الإمام أحمد بن حنبل الشيباني
ومسنده
أحمد بن عبدالرحمن بن سليمان الصويان
أحمد بن حنبل
(164 – 241هـ)
أحد الأئمة الأعلام، ومن الأفذاذ الذين قلَّما يجود الزمان بمثلهم. أحاط بالمجد من جميع أطرافه، وبرز في كثير من العلوم، فهو عند المحدِّثين: إمامهم، وعند الفقهاء: سيدهم، وعند الحفاظ: أميرهم، وعند الشجعان: رائدهم، وعند الثابتين على الحق: قائدهم .
الوضع القائم في عصره:
عاش الإمام أحمد بن حنبل في عصر استقرت الأمور فيه للدولة العبَّاسية، التي ظهر فيها بشكلٍ جلي اعتماد الولاة على العناصر الأعجمية، لتثبيت حكمهم. فاعتمد المأمون على الفرس، والمعتصم على الترك. حتى بدأ الضعف يطغى شيئاً فشيئاً على الدولة العباسية.
ومن الملامح العامَّة التي تُميِّز المدة التي عاشها الإمام أحمد:
1- البدء في ترجمة الكتب الفلسفية من يونانية، ورومانية، وفارسية، وهندية، بدعم من الولاة.
2- نتج من جراء هذا: انتشار البدع في عقائد الناس، وعباداتهم بشكل سريع.
3- انتشرت الرافضة والمعتزلة، ودعم الولاة المذهب الاعتزالي خاصة، والقول بخلق القرآن. وأصاب المسلمين محنةً وبلاء.
4- الطغيان الماديّ الجامح، ليس في قصور الولاة والأمراء فحسب، بل حتى عند عامة الناس.
هذه بعض الملامح الرئيسية التي تميز البيئة التي عاش فيها الإمام أحمد بن حنبل. ويلخص لنا المقريزيّ رحمه الله تعالى الآثار الناتجة من ترجمة كتب الفلسفة فيقول:
"وبتعريب المأمون لكتب الفلسفة انتشرت مذاهب الفلاسفة في الناس، واشتهرت مذاهب الفرق من: القدرية والجهمية والمعتزلة والأشعرية والكرامية والخوارج والروافض والقرامطة والباطنية، حتى ملأت الأرض، وما منهم إلا من نظر في الفلسفة، وسلك من طرقها ما وقع عليه اختياره، فانجر بذلك على الإسلام وأهله من علوم الفلاسفة ما لا يوصف من البلاء والمحنة في الدين. أ هـ" .(1/1)
في هذه الفترة الحرجة ولد الإمام أحمد بن حنبل ليَنْصُر الله به الدين، ويعز به أهل السنّة والجماعة، لينطبق عليه حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعاً: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يُجدِّد لها دينها" .
اسمه ونسبه:
هو: أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبدالله بن حيَّان بن عبدالله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان ابن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل الذهليّ الشيباني. يلتقي نسبه مع الرسول r في: نزار بن معد بن عدنان. قدم به والده من مرو وهو حمل، فوضعته أمه في بغداد في ربيع الأول من سنة أربع وستين ومائة. وتوفى أبوه وهو ابن ثلاث سنين، فكفلته أمه. ويُنسب إلى جده لشهرته .
شيوخه:
سمع الإمام أحمد من عدد كبير من العلماء يصعب حصرهم، ويطول ذكرهم. حيث أكثر الترحال إلى كثير من الأمصار كـ: البصرة، والكوفة، والشام، والجزيرة، والحرمين، واليمن، وغيرها.
وأذكر من شيوخه على سبيل المثال:
محمد بن إدريس الشافعي، وسُفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، ويحيى القطان، ويزيد بن هارون، وإسماعيل بن عُليَّة، وهشيم بن بشير، وعبدالرزاق بن همام الصنعاني، وغيرهم.
قال الحافظ الذهبيّ: ((فعدة شيوخه الذين روى عنهم في المسند: مئتان وثمانون ونيف)) .
وقال ابن الجزري: ((مئتان وثمانون رجلاً)) .
تلاميذه:
سمع من الإمام أحمد عدد كثير من العلماء، ورحل إليه الناس من أماكن بعيدة ليسمعوا منه. وممّن سمع منه:
ابنيه عبدالله وصالح، وابن عمه حنبل بن إسحاق، وأبو زُرعة، والبخاريّ، ومسلم، وأبو داود صاحب السنن –، والأثرم، وأبو يعلى الموصلي – صاحب المسند –، والميمونيّ، وابن هانئ، وغيرهم.
حفظه:
يمتاز الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى بالحفظ الواسع، والإطلاع الكثير، حيث شهد له بذلك حفاظ الأمة ومُحدِّثوها.
o قال ابو زُرعة:(1/2)
"حزُرت كتب أحمد يوم مات فبلغت اثنى عشر حملاً وعدلاً، ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان، ولا في بطنه حدّثنا فلان، كل ذلك كان يحفظه على ظهر قلبه" .
o وقال عبدالله بن أحمد: قال لي أبو زُرعة: ((أبوك يحفظ ألف ألف حديث)). فقيل له: وما يدريك؟ قال: ((ذاكرته فأخذت عليه الأبواب)) .
ويعلِّق الحافظ الذهبيّ على هذا القول، فيقول:
"وكانوا يعدُّون في ذلك المكرر، والأثر، وفتوى التابعيّ، وما فُسِّر، ونحو ذلك. وإلا فالمتون المرفوعة القوية لا تبلغ عُشر معشار ذلك" .
o وقال علي بن المديني:
"ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبدالله أحمد بن حنبل، إلا أنّه لا يُحدِّث إلا من كتابه، ولنا فيه أسوةٌ حسنة" .
قلت: وهذا من تمام ورعه رحمه الله تعالى.
o وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل:
"كَتَب أبي عشرة آلاف ألف حديث، لم يكتب سواداً في بياض إلا حفظه" .
قلت: ما وصل الإمام أحمد إلى هذه المنزلة الرفيعة إلا بحرصه الشديد ومثابرته على طلب العلم، فبقدر ما تعطى العلم من نفسك، فإنّه يُظهر لك من كنوزه ودرره. وإليك مصداق ذلك:
o قال الخلال: حدّثنا أبو إسماعيل الترمذيّ، سمعت قتيبة بن سعيد يقول: ((كان وكيع إذا كانت العتمة ينصرف معه أحمد بن حنبل، فيقف على الباب فيذاكره، فأخذ وكيع ليلة بعضادتي الباب، ثم قال: يا أبا عبدالله، أريد أن ألقي عليك حديث سفيان، قال: هات. قال: تحفظ عن سفيان عن سلمة بن كهيل كذا؟ قال: نعم حدّثنا يحيى، فيقول: سلمة كذا وكذا؟ فيقول: حدثنا عبدالرحمن، فيقول: عن سلمة كذا وكذا؟ فيقول: أنت حدثتنا، حتى يفرغ من سلمة، ثم يقول أحمد: فتحفظ عن سلمة كذا وكذا؟ فيقول وكيع: لا، ثم يأخذ في حديث شيخ شيخ، قال: فلم يزل قائماً حتى جاءت الجارية فقالت: قد طلع الكوكب، أو قالت: الزهرة)) .
ولهذا نجد الإمام أحمد قد أتقن حديث وكيع إتقاناً جيداً.(1/3)
o قال عبدالله بن أحمد: قال لي أبي: ((خذ أيّ كتابٍ شئتَ من كُتب وكيع، فإن شئتَ تسألني عن الكلام فأخُبرك بالإِسناد، وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك عن الكلام)) .
o وصدق ابن الجوزيّ حينما قال عن الإمام أحمد:
"كان رضي الله عنه شديد الإقبال على العلم، سافر في طلبه السفر البعيد ووفر على تحصيله الزمان الطويل، ولم يتشاغل بكسب ولا نكاح حتى بلغ منه ما أراد" .
ثناء الأئمة عليه:
o قال الإِمام الشافعي:
"خرجتُ من بغداد، وما خَلَّفتُ بها أحداً أتقى ولا أروع ولا أعلم من أحمد بن حنبل" .
وكفى بهذه شهادة من شيخه وإمام عصره محمد بن إدريس رحمه الله تعالى.
o وقال عبدالرزاق بن همّام الصنعاني:
"ما قدم علينا أحدٌ كان يشبه أحمد بن حنبل" .
o وقال أيضاً:
"ما رأيتُ مثل أحمد بن حنبل" .
قلت: قال عبدالرزاق ذلك، وقد رأى أئمة العلم مثل: معمر بن راشد، والإمام مالك، والسفياني، وابن جُريج، وابن معين، وغيرهم.
o وقال إبراهيم الحربي:
"كأنّ الله قد جمع له علم الأولين من كل صنف، يقول ما يرى ويمسك ما شاء" .
o وقال شجاع بن مخلد: سمعت أبا الوليد الطيالسيّ يقول:
"ما بالمِصْرَيْن – يعني: الكوفة والبصرة – رجلٌ أكرم عليَّ من أحمد بن حنبل" .
o وقال الهيثم بن جميل:
"إن عاش هذا الفتى سيكون حجَّةٌ على أهل زمانه" .
o وقال أبو جعفر النفيلي:
"كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين" .
o وقال إسماعيل بن خليل:
"لو كان أحمد بن حنبل في بني إسرائيل لكان آية" .
ولو تتبعت ثناء الأئمة عليه لطال بنا المقام، ولكن أختم بقول الإمام الذهبي:
"كان أحمد عظيم الشأن، رأساً في الحديث، وفي الفقه، وفي التألّه. أثنى عليه خلق من خصومه، فما الظن بإخوانه وأقرانه؟!! وكان مهيباً في ذات الله. حتى قال أبو عبيد – القاسم بن سلام –: ما هبت أحداً في مسألة ما هبت أحمد بن حنبل" .
احترام العلماء له:(1/4)
العلماء لهم منزلةٌ عظيمة ومكانة رفيعة، فهم ورثة الأنبياء، والعلم تاج يرفع من ذكر الإنسان ويُعلى قدره، وكم من أصيل النَّسب حطه الجهل، وكم من وضيع النسب رفعه العلم فوق جميع الناس، وصدق من قال:
العلم يرفع بيتاً لا عماد له
والجهل يهدم بيت العز والشرف
ويزداد فضل الإنسان ومكانته بزيادة علمه وعمله، والإمام أحمد رحمه الله تعالى جمع الأمرين معاً، ممّا جعل شيوخه قبل تلاميذه يقدرونه، ويجلونه، ويحترمونه، حتى قال إدريس بن عبدالكريم المقرئ:
"رأيتُ علماءنا مثل الهيثم بن جميل، ومصعب الزبيريّ – وذكر (20) عالماً من الحفاظ والفقهاء – فيمن لا أحصيهم من أهل العلم والفقه، يُعظمون أحمد بن حنبل، ويُجلّونه، ويوقِّرونه، ويبجلونه، ويقصدونه للسلام عليه" .
وقال أحمد بن شيبان:
"ما رأيتُ يزيد بن هارون لأحد أشدّ تعظيماً منه لأحمد بن حنبل، وكان يقعده إلى جنبه إذا حدثنا وكان يوقر أحمد بن حنبل ولا يمازحه" .
ويزيد بن هارون من شيوخ أحمد ويعتبر من الأئمة الحفاظ الأثبات، ومع ذلك نجده يحترم الإمام أحمد هذا الإحترام. ويزيد بن هارون صاحب نكتة وطرافة، لكنَّه يتحرّز من ذلك عن الإمام أحمد. قال خلف بن سالم: ((كنَّا في مجلس يزيد بن هارون، فمزح يزيد مع مستمليه، فتنحنح أحمد بن حنبل، فضرب يزيد بيده على جبينه، وقال: ألا أعلمتموني أنَّ أحمد ههنا حتى لا أمزح!!)) .
وقال أبو بكر المروزي: أخبرني عبدالله بن المبارك – شيخ سمع منه قديماً، وليس بالخراساني – قال: ((كنتُ عند إسماعيل بن عُليَّة، فتكلم إنسان فضحك بعضنا، وثم أحمد بن حنبل. فأتينا إسماعيل فوجدناه غضبان، فقال: أتضحكون وعندي أحمد بن حنبل؟!)) .(1/5)
رحم الله الإمام أحمد بن حنبل، فقد كان رجلاً جادَّاً، متميزاً، حريصاً على وقته، وعلى طلبه للعلم. وهذه الصفات هي التي جعلت شوامخ العلماء يحترمونه ويقدِّرونه، حتى أنّ كثيراً من العلماء كان يسميه بـ: ((الإمام)) أو ((إمامنا)) سواء من شيوخه أو من أقرانه أو من تلاميذه، فمنهم: الإمام المبجل يحيى بن آدم وعليّ بن المديني الذي قال:
"اتخذتُ أحمد بن حنبل إماماً فيما بيني وبين الله" .
كما كان يسميه أيضاً بـ: ((سيدنا)) . وممّن يُسميه بالإِمام أيضاً: بشر بن الحارث ، والذهلي ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، وقتيبة بن أحمد ، وأبو محمد عبدالله بن عبدالرحمن ، وغيرهم .
زهد الإِمام أحمد:
عندما تُدْبر الدنيا عن الإنسان، ويدَّعى الزهد فيها، فهو وإن كان صادقاً في زهده هذا، إلا أنَّ هذا الزهد سهل المنال.
أمّا حينما تقبل الدنيا بخيلها ورجلها، وتقف بين يدي الإنسان ثم يزهد فيها، فلا شك أنّ هذا هو الزهد الحقيقي، الذي تتضاغر عنده النفوس، ولا يُطيقه إلى القلة الصابرة المحتسبة، النَّاظرة لنعيم الآخرة، المعرضة عن نعيم الدنيا.
والإمام أحمد رحمه الله تعالى من النوع الثاني، وصدق ابن النحاس حينما قال في الإمام أحمد بن حنبل:
"رحمه الله، عن الدنيا ما كان أصْبره، وبالماضين ما كان أشْبهه، وبالصالحين ما كان ألْحقه. عُرضتْ له الدنيا فأباها، والبدع فنفاها" .
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى على قول ابن النّحاس: ((وهذه حال أئمة المتقين، الذين وصفهم الله في كتابه بقوله: "وَجَعَلنَا مِنْهُم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُواْ بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ" (سورة السجدة آية 24).(1/6)
فبالصبر تترك الشهوات، وباليقين تُدفع الشبهات، قال تعالى: "وَتَوَاصَواْ بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ" (سورة العصر آية 3). وقوله تعالى: "وَاذْكُر عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى الأَيْدِى وَالأَبْصَارِ" (سورة ص آية 45) .
والحديث عن زهد الإمام أحمد رحمه الله باب يطول، نقتصر على القليل منه: قال صالح بن أحمد:
"ربما رأيت أبي يأخذ الكِسَر، يَنْفُض الغبار عنها، ويُصيِّرها في قصعة، ويصُب عليها ماء، ثم يأكلها بالملح، وما رأيته اشترى رُمّاناً ولا سفرْجلاً، ولا شيئاً من الفاكهة، إلا أن تكون بطيخة فيأكلها بخبز وعنباً وتمراً" .
قلت: وهذا من شدة خوفه من الله سبحانه وتعالى، فقد قال المروذي:
"كان الإمام أحمد إذا ذكر الموت خنقته العَبْرةُ، وكان يقول: الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب" .
وقال صالح بن أحمد:
"قال لي أبي: كانت والدتك في الظلام تَغْزل غزلاً دقيقاً، فتبيع الأستار بدرهمين أقل أو أكثر، فكان ذلك قوتنا. وكنا إذا أشترينا الشيء نستره عنه كيلا يراه فيُوبخنا، وكان ربما خُبز له، فيجعل في فخارة عدساً وشحماً وتمرات لهريز ، فيجيء الصبيان فيصوِّت ببعضهم، فيدفعه إليهم، فيضحكون ولا يأكلون. وكان يأتدم بالخل كثيراً" .
وأما عن بيته فيصفه لنا الميمونيّ بقوله:
"كان منزل أبي عبدالله ضيِّقاً صغيراً، وينام في الحر في أسفله" .
لذلك لمّا أدخل أحمد بن عيسى المصريّ ومعه قوم من المحدّثين على أبي عبدالله أحمد بن حنبل بالعسكر، فقال له أحمد بن عيسى: ((يا أبا عبدالله، ما هذا الغمُّ؟ الإسلام حنيفيَّة سمحة، وبيت واسع!! فنظر إليهم وكان مضطجعاً، فلما خرجوا، قال أبو عبدالله: ((ما أُريد أن يدخل عليَّ هؤلاء!)) .
قلت: لما قرأت هذا الخبر تذكرت قول المصطفى (r) في صفة الطائفة المنصورة: "لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم.." .(1/7)
وكان الإمام أحمد بن حنبل يرفض التزلف تحت أعتاب السلطان، ويرفض عطايا الولاة بنفسٍ أبيةٍ عزيزة، فقد قال إسحاق بن موسى الأنصاريّ: ((دفع إليّ المأمون مالاً فقال: اقسمه على أصحاب الحديث فإنَّ فيهم ضعفاً. فما بقي أحد إلا أخذ، إلا أحمد بن حنبل فإنَّه أبى)) .
بل كان رحمه الله يغضب على أولاده حينما يقبلون جوائز الأمراء، فقد ذكر أحمد بن محمّد التُّستري: ((أنَّ أحمد بن حنبل أتى عليه ثلاثةُ أيام ما طَعم فيها، فبعث إلى صديق له، فاقترض منه دقيقاً، فجهزوه بسرعة، فقال: كيف ذا؟! قالوا: تنور صالح مُسْجَر فخبزنا فيه، فقال: ارفعوا، وأمر بسدِّ بابٍ بينه وبين صالح)) .
قال الحافظ الذهبي: لكونه أخذ جائزة المتوكل.
قلت: والأمثلة على رد الإمام أحمد جوائز الخلفاء كثيرة، وذلك لأنَّه آثر الباقية على الفانية، فقد قال صالح بن أحمد: ((قلت لأبي: إنّ أحمد الدورقيّ أُعطي ألف دينار، فقال: يا بني "وَرِزْقُ ربِّك خير وأَبْقى" (سورة طه: آية 131).
رحم الله الإمام أحمد فقد حفظ العلم، وحفظ كرامة العلماء، فلم يجعل العلم عبثاً.
رحم الله الإمام أحمد فقد قال:
"إذا ذكر الموت هان عليّ كل شيء من أمر الدنيا، وإنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنها أيام قلائل، ما أَعْدِل بالفقر شيئاً" .
ثم إن الإمام أحمد كان يرفض عطايا شيوخه، حتى لو كان محتاجاً لها، فقد روى عبدالله بن أحمد قال: حدّثني أبي قال: ((عرض عليّ يزيد بن هارون خمسمائة درهم أو أكثر أو أقل، فلم أقبل منه. وأعطى يحيى بن معين، وأبا مسلم المستمليّ فأخذا منه)) .
قال إسحاق بن راهُويه:
"كنت أنا وأحمد باليمن عند عبدالرزاق، وكنت أنا فوق الغرفة وهو أسفل، وكنتُ إذا جئت إلى موضع اشتريت جارية، قال: فاطلعت على أنّ نفقته فنيت، فعرضت عليه فقلت: إن شئت قرضاً، وإن شئت صلة، فأبى. فنظرت فإذا هو ينسج التكك ويبيع وينفق" .(1/8)
كما رفض رحمه الله عطية شيخه عبدالرزاق بن همّام الصنعانيّ لمَّا كان عنده باليمن، مع أنّه كان في أمَسِّ الحاجة إليها .
كما امتنع عن قبول هدية ابن الجرويّ ومقدارها ثلاثة آلاف دينار، مع الإلحاح الشديد .
قلت: وهذا من تمام توكل الإمام أحمد رحمه الله على الخالق الرازق عزَّوجلّ، حيث سئل الإمام أحمد عن التوكل فقال: ((قطع الاستشراف بالإياس من الخلق)). فقيل له: فما الحجة فيه؟ قال:
"قول إبراهيم – عليه السلام – لمَّا وضع في المنجنيق ثم طرح في النار، اعترض له جبريل – عليه السلام – فقال: هل من حاجة؟ فقال: أمَّا إليك فلا. قال: فسل من لك إليه حاجة. فقال: أحبُّ الأمرين إليَّ أحبُّهما إليه" .
وقد وصف زهد الإمام أحمد جمع من معاصريه، من شيوخه وأقرانه وتلاميذه. فمن ذلك: قال يحيى الشامي:
"ما رأيتُ أحداً أجمع لكل خير من أحمد، وقد رأيتُ سفيان بن عيينة ووكيعاً وعدة من العلماء. فما رأيت مثل أحمد في: علمه، وفقهه، وزهده، وورعه" .
وقال يحيى بن معين:
"كان في أحمد خصال ما رأيتها في عالم قط، كان محدِّثاً، وكان حافظاً، وكان عالماً، وكان ورعاً، وكان زاهداً، وكان عاقلاً" .
ومن أجمل ما رأيت في وصف زهد الإمام أحمد قول تلميذه: سليمان ابن الأشعث السجستاني – صاحب السنن –:
"لقيت مائتين من مشايخ العلم، فما رأيت مثل أحمد بن حنبل لم يكن يخوض فيه النَّاس من أمر الدنيا. فإذا ذُكر العلم تكلم" .
وقال أبو داود أيضاً:
"كانت مجالسةُ أحمد بن حنبل مجالسةَ الآخرة. لا يُذكر فيها شيء من الدنيا. ما رأيتُ أحمد ذكر الدنيا قط" .
قلت: وأعْظِم بها من شهادة، من رجل حافظ ثقة مصنِّف دقيق العبارة، أحد الذين تتلمذوا وأكثروا عن الإمام أحمد، وعرفه تمام المعرفة.
وأختم حديثي عن زهد الإمام أحمد بقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:(1/9)
"وقد صنَّف أحمد في الزهد كتاباً حافلاً عظيماً، لم يُسبق إلى مثله، ولم يَلْحقه أحدٌ فيه. والمظنون بل المقطوع به أنّه إنّما كان يأخذ بما أمكنه منه رحمه الله" .
فقه الإمام أحمد:
الحديث عن فقه الإمام أحمد وتضلّعه في هذا الباب يطول، ومن المعلوم أنَّ مذهب الإمام أحمد في الفقه أحد المذاهب المعتبرة، ويعتبر رابع المذاهب المشهورة.
وقد أقام الإمام أحمد بن حنبل مذهبه الفقهي على خمسة أصول كما بينها ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى وهي:
الأول: النصوص: فإذا وجد النّص أفتى بموجبه ولم يتلفت إلى ما خالفه ولا من خالفه كائناً من كان.
الثاني: ما أفتى به الصحابة: فإنَّه إذا وجد لبعضهم فتوى لا يُعرف له مخالف منهم فيها لم يَعْدُها إلى غيرها.
الثالث: إذا اختلف الصحابة تخيَّر من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنَّة، ولم يخرج من أقوال الصحابة. فإن لم يتبيَّن له موافقة أحد الأقوال، حكى الخلاف فيها، ولم يجزم بقول.
الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه على القياس.
وقد بيّن الإمام ابن القيم المراد بالحديث الضعيف الذي يأخذ به الإمام أحمد، حينما قال رحمه الله تعالى:
"وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه فالعمل به. بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى: صحيح وحسن وضعيف، بل إلى: صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه، ولا قول صاحب، ولا إجماع على خلافه، كان العمل به عنده أولى من القياس. أ هـ".
الخامس: إذا لم يكن عند الإمام أحمد في المسألة نص، ولا قول صحابة، أو أحد منهم، ولا أثر مرسل أو ضعيف، عدل إلى الأصل الخامس وهو: القياس، فاستعمله للضرورة .(1/10)
ثم قال الإمام ابن القيم: ((فهذه الأصول الخمسة من أصول فتاويه، وعليها مدارها. وقد يتوقف في الفتوى، لتعارض الأدلة عنده. أو لإختلاف الصحابة فيها، أو لعدم إطلاعه فيها على أثر أو قول أحد من الصحابة والتابعين.
وكان يدرس الكراهة والمنع للإفتاء بمسألة ليس فيها أثر عن السلف، كما قال لبعض أصحابه: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام.
وكان يسوِّغ من استفتاء فقهاء الحديث وأصحاب مالك، ويدل عليهم، ويمنع من استفتاء فقهاء الحديث وأصحاب مالك، ويدل عليهم، ويمنع من استفتاء من يُعرض عن الحديث، ولا يبني مذهبه عليه ولا يسوغ العمل بفتواه...)) .
قلت: ولي ها هنا مع الأصل الرابع وقفة قصيرة: فابن قيم الجوزية تبع في هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى، وإليك قول شيخ الإسلام:
"قولنا إنَّ الحديث الضعيف خير من الرأي، ليس المراد به: الضعيف المتروك، لكنّ المراد به: الحسن، كحديث: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وحديث: إبراهيم الهجريّ، وأمثالهما ممَّن يُحسِّن الترمذيّ حديثه أو يُصححه" .
وقال رحمه الله أيضاً:
"وأول من عُرف أنَّه قسَّم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف: أبو عيسى الترمذيّ" .
ولي ههنا وقفتان:
الأولى: لا يُسلَّم بأنَّ الترمذيّ رحمه الله تعالى هو أول من قسم الحديث التقسيم الثلاثي، بل عُرفت هذه القسمة قبله، حيث ورد لفظ التحسين على لسان عدة من العلماء السابقين للإمام الترمذي، ومن أمثلة ذلك: ما ذكره ابن القيم نفسه عن الإمام أحمد بن حنبل أنَّه حسَّن حديث ركانة في طلاقه امرأته ثلاثاً في مجلس واحد، فقال ابن القيم: ((وقد صحَّح أحمد هذا الحديث وحسنه)) .(1/11)
وقد ذكر الإمام عليّ بن المديني حديث عمر بن الخطاب مرفوعاً: ((إنّي مُمْسك بحجزكم عن النار)). وقال: ((هذا حديث حسن الإسناد)) . لذلك قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في نكته على مقدمة ابن الصلاح: ((قد أكثر عليّ بن المديني من وصف الأحاديث بالصحة والحسن في مسنده وعلله، وكان الإمام السابق لهذا الإصطلاح. وعنه أخذ: البخاريّ، ويعقوب بن شيبة، وغير واحد. وعن البخاريّ أخذ الترمذيّ)) .
والذي يدلك على أنَّ الترمذيّ أخذ هذا الإصطلاح عن الإمام البخاريّ: أنَّه نقل عنه في جامعه تحسين بعض الأحاديث، ومنها حديث: "من زرع في أرض قوم بغير إذنه، فليس له من الزرع شيء وله نفقته" قال البخاري: هذا حديث حسن .
وكذلك جاء ذكر الحديث الحسن عند الحافظ: أبي حاتم الرازي رحمه الله تعالى .
وبهذا يتبيَّن: أنَّ الإمام الترمذيّ مسبوق في هذا الإصطلاح. ولكن لا شك بأنَّ الإمام الترمذيّ هو الذي نشر هذا التقسيم ونوَّه به، قال الحافظ ابن الصلاح:
"كتاب أبي عيسى الترمذيّ رحمه الله أصل في معرفة الحديث الحسن، وهو الذي نوَّه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه، ويوجد في متفرقات من كلام مشايخه والطبقة التي قبله. كأحمد بن حنبل والبخاريّ" .
الوقفة الثانية: هل كان الإمام أحمد بن حنبل يقصد بالحديث الضعيف: الحديث الحسن؟! هذا أمر لا يُسلَّم به، لأنّ الإمام أحمد يحتج بالحديث المرسل كما نص على ذلك ابن القيم، والمرسل كما هو معلوم: نوع من أنواع الحديث الضعيف! ثم لو كان الإمام أحمد يقصد بالحديث الضعيف: ((الحديث الضعيف! ثم لو كان الإمام أحمد يقصد بالحديث الضعيف: ((الحديث الحسن)) للزم من كلام ابن القيم أنَّ الإمام أحمد يُقدِّم قول الصحابي على الحديث الحسن – على حسب ما قرره ابن القيم في ترتيب الأصول التي اعتمد عليها أحمد – وهذا مما لم يقله أحد من أهل العلم.(1/12)
لكن مع هذا لا شك في أنَّ الإمام أحمد بن حنبل لا يقصد بالحديث الضعيف – الذي يقدمه على القياس – هو الباطل أو المنكر أو ما في روايته متهم. بل كان يُقدم الحديث الضعيف ضعفاً محتملاً على القياس، كما حرَّر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، والله أعلم.
بعد هذا العرض الموجز في أصول مذهب الإمام أحمد أقول: إنَّ الإمام أحمد بن حنبل أحد المحدِّثين البارزين، جمع من علمه بالحديث ورجاله فقهاً استطاع به أن يعرف دلائل النصوص ومراميها. فقد قال إسحاق بن راهُويه رحمه الله تعالى:
"كنت أُجالس بالعراق: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأصحابنا، وكنا نتذاكر الحديث من طريق وطريقين وثلاثة. فيقول يحيى بن معين من بينهم: وطريق كذا. فأقول: أليس هذا صحَّ بإجماع منَّا؟ فيقولون: نعم. فأقول: ما مراده، ما تفسيره، ما فقهه؟! فيبقون كلهم إلا أحمد بن حنبل" .
وقد أثنى كثير من العلماء على فقه الإمام أحمد بن حنبل ثناءً عظيماً، ومن ذلك ما قاله شيخه عبدالرزاق بن همّام:
"ما رأيتُ أفقه من أحمد بن حنبل ولا أروع" .
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام:
"انتهى العلم إلى أربعة: إلى أحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه، وإلى ابن أبي شيبة وهو أحْفظهم له، وإلى عليّ بن المدينيّ وهو أعلمهم به، وإلى يحيى بن معين وهو أكتبهم له" .
وهذه شهادة جليلة من أبي عبيد الذي قال عنه إبراهيم الحربي:
"رأيتُ أبا عبيد القاسم بن سلام ما مثله إلا بجبل نُفخ فيه روح" .
وقال عن ابن القيم:
"كان جبلاً نفخ فيه الروح علماً وجلالة ونبلاً وأدباً" .
كان الإمام الفقيه أبو ثور رحمه الله تعالى يُفضِّل أحمد بن حنبل على سُفيان الثوري في الفقه والعلم، حيث قال:
"أحمد بن حنبل أَعْلم من الثوري وأفقه" .
لذلك كان أبو ثور يحترم آراء الإمام أحمد ويُفتي بها. قال المروذي:
"حضرت أبا ثور وقد سُئل عن مسألة. فقال: قال أبو عبدالله أحمد بن حنبل شيخنا وإمامنا فيها كذا وكذا" .
وقال ابن ماكولا:(1/13)
"كان أعلم النَّاس بمذاهب الصحابة والتابعين" .
وقال ابن الجوزيّ يصف فقه أحمد:
"قد خرج عنه اختيارات بناها على الأحاديث بناءً لا يعرفه أكثرهم، وخرج من دقيق الفقه ما ليس نراه لأحد منهم، وانفرد بما سلموه له من الحفظ، وشاركهم وربما زاد على كبارهم" .
الإمام أحمد والجرح والتعديل:
كان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى من أئمة الجرح والتعديل، عارفاً بالرجال وعلل الحديث، نقَّاداً بارعاً يُعتمد عليه.
قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي:
"أنتم أعلم بالحديث والرجال – يعني: الإمام أحمد – فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني، إن شاء يكون كوفياً، أو شاء شامياً حتى أذهب إليه إن كان صحيحاً" .
وقال أبو حاتم:
"كان أحمد بن حنبل بارع الفهم لمعرفة الحديث، لصحيحه وسقيمه، وتعلَّم الشافعيّ أشياء من معرفة الحديث منه. وكان الشافعي يقول لأحمد: حديث كذا وكذا قويّ الإسناد محفوظ؟ فإذا قال أحمد: نعم. جعله أصلاً وبني عليه" .
وقال الحسن بن محمّد الخلال: قال عبدالرزاق الصنعاني:
"رحل إلينا من العراق أربعة من رؤساء الحديث: الشاذكوني وكان أحفظهم للحديث، وابن المدينيّ وكان أعرفهم باختلافه، ويحيى بن معين وكان أعلمهم بالرجال، وأحمد بن حنبل وكان أجمعهم لذلك كله" .
وقال أبو يعلى:
"هو إمام في الجرح والتعديل، والمعرفة والتعليل، والبيان والتأويل" .
وقد قسم الإمام الذهبيّ المتكلمين في الرجال إلى ثلاثة أقسام، جعل الإمام أحمد في القسم الثالث حيث وصف أصحاب هذا القسم بأنهم: ((معتدلون منصفون)) .
كما قال عنه الحافظ الذهبيّ: ((سأله جماعة من تلامذته عن الرجال، وجوابه بإنصاف، واعتدال، وورع في المقال)) .
قلت: وكتابيه: ((العلل والرجال)) و((الأسماء والكنى)) يشهدان بتضلع الإمام أحمد في هذا العلم الجليل، وأنّه وصل إلى منزلة ليست لكثير من الأئمة.
محنة الإمام أحمد بن حنبل:(1/14)
ذكرت في بداية حديثي عن الإمام أحمد أنَّه – رحمه الله تعالى – عاش في زمن استقرت فيه الأمور للدولة العباسية. ولكن ما لبث أن ظهر اعتماد المأمون على الجيش الفارسي لكي يستطيع التغلب على أخيه الأمين. وتم له ذلك فعلاً، ومنذ ذلك الحين بدأ تسرب الأعاجم إلى دار الخلافة. حتى جاء المعتصم من بعده فاعتمد على الترك الذين قوي نفوذهم بمرور الزمن. حتى جاء اليوم الذي اعتدوا فيه على الخلفاء وعاثوا في الأرض الفساد. وانقسمت الدولة الأم بعد ذلك انقسامات عديدة. كل ذلك بسبب الجهل الشديد بمبدأ من أعظم المباديء الإسلامية، هو: ((مبدأ الولاء والبراء)).
وصدق الحق سبحانه وتعالى حينما قال في محكم التنزيل:
"لاَّ تَجِدُ قَوماً يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِر يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبْنَاءَهُم أَو إخوَانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم أُوْلئكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ" (سورة المجادلة آية 22).
وفي عصر المأمون، استطاع المعتزلة التسلل إلى قلب المأمون، وأقنعوه بمسلكهم الفلسفيّ في التفكير الذي نتج عنه: إنكار صفات الخالق سبحانه وتعالى، ومن بينها صفة الكلام، ومن ثم دعوة المأمون العلماء إلى القول بخلق القرآن.
وأراد المأمون أن يحمل النَّاس على ذلك، إلا أنَّ الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى أبي واستعصم وثبت على الحق، في الوقت الذي تراجع فيه كثير من أهل العلم عن قول الحق.(1/15)
ثبت الإمام أحمد رحمه الله تعالى في الساحة وحده، وآثر الباقية على الفانية، وظل صابراً محتسباً، وأصبح بحق رجلاً بأُمَّه. فأمر المأمون بضربه وحبسه، وحتى مات المأمون. فأوصى المعتصم من بعده بأن يقول مقالته بخلق القرآن. ومن ثم بدأ المعتصم ينفذ هذه الوصية، فضُرب الإمام أحمد بالسِّياط حتى أغمى عليه، وأهانه أشد الإهانة. واستمر حبسه نحواً من ثمانية وعشرين شهراً، وقيل بضعة وثلاثين شهراً. وكان يُصلي وينام والقيد في رجله.
وفي كل يوم يرسل إليه الخليفة المعتصم من يُناظره وكان كلام الإمام أحمد واحداً لا يتغيَّر. حتى غضب عليه المعتصم وهدده وشتمه، وأمر بالشدة في جلده، وزاد في قيده. والإمام أحمد صابر محتسب ثابت ثبوت الجبال الرواسي.
قال أبو شعيب الحراني: ((كنّا مع أبي عبيد القاسم بن سلام بباب المعتصم، وأحمد بن حنبل يُضرب. قال: فجعل أبو عبيد يقول: أيضربُ سيدنا لا صبر؟! أيضرب سيدنا لا صبر؟! قال أبو شعيب: فقلت:
ضربوا ابن حنبل بالسياط بظلمهم
بغياً فثُبِّت بالثبات الأنور
قال الموفق حين مُدِّد بينهم
مدَّ الأديم مع الصعيد القرر
إنّي أموت ولا أبوء بفجرة
تُصلى بوائقها محل المفتري)) .
ثم أطلق سراح الإمام أحمد، فعاد رحمه الله تعالى إلى التدريس بالمسجد بعد أن شفاه الله من جراحاته إلى أنَّ مات المعتصم.
ثم تولى الخلافة من بعده ابنه الواثق الذي أظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى ابن أبي داؤد – رأس المعتزلة – وأصحابه. واشتد الأمر على أهل بغداد. فمُنع الإمام أحمد من الخروج للدرس والإجتماع للنَّاس. فانقطع الإمام أحمد عن التدريس مدة تزيد على خمس سنوات، حتى توفي الواثق (232هـ).
ثم تولى الخلافة المتوكل رحمه الله تعالى، الذي أعاد الحق إلى نصابه، ونصر الله على يديه السنَّة وأعزَّ الله به أهلها، حتى قيل: ((أبو بكر في الردة، وعمر بن عبدالعزيز في رده المظالم، والمتوكل في إحياء السنَّة وإماتة التجهم)) .(1/16)
وأمر المتوكل المحدِّثين بأن يُحدِّثوا بأحاديث الصفات والرؤية. وقال في ذلك أبو بكر بن الخبازة:
وبعد فإنّ السنة اليوم أصبحت
معزَّزة حتى كأن لم تُذلَّل
تصول وتسطو إذا أقيم منارها
وحط منار الإفك والزور من عل
وولَّى أخو الإِبداع في الدِّين هارباً
إلى النَّار يهوى مُدبراً غير مقبل
شفى الله منهم بالخليفة جعفر
خليفته ذي السنَّة المتوكِّل
خليفة ربي وابن عم نبيِّه
وخير بني العبَّاس من منهم ولي
وجامع شمل الدِّين بعد تشتُّت
وفاري رؤوس المارقين بمنصل))
هذا ملخص المحنة التي مر بها الإمام أحمد بن حنبل . وكما نرى فإنَّ الإمام أحمد وقف موقفاً عظيماً لا يناله إلا أهل العزم من الرجال المخلصين. يقول الشيخ أحمد شاكر في موقف الإمام أحمد: ((أما أولوا العزم من الأئمة الهداة، فإنهم يأخذون بالعزيمة، ويحتملون الأذى ويثبتون، وفي سبيل الله ما يلقون. ولو أنهم أخذوا بالتقية، واستساغوا الرخصة لضل النَّاس من ورائهم يقتدون بهم ولا يعلمون أنَّ هذه تقية، وقد أتى المسلمون من ضعف علمائهم في مواقف الحق.. لا يُجاملون الملوك والحكام فقط! بل يُجاملون كل من طلبوا منه نفعاً أو خافوا ضراً في الحقير والجليل من أمر الدنيا..، ولقد قال رجل من أئمة هذا العصر المهتدين: كأن المسلمين لم يبلغهم من هداية كتابهم فيما يغشاهم من ظلمات الحوادث غير قوله تعالى: "إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنهُم تُقَاةً"))*.
ثم أصيبوا بجنون التأويل فيما سوى ذلك.." .
وقف الإمام أحمد هذا الموقف في الوقت الذي أحجَم فيه عامَّة العلماء عن الحق، وصدق رسول الله (r) حينما قال في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون". وفي لفظ: "لا يزال ناس من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله عزَّ وجل" .(1/17)
وبعد أن ثبَّت الله الإمام أحمد على الحق، نُسب إليه مذهب أهل السنَّة، لأنَّه صبر على الذب عنها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وأحمد ابن حنبل وإن كان قد اشتهر بإمامة السنَّة والصبر في المحنة، فليس ذلك لأنَّه انفرد بقول، أو ابتدع قولاً، بل لأنَّ السنَّة التي كانت موجودة معروفة قبله، علمها ودعا إليها، وصبر على من امتحنه ليفارقها، وكان الأئمة قبله قد ماتوا قبل المحنة. فلما وقعت محنة الجهمية نفاة الصفات في أوائل المئة الثالثة – على عهد المأمون وأخيه المعتصم ثم الواثق – ودعوا النَّاس إلى التجهم وإبطال صفات الله تعالى، وهو المذهب الذي ذهب إليه متأخروا الرافضة، وكانوا قد أدخلوا معهم من أدخلوه من ولاة الأمور، فلم يوافقهم أهل السنَّة حتى تهددوا بعضهم بالقتل، وقيدوا بعضهم، وعاقبوهم وأخذوهم بالرهبة والرغبة. وثبت الإمام أحمد على ذلك الأمر حتى حبسوه مرة، ثم طلبوا أصحابهم لمناظرته، فانقطعوا معه في المناظرة يوماً بعد يوم... (وذكر خبر المحنة).
إلى أن قال ابن تيمية: ((... ثم صارت هذه الأمور سبباً في البحث عن مسائل الصفات وما فيها من النصوص والأدلة والشبهات من جانبي المثبتة والنفاة. وصنَّف النَّاس في ذلك مصنفات. وأحمد وغيره من علماء السنة والحديث، ما زالوا يعرفون فساد مذهب الروافض والخوارج والقدرية والجهمية والمرجئة. ولكن بسبب المحنة كثر الكلام، ورفع الله قدر هذا الإمام، فصار إماماً من أئمة السنة وعلماً من أعلامها، لقيامه بإعلامها وإظهارها، وإطلاعه على نصوصها وآثارها، وبيانه لخفيّ أسرارها، لا لأنَّه أحدث مقالة أو ابتدع رأياً. ولهذا قال بعض شيوخ المغرب: المذهب لمالك والشافعيّ، والظهور لأحمد. يعني أنَّ مذهب الأئمة في الأصول مذهب واحد، وهو كما قال)) .(1/18)
وقال شيخ الإسلام في موضع آخر: ((... وأحمد إنّما اشتهر أنه إمام أهل السنَّة، والصابر على المحنة، لما ظهرت محن الجهمية الذين ينفون صفات الله تعالى، ويقولون إن الله لا يرى في الآخرة، وأنَّ القرآن ليس هو كلام الله، بل هو مخلوق من المخلوقات، وأنَّه تعالى ليس فوق السموات، وأنَّ محمداً لم يعرج إلى الله، وأضلوا بعض ولاة الأمر، فامتحنوا الناس بالرغبة والرهبة، فمن الناس من أجابهم – رغبة – ومن الناس من أجابهم – رهبة – ومنهم من اختفى فلم يظهر لهم. وصار من لم يُحبهم قطعوا رزقه وعزلوه عن ولايته، وإن كان أسيراً لم يفكوه ولم يقبلوا شهادته، وربما قتلوه أو حبسوه.
والمحنة مشهورة معروفة، كانت في: إمارة المأمون، والمعتصم، والواثق. ثم رفعها المتوكل، فثبَّت الله الإمام أحمد فلم يوافقهم على تعطيل صفات الله تعالى، وناظرهم في العلم فقطعهم، وعذَّبوه فصبر على عذابهم، فجعله الله من الأئمة الذين يهدون بأمره. كما قال تعالى:
"وَجَعَلْنَا مِنْهُم أَئِمَّةَ يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِئَايَاتِنَا يُوقِنُونَ"*.
فمن أُعطى الصبر واليقين: جعله الله إماماً في الدين. وما تكلم به من السنَّة فإنما أضيف له لكونه أظهره وأبداه لا لكونه أنشأه وابتدأه. وإلا فالسُّنَّة سنَّة النبي (r)، فأصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبدالله (r)، وما قاله الإمام أحمد هو قول الأئمة قبله، كمالك والثوري، والأوزاعي، وحماد بن زيد، وحمَّاد بن سلمة، وقول التابعين قبل هؤلاء، وقول الصحابة الذين أخذوه عن النبي (r)، وأحاديث السُّنَّة معروفة في الصحيحين وغيرهما من كتب الإسلام.(1/19)
والنقل عن أحمد وغيره من أئمة السنة متواتر بإثبات صفات الله تعالى، وهؤلاء متبعون في ذلك ما تواتر عن النبي (r). فأما أنَّ المسلمين يثبتون عقيدتهم في أصول الدين بقوله – أي: بقول الإمام أحمد – أو بقول غيره من العلماء، فهذا لا يقوله إلا جاهل)) .
هذا الثبات العظيم الذي ثبته الإمام أحمد رحمه الله تعالى، جعل علماء عصره يثنون عليه ثناءاً كثيراً لشدة إعجابهم به ولاعترافهم بشجاعته وقُدرته. وإليك ثناء بعض منهم: قال إسحاق بن راهُويه:
"لولا أحمد وبَذْل نفسه لما بذلها لذهب الإسلام" .
وحينما عوتب يحيى بن معين في المحنة، قال:
"أراد النَّاس منَّا أن نكون مثل أحمد بن حنبل، لا والله لا نقدر على أحمد ولا على طريق أحمد" .
وعندما قيل لبشر بن الحارث يوم ضرب الإمام أحمد: ((قد وجب عليك أن تتكلم! قال: تريدون منّي مقام الانبياء؟! ليس هذا عندي. حفظ الله أحمد من بين يديه ومن خلفه)) . وقال رحمه الله بعدما ضرب أحمد:
"لقد أُدْخل الكير فخرج ذهبة حمراء" .
وما أجمل ما قاله الإمام عليّ بن المدينيّ واصفاً ثبات أحمد:
"أيَّد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما: أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة" .
آثار الإمام أحمد:
كان الإمام أحمد رحمه الله تعالى لشدَّة ورعه وتمسكه بالأثر، يكره تدوين الكتب، لأنَّه من النَّاس أن يعتمدوا على ذلك المعين الصافي، والمنهل العذب الذي: "لاَّ يَأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلاَ مِن خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّن حَكِيمٍ حَمِيدٍ" (سورة فصلت آية 42).
كما يعتمدوا على سنَّة المصطفى (r)، قال تعالى:
"وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى، إِن هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى" (سورة النجم آية 3 و4).
وقد قال الرسول (r): "إنّي قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتم به، فلن تضلوا أبداً: كتاب الله وسنة نبيه r" .(1/20)
وكان الإمام أحمد يُربِّي تلاميذه على هذا الاتجاه، فقد قال عثمان بن سعيد: قال لي أحمد بن حنبل: ((لا تنظر في: كتب أبي عبيد، ولا فيما وضع إسحاق، ولا سُفيان، ولا الشافعي، ولا مالك، وعليك بالأصل)) .
وقال ابن هانئ: سألت أحمد بن حنبل عن كُتب أبي ثور؟ وقال: ((عليكم بالحديث)) .
ولكنّ الله سبحانه وتعالى حفظ لنا شيئاً كثيراً من مسائل الإمام أحمد، قال ابن الجوزي رحمه الله:
"وكان ينهى الناس عن كتابة كلامه، فنظر الله إلى حسن قصده فنقلت ألفاظه وحفظت. فقلَّ أن تقع مسألة إلا وله فيها نص من الفروع والأصول، وربما عدمت في تلك المسألة نصوص الفقهاء الذين صنَّفوا وجمعوا" .
وقال ابن القيم الجوزية:
"وكان أحمد شديد الكراهة لتصنيف الكتب، وكان يُحِبُّ تجريد الحديث ويكره أن يُكتَب كلامه، ويشتدُّ عليه جداً. فعلم الله حسن نيته وقصده، فكُتِب من كلامه وفتواه أكثر من ثلاثين سفراً، ومنَّ الله سبحانه وتعالى علينا بأكثرها، فلم يفتنا منها إلا القليل. وجمع الخلال نصوصه في الجامع الكبير فبلغ نحو: عشرين سفراً أو أكثر، ورويت فتاواه ومسائله وحُدِّث بها قرناً بعد قرن، فصارت إماماً وقدوة لأهل السنَّة على اختلاف طبقاتهم، حتى أنَّ المخالفين لمذهبه بالاجتهاد والمقلِّدين لغيره، يُعظِّمُون نصوصه وفتاواه، ويَعْرفون لها حقها وقربها من النصوص وفتاوى الصحابة" .
ومن آثار الإمام أحمد:
1 – المسند:
وقد تساءل ابنه عبدالله بن أحمد: كيف يكره أبوه وضع الكتب وقد عمل المسند؟! فأجابه الإمام أحمد: ((عملتُ هذا الكتاب إماماً، إذا اختلف النَّاسُ في سنةٍ عن رسول الله (r) رُجِع إليه)) .
وصدق الإمام أحمد رحمه الله فإنَّ هذا الكتاب الجليل من أكبر كتب السنَّة التي وصلت إلينا، وأعظمها نفعاً، وأغرزها مادة، وقد قال أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني:(1/21)
"هذا الكتاب أصل كبير، ومرجع وثيق لأصحاب الحديث. انتقى من أحاديث كثيرة، ومسموعات وافرة، فجُعل إماماً ومعتمداً، وعند التنازع ملجاً ومستنداً" .
طريقة ترتيبه:
المسانيد هي: الكتب التي جمع فيها مؤلفوها أحاديث كل صحابي على حده، بدون النظر إلى موضوعات هذه الأحاديث.
قال الصنعاني:
"وشرط أهلها – أي: أهل المسانيد – أن يُفْرِدوا أحاديث كل صحابي على حده – بكسر المهملة – ...".
ثم قال:
"من غير نظر إلى الأبواب التي تلائم الحديث، كما يصنعه غيرهم من المؤلفين على الكتب والأبواب، ويستقصون جميع حديث ذلك الصحابي كله" .
قلت: وهذا ما عمله الإمام أحمد في مسنده، حيث أفرد أحاديث كل صحابي على حده، من غير نظرٍ إلى موضوعاتها. فقد تجد حديثاً في غسل الجمعة، ثم يُتبعه بحديث في حكم لبس الحرير، ثم يتبعه بحديث في المواريث... وهكذا .
وقد رتَّب الإمام أحمد مسنده بطريقة لم يُسبق إليها، وهي :
1- بدأ بمسانيد العشرة المبشرين بالجنة. في الجزء الأول من: (ص2) إلى (ص196).
2- ثم مسانيد: عبدالرحمن بن أبي بكر، وزيد بن خارجة، والحارث بن خزمة، ثم سعد مولى أبي بكر. في الجزء الأول من: (ص197) إلى (ص199).
3- مسانيد أهل البيت رضي الله عنهم. في الجزء الأول من: (ص199) إلى (ص206).
4- مسانيد بني هاشم رضي الله عنهم. في الجزء الأول من: (ص206) إلى (ص374).
5- مسانيد المشهورين من الصحابة. في الجزء الأول من: (ص374) إلى نهايته، والجزء الثاني كله، والجزء الثالث إلى (ص400).
6- مسند المكيين: في الجزء الثالث من: (ص400) إلى نهاية الجزء.
7- مسند المدنيين: في الجزء الرابع من: (ص2) إلى (ص88).
8- مسند الشاميين: في الجزء الرابع من: (ص88) إلى (ص239).
9- مسند الكوفيين: في الجزء الرابع من: (ص239) إلى (ص419).
10- مسند البصريين: في الجزء الرابع من: (ص419) إلى نهايته، ومن بداية الجزء الخامس إلى (ص113).(1/22)
11- مسند الأنصار: في الجزء الخامس من: (ص113) إلى نهايته، وفي الجزء السادس من: أوله إلى (ص29).
12- مسند النساء: في الجزء السادس من: (ص29) إلى (ص382). ومن: (ص402) إلى آخر الجزء السادس.
13- مسند القبائل: في الجزء السادس من: (ص283) إلى (ص403).
هذا الأسلوب من الترتيب للمسند يُكلِّف الباحث جهداً وعناءً للبحث عن حديث واحد، لهذا قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى:
"ومع جلالة قدر هذا الكتاب، وحُسْن موقعه عند ذوي الألباب، فالوقوف على المقصود منه مُتعسِّر، والظفر بالمطلوب منه بغير تعب مُتعذِّر، لأنَّه غير مُرتَّب على أبواب السنن، ولا مهذَّب على حروف المعجم لتقريب السنن، وإنَّما هو مجموع على مسانيد الرواة من الرجال والنساء، لا يسلم من طَلَب منه حديثاً من نوع من الملل والعناء، إذ قد خلط فيه بين أحاديث الشاميين والمدنيين، ولم يحصل التمييز في جميعه بين روايات الكوفيين والبصريين، بل قد امتزج في بعضه أحاديث الرجال بأحاديث النسوان..." .
عدد الصحابة في المسند:
بيَّن أبو موسى المديني في خصائص المسند أنَّ عدد الصحابة في مسند الإمام أحمد: ((سبعمائة رجل)) . بينما ذكر الجزريّ عن أبي موسى المديني أنَّ عدد الصحابة: نحو سبعمائة رجل، ومن الناس مائة ونيف، ثم قال: ((قد عددتهم لمَّا أفردتهم في كتابي المسند فبلغوا: ستمائة ونيفاً وتسعين سوى النساء الصحابيات. وعددت النساء الصحابيات فبلغن: ستاً وتسعين. واشتمل المسند على نحو: ثمانمائة من الصحابة، سوى ما فيه ممَّن لم يسم من الأبناء والمبهمات وغيرهم)) .
وبلغ عدد الصحابة في مسند أحمد بن حنبل على حسب فهرس الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الذي وضعه المكتب الإسلامي في مقدمة الجزء الأول للمسند: ((أربعة وتسعمائة صحابي، بمن فيهم من النساء أو الذين لم ترد تسميتهم)) .
عدد أحاديث المسند:(1/23)
اُختلف في عدد أحاديث مسند الإمام أحمد اختلافاً كثيراً، فمن قائل: بأنَّه ثلاثون ألف حديث ، ومن قائل: بأنَّه أربعون ألف حديث . ويقول الحافظ ابن عساكر: ((والكتاب كبير العدد والحجم، مشهور عند أرباب العلم، تبلغ عدد أحاديثه: ثلاثين ألفاً سوى المعاد، وغير ما ألْحق به ابن عبدالله من عالي الإسناد)) .
ويقول الأستاذ أحمد شاكر: ((هو على اليقين أكثر من ثلاثين ألفاً، وقد لا يبلغ الأربعين ألفاً)) .
وقدَّرها جولد تسيهر بما يتراوح بين: (28) إلى (29) ألف حديث . وتابعه على هذا التقدير: نالينو المستشرق الإيطالي .
وقد قام أخي الفاضل: عادل عبدالشكور الزرقي بترقيم أحاديث المسند حديثاً حديثاً، وبلغ عدد الأحاديث على حسب ترقيمه: (27517) حديثاً، مع المكرر. وبلغ عدد زوائد عبدالله بن أحمد بن حنبل: (642) حديثاً.
قلت: ويحتوي المسند على أحاديث متكررة في أماكن مختلفة، بل قد تجد أنَّ الحديث الواحد يتكرر في الصفحة الواحدة. وينفي الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى أن يكون هذا التكرار من عمل الإمام أحمد ابن حنبل، حيث قال: ((ولستُ أظن ذلك إن شاء الله وقع من جهة أبي عبدالله رحمه الله، فإنَّ محله في هذا العلم أوفى، ومثل هذا على مثله لا يخفى)) .
ثم يُبرِّر ذلك لسببين:
الأول: أنَّ الإمام أحمد عاجلته المنية ولمَّا يعمل على ترتيبه، لذلك لمَّا أحس الإمام بدنو أجله أسرع بقراءته على أهل بيته.
الثاني: أنَّ هذا قد يكون ناتجاً من رواة الكتاب كالقطيعي مثلاً.
قلت: ومن خلال التتبع والاستقراء لكثير من أحاديث مسند الإمام أحمد وجدتُ أنَّ معظم الأحاديث المتكررة يكون فيها زيادة علم في الإسناد، أقله أن يختلف شيوخ الإمام أحمد بن حنبل، أو يكون زيادة علم في المتن. ومثال ذلك:
1 – حديث: الفضل بن عبَّاس رضي الله تعالى عنه أنَّه: ((كان ردف النبي r من جميع – يعني: المزدلفة – فما زال يلبي حتى رمى الجمرة)) .(1/24)
هذا الحديث كالذي قبله. فإمَّا أن يختلف شيخ الإمام أحمد – وهذا أكثره – وإما أن يختلف أكثر الإسناد أو المتن.
2 – قال الإمام أحمد: ثنا سفيان عن عمرو عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي شريح الخزاعي قال: قال رسول الله r: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه. من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلْيُحسن إلى جاره. من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" .
قلت: وهذا حديث صحيح، أخرجه الإمام أحمد في مكان آخر بزيادة في متنه، وإليك لفظه: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم جاره، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، الضيافة ثلاثة أيام، فما كان بعد ذلك فهو صدقة، لا يحل له أن يثوى عنده حتى يحرجه" .
ورواه الإمام أحمد في مكان آخر بلفظ: "الضيافة ثلاث، وجائزته يوم وليلة، ولا يحل لأحد أن يُقيم عند أخيه حتى يؤثمه. قالوا: يا رسول الله ما يؤثمه؟! قال: يقيم عنده ولا يجد شيئاً يقوته" .
قلت: فكما ترى تكرر الحديث في أماكن متعددة، ولكن في كل مكان نحصل على فائدة جديدة. والأمثلة من هذا النوع في المسند كثيرة أكتفي بما ذكر.
انتقاء المسند:
انتقى الإمام أحمد مسنده من عدد كبير من الأحاديث النبوية التي وقف عليها. وجاء نتيجة عملٍ شاق، ورحلاتٍ طويلة وبعيدة، لاقى فيها ما لاقى من التعب والإجهاد والتنقل، والسهر ليالٍ طوال: نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرفعه بكل حرف من حروف مسنده درجات.
قال عبدالله بن الإمام أحمد: ((خرَّج أبي المسند من سبعمائة ألف حديث)) .
وقال حنبل بن إسحاق:(1/25)
"جمعنا عمي – يعني الإمام أحمد – لي ولصالح ولعبدالله، وقرأ علينا المسند وما سمعه منه – يعني تاماً – غيرنا. وقال لنا: إنَّ هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله r فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلا ليس بحجة" .
قال الإمام ابن قيم الجوزية:
"هذه الحكاية قد ذكرها حنبل في تاريخه، وهي صحيحة بلا شك" .
مناقشة العبارة السابقة:
تأمل قول الإمام أحمد بن حنبل السابق: ((فإن كان فيه وإلا ليس بحجَّة)).
فماذا يقصد الإمام أحمد بقوله هذا؟!
يجيب على هذا التساؤل ابن الجزريّ رحمه الله فيقول: ((يريد أصول الأحاديث، وهو صحيح فإنّه ما من حديث غالباً إلا وله أصل في هذا المسند، والله أعلم)) .
وقال ابن قيم الجوزية: ((وقد استشكل بعض الحفاظ هذا من أحمد وقال: في الصحيحين أحاديث ليست في المسند. وأجيب عن هذا بأنَّ تلك الألفاظ بعينها وإن خلا المسند عنها فلها فيه أصول، ونظائر، وشواهد. وأما أن يكون متن صحيح لا مطعن فيه ليس له في المسند أصل ولا نظير فلا يكاد يوجد البتة)) .
وهناك إشكال آخر ألا وهو: أنَّ هناك أحاديث صحاح ليست في مسند الإمام أحمد كحديث عائشة الطويل المعروف بحديث: أم زرع .(1/26)
فأجيب عن ذلك: ((أنَّ الإِمام أحمد شرع في جمع المسند فكتبه في أوراق مفردة ومفرَّقة في أجزاء منفردة، على نحو ما تكون المسوَّدة، ثم جاء حلول المنية قبل حصول الأمنية، فبادر بإسماعه لأولاده وأهل بيته، ومات قبل تنقيحه وتهذيبه فبقى على حاله. ثم إنَّ ابن عبدالله أَلْحق به ما يُشاكله، وضمَّ إليه من مسموعاته ما يشابهه ويماثله، فسمع القطيعي من كتبه تلك النسخة على ما يظفر به منها فوقع الاختلاط من المسانيد، والتكرار من هذا الوجه قديم فبقي كثير من الأحاديث في الأوراق والأجزاء لم يظفر بها، فما لم يُوجد فيه من الأحاديث الصحاح من هذا القبيل قلت: وبهذا يتبين أن المسند مشتمل على أصول الأحاديث النبوية الشريفة، ولذلك عندما سئل أبو الحسني اليونيني: ((أنت تحفظ الكتب الستة؟! فقال: أحفظها وما أحفظها!! فقيل له: كيف هذا؟ فقال: أنا أحفظ مسند أحمد وما يفوت المسند من الكتب الستة إلا قليل. أو قال: وما في الكتب هو في المسند – يعني إلا قليل – وأصله في المسند، فأنا أحفظها بهذا الوجه، أو كما قال رحمه الله)) .
شرط الإمام أحمد في المسند:
قبل أن أبدأ بشرط الإمام أحمد في مسنده، أود أن أذكر شرط أهل المسانيد عموماً، لكي تتضح لنا الصورة.
يقول الحافظ ابن الصلاح:
"فهذه عادتهم – أي: أصحاب المسانيد – أن يُخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه، غير متقيدين بأن يكون حديثاً محتجاً به" .
ويقول النوويّ:
"وأما مسند أحمد بن حنبل، وأبي داود الطيالسي، وغيرهما من المسانيد، فلا تلتحق بالأصول الخمسة، وما أشبهها في الاحتجاج بها، والركون إلى ما فيها" .
ويعلل السيوطيّ ذلك بقوله:
"لأنَّ المصنَّف على الأبواب إنّما يورد أصح ما فيه ليصلح للاحتجاج" .
وقال العراقي في ألفيته:
((ودونها في رُتْبَة ما جُعلا
على المسانيد فيدعى الجَفْلاَ
كمُسْند الطيالسي وأحمدا
وَعَدَّه الدارميِّ انتُقدا))
ويقول السخاويّ في شرحه لهذه الأبيات:(1/27)
"ودونها في رتبة، أي: رتبة الاحتجاج الذي هو أصل بقية المبوبين، ما جعلا على المسانيد التي موضوعها جعل حديث كل صحابي على حده، من غير تقييد بالمحتج به" .
والخلاصة في ذلك: أنَّ أهل المسانيد عموماً، لا يشترطون الرواية عن من يُحتج به فقط، بل يرون حديث من لا يُحتج به أيضاً.
والآن أعود لمسند الإمام أحمد فأقول: هل هذا هو شرط الإمام أحمد في مسنده؟ وللإجابة على هذا السؤال أقول: إنّ هذا ليس على إطلاقه، بل ثبت لدينا أنَّ الإمام أحمد قام بتنقيح المسند من كثير من الرجال الذين يرى عدم الاحتجاج بحديثهم، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
روى أبو موسى المدينيّ بسنده إلى عبدالله بن أحمد بن حنبل أنه قال: ((سألت أبي عن عبدالعزيز بن أبان فقال: لم أخُرج عنه في المسند شيئاً، قد أخرجت عنه على غير وجه الحديث لما حدَّث بحديث المواقيت تركته)) .
وقال ابن المديني: ((أخبرنا ابن الحصين بإسناده: حدَّثنا عبدالله، حدَّثني عثمان بن أبي شيبة، حدَّثنا جرير، عن محمد بن سالم، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: "فيما سقت السماء العشر، وما يُسقى بالغرب والدالية ففيه نصف العشر". قال أبو عبدالرحمن – يعني: عبدالله بن أحمد – فحدَّثتُ أبي بحديث عثمان عن جرير فأنكره جداً، وكان أبي لا يُحدِّثنا عن محمد بن سالم لضعفه عنده، وإنكاره حديثه)) .
كما ضرب الإمام أحمد رحمه الله تعالى على حديث عمرو بن خالد وغيره .
نتيجة لهذه الأمثلة وما يشبهها ظن أبو موسى المدينيّ أنَّ الإمام أحمد لم يورد في مسنده إلا ما صح عنده، لذلك قال رحمه الله: ((ولم يُخرِّج إلا عمن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طعن في أمانته)) .
وقال أيضا: ((ومن الدليل على أنَّ ما أودعه الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده قد احتاط فيه إسناداً ومتناً ولم يُورد فيه إلا ما صح عنده)) ثم ساق بعض الأدلة التي ذكرت آنفاً.(1/28)
قلت: وهذا غير مسلَّم به لأبي موسى المدينيّ، حيث أنَّ مُسْنَد الإمام أحمد يحتوي على عدد لا بأس به من الأحاديث الضعيفة، بلغت في نهاية تحقيقه للمجلد الخامس عشر: (7246) حديثاً صحيحاً وحسناً، و(853) حديثاً ضعيفاً .
وقد ناقش الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى رأى المدينيّ بشيء من التفصيل، في معرض الرد على من قال: بأن كل ما سكت عنه أحمد في المسند فهو صحيح عنده، فقال رحمه الله تعالى: ((فإنَّ هذه المقدِّمة لا مُستند لها البتَّة، بل أهل الحديث كلهم على خلافها. والإمام أحمد لم يشترط في مسنده الصحيح ولا التزمه. وفي مسنده عدة أحاديث سئل هو عنها فضعفها بعينها وأنكرها كما روى حديث العلاء بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة يرفعه: إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصيام حتى يكون رمضان .
وقال حرب: سمعت أحمد يقول: هذا حديث منكر، ولم يُحدِّث العلاء بحديث أنكر من هذا. وكان عبدالرحمن بن مهدي لا يُحدِّث به)) ثم ساق ابن القيم أمثلة كثيرة من هذا النوع، إلى أن قال: ((وهذا بابٌ واسعٌ لو تتبعناه لجاء كتاباً كبيراً والمقصود أنَّه ليس كل ما رواه وسكت عنه يكون صحيحاً عنده، حتى لو كان صحيحاً عنده وخالفه غيره في تصحيحه لم يكن قوله حجة على نظيره. وبهذا يُعْرف وهم الحافظ أبي موسى المديني في قوله: إنَّ ما خرَّجه الإمام أحمد في مسنده فهو صحيح عنده. فإنَّ أحمد لم يقل ذلك قط ولا قال ما يدل عليه بل قال ما يدل على خلاف ذلك)) .
درجة أحاديث المسند:
انطلاقاً من المبحث السابق اختلف بعض العلماء في درجة أحاديث المسند، فمنهم من قال: إنَّ فيه أحاديث ضعيفة وموضوعة، ومنهم من قال: بأنَّه صحيح، وتوسط أناس منهم فقالوا بأنَّ فيه أحاديث ضعيفة، ولكنها قليلة مقارنة بعدد أحاديث الكتاب، وينفون وجود الأحاديث الموضوعة فيه.(1/29)
فمن العلماء الذين قالوا بأنَّه صحيح: أبو موسى المديني كما تقدم، وقد ردَّ عليه الحافظ ابن كثير فقال: ((وأما قول الحافظ أبي موسى عن مسند الإمام أحمد إنّه صحيح فقول ضعيف، فإنَّ فيه أحاديث ضعيفة بل وموضوعة، كأحاديث فضائل مرو ، وعسقلان ، والبرث الأحمر عند حمص ، وغير ذلك، كما بيَّنه عليه طائفة من الحفاظ)) .
وقد ذكر الحافظ العراقي أيضاً: أنَّ في المسند أحاديث موضوعة . فألَّف الحافظ ابن حجر العسقلاني كتاباً أسماه: ((القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد)). ذكر فيه الأحاديث التي ذكرها العراقي وردَّ عليه وهي تسعة أحاديث. وأضاف إليه خمسة عشر حديثاً أوردها ابن الجوزيّ في كتابه: ((الموضوعات)). وردَّ عليها. ثم جاء السيوطيّ وألف كتاباً أسماه: ((الذَيْل الممهَّد)) ذكر فيه أحاديث فاتت الحافظ ابن حجر في القول المسدَّد وهي في موضوعات ابن الجوزيّ، وذب عنها رحمه الله تعالى، وعدتها أربعة عشر حديثاً . فيكون مجموع ما انتُقد بالوضع في المسند: (38) حديثاً.(1/30)
وقد رد أبو العلاء الهمداني رحمه الله على ابن الجوزيّ حينما علم أنَّ ابن الجوزيّ حكم على بعض أحاديث المسند بالوضع . وقد حقق هذه المسألة شيخ الإسلام ابن تيمية تحقيقاً علمياً طيباً، حيث قال بعد أنْ ذكر أنَّ الإمام أحمد لا يروي عمَّن يتعمَّد الكذب: ((ولهذا تنازع أبو العلاء الهمداني والشيخ أبو الفرج بن الجوزيّ: هل في المسند حديث موضوع؟ فأنكر الحافظ أبو العلاء أن يكون في المسند حديث موضوع. وأثبت ذلك أبو الفرج. وبيَّن أنَّ فيه أحاديث قد قام دليل على أنَّه باطل، وإنْ كان المحدِّث به لم يتعمد الكذب، بل غلط فيه، ولهذا روى في كتابه الموضوعات أحاديث كثيرة من هذا النوع. وقد نازعه طائفة من العلماء في كثير مما ذكره، وقالوا إنَّه ليس مما يقوم دليل على أنَّه باطل، بل بيَّنوا ثبوت بعض ذلك. لكنَّ الغالب على ما ذكره في الموضوعات أنّه باطل باتفاق العلماء. وأما الحافظ أبو العلاء وأمثاله، فإنَّما يُريدون بالموضوع: المختلق المصنوع الذي تعمَّد صاحبه الكذب، والكذب كان قليلاً في السلف)) .
كما بيَّن شيخ الإسلام في موضع آخر: أنَّه لا يروي عن المعروفين بالكذب فقال:
"وليس كل ما رواه أحمد في المسند وغيره، يكون حجة عنده، بل يورد ما رواه أهل العلم. وشرطه في المسند: أنْ لا يروى عن المعروفين بالكذب، وإن كان في ذلك ما هو ضعيف. وشرطه في المسند أَمْثَل من شرط أبي داود في سُننه" .
وقد بيَّن الذهبيّ أنَّ في المسند أحاديث موضوعة قليلة فقال:
"ففيه جملة من الأحاديث الضعيفة مما يَسُوغ نقلها، ولا يجب الاحتجاج بها. وفيه أحاديث معدودة شبه موضوعة، ولكنها قطرة في بحر. وفي غضون المسند زيادات جمَّة لعبدالله بن أحمد" .
وقال ابن حجر:(1/31)
"ومسند أحمد ادعى قوم فيه الصحة، كذا في شيوخه، وصنَّف الحافظ أبو موسى المديني في ذلك تصنيفاً. والحق أنَّ أحاديثه غالبها جياد، والضعاف منها إنَّما يُوردها للمتابعات، وفيه القليل من الضعاف الغرائب الأفراد، أخرجها ثم صار يضرب عليها شيئاً فشيئاً وبقي منها بعده بقية" .
وقال أيضاً: ((ليس في المسند حديث لا أصل له إلا: ثلاثة أحاديث أو أربعة، منها حديث: عبدالرحمن بن عوف أنَّه يدخل الجنة زحفاً. قال: والاعتذار عنه: أنّه ممَّا أمر أحمد بالضرب عليه فترك سهواً، أو ضرب وكتب من تحت الضرب)) .
كما قال السخاويّ: ((والحق أنَّ فيه أحاديث كثيرة ضعيفة، وبعضها أشدُّ في الضعف من بعض، حتى أنَّ ابن الجوزي أدْخل كثيراً منها في موضوعاته، ولكن قد تعقبه في بعضها الشارح – يعني: نفسه – وفي سائرها شيخنا – يعني: ابن حجر العسقلاني –، وحقق كما سمعته منه نفس الوضع عن جميع أحاديثه، وأنَّه أَحْسن انتقاء وتحريراً من الكتب التي لم تلتزم الصحة في جمعها.
وقال: ليست الأحاديث الزائدة فيه على ما في الصحيحين بأكثر ضعفاً من الأحاديث الزائدة في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما)) .
ومن جهة أخرى بيَّن الحافظ العراقي رحمه الله تعالى: أنَّ بعض هذه الموضوعات من زيادات عبدالله بن أحمد بن حنبل فقال: ((ولعبدالله بن أحمد في المسند أيضاً زيادات فيها الضعيف والموضوع.
فمن الموضوع: حديث سعد بن مالك، وحديث ابن عمر في: سد الأبواب إلا باب علي . ذكرهما ابن الجوزيّ في الموضوعات، وقال: إنَّهما من وضع الرافضة)) .
الخلاصة:
الخلاصة التي تترجَّح بعد هذا الغرض: أنَّ في المسند أحاديث ضعيفة، وما كان فيه من حديث موضوع فهو ممَّا أمر الإمام أحمد بالضرب عليه، ولكن غُفِل عنه أو كُتب بعد الضرب، أو من زوائد عبدالله ابن الإمام أحمد. أما الحديث الضعيف فغالبه من الحديث الذي يَنْجبر بغيره، والله تعالى أعلم .(1/32)
ومن الأمثلة على أنَّ الإمام أحمد بن حنبل أمر بالضرب على بعض الأحاديث، لكنَّ ابنه عبدالله كتبها بعد الضرب:
1- 1 – ذكر عبدالله بن أحمد أنَّه وجد عند أبيه حديثين من طريق: فائد بن عبدالرحمن عن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه – ثم ذكر الحديثين – ثم قال عبدالله: ((لم يُحدِّثنا أبي بهذين الحديثين، ضرب عليهما من كتابه لأنَّه لم يرض حديث: فائد بن عبدالرحمن، أو كان عنده، متروك الحديث)) .
2- حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال: "ويُهْلك أمتي هذا الحيٌّ من قريش". قالوا: فما تأمرنا يارسول الله؟ قال: "لو أنَّ الناس اعتزلوهم".
قال عبدالله: قال أبي في مرضه الذي مات فيه: اضرب على هذا الحديث، فإنَّه خلاف الأحاديث عن النبي r، يعني قوله: "اسمعوا وأطيعوا واصبروا" .
3- وقال الإمام أحمد: ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق وهوذة بن خليفة قالا: ثنا عوف عن ميمون بن أستاذ، قال هوذة الهزاني قال: قال عبدالله بن عمرو: قال رسول الله r: "من لبس الذهب من أمتي فمات وهو يلبسه لم يلبس من ذهب الجنة". وقال هوذة: "حرَّم الله عليه ذهب الجنَّة، ومن لبس الحرير من أمتي فمات وهو يلبسه حرَّم الله عليه حرير الجنَّة".
قال عبدالله ضرب أبي على هذا الحديث فظننت أنَّه ضرب عليه لأنَّه خطأ، وإنَّما هو: ميمون بن أستاذ، عن عبدالله بن عمرو ليس فيه عن الصدفيّ، ويُقال: إنَّ ميمون هذا هو الصدفيّ لأن سماع يزيد بن هارون من الحريريّ آخر عمره، والله أعلم.
ثم قال عبدالله: حدَّثني أبي، ثنا يزيد بن هارون، (أنا الجريري، عن ميمون بن أستاذ، عن الصدفي، عن عبدالله بن عمرو عن النبي r قال: "من مات من أمتي وهو يشرب الخمر..." .
ترجمة رواة المسند:
قد تقدَّم قبل قليل أنَّ الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى لم يُسْمِع المسند كاملاً إلا لثلاثة رجال وهم:
1- صالح بن أحمد بن حنبل.
2- عبدالله بن أحمد بن حنبل.
3- حنبل بن إسحاق.(1/33)
ولم ينقل المسند إلينا كاملاً إلا: عبدالله بن أحمد بن حنبل: ورواه عن عبدالله بن أحمد مجموعة منهم:
1- أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعيّ، وهو أشهر رواة المسند عن عبدالله.
2- أبو الحسن أحمد بن محمَّد بن عمر بن أبان العبديّ اللنبانيّ، سمع المسند كاملاً من ابن الإمام أحمد .
3- أبو عليّ بن الصَّوَّاف. وسمع منه كثيراً من المسند: الحافظ أبو نُعيم الأصبهاني .
قال الدارقطني: ((ما رأت عينيَّ مثل أبي عليّ بن الصواف))، وقال ابن أبي الفوارس: ((كان أبو عليّ ثقة مأموناً)) .
ورواه عن أبي بكر مجموعة من الرواة منهم:
1- أبو عبدالله الحاكم .
2- أبو محمد عبدالله بن محمد بن عبدالمؤمن، وعنه يرويه حافظ المغرب: ابن عبدالبر القرطبيّ .
3- أبو القاسم عبدالرحمن بن عبدالله الوهرانيّ، وعنه يرويه: ابن عبدالبر، وأبو القاسم الطرابلسي .
4- أبو عليّ الحسن بن عليّ بن المُذَّهب التميميّ. وهو: ((آخر من روى المسند كاملاً عن القطيعيّ – سوى نَزْر قليل منه أسقط من النسخ)) . وهو أشهر الرواة عن القطيعي.
5- أبو محمد الجوهريّ، وهو خاتمة أصحاب القطيعيّ. حدَّث عن القطيعي بمسند العشرة، ومسند أهل البيت من المسند . قال الخطيب البغداديّ: ((كان ثقة أميناً، كتبنا عنه)) .
قلت: ولقد وصل إلينا المسند برواية: ((هبة الله بن محمَّد بن عبدالواحد بن الحُصَيْن، عن الحسن بن عليّ التميميّ، عن أبي بكر أحمد بن جعفر القطيعيّ، عن عبدالله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه أحمد بن حنبل)).
وهذه هي أشهر روايات المسند، وسوف أترجم لرواتها:
أولاً: عبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل:
ولد سنة: ثلاث عشرة ومئتين، وتوفى سنة: تسعين ومئتين.
سمع: أباه، ويحيى بن معين، وأبا بكر بن أبي شيبة، وعثمان بن أبي شيبة، وأبا خيثمة زهير بن حرب، وسلمة بن شبيب، وعبيدالله القواريريّ، وغيرهم.(1/34)
حدَّث عنه: النسائي، والبغويّ، وأبو عَوَانة، وأحمد القطيعي، وسليمان الطبراني، وقاسم بن أصبغ، والنَّجاد، وابن الصَّواف، وغيرهم.
قال عباس الدوريّ:
"كنت يوماً عند أبي عبدالله أحمد بن حنبل، فدخل علينا عبدالله ابنه، فقال لي أحمد: يا عبَّاس إنَّ أبا عبدالرحمن – يعني: عبدالله – قد وعى علماً كثيراً" .
وقال أبو الحسين بن المنادي:
"وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث، والأسماء والكنى، والمواظبة على طلب الحديث في العراق وغيرها، ويذكرون عن أسلافهم الإقرار بذلك، حتى أنَّ بعضهم أسرف في تقريظه إياه بالمعرفة وزيادة السماع للحديث على أبيه" .
وقال ابن أبي حاتم:
"وكتب إليَّ بمسائل أبيه وبعلل الحديث، وكان صدوقاً ثقة" .
وقال ابن الصوَّاف: قال عبدالله بن أحمد: ((كل شيء أقول: قال أبي، فقد سمعته مرَّتين وثلاثة، وأقله مرة)) .
وقال الإمام النَّسائي: ((ثقة)) .
وقال بدر بن أبي بدر البغداديّ: ((عبدالله بن أحمد جِهْبذ بن جِهبذ)) .
وقال أبو بكر الخلال: ((كان عبدالله رجلاً صالحاً صادق اللهجة كثير الحياء)) .
وقال السلمي: سألتُ الدارقطني عن عبدالله بن أحمد بن حنبل وحنبل بن إسحاق فقال: ((ثقتان نبيلان)) .
وقال الخطيب البغداديّ: ((وكان ثقةً ثبتاً فهماً)) .
وقال الذهبي:
"كان صيِّناً ديِّناً، صاحب حديث واتباع وبصرٍ بالرجال، لم يدخل في غير الحديث" .
ثانياً: أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي:
سمع من: عبدالله بن أحمد بن حنبل، وبشر بن موسى، وأحمد بن عليّ الآبَّار، وإبراهيم الحربيّ، وإدريس الحدَّاد، وعبدالله الطيالسيّ، وجعفر الفريابي، وغيرهم.
وروى عنه: الدارقطني، وابن شاهين، وأبو نُعيم الأصبهاني، وابن رزقويه، والحاكم، والبرقاني، والحسن الخلال، وابن المذْهب، وبُشرى الفاتِني، وغيرهم.
ولد سنة: أربع وسبعين ومائتين، ومات سنة: ثمانٍ وستين وثلاث مائة.
قال القطيعي:(1/35)
"كان عبدالله بن أحمد يجيئنا، فيقرأ عليه أبو عبدالله بن الجصَّاص، عمّ أمي، فيقعدني في حجره، حتى يقال له: يؤلمك؟ فيقول: إني أحبه" .
وقال الحاكم: ((ثقة مأمون)) .
وقال السلميّ: ((سألت الدارقطني عنه، فقال: ثقة زاهد قديم، سمعت أنّه مجاب الدعوة)) .
جرحه:
جُرح القطيعيّ بأمرين:
الأول: غرق كتبه:
قال أبو بكر البرقاني:
"كان شيخاً صالحاً، وكان لأبيه اتصال ببعض السلاطين، فقريء لابن ذلك السلطان على عبدالله بن أحمد المسند، وحضر ابن مالك – يعني القطيعي – سماعه. ثم غرقت قطعة من كتبه بعد ذلك فنسخها من كتاب ذكروا أنَّه لم يكن سماعه فيه، فمغزوه لأجل ذلك، وإلا فهو ثقة" .
وقال البرقاني أيضاً:
"كنت شديد التنقير على حال ابن مالك! حتى ثبت عندي أنَّه: صدوق لا يُشك في سماعه، وإنما كان فيه بله فلما غرقت القطيعة بالماء الأسود غرق شيء من كتبه، فنسخ بدل ما غرق من كتاب لم يكن فيه سماعه. ولمَّا اجتمعت مع الحاكم بن عبدالله بن البيع بنيسابور، ذكرت ابن مالك وليَّنتُه!! فأنكر عليَّ وقال: ذاك شيخي، وحسَّن حاله" .
وقال محمد بن أبي الفوارس:
"أبو بكر بن مالك كان مستوراً صاحب سُنَّة، ولم يكن في الحديث بذاك، له في بعض المسند أصول فيها نظر، ذكر أنَّه كتبها بعد الغرق" .
قلت: وغرق كتبه، ثم نسخها من أصول ليس له عليها سماع لا يوجب تركه على الإطلاق، ولهذا قال الخطيب البغداديّ:
"وكان بعض كتبه غرق فاستحدث نسخها من كتاب لم يكن فيه سماع، فغمزه النَّاس. إلا أنَّا لم نر أحداً امتنع من الرواية عنه، ولا ترك الاحتجاج به" .
الثاني: الاختلاط:
قال الخطيب البغداديّ: حُدِّثت عن أبي الحسن بن الفرات:
"كان ابن مالك القطيعيّ مستوراً، صاحب سُنَّة كثير السماع، سمع من عبدالله ابن أحمد وغيره، إلا أنَّه خلط في آخر عمره، وكف بصره وخرَّف حتى كان لا يعرف شيئاً مما يُقرأ عليه" .(1/36)
ولعلّ ابن الصلاح قد اعتمد على هذه الرواية حينما قال في: ((فصل معرفة من خلط في آخر عمره من الثقات)): ((وأبو بكر بن مالك القطيعيّ راوي مسند أحمد وغيره، اختل في آخر عمره وخرَّف، حتى كان لا يعرف شيئاً مما يُقرأ عليه)) .
ولكن الحافظ الذهبيّ تعقب ابن الصلاح بقوله:
"فهذا غلوّ وإسراف، وقد كان أبو بكر أسْنَدَ أهل زمانه" .
كما تعقبه الحافظ العراقي بقوله: ((وفي ثبوت هذا عن القطيعي نظر، وهذا القول تبع فيه المصنِّف – يعني ابن الصلاح – مقالة حُكيت عن أبي الحسن بن الفرات لم يثبت إسنادها إليه، ذكرها الخطيب في التاريخ فقال: حُدِّثت عن أبي الحسن بن الفرات..)) .
ولكن الحافظ ابن حجر العسقلاني تعقب الذهبيّ وأثبت اختلاط القطيعي حيث قال: ((وإنكار الذهبيّ على ابن الفرات عجيب، فإنَّه لم ينفرد بذلك فقد حكى الخطيب في ترجمة أحمد بن أحمد المسيبي يقول: قدمت بغداد وأبو بكر بن مالك حي، وكان مقصودنا درس الفقه والفرائض. فقال لنا ابن اللبَّان الفرضي : لا تذهبوا إلى ابن مالك فإنه قد ضعف واختل، ومنعت ابني السماع منه. قال: فلم نذهب إليه)) .
قلت: والرواية التي ذكرها ابن حجر عن ابن اللبان الفرضي صحيحة الإسناد إليه، ولهذا لمَّا ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء الرواية عن ابن الفرات واتبعها برواية ابن اللبان الفرضيّ سكت ولم يردّ ذلك.
ولكن يجب أن يُعلم أنّ: القطيعي روى مسند الإمام أحمد قبل اختلاطه، حيث قال الحافظ ابن حجر: ((كان سماع أبي علي بن المُذْهب منه لِمُسنَدِ الإمام أحمد قبل اختلاطه، أفاده شيخنا أبو الفضل بن الحسن)) .(1/37)
وقال الحافظ العراقيّ: ((وعلى تقدير ثبوت ما ذكره أبو الحسن بن الفرات من التغيّر، وتبعه المصنِّف – أي ابن الصلاح – فممن سمع منه في الصحة: أبو الحسن الدارقطني، وأبو حفص بن شاهين، وأبو عبدالله الحاكم، وأبو بكر البرقاني، وأبو نُعيم الأصبهاني، وأبو عليّ بن المذهب روى المسند عنه فإنه سمعه عليه في سنة ست وستين. والله أعلم)) .
الخلاصة:
أبو بكر القطيعيّ محدِّث جليل ثقة، لا يوجد فيه شيء يوجب تركه. روى عنه جمع من الأئمة قبل اختلاطه منهم: أبو عليّ بن المذهب راوي المسند عنه .
ثالثاً: أبو علي، الحسن بن علي بن محمد ابن المُذْهب التميميّ:
ولد سنة: خمس وخمسين وثلاث مائة.
سمع من: أبي بكر القطيعي، وأبي محمد بن ماسي، وأبي سعيد الحُرْفي، وأبي الحسن بن لؤلؤ الوراق، وأبي بكر بن شاذان، وغيرهم.
وسمع منه: الخطيب البغدادي، وابن خَيْرون، وابن ماكولا، وأبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين، ومحمد بن مكي بن دُوْسْت، وغيرهم.
قال ابن الجوزيّ: ((ولا يعرف فيه إلا الخير والدين)) .
وقال ابن كثير: ((وكان خيِّراً ديِّناً)) .
وقد عابه الخطيب البغداديّ بأمرين:
الأول:
قال الخطيب البغدادي:
"كتبنا عنه، وكان يروي عن ابن مالك القطيعي مسند أحمد بن حنبل بأسره، وكان سماعه صحيحاً إلا في أجزاء منه، فإنَّه أَلْحق اسمه فيها. وكذلك فعل في أجزاء من فوائد ابن مالك، وكان يروي عن ابن مالك أيضاً كتاب الزهد لأحمد بن حنبل، ولم يكن له به أصل عتيق، وإنَّما كانت النسخة بخطه، كتبها بأخرة، وليس بمحل للحجة" .(1/38)
وقول الخطيب: ((وكان سماعه صحيحاً إلا في أجزاء منه)) علَّق عليه الحافظ ابن نقطة بقوله: ((ولم يُنبِّه الخطيب من أي مُسند هي، ولو فعل ذلك لكان قد أتى بالفائدة. وقد ذكرنا في صدر هذه الترجمة: أن مُسْنَديْ ((فضالة بن عبيد)) و((عوف بن مالك)) لم يكونا في كتاب أبي علي، وكذلك: أحاديثٌ من مسند: ((جابر بن عبدالله، لم توجد في نسخته رواها الحرَّاني عن أبي بكر بن مالك، ولو كان يُلحق اسمه كما زعم لأَلحق ما ذكرناه أيضاً)) .
الثاني:
قال الخطيب البغداديّ: ((حدَّثني ابن المُذْهب، حدّثنا محمد بن إسماعيل الورَّاق، وعلي بن عمر الحافظ، وأبو عمر بن مهدي، قالوا: حدَّثنا الحسين بن إسماعيل... هكذا حدَّثنيه ابن المذهب من لفظه فأنكرته عليه، وأعلمته أنَّ هذا الحديث لم يكن عند أبي عمر بن مهدي، فأخذ القلم وضرب على اسم ابن مهدي. وكان كثيراً يعرض عليَّ أحاديث في أسانيدها قوم غير منسوبين ويسألني عنهم، فاذكر له أنسابهم، فيُلحقها في تلك الأحاديث، ويزيدها في أصوله موصولة بالأسماء، وكنت أنكر عليه هذا الفعل فلا ينثني عنه)) .
هذه هي جملة انتقادات الخطيب البغداديّ على ابن المُذهب التميميّ، ولكن ابن الجوزيّ رحمه الله تعالى شدَّد في الرد على الخطيب، حيث قال: ((وقد ذكر الخطيب عنه أشياء لا توجب القدح عند الفقهاء، وإنَّما يقدح بها عوام المحدِّثين)). ثم قال رداً على القدح الأول: ((وهذا لا يُوجب القدح، لأنَّه إذا تيَّقن سماعه للكتاب جاز أن يكتب سماعه بخطه لإجلال الكتب، والعجب من عوام المحدثين كيف يُجيزون قول الرجل: أخبرني فلان، ويمنعون إن كتب سماعه بخط نفسه، أو إلحاق سماعه فيها بما يتيقنه..)) .(1/39)
وقال رداً على القدح الآخر: ((هذا كلَّه فقه من الخطيب، فإني إذا انتقيت في الرواية عن ابن عمر أنَّه عبدالله، جاز أنْ أذكر اسمه، ولا فرق بين أن أقول: حدَّثنا ابن المذهب، وبين أن أقول: الحسن بن علي بن المذهب. وقد كان في الخطيب شيئان: أحدهما الجري على عادة عوام المحدِّثين من قبله من قلة الفقه، والثاني: التعصّب في المذهب، ونحن نسأل الله السلامة)) .
قلت: والخلاصة أنَّ: سماع الحسن بن علي بن المذهب للمسند من أبي بكر القطيعي سماع صحيح كما قال الخطيب، إلا أجزاء منه فإنَّه أَلْحق اسمه فيها، وهذا لا يضر لأنَّه قد تيقن سماعه للمسند، والله أعلم.
والعجيب أنَّ الحافظ الذهبيّ قال:
"الظاهر من ابن المُذْهب أنَّه شيخ ليس بالمتقن، وكذلك شيخه ابن مالك، ومن ثمَّ وقع في المسند أشياء غير مُحكمة المتن ولا الإسناد. والله أعلم" .
وأخشى أن يكون هذا سبق قلم من الحافظ الذهبيّ – على جلالته وعلمه – فقد تقدم حال ابن مالك القطيعي، وأمَّا ابن المذهب فقد سمع كتباً وأداها كما سمعها، ولم يجرحه أحد بشيء معتبر. ثم: ما هي الأشياء غير المحكمة في المسند؟! والله تعالى أعلم .
رابعاً: أبو القاسم هبة الله بن محمَّد بن عبدالواحد بن الحُصَيْن:
ولد في: ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وتوفى في: شوال سنة خمس وعشرين وخمسمائة.
سمع من: ابن المذهب المسند كاملاً، ومن ابي الطيب الطبريّ، وأبي القاسم التنوخيّ، وأبي محمد الحسين بن المقتدر، وغيرهم.
وسمع منه: أبو طاهر السلفي، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو موسى المدينيّ، وأبو الفرج بن الجوزيّ، وحنبل بن عبدالله الرصافي، وأبو الفضل بن ناصر، وغيرهم.
قال أبو سعد السمعاني:
"شيخ ثقة ديِّن، صحيح السماع. واسِع الرواية، تفرَّد وازدحموا عليه، وحدَّثني عنه معمر بن الفاخر، وأبو القاسم بن عساكر، وعدة، وكانوا يصفونه بالسداد والأمانة والخيرية" .
وقال تلميذه ابن الجوزيّ:(1/40)
"عُمِّر حتى صار سيد أهل عصره، فرحل إليه الطلبة، وازدحموا عليه، وكان ثقة صحيح السماع، وسمعت منه مسند الإمام أحمد، والغيلانيات جميعها وأجزاء المزكي، وهو آخر من حدَّث بذلك..." .
وقال الحافظ الذهبيّ:
"الشيخ الجليل، المسند الصدوق، مسند الآفاق" .
قال الذهبي أيضاً: ((كان ديِّناً صحيح السماع)) .
وقال الحافظ ابن كثير: ((كان ثقة ثبتاً، صحيح السماع)) .
وقال ابن العماد الحنبلي: ((كان دِّيناً صحيح السماع)) .
عناية العلماء بالمسند:
سبق أن ذكرت أنَّ مسند الإمام أحمد بن حنبل ديوان عظيم من دواوين السنَّة النبوية، يحتوي على مادة علمية كبيرة من أحاديث المصطفى r. ولكنَّ الطريقة التي تم فيها ترتيب الكتاب، طريقة متعبة، تأخذ جهد الإنسان ووقته، وقد أحس بهذا قديماً الحافظ الذهبيّ رحمه الله تعالى، وتمنَّى أن يُعاد إخراج الكتاب بصورة أفضل، فقال:
"فلعلَّ الله يُقيِّض لهذا الديوان العظيم من يُرتبه ويُهذبه، ويحذف ما كُرٍّر فيه، ويُصلح ما تصحف، ويوضح حال كثير من رجاله، ويُنبِّه على مرسله، ويُوهن ما ينبغي من مناكيره، ويُرتب الصحابة على المعجم، وكذلك أصحابهم على المعجم، ويرمز على رؤوس الحديث بأسماء الكتب الستة، وإنَّ رتبه على الأبواب فحسن جميل. ولولا أنَّي قد عجزت عن ذلك لضعف البصر، وعدم النية، وقرب الرحيل، لعملت ذلك" .
ويقول الشيخ أحمد شاكر في وصفَ المسند:
"فوجدته بحراً لا ساحل له، ونوراً يستضاء به، ولكن تنقطع الأعناق دونه، بأنه رُتب على مسانيد الصحابة، وجُمعت فيه أحاديث كل صحابي متتالية دون ترتيب، فلا يكاد يفيد منه إلا من حفظه، كما كان القدماء الأولون يحفظون، وهيهات، وأنَّى لنا ذلك.." .
وقد انتبه لهذا عدد من علماء الأمة فعملوا على إعادة إخراجه ليسهل البحث فيه، ومن هذه الأعمال:(1/41)
1- ترتيب أسماء الصحابة الذين أخرج حديثهم أحمد في المسند على ترتيب المعجم لأبي القاسم عليّ بن الحسن بن هبة الله بن عساكر، المتوفي سنة (571هـ). في هذا الكتاب رتب الحافظ ابن عساكر أسماء الصحابة ترتيباً هجائياً، وبيَّن أمام كل صحابي موقع حديثه في المسند .
2- قام الحافظ أبو بكر محمد بن عبدالله بن المحب الصامت، بترتيب المسند على معجم الصحابة، ورتب الرواة كذلك، كترتيب كتاب الأطراف. قال الجزريّ: ((تعب فيه تعباً كثيراً)) .
3- استفاد الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير، المتوفى سنة (774هـ) من الكتاب السابق، وأضاف إليه أحاديث الكتب الستة، ومعجم الطبراني الكبير، ومسند البزار، ومسند أبي يعلى الموصلي. ورتبه على طريقة الكتاب السابق. قال الجزريّ يصف عمل ابن كثير:
"وأجهد نفسه كثيراً وتعب فيه تعباً عظيماً، فجاء لا نظير له في العالم، وأكمله إلا بعض مسند أبي هريرة، فإنَّه مات قبل أن يكمله، إنه عوجل بكف بصره" .
4- ترتيب مسند أحمد على حروف المعجم لأبي بكر محمد بن عبدالله بن عمر المقدسيّ الحنبليّ المتوفى سنة (820هـ) .
5- الكواكب الدراريّ في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاريّ. لعلّي بن الحسين بن زكبون، المتوفي سنة (837هـ) .
6- وضع الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852هـ) كتاباً في أطراف المسند سمَّاه: ((أطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي، في مجلدين. أفرده ابن حجر من كتابه المسمَّى: ((إتحاف المهرة بأطراف العشرة)) .
كتب حول المسند:
1- خصائص المسند. لأبي موسى المديني، المتوفي سنة (557هـ).
2- المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد، لشمس الدين الجزريّ. المتوفي سنة (833هـ). وحقق هذين الكتابين الشيخ أحمد شاكر في مقدمة تحقيقه للمسند.
ومن الكتاب التي ألفت في الذبِّ عن مسند أحمد:
1- القول المسدَّد في الذب عن مسند الإمام أحمد. لابن حجر المتوفى سنة (852هـ)، طبع عدة طبعات.(1/42)
2- الذيل الممهَّد. لجلال الدين السيوطي. المتوفي سنة (911هـ) .
3- ذيل القول المسدد. لمحمد صبغة الله المدراسيّ. كتبه عام (1281هـ) وهو مطبوع.
وفي زوائد مسند الإمام أحمد:
ألف الحافظ علي بن أبي بكر الهيثميّ كتاباً في زوائد المسند أسماه: ((غاية المقصد في زوائد المسند)). وقد كان الحافظ الهيثمي قد ألف كتباً مفردة في: زوائد مسند أبي يعلى الموصلي. ومعاجم الطبراني الثلاثة، فأشار عليه شيخه: الحافظ العراقي بأن يجمع هذه الكتب في مؤلف واحد. ويحذف أسانيدها، ويرتبها على الأبواب. فعمل الحافظ الهيثمي رحمه الله تعالى كتابه الجليل: ((مجمع الزوائد، ومنبع الفوائد)) . وهو كتاب مطبوع ومتداول.
وفي رجال المسند:
قال شمس الدين الجزريّ:
"وأمَّا رجال المسند: فما لم يكن في تهذيب الكمال، أفرده المحدِّث الحافظ: شمس الدين محمَّد بن المحبّ فيما قصر، وما فاته فإني استدركتُه وأضفتُه إليه في كتاب سميته: (المقصد الأحمد، في رجال مسند أحمد). وقد تَلَفَ بعضه في الفتنة، فكتبته بعد ذلك مختصراً" .
شروحه ومختصراته:
1- ثلاثيات المسند: أخرج أكثرها الحافظ محب الدين المقدسي. المتوفى سنة (613هـ) وقد شرح هذه الثلاثيات العلامة محمَّد السفارينيّ رحمه الله تعالى. وطبع الكتاب في دمشق سنة (1380هـ).
2- عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد. لجلال الدين السيوطيّ رحمه الله تعالى، وهو عبارة عن شرح لغويّ .
3- صنَّف زين الدين عمر بن أحمد الشماع الحلبي مختصراً للمسند أسماه ((الدُّر المنتقد من مسند أحمد)) .
4- ذكر حاجي خليفة أنَّ، أبا الحسن بن عبدالهادي السندي صنَّف شرحاً كبيراً لمسند الإمام أحمد جاء في خمسين كراسة .
5- المنتقى من مسند العشرة المبشرة .
عناية العلماء المعاصرين بالمسند:(1/43)
أولاً: عمل الشيخ أحمد البنا رحمه الله تعالى كتاباً أسماه: ((الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني)). عمل على ترتيب المسند على حسب الأبواب، كما حذف سلاسل الإسناد مكتفياً بذكر اسم الصحابي على الأغلب. وقد شرح رحمه الله تعالى عمله في الأحاديث المكررة، وبيَّن: أنَّه إذا جاء الحديث من عدة طرق لصحابي واحد اكتفى بذكر أصحها إسناداً، وحذف الباقي إلا أن يكون فيه زيادة فائدة، فإنَّه يُثبتها في مكانها اللائق. ويقول: ((وفي رواية كذا وكذا)) وإذا كانت الزيادة كبيرة أو لا تصلح أن توضع بهذا الشكل قال في نهاية الحديث: (وعنه في أخرى، أو: وعنه من طريق آخر بنحوه). هذا إذا كان الصحابيّ واحداً.
أما إذا كان الحديث مروياً عن غير واحدٍ من الصحابة فإنَّه يُثبت الأصح إسناداً، وإذا كان في الحديث الآخر أحكامٌ زائدة فإنه يُثبت الحديث، ويُشير إلى البقية بقوله: ((وعن فلان من الصحابة مثله)) وهو بذلك قد استوعب أحاديث المسند جميعها .
ثم ذيَّل الشيخ البناء الكتاب بشرح لطيف موجز أسماه: ((بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني)). أثبت فيه أسانيد الأحاديث، وخرَّجها بإيجاز، ونقل أحكام العلماء عليها من تصحيح أو تضعيف، كما شرح غريب اللغة وبين أبرز الفوائد المستمدة من الحديث.
فخرج الكتاب بصورة جيدة ومفيدة جداً سهَّل للباحثين، وطلبة العلم الاستفادة من هذا الكتاب الجليل.
وقد ظهر الكتاب بأربعةٍ وعشرين جزءاً، بدأه بـ: ((كتاب التوحيد)) ثم: ((كتاب الإيمان والإسلام)) ثم: ((كتاب القدر)) ثم: ((كتاب العلم)) ثم: ((كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة)) ثم: ((كتاب الطهارة)).. وهكذا، ختمه بـ: ((أبواب ذكر النَّار والجنَّة وما جاء فيهما)).
ولكن الشيخ أحمد البناء توفي رحمه الله تعالى ولمَّا يُكمل كتابه: ((بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني))، حيث وصل إلى الجزء الثاني والعشرين)) .(1/44)
فجاء من بعده الشيخ محمد بحيري وأكمل الجزء الثاني والعشرين بنفس طريقة البنا رحمه الله. ثم كُوِّنت لجنة من أبناء الشيخ البنا مع الأستاذ حامد إبراهيم، ومحمد الحسيني، والشيخ التيجاني، فأكملوا الجزء الثالث والعشرين، والرابع والعشرين، بنفس طريقة المؤلف السابقة.
ملاحظات على الكتاب:
1- بذل الشيخ أحمد البنا جهداً كبيراً، وأسدى خدمة جليلة لهذا الديوان العظيم، وسهل الاستفادة من هذا البحر الزاخر.
2- حبذا لو أنَّ البنا راجع الكتاب على أحد المخطوطات الأصيلة لكي تتم مقارنتها بالنسخة المطبوعة، وفي هذا زيادة في التوثيق.
3- تخريج الأحاديث فيه ضعف ملموس، وفيه أوهام كثيرة، قد يُعذر فيه المؤلف لكثرة أحاديث الكتاب.
4- يعتمد البنا في حكمه على الأحاديث على: المنذريّ والهيثمي غالباً، ولا شك أنَّ الاستفادة بأحكام المتقدمين أمر مهم ومطلوب. لكن لا يخفى على طالب العلم أنَّ الاعتماد على هذا وحده لا يكفي، حيث يجب دراسة الإسناد دراسةً وافيةً على حسب ما هو مقرر في قواعد علم المصطلح.
5- حبذا لو أنَّ الشيخ البنا أشار أمام كل حديث إلى موقعه في طبعة الحلبي لأنها طبعة متداولة ومنتشرة بين طلاب العلم.
6- تقدم قبل قليل أنَّ التكرار في مسند الإمام أحمد له فوائد متعددة، سواء في المتن أو في الإسناد. كثير من هذه الفوائد نفقدها عند مراجعة الفتح الرباني.
7- تمت طباعة الكتاب طباعة سيئة ومتعبة، وفيها أخطاء مطبعية كثيرة.(1/45)
ثانياً: عمل الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى على تحقيق المسند وترقيمه، وتخريج أحاديثه، والحكم عليها من حيث الصحة أو الضعف. وخرج الكتاب بصورة علمية رائعة تشهد للشيخ بعلمه، وحسن إطلاعه. ولكنه رحمه الله لم يتمه حيث بلغ ما حققه: ثلث الكتاب تقريباً، حيث خطى شوطاً لا بأس به من مسند أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. فخرج الكتاب بستة عشر جزءاً، وبلغ عدد أحاديثه: (7782) حديثاً. ووضع فيه – رحمه الله – فهارس علمية قيِّمة لكل جزءٍ على حده، تُسهِّل البحث فيه، وتجعل الباحث يجد ضالته فيها بسهولة.
وأثبت رحمه الله في المقدمة: كتاب: ((خصائص المسند)) لأبي موسى المدينيّ. وكتاب: ((المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد)) لشمس الدين الجزريّ. وترجمة الإمام أحمد من: ((تاريخ الإسلام)) للحافظ الذهبيّ. وحقق هذه الكُتب وعلَّق عليها.
واعتمد أحمد شاكر في تحقيقه للمسند على:
1- طبعة الحلبيّ: وهي الطبعة المتداولة حالياً، وهي ستة أجزاء. طبعت في المطبعة الميمنية بالقاهرة سنة (1313هـ) وبهامشها المنتخب من كنز العمال.
2- جزء صغير مطبوع في المطبعة الحيدرية في بمبي بالهند سنة (1308هـ). وهذه الطبعة إلى مسند سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه، أي: نحو (190) صفحة من الجزء الأول من طبعة الحلبي السابقة الذكر.
3- نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية. وصفها أحمد شاكر بأنها: ((نسخة صحيحة جيدة الضبط والإتقان، نادرة الغلط)) .
4- وفي بداية الجزء السابع حصل أحمد شاكر على مخطوطة من أبناء الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ. وقال عنها شاكر: ((ليست بقديمة، ولكنها صحيحة معتمدة، وفيها تصحيحات نفيسة)) .
5- وفي بداية مسند أبي هريرة رضي الله عنه وجد أحمد شاكر مخطوطة فيها مسند أبي هريرة فقط. كتبت سنة: (837هـ) .
ملاحظات على التحقيق:
1- يمتاز الكتاب بجودة الترتيب، والإخراج والإعداد، بذل فيه أحمد شاكر جهداً مباركاً.(1/46)
2- رقم الأحاديث، وأشار إلى موقع الحديث في طبعة الحلبي.
3- يوجد في كل مجلد فهارس علمية جيدة تسهل البحث.
4- رجوعه إلى المخطوطات جيد، لكن حبذا لو وصف هذه المخطوطات وصفاً كافياً، مع الإشارة إلى تاريخ نسخها.
5- تخريجه للأحاديث مفيد وجيد، لكنَّ فيه نقصاً أحياناً، وحكمه على الأحاديث ممتاز جداً، على تساهل في بعضها.
وبشكل عام خدم الشيخ أحمد شاكر مسند الإمام أحمد خدمة جليلة، قلَّما يُعمل مثلها، نسأل الله عز وجل أن يجعله في موازين أعماله.
ثالثاً: قام الدكتور: ((الحسيني عبدالمجيد هاشم)) أستاذ الحديث بكلية أصول الدين – بجامعة الأزهر بمصر بتتمة عمل الشيخ أحمد شاكر، حيث بدأ الحسيني من حيث انتهى أحمد شاكر. وصدر من عمله هذا حتى الآن أربعة أجزاء من: (17) إلى: (20). صدر الجزء السابع عشر عام (1395هـ)، والثامن عشر عام (1397هـ)، والتاسع عشر بدون تاريخ، والعشرون عام (1404هـ). وشاركه في إخراج الجزء العشرين الدكتور: أحمد عمر هاشم رئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر.
لم يكتب الدكتور الحسيني مقدمة عند إخراجه للكتاب، يشرح فيها عمله. إلا أنَّه – من حيث العموم – سار على نفس منهاج شاكر، مع وجود الفارق في التخريج والحكم على الحديث. والظاهر أن الحسيني لم يعتمد في إخراج الكتاب إلا على طبعة الحلبي التي صدرت في القاهرة عام (1313هـ).
رابعاً: عمل الأستاذ عبدالقادر أحمد عطا بالتعاون مع الدكتور محمد أحمد عاشور على تحقيق مسند الإمام أحمد من بدايته، وخرج من عملهما – فيما أعلم – ثلاثة أجزاء فقط. وبلغ عدد الأحاديث التي تم تحقيقها: (2109) حديثاً. ولا أدري هل توقفا عن العمل – وهو الظاهر – أم أنها لا زالا يعملان في بقية المسند!!
اعتمدا في تحقيقهما على:
1- طبعة الحلبي.
2- مخطوطة دار الكتب المصرية، وهي نسخة كاملة.
3- جزءان مخطوطان في المكتبة الأزهرية. ولم يذكرا شيئاً عنها.(1/47)
4- اعتمدا أيضاً على الجزء الذي حققه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله.
5- كما اعتمدا على الكتب التي تكثر النقل من مسند الإمام أحمد، ومنها:
أ – البداية والنهاية، وتفسير القرآن العظيم. كلاهما الحافظ ابن كثير.
ب – ما أثبته بهاء الدين حيدر بن علي الجاشي في كتابه:
((المعتمد من المنقول فيما أوحي إلى الرسول)).
جـ – منهاج السنَّة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
د – إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية.
6- كما اعتمدا على بعض كتب السنُّة الأخرى، منها:
أ – مصنف عبدالرزاق الصنعاني.
ب – مسند ابن الجارود.
جـ – الزهد لابن المبارك، والزهد لأحمد.
د – كتب الرجال كالميزان واللسان وغيرها.
ملاحظات على الكتاب:
تحقيقهما لا يُقارن بتحقيق أحمد شاكر. والمحققان قد اطلعا على نسخة شاكر، ولو أنهما عملا عملاً أفضل منه لقلنا أنهما يُريدان أن يخرجا الكتاب بالصورة الجيدة، أما حينما يريان نسخة شاكر ويخرجان عملاً أقل منه – أو حتى أفضل منه بقليل – لا شك بأنَّ هذا من تبديد الجهود، فلو أنهما شرعا في التحقيق من حيث انتهى أحمد شاكر لكان خيراً لهما ولطلبة العلم خاصة أن مسند الإمام أحمد ديوان عظيم يحتوي على مادة علمية كبيرة، فيحتاج إلى جهد وتظافر وتكاتف. والذي يثبت ذلك أنهما توقفا ولمَّا يصلا إلى ما وصل إليه أحمد شاكر. هذا لا يعني أنهما لم يعملا شيئاً طيباً، بل على العكس حيث خرَّجا الأحاديث تخريجاً لا بأس به، لكن ينقصه الحكم على الحديث من حيث القوة أو الضعف. كما شرحا غريب اللغة وأثبتا بعض الفوائد القيمة.
كما وعدا بإخراج بعض الفهارس في نهاية الكتاب. لكن هذه الفهارس لم تظهر لعدم إتمامهما للكتاب.
خامساً: أخرج الشيخ عبدالله القرعاوي كتاباً رتب فيه المسند على أبواب الفقه، معتمداً على: ((الفتح الرباني)) للشيخ أحمد البنا. ولكن الشيخ القرعاوي أثبت سلاسل الإسناد ولم يحذف من المسند شيئاً.(1/48)
ويعلل سبب ذلك بأنه يريد أن يثبت جميع الأحاديث وبجميع طرقها متجاورة في الباب الواحد، لكي يتسنَّى للباحث أن يعرف طرق الحديث والمتابعات والشواهد.
ورقم أحاديث كل باب على حده، وسمَّى كتابه: ((المُحَصَّل)) ظهر منه حتى كتابة هذه السطور ثلاثة أجزاء فقط، بدأه ((بكتاب التوحيد)) ثم ((بكتاب الإيمان والإسلام)) وختم كل جزء بفهرس للموضوعات.
سادساً: عُملت في الآونة الأخيرة بعض الأطروحات العلمية لتحقيق بعض أجزاء من مسند الإمام أحمد، ومنها:
1- مرويات بريدة الأسلمي – رضي الله عنه – في مسند أحمد.
2- مرويات سمرة بن جندب – رضي الله عنه – في مسند أحمد.
3- القسم الرابع من مسند الكوفيين في مسند أحمد.
4- القسم الثاني من مسند الإنصار في مسند أحمد.
5- مرويات زيد بن ثابت – رضي الله عنه – في مسند أحمد .
6- تخريج أحاديث أبي ذر – رضي الله عنه – في مسند أحمد .
7- تخريج أحاديث جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – في مسند أحمد .
سابعاً: عمل الأستاذ حمدي عبدالمجيد السلفي فهرساً لأطراف أحاديث المسند سماه: ((مرشد المحتار إلى ما في المسند من الأحاديث والآثار)). خرج منه جزئين حتى الآن، وصل بهما إلى حرف: الميم.
ثامناً: وفي نفس الوقت أخرج الأستاذ: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول فهرساً لأطراف أحاديث المسند.
يمتاز الأخير بأنه يحوي المسند في مجلد واحد بحيث يسهل تناوله والرجوع إليه.
بينما يمتاز فهرس السلفي: بذكر اسم الصحابي الراوي للحديث. كما يُحيل للأحاديث المتقاربة في اللفظ.
ومن آثار الإمام أحمد أيضاً رحمه الله تعالى.
(2) فضائل الصحابة:
عمل الأستاذ ((وصيّ الله بن محمَّد عباس)) على تحقيق الكتاب لنيل شهادة الدكتوراة من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى، وأشرف على الرسالة: السيد أحمد صقر. وطبع الكتاب ضمن مطبوعات جامعة أم القرى عام (1403هـ) في جزئين لطيفين.(1/49)
اعتمد المحقق على نسخة خطية فريدة. كُتبت قبل سنة: أربع وأربعين وخمسمائة. كما وجد المحقق جزء فضائل عليّ من الكتاب، بنسخة خطية كتبت سنة (1027).
يبدأ الكتاب: بفضائل أبي بكر الصديق، ثم بفضائل بقية الخلفاء الراشدين، ثم بفضائل بقية العشرة المبشرين بالجنة ما عدا: سعيد بن زيد رضي الله عنه، ثم ببقية الصحابة. وختم الكتاب بفضائل: عبدالله بن عباس رضي الله عنه.
احتوى الكتاب على (1962) نصاً، بذل فيه المحقق جهداً طيباً. وأخرج الكتاب بصورة علمية رائعة، وذيَّله بفهارس علمية قيِّمة.
(3) التفسير:
قال أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنَادى:
"لم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه من عبدالله بن أحمد، لأنه سمع منه: ((المسند)) وهو ثلاثون ألفاً. و((التفسير)) وهو مئة ألف وعشرون ألفاً، سمع منه ثمانين ألفاً، والباقي وجادة. وسمع الناسخ والمنسوخ، والتاريخ، وحديث شعبة.." .
وذكر هذا الكتاب: ابن النديم في: ((الفهرست)) ، والخطيب البغدادي في: ((تاريخه)) ، وابن الجوزي في: ((مناقب الإمام أحمد)) ، وابن حجر في ((التهذيب)) ، وغيرهم.
ولكن الحافظ الذهبيّ يُنكر وجود هذا الكتاب إنكاراً شديداً حيث قال: ((ما زلنا نسمع بهذا التفسير الكبير لأحمد على ألْسِنة الطلبة، وعُمدتهم حكاية ابن المُنادي هذه، وهو كبير قد سمع من جده وعباس الدُّوري، ومن عبدالله بن أحمد، لكن ما رأينا أحداً أخبرنا عن وجود هذا التفسير، ولا بعضه ولا كُرَّاسة منه، ولو كان له وجود، أو لشيء منه لنسخوه، ولاعتنى بذلك طلبة العلم، ولحصَّلوا ذلك، ولنُقل إلينا، ولاشتُهر، ولتنافس أعيان البغدادين في تحصيله، ولنقل منه ابن جرير فمن بعده في تفاسيرهم، ولا – والله – يقتضي أن يكون عند الإمام أحمد في التفسير مئة ألف وعشرون ألف حديث، فإن هذا يكون في قدر مسنده بل أكثر بالضعف.(1/50)
وهذا التفسير لا وجود له، وأنا أعتقد أنَّه لم يكن، فبغداد لم تزل دارُ الخلفاء، وقُبَّةَ الإسلام، ودار الحديث، ومحلة السُّنن. ولم يزل أحمد فيها مُعظماً في سائر الأعصار، وله تلامذة كبار وأصحاب أصحاب، وهلُمَّ جرا إلى بالأمس، حين استباحها جيش المغول، وجرت بها من الدماء سيول، وقد اشتُهر ببغداد تفسير ابن جرير وتزاحم على تحصيله العلماء، وسارت به الركبان، ولم نعرف مثله في معناه، ولا ألف قبله أكبر منه، وهو في عشرين مُجلدة، وما يحتمل أن يكون عشرين ألف حديث، بل لعلَّه خمسة عشر ألف إسناد، فخذه، فعدَّه إن شئت)) .
(4) الزهد:
وهو كتابٌ فريد في بابه، جيد في مضمونه، خالٍ من قصص المتصوفة وأعمالهم المخالفة لهدي المصطفى r. لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
".. ولكنَّ كتاب الزهد للإمام أحمد، والزهد لابن المبارك، وأمثالهما، أصح نقلاً من الحلية".
وقال أيضاً:
".. وأما الزهد للإمام أحمد ونحوه فليس فيه من الأحاديث والحكايات الموضوعة مثل ما في هذه – يعني: الحلية، وصفة الصفوة – فإنَّه لا يذكر في مصنفاته عمن هو معروف بالوضع، بل قد يقع فيها ما هو ضعيف بسوء حفظ ناقله، وكذلك الأحاديث المرفوعة ليس فيها ما يُعرف أنَّه موضوع قُصد الكذب فيه، كما ليس ذلك في مسنده، لكن فيه ما يعرف أنَّه غلطُ، غَلطَ فيه رواته، ومثل هذا يوجد في غالب كتب الإسلام، فلا يسلم كتاب من الغلط إلا القرآن" .
وقال الحافظ ابن كثير:
"وقد صنَّف أحمد في الزهد كتاباً حافلاً عظيماً لم يُسبق إلى مثله ولم يلحقه أحد فيه" .
والكتاب بدأه الإمام أحمد: بزهد النبي r، ثم بزهد الأنبياء، ثم بزهد الصحابة، ثم بزهد التابعين.
طبع الكتاب عدة طبعات بدون أي عناية علمية، إلى أن جاء الأستاذ: محمد جلال شرف وحققه تحقيقاً لا بأس به. ثم حققه ورقم نصوصه وفهرسها الأستاذ: محمد السعيد بن بسيوني زغلول.
(5) الرد على الزنادقة والجهمية:(1/51)
نسبه للإمام أحمد: ابن النديم في ((الفهرست)) ، وابن الجوزي في: ((مناقب الإمام أحمد)) ، وبروكلمان ، وفؤاد سزكين .
ولكن يُشكِّك في نسبته للإمام أحمد:
1- الحافظ الذهبيّ: وحجته: أنَّ في سند الكتاب إلى الإمام أحمد: الخضر بن المثنَّى وهو مجهول .
2- زاهد الكوثري: في تعليقه على كتاب: ((الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية)) .
3- وهبي بن سليمان غاوجي الألباني: في كتابه: ((أبو حنيفة النعمان إمام الأئمة الفقهاء)) ضمن سلسلة أعلام المسلمين.
لكنَّ هناك من يُصحح نسبة الكتاب للإمام أحمد بن حنبل، منهم: الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه الجليل: ((اجتماع الجيوش الإسلامية))، ونَسَب ذكر ذلك لشيخ الإسلام ابن تيمية، والقاضي: أبو الحسن بن القاضي أبي يعلي في كتابه: ((إبطال التأويل)) حيث قال: ((قرأت في كتاب أبي جعفر محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل قال: قرأت على أبي صالح بن أحمد هذا الكتاب فقال: هذا الكتاب عمله أبي في مجلسه رداً على من احتج بظاهر القرآن، وترك ما فسَّره رسول الله r، وما يلزم اتباعه)). وهذا يُثبت طريقاً آخر غير طريق: الخضر بن المثنَّى.
كما أنَّ أبا بكر الخلال يروي الكتاب عن طريق الوِجادة من طريق: عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه الإمام أحمد، وهذا يُثبت طريقاً ثالثاً للكتاب.
وقال ابن القيم:
"لم يُسمع من أحد من متقدمي أصحاب الإمام أحمد، ولا متأخريهم طعن فيه، والله أعلم" .
وقد اقتبس شيخ الإسلام ابن تيمية من هذا الكتاب في عِدَّة مواضع من كتابه الجليل: ((درء تعارض العقل مع النقل)) وغيره.(1/52)
قلت: الكتاب بدأه الإمام أحمد بالردِّ على الزنادقة الذين يتتبعون متشابه القرآن، ويضربون آياته بعضها مع بعض. ثم بدأ بالردِّ على الجهمية المعطلة الذين يقولون بخلق القرآن، ثم ردَّ عليهم حينما جحدوا نظر المؤمنين لله عزَّ وجلَّ يوم القيامة، ثم ردَّ على عليهم إنكارهم: من أن يكون الله كلَّم موسى عليه الصلاة والسلام، ثم ردَّ عليهم إنكارهم: أن يكون الله على العرش، ثم تكلم عن المعيَّة وتفسير قوله تعالى:
"مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ" (سورة المجادلة آية 7).
ثم عاد للردَّ عليهم في قضية خلق القرآن، وختم كتابه بالردِّ على الجهمية تأويلهم لقوله تعالى: "هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ" (سورة الحديد آية 3).
(6) العلل ومعرفة الرجال:
وهو برواية: ابن الصوَّاف عن عبدالله بن أحمد عن أبيه الإمام أحمد بن حنبل.
طبع الجزء الأول من الكتاب في أنقرة بتركيا سنة (1963م)، ثم توقف العمل بالكتاب حتى سنة (1987م) حيث طبع بقية الكتاب في جزء آخر. وكلا الجزئين بتحقيق: الدكتور طلعت قوج، وإسماعيل جراح أوغلي.
واعتمدا في التحقيق على نسخة خطية كاملة موجودة في أيا صوفيا بتركيا.
ويوجد للكتاب نسخة خطية جيدة في: المكتبة الظاهرية بدمشق . وقد بدأ بتحقيقه مرَّة أخرى، الأستاذ وصي الله بن محمَّد عبَّاس ، على اعتبار أنَّ الكتاب لم يطبع منه إلا جزء واحد. والآن بعد أن تم إخراج الكتاب كاملاً لا أدري هل سوف يستمر وصي الله بالتحقيق أم لا؟
(7) الأشربة:
وهو مطبوع بتحقيق: السيد صبحي جاسم البدري سنة (1396هـ). تم طبع بتحقيق: عبدالله حجاج سنة (1401هـ).
(8) الأسامي والكنى:
وهو من أوائل الكتب التي ألفت في علم الرجال، نشره وحققه: عبدالله بن يوسف الجديع، عام 1406هـ.
(9) الورع:(1/53)
طبع لأول مرة في القاهرة سنة (1340هـ) بدون عناية. ثم في عام 1403هـ حققته الدكتورة: زينب إبراهيم القاروط، اعتماداً على النسخة المطبوعة عام 1340هـ. ثم طبعه اعتماداً على هذه النسخة المطبوعة أيضاً: محمد السعيد بن بسيوني زغلول عام 1406هـ.
(10) رسالة الصلاة:
طبعت لأول مرَّة في القاهرة سنة (1322هـ)، وفي نسبتها للإمام أحمد نظر .
(11) الإيمان:
قال أبو حاتم:
"أولُ ما لقيتُ أحمد سنة ثلاث عشرة ومئتين، فإذا قد أخرج معه إلى الصلاة: ((كتاب الأشربة)) و((كتاب الإِيمان)) فصلَّى، ولم يسأله أحد. فردَّه إلى بيته. وأتيته يوماً آخر، فإذا قد أخرج الكتابين. فظننت أنَّه يحتسب في إخراج ذلك، لأنَّ كتاب الإيمان أصل الدين، وكتاب الأشربة صَرْفُ النَّاس عن الشر، فإنَّ كل الشر من السُّكْر" .
وكتاب الإيمان توجد منه نسخة خطية في: المتحف البريطاني .
(12) كتاب أهل الردَّة والزنادقة وتارك الصلاة والفرائض ونحو ذلك:
توجد منه نسخة خطية في: مكة المكرمة . ونسخة أخرى ضمن: ((كتاب الجامع)) للخلال في: دار الكتب المصرية .
(13) كتاب الوقوف والوصايا:
توجد منه نسخة خطية في: مكة المكرمة . ونسخة أخرى ضمن: ((كتاب الجامع)) للخلال في: دار الكتب المصرية .
(14) أحكام النساء:
توجد منه نسخة مخطوطة في: مكة المكرمة .
(15) الترجّل:
توجد منه نسخة مخطوطة في: مكة المكرمة .
وممَّا ذكره ابن النديم في الفهرست أيضاً .
(16) الناسخ والمنسوخ :
(17) الفرائض.
(18) المناسك .
(19) طاعة الرسول.
وممَّا ذكره ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد .
(20) التاريخ..
(21) حديث شعبة.
(22) المقدم والمؤخر في القرآن.
(23) جوابات القرآن.
(24) نفي التشبيه.
(25) الإِمامة.(1/54)
هذا بالإضافة إلى كتب المسائل والتي تضم إجابات الإمام أحمد بن حنبل على أسئلة تلاميذه في العلوم المختلفة. ذكر الحافظ الذهبيّ ما يقارب: (47) جامعاً لها. كما ذكر الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد في كتابه: ((موارد ابن القيم في كتبه)): (70) جامعاً لها .
ومن أبرز هذه المسائل:
1- مسائل الإمام أحمد: لعبدالله بن أحمد بن حنبل.
2- مسائل الإمام أحمد: لأبي داود السجستاني.
3- مسائل الإمام أحمد: لابن هانيء.
4- مسائل الإمام أحمد: للأثرم.
5- مسائل الإمام أحمد: للميمونيّ.
6- مسائل الإمام أحمد: للبغويّ.
وغيرها.
ثم جمع أبو بكر الخلال سائر ما عند تلاميذه من أقواله وفتاويه. قال الذهبيّ: ((وجمع أبو بكر الخلال سائر ما عند هؤلاء من أقوال أحمد، وفتاويه، وكلامه في العلل، والرجال والسنَّة والفروع، حتى حصل عنده من ذلك ما لا يوصف كثرة. ورحل إلى النواحي في تحصيله، وكتب عن نحوٍ من مئة نفس من أصحاب الإمام. ثم كتب كثيراً من ذلك عن أصحاب أصحابه، وبعضه عن رجل، عن آخر عن الإمام أحمد. ثم أخذ في ترتيب ذلك، وتهذيبه، وتبويبه، وعمل كتاب ((العلم)) وكتاب ((العلل)) وكتاب ((السنة)) كل واحد من الثلاثة من ثلاث مجلدات.
ويروي في غضون ذلك من الأحاديث العالية عنده، عن أقران أحمد من أصحاب ابن عيينة ووكيع وبقية مما يشهد له بالإمامة والتقدّم، وألَّف كتاب ((الجامع)) في بضعة عشر مُجلدة، أو ُ أكثر..)) .
أحاديث الإمام أحمد في كتاب السنَّة:
أولاً: في صحيح الإمام البخاريّ:
قال الحافظ الذهبيّ: ((حدَّث عنه البخاريّ حديثاً، وعن أحمد بن الحسن عنه حديثاً آخر في المغازي)) .
وقال الحافظ ابن حجر: ((وليس للمصنَّف – أي: البخاري – في هذا الكتاب رواية عن أحمد إلا في هذا الموضع، وأخرج عنه في آخر المغازي حديثاً بواسطة)) .(1/55)
وبهذا يتبيَّن – من رأي الحافظين – أنَّ للإمام أحمد حديثين فقط في: صحيح البخاريّ. ولكن ذكر ابن القيسراني – من قبلهما – حديثاً ثالثاً في كتاب الصدقات، حيث قال: ((روى البخاريّ عن أحمد بن الحسن الترمذيّ عنه حديثاً واحداً في آخر المغازي في مسند بريدة قوله: أنَّه غزا مع النبي r ست عشرة غزوة. وقال في كتاب الصدقات: حدَّثنا محمد بن عبدالله الأنصاريّ ثنا أبي ثنا ثمامة الحديث، ثم قال عقبه: وزادني أحمد بن حنبل عن محمد بن عبدالله الأنصاريّ.
وقال في: كتاب النكاح: قال لنا أحمد بن حنبل رحمه الله. لم يقل حدثنا ولا أخبرنا وهو حديث الثوري عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حَرُمَ من النَّسب سبع.. الحديث)) .
هكذا قال ابن القيسراني: ((كتاب الصدقات)). قلت: ولعلَّ الصواب: ((كتاب اللباس)) وسوف يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وإليك الآن أحاديث أحمد في صحيح البخاري:
1 – قال البخاريّ: وقال لنا أحمد بن حنبل: حدَّثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، حدثني: حبيب، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: ((حَرُم من النسب سبعٌ ومن الصِّهر سبعٌ. ثم قرأ:
"حُرِّمَت عَلَيكُم أَمَّهَاتُكُم" الآية (النساء: 23) .
فكما ترى قال البخاريّ: ((قال لنا أحمد بن حنبل)) ولم يقل: ((حدَّثنا أو أخبرنا)). قال أبو جعفر بن حمدان النيسابوري: ((كل ما قال البخاريّ: قال لي فلان، فهو ((عَرْضُ، ومناولة)) .
ولكن ابن حجر يقول:
"هذا فيما قيل أخذه المُصنِّف عن الإمام أحمد في المذاكرة أو الإجازة، والذي ظهر لي بالاستقراء أنَّه: إنَّما استعمل هذه الصيغة في الموقوفات، وربما استعملها فيما فيه تصور ما عن شرطه، والذي هنا من الشق الثاني" .
2 – وقال البخاريّ: حدَّثني ابن الحسن، حدَّثنا أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال، حدَّثنا مُعتمر بن سُليمان، عن كَهْمس، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: غزا مع رسول الله r: ست عشرة غزوة)) .(1/56)
3 – وقال البخاريّ: حدَّثني محمد بن عبدالله الأنصاريّ قال: حدَّثني أبي، عن ثمامة، عن أنس: ((أنَّ أبا بكر لما استُخلِفَ كتب له، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد: سطر، ورسول: سطر، والله: سطر)).
قال أبو عبدالله: وزادني أحمد: حدَّثنا الأنصاريّ، قال: حدَّثني أبي، عن ثمامة، عن أنس قال: ((كان خاتم النبي r في يده، وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر، فلما كان عثمانُ جلس على بئر أريس، قال: فأخرج يعبث به، فسقط. قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمانّ فنَنْزَحُ البئر، فلم نجده)) .
فكما ترى قال البخاري: ((وزادني أحمد)) هكذا غير منسوب، وقد تقدم جزم ابن القيسراني بأنَّه: أحمد بن حنبل. قال الحافظ ابن حجر: ((وأحمد المذكور جزم المزي في الأطراف أنَّه: أحمد بن حنبل. لكن لم أر هذا الحديث في: مسند أحمد من هذا الوجه أصلاً)) .
قلت: ولهذا قال الذهبيّ، ومن بعده ابن حجر: أنَّه لا يوجد في صحيح البخاري عن أحمد إلا: حديثين، كما تقدم قبل قليل. فلعله على اعتبار أنَّ أحمد هذا هو غير أحمد بن حنبل. والله أعلم.
ثانياً: في صحيح مسلم:
روى الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه (20) حديثاً فقط عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
ومن الأمثلة على حديث الإمام أحمد في صحيح مسلم:
1 – قال مسلم: حدَّثنا أحمد بن حنبل ومحمد بن رافع قال: حدَّثنا عبدالرزاق، أخبرنا: معمر، عن همَّام بن مُنبه قال: هذا ما حدَّثنا أبو هريرة عن رسول الله r فذكر أحاديث منها، وقال: قال رسول الله r: "أيُّما قريةٍ أتيتموها، وأقمتم فيها، فسهمكم فيها. وأيُّما قرية عصت الله ورسُوله، فإنَّ خُمُسَها لله ولرسوله. ثم هي لكم" .
2 – وقال مسلم: وحدَّثني أحمد بن حنبل، حدَّثنا أحمد بن حنبل، حدَّثنا محمد بن جعفر، حدَّثنا شعبة، عن ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة عن النبي r: "إذا أُقيمت الصَّلاةُ فلا صلاةَ إلا المكتوبة" .
ثالثاً: في سنن أبي داود:(1/57)
أكثر الإمام أبو داود عن الإمام أحمد بن حنبل حيث لازمه فترة طويلة، وبلغ عدد أحاديث الإمام أحمد في سنن ابي داود (220) حديثاً. ولهذا يُعتبر أبو داود أكثر من روى عن الإمام أحمد بن حنبل من أصحاب الكتب الستة.
وإليك أمثلة على حديث الإمام أحمد في سنن أبي داود .
1 – قال أبو داود: حدَّثنا أحمد بن حنبل، ثنا هشيم، أخبرنا سيَّار، عن الشعبي، عن جابر بن عبدالله قال: كنَّا مع النبي r في سفر، فلمَّا ذهبنا لندخل قال: "أمهلوا حتى ندخل ليلاً، لكي تمتشط الشَّعثة، وتَسْتَحدَّ المغيبة" .
2 – قال أبو داود: حدَّثنا أحمد بن حنبل، ثنا عبدالرزاق، ثنا معمر، عن همَّام بن مُنبِّه قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة، عن رسول الله r قال: "العين حق" .
تنبيه: قال الحافظ الذهبيّ: ((روى أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، عن رجل عنه)).
قلت: جميع الأحاديث التي رواها أبو داود عن أحمد رواها بدون واسطة. والله تعالى أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
((فهرس المصادر والمراجع))
1- إعلام الموقعين عن رب العالمين: لابن القيم. ت. محمد يحيى الدين عبدالحميد.
2- الاغتباط بمعرفة من رمي بالاختلاط: لسبط ابن العجمي. الدار العلمية – الهند 1406هـ.
3- الأنساب: للسمعاني. دائرة المعارف العثمانية – حيدر أباد الدَّكن، الطبعة الأولى 1382هـ.
4- البداية والنهاية: لابن كثير. مكتبة المعارف – بيروت. الطبعة الرابعة 1982م.
5- التاريخ: ليحيى بن معين. ت. أحمد نور سيف. مركز البحث العلمي بجامعة الملك عبدالعزيز. الطبعة الأولى 1399هـ.
6- تاريخ الأدب العربي: لبروكلمان. دار المعارف بمصر. ترجمة عبدالحليم النجار.
7- تاريخ بغداد: للخطيب البغدادي. مطبعة السعادة – مصر. الطبعة الأولى 1349هـ.(1/58)
8- تاريخ التراث العربي: لفؤاد سزكين. نشر جامعة الإمام محمد بن سعود. الطبعة الأولى 1403هـ.
9- تاريخ دمشق: لابن عساكر. نشر مجمع اللغة العربي – دمشق.
10- تحفة الأشراف: للمزيّ. الدار العلمية بالهند. الطبعة الأولى 1386هـ.
11- تدريب الراوي: للسيوطي. طبعة المكتبة العلمية – المدينة المنورة 1379هـ.
12- تذكرة الحفاظ: للذهبيّ. حيدر آباد الدكن. الطبعة الثالثة 1375هـ.
13- ترتيب أسماء الصحابة: لابن عساكر. مخطوط في جامعة الإمام محمد بن سعود برقم (4919).
14- ترجمه الإمام من ((تاريخ الإسلام)): للذهبي. دار الوعي بحلب. بدون تاريخ.
15- توضيح الأفكار: للصنعاني. مطبعة السعادة – مصر. 1366هـ.
16- تعجيل المنفعة: لابن حجر. دار المحاسن للطباعة – القاهرة. الطبعة الأولى 1386هـ.
17- التقييد لمعرفة الرواة والسنن والمسانيد: لابن نقطة – حيدر آباد الدكن. الطبعة الأولى 1404هـ.
18- التقييد والإيضاح: للعراقي. دار الحديث – بيروت. الطبعة الثانية 1405هـ.
19- تهذيب التهذيب: لابن حجر. حيدر آباد الدكن. الطبعة الأولى 1325هـ.
20- الجرح والتعديل: لابن أبي حاتم. حيدر آباد الدكن. الطبعة الأولى 1371هـ.
21- حلية الأولياء: لأبي نعيم. دار الكتب العلمية. بيروت.
22- خصائص المسند: لأبي موسى المديني. ت. أحمد شاكر في مقدمة المسند.
23- الرد على الزنادقة والجهمية: لأحمد بن حنبل. ت. عبدالرحمن عميرة.
24- الرسالة المستطرفة: للكتاني.
25- الزهد: للإمام أحمد بن حنبل. ت. محمد السعيد زغلول. دار الكتاب العربي. الطبعة الأولى 1406هـ.
26- سير أعلام النبلاء: للذهبيّ – مؤسسة الرسالة – بيروت. الطبعة الأولى 1401هـ.
27- شذرات الذهب: لابن العماد الحنبلي. مكتبة القدس. الطبعة الأولى 1350هـ.
28- شرح علل الترمذي: لابن رجب الحنبلي. ت. السامرائي. عالم الكتب. الطبعة الثانية 1405هـ.
29- طبقات الحنابلة: مطبعة السنة المحمدية 1371هـ. تحقيق محمد حامد الفقي.(1/59)
30- طبقات الشافعية الكبرى: للسبكي. مطبعة عيسى البابي الحلبي – مصر – 1382هـ.
31- العبر في خبر من غبر: للذهبيّ. ت. صلاح الدين المنجد. دائرة المطبوعات والنشر بالكويت.
32- العلل: لعلي بن المديني. ت. محمد الأعظمي. المكتب الإسلامي – الطبعة الثانية 1980م.
33- العلل ومعرفة الرجال: لأحمد بن حنبل. ت. طلعت قوج. تركيا 1963م.
34- علوم الحديث: لابن الصلاح. ت. نور الدين عتر – حلب 1386هـ.
35- الفتاوى: لشيخ الإسلام ابن تيمية. مجموع ابن قاسم. نشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
36- فتح الباري: المكتبة السلفية – المدينة المنورة. ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي.
37- الفتح الرباني: أحمد البنا – دار الشهاب – القاهرة.
38- فتح المغيث: للسخاوي. مصورة دار الكتب العلمية – بيروت.
39- الفروسية: لابن القيم. مطبعة الأنوار – مصر – 1360هـ.
40- فضائل الصحابة: لأحمد بن حنبل. ت. وصي الله بن محمد عباس. جامعة أم القرى 1403هـ.
41- الفهرست: لابن النديم. دار المعرفة – بيروت – 1398هـ.
42- فهرست ما رواه عن شيوخه: للإشبيلي. دار الآفاق الجديدة. الطبعة الثانية 1399هـ.
43- قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة: لابن تيمية. إدارة ترجمان السنة. لاهور 1397هـ.
44- القول المسدد في الذب عن مسند أحمد: لابن حجر – حيدر آباد الدكن 1319هـ.
45- كشف الظنون: لحاجي خليفة – دار الفكر – بيروت 1402هـ.
46- الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات: لابن كيال. ت – حمدي السلفي – 1401هـ.
47- لسان الميزان: لابن حجر. دائرة المعارف العثمانية – حيدر آباد الدكن 1329هـ.
48- المحصَّل: للقرعاوي. دار العليان للنشر – بريدة. الطبعة الأولى 1405هـ.
49- المسند: لأحمد بن حنبل. الطبعة الميمنية بالقاهرة 1313هـ. مصدَّرة المكتب الإسلامي.
50- المسند: لأحمد بن حنبل. ت. أحمد شاكر.(1/60)
51- المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد: للجزري. ت. أحمد شاكر في مقدمة المسند.
52- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: لابن الجوزي. دائرة المعارف العثمانية – حيدر آباد. الطبعة الأولى 1358هـ.
53- منهاج السنة النبوية: لابن تيمية مطبعة بولاق – مصر – 1221هـ.
54- المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد: للعليمي. مطبعة المدني – القاهرة 1383هـ.
55- مناقب الإمام أحمد: لابن الجوزيّ. طبعة الخانجي – القاهرة 1349هـ.
56- الموضوعات: لابن الجوزيّ. المكتبة السلفية – المدينة المنورة 1386هـ.
57- ميزان الاعتدال: للذهبي. ت. علي البجاويّ. الطبعة الاولى 1382هـ.
58- النجوم الزاهرة: لابن تغري بردي. نشر وزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصر. الطبعة الأولى 1393هـ.
59- وفيات الأعيان: لابن خلكان. ت. إحسان عباس. دار الثقافة بيروت. 1388هـ.
المصدر مجلة البحوث الإسلامية -العدد25(1/61)