ابن القطان من خلال الوهم والإيهام
- التعريف بابن القطان :
في كتاب (( نصب الراية لأحاديث الهداية )) للحافظ جمال الدين الزيلعي المتوفى سنة 762 :
(( .. وروى الدارقطني والبيهقي في سننيهما من حديث الحسين بن نصر المؤدب عن سلام بن سليمان .. حديث : (( اجعلوا أئمتكم خياركم )) قال البيهقي : إسناده ضعيف . اه ؛ وقال ابن القطان في كتابه : (( وحسين بن نصر لا يعرف ))[1]
وفي (( التلخيص الحبير )) للحافظ ابن حجر أثناء الكلام على طريق حديث الوضوء من بئر بضاعة :
" وأعله ابن القطان بجهالة راويه عن أبي سعيد ؛ واختلاف الرواة في اسمه واسم أبيه ؛ قال ابن القطان : وله طريق أحسن من هذه .." [2]
وفي (( ميزان الاعتدال في نقد الرجال )) للحافظ الذهبي :
(( جعفر بن إياس (ع) أبو البشر الواسطي أحد الثقاة . . . وقال أبو حاتم وغيره : ثقة ؛ وقال ابن القطان : كان شعبة يضعف حديث أبي البشر عن مجاهد ؛ وقال :لم يسمع منه شيئا )) [3]
هكذا يجد المتتبع لكتب الحديث والرجال ؛ عشرات من مثل هذه النقول عن ابن القطان في التصحيح والتضعيف والتعليل والتجريح والتعديل ؛ والملاحظ أن أغلب آرائه تكون وأحكامه تكون مسلمة من النقاد ؛ وفي بعض الأحيان يمكن العثور على مناقشات لكلامه ؛ وأخد ورد حسب أصول الفن وقواعده .
فمن هو ابن القطان ؟
1- مولده ووفاته :
هو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن محمد بن إبراهيم بن خلصة بن سماحة ؛ الحميري ؛ الكتامي الأصل ؛ الفاسي المولد والمنشأ نزيل مراكش ؛ المعروف بابن القطان .
وقد ذكر من ترجمه كابن الزبير وابن القاضي ؛ وأحمد بابا ؛ أن أصل أجداده من قرطبة بالأندلس [4] ولم يشر ابن الأبار ولا ابن عبد الملك اللا أصله الأندلسي ؛بل ذكراه في الغرباء الزائرين ؛ وقال عنه ابن عبد الملك : "فاسي سكن مراكش "(1/1)
ولد أبو الحسن بفاس فجر يوم عيد الأضحى سنة اثنتين وستين وخمسمائة 562 . قال ابن عبد الملك " وكانت وفاته بين العشائين من الليلة التي أهل فيها هلال ربيع الأول من سنة 628 ودفن بالركن الواصل بين الصحنين الشمالي والغربي من الزنقة لصق الجامع الأعظم بسجلماسة ؛ وقبره معروف هناك إلى للآن "
2- نشأته وانتقاله من فاس إلى مراكش :
لا شك أن ابن القطان نشأ بفاس ؛ وبها تلقى علومه الأولى ؛ ولم ينتقل إلى مراكش إلا بعد أن جاوز العشرين من عمره ؛ غير أن المصادر لا تذكر شيئا عن نشأته الأولى بفاس ؛ولا عن آبائه ؛ ولا عن دراسته ؛ ولا عن تاريخ مغادرته لمدينة فاس .
علم الحديث على عهد الموحدين
من المعروف أن دولة الموحدين قامت على أساس تغيير ما كان مألوفا في وقت المرابطين من نظم وتقاليد ؛ ومذهب وفكر ونظر ؛ ولم تتفق الدولتان إلا على بعض الأشياء ؛ منها تكريم العلماء خاصة الوافدين منهم ؛ إلا أن تكريم المرابطين لغير الفقهاء كان سياسيا فقط ؛ أي يقتضيه مظهر الدولة وفخامتها . أما الاعتبار الأول عندهم فهو لفقهاء الفروع على مذهب الإمام مالك ؛ كما يقول صاحب (( المعجب ))[5] عن علي بن يوسف بن تاشفين : " ولم يكن يقرب من أمير المسلمين ويحظى عنده إلا من علم الفروع أعني فروع مذهب مالك فنفقت في ذلك الزمان كتب المذهب وعمل بمقتضاها ونبذ ما سواها حتى نسي النظر إلى كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .."
فكان لازما أن تغير هذه الحال في دولة الموحدين باعتبار ما قامت على أساسه من قلب الأوضاع .
والذي يعنينا بالذات ؛ هو المقابلة بين الفقه والحديث ؛ فما كان يحظى به الفقهاء عند المرابطين أصبح من نصيب المحدثين في بلاط الموحدين ؛ إذ كان مبدؤهم هو أخذ الأحكام من الكتاب والسنة ؛ ولذلك باعدوا فقهاء الفروع وأحرقوا كتب الفقه المالكي كما هو معروف ومستفيض ؛ وقربوا المحدثين وأمروهم بتأليف الكتب في الحديث ليستعاض بها عن كتب الفقه .(1/2)
وبالجملة ما وصل إليه علم الحديث أيام الموحدين من ازدهار ؛ لا يحتاج إلى دليل ؛ إذ ذلك معروف ومعلوم لكل من خبر تاريخ المغرب من قريب أو من بعيد ؛ ويمكن الاكتفاء بقول الأستاذ المنوني في بحثه القيم عن (( العلوم والفنون في عهد الموحدين )) : " ه1ابن القطان إلى ما وجد في المغرب على عهدهم من أعلام كبار من الأندلس والقيروان وغيرهما ؛ حتى اجتمع في فاس على حد تعبير (( المعجب )) علم القيروان وعلم قرطبة ؛ وصارت مراكش هي الأخرى عاصمة علم ثانية ؛ الأمر الذي له دخل كبير في تسمية غير واحد لها ببغداد المغرب ؛ وكذا سبتة وطنجة وغير مدينة من مدن المغرب "[6] ويضيف " وكذا ازدهر الحديث في هذا العهد ازدهارا لم يكن له من قبل ؛ وقد استمد نهضته من اهتمام الموحدين به اهتماما كبيرا ظهر في استدعائهم للمحدثين من الأندلس ؛ وأمرهم بتدريسه إلى جانب المحدثين المغاربة . "
3- شيوخ ابن القطان :
على هذا البصاط الحديثي الذي نسجه الموحدون ولد أبو الحسن بن القطان ونشأ وتلقى علومه ؛ فوجد سوق الحديث رائجة ؛ وشيوخه متوافرين ؛ ورواته محترمين ؛ وطلبته متكاثرين ؛ والباحثين والمناظرين في مسائله نشطين متحفزين ؛ كما يؤكد هو نفسه في مقدمة كتابه (( بيان الوهم والايهام ))إذ يقول : "قد يكون (أي كتابه ) مما لم يسبق إليه في الصناعة الحديثية وترتيب النظر فيها المستفاد بطول البحث وكثرة المباحثة والمناظرة ؛ وشدة الاعتناء " .
ومن شيوخ فاس ومراكش ؛ أو ممن كان يفد عليهما من حفاظ الحديث والمعتنين بروايته ؛ تلقى علومه ؛ حيث لازمهم ؛ ونهل من حياض معارفهم واستكثر من رواية الحديث ؛ ومن لم يتيسر له لقاؤه ممن علت روايتهم من الأندلسيين كاتبهم مستجيزا فأجازوا له ؛ بعد أن بلغهم نبوغه وتحصيله .(1/3)
وقد ضمن هؤلاء الشيوخ ما بين سماع إجازة (( برنامجه )) الذي قال عنه ابن القاضي : " وجمع برنامجا مفيدا في مشيخته " [7] ونقل ابن عبد الملك من هذا (( البرنامج )) الذي وقف عليه ؛ تفصيل شيوخ السماع من شيوخ الإجازة حيث ختم قائمة شيوخ السماع بقوله : " هؤلاء لقيهم وأكثر عنهم " ثم بدأ سرد أسماء المجيزين بقوله : " وكتب إليه مجيزا ... ... " [8]
كما أنه رحل إلى إفريقية والأندلس فأخذ عن شيوخهما . وقد ذكره ابن الأبار وابن عبد الملك في قسم الزائرين للأندلس .
ونكتفي هنا بذكر أبرز شيوخه في الحديث ؛ كما ذكرهم مترجموه ؛ أما شيوخه في العلوم الأخرى ؛ أو كل شيوخه في الحديث ؛ فيطول الحال باستعراضهم .
- أبو الحسن بن النقرات ؛ واسمه علي بن موسى بن علي بن خلف السالمي ؛قال بن عبد الملك : " كان مقرئا مجودا محدثا راوية ... " وبعد أن ذكر شيوخه قال : " روى عنه أبو الحسن ابن القطان ... " [9]
- أبو القاسم بن ملجوم الفاسي ؛ واسمه عبد الرحيم بن عيسى بن يوسف له رواية واسعة بالمغرب والأندلس توفي سنة 604 ؛ قال بن القاضي : " وكان متصل العناية بالرواية ولقاء الشيوخ والإكثار من حمل الرواية ؛ بصيرا بالحديث ؛ محافظا على تقييده وضبطه ... " .[10] ذكره في شيوخ بن القطان ابن الزبير وابن عبد الملك .
- أبو عبد الله بن البقار ؛ واسمه محمد بن إبراهيم بن حزب الله ؛ فاسي قال بن الأبار : " ... وكان من أهل الفقه والحديث متحققا بالرواية والحديث عن رجالها ؛ عاكفا على التدريس ؛ حافظا متقنا ... روى عه أبو الحسن ابن القطان ؛ وتفقه به ؛ فأجاز له جميع روايته في سنة582"[11]
- أبو بكر بن المواق ؛ والد الحافظ أبي عبد الله تلميذ ابن القطان واسمه أبو بكر بن خلف الأنصاري ؛ قرطبي قال بن الأبار : " وعني بالحديث على جهة التفقه والتعليل والبحث عن الأسانيد والرجال والزيادات وما يعارض وما يعاضد ؛ ولم يعن بالرواية ؛ وقد حدث وسمع منه أبو الحسن ابن القطان ... " [12](1/4)
- ومن أجل شيوخه الحافظ المغربي الكبير أبو عبد الله محمد بن طاهر الحسيني الشريف الصقلي قال ابن الأبار : " وكان معتنيا بسماع الحديث ذاكرا لأسانيده ومتونه ؛ وولي قضاء الجماعة بمراكش " [13] وقال بن عبد الملك : " روى عنه أبو الحسن ابن القطان وأبو عبد اله ابن حماد العجلاني ؛ وكان راوية للحديث حافظا لمتونه بصيرا بعلله عارفا برجاله ؛ مشرفا على طبقاتهم وتواريخهم ؛ عني بهذا الشأن أتم عناية ودرسه ببلده واستدرك على الأحكام الكبرى لعبد الله أحاديث كثيرة في أكثر الكتب رأى أن أبا محمد أغفلها ؛ وأنها أولى بالذكر مما أورده أبو محمد في الأحكام ؛ دل ذلك على حسن نظره وجودة اختياره " [14]
- أبو عبد الله بن الفخار المالقي الحافظي ؛ واسمه محمد بن إبراهيم بن خلف ؛ وصفه في تذكرة(( الحفاظ )) بالحافظ الإمام الأوحد [15] وقال بن الأبار : " كان صدرا في حفاظ الحديث ؛ مقدما في ذلك ؛ معروفا بسرد المتون والأسانيد مع معرفته بالرجال وذكر الغريب سمع ... وحدث عنه أئمة ؛ واعترف له بالحفظ أهل زمانه " [16] ذكره في شيوخ ابن القطان جميع من ترجم له ؛ وقال بن الأبار : "إنه أكثر عنه " وذكره ابن عبد الملك فيمن لازمهم ابن القطان ونقل من برنامجه وصفه له بقوله : " كان حافظا للحديث ؛ حسن الإيراد للمطولات ؛ عارفا بالرجال ... " [17] وتوفي سنة 590 .
- الحافظ أبو عبد الله التجيبي صاحب الفهرست المشهورة وغيرها من المؤلفات ؛ واسمه محمد بن عبد الرحمن بن علي ؛ وصفه في (( تذكرة الحفاظ )) : " باركنا الحافظ الإمام محدث تلمسان "[18] توفي بمراكش سنة 610 وقد ذكره في شيوخ ابن القطان كل من ابن عبد الملك وابن الزير في (( صلة الصلة )) .(1/5)
- أبو الخطاب بن واجب واسمه أحمد بن محمد بن عمر القيسي من أهل بلنسية ؛ وصفه ابن الأبار : " بأنه حامل راية الرواية بشرق الأندلس ؛ وآخر المحدثين المسندين " وبعد أن استقصى شيوخه وهم كثر قال : " فصار لا يعدل به أحد من أهل وقته عدالة وجلالة ... وعلو إسناد وصحة قول وضبط ... مع عناية كاملة بصناعة الحديث ... " [19] توفي بمراكش سنة 614 ذكره في شيوخ ابن القطان ابن عبد الملك نقلا عن برنامجه .
- أبو عمر بن عات ؛ واسمه أحمد بن هارون بن أحمد بن جعفر النفزي الشاطبي ؛ وصفه في (( تذكرة الحفاظ )) " بالحافظ الإمام " [20] وذكر ابن الأبار شيوخه بالمغرب والمشرق ثم قال : " وكان أحد الحفاظ للحديث ؛ يسرد المتون والأسانيد ظاهرا لا يخل بحفظ شيء منها ؛ موصوفا بالدراية والرواية ؛ وله تآليف دالة على سعة حفظه " [21] وقال بن عبد الملك : " وكان أكابر المحدثين الحفاظ المسندين للحديث ... فكان أهل شاطبة ؛ يفاخرون بأبوى عمر ابن عبد البر وابن عات " [22]
استشهد بوقعة العقاب بالأندلس في سنة 609 ذكره في شيوخ ابن القطان ابن الزبير وابن عبد الملك .
- أبو القاسم ابن بقي من ذرية بقي بن مخلد ؛ واسمه أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن ؛ وذكر ابن عبد الملك في ترجمة ابن القطان أن أبا القاسم هذا كان من شيوخه ؛ وجالسه طويلا وذاكره كثيرا ؛ وسمع منه مسند جده بقي بن مخلد وتفسيره ؛ وكان أهلا للرواية عنه ؛ وقال بن الأبار : " انفرد برواية الموطأ عن ابن عبد الحق قراءة على ابن الطلاع سماعا توفي سنة 615 " [23]
ولعل هذا القدر من شيوخ ابن القطان في الحديث وروايته ؛ يعتبر وافيا بالغرض في مثل هذا البحث ؛ ويطول الأمر لو وقع تتبع كل من ذكرهم ابن عبد الملك من شيوخه نقلا عن برنامجه ؛ بالإضافة إلى من ذكر غيره كابن الأبار وابن الزبير وابن القاضي وأحمد بابا وغيرهم ؛ مما يجعل قول الذهبي : " أخذ الفن من المطالعة " غريبا منه جدا .(1/6)
أما شيوخه في الفنون الأخرى كالنحو والفقه والأدب وما إلى ذلك ؛ فربما يكون في استقصائهم والتعريف بهم خروج عن الموضوع .
4- تلامذة ابن القطان :
وبدروسه الخاصة لطلبة العلم ؛ كثر الآخذون عنه واتسعت دائرة تلامذته ؛ فابن الأبار يقول عنه : " درس وحدث " ويقول ابن القاضي : " حدث وأخذ عنه " ؛ وبعد أن عدد ابن عبد الملك تلامذته وهم كثر ؛ أضاف : "في خلق لا يحصون كثرة أخذوا عنه بمراكش وغيرها من بلاد العدوة إلى إفريقية ؛ وبالأندلس .
ويعتبر ابن عبد الملك تلميذ تلاميذه إذ أخذ عن عدد من تلاميذ ابن القطان ويعدد من روى عنه منهم فيقول : " ومن شيوخنا الرواة عنه سوى ابنه أبي محمد : أبو الحسن الكفيف ؛ وأبو زيد بن القاسم الطراز ؛ وأبو عبد الله بن الطراوة ؛ وأبو عبد الله المدعو بالشريف ؛ وأبو علي المقري ... "
ومن أبرز تلامذته : ابناه أبو محمد حسن ؛ وأبو عبد الله الحسين . ومما يؤسف له أن المصادر المتيسر الوقوف عليها لم ترجم لهما ؛ ولم تعرف بهما ولا بولادتهما ووفاتهما .(1/7)
ثم الحافظ أبو عبد الله بن المواق ؛ واسمه محمد بن يحيى بن أبي بكر مراكشي قرطبي الأصل قديما ؛ قال ابن عبد الملك : " وكان فقيها حافظا محدثا مقيدا ضابطا متقنا نبيل الخط بارعه ؛ ناقدا محققا ذاكرا أسماء الرجال وتواريخهم وأحوالهم ؛ وله تعقب على كتاب شيخه أبي الحسن بن القطان الموسوم " ببيان الوهم ولإيهام الواقعين في كتاب الأحكام ... " ولد سنة 583 ونشأ بمراكش واستوطنها ؛ توفي سنة 642 " " وفي الرسالة المستطرفة " أثناء الكلام على " أحكام " عبد الحق ؛ و " الوهم والإيهام " لابن القطان : " وقد تعقب كتابه هذا في توهيمه لعبد الحق تلميذه الحافظ الناقد المحقق ؛ أبو عبد الله محمد بن الإمام يحيى بن ( المواق ) في كتاب سماه : " المآخد الحفال السامية ؛ عن مآخذ الإهمال في شرح ما تضمنه كتاب بيان الوهم ولإيهام ؛ من الإخلال ولإغفال ؛ وما انضاف إليه من تتميم وإكمال " تعقبا ظهر فيه كما قال الشيخ القصار :إدراكه ونبله ؛ وبراعة نقده ؛ إلا أنه تولى إخراجه من المبيضة ؛ ثم اخترمته المنية ؛ ولم يبلغ من تكميله الأمنية ؛ فتولى تكميل تخريجه مع زيادات تتمات ؛ وكتب ما تركه المؤلف بياضا : أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن رشيد ... " [24]
ثم أبو عبد الله بن عياض حفيد القاضي عياض واسمه : محمد بن عياض بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي قال ابن الزبير : " ولد سنة 584 وتوفي بغرناطة سنة 655 "[25]
5- ابن القطان محافظ مكتبة القصر الملكي :(1/8)
يقول الأستاذ المنوني عن الخلفاء الموحدين : " كانوا مضرب الأمثال في الاهتمام باقتناء الكتب وتملكها " والواقع أن الكتب التي نقل منها ابن القطان في الحديث والرجال خاصة تعتبر من الكثرة والغرابة والندرة والتعدد بحيث يستبعد أن تكون مملوكة لشخص واحد ؛ ولا بد أن تكون تلك المصادر في ذلك الوقت هي محتوى مكتبة ملكية . وتوفر لابن القطان النقل من كتب تعذر على عبد الحق بالأندلس أن يراها ؛ كمسند بقي ابن مخلد وتفسيره ؛ ومصنف قاسم بن أصبغ وغيرها . وقد تولى ابن القطان نظارة هذه المكتبة ؛ واستوعبها واطلع على خفاياها ودقائقها حتى أنه عندما نهبت تلك المكتبة وعيث فيها فسادا في إحدى الفتن ؛ لم يجدوا من يعيد ترتيبها ح ويعرف ما فقد منها وما نقص ؛ وما بقي تاما ؛ غيره .
6- مكانة ابن القطان العلمية :
كان أبو الحسن عالما مشاركا متضلعا من كثير من العلوم كالفقه والأصلين والتاريخ والتفسير والعربية وغير ذلك ؛ كما تدل عليه أسماء مؤلفاته الآتي ذكرها . وبعد أن عدد ابن عبد الملك مؤلفاته قال : " إلى غير ذلك من المعلقات والفوائد في التفسير والحديث والفقه وأصوله والآداب والكلام والتواريخ والأخبار"
لكن العلم الذي كان له فيه التخصص والبراعة وبلغ فيه مبلغ الأئمة الكبار هو علم الحديث بسائر فروعه ؛ ونقد متونه وأسانيده .
ولعل شهادة عصريه المحدث الحافظ أبي عبد الله بن الأبار المعروف بتشدده في النقد ؛ كافية في إظهار مكانته الحديثية عند العلماء إذ يقول : " وكان من أبصر الناس بصناعة الحديث ؛ وأحفظهم لأسماء رجاله ؛ وأشدهم عناية بالرواية " [26] ويزيد ابن القاضي على ما نقله من وصف ابن الأبار : " مع التفنن في المعرفة والدراية " [27] .
ويقول عاصريه أيضا : الحافظ جمال الدين بن مسدي : " كان معروفا بالحفظ والإتقان ومن أئمة هذا الشأن " [28] .(1/9)
ويقول الحافظ أبو جعفر بن الزبير المتوفى سنة 708 : " وكان ذاكرا للرجال والتاريخ عارفا بعلل الحديث نقادا ماهرا " [29] .
أما ابن عبد الملك بلديه وتلميذ ولده ؛ أفاض في وصف مكانته العلمية والحديثية فقال : " وكان ذاكرا للحديث ؛ مستبحرا في علومه ؛ بصيرا بطرقه عارفا برجاله ح عاكفا على خدمته ؛ مميزا صحيحه من سقيمه ... كتب بخطه على ضعفه الكثير ؛ وعني بخدمة كتب بلغ فيها الغاية ؛ ومنها نسخته بخطه من صحيح مسلم والسنن لأبي داود وغير ذلك " [30] .
وهكذا احتل ابن القطان مكانه في قائمة كبار حفاظ الحديث ونقاده فترجمه الذهبي في (( تذكرة الحفاظ )) وعبر عنه : " بالحافظ العلامة الناقد " وقال : " طالعت كتابه المسمى (( بالوهم والإيهام )) يدل على حفظه وقوة فهمه )) [31].
وقال الحافظ العراقي في (( طرح التثريب )) : " أحد الحفاظ الأعلام ؛ صاحب كتاب ( بيان الوهم والإيهام )) . [32]
وعبر عنه الحافظ ابن حجر في كتبه ؛ وخاصة في (( تهذيب التهذيب )) .[33]
وترجمه السيوطي في (( طبقات الحفاظ )) وأطلق عليه : " الحافظ الناقد العلامة " ؛ وقال : " كان معروفا بالحفظ والإتقان " [34]
وفي شذرات الذهب : " كان حافظا ثقة مأمونا " [35] .
7- آثاره العلمية :
(( كتاب بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام )) وهو أشهر كتبه .
(( الإقناع في مسائل الإجماع ))
(( النظر في أحكام النظر ))
(( رسالة في فضل عشوراء والترغيب في الإنفاق فيه على الأهل ))
(( كتاب حافل جمع فيه الحديث لصحيح محذوف السند ؛ حيث جمع من المسندات والمصنفات ؛ كمل منه كتاب الطهارة والصلاة والجنائز والزكاة )) ؛ في نحو عشر مجلدات ؛ هكذا ذكره ابن عبد الملك .
(( البستان في أحكام الجان ))
(( النزع في القياس ))
(( الرد إلى أبي محمد بن حزم في كتاب المحلى مما يتعلق به من علم الحديث ))
(( تقريب الفتح القسي ))
(( كتاب ما حاضر به الأمراء ))
(( رسالة في الإمامة الكبرى ))
(((1/10)
رسالة في القراءة خلف الإمام ))
(( رسالة في الوصية للوارث ))
(( رسالة في منع المجتهد من تقليد المحدث في تصحيح الحديث لدى العمل ))
((رسالة في الأوزان والمكاييل ))
(( رسالة في الطلاق الثلاث ))
(( رسالة في معاملة الكافر ))
(( رسالة في فضل عائشة ))
(( مقالة في تفسير قول المحدثين في الحديث إنه حسن ))
(( رسالة إنهاء البحث منتهاه عن مغزى من أثبت القول بالقياس ومن نفاه ))
(( برنامج شيوخه ))
إلى غير ذلك مما ذكره ابن عبد الملك .
منهج ابن القطان في كتابه بيان الوهم والإيهام
8- عنوان الكتاب وموضوعه :
اسم الكتب هو : " كتاب بيان الوهم والإيهام ؛ الواقعين في كتاب الأحكام " هكذا هو مذكور في ترجمة المؤلف من (( الذيل والتكملة )) لابن عبد الملك ؛ وفي غيره من المصادر التي ترجمت له .
وبعض المؤلفين كالذهبي في " تذكرة الحفاظ " يختصره فيسميه (( الوهم والإيهام )) وهذا العنوان المختصر هو الشائع المتداول في المراجع ؛ وعلى أية حال فعنوان الكتاب الأصلي يعد دقيقا ؛ ومطابقا تمام المطابقة لموضوعه؛ ولقسميه الرئيسين .
إذ تنحصر أبواب الكتاب المهمة في تتبع أوهام عبد الحق وإيهاماته ؛ أي في التركيز على ناحيتين :
الناحية الأولى : وهي القسم الأول من الكتاب ؛ ملاحقة عبد الحق ؛ وتبيين أغلاطه وتجاوزاته في النقل ؛ وهي التي عبر عنها باركنا (( بالوهم )) وذلك مثل :
غلط في نقل حديث من كتاب
إبدال راو بآخر
عزو حديث إلى كتاب ليس هو فيه ؛ أو ليس بذلك اللفظ
تجاوز المتعارف عليه من عزو الحديث إلى كتاب أصل أو اشتهر ؛ وعزوه إلى كتاب أقل شهرة أو أصالة
زيادة راو في السند
نقص راو من السند
عدم الدقة في نسبة الزيادات المردفة للأحاديث إلى مخرجيها
الخلط بين أسانيد بعض المتون
إيراد المرفوع على أنه موقوف وبالعكس
إلى آخر ما يرجع إلى أوهام عبد الحق في النقل ؛ مما يشبه أو يقارب أو يغاير قليلا هذا المذكور .(1/11)
أما الناحية الثانية : فهي القسم الثاني من الكتاب ؛ وهي تختص بمناقشة عبد الحق في نظرياته وأفكاره ؛ وتطبيقه للقواعد ؛ وتصحيحه للأحاديث وتحسينها ؛ أوردها وتعليلها ؛ وحكمه على الرجال ؛ وموافقته للنقاد الذي يحكي أقوالهم أو معارضته لهم . إلى آخر ما يرجع إلى اجتهاده في علوم الحديث وعلله ثم استدراكه عليه في كل ذلك وتتميم الناقص ؛ وتكميل المغفل وما إلى ذلك ؛ وذلك ما عبر عنه ابن القطان باركنا (( الإيهام )) أي إيهام عبد الحق في النظر .
دراسة المقدمة من خلال ما اشتملت عليه :
المقدمة من حيث الشكل :
أولا :دخول المؤلف في الموضوع رأسا ؛ بعد حمد وصلاة لا يتعديان السطر الواحد ؛ وخلو التقديم عما كان قد بدأ يشيع أو شاع في ذلك العصر من الخطب المحبرة والأسجاع المتكلفة ؛ وبراعة الاستهلال .
ثانيا : أسلوبه السلس المعبر عما في نفسه ببساطة ويسر دون تكلف أو تنميق ؛ وأسلوبه هذا هو المتبع في سائر الكتاب ؛ حتى إنه ينزل في أحيانا في الشرح والبيان إلى درجة تستغرب بالنظر إلى عصره ؛ وما يبدو أحيانا من تعقيد في بعض العبارات فانه يرجع إلى الموضوع ذاته وتشعب أطرافه وتداخل مصطلحاته .
معطيات المقدمة :
مما اشتملت عليه المقدمة من المعطيات ؛ مما يستحق العناية والبحث ؛ أشياء منها :
دراسة أبواب الكتاب من خلال تصديرات المؤلف لكل باب ؛ ثم تلخيص مضمن الباب ؛ وما يرمي ليه المؤلف من عقده له .
القواعد والفوائد التي قال : إنه أفادها في أسانيدها ومتونها فوائد لا توجد في غير كتابه .
معرفة أولئك المحاورين والمناظرين والمفاوضين من المغاربة أو الطارئين على المغرب ؛ الذين استفاد من مذكراتهم ومناظرتهم في علوم الحديث ؛ والذين لا يعرف عنهم إلا أقل القليل .
سبب تأليفه للكتاب :
انتقاد المؤلف للمعتمدين على المختصرات ؛ ونصيحته لطلبة الحديث بالرجوع إلى الأصول المسندة .
وظيفة المحدث في نظر المؤلف .
دفاعه عن المحدثين الأصلاء .(1/12)
تحليل موقفه من التقليد والاجتهاد.
مدى ارتباط كتابه بكتاب عبد الحق .
اصطلاح المؤلف ومدى تقيده بما انتهجه لنفسه في أبواب كتابه .
استخراج ثبت بالمصادر التي قال أنه لم يتيسر لغيره الوقوف عليها .
غير ذلك مما تعطيه المقدمة من بحوث وعناوين لموضوعات تعتبر غاية في لأهمية بالنسبة إلى دارس الكتاب ؛ أو دارس شخصية ابن القطان .
اصطلاح المؤلف :
وليس المقصود باصطلاح المؤلف اصطلاحا خاصا له في هذا الكتاب كرموز وإشارات ؛ أو حروف أو اختزال كما هو الحال بالنسبة إلى عبد الحق في سكوته عن الصحيح واشاراته إلى الرواة وإرداف الزيادات بأساليب خاصة ؛ وما إلى ذلك . فكلام ابن القطان سهل سلس مبسط إلى حد الإسهاب ؛ وخال من الإشارات والرموز ؛ إنما القصد باصطلاحه ذلك المنهج الذي انتهجه لنفسه حين وضع تلك الأبواب الكثيرة والطويلة العنوان ؛ ووزع عليها مادة الكتاب مقطعة تقطيعا ؛ ومتشعبة شعبا وفروعا ؛ مما أحوجه إلى تقديم المقدمات والتصديرات بين يدي أغلب تلك الأبواب ؛ ليبين فيها مضمون كل باب ويوضح الفروق بينها ؛ ويزيح توهم تداخلها ؛ بل يضع الأسس والأصول لأبواب كتابه .
صعوبة الاستفادة من ترتيب ابن القطان لكتابه :
وهكذا سار ابن القطان على هذا النهج الغريب الذي يقتضي من مريد الاستفادة من الكتاب استعابه كله إن هو أراد أن يظفر بفائدة من تلك الفوائد التي لا توجد في غيره من الكتب على حد قوله . ولئن كان الواقع يؤيد قوله ؛ كما شهد بذلك الجهابذة من نقاد هذا الفن ؛ فان دون إحراز فوائده صعوبات جمة أهمها :
أن عناوين الأبواب ليست عناوين لمجموعة محددة من الأحاديث المنقودة تكلم عليها المؤلف ؛ بل هي عناوين لأفكار في ذهن المؤلف رتبها مع نفسه بحسب ما ظهر له من تصنيف للأحاديث التي تكلم عليها ؛ ولم يراع فيها احتياج القارئ إلى استفادة حكم واحد على حديث أو رجل فيسهل له سبل هذه الاستفادة .(1/13)
أنه لا يمكن للقارئ أن يتكهن بأن هذا الباب مظنة للكلام على الحديث الفلاني مثلا أو الرجل الفلاني ؛ فإذا وجد القارئ في " تهذيب التهذيب " أن هذا الرجل ضعفه ابن القطان أو وثقه ؛ وأراد أن يقف على نص كلامه في كتابه فلا مجال له لذلك إلا بقراءة الكتاب كله . وإذا وجد في " نصب الراية " أو " التلخيص الحبير " أن هذا الحديث صححه ابن القطان ؛ وأراد أن يقف على طريفة تصحيحه ؛ فانه لن يجد الحديث إلا مصادفة ؛ أما قصدا إلى الحديث المعين ؛ فيتعذر ذلك تعذرا تاما على أي قارئ إلا باستيعاب الكتاب كله .
وبقدر ما أدرك العلماء فائدة الكتاب العلمية ؛ أدركوا صعوبة الاستفادة منه ؛ فقام بترتيبه عالمان كبيران هما : صدر الدين بن المرحل المعروف بابن الوكيل المتوفى سنة 716 أحد شراح أحكام عبد الحق ؛ والحافظ مغلطاي الحنفي المتوفى سنة 762 ؛ ولكن لا نعلم شيئا عن ترتيبهما ولا يعرف منهجهما في ذلك ؛ ولو وجد هذان الكتابان لأفادا فائدة عظمى سواء بالنسبة إلى الاستفادة من كتاب ابن القطان أو بالنسبة إلى تتميم النقص في السطور الممحوة .
تقيد ابن القطان بمنهجه وترتيبه :
ولعل الأغرب من ترتيب المؤلف ؛ حرصه على التمسك بمنهجه وإيراد الأشياء في أبوابها المخصصة لها ؛ وان أدى ذلك إلى تفتيت وحدة الموضوع المبحوث ؛ فهو مثلا :
يبحث الموضوع الواحد في ثلاثة أبواب أو أربعة ؛ بحيث يبدؤه في باب ثم يحيل في إتمامه على باب آخر ؛ وفي الآخر يحيل إلى آخر وهكذا .
قد يكون البحث مسترسلا في موضوع ما ويظن أنه سيجمع أطرافه ثم فجأة يتوقف ويحيل على باب يختص ببقية الموضوع .
ونادرا ما يجمع أطراف موضوع في باب واحد ؛ إذا كان لا مجال لتقطيعه .(1/14)
وقد يكون الحديث الذي أورده عبد الحق له جوانب عديدة بحيث يستحق أن يذكر في عدة أبواب ؛ و ابن القطان لا ينقد الحديث إلا إذا اكتملت فيه عناصر عينها . فان اكتملت فيه بعض العناصر ذكره فقط من تلك الجهة في باب واحد أو بابين .
9- التعقبات على ابن القطان :
أولا تعقبات ابن المواق :
الحافظ أبو عبد الله بن المواق ؛ المراكشي تلميذ ابن القطان واسم كتابه : (( المآخذ الحفال ؛ في شرح ما تضمنه كتاب بيان الوهم والإيهام ؛ من الإخلال والإغفال ؛ وما انضاف إليه من تتميم وإكمال )) [36] .
قال ابن عبد الملك عن تعقب ابن المواق هذا : " ظهر فيه إدراكه ونبله ومعرفته بصناعة الحديث ؛ واستقلاله بعلومه ؛ وإشرافه على علله وأطرافه ؛ وتيقظه وبراعة نقده واستدراكه " [37].
وقال عنه في (( الرسالة المستطرفة )): " " تعقبا ظهر فيه كما قال الشيخ القصار :إدراكه ونبله ؛ وبراعة نقده ؛ إلا أنه تولى إخراجه من المبيضة ؛ ثم اخترمته المنية ؛ ولم يبلغ من تكميله الأمنية " .[38]
وقد أخرج الكتاب من مسودته وأكمله وأضاف إليه زيادات وتتمات : ابن عبد الملك المراكشي ؛ صاحب (( الذيل والتكملة )) وابن رشيد السبي .
ثانيا تعقبات ابن رشيد :
وهو الحافظ الرحالة أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن عمر الفهري من أهل سبة يعرف بابن رشيد ؛ ولد بسبتة سنة 657 وقام برحلته الشهيرة إلى المشرق؛ حيث استكثر من الشيوخ والأسمعة في سنة 683 وتوفي بفاس سنة 721 .
وصفه ابن خلدون في " العبر " بكبير مشيخة المغرب ؛وسيد أهله شيخ المحدثين الرحالة " وقد استوعب ترجمته وذكر مؤلفاته : الدكتور محمد الحبيب بلخوجة في تقيمه للكتابين اللذين طبعهما له وهما : (( إفادة النصيح بسند الجامعالصحيح )) ؛ (( والسنن الأبين ؛ والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن )) [39](1/15)
وعمل ابن رشيد بالنسبة إلى كتاب ابن المواق هو _ كما تقدم _ تبييضه وتتميمه ؛ قال في (( المستطرفة )) عن كتاب ابن المواق : " فتولى تكميل تخريجه مع زيادة تتمات ؛ وكتب ما تركه المؤلف بياضا : أبو عبد الله ... ابن رشيد " .
قال الأستاذ إبراهيم بن الصديق : " وقد عثر الأستاذ الباحث محمد إبراهيم الكتاني رئيس قسم المخطوطات بالخزانة العامة بالرباط ؛ على قطعة يفترض أنها من كتاب ابن رشيد هذا وقد كتب على واجهة القطعة التي عثر عليها ما يلي : " السفر الأول من كتاب ( بغية النقاد ؛ فيما أخل به كتاب البيان ؛ أو أغفله ؛ أو ألم به فما تممه ؛ ولأكمله ) . ..والقطعة تقع في 50 ورقة ؛ مائة صفحة ؛ بخط مغربي عادي ؛ والصفحة نحو 25 سطر ؛ ويظهر أن المؤلف حافظ على تبويب ابن القطان ؛ حيث يأتي بصورة أبوابه ؛ ثم يعقب على ما انتقده منها ؛ وزاد أبوابا اقتضاها منهجه . "
ثالثا جمع ابن عبد الملك بين كتب عبد الحق و ابن القطان وابن المواق :
قال ابن الزبير : " ألف كتابا جمع فيه بين كتابي ابن القطان وابن المواق على كتاب (( الأحكام )) لعبد الحق ؛ مع زيادات من قبله . وكتابه المسمى بالذيل والتكملة ... " [40] .
وقد قال ابن عبد الملك عن كتابه هذا : " وقد عنيت بالجمع بين هذين الكتابين ( كتاب ابن القطان وكتاب ابن المواق ) مضافين إلى سائر أحاديث " الأحكام " وعلى ترتيبها وتكميل ما نقص منها ؛ فصار كتابي هذا من أنفع المصنفات وأغزرها فائدة ؛ حتى لو قلت إنه لم يؤلف في بابه مثله لم أبعد ؛ والله ينفع في النية في ذلك " [41].
10- تلخيصات للكتاب :
أولا تلخيص الحافظ الذهبي :(1/16)
قال الأستاذ إبراهيم بن الصديق : " وفي المكتبة الظاهرية بدمشق ؛ مختصر لهذا التلخيص بالغ الاختصار والإجحاف ؛ بل هو مختصر لجزء من هذا التلخيص فقط إذ كتب المختصر في آخره ما نصه : " قال الشيخ أبو عبد الله الذهبي : فرغنا من ترتيب ما وجدناه في الكتاب بالترتيب الصناعي . بقي علينا أن نذكر جميع ما ذكره في الأبواب ذكرا مختصرا مرتبا على نسق المؤلف ليسهل تتبعه ... ." ... وقد نسخت هذا المختصر في نحو 23 صفحة في دفتر عادي ؛ وهو يأتي بكلام ابن القطان مقتضبا ؛ ثم يعقب عليه باقتضاب أيضا . [42]
ثانيا ترتيب مغلطاي :
جاء في " طبقات الحفاظ " في ترجمة مغلطاي بن قليج قال العراقي : " ... وتصانيفه أكثر من مائة منها شرح البخاري ... ورتب بيان الوهم لابن القطان ... مات سنة 762 " [43] وأضاف الحافظ ابن حجر في " الدرر الكامنة " " .. رتب بيان الوهم لابن القطان وأضافها إلى الأحكام وسماه " منارة الإسلام " [44]
ثالثا تلخيص الحافظ العراقي :(1/17)
يعتبر الحافظ العراقي كتلميذه الحافظ ابن حجر ؛ من المعجبين بابن القطان ؛ والمقدرين لعلمه والمعتمدين لكلامه ؛ وقد نقل عنه كثيرا في شرحه لألفيته في (( المصطلح )) مسلما كلامه في الغالب ؛ وقد جرد من كتاب (( بيان الوهم والإيهام )) كل من تكلم فيه ابن القطان من الرجال بجرح أو تعديل ؛ ورتبهم على حروف المعجم في كتاب خاص . ذكر ذلك ابن فهد المكي قي ترجمة الحافظ العراقي من ذيله على (( تذكرة الحفاظ )) [45] ولو وجد هذا الكتاب وطبع ؛ لاحتل مكانة مرموقة بين كب الرجال ؛ ولعد مفخرة المغرب الذي اشتهر عند المشارقة بأنه بلد فقه وفروع لا بلد حديث وأصول ؛ ولو ضم تجريد العراقي هذا إلى (( ذيل تاريخ البخاري )) لمسلمة بن القاسم الأندلسي و (( الحافل في تذييل الكامل )) لأبي العباس النباتي ؛ لكون ذلك نحو ثلث مادة كتب الرجال بعد هؤلاء الحفاظ الثلاثة ؛ فإذا انضاف إلى ذلك كلام ابن عبد البر وابن حزم والباجي ؛ وأبي علي الجياني وغيرهم من حفاظ الأندلس في الرجال وتعديلهم أو تجريحهم لاتضح أن إسهام المغاربة والأندلسيين في علوم الحديث ؛ له وزنه وخطره كما تشهد بذلك النقول الكثيرة عنهم في المصادر الأصلية لهذا العلم .
11- المصادر التي ترجمت لابن القطان :
(( هداية العارفين )) للبغدادي 706
(( الأعلام )) للزركلي
(( كشف الظنون )) 1|262
(( الرسالة المستطرفة )) 187
(( معجم المؤلفين )) لرضا كحالة 7|213
(( شجرة النور الزكية في طبقات المالكية )) ص 179
(( طبقات المحدثين )) 1|194 رقم 2060
(( طبقات الحفاظ )) 1|498 (1096 )
(( سير أعلام النبلاء )) 22|306 ( 183 )
(( شدرات الذهب )) 3|128
وغيرها من المصادر كما ذكر عرضا أو وقع التعريف به دون قصد في كثير من الكتب
إعداد الطالب / خليل حيون إشراف الدكتور / الحسن العلمي
[1]- ((نصب الراية )) 2|62
[2]- ((التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير )) 1|13
[3]- (( الميزان ))1|402
[(1/18)
4]- أنظر ((صلة الصلة )) لابن الزبير رقم 268 و(( جدوة الاقتباس ))لابن القاضي 298و((نيل الابتهاج ))لأحمد بابا السوداني بهامش ((الديباج المذهب )) ص 200 والاعلام للزركلي )) 4|331 (( التكملة لابن الأبار ))1920 والذيل والتكملة لابن عبد الملك
[5]- (( المعجب )) ص274
[6]- (( العلوم والفنون على عهد الموحدين )) ص16
[7] (( جدوة الاقتباس )) ص299
[8] (( الذيل والتكملة ))
[9] (( الذيل و التكملة ))
[10] (( الذيل والتكملة ))1|412
[11] (( تكملة )) 2|679
[12] (( التكملة )) 1|221 وانظر الإعلام بمن حل 3|142 وجذوة الاقتباس ص103
[13] (( التكملة )) 2|683
[14] الإعلام بمن حل 3|79 نقلا عن (( الذيل والتكملة ))
[15] (( تذكرة الحفاظ )) 4|1345
[16] (( التكملة )) 2|547
[17] (( الذيل والتكملة )) 6|89
[18] (تذكرة الحفاظ )) 4|1394
[19] (( التكملة )) 1|107 الإعلام بمن حل مراكش 1|347
[20] (( تذكرة الحفاظ )) 4|1389
[21] (( التكملة )) 101
[22] (( الذيل والتكملة )) 1-2|556
[23] (( التكملة )) 1|115
[24] (( الرسالة المستطرفة لبيان مشهور السنة المشرفة )) ص 178 وقد نبه المؤلف على أن ابن المواق هذا غير محمد بن يوسف شارح مختصر خليل خلافا لما قد يتوهم .
[25] (( الديباج المذهب )) 290
[26] (( التكملة )) رقم 1920 .
[27] (( جذوة الاقتباس )) ص 299 .
[28] (( تذكرة الحفاظ )) 4|1407
[29] (( صلة الصلة )) ص 132
[(1/19)
30] معنى خدمته لنسخته من صحيح مسلم وسنن أبي دود أنه كتب النسخة بخطه ؛ وقابلها على عدة نسخ مصححة وسمع فيها على عدة شيوخ ؛ وعلم على الروايات المختلفة والألفاظ الزائدة ؛ ونص على الاختلافات في الهوامش ؛ وضبط ما يحتاج إلى الضبط وصحح ما يشك فيه ..الخ بحيث تعتبر نسخ الحفاظ على هذا الشكل أصولا يرجع إليها ؛ وتعتبر عند اختلاف الروايات ؛ كنسخة الحافظ أبي علي الصدفي بخطه من صحيح البخاري وهي التي اعتمدها الحافظ ابن حجر في (( فتح الباري )) وعلى أساسها كتب شرحه .. يقول الأستاذ إبراهيم بن الصديق في (( علم علل الحديث )) : " ويظهر أن نسختي مسلم وأبي داود بخط ابن القطان قد ضاعتا ضمن كتبه التي نهبت من داره."
[31] (( تذكرة الحفاظ )) ص 4|1407
[32] (( طرح التثريب )) ص1|87
[33] انظر على سبيل المثال : (( تهذيب التهذيب )) 2|387
[34] (( طبقات الحفاظ )) ص 495رقم 1098
[35] (( شذرات الذهب )) لابن العماد 5|128
[36] (( الرسالة المستطرفة )) ص 187
[37] (( الإعلام بمن حل مراكش )) 3|141
[38] (( المستطرفة ) ص 187
[39] (( طبع دار التونسية ))
[40] مقدمة الدكتور إحسان عباس لبقية السفر الرابع من " الذيل والتكملة " نقلا عن " صلة الصلة "
[41] (( الإعلام بمن حل مراكش )) 3|142 نقلا عن ابن عبد الملك .
[42] (( علم علل الحديث )) 1|403
[43] (( طبقات الحفاظ )) 1|538
[44] (( الدرر الكامنة )) 6|116 ؛ (( ذيل تذكرة الحفاظ )) 1|366
[45] (( لحظ الألحاظ )) 232(1/20)