الأسجاع في الحديث النبوي الشريف
- صحيح البخاري -
رسالة تقدم بها
احمد عباس داود
إلى
مجلس كلية الآداب في جامعة الموصل
وهي جزء من متطلبات نيل شهادة الماجستير
في
اللغة العربية وآدابها
بإشراف
الأستاذ المساعد
الدكتور ميسر حميد سعيد العبيدي
صفر- 1426هـ نيسان- 2005م(1/1)
قرار لجنة المناقشة
نحن أعضاء لجنة التقويم، نشهد بأننا اطلعنا على هذه الرسالة الموسومة بـ (الأسجاع النبوية الشريفة في صحيح البخاري) وناقشنا الطالب في محتوياتها وفيما له علاقة بها في يوم الاثنين بتاريخ 11/ 7 /2005م فوجدنا أنها جديرة بالقبول لنيل شهادة الماجستير في الآدب العربي.
رئيس لجنة المناقشة ... عضو لجنة المناقشة
التوقيع: ... التوقيع:
الاسم: أ.م.د احمد فتحي رمضان ... الاسم: أ.م.د عبد الله فتحي الظاهر
(رئيساً) ... (عضواً)
عضو لجنة المناقشة ... عضو لجنة المناقشة
التوقيع: ... التوقيع:
الاسم:د.م.ايمن توفيق عبد الله ... الاسم: أ.م.د ميسر حميد سعيد
(عضواً) ... (عضواً ومشرفاً)
قرار مجلس الكلية
اجتمع مجلس كلية الآداب بجلسته ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... المنعقدة بتاريخ / /
وقر التوصية بمنحه شهادة الماجستير في الأدب العربي.
التوقيع: ... التوقيع:
الاسم: د. زهير علي احمد النحاس ... الاسم: د. محمد باسم قاسم
مقرر مجلس الكلية ... عميد كلية الآداب
التاريخ: / /2005م ... التاريخ: / /2005م(1/1)
{ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا }
سورة الفرقان
الآية (33)(1/1)
الإهداء
- إلى سيدي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) خدمة لحديثه الشريف ...
- وإلى والدتي حباً وحناناً ...
- وإلى والدي وفاءً وعرفاناً ...
- وإلى أهل العلم كافة اهدي هذا الجهد المتواضع ...(1/1)
الحمد لله الذي بحمدهِ تدومُ النعمُ، وبرحمتِهِ علمَ الانسان بالقَلَمِ، والصلاة والسلام على عبده ورسولِهِ محمد مخرج النّاس من مهالِكِ الظلمِ، وآلهِ الطيبين الطاهرين، وصحابتِهِ الاخيار المنتجبين على سائر الأممَ.
وبعد:
إن الحديث النبوي الشريف، نصٌ رفيعُ المستوى، وعظيمُ المحتوى، يأتي في المرتبة الثانية بعد نص القرآن الكريم، وهو بدوره مُكملٌ للأحكام الشرعية، ومُوَضحٌ لما خفي منها واستتر. لكن المصادرَ التي تتحدثُ عن الاحاديث تنظيراً وتطبيقاً تعتريها شحةٌ وقِلةٌ، فهذا ما دفعني الى اختيار موضوعي في كلام المصطفى ( - صلى الله عليه وسلم - ). أضف الى ذلك رغبتي وحبي في أن اكتب وابحث فيما صَحَ إسنادُهُ عن النبي الاكرم، فما إن رأيت اسمي في لائحة المقبولين لدراسة الماجستير، حتى شرعتُ مسرعاً لأحُقق هذه الامنية واثبتها في الذي أصبو اليه. وعندما عرض علي الاستاذ المشرف عنواناً لموضوعٍ في الحديث النبوي، لم تكد روحي تستقر في جسدي فرحاً وغبطةً، لهذهِ المصادفة السعيدة، فتلقيتُ الموضوعَ على الفور، وبرحابة واسعةٍ في الصدر.
وكانَ عنوانُ الموضوع بدايةً "البنية الايقاعية للحديث النبوي الشريف في صحيح البخاري"، وهو موضوعٌ جديدٌ كل الجدة، حسبما اخبرني الاستاذ المشرف، وحسب اطلاعي فيما بعد على الرسائل والأطاريح الجامعية للتأكد من الامر، ولم يسبقنا باحثٌ – حسب ما توصلنا اليه – في الخوضِ فيه. فمن هنا تجلت اهمية البحث وقيمتهُ.
وعلى الرغم من ذلك فاننا لم نستقر على هذا العنوان؛ لاننا ومذ عرضناه على لجنة الدراسات العليا، لم توافق عليه؛ نظراً لشموليته وسعته فلا تتسنى لرسالة الماجستير ان تحيط بجوانبه كلها. فعقدنا العزمَ بعد ذلك الى تغيير العنوان وتعديلِهِ ليُصبحَ "الاسجاع النبوية الشريفة في صحيح البخاري"؛ آملينَ أن نكون قد أطلقنا عنواناً يليقُ بمقام الحديث النبوي أولاً، ويكونَ مقبولاً لدى الاوساط العلمية ثانياً.(1/1)
وأرى أن من الصواب الاشارة الى المنهج الذي اتخذتهُ في كتابة الرسالة، فقد قمتُ باحصاء الاحاديث المسجوعة في صحيح البخاري، وحاولت ايجادَ أبنيةٍ لها، ثم أقمتُ دراسةً تحليلية لمجموعةٍ منها؛ بغية الوصول والكشف عن آلية الجمال الفني والايقاعي فيها، ومن ثم بيانُ المقاصِدِ والدلالات الصادرة عنها.
اما الخطةُ التي سرتُ عليها، فكالمعتادِ أنني وزعتُ البحثَ على فصولٍ ومباحث، وابتدأتهُ بتمهيدٍ ضمَّ الكلامَ عن السجع لغة واصطلاحاً، ومن ثم الحديث عن صفاتِ السجع في الحديث النبوي الشريف واختلافه عن سجع الكهان. وحال ما انتهيتُ من التمهيد شرعتُ في تقسيم البحث الى ثلاثة فصول، حوى كلُ فصلٍ مبحثين:
فاما الفصلُ الأولُ فقد جعلتُ "تشكيل السجع في نثر الحديث ونظم الشعر" عنواناً له، وانطوى تحت هذا العنوان مبحثان، اختص الأول ببيان اركان السجع عامةً، مع ضرب الأمثلةِ عليها من القرآن الكريم والحديث الشريف، وتولى الثاني منهما ذكر ابنية السجع في القرآن الكريم، ومحاولةً لايجاد أبنية مماثلةٍ لها في الاحاديث المسجوعة الواردة في صحيح البخاري. وبعد ذلك حاولت التطرق الى أبنية السجع في الشعر العربي.
واما الفصلُ الثاني فانهُ اختلف عن الأول، لأنهُ اشتمل على تحليل بعض الاحاديث النبوية المسجوعة تحليلاً ايقاعياً – وقد اسميتهُ "التشكيل الايقاعي للسجع في الحديث النبوي الشريف" – متمثلاً في مبحثين، تناول الأول مصطلح "التنغيم" محاولاً تطبيقهُ على الاحاديث المؤهلة لذلك. ثم حمل الثاني من هذا الفصل "التوازي والتوازن" عنواناً لاظهار وبيان الظاهرة الايقاعية.
واما الفصلُ الثالث من الرسالة، فلم يختلف عن الفصل الثاني من حيث المعالجةُ التحليلية، الا أنهُ سلط الضوء على التحليل الدلالي بدلاً من التحليل الايقاعي للأحاديث النبوية، والقصدُ من التحليل الدلالي هو دلالات الحديث النبوي على وجه التحديد، وليست الدلالةُ باعتبارها مصطلحاً.(1/2)
وهذا الفصلُ تفرعَ أيضاً الى مبحثين، ضم المبحث الأول مطلبين، حوى الأول الكلام عن "اختلاف دلالة السجع النبوي باختلاف الحدث والمخاطب"، واما المطلب الثاني، فقد ضم الحديث عن "الدلالة الهادئة للسجع في الحديث النبوي". وبعد ذلك اختتمتُ الفصل الثالث بالمبحث الثاني، حيث اختص بالحديث عن "التكرار الدلالي للكلمات والالفاظ المسؤولة عن تقوية الدلالة".
ولم البث أن أنهيتُ الرسالة بخاتمةٍ حوت أهم النتائج التي استطعت أن أتوصل اليها، وأعقبَ ذلك قائمةٌ للمصادر والمراجع.
ولا يفوتني أن أشيرَ الى أهمها، واكثرها فائدةً للرسالةِ، فمن شروح "البخاري" شرحا "فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني" و"عمدة القاري شرح صحيح البخاري، العيني"، ومن كتب علوم القرآن كتابا :البرهان في علوم القرآن، الزركشي" و"الاتقان في علوم القرآن، السيوطي"، وكتب أخرى في تحليل الحديث النبوي كـ "أدب الحديث النبوي، بكري الشيخ أمين" و"الحديث النبوي، مصطلحهُ، بلاغته، كتبهُ، محمد الصباغ" و"من كنوز السنة دراسات أدبية ولغوية من الحديث الشريف، محمد علي الصابوني".
ولقد أخذ كتاب "الفاصلة في القرآن، محمد الحسناوي" مجالاً واسعاً في الرسالة فاق جميع المصادر والكتب السابقة، فبدوره ساهم في وضع خطة البحث، علاوة على الافادة من منهجه في التنظير والتطبيق.
ومن الصعوبات التي وقفت بوجه الرسالة، هي الظروف الامنية السيئة التي عشناها تحت وطئ الاحتلال المؤلم، وقد حدت من حيويتها احياناً، بل وقد امتد الامرُ الى ايقاف العمل ردحاً من الزمن احياناً، ومن هذه الصعوبات ما كان من قلة المصادر وفقدانُها، وعلى الرغم من ذلك استطعت – وبعون الله – أن أمضي بوأدٍ وتواضعٍ كبيرين حتى نهاية الرسالة.(1/3)
ويسرني أن اتقدم بالشكر والتقدير للاستاذ المشرف د. ميسر حميد لما ابداهُ من ملاحظات ساعدت في سد ثغرات الرسالة. ومن ثم اتقدم بالشكر والتقدير لكل من قدم لي يَد العون في تصحيح معلومةٍ، أو ارشادٍ الى عنوان كتابٍ، أقول للجميع سرتم بتوفيق الله وأمانهِ.
ونحن بني البشر معرضون في أفعالنا وأقوالنا للخطأ والزلل، فان كان في بحثي من توفيقٍ وتسديدٍ، فمن عند الله وحده، وإن كان فيه غيرُ ذلك، فمن نفسي المخطئة، واللهَ أسألُ أن يجعلَ هذا العمل خالصاً لوجهه، نافعاً لمن قرأهُ واطلع عليه، والحمد لله رب العالمين.
طالب الماجستير
احمد عباس داود
الموصل: 1426هـ – 2005م(1/4)
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
استمارة مستخلصات أطاريح الدراسات العليا للجامعات العراقية
رقم الاستمارة ... 253
الجامعة ... الكلية ... القسم ... الفرع
الموصل ... الآداب ... اللغة العربية ... الادب العربي
عنوان الرسالة ... تاريخ تسجيل الرسالة ... طبيعة البحث ... الجهة المستفيدة
الأسجاع في الحديث النبوي الشريف ... 3/9/2003 ... أكاديمي ... للتطبيق فقط
- صحيح البخاري -
أسم الطالب ... العمر ... الجنس ... جهة الانتساب ... تاريخ القبول ... قناة القبول
احمد عباس داود ... 25 ... ذكر ... غير موظف ... 12/10/2002 ... مباشر
أسم المشرف ... الدرجة العلمية ... العمر ... الجنس ... جهة الانتساب
د. ميسر حميد سعيد العبيدي ... أستاذ مساعد ... 55 ... ذكر ... كلية الآداب/جامعة الموصل
الجهة المانحة للشهادة :جامعة الموصل - العراق
تاريخ الحصول على الشهادة :1992
تاريخ آخر ترقية علمية :1995
تاريخ صدور الأمر الجامعي ... الشهادة ... الاختصاص العام ... الاختصاص الدقيق
ماجستير ... الادب العربي ... النقد الادبي و البلاغة
الكلمات المفتاحية : الأسجاع ، الحديث النبوي الشريف ، صحيح البخاري(1/1)
السجعُ لغةَ
(سَجَعَ) "سجع الرجلُ:- إذا نطقَ بكلامٍ لهُ فواصلُ كقوافي الشعرِ من غير وزنٍ، كما قيل:- "لصها بطلٌ، وتمرُها دقلٌ (1) ، إن كثرَ الجيشُ بها جاعوا، وإن قلوا ضاعوا "، ويسجعُ سجعاً فهو ساجعٌ وسجاعٌ، وسجاعةٌ.
... والحمامةُ تسجعُ سجعاً: إذا دعتْ . وهي سجوعٌ وساجعةٌ. وحمامٌ سجعٌ، وسواجعٌ" (2) . و"السجعْ: الكلامُ المقفى، والجمعُ اسجاعٌ وأساجيعُ" (3) .
... او هو: "موالاةُ الكلامِ على روي واحدٍ ... وفي الحديث أن أبا بكر اشترى جاريةً، فاراد وطأها، فقالت: إني حاملٌ، فرفعَ ذلك الى رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - )، فقال: "إن أحدكمُ إذا سجع ذلك المشجع ... " (4) فليس بالخيار على الله، وأمر بردها. أي (قصدَ ذلك المقصدَ)،" (5) .
"ومن المجاز: رجلٌ سجاعٌ وسجاعةٌ، وكلامٌ مسجوعٌ ومسجعٌ، وسجعهُ صاحبهُ وسجعهُ وسجعَ فيهِ، وهو أن يأتي بالقرينتينِ فصاعداً على نهجٍ واحدٍ. وفلانٌ ساجعٌ في سيره: مستقيمٌ لا يميلُ عن القصدِ" (6) .
... "وسجعَ يسجعُ سجعاً: استوى واستقامَ، واشبهَ بعضهُ بعضاً، قال ذو الرمةِ:-
قطعتُ بها أرضاً ترى وجهَ ركبها ... إذا ما علوها، مكفأً غير ساجعِ (7)
__________
(1) من التمر وهو اردأ أنواعه.
(2) كتاب العين، الخليل: 1/244.
(3) الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، الجوهري: 3/1228.
(4) تارج العروس من جواهر القاموس، الزبيدي: 5/276، وفي موسوعة اطراف الحديث النبوي الشريف، محمد السعيد بن يسيوي زغلول، ورد بلفظ: "إن احدكم إذا شجع ذلك المشجع".: 3/19.
(5) تاج العروس: 5/375.
(6) اساس البلاغة، الزمخشري: 286، وينظر: معجم مقاييس اللغة، احمد بن فارس: 3/13، والقاموس المحيط، الفيروز آبادي: 3/63.
(7) ديوان ذي الرمةِ: 2/789.(1/1)
... أي جائزاً غير قاصدٍ، ... وحكيَ أيضاً سجعَ الكلامَ فهو مسجوعٌ، وسجعَ بالشيء نطق به على هذه الهيئة ... وسجعَ الحمامُ بسجعُ سجعاً: هدل على جهةٍ واحدةٍ ... وتقول العرب: سجعتِ الحمامةُ إذا دعتْ وطربتْ في صوتها.
... وسجعت الناقةُ سجعاً: مدتْ حنينها على جهةٍ واحدةٍ ... وكل سجعٍ قصدٌ. والساجعُ: القاصدُ في سيره ... وأصل السجعِ، القصدُ المستوي على نسقٍ واحدٍ" (1) .
السجع اصطلاحاً
... "كان للسجع منزلةً سنيةً بين العرب في الجاهلية، وكان يغمر كلامهم، وكان فيه سلاسة الطبع، وقوة السليقة، ووضوح الفطرة" (2) ، من مثل قول قس بن ساعدة الايادي في سوق عُكاظ: "أيها الناس، اسمعوا وعوا، من عاسَ مات، ومن مات فات، وكلُ ما هو آتٍ أت، ليلٌ داجٌ (3) ، ونهارٌ ساج (4) ، وسماءٌ ذات ابراج، ونجومٌ تزهو، وبحارٌ تزخر ... إلخ" (5) .
... الا ما كانَ من سجع الكهان (6) فنجدهُ ينمُ عن الصنعة، ويقوم على التكلف، يقول أحدُ الكهان:- "والارض والسماء، والعقاب الصقعاء (7) ، واقعةً ببقعاء، لقد نفر المجدُ بني العشراء، للمجد والسناء" (8) .
__________
(1) لسان العرب، ابن منظور: 8/150.
(2) البديع في ضوء أساليب القرآن، الدكتور عبد الفتاح لاشين: 125.
(3) دارجَ الرجلُ يديجُ ديجاً وديجاناً إذا مشى قليلاً، ينظر: لسان العرب: 2/277.
(4) ساجَ سسوجاً: ذهب وجاءَ، ينظر: لسان العرب: 2/302.
(5) الأغاني، أبو فرج الاصفهاني: 15/246.
(6) الكهانة ومثلها العرافة: ضرب من القضاء بالغيب، وربما خصة الكهانة بالامور المستقبلية، والعراقة بالماضية.
(7) صقعاء: نعامة في وسط رأسها بياض على آية حالاتها كانت، لسان العرب: 8/202.
(8) البيان والتبيين، الجاحظ: 1/289.(1/2)
... ويلاحظُ في سجع الكهان أنهم يستعملون فيه الفاظاً غامضة مبهمة حتى يؤولها السامعون حسب افهامهم، كما كانوا يكثرون فيه من الحلف بالكواكب والنجوم والرياح، ويعنون بتجميل الصياغة حتى يبلغوا ما يريدون من التأثير في نفوس الوثنيين (1) .
... "ولما جاء الاسلام كان من الطبيعي أن ينتهي سجع الكهان، وليس من المعقول أن يلجأ إليهم المسلمون ليستشيروهم في حل مسكلاتهم، أو يحتكموا اليهم في خصوماتهم، او يستوحوهم نبأ ما حجب عنهم بعد أن عرفوا أن الغيب مما استأثر بعلمه الله وحده، وقرأوا قوله تعالى (2) : (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) (3) .
__________
(1) معجم المصطلحات العربية في اللغة والادب، مجدي وهبة، وكامل المهندس: 197.
(2) البديع في ضوء اساليب القرآن: 126.
(3) سورة الاعراف الاية: 188.(1/3)
... ومصطلحُ "السجع" اقدمُ من مصطلح "الفاصلة"، بدليل الحديث الشريف "أسجعاً كسجع الكهان" (1) ، والمعروف أن العربَ قالوا "سجع الكهان"، ولم يقولو: "فواصل الكهان" (2) . وهذا اللون من ألوان البديع كثير الدوران عظيم الاستعمال في السنة البلغاء (3) ، "وإنهُ لم يخلُ منهُ عصرٌ من عصور الأدب، ولا نستثني من ذلك عصر صدر الاسلام، الا أن اهل ذلك العصر لم يبلغوا به حد الصناعةِ المحكمة الاصول" (4) و"قد اعتمد القرآن الكريم السجع في المكيات، وقللَ منه في المدنيات، ... " (5) ، "إذا كان للجرس أثره في إحداث التأثير النفسي والوجداني المطلوبين في بدء الدعوة الاسلامية خاصة، لانها اكدت اول ما أكدت اصول الدين والعقيدة" (6) .
... وضرب كلام الرسول ( - صلى الله عليه وسلم - ) بسهم وافرٍ في مجال التقطيع والايقاع، فتارةً يجري على نسق القرآن، يستقل باسلوبه (7) .
... نعود مرةً ثانية الى مصطلحي "الفاصلة" و"السجعة"، فقد أشرنا سابقاً أن مصطلح "السجع" أقدم من مصطلح "الفاصلة"، حيث يسمي سيبويه (ت180هـ) السجع "فواصل" كما في قوله: "جميعُ مالا يحذفُ في الكلام، وما يختار فيه أن لا يحذف، يحذف في الفواصل والقوافي" (8) . فالذي يهمنا أنه استخدم مصطلح الفاصلة، بدلاً من مصطلح "السجع".
__________
(1) صحيح البخاري: 4/19، ونصه في البخاري: (انما هذا من إخوان الكهان).
(2) البديع تأصيل وتجديد، د. منير سلطان: 27.
(3) فن البديع، د. عبد القادر حسين: 126.
(4) تطو الاساليب النثرية في الأدب العربي، انيس المقدسي: 207.
(5) العقل في التراث الجمالي عند العرب، علي شلق: 265.
(6) الجرس والايقاع في التعبير القرآني، د. كاصد ياسر الزيدي، مستل من مجلة آداب الرافدين، العدد التاسع – 1978: 351.
(7) العقل في التراث الجمالي عند العرب: 265.
(8) كتاب سيبويه: 4/184.(1/4)
... والكلمة التي تنتهي بها الجملة "فاصلة"، عند الفراء (ت 208هـ)، وهي "رؤوس الآيات" وهي "آخر الاية"، "آخر الحروف" و"أواخر الحروف" (1) .
... ويتابع الجاحظ (ت 255 هـ) من سبقهُ من العلماء في اعتبار أن السجع "فاصلة"، ثم يضيف قائلاً: "أن للكلام المسجوع ميزة سرعةِ الحفظ، ونشاط الآذان لسماعه، وصعوبة ضياعه ... " (2) .
... وقد فضل أبو الحسن علي بن عيسى الرماني (ت384هـ)، مصطلح "الفواصل"، ورفض مصطلح "السجع"، لان "الفواصل بلاغة، والاسجاع عيب" كما قال، وذلك ان الفواصل تابعة للمعاني، اما الاسجاع فالمعاني تابعة لها ... (3) "والفرق بين الفواصل والسجع، أن الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع، توجب حسن إفهام المعاني، بينما السجع ليس فيه الا الاصوات المتشاكلة، كما ليس في سجع الحمامة الا الاصوات المتشاكلة" (4) .
... اما ابن جني (ت،39هـ) فهو يرجع افضلية الكلام المسجوع على الكلام المرسل الى ميول نفسية، كما في قوله: "لو لم يكن المثل مسجوعاً لم تأنس النفسُ اليه، ولا أنقت لمستمعهِ، إذا كان كذلك لم تحفظهُ، وإذا لم تحفظهُ لم تطالب انفسها باستعمال ما وضع له، وجيء به من اجله" (5) .
... ويذهب أبو بكر الباقلاني (ت403هـ) مذهب الرماني، في كراهيته للسجع، وجعله المعنى تابعاً للسجع، كما في قوله: "واما الفواصل: فهي حروف متشاكلة في المقاطع، يقع بها افهام المعاني وفيها بلاغة. والاسجاع عيبٌ، لان السجع يتبعهُ المعنى، والفواصل تابعة للمعاني" (6) .
__________
(1) ينظر: معاني القرآن، الفراء: 2/176، وينظر: م.ن: 1/200.
(2) البيان والتبيين: 1/287.
(3) ثلاث رسائل في اعجاز القرآن: 97.
(4) ثلاث رسائل في اعجاز القرآن: 97.
(5) الخصائص، ابن جني: 1/216.
(6) اعجاز القرآن: أبو بكر الباقلاني: 270.(1/5)
... وقد رد محقق كتاب (اعجاز القرآن) – احمد صقر -، على صاحبه الباقلاني يقول: "وقد اخطأ الباقلاني في قوله: إن السجع من الكلام يتبعُ المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع. فليس السجع كذلك على الاطلاق، وانما هذا نوع من السجع رديء لا يقع الا في كلام الضعفاء. ومنه نوع آخر يقع فيه اللفظ موقعه الرائع، وهو مع ذلك تابع للمعاني. وهذا هو النوع المحمود منه الذي جاء في المأثور الصحيح عن بلغاء الجاهلية، وفصحاء الاسلام؛ وورد في أحاديث الرسول ( - صلى الله عليه وسلم - ) على اكمل وجهٍ واتم نسق اتفق وجوده في كلام البشر ... " (1) .
... نختتم الكلام بما وصل اليه محمد الحسناوي بهذا الخصوص قائلاً: "إن القول بسجع القرآن حيفٌ، ولا نقول السجع عيب، وإن القول بالفاصلة لا شريك لها رد الامور الى نصابها، ونظرة الى ظاهرة قرآنية متميزة مطردة في القرآن كله. وفي ذلك ما فيه من تجنب الايهام بمشابهة كلام البشر، أو الكهان، كما فيه انسجام مع اشارات القرآن: "كتاب فصلناه" و"آيات مفصلات"، وفيه الى ذلك حفز الهمم الى تجديد النقد الادبي عند العرب بالعودة الى منابعهِ الاولى الصافية، بالانطلاق من المدرسة القرآنية اولاً، ومن النظر الى النص نظرةً متكاملة ثانياً، ومن تمييز الفنون الادبية" (2) .
... وبالاضافة الى اختلاف العلماء في مصطلح "الفاصلة والسجع" فقد اختلفوا ايضاً في: هل يصح إطلاق لفظة "السجع" على فواصل القرآن الكريم او لا.
"إن الرأي الديني الاسلامي غير راغب في اطلاق اسم السجع على القرآن، الذي هو كلام الله، باعتباره اسماً خاصاً مميزاً، ولم يصف الله (عز وجل) به كتابه، وزيادة على ذلك، فان اسم السجع مأخوذ من مصدر بشري وهو سجع الكهان، الذين كان الرسول ( - صلى الله عليه وسلم - ) يبغضهم بغضاً شديداً" (3) .
__________
(1) مقدمة كتاب اعجاز القرآن: 75.
(2) الفاصلة في القرآن: 145.
(3) الفاصلة في القرآن: 104.(1/6)
"وكان الحل ان يعتبر النص القرآني نثراً من نوعٍ خاص، وأن ندرج سجعاته تحت اسم الفاصلة (وجمعها فواصل) الذي يمكن أن نقارنه بالاية الكريمة" (1) : "فصلنا الآيات" (2) .
"وليس من شكٍ في أن هناك نوعاً من الشبه الظاهري او الصوتي بين كل من الفاصلة والسجع والقافية، حتى رمي الرسول ( - صلى الله عليه وسلم - ) بقول الشعر (3) ، او السحر (4) ، او الكهانة (5) . لكن ائمة الفصاحة والبلاغة آنذاك اشاروا باعجاز القرآن وتمييزه ... " (6) .
"فالمسلم به أن القرآن الكريم فيه فواصل، قد تتحد فيها حروف المقاطع كما في قوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ - وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ - وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ) (7) .
وجميع هذه السورة على هذا الازدواج، فهل يسمى هذا – وامثالهُ كثيرٌ في القرآن – سجعاً؟" (8) .
هذا ما سنعرفه من خلال عرضنا لامراء بعض العلماء في ذلك، "وهناك ثلاث جبهات متباينة على الاقل حول مسألة السجع، والسجع في القرآن الكريم، فجبهةٌ تثبتُ السجع في القرآن، وأخرى تنفيه، وثالثة تمسك عن هذا وذاك" (9) .
__________
(1) م.ن: 105.
(2) سورة الانعام، الآية: 97.
(3) جاء في سورة الصافات، الآية: 6 "وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ".
(4) جاء في سورة سبأ، الآية: 43 "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ".
(5) جاء في سورة الحاقة، الآية: 42 " ... وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ".
(6) الفاصلة في القرآن: 108.
(7) سورة القمر، الآيات: (1 – 3).
(8) الفاصلة القرآنية، عبد الفتاح لاشين: 9.
(9) الفاصلة في القرآن: 110.(1/7)
فأما الفئة التي أمسكت عن ابداء رأيها، فلا يهمنا أن نتطرق الى ذكرها، "واما الفئة التي نفت السجع من القرآن، على اختلاف المذاهب والازمان، مثل المتكلمين ابي الحسن الاشعري (ت324هـ)، وأبي بكر الباقلاني (ت403هـ) من الاشاعرة، والمعتزلي على بن عيسى الرماني (ت384هـ)، وابن خلدون (ت808هـ) وغيرهم" (1) .
اما الذين قالوا بالسجع أصالة او تعليلاً، فمنهم: البلاغي أبو هلال العسكري (ت395هـ) (2) ، ثم ابن سنان الخفاجي (ت466هـ) (3) ، والناقد ابن الاثير (ت637هـ) (4) ، والناقد حازم القرطاجني (ت684هـ) (5) ، وابن قيم الجوزية (ت751هـ) (6) ، وغيرهم.
فاما الذين ذهبوا الى نفي السجع من القرآن، فاننا سنذكر آراء بعضهم على سبيل المثال لا الحصر:-
1- رأي الرماني: (ت384)
إن رأي الرماني كما بينا سابقاً، يقضي ببلاغة الفواصل، ويعيبُ الاسجاع، كما يتجلى ذلك في قوله: "إن الفواصل تابعة للمعاني، واما الاسجاع فالمعاني تابعة لها، وهو قلب ما توجبه الحكمة في الدلالة. إذ الغرض انما هو الابانة عن المعاني التي اليها الحاجة ماسة، فاذا كانت المشاكلة موصولة اليه فهو بلاغة، وإذا كانت المشاكلة على خلاف ذلك فهو عيبٌ ولكنة، لانه تكلفٌ من غير الوجه الذي توجبه الحكمة، وَمَثلُهُ مثل من رصع تاجاً ثم البسه زنجياً ساقطاً، ونظم قلادة ثم البسها كلباً، وقبح ذلك وعيبهُ بين لمن له ادنى فهم" (7) .
فالرماني يفرقُ بين الفاصلة والسجع في الجواز، فالفاصلة بلاغة، والسجع عيبٌ، والفواصل: الفاظها تتبع المعاني، والسجع: اتحدت حروفه دون نظر الى المعنى، والقرآن في نظرة يعلو ان يكون سجعاً (8) .
__________
(1) الفاصلة في القرآن: 117.
(2) كتابُ الصناعتين: 260.
(3) سر الفصاحة: 203.
(4) المثل السائر: 1/277.
(5) منهاج البلغاء وسراج الأدباء: 388.
(6) الفوائد المشوق الى علوم القرآن وعلم البيان: 228.
(7) اعجاز القرآن، الرماني: 97.
(8) الفاصلة القرآنية: 10.(1/8)
ولعل الحكمةُ في نظرته تلك الى السجع، أن ذلك كان مبنياً على اساس ما أمامه من سجع الكهان، وما فيه من الغرابة والقبح الذي لا يقبل جدلاً، والا من السجع مما يزيد المعنى قوةً، وتكون الفاظهُ تابعة لمعانيه، ويسهل قبولهُ، ويجيء عاملاً من عوامل التأكيد (1) .
2-
رأي الباقلاني: (ت403هـ)
وافق الباقلاني الرماني في انكار السجع في القرآن الكريم، ووصف ما ادعاه الآخرون بوجوده في القرآن، وما ساقوه من أدلة بانها وهم، فقال:-
"والذين يقدرون بانهُ سجعٌ هو وهم، لانه قد يكون الكلام على مثال السجع، وإن لم يكن سجعاً، لان ما يكون من الكلام سجعاً يختص ببعض الوجوه دون بعض، لان السجع يتبعُ المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع، وليس كذلك ما اتفق مما هو في تقدير السجع من القرآن، لان اللفظ يقعُ فيه تابعاً للمعنى" (2) .
ومن خلال هؤلاء الاعلام نستنتج تواتر التحرج من مس القرآن باصطلاح السجع، لاصله اللغوي في صوت الحمام، ولعيوبه الكثيرة التي لمسوها عند الخطباء المتقعرين، بعض المؤلفين في العصر العباسي، ... وتكمن مشكلة التسمية إذن في رغبتهم في تنزيه القرآن (3) ، والى هذا توصل السيوطي (ت911هـ) فقال: "واظن أن الذي دعاهم الى تسمية جل ما في القرآن فواصل، ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعاً رغبتهم في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام المروي عن الكهنة، وهذا غرض في التسمية قريب" (4) .
بقي أن نشير الى نفرٍ من الفئة الذين قالوا بسجع القرآن، ومن هؤلاء:
1- أبو هلال العسكري (ت395هـ) فقد قال:
__________
(1) الفاصلة القرآنية: 10.
(2) إعجاز القرآن: 58.
(3) جماليات المفردة القرآنية: د. احمد ياسوف: 311. (رسالة ماجستير)، اشراف د. نور الدين عنتر.
(4) الاتقان في علوم القرآن: 2/213.(1/9)
"وجميع ما في القرآن مما يجري من التسجيع والازدواج مخالف في تمكين المعنى، صفاء اللفظ، وتضمن الحلاوة، لما يجري مجراه من كلام الخلق، الا ترى الى قوله تعالى: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا - فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا - فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا - فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا - فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) (1) .
ويقول: "إذا سلم من التكلف، وبريء من التعسف، لم يكن في جميع صنوف الكلام احسن منه ... " (2) .
يُقهمُ من كلام أبي هلال العسكري انه مخالف لما دعا اليه كل من الرماني والباقلاني، ومن سار على نهجهم، فهو لا يذم السجع عامةً، الا ما كان منهُ متكلفاً، ومتعسفاً فانهُ مذموم عنده. اما ما جاءَ منه خالياً من التكلف وقد خرج على الطبع، فهو محمودٌ عندهُ، وهو يقول بسجع القرآن، ولكنهُ سجع من نوع خاص، لا يمكن لاحد أن يجاريه أحدٌ او يحاذيه.
2-
ابن سنان الخفاجي: (ت466هـ)
وابن سنان يسمي ما في القرآن الكريم من المقاطع المتماثلة سجعاً، الا انه يعده من السمو والعلو بحيث لا يستطيع أحدٌ من البشر أن يسمو سموه.
وهو لا يرى صحة في رأي من نفوا السجع من القرآن، بل يخالفهم في رأيهم كما يتجلى ذلك في قوله: "وأظن أن الذي دعا أصحابنا الى تسمية كل ما في القرآن فواصلَ، ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعاً، رغبة في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام المروي عن الكهنة، وغيرهم، وهذا غرض في التسمية قريب" (3) .
ثم يقول رداً على معترض:
"فاذا قال القائل: إذا كان عندكم أن السجع محمود، فهلا ورد القرآن كلهُ مسجوعاً، وما الوجه في ورود بعضه مسجوعاً وبعضه غير مسجوع؟.
__________
(1) سورة العاديات، الآيات: (1-5).
(2) كتاب الصناعتين: 260.
(3) سر الفصاحة: 166.(1/10)
قيل: إن القرآن أنزل بلغة العرب، وعلى عرفهم وعادتهم، وكان الفصيح في كلامهم لا يكون كله مسجوعاً، لما في ذلك من أمارات التكلف، والاستكراه والتصنع، لا سيما فيما يطول من الكلام، فلم يرد مسجوعاً جرياً به على عرفهم في الطبقة العالية من كلامهم، ولم يخلُ من السجع؛ لانه يحسن في بعض الكلام على الصفة التي قدمناها، وعليها ورد في فصيح كلامهم، فلم يجز أن يكون عالياً في الفصاحة وقد أخل فيه بشرط من شروطها، فهذا هو السبب في ورود القرآن الكريم مسجوعاً وغير مسجوع" (1) .
3- رأي محمد بن عبد الغفور الكلاعي: (ت ... هـ)
... اما الكلاعي فانه يرجع كراهية السجع، ونفور العلماء منه، الى عدم فهمهم الدقيق للحديث النبوي الشريف "اسجع كسجع الكهان" (2) ، بقوله: "وقد احتجوا في السجع بحديثٍ رواهُ ابن المسيب "أن رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) قضي في الجنين يقتلُ في بطنِ امه بغرةٍ: عبدٍ أو وليدة. فقال الذي قضى عليه: كيف اغرَمُ ما لاشربَ ولا اكل، ولا نطق ولا استهل، ومثل هذا بطل؟! فقال رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "انما هذا من إخوان الكهان". وهذا محمولٌ عندنا على انهُ انما كره سجعهُ بالباطل، يعني أن الكهان يحسنون كلامهم بالباطل. اما إذا كان السجعُ في كلام العربِ الحق فذلك جائز" (3) . وذلك في كلام الرسول ( - صلى الله عليه وسلم - ) كثير، مثل قوله: "قضاء الله احق، وشرط الله اوثق، وانما الولاء لمن اعتق" (4) .
... ونستطيع أن نصل الى موقفه من السجع من خلال قوله: "والذي عندي في هذا أن النثر والنظم اخوان. فكما لا يقدحُ في النظم تكلف الوزن والقافية، كذلك لا يقدحُ في النثر تكلف السجع" (5) .
__________
(1) م.ن: 166.
(2) صحيح البخاري: 4/19.
(3) احكام صنعة الكلام: 236، وينظر: المثل السائل: 1/273.
(4) صحيح البخاري: 2/20.
(5) إحكام صنعة الكلام: 236.(1/11)
... فالملاحظ على رأي الكلاعي أنهُ قد فقد شرطاً من شروط السجع الحسن كما اقره العلماء، وهو أن لا يكون متكلفاً، وأن لا يراد به جعل الباطل حقاً (1) ، فكلام الكلاعي "لا يقدح في النثر تكلف السجع" هو حذف شرطٍ من شروط القبول في السجع.
... واني لا ارى الجدوى في الاستزادة من آراء البلاغيين والنقاد في السجع، بعدما علمنا أن هناك فريقين من العلماء، فريق ينفي السجع من القرآن، ويراهُ عيباً في الكلام، وفريق لا ينفي السجع من القرآن، ولا يتحرج من ورود السجع في الكلام، بل يراه زينية ورونقاً فيه.
... واما رأي فانهُ موافق للفريق الثاني من الفريقين، حيث أنني اراه اقرب الى المنطق في سلاسته ومرونته من حيث وضعُ الشروط الدقيقة لقبول السجع، على العكس من رأي الفريق الاول الذي يميل الى التحفظ من ألفاظ قد لا تليق بكتاب الله.
... والذي يشد من ازرِ الفريق الثاني ان المتشرعين والمحدثين عندما كانوا يمرون بحديث فيه سجع فانهم كانوا لا يتحرجون من القول بجوازه إذا ما كان حاملاً للشروط السابقة، والا لم يكن ضربٌ من كلام النبي ( - صلى الله عليه وسلم - )، جارياً على نمط السجع (2) .
__________
(1) ينظر: الفوائد المشوق الى علوم القرآن وعلم البيان: 228.
(2) ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني: 10/268، وينظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، العيني: 22/298، ينظر: صحيح البخاري بشرح الكرماني: 10/41.(1/12)
بعد أن عرضنا آراء البلاغيين والنقاد القدماء في السجع، وحدنا انهم كانوا يهتمون بالشكل اكثر من المضمون، فقد اهتموا إهتماماً كبيراً بمصطلحي "السجع" و"الفاصلة" من حيث جواز إطلاق لفظة "السجع" على الايات التي تحتويه، أو لا، وانشغلوا بها، وفي الواقع أن هذه المسألة هي بديهية وليست جوهرية، يقول د. ابراهيم أنيس: "وفي الحق أن وصف القرآن بأنه من نوع كلام العرب وهو مع هذا معجز لهم، يسمو بأدب القرآن الى الذروة، ويجعل اعجازه وتحديه لفصحاء العرب ذا مغزى سامٍ جليل، يجب أن نحرص عليه وأن نستمسك به. وهذا خيرٌ من وصفه المبهم الغامض الذي يسمونهُ أحياناً بالفواصل، وبأنه كلام خارج عن كل مناهج الكلام والأدب عند العرب" (1) .
... إذاً فقد كان تأكيدهم على القشر اكثر من اللب، فلم يعطوا بذلك صورة واضحة عن مصطلح "السجع" الا بعض التعاريف التي لا تزيد على تعريف المعجم.
... اما مصطلح السجع والفاصلة عند المحدثين، فاننا سنلاحظ ماذا طرأ عليهما من التغيرات من خلال عرضنا لآراء البلاغيين والنقاد. يقول د. حامد صادق "إن من يفسر السجع بأنه الاتحاد في حروف المقاطع من غير أن يكون المعنى تابعاً للفظ يحكم بأن القرآن الكريم فيه سجع فوق قدرة البشر أن يأتوا بمثله، ومن يقول إن السجع كالشعر يكون فيه تابعاً للقافية يكون القرآن منزهاً عنه" (2) .
... يفهم من كلام د. حامد صادق أنه لا يتحرج من إطلاق لفظة "السجع" على الآيات التي تحتويه في القرآن، شريطه "أن يكون المعنى تابعاً للفظ"، وبهذا لم يكن خارجاً عما دعا اليه ابن الاثير في شروط قبول السجع.
__________
(1) موسيقى الشعر: 324.
(2) المشاهد في القرآن الكريم: 282.(1/13)
... وكذلك الحالة عند د. عائشة عبد الرحمن فانها تقول: "ومنطلق الاعجاز أن ما من فاصلة قرآنية لا يقتضي لفظها في سياقه، د.لالة معنوية لا يؤديها لفظ سواه، قد نتدبره فنهتدي الى سره البياني، وقد يغيب عنا فنقر بالقصور عن إدراكه" (1) . وتضيف قائلةً: "ولا يظن بي انني أهون من قيمة التآلف اللفظي والايقاع الصوتي لهذا النسق الباهر الذي يختلي فيه فنية البلاغة، تؤدي المعنى بأرهف لفظ واروع تعبير وأجمل ايقاع" (2) .
... وتقول عند حديثها عن كلمة "العسرى" في تفسيرها البياني لسورة الليل: "وغير مقبولٍ قول من قال: إن "العسرى" جاءت في آية الليل لمجرد رعاية الفاصلة، فمما يجوز في البيان العالي التعلق بملحظ شكلي في اللفظ لا يقتضيه المعنى" (3) .
... وقد يوحي كلام د. عائشة عبد الرحمن برفضها لفكرة وجود الفواصل ومردوداتها الجمالية على النص الشريف، ولكن الامر ليس كذلك، فعائشة عبد الرحمن تقر بالفواصل، ولكنها ورثية المدرسة التي تبتعد عن استخدام مصطلح السجع من أجل عدم الخلط بين المفردة تأتي مستدعاة من قبل المعنى، وبين اللفظة تتجلب من أجل التزويق الشكلي فقط والتعلق بالملحظ الشكلي لا يمثل ضعفاً ما في فحص النص، بل على العكس، فان الشكل هو ما يفرق بين ما يطرحهُ الفن متمثلاً بالشعر مثلاً، وبين ما يطرحهُ الوعظ العام (4) .
__________
(1) الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الازرق: 258.
(2) م.ن: 258.
(3) التفسير البياني للقرآن الكريم: 2/110.
(4) جهود عائشة عبد الرحمن في الكشف عن إعجاز النص القرآني دراسة بلاغية، فاروق ذنون يحيى، (اطروحة دكتوراه) جامعة الموصل 2003 : 132. باشراف د. احمد فتحي رمضان.(1/14)
اما د. فاضل صالح السامرائي فانهُ يرى: "إن القرآن الكريم لا يعني بالفاصلة على حساب مقتضى الحال بل هو يحسب لكل ذلك حسابه، فهو يختار الفاصلة مراعياً فيها المعنى والسياق والجرس، ومراعياً فيها خواتيم الاي وجو السورة، ومراعياً فيها كل الامور التعبيرية والفنية الأخرى بل مراع فيها الى جانب ذلك كله عموم التعبير القرآني وفواصله" (1) .
... لقد أكد السامرائي على إعجاز الفاصلة القرآنية، اكثر من التطرق الى مصطلحه. ...
وقد وفَّق سيد قطب الى جلاء الدور الذي تنهض به الفاصلة في التصوير، مثل الايقاع الداخلي في السور القصار، والدقة في آيات التشريع. ومثل شمول القرآن لمزايا الشعر والنثر الفنية، الفواصل المتقاربة كالتفاعيل، والتقفية في حروف الفواصل كالقوافي، ومثل تمكن الفاصلة معنى وموسيقى بلا خضوع للضرورات (2) .
... ومثل غنى الفواصل الموسيقى وتنوعه بين القصر والتوسط والطول، بحسب الأجواء والسور، وبحسب السياق والسور الواحدة، فهناك الفواصل السريعة الحركة، وهناك الوانية الحركة، فالمتموجة الرخية، فالطويلة الخاشعة، فالمتموجة طويلة الموجة، فالرخية المتماوجة (3) .
... لقد انصرف – سيد قطب – "الى فتح أبواب جديدة في مناحي الفاصلة الجمالية، كالتصوير والايقاع ... وإن كان القدماء انفسهم لم يهملوا الايقاع الموسيقي الفواصل" (4) .
... اما د. احمد احمد بدوي، فقد رجح القول بوجود السجع الى جانب الارسال في القرآن الكريم، حيث استشهد للسجع والازدواج بآيات القرآن الكريم وفواصلهِ، فيما استشهد من الحديث الشريف وكلام العرب (5) . ولم يكن ما قام به د. بدوي، سوى وقوفٍ عند حدود الجمع والتنسيق لجهود القدماء ليس الا.
__________
(1) التعبير القرآني: 211.
(2) ينظر: التصوير الفني في القرآن: 87.
(3) ينظر: م.ن: 90-96.
(4) الفاصلة في القرآن: 100.
(5) ينظر: أسس النقد الأدبي عند العرب: 610.(1/15)
... وهناك فئة أخرى من البلاغيين اتجهوا الى وضع تحديد لائق بمصطلحي "السجع، والفاصلة". فقد عرف مصطلح السجع بأنه: "أسلوب في أساليب القول ثم فن من فنون الخطابة والكتابة" (1) ، وهناك من ذهب الى أنه: "موالاة الكلام المنثور على روي واحد. فتجيءُ الكلمتان في آخر الفقرتين على حرفٍ معين، ليكتسب النثرُ ضرباً من الموسيقى والتنغيم، وليجاري عاطفة قائلهِ، ويثير نفس سامعهِ" (2) . أو هو "اتفاق الفاصلتين في الحرف الاخير" (3) .
... الا أن هناك تعريفاً لدكتور منير سلطان اختاره من بين التعريفات السابقة مع رفعتها وسموها ، فهو يرى السجع: وصفاً لايقاع متردد في كلمتين غير داخليتين في تركيب جملة، وقد تحتوي الجملة في سياقها على كلمتين متفقتين في آخر حرف فيها، ولكنهما لا يؤذنان بانتهاء معنى، ولا يفصلان بين شطرين في الكلام ولا يحسن الوقوف عندهما، هاتان الكلمتان يعتبران "سجعاً" (4) .
... فقد اكد هذا التعريف على بنية السجع، ومتى يحق لنا أن نطلق على اللفظتين المتفقتين في الحرف الاخير "سجعا"، ومتى لا يحق، وهذا ما لم نجده في التعريفات السابقة. علاوة على تأكيده على الجانب الايقاعي عن طريق التردد بين الكلمتين المسجوعتين.
__________
(1) السجع وأطوار استعماله في أدب العرب، عبد الستار فوزي: 7.
(2) سجع أم فواصل، د. احمد الحوفي، مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، العدد 27، السنة 1971م: 114.
(3) معجم المصطلحات العربية في الأدب واللغة، مجدي وهبة وكامل المهندس: 197، وينظر: المعجم الأدبي، جبور عبد لنور: 138. وينظر: معجم البلاغة العربية، بدوي طبانة: 333.
(4) البديع تأصيل وتجديد: 41.(1/16)
... وكما وضع لمصطلح "السجع" تعريف، وضع لمصطلح "الفاصلة" تعريف، وؤجد بعض الفروقات بينهما، يقول د. احمد ياسوف: "الفاصلة كلمة آخر الآية، كقافية الشعر، وقرينة السجع وتقع الفاصلة عند الاستراحة في الخطاب، لتحسين الكلام بها، وهي الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام" (1) .
... اما ما قاله محمد الحسناوي في الفاصلة: "كلمة آخر الآية كقافية الشعر وسجعة النثر. والتفصيل – توافق اواخر الآي في حروف الروي، او في الوزن، مما يقتضيه المعنى، وتستريح اليه النفوس" (2) . وقد وصفه د. عبد الحميد جيده بانه خيرُ تعريفٍ للفاصلة في القرآن الكريم (3) .
... ولكنني أرى أن تعريف د. منير سلطان للفاصلة، لا يقل دقةً وشمولية – عن تعريف محمد الحسناوي، إن لم يتفوق عليه، فهو يقول: "الفاصلة هي الكلمة التي ينتهي بها معنى الجملة، ويحسن السكوت عندها، فهذه الكلمة "فاصلة"؛ لانها تنبؤنا بأن معنى الجملة قد انتهى؛ ولانها تعطينا فرصة الوقوف لإراحة النفس عند القراءة، ولأنها تفصل بين معنيين، إما فصلاً تاماً واما غير تام" (4) ، والفاصلة لا توجد الا في تركيب، ولا توجد الا في سياق؛ لان وجودها به ومن اجله، والفاصلة اعمُ من السجع، لان الفاصلة تأتي مسجوعة، وغير مسجوعة (5) .
__________
(1) جماليات المفردة القرآنية، احمد ياسوف (رسالة ماجستير): 309 باشراف د. نور الدين عتر.
(2) الفاصلة في القرآن: 26.
(3) ينظر: الاتجاهات الجديدة في الشعر العرب: 71.
(4) البديع تأصيل وتجديد: 41.
(5) م.ن: 41.(1/17)
... ومثال للسجع داخل السياق، قوله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ - وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (1) ، فلا يحسن الوقوف عند "الابرار" ولا عند "الفجار" لانه لن يؤدي الى معنى مفيد، إذاً فاللكمتان هذا مسجوعتان بالرغم من وجودهما في سياق، لانهما لا يصلحان أن يكونا فاصلتين، بينما نجد كلمة "نعيم" فاصلة، وكلمة "جحيم" فاصلة، وهما فاصلتان مسجوعتان موزونتان (2) .
... ويجب الالتفات الى "أن الاسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفصول ... والفواصل على ضربين: ضرب يكون سجعاً، وهو ما تماثلت حروفهُ في المقاطع، وضرب لا يكون سجعاً وهو ما تقاربت حروفهُ في المقاطع ولم تتماثل ... " (3) . فمثال المتماثلة قوله تعالى: (وَالطُّورِ - وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ - فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ - وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) (4) .
... ومثال المتقارب قوله تعالى: (ق - وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ - بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ) (5) .
... بعد عرضنا لهذه التعريفات، يمكننا القولَ بأن هناك رؤية جديدة لمصطلح السجع، حيث أنها تتعامل مع السجع باعتباره نوعاً كتابياً، كما في قول الباحث محمد هادي الطرابلسي: "فالسجع – نوعاً كتابياً – ليس هو النثرُ قطعتُ وحداتهُ، وقفيت أجزاؤه، ولا هو الشعرُ تنوعت قوالبهُ، واختلفت موازينهُ، وداخلتهُ المرونة في المبنى والمعنى، انما هو: نوع من الكتابة ثالث له صلة بسائر الأنواع، ولكن له هويةً واستقلالاً لابد من النظر اليه من زاويتهما؛ لادراك حقيقته، وتبين خصائصهِ" (6) .
__________
(1) سورة الانفطار، الآية: (13-14).
(2) البديع تأصيل وتجديد: 42.
(3) سر الفصاحة: 165.
(4) سورة الطور، الآيات (1-4).
(5) سورة ق، الآيات (1-3).
(6) تحاليل اسلوبية: 145.(1/18)
... وأضاف قائلاً: "فليس الغرضُ من السجع تقديم صورةٍ اخرى لشكل الأدب بقدر ما هو تقديم تصوير آخر لمفهوم الأدب ووظيفته. فالأدب في السجع مادة إخبار ومادة اعتبار، وموضع تنصيص، وموضع تحسيس، وهو بالجملة كلام بايقاعٍ في معنييه: الايقاع بالأصوات، والايقاع بالمتلقي، والزج به في نظام النص، على أنه طرف من أطرافه، لاعلى أنه متقبلٌ اجنبيٌ عنه" (1) .
... والذي يفهمُ من كلام الطرابلسي أن السجع ليس قلادةً يزان بها النص الادبي فحسب، وانما هو جزءٌ لا يتجزأ منه، ويتجلى ذلك في قوله هو "كلام بايقاع في معنييهِ الايقاع بالأصوات، والايقاع بالمتلقي ... "، مع الاخذ بنظر الاعتبار عدم تكلف اللفظة في السجع، فان ظهر التكلفُ فيها، فقد السجع شرطهُ في أنه جزءٌ لا يتجزأ من النص.
... لم يكتفِ الطرابلسي بما تقدم، بل اضفى على السجع سمة الانشاد، وذلك بقوله: "إن كتابة السجع على نمط كتابة النثر لا تعكسُ فيه خصوصية ولامزية ذلك أن السجع كلام موقعٌ يقتضي من القارئ انشاداً مناسبا، والانشاد تسهلهُ كتابة الكلام على نمط يلائم وحداته الايقاعية وعلامات البداية والنهاية فيه" (2) .
... إذن فالجامع بين السجعتين حسن الايقاع، وهذا الايقاع هو سمة السجع الغالبة، وجوهرهُ الفني، الذي يجعل اليه النفوس أميل والآذان لسماعه انشط" (3) ويمكن أن نجعلهُ: "وصفاً لظاهرة صوتية (ايقاعية)" (4) .
... ويرى الباحث علوي الهاشمي أن النص ينقسم الى بنيتين خارجية، وداخلية، فاما البنية الخارجية فهي التي تنتطمها القوافي والاوزان بأجزائها الواضحة والمحسوسة.
__________
(1) م.ن: 145.
(2) تحاليل اسلوبية: 153.
(3) جرس الالفاظ ودلالتها في البحث البلاغي والنقدي عند العرب، د. ماهر مهدي هلال: 226.
(4) البديع تأصيل وتجديد: 42، ينظر: البلاغة العربية قراءة أخرى، د. محمد عبد المطلب: 399.(1/19)
... اما البنية الداخلية، فلن يعبر عنها الا بنيةٌ ايقاعية خفية، سواء كان ذلك في إطار حركة الاوزان كالزحافات والعلل، ام في غيرها من المظاهر الايقاعية المتصلة بجرس الاحرف او تكرار النسق، أو التضاد الاسلوبي (1) .
... فالايقاع بشكلٍ عام هو: "التلوين داخل الوزن الموسيقي يرافقهُ تكوين صوتي صادر من الالفاظ" (2) .
... والذي يهمنا من الايقاع، هو ايقاع "الفاصلة" أو "السجع" على وجه الخصوص، وقد أفرد لهُ صاحب "الفاصلة في القرآن" فصلاً بعنوان "جمال الفاصلة"، وتفرع هذا العنوان الى فرعين هما: الجمال الموضوعي للفاصلة، وايقاع اللفظ (الصوت)، والمعنى (الدلالة) (3) .
... والمقصود بالجمال الموضوعي للشيء، هو كما قال د. عز الدين اسماعيل – الصورة الاولى في العمل الفني، فكل عمل فني له سطحٌ هو ما يسمى بالسطح الجمالي، وهو المقصود بالصورة الاولى، ووراء هذا السطح شيءٌ يفهم أو يحسُ، وهو المقصود بالصورة الثانية (4) .
... وضرب لنا مثالاً توضحياً لما أسماهُ الصورة الاولى، والصورة الثانية، فقال: عندما نقول: "باب النجار مكسور"، فان الصورة الاولى لهذه العبارة تتمثل في التنسيق الزمني للعبارة كلها: با – بن – نج – جا – ر – مك – سو – رن". والدلالة المفهومة معاً. أما الصورة الثانية هي المعنى الذي وراء هذه الصورة الاولى بعنصريها الزماني والمكاني، أي بصوتها الموسيقي، ودلالتها المكانية، وليكن هذا المعنى هو السخرية، وهي الصورة الثانية للعبارة (5) .
__________
(1) ينظر: السكون المتحرك، دراسة في البنية والاسلوب تجربة الشعر المعاصر في البحرين نموذجاً: 1/49-51.
(2) اللغة الشاعرة في الخطاب النقدي العربي تلازم التراث والمعاصرة، د. محمد رضا مبارك: 180.
(3) ينظر: الفاصلة في القرآن: 191.
(4) ينظر: الاسس الجمالية في النقد العربي: 171.
(5) م.ن: 172.(1/20)
... نفهم من ذلك أن الجمال الموضوعي في "الفاصلة" و"السجعة هو تكرارهما في نهاية الفقرات بشكل منظم، وما يتركاه من موسيقى لفظية منبعثة من ثنايا الاحرف والكلمات، دون الالتفات الى الدلالات والمعاني المختفية وراءهما، ثم نستطيع أن نسمي مثل هذه العملية بالجمال الموضوعي "للسجع".
... اما المقصود بما أطلق عليه – محمد الحسناوي – إيقاع اللفظ (الصوت) (1) ، "فهو اكثرُ أنماط الايقاع بساطة ومباشرة، إذ ينهض على مجموع القيم الصوتية التي تولدها المفردات، وغالباً ما يتحقق ذلك في القصائد التي تكثر فيها التقفيات وتتكرر الاصوات ذات التردد العالي لينصرف الذهن الى صوتية القصيدة أكثر مما يحاول بلوغ قيمتها الشعرية الأخرى، وتصلحُ مثل هذه القصائد كثيراً للالقاء إذ يستطيع الشاعر الافادة من هذه القيم الصوتية من أجل التأثير في جمهور المتلقين" (2) .
... اما المعنى (الدلالة) (3) الذي قصدها – الحسناوي – فسوف نتطرق اليه في فصل "تشكيل السجع الدلالي" انشاء الله.
... ... ... ... ... ... ... خطي
وترى باحثة معاصرة أن للفاصلة مستويين (4) :
... ... ... ... ... ... ... أدائي
... والادائي هو الصمتُ، قطع الصوت زمناً. والخطيُّ هو النقطةُ، والتكرار الفونيمي. وترى أن الايقاع النصي ينطوي على قضيتين أساسيتين: ايقاع السواد/ وايقاع البياض (5) .
... حيث يقوم ايقاع السواد على الملفوظ اللساني فتتشكل قضاياه بحسب هذا الملفوظ الى شكلين. شكل تمثله البنى المقطعية. وشكل تمثلهُ البنى فوق المقطعية:
... ... ... ... تكرار فوينمي (فاصلة / قافية)
__________
(1) ينظر: الفاصلة في القرآن: 201.
(2) القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الايقاعية، أ.د. محمد صابر عبيد: 38.
(3) ينظر: الفاصلة في القرآن: 201.
(4) التوازي في القرآن الكريم، وداد مكاوي الشمري، كلية التربية، جامعة بغداد 2001: 97 (أطروحة دكتوراه).
(5) ايقاع السواد: رمز الصوت، وايقاع البياض: رمز الصمت، ينظر: القصيدة العربية الحديثة ... : 47.(1/21)
البنى المقطعية ... ... ... ... ... ... كلمة (الجناس التام)
... ... ... ... تكرار لفظي
... ... ... ... ... ... ... جملة / آية
... ... ... ... النبر
البنى فوق المقطعية ... ... التنغيم
... ... ... ... التوازن / التقطيع العروضي (1)
... وتضيف قائلةً (2) : أن الفاصلة الفونيمية المتوازية لا تشتغل في بناء لفظي مغاير لما تشتغل فيه الفاصلة المقطعة النبرية. إذ إن كلا الاصطلاحين يعالجُ بنية واحدة، لكن بتعدد وجهات النظر اليها. نحو: قوله تعالى:
"والتين والزيتون ... ... فاصلة مقطعية نبرية
... /5/5×/55
وطور سينين" ... ... ... فاصلة فونيمية
/5×-55
... فالملاحظ أن دراسة هذه الباحثة، هي الدراسة نفسها التي أقامها محمد الحسناوي بتعبير آخر أنهما رافدان يصبان في نهر واحد. (فالبنى المقطعة) في دراسة الباحثة تقابل (الجمال الموضوعي) في دراسة الحسناوي، و(البنى فوق المقطعية) في دراستها تقابل ايقاع اللفظ (الصوت) في دراسته.
__________
(1) التوازي في القرآن الكريم: 98.
(2) م.ن: 104.(1/22)
التمهيد
- أولاً: السجعُ لغةً
- ثانياً: السجعُ إصطلاحاً
الفصل الأول
- تشكيل السجع في (نثر) الحديث و(نظم) الشعر
- مدخل إلى السجع النبوي
- المبحث الأول: أركان السجع
والحديث النبوي الشريف
- المبحث الثاني:
- أبنية السجع والحديث النبوي الشريف
- أبنية السجع في الشعر العربي
الفصل الثاني
- التشكيل الايقاعي للسجع
في الحديث النبوي الشريف
- المبحث الاول: (التنغيم)
في الحديث النبوي الشريف
- المبحث الثاني: (التوازي والتوازن)
في الحديث النبوي الشريف
الفصل الثالث
- التشكيل الدلالي للسجع
في الحديث النبوي الشريف
- المبحث الأول: (إتصاف دلالة السجع النبوي بالمرونة وحرية الانتقال)
- المطلب الأول: (اختلاف دلالة السجع باختلاف الحدث والمخاطب)، (الدلالة الصاخبة)
- المطلب الثاني: (الدلالة الهادئة)
في الحديث النبوي الشريف
- المبحث الثاني: (التكرار الدلالي للسجع
في الحديث النبوي الشريف، الالفاظ والكلمات)
المقدمة
الخاتمة
قائمة المصادر والمراجع(1/1)
مدخل
إلى السجع النبوي
... "إن الحديث النبوي في الذروة من البيان، ولا يرتفعُ فوقهُ في مجال الأدب الرفيع إلا كتابُ الله بلاغةً وفصاحةُ" (1) . وما أجودَ ما قالهُ الجاحظُ في شأنه: "وهو الكلامُ الذي قلَّ عددُ حروفهِ، وكثرَ عددُ معانيه، وجلَّ عن الصنعةِ، ونزه عن التكلفِ، وكان كما قال اللهُ تباركَ وتعالى: قلْ يامحمدُ (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) (2) ، فكيف وقد عاب التشديق (3) ، وجانبَ اصحابَ التقعير (4) ، واستعمل المبسوط في موضع البسط، والمقصور في موضع القصر، وهجر الغريبَ الوحشي، ورغب عن الهجين السوقي، فلم ينطق الا عن ميراثِ حكمةٍ، ولم يتكلمَّ الا بكلام قد حفّ بالعصمة، وشيد بالتأييد، ويسر بالتوفيقِِ" (5) .
__________
(1) الحديث النبوي مصطلحهُ/ بلاغتهُ، كتبهُ – محمد الصباغ: 51.
(2) سورة ص، الآية: 86.
(3) الشرقُ: جانب الفم. وتشدق في كلامه: فتح فمه وأتسع. ينظر: لسان العرب: 10/172.
(4) التعميقُ. والتقعيرُ في الكلام: التشدقُ فيه. م.ن: 5/108.
(5) البيان والتبيين: 2/221.(1/1)
... ويقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي فيما صح نقلهُ من كلام النبي ( - صلى الله عليه وسلم - )، عن جهة الصناعتين اللغوية والبيانية،: "رأبتهُ في الاولى مسددة اللفظِ، محكمَ الوضعِ، جزلَ التركيبِ، متناسبَ الاجزاءِ في تأليفِ الكلماتِ، فخمَ الجملةِ، واضحَ الصلةِ بين اللفظِ ومعناه، واللفظ وضريبه في التأليفِ والنسقِ، ثم لا ترى فيه حرفاً مضطرباً، ولا لفظةً مستدعاة لمعناها او مستكره عليه؛ ورأيته في الثانية – البيانية – حسنَ المعرضِ، بينَ الجملةِ، واضحَ التفصيلِ، ظاهرَ الحدودِ، جيدَ الرصف، متمكنَ المعنى، واسعَ الحيلةِ في تصريفه، بديعَ الاثارةِ، غريبَ للمحة، ناصعَ البيانِ، ثم لا ترى فيه إحالةً ولا استكراهاً، ولا ترى اضطراباً ولا خطلاً (1) ، ولا استعانةً من عجزِ، ولا توسعاً من ضيقِ، ولا صعفاً في وجهٍ من الوجوه ... " (2) .
... فما ظنك بالاسجاع الشريفة التي وردت في كلام النبي ( - صلى الله عليه وسلم - )، بعد ما سمعت ما قالهُ الجاحظ (ت255هـ)، ومصطفى صادق الرافعي في سمو الاحاديث الشريفة في الفصاحة والبلاغة.
... فالبديعُ عامة، والسجعُ خاصة، : "منسجمٌ كذلك مع فصاحة سيدنا رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - )، وهو الذي نعى على المتشدقين المتفيهقين، وكان يكرهُ التكلف في كل شيءً، لا عجب أن يكون ما جاء من اسلوب البديع في كلامه الشريف – إذن. منسجماً مع هذه المبادئ، مطبوعاً غير مصنوع ... " (3) .
__________
(1) سهم خطلٌ: يجعلُ فيذهب يميناً وشمالاً. ينظر: لسان العرب: 11/209.
(2) إعجاز القرآن والبلاغة النبوية: 324.
(3) البلاغة فنونها وأقناتها، علم البيان والبديع، د. فضل حسن عباس: 319.(1/2)
... اما قولهُ (عليه الصلاة والسلام) لرجل قال سجعاً: "انما هذا من إخوان الكهان" (1) أي لمشابهة كلامهِ كلامهم، عندما لم يقتنع بحكم النبي في إمرأتين من هذيل اقتتلتا، فرمت احداهما الأخرى بحجر، فأصاب بطنها، فاختصموا الى النبي (عليه الصلاة والسلام) فقضى أن ديةَ ما في بطنها غرةٌ عبدٌ أو امةٌ، فقال ولي المرأة التي غرمت، وهو المقصود في الحديث السابق: كيف أغرمُ يا رسول الله من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل؟ فمثلُ ذلك يطل. فقال النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ): "انما هذا من إخوان الكهان".
... فإن قيلَ ... " ولولا أن السجع مكروةٌ لما أنكرهُ النبي ( - صلى الله عليه وسلم - )؟ فالجواب عن ذلك أنا نقول: "لوكره النبيُ (عليه السلام) السجع مطلقاً لقالَ "اسجعاً" ثم سكت، وكان المعنى يدل على انكار هذا الفعل، فلما قال "اسجعاً كسجع الكهان" صارَ المعنى معلقاً على أمرٍ، وهو انكار الفعل لما كان على هذا الوجه" (2) .
... فعلم أنهُ انما ذم من السجع ما كان مثل سجع الكهان لا غير، وإنه لم يدم السجع على الاطلاق، قال الكلاعي "وهذا محمولٌ عندنا على أنهُ انما كره سجعه بالباطل، يعني أن الكهان يحسنون كلامهم بالباطل. اما إذا كان السجع في كلام العرب الحق فذلك جائز، وذلك في كلام النبي (عليه السلام) كثير ... " (3) .
__________
(1) صحيح البخاري: 4/19 والقصة مذكورة في هذه الصفحة بالتفصيل.
(2) المثل السائر: 1/273.
(3) إحكام صنعة الكلام: 236.(1/3)
... "فالسجع إذاً ليس بمنهي عنه، وانما المنهي عنه الحكم المتبوع في قول الكاهن، فقال رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "أسجعاً كسجع الكهان؟" أي أحكماً كحكم الكهان، وإلا فالسجع الذي أتى به ذلك الرجل لا بأس به، لانه قال: "أأدي منْ لا شربَ ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، ومثلُ ذلك يطل". وهذا كلام حسن من حيث السجع، وليس بمنكر لنفسه، وانما المنكر هو الحكم الذي تضمنهُ في امتناع الكاهن أن يدي الجنين بغرة عبدٍ أو أمة" (1) .
... وكل ما جاء من كلام النبي مسجوعاً، كان يصدرُ منه بغير قصدٍ اليه؛ ولأجل هذا يجيء في غاية الانسجام (2) . "فسجعه (عليه السلام) من السجع المحمود؛ لأنهُ جاء بانسجام واتفاق على مقتضى السجية، وكذلك وقع منه في أدعية كثيرة من غير قصدٍ لذلك، ولا اعتماد الى وقوعه موزوناً مقفى ... " (3) .
... "وإن انت تتبعتهُ من الأثر وكلام النبي (عليه الصلاة والسلام) تثق كل الثقة بوجودك له على الصفةِ التي قدمت، وذلك كقوله: "اللهم إني اعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبعُ، ومن دعوةٍ لا يستجاب لها" (4) ، وقوله: "ايها الناس: أفشوا السلام، واطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناسُ نيام، تدخلوا الجنة بسلام" (5) ، كقوله: "اللهم منزل الكتاب، سريعَ الحساب، اهزم الاحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم" (6) .
... فانت لا تجدُ في جميع ما ذكرت لفظاً اجتلب من أجل السجع، ترك ما هو أحق بالمعنى منه، وأبر به، واهدى الى مذهبه ... " (7) .
__________
(1) المثل السائر: 1/275.
(2) فتح الباري شرح صحيح البخاري: 11/167.
(3) عمدة القاري شرح صحيح البخاري: 17/187.
(4) صحيح مسلم، تحـ: محمد فؤاد عبد الباقي: 4/2088.
(5) سنن الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى، تحـ: كمال يوسف: 4/563.
(6) صحيح البخاري: 2/158.
(7) اسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني: 18.(1/4)
... بعدَ هذه المزايا الرفيعة للسجع النبوي الشريف، يصحُ أن نقولَ فيه قول د. أحمد ابراهيم موسى: "إنهُ ... يؤثر في النفوس تأثير السحر، ويلعبُ بالافهام لعب الريح بالهشيم، لما يحدثهُ من النغمةِ المؤثرة، والموسيقى القوية التي تطربُ لها الأذنُ، وتهش لها النفوسُ، فتقبلُ على السماع من غير أن يداخلها مللٌ، او يخالطها فتورٌ، فيتمكن المعنى في الاذهان، ويقر في الافكار، ويعزُ لدى العقول، وكان كل أولئك مما يتوخاهُ البلغاء، ويقصدهُ ذوو البيان واللسن ... " (1) .
... ولم يقتصر الامرُ على ورود السجع في الحديث النبوي الشريف بسموه وجماليته فحسب، بل تعداه الى أن النبي (عليه السلام) ترك في بعض الاحيان المألوف لأجل السجع، ومن ذلك قوله: "اعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عينٍ لامة" (2) ؛ لأن الاصل فيها من "ألم" فهو "ملمٌ" (3) .
... وربما غير الكلمة عن وجهها للموازنة بين الالفاظ، واتباع الكلمة أخواتها. كقوله: "إرجعنَ مأزوراتٍ، غيرَ مأحوراتٍ" (4) ، وانما أراد "موزورات" من الوزر. فقال مأزورات، لمكان مأجورات قصداً للتوازن وصحة التسجيع على شرط البراءة من التكلف والخلو من التعسف (5) .
... ولكن بالرغم من هذا السمو، وهذه الرفعة التي لمسناهما في الاحاديث النبوية "يؤمن كلُ من قرأ في القرآن الكريم، وفي الحديث الشريف، أن بينهما من الفروق القدر الكبير، ولا سيما في الخصائص الاسلوبية والتعبيرية والفنية. وأن القرآن يختلف في هذا المستوى عن الحديث، وأن قائل هذا غير قائل ذاك" (6) .
__________
(1) الصبع البديعي في اللغة العربية: 497.
(2) صحيح البخاري: 2/239.
(3) كتاب الصناعتين: 261.
(4) سنن اين ماجة، تحـ: محمد فؤاد عبد الباقي: 1/503.
(5) كتاب الصناعتين: 261، وينظر: ثمرات الاوراق في المحاضرات، ابن حجة الحموي: 281.
(6) أدب الحديث النبوي، د.بكري الشيخ أمين: 11.(1/5)
... "فالرنة الموسيقية التي تنسابُ من الآيات تختلف اختلافاً جذرياً عن موسيقى نص الحديث. إذ أن تجزئة الفكرة الواحدة الى أجزاء، والتوازن بين الفقرات، والانسياب السهل الرقيق في التراكيب، والختم بفواصل تحملُ من الوقع الموسيقي والارتباط العضوي بالفكرة المستحدث عنها، وانسجام الضمائر، وحذف المفعول او متعلق الافعال، والتنكير في موضع التنكير، والتعريف في موطن التعريف، والتقديم في الموطن المناسب، والتأخير حين تحسُن الأخير، والزينة اللفظية والمعنوية بعض سمات الآيات. أما الحديث – على ما فيه من جمال تعبير – فلم يبلغْ الا بعض مستوى الفن التعبيري في القرآن" (1) .
أركانُ السَّجْع
والحديث النبوي الشريف
... للسجع – كما للفاصلة والقافية – عدد من الاركان تقومُ عليها، وتستندُ اليها هي:
أولاً- المساواة:
والمقصود بالمساواة (2) : هو مساواة قرائن السجع، كقوله تعالى: (فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ - وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ - وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ) (3) .
الاصل في الفاصلة والقرينة المتجردة في الآية والسجعة المساواة، ومن ثم اجمعَ العادون على ترك عد الآيات (وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ) (4) و(الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (5) و(كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ) (6) و(لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) (7) ، و(لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (8) ، و(مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ - أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (9) ، حيث لم يشاكل طرفيه (10) .
__________
(1) م.ن: 116.
(2) الإيضاح في علوم البلاغة، القزويني: 2/394.
(3) سورة الواقعة، الآية: (28 – 30).
(4) سورة النساء، الآية: 133.
(5) سورة النساء، الآية: 172.
(6) سورة الإسراء، الآية: 59.
(7) سورة مريم، الآية: 97.
(8) سورة طه، الآية: 113.
(9) سورة الطلاق، الآية: (11-12)
(10) معترك الأقران في إعجاز القرآن، السيوطي: 1/24. وينظر: الإتقان في علوم القرآن: 2/97.(1/6)
او هو "كون القسمين متساويين، ولا يحسن ذلك الا في فصل المغصن. نحو قولي: يغمرُ صبابة بياني بحرُ بلاغته الزاخر، ويحقرُ ذبالة احساني بدرُ فصاحته الزاهر ... " (1) .
وقد ورد في كلام النبي ( - صلى الله عليه وسلم - )، الكثير من السجع المتساوي القرائن، كقوله: وهو يتعوذ من: "جهدِ البلاءِ، ودركِ الشقاءِ، وسوءِ القضاء وشماتةِ الأعداءِ" (2) . وكقوله: "بسم الله: تربةُ أرضنا، بريقةِ بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا" (3) . وكقوله: "أربعٌ من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمنَ خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" (4) .
فاذا نظرنا الى الأحاديث السابقة، وجدنا المساواة بين قرائن السجع جلية وواضحة، كما هي بين: "جهد، ودرك، وسوء، وشماته" وبين "البلاء، والشقاء والقضاء والاعداء"، في الحديث الأول. وبين كل من "عاهد"، "خاصم"، "غدر" و"فجر" في الحديث الثالث.
"والأصل في السجع انما هو الإعتدال في مقاطع الكلام، والإعتدال مطلوب في جميع الأشياء، والنفسُ تميلُ اليه بالطبع، ومع هذا فليس الوقوف في السجع عند الإعتدال فقط ... بل ينبغي أن تكون الالفاظ المسجوعة حلوةً حادةً، طنانةً رنانة، لا غثةً ولا باردة ... " (5) .
وقد علل العلماء عدم حسن طول القرنية الثانية عن الأولى بتعليلٍ نفسي، فزاوجوا بين علم النفس والبلاغة، يقول صاحب الصناعتين (6) : "فإذا كان المعنى وسطاً ورصف الكلام جيداً، كان أحسن موقعاً وأطيب مستمعاً، فهو بمنزلة العقد إذا جعل كل خرزة منه الى ما يليقُ بها كان رائعاً في المرأى، وان لم يكن مرتفعاً نبيلاً، وان اختل نظمهُ فضمت الحبة منه الى ما لا يليق بها اقتحمته العين وان كان فائقاً ثميناً".
__________
(1) إحكام صنعة الكلام: 240.
(2) صحيح البخاري: 4/105.
(3) م.ن: 4/17.
(4) م.ن: 1/15.
(5) البلاغة فنونها وأفنانها: 306.
(6) كتاب الصناعتين: 167.(1/7)
وقال الزركشي (ت794هـ): "وعلته أن السمع ألف الإنتهاء الى غاية في الخفة الأولى، فإذا زيدَ عليها تقلَ عنه الزائد ... " (1) فعند ذلك "يفترُ حماسهُ لها، وتقل نشوته بها؛ لانه اكتفى من الثانية بمقدار الأولى، وظن انه ظفر بمقصوده من فهم المراد، وفي الحقيقة لم يظفر به بعد" (2) .
ويقول القزويني (ت739هـ): "ولا يحسن أن تولى قرينةٌ قرينةً أقصرَ منها كثيراً، لأن السجع إذا استوفى أمدهُ من الأولى لطولها، ثم جاءت الثانية أقصر منها كثيراً، يكون كالشيء المبتور، ويبقى السامع كمن يريد الإنتهاء الى غاية فيعثر دونها والذوق يشهدُ بذلك، ويقضي بصحته" (3) .
وقد أجمع البلاغيون واتفقوا على أن أحسنَ السجع، ما تساوت قرائنهُ وتناسبت أطرافهُ، وبتعبير آخر يعني أن قرائن السجع المتساوية تأتي بالدرجة الأولى من بين أنواع السجع الاخرى (4) .
ثم "ما طالت قرينتهُ الثانية كقوله تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) (5) . ثم ما طالت قرينتهُ الثالثة كقوله تعالى: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ - ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ - ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) (6) ، وقول أبي الفضل الميكالي: "له الأمر المطاع، والشرف اليفاع، والعرض المصون والمال المضاع" (7) .
__________
(1) البرهان في علوم القرآن، الزركشي: 1/106.
(2) فن البديع: 129.
(3) الإيضاح: 2/394.
(4) ينظر كلٌ من: الصناعتين: 262، والمثل السائر: 1/275، ومفتاح العلوم، السكاكي: 203، والإيضاح: 2/393، وينظر الفاصلة القرآنية: 20.
(5) سورة النجم، الآيتان: (1-2).
(6) سورة الحاقة، الآيات: (30-31).
(7) البلاغة الإصطلاحية، د. عبده عبد العزيز قلقيلة: 388.(1/8)
وقد اجتمعا في قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (1) .
ثانياً-الوقف:
يقول النويري (ت733هـ): "السجع هو أن كلماتِ الأسجاعِ موضوعةُ على أن تكون ساكنةَ الأعجاز موقوفاً عليها؛ لأن الغرض أن يجانس بين القرائن، ويزاوج بينها، ولا يتم ذلك إلا بالوقف، ألا ترى الى قولهم: "ما أبعد ما فات، وما أقرب ما هو آت" فلو ذهبت تصلُ لم يكن بد من اعطاء أواخر القرائن ما يقتضيه حكم الإعراب، فتختلفُ أواخر القرائن، ويفوت الساجع غرضه ... " (2) .
وقال الزركشي (ت794هـ) (3) : إن مبنى الفواصل على الوقف؛ ولهذا شاعَ مقابلة المرفوع بالمجرور وبالعكس، وكذا المفتوح والمنصوب غير المنون، ومنهُ قوله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ) (4) مع ما تقدم من قوله تعالى: (عَذَابٌ وَاصِبٌ) (5) ، و(شِهَابٌ ثَاقِبٌ) (6) . وكذا (بِمَاء مُّنْهَمِرٍ) (7) و(عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (8) . وكذا (وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) (9) ، و(وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ) (10) .
__________
(1) سورة العصر، الآيات: (1-3).
(2) نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري: 7/103، وينظر: الإيضاح 2/395.
(3) البرهان في علوم القرآن: 1/99.
(4) سورة الصافات، الآية: 11.
(5) سورة الصافات، الآية: 9.
(6) سورة الصافات، الآية: 10.
(7) سورة القمر، الآية: 11.
(8) سورة القمر، الآية: 12.
(9) سورة الرعد، الآية: 11.
(10) سورة الرعد، الآية، 12.(1/9)
هذا بالنسبة الى الوقف على السكون – وهو معظم الفواصل – لكن الفواصل المطلقة، يكون الوقف فيها – طبعاً – باطلاق الحركة ومدها نحو قوله تعالى: (وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا) (1) (2) .
وقد جاء في محاضرة (3) للدكتور ابراهيم أنيس حول "وقف الفواصل" ما يلي:
"بل إن جزم الفعل "وانحر" في سورة "الكوثر" ليؤكد لنا أن الوقوف بالسكون على رؤوس الآيات تتطلبه القراءة القرآنية، لأنه يحقق الإنسجام الموسيقي: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ - فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ - إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (4) ، ولا يكاد الوقف القرآني يتجه الى غير الوقف بالسكون الا في حالات قليلة منها:
1- الوقف على النون المنصوبة بالألف مثل: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا - فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا - فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا) (5) ، ونسبة الوقف بالألف في آيات القرآن في حدود /12%/ من مجموع الآيات.
2- الوقف على (ها) ضمير المؤنثة الغائبة ... مثل (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا - وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا - وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا - يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا - بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) (6) .
__________
(1) سورة الدهر، الآية: 15.
(2) الفاصلة في القرآن: 158، ويسمى في الشعر القافية المطلقة، ينظر: فن التقطيع الشعري، صفاء خلوصي: 217.
(3) (على هدي الفواصل القرآنية)، البحوث والمحاضرات مجلة مجمع اللغة العربية القاهرة (1961-1962): 107-118، نقلا عن: الفاصلة في القرآن: 159-161.
(4) سورة الكوثر، الآيات: (1-3).
(5) سورة العاديات، الآيات: (1-3).
(6) سورة الزلزلة، الآيات: (1-5).(1/10)
3- الوقف بها السكت مع ياء المتكلم في القليل من الآيات في سورتي (القارعة) و(الحاقة) مثل: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ - وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ - يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ - مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ - هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ) (1) .
... ولكن المألوف السائد في ياء المتكلم حين تقع في رؤوس الآيات هو أن تحذف (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (2) و(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (3) .
اما مثال الوقف على غير السكون في الأحاديث المسجوعة، فاننا نجدهُ ولكن بشسكلِ قليل، كما في الوقف على ضمير المؤنثة (ها) في قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ) عندما يصف مكة: " ... ألا وإنها حلت لي ساعة من نهار، ألا وإنها ساعتي هذه حرامٌ، لا يختلى شوكها، ولا يعضدُ شجرُها، ولا تُلتَقَطُ ساقطُها إلا لمنشد ... " (4) ، وكقوله رادعاً ما نعي الزكاة: "تأتي الإبلُ على صاحبها على خير ما كانت إذا هو لم يعطِ فيها حقها تطؤهُ بأخفافها (5) ، وتأتي الغنمُ على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يعطِ فيها حقها تطؤهُ بأظلافها(3) ... " (6) .
اما الوقوف بهاء السكت فلم أجده في أحاديث السجع في صحيح البخاري.
قال السكاكي (ت626هـ): "ومن جهات الحسن الأسجاع، وهي في النثر كما القوفي في الشعر" (7) .
__________
(1) سورة الحاقة، الآيات: (25-29).
(2) سورة البقرة، الآية: 41.
(3) سورة الكافرون، الآية: 6.
(4) صحيح البخاري: 1/32.
(5) ، (3) الأخفاف جمع خف البعير، والخف من الإبل بمنزلة (الظلف) للغنم والقدم للآدمي، والحافر للحمار والبغل والفرس، والظلفُ للبقر والغنم ... وكل حافر منشق منقسم فهو ظلف ... ، ينظر: عمدة القاري: 8/250.
(6) صحيح البخاري: 1/244.
(7) مفتاح العلوم: 203.(1/11)
ثم رد عليه صاحبُ البرهان بقوله "وكلامُ السكاكي يشعرُ بأنه يشترط في السجع الموافقة في الإعراب لما قبله على تقدير عدم الوقوف عليه، كما يشترط ذلك في الشعر" (1) .
وهو بهذا يضعف ما ذهب اليه السكاكي، قائلاً: " والصواب أن ذلك ليسَ بشرطٍ كما سبق، ولا شك أن كلمة الأسجاع موضوعةٌ على أن تكون ساكنة الأعجاز موقوفاً عليها، لان الغرض المجانسة بين القرائن، والمزاوجة، ولا يتم ذلك الا بالوقف ... " (2) .
وإذا رأيتهم يخرجون الكلم عن أوضاعها لغرض الازدواج، فيقولون: "آتيك بالغدايا والعشايا، مع أن فيه ارتكاباً لما يخالف اللغة، فما ظنك بهم في ذلك؟" (3) وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أهمية الوقوف على السجعة، بل هو من الواجب واللازم.
ثم يقول ابن حجة الحموي: "فقد تكون الفواصلُ ما هو من ذوات الياء، وما هو من ذوات الواو، فتُمالُ التي هي من ذوات الواو وتكتبُ بالياء ميلاً على ما هو من ذوات الياء، لاجل الموافقة كقوله تعالى: (والضحى) (4) فالضحى أميلت وكتبت بالياء عملاً على ما في السورة الشريفة من ذوات الياء لأجل الموافقة، ... ومن ذلك حذف المفعول نحو قوله تعالى: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) (5) الأصل (قلاك) لكن حذف الكاف لتوافق الفواصل" (6) .
ويعلل باحثٌ معاصر سبب تأكيد القدماء على تكوين الأعجاز في السجع، الى إظهار الجانب الإيقاعي في النثر، بقوله: "إن بعض البلاغيين أوغلوا في الحرص على الإيقاعية، فقالوا إن الفواصل موضوعة على أن تكون ساكنة الاعجاز، موقوفاً عليها بالسكون في حال الوقف والدرج؛ لأن هدف الأدبية التناسب بين القرائن، ولا يتم ذلك في صورته الكاملة – الا بالوقف والسكون" (7) .
__________
(1) البرهان في علوم القرآن: 1/71.
(2) م.ن: 1/71.
(3) البرهان في علوم القرآن: 1/71.
(4) سورة الضحى، الآية: 1.
(5) سورة الضحى، الآية: 3.
(6) ثمرات الأوراق في المحاضرات: 280.
(7) البلاغة العربية قراءة اخرى: 399.(1/12)
ثالثاً- الاّ يكون مكلفاً:
للسجع خلاصة لابد منها حتى يمكن ان تحصل الفائدة منه، وفي هذا الصدد يقول ابن الأثير: "فان عري الكلام المسجوع منه فلا يعتد به أصلاً. وهذا شيء لم ينبه عليه أحدٌ غيري، وسابينهُ ههنا، وأقول فيه قولاً هو أبين مما تقدم، وأمثل لك مثالاً إذا حذوته امنت الطاعن والعائب، وقيل في ذلك: ليبلغ الشاهد الغائب" (1) .
ثم اضاف قائلاً: "والذي أقوله في ذلك هو أن تكون كل واحدة من السجعتين المزدوجتين مشتملة على معنى غير المعنى الذي اشتملت عليه أختها، فان كان المعنى فيها سواء فذلك هو التطويل بعينه، لان (التطويل) انما هو الدلالة على المعنى بألفاظ يمكن الدلالة عليها بدونها. وإذا وردت سجعتان تدلان على معنى واحد كانت احداهما كافية في الدلالة عليه، وجل كلام الناس المسجوع جارٍ عليه ... " (2) .
"إذاً شرط حسنِ السجع اختلاف قرينته في المعنى كما مر، لا كقول ابن عباد في مهزومين: "طاروا واقين بظهورهم صدورهم، وبأصلابهم نحورهم" (3) .
ففي هاتين الجملتين يمكن ان نستغني عن لفظة "اصلابهم" "بظهورهم" وأن نستغني عن لفظة "نحورهم" بـ"صدورهم". فمجيء الجملة الثانية حشراً وزيادة كان من الأولى الإستغناء عنها.
نضرب مثالاً قول الصابي: "يسافر رأيه وهو لا يبرح، ويسيرُ وهو ثاوٍ لا ينزح" فـ "يسافر" و "يسير" بمعنى واحد، و"يبرح" و"ينزح" بمعنى واحد (4) .
وقد وضع ابن الاثير للكلام المسجوع اربعة شرائط: (5)
1- اختيار مفردات الالفاظ على الوجه الصحيح، وذلك أن تكون جيدة.
2- اختيار التركيب الحسن.
3- أن تكون اللفظ في الكلام تابعاً للمعنى، لا المعنى تابعاً اللفظ.
__________
(1) المثل السائر: 1/278.
(2) م.ن: 1/278.
(3) الإيضاح: 2/394.
(4) فن البديع: 128.
(5) المثل السائر: 1/278.(1/13)
ومثال ما كان اللفظ فيه تابعاً للمعنى قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم" (1) .
وقوله: "لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده" (2) .
فانت لا تجدُ في جميع ما تقدم لفظاً جيءَ به من أجل إقامة السجع، وصرف النظر عما هو احق بالمعنى منه.
ومثال ما كان المعنى تابعاً للفظ كل ما جاء على لسان الكهنة، كقول أحدهم: "والأرض والسماء، والعقاب والصقعاء، واقعةٍ ببقعاء، لقد نفر المجدُ بني العشراء، للمجد والنساء" (3) .
فلو تأملت الجمل السابقة لوجدت بارقة التكلف متلألئة للناظر، حيث إن هم الكاهن الوحيد هو البحث عن القرينة المشابهة لأختها بصرف النظر عن الإساءة التي قد تحدثها في المعنى.
4- أن تكون كل واحدة من الفقرتين المسجوعتين دالة على معنى غير المعنى الذي دلت عليه اختها، وهذا مامر قبل قليل.
وعلى الرغم من شرائط البلاغيين للنجاة من هذا المأزق – أي التعسف والتكلف – بأن تكون الألفاظ المسجوعة "حلوة المذاق تشتاق الى سماعها الأنفس ... فان المأزق ما زال يتربصُ في طريق السجعات (4) . ويقول باحث آخر "إذا اجتمعت هذه الأسباب – أي شروط ابن الاثير – كان جديراً بالقبول والإعجاب (5) .
رابعاً- الوزن:
لقد جاء في تعريف الباحث – محمد الحسناوي – للفاصلة انها: "كلمة آخر الآية كقافية الشعر وسجعة النثر. والتفصيل – توافق أواخر الآي في حروف الروي، أو في الوزن، مما يقتضيه المعنى، وتستريح اليه النفوس" (6) .
__________
(1) صحيح البخاري: 2/158.
(2) صحيح البخاري: 3/33.
(3) البيان والتبيين: 1/289.
(4) فلسفة البلاغة بين التقنية والتطور، رجاء عيد: 221.
(5) البلاغة فنونها وأفنانها: 308.
(6) الفاصلة في القرآن: 26.(1/14)
فالمراد بقوله: "الوزن" هو الوزن العروضي، والوزن العروضي هو: "وضع الساكن بإزاء الساكن، والمتحرك بإزاء المتحرك، وإذا تم الجزء وقفت عنده وابتدأت بما يبقى من الكلام في الجزء الذي يليه على ذلك حتى تنتهي الى آخر البيت" (1) .
اليك مثالٌ تطبيقي على ذلك، قول امرئ القيس:
قفا نبكِ منْ ذكرى حبيبٍ ومنزلِ ... بسقطِ اللوى بين الدخولِ فحومل (2)
نكتب البيت بدايةً كتابة عروضية، ثم نقطعها، ونضع المفاعيل حسب الاوزان الشعرية:
قفانب ... كمنذكرى ... حبيبن ... ومنزلي ... بسقطل ... لوابيند ... دخول ... فحوملي
//5/5 ... //5/5/5 ... //5/5 ... //5//5 ... //5/5 ... //5/5/5 ... //5/ ... //5//5
ب// ... ب/// ... ب// ... ب/ب/ ... ب// ... ب/// ... ب// ... ب/ب/
فعولن ... مفاعيلن ... فعولن ... مفاعلن ... فعولن ... مفاعيلن ... فعول ... مفاعلن
نتوصل بعد هذا العمل الى أن البيت من البحر الطويل، وذلك من خلال وضع حركة (-) تحت كل حرف متحرك، ووضع سكون (5) تحت كل حرف ساكن، كما جاء في تعريف الوزن العروضي سابقاً (3) .
والوزن العروضي يختلف تماماً عن الوزن التصريفي، فالوزن التصريفي هو: "مقابلة حركة بنوع حركتها كمقابلة ضمةٍ بمثلها. فالفاصلتان في قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ - فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (4) قد جعلتا مما لم يختلف في الوزن، مع تخالف وزنها التصريفي" (5) .
خامساً- القرينة:
__________
(1) كتاب الكافي في العروض والقوافي، الخطيب النبريزي: 17.
(2) ديوان امرئ القيس، تحـ: محمد أبو الفضل ابراهيم: 20.
(3) ينظر: فن التقطيع الشعري: 29.
(4) سورة الكوثر، الآيتان: (1-2).
(5) الفاصلة في القرآن: 162.(1/15)
تجمع على قرائن، ويقال للحرف الأخير منها: حرف الروي والفاصلة، وسميت القرينة قرينة: لمقارنة اختها (1) . والقرينة: "هي الجملة التي جعلت مزاوجة لأخرى وجمعها قرائن، وتسمى اواخرها سجعة، والقرينتان في النثر بمنزلة البيت من الشعر" (2) وقد حدها باحث آخر بقوله: "قطعة من الكلام – جملة أو فقرة – جعلت مزاوجة للأخرى أي مقارنة لها، ولعله من هنا جاء اسمها" (3) .
سادساً- الروي:
وهو الحرف الأخير من القافية – والفاصلة والسجعة – جزءٌ من مجموعة من الأصوات التي تكونها، ويجب تكراره في كل بيت (4) ، "أو هو الحرف الذي تبنى عليه القصيدة، وتنسب اليه، فيقال قصيدة لامية، أو ميمية ... ولا يكون هذا الحرف حرف مد ولا هاء" (5) ويقول صاحب الفاصلة في القرآن – وذكره هنا من باب التوسع ليس غير لانه لا يطرد الا في الشعر (6) .
سابعاً- ما يمتاز به السجع من القافية:
هناك عيوبٌ هي ليست بعيبٍ في السجع إذا ما طرأت عليه، منها: الإقواء، والإقواءُ: هو تحريك المجرى بحركتين متباعدتين كالفتحة والضمة مثلاً (7) .
ولقد أقوى النابغة الذبياني في قصيدته التي أولها:
أمنْ آلِ مية رائحٌ أو معتدِ ... عجلان ذا زادٍ وغير منرودِ
ويقول لها:
زعم البوارحُ أن رحلتنا غداً ... وبذاك خبرنا الغراب الأسودُ
لا مرحباً بغدٍ ولا أهلاً به ... إن كانَ تفريق الأحبة في غدِ
__________
(1) ينظر: صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، القلقشندي: 2/302.
(2) سجع ان فواصل، د. أحمد الحوفي، مجلة مجمع اللغة العربية القاهرة (1390هـ – 1917م): 114.
(3) البلاغة الإصطلاحية: 381.
(4) ينظر: فن التقطيع الشعري: 215.
(5) ميزان الذهب في صناعة شعر العرب، السيد أحمد الهاشمي: 114.
(6) ينظر الفاصلة في القرآن: 163.
(7) ينظر: ميزان الذهب في صناعة شعر العرب: 123.(1/16)
نعيب عليه ذلك لقوله (الأسود) و(مزود) وهذا ما يسمى بالإقواء، بسبب اختلاف الإعراب في القوافي، وقال ابن قتيبة عن النابغة: وكان يقوى في شعره واسمعوه هذا الإقواء في غناء ففطن فلم يعد (1) .
وهذا ليس بعيبٍ في السجع كما في قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لأبتغي ثالثاً، ولا يملأ جوفَ ابن آدم إلا الترابُ، وينوب الله على من تابَ" (2) .
فلو نظرنا الى السجعتين اللتين في الحديث الشريف (التراب، وتاب) لوجدنا أن احداهما فاعل مرفوع وهي (الترابُ)، والاخرى فعل ماضٍ مبني على الفتح (تابَ) وهذا الإختلاف في الحركتين لا يعتبر عيباً في السجع؛ لأن "الأصل في الفواصل أن تكون ساكنة الأواخر بالوقف عليها، لان الغرض أن يزاوج بينها، ولا يتم ذلك في بعض صور السجع الا بالوقف" (3) .
ومن هذه العيوب ما يسمى سناد الحذو: "وهو اختلاف حركة الحرف الذي قبل الروي المطلق مثل فتحة النون وكسرة الكاف في قولك "سندُ، وكدُ"، و(هذا السناد غير مقبول) (4) .
ومثال ذلك قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ) عن أبي هريرة: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسهُ قال: يشك القعنبي (5) كالقائم لا يفترُ، وكالصائم لا يفطر" (6) .
واضحٌ أن حركة كل من الحرفين اللذين قبل حرف الروي في السجعة مختلفتان عن بعضهما البعض، في الأولى (يفترُ) هي الضمة، وفي الثانية (يفطر) هي الكسرةُ، وهذا ليس له تأثير أو عيب على السجع ولا يقللُ من شأنه شيئاً.
__________
(1) ينظر: الشعر والشعراء، ابن قتيبة: 1/158.
(2) صحيح البخاري: 4/119.
(3) البلاغة الاصطلاحية: 387.
(4) ميزان الذهب: 125.
(5) هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي (ت221هـ)، من رجال الحديث الثقات، من اهل المدينة سكن البصرة وتوفي فيها او بطريق مكة، روى عنه البخاري 123حديثاً ومسلم 70حديثاً. ينظر: الاعلام، خير الدين الزركري، 4/280-281.
(6) صحيح البخاري: 4/52.(1/17)
ومن العيوب الأخرى ما تسمى: سناد التأسيس (1) ، وسناد الإشباع (2) ، وغيرها مما لا تعد عيباً في السجع إذا طرأت عليه مثلما اشرنا.
آبْنيةُ السَّجع
و الحديث النبوي الشريف
للسجعة عدد من الأبنية من حيث حرف الروي، أو الوزن، أو طول القرنية، أو طول الفقرة. فلنتأمل ابنيتها بحسب كل من الزوايا السالفة.
أولاً- بحسب حرف الروي:
يقول صاحب (الفاصلة في القرآن): "لم تلتزم فواصل القرآن العزيز حرف الروي دائماً التزام الشعر والسجع، ولم تهمله اهمال النثر المرسل، بل كانت لها صبغتها المتميزة في الإلتزام والتحرر من الإلتزام، فهناك الفواصل المتماثلة والمتقاربة والمنفردة" (3) .
ولكنني من خلال الإستقراء الذي قمت به على الأحاديث النبوية الشريفة، في صحيح البخاري، وجدت انها تتضمن الأبنية المتقاربة والمنفردة ولكنها قليلةٌ جداً.
1- المتماثلة: وتسمى كذلك المتجانسة (4) – وهي التي تماثلت حروف رويها (5) ، كقوله تعالى: (وَالطُّورِ - وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ - فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ - وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) (6) .
ومثاله من كلام النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) قوله: "قضاءُ الله أحق، وشرطُ الله أوثق وإنما الولاء لمن اعتق" (7) .
__________
(1) "وهو أن يكون بيتٌ مؤسساً – وآخر غير مؤسس مثل يتجمل – وستجاملُ" ميزان الذهب: 125.
(2) وهو اختلاف حركة الدخيل بحركتين متقاربتين – مثل كسرة الهاء، وفتحة العين في قولك "مجاهد، وتباعدَ" م.ن: 125.
(3) الفاصلة في القرآن: 169.
(4) سماها الرماني "المتجانسة: ثلاث رسائل في اعجاز القرآن": 90.
(5) الفاصلة في القرآن: 1701.
(6) سورة الطور، الآيات (1-4).
(7) صحيح البخاري: 2/20.(1/18)
وقد تتفق الفاصلتان في حرف أو أكثر قبل الروي (1) ، من غير كلفة، ولا قلق، بل تنساب في لين وجمال وسلاسة. مثال التزام حرف (2) . قوله عز وجل: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ - وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ - الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ - وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (3) .
ومثالهُ من الكلام النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) قوله: "اللهم اعطِ منفقاً خلفاً، واعط ممسكاً تلفاً" (4) .
فقوله "خلفاً" أي عوضاً. وقوله: "اعطِ ممسكاً تلفاً" التعبير بالعطية في هذه للمشاركة لأن التلف ليس بعطية (5) .
ومثال التزام حرفين قبل الروي، قوله تعالى: (مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ - وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ) (6) .
ومثاله من الحديث النبوي الشريف قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "الأرواح جنودٌ مجندةٌ، فما تعارفَ منها آتلف، وما تناكر منها آختلف" (7) .
قوله "الأرواح" جمع روح وهو الذي يقوم به الجسد ويكون به الحياة. وقوله "جنودٌ مجندةٌ" أي مجموعٌ مجمعة وأنواع مختلفة وقيل اجناس مجنسة ... وقوله "فما تعارف منها" تعارفها موافقة صفاتها التي خلقها الله عليها وتناسبها في اخلاقها ... وإذا اختلفت تنافرت وتناكرن (8) .
ومثال التزام ثلاثة أحرف، قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ - وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ) (9) .
__________
(1) اطلق عليه القدماء اسم "لزوم ما لا يلزم". ينظر: الإيضاح: 2/399.
(2) الفاصلة في القرآن: 107.
(3) سورة الانشراح، الآيات: (1-4).
(4) صحيح البخاري: 1/250.
(5) فتح الباري شرح صحيح البخاري: 3/389.
(6) سورة القلم، الآيتان: (2-3).
(7) صحيح البخاري: 2/299.
(8) عمدة القاري، شرح صحيح البخاري: 15/215.
(9) سورة الأعراف، الآيات: (201-202).(1/19)
اما في الحديث النبوي الشريف فإنني لم أجد بنية السجع التي تلتزم ثلاثة أحرف قبل حرف الروي.
2- اما الفاصلة المتقاربة: وتسمى ذات المناسبة غير التامة (1) ، فهي التي تقاربت حروف رويها، كتقارب الميم من النون: كقوله تعالى: (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ - مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (2) .
اما مثالهُ من الحديث النبوي الشريف – وان كانت هذه البنية خاصة بالقرآن الكريم وحده – فانها قد وردت في كلام النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) وذكره هنا من باب التوسيع. كتقارب حرف "الطاء" من حرف "الجيم"، في قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "أحق ما أو فيتم من الشروط، أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" (3) .
3- اما الفاصلة المنفردة (4) : – وهي نادرة – فهي التي لم تتماثل حروف رويها ولم تتقارب، كالفاصلة التي ختمت بها سورة "الضحى" المكية.
( ... فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ - وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ - وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ).
اما مثالهُ من الحديث النبوي الشريف قولهُ ( - صلى الله عليه وسلم - ) مما يرويه عن ربه: "اعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلبِ بشر" (5) .
وكقوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): " ... اللهم لا مانعَ لما أعطيت، ولا معطيَ لما منعت، ولا ينفعُ ذا الجد منك الجد" (6) .
فالملاحظ في هذين الحديثين أن جملتي "ولا خطر على قلب بشر" و"ولا ينفع ذا الجد منك الجد" قد انفردتا عن ابنية السجع التي تسبقهما.
ثانياً- بحسب الوزن:
__________
(1) سماها الرماني "المتقاربة" : "ثلاث رسائل في اعجاز القرآن": 90، وكذلك الخفاجي في "سر الفصاحة": 203، إلا أن ابن القيم سماها في الفوائد: 88، "ذات المناسبة غير التامة".
(2) سورة الفاتحة، الآيتان: (2-3).
(3) صحيح البخاري: 3/252.
(4) الفاصلة في القرآن: 173.
(5) صحيح البخاري: 3/174.
(6) صحيح البخاري: 1/153.(1/20)
للسجعة اقسام من حيث توافر الوزن وعدمه، ومن حيث اجتماع الوزن مع عنصر آخر، أو انفراده (1) . ويكاد جميع النقاد والبلاغيين يتفقون على ثلاثة انواع للسجع هي "المطرف، والمتوازي، والمتوازن" (2) ومنهم من اضاف عليها: "المرصع، والمتماثل والمشطر" (3) .
1- المطرف: هو اختلاف الفاصلتين في الوزن واتفاقهما في حروف السجع (4) .
نحو قوله تعالى: (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا - وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) (5) وكقوله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا - وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) (6) .
اما مثاله من الحديث النبوي الشريف، قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والمأثم والمغرم ... " (7) وكقوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "لا إله إلا الله، ويلٌ للعرب، من شرة قد اقترب ... " (8) .
فالملاحظ على الحديثين اختلاف قرائنهما في الوزن، واتفاقهما في حرف الروي، كما في قوله: "الهرم" و"المغرم"، و"العرب" و"اقترب".
2-
__________
(1) الفاصلة في القرآن: 173.
(2) ينظر: الإتقان في علوم القرآن: 2/104، ونهاية الأرب في فنون الأدب: 7/103، ومعترك الأقران: 1/39، فن البديع: 127، والفاصلة القرآنية: 19.
(3) ينظر: الإيضاح: 2/393، وثمرات الأوراق: 278، وينظر: جواهر البلاغة، أحمد الهاشمي: 404، وينظر: البلاغة العربية، احمد مطلوب: 274، وينظر الفاصلة في القرآن: 173.
(4) ينظر نهاية الأرب: 7/104، والبرهان ف علوم القرآن: 1/105، وينظر: التعريفان، على بن محمد الجرجاني: 63.
(5) سورة نوح، الآيتان: (12-13).
(6) سورة عم، الآيتان: (6-7).
(7) صحيح البخاري: 4/108.
(8) م.ن: 4/222.(1/21)
المتوازي (1) : وهو أن تتفق الكلمتان في الوزن وحروف السجع؛ وهو أشرف أنواعه؛ كقوله تعالى: (فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ - وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ) (2) ، وقوله: (وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ - وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ) (3) .
اما مثاله من الحديث النبوي الشريف، قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا اله إلا الله رب العرشِ العظيم، لا اله إلا الله رب السمواتِ ورب الأرض ورب العرشِ الكريم" (4) .
3- المتوازن (5) : وهو مراعاة الوزن في مقاطع الكلام دون التقفية، كقوله تعالى: (وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ - وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) (6) .
اما مثاله من الحديث النبوي الشريف، قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة" (7) .
قوله: "لعن الله الواصلة"، أي التي تصل الشعر سواء كان لنفسها أم لغيرها و"المستوصلة" أي التي تطلب فعل ذلك ويفعل بها، وقوله (والواشمة والمستوشمة" نقل ابن التين عن الراوي انه قال: الواشمة التي يفعل بها الوشم – والوشم: هو غرز الإبرة في العضو أو نحوها حتى يسيل الدم، ثم يحشى بالنؤور – وهو دخان الشحيم - أو غيرها فيخضر (8) – والمستوشمة: المعمول بها الوشم (9) .
__________
(1) البرهان في علوم القرآن: 1/105، وينظر: التعريفان: 63.
(2) سورة الغاشية، الآيتان: (13-14).
(3) سورة آل عمران، الآيتان: (48-49).
(4) صحيح البخاري: 4/105.
(5) ينظر: البرهان في علوم القرآن: 1/105، وينظر: الإتقان في علوم القرآن: 2/104.
(6) سورة الغاشية، الآيتان: (15-16).
(7) صحيح البخاري: 4/42.
(8) ينظر: لسان العرب: 12/638.
(9) فتح الباري: 10/461.(1/22)
4- المرصع (1) : هو كون الألفاظ مستوية الاوزان متفقة الأعجاز، و"هو أن يكون المتقدم من الفقرتين مؤلفاً من كلمات مختلفة، والثاني من مثلها في ثلاثة اشياء وهي الوزن والتقفية وتقابل القرائن" قيل: ولم يجيء هذا القسم في القرآن الكريم لما فيه من التكلف (2) .
وزعم بعضهم أن منه قوله تعالى: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ - ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) (3) وقد ورد في كلام النبي ( - صلى الله عليه وسلم - )، كما في قوله: "كلمتان: خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان الى الرحمن. سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده" (4) وكقوله: " ... إذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" (5) . وكقوله: "بني الإسلام على خمس ... وإقام الصلاة، وايتاء الزكاة ... " (6) فالتقابل جليٌ بين كل من: "إقام وايتاء" و"الصلاة، والزكاة".
5- المتماثل (7) : "هو استواء السجعتين في الوزن دون التقفية، ويكون أفراد الاولى مقابلة لما في الثانية، فهو بالنسبة الى المرصع كالمتوازن بالنسبة الى المتوازي نحو قوله تعالى: (وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ - وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (8) ، فالكتاب والصراط متوازنان، وكذا "المستبين" و"المستقيم" واختلفا في الحرف الأخير".
ولعل قول رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "لبدت رأسي، وقلدتُ هدي، ... " (9) ينطق على التماثل بعض الشيء.
__________
(1) ينظر: نهاية الأرب: 7/104.
(2) البرهان في علوم القرآن: 1/106.
(3) سورة الغاشية، الآيتان: (25-26).
(4) صحيح البخاري: 4/114.
(5) البرهان في علوم القرآن: 1/106.
(6) م.ن: 1/11.
(7) معترك الأقران: 1/40.
(8) سورة الصافات، الآيتان: (117-118).
(9) صحيح البخاري: 3/83.(1/23)
6- المشطر: "وهو أن يكون لكل نصفٍ من البيت قافيتان مغايرتان لقافيتي النصف الآخر ولكن هذا القسم مختص بالنظم كقول أبي تمام يمدح المعتصم" (1) .
تدبيرُ معتصمٍ بالله منتقمٍ ... لله مرتقبٍ في الله مرتغبِ (2)
فاذدواجية القافية واضحة وجلية في صياغة بيت أبي تمام، حيث أن الشطر الأول من البيت يستقل بقافية ميمية في كلمتي :معتصم" و"منتقم"، يميزها عن قافية الشطر الثاني البائية في "مرتقب" و"مرتغب".
ثالثاً- بحسب طول الفقرة:
هناك ثلاثة اقسام للسجع بحسب طول الفقرة، هي: قصير موجز، ومتوسط معجز، وطويلٌ مفصح مبين للمعنى مبرز (3) .
اما الأول وهو القصير: "والسجع القصيرُ يدل على قوة المنشئ، وتمكنهِ في الصناعة، لصعوبة إدراكهِ، وعزة إتفاقه، ووعورة مذهبهِ، وبعدِ تناوله ... ثم هو اجملُ صورةً، واحلى موقعاً، لقرب توارد الفاصلتين على السمعِ، ولاخفاء أن تواليها بسرعة متساوية يشعرُ أننا بانسجامٍ حاضرٍ دائماً، فتظل الأذنُ مهدهدة دون أن يفاجئها أي شيء غير منتظر" (4) .
ويقول باحث آخر في شأن السجع القصير: "هو أصعبُ أنواع السجعِ مسلكاً، وأطيبها على السمعِ، وأخفها على القلبِ؛ لأن الألفاظ إذا كانت قليلة فهي أحسن وأرق؛ لقرب فواصلها والتحام أطرافها" (5) .
__________
(1) ثمرات الأوراق في المحاضرات: 279.
(2) ديوان أبي تمام، شرح وتعليق: د. شاهين عطية: 16. والبيت في الديوان بهذا الشكل
تدبيرُ معتصمٍ بالله منتقمٍ ... ... لله مرتقبٍ في الله مرتغبِ
(3) ينظر: الفوائد: 227، وينظر: الإيضاح: 2/395.
(4) البديع في ضوء أساليب القرآن: 128.
(5) فن البديع: 128.(1/24)
"وإن أقصر الفقرات القصار ما يكون من لفظٍ واحدٍ، أو عدد من الحروف (1) ، كقوله تعالى: (آلم) (2) و(حمّ) (3) ، وقوله عز وجل: (الرَّحمن) (4) و(الحاقة) (5) .
وقد ورد في الحديث النبوي الشريف من الأسجاع ما تتكون فقرها من كلمةٍ واحدةٍ كما في قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهوَ على كل شيء قدير، آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون ... " (6) .
واضحٌ من الحديث الشريف أن الفقرَ التي تنتهي بكلمة هي: "آيبون" و"تائبون" و"عابدون" و"ساجدون".
وكقوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "يسروا، ولا تعسروا، وبشروا، ولا تنفروا" (7) .
فقولهُ "يسروا" من اليسر نقيض العسر. فإن قلت الامرُ بالشيء نهي عن ضده فما الفائدة في "ولا تعسروا" قلت ... الغرض هو التصريح بما لزم ضمناً للتأكيد.
وقوله "بشروا" من البشارة أي الإخبار بالخير نقيض الإنذار ... ، فان قلت المناسب أن يقال بدلهُ ولا تنذروا لأن الإنذار نقيض التبشير لا التنفير. قلت المقصود من الإنذار التنفير، فصرح بما هو مقصودٌ منه ... " (8) .
ثم ذهب العلماء (9) الى أن أقصر الفقرات ما تألف من لفظين نحو قوله تعالى: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا - فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا - فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا) (10) .
اما مثالهُ من كلام النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ): " ... اللهم لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليكَ توكلتُ، وإليكَ أنبتُ، وبكَ خاصمتُ، وإليك حاكمتُ ... " (11) .
__________
(1) الفاصلة في القرآن: 176.
(2) سورة البقرة، الآية: 1.
(3) سورة الؤمنون، الآية: 1.
(4) سورة الرحمن، الآية: 1.
(5) سورة الحاقة، الآية: 1.
(6) صحيح البخاري: 1/38.
(7) م.ن: 3/72.
(8) صحيح البخاري بشر الكرماني: 3/213.
(9) ينظر: الفوائد: 227، وخزانة الأدب، ابن حجة الحموي: 2/423.
(10) سورة العاديات، الآيات: (1-3).
(11) صحيح البخاري: 1/196.(1/25)
"ولا يخفى أن هذا الحديث من جوامع الكلم ... لما فيه من وجوب الإيمان، والإسلام والتوكل، والإنابة، والتضرع الى الله، والإستغفار وغيره ... " (1) .
اما القسم الثاني فهو القسم المتوسط، كقوله تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى - وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (2) وقوله تعالى: (وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ - وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ) (3) .
وقد ورد هذا القسم من اقسام السجع في كلام النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) كقوله عندما سئل عن أي الذنب اعظم؟ فأجاب: "أن تجعلَ لله نداً (4) وهو خلقك. قيل: ثم أي؟ قال: وأن تقتلَ ولدكَ تخافُ أن يطعمَ معك. قيل ثم أي؟، قال: ان تزاني حليلة جارك" (5) وكقوله: " ... آمنت بكتابكَ الذي انزلتَ، وبنبيك الذي ارسلتَ" (6) .
اما القسم الثالث وهو الطويل، "واقصر الطوال ما يكون من إحدى عشرة لفظة، واطولها غير مضبوط. وكلما طالت الفقر زادَ بيانها وإفصاحها" (7) .
وكلام النبي ( - صلى الله عليه وسلم - )، متضمن لمثل هذا النوع، كقوله: "مثلُ المؤمن كمثل خامة الزرع يقيئُ ورقها من حيث اتتها الريحُ تكلفئها فاذا سكتت اعتدلت وكذلك المؤمن يكلفأ بالبلاء، ومثلُ الكافر كمثل الارزة صماء (8) معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء" (9) .
رابعاً- حسب طول القرينة:
__________
(1) صحيح البخاري بشرح الكرماني: 6/184.
(2) سورة النجم، الآيات: (1-4).
(3) سورة القمر، الآيتان: (2-3).
(4) الند: الشريك.
(5) صحيح البخاري: 3/98.
(6) م.ن: 4/99.
(7) الفاصلة في القرآن: 177.
(8) الارزة: الشيء الثابت في الأرخس، الصماء: المكتنزة الشديدة ليست بجوفاء ولاخوارة ضعيفة، ينظر: عمدة القاري: 21/210.
(9) صحيح البخاري: 4/291.(1/26)
"المراد بطول القرينة – هنا – مقدار طولها بالنسبة الى القرينة الثانية والثالثة خلافاً لما مر بنا في (طول الفقرة) مفردةً" (1) .
وتنقسم الفواصل بحسب مقادير قرائنها الى اقسام كالتالي (2) :
أ ان تكون القرائن متساوية في عدد الكلمات لا يزيدُ بعضها على بعض، ولا تضر الزيادة في عدد الحروف، لأن التساوي فيها غير مشروط، فلا حاجة مثلاً الى جعل المشدد كاللام في "ظلّ" بحرفين. ووصفهُ القزويني بانهُ أحسن أقسام السجع (3) ، وقد جاء هذا كثيراً في القرآن الكريم كقوله عز وجل: (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ - فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ - وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ - وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ) (4) ، وقوله: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ - وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) (5) .
ولا شك أن هذا القسم الرفيع من أقسام السجع قد ورد في كلام النبي ( - صلى الله عليه وسلم - )، فمنه قوله: "إن الله حرم عليكم: عقوق الامهات، ووأد البنات (6) ، ومنع وهات. وكره لكم: قيل وقال (7) ، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" (8) . وكقوله: "لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده" (9) .
ب أن تختلف القرائن طولاً وقصراً، وهو أكثر من نوع (10) :
__________
(1) الفاصلة في القرآن: 179.
(2) م.ن: 179.
(3) ينظر: الإيضاح: 2/393، وفن الديع: 129، والفاصلة القرآنية: 20.
(4) سورة الواقعة، الآيات: (27-30).
(5) سورة الضحى، الآيتان: (9-10).
(6) الوأد: مصدر وأدت، والوائدة ابنتها إذا دفنتها حية.
(7) فضول ما يتحدث به المجالسون من قولهم قيل كذا وقال كذا، ينظر: عمدة القاري: 12/248.
(8) صحيح البخاري: 2/59.
(9) م.ن: 3/33.
(10) الفاصلة في القرآن: 180.(1/27)
1- أن تكون الثانية أطول من الأولى، كقوله تعالى: (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا - إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا - وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا) (1) فالأولى: ثماني كلمات، والثانية: تسع، والثالثة نحو ذلك.
ومما جاء من كلام النبي ( - صلى الله عليه وسلم - )، على هذه الشاكلة قوله: "من افرى الفرى (2) ، أن يري عينيهِ ما لم ترَ" (3) . وكقوله: "تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي، ومن رأني في المنام فقد رأني فان الشيطان لا يتمثل في صورتي ... " (4) .
2- أن تكون الثانية أقصر من الأولى، كقوله تعالى: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ - وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ) (5) .
ومثاله من الحديث النبوي الشريف، قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "إذا انفقتِ المرأة من كسبِ زوجها عن غير أمره، فلهُ نصفُ أجرهِ" (6) ، وكقوله: "اطفئوا المصابيح بالليل إذا رقدتم وغلقوا الأبوابَ، وأوكلوا الأسقية وهمروا الطعام والشراب" (7) .
__________
(1) سورة الفرقان، الآيات: (11-13).
(2) أي: اكذب الكذبات، والفرى جمع فرية وهي الكذبة، ينظر عمدة القاري: 24/168.
(3) صحيح البخاري: 4/19.
(4) م.ن: 1/31.
(5) سورة الغاشية، الآيتان: (17-18).
(6) صحيح البخاري: 2/5.
(7) م.ن: 4/97.(1/28)
3- أن تكون الأولى أقصر – والثانية والثالثة متساويتان (1) – كقوله عز وجل: (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا - إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا - وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا) (2) ، فالأولى من ثماني كلمات، والثانية من تسع.
اما مثالهُ من الحديث النبوي الشريف قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "يخرجُ من النار من قالَ لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزنُ شعيرة، ثم يخرج من النار من قالَ لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزنُ برة، ثم يخرج من النار من قالَ لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزنُ من الخير ذرة" (3) .
فالملاحظ ان الأولى تتكون من سبع عشرة كلمة، والثانية والثالثة تتكونان من ثماني عشرة كلمة.
4- أن تكون الأولى والثانية متساويتين، والثالثة زائدة عليها (4) ، كقوله تعالى: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ - ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) (5) فخذوه: قرينة، وغلوه: قرينة ثانية، وهما متساويتان، ولا عبرة بالفاء المأتي بها للترتيب، "ثم الجحيم صلوه": قرينة ثالثة، وهي أطول مما قبلها.
اما مثاله من الحديث النبوي الشريف قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): " ... قضاءُ الله أحقُ، وشرط الله اوثق، وانما الولاء لمن اعتق" (6) .
خامساً- الفاصلة الداخلية، أو السجعة الداخلية
__________
(1) الفاصلة في القرآن: 180.
(2) سورة الفرقان، الآيات: (11-13).
(3) صحيح البخاري: 4/279.
(4) الفاصلة في القرآن: 180.
(5) سورة الحاقة، الآيات: (30-31).
(6) صحيح البخاري: 2/20.(1/29)
بقيَ أننا نشير الى بناءٍ آخر للفاصلة والسجعة، ألا وهي ما تسمى بالفاصلة الداخلية، حيث اطلق عليها العلماء اسم "التوأم" (1) أو "التشريع" (2) وأصلهُ – على حد قولهم – أن يبني الشاعر بيتهٍ على وزنين من أوزان العروض، فاذا اسقط جزءاً أو جزئين صارَ الباقي بيتاً من وزن آخر ...
اما محمد الحسناوي فانه يرى أن الفاصلة الداخلية تنقسم حالها حال الفواصل الأصلية، الى فواصل متماثلة ومتقاربة وغير متماثلة ولا متقاربة، وبمعنى آخر متباعدة (3) . اما المتباعدة فلا نتطرق اليها؛ لأننا بازاء بنية، ولسنا بصدد تفرعاتها.
ثم يمثل للفواصل المتماثلة بقولهِ، قال تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) (4) ، ومن هذا القسم ما يتفرع داخلياً الى فرع آخر مثل قوله عز وجل: (لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (5) ، لعلك لاحظت: "يسرون"، "يعلنون" و"المستكبرين" (6) .
اما مثال السجعة الداخلية المتماثلة، فقد ورد في كلام النبي ( - صلى الله عليه وسلم - )، وذلك في قوله: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" (7) ، فبالاضافة الى السجعتين "لا تعسروا، ولا تنفروا" هناك سجعتان داخليتان هما "يسروا، وبشروا".
ومثل ذلك قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): " ... اللهم اغفر لي ما قدمتُ وما أخرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ ... " (8) .
__________
(1) سماهُ "التوأم" صاحب كتاب: مفتاح السعاة، طاش كبري زادة: 2/518.
(2) سماهُ "التشريع" السيوطي في الاتقان: 2/104.
(3) الفاصلة في القرآن: 183.
(4) سورة الروم، الآية: 17.
(5) سورة النحل، الآية: 23.
(6) الفاصلة في القرآن: 183.
(7) صحيح البخاري: 3/83.
(8) صحيح البخاري: 4/113.(1/30)
اما الفواصل المتقاربة الداخلية، فان الحسناوي يتمثلُ لها بقولِ الله تعالى: ( ... الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ) (1) والتقارب في "حميم" و"أليم" و"يكفرون" (2) .
ثم أشار الحسناوي الى نقطةٍ مهمة في الفاصلة الداخلية قائلاً: "ومن الجدير بالذكر أن الفاصلة الداخلية ظاهرة من ظواهر القرائن والفقرات الطويلة؛ لانها تقوم مقام المرتكزات والمحطات النفسية معنىً وموسيقى" (3) .
والفاصلة أو السجعة الداخلية، أشبهُ ما تكون بالقوة التعزيزية للفاصلة أو السجعة الاصلية، والغاية الأساسية منها، - كما أشار الحسناوي – زيادة الركزات الموسيقية، التي تورعُ النغمات الموسيقية على سياق الجمل، بأكبر عدد ممكن. وهي كذلك تمنحُ القارئ راحة في القراءة؛ فهو لا يصطدم بالسجعة الاصلية بغتةً، وانما يتمرن على مثيلاتها قبل الطفر بها.
فعند ذلك يكون حالهُ كحال العجلة التي تقفُ قبلَ غايتها في عدة محطات.
أبنية السَّجْعِ
في
الشّعْرِ العربي
اختلف النقاد حول ورود السجع في الشعر، وقيل أنهُ مختصٌ بالنثر (4) ، والصحيح أنه ورد في الشعر أيضاً (5) ، كما في قولِ أبي تمام:
تجلى به رُشدي، وأثرت بهِ يدي ... وفاض به ثمدِي، وأورى به زندِي (6)
ففي بيتِ أبي تمامٍ، نرى أن ثلاثَ كلمات جاءت متفقة الروي مع القافية هي: "رُشدي، ويدي، وثمدي" بالإضافةِ الى القافيةِ نفسها "زندي". وهذا ما يملأ البيت بالجو الموسيقي من جراء تكرار حرف الدال المكسورة اربع مرات، بدلاً من أن يطرقُ اسماعنا مرةً واحدةٍ.
__________
(1) سورة الانعام، الآية: 70.
(2) ينظر: الفاصلة في القرآن: 183.
(3) ينظر: م.ن: 185.
(4) ينظر: الإيضاح: 2/395، وينظر: جواهر البلاغة: 405.
(5) ينظر: فن البديع: 130.
(6) ديوان أبي تمام: 103.(1/31)
ولا شك أن السجعَ الصق بالنثر من الشعر، ولكن هذا لا يمنعُ من مجيئهِ في الشعر أيضاً، ومجيئهُ في الشعر غيرُ ضروري كالقافية، فإن جاء فهو يزيدُ البيت جماليةً ورونقاً، وإنْ لم يجيء، فلا يخل بتركيب البيت ولا يكون عيباً فيه، وأرى أن هذا هو الفرق الوحيد بين السجع في النثر والشعر.
إذاً فالسجع قد بسط جناحيه على النثر والشعر، ومن أمثلته في الشعر على وجه العموم (1) ، قول أبي فراس الحمداني:
وأفعالنُا للراغبين كريمةٌ ... وأموالنُا للطالبين نهابُ (2)
وقول المتنبي:
فنحنُ في جذلٍ والرومُ في وجلٍ ... والبرُ في شغلٍ والبحرُ في خجلِ (3)
ومن أكملهِ قول الشاعر:
ومكارمٌ أوليتُها متورعا ... وجرائمٌ الغيتُها متبرعا
"هذه الامثلة وغيرها تعطي حكماً قاطعاً بوجود السجع في الشعر لا بقلةٍ بل بكثرة: وإنهُ لمن السهلِ التمثيل بالشعر لضروب السجع في النثر؛ لكن البلاغيين قد وقفوا مما في الشعر من السجعِ عند نوعين اثنين سموها: التشطير والتصريع" (4) .
اما التشطير:
"وهو أن يقسمَ الشاعرُ البيتَ شطرين، ثم يصرع كل شطر من الشطرين، لكنهُ يأتي بكل شطرٍ مخالفاً لقافية الآخر حتى يتميز من أخيه" (5) كقول أبي تمام:
تدبيرُ معتصمٍ بالله منتقمِ ... للهِ مرتقبٍ في الله مرتغبِ (6)
فالشطرُ الأول كما نرى سجعةٌ مبنيةٌ على قافية الميم، والشطر الثاني سجعةٌ مبنيةٌ على قافية الباءِ (7) .
وكبيت أبي تمام في ذلك قول البوصيري:
كالزهرِ في ترفٍ والبدرِ في شرفٍ ... والبحرِ في كرمِ والدهر في همم (8)
__________
(1) البلاغة الاصطلاحية: 383.
(2) ديوان أبي فراس الحمداني، دار احياء التراث العربي – بيروت: 67.
(3) ديوان المتنبي، دار صادر للطباعة والنشر – بيروت: 337.
(4) البلاغة الاصطلاحية: 384.
(5) تحرير التحبير، أبن أبي الاصبع: 308.
(6) ديوان أبي تمام: 16.
(7) البلاغة الإصطلاحية: 384.
(8) ديوان البوصيري، تحقيق محمد سيد كيلاني: 194.(1/32)
وكقول صفي الدين الحلي:
بكل منتصرٍ للفتحِ منتظرِ ... وكل مغترمٍ بالحق ملتزمِ (1)
"بقي سر التسمية، وعندي أن هذا الضرب من السجع انما سمي التشطير لانه يشطر شطر البيت وبه يصيرُ البيت أربعة أشطر بعد أن كان شطرين" (2) .
وفي أساس البلاغة: "شطرتُ الشيء أي جعلتهُ شطرين، وولدهُ شطرةٌ نصف ذكور ونصف إناث، وإناءُ شطران أي نصفان" (3) .
واما التصريع:
"فمأخوذٌ من مصراعي الباب. وهو جعل العروض مقفاة تقفية الضرب، أو "هو استواء آخر جزء في الصدر وآخر جزء في العجز في الوزن والاعراب والتقفية" (4) ، لكنهُ لا يستحسن إلا في المطالع تمييزاً لها عن غيرها، وليعرفَ منذُ الشطر الأول روي القصيدة وقافيتها. واستجابة لهذين الملحظين الفنيين؛ صُرَّعت مطالعُ المعلقات ومطالعُ الكثير من القصائد الجيدة" (5) .
ومن المصرع مطلعاً وغير مطلع قول أبي تمام:
المْ يأنِ أن تروي الظماءَ الحوائمُ ... وأنْ ينظمِ الشملَ المبددَ ناظمُ (6)
وكقوله:
بأطرافِ المثقفةِ العوالي ... توسطنا بأوساطِ المعالي (7)
وقول المتنبي:
الرأي قبلَ شجاعةِ الشجعانِ ... هو أولٌ وهي المحلُ الثاني (8)
قيلَ: وأكثرُ من كانَ يستعملُ التصريعَ في شعره من القدماء امرؤ القيس، فبعد مجيئهِ به في مطلع معلقتهِ (9) :
قفاَ نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ ... بسقطِ اللوى بين الدخولِ فحوملِ (10)
اتى به في اثنائها فقال:
أفاطمُ مهلاً بعض هذا التذللِ ... وإنْ كنتِ أزمعتِ هجري بأمثلِ (11)
ثم قال:
__________
(1) ديوان صفي الدين الحلي: 482.
(2) البلاغة الإصطلاحية: 385.
(3) اساس البلاغة: 235.
(4) فن البديع: 131.
(5) البلاغة الاصطلاحية: 385.
(6) ديوان أبي تمام: 252.
(7) م.ن: 252
(8) ديوان المتنبي: 414.
(9) البلاغة الإصطلاحية: 386.
(10) ديوان امرئ القيس: 8 وفي الديوان "وحومل"
(11) م.ن: 12 وفي الديوان "وإنْ كنتِ قدْ أزمعت صرمي فأجملي".(1/33)
ألا أيها الليلُ الطويلُ ألا انجلِ ... بصبحٍ وما الاصباحُ منك بأمثلِ (1)
لكن علماء البلاغة فضلوا أن يقتصر الشاعر في التصريعِ على مطلع القصيدة للسببين السابقين، ولئلا ينسبُ الى التكلف (2) .
وإذاً فقول أبي تمام:
وتقفو الى الجدوى بجدوى وإنما ... يرقكَ بيتُ الشعرِ حينَ يصرعُ (3)
__________
(1) م.ن: 18 وفي الديوان "بصبح وما الاصباحُ فيك بأمثل".
(2) البلاغة الاصطلاحية: 386.
(3) ديوان ابي تمام: 168 وفي الديوان "وتقفو لي الجدوى".(1/34)
المبحث الأول
(التنغيم)
في
الحديث النبوي الشريف
التنغيم أو التناغم
توصل الباحث سمير ابراهيم – من خلال استقرائهِ للمعاجم العربية – الى أن التنغيم لغةً تتجاذبهُ مفردات (ثلاث) (نغمة، وجرس، ولحن) ثم قال: وهذا ما نركن اليه (1) .
أما التنغيم اصطلاحاً يعني: "ارتفاعُ الصوت وانخفاضهُ أثناء الكلام" (2) ، وفي موضع آخر يقول: "هو تغييرات تنتاب صوت المتكلم من صعود وهبوط لبيان مشاعر الفرح، والغضب والإثبات، والتهكم والإستهزاء، والإستغراب" (3) . ويقول باحث آخر: "هو مجموعة النغمات التي يمثلها نوعٌ خاص من أنواع الحدث الكلامي" (4) .
ومنهم من يقسمه الى "نغمٍ وتنغيم"، فاما التنغيم فقد مر، واما النغم "فهو الأشكال المختلفة لدرجات الأنماط التنغيمية" (5) أو "هو اجتماع الأصوات اللغوية تحت تنظيم الإيقاع في تموجٍ يعلو ويهبط، ويلين ويشتد، متلائماً مع تموج الفكرة والإنفعال" (6) .
وقد ميز علماء اللغة بن ثلاثة أنواع من التنغيم (7) :
1- التنغيم الصاعد: وهو تدرج ارتفاع درجة الصوت من أسفل الى أعلى حتى المقطع الاخير، وغالباً ما يرتبط بالإستفهام مثل: ما آسمك؟
2- التنغيم الهابط: وهو تدرج نزول درجة الصوت من أعلى الى أسفل حتى المقطع الأخير، وغالباً ما يستعمل هذا التنغيم في التقرير، ليدل على انتهاء الجملة مثل: قابلت عمك في السيارة.
__________
(1) ينظر: التنغيم اللغوي في القرآن الكريم: 25.
(2) مناهج البحث في اللغة، تمام حسان: 164.
(3) م.ن: 164.
(4) علم وظائف الأصوات اللغوية، عصام نور الدين: 119، نقلاً عن التنغيم اللغوي في القرآن الكريم: 26.
(5) م.ن: 119.
(6) الشعر الجاهلي منهج في دراسته وتقويمه، محمد النويهي: 1/40.
(7) علم الدلالة والمعجم العربي، عبد القادر أبو ريشة: 40.(1/1)
3- التنغيم المستوي: وهو استواء درجة الصوت في وقوف المتكلم قبل تمام المعنى؛ كالوقوف على البصر، والقمر، في قوله تعالى: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ - وَخَسَفَ الْقَمَرُ - وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ - يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) (1) .
ومن التنغيم ما أسمتهُ – نازك الملائكة – "بالتناغم الصوتي" : "وهو إحساس الشاعر بالحروف إحساساً خاصاً، بحيث تأتي في شعره متناسقة متجاوبة" (2) .
ولتوضيح ذلك ننظر في قول علي محمود طه المهندس:
أنا الذي قدست أحزانهُ
الشاعرُ الشاكي شقاء البشر (3)
فإنهُ في الشطر الثاني من البيت يورد أربع كلمات يغلبُ عليها جميعاً حرف "الشين" ويحسُ القارئ المرهف أن لهذا الحرف تأثيراً خفياً لأنهُ يمنحُ البيت موسيقى كئيبة كأنها شكوى إنسانية رتيبة (4) .
وما ذهبت إليه نازك الملائكة، هو ظاهرت بارزة في الحديث النبوي الشريف وهذا ما سنقف عليه في الاسطر التالية:
فالإيقاعات في الحديث النبوي الشريف "ذاتُ ألوان تختلفُ باختلاف الغرض، ففي مجال الوعظ والترهيب نجد القوة والفخامة، وفي مجال الدعوة والترغيب نجد الرقة والليونة، وفي الدعاء قبل النوم نجد اللحن الهادئ الخفيف، وفي الدعاء عند الحرب نجد اللحن الحماسي العنيف" (5) . وسوف يتوضح ذلك من خلال تحليلنا للأحاديث الشريفة.
__________
(1) سورة القيامة، الآيات: (7-10).
(2) الصومعة والشرفة الحمراء، دراسة نقدية في شعر علي محمود طه المهندس: 148.
(3) ديوان علي محمود طه – دار العودة بيروت: 58، وفي الديوان: الشاعرُ الباكي شقاء البشر.
(4) ينظر: الصومعة والشرفة الحمراء: 148.
(5) الحديث النبوي، مصطلحهُ، بلاغتهُ كتبهُ: 95.(1/2)
فلو نظرنا الى الحديث النبوي الشريف: "يافلان إذا أويت الى فراشك فقل: "اللهم إني أسلمت وجهي إليك، وفوضتُ أمري اليك، وألجأت ظهري اليك، رغبةً ورهبةً اليك، لا مَلْجَا ولا منجا منك إلا اليك. آمنتُ بكتابك (1) الذي انزلتَ، وبنبيكَ الذي ارسلتَ. فإنكَ إن متَّ من ليلتكَ مِتّ على الفطرة (2) ، فاجعلهن آخر ما تقول" (3) .
لوجدنا أن ما ذهبت اليه نازك الملائكة، محلهُ في هذا الحديث، و"سببُ هذهِ الموسيقى الساحرة في الجمل هنا، يعود الى: الانسجام في ايقاع الكلمات، والى هذا التآلف المدهش بين مخارج حروف الكلمات، فانت لا ترى ازدحاماً بحرفٍ ثقيل في الحديث، ولا انتقالاً مفاجئاً من ايقاع ... فانها تتناسب وجو النوم الهادئ الذي يهيئُ الجو المأنوس المأمون، الذي يشعر صاحبهُ بالطمأنينة؛ لأنه يسلم نفسهُ الى الله ولأنه يتوجه ويلجأ اليه ... ما أشبه هذا الحديث باللحن الحلو الذي يريحُ الاعصاب، ويمهد للنوم ... " (4) .
أضف الى ذلك ترديد كلمة (إليك) التي هي بمثابة قفل ينهي الجملة، وكذلك فان الدعاء ختمَ بمخاطبة الله سبحانه بصيغة المفرد، وبأفعال تنتهي بالتاء المهموسة التي تلائم جو الإسترسال في النوم (5) .
وقريب من هذا، قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "سيدُ الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنتَ، خلقتني وأنا عبدُكَ، وأنا على عهدكَ ووعدكَ ما استطعتُ، أعوذُ بكَ من شرّ ما صنعتُ، أبوءُ لك بنعمتكَ علىَّ، وأبوءُ لكَ بذنبي، فانهُ لا يغفرُ الذنوبَ إلاّ أنتَ" (6) .
__________
(1) يحتمل أن يريد به القرآن الكريم، ويحتمل أن يريد به اسم الجنس فيشمل كل كتاب انزل: ينظر فتح الباري: 11/134.
(2) أي على الدين القويم ملة ابراهيم: م.ن: 11/134.
(3) صحيح البخاري: 4/99.
(4) الحديث النبوي، مصطلحه، بلاغته، كتبهُ: 92.
(5) الحديث النبوي، مصطلحه، بلاغته، كتبهُ: 92.
(6) صحيح البخاري: 4/98.(1/3)
اللغة العربية بالأصل هي لغة ايقاع، وقد بُنيت مفرداتها على اوزان واشتقاقات وَسَمَتها بهذه السمة (1) . فلو أمعنا النظر في متن الحديث الشريف لوجدنا أن أحرفاً تكررت اكثر من مرة فيه، وهذا التكرار لها، كان نابعاً من انسان لا ينطق عن الهوى، وكان قد أوتي جوامع الكلم، فانه أدرى بخفايا اللغة واسرارها فلا بد أن يكون هذا التكرارُ ذا صلة بالمعنى. فاننا نجد حرف الكاف تكرر (7) مرات، وحرف التاء تكرر (8) مرات، وحرف الباء تكرر (9) مرات، بالاضافة الى الاحرف التي تكررت بعدد أقل، الا أن الثلاثةُ الأول بارزة في الحديث.
وهذه الأحرف الثلاثة من الأحرف الإنفجارية باصطلاح المحدثين، ومن الشديدة باصطلاح القدماء (2) . و" إن تناوب الأصوات المجهورة في المقاطع، واستمرار طول الانفجار في الأصوات ينسق التنغيم، ويساعد على تداخله مع الصيغة المجهورة، ويعطي بيت القصيدة وجوده الفعلي ... فاستمرار الجهر الحقيقي ما هو إلا استمرار للوظيفة الداخلية للمقاطع، وهو الجسر الذي يربط طول المقاطع، وهذا لا يعني أن الشعراء لا يهتمون بالأصوات المهموسة ولكن الصيغ المجهورة تشكل القمم الحقيقية، كما تشكل توقعات النغم ... " (3) .
ولا شك أن الأستغفار هو ندامة على اقتراف المعصية، ورجوع الى الله، بعدما كان الإنسان غافلاً ولا هياً، فتكون هذه الأحرف الشديدة الإنفجارية، شبيهةٌ بصفارة إنذارٍ تقرعُ سمع المقصر، تجعلهُ يصحى من نومهِ الذي كان فيه؛ ليدخل في الامان والراحة الذي يحدثهما الإستغفار والتوبة والإنابة. والله اعلم
__________
(1) موسيقى الالحان الضائعة، د.محمد هيثم غزة، مجلة جامعة دمشق – المجلد 17، العدد الثاني 2001: 209.
(2) ينظر: الاصوات اللغوية، ابراهيم أنيس: 23.
(3) التركيب الصوتي في قصيدة – أنشودة المطر – د. قاسم البرسيم، مجلة افاق عربية العدد 5 سنة 1993: 114.(1/4)
و"الأصوات التي تتكررت في حشو البيت مضافة الى ما يتكرر في القافية، تجعل البيت اشبه بفاصلة موسيقية متعددة النغم مختلفة الالوان يستمعُ بها من له دراية بهذا الفن، ويرى فيها المهارة والمقدرة النفسية" (1) .
وكلام د. ابراهيم أنيس له صلةٌ وثيقةٌ بما ندعو اليه، فهو يضفي بحديثه طابعاً موسيقياً نغمياً على النصوص التي يتوفر فيها مثلُ هذه السمة، أي سمة تكرار الحروف في حشوها، وهي بذلك تشد من أزر القافية أو السجعة التي تختمها.
ومن الاحاديث التي تكرر فيها حرف واحد أكثر من مرة قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "من تردى من جبلٍ، فقتل نفسهُ، فهو في نار جهنم، يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً، فقتل نفسه، فسمهُ في يده، يتحساه في نار جهنم، خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسهُ بحديدةٍ، فحديدته في يده، يجأبها في بطنهِ، في نار جهنم، خالداً مخلداً فيها أبداً" (2) .
قوله "من تردى من جبل" أي اسقط نفسهُ منه، لما يدلُ عليه قولهُ: "فقتل نفسهُ" على أنه تعمد ذلك، والا فمجرد قوله تردى لا يدل على التعمد (3) .
وقوله: "من تحسى" بمهملتين بوزن تغذى أي تجرع (4) .
وقوله: "يجأبها" بفتح أوله وتخفيف الجيم وبالهمز، أي يطعنُ بها (5) .
"والجبلُ كنايةٌ عن كل مرتفع أو منزلقَ يهوي منه من يريد الإنتحار ... ولقد رسم الرسول الكريم ( - صلى الله عليه وسلم - ) هول الانتحار، وفداحة جريمته، وشدة العقوبة لصاحبه، بهذه الصورة المفزعة للثلاثة وامثالهم، نتخيلهم في عذاب دائم، تلفحهم النارُ في قلب جهنم، وكأننا نشهدهم على الشاشة، يحاولون الفرار من النار، وردها عن وجوههم عبثاً، لا في يومٍ أو عام أو بضعة أعوام، إنهم في عذاب مقيم أبداً" (6) .
__________
(1) موسيقى الشعر، ابراهيم أنيس: 44.
(2) صحيح البخاري: 4/23.
(3) فتح الباري: 10/305.
(4) م.ن: 10/305.
(5) م.ن: 10/305.
(6) أدب الحديث النبوي: 215.(1/5)
اما الحديث الشريف إذا تناولناه من الجانب الايقاعي، فاننا قبل كل شيء حتى قبل النظر في دلالات الحديث، نشعرُ بجو موسيقي صاخب، ينبعث من خلال الحروف والألفاظ المكررة، فحرف (الدال) قدر تكرر في الحديث (18) مرة، والمعلوم أن الدال من الأحرف الشديدة (1) ، فهذا التكرار للحرف الواحد يكاد يكونُ مستحيلاً في نص لا يتجاوز ثلاثة أسطر.
هذا علاوة على تكرار جمل وعبارات بأكملها في الحديث الشريف، والذي نحنُ بصدد الحديث عنها.
فجملةُ "في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً" قد تكررت هي الأخرى ثلاث مرات في سياق الحديث الشريف، مما أضفت عليه جواً مأساوياً يتقطرُ حزناً وأسفاً على القاتل نفسه، وذلك من خلال استنطاق الحروف والكلمات دون الإمعان في الدلالة والمعنى، افليس هذا من الصفات السامية للتكرار؟!
فالناظر في كلامه ( - صلى الله عليه وسلم - ) يتبين له كيف كان دقة أسلوبه في التعبير عن المعاني الكثيرة بالالفاظ المقتصرة، وكيف يبدو الايحاء الشديد بالمعاني وإثارتها واختيار الالفاظ بدقة بعيداً عن التكلف والزخرفة، مع احتوائها على قيم الجمال الفني وروعة التصوير، مما يجعلها تحتل قمة في عالم البيان (2) .
ومن الاحاديث التي تحدثُ حروفها نغماً ينبعث من بين الالفاظ، قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "عن عبد الله بن عمر، أن تلبية رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شرك لك لبيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك والملك، لا شريك لك" (3) .
__________
(1) ينظر: الأصوات اللغوية: 23.
(2) ينظر: الإيجاز في العربية، آمال الزين، بحثٌ منشور في شبكة الانترنيت على موقع الموجات
www. mogat.com، 2004 : 24.
(3) صحيح البخاري: 1/269.(1/6)
"قوله (لبيك) هو لفظٌ مثنى عند سيبوبه ومن تبعه، وقال يونس هو اسمٌ مفرد وألفه انما انقلبت ياءً لاتصالها بالضمير كـ (لدى، على)، وعن الفراء: هو منصوبٌ على المصدر وأصله لباً لك، فثني على التأكيد أي ألباباً بعد الباب، وهذه التثنية ليست حقيقية، بل هي للتكثير أو المبالغة، ومعناهُ إجابة بعد إجابة لازمة" (1) .
"يلعبُ تكرار الحروف دوراً عظيماً في الموسيقى اللفظية، فقد تشترك الكلمات في حرف واحد أو اكثر، ويكون لهذا الإشتراك فائدة موسيقية عظيمة، وقيمة نغمية جليلة تؤدي الى زيادة ربط الأداء بالمضمون الشعري" (2) .
فلو نظرنا الى الحديث السابق، لوجدنا فيه جمهرةً من الكافات، قد سيطرت سيطرة كاملةً على مجريات الحديث؛ وذلك بتكرارها (10) مرات، حتى كأننا لا نسمع سوى صوت الكاف يقرعُ سمعنا طوال قراءتنا للحديث، ولا ننسى أن الكاف من الأحرف المهموسة الإنفجارية (3) ، التي تحدث دوياً عند النطق بها، ولعل هذه الشدة في ترديد هذا الحرف مناسب لذلك التجمع الغفير من الناس في الحج، وهم يرددون هذه الكلمات.
__________
(1) فتح الباري: 3/521.
(2) أبو فراس الحمداني – الموقف والتشكيل الجمالي، القاضي النعمان: 501، نقلاً عن: مجلة مجمع اللغة العربية الاردني، العدد (58)، سنة 2000: 125.
(3) جرس الألفاظ ودلالتها في البحث البلاغي والنقدي عند العرب، د. ماهر مهدي هلال: 136.(1/7)
ويجعل الدكتور مجيد عبد الحميد جمالية هذه النغمات – المترتبة من جراء ترديد الحروف وتلاؤمها – مرتبطةً بحالةٍ نفسية في الإنسان حيث أنها ترتاح اليها، بقوله: "إن لجرس اللفظة، ووقع تأليف أصوات حروفها وحركاتها على الأذن، دوراً هاماً في إثارة الإنفعال المناسب، فالايقاع الداخلي للألفاظ، والجو الموسيقي الذي يحدثهُ عند النطق بها، يعتبر من أهم المنبهات المثيرة للإنفعالات الخاصة المناسبة، كما أن له ايحاءً نفسياً لدى مخيلة المتلقي والمتكلم على السواء" (1) .
فلننظر الى قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ) عندما يرسم بالحروف والكلمات بشاعة الإفتراء والكذب، بما لم تَرَ العين، عن ابن عمر، أن رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) قال: "من أفرى الفِرى، أن يريَ عينيه ما لم ترَ" (2) .
قوله "من أفرى الفرى" بفتح الهمزة وسكون الفاء أفعل التفضيل، أي اكذب الكذبات والفِرى بكسر الفاء والقصر جمع فرية وهي الكذبة العظيمة التي يتعجب منها (3) .
من المعلوم ان الروي الذي انتهت به سجعات الحديث، كان بحرف الراء، وهو بدوره من الأصوات التي لا هي بالشديدة ولا الرخوة، أو ما سموها المحدثون من علماء الأصوات،
__________
(1) الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية: 41.
(2) صحيح البخاري: 4/219.
(3) عمدة القاري: 24/168.(1/8)
بالأصوات المائعة (1) . أضف الى ذلك، أن حرف الراء من الأحرف التي تحدثُ اهتزازاُ عند النطق بها، ولعل هذا الحرف كان اكثر دلالة ومعنى من غيره، في مناسبة سياق الحديث، فلو اننا أبدلنا "أفرى الفرى"، بأكذب الكذبات في غير سياق الحديث، لما وجدنا الدلالة التي اعطانا اياها جملة "أفرى الفرى"، ولم يقتصر الأمر على انتهاء السجع بحرف الراء، بل امتد الى وروده في سياق الحديث ايضاً، إذ يكون تكراره في الحديث أربع مرات، فهو بذلك يمثل الجانب الأكبر من أصوات الحديث، قياساً بقصرهِ، وكأننا عندما نقرأ، الحديث نكون قد قرأنا جملاً لا يطرق فيها سمعنا إلا صوت الراء، وكل ذلك اجتمع لبيان بشاعة الإفتراء والكذب.
نستنتج من كل ما تقدم، أن الحروف التي تتكرر بكثرة في سياق النص، يعول عليها - غالباً – في بيان القصد من مدلوله من خلالها، والا فما الحكمة من تكرارها في الوقت الذي يمكن استخدامه الالفاظ المترادفة مكان المتكررة؟ هذا دليل واضحٌ على أن تكرار الأحرف ليس اعتباطاً ولا حشواً في نسق الكلام.
وتعتبر علامات الترقيم – كالفاصلة والنقطة – هي الكفيلة بالتعبير عن التغيرات الحاصلة بين الجمل، وذلك بالمناسبة بين طولها ودرجة الإستقلال، حيث يزاوج بين تماسك العناصر والتماسك النحوي (2) ، ولا شك أن الإستفهام والتعجب من علامات الترقيم، وهي تراعي نفس القارئ، والوقفة الدلالية. فهي تعتمد الدلالة اساساً في توقفها، ولا تؤشر مستوى بياض على الصفحة. يبدأنها تؤشر بياضاً من نوع آخر، بياض الصمت عن النطق بالحروف. لان البياض أدائيا يعني الصمت (3) .
ويمكن رسم مخطط اشتغال البياض بالشكل التالي (4) :
بياض طباعي ... ... خلو الورقة من الكتابة
__________
(1) ينظر: الأصوات اللغوية: 23.
(2) ينظر : بنية اللغة الشعرية، جان كوهن، ترجمة محمد الولي ومحمد العمري: 56.
(3) م.ن: 98.
(4) التوازن في القرآن الكريم، وداد مكاوي الشمري: 99 (أطروحة دكتوراه).(1/9)
بياض أدائي ... ... صمت اللسان عن النطق
ولبيان هذا الدور الأدائي لعلامات الترقيم (البياض الأدائي)، يمكننا أن نقف على عدة أحاديث نبوية شريفة، لنلاحظ التلوين النغمي المختلف عند كل علامةٍ من علامات الترقيم:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "ما من مولودٍ إلا يولدُ على الفطرة، فأبواهُ يُهَوّدانهِ، أو يُنَصِرانهِ، أو يُمَجِسَانهِ، كما تنتجُ البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تحسون فيها من جَدعاء.؟" (1) .
لا يخفى على دارس العربية ما في الحديث السابق من الأبحاث البلاغية، التي زادة الحديث جمالية ورونقاً، فقوله (يولد على الفطرة) كناية عن النشأة الطيبة، والعقيدة السليمة، التي هي عقيدة التوحيد الخالص، وقوله (يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) قد جاءت بصيغة المضارع، والتي تفيد التجدد والثبوت، وقوله (كما تنتجُ البهية ... ) فيه تشبيه لطيف بديع يسمى (التشبيه التمثيلي) وقولهُ (جمعاء وجدعاء) بينهما جناس ناقص، وهو من المحسنات البديعية ... ولا يخفى ما للجناس من وقعٍ في الحس، وتأثير في النفس (2) .
و"في الحديث كناية عن تأثير الوسط الإجتماعي من المرحلة العائلية الى سائر المراحل الأخرى، ولكن الأهم هو المرحلة التأسيسية الأولى، متمثلة في العائلة أو الأبوين" (3) .
__________
(1) صحيح البخاري: 1/235.
(2) ينظر: من كنوز السنة، دراسات أدبية ولغوية من الحديث الشريف، محمد علي الصابوني: 10.
(3) أدب الحديث النبوي: 133.(1/10)
هذا على الصعيد البلاغي، أما على الصعيد الإيقاعي، فإننا نرى البياض الأدائي (بنية الصمت)، في القرائن التي تنتهي بها السجعات (يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه)، يختلف اختلافاً تاماً عن التلوين النغمي، الذي ينتهي بها قرائن السجع في الجملتين، "كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟"، وما هذا الإختلاف في التلوين النغمي إلا بسبب دخول حرف الإستفهام (هل) على الجملة الثانية، والتي أفادت الإستنكار، وهو بدوره جعل النغمة الأدائية في بنية الصمت مختلفاً عما سبق. وإن كانت الجمل الأولى، والجملتان التاليتان تعالجان موضوعاً دلالياً واحداً، الا أن كلا منهما يعالجه بنغمة ايقاعية مختلفةٍ عن الآخر.
وقريبٌ من الحديث السابق قولهُ ( - صلى الله عليه وسلم - )، عن ابن عباس (رضى الله عنه) أن هلال ابن أمية قذف امرأته فجاء فشهد والنبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) يقول: "إن الله يعلمُ أن احدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ ثم قامت فشهدت" (1) .
قوله "إن الله يعلمُ أن أحدكما كاذب" ظاهرهُ يقتضي أنهُ انما قاله بعد الملاعنة لأنهُ حينئذٍ تحقق الكذبُ ووجبت التوبة، وذهب بعضهم الى أنهُ قالهُ قبلَ اللعان لا بعدهُ تحذيراً لهما ووعظاً، وقال بعضهم: وكلاهما قريبٌ من معنى الآخر" (2) .
ولو أردنا معالجة الحديث الشريف على المستوى الإيقاعي، لرأينا أن بنية السواد (الصوت) في الجملة الأولى تعادل ضعف بنية السواد في الجملة الثانية، حيث نلاحظ أن بنية الصوت بدأت في الجملة الأولى واسعة، ثم انحسرت في الجملة الثانية، اما بنية الصمت، فانها بدأت منحسرة في الجملة الأولى ثم توسعت في الجملة الثانية، ولتوضيح هذا الكلام نرسم هذا المخطط:
... ... ... ... ... 1
بنية ... ... ... ... ... ... بنية
السواد ... ... ... ... ... ... البياض
(الصوت) ... 2 ... ... ... ... (الصمت)
__________
(1) صحيح البخاري: 3/279.
(2) عمدة القاري: 20/295.(1/11)
إذن، فالمفارقة قائمة في الحديث النبوي بين بنيتي (البياض، والسواد)، الا أن بنية البياض الأدائي (الصمت)، يختلفُ بين السجعتين (كاذب وتائب)، فالتلوين النغمي المنبعث من الوقوف على السجعة الأولى، مختلفٌ تماماً عن التلوين النغمي المنبعث من الوقوف على السجعة الثانية. فاما سبب هذا الإختلاف في النغم، هو علامة الإستفهام التي اختتمت بها الجملة الثانية، فالبياض الأدائي في الوقوف على السجعة الأولى تقريري، اما البياض الأدائي في الوقوف على السجعة الثانية (تائب) استفهامي، وهذا بدوره يزيد من بنية البياض الأدائي في الجملة الثانية على الأولى.
إذن، "فغياب الترقيم في نهاية الجملة، يشكل ظاهرة من ظواهر انفصام موازاة الصوت للمعنى، الذي يضمن للخطاب تبيناً أقوى" (1) .
كما قلنا إن لعلامات الترقيم دوراً في ابراز الجانبي النغمي، فان للتعجب بصفته علامةً من علامات الترقيم، شأناً في إظهار النغمة من ثنايا النص الأدبي، ويمكننا أن نأخذ حديثاً نبوياً شريفاً، شاهداً على ذلك:
عن ابن عباس (رضى الله عنه) يقول سمعت النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) يقول: "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوفَ ابن آدم الا التراب، ويتوب الله على من تاب" (2) .
قولهُ "ولا يملأ جوفَ ابن آدم" وفي الحديث الثاني "ولا يملأ عين ابن آدم" وفي الثالث "ولا يسدُ جوف ابن آدم"، وفي الرابع "ولا يملأ فاه" فليس المقصود من الأحاديث الحقيقية بقرينة عدم الإنحصار على التراب إذ غيره يملؤهُ ايضاً، بل هو كناية عن الموت لأنه مستلزم للإمتلاء، فكأنه قال لا يشبعُ من الدنيا حتى يموت (3) . واما العين فلأنها الأصل في الطلب لأنه يرى ما يعجبه فيطلبه ليحوزه اليه، وقيل فيه اشارة الى ذم الاستكثار من جمع المال، وتمني ذلك، والحرص عليه (4) .
__________
(1) ينظر: بنية اللغة الشعرية: 62.
(2) صحيح البخاري: 4/119.
(3) عمدة القاري: 23/45.
(4) فتح الباري: 11/307.(1/12)
فالملاحظ في الحديث الشريف أن أمارات حب المال، والسعي في الإستزادة منها، جلية وواضحة، فكأننا نفهمُ من كلام الرسول ( - صلى الله عليه وسلم - ) أنه يتعجبُ من حال ابن آدم، الذي يركضُ وراء المال، والموت يطلبهُ، فكلٌ منهما يبحثُ عن ضالته، فاما الموسيقى المنبعثة من فقرات الحديث فانها متفاوتة ومتباينة، فهي موزعة على أربعة محاور (الإنسان، الأمل، الموت، التوبة)، وهذا ما يظهرهُ ايقاع السواد (الصوت)، فموسيقى الامل تختلف عن موسيقى الموت، فالاولى تشعر الإنسان بالسعادة، والأخيرة تجعلهُ حزيناً مكتئباً، مع موسيقى متوسطة بين الموسيقتين وهي موسيقى التوبة المقترنة ببصيصٍ من الأمل. فالباعث الحقيقي وراء هذا التلوين الإيقاعي هو التعجب، مع مساعدة بنية البياض الأدائي (الصمت)، والتكرار الفونيمي للسجعة، ودلالة (التراب) على الفناء والتلاشي، مع دلالة (تاب) التي توحي بعدم القنوط من رحمة الله، كل ذلك أدى الى انبعاث موسيقى مضطربة من الحديث.
بقي أن نشيرُ الى التقنية ودورها في اعطاء النص الأدبي تنغيماً وحُسناً يعود بالجمالية اليه، يقول د. مجيد عبد الحميد: "ولما كان اتفاق الفاظ الفقرات المسجوعة في الوزن الايقاعي، لاسيما الأخيرة منها، مع اتفاقها على الحرف الأخير، يتيحُ للكلام ركيزة نغمية، تتكرر من وقت لآخر، فتحدث توازناً موسيقياً فيه، وهو نفس ما تفعلهُ القوافي في الشعر" (1) . وقد ذهب القدماء من البلاغيين الى أن الأسجاع في النثر كالقوافي في الشعر (2)
__________
(1) الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية: 63.
(2) ينظر: نقد الشعر، قدامة بن جعفر: 60.(1/13)
"فالصفة الاختتامية التي تتميز بها القافية، سواءٌ أكانت في البيت ام في الجملة الشعرية، أو المقطع الشعري أو عموم القصيدة، لا يمكن لها أن تكتفي بدور الضابط الموسيقي المجرد، والا فإن القصيدة تفقد بذلك جزءاً مهماً من حيويتها، وقوة أدائها، إذ لابد لها أن تشترك اشتراكاً فاعلاً، في التشكيل الدلالي، كي تحتفظ بموقعها، وتكتسب رصانة خارج إطار امكانية استبدالها، بما يمكن أن يقابلها صوتياً، ويحافظ فقط على اتساق الوزن، فثمة انسجام يجب أن يكون تاماً بين بنية الإيقاع وبنية الدلالة، إذ أن أية مفارقة بينهما، تؤدي ضرورة الى خلخلة وارتباك في التشكيل العام لهيكل القصيدة، ويفقد تماسكها النصي" (1) .
ونلاحظ أن محمد الحسناوي يعير للقافية أهميةً كبرى، ويرى أن فكرة الأدب الحديث في الغاء القافية اى الشعر الحر، فكرة خطيرة ويجب الانتباه اليها بقوله: "لهذا بوسعنا سحب الحكم على معركة الشعر العربي الحديث لندينَ من يعمل على الغاء القافية في الشعر جزئياً أو كلياً، لا على تنويعها أو إخصابها. قياساً على فواصل القرآن من جهة، وعلى أهمية الخاتمة في أي عمل فني من جهة أخرى، إن الغاء القافية في الشعر العربي سهمٌ يسددُ الى فاصلة القرآن والى جمال الكون" (2) .
ولما كانت السجعة في النثر توازي القافية في الشعر، فان لها مالها، وعليها ما عليها، ولذلك نرى أن الكلام المسجوع، إذا سلم من التكلف، سما كثيراً على النثر المرسل، يقول ابن جني " ... ألا ترى أن المثل إذا كان مسجوعاً، لذ لسامعه، فحفظهُ، فإذا هو حفظهُ كان جديراً باستعماله، ولو لم يكن مسجوعاً لم تأنس النفس به، وأنقت لمستمعه، وإذا كان كذلك لم تحفظهُ، وإذا لم تحفظهُ لم تطالب أنفسها باستعمال ما وضع له، وجيء به من أجله" (3) .
__________
(1) القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية: 86.
(2) الفاصلة في القرآن: 221.
(3) الخصائص: 1/216.(1/14)
وللسجعة أو القافية دورٌ كبيرٌ – في ابراز الجانب النغمي في النص الأدبي (1) ، وكذلك لهما ارتباط بالدلالة كما اسلفنا، ولأجل التثبت من ذلك نأخذ بعض الأحاديث الشريفة مثالاً على ذلك: منها قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ) عندما قام في الناس فَخَمَد الله واثنى عليه، ثم قال: "أما بعدُ ما بالُ رجالٍ يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله، فهو باطل، وإن كان مائة شرط. قضاءُ الله أحق، وشرط الله أوثقُ، وانما الولاءُ لمن أعتق" (2) .
فلروي القاف في الحديث الشريف، دورٌ كبيرٌ في اعطاء الكلام جواً من الموسيقى الشديدة الصاخية، ولعل روي القاف اكثرُ ملائمة - من غيره من الأحرف – مع سياق الحديث، فالرسول الكريم عندما فاه به، كان في حالة من الغضب والإنفعال، على ما اشترط بعض الناس من شروط، ما أنزل الله بها من سلطان.
إذن فقلقلةُ القاف في سجعات الحديث، ودلالة اسماء التفضيل (أحق) و(أوثق) التي تقضي بأفضلية قضاء الله وشرطه على جميع المخلوقات، كلها توحي بان الحديث يعالج مسألةَ ساخنةً ليست بالهين.
ونظيرُ هذا الحديث قوله ( - صلى الله عليه وسلم - )، عندما دعا يوم الأحزاب على المشركين فقال: "اللهم منزلَ الكتابِ، سريعَ الحسابِ، اللّهُمَ اهزمَ الأحزابَ، اللَّهم اهزُمْهم وزَلْزِلْهُم" (3) .
__________
(1) ينظر: جرس الالفاظ ودلالتها في البحث البلاغي ... : 233.
(2) صحيح البخاري: 2/20.
(3) صحيح البخاري: 2/158.(1/15)
فكما كانت لنغمة حرف القاف الشديدة صلة وثيقة بمدلول الحديث السابق، فان لنغمة حرف (الباء) ذات الصوت الشديد المجهور (1) تلاؤماً وتلاحماً مع الوقت الذي قيل فيه الحديث، ومع مدلوله، فلقد بدأ الرسول الكريم حديثه بالتطرق – وبكل ثقةٍ – الى الصفات الإلهية التي تفوق هزيمة الأحزاب، وهي (إنزال الكتاب، والسرعة في حساب الخلق) فليس بالبعيد أن يهزم الأحزاب، وينصر المسلمين. إذن فالرسول الأكرم في حالة حرب وشدةٍ وبأس، وحرف الباء حرف انفجاري شديدٌ مجهور، فيا لها من معادلة متوازية الأطراف.
وجدنا في الحديثين السابقين، نوعاً من التآلف ما بين روي السجعة ودلالة النص، وكما كان هذا التلاؤم مبنياً على الشدة والقوة بين جرس الأحرف ومعاني الألفاظ. فان هناك تلاؤماً يختلف تماماً عما سبق، حيث إنه يمتاز بالهدوء والرخاء في النغمة الموسيقية، وذلك لما تتطلبُهُ الدلالة النصية في السياق، ومن ذلك قولهُ ( - صلى الله عليه وسلم - ) عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله، رب السموات، ورب الأرض، ورب العرش الكريم" (2) .
__________
(1) الاصوات اللغوية: 45.
(2) صحيح البخاري: 4/105.(1/16)
ويلاحظ أننا لا نشعر هنا بذلك الموسيقى الشديد، الذي وجدناه في الحديثين السابقين، وذلك لان السجعة التي انتهت بها الجمل هي (الياء والميم)، ومن المعلوم أن "اللام والنون والميم" من الأصوات المائعة التي لا هي بالشديدة ولا الرخوة (1) ، وذات وشيجة فيما بينها، وفي الإستعمال وفي الصفات الصوتية، كما قال الدكتور ابراهيم أنيس "هي أكثر الأصوات شيوعاً في اللغات السامية، كما أنها من الأصوات المتوسطة الشبيهة بأصوات اللين" (2) . وهذه الصفات جعلت السجعات ملائمة لجو الحديث الشريف، وطابعه الهادئ، كما جاء في مقدمة الحديث أن الرسول الكريم كان يردد الحديث في حالة الكرب، ومن المعلوم أن الانسان في حالة الكرب يستسلم للقضاء والقدر الذي كتبهما الله له، فلعل هذه الانسيابية والهدوء الذي تلمسناهما من ترديد حرفي (الياء والميم) في سجعات الحديث، ملائمة مع الإيقاع العام لدلالة العبارات، علاوةً على تكرار "لا إله إلا الله" ثلاث مرات، الذي تشعر النفس بالراحة عند سماعها، وهي في محفل مخزن.
وقريبٌ من هذا الحديث من حيث الموسيقى الهادئة، ولكنها تعالج ممتزجاً بشيء من التفاؤل والسعادة، قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "كلمتانِ خفيفتانِ على اللسانِ، ثقيلتانِ في الميزانِ، حبيبتانِ الى الرّحمنِ، سبحانَ الله العظيم، سبحانَ اللهِ وبحمدهِ" (3) .
__________
(1) ينظر: الأصوات اللغوية: 24.
(2) اللهجات العربية، ابراهيم أنيس: 105.
(3) صحيح البخاري: 4/114.(1/17)
فلو أننا قرأنا سورة الرحمن؛ لوجدنا فواصلها تنتهي بحرفين هما في الغالب الألف والنون، والألف صوت لين، ومده له دلالته الهادئة. والنون حرف متوسط الجرس لا بالشديد ولا بالرخو، وهو شبيهٌ بأصوات اللين (1) . فلو أننا أمعنا النظر في الحديث ثانية، لوجدنا أنه يحتوي على ما يسمى بالفاصلة الداخلية، وهي تكرار لفظ الفاصلة أو السجعة في حشو النص (2) ، وهذا ما حصل في الحديث، حيث تكررت الالفاظ: "كلمتانِ، خفيفتانِ، ثقيلتانِ، حبيبتانِ" بالاضافة الى الفاظ السجع في يالحديث: "اللسان، الميزان، الرحمن"، وبذلك يكون مجموعها في الحديث سبعة الفاظ، وهذه إحصائية كبيرة جداً بالنسبة لحديث لا يتجاوز السطرين، فكل ذلك جاء تمهيداً وتشويقاً لهاتين الكلمتين، اللتين تنتظر السمع، استقبالهما بكل غبطةٍ وسرور؛ لما تحملاهُ من أجرٍ وثواب.
ويرى الدكتور محسن أطيمش أن "حروف المد، تكسب المقطع إذا شاعت شيوعاً واضحاً، نوعاً من البطء الموسيقي، أو ما يمكن أن يوصف بالتراخي، كما أن انعدامها، أو قلتها، يسهمُ في إخفاء نمط من الموسيقى الأقرب الى السرعة" (3) .
ومثال ما يخلو من حروف المد قولهُ ( - صلى الله عليه وسلم - ) يوم الأحزاب: "لا إله إلا الله وحده، أعز جُنْدَهُ، ونصرَ عبدَهُ، وغلبَ الأحزابَ وحدَهُ، فلا شيءَ بعدَهُ" (4) .
فجو انتصار المسلمين وغبطتهم، وانجاز الله وعده بهزيمة الأحزاب، ملائم لقصر العبارات في الحديث الشريف، فكأنها قفزات أو وثبات كلامية سريعة، وكما أن العطف بحرف الواو في الجمل تدل على العطف دون تراخٍ، بياناً للسرعة (5) ، وخلو الحديث من حروف المد، ساعد على الزيادة في الخفة والنقلة في الكلام.
المبحث الثاني
التوازن والتوازي
في
الحديث النبوي الشريف
__________
(1) اللهجات العربية: 105.
(2) دير الملاك، محسن أطيمش: 307.
(3) م.ن : 307.
(4) صحيح البخاري: 3/33.
(5) ينظر: التفسير البياني للقرآن الكريم: 141.(1/18)
لقد سبق الحديث عن مصطلحي التوازن والتوازي، عندما تكلمنا عن أبنية السجع في الحديث النبوي الشريف في الفصل الأول من هذا البحث، إلا أن غايتنا هنا تختلف عما سبق، فهي تصب في رصد الجوانب الإيقاعية والموسيقية لهما.
إذن، فالتوازي والتوازن في الإيقاع القولي العربي، ظاهرة تسم فن القول شعراً ونثراً بشكل لافت. ونعني بالتوازن: "تعادل فقرات الكلام وجمله كما في النثر المزدوج، أو شطري البيت الواحد، من حيث الإيقاع والوزن" (1) ، اما التوازي: "فهو أن يستمر هذا التوازن في النص كله كالذي نجده في القصيدة الشعرية، حيث يتكرر ايقاع كل سطر منها، في كل بيت منها، ويستمر حتى نهايتها، بحيث يكون الجناح الأيمن من القصيدة يوازي جناحها الايسر من حيث الوزن والايقاع" (2) .
ففي مجال النثر تتمثل ظاهرة التوازن والتكرار في الايقاع، في الكلام المزدوج والمسجوع والمجنس، ... وتبدو ظاهرة توازن ايقاع الفقد المسجوعة وتوازيها وتكرارها بارزة في السجع (3) . وبلغ من اهتمام البلاغيين بهذه الظاهرة، أن ذهبوا الى أن أفضل أنواع السجع ما توازى جزءاه وتعادلا (4) . يقول أبو هلال العسكري: "والسجعُ على وجوه: منها أن يكون الجزءان متوازيين متعادلين، لا يزيدُ أحدهما على الآخر، اتفاق الفواصل على حرف بعينه، وهو كقول الأعرابي: سنةٌ جردت، وحال جهدت، وايد جمدت، فرحم الله من رحم، فأقرض من لا يظلم. – فهذه الأجزاء متساوية لا زيادة فيها ولا نقصان، والفواصل على حرف واحد-، ... ومنها أن يكون الفاظ الجزأين المزدوجين مسجوعة، فيكون الكلام سجعاً في سجع، وهو مثل قول البصير: حتى عاد تعريضك تصريحاً، وتمريضك تصحيحاً. فالتعريض والتمريض سجع، والتصريح والتصحيح سجع آخر، فهو سجع في سجع" (5) .
__________
(1) الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية: 59.
(2) م.ن: 59.
(3) م.ن: 60.
(4) ينظر: جزاهر الالفاظ، قدامة بن جعفر: 3.
(5) كتاب الصناعتين: 268.(1/19)
فالتوازن والتوازي الإيقاعي، هو العنصر الجوهري في السجع، وليس اتحاد الفقرتين في حرف الفاصلة (1) . ويضافُ الى هذا المعنى معنيين آخريين، هما التعادل والتقابل بين الأنساق الزمنية القائمة على الكم المجرد (الوزن العروضي، علاوةً على التجنيس الذي يقوم هو الآخر على توازن طرفين لغويين في صوامتهما، ووقوعهما في مواقع متقاربة تحقق المقابلة (2) .
اما التوازي فإنه يعبر عن الإنحراف الإسلوبي، وليس المساواة أو المطابقة الدلالية (درجة الصفر في الإسلوب)، وهو يعبر عن تزامن الأشياء، وتجاوزها في المكان، الذي يؤدي وجوده بهذا الشكل، الى خرق انظمة اللغة الإعتيادية (3) .
بتعبير آخر إن التوازي ليس سمةً اسلوبية، كـ( التكرار، والجناس، والطباق، والإستعارة، التشبيه ... ) بل انهُ يوجدُ حيثُ توجد (4) .
اما التوازن والتوازي في الحديث النبوي الشريف، فإنهُ يتجلى في أروع صوره وأشكاله، نعم فلا عجب في كلام، قد وصفه الله في كتابه الكريم بقوله (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (5) من أن يبلغ في حسنه وجماله اسما المراتب. فمن أجل ذلك نحاول في هذا المبحث المتواضع، أن نسلط الضوء على هذين المصطلحين في الحديث الشريف، مشخصين مكامن الرونق والإبداع فيهما، قدر المستطاع. ومنطلقين من مبدأ تقسيم التوازي الى نوعين:
1- التوازي المتوازن بين مكونات الجملة كلها.
2- التوازي المتوازن بين قرائن الأسجاع وفقرها من حيث الطول والقصر.
1- التوازي المتوازن بين مكونات الجملة كلها.
__________
(1) الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية: 60.
(2) ينظر: الموازنات الصوتية في الرؤية البلاغية، محمد العمري: 9.
(3) التوازي في القرآن الكريم، ودار مكاوي الشمري: 3 (أطروحة دكتوراه).
(4) م.ن: 4.
(5) سورة النجم، الآيتان: (3-4).(1/20)
لقد ورد هذا النوع من التوازي في الحديث النبوي الشريف، في أروع صوره كما في قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "الأرواحُ جنودٌ مجندةٌ، فما تعارفَ منها ائتلفَ، وما تناكرَ منها اختلف" (1) .
(جنودٌ مجندة) أي مجموعٌ مجمعة، وأنواعٌ مختلفة (فما تعارف منها) أي توافق في الصفات، وتناسب في الأخلاق (ائتلف) و(ما تناكر منها) أي لم يوافق ولم يناسب (اختلف) ... لذا ترى الخيرّ يحب الأخيار، ويميلُ اليهم، والشرير يحب الأشرار ويميلُ اليهم (2) .
اما إذا عالجنا الحديث من حيثُ كونهُ نصاً متوازناً، فإننا سوف نكون بإزاء أدق ما يتمكن أن يأتي عليه التوازن في قوله: "فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". إذ اننا نجد كل كلمة من الجملة الأولى تقابلها كلمة من الجملة الثانية، على الصعيدين المتوازن والمتوازي، كالآتي:
الجملة الأولى ... ... ... الجملة الثانية
فما ... ... ... ... وما
تعارف ... ... ... تناكر
منها ... ... ... ... منها
ائتلف ... ... ... ... اختلف
__________
(1) صحيح البخاري: 2/229.
(2) ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري، القسطلاني: 5/325. وينظر: فتح الباري: 7/455.(1/21)
فقبل كل شيء، نجد أن النفس بطبيعتها تميل الى الكلام المتوازن والمتوازي دون امعان النظر، واشغال الفكر، يقول ابن الأثير: "وإذا كانت مقاطع الكلام معتدلة، وقعت من النفس موقع الإستحسان وهذا لا مراء فيه لوضوحه" (1) ، "فاذا اختلف توازن ايقاع كل منها مع الأخرى، من حيث الطول في بعضها، والقصر في البعض الآخر، فان السجع لا يكون حينئذ مقبولاً ... لأن النفس عندما تسمع ايقاع الفصل الأول، من الفقرة المزدوجة المسجوعة، تتوقع ايقاعاً ممائلاً بوازنهُ ويعادله ويساويه في الفصل الثاني منها، فاذا قصر عنه، فانها ستبقى تتطلعُ الى ما يشبع حسها، ويكمل توازن ايقاع الفصل الثاني مع الأول، وعندما لا تجد ذلك، فإنها ستشعر بالنقص، فتكون كمن يريد الإنتهاء الى غاية فيعثر دونها" (2) .
اما على صعيد توازي التكرار النبري، بعد علمنا أن الكلمة إذا تكونت من (///5) كان النبر على المقطع الأول. أي (/×//5)، وإذا كانت تتكون من (/5) أو (//5) كان النبرُ على المقطع الذي يسبقهما (3) .
فلو رجعنا الى الحديث الشريف، وأردنا أن نطبق عليه القول السابق لوجدناهُ كالاتي:
فما تعارف منها ائتلف ... ... ... وما تناكر منها أختلف
فماتعا رفمن هأتلف ... ... ... وما تنا كرمن هآختلف
//5×//5 /×//5 /5×//5 ... ... ... //5×//5 /×//5 /5×//5
فالملاحظ أن مواطن النبر، جاءت متساوية في طرفي الحديث الشريف، حيث لا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير، فبدأ الحديث وكأنه لوحةٌ هندسيةٌ، قد وضعت أبعادها، وقيست وحداتها، فلا يمكن لوحدة أن تزيد على الاخرى أو تنقص، ولو بقدر انملةٍ واحدة، وهذا ما يعطي اللوحة جمالاً يسرُ الناظرين.
__________
(1) المثل السائر: 1/378.
(2) الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية: 63.
(3) ينظر: في البنية الإيقاعية للشعر العربي، كمال أبو ديب: 355.(1/22)
وهذا التكرار المتوازي للنبر، يكون على درجة عالية من الصوت، لان السامع سوف يرتبط ذهنيا ليس بالألفاظ، أو التكرارات النحوية بالدرجة الاولى، لكن بما فوقها من تركيب صوتي متكرر (1) .
وشبيه الحديث السابق قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "ما من يومٍ يصبحُ العبادُ فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم إعطِ منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم اعطِ ممسكاً تلفاً" (2) .
قوله (الا ملكان) فالمستثنى منه محذوف ولكنه مقدرٌ معقول (احد) أي ليس يومٌ موصوف بكذا ينزلُ أحدٌ الا ملكان، فحذف المستثنى منه بقرينة وصف الملكين عليه.
وقولهُ (خلفاً) أي عوضاً، يقالُ أخلفَ الله عليك، أي ابدلك بما ذهب منك، وأما اعطِ الثاني، فهو مشاكل للأول اذ التلف لا يعطى (3) .
والدعاء بالتلف محتمل تلف ذلك المال بعينه، أو تلف نفس صاحب المال، والمراد به فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها (4) .
فلو نظرنا الى الحديث الشريف من زاوية جمالياته عامة، ومن حيث توازيه خاصة، لصرنا أمام كفتي ميزان متعادلتين، لا تزيدُ أحداهما على الأخرى ولا تنقصُ عنها، وهذا بدوره يبعثُ اللذة والشوق في نفس القارئ، قبل أخذه بنظر الاعتبار مكامن الحسن فيه، على الصعيدين البلاغي والموسيقي. ولجعل الكلام اكثر وضوحاً نرسم هذا المخطط:
الجملة الأولى ... ... الجملة الثانية
اللهم ... ... ... ... اللهم
اعطِ ... ... ... ... اعطِ
منفقاً ... ... ... ... ممسكاً
خلفاً ... ... ... ... تلفاً
__________
(1) ينظر: التوازي في القرآن الكريم: 20 (أطروحة دكتوراه).
(2) صحيح البخاري: 1/250.
(3) ينظر: صحيح البخاري بشرح الكرماني: 7/205.
(4) فتح الباري: 3/389.(1/23)
إذا فالتوازن في الحديث، ليس في قرائن السجع فحسب، وانما حاصل في جميع مكوناتهِ، فلو اردنا أن نحسب الأحرف في طرفي الحديث، لكانت متساوية من حيث العدد، وكذا الحال في وزن الكلمات، فهي الأخرى متوازيةٌ ومتماثلة. ويسمي عبد الله المجذوب مثل هذه الموازنة بالموازنة الكلية بقوله: "اما الموازنة الكلية، فسبيلها في مؤاخاة الأقسام ومكافأتها، أن توجد بينها أحد هذه العناصر: التوافق، التضاد، التكامل، الإجمال، والتفصيل، والتدرج" (1) .
وكذلك يمكن لنا حسب نظرية كمال أبو ديب أن نقسم النبر على كلمات الحديث بشكل متوازٍ متساوٍ، وكالاتي:
اللهم ... اعطِ ... منفقاً ... خلفا ... اللهم ... اعطِ ... ممسكاً ... تلفاً
اللا همم ... اعط ... منفقا ... خلفا ... اللا همم ... اعط ... ممسكا ... تلفا
/5/5 /5/ ... /5/ ... /5//5 ... ///5 ... /5/5 /5/ ... /5/ ... /5//5 ... ///5
فع لن فعلُ ... فعلُ ... فاعلن ... فعلن ... فع لن فعلُ ... فعلُ ... فاعلن ... فعلن
والمعني بالوزن هنا، تشابه الألفاظ أو العبارات، أو القرائن فيما بينها، من حيث وزنها العروضي هي، لا من حيث الوزن العروضي المعروف في الشعر، من تفعيلات وبحور. والإيقاع الموسيقي حاصل على كل حال في التوازن المذكور، وافق عروض الشعر أم لم يوافقه (2) .
فالذي يفهم من كلام الحسناوي، أن موسيقى الحديث النبوي الشريف، الذي نحن بصدده، لا يشترط فيها أن تأتي موافقةً لما هي عليه في بحور الشعر، حتى تكون مقبولةً، وانما التفعيلة العروضية الواردة في ثنايا الحديث هي مستقلةٌ بموسيقاها، نعم قد تكون التفعيلة التي في الحديث، هي نفسها التي في الشعر، ولكن ليست تشكل مع أخواتها بحراً من البحور، حتى تعتبر شعراً.
__________
(1) المرشد الى فهم اشعار العرب وصناعتها، عبد الله الطيب المجذوب: 2/308.
(2) ينظر: الفاصلة في القرآن: 293.(1/24)
فالإيقاع الموسيقي المتوازن في الحديث له استقلاليته التامة عن الشعر، فمثلما الشاعر يتوجه الى بحور الشعر الخليلية، لكي يجمل ويزين كلامه بالتفعيلات المعروفة، يمكن للكاتب الناثر، أن يرجع الى القواعد العروضية، التي تتشكل منها نصوص الحديث الشريف، كي يزين كلامهُ بها.
نستنتجُ مما تقدم، ومن خلال تقطيعنا الحديثين السابقين عروضياً، أننا صرنا بصدد قاعدتين عروضيتين في نثر الحديث هما:
متفعلن فعلن فاعلن ... ... متفعلن فعلن فاعلن
في الحديث الاول
و فع لن فعلُ فعلُ فاعلن ... فعلن ... ... و فع لن فعلُ فعلُ فاعلن ... فعلن
في الحديث الثاني
ومن الأحاديث التي تتساوى طرفاه وتتوازن، قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): " ... اللهُم اغفرْ لي ما قدمتُ وما أخرتُ، وما اسررتُ وما اعلنتُ، أنتَ المقدم، وأنتَ المؤخِرُ، وأنتَ على كل شيء قدير" (1) .
قيل يحتمل أنْ يكون قوله (اغفرلي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما اعلنت) على سبيل التواضع والإستكانة والخضوع والشكر لربه، لما علم أنه قد غفر له ... وقيل على ما مضى قبل النبوة (2) . والله اعلم.
__________
(1) صحيح البخاري: 4/113.
(2) ينظر: فتح الباري: 11/237.(1/25)
قبل كل شيء نلاحظ ملمحاً بارزاً في الحديث الشريف، وهو ما يسمى بالفاصلة الداخلية (1) في القرآن الكريم بما في ذلك النثر، ويتجلى ذلك في تكرار حرف (ت) في قوله (ما قدمتُ وأخرت) و(أما أسررت وما اعلنتُ) في ثنايا الجمل بالإضافة الى السجعة التي تختتم بها الجمل. ولا يخفى ما في هذا الظاهرة من الأثر، على الجانب الموسيقي والإيقاعي للكلام، وذلك في اثرائه بالنغمات المنبعثة من بين الكلمات، فهي تقوم "مقام المرتكزات والمحطات النفسية معنىً وموسيقىً" (2) .
الآن نعود الى التوازن والتوازي الحاصل في الحديث الشريف، فلو أردنا أن نقطع جمل الحديث عروضياً لبان لنا امران:
1- انتماء جمل الحديث الى ما يسمى بـ (بحر المتدارك).
2- توازي جمله من حيث عدد حروفه وكلماته.
ففي قوله: ما قدمت وما اخرت، وما اسررت وما اعلنت. نجد توازناً
عروضياً تاماً:
وتفعيلاته كالآتي: فع لن فع فعلن فع لن فع ... فع لن فع فعلن فع لن فع
... ... /5 /5 /5 ///5 /5 /5 /5 /5 /5 /5 ///5 /5 /5 /5
والتفعيلات كلها تنتمي الى بحر المتدارك، ما عدا المقطع (فع) (/5) فانه لا ينتمي الى البحر، وكلنا يعلمُ، ما في هذه التفعيلات من الخفة والسرعة، وكأنما اللسان يقفز عند قراءته اياها، ولعل هذه الخفة والسرعة في التفعيلات، تكون ملائمة لحال المؤمن، الذي يقترف معصية أو خطيئة، فسرعان ما يندم ويرجع عن فعله، وقد أدرك الرسول الكريم بفطرته السليمة، هذه المقاربة والملائمة بين الألفاظ ودلالاتها والله أعلم.
__________
(1) ان تكون الجملة مبنية على سجعتين، لو اقتصر على الأولى منهما كان الكلام تاماً مفيداً وان الحقت به السجعة الثانية كان في التمام والافادة على حالة مع زيادة معنى مازاد من اللفظ. ينظر: الفاصلة في القرآن: 182.
(2) م.ن: 185.(1/26)
فالتوازن جلي وظاهر بين طرفي الحديث، وخاصة في المقطع الذي يلي المقطع الأول من الحديث وهو (أنت المقدم، وأنت المؤخر)، فالممعن نظره في هذا المقطع يجد جملتين قصيرتين، متوازيتين متساويتين في الألفاظ، وكثيفتين في الدلالة والمعنى. اما قوله (المقدم، والمؤخر) فالتوازن حاصل بينهما، حيث أنهما تتفقان في الوزن، وتختلفان في حرف الروي وهذا ما يسمى بالتوازن (1) ، فـ (المقدم) وزنه (//5/5) فعولن، و(المؤخر) وزنه (//5/5) فعولن وهذا عين التوازن في الكلام.
وامثلة هذا الحديث كثيرة في الحديث النبوي الشريف، منها قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "أربعٌ من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلةٌ منهن، كانت فيه خصلة من انفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" (2) .
فالتوازي جلي وواضح في المقطعين الأخيرين من الحديث "إذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" بين كل من (عاهد وخاصم) و(غدر وفجر).
ومنها قوله: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" (3) فالتوازي والتوازن بين كل من "يسروا ويشروا" و "لا تعسروا ولا تنفروا".
وهذا لنوع من السجع يسمى بالسجع القصير، وهو من ارقى أنواع السجع، كما جاء في قول الدكتور عبد الفتاح لاشين "والسجع القصير يدل على قوة المنشئ، وتمكنه في الصناعة، لصعوبة إدراكه، وعزة اتفاقه، ووعورة مذهبه، وبعد تناوله ... ثم هو أجملُ صورةً، وإحلى موقعاً؛ لقرب توارد الفاصلتين على السمع، ولا خفاءَ في أن تواليها بسرعة في ازمنة متساوية، يشعر أننا بانسجام حاضر دائماً، فتظل الاذن مهدهدة دون أن يفاجئها أي شيء غير منتظر" (4) .
__________
(1) ينظر: البرهان في علوم القرآن: 1/105.
(2) صحيح البخاري: 1/15.
(3) م.ن: 1/24.
(4) البديع في ضوء أساليب القرآن: 128.(1/27)
ومن امثلة التوازي المتوازن بين فقر الحديث قولهُ ( - صلى الله عليه وسلم - ): "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمنٌ، ولا يشربُ الخمرَ حينَ يشربُ وهو مؤمنٌ، ولا يسرقُ حين يسرقُ وهو مؤمنٌ، ولا ينتهبُ نهبةً يرفعُ الناس اليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمنٌ" (1) .
قوله ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، قيد نفي الإيمان بحالة ارتكابه لها، ومقتضاه، إنهُ لا يستمرُ بعد فراغه وهذا هو الظاهر، ويحتمل أن يكون المعنى، أن زوال ذلك إنما هو إذا قلع الإقلاع الكلي، واما لو فرغ وهو مصرٌ على تلك المعصية فهو كالمرتكب، فالنتيجة أن نفي الإيمان عنه يستمر، ويؤيده ما وقع في بعض طرقهِ (2) . "وقيل يزولُ منه الثناء بالإيمان لا نفس الإيمان، وقيل يزول ايمانهُ إذا استمر على ذلك الفعل" (3) .
هناك ثلاثة أنواع من التوازي في الجمل من حيث موقعها، فمنه من يقع في بدايات القرائن (4) ، ومنه ما يقع في وسطها و، ومنه ما يقعُ في نهاياتها (5) . اما في الحديث الشريف، فإننا نجد الأنواع الثلاثة، قد جاءت في نصٍ واحدٍ، وهذه البلاغة بعينها، والفصاحة نفسها، كما في قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "لا يزني، لا يشرب، لا يسرق، لا ينتهب" فهذه البدايات استهلت بها بداية كل جملة من جمل الحديث؛ لتصبح متوازية، وكأن القارئ يقرأ جملة واحدةً لقرب ايقاعاتها، وترنمها الموسيقي. اما التوازي الحاصل في وسط الفقر، فهو كما في قوله (حين يزني، حين يشرب، حين يسرق، حين ينتهب). بقي لدينا التوازي الكائن في خواتم الجمل، فلا شك انه جليٌ في قوله (وهو مؤمن)، حيث تكررت اربع مرات مع كل جملةٍ من جمل الحديث الشريف. وللزيادة في التوضيح نرسم الجدول التالي:
__________
(1) صحيح البخاري: 2/72.
(2) ينظر: فتح الباري: 12/69.
(3) عمدة القاري: 13/26.
(4) البرهان في علوم القرآن: 2/59.
(5) ينظر: السور المدينة دراسة بلاغية واسلوبية، د. عهود عبد الواحد: 140.(1/28)
التوازي الابتدائي ... التوازي الوسطي ... التوازي الإختتامي
الجملة الاولى ... لا يزني ... حين يزني ... وهو مؤمن
الجملة الثانية ... لا يشرب ... حين يشرب ... وهو مؤمن
الجملة الثالثة ... لا يسرق ... حين يسرق ... وهو مؤمن
الجملة الرابعة ... لا ينتهب ... حين ينتهب ... وهو مؤمن
نستثني من هذا الحديث الشريف الجملة الإعتراضية في قوله الشريف: " ... يرفعُ الناس اليه فيها أبصارهم ... " إذ كان مجيئها يوهم بانها قد أحدثت اضطراباً في التوازي الملحوظ في الحديث، لكنها جاءت لبيان أن المال المنهوب يكون جهراً وقسراً، بخلاف السرقة والإختلاس، فانه يكون خفية، و"اشار برفع البصر الى حالة المنهوبين، فانهم ينظرون الى ما ينهبهم، ولا يقدرون على دفعه ولو تضرعوا اليه، ويحتمل أن يكون كناية عن عدم التستر بذلك، فيكون صفةً لازمة للنهب" (1) .
اما تكرار جملة (وهو مؤمن) في نهاية كل جملة، فإنها اشبه ما تكون بترنم موسيقي، يفصل الجملة السابقة عن الجملة اللاحقة. هذا بالاضافة الى تقوية الجانب الدلالي، فان تكرارها واجب؛ لبيان أن المرتكب للمعصية يفرغ من الإيمان ساعة الذنب، وهذا عين ما اكدت عليه الناقدة نازك الملائكة بقولها: "والقاعدة الأولية في التكرار، أن اللفظ المكرر ينبغي أن يكون وثيق الإرتباط بالمعنى العام" (2) .
2- التوازي المتوازن بين قرائن الأسجاع وفقرها من حيث الطول والقصر.
هذا النوع من التوازي ورد هو الآخر في كلام الرسول الاكرم ( - صلى الله عليه وسلم - )، وهو من الأنواع التي تزيد الكلام عذوبةً وحلاوة، ولكنه لا يبلغُ ما بلغه النوع الأول من التوازي من حيث الجمالية؛ وذلك لأن التوازي في النوع الأول حاصل في كلمات الجملة كلها، اما هذا الأخير فالتوازي فيه حاصل في كلمات السجع فحسب.
__________
(1) فتح الباري: 12/70.
(2) قضايا الشعر المعاصر، نازك الملائكة: 231.(1/29)
ومن امثلته في الحديث النبوي الشريف قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "لا إله إلا الله وحده، أعز جندَهُ، وَنَصرَ عبدَهُ، وغلبَ الأحزابَ وحدَه، فلا شيءَ بعدَهُ" (1) .
قوله: (وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده) هو من السجع المحمود، والفرق بينه وبين المذموم، ما يأتي بتكلف واستكراه، والمحمود ما جاء بانسجام واتفاق، والنبي كان يكره السجع في الدعاء. ووقع ما وقع مسجوعاً في ادعيته ومخاطباته؛ لكنه في غاية الإنسجام المشعر بأنه وقع بغير قصد. ومعنى قوله "لاشيء بعده" أي جميع الأشياء بالنسبة الى وجوده كالعدم، أو المراد أن كل شيء يفنى وهو الباقي، فهو بعد كل شيء، فلا شيء بعده (2) .
اما من ناحية الموازنة العروضية، فان كلمات الاسجاع (وحده، جنده، عبده، وحده، بعده) كلها جاءت متفقةً في الوزن فجميعها على وزن (/5/5) (فع لن)، هذا بالنسبة للاسجاع. اما بالنسبة لبقية كلمات الجمل فلم تأتي متوازنة كما رأيناها في القسم الأول من التوازي فهي كالآتي:
لا إله إلا الله وحده
أعز جنده
ونصر عبده
وغلبَ الأحزاب وحده
فلا شيء بعده
فالملاحظ على جمل الحديث، أن ايقاع السواد (رمز الصوت) (3) ليس متكافئاً بين جمل الحديث، وهذا بين فيها، فايقاع جملة (لا إله إلا الله) ليست مكافئةً لايقاع جملة (اعزه) والتي تختلف هي الأخرى عن ايقاع السواد في جملة (وغلب الأحزاب). بينما نلاحظ ايقاع البياض (رمز الصمت) (4) متكافئاً بين كلمات الأسجاع.
__________
(1) صحيح البخاري: 3/33.
(2) ينظر: فتح الباري: 7/517.
(3) ينظر: ينظر قصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية: 47.
(4) م.ن: 47.(1/30)
ثم ان البنى العروضية التي تقوم عليها الجمل مختلفةً تماماً، فجملة (لا إله إلا الله) وزنها العروضي (/5//5//5/5/5)، وجملة (أعز) وزنها العروضي (//5/)، وجملة (غلب الأحزاب) وزنها العروضي (///5/5/5/5). فشتان ما بين هذه الأوزان، إذ ان احداهما لا تمت للأخرى بالصلة من الناحية العروضية، حتى تحدث اتزاناً وتوازياً.
بعد هذا التحليل العروضي للحديث، نستطيع أن نقول أنه أقل جمالية من أحاديث القسم الأول من التوازي، بقي أننا ننظر الى الحديث الشريف من زاوية ملاءمته للموقف الذي قيل فيه، فاما الموقف الذي قيل فيه فهو معركة الاحزاب، ومن المعلوم ان اجواء المعركة تمتلئ بالانفعالات السريعة والمفاجئة، من جراء الكر والفر فيها يصاحبها قرع السيوف وصهيل الخيول مع مثار النقع، فقد جاءت جمل الحديث الشريف ملائمة للسرعة والخفة التي تنتاب المعركة، من حيث قصرُ فقرها، وعطفها بعضها على بعض بحرف الواو، والعطف بحرف الواو يأتي للعطف دون تراخٍ، مما جعلت جمل الحديث وكأنها قفزات كلامية متتالية، الى أن صارت الألفاظ والكلمات تعبر عن الدلالات التي تحملها.
ومن الاحاديث القريبة من بنية الحديث السابق قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ) للمريض: "بسم الله: تربةُ ارضنا، بريقةِ بعضنا (1) ، يشفا سقيمنا، بإذن ربنا" (2) .
الحديث الذي نحن بصدده، مشبهٌ الحديث السابق الى حد ما، من ناحية قرائن السجع، فإننا نجد توافق ثلاثٍ منها في الوزن العروضي، واختلاف واحدة، كما في قوله "ارضنا، بعضنا، ربنا" فالملاحظ عليها انها على وزن متفق وهو: (/5//5) (فاعن). اما الإختلاف فحاصل في القرينة (سقيمنا) فهي على وزن (//5//5) (متفعلن).
__________
(1) قيل المراد بأرضنا، أرض المدينة المنورة ببركتها. وبعضنا، الرسول الاكرم، لشرف ريقه فيكون ذلك مخصوصاً. ينظر: عمدة القارئ: 21/269.
(2) صحيح البخاري: 4/17.(1/31)
هذا هو الإختلاف البسيط بين الحديثين، فقد يرى البعض أن هذا الإختلاف ليس له تأثير من الناحية الإيقاعية، ولكن المدقق فيه يجد اختلافاً واضحاً وجلياً يشعر به اللسان المطلع على الأوزان العروضية.
بقي ان ننظر الى فقر الحديث الشريف، حيث أنها متعادلة ومتساوية من جهة طولها وقصرها، فكل جملة من جملها تتكون من كلمتين اثنتين بغض النظر عن عدد الأحرف التي تكون هذه الكلمة، ولتوضيح ذلك نأخذ هذه الكلمات: (تربة، بريقة، يشفى، باذن)، صحيح انها كلمة واحدة من حيث شكلها، ولكنها من ناحية التوازي لا تمت لاختها بالصلة الوثيقة.
اذا فقارئ الحديث الشريف، لا يشعر بالصدمة في الحالة النفسية، بل إنه يشعر بارتياح وغبطة، لتساوي فقر الكلام، ولكن لكوننا ندرس الحديث من وجه التوازي، يتعين علينا أن نبحث في دقائق الأمور، التي لا ينتبه اليها الا المتخصص في حقل العروض والأوزان. فكما لبيت الشعر عندما تتساوى وتتفق كلماتها والفاظها في عدد حروفها دون الوزن، اثرٌ على عدم قبولها عروضياً، كذلك الأمر في فقر الحديث الشريف، فلكوننا متناولينها من ناحية الموازنة والتوازي، يجب علينا ان نشير الى ما نبتغيه ونسعى من اجله.
ومن الأحاديث التي توازي بنية الحديث السابق، قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ) عندما كان يتعوذ من: "جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الاعداء" (1) قبل كل شيء، الملاحظ على جو الحديث الموسيقي بشكل عام، أنه ذو ايقاع موسيقى هادئ ممتد، توحي بهما كلٌ من (الألف والهمزة) اللتان تعطيان بدورهما للنفس المد والإستطالة، على العكس من الأحرف الأخرى التي لا تمتاز بهذه الميزة باستثناء (الواو والياء) (2) .
__________
(1) صحيح البخاري: 4/105.
(2) ينظر: جرس الألفاظ ودلالاتها في البحث البلاغي: 137.(1/32)
اما من ناحية توازي أطراف الحديث الشريف، من حيث قرائن السجع، وطول وقصر فقرها، فإننا نرى قرائن السجع في الكلمات (البلاء، الشقاء، القضاء) هي متوازنة ومتوازية في الوقت نفسه، فكلها على وزن (//55) (فعو) تفعيلةٌ (بحر المتقارب) المحذوفة، عدا قرينة (الاعداء) فانها على وزن (/5/55) المختلفة عروضياً عن اخواتها الأُخر. اما تناسب الجمل طولاً وقصراً فإنها متلائمة ومتطابقة، فكل جملة من الجمل تتكون من كلمتين، هذا إذا نظرنا اليها من حيث كم الكلمات، اما إذا نظرنا اليه من جهة نوع الكلمات، فإن اختلافاً بسيطاً ينتابها في التقطيع العروضي لا غير.
ولموضوع التوازي أهمية كبيرة من الناحية الإيقاعية – في تكثيف الأثر على المتلقي، يقول جابر عصفور: "وايقاع التناسب بين العناصر، يجعلنا قادرين على رؤية الأشياء من منظور متميز، أكثر رحابا ودقة مما الفناه في ادراكنا العادي" (1) .
واشار ايضاً الى أهمية التوازي والتناسب في ابراز شخصية الشاعر أو الناثر بقوله: "إن أهم ما يميز الشاعر عن غيره، هو القدرة التخيلية، التي تجعله قادراً على الجمع بين الاشياء المتباينة والعناصر المتباعدة، في علاقات متناسبة، تزيل التباين والتباعد وتخلق الإنسجام والوحدة" (2) .
والتوازي يصيرُ احياناً الى قانون التكرار، حين لا يقتصرُ على التشابه في صفحة التركيب وترتيب الاجزاء، بل يعيدُ النسق حروفه (3) . وهذا ما يسمى بـ "توازي التكرار النبري الجزئي" (4) .
__________
(1) مفهوم الشعر: 282.
(2) م.ن: 282.
(3) ينظر: الفاصلة في القرآن: 276.
(4) ينظر: التوازي في القرآن الكريم: 27 (أطروحة دكتوراه).(1/33)
اما امثلتهُ في الحديث الشريف فهي كثيرة، منها قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "رباط يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضع سوط احدكم من الجنة خير من الدنيا ومن عليها، والروحة يروحها العبدُ في سبيل الله أو الغدوة خيرٌ من الدنيا وما عليها" (1) .
الرباط هو المرابطة أي ملازمة ثغر العدو، وقوله "وما عليها" أي على الدنيا وفائدة العدول عن قوله وما فيها، هو أن الاستعلاء أعم من الظرفية وأقوى، فقصده زيادة في المبالغة (2) . وقال ابن دقيق العيد (3) في قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "خيرٌ من الدنيا وما عليها"، يحتمل وجهتين:
احداهما: أن يكون من باب تنزيل المغيب منزلة المحسوس، تحقيقاً له في النفس، لكون الدنيا محسوسة في النفس، مستعظمة في الطباع، فلذلك وقعت المفاضلة بها، وإلا فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة.
والثاني: المراد أن هذا القدر من الثواب، الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا كلها لانفقها في طاعة الله تعالى (4) .
وقد اختار ابن حجر العسقلاني الرأي الأخير معللاً اختياره بقوله: "والحاصل أن المراد تسهيلُ أمر الدنيا، وتعظيم أمر الجهاد" (5) .
__________
(1) صحيح البخاري: 2/152.
(2) ينظر: عمدة القاري: 14/176، وينظر: فتح الباري: 6/107.
(3) هو الشيخ تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع الامامة العلامة شيخ الاسلام ابن دقيق العيد القسيري المنفلوطي المصري المالكي الشافعي أحد الأعلام وقاضي القاضاة. ولد سنة 625هـ وتوفي سنة 702هـ. له مجموعة من التصانيف منها "الالمام والامام" وله "علوم الحديث" وكان محدثاً اصولياً نحوياً شاعراً ... ينظر: الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي: 4/193.
(4) ينظر: فتح الباري: 6/17.
(5) م.ن: 6/17.(1/34)
فالملاحظ على الحديث الشريف، أن عبارة: "خيرٌ من الدنيا وما عليها" تكررت ثلاث مرات فيه، بحروفها وكلماتها، إلا أن العبارة في المرة الثانية أستبدل فيها "ما" بـ"من" وهذا التغيير لا يؤثر على تكرار العبارة كلها؛ وذلك لان الوزن العروضي لـ"ما" هو ( ... ... ) والامرُ نفسه في (من).
إن تكرار بعض الأصوات والكلمات والعبارات في انساق معينة، يوحي بمعان معينة تعزز الدلالة المراد ابرازها، وتلفت ذهن المتلقي اليها (1) . إذاً فتكرار عبارة "خيرٌ من الدنيا وما عليها"، يفيدُ لتعظيم أمر الجهاد والحط من شأن الدنيا.
اما إذا نظرنا الى العبارة التي كررت ثلاث مرات في الحديث من الناحية الإيقاعية المتوازية لوجدناها خفيفةٌ وسلسة، أضفت على الحديث – من جراء توازيها وتكرارها – جواً من السيولة والصيرورة في الإيقاع، فاللكمات تنساب علىاللسان انسياب الماء في مجراه، اضف الى ذلك فإن العبارة من مجزوء الرجز، إذا ما قطعناها عروضياً؛ لتتوازن كلياً ايما توازٍ:
خيرٌ من الدنيا وما عليها ... خيرن مند ... دنيا وما ... عليها
/5/5 //5 ... /5/5 //5 ... //5/5
//ب/ ... //ب/ ... ب//
مستفعلن ... مستفعلن ... متفعل
هذه العبارة إذا تكررت في قصيدة شعرية لأغنتها بالإيقاع؛ لانسيابيتها وسهولتها؛ فكيف بها وقد تكرت في نص نثري ثلاث مرات، ويزيد من الأمر حلاوة أن الرسول الكريم لم يتقصد في انشاء تفعيلاتها، وانما جاءت عفو الخاطر، وعلى السجية والطبع السليمين.
إذا، فهذا التكرار المتوازي قد جعل الحديث يدل على الغرض باسلوب بلاغي مبين؛ وذلك باجتماع بحر الرجز بتفعيلاته اليسيرة السهلة، وبانسيابية الألفاظ، والتي تدل على حقارة الدنيا وتفاهتها، حيث انها بزينتها وشهواتها لا تساوي رباط يومٍ في سبيل الله، فجاءت هذه الحركة السريعة التي احدثها بحر الرجز، دالة على انقضاء الدنيا وزوالها بشكل سريع.
__________
(1) ينظر: السور المدينة دراسة بلاغية اسلوبية: 133.(1/35)
ومن أمثلة تكرار الحروف والألفاظ من أجل التوازي، قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "يا عبد الله ألم اخبر أنك تصوم النهار، وتقوم الليل فقلتُ: بلى يا رسول الله قال: فلا تفعل صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً ... " (1) .
قولهُ "إن لزورك عليك حقاً"، الزور الضيف، والرجلُ ياتية زائر الواحد والإثنان والثلاثة والمذكر والمؤنث في ذلك بلفظٍ واحد، يقال: هذا رجل زور وقومٌ زور وامرأة زور ... (2) "والزور مصدرٌ وضع موضع الاسم، كصوم في موضع صائم، ونوم في موضع نائم" (3) . وقولهُ "وإن لزوجك عليك حقاً"، "وحقها هنا الوطئ، فاذا سرد الزوج الصوم ووالى قيام الليل ضعف عن حقها" (4) .
لقد كان للتكرار الحاصل في الحديث الشريف، دورٌ هامٌ في أقامة التوازي بين جمل الحديث الشريف، مما أضفى عليه صفة ايقاعية اخذت تقرع السمع بقلقلة القاف في نهاية كل جملة، وهذا التكرار هو "إن ... عليك حقا"، فلو فرضنا في غير سياق الحديث أننا نقول: وإن لجسدك عليك حقاً، ولعينك، ولزورك، ولزوجك، لما تلمسنا الإيقاع الذي صادفنا في الحديث الشريف، ولمررنا على الكلام مر الكرام.
إذا ففعالية التكرار تتجه الى انتاج الدلالة أحياناً، والى انتاج الإيقاع الخالص أحياناً ثم مزج الإيقاع بالدلالة أحياناً ثالثة (5) .
بقي أن نشير الى الكلمات التي تخللت الجمل المتكررة، وهي "لجسدك" لعينك، لزوجك، ولزورك" فلم تكن متوازية بالدرجة الأولى، وإنما كانت متوازية مع اشتراكها في كاف الخطاب إلا في كلمة (لجسدك) والتي لم تكن متوازنة مع الكلمات الأخرى.
__________
(1) صحيح البخاري: 1/377.
(2) ينظر: عمدة القاري: 11/88.
(3) فتح الباري: 4/274.
(4) عمدة القاري: 11/88.
(5) ينظر: البلاغة العربية قراءة أخرى: 404.(1/36)
وبالرغم من ذلك فانها تحولت مع باقي كلمات الحديث المتكررة الى نصٍ متوازٍ لا تريدُ قرائنه بعضها على بعضٍ ولا تنقص، والإيقاع المتوازن المنسجم يشد النفس اليه، ويشوقها ويجعلها أكثر قبولاً للفن القولي المتوفر عليه، عن طريق خلق جو نفسي موسيقي، تنساب معه النفس، وتشعر بالراحة والطرب ... فمن الطبيعي إذن أن يكون الفن القولي المتوازن، أسهلُ حفظاً واثبتُ في الذهن من غيره (1) .
وفي الختام يمكن القول أننا عالجنا في هذا المبحث ثلاثة أنواع من التوازي، فاما النوع الأول منه، فهو التوازي المتوازن بين بنية النص كلياً مع مراعاة الأسجاع في ختام كل جملةٍ، واما النوع الثاني فهو التوازي المتوازن بين قرائن الأسجاع، وفقرها من حيث الطول والقصر، فلم نجد في هذا الأخير توازياً كلياً مثلما الفناهُ في النوع الأول إلا أننا تلمسنا جزءاً منه في كلمات الاسجاع وفقرها طولاً وقصراً. واما النوع الثالث من التوازي فقد خرج الى تكرار بعض الحروف والكلمات لاحداث التوازي بين الجمل المكونة للنص، في حالة عدم وجود المناسبة بين فقرة وقرائنه.
__________
(1) الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية: 64.(1/37)
المبحث الأول
أتصاف دلالة السجع النبوي بالمرونة
وحرية الانتقال
قبل أنْ نشرعَ بالحديث عن دلالة السجع في الحديث النبوي الشريف، يحسنُ بنا أن نقف عند مصطلح الدلالة عند القدماء والمحدثين بشكل مختصر.
فالدلالة عند القدماء تعني – مطلقاً:"كون الشيء بحالةٍ يلزمُ من العلم بع العلم بشيء آخر. والشيء الأول هو الدال والثاني هو المدلول" (1) . أو هي "فهمُ أمرٍ من أمر، وقيل هي كون أمرٍ بحيث يفهمُ منه أمر ... " (2) .
ولا شك أن الذي فهمَ منه أمرٌ هو الأمرُ الدال لا غيره، والذي اتصف به غيره إنما هو الفهم لأمرٍ أي كونه فاهماً له (3) . وهو المدلول.
وثمة توافق عام عند العرب على تقسيم الدلالة ثلاثة أنواع: وضعية (4) ، وعقلية وطبيعية (5) ، وهذا الحصرُ للدلالة في الأنواع المذكورة ليس حصراً عقلياً (6) إذ أن العقل لا يجزم به بمجرد ملاحظة القسمة مع قطع النظر عن العلاقات الحاصلة في الخارج؛ بل هو حصرٌ جعليٌ، أي ناجم بواسطة الإستقراء عن تدخل الجاعل.
__________
(1) التعريفات: 55.
(2) المختصر في فن المنطق، محمد بن يوسف السنوسي: 23، وينظر: التهذيب، سعد الدين التافتازني: 41.
(3) شرح السنوسي على مختصرهِ في فن النطق: 25.
(4) المقصود بالدلالة الوضعية أن تكون الدلالة سببها الوضع، وهو تعيين أمر للدلالة بنفسه، فالدلالة فيها اختيارية تتغير بتغير الوضع، كدلالة اسم زيد على ذاته مثلا. ينظر: شرح السنوسي على مختصره: 25، وينظر: حاشية ابن سعيد على التهذيب: 41.
(5) والدلالة الطبيعة والعقلية ليستا باختيارين إلا أن الطبيعية يمكن تغيرها والعقلية لا يمكن فيها التغيير. والدلالة الطبيعية كدلالة الحمرة على الخجل، والصفرة على الوجل، اما العقلية كدلالة الدخان على النار. ينظر: شرح السنوسي على مختصره: 26، وينظر: شرح الخبيصي على التهذيب: 41.
(6) ينظر: حاشية البيجوري على مختصر السنوسي في المنطق: 27.(1/1)
من وجهة نظر عقلية صرفة، توصل الفيلسوف الأمريكي بيرس الى تقسيم ثلاثي للعلاقات يقترب من أنواع الدلالات عند العرب. فتقسيم العلامة الى شاهد وايقونة ورمز الذي شاع من بعده في السيمياء الحديثة، يشبهُ ولا شك أنواع الدلالات الثلاثة، اعني العقلية والطبيعية. كما أن هناك أكثر من جانب تقارب بين نظرية الدلالة عند العرب والسيماء عند بيرس (1) . لذلك كان من المفيد في هذا السياق توضيح بعض مفاهيم هذا الأخير.
تنطلق السيمياء عنده من التركيب الثلاثي للعلامة من: الماثول أي الدال (2) ، والموضوع أي الأمر الخارجي، والتعبير أي الصورة الذهنية التي تصدر عن المعبر (3) .
فالعلامة، أي الدلالة، هي إذن علاقة ثلاثية بين ثلاث حيثيات:
علامة ل (ماثول، موضوع، تعبير)
وكل حيثية من الحيثيات الثلاثة، تخضع بدورها لتفريع ثلاثي، فالتفريع الشائع للعلامة، الى شاهد وأيقونة ورمز، ليس على وجه التحديد سوى تفريع لها بالنسبة للموضوع. اما بالنسبة للماثول فتتفرع الدلالة وفقاً للمقولات الثلاث على التوالي الى: علامة كيفية، علامة عينية، وعلامة قانونية، واما بالنسبة للتعبير، فتكون ما تصديقاً أو تصوراً أو حجة (4) .
__________
(1) علم ادلالة عند العرب – دراسة مقارنة مع السيمياء الحديثة، عادل فاخوري: 13.
(2) الدال: هو الصوت المتلفظ به، والمدلول: هو الفكرة أو الشيء. ينظر: بنية اللغة الشعرية: 27. وبتعبيرٍ آخر: هما الصورة الصوتية والفكرية، فالصوتية تعني الدال، والفكرية تعني المدلول. ينظر: علم الدلالة، بالمر: 31، ترجمة: مجيد الماشطة.
(3) علم الدلالة عند العرب – دراسة مقارنة مع السيمياء الحديثة: 14.
(4) م.ن: 14.(1/2)
استناداً الى هذه المفاهيم، لا تستقيم العلامة بالمعنى الكامل إلا بالتئام ثلاثة فروع، كل فرعٍ من إحدى الحيثيات الثلاث، وعلى ذلك مثلاً تكون إشارة السير علامة تصريفية شاهدية قانونية، وكلمة "بيت" علامة تصورية رمزية قانونية (1) .
بعد هذه المقدمة "فإن للدلالة مكانة في غاية من الأهمية، بل لقد كانت الدلالة في جل ما ألف في التراث الديني عامة، والقرآن خاصة المرمى المستهدف والضالة المنشودة، غير أن تلك المصنفات لم تكن لتتناول قضية الدلالة بدرجةٍ واحدة من الوعي بها، وانتهاج السبل اليها والتنظير. فالدلالة في كتب تفسير القرآن، ممارسة تأويلية أولاً، وقبل كل شيء فان كان من تقعيد (2) لها فعرضي في الغالب. والدلالة في كتب الفقه برهانية بالدرجة الأولى في اعتقادنا، تقوم اساساً على مقارعة النصوص، لتفند اجتهاد الخصم وتشرع لاجتهادها ... الخ" (3) .
اما الدلالة في الحديث النبوي الشريف، فانها تفهم من قولهِ ( - صلى الله عليه وسلم - ): "نحن معاشرَ الأنبياء، أمرنا أنْ نكلم الناس على قدرِ عقولهم" (4) . فعلى ضوء الحديث الشريف، نستطيع أن نقول ليس بالامكان الإمساك بدلالات الأحاديث النبوية الشريفة، وذلك لانها مرهونة بمستوى المخاطبين، والمخاطبون هم على أصناف، فمنهم من لا يمتلك ثقافة، ومنهم من هو متوسط الثقافة، ومنهم من هو سامي الثقافة، ومنهم المستهزى، ومنهم المتفهم، ومنهم المتعصب، ومنهم الهادئ ... الخ من الصفات الحميدة والذميمة. والرسول الكريم ( - صلى الله عليه وسلم - )، يتكلم مع كل واحد من هذه الفئات بما يناسبه؛ فمن أجل ذلك تتعدد الدلالات في حديثه.
__________
(1) علم الدلالة عند العرب – دراسة مقارنة مع السيمياء الحديثة: 15.
(2) والتقعيد: يعني ايجاد القواعد للمسائل.
(3) قضايا اللغة في كتب التفسير – المنهج – التأويل – الإعجاز، د. هادي الجطلاوي: 201.
(4) اتحاف السادة المتقين، محمد مرتضى الزبيدي: 2/65.(1/3)
عموماً "فقد كان يغلب على كلامه ( - صلى الله عليه وسلم - ) طابع الايجاز، حيث كان لا يحبذ الثرثرة، والإندفاع في الكلام، ... كما في قوله "كفا بالسلامة داء" (1) ، وهذه من أحسن وأبلغ وأوجز كلامه، حيث انها ثلاث كلمات تحمل بين طياتها معانٍ جمة، ملخصها أن السلامة تفضي الى الأدواء القاتلة والأعراض المهلكة؛ لأن طولها يؤدي الى موت شهوات، وانقطاع اللذات، وافات الهرم، فَحَسَنٌ من هذا الوجه ان تسمى داء اذا كانت مؤدية اليه" (2) .
اما دلالات السجع – خاصة - في الحديث النبوي الشريف، فقد كانت ذات اتجاهين:
1- الأول جاء موجزاً قصيراً مناسباً مع الحدث الكائن، ومناسباً مع مستوى وعي المخاطب.
2- اما الإتجاه الثاني فقد اعتراه شيئً من الطول، مع لون من التفصيل، وخلو يكاد يكون كلياً من التفاعل النفسي السريع، الذي وجدناه سيد الموقف في الإتجاه الأول.
المطلب الأول
اختلاف دلالة السجع باختلاف الحدث والمخاطب
1-
قال رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجلُ راعٍ في اهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته" (3) .
__________
(1) لم اجد الحديث في كتب الصحاح والمسانيد حسب اطلاعي، ونقلته على ذمة الباحث.
(2) الايجاز في العربية، آمال الزين: 22، بحث منشور في شبكة الانترنيت على موقع موجات www.mogat.com 2004.
(3) صحيح البخاري: 1/160.(1/4)
الحديث النبوي الشريف منتزع من البيئة العربية التي تقوم غالباً على حياة الرعاية، والسقاية، والماشية، والزروع. والرسول الكريم يخاطب العرب بلغتهم، والاسلوب الذي يدركون التوجيه من خلاله، في ما لا يفارق انظارهم، وما يقع تحت أيديهم. والرسول يخاطب الناس لا بمنطق الفلاسفة من الأبراج العاجية، بل بما يألفون ويعرفون، يبدأ بهم من درجة السلم الأولى، حتى إذا استمسكوا بها، تركهم يصعدون بمدى ما يطيقون (1) .
وفي الحديث الشريف من التشبيه البليغ، ما حذفت منه أداة التشبيه، ووجه الشبه وبقي فيه الطرفان الأساسيان: المشبه والمشبه به، ومن ذلك: (الإمام راعٍ، الرجل راعٍ، المرأة راعية، كلكم راعٍ) (2) .
فالإمام هو الأمير، أو المسؤول الكبير في الجماعة، وفي الدولة. وهو أول ما تناوله الحديث، بعد تقرير مبدأ المسؤولية العامة، وذلك لخطورة مسئوليته ومدى أثرها، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، فهو مسئول عن حقوق مواطنيه ... ومن هنا كان الإمام العادل أول من يبشره الرسول ( - صلى الله عليه وسلم - ) من بين السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم، لا ظل إلا ظله ... (3)
"فان قيل: قوله "كلكم راعٍ" يعمم جميع الناس فيدخل فيه المرعى ايضاً، فالجواب انه مرعى باعتبار، وراعٍ باعتبار، حتى ولو لم يكن له احد، كان مراعياً لجوارحه وحواسه، لانه يجب عليه أن يقوم بحق الله وحق عباده ... " (4) .
__________
(1) ينظر: أدب الحديث النبوي الشريف: 154.
(2) م.ن: 154.
(3) م.ن: 155.
(4) فتح الباري: 2/484.(1/5)
وكذلك لكل نوع من العمل، ولكل فئةٍ من الناس مسئولياتها، كالأب، والابن، والموظف والمعلم ... فالجميع عليهم أن يستشعروا أن الله جعل أعمالهم بيدهم امانات في اعناقهم، فكلهم مسئولٌ عما وكل به اليه، أمامَ دولته في دنياه، ... وأمامَ الله يوم تجزى كل ما كسبت ... (1) ، إذاً لَنْ يكونَ للعبارات من معنى إلا بعلاقتها مع الواقع الذي تصفه (2) .
وهناك طريقة اخرى يمكن من خلالها معرفة الدلالة، ألا وهو الصوت "النبر" فقد تتغير الدلالة باختلاف موقعهِ من الكلمة. فبعض الكلمات الإنجليزية تستعمل "اسماً" إذا كان النبر على المطلع الأول منها، فاذا انتقل النبر على مقطع آخر من الكلمة، اصبحت "فعلاً" وتستعمل حينئذٍ استعمال الأفعال (3) .
يمكن الإستفادة من الكلام السابق، وذلك بتطبيقه على الحديث الشريف، فلو فرضنا أن زيادة الضغط على عبارة "مسئول عن رعيته" جاء من خلال النبر، فان ذلك سوف يثير الغرابة عند السامع ويلفت سمعه لها، مما يُكونُ عنده حدساً معيناً بأن وراء هذه العبارة نكتةٌ مهمة أراد القارئ بنبر الصوت بيانها، وهذا له الدور الكبير في زيادة معرفة القصد من دلالة اللفظ. وخصوصاً أن الدلالة "هي أصل الإرتباط بين اللفظ والمعنى" (4) .
فبهذه الصيغة اللطيفة، استطاع الرسول الامين أن يوصل مفهوم المسئولية والمسئولين، الى العربي من أهل البادية، وذلك من خلال القدرة على ربط الألفاظ بواقعها، فالعربي حينما وجد أن هذه المسئولية الجديدة التي كلف بها، هي نفسها التي يمارسها خلال ايامه العادية، من ذكر لكلمات محببةٍ الى طبعه (كالراعي والرعية) اللتين قد ألفهما، صار من السهل عليه أن يتقبل مثل هذا الكلام.
__________
(1) ينظر: ادب الحديث النبوس الشريف: 156.
(2) ينظر: الأدب والدلالة، ت. تود وروف: 10.
(3) ينظر: دلالة الألفاظ، ابراهيم انيس: 46.
(4) الروض المريع في صناعة البديع، ابن البناء المراكشي: 74.(1/6)
2- عن أبي زرعة عن أبي هريرة، قال: أتى جبريل النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) فقال يارسول الله: هذه خديجة قد أتت معها إناءٌ فيه إدامٌ أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك، فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها بيتٍ في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب" (1) .
قال السهيلي (2) : "النكتةُ في قوله: "من قصب" ولم يقل من لؤلؤ، أن في لفظ القصب مناسبة لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها الى الإيمان دون غيرها؛ ولذا وقعت هذه المناسبة في جميع هذا الحديث. وفي القصب مناسبة أخرى من جهة إستواء أكثر أنابيبه، وكذا كان لخديجة من الإستواء ما ليس لغيرها، إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن، ولم يصدُرْ منها ما يغضبه قط كما وقع لغيرها ... " (3) .
وقال السهيلي: "ولذكر البيت معنى لطيف؛ لأنها كانت ربة بيت قبل المبعث، ثم صارت ربة بيت في الإسلام، فلم يكن على وجه الأرض في أول يوم بعث النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) بيتُ اسلامٍ إلا بيتها، وهي فضيلة ما شاركها فيها أيضاً غيرها، قال: وجزاء الفعل يذكرُ غالباً بلفظهِ وإن كان أشرف منه؛ فلهذا جاء في الحديث بلفظ البيت دون لفظ القصر" (4) .
__________
(1) صحيح البخاري: 2/315.
(2) هو عبد الرجمن بن عبد الله بن أحمد بن إصبع الخثعي، ولد بسهيل (قرية بالقرب من مالقة بالاندلس سنة (508هـ) وتوفي سنة (581هـ)، محدثٌ، حافظ نحوي، لغوي، مقرى، أديب، مورخ. من مؤلفاته (التعريف والأعلام فيما ابهم في القرآن من الأسماء والأعلام، والروض الانف في شرح تفسير ما اشتمل عليه حديث السيرة النبوية لابن هشام، وغيرها) ينظر: معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة: 5/147.
(3) فتح الباري: 7/172-173.
(4) فتح الباري: 7/173.(1/7)
وفي البيت معنى آخر؛ لأن مرجع أهل النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) اليها، لما ثبت في تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (1) قالت أم سلمة: "لما نزلت دعا النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) فاطمة وعلياً والحسن والحسين، مجللهم بكساء فقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي" (2) ، ومرجع أهل البيت هؤلاء الى خديجة؛ لان الحسنين من فاطمة وفاطمة بنتها وعلي نشأ في بيت خديجة وهو صغير، ثم تزوج بعدها، فظهر رجوع أهل البيت النبوي الى خديجة دون غيرها (3) .
وقوله: (لا صخب فيه ولا نصب) الصخبُ بفتح المهملة والمعجمة بعدها موحدة: الصياح والمنازعة برفع الصوت، والنصب بفتح النون والمهملة بعدها موحدة التعب (4) .
فقارئ الحديث الشريف، لا يتبادر الى ذهنهِ هذه الدلالات العميقة والدقيقة، التي قصدها الرسول الأمين من خلال كلمتي (القصب والبيت)، فمهما يؤتى الإنسان من البلاغة والفصاحة، لا يمكن أن يوظفهما هذا التوظيف الدال على المعنى بأقصر الطرق.
__________
(1) سورة الاحزاب، الاية: 33.
(2) سنن الترمذي، محمد بن عيسى، تحـ: احمد محمد شاكر: 5/328.
(3) فتح الباري: 7/173.
(4) م.ن: 7/173.(1/8)
ولو أردنا أن نقارن بين هذا الحديث والذي سبقهُ؛ لوجدنا بينهما من المفارقات الشيء الكثير؛ وسبب ذلك هو اختلاف المخاطب والحدث، فعندما خاطب الرسول ( - صلى الله عليه وسلم - ) الجاهلي الذي انشغل بالرعي والزراعة، استخدم الفاظاً قريبةً من واقعهِ ومحببةً الى نفسهِ، وعندما خاطب السيدة خديجة أتى بالفاظٍ مناسبةٍ لها، ومحببةٍ الى نفسها ايضاً، وجديرةٌ هي بها. فلو بشر النبي الكريم إمراةً غير خديجة؛ لكانت الألفاظ – والله اعلم – مختلفة تماماً؛ لان ما تحمله السيدة خديجة من الصفات لا يوجد عند غيرها من النساء، كما صرح بذلك ابن حجر العسقلاني "وهي فضيلةٌ ما شاركها فيها غيرها" (1) .
إذا فمفهوم الدلالة لا يقتصر على معنى كل عنصر من العناصر، التي تدخل في تكوين العمل الأدبي، ولا على شبكة العلاقات بينها، بل لابد أن تشمل طريقة أدائها لوظائفها وكيفية انتظامها في هذا النسق، لتحقق فعالية جمالية خاصة (2) .
لم يقتصر اختلاف دلالة السجع باختلاف الحدث والمخاطب في النثر فحسب، بل تعداه الى المناظرات التي كانت تحدثُ بين الطرفين المتنازعين، نعم، فالرسول الكريم عندما كان يرى أن دين الإسلام الحنيف يتطلب مناظرة لنصرته كان يفعلها. فهذا أبو سفيان أخذ يرتجز يوم أحد قائلاً: اعلُ هبل اعلُ هبل. قال النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) الا تجيبوا له؟ قالوا يارسول الله ما نقول؟ قال: "الله أعلى وأجل". قال: قال: إن لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) الا تجيبوا له؟ قال: قالوا: يارسول الله ما نقول؟ قال قولوا: "الله مولانا ولا مولى لكم" (3) .
__________
(1) م.ن: 7/173.
(2) ينظر: انتاج الدلالة الأدبية، د. صلاح فضل: 5.
(3) صحيح البخاري: 2/175.(1/9)
قوله: (اعلُ هبل)، قال السهيلي: معناه زاد علواً (1) ، وهبل بضم الهاء وفتح الباء الموحدة إسم صنم كان في الكعبة، ويحتمل أنه أراد بذلك أن يعيير المسلمين حين إنحازوا الى الجبل (2) . وقولهُ: "الا تجيبوا له" بحذف النون بغير الناصب والجازم لغةٌ فصيحة ويروى: الا تجيبونهُ. قوله: "العزى" تأنيث الأعز: اسم صنم كان لقريش ... وقوله: "الله مولانا ولا مولى لكم" يعني الله ناصرنا (3) .
إذاً فالمناظرة ستكون كالآتي:
أبو سفيان ... الرسول الكريم ( - صلى الله عليه وسلم - )
أعلُ هبل. أعلُ هُبل ... اللهُ أعلى وأجَل
لنا العزى ولا عزى لكم ... الله مولانا ولا مولى لكم
فلو أخذنا قول الرسول الكريم: "الله أعلى وأجل، والله مولانا ولا مولى لكم"، لوجدنا أنه جاء موزوناً، فالشطر الأول منه على وزن: مستفعلن مستعلن، والشطر الثاني على وزن مستفعلن مستفعلن مستفعلن. والوزنان من بحر الرجز، فهل يعني هذا أن الرسول الامين يقول شعراً؟ فالجواب: "إن الفحول من العرب والشعراء لا يعدون الرجز شعراً، ولا الرجاز شعراء، ألم يسموا الرجز "حمار الشعر"؟ وما أهونه في نفوس الفصحاء، وما أضعف قيمته، وما أسهل قوله. إنه لا يعدو إقامة ضرب من الوزن على هيئة "مستفعلن" ويسمح بهذه التفعيلة أن تجزأ، وتقص، ويزاد فيها، وينقص، مادات في الرجز، بل إن الرجز يتقبل من قائله التجزيء، والتشطير، والإنهاك وكل علةٍ وضعف ... لهذا فهو في مرتبة السجع والكلام العادي، لا أكثر ولا أقل، فلا غرابة بعد هذا أن يتمثل الرسول بالرجز، كما يتمثل بأقوال، وحكم، ومأثورات نثرية، وليست القصة تحريماً أو تحليلاً" (4) .
__________
(1) فتح الباري: 7/447.
(2) ينظر: عمدة القاري: 14/84.
(3) م.ن: 14/84.
(4) أدب الحديث النبوي: 108.(1/10)
وكذلك طعن في قوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) (1) وزعم أنه شعر في تقدير مستفعلن مفاعلن، وطعن في قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ) في الحديث عنه: "هل أنت إلا إصبعٌ دميتِ؟ وفي سبيل الله مالقيتِ" (2) . فيقال له: إعلم انك لو اعترضت أحاديث الناس وخطبهم ورسائلهم، لوجدت فيها مثل: مستفعلن مستفعلن كثيراً، ومستفعلن مفاعلن. وليس أحدٌ في الأرض يجعلُ ذلك المقدار شعراً. ولو أن رجلاً من الباعة صاح: من يشتري باذنجان؟ لقد كان تكلم بكلام ستفعلن مفعولات. وكيف يكون هذا شعراً وصاحبهُ لم يقصد الى الشعر (3) ؟
فالغاية الملموسة من الحديث، أن الرسول الأكرم لم يرد من قوله الشريف شعراً، وإنما أراد منه مخاطبة الخصم بما يفهم من اللغة، فلما كان الرسول الكريم والمسلمون في حالة حرب وغزو، كان الرجز من أنسب الأقوال للموقف. وكأن النبي أراد أن يهون على المسلمين ما أصابهم من الإنسحاب المادي، بشيء من الإنتصار المعنوي المتجسد في رجزه الشريف، الموحي بأنهم باقون على جهادهم وتضحيتهم.
وكذلك قوله ( - صلى الله عليه وسلم - )، عن أنس بن مالك قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم ويقولون:
نحنُ الذين بايعوا محمد ... ... ... على الإسلام ما بقينا أبدا
والنبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) يجيبهم ويقول: "اللهم إنه لا خير إلا خيرُ الآخرة، فبارك في الانصار والمهاجرة" (4) .
__________
(1) سورة اللهب، الآية: 1.
(2) صحيح البخاري: 4/73.
(3) ينظر: البيان والتبيين: 1/288.
(4) صحيح البخاري: 2/143.(1/11)
قوله "اللهم إنه لا خير إلا خيرُ الآخرة، فبارك في الأنصار والمهاجرة"، وفي رواية أخرى: "اللهم إن العيش عيشُ الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة". قال ابن بطال: ليس هو من قولِ رسول ( - صلى الله عليه وسلم - ) بل هو من قولِ ابن رواحة، ولو كان من لفظهِ لم يكن بذلك شاعراً، ولا ممن ينبغي له الشعر، وانما يسمى به من قصد صناعته، وعلم السبب والوتد، والشطر وجميع معانيه من الزحاف والخرم والقبض، ونحو ذلك (قلت) أي العيني: فيه نظر لأن شعراء العرب لم يكونوا يعلمون ما ذكره من ذلك. وقولُهُ "إن العيش" أي العيش المعتبر أو العيش الباقي، وقوله "فاغفر الأنصار" ويروى (للأنصار) ويخرج به عن الوزن قوله "بايعوا" ويروى "بايعنا" وفيه من الفوائد، أن للحفر في سبيل الله، وتحصين الديار، وسد الثغور منها أجر كأجر القتال، والنفقة فيه محسوبة في نفقات المجاهدين الى سبعمائة ضعف، وفيه استعمال الرجز والشعر، إذا كانت إقامة النفوس وإثارة الأنفة والمعرة (1) .
وسواءٌ أكان الرجز من قول النبي، أم من قول ابن رواحة، فان الغاية هي ملائمة الحديث للمخاطب والموقف، ولا يخفى ما للكلام الموزون من الأثر على المخاطب والشد من ازره، كما يقول جابر عصفور: "ومن المؤكد أن اقتران الوزن بالتخييل الشعري، ليس أمراً عشوائياً، أو مجرد إكمال لتعريف الشعر. وإنما هو أمرٌ يرتبط بخاصية الوزن نفسه، من حيث تأثيره الذاتي في التلقي ... " (2) .
فلما علم النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) أن المسلمين في حالةٍ من التعب والنصب، أختار لهم شيئاً من رجز ابن رواحة، والذي بدوره يستميل عواطفهم ويزيد من معنوياتهم، ويخفف عنهم ما يخفف من عناء الكد والعمل، وهم منشغلون بحفر الخندق.
فإن دل هذا الحديث على شيء، فإنه دل على مخاطبة النبي الكريم الناس بما يريدون ويرغبون، فالنفوس بفطرتها تميل الى ما تحب وتصبو، وتنفر مما تكره.
__________
(1) ينظر: عمدة القاري: 2/143.
(2) مفهوم الشعر: 157.(1/12)
هذا وقد وصل الأمر بالنبي الى أنه خاطب أحد أعضائهِ – على سبيل المجاز – عندما أصابه جرحٌ بسيط، عن الأسود بن قيس سمعتُ جندباً يقول: بينما النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) يمشي إذا صابه حجر فعثر فدميت إصبعه فقال: "هل أنتِ إلا إصبعُ دميتِ، وفي سبيل الله ما لقيتِ!" (1) .
وقد أختلف في أنه هل يجوز للنبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) ان يحكي الشعر؟ يقول ابن حجر العسقلاني: "وقد تقدم في غزوة حنين قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" (2) وإنه دل على جواز وقوع الكلام منه منظوماً من غير قصدٍ الى ذلك، ولا يسمى ذلك شعراً. وقد وقع الكثير من ذلك في القرآن العظيم، لكن غالبها أشطار أبيات، والقليل منها وقع وزن بيت تام (3) ، فمن التام قوله تعال: (الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ) (4) و(وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) (5) فالآية الأولى من مجزوء الرجز، والآية الثانية من مجزوء الرمل.
وموضع الإستشهاد، أن الرسول الكريم أراد أن يهون حجم هذا الالم الذي أصابه؛ جراء هذه العثرة، إذا ما قاسه بنعم الله، وعبر عن هذا الموقف ببيت من الشعر على بحر الرجز، ولعله جاء به، لسهولته التي تتناسب مع بساطة جرحه، وبهذا يكون قد خاطب الحدث بما يكفيه. والله اعلم.
المطلب الثاني
الدلالة الهادئة للسجع في
الحديث النبوي الشريف
__________
(1) صحيح البخاري: 4/73.
(2) م.ن: 2/148.
(3) فتح الباري: 10/665.
(4) سورة التوبة، الآية: 112.
(5) سورة النمل، الآية: 23.(1/13)
برز إتجاهٌ ثانٍ في الأحاديث النبوية الشريفة، اختلف عن الإتجاه الأول المشار اليه، تحت عنوان "اختلاف دلالة السجع باختلاف الحدث والمخاطب"، وهو ما اسميناه "الدلالة الهادئة للسجع"، ونقصد بالدلالة الهادئة، أننا لم نتلمس فيها تلك الحركة والسرعة المرتبطتين بمستوى وعي المخاطبين، بتعبير آخر أننا لم نجد فيها الطرفين المخاطِب والمخاطَب بارزين جليين، بل اننا نعلم المخاطِب، والمخاطَب مجهولٌ يدل على العموم. وهذا بدوره يقلل من فعالية السجع وحرارته. ويبدو على هذا الأخير شيء من طول النفس في التعبير، وقبسٌ من التفصيل.
منها قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "الخيلُ لرجلٍ أجرٌ، ولرجلٍ سترٌ، وعلى رجلٍ وزرٌ. فأما الذي له أجرٌ، فرجلٌ ربطها في سبيل الله، فأطال بها في مرجٍ أو روضةٍ، فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات، ولو أنه إنقطع طيلها فاستنت شرفاً أو شرفين منه، ولم يردْ أن يسقيَ كان ذلك حسناتٌ له، فهي لذلك أجرٌ، ورجلٌ ربطها تغنيناً، وربطها فخراً ورياءً ونواءً، لأهل الاسلام فهي على ذلك وزرٌ" (1) .
وجهُ حصر الخيل في الثلاثة: أن الذي يقتني الخيل إما أن يقتنيها للركوب، أو للتجارة، وكلٌ منهما إما أن يقترن به فعل طاعة الله وهو الأول، أو معصيته وهو الأخير، أو يتجرد عن ذلك وهو الثاني (2) .
"وقوله "أجرٌ" أي ثواب، وقوله "ستر" أي ساتر لفقره ولحاله، وقولهُ "وزر" أي إثمٌ وثقل. وقولهُ "ربطها في سبيل الله" أي اعدها للجهاد، وأصلهُ من ربط الشيء، ومنه المرابط وهو الرجل يحبسُ نفسه في الثغور والرباط، وهو المكان الذي يرابط فيه المجاهد، ويعد الأهمية لذلك ... " (3) .
__________
(1) صحيح البخاري: 2/53.
(2) ينظر: فتح الباري: 6/79.
(3) عمدة القاري: 12/215.(1/14)
وقولهُ "فاطال بها في مرج" أي شدها في طوله، والطول أو الطيل: الحبل الطويل يشدُ أحد طرفيه في وتد أو غيره، والطرف الآخر في يد الفرس ليدورّ فيه ويرعى، ولا يذهب لوجهه ... (1) (والمرْجُ) موضع كلا أو الأرض الواسعة ... والجمع مروج. وقوله "فآستنت" أي افلتت ومرحت، أو عدت بمرحٍ أو نشاط (2) . وقوله "شرفا" ما أشرف من الأرض وارتفع، أي ابتعدت عن الموضع الذي ربطها صاحبها (3) .
وقوله "تغنياً" أي استغناء الناس بطلب نتاجها الغنى والعفة، و"تعففاً" أي لاجل ذلك تعففه عن سؤالهم بما يعملهُ عليها ويكتسبه على ظهورها ويتردد عليها الى متاجرة او مزارعة ونحو ذلك فتكون ستراً له عن الفاقة، وقوله "ثم لم ينسَ حق الله في رقابها" فيؤدي زكاة تجارتها، وقوله "ولا ظهورها" أي لا يهمل عليها مالا تطيقهُ (4) .
وقوله "فخراً" أي لاجل التفاخر، وقولهُ "رياءً" أي لاجل الرياء، والرياء إظهار للطاعة والباطن بخلافه (5) ، وقوله "نِواءً" أي لاجل النواء وهي المعادات بكسر النون (6) .
فلو عدنا الى الحديث الشريف مرةً أخرى، لوجدنا أن الغالب عليه هو طول النفس مع القدر اللازم من التفصيل، يتخللها نغمةٌ هادئةٌ تنبعث من ثنايا هذا الطول.
ولم تكن الاستطالة في الحديث الشريف مخلةً بجماليتهِ، بل جاءت في محلها ومكانها، والدليل على ذلك أننا لو سمعنا قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "الخيل لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزرٌ" لوحده؛ لاستغربنا من غموض دلالاته المفتقرة الى التفصيل.
ولا ننسى أن "السجع الطويل أسهل تناولاً من السجع القصير، لان طول تأليفهِ يجعلُ رصفهُ أخف مئونةً على منشئيه" (7) .
__________
(1) ينظر: عمدة القاري: 12/215.
(2) ينظر: م.ن: 12/215 وإرشاد الساري: 5/74.
(3) ينظر: عمدة القاري: 12/215.
(4) ينظر: عمدة القاري: 12/216.
(5) ينظر: إشارة الساري: 5/74.
(6) عمدة القاري: 12/216.
(7) البديع في ضوء أساليب القرآن: 130.(1/15)
فمن أجل ذلك وجدنا في هذا الحديث دلالةً تختلف عن الدلالات التي الفناها في المطلب الأول من هذا المبحث، ولعل هذا هو الانسب في معالجة أمر اجتماعي، يتطلب المتلقي لفهمه السعة من الدلالات، يقول د. ابراهيم انيس: "اما الدلالة الاجتماعية للكلمات فتظلُ تحتل بؤرة الشعور، لانها الهدف الاساسي في كل كلام. وليست العمليات العضلية التي تقوم بها في النطق بالأصوات الا وسائل يرجو المتكلم أن يصل عن طريقها الى ما يهدف من فهم أو إفهام" (1) .
ومن الاحاديث التي تحمل دلالاتٍ هادئةً، قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "يخرجُ من النارِ من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرجُ من النارِ من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرجُ من النارِ من قال لا إله الا الله وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرة" (2) .
قولهُ "من الخير" أي من الإيمان، وقولهُ "ما يزن" أي ما يعدل ... ، وفي الحديث بيان فضيلة النبي ( - صلى الله عليه وسلم - )، حيث أتى بما خاف منهُ غيره، وفيه شفاعته لأهل الكبائر من امته (3) .
__________
(1) دلالة الالفاظ: 49.
(2) صحيح البخاري: 4/279.
(3) ينظر: عمدة القاري: 25/104.(1/16)
مثلما رأينا، فان الحديث الشريف يغلبُ عليه جوٌ موسيقيٌ هادئ، يتلاءم مع سعة عفو الله ومغفرتهِ بالعباد، بالاضافة الى ملاءمته مع عدم انقطاع الأمل لدى المتلقي، عند سماعهِ للحديث، لذلك وجدنا شيئاً من طول النفس، وسكون الألفاظ والعبارات حيث لا شدة ولا قوة، يتجلى ذلك في تكرار جملة "لا إله إلا الله" ثلاث مرات، وهذا يزيدُ القلب اطمئناناً وسكينةً، علاوة على حروفها المتكررة كـ"اللام" التي هي من الأصوات المائعة (1) . و"الهاء" التي هي من الأصوات المهموسة (2) . فلا تشعر الاذن عند سماعها للحديث بأي زجرٍ أو وجل، ولعل هذا الواد والهدوء جاءا متناسبين لدلالة الحديث الساكنة.
__________
(1) ينظر: الأصوات اللغوية، ابراهيم أنيس: 24.
(2) ينظر: م.ن: 21.(1/17)
ومما زاد من تعلق النفس بالحديث، ورود التوازي والتوازن بين فقرة وجملة، فلو أننا استثنينا حرف العطف "ثم" من الحديث لوجدناهُ يتوازى توازياً غايةً في الدقة، فالفقرة الأولى منه تتكون من "17" كلمة، وكذلك الفقرتان الثانية والثالثة تنتهيان بسبع عشرة كلمة، مع اختتام كل فقرة منها بسجعة لطيفة، وهذا بدوره يزيدُ النغمة الهادئة حلاوةً. فقد ذهب البلاغيون القدامى الى أن الفقرات المزدوجة المسجوعة، إذا اختلف توازن ايقاع كل منها مع الأخرى ... فان السجع لا يكون حينئذٍ مقبولاً ... وذلك لأن النفس عندما تسمعُ ايقاع الفصل الأول من الفقرة المزدوجة المسجوعة، تتوقع ايقاعاً مماثلاً يوازنه ويعادله ويساويه في الفصل الثاني منها، فاذا قصر عنه، فانها ستبقى تتطلع الى ما يشبع حسها ويكمل توازن ايقاع الفصل الثاني مع الأول (1) . فمن ذلك ما ذهب اليه ابن الأثير مفسراً هذه الظاهرة: "لان السمع قد استوفى أمده من الفصل الأول بحكم طولهِ، ثم يجيءُ الفصل الثاني قصيراً عن عن الأول، فيكون كالشيء المبتور، فيبقى الإنسان عند سماعه، كمن يريد الإنتهاء الى غاية فيعثر دونها" (2) .
ومن ذلك قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "مثلُ المؤمن كمثلِ خامةِ الزرع، يقيئ ورقها من حيث أتتها الريحُ تكفئها، فإذا سكتت اعتدلت، وكذلك المؤمنُ يكفأ بالبلاء، ومثلُ الكافرِ كمثلِ الأرزةِ صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء" (3) .
قولهُ "كفأتها" بفتح الكاف والفاء والهمزة أي أمالتها، ... وقولهُ "كالأرْزة" بفتح الهمزة وسكون الراء ... معناها الثابتة في الأرض. وقولهُ "صماء" أي الصلبة المكتنزة الشديدة ليست بجوفاء، ولاخوارة ضعيفة، وقولهُ "حتى يقصمها الله" من القصم وهو الكسر عن إنابةٍ بخلاف الفصم بالفاء (4) .
__________
(1) ينظر: الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية:63.
(2) المثل السائر: 1/33.
(3) صحيح البخاري: 4/291.
(4) ينظر: عمدة القاري: 21/210.(1/18)
في الحديث النبوي الشريف طرفان: المؤمن، والكافر، عقد النبي الكريم مقارنةً بينهما، وذلك من خلال تشبيه كل طرفٍ منهما بنوعٍ من الزرع، فأما المؤمن فقد شبهه النبي بالنبتة الرطبة، التي تميلها الريحُ يميناً وشمالاً دون أن تكسرها، فكذلك المؤمن يبتلى في حياتهِ بأنواع البلاء، فيتلقى مصاعب ومتاعب جمة. أما الكافر فقد شبههُ النبي بالنبتة اليابسة الصلبة – والنبتة الصلبة هنا كناية عن قلة ابتلاءات الكافر – التي لا تحركها الريحُ لصلابتها، ولكن زوالها آتٍ بالموت المعبر عنه بالكسر وهو الخسران. والمؤمن هو الآخر يدركهُ الموت أيضاً، ولكن لم يعبر عنه النبي بالكسر، لأنه سوف ينال الظفر والفوز ما بعد الموت.
والذي عبّر عن هدوء الدلالات الملموسة من جو الحديث، هو طول فقرهِ من جهة، وانتهاؤها بالألف والهمزة من جهةٍ أخرى، فمن المعلوم أن الألف من أحرف المد، وهي بدورها تكسب النص بطأً موسيقياً، أو ما يمكن أن يوصف بالتراخي الموسيقي (1) .
يقول د. صلاح فضل: "إذا كان الأدب في جوهره كشفا للأنسان والعالم، فان دلالتهُ كامنة في طرائقِهِ التعبيرية، وأدواته الفنية" (2) يفهمُ من كلام د. صلاح فضل أن الدلالة الأدبية لا تستند الى قاعدة معينة، وانما تنتجُ وتبتكر من خلال الألفاظ والعبارات الجديدة، التي يمكن أن تمثل بنفسها دلالةً مستقلةً عن غيرها.
ومن ذلك قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامةً يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة" (3) .
__________
(1) ينظر: دير الملاك: 307.
(2) انتاج اللالة الادبية: 5.
(3) صحيح البخاري: 4/235.(1/19)
قوله "على الامارة" يدخلُ فيه الامارة العظمى وهي الخلافة، والصغرى وهي الولاية على بعض البلاد، وهذا إخبارٌ منه ( - صلى الله عليه وسلم - ) بالشيء قبل وقوعهِ، فوقع كما أخبر (1) . وقولهُ: "وستكون ندامة يوم القيامة" أي لمن لم يعملْ فيها بما ينبغي (2) .
وقولهُ: "فنعم المرضعة وبئست الفاطمة"، قيل: "نعم المرضعة" لما فيها من حصول الجاه والمال ونفاد الكلمة، وتحصيل اللذات الحسية والوهمية حال حصولها، "وبئست الفاطمة" عند الإنفصال عنها بموت أو غيره، وما يترتب عليها من التبعات في الآخرة.
وقد الحقت (التاء) في "بئست" دون "نعم" والحكم فيها، إذا كان فاعلهما مؤنثاً، جواز الإلحاق وتركه، فوقع التفنن في هذا الحديث بحسب ذلك. وقال الطيبي: انما لم يلحقها بنعم لان المرضعة مستعارة للإمارة وتأنيثها غير حقيقي، فترك الحاق التاء بها، والحاقها ببئس، نظراً الى كون الإمارة حينئذٍ داهية دهياء. قال وانما أتى بالتاء في الفاطمة والمرضعة إشارة الى تصوير يتنك الحالتين المتحددتين في الإرضاع والفطام (3) .
إذاً فالملاحظ أن الرسول الكريم، لم يستخدم الفاظاً مباشرة للتعبير عن دلالة الحديث، وانما استعان بالمجاز والإستعارة، يقول تودوروف "نجد إن النظم "المعتاد" للمفردات، والترتيب "المألوف" للكلمات لا يصنعان صوراً بلاغية لأنهما بديهيان. فالصورة إذن هي كثافة المعنى، وغياب الصورة، هو انفتاح على الدلالة المرجعية المجردة" (4) .
فلا يخفى إذاً الكثافة المعنوية، والسعة في الدلالة، التي تلمسناها مي جملتين "فنعم المرضعة، وبئست الفاطمة" في الحديث الشريف، وجاءت هذه السعة والكثافة على الرغم من قصر الحديث، وبروز الدلالة الهادئة على جملة وفقرة، وخلوهِ من الإنفعال النفسي أو يكاد.
__________
(1) فتح الباري: 13/157 وينظر: عمدة القاري: 24/227.
(2) فتح الباري: 13/157 وينظر: عمدة القاري: 24/227.
(3) فتح الباري: 13/157.
(4) الادب والدلالة: 68.(1/20)
ومن الدلالات التي يشعر الإنسان – عند سماعه اياها – بالراحة والطمأنينة، قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "إطفئوا المصابيح بالليل إذا رقدتم وغلقوا الأبواب، وأوكلوا (1) الأسقية، وخمروا الطعام والشراب" (2) .
فمن المعلوم أن هذه الامور من البديهيات، التي يجبُ عى كل انسان أن يعلمها، فعندما يأتي الرسول الكريم ويؤكد عليها، يكون نابعاً من حرصه على امته، حتى لا يغفلوا عن ايقاع انفسهم في الأذى ولو كان بسيطاً. وهذا الحرص والتأكيد قد جاء باسلوب هادئ لينٍ لا زجر فيه ولا شدة، يجعل الإنسان أكثر تعلقاً بالمسموع.
المبحث الثاني
التكرار الدلالي للسجع في الحديث النبوي الشريف
مدخل:
__________
(1) وأوكلوا من الايكال وهو الشد والربط، والاسقية جمع سقاء وهو القربة، وفائدته صيانته من الشيطان فانه لا يكشف غطاءً ولا يحل سقاءً. ومن جملة أمره لغلق الابواب خشية انتشار الشياطين وتسليطهم على ترويع المسلمين. ينظر: عمدة القاري: 22/271.
(2) صحيح البخاري: 4/97.(1/21)
لعل من أبرز صور التناسق الجمالي في ظواهر الاشياء، هو الانسجام في تكرار الوحدات الجزئية المكونة للكل، والتكرار في التعبير الأدبي: هو تناوب الألفاظ وإعادتها في سياق التعبير، بحيث تشكل نغماً موسيقياً، يتقصدهُ الناظمُ في شعره أو نثره (1) . و" أكثر ما يقع التكرار في الألفاظ دون المعاني" (2) و" الغرض الرئيسي من التكرار هو الخطابة: أن يعمد الشاعرُ الى تقوية ناحية الإنشاء (أي ناحية العواطف، كالتعجب، والحنين، والإستغراب، وما الى ذلك) من طريق التكرار" (3) و"التكرار يوحي – عادة – بأهمية المعنى المكرور، وتأكيد رمزيته، وهو يكسب الشعر نغمة ايقاعية خاصة لذاتها من جهة، ورابطة تجمع بين نغمات صوتية أخرى من جهة أخرى. كأن عملها داخل البيت أو الابيات، شبيه بعمل القافية الموحدة للنغمات المختلفة في القصيدة كلها" (4) . وإن لأهمية هذا القانون في الإيقاع يجعله بعض الداسين قسيماً لقوانين الإيقاع الأخرى، أو بعبارة أدق، يدرج تحته معظم قوانين الإيقاع ما عدا قانون "التغير" (5) فيرى أن عنصر الجمال يدور على الإنسجام، وان الإنسجام كله، مداره على التنويع والتكرار (6) .
__________
(1) جرس الألفاظ ودلالتها في البحث البلاغي ... : 239.
(2) العمدة في محاسن الشعر وآدابه، ابن رشيق القيرواني.
(3) المرشد الى فهم أشعار العرب وصناعتها: 2/45.
(4) جماليات المعنى الشعري "التشكيل والتأويل"، عبد القادر الرباعي: 55.
(5) "هو إحداث الصدمة للتوقع عن طريق المفاجأة السارة" الفاصلة في القرآن: 236.
(6) ينظر: المرشد الى فهم أشعار العرب: 2/37.(1/22)
والتكرار مصطلحاً فنياً "هو الإتيان بعناصر متماثلة، في مواضع مختلفة من العمل الفني، وهو اساس الإيقاع بجميع صوره، فنجده في الموسيقى بطبيعة الحال، كما نجده اساساً لنظرية القافية في الشعر، وسر نجاح الكثير من المحسنات البديعية، كما هي الحال في العكس، والتفريق والجمع مع التفريق، ورد العجز على الصدر في علم البديع العربي" (1) .
والتكرار بوصفه واحداً من عناصر البناء الفني، ... فإنه يشمل: تكرار الحروف والألفاظ والأبيات والمقاطع الشعرية (2) . وقد قررت نازك الملائكة قاعدتين للتكرار الناجح، هاتان القاعدتان هما: أن يكون للتكرار دلالة نفسية، وأن يستند الى هندسة تقوم على التوازن في العبارة (3) . وقد رد عليها مرشد الزبيدي بقوله: "وهما اساسان صحيحان غير أن هذه الناقِدة تناقض نفسها بنفسها، فهي إذ تلتمس في هذا الموضوع توازن العبارة، ترى في موضع آخر" (4) "أن تكون العبارة المكررة مستقلة بمعناها عما حولها، بحيث يصح انتزاعها من مكانها وتكرارها" (5) ، إذاً فمرشد الزبيدي يوافقها على أن يكون التكرار وثيق الصلة بالمعنى العام للقصيدة، وتخالفها على بعض المعايير التي تطلق الاحكام بموجبها (6) .
وعلى الرغم من أن الدكتور محمد صابر عبيد يرى أن للتكرار اشكال متعددة منها (7) :
1- التكرار الإستهلالي.
2- التكرار الختامي.
3- التكرار المتدرج (الهرمي).
4- التكرار الدائري.
5- تكرار اللازمة.
6- التكرار التراكمي.
__________
(1) معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب: 117.
(2) ينظر: بناء القصيدة الفني في النقد العربي القديم والمعاصر، مرشد الزبيدي: 42.
(3) ينظر: قضايا الشعر المعاصر: 276.
(4) بناء القصيد الفني ... : 42.
(5) ينظر: قضايا الشعر المعاصر: 279.
(6) ينظر: القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية: 186 وما بعدها.
(7) م.ن: 183.(1/23)
فانهُ يقول: "غيرَ أن طبيعة التجربة الفنية، هي التي تفرض وجوداً معيناً ومحدداً للتكرار، وهي التي تسهم في توجيه تأثيره وأدائه، بالقدر الذي يجعل من القصيدة كياناً فنياً لنظام تكراري معين" (1) .
اما التكرار ف الحديث النبوي الشريف، فاننا سوف نقتصر فيه على تكرار الألفاظ فحسب، دون الأحرف والجمل، وذلك لاننا أشرنا اليهما في المبحث الأول من الفصل الثاني.
تكرار الألفاظ أو الكلمات
"إن التكرار يحدثُ في القطع عن الأول ما لا يحدث في الإرتباط به ... ألا ترى الى قولك: زيدٌ سيدُ القوم، شجاعُ القوم، كريمُ القوم، فتكريرُ القوم يعطي الإستقلال لزيد ولو قلت: (زيد) سيدُ القوم، كريمهم، شجاعهم، لزال هذا المعنى، لان المضمر الثاني، يفسره الظاهر الأول" (2) .
"واللفظ المكرر – بوجهٍ عام – مصدرهُ الثورة، وهدفهُ الإثارة حباً أو بغضاً، في أي غرضٍ من أغراض الكلام، والتكرار مرتبط بقانون التردد، من قوانين تداعي المعاني، ولذا يعد وسيلة تربوية من وسائل التقرير ... " (3) .
ومثال تكرار كلمة واحدة في الحديث النبوي الشريف قوله ( - صلى الله عليه وسلم - )، إذا قام للتهجد بالليل: "اللهم لك الحمدُ أنت قيمُ السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمدُ لك ملكُ السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمدُ نورُ السموات والأرض، ولك الحمدُ، أنت الحق، وعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنةُ حق، والنارُ حق، والنبيون حق، ومحمد ( - صلى الله عليه وسلم - ) حق، والساعة حق ... " (4) .
قوله "أنت الحق" معناه المتحقق وجوده، وكل شيءٍ صح وجوده وتحقق فهو حق، ومنه قوله تعالى "الحاقة" (5) أي الكائنة حقاً بغير شك (6) .
__________
(1) م.ن: 183.
(2) الروض المريع في صناعة البديع: 158.
(3) التكرير بين المثير والتأثير، عز الدين علي السيد: 136، نقلاً عم مجلة آداب الرافدين العدد (27)، سنة 1995: 102.
(4) صحيح البخاري: 1/200.
(5) سورة الحاقة، الآية: 1.
(6) عمدة القاري: 7/166.(1/24)
وانما عُرّفَ الحق في الموضعين وهما "أنت الحق، ووعدك الحق" ونكر في البواقي لأن المسافة بين المعرف باللام الجنسية، والنكرة، قريبة بل صرحوا بأن مؤداهما واحد، لا فرق إلا بان في المعرفة اشارة، الى أن الماهية التي، دخل عليها اللام معلومة للسامع وفي النكرة لا إشارة اليه (1) .
"فان قلت ما وجه إطلاق اسم الحق على ما ذكر من الامور؟ وما وجه تكرار لفظ الحق؟ قلت: اما وجه الإطلاق فللا يزان بانهُ لابد من كونها، وأنها مما يجب أن يصدق بها، واما وجه التكرار فللمبالغة في التأكيد والتكرير يستدعي التقرير" (2) .
ولهذا التكرار – أي تكرار الكلمة في النص، أو الجملة في السياق – أثرٌ عظيمٌ في توفير الجانب الموسيقي، وله من القيمة السمعية، ما هو أكبر مما هو لتكرار الحرف الواحد في الكلمة، أو في الكلام (3) ، وهذا النوع من التكرار، سماهُ المجذوب بـ"التكرار المراد به تقوية المعاني الصورية" وقال إنه لا يخلو من عنصر الترنم ... وهو في حقيقته ينصبُ على الألوان الإجمالية والمعاني العامة التي تصاحب جو القصيدة (4) .
ويسميه د. محمد صابر عبد بـ "التكرار الختامي" يقول: "يؤدي التكرار الختامي دوراً شعرياً مقارباً للتكرار الإستهلالي، من حيث المدى التأثيري، الذي يتركه في صميم تشكيل البنية الشعرية للقصيدة، غير أنهُ ينحو منحى نتجياً في تكثيف دلالي وايقاعي، يتمركز في خاتمة القصيدة" (5) .
__________
(1) عمدة القاري: 7/166.
(2) م.ن: 7/166، وينظر: فتح الباري: 3/5.
(3) ينظر: التكرير بين المثير والتأثير: 85، نقلا عن مجلة آداب الرافدين العدد (27)، سنة 1995: 108.
(4) ينظر: المرشد الى فهم أشعار العرب وصناعتها: 2/72.
(5) القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية: 189.(1/25)
فلو عدنا الى نص الحديث الشريف، لوجدنا أن كلمة "الحق" تكررت تسع مرات، ولم يكن هذا التكرار عفوياً، وانما كانت خلفها دلالات خفية، أراد الرسول الأكرم أن يوضحها من خلال تكرارها. وهي أن كل لفظة مقرونة بكلمة الحق، فهي متحققةٌ حتماً ولا جال للنقاشٍ فيها، فلو اراد النبي ان يدعَ بابَ النقاش مفتوحاً – والله اعلم – لقيد أول لفظةٍ بالحق وجعل الاخريات معطوفة عليه، كأن يقول: أنت الحق، ووعدك، ولقاؤك ...
ولكن جاءت الكلمة – الحق – غالقةً نافذة المناقشة ولاغيةً اياها، بالإضافة الى جرسها الموسيقي الشديد، الملائم لجو الحديث الجدي.
اما على الصعيد الإيقاعي، فاننا لا نجدُ جملةً من الجمل، التي تكررت فيها لفظة الحق، الا وهي جزءٌ موزونٌ وزناً عروضياً، ففي قوله "أنت الحق": تقابل تفعيلتي "فع لن فع لن" من تفعيلات بحر المتداول، وفي قوله "وعدك الحق" تقابل "فاعلاتن" وهي تفعيلة من تفعيلات الرمل، واما قوله "ولقاؤك حق" تقابل "فعلن فعلن" من تفعيلات بحر المتدارك، وقوله "وقولك حق" تقابل تفعيلة "مفاعلتن" من البحر الوافر، وقوله "والجنة حق" تقابل تفعيلتي "فع لن فعلن" من البحر المتدارك.
وهكذا فاننا لانكاد نقرأ عبارة منها، الا وهي تنتمي الى بحر من بحور الشعر، فليس بالغريب اذن أن يحدثنا مؤرخو الأدب عن الكلام العربي، فيصفونه بأنه شعر الموسيقى (1) .
__________
(1) موسيقى الشعر: 156.(1/26)
وهذه الظاهرة التي تلمسناها في الحديث الشريف، هي ما تدعو اليه القصيدة العربية الحديثة، لرفع مستواها، وهي ما تسمى بالمزاوجة الموسيقية، أي المزاوجة بين بحر شعري وبحر شعري آخر، أو بين الشعر والنثر، أو بين الشكل الحديث (الحر) والشكل القديم (العمودي)، وهي بدورها تضفي على القصيدة قيماً موسيقية جديدة، تؤهلها على نحوٍ اكبر لاستيعاب تجربة العصر الانسانية بإشكالاتها وتعقيداتها (1) ، واكثر هذه النماذج حضوراً وأهمية في القصيدة الحديثة "التداخل العروضي" (2) وهذا عين ما جاء في الحديث الشريف، فان دل على شيء فانه يدل على سمو وعلو منزلة الأحاديث النبوية، على الصعيدين الدلالي والإيقاعي.
ومن الملاحظ أن النبر المولد للإيقاع، قد ظهر بارزاً في الفاظ "الحق" الواردة في الحديث، وهذا يدل على أهمية المقاطع المنبورة، حتى جاء التركيز المحض مسلطاً عليها.
وهذا السجع الذي ختمت به عبارات الحديث، هو سجع من نوعٍ فريد، أي تكرار كلمة واحدة في نهاية تسعة جمل، دون أن تحدث اضطراباً وخللاً في السياق، كما في المخطط الاتي:
أنت ... ... ... الحق
وعدك ... ... ... الحق
ولقاؤك ... ... ... حق
وقولك ... ... ... حق
والجنة ... ... ... حق
والنارُ ... ... ... حق
والنبيون ... ... ... حق
ومحمد ( - صلى الله عليه وسلم - ) ... ... حق
والساعة ... ... ... حق
فليس بين بنية البياض (الصوت)، وبنية السواد (الصمت)، فارق زمني، بعبارة أخرى أن السقف الزمني، الذي تتكرر فيه كلمة "الحق" قصيرٌ جداً، وكأنك تنطق بالالفاظ المتكررة جملة واحدة، لتحدث انفجاراً صوتياً هائلاً في جو الحديث، يسفر عن بيان أهمية ما تكرر، مضيفاً اليها قلقلة القاف الشديدة.
ونظيرُ الحديث السابق قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ) في دعائه: "اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، وفوقي نوراً، وامامي نوراً، وخلفي نوراً، واجعل لي نوراً" (3) .
__________
(1) ينظر: القصيدة العربية الحديثة بين البنية ... : 212.
(2) م.ن: 213.
(3) صحيح البخاري: 4/100.(1/27)
فالمراد بالنور هنا بيان الحق والتوفيق في جميع حالاته، وقال الطيبي: معنى طلب النور للأعضاء عضوراً عضوراً، أن تتحلى بأنوار المعرفة والطاعة، وتتعرى عما عداها، فان الشياطين تحيط بالجهات الست، بالوسواس، فكان التخلص منها بالأنوار السادة لتلك الجهات (1) .
وقال الكرماني: التنوين فيها للتعظيم أي نوراً عظيماً (2) .
لقد وردت لفظة (النور) ثماني مرات، في الحديث الشريف، كما هو في المخطط الأفقي:
اللهم اجعل في قلبي ... ... نوراً
وفي بصري ... ... ... نوراً
وعن يميني ... ... ... نوراً
وعن يساري ... ... ... نوراً
وفوقي ... ... ... ... نوراً
وأمامي ... ... ... ... نوراً
وخلفي ... ... ... ... نوراً
وجعل لي ... ... ... نوراً
وللحديث الشريف مثالٌ في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى:
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ
مَلِكِ النَّاسِ
إِلَهِ النَّاسِ
مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ
مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ) (3) .
يقول الحسناوي في معرض كلامه عن هذه السورة: "والملاحظ أن هذه السورة حافظت على فاصلة "الناس" في خمس آيات من ست، ولما تجاوزت هذه الكلمة، جاءت بـ "الخناس" التي تتضمن لفظ "الناس" كذلك" (4) .
ثم يقول: استناداً الى تماثل حرف الروي، في فواصل سورٍ بأسرها، تسوغ أن تنظم قصائد شعرية على حروف روي متماثلة، كما هي الحال في شعرنا القديم. وهذا لا يتعارض مع ترحيبنا بنظم شعر لم يلتزم الروي الموحد؛ لأن كلاً من النوعين له ما يدعمهُ فنياً في فواصل القرآن وعلم الجمال (5) .
__________
(1) ينظر: عمدة القاري: 22/287.
(2) صحيح البخاري بشرح الكرماني:
(3) سورة الناس، الآيات: (1-6).
(4) الفاصلة في القرآن: 321.
(5) الفاصلة في القرآن: 321.(1/28)
أما ما جاء في الحديث الشريف فهو مُخالفٌ لما في شعرنا القديم، من انتهائهِ بروي متماثل فحسب، ومخالف لما أطلق عليه فيما بعد "الشعر الحر" من الإختلاف في القوافي؛ لانه ينتهي بكلمةٍ تكررت ثماني مرات في نهاياته، وهذا مالا يحتمله الشعر بل يعتبرُ عيباً كبيراً فيه، إذن نستطيع أن نقول: إن هذه السجعات التي ختمت بلفظةٍ متكررة، هي نوعٌ جديدٌ من السجع، ومصاغةٌ بصياغة لم يعهد الشعر العربي ونثرهُ القديم مثلها، ولا عجب، فهي خارجة من فم انسان آتاه الله جوامع الكلم، فهو يمتلك زمام الألفاظ يأخذ بنواصيها حيث يشاء.
فاما على الصعيد الدلالي، فمن المعلوم أن كلمة النور يفهم منها الشيء الذي يضيء لنا الظلام، فهو ما يسميه – ابراهيم انيس – بالدلالة المعجمية (1) ، أو ما يسميه – تودوروف بالوظيفة المرجعية (2) ، ولكن ليس من المعقول، أن الفاظ النور كلها تدل على اضاءة الظلام! وإن كانت تحتمل بعضها، إلا أن هناك دلالات أبعد منها يمكن أن تستنتج من سياق الحديث كالهداية والطاعة والحفظ والسداد ... الخ، يمكن أن نطلق عليها (ضرباً من المخزون الكامن داخل اللغة) (3) . فكان انتهاء الحديث بلفظ واحد متكرر، يبعده عن الخطاب المباشر، الذي يفهم لأول وهلةٍ، ويدخلهُ في باب المجاز اللغوي، والذي بدوره يجعل الحديث ذا قيمةٍ تعبيرة راقية.
اما على الصعيد الإيقاعي فيكفينا أن نتمثل بقول اليزابيث دور "ولن يرقى الشعر الى مراتب الجودة والكمال، ولن يرخى أو يغذى فنياً ذلك الإحساس بالبهجة، ما لم يلتئم ويرتبط بتلك النقرة الصوتية المتكررة، التي تبدو وكأنها زمام لولاه لظل الشعر مسيباً لا يستطيع أن يتماسك، بل ظل مندفعاً بلا نظام كوهم رتيبٍ لا نهاية له ... " (4) .
__________
(1) ينظر: دلالة الالفاظ، 48.
(2) ينظر: الأدب والدلالة: 10.
(3) م.ن: 114.
(4) الشعر كيف نفهمه ونتذوقه، اليزابيث دور، ت: ابراهيم الشون: 45.(1/29)
إذن، فقد كان لتكرار لفظة النور في الحديث وظيفةٌ ازدواجيةٌ، احداهما على الصعيد الدلالي كما بينا، والاخرى على الصعيد الإيقاعي، الذي اضفت على الحديث قيمة موسيقية من خلال تكرارها الفونيمي، حيث جعلت السمع ملتصقاً بها، وزاد ذلك الإلتصاق الاهتزاز، الذي تركه حرف الراء في نهاية الكلمة، فالسمع مدين لهما بالنغمة التي تركاها فيه.
ومن الألفاظ التي تكررت في الحديث النبوي الشريف لفظة (هاء)، كما في قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "الذهب رباً الا هاءَ وهاء (1) ، والبر بالبر رباً الاهاء وهاء، والتمرُ بالتمر رباً الاهاءَ وهاءَ، والشعيرً بالشعير رباً الاهاء وهاءَ" (2) .
"فمعنى قوله "الذهب بالذهب" أي بيع الذهب بالذهب رباً إلا أن يقول أحدهما خذ، ويقول الآخر هاتِ، والمراد انهما يتقابضان في المجلس قبل التفرق منه، وأن يكون العوضان متماثلين متساويين في الوزن" (3) وقوله:"البرُ بالبر" أي بيع البر بالبر وهكذا يقدر في البواقي (4) .
اما قوله "هاء وهاءَ": أن يقول كل واحدٍ من المتعاقدين لصاحبه هاء فيتقابضان في المجلس (5) .
وهذا الضرب من التكرار – أي تكرار لفظة ما في النثر أو الشعر – هو الذي يفيد تقوية النغم في الكلام، وهو مرادنا في باب الجرس، وهو الأكثر شيوعاً في الشعر والنثر (6) ، وهو لا يخلو من عنصر الترنم، إلا أن ناحية الترنم عرضت له من حيث أنه تكرار للفظ فقط، لا من حيث إنه اريد به حاق الترنم (7) .
__________
(1) قال الخليل: كلمة تستعمل عند المناولة.
(2) صحيح البخاري: 2/16.
(3) عمدة القاري: 11/252.
(4) م.ن: 11/252.
(5) فتح الباري: 4/476.
(6) جرس الالفاظ ودلالتها في البحث البلاغي والنقدي عند العرب: 239.
(7) المرشد الى فهم اشعار العرب وصناعتها: 2/72.(1/30)
فالذي يفهمُ من كلام المجذوب، أن تكرار لفظةٍ واحدة في السياق تفيد تقوية الجانب الدلالي، أكثر من الجانب الإيقاعي والنغمي، فلو عدنا الى الحديث الشريف لوجدنا أن لفظة (هاءَ) قد تكررت ثماني مرات فيه كما في المخطط الآتي:
الذهب بالذهب رباً إلا ... ... ... هاء وهاء
ووالبر بالبر ربا إلا ... ... ... هاءَ وهاء
والتمرُ بالتمر رباً إلا ... ... ... هاء وهاء
والشعيرُ بالشعير ربا إلا ... ... هاءَ وهاء
وهذا التكرار يوحي بأن الرسول الكريم ( - صلى الله عليه وسلم - ) أراد تأكيد أهمية رضاء الطرفين، حتى لا يبخس أحدهما الآخر بأي شكل من الاشكال. ولعل هذا الإيقاع البطيء الذي احدثهُ حرف
الألف (1) في (هاء) علاوةً على مجيء الهمزة بعدها، وتوازي الألفاظ في العبارات مثل: "الذهب بالذهب" و"البر بالبر" و"والتمرُ بالتمر" و"الشعير بالشعير" كلها توحي للقارئ بأن هناك شيئاً مهماً يستدعي الانتباه الشديد، والخوف من عاقبة الغفلة عنه.
ويقول الدكتو محمد صابر عبيد: إن للتكرار الختامي دوراً مهماً في الشعر، من حيث المدى التأثيري، الذي يتركهُ في صميم تشكيل البنية الشعرية للقصيدة، غير أنه ينحو منحى نتجياً في تكثيف دلالي وإيقاعي، يتمركز في خاتمة القصيدة، فإذا ما جاء هذا التكرار في قصيدة ما، فإن العمق التأثيري له يكون اكثر اتساعاً (2) .
ويضيف قائلاً: قد يخرجُ التكرار الشعري الى وظائف جديدة، أكبر من مجرد التوكيد، وتحقيق التناسق الايقاعي، فهو يحقق توافقاً وانسجاماً بين الإيقاعي الصوتي المتولد عن تكرار الاصوات، وبين توزع ذلك على المعاني الشعرية بصرياً (3) .
__________
(1) ينظر: ديد الملاك: 307.
(2) ينظر: القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الايقاعية: 189.
(3) م.ن: 187.(1/31)
وإذا امعنا النظر في الحديث الشريف، والذي نحن بصدده – لوجدنا أن ما ذهب اليه د. محمد صابر عبيد جلي وواضح، فالحديث بما فيه من التناسق والتوازي بين الفاظه وعباراته، كأنه لوحةٌ هندسيةٌ، قد قسمت أبعادها وأطوالها بوحدات القياس، فتعشقه العين قبل السمع، وإذا ما نطق به اللسان، فسرعان ما تلتقطهُ الأذن، لتحتفظ به وتستنذكرهُ حالما تريد لجماليته ورونقه.
اذا، فهذا النوع من التكرار، يفيدُ في تقوية الجانب المعنوي في النص الأدبي (شعره ونثره)، أكثر من ابراز الجانب النغمي فيه، وبالرغم من هذا فهو لا يخلو من عنصر الترنم، الا أن هذا الترنم شيء عارض لهُ، وليس في صميمهِ، بتعبير آخر إنه لا يراد به حاقُ
الترانم (1) .
ومن ذلك قوله عن ابن عباس أن رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) خطب الناس يوم النحر فقال: "يا ايها الناس: أيُ يوم هذا، قالوا: يومٌ حرام، قال: فأيُ بلدٍ هذا، قالوا: بلدٌ حرام، قال: فأيُ شهرٍ هذا، قالوا: شهرٌ حرام، قال: فإن دماءكم و أموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، فأعادها مراراً ثم رفع رأسهُ فقال: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت" (2) .
__________
(1) ينظر: المرشد الى فهم اشعار العرب وصناعتها: 2/72.
(2) صحيح البخاري: 1/299.(1/32)
قوله "خطب الناس يوم النحر" لقط الخطبة ليس على حقيقة الخطبة المعهودة؛ لانه ليس فيه ما يدل على أمرٍ من امور الحج ... فقال: "يا ايها الناس" خطاباً لمن كان معهُ في ذلك الوقت، ووصيةً ايضاً للشاهدين بأن يبلغوا الغائبين، وقوله "أي يوم هذا" خرج مخرج الاستفهام والمراد به التقرير؛ لأنه ابدع (1) ، قوله "يوم حرام" أي يحرم فيه القتال، وكذلك الشهرُ وكذلك البلد (2) ، وتوصيف اليوم بالحرام، مجاز مرسل من قبيل قولهم رجلٌ عدلٌ لأن الحرام ليس عينَ اليوم، وانما هو الذي يقع فيه من القتال، وكذلك في قوله "بلدٌ حرام وشهرٌ حرام" (3) .
وقولهُ "وأعراضكم" جمع عرضٍ بكسر العين، وهو ما يحميه الإنسان ويلزمهُ القيام به، وقيل الحسب، وقيل النفس، ... وقيل: لو كان المراد من الاعراض النفوس لكان تكراراً؛ لان ذكر الدماء كان إذا المراد بها النفوس (4) .
وقوله "كحرمة يومكم هذا" إنما شبهها في الحرمة بهذه الاشياء، لأنهم لا يرون استباحة تلك الأشياء، وانتهاك حرمتها بحال. وقيل مثل باليوم وبالشهر وبالبلد لتوكيد تحريم ما حرم من الدماء والأموال والأعراض ... وقوله "اللهم هل بلغت" إنما قال بذلك لأنه كان فرضاً عليه أن يبلغ، ومنه سميت حجة البلاغ (5) .
فالملاحظ على الحديث الشريف، أن الرسول الكريم كرر عدة أسماء والفاظ كـ"يوم وشهر، وبلد"، وكذلك كرر اسم الإشارة "هذا" ست مرات، كانت الغاية من تكرارها التوكيدُ عليها لأهميتها وضرورة الإلتزام بقدسيتها، إذاً فاللفظ المكرر إن دل على شيء ما قبل تكراره، فانه لا يدل على الشيء نفسه بعد تكراره، كما يقول تودوروف: "والتكرار طبعاً لا يكون تاماً ابداً؛ لان المقاطع المكررة محاطة بسياق مختلف، واطلاعنا على الحكاية يكون كل مرة مختلفاً ... " (6) .
__________
(1) عمدة القاري: 10/77.
(2) فتح الباري: 3/733.
(3) عمدة القاري: 10/77.
(4) ينظر: عمدة القاري: 10/78.
(5) م.ن: 10/78.
(6) الادب والدلالة: 70.(1/33)
فالألفاظ المكررة أبلغت القارئ رسالة تحذره، بأن تكرارها لم يكن عبثاً، بل كان مرتكزات إضافية أغنت النص بدلالات جديدة، لا يقوى النص – دون التكرار – على رسم حدودها، ولا يخفى ما للألفاظ المكررة من فائدة في اثراء النص بالموسيقى، يقول د. فرحان علي القضاة: إن إعادة كلمة أو اكثر في البيت، لها قيمة صوتية موسيقية، تفيد في زيادة المعنى قوة بتقوية النغم (1) . خصوصاً أن اسم الاشارة "هذا" يصحبها اشارةٌ باليد، وانفعال في النفس، يساعدان في اسناد الدلالة ايضاً.
ومن ذلك تكرارهُ ( - صلى الله عليه وسلم - ) لصفة أربع مرات، عن عبد الله بن عمر، عن النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) قال: "الكريمُ آبنُ الكريمِ آبن الكريم آبن الكريم، يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم" (2) .
فالحديث دالٌ على فضيلةٍ خاصةٍ وقعت ليوسفَ (عليه السلام) لم يشركهُ فيها أحد، ومعنى قوله اكرم الناس أي من جهة النسب، ولا يلزم من ذلك أن يكون أفضل من غيره مطلقاً (3) .
لقد ساعد تكرار صفة (الكريم) – التي نعت الرسول الأمين بها الأنبياء الأربعة – على إجراء موازنة لطيفة بين طرفي الحديث، ففي الوقت الذي تكونت منه الفقرة الثانية من أربعة اسماء، جاء التكرار في الفقرة الأولى محدثاً توازناً دقيقاً بتكرار صفة (الكريم) لاربع مرات.
__________
(1) القيمة الموسيقية للتكرار في شعر الصاحب بن عباد، د. فرحان علي القضاة، مجلة مجمع اللغة العربية الاردني، العدد (58)، سنة 2000: 142.
(2) صحيح البخاري: 3/143.
(3) فتح الباري: 8/461.(1/34)
هذا وقد كان لتكرار صفةِ (الكريم) ميزةٌ أخرى في إضفائه سمة التوافق النغمي علي سجعتي الحديث، وذلك كما بدا لنا جلياً بين كل من (الكريم، وابراهيم)، فكلمة (الكريم) الرابعة ترتيباً في الحديث جاءت موافقةً لكلمة (ابراهيم) في الحرفين الأخيرين، وهذا بدوره قد أغنى الحديث بالتوافق النغمي، الذي ما كنا متلمسيه لو لا هذا التكرار، فلو قلنا في غير هذا الحديث، (الكريمُ بن الكرماء، يوسف بن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم)، لما حصلنا على القيمة الموسيقية التي اغنانا بها التكرار.
ولا يخفى علينا أن التكرار صفة الكريم خصلة هامة، تتجلى في إثراء الحديث بالتشكيل الموسيقي الآتي من توالي ترديد حرفي (الياء والميم)، يقول محمد الحسناوي "وهذا الشكل من الوقف يخالف الشائع في روي القوافي المطلقة آنذاك، ويوافقها – من حيث الأثر الصوتي – بالإعتماد على الإكثار من ردف المد" (1) .
وهذا النوع من الوقف قد امتازت به فواصل القرآن الكريم، يقول الزركشي: "قد كثرَ في القرآن الكريم ختمُ كلمة المقطع من الفاصلة بحروف المد واللين وإلحاق النون؛ وحكمتهُ وجودُ التمكن من التطريب بذلك ... وجاء القرآن على أعذب مقطع، وأسهل موقف" (2) .
وقد ساعدت هذه الصور النغمية والموسيقية، على تقوية الدلالة ايضاً، في الحديث الشريف، لاسيما التوكيد على اقتران هذا النعت بالأنبياء الاربعة المذكورين في الحديث، وجاء ذلك من خلال تكرار هذا النعت أربع مراتٍ، ليَدُ لنا على كل ما تقدم.
__________
(1) الفاصلة في القرآن: 213.
(2) البرهان في علوم القرآن: 1/68.(1/35)
نختتم هذا المبحث – الذي تختتم الرسالة به – بكلمةٍ أخيرة سبق وأن أشرنا اليها من خلال تحليلنا للأحاديث الشريفة، وهي: أن تكرار الألفاظ والكلمات المفردة في النص النثري أو الشعري ذو دلالةٍ مزدوجة، حيثُ إنها تفيد في تقوية الجانب الدلالي، والإيقاعي، ولكنها كفيلة بالتأكيد على الجانب الدلالي بشكل أوسع وأكبر، وإن كان هذا التوكيد لا يقلل من الجانب الإيقاعي والنغمي أيضاً (1) ، بل قد يكون الجانب الإيقاعي والنغمي في النص، عاملاً مهماً في تبيان الدلالة وتوضيحها. كما لاحظنا ذلك في الحديث السابق.
__________
(1) ينظر: المرشد الى فهم أشعار العرب وصناعتها: 2/72.(1/36)
بعد أن انتهيت من كتابةِ الرسالة توصلت الى عدة نتائج هي:
النتيجة الأولى: إن عُصارَة ما جاء في التمهيد، كان الكفيل في إعطاء أولى نتائج البحث، فمن المعلوم أن معارك كثيرةٌ دارت بين علماء البلاغة والنقد حول ورود السجع في القرآن الكريم، حيث انقسموا الى أكثر من فرقة فمنهم من نفى السجع في القرآن، ومنهم من يقول بالسجع فيه، ومنهم من امسك عن إعطاء رأيه. وبما أن السنة مكملةٌ للقرآن الكريم فان لها ماله.
... فمن خلال استقراء آراء الفريقين، وامعان النظر فيما ذهب اليه كلٌ منهما، توصلتُ الى أن هناك سجعاً في القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، ولكنهُ يختلفُ عن سجع الكهان الذي نهى عنه الرسول الكريم؛ لانهم كانوا يريدون به جعل الباطل حقاً، والحق باطلاً.
... فجاء نهيُ الرسول الكريم عن الأحكام المتكلفة الصادرة من اسجاعهم، وليس عن السجع نفسه؛ لان السجع نفسه إذا سلم من التكلف، وبرأ من التعسف، لم يكن في الكلام قط أحلى منه، والذي يطلع على ما جاء في الرسالة عن السجع، يكون على بنيةٍ من أن السجع الحسن غير منهيً عنه، بل مرغوب فيه.
النتيجة الثانية: هذه النتيجة لم تقل أهمية عن النتيجة الأولى فهي محاولة لايجاد أبنية للسجع في الحديث النبوي الشريف على غرار أبنية الفاصلة في القرآن الكريم، وكان الفصل الأول من الرسيالة ساحةً مناسبةً لها، بالفعل استطعت أن اتثبت من عدة مباني للسجع في الأحاديث النبوية.
- أولها: ما كان بحسب حرف الروي، فأحياناً يُسبقُ حرف الروي في قرائن السجع بجرفٍ مماثل، وأحياناً يلتزم حرفين مماثلين.
- ثانيها: ما تكون بحسب الوزن، وهي الأخرى تتفرع الى عدة جداول، منها في الحديث النبوي الشريف: المطرّف، المتوازي، المتوازن، والمرصع، عدا المتماثل الذي مثلنا لهُ بمثال من الحديث الشريف، الا أن المتماثل يختص بالآيات القرآنية، وإن كان لا ضير من ورودها في غير القرآن، باعتبار اتفاقهما في النثر.(1/1)
- ثالثها: بحسب طول الفقرة، وقصرها، حيث تمكنتُ من ايجاد أمثلةٍ، عليها وهي تنقسم الى قصير ومتوسط وطويل، فاما القصيرُ فأقصره ما يكون من لفظٍ واحد، وقيل ما تألف من لفظين، واما المتوسط، فما زاد على ثلاث كلمات فما فوق، فاربع فخمس. بقي القسمُ الثالث وهو الطويل وأقصرُ هذا القسم ما يكون من إحدى عشرة لفظة، وأطولها غيرُ مضبوط، فلهذه الأبنية كلها وجود في الحديث النبوي الشريف.
-
رابعها: أبنيةٌ تنقسم بحسب القرينة الى عدة أقسام:
أ- أن تكون القرائن متساوية في عدد الكلمات لا يزيدُ بعضُها على بعض.
ب- أن تختلف القرائن طولاً وقصراً، وهذا أكثر من نوع:
- أن تكون الثانية أطول من الأولى.
- وأن تكون الثانية أقصر من الأولى.
- وأن تكون الأولى أقصر – والثانية والثالثة متساويتان.
- وأن تكون الأولى والثانية متساويتين، والثانية والثالثة زائدة عليهما.
أخيراً، وان هناك بنية مستقلة عن التي مضت، وهي ما تسمى: بالفاصلة الداخلية أو السجعة الداخلية، وقد كان لابنية الحديث النبوي نصيب منها.
النتيجة الثالثة: لقد كشفت النتيجة الثالثة من الفصل الثاني عن سمو ورفعة نص الحديث الشريف ايقاعياً وموسيقياً، فعلى صعيد تجانس الحروف وتقاربها كان لنص الحديث الشريف جمالية وحسنً، من حيث اختيارُ الحروف المناسبة مع الحدث المتكلم عنه. ففي مجال الوعظ والترهيب نجد القوة والفخامة، وفي مجال الدعوة والترغيب نجد الرقة والليونة، وفي الدعاء قبل النوم نجد اللحن الهادئ الخفيف، وفي الدعاء عند الحرب نجد اللحن الحماسي العنيف. كل ذلك يعبرُ عنه النبي (عليه السلام) بما يناسبهُ من الأصوات الملائمة معها.(1/2)
... اما على صعيد توازي فقر الحديث الشريف، فيمكن لنص الحديث أن يحتل المرتبة الثانية دون منازع بعد نص القرآن الكريم؛ وذلك لما يحمله من دقةٍ متناهية في إقامة الموازنة بين القرائن والفقر، فلا تزيدُ – في كثير من الأحيان – الفقرات بعضها على بعضٍ ولو بحرف واحد، ولا تنقص.
وهذا التوازي الدقيق قد فتح باباً واسعاً للتوازن العروضي في نص الحديث، فنحن نعرف أن ايقاعية البيت الشعري صادرة من تساوي طرفيه: الصدر، والعجز، في عدد التفعيلات والأحرف أحياناً، وقد استطعت أن أتوصل الى عدة أوزان مختلفة عند تقطيعي لفقر الحديث، فمنها ما جاء على غرار البحور الشعرية المعروفة، ومنها ما لم يجيء على نسقِ عروض الشعر العربي.
فمما جاء على شاكلة العروض العربي قوله (عليه السلام): "خيرٌ من الدنيا ومن عليها" فهو من مشطور الرجز على وزن (مستفعلن متفعلن متفعل).
وما جاء من كلامه موزوناً ولكنه لم ينتمِ الى أي بحر من بحور الشعر العربي، دليلٌ على سعة ومرونة ايقاع الحديث، وصحة وسلامة ذوقه (عليه السلام) فمنها قوله: "الأرواح جنودٌ مجندة، فما تعارف منها آئتلف، وما تناكر منها آختلف"، فقوله: فما تعارف منها آئتلف، جاء على وزن (متفعلن فعلن فاعلن)، وكذلك الجملة التي بعدها فإنها على الوزن نفسه. فلا عجب أن نقول بعد ما تقدم أنهُ يمكن للكاتب الناثر أن يكتب على غرار ما جاء في الحديث النبوي الشريف من الأوزان والتفعيلات، حتى يرقى بنصه الى أعلى مستوى ممكن.
النتيجة الرابعة: لم يخلُ كلام النبي ( - صلى الله عليه وسلم - ) من احتوائِهِ على بعض الأرجاز التي توهمُ القارئ بانها شعرٌ، فتضطرُهُ الى أن ينسبها الى غيره من شعراء عصره، أو أن يضعفها؛ حتى ينزه بذلك كلام النبي من وقوع الشعر فيه.(1/3)
لكن الأمر أهون من ذلك بكثير، حيث أنني أقول: هل إن كل كلام وقع موزوناً يعتبر شعراً؟ الجواب لا. ولو أجبنا بنعم لكنا واضعي الباعة المتجولين في قائمة الشعراء؛ لاننا نسمعُ منهم ما يكون موزوناً، كقول احدهم: من يشتري باذنجان فانه على وزن (مستفعلن مفعولات).
ثم هل ما جاء من كلام النبي الكريم موزوناً، كان مقصوداً أو غير مقصودٍ فيه؟ فلا شك أنهُ جاء من غير قصدٍ وتعمد بل جاء عفو الخاطر، فهو الذي جاء في حقه في سورة يس (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُو إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) فلا يمكن بل ومن المستحيل أن يتقصد الأوزان والتفعيلات في كلامه.
نخرجُ بعد ما مضى بنتيجةٍ، هي أن ما جاء من كلامه ( - صلى الله عليه وسلم - ) موزوناً فليس بشعر، وذلك لأنه لم يتقصد الى اقامة أوزانه، فوقع موزوناً على سجيته وطبعه السليمين، ولا ننسى أنه كان وليد عصرٍ تتواتر اليه النغمات من مناسم الابل وسنابك الخيل.
النتيجة الخامسة: تبين لي من خلال التجربة والبحث، مصداقية قوله ( - صلى الله عليه وسلم - ): "نحن معاشر الانبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم"، فتارة يخاطب العربي الذي قضى حياته في الرعي باسلوب بسيط مفهوم، وذلك من خلال ايراد ألفاظ وصفاتٍ قد ألفها، فتكون استجابتُهُ صحيحة لما يدعو اليه النبي الكريم.
وتارة يخاطب الفارس العربي في سوح القتال، بما يفهمُهُ من اللغة والاسلوب، فيأتي بألفاظ وعبارات تكون بمثابة الرد عليه، وايقافه عند حده، وبرز ذلك جلياً يوم أحد، عندما تراجع المسلمون الى الجبل، فتبجح أبو سفيان حينئذٍ قائلاً: اعلُ هبل. اعلُ هبل. فأجابه النبي: الله اعلى وأجل، ثم قال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم، فأجابه النبي: الله مولانا ولا مولى لكم.(1/4)
وتارة يخاطب العقول بألفاظ غير مباشرة، فلا يمكن للانسان أن يدرك معناها لأول وهلةٍ، الا إذا أمعن النظر، واشغل الفكر. وكان القصد من ذلك حاجةً في نفسهِ الشريفة ارادُ قضاءها، وهو يعلمُ أن المخاطب سوف يستأنس بما يقوله، بتعبير آخر: إن الألفاظ والكلمات المزمع اتيانُها سوف يكون لها من الفائدة ما يفوق غيرها، فكان النبي بذوقه وفطرته السليمتين يختار الأنسب والأحسن.
النتيجة السادسة: ثمة تكرار لألفاظ وكلمات في الأحاديث النبوية الشريفة ساعدت في تقوية الجانب الدلالي بالدرجة الأولى، وهذا النوع من التكرار فريدٌ من نوعه، وهو تكرار كلمةٍ واحدة في نهاية كل جملةٍ من جمل الحديث الشريف. فالمألوف في التكرار أن كلمةً ما تتكرر، في سياق النص دون تعيين لموقع التكرار الا أن ما وجدناهُ في نص الحديث، هو تكرار لفظةٍ في نهاية الجمل، بتعبير آخر يعني إختتام الجمل كلها بسجعةٍ واحدة، أو آتفاق الجمل كلها على سجعةٍ واحدة.
وهذا النوعُ من التكرار قلما يَردُ في الكلام؛ لان الكاتب إذا لم يكن على درجة غايةٍ في البلاغة – كالرسول الكريم – يخفق أو يكاد في الآتيان به، وتبدو الرتابةُ والتصنع في كتابتِهِ. وقد خُتمت سورة في يالقرآن الكريم بمثل هذا التكرار وهي سورة الناس.
(قُل أَعُوذ بِرَبِّ النَّاسِ - مَلِكِ النَّاسِ - إِلَهِ النَّاسِ - مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ - الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُور النَّاسِ - مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ ).
حيث خُتمت الآيات كلها بكلمةِ "الناس" ما عدا لفظة الخناس والتي يُراد منها معنى الناس أيضاً.
فهذه أهم النتائج التي استطعنا أن نتوصل اليها والحمد لله أولاً وأخراً.(1/5)
المحتويات
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ... (1 – 4)
التمهيد ... (5 – 21)
أولاً: السجعُ لغةً ... (6)
ثانياً: السجعُ آصطلاحاً ... (7 – 21)
الفصل الأول ... (22 – 54)
تشكيل السجع في (نثر) الحديث و(نظم) الشعر ... (22 – 54)
مدخل إلى السجع النبوي ... (22 – 26)
المبحث الأول: أركان السجع والحديث النبوي الشريف ... (27 – 38)
المبحث الثاني:
أبنية السجع والحديث النبوي الشريف ... (39 – 50)
أبنية السجع في الشعر العربي ... (51 – 54)
الفصل الثاني ... (55 – 84)
التشكيل الايقاعي للسجع في الحديث النبوي الشريف ... (56 – 84)
المبحث الاول: (التنغيم) في الحديث النبوي الشريف ... (56 – 70)
المبحث الثاني: (التوازي والتوازن) في الحديث النبوي الشريف ... (71 – 84)
الموضوع ... الصفحة
الفصل الثالث ... (85 – 117)
التشكيل الدلالي للسجع في الحديث النبوي الشريف ... (86 – 117)
المبحث الأول: (إتصاف دلالة السجع النبوي بالمرونة وحرية الانتقال) ... (86 – 90)
المطلب الأول: (اختلاف دلالة السجع باختلاف الحدث والمخاطب)، (الدلالة الصاخبة) ... (91 – 98)
المطلب الثاني: (الدلالة الهادئة) في الحديث النبوي الشريف ... (99 – 104)
المبحث الثاني: (التكرار الدلالي للسجع في الحديث النبوي الشريف) ... (105 – 117)
الخاتمة ... (118 – 122)
قائمة المصادر والمراجع ... (123 – 133)
جدول بالأحاديث المسجوعة في صحيح البخاري
(134 – 150)(1/1)
1- الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر: الدكتور عبد الحميد جيده، الطبعة الأولى، مؤسسة نوفل بيروت – لبنان، 1980م.
2- اتحاف السادة المتقين: في شرح احياء علوم الدين: بشرح محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى، وبهامشه كتاب الاملاء عن اشكالات الاحياء، (د.ط)، دار الفكر (د.ت).
3- الاتقان في علوم القرآن: جلال الدين السيوطي، (ت 911هـ)، (د.ط)، المكتبة الثقافية بيروت – لبنان، 1973م.
4- إحكام صنعة الكلام: أبو القاسم محمد بن عبد الغفور الكلاعي، تحقيق: محمد رضوان الداية، (د.ط)، دار الثقافة بيروت – لبنان، 1966م.
5- أدب الحديث النبوي: الدكتور بكري الشيخ امين، الطبعة الرابعة، دار الشروق – القاهرة، 1979م.
6- الأدب والدلالة: ت. تودوروف، ترجمة: الدكتور محمد نديم خشبه، الطبعة الأولى، مركز الانماء الحضاري – حلب، 1996م.
7- ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري: شهاب الدين احمد بن محمد القسطلاني (ت 923هـ)، طبعة جديدة بالاوفيست المطبعة الاميرية بولاق – مصر، دار الكتاب العربي بيروت – لبنان، 1323هـ.
8- أساس البلاغة: جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت 538هـ)، (د.ط)، دار صادر – بيروت، 1965م.
9- أسرار البلاغة: عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ)، تعليق الاستاذ احمد مصطفى المراغي بك، الطبعة الأولى، مطبعة الاستقامة بالقاهرة، 1948م.
10- الأسس الجمالية في النقد العربي: الدكتور عز الدين اسماعيل، الطبعة الثانية، دار الفكر العربي بالقاهرة، 1960م.
11- الاسس النفسية لاساليب البلاغة العربية: الدكتور مجيد عبدالحميد ناجي، الطبعة الاولى، وزارة الاوقاف والشؤون الدينية العراقية – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، 1984م.
12- أسس النقد الادبي عند العرب: احمد احمد بدوي، القاهرة : دار النهضة – مصر للطباعة، 1979م.(1/1)
13- الاصوات اللغوية: الدكتور ابراهيم أنيس، الطبعة الخامسة، مكتبة الانجلو – المصرية، 1975م.
14- الاعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الازرق: الدكتورة عائشة عبد الرحمن، مكتبة الدراسات الأدبية، دار المعارف في مصر، 1971م.
15- اعجاز القرآن: ابو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، تحقيق: السيد احمد صقر، الطبعة الثانية، دار المعارف بمصر، (د.ت).
16- اعجاز القرآن والبلاغة النبوية: مصطفى صادق الرافعي، الطبعة الثانية، دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان، (د.ت).
17- الاعلام قاموس تراجم لاشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين: خير الدين الزركلي، الطبعة الثالثة، (د.ت).
18- اللغة الشاعرة في الخطاب النقدي العربي – تلازم التراث والمعاصرة: الدكتور رضا مبارك، الطبعة الأولى، دار الشؤون الثقافية العامة - بغداد، 1993م.
19- انتاج الدلالة الادبية: الدكتور صلاح فضل، الطبعة الأولى، مؤسسة مختار للنشر والتوزيع – القاهرة، (د.ت).
20- الإيضاح في علوم البلاغة: جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني (ت 739هـ)، تحقيق وتعليق: لجنة من اساتذة كلية اللغة العربية بالجامع الأزهر، مطبعة السنة المحمدية، (د.ت).
21- البديع تأصيل وتجديد: الدكتور منير سلطان، (د.ط)، 1986م.
22- البديع في ضوء اساليب القرآن: الدكتور عبد الفتاح لاشين، الطبعة الأولى، دار المعارف بمصر، 1979م.
23- البرهان في علوم القرآن: بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، (ت 794هـ)، تعليق: مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، 1988م.
24- البلاغة الاصطلاحية: الدكتور عبده عبد العزيز قلقيلة، (د.ط)، دار الفكر العربي، 1987م.
25- البلاغة العربية قراءة اخرى: الدكتور محمد عبد المطلب، الطبعة الأولى، الشركة المصرية العالمية للنشر، 1997م.
26- البلاغة العربية المعاني والبيان والبديع: الدكتور احمد مطلوب، الطبعة الأولى، 1980م.(1/2)
27- البلاغة فنونها وافنانها علم البيان والبديع: الدكتور فضل حسن عباس، الطبعة الأولى، دار الفرقان للنشر والتوزيع عمان – الاردن، 1987م.
28- بناء القصيدة الفني في النقد العربي القديم والمعاصر: مرشد الزبيدي، (د.ط)، دار الشؤون الثقافية – بغداد، 1994م.
29- بنية اللغة الشعرية: جان كوهن، ترجمة: محمد الولي ومحمد العمري، الطبعة الأولى، الدار البيضاء – المغرب، 1986م.
30- البيان والتبيين: ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت255هـ)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الطبعة الثالثة، مؤسسة الخانجي بالقاهرة، (د.ت).
31- تاج العروس من جواعر القاموس: محمد مرتضا الزبيدي، الطبعة الأولى، المطبعة الخيرية المنشأة بجمالية مصر، 1306هـ.
32- تحاليل اسلوبية: محمد الهادي الطرابلسي، دار الجنوب للنشر – تونس، 1972م.
33- تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان اعجاز القرآن: ابن ابي الاصبع (ت654هـ)، تحقيق: الدكتور حفني محمد شرف، (د.ط)، القاهرة، 1383هـ.
34- التصوير الفني في القرآن: سيد قطب، (د.ط)، دار المعارف – القاهرة، 1975م.
35- تطور الاساليب النثرية في الادب العربي: الدكتور انيس المقدسي، الطبعة السادسة، دار العلم للملايين – بيروت، 1979م.
36- التعبير القرآني: الدكتور فاضل صالح السامرائي، (د.ط)، جامعة بغداد – بيت الحكمة، 1987م.
37- التعريفات: ابو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني (ت816هـ)، (د.ط)، الدار التونسية للنشر، 1971م.
38- التفسير البياني للقرآن الكريم: الدكتورة عائشة عبد الرحمن، الطبعة الثانية، دار المعارف بمصر، 1966م.
39- التنغيم اللغوي في القرآن الكريم: سمير ابراهيم وحيد العزاوي، (د.ط)، دار الضياء للنشر والتوزيع عمان – الاردن، 2000م.
40- التهذيب: عبيد الله بن فضل الخبيصي، (د.ط)، المطبعة الحميدية المصرية، 1315هـ.(1/3)
41- ثلاث رسائل في اعجاز القرآن: الرماني والخطابي وعبد القاهر الجرجاني، تحقيق: الدكتور محمد خلف الله والدكتور محمد زغلول سلام، الطبعة الثانية، دار المعارف بمصر، 1968م.
42- ثمرات الأوراق في المحاضرات: تقي الدين علي بن محمد بن حجة الحموي، شرح: الدكتور مفيد محمد قميحة، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، 1983م.
43- جماليات المفردة القرآنية: رسالة ماجستير تقدم بها: الدكتور احمد ياسوف، باشراف: الدكتور نور الدين عتر، (د.ت).
44- جرس الالفاظ ودلالتها في البحث البلاغي والنقدي عند العرب: الدكتور ماهر مهدي هلال، (د.ط)، دار الرشيد للنشر – بغداد، 1980م.
45- جماليات المعنى الشعري "التشكيل والتأويل": الدكتور عبد القادر الربّاعي، الطبعة الأولى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت، 1999م.
46- جواهر الالفاظ: قدامة بن جعفر (ت337هـ)، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، 1985م.
47- جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع: السيد احمد الهاشمي، الطبعة الثانية عشرة، (د.ت).
48- حاشية ابراهيم البيجوري على مختصر محمد بن يوسف السنوسي في فن المنطق، الطبعة الأولى، مطبعة التقدم العلمية بمصر، 1321هـ.
49- حاشية ابن سعيد على كتاب التهذيب، المطبعة الحميدية المصرية، 1315هـ.
50- الحديث النبوي، مصطلحه، بلاغته، كتبه: الدكتور محمد الصباغ، الطبعة الرابعة، المكتب الاسلامي – بيروت، 1982م.
51- خزانة الأدب وغاية الأرب: ابن حجة الحموي، شرح: عصام سعيتو، الطبعة الأولى، مكتبة الهلال – بيروت، 1987م.
52- الخصائص: ابو الفتح عثمان بن جني (ت392هـ)، تحقيق: محمد علي النجار، (د.ط)، دار الكتاب العربي بيروت – لبنان، (د.ت).
53- دلالة الالفاظ: الدكتور ابراهيم انيس، الطبعة الثانية، مكتبة الانجلو المصرية، مطبعة لجنة البيان العربي، 1963م.(1/4)
54- دير الملاك دراسة نقدية للظواهر الفنية في الشعر العراقي المعاصر: الدكتور محسن اطيمش، الطبعة الثانية، دار الشؤون الثقافية العامة – العراق، بغداد، الاعظمية، 1986م.
55- ديوان ابي تمام: شرح وتعليق الدكتور شاهين عطية، الطبعة الأولى، مكتبة الطالب وشركة الكتاب اللبناني – بيروت، 1968م.
56- ديوان ابي فيراس الحمداني، دار احياء التراث العربي – بيروت، (د.ط)، (د.ت).
57- ديوان أمرئ القيس: تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم، الطبعة الثالثة، دار المعارف – مصر، (د.ت).
58- ديوان ذو الرمة، شرح: الامام ابي نصر احمد بن حاتم الباهلي، تحقيق: الدكتور عبد القدوس ابو صالح، (د.ط)، مطبعة طربين – دمشق، 1972م.
59- ديوان صفي الدين الحلي، (ت752هـ)، (د.ط)، (د.ت).
60- ديوان علي محمود طه المهندس، دار العودة – بيروت، 1982م.
61- ديوان المتنبي، دار صادر للطباعة والنشر، دار بيروت للطباعة والنشر، 1964م.
62- الروض المريع في صناعة البديع: ابن البناء المراكشي، تحقيق: رضوان بنشقرون، (د.ط)، 1985م.
63- السجع واطوار استعماله في أدب العرب: عبد الستار فوزي، الشركة المركزية للطباعة والنشر – بغداد، 1966م.
64- سر الفصاحة: الأمير عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي (ت466هـ)، شرح وتصحيح: عبد المتعال الصعيدي، (د.ط)، مكتبة ومطبعة محمد علي بميدان الأزهر، 1969م.
65- السكون المتحرك – دراسة في البنية والاسلوب - تجربة الشعر المعاصر في البحرين نموذجاً: الدكتور علوي الهاشمي، الطبعة الأولى، منشورات اتحاد كتاب وادباء الامارات، 1992م.
66- سنن ابن ماجة، الحافظ ابو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت275هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (د.ط)، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، (د.ت).
67- سنن الترمذي، ابو عيسى محمد بن عيسى الترمذي (ت297هـ)، تحقيق: احمد محمد شاكر، (د.ط)، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، (د.ت).(1/5)
68- الصور المدنية دراسة بلاغية واسلوبية: الدكتور عهود عبد الواحد، الطبعة الأولى، دار الفكر للطباعة والنشر عمان – الاردن، 1999م.
69- صبح الاعشا في صناعة الانشا: احمد بن محمد القلقشندي (ت821هـ)، شرح وتعليق: محمد حسين شمس الدين، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، 1987م.
70- الصبغ البديع في اللغة العربية: الدكتور احمد ابراهيم موسى، (د.ط)، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر – القاهرة، 1969م.
71- الصحاح – تاج اللغة وصحاح العربية: اسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: احمد عبد الغفور عطّار، الطبعة الرابعة، دار العلم للملايين بيروت – لبنان، 1987م.
72- صحيح البخاري: ابو عبد الله محمد اسماعيل البخاري، بحاشية السندي، (د.ط)، دار الفكر بيروت – لبنان، 1986م.
73- صحيح البخاري بشرح الكرماني، الطبعة الثانية، المطبة البهية بمصر، 1939م.
74- صحيح مسلم: ابو الحسن مسلم بن القشيري النيسابوري (ت261هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (د.ط)، دار احياء الكتب العربية – محمد عيسى البابي الحلبي، (د.ت).
75- الصومعة والشرفة الحمراء – دراسة نقدية في شعر علي محمود طه: نازك الملائكة، الطبعة الثانية، دار العلم للملايين بيروت – لبنان، 1979م.
76- العقل في التراث الجمالي عند العرب: الدكتور علي شلق، الطبعة الأولى، دار المدى للطباعة والنشر، بيروت – لبنان، 1985م.
77- علم الدلالة: أ ف. آ ر. بالمر، ترجمة: مجيد الماشطة، (د.ط)، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجامعة المستنصرية، 1981م.
78- علم الدلالة عند العرب – دراسة مقارنة مع السيمياء الحديثة: عادل فاخوري، الطبعة الأولى، دار الطليعة للطباعة والنشر بيروت – لبنان، 1990م.
79- علم الدلالة والمعجم العربي: الدكتور عبد القادر ابو ريشة، وحسين لافي، والدكتور داود غطاشا، الطبعة الأولى، دار الفكر للنشر والتوزيع عمان – الاردن، 1989م.(1/6)
80- العمدة في محاسن الشعر وادابه ونقده: ابو الحسن بن رشيق القيرواني (ت456هـ)، تحقيق: محي الدين عبد الحميد، الطبعة الخامسة، دار الجيل للنشر والتوزيع والطباعة، بيروت – لبنان، 1981م.
81- عمدة القاري شرح صحيح البخاري: محمد بن احمد العيني (ت855هـ)، عنيت بنشره وتصحيحه والتعليق عليه شركة من العلماء بمساعدة ادارة الطباعة المنيرية، (د.ت).
82- الفاصلة في القرآن: محمد الحسناوي، دار الاصيل – حلب، (د.ت).
83- الفاصلة القرآنية من اسرار التعبير في القرآن: الدكتور عبد الفتاح لاشين، دار المريخ للنشر – الرياض، 1982م.
84- فتح الباري شرح صحيح البخاري: احمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ)، طبعة جديدة منقحة ومصححة عن الطبعة التي حقق اصلها: عبد العزيز ابن عبد الله بن باز، ورقم ابوابها: محمد فؤاد عبد الباقي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، 1989م.
85- فلسفة البلاغة بين التقنية والتطور: الدكتور رجاء عيد، (د.ط)، منشأة المعارف بالاسكندرية، مطبة اطلس – القاهرة، 1979م.
86- فن البديع: الدكتور عبد القادر حسين، الطبعة الأولى، دار الشروق – بيروت، 1983م.
87- فن التقطيع الشعري: صفاء خلوصي، الطبعة الثالثة، مكتبة المثنى، 1974م.
88- الفوائد المشوق الى علوم القرآن وعلم البيان: محمد بن ابي بكر بن ايوب المعروف بابن القيم الجوزية (ت751هـ)، (د.ط)، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، (د.ت).
89- في البنية الايقاعية للشعر العربي: الدكتور كمال أبو ديب، الطبعة الثالثة، دار الشؤون الثقافية العامة، العراق – بغداد – الاعظمية، 1987م.
90- القاموس المحيط: محمد بن يعقوب الفيروز أبادي، (د.ط)، دار الفكر بيروت، 1983م.
91- القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الايقاعية: أ. الدكتور محمد صابر عبيد، من منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2001م.(1/7)
92- قضايا الشعر المعاصر: نازك الملائكة، الطبعة الثانية، منشورات مكتبة النهضة – بغداد، 1965م.
93- قضايا اللغة في كتب التفسير – المنهج – التأويل – الاعجاز: الدكتور الهادي الجطلاوي، الطبعة الأولى، دار محمد علي الحامي للنشر والتوزيع الجمهورية التونسية، 1988م.
94- كتاب الاغاني: أبو الفرج الاصبهاني علي بن الحسين (ت976هـ)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (د.ط)، مؤسسة جمال للطباعة والنشر، (د.ت).
95- كتاب سيبويه: أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، تحقيق: عبد السلام هارون، الطبعة الثانية، مكتبة الخفاجي بالقاهرة، 1982م.
96- كتاب الصناعتين: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل ابراهيم، الطبعة الأولى، دار احياء الكتب العربية، 1952م.
97- كتاب العين: الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت175هـ)، تحقيق: الدكتور عبد درويش، (د.ط)، مطبعة العاني – بغداد، 1967م.
98- كتاب الكافي في العروض والقوافي: الخطيب التبريزي (ت502هـ)، تحقيق: الحساني حسن عبد الله، (د.ط)، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر – القاهرة، 1969م.
99- لسان العرب: ابن منظور، الطبعة الثالثة، دار صادر – بيروت، 1994م.
100- المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر: ضياء الدين بن الاثير(ت637هـ)، تحقيق: أحمد الخوفي والدكتور بدوي طبّانة، الطبعة الأولى، مطبعة نهضة مصر – الفجالة القاهرة، 1959م.
101- المختصر في فن المنطق: محمد بن يوسف السنوسي، الطبعة الأولى، مطبعة التقدم العلمية بدرب الدليل بمصر، 1321هـ،
102- المرشد الى فهم أشعار العرب وصناعتها: عبد الله الطيب المجذوب، الطبعة الأولى، شركة ومكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي بمصر، 1955م.
103- المشاهد في القرآن الكريم دراسة تحليلية وصفية: الدكتور صادق قنيي، الطبعة الأولى، مكتبة المنار الزراقاء – الاردن، 1984م.(1/8)
104- معاني القرآن: ابو زكريا يحيى بن زياد الفراء (ت207هـ)، الطبعة الثانية، عالم الكتب بيروت – لبنان، 1980م.
105- معترك الاقران في اعجاز القرآن: جلال الدين السيوطي (ت911هـ)، تصحيح: احمد شمس الدين، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، 1988م.
106- المعجم الادبي: جبور عبد النور، الطبعة الأولى، دار العلم للملايين بيروت – لبنان، 1979م.
107- معجم البلاغة العربية: الدكتور بدوي طبّانة، الطبعة الأولى، منشورات جامعة طرابلس، 1975م.
108- معجم المؤلفين تراجم مصنفي الكتب العربية: عمر رضا كحالة، (د.ط)، مكتبة المثنى بيروت، دار احياء التراث العربي بيروت – لبنان، (د.ت).
109- معجم مقاييس اللغة: أحمد بن فارس بن زكريا (ت395هـ)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الطبعة الثانية، 1970م.
110- مفتاح العلوم: يوسف بن ابي بكر محمد بن علي السكّاكي (ت626هـ)، الطبعة الأولى، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر، 1937م.
111- مفهوم الشعر دراسة في التراث النقدي: الدكتور جابر عصفور، الطبعة الثانية، دار التنوير للطباعة والنشر بيروت – لبنان، 1982م.
112- مقدمة كتاب اعجاز القرآن للباقلاني: السيد احمد صقر.
113- مناهج البحث في اللغة: الدكتور تمام حسان، (د.ط)، مكتبة الانجلو المصرية، 1955م.
114- من كنوز السنة دراسات أدبية ولغوية في الحديث الشريف: محمد علي الصابوني، (د.ط)، مؤسسة مناهل العرفان بيروت – لبنان، 1981م.
115- منهاج البلاغاء وسراج الأدباء: ابو الحسن حازم القرطاجنّي (ت684هـ)، تحقيق: محمد الحبيب بن الخوجة، (د.ط)، تونس، 1966م.
116- الموازنات الصوتية في الرؤية البلاغية: الدكتور محمد العمري، الطبعة الأولى، منشورات دراسات سال، المطبعة الجديدة دار البيضاء، 1991م.
117- موسوعة اطراف الحديث النبوي الشريف: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، الطبعة الأولى، عالم التراث بيروت، 1989م.(1/9)
118- موسيقى الشعر: الدكتور ابراهيم أنيس، الطبعة الرابعة، مكتبة الانجلو المصرية، 1972م.
119- ميزان الذهب في صناعة شعر العرب: السيد احمد الهاشمي، (د.ط)، مكتبة النقاء، العراق – بغداد – شارع المتنبي، (د.ت).
120- نقد الشعر: قدامة بن جعفر (ت337هـ)، تحقيق: كمال مصطفى، (د.ط)، مصر، 1963م.
121- نهاية الأرب في فنون الأدب: شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري (ت733هـ)، (د.ط)، وزارة الثقافة والارشاد القومي المؤسسة المصرية العامة، (د.ت).
122- الوافي بالوفيات: صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي، اعتناء: هلموت ريتر، الطبعة الثانية، طهران – ايران، (د.ت).
البحوث المنشورة في الدوريات:
1- التركيب الصوتي في قصيدة أنشودة المطر، الدكتور قاسم البريسم، مجلة افاق عربية، 1993م.
2- الجرس والايقاع في التعبير القرآني، كاصد ياسر الزيدي، مستل من مجلة أداب الرافدين، العدد (9)، 1978م.
3- سجع ام فواصل، احمد الحوفي، مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، العدد (27)، 1971م.
4- في قصيدة أبي تمام البائية في فتح عمورية دراسة في الموسيقى والايقاع، الدكتور ماجد الجعافرة، مجلة اداب الرافدين، تصدر عن كلية الأداب جامعة الموصل، العدد (27)، 1995م.
5- القيمة الموسيقية للتكرار في شعر الصاحب بن عباد، الدكتور فرحان علي القضاة، مجلة مجمع اللغة العربية الاردني، العدد (58)، 2000م.
6- موسيقى الالحان الضائعة، الدكتور محمد هيثم غرة، مجلة جامعة دمشق، العدد (2)، 2001م.
الرسائل الجامعية:
1- التوازي في القرآن الكريم: اطروحة دكتوراه تقدمت بها وداد مكاوي حمود الشمري، الى كلية التربية للبنات – جامعة بغداد، باشراف: الاستاذ الدكتور شجاع مسلم العاني والاستاذ المساعد حيدر لازم مطلك، 2001م.(1/10)
2- جهود عائشة عبد الرحمن في الكشف عن اعجاز القرآني دراسة بلاغية اطروحة دكتوراه تقدم بها: فاروق ذنون يحيى الى كلية الاداب – جامعة الموصل، باشراف: الدكتور احمد فتحي رمضان، 2003م.
3- الفاظ الثواب في القرآن الكريم دراسة دلالية: رسالة ماجستير تقدم بها: عماد عبد يحيى، الى كلية الاداب – جامعة الموصل، باشراف: الدكتور عبد الوهاب علي العدواني، 1987م.(1/11)
الحديث ... الكتاب ... الباب ... الجزء والصفحة
- عن ابي هريرة قال: قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم : "اذا وقع الذباب في شراب احدكم فليغمسه ثم لينزعه، فان في احدى جناحيه داء، والاخرى شفاء". ... بدء الخلق ... اذا وقع الذباب في شراب احدكم ... 2 / 226
- عن ابي هريرة قال: قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم): "ما من مولود الا يولد على الفطرة ، فابواه يهودانه ، او ينصرانه ، او يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء؟". ... الجمعة ... اذا مات الصبي هل يصلى عليه ... 1 / 235
- عن عمر بن الخطاب عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال: "الذهب بالذهب رباً الا هاء وهاء، والبر بالبر ربا الا هاء وهاء ، التمر بالتمر ربا الا هاء وهاء ، والشعير بالشعير ربا الا هاء وهاء". ... البيوع ... ما يذكر في بيع الطعام والحكره ... 2 / 16
- عن ابي هريرة قال: كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يتعوذ من: " جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء ، وشماتة الاعداء". ... الدعوات ... التعوذ من جهد البلاء ... 4 / 105
- عن عمران بن حصين ، عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال: "اطلعت في الجنة فرأيت اكثر اهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت اكثر اهلها النساء". ... ما جاء في الرقاق وان لا عيش الا عيش الاخرة ... فضل الفقر ... 4/122
- عن ابي هريرة ، ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال : " مثل المؤمن كمثل خامة الزرع يقيء ورقها من حيث اتتها الريح تكفئها فاذا سكتت اعتدلت وكذلك المؤمن يكفّا بالبلاء ، ومثل الكافر كمثل الارزة صماء ، معتدلة حتى يقصمها الله اذا شاء". ... التوحيد ... قول الله تعالى "انما قولنا لشيء ... ." ... 4 / 291
الحديث ... الكتاب ... الباب ... الجزء والصفحة(1/1)
- عن البراء بن عازب : قال فاما رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فانه لم يفر يوم حنين فلقد رايته وانه لعلى بغلته البيضاء وان ابا سفيان آخذ بلجامها والنبي (صلى الله عليه واله وسلم) يقول : " انا النبي لا كذب * انا ابن عبد المطلب". ... الجهاد ... من قاد دابة غيره في الحرب ... 2 / 148
- عن ابن عباس ، ان هلال بن امية قذف امراته فجاء فشهد والنبي (صلى الله عليه واله وسلم) يقول : " ان الله يعلم ان احدكما كاذب ، فهل منكما تائب ؟ ثم قامت فشهدت ". ... الطلاق ... يبدأ الرجل بالتلاعن ... 3 / 279
- عن اسماعيل بن ابي خالد ، انه سمع عبد الله بن ابي اوفى يقول : دعا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يوم الاحزاب على المشركين ، فقال : " اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، اللهم اهزم الاحزاب ، اللهم اهزمهم وزلزلهم". ... الجهاد ... باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة ... 2 / 158
- عن اسماعيل قال : قلت لعبد الله بن ابي اوفى ، بشر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) خديجة قال :نعم : "ببيت من قصب ، لاصخب فيه و نصب" ... بدء الخلق ... تزويج النبي (ص) خديجة وفضلها ... 2 / 315
- عن جابر قال ، قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): " اطفئوا المصابيح بالليل اذا رقدتم وغلقوا الابواب ، واوكلوا الاسقية وخمروا الطعام والشراب". ... الاستئذان ... اغلاق الابواب بالليل ... 4 / 97
- عن ابن عباس يقول سمعت النبي (صلى الله عليه واله وسلم) يقول : " لو كان لابن ادم واديان من مال لاتبغى ثالثا ، ولا يملا جوف ابن ادم الا التراب ويتوب الله على من تاب". ... ما جاء في ارقاق وان لا عيش الا عيش الاخرى ... ما يتقى من فتة المال ... 4 / 119
الحديث ... الكتاب ... الباب ... الجزء والصفحة(1/2)
- عن زينب ابنة جحش انها قالت : استيقظ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) من النوم محمرا وجهه يقول: " لا اله الا الله ، ويل للعرب ، من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم ياجوج وماجوج مثل هذه ، وعقد سفيان تسعين او مئة ، قيل : انهلك وفينا الصالحون ، قال نعم اذا كثر الخبث". ... الفتن ... قول النبي "ويل للعرب من شر قد اقترب" ... 4/ 222
- عن ابن عمر قال ، قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : "بني الاسلام على خمس ، شهادة ان لا اله الا الله ، وان محمدا رسول الله ، واقامة الصلاة ، وايتاء الزكاة ، والحج وصوم رمضان". ... الايمان ... دعاؤكم ايمانكم ... 1 / 11
- عن ابن عباس قال كان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) اذا قام من الليل يتهجد ، قال : " اللهم لك الحمد انت قيم السموات والارض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السموات والارض ومن فيهن ... اللهم لك اسلمت ، وبك امنت ، وعليك توكلت، واليك انبت ... .". ... الجمعة ... التهجد بالليل ... 1 / 196
- عن جابر بن عبد الله الانصاري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) "لو استقبلت من امري ما استدبرت ما اهديت ، ولو ان معي الهدي لاحللت". ... الحج ... تقضي الحائض المناسك كلها الا الطواف في البيت ... 1 / 287
- عن ابي هريرة قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول : " الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة". ... البيوع ... قوله تعالى : "يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار اثيم" ... 2 / 8
الحديث ... الكتاب ... الباب ... الجزء والصفحة
- عن ابي هريرة عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : " لو دعيت الى ذراع او كرع لاجبت، ولو اهدي الى ذراع او كراع لقبلت". ... الهبة وفضلها والتحريض عليها ... القليل من الهبة ... 2 / 87(1/3)
- عن المغيرة بن شعبة قال قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : " ان الله حرم عليكم : عقوق الامهات ، وواد البنات ، ومنع وهات ، وكره لكم : قيل وقال ،وكثرة السؤال ، وإضاعة المال". ... المساقاة ... ما ينهى عن اضافة المال ... 2 / 59
- عن ابي هريرة ، عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : قال الله تبارك وتعالى: "اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا اذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر". ... التفسير ... سورة السجدة ... 3 / 174
- عن ابي هريرة عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال: "لعن الله الواصل والمستوصلة ، والواشمة والمستوشمة". ... اللباس ... الوصل في الشعر ... 4 / 42
- عن الاسود بن قيس ، سمعت جندبا يقول بينما النبي (صلى الله عليه واله وسلم) يمشي اذ اصابه حجر فعثر فدميت اصبعه فقال: " هل انت الا اصبع دميت* وفي سبيل الله ما لقيت". ... الادب ... ما يجوز من الشعر والرجز ... 4 / 73
- عن ابي موسى عن ابيه عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) انه كان يدعو بهذا الدعاء: " ... اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت ، وما اسررت وما اعلنت ، انت المقدم وانت المؤخر ، وانت على كل شيء قدير". ... كتاب الدعوات ... قول النبي (ص) "اغفر لي ما قدمت وما اخرت" ... 4/113
- عن ابي هريرة ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كان يقول :" لا اله الا الله وحده ، اعز جنده ، ونصر عبده ، وغلب الاحزاب وحده، فلا شيء بعده". ... المغازي ... غزوة الخندق ... 3/33
الحديث ... الكتاب ... الباب ... الجزء والصفحة
- عن ابي هريرة عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : " من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها ابدا ، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها ابدا ، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأبها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها ابدا ". ... الطب ... السم والدواء به وبما يخاف منه ... 4/23(1/4)
- عن عبد الله بن عمر ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كان اذا قفل من غزوة او حج او عمرة يكبر على شرف من الارض ثلاث تكبيرات ثم يقول: " لا اله الا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، ايبون ، تائبون ، عابدون ، ساجدون ، لربنا حامدون . صد الله ودعه ، ونصر عبده ، وهزم الاحزاب وحده ". ... الحج ... ما يقول اذا رجع من الحج ... 1 / 309
- عن عبد الله بن عمر ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : " اربعة من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن ، كانت في خصلة من النفاق حتى يدعها : اذا اؤتمن خان ، واذا حدث كذب ، واذا عاهد غدر ، واذا خاصم فجر ". ... الايمان ... علامة المنافق ... 1 / 15
- عن انس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : " يسروا ولا تعسوا ، وبشروا ولا تنفروا ". ... الايمان ... ما كان النبي يتخوله بالموعظة والعلم كي لا ينفروا ... 1 / 24
الحديث ... الكتاب ... الباب ... الجزء والصفحة
- عن الزهري قال اخبرني ابو ادريس انه سمع ابا هريرة عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) انه قال : "من توضأ فليستنثر ، ومن استجمر فليوتر" ... الوضوء ... الاستنثار في الوضوء ... 1 / 42
- عن ابي هريرة ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال : " العجماء جُبار ، والبئر جُبار ، والمعدن جُبار ، وفي الركاز الخمس". ... الزكاة ... في الركاز الخمس ... 1 / 262
- عن معمر عن همام قال سمعت ابا هريرة عنه عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : " اذا انفقت المراة من كسب زوجها عن غير امره ، فله نصف اجره". ... البيوع ... قوله تعالى : "انفقوا من طيبات ما كسبتم " ... 2 / 5(1/5)
- عن ابي هريرة ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال : " الخيل لرجل اجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر . فاما الذي له اجر ، فرجل ربطها في سبيل الله فاطال بها في مرج او روضة فما اصابت في طيلها ذلك من المرج او الروضة كانت له حسنات ، ولو انه انقطع طيله فاستنت شرفا او شرفين منه ولم يرد ان يسقي كان ذلك حسنات له فهي لذلك اجر ، ورجل ربطها تغنينا وتعففا ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك ستر ، ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لاهل الاسلام فهي على ذلك وزر". ... المساقاة ... لاحمى الا لله ... 2 / 53
- عن انس بن مالك قال : جعل المهاجرون والانصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم ويقولون : نحن الذين بايعوا محمدا * على الاسلام ما بيقنا ابدا ، والنبي (ص) يجبهم ويقول الله انه لاخير الا خير الاخرة ، فبارك في الانصار والمهاجرة". ... فضل الجهاد ... التحريض على القتال ... 2 / 143
- عن اسماعيل عن قيس عن ابن مسعود يبلغ به النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : " من ههنا جاءت الفتن نحو المشرق والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين اهل الوبر ، عند اصول اذناب الابل والبقر ، في ربيعة ومضر". ... بدء الخلق ... قوله تعالى :" يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا ... " ... 2 / 264(1/6)
- ركب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول (ص) في المدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربدا للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر اسعد بن زرارة ، فقال رسول الله (ص) حين بركت به راحلته هذا – انشاء الله – المنزل ، ثم دعا رسول الله الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا : لا بل نهبه لك يا رسول الله ، ثم بناه مسجدا وطفق رسول الله (ص) ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول – وهو ينقل اللبن :"هذا الحمال لا حمال خيبر * هذا ابر ربنا واطهر. :" ويقول اللهم ان الاجر اجر الاخرة، فارحم الانصار والمهاجرة". ... بدء الخلق ... هجرة النبي (ص) واصحابه الى المدينة ... 2 / 333
- عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال لما افاء الله على رسوله (صلى الله عليه واله وسلم) يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعطي الانصار ... . " لولا الهجرة لكنت امرا من الانصار ، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الانصار وشعبها ، الانصار شعار ، والناس دثار". ... المغازي ... عزوة الطائف ... 3/69
الحديث ... الكتاب ... الباب ... الجزء والصفحة
- عن ابي هريرة ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال : " السعي على الارملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، واحسه قال يشك القعنبي: كالقائم لايفتر ، وكالصائم لا يفطر". ... الادب ... الساعي على المسكين ... 4/52
- عن ابن عباس قال كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول في دعائه : " اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا ، وفي سمعي نورا، وعن يميني نورا ، وعن يساري نورا ، وتحتي نورا ، وامامي نورا ، وخلفي نورا ، واجعل لي نورا ". ... الدعوات ... الدعاء اذا انتبه بالليل ... 4/100
- عن ابن عمر ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال : "من افرى الفرى ، ان يري عينيه ما لم تر". ... الحيل ... من كذب في حلمه ... 4/219(1/7)
- عن قتادة عن انس بن مالك ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : " يخرج من النار من قال لا اله الا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ، ثم يخرج من النار من قال لا اله الا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة ، ثم يخرج من النار من قال لا اله الا الله وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرة ". ... التوحيد ... قوله الله تعالى "ولتصنع على عيني" ... 4 / 279
- عن عائشة ام المؤمنين ، عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) انه قال : " انما جعل الامام ليؤتم به ، فااذ ركع فاركعوا ، واذا رفع فارفعوا ، واذا صلى جالسا فصلوا جلوسا اجمعون ". ... الصلاة ... اذا زار الامام قوما فامهم ... 1/127
الحديث ... الكتاب ... الباب ... الجزء والصفحة
- عن بشير بن كعب العدوي قال حدثني شداد بن اوس عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : "سيد الاستغفار ان تقول اللهم انت ربي لا اله الا انت ، خلقتني وانا عبدك ، وانا على عهدك ووعدك ما استطعت اعوذ بك من شر ما صنعت ... ". ... الدعوات ... افضل الاستغفار ... 4/98
- عن ابي هريرة قال قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم): " تاتي الابل على صاحبها على خير ماكانت اذا هو لم يعطي فيها حقها تطؤه باخفافها ، وتاتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت اذا لم يعط فيها حقها تطؤه باظلافها ، وتنطحه بقرونها ... .". ... الزكاة ... وجوب الزكاة ... 1/244
- عن ابي هريرة ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : " ما من يوم يصبح العباد في الا ملكان ينزلان ، فيقول احدهاما : اللهم اعطي منفقا خلفا ، ويقول الاخر : اللهم اعطي ممسكا تلفا ". ... الزكاة ... قوله تعالى :"فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى" ... 1/250
- عن عائشة ام المؤمنين قالت : سمعت النبي (صلى الله عليه واله وسلم) يقول : " الارواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ". ... بدء الخلق ... الارواح جنود مجندة ... 2 / 229(1/8)
الحديث ... الكتاب ... الباب ... الجزء والصفحة
- عن طاوس سمع ابن عباس قال : كان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) اذا قام من الليل يتهج قال: "اللهم لك الحمد انت قيم السموات والارض ومن فيهن ، ولك الحمد لك ملك السموات والارض ومن فيهن ، ولك الحمد نور السموات والارض ، ولك الحمد انت الحق ، وعدك الحق ، لقائك حق ، وقولك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد (ص) حق ، والساعة حق ... . ". ... الجمعة ... التهجد بالليل ... 1/196
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص : قال لي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): " يا عبد الله الم اخبر انك تصم النهار وتقوم الليل ، فقلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل صم وافطر وقم ونم ، فان لجسدك عليك حقا ، وان لعينك عليك حقا ، وان لزوجك عليك حقا ، وان لزورك عليك حقا ". ... الصوم ... حق الجسم في الصوم ... 1 / 337
- عن عائشة ام المؤمنين قالت ، قام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في الناس فحمد الله واثنى عليه ثم قال : " اما بعد ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ماكان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وان كان مائة شرط ، قضاء الله احق ، وشرط الله اوثق ، وانما الولاء لمن اعتق". ... البيوع ... اذا اشترط شروطا في البيع لاتحل ... 2 / 20
- عن عبد الله بن عمر ، ان تلبية رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك". ... الحج ... رفع الصوت بالاهلال ... 1 / 269
الحديث ... الكتاب ... الباب ... الجزء والصفحة
- عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : "خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فاخذت بحقو الرحمن ، فقال : مه ، قالت : هذا مقام العائذ بك لك من القطعية ، قال الا ترضين ان اصل وصلك، واقطع من قطعتك قالت : بلى ، قال : فذاك". ... التفسير ... سورة الاحقاف ... 3 / 188(1/9)
- عن عبد الله ، قال : سالت النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : " أي الذنب اعظم عند الله ؟ قال : ان تجعل لله ندا وهو خلقك . قلت : ان ذلك لعظيم، : قلت : ثم أي ؟ قال : وان تقتل ولدك تخاف ان يطعم معك ، : قلت ثم أي ؟ قال : ان تزاني حليلة جارك". ... التفسير ... قوله تعالى :"ولا تجعلوا لله اندادا وانتم تعلمون" ... 3/98
- عن سعد بن عبيدة قال : حدثني : البراء بن عازب قال : رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : "اذا اتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الايمن وقل : اللهم اسلمت نفسي اليك ، وفوضت امري اليك والجأت ظهري اليك ، رهبة ورغبة اليك ، لا لملجأ ولا منجا منك الا اليك ، امنت بكتابتك الذي انزلت وبنبيك الذي ارسلت ، فان مت مت على الفطرة فاجعلهن اخر ما تقول". ... الدعوات ... اذا بات طاهرا ... 4/99
- قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : " ان الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال ، واضاعة المال ، وكثرة السؤال ". ... الزكاة ... قوله تعالى : "لا يسالون الناس الحاقا" ... 1 / 258
- عن عثمان بن عفان عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : "اذا بعت فكل ، واذا ابتعت فاكتل". ... البيوع ... الكيل على البائع والمعطي ... 2 / 15
الحديث ... الكتاب ... الباب ... الجزء والصفحة
- حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا ابو اسحاق قال سمعت البراء بن عازب يحدث قال :" ... اخذ ابو سفيان يوم احد يرتجز : اعل هبل اعل هبل قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) الا تجيبوه: قال : يا رسول الله ما نقول ، قال قولوا : الله اعلى واجل ... ". ... الجهاد ... مايكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى امامه ... 2/ 175(1/10)
- عن سعد بن عبيدة قال : حدثني البراء بن عازب قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) " اذا اتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الايمن وقل : اللهم اسلمت نفسي اليك ... امنت بكتابك الذي انزلت ، وبنبيك الذي ارسلت ، فان مُتّ مُتّ على الفطرة ، فاجعلهن اخر ما تقول". ... الدعوات ... اذا بات طاهرا ... 4/99
- حدثنا عمرو بن خالد ، حدثنا زهير / حدثنا ابو اسحاق قال : سمعت البراء بن عازب يحدث قال: " ... اخذ ابو سفيان يوم احد يرتجز ... قال : ان لنا العزى ولا عزى لكم . فقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) الا تجيبوا له ؟ قال: قالوا يارسول الله ما نقول ؟ قال قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم ". ... الجهاد ... ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى امامهم ... 2 / 175
- عن ابن عباس ، قال : كان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) يعوذ الحسن والحسين ويقول : ان اباكما كان يعوذ بها اسماعيل واسحق : "اعوذ بكلمات الله التامّة ، ومن كل شيطان وهامّة ، ومن كل عين لامّة". ... بدء الخلق ... يزفون : النّسَلان في المشي ... 2/239
الحديث ... الكتاب ... الباب ... الجزء والصفحة
- عن عبد الله بن عمر عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : "الكريم بن الكريم بن الكريم من الكريم ، يوسف بن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم". ... التفسير ... سورة يوسف ... 3 / 143
- عن ابن عباس ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يقول عن الكرب : "لا اله الا الله العظيم الحليم ،لا اله الا الله رب العرش العظيم ، لا اله الا الله رب السماوات ورب الارض ورب العرش الكريم". ... الدعوات ... الدعاء عند الكرب ... 4 / 105(1/11)
- عن عائشة ام المؤمنين ، ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) كان يقول : "اللهم اني اعوذ بك من الكسل والهرم ، والمأثم والمغرم ، ومن فتنة القبر وعذاب القبر ، ومن فتة النار وعذاب النار ، ومن شر فتنة الغنى ، واعوذ بك من فتنة الفقر ، واعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ". ... الدعوات ... التعوذ من المأثم والمغرم ... 4 / 108
- عن ابي هريرة عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : "انكم ستحرصون على الامارة وستكون الندامة يوم القيامة ، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ". ... الاحكام ... ما يكره من الحرص على الامارة ... 4 / 235
- عن ابي هريرة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : "ما من مولود الا يولد على الفطرة ، فابواه يهودانه ، او ينصرانه ، او يمجسانه ... ". ... الجمعة ... اذا مات الصبي هل يصلى عليه ... 1 / 235
- عن سعيد بن زيد عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء العين". ... التفسير ... سورة الاعراف ... 3 / 130
الحديث ... الكتاب ... الباب ... الجزء والصفحة
- عن ابي هريرة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق هو مؤمن ، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس اليه فيها ابصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن". ... المظالم ... النهبى بغير اذن صاحبه ... 2 / 72
- عن عمران بن حصين قال : قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، قال عمران : لاادري اذكر النبي (ص) بعدُ قرنين او ثلاثة قال النبي (ص) : ان بعدكم قوما يخونون ، ولا يؤتمنون ، ولا يشهدون ولا يستشهدون ، وينذرون ولا يفون ، وظهر فيهم السّمِنُ". ... الشهادات ... لايشهد على شهادة جور اذا اشهد ... 2/101(1/12)
- عن ابي موسى الاشعري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : "اذا ادّب الرجل امته فاحسن تاديبها واعلمها فاحسن تعليمها ، ثم اعتقها فتزوجها ، كان له اجران ، واذا آمن بعيسى ثم آمن بي فله اجران، والعبد اذا اتقى ربه واطاع مواليه فله اجران". ... بدء الخلق ... قوله تعالى : "واذكر في الكتاب مريم اذ انتبذت من اهلها مكانا شرقيا" ... 2 / 256
- عن انس بن مالك قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : "من صلى صلاتنا ، واستقبل قبلتنا ، واكل ذبيحتها ، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله ، فلا تخفروا الله في ذمته". ... الصلاة ... فضل استقبال القبلة ... 1 / 81
- عن ابن عباس ، عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال ... . :"هم الذين لا يسترقون ، ولا يتطيرون ، ولا يكتوون ، وعلى ربهم يتوكلون". ... الطب ... من اكتوى او كوى غيره وفضل من لم يكتو ... 4 / 12
- عن ابي هريرة عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : "كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان الى الرحمن ، سبحان الله العظيم ، سبحان الله وبحمده". ... الدعوات ... فضل التسبيح ... 4 / 114
- عن ابي هريرة ، ان خزاعة قتلوا رجلا من بين ليث عام فتح مكة بفعل منهم قتلوه فاخبر بذلك النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فركب راحلته فخطب فقال :" ان الله حبس عن مكة القتل او الفيل شك ابو عبد الله ، وسلط عليهم رسول الله (ص) والمؤمنين ، الا وانها لم تحل لحد قبلي ولم تحل لاحد بعدي ، الا وانها حلت لي ساعة من نهار ، الا وانها ساعتي هذه حرام لا يختلى شوكها ، ولا يعضد شجرها ، ولا تلتقط ساقطها الا لمنشد ... ". ... الايمان ... كتابة العلم ... 1 / 32
- عن ابي صالح عن ابي هريرة عن النبي(صلى الله عليه واله وسلم) قال :" السفر قطعة من العذاب يمنع احدكم نومه وطعامه ، فاذا قضى نهمته من وجهه ، فليعجل الى اهله". ... الاطعمة ... ذكر الطعام ... 3 / 298(1/13)
- عن عبد الله بن عمر سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول :" كل راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، الامام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في اهله وهو مسؤول عن رعيته ، والمراة راعيتة في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته ، قال : وحسبت ان قد قال : والرجل راع في مال ابيه ومسؤول عن رعيته ، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته". ... الجمعة ... الجمعة في القرى والمدن ... 1 / 160
- عن انس بن مالك قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول :" من سره ان يبسط رزقه له او ينسأ له في اثره ، فليصل رحمه". ... البيوع ... من احب البسط في الرزق ... 2 / 6
- عن ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال :" جعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف امري ". ... الجهاد ... ما قيل في الرماح ... 2/155
- عن نافع ان ابن عمر اخبره ان حفصة زوج النبي (صلى الله عليه واله وسلم) اخبرته ان النبي امر ازواجه ان يحللن عام حجة الوداع ، فقال حفصة فما يمنعك ، فقال (لبدت راسي ، وقلدت هدي ، فلست احل حتى انحر هدي). ... المغازي ... بعث ابي موسى معاذ الى اليمن في حجة الوداع ... 3 / 83
- عن ابي موسى عن ابيه عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) انه كان يدعو بهذا الدعاء : "رب اغفر لي خطيئتي وجهلي ، واسرافي في امري كله ، وما انت اعلم به مني ، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي ، وجهلي وهزلي ، وكل ذلك عندي ... .". ... الدعوات ... اللهم اغفر ما قدمت وما اخرت ... 4 / 113(1/14)