أصول الحديث عند الإمام أبي حنيفة
أحمد يوسف أبو حلبية *
كلية أصول الدين - الجامعة الإسلامية – غزة
ص. ب. 108 غزة - فلسطين
FOUNDATION OF HADETH IN OPINION OF AL-EMAM AB-HANEFA
Abstract This is the second research in serious of many researches in foundation of hadeth in the opinion of forth Amam’s after Al-Emam malek, many saies and opinion were attribute to Al-Emam in the serious of foundation in hadeth, he speaks about (22) kind of branch in this filed, and the speaks about (50)kind of this since, this a good evedince about his effects in this filed, on the other hand he establish and put agood ruls and measures to protect hadeth from denounce and alies, this a good evednce a bout the carfuly in this filed. And this make sineutus ray carfuly in many century. I divied this research to introduction, seven to topek and couglugion.
ملخص أصول الحديث عند أبي حنيفة ، هذا البحث في سلسلة أبحاث أصول الحديث عند الأئمة الأربعة بعد الإمام مالك ، ولقد أثر عن هذا الإمام الجليل أقوال ونسبت إليه آراء كثيرة في علم أصول الحديث وعلومه حيث تكلّم فيما لا يقل عن أثنين وعشرين نوعاً من هذا العلم والتي اشتملت على ما لا يقل عن خمسين مسألة في هذا المجال مما يدّل على عظم الجهود التي بذلها هذا الإمام في خدمة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيانته ووضع القواعد والضوابط لحفظه من الدسّ والكذب عليه .
كما يدّل على أن هذا العلم اعتنى به علماء القرون الأولى . وقد قسّمت هذا البحث إلى مقدمة وسبعة مباحث وخاتمة .
المقدمة(1/1)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أكرم خلق الله أجمعين ومن بعثه الله إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وعلى صحابته الكرام رضي الله عنهم جميعاً والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن الحديث الشريف وعلومه أشرف العلوم بعد كتاب الله تعالى والاشتغال به من أشرف الأعمال في الدنيا والآخرة لأن هذا الحديث الشريف فيه البيان الواضح الشافي المبين لما في القرآن الكريم، ويكمن شرف هذا العلم في شرف المنسوب إليه وهو الرسول، وفي شرف موضوعه وهو أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام وأفعاله وتقريراته وصفاته الخُلُقية والخَلْقية وسيرته العطرة سواء كانت قبل البعثة أو بعدها، وفي شرف غايته وهي معرفة حديثه وتمييز صحيحه من سقيمه والفوز بسعادة الدارين الدنيا والآخرة؛ ففي الدنيا بالعلم والعمل والاتباع، وفي الآخرة بالأجر والمثوبة والجزاء الحسن من الله تعالى .
ولقد حرص المسلمون على مدار التاريخ على خدمة هذا العلم الشريف من خلال جمع وتدوين هذا الحديث ووضع القواعد والأصول والضوابط والمصنفات التي تحفظه تراثاً عظيماً وجواهر ثمينة من الضياع والاندثار .(1/2)
وكان من هؤلاء الذين حفظوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنّفوا فيه وساعدوا في وضع القواعد والقوانين الحافظة له كان منهم الأئمة الأربعة : أبو حنيفة النعمان ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى جميعاً ، الذين كان لهم مساهمة فاعلة في ذلك الحفظ والتصنيف والتقعيد والتقنين في مجال الحديث الشريف وعلومه مما دفعني إلى الكتابة والبحث فيما أُثر عنهم من مقولات في أصول الحديث وعلومه مما وجدته مبثوثاً في كتب مصطلح الحديث، فعزمت أمري وتوكلت على الله وقمت بالبحث والتنقيب في أمهات كتب هذا العلم مما صُنّف فيه، من ألف كل كتاب إلى يائه، وجمعت في ذلك بطاقات كثيرة خاصة بكل إمام من هؤلاء الأئمة، وجعلت ذلك في سلسلة أبحاث بدأتها بهذا البحث المتعلق بأصول الحديث عند الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت لأنه أقدم هؤلاء الأئمة الأربعة وفاة إذ توفى سنة 150 هجرية، ومن الجدير بالذكر أنني لم أقع على مؤلَّف تعرّض لهذا الموضوع بصورة خاصة بل وجدت مقولات هؤلاء الأئمة مبثوثة في كتب شتى، ولقد قسّمت بحثي هذا إلى مبحثين بعد هذه المقدمة، فالمبحث الأول قسّمته إلى مطلبين :
الأول : ترجمت فيه للإمام أبي حنيفة من حيث اسمه ونسبه وصفاته وشيوخه وتلاميذه ووفاته، والمطلب الثاني :عرّفت فيه بأصول الحديث وعلومه وبيان موضوعه وثمرته وفائدته .(1/3)
أما المبحث الثاني وهو صلب هذا البحث فقد بيّنت فيه مقولاته رحمه الله في علم أصول الحديث وقد رتّبت هذه المقولات في ستة مطالب : الأول : تكلّمت فيه عن مقولات الإمام أبي حنيفة في الحث على الحديث الشريف والأخذ به وتعلمه والعمل به، والمطلب الثاني : تحدّثت فيه عن مقولاته المتعلقة ببعض أقسام الحديث، والمطلب الثالث : ذكرت فيه مقولاته المتعلقة بالجرح والتعديل وصفة من تقبل روايته، والمطلب الرابع : بيّنت فيه مقولاته في صفة تحمل الحديث، والمطلب الخامس : مقولاته في صفة رواية الحديث، والمطلب السادس : عرّجت فيه على مقولاته في معرفة كل من الصحابة والتابعين وغير ذلك .
ثم ختمت البحث بخلاصة ذكرت فيها أهم نتائج البحث، ثم ذكرت هوامش البحث وقائمة المصادر والمراجع والتعريف بها ثم فهرست لموضوعات البحث .
وفي الختام فإنني أسأل الله تعالى أن يجعل هذا الجهد المتواضع خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع طلاب العلم والمتخصصين إنه نعم المولى ونعم النصير .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المبحث الأول
التعريف بالإمام أبي حنيفة وبعلم أصول الحديث
في هذا المبحث حرصت على التعريف بالإمام الأعظم أبي حنيفة بترجمة موجزة مختصرة معتمداً على كون هذا التعريف وهذه الترجمة قد سبقني إليها علماء وباحثون كُثر في مؤلفات وأبحاث ورسائل علمية . ثم وجدت من الضروري في هذا المبحث أن أفرد التعريف بعلم أصول الحديث أو مصطلح الحديث أو علوم الحديث بمطلب مستقل لتكتمل الفائدة من هذا البحث، وقد قسّمت هذا المبحث إلى مطلبين هما :
المطلب الأول : التعريف بالإمام أبي حنيفة(1)
اسمه ونسبه وكنيته : هو الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي - وقيل : عتك بن زوطرة الكوفي مولى بني تَيْم الله بن ثعلبة .(1/4)
أصله ومولده : قيل أصله من أبناء فارس، ولد في الكوفة سنة ثمانين هجرية في خلافة عبد الملك بن مروان، وقيل : أصله من بابل وقيل : من ترمذ . قيل : إن والده كان من تَسَا، وقيل : من أهل الأنبار .
نشأته وطلبه العلم : نشأ بالكوفة وعاش معظم حياته فيها، ولجأ في بداية نشأته إلى حفظ القرآن الكريم وقد حفظه، وكان من أكثر الناس تلاوة للقرآن الكريم حتى إنه كان يختمه مرات كثيرة في رمضان، وأخذ القراءة عن الإمام عاصم أحد القرّاء السبعة .
وبعد حفظه للقرآن الكريم اطلع على السنن التي يصحح بها دينه أي على السنن والأحاديث المتعلقة بالعقيدة والتوحيد، ودرس علم الكلام حتى برع فيه وبلغ فيه شأواً عظيماً . ثم التحق بمجلس حماد بن أبي سليمان شيخ فقهاء الكوفة في زمانه وتتصل حلقته بالصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وبقي أبو حنيفة يداوم على حضور حلقة شيخه حماد حتى توفاه الله تعالى سنة 120 هـ، وأخذ العلم أيضاً عن شيوخ كثيرين في فنون عدة سنذكر أشهر شيوخه فيما بعد إن شاء الله .
وبعد وفاة شيخه حماد بن أبي سلمان اجتمع رأي تلاميذه على استخلاف الإمام أبي حنيفة مكانه وأجمعوا على رئاسته مدرسة الكوفة التي عُرفت بمدرسة الرأي وأصبح إمام فقهاء العراق بلا منازع واجتمع بأشهر علماء عصره وسار الركبان بذكره وانتشر صيته في أقاليم الدولة الإسلامية كالبصرة ومكة والمدينة وبغداد .
وطبقت شهرته الآفاق حتى غدت حلقته ومجلسه مَجْمعاً علمياً يلتقي فيها كبار المحدثين كعبد الله بن المبارك، وكبار الفقهاء كالقاضي أبي يوسف تلميذه، وكبار الزهاد والعبّاد كالفضيل بن عياض وداود الطائي .
ثم كان أبو حنيفة مولعاً بالجدل المفيد والنظر والاستدلال منذ صغره وشبوبه في طلب العلم، وقد جادل نحواً من اثنتين وعشرين فرقة ودافع عن الدين ونافح عنه وجادل الدهريين وأفحمهم ووجّههم إلى الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى .(1/5)
وكان أبو حنيفة خزّازاً أي يبيع الخزّ وكانت له دار كبيرة لعمل الخزّ وكان عنده صنّاع وأجراء .
صفاته الخَلْقية والخُلُقية : فمن صفاته الخَلْقية أنه كان أبو حنيفة النعمان جميل الوجه رَبْعة بين الرجال من أحسن الناس صورة وأبلغهم نطقاً وأعذبهم نغمة وأبينهم عما في نفسه، وكانت تعلوه سمرة كما كان حسن الهيئة سرى الثوب كثير التعطر هيوباً لا يتكلم إلاّ جواباً ولم يكن يخوض فيما لا يعنيه .
أما صفاته الخُلُقية رحمه الله فحدّث عنها ولا حرج، فقد كان الإمام أبو حنيفة إماماً ورعاً عاملاً متعبداً كبير الشأن لا يقبل جوائز السلطان بل كان يتاجر بالخزّ وينفق من كسب يده وجمع بين الفقه والعبادة والورع والسخاء، وقام بأمانة العلم خير قيام مع الاجتهاد في العبادة والاستقامة في الخلق والمعاملة والزهد في الدنيا والنصيحة لله ولرسوله وللمسلمين .
وكان رحمه الله ضابطاً لنفسه مستولياً على مشاعره لا تعبث به الكلمات العابرة ولا تبعده عن الحق، كما كان هادئاً واسع الصدر، ولم يكن هذا الهدوء هدوء من لا يحسّ بل هدوء من علت نفسه وسمت بالتقوى، وكان عميق الفكرة غوّاصاً في المسائل حريصاً على معرفة مرامى الأمور البعيدة والقريبة، وكان حاضر البديهة واسع الحيلة متطلعاً للحقائق .
وبالجملة فإن الإمام أبا حنيفة رحمه الله اتصف بصفات تجعله في الذروة العليا بين العلماء الثقات المتثبتين في العلم .
أقوال العلماء في أبي حنيفة : لقد وردت في توثيق وتعديل الإمام أبي حنيفة وتجريحه أقوال عدة للعلماء ولكن يرجّح توثيق هذا الإمام الجليل وتعديله لأن من طعن عليه وجرّحه إما لكونه من أقرانه أو لم يتعرّف إلى الإمام الأعظم عن قرب أو حاقد عليه .
فمن أقوال المعدلين والموثقين له ما يلي :(1/6)
قال يحيى بن معين : كان أبو حنيفة ثقة لا يحدّث بالحديث إلاّ بما يحفظ ولا يحدث بما لا يحفظ . وقال مرة : كان أبو حنيفة ثقة في الحديث . وقال مرة ثالثة : كان أبو حنيفة لا بأس به . وروى عنه أيضاً أنه قال : هو عندنا من أهل الصدق ولم يتهم بالكذب ولقد ضربه ابن هبيرة على القضاء فأبى أن يكون قاضياً .
وقال يحيى بن سعيد القطان : لا نكذب والله؛ ما سمعنا أحسن من رأى أبي حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله .
وقال على بن عاصم : لو وُزن علم الإمام أبي حنيفة بعلم أهل زمانه لرجح عليهم .
وقال ضرار بن صُرَد : سُئل يزيد بن هارون : أيما أفقه الثوري أو أبو حنيفة ؟ فقال : أبو حنيفة أفقه، وسفيان أحفظ للحديث .
وقال ابن المبارك : أبو حنيفة أفقه الناس . وقال الشافعي : الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة .
وقال يزيد بن هارون : ما رأيت أحداً أورع ولا أعقل من أبي حنيفة .
ويُروى عن القاضي أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة قوله : بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلاً يقول لرجل : هذا أبو حنيفة لا ينام الليل . فقال أبو حنيفة : لا يتحدث عني بما لم أفعل، فكان يحيي الليل صلاة ودعاء وتضرعاً .
وقال محدث الديار المصرية الحافظ محمد بن يوسف الصالحي : كان أبو حنيفة من كبار حفّاظ الحديث وأعيانهم ولولا كثرة اعتنائه بالحديث ما تهيّأ له استنباط مسائل الفقه .
وقال الحسن بن صالح : كان أبو حنية متثبتاً .
وقال مكي بن إبراهيم : كان أعلم أهل زمانه، وما رأيت في الكوفيين أورع منه .
وقال أبو داود السجستاني : إن أبا حنيفة كان إماماً .
وقال سفيان بن عيينة : ما عقلت عيني مثل أبي حنيفة .
وقال الأعمشي لأبي حنيفة : لو كان الأمر بالطلب واللقى لكنت أفقه منك، ولكنه عطاء من الله تعالى .
وقال عبد الله بن داود الخُرَيبي : الناس في أبي حنيفة حاسد وجاهل وأحسنهم عندي حالاً الجاهل .
ومن أقوال المجرّحين له والطاعنين فيه ما يلي(1/7)
روى عبد الرحمن بن أبي حاتم بسنده إلى عبد الله بن المبارك أنه قال : كان أبو حنيفة مسكيناً في الحديث .
كما روى بسنده إلى أحمد بن حنبل قال : رأيه مذموم .
مكانته العلمية : لقي الإمام أبو حنيفة بعض الصحابة مثل أنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي وأبي الطفيل عامر بن واثلة الليثي . والتقى بالتابعين وجالسهم وروى عنهم وأخذ فقههم مثل عامر الشعبي .
وكانت له حلقة علم يجتمع فيها كبار المحدثين في زمانه مثل عبد الله بن المبارك وحفص بن غياث، مع كبار الفقهاء مثل القاضي أبي يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن زياد وزفر، مع كبار الزهاد مثل الفضيل بن عياض وداود الطائي .
شيوخ أبي حنيفة : لقد تتلمذ الإمام أبو حنيفة على عدد كبير من الشيوخ في شتى العلوم كان من أشهرهم : إبراهيم بن محمد وإسماعيل بن عبد الملك وجَبَلة بن سُحيم والحارث ابن عبد الرحمن والحسن بن عبيد الله والحكم بن عُتيبة وحماد بن أبي سليمان وخالد بن علقمة وربيعة ابن أبي عبد الرحمن وزُبيد اليامي وزياد بن علاقة وسماك بن حرب وشيبان بن عبد الرحمن وطاووس بن كيسان وطلحة بن نافع وعاصم بن كُلَيب وعاصم بن أبي النجود وعامر الشعبي وعبد الله بن دينار وعون بن عبد الله بن عتبة وعبد الله بن أبي حبيبة وعبد الملك بن عمير وعدي بن ثابت وعطاء بن أبي رباح وعطاء بن السائب وعكرمة مولى ابن عباس وعمرو بن دينار وقابوس بن أبي ظبيان وقتادة بن دِعَامة ومحارب بن دِثَار ومحمد بن علي بن الحسين ومحمد بن مسلم الزهري ومحمد بن المنكدر ومسلَم البطين ومنصور بن المعتمر ونافع مولى ابن عمر وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد الأنصاري ويونس بن عبد الله وأبو إسحاق السَّبيعي وأبو جناب الكلبي وأبو الزبير المكي وأبو فروة الجهني وأبو يعفور .
تلاميذه : تتلمذ على يدي الإمام أبي حنيفة نفر كثير من الطلاب كان من أشهرهم :(1/8)
إبراهيم بن طهمان وأسباط بن محمد القرسي واسد بن عمرو البجلي وجعفر بن عون والحسن بن زياد والحسين بن الحسن بن عطية العوفي والحكم بن عبد الله البلخي وابنه حماد بن أبي حنيفة وحمزة بن حبيب الزيات وخارجة بن مصعب وداود بن نصير وزفر ابن الهذيل وزيد بن الحُباب وقاضي شيراز سعد الصلت وسَلْم بن سالم وسليمان بن عمرو النخعي وشعيب بن إسحاق والصباح بن محارب والضحاك بن مخلد وعامر ابن الفرات وعبد الله بن المبارك وعبد الحميد بن عبد الرحمن الحمّاني وعبد الرازق ابن همّام الصنعاني وعبد الوارث بن سعيد وعبيد الله بن الزبير القرشي وعلي بن عاصم الواسطي وعلي بن مسهر وعمرو بن الهيثم وعيسى بن يونس والفضل بن دُكين والفضل ابن موسى وقيس بن الربيع ومحمد بن أبان العنبري ومحمد بن الحسن الشيباني والمعافى بن عمران ومكي بن إبراهيم ونوح بن أبي مريم وهُشيم بن بشير ووكيع بن الجرّاح ويحيى بن أيوب المصري ويزيد بن زريع ويزيد بن هارون ويونس بن بُكير وأبو إسحاق الفزاري وأبو شهاب الحناط والقاضي أبو يوسف .
وفاته : مات رحمه الله ببغداد في شهر رجب سنة 150 هـ وقيل : سنة 151 هـ وقيل: سنة 153 هـ .
وغسّله الحسن بن عُمارة ورجل آخر . وقال الحسن بن يوسف : صُلّي عليه ست مرات من كثرة الزحام آخرهم صلّى عليه ابنه حماد .
المطلب الثاني : التعريف بأصول - أو علوم - الحديث (2)
لقد قسّم العلماء علوم الحديث إلى قسمين هما :
1- علم الحديث رواية 2- علم الحديث دراية
القسم الأول : علم الحديث رواية
عرّفه الإمام محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري الأكفاني في كتابه إرشاد القاصد إلى أسنى المطالب فقال :
" علم الحديث الخاص بالرواية علم يشتمل على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وروايتها وضبطها وتحرير ألفاظها " .
وموضوعه : هو أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وروايتها أي نقلها .(1/9)
وثمرته : هو الفوز بسعادة الدارين الدنيا والآخرة من خلال اتباعها وتطبيقها والسير على نهجها وتنفيذ أحكامها وبهذا يتمّ حسن الاقتداء به صلى الله عليه وسلم .
القسم الثاني : علم الحديث دراية
وهو المشهور عند المتأخرين بمصطلح الحديث وأصول الحديث وله تعريفات عدة كلها بمعنى واحد وهي :
1- تعريف الإمام ابن الأكفاني في إرشاد القاصد حيث قال : " وعلم الحديث الخاص بالدراية علم يُعرف منه حقيقة الرواية وشروطها وأنواعها وأحكامها، وحال الرواة وشروطهم، وأصناف المرويات، وما يتعلق بها " .
فحقيقة الرواية : نقل السُّنة ونحوها وإسناده ذلك إلى من عُزيَ إليه بتحديث أو إخبار وغير ذلك .
وشروطها : تحمل راويها لما يرويه بنوع من أنواع التحمل من سماع أو عرض أو إجازة ونحوها .
وأنواعها : الاتصال والانقطاع ونحوهما .
وأحكامها : القبود والرد .
وحال الرواة : العدل والجرح . وشروطهم في التحمل والأداء .
وأصناف المرويات : المصنفات من المسانيد والمعاجم والأجزاء وغيرها أحاديث وآثاراً.
وما يتعلق بها : هو معرفة اصطلاح أهلها .
2- تعريف الشيخ عزّ الدين ابن جُماعة حيث قال : " علم بقوانين يُعرف بها أحوال السند والمتن " .
3- تعريف ابن حجر العسقلاني حيث قال : " معرفة القواعد المعرّفة بحال الراوي والمروي . وإن شئت حذفت لفظ معرفة فقلت : القواعد " .
فالراوي ناقل الحديث، والمروي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلىغيره .
والمقصود بحال الراوي : أي من حيث القبول والرد أي معرفة حالة الراوي جرحاً وتعديلاً وتحملاً وأداء وكل ما يتعلق به مما له صلة بنقله .
والمقصود بحال المروي : كل ما يتعلق باتصال الأسانيد أو انقطاعها، ومعرفة علل الأحاديث وغير ذلك مما له صلة بقبول الحديث أو ردّه .(1/10)
وموضوع علم الحديث دراية : هو دراية ومعرفة السند والمتن؛ أما السند فمن جهة أحوال أفراده ورواته واتصاله أو انقطاعه وعلوه أو نزوله وغير ذلك، وأما المتن فمن جهة صحته أو ضعفه وما يتعلق بذلك .
وفائدة هذا العلم : معرفة الحديث الصحيح وتمييزه عن الحديث السقيم الذي فيه علّة، ومعرفة الحديث المقبول من المردود .
المبحث الثاني
مقولات الإمام أبي حنيفة في أصول الحديث
في هذا المبحث جمعت الأقوال الواردة عن الإمام أبي حنيفة في هذا العلم والمنسوبة إليه في كتب علوم الحديث ولم أعلّق عليها كثيراً إلاّ بالقدر الذي يحتاج إلى بيان وتوضيح، وقد قسّمت هذا المبحث إلى ستة مطالب رئيسة هي :
المطلب الأول : مقولاته في الحث على الأخذ بالحديث الشريف وتعلمه والعمل به .
المطلب الثاني : مقولاته في بعض أقسام الحديث .
المطلب الثالث : مقولاته في الجرح والتعديل أو صفة من تُقبل روايته .
المطلب الرابع : مقولاته في صفة تحمل الحديث وآدابه .
المطلب الخامس : مقولاته في صفة رواية الحديث .
المطلب السادس : مقولاته في أمور متفرقة كمعرفة الصحابة وغير ذلك.
المطلب الأول : مقولاته في الحثّ على تعلّم الحديث وأخذه والعمل به
- كان الإمام الأعظم أبو حنيفة رحمه الله يحثّ على اتباع السنة وينفّر من القول في دين الله تعالى بالرأي وكان يحضّ على العمل بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
" وكان الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه يقول : إياكم والقول في دين الله تعالى بالرأي؛ وعليكم باتباع السنة؛ فمن خرج عنها ضلّ .
ودخل عليه مرة رجل من أهل الكوفة والحديث يُقرأ عنده، فقال الرجل : دعونا من هذه الأحاديث، فزجره الإمام أشدّ الزجر، وقال له : لولا السُّنّة ما فهم أحد القرآن .
وقيل له مرة : قد ترك الناس العمل بالحديث وأقبلوا على سماعه، فقال رضي الله عنه : نفس سماعهم للحديث عمل به .(1/11)
وكان رضي الله عنه يقول : لم تزل الناس في صلاح ما دام فيهم من يطلب الحديث فإذا طلبوا العلم بلا حديث فسدوا .
وكان يقول : لا ينبغي لأحد أن يقول قولاً حتى يعلم أن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقبله "(3) .
- ولقد كان لأبي حنيفة مقولات في بيان آداب المحدث وطالب الحديث منها : قول الحافظ أبي عمر بن عبد البر في جامعه في مسألة جواز رفع المحدث والعالم صوته في المسجد بالعلم حيث قال : أجاز ذلك قوم منهم أبو حنيفة، ثم روى ابن عبد البر بسنده إلى سفيان بن عُيينة قال : مررت بأبي حنيفة وهو مع أصحابه في المسجد وقد ارتفعت أصواتهم فقلت : يا أبا حنيفة هذا في المسجد، والصوت لا ينبغي أن يُرفع فيه ، فقال : دعهم فإنهم لا يفقهون إلاّ بهذا (4) .
- وكان أبو حنيفة يحث على طلب المعروف من الحديث وتجنب الغريب منه الذي لا يعرفه عامة الناس ، روى الخطيب البغدادي في جامعه بسنده إلى أبي حنيفة قال : من طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب الدين بالجدال تزندق ، ومن طلب غريب الحديث كُذّب (5) .
المطلب الثاني : مقولاته في بعض أنواع الحديث
من خلال بحثي في كتب علوم الحديث وقعت للإمام الأعظم أبي حنيفة على مقولات وآراء في بعض أنواع الحديث على النحو التالي :
أولاً : خبر الواحد : وهو الحديث الفرد أو الغريب والحديث الغريز وهو الحديث الذي تفرّد بروايته راوٍ واحد أو اثنان دون أن يبلغ حد التواتر أو الشهرة، وقد يكون هذا التفرد في حلقة من حلقات الإسناد أو في أكثر من حلقة وقد يكون هذا التفرد في كل حلقة من حلقات الإسناد(6) .(1/12)
وكان أبو حنيفة كغيره من المتقدمين يحتجّ ويعمل بخبر الواحد . قال الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية : " وعلى العمل بخبر الواحد كان كافة التابعين ومن بعدهم من الفقهاء الخالفين في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا ، ولم يبلغنا عن أحد منهم إنكار لذلك ولا اعتراض عليه ، فثبت أن من دين جميعهم وجوبه إذ لو كان فيهم من كان لا يرى العمل به لنقل إلينا الخبر عنه بمذهبه "(7) .
وقد ذكر الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله وغيره أن لأبي حنيفة شروطاً دقيقة في قبول الأخبار حمله عليها فشوّ الكذب في الحديث في زمانه فأراد الاحتياط لدين الله تعالى ومن ثمّ وضع شروطه لقبول خبر الواحد وهي :
1- عدم معارضة خبر الواحد الأصول المجتمعة عنده بعد استقراء موارد الشرع ، فإذا خالف تركه وعدّ الخبر شاذاً .
2- عدم معارضته عمومات الكتاب وظواهره فإذا عارضها أخذ بظاهر الكتاب وترك الخبر، أما إذا كان بيانا لمجمل أو نصاً لحكم جديد فيأخذ به .
3- عدم مخالفته السّنّة المشهورة سواء كانت قولية أو فعلية، فإن خالفها لم يأخذ به .
4- عدم معارضته خبراً مثله فإذا تعارض رَجّح أحدهما بوجوه من الترجيح .
5- عدم عمل راوي خبر الواحد بخلاف حديثه وخبره .
6- عدم انفراد خبر الواحد بزيادة سواء كانت في المتن أوالسند ، وكان أبو حنيفة يعمل بالناقص منهما .
7- ألاّ يكون الخبر فيما تعمّ به البلوى وفي هذه الحالة لا بد من توافر الشهرة أوالتواتر في الحديث .
8- ألاّ يترك أحد المختلفين في الحكم من الصحابة الاحتجاج بالخبر الذي رواه أحدهم ، لأنه لو كان ثابتاً لاحتجّ به أحدهم .
9- ألاّ يسبق طعن أحد من السلف فيه .
10- الأخذ بالأخف فيما ورد في الحدود والعقوبات عند اختلاف الروايات .
11-أن يستمر حفظ الراوي لحديثه منذ التحمل إلى وقت الأداء للحديث من غير تخلل نسيان.
12- ألاّ يخالف العمل المتوارث بين الصحابة والتابعين دون تخصيص ببلده .(1/13)
13- ألاّ يعوّل الراوي على خطه ما لم يذكر حديثه .
14- أن يكون راويه فقيهاً (8) .
ثانياً : الأخذ بالحديث الصحيح : ذكر جمال الدين القاسمي عن محمد عابدين الدمشقي أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى من شدة احتياطه وورعه وعلمه كان يرى أن الاختلاف من آثار الرحمة وقد قال لأصحابه : إن توجّه لكم دليل فقولوا به .
ثم قال القاسمي : فقد صحّ عن أبي حنيفة أنه قال : إذا صحّ الحديث فهو مذهبي . ثم ذكر القاسمي قول أبي حنيفة : ليس لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعرف من أين قلنا (9) .
وقد ذكر السيوطي ضمن الشروط المختلف فيها في صحة الحديث اشتراط فقه الراوي وذكر أن أبا حنيفة اشترط ذلك في صحةالحديث(10) ، وقد تقدم هذا الشرط أيضاً في قبوله لخبر الآحاد .
ثالثاً : العمل بالحديث الضعيف وتقديمه على القياس ورأى الرجال : ذكر غير واحد من أهل الحديث ذلك عن أبي حنيفة ومن هؤلاء :
1- ابن حزم الظاهري الذي قال : " جميع أصحاب أبي حنيفة مجمعون على أن مذهب أبي حنيفة أن ضعيف الحديث أولى عنده من القياس والرأي " (11) .
وقال في كتابه إحكام الإحكام : " قال أبو حنيفة : الخبر الضعيف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أولي من القياس ، ولا يحلّ القياس مع وجوده " (12) .
2- وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى : " ومن ظنّ بأبي حنيفة أوغيره من أئمة المسلمين أنهم يتعمدون مخالفة الحديث الصحيح لقياس أو غيره فقد أخطأ عليهم ، وتكلّم إما بظنّ وإما بهوى ، فهذا أبو حنيفة يعمل بحديث التوضى بالنبيذ في السفر مع مخالفته للقياس ، وبحديث القهقهة في الصلاة مع مخالفته للقياس لاعتقاده صحتهما وإن كان أئمة الحديث لم يصححوهما " (13) .(1/14)
3- وقال ابن القيم الجوزية في إعلام الموقعين : " وأصحاب أبي حنيفة رحمه الله مجمعون على أن مذهب أبي حنيفة أن ضعيف الحديث عنده أولى من القياس والرأي ، وعلى ذلك بنى مذهبه كما قدّم حديث القهقهة مع ضعفه على القياس والرأي ، وقدّم حديث الوضوء بنبيذ التمر في السفر مع ضعفه على الرأي والقياس .... فتقديم الحديث الضعيف وآثار الصحابةعلى القياس والرأي قوله وقول الإمام أحمد " (14) .
4- الإمام اللكنوي الذي ذكر عن الشافعي قوله : فلا يجوز التقليد بقولي لمن علم مخالفته بالحديث الصريح الصحيح وهو قولي وإن لم أكن قلته ... ثم قال اللكنوى : " ومثل ذلك مروى عن إمام الأئمة أبي حنيفة - رواه أبو جعفر السّرماري بل مثله منقول عن جميع الأئمة حكاه عنهم العارف الربّاني الشيخ عبد الوهاب الشعراني في الميزان الكبرى " (15) .
رابعاً : الحديث الموقوف على الصحابة من أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم وحجتيه
وفي هذا الموضوع جزآن هما :
1- حجية قول الصحابي : ذكر ابن القيم الجوزية أن مذهب أبي حنيفة وغيره من الأئمة الاحتجاج بقول الصحابي فقال في إعلام الموقعين : " وإن لم يخالف الصحابي صحابياً آخر ؛ فإما أن يشتهر قوله في الصحابة أو لا يشتهر ، فإن اشتهر فالذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء أنه إجماع وحجّة ، وإن لم يشتهر قوله أو لم يُعلَم هل اشتهر أم لا ؟ فاختلف الناس هل يكون حجة أم لا ؟ فالذي عليه جمهور الأمة أنه حجّة - هذا قول جمهور الحنفية صرّح به محمد بن الحسن وذُكر عن أبي حنيفة رحمه الله نصاً ، وهو مذهب مالك وأصحابه ... " (16) .(1/15)
وذكر الشيخ الخضري بك قول أبي حنيفة عن نفسه في طريقة الاستنباط حيث قال : " إني آخذ بكتاب الله إن وجدته ، فما لم أجده فيه أخذت بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات ، فإذا لم أجد في كتاب الله ولا سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت بقول أصحابه إن شئت وأدع قول من شئت ، ثم لا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم ، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيّب - وعدّد رجالاً قد اجتهدوا - فلي أن أجتهد كما اجتهدوا " (17) .
وعلّق الدكتور محمد أبو زهو في الحديث والمحدثون على هذه الرواية فقال : " ومن ذلك نرى أنه - يعني أبا حنيفة - يأخذ بقول الصحابي إذا أعوزته السنّة الصحيحة عنده وتقدّمه على اجتهاده ، فكيف ينسب إليه أنه يقدّم الرأي على السنة ! (18) .
2- حكم قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه من حيث الرفع أو الوقف : يرى الإمام أبو حنيفة أن قول الصحابي فيما لا مجال للاجتهاد والرأي فيه له حكم الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ذكر الحافظ السخاوي عن ابن العربي أنه قال في القبس : " إذا قال الصحابي قولاً يقتضيه القياس فإنه محمول على المسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومذهب مالك وأبي حنيفة أنه كالمسند . وهو الظاهر من احتجاج الشافعي رحمه الله في الجديد بقول عائشة : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، حيث أعطاه حكم المرفوع لكونه مما لا مجال للرأي فيه ، وإلاّ فقد نصّ على أن قول الصحابي ليس بحجة " (19) .
خامساً : حكم الحديث المرسل عند أبي حنيفة : من الجدير بالذكر أن الحديث المرسل هو الحديث الذي يضيفه التابعي إلىالنبي صلى الله عليه وسلم مسقطاً الواسطة بينهما ، وقد اختلف العلماء في قول هذا المرسل أوعدم قبوله على أقوال عدة ، وكان أبو حنيفة النعمان يرى قبول الحديث المرسل والاحتجاج به بشرط أن يكون مرسِله ثقة عدلاً .(1/16)
قال الخطيب البغدادي في الكفاية : " اختلف العلماء في وجوب العمل بما هذه حاله، فقال بعضهم : إنه مقبول ويجب العمل به إذا كان المرسِل ثقة عدلاً ، وهذا قول مالك وأهل المدينة وأبي حنيفة وأهل العراق وغيرهم " (20) .
وقال ابن الصلاح وابن كثير : " والاحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما - رحمهم الله - في طائفة " (21) .
وقال العراقي في فتح المغيث : " فذهب مالك بن أنس وأبو حنيفة النعمان بن ثابت وأتباعهما في طائفة إلى الاحتجاج به " (22) - يعني بالمرسل .
وقال النووي في التقريب : " ثم المرسل حديث ضعيف عند جماهير المحدثين والشافعي وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول ، وقال مالك وأبو حنيفة في طائفة : صحيح " (23) . وقال النووي في الارشاد : " وقال مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما وأصحابهما وطائفة من العلماء : يُحتجّ به " (24 ) .
وقال السخاوي في فتح المغيث : " واحتجّ به الإمام مالك بن أنس في المشهور عنه وكذا الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت وتابعهما المقلدون لهما - والمراد الجمهور من الطائفتين بل وجماعة من المحدثين والإمام أحمد في رواية حكاها النووي وابن القيم وغيرهم بالمرسل ودانوا بمضمونه أي جعل كل واحد منهم ما هو عنده مرسل ديناً يدين به في الأحكام وغيرها " (25) .
وقال السيوطي : " وقال مالك في المشهور عنه وأبو حنيفة في طائفة منهم أحمد في المشهور عنه : صحيح " (26) .
وقال اللكنوي : " وذهب أبو حنيفة ومالك ومن تبعهما وجمع من المحدثين إلى قبول المرسل والاحتجاج به وهو رواية عن أحمد " (27) .
وقال التهانوي : " فقبله أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل في أشهر الروايتين عنه " (28) .(1/17)
سادساً : حكم الحديث المعنعن : وهو الحديث المروي بلفظ عن فحكمه عند المحدثين هو القبول بشروط ومنهم أبو حنيفة . قال السخاوي في فتح المغيث : " أجمعوا - أي أهل الحديث - على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطاً ثلاثة : العدالة واللقاء مجالسة ومشاهدة والبراءة من التدليس " (29) .
سابعاً : زيادة الثقة : وحكمها القبول عند أبي حنيفة . ذكر الصنعاني في توضيح الأفكار أن ابن حجر العسقلاني حكى عن الشافعي وأبي حنيفة قبول زيادة الثقة"(30). قلت : ولم أعثر على قول ابن حجر هذا . بل تقدمّ في شروط قبول أبي حنيفة لخبر الآحاد عدم قبوله للزيادة بل كان يأخذ بالحديث الناقص بدونها .
المطلب الثالث : مقولاته في الجرح والتعديل (صفة من تقبل روايته)
لقد تكلّم الإمام أبو حنيفة في بعض القضايا في هذا العلم وهو الجرح والتعديل ونُقل عنه آراء فيها ومن هذه الأمور ما يلي :
أولاً : شروط العدالة في الراوي لقبول روايته
حيث ذكر الحافظ السخاوي أن أبا حنيفة اشترط الذكورة في راوي الحديث واستثنى من ذلك أخبار عائشة وأم سلمة والمشاهد من النساء فقال السخاوي في بيان ما لا يشترط في الراوي على سبيل المثال : " ولا الذكورة خلافاً لما نقله الماوردي في الحاوي عن أبي حنيفة قال : واستثنى أخبار عائشة وأم سلمة " . ثم ذكر السخاوي أن من شروط العدالة في الراوي عند أبي حنيفة أن يكون هذا الراوي فقيهاً عالماً إن خالف القياس في غيره (31) .
ولقد تقدم اشتراط أبي حنيفة لفقه الراوي في قبوله خبر الآحاد وحكمه عليه بالصحة .
ثانياً : حكم رواية مجهول الحال أوالمستور وهو مجهول العدالة باطناً مع كونه عدلاً في الظاهر
ورد في رأي أبي حنيفة في ذلك أقوال لبعض علماء الحديث منها :
1- قال الحافظ البلقيني في المحاسن : " أبو حنيفة يقبل مثل هذا " (32) .(1/18)
2- قال السخاوي في تعديل المبهم والرواية عن المعيّن بدون تعديل : " وقيل : يكفي كما لو عيّنه لأنه مأمون في الحالتين معاً - نقله ابن الصبّاغ في العدة عن أبي حنيفة، وهو ماش على قول من يحتجّ بالمرسل " ، كما ذكر السخاوي في موضع آخر من فتح المغيث أن أبا حنيفة قبل رواية هذا القسم خلافاً للشافعي (33) .
3 - وقال على القارى في شرحه لنخبة الفكر : " وقد قبل روايته أي المستور جماعة منهم أبو حنيفة رضي الله عنه بغير قيد - يعني بعصر دون عصر - واختار هذا القول ابن حبّان تبعاً للإمام الأعظم ... وقيل : إنّما قبل أبو حنيفة رحمه الله في صدر الإسلام حيث كان الغالب على الناس العدالة "(34) .
4- وقال التهاوني : " وقال أبو حنيفة وأتباعه : يكتفي في قبول الرواية بظهور الإسلام والسلامة عن الفسق ظاهراً " (35) .
ثالثاً : حكم رواية أهل الأهواء والبدع من حيث قبولها أوعدمه
مذهب أبو حنيفة في ذلك هو عدم قبول رواية هؤلاء المبتدعة إن كانوا ممن يستحلّون الكذب لنصرة مذهبهم ، وفي ذلك ذكرت أقوال تنسب ذلك لأبي حنيفة والشافعي منها :
1- روى الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية بسنده إلى عبد الله بن المبارك قال : " سأل أبوعصمة أبا حنيفة : ممن تأمرني أن أسمع الآثار ؟ قال : من كل عدل في هواه إلاّ الشيعة ، فإنّ أصل عقدهم تضليل أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن أتى السلطان طائعاً ، أما إني لا أقول : إنهم يكذّبونهم أو يأمرونهم بما لا ينبغي ، ولكن وطّأوا لهم حتى انقادت العامة بهم فهذان لا ينبغي أن يكونا من أئمة المسلمين " (36) .(1/19)
2- وقال السخاوي : " وعن الربيع سمعت الشافعي يقول : كان إبراهيم بن أبي يحيى قدرياً ، قيل للربيع، فما حمل الشافعي على أن روى عنه ؟ قال : كان يقول : لأن يخرّ إبراهيم من بُعد أحبّ إليه من أن يكذب ، فكان ثقة في الحديث . ولذا قيل كما قاله الخليلي في الإرشاد : إن الشافعي كان يقول : حدثنا الثقة في حديثه المتهم في دينه . وقال الخطيب : وحكى أيضاً أن هذا مذهب ابن أبي ليلى وسفيان الثوري ، ونحوه عن أبي حنيفة " (37) .
3- وقال الصنعاني في توضيح الأفكار : " إن كان يستحلّ الكذب لنصرة مذهبه لم يُقبل ، وإلاّ قُبل، وإن كان داعية إلى مذهبه - عزاه الخطيب إلى الشافعي كما نقله عنه الخطيب في الكفاية لأنه قال : أقبل من غير الخطّابية ما نقلوا، قال : لأنهم يرون شهادة أحدهم لصاحبه، فمن لم يستحلّ الكذب كان مقبولاً لأن اعتقاد حرمة الكذب تمنع من الإقدام عليه فيحصل صدقه . قال الخطيب : ويُحكى أيضاً أن هذا مذهب ابن أبي ليلى وسفيان الثوري، ونحوه عن أبي حنيفة " (38) .
4- وقال اللكنوي : " وقيل : ترد روايته إذا استحلّ الكذب في الرواية أوالشهادة نصرة لمذهبه وهو المنقول عن الشافعي ... إلى أن قال : وهذا القول حكاه الخطيب عن ابن أبي ليلى وسفيان الثوري وأبي حنيفة " (39) .
رابعاً : أقواله في الجرح والتعديل
نسبت إلى أبي حنيفة بعض الأقوال في جرح وتضعيف بعض الرواة وتوثيق بعضهم ، فمن أقواله في التجريح والتضعيف قوله في تجريح وتكذيب جابر الجعفي . قال السخاوي في فتح المغيث : " فلما كان عند آخر عصر التابعين وهو حدود الخمسين ومائة تكلمّ في التوثيق والتضعيف طائفة من الأئمة ، فقال أبو حنيفة : " ما رأيت أكذب من جابر الجعفي " (40) .
ومن أقواله في التوثيق توثيقه لسفيان الثوري ، فقد سئل الإمام أبو حنيفة عن الأخذ عن الثوري فقال لمن سأله : اكتب عنه فإنه ثقة ، ما خلا أحاديث أبي إسحق عن الحُريث وحديث جابر الجعفي " (41) .(1/20)
المطلب الرابع : مقولاته في صفة تحمل الحديث وأخذه عن الشيوخ
لقد أُثر عن الإمام أبي حنيفة مقولات عدة ونُسبت إليه آراء في مسائل مختلفة في موضوع تحمل الحديث وأخذه عن الشيوخ، وهذه المسائل هي :
الأولى : ضابط التمييز عند الصبي
من المعلوم أن من ضوابط التمييز عند بعض العلماء أن يفهم الصبي الخطاب ويردّ الجواب ، وكذا كان أبو حنيفة يرى هذا الأمر كما قال السخاوي في فتح المغيث بعد ذكره هذا الأمر : " وكذا بنحو ما اتفق لأبي حنيفة حين استأذن علي جعفر بن محمد فإنه بينما هو جالس في دهليزه ينتظر الإذن إذ خرج عليه صبي خماسي من الدار . قال أبو حنيفة : فأردت أن أسبر عقله فقلت : أين يضع الغريب الغائط من بلدكم يا غلام ؟ قال : فالتفتَ إليّ مسرعاً فقال : فوق شطوط الأنهار ومساقط الثمار وأفنية المساجد وقوارع الطرق ، وتوارَ خلف جدار ، وأشل ثيابك وسم بسم الله ، وضعه أين شئت ، فقلت له : من أنت ؟ فقال أنا موسى بن جعفر " (42)
قلت : أراد الإمام أبو حنيفة يختبر تمييز الصبي وإدراكه وكان عمر الصبي خمس سنوات وهو موسى بن شيخه جعفر بن محمد فسأل الصبي السؤال وردّ هذا الصبي الجواب المناسب الذي دلّ على تمييزه ومن ثمّ استشهد السخاوي بهذه القصة على تمييز الصبي بفهم الخطاب وردّ الجواب .
الثانية : ألفاظ الأداء في السماع من لفظ الشيخ
قال القاضي عياض في كتابه الإلماع : " لا خلاف بين أحد من الفقهاء والمحدثين والأصوليين بجواز إطلاق حدثنا وأخبرنا وأنبأنا ونبّأنا وخبّرنا فيما سمع من قول المحدّث ولفظه وقراءته وإملائه . وكذلك سمعته يقول أو قال لنا وذكر لنا وحكى لنا " (43) .
الثالثة : القراءة على الشيخ
وتسمى العرض عند أكثر المحدثين ، وفي هذا الموضوع أُثر عن أبي حنيفة مقولات عدة في مسائل متعددة هي :
أولاً : جواز الرواية بهذه الصيغة وهي القراءة على الشيخ أوالعرض عليه
نَسبَ ذلك إلى أبي حنيفة عددٌ من المحدثين منهم :(1/21)
1- القاضي أبو محمد الرامهرمزري الذي روى في كتابه المحدث الفاصل بسنده إلى أبي عاصم النبيل قال : سمعت سفيان وأبا حنيفة ومالكاً وابن جُريج كلّ هؤلاء سمعتهم يقولون : لا بأس بها - يعني القراءة - وأنا لا أراه ، وما حدَّثت عن أحمد من الفقهاء قراءة(44) . قلت : وقد ذكر هذه الرواية البلقيني في محاسن الاصطلاح(45) .
2- الخطيب اليغدادي الذي روى في كفايته بسنده إلى خارجة قال : سألت أبا حنيفة عن الرجل يقرأ على العالم الحديث يحدث به عنه ؟ قال : لا بأس بذلك. وروى بسنده أيضاً إلى المعافى بن عمران أن أبا حنيفة كان يرى عرض الحديث مثل الصكّ يُقرأ على الرجل فيشهد على ذلك(46) . قلت : الرواية الأولى نصّ في الجواز والثانية كفايةعنه.
وروى بسنده أيضاً إلى القاضي أبي يوسف - صاحب أبي حنيفة - قال : سألت أبا حنيفة عن رجل عرض على رجل حديثاً : هل يجوز يحدّث به عنه ؟ قال : نعم يجوز أن يقول حدثني فلان وسمعت فلاناً ، وهذا مثل قول الرجل يقرأ عليه الصكّ فيقرّ به فيجوز لك أن تقول : أقرّ عندي فلان بجميع ما في هذا الكتاب(47) .
قلت : وهذه الرواية جمعت بين التصريح بالجواز والكناية عنه .
3- السيوطي الذي ذكر في التدريب أن الأئمة الأربعة ممن قال بصحة الرواية بالقراءة على الشيخ(48) .
ثانياً : مرتبة ومكانة القراءة والعرض على الشيخ بالنسبة للسماع من لفظه
كان أبو حنيفة يرى تفضيل القراءة على الشيخ وتقديمها رتبة على السماع من لفظ الشيخ ، وقد رُويت في ذلك آثار عدة عنه منها :
1- ما رواه الخطيب البغدادي في الكفاية بسنده إلى القاضي أبي يوسف - صاحب أبي حنيفة - قال : قال أبو حنيفة : لأن أقرأ على المحدث أحبّ إليّ من أن يُقرأ عليّ(49).
2- وقال ابن الصلاح في مقدمته : " فنقل عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرهما ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه، وروى ذلك عن مالك " (50) .(1/22)
3- وذكر النووي في التقريب أن القول الثالث وهو ترجيح القراءة والعرض على الشيخ على السماع منه محكى عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرهما ورواية عن مالك"(51).
وقال النووي في الإرشاد : " فنُقل عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرهما ترجيح القراءة على الشيخ وهو مروى عن مالك " (52) .
4- وقال ابن كثير : " وعن مالك وأبي حنيفة وابن أبي ذئب أنها أقوى " (53) .
5- وذكر البلقيني في المحاسن أن ترجيحها على السماع مروي عن أبي حنيفة وغيره(54) .
6- وقال العراقي في فتح المغيث : " وذهب ابن أبي ذئب وأبو حنيفة النعمان بن ثابت إلى ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه ، وحكى ذلك عن مالك أيضاً - حكاه عنه ابن فارس " (55) .
7- وذكر السخاوي أن ابن أبي ذئب والإمام أبا حنيفة قد رجّحا العرض على السماع لفظاً ، ثم قال : " فروى السليماني من حديث الحسن بن زياد قال : كان أبو حنيفة يقول: قراءتك على المحدّث أثبت وأوكد من قراءته عليك ، إنه إذا قرأ عليك فإنما يقرأ على ما في الصحيفة ، وإذا قرأت عليه فقال : حدّث عني ما قرأت فهو تأكيد " (56).
8- وقال السيوطي في التدريب : " وحُكي الثالث وهو ترجيحها عليه عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرهما " ثم ذكر السيوطي أن البيهقي في المدخل روى عن مكى بن إبراهيم قال : كان ابن جريج وعثمان بن الأسود وحنظلة بن أبي سفيان وطلحة بن عمرو ومالك ومحمد بن إسحاق وسفيان الثوري وأبو حنيفة وهشام وابن أبي ذئب وسعيد بن أبي عَروبة والمثنى بن الصبّاح يقولون : قراءتك على العالم خير من قراءة العالم عليك . واعتلّوا بأن الشيخ لو غلط لم يتهيّأ للطالب الرد عليه(57) .
9- وقال رضي الدين الحنبلي : " ومنها القراءة عليه وهي أرفع منه – يعني من السماع– عند أبي حنيفة رضي الله عنه خلافاً للجمهور إذ عكسوا " (58) .(1/23)
10- وقال زكريا الأنصاري : " وابن أبي ذئب مع أبي حنيفة النعمان بن ثابت قد رجّحا العرض على السماع لأن الشيخ لو سها لم يتهيأ للطالب الرد عليه إما لجهله أو لهيبة الشيخ أو لغير ذلك " (59) .
11- وقال على القاري : " فرجّحها - أي القراءة على الشيخ - على السماع - لفظ الشيخ - وهو مذهب الإمام أبي حنيفة " (60) .
ولقد رُوي عن أبي حنيفة رأي آخر وهو مساواة القراءة على الشيخ للسماع من لفظه في الرتبة ، وممن ذكر ذلك من علماء الحديث الآتي :
1- القاضي الرامهرمزي في المحدث الفاصل الذي قال : " سمعت الساجي يقول : رُوي عن أبي حنيفة أنه قال : إذا قرأت فقل : حدثني . وحكى عن ابن كاس - في بعض الروايات - عن أبي حنيفة أنه قال : قراءتك على المحدث ، وقراءة المحدث عليك سوء، ألا ترى أنك تقرأ الصكّ على المشهود عليه فنقول : أشهد عليه بما فيه ؟ فيقول: نعم ، ويسعك أن تشهد عليه ، وتقول : أقرّ عندي كما تقول لو قرأ هو عليك الصكّ ؟ قال : وهذه الحجة في كتاب الإقرار أيضاً " (61) .
2- الخطيب البغدادي في كفايته حيث روى بسنده إلى مكي بن إبراهيم قال : كان أبو حنيفة يرى القراءة على العالم وقراءته عليك سواء (62) .
كما رُوي عن أبي حنيفة رأى غير مشهور وهو ترجيح السماع من لفظ الشيخ على القراءة عليه وأنها في مرتبة ثانية بعده . قال القاضي عياض : " وذهب جمهور أهل المشرق وخراسان إلى أن القراءة درجة ثانية ، وأَبَو من تسميتها سماعاً وسمّوها عرضاً ، وأَبَو من إطلاق حدثنا فيها ، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة في أحد قوليه والشافعي وهو مذهب مسلم بن الحجاج ويحيى بن يحيى التميمي " (63) .(1/24)
قلت : المشهور عن الإمام أبي حنيفة في هذه المسألة هو القول الأول وهو ترجيح القراءة على الشيخ وتفضيلها على السماع من لفظه ، وأما القول الثاني وهو التسوية بينهما وكذلك القول الثالث وهو عكس الأول فهما غير مشهورين عنه كما تقدم في ذكر الأقوال الورادة في ذلك عن المحدثين .
ثالثاً : ألفاظ الأداء والرواية في القراءة على الشيخ أو العرض عليه
المشهور عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله المساواة بين إطلاق حدثنا وأخبرنا وسمعت في القراءة والعرض على الشيخ كما في السماع من لفظه ، وقد رُويت في ذلك آثار عنه منها :
1- ما رواه الخطيب البغدادي بسنده إلى القاضي أبي يوسف - صاحب أبي حنيفة - قال: سألت أبا حنيفة عن رجل عرض على رجل حديثاً : هل يجوز يحدّث به عنه ؟ قال : نعم ، يجوز أن يقول : حدثني فلان وسمعت فلاناً " (64) .
كما روى بسنده إلى الإمام أبي حنيفة نفسه قال : لا بأس إذا قرا العلم على العلماء فأخبر به لا بأس أن يقول : حدثنا(65) .
وروى بسنده إلى أبي عاصم النبيل قال : سألت مالك بن أنس وابن جريج وسفيان الثوري وأبا حنيفة عن الرجل يقرأ على الرجل الحديث فيقول : حدثنا ؟ قالوا : لا بأس به. وروى إلى أبي قطن قال : وقال لي أبو حنيفة : اقرأ عليّ وقل : حدثنا - وفي رواية : وقل : حدثني - لو رأيت عليك في هذا شيئاً ما أمرتك به(66) .
2- وقال أبو عمر بن عبد البر : " وله أن يقول : أخبرنا وحدثنا ، وممن قال بذلك مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن ، ثم روى بسنده قول أبي قطن المتقدم(67).
3- وقال العراقي في الفتح : " وذهب أبو بكر بن شهاب الزهري ومالك والثوري وأبو حنيفة وصاحباه وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطّان ومعظم الحجازيين والكوفيين والبخاري إلى جواز إطلاقهما " - يعني : حدثنا وأخبرنا - وقال أيضاً : " وحُكي عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة " (68) .(1/25)
4- وقال البلقيني في المحاسن : " وممن جوّز إطلاق حدثنا في ذلك عطاء والحسن وأبو حنيفة وصاحباه وزفر ومنصور " (69) .
5- وقال السخاوي في الفتح : " وذهب الزهري والقطان والثوري وأبو حنيفة - في أحد قوليه - وصاحباه ومالك بن أنس - في أحد قوليه - وسفيان بن عيينة والشافعي وأحمد ومعظم أهل الكوفة والحجاز مع الإمام البخاري إلى جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا بدون تقييد بالقراة على الشيخ " (70) .
6- وذكر السيوطي جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا على الرواية بالقراءة على الشيخ عن جماعات من المحدثين ومعظم الحجازيين والكوفيين كالثوري وأبي حنيفة وصاحبه(71) .
7- وقال زكريا الأنصاري : " وذهب الإمام أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ويحيى بن سعيد القطان والإمام أبو حنيفة والإمام مالك - في أحد قوليهما - وبعدُ سفيان بن عُيينة والإمام أحمد - في أحد قوليه - ومعظم أهل الكوفة والحجاز مع الإمام البخاري إلى الجواز - أي جواز الإطلاق - كما في القسم الأول - أي السماع"(72) .
8- وقال الصنعاني : " والثاني : الجواز ، وهو مذهب الزهري والثوري وأبي حنيفة ومعظم أهل الكوفة والحجاز " (73) .
9- وذكر اللكنوي أن جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا في القراءة على الشيخ والسماع منه نقله الحاكم عن الأئمة الأربعة ثم قال : " ورُوى عن أبي مطيع أنه قال : سألت أبا حنيفة فقلت له : أقول : حدثنا أو أقول : أخبرنا ؟ قال : إن شئت قلت : حدثنا ، وإن شئت قلت : أخبرنا " (74) .
10- وذكر القاسمي في قواعد التحديث أنه نقل عن الحاكم أن جواز الإطلاق مذهب الأئمة الأربعة(75) .
كما رُوي عن أبي حنيفة - في غير المشهور عنه - التفرقة بينهما حيث تستعمل حدثنا في السماع من لفظ الشيخ ، وأخبرنا في القراءة عليه ، وممن نقل ذلك عنه :(1/26)
1- القاضي عياض في الإلماع الذي قال : " واختلف في ذلك عن أبي حنيفة وابن جريج والثوري ... ثم قال : ورُوي هذا المذهب من التفريق عن أبي حنيفة وهو قول الشافعي "(76) .
2- أبو عمر بن عبد البر في جامعه حيث قال نحو قول القاضي عياض(77) .
3- والسخاوي في الفتح الذي ذكر أن ابن جريج والأوزاعي وابن معين مع الإمام أبي حنيفة - في أحد قوله - وابن وهب والإمام الشافعي ومسلم وجلّ أهل المشرق قد جوّزوا إطلاق أخبرنا دون حدثنا للفرق بينهما(78) - يعني للفرق بين السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه .
رابعاً : فروع تتعلق بالقراءة على الشيخ : وفي ذلك فرعان
1- إذا أمسك الطالب الأصل مع المراعاة له حين القراءة على الشيخ رضي في الثقة والضبط لذلك ، والشيخ حينئذ لا يحفظ ما قد عرض الطالب عليه ولا هو ممسك اصلاً بيده . ذكر السخاوي أن السماع باطل بهذه الطريق وقال : " نقله الحاكم عن مالك وأبي حنيفة لأنهما لا حجّة عندهما إلاّ بما رواه الراوي من حفظه " (79) .
2- وقال السيوطي في التدريب : " إذا قرأ الراوي على الشيخ قائلاً : أخبرك فلان - أو نحوه كقلت : أخبرنا فلان - والشيخ مصغ إليه فاهم له غير منكر ولا مقرّ لفظاً صحّ السماع وجازت الرواية به اكتفاء بالقرائن الظاهرة ، ولا يشترط نطق الشيخ بالإقرار كقوله : نعم - على الصحيح الذي قطع به جماهير أصحاب الفنون (الحديث والفقه والأصول) " ، ثم ذكر السيوطي القول الآخر الذي يشترط نطق الشيخ بالإقرار ثم قال : " وحُكي تجويز ذلك عن الفقهاء والمحدثين وحكاه الحاكم عن الأئمة الأربعة وصححه ابن الحاجب " (80) .
الرابعة : الإجازة وهي الإذن والإباحة بالرواية لفظاً أو خطاً أو بهما معاً من الشيخ للطالب أو الراوي :
لقد أثر عن أبي حنيفة في هذا الموضوع مسألتان هما :(1/27)
1- حكم الإجازة : قال العراقي : " بل أطلق الآمدي النقل عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن الإجازة غير صحيحة . ويجوز أن يكون أبو حنيفة وأبو يوسف إنما يمنعان صحة الإجازة الخالية عن المناولة " (81) .
2- النوع الأول من الإجازة وهو الإجازة من شيخ معين إلى طالب معين بمعين من الكتب والمسموعات : ورأى أبي حنيفة هو إبطال الرواية بهذا النوع . قال السيوطي في التدريب : " وأبطلها جماعات من الطوائف من المحدثين كشعبة والفقهاء كالقاضي حسين والماوردي وأبي بكر الخُجَنْدي الشافعي وأبي طاهر الدّباس الحنفي ... وهو إحدى الروايتين عن الشافعي ، وحكاه الآمدي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ونقله القاضي عبد الوهاب عن مالك " (82) .
وقال رضى الدين الحنبلي في أنواع الإجازة : " ومنها الإجازة الخاصة المعينة خلافاً لأبي طاهر الدبّاس مِنّا إذ قال بإبطالها . والمختار فيها وفاقاً لابن الساعاتي أن المجيز إن كان عالماً بما في الكتاب والمجاز له فَهِماً ضابطاً جازت الرواية بها ووقع بها الاحتجاج ، وإلاّ بطلب عند أبي حنيفة ومحمد وصحت عند أبي يوسف " (83) .
قلت : وقول الحنبلي أيضاً يدخل في شروط الإجازة إذ من شروطها عند البعض - كما هو هنا عند أبي حنيفة - أن يكون المجيز - وهو الشيخ - عالماً بما يجيز به والمجاز له - وهو الطالب - فاهماً ضابطاً .
الخامسة : حكم المناولة المقرونة بالإجازة
المشهور عن أبي حنيفة جواز الرواية والاحتجاج بهذه الرواية المتحمّلة بالمناولة المقرونة بالإجازة ، وأن رتبتها دون رتبة السماع من لفظ الشيخ والقراءة أو العرض عليه ، وقد وردت في ذلك أقوال عدة عن بعض المحدثين منها :(1/28)
1- قال الحاكم في المعرفة : " أما فقهاء الإسلام الذين أفتوا في الحلال والحرام فإنهم لم يروه سماعاً، وبه قال الشافعي والأوزاعي والبويطي والمُزَني وأبو حنيفة وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وابن المبارك ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهوية . وعليه عهدنا أئمتنا وإليه ذهبوا وإليه نذهب " (84) .
وقد علّق الحافظ العراقي في التقييد والإيضاح على ذكر أبي حنيفة في كلام الحاكم فقال : " وأما أبو حنيفة فلا يرى صحتها أصلاً كما ذكره صاحب القنية فقال : إذا أعطاه المحدث الكتاب وأجاز له ما فيه ولم يسمع ذلك ولم يعرفه فعند أبي حنيفة ومحمد لا يجوز روايته ، وعند أبي يوسف يجوز ... لم يكتف صاحب القنية في نقله عن أبي حنيفة لعدم الصحة بكونه لم يسمعه فقط بل زاد على ذلك بقوله : ولم يعرفه ؛ فإن كان الضمير في يعرفه عائداً على المجاز - وهو الظاهر لتتفق الضمائر - فمقتضاه أنه إذا عرف المجاز ما أجيز له أنه يصحّ بخلاف ما ذكر المعترض أنه لا يرى صحتها أصلاً ، وإن كان الضمير يعود على الشيخ المجيز فقد ذكر المصنف - يعني : ابن الصلاح - بعد هذا أن الشيخ إذا لم ينظر ويتحقق روايته لجميعه لا يجوز ولا يصحّ، ثم استثنى ما إذا كان الطالب موثوقاً بخبره فإنه يجوز الاعتماد عليه . وهذه الصورة لا يوافق على صحتها أبو حنيفة بل لا بد أن يكون الشيخ حافظاً لحديثه أو ممسكاً لأصله وهو الذي صحّحه إمام الحرمين " (85) .
2- وقال النووي في التقريب : " والصحيح أنها منحطة عن السماع والقراءة وهو قول الثوري والأوزاعي وابن المبارك وأبي حنيفة والشافعي والبويطي والمُزَني وأحمد وإسحاق ويحيى بن يحيى " (86) .(1/29)
3- وقال السخاوي في الفتح : " ولكن قد أبى المفتون القول بأنها حالّة محلّ السماع فضلاً عن ترجيحها منهم إسحاق بن راهويه وسفيان الثوري مع باقي الأئمة المتبوعين أبي حنيفة النعمان وإمامنا الشافعي وأحمد بن حنبل الشيباني ... حيث رأوا بأن المناولة أنقص من السماع " (87) .
4- وقال اللكنوي : " ولكن الذي اختاره أبو حنيفة والشافعي وأحمد والثوري وابن المبارك وابن راهويه وغيرهم هو أنها دونه " (88) .
هذا وقد رُوي عن أبي حنيفة منعه جواز المناولة المقرونة بالإجازة ذكر ذلك البلقيني في محاسن الاصطلاح حيث قال : " وفي القنية من كتب الحنفية : إذا أعطاه المحدث الكتاب وأجاز له ما فيه ولم يسمع ذلك منه ولم يعرفه فعند أبي حنيفة ومحمد لا يجوز روايته . وهذا يدل على منع الإجازة المقرونة بالمناولة " (89) .
قلت : وقد تقدم قريباً قول صاحب القنية وتعليق الحافظ العراقي في المسألة ، وعليه يكون المشهور عن أبي حنيفة تجويزه المناولة بالإجازة بشرط سماع الطالب ما في الكتاب المجاز به وبشرط معرفة الشيخ بما في هذا الكتاب وهذا مفهوم المخالفة من كلام صاحب القنية وبه يتمّ الجمع بين القول المشهور عن أبي حنيفة بجوازها والقول الآخر بعدم جوازها والله أعلم .
المطلب الخامس : مقولاته في صفة رواية الحديث
في هذا المطلب مسألتان مأثورتان عن الإمام أبي حنيفة النعمان هما :
الأولى : تشدد أبي حنيفة في الرواية وقد تمثّل هذا التشدد في ثلاثة أمور هي :
أولاً : ما تقدم من الشروط التي وضعها أبو حنيفة أو نُسبت إليه في قبول خبر الآحاد .
ثانياً : ما رُوي عن أبي حنيفة نفسه من أنه لا يجوز للراوي أن يروي إلاّ ما يعرف ويحفظ . فقد روى الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي زكريا يحيى بن معين وسئل عن الرجل يجد الحديث بخطّه لا يحفظه ؟ فقال أبو زكريا : كان أبو حنيفة يقول : لا يحدّث الرجل إلاّ بما يعرف ويحفظ(90) .(1/30)
ثالثاً : ما نُسب إلى أبي حنيفة من رأي متشدد في هذه المسألة نقله عنه عدد من علماء الحديث ومن هؤلاء :
1- ابن الصلاح الذي قال في مقدمته : " شدّد قوم في الرواية فأفرطوا وتساهل آخرون ففرّطوا ، ومن مذاهب التشديد مذهب من قال : لا حجّة إلاّ فيما رواه الراوي من حفظه وتذكّره . وذلك مروى عن مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما وذهب إليه من أصحاب الشافعي أبو بكر الصيدلاني المروزي " (91) .
وقال ابن الصلاح في موطن آخر من المقدمة : " إذا وجد سماعه في كتابه وهو غير ذاكر لسماعه ذلك فعن أبي حنيفة رحمه الله وبعض أصحاب الشافعي رحمه الله أنه لا تجوز له روايته " (92) .
2- وقال النووي في التقريب - ونحوه في الإرشاد : " وقد شدّد قوم في الرواية فأفرطوا وتساهل آخرون ففرّطوا ، فمن المشددين من قال : لا حجّة إلاّ فيما رواه من حفظه وتذكره . رُوي ذلك عن مالك وأبي حنيفة وأبي بكر الصيدلاني الشافعي " (93) .
3- وقال ابن كثير : " لو وجد طبقة سماعه في كتاب إما بخطه أو خط من يثق به ولم يتذكر سماعه لذلك فقد حُكي عن أبي حنيفة وبعض الشافعية أنه لا يجوز له الإقدام على الرواية " (94) .
4- وذكر البلقيني عن الحاكم أنه قال : " ورواية محدّث صحيح السماع صحيح الكتاب معروف السماع ظاهر العدالة غير أنه لا يعرف ما يحدّث به ولا يحفظ ، وهذا صحيح عند أكثر أهل الحديث ، ولا يحتجّ به أبو حنيفة ولا مالك " (95) .
5- وقال السخاوي : " ورُوي عن الإمام أي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي المنع وأنه لا حجّة إلاّ فيما رواه الراوي من حفظه وتذكره للمروي تفصيلاً من حين سمعه أن يؤديه ، قال ابن معين - فيما رواه الخطيب : كان أبو حنيفة يقول : لا يحدث الرجل إلاّ بما يعرف ويحدّث " (96) .(1/31)
6- وقال السخاوي أيضاً : " وإذا رأى المحدث سماعه في كتابه بخطه أو بخط من يثق به سواء الشيخ أو غيره وإن لم يذكر سماعه له ولا عدمه ، فعن أبي حنيفة النعمان المنع من روايته وإن كان حافظاً لما في الكتاب فضلاً عما لم يعرفه " (97) .
7- وقال السيوطي : " وإذا وجد سماعه في كتابه ولا يذكره فعن أبي حنيفة وبعض الشافعية لا يجوز له روايته حتى يتذكر " (98) .
8- وقال زكريا الأنصاري : " ورُوي عن الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي المنع من ذلك ، وأنه لا حجّة إلاّ فيما رواه الراوي من حفظه وتذكره له ... " (99) .
وقال الأنصاري أيضاً : " وإذا رأى المحدث سماعه في كتابه بخطه أو بخط من يثق به ولم يذكر سماعه له ولا عدمه فعن أبي حنيفة نعمان المنع من روايته - يعني وإن كان حافظاً لما فيه " (100) .
9- وقال التهانوي : " تشديد الإمام - يعني : أبا حنيفة - في باب الرواية معروف حتى قال : لا ينبغي للرجل أن يحدث من الحديث إلاّ بما حفظه من يوم سمعه إلى يوم يحدّث به - رواه الطحاوي قال : حدثنا سليمان بن شعيب نا أبي قال : أملى علينا أبو يوسف قال : قال أبو حنيفة به " (101) .
10- ذكر الصنعاني عن الحافظ زين الدين العراقي أنه قال : ورُوي عن أبي حنيفة ومالك أنه لا حجّة إلاّ فيما رواه من حفظه(102) .
الثانية : رواية الحديث بالمعنى : رُويت في ذلك أقوال لبعض المحدثين منسوبة لأبي حنيفة تبيّن تجويزه لرواية الحديث بالمعنى إن كان الراوي عالماً بألفاظ الحديث ومدلولاتها ومعانيها وما يحيل هذه الألفاظ عن معانيها بشرط أن يقطع بأداء المعنى ومن هذه الأقوال :
1- قال النووي في التقريب : " وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف : يجوز بالمعنى في جميعه إذا قطع بأداء المعنى " (103) .(1/32)
وقال في الإرشاد : " وذهب جمهور السلف والخلف من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول إلى جواز الرواية بالمعنى في الجميع - يعني في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وحديث غيره إذا قطع بأنه أدّى المعنى، وهذا هو الصحيح " (104) .
2- ونحو قول النووي قال السيوطي في تدريب الراوي والسخاوي في فتح المغيث(105) .
3- وقال اللكنوي : " وقال جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الفقه والأصول والمحدثين ومنهم الأئمة الأربعة وأكثر أتباعهم بجواز الرواية بالمعنى للعارف إذا قطع بأداء المعنى " (106) .
4- وقال جمال الدين القاسمي : " وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف - منهم الأئمة الأربعة - يجوز بالمعنى في جميع ذلك إذا قطع بأداء المعنى " (107) .
المطلب السادس : مقولاته في مسائل متفرقة
المسألة الأولى : في معرفة الصحابة رضي الله عنهم حيث رُوي عن الإمام أبي حنيفة أقوال عدة في موضوعات مختلفة من هذا العلم منها :
1- حكم ردّة الصحابي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثم عودته للإسلام بعد وفاته عليه الصلاة والسلام : فقد رُوي عن أبي حنيفة أن هذه الردة محبطة للعمل ومن ثمّ محبطة للصحبة مطلقاً سواء اتصلت بالموت أو لم تتصل بموت ذلك الصحابي . قال العراقي في التقييد والإيضاح : " وأمّا من ارتد منهم في حياته وبعد موته ثم عاد إلى الإسلام بعد موته صلى الله عليه وسلم كالأشعث بن قيس ففي عود الصحبة له نظر عند من يقول : إن الردة محبطة للعمل وإن لم يتصل بها الموت ، وهو قول أبي حنيفة"(108) .
وقال على القارى عن صحبة الأشعث بن قيس الذي ارتد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم : " أما من يقول : إن الردة تبطل وإن لم تتصل فلا يُعدّ - يعني لا يُعدّ في الصحابة - وهذا القول قول أبي حنيفة " (109) .(1/33)
2- أفضل الصحابة على الإطلاق : من المتفق عليه عند علماء هذه الأمة الذين يُعتدّ بإجماعهم أن أفضل هؤلاء الصحابة أبو بكر وعمر رضي الله عنهما . قال ابن تيمية في منهاج السنّة : " لم يختلف علماء الإسلام في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة وهو قول مالك وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه ... ومن لا يُحصى عدده ممن له في الإسلام لسان صدق كلّهم يجزمون بتقديم أبي بكر وعمر " (110) .
ولكن علماء الأمة الإسلامية اختلفوا في تفضيل عثمان وعليّ رضي الله عنهما كل منهما على الآخر. فقد قال ابن كثير : " والعجب أنه قد ذهب بعض أهل الكوفة من أهل السنّة إلى تقديم عليّ على عثمان ، ويُحكى عن سفيان الثوري - ولكن يقال إنه رجع عنه - ونُقل مثله عن وكيع بن الجرّاح ونصره ابن خزيمة والخطابي وهو ضعيف مردود " (111) .
وعلّق الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميِّس على ذلك فقال : " وروى هذا القول عن الإمام أبي حنيفة، فقد أسند إليه ابن عبد البرّ في الانتقاء قوله : الجماعة أن تفضّل أبا بكر وعمر وعليّاً وعثمان وما تنتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء في السير الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني أن نوح بن أبي مريم سأل أبا حنيفة عن مذهب أهل السنّة فقال : أن تفضّل أبا بكر وعمر وتحبّ عليّاً وعثمان . وجاء في مناقب أبي حنيفة للمكي : كان أبو حنيفة يفضّل أبا بكر على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم عمر ، ثم يقول : على وعثمان " (112) .
وقال الطحاوي في شرح العقيدة : " وقد رُوى عن أبي حنيفة تقديم عليّ على عثمان رضي الله عنهما ، ولكن ظاهر مذهبه تقديم عثمان على عليّ ، وعلى هذا عامّة أهل السنّة " (113) .(1/34)
وقد علّق الدكتور محمد الخميّس على قول الطحاوي فقال : " فقوله : رُوي - بصيغة التمريض - وهي تشعر بعدم ثبوت هذه الرواية عن الإمام أبي حنيفة ، ولعله قد استند على ما روى عن الإمام أبي حنيفة في غير ما موضع من أنه كان يفضّل أبا بكر وعمر ويحبّ عليّاً وعثمان ، فقوله : (عليّ وعثمان) لا يقتضي تقديم عليّ على عثمان لأن الواو في اللغة العربية لمطلق الجمع ولأن التقديم الذكرى لا يستلزم التقديم في الفضل ، فالذي استقرّ عليه الإمام أبو حنيفة هوتفضيل عثمان على عليّ ، دلّ على ذلك قوله : وأفضل الناس بعد النبييّن عليهم الصلاة والسلام أبو بكر الصديق ، ثم عمر بن الخطاب الفاروق ، ثم عثمان بن عفّان ذو النورين ، ثم عليّ بن أبي طالب المرتضى رضوان الله تعالى عليهم أجمعين عابدين ثابتين على الحق ومع الحق نتولاهم جميعاً ، ويقول : ونقرّ بأن أفضل هذه الأمة بعد نبيّنا صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ ، ثم نكفّ عن جميع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلاّ بذكر جميل " (114) .
وقال الطحاوي في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه : " وثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً لأبي بكر رضي الله عنه تفضيلاً له وتقديماً على جميع الأمّة ، ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم لعثمان رضي الله عنه ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهتدون " (115) .
وقال ابن تيمية : " وجمهور الناس فضّلوا عثمان ، وعليه استقرّ أمر أهل السنّة ، وعليه أئمة الفقه كالشافعي وأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك " (116) . قلت : الظاهر والمشهور من رأي الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله هو ما عليه مذهب أكثر أهل السنة والجماعة من تفتضيل أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليّ على سائر الصحابة بل على سائر المسلمين إلى قيام الساعة والله أعلم .(1/35)
3- أول الصحابة إسلاماً : رُوى عن أبي حنيفة أن أولهم إسلاماً على الإطلاق أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها . قال النووي في الإرشاد : " ونقل الثعلبي وجماعة غيره إجماع العلماء أن أولهم إسلاماً خديجة ، وإنما الخلاف فيمن أسلم بعدها " (117) . قلت : وأبو حنيفة يدخل في هذا الإجماع .
وللإمام أبي حنيفة تفصيل جيد في أول الصحابة إسلاماً ، فقد ذكر السخاوي في الفتح عن الحاكم في ترجمة أحمد بن عباس الواعظ أن أبا حنيفة كان يقول : أول من أسلم من الرجال أبو بكر ، ومن النساء خديجة ، ومن الصبيان عليّ(118) .
وذكر السيوطي قول ابن الصلاح والنووي : " والأورع أن يُقال : أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر ، ومن الصبيان عليّ ، ومن النساء خديجة ، ومن الموالى زيد، ومن العبيد بلال " ثم قال السيوطي : قال البرماوي : " ويُحكى هذا الجمع عن أبي حنيفة " (119) .
4- تفضيل الصحابة وعدم سبّهم : رُويت عن أبي حنيفة أقوال في تقديمه هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم ونهى فيها عن سبّ أحد منهم ومن ذلك : سئل الإمام أبو حنيفة : من أي الأصناف أنت ؟ فأجاب بقوله : أنا ممن لا يسبّ السلف ، ويؤمن بالقدر ، ولا يكفّر أحداً بالذنوب " (120) . وقال أبو حنيفة عن الصحابة : ويحبّهم كل مؤمت تقي ، ويبغضهم كل منافق شقي " (121) .
المسألة الثانية : الترجيح عند التعارض بين الأحاديث : قال التهانوي : " لا ترجيح بكثرة الرواية عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافاً لأكثر العلماء " . وقال في موضع آخر : " فرجّح أبو حنيفة بفقه الرواة كما رجّح الأوزاعي بعلو الإسناد " (122) .
خلاصة البحث
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على الرسول الكريم الدلّ على الخيرات والعبادات والأعمال الصالحات وآله وصحبه الذين حاربوا البدع والمعاصي والسيئات ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :(1/36)
فهذا البحث المُعنون بـ ( أصول الحديث عند الإمام أبي حنيفة ) بحث استطعت بفضل الله وتوفيقه جمع ما أمكنني جمعه من الأقوال المأثورة عن هذا الإمام والآراء المنسوبة إليه في جملة مسائل تتعلق بعلوم الحديث أو أصول الحديث أو مصطلحه جمعتها مما تناثر في كتب المصطلح وضمّنت هذه المتناثرات في مطالب ، حاولت في كل مطلب وضع عنوان له مما أُثر عن علماء الحديث في مصنفاتهم .
وقد بلغت جملة مسائل هذا البحث التي وجدت لأبي حنيفة أقوال وآراء فيها نحواً من سبع وعشرين مسألة من مسائل أصول الحديث مما يدلّ على ضلوع هذا الإمام في الحديث وعلومه ومساهمته في وضع بعض القواعد والقوانين والأسس التي نشأ عليها علم مصطلح الحديث فيما بعدُ مما كان له الأثر في حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
والدراسة في هذه المقولات التي نُسبت إلى الإمام أبي حنيفة توصلت فيها من خلال بحثي في مقولات الأئمة الثلاثة الآخرين ( الشافعي ومالك وابن حنبل ) إلى أن ما نُسب إلى أبي حنيفة أقل مما نُسب إلى هؤلاء الثلاثة الآخرين .
وفي الختام أدعو الله تعالى أن يجزل لهذا الإمام المثوبة والعطاء وأن ينفع بهذا العمل طلاب العلم والمتخصصين فيه إنه نعم المولى ونعم النصير والمجيب .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ثبت المراجع والمصادر
1- أبو حنيفة حياته وعصره آراؤه وفقهه ، للشيخ محمد أبو زهرة ، دار الفكر العربي ، ط2 ، سنة 1955م .
2- أحكام الإحكام في أصول الأحكام ، للأمام أبي محمد علي بن أحمد بن حزم ، ت456هـ ، مطبعة الإمام بالقاهرة .
3- اختصار علوم الحديث ، للحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي ، ت774 هـ ، مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح بمصر ، ط3 .
4- إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق صلى الله عليه وسلم ، للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي ، ت676 هـ تحقيق : الدكتور / نور الدين عتر ، دار البشائر الإسلامية ، ببيروت ، ط2 سنة 1411هـ / 1991م .(1/37)
5- أصول الحديث وعلوم ومصطلحه ، للدكتور محمد عجّاج الخطيب ، دار الفكر بيروت ، ط4 ، سنة 1401هـ / 1981م .
6- أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة للدكتور محمد بن عبدالرحمن الخميّس ، دار الصميعي ، الرياض ، ط1 ، سنة 1416هـ / 1996 .
7- أصول الفقه الإسلامي ، للدكتور وهبة الزحيلي ، دار الفكر ، دمشق ، ط1 ، سنة 1406هـ / 1986م .
8- إعلام الموقعين عن رب العالمين ، للإمام أبي عبدالله محمد بن أبي بكر – المعروف بابن قيم الجوزية ، ت 751هـ ، تحقيق : طه عبدالرؤوف ، دار الجيل بيروت ، ط1 سنة 1973م .
9- الألماع في معرفة أصول الرواية وتقييد السماع، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي، ت544هـ تحقيق: السيد أحمد صقر، دار التراث، القاهرة، ط1، سنة 1389هـ/ 1970 .
10- تاريخ بغداد ، للخطيب البغدادي أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت ، ت 463هـ ، دار الكتاب العربي بيروت .
11- الإنتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ، للحافظ أبي عمر يوسف بن عبدالبّر النمري القرطبي ، ت463هـ ، طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت .
12- تاريخ التشريع الإسلامي ، للشيخ محمد الخضري بك ، المكتبة التجارية الكبرى ، القاهرة ، ط8 ، سنة 1387هـ .
13- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ، للحافظ عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي ، ت911هـ ، تحقيق : عبدالوهاب عبداللطيف ، المكتبة العلمية ، المدينة المنورة ، ط2 ، سنة 1392ه/1972م .
14- تذكرة الحفاظ، للإمام أبي عبدالله محمد بن أحمد الذهبي ت748هـ، دار الفكر العربي .
15- التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير ، للإمام يحيى بن شرف النووي ، ت676هـ ، تحقيق : محمد عثمان الخشت ، دار الكتاب العربي ، ط1 ، سنة 1405هـ/1985م .
16- التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح ، للحافظ عبدالرحيم بن الحسين العراقي، ت806هـ ، تحقيق : عبد الرحمن محمد عثمان ، دار الفكر ، بيروت ، ط سنة 1401هـ/1981م .(1/38)
17- تنقيح الأنظار (متن توضيح الأفكار) ، للإمام محمد بن إبراهيم الصنعاني ، ت 840هـ ، تحقيق :محمد محي الدين عبدالحميد ، المكتبة السلفية ، المدينة المنورة .
18- تهذيب التهذيب للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، ت852هـ ، مطبعة مجلس دائرة المعارف بالهند ، ط1 ، سنة 1327هـ .
19- تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، للحافظ جمال الدين بن يوسف المزي ، ت742هـ ، تحقيق : الدكتور بشار عواد معروف ، مؤسسة الرسالة ، بيروت .
20- توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار ، للأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني ، ت1182هـ، تحقيق : محمد محي الدين عبدالحميد ، المكتبة السلفية، المدينة المنورة.
21- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ، للحافظ الخطيب البغدادي أبي بكر أحمد بن ثابت ، ت463هـ ، تحقيق : د. محمود الطحان ، مكتبة المعارف ، الرياض ، ط1 ، سنة 1403هـ/ 1983م .
22- جامع بيان العلم وفضله ، للإمام أبي عمر يوسف بن عبدالبر النمري ، ت463هـ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
23- الجامع الصحيح (سنن الترمذي) ، للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ، ت279هـ ، تحقيق : أحمد محمد شاكر ، مطبعة مصطفى الحلبي ، القاهرة ، ط1 ، سنة 1356هـ / 1937 .
24- الحديث والمحدثون : للدكتور محمد محمد أبو زهو ، مطبعة مصر .
25- السنة ومكانتها في التشريع ، للدكتور مصطفى السباعي ، المكتب الإسلامي ، ط2، سنة 1398هـ/1978م .
26- سنن ابن ماجه ، للإمام أبي عبدالله محمد بن يزيد القزويني ، المعروف بابن ماجه، ت275هـ ، تحقيق : محمد فؤاد عبدالباقي ط1 دار الفكر .
27- سنن الدارقطني، للإمام علي بن عمر الدارقطني، ت306هـ، عالم الكتب، بيروت .
28- سنن أبي داود ، للإمام أبي داود سليمان بن الأشعت السجستاني ، ت275هـ، تحقيق : صدقي محمد جميل ، دار الفكر ، بيروت ، ط1 سنة 1414هـ/1994م .(1/39)
29- السنن الكبرى ، للحافظ ابي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، ت458هـ ، تحقيق محمد عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، سنة 1414هـ/1994م .
30- سير أعلام النبلاء ، للإمام محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، ت748هـ ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط3 .
31- شرح مسند أبي حنيفة للإمام علي القارى ت 1014هـ . دار الكتب العلمية بيروت ط1 سنة 1405هـ / 1985م .
32- شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ، للإمام علي بين سلطان القاري ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط ، سنة 1398هـ/1978م .
33- ظفر الأماني بشرح مختصر السيد الشريف الجرجاني في مصطلح الحديث ، للإمام محمد بن عبدالحي اللكنوي ، ت1304هـ ، تحقيق : خليل المنصور ، دار الكتب العلمية ، بيروت . ط1 ، 1418هـ / 1998م .
34- طبقات الحفاظ ، للحافظ عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي ، ت911هـ ، تحقيق: علي محمد عمر ، مطبعة الاستقلال الكبرى ، القاهرة ، ط1 ، 1393هـ/1988م.
35- فتح الباقي على ألفية العراقي ، للحافظ زكريا بن محمد الأنصاري ، ت ، سنة 925هـ ، تصحيح محمد بن حسين العراقي ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
36- فتح المغيث بشرح ألفية الحديث ، للحافظ أبي الفضل عبدالرحيم بن الحسين العراقي ت806هـ ، تحقيق : محمود ربيع ، عالم الكتب ، ط2 ، 1408هـ/1988م.
37- فتح المغيث شرح ألفية الحديث ، للإمام محمد بن عبدالرحمن السخاوي ، ت902هـ ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
38- قفو الأثر في صفو علوم الأثر ، للإمام محمد بن إبراهيم الحسيني – المشهور بابن الحنبلي – ت971 هـ ، تحقيق : الشيخ عبدالفتاح أبو غدة ، دار البشائر الإسلامية ، بيروت ، ط2 ، 1408هـ .
39- قواعد التحديث في فنون مصطلح الحديث ، للشيخ محمد جمال الدين القاسمي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1399 هـ/ 1979م .(1/40)
40- قواعد في علوم الحديث ، للمحدث ظفر أحمد العثماني التهانوي ، ت1394هـ ، تحقيق : الشيخ عبدالفتاح أبو غدة ، شركة العبيكان ، الرياض ، ط5 ، 1404هـ/1984م.
41- الكشاف المبين عن مناهج المحدثين للدكتور ، أحمد يوسف أبو حلبية ، دار البشير ، غزة ، ط1 ، 1416هـ/1996م.
42- الكفاية في علم الراوية ، للإمام أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ، ت463هـ ، المكتبة العلمية ، المدينة المنورة .
43- مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية ، جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد العاصمي وابنه محمد ، ط2 ، 1398م.
44- محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح ، للإمام عمر بن رسلان بن نصير البلقيني ، ت805هـ ، تحقيق : الدكتورة عائشة بن عبدالرحمن ، مطبعة دار الكتب ، طبعة سنة 1974م.
45- المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ، للقاضي أبي محمد الحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي ، ت360هـ ، تحقيق : د. محمد عجاج الخطيب ، دار الفكر ، بيروت ، ط3 ، 1404هـ/1984م.
46- معرفة علوم الحديث ، للحاكم أبي عبدالله محمد بن عبدالله النيسابوري ، ت405هـ تصحيح السيد معظم حسين ، المكتبة العلمية ، المدينة المنورة ، ط2 ، 1397هـ/1977م .
47- مقدمة ابن الصلاح ، للإمام أبي عمر عثمان بن عبدالرحمن ابن الصلاح الشهرزوري ، ت643هـ ، تحقيق : الدكتور / نور الدين عتر ، المكتبة العلمية ، بيروت .
48- ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل ، للإمام أبي محمد علي ابن أحمد بن حزم ، ت456هـ مطبعة جامعة دمشق ، ط1379هـ/1960م.
49- المنهاج الحديث في بيان علوم الحديث للدكتور / أحمد يوسف أبو حلبية . مطبعة الرنتيسي . ط3 ، سنة 1419هـ/1999م.
50- منهاج السنة النبوية ، للإمام أحمد بن عبدالحليم بين تيمية ، ت728هـ ، تحقيق : د. محمد رشاد سالم ، مكتبة الرياض الحديث ، الرياض ، ط1 1406هـ .(1/41)
51- الميزان الكبرى ، للإمام أبي المواهب عبدالوهاب بن أحمد الأنصاري – المعروف بالشعراني – من أعيان علماء القرن العاشر الهجري . ط دار الفكر بيروت.
52- نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ، للمحدث أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، ت852هـ ، مؤسسة الخافقين ، دمشق ، ط 1400هـ/1980م.
هوامش البحث
1- انظر ترجمة الإمام أبي حنيفة والتعريف به في المراجع التالية :
تهذيب الكمال 29/417-445 ، وتهذيب التهذيب 10/449-452، وتذكرة الحفاظ 1/168-169 ، وسير أعلام النبلاء 6/399 – 400، وطبقات الحفاظ ص80، والسنة ومكانتها في التشريع ص401-402، وأبو حنيفة حياته وعصره ص62-65.
2- انظر التعريف بعلوم الحديث وأصوله في المراجع التالية :
تدريب الراوي 1/40-41 ، وتوضيح الأفكار 1/6، وأصول الحديث ص 7-9، والمنهاج الحديث في بيان علوم الحديث ص 8-9 .
3- قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث ص 52 . وانظر بعض هذه الأقوال المنسوبة لأبي حنيفة في الميزان الكبرى للشعراني ص 58.
4- جامع بيان العلم وفضله 1/139 .
5- انظر تعريف الحديث الفرد والغريز في تدريب الراوي 1/249/، 2/181.
6- الكفاية في علم الرواية ص 31.
7- انظر شرح مسند أبي حنيفة ص ب من المقدمة والسنة ومكانتها في التشريع ص422 – 423، وأصول الفقه الإسلامي للزحيلي 1/470.
8- قواعد التحديث ص 91 . وانظر شرح سنن ابن ماجه 1/50 للسيوطي وغيره . والسنن الكبرى للبيهقي 1/210.
9- انظر تدريب الراوي 1/70 .
10- انظر قول ابن حزم في ملخص إبطال الرأي والقياس والاستحسان ص68. وقواعد في علم الحديث ص 95-96 ، وقواعد التحديث للقاسمي ص 118 ، وضفر الأماني ص 116.
11- إحكام الإحكام في أصول الأحكام 7/54.
12- مجموع الفتاوي لابن تيمية 20/304-305.(1/42)
وبالنسبة لحديث وضو النبي صلى الله عليه وسلم بالنبيذ في السفر ليلة الجنّ رواه عنه عبدالله بن عباس كما في سنن ابن ماجه 1/136-137 رقم 385 وفيه عبدالله بن لهيعة ، ضعفه قوم ووثقه آخرون وحسّن حديثه قوم ثالث وارجّع كونه صدوقاً حسن الحديث .
ورواه عنه أيضاً عبدالله بن مسعود كما في سنن الترمذي 1/147 رقم 88 وضعّفه لأن فيه أبا زيد وهو مجهول عند أهل الحديث لا يعرف ، وكما في سنن ابن ماجه 1/135رقم 384.
وأما أحاديث إبطال القهقهة والضحك في الصلاة كلاً من الوضوء والصلاة فقد أخرجها الدارقطني في سننه 1/161-175 مرسلة عن أبي العالية والحسن البصري وقتادة بن دعامة وإبراهم النخعي ، ومسنده من حديث أنس بن مالك وأبي هريرة وعمران بن حصين وجابر بن عبدالله ورجل لم يسّم من الأنصار ومعبد ومعاذ ، ولكنه صوّب المرسل على المسند . كما أخرجها البيهقي في السنن الكبرى 1/226-228 مرسلة فقط عن أبي العالية والحسن البصري وإبراهيم النخعي والزهري .
وقد نصّ الدارقطني على ضعف جميع الأحاديث المسندة المتصلة من جهات بعض رواتها وصنيع البيهقي يدّل على تضعيفه للأحاديث المسندة إذ لم يخرّج أي حديث منها بل اقتصر على المراسيل والموقوفات عن الصحابة في ذلك .
13- إعلام الموقعين عن رب العالمين 1/77 ، وانظر قواعد في علوم الحديث ص 99-100.
14- ظفر الأماني ص 122 . وانظر كلام الشعراني في نقله ذلك عن الأئمة الأربعة في كتابة الميزان الكبرى ص 58-63.
15- انظر إعلام الموقعين 4/120 . وانظر هذا القول في قواعد في علوم الحديث ص 10-131.
16- تاريخ التشريع الإسلامي ص 244. وانظر هذا القول في تاريخ ابن معين – رواية الدوري 4/63، وتهذيب الكمال للمزي 29/443.
17- الحديث والمحدثون ص286.
18- انظر فتح المغيث شرح ألفية الحديث للسخاوي 1/129.
19- الكفاية في علم الراوية ص384.
20- انظر علوم الحديث لابن الصلاح ص50-75 . واختصار علوم الحديث ص48.(1/43)
21- فتح المغيث في شرح ألفية الحديث ص65.
22- التقريب والتيسير في معرفة سنن البشير النذير ص35.
23- إرشاد طلاب الحقائق ص81.
24- فتح المغيث شرح ألفية الحديث 1/139.
25- تدريب الراوي 1/198.
26- ظفر الأماني ص 209.
27- قواعد في علوم الحديث ص 139 . ونحوه مذكور في قواعد التحديث للقاسمي ص134. وشرح نخبة الفكر للقاري ص111-112. وفتح الباقي 1/147-148.
28- فتح المغيث للسخاوي 1/164.
29- توضيح الأفكار في معاني تنقيح الأنظار 2/21.
30- الجامع لأدب الراوي وأخلاق السامع 2/159.
31- انظر فتح المغيث للسخاوي 1/293.
32- محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح ص225.
33- انظر المرجع السابق 1/311،322.
34- شرح نخبة الفكر ص154،155.
35- قواعد في علوم الحديث ص 204.
36- الكفاية في علم الرواية ص126.
37- فتح المغيث للسخاوي 1/329.
38- توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار 2/234.
39- ظفر الأماني ص289.
40- فتح المغيث شرح ألفية الحديث 3/351.
41- انظر الطبقات السنية 1/97 نقلاً عن كتاب أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة ص102.
42- فتح المغيث للسخاوي 2/15.
43- الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ص122.
44- المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ص420.
45- انظر محاسن الاصطلاح للبلقيني ص248.
46- الكفاية للخطيب ص268.
47- المرج السابق ص279.
48- تدريب الراوي 2/13.
49- الكفاية للخطيب ص276.
50- علوم الحديث (المقدمة) لابن الصلاح ص168.
51- التقريب والتيسير للنووي ص55.
52- إرشاد طلاب الحقائق للنووي ص123.
53- اختصار علوم الحديث ص110.
54- محاسن الاصطلاح ص249.
55- فتح المغيث للعراقي ص186.
56- فتح المغيث للسخاوي 2/31 ، وانظر رواية السليماني عن الحسن بن زياد في توضيح الأفكار للصنعاني 2/304.
57- تدريب الراوي 2/15.
58- قفو الأثر في صفو علوم الأثر ص 109.
59- فتح الباقي 2/31-32.
60- شرح نخبة الفكر ص213.
61- المحدث الفاصل ص425-426.(1/44)
62- الكفاية في علم الرواية ص268.
63- الإلماع للقاضي عياض ص73.
64- الكفاية للخطيب ص279.
65- المرجع السابق ص303.
66- المرجع السابق ص307-308.
67- جامع بيان العلم وفضله 2/175.
68- فتح المغيث للعراقي ص188،190 . وانظر الحاكم في معرفة علوم الحديث ص259.
69- محاسن الاصطلاح ص251.
70- فتح المغيث للسخاوي 2/34.
71- تدريب الراوي 2/16.
72- فتح الباقي 2/34.
73- توضيح الأفكار 2/305.
74- ظفر الأماني ص 301-302.
75- قواعد التحديث ص208.
76- الإلماع للقاضي عياض ص 103،105.
77- جامع بيان العلم وفضله 2/175.
78- فتح المغيث للسخاوي 2/34.
79- المرجع السابق 2/39.
80- تدريب الراوي 2/20 . ونحوه في فتح المغيث للسخاوي 2/41.
81- التقييد والإيضاح للعراقي ص193.
82- تدريب الراوي 2/30، ونحوه في فتح المغيث للسخاوي 2/68.
83- قفو ا لأثر ص109-110.
84- معرفة علوم الحديث ص259-260 . عنه ابن الصلاح في مقدمته ص 148، وابن كثير في اختصار علوم الحديث ص 123، والعراقي في فتح المغيث ص217 وغيرهم .
85- التقييد والإيضاح ص192-193. وقد ذكر قول العراقي الحافظ السيوطي في كتابه تدريب الراوي 2/48.
86- التقريب والتيسير في معرفة سنن البشير النذير ص62. وانظر قوله أيضاً في إرشاد طلاق الحقائق ص 134-135 . وبنحوه قال السيوطي في تدريب الراوي 2/47.
87- فتح المغيث للسخاوي 2/117. وبنحوه قال زكريا الأنصاري في فتح الباقي 2/91-92.
88- ظفر الأماني ص308.
89- محاسن الاصطلاح ص 264.
90- الكفاية في علم الرواية ص 231.
91- مقدمة ابن الصلاح ص222.
92- المرجع السابق ص 225. وهذا القول موجود في فتح المغيث للعراقي ص256. ونحوه في التقريب والتيسير ص73. وإرشاد طلاب الحقائق ص 155.
93- التقريب والتيسير للنووي ص72. وانظر إرشاد طلاب الحقائق له ص153.
94- اختصار علوم الحديث ص 140.
95- محاسن الاصطلاح ص102.(1/45)
96- فتح المغيث للسخاوي 2/228-229. وقول ابن معين تقدم تخريجه في هامش (90) .
97- فتح المغيث للسخاوي 2/231.
98- تدريب الراوي 2/97.
99- فتح الباقي 2/162.
100- المرجع السابق .
101- قواعد في علوم الحديث ص 220.
102- توضيح الأفكار للصنعاني 2/390-391. ووجدت معنى قول العراقي في فتح المغيث ص256.
103- التقريب والتيسير ص74.
104- إرشاد طلاب الحقائق ص156.
105- تدريب الراوي 2/99. وفتح المغيث للسخاوي 2/246.
106- ظفر الأماني ص 291.
107- قواعد التحديث للقاسمي ص222.
108- التقييد والإيضاح ص292.
109- شرح نخبة الفكر للقاري ص180.
110- منهاج السنّة لابن تيمية 7/286-288.
111- اختصار علوم الحديث ص183.
112- أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة ص546. وانظر قول ابن عبدالبر في الانتقاء ص63.
113- شرح العقيدة الطحاوية ص570.
114- أصول الدين عند أبي حنيفة ص547.
115- شرح العقيدة الطحاوية ص57.
116- منهاج السنة 8/197،225.
117- إرشاد طلاب الحقائق ص198.
118- فتح المغيث 3/137.
119- تدريب الراوي 2/228.
120- تاريخ بغداد 13/334.
121- أصول الدين عند أبي حنيفة ص553.
122- قواعد في علوم الحديث ص297،299.(1/46)