ـ الذين كان الفراء مولى لهم ـ في الإسلام ، يرجع إلى قدوم وفدهم على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة من الهجرة (6) ، أدركنا من هذا وذاك أن آباء الفراء كانوا من السابقين الأولين إلى الإسلام 0
... نشأته وتنقلاته :
__________
(1) روضات الجنات 8/210
(2) بغية الوعاة 2/333
(3) إنباه الرواة 2/313
(4) انظر ترجمته في : ابن الجوزي ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 1/321 ، الأنساب ، ص 420
(5) عبد العزيز الأزهري ، الأسس المبتكرة ، ص 67
(6) معجم الأدباء 1/22(1/30)
... إنّ حياة الفراء الأولى حياة إنسان لم يحفل بها التاريخ ؛ لأن أسرته لم تكن ذات شأن في علم أو سياسة ، شأن كثير من الأسر التي لم تذكر عنها كتب التاريخ شيئا 0
... وكما علمنا فقد ولد الفراء في الكوفة سنة أربع وأربعين ومئة من الهجرة ، ويبدو أن حياته الأولى كانت بها ، وظل بها حتى ظهرت عليه ملامح النبوغ ، يدلنا على ذلك أن شيوخه ـ كما سيأتي ـ في بواكير حياته ، كانوا من أهل الكوفة ، وكانت الكوفة أحد المصرين اللذين كانا مقر العلم ، ومربى العلماء ، والمصر الآخر البصرة ، وكانت الكوفة حافلة بالشيوخ في فروع العلم والمعرفة في ذلك العصر ، ثم رحل الفراء إلى بغداد ، حيث كانت حاضرة الإسلام ، ومقر الخلافة ، يفد إليها العلماء من كل حدب وصوب ، طلبا للشهرة والحظوة والمال ، وجعل أكثر مقامه فيها ، وكان شديد طلب المعاش ، لا يستريح في بيته ، وكان يجمع طوال السنة ، فإذا كان في آخرها خرج إلى الكوفة ، فقسم ما جمعه (1) 0
... كما كان الفراء يعيش في بغداد حياة تقشف ، لا يهتم ببيته وفرشه ، ولم يكن يرى إلاّ عابس الوجه (2) 0
... لقد نزح الفراء إلى بغداد حين استحثه الرؤاسي قائلاً له (3) : قد خرج الكسائي إلى بغداد وأنت أميز منه ، ويبدو أن هذه الرحلة كانت في سنة سبعين ومئة من الهجرة ، بدليل أن الفراء قد ظهر في المناظرة المشهورة بين سيبويه والكسائي ، وكانت له جولات مع سيبويه قبل حضور الكسائي (4) ، وكانت هذه المناظرة في حدود هذا التاريخ ، وفي خلافة
ـ 35 ـ
__________
(1) بغية الوعاة 2/333 ، مفتاح السعادة 1/179
(2) معجم الأدباء 31/9 ـ 10
(3) الفهرست ، ص 96 ، نزهة الألباء ، ص 95
(4) طبقات النحويين واللغويين ، ص 72(1/31)
الرشيد (1) ، وفي وزارة يحيى بن خالد البرمكي ، أي في سنة سبعين ومئة من الهجرة ، بل إننا نرجح أنه نزح إلى بغداد قبل هذا التاريخ ، وآية ذلك أنه التقى بالكسائي ، وجادله في مسائل الرؤاسي ، فسمع منه ، وأنكر عليه ، إلى آخر الخبر (2) 0
... أمّا رحلته إلى البصرة فيدلنا عليها أخذه عن يونس بن حبيب البصري (3) ، ومما يؤكد ذلك أن الفراء التقى بسيبويه في داره بالبصرة (4) ، ونميل إلى أن هذه الرحلة كانت بعد وفاة الخليل بن أحمد ، حيث لم يذكر أحد من المؤرخين أن الفراء أخذ عن الخليل مشافهة ، وأغلب الظن أن ذهاب الفراء إلى البصرة ، ورجوعه إلى بغداد ، كان خلال السنوات الأربع أو الخمس التي كانت بين وفاة الخليل ، وقدوم سيبويه إلى بغداد (5) ، فإذا صحت رواية اللقاء بين سيبويه والفراء في البصرة ، فلا بدّ أن تكون قبل المناظرة المشهورة ، ذلك أن الرواية التاريخية تذكر أن الفراء حينما سمع الثناء على سيبويه في البصرة ، لم يطق صبرا فذهب إلى لقاء سيبويه في داره يتعجل الأمر ، ولو كانت بعد المناظرة لما خفّ الفراء إلى سيبويه ، لأنه حينئذ يكون قد عرفه مسبقا ، ومن ناحية أخرى فإن التاريخ يذكر أن سيبويه بعد الهزيمة عزّ عليه أن يبقى في البصرة ، فاتخذ وجهة أخرى (6) ، ولم يلبث أن مات كمدا بعدها بقليل (7) ، وفي أخريات حياته جعل الفراء أكثر مقامه ببغداد (8) ، وكان لا يعود إلى الكوفة موطنه الأصلي إلاّ في آخر العام (9) ، ثم إنه أملى معظم كتبه في بغداد (10) 0
__________
(1) إنباه الرواة 2/226
(2) نزهة الألباء ، ص 65 فما بعدها 0
(3) معجم الأدباء 20/9
(4) المزهر في علوم اللغة 1/202
(5) مهدي المخزومي ، مدرسة الكوفة ، ص 222
(6) طبقات النحويين واللغويين ، ص 73
(7) م 0 ن ، ص 69
(8) وفيات الأعيان 6/182
(9) بغية الوعاة 2/333
(10) الأنساب ، ص 420(1/32)
... وقد جاء في كتاب معاني القرآن قوله (1) : وسمعت رجلا من أهل الشام ، وكان صاحب تفسير ، فهل رحل الفراء إلى الشام ؟ لم نعثر على ما يثبت ذلك ، ولكن هذا غير مستبعد ، غير أن ابن عساكر لم يذكر شيئا من ذلك ، ويبدو أن الفراء سمع من هذا الرجل
ـ 36 ـ
في غير الشام ، وربما كان هذا في أثناء رحلته إلى الحج ، فالنص لا يدل دلالة قاطعة على أن الفراء قد رحل إلى الشام ، أمّا رحلته إلى مكة والمدينة فيدلنا عليها أنه يروي كثيرا في كتاب المعاني عن قراء مكة والمدينة (2) ، كما أن جلّ المؤرخين يذكرون أن وفاته كانت في طريق مكة ، ونرجح أنه توفي بعد أن عاد من مكة ، وقضى فريضة الحج ، كما سيأتي بيانه 0
هـ ـ صلته بالأمراء والخلفاء والعلماء :
... اتصل الفراء بأعيان عصره ، شأن العلماء آنذاك ، فقد كانت له صلة بالطاهريين ، فألف بعض كتبه لبنيهم (3) ، كالمذكر والمؤنث ، والبهي ، ولكننا لا ندري على وجه التحديد تاريخ هذا الاتصال ، ويرى أحمد مكي الأنصاري أن الاتصال ربما كان قبل الإمارة (4) ، أي قبل سنة خمس ومئتين من الهجرة 0
__________
(1) معاني القرآن 1/371
(2) انظر : معاني القرآن 1/18 ، 183 على سبيل المثال 0
(3) معجم الأدباء 5/113 ، 20 / 13
(4) أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة ، ص 25(1/33)
... واغلب الظن أن الفراء كان على اتصال بالطاهريين قبل الإمارة وبعدها ، فقد ألف الفراء كتاب المذكر والمؤنث لعبد الله بن طاهر ، كما سيأتي بيانه ، فإذا علمنا أن الفراء ألف هذا الكتاب بعد كتاب المعاني ، الذي فرغ من املائه سنة أربع ومئتين من الهجرة (1) كان ذلك في حدود سنة خمس ومئتين من الهجرة ، نعني تأليف المذكر والمؤنث ، وهي السنة التي قامت فيها إمارة الطاهريين في ظل خلافة المأمون ، غير أننا نحسب أن هذا الاتصال لم يكن بعد الإمارة وثيقا ، كما كان قبل الإمارة ؛ ذلك أن الفراء قد لقي من الحفاوة والتكريم عند المأمون ما لم يلقه غيره ، وأدّى هذا بالتالي إلى أن يحفل الفراء بالمأمون أكثر من غيره ، وقد اتصل الفراء بالرشيد ، وتحدث إليه بحضور وزيره جعفر بن يحيى البرمكي (2) 0
... واتصل الفراء بالمأمون اتصالا وثيقا لا يدانيه أي اتصال مع أي خليفة أو أمير ، حكى أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب ، قال (3) : لمّا تصدى أبو زكريا للاتصال بالمأمون
ـ 37 ـ
كان يتردد إلى الباب ، فلمّا أن كان ذات يوم ، جاء ثمامة بن الأشرس ، قال : فرأيت له أبهة أدب ، فجلست إليه ، ففاتشته عن اللغة ، فوجدته بحرا ، وعن النحو فشاهدته نسيج
وحده ، وعن الفقه فوجدته فقيها عارفا باختلاف القوم ، وفي النجوم ماهرا ، وبالطب خبيرا ، وبأيام العرب وأشعارها حاذقا ، فقلت له من تكون ؟ وما أظنك إلاّ الفراء ، فقال : أنا هو ، فدخلت على أمير المؤمنين فأعلمته ، فأمر بإحضاره لوقته ، فكان سبب اتصاله به 0
__________
(1) معاني القرآن 1/ 1
(2) طبقات النحويين واللغويين ، ص 131 ، وفيات الأعيان 6/177
(3) تاريخ بغداد 14/151 ، معجم الأدباء 20/11 ، 12 ، نزهة الألباء ، ص 83(1/34)
... لقد عظم قدره عند المأمون ، حتى تسابق ولدا المأمون على تقديم نعليه إليه حينما يهمّ بالخروج (1) ، وقد ألف الفراء للمأمون أشهر كتبه : كتاب الحدود ، وكتاب
معاني القرآن ، وكانت صلته به صلة إعزاز وإكبار 0
... وقد اتصل الفراء بالمعتصم ، ولكن اتصاله به لم يدم ، ولم يؤلف له شيئا من تصانيفه ، قال أبو العباس ثعلب (2) : قال الفراء : ذكرت للقعود مع المعتصم حيث نشأ ، ولزمت نحوا من شهرين ، فلما عزم علي ذلك ، جاء رجل يقال له أبو إياد ، فطلب القعود معه ، فسئل لينظر ما مقداره في العربية ، فقيل له : كيف تقول يا زيد أقبل ؟ فقال : يا زيدُ أقبل ، قيل : فما هذه الضمة ؟ فقال : الواو التي في وأقبل ، فارتضي وأقعد مع المعتصم ، فاستغنى ، وأزلت أنا 0 وكان الفراء يعجب بهذا ويتعجب منه ، ويقول : الدنيا لا تأتي على استحقاق 0
الفراء والكسائي :
... إن الصلة التي كانت قائمة بين الفراء والكسائي هي صلة التلميذ بأستاذه ، وقد لزمه الفراء على أثر مجلس علم ضمهما (3) ، فلما رأى الفراء في الكسائي سداد الرأي ، وقوة الحجة ، لزمه ، وقد مهد الكسائي للفراء الإقامة ببغداد ، وخلفه على حلقة درسه بعد موته (4) 0
لقد كان للكسائي تأثير في الفراء ، وبخاصة في المنهج ، أمّا في الجانب النحوي الموضوعي فلا نحسب أن له أثرا فيه ، والراجح أن تأثير الكسائي في الفراء كان فيما
ـ 38 ـ
__________
(1) تاريخ بغداد 14/150 ـ 151 ، نزهة الألباء ، ص 82 ـ83 ، شذرات الذهب 2/19 ، الكامل في التاريخ 5/206
(2) الزجاجي ، مجالس العلماء ، ص 62
(3) معجم الأدباء 18/128
(4) أحمد حسن الزيات ، تاريخ الأدب العربي ، ص 421(1/35)
يتعلق باللغويات والأشعار ، ويبدو لنا أن المسائل النحوية التي اتفق فيها الكسائي والفراء كانت من قبيل الاتفاق في التفكير ، أكثر منها نتيجة للتأثر والتأثير ، ذلك أن الفراء يتسم بالأصالة في تفكيره النحوي ، حتى أن بعض الباحثين عزا إليه إرساء قواعد مذهب نحوي جديد ، هو المذهب البغدادي (1) 0
... وكان الفراء يخالف الكسائي في كثير مما ذهب إليه (2) ، غير أن الفراء كان يجل الكسائي ، ويعرف له منزلته ، إذ يقول (3) : قال لي قوم : ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في العلم ؟ فأعجبتني نفسي ، فناظرته وزدت ، فكأني كنت طائرا أشرب من بحر 0
الفراء وسيبويه :
... كان أول لقاء بين الفراء وسيبويه في البصرة ، ثم التقيا ثانية في المناظرة المشهورة ، وصلة الفراء بكتاب سيبويه صلة منادمة وملازمة ، حتى أن الفراء عندما مات وجد كتاب سيبويه تحت رأسه (4) ، رغم ما ذكره المؤرخون من أنه كان زائد العصبية على سيبويه (5) 0
... إنّ هذه العصبية التي اتهم بها الفراء ليست مذهبية ، ولكنها من آثار الغيرة ، وعلى هذا أكثر من دليل ، منها أخذه عن البصريين ، ولا سيما يونس (6) ، والتقاء آرائه النحوية بآراء البصريين في كثير من المواضع التي يخالف فيها أستاذه الكسائي (7) ، ومن أدلة ذلك أنْ ليس في مناظراته لبعضهم غير المنافسة العلمية ، ومن الطبيعي أن يناظر الفراء ؛ لأن المناظرة زيّ العصر العلمي 0
__________
(1) هو أحمد مكي الأنصاري في كتابه أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة ، انظر ص ، 132
(2) مراتب النحويين ، ص 141
(3) تاريخ بغداد 11/409
(4) طبقات النحويين واللغويين ، ص 71 ـ 72
(5) مراتب النحويين ، ص 139 ، بغية الوعاة 2/333
(6) معجم الأدباء 20/11
(7) أبو بكر الأنباري ، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، ص 448 ، 597 ، أبو القاسم الزجاجي ، كتاب الأمالي ، ص 83(1/36)
... نعم كان الفراء يخالف مذاهب سيبويه حتى في ألقاب الإعراب ، وتسمية الحروف (1) واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ، والفراء يبني مخالفته في الرأي على أسس علمية موضوعية (2) 0
ـ 39 ـ
... لقد حفل الفراء بكتاب سيبويه ، حتى أنه كتبه بخطه (3) ، أو أنه قام بعرضه (4) ، على خلاف بين الرأيين 0
الفراء ويونس :
... لقد اتصل الفراء بيونس ، وأخذ عنه (5) ، وأهل الكوفة يقولون إنه استكثر عنه ، وأهل البصرة ينكرون ذلك ، وإن صدقتنا البوادر ، ولم تخطئنا الدلائل ، فإننا نرى أنه استكثر عنه ، والأدلة على ذلك كثيرة (6) ، كما أن تأثير يونس في الفراء في النحو بالذات ، كان ـ فيما نذهب ـ أوضح من تأثير الكسائي فيه ، وآية ذلك تقارب الروح المنهجية بين يونس والفراء (7) ، ولقد ألمح بروكلمان إلى ذلك ، ثم قرر تأثر الفراء بيونس في كتاب الحدود حين قال (8) : أخذ أيضا عن يونس بن حبيب البصري خصوصا معاني النحو في كتاب الحدود 0
... لقد كان للفراء اتصالات بمشاهير علماء عصره غير من ذكرنا ، فقد اتصل بالأخفش الأوسط اتصالا وثيقا ، يتمثل في ثناء الفراء عليه ، وإعجابه به ، وتصديره إياه ، فقد حكى ثعلب (9) أن الفراء دخل على سعيد بن سالم ، فقال سعيد : جاءكم سيد أهل اللغة ، وسيد أهل العربية ، فقال الفراء : أمّا ما دام الأخفش يعيش فلا ، وكذلك كان للفراء اتصالات بأبي عمر الجرمي (10) 0
و ـ أخلاقه ورأي العلماء فيه :
__________
(1) مراتب النحويين ، ص 141
(2) محمد خير الحلواني ، الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين وكتاب الإنصاف ، ص 36
(3) مدرسة الكوفة ، ص 123
(4) معجم الأدباء 16/123
(5) السيرافي ، أخبار النحويين البصريين ، ص 34 ، بغية الوعاة 2/333
(6) معاني القرآن 1/127 ، المذكر والمؤنث ، ص 17 ، 22 ، معجم الأدباء 20/10 0
(7) انظر : أبو زكريا الفراء ومنهجه في النحو واللغة ، ص 375
(8) تاريخ الأدب العربي 2/199
(9) معجم الأدباء 11/227
(10) نزهة الألباء ، ص 84(1/37)
... كان الفراء متورعا ديّناً (1) ، وكان باراً بأهله ، يقسم بينهم ما جمعه في عامه ، وكان وفيّا لأشياخه ، محببا إلى نفوس طلابه ، قال محمد بن جهم السمري (2) : 000 فيكون ـ يعني الفراء ـ أحلى في قلوبنا من الأحمر ، وجميل فعله 0
ـ 40 ـ
... وكان متسامحا ، كما كان حازما (3) ، وكان رحب الصدر (4) ، عفيف اللسان (5) ، يتحرى الصدق في المودة والعداء (6) ، معتزا بنفسه ، على تيه وتعجب وتعظم (7) ، وهذا الاعتزاز بالنفس لا يصل إلى حدود الإضرار بالناس 0
... لقد كانت في طبيعة الفراء سماحة ، وفي خلقه إسجاح ، وهذا ما تحدثنا به عبارة أبي بريدة الوضاحي (8) عندما خزن الوراقون كتاب المعاني عن الناس ؛ ليتكسبوا به ، حيث قال لهم الفراء : قاربوا الناس تنفعوا وتنتفعوا ، ورجل هذه نزعته في الخير ، وذلك حبه لمقاربة الناس ، إنه لعلى خلق كريم 0
... وكان الفراء صدوقا (9) ، يعدّ الرجوع إلى الخير فضيلة ، فقد راجعه أحد طلابه في بيت من الشعر كان الفراء رواه ، فقال له الفراء (10) : أحسن الله عن الإفادة بحسن الأدب جزاءك ، وتراجع الفراء عن روايته ، وهو الذي وثّقه ابن حبان ، فذكره فيمن ذكر من الثقات (11) 0
__________
(1) مراتب النحويين ، ص 139 ، بغية الوعاة 2/33 ، المزهر ، ص 41
(2) معجم الأدباء 13/10
(3) معجم الأدباء 20/13
(4) ثعلب ، مجالس ثعلب ، ص 657
(5) معجم الأدباء 7/72
(6) م 0 ن 13/10
(7) بغية الوعاة 2/333
(8) عبد الفتاح شلبي ، أبو علي الفارسي وآثاره في القراءات والنحو ، ص 267
(9) تقريب التهذيب 2/348
(10) معجم الأدباء 8/95 ـ 97
(11) تهذيب التهذيب 11/212(1/38)
... هذا قليل من كثير كنت جمعته عن أخلاق الفراء ، ولكن للاختصار ضرورة ، من أجل هذا وغيره أجله العلماء ، فقال أبو بكر الأنباري (1) : لو لم يكن لأهل بغداد والكوفة من علماء العربية إلاّ الكسائي والفراء لكان لهم بهما الافتخار على جميع الناس ، إذ انتهت العلوم إليهما 0 وقال الزبيدي أيضا (2) : قال أبو العباس ثعلب : كتب الفراء لا يوازى بها كتاب ، وقال الزبيدي أيضا (3) : وكان أبرع الكوفيين في علمهم ، وقيل للكسائي (4) :
ـ 41 ـ
الفراء أعلم أم الأحمر ؟ فقال : الأحمر أكثر حفظا ، والفراء أحسن عقلا ، وأميز فكرا ، وأعلم بما يخرج من رأسه 0وقال ثعلب (5) :
__________
(1) الثعالبي ، فقه اللغة وسر العربية ، ص 25 ، تاريخ بغداد 14 /152 ، معجم الأدباء 20/13
(2) طبقات النحويين واللغويين ، ص 133
(3) م 0 ن ، ص 131
(4) تاريخ بغداد 14 /153
(5) طبقات النحويين واللغويين ، ص 132 ، تاريخ بغداد 14/ 149 ، معجم الأدباء 20/11 ، نزهة الألباء ، ص 81 ، الأنساب ،
ص 420(1/39)
لولا الفراء لما كانت عربية ؛ لأنه خلصها ، ولولا الفراء لسقطت العربية ؛ لأنها كانت تتنازع ، ويدعيها كل من أراد ، ويتكلم الناس فيها على مقادير عقولهم وقرائحهم فتذهب ، وقالوا (1) : نجوم الكوفة الكسائي والفراء والمفضل الضبي ، وكلهم كان في قصر الخليفة ، وكلهم كان مربي ولي عهد ، وقيل عن الفراء (2) : شيخ النحاة واللغويين الفراء ، وكان يقال له أمير المؤمنين في النحو ، وقال الأزهري (3) : الفراء ثقة مأمون ، وأهل الكوفة يقولون (4) : لنا ثلاثة فقهاء في نسق لم ير الناس مثلهم 000 ولنا ثلاثة نحويين كذلك ، وهم : الكسائي والفراء وثعلب ، وحكى ثعلب أن الفراء دخل على سعيد بن سالم فقال (5) : جاءكم سيد أهل اللغة ، وسيد أهل العربية ، وقيل عنه (6) : أبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب ، وقال ابن الجزري (7) : وكان الفراء شيخ النحاة ، كما قيل إمام العربية (8) 0
وقد أنشأ محمد بن الجهم قصيدة طويلة تمجيدا للفراء وتقديرا ، كما أنشد الخليل بن أحمد السجزي من قصيدة طويلة يمدح فيها الفراء قوله (9) :
وأجعل في النحو الكسائي عمدتي ... ومن بعده الفراء ما عشت سرمدا
كما مدحه سلمان بن عبد الله الحلواني بقصيدة شعرية أيضا (10) 0
...
ـ 42 ـ
__________
(1) ضحى الإسلام 2/305
(2) البداية والنهاية 10/261 ، معجم الأدباء 20 / 13 ، الأنساب ، ص 420
(3) تهذيب اللغة 1/18
(4) معجم الأدباء 5/143 ، ثعلب ، شرح ديوان زهير ( المقدمة ) ص 21
(5) معجم الأدباء 11/ 227
(6) مرآة الجنان 2/38 ، طبقات النحويين واللغويين ، ص 131 ، وفيات الأعيان 6/176
(7) غاية النهاية في طبقات القراء 2/371 ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1/39
(8) بغية الوعاة 2/333
(9) معجم الأدباء 11/78
(10) م 0 ن 11/ 236(1/40)
هذا هو الفراء ، وهذه الأقوال غيض من فيض ، وهو مستحق لهذا الثناء ، فقد كان رأساً في قوة الحفظ ، أملى تصانيفه كلها حفظا (1) ، ولم يأخذ بيده نسخة إلاّ في كتابين (2) ، وقد جمع إلى علم الكوفيين علم البصريين ، ثم هو كبير العقل إلى جانب سعة الاطلاع (3) ، من أجل هذا قال له الرؤاسي : قد خرج الكسائي وأنت أميز منه (4) ، وقال سلمة بن عاصم (5) : إني لأعجب من الفراء كيف يعظم الكسائي وهو أعلم منه ، وقال له الإمام محمد بن الحسن الشيباني (6) بعد أن سأله في مسألة فقهية تدور حول من سها في سجود السهو : ما ظننت آدميا يلم مثلك ، وقال ابن حجر (7) : النحو الفراء ، أمّا يوهان فك فيقول (8) : الفراء العظيم ، وكذلك المستشرق ب 0 كاله (9) يقدره ، ويرى فيه النحوي الكوفي الضليع 0
ويقول ثمامة بن الأشرس (10) عندما رأى الفراء : فرأيت أبهة أدب ، فجلست إليه ، ففاتشته عن اللغة ، فوجدته بحرا ، ويقول اليافعي (11) : الإمام البارع النحوي ، أجل أصحاب الكسائي ، كأن رأسا في النحو واللغة ، ويقول الخوانساري (12) : إمام أئمة النحو واللغويين الفراء ، وقال الأصمعي للفراء (13) : أنت أعلم الناس ، ويقول الفيروزابادي (14) : الإمام المشهور
ـ 43 ـ
__________
(1) تذكرة الحفاظ 1/372
(2) وفيات الأعيان 6/182 ، معجم الأدباء 20/13
(3) وفيات الأعيان 6/182
(4) نزهة الألباء ، ص 65
(5) وفيات الأعيان 6/180 ، إنباه الرواة 2/162
(6) تاريخ بغداد 14/152
(7) تهذيب التهذيب 11/212
(8) العربية ، ص 85
(9) م 0 ن ، ص 4
(10) وفيات الأعيان 6/177
(11) مرآة الجنان 2/38
(12) روضات الجنات 8/209
(13) مجالس العلماء ، ص 178
(14) البلغة في تاريخ أئمة اللغة ، ص 280 ـ 281(1/41)
كان أبرع الكوفيين ، ويطلق عليه ابن الجزري (1) لقب شيخ النحاة ، وقد شبه طه حسين الاستاذ إبراهيم مصطفى في كتابه إحياء النحو بالفراء (2) ، أمّا أحمد أمين فيقارن بين الفراء والكسائي قائلا : إنهما كالمأمون والرشيد ، وكالفرق بين محافظة الرشيد ، وحرية العقل عند المأمون ، وكالفرق بين الحركة العلمية الناشئة في عهد الرشيد ، والناضجة في عهد المأمون0
... أمّا مهدي المخزومي فيقول (3) : وعندي أن الفراء أشبه بالخليل بن أحمد 000 حذقا وسعة اطلاع ، واستفادة من الثقافات الأجنبية التي عرفت في البيئات المدرسية 0
... وأمّا قول المترجمين بأنه كان يتفلسف في تصانيفه فإننا لا نجد نصا يشير إلى هذا التفلسف ، وربما كان ذلك ـ إن صحّ ـ في كتبه الأخرى التي لم تصل إلينا ، كما أننا نحار في التوفيق بين نزعة التسهيل التي نلمسها من قول المؤرخين في الحديث عن كتاب الحدود : إن دام هذا على هذا علّم النحو الصبيان ، وقولهم في ترجمته إنه كان يسلك في ألفاظه كلام الفلاسفة ، ومن قبلنا أشار سعيد الأفغاني (4) إلى مثل ما ذهبنا إليه 0
... وفي النهاية نقول : رحم الله أبا زكريا ، فقد كان غرة في جبين الدهر ، أحبها قوم فبالغوا ، وأبغضها آخرون فأسرفوا على أنفسهم ، وما زال أمير النحاة ، أو أمير المؤمنين في النحو كما يقولون 0
ـ 44 ـ
ز ـ عقيدته ومذهبه الفقهي :
ذهب بعض المؤرخين إلى أن الفراء من أهل السنة ، ورأى آخرون أنه كان ميالا إلى الاعتزال ، في حين رأى فريق ثالث أنه من الشيعة ، وأشبه الأقوال بالحق ، وأقربها إلى الصواب القول الأول ، فقد قال الأزهري (5) : وكان ـ يعني الفراء ـ من أهل السنة ، ومذاهبه في التفسير حسنة 0
__________
(1) غاية النهاية في طبقات القراء 2/371
(2) إحياء النحو ( المقدمة ) ص 0 ل
(3) مدرسة الكوفة ، ص 126
(4) في أصول النحو ، ص 145
(5) تهذيب اللغة 1/19(1/42)
أمّا أصحاب الرأي الثاني ، وهم الجمع الغفير (1) فيرون أن الفراء كان ميالا إلى الاعتزال ، والميل إلى الاعتزال لا ينفي كون الفراء من أهل السنة ، كما أن الميل إلى الاعتزال ـ فيما نرى ـ يتفق والخط الرئيس لشخصية الفراء ، ولكنه التحرر الذي يرتكز على أساس من السلفية الصالحة ، ويرى طاشكبري زادة (2) أن الفراء كان يحب الكلام ، ولا يميل إلى الاعتزال ، ويبدو أن إحسان عباس ، محقق كتاب وفيات الأعيان (3) قد اطلع على رأي كبرى زادة ، إذ يرى أن عبارة : وكان الفراء يميل إلى الاعتزال ، قد أسقطت منها لا ، وأصل العبارة : وكان الفراء لا يميل إلى الاعتزال 0
ومما يؤيد وجهة نظر محقق كتاب الوفيات ما حكاه سلمة بن عاصم (4) عن الفراء قال : كنت أنا وبشر المريسي في بيت واحد عشرين سنة ، ما تعلّم مني شيئا ، وما تعلمت منه شيئا ، وكان المريسي معتزليا ، وهذه العبارة تفيد أن الفراء لم يتأثّر بالمريسي من ناحية الاعتزال ، وقال الجاحظ (5) : دخلت بغداد حين قدمها المأمون في سنة أربع ومئتين ، وكان الفراء يحبني ، وأشتهي أن يتعلم شيئا من علم الكلام ، فلم يكن له فيه طبع 0
ـ 45 ـ
إنّ الفراء لم يكن معتزليا ، بل كان ميالا إلى النزعة السلفية بوجه عام ، كما كان يتوسط بين أهل السنة وأهل الاعتزال ، فهو ينكر على أبي عبيدة تفسير القرآن بالرأي (6) 0
__________
(1) انظر : ابن النديم ، الفهرست ، ص 99 ، ياقوت الحموي ، معجم الأدباء 20/11 ، السيوطي ، بغية الوعاة 2/333 ، القفطي ، إنباه
الرواة الجزء الثاني ، القسم الثالث ، ص 312 ( المخطوطة ) ، وغيرها
(2) مفتاح السعادة 1/179
(3) وفيات الأعيان 6/180
(4) م 0 ن ، ص 0 ن
(5) م 0 ن ، ص 0 ن
(6) تاريخ بغداد 13/ 355(1/43)
وأظن ظنا مسامتا لليقين أن الذي دفع المؤرخين إلى القول بميله إلى الاعتزال أنه يقف مرات في كتابه معاني القرأن للرد على الجبرية ، فالقول بالاعتزال أمر ظني ، فالصفدي (1) يصرح أن الفراء لم يكن من أعيان المعتزلة ولا فضلائهم ، ونزعم أنه لو كان معتزليا لما رضي إلاّ أن يكون في القمة ومع الأعيان 0
ويحاول الشيعة جاهدين أن يسلكوه في عدادهم (2) ، وهذه عادتهم مع المشاهير ، فهذا العاملي يقول (3) : وما قاله السيوطي من ميل الفراء إلى الاعتزال لعله مبني على خلط أكثر العلماء بين أصول الشيعة والمعتزلة ، فالعاملي ينفي عن الفراء ميله إلى الاعتزال ؛ ليوهم أنه من الشيعة ، بيد أنه لا يصرّ على تشيع الفراء ، فهو يقول (4) : نص على تشيعه صاحب رياض العلماء ، كما وذكره السيد الطباطباني في رجاله ، وهو يدل على أنه عنده من الشيعة ، ولم يذكر مأخذ ذلك ، غير أن العاملي يعود فيؤكد بأن كلمات الفراء في معاني القرآن تشعر بأنه من غير الشيعة (5) 0
وقد صمت كثير من المؤرخين صمتا مطبقا إزاء عقيدة الرجل ، ومن هؤلاء أبو الطيب اللغوي ، والزبيدي ، وهما من الرعيل الأول ، وكلاهما قريب عهد ـ نسبيا ـ بالفراء 0
وفي العصر الحديث نرى أحمد أمين (6) يقول بإثبات الكلام والتفلسف ، والميل إلى الاعتزال ، ومثل ذلك ما جاء في دائرة معارف القرن العشرين (7) ، كما ذهب زهدي حسن في
ـ 46 ـ
كتابه عن المعتزلة (8) إلى أن الفراء من مشهوري المعتزلة ، وسلكه في طائفة المتقشفين المتزهدين ، على عادة الكثير من أهل الاعتزال 0
__________
(1) الغيث المسجم في شرح لامية العجم 2/55
(2) العاملي ، أعيان الشيعة 52 / 26 ، محمد محسن ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1/351
(3) أعيان الشيعة 52 / 26
(4) م 0 ن ، ص 0 ن
(5) م 0 ن ، 52 / 27
(6) ضحى الإسلام 2/307
(7) محمد فريد وجدي ، دائرة معارف القرن العشرين 7/139
(8) المعتزلة ، ص 232(1/44)
... أمّا مذهبه الفقهي فيغلب على الظن أن مذهب الفراء التعبدي هو المذهب الحنفي ؛ لأن أغلب نحويي العراق كانوا على مذهب الأحناف (1) ، وقد ذكروا أن الغالب علىالحنفية الميل إلى الاعتزال (2) ، وقد قيل عن الفراء إنه كان يميل إلى الاعتزال ، ومما يؤيد حنفيته أنه تتلمذ على شيوخ أحناف منهم (3) : محمد بن حفص ، والأحوص سلام بن سليم ، كما كانت له معاصرة وقرابة رحم وصلة بمحمد بن الحسن الشيباني ، إذ كانا ابني خالة (4) ، وكان بينهما تقدير ومودة ، فلا غرابة والحال هذه أن يكونا على مذهب واحد ، كما أننا نملك دليلا آخر على حنفيته ، وهو ما جاء في معاني القرآن من قوله (5) : اتبعت قول أبي حنيفة ، وأخذت بقول أبي حنيفة ، هذا فضلا على أن له نصا يتفق ومذهب الأحناف في طلاق العدة (6) 0
ـ 47 ـ
ح ـ ثقافة الفراء وعلومه :
عاش الفراء عصر الرشيد والمأمون ، العصر الذهبي للأمة الإسلامية ، وكانت الكوفة تموج بالعلم والعلماء ومن ثم فقد كانت مرتعا خصبا للعلماء أمثال الفراء ، الذي كان عالما بالخلاف وبأيام العرب وأخبارها وأشعارها ، عارفا بالطب والنجوم (7) ، فكان واسع الثقافة ، متعدد الجوانب ، تعمق في القديم ، وأفاد من الحديث ، فمزج بين الثقافة العربية الخالصة ، والثقافات الحديثة الوافدة على الفكر العربي آنذاك ، وفي المقابلة التي جرت بين الفراء وثمامة ابن الأشرس (8) حين دخل الفراء على المأمون ما يؤيد ذلك 0
__________
(1) انظر : ابن جني ، الخصائص ( مقدمة المحقق ) 1/40
(2) الغيث المسجم 2 / 55
(3) غاية النهاية في طبقات القراء 2/371
(4) وفيات الأعيان 6/180
(5) معاني القرآن 3/266
(6) م 0 ن 1/335 ، 362
(7) معجم الأدباء 20/ 11
(8) وفيات الأعيان 6/176 ، معجم الأدباء 20/9(1/45)
ولم يكن طابع التخصص على نحو ما نراه في عصرنا ، بل كانوا يعيبون التخصص ، حتى قال قائلهم (1) : ما أقبح الرجل يتعاطى العلم خمسين سنة ، لا يعرف إلاّ فنا واحدا ، حتى إذا سئل عن غيره لم يُجد فيه 0
لقد جمع الفراء ألوانا متعددة من الثقافات ، غير أنه اشتهر بعلوم العربية ، بل بالنحو واللغة خاصة 0
أمّا منابع ثقافة الفراء فهي القرآن الكريم ، وقراءاته المتعددة ، والحديث النبوي الشريف ، والشعر العربي ، والنثر الأدبي من حكم وأمثال ، ولغة التخاطب العربي بوجه عام ، على اختلاف طرائق التحصيل من الرواية والمشافهة ، ومؤلفات التفسير ، ومؤلفات في العربية أبرزها كتاب سيبويه وغيره ، وساعده على جمع هذه الثقافات أنه كان يتميز بحافظة قوية ، ساعدته على الحفظ (2) 0
الفراء والشعر :
... كان الفراء عالما بالشعر ، وقد روى سلمة عن الفراء قوله (3) : العرب تسمي البيت الواحد يتيما ، وكذلك يقال : الدرة اليتيمة ؛ لانفرادها ، فإذا بلغ البيتين والثلاثة فهو نتفة ،
ـ 48 ـ
وإلى العشرة تسمى قطعة ، وإذا بلغ العشرين استحق أن يسمى قصيدا ، وذلك مأخوذ من المخ القصيد ، وهو المتراكم بعضه على بعض ، وهو ضد الرار ، ومثله الرثيد 0 وعلى الرغم من ذلك فقد نعى عليه المفضل الضبي تصحيفه (4) في بيت من الشعر 0
... ويقول ابن النديم (5) : ولم يؤثر من شعره ـ يعني الفراء ـ غير هذه الأبيات ، رواها أبو حنيفة عن الطوال :
... يا أميرا على جريب من الأرض ... ... له تسعة من الحجاب
... جالسا في الخراب يحجب فيه ... ... ما سمعنا بحاجب في خراب
... لن تراني لك العيون بباب ... ... ليس مثلي يطيق ردّالحجاب
__________
(1) تاريخ بغداد 11/ 407 ، إنباه الرواة 2/262
(2) شذرات الذهب 2/19 ، نزهة الألباء ، ص 84
(3) الباقلاني ، إعجاز القرآن ، ص 257
(4) المزهر 2/366
(5) الفهرست ، ص 99(1/46)
ثم جاء القفطي فنقل رواية ابن النديم (1) دون تعقيب أو تغيير ، أمّا السيوطي (2) فقد جعل البيت الثالث أولا ، ولم يكن موفقا في ذلك ، وربما كانت رواية ابن النديم أنسب ؛ لأنها تبدأ بالنداء ، ثم تختم بالخطاب ، على أن رواية السيوطي اختلفت في جانب آخر ، وهو وضع كلمة ( ذل ) مكان كلمة ( رد ) ، والتعبير بالذل فيه معنى الرد وزيادة (3) ، غير أن التعبير بالرد فقط كان أبلغ من سواه ، أمّا رواية ابن خلكان (4) فقد جاءت مثل رواية ابن النديم ، غير أنه وضع كلمة ( الجواب ) مكان كلمة ( الحجاب ) في البيت الثالث ، أمّا الزبيدي (5) فيقول : لم يبلغني أن الكسائي ولا الفراء قالا شعرا قط ، وقال القفطي (6) في ترجمة الكسائي : إنه لم يُعرف للفراء شعر ، ولم ينتبه أنه أصدر حكما مسبقا حين ذكر للفراء الأبيات الثلاثة ، وعليه فقد كان القفطي تابعا لابن النديم حينا ، وللزبيدي آخر ، ولم يعرف أكان للفراء شعر أم لا 0
ـ 49 ـ
... وفي وفيات الأعيان (7) أن الأبيات الثلاثة لابن ( أو لأبي ) موسى الملفوف ، والذي نميل إليه أن قول ابن خلكان أشبه بالحق ، فلم يقل الفراء شعرا ، وليس في هذا ما ينقص من قدره ، فالشعر موهبة قبل كل شيء ، وحفظ الأبيات الكثيرة لا ينتج شاعرا بالضرورة ، فمحفوظ الفراء من الشعر كان يرمي إلى الاستشهاد به أكثر مما يرمي إلى التذوق الأدبي ، ومما يؤيد ذلك أن ثعلبا قد حفظ جميع كتب الفراء (8) فيما يرويه عن نفسه ، ولم يقل إنه حفظ للفراء شعرا ، وأمّا شاعر الفراء المفضل فهو أبو العتاهية (9) 0
الفراء والأدب :
__________
(1) إنباه الرواة ج 2 قسم 3 صفحة 312 ( المخطوطة )
(2) بغية الوعاة 2/333
(3) الأنصاري ، أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة ، ص 115
(4) وفيات الأعيان 6/180
(5) طبقات النحويين واللغويين ، ص 128
(6) إنباه الرواة 2/270
(7) وفيات الأعيان 6/180
(8) ثعلب ، شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ، ص 20
(9) الأغاني 3/127(1/47)
يقول ابن خلكان (1) : وكان ـ يعني الفراء ـ أبرع الكوفيين ، وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب ، وقريب من هذا قول اليافعي (2) ، ومثله قول محمد فريد وجدي (3) ، ويروي ياقوت الحموي عن ثمامة بن الأشرس قوله (4) : فرأيت صورة أديب ، وأبهة أدب ، فأي أدب هذا الذي يقصدون ؟ أهو الأدب بمعناه العام ، أم الخاص ؟
إن أرادوا الأول فنحن وإياهم على وفاق ، أمّا إن أرادوا بذلك الأدب بمعناه الخاص ، فهذا ما لم نجد أصداءه فيما بين أيدينا من كتب الفراء 0
يقول ابن حجر (5) : وشهرته بالعربية ومعرفتها غير محتاجة إلى إكثار 000 وكان الغالب عليه معرفة الأدب ، ويبدو لنا أن ابن حجر العسقلاني أراد الأدب بمعناه الخاص ، إذ مازه عن العربية بوجه عام ، ولكننا لا نجد للفراء ـ فيما نعلم ـ ما يسلكه في عداد الأدباء ، وما وصلنا من كتبه لا نشم فيه رائحة الأدب إلاّ على وجه الاحتمال 0
وأكبر الاحتمال أن المترجمين للفراء كانوا إلى ذلك العهد لا يفرقون بين الأدب بمعناه العام والخاص، وحيث إنهم أطلقوا لفظ المؤدبين على النحاة (6) ، فهم أدباء في رأيهم 0
ـ 50 ـ
الفراء والتفسير :
الفراء أول من قعد لتدريس التفسير في مسجد من مساجد بغداد (7) ، كما كان يدرّس غير ذلك من دروس اللغة والنحو ، قال سلمة (8) : سمعت الفراء يقول لرجل : لو حُمِل إليّ أبو عبيدة لضربته عشرين في كتاب المجاز ، وقد قال هذه العبارة لأن أبا عبيدة كان يقول في القرآن برأيه 0
__________
(1) وفيات الأعيان 6/180
(2) مرآة الجنان 2/38
(3) دائرة معارف القرن العشرين 7/139
(4) معجم الأدباء 20/11
(5) تهذيب التهذيب 11/213
(6) أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة ، ص 114
(7) بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي 2/199
(8) نزهة الألباء ، ص 87(1/48)
وقصارى القول : إنّ كتاب معاني القرآن للفراء كان له أثر كبير في المفسرين الذين اغترفوا من بحر علمه وفضله ، ومنهم من اعترف بفضله ، ومنهم من نقل كلماته وعباراته بنصها وفصها غير أنه لم يذكر ذلك (1) 0
الفراء والفقه :
ذكر المؤرخون أن الفراء كان عالما بالفقه (2) ، ومما أثر من فقهه ما رواه بشر المريسي ، أو محمد بن الحسن ـ على خلاف بين الرواة ـ إذ سأل أحدهما الفراء عن رجل سها في سجود السهو ، فقال الفراء : لا شيء عليه ، قيل ولم ؟ قال : لأن أصحابنا قالوا : المصغر لا يُصغَّر ، فقال السائل : ما رأيت أنّ امرأة تلد مثلك ، والمشهور أن الذي سأله عن ذالك هو ابن خالته محمد بن الحسن الشيباني (3) 0
مما تقدم نلاحظ أن الفراء يميل إلى القياس ، حتى في المسائل الفقهية ، فهو يقيس الفقه على النحو 0
ـ 51 ـ
الفراء والفارسية :
عثرنا على نص في كتاب معاني القرآن (4) عرض فيه الفراء لتفسير جملة فارسية ، فقال بعد أن فرغ من وصف اليهود والنصارى : ثم إنه وصف المجوس فقال : [ يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ] (5) وذلك أن تحيتهم فيما بينهم ( زه هزار سال ) فهذا تفسيره عش ألف سنة 0
وهذا لا ينهض دليلا على معرفة صاحبنا بالفارسية ، فكثير من الناس يعرفون عبارة أو أكثر من لغة أجنبية ، ولا نصفهم بمعرفة تلك اللغة ، هذا فضلا عن أن الفراء عاش في زمن انتشرت فيه الفارسية ، وكانت سائدة في مدن العراق (6) 0
الفراء والبلاغة :
__________
(1) أنظر : عبد القادر حسين ، أثر النحاة في البحث البلاغي ، ص 134 ـ 169
(2) معجم الأدباء 20/9 ، وفيات الأعيان 6/180
(3) البداية والنهاية 10/261 ، مرآة الجنان 2/41
(4) معاني القرآن 1/63
(5) البقرة 96
(6) يوهان فك ، العربية ، ص 83(1/49)
لقد تطرق الفراء من خلال تفسيره إلى كثير من المباحث البلاغية ، التي يدخل بعضها في علم المعاني ، وبعضها في علم البيان ، وبعضها الآخر في علم البديع (1) 0
وقصارى القول إن كتاب معاني القرآن كان له أثر بارز في أبواب البلاغة ، حتى أننا نعدّ الفراء مبتكرا لهذه الأبواب ، إمّا لأنه ابتكرها ، وإمّا لأنه أضاف إليها ، مما يجعلنا ننسبها إليه دون غيره 0
أما عن نحو الفراء فحدث ولا حرج ، وهذا ما سنفرغ له بابا خاصا ، هو الباب الثالث 0
ـ 52 ـ
ط ـ شيوخ الفراء وتلاميذه :
... تتلمذ الفراء على عدد كبير من الشيوخ ، وأخذ اللغة عن عدد أكبر ، ولكنّ المترجمين يذكرون القليل منهم ، طلبا للإيجاز ، أو عجزا عن الحصر ، ونحن لا نزعم أننا سنأتي عليهم جميعا ، فهم كثير ، ودراستهم تحتاج إلى موسوعة ، لذا رأينا أن نذكر من كثر ذكره في طيات كتب الفراء التي وصلت إلينا ، وعلى الأخص كتاب المعاني 0
... ونزعم أن أكثرهم ذكرا الكسائي الكوفي (2) ، ويونس بن حبيب البصري (3) ، وقد سبق الحديث عنهما ، ومن شيوخه قيس بن الربيع ت 165 هـ (4) ،
__________
(1) أنظر : معاني القرآن 1/ 23 ، 103 ، ، 111، 202 ،226، 228، 238 ، 242 ،253 ، 331 ، 401 ، 425
2/ 195 ، 219 ، 411 وغيرها
(2) تهذيب اللغة 1/18 ، وفيات الأعيان 6/176
(3) مفتاح السعادة 1/178 ـ 179 ، بروكلمان 2/199 ، معجم الأدباء 20/10 ، نزهة الألباء ، ص 47
(4) معاني القرآن 1/364 ، 3/ 255 ، وانظر : تهذيب التهذيب 11/212 ، أبو مسحل الأعرابي ، كتاب النوادر 1/143 ، غاية النهاية
في طبقات القراء 2/371(1/50)
ومندل بن علي ت 167 هـ ، وأبو الأحوص سلام بن سليم ت 171 هـ ، وأبو بكر بن عياش ت 192 هـ ، وسفيان بن عيينة ت 198 هـ ، وتتلمذ الفراء على علي بن مبارك الأحمر ت 194 هـ ، وقال فيه : فهو أنبت على رؤوسنا الشعر ، وكان الغالب على الأحمر النحو والغريب والمعاني ، وعن سلمة أنه قال (1) : ثم برز ـ يعني الأحمر ـ حتى كان الفراء يأخذ عنه ، كما تتلمذ الفراء على حازم بن الحسين البصري ، ومحمد بن حفص الحنفي (2) ، وأبي جعفر الرؤاسي ، وأخذ عن حبان بن علي (3) أخي مندل بن علي ، وأخذ عن الحسن بن عياش أخي أبي بكر بن عياش ، ومحمد بن الفضل المروزي ، ومحمد بن مروان ، وعلي بن غراب ، ويحيى بن سلمة بن كهيل ، وإسماعيل بن جعفر المديني ، وشريك بن عبد الله ، ومحمد بن عبد العزيز التيمي ، والفضل بن عياض ، وأبي ليلى السجستاني ، وعبد الله بن المبارك ، وأكثر من الأخذ عنه ، ووصفه بأنه الثقة ، كما روى عن القاضي الكوفي القاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله
ـ 53 ـ
بن مسعود ، وأكثر من الرواية عنه (4) ، كما روى عن المفضل الضبي الراوية المشهور (5) ، وكذلك أخذ عن أعراب وثق بهم مثل أبي الجراح العقيلي ، واسمه جرو بن قطن ، وأبي زياد الكلابي ، وأبي ثروان العكلي ، كما روى عن أبي صدقة البريدي (6) 0
... وقد تلمذ للفراء عدد كبير من الطلاب ، يضيق عنهم الحصر ، فقد روى الخطيب البغدادي (7) عن أبي بريدة الوضاحي قوله : وأردنا أن نعد الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب المعاني ، فلم نضبط لهم عددا ؛ لكثرتهم ، فعددنا القضاة فقط ، فكانوا ثمانين قاضيا 0
__________
(1) تهذيب اللغة 1/18 ، الزجاجي ، مجالس العلماء ، ص 270
(2) غاية النهاية في طبقات القراء 2/371
(3) عبد الحميد الشلقاني ، الأعراب الرواة ، ص 70 ، 88 ، 89 ، 130 ، 141 ، 179 ، 183 ، 184 ، 186 ، 202 ، 208 ، 254
278
(4) معجم الأدباء 17/7
(5) المزهر 2/410
(6) ابن السكيت ، إصلاح المنطق ، ص 123
(7) تاريخ بغداد 14/ 150(1/51)
... أمّا أشهر تلاميذ الفراء فهم :
1 ـ راويته أبو عبد الله محمد بن الجهم بن هارون السمري :
نسبة إلى سمّر ، بلدة بين البصرة وواسط ، وقد ولد السمري في حدود سنة 188هـ وكانت وفاته سنة 277 هـ ، وله تسع وثمانون سنة (1) ، وذكر ابن الجزري أن وفاته كانت سنة 208 هـ (2) ، ويبدو أن هذا التاريخ سهو من الكاتب ، أو أن في الكلام سقطا ، والأصل 278 هـ ، وقد أخذ السمري عن الفراء وهو حدث ، فقد مات الفراء سنة 207 هـ ، وللسمري تسع عشرة سنة ، وقد روى عن الفراء تصانيفه ، وهو ثقة صادق ، وأحد الثقات من رواة المسند (3) 0
2 ـ أبو محمد سلمة بن عاصم (4) :
... صاحب الفراء ، وأحد العلماء الكوفيين ، وهو راوية ثقة ، كان عالما بالنحو ، روى عن الفراء معظم كتبه ، وكان لا يفارقه ، وتوفي وله من الكتب : كتاب غريب الحديث ، وكتاب الحلول في النحو 0
ـ 54 ـ
3 ـ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله الطوال (5) :
... أحد أصحاب الكسائي ، وهو نحوي من أهل الكوفة ، حدّث عن الأصمعي ، قدم بغداد ، وسمع منه أبو عمرو الدوري المقرئ ، توفي سنة 243 هـ ، ولا كتاب له يُعرف ، قال ثعلب (6) : كان الطوال حاذقا بالعربية ، وكان سلمة حافظا لتأدية ما في الكتب ، وكان ابن قادم حسن النظر في العلل 0
__________
(1) معاني القران 1/14 ، 150
(2) غاية النهاية في طبقات القراء 2/113
(3) تاريخ بغداد 14 / 149 ، وانظر : ابن الأثير ، اللباب في تهذيب الأنساب 2/41 ، نزهة الألباء ، ص 81
(4) انظر ترجمته في : الفهرست ، ص 101 ، طبقات النحويين واللغويين ، ص 137 ، مراتب النحويين ، ص 149 ، تهذيب التهذيب
11/212 ، تاريخ بغداد 14 / 149 ، معجم الأدباء 11/40
(5) انظر ترجمته في : الفهرست ، ص 101 ، بغية الوعاة 1/50 ، معجم الأدباء 11/243 ، طبقات النحويين واللغويين ، ص 137
(6) الفهرست ، ص 101(1/52)
4 ـ أبو جعفر محمد بن قادم (1) :
... وقيل أحمد بن قادم ، من أعيان أصحاب الفراء ، كان معلم المعتز قبل الخلافة ، وكان يؤدب ولد سعيد بن قتيبة الباهلي ، أخذ عنه ثعلب ، وله من الكتب الكافي في النحو ، والمختصر فيه أيضا ، وكتاب غريب الحديث 0
... ومن تلاميذ الفراء محمد بن سعدان ت 231 هـ (2) ، ومحمد بن حبيب (3) ، وعمر بن بكير (4) ، وجودي بن عثمان العبسي المروزي الطليطلي الأصل (5) ، وأبو عبيد القاسم بن سلام (6) وإسحاق الموصلي المغني المشهور (7) ، وهارون بن عبد الله (8) ، ومحمد بن عبد الله ، وهذان كانا مهتمين بالقراءات ، روى كل منهما قراءة الفراء ، إذ إنّ للفراء قراءة ، عزف عن اعتمادها ابن مجاهد حين سبّع القراءات 0 ...
وممن تلمذ للفراء وأخذ عنه أبو يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت (9) ، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد اليزيدي العدوي (10) ، وممن أخذ النوادر عن الفراء أبو الحسن علي بن حازم اللحياني (11) ، ومن تلاميذه أيضا شمّر أبو عمرو بن حمدويه الهروي اللغوي (12) .
ـ 55 ـ
إن من ذكرناهم من تلاميذ الفراء لا يشكلون إلاّ أقل القليل ، وحسبنا بذلك وكفى ، والواقع أن السمّري والطوال وسلمة وابن قادم ، هم الذين حملوا علم الفراء ، وأذاعوه في الدارسين ، غير أن أحدا من تلاميذ الفراء لم يستطع أن يكون صورة صادقة عن أستاذه ، أو أن تظهر فيه خصائص الفراء بوضوح ، ذلك أن الفراء كان نسيج وحده ، وكان مدرسة قائمة بذاتها 0
...
ـ 56 ـ
ي ـ وفاة الفراء زمانا ومكانا :
__________
(1) انظر ترجمته في : الفهرست ، ص 100 ، طبقات النحويين واللغويين ، ص 138 ، بغية الوعاة 1/140 ، معجم الأدباء 18/ 207
(2) طبقات النحويين واللغويين ، ص 139
(3) م 0 ن ، ص 0 ن
(4) الفهرست ، ص 156
(5) طبقات النحويين واللغويين ، ص 256
(6) الفهرست ، ص 106
(7) الأغاني 5/50
(8) غاية النهاية في طبقات القراء 2/183
(9) مراتب النحويين ، ص 152
(10) نزهة الألباء ، ص 132
(11) م 0 ن ، ص 137
(12) م 0 ن ، ص 151(1/53)
... اختلف الرواة في زمان وفاة الفراء على أربعة أقوال :
... أ ـ سنة 187 هـ
... ب ـ سنة 204 هـ
... ج ـ سنة 207 هـ
... د ـ سنة 209 هـ
أ ـ إن تاريخ سنة 187 هـ الذي جاء في هامش طبقات الزبيدي لا يتفق مع أن الفراء ولد سنة 144 هـ ، وعاش ثلاثا وستين سنة ، فإذا اعتمدنا هذا التاريخ ، تكون ولادة الفراء عام 124 هـ ، وهذا ما لم يقل به أحد من المؤرخين ، اللهم إلاّ قول الأبياري ، وقد سبق أن اعتذرنا له 0 هذا إلى أن محقق طبقات الزبيدي اعترف بأن الأصلين اللذين اعتمدهما في التحقيق محرفان ، فصحح الخطأ (1) 0
ب ـ أمّا تاريخ سنة 204 هـ الذي رواه ياقوت الحموي (2) فيتنافى مع الروايات التاريخية التي تثبت أن الفراء خرج حاجا سنة 206 هـ (3) ، فكيف يكون ميتا ثم يحج ، كما أنها تتنافى مع الروايات العديدة التي تثبت أن الفراء ألّف كتاب الحدود بأمر المأمون ، ومكث في تأليفه سنتين (4) ، أو سنين (5) في قصر الخلافة ببغداد ، مع أن المأمون دخل بغداد سنة 204 هـ (6) ، هذا فضلا عما رواه ياقوت في مكان آخر من معجمه ، إذ قال إن تاريخ الوفاة كان سنة 207 هـ (7) 0
ـ 57 ـ
ج ـ أمّا تاريخ سنة 207 هـ فهو أرجح الأقوال ؛ لتضافر معظم الروايات التاريخية عليه (8) ،
__________
(1) طبقات النحويين واللغويين ، هامش ص 133
(2) معجم الأدباء 13/5
(3) غاية النهاية في طبقات القراء 2/371
(4) وفيات الأعيان 6/181
(5) تاريخ بغداد 14/150
(6) السيوطي ، تاريخ الخلفاء ، ص 307 هـ
(7) معجم الأدباء 20/13
(8) انظر : ابن قتيبة ، المعارف ، ص 545 ، مراتب النحويين ، ص 141 ، الفهرست ، ص 100 ، تاريخ بغداد 14/155 ، البداية
والنهاية 10/261 ، معجم الأدباء 20/13 ، أخبار النحويين البصريين ، ص 51 ، نزهة الألباء ، ص 84 ، وفيات الأعيان 6/182 ،
تذكرة الحفاظ 1/372 ، النجوم الزاهرة 2/185 ، طبقات القراء 2/372 ، بغية الوعاة 2/333 ، المزهر 2/463 ، شذرات الذهب
2/19 ، أعيان الشيعة 52/20 ، مرآة الجنان 2/38 ، روضات الجنات 8/210 ، بروكلمان 2/200 ، معجم المؤلفين 13/138(1/54)
ولعدم تعارضه مع الأحداث التاريخية في حياة الفراء 0
د ـ وأمّا تاريخ سنة 209 هـ فإن رواية السمعاني (1) التي تزعم أن الفراء توفي سنة 209 هـ ، والتي وافقه عليها ابن الأثير (2) تتنافى مع الروايات التي تنص على أن الفراء توفي بعد دخول المأمون العراق بثلاث سنين (3) ، أي في سنة 207 هـ ، ثم إن طباعة كتاب الأنساب لا تشجعنا على الوثوق بها ، أمّا ابن الأثير في اللباب فقد جعل السمعاني عمدته ، ونقل عنه دونما تمحيص ، فلا يعتد بروايته 0 مما تقدم ندرك أن أوثق الأقوال هو الذي يرى أن الفراء توفي سنة 207 هـ 0
... وكما اختلف الرواة في تاريخ الوفاة ، اختلفوا في مكانها ، ومعظم المؤرخين (4) على أن الفراء توفي بطريق مكة ، في حين يذكر البغدادي في إحدى رواياته أنه مات في بغداد (5) ، وتابعه السمعاني على ذلك في إحدى رواياته (6) ، أمّا ابن الجوزي فقد قال إنه مات أثناء عودته من مكة بعد أداء فريضة الحج (7) ، وتابعه على ذلك محققا كتاب المعاني (8) ، في حين
عكس بروكلمان الأمر ، وجعل الوفاة قبل أداء فريضة الحج (9) ، وأن الفراء توفي في طريقه إلى مكة 0
ـ 58 ـ
... والراجح أنه توفي أثناء عودته من مكة ، بعد أداء فريضة الحج ، إذ إن ابن الجزري أكّد ذلك في طبقاته ، ونصّ على الوفاة أثناء الرجوع 0
__________
(1) الأنساب ، ص 420
(2) اللباب في تهذيب الأنساب 2/414
(3) أخبار النحويين البصريين ، ص 51
(4) مراتب النحويين ، ص 414 ، طبقات النحويين واللغويين ، ص 133 ، الفهرست ، ص 100 ، معجم الأدباء 20/13 ، وفيات
الأعيان 6/182 ، تاريخ بغداد 14/155 ، الأنساب ، ص 420 ، أعيان الشيعة 52/24 ، نزهة الألباء ، ص 84 ، المعارف ، ص
545 ، معجم المؤلفين 13/138
(5) تاريخ بغداد 14/155
(6) الأنساب ، ص 420
(7) طبقات القراء 2/372
(8) معاني القرآن ، المقدمة 1/10
(9) تاريخ الأدب العربي 2/200(1/55)
... وهكذا فقد انتقل الفراء إلى رحمة ربه سنة 207 هـ ، بعد أداء فريضة الحج ، عن ثلاث وستين سنة ، قضاها في خدمة العربية ، بعزيمة لا تعرف الكلل ، بل التبتل في محراب العلم ، قال سلمة بن عاصم (1) : دخلت عليه في مرضه ، وقد زال عقله ، وهو يقول : إنْ نصبا فنصبا ، وإنْ رفعا فرفعا 0
... وهو القائل (2) ـ أي الفراء ـ أموت وفي نفسي شيء من حتى ؛ لأنها تخفض وترفع وتنصب 0
... رحم الله أبا زكريا رحمة واسعة ، وأسكنه فسيح جنانه ، بقدر ما بذل من جهد ، وما أخلص من نية 0
ـ 59 ـ
الفصل الثالث : آثار الفراء :
للفراء مؤلفات كثيرة ، كان يمليها على طلابه دون كتاب ؛ لقوة حافظته ، ذكر منها السيوطي (3) أحد عشر كتابا ، وتابعه على ذلك طاشكبري زادة (4) ، أمّا ابن النديم (5) فقد ذكر ثلاثة عشر كتابا ، وتابعه على ذلك ابن خلكان (6) ، ومن ثم اسماعيل باشا البغدادي (7) ، أمّا ياقوت الحموي (8) فقد ذكر تسعة عشر كتابا 0
لقد كان الناس يتشوفون إلى كتب الفراء ، ولا سيما كتاب المعاني ، وكتاب المشكل ، حتى أنهم كانوا يشترونها من الوراقين ، كل خمس أوراق بدرهم (9) 0
وقد ذكر المخزومي (10) أن ما وصلنا من كتب الفراء لا يزيد عن كتابين هما : كتاب المعاني وكتاب الأيام والليالي والشهور ، وربما كان هذا الكلام صحيحا حتى تاريخ طبع كتابه ، فقد وصلنا فضلا عما ذكر كتاب المذكر والمؤنث ، الذي حققه مصطفى الزرقا ، وكتاب المقصور والممدود الذي حققه عبد العزيز الميمني الراجكوتي ، أمّا كتاب المعاني فقد حققه كل من أحمد يوسف نجاتي ، ومحمد علي النجار ، وحقق كتاب الأيام والليالي والشهور إبراهيم الأبياري 0
ـ 60 ـ
__________
(1) روضات الجنات 8/210
(2) وفيات الأعيان 6/180
(3) بغية الوعاة 2/333
(4) مفتاح السعادة 1/179 ـ 180
(5) الفهرست ، ص 100
(6) وفيات الأعيان 6/182
(7) هدية العارفين 2/514
(8) معجم الأدباء 20/13 ـ 14
(9) بروكلمان 2/199 ـ 200
(10) مدرسة الكوفة ، ص 131(1/56)
أ ـ آثار الفراء المطبوعة
1 ـ كتاب الأيام والليالي والشهور :
لهذا الكتاب خطره في الميدان اللغوي ، فهو يمثل ـ مع أمثاله ـ حلقة من المؤلفات اللغوية التي سبقت وضع المعاجم ، فكانت لها خير معين 0
إنّ ممارسة هذا الكتاب تحتاج إلى مجهود كبير ، وصبر أطول ، وقد أحسّ محقق الكتاب إبراهيم الأبياري بهذا العبء ، فزفر في مقدمته زفرات كانت منها هذه الكلمات (1) : وبين يديّ واحدة للفراء حسبي أن أعنى بها ، وأصبر لها ، وما أظن واحدة للفراء بالأمر اليسير 0
وهذا الكتاب مادته اللغة ، يتناول فيه الفراء موضوعا خاصا ، يتعلق بالأيام والليالي والشهور ، وأسمائها العامة المعروفة ، وأسمائها التي يستعملها فريق من العرب دون فريق ، وعرض أيضا لإفرادها وتثنيتها وجمعها ، وقد بناه على ثلاثة عشر بابا 0
والكتاب مصدّر بذكر الفراء ، وقد تكرر فيه اسمه منقولا عنه ، مما يوحي بأنه للفراء ، وأنه أملاه شأنه في الكثير من كتبه ، غير أن كتب اللغة تجيء بنقول كثيرة مثل تلك التي انتظمها كتاب الأيام والليالي والشهور ، فلا تذكر نقلا واحدا معزوا للفراء ـ أعني القديم منها ـ كما تفعل في الكثير ، فهذا ابن سيده ت 458 هـ يفرد للأيام والليالي والشهور صفحات ينقل فيها عن كثير من الأئمة لم يذكر الفراء من بينهم (2) ، وهذا حاجي خليفة يذكر علم أيام العرب ، ويذكر ثلاثة كتب ، لم يذكر منها كتابا للفراء (3) وعلم الأيام عند حاجي خليفة ، علم يبحث في الوقائع العظيمة ، والأهوال الشديدة بين قبائل العرب ، ومما لا شك فيه أن ما يقصده حاجي خليفة بالأيام غير الذي قصد إليه الفراء ، أمّا القلقشندي ، فقد أفرد فصلا في معرفة الأزمنة والأوقات (4) ، عمدته فيه
ـ 61 ـ
__________
(1) الأيام والليالي والشهور ، مقدمة المحقق ، ص 1
(2) المخصص 9/37 ـ 60
(3) كشف الظنون 1/204
(4) صبح الأعشى 2/329 ـ 430(1/57)
النقل عن أبي جعفر النحاس ت 338 هـ ، غير ان الذي يعنينا من هذا نقله وهو يتكلم عن الاثنين (1) ، بعد أن ساق رأيا لابن قتيبة في أدب الكاتب ، ثم قال : وحكى ابن النحاس مثله عن كتاب الفراء في الأيام ، وهي الإشارة الأولى ـ فيما نعلم ـ التي يبرز فيها كتاب الأيام منسوبا إلى الفراء ، ونترك القلقشندي إلى النويري ت 733 هـ فنجده هو الآخر قد خص الليالي والأيام والشهور بقسم من كتابه (2) ، ونجده هو الآخر ينقل عن ابن النحاس ، غير أنه يذكر كتابا لابن النحاس أودعه الكلام عن الليالي والأيام والشهور ، إذ يقول : هذا ما وصفه ابن النحاس في وصف صناعة الكتّاب 0وننتقل إلى السيوطي ت 911 هـ فنراه يصرح بنقله عن الفراء (3) في كتاب الأيام والليالي 0
غير أننا لا نلبث أن يطالعنا في هذا الكتاب الذي حققه الأبياري اسم أبي جعفر محمد ابن قادم صاحب الفراء ، مع بعض النقول يرويها ، ونرى ابن قادم مرة أخرى يروي عن أبي مسحل عن الكسائي بابا كاملا ، هو باب الهلال وما فيه (4) ، ولم يُذكر اسم الفراء في هذا الباب 0
ونمضي فنرى ابن كناسة ، وهو شيخ عاصر الفراء ، وترك الدنيا عام تركها الفراء ، له محل من الكتاب (5) يُروى فيه عنه ، ولو أن الأمر جرى في سائر الكتاب كما جرى في أوله ، تُصدّر النقول باسم الفراء ، أو تُردّ إليه ، ما ساورنا شك في أنه له إملاء ، ولكن هذه النقول المختلفة عن إمامين هما الكسائي وابن كناسة ، تجعلنا نقف موقف الريث والأناة ، ولا تجعلنا على يقين من صاحب الكتاب 0
إن الفراء شيخ إملاء ، وطلبة العلم عنه يأخذون ، واسمه تردد في الكتاب ، فهو لا شك أملى أكثره ، والكسائي مأخوذ عنه في هذا الكتاب ، ما في ذلك شك ، وابن كناسة هو
ـ 62 ـ
__________
(1) صبح الأعشى 2/352
(2) نهاية الأرب في فنون الأدب 1/125 ـ 187
(3) المزهر ، ص 219 ، 518 ، 546
(4) الأيام والليالي والشهور ، ص 27 ـ 30
(5) م 0 ن ، ص 45(1/58)
الآخر مروي عنه ، ولكن هذا المروي عنه قليل ، وثمة نقول أخرى جاءت مع كلمة ويقولون (1) ، ولولا هذا لسكتنا عنها ، وعددناها للفراء يمليها ، لم يبق إلاّ أن يكون
الكتاب الذي بين أيدينا من جمع جامع، جمع فيه عن الفراء ، وعن هذين الشيخين ، كما أضاف إلى النقول المسندة نقولا أخرى منقطعة ، وقد يكون للفراء فيه كثير أو قليل وقد تكون الصفحات الأولى التي كثر فيها النقل له ، لهذا غلب اسم الأيام على هذا الكتاب على أنه للفراء ، وإن لم يكنه في جملته 0
وفي هذا الكتاب المحقق كرر الفراء النقل عن العرب أكثر من عشرين مرة ، إذ يقول : ومن العرب ، كما استعمل الفراء في هذا الكتاب ألفاظا فاتت المعاجم ، وكتب العربية (2) 0
إننا نزعم أن هذا الكتاب الذي حققه الأبياري هو غير كتاب الفراء ، وأن كتاب الفراء ما زال في ضمير الغيب 0
2 ـ كتاب المذكر والمؤنث :
لم يكن الفراء هو الوحيد الذي ألف في المذكر والمؤنث ، فقد شاركه في هذه التسمية أكثر من واحد ، ذكر منهم حاجي خليفة ثلاثة عشر مؤلفا (3) ، وقد حقق مصطفى الزرقا هذا الكتاب ، وأخطأ محققا كتاب المعاني حين أطلقا عليه اسم مصطفى الزرعي (4) 0
تناول الفراء في هذا الكتاب الحديث عن علامات التأنيث الثلاث ، هذا فضلا عن أنواع التأنيث الأخرى ، وقد أملاه سنة أربع ومئتين (5) 0
__________
(1) الأيام والليالي والشهور ، ص 46
(2) الأيام والليالي والشهور ، ص 10 ، 29 ، 56 ، 63 0000 ، وانظر : مجلة مجمع اللغة العربية ، عنوان المقالة : في الجانب الإحصائي
اللغوي ، بقلم أحمد علم الدين الجندي ، عدد 28 ، هامش ص 182
(3) كشف الظنون 2/1457 ـ 1458
(4) معاني القرآن ، مقدمة التحقيق 1/11
(5) المذكر والمؤنث ، مقدمة المحقق ، ص 2(1/59)
كان الفراء في هذا الكتاب متأنقا على غير عادته ، سهل العبارة ، عذب الحديث ، ولا غرو في ذلك ، فقد ألفه لعبد الله بن طاهر (1) ، ولعل هذا كان سببا في سهولة عبارته ، وعذب حديثه ، ولكن هذا التأنق لم يخرج الفراء عن طرائقه في التأليف ، والتي من مظاهرها وضع الأصول العامة بعد التقصي والاستقراء ، ثم الاعتداد بالقياس ، والتوجيه إلى استعماله ، وغرضه من ذلك إثراء اللغة العربية عن طريق
ـ 63 ـ
القياس، ويكثر الفراء في هذا الكتاب من الاستشهاد بالآيات القرآنية كثرة ملحوظة ، بل إنه يتوغل ، فيستشهد بالقرآن ليدعم به رأيا رآه في تفسير بيت من الشعر ، كما أنه يحتج في هذا الكتاب بالقراءات القرآنية ، ومن بينها قراءة أبي بن كعب ، وقراءته هو ، إذ يقول : وفي قراءتنا (2) ، ويحتج بالحديث النبوي الشريف ، مخالفا منهج البصريين والكوفيين على السواء ، وينسب اللغات إلى مواطنها مثل الحجاز ونجد واليمن ، وأحيانا إلى قبائلها مثل بني أسد ، وبني تميم ، وبني عامر ، والفراء في هذا الكتاب يفوق جميع من كتب في المذكر والمؤنث في العزو إلى لهجات القبائل (3) ، ويرجع ذلك ـ فيما نرى ـ إلى أن الفراء قد ألف كتابا ما زال مفقودا في اللغات ، استفاد منه ، ونقل عنه فيما يختص بلهجات القبائل 0
__________
(1) معجم الأدباء 5/113
(2) المذكر والمؤنث ، ص 6
(3) مجلة مجمع اللغة العربية ، عدد 28 ، ص 195(1/60)
ونرى الفراء في هذا الكتاب يمزج بين الآراء البصرية ، والآراء الكوفية ، مع استقلال في شخصيته ، فمن مظاهره البصرية أنه كان يلتمس العلل والأسباب شأن البصريين ، والمذهب الكوفي مبني على عدم التعليل ، وهذا يتضح من قول الكسائي : ( أيٌّ هكذا خلقت ) وهكذا خلقت جوهر المنهج الوصفي ، الذي يستغني عن التعليل ، والتماس الأسباب ، ولكن انظر إلى الفراء حين عرض لوزن مفعال مثل مذكار ومدرار ، حيث قال (1) : ولا يقال من هذا شيء بالهاء وذلك أنه انعدل عن الصفات انعدالا أشد من انعدال صبور وشكور 0
والفراء في هذا الكتاب ـ كعادته ـ يستلهم روح العربية ، وينادي بمبدأ نادى به بعض المعاصرين ، وهو أن للشعر أسلوبا يختلف عن أسلوب النثر ، كما نلاحظ في ثنايا الكتاب سليقة المعلم ، استمع إليه يقول (2) : وما أتاك مما لم أملله عليك فاعمل به إذا لم يكن للذكر فيه حظ 0
ـ 64 ـ
وقد أجاز الفراء في هذا الكتاب طرائق لغوية مثل تأنيث عجوزة ، والحالة بالتاء ، وتأنيث زوجة 0
3 ـ كتاب معاني القرآن :
هذا الكتاب أهم كتاب وصل إلينا من آثار الفراء ، كما أنه أول كتاب تفسير وصل إلينا (3) وفضلا عن التفسير فإنه كتاب لغة ، وكتاب قراءات ، وكتاب نحو ، ولعل هذا ما دفع السيوطي إلى القول (4) : وباختلاف القوم عارف 0
ويروى أن الفراء ابتدأ في إملاء هذا الكتاب بعد أن فرغ من إملاء كتاب الحدود (5) ، وعليه فإن كتاب المعاني أملي على الناس والفراء يدرج نحو الستين ، أي بعد استقراره الذهني والمذهبي (6) ، وإذاً فهذا الكتاب يمثل المرحلة التي انتهى إليها علم الفراء في الثقافة العربية بوجه عام 0
__________
(1) المذكر والمؤنث ، ص 7
(2) م 0 ن ، ص 41
(3) أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة ، ص 267
(4) بغية الوعاة 2/333
(5) تاريخ بغداد 14/150 ، نزهة الألباء ، ص 81 ، معجم الأدباء 20/12
(6) عبد الفتاح شلبي ، أبو علي الفارسي وآثاره في القراءات والنحو ، ص 258(1/61)
ويفهم من عنوان الكتاب أنه يعني ما يشكل في القرآن ، ويحتاج إلى بعض العناء في فهمه ، ولم يكن الفراء هو الوحيد الذي صنف في معاني القرآن ، فقد ذكر ابن النديم ثمانية عشر كتابا في معاني القرآن (1) ، وذكر حاجي خليفة ستة عشر كتابا (2) ، بيد أن الفراء كان من أوائل الذين صنفوا في هذا العلم 0
وراوية الكتاب هو محمد بن الجهم السمري ، وقد أجمع المؤرخون على ذلك ، وكان الكتاب ينسخ في حياة الفراء ، وكان للسمري مزيد عناية بالكتاب ، وربما كان الفراء يطلع على ما يدونه السمري ، ومن ثم فقد نسبت رواية الكتاب إليه ، بيد أن هناك نسخة أخرى لم تشتهر ، فقد ذكر البغدادي (3) عن محمد بن الجهم أن الفراء كان يخرج
ـ 65 ـ
إلى طلابه ، فيجلس ، فيقرأ أبو طلحة الناقط عشرا من القرآن ، فيملي الفراء من حفظه المجلس ، ثم يجيء سلمة بن عاصم ، فيأخذ كتاب بعض الطلاب ، فيغير ويزيد وينقص لذا وقع الاختلاف بين نسخة السمري ، ونسخة سلمة 0
ولكن هل كان تأليف كتاب المعاني بعد كتاب الحدود أو قبله ؟
إننا نبادر فنقول : إنّ إملاء كتاب المعاني قد سبق إملاء كتاب الحدود ، وإنّ ما رواه المؤرخون من أن الحدود أسبق ، فيه قدر غير قليل من مجافاة الحقيقة ، ونحن لا نلقي القول جزافا ، فلدينا ما يؤيد زعمنا ، يقول السمري في صدر الكتاب (4) : هذا كتاب فيه معاني القرآن ، أملاه علينا أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء ـ يرحمه الله ـ من حفظه من غير نسخة في مجالسه أول النهار من أيام الثلاثاوات والجمع في شهر رمضان وما بعده من سنة اثنتين ومن شهور سنة ثلاث وشهور من سنة أربع ومئتين 0
فإذا كان الفراء قد ألف كتاب الحدود للمأمون ، ولم يدخل المأمون العراق إلاّ في سنة أربع ومئتين (5) ، وفي شهر صفر بالذات ، فإن المعاني يكون تأليفه قبل تأليف الحدود 0
__________
(1) الفهرست ، ص 51 ـ 52
(2) كشف الظنون 2/1730
(3) تاريخ بغداد 14/152 ـ 153
(4) معاني القرآن 1/1
(5) تاريخ الخلفاء ، ص 307(1/62)
إنّ هذا الكتاب يعدّ موسوعة للعلوم التي تهم المتعلمين في عصر الفراء ، فقد جمع فيه مؤلفه النحو واللغة والتفسير والرواية ، ويوهم كلام ثعلب أنّ هذا الكتاب هو أول كتاب بهذا الاسم ، إذ يقول (1) : لم يعمل أحد قبله ولا أحسب أن أحدا يزيد عليه ، والصحيح أن الكسائي ألف قبله كتابا في المعاني ، قال فيه الأزهري (2) : وهو كتاب حسن ، وهو دون كتاب الفراء في المعاني 0
وأهمية الكتاب تكمن في أن مؤلفه لم يكن يقصد إلى تفسير القرآن على النحو الذي نفهمه من كلمة التفسير ، وإنما كان يرمي إلى أن يتخذ من النص القرآني نموذجا للعربية ، يقيم عليه تحليله اللغوي ، وهذا بدوره يدل على أن النحو لم يوضع لحفظ القرآن من اللحن ، وإنما كان ليساعد على فهم النص القرآني 0
ـ 66 ـ
ويروى أن الفراء ألف هذا الكتاب لعمر بن بكير (3) ، غير أن ابن العماد (4) يذكر أنه ألفه للمأمون ، فإذا علمنا أن تأليف المعاني قد سبق وصول المأمون إلى بغداد ، أدركنا أن رواية ابن العماد ينقصها التحقيق 0
والفراء يتبع القرآن سورة سورة ، ثم يختار من كل سورة ما يراه من الآيات بحاجة إلى تفسير لغوي ، وهو في غضون ذلك يقدم النحو الكوفي في أهم مصدر من مصادره جميعا ، فقد نقل إلينا هذا الكتاب نحو الفراء ، بل نحو المدرسة الكوفية ؛ لأن أكثر ما كان للكوفيين من آراء إنما هو للفراء (5) ، ولو تصفحنا كتب النحو المتأخرة ، ورصدنا نقولها عن الفراء ، وعن سائر الكوفيين ، لرأينا نقولها عن الفراء تزيد عن نقولها عن سائر الكوفيين ، هذا فضلا عن النقول التي خلت من النسبة إلى أحد الأئمة ، ونسبت إلى الكوفيين بعامة ، ونحسب أنها للفراء بخاصة 0
__________
(1) الفهرست ، ص 99
(2) تهذيب اللغة 1/16
(3) الفهرست ، ص 99 ، طبقات النحويين واللغويين ، ص 132 ـ 133
(4) شذرات الذهب 2/19
(5) مدرسة الكوفة ، ص 133(1/63)
إنّ كتاب المعاني هو المصدر الذي صدرت عنه كتب النحو تحمل آراء الفراء النحوية ، والنبع الذي استقى منه أتباع المذهب الكوفي ، وقد تناهت إلى أبي العباس ثعلب نسخة من هذا الكتاب ، كان يمليها على أصحابه ، ولم يكن أبو بكر الأنباري ممن حضر الإملاء ، لذا كان يقول (1) : ما أسيت على شيء كما أسيت على تركي السماع لكتاب المعاني للفراء من أبي العباس أحمد بن يحيى ، وإنما كان يقطعني عنه الحديث 0
لقد بنى الفراء كتابه على التفسير ، ولكنه حشا تفسيره بكثير من التفسيرات اللغوية لشرح غريب القرآن ، وبكثير من الآراء النحوية لإعراب ما يشكل إعرابه من آياته ، موضحا آراءه بكثير من النقول عن العرب بسماعه هو ممن وثق بهم من فصحاء الأعراب كأني ثروان ، أو بروايته عن الكسائي ، وبحكايته عن يونس أحيانا (2) ، ومستشهدا بأقواله في إعراب الآيات بكثير من القراءات ، وشواهد الشعر التي صحت روايتها عنده 0
ـ 67 ـ
__________
(1) طبقات النحويين واللغويين ، ص 137
(2) مدرسة الكوفة ، ص 133(1/64)
ومن خلال هذا الكتاب تتجلى خصائص منهج الفراء في معالجة النص القرآني ، فنراه أحيانا يفسر الآية بآية أخرى ، وأحيانا يفسرها بقراءة مغايرة ، وتارة يفسر الآية بحديث نبوي شريف ، وطورا يفسرها بأقوال الصحابة رضي الله عنهم ، أو بأقوال السلف الصالح من التابعين وتابعيهم ، من غير أن يرفعها إلى الصحابي ، وتراه أحيانا يروي عن المفسرين ، غير أنه لا يعتمد عليهم كثيرا ، بل يورد إلى جانب آرائهم رأيه الخاص ، وتارة يفسر القرآن بالشعر تفسيرا مباشرا ، وطورا يفسر القرآن في ضوء ما يقوله العرب ، وكثيرا ما نراه في معانيه ، وعلى عادته في سائر كتبه ، يستلهم روح العربية (1) ، كما يعرض لفنون أخرى كأسباب التنزيل (2) ، أو يشير إلى عادات العرب وتقاليدهم في الجاهلية ، وفي النادر ما يجنح إلى التفسير بالظاهر ، وإن كان في الغالب لا يرضيه ، ويحكّم الإعراب في ترجيح تفسير على آخر ، ويحكّم الصرف في ترجيح قراءة على قراءة ، كما أنه يدرك أن اللغة لها منطقها الخاص ، فلا تخضع للمنطق العقلي ، وإنما يكون بينها اتفاق واختلاف ، وكثيرا ما ينبه إلى طرائق العرب في أساليب التعبير ، وبخاصة إذا كانت خارجة عن الكثير المألوف ، أو كانت مما يتوهم الناس أنه لا يجوز ، أو أنه مصيب في التعبير ، كما أنه يعرض للمزالق التي تزل فيها أقدام المتكلمين ، فينبه إليها ، ويبسط فيها القول ، ويضع القوانين ، كما أنه يراعي السياق العام في الآية ، ولهذا فضّل قراءة غير سبعية على أخرى سبعية مراعاة لهذا السياق ، ومن ذلك قراءة [ ثومها ] على [ فومها ] (3) 0
__________
(1) معاني القرآن 1/64 ، 3/164
(2) م 0 ن 3/ 165 ، 169 ، 199 ، 235 ، 245
(3) م 0 ن 1/43(1/65)
والفراء يتعقب أبا عبيدة معمر بن المثنى ، ويغمز منه ، ولا يصرح باسمه ، بل يكني عنه بقوله (1) : من لا يفهم العربية ، والفراء لاحظ الألفاظ القرآنية وما لها من إيحاء ، فأدرك أن الأسلوب القرآني قد استثمر هذا الإيحاء حين استعمل الدواهي للتخويف من العذاب ، وهو يتذوق الموسيقى القرآنية في فواصل الآيات ، ويجيز الزيادة في القرآن
ـ 68 ـ
الكريم ، وإن كان يعبر عنها بقوله ( صلة ) للتأدب مع هذا النص العلوي ، ويجيز القلب في القرآن الكريم أيضا ، وقد لا حظ ظاهرة الأضداد ، وأشار إلى جواز النسخ في القرآن الكريم ، واهتم بالرسم القرآني (2) ، ويتلخص موقفه في الرسم القرآني في أنه يعتمد أحيانا على الرسم ، وتارة يخالفه ، وأخرى يحاول التوفيق بين رسم المصحف والقاعدة العربية ، من غير أن ينحاز إلى جانب ، ونجد في كتاب المعاني أمثلة اصطنعها الفراء من أسلوبه ؛ توضيحا لبعض الشواهد أو القواعد 0
وللفراء أكثر من لازمة في التعبير ، ومن ذلك قوله : أحبّ إليّ (3) ، وأعجب إليّ ، ولا تنكرن (4) ، ولا تبال (5) ، ولست أشتهي ذلك (6) ، ولا أستحبه (7) ، ولا أشتهيه ، وكل حسن ولكن الأول أشبه بالصواب (8) ، وهذه العبارات تشير إلى التوثيق من طرف خفي 0
والفراء في المعاني ينسب الشواهد الشعرية تارة ، وأخرى يعفيها من النسب ، حتى وإن كانت معلومة لديه ، أمّا استشهاده بالقراءات وعراضه لها فذلك كثير ، وأحيانا ينسب القراءة ، وأخرى يعفيها من النسب 0
__________
(1) م 0 ن 1/8 ، وانظر لسان العرب ، مادة ( غير )
(2) معاني القرآن 1/1 ، 337
(3) م 0 ن 1/21 ، 75 ، 88 ، 143 ، ، 245
(4) م 0 ن 1/40
(5) م 0 ن 1/5 ، 6 ، 112
(6) م 0 ن 1/20 ، 3/ 184
(7) م 0 ن 1/20
(8) م 0 ن 1/43 ، 3/199(1/66)
هذا هو منهج الفراء في معالجة النص القرآني ، أمّا منهجه في العرض والتناول فطريقته فيه طريقة منهجية ترقى بالأدلة ، فهو مثلا يعرض حذف الحرف الواحد (1) أولا ، ثم يسوغه بسماعه حذف الحرفين معا ، ثم يأتي بالشاهد الذي حذف منه ثلاثة حروف ، وهو قولهم : أيش عندك ، وطريقته في العرض أنه يبدأ بالكليات ، وهذا يذكرنا بطريقة أو بنظرية ( الشكل ) ، كما أنه يعرض للقراءات ، ويهتم بها توضيحا وتنظيرا ، وهو يحتج بالحديث النبوي الشريف ، مخالفا بذلك جمهور النحاة ، ويهتم بوضع القواعد العامة ، بعد المسائل الجزئية ، ويظهر طابع النحو في تفسيره ، إلى جانب الدراسات العربية الأخرى كالبلاغة مثلا ، ويعتمد في تفسيره
ـ 69 ـ
على العقل والنقل ممثلا في القرآن الكريم ، والحديث النبوي الشريف ، والأشعار العربية ، والفصيح من الأمثال 0
وعلى العموم فإن طريقة الفراء تتجلى في الضبط والتقعيد ، والاعتداد بالقياس ، فبعد أن يعرض المسائل الجزئية ، يضع لها القاعدة الكلية ممثلا ومستشهدا بالآيات القرآنية والروايات العربية ، هذا فضلا عن خصائصه التعبيرية المذكورة آنفا 0
4 ـ كتاب المقصور والممدود :
ألف الفراء كتاب المقصور والممدود ، وشاركه في هذه التسمية جماعة ذكر منهم حاجي خليفة (2) اثنين وعشرين مؤلفا ، وأردف بقوله : وغيرهم 0 وقد حقق هذا الكتاب عبد العزيز الميمني الراجكوتي ، غير أنه ذكر على صفحة الغلاف كتاب المنقوص والممدود ، وكنا نظن هذا من قبيل التصحيف والتحريف ، غير أن محقق الكتاب يقول (3) : وأمّا رسمه بكتاب المنقوص والممدود فقد قفوت فيه الأصل 0
__________
(1) م 0 ن 1/2
(2) كشف الظنون 2/1461 ، 1462
(3) المنقوص والممدود ، مقدمة المحقق ، ص 6(1/67)
وقد جاء هذا الكتاب عند ابن النديم (1) ، وياقوت الحموي (2) ، والسيوطي (3) ، وابن منظور (4) ، وعلي بن حمزة (5) باسم المقصور والممدود ، والأوفق أنه كذلك ( المقصور والممدود ) لأن فيه بعض الكلمات آخرها ألف زائدة ، فلا تسمى منقوصة (6) 0
وهذا الكتاب يرويه عن الفراء أبو محمد سلمة بن عاصم الكوفي (7) 0
ـ 70 ـ
لقد قسم الفراء هذا الكتاب على أحد عشر بابا ومقدمة ، وأسلوبه في هذا الكتاب أسلوب علمي جاف ، وفيه أشياء كثيرة فاتت لسان العرب وحده ، وفيه مما فات لسان العرب وتاج العروس معا ، وفيه ما فات ابن ولاد في كتابه المقصور والممدود (8) 0
والفراء في هذا الكتاب يستشهد ـ كعادته ـ بالآيات القرآنية والشعر والأمثال ، ويبدي اهتماما برسم المصحف ، وفي هذا الكتاب عبارات نظن أنها دخيلة عليه ، كقوله (9) : فما كان على مذهب 0000 وغيرها ، والفراء في هذا الكتاب لا ينسب أبيات الشعر إلاّ في القليل (10) ، وتظهر سليقة المعلم في معظم صفحات الكتاب ، ويحفل بالسماع كقوله (11) : ولا يقاس عليهما ، إلاّ أن تسمع شيئا من بدوي فصيح فتقوله 0
ولأبي بكر بن دريد قصيدة في المقصور والممدود في أكثر من ستين بيتا ، يرى محقق الكتاب (12) أنها ربما قيلت في كتاب الفراء ، وهذا مما يعظم أثره ، ويرفع خطره ، وينوه بشأنه ، وينبه على مكانته 0
ـ 71 ـ
ب ـ آثار الفراء المفقودة
__________
(1) الفهرست ، ص 100
(2) معجم الأدباء 20/14
(3) بغية الوعاة 2/333
(4) لسان العرب ، مادة ( سبى )
(5) التنبيهات ، ص 119
(6) المنقوص والممدود ، مقدمة المحقق ، ص 6
(7) م 0 ن ، ص 7
(8) المنقوص والممدود ، ص 7
(9) م 0 ن ، ص 15
(10) م 0 ن ، ص 28 ، 35 ، 39
(11) م 0 ن ، ص 13
(12) م 0 ن ، ص 7(1/68)
لقد ضاعت أكثر كتب الفراء ، شأن الكثير من التراث العربي ، على أثر الأحداث الجسام التي مرت على هذه الأمة ، وأدت إلى ضياع الكثير من كتب التراث ، قال أبو حيان عندما كان عند إسماعيل بن عباد الوزير الصاحب (1) : 00 فلم أر بعد ذلك إلاّ الخير ، حتى عراه ـ يعني إسماعيل بن عباد ـ نوك آخر ، فوضعني في الحبس سنة ، وجمع كتبي ، وأحرقها بالنار ، وفيها كتب الفراء والكسائي ومصاحف القرآن 0
ومثل هذا الخبر قليل من كثير ، وإذا ما قيس هذا الخبر بالطامة الكبرى التي أدت إلى اجتياح بغداد من قبل التتار ، ومن ثم الأمريكان في هذا العصر ، فإن مثل ذاك الخبر لا يكاد يذكر ، كل ذلك أدّى إلى ضياع كتب التراث ، ومن كتب الفراء التي لم تر النور بعد :
1 ـ كتاب آلة الكتّاب :
وقد ذكره كل من : ابن النديم (2) ، وياقوت الحموي (3) ، وابن خلكان (4) ، والسيوطي (5) ، وطاشكبرى زادة (6) ، ومحمد فريد وجدي (7) ، وكحالة (8) ، وإسماعيل باشا البغدادي (9) 0
ولعل اسم هذا الكتاب يوحي بموضوعه ، إنه كتاب تعليمي على مستوى رفيع ، هو مستوى الكتاب ، لا مستوى المبتدئين ، وربما كان موضوعه معلومات لغوية بمعنى عام ، يستعين بها الكاتبون 0
ـ 72 ـ
2 ـ أمالي الفراء :
قال ثعلب (10) : لمّا مات الفراء لم يوجد له إلاّ رؤوس أسفاط فيها مسائل تُذكِّره ، وأبيات شعر ، وقال ابن الجهم (11) : ما رأيت مع الفراء كتابا قط إلاّ في كتاب يافع ويفعة وكتاب ملازم 0
__________
(1) معجم الأدباء 6/216
(2) الفهرست ، ص 100
(3) معجم الأدباء 20/14
(4) وفيات الأعيان 6/181
(5) بغية الوعاة 2/333
(6) مفتاح السعادة 1/179
(7) دائرة معارف القرن العشرين 7/143
(8) معجم المؤلفين 13/138
(9) إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون 1/5
(10) تاريخ بغداد 14/153
(11) م 0 ن ، ص 0 ن(1/69)
لا شك في أن هذه الأسفاط كانت من تأليف الفراء ، وكان يستعين بها عند الإملاء ؛ لتذكره إن نسي ، وتعينه على تسلسل أفكاره عند الإملاء على الطلاب ، وربما كانت هذه هي الأمالي 0
3 ـ كتاب البهي :
جاء هذا الكتاب عند ابن النديم (1) ، وياقوت (2) ، والقفطي (3) ، وابن خلكان (4) ، وكبري زادة (5) وإسماعيل باشا البغدادي (6) باسم البهيّ ، وقد ذكره محمد فريد وجدي باسم البها (7) ، ويبدو أنهما اسمان لمسمى واحد ، فقد ذكره محققا كتاب المعاني باسم البهي أو البهاء (8) ، وقد ذكره السيوطي مع إضافة جديدة إذ أطلق عليه اسم البهاء فيما تلحن فيه العامة (9) ، ويبدو لنا أن الأمر قد التبس على السيوطي حين نقل عن السالفين ، فجعل الكتابين كتابا واحدا ، أو أن هذا الخلط أثر من آثار التصحيف والتحريف 0
ألف الفراء هذا الكتاب لعبد الله بن طاهر (10) ، وكتاب البهي كما يقول ابن خلكان (11) : صغير الحجم وقد وقفت عليه 000 ورأيت فيه أكثر الألفاظ التي استعملها أبو العباس
ـ 73 ـ
__________
(1) الفهرست ، ص 100
(2) معجم الأدباء 20/13
(3) إنباه الرواة ج 2 ، قسم 3 ، ص 319 من المخطوطة
(4) وفيات الأعيان 6/181
(5) مفتاح السعادة 1/179
(6) إيضاح المكنون في الذيل كشف الظنون 2/279 ، هدية العارفين 2/514
(7) دائرة المعارف 7/143
(8) معاني القرآن ، مقدمة التحقيق
(9) بغية الوعاة 2/333
(10) معجم الأدباء 20/13
(11) وفيات الأعيان 6/181(1/70)
ثعلب في كتابه الفصيح ، وهو في حجم الفصيح ، غير أنه غيره ورتبه على صورة أخرى ، وعلى الحقيقة ليس لثعلب في الفصيح سوى الترتيب ، وزيادة يسيرة ، وفي كتاب البهي أيضا ألفاظ ليست في الفصيح قليلة ، وليس في الكتابين اختلاف ، إلاّ في شيء قليل لا غير0ونحن نرتضي أمانة ابن خلكان ، ولا نرى ما رآه بعضهم اعتمادا على عبارة ابن خلكان أن ثعلبا قد عدا على الكتاب ، وزاد فيه القليل ، ونسبه إليه ، وأغفل ذكر الفراء ، فثعلب زاد على الكتاب ، وعمل فيه الترتيب ، ثم أن ثعلبا من المشهود لهم بالأمانة والتقى (1) 0
وبما أن كتاب البهي مفقود ، والفصيح موجود ، ومكانة الفصيح معروفة بين كتب اللغة فلا شك في أنها مكانة للبهي ، يقول ثعلب في موضوع الفصيح (2) : هذا كتاب اختيار فصيح الكلام ، بما يجري في كلام الناس وكتبهم ، فمنه ما فيه لغة واحدة ، والناس على خلافها ، فأخبرنا بصواب ذلك ، ومنه ما فيه لغتان وثلاث وأكثر ، فاخترنا أفصحهن * ، ولا شك أن هذا هو موضوع البهي 0
4 ـ كتاب التحويل :
كل ما نعلمه عن هذا الكتاب أن محمد بن الجهم ذكره في قصيدته التي قالها في رثاء الفراء (3) 0
5 ـ كتاب التصريف :
وهذا الكتاب أيضا أغفله المترجمون ، وذكره محمد بن الجهم في قصيدته التي قالها في رثاء الفراء (4) ، وقد ذكر عبد القادر البغدادي (5) أثناء حديثه عن قراءة حمزة والأعمش في قوله تعالى [ بمصرخي ] (6) بكسر الياء هذا الكتاب ، هذا مبلغ علمنا بهذا الكتاب 0
ـ 74 ـ
6 ـ كتاب الجمع والتثنية في القرآن :
__________
(1) أبو بكر بن العربي ، العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ص 191
(2) محمد أمين الخانجي ، الطرف الأدبية لطلاب العلوم العربية ، ص 3
* الأفصح أن يقول فصحاهن ، انظر شرح ابن عقيل على الألفية 2/181
(3) تاريخ بغداد 14/154
(4) م 0 ن ، ص 0 ن
(5) خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب 4/329
(6) إبراهيم 22(1/71)
ذكره الأزهري (1) ، وابن النديم (2) ، وياقوت (3) ، وابن خلكان (4) ، والسيوطي (5) ، وكبرى زادة (6) ، ومحمد فريد وجدي (7) 0
7 ـ كتاب الجمع واللغات :
أشار الفراء إلى هذا الكتاب في كتابه المذكر والمؤنث (8) ، وهذا يدفعنا إلى القول بأن هذا الكتاب كان أسبق في التأليف من كتاب المذكر والمؤنث ، ويبدو أن بين هذا الكتاب وكتاب الجمع والتثنية في القرآن عموما وخصوصا 0
8 ـ كتاب الحدود :
روي أن الفراء ألف هذا الكتاب بأمر أمير المؤمنين المأمون (9) ، كما روي أنه ألفه لجماعة من أصحاب الكسائي ، حيث قال أبو العباس ثعلب (10) : كان السبب في إملائه أن جماعة من أصحاب الكسائي ذهبوا إليه وسألوه أن يملي عليهم أبيات النحو ، ففعل ، فلما كان المجلس الثالث قال بعضهم لبعض : إن دام هذا على هذا علّم النحو الصبيان ، والوجه أن يُقعد عنه ، فقعدوا ، فغضب ، وقال : سألوني القعود ، فلما قعدت تأخروا ، والله لأملين النحو ما اجتمع اثنان ، فأملى ذلك ست عشرة سنة 0
نستنتج من كلام ثعلب أن كتاب الحدود من أشهر كتب الفراء ، وربما كانت شهرته أوسع من شهرة كتاب المعاني ، غير أن الكتاب مفقود ، كما نستنتج أن هناك خلافا في سبب تأليفه ، ففي الرواية الأولى أنه ألفه بأمر المأمون ، الذي طلب إليه أن يجمع أصول النحو ، وأقعده في قصر الخلافة ، ووكل به الجواري والخدم والكتاب ، حتى أنهم كانوا يخبرونه بأوقات الصلاة ، وفي الرواية الثانية أنه ألفه بطلب من
ـ 75 ـ
__________
(1) تهذيب اللغة 1/18
(2) الفهرست ، ص 100
(3) معجم الأدباء 20/14
(4) وفيات الأعيان 6/181
(5) بغية الوعاة 2/333
(6) مفتاح السعادة 1/179
(7) دائرة المعارف 7/143
(8) المذكر والمؤنث ، ص 30
(9) تاريخ بغداد 14/149 ـ 150 ، معجم الأدباء 20/12 ، نزهة الألباء ، ص 81
(10) الفهرست ، ص 99(1/72)
أصحاب الكسائي ، وواضح أن موضوع الكتاب هو النحو والعربية ، كما نستنتج سهولة منهج الفراء ، وتيسير النحو حتى على الصبيان ، وأن ما قيل من أن الفراء كان يتفلسف في تصانيفه لا نجد له أثرا في كتاب الحدود ، وذلك بشهادة أصحاب الكسائي ، وأن الفراء قد تصدى للتدريس بعد موت الكسائي 0
وتختلف الروايات في تقدير مدة التأليف ، فمن قائل ست عشرة سنة ، كما جاء في الفهرست ، ومن قائل في سنتين (1) ، ومن قائل في سنين (2) بالجمع والإبهام 0
وللتوفيق بين كل ما سبق نفترض أن الفراء بدأ بإملاء الحدود عقب وفاة الكسائي سنة 189 هـ ـ فيما يبدو لنا ـ استجابة لرغبة أصحاب الكسائي ، وظل يملي ، فلما اتصل بالمأمون سنة 204 هـ ، وأمره بأن يجمع أصول النحو والعربية ، نشط للأمر من جديد ، وعكف عليه في دار الخلافة ، حتى أكمله في سنتين ، بعد الأمر الذي كلفه به المأمون ، ولا بدّ أنه استفاد مما كان أملاه على أصحاب الكسائي من قبل 0
ولنفترض أنه بدأ بالأمر سنة 190 هـ ، أي بعد وفاة الكسائي بسنة واحدة ، وانتهى من إملائه بعد اتصاله بالمأمون بسنتين ، أي سنة 206 هـ ، وبذا تكون سنوات الإملاء ست عشرة سنة (3) 0
وبهذا نكون قد وفّقنا بين الروايات التي تقول إنه ألفه في سنتين ، وتلك التي تقول في ست عشرة سنة ، فمن قال في سنتين اعتبر أن التأليف بدأ بعد أمر المأمون بسنتين ، والتي تقول في ست عشرة سنة تعتبر أن الفراء بدأ بالتأليف بعد موت الكسائي ، وعندما جاء المأمون أكّد على ذلك ، فيكون مجموع المدة يساوي ست عشرة سنة 0
ـ 76 ـ
__________
(1) وفيات الأعيان 6/181
(2) تاريخ بغداد 14/ 150 ، بروكلمان 2/199
(3) أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة ، ص 179(1/73)
أمّا الروايات التي تقول إنه إنه ألفه في سنتين ، والتي تقول في سنين ، فيبدو لنا أن الأمر قد يكون تصحيفا ، فابن خلكان الذي قال إنها سنتان ، نقل مقالة البغدادي الذي قال إنها سنون ، فمصدر الروايتين واحد ، والاختلاف وليد تصحيف ، والتصحيف جائز الوقوع بين ( سنتين ) و ( سنين ) ، والأمر لا يعدو أن يكون اختلافا في وضع النقاط على الحروف 0
أمّا أن تأليف الحدود كان أسبق من تأليف المعاني ، فهذا ما لا نرتضيه ، وقد سبق أن بيّنا ذلك 0
وكما اختلف المؤرخون في سبب التأليف ومدته ، اختلفوا في عدد الحدود ، قال الزبيدي (1) : والحدود في النحو ستون حدا ، سمعها أبو العباس ثعلب ، عن سلمة بن عاصم ، عن الفراء ، ومثل ذلك قال القفطي (2) ، ويعزز هذه الرواية ما جاء في مرثية ابن الجهم ، حيث قال (3) :
... ... ستين حدّاً قاسها عالما ... ... أملّها بالحفظ من شدوه
أمّا السيوطي (4) فقد ذكر أنها ستة وأربعون حدا ، وتابعه على ذلك حاجي خليفة (5) ، ولم يذكر ابن النديم العدد ، ولكنه ذكرها حدا بعد الآخر (6) ، وعند إحصائها وجدناها خمسة وأربعين حدا ، ويبدو لنا أن سبب الخلاف عائد إلى الإيجاز والإسهاب ، فمن عمد إلى الإيجاز أدمج حدين أو أكثر في حد واحد ، كما في حد ( إذ ، وإذا ، وإذاً ) ، ومن أسهب جعل لكل شيء حدا مستقلا ، وقد قمنا بإحصاء الحدود ، بعد أن عددنا حد ( إذ ، وإذا ، وإذاً ) ثلاثة حدود ، وكذا في الحدود التي أُدمجت مع بعضها بعضا ،
ـ 77 ـ
__________
(1) طبقات النحويين واللغويين ، ص 137
(2) إنباه الرواة ج 2 ، قسم 3 ، ص 310 المخطوطة 0
(3) تاريخ بغداد 14/154
(4) بغية الوعاة 2/133
(5) كشف الظنون 1/625
(6) الفهرست ، ص 100(1/74)
فوجدناها ستين حدا ، لذا نرجح أنها ستون حدا ، وقد ذهب أحمد أمين (1) ، وعبد الفتاح شلبي (2) إلى أن اسم الكتاب يدل على تأثر بالمنطق ، على الرغم من قول الزبيدي والحدود في النحو (3) ، فهي إذاً نحو ، وليست من المنطق في شيء ، غير أننا نراها نحوا بمعناه العام ، وليس من كتب الفراء كتاب واحد جامع لأصول النحو ومسائله ، أو متخصص لموضوعات النحو سوى كتاب الحدود ، كما تشعرنا به الموضوعات التي بني عليها الكتاب ، والتي ذكرها ابن النديم ، وخير ما يقال في كتاب الحدود إنه كتاب جمع بين أصول النحو ، وما سمع من العربية (4) 0
ومن خلال الحدود التي أوردها ابن النديم نلمح في الفراء التقعيد والضبط بحد كذا وكذا ، كما نلاحظ بعض المصطلحات التي ابتكرها الفراء ، مثل اصطلاح العماد ، وما يجري وما لا يجري ، ويقابلان ضمير الفصل ، وما ينصرف وما لا ينصرف عند البصريين ، ونلاحظ بعض الخصائص الإعرابية لمذهب الفراء ، مثل إعراب الأسماء الخمسة ، إذ يرى في بعض أقواله أنها معربة من مكانين ، وقد رأيناه في هذه الحدود يفسح لها مكانا ، حيث يقول (5) : حد المعرب من مكانين 0
9 ـ كتاب حروف المعجم :
وهذا الكتاب لم يذكره أحد من المترجمين القدماء ـ فيما نعلم ـ وأول إشارة إليه جاءت عند ابن رشيق القيرواني (6) حيث قال : والفراء قد نصّ في كتاب حروف المعجم أن القافية هي حرف الروي ، وتبعه على ذلك أكثر الكوفيين 0
وذكره بروكلمان (7) ، ونحن لا نستطيع أن نتبين موضوع الكتاب من هذا النص المقتضب ولا نجزم أن الكتاب في القوافي وأحكامها ، فالكتاب ما زال في طي الكتمان 0
ـ 78 ـ
__________
(1) ضحى الإسلام 2/308
(2) أبو علي الفارسي ، ص 266
(3) طبقات النحويين واللغويين ، ص 137
(4) أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة ، ص 137
(5) الفهرست ، ص 100
(6) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده 1/153
(7) تاريخ الأدب العربي 2/ 200(1/75)
10 ـ كتاب اختلاف أهل الكوفة والبصرة والشام في المصاحف :
ذكره ياقوت (1) ، وكحالة (2) ، وهو من الآثار المفقودة ، ويدل اسمه على ما كان عليه الفراء من اهتمام باختلاف الأمصار في المصاحف ، كما يدل على مدى اهتمامه بالدراسات القرآنية على وجه العموم 0
11 ـ كتاب الفاخر :
ذكر بروكلمان (3) أن مخطوطة هذا الكتاب موجودة في مكتبة الفاتح رقم ( 4009 ) ، وذكر الأنصاري أنه رأى هذه النسخة ، وقال (4) : إنها للمفضل بن سلمة بن عاصم ، وليس من شك في أن للفراء كتابا يسمى الفاخر ، فعدم وصوله إلينا ، شأن العديد من كتب الفراء ، لا يشكك في الحقيقة التاريخية التي أشار إليها ابن النديم (5) ، وياقوت (6) ، وابن خلكان (7) ، وإسماعيل باشا البغدادي (8) ، ومحمد فريد وجدي (9) الذي ذكره باسم المفاخرة ويبدو أنه خطأ مطبعي 0
ولا شك في أن المفضل بن سلمة في فاخره قد تأثّر بفاخر الفراء ، فما هو موضوع الفاخر ؟ إن كتاب الفاخر للمفضل بن سلمة يتناول قوالب تعبيرية ، شاعت على ألسنة الناس ، ولاكتها أفواههم ، حتى صار الذهن ينصرف إلى فهم دلالاتها المجازية المكتسبة ، ومؤلف الكتاب يرد هذه التعبيرات إلى أصول دلالاتها اللغوية 0
إن اسم الفراء يتردد كثيرا في مواضع كثيرة من كتاب المفضل ، فنحن أمام أمرين ، إمّا أن يكون الكتاب للفراء ، وإمّا أن يكون المفضل كتب كتابه هذا ، بحيث أضاف إلى فاخر الفراء ونسبه إلى نفسه ، كما حدث في كتاب البهي للفراء 0
ـ 79 ـ
__________
(1) معجم الأدباء 20/14
(2) معجم المؤلفين 13/ 138
(3) تاريخ الأدب العربي 2/200
(4) أبو زكريا الفراء ، ص 188
(5) الفهرست ، ص 100
(6) معجم الأدباء 20/14
(7) وفيات الأعيان 6/181
(8) هدية العارفين 2/514 ، إيضاح المكنون 2/317
(9) دائرة المعارف 7/143(1/76)
والأمر الثاني أشبه بالصواب ، أمّا محقق كتاب الفاخر للمفضل بن سلمة فيقول (1) : فكأن اختصارا حدث في الفاخر لابن صاحب الفراء ، فقال الناس : الفاخر للفراء ، ومعنى هذا أن المحقق عبد الحليم الطحاوي ينكر وجود فاخر للفراء ، وهذا رأي يخالف الحقائق التاريخية ، التي ذكرت أن للفراء فاخرا ، ثم أن مثل هذا الاختصار الذي أورده المحقق لم يحدث ـ فيما نعلم ـ لكتب التراث 0
12 ـ كتاب فعل وأفعل :
ذكره ابن النديم (2) ، وياقوت (3) ، والسيوطي (4) ، ولكنهم لم يذكروا شيئا عن موضوع الكتاب ، وقد ذكر محمد الطنطاوي (5) أنه كتاب في الصرف 0
13 ـ الكتاب الكبير في النحو :
ذكره الأزهري (6) ، ويبدو لنا أن الفراء لمّا رأى إقبال الناس على كتاب سيبويه ، أراد أن يحاكي الكتاب ، فألف كتابه هذا تعريضا بالكتاب 0
14 ـ كتاب اللغات :
ذكره ابن النديم باسم كتاب لغات القرآن (7) ، تحت عنوان الكتب المؤلفة في لغات القرآن ، وفي مرة ثانية ذكره باسم كتاب اللغات (8) ، ولم يضفه إلى القرآن الكريم ، وذكره محمد محسن آغا بزرق الطهراني (9) باسم كتاب لغات القرآن ، وقد ذكره باسم كتاب اللغات كل من ياقوت الحموي (10) ، وابن خلكان (11) ، والسيوطي (12) ،
ـ 80 ـ
__________
(1) الفاخر ، مقدمة المحقق
(2) الفهرست ، ص 100
(3) معجم الأدباء 20/14
(4) بغية الوعاة 2/333
(5) نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة ، ص 46
(6) تهذيب اللغة 1/18
(7) الفهرست ، ص 53
(8) م 0 ن ، ص 100
(9) الذريعة إلى تصانيف الشيعة 18/331
(10) معجم الأدباء 20/14
(11) وفيات الأعيان 6/181
(12) بغية الوعاة 2/333 ، المزهر 1/96(1/77)
وكبرى زادة (1) ، واليافعي (2) ، وإسماعيل باشا البغدادي (3) ، وأغلب الظن أن اسم الكتاب هو لغات القرآن ، لأن الفراء اعتنى عناية فائقة بالدراسات القرآنية ، وجعلها ميدانا لبحثه لغة ونحوا وصرفا وقراءة وتفسيرا ، وأن ابن خلكان أطلق على هذا الكتاب اسم اللغات من قبيل الاختصار ، وتابعه المؤرخون على ذلك ، وقد سبق أن ذكرنا أن أحمد علم الدين الجندي قرر بأن الفراء يفوق جميع من كتب في اللغات 0
15 ـ كتاب ما تلحن فيه العامة :
ذكره الزركلي (4) على أنه كتاب مستقل ، أمّا السيوطي (5) فقد ألصقه بكتاب آخر ، هو البهيّ ، الذي نقله باسم البهاء ، وقال : البهاء فيما تلحن فيه العامة 0
16 ـ كتاب مجاز القرآن :
ذكره العاملي (6) وقال : إن بعض المعاصرين نسب هذا الكتاب للفراء ، وعقّب على ذلك بقوله : عدّ بعض المعاصرين من المؤلفين في مجاز القرآن الفراء يحيى بن زياد النحوي ، ولم نجد أحدا ذكر له مؤلفا في ذلك بعد مزيد التتبع 0
17 ـ كتاب مختصر في النحو :
ذكر الأنصاري (7) أن الزركلي قد ذكر هذا الكتاب ، وعلق على ذلك بقوله : ولم يذكره غيره فيما نعلم 0
لقد راجعنا كتاب الأعلام للزركلي فلم نجد فيه للفراء كتابا بهذا الاسم ، والصحيح أن هذا الكتاب لأبي عمر الجرمي ، وأن الخلط جاء من عبارة السيوطي عند ترجمته للجرمي حيث قال (8) : وناظر الفراء 00 وله تصانيف 00 ومختصر في النحو 0
فسبق إلى الذهن أن المختصر في النحو للفراء ، وليس الأمر كذلك 0
ـ 81 ـ
18 ـ كتاب مشكل اللغة الصغير :
19 ـ كتاب مشكل اللغة الكبير :
__________
(1) مفتاح السعادة 1/179
(2) مرآة الجنان 2/41
(3) هدية العارفين 2/514 ، إيضاح المكنون 2/325
(4) الأعلام 9/178
(5) بغية الوعاة 2/333
(6) أعيان الشيعة 1/209
(7) أبو زكريا الفراء ، ص 198
(8) بغية الوعاة 2/ 8 ـ 9(1/78)
للفراء كتابان في مشكل اللغة ، أحدهما صغير ، والآخر كبير ، ذكرهما البغدادي (1) ، وياقوت (2) ، ويبدو من العنوانين أن موضوعهما اللغة 0
20 ـ كتاب المصادر في القرآن :
ذكره ابن النديم (3) باسم المصادر في القرآن ، وتابعه على ذلك ابن خلكان (4) ، وياقوت (5) ، والسيوطي (6) ، وكبرى زادة (7) ، واليافعي (8) ، وكحالة (9) ، ومحمد فريد وجدي (10) ، وقد ذكره حاجي (11) خليفة باسم مصادر القرآن ، وتابعه على ذلك إسماعيل باشا البغدادي (12) ، وذكره العاملي (13) تحت عنوان مؤلفو الشيعة في معان شتى من القرآن ، أما الأزهري فقال (14) : وله كتاب في مصادر القرآن 0
واضح من عنوان الكتاب أنه في دراسات الفراء القرآنية ، وهو ما يزال مطويا في ضمير الغيب 0
ـ 82 ـ
21 ـ كتاب ملازم :
كل ما نعرفه عن هذا الكتاب قول المؤرخين (15) : إن الفراء عند إملائه لكتبه لم يُر معه نسخة إلاّ في كتابين : كتاب ملازم ، وكتاب يافع ويفعة 0
ومعنى ذلك أن الفراء عندما أملى كتاب ملازم هذا كانت بيده نسخة يملي منها ، ونرجح أن تكون هذه النسخة من أمالي الفراء ، التي سبق الحديث عنها ، قال أبو بكر بن الأنباري (16) : ومقدار الكتابين ـ يعني ملازم ويافع ويفعة ـ خمسون ورقة ، ومقدار كتب الفراء ثلاثة آلاف ورقة 0
__________
(1) تاريخ بغداد 14/150
(2) معجم الأدباء 20 / 14
(3) الفهرست ، ص 100
(4) وفيات الأعيان 6/181
(5) معجم الأدباء 20/14
(6) بغية الوعاة 2/333
(7) مفتاح السعادة 1/179
(8) مرآة الجنان 2/41
(9) معجم المؤلفين 13/138
(10) دائرة المعارف 7/143
(11) كشف الظنون 2/1703
(12) هدية العارفين 2/514
(13) أعيان الشيعة 1/214
(14) تهذيب اللغة 1/18
(15) تاريخ بغداد 14/153 ، معجم الأدباء 20/14 ، وفيات الأعيان 6/181 ، إنباه الرواة 4/16
(16) نزهة الألباء ، ص 81(1/79)
ولكن ، ما المراد بالملازم ؟ يقول إبراهيم السامرائي (1) : والذي أراه أنه جاء في تصانيف الفراء في الكتاب نفسه ـ يعني إنباه الرواة ـ حد ملازمة دخل ، أي الكلام على أن ( دخل ) فعل لازم لا متعد ، وهو كراسة من كراريس كتابه الكبير الموسوم بالحدود ، وعلى هذا أرى أن ملازمة تصحفت في النص إلى ملازم 0
22 ـ كتاب الندبة :
أهمل المؤرخون هذا الكتاب ، ولم يذكره أحد من المحدثين ـ فيما نعلم ـ ، وجاء اسم هذا الكتاب في أحد مجالس الزجاجي إذ يقول (2) : يقول ثعلب : فأقبل ـ يعني محمد بن عبد الله بن طاهر ـ يسألني عن كتاب الندبة للفراء ، وأنا أجيبه ، فسألني عن خمس مسائل منه ، فتوخيت أن أتيت بلفظ الكتاب ، فرفع يده عن الكتابين ، وكان على فخذه اليمنى شعر الراعي ، وعلى فخذه اليسرى كتاب الندبة ، وهو يسألني عن بيت من هذا ، ومسألة من هذا 0
هذا كل ما نعرفه عن هذا الكتاب 0
ـ 83 ـ
23 ـ كتاب النوادر :
__________
(1) مع المصادر في اللغة والأدب 1/292
(2) مجالس العلماء ، ص 102(1/80)
ذكره ابن النديم (1) ، وابن خلكان (2) ، وياقوت (3) ، والسيوطي (4) ، وكبرى زادة (5) ، وحاجي خليفة (6) ، وإسماعيل باشا البغدادي (7) ، واليافعي (8) ، ومحمد فريد وجدي (9) ، وذكره السيوطي (10) في المزهر باسم النوادر واللغات ، وأحسب أنه يقصد كتابين ، لا كتابا واحدا ، وذكره الأزهري إذ قال (11) : وللفراء كتاب في النوادر أسمعنيه أبو الفضل0 ويروي البغدادي (12) أن الصاغاني ذكر كتاب النوادر في العباب الزاخر بقوله : قال الفراء في النوادر ، ويروي الزبيدي (13) أن الفراء إذا أملّ كتابه في النوادر ، ودخل علي بن حازم اللحياني ، أمسك عن الإملاء ، حتى يخرج ، فإذا خرج قال : هذا أحفظ الناس للنوادر ، ويذكر الصاغاني (14) أنه استخرج مادة كتابه ـ يعني التكملة والذيل والصلة ـ من كتب النوادر ، ويذكر كتاب الفراء في النوادر من بين هذه الكتب 0
وقد ألف في النوادر عدد كبير من العلماء ، ذكر منهم عزة حسن (15) خمسة وأربعين عالما من بينهم الفراء ، والمقصود بالنوادر الألفاظ التي جاءت على غير القياس ، ومن
ـ 84 ـ
__________
(1) الفهرست ، ص 100
(2) وفيات الأعيان 6/181
(3) معجم الأدباء 20/ 14
(4) بغية الوعاة 2/333
(5) مفتاح السعادة 1/179
(6) كشف الظنون 2/1980
(7) هدية العارفين 2/514
(8) مرآة الجنان 2/41
(9) دائرة المعارف 7/143
(10) المزهر 1/96
(11) تهذيب اللغة 1/18
(12) خزانة الأدب 4/43
(13) طبقات النحويين واللغويين ، ص 195
(14) التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربية 1/8
(15) أبو مسحل الأعرابي ، كتاب النوادر ، مقدمة المحقق 1/26 ـ 30(1/81)
ذلك ما جاء في كتاب المنقوص والممدود للفراء ، إذ قال (1) : فكلما جاءت ألف مضموما أوله فهو ممدود ، إلاّ ثلاثة أحرف نوادر ، ومثال ذلك ما جاء عند ابن السكيت حيث قال (2) : ما كان على مفعل ومفعلة فيما يعتمل فهو مكسور الميم مثل مِخرز ومِقطع ومِسلة ومِخدة إلاّ أحرف جاءت نوادر بضم الميم 00 0
ونميل إلى القول بأن مثل هذا هو ما يقصد بالنوادر عند الفراء 0
24 ـ كتاب الهاء :
ألف الفراء هذا الكتاب إلى الأمير عبد الله بن طاهر (3) ، بتكليف من والده طاهر ، ولسنا نعلم ما يحويه هذا الكتاب 0
25 ـ كتاب الواو :
ذكره ياقوت (4) ، وابن خلكان (5) ، والقفطي (6) ، ومحمد فريد وجدي (7) ، ويبدو أن الكتاب كان موجودا إلى عهد القفطي ت 646 هـ ، إذ يقول القفطي في ترجمة الفراء (8) : ورأيت له بحلب كتاب الواو في مجلد عند رجل يعرف بابن المغربي الوكيل في مجلس القضاء ، ثم تطلبته بعد موته ، فما ظفرت به 0
26 ـ كتاب الوقف والابتداء :
ذكره ابن النديم (9) ، وابن خلكان (10) ، وياقوت (11) ، واليافعي (12) ، وإسماعيل باشا
ـ 85 ـ
__________
(1) المنقوص والممدود ، ص 14
(2) إصلاح المنطق ، ص 218
(3) بغية الوعاة 2/396
(4) معجم الأدباء 20 /14
(5) وفيات الأعيان 6/181
(6) إنباه الرواة ج 2 ، ق 3 ، ص 320 المخطوطة
(7) دائرة المعارف 7/143
(8) إنباه الرواة ج 2 ، ق 3 ، ص 320 المخطوطة 0
(9) الفهرست ، ص 100
(10) وفيات الأعيان 6/181
(11) معجم الأدباء 20 / 14
(12) مرآة الجنان 2/41(1/82)
البغدادي (1) ، ومحمد فريد وجدي (2) ، وكحالة (3) ، ويبدو أن الكتاب في الدراسات القرآنية ، وليس في الدراسات النحوية ، هذا ما قاله باحث محقق ، هو محمد علي النجار ، وقد صرح ابن الجهم في مرثيته بأنه في القرآن الكريم إذ قال : والوقف في القرآن 000 ، كما أن ابن النديم وضعه تحت عنوان الكتب المؤلفة في الوقف والابتداء في القرآن ، وعلى العموم فهو كتاب دراسات تأخذ طابع الدراسات العربية بوجه عام 0
27 ـ كتاب يافع ويفعة :
ذكره البغدادي (4) ، والأزهري (5) ، وياقوت (6) ، وهو من جملة الذخائر المفقودة ، يقول الصاغاني (7) أنه استخرج مادة كتابه التكملة والذيل والصلة مما يربو على ألف مصدر ، ويأخذ بذكر بعضها ، ثم يذكر كتاب الهمز لأبي زيد ، وكتاب يافع ويفعة له 0
فهل صحيح أن كتاب يافع ويفعة لأبي زيد ؟ أم أن الأمر قد اختلط على الصاغاني ؟
إن ما قاله الصاغاني لا يغير من الحقيقة التاريخية التي أجمع عليها المؤرخون ، وأن الفراء لم يحمل كتابا وهو يملي إلاّ في كتابين : كتاب ملازم ، وكتاب يافع ويفعة ، كما مرّ آنفا ، كما أن وجود كتاب لأبي زيد بهذا الاسم ، لا ينفي أن يكون للفراء كتاب بهذا الاسم أيضا ، وقد ورد هذا الكتاب عند ابن حجر (8) باسم نافع ونفعة ، ونعتقد أن التصحيف هو السبب في هذه التسمية ؛ لإجماع الروايات على أن اسم الكتاب هو يافع ويفعة ، وتضافرها على ذلك ، والاختلاف في رواية ابن حجر إنما هو وليد اختلاف في وضع النقاط على الحروف 0
الباب الثاني
ـ 87 ـ
الفصل الأول ــ الكوفة :
__________
(1) إيضاح المكنون 2/349
(2) دائرة المعارف 7/143
(3) معجم المؤلفين 13 / 138
(4) تاريخ بغداد 14 / 153
(5) تهذيب اللغة 1/18
(6) معجم الأدباء 20 / 14
(7) التكملة والذيل والصلة 1/8
(8) تهذيب التهذيب 11/213(1/83)
... لم تعرف الكوفة بهذا الاسم قبل تمصيرها ، فقد أطلق عليها اسم الكوفة عند تمصيرها ، واختلف المؤرخون في أصل هذه التسمية ، قال البكري (1) : ويقال لها أيضا كوفان ، وإنما سميت الكوفة لأن سعدا لمّا افتتح القادسية ، نزل المسلمون الأنبار ، فآذاهم البق ، فخرج ، فارتاد لهم موضع الكوفة ، وقال : تكوفوا في هذا الموضع ، أي : اجتمعوا والتكوف التجمع ، قال القتبي : والكوفة رملة مستديرة ، وقال محمد بن سهل : سميت الكوفة لأن جبل ساتيدما محيط بها كالكفافة عليها ، وقيل : بل سميت بجبل صغير كان فيها يسمى كوفان 0
... كما قيل إن المواضع المستديرة من الرمل تسمى كوفاني ، وبعضهم يسمي الأرض التي فيها الحصباء مع الطين والرمل كوفة (2) ، وذكر ياقوت الحموي (3) والحميري (4) أقوالا كثيرة ، من بينها أنها سميت بجبل كان يقال له كوفان ، وعليه اختطت 0
... وكان موضعها جزءاً من الضفة الغربية للفرات الأوسط ، إلى الشرق من مدينة الحيرة ، وتقع إلى الغرب من النجف ، على بعد عدة أميال منها ، والقاصد إليها لا يرى في طريقه إلاّ الرمال الحمراء ، التي تخالطها الحصباء 0
... ويبدو أن العرب الذين ارتادوها ، ووصلوا موضعها من جهة الشمال ، كانوا قد رأوا هذه الرمال في طريقهم ، فسموها باسمها ، وكان العرب يسمون الرملة الحمراء كوفة ، فقد قال الفيروزابادي (5) : الكوفة بالضم : الرملة الحمراء المستديرة ، أو كل رملة تخالطها حصباء 0
__________
(1) معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع 4/1141 ـ 1142 ، لسان العرب ، مادة ( كوف )
(2) البلاذري ، فتوح البلدان ، ص 275
(3) معجم البلدان 7/295
(4) الروض المعطار في خبر الأقطار ، ص 501
(5) القاموس المحيط ، مادة ( كوف )(1/84)
وهي الآن في المكان نفسه الذي اختطت عليه ، وإن تقلص حجمها في العهد العثماني (1) ، فقد كانت تتبعها في الإدارة بابل وعين التمر وغيرها (2) ، ثم أصبحت في العهد العثماني ناحية صغيرة ، تتبع في إدارتها قضاء النجف ، وظلت كذلك حتى أيامنا هذه (3) 0
ـ 88 ـ
لقد أنشأتها الجيوش الإسلامية التي اشتركت في معركة القادسية ، وفتح المدائن في العراق ، فقد طلب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص يأمره أن يتخذ للمسلمين دار هجرة ، فأتى الأنبار ، فكثر على الناس الذباب والبق ، فتحول إلى موضع آخر ، فلم يصلح ، فتحول إلى الكوفة ، فاختطها ، وأقطع الناس المنازل ، وأنزل القبائل منازلهم ، وبنى مسجدها ، وذلك سنة 17 هـ (4) 0
وذكر الحميري أن الكوفة هي أول مدينة اختطها المسلمون في العراق ، في سنة 14 هـ (5) ، ويبدو أن الرجل أراد البصرة ، فسبقت الكوفة إلى ذهنه ، فروايات التاريخ المتعددة ، تذكر أن تمصير الكوفة كان سنة 17 هـ ، ونسي الحميري أنه ذكر في الصفحات المتقدمة من كتابه أن البصرة قد بُصِّرت سنة 14 هـ ، وكُوِّفت الكوفة سنة 17 هـ (6) ، ولعل السبب في هذا الخلط هو ما ذكرناه 0
__________
(1) مدرسة الكوفة ،
(2) لويس ماسنيون ، خطط الكوفة وشرح خريطتها ، ص 2
(3) مدرسة الكوفة ، ص 2
(4) فتوح البلدان ، ص 274
(5) الروض المعطار ، ص 501
(6) م 0 ن ، ص 51(1/85)
وقد نمت الكوفة بعد تمصيرها بسرعة تلفت الانتباه ، حتى أصبحت بعد مدة وجيزة المدينة الكبرى في العراق ، والمصر الأعظم ، وقبة الإسلام (1) ، وقد شهدت منذ تمصيرها هجرات العرب المتتابعة ، وسكانها من صرّح العرب (2) ، اختصها بالمهاجرة أمراء القبائل ، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، والأشراف ، وأغلبهم من أهل اليمن ، وشمال الجزيرة العربية ، وهي تضم عددا كبيرا من أهل البيوتات العربية العريقة ، التي كان لها مركز مرموق في الجاهلية (3) ، وكان فيها من أهل اليمن اثنا عشر ألفاً ، ومن نزار ثمانية آلاف ، وكان أهل اليمن في الناحية الشرقية منها (4) 0
وأهل الكوفة يمثلون المجتمع الأرستقراطي ، وثقافتها تمثل الثقافة العربية الإسلامية العريقة بقراءاتها ، وحديثها ، وفقهها ، وتفسيرها ، ويغلب على أهل الكوفة التشيع (5) ، وإلى جانب هذه المجموعات العربية في هذا المصر عناصر فارسية ، وهي أكبر مجموعة بعد العرب ، وأخرى من السريان ، والنبط ، والنصارى ، واليهود 0
ـ 89 ـ
وأهل الكوفة على قلة أموالهم أهل تجمل وتستر ، وكفاف وعفاف ، وهي طيبة الهواء ، عذبة الماء ، وهي دار العرب ، ومادة الإسلام ، ومعدن العلم ، وقرارة الدين ، ومحال الصحابة والتابعين ، والعلماء الصالحين ، وجيوش المسلمين والمجاهدين (6) ، فيها هبط سبعون رجلا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ممن شهدوا بدرا ، وثلاثمئة من أصحاب الشجرة (7) ، وهي بلاد العرب ، ووجهة العراق ، وغاية الطلب ، ومنزل خيار الصحابة ، وأهل الأدب 0
__________
(1) م 0 ن ، ص 501
(2) م 0 ن ، ص 0 ن 0
(3) عبد العال سالم مكرم ، القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية ، ص 121
(4) فتوح البلدان ، ص 275
(5) شمس الدين المقدسي ، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ، ص 293
(6) الروض المعطار ، ص 106
(7) ابن سعد ، الطبقات الكبرى 6/9(1/86)
ولا يزيد سكانها الآن على عشرة آلاف نسمة ، ارتحل إليها معظمهم من النجف ، ويعتمد أهلها في حياتهم على التجارة ؛ لأنها منفذ النجف إلى العراق الأوسط (1) ، وكان سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول فيها : أهل الكوفة أهل الله ، وهي قبة الإسلام (2) 0
ولعل شهرة الكوفة قد بدأت منذ عرفت بكوفة الجند ؛ نظرا لمكانتها العسكرية ، بل زمن كانت فيها قاعدة الخلافة الإسلامية ، في عهد علي كرم الله وجهه ، إذ كان يقول فيها : الكوفة كنز الإيمان ، وجمجمة الإسلام ، وسيف الله ورمحه ، يضعه حيث يشاء (3) ، وقال عمر بن الخطاب عندما ذكر أهل الكوفة : رمح الله ، وكنز الإيمان ، وجمجمة العرب ، يجزون ثغورهم ، ويمدون الأمصار (4) 0
ـ 90 ـ
أ ـ بين الكوفة والبصرة :
كانت بلاد العراق موطنا للنشاط العلمي بعامة ، واللغوي بخاصة ، ففيها نشأت العلوم العربية ، وكان مركز هذا النشاط في مدينتي البصرة والكوفة ، وبفضل جهود السابقين من علماء المصرين ، اتسع أفق هذا النشاط ، فلم تكن في القرن الهجري الأول مدينة تستطيع منافستهما ، ففيهما وضعت علوم العقائد والفقه ، ثم نشأت في كلتا المدينتين مدرسة للنحو واللغة (5) 0
__________
(1) مدرسة الكوفة ، ص 2
(2) الطبقات الكبرى 6/6 ، وابن الفقيه ، البلدان ، ص 163
(3) الطبقات الكبرى 6/6 ، وابن الفقيه ، البلدان ، ص 143
(4) الطبقات الكبرى 6/5
(5) بارتولد ، تاريخ الحضارة الإسلامية ، ص 41(1/87)
وقد سبقت البصرة الكوفة في دراسة النحو بنحو مئة عام ، ولذلك أسبابه ، فلم يكن الخطر في أية بيئة إسلامية جديدة كما كان في البصرة ، حيث السواد من سكانها نبط وعجم وهنود ، وحيث صراع اللغات عنيف ، بل حيث تكاد تكون لكل قبيلة عربية لهجة خاصة ، ويبدو أن هذا ما جعل أهل البصرة يلجأون إلى البدو الذين يفدون على المربد ، وفي الناحية الأخرى نرى غير العرب يتطلعون إلى معرفة لغة العرب لحاجات شتى ومعقدة ، ربما لإسلامهم ، وربما لعملهم مع المسلمين ، أو لولائهم لمسلمين ، ومن بين هؤلاء من يفسد الكلمة أو الحرف ، ومنهم من يلحن أو يحرّف (1) 0
ولم ينشأ النحو في الحجاز ، ولا غيره من الأمصار ، ذلك أن سكان العراق بقايا أمم قديمة متحضرة ، كان لها سابق علم وتدوين ، فلمّا دخل أهله في الإسلام ، عالجوا العلوم على قياس معالجة أممهم السابقة العلوم (2) ، كما أن حاجة البلاد الأعجمية إلى النحو والصرف تفوق حاجة البلاد العربية كالحجاز ، أمّا بغداد فهي مدينة ملك ، وليست مدينة علم ، وما فيها من العلوم منقول إليها (3) 0
أمّا أن البصرة سبقت الكوفة بنحو مئة عام في دراسة النحو ، والاشتغال به (4) ، فقد سبقت البصرة الكوفة في التمصير بعامين أو ثلاثة ، كما أن تأخر الكوفيين في دراسة النحو
ـ 91 ـ
يرجع ـ في أغلب الظن ـ لانصراف الكوفيين عن التلقي ترفعا في بداية الأمر ، وما لبثوا أن شغلهم الشعر وروايته ، والأدب وطرائقه عن مدارسة النحو (5) 0
__________
(1) أحمد كمال زكي ، الحياة الأدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري ، ص 162
(2) عبد العزيز عتيق ، المدخل إلى علم النحو والصرف ، ص 131
(3) مراتب النحويين ، ص 160
(4) الفهرست ، ص 96
(5) محمد محمود هلال ، الكامل في الدراسات النحوية ونشأتها ، ص 17 ، محمد طنطاوي ، نشأة النحو ، ص 134(1/88)
... ... ففي الوقت الذي كان فيه علماء البصرة يهتمون بالنحو ، كان علماء الكوفة يهتمون بالأشعار ورواية الأدب ، ولعل السبب في عناية الكوفيين بالأشعار يرجع إلى أنها كانت تحتفظ بعادات العرب ، وتغنيها بالبطولة في الشعر ، والتفاخر بالأبطال ؛ لأن الكوفة منزل العناصر العربية الأرستقراطية ، وموطن أمراء القبائل (1) ، ويبدو أن عناية أهل الكوفة بالشعر تعود إلى الأوراق المسطورة من عهد النعمان بن المنذر ، الذي أمر فنسخت له أشعار العرب ، ثم دفنها في قصره ، واستخرجها من بعده المختار بن عبيد الثقفي ، فاطلع عليها علماء الكوفة (2) ، وقد كان علماء الكوفة يقدمون الأعشى ، في حين كان علماء البصرة يقدمون امرأ القيس بن حجر (3) 0
... وفضلا عن الشعر ـ وبما أن الكوفة مهجر كثير من الصحابة ـ فقد ازدهر فيها الفقه ، على أن أهم ما يميزها أنها كانت أكبر مدرسة لإقراء القرآن الكريم ، ومنها خرج ثلاثة من القراء السبعة هم : عاصم وحمزة والكسائي (4) 0
... وتنبه علماء الكوفة بعدئذ ، وما لبثت الكوفة أن دخلت حلبة الميدان في دراسة النحو ، وهناك حقيقة مؤكدة ، وهي أن الكوفة تعلمت النحو من البصرة ، ثم بدأت تتخذ لنفسها منهجا خاصا ، حتى تشكلت لها مدرسة متميزة ، فأنت لا تكاد ترى مسألة من مسائل النحو إلاّ وفيها مذهبان ، بصري وكوفي ، بل لعلك تستطيع معرفة رأي إحداهما إذا وقفت على رأي الأخرى وحدها 0
__________
(1) مدرسة الكوفة ، ص 39
(2) نشأة النحو ، ص 135
(3) محمد بن سلام الجمحي ، طبقات الشعراء الجاهليين والإسلاميين ، ص 26 ، ابن رشيق ، العمدة 1/98
(4) ابن الجزري ، النشر في القراءات العشر 1/8 ، أبو شامة ، إبراز المعاني من حرز الأماني ، ص 3(1/89)
... ... وقدم العباسيون الكوفيين ، ولعل منزلة الكسائي عند الرشيد هي التي رفعت من شأنه ، ومن شأن نحاة الكوفة ، ولفتت نظر السلطان إليهم ، وجعلت منهم مؤدبين لأولاد الخلفاء ، في حين يفيض الدارسون في ذكر الأسباب السياسية التي قربت الكوفيين ، وأقصت
ـ 92 ـ
البصريين (1) ، ولا نظن أن الأسباب السياسية هي التي قربت الكوفيين ، فلعل قرب الكوفة من قاعدة العباسيين الأولى هو الذي هيأ لرجالها الاتصال بالخلفاء والأمراء ، قبل تخطيط بغداد ، فأهل الكوفة قد أثاروا الشغب على العباسيين حين خدع العباسيون آل البيت ، واستأثروا بالملك ، فكان العباسيون يحسبون لهم كل حساب (2) 0
... واحتدم النزاع بين المصرين ، وكان لكل أنصار وأتباع ، وقد شغل هذا الخلاف الباحثين أجيالا ، فالمدينتان متباينتان من عدة وجوه :
1 ـ في الموقع :
البصرة تقع على أطراف البادية ، في مكان قريب من العروبة الصافية ، ومن مساكن العرب الخلّص ، الذين لم يتأثروا بالثقافات الوافدة ، وكذا قرب المربد منها وهو أشهر أسواق العرب في الإسلام ، والأصقاع التي اختطت بها هذه المدينة تختلف عن تلك التي اختطت عليها الكوفة ، فهي قريبة من الحيرة مقر المناذرة ، وكان لهذا أثره في أهلها ، وفي طباعهم ، كما كانت في الكوفة صبغة من الاتجاهات الفارسية ، في علومها ، وفي نظامها (3) ، ولم تقم سوق الكناسة بالكوفة مقام المربد بالبصرة (4) 0
2 ـ في الطباع والميول :
__________
(1) ضحى الإسلام 2/34 ـ35 ، نشأة النحو ، ص 167
(2) مدرسة الكوفة ، ص 100
(3) عبد الحميد حسن ، القواعد النحوية مادتها وطريقتها ، ص 74 ، محمد محمود هلال ، الكامل في الدراسات النحوية ، ص 15
(4) نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة ، ص 135(1/90)
سكان البصرة أصلب عودا ، وأصعب مراسا ، فقد نشأ البصريون في ظلال الحرية التي درج عليها العرب وألفوها ، ولم يمتد إليهم من النفوذ ما يضعف شوكتهم ، ويلين قناتهم ، فظلوا على ما هو معلوم عنهم من نزوع إلى الصلابة ، ونفور من الإذعان ، وميل إلى الاعتداد بالذات ، والتعلق بالعروبة وأساليبها الصافية ، وكانوا يناصرون الأمويين ، وكان الكوفيون أميل إلى الطاعة والهدوء ، كما كانوا يناصرون علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، ويظاهرون الهاشميين ، لذا كان أهلها عونا للدولة العباسية في بسط نفوذها في بداية الأمر ، ثم تغير الحال حين نقض العباسيون عهدهم مع آل البيت (1) 0
ـ 93 ـ
3 ـ في صفاء العروبة :
سكان البصرة على صلة بالبادية ، يرحلون إليها لمشافهة أهلها ، والأخذ عنهم ، فكان المعين الذي صدر عنه البصريون صافيا غزيرا بعيدا عن الشوائب نقيا من آثار الشك ، وعوامل الضعف ، فكانت شواهدهم صحيحة موفورة في أغلب الأحيان وأمّا سكان الكوفة فلم يتوافر لهم ما توافر للبصريين ، ولم تتهيأ لهم العوامل التي تجعل منابع لغتهم نقية ، فقد أخذوا عن قبائل قيل إنها كانت أضعف فصاحة من تلك التي اعتمد عليها البصريون ، قال الرياشي (2) : إنما أخذنا اللغة عن حرشة الضباب وأكلة اليرابيع ، وهؤلاء ـ يعني الكوفيين ـ أخذوا اللغة عن أهل السواد ، أصحاب الكواميخ ، وأكلة الشواريز* 0
هذا فضلا عن اشتغال الكوفيين المتأخر بالنحو ، فقد سبقهم البصريون إلى ذلك 0
4 ـ في منهج البحث :
__________
(1) المدخل إلى علم النحو والصرف ، ص 138 ـ 139 ، القواعد النحوية مادتها وطريقتها ، ص 74
(2) أخبار النحويين البصريين ، ص 90
* الضباب جمع ضب ، واليرابيع جمع يربوع ، وهما من الحيوانات الزاحفة التي تعيش في البراري والقفار ، والكواميخ جمع كامخ ،
وهو إدام يؤكل لتشهي الطعام ، لسان العرب ( كمخ ) ، والشواريز ، جمع شيراز ، وهو اللبن الرائب ، انظر : أخبار النحويين
البصريين ، ص 90(1/91)
البصريون يقفون عند الشواهد الكثيرة النظائر في الغالب ، وكانوا يؤولون ما خالف الشواهد ، ويحكمون عليه بالشذوذ ، ومن ثم كثر عندهم ما قل عند الكوفيين من التأويل ، والحكم بالشذوذ ، والضرورات ، وقد استعمل البصريون القياس ، وفضلوه وآمنوا بسلطانه ، وجروا عليه ، وأهدروا ما عداه ، أمّا الكوفيون فرأوا احترام كل ما جاء عن العرب ، فكان الكوفيون أسلس خطة في المنهج العلمي ، وأكثر خضوعا ، كما كانوا في طباعهم أدنى إلى الطاعة والمهادنة ، فقد كان البصريون أشبه بالمحافظين المتمسكين بالقديم ، وكان الكوفيون أحرارا مجددين ، يلتمسون التوسع ، ويجرون وراء الابتكار (1) 0
لقد كانت في الكوفة حرية تفكير ، وتوسع في الابتكار ، وانفساح في الميدان للآراء ، وتسربت هذه الروح فيمن توطنها من العرب ، وأقام فيها ، فكانت نزعة البصرة في عمومها ، تخالف نزعة الكوفة في عمومها ، فكان حتما مقضيا أن
ـ 94 ـ
يسلك البصري في أصول مذهبه مسلك الشدة ، والمحافظة على المأثور ، وأن ينهج الكوفي في أصول مذهبه طريق السهولة والرواية (2) 0
إنّ هذا الخلاف في حقيقته يعود إلى سبب جوهري في طبيعة المذهبين ، ذلك أن نزعة المذهب البصري منذ أسسه ابن أبي إسحاق الحضرمي نزعة عقلية فلسفية ، تميل إلى تعميق القياس على المشهور ، دون نظر إلى اختلاف القبائل في بعض الظواهر اللغوية الخاصة ، والتي حسب لها الكوفيون كل حساب 0
لقد اتجهت كل مدينة منهما وجهة خاصة في طرائق الاستنباط ، وأساليب البحث ، ومبلغ الاعتداد بالشاهد ، وغير ذلك ، ونشأ عن هذا أن أصبح لكل منهما مذهب خاص ، وتباعدت بينهما شقة الخلاف في كثير من المسائل 0
__________
(1) القواعد النحوية مادتها وطريقتها ، ص 148
(2) نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة ، ص 148(1/92)
... وعلى كل حال فإن الذي نقل اللغة ، واللسان العربي عن العرب ، وأثبتها في كتاب ، فصيّرها علما وصناعة ، هم أهل المصرين فقط ، من بين أمصار العرب (1) ، فالمصران هما المقر الأكبر للثقافة العقلية ، حيث التقى عرب وفرس ، ونصارى ويهود ومجوس ، وهنا حيث ازدهرت التجارة ، يجب أن نلتمس بواكير العلم العقلي الدنيوي (2) 0
ـ 95 ـ
ب ـ بداية المدرسة الكوفية ونهايتها وأشهر أعلامها :
لقد عزّ على الكوفيين أن يجدوا أنفسهم عيالاً في النحو على علماء البصرة ، فوجدوا أنفسهم مضطرين إلى تعلمه ، فاتجهوا إلى مدارسته ، وكان بعضهم عرف قواعده ؛ لانتقاله بين البصريين ، وتردده عليهم ، كما انتقل بعض نحاة البصرة إلى الكوفة ، واتخذوها دار هجرة ، وشدّ كثير من رجال الكوفة الرحال إلى البصرة طلبا للعلم ، وقصد الكوفيون الأعراب ، وأهل البادية ، يأخذون عنهم ، ويقعدون قواعدهم ؛ لأن الكوفيين أرادوا أن تكون لهم شخصيتهم المستقلة عن البصرة ، لما كان بين المصرين من إحن ، ولكي يستقلوا بمذهب خاص ينسب إليهم ، فأخذ النحو طريقه إلى الكوفة ، وكان في طليعة أهل البصرة الذين وفدوا على الكوفة عبد الرحمن التميمي ت 164 هـ (3) ، ثم أبو جعفر الرؤاسي ، وعمه معاذ الهراء ت 187 هـ ، وأشهر من تخرج بهؤلاء الكسائي ت 189 هـ ، وهو عند الكوفيين بمنزلة الخليل ت 175هـ عند البصريين ، والفراء الذي انتهت إليه إمامة العربية في الكوفة ، ولم يتقيد الفراء في التأصيل والتفريع بمذاهب من سبقوه ، ورسم للكوفيين الحدود التي احتذوا أمثلتها ، وخالفوا فيها البصريين ، فاشتد التنافس بين المصرين ، فما أن بدأت الطبقة الثالثة البصرية ، حتى تكونت معها الطبقة الأولى الكوفية ، التي استقلت بالمذهب الكوفي ، فأصبحت له سماته المميزة 0
__________
(1) المزهر 1/212
(2) دي بور ، تاريخ الفلسفة في الإسلام ، ص 8
(3) طه الراوي ، نظرات في اللغة والنحو ، ص 8(1/93)
والفراء عند الكوفيين بمنزلة سيبويه عند البصريين ، على أن المجموع من النحو الكوفي قبل الفراء لا يكوِّن عملا نحويا متكاملا ، ذلك لأننا لا نجد الرأي الكوفي ماثلا واضحا في كثير من أبواب النحو قبل الفراء ، على الرغم من أن الفراء في بداية حياته كان كوفيا متبصرا (1) ، على أن هذا لا يمنعنا من الإقرار بوجود مذهب كوفي قبل الفراء ، وافق البصريين في مسائل كثيرة ، وخالفهم في أخرى (2) 0
على أن المدرسة الكوفية عند القدماء تبدأ بالرؤاسي ، الذي أخذ النحو عن أبي عمرو بن العلاء ت 154 هـ ، وعيسى بن عمر الثقفي ت 149 هـ ، وعاد إلى الكوفة فتلمذ عليه الكسائي ، وألّف لتلاميذه كتابا في النحو ، هو كتاب الفيصل (3) 0
ـ 96 ـ
وكان الرؤاسي يزعم أن كل ما في كتاب سيبويه من قوله : وقال الكوفي إنما يعنيه (4) ، غير أن علي النجدي ناصف يقول (5) : إن كتاب سيبويه يخلو خلوا تاما من هذه الجملة ، وإن كان سيبويه قد ذكر أهل الكوفة في كتابه مع بعض القراءات في ثلاثة مواضع 0
والرؤاسي هو أول كوفي وضع كتابا في النحو (6) ، ولكن كتابه الفيصل لم يصل إلينا غير أن الخليل بن أحمد رأى هذا الكتاب ، وقرأه كما يروي الرؤاسي (7) ، وقال الفراء (8) : كان للكوفيين كتاب يقال له الفيصل بمنزلة مختصر الكسائي ، وكنت أحفظ له من الكسائي 0
ومن المؤكد أن الرؤاسي لم يدل في النحو بآراء ذات قيمة ، بدليل أن اسمه لم يذكر في كتب النحاة التالية لعصره ، وبما جاء من قول أبي حاتم (9) ، وما رواه أبو الطيب (10) من أنه مطروح العلم ليس بشيء 0
__________
(1) الكامل في الدراسات النحوية ونشأتها ، ص 18
(2) إبراهيم السامرائي ، النحو العربي نقد وبناء ، ص 38
(3) معجم الأدباء 18/125
(4) معجم الأدباء 18/122 ، بغية الوعاة 1/83
(5) سيبويه إمام النحاة ، ص 97
(6) الفهرست ، ص 96
(7) الفهرست ، ص 96 ، معجم الأدباء 18/122
(8) مجالس العلماء ، ص 269
(9) م 0 ن ، ص 0 ن
(10) مراتب النحويين ، ص 48(1/94)
ويذكر القدماء بجانب الرؤاسي معاذا الهراء ، ولكنهم لا يصرحون في ترجمته بأنه أخذ عن البصريين ، ولعل الكوفة في هذه الحقبة قد عرفت نحاة أغفل الرواة ذكرهم ، ولعلهم كانوا كثرة ، بدليل ما ذكره الفراء في معانيه ، وهو قوله (1) : وكان شيخ لنا يقال له العلاء بن سيابة ، وهو الذي علم معاذا الهراء وأصحابه ، يقول : لا أنصب بالفاء جوابا للأمر 0
ثم راح معاذ نفسه يعلم الناس النحو والعربية ، فقد أخذ عنه الكسائي والفراء كلاهما (2) ، وكان له في الصرف عناية ، حتى ذكروا أنه أول من وضع التصريف (3) ، وقد عاصر الرؤاسي الخليل بن أحمد الفراهيدي من نحاة البصرة 0
ـ 97 ـ
والذي يبدو لنا أن الجيل الكوفي الذي يمثله الرؤاسي وقف في النحو عند المرحلة التي يمثلها أبو عمرو بن العلاء ت 154 هـ ، وعيسى بن عمر ت 149 هـ من نحاة البصرة ، ولم يبلغ القفزة التي قفزها به الخليل بن أحمد ، فهو لا يني يقف عند الأثر المنقول عن العرب دونما مناقشة ، ولا يعطيه من المنطق الذهني إلاّ بعض الملاحظات التي تتميز بالبساطة (4) 0
ولمّا ظهر الكسائي والفراء أخذا عن الرؤاسي ، ثم اتصلا بالبصريين : الخليل ويونس ، أمّا الكسائي فاتصل بهما ، وأمّا الفراء فاقتصرت صلته على يونس ، وعندما دخل الكسائي البصرة جلس في حلقة الخليل ، ثم ضرب في الصحراء يلتمس العلم ، ليعود إلى الكوفة فيجد نفسه فوق الرؤاسي ، ويأتي الفراء ليجد نفسه فوق الاثنين معا ، وبفضله يرتفع نحو الكوفة إلى منزلة النحو البصري ، وإن لم يساوه في المنهج والأسلوب (5) 0
__________
(1) معاني القرآن 2/79
(2) إنباه الرواة 3/290
(3) بغية الوعاة 2/191
(4) محمد خير الحلواني ، الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين ، ص 98
(5) م 0 ن ، ص 430(1/95)
وعندما اجتمع لهذين العلمين نحو البصرة ، ونحو الكوفة ، ارتفع النحو الكوفي على أيديهما ، واستطاع الوقوف ندّ نحو البصرة ، وكما تجسد نحو البصرة بكتاب سيبويه ، تجسد النحو الكوفي بكتابي المعاني والحدود للفراء ، ولكن النحو الكوفي عدم المصنف الذي يضم نثاره ، ويجمع شتاته ، فكان غاية ما وصل إلينا من نحو الكوفة تلك المسائل التي تناقلتها الشفاه ، ولاكتها الألسنة ، وهي والحال هذه معرضة للزيادة والنقصان (1) 0
حقاً إن الكوفة لم تعرف شيئا من النحو ، ولا ألمّ به علماؤها إلاّ بعد أن نضج في مساجد البصرة ، وتوضحت مناهجه ومسالكه ، وتشعبت أقوال البصريين فيه ، وجرى عندهم مجرى الفقه ، الذي أخذ بأساليب المنطق من قياس وعلة 0
وتهيأ للنحو الكوفي في منتصف القرن الثاني الهجري أن يستقر في الكوفة ، فيشيع في الدارسين أن الكوفة من مراكز العلم اللغوي والنحوي ، وأن فيها من العلماء من أصلحوا النحو (2) على غير ما عرف منه عند البصريين ، غير أننا لا نلاحظ تطور الدراسة النحوية في الكوفة ، كما كان عليه الأمر في البصرة (3) 0
ـ 98 ـ
والنحو الكوفي عند الفراء كنحو البصرة عند سيبويه ، دراسات في النحو الاصطلاحي ، إلى جانب دراسات في التصريف والاشتقاق ، وما يتعلق ببناء الكلمة العام ، إلى جانب عرض لبعض الظواهر اللغوية التي تبنى على ما للأصوات من خصائص ، تتألف مع بعضها بعضا في ثنايا الكلمات ، كالإمالة والإبدال والإدغام وغيرها 0
__________
(1) هادي نهر ، شرح اللمحة البدرية في علم اللغة العربية ، ص 21 ـ 22
(2) النحو العربي نقد وبناء ، ص 34 ـ 35
(3) مدرسة الكوفة ، ص 95(1/96)
ولو رجعنا إلى ما وصل إلينا من مصنفات الفراء بخاصة ، والكوفيين بعامة ، لوجدناها أبعد ما تكون من الخلوص للنحو بمعناه الاصطلاحي ، ففيها روايات في القراءات ومعاني القرآن ، ونوادر أدبية ، وغرائب ألفاظ ، وأقوال نحوية منثورة ، لا يربط موضوعها رابط ، وخير مثال على ذلك كتاب معاني القرآن للفراء ، ومرجع ذلك أن النحاة الأولين لم يكن لديهم تفكير فلسفي منظم في دراسة اللغة ، كما أن عددا كبيرا من الكوفيين كانوا يجالسون الخلفاء ، ويقومون على تأديب أبنائهم ، وطبيعة عملهم تؤدي إلى هذا الخلط (1) 0
إنّ الدراسة النحوية في الكوفة إنما ابتدأت بالكسائي ، ولكن القدماء أبوا إلاّ أن يذكروا رجالا قبل الكسائي ، وربما كام مرد ذلك محاولة لإثبات الأمجاد ، والتاريخ العريق في صناعة الإعراب ، فالكسائي إمام أهل الكوفة وعالمهم ، والفراء هو الذي نهج بالنحو منهجا جديدا ، تولاه بالرعاية ، فإليه يُعزى تنظيم المنهج الكوفي ، أمّا قبل ذلك فالنحو بصري صرف (2) 0
لقد بدأت المدرسة الكوفية بالمعنى الصحيح بالكسائي ، وانتهت بثعلب ، أمّا أصحاب ثعلب فليسوا جميعا كوفيين ، بل أكثرهم ينتمون إلى مدرسة بغداد ، لا نستثني منهم إلاّ أبا بكر بن الأنباري ، الذي ترسم خطى الكوفيين ، وبناء على هذا فقد عمرت مدرسة الكوفة زهاء قرن ونصف من الزمان ، أي من منتصف القرن الثاني الهجري إلى أواخر القرن الثالث تقريبا 0
وبعد ذلك حمل البغداديون النحو الكوفي ، وإن أخذوا بالاختيار بين المذهبين ، والخلط بينهما ، غير أن النحو الكوفي كان أظهر في النحو البغدادي 0
ـ 99 ـ
__________
(1) مدرسة الكوفة ، ص 163
(2) م 0 ن ، ص 79(1/97)
وما قلناه من أن مدرسة الكوفة قد انتهت بثعلب ، فإن هذا لا يعني أنها زالت فلم يعد لها أثر ، فلا يزال أثرها باقيا في العقول ، وتجد لها أنصارا بين الحين والآخر ، حتى في عصرنا هذا ، وممن شايعوا المدرسة الكوفية من المتأخرين أحمد بن فارس والمتنبي (1) 0
وفيما يلي جدول يبين أشهر علماء الكوفة والبصرة ويبين أسبقية البصرة (2)
أبو الأسود الدؤلي ت 69 هـ
... الطبقة الأولى البصرية
نصر بن عاصم ... ... ... عنبسة الفيل ... ابن هرمز ... يحيى بن يعمر
... ... ... ...
الطبقة الثانية البصرية
ابن أبي إسحاق الحضرمي ... عيسى بن عمر الثقفي ... ... أبو عمرو بن العلاء
الطبقة الثالثة البصرية ... ... ... ... الطبقة الأولى الكوفية
الأخفش ... الخليل ... يونس ... ... الرؤاسي ... ... ... الهراء
... ...
... الطبقة الرابعة البصرية ... ... ... ... الطبقة الثانية الكوفية
سيبويه ... ... يدي أبو زيد الكسائي
الطبقة الخامسة البصرية ... ... ... الطبقة الثالثة الكوفية
الأخفش ... ... ... ... قطرب ... ... ... الأحمر الفراء اللحياني
الطبقة السادسة البصرية ... ... ... الطبقة الرابعة الكوفية
الجرمي المازني الرياشي ابن سعدان الطوال ابن السكيت ابن قادم
الطبقة السابعة البصرية الطبقة الخامسة الكوفية
... المبرد ... ... ... ... ... ثعلب ... ...
... ... ...
ـ 100 ـ
ج ـ المدرسة الكوفية والخلاف مع البصرة :
درج الدارسون في ميدان الدراسات الأدبية على ربط فنون القول بأزمنة بعينها ، وعصور بذاتها ، ودول أودويلات من تلك التي شهدها عالمنا العربي والإسلامي لفترات زمنية ، تراوحت بين الطول والقصر ، إلاّ في حالة واحدة نسب فيها الأدب إلى الأرض التي نشأ فيها ، فقالوا الأدب الأندلسي (3) 0
أمّا في دراسة اللغة والنحو فالأمر يختلف ، فقد نسب إلى المكان بعينه ، فقالوا مدرسة الكوفة ، ومدرسة البصرة ، ومدرسة بغداد ، ومدرسة الأندلس ، ومدرسة مصر ، ولم يعز إلى عصور أو مناهج دراسية 0
__________
(1) مدرسة الكوفة ، ص 89 ـ 90
(2) نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة ، ص 69
(3) مصطفى الشكعة ، الشعر والشعراء في العصر العباسي ، ص 15(1/98)
لقد قامت في الكوفة حركة جديدة للبحث في اللغة ، عرفت فيما بعد بالمدرسة الكوفية ، وببعض أساتذة المدرسة البصرية ، تخرج أعلام الكوفة ، مثل الكسائي والفراء وهما رجلا المدرسة الكوفية ، وواضعا أصول النحو الكوفي وفروعه (1) 0
لقد وجدت المدرسة الكوفية بعد أن تطورت نظيرتها البصرية ، ووصلت الأخيرة إلى درجة عالية في النحو ، فكانت ينبوعا للمدرسة الكوفية ، يمدها بالنحو والحياة ، وأقبل الطلاب على علماء الكوفة يأخذون عنهم النحو ، ويتلقون عليهم مسائله وأصوله ، وأصبح للكوفيين منهج خاص ، وكثر علماء الكوفة الذين استقلوا بآرائهم ، وشاركوا في تطور هذا العلم (2) ، وكان للقصر العباسي تأثير كبير في رقي هذا العلم ، ورواج العلوم والمعارف الأخرى (3) ، وأخيرا تكوَّن المنهج الكوفي بعد طول نظر ، وكثرة جدال 0
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام ، هل كانت هناك مدرسة تعرف بالمدرسة الكوفية ؟ أم أن هذه التسمية من مخلفات العصور المتأخرة ، وهل كان بين هذه المدرسة ومدرسة البصرة خلاف قائم ؟
المدرسة اتجاه له خصائص مميزة ، ينادي بها فرد أو جماعة من الناس ، ثم يعتنقها آخرون ، ولا نعلم أحدا من المتقدمين أنكر وجود مدرسة كوفية مستقلة عن
ـ 101 ـ
__________
(1) عمر رضا كحالة ، اللغة العربية وعلومها ، ص 116
(2) محمد محمود هلال ، الكامل في الدراسات النحوية ونشأتها ، ص 17
(3) بارتولد ، تاريخ الحضارة الإسلامية ، ص 52(1/99)
المدرسة البصرية ، فقد اعترفوا بوجود المدارس النحوية ، التي تتمثل في المدرسة البصرية ، وهي أسبق المدارس النحوية ، ثم تلتها المدرسة الكوفية ، ومن بعدها المدرسة البغدادية ، على اختلاف بينها في طرائق التناول ، فها هي كتب الطبقات لا تنكر ذلك ، كطبقات الزبيدي ، ومراتب النحويين ، والفهرست ، وكذا المصادر التي تورد الأسماء على أساس الوفيات ، كنزهة الألباء ، وتهذيب التهذيب ، وشذرات الذهب ، وتلك التي تقوم على أساس الحروف ، كإنباه الرواة على أنباه النحاة ، ووفيات الأعيان ، ومعجم الأدباء ، وبغية الوعاة ، وهذه جميعها تجمع على أن هناك مدرسة كوفية ، خالفت المدرسة البصرية في كثير من المسائل ، فالطائفة الأولى رأيها واضح في ذلك كل الوضوح ؛ لأنها جمعت البصريين في موضع ، والكوفيين في آخر ، وأمّا الطائفة الثانية والثالثة فقد أشارت إلى أن هذا بصري ، وذاك كوفي 0
... والأصل الذي بنى عليه القدماء التمييز بين المذهبين أو المدرستين هو ما ذكره السيوطي في الاقتراح (1) من أن مذهب الكوفيين القياس على الشاذ ، ومذهب البصريين اتباع التأويلات البعيدة التي خالفها الظاهر 0
__________
(1) الاقتراح في علم أصول النحو ، ص 86(1/100)
... وتابعهم الخلف على هذا التقسيم ، أمثال ابن هشام ، وابن عقيل ، والأشموني ، وغيرهم ، أمّا المحدثون فمنهم من سار على هدي القدماء ، ومنهم من ساوره الشك في ذلك ، فمن الفريق الأول أحمد أمين حيث يقول (1) : وأيا ما كان الأمر ، فقد اختلفت مدرسة الكوفة عن مدرسة البصرة في مبادئ أساسية ، وكذا أمين الخولي الذي يقول (2) : الكسائي الكوفي بإجابته هذه ـ يشير إلى قوله أيٌّ هكذا خلقت ـ يذكرنا بمدرسة قومه في النحو ، ومنهم شوقي ضيف إذ يقول (3) : وأخذت أبحث في نشاط المدرسة الكوفية ، ولاحظت أنه بدأ متأخرا عند الكسائي ، وقد استطاع هو وتلميذه الفراء أن يستحدثا في الكوفة مدرسة نحوية تستقل بطوابع خاصة ، هذا فضلا عما قاله طه الراوي في كتابه ( نظرات في اللغة والنحو ) ومهدي المخزومي في كتابه ( مدرسة الكوفة ) وأحمد مكي الأنصاري في كتابه ( أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة ) وغيرهم 000 وغيرهم 0
ـ 102 ـ
... ومن المستشرقين الذين يؤيدون فكرة وجود مدرسة كوفية مستقلة عن المدرسة البصرية المستشرق يوهان فك في كتابه العربية ، حيث يقول (4) : وكانت لعلماء البصرة مذاهب معتمدة في القياس النحوي ، تختلف عن مذاهب الكوفيين ، وكذالك اوليري الذي يقول (5) : المدرسة البصرية تنقد المسموعات ، بينما تقبل المدرسة الكوفية جميع المسموعات ، وغيرهم من المستشرقين 0
__________
(1) ضحى الإسلام 2/294
(2) الاجتهاد في النحو العربي ، بحث مقدم لمؤتمر المستشرقين المنعقد باسطنبول سنة 1951 م ، ص 15
(3) المدارس النحوية ، ص 6
(4) العربية ، ص 61
(5) كيف انتقلت العلوم العربية إلى اليونانية ( بالإنجليزية ) ص 44(1/101)
... أمّا الفريق الآخر الذي يشكك في قيام مدرسة كوفية ، فالذي نعلمه أن أول من أثار الشك في وجود مذهب مكتمل للكوفيين هو جوتلد فايل ، إذ يقول (1) : ومع عظيم الإجلال لمناقبهم ـ يعني الكوفيين ـ في غير ذلك من النواحي ، فإنهم لم يؤسسوا مدرسة نحوية خاصة ، وتابعه على ذلك المترجم لثعلب في دائرة المعارف الإسلامية ، إذ يقول (2) : على أننا لا نستطيع في الحقيقة أن نقول بوجود مذهب مكتمل لنحاة الكوفة ، وهو أمر سبق أن بيّنه فايل ، ويرى أن هذه التسمية من اختراع النحويين المتأخرين ، ومنهم بروكلمان غير أنه لم يكن قاطعا في رأيه ، ولا واضحا كما كان فايل ، وإن كانت عبارته تشير إلى ذلك فهو يقول (3) : قد افترض العرب فيما بعد ـ استنادا إلى روايات التاريخ الأدبي ـ أن الخلاف كان قائما بين مذهبين ، هما مذهب البصرة ومذهب الكوفة ، وأن هذا الخلاف لم يسو إلاّ بعد أجيال ، عندما اندمج المذهبان ، وتوحدا في مدرسة بغداد ، ولكن الذي يظهر لنا أن المنافسات الفردية بين علماء هاتين المدينتين ، البصرة والكوفة قد بولغ فيها إلى حد لا مبرر له 0
... ويبدو أن فايل قد بنى زعمه على كثرة الخلافات بين أئمة المدرسة الكوفية ، وبخاصة الكسائي والفراء ، وكأنها تؤلف جبهة علمية موحدة ، على أن فايل نفسه يعود فيثبت للفراء مذهبا في النحو ، خالف به الكسائي ومعاصريه ، وليس هذا المذهب ـ في
زعمنا ـ إلاّ مذهب المدرسة الكوفية ، التي حاول أن ينكرها (4) ، كما يعترف فايل بوجود
ـ 103 ـ
خطوط كبرى انبنت عليها طريقة الكوفيين (5) 0
__________
(1) أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة ، ص 354
(2) دائرة المعارف الإسلامية 6/200
(3) تاريخ الشعوب الإسلامية 2/28
(4) شوقي ضيف ، المدارس النحوية ، ص 56
(5) مدرسة الكوفة ، ص 353(1/102)
... وبناء على ما وصلنا من أقوال المؤرخين القدامى ، والدارسين المحدثين المؤيدين للقضية التي نحن بصدد بحثها ، فإنه لا يسعنا الاطمئنان لما أبداه فايل من إنكار لوجود مدرسة كوفية ، فقد كانت مدرسة الكوفة حقيقة قائمة ، غير أن مصطلح المدرسة لم يكن معروفا آنذاك ، والذي شاع وذاع هو مصطلح المذهب (1) 0
... والحق الذي نراه أقرب للصواب أن البصرة والكوفة من ديار العراق ، وهما المصران اللذان تفخر بهما اليوم اللغة العربية ، كان فيهما طائفتان من العلماء ، تشكلان ما نسميه اليوم ـ بمصطلح أدباء عصرنا الفرنج ـ بالأكاديمية ، أي المجمع اللغوي (2) 0
... أما صاحب الموسوعة فقد جعل جل اعتماده على فايل ، وبسقوط زعم فايل ، يسقط زعمه ؛ لأنه كان عيالا على غيره فيما ذهب إليه 0
... وأمّا بروكلمان فقد عاد الآخر واعترف بما حاول أن ينكره ، فقال (3) : المذهب الكوفي الذي يتجه إلى واقع الاستعمال اللغوي ، هذا فضلا عن تفضيله إياه على المنهج البصري ، الذي وصفه بالمذهب المدرسي النظري 0
... ومن أجل هذا المنهج الكوفي المغاير في بعض أسسه لما عليه المنهج البصري نشأ الخلاف ، واحتدم النزاع ، وكان لكل أنصار وأتباع ، وقد شغل هذا الخلاف الباحثين أجيالا ، حيث كانت مجاولات ومنافسات بين البصريين والكوفيين (4) 0
__________
(1) من حديث مع عبد الله العلايلي في بيته في بيروت بتاريخ 19/6 / 1980 م
(2) مجلة لغة العرب ، المجلد الأول ، الجزء الأول ، ص 8
(3) تاريخ الأدب العربي 2/196
(4) تاريخ الحضارة الإسلامية ، ص 40(1/103)
... لقد حدث الخلاف بين الكوفة والبصرة ، بيد أنه يؤسفنا نقص ما وصل إلينا من نحو المدرسة الكوفية ، لقلة ما وصل إلينا من آثار الكوفيين ، أمّا ما وصل إلينا من خلاف بين المدرستين ، فهو قليل الإنصاف للمدرسة الكوفية ، وذلك أن المتأخرين فضّلوا المذهب المدرسي النظري ، الذي تم له الانتصار على المذهب الكوفي ، الذي يتجه إلى واقع الاستعمال اللغوي ، الموجه عناية خاصة إلى فروق اللغة ، وتعبيرات أهل البادية في أشعار الجاهلية (1) 0
ـ 104 ـ
... وكثرت الأدلة والحجاج بين المصرين ، وتباينت الطرق في التعليم ، وكثر الاختلاف في كثير من إعراب آي الذكر الحكيم باختلافهم في تلك القواعد (2) 0
التأليف في الخلاف النحوي :
... لقد احتدم الخلاف بين الفريقين ، وألفت فيما افترقوا عليه أسفار ، وممن ألفوا في الخلاف :
1 ـ أبو علي أحمد بن جعفر الدينوري ت 289 هـ ، وكتابه يسمى ( المهذب ) وقد صدّره باختلاف البصريين والكوفيين ، وعزا كل مسألة إلى صاحبها ، ولم يعتل لواحد منهم ، ولا احتج لمقالته (3) 0
2 ـ أحمد بن يحيى ثعلب ت 291 هـ ، وكتابه يسمى ( اختلاف النحويين ) (4) 0
3 ـ محمد بن أحمد أبو الحسن بن كيسان ت 299 هـ ، وكتابه يسمى المسائل على مذهب النحويين فيما اختلف فيه البصريون والكوفيون ) وقد ألفه للرد على ثعلب في كتابه المتقدم (5) 0
4 ـ أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس ت 338 هـ ، وكتابه يسمى ( المقنع في اختلاف البصريين والكوفيين ) (6) 0
5 ـ عبد الله بن جعفر بن درستويه ت 347 هـ ، وكتابه يسمى ( الرد على ثعلب في اختلاف النحويين (7) 0
6 ـ عبد الله الأزدي ت 348 هـ ، وكتابه يسمى ( الاختلاف ) (8) 0
__________
(1) بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي 2/96
(2) مقدمة ابن خلدون ، ص 498
(3) طبقات النحويين واللغويين ، ص 215
(4) إنباه الرواة 1/138 ، بغية الوعاة 1/397
(5) بغية الوعاة 1/19
(6) م 0 ن 1/362
(7) م 0 ن 2/36
(8) م 0 ن 2 / 128(1/104)
7 ـ أبو الحسن علي بن عيسى الرماني ت 384 هـ ، وكتابه يسمى ( الخلاف بين النحويين ) (1) 0
ـ 105 ـ
8 ـ أحمد بن فارس بن زكريا الرازي ت 395 هـ ، وكتابه يسمى ( كفاية المتعلمين في اختلاف النحويين ) (2) 0
9 ـ علي بن الحسين الباقولي الأصفهاني المعروف بجامع العلوم ت 535 هـ ، وكتابه يسمى ( الاختلاف ) أو ( المختلف ) (3) 0
10 ـ أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد بن الأنباري ت 577 هـ ، وكتابه يسمى ( الإنصاف في مسائل الخلاف ) وهو مطبوع متداول مشهور، ... وهو أشهر كتاب وصل إلينا في موضوعه ، وهذا الكتاب اشتمل على إحدى وعشرين ومئة مسألة ، بعضها أصلي وبعضها فرعي ، ويزعم ابن الأنباري أنه وقف من هذه المسائل موقف الحكم العدل ، وإن كنّا نشم رائحة الميل إلى جانب البصريين 0
11 ـ عبد المنعم بن محمد الغرناطي المعروف بابن الفرس ت 597 هـ ، وكتابه يسمى ( المسائل التي اختلف فيها النحويون من أهل البصرة والكوفة ) (4) 0
12 ـ عبد الله بن الحسين العكبري ت 616 هـ ، وكتابه يسمى ( التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين ) وهذا الكتاب من الكتب التي وصلت إلينا غير كاملة ، وقد قام بتحقيقه عبد الرحمن العثيمين ، ونال به درجة الماجستير من جامعة الملك عبد العزيز ، والمخطوطة التي حققها العثيمين تشتمل على خمس وثمانين مسألة ، ومما لا شك فيه أن مسائل الكتاب أكثر من ذلك ، وما الكتاب الذي حققه الحلواني بعنوان مسائل خلافية في النحو إلاّ جزء من كتاب التبيين هذا 0
__________
(1) إنباه الرواة 2 / 295
(2) انظر مقدمة معجم مقاييس اللغة لعبد السلام هارون 0
(3) إعراب القرآن المنسوب للزجاج ، وهو في الحقيقة للباقولي ، ص 171 ، 658
(4) بغية الوعاة 2/116 ، البلغة ، ص 131 ، برنامج شيوخ الرعيني ، ص 65 ، المرادي ، الجنى الداني ، ص 427(1/105)
13 ـ إبراهيم بن عيسى بن محمد الأزدي المعروف بابن إصبغ ، وابن المناصف القرطبي الأندلسي ت 628 هـ ، وكتابه يسمى ( مسائل الخلاف ) 0 (1)
14 ـ عفيف الدين علي بن عدلان الموصلي ت 666 هـ ، وكتابه يسمى ( نزهة العين في اختلاف المذهبين ) (2) 0
ـ 106 ـ
15 ـ الحسين بن بدر بن إياز البغدادي ت 681 هـ ، وكتابه ( الإسعاف في مسائل الخلاف ) (3) 0
16 ـ عبد اللطيف بن أبي بكر الشرجي الزبيدي ت 803 هـ ، وكتابه يسمى ( ائتلاف النصرة في اختلاف نحاة الكوفة والبصرة ) وهذا الكتاب من الكتب التي وصلت إلينا ، وقد طبع هذا الكتاب ونشر 0
17 ـ يوسف بن حمزة الإلياسي الكوراني ت 000 ، وكتابه يسمى ( الذهب المذاب في مذاهب النحاة ودقة الإعراب ) وهذ الكتاب من الكتب التي وصلت إلينا ، وقد قمنا بتحقيقه ، ونشر في بيروت 0
... هذا ما استطعنا معرفته من الكتب التي صنفت في الخلاف النحوي بين المدرستين ، ولم يصل إلينا من هذه الكتب إلا كتاب الإنصاف لابن الأنباري ، وكتاب التبيين للعكبري ، وكتاب ائتلاف النصرة للشرجي ، وكتاب الذهب المذاب للكوراني 0
... إن المسائل التي ذكرها ابن الأنباري تدور حول أنواع الخلاف ، ومنها ما يرجع إلى العامل ، ومنها ما يرجع إلى الإعراب والبناء ، ومنها ما يرجع إلى الحقيقة النحوية أو اللغوية لبعض الكلمات ، ومنها ما يرجع إلى التقديم والتأخير في نسج الجملة ، وترتيب كلماتها ، وغير ذلك ، وقد رجح ابن الأنباري رأي الكوفيين في سبع مسائل هي :
(10، 18 ، 26 ، 70 ، 97، 101 ، 106) من بين مسائله التي بلغت ( 121 ) مسألة0
__________
(1) انظر مقدمة التبيين لعبد الرحمن العثيمين ، ص 81
(2) شرح ديوان المتنبي المنسوب لأبي البقاء العكبري ، وهو لابن عدلان ، 1/203
(3) سعيد الأفغاني ، في أصول النحو ، ص 228(1/106)
... إن ابن الأنباري في إنصافه بعيد كل البعد عن الإنصاف ، وذلك لما فيه من تلفيق للمسائل ، وتدليس للحجج ، إلى جانب جهله بالنحو الكوفي عامة (1) ، وهاك مثالا لوهم ابن الأنباري في اشتقاق الاسم ، وهذه المسألة عرض لها ابن الأنباري في كتاب الإنصاف ، وهي المسألة الأولى (2) ، وفي كتاب أسرار العربية (3) ، وكتاب البيان في غريب إعراب القرآن (4) ، فهو ينسب إلى الكوفيين بعامة أنهم يقولون باشتقاق الاسم من الوسم ، وقد جاراه على ذلك غيره من النحاة المتأخرين ، والحق أن الكوفيين لا يختلفون عن نحاة البصرة في أن اشتقاق لفظ اسم من السمو ، وقد لمح بعضهم بذلك وصرح بعضهم الآخر0
ـ 107 ـ
الكسائي والمسألة :
... نقل عنه غير واحد من الرواة والنحويين أنه روى ما أنشده بعض بني قضاعة من قول الشاعر : ( باسم الذي في كل سؤرة سُمه ) ، بضم السين ، وروى عن غير قضاعة ( سِمه ) بكسر السين (5) ، ويوثق هذه الرواية عن الكسائي تناقل الكوفيين لها ، أمّا اللحياني وهو كثير النقل عن الكسائي ، والتعلق بروايته يقول : اسمه فلان ، كلام العرب ، وحكى عن بني عمر بن تميم اسمه فلان بالضم ، وقال : الضم في قضاعة كثير ، وأمّا سِم فعلى لغة من قال اسمه (6) 0
... ولعل الكسائي لم يتكلم على اشتقاق اسم ، غير أنه فتح بروايته هذه أمام المتأخرين من نحاة الكوفة بعده طريقا للبرهان على أن الاسم مشتق من السمو ، لا من الوسم 0
الفراء والمسألة :
__________
(1) محمد خير الحلواني ، الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين وكتاب الإنصاف ، ص 4
(2) الإنصاف في مسائل الخلاف 1/6
(3) أسرار العربية ، ص 5
(4) البيان في غريب إعراب القرآن 1/6
(5) لسان العرب ( سمو )
(6) م 0 ن ( سمو )(1/107)
... وتأخذ الرواية عند الفراء شكلا أوضح مما هي عليه عند الكسائي واللحياني ، فقد نقل ابن السراج في أصوله عن شيخه المبرد ، وكلاهما بصري معروف ، أن أصحاب الفراء زعموا عنه أنه كان يقول في بنات الحرفين من الأسماء نحو اخت وبنت وقلة وثبة ، وجميع هذا المحذوف أن كل شيء حذفت منه الياء فأوله مقصور ؛ ليدل عليها ، وكل ما حذفت منه الواو فأوله مضموم ؛ ليدخل عليها (1) ، والفراء في رواية المبرد عنه لم يذكر كلمة اسم ، ولكنه ذكر أشباها لها ، فما كسر أوله من بنات الحرفين من الأسماء كان المحذوف منه الياء ، وما ضم أوله كان المحذوف منه الواو 0
... فإذا ثبتت رواية الكسائي ضم السين وكسرها في ( اسم ) كان المحذوف منه على رأي الفراء الواو أو الياء ، أي هو : سمو وسمي ، وإن لم يذكر الفراء كلمة اسم بخاصة ، فقد اكتفى بالتعميم 0
ثعلب والمسألة :
... نقل عنه الفارسي أن الكلمة تلفظ اِسمه وسُمُه (2) ، فثعلب يقول : من قال سمه بضم السين ، أخذه من سموت أسمو ، ومن قال بالكسر أخذه من سميت أسمي 0
ـ 108 ـ
وهكذا نرى الكوفيين يذهبون إلى اشتقاق اسم من السمو ، لا من الوسم ، وما نسبه إليهم ابن الأنباري إنما هو محض وهم واختلاق 0
__________
(1) أبو بكر بن السراج ، الأصول في النحو 1/66 ـ 67
(2) أبو الفتح عثمان بن جني ، تفسير أرجوزة أبي تمام ، ص 185 ـ 186(1/108)
... أما كتاب التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين لأبي البقاء العكبري فما هو إلاّ مسائل الإنصاف ، مع شيء من الاختلاف والتصرف ، بعبارات جديدة ، وإضافات يسيرة ، واختصار في الشواهد والأمثلة ، مع بعد عن كثير من عبارات المحاجّة والمجادلة الموجودة في كتاب الإنصاف ، هذا فضلا عن مسائل خلافية ليست بين البصريين والكوفيين وعددها ثمان وعشرون مسألة ، ومما تفرد بذكره العكبري مسألتان فقط هما : مسألة الإعراب أصل في الأسماء ، ومسألة نيابة المفعول به عن الفاعل مع وجود الظرف والجار والمجرور ، فيبقي مما وصلنا من كتاب التبيين خمس وخمسون مسألة من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين 0
... أمّا كتاب الذهب المذاب فقد قسمه مؤلفه على قسمين ، جعل القسم الأول في الإعراب ، وخص القسم الثاني بمسائل الخلاف ، وما مسائل الخلاف فيه إلاّ رؤوس المسائل كما ذكرها ابن الأنباري ؛ ليسهل حفظها على الشداة ، وأمّا كتاب ائتلاف النصرة فإنه يدور في الحلقة نفسها التي دار فيها ابن الأنباري0
... مما تقدم ندرك أن ما صُنف في الخلاف كان قليل الإنصاف للمذهب الكوفي ، وما قيل من أن العكبري وابن إياز لم يرقهما ما جاء في كتاب الإنصاف ، فاستدركا عليه ، كلام هذر مذر ، وينقصه التحقيق العلمي 0
... ولعل المتأخرين الذين صنفوا كتبا في الخلاف بين المدرستين ، قد زادوا كثيرا فيما رووا من ذلك ، ونسبوا إلى شيوخ الكوفة بعض ما دار بين رجال البصرة أنفسهم من خلاف (1) 0
__________
(1) بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي 2/196(1/109)
... لقد كان الخلاف والتنافس شديدا بين هذين المصرين ، ولكنا لا نسلم أنه كان على الصورة التي يرويها ابن الأنباري في كتابه الإنصاف ، فقد كان الخلاف محتدما من عدة وجوه ، فمن الناحية الحزبية ، كانت الكوفة علوية ، والبصرة عثمانية ، ومن الناحية العنصرية فأكثر أهل الكوفة من اليمانية ، وأكثر أهل البصرة من المضرية ، ومن الناحية العلمية فأهل الكوفة أصحاب فقه وحديث وقراءة ، وأهل البصرة أصحاب علوم وفلسفات (1) 0
ـ 109 ـ
... لقد شغف القوم بالخلاف ، وثوران المراء فيما بينهم ، فيما جل من العلم ، وما دق ولذا قال فيهم يزيد بن الحكم الثقفي على سبيل التندر :
... ... إذا اجتمعوا على ألف وواو ... ... وياء ثار بينهم جدال
... لقد بدأ الخلاف هادئا بين الرؤاسي في الكوفة ، والخليل في البصرة ، ثم اشتد بين الكسائي وسيبويه ، وصار لكل مدرسة عَلَم تنحاز إليه ، وقد بقيت لنا من القرن الرابع الهجري أبيات للقاضي الخليل بن أحمد الشجزي في مدح أبي حنيفة ، تدل على احتدام النزاع بين المدرستين في ذلك العهد ، حيث يقول (2) :
... وأجعل في النحو الكسائي عمدتي ... ومن بعده الفراء ما عشت سرمدا
... وإن عدت للحج المبارك مرة ... جعلت لنفسي كوفة الجند مشهدا
... فهذا اعتقادي وهو ديني ومذهبي ... ومن شاء فليبرز ليلقى موحدا
... لقد استمر الجدال بين المدرستين في خدمة العلم إلى أواخر القرن الثالث الهجري ، فكان لكل مدرسة شخصيتها ، ومميزاتها ، وأعلامها ، إلى أن اختلطتا وامتزجتا في مدرسة بغداد ، فأخذت الفروق تضمحل ، وأخذ علماء النحو يدرسون مسائل الخلاف على أنها مسائل تاريخية (3) 0
__________
(1) مدرسة الكوفة ، ص 65 ـ 66
(2) بروكلمان ، تاريخ الأدب العربي 2/196
(3) ضحى الإسلام 2/312(1/110)
... وهكذا استوفى علماء المصرين موضوع النحو ، ولم يتركوا لمن جاء بعدهم ، ولا سيما في بغداد إلاّ الشرح والتلخيص ، أو التوفيق بين الآراء ، والجمع بينها ، من غير ترجيح أو مفاضلة (1) 0
... لقد كان الخلاف بين المدرستين في تفسير الظواهر اللغوية ، أمّا في أيامنا هذه ، فقد بسط المنهج البصري نفوذه على النحو العربي ، بل رأينا تعصب عدد من الدارسين المعاصرين له ، غير أن الذي لا شك فيه أن النحو الكوفي لم يلق حتى الآن ما يستحقه من عناية الدارسين ، على الرغم من أن كثيرا مما ذهب إليه الكوفيون أقرب إلى واقع اللغة مما ذهب إليه البصريون 0
لقد كانت السمة الغالبة على النحويين الكوفيين أنهم درسوا المادة اللغوية على أساس وصفي ، أي بطريقة تقريرية ، تبتعد عن التعليل الفلسفي ، وكلمة الكسائي
ـ 110 ـ
( أيٌّ هكذا خلقت ) خير دليل على ذلك ، وهكذا خلقت جوهر المنهج الوصفي ، الذي يعتبر الأساس في الدرس النحوي ، غير أن المذهب البصري بقياسه التعميمي فيه إجحاف شديد بكلام الفئات القليلة من العرب الفصحاء ، وفيه إهدار لكلام كثير من القبائل المخالفة لحكم القياس على الأفشى ، والأكثر في كلام العرب ، ولذا أكثر ابن أبي إسحاق ، وتلميذه عيسى بن عمر الثقفي من الطعن على العرب ، وتخطيئهم ، من أمثال الفرزدق والنابغة في أشعارها (2) 0
ـ 111 ـ
الفصل الثاني ـ السماع والقياس :
أ ـ السماع :
... يقصد بالسماع الأخذ عن الأعراب الفصحاء ، وقضاء الأزمنة الطويلة في النقل عنهم ؛ لتسجيل نثرهم وشعرهم ، ومتابعتهم في الحياة اليومية ، وشؤونهم المعيشية ، وهذا السماع كان مبتغى الرواة ، ومقصد النحاة الأوائل ، حيث كانت الرحلة إلى البادية أمرا مألوفا ، ومشافهة الأعراب الطريق الطبيعي للإلمام باللغة ، والوقوف على أسرارها 0
__________
(1) حنا الفاخوري ، تاريخ الأدب العربي ، ص 764
(2) كحالة ، اللغة العربية وعلومها ، ص 116 ـ 117(1/111)
... والسماع أقرب سبيل إلى ضبط اللغة العربية ، حين يخفى ما يمكن أن يكون علة جامعة ، وقد جعله الرواة أخصر طريق لحصر العربية (1) ، فقد رحل الكسائي إلى البادية لغرض السماع ، وأنفذ خمس عشرة دواة حبرا في الكتابة عن العرب ، سوى ما حفظ (2) ، وروى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال (3) : ما سمع حماد الراوية حرفا قط إلاّ سمعته ، وقال أبو عبيدة (4) : كان الأصمعي صدوقا في الحديث 000 وأكثر سماعه من الأعراب ، وأهل البادية ، قال له رجل : أنت حتف الكلمة الشرود ، وقد سئل عما يقوله في كتابه غريب القرآن : ممن أخذت هذا ؟ فإن هذا تفسير خلاف تفسير الفقهاء ، فقال (5) : هذا تفسير الأعراب البوالين على أعقابهم ، وكان أبو زيد كثير السماع عن العرب ، وكان ثقة مقبول الرواية (6) ، قال ابن الغازي (7) : أبو زيد كثير الرواية عن العرب ، كثير النقل 0
... والبصريون في أخذهم عن العرب لم يجمعوا كل ما صادفهم في رحلتهم ، بل كانوا لا يأخذون إلاّ ما يطمئنون إليه ، أمّا الكوفيون فقد تسامحوا في ذلك بعض الشيء ، واحترموا كل ما جاء عن العرب 0 والواقع أن أبرز فرق بين علم اللغة وعلم النحو والصرف ، أن الأول طريقه السماع والثاني طريقه القياس ، إذ لسنا نعقل النحو إلاّ استقراء ثم قياسا (8) ، والسماعي قد يصير قياسيا ، وذلك إذا استخرج قاعدة يعرف بها (9) 0
ـ 112 ـ
__________
(1) عبد الله العلايلي ، مقدمة لدرس لغة العرب ، ص 97
(2) معجم الأدباء 13/169
(3) طبقات النحويين واللغويين ، ص 37
(4) أخبار النحويين البصريين ، ص 60 ـ 62
(5) طبقات النحويين واللغويين ، ص 176
(6) أخبار النحويين البصريين ، ص 52
(7) طبقات النحويين واللغويين ، ص 166
(8) سعيد الأفغاني ، في أصول النحو ، ص 62
(9) أحمد تيمور ، السماع والقياس ، ص 12(1/112)
... والسماع مقدم على القياس ، فإذا ورد السماع بطل القياس ، وذا سمع غير القياس امتنع النطق بالقياس (1) ، ويرى ابن فارس (2) أن المراد بالقياس أنه إذا ورد شيء ولم يُعلم كيف تكلموا به ، فأنت تقيس على أشباهه ، ويرى أنه ليس لنا أن نقيس مع وجود السماع فليس لنا أن نخترع في اللغة ، ولا أن نقول غير ما قالوه ، وإذا تعارض السماع والقياس نطقت بالمسموع على ما جاء عليه ، من غير قياس على غيره ؛ لأننا إنما ننطق بالعربية ، ونحتذي أمثلتها ، كما يقول ابن جني (3) ، وعلى العموم فإن مفهوم السماع هو الإباحة للواضع على قانون العربية في أشيائها النادرة (4) ، ولكن هذا السماع الذي اشتط اللغويون في اعتباره ، أخذ عليهم الطريق الحقيقي لدرس العربية على وجه صحيح ، فكان ما اتخذه الأول وسيلة إلى الضبط في فاتحة الدرس ، علة الفوضى في خاتمته (5) 0
... وقد كان الفراء يعتد بالسماع إلى آخر الحدود ، وكان يقدمه على القياس ، فإذا تعارض القياس والسماع ، فهو إلى جانب المسموع (6) ، ويشترط في الأعرابي أن يكون فصيحا ، وهو كثير النقل عن العرب (7) 0
ب ـ القياس :
... مرّ القياس بالمراحل التي مرّ بها غيره من أصول هذا العلم وفروعه ، فلم ينشأ كاملا دفعة واحدة ، وإنما نشأ كغيره ساذجا بسيطا ، ثم تطور مع الزمن ، ومر بمراحل النمو ، وعملت فيه التجربة والملاحظة عملها ، حتى وصل إلى ما هو عليه من أحكام وقواعد 0
__________
(1) خزانة الأدب 3/559
(2) الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها ، ص 33
(3) الخصائص 1/117
(4) مقدمة لدرس لغة العرب ، ص 199
(5) م 0 ن ، ص 197
(6) المنقوص والممدود ، ص 13 ، 16
(7) الأيام والليالي والشهور ، ص 10 ، 29 ، 56 ، 63(1/113)
... والقياس قديم عند النحاة الأولين (1) ، وكما يفهم من الروايات فإن عبد الله بن إسحاق هو أول من فكر في المقاييس النحوية ، وفي استخدامها لضبط اللغة ، فهم يقولون عنه إنه أول من بعج النحو ، ومدّ القياس والعلل (2) 0
ـ 113 ـ
... وروى ابن سلام قال (3) : قلت ليونس سمعت من ابن أبي إسحاق شيئا ؟ قال : نعم ، قلت له : هل يقول أحد الصويق ، يعني السويق ؟ قال : نعم ، عمرو بن تميم تقولها ، وما تريد إلى هذا ؟ عليك بباب من النحو يطرد وينقاس 0
... فهو يرى أن اللغة لا تسير وفقا للغات القبائل المختلفة ، وإنما يرى أن يلتزم الأذيع والأكثر استعمالا ، وقريب من هذا ما نقل عن أبي عمرو بن العلاء ، فقد سئل عما وضعه وأسماه عربية (4) ، أيدخل في كلام العرب كله ؟ فقال : لا ، فقيل له : كيف تصنع فيما خالفتك فيه العرب ، وهم حجة ، قال : أعمل على الأكثر ، وأسمي ما خالفني لغات 0
... فأبو عمر بن العلاء يذهب مذهب ابن أبي إسحاق ، ويرى أن ضبط اللغة يستلزم الوقوف بها عند حد الكثير المسموع ، والشائع من المستعمل 0
... ثم جاء الخليل بن أحمد ، ومكنته ثقافته وبيئته من أن يكون الغاية في تصحيح القياس ، واستخراج مسائل النحو وتعليله ، واستنبط من ذلك ما لم يستنبطه أحد ، وكان لأبي زيد فضل معرفة بمقاييس النحو ، وكذلك كان ليونس بن حبيب مذاهب وأقيسة تفرد بها (5) ، أمّا سيبويه فكثيرا ما يشبه في ( الكتاب ) مثالا بمثال ، ويجري على أحدهما ما يجري على الآخر ؛ لاشتراكهما في العلة ، وكذلك كان الكوفيون قائسين ، فالكسائي هو القائل :
... ... إنما النحو قياس يُتّبع ... ... وبه في كل أمر يُنتفع 0
__________
(1) ابن سينا ، الإشارات والتنبيهات 1/207
(2) طبقات النحويين واللغويين ، ص 31
(3) طبقات النحويين واللغويين ، ص 32
(4) م 0 ن ، ص 39
(5) نزهة الألباء ، ص 32(1/114)
... وكثيرا ما يذكر الفراء في كتابه ( المعاني ) (1) عبارة : فاجر الكلام على هذا ، أو ابن الكلام على هذا ، ونحو ذلك من العبارات ، حتى أنه كان يقيس الفقه على النحو كما أسلفنا ، وكان القياس عندهم على كلام العرب الحي الجاري في مخاطباتهم (2) 0
... والقياس عند المناطقة القدماء هو (3) : حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم له ، أو نفيه عنه ، بأمر جامع بينهما ، أي أن يحاول الحكم على شيء بحكم موجود في شبيهه ،
ـ 114 ـ
... ويرى الشوكاني (4) أن القياس لغة هو : تقدير شيء على مثال شيء أخر ، وتسويته به ، وفي الاصطلاح : حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لها ، أو نفيه عنها ، بأمر جامع بينهما ، في حكم أو صفة 0
... أمّا محمد الخضر حسين (5) فيرى أن القياس هو : حمل العرب أنفسهم لبعض الكلمات على أخرى ، وإعطاؤها حكمها ، لوجه يجمع بينهما 0
... ويرى عبد الله العلايلي (6) أنه : الإباحة للمستعمل على قانون التصريف والاشتقاق ، ويقول سعيد الأفغاني (7) : إن القياس هو حمل غير المنقول على المنقول في حكم ؛ لعلة جامعة ، ويرى فندريس (8) أنه : العملية التي يخلق بها الذهن صيغة أو كلمة أو تركيبا تبعا لأنموذج معروف 0
__________
(1) معاني القرآن 1/15
(2) تاريخ الفلسفة في الإسلام ، ص 53
(3) الغزالي ، المستصفى من علم الأصول 2/ 228
(4) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ، ص 184
(5) القياس في اللغة العربية ، ص 25
(6) مقدمة لدرس لغة العرب ، ص 199
(7) في أصول النحو ، ص 62
(8) اللغة ، ص 205(1/115)
... إن القياس الذي شاع في الفقه ، والذي قام به شيوخ أبي حنيفة في العراق ، وأكمله أبو حنيفة ووسعه ، هو الذي لعب دورا كبيرا في النحو واللغة في العراق أيضا ، وقد انقسم العلماء فيه بين مشجع ومعارض (1) ، فمن الفريق الأول الخليل بن أحمد ، الذي كلن يجيد القياس ، ويمد أطنابه (2) ، ويرى ابن الأنباري (3) أن إنكار القياس في النحو لا يتحقق ؛ لأن النحو كله قياس ، ولذا قيل في حده : النحو علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب ، فمن أنكر القياس ، فقد أنكر النحو ، ولا يُعلم أحد من العلماء أنكره ؛ لثبوته بالدلالة القاطعة 0
... وقد سبق وذكرنا أن أبا زيد ، وابن أبي إسحاق ، وأبا عمرو بن العلاء ، ويونس ، وغيرهم كانوا يميلون إلى القياس ، ومن المحدثين محمد الخضر حسين الذي يرى أنه لولا هذه المقاييس لضاقت اللغة على الناطقين بها ، فيقع المتكلم في نقيصة العي والفهاهة (4) 0
ـ 115 ـ
... ويرى المحدثون أن القياس والتطور صنوان ، فالتطور مسألة جوهرية في فهم القياس ، ويرون _ إلاّ من شذ منهم ـ أنّ للغة العرب قياسا ، وأن العرب تشتق بعض الكلام من بعض ، فالقياس أساس لكل صرف ، والإنسان يتبع القياس دائما في كلامه ، وما جداول التصريف والإعراب التي تذكر في كتب النحو إلاّ نماذج يطلب إلى التلميذ محاكاتها (5) 0
... وكان الأصمعي كشيوخ المحدثين ، يقف عند النص ، ويكره القياس ، ، وقد قيل عنه إنه ليس ممن ينشط للمقاييس (6) ، ويرى ابن جني (7) أن ما قيس على كلام العرب ، فهو من كلام العرب ، ألا ترى أنك لم تسمع أنت ولا غيرك اسم كل فاعل ولا مفعول ، وإنما سمعت البعض ، فقست عليه غيره 0
__________
(1) ضحى الإسلام 2/278
(2) عبد المجيد عابدين ، المدخل إلى دراسة النحو العربي على ضوء اللغات السامية ، ص 82
(3) السيوطي ، الاقتراح في علم أصول النحو ، ص 38 ـ 39
(4) القياس في اللغة العربية ، ص 23
(5) اللغة ، ص 205
(6) ضحى الإسلام 2/279
(7) الخصائص 1/357(1/116)
... إن النحو يكون في كثير من الأحيان في صراع مع الحس الطبيعي ، ففي الأقطار التي يطغى فيها أثر النحاة ، لا تستسلم اللغة لفعل القياس إلاّ بصعوبة (1) ، والواقع أن القياس الذي مهر فيه الخليل ، هو الذي أوجد النحو ، ووسع اللغة ، فالقياس هو الذي اخترع منه النحاة كليات القواعد ، بيد أن النحاة بقياسهم أهدروا كثيرا من الاستعمالات التي كان ينطق بها العرب في نظير وضع هذه القواعد الكلية ، وبالغوا في احترامها ، وسمّوا كل ما شذّ عن قواعدهم هم شذوذا 0
... إننا لا ننكر أن كل لغة في الدنيا بحاجة إلى القياس ، كحاجتها إلى القوة المعبرة فيها ، غير أن هناك صيغا تثبت أمام القياس ، ومن أجل ذلك تسمى بالشاذة ، ويحتوي نحو كل لغة من اللغات على قدر يزيد أو ينقص من الأسماء والأفعال الشاذة ، وتسمى هذه الصيغ بالصيغ القوية ، في مقابلة الصيغ الضعيفة أو العليلة ، التي تستسلم للتنظيم ، الذي يفرضه القياس ، وهذه الصيغ القوية تبقى خارج إطار القاعدة ، وأغلب الظن أن اللغة تقضي على بعض هذه الصيغ شيئا فشيئا ؛ لتردها إلى القاعدة ، وقد يكون من نتيجة القياس في بعض الأحيان التقليل من عدد الصيغ الشاذة ، أي إضعاف النوع القوي ، ولكن ذلك ليس قاعدة مطردة (2) 0
ـ 116 ـ
... لقد قاس النحاة وأجهدوا أنفسهم في القياس ، ولكن قياسهم يؤخذ عليه أنه كان مسرحا لكثير من الألاعيب الذهنية ، والصنعة التعليمية ، كما كان مجالا لإظهار علل عجيبة وبخاصة ما يطلقون عليه اسم العلل الثواني والثوالث ، ويبدو أن هذا ما دفع ابن فارس إلى القول (3) : إنه ليس لنا أن نخترع ، ولا نقول غير ما قاله العرب ، ولا نقيس قياسا لم يقيسوه ويرى أن في ذلك فساد اللغة ، وبطلان حقائقها ، ونكتة الباب عند ابن فارس أن اللغة لا تؤخذ قياسا ، نقيسه نحن الآن 0
__________
(1) اللغة ، ص 207
(2) اللغة ، ص 208 ، وانظر : المدخل إلى دراسة النحو العربي على ضوء اللغات السامية ، ص 82 ـ 83
(3) الصاحبي ، ص 33(1/117)
... ويرى إبراهيم السامرائي أن القياس متأثر بالفلسفة والمنطق اللذين وفدا على المجتمع الإسلامي من التراث الإغريقي القديم ، إذ يقول (1) : إن استخدام القياس ، واستخراج مسائل النحو ، وتعليله ، أمور غير مقبولة في العلم اللغوي ، ففي ذلك استخدام لوسائل غريبة عن طبيعة هذا العلم اللغوي ؛ لأن في ذلك تأثراً بالمنهج الكلامي ، وما أبعد المنهج الكلامي عن المادة اللغوية ، التي يعتبر الاستقراء سبيلها ، وما أظن النحاة لو اكتفوا بغرضهم التعليمي الأول ، وهو صيانة لغة التنزيل من اللحن مضطرين إلى استخدام القياس والتعليل ، والقياس والتعليل من مناهج الفقهاء في استنباط الأحكام 0
... إنّ الغاية التي وضع من أجلها النحو هي فهم النص القرآني ، وليس لحفظه من اللحن كما يرى إبراهيم السامرائي ، وقد سبق بيان ذلك ، كما أن الطريق الطبيعي لتعرّف كنه اللغة ، وتبيين خصائصها هو السماع ، ومحاكاة ما يصل إلى الإنسان عن طريق السماع من العرب الذين سلمت لغتهم ، وعن طريق ما وصل إليهم من نصوص شعرية ونثرية وقرآنية ، فقد كانت هذه الآثار خير عون على تثبيت اللغة الفصيحة في الأذهان ، فاللغة نقلية ، وأساس معرفة خصائصها السماع والمحاكاة (2) 0
... وفي الحقيقة إنّ الإنسان يميل بفطرته إلى المتشابه من الظواهر والمناظر والمميزات في شتى النواحي الحسية والمعنوية ، ويصل من هذه الموازنات إلى أحكام عامة يستنبطها ، مستمدا ذلك مما وهبه الله من القوة الفكرية ، والموهبة المنطقية ، ومن خلال ذلك يبحث عن كنه الأشياء ، عله يهتدي إلى الأسباب ، فيربطها بالنتائج ، هذا هو شأن
ـ 117 ـ
العقل البشري في مختلف الشؤون ، فهو يستنبط الكليات من الجزئيات بهذه القوة الكامنة التي وهبه الخالق إياها ، وهي قوة الاستنباط الباطني (3) 0
__________
(1) النحو العربي : نقد وبناء ، ص 18
(2) عبد الحميد حسن ، القواعد النحوية مادتها وطريقتها ، ص 187
(3) القواعد النحوية مادتها وطريقتها ، ص 197(1/118)
... والقياس مصطلح فقهي ، فالفقه معقول من منقول ، والنحو كذلك ، والناظر إلى أصول النحو ، يرى أن النحاة منذ القدم ، قد ربطوا أصولهم بأصول الفقه ، بل حملوها عليها (1) ، فبين أصول الفقه ، وأصول النحو من المناسبة ما لا يخفى على أحد ، لذا يطالب ابن مضاء بإلغاء القياس (2) ، وهو يستمد ذلك من مذهبه الظاهري ، والظاهرية ينفون القياس ؛ لأنه يقوم على العلل ، وهو ينفون العلل ، والواقع أن ابن مضاء لم يحمل على النحو العربي إلاّ لما فيه من آثار فقه المشرق العربي 0
أنواع القياس :
... القياس أنواع ، منها (3) :
1 ـ حمل بعض الكلمات على الأخرى ، وإعطاؤها حكمها لوجه يجمع بينهما 0
2 ـ أن تعمد إلى اسم وضع لمعنى ، يشتمل على وصف ، يدور معه الاسم وجودا وعدما فتعدي هذا الاسم إلى معنى آخر ، تحقق فيه ذلك الوصف ، وتجعل هذا المعنى من مدلولات ذلك الاسم لغة ، ومثل هذا اسم الخمر ، عند من يراه موضوعا للمعتصر من العنب خاصة ، فإذا وُجد عصير من غير العنب له تأثير عصير العنب في الشدة المخمرة للعقل ، يسميه خمرا 0
3 ـ إلحاق اللفظ بأمثاله في حكم ثبت له باستقراء كلام العرب ، حتى انتظمت منه قاعدة عامة ، كصيغ التصغير والنسب والجمع 0
4 ـ إعطاء الكلمات حكم ما ثبت لغيرها من الكلمات المخالفة لها في نوعها ، ولكن توجد بينهما مشابهة من بعض الوجوه ، كما أجاز الجمهور ترخيم المركب المزجي ، قياسا على الأسماء المنتهية بتاء التأنيث 0
... والقياس الأصلي يتمثل في النوع الثالث ، أمّا النوع الرابع فهو من نوع قياس التمثيل ، وللقياس أربعة أركان هي :
]ـ 118 ـ
__________
(1) أمين الخولي ، هذا النحو ، ص 5
(2) الرد على النحاة ، ص 37
(3) محمد الخضر حسين ، دراسات في العربية وتاريخها ، ص 27 ـ 29(1/119)
أ ـ الأصل : وهو المقيس عليه ، ويجب ألاّ يكون شاذا خارجا عن سنن القياس ، وكما لا يقاس على الشاذ نطقا ، لا يقاس عليه تركا ، وليس من شرط المقيس عليه الكثرة ، فقد يقاس على القليل ؛ لموافقته القياس ، ويمتنع عن الكثير ؛ لمخالفته له 0
ب ـ الفرع : وهو المقيس ، ويوصف بأنه من كلام العرب ، فما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب 0
ج ـ الحكم : وإنما يقاس على حكم ثبت استعماله عند العرب ، وظاهر كلامهم أنه يجوز أن يقاس على ما ثبت بالقياس والاستنباط ، واختلف في القياس على الأصل المختَلف في حكمه ، فأجازه قوم ؛ لأن المختَلف فيه فرع لغيره ، فكيف يكون أصلا ؟
د ـ العلة : والعلة لا يتسمّح فيها ، وعلل النحاة صنفان : علة مطردة في كلام العرب ، وعلة تظهر حكمتهم ، وتكشف عن صحة أغراضهم ومقاصدهم في موضوعاتهم ، وهم للأولى أكثر استعمالا ، وأشد تداولا ، قال السيوطي (1) : وإذا استقريت أصول هذه الصناعة ، رأيت أنها في غاية الوثاقة ، وإذا تأملت عللها ، عرفت أنها غير مدخولة 0
ـ 119 ـ
ج ـ المصطلحات الكوفية :
... الدراسة الكوفية مدينة في نشأتها لأعمال البصريين الأولين ، فقد نشأ النحو بصريا وقد عمل الكوفيون جاهدين ؛ لتكون لهم شخصية مستقلة ، ولعل ما يدل أكبر الدلالة على أن الكوفيين كانوا يقصدون قصدا إلى أن تكون لهم في النحو مدرسة يستقلون بها ، أنهم على الرغم من تلمذة أئمتهم على أيدي البصريين ، وعكوفهم جميعا على كتاب سيبويه ، حاولوا جاهدين أن يميزوا نحوهم بمصطلحات تغاير مصطلحات البصريين ، فكانت مصطلحاتهم مباينة لنظائرها عند البصريين (2) ، والمصطلحات التي اصطنعتها المدرسة الكوفية تنقسم على طائفتين :
1 ـ الطائفة الأولى : وهي المصطلحات الكوفية الخالصة التي لم يعرفها البصريون وهي :
__________
(1) الاقتراح ، ص 38
(2) تاريخ الفلسفة في الإسلام ، ص 55(1/120)
أ ـ الخلاف : لم يكن للبصريين مصطلح يقابل هذا المصطلح ، فالخلاف عامل كوفي أعمله الكوفيون في عدة مواضع ، وهو عامل معنوي ، كانوا يجعلونه علة النصب في الظرف إذا وقع خبرا (1) ، في مثل قولنا : محمد أمامك ، وفي المفعول معه (2) ، وفي المضارع الواقع بعد الفاء في جواب الأمر والنهي المحضين (3) 0
ب ـ الصرف : وقد جعله الفراء (4) علة نصب المفعول معه ، نحو : جاء محمد وطلوعَ الفجر ، بينما ذهب جمهور البصريين إلى أنه منصوب بالفعل الذي قبله بتوسط الواو ، كما جعله الكوفيون علة نصب المضارع بعد واو المعية ، وفاء السببية ، وأو في مثل : ( لأستلهمن الصعب أو أدركَ المنى ) و ما تأتينا فنتحدثَ معك ، و( لا تنه عن خلق وتأتيَ مثله ) بينما ذهب جمهور البصريين إلى أن المضارع بعد هذه الحروف منصوب بأن مضمرة وجوبا 0
ويطلق الكوفيون على الواو والفاء وأو التي ينتصب المضارع بعدها مسبوقة بجحد ( نفي ) أو طلب اسم أحرف الصرف ، وهي الناصبة للفعل المضارع عند جمهور الكوفيين ، أمّا الناصب لهذا الفعل عند الفراء فهو الصرف أو الخلاف ، والصرف
ـ 120 ـ
عند الفراء هو الخلاف الذي اعتمده الكوفيون ، إلاّ أنه أخص منه ، ومجال تطبيقه الفعل لا الاسم كما يفهم من كلامه (5) 0
ج ـ التقريب : وقد خصّ به الكوفيون اسم الإشارة ( هذا ) في مثل : هذا زيد قائما وجعلوه من أخوات كان ، أي أنه يليه اسم مرفوع ، وخبر منصوب ، بينما يعرب البصريون قائما حالاً ، ويجعلون ما قبلها مبتدأ وخبرا (6) 0
__________
(1) الإنصاف 1/245 ( مسألة 29 )
(2) م 0 ن 1/248 ( مسألة 30 )
(3) م 0 ن 2/557 ( مسألة 76 )
(4) معاني القرآن 1/34 ، الإنصاف 2/555
(5) معاني القرآن 1/34 ، وانظر : مدرسة الكوفة ، ص 306
(6) معاني القرآن 1/12 ، مجالس ثعلب 1/52 ـ 53 ، السيوطي ، همع الهوامع شرح جمع الجوامع 1/113(1/121)
د ـ الخالفة : ويطلقه الفراء على كل ما يجتمع فيه صفة من الأفعال ، وصفة من الأسماء ، نحو كلا ، واسم الفاعل (1) 0
هـ ـ القطع : ويجعله الفراء علة نصب الحال في مثل قوله تعالى : [ إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ] (2) إذ يقول (3) : كاظمين نصب على القطع من المعنى الذي يرجع من ذكرهم في القلوب والحناجر ، والمعنى إذ قلوبهم لدى حناجرهم ، وإن شئت جعلت قطعه من الهاء في قوله تعالى : [ وأنذرهم ] والأول أجود في العربية0
2 ـ الطائفة الثانية : وهي المصطلحات الكوفية البصرية ، التي لها عند الكوفيين أسماء ،
وعند البصريين أسماء أخر ، وقد آثرنا أن نرتبها في جدول مع ما يقابلها من
المصطلحات البصرية ، طلبا للإيجاز ، ونضع مصطلحات الفراء التي نسبت إليه في
آخر القائمة 0
الرقم ... ... ... المصطلح الكوفي ... ما يقابله عند البصريين
1 ـ ... ... ... الجحد ... ... ... ... ... النفي
2 ـ ... ... ... حروف الجحد ... ... ... ... حروف النفي
3 ـ ... ... ... المحل ... ... ... ... ... الظرف
4 ـ ... ... ... الصفة ... ... ... ... ... الظرف
5 ـ ... ... ... الترجمة ... ... ... ... ... البدل
6 ـ ... ... ... التبيين ... ... ... ... ... البدل
7 ـ ... ... ... المردود ... ... ... ... ... البدل
ـ 121 ـ
الرقم ... ... ... المصطلح الكوفي ... ما يقابله عند البصررين
8 ـ ... ... ... المكرور ... ... ... البدل
9 ـ ... ... ... التكرير ... ... ... ... البدل
10 ـ ... ... ... الفعل الدائم ... ... ... اسم الفاعل
11 ـ ... ... ... الأدوات ... ... ... حروف المعاني
12 ـ ... ... ... الخفض ... ... ... ... الجر
13 ـ ... ... ... حروف الخفض ... ... حروف الجر
14 ـ ... ... ... حروف الصفة ... ... حروف الجر
15 ـ ... ... ... حروف الإضافة ... ... حروف الجر
16 ـ ... ... ... المجهول ... ... ضمير الشأن أو القصة
17 ـ ... ... ... العماد ... (4) ... ... الفصل
18 ـ ... ... ... النعت ... ... ... الصفة والوصف (5)
__________
(1) أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة ، ص 453
(2) غافر 18
(3) معاني القرآن 3/6
(4) قال الخليل وسيبويه : سمي فصلا لفصله الاسم الذي قبله عما بعده ، والكوفيون يسمونه عمادا لكونه حافظا لما بعده ؛ حتى لا
يسقط من الخبرية كالعماد في البيت الذي يحفظه من السقوط 0 ابن الحاجب ، شرح رضي الدين الإستربادي على الكافية 2/24
(5) قد يطلق البصريون عليه النعت أيضا(1/122)
19 ـ ... ... ... حروف الصلة ... ... حروف الزيادة والإلغاء
20 ـ ... ... ... حروف الحشو ... ... حروف الزيادة والإلغاء
21 ـ ... ... ... النسق ... ... ... العطف بالحرف
22 ـ ... ... ... الإدْغام ... بالتخفيف ... الإدّغام ... بالتشديد
23 ـ ... ... ... المكنى ... ... ... الضمير ...
24 ـ ... ... ... الكناية ... ... ... ... الضمير
25 ـ ... ... ... لا التبرئة ... ... ... لا النافية للجنس
26 ـ ... ... ... ما يجري وما لا يجري المصروف والممنوع من الصرف
27 ـ ... ... ... التفسير ... ... ... التمييز
28 ـ ... ... ... لم يسم فاعله ... ... مبني للمجهول
29 ـ ... ... ... المبني للمعقول ... ... المبني للمجهول
30 ـ ... ... ... التشديد عند الفراء ... التوكيد
ـ 122 ـ
الرقم ... ... ... المصطلح الكوفي ... ... ما يقابله عند البصريين
31 ـ ... ... ... الاسم الثابت عند الفراء ... ... الاسم الجامد
32 ـ ... ... ... الموقَّت عند الفراء ... ... الاسم الخاص عند سيبويه
... ... ... ... ... ... ... = العَلَم
33 ـ ... ... ... الفعل عند الفراء أحيانا (1) ... الاسم الذي لا يفيد حدثا
34 ـ ... ... ... الفعل الواقع عند الفراء ... الفعل المتعدي
35 ـ ... ... ... الألف عند الفراء ... ... همزة القطع
36 ـ ... ... ... الألف الحقيقية عند الفراء ... همزة الوصل
37 ـ ... ... ... القطع عند الفراء ... ... الحال
38 ـ ... ... ... الهاء عند الفراء (2) ... ... تاء التأنيث ... ... ...
وعلى هذه الشاكلة كان الكوفيون يحاولون الوصول إلى مصطلحات جديدة يخالفون بها المصطلحات البصرية ؛ لتكون لهم مدرسة نحوية مستقلة ، بيّنة المعالم ، واضحة القسمات والملامح 0
وواضح أن بعض هذه المصطلحات ظلّ سائدا في النحو العربي إلى أيامنا هذه ، منها : النعت ، وعطف النسق ، والإدغام بالتخفيف 0
ـ 123 ـ
الفصل الثالث ـ سمات المذهب الكوفي :
__________
(1) يطلق الفراء مصطلح الفعل على اسم الفاعل العامل ، وهو اختصار لمصطلح الفعل الدائم 0 أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة
ص 453
(2) تعبير الهاء عند الفراء تعبير غير دقيق ، وقد استعمله سيبويه من قبله ، انظر : الكتاب 2/242(1/123)
... إنّ الفروق التي سنوردها بين المذهبين ليست جامعة ، ولا مانعة ، فليست هناك قاعدة أجمع عليها نحاة البصرة ، وأجمع على معارضتها نحاة الكوفة ، أو قال بها الكوفيون جميعا ، وعارضها البصريون جميعا ، بل كثيرا ما نجد العالم الواحد من أهل الكوفة ، يذهب إلى أحكام يوافق فيها مذهب البصريين ، ويخالف أهل مذهبه ، وكثيرا ما نجد هذه الظاهرة في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف بخاصة (1) ، وفي كتب النحويين بعامة (2) ، وما أكثر ما نقرأ في كتب النحو : قال البصريون إلاّ فلاناً وفلاناً كذا 000 ، وذهب الكوفيون إلاّ فلاناً إلى كذا 000 ، ولم يطّرد الصواب في أحد المذهبين اطرادا ، بل نجده تارة مع هؤلاء ، وأخرى مع أولئك (3) ، وأحيانا لا مع هؤلاء ، ولى مع أولئك ، ولكنه في مكان ما بينهما 0
1 ـ صورة المذهب الكوفي عند القدماء :
... سنقصر الكلام في هذا المقام على ناحيتين اثنتين ، إليهما مردّ الأمر كله ، وهما السماع والقياس 0
... جعل الأقدمون البصريين أهل قياس ؛ لأن من ضبطه منهم كثيرون ، ولهم فيه عناية فائقة، على حين عدّوا الكوفيين أهل سماع ؛ لأنهم سجلوا كل ما سمعوه ، ولم يحكموا القياس إحكام البصريين ، فأربوا عليه بالسماع 0
... لقد جمع السيوطي خلاصة آراء القدماء في المذهب الكوفي ، إذ يقول (4) : مذهب الكوفيين القياس على الشاذ ، ومذهب البصريين اتباع التأويلات البعيدة ، التي خالفها الظاهر ، ويقول (5) : اتفقوا على أن البصريين أصح قياسا ؛ لأنهم لا يلتفتون إلى كل مسموع ، ولا يقيسون على الشاذ ، والكوفيون أوسع رواية ، ويقول أيضا (6) : ومما افتخر به البصريون على الكوفيين أنهم يأخذون اللغة عن حرشة الضباب ، وأكلة اليرابيع ،
ـ 124 ـ
__________
(1) الإنصاف 1/33 ( المسألة الثالثة )
(2) ابن هشام ، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، ص 249
(3) في أصول النحو ، ص 158
(4) الاقتراح ، ص 86
(5) م 0 ن ، ص 84
(6) م 0 ن ، ص 0 ن(1/124)
والكوفيون يأخذونها عن أكلة الشواريز ، وباعة الكواميخ ، ويرى أن الكوفيين يعتدون بالشواهد الفردية ، وإن لم يرد غيرها في كلام العرب ، فإذا سمعوا لفظا من شعر ، أو نادرا في كلام ، جعلوه بابا (1) ، ولو سمعوا بيتا واحدا فيه جواز شيء مخالف للأصول جعلوه أصلا ، وبوّبوا عليه (2) 0
... وبإيجاز شديد فإن المذهب الكوفي عند القدماء يتميز بأنه مذهب السماع ، يؤثر كل ما جاء عن العرب ، كما يعتد الكوفيون بالشواهد الفردية ، ولو سمعوا كلاما من أعرابي فيه جواز شيء مخالف للأصول اعتمدوا عليه ، وجعلوه أصلا يقاس عليه 0
2 ـ صورة المذهب الكوفي عند المحدثين :
__________
(1) همع الهوامع شرح جمع الجوامع 1/45
(2) الاقتراح ، ص 84(1/125)
... لقد غصت كتب المحدثين بالأقوال المتضاربة ، والآراء المتناقضة ، والمذاهب المتعاكسة عند حديثهم عما نحن بصدده ، فيرون أن مدرسة البصرة كان لها اتجاه يميزها عن مدرسة الكوفة ، فالبصريون أصحاب عقل وقياس ، والكوفيون أهل شعر ورواية ، البصريون قوم منطقيون وقيّاسون ، كانوا أسبق من غيرهم إلى الانتفاع بالمنطق الأرسطي ذلك أن تأثير المذاهب الفلسفية ظهر في البصرة قبل الكوفة (1) ، كما كان بين نحاة البصرة كثير من الشيعة والمعتزلة الذين أفسحوا في المجال للحكمة الأجنبية ، لكي تؤثر في مذاهبهم الكلامية ، وبلغ من حرصهم على القياس أن استهانوا بهذا السماعي ، وجعلوه شاذا لا يقاس عليه ، وألزموا النحو حدود أقيستهم ونظرياتهم الفلسفية (2) ، وكثيرا ما كانوا إذا وجدوا شواهد مخالفة لأقيستهم ونظرياتهم أجهدوا عقولهم ، وكدوا أذهانهم في تأويلها ، وتخريجها ، وتسخيرها لما أرادوا ، وهم يرون أن العرب بنوا كلامهم على اعتبار حكم المشاكلة ، والمحافظة على أن تجري الأبواب على نسق واحد ، لذا كانت الفكرة الراسخة في أذهان البصريين أن اللغة ينبغي أن تسير على سنن واحد ، وتجري دائما منطقية ، ولكن اللغة ليست منطقية دائما ، فكل منا يتألف من ذكاء وإرادة وحساسية ، وفي كثير من الأحيان نلاحظ أن بين لغة العقل والمنطق ، ولغة الإرادة والرغبة ، ولغة الانفعال
ـ 125 ـ
والحساسية فرقا كبيرا (3) ، والناظر في معجماتنا العربية يرى أن اللامنطقية تتضح فيها في مواطن كثيرة (4) 0
__________
(1) تاريخ الفلسفة في الإسلام ، ص 55
(2) المدخل إلى دراسة النحو العربي على ضوء اللغات السامية ، ص 63 ـ 65
(3) اللغة ، ص 182
(4) مرمرجي الدومنيكي ، هل العربية منطقية ، ص 4(1/126)
... أمّا مدرسة الكوفة فقد أكثرت من جمع الشواهد ، وبرعت في روايتها وحفظها ، فكان الكوفيون أقل تأثرا بالعقلية والمنطق ، فترخصوا في أمور كثيرة تشذ عن القياس ، فقد كانوا يستفتون الحقائق اللغوية قبل أن يستفتوا عقولهم (1) ، ثم لم يكن بين علمائهم من علماء التشيع والاعتزال والفلسفة ما كان بين نحاة البصرة ، غير أن الكوفيين لم يكونوا بمنأى عن البصرة ، فتأثروا بالمنطق والقياس ، ولكنهم لم يبالغوا فيه مبالغة البصريين (2) ، وكانوا أكثر من البصريين رواية لشواهد اللغة ، كما أنهم اعترفوا بنظرية العامل ، ولكنهم لم يبالغوا فيها مبالغة إخوانهم البصريين ، فكان العامل الكوفي أوهن من العامل البصري 0
... لقد وجد الكوفيون الذين درسوا المذهب البصري كالكسائي والفراء الثغرة التي ينفذون منها إلى قلب المنهج البصري ، وطعنه في الصميم ، فأنكروا على البصريين إهدار ما سموه غير فصيح من كلام بعض القبائل العربية ، وجوّزوا القياس على كل ما سمع من كلام العرب ، وإن خالفت الأشيع والأفشى في كلام العرب ، ولم يهدر الكوفيون شيئا من كلام العرب ، مشهورا فاشياً أو غير مشهور ؛ لأن إهدار الكلام العربي تحكم لا مسوغ له (3) 0
__________
(1) المدخل إلى دراسة النحو العربي على ضوء اللغات السامية ، ص 64
(2) م 0 ن ، ص 0 ن
(3) اللغة العربية وعلومها ، ص 117(1/127)
... ويرى طه الراوي (1) أن أجلى ما ينماز به المذهب الكوفي أن لواءه بيد السماع ، لا يخفر له ذمة ، ولا ينقض له عهدا ، ويهون على الكوفي نقض أصل من أصوله ، ونسف قاعدة من قواعده ، ولا يهون عليه اطّراح المسموع على الأكثر ، أمّا المذهب البصري فيبني قواعده على الأعم الشائع من كلام العرب ، وتحكيم المقاييس العقلية في كثير من الأمور ، وإذا اصطدم أصل من أصول البصريين بسماع غير مشهور ، فزع البصري إلى التأويل والتوجيه ، أو رمي المسموع بأنه شاذ أو نادر ، وربما رماه بالتخطئة في بعض الأحيان ، والبصريون يتصلبون في أمر الرواية تصلبا لا يتقيد به الكوفيون ، ولذلك نرى
ـ 126 ـ
البصري يستخف برواية الكوفي ، ولا نعلم بصريا روى عن كوفي إلاّ ما كان من أبي زيد فقد روى عن المفضل الضبي (2) 0
... إنّ من ينظر في نحو البصرة يجد أن البصريين يبالغون فيما يزعمون ، ففي كتاب سيبويه طائفة من شعر الأخطل (3) ، والفرزدق (4) ، بل من شعر بشار (5) ، وهو من مولدي شعراء البصرة ، بل من شعراء الأرياف ، ومجاوري الأمصار ، وبالجملة فإن مذهب البصرة أضبط قياسا ، وأتقن رواية ، ومذهب الكوفة أكثر تشعبا ، وأوسع رواية (6) 0
... إن البصريين في تشددهم ، وتحكيم قوانينهم ، ضيّقوا على العربية واسعا في كثير من المواطن التي تتطلب السعة ، حتى لقد ضاق نحوهم بمقاييسهم على أن يسع نفسه ، وهو في ريعان الشباب ، فوقعوا في تلحين شيوخهم ، فقالوا لحن سيبويه في كتابه (7) ، ولحن فلان ، ولحن فلان ، وهم من أئمة المذهب البصري 0
__________
(1) نظرات في اللغة والنحو ، ص 11 ـ 12
(2) نظرات في اللغة و النحو ، ص 12
(3) الكتاب 1/317 ، 2/21 ، 238 ، 3/96 ، 99 ، 4/50
(4) م 0 ن 1/63 ، 180 ، 2/72 ، 162 ، 3/243 ، 470 ، 4/63 ، 65
(5) الاقتراح ، ص 27
(6) نظرات في اللغة والنحو ، ص 12
(7) صدر الدين الكنغراوي ، الموفي في النحو الكوفي ، ص 6 ( المقدمة )(1/128)
... ويرى إبراهيم السامرائي (1) أن أهل البصرة والكوفة لم يتباينوا في الأصول والأركان العامة للنحو ، وكلا الفريقين أخذ بالقياس ، بيد أن قياس البصرة غير قياس الكوفة ، فقد عوّل الكوفيون على كل مسموع ، ولو كان لغة نادرة الوقوع ، في حين أن البصريين لم يقيسوا إلاّ على المشهور من كلام العرب ، الذين أدخلوهم في دائرة استقرائهم ، والأخذ عنهم ، وقريب من ذلك ما ذهب إليه شوقي ضيف (2) 0
... ويرى محمد الطنطاوي (3) أن الكوفيين يقيمون وزنا لكل مسموع ، مما أدى إلىوضع قواعد كثيرة ، خالفوا فيها أهل البصرة ، فقد وضع الكوفيون للشيء الواحد متى ورد على صور متغايرة قواعد بقدر صوره ، لذا قلّ عندهم ما كثر عند البصريين من التأويل
والشذوذ ، وقريب من هذا ما ذهب إليه إبراهيم أنيس (4) ، الذي يرى أن موقف الكوفيين
ـ 127 ـ
أقرب إلى السماع 0
... ويرى دي بور (5) أن نحاة البصرة قد جعلوا للقياس شأنا كبيرا في الأحكام المتعلقة بأمور اللغة ، كما فعل البغداديون فيما بعد ، على حين ترخص نحاة الكوفة في أمور كثيرة تشذ عن القياس ، ولذا سمي نحاة البصرة بأهل المنطق ، تمييزا لهم عن نحاة الكوفة 0
... ويرى أحمد أمين (6) أن البصريين كانوا أكثر حرية ، وأقوى سلطانا على اللغة ، وأن الكوفيين أقل حرية ، وأشد احتراما لما ورد عن العرب ، فهم يحترمون كل ما جاء عن العرب ، ويجيزون للناس أن يستعملوا استعمالاتهم 0
__________
(1) النحو العربي : نقد وبناء ، ص 37
(2) المدارس النحوية ، ص 158
(3) نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة ، ص 143
(4) من أسرار اللغة ، ص 25 ـ 26
(5) تاريخ الفلسفة في الإسلام ، ص55
(6) ضحى الإسلام 2/295 ـ 296(1/129)
... وينسب سعيد الأفغاني (1) السماع والقياس المنظمين إلى البصريين ، ويرى أن الكوفيين ليسوا أهل سماع ، ولا قياس منظمين ، وأن الكوفيين كانوا أكثر قياسا من البصريين ؛ لأنهم يقيسون على القليل والكثير ، والنادر والشاذ ، وأنه ليس للكوفيين مناهج محررة في القياس ، في حين أن للبصريين أصولا عامة يراعونها في القياس 0
... هذا بعض ما ذكره المحدثون في التفريق بين المنهجين ، غير أن الواقع يفرض علينا أن نعترف بأنه كان لكل إمام مذهب ، يخالف فيه غيره ، ولو من بعض الوجوه ، وهذه الخصيصة تتضح عند الكوفيين أكثر من البصريين ، فلم يكن أهل البصرة يجمعون على شيء ، وشيخهم على غيره إلاّ في القليل ، في حين كثر ذلك عند الكوفيين ، فللفراء مذهب يخالف فيه الكسائي في غير ما موطن ، وسنعرض لذلك في الباب الثالث من هذه الدراسة ، وعلى العموم فإن لكل عالم من علماء الكوفة آراء ينفرد بها ، تكثر أو تقل بمقدار ما اوتيه من بسطة في العلم ، وبراعة في الإبداع (2) 0
3 ـ المذهب الكوفي بين الوصفية والتعليلية :
... لاستجلاء هذه القضية لابدّ من الحديث عن القضايا التالية :
أ ـ ضياع التراث :
إن المنهج العلمي لا يقدر على دفع الشك في الأحكام السابقة عن المذهب الكوفي ، ذلك أن المصادر التي يمكن أن تقدم الحقيقة ناصعة غير كاملة ولا وافرة ، فلم يصل إلينا من كتب علماء الكوفة إلاّ القليل ، وإن كان بعض ما وصلنا يُعد من عيون التراث ،
ـ 128 ـ
__________
(1) في أصول النحو ، ص 166 ـ 169
(2) نظرات في اللغة والنحو ، ص 11(1/130)
ككتاب معاني القرآن للفراء ومن الكتب الكوفية التي لم تصل إلينا ، والتي تعتبر من الأهمية بمكان ـ فيما نرى ـ كتاب المختصر للكسائي (1) ، ويبدو أن هذا الكتاب كان ذا قيمة تذكر في النحو الكوفي ، وذلك لما ظهر من اهتمام النحاة به ، ولا سيما نحاة الأندلس بعد أن أدخله إلى بلادهم جودي بن عثمان العبسي ت 198 هـ (2) ، كما ضاع كتاب الحدود للفراء وقد سبق الحديث عن هذا الكتاب ، وهو في النحو الخالص ، أودعه الفراء خلاصة نحوه ، وإن شئت خلاصة النحو الكوفي ، كما يذكر الرواة تلميذ الفراء سلمة بن عاصم ، ويذكرون له كتابا في النحو ، هو كتاب الحلول (3) ، ويقولون إنه كان أبرز تلاميذ الفراء في هذا العلم ، ومع هذا لم يصل إلينا من كتبه شيء ، كما لم يصل إلينا من كتب أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب غير ما أودعه أماليه ، وما نقله المتأخرون عنه ، وكذا الشأن مع أبي بكر بن الأنباري ، فقد ذكروا له كتابا اسمه شرح الكافي (4) في نحو ألف ورقة ، إلى جانب كتبه الأخرى التي لم تصل إلينا ، هذا فضلا على أن ما طُبع من كتب علماء الكوفة ، لم يكن قد عُرف للجيل السابق من المعاصرين ، ومن هنا كانت أحكامهم غير مبنية على أصول علمية 0
ب ـ اعتماد الكوفيين السماع :
__________
(1) الفهرست ، ص 98
(2) طبقات النحويين واللغويين ، ص 256
(3) الفهرست ، ص 101
(4) نزهة الألباء ، ص 265 ، الفهرست ، ص 111(1/131)
... إنّ الخصيصة التي تحدث عنها المعاصرون ، وجعلوها السمة الوحيدة للمذهب الكوفي ، ليست خافية في منهج نحاة الكوفة ، فقد اعتمد الكسائي الرواية المنقولة (1) ، ولم يتأثر نحوه بالفلسفة الكلامية ، ولم يُعرف عنه أنه كان على صلة بعلماء الكلام ، كما أنه لم يقف على شيء من الثقافة الأجنبية ، كما هو الشأن عند علماء البصرة (2) ، لذا فإن نحوه ينبع من دنيا السماع ، والاعتماد على ألأعراب في أقوالهم ، وموقفه من الفراء حين تصدى له الأخير ، لم يكن الكسائي فيه يعتمد العلة والقياس ، وإنما ردّ مسائل الرؤاسي بما سمعه
ـ 129 ـ
من العرب حين خرج إلى البادية ، وأنكر أن تكون ( يئس ) بمعنى علم (3) في قوله تعالى [ أفلم ييأس الذين آمنوا لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ] (4) ؛ لأنه لم يسمع أحدا من العرب يقول يئس بمعنى علم ، وموقفه من سيبويه في المناظرة المعروفة ، لم يكن له فيه سند سوى ما قاله الأعراب ، وعبارة الكسائي عندما سُئل عن ( أي ) في قولهم : ضربت أيهم قام ، فقال : أيُّهم بالضم ، فقيل له : ولِمَ ؟ قال : أيّ هكذا خلقت ، وهكذا خلقت جوهر المنهج الوصفي ، البعيد عن التعليل ، والفلسفة الكلامية 0
__________
(1) مدرسة الكوفة ، ص 112
(2) م 0 ن ، ص 113
(3) أبو بكر بن الأنباري ، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، ص 567
(4) الرعد 31(1/132)
... والفراء في السماع يختلف عن أستاذه الكسائي ، كما يلتقي به ، فهو كأستاذه يعتمد المسموع المروي من كلام العرب ، ويبني عليه ، ولو كان شاهدا مبتورا ، كموقفه من قول الشاعر : ( ولكنني من حبها لعميد ) ، صحيح أنه لجأ إلى العلة في دخول اللام على خبر لكن ، غير أنه يعلل ظاهرة قبل بها ؛ لسماعها عن العرب (1) ، كما أن سماعه لم يحظ بالشروط البصرية كاملة ، ولكنه يحيط بكثير منها في بعض الأحيان ، وببعضها في أحيان أخرى ، فهو يقول في بعض كلامه : إلاّ أن تسمع شيئا من بدوي فصيح فتقوله (2) ، وكثيرا ما نجده يقول في كتبه (3) : سمعت أعرابيا من ربيعة ، وقال بعض نساء العرب ، وسمعت بعض العرب ، وأنشدني بعض العرب ، ومن العرب مَن يقول ، فهو أحيانا لا يحدد القبيلة ، ولا يشير إلى فصيح ، كما أن الرقعة التي اعتمد عليها الفراء في شواهده واسعة جدا ، وحين جاء ثعلب ، وابن الأنباري اعتمدا رواية الكسائي والفراء ، ولم يكن لهما شأن يُذكر في تطور النحو الكوفي ، وإن كانا سببا في ازدياد حدة الخلاف بين المذهبين (4) 0
ج ـ الكوفيون والطريقة المعيارية :
... ليس السماع هو السمة الوحيدة للمذهب الكوفي ، فللكوفيين عللهم وأقيستهم ، ورئيسهم الكسائي هو القائل : ( إنما النحو قياس يتبع ) ، ومن قياس الكسائي في قول الشاعر :
... ... إذا رضيت عليّ بنو قشير ... ... لعمر الله أعجبني رضاها
ـ 130 ـ
__________
(1) معاني القرآن 1/465
(2) المنقوص والممدود ، ص 13 ، الاقتراح ، ص 25
(3) المذكر والمؤنث ، ص 7 ، 9 ، معاني القرآن 1/29 ، 30
(4) الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيي وكتاب الإنصاف ، ص 322 ـ 324(1/133)
فهو يرى أن الفعل ( رضي ) تعدى بعلى ؛ لأنه قيس على ضده ( سخط ) ، و القياس على الضد لفتة ذهنية جيدة ، راقت ابن جني (1) ، وأستاذه الفارسي (2) ، ومعظم العلل والأقيسة في المذهب الكوفي إنما كانت للفراء ، فمنزلته في النحو الكوفي منزلة المعلم الموجه ، وعلى الرغم من أنه لم يلق الخليل بن أحمد ، وأن أساتذته الثلاثة : الكسائي ، والرؤاسي ، ويونس ، لم ينشطوا للقياس والعلة ، فإنه ضرب بسهم وافر في هذا الاتجاه ، ويرجع ذلك ـ فيما نرى ـ إلى منادمته لكتاب سيبويه ، بما فيه من أقيسة وعلل قالها الخليل بن أحمد الفراهيدي 0
... والعلة عند الفراء أبرز ما تقف عليه في منهجه ، فالمسك يُذكر ، وإذا أُنث كان المراد به رائحته (3) ، وكذا الحانوت (4) ، وشهر جمادى (5) ، وإذا رأيت مؤنثا بغير هاء ، فعلل ذلك كثيرة كالاختلاف في المذكر والمؤنث مثل حمار وأتان (6) ، والعلة في مجيء خبر كان من عسى وكان على صيغة المضارع دون الماضي أن لفظ الفعلين وإن كان ماضيا في شكله إلاّ أنه مستقبل في معناه ومضمونه (7) ، وحرف الجر ( مِن ) يدخل على جميع حروف الجر إلاّ على الباء واللام ، وعلة ذلك أنهما قلَّتا ، فلم يتوهموا فيهما الأسماء ؛ لأنه ليس من أسماء العرب على حرف ، ولكن ( مِن ) دخلت على الكاف ، وهي حرف كالياء واللام إلاّ أنها لمّا كانت بمعنى الاسم ( مثل ) صحّ دخول مِن عليها (8) 0
__________
(1) الخصائص 2/389
(2) عبد الفتاح شلبي ، أبو علي الفارسي ، ص 369
(3) المذكر والمؤنث ، ص 27
(4) م 0 ن ، ص 28
(5) م 0 ن ، ص 32
(6) م 0 ن ، ص 22
(7) معاني القرآن 1/24
(8) ابن قتيبة الدينوري ، أدب الكاتب ، ص 393(1/134)
... ومن تعليلاته الدقيقة تجويز القول : عندي عشرون درهما جياداً وجيادٌ ، ورفضه القول : عندي عشرون رجلا صالحون ؛ لأن جياداً لفظها لفظ جمع ، ولكن وزنها وزن المفرد ، فهي على زنة كتاب ، ولهذا أجاز أن تأتي منصوبة ، صفة لدرهم ، وهو مفرد لفظا ، أمّا صالحون فلفظها لفظ الجمع ، وليست على وزن المفرد ، ولذلك لا يجوز أن تكون صفة لرجل المفرد في اللفظ (1) 0
ـ 131 ـ
...
... إنّ هذه الأمثلة وغيرها كثير تدل على أن الفراء لا يقل عن سيبويه والخليل عناية بالعلة النحوية (2) ، على أننا رغم كل ما سبق لا نستطيع أن نضع الفراء في صف البصريين المتأخرين ، أمثال أبي علي الفارسي ، وابن جني ، والرماني ، وأبي بركات الأنباري ، فهو لا يفعل مثلهم ، فيربط بين ظواهر الحياة الحسية وظواهر اللغة ، بل لا نستطيع البتة أن نضعه في صفّ الخليل وسيبويه في كل دراساته ، فقد اعتمد السماع كما ذكرنا ، ووسع دائرة الاحتجاج المكانية في جزيرة العرب ، وعليه يكون الفراء قد جمع بين المعيارية والوصفية ، جاءته الأولى من صحبته لكتاب سيبويه ، وجاءته الثانية من تأثره بأساتذته الكوفيين أمثال الرؤاسي والهراء والكسائي ، ولكننا إذا قرناه إلى هؤلاء وجدناه معياريا ، وإذا وضعناه بجانب البصريين المتأخرين وجدناه إلى الوصفية أقرب ، فهو يشبه سيبويه والخليل في المعيارية أحيانا ، ولكنه لا يساويهما في دراساته كلها 0
__________
(1) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، ص 306
(2) الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين ، ص 326(1/135)
... وتقف العلة النحوية عند الكوفيين بعد الفراء عند المرحلة التي بلغتها عنده ، ويبقى ثعلب وأبو بكر بن الأنباري على آثار شيوخهما مقتدين ، فقد كان ثعلب من الحفظ ، والعلم ، وصدق اللهجة ، والمعرفة بالغريب ، ورواية الشعر القديم ، ومعرفة النحو على مذهب الكوفيين على ما ليس عليه أحد ، وكان يدرس كتب الفراء والكسائي درسا ، وكان متبحرا في المذهب الكوفي ، لا مستخرجا للقياس ، ولا طالبا له ، وكان يقول : قال الفراء ، وقال الكسائي ، فإذا سُئل عن الحجة في ذلك ، لم يعرف النظر (1) 0
... وكان إبراهيم الحربي أحد أصحاب ثعلب يقول (2) : بلغني أن أبا العباس أحمد بن يحيى قد كره الكلام في الاسم والمسمى ، وقد كرهت لكم ـ يعني أصحابه ـ ما كره أحمد بن يحيى ، ورضيت لنفسي ما رضي 0
... وتند بعض العلل عند أبي بكر بن الأنباري ، وتبلغ منزلة فلسفية ، فهو يقول (3) : واختلف النحويون في الاعتلال لنحن ، لِمَ كانت للاثنين والجمع بلفظ واحد ؟ قال هشام ومن قال بقوله : جُعل جمع أنا ، وتثنيته على خلاف لفظه ، كما قالوا رجل ، وفي جمعه قوم ، وقالوا امرأة ، وفي جمعها نسوة ، وبعير ، وفي جمعه إبل ، فلمّا كان جائزا أن يخرج الجمع على غير لفظ الواحد ، ألحقوا نحن به 0
ـ 132 ـ
... وليس من شك في أن هذه العلل التي نقلت عن الفراء وغيره ، لا تقلّ عن العلل البصرية عند الجيل الذي يمثله سيبويه والخليل ؛ لأنها لا تستقري روح العربية ، ولا تجمع إلى معيارية تُخضع الظواهر النحوية لموازين العقل والمنطق ، اللهم إلاّ في مواضع جد قليلة ، نجدها طورا عند الفراء ، وآخر عند غيره ، ومهما يكن فإن الكوفيين يجمعون بين اعتماد السماع ، واصطناع العلة (4) 0
__________
(1) ثعلب ، شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ، ص 21 ( المقدمة ) ، معجم الأدباء 5/120
(2) إنباه الرواة 1/142
(3) الأضداد ، ص 183 ـ 184
(4) الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين ، ص 326 ـ 328(1/136)
4 ـ المذهب الكوفي والأدلة العقلية في كتاب الإنصاف :
... لقد اعتمد الكوفيون الأدلة العقلية ، ولكن اعتمادهم هذه الأدلة كان أقل من اعتماد البصريين إياها ، ومن معالم هذه الصورة :
أ ـ الاستدلال بالتقسيم :
... استعمل الكوفيون هذا الاستدلال في ترافع المبتدأ والخبر ، فبعد أن قاسوا الظاهرة على نظيراتها في كلام العرب ، أخذوا يردون على البصريين رأيهم ، وهو أن المبتدأ يرتفع بالابتداء ، فقالوا (1) : لأنا نقول : الابتداء لا يخلو إمّا أن يكون شيئا ، فلا يخلو أن يكون اسما أو فعلا أو أداة من حروف المعاني ، فإن كان اسما فينبغي أن يكون قبله اسم يرفعه ، وكذلك ما قبله إلى ما لا غاية له ، وذلك محال ، وإن كان فعلا فينبغي أن يقال : زيد قائما ، كما يقال حضر زيد قائما ، وإن كان أداة فالأدوات لا ترفع الأسماء على هذا الحد ، وإن كان غير شيء فالاسم لا يرفعه إلاّ رافع موجود ، غير معدوم ، ومتى كان غير هذه الأقسام الثلاثة التي قدّمناها ، فهو غير معروف 0
... ولعل أبا البركات قد استوحى هذه الأدلة من المناظرة التي جرت بين الجرمي والفراء ، والتي نقلها في المسألة نفسها ، ثم ساقها على الصورة المنطقية السابقة ، فجعل الكوفيين في هذه الحجة يناقشون ، ويقسّمون ، ويلجأون إلى المنطق العقلي ، ويستفيدون من أساليب الفقهاء ، في حين لا يحمل كلام الفراء في المناظرة هذا كله ، فقد قال الجرمي (2) : أخبرني عن قولهم : زيد منطلق ، بمَ رفعوا زيدا ؟ وانتهى الكلام إلى أن عامل الرفع لا يظهر ولا يتمثل ، فوقع الفراء والجرمي في المشكلة نفسها ، وعلى الرغم من الشك الذي يحوم حول تفصيلات المناظرة ، فإن كلام الفراء لا يحمل السمات المنطقية التعليلية التي حملها كلام ابن الأنباري على ألسنة الكوفيين 0
ـ 133 ـ
ب ـ الاستدلال بالأولى :
__________
(1) الإنصاف 1/45 ( المسألة الخامسة )
(2) م 0 ن 1/ 49(1/137)
... لقد لجأ الكوفيون إلى هذا الاستدلال أكثر من لجوئهم إلى الاستدلال بالتقسيم ، وكلامهم في هذا لا يختلف عن كلام خصومهم ، مما يدل على أن أبا البركات نفسه وراء حجج الكوفيين والبصريين معا ، ففي تجويزهم جمع العلم المؤنث بالتاء جمع مذكر سالما ، يسوقون هذا الدليل : وإذا كانت الهاء في تقدير الإسقاط جاز جمعه بالواو والنون كسائر الأسماء المجموعة بالواو والنون ، والذي يدل على صحة مذهبنا أنا أجمعنا على أنك لو سميت رجلا بحمراء أو حبلى لجمعته بالواو والنون ، فقلت : حمراوون وحبلون ، ولا خلاف أن ما في آخره ألف التأنيث أشد تمكنا من التأنيث مما في آخره تاء التأنيث ؛ لأن ألف التأنيث صيغت الكلمة عليها ، ولم تخرج الكلمة من تذكير إلى تأنيث ، وتاء التأنيث ما صيغت الكلمة عليها ، وأخرجت الكلمة من التذكير إلى التأنيث ، ولهذا المعنى قام التأنيث بالألف في منع الصرف مقام شيئين ، بخلاف التأنيث بالتاء ، وإذا جاز أن يجمع بالواو والنون ما في آخره ألف التأنيث ، وهي أوكد من التاء ، فلأن يجوز ذلك فيما آخره التاء ، كان ذلك من طريق الأولى (1) 0
... والكوفيون هنا لا يعتمدون الاستدلال بالأولى فحسب ، بل يستعينون بالعلة أيضا ، وبالتنبيه إلى الفوارق الدقيقة بين علامات التأنيث ، ويبدو لنا أن أبا البركات هو صاحب هذه الصياغة 0
... وفي موضع آخر (2) يردون على البصريين مذهبهم في أن لولا حرف جر ، والضمير بعدها موضعه الجر بها ، ويسوقون كلاما طويلا ، يجيء فيه تعليل دقيق لوجود نون الوقاية وهو قولهم : فلو لم يأتوا بهذه النون لأدى ذلك إلى أن يكسر الفعل لمكان الياء ؛ لأن ياء المتكلم لا يكون ما قبلها إلاّ مكسورا ، والفعل لا يدخله الكسر ؛ لأنه إذا لم يدخله الجر ، وهو غير ملازم استثقالا له ، فلأن لا يدخله الكسر الذي هو لازم استثقالا له ، كان ذلك من طريق الأولى 0
__________
(1) الإنصاف 1/40 ـ 41
(2) م 0 ن 2/688 ـ 689(1/138)
... وكذلك حين يدافعون عن مذهبهم في أصل حركة همزة الوصل ، يقولون (1) : وإذا كانوا كسروا ما يجب بالقياس ضمه ، وضموا ما يجب بالقياس كسره للاتباع طلبا للمجانسة
ـ 134 ـ
فلأن يضموا هذه الهمزة ، أو يكسروها للاتباع ، ولم يجب لها حركة مخصوصة ، كان ذلك من طريق الأولى 0
... وعلى هذه الشاكلة يقدم أبو البركات صورة المذهب الكوفي ، وهي لا تختلف عن صورة المذهب البصري في كثير من المواضيع ، إذ نجد الكوفيين يستعملون الأدلة العقلية التي استمدها علم النحو من الدراسات الفقهية والمنطقية (2) 0
ج ـ العلة :
... ما أكثر ما نجد الكوفيين في كتاب الإنصاف يقفون أمام خصومهم وليس معهم من السلاح شيء من السماع ، وإنما يحملون العلة المنطقية وحدها ، فهناك ما يربو على خمس وثلاثين مسألة (3)
__________
(1) م 0 ن 2/738 ( المسألة 107 )
(2) الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين ، ص 332
(3) المسائل هي : 50 ، 51 ، 53 ، 55 ، 56 ، 58 ، 59 ، 69 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 78 ، 79 ، 84 ، 85 ، 86 ، 87 ،
92 ، 93 ، 95 ، 96 ، 97 ، 100 ، 101 ، 105 ، 107 ، 110 ، 111 ، 112 ، 113 ، 114 ، 115 ، 116 ، 117
118 0(1/139)
اعتمدوا فيها العلة ، من غير أن يكون معها شيء من النقل ، وليست عللهم بأقل إمعانا في المنطق من علل البصريين ، فكثيرا ما نلاحظ أنها تصل إلى منزلة تشير إلى التكلف والشرود ، فقد نسب إليهم صاحب الإنصاف أنهم يجيزون التعجب من السواد والبياض (1) ، ولا يجيزون التعجب من الألوان الأخرى ، وما أظن أن العلة التي ساقها الكوفيون في هذه المسألة تصدر عنهم ، ولا من نحاة البصرة كذلك ، وفي موضع آخر يعللون مذهبهم بأن اسم الإشارة أعرف المعارف جميعا ؛ لأنه يعرف بشيئين (2) ، وفي المسألة التي دار الخلاف فيها حول الضمير المتصل بعد لولا ، نجد كلامهم يمتلئ بالعلل والتفريعات (3) ، وكذلك في مسألة منذ (4) 0
... والحق أن للكوفيين عللا كثيرة ، كما رأينا عند الفراء ، ولكنها لا تبلغ هذا المبلغ الذي ساقه ابن الأنباري في الإنصاف ، والناظر إلى الإنصاف يلاحظ أن المذهبين يلتقيان معا (5) ، ويكفي أن يرى الكوفيون السواد والبياض أصلا للألوان جميعا ، فيجيزون التعجب منهما ، حتى تحس بالروح المنطقية التي ينسبها ابن الأنباري للكوفيين 0
ـ 135 ـ
... إنّ هذا النوع من العلل ـ العلل العقلية ـ هو الغالب على البصريين ، لا الكوفيين ، حتى إذا سئل الخليل عن العلل زعم أنها كانت في عقول العرب وإن لم يصرحوا بها (6) 0
د ـ القياس :
__________
(1) الإنصاف 1/148 ( م 16 )
(2) م 0 ن 2/708 ( م 101 )
(3) م 0 ن 2/687 ( م 97 )
(4) م 0 ن 1/382 ( م 56 )
(5) الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين ، ص 332 ـ 333
(6) الاقتراح ، ص 57(1/140)
... قياس الكوفيين كما يبدو في الإنصاف كثير وافر ، فثمة مسائل كثيرة اعتمد الكوفيون فيها القياس وحده (1) ، ومسائل أكثر جمعوا فيها بين النقل والقياس (2) ، ولا يقل قياسهم ـ كما في الإنصاف ـ عن قياس البصريين ، فهم يرون القياس على الضد صحيحا صحة القياس على النظير ، ولقد رأينا الكسائي يذهب إلى هذا في بعض أقواله ، وكل ما في الأمر أن ابن الأنباري جعلهم يقولون بهذا القياس ، وأكبر الظن أن هذا التعليل الذي يغص به كتاب الإنصاف من افتعال أبي البركات ، وأمّا تعليلهم الذي يتفق مع مسلكهم في التوجيه ، فهو التعليل الذي يصدر احتجاجهم به في بداية المسائل (3) 0
... وربما أخذ قياس الكوفيين في الإنصاف شكلا من أشكال التفريع والتعليل ، كما هو الحال عند البصريين في تشبيه ما الحجازية بليس (4) ، وفي مسألة كيف (5) نلاحظ نصا حافلا بالأقيسة والتفريعات ، ومثل هذا النص لا تغيب عنه شخصية ابن الأنباري ، ولكن هذا لا يعني أن علماء الكوفة لا يقيسون ، بل معناه أن الرجل أضاف إلى ما عندهم أشياء لا تحصر 0
... ونرى الكوفيين يردون على البصريين قياسهم (6) ، وأحيانا نجد قياسهم أسلم من قياس البصريين (7) ، ونجد الكوفيين في الإنصاف يقيسون أحيانا ظاهرتين بعضهما على بعض قياسا عكسيا ، كما فعلوا في قياس ليس على كان ، فكان متصرفة ، وليس غير متصرفة (8) ، ونجد في الإنصاف ظاهرة أخرى ، وإن تكن قليلة ، وهي أن الكوفيين يلجأون
ـ 136 ـ
__________
(1) الإنصاف ، المسائل : 22 ، 38 ، 44 ، 68 ، 71 ، 83 ، 89 0
(2) م 0 ن ، انظر المسائل التالية على سبيل المثال : 38 ، 68 ، 83 ، 89
(3) قارن على سبيل المثال بين المسألة ( 72 ) في الإنصاف حول جزم فعل الأمر ، وشرح الكافية 2/268
(4) الإنصاف 1/165 ( م 19 )
(5) م 0 ن 2/643 ( م 91 )
(6) م 0 ن 2/687 ( م 97 )
(7) م 0 ن 2/636 ( م 89 )
(8) م 0 ن 1/160 ( م 18 )(1/141)
إلى تأويل الشاهد (1) حين يصطدم مع قياسهم ، على غرار ما هو معروف عند البصريين ، ولا يهمنا هنا ألاّ يكون هذا التأويل كله من كلام الكوفيين ، فقد ساقه أبو البركات على ألسنتهم ، وهذا يدل على أن صورة المذهب الكوفي في الإنصاف ليست بعيدة الشبه عن صورة المذهب البصري ، وسواء أصحت أقيستهم أم لم تصح ، فالذي يجب أن يعرف هو أن المنهج الذي يتبعونه فيه كثير من أساليب المنطق وطرائقه مثلما في منهج البصريين ، ولكن عدد المواضع التي يظهر فيها هذا الاتجاه في نحو الكوفة أقل من المواضع التي يظهر فيها منهج أهل البصرة ، وعلة ذلك أن أبا البركات اصطنع حججا كثيرة لهؤلاء ، وأخرى لأولئك ، ومن هنا كان حظ البصريين من القياس والعلة والأسلوب المنطقي أكثر من حظ الكوفيين ، لأن الرجل انتصر لنحاة البصرة في أربع عشرة ومئة مسألة ، ولم ينتصر لنحاة الكوفة إلاّ في سبع مسائل 0
هـ ـ مراعاة الأصول :
... لنحاة الكوفة اهتمام بالأصول كنحاة البصرة ، فهم يفرقون بين عوامل الأسماء ، وعوامل الأفعال ، ويجدون أن الحرف لا يعمل إلاّ فيما اختص به ، ولذلك منعوا أن تعمل أن المخففة في الأسماء ؛ لأنها من عوامل الأفعال (2) ، ومنعوا أن تعمل ما الحجازية النصب في الخبر (3) ؛ لأنها حرف غير مختص ، مثلها في ذلك مثل حرف الاستفهام ، وحرف العطف 0
... ويراعي الكوفيون في الإنصاف أحكام الأصول ، ويطبقونها في أقوالهم ومناظراتهم فهم يرون أن اللام التي تدخل على المبتدأ والخبر إنما هي لام القسم ، وليست لام الابتداء ؛ لأنها يجوز أن يليها المفعول الذي يجب له النصب ، وذلك نحو قولهم : لَطعامكَ زيد آكل ، فلو كانت هذه اللام لام الابتداء ، لكان يجب أن يكون ما بعدها مرفوعا ، ولَمَا كان يجب أن يليها المفعول الذي يجب أن يكون منصوباً (4) 0
__________
(1) الإنصاف 1/155 ( م 17 )
(2) م 0 ن 1/195 ( م 24 )
(3) م 0 ن 1/165 ( م 19 )
(4) م 0 ن 1/399 ( م 58 )(1/142)
... ويتمسك الكوفيون بأصل لغوي في العربية ، وهو عدم الإضمار قبل الذكر ، ومن هنا يمنعون تقدم الخبر على المبتدأ ؛ لئلا يضمر المبتدأ قبل ذكره (1) ، ويمنعون كذلك أن
ـ 137 ـ
يعمل الفعل الثاني في التنازع ، لئلا يختل هذا الأصل النحوي (2) ، ويعتني البصريون بالأصل والفرع ، فيمنعون أن تعمل أنّ في الخبر ؛ لأنها أشبهت الفعل ، فهي فرع عليه (3) ، ويتمسك الكوفيون بمراعاة النظير في وزن سيّد وميّت (4) ، ولكن ما مدى تمسك الكوفيون بهذه الأصول ؟
... الواقع أن البصريين أكثر تمسكاً بالأصول من الكوفيين ، وعلى الرغم من ذلك فقد خالف البصريون أصولهم في القياس على الكثير ، وترك القليل ، وذلك في مسائل متعددة من مسائل النحو ، فنراهم تارة يمتنعون عن القياس على الكثير ، وتارة يقيسون على المثال الواحد ، فمن النوع الأول اعترافهم بأن وقوع المصدر حالاً وصفة كثير ، ومع ذلك فهم يقصرونه على السماع ، ومن ذلك اعترافهم بأن فعيل بمعنى مفعول كثير في لسان العرب ، وقولهم إنه مع كثرته لم يُقس عليه بإجماع ، وغير ذلك كثير (5) 0
... ومن النوع الثاني نسبتهم إلى فعولة على فعلى مع أنّ ذلك لم يرد عن العرب إلاّ في مثال واحد هو : شنوءة وشنئي ، وأيضا قول الشاعر :
... ... أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع
لم يُسمع عن العرب غيره ، حذفت فيه كان ، وعُوِّض عنها ما ، ومع ذلك جعله البصريون قاعدة يُقاس عليها (6) 0
... والكوفيون يتمسكون بأصولهم أيضا ، ولكنهم يخالفونها في بعض الأحيان ، وللتدليل على ذلك نكتفي بمثال واحد ، فهم يقولون إنّ عدم العامل لا يكون عاملا ، ولكنهم يرون أن الفعل المضارع رُفِع لتعريه من عوامل النصب والجر (7) 0
5 ـ المذهب الكوفي والاحتجاج :
__________
(1) م 0 ن 1/65 ( م 9 )
(2) الإنصاف 1/83 ( م 13 )
(3) م 0 ن ( م 22 ، 53 )
(4) م 0 ن ( م 114 )
(5) انظر : أحمد مختار عمر ، البحث اللغوي عند العرب ، ص 114
(6) م 0 ن ، ص 114
(7) الإنصاف ( م 5 ، 47 )(1/143)
... أ ـ القرآن الكريم وقراءاته المتعددة :
... لقد كان الكوفيون أوسع أفقا في مجال القرآن الكريم ، والاستشهاد بآيه من البصريين ، ذلك أن الكوفة كانت أكبر مدرسة للقرآن الكريم وقراءاته ، ومن علمائها ثلاثة
ـ 138 ـ
من القراء السبعة ، لذا قبل الكوفيون كل ما جاء في القرآن الكريم ، مؤثرين في أحايين كثيرة عدم التأويل والتخريج ، والأخذ بظواهر الآيات ، وكان هذا المنهج سليما لو أنهم ساروا على نهجه ، وسلكوا دربه في كل ما أوردوه من مسائل ، أو عرضوه من قضايا ، ولكنهم ـ مع الأسف ـ لم يُحكِّموا هذا المنهج في كل ما ورد من الآيات القرآنية ، ذلك أن الأقيسة البصرية قد بهرتهم ، فنسجوا على منوالها ، واغترفوا من معينها ، وخضعوا لسلطانها في موضوعات عدة من المسائل النحوية ، التي كان يجب أن تسكت فيها هذه المقاييس ، لِتنطق الشواهد القرآنية ، لِتكون الفيصل في هذه الموضوعات ، ويرجع السبب في ذلك إلى أن مصدر الدراسة النحوية الكوفية هو المذهب البصري ، الذي يقوم على المنطق والقياس في أكثر مسائله ، ومن هنا كان من الطبيعي أن يترك المذهب البصري رواسبه في المذهب الكوفي ؛ لأنه منه نشأ ، وعنه صدر ، وبخاصة في مجال القياس والعلة ، فلا غرابة والحال هذه أن تتسرب هذه المقاييس البصرية إلى نحوهم ، فتؤثر فيه ، وتؤثر فيهم ، فيغرمون بالقياس في مواضع عديدة من نحوهم ، وإن كان لقياسهم صبغة تختلف عن صبغة القياس البصري (1) 0
__________
(1) القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية ، ص 124 ـ 125(1/144)
... لقد كان الكوفيون في مجال القرآن الكريم أكثر من البصريين استدلالا بآياته ، واحتجاجا بأساليبه ، ذلك أنهم يؤمنون أن القرآن جاء بلغات مختلفة فصيحة ، فهو أحق بالقبول ، وأجدر بالأخذ حين تُبنى قاعدة ، أو يُقرر حكم ، أو يُصحح أسلوب ، لذا كان الفراء يقول (1) : والكتاب أعرب وأقوى في الحجة من الشعر ، ويقول (2) ابن جني في قوله تعالى : [ إنك ميّت وإنهم ميّتون ] (3) : فأمّا قول الله عزّ وجلّ : [ أو من كان ميْتا فأحييناه ] (4) ، ثم قال في موضع آخر : [ إنك ميّت وإنهم ميّتون ] فلا يدل على أن الذي يقول ( ميْت ) بسكون الياء ، هو الذي يقول ( ميّت ) بتشديد الياء ، لأن القرآن جاء بلغات مختلفة ، وإن كانت كلها فصيحة ، ويرى ابن هشام (5) أن الاستعانة بالشواهد القرآنية نرى صداها واضحا عند الكوفيين ، ولم يكن الكوفيون رجال فلسفة ، ولا دعاة منطق يحكمون
ـ 139 ـ
المنطق في اللغة ، ويفرضون أقيسة عليها ، كما كان يفعل البصريون ، ومن ثم قبل الكوفيون قراءات القرآن الكريم التي تتجافى عن المنطق وأساليبه ؛ لأنها تقوم على الرواية والنقل ، لذا بنى الكوفيون كثيرا من القواعد النحوية على هذه القراءات 0
... لقد كان البصريون يلجأون إلى التأويل عند مواجهتهم قراءة من القراءات السبع ، لا سبيل إلى إنكارها ، أمّا الكوفيون فلهم موقف آخر ، يغاير البصريين كل المغايرة ، فقد قبل الكوفيون القراءات ، واحتجوا بها ، وعقدوا على ما جاء فيها كثيرا من أحكامهم ، وهم إذا رجّحوا القراءات التي يجتمع القراء عليها ، فلا يرفضون غيرها ، ولا يغلطونها ؛ لأنها صواب عندهم أيضا ، كما أن القراءات المختلفة ـ حتى الشاذ منها ـ من مصادر دراستهم (6) 0
__________
(1) معاني القرآن 1/14
(2) شرح تصريف المازني 2/17
(3) الزمر 3
(4) الأنعام 122
(5) الإعراب عن قواعد الإعراب ، ص 15
(6) البحث اللغوي عند العرب ، ص 10(1/145)
... لقد اعتدّ الكوفيون بالقراءات ، وبنوا قواعدهم عليها ، على حين وقف البصريون منها موقفهم من سائر النصوص اللغوية ، وأخضعوها لأصولهم وأقيستهم ، فما وافق منها أصولهم ـ ولو بالتأويل ـ قبلوه ، وما لم يوافق رفضوه ، بل ربما حكموا على القراءة بالوهى ، وعلى القارئ بالوهم (1) 0
... والواقع أن الكسائي ، وهو أحد القراء السبعة ، كان أكثر اعتدادا بالقراءات من الفراء ، على الرغم من اعتداد الأخير بها ، فالفراء يرى أن الاحتجاج بالقراءات القرآنية أحبّ إليه (2) ، ولكنه كان في بعض الأحيان ينكر بعض القراءات ، ويرميها بالقبح (3) ، والمتتبع لموقف الفراء يجد له موقفين متضادين ، فهو يحتج حينا ، بل أحيانا بالقراءات ، وينكر حينا قراءات أخرى ، ويتشدد في إنكارها ، أمّا ثعلب وأبو بكر الأنباري فهما يترسمان آثار الشيخين ، الكسائي والفراء 0
ويجعل صاحب الإنصاف نحاة الكوفة أبداً في صف القراءات ، موثقين لها ، ومحتجين بها ، بينما يجعل نحاة البصرة غالبا ما ينسبونها إلى الشذوذ ، وينكرون الاحتجاج بها 0
ـ 140 ـ
... ب ـ الحديث النبوي الشريف :
__________
(1) الإنصاف ( م 60 )
(2) معاني القرآن 1/194
(3) م 0 ن 1/252 ، 2/86(1/146)
... جرى جمهور النحاة المتأخرين على عدم الاحتجاج بالحديث النبوي في تقرير الأحكام العربية ، وخالفهم ابن مالك ، فجرى على الاستشهاد به في كثير من الأحكام التي خالف فيها الجمهور ، وسبقه إلى مخالفة النحويين في هذا الشأن أبو محمد ابن حزم ، غير أن الأخير لم يصادف المفصل في ردّ مذهب الجمهور ، وذلك لأن الجمهور لم يمتنعوا عن الاستشهاد بالحديث النبوي في تقرير أحكام اللسان لاعتقادهم النقص في فصاحة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما يوحي كلام ابن حزم ، بل لما وقع في الحديث النبوي من الرواية بالمعنى ، أمّا وجهة نظر ابن مالك فهي أن الأحاديث المدونة في الكتب ، رُويت عمن يوثق بهم ، ويحتج في أحكام الألفاظ بعباراتهم (1) 0
... على أن المتأخرين يرون أن الواضعين الأولين لعلم النحو كأبي عمرو بن العلاء ، وعيسى بن عمر ، والخليل ، وسيبويه من أئمة البصريين ، والكسائي ، والفراء ، وعلي بن المبارك الأحمر ، وهشام الضرير من أئمة الكوفيين ، لم يستشهدوا بالحديث ، وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من الفريقين ؛ لأن الأحاديث المروية قد رويت بالمعنى إلاّ في الأحاديث القصار على قلة (2) ، ويقول أحمد الإسكندري (3) : مضت ثمانية قرون والعلماء من أول أبي الأسود الدؤلي إلى ابن مالك ، لا يحتجون بلفظ الحديث في اللغة إلاّ الأحاديث المتواترة 0
__________
(1) حسن موسى الشاعر ، النحاة والحديث النبوي ، ص 51
(2) الاقتراح ، ص 16 ، 17
(3) مجلة مجمع اللغة العربية ـ القاهرة ، العدد الأول ، ص 299(1/147)
... على أننا وجدنا من قدامى اللغويين من استشهد بالحديث في مسائل اللغة كأبي عمرو بن العلاء ، والخليل ، والكسائي ، والفراء ، والأصمعي ، وأبي عبيدة ، وابن الأعرابي ، وابن السكيت ، وأبي حاتم ، وابن قتيبة ، والمبرد ، وابن دريد ، وأبي جعفر النحاس ، وابن خالويه ، والأزهري ، والفارابي ، والصاحب بن عباد ، وابن فارس ، والجوهري ، وابن سيده ، وابن منظور ، والفيروزابادي ، وغيرهم (1) ، وممن استشهد بالحديث من النحاة سيبويه ، والفراء ، والكوفيون ، والزجاجي ، والزمخشري ، وابن خروف ، وابن الخباز ، وابن مالك ، وابن عقيل ، والأشموني ، والسيوطي ، وغيرهم (2) 0
ـ 141 ـ
... إذاً فقد كان المتأخرون مخطئين فيما ادعوه من رفض القدماء الاستشهاد بالحديث ، وكانوا واهمين حينما ظنوا أنهم هم أيضا برفضهم الاستشهاد بالحديث إنما يترسمون خطاهم وينهجون نهجهم 0
... ونحن نحمل ابن الضائع ت 680 هـ ، وأبا حيان الأندلسي ت 745 هـ تبعة شيوع هذه القضية الخاطئة ، فهما أول من روّج لها ، ونادى بها ، وعنهما أخذها العلماء من غير تمحيص أو تحقيق ، ثقة منهم في حكمهما ، أو تخففا من عناء البحث ، وركونا إلى الراحة ، والتماسا لأيسر السبل 0
... ولعل منشأ تلك الفكرة الخاطئة هو أن القدماء لم ينصوا على الاستشهاد بالحديث ، واكتفوا بدخوله تحت المعنى العام لعبارة النصوص الأدبية القديمة ، ويؤيد ذلك ما قاله السيوطي (3) من أنّ النحو علم يستنبط بالقياس والاستقراء من كتاب الله تعالى ، وكلام فصحاء العرب ، فقصره عليهما ، ولم يذكر الحديث ، وهذا لا يعني أنهم لم يستشهدوا بالحديث (4) 0
__________
(1) البحث اللغوي عند العرب ، ص 21 ـ 23 ، في أصول النحو ، ص 38 ـ 39
(2) النحاة والحديث النبوي ، ص 72 ـ 91
(3) الاقتراح ، ص 18
(4) البحث اللغوي عند العرب ، ص 24 ـ 25(1/148)
... لقد استشهد البصريون بالحديث ، وخير دليل على ذلك ما جاء في كتاب سيبويه (1) ، فقد جاء الاستشهاد بالحديث في ثمانية مواضع ، وقد أكثر الكوفيون بعامة ، والفراء بخاصة من الاستشهاد بالحديث (2) 0
... ج ـ شواهد الشعر :
... لقد ضيق البصريون الرقعة التي اعتمدوا عليها في الأخذ ، ولذلك ابتعد الشيء الكثير من كلام العرب عن قواعدهم ، وفي تلك الأحوال لجأوا إلى التأويل والتعليل ؛ ليردوا المسائل الخارجة إلى قواعدهم ، وكان البصريون يتحرون أن تكون شواهدهم مسموعة من العرب الخلّص ، وساعدهم على ذلك قرب البادية منهم ، أمّا الكوفيون فما كانوا يتحرون شيئا من ذلك ؛ لبعد الكوفة عن هؤلاء الأعراب (3) 0
ـ 142 ـ
... لقد استشهد الكوفيون بالشعر العربي في الجاهلية والإسلام ، ولو كان ما وصلهم منه بيت واحد (4) ، فقد كان الكوفيون يعتدون بالشواهد الفردية ، وإن لم يرد غيرها في كلام العرب ، ويقيسون عليها ، وللكوفيين في قياسم على الشاذ سند من أشياخ البصريين ومتقدميهم ، فقد سئل عيسى بن عمر عن هذا الذي وضع ، أيدخل في كلام العرب كله ؟ فقال : لا ، قيل : فمن تكلم بخلافك ، واحتذى ما كانت العرب تتكلم به ، أتراه مخطئا ؟ قال : لا (5) 0
... ويحتج الكوفيون بأبيات الشعر التي لم يعرف قائلها ، فقد أجازوا إظهار أن بعد كي وأجازوا دخول اللام في خبر لكن ، وأجازوا مد المقصور ، واستدلوا لكل هذا بأبيات مجهولة القائل (6) ، وهم يرون أن هذه الأبيات إن صدرت عن ثقة يعتمد عليه قُبلت ، وإلاّ فلا تقبل (7) 0
__________
(1) الكتاب 5/32 ( الفهارس )
(2) معاني القرآن 1/58 ، 59 ، 468 على سبيل المثال لا الحصر 0
(3) أبو علي الفارسي ، ص 442
(4) القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية ، ص 122
(5) طبقات النحويين واللغويين ، ص 45
(6) القواعد النحوية : مادتها وطريقتها ، ص 208
(7) حمزة فتح الله ، المواهب الفتحية في علوم اللغة العربية 1/55(1/149)
... ولم يكن الكوفيون وحدهم الذين يحتجون بأبيات مجهولة القائل ، فهذا سيبويه في كتابه يستشهد بمثل هذه الأبيات ، ففي كتابه خمسون بيتا مجهولة القائلين ، فإذا ما علمنا أن كتاب سيبويه كان يغص بمثل هذه الأبيات ، وأن كثيرا من أبياته نسبت على يد أبي عمر الجرمي (1) أدركنا سرّ القضية ، حتى أن سيبويه استشهد بشعر بشار بن برد (2) 0
... لقد احتج النحاة المتقدمون ـ حتى زمن الفراء ـ بأبيات مجهولة القائل ، وبأبيات نادرة ، وذلك أنهم كانوا يسمعونها من شيوخهم ، وهؤلاء تلقوها عن أعراب البوادي ، أو عن الفصحاء من الأعراب المقيمين في الحاضرة كبني أسد ، وبني تميم المقيمين في الكوفة ، وقد عرف النحاة أن الشاهد من هذا النوع إن صدر عن ثقة يُعتمد عليه قُبل ، ومن هنا كان سيبويه يحتج بأبيات من غير عزو ، وعلى هذا تكون المدرستان : البصرية والكوفية سواء في النظر إلى شواهد الشعر المجهولة النسبة ؛ حين تُروى عن شيخ ثقة ، وقد أمدت حلقات الدرس التي كانت تعقد في البصرة هؤلاء وأولئك بشواهد متشابهة ، وهذا هو سر التشابه بين شواهد سيبويه ، وشواهد الفراء ، فمنذ أيام أبي عمرو حتى زمن هذين
ـ 143 ـ
الشيخين ، كانت حلقات النحويين واللغويين تستشهد بأبيات وثقت من صحتها ، وصحة روايتها ، فأضاف إليها كل نحوي ما سمعه من شيخه ، أو ما نقله عن العرب بنفسه (3) 0
د ـ كلام العرب :
__________
(1) خزانة الأدب 1/7
(2) الاقتراح ، ص 27
(3) الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين ، ص 345(1/150)
... إذا لم يكن من السهل أمام نحاة الكوفة ملاقاة العرب الرحل في وسط الجزيرة العربية ، وسؤالهم ، فإنهم كانوا يرحلون إلى البوادي رحلات واسعة ، كما هو معروف من رحلة الكسائي والفراء (1) ، إلى جانب العرب الذين شهد بفصاحتهم ، وسكنوا الكوفة نفسها ، وهما قبيلتا أسد وتميم ، وهذا ما دفع رجلا ليقول للكسائي حين رآه في حلقة الخليل : تركت أسد الكوفة وتميمها ، وعندها الفصاحة ، وجئت إلى البصرة ! (2) 0
... ولم يكن الكوفيون يقبلون كلّ مسموع كما يفهم من كلام القدماء ومن شايعهم من المحدثين ، حيث يروون أن الكوفيين يقبلون كل مسموع ، فهم يعرفون أن العربي قد يُخطئ ويعللون هذا الخطأ تعليلا لغويا صحيحا ، يقول الفراء (3) : وربما غلطت العرب في الحرف إذا ضارعه آخر من الهمز ، فيهمزون غير المهموز ، سمعت امرأة من طيء تقول : رثأت زوجي بأبيات ، ويقولون : لبأت بالحج ، وحلأت السويق ، فيغلطون ، وجاء في رسالة أبي بكر بن الأنباري التي شرح فيها معاني الكذب ما يلي (4) : قال أبو عبيد : لم يسمع النصب مع ( كذب ) في الإغراء إلاّ في هذا الحرف ، قال أبو بكر : وهذا شاذ من القول ، خارج في النحو على منهاج القياس ، ملحق بالشواذ التي لا يعوّل عليها ، ولا يؤخذ بها 0
... وأهل الكوفة كلهم يأخذون عن البصريين ، وأهل البصرة يمتنعون من الأخذ عنهم ؛ لأنهم لا يرون الأعراب الذين يحكون عنهم حجة (5) ، كما يأخذ الكوفيون عن عرب الأرياف الذين وثقوا بلغتهم ، على حين يرفض البصريون الأخذ عنهم (6) ، وتتلخص طرائق الكوفيين في الأخذ عن العرب بما يلي : ـ
ـ 144 ـ
ـ النقل عن الشيوخ :
__________
(1) العربية ، ص 61
(2) إنباه الرواة 2/258
(3) معاني القرآن 1/459
(4) خزانة الأدب 3/9
(5) المزهر في علوم اللغة وأنواعها 2/410
(6) القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية ، ص 122(1/151)
وقد يكون منهم شيوخ بصريون ، كنقل الفراء عن الرؤاسي عن أبي عمرو بن العلاء (1) ، وهناك عدة أسانيد كوفية منها :
? ابن خالويه عن أبي عمر الزاهد عن ثعلب عن سلمة عن الفراء عن الكسائي (2) وأحيانا يلتوي الطريق فيكون :
? ابن خالويه عن نفطويه عن ثعلب (3) ، أو ابن خالويه عن مجاهد عن محمد بن هارون عن الفراء (4) 0
ـ النقل عن أعراب معروفين :
كنقل الفراء عن أعرابه أمثال أبي ثروان ، والجراح ، وأبي زياد الكلابي (5) ، وقد وثّقهم ابن النديم ، وعدّهم من الفصحاء (6) 0
ـ نسبة النقل إلى قبيلة عربية معينة (7) :
كربيعة ، وعكل ، وقيس ، وأسد ، وتميم ، وباهلة ، وعقيل 0
ـ صورة أخرى ، حيث يقول الكوفيون :
... قال بعض نساء العرب (8) ، وسمعت بعض العرب (9) ، أو ومن العرب من يقول كذا (10) 0
... وهناك مسائل اعتمد فيها الكوفيون على النقل وحده بشهادة ابن الأنباري (11) ، كما أن هناك مسائل غير قليلة زاوج فيها الكوفيون بين النقل والقياس (12) 0
ـ 145 ـ
__________
(1) معاني القرآن 2/356 ، 371
(2) ابن خالويه ، إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم ، ص 76
(3) م 0 ن ، ص 63 ، 95
(4) م 0 ن ، ص 128
(5) المذكر والمؤنث ، ص 22 ، 24 ، 26 ، بالترتيب 0 وانظر : معاني القرآن 1/56
(6) الفهرست ، ص 71 ـ 76
(7) معاني القرآن 1/67 ، المذكر والمؤنث ، ص 15 ، 18 ، 27 ، 30 ، 43 ، شرح القصائد السبع الطوال ، ص 459
(8) المذكر والمؤنث ، ص 7
(9) معاني القرآن 1/29 ، 30
(10) م 0 ن 1/29
(11) الإنصاف ، المسائل : 8 ، 14 ، 35 ، 36 ، 37 ، 39 ، 43 ، 46 ، 47 ، 48 ، 54 ، 57 ، 60 ، 61 ، 64 ، 65 ، 66
67 ، 70 ، 77 ، 81 ، 88 ، 89 ، 90 ، 92 ، 102 ، 103 ، 104 ، 109 0
(12) م 0 ن ، المسائل : 5 ، 6 ، 13 ، 16 ، 23 ، 25 ، 27 ، 32 ، 33 ، 41 ، 51 ، 52 ، 55 ، 62 ، 63 ، 71 ، 72 ،
80 ، 82 ، 84 ، 87 ، 94 ، 95 ، 96 ، 99 ، 106 ، 107 ، 108 ، 120 0(1/152)
... وغالبا ما يأتي النقل مقدما على القياس ، وجاء القياس مقدما على صاحبه في إحدى المسائل ، حين قاسوا الصفة والموصوف في الندبة على المضاف والمضاف إليه ، ثم جاء النقل بعد ذلك (1) 0
6 ـ الكوفيون وفقه اللغة :
... عُرِف أهل الكوفة وتميزوا باللغة والرواية ، وهذه السمة عندهم تفوق نظيرتها عند البصريين ، فنحويوهم الكبار أمثال الكسائي ، والفراء ، وثعلب ، وأبي بكر بن الأنباري يؤلفون في اللغة أكثر مما يؤلفون في النحو ، أو قريبا منه ، ولذا تغلب عليهم نزعة إلى تحليل الظواهر ، تدنيهم من فقه اللغة ، ويظهر هذا عندهم في الأمثلة التالية :
أ ـ تركيب الكلمات :
... يؤمن الكوفيون بأن الكلمات المفردة ليست كلها مفردة في الأصل ، فبعضها كان تركيبا كاملا ، وسواء أصح قياسهم في بعض الكلمات أم لم يصح ، فإن هذا يدل على ميلهم إلى تفسير اللغة تفسيرا فقهيا ، يماشي الدراسات اللغوية الحديثة في أيامنا هذه 0
... إنهم يرون ( منذ ) مركبة من ( من ) و ( إذ ) ؛ لأن بعض العرب يلفظونها( مِنذ ) بكسر الميم ، وذهب الفراء إلى أنها تتألف من ( من + ذو الطائية ) فلمّا ركبت حُذفت الواو من ( ذو ) اجتزاء بالضمة عنها (2) ، ويرون ( كم ) مركبة أيضا من ( ما + الكاف ) (3) ، ويرون ( اللهم ) أصل عبارة كاملة : يا الله أمنا بخير (4) 0
ب ـ أثر الاستعمال :
... وعند نحاة الكوفة مبدأ لغوي يكثرون من التعليل به ، وهو كثرة الاستعمال ، فهم يرون أن الكلام الذي يجري على ألسنة العرب ، يحذفون منه بعض الكلمات طلبا للتخفيف ، وقد عللوا بذلك ( هلمّ ) و ( ويله ) و ( أيش ) و ( عم صباحا ) و ( اللهم ) والأصل فيها : ( هل أمّ ) و ( ويل أمه ) و ( أي شيء ) و ( أنعم صباحا ) و ( يا الله أمنا بخير ) (5) 0
__________
(1) الإنصاف ( م 56 )
(2) م 0 ن ( م 40 )
(3) م 0 ن ( م 47 )
(4) م 0 ن ( م 47 )
(5) م 0 ن ( م 92 )(1/153)
... وهناك عبارات و كلمات يسوقون فيها الدليل نفسه ، مثل : ( لا أدر ) و ( لم أبل ) و ( لم يك ) و ( خذ ) و ( كل ) و ( السين ) ، والأصل فيها جميعا : ( لا أدري ) و ( لم
ـ 146 ـ
أبال ) و ( لم يكن ) و ( أخذ به ) و ( أأكل ) و ( سوف ) ، فحذفوا في هذه المواضع ما أشبهها لكثرة الاستعمال (1) 0
... وبهذا المبدأ أيضا جعلوا فعل الأمر معربا لا مبنيا ؛ لأنهم يزعمون أن افعل أصله لِتفعل ، إلاّ أنه لمّا كثر استعمال الأمر للمواجبة في كلامهم ، وجرى على ألسنتهم أكثر من الغائب ، استثقلوا مجيء اللام فيه مع كثرة الاستعمال ، فحذفوها من حرف المضارعة طلبا للتخفيف (2) 0
ج ـ البحث في جذور الكلمات :
... وللكوفيين في جذور الكلمات بحوث قليلة ، كقولهم إنّ الفعل أصل المشتقات (3) ، وبحثهم في أصل ( ذا ) و ( الذي ) ، وذهابهم إلى أنها الذال وحدها ، وما زاد عليها تكثير لها ؛ لأن الألف والياء يحذفان في التثنية (4) ، وكذلك يرون أصل ( هو ) و ( هي ) الواو من هو ، والياء من هي ؛ لحذفهما في التثنية أيضا (5) 0
... ولا نريد أن نسترسل في بحث فقه اللغة عند الكوفيين ، ففي كتاب المخزومي بحث مستفيض ، فمن أراد المزيد فليرجع إليه (6) 0
7 ـ إنصاف المذهب الكوفي :
__________
(1) الإنصاف ( م 92 )
(2) م 0 ن ( م 72 ) وانظر : الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين ، ص 350 ـ 351
(3) م 0 ن ( م 28 )
(4) م 0 ن ( م 95 )
(5) م 0 ن ( م 96 )
(6) مدرسة الكوفة ، ص 166 ـ 237(1/154)
... إنّ النحو الكوفي أسلم طريقة بمقاييس علم اللغة الحديث ، ولكنه مع ذلك تخاذل أمام النحو البصري ؛ لأن الحياة الفكرية في العصر العباسي ، والعصور المتأخرة ، كانت تخضع للمنطق الصوري ؛ لأن أساليب الفقهاء كانت تغطي ساحتها في كل مكان ، ولهذا بدا النحو البصري أوفر حظا عند الناس ، وأكثر قبولا في أذهانهم ؛ لأنه يجمع تلك الأساليب الفكرية ، ويقدم النحو في ثوب الدراسات الفقهية المنطقية (1) 0
... لقد كان الكوفيون أجدى على العربية من البصريين ، فقد جعل البصريون اللغة مجموعة من الاقتراحات والتعليلات والتأويلات ، فأهم غرض رأته المدرسة البصرية أن
ـ 147 ـ
تضع قواعد عامة للغة ، ونسوا أن اللغة لا تلتزم القواعد العامة دائما ، ففيها من المسائل ما لا يمكن أن تجري على القاعدة ، وخصوصا العربية ذات القبائل واللهجات المتعددة 0
__________
(1) الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين ، ص 414(1/155)
... يقال لنا إنّ الكوفيين لم يترددوا في وضع الحكم على أساس الشاهد الواحد ، أو الشاهدين ، نرى مثل هذا الكلام في كثير من كتب اللغويين ، وبخاصة في كتب المتأخرين منهم ، فندهش ؛ لأننا لا نتصور أن الكوفيين كانوا من الغفلة بحيث يجدون أمامهم مجموعة من الشواهد كثيرة ، وأخرى قليلة ، فيضعون على القليلة ، ويهملون الكثيرة ، ونزعم أنهم كانوا يعتدون بالشاهد الواحد حينما لا يجدون غيره ، فما وصل إلينا من الشعر يعدّ قليلا إذا ما قيس على ما ضاع منه ، قال أبو عمرو بن العلاء (1) : ما انتهى إليكم مما قالته العرب إلاّ أقله ، ولو جاءك لجاءكم علم وافر ، وشعر كثير ، فربما كان هذا القليل كثيرا ، فضاع الكثير ، وبقي القليل ، وربما كان السبب في أن يحفل الكوفيون بالنادر من لغات العرب لأن القرآن الكريم فيه من الكلمات ما تشذ عن قواعد النحو البصري ، هذا فضلا عن اعتزاز الكوفيين بعامة بالنصوص التي وصلت إليهم من العرب اعتزازا كبيرا ، فلم يشاءوا التفريط في أي نص من تلك النصوص ، ولو كان ذاك النص وحيدا فريدا (2) 0
... ولم يوضح البصريون مرادهم بالكثرة ، أهي الكثرة العددية بين أفراد القبيلة الواحدة أم القبائل جمعاء ؟ ، أهي الكثرة النسبية القائمة على الاستقراء التام والعدد ، واستخراج النسبة ؟ فإذا كانت الأولى ، فما حدها ؟ أهي ثلاثة أم خمسة أم عشرة أم ماذا ؟ وإذا كانت الثانية ، فما نسبة الكثير ؟ وهل يمكن إجراء النسبة في كل ظاهرة لغوية ؟ وهل يدّعي البصريون أنهم استخرجوا النسبة في أية قاعدة نحوية استخلصوها ، وليس أدلّ على غموض هذا المصطلح عند البصريين من تخبط بعضهم في شرحه ، وفي اختلافهم في كثير من الأحكام بعضهم عن بعض من حيث القياسية والسماعية (3) 0
__________
(1) طبقات الشعراء الجاهليين والإسلاميين ، ص 17
(2) من أسرار اللغة ، ص 24
(3) البحث اللغوي عند العرب ، ص 112 ـ 113(1/156)
... لقد بدا نحو البصريين صارما حازما ، يقل فيه التجويز ، في حين يكثر التجويز ظاهرا عند الكوفيين ، ففي نحوهم كثير من الترخيص والإباحة ، والكوفيون في تجويزهم القليل ، يستحبون الكثير ، لذا قال الفراء : لست أستحب ذلك لقلته (1) 0
ـ 148 ـ
... لقد اجترأ أصحاب الخليل على تخطيء العرب (2) ، واعتبروا بعض كلامهم شاذا ، مع أن القرآن يستعمله ، ولسنا نوافق كثيرا من القدماء في تغليط العرب ، والادعاء بأنهم وهم أصحاب اللغة يغلطون ، أو يتكلمون على غير قياس لغتهم ، فاللغة عادة (3) ، ومن الصعب التصديق بأن صاحبها ينسى ما تعوده ، أو يغلط فيه ، ولن يضير صاحب لهجة مخالفتها لهجات عربية أخرى ، فالذي ينطق على قياس لغة العرب مصيب غير مخطئ ، وإن كان غير ما جاء به خيرا منه 0
... لقد جمع الكوفيون شتات لغات جميع قبائل العرب ، وحفظوها ، ولهذا فتتبع آراء الكوفيين واستقراؤها يطلعنا على لغات قدماء العرب ، وهو أمر جليل الشأن ، وأمّا من يتتبع آراء البصريين فلا يقف إلاّ على لغة قريش (4) 0
... لقد أراد الكوفيون التيسير على الناس ، ويمكن أن نلحظ نزعة التيسير هذه في قول الفراء من أنه سيعلم النحو الصبيان ، ونقارن هذا القول بما يقال في كتاب سيبويه : هل ركبت البحر ؟ استصعابا لما فيه 0
__________
(1) معاني القرآن 1/19
(2) الحياة الأدبية في البصرة ، ص 169
(3) مدرسة الكوفة ، ص 386
(4) مجلة لغة العرب ، المجلد الأول ، العدد الأول ، ص 9 ـ 10(1/157)
... إنّ المذهب الكوفي في نظرنا أقرب إلى الواقع حين أجاز القياس على المثال الواحد المسموع ، ولم يعتبر القلة والكثرة ، وذلك لأن القبائل العربية تتساوى في صحة القول ، وسلامة اللغة ، وليس أمام العقل مسوغ في تفضيل لهجة على لهجة ، ومن القواعد المقررة في فقه اللغة أنه لا يُحتج بلغة قبيلة على أختها ، ولا يحكم النظير بالتخلف على نظيره ، ومن يدرينا أن الظاهرة اللغوية التي روى لها الكوفيون شاهدا واحدا ، ليس لها شواهد أخرى ؟ أليس من الممكن جدا أن يكون وراء هذا الشاهد الواحد عشرات الشواهد ، التي لم يهتم العلماء بتسجيلها ، والتي فقدت ، ولم تصل إلينا ؟ يدل على هذا ما نسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قوله (1) : كان الشعر علم قوم ، ولم يكن لهم علم أصح منه ، فجاء الإسلام ، فتشاغلت العرب عنه بالجهاد ، وغزو الفرس والروم ، ولهيت عن الشعر وروايته ، فلما كثر الإسلام ، وجاءت الفتوح ، واطمأنت العرب في الأمصار ، وراجعوا
ـ 149 ـ
رواية الشعر ، فلم يؤولوا إلى ديوان مدون ، ولا كتاب مكتوب ، وألفوا ، وقد هلك من العرب مَن هلك بالموت والقتل ، فحفظوا أقل ذلك ، وذهب عنهم منه أكثره 0
__________
(1) طبقات الشعراء الجاهليين والإسلاميين ، ص 17(1/158)
... فإذا سمع الكوفيون أمثلة معدودة نسب العرب فيها إلى الجمع ، فقبلوا هذه النسبة ، واتخذوها أساساً ، وقاسوا عليها ، لم يكونوا حائدين عن الجادة ، كما يحاول بعضهم أن يصورهم ، بل يكونون على حق ، خصوصا وأن الكثرة العددية للكلمات المفردة المنسوب إليها ، لا تعارض القلة العددية للكلمات المجموعة المنسوب إليها ؛ لأنه من الممكن أن توجد القاعدتان جنبا إلى جنب ، وتتعايشا معا دون تناقض ، فيقال : إن أريد النسب إلى المفرد رُدّ الجمع إلى مفرده ، ونُسب إليه ، وإن أريد النسب إلى الجمع نُسب إليه على لفظه ، وليس هذا مثلا من قبيل رفع المفعول ، أو نصب الفاعل ، ولهذا نجد الكوفيين رغم سماعهم لمثل خرّب الثوبُ المسمارَ ، لم يُجوِّزوا رفع المفعول ، أو نصب الفاعل ، مما يدل على أن اعتدادهم بالمثال الواحد ، أو الأمثلة القليلة ، إنما يرد في مثل النسب إلى الجمع ، مما يوسع مجال اللغة ، ولا يخلق فيها الفوضى والاضطراب (1) 0
__________
(1) البحث اللغوي عند العرب ، ص 112(1/159)
... لقد كان من جراء إفراط البصريين في استخدام الأقيسة العقلية ، وتشددهم في قبول الشاهد النحوي ، أن وجدوا أنفسهم أمام شواهد فصيحة ، تخالف قياسهم المنطقي ، أو قاعدتهم التي استنبطوها ، وهنا وجدوا أنفسهم مضطرين إلى تأويلها ، وإخراجها عن ظاهرها ؛ لتنسجم مع قواعدهم ، وإمّا إلى رميها بالشذوذ أو الخطأ ، وقد أدت هذه التأويلات إلى إفساد النحو العربي ، وملئه بمسائل ومشاكل لا نحتاج إليها في تصحيح نطقنا أو تقويم لساننا ، ولا يعوزنا الدليل على ذلك ، فلننظر إلى ما قاله البصريون والكوفيون في نواصب الفعل المضارع ، فقد ذهب معظم الكوفيين إلى أن النواصب عشرة ، وهي تنصب المضارع بنفسها ، وهذا مذهب لا التواء فيه ، ولا تعقيد ، ولا يحمّل هذه النواصب ما لا تحتمله من المعاني ، ولا يوقعنا في تكلفات تشوه النحو ، وتنفِّر الدارسين منه ، أمّا البصريون فقد قسموا النواصب على قسمين : قسم ينصب بنفسه ، وهو أن ولن وإذن وكي في بعض حالاتها ، وقسم ينصب بأن مضمرة بعده ، وهو النواصب الستة الباقية ، ثم تحدثوا بعد هذا على أن المضمرة جوازا ، وأن المضمرة وجوبا ، واضطرهم تقدير أن إلى أن يبحثوا للأدوات الستة على أعمال أخرى غير النصب ؛ لأن ما بعدها لا بدّ أن يؤول
ـ 150 ـ
بمصدر لوجود أن المضمرة ، وهذا المصدر لا بدّ له من إعراب يُعرب به ، وقد وقعوا بذلك في تكلفات لم يقع فيها نحاة الكوفة ، واخترعوا لنا ما سموه بالمصدر المتصيد (1) 0
__________
(1) البحث اللغوي عند العرب ، ص 115(1/160)
... إنّ نحاة الكوفة كانوا يلمحون الطبيعة اللغوية ، ويمتازون بفهم العربية فهما لا يقوم على افتراضات وتكهنات ، أو استهداء بقوانين العقل ، وأصول المنطق ، ولكنه يقوم على تذوق اللغة والحس بطبيعتها ، فالكوفيون أقدر على تصوير المعاني الطبيعية ، وأصدق تفسيرا لظواهر التركيب ، وإذا جعل الكوفيون النقل والرواية مصدر القواعد الأولى ، كان نحوهم أوفر حظا في تمثيل اللغة العربية ، ولهجاتها المختلفة ، ومذهبهم أقرب إلى تصوير العربية تصويرا حقيقيا (1) 0
... لقد أكثر البصريون من التأويلات العقلية ، في حين ابتعد الكوفيون عن التأويل العقلي ، واقتربوا من المنهج الوصفي السليم ، وخير مثال على ذلك وقوع الجملة فاعلا ، فقد قرر البصريون أن الفاعل لا يكون جملة ، ولكنهم اصطدموا بنصوص عربية لا يرقى إليها الشك ، تؤكد وقوع الجملة فاعلا ، فاضطروا إلى تأويل النص ، والإسراف فيه ، وذلك نحو قوله تعالى : [ ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه ] (2) أين فاعل الفعل بدا ؟ اضطر البصريون أن يدوروا حول النص ، فقالوا : إنّ الفاعل ضمير مستتر تقديره هو ، فعلى أي شيء يعود هذا الضمير ؟ قالوا : إنه يعود على المصدر المفهوم من الفعل ، والتقدير : ثم بدا لهم بداء هو ، ثم قالوا : إنّ جملة [ ليسجننه ] جملة تفسيرية ، تفسر هذا الضمير المستتر العائد على البداء ، أمّا الكوفيون فقالوا : إنّ جملة [ ليسجننه ] هي الفاعل ، وليس من شك في أن هذا هو الصحيح ، ووقوع الجملة فاعلا ليس بالأمر الغريب ولا المستهجن (3) 0
__________
(1) مدرسة الكوفة ، ص 378 ـ 379
(2) يوسف 35
(3) دروس في كتب النحو ، ص 54 ـ 55(1/161)
... ولم يكن النحاة على حق في ربطهم الفصاحة بالبداوة حين قالوا إن الكوفيين قد وسعوا رقعة استشهادهم ، وكانوا يأخذون عن كل أحد ، ذلك لأن اللغة بنت الحاجة والاستعمال ، واللغة لا تنشأ في فراغ ، وإنما لتعبر عن تجارب واحتياجات وثقافات معينة ، وما من شك أن تجارب البدوي واحتياجاته ، تختلف عن تجارب الحضري واحتياجاته ، لذا
ـ 151 ـ
ليس من المعقول ن تغني إحدى اللغتين عن الأخرى ، وليس من الحق أن نعتبر لغة البدوي أرقى من لغة الحضري ، هذا فضلا عن أنها لا تفي باحتياجاته (1) 0
... إنّ العجب ليساورنا عندما نستطلع موقف بعض الباحثين من قدامى ومحدثين ، حين اختلفت لديهم موازين التقويم ، فجعلوا العيب ميزة عند البصريين ، والميزة عيبا عند الكوفيين ، إذ عابوا على الكوفيين الالتفات إلى كل مسموع ، وجعلوه من حسنات البصريين ، أما علموا أن المنهج السليم يقضي باستقراء كل ما ورد عن العرب ، وفي ضوء هذا الاستقراء التام ، تُوضع القواعد والقوانين ، وإلاّ جاءت مضطربة متناقضة ، كما هو الحال في قواعدنا اليوم 0
... مما تقدم ندرك أن المنهج البصري غير متماسك ، كما أن المنهج الكوفي غير متكامل ، فكلا المنهجين يحتاج إلى تقويم وتهذيب ، أمّا منهج البصريين فعواره في أنه حبس اللغة في قوقعة المنطق ، وعاقها عن الانطلاق ، مع أن اللغات الإنسانية جميعها تخضع لظروف اجتماعية ، وتتطور تبعا لتطور المجتمعات ، ويؤخذ على الكوفيين أنهم لم يسلموا من أمر المقاييس ، فقاسوا ، ولكن أقيستهم خانها التوفيق في بعض المواطن 0
... ولا يثنينا عن رأينا في التعلق بهذا المذهب الحي ما قيل ، وما شاع وذاع ، من أن المذهب البصري أصح قياسا ، وأتقن رواية ، وغير ذلك ؛ لأن مثل هذا الكلام بحاجة إلى إعادة نظر 0
الباب الثالث
آراء الفراء
ـ 153 ـ
تمهيد :
__________
(1) البحث اللغوي عند العرب ، ص 39(1/162)
... يتمثل النحو الكوفي ـ في أغلبه ـ بكتب الفراء ، كما يتمثل النحو البصري بكتاب سيبويه ، و لم نعثر على كتاب جامع مفصل يدون في طياته النحو الكوفي ، فقد عدم النحو الكوفي من يجمع نثاره ، كما قام سيبويه بعمله الجليل حين جمع نحو البصرة في كتابه ، وهذا هو الاختلاف الحقيقي بين المدرستين ، غير أن الفراء يمثل لقطة نادرة من النحو الكوفي ، ويتمثل ذلك فيما وصل إلينا من آثاره الموجودة ، وفيما يُتحدث لنا عن آثاره المفقودة ، وهذه الكتب التي ألفها الفراء تمثل فيضا غزيرا من الدراسات اللغوية والنحوية والقرآنية (1) 0
... لقد حمل الفراء العربية على الألفاظ والمعاني فبرع ، واستحق التقديم ، قال ثعلب (2) : وإنما صحّ قول الفراء لأنه عمل العربية والنحو على كلام العرب ، فقال : كل مسألة وافق إعرابها معناها ، ومعناها إعرابها فهو الصحيح ، وإنما لحق سيبويه الغلط ؛ لأنه عمل كلام العرب على المعاني ، وخلّى عن الألفاظ ، ولم يوجد في كلام العرب ، ولا أشعار الفحول إلاّ ما المعنى فيه مطبق للإعراب ، والإعراب مطبق للمعنى 0
... إنّ الحدود التي ذكرها ابن النديم (3) تدل على أن الفراء كان عرض لأبواب النحو جميعها ، وأن له في كل موضوع منها رأيا ، وإنه في الواقع كذلك ، فأقواله الكثيرة المبثوثة في كتاب معاني القرآن ، والتي نقل النحاة كثيرا منها في كتبهم ، تؤيد ذلك 0
... ويلحظ الدارس من خلال آراء الفراء ومضات من الفكر الثاقب ، وربما كانت آراؤه أصح من آراء مخالفيه ، كما أن كثيرا منها قد أيده الدرس الحديث (4) 0
__________
(1) مجلة المورد ، المجلد الثالث ، العدد الثالث ، مقال بعنوان : ( آراء الفراء في النحو ) ص 133
(2) طبقات النحويين واللغويين ، ص 131
(3) الفهرست ، ص 100
(4) برجستر أسر ، التطور النحوي للغة العربية ، ص 53(1/163)
... واعترافا منا بفضل سبق البحث للباحثين المتقدمين ، وتفضيلا لعرض الحقيقة على نصاعتها ، يجدر بنا القول أن هذا الموضوع بحث فيه ـ إجمالا لا تفصيلا ـ باحثون فضلاء وعلماء أكفياء ، وأساتذة ثقات ، لا يرتقي الشك إليهم ، ومنهم : مهدي المخزومي في كتابه ( مدرسة الكوفة ) ، وأحمد مكي الأنصاري في كتابه ( أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة ) ، وإبراهيم السامرائي في كتابه ( النحو العربي : نقد وبناء ) ، غير أن للفراء آراء
ـ 154 ـ
أخرى كثيرة ومختلفة ، لم يتحدثوا عنها ، بل اكتفوا بذكر المصادر التي تجمعها ، وقد جمعت منها مادة غزيرة ، لا يتسع البحث لذكرها ، أوردت منها ما يفي بغرض البحث ، وبقيت أكداس كثيرة ، فإن بقي في العمر مديد ، فللحديث عن آراء الفراء بقية ، وقد استعنت ببعض المصادر التي هي من أمات الكتب في النحو ، متوخيا الدقة والأمانة في البحث ، راجيا أن أقدم بعض وفاء لما للفراء عليّ من دين ، ورمز تقدير لعطائه الكثير 000 الكثير 0
ـ 155 ـ
الفصل الأول ــ مصطلحات الفراء :
... كان الفراء بكل جهده يحاول أن يضع تفسيرا جديدا لبعض الكلمات والأدوات ، كما كان يحاول جاهدا أن يضع في النحو مصطلحات جديدة ، مستعينا في كل ذلك بعقلية خصبة وما زال يلح على ذلك حتى استطاع ـ حقا ـ أن يكوّن للكوفة مدرسة مستقلة في النحو 0
... إنّ معظم مصطلحات المدرسة الكوفية ، والتي سبق أن ذكرنا بعضها في الباب الثاني ، إنما هي في حقيقتها للفراء ، فقد كان أكثر الكوفيين تأثيرا في المذهب ، والدارس لكتبه عليه أن يتزود قبل أن يلج إليها بمعرفة هذه المصطلحات ؛ لتكون معينا له على الفهم وهذه المصطلحات على ثلاثة أقسام هي :
أ ـ نوع استعمله الفراء كما هو عند البصريين ، ومن هذا النوع :
... 1 ـ ألقاب الإعراب :(1/164)
وهي عند الفراء كما هي عند سيبويه ، وهي أقدم من هذا وذاك ، غير أن الفراء لا يرى التفرقة بين ألقاب الإعراب ، وألقاب البناء (1) ، في حين يفرق البصريون ، وعلى رأسهم الخليل بين هذه وتلك ، وقد أخذت لجنة تيسير النحو برأي الفراء (2) 0
... 2 ـ التنوين أو النون :
اصطلاحان لشيء واحد ، استعملهما سيبويه في كتابه (3) ، واستعملهما الفراء في معانيه (4) 0
... 3 ـ التصغير أو التحقير :
اصطلاحان متساويان ، استعملهما الفراء في معانيه ، حيث قال (5) : إذا حقرتها و صغرتها قلت هنيدة ، ومن قبله استعملهما سيبويه في الكتاب (6) 0
...
ـ 156 ـ
4 ـ الهاء :
يريد بها الفراء تاء التأنيث ، وقد استعملها الفراء في المعاني (7) ، وفي المذكر والمؤنث (8) ، كما استعملها سيبويه في الكتاب (9) 0
... 5 ـ الماضي والمستقبل :
__________
(1) ابن يعيش ، شرح المفصل 1/72 ، ابن الحاجب ، الكافية 2/3
(2) أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة ، ص 439
(3) الكتاب 1/18
(4) معاني القرآن 1/43 ، 70 ، 120 ، 201 ، 432
(5) م 0 ن 2/110
(6) الكتاب 5/230
(7) معاني القرآن 2/254
(8) المذكر والمؤنث ، ص 2، 3 ، 4
(9) الكتاب 2/242(1/165)
يعبر الفراء عن الفعل الماضي تارة بالماضي (1) ، وتارة بفَعَلَ (2) ، وكذا يعبر عن الفعل المضارع تارة بالمستقبل (3) ، وتارة بيفعَل (4) ، ونلاحظ أنه اتفق مع البصريين في الماضي ، أمّا المضارع فهو يختار التعبير عنه بلفظ المستقبل ، ولم نعثر على اصطلاح المضارع عنده ، وربما كان ذلك لأنه يتفق مع البصريين في زمن الفعل ، أمّا فعل الأمر فقد استعمله الفراء في معناه اللغوي العام (5) ، وأمّا المعنى الاصطلاحي فلا يكاد يعترف به ؛ لأنه يعتبر فعل الأمر قطعة من المضارع ، وكذا رأيناه يعبر عنه بقوله : موضع جزم (6) ، وربما جرى على لسانه لفظ الأمر الاصطلاحي مجاراة لمذهب البصريين 0
ب ـ نوع وضع له الفراء اصطلاحا جديدا غير الذي كان عند البصريين ، ومن ذلك :
... 1 ـ العماد (7) : ويقابله ضمير الفصل عند البصريين 0
2 ـ الصلة (8) : ويقابله الحشو عند البصريين ، وكلاهما يراد به ما يقع بعد
لأسماء الموصولة ، ويسمى صلة الموصول ، وقد كتب لمصطلح الفراء البقاء إلى أيامنا هذه ، على أن كلمة الصلة لها وجه آخر في الاصطلاح ،
ـ 157 ـ
يطلقها الفراء على الزيادة في القرآن الكريم (9) تأدبا منه وتورعا من أن ينسب الزيادة إلى كتاب الله تعالى 0
... 3 ـ الجحد عند الفراء (10) ، ويقابله النفي عند البصريين 0
... 4 ـ الإقرار عند الفراء (11) ، ويقابله الإثبات عند البصريين 0
... 5 ـ التشديد عند الفراء (12) ، ويقابله التوكيد عند البصريين 0
... 6 ـ الاسم الثابت عند الفراء (13) ، ويقابله الاسم الجامد عند البصريين 0
__________
(1) معاني القرآن 1/25 ، 60
(2) م 0 ن 3/26
(3) م 0 ن 1/24 ، 28
(4) م 0 ن 3/24 ، 26
(5) م 0 ن 1/53 ، 62 ، 109
(6) م 0 ن 1/54
(7) م 0 ن 1/51
(8) م 0 ن 1/58 ، 176 ، 245
(9) معاني القرآن 1/8 ، 3/207
(10) م 0 ن 1/52
(11) م 0 ن ، ص 0 ن
(12) م 0 ن 3/122
(13) م 0 ن 1/351(1/166)
... 7 ـ التكرير (1) ، أو الترجمة والتبيين (2) عند الفراء ، ويقابله البدل عند البصريين 0
8 ـ لم يسم فاعله عند الفراء (3) ، ويقابله المبني للمجهول عند البصريين ، وأحيانا
يطلق عليه الفراء المبني للمفعول (4) 0
9 ـ الأداة عند الفراء (5) ، ويقابله حروف المعاني عند البصريين ، فالفراء يطلق على الكلمات ( نعم ) و ( إذ ) و ( أن ) و ( لو ) مصطلح الأداة ، ويطلق البصريون عليها حروف المعاني 0
10 ـ الصفة عند الفراء (6) ، ويقابله حرف الجر عند البصريين وتساوي الظرف أحيانا (7) 0
11 ـ المحل عند الفراء (8) ، ويقابله الظرف عند البصريين ، ويساوي حرف الجر
ـ 158 ـ
أحيانا ، ويجعل الفراء المحل اصطلاحا للظرف كثيرا ، ولحرف الجر أحيانا ، ونلاحظ أن هذا المصطلح عكس مصطلح الصفة ، كما مرّ 0
12 ـ الموقّت عند الفراء ، ويقابله الاسم الخاص عند البصريين ، وكلاهما يعني العَلَم ، ويبدو أن اصطلاح العلم قد وضع في عصر متأخر عن عصر الفراء وسيبويه ، على أن الفراء يقسم الأسماء من حيث التعريف والتنكير على ثلاثة أقسام هي (9) :
أ ـ معرفة مؤقتة ، مثل العَلَم والضمير 0
ب ـ معرفة غير مؤقتة مثل الموصول والمشتقات إذا دخلت عليها أل 0
ج ـ نكرة ، وهي طبعا غير مؤقتة عنده ، إلاّ أنها دون المعرفة غير المؤقتة 0
... 13 ـ المفسر عند الفراء (10) ، ويقابله التمييز عند البصريين 0
14 ـ المكنى (11) أو الكناية (12) عند الفراء ، ويقابله الضمير عند البصريين ، والفراء في معانيه تارة يسمي الضمير مكنيا ، وأخرى يعبر عنه بالكناية 0
__________
(1) م 0 ن 3/279
(2) م 0 ن 1/7 ، 51 ، 56 ، 192 ، 320 ، 438 ، 2/ 58 ، 69 ، 138 ، 178 ، 273 ، 360
(3) م 0 ن 1/301
(4) م 0 ن 1/357
(5) م 0 ن 1/52 ، 58
(6) م 0 ن 1/31 ، 119
(7) م 0 ن 1/375
(8) م 0 ن 1/28 ، 119
(9) معاني القرآن 1/7 ، 56
(10) م 0 ن 1/225
(11) م 0 ن 1/5
(12) م 0 ن 1/19(1/167)
15 ـ الفعل الدائم عند الفراء (1) ، ويقابله اسم الفاعل إذا كان عاملا عند البصريين والفراء يفرق بين اسم الفاعل إذا كان عاملا ، أوغير عامل ، فيطلق على العامل الفعل الدائم ، وأحيانا يطلق عليه الفعل فقط ، أ مّا غير العامل فإنه يدخله في باب الأسماء ، ويطلق عليه الاسم فقط 0
16 ـ الفعل عند الفراء أحيانا (2) ، ويقابله الاسم الذي لا يفيد حدثا ما عند البصريين ويطلق الفراء مصطلح الفعل على اسم الفاعل ، وهو اختصار لمصطلح الفعل الدائم0
17 ـ الفعل الواقع عند الفراء (3) ، ويقابله الفعل المتعدي عند البصريين ، يقول الفراء على سبيل المثال : أوقعت عليه الفعل ، أو يقول : أن توقع الضرب على البعوضة ، ولا يستعمل الفراء مصطلح المتعدي 0
ـ 159 ـ
18 ـ الألف عند الفراء (4) ، ويقابله همزة القطع عند البصريين 0
19 ـ الألف الخفيفة عند الفراء (5) ، ويقابله همزة الوصل عند البصريين 0
20 ـ القطع عند الفراء (6) ، ويقابله الحال عند البصريين 0
21 ـ الهاء عند الفراء (7) ، ويقابله تاء التأنيث عند البصريين ، وهذا التعبير غير دقيق ، وقد استعمله سيبويه قبله في الكتاب ، وقد أشرنا إلى ذلك 0
22 ـ ينصب ويخفض عند الفراء (8) ، ويقابله يفتح ويكسر عند البصريين 0
23 ـ واو الصرف عند الفراء (9) ، ويقابله الواو التي تنصب المضارع بأن مضمرة عند البصريين 0
24 ـ التبيان عند الفراء (10) ، ويقابله الإظهار عند البصريين 0
25 ـ لا التبرئة عند الفراء (11) ، ويقابله لا النافية للجنس عند البصريين 0
26 ـ الإتباع والرد عند الفراء (12) ، ويقابله التوابع عند البصريين 0
__________
(1) مجالس العلماء ، ص 349
(2) معاني القرآن 1/163 ، 254
(3) معاني القرآن 1/21
(4) م 0 ن 1/71
(5) م 0 ن 1/70
(6) م 0 ن 1/12 ، 2/6
(7) م 0 ن 2/245
(8) م 0 ن 1/5
(9) م 0 ن 1/34
(10) م 0 ن 1/18
(11) م 0 ن 1/120
(12) م 0 ن 1/ 17 ، 70 ، 82 ، 2/97(1/168)
27 ـ النعت عند الفراء (1) ، ويقابله الصفة عند البصريين 0
... وهناك مصطلحات وضع لها الفراء اسما جديدا ، ومع ذلك كان يستعمل المصطلح البصري في بعض الأحيان ، وهي :
28 ـ يجري ولا يجري عند الفراء (2) ، ويقابله ينصرف ولا ينصرف عند البصريين ، والفراء يستعمل المصطلح البصري ينصرف ولا ينصرف جنبا إلى جنب مع مصطلحه الجديد يجري ولا يجري 0
ـ 160 ـ
29 ـ مردود أو نسق عند الفراء (3) ، ويقابله معطوف أو عطف عند البصريين ، ويستعمل الفراء مصطلح البصريين العطف ومشتقاته إلى جانب مصطلحه الجديد الذي وضعه ، ويراوح بينهما في الاستعمال تقريباً 0
ج ـ نوع ابتكر له الفراء اسم المصطلح ، كما ابتكر مسماه :
والبصريون لا يعرفون ، ولا يعترفون بهذا النوع الجديد ، وليس عندهم ما يقابل هذه المصطلحات ؛ لأن الفراء كان انتزع موضوعها انتزاعا من النحو ، وابتكر لها هذه المصطلحات ، وهي :
1 ـ الخالفة (4) :
ويطلقه الفراء على كل ما اجتمع فيه صفة من الأفعال ، وصفة من الأسماء مثل : كلا ، واسم الفاعل 0
... 2 ـ التقريب (5) :
... وقد سبق الحديث عن هذا المصطلح في الباب الثاني 0
... 3 ـ الخلاف (6) أو الصرف (7) أو الخروج (8) :
ثلاثة مصطلحات تلتقي عند نقطة واحدة هي مخالفة اللفظ لما قبله مطلق مخالفة ، وميدانها الأفعال والأسماء على السواء 0
ـ 161 ـ
الفصل الثاني ــ نحو الفراء :
__________
(1) م 0 ن 1/ 55
(2) م 0 ن 1/42 ، 428 ، 2/ 175
(3) معاني القرآن 1/17 ، 70 ، 2/44 ، 59 ، 71
(4) م 0 ن 1/145
(5) م 0 ن 1/12 ، همع الهوامع 1/113
(6) الكافية في النحو 2/224 ، الإنصاف ( م 29 )
(7) معاني القرآن 1/34 ، 2 /235
(8) م 0 ن 3/208(1/169)
... ... تمتاز اللغة العربية بتلك القواعد الدقيقة التي اشتهرت باسم قواعد الإعراب ، وقد ذهب بعض الباحثين (1) إلى أن قواعد الإعراب خلقها النحاة خلقا قاصدين بذلك تزويد اللغة العربية بنظم شبيهة بنظم اللغات الإغريقية ، بيد أن التاريخ يثبت أن علماء البصرة والكوفة كانوا يلاحظون المحادثة العربية في أصح مظاهرها ، ويستنبطون قواعدهم من تلك الملاحظة 0
... ... لقد مضى الفراء بالنحو الكوفي ، وكان عقله أدق وأخصب من عقل أستاذه الكسائي ، وكانت قدرته على الاستنباط والتحليل والتركيب ، واستخراج القوانين والأقيسة ، والاحتيال للآراء ، وترتيب مقدماتها ، لا تقرن إلى قدرة الكسائي ، فقد تحول بها الفراء إلى تنظيم واسع ، مما أعطى النحو الكوفي صورته النهائية ، وهي صورة تقوم على الخلاف مع نحاة البصرة في بعض الأصول (2) ، وكثير من الفروع ، مع نفوذه إلى وضع مصطلحات جديدة ، والخلاف مع الخليل وسيبويه في تحليل بعض الكلمات والحروف ، وفي كثير من العوامل والمعمولات ، وغير ذلك 0
__________
(1) علي عبد الواحد وافي ، فقه اللغة ، ص 210 ـ 213
(2) خالف الفراء البصريين في أربع مسائل أساسية ، هي :
أ ـ عدم تفريقه بين ألقاب الإعراب وألقاب البناء 0
ب ـ اشتقاق المصدر من الفعل ، لا العكس 0
ج ـ الإعراب أصل في الأفعال كما هو أصل في الأسماء ، وليس أصلا في الأسماء فرعا في الأفعال كما هو الحال عند البصريين 0
د ـ أقسام الفعل هي : الماضي والمضارع والدائم 0(1/170)
... لقد تناول الفراء أبواب النحو جميعها ، وتحدث فيها حديثا مستفيضا ؛ لأنه كان يعلي بناء مدرسته ، غير أن بعض هذه الآراء وصل إلينا منسوبا إلى الفراء صراحة ، وبعضها الآخر نسب إلى الكوفيين بعامة ، ويغلب على ظننا أن النقول التي نسبت إلى الكوفيين بعامة ، هي في معظمها للفراء ، مؤيدين وجهة النظر هذه بأمثلة كثيرة تناهت إلينا من تتبع أقوال الفراء في كتاب المعاني ، وفي كتب النحو المختلفة ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : اسمية نعم وبئس ، والاسم المرفوع بعد لولا ، ورفع الفعل المضارع ، والنصب على الخلاف
وجواز إضافة الشيء إلى نفسه ، وإعراب الأسماء الستة من مكانين ، وغير ذلك مما سيأتي الحديث عنه لاحقا 0
ـ 162 ـ
... لقد نسب ابن الأنباري الرأي في هذه المسائل إلى الكوفيين بعامة ، وهي في حقيقتها للفراء ، وعليه فإن صدقتنا البوادر ، ولم تخنّا المظان ، فإن نحو الكوفيين في جملته ، إنما هو نحو الفراء ، وفيما يلي بيان بآراء الفراء :
أ ـ تحليل بعض الكلمات :
1 ـ اللهمّ : يرى الخليل أنها لزمتها الميم المشددة عوضا عن ( يا ) التي كان ينبغي أن تتقدمها ، ولذلك لا يجتمعان ، وذهب الفراء إلى أنها اختزال من عبارة يا الله أُمّنا بخير (1) 0
2 ـ هلمّ : يرى الخليل أنها مركبة من هاء التنبيه ، وفعل لمّ ، ولكثرة استعمالها حذفت الألف من ( ها ) وأصبحت كأنها كلمة واحدة ، وقال الفراء : أصل هلمّ : هل زجر وحث ، دخلت على أمّ ، كأنها كانت هل أمّ ، أي اعجل واقصد ، وألزمت الهمزة التخفيف في أمّ فقيل هلمّ 0
وأنكر أبو علي على الفراء ذلك ، وقال : لا مدخل هنا للاستفهام ، والصحيح أن هذا لا يلزم الفراء ؛ لأنه لم يقل أن هل هنا حرف استفهام ، وإنما هي عنده زجر 0
__________
(1) معاني القرآن 1/203 ، وانظر : العكبري ، إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن 1/130(1/171)
وأهل الحجاز يدعونها في كل حال على لفظ واحد ، فيقولون للواحد وللواحدة ، والاثنين والجماعة : هلمّ ، وأمّا التميميون فيجرونها مجرى لمّ ، فيغيرونها بحسب المخاطب ، وقد نزل الذكر الحكيم في قوله تعالى : والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا ] (1) بلغة الحجاز (2) 0
3 ـ لهنك : ذهب الفراء إلى أنها منحوتة ، وأن أصلها : والله إنك ، ولم يقل سيبويه بتركيبها ، بل قال إنها كلمة تكلم بها العرب في حالة اليمين ، وليس كل العرب تتكلم بها (3) 0
4 ـ كأنّ : يرى الفراء أنهلا مركبة من إنّ وكاف التشبيه ، وأصل كأنّ زيدا أسد : إنّ زيداً أسد ، فالكاف للتشبيه ، وإنّ مؤكدة لها ، ثم أرادوا الاهتمام بالتشبيه ، الذي
عليه عقدوا الجملة ، فأزالوا الكاف من وسط الجملة ، وقدّموها إلى أولها ؛ لفرط
ـ 163 ـ
عنايتهم بالتشبيه ، فلمّا دخلت الكاف على إنّ ، وجب فتحها ؛ لأن إنّ المكسورة لا تقع بعد حرف الجر (4) 0
5 ـ إياك : كان الخليل يذهب إلى أنّ ( إيّا ) اسم مضمر مبهم ، أضيف إلى الضمير لتخصيصه ، وذهب غيره من البصريين إلى أنّ ( إيّا ) ضمير ، والكاف وأخواتها حروف تبين حال الضمير من التكلم والخطاب والغيبة ، بينما ذهب الفراء إلى أنّ ( إيّا ) حرف زيد دعامة ، ولواحقه هي الضمائر التي تكون في موضع نصب ، حسب موقعها (5) 0
__________
(1) الأحزاب 18
(2) خزانة الأدب 6/259 ، الخصائص 3/35 ـ36 ، علي عبد الواحد وافي ، فقه اللغة ، ص 188
(3) فقه اللغة ، ص 70
(4) همع الهوامع 1/133
(5) المدارس النحوية ، ص 202(1/172)
6 ـ لن ولم : ذهب الخليل إلى أنّ أصل لن مركبة من لا الناهية وأن الناصبة ، فحذفت الألف تخفيفا ، والألف الثانية لالتقاء الساكنين ، ويرى سيبويه أنها بسيطة ، وأنها حرف ناصب للفعل الذي بعدها بنفسها ، وذهب الفراء إلى أن أصل لن ولم هو لا النافية ، أبدل من ألفها نون ؛ لأن الألف والنون في البدل أخوان ، فكما تبدل النون ألفاً في الوقف في نحو [ لنسفعاً ] (1) ، كذلك تبدل النون ألفاً في نحو ( زيداً ) فأبدلت الألف نونا في لن ، وميما في لم ، وقد قال بهذا المستشرق الألماني برجستر اسر ، فزعم أن أصل النفي في العربية أن يكون بحرف لا و ما ، وأن العربية قد اشتقت من لا أدوات منها : ليس ، ولم ، ولن (2) 0
7 ـ لكن : ذهب البصريون إلى أنها بسيطة ، وذهب الفراء إلى أنّ أصلها لكنْ + إن ، طرحت الهمزة للتخفيف ، ونون لكن للساكنين ، وهذا علة نصبها الاسم عنده ، ويرى غير الفراء من الكوفيين أنها مركبة من لا + إن ، والكاف الزائدة للتشبيه ، وحذفت الهمزة تخفيفا (3) 0
8 ـ ويكأنه : قال الكسائي : ويكأنه كلمة تندم وتعجب ، وأصله ويلك ، والكاف ضمير مجرور ، وقال الأخفش : ( وي ) اسم فعل بمعنى أعجب ، والكاف حرف خطاب ، وأن على إضمار اللام ، والمعنى : أعجب بأن الله ، وقال الخليل : ( وي ) وحدها ، وكأنّ كلمة مستقلة للتحقيق ، لا للتشبيه ، وقال الفراء : يجوز أن يكون المعنى : ويلك اعلم أنه ،
ـ 164 ـ
__________
(1) العلق 15
(2) أحمد عبد النور المالقي ، رصف المباني في شرح حروف المعاني ، ص 285 ، وانظر : إبراهيم السامرائي ، فقه اللغة المقارن ، ص 65 ، ابن هشام ، مغني اللبيب ، ص 373 ، شرح اللمحة البدرية ، ص 147 ، شوقي ضيف ، المدارس النحوية ، ص 202
(3) مغني اللبيب ، ص 384 ، همع الهوامع 1/133(1/173)
فأسقط اللام من ويلك ، وأضمر قبل أنه أعلم ، ويجوز أن يكون : ويك ألم تر ، وهي في كلام العرب تقريرية (1) 0
9 ـ كم : ذهب البصريون إلى أنها بسيطة ، موضوعة للعدد ، بينما ذهب الفراء إلى أنها مركبة من الكاف وما ، وكثرت في كلامهم ؛ فحذفت الألف تخفيفا ، وسكنت الميم (2) 0
10 ـ أنت ولواحقها : ذهب الخليل إلى أن ( أن ) هي الضمير ، والتاء توابعها حروف تدل على الخطاب ، وذهب الفراء إلى أن أنت بسيطة ، وليست مركبة ، فأنت عند الفراء بكماله اسم ، والتاء من الكلمة نفسها ، وقال بعض الكوفيين وابن كيسان أن الضمير المرفوع هو التاء المتصرفة ، حيث كانت مرفوعة متصلة ، فلما أرادوا انفصالها دعموها بأن ؛ لتستقل لفظا (3) 0
11 ـ هو وهي ولواحقهما : ذهب الفراء إلى أن الهاء هي الضمير ، والواو والياء صلة (4) 0
12 ـ ويحك وويلك : ذهب البصريون إلى أنهما مؤلفتان من ويح وويل ، وذهب الفراء إلى أن أصلها ( وي ) وصلا بحاء مرة ، وبلام مرة ، مع إضافة كاف الخطاب (5) 0
13 ـ مذ ومنذ : ذهب البصريون إلى أنهما بسيطتان ، ومنذ هي الأصل ، وذهب الفراء إلى أنهما مركبتان ، وأنّ أصلهما ( من ) الجارة ، و ( ذو ) الطائية ، التي تأتي بمعنى الذي ، فكأنك حين تقول : ما رأيته منذ يومان ، إنما تقول : ما رأيته من الزمان الذي هو يومان (6) 0
14 ـ ماذا : يرى الفراء أنها مركبة من ( ما ) الاستفهامية ، و( ذا ) الطائية (7) 0
__________
(1) السيوطي ، الإتقان في علوم القرآن 1/180 ، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، ص 359
(2) المدارس النحوية ، ص 203
(3) شرح الكافية 2/118
(4) المدارس النحوية ، ص 203
(5) م 0 ن ، ص 0 ن
(6) شرح الكافية 2/118
(7) المدارس النحوية ، ص 203(1/174)
15 ـ مهما ومهمن : قال الفراء : كان أصل مهما ( ما ) ، فحذفت العرب الألف منها ، وجعلت الهاء خلفاً لها ، ثم وصلت بما ، فدلت على المعنى ، وصارت كأنها صلة لها ، وكذلك مهمن (1) 0
16 ـ الآن : يرى الفراء أن أصلها أوان ، حذفت منها الألف الوسطى ، وغيرت واوها إلى الألف ، وأدخلت عليها الألف واللام ، فالآن عند الفراء منقول من الفعل ، وهو حرف مبني
ـ 165 ـ
على الألف واللام ، ولم يخلصا منه ، وترك على مذهب الصفة ؛ لأنه صفة في المعنى واللفظ (2) 0
17 ـ الذي والتي : يرى الفراء أن أصلها ( ذا ) المشار بها ، و ( تي ) المشار بها (3) 0
18 ـ بلى : يرى الفراء أن أصلها بل العاطفة ، إذ بل تدل على الرجوع عن النفي بالضبط ، مثل بلى في جواب الاستفهام عن النفي ، وكل ما في الأمر أنهم زادوا عليها ألفاً ؛ حتى تصلح للوقوف عليها (4) 0
19 ـ ليس : يرى الفراء أن أصل ليس ( لا ) و ( أيس ) ودليل ذلك عنده قول العرب : إئتني من حيث أيس وليس ، أي من حيث هو وليس هو (5) 0
20 ـ حبّ : أصلها عند الفراء حَبُب ، على وزن فَعُل مضموم العين ، واستدل بقولهم : حبيت ، وفعيل بابه فعل ، كظريف من ظرُف ، وكريم من كرُم (6) 0
ب ـ العوامل والمعمولات :
... يبدو أن فكرة العامل قد استقرت في أذهان الدارسين بعد الخليل ، وكان البصريون والكوفيون قد اتفقوا على الأخذ بها ، ولكن اختلفوا في التفاصيل ، اختلافا يرجع إلى ما بين المنهجين من تباين ، ومهما يكن من أمر فإن العامل كان محور جدال الفريقين واختلافهم ، وكثير من المسائل الخلافية بينهما ، يرجع إلى اختلاف النظر فيه 0
__________
(1) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، ص 45
(2) شرح الرضي على الشافية 1/38
(3) المدارس النحوية ، ص 204
(4) م 0 ن ، ص 0 ن
(5) لسان العرب ، ( ليس )
(6) مدرسة الكوفة ، ص 230(1/175)
أخذ الفراء يردد النظر في العوامل والمعمولات التي فرضها البصريون على النحو وقواعده ، وتحول ذلك عنده إلى ما يشبه سباقا بينه وبينهم ، فأحيانا يلتقي بهم ، وبخاصة بالأخفش ، وأحيانا يفترق ، ويهمنا أن نقف عند مواضع افتراقه ؛ لأنها هي التي تميز النحو الكوفي ، ومنها :
ـــ العوامل :
... 1 ـ العامل في رفع الفعل المضارع عند الفراء هو تجرده من الناصب والجازم (1) 0
ـ 166 ـ
2 ـ العامل في ( أيّ ) ما بعدها ، ولا يعمل فيها ما قبلها (2) 0
3 ـ العامل في نصب المفعول به هو الفعل والفاعل (3) 0 وبذا يكون الفراء قد عدد العامل في نصب المفعول به ، كما عدده في باب التنازع ، وعدده أيضا في مثل قولنا : يا تيم تيم عدي ، إذ جعل كلمتي تيم مضافتين إلى عدي (4) 0
وقد يكون هذا الرأي أوجه من رأي سيبويه (5) ، إذ ذهب إلى أن تيم الأولى هي المضافة إلى عدي ، والثانية مقحمة بين المضاف والمضاف إليه ، والأصل عنده : يا تيم عدي تيمه ، فحذف الضمير من تيم الثانية وأقحمت 0
ومما يلفت النظر أن الفراء عندما عرض لقوله تعالى : [ بما أوحينا إليك هذا القرآن ] (6) قال : [ هذا القرآن ] منصوب بوقوع الفعل عليه (7) 0
إنّ ما يلاحظ في عبارة الفراء هذه أنه جعل اسم الإشارة [ هذا ] مفعولا للفعل [ أوحينا ] ، وذا يخالف الرأي الذي اشتهر عنه من أنّ المفعول به لا ينصبه الفعل وحده ، وإنما ينصبه الفعل والفاعل كلاهما ، بحجة أن الفعل والفاعل كالشيء الواحد ولا يعمل بعض الكلمة دون بعضها الآخر (8) 0
4 ـ ذهب الفراء إلى أن كان يليها فاعل مرفوع ، وحال منصوب ، وقد يسمي اسمها شبه فاعل ، وخبرها شبه حال ، وقد يقول : إن الخبر نصب بخلوه من العامل (9) 0
__________
(1) همع الهوامع 1/164
(2) معاني القرآن 1/46 ، 47
(3) مدرسة الكوفة ، ص 278
(4) همع الهوامع 1/165
(5) الكتاب 2/208
(6) يوسف 2
(7) معاني القرآن 2/32
(8) خالد الأزهري ، شرح التصريح على التوضيح 1/309
(9) المدارس النحوية ، ص 206(1/176)
5 ـ يرى الفراء أن حاشا الاستثنائية في مثل : جاء القوم حاشا زيد ، فعل لا فاعل له ، وزيد مجرور بلام مقدرة ، والأصل : حاشا لزيد ، وحذف اللام لكثرة الاستعمال (1) 0
6 ـ نعم وبئس اسمان مبتدآن ؛ لعدم تصرفهما ، ولدخول حرف الجر عليهما في بعض كلام العرب وأشعارهم (2) 0
ـ 167 ـ
7 ـ صيغة التعجب في مثل : ما أكرم محمداً ، اسم مبني ، خبر لما الاستفهامية ، فما ليست تعجبية بمعنى شيء ، وإنما هي استفهامية ، واحتج الفراء لاسمية صيغة التعجب بأنه قد يدخلها التصغير ، في مثل قول الشاعر : ( يا ما أُميلح غزلاناُ شدنّ لنا ) والتصغير إنما يدخل الأسماء ، لا الأفعال (3) 0
8 ـ لولا هي التي تعمل الرفع في تاليها (4) ، وكان الفراء يعلل بالاختصاص في إعماله لولا فقد كان يقول : لولا هي الرافعة للاسم الذي بعدها ؛ لاختصاصها بالأسماء كسائر العوامل ، وأحيانا كان يذهب إلى أن لولا نابت مناب فعل محذوف ، تقديره تمنع (5) 0
9 ـ ليت كما ترفع الخبر قد تنصبه مع نصب الاسم (6) ، كقول الشاعر : ( يا ليت أيام الصبا رواجعا ) وزعم أن ليت حينئذ تجري مجرى أتمنى ، وأوّل ذلك الجمهور على حذف كان مقدرة قبل الخبر 0
10 ـ ذهب الفراء إلى أن مالَك ، وما بالك ، وما شأنك ، تنصب الاسم الذي يليها معرفة ونكرة ، كما تنصب كان وأظن ؛ لأنها نواقص في المعنى ، فتقول : مالَك الناظرَ في أمرنا ، وما لك ناظرا في أمرنا ، وكذا أختاها (7) 0
ـــ المعمولات :
__________
(1) م 0 ن ، ص 0 ن
(2) معاني القرآن 1/56 ـ57
(3) شرح الرضى على الكافية 1/140
(4) معاني القرآن 3/68
(5) المدارس النحوية ، ص 171
(6) م 0 ن ، ص 207
(7) المدارس النحوية ، ص 207(1/177)
1 ـ المرفوع بعد إذا وإنْ الشرطية في مثل [ إذا السماء انشقت ] (1) و [ وإن أحد من المشركين استجارك ] (2) و [ وإن امرؤ هلك ] (3) في رأي الفراء (4) مبتدأ ، وليس فاعلا لفعل محذوف ، كما ذهب إلى ذلك سيبويه وجمهور البصريين 0
2 ـ المرفوع بعد منذ في نحو : منذ يوم الجمعة ، عند الفراء (5) خبر لمبتدأ محذوف أي : من الذي هو يوم الجمعة : وتقديره : من الوقت الذي هو يوم
ـ 168 ـ
الجمعة ، على حذف الموصول و ( ذو ) الطائية ، وذهب الكوفيون إلى أن مذ ومنذ إذا ارتفع الاسم بعدهما ارتفع بتقدير فعل محذوف ، فتقدير منذ يوم الجمعة عندهم : من إذ مضى يوم الجمعة ، أي : من وقت مضى يوم الجمعة ؛ لأن منذ عندهم مركبة من ( مِن ) و ( إذ ) ، وذهب البصريون (6) إلى أنهما يكونان اسمين مبتدأين ، ويرتفع ما بعدهما لأنه خبر عنهما ، ويكونان حرفين جارين ، فيكون ما بعدهما مجروراً بهما 0
3 ـ الاسم المنصوب في باب الاشتغال ، في مثل : محمدا لقيته ، منصوب بالهاء التي عادت عليه من الفعل (7) ، بينما ذهب الكسائي إلى أن المضمر ملغى ، وذهب البصريون إلى أن محمدا في المثال المذكور مفعول به لفعل محذوف فسره المذكور0
4 ـ الاسم المرفوع في باب التنازع ، في مثل : قام وقعد محمد ، فاعل للفعلين جميعا (8) ، بينما ذهب الكسائي إلى أن الفعل الأول فاعله محذوف ، ولا فاعل له ، وذهب البصريون إلى أن محمدا فاعل للفعل الثاني ، أمّا الفعل الأول ففاعله مضمر مستتر فيه 0
5 ـ المنادى المبني على الضم ليس محله النصب (9) كما ذهب سيبويه ، وجمهور البصريين ، وليس مرفوعا معربا كما ذكر الكسائي 0
__________
(1) الانشقاق 1
(2) التوبة 6
(3) النساء 176
(4) المدارس النحوية ، ص 207
(5) شرح الرضى عل الكافية 2/118
(6) الإنصاف 1/382
(7) المدارس النحوية ، ص 207
(8) م 0 ن ، ص 208
(9) المدارس النحوية ، ص 208(1/178)
6 ـ لا يجوز العطف على اسم إنّ بالرفع قبل تمام الخبر ، إلاّ إذا كان اسم إن غير واضح الإعراب ، وكان الكسائي يجيزه (1) 0
7 ـ ذهب الفراء في إعراب الضمير المتصل بأسماء الأفعال في مثل : مكانك ، وعندك ، ولديك ، ودونك ، ووراءك ، وأمامك ، وعليك ، أنه مرفوع على الفاعلية ؛ لأنه قد يليه منصوب ، مثل : عليك زيداً ، وذهب الكسائي إلى أنه مفعول به ، ومحله النصب ، وذهب جمهور البصريين إلى أنه مجرور بالإضافة (2) 0
8 ـ الأسماء الخمسة تعرب من مكانين (3) ، فإذا قلت : هذا أبوك ، كانت علامة الرفع في كلمة ( أبوك ) الواو والضمة التي قبلها ، وإذا قلت : رأيت أباك ، كانت علامة النصب الألف
ـ 169 ـ
والفتحة التي قبلها ، وإذا قلت : مررت بأبيك ، كانت علامة الجر الياء والكسرة التي قبلها ، وعليه الكسائي 0
9 ـ ما يلي كم التكثيرية قد يكون مجرورا ، أو منصوبا ، أو مرفوعا (4) ، ومن ذلك قول العرب : كم رجل كريم قد رأيت ، وكم جيشاً جراراً قد هزمت ، وأنشد قول الشاعر :
كم عمة لك يا جرير وخالة ... ... فدعاء قد حلبت عليّ عشاري
رفعا ونصبا وخفضا 0 ويجيز الفراء في تمييز كم الخبرية والاستفهامية النصب والجر بمن المضمرة ، بينما ذهب البصريون إلى أن تمييز كم الخبرية يكون مجرورا دائما ، وإن جاء منصوبا فهو شاذ ، وتمييز كم الاستفهامية منصوب دائما إلاّ إذا جُرّت ، نحو : بكم درهم اشتريت هذا الكتاب ؟ 0
__________
(1) م 0 ن ، ص 0 ن
(2) م 0 ن ، ص 209
(3) م 0 ن ، ص 0 ن
(4) معاني القرآن 1/168(1/179)
10 ـ ويبدو أن الفراء لم يكن يأخذ بفكرة التقدير في الجار والمجرور والظرف حين يقعان خبرا ، أو نائب فاعل ، أو صفة ، أو حالا ، فقد كان البصريون يقدرون أنهما متعلقان بمحذوف تقديره استقر ، أو مستقر ، ويرى الفراء أن الجار نفسه في موضع رفع ، في مثل قولك : ما جاءني من أحد ، في حين يرى البصريون أن ( أحد ) هو الذي موضعه الرفع في المثال السابق ، ويرى ابن هشام أن الفراء قد جانب الصواب ؛ لأن الحروف لا حظّ لها من الإعراب ، لا لفظا ، ولا محلا 0
... وكان الفراء يعرب الظرف حين يقع خبرا في نحو : محمد عندك ، خبرا منصوبا بالخلاف (1) ، وطبيعي أن يمد ذلك في مواضعه الأخرى ، وكان يجعل الجار هو الخبر في مثل الكتاب لك ، كما كان يجعله في محل نصب في مثل : مر زيد بعمرو ، ومن هنا جعله نائب الفاعل مع الفعل اللازم حين يبنى للمجهول في نحو : مُرّ بعمرو ، ولعله من أجل ذلك كان يسميه الصفة ، وبذا نفهم إعرابه لمثل : كل رجل وصنعته ، فقد كان سيبويه والبصريون يقدرون الخبر محذوفا ، تقديره مقترنان ، بينما كان الفراء يذهب إلى أن الخبر لم يحذف ، وإنما أغنت عنه الواو ، فكأنها هي الخبر ، وبذا تكون هي الرافعة للمبتدأ ، إذ هو وخبره يترافعان ، ومعنى ذلك كله أن الحروف عند الفراء كانت تعرب إعراب الأسماء ، حين تطلبها العوامل 0
ـ 170 ـ
11 ـ العامل في كلمة ( اليوم ) في مثل قولك : أمّا اليوم فإني ذاهب ، خبر إن ، وكان سيبويه يذهب إلى أن العامل في كلمة اليوم في المثال المذكور هو أمّا ؛ لما فيها من معنى الفعل 0
12 ـ غير في الاستثناء مبنية عند الفراء (2) ؛ لقيامها مقام إلاّ ، والبصريون يعربون غير في الاستثناء إعراب ما بعد إلاّ 0
... هذا قليل من كثير وافر ، نجده في النقول عن الفراء 0
ج ـ آراء الفراء النحوية :
... 1 ـ تقسيم الفراء للأفعال :
__________
(1) شرح اللمحة البدرية ، ص 355
(2) المدارس النحوية ، ص 211(1/180)
... ... ... تقسيم الفراء ، أو التقسيم الكوفي للأفعال مبني على ما لوحظ فيها من دلالات على أزمنة مختلفة ، فزمان الماضي هو الماضي ، وزمان المضارع هو الحال أوالاستقبال ، وزمان الدائم زمان عام مستمر ،لا نص فيه على مضي أوحالية أواستقبالية 0
... ... ويتفق البصريون مع الفراء على أقسام الفعل أنها ثلاثة ، كما ويتفق الفراء مع البصريين في الماضي والمضارع ، ويختلف معهم في القسم الثالث ، وهو عند الفراء الفعل الدائم ، لا الأمر ، مثل : قاعد ، وكاتب ، وفعل الأمر عند الفراء مقتطع من الفعل المضارع ، وعليه فزمانه وحكمه عند الفراء هو زمان المضارع وحكمه ، ولكنه يختلف مع المضارع بأنه مجزوم فقط ؛ لأنه مقتطع من الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر (1) 0
... ... ويبدو لنا أن الفراء كان صادق الملاحظة في تسمية اسم الفاعل فعلا دائما ، والدارسون المحدثون المعنيون بالساميات أثبتوا أن في البابلية ، أو الأكادية مثل هذا التقسيم الكوفي للأفعال ، وأثبتوا وجود الفعل الدائم ، بالتسمية نفسها التي سمى بها الفراء اسم الفاعل (2) 0
... ... ويرى الفراء أن الفعل الدائم هو اسم الفاعل العامل ، وغير العامل اسم ، ولا يعمل اسم الفاعل إلاّ إذا لم يكن للماضي (3) ، قال ثعلب : الفراء يقول : قائم فعل
ـ 171 ـ
دائم ، لفظه لفظ الأسماء ؛ لدخول دلائل الاسم عليه ، ومعناه معنى الفعل ؛ لأنه ينصب ، فيقال قائم قياماً ، وضارب زيداً ، فالجهة التي هو فيها اسم ، ليس هو فيها فعلا ، والجهة التي هو فيها فعل ، ليس هو فيها اسما (4) 0
__________
(1) شرح الرضى على الكافية 2/268
(2) مدرسة الكوفة ،ص 241
(3) الموفي في النحو الكوفي ، ص 80
(4) مجالس العلماء ، ص 349(1/181)
ويعلل الفراء كون الأمر مقتطعا من المضارع بقوله (1) : إنّ العرب حذفوا اللام من فعل المأمور المواجه لكثرة الأمر خاصة في كلامهم ، فحذفوا اللام ، كما حذفوا التاء من الفعل في مثل قوله تعالى : [ فليفرحوا ] (2) ، وأنت تعلم أن الجازم أو الناصب لا يقعان إلاّ على الفعل الذي أوله الياء ، أو التاء ، أو النون ، أو الألف في قولك : اضرب ؛ لأن الضاد ساكنة ، فلم يستقم أن يستأنف بحرف ساكن ؛ فأدخلوا الفاء خفيفة ليقع بها الابتداء ، كما قالوا : ادّارك ، واثّا قلتم 0
ورافع الفعل المضارع عند الفراء هو التجرد من الناصب والجازم (3) ، وناصبه بعد الفاء ، والواو ، و( أو) هو الخلاف ، كما أن المضارع عنده أصل في الإعراب كالاسم (4) ، ويرى الفراء أن العرب قد يتكلمون بالأفعال المستقبلة ، ولا يتكلمون بالماضي منها ، ومن ذلك قولهم : عم صباحا ، ولا يقولون : وَعَم ، ويقولون : ذر ذا ودعه ، ولا يقولون : وذرتُه ولا ودعتُه ، ويتكلمون بالفعل الماضي ، ولا يتكلمون بالمستقبل ، ومن ذلك : عسيت أن أفعل ذلك ، ولا يقولون : اعس ، ولا عاسَ ، وكذلك يقولون : لست أقوم ، ولا يتكلمون بمستقبل ، ولا دائم (5) 0
وفي الحديث عن حذف الفعل يقول الفراء في قوله تعالى : [ انتهوا خيرا لكم ] (6) : الكلام جملة واحدة ، وخيرا نعت لمصدر محذوف ، أي : انتهاء خيراً ، وفي قوله تعالى : [ والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم ] (7) ، أي : واعتقدوا الإيمان من قبل هجرتهم (8) 0
ـ 172 ـ
2 ـ الأسماء الستة وإعرابها :
__________
(1) معاني القرآن 1/65
(2) يونس 58
(3) الموفي في النحو الكوفي ، ص 114 ، شرح الكفراوي على متن الأجرومية ، ص 44
(4) العكبري ، مسائل خلافية في النحو ، ص 89
(5) ثعلب ، شرح زهير بن أبي سلمى ، ص 8
(6) النساء 171
(7) الحشر 9
(8) مغني اللبيب ، ص 828(1/182)
الجمهور على أنها ستة ، وقال الفراء خمسة أسقط منها الهن ، ويرى ابن هشام (1) أن الفراء قال ذلك لئلا يتوهم أن الحكم فيهن على حد سواء ، وليس كذلك ، بل الأكثر في كلامهم أن يكون الهن منقوصا معربا بالحركات ، كما يكون في حالة الإفراد ، وفي لغة قليلة أن يعرب بالحروف ، لذا قصر الفراء الإعراب بالحروف والحركات على الخمسة الأولى (2) ، وهي : ( أب ، أخ ، حم ، فو ، ذو ) ، ومنع ذلك في هن ، فالخمسة الأولى معربة من مكانين 0
ويرى الفراء (3) أن من أتمّ الأب ، فقال هذا أبوك فأضاف إلى نفسه قال : هذا أبي ، خفف ، قال : والقياس قول العرب : هذا أبوك ، وهذا أبي وأنشد :
... ... ... فلا وأبيّ لا آتيك حتى ... ... ينسّى الواله الصب الحزينا 0
3 ـ إعراب المثنى وجمع المذكر السالم :
يرى الفراء أنّ نون المثنى مكسورة ، وبعضهم فتح (4) ، ويجيز الفراء إعراب المثنى بالألف دائما (5) ، وأجاز أن تجري كلا وكلتا كموسى مطلقا ، مع الظاهر والمضمر ، كما أجاز إجراء كلا وكلتا مجرى المثنى مطلقا (6) 0
ويرى في جمع المذكر السالم أنه قد يعرب بالحركات ، نحو : مضت السنينُ ، وهو قياس عند الفراء (7) ، بحيث يلزم الياء والنون ، وتوضع حركات الإعراب على النون (8) 0
وذهب سيبويه إلى أن الألف في المثنى ، والواو والياء في جمع المذكر هي حروف الإعراب ، وذهب الأخفش والمبرد إلى أنها تدل على الإعراب ، وليست إعرابا ، ولا حروف إعراب ، وذهب الجرمي إلى أن انقلابها هو الإعراب ، في حين ذهب الفراء وقطرب إلى أنها هي الإعراب (9) 0
ـ 173 ـ
__________
(1) شرح اللمحة البدرية ، ص 252
(2) همع الهوامع 1/38
(3) شرح التصريح على التوضيح 1/201
(4) الموفي في النحو الكوفي ، ص 11
(5) أمين الخولي ، هذا النحو ، ص 27
(6) شرح اللمحة البدرية ، ص 274 ـ 275
(7) الموفي في النحو الكوفي ، ص 10 ـ 11
(8) هذا النحو ، ص 28
(9) أسرار العربية ، ص 51 ـ 52 ، الخصائص 3/73(1/183)
ويرى الفراء أن الواو والنون في جمع المذكر السالم ، تكون في جمع ذكران الجن والإنس ، وما أشبههم ، فيقال : الناس ساجدون ، والملائكة والجن ساجدون ، فإذا عددت هذا صار المذكر والمؤنث إلى التأنيث ، فيقال : الكباش قد ذبحن ، وذبحت ، ولا يجوز مذبوحون ، وإنما جاز ذلك في الشمس والقمر في قوله تعالى : [ والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ] (1) ؛ لأنهم وصفوا بأفاعيل الآدميين (2) 0
4 ـ النكرة :
... قال ابن الأنباري في الزاهر إنّ الفراء قال (3) : نسيج وحده ، وعيير وحده وواحده ، وواحد أمه نكرات ، والدليل على هذا أن العرب تقول : ربّ نسيج وحده قد رأيت ، وربّ واحد أمه قد أجرت 0
5 ـ المضمرات :
... قال الفراء في قوله تعالى : [ قل هو الله أحد ] (4) : إنّ هو هو ضمير اسم الله تعالى وجاز ذلك وإن لم يجر له ذكر لما في النفوس من ذكره ، وكان يجيز : كان قائما زيد ، وكان قائما الزيدان ، والزيدون ، فيكون قائما خبر ذلك الضمير ، وما بعده مرتفع به ، كما أجاز أن تقول : الضارب زيدٍ ، نظرا إلى الاسمية ، وأن الإضافة لفظية ، لم يحصل بها تعريف ، فيكون مانعا من الإضافة (5) 0
... وإذا وقع ضمير الفصل بعد لا النافية وإنما ، نحو : وكان عبد الله لا هو العالم والصالح ، فقال الفراء : تتعين الابتدائية ، ولا يجوز الفصل ، وجوّزه البصريون (6) ، وذهب قوم إلى جواز وقوع ضمير الفصل ( العماد ) بعد اسم لا ، نحو : لا رجل هو منطلق ، وذهب آخرون إلى جواز وقوعه قبل المضارع ، نحو : كان زيد هو يقوم ، وذهب الفراء إلى انه لا يجوز وقوعه قبل معرفة بغير اللام ، فلم يُجِز : زيد هو أخاك ، وكان زيد هو صاحب الحمار (7) 0
ـ 174 ـ
__________
(1) يوسف 4
(2) معاني القرآن 2/35
(3) خزانة الأدب 4/157
(4) الإخلاص 1
(5) شرح المفصل 3/114 ، 2/122 ـ 123
(6) همع الهوامع 1/69
(7) م 0 ن 1/68(1/184)
... وذهب الكسائي والفراء إلى جواز وقوع ضمير الفصل في غير الابتداء والنواسخ ، نحو : ما بال زيد هو القائم ، وما شأن عمرو هو الجالس ، ومررت بعبد الله هو السيد ، بنصب الجميع ، كما أجاز الفراء (1) وقوعه أول الكلام ، قبل المبتدأ والخبر ، وجعل منه قوله تعالى :[ وهو محرم عليكم إخراجهم ] (2) ، كما أجاز الفراء أن يكون ضمير الفصل في قولك : ما ظننت أحدا هو القائم ، وكان رجل هو القائم ، كونه نكرة ، وحمل عليه قوله تعالى : [ أن تكون أمة هي أربى من أمة ] (3) ، فقدّر أربى منصوبا (4) 0
... واختُلف في الفصل أهو اسم أم حرف ؟ فقال أكثر البصريين : إنه حرف لا محل له من الإعراب ، وقال الخليل : هو اسم لا محل له من الإعراب ، وهو مشكل ، إذ لا نظير له في الأسماء ، وقال الكوفيون : له محل ، وهو اسم ، ثم قال الكسائي : إنّ محله بحسب ما بعده ، أمّا الفراء فقال : إنّ محله بحسب ما قبله (5) ، فمحله بين المبتدأ والخبر رفع عند الكسائي والفراء ، وبين معمولي ظن نصب عندهما ، وبين مفعولي كان رفع عند الفراء ، ونصب عند الكسائي ، وبين معمولي إنّ نصب عند الفراء ، ورفع عند الكسائي (6) 0
__________
(1) همع الهوامع 1/68
(2) البقرة 85
(3) النحل 92
(4) مغني اللبيب ، ص 642
(5) المطالع السعيدة في شرح الفريدة في النحو والصرف والخط 1/18
(6) مغني اللبيب ، ص 645 ، همع الهوامع 1/68(1/185)
... ومذهب الفراء أن المجيء بالنون مع ليت ليس بلازم ، وتركه ليس ضرورة ، ولا شاذا (1) ، فيجوز أن تقول : ليتي ، في سعة الكلام ، كما تقول : ليتني ، وإن كان ذكر النون أكثر من تركها ، وذهب الفراء إلى أن الكاف في إياك ، والهاء في إياه ، والياء في إياي ، هي ضمائر ، وأن ( إيا ) عماد لها ؛ لتصير بسببها منفصلة ، واختار هذا المذهب ابن كيسان من البصريين ، وقال الرضى : وليس هذا القول ببعيد عن الصواب (2) ، والفراء يجيز إلحاق نون الوقاية في أسماء الأفعال ؛ لأدائها معنى الفعل ، ويجيز تركها أيضا ؛ لأنها ليست أفعالا في الأصل ، فقد حكى الفراء : مكانكني ، ووافقه يونس فحكى : عليكني ، وقد أجاز سيبويه ذلك (3) 0
ـ 175 ـ
6 ـ مفسر ضمير الشأن :
... أجاز الفراء أن يُفسِّر ضمير الشأن مفرد مؤول بالجملة ، نحو : كان قائما زيد ، وكان قائما الزيدان ، أو الزيدون ، على أنّ قائما في جميعها خبر عن ذلك الضمير ، وما بعده مرتفع به ، وأجاز أيضا نحو : ظننته قائما زيدا ، أو الزيدان ، أو الزيدون ، وكذا ليس بقائم أخواك ، وما هو بذاهب الزيدان (4) 0
7 ـ اسم الإشارة :
... حكى ابن منظور عن الفراء دخول هاء التنبيه على اسم الإشارة المختص بالبعد ، نحو : هنالك ، أو هناك ، والقريب ، نحو : هنا ، فيجوز أن يقال : هاهنا بهاء التنبيه مع تشديد النون ، والفراء يروي هاء هنا مكسورة أو مفتوحة (5) 0
8 ـ الاسم الموصول :
... قال الفراء : العرب قد تذهب بذا وهذا إلى معنى الذي ، فيقولون : مَن ذا يقول ذاك في معنى مَن الذي يقول ، قال يزيد بن مفرغ :
... ... عدس ما لعباد عليك إمارة ... ... نجوت وهذا تحملين طليق
__________
(1) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك 1/111
(2) البحث اللغوي عند العرب ، ص 103
(3) خزانة الأدب 6/249
(4) شرح الكافية 2/28
(5) شرح الأشموني 1/140(1/186)
كأنه قال : والذي تحملين طليق ، وهذا يعني أن الفراء قد جعل هذا وذا في زمرة الأسماء الموصولة ، معتمدا في ذلك على ما أنشد من كلام العرب ، ويرى الفراء أن ( ذو ) كالذي ، ومؤنثه ذات ، وجمعها ذوات ، وبعض طيء ألحق ( بذو) تاء التأنيث ، مع بقاء البناء على الضم ، حكى الفراء : بالفضل ذو فضلكم الله به ، والكرامة ذات أكرمكم الله بها (1) ، ويرى الفراء أن ( ذو ) تقع على من يعقل ، وما لا يعقل من المذكرين ، وذات تقع على من يعقل ، وما لا يعقل من المؤنثات (2) ، وأجاز ذوات بضم التاء في الأحوال كلها رفعا ونصبا وجرا (3) ، ويرى أن الذي قد تكون موصولا حرفيا ، أو حرفا موصولا (4) ، يريد أنها تكون مصدرية مثل ما المصدرية ، ومذهب جمهور البصريين أن الذي تكون دائما اسما موصولا ، والذي حمل
ـ 176 ـ
الفراء على القول بوقوع الذي مصدرية (5) قوله تعالى : [ ذلك الذي يبشر الله عباده ] (6) ، وقوله تعالى : [ خضتم كالذي خاضوا ] (7) 0
9 ـ المبتدأ والخبر :
__________
(1) م 0 ن 1/184
(2) المقرب 1/59
(3) م 0 ن 1/57 ـ 58
(4) المدارس النحوية ، ص 211
(5) مغني اللبيب ، ص 709
(6) الشورى 23
(7) التوبة 69(1/187)
... العامل في المبتدأ هو الخبر عند الكسائي والفراء (1) ، والعامل في الخبر هو المبتدأ ، أي أنهما يترافعان ، وذهب الفراء (2) إلى أن العائد المنصوب يجوز حذفه بشرط أن يكون المبتدأ لفظ كل ، وأن يكون ناصبه فاعلا ، نحو قوله تعالى : [ وكل وعد الله الحسنى ] (3) في قراءة مَن رفع ( كل ) ، وتقديره : وكل وعده الله الحسنى ، ويجيز الفراء حذف العائد (4) في نحو : زيد ما أظرفه ، فيجوز عنده أن تقول : زيد ما أظرف ، كما ذهب إلى أن الاسم المرفوع بعد لولا ارتفع بها أصالة ، لا لأنها نائبة عن الفعل (5) ، وعلل ذلك بأن لولا حرف مختص بالأسماء ، والحرف المختص يعمل ، ويجيز اقتران الخبر بالفاء (6) إذا كان الخبر أمرا أو نهيا ، سواء أكان المبتدأ عاما ، أم لم يكن ، بدليل وروده في فصيح الكلام نثرا وشعرا ، فمن ذلك قوله تعالى : [ هذا فليذوقوه حميم وغساق ] (7) ، وقوله سبحانه : [ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ] (8) ، وقوله تعالى : [ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ] (9) ، وقول الشاعر عدي بن زيد :
... ... أروّاح مودع أم بكور ... ... أنت فانظر لأي ذاك تصير
وكذا أجاز الفراء دخول الفاء على كل خبر هو أمر أو نهي ، نحو : زيد فاضربه ، وقد منع وقوع الحال فعلا مضارعا في قول الشاعر :
... ... ورأي عيني الفتى أباكا ... ... يعطي الجزيل فعليك ذاكا
ـ 177 ـ
فذهب إلى أنّ يعطي لا يجوز كونها حالا جملة فعلية ، سدت مسد الخبر (10) ، ويرى أن الخبر يحذف وجوبا قبل الحال إن كان المبتدأ أو معموله مصدرا عاملا في مفسر صاحبها ، أو مؤولا بذلك ، ويرى ابن مالك أنه لا يمتنع وقوع الحال المذكورة فعلا (11) 0
__________
(1) الموفي في النحو الكوفي ، ص 25
(2) شرح الأشموني 1/256
(3) النساء 95 ، والقراءة بالرفع قرأ بها ابن عامر
(4) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، ص 48
(5) شرح الأشموني 1/296
(6) م 0 ن 1/ 322
(7) ص 57
(8) المائدة 38
(9) النور 2
(10) شرح الأشموني 1/309
(11) تسهيل الفوائد ، ص 48(1/188)
... والمبتدأ إذا وُصِف بجملة أو ظرف ، وكان بعض اسم مجرور بمن ، أو في مقدم عليه ، يطرد حذفه ، أمّا الفراء فيجعل المحذوف اسما موصولا (1) ، والبصريون يمنعون حذف الموصول مع بقاء صلته 0
10 ـ كان وأخواتها :
... يرى الفراء أنه لا يجوز تقديم خبر كان عليها إذا كان النفي بغير ما (2) ، فلا يجوز أن يقال : قائما لم يكن زيد ، ومنطلقا لم يكن عمرو ، وإذا زيدت كان بين اسم ما وخبرها لم يجز دخول الباء عند الفراء (3) ، وأجازه البصريون والكسائي ، نحو : ما زيد كان بقائم ، وجوّز الفراء زيادة كان بلفظ المضارع (4) ، كقول الشاعر : ( أنت تكون ماجد نبيل ) وذهب إلى أن اسم كان ارتفع لشبهه بالفاعل (5) ، والخبر انتصب لشبهه بالحال ، فكان زيد ضاحكا مشبهة عنده بجاء زيد ضاحكا ، وجوّز الجمهور رفع الاسمين بعد كان ، وأنكره الفراء ، وردّه بالسماع 0
... وقال الفراء : ما برح ، وما زال ، وما فتئ بمنزلة ما كان ، يرفعن الأسماء ، وينصبن الأخبار (6) ، وذهب الكوفيون إلى أنه يجوز تقديم خبر ما زال عليها (7) ، وما كان في معناها من أخواتها ، ولم يجوّز الفراء والبصريون ذلك ، وأجاز الفراء تقديم خبر ليس عليها (8) ، ومنعه جمهور الكوفيين 0
ـ 178 ـ
11 ـ الحروف العاملة عمل ليس :
... ذهب الفراء إلى أنّ ( إنْ ) المكسورة الخفيفة لا تعمل عمل ليس إذا دخلت على الجملة الاسمية (9) ، وعلى ذلك سيبويه ، وكذلك منع الفراء إعمال لا من رفع للاسم ، ونصب للخبر ، وأجاز الكسائي إعمال ( إنْ ) أمّا لات فزعم الفراء أنها تستعمل حرفا جارا لأسماء الزمان خاصة ، كما أن منذ ومذ كذلك (10) ، وأنشد :
__________
(1) الآلوسي ، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 5/42
(2) شرح ابن عقيل 1/276
(3) همع الهوامع 1/ 127
(4) م 0 ن 1/120
(5) م 0 ن 1 / 111
(6) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، ص 315
(7) تسهيل الفوائد ، ص 54
(8) الخصائص ، هامش 1/188
(9) مغني اللبيب ، ص 35
(10) م 0 ن ، ص 336(1/189)
... ... طلبوا صلحنا ولات أوان ... ... 00000 00 البيت
واستدل على ذلك بقراءة [ ولات حين مناص ] (1) بخفض الحين 0
... ويرى الفراء أن المنصوب بعد ما الحجازية إنما نصب لمّا حُذِف حرف الجر ، والأصل فيه أن يتصل بالباء (2) 0
12 ـ خبر عسى :
... قال الفراء : عسى لا يقاس ، ولا يستحسن إلاّ مع أنْ ، ولا يجوز عند الفراء : عسى الغوير أبؤسا (3) 0
13 ـ الأفعال التي تتعدى لمفعولين :
... زعم الفراء أنّ هذه الأفعال لمّا طلبت اسمين ، أشبهت من الأفعال ما يطلب اسمين أحدهما مفعول به ، والآخر حال (4) ، نحو : أتيت زيدا ضاحكا ، ومذهب الجمهور أنها إذا دخلت على المبتدأ والخبر نصبتهما مفعولين ، وكان الأصل ألاّ تؤثر فيهما ؛ لأن العوامل الداخلة على الجملة لا تؤثر فيها ، إلاّ أنهم شبهوها بأعطيت ، فنصبت الاسمين ، وجوّز الفراء قيام الضمير ، واسم الإشارة مقام مفعولي ظن (5) ، ودلل على ذلك بأنك تقول لمن قال : أظن زيدا قائما ، أنا أيضا أظنه ، أو أظن هذا ، وكذا باقي أفعال القلوب 0
ـ 179 ـ
14 ـ الحروف التي تدخل على الأسماء :
... يرى الفراء أن الحروف التي تدخل على الأسماء لا تعمل إلاّ في المبتدأ (6) ، وهي إنّ وأخواتها ، ولا التي للتبرئة ؛ وذلك لضعفها عن عملين ، أمّا خبرها فهو مرفوع بما ارتفع به حين كان خبرا للمبتدأ ، لا بالحرف ، وفسر ضعفها بأن عملها يقع على الاسم ، ولا يقع على الخبر ، وأقوى هذه الأدوات عنده ليت ، وقد أجاز نصب الاسمين بها ، كما في قول الراجز : ( يا ليت أيام الصبا رواجعا ) 0
__________
(1) ص 3
(2) معاني القرآن 2/42 ـ 43
(3) مجالس ثعلب 5/251
(4) همع الهوامع 1 / 151
(5) شرح الرضى على الكافية 2/278
(6) الأصول في النحو 1/301 ، تسهيل الفوائد ، ص 61(1/190)
... ويجوز عند بعض أصحاب الفراء نصب الجزأين بالخمسة الباقية (1) ، وأجاز الفراء نصب الجزأين بلعل (2) ، كما في بعض لغات العرب : لعل أباك منطلقا ، وليت للتمني ، ويجوز عند الفراء أن تجري مجرى أتمنى ، فيقال : ليت زيدا قائما ، كما يقال : أتمنى زيدا قائما (3) ، فليت حين تنصب الجزأين تكون عند الفراء مساوية لتمنيت ، أو وددت ، أو وجدت ، ويجوز عند الفراء إبطال عمل إنّ إذا بعدت عن اسمها بفاصل وقع بينهما (4) ، بانيا رأيه على ما حكاه هو والكسائي من قولهم : إنّ فيك زيد لراغب ، معللا ذلك بأنها تباعدت عن الاسم بوقوع هذا الفاصل يعني ( فيك ) بينها وبين اسمها ، كما بطل عملها حين فصلتها ما عن اسمها في قولهم : إنما زيد قائم ، وذهب إلى أنّ ( أنْ ) المخففة بمنزلة قد (5) إلاّ أن قد تختص بالأفعال ، وأنْ تدخل عليها ، وعلى الأسماء ، ونقل عنه قوله : قد خففت العرب النون من أن الناصبة ، ثم أنفذوا لها عملها (6) ، قال الشاعر :
... فلو أنْك في يوم الرخاء سألتني ... فراقك لم أبخل وأنت صديق
بسكون النون في أنْك ، وظاهر كلامه أنها تعمل مطلقا كالمثقلة 0
... وقال الفراء : لو قال قائل : أنك قائم تعجبني ، جاز أن يقول : إن أنك قائم تعجبني ، وهذا منه على رأيه بجواز الابتداء بأن (7) ، والجمهور على منعه 0
ـ 180 ـ
__________
(1) الموفي في النحو الكوفي ، ص 42
(2) مغني اللبيب ، ص 377
(3) لمع الأدلة في أصول النحو ، ص 83 ، المفصل ، ص 190
(4) مجالس ثعلب 2/81
(5) همع الهوامع 1/142
(6) خزانة الأدب 5/ 426 ت 427
(7) الأشباه والنظائر 2/155(1/191)
... وأوجب الفراء الإعمال في ليت ولعل ، ولم يجوّز فيهما الإلغاء (1) ، أمّا لا العاملة عمل إنّ فجوّز إعمالها في ضمير الغائب ، واسم الإشارة (2) ، نحو : لا هو ، ولا هي ، ولا هذين لك ، ولا هاتين لك ، وكل ذلك غلط عند البصريين ، ولا التبرئة تنصب نكرة أريد نفي جنسه ، وهو مقدم على الخبر عند الكوفيين ، نحو : لا غلامَ رجل حاضر ، وكثر ترك تنوين منصوبه مفردا ، نحو : لا رجلَ في الدار ، ويجوز رفع نعتها ، وذكر الفراء ورود نصبه مفردا ، نحو قولهم : لا إياه هنا 0 ، وهذا يعني أنه جوّز إجراء المعرفة مجرى النكرة بأحد تأويلين ، أولهما : أن يُقدَّر مضاف هو ( مثل ) ، والثاني : أن يجعل العلم لاشتهاره بتلك الخلة كأنه اسم جنس موضوع لإفادة ذلك المعنى (3) ، وقال الفراء : تقول العرب : لا أحدَ مثلك ، ولا رجلَ غيرك ، ولا رجلَ ضاربك ، كل هذا تؤثر فيه العرب الرفع ، تجعله خبرا للتبرئة ؛ لشبهه بالمعرفة (4) ، وحكى الفراء عن الكسائي أنه سمع العرب تقول : ارحموا مَن لا أب له ولا أم غير الرحمن 0
15 ـ الفاعل :
... ذهب الفراء إلى أن الفاعل المحصور بإلاّ يمتنع تقديمه (5) ، فلا يجوز : ما ضرب إلاّ زيد عمرا ، وهو مذهب أكثر البصريين وابن الأنباري ، وهذا يعني أن الفراء ذهب إلى وجوب تقديم المفعول إذا كان الفاعل محصورا بإلاّ ، وأجاز وقوع الجملة فاعلا ، ونائب فاعل (6) ، والجواز عنده مشروط بكون المسند إليه قلبيا ، وباقترانها بأداة معلقة ، نحو : ظهر لي أقام زيد ، وعلم هل قعد عمرو ، وقال هشام وثعلب : يجوز ذلك في كل جملة ، نحو : تعجبني تقوم 0
16 ـ نائب الفاعل :
__________
(1) همع الهوامع 1/144
(2) م 0 ن 1/145
(3) الموفي في النحو الكوفي ، ص 48
(4) شرح المفضليات ، ص 9
(5) شرح ابن عقيل 1/492
(6) مغني اللبيب ، ص 524(1/192)
... إذا كان نائب الفاعل مجرورا بحرف جر غير زائد ، نحو : سير بزيد ، أو مرّ بعمرو فقد ذهب الجمهور أن المجرور في محل رفع ، وهو النائب ، ومذهب الفراء أن النائب حرف
ـ 181 ـ
الجر وحده (1) ، وأنه في موضع رفع ، وكذلك مرّ زيد بعمرو ، مذهب البصريين أن المجرور في موضع نصب ، ويرى الفراء أنه وحده بعد الفعل المبني للفاعل ( الفعل المبني للمعلوم ) في محل نصب ، وأجاز الفراء أن ينوب خبر كان المفرد عن نائب الفاعل (2) ، نحو : كين قائم ، كما أجاز كين يقام ، وجُعل يفعل (3) 0
17 ـ المفعول به :
... الناصب للمفعول به عند الفراء هو الفعل والفاعل معا (4) ، بحجة أن الفعل والفاعل كشيء واحد ، ولا يعمل بعض الكلمة دون بعضها الآخر ، أي أنه عدّد العامل فيه ، والعامل في المفاعيل عند الجمهور (5) هو الفعل أو شبهه ، والفاعل عند هشام بن معاوية من الكوفيين 0
18 ـ الاشتغال :
... يرى الفراء في نحو قولنا : زيدا ضربته ، وزيدا مررت به ، وزيدا ضربت غلامه ، وزيدا حبست عليه ، أن الاسم لا ينتصب بفعل يفسره ما بعده ، أي ضربت ، ومررت ، وحبست ، بل إنّ ناصبه لفظ الفعل المتأخر عنه إمّا لذاته ، إنْ صحّ المعنى واللفظ بتسلطه عليه ، نحو : زيدا ضربته ، فضربت عامل في زيد ، كما أنه عامل في ضميره ، وإمّا لغيره إنْ اختلّ المعنى بتسليطه عليه ، فالعامل في ( زيدا ) هو قولك : مررت به ؛ لسده مسد جاوزت ، وفي عمرا ضربت أخاه ؛ لسده مسد أهنت ، وليس قبل الاسم في الموضعين فعل مضمر ناصب عنده (6) 0
19 ـ التنازع :
__________
(1) شرح الأشموني 2/223
(2) الموفي في النحو الكوفي ، ص 21
(3) تسهيل الفوائد ، ص 77
(4) شرح التصريح على التوضيح 1/309
(5) الموفي في النحو الكوفي ، ص 32 ـ 33
(6) شرح الكافية 1/148 ـ 149(1/193)
... إذا استوى العاملان في طلب المرفوع فإن الفراء يرى أنّ العمل لهما ، ولا إضمار ؛ لأنهما كالعامل الواحد ، فأخواك في نحو : قام وقعد أخواك ، فاعل لقام وقعد ، فهو فاعل لفعلين عنده (1) ، وإن اختلفا وكان أولهما يطلب مرفوعا أضمرته مؤخرا ؛ فرارا من
ـ 182 ـ
حذف الفاعل ، ومن الإضمار قبل الذكر : أكرمني وأكرمت زيدا هو ، وعليه فالفراء يجيز اجتماع عاملين على معمول واحد في باب التنازع إذا اقتضى كل منهما ما اقتضاه الثاني ، فإذا قيل قام وقعد زيد ، كان زيد فاعلا أو معمولا لقعد وقام كليهما ، ويرى الكسائي أن زيدا في مثل : قام وقعد زيد هو فاعل الثاني ، ووافقه ابن هشام حيث يرى أن الأحق للعمل فيه الأقرب ، وذهب الجمهور أنه فاعل الأول ، وفاعل الثاني تكنيه وجوبا (2) 0
... والفراء لا يجيز تعلق الفاعل في باب التنازع بالفعل الثاني ؛ لأنه يترتب على التعليق بالثاني في مثل : قام وقعد زيد ، أن نضمر فاعلا في الأول ، ويكون حينئذ مضمرا قبل ذكره ، لذا فهو يرى أن العامل في زيد الفعلان جميعا (3) 0
20 ـ الاستثناء :
... يرى الفراء أن إلاّ في الاستثناء مركبة من ( إنّ ) و ( لا ) ثم خففت إنّ وأدغمت في لا ، فإذا انتصب ما بعدها فعلى تغليب حكم إنّ ، وإذا لم ينتصب فعلى تغليب حكم لا ؛ لأنها عاطفة ، أي يُنصب بها في الإيجاب اعتبارا بإنّ ، ويعطف بها في النفي اعتبارا بلا 0
__________
(1) أوضح المسالك 2/202 ، الموفي في النحو الكوفي ، ص 24
(2) الموفي في النحو الكوفي ، ص 23
(3) الرد على النحاة ، ص 107 ـ 108(1/194)
... يقول الفراء : إنما قلنا إنه منصوب بإلاّ ؛ لأن الأصل فيها إنّ ولا ، فزيد اسم إنّ في قولك : قام القوم إلاّ زيدا ، ولا كفت من الخبر ؛ لأن التأويل إنّ زيدا لم يقم ، ثم خففت إنّ وأدغمت في لا ، وركبت معها ، فصارتا حرفا واحدا ، كما ركبت لو مع لا ، وجُعلا حرفا واحدا ، فلمّا ركبوا إنّ مع لا أعملوها عملين : عمل إنّ فنصبوا بها في الإيجاب ، وعمل لا فجعلوها تعطف في النفي ، وصارت بمنزلة حتى ، فإنها لمّا شابهت حرفين : إلى والواو في العطف ؛ لأن الفعل يحسن بعدها ، كما يحسن بعد الواو ، ألا ترى أنك تقول : ضربت القوم حتى زيد ، أي حتى انتهيت إلى زيد ، وضربت القوم حتى زيدا ، أي حتى ضربت زيدا فكذلك هاهنا إلاّ لمّا ركبت من حرفين أجريت في العمل مجراهما (1) ، وذهب الفراء إلى أن حاشا فعل ، لكن لا فاعل له (2) ، والنصب بعده إنما هو بالحمل على إلاّ ، ولم يُنقل عنه ذلك في خلا وعدا ، غير أنه يمكن أن يقول فيهما مثل ذلك ، هذا ما قاله الأشموني (3) ، وقال
ـ 183 ـ
__________
(1) أسرار العربية ، ص 201ـ202 ، شرح التصريح على التوضيح 1/361
(2) الموفي في النحو الكوفي ، ص 75
(3) شرح الأشموني 1/409(1/195)
الصبان (1) : قوله لا فاعل له ، أي ولا مفعول ، كما قال بعضهم ، وقوله بالحمل على إلاّ ، أي فيكون منصوبا على الاستثناء ، ومقتضى حمله على إلاّ أنه العامل في النصب فيما بعده ، وفي غير قال الفراء : يجوز أن يُبنى غير في الاستثناء على الفتح مطلقا ، سواء أُضيف إلى معرب أو مبني ؛ لكونه بمعنى الحرف (2) ، يعني إلاّ ، ومنعه البصريون ؛ لأن ذلك فيه عارض غير لازم ، فلا اعتبارية ، وأمّا إذا أُضيف إلى أن فلا خلاف في جواز بنائه على الفتح ، ويجوز أن يكون مبنيا لكونه استثناء منقطعا ، والفراء يجيز النصب على الاستثناء في المفرغ نظرا إلى المقدر (3) ، وأجاز الكسائي تقديم المستثنى على حرف النفي ، ومنع الجمهور تقديم المستثنى أول الكلام ، وأجاز الفراء (4) تقديم إلاّ مع المرفوع ، وقال : حروف الاستثناء تأتي بمعنى قليل من كثير (5) 0
21 ـ الحال :
__________
(1) حاشية الصبان على الأشموني 2/165
(2) تسهيل الفوائد ، ص 106
(3) الموفي في النحو الكوفي ، ص 71
(4) همع الهوامع 1/226
(5) خزانة الأدب 5/148(1/196)
... أجاز الفراء تقديم الحال على عاملها مطلقا (1) ، سواء كان صفة ، نحو : مسرعا ذا راحل ، و مجردا زيد مضروب ، وهذا تحملين طليق ، فتحملين في موضع نصب على الحال وعاملها طليق ، وهو صفة مشبهة ، أم كان عاملها فعلا ، نحو : مخلصا زيد دعا ، وخشعا أبصارهم يخرجون ، والظرف والمجرور المخبر بهما ، و تلك هند مجردة ، وليت زيدا أميرا أخوك ، و أمّا عالما فعالم ، في هذه الأمثلة كلها يجيز الفراء تقديم الحال على عاملها ، ويرى أنه لا بدّ في رابط الجملة الاسمية إذا وقعت حالا من الواو (2) إمّا وحدها ، وإمّا مع الضمير ، ولا يجوز أن يكون الرابط هو الضمير وحده ، وأمّا قول الشاعر : ( ثم راحوا عبق المسك بهم ) فيعتبره الفراء شاذا لا يقاس عليه ، لأن الشاهد في هذا البيت هو مجيء الجملة الاسمية المكونة من المبتدأ والخبر ( عبق المسك بهم ) حالا من الواو في ( راحوا ) والضمير ( هم ) هو الرابط فقط ، ولم تربط بالواو ، وهذا شاذ عند الفراء ، ويرى أن الحال إذا وقعت خبرا للمصدر ، فلا ضمير فيها من المصدر (3) ؛ للزومها مذهب الشرط ، والشرط
ـ 184 ـ
بعد المصدر لا يتحمل ضمير المصدر ، نحو : ضربي زيدا إنْ قام ، وجاز نصب ( قائما ) ونحوه على الحال عنده ، وإن كان خبرا لم يكن عين المبتدأ ؛ لأن القائم هو زيد ، لا الضرب ، فلما كان خلافه ، انتصب على الخلاف ؛ لأن الخلاف عند الفراء يوجب النصب ، وجوّز وقوع جملة الأمر حالا (4) ، والماضي لا يكون حالا عند الفراء إلاّ بقد (5) ، ولا يجيز وقوع الحال فعلا (6) ، وعليه سيبويه 0
22 ـ التمييز :
__________
(1) شرح الأشموني 1 /252 ، أسرار العربية ، ص 192
(2) شرح الأشموني 1/260
(3) همع الهوامع 1/105 ـ 106
(4) همع الهوامع 1/246
(5) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، ص 37 ـ 38
(6) همع الهوامع 1/106(1/197)
... يجيز الفراء تقديم عامل التمييز مطلقا (1) ؛ لأن الغالب في التمييز المنصوب بفعل متصرف كونه فاعلا في الأصل ، وقد حُوِّل الإسناد عنه إلى غيره ؛ لقصد المبالغة ، فلا يُغيَّر عما كان يستحقه من وجوب التأخير ، لما فيه من الإخلال بالأصل ، ووافق ابن مالك الفراء حين قال : وعامل التمييز قدم مطلقا (2) 0
... وجوّز الفراء تقديم التمييز بعد اسم شبّه به الأول (3) نحو : زيد القمر حسنا ، فيقال : زيد حُسنا القمر ، كما يجيز أن يقع التمييز مضافا إلى المعرفة (4) ، وأن يقع التمييز معرفة ، كما في قوله تعالى : [ زهرة الحياة الدنيا ] (5) ، فزهرة عند الفراء منصوب على التمييز ، وفي قوله تعالى : [ إلاّ من سفه نفسه ] (6) إذ جعل الفراء [ نفسه ] تمييزا ؛ لأنه يجيز أن يكون التمييز معرفة ، وضعفه العكبري (7) ، ولا يجيز الفراء إدخال الألف واللام على التمييز ، فلا تقول : مررت بالرجل الحسن الوجه ، ويقول ابن السراج : وهو كله جائز (8) أن تنصبه تشبيها بالمفعول ، وإن أُخبر بكم قصدا للتكثير فمميزها كمميز عشرة (جمعا مجرورا ) ، نحو : كم غلمان ملكت ، ومئة ( مفردا مجرورا ) نحو : كم ثوب أبليت ! فهو
ـ 185 ـ
مجرور بإضافتها إليه ، أمّا الفراء فقال : الجر بمن محذوفة (9) ، وأجاز أن يكون تمييز كم الاستفهامية مجرورا بمن مقدرة (10) 0
23 ـ الظروف :
__________
(1) شرح الأشموني 1/265 ، الموفي في النحو الكوفي ، ص 42
(2) ألفية ابن مالك في النحو والصرف ، ص 34
(3) همع الهوامع 1/252
(4) البيان في غريب إعراب القرآن 2/155 ، تفسير النسفي 1/75
(5) طه 131
(6) البقرة 130
(7) إملاء ما من به الرحمن 1/64
(8) الأصول في النحو 1/272
(9) تسهيل الفوائد ، ص 124
(10) أسرار العربية ، حاشية ص 265 ، مغني اللبيب ، ص 245 ، الموفي في النحو الكوفي ، ص 102(1/198)
... قبل وبعد : قال الفراء : ولا تنكرن أن تضيف قبل وبعد وأشباههما وإن لم يظهر ، وقال : وسمعت أبا ثروان العكلي يقول : قطع الله الغداة يد ورجل من قالها ، وإنما يجوز هذا في الشيئين يصطحبان مثل اليد والرجل ، ومثله عندي : نصف أو ربع درهم ، وجئتك قبل أو بعد العصر ولا يجوز في الشيئين يتباعدان مثل الدار والغلام ، فلا يجوز : اشتريت دار أو غلام زيد ، ولكن عبد أو أمة زيد ، وعين أو أذن زيد ، وما أشبهه (1) ، وقد تكلم الفراء على قبل وبعد في تفسير قوله تعالى : [ لله الأمر من قبل ومن بعد ] (2) القراءة بالرفع من غير تنوين ؛ لأنهما في المعنى يراد بهما الإضافة إلى شيء لا محالة ، فلمّا أديا عن معنى ما أضيفت إليه وسموهما بالرفع وهما مخفوضتان ؛ ليكون الرفع دليلا على ما سقط مما أضفتهما إليه ، وكذلك ما أشبههما ، والظروف كلها ذكران عند الفراء (3) إلاّ ما فيه علامة التأنيث 0
... أمس : قال الكسائي : إنما كسرت أمس من أجل أنك تقول : أمس بخير ، والفراء يقول : كسرت لأن السين يتناول بالكسر (4) 0
... الآن : يرى ابن مالك أن الآن مبني لتضمنه معنى الإشارة ، أو لشبه الحرف في ملازمة لفظ واحد ، وقد يُعرب على رأي ، أمّا الفراء فيرى أنه منقول من فعل (5) 0
24 ـ الخفض ( الجر ) :
... يجيز الفراء الخفض في القسم بإضمار حرف الخفض من غير عوض ، قال : سمعناهم يقولون : الله لتفعلن ، فيقول المجيب : اللهِ لأفعلن ، فيخفض بتقدير حرف الخفض ، وإن كان محذوفا (6) 0
ـ 186 ـ
__________
(1) خزانة الأدب 6/500 ـ 504
(2) الروم 4
(3) المذكر والمؤنث ، ص 34
(4) مجالس العلماء ، ص 126
(5) تسهيل الفوائد ، ص 95
(6) الموفي في النحو الكوفي ، ص 144(1/199)
... وتزاد إلى وفي عند الفراء (1) ، ولا تزاد عند ابن مالك ، ويرى الكسائي أن ( مِن ) تقع حشوا في الكلام ، ونقل عن الفراء الجواز والمنع (2) ، ويرى الفراء أن من معاني إلى التوكيد ، وهي الزائدة ، واستدل بقراءة بعضهم [ أفئدة من الناس تهوى إليهم ] (3) بفتح الواو ، وخُرِّجت على تضمين تهوى معنى تميل ، والأصل تهوي بالكسر ، فقلبت الكسرة فتحة ، والياء ألفا ، كما يقال في رضي رضا ، وفي ناصية ناصاة (4) ، وحكى الفراء عن العرب قولهم : رميت عن القوس ، ورميت بالقوس ، فعن تفيد الاستعانة في أحد معانيها ، وفيه رد على الحريري في إنكاره أن يقال ذلك إلاّ إذا كانت القوس هي المرمية ، وحكى أيضا : رميت على القوس (5) 0
... والضمير المتصل بربّ لا يُثنى ولا يؤنث ، بل يبقى على صورة المذكر المفرد ، وما كان من تذكير أو تأنيث أو جمع ففي التفسير بعده ، وحكى الفراء التأنيث والجمع والتثنية فيه ، وذلك قياس على باب نعم (6) 0
__________
(1) تسهيل الفوائد ، ص 145
(2) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، ص 34
(3) إبراهيم 37
(4) مغني اللبيب ، ص 105
(5) م 0 ن ، ص 198
(6) رصف المباني في شرح حروف المعاني ، ص 190 ـ 191(1/200)
... نزع الخافض : قال الفراء (1) في قوله تعالى : [ ما هذا بشرا ] (2) نصبت بشرا لأن الباء قد استعملت فيه ، فلا يكاد أهل الحجاز ينطقون إلاّ بالباء ، فلمّا حذفوها أحبوا أن يكون لها أثر فيما خرجت منه ، فنصبوا على ذلك ، ألا ترى أنّ كل ما في القرآن أتى بالباء إلاّ هذا ، وقوله : [ ما هن أمهاتهم ] (3) ، وأمّا أهل نجد فيتكلمون بالباء ، وغير الباء ، فإذا أسقطوها رفعوا ، وهو أقوى الوجهين في العربية ، وإذا قدّمت الفعل قبل الاسم رفعت الفعل واسمه فقلت : ما سامع هذا ، وما قائم أخواك ، وذلك أن الباء لم تستعمل هاهنا ، ولم تدخل ، ألا ترى أنه قبيح أن تقول : ما بقائم أخواك ؛ لأنها إنما تقع في المنفي إذا سبق الاسم ، فلما لم يكن في ( ما ) ضمير الاسم ، قبح دخول الباء ، وحسن ذلك في ليس ،
... ... ...
ـ 187 ـ
فتقول : ليس بقائم أخوك ؛ لأن ليس فعل يقبل المضمر ، كقولك : لست ولسنا ، ولم يكن ذلك في ما ، فإن قلت : فإني أراه لا يمكن في لا ، وقد أدخلت العرب الباء في الفعل الذي يليها ، قلت : إنّ لا أشبه بليس من ما ، ألا ترى أنك تقول : عبد الله قائم ولا قاعد ، كما تقول : عبد الله ليس قاعدا ولا قائما ، ولا يجوز عبد الله ما قائم ولا قاعد ، فافترقتا هاهنا ، وزعم بعض النحويين أن متى من حروف الجر ، استنادا إلى قول الشاعر :
... ... شربنا بماء البحر ثم ترفعت ... ... متى لججٍ لهن نئيج
__________
(1) معاني القرآن 2/42 ـ 43
(2) يوسف 31
(3) المجادلة 2(1/201)
بجر لجج ، وقد كشف الفراء عن فساد هذا الرأي حين بيّن لنا أنه اسم بمعنى وسط في لغة هذيل ، وروى الشاهد نفسه ، فعلمنا أن ما بعد متى يكون مجرورا بالإضافة ، لا أنها حرف جر ، كما زعم أولئك النحاة (1) ، وإذا دخلت حتى على الأسماء فإن الفراء يعتبرها نائبة عن إلى ؛ لأن حتى من عوامل الأفعال ، ولو أنها تجري مجرى كي وأنْ في عدم اقتضائها العمل لقولهم : سرت حتى أدخلها ، وسرت حتى وصلت إلى كذا ، ولكنها لمّا نابت عن إلى خفضت الأسماء ؛ لنيابتها وقيامها مقام إلى (2) ، وحتى تجلب الحركات الثلاث عند الفراء ، فهو القائل : أموت وفي نفسي شيء من حتى ؛ لأنها ترفع وتنصب وتخفض (3) ، وقال الفراء : العرب لا تقول تالرحمن ، ولا يجعلون مكان الواو تاء إلاّ في لفظ الجلالة ( الله ) عزّ وجلّ ( تالله ) وذلك لأنها أكثر الأيمان ، فجرى في الكلام ، فتوهموا أن الواو منها ؛ لكثرتها في الكلام (4) ، وأبدلوها تاء كما قالوا : التراث ، وهو من ورث 0
25 ـ الإضافة :
... يرى الفراء كغيره من النحاة أنه قد تحذف تاء التأنيث للإضافة عند أمن اللبس ، وجعل منه قوله تعالى : [ وهم من بعد غلبهم سيغلبون ] (5) وقوله تعالى : [ إقام الصلاة ] (6)
بناء على أنه لا يقال دون إضافة في الإقامة : أقام ، ولا في الغلبة : غلب (7) 0
...
ـ 188 ـ
وجوز الفراء إضافة الوصف المحلى بأل إلى المعارف كلها ؛ حملا لها على المعرف بأل ، كالضارب زيد ، والضارب هذا ، بخلاف الضارب رجل ، فلا يجوز ؛ لامتناع إضافة المعرفة إلى النكرة (8) 0
__________
(1) أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة ، ص 262
(2) شرح المفصل 8/17
(3) شذرات الذهب 2/19
(4) معاني القرآن 2/51
(5) الروم 3
(6) الأنبياء 73 ، النور 37
(7) شرح الأشموني 2/304
(8) الموفي في النحو الكوفي ، ص 52(1/202)
ويرى الفراء أن ياء المتكلم المدغم فيها تكسر ، كما في قراءة حمزة [ ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ ] (1) وقد فسّرها بأن الياء من مصرخيّ منصوبة ؛ لأن الياء من المتكلم تسكن إذا تحرك ما قبلها ، وتنصب إرادة الهاء ، كما قُرئ [ لكم دينكم ولي دين ] (2) بنصب الياء وجزمها ، فإذا سكن ما قبلها رُدَّت إلى الفتح الذي كان لها ، فالياء من مصرخي ساكنة ، والياء بعدها من المتكلم ساكنة ، فحركت إلى حركة قد كانت لها ، وهذا مطّرد في الكلام (3) 0
وأجاز الفراء إضافة الشيء إلى ما بمعناه ؛ لاختلاف اللفظين ، نحو : ولدار الآخرة ، وحق اليقين ، وحبل الوريد ، وحب الحصيد ، فهو يقول : وقد تضيف العرب الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه (4) ، وجميع الأيام عنده تضاف إلى نفسها ؛ لاختلاف لفظها مثل : يوم الخميس ، وكذا شهر ربيع ، وعام الأول ، وليلة الأولى (5) ، ويرى خلافا لسيبويه والمبرد في قولهم : قطع الله يد ورجل مَن قالها ، أن الاسمين مضافان إلى من قالها ، ولا حذف في الكلام (6) ، وذهب إلى أن المضاف إلى الشيء في مرتبة دونه مطلقا ، ولم يوافقه ابن هشام على ذلك (7) 0
والفراء يرى عدم الفصل بغير الظرف والجار والمجرور ، فهو من جهة لا يرى الفصل بالظرف والجار والمجرور إلاّ في ضرورة الشعر ، ومن جهة أخرى ينكر الفصل بغيرهما في الضرورة ، فهو يقول : ولكن إذا عرضت صفة بين خافض وما خفض ، جاز إضافته ، نحو : هذا ضارب في الدار أخيه ، ولا يجوز إلاّ في الشعر (8) 0
ـ 189 ـ
__________
(1) إبراهيم 22
(2) الكافرون 6
(3) معاني القرآن 2 /75
(4) شرح الأشموني 2 /311
(5) معاني القرآن 2/55 ـ 56
(6) شرح الأشموني 2/326
(7) شرح اللمحة البدرية ، ص 165
(8) معاني القرآن 2/81(1/203)
وقال الخليل والفراء (1) : كل شيء يوجد من خلق الإنسان إذا أضيف إلى اثنين جُمِع تقول : هشمت رؤوسهما ، وأشبعت بطونهما ، وقوله تعالى : [ وإن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ] (2) ، وقوله تعالى : [ فاقطعوا أيديهما ] (3) 0
وأجاز الفراء (4) أن تقطع كل المؤكد بها عن الإضافة لفظا ، متمسكا بقراءة [ إنّا كلاً فيها ] (5) 0
26 ـ التعجب :
... يرى الفراء في ( ما ) التعجبية أنها استفهامية ، وليست تعجبية ، أي أنها اسم استفهام مشرب بمعنى التعجب ، كما قال في صيغة التعجب أفعِل به ، أن لفظه ومعناه الأمر، وفيه ضمير ، والباء للتعدية ، ووافقه على ذلك الزجاج ، والزمخشري ، وابن كيسان ، وابن خروف (6) ، ويرى أن ما أفعله ، وأفعل به لا يليهما غير المتعجب منه ، إنْ لم يتعلق بهما ، وكذا إن تعلق بهما ، وكان غير ظرف وحرف جر ، وإن كان أحدهما فقد يلي ، ووافقه الجرمي ، والفارسي ، وابن خروف ، والشلوبين (7) ، والباء في قولنا : أكرم بزيد ، عند الفراء حرف جر زائد ، وزيد موضعه نصب بالمفعولية (8) ، ويرى البصريون أنّ موضع زيد رفع بالفاعليه ، ومما خالف الفراء فيه الكوفيين أنه لا يجيز التعجب من السواد والبياض ، ويرى أن سيبويه لم يكن يُحسن حدّ التعجب (9) 0
27 ـ المدح والذم :
... ذهب الفراء وجماعة من الكوفيين إلى أن نعم وبئس اسمان (10) ، واستدلوا على ذلك بدخول حرف الجر عليهما في قول أحدهم وقد بُشِّر ببنت : والله ما هي بنعم الولد ، نصرتها بكاء ، وبرّها سرقة ، وقول آخر وقد سار إلى محبوبته على حمار بطيء السير : نعم السير
ـ 190 ـ
__________
(1) تفسير القرطبي 3/2171
(2) التحريم 4
(3) المائدة 38
(4) مغني اللبيب ، ص 257
(5) غافر 48 ، والقراءة المشهورة ( كلٌ )
(6) أوضح المسالك 3/252 ـ 255 ، شرح الأشموني 4/167
(7) تسهيل الفوائد ، ص 131
(8) معاني القرآن 2/127 ـ 128
(9) معجم الأدباء 13 / 185
(10) شرح قطر الندى وبل الصدى ، ص 27 ـ 28(1/204)
على بئس العير ، وقولهم : يا نعم المولى ويا نعم النصير ، بدخول حرف النداء ، وإعراب نعم الرجل على مذهب الفراء ، نعم : مبتدأ ، وهو اسم بمعنى الممدوح ، مبني على الفتح ، في محل رفع ، والرجل : بدل من نعم ، أو عطف بيان عليه ، مرفوع بالضمة الظاهرة ، وزيد : خبر المبتدأ ، مرفوع بالضمة الظاهرة ، وفي قولنا : نعم الرجل يقوم ، الكسائي يضمر ، والتقدير عنده : نعم الرجل رجل يقوم ؛ لأن نعم عنده فعل ، والفراء لا يضمر (1) ؛ لأن نعم عنده اسم ، فيرفع الرجل بنعم ، لذا قال ثعلب (2) : حدثني سلمة قال : قال الفراء : مات الكسائي وهو لا يحسن حدّ نعم وبئس ، وقال الفراء : يجوز أن يكون اسم المدح أو الذم مضافا إلى نكرة (3) كقول الشاعر :
... فنعم صاحب قوم لا سلاح لهم ... ... وصاحب الركن عثمان بن عفانا
وهو ضرورة عند الجمهور ، وذهب الفراء إلى أن نعم وبئس لا يعملان في اسم علم ، بل في اسم منكور دالٍ على جنس ، فإذا كان بغير الألف واللام ، فهو نصب أبدا ، وإن كانت فيه الألف واللام ، فهو رفع أبدا (4) ، تقول : نعم رجلاً زيدٌ ، ونعم الرجل زيدٌ ، وبئس رجلا زيدٌ ، وبئس الرجل زيدٌ ، ففي قولنا : نعم الرجل زيدٌ ، زيد يرتفع على وجهين : إمّا أنه مبتدأ قُدِّم عليه خبره ، أو أنه خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره هو زيد 0
... والعرب توحد نعم وبئس ، وإن كانت بعد الأسماء (5) ، فيقولون : أمّا قومك فنعمو قوما ، ونعم قوما ، وكذلك بئس ، وإنما جاز توحيدهما لأنهما ليستا بفعل يلتمس معناه ، إنما أدخلوهما لتدلا على المدح والذم ، ألا ترى أن لفظهما لفظ فعل ، وليس معناهما كذلك ، وأنه لا يقال منهما يبأس الرجل زيد ، ولا ينعم الرجل أخوك ، فلذلك استجازوا الجمع والتوحيد ، ونظيرهما عسى ، ألا ترى أنك لا تقول : هو يعسى ، كما لم تقل : يبأس 0
__________
(1) معجم الأدباء 5 / 131
(2) م 0 ن 13 / 185
(3) الموفي في النحو الكوفي ، ص 87
(4) مقدمة في النحو ، حاشية ص 39
(5) معاني القرآن 2/141 ـ 142(1/205)
... ويبدو أن نعم وبئس عند الفراء من قبيل ما جُعِل من الجمل اسما محكيا على جهة التلقيب (1) ، ولم يجعل اسما راتبا على ما أوقع عليه ، والفراء والكسائي يجيزان : يقوم نعم
ـ 191 ـ
الرجل ، وسيبويه لا يجيزه ؛ لأن يقوم عنده ترجمة ، والترجمة إذا تقدمت فسد الكلام (2) 0
28 ـ أفعل التفضيل :
... يرى الفراء أن صيغة أفعل لا تخلو قط من الدلالة على التفضيل (3) ، فإذا كانت الصيغة مجردة من أل والإضافة فإمّا أن تذكر معها مِن الجارة للمفضول عليه ، وإمّا أن تكون مقدرة ، كما في قول الشاعر :
... ... إنّ الذي سمك السماء بنى لنا ... ... بيتا دعائمه أعز وأطول
فكأنه قال : بيتا أعز الدعائم وأطولها ، أو أعز وأطول من بيتك 0
29 ـ النعت :
__________
(1) المقرب 1/65
(2) مجالس العلماء ، ص 59
(3) شرح الأشموني 4 / 272 ، 274(1/206)
... إذا تعددت النعوت مع تفريق المنعوت ، فإن اختلف العمل ، واختلفت نسبة العامل إليها ، نحو : ضرب زيد عمرا الظريفين ، فإتباع الأخير عند الفراء (1) ، ويرى أنه قد يعامل الوصف الرافع ضمير المنعوت معاملة رافع السببي إذا كان معناه له ، فيقال : مررت برجل حسنة العين ، كما يقال : حسنت عينه ، وهو لا يجيز نعت الأعم بالأخص (2) ، وذكر الكنغراوي أنه لا ينعت عند الكوفيين المعرفة بالأخص ، خلافا للفراء (3) ، فلا يمتنع النعت في النكرات بالأخص ( الأكثر شيوعا ) نحو : رجل فصيح ، وغلام يافع ، وأمّا في المعارف فلا يكون النعت أخص عند البصريين ، بل مساويا ، أو أعم ، وقال الفراء : ينعت الأعم بالأخص ، وقد أجاز الفراء في نعت العدد وتمييزه أن تقول : عندي عشرون درهما جيادا ، وجيادٌ بالرفع ، وقال : النصب على النعت للدرهم ، والرفع على النعت لعشرين ، ومَن قال هذا قال : عندي عشرون رجلا صالحون ، ولم يقل : صالحين على النعت لرجل (4) 0
30 ـ التأكيد :
... زعم الفراء أن أجمعين تفيد اتحاد الوقت (5) ، كما أجاز حذف الضمير استغناء بنية الإضافة ، كما في قوله تعالى : [ خلق لكم ما في الأرض جميعا ] (6) ، وقراءة بعضهم :
ـ 192 ـ
__________
(1) شرح التصريح على التوضيح 2/114
(2) شرح اللمحة البدرية ، ص 332
(3) الموفي في النحو الكوفي ، ص 55
(4) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، ص 306
(5) شرح الأشموني 4/ 364
(6) البقرة 29(1/207)
[ إنا كلا فيها ] (1) ، على أن المعنى : جميعه ، وكلنا ، كما أجاز الفصل بين المؤكِّد والمؤكَّد بإمّا ، فأجاز : مررت بالقوم إمّا أجمعين وإمّا بعضهم ، فهو يرى أنه يجوز في التأكيد الترديد (2) ، وأجاز إفراد كل في حالة التأكيد بها ، وخالفه ابن هشام (3) ، وقد يُستغنى بكليهما عن كلتيهما ، وبكلهما عنهما ، وبالإضافة إلى مثل الظاهر المؤكد بكل عن الإضافة إلى ضميره ، مثل : ( يا أشبه الناس كل الناس بالقمر ) ولا يُستغنى بنية إضافته ، خلافا للفراء والزمخشري (4) ، وقال الفراء : أجمعون معدول عن أجمع وجمعاء ؛ لأن هذا أصل النعوت ، فعُدل إلى التأكيد (5) ، وما لا يكون نعتا ( أي وعدل إلى غير النعت ) لأنك تقول : مررت بأجمعين ، وأنت تقول : مررت بأجمع وجمعاء ، فلمّا أن عدل صار في موضع واحد ، فلما أن جاء بصورة النعت ، عامله معاملتين : معاملة النعت ، ومعاملة التأكيد ، فتقول : أعجبني القصر أجمع ( بالضم ) وأجمع ( بالنصب ) ، وأعجبتني الدار جمعاء ( بالضم ) وجمعاء ( بالنصب ) ، فجُمع معدول عن جمعاء 0
31 ـ العطف :
__________
(1) غافر 48 ، والقراءة المشهورة : كلٌ
(2) تسهيل الفوائد ، ص 165
(3) شرح اللمحة البدرية ، ص 165
(4) تسهيل الفوائد ، ص 164
(5) مجالس ثعلب 3/119(1/208)
... عطف النسق : منع الفراء إفادة الفاء الترتيب منعا مطلقا (1) ، واحتج بقوله تعالى : [ أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أوهم قائلون ] (2) ، كما زعم أن الواو تفيد الترتيب ، والتعبير بمطلق الجمع مساوٍ للتعبير بالجمع المطلق من حيث المعنى ، ولا التفات لمن غاير بينهما بالإطلاق والتقييد ، كما قال في معنى ( أو ) في قوله تعالى : [ وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ] (3) أنها بمعنى بل يزيدون (4) ، وكان سيبويه والبصريون يرون أن ( أو ) لا تأتي للإضراب بمعنى بل ، إلاّ إذا تقدمها نفي أو نهي (5) ، وأنشد الفراء (6) :
ـ 193 ـ
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى ... وصورتها أو أنت في العين أملح
كما أنه يقيس حذف إمّا إذا عطفت على كلام سابق ، تقدمته في الأصل إمّا ، ثم حذفت ؛ لأن في ذكر الثانية المسبوقة بواو العطف إيماء إليها ، وإشارة لها ، فيجيز : زيد يقوم وإمّا يقعد ، كما يجيز أو يقعد ، فهو يقول : ولا تدخل أو على إمّا ، ولا إمّا على أو ، وربما فعلت العرب ذلك لتآخيهما في المعنى على التوهم ، فيقولون : عبد الله إمّا جالس أو ناهض ، ويقولون : عبد الله يقوم وإمّا يقعد (7) ، وفي قراءة أُبي [ وإنا وإياكم لإما على هدى أو في ضلال مبين ] (8) ، فوضع أو في موضع إمّا ، وقال الشاعر :
... ... فقيل لهن امشين إمّا نلاقه ... ... كما قال أو نشف النفوس فنعذرا
وقال آخر :
... ... تلم بدار قد تقادم عهدها ... ... وإمّا بأموات ألمّ خيالها
__________
(1) مغني اللبيب ، ص 214 ـ 219
(2) الأعراف 4
(3) الصافات 147
(4) مغني اللبيب ، ص 91
(5) المدارس النحوية ، ص 210 ـ 211
(6) الخصائص 2/ 457
(7) معاني القرآن 2/ 393
(8) سبأ 24 ، والقراءة المشهورة [ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ](1/209)
فوضع إمّا في موضع أو على التوهم ، وذلك إذا طالت الكلمة بعض الطول ، أو فرّقت بينهما بشيء ، فالفراء يرى أنه قد يُستغنى عن إمّا الثانية بذكر ما يُغني عنها (1) ، نحو : إمّا أن تتكلم بخير وإلاّ فاسكت ، والفراء يقيسه فيجيز : زيد يقوم وإمّا يقعد ، كما يجيز أو يقعد ، وأجاز العطف بلا على اسم لعل ، كما يعطف بها على اسم إنّ ، نحو : لعل زيدا لا عمرا قائم ، ويرى أن ثم المهملة قد تتخلف (2) ، بدليل قولك : أعجبني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب ؛ لأن ثم في ذلك لترتيب الإخبار ، ولا تراخي بين الإخبارين ، وذكر الفراء أنّ من أحد معاني إلاّ أن تكون عاطفة بمنزلة الواو في التشريك في اللفظ والمعنى (3) ، وجعل منه قوله تعالى : [ لئلا يكون للناس عليكم حجة إلاّ الذين ظلموا منهم ] (4) ، وقوله تعالى : [ لا يخاف لديّ المرسلون إلاّ من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء ] (5) ، أي ولا الذين ظلموا ، ولا من ظلم ، ويرى الفراء أن أم المنقطعة تأتي بمعنى بل (6) ، قال : يقولون : هل لك قِبَلَنا حق أم أنت رجل ظالم ، يريد بل أنت 0
ـ 194 ـ
__________
(1) مغني اللبيب ، ص 87
(2) م 0 ن ، ص 160
(3) تسهيل الفوائد ، ص 174
(4) البقرة 150
(5) النمل 11
(6) مغني اللبيب ، ص 66(1/210)
... وقال الفراء : إذا رأيت الفعل منصوبا ، وبعده فعل قد نُسِق عليه بواو أو فاء أو ثم أو أو ، فإن كان يشاكل معنى الفعل الذي قبله نسقته عليه ، وإن رأيته غير مشاكل لمعناه استأنفته فرفعته (1) ، وقال في العطف على الجزاء : فإذا جئت إلى العطوف التي تكون في الجزاء ، وقد أجبته بالفاء ، كان لك في العطف ثلاثة أوجه : إن شئت رفعت بالعطف ، نحو إنْ تأتني فإني أهل ذاك وتؤجر وتحمد ، وهو وجه الكلام ، وإن شئت جزمت ، وتجعله كالمردود على موقع الفاء و أو بالرفع على ما بعد الفاء (2) ، ويرى أنه يجوز العطف على معمولي عاملين مطلقا (3) ، نحو : ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة ، فإن سوداء معمول كل ، وتمرة معمول ما ، وبيضاء معطوف على سوداء ، وشحمة على تمرة ، فقد عطف على معمولي عاملين مختلفين 0
... عطف البيان : جوّز الفراء إضافة الوصف المفرد المقترن بأل إلى العلم (4) ، وبهذا أعرب كلمة بشر في قول الشاعر :
... ... أنا ابن التارك البكري بشر ... عليه الطير ترقبه وقوعا
بدلاً من البكري ، وليس عطف بيان ، كما هو عند جمهور العلماء 0
32 ـ النداء :
... يرى الفراء أن الهمزة في قراءة الحرمين [ أمن هو قانت آناء الليل ] (5) للنداء ، إذ إنه سليم من دواعي المجاز ، فلا يكون الاستفهام منه تعالى على حقيقته ، ومن دعوى كثرة الخلاف ؛ لأن التقدير عند مَن جعلها للاستفهام : أمن هو قانت خير أم هذا الكافر ، أي المخاطب بقوله تعالى [ قل تمتع بكفرك قليلا ] (6) فحذف معادل الهمزة والخبر (7) 0
... ومنع الفراء ضم كلمة ابن في النداء إذا وقعت بين علمين (8) ، نحو : يا عيسى بن مريم ، ويجيز إتباع حركة آخر المنادى بآخر النون من ابن (9) ، فإذا وقعت كلمة ابن بين
__________
(1) معاني القرآن 2/68
(2) مدرسة الكوفة ، ص 138
(3) الموفي في النحو الكوفي ، ص 64 ، مغني اللبيب ، ص 632
(4) شرح شذور الذهب ، ص 437
(5) الزمر 9
(6) الزمر 8
(7) مغني اللبيب ، ص 18
(8) شرح التصريح على التوضيح 2/170
(9) المقرب 1/179(1/211)
ـ 195 ـ
اسمين علمين ، أو ما جرى مجراهما ، أو بين اسمين متفقين في اللفظ ، وإن لم يكونا علمين ، ولا جاريين مجراهما ، وكان الأول منهما غير مضاف ، جاز إتباع حركة آخر المنادى بآخر النون من ابن عند الفراء ، تقول : يا زيد بن عمرو ، بضم الدال من زيد ، وفتحها ، وتقول : يا شريف ابن الشريف ، بضم الفاء من شريف ، وفتحها ، فهو يرى أنه إذا كان المنادى علما موصوفا بابن جاز تقدير الفتحة والضمة ، ولو كان المنادى غير علم (1) ، نحو : يا غلام ابن زيد ، أو علما بعده ابن ، لكنه غير صفة ، أو بدل ، أو بيان ، أو منادى ، أو مفصولا بمقدر ، أو صفة ، لكنه غير متصل ، نحو : يا زيد الفاضل ابن عمرو ، أو متصلا لكنه غير مضاف إلى علم ، نحو : يا زيد ابن أخينا ، أو وصفا بغير ابن نحو : يا زيد الكريم ، تعيّن الضم في الصور كلها ، ولم يجز الفتح ، وأجاز الكوفيون الفتح في الأخير ، وهو ما إذا وصف بغير ابن 0
__________
(1) همع الهوامع 1/176(1/212)
... والاسم المنادى المفرد مبني على الضم ، وموضعه النصب ؛ لأنه مفعول عند البصريين ، وقال الكوفيون : مرفوع بغير تنوين ، وقال الفراء : مبني على الضم ، وليس بفاعل ولا مفعول (1) ، ويجوِّز الفراء دخول أيها وأيتها على نحو الحارث ، خلافا للجمهور (2) قال (3) : يقال يا أيها الرجل أقبل ، ويايهذا الرجل أقبل ، ويا أيه الرجل ، فمن قال : يا أيها الرجل أقبل ، قال : الرجل تابع لهذا ، فاكتفى به من ذا ، ومن قال : يايهذا الرجل أقبل ، أخرج الحرف على أصله ، ومن قال يايّه الرجل أقبل ، قدر أن الهاء آخر الاسم ، فأوقع عليها ضمة النداء ، وزعم الفراء أن أصل يا زيد ، يا زيدا ، ثم اكتفي بيا ، وحذفت الألف الملحقة به ، فبني على الضم (4) , وقال الفراء : يا فاطمةُ أقبلي بالضم ، ويا فاطمةَ أقبلي بالنصب ، فمن قال بالرفع ، هو نداء مفرد مرفوع ، ومن قال بالنصب ، كان له مذهبان ، أن تقول : أردت أن أقول يا فاطم بالترخيم ، فرددت التاء ، وقدّرت فيها فتح الترخيم ، والمذهب الآخر أن تقول : أردت يا فاطمتاه ، فأسقطت الألف ، وتركت التاء على فتحتها (5) 0
ـ 196 ـ
... وتابع المنادى المرفوع يرفع وينصب عند الفراء (6) ، ولم يجوِّز الرفع في التوكيد المعنوي غيره ، فالرفع على اللفظ ، والنصب على المحل ، نحو : يا تيم أجمعون وأجمعين ويا زيد العاقل بالرفع والنصب ، ويا غلام بشر وبشرا ، ويا عمرو والحارث بالوجهين ، إلاّ البدل فإن حكمه حكم المنادى بعينه 0
__________
(1) الإنصاف في مسائل الخلاف ، م 45
(2) الموفي في النحو الكوفي ، ص 68 ، وقد كتبت ( الحرث ) كما هو الحال في المصنفات القديمة التي تكتب الحارث بدون ألف 0
(3) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، ص 77 ـ 78
(4) شرح الرضى على الكافية 1/129
(5) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، ص 43
(6) الموفي في النحو الكوفي ، ص 68(1/213)
... وفي نحو قولنا : يا رجلا كريما ، أجاز الكسائي البناء والنصب ، وفصّل الفراء ، فأوجب النصب إذا كان العائد فيها ضمير غيبة ، نحو : يا رجلا ضربَ زيدا ، والرفع إذا كان ضمير خطاب ، نحو : يا رجل ضربتَ زيدا (1) ، وقال الفراء : أصل يالفلان ، يا آل فلان ، وإنما خففت بالحذف (2) 0
ـ الندبة : أجاز الفراء في المنون المندوب ثلاثة أوجه أخرى (3) ، أحدها : فتحها لأجل ألف الندبة ، والثاني : حذفها للساكنين وإتباع المدة حركة ما قبلها ، بناء على مذهبه في جواز إتباع مدة الندبة للحركات الإعرابية ، والثالث : كسرها للساكنين ، وإتباع المدة لكسرتها كما في مدة الإنكار ، أمّا سيبويه فقال في ندبة يا زيد ، ويا غلام : وازيداه ، واغلاماه ، فتحت الكسرة كما فتحت الضمة في زيد ، وقد جوّز الفراء إتباع المدة قياسا على مدة الإنكار (4) ، نحو : واضرب الرجلاه ، واعبد الملكيه ، ومحافظته على الحركات الإعرابية ما أمكن 0
ـ الترخيم : أجاز الفراء حذف الياء والألف مع الآخر من نحو : سعيد وعماد في كل لغة ، وحذف الواو مع الآخر في نحو : ثمود في لغة من يجعله اسما برأسه ، ولا ينظر المحذوف فيقول : يا سع ، ويا عم ، ويا ثم ، وأمّا على لغة من ينتظر فيوجب حذف الواو والدال ، ولا يجيز يا ثمو ، بحذف الدال فقط ؛ لأن بناء الواو يستلزم عدم النظير ، إذ ليس في العربية اسم متمكن في آخره واو لازمة قبلها ضمة ، فيقول : يا فرع ، ويا غرن ، في
فرعون وغرنيق ؛ لبقاء الاسم المتمكن على ثلاثة أحرف (5) ، كما منع الفراء ترخيم المركب
ـ 197 ـ
من العدد إذا سمي به ، ويجوز عنده ترخيم المندوب (6) ، فقد أنشد :
يا فقعسا وأين مني فقعس ... أإبلي يأكلها كروس
__________
(1) همع الهوامع 1/173
(2) نصوص في النحو العربي ، ص 47
(3) شرح الكافية 1/157
(4) الموفي في النحو الكوفي ، ص 69
(5) شرح الكافية 1/154
(6) مجالس ثعلب 10 / 542(1/214)
وأصله يا فقعساه ، ويجوز عند الجمهور جعل المحذوف منوي الثبوت بعد حذف الدال فقط من كلمة ثمود ، فتقول : يا ثمو ؛ لأن الواو في التقدير ليس آخر الكلمة ، ومنع الفراء ذلك (1) ؛ لأن الواو في الظاهر آخر الكلمة ، وقبلها ضمة ، وهذا كما في ترخيم هرقل على نية المحذوف أنه لا يجوز إبقاء الحرف الساكن ؛ لئلا يشبه الحرف ، قال : فإذا قصدت جعل حرف محذوف ثمود في حكم الثابت حذفت الواو أيضا ، بناء على مذهبه في تجويز يا عم ، ويا سع ، ويا عم ، في ترخيم عمود ، وسعيد ، وعماد 0
... وأجاز الفراء حذف الهمزة دون الألف في نحو : صحراء ، والمشهور حذف الزيادتين (2) ، والفراء يرد الساكن إلى أصل حركته (3) ؛ لأنه لا يرى سكون الحرف الأخير في الترخيم ، كما يجوز وصف المرخم عند الفراء (4) ، وابن السراج ، كما جوَّز الفراء ترخيم الثلاثي المتحرك الوسط عَلَما (5) ؛ لأن حركة الأوسط كالحرف الرابع ، فيرخم نحو : رجل عَلَما ، وتابعه الأخفش على ذلك 0
33 ـ الممنوع من الصرف :
... يرى الفراء أن ما كان اسم بلد كغيد لا يجوز صرفه (6) ، وما لم يكن جاز * ، ويرى سيبويه جواز الأمرين ، ويقول فيه الصرف وعدمه ، وقال الفراء : سبب منعه لأنهم يرددون اسم المرأة على غيرها ، فيوقعون ( هند أو دعد ) على جماعة من النساء ، ولا يرددون اسم البلدة على غيرها ، فلما لم تُردد ، ولم تكثر في الكلام ، لزمها الثقل ، ويرى سيبويه أن الصرف وعدمه مسموع ، أمّا المنع فلاجتماع التأنيث والعلمية ، وأمّا
ـ 198 ـ
__________
(1) شرح الكافية 1/154
(2) م 0 ن 1/152
(3) م 0 ن 1/154
(4) م 0 ن 1/ 51
(5) م 0 ن 1/ 149
(6) همع الهوامع 1 / 33
* أي العلم المؤنث تأنيثا معنويا وهو ثلاثي ساكن الوسط(1/215)
الصرف فلخفة السكون ، وكا منع الفراء اسم البلدة المؤنث ، كذلك منع ما كان مؤنثا في الأصل (1) سمي به مذكر ، وقال : إذا كنيت امرأة بأم أناس ، وأم صبيان ، وأم رجال ، وأم نساء ، كان الغالب عليها ألاّ تجري ؛ لأنه لمّا لم يكن ما أضيفت إليه اسما من أسماء الرجال معروفا ، كان الاسم لها ، ولو توهم في أناس أنه اسم لابن لها ، وإن لم يكن لها ابن ، جاز إجراؤه (2) 0
... وقد يجيء عند العرب أسماء في آخرها ألف ممدودة ، ولهم فيها مذهبان ، قال الفراء : القوباء تؤنث وتذكر ، وتحرك وتسكن ، فيقال : هذه قوباء بالتحريك ، فلا تصرف في معرفة ولا نكرة ، ويلحق بباب فقهاء ، وهو نادر ، وتقول في التخفيف : قوبا فلا تصرف في المعرفة ، وتصرف في النكرة (3) 0
... ويمنع من الصرف العلم المختوم بالألف والنون المزيدتين ، وانتفاء فعلانة في الصفة ، وقيل : وجود فعلى ، ولم يشترط الفراء الزيادة (4) ، ومنع سنان 0
... وقال الفراء : الشعراء تجري في أشعارها كل ما لا يجري إلاّ أفعل منك ، فإنهم لا يجرونه في وجه من الوجوه ؛ لأن مِن تقوم مقام الإضافة ، فلا يجمع بين إضافة وتنوين ، وعليه الكسائي (5) ، ويرى الفراء أنه إذا سمي بأحمر لم ينصرف بعد التنكير ؛ لأنه سمي به بوصفه ، فجرى الاسم مجراه في ذلك المعنى ، وإن تسمى به أسود ونحوه صرف ؛ لخلوص الاسمية ، وذهاب معنى الوصفية ، وعليه ابن الأنباري أيضا (6) 0
34 ـ العدد :
__________
(1) الموفي في النحو الكوفي ، ص 16 ـ 17
(2) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، ص 500
(3) شرح الشافية 1/196
(4) الموفي في النحو الكوفي ، ص 15
(5) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، ص 245
(6) همع الهوامع 1/36 ، الموفي في النحو الكوفي ، ص 17(1/216)
... جوَّز الفراء إعراب العدد المركب قياسا إذا أضيف (1) ، وقد استند في ذلك إلى ما سمعه من أبي فقعس الأسدي ، وأبي الهيثم العقيلي ، فلك أن تقول : ما فعلتْ خكسةُ عشرِك أي أنه يجوز إضافة صدر المركب إلى عجزه عنده ، فيعرب الجزء الأول بحسب العوامل ، ويجر الثاني بالإضافة ، فتقول : هذه خمسةُ عشرِك ، ورأيت خمسةَ عشرِ زيد ، ومررت
ـ 199 ـ
بخمسةِ عشرِ زيد ، وهذا الوجه أباه البصريون ، وفيما سمع الفراء من قولهم : ما فعلت خمسة عشرك ، لا يصح للمفسر أن يصحبها (2) ؛ لأن إعرابها قد اختلف ، فإذا أضفت العشرين دخلت في الأسماء ، وبطل عنها التفسير ، فخطأ أن تقول : ما فعلت عشروك درهما ، أو خمسة عشرك درهما ، ومثله أنك تقول : مررت بضارب زيدا ، فإذا أضفت الضارب إلى غير زيد لم يصح أن يقع على زيد أبدا ، ولو نويت بخمسة عشر أن تضيف الخمسة إلى عشر في شعر لجاز ، فقلت : ما رأيت خمسة عشر قط خيرا منها ؛ لأنك نويت الأسماء ، ولم تنو العدد ، ولا يجوز للمفسر أن يدخل هاهنا ، لمّا لم يجز في الإضافة 0
... ومن القراء من يسكن العين من عشر في هذا النوع كله إلاّ اثنا عشر ؛ وذلك أنهم استثقلوا كثرة الحركات ، ووجود الألف في اثنا ، والياء في اثني ساكنة ، فكرهوا تسكين العين وإلى جنبها ساكن ، ولا يجوز تسكين العين في مؤنث العدد ؛ لأن الشين من عشرة يسكن ، فلا يستقيم تسكين العين والشين معا 0
__________
(1) شرح الأشموني 4/70 ، الموفي في النحو الكوفي ، ص 91
(2) معاني القرآن 2/ 33 ـ 34(1/217)
... وقال الفراء : إنّ الهاء تثبت في عدد المذكر من الثلاثة إلى العشرة ، وحذفت من عدد المؤنث ؛ لأن العدد مبني على الجمع ، والعرب تقول : صبي وصبية ، ورغيف وأرغفة وحجر وحجارة ، أثبتوا الهاء في عدده ؛ لأن العدد مبني على الجمع ، ولمّا كانوا لا يدخلون الهاء في جمع المؤنث ، فيقولون : ركبة ورُكَب ، لم يدخلوها في عدده ؛ لأن العدد مبني على الجمع (1) 0
... وحكى الفراء في التفسير عن المعنى دون اللفظ من قولهم : معي عشرة فاحدهن ، أي اجعلهن أحد عشر ، وهذا تفسير المعنى ، أي أتبعهن ما يليهن ، وهو من حدوت الشيء إذا جئت بعده (2) ، ومميز أحد عشر إلى تسعة وتسعين مفرد منصوب ، وجوّز الفراء جمعها (3) ، وإذا كان ما قبل العدد مسمى مثل المئة والألف والعشرة والخمسة ، كان في العدد وجهان ، أن تنصبه على المصدر فتقول : لك عندي عشرة عددا ؛ لأن في العشرة معنى عددت ، وإن شئت رفعت العدد ، تريد عشرة معدودة (4) 0
ـ 200 ـ
35 ـ التذكير والتأنيث :
... مذهب الفراء أنه يجوز أن يذكر المؤنث في الشعر ، إذا لم يكن فيه علامة التأنيث (5)
كما في قول كعب بن زهير :
ربذة يداه بالقداح إذا شكى ... 000 البيت
ويرى غيره أنه على تأويل إضمار مبدل منه ، كما تقول : ضربت محمدا يداه ، ويرى الفراء أن الظروف كلها ذكران إلاّ ما فيه علامة التأنيث ، والألفاظ المكتوبة تؤنث ، وإن كانت معانيها مذكرة (6) ، وحروف المعجم كالألف والياء كلها إناث ، والجمع من المذكر يؤنث فعله (7) ويذكر إذا تقدم ، والعرب تقول : ذهبت الرجال ، وذهب الرجال 0
36 ـ بعض المسائل الخلافية :
__________
(1) الفارسي ، أقسام الأخبار ( مخطوطة ) الورقة 8 ب
(2) الخصائص 3/262
(3) الموفي في النحو الكوفي ، ص 90
(4) معاني القرآن 2/135
(5) السكري ، شرح ديوان كعب بن زهير ، ص 44
(6) المذكر والمؤنث ، ص 34 ، 36
(7) معاني القرآن 3 /10(1/218)
أ ـ يرى الفراء والكوفيون بعامة أن الإعراب في الفعل يفرق بين المعاني ، فكان أصلا كإعراب الأسماء ، كقولك : أريد أن أزورك فيمنعني البواب ، إذا رفعت كان له معنى ، وإذا نصبت كان له معنى ، وكذلك قولك : لا يسعني شيء ويعجز عنه ، إذا نصبت كان له معنى ، وإذا رفعت كان له معنى آخر ، وكذلك باب الجواب بالفاء أو الواو ، نحو : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، وهو في ذلك كالاسم ، إذا رفعت كان له معنى ، وإذا نصبت أو جررت كان له معنى آخر ، بينما ذهب البصريون إلى أن الإعراب أصل في الأسماء ، فرع في الأفعال (1)
ب ـ يرى البصريون أن الظرف يتحمل ضمير المبتدأ كالمشتق ، سواء تقدم أو تأخر ، وقال الفراء : لا ضمير فيه إلاّ إذا تأخر ، فإن تقدم فلا ، وإلاّ جاز أن يؤكد ، ويعطف عليه ، ويبدل منه ، كما يفعل ذلك مع التأخير ، ومن تأكيده متأخرا قول الشاعر : ( فإن فؤادي عندك الدهر أجمع ) (2) 0
ج ـ يرى الفراء أن المراد بزيادة التنوين في الاسم الفرق بين المنصرف وغير المنصرف ، بينما يرى آخرون أن المراد به الفرق بين الاسم والفعل (3) 0
ـ 201 ـ
د ـ البصريون يمنعون رفع المعطوف على اسم إنّ مطلقا ، والكوفيون يجيزونه مطلقا ، والفراء لم يمنع رفع المعطوف ، ولم يجوزه مطلقا ، بل فصّل وقال : إن خفي إعراب الاسم لكونه مبنيا أو معربا مقدر الإعراب جاز الحمل على المحل ، وإلاّ فلا (4) 0
هـ ـ ذهب الكوفيون إلى أن عليك ودونك وعندك في الإغراء يجوز تقديم معمولاتها عليها نحو : زيدا عليك ، وعمرا عندك ، وبكرا دونك ، وذهب الفراء والبصريون إلى أنه لا يجوز تقديم معمولاتها عليها (5) 0
__________
(1) مسائل خلافية في النحو ، م 8
(2) همع الهوامع 1/ 99
(3) مسائل خلافية في النحو ، م 14
(4) الإنصاف في مسائل الخلاف ، م 23 ، شرح الكافية 2/287
(5) الإنصاف في مسائل الخلاف ، م 27 ، خزانة الأدب 6 / 202(1/219)
و ـ ذهب الكوفيون إلى أن الاسم المنادى المعرف المفرد معرب مرفوع بغير تنوين ، وذهب الفراء إلى أنه مبني على الضم ، وليس بفاعل ولا مفعول ، وذهب البصريون إلى أنه مبني على الضم ، وموضعه النصب ؛ لأنه مفعول (1) 0
ز ـ ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز تقديم المفعول بالجزاء على حرف الشرط ، نحو : زيدا إنْ تضرب أضرب ، واختلفوا في جواز نصبه بالشرط ، فأجازه الكسائي ، ومنعه الفراء ، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز أن ينصب بالشرط ، ولا بالجزاء (2) 0
ح ـ قال الخليل : كلا اسم ، وقال الفراء : هي بين الأسماء والأفعال ، فلا أحكم عليها بالاسم ، ولا بالفعل ، فلا أقول إنها اسم ؛ لأنها حشو في الكلام ، ولا تنفرد كما ينفرد الاسم ، وأشبهت الفعل لتغيرها في المكنى والظاهر ؛ لأني أقول في الظاهر : رأيت كلا الزيدين ، ومررت بكلا الزيدين ، وكلمني كلا الزيدين ، فلا تتغير ، وأقول في المكنى : رأيتهما كليهما ومررت بهما كليهما ، وقام إليّ كلاهما ، فأشبهت الفعل ؛ لأني أقول : قضى زيد ما عليه ، فتظهر الألف مع الظاهر ، ثم أقول : قضيت الحق ؛ فتصير الألف ياء مع المكنى (3) 0
ط ـ ذهب الكوفيون في مذ و منذ إذا ارتفع الاسم بعدهما ، ارتفع بتقدير فعل محذوف ، وذهب الفراء إلى أنه يرتفع بتقدير مبتدأ محذوف ، وذهب البصريون إلى أنهما يكونان اسمين مبتدأين ، فيرتفع ما بعدهما لأنه خبر عنهما ، ويكونان حرفين جارين ، فيكون ما بعدهما مجرورا بهما (4) 0
ـ 202 ـ
37 ـ متفرقات :
أ ـ نقل أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب قول الفراء في لدن غدوة حين قال في غدوة إنها تنصب وترفع وتخفض ، فتأويل الرفع لدن كان غدوة ، وينصب بخبر كان ويخفض بعند ، أي عند غدوة (5) 0
__________
(1) الإنصاف في مسائل الخلاف ، م 45
(2) حاشية الصبان على الأشموني 4 / 15
(3) طبقات النحويين واللغويين ، ص 133
(4) الموفي في النحو الكوفي ، ص 141
(5) مجالس ثعلب 4/192(1/220)
ب ـ كلمة سبحان عند الفراء تأويلها الإضافة ، وهي تنزيه وضعت موضع المصدر في الأصل ، سبحت تسبيحا وسبحانا ، فإذا أسقطت الكاف فتحت ، وأنشد قول الشاعر : ( سبحان من علقمة الفاخر ) (1) 0
ج ـ قال الفراء في نحو إنْ عبد الله قائم أقم : إن أضمر رفع ، لا غير ، وإذا أضمر غير مجهول رفع ونصب ، قال : والشروط كلها يتقدمها المستقبل والماضي والدائم وإنْ لا يتقدمها إلاّ مستقبلها (2) 0
د ـ إذا فصل الجزاء عن الشرط بالمرفوع فالرفع ، نحو : إنْ يصرع أخوك تُصرع فإن تقدم المنصوب فإن الفراء يمنع جزم الجواب مطلقا كما في الرفع ؛ لأن الجزم بالجوار ، وقد زال الجوار بالفصل (3) 0
هـ ـ قال الفراء في نحو قولهم أنت رجل قائم : يكون صلة ، ولا يكون صلة ، ويكون حالا ، ولا يكون حالا ، وأنت هو الرجل ، والرجل هو أنت (4) 0
و ـ قال الفراء : الأعداد لا يكنى عنها ثانية ، فلا أقول : عندي الخمسة الدراهم والستتها ، وأقول : عندي الحسن الوجه الجميله ، فأكني عنه ، فكل ما كنيت عنه كان مفعولا ، وكل ما لم أكن عنه لم يكن مفعولا (5) 0
ز ـ كل ما كان مثل عباس والعباس ، وحسن والحسن فإدخال الألف واللام وإخراجها ، والاسم لا يحتاج إلى الألف واللام ؛ لأنك تقول : هذا زيد الساعة وغدا
ـ 203 ـ
وأمس ، فتكون له الحالات ، فإذا قلت : الحسن ، فنزلت الألف واللام فيه فهو للمعهود ، وقد خرج إذا سميت به من ذلك الطريق (6) 0
ح ـ يرى الفراء أن إذن إذا عملت كتبت بالألف ، وإلاّ كتبت بالنون ، للفرق بينها وبين إذا (7) 0
__________
(1) م 0 ن 5 /261
(2) م 0 ن 5 / 279
(3) الموفي في النحو الكوفي ، ص 121
(4) مجالس ثعلب 7/ 375
(5) م 0 ن 6/ 332
(6) مجالس ثعلب 7 / 376
(7) مغني اللبيب ، ص 31(1/221)
ط ـ قال الفراء : إذا دخلت هلاّ ، ولولا ، ولوما على ماض ، كانت توبيخا ، ولم يكن لها جواب ، كقولك : هلاّ قمت ، هلاّ قعدت ، لوما اتقيت ربك ، وإذا دخلت على مستقبل كان جوابها بلا ، وبلى ، كقولك : هلاّ تقوم ، هلاّ تقعد ، جوابه لا ، وبلى (1) 0
ي ـ ويرى أن الغرض من زيادة إن ، وأن ، وما ، ولا ، ومِن ، والباء هو التأكيد وأنه معتبر فيها معانيها التي وضعت لها (2) 0
ك ـ ذهب الفراء إلى أن لو تأتي شرطية ، وقد تأتي حرفا مصدريا ، مثل أن المصدرية تماما ، فتؤول مع ما بعدها بمصدر ، يُعرب حسب العوامل ، ويقع ذلك غالبا بعد ودّ ، ويودّ نحو : يودّ لو رآك ، أي يودّ رؤيتك ، وقد تأتي بدونهما ، أمّا البصريون فيذهبون إلى أن لو تكون شرطية دائما (3) 0
ل ـ يرى الفراء أن كلاّ تكون حرف جواب بمنزلة إي ونعم ، وحمل عليه قوله تعالى : [ كلاّ والقمر ] (4) ، وقال : معناه إي والقمر (5) 0
م ـ ويرى أن من معاني هل أن تأتي بمعنى قد ، وذلك مع الفعل ، وبذلك فسر قوله تعالى : [ هل أتى على الإنسان حين من الدهر ] (6) ، قال : إنها بمعنى قد أتى ، ويرى أنها تكون أمرا ، قال : سمعت أعرابيا يقول : هل أنت ساكت ، أي اسكت (7) ، ومثله : [ ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ] (8) 0
ـ 204 ـ
ن ـ يجيز الفراء نحو : قائم أخوك ، وهو يريد : من قائم فأخوك (9) 0
س ـ وقال في نحو : نحن بني ومعشر ورهط ، هو مثل جميعا ، فكأن العرب حين تقول : نحن بني فلان ، أو معشر فلان ، أو رهط فلان ، تقول ذاك معناه نحن جميعا نقول ذلك (10) 0
ع ـ وقال : الأيمان ترفع بجواباتها ، وأنشد :
__________
(1) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، ص 342
(2) الأشباه والنظائر 1 /210
(3) المدارس النحوية ، ص 211
(4) المدثر 32
(5) شرح المفصل 9 / 16 ، مغني اللبيب ، ص 250
(6) الإنسان 1
(7) مجالس ثعلب 12 / 588
(8) المائدة 91
(9) مجالس ثعلب 7 / 378
(10) م 0 ن 8 / 432(1/222)
لعمر أبي الواشين لا عمر غيرهم ... لقد كلّفوني خطة لا أريدها
فنصب عمر إذا سقط اللام (1) 0
ف ـ إذا قالوا : مَن ذا نأته ، فالفراء يرفع مَن ، وذا بمن ، ونأته جواب الجزاء ، كأنه قال : من يكون هذا نأته ، وإذا أراد الاستفهام قال : من ذا فنأتيه ؟ كأنه قال : من هذا فنأتيه (2) 0
ص ـ حيث على مذهب الفراء يرتفع بها شيئان ؛ لأنها تقوم مقام صفتين ، إذا قالوا : حيث زيد عمرو ، فالتأويل : مكان يكون فيه زيد ، يكون فيه عمرو ، فضمت لأنها تدل على محذوف مثل قبل وبعد ، وقال الكسائي في ضمة حيث : أصلها حوث ، فعدلت عن الواو إلى الياء ، وجعلت ضمة التاء خلفا من الواو ، فتظهر الضمة حتى عندما تكون حيث في موضع خفض ، بينما يرى الفراء أنها ضمت لتضمنها معنى المحلين كما سبق ، ويقول : ومن العرب من يظهر الواو في حيث ، فيقول : حوث ، فإذا قلت عبد الله حيث زيد ، فمعناه : عبد الله في مكان فيه زيد ، فلمّا قامت حيث مقام محلين أعطيت أثقل الحركات (3) 0
ق ـ حكى الفراء عنهم : أكلت لحما شاة ، يريدون لحم شاة ، فمطل الفتحة ، فأنشأ عنها ألفا ، وهذا المطل لا يكون مع الإسراع والاستحثاث ، إنما يكون مع الروية والتثبت (4) 0
ر ـ ويرى أن كلمة أشياء جمعت على أفعلاء ، مثل بيّن وأبيناء ، فأصبحت أشيئاء ، وحذفت الهمزة من وسطها ؛ لكثرتها في الاستعمال ، فأصبحت أشياء 0
ـ 205 ـ
ش ـ ويرى أن كلمة وسط إذا حسنت فيه بين ، كان ظرفا ، نحو : اقعد وسط القوم وإن لم تحسن فاسم ، نحو : احتجم وسط رأسه (5) 0
38 ـ التوجيهات القرآنية :
... إنّ مَن يرجع إلى توجيه الفراء للإعراب والتفسير في الآيات القرآنية ، يرى نفسه أمام ذهن سيّال بالخواطر التي تفد عليه من كل صوب ، ومن ذلك :
__________
(1) م 0 ن 9 / 507
(2) م 0 ن 11 / 594
(3) م 0 ن 11/ 626 ، شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، ص 277
(4) المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها ، 1/165
(5) همع الهوامع 1/ 201(1/223)
أ ـ توجيهه لإعراب ( أي ) في قراءة من رفعها في قوله تعالى : [ ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ] (1) ، والقراءة بالنصب على أنها مفعول به للفعل ننزعن ، أمّا الرفع فعرض فيه الفراء ثلاثة أوجه (2) :
ـ أن يكون الفاعل واقعا على موضع ( مِن ) تمشيا مع رأيه في أن الحروف تعرب حسب العوامل التي تطلبها ، فكأن ( مِن ) هي مفعول ننزعن ، ثم تستأنف بعد ذلك جملة ( أيهم أشد على الرحمن عتيا ) بتقدير فعل محذوف عامل فيها ، هو ننظر ، أي ننظر أيهم أشد 0
ـ أن يكون تقدير الآية : ثم لننزعن من الذين تشايعوا ، على هذا ينظرون بالتشايع أيهم أشد على الرحمن عتيا ، فتكون أي في صلة التشايع 0
ـ أن يكون التقدير : ثم لننزعن من كل شيعة بالنداء ، أي ننادين أيهم أشد على الرحمن عتيا 0
ب ـ ومن ذلك تعليقه على قوله تعالى : [ بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ] (3) ، فقد وقف بإزاء ( أن ) في قوله تعالى : [ بغيا أن ينزّل الله ] ملاحظا أنها تفيد الجزاء مثل إنْ ، ومن هنا كانا يتعاوران الموضع الواحد في الكلام ، ويفرق بينهما في الاستعمال على هذا النحو : إذا كان الجزاء لم يقع عليه شيء قبله ، وكان يُنوى بها الاستقبال كسرت ( إنْ ) ، وجزمت بها ، فقلت : أكرمك إنْ تأتِني ، فإن كانت ماضية قلت : أكرمك أن تأتِيَني ، وأبين من ذلك أن تقول : أكرمك إن أتَيْتَني (4) 0
ـ 206 ـ
ج ـ ومن ذلك مخالفته أستاذه في إعراب ( خيرا ) من قوله تعالى : [ فآمنوا خيراً لكم ] (5) فقد كان الكسائي يذهب إلى أن خيرا منصوبة على إضمار يكن ، وذهب الفراء إلى أنها صفة للمصدر المحذوف ، إذ التقدير : آمنوا إيمانا خيرا لكم (6) 0
__________
(1) مريم 69
(2) معاني القرآن 1/46 ـ 48
(3) البقرة 90
(4) معاني القرآن 1 / 58
(5) النساء 170
(6) معاني القرآن 1/295(1/224)
د ـ ومن توجيهاته إعرابه ( كلاً ) في قوله تعالى : [ إنّا كلاً فيها ] (1) حيث أعربها توكيدا (2) ، ووافقه الزمخشري ، ويرى ابن هشام أنها بدل (3) ؛ لأن إبدال الظاهر من ضمير الحاضر بدل كل جائز ، إذا كان مفيدا للإحاطة 0
هـ ـ ومن ذلك قوله في الآية الكريمة : [ وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ الله ] (4) فقد قال : إنه يصح دخول أن في قوله تعالى : [ لا تعبدون ] ، ولكنها لمّا حذفت رفع الفعل ، ثم وقف بإزاء قراءة [ لا تعبدوا إلاّ الله ] وقال : إنها مجزومة بالنهي ، وليست جوابا لأخذ الميثاق الذي يدل على الاستخلاف ، كأنها جواب ليمين ، كما ذهب إلى ذلك بعض النحاة ؛ لأن الأمر لا يكون جوابا لليمين ، وجوّزت القراءة الأولى أن يكون الأصل النهي ، وإخراج الفعل تعبدون مخرج الخبر ، وكان الكسائي يذهب في قراءة [ لا تعبدوا ] إلى أن أصلها بأن لا تعبدوا ، فحذف الجار وأن ، وهو تقدير بعيد (5) 0
و ـ ومن ذلك قوله تعالى : [ قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله ] (6) بمعنى خبّروني ، وكان سيبويه يعرب التاء فيها فاعلا (7) ، والكاف حرف خطاب ، وقال الكسائي : بل الكاف مفعول به ، وقال الفراء : إنّ العرب تطابق في هذا التعبير بين الكاف والمخاطب ، فتقول للواحد : أرأيتك ، بفتح الكاف ، وللواحدة بكسرها ، وتقول للرجال : أرأيتكم ، وللنسوة : أرأيتكن ، ومن هنا ذهب إلى أن التاء حرف خطاب ، والكاف هي الفاعل ؛ لأنها تطابق المسند إليه (8)
ـ 207 ـ
ولكن رأيه هذا يضعُف إذا علمنا أنه قد يستغنى عنها ، فيقال : أرأيت ، وأن الكاف لم تقع قط في موضع رفع 0
__________
(1) غافر 48 ، والقراءة المشهورة ( إنّا كلٌ فيها )
(2) معاني القرآن 2 / 10
(3) مغني اللبيب ، ص 662
(4) البقرة 83
(5) معاني القرآن 1/553
(6) الأنعام 40
(7) مغني اللبيب ، ص 452
(8) معاني القرآن 1/ 333(1/225)
ز ـ ومن ذلك قوله تعالى : [ ولنعم دار المتقين جنات عدن يدخلونها ] (1) ، قال الفراء : ترفع الجنات لأنه اسم لنعم ، كما تقول : نعم الدار دار تنزلها ، وإن شئت جعلت ولنعم دار المتقين ، مكتفيا بما قبله ، ثم تستأنف الجنات ، فيكون رفعها على الاستئناف ، وإنْ شئت رفعتها بما عاد من ذكرها في ( يدخلونها ) (2) 0
ح ـ ومن ذلك قوله تعالى : [ إني رأيت أحد عشر كوكبا ] (3) ، قال : إنّ العرب تجعل العدد ما بين أحد عشر إلى تسعة عشر منصوبا في خفضه ورفعه ، وذلك أنهم جعلوا اسمين معرفين واحدا ، فلم يضيفوا الأول إلى الثاني ، فيخرج من معنى العدد ، ولم يرفعوا آخره ، فيكون بمنزلة بعلبك إذا رفعوا آخرها ، واستجازوا أن يضيفوا ( بعل ) إلى ( بك ) ؛ لأن هذا لا يعرف فيه الانفصال من ذا ، والخمسة تنفرد من العشرة ، والعشرة من الخمسة ، فجعلوها بإعراب واحد ؛ لأن معناهما في الأصل هذه عشرة وخمسة ، فلما عدلا من جهتهما أعطيا إعرابا واحدا في الصرف * ، كما كان إعرابهما واحدا قبل أن يُصرفا (4) 0
ط ـ ومن ذلك قوله تعالى : [ فظلت أعناقهم لها خاضعين ] (5) حيث يرى أن خاضعين خبر عن المضاف إليه ( هم ) في كلمة أعناقهم ، وليس عن الأعناق ، ولو كان كذلك للزم أن يقول خاضعة ، ويرد عليه الزجاج بقوله : إن خاضعين خبر عن المضاف ؛ لأن الأعناق بمعنى الرؤساء ، أو يكون خبرا عن مضاف محذوف تقديره أصحاب أعناقهم (6) 0
ي ـ ويرى في قوله تعالى : [ يدعوا لَمَن ضره أقرب من نفعه ] (7) أنّ اللام في نية التأخير والتقدير مَن لضره ، ويرى الزجاج أن ذلك خطأ ؛ لأن الصلة لا تتقدم على الموصول (8) 0
ـ 208 ـ
__________
(1) النحل 30 ، 31
(2) معاني القرآن 2/99
(3) يوسف 4
* يريد صرفهما عن حالة الإفراد إلى التركيب
(4) معاني القرآن 2/ 32 ـ 33
(5) الشعراء 4
(6) الزجاج ، إعراب القرآن 2/741
(7) الحج 13
(8) الزجاج ، إعراب القرآن 2/ 690(1/226)
... ... وعلى هذا النحو كان الفراء يلح في تحليل صيغ الذكر الحكيم ، ومواضع كلمه في الإعراب على ذهنه ، مستخرجا منه فيضا من الآراء ، مخالفا البصريين وسيبويه ، وقد يخالف أستاذه ، وهو في كل ذلك إنما يريد أن يُشكِّل النحو الكوفي في صيغته النهائية ، بحيث تستقر قواعده ، ويستقر توجيهه ، وتستقر مصطلحاته ، وتستقر فيه العوامل والمعمولات ، متخذة كل ما يمكن من أوضاع جديدة 0
د ـ بعض ما زاده الفراء على النحو :
1 ـ الاسم واللقب : إذا اجتمع الاسم واللقب ، وأُخِّر اللقب عن الاسم ؛ لأنه أبين وأشهر من الاسم كما قالوا ، كان للقب حينئذ ثلاثة أوجه من الإعراب ، النصب ، والرفع على القطع ، والخفض على إضافة الاسم إليه ، أمّا الفراء فقد أجاز فيه وجها رابعا ، وهو الإتباع على أنه عطف بيان (1) ، وقد استظهر شارح الكافية هذا الرأي 0
2 ـ أضاف الفراء إلى معاني هل أن تكون بمعنى قد ، ولا تأتي بمعنى قد إلاّ مع الفعل ؛ لأن قد من الأدوات التي لا تدخل إلاّ على فعل (2) 0
3 ـ أضاف إلى معاني لو معنى جديدا ، هو المصدرية ، وأن تكون بمنزلة أنْ (3) 0
4 ـ أضاف إلى جموع القلة الأربعة المعروفة جمعا خامسا هو فَعَلَة بفتح العين والفاء ، كأكلة ، وحملة ، وحفظة (4) 0
5 ـ أضاف إلى معاني الذي معنى المصدرية (5) 0
6 ـ يرى أنّ اسم الإشارة ( ذا ) يصح أن يكون موصولا (6) 0
7 ـ يرى أنّ كان وأخواتها لا تعمل شيئا في الخبر ، وإنما هو حال ، أو شبه حال ومرفوعها فاعل بها (7) 0
8 ـ يرى أنّ مصدر الثلاثي قياسي مطرد إلى جانب السماع (8) 0
ـ 209 ـ
9 ـ يرى أن فعل الأمر قطعة من المضارع ، وليس قسما مستقلا من الأفعال ، كما قال البصريون (9) 0
__________
(1) شرح الكافية 1/285 ـ 286
(2) مغني اللبيب ، ص 460
(3) مدرسة الكوفة ، ص 323
(4) م 0 ن ، ص 322
(5) معاني القرآن 1/365
(6) م 0 ن 1 / 139
(7) م 0 ن 1 / 55
(8) م 0 ن 1 / 165
(9) أبو زكريا الفراء ومنهجه في النحو واللغة ، ص 419(1/227)
10 ـ يرى أنّ القسم الثالث للأفعال هو الفعل الدائم ، وهو اسم الفاعل إذا كان عاملا ، وإن كان غير عامل جعله من الأسماء (1) 0
11 ـ أقسام الكلمة عنده أكثر من ثلاثة ، وهو ما وصفه بأنه بين الأسماء والأفعال (2) 0
12 ـ إعمال أسماء الإشارة عمل كان وأخواتها ، وهو ما كان يطلق عليه اسم التقريب ، نحو : هذا القمر نوراً (3) 0
13 ـ المجمع على تعديته إلى ثلاثة أعلم ، وأرى ، وزاد سيبويه نبّأ ، وزاد ابن هشام اللخمي أنبأ ، وعرّف ، وأشعر ، وأدرى ، وزاد الفراء خبّر بالتشديد (4) 0
14 ـ زعم الفراء أن الظن يكون شكا ويقينا وكذبا أيضا ، والبصريون ينكرون الثالث ، وهو ما زاده الفراء (5) 0
15 ـ جوز الفراء أن يرفع وينصب تابع المنادى المرفوع إذا كان توكيدا معنويا ، ولم يجوّزه غيره (6) 0
16 ـ جوّز الفراء في أسماء الشرط أن تكون حيث وإذ للمكان ، وجوّز الجزم بهما بدون ما (7) 0
... ... هذا قليل من كثير من مبتكرات الفراء ، والموضوع بحاجة إلى دراسة مستقلة ، إذ ليس من السهل أن نوفي هذا الموضوع حقه في هذه العجالة ، وإنما ذكرنا القليل خدمة لأغراض البحث ، لنصل إلى معرفة مكانة الفراء في المدرسة الكوفية 0
ـ 210 ـ
هـ ـ بعض ما خالف الفراء فيه الكسائي :
__________
(1) معاني القرآن 1 / 165
(2) شرح التصريح على التوضيح 1/ 25 ، حاشية الشيخ ياسين العليمي على هامش التصريح 1 / 25
(3) معاني القرآن 1 /12 ، 13 ، 231
(4) همع الهوامع 1 / 159
(5) م 0 ن 1 / 149
(6) الموفي في النحو الكوفي ، ص 68
(7) م 0 ن ، ص 109(1/228)
... ... الفراء في آرائه يوافق الكسائي في أكثر المسائل والأصول ؛ لأنه درس عليه ، وأخذ عنه ، وكثيرا ما نرى النحاة في نقولهم عن الكسائي والفراء يقولون : ذهب الكسائي والفراء إلى كذا وكذا ، أو كان الكسائي والفراء يذهبان إلى كذا وكذا ، إلى غير ذلك من العبارات ، ولكن نحو الفراء يختلف عن نحو الكسائي من حيث الشكل والموضوع ، أمّا الشكل فالكسائي في نحوه يحتذي منهج المحدِّثين والقراء (1) ، وكان أبعد ما يكون عن التأثر بالتفكير الفلسفي ، أمّا الفراء فكان كما قيل يتفلسف في تصانيفه ، وأمّا الموضوع فللفراء أقوال كثيرة ، يخالف بها أستاذه ، إمّا لأن مقاييسه العامة تختلف عن مقاييس الكسائي ، وإمّا لأنهما يختلفان فيها من حيث وجهة النظر الخاصة ، كما اختلف سيبويه مع الخليل ، ومما خالف الفراء فيه الكسائي :
1 ـ رافع الفعل المضارع : ذهب الكسائي إلى أنه ما فيه من حروف المضارعة ، وذهب الفراء إلى أنه تجرده من الناصب والجازم 0
2 ـ نعم وبئس : ذهب الكسائي إلى فعليتهما ، والفراء إلى اسميتهما ، فالكسائي يضمر ، والفراء لا يضمر (2) 0
3 ـ ما أفعل في التعجب : تابع الكسائي البصريين في فعليته ، والفراء ومعه سائر الكوفيين قالوا باسميته 0
4 ـ تفسير النصب في قوله تعالى : [ فآمنوا خيرا لكم ] (3) : قدّر الكسائي كان محذوفة ، أي فآمنوا يكن خيرا لكم ، وكان الفراء يقدر مصدرا محذوفا ، أي فآمنوا إيمانا خيرا لكم (4) 0
5 ـ رافع المعطوف على اسم إنّ قبل تمام الخبر : جوز الكسائي ذلك مطلقا ، وفصل الفراء فقال : إن خفي إعراب اسم إنّ جاز الحمل على المحل ، وإلاّ فلا (5) 0
ـ 211 ـ
__________
(1) مدرسة الكوفة ، ص 141
(2) مجالس العلماء ، ص 59
(3) النساء 170
(4) مجالس ثعلب 7 / 372
(5) شرح الكافية 2/287 ، الإنصاف في مسائل الخلاف 1/186(1/229)
6 ـ الفاء والواو وأو : ذهب الكسائي إلى أنها تنصب الفعل المضارع بنفسها ، وذهب الفراء إلى أن المضارع بعد هذه الأحرف ينصب على الخلاف ، أي أن المعطوف بها صار مخالفا للمعطوف في المعنى ، فخالفه في الإعراب (1) 0
7 ـ أصل آية : ذهب الكسائي إلى أن أصلها آئية بزنة فاعلة ، فحذفت الهمزة كما حذفت في شاك السلاح ، ومكان هار ، وذهب الفراء إلى أن أصلها آيّة بالتشديد ، وفرّوا من المشدد إلى الألف ، كما فروا إلى الياء في دينار ، وأصله دنار (2) 0
8 ـ تقديم المحصور بإلاّ : جوز الكسائي تقديم المحصور بإلاّ مطلقا ، وذهب الفراء إلى منع تقديم الفاعل المحصور ، وجوز تقديم المعمول المحصور (3) 0
9 ـ أشياء : ذهب الكسائي إلى أنها جمع شيء كبيت وأبيات ، ووزنها أفعال ، ومنعت من الصرف على توهم أنها كحمراء ، وقال الفراء : أصلها أشيئاء ، جمع شيء ، وأصله شيّء نحو بيّن وأبيناء ، وليّن وأليناء ، ثم حذف من وسط أشيئاء همزة لكثرتها فصارت أشياء (4) 0
10 ـ الاسم المنصوب في جواب الشرط إذا تقدم ، نحو إن تأتني زيداً أكرم : جوزه الكسائي ومنعه الفراء (5) 0
11 ـ تقديم المفعول بالجزاء على حرف الشرط ، نحو زيدا إنْ تضرب أضرب : ذهب الكسائي إلى أنه منصوب بالشرط ، ومنع ذلك الفراء (6) 0
12 ـ الجزم إذا كان الفاصل منصوبا في نحو إنْ تأتني اليوم غدا آتك : الكسائي فصّل القول فيه ، فقال : إن كان ظرفا للجزاء كما في المثال جاز جزم الجزاء بالجواب ، وإلاّ لم يجز ، والفراء يمنع الفصل مطلقا ، سواء أكان مرفوعا أم منصوبا ، وسواء أكان المنصوب ظرفا أم غير ظرف (7) 0
__________
(1) شرح الكافية 2 /224
(2) المعري ، رسالة الملائكة ، ص 101 ـ 106
(3) شرح الأشموني 4 / 39
(4) شرح الكافية 1 / 21
(5) الإنصاف في مسائل الخلاف 2/620 ـ 621
(6) م 0 ن 2 / 623
(7) شرح الكافية 2/ 255 ـ 256(1/230)
13 ـ إعمال إنْ النافية عمل ليس من رفع للاسم ونصب للخبر : جوزه الكسائي ، ومنعه الفراء (1) 0
ـ 212 ـ
14 ـ موضع ضمير الفصل من الإعراب : ذهب الفراء إلى أن موضعه باعتبار ما قبله ، وذهب الكسائي إلى أن موضعه باعتبار ما بعده (2) 0
15 ـ عامل المفعول به : ذهب الفراء إلى أنه الفعل والفاعل جميعا ، وقال الكسائي خروجه عن وصف الفعل (3) 0
16 ـ الضمير المتصل بأسماء الأفعال في مثل مكانك ، وعندك ، ولديك ، ودونك ، ووراءك وأمامك ، وعليك : ذهب الفراء إلى أنه مرفوع على الفاعلية ، وذهب الكسائي إلى أنه مفعول به ، ومحله النصب (4) 0
17 ـ الاسم المنصوب في باب الاشتغال في مثل محمدا لقيته : ذهب الفراء إلى أنه منصوب بالهاء التي عادت عليه من الفعل ، بينما ذهب الكسائي إلى أن الضمير ملغى (5) 0
18 ـ التنازع في مثل قام وقعد زيد : يرى الفراء أن الفاعل للفعلين جميعا ، بينما ذهب الكسائي إلى أن الفعل الأول فاعله محذوف ، ولا فاعل له (6) 0
19 ـ المنادى المبني على الضم : يرى الفراء أن محله ليس النصب ، وذهب الكسائي إلى أنه مرفوع معرب (7) 0
20 ـ دخول الباء على كان الزائدة : يرى الفراء أن كان إذا زيدت بين اسم ما وخبرها لم يجز دخول الباء عليها ، وجوّز ذلك الكسائي (8) 0
21 ـ تقديم عامل التمييز : جوزه الفراء ، ومنعه الكسائي (9) 0
22 ـ إذن إذا فصل بمعمول الفعل ، نحو زيدا إذن أكرم : لا يعمل عند الفراء خلافا للكسائي (10) 0
... ... هذه بعض الأمثلة على الخلاف بين الشيخين ، وفي مجالس ثعلب الكثير منها (11) 0
ـ 213 ـ
و ـ منهج الفراء في دراسة النحو :
__________
(1) شرح الأشموني 1/125
(2) شرح اللمحة البدرية ، ص 380
(3) م 0 ن ، ص 164
(4) المدارس النحوية ، ص 208 ـ 209
(5) م 0 ن ، ص 207
(6) م 0 ن ، ص 207 ـ 208
(7) م 0 ن ، ص 208
(8) همع الهوامع 1 / 127
(9) الموفي في النحو الكوفي ، ص 42
(10) م 0 ن ، ص 115
(11) مجالس ثعلب ، ص 74 ، 78 ، 260 ، 312 ، 378 ، 412 ، 514 وغيرها 0(1/231)
... ... على الرغم مما عرف عن الفراء من ملازمته بعض المعتزلة ، واتصاله بآرائهم ، ومصاحبته للمأمون ، الذي عرف بميله إلى الاعتزال ، فإن الفراء كان يخالفهم في منهجه الدراسي ، بل في بعض ما تنولوه بالبحث من مشكلات في العقائد ، كالقول بخلق القرآن ، والقول في تفسير إعجازه ، فقد كان الفراء على مذهب أهل السنة في القول بإعجاز القرآن اللغوي (1) ، وأن إعجازه يقوم على أنه نزل بأفصح اللغات على الإطلاق (2) ، ولا يعني هذا أن الفلسفة الكلامية لم تترك أثرا في تفكيره ، فالراصد أقواله ، يحس بجلاء ، ما في آرائه النحوية ، وتفسيراته لوجوه الإعراب ، من أثر التفكير الفلسفي ، فهو يقلّب المسألة على وجوهها المختلفة ، ويعلل كل وجه منها ، شأن العالم اللغوي ، الذي يفترض في المسألة الواحدة فروضا متعددة ، ويجري تجاربه على كل فرض منها على حدة ؛ ليصل إلى الغرض الذي قصد إليه (3) ، فأحيانا نجده يعالج النصوص النحوية على غرار أهل الكوفة ، فمن مظاهر النزعة الكوفية عنده :
أ ـ الابتعاد عن التقدير : ويتجلى ذلك في إعرابه ( أحد ) من قوله تعالى : [ وإنْ أحد من المشركين استجارك فأجره ] (4) 0
ب ـ القياس على الشاهد الواحد : مثل قولهم ما فعلت خمسة عشرِك بالإضافة ، فقد اتخذه الفراء أساسا حين أجاز إعراب العدد المركب إذا أضيف ، وجعله قياسا مطردا 0
ج ـ الابتعاد عن مناهج الفلاسفة والمتكلمين : ويظهر هذا جليا حينما قال بترافع المبتدأ والخبر ، لأن الترافع عندهم يؤدي إلى الدور ، والدور محال 0
ونجده أحيانا يتفق بالرأي مع البصريين ، ومن مظاهر النزعة البصرية عنده :
أ ـ التقدير والتأويل : إن كنّا رأينا الفراء يتحاشى التقدير ، فقد رأيناه كثيرا يعمد إليه ، ومن الأمثلة على ذلك تقديره لمبتدأ لا حاجة للكلام به ، وذا عند إعرابه قوله
ـ 214 ـ
__________
(1) يوهان فك ، العربية ، ص 5
(2) مدرسة الكوفة ، ص 136
(3) م 0 ن ، ص 137
(4) التوبة 6(1/232)
تعالى : [ إنّا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين ] (1) ، قال : وقوله لأصحاب اليمين ، أي هذه لأصحاب اليمين (2) ، فقدّر لفظا لا يتوقف معنى الكلام عليه ، ولو علّق الجار والمجرور بالفعل مباشرة ، أي أنشأناهن ، أو جعلناهن لأصحاب اليمين ، لكان أجمل وأوجز ، ولكنها حمى التقدير أصابت الفراء ، جراء تأثره بالبصريين ، ومن ذلك تقدير فعل عند إعرابه قوله تعالى : [ فعموا وصموا كثير منهم ] (3) ، حيث قال : أراد ـ والله أعلم ـ عموا وصموا ، ثم خص به الكثير بفعل مضمر (4) ، وكان أيسر من ذلك أن يجعله بدلا من الضمير ، أو يجعله فاعلا ، وواو الجماعة مجرد علامة ، كما قال به آخرون وقد توغّل الفراء في التقدير حين قال بوجوب تقدير موصوف محذوف قبل المنادى في قول الشاعر :
فيا راكبا إمّا عرضت فبلغن ... 00000 البيت
فرفض أن يكون ( راكبا ) هو المنادى ، وتعسف ، فأوجب أن يكون التقدير : فيا رجلا راكبا وذلك لأنه لا يجيز نداء النكرة المفردة ، وما كان هذا التعسف في التقدير إلاّ أثرا من آثار النزعة البصرية 0
ب ـ عدم القياس على الشاهد الواحد : إذا رأينا الفراء يقيس على الشاهد الواحد ، فنراه أحيانا يأبى ذلك ، بل لا يعتد بالسماع ولو تعدد في كثير من الأحيان ، على الرغم من أنه هو الذي سمعه بنفسه ، ومن ذلك ما جاء من قولهم : عسى زيد قائماً ، قال : لم يجئ إلاّ في قوله : عسى الغوير أبؤسا ، وقال : عسى لا يقاس ، ولا يستحسن إلاّ مع أنْ ، فانظر إليه كيف تحكمت فيه النزعة البصرية ، فلا يقيس على ما سمع من العرب ، بل لا يستحسنه ، ولا يجيزه (5) 0
__________
(1) الواقعة 35 ـ 38
(2) معاني القرآن 3 / 125 ـ 126
(3) المائدة 71
(4) المذكر والمؤنث ، ص 29
(5) مجالس ثعلب 5 / 251(1/233)
ج ـ مدّ القياس : لقد جوّز الفراء تجويزات كثيرة نتيجة توسعه في القياس ، ومن ذلك تجويزه إذا اجتمع شرط وقسم ، وتقدم القسم ، أن يكون الجواب للشرط ، والبصريون يجعلون الجواب للأول ، وذلك مثل : لئن قمت أقوم معك ، فالبصريون يجعلون أقوم جوابا
ـ 215 ـ
للقسم ؛ لوجود اللام الموطئة المؤذنة به ، لذا فهي مرفوعة ، ويجوز الفراء أن تكون جوابا للشرط ، فيقال : لئن قمت أقم معك ، بجزم المضارع في الجواب ، كما جوز وقوع الواو الزائدة في جواب إذا (1) ، كما في قوله تعالى : [ حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر ] (2) ، وقوله تعالى : [ حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها ] (3) ، وكذلك وقوع اللام المؤكِّدة في خبر لكن ولا يجيزه البصريون ، محتجا بقول الشاعر : ولكنني من حبها لعميد (4) 0
... ... ومن مظاهر النزعة البصرية فضلا عما سبق : انتهاج مناهج الفلاسفة في بعض الأحيان ، والضبط والتقعيد ، وتخطيء العرب ، وتوهين القراءات السبع ، ومخالفة أستاذه الكسائي في بعض الآراء ، أضف إلى ذلك استعمال المصطلحات البصرية إلى جانب المصطلحات الكوفية ، والمصطلحات التي ابتكرها هو (5) 0
... ... ولكن هذا لا يعني أن الفراء كان ذائب الشخصية ، يعتمد على هؤلاء حينا ، وعلى أولئك حينا آخر ، بل كان قوي الشخصية ، قوي العقل إلى حد بهر العلماء ، وإنما كان ينهج المنهج العلمي السليم ، فينتفع بتراث السابقين ، والمعاصرين له ، ويبدو لنا أن الفراء في بداية حياته كان يترسم آثار الكسائي ، فكانت النزعة الكوفية مسيطرة عليه ، ثم تأثر بالفلسفة والمنطق ، فأخذ يجاري عصره ، مما جعل منهجه يقترب في بعض الأحيان من المنهج البصري ، وفي نهاية المطاف كان له موقف خاص ، هو موقف المدرسة الكوفية فيما نرى 0
__________
(1) معاني القرآن 1 / 238 ، المدارس النحوية ، ص 215 ـ 216
(2) آل عمران 152
(3) الزمر 71
(4) معاني القرآن 1 / 238
(5) انظر : أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة ، ص 379 ـ 393(1/234)
... ... ومن مظاهر استقلالية الفراء أنه ابتكر وضع الأصول في النحو ، وكثير من الباحثين ينسبون إلى ابن السراج وضع أصول العربية والنحو في كتابه الأصول ، ولا بدّ هنا أن نعيد الحق إلى نصابه ؛ لنقول إنّ الفراء في هذا الميدان سبق ابن السراج في وضع أصول العربية بنحو قرن من الزمان ، ولعل هذه القواعد العامة ـ ومثلها كثير في كتاب المعاني ـ بعض هذه الأصول التي قررها الفراء ، ويذكر المؤرخون للفراء كتابا في أصول النحو ، قال أبو بريدة الوضاحي : أمر أمير المؤمنين أن يُؤلف ما يجمع به أصول النحو ،
ـ 216 ـ
وما سمع من العرب (1) ، ومن هنا قال ثعلب : لولا الفراء لما كانت عربية (2) ، وهذه العبارة تقال في أصول ابن السراج أيضا 0
... ... وكتاب المعاني يمثل نماذج من أصول العربية للفراء ، فإذا كان علم ابن السراج في الأصول قد بسطه ابن جني في الخصائص ، ولخصه السيوطي في الاقتراح ، فإن دراسة
كتب الفراء تفتح لنا آفاقا جديدة في تعرف مذاهب الكوفيين ، ممثلة في شيخ النحاة الفراء (3) ثم إن كتاب الأصول لابن السراج ليس كتابا في الأصول ، كما يفهم من هذه التسمية ، وإنما هو كتاب في النحو ، لا يختلف كثيرا عن كتب النحاة السابقين ، والمعاصرين له ، فإذا كان هذا هو مفهوم كتب الأصول فكتاب معاني الفراء أقرب إلى الأصول من كتاب ابن السراج ، وأظن ظنا مسامتا لليقين أن إلصاق نسبة التأليف في الأصول لابن السراج إنما هي نابعة من اسم كتابه ، وليس مما يحويه هذا الكتاب ، ولعل أثر الفراء في ابن السراج كان واضحا من خلال ما أورده ابن السراج ، وسبقه إليه الفراء 0
... ومن مظاهر استقلالية الفراء أيضا وضع المصطلحات الجديدة ، التي سبق الحديث عنها ، وتفسيره للظواهر اللغوية تفسيرا جديدا ، يستلهم فيه روح العربية 0
ـ 217 ـ
__________
(1) معجم الأدباء 20 / 12
(2) نزهة الألباء ، ص 169
(3) عبد الفتاح شلبي ، أبو علي الفارسي ، ص 269(1/235)
الفصل الثالث ــ جهود الفراء في الميدان اللغوي :
... كان للفراء أثر بيّن في الدراسات اللغوية ، ويتجلى هذا الأثر في القضايا التالة :
1 ـ القوانين الصوتية :
لاحظ الفراء أن العرب يستثقلون كسرة بعدها ضمة ، أو ضمة بعدها كسرة ، أو كسرتين متواليتين ، أو ضمتين متواليتين ، ومثال الضمتين قوله تعالى : [ لا يَحْزُنْهُم الفزع الأكبر] (1) حيث أسكنوا النون ؛ لأن قبلها ضمة ، فخففت (2) ، وكذلك [ أنلزمكموها ] (3) حيث أسكنوا الميم (4) ؛ وذلك لتوالي الحركات ، مثل رُسْل بسكون السين (5) ، وأمّا الكسرتان فمثل الإبْل بسكون الباء (6) ، وأمّا الضمة والكسرة فمثل قول الشاعر (7) :
وناعٍ يُخَبِّرْنا بمُهْلَك سَيّدٍ ... ... تَقَطَّع من وجد عليه الأناملُ
ويرى الفراء أن علة استثقال الضم والكسر لأن لمخرجهما مؤونة على اللسان والشفتين ، تنضم الرفعة بهما فيثقل الضمة ، ويمال أحد الشدقين إلى الكسرة ، فترى ذلك ثقيلا ، والفتحة تخرج من طرف الفم بلا كلفة (8) ، وكذلك قرر الفراء أن الفتحة أخف الحركات ، ومن قوانينه التي أقرها استثقال الضمة على الواو ، والكسرة على الياء ، ومن أجل هذا قلبوا الواو المضمومة همزة في أول الكلمة ، نحو : أُقتت في قوله تعالى : [ وإذا الرسل أُقتت ] (9) 0
وقد تناول الفراء في معانيه الإدغام في مواطن عدة ، ومن ذلك إدغام الواو في
ـ 218 ـ
الياء (10) ، وإدغام التاء في الثاء (11) ، والإدغام في نحو قوله تعالى : [حيّ عن بينة ] (12) و [ اثاقلتم ] (13) و [ مكّني ] (14) 0
__________
(1) الأنبياء 103
(2) معاني القرآن 2 / 12
(3) هود 28
(4) معاني القرآن 2 / 12
(5) م 0 ن ، ص 0 ن
(6) م 0 ن ، ص 0 ن
(7) م 0 ن ، ص 0 ن
(8) م 0 ن 2 / 13
(9) المرسلات 11
(10) الأيام والليالي والشهور ، ص 1
(11) معاني القرآن 1 / 172
(12) الأنفال 42 ، معاني القرآن 1 / 411
(13) التوبة 38 ، معاني القرآن 1 / 437
(14) الكهف 95 ، معاني القرآن 2 / 159(1/236)
وكذلك تناول الإبدال حينما تتأثر تاء الافتعال بمخرج الزاي ، فتقلب التاء دالا ، بعد الزاي ، كما في [ ازدجر ] (1) 0
وتناول قانون التعاقب إذا تقارب المخرجان ، فهو يقول : إذا تقارب الحرفان في المخرج تعاقبا في اللغات ، كما تتعاقب القاف والكاف ، وبهما قرئ في قوله تعالى [ فأما اليتيم فلا تقهر ] (2) بالقاف في قراءة حفص وغيره ، وبالكاف في قراءة عبد الله بن مسعود (3) ، ومثلهما قراءتا [ كشطت ] و [ قشطت ] (4) ، وغير ذلك ، وكتاب المعاني زاخر بهذه القوانين ، ولا نزعم أن الفراء هو أول من لاحظ هذه القوانين ، فميلادها أسبق منه ، ولكن الفراء كانت له مشاركة لا تجحد في الدراسات الصوتية ، ولا نعلم أحدا من الكوفيين عرض لمخارج الحروف قبل صاحبنا ، وترتيبها عنده هو ترتيبها عند سيبويه ، كما جاء في الكتاب ، غير أن الفراء خالفه في شيئين اثنين هما :
أ ـ جعل الفراء مخرج الياء والواو واحدا ، وهو يذهب في ذلك مذهب الخليل ، الذي يرى أن مخرج الياء والواو والألف هو الجوف ، وكان يقول : الألف لينة ، والواو والياء هوائية (5) ، أي أنها في الهواء ، أمّا سيبويه فقد كان يجعل الياء مع الحروف التي كان يسميها الخليل شجرية ، أي مع الجيم والشين (6) 0
ب ـ جعل الفراء مخرج الفاء والميم بين الشفتين ، كما كان الخليل يفعل (7) ؛ لأن الحروف الشفوية عنده ثلاثة : الفاء والباء والميم ، أمّا سيبويه فقد جعل الفاء
ـ 219 ـ
شفوية سنيّة (8) ، تشترك في إخراجها الأسنان العليا ، والشفة السفلى ، والواقع أن الخليل هو المؤسس الحقيقي في هذا الميدان ، وعنه أخذت المدرستان 0
__________
(1) القمر 9 ، معاني القرآن 1 / 216
(2) الضحى 9 ، معاني القرآن 3 / 241
(3) معاني القرآن 3 / 274
(4) التكوير 11 ، معاني القرآن 3 / 241
(5) العين أول معجم في اللغة العربية ، ص 8
(6) الكتاب 4 / 433
(7) العين أول معجم في اللغة العربية ، ص 4
(8) الكتاب 4 / 433(1/237)
2 ـ كثرة الاستعمال وأثرها في تطوّر اللغة :
... يرى الفراء أن من آثار كثرة الاستعمال :
أ ـ حذف بعض حروف الكلمة ، نحو : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقد حُذِف الألف من باسم ؛ لكثرة الاستعمال (1) 0
ب ـ كثرة الاستعمال تجعل الكلمتين كالكلمة الواحدة ، نحو : كسر الدال في : الحمدِ لله (2) 0
ج ـ كثرة الاستعمال تؤدي إلى صرف ما لا ينصرف في النثر ، فقد أعطيت هند ودعد ، وهي ثلاثية ساكنة العين حكم الصرف (3) 0
د ـ العدول عن الضمير المنفصل إلى الضمير المتصل ، نحو : لولاك ولولاي ، بدل : لولا أنت ، ولولا أنا (4) 0
هـ ـ تحويل الكلمة من معناها الأصلي إلى طارئ ، نحو : لا جرم ، أصل معناها : لا بدّ ولا محالة ، وعندما كثرت في الاستعمال صارت بمنزلة حقاً (5) 0
و ـ كثرة الاستعمال تقلب الشيء إلى ضده ، كما استعمل العرب كلمة تعال المشتقة من العلو في معنى الهبوط (6) 0
3 ـ تفسير الظواهر اللغوية :
لقد عني الفراء بتفسير الظواهر اللغوية عناية ملحوظة ، وبخاصة ظاهرة التركيب والنحت ، ومبدأ التشذيب للقوالب والصيغ ، فتناول فيما تناول الحديث عن تحليل بعض الحروف والكلمات ، وقد سبق بيان ذلك 0
ـ 220 ـ
4 ـ التنبيه على بعض الاستعمالات اللغوية :
نبه الفراء إلى أن من طرائق العرب عود الضمير على غير مذكور في الكلام البتة ، وعليه خرّج قوله تعالى : [ والنهار إذا جلاّها ] (7) ، فجعل الضمير عائدا على الظلمة المفهومة من السياق 0
__________
(1) معاني القرآن 1 / 3
(2) م 0ن 1 / 3
(3) م 0 ن 1 / 42
(4) م 0 ن 2 / 116
(5) م 0 ن 2 / 8 ، معجم ألفاظ القرآن الكريم 1 / 198 مادة ( جرم )
(6) تأويل مشكل القرآن ، ص 418
(7) الشمس 3 ، معاني القرآن 3 / 266(1/238)
ونبه إلى وضع الكلمة في غير موضعها ، فهو يقول : إن معنى قوله تعالى : [ إلاّ ابتغاء وجه ربه ] (1) إلاّ بمعنى لكن ، ونبه إلى أن العرب قد تستعمل الكلمتين معا في وقت واحد ، وهما بمعنى واحد ، كاجتماع الكاف ومثل في قوله تعالى : [ ليسس كمثله شيء ] (2) ، ونبه إلى الاكتفاء بأحد الشيئين عن الآخر ، وجعل من هذا الباب قوله تعالى : [ وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر ] (3) ، ولم يقل البرد ، فترك لنا معناه المعلوم ، ويرى أن إضافة الشيء إلى نفسه استعمال لغوي سليم ، على الرغم من رفض البصريين له ، وجعل من ذلك قوله تعالى : [ ومكر السيء ] (4) ، أضيف المكر إلى السيء ، وهو هو ، ويرى أن من طرائق العربية استعمال المفرد في موضع المثنى ، ومن ذلك قوله تعالى : [ ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا ] (5) ، يقال : كيف قال به ، وقد ذكر الخطيئة والإثم ؟ وكان حقه أن يقول بهما ، ولكن هذا جائز ، وكذلك يرى العكس ، وهو استعمال المثنى موضع المفرد ، كقوله تعالى : [ يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ] (6) ، وإنما يخرج من المالح دون العذب ، ومع ذلك كنّى بالتثنية فقال : [ منهما ] ، وهو جائز عنده ، وكذا استعمال المفرد موضع الجمع ، كما في قوله تعالى : [ سيهزم الجمع ويولون الدبر ] (7) ، ولم يقل الأدبار ؛ لجواز ذلك ، وكذا العكس ، وهو استعمال الجمع موضع المفرد ، يقول البغدادي فيما يرويه عن ابن الأنباري في كتابه الزاهر : إنّ الفراء قال : من العرب من يقول :
ـ 221 ـ
__________
(1) الليل 20 ، معاني القرآن 3 / 272
(2) الشورى 11 ، معاني القرآن 2 / 85
(3) النحل 81 ، معاني القرآن 2 / 112
(4) فاطر 43 ، معاني القرآن 2 / 41 ، 76
(5) النساء 112 ، معاني القرآن 1 / 286 ـ 287
(6) الرحمن 22 ، معاني القرآن 3 / 115
(7) القمر 45 ، معاني القرآن 3 / 110(1/239)
قميص أخلاق ، وجبة أخلاق ، فيصف الواحد بالجمع ؛ لأن الخلوقة في الثوب تتسع فيسمى كل موضع منها خلقا ، ثم يجمع على هذا المعنى (1) ، وقد تناول العلماء بعد الفراء هذه الظاهرة وأمثالها ، ومنهم المبرد ، حيث عقد فصلا بعنوان : إطلاق لفظ الجمع على المفرد والمثنى (2) ، ويزخر كتاب مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى بمثل هذه القضايا 0
وقد فطن الفراء إلى غير ذلك من الاستعمالات اللغوية ، ونبه عليها في معانيه كتعاقب الحروف ، وتضمين فعل معنى فعل آخر ، وجعل التضمين قياسا في الأفعال وفي الحروف على حد سواء ، بخلاف البصريين ، ولولا خشية الإطالة لذكرنا كثيرا من ذلك ، ولكننا نجتزئ بهذه الإشارة العابرة إيثارا للاختصار 0
5 ـ الثروة اللغوية التي رواها الفراء :
خلف لنا الفراء ثروة لغوية هائلة ، رواها أو سمعها بنفسه من العرب ، والمطلع على المعجمات العربية يجدها تعتمد اعتمادا واضحا على روايات الفراء ، مما يجعله في طليعة اللغويين ، فقد روى صاحب لسان العرب عن الفراء لغويات لا نكاد نحصيها عدا ، من ذلك : السدفة ، والرأفة ، والصفصف وغير ذلك ، وفي القاموس المحيط والقابوس الوسيط لما ذهب من كلام العرب شماطيط ، وشرحه تاج العروس
__________
(1) خزانة الأدب 1/216
(2) ما اتفق لفظه واختلف معناه ، ص 19(1/240)
من جواهر القاموس روايات كثيرة عن الفراء ، ومثل ذلك قل عن صحاح الجوهري ومختاره للرازي ، و مقاييس اللغة ، والمجمل وكلاهما لابن فارس ، هذا فضلا عما جاء فيما اتصل باللغة من كتب ، كإصلاح المنطق لابن السكّيت ، ومعجم ما استعجم للبكري ، ومجالس ثعلب ، وخزانة الأدب ، ومزهر السيوطي ، والصاحبي لابن فارس ، وشرح المفضليات ، والأزمنة والأمكنة للمرزوقي ، والبحر المحيط لأبي حيان ، ومعاني القرآن للزجاج ، والتكملة لأبي علي الفارسي ، ومتخير الألفاظ لأحمد بن فارس ، وغيرها ، وغيرها ، ومع كل ذلك فقد أهمله الزبيدي ، ولم يذكره في طبقاته ، في حين عدّ آخرين لم يبلغوا شأو الفراء ، كخالد بن كلثوم (1) ، وأحمد بن عبيد (2) 0
ـ 222 ـ
هذا فضلا عن فائتات فاتت المعجمات اللغوية حين الجمع ، ومن ذلك ( التكش ) ، حكى ثعلب في أماليه عن الفراء أنه قال (3) : التكش : البازي يُجاء به على رأس الكبر ، فلا يتعلم ، فيسمى تكشاً ، ولم نعثر في معجماتنا على شيء من هذا ، على الرغم من مزيد التتبع ، وقد أشار إلى ذلك عبد السلام هارون ، والأنصاري في كتاب له عن الفراء ، وكلمة ( بوصان ) اسم لشهر ربيع الآخر (4) ، والذي جاء في المعجمات ( وبصان ) بتقديم الواو على الباء و ( بصان ) 0
ومما فات اللسان البَشْكى كقتلى : السرعة في المشي ، وفيضوضاء ، في قولهم : أمرهم فيضوضاء بينهم ، واليأْياء بالصبي كاليأْيأَة ، وما فات اللسان والتاج معاً الحَثَى : حشافة التمر ، وقوم دِراء جمع دارٍ ، والخِرْشة كالخرشاء : البلغم ، وغير ذلك (5) 0
6 ـ صرفيات الفراء :
__________
(1) طبقات النحويين واللغويين ، ص 194
(2) م 0 ن ، ص 204
(3) مجالس ثعلب 8 / 446
(4) الأيام والليالي والشهور ، ص 18 ، لسان العرب مادة ( بصن )
(5) المنقوص والممدود ، مقدمة المحقق ، ص 7(1/241)
روى صاحب المزهر كثيرا من صرفيات الفراء عند الحديث عن صيغة فعلان ومفعل وفيعل ، وفعفع ، وفنعل ، وفعلل ، وفعل ، وفعلة ، وعند الحديث عن الفعل المضعف ، وأسماء الأصوات ، وتداخل اللغات (1) ، وكذا فعل ثعلب في مجالسه (2) ، وفي شرح ديوان زهير (3) ، ومثلهما فعل شارح المفضليات (4) ، والعكبري في المسائل الخلافية (5) ، وابن جني في المنصف ( شرح تصريف المازني ) (6) والخصائص (7) ، وابن قتيبة في أدب الكاتب (8) ، والاستراباذي في شرح شافية ابن الحاجب (9) ، وغير ذلك كثير 0
ـ 223 ـ
لقد كان الفراء عالما بلغات العرب (10) ، وبالبحوث القرآنية ، والقراءات (11) ، وهو من العلماء الذين تؤخذ عنهم القراءات ، كما كان عالما برسم المصحف 0
وعلى الجملة فقد تقدم الفراء باللغة والنحو خطوة واسعة نحو الضبط ، وتقعيد القواعد ، وتمييز الفروع من الأصول ، وقد ظهر ذلك جليا في الكتب التي جاءت بعده ؛ لأن الكثير من كتبه لم يصل إلينا 0
...
الخاتمة
ـ 225 ـ
__________
(1) المزهر 1 / 264
(2) مجالس ثعلب ، ص 52 ، 119 ، 197 ، 202 ، 204
(3) شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ، ص 8 ، 9 ، 44 ، 45 ، 72
(4) شرح المفضليات ، ص 3 ، 208 ، 213 ، 215
(5) مسائل خلافية في النحو ، ص 90 ، 119 ، 120 ، 121
(6) المنصف 1/147 ، 188 ، 301 ، 2/12 ، 96 ، 100 ، 3 / 72
(7) الخصائص 1/171 ، 254 ، 2/65 ، 76 ، 290 ، 3 / 145 ، 212 ، 213
(8) أدب الكاتب ، ص 247 ، 271 ، 272 ، 423 ، 429
(9) شرح الشافية 1 / 20 ، 21 ، 29 ، 30 ، 2/67 ، 86 ، 89 ، 152 ، 3/ 52 ، 154 ، 169 ، 170 ، 274
(10) الآلوسي ، روح المعاني 3 / 12
(11) المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها 1/15 ، 36 ، 39 ، 2/187 ، 191 ، 208(1/242)
... إنّ الذي ظهر لنا من دراستنا للفراء أنّ كتاب معاني القرآن هو خلاصة دراساته في النحو ، وأنّ مذهبه النحوي الذي يستخلص من المعاني ، هو خلاصة آرائه ومذاهبه النحوية جميعا ، هذه الآراء التي وردت في تلاقح آرائه بآراء البصريين ، تدل على أن أثر الفراء كان واسعا ، وأنّ ظلّ آرائه وريث ، امتد من تلامذته حتى يومنا هذا ، وضمّ تحته كثيرا من النحاة ، اختلف تأثرهم به شدة وضعفا ، وليس دليلا على شدة تأثير الشخصية النحوية ما يتابعها فيه غيرها من المفكرين ، وإنما ما تشيعه في الوسط النحوي من تيّارات ومناقشات قادحة أو مادحة ، متابعة أو معارضة ، ولو نظرنا إلى صاحبنا بهذا المنظار لوجدناه من أعاظم الشخصيات النحوية 0
... أمّا خصائص هذا المذهب من ناحية الشكل ، والمنهج العام في التأليف ، فتكمن في التيسير ، فقد كان له فضل تقريب النحو إلى الأذهان ، حتى ليستطيع أن يفهمه الصبيان على عكس ما كان عليه كتاب سيبويه من العمق والصعوبة ، فقد كان للفراء النصيب الوفير في إلهام ابن مضاء في دعوته إلى إصلاح النحو وتيسيره ، بل لعلنا لا نكون بعيدين حين نزعم أنه كان الملهم الأول ، والحقيقي له ، وقديما قالوا : إن دام هذا على هذا علّم النحو الصبيان ، ونحن لا نلقي القول جزافا ، بل لدينا ما يبرر زعمنا ، فها نحن نشير إلى بعض مصادر الإلهام في مواطن متعددة من آراء الفراء ، ومن ذلك :
1 ـ يرى ابن مضاء رأي الفراء في جعل الاسم المتقدم في باب الاشتغال منصوبا ، نحو : محمدا ضربته ، ويرى أنه مفعول به للفعل نفسه ، دون حاجة إلى تقدير عامل محذوف وجوبا يفسره المذكور (1) ، كما هو الحال عند نحاة البصرة ، وفي هذا إشارة إلى أن الفراء سبق ابن مضاء إلى إلغاء نظرية العامل بعدة قرون 0
2 ـ يرى ابن مضاء رأي الفراء في إلغاء العامل في متعلق الظرف ، والجار والمجرور ،
__________
(1) ابن مضاء ، الرد على النحاة ، ص 65(1/243)
فقد ألغى الفراء هذه المتعلقات ، وأعطى الظرف ، والجار والمجرور الوظيفة نفسها التي تؤديها المتعلقات (1) ، وإلغاء العامل مأخوذ أيضا من رأي الفراء في الجار والمجرور حين جعله نائب فاعل بنفسه (2) ، فقال : إنْ أُنيب الجار والمجرور عن الفاعل ، فالنائب وحده في محل رفع ، من غير حاجة إلى تقدير ضمير مستتر في الفعل ، أو ضمير عائد على المصدر
ـ 226 ـ
المفهوم من الفعل ، وكذا رأيه في الظروف حين جعلها هي بعينها نائب فاعل ، من غير حاجة إلى تقدير (3) ، ومن هذا القبيل رأيه في الخبر المخالف ، وهو الظرف إذا أسند للمبتدأ نحو : محمد عندك ، فإنه يجعله هو الخبر بنفسه ، من غير حاجة إلى متعلق (4) ، وكذلك الجار والمجرور ، وبذا يكون الفراء هو السابق إلى القول بإلغاء نظرية العامل 0
3 ـ أخذ ابن مضاء رأي الفراء في الخلاف ، ونسبه إلى نفسه من غير أن يضيف إليه جديدا ، ومن غير أن يشير إلى صاحب الفضل فيه ، أو على الأقل مصدر الإلهام ، ومن ذلك ما قرره الفراء من إمكان العطف ، فيجوز جزم الفعل الثاني إذا جعلنا الحرف للعطف ، فيتبعه ابن مضاء في هذا أيضا ، استمع إلى الفراء يقول : ويجوز فيه الإتباع ؛ لأنه نسق في اللفظ ، ثم يجيء ابن مضاء فيجوزه أيضا ، إذ يقول : وهذه المواضع التي ينصب فيها ما بعد الفاء منها ما يجوز فيه العطف (5) 0
__________
(1) م 0 ن ، ص 66 ـ 69
(2) حاشية الصبان على الأشموني 1 / 415
(3) الموفي في النحو الكوفي ، ص 20
(4) شرح الكافية 1/83
(5) الرد على النحاة ، ص 146(1/244)
... ويبدو لنا أننا لو تتبعنا كتاب الرد على النحاة لرددنا معظم مسائله إلى منبعها الأصيل ، وهو أبو زكريا الفراء ، ولكن للأسف لم يعترف الخالف بفضل السالف ، أو يشير إليه ، وذلك مثل رأيه في التعجب ، وفي باب ظن وأخواتها ، وإنّ وأخواتها ، وفي أفعال الاستثناء ( خلا ، عدا ، حاشا ) إلى غير ذلك ، استمع إلى قول شوقي ضيف ، محقق كتاب ابن مضاء ، حين وجده يقول برأي الفراء ، دون أن يشير إليه ، وذلك عند الحديث عن دخول الفاء في خبر المبتدأ في مثل قوله تعالى : [ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ] (1) حين استظهر رأيا ، وأوهمنا أنه من بنات أفكاره ، ولكن المحقق عقب عليه بقوله : ليس هذا رأي ابن مضاء ، وإنما هو رأي المبرد والفراء من قبله (2) 0
... ومن اتجاهات الفراء في التيسير :
1 ـ إعراب المثنى بالألف مطلقا في جميع الحالات 0
2 ـ رأيه في إعراب المرفوع بعد إنْ الشرطية ، حيث جعله مبتدأ ، وما بعده خبر ، مثل قوله تعالى : [ وإنْ أحد من المشركين استجارك ] (3) 0
ـ 227 ـ
... وهنا ننبه الداعين إلى تيسير النحو إن يعودوا إلى التراث ، وإلى الفراء بخاصة ، ليروا ما قدّم الفراء بهذا الصدد ، فحري بهم أن ينظروا إلى النحو الكوفي ، كما نظروا إلى النحو البصري ، وأن يفيدوا منه في تجديد النحو وتيسيره ، ولكن وللأسف لم يكن من بين المجددين قديما وحديثا ـ فيما نعلم ـ من التفت إلى ضرورة الاستفادة من أعمال الكوفيين اللهم إلاّ ما كان من أمين الخولي ، إذ قرر ضرورة الاستفادة من المذاهب النحوية المختلفة وعدم التقيد بمذهب نحوي واحد ، في مسألة بعينها (4) 0
__________
(1) المائدة 38
(2) الرد على النحاة ، ص 120 ( الحاشية )
(3) التوبة 6
(4) هذا النحو ، ص 9(1/245)
... إنّ دراسة النحو على أساس المذهب البصري فقط ، فيها شيء غير قليل من مجافاة المنهج العلمي ، بل لعل تتبع ما قدمه الكوفيون بعامة ، والفراء بخاصة يعين على دحض كثير من الشُبه التي يثيرها بعض الدارسين على النحو العربي 0
3 ـ عدم التفريق بين ألقاب الإعراب ، وألقاب البناء 0
4 ـ إعراب جمع المذكر السالم بالحركات على النون 0
5 ـ العلمية وحدها تكفي لمنع الصرف 0
6 ـ إعراب الجمع المنتهي بألف وتاء بالحركات الثلاث 0
7 ـ إعراب الأب والأخ من الأسماء الخمسة بالواو دائما ، والحم بالألف دائما 0
... هذه خصيصة مذهب الفراء من حيث الشكل ، نعني خصيصة التيسير ، أمّا من حيث الموضوع فيمكن إجمال خصائص الفراء بالبعد عن العصبية ، فنراه يأخذ بآراء البصريين أحيانا ، ويخالف أستاذه أحيانا ، ويمزج اللغة بالنحو وبالتصريف ، ويحتج بالقراءات ، ويفسر باللهجات ، هذا فضلا عن الاحتجاج بالحديث ، شأن الكثير ممن سبق أن ذكرنا ، وأوضحنا في هذه القضية 0
... إنّ المدرسة الكوفية في النحو لم يتم تشكيلها إلاّ بالفراء ، وبآرائه ومقاييسه ، وما اعتمده من تفسير بعض الظواهر اللغوية ، وما وضعه من مصطلحات خالف بها مصطلحات البصريين ، مما يجعله الإمام الحقيقي لهذه المدرسة 0
... حقا لقد سبقه الكسائي ، ولكن لم يكن لهذا الأخير دقة عقل الفراء ، وغور ذهنه ، بحيث يرسي قواعد المدرسة ، ويرفع أركانها ، فإن كان الكسائي قد وضع أسس هذه المدرسة الجديدة ، وجمع لها مادة درسها ، ورسم المنهج الذي يعتمد عليه إنشاؤها ، فإن الفراء هو الذي تكفل بإتمام البناء ، وتعهد المدرسة بالنمو ، وأعاد النظر فيما جاء به
ـ 228 ـ(1/246)
الكسائي ، فأخذ منه ما يتفق وطبيعة المدرسة ، وبنى منهجها على أساس علمي جديد ، وأنضج ما أخذه عن الكسائي ، حتى استوى على سوقه ، مذهبا واضح المعالم ، بيّن القسمات ، لذا يعتبر الفراء بحق إمام المدرسة الكوفية ، أمّا ثعلب ، وغير ثعلب ، فإنما كانوا شارحين لآراء الفراء ومفسرين ، والفراء هو أعلم الكوفيين ، وأكثرهم تأثيرا في المذهب الكوفي 0
... لقد غلا بعض الباحثين المعاصرين في كتاب له عن الفراء (1) ، فأخرجه من المدرسة الكوفية ، وجعله المؤسس الأول للمدرسة البغدادية ، التي تكونت بعد الفراء بنحو مئة عام والتي أقامت مذهبها النحوي على عمد الانتخاب من آراء المدرستين ، والسبب الذي أوقع هذا الباحث في ذلك أنه رأى الفراء متحررا من قيود العصبية المذهبية ، حيث كان ينزع منازع أهل البصرة في بعض المسائل التي كانت توافق رأيه ، وكذا أهل الكوفة ، وكل ما أورده الباحث من ذلك ، ليس فيه شيء انتخبه الفراء من آراء المدرسة البصرية ، وأقوال أئمتها ، وإنما هو فيه يدلي بآرائه الخاصة ، فمن الخطأ أن نقول العبارة المتوارثة ، وهي أن الفراء وافق البصريين في كذا ، بل يجب أن نقول ـ فيما نرى ـ اتفق رأي الفراء ورأي البصريين في كذا ، فالفراء ليس بصريا ، ولا بغداديا ، إنما هو كوفي 0
... وإن صدقتنا الظنون ، ولم تخنّا المظان التي لم نطلع عليها ، فإن الكسائي هو إمام الكوفيين في الإقراء ، أمّا إمامها في النحو ، فهو الفراء ، فقد كان للفراء الأثر الواسع في تقعيد قواعد المذهب ، بل وفي معاصريه ، ومن جاءوا بعده 0
__________
(1) هو أحمد مكي الأنصاري في كتابه : أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة 0(1/247)
... لقد مضى الفراء تاركا وراءه أثرا كبيرا في معاصريه ، ومن جاءوا بعده من نحاة ولغويين وصرفيين ومفسرين ، ويكفي للتدليل على ذلك أن نلقي نظرة فاحصة على منصف ابن جني ، الذي شرح فيه تصريف المازني ؛ لنجد أنه لا يكاد يخلومبحث من مباحثه من رأي صرفي للفراء ، يثير من النقاش والجدال والشرح ما يثير ، ولا يقل الفراء في ذلك عن الخليل وسيبويه ، بل إنه كان بمنزلتهما ، وقد تمثل ذلك بصورة واضحة في آرائه اللغوية ، فقد استوعب ابن فارس والجوهري آراء الفراء استيعابا كبيرا ، حتى لا تكاد تخلو صفحة واحدة من صحاح الجوهري من ذكر للفراء ، وعندما اشتار الرازي واختار من الصحاح مختاره ، كان حظ آراء صاحبنا من هذا الاختيار عظيما ، وما يقال في الصحاح يقال في
ـ 229 ـ
اللسان ، وقد كان أثر صاحبنا في معاصريه ، ومن جاءوا بعده طاغيا ، فنحن لا ننسى قول ثعلب : لولا الفراء لما كانت عربية 00 ، وقد عوّل عليه الآلوسي كثيرا في تفسيره للقرآن الكريم ، وبخاصة في التفسير اللغوي الخالص (1) ، وعندما وضع الطبري تفسيره الجامع ضمنه ثمرات الجهود التي بذلها جيل كامل من المفسرين ، وعلى رأسهم الفراء ، وقد ظلت آراء الفراء تطرز كتب النحو المختلفة حتى أيامنا هذه ، ولعل قول المؤلفين ، وهو قول ما أكثر تردده في مصنفاتهم : هذا رأي الكوفيين إلاّ الفراء ، ورأي الفراء هو ، واستثناء الفراء ، والإشارة إليه ، يشير إلى عظيم قدره ، وسعة أثره ، وخطر مكانته في النحو العربي 0
__________
(1) تاريخ الشعوب الإسلامية 2 / 42(1/248)
... لقد اتصل ابن جني بالفراء عن طريق شيخه أبي علي ، الذي روى له كتاب المعاني عن ابن مجاهد ، عن الفراء (1) ، على أن خطة ابن جني في المحتسب من حيث اعتداده بالشواذ ، تقرب من خطة الفراء ، وإن كان هناك من فرق بين الرجلين ، فهو أن ابن جني يوثق القراءة المشذذة بالرواية ، بجانب موافقتها وجها من وجوه العربية ، وبذا تزداد عنده درجة التوثيق على هذا النحو ؛ وكان الفراء يكتفي بأن توافق القراءة وجها من وجوه الصنعة الإعرابية واللغوية ، من غير نظر إلى الطرق المروية إلاّ في القليل 0
... وقد اعتمد ابن قتيبة في كتابه تفسير غريب القرآن على معاني الفراء أيما اعتماد ، وانتفع به انتفاعا عظيما ، حتى أنه في بعض المواطن ينقل قول الفراء بنصه وفصه (2) 0
... وتظهر شخصية الفراء في كتبه قوية واضحة ، وكثيرا ما نراه ينقد رأي أبي عبيدة والكسائي نقدا جريئا ، لاذعا حينا ، وهادئا أحيانا ، وقد كانت كتب الفراء مصدرا ثرّا لعدد كبير ممن جاءوا بعده ، وعلى الأخص كتاب المعاني ، الذي كان عمدة القرطبي ، والفخر الرازي ، وأبي حيان الأندلسي ، ومما يلفت النظر أن الطبري قد انتفع بمعاني القرآن انتفاعل كبيرا ، ونقل ألفاظه في بعض المواطن نقلا حرفيا ، من غير أن يشير إلى صاحب الفضل بأية إشارة واضحة ، أو مبهمة ، وفي كثير من المواطن ، التي لم ينقل فيها ألفاظ الفراء ، بل عبّر بألفاظه ، وأسلوبه ، يجد فيها القارئ الحصيف ريح كلام الفراء ، ونظرة فاحصة في فقه اللغة للثعالبي تريك أنه قد اعتمد اعتمادا كبيرا على الفراء (3) ، مما يدفعنا
ـ 230 ـ
__________
(1) المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها ، ص 10 ( المقدمة )
(2) تفسير غريب القرآن ، الصفحات : ج ، د ( المقدمة )
(3) فقه اللغة وسر العربية ، ص 3 ، 55 ، 195 ، 206 ، 215 ، 272 على سبيل المثال(1/249)
للقول بأن للفراء النصيب الكبير من كتاب الثعالبي 0 هذا هو الفراء ، وهذا بعض نحوه ، وهذا أثره في معاصريه ، وفيمن جاءوا بعده 0
... أما وقد انتهت هذه الدراسة ، فإننا نرى في صدور المشتغلين بالعربية اليوم يقينا بأن في قواعدها شيئا من البلبلة والتداخل ، وفي آرائهم إجماع على وجوب الإصلاح والتنسيق ، وفي قلوبهم إيمان بإمكانه ، بل بيسره وسهولته ، ويحق لقارئ هذا الكتاب ، بعد أن ألمّ بطرف من صنيع الأقدمين أن يتساءل ، ماذا صنعنا نحن لأنفسنا ولعربيتنا ، بعد أن مهدوا لنا السبيل ؟ هل تقدمنا بها إلى الأمام ، ولدينا من مواتاة الأحوال ما لم يكن لديهم فمكتبات عامة وخاصة ، تزخر بالكتب المطبوعة والمخطوطة ، ووسائل للنشر والتعميم ، ولجان رسمية في كل مصر من أمصار عالمنا العربي ، ومجامع علمية ، وجامعات ومعاهد وحكومات تمد جميع هذا بالمال والسلطان ، ثم لا شيء ذا بال وراء ذلك كله ، وبذلك لم يحظ الرجل العادي ببعض ما يحب أن يعود عليه 0
... وبعد ، فإذا أردنا اليوم إعادة النظر في بناء القواعد العربية ، وجب أن تتجافى المآخذ التي أخذنا في مباحثنا السابقة على الأقدمين ، علينا أن نحدد الغرض من القواعد ، وعندها نضع أخصر المناهج وأسرعها وأوضحها في إبلاغنا إياه 0
... إنّ الحاجة إلى الإصلاح ماسة ، فإن كثرة العلل والأقيسة في مادة النحو ، والتي يعجز الثاقب الحس والعقل عن فهم كثير منها ؛ لأنها لا تفسر غامضا من غوامض التعبير ولا دقيقة من دقائق الأسلوب ، وإنما تفسر فروضا للنحاة ، وظنونا مبهمة ، وهذا بدوره أفسد كتب النحو إفسادا ؛ لأنه ملأ النحو بمشاكل ومسائل لا نحتاج إليها في تصحيح نطقنا ، وتقويم لساننا ، وفهم عربيتنا ، ولعل هذا ما جعل الخليل بن أحمد يقول : لا يصل أحد من علم النحو إلى ما يحتاج إليه ، حتى يتعلم ما لا يحتاج إليه (1) 0
__________
(1) الجاحظ ، الحيوان 1 / 37(1/250)
... لقد أصبح ما لا نحتاج إليه في كتب النحو يزيد أضعافا مضاعفة على ما نحتاج إليه بل لقد أصبح ما لا نحتاج إليه في كتب النحو موضع الاهتمام والعناية من النحاة ؛ لأنه الجانب المستغلق ، فالقواعد في كتب النحاة تتفق ، ولكنها تتغاير في اجتهاداتهم في تفسير تلك القواعد وتعليلها 0
... إنّ ما نحتاج إليه لإصلاح نحونا هو الوعي والإخلاص والمضاء ، وأن نجمع كل ما يوجد من المذاهب النحوية حيثما وجد ، ونتوسع في فهمه ، من غير وقوف عند نصوصه ،
ـ 231 ـ
وأن لا نتقيد بمذهب نحوي واحد في مسألة بعينها ، وأن لا نتقيد بالأفصح والأرجح ، أو الأصح الذي نصّوا عليه ، ونتخير ما يوافق حاجة الأمة ، ويساير تطورها الاجتماعي ، في ضوء التجارب العلمية ، والخبرة التعليمية ، والشكاوى الحقة من المصاعب اللغوية ، وأخيرا ملاحظة التيسير والرفق ، وبخاصة حين نعطي الناس جميعا حقهم الفطري في التعلّم ومجاوزة الأمية ، واستعمال لغتهم في الحياة قراءة وكتابة وكلاما ، وخير ما ننهي به هذا البحث ما سبق أن قاله أمين الخولي : إن كانت هذه اللغة التي تريدون أن نعيش بها ميراثا آل إلينا ، فلنا فيه ما للمالك في ملكه من تصرّف ، فدعونا نتصرف فيها بما يصلحها ، وإن كانت عارية لا غير ، فخذوها ودعونا نبحث عن لغة غيرها ، نستطيع التصرف فيها ، بما يدفع حاجة الحياة 0
... والله نسأل أن يمن على المشتغلين بهذه اللغة
بالإخلاص ...
والوعي
والمضاء ،
وعلى الله قصد السبيل
المصادر والمراجع
ـ 233 ـ
أ ـ المخطوطات :
1 ـ أقسام الأخبار ، أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي ، مصورة معهد المخطوطات ، جامعة الدول العربية ، رقم ( 16 ) نحو 0
... 2 ـ الإمام الشافعي وأثره في أصول الفقه ، حسن محمد سليم أبو عيد ، أطروحة دكتوراه ، كلية أصول الدين ، الجامع الأزهر ، 1976 م 0(1/251)
... 3 ـ إنباه الرواة على أنباه النحاة ، جمال الدين أبو الحسين علي بن يوسف القفطي ، مصورة دار الكتب المصرية ، رقم ( 55588 ) عمومية 0
... 4 ـ طبقات النحاة واللغويين ، محمد بن تقي الدين أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر الأسدي المعروف بابن قاضي شهبة ، مخطوطة الظاهرية ـ دمشق ، رقم ( 3468 ) 0
ب ـ المصادر :
... 1 ـ إبراز المعاني من حرز الأماني ، أبو شامة المقدسي ، البابي الحلبي ـ مصر ، 1349هـ 0
... 2 ـ الإتقان في علوم القرآن ، جلال الدين السيوطي ، دار الفكر ـ بيروت ، 1979م0 3 ـ أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ، شمس الدين المقدسي ، ليدن ، 1906 م
... 4 ـ أخبار النحويين البصريين ، أبو سعيد السيرافي ، تح 0 فرنسيس كرنكو ، المطبعة الكاثوليكية ـ بيروت ، 1936 م 0
... 5 ـ أدب الكاتب ، ابن قتيبة الدينوري ، تح 0 محمد محي الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة ـ مصر ، 1963 م 0
6 ـ إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ، محمد بن علي الشوكاني ، طبعة صبيح ـ القاهرة ، 1337 هـ 0
7 ـ أسرار العربية ، أبو البركات الأنباري ، تح 0 محمد بهجة البيطار ، المجمع العلمي ـ دمشق ، 1957 م 0
8 ـ الأسس المبتكرة ، عبد العزيز الأزهري ، طبعة العلوم ـ القاهرة ، 1269 هـ 0
9 ـ الإشارات والتنبيهات ، أبو علي بن سينا ، تح 0 سليمان دنيا ، مطبعة عيسى الحلبي ـ مصر ، 1367 هـ 0
10 ـ الأشباه والنظائر في النحو ، جلال الدين السيوطي ، حيدر أباد ـ الدكن ، 1359 ـ 1361 هـ 0
ـ 234 ـ
11 ـ إصلاح المنطق ، يعقوب بن السكيت ، تح 0أحمد محمد شاكر ، وعبد السلام هارون ، دار المعارف ـ مصر ، 1956 م 0
12 ـ الأصول في النحو ، أبو بكر السراج ، تح 0 عبد الحسين الفتلي ، مطبعة النعمان ـ النجف ، 1973 م 0
13 ـ الأضداد ، ابو بكر الأنباري ، طبعة الحسينية ، 1325 هـ 0
14 ـ إعجاز القرآن ، أبو بكر الباقلاني ، تح 0 السيد أحمد صقر ، دار المعارف ـ مصر ، الطبعة الثالثة 0(1/252)
15 ـ إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم ، الحسين بن أحمد بن خالويه ، دار الكتب ـ مصر ، 1941 م 0
16 ـ الإعراب عن قواعد الإعراب ، ابن هشام الأنصاري ، تح 0 رشيد العبيدي ، بيروت ـ دار الفكر ، 1970 م 0
17 ـ إعراب القرآن ، إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج ، تح 0 إبراهيم الأبياري ، المؤسسة المصرية العامة 0
18 ـ الأعلام ، خير الدين الزركلي ، بيروت ، 1969 م 0
19 ـ أعيان الشيعة ، محسن الأمين العاملي ، مطبعة الإنصاف ـ بيروت ، 1961 م
20 ـ الأغاني ، أبو الفرج الأصفهاني ، دار الفكر ـ بيروت 0
21 ـ الاقتراح في علم أصول النحو ، جلال الدين السيوطي ، حيدر أباد ـ الدكن ، 1359 هـ 0
22 ـ ألفية ابن مالك في النحو والصرف ، محمد بن مالك ، دار الطباعة المحمدية ـ القاهرة 0
23 ـ الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب ، علي بن هبة الله بن ماكولا ، حيدر أباد ـ الدكن ، 1962 م 0
24 ـ إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن ، أبو البقاء العكبري ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، 1979 م 0
25 ـ أمالي الزجاجي ، أبو القاسم الزجاجي ، مطبعة السعادة ـ القاهرة ، 1324 هـ
26 ـ إنباه الرواة على أنباه النحاة ، جمال الدين القفطي ، تح 0 محمد أبو الفضل إبراهيم ، مطبعة الكتب المصرية ، 1950 م 0
ـ 235 ـ
27 ـ الإنباه على قبائل الرواة أبو عمر يوسف بن عبد البر ، مطبعة السعادة ـ القاهرة ، 1350 هـ 0
28 ـ الأنساب ، أبو سعيد عبد الكريم بن محمد السمعاني ، تح 0 مرجليوث ، ليدن ، 1912 م 0
29 ـ الإنصاف في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين ، أبو البركات الأنباري ، تح 0 محمد محي الدين عبد الحميد ، دار الفكر ـ بيروت 0
30 ـ أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ، ابن هشام الأنصاري ، تح 0 محمد محي الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة ـ القاهرة ، 1967 م 0(1/253)
31 ـ الأيام والليالي والشهور ، أبو زكريا الفراء ، تح 0 إبراهيم الأبياري ، المطبعة الأميرية ـ القاهرة ، 1956 م 0
32 ـ إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، إسماعيل باشا البغدادي ، تح 0 محمد شرف الدين ، ورفعت الكليسي ، مكتبة المثنى بغداد ، بيروت 0
33 ـ البداية والنهاية ، أبو الفداء الحافظ بن كثير ، دار الفكر ـ بيروت ، 1978م 0
34 ـ بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ، جلال الدين السيوطي ، تح 0 محمد أبو الفضل إبراهيم ، البابي الحلبي ـ القاهرة ، 1964 م 0
35 ـ البلغة في تاريخ أئمة اللغة ، مجد الدين الفيروزابادي ، تح 0 محمد المصري ، دار الثقافة ـ دمشق ، 1972 م 0
36 ـ البلدان ، ابن الفقيه ، ليدن 0
37 ـ البيان في غريب إعراب القرآن ، أبو البركات الأنباري ، تح 0 طه عبد الحميد طه ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، 1970 م 0
38 ـ تأويل مشكل القرآن ، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، تح 0 أحمد صقر ، طبعة الحلبي ـ القاهرة ، 1954 م 0
39 ـ تاج العروس من جواهر القاموس ، محمد مرتضى الزبيدي ، تح 0 مصطفى حجازي ، مطبعة حكومة الكويت ، 1969 م 0
40 ـ تاريخ ابن خلدون ( العبر وديوان المبتدأ والخبر ) ، عبد الرحمن بن خلدون ، دار الطباعة ـ القاهرة ، 1284 هـ 0
ـ 236 ـ
41 ـ تاريخ الأمم والملوك ، محمد بن جرير الطبري ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، الطبعة الأولى 0
42 ـ تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي ، المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة 0
43 ـ تاريخ الخلفاء ، جلال الدين السيوطي ، تح 0 محمد محي الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة ـ مصر ، 1952 م 0
44 ـ تذكرة الحفاظ ، شمس الدين الذهبي ، حيدر أباد ـ الدكن ، 1955 م 0
45 ـ تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد ، محمد بن مالك ، تح 0 محمد كامل بركات ، دار الكتاب العربي ـ مصر ، 1967 م 0(1/254)
46 ـ تفسير أرجوزة أبي تمام ، أبو الفتح عثمان بن جني ، تح 0 بهجة الأثري ، مطبوعات المجمع العلمي ـ دمشق ، 1966 م 0
47 ـ تفسير غريب القرآن ، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، تح 0 السيد أحمد صقر ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، 1978 م 0
48 ـ تفسير القرطبي ، القرطبي ، طبعة دار الكتب المصرية ، 1954 م 0
49 ـ تفسير النسفي ، أبو البركات النسفي ، دار الكتاب العربي ـ بيروت 0
50 ـ تقريب التهذيب ، ابن حجر العسقلاني ، تح 0 عبد الوهاب عبد اللطيف ، دار الكتاب العربي ـ مصر ، 1960 م 0
51 ـ التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربية ، الحسن بن محمد الصاغاني ، تح 0 عبد الحليم الطحاوي ، مطبعة دار الكتب ـ القاهرة
52 ـ التنبيهات ، علي بن حمزة ، تح 0 عبد العزيز الميمني ، دار المعارف ـ مصر ، 1967 م 0
53 ـ تهذيب التهذيب ، ابن حجر العسقلاني ، دار صادر ـ بيروت 0
54 ـ تهذيب اللغة ، محمد بن أحمد الأزهري ، تح 0 عبد السلام هارون ، المؤسسة المصرية العامة ، 1964 م 0
55 ـ حاشية الباجوري على متن السلم ، الباجوري ، دار إحياء الكتب العربية ، البابي الحلبي ـ القاهرة ، 1960 م 0
56 ـ حاشية الشيخ ياسين العليمي على هامش التصريح ، ياسين العليمي ، دار إحياء الكتب العربية ، البابي الحلبي ـ القاهرة 0
ـ 237 ـ
57 ـ حاشية الصبان على شرح ملوي على السلم ، محمد علي الصبان ، 1325 م 0
58 ـ حاشية الصبان على الأشموني ، محمد علي الصبان ، دار إحياء الكتب العربية ، البابي الحلبي ـ القاهرة 0
59 ـ الحجة في علل القراءات السبع ، الحسن بن أحمد الفارسي ، تح 0 علي النجدي ناصف ، وعبد الحليم النجار ، وعبد الفتاح شلبي ، القاهرة ، 1965 م 0
60 ـ الحيوان ، أبو عثمان الجاحظ ، تح 0 عبد السلام هارون ، البابي الحلبي ـ القاهرة ، 1938 م 0(1/255)
61 ـ خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب ، عبد القادر البغدادي ، تح 0 عبد السلام هارون ، الهيئة المصرية العامة ـ القاهرة ، 1976 م 0
62 ـ الخصائص ، أبو الفتح عثمان بن جني ، تح 0 محمد علي النجار ، دار الهدى ـ بيروت ، الطبعة الثانية 0
63 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، محمد محسن آغا بزرك الطهراني ، النجف ، 1967 م 0
64 ـ الرد على النحاة ، ابن مضاء القرطبي ، تح 0 شوقي ضيف ، لجنة التأليف والترجمة والنشر ـ القاهرة ، 1947 م 0
65 ـ رسالة الملائكة ، أبو العلاء المعري ، تح 0 سليم الجندي ، دمشق ، 1944 م 66 ـ رصف المباني في شرح حروف المعاني ، أحمد بن عبد النور المالقي ، تح 0 محمد أحمد الخراط ، مجمع اللغة العربية ـ دمشق ، 1975 م 0
67ـ رسل الملوك ومن يصلح للرسالة والسفارة ، الحسين بن محمد بن الفراء ، تح0 صلاح الدين المنجد ، لجنة التأليف والترجمة والنشر ـ القاهرة ، 1947 م 0
68 ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، محمود الآلوسي ، إدارة الطبعة المنيرية ـ مصر 0
69 ـ الروض المعطار في خبر الأقطار ، محمد بن عبد المنعم الحميري ، تح 0 إحسان عباس ، مكتبة لبنان ـ بيروت ، 1975 م 0
70 ـ روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات ، محمد باقر الخوانساري ، تح 0 أسد الله إسماعيليان ، دار الكتاب العربي ـ بيروت 0
ـ 238 ـ
71 ـ شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، ابن العماد الحنبلي ، دار الآفاق الجديدة ـ بيروت 0
72 ـ شرح ألفية ابن مالك ، بهاء الدين بن عقيل ، تح 0 محمد محي الدين عبد الحميد ، دار الكتاب العربي ـ بيروت ، 1964 م 0
73 ـ شرح ألفية ابن مالك ، علي بن محمد الأشموني ، تح 0 محمد محي الدين عبد الحميد ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، الطبعة الأولى 0
74 ـ شرح إيساغوجي في المنطق ، طبعة التقدم ، 1326 هـ 0(1/256)
75 ـ شرح التصريح على التوضيح ، خالد بن عبد الله الأزهري ، دار إحياء الكتاب العربي ، البابي الحلبي ـ القاهرة 0
76 ـ شرح حسن الكفراوي على متن الأجرومية ، حسن الكفراوي ، البابي الحلبي ـ القاهرة ، 1954 م 0
77 ـ شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ، أبو العباس ثعلب ، الدار القومية ـ القاهرة ، 1964 م 0
78 ـ شرح ديوان كعب بن زهير ، أبو سعيد السكري ، الدارالقومية ـ القاهرة ، 1965 م 0
79 ـ شرح ديوان المفضليات ، المفضل الضبي ، تح 0 كارلوس يعقوب لايل ، مطبعة الآباء اليسوعيين ـ بيروت ، 1920 م 0
80 ـ شرح شافية ابن الحاجب ، رضي الدين الاستربادي ، تح 0 محمد نور الحسن ، ومحمد الزفزاف ، ومحمد محي الدين عبد الحميد ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، 1975 م 0
81 ـ شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب ، ابن هشام الأنصاري ، تح 0 محمد محي الدين عبد الحميد ، المكتبة التجارية ـ القاهرة 0
82 ـ شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات ، أبو بكر الأنباري ، تح 0 عبد السلام هارون ، دار المعارف ـ القاهرة ، 1963 م 0
83 ـ شرح قطر الندى وبل الصدى ، ابن هشام الأنصاري ، تح 0 محمد محي الدين عبد الحميد ، المكتبة التجارية ـ القاهرة ، 1963 م 0
ـ 239 ـ
84 ـ شرح كافية ابن الحاجب ، رضي الدين الاستربادي ، دار الكتب العلمية ـ بيروت0
85 ـ شرح اللمحة البدرية في علم اللغة العربية ، ابن هشام الأنصاري ، تح 0 هادي نهر ، مكتبة الجامعة ـ بغداد ، 1977 م 0
86 ـ شرح المفصل ، موفق الدين بن يعيش ، إدارة الطبعة المنيرية ـ القاهرة 0
87 ـ شرح ملوي على السلم ، ملوي ، 1325 هـ 0
88 ـ الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها ، أحمد بن فارس ، المكتبة السلفية ـ القاهرة ، 1910 م 0
89 ـ صبح الأعشى في صناعة الإنشا ، أبو العباس أحمد القلقشندي ، الطبعة الأميرية ـ القاهرة ، 1922 م 0(1/257)
90 ـ تاج اللغة وصحاح العربية ، إسماعيل بن حماد الجوهري ، تح 0 أحمد عبد الغفور عطار ، دار الكتاب العربي ـ مصر ، 1956 م 0
91 ـ طبقات الشعراء الجاهليين والإسلاميين ، محمد بن سلام الجمحي ، مكتبة الثقافة العربية ـ بيروت 0
92 ـ الطبقات الكبرى ، محمد بن سعد بن منيع ، دار صادر ـ بيروت ، 1957 م 0
93 ـ طبقات النحويين واللغويين ، أبو بكر الزبيدي ، تح 0 محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار المعارف ـ مصر ، 1973 م 0
94 ـ العمدة في محاسن الشعر وأدبه ونقده ، ابن رشيق القيرواني ، تح 0 محمد محي الدين عبد الحميد ، دار الجيل ـ بيروت ، 1972 م 0
95 ـ العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، أبو بكر بن العربي ، تح 0 محب الدين الخطيب ، دار المعرفة ـ بيروت 0
96 ـ العين أول معجم في اللغة العربية ، الخليل بن أحمد الفراهيدي ، تح 0 عبد الله درويش ، مطبعة العاني ـ بغداد ، 1967 م 0
97 ـ غاية النهاية في طبقات القراء ، شمس الدين أبو الخير محمد الجزري ، تح 0 برجستر أسر ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، 1980 م 0
98 ـ الغيث المسجم في شرح لامية العجم ، صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي ، دار الفكر ـ بيروت ، 1975 م 0
ـ 240 ـ
99 ـ فتوح البلدان ، أحمد بن يحيى البلاذري ، تح 0 عبد الله أنيس الطباع ، وعمر أنيس الطباع ، دار النشر للجامعيين ، 1957 م 0
100 ـ الفاخر ، المفضل بن سلمة بن عاصم ، تح 0 عبد الحليم الطحاوي ، دار إحياء الكتب العربية ، البابي الحلبي ـ القاهرة ، 1960 م 0
101 ـ الفخري في الآداب السلطانية والدولة الإسلامية ، محمد بن علي بن طباطبا ( ابن الطقطقي ) ، مطبعة المعارف ـ مصر ، 1923 م 0
102 ـ فقه اللغة وسر العربية ، أبو منصور الثعالبي 0
103 ـ الفهرست ، ابن النديم ، دار المعرفة ـ بيروت ، 1978 م 0
104 ـ القاموس المحيط ، مجد الدين الفيروزابادي ، دار الفكر ـ بيروت 0(1/258)
105 ـ القصد والأمم في التعريف بأصول أنساب العرب والعجم ومن أول من تكلم بالعربية من الأمم ، يوسف بن عبد البر ، مطبعة السعادة ـ القاهرة ، 1350 هـ 0
106 ـ الكامل في التاريخ ، ابن الأثير الجزري ، دار الكتاب العربي ـ بيروت 0
107 ـ الكتاب ، أبو بشر عمر بن عثمان بن قنبر ( سيبويه ) ، تح 0 عبد السلام هارون ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1977 م 0
108 ـ كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، ملا كاتب جلبي ( حاجي خليفة ) ، تح 0 محمد شرف الدين ، ورفعت الكليسي ، مكتبة المثنى ـ بغداد ، بيروت 0
109 ـ الكنى والألقاب ، عباس القمي ، المطبعة الحيدرية ـ النجف ، 1970 م 0
110 ـ اللباب في تهذيب الأنساب ، عز الدين بن الأثير الجزري ، دار صادر ـ بيروت
111 ـ لسان العرب ، ابن منظور ، دار صادر ـ بيروت 0
112 ـ لمع الأدلة في أصول النحو ، أبو البركات الأنباري ، تح 0 سعيد الأفغاني ، دار الفكر ـ بيروت ، 1971 م 0
113 ـ ما اتفق لفظه واختلف معناه ، أبو العباس المبرد ، الطبعة السلفية ، 135 هـ
114 ـ متن السلم في المنطق ، الشيخ الأخضري ، دار إحياء الكتب العربية ، البابي الحلبي ـ القاهرة ، 1960 م 0
115 ـ مجالس ثعلب ، أبو العباس ثعلب ، تح 0 عبد السلام هارون ، دار المعارف ـ مصر ، الطبعة الثانية 0
ـ 241 ـ
116 ـ مجالس العلماء ، أبو القاسم الزجاجي ، تح 0 عبد السلام هارون ، طبعة الكويت ، 1962 م 0
117 ـ المجتنى ، أبو بكر بن دريد ، دار الفكر ـ دمشق ، 1979 م 0
118 ـ المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها ، أبو الفتح عثمان بن جني ، تح 0 علي النجدي ناصف ، وعبد الحليم النجار ، وعبد الفتاح شلبي ، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، لجنة إحياء التراث الإسلامي ـ القاهرة ، 1386 ، 1389 هـ 0
119 ـ مختار الصحاح ، محمد بن أبي بكر الرازي ، مطبعة نهضة مصر ـ القاهرة 0(1/259)
120 ـ المخصص ، أبو الحسن علي بن سيده ، الطبعة الأميرية ـ بولاق ـ مصر ، 1319 هـ 0
121 ـ المذكر والمؤنث ، أبو زكريا الفراء ، تح 0 مصطفى الزرقا ، المطبعة العلمية ـ حلب ، 1345 هـ 0
122 ـ مراتب النحويين ، عبد الواحد بن علي ( أبو الطيب اللغوي ) ، تح 0 محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار نهضة مصر ـ القاهرة ، 1974 م 0
123 ـ مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان ، عبد الله ابن سعد اليافعي ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ، 1970 م 0
124 ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر ، أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي ، تح 0 باربيه دمينار ، و باده دكتورتل ، مؤسسة مطبوعاتي إسماعيليان ـ طهران ، 1970 م 0
125 ـ المزهر في علوم اللغة وأنواعها ، جلال الدين السيوطي ، تح 0 محمد أحمد جاد المولى ، وعلي محمد البجاوي ، ومحمد أبو الفضل إبراهيم ، دار الفكر ـ بيروت
126 ـ مسائل خلافية في النحو ، أبو البقاء العكبري ، تح 0 محمد خير الحلواني ، طبعة حلب 0
127 ـ المستصفى من علم الأصول ، أبو حامد الغزالي ، المكتبة التجارية الكبرى ـ القاهرة ، 1937 م 0
128 ـ المطالع السعيدة في شرح الفريدة في النحو والصرف والخط ، جلال الدين السيوطي ، تح 0 نبهان ياسين حسين ، دار الرسالة ـ بغداد 0
ـ 242 ـ
129 ـ المعارف ، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، تح 0 ثروت عكاشة ، دار المعارف ـ مصر ، 1969 م 0
130 ـ معاني القرآن ، أبو زكريا الفراء ، تح 0 أحمد يوسف نجاتي ، ومحمد علي النجار ، وعبد الفتاح شلبي ، الجزء الأول والثاني ، دار الكتب المصرية ـ القاهرة ، 1955 م ، الجزء الثالث ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1972 م 0
131 ـ معجم الأدباء ، ياقوت الحموي ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، الطبعة الأخيرة 0
132 ـ معجم البلدان ، ياقوت الحموي ، مكتبة المثنى ـ بغداد ، 1965 م 0(1/260)
133 ـ معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواقع ، أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري ، تح 0 مصطفى السقا ، لجنة التأليف والترجمة والنشر ، 1945 ـ 1951 م
134 ـ معجم مقاييس اللغة ، أحمد بن فارس ، تح 0 عبد السلام هارون ، البابي الحلبي ـ مصر ، 1969 م 0
135 ـ مغني اللبيب عن كتب الأعاريب ، ابن هشام الأنصاري ، تح 0 مازن المبارك ، ومحمد علي حمد الله ، دار الفكر الحديث ـ بيروت ، 1979 م 0
136 ـ مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم ، أحمد بن مصطفى ( طاشكبري زادة ) ، تح 0 كامل بكري ، وعبد الوهاب أبو النور ، دار الكتب الحديثة ، 1968 م 0
137 ـ المفصل في علم العربية ، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ، دار الجيل ـ بيروت ، الطبعة الثانية 0
138 ـ دائرة المعارف ( مقتبس الأثر ومجدد ما دثر ) ، محمد حسين الأعلمي ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ طهران ، قم ، كربلاء ، بيروت ، 1973 م 0
139 ـ مقدمة ابن خلدون ، عبد الرحمن بن خلدون ، مكتبة ومطبعة الحاج عبد السلام ابن محمد بن شقروان ـ القاهرة 0
140 ـ مقدمة في النحو ، خلف الأحمر ، تح 0 عز الدين التنوخي ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ـ دمشق ، 1961 م 0
141 ـ المقرب ، علي بن مؤمن بن عصفور ، تح 0 أحمد عبد الستار الجواري ،
وعبد الله الجبوري ، مطبعة العاني ـ بغداد ، 1971 ـ 1972 م 0
ـ 243 ـ
142 ـ المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي ، نشر المقدسي 0
143 ـ المنصف ( شرح تصريف المازني ) ، أبو الفتح عثمان بن جني ، تح 0 إبراهيم مصطفى ، وعبد الله أمين ، البابي الحلبي ـ القاهرة ، 1954 م 0
144 ـ المنقوص والممدود ، أبو زكريا الفراء ، تح 0 عبد العزيز الميمني ، دار المعارف ـ مصر ، 1967 م 0
145 ـ الموفي في النحو الكوفي ، صدر الدين الكنغراوي ، تح 0 محمد بهجة البيطار المجمع العلمي العربي ـ دمشق 0(1/261)
146 ـ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ، جمال الدين بن تغري بردي ، دار الكتب المصرية ـ القاهرة ، 1930 م 0
147 ـ نزهة الألباء في طبقات الأدباء ، أبو البركات الأنباري ، تح 0 إبراهيم السامرائي ، مكتبة الأندلس ـ بغداد ، 1970 م 0
148 ـ النشر في القراءات العشر ، أبو الخير محمد بن محمد بن الجزري ، تح 0 محمد أحمد دهمان ، مطبعة التوفيق ـ دمشق ، 1345 هـ 0
149 ـ نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب ، أحمد بن محمد التلمساني المقري ، تح 0 إحسان عباس ، دار صادر ـ بيروت ، 1968 م 0
150 ـ نهاية الأرب في فنون الأدب ، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري ، تح 0 محمد أبو الفضل إبراهيم ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ، 1975 م 151 ـ النوادر ، عبد الوهاب بن جريس ( أبو مسحل الأعرابي ) تح 0 عزة حسن ، مجمع اللغة العربية ـ دمشق ، 1961 م 0
152 ـ هدية العارفين وأسماء المؤلفين وآثار المصنفين ، إسماعيل باشا البغدادي ، مكتبة المثنى ـ بيروت ، بغداد 0
153 ـ همع الهوامع شرح جمع الجوامع ، جلال الدين السيوطي ، دار المعرفة ـ بيروت 0
154 ـ وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، أبو العباس شمس الدين أحمد بن أبي بكر ابن خلكان ، تح 0 إحسان عباس ، دار الثقافة ـ بيروت 0
ـ 244 ـ
ج ـ المراجع :
1 ـ أبو زكريا الفراء ومذهبه في النحو واللغة ، أحمد مكي الأنصاري ، المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية ـ القاهرة ، 1964 م 0
2 ـ أبو علي الفارسي وآثاره في القراءات والنحو ، عبد الفتاح إسماعيل شلبي ، مطبعة نهضة مصر ، 1958 م 0
3 ـ أثر القرآن والقراءات في النحو العربي ، محمد سمير نجيب اللبدي ، دار الكتب الثقافية ـ الكويت ، 1978 م 0
4 ـ أثر النحاة في البحث البلاغي ، عبد القادر حسين ، دار نهضة مصر ، 1970 م 0
5 ـ الاجتهاد في النحو العربي ، أمين الخولي ، بحث مقدم لمؤتمر المستشرقين المنعقد باستنبول ، 1951 م 0(1/262)
6 ـ إحياء النحو ، إبراهيم مصطفى ، لجنة التأليف والترجمة والنشر ـ القاهرة ، 1959 م 0
7 ـ أطلس التاريخ الإسلامي ، هاري وهازارد ، ترجمة إبراهيم زكي خورشيد ، طبعة النهضة المصرية 0
8 ـ الأعراب الرواة ، عبد الحميد الشلقاني ، دار المعارف ـ مصر 0
9 ـ البحث اللغوي عند العرب ، أحمد مختار عمر ، دار المعارف ـ مصر ، 1971 م
10 ـ تاريخ الأدب العربي ، كارل بروكلمان ، ترجمة عبد الحليم النجار ، دار المعارف ـ مصر ، 1975 م 0
11 ـ تاريخ الأدب العربي ، أحمد حسن الزيات ، دار الثقافة ـ بيروت ، 1978 م 0
12 ـ تاريخ الأدب العربي ، حنا الفاخوري ، المطبعة البولسية ـ بيروت ، 1960 م
13 ـ تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي ، حسن إبراهيم ، مكتبة النهضة المصرية ، 1964 م 0
14 ـ تاريخ الحضارة الإسلامية ، ف 0 بارتولد ، ترجمة حمزة طاهر ، دار المعارف ـ مصر ، الطبعة الثانية 0
15 ـ تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها ، نعوم شقير ، مطبعة المعارف ـ مصر 1916 م 0
ـ 245 ـ
16 ـ تاريخ الشعوب الإسلامية ، كارل بروكلمان ، ترجمة أمين فارس ، ومنير البعلبكي ، دار العلم للملايين ـ بيروت ، 1961 م 0
17 ـ تاريخ الفلسفة في الإسلام ، ت 0 ج 0 ديبور ، ترجمة محمد عبد الهادي أبو ريدة ، مطبعة لجنة التأليف ـ القاهرة ، 1957 م 0
18 ـ التطور النحوي للغة العربية ، برجستر أسر ، مطبعة السماح ، 1929 م 0
19 ـ الحياة الأدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري ، أحمد كمال زكي ، دار المعارف ـ مصر ، 1971 م 0
20 ـ خطط الشام ، محمد كرد علي ، المطبعة الحديثة ـ دمشق ، 1925 م 0
21 ـ خطط الكوفة وشرح خريطتها ، لويس ماسنيون ، تح 0 كامل سليمان الجبوري مطبعة الغري الحديثة ـ النجف ، 1979 م 0
22 ـ الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين وكتاب الإنصاف ، محمد خير الحلواني دار القلم العربي ـ حلب ، 1970 م 0(1/263)
23 ـ دائرة المعارف الإسلامية ، ترجمة عبد الحميد يونس ورفاقه ، 1935 م 0
24 ـ دائرة معارف القرن العشرين ، محمد فريد وجدي ، مطبعة دائرة معارف القرن العشرين ، 1924 م 0
25 ـ دراسات في العربية وتاريخها ، محمد الخضر حسين ، المكتب الإسلامي ـ دمشق ، 1960 م 0
26 ـ دروس في كتب النحو ، عبده الراجحي ، دار النهضة العربية ـ بيروت ، 1974 م 0
27 ـ السماع والقياس ، أحمد تيمور ، لجنة نشر المؤلفات التيمورية ، 1955 م 0
28 ـ سيبويه إمام النحاة ، علي النجدي ناصف ، لجنة البيان العربي 0
29 ـ الشعر والشعراء في العصر العباسي ، مصطفى الشكعة ، دار العلم للملايين ـ بيروت ، 1973 م 0
30 ـ ضحى الإسلام ، أحمد أمين ، دار الكتاب العربي ـ بيروت ، الطبعة العاشرة 0
31 ـ الطرف الأدبية لطلاب العلوم العربية ، محمد أمين الخانجي ، مطبعة السعادة ـ مصر ، الطبعة الأولى 0
32 ـ العربية ، يوهان فك ، ترجمة عبد الحليم النجار ، دار الكتاب العربي 0
ـ 246 ـ
33 ـ فجر الإسلام ، أحمد أمين ، مكتبة النهضة المصرية ، 1933 م 0
34 ـ فقه اللغة ، علي عبد الواحد وافي ، دار نهضة مصر ـ القاهرة ، 1973 م 0
35 ـ فقه اللغة المقارن ، إبراهيم السامرائي ، دار العلم للملايين ـ بيروت ، 1978 م
36 ـ في أصول النحو ، سعيد الأفغاني ، مطبعة الجامعة السورية ، 1951 م 0
37 ـ القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية ، عبد العال سالم مكرم ، دار المعارف ـ مصر ، 1965 م 0
38 ـ قلب جزيرة العرب ، فؤاد حمزة ، طبعة السلفية ، 1933 م 0
39 ـ القواعد النحوية مادتها وطريقتها ، عبد الحميد حسن ، مطبعة العلوم ، 1946 م 0
40 ـ القياس في اللغة العربية ، محمد الخضر حسين ، الطبعة السلفية ـ القاهرة ، 1353 هـ 0
41 ـ الكامل في الدراسات النحوية ونشأتها ، محمد محمود هلال ، منشورات جامعة قاريونس ـ بنغازي 0(1/264)
42 ـ اللغة ، ج 0 فندريس ، ترجمة عبد الحميد الدواخلي ، ومحمد القصاص ، الأنجلو المصرية ـ القاهرة ، 1950 م 0
43 ـ اللغة العربية وعلومها ، عمر رضا كحالة ، مكتبة النشر ـ دمشق ، 1971 م 44 ـ محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية ، محمد الخضري ، طبعة الاستقامة ، 1313 هـ 0
45 ـ المدارس النحوية ، شوقي ضيف ، دار المعارف ـ مصر ، 1976 م 0
46 ـ المدخل إلى دراسة النحو العربي على ضوء اللغات السامية ، عبد الحميد عابدين مطبعة الشبكش ، الأزهر ـ القاهرة ، 1951 م 0
47 ـ المدخل إلى علم النحو والصرف ، عبد العزيز عتيق ، دار النهضة ـ بيروت ، 1967 م 0
48 ـ مدرسة البصرة النحوية نشأتها وتطورها ، عبد الرحمن السيد ، دار المعارف ـ مصر ، 1968 م 0
49 ـ مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة النحو واللغة ، مهدي المخزومي ، مطبعة البابي الحلبي ـ مصر ، 1958 م 0
ـ 247 ـ
50 ـ مع المصادر في اللغة والأدب ، إبراهيم السامرائي ، مطبعة الأديب البغدادية ـ بغداد 1979 ، 1980 م 0
51 ـ المعتزلة ، زهدي حسن جاد الله ، منشورات النادي العربي ـ يافا ، 1947 م 0
52 ـ معجم قبائل العرب القديمة والحديثة ، عمر رضا كحالة ، طبعة الهاشمية ـ دمشق ، 1949 م 0
53 ـ معجم المؤلفين ، عمر رضا كحالة ، مكتبة المثنى ، 1957 م 0
54 ـ مقدمة لدرس لغة العرب ، عبد الله العلايلي ، إدارة المطبعة العصرية ـ مصر 0
55 ـ من أسرار اللغة ، إبراهيم أنيس ، الأنجلو المصرية ، 1978 م 0
56 ـ منهج الأخفش الأوسط في الدراسة النحوية ، عبد الأمير محمد أمين الورد ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ، 1975 م 0
57 ـ المواهب الفتحية في علوم اللغة العربية ، حمزة فتح الله ، المطبعة الأميرية ـ مصر ، 1312 هـ 0
58 ـ النحاة والحديث النبوي ، حسن موسى الشاعر ، وزارة الثقافة والشباب ـ الأردن ، 1980 م 0
59 ـ النحو العربي والدرس الحديث ، عبده الراجحي ، دار النهضة العربية ـ بيروت 1979 م 0(1/265)
60 ـ النحو العربي نقد وبناء ، إبراهيم السامرائي ، دار الصادق ـ بغداد ، 1968 م
61 ـ نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة ، محمد الطنطاوي ، دار المعارف ـ مصر ، 1973 م 0
62 ـ نصوص في النحو العربي من القرن السادس إلى الثامن ، يعقوب بكر ، دار النهضة العربية ـ بيروت ، 1971 م 0
63 ـ نظرات في اللغة والنحو ، طه الراوي ، المكتبة الأهلية ـ بيروت ، 1962 م 0
64 ـ نظرية الأدب ، اوستن وارين ، ورينيه وليك ، ترجمة محي الدين الخطيب ، مطبعة خالد الطرابيشي ، 1972 م 0
65 ـ هذا النحو ، أمين الخولي 0
66 ـ هل العربية منطقية ، الأب أ 0 س ( مرمرجي الدومنيكي ، مطبعة المرسلين اللبنانيين ـ بيروت ، 1947 م 0
ـ 248 ـ
د ـ المراجع الأجنبية :
1 ـ كيف انتقلت العلوم اليونانية إلى العربية ، دي لاسي اوليري ، لندن ، 1949 م 0
( بالانجليزية )
هـ ـ الدوريات :
... 1 ـ مجلة لغة العرب ، مجلة شهرية ، صاحب الامتياز الأب انستانس ماري الكرملي ،
... وزارة الإعلام ـ بغداد 0
... 2 ـ مجلة مجمع اللغة العربية ، إشراف إبراهيم أنيس ـ القاهرة 0
... 3 ـ مجلة المورد ، مجلة تراثية فصلية ، المجلد الثالت ، العدد الثالث ، وزارة الإعلام
ـ بغداد ، 1974 م 0(1/266)