مقدمة
(المنهج العقائدى عند الاشعرى)
الحمد لله المتصف بمحاسن الأسماء والصفات، العالي على جميع المخلوقات الذي شهدت له بالربوبية جميع الكائنات. وأقرت له بالألوهية كل المصنوعات وأشهد أن لا اله الا الله وحد لا شريك له في الأرض والسموات. ولا مثيل له في الأسماء والصفات ليس كمثله شىء وهو السميع البصير.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، والصلاة والسلام على ذلك الرسول العظيم، الاتي بتوحيد الذات والأفعال، والصفات وعلى اله وأصحابه أولي الهداية والدراية والدرجات.
لا أظن أن أحدا يخالف في أن عقيدة أولئك الرجال كانت هي العقيدة الصافية صفاء ماء البحيرة جال سكون الرياح القوية قوة الجبال الرواسي المتينة متانة العروة الوثقى. وقد عير الله بأصحاب تلك العقيدة مسار التاريخ الانساني، فهل نلام اذ عدنا الى العقيدة والى منابعها، تلك المنابع التي نهد منها الأبرار الأخيار من سلفنا الصالح.
وشخصية أبي الحسن الأشعري تمثل تلك العقيدة الصافية فهو أي أبي الحسن من الشخصيات الاسلامية التي امتازت بنفاذ الذهن، وبعد الغور ووفرة المحفوظ، وعرف بالزهد والعفة. فكان له اتباع غير محصور العدد من أدنى الشرق الى أقصى المغرب. فكان علينا وبعد مرور هذا الزمن احياء هذا التراث الجلل ونشره بين هذا الجيل وفاء لعلمائنا واعترافا بفضلهم واحتراما لجهودهم وهذا هو دافعي في عرض هذا البحث.
فهذا البحث فقد كان مهما بالنسبة الي لأنه:
اولا: أتاح لي أن أتعرف على أقوال عدة فرق في مسائل العقيدة وأتعرف على أدلتهم.
ثانيا: أن أوازن بين الآراء.
ثالثا: أن أتعرف على علماء أهل السنة، وخدمتهم وحرسهم على هذا الدين.
رابعا: أن أدرس عن كثب واحدا من أهم شخصيات علم الكلام السني وهو الامام أبي الحسن الأشعري خصوصا وأننا نحن المغاربة- نتبنى مذهبه العقدي.
خامسا: أن أتوصل الى الجواب على عدة أسئلة كانت تراودني.(1/1)
والخطة التي تتبعتها في هذا البحث تضمنت ثلاثة فصول:
الفصل الأول: شخصية الامام أبي الحسن الأشعري
المبحث الأول: بيئته الفكرية
المبحث الثاني: حياته
الفصل الثاني: فكره وعقيدته
المبحث الأول: الأطوار الفكرية للأمام ابي الحسن الأشعري
المبحث الثاني: عقيدة الامام ابي الحسن الأشعري
الفصل الثالث: المنهج العقدي عند الامام أبي الحسن الأشعري
المبحث الأول: موقفه من العقل والنقل أو من علم الكلام ووجوب النظر
المبحث الثاني: منهجه في اثبات وجود الله
المبحث الثالث: منهجه في الصفات
المبحث الرابع: منهجه فيما يتعلق بالايمان باليوم الآخر
المبحث الخامس: منهجه فيما يتعلق بالايمان بالقدر
المبحث السادس: الايمان عند الأشعري
المبحث السابع: في الامامة
خاتمة تضمنت استنتاجات
الفصل الأول:
المبحث الأول
البيئة الفكرية للامام أبي الحسن الأشعري
ان سلامة المنهج تقتضي منا قبل الحديث عن أي شخصية أو أي فكر أن تتحدث عن البئة التي انتجت لنا تلك الشخصية أو ذلك الفكر.
وشخصية الأشعري أو فكره جاء كنتيجة للصراع الذي عرفته الامة بين المعتزلة والحنابلة، لذا وجب علينا أن نتحدث عن ثلاث نقط:
1- المعتزلة
2- المعتزلة في صراعها مع الحنابلة وأهل الحديث
3- عصر الأشعري والاحداث التي طرأت على المستوى الفكري
1- المعتزلة
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ظهرت عدة فرق تختلف في آرائها وفي أفكارها الا أن أبرزها كانت المعتزلة.
والمعتزلة فرقة فكرية بدأ نشاطها في مطلع القرن الثاني الهجري حينما ظهرت واصل بن عطا بآرائه التي تفرد بها عن أساتذته الفقهاء وأسس مدرسة الاعتزال التي كانت تضم مجموعة من المفكرين الذين كانت غايتهم في بداية أمرهم الدفاع عن العقيدة الاسلامية ضد الغزو الفكري الذي تسرب اليها من ديانات الشعوب التي فتحها المسلمون، فالملاحظ على الأصول الخمسة التي بنى عليها المعتزلة عقيدتهم كانت اما ردودا على بعض الديانات أو تأثرا من بعضها:(1/2)
وفيما يلي نورد تلك الأصول:
الأصل الأول: التوحيد: يعنون به أن الله تعالى واحد لا يشاركه غيره فيما يستحق من الصفات نفيا واثباتا على الحد الذي يستحقه والاقرار به.
ويتلخص مفهوم التوحيد عندهم، كما يرويه الامام أبو الحسن الأشعري فيما يلي: (( أجمعت المعتزلة على أن الله واحد ليس كمثله شيىء وهو السميع البصير
- وليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة ولا لحم ولا دم... ولا يتحكر ولا يسكن
- ... وليس بدي أبعاض وأجزاء وجوارح أعضلء ولا يحيط به مكان ولا يجري عليه زمان... ولا تدركه الحواس – ولا يقاس بالناس ولا يشبه الخلق بوجه من الوجوه... وكل ما خطر بالبال وتصور بالوهم فغير مشبه به لم يزل سابقا متقدما للمحدثات موجودا قبل المخلوقات... عالم قادر حي لا كالعلماء القادرين الأحياء وأنه القديم وحده ولا قديم غيره... لم يخلق الخلق على مثال سابق... – ولا يجوز عليه الفناء ولا يلحقه العجز والنقص )) (1)
وقد جاء أصلهم هذا ردا على التصور اليهودي لله الذي سرى اثره الى بعض المشبهة والمجسمة في الاسلام عن طريق الاسرائيليات.
الأصل الثاني: العدل: ومعناه أن العبد قادر خالق لافعاله، خيرها وشرها مستحق على ما يفعله ثوابا وعقابا في الآخرة والله تعالى منزه عن أن يضاف اليه شر وظلم وفعل هو كفر ومعصية لانه لو خلق الظلم لكان ظالما، كما لو خلق العدل كان عادلا، وأن الحكيم لا يفعل الا الصلاح والخير، ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد أما الاصلح واللطف فقد اختلفوا في وجوبه وسموا هذا النمط عدلا (2).
وهذا الأصل جاء كنتيجة للاشكال الذي طرحته الزرادشتية في مسألة الشر ومصيره ويتلخص هذا الاشكال في الشر هل ينسب الى الله أم الى ابليس؟ وكيف رضي الله ببقاء ابليس ليضل الناس ويغريهم؟ فقدم المعتزلة هذا الأصل كحل اسلامي!...(3).(1/3)
ويعتبر هذين الاصلين أهم الأصول المقررة عند المعتزلة وليست الأصول المتبقية الا ناتجة عن هذين الأصلين، ومن ثم ندرك حرص النعتزلة تسمية أنفسهم (( أهل العدل والتوحيد ))
1- مقالات الاسلاميين ج 1 ص: 123
2- نشأة الأشعرية
3- الخوارج
الأصل الثالث: الوعد والوعيد: وهذا الأصل مستمد من مفهوم العدل عند المعتزلة، وذلك أن الله لم يخلق شيئا الا لحكمة لان الفعل الالهي منزه عن العبث.
ويتلخص هذا الأصل في تقريرهم أن المؤمن اذا فعل الطاعة والثوبة استحق الثواب والعوض، واذا ارتكب كبيرة مات من غير توبة استحق الخلود في النار، لكن عقابه يكون أخف من عقاب الكفار وهم الذين أشركوا بالله.
الأصل الرابع: المنزلة بين المنزلتين: ويتلخص موقفهم في هذه المسألة في أن مرتكب الكبيرة فاسق وأنه في منزلة بين الايمان والكفر وأصلهم هذا مستمد من تصورهم للايمان اذ يجب عندهم اقتران الايمان بالعمل، وحيث أن مرتكب الكبيرة ليس مؤمنا بهذا الاعتبار- لانه مقترف للكبيرة التي لا تقترن مع الايمان أبدا- وحيث انه لا يمكن عده بكبيرته كافرا- لانه نطق بالشهادة ويقر بصدقها- فان منزلته تكون بين منزلة الايمان والكفر. وموقفهم هذا يمثل حلا وسطا بين الموجئة الذي يقولون بايمان مرتكب الكبيرة والخوارج الذين يقضوه بكفر.
الأصل الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهو الناحية العلمية في الدين، بدونه يصبح الدين أمرا نظريا، وما دام الايمان قول وفعل عند المعتزلة وجب الحفاظ على هذا الزواج المقدس بين القول والفعل، والابقاء عليه، وليس المر بالمعروف والنهي عن المنكر الا وسيلة لتحقيق تلك العلاقة الازدواجية.(1)
والمعتزلة في بدايتهم لم يكونوا مبتعدين عن أهل السنة بل كانوا يحاولون الاستدلال على عقائدهم بواسطة العقل بعد تقريرهم بما جاء في القرآن والسنة.(1/4)
غير أن طبيعة نشأتهم التي كانت تمثل الصراع بين الفكر الاسلامي والفكر الدخيل الذي يعتمد على العقل كأساس للمعرفة ولا يؤمن بالوحي كانت تفرض عليهم أن ينازلوا خصمهم بنفس سلاحهم، فأسرفوا في أخذهم بالعقل، وشرعوا في تأويل جميع النصوص القرآنية التي تتعارض والأصول التي بنوا عليها عقيدتهم، كما لجاؤا الى اقصاء جميع الاحاديث التي تخالف آرائهم ولم يقبلوا منها سوى المتواثر الذي تعرض كذلك للتأويل.
وفي المقابل ظل أهل الحديث والسنة مبتعدين عن الخوض في مسائل العقيدة، وانحصر كلامهم فيها في أجوبتهم على الأسئلة التي كانت ترد عليهم، كما كان مصدرهم الوحيد في ذلك النقل دون العقل، فما أثبته النقل ثابت وما نفاه فهم منفي، ويمثل منهجهم
(1) المعتزلة ومشكلة الحرية- بتصرف-
هذا الامام مالك قولته المشهورة عندما سئل عن كيفية استواء الله عز وجل(( الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة ))
كما كان هؤلاء يذمون الخوض في علم الكلام ومسائل العقيدة، يمثل موقفهم هذا مجموعة من أقوالهم سأقتصر على بعضها.
الامام مالك: لا تجوز شهادة أهل البدع والاهواء
الامام الشافعي: تناظرو في شيىء ان أخطأتم يقال لكم أخطأتم... ولا تناظروا في شيىء ان أخطأتم يقال لكم كفرتم.
الامام أحمد بن حنبل: لا يفلح صاحب الكلام أبدا ولا تكاد ترى أحدا نظر في الكلام الا في قلبه دغل.
أبو يوسف: من طلب العلم بالكلام تزدندق.
ولكن رغم أقوالهم تلك فلم يجدوا بدا من الدخول مع أهل البدع والاهواء لما خافوا على العقيدة ومن تشويهها في نفوس المسلمين، فبدأوا يردون عليهم اقوالهم ويؤلفون في ذلك الكتب.(1)
(2)المعتزلة في صراعهم مع الحنابلة(1/5)
ظلت المعتزلة نشيطة تؤلف الكتب وتناظر وتنشر آرائها منذ القرن الثاني الهجري، ولم تكن تملك أي نفوذ سياسي، حتى عصر المأمون الذي احتضن الاعتزال وتبناه، كما احتل المعتزلة مناصب كبيرة في الدول فكان منهم الوزراء والقضاة، فأصبحوا اصحاب حول وطول في الدولة العباسية، فاستغلوا هذا الظرف لصالحهم لينشروا مبادئهم وشاعت عنهم فكرة خلق القرآن وتكفير من لم يقلها. وألحوا على تسمية القرآن بالمخلوق لانهم يرون أن الله وحده القديم وكل ما عداه فهم محدث ومخلوق وأنكر المحدثون أن يسموه القديم واستشنعوا أن يسموه المخلوق.
أما المعتزلة فرأوا بحكم الاصول التي بنوا عليها عقيدتهم خاصة المر بالمعروف والنهي عن المنكر أن المطالبة بهذه العقيدة فرض محتم، ولا يصح العدول عنه، ولا يسع الحكومة التي تدين بالاسلام- وتحمي عقيدة التوحيد، أن تتساهل في تنفيذ هذه العقيد
(1) انظر العقائد السلفية ص 120 –بتصرف-
واخذ الناس عليها...
فحملوا المأمون على حمل الناس على الاعتقاد بخلق القرآن وجعلها عقيدة رسمية للدولة، فتعرض كل مخالف لقولهم لشتى أنواع التعذيب والتنكيل، حتى لم يبق مفت الا ويقول بخلق القرآن الا أن أضحت محنة الامام احمد بن حنبل، زمن المعتصم الذي أخذ سياسية اخيه، والحنابلة زمن الواثق- الذي زاد على ذلك أن حمل الناس على القول بانكار رؤية الله عز وجل.
3- عصر الأشعري والأحداث التي طرأت على المستوى الفكري
بعد وفاة المعتصم والواثق تولى الخلافة المتوكل واعلن رفع المحنة عن الحنابلة، كما أدال المعتزلة واقصاهم من المناصب الحكومية الخطيرة التي كانوا يشغلونها كما أن ما طرأ من أحداث أورث الناس نقمة على الاعتزال والمعتزلة خاصة وأنهم لم يكونوا يفهمون المعتزلة بسبب تشدقهم العقلي.(1/6)
فبعد المتوكل فقدت المعتزلة نفوذها السياسي كما فقدت سيطرتها على عامة الناس الا أنها استطاعت أن تعيد بعد الثقة لنفسها وللاعتزال في الوسط العلمي بواسطة رجال جهابذة تميزوا بحدة الذكاء وقوة القريحة جلبت اعجاب الكثير من الشباب المثقف، الذكي وأصبح المقرر عندهم أن المعتزلة يتصفون بدقة النظر واتساع الفكر، وأن آراءهم وما وصلوا اليه من نتائج أقرب الى العقل.
وبالعكس من ذلك لم تظهر في الحنابلة شخصية قوية بعد الامام أحمد بن حنبل تستطيع أن تجادل المعتزلة بالأساليب الجديدة التي نشرها المعتزلة، فكان من نتيجة ذلك ظهور المعتزلة على الحنابلة والمحدثين في مجالس البحث والمناظرة، وبدأ الناس يشعرون أن المدافعين عن السنة وممثليها متخلفون عن ركب العلم السائر ويجهلون مبادىء الفلسفة، وأصبحوا مأخوذين ببلاغة المعتزلة وسرعة استحضارهم، وتدقيقهم في المسائل الكلامية وتعمقهم فيها، وأصبح كثير من الشباب المثقف يستخفون بظاهر الشريعة، ويعتقدون أن مسلك السلف وما ذهبوا اليه من عقائد لا يقوم على البحث العلمي والاساس العقلي...
وقد كان هذا الوضع خطيرا على مركز الدين والسنة في نفوس المسلمين، وقد صار هؤلاء المتفلسفون يعبثون بتفسير القرآن وعقائد الاسلام، تتحكم فيها أهواؤهم وعقولهم، ووجد في الاوساط العلمية اتجاه عنيف نحو تقديس العقل وتحكيمه في المسائل التي لا تقوم الا على التعليمات النبوة والايمان بالغيب. وقد عجز عن مقاومة هذا التيار العنيف ورده المحدثون المتصلبون والحنابلة المتحمسون والفقهاء البارعون، فلم يكن لديهم السلاح القوي الذي يقوم في وجه هذا التيار العقلي ويرده على أعقابه.
كما أن فقدان المعتزلة سلطتها السياسية ومصداقيتها عند عامة الناس كان مساعدا لانتشار ونشاط فرق أخرى أخذت بالنص والظاهر الى حد التشبيه كالكرامية والمشبهة والمجسمة.(1/7)
ما يمكن قوله من خلال هذا العرض: أن الفترة التي عاشها الأشعري كانت تعرف صراعا حادا بين عقيدتين متنافرتين عقيدة تنزه الله الى حد التعطيل وعقيدة تثبت لله تعالى كل ما هو واجب له الى حد التشبه.
كما عرفت صراعا قويا وحادا بين النصصيين والعقليين فكانت الأمة بحاجة الى من يعيد للعقليين رشدهم والى الصواب بنفس أساليبهم ومناهجهم ولا أدل على ذلك وجود ثلاث رجال في نفس الفترة حاولوا التوسط بن الفريقين وجمع الناس على عقيدة أهل السنة والجماعة وهم:- أبو جعفر الطحاوي في مصر – أبو منصور الماتردي في بلاد ما وراء النهر – والأشعري ابو الحسن في العراق.
الا أن المذهب الشعري هو الذي كتب له النشاط الواسع بحكم موقعه وأتباعه العظماء وعدة اعتبارات أخرى تعود الى شخصيته فمن هو الامام أبي الحسن الاشعرى وما هو مذهبه في العقيدة وآراءه؟
المبحث الثاني:
لمحة عن حياة أبي الحسن الأشعري
1- اسمه وكنيته ولقبه .
هو أبو الحسن على بن اسماعيل بن أبي بشر اسحاق بن سالم، بن اسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة، بن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابي موسى عبد الله بن قيس بن حضار الاشعري اليماني البصري.
ويكنى: الأشعري لانه من ولد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي موسى الأشعري. وقد لقب الأشعري بعد مماته بناصر الدين، جاء في كتاب ابن عساكر ((... ونودي على جنازة ناصر الدين )) (1)
2- موطنه ومولده
تجمع المصادر المترجمة للأشعري على أن مولده كان بالبصرة، وأنه نشأ بها وظل بها فترة طويلة من حياته ثم غادرها وسكن بغداد الى أن توفي بها ولهذا يقولون عنه: بصري سكن بغداد. (2)
? مصادر ترجمته:
1- طبقات الشافعية الاسنوي 1 ص:72 دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع تحقيق عبد الله حبور
2- الفهرست لابن النديم ص: 257 تحقيق رضا تحدد
3- سير اعلام النبلاء للذهبي ص:85 ج نشر مؤسسة الرسالة
4- الخطط المقريزية ج111 ص:307(1/8)
5- تاريخ بغداد ج11 ص:346
6- وفيات الاعيان لابن خلكان ج11 ص446
7- شذرات الذهب ج2 ص:303 منشورات دار الآفاق الحديثة، تحقيق لجنة احياء التراث العربي
8- البداية والنهاية لابن كثير ج11 ص187
9- تبيين كذب المفتري فيما نسب الى الامام ابي الحسن الأشعري ابن عساكر نشر دار الكتاب العربي 1979
10- المنتظم لابن الجوزي ج6 ص:332 مطبعة دار المعارف العثمانية
1- تبيين كذب النفتري ص:147
2- تبيين كذب المفتري ص:35
ولا تذكر المصادر متى غادر الأشعري البصرة الى بغداد الا تصريحها أن ذلك كان بعد تحوله عن الاعتزال. يرجع عبد الرحمن البدوي أن ذلك كان بعد وفاة الجبائي سنة ثلاثة وثلتمائة للهجرة.(1)
أما عن سنة مولده فقد اختلفت المصادر في تحديدها: يقول الذهبي: مولده سنة ستين ومائتين وقيل بل سنة سبعين))
وذهب ابن خلكان الا أنه ولد سنةسبعين ومائتين (2) بينما اكثر المصادر (3) المترجمة للأشعري ذهبت الى أن ذلك كان سنة ستين ومائتين، يقول ابن عساكر بعدما ذكر زمن ولادته رواية عن أبي بكر الوزان، ولد ابن أبي بشر سنة ستين ومائتين – ولا أعلم لقائل هذا القول في تاريخ مولده مخالفا.(4)
وهناك قول ثالث قاله المقريزي تن ذلك كان سنة ست وستين ومائتين.
3- وفاة أبيه وزواج أمه:
أبوه هو اسماعيل بن اسحاق وكان سنيا جماعيا حديثيا أوصى عند وفاته الى زكريا يحيى الساجي رحمه الله..
وبعد وفاة أبيه تزوجت أمه أبا علي الجبائي.
هذا كل ما تذكر المصادر عن أبيه وزواج امه أبا علي الجبائي غاضة الطرف عن تاريخ هذين الحديثين الهامين في حياة الأشعري.
4- شيوخه وتلاميذه واتباعه:
أ- شيوخه:(1/9)
لم أقف على أي مصدر يحكي عن فترة نشأته الاولى وبداية اخذه للعلم وشيوخه في المرحلة الاولى الا ما تحكيه انه نشأ على الاعتزال رابطة زواج أمه بولائه للاعتزال ولكن ماذا عن الفترة التي تسبق زواج أمه فهذا لا تذكر عنه المصادر أي شيء مما الجأني إلى البحث فى المراجع لعلنى أجد شيئاً لم أقف عليه.
1- مذاهب الاسلاميين للدكتور محمد عبد الرحمن بدوي ج1 ص:491 نشر دار القلم للملايين
2- وفيات للاعيان ج11 ص:146
3- كالبغدادي وابن عساكر ابن الجوزي
4- تبيين كذب المفتري ص:146
وفي هذا الصدد، يقول الاستاذ محمد أبو زهرة: درس في نشأته علوم الاسلام الاولى حفظ القرآن وطائفة من الاحاديث، ومقدارا من الاحكام الفقهية يتعرف منها أوامر دينه وكان من الممكن أن يسلك مسلك الفقهاء والمحدثين وكان علم هؤلاء علم رواية وتفريع الاحكام وتخريجها على أصولها من الكتاب أو السنة أو القياس الفقهي.. وكان في نفسته نزوع الى الدراسات العقلية في ظل المبادىء الاسلامية ولم يجد هذا الا عند المعتزلة..(1)
وقد ذهب محمد السيد الجليند الى أن نبوغ الأشعري كان على يد الفقهاء والمحدثين قبل زواج الجبائي بأمه فبعدما ذكر خبر وفاة أبيه ووصيته بابنه الى الساجي قال: فاذا كان المر كذلك قلنا يمكن أن نتوقع نبوغ الأشعري على يد الفقهاء والمحدثين قبل زواج الجبائي بأمه.(2)
هذا عن بداية أخذه العلم، أما بعد هذه الفترة فالأشعري تتلمذ على يد جهابذة كبار كانوا أئمة في زمانهم، عرفوا بالعلم والفضل ومن بين الشيوخ الذين أخذ عنهم الأشعري هناك:
1- أبو علي الجبائي(3):
وهو محمد بن عبد الوهاب بن سلام المتوفى سنة ثلاث وثلثمائة، وكان شيخا للمعتزلة في عصره في البصرة، وكان صاحب تصنيف وقلم الا أنه لم يكن قويا في المناظرة.. وأبو علي الجبائي كان شيخا للأشعري أخذ عنه علم الجدل والنظر والكلام وله معه مناظرات في الثلاثة الاخوة وغيرها دونها الناس.(1/10)
1- مجلة العربي العدد64 عنوان المقال: أبو الحسن الأشعري لمحمد أبو زهرة الواقع في الصفحة 25 وهذا الكلام منقول من الصفحة 26 .
2- رسالة اهل الثغر لأبي الحسن الأشعري – تحقيق محمد السيد الجليند ص:7
3- سير اعلام النبلاء ج15 ص: 86 + شدرات الذهب ج11 ص:241
2- أبو اسحاق المروزي(1):
وهو الامام الكبير أبو اسحاق ابراهيم بن أحمد المروزي، المتوفى اربعين وثلتمائة شيخ الشافعية وفقيه بغداد صاحب أبي العباس بن سريج واكبر تلامذته، اشتغل ببغداد دهرا وصنف التصانيف وشرح مذهب الشافعي ولخصه، وانتهت اليه رئاسة المذهب.
ويروي البغدادي عن الأشعري أنه كان يجلس أيام الجمعات في حلقة أبي اسحاق المروزي الفقيه من جامع البصرة.(2)
كما ينقل عبد الرحمن بدوي عن السبكي قوله: ذكر غير واحد من الاثبات أن الشيخ أبا الحسن الأشعري كان يأخذ مذهب الشافعي عن أبي اسحاق المروزي، وأبو اسحاق المروزي يأخذ عنه علم الكلام لذلك كان يجلس في حلقته)) (3)
3- ابن سريج (4):
وهو الامام شيخ الاسلام فقيه العراقيين أبو العباس أحمد بن عمر سريج البغدادي، القاضي الشافعي صاحب المصنفات المتوفى سنة ست وثلتمائة للهجرة.. قال عنه الشيخ أبو اسحاق كان ابن سريج يفضل على جميع اصحاب الشافعي حتى على المزني.
4 - أبو خليفة الجمحي:
وهو أبو خليفة بن الفصل بن الحبحاب عمرو بن محمد بن شعيب الجمحي البصري الاعمى، وهو الامام المحدث الاديب الاخباري شيخ الوقت.. وعني بهذا الشأن وهو مراهق.. ولقى الاعلام وكتب علما جما، وكان صادقا مأمونا اديبا فصيحا مفوها رحل اليه من الآفاق حدث عنه أبو عوانة في صحيحه وأبو حاتم بن حبان وأبو بكر الاسماعيلي وخلق كثي توفي سنة خمس وتلثمائة.(1/11)
يقول ابن عساكر: وأمام علم الحديث فقد سمع منه قدر ما تدعوه الحاجه اليه وحصل منه ما يسع الاعتماد في الاستدلال عليه وقد روى في التفسير حديثا كثيرا عن سهل بن نوح البصري.. وأبي خليفة الجمحي وأبي يحيي الساجي..1 ))
1- سير اعلام النبلاء ج14 ص:197 + شدرات الذهب ج11 ص:250
2- تاريخ بغداد ج: ص: + تبيين كذب المفتري ص:35
3- مذاهب الاسلاميين ص:1429
4- سير اعلام النبلاء ج: 14 ص:201 + شذرات الذهب ج2 ص:247
5- زكريا الساجي (2):
وهو الامام الثبت الحافظ محدث البصرة وشيخها ومفتيها أبو يحيى زكريا بن يحيى عبد الرحمن البصري وكان من أئمة الحديث.. وعنه أخذ أبو الحسن الأشعري مقالة السلف في الصفات واعتمد عليها أبو الحسن في عدة تآليف.
استنتاج: يتبين من هذا ان الأشعري أخذ في البصرة علم الكلام على طريقة الاعتزال وعلم الحديث كما أخذ الفقه الشافعي فيها أما في بغداد فقد درس الفقه الشافعي مما يدل على أنه كان معتزليا شافعيا في البصرة.
ب- تلاميذه:
ذكرهم ابن عساكر (3) غي كتابه وبين فضلهم وساذكرهم ان شاء الله على ترتيبه.
وهؤلاء هم اصحابه الذين اخذوا عنه ومن ادركه ممن قال بقوله:
1- أبو عبد بن مجاهد البصري المتكلم صاحب أبي الحسن الأشعري وهو من أهل البصرة سكن ببغداد.
2- أبو الحسن الباهلي تلميذ الشيخ أبي الحسن الشعري.
3- أبو الحسين بندار بن الحسين الشيرازي الصوفي خادم ابي الحسن رحمهما الله ( ت353 )
4- أبو محمد الطبري المعروف بالعراقي ( ت359 )، يناظر على مذهب الشافعي في الفقه وعلى مذهب الأشعري في الكلام.
5- أبو بكر القفال الشاشي: سمع بخراسان وبالعراق ( ت355 )
6- أبو سهل الصعلوكي النيسابوري: رحل الى العراق وقت الشيخ أبي الحسن ودرس عليه.(4)
1- تبيين كذب المفتري ص:400 + سير علام النبلاء ج15 ص:86
2- سير أعلام النبلاء ج17 ص:197 + شذرات الذهب ج11 ص: 250
3- التبيين من ص: 177-207
4- التبيين ص:183(1/12)
7- أبو زيد المروزي ذكر ابن فورك أنه ممن استفاد من أبي الحسن الأشعري.. خرج الى العراق (1)
8- أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي ( ت371 )
9- أبو بكر الجرحاني: ( ت371 ).
10_ أبو الحسن عبد العزيز بن محمد بن اسحاق الطبري كان من اعيان اصحاب أبي الحسن وممن تخرج به(2)
11- أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري: صحب أبا الحسن رحمه الله بالبصرة مدة وأخذ عنه وتخرج به وتخرج به واقتبس منه (3).
12- أبو جعفر السلمي البغدادي النقاش: كان أحد المتكلمين على مذهب الأشعري ومنه تعلم ( ت379 ). (4)
13- أبو عبد الله الاصبهاني المعروف بالشافعي سمع بالعراق وهو متكلم على مذهب أهل السنة ينتقل مذهب أبي أبي الحسن الأشعري ( ت381 ).(5)
14- أبو محمد القرشي الزهري المتكلم الأشعري ( ت382 )
15- أبو بكر البخاري المعروف بالاودني الفيه ( ت385 )
16- أبو منصور بن حمشاء النيسابوري ( ت388 )
17- أبو الحسين بن سمعون البغدادي المذكر ( ت387 )
18- أبو عبد الرحمن الشروطي الجرحاني ( ت389 )
19- أبو علي الفقيه السرخسي رحمه الله ( ت389 )
ج- اتباعه:
لقد رزق الأشعري من الاتباع علماء أجلاء عرفوا بشرف المنزلة وبالتقوى، واعترف لهم بالعلم منهم الامام أبو بكر بن الطيب الباقلاني المالكي، وأبو بكر محمد بن الحسن بن فورك والشيخ أبو اسحاق ابراهيم بن محمد بن مهران الاسفراييني وأبو اسحاق الشرازي وأبو حامد الغزالي والشهر ستاني والامام فخر الدين الرازي وغيرهم ممن يطول ذكره،
1- التبيين ص:188
2- التبيين ص:195
3- التبيين ص:195
4- التبيين ص: 196 + 177
5- التبيين ص:197(1/13)
ونصروا مذهبه وناظروا عليه، وجادلوا فيه، واستدلوا له في مصنفات لا تكاد تحصر فانتشر مذهب أبي الحسن الأشعري في العراق من نحو سنة ثمانين وثلثمائة وانتقل منه الى الشام، فلما ملك الناصر صلاح الدين الأيوبي مصر كان هو وقاضيه صدر الدين على هذا المذهب قد نشأ عليه منذ كانا في خدمة السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي الذي حرص على أن يحفظ أولاده منظومة تتضمن آراء الأشعري كما حرص على أن تصبح عقيدة الأشعري عقيدة رسمية... واتفق مع ذلك توجه أبي عبد الله محمد بن تومرت أحد رجالات المغرب الى العراق وأخذ عن أبي حامد الغزالي، فلما رجع أخذ عنه المغاربة المذهب الأشعري.
وهكذا أصبح للأشعري أتباع في كل نواحي العالم الأسلامي من الشرق الى أقصى المغرب.
كما انتسب الى مذهبهم المذاهب الفقهية، من شافعية اذ كان هو شافعيا ومالكية بواسطة القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني، كما تبنى مذهبه الحنابلة اذ كانوا يعولون على حججه وادلته للرد على أهل البدع.
6- مؤلفاته:
يحكى أن الأشعري كان قويا في المناظرة والجدل غير انه لم يكن كذلك في التصنيف يقول أبو محمد الحسن بن محمد العسكري:(( وكان صاحب نظر في المجالس وذا اقدام على الخصوم ولم يكن من أهل التصنيف وكان اذا أخذ القلم يكتب ربما ينقطع وربما يأتي بكلام غير مرضي...))(1)
والواقع أن الأشعري خلف لنا مؤلفات كثيرة أوصلها بعضهم الى اكثر من مائتين وثلاثمائة مصنف وفي ذلك ما يدل على سعة علمه وينبىء الجاهل به عن غزارة فهمه.(2)
على أي ربما كان ذلك – رداءة تصنيفه – في أوليته كما قال ابن عساكر.
ومصنفات الأشعري كثيرة سألحق ان شاء الله أساميها بهذا البحث لكي لا أطيل وحسبي أن أذكر الموضوعات التي تناولتها.
1- التبيين ص: 90
2- التبيين ص:132(1/14)
لقد وضع الأشعري نفسه موقع تصد لكل الآراء التي تخالف السنة وجاءت تصانيفه توفي لهذا الغرض، فقد ألف الأشعري كتبا ردا على المعتزلة وهذه الردود أخذت اتجاهين:
الأول: نقوضا على بعض كبار المعتزلة كالجبائي والبلخي والاسكافي والعلاف
الثاني: نقدا لآراء المعتزلة في خلق الافعال والصفات وفي الاستطاعة وفي القدرة والتولد ورؤية الله والأسماء والاحكام وفي الجسم، هذا الى جانب تفسيره الذي يرد فيه على تأويلات الجبائي والبلخي لبعض الآيات.
كما ألف الجبائي في الرد على الفلاسفة وقولهم بقدم العالم وما ورد في كتاب ارسطوا أو ابرقلس، ثم رد على الطبائعيين والدهريين والبراهمة والمجوس واليهود والنصارى من أصحاب الديانات، ثم رد على الشيعة في انكار النص واثبات امامة أبي بكر.
كما كتب الأشعري كتبا بين فيها مجمل عقائد الفلاسفة والاسلاميين وأهل السنة بموضوعية اضافة الى كتب في علوم الشريعة كالقياس والاجتهاد وخبر الواحد..
على أن المعروف من كتبه وأظنها هي التي وصلت اليها أو على الأقل هي التي عنيت بالطبع والنشر والدراسة خمسة:
1- الأبانة عن أصول الديانة: حققتها الدكتورة فوقية
2- مقالات الاسلاميين: عني بتحقيقه محمد محيي الدين عبد الحميد
3- اللمع في الرد على أهل الزيع والبدع
4- رسالة في استحسان الخوض في علم الكلام
5- أصول أهل السنة والجماعة المسمات برسالة أهل الثعر حققها د. محمد السيد الجليد.
6- عبادته وزهده:
الاشتغال بالعلم لم يكن مانعا قط من الاجتهاد في العبادة والحرص على الطاعات.
لعلها الميزة التي يمتاز بها العلماء الاقدمون، والأشعري مما يروى عنه أنه كان كثير التعبد حتى قيل: أنه ظل قريبا من عشرين سنة يصلي الصبح بوضوء العتمة ولا يحكى عن اجتهاده شيئا الى أحد (1) وفي دلالة هذا دلالة على اخلاصه لله. كما يروي عن مناقبه
1- تبيين كذب المفتري ص: 141(1/15)
الامام أحمد بن علي الفقيه ويقول: خدمت أبا الحسن بالبصرة سنين وعاشرته ببغداد الى أن توفي رحمه الله فلم أجد أروع منه ولا أغض طرفا ولم أر شيخا أكثر حياء منه في أمور الدنيا ولا أنشط منه في أمور الآخرة.(1)
ويروي ابن النديم أنه كان فيه دعابة ومزح كبير.(2)
وقال عنه ابن خلكان: وكان يأكل من غلة ضيعة وقفها جده بلال بن أبي بردة بن أبي موسى على عقبه وكانت نفقته في كل يوم سبعة عشر درهما هكذا قاله الخطيب.(3)
7- منزلته العلمية وأقوال العلماء فيه:
ان تتلمذ الأشعري على المعتزلة، واشتغاله بالكلام يدافع عنه، اكسبه ملكة قوية في المناظرة والبحث والاستدلال وقريحة في المناظرة والمعارضة جعلته يفوق اقرانه ومعاصريه.
وقد استغل مواهبه تلك لما رجع عن الاعتزال في رده عليم ومناظرته لهم يقول تلميذه أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي: دخلت البصرة، وكنت أطلب أنا الحسن الأشعري فارشدت اليه ولذا هو في بعض مجالس النظر، فدخلت فاذا * جماعة من المعتزلة فكانوا يتكلمون، فاذا سكتوا وأنهوا كلامهم، قال أبو الحسن الأشعري لواحد واحد قلت كذا وكذا والجواب عنه كذا وكذا الى أن يجيب الكل، فما قام خرجت في اثره، فجعلت أقلب طرفي فيه، فقال: ايش تنظر؟ فقلت: كم لسانا لك؟ وكم أذنا لك؟ وكم عينا لك؟ فضحك وقال لي: من أين أنت؟ قلت: من شيراز، وكنت أصحبه بعد ذلك.(4)
وقد كان الأشعري اماما في علم الكلام وأحد مؤسسيه يشهد بذلك أقوال العلماء فيه:
? البغدادي في تاريخه: (5) أبو الحسن الشعري المتكلم صاحب التصانيف في الرد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة والرافضة والجهمية والخوارج وسائر اصناف المبتدعة
? الذهبي في سير اعلام النبلاء(6) العلامة امام المتكلمين أبو الحسن.. وكان عجبا في
1- تبيين كذب المفتري ص: 141
2- الفهرست ص: 203
3- وفيات الاعيان ج1 ص:412
4- تبيين كذب المفتري ص: 94-95
5- ج11 ص:346
6- ص: ج15 ص:85(1/16)
الذكاء قوة الفهم ولما برع في معرفة الاعتزال كرهه وتبرأ منه وصعد للناس فتاب الى الله تعالى منه ثم أخذ يرد على المعتزلة ويهتك عواورهم )).
? ابن العماد الحنبلي في شذارات الذهب: (1) ومما بيض به وجوه أهل السنة النبوية وسود به رايات أهل الاعتزال والجهمية فا بان به وجه الحق الابلج ولصدور أهل الايمان والعرفان اثلج مناطرته مع شيخه الجبائي التي بها قصم ظهر كل مبتدع مرائي.
? الباقلاني: (2) أفضل أحوالي أن أفهم كلام الأشعري.
? أبو الحسن الباهلي: (3) كنت انا في جنب الشيخ الأشعري كقطرة جنب البحر
? الذهبي: (4).. اخرج الله عز وجل من نسل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه اماما قام بنصرة دين الله وجاهد بلسانه وبيانه من صد عن سبيل الله وزاد في التبيين لأهل اليقين أن ما جاء به الكتاب والسنة وما كان عليه سلف هذه المة مستقيم على العقول الصحيحة والآراء.. ابن تيمية في مجموع الفتاوي.. الأشعري كان من أجل المتكلمين المنتسبين الى الامام أحمد رحمه الله (5) بن خلدون في مقدمته: .. الشيخ أبو الحسن الأشعري امام المكتلمين.(6)
7- وفاته (7):
اختلفت المصادر المترجمة للأشعري في تحديد سنة وفاته، يجمل لنا ابن عساكر أقوالهم بقوله: وكانت وفاته سنة أربع وعشرين وثلثمائة للهجرة ببغداد وقيل سنة نيف وثلاثين وثلتمائة وقيل سنة ثلاثين والاصح أنه مات سنة أربع وعشرين وثلتمائة وكذلك قال أبن فورك.
ودفن في مشرعة الزوايا في تربة الى جانبها مسجد وبالقرب منها حمام وهو عن يسار المار من السوق الى دجلة.
1- ص: ج2 ص: 307
2- تبيين كذب المفتري ص: 126
3- تبيين كذب المفتري ص:125
4- تبيين كذب المفتري ص:104
5- مجموع الفتاوي لابن تيمية ج3 ص:277 جمع وترتيل عبد الرحمن بن محمد بن قاسم بمساعدة ابنه نشر المكتب التعليمي السعودي
6- مقدمة ابن خلدون دار القلم الطبعة الرابعة 1981 ص:464
7- تبيين كذب المفتري ص:56
الفصل الثاني: فكره وعقيدته(1/17)
المبحث الأول: الأطوار الفكرية في حياة الامام عبد الحسن الأشعري
_ المرحلة الأولى: مرحلة الاعتزال
? الطور الأول : الأعتزال
? تحول الأشعرى
? المرحلة الثانية: مابعد الأعتزال
? الطور الثاني: الكلام على طريقة ابن كلاب
? الطور الثالث: الرجوع التام الى مذهب السلف
? كتابيه اللمع والابانة
_ المبحث الثاني: عقيدته في طوره الثالث
المبحث الأول:
الأطوار الفكرية في حياة الامام عبد الحسن الأشعري
لا شك أن الانسان يتأثر بالبيئة المحيطة به، اذ هي التي تتولى تكوينه ثم توجيهه فكريا وعقديا، وأول من يتأثر بهم الانسان هم أبواه وأسرته فلا يكاد ينفك من اعتناق أي فكر أو رأي أو عقيدة تتبناها أسرته والى هذا يشير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.(1)
وبعد ذلك يخرج الانسان عن محيطه الصغير يحمل فكرا وعقيدة الى محيط أكبر الذي لا شك انه يحمل عدة ترسبات فكرية وعقدية مما يخلق نوعا من التصادم والصراع بين فكره وفكر محيطه فيتحمس لفكره في فترة أولية ثم بعد ذلك يحاول أن يوازن ويعدل ليمكنه التعايش مع مجتمعه الكبير.
فكيف تأثر الأشعري بيئته الصغرى؟ وكيف تطور فكر الأشعري؟
نقرر أولا أن الأشعري معتزلا ثم تحول ومن هنا يمكن ان نتكلم عن طورين فكريين في حياة الأشعري، ولهذا سيكون موضوعا في هذا الفصل يشمل النقاط التالية:
الأشعري: مرحلة الاعتزال ثم تحول الأشعري وبعد ذلك أسباب هذا التحول. ثم المرحلة الثانية بعد الاعتزال.
_ المرحلة الأولى: الأشعري الاعتزال
* الطور الأول: الأشعري المعتزلي
المتصفح لحياة الأشعري يجد ان بيئته الصغرى قد توالى عليها نمطان من التفكير:
النمط الأول يعني بالعلوم النقلية والثاني بالعلوم العقلية
1- النمط الأول: يتمثل في أبيه اسماعيل بن أبي بشر الذي كان سنيا حديثا، ومما لا ريب فيه، أن أباه مات وهو لا زال صغيرا، ولهذا يمكن أن نقول لم يكن لأبيه أي(1/18)
1- أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب ما قيل في أولاد المشركين رقم الحديث: 139 ص:208
تأثير على فكره، ولكنا نجد رواية تقول أن اسماعيل بن أبي بشر أوصى بابنه عند وفاته الى زكريا بن يحيي الساجي، وبهذا يمكن أن نقول ان الأشعري قد أخذ علوم الاسلام الأولى من قرآن وحديث وفقه من علماء محدثين، وفقهاء شافعيين وتعبد على مذاهبهم، فيكون بذلك قد درس العلوم النقلية في فترة نشأته الأولى.
2- النمط الثاني: يتمثل في زوج أمه أبي علي الجبائي الذي كان اماما من أئمة الاعتزال الذي يقوم على المبادىء العقلية، كما أن الساحة العلمية كانت تسيطر عليها المعتزلة الشىء الذي حول توجيه الأشعري الفكري من العلوم النقلية الى العلوم العقلية.
الفترة التي قضاها في الاعتزال:
تروي المصادر المترجمة للأشعري أنه نِشأ على الاعتزال وظل عليها أربعين سنة يدافع عليه وينوب عن أستاذه أبي علي الجبائي حتى ظن أنه سيخلف زوج أمه.
وقد حاولت المصادر بذلك أن تربط بين زواج أمه وولادته – اذ ولد سنة ستين ومائتين وخرج على الاعتزال سنة ثلاث مائة – بل هناك من ذهب الى أنه كان يتعبد على المذهب الحنفي لأن الجبائي كان حنفيا ولا شك أن هذا القول مردود اذ نجد أكثر شيخوخة بل كلهم شافعية اللهم الا شيخه الجبائي الذي كان اماما في الاعتزال والعلوم العقلية بينما الآخرون كانوا أئمة في الفقه والحديث والعلوم النقلية.
كما أن هذا الرقم مبالغ فيه كان يظن الباحثون والمحققون ومما يرده رواية ابن عساكر الذي يقول فيها الأشعري عندما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه بترك الاعتزال: كيف أدع مذهبا تصورت مسائله وعرفت أدلته منذ ثلاثين سنة(1)
على أي فلا يمكن تحديد الفترة التي قضاها في الاعتزال لأننا لا نعرف متى تم زواج أمه ومتى توفي أبوه وحتى لا نقع في أخطاء نقول انه ظل على الاعتزال دهرا من الدهر ليس بالقصير.
1- تبيين كذب المفتري ص:41
* تحول الأشعري(1/19)
تحكي المصادر عن ثلاثة أحداث في تحول الأشعري:
1- مناظراته مع الجبائي
2- رؤيا رآها في منامه
3- اعتكاف الأشعري في بيته ثم اعلانه التحول
1- مناظراته مع الجبائي:
تدور أشهر مناظراته مع الجبائي حول وجوب الصلاح والأصلح على الله وأسماء الله هل هي توقيفية؟
أ- وجوب الصلاح والأصلح على الله
قال أبوالحسن سائلا استاذه الجبائي:
أيها الشيخ: ما تقول في ثلاثة مؤمن وكافر وصبي؟
فقال الجبائي: المؤمن من أهل الدرجات والكافر من أهل الهلكات والصبي من أهل النجاة.
فقال أبو الحسن الأشعري: فان أراد الصبي أن يرقى الى أهل الدرجات هل يمكن؟
قال الجبائي: لا فانه يقال له: ان المؤمن انما نال هذه الدرجة بالطاعة وليس لك مثلها.
قال الأشعري: فان قال: التقصير ليس مني، فلو احييتني كنت عملت الطاعات كعمل المؤمن.
قال الجبائي: تقول له الله: أعلم انك لو كنت بقيت لعصيت ولعوقبت فراعيت مصلحتك وأمتك قبل أن تنتهي الى سن التكليف.
قال الأشعري: فلو قال الكافر يا رب علمت حاله كما علمت حالي، فهلا راعيت مصلحتي مثله.
قال الجبائي: انك مجنون. فرد الأشعري: بل وقف حمار الشيخ في العقبة (1)
1- وفيات الاعيان ج111 ص: 398
هذه المناظرة تحدد لنا المسار الذي سيسير عليه الأشعري في آرائه، ذلك أن العقل الانساني قاصر على الاحاطة بالحكمة في أفعال الله، وأن الفعل الالهي لا يخضع لتقييم العقل البشري، وموازينه، ومن ثم فان هذا المبدأ العام يحدد معلما هاما من معالم الفكر الأشعري، فذهب الى:
1- امكانية تكليف ما لا يطاق فذلك جائز على الله.
2- جواز تعذيب الأطفال المشركين يوم القيامة فذلك من عدل الله (1).
وهنا يختلف مفهوم العدل عند المعتزلة عنه عند الأشعري، اذ كان العدل عند المعتزل مبدأ رئيسيا في الفعل الالهي وأصلا يحكم المشيئة، بينما هو مبدأ تابع للمشيئة لدى الأشعري.
ب- أسماء الله هل هي توفيقية:(1/20)
يروى أن رجلا دخل على الجبائي فقال له: هل يجوز أن يسمى الله عاقلا.
فقال الجبائي: لا لأن العقل مشتقا من العقال وهو المانع والمنع في حق الله محال فامتنع الاطلاق.
قال أبو الحسن: فقلت له: فعلى قياسك لا يسمى الله سبحانه حكيما لان هذا الاسم مشتق من حكمة اللجام وهي الحديدة المانعة للدابة عن الخروج، فاذا كان اللفظ مشتقا من المنع على الله محال لزمك أن تمنع اطلاق اسم حكيم عليه سبحانه وتعالى.
فقال له الجبائي: فلم منعت أنت أن يسمى الله سبحانه وتعالى عاقلا وأجزت أن يسمى حكيما؟
فقال له الأشعري: لأن طريقي في أخذ اسماء الله الاذن الشرعي دون القياس اللغوي، فأطلقت حكيما ومنعت عاقلا لأن الشرع منعه ولو أطلقه لأطلقته (2)
من هذا يمكن أن نقول أن الأشعري اتخذ موقفا من الأسماء يتمثل في أنها توقيفية ولا مجال للعقل في تحديدها.
1- في علم الكلام 11 ص: 54 دراسة فلسفية المعتزلة الاشاعرة، الشيعة للدكتور أحمد محمود صبحي نشر وتوزيع دار النهضة العربية الطبعة الخامسة 1405 ه 1985م
2- في علم الكلام ص56 ج11
2- حكاية الرؤيا:
في مقدمة الأسباب التي ذكر ابن عساكر في تحول الأشعري يذكر رواية عن أحمد بن الحسين المتكلم قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: ان الشيخ أبا الحسن رحمه الله لما تبحر في كلام الاعتزال كان يورد الاسئلة على استاذيه في الدرس ولا يجد فيها جوابا شافي تحير في ذلك فحكي عنه أنه قال: وقع في صدري في بعض الليالي شيء مما كنت فيه من العقائد فقمت وصليت ركعتين وسألت الله تعالى أن يهديني الطريق المستقيم ونمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فشكوت اليه بعض ما بي من المر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. عليك بسنتي وعارضت مسائل الكلام بما وجدت في القرآن والأخبار، فأثبته ونبذت ما سواه ورائي ظهريا (1).(1/21)
وقد روى ابن عساكر حكاية الرؤيا بطرق مختلفة وجاء فيها أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات في رمضان يأمره بنصرة المذاهب المروية عنه وانه الحق وأنه رآه في المرة الثالثة ليلة القدر يسأله: ما صنع فيما أمره فرد عليه أنه قد ترك الكلام ولزم كتاب الله وسنة رسوله فاستنكر ذلك منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا أمرتك بترك الكلام؟ انما أمرتك بنصرة المذاهب المروية عني فانها الحق، فقلت: يا رسول الله، كيف أدع مذهبا تصورت مسائله وعرفت أدلته منذ ثلاثين سنة لرؤيا؟ فقال لي: لولا أني أعلم أن الله يمدك بمدد من عنده لما قمت عنك حتى أبيت لك وجوهها، وكأنه تعد اتياني اليك هنا رؤيا أو رؤياي جبريل كانت رؤيا؟ انك لا تراني في هذا المعنى بعدها فجد فيه فان الله سيمدك بمدد من عنده (2).
ويبدو أن أحمد أمين لم يقتنع بهذا كما ذهب الأستاذ جلال محمد عبد الحميد الى أن هذه الروايات هي من تلفيق ابن عساكر وأتباع الأشعري. كما يرى الكوثري أن لا يؤخذ على كتاب ابن عساكر سوى اكثاره من ذكر رؤيا الصالحين غي الموضوعات العلمية (3). كما تلك عدد من الباحثين والمحققين في هذه المسألة خصوصا وأنها أتت من اتباع الأشعري الذي يهمهم أن يضفوا على المذهب الأشعري قداسة دينية وأنه المذهب المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، اذ رؤيته حق ولكن لا يمكن ان تستبعد هذا أو نرفضه على
1- تبيين كذب المفتري ص:39
2- تبيين كذب المفتري ص:40-41
3- مقدمة كتاب التبيين بقلم الكوثري ص:21
أساس أن المسلم اذا تحبر أو شك في أمر يستخبر الله ويتلمس الهداية من الله وقد تأتيه تلك الهداية في المنام.
على أي يمكن أن نلتمس من قصة الرؤيا حسب رأي أحمد محمود صبحي أنها كانت هداية من الله وأن المذهب الأشعري وأقواله هي من توفيق الله عز وجل كما تقدمه على أساس أنه الدين الحق وكل ما خالفه فهو كفر كما أنها تشجع علم الكلام والخوض فيه (1).(1/22)
3- اعتكافه في بيته واعلانه الخروج على الاعتزال:
يروي ابن عساكر رواية جاء فيها، أن الأشعري تغيب عن الناس في بيته خمسة عشر يوما وبعد ذلك خرج الى الجامع فصعد المنبر وقال: معاشر الناس اني انما تغيبت عنكم في هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي حق على باطل ولا باطل على حق فاستهديت الله تبارك وتعالى فهداني الى اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه وانخلعت من جميع ما كنت اعتقده كما انخلعت من ثوبي هذا وانخلع من ثوب كان عليه ورمى به ودفع الكتب الى الناس فمنهما اللمع وكتاب أظهر فيه عوار المعتزلة سماه بكتاب كشف الأسرار وشك الأسرار وغيرهما (2)
كما يروي ابن النديم أن الأشعري يدخل المسجد الجامع بالبصرة في يوم الجمعة ورفي كرسيا ونادى بأعلى صوته من عرفني فقد غرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن وأن الله لا يرى بالأبصار وأن أفعال الشر أنا أفعلها وأنا تائب مقلع معتقد للرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم ومعايبهم (3).
اذن كان هذا أول اعلانه عن خروجه عن الاعتزال وكان مفاجىء على ما يبدو الا أنه سبقته حيرة وشك كانا يعتملان في نفس الأشعر لا يتجليان في رواية الرؤيا حين كان يورد الأسئلة على شيخه ولا يجد جوابا شافيا.
وقد وعد الباحثون (4) أن هذه الأسباب غير مقنعة وغير موضوعية مما جعلهم يبحثون عن أسباب حقيقية لتحول الأشعري فالى ماذا توصلوا؟ هذا ما سنحاول أن نبينه في النقطة التالية:
1- تبيين كذب المفتري ص:39
2- الفهرست لابن النديم ص:257
3- أحمد امين في ظهر الاسلام ص:66 + أحمد محمود صبحي في علم الكلام + جلال محمد عبد الحميد موسى
4- في علم الكلام دراسة فلسفية لأهم الفرق الكلامية
4- أسباب تحول الأشعري:(1/23)
لقد ذهب الباحثون والمحققون الى أن انتماء الأشعري لمذهب الشافعي واشتمال مذهب الشافعي على بعض نقاط لا تتفق ورأي المعتزلة ربما كان ذلك سببا مهد للأشعري دراسة مذهب أهل السنة دراسة واعية لا تعصب فيها ولا انحياز (1).
وذهب الى هذا الرأي الدكتور أحمد محمود صبحي اذ أنه لا بد أن يتسق الموقف الكلامي مع المذهب الفقهي لذلك ندر أن يكون بين المعتزلة مالكي أو شافعي وربما استحال أن يكون بينهم حنبلي فالأغلبية الساحقة احناف أصحاب الرأي والقياس. ويقول: على أن التحول المذهبي انما يرجع الى عاملين متناقضين يتصارعان في النفس ولا يمكن لهما أن يتعايشا معا: لقد ظل الأشعري على مذهب الاعتزال أربعين سنة أو على الأصح الى سنة الأربعين فضلا عن أن أباه كان من رجال الحديث. لقد تفقه على يد أبي اسحاق المروزي، وروى الحديث عن تلميذ والده زكريا الساجي، ولقد كان الاتجاهان متنافران سواء بين الاعتزال وشافعية المذهب أو بين المعتزلة ورجال الحديث فلقد ذم الشافعي علم الكلام وكان يعني بذلك المعتزلة، وقد هاجمهم في بعض كتبه ولم يقبل شهادتهم ومن ثم فقد كان من المتعذر أن يظل معتزليا... لقد ترجحت لديه آراء الشافعي الكلامية على تعاليم الاعتزال ولا شك أن مكانة الشافعي الدينية تفوق مكانة أي شيخ من شيوخ المعتزلة (2).
وقد ذهب الى أبعد من هذا الدكتور هاشم معروف الحسني، وجعل مسألة تنافر المذهب المعتزلي والمذهب الشافعي وعدم اتفاقها تدفعه ليقول أنه ليس من المستبعد أن يكون الأشعري بدأ دراسة الاعتزال واتصل بشيوخ معتزلة حتى المرحلة الأخيرة لم يكن يؤمن بنظرياتهم ولا بمناهجهم التي سلكوها في مقام البحث والاستدلال وانما اتصل بهم وتعمق في دراسة آرائهم ومناهجهم التي سلكوها في مقام البحث والاستدلال والمناظرة لعرض الرد عليها والانتصار للمحدثين الذين كانوا هدفا لنقمة المعتزلة واعوانهم (3).(1/24)
كما بورد الأستاذ أحمد محمود صبحي سبب آخر يفسر به تحول الأشعري حيث يقول: لا يمكن اغفال العصر فقد كانت تسود العصر حاجة فكرية ملحة الى الحلول الوسطى
1- كبرى الفرق الفكرية والسياسية في الاسلام ص:45
2- في علم الكلام ج11 ص:41-42
3- الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة، ص:122
والآراء المعتدلة وليس أدل على ذلك من ظهور ثلاثة معاصرين متفقين في نزعة التوسط بين العقل والنقل متقاربين في أرائهم الكلامية، أبو الحسن الأشعري في العراق وأبو جعفر الطحاوي في مصر وأبو منصور الماتريدي في بلاد ما وراء النهر (1).
_ المرحلة الثانية: ما بعد التحول
لقد تميزت هذه المرحلة من حياة الأشعري بكثرة التصانيف التي تشمل ردودا على المعتزلة واهل البدع المخالفين للمذهب السني، والكتب الخمسة التي بين أيدينا كلها من مصنفات هذا الطور.
ويثبت المصنفون للأشعري طورين فكريين:
الأول الكلام على طريقة ابن كلاب
الثاني الرجوع التام الى مذهب أهل السنة.
فيكون بذلك:
الطور الثاني: هو الكلام على طريقة ابن كلاب
الطور الثالث: الرجوع التام الى مذهب أهل السنة
* الطور الثاني: الكلام على طريقة ابن كلاب
في هذا الطور أقبل الأشعري على كتب أهل السنة ثم كتب بعض المصنفات اثبت فيها كثيرا مما نفته الجهمية والمعتزلة وأول بعض الصفات متبعا ابن كلاب واتباعه كالقلانسي والمحاسبي، الذين كانوا قبل الأشعري من متكلمي أهل السنة.
وممن اثبت للأشعري هذا الطور نذكر الذهبي اذ يقول أن الأشعري لحق بالكلابية وسلك طريقهم كما ذهب الى هذا المقريزي بقوله بعد أن حكي خبر اعلانه الخروج على الاعتزال... وسلك بعض طريق أبي محمد عبد الله ابن سعيد بن كلاب القطاني وبني على قواعده (2)
1- في علم الكلام ج11 ص:55
2- الخطط ج111 ص:314
ويقول ابن تيمية: ... وكان أبو الحسن الأشعري لما رجع عن الاعتزال سلك طريق أبي محمد بن كلاب (1) ومال الى أهل السنة والحديث.(1/25)
ومن الأشياء التي وافق الأشعري عليها طريق ابن كلاب ونسج عليها قوانينه:
1- اثبات الصفات اللازمة التي تقوم بذاته تعالى كالعلم والقدرة والسمع والبصر.
2- يقول ابن تيمية: ولكن لما حدث أبو محمد بن كلاب وناظر المعتزلة بطريقة قياسية سلم لهم فيها أصولا هم واضعواها، من امتناع تكلمه تعالى بالحروف، وامتناع قيام الصفات الاختيارية بذاته، مما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال والكلام وغير ذلك لأن ذلك يستلزم أنه لم يخل من الحوادث، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث اضطره ذلك الى أن يقول ليس كلام الله الا مجرد المعنى وأن الحروف ليست من كلام الله وتابعه على ذلك أبو الحسن الأشعري (2)... فقال الأشعري أن كلام الله معنى قائم بذات الله هو الأمر بكل مأمور أمر الله به والخبر عن كل مخبر أخبر الله عنه ان عبر عنه بالعربية كان قرآنا وان عبر عنه بالعبرية كان توراة وان عبر عنه بالسريانية كان انجيلا (3).
ويبرر ابن تيمية موقف الأشعري في اتباعه طريق ابن كلاب يقول: ... لكن خبرته بالكلام خبرة مفصلة وخبرته بالسنة خبرة مجملة فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم التي التزموا لأجلها خلاف السنة واعتقد أنه يمكنه الجمع بين تلك الأصول وبين الانتصار للسنة في مسألة الرؤية والكلام والصفات الخبرية وغير ذلك (4).
3- وكنتيجة لهذا القول نورد قول ابن تيمية:
وهذا القول يوافق قول المعتزلة ونحوهم في اثبات خلق القرآن العربي وكذلك التوراة العبرية ويفارقه من وجهين أحدهما أن أولئك يقولون ان المخلوق كلام الله هؤلاء يقولون أنه ليس كلام الله لكن يسمى كلام الله مجازا.
4- ... أصل ابن كلاب ومن وافقه كأبي الحسن الأشعري أن الرب لا يقوم به ما يكون بمشيئته وقدرته ويعبرون عن هذا بانه لا تحله الحوادث (5).
1- مجموع الفتاوي لابن تيمية ج: 5 ص: 556. ج3 ص:103
2- مجموع الفتاوي ج12 ص:376
3- مجموع الفتاوي ج12 ص: 165
4- مجموع الفتاوي ج12 ص:204(1/26)
5- مجموع الفتاوي ج5 ص:410
* الطور الثالث: الرجوع التام الى مذهب السلف
لقد مكث الأشعري زمانا على طريقة ابن كلاب، يرد على المعتزلة وغيرهم وأكثر مؤلفاته كانت في ذلك الطور الى أن من الله عليه بالحق فنور بصيرته بالرجوع الى مذهب أهل السنة والسلف في اثبات كل ما ثبت بالنص من أمور الغيب.
وممن أثبت له هذا الطور نذكر:
الحافظ الذهبي: ... وقلت رأيت لأبي الحسن أربعة تواليف في الأصول يذكر فيها قواعد مذهب السلف في الصفات وقال فيها تمر كما جاءت ثم قال: وبذلك أقول وبه أدين ولا تؤول (1).
الامام ابن تيمية: ... وبينت لهم أن الأشعري كان من أجل المتكلمين المنتسبين الى الامام أحمد بن حنبل ونحوه، المنتصر لطريقته كما ذكر الأشعري ذلك في كتبه (2).
العلامة ابن القيم الجوزية: في كتابه: اجتماع الجيوش الاسلامية حيث جمع مؤلفه من كتائب المسلمين وجيوشهم من أهل السنة والجماعة بدءا من الصحابة الأجلاء حتى أهل اللغة وقف بهم ضد الباطل من أهل التعطيل والتجهم والتأويل (3) فذكر من بينهم قول الامام أبي الحسن الأشعري
الشيخ نعمان الألوسي: قال الوالد ان مذهب الأشعري عند كثير من المحققين والعلماء المنصفين هو مذهب الامام أحمد بن حنبل (4).
العلامة محب الدين الخطيب: المعروف من حياة أبي الحسن الأشعري أنه مرت به ثلاث أدوار:
الأول: أنه كان مع المعتزلة في البصرة
الثاني: يقظته لفساد مذهبهم لكنه دخل معهم في جدل طويل بأساليبهم واقيستهم وقد استمر على ذلك نحو من عشرين سنة، ألف فيها أكثر كتبه ومن هذا الجدل مع
1- سير اعلام النبلاء ج15 ص:86
2- مجموع الفتاوي ج3 ص227
3- مقدمة اجتماع الجيوش الاسلامية لابن القيم الجوزية ص:3 تحقيق أبو حفص سيد بن ابراهيم بن صادق بن عمران نشر دار الحديث
4- جلاء العينين ص:215(1/27)
المعتزلة ومن هذه الكتب نشأ المذهب المنسوب اليه، وهو الذي اضطر شيخ الاسلام وتلميذه ابن القيم الى ادحاضه والتنبيه على ما يخالف منه مذهب السلف.
أما الدور الثالث من حياة الأشعري: فهو الذي ختم الله به حياته بالحسنى، بعد انتقاله من البصرة الى بغداد واتصاله بأهل الحديث، وأتباع الامام أحمد بن حنبل، وفي هذه الحقبة ألف مقالات الاسلاميين) والابانة، ولا نشك ان الابانة من آخر مصنفاته ان لم تكن آخرها، كما نص عليه مترجموه، ففي هذين الكتابين، مذهبه الذي أراد أن يلقي الله عليه، والذي كان عليه في البصرة، وهو الذي اشتهر عنه ربقي مشوبا اليه وهو بريء منه كبراءته من الاعتزال الذي كان من رجاله في صدر حياته (1)
الدكتور محمد أمان بن علي الجامحي ... وعلم الرجال رجوع أبي الحسن الأشعري عن الاشتغال بعلم الكلام الى الانتصار الى مذهب السلف والدفاع عنه (2)
ابن العماد الحنبلي: بعد أن بسط عقيدى الأشعري قال: ولعمري ان هذا الاعتقاد هو ما ينبغي أن يعتقد ولا يخرج عن شيء منه الا من في قلبه غش ونكد وأنا أشهد الله على أني أعتقده جميعه وأسأل الله الثبات عليه (3)
* كتابيه اللمع والابانه
لقد ذهب بعض الباحثين الى أن طوره يمثله كتابه اللمع أما الطور الثالث فيمثله كتاب الابانه على اعتبار أن كتاب اللمع هو من بين الكتب التي القاها على الناس يوم اعلانه الخروج على الاعتزال. بينما ذهب فريق آخر الى أن كتابه الابانة أسبق من كتابه اللمع على اعتبارات يمكن أن نجملها فيما يلي:
1- أن الكتاب المسمى بالابانه نلتمس فيه خصومة قوية على المعتزلة وعرضا مشوها لأرائهم وأفكارهم من ذلك تكفيره اياهم لقولهم بخلف القرآن ومن ذلك أيضا اتهماه لهم بأنهم اثبتوا خالقين لقولهم بحرية الادارة وتشبيهه لهم بالمجوس.
1- معارج القبول شرح سلم الوصول الى علم الأصول في التوحيد للشيخ حافظ بن أحمد حكمي نشر دار الكتب العلمية. ص:282 تحت الهامش(1/28)
2- الصفات الالهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الاثبات والتنزيه للدكتور محمد أمان بن علي الجامعي نشر الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة الطبعة 1408. ص:157
3- شذرات الذهب ج2 ص:305
فطبيعة التحول الذهبي لا تعرف عادة الاعتدال وانما انتقال من تأييد الى عداوة وأشد ما تكون العداوة عقب التحول.
2- ان كتاب الابانه قد تكلم عن القرآن والرؤية والارادة والموضوعين الأولين كانا يشغلان الفكر الاسلامي في عصر الأشعري وهما من المسائل التي حاولت المعتزلة أن تنشرهما، أما كلامه عن الارادة فلأنها تعد المسألة الرئيسية التي بنى عليها الأشعري عقيدته في مسألة خلق الأفعال وهي ثالث قضية شغلت الفكر الاسلامي ولذلك كان الأشعري أول ما أعلن التحول أعلن خروجه عن القول بخلق القرآن ونفي رؤية الله وأن الانسان يخلق افعاله.
3- ان كتابه اللمع جاء تفصيلا لآرائه في الابانة، فتكلم عن خلق الله لفعاله والاستطاعة والتعديل والتحوير وصفات الله من علم وحياة وقدرة ارادة وعنى الايمان... الخ.
أما موقف هؤلاء العلماء من الرواية التي ذكرها ابن عساكر أن الابانة كان من الكتب التي القاها على الناس، فانهم أبوا تصديقها وقالوا أنه ليس من المعقول أن يغيب خمسة عشر يوما، يوازن ويعارض بين الآراء ويؤلف أكثر من كتابين يحملون مذهبا جديدا مخالفا لما كان عليه.
وعلى أي فأيا كان الابانة أو اللمع اللاحق والأسبق فتبقى من المصادر التي تعبر عن آراء الشعري ومذهبه العقدي ولا نرى تعارضا بين آرائه في كتابيه اللهم اختلافا في المنهج الذي سلكه ففي الابانة نراه يقدم عقيدة وبين الأصول التي اخذها منها ثم يبطل قول خصومه كما نجد في الأبانة العديد من النصوص القرآنية والحديثية وتغلب النص على الأدلة العقلية أما في اللمع فنرى فيه الأدلة العقلية هي التي تسرد أولا في المسألة ثم الأدلة النقلية.(1/29)
وفي رأيي أن طبيعة موضوعي الكتابين هما اللتين فرضتا على الأشعري سلوك الطريقين فالابانة موضوعه البحث وعرض أصول الدين فالنص أولا ثم العقل.
أما كتابة اللمع في الرد على أهل الزيع والبدع فموضوعه كما هو واضح الرد على المبتدعة والزائفين على الحق ردا فرض عليه أن يستخدم نفس المنهج ونفس السلاح فلما كانوا يقدمون الأدلة العقلية ويؤولون على مقتضاها الأدلة النقلية قدم الأدلة العقلية في
الاستدلال وبين أنها توافق الأدلة النقلية فالعقل الصريح يوافق النص الصريح.
كما أننا لا نجد في كتابه اللمع أنه موافق لابن كلاب في مسألة كلام الله أو قيام الأفعال الاختيارية بذاته... الخ، مما يجعلني أقول أنه من المحتمل أن يكون كتاب اللمع من مؤلفاته في الطور الثالث، ويبقى الشيء الأكيد هو ان الابانة هم من آخر مصنفاته ان لم يكن آخرها. وما جاء فيه هو الذي يتناسب مع طبية اعتقاده في الطور الثالث.
_ المبحث الثاني: عقيدته في طوره الثالث
ذكر الأشعري عقيدته مجملة في مقدمة كتابه الابانة نوردها كما نص عليها:
وجملة قولنا:
? أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاءوا به من عند الله.
? وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نرد من ذلك شيئا.
? وأن الله عز وجل اله واحد لا اله الا هو فرد صمد، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا.
? وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق
? وأن الجنة حق والنار حق
? وأن الساعة آتية لا ريب فيها
? وأن الله يبعث من في القبور
? وأن الله مستو على عرشه كما قال: (( الرحمن على العرش استوى ))
? وأن له يدين بلا كيف كما قال: (( خلقت بيدي )) وكما قال: (( بل يداه مبسوطتان )).
? وأن له عينين بلا كيف كما قال: (( تجري بأعيننا ))
? وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالا
? وأن لله علما كما قال: (( وأنزله بعلمه ))، وكما قال: (( وما تحمل من أنثى لا تضع الا بعلمه )).(1/30)
? ونثبت لله السمع والبصر ولا ننفي ذلك منا نفته المعتزلة والجهمية والخوارج.
? ونثبت أن لله قوة كما قال: (( أو لم يروا أن الله خلقهم هو أشد منهم قوة )).
? ونقول ان كلام الله غير مخلوق.
? وأنه لم يخلق شيئا الا وقد قال له ((كن)) كما قال: (( انما قولنا لشيء اذا أردناه أن نقول له كن فيكون )).
? وأنه لا يكون في الأرض شيىء من خير وشر الا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله عز وجل.
? وأن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يفعله، ولا يستغني عن الله ولا يقدر على الخروج عن علم الله عز وجل.
? وأن لا خالق الا الله
? وأن أعماله العبد مخلوقة لله مقدرة قال: (( خلقكم وما تعملون ))
? وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا وهم يخلقون كما قال: (( وهل من خالق غير الله ))، وكما قال: (( لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ))، وكما قال: (( أفمن يخلق كمن لا يخلق ))، وكما قال: (( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون )) وهذا في كتاب الله كثير.
? وان الله وفق المؤمنين لطاعته ولطف بهم ونظر اليهم وأصلحهم وهداهم، وأضل الكافرين ولم يهدهم ولم يلطف بهم بالآيات كما زعم اهل الزيغ والطغيان، ولو لطف بهم وأصلحهم لكانوا صالحين، ولو هداهم لكانوا مهتدين.
? وأن الله قادر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد ان يكونوا كافرين كما علم وخذلهم وطبع على قلوبهم.
? وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره، وأنا نؤمن بقضاء الله وقدره خيره وشره، حلوه ومره، ونعلم ان ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا.
? وأن العباد لا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا ولا بالله كما قال عز وجل: (( ونلجىء أمرنا الى الله ونثبت الحاجة والفقر في كل وقت اليه )).
? ونقول: ان كلام الله غير مخلوق وان من قال بخلق الله فهو كافر.(1/31)
? وندين بأنا لله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقول ان الكافرين محجوبون عنه اذا رآه المؤمنون في الجنة كما قال عز وجل: (( كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ))، وأن موسى عليه السلام سأل الله عز وجل الرؤية في الدنبا، وأن الله سبحانه تجلى للجبل فجعله دكا، فأعلم بذلك موسى أنه يراه في الدنيا.
? وندين بأن لا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه. كالزنا والسرقة وشرب الخمور- كما دانت بذلك الخوارج وزعمت أنهم كافرون. ونقول ان عمل غير كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا والسرقة وما أشبهها – مستحلا لها غر معتقد لتحريمها كان كافرا.
? ونقول ام الاسلام أوسع من الايمان، وليس كل اسلام ايمانا
? وندين لله عز وجل بأنه يقلب القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل، وأنه عز وجل يضع السماوات على اصبع والأرضين على اصبع كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
? وندين بأن لا ننزل أحد من اهل التوحيد والمتمسكين بالايمان جنة ولا نارا الا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، ونرجو الجنة للمذنبين، ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين.
? ونقول ان الله عز وجل يخرج قوما من النار، بعد أن امتحشوا بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقا لما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
? ونؤمن بعذاب القبر وبالحوض وأن الميزان حق، والصراط حق، والبعث بعد الموت حق، وأن الله عز وجل يوقف العباد في الموقف ويحاسب المؤمنين.
? وأن الايمان قول وعمل، يزيد وينقص.
? ونسلم بالروايات الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات عدل عن عدل حتى تنتهي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
? وندين بحب السلف الذين اختارهم الله لصحبة نبيه عليه السلام ونثني عليهم بما أثنى الله به عليهم ونتولاهم اجمعين.(1/32)
? ونقول: ان الامام الفاضل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أبو بكر الصديق ) رضوان الله عليه، وان الله أعز به الدين وأظهره على المرتدين، وقدمه المسلمون بالامامة كما كما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة، وسموه باجمعهم (( خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم )) ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأن الذين قاتلوه قاتلوه ظلما وعدوانا، ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهؤلاء الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافتهم خلافة النبوة.
? ونشهد بالجنة للعشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها.
? ونتولى سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ونكف عما شجر بينهم، وندين لله بأن الأئمة الأربعة خلفاء راشدون مهديون فضلاء، لا يوازيهم في الفضل غيرهم.
? ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل من النزول الى السماء الدنيا وأن الرب عز وجل يقول: (( هل من سائل... هل من مستغفر؟)) وسائر ما نقلوه واثبتوه خلافا لما قال أهل الزيع والتضليل.
? ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا، وسنة نبينا، واجماع المسلمين وما كان في معناه.
? ولا نبتدع في دين الله ما لم يأذن لنا، ولا نقول على الله ما لانعلم.
? ونقول: ان الله عز وجل يجيء يوم القيامة كما قال: (( وجاء ربك والملك صفا صفا ))، وان الله عز وجل يقرب من عباده كيف شلء كما قال: (( ونحن أقرباليه من حبل الوريد ))، وكما قال: (( ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى )).
? ومن دينن أن نصلي الجمعة والاعياد وسائر الصلوات والجماعات خلف كل بر وغيره كما روي عن عبد الله بن عمر كان يصلي خلف الحجاج.
? وأن المسح على الخفين سنة في الحضر والسفر خلافا لقول من انكر ذلك.
? ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والاقرار بأمامتهم، وتضليل من رأى الخروج اذا ظهر منهم ترك الاستقامة.
? وندين بانكار الخوج بالسيف وترك القتال في الفتنة.(1/33)
? ونقر بخوج الدجال كما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
? ونؤمن بعذاب القبر، ونكير ومنكر ومساءلتهما المدفونين بقبورهم.
? ونصدق بحديث المعراج.
? ونصح كثيرا من الرؤيا في المنام ونقؤ أن لذلك تفسيرا.
? ونرى الصدقة عن موتى المسلمين والدعاء لهم ونؤمن بأن الله ينفعهم بذلك.
? ونصدق بأن في الدنيا سحرة وسحرا وأن السحر كائن موجود في الدنيا.
? وندين بالصلاة على من مات من اهل القبلة برهم وفاجرهم وتوارثهم.
? ونقر أن الجنة والنار مخلوقتان.
? وأن من مات وقتل فبأجله مات وقتل.
? وأن الأرزاق من قبل الله عز وجل يرزقها عباده حلالا وحراما.
? وأن الشيطان يوسوس للانسان ويسلكه ويتخبطه، خلافا لقول المعتزلة والجهمية كما قال الله عز وجل: (( الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس )). وكما قال: (( من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس )).
? ونقول ان الصالحين يجوز ان يخصهم الله عز وجل بآيات يظهرها عليهم.
? وقولنا في أطفال المشركين ان الله يؤجج لهم في الآخرة نارا ثم يقول لهم: اقتحموها، كما جاءت بذلك الرواية.
? وندين لله عز وجل بأنه يعلم ما العباد عاملون والى ما هو صائرون، وما كان وما يكون ومالا يكون أو لو كان كيف كان يكون.
? وبطاعة الأئمة وبصحبة المسلمين.
? ونرى مقارقة كل داعية الى بدعة ومجانبة أهل الهوى.
الفصل الثالث: منهج العقدي عند الامام أبي الحسن الأشعري
المبحث الأول: موقفه من مسألة وجود النظر أو ( العقل والنقل )
المبحث الثاني: منهجه في اثبات وجود الله
المبحث الثالث: في الأسماء والصفات
*مقدمات
* الصفات الذاتية
- العقلية
- النقلية
* صفة الكلام
* الصفات الفعلية
- العقلية
- النقلية
- كلمة عن الأشاعرة في الصفات
المبحث الرابع: فيما يتعلق باليوم الآخر
المبحث الخامس: فيما يتعلق بالقضاء والقدر
المبحث السادس: في الايمان(1/34)
المبحث السابع: الامامة
الفصل الثالث: المنهج العقدي عند الامام أبي الحسن الأشعري
يمثل المنهج أحد الأركان الأساسية لقيام أي علم من العلوم، بل هو أهم هذه الأركان فالعلم منهج اكثر منه تطبيقا، وفي علم الكلام استندت مذاهب العلماء الى المنهج اذ المذهب ليس الا تطبيقا للمنهج، ولدا ارتأيت أن أقدم المذهب العقدي للأمام أبي الحسن الأشعري مصحوبا بمنهجه في اثباته.
ولقد اختلفت السبل وتعددت المناهج في الاستدلال على مسائل العقيدة اذ هي غيبيات يجب الايمان بها، فذهب أناس الى تقديم الجانب العقلي على الجانب السمعي ونخص بالذكر هنا المعتزلة، اذا اعتبروا العقل هو الأساس الذي يجب أن يكون منطلقا لاثبات مسائل العقيدة، وجعلوه أساسا لفهم النص فأولوا وعطلوا كل النصوص التي تختلف والأصول التي بنوا عليها عقيدتهم، فالصق بهم بذلك اسم المعطلة، وقد كانوا يلجؤون إلى تأويل جميع الصفات التي توهم التشبيه تنزيها لله تعالى عن مشابهة المخلوقين كما جعلوا العبد خالقا لأفعاله تحقيقا لمبدئهم الثانئ وهو العدل.
وفي المقابل طلت السمة الأساسية لأهل السنة والسلف الصالح أنهم يوافقون ويقرون بكل ما جاء به الكتاب والسنة جملة وتفصيلا مع التسليم الكامل والانقياد التام، لكا ما وصف الله تعالى به نفسه المقدسة أو وصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة الثابتة عنه.
وقد كان منهحهم في الصفات: أنهم يثبتون جميع الصفات الواردة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وإمرارها كما وردت في الكتاب والسنة يمثل منهجهم هذا رد الامام مالك عمن سأله عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.(1/35)
أما الميزة الثانية في الصفات فهي تنزيهه تعالى عن مشابهة المخلوقات في جميع صفاته فكما أن له ذاتا لا تشبه ذوات المخلوقين فكذلك صفاته، ثم اليأس وقطع الطمع في ادراك كيفية صفات الله تعالى.
ولقد كان الدافع للمعتزلة الى التأويل هو تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين فأدخلوا بذلك العقل في مجال المعرفة مما دفعهم الى التأويل وتعطيل كل الآيات الموهمة للتشبيه.
أما أهل السنة فقد ذهبوا الى أن العقل من الممكن أن يتوصل به إلى وجود الله ولكن ليس من الممكن التوصل به الى ادراك ذات الله وصفاته بل كان معتمدهم في ذلك السمع دون العقل.
من المعروف ان الأشعري تربى على أيدي المعتزلة وكان أحد أقطابهم ورجال العقل ولما تحول عن الاعتزال رجع الى مذهب السلف الصالح وأهل السنة. نتلمس ذلك في مقالته في الابانة، قولناالذي يقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله...))
فهل معنى هذا انه اسقط العقل من مجال المعرفة الكلية؟
سؤال يجعلنا نبحث عن موقفه من العقل والنقل:
المبحث الأول: موقفه من مسألة وجود النظر أو ( العقل والنقل )
يقول الأشعري في مقدمة كتابه الابانة: أما بعد فإن الزائغين عن الحق من المعتزلة وأهل القدر... مالت بهم أهواؤهم الى تقليد رؤسائهم، ومن مضى من اسلافهم، فتأولوا القرآن على آرائهم تأويلا لم ينزل الله به سلطانا، ولا أوضح به برهانا، ولا نقلوه عن رسول رب العالمين، ولا عن السلف المتقدمين (1)...))
وفي المقابل ذكر عقيدته بأنها هي عقيدة أهل الحق والسنة في باب ذلك عنوانه فقال: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا عليه السلام، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته،- قائلون، ولما خالف قوله مخالفون (2).(1/36)
من هنا يتبين أن الأشعري جاء لاحياء آراء الامام احمد بن حنبل اذ يعتبر منهاجه هو منهاجه وأنه يعتمد على الكتاب والسنة الصحيحة سواء كانت متواترة أو آحادا وأقوال الصحابة واجماع السلف أصولا لبناء العقيدة.
1- الابانه عن أصول الديانة للأشعري نشر دار الكتاب العربية طبعة 14102ه / 1990م ص:13
2- نفس المصدر ص:17
كما بين في موضع آخر أنه تابع لأهل الحديث وأهل السنة حيث قال بعد ذكر مقالتهم: وبكل ما ذكرنا نقول واليه نذهب، وما توفيقنا الا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين (1).
فهل معنى هذا أنه اقتصر على تأييد عقيدة أهل السنة مجملة وترك النظر والكلام؟ لقد ظهرت أقولا أهل البدع وانتشرت في عصر الأشعري وجعل رسالته وهدفه الرد عليهم بحكم ما فرض الله سبحانه وتعالى علينا من الرد على مخالفي الحق (2) وهكذا تصدى الأشعري للرد على المعتزلة، وكشف انحرافاتهم فكان عليه أن يلحن بمثل حجتهم وأن يتبع طريقتهم في الاستدلال ليقطع شبهاتهم، كما تصدى للرد على الفلاسفة والقرامطة والباطنية وأضرابهم وكثير من هؤلاء لم يكن يفحمه إلا الأقيسة المنطقية والدليل العقلي.
كل هذا كان دافعا للأشعري أن يستخدم العقل في مجال المعرفة ويجعله خاضعا للنصوص الثابته وبرع في ذلك بسبب تخرجه على المعتزلة.
ورغم تأييده لعقيدة أهل السنة فإن هذا المنحى – استخدام العقل – الذي سار عليه كان من أهم الأسباب التي دفعت الحنابلة الى معاداته، وفي سبيل تبرير موقفه هذا، ألف رسالة. استحسن فيها الخوض في علم الكلام وبين فيها أن الاقتصار على النقل واقصاء العقل في تأييد ما ورد به من حقائق خاطىء لا يقول به إلا مقلد جاهل يقول الأشعري: إن طائفة من الناس جعلوا الجهل رأسمالهم وثقل عليهم النظر والبحث عن الدين ومالوا إلى التخفيف والتقليد وطعنوا على من فتش عن أصول الدين ونسبوه إلى الضلال وزعموا أن الكلام في الحركة والسكون وصفات الباري بدعة وضلالة (3).(1/37)
ثم تصدى لهم بعد ذلك بالأدلة النقلية الدالة على صحة النظر والاستدلال فاستدل بقوله تعالى حكاية عن سيدنا ابراهيم فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين (*). ( الأنعام 77-76 ).
1- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين للأشعري تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد نشر المكتبة العصيرة ط:1411ه / 1990م ص:350 ج1
2- تبيين كذب المفتري ص:96
3- اللمع وفيه رسالة استحسان الخوض في علم الكلام 89
*- سورة الأنعام الآية: 76-77
كما استدل على صحة النظر ووجوبه من رده تعالى على المشركين الذين أقروا بالحلق الأول فألزمهم أن يقروا بالخلق الثاني. قال تعالى: (( وضرب لنا مثلا ونسى خلقه. قال من يحيي العظام وهي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم)) (*).(يس 78-79)
يقول الأشعري: وهذا هو الدليل على صحة الحجاج والنظر لأن الله تعالى حكم في الشيىء بحكم مثله وجعل سبيل النظر ومجراه مجرى نظيره )) (1).
واستدل الأشعري من السنة بما روي من أن رجلا قال: يا نبي الله إن امرتني ولدت علاما اسود وعرض بنفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ فقال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل فيها من أو رق. قال: نعم إن فيها أو رق، قال فأنى ذلك؟ قال: لعل عرقا نزعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولعل ولدك نزعه عرق.
قال الأشعري: فهذا ما علم الله نبيه من رد الشيء إلى شكله ونظيره وهو أصل لنا في سائر ما نحكم به من الشبيه والنظير (2).(1/38)
من هذا يتبن لنا أن الأشعري يرى أن لا القرآن ولا السنة منعا من استخدام العقل في فهم أمور العقيدة وتأييدها بل يرى إن ذلك ضروري لتأييد العقيدة وليس بدعة كما قال الذين أخذوا بظواهر النصوص، ويمضي الأشعري في تأييد رأيه هذا بقوله: حكم مسائل الشرع التي طريقها السمع أن تكون مردودة إلى أصول الشرع التي طريقها السمع. وحكم مسائل العقليات والمحسوسات أن يرد كل شيىء من ذلك إلى بابه ولا تخلط العقليات بالسمعيات ولا السمعيات بالعقليات(3).
إذن فلكل من السمع والعقل مجاله ولا يجب ان يختلطا ولكن ما المقدم عند الأشعري هل السمع أم العقل عند التعارض؟
لقد جعل الأشعري رسالته تأييد عقائد أهل السنة بالعقل ولذا كان الأصل عنده هو السمع وهو المقدم عنده على العقل يتبن لنا هذا من خلال أرائه الكلامية التي سنعرضها فيما يلي:
1- اللمع في الرد على أهل الزيع والبدع ص9
2- المع وفيه رسالة استحسان الخوض في علم الكلام ص:92
3- اللمع وفيه رسالة استحسان الخوض في علم الكلامص:95
المبحث الثاني: منهجه في اثبات وجود الله
إن مفهوم الإيمان عند الأشعري هو التصديق القلبي، وهو اعتقاد المعتقد صدق من يؤمن به لذلك كان أول الواجبات عند الأشعري هو معرفة الله تعالى (1) من حيث وجوب وجوده ووحدانيته وسائر صفاته من نحو العلم والقدرة والارادة وجميع الاحكام المتعقلة به عز وجل وكذلك صانعيته تعالى للعالم؟ (2)
واذا تتبعنا كتب الأشعري التي أيدينا نجد أنه اتبع ثلاث طرق في اثبات الصانع.
1- طريق النظر في الأنفس امتثالا للآية الكريمة: (( وفي أنفسكم أفلا تبصرون )) ( الذاريات الأية:21 )(1/39)
يشرح الشهر ستاني منهج الأشعري في اثبت وجود الله بقوله: (( ربما سلك أبو الحسن رحمه الله طريقا في اثبات حدوث الانسان وتكونه من نطفة امشاج وتقلبه في أطوار الخلقة واكوار الفطرة ولسنا نشك في أنه ما غير ذاته ولا بدل صفاته ولا الأبوان ولا الطبيعة فيتعين احتياجه الى صانع قديم (3). اذ يقول الأشعري: (( الدليل على أن للخلق صانعا صنعه ومدبرا دبره ان الانسان الذي هو في غاية الكمال والتمام كان نطفة ثم علقه ثم مضغه ثم لحما وعظما ودما وقد علمنا ان لم ينقل نفسه من حال الى حال)) (4) وقد استمد دليله هذا من قوله تعالى: (( ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين )) المؤمنون 12-14
2- طريق الحدوث: يرى ابن تيمية أن الأشعري استدل بالحوادث على حدوث ما قامت به من بناء على امتناع حوادث لا أول لها ثم جعل تلك الجواهر التي ذكر أنه دل على حدوثها هو الدليل على ثبوت الصانع(5).
1- فلسفة علم الكلام مدخل ودراسة ص:18
2- كتاب علم التوحيد عند خلص المتكلمين ص:95
3- نهاية الاقدام في علم الكلام ص:12
4- اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع ص:6
5- شعبة العقيدة بين أبي الحسن الأشعري والمنتسبين اليه ص:144
يقول الأشعري: ... ونبههم على حدثهم بما فيهم من اختلاف الصور والهيئات وغير ذلك من اختلاف اللغات وكشف لهم عن طريقة معرفة الفاعل لهم بما فيهم وفي غيرهم بما يقتضي وجود ويدل على إرادته (1)، وسرد الآيات السالفة ثم قال: (( وهذا من أوضح ما يقتضي الدلالة على حدث الانسان ووجود المحدث له من قبل أن العلم قد احاط بان كل متغير لا يكون قديما. (2).(1/40)
3- طريق المعجزة: وقد سلك هذه الطريقة العلماء، لاثبات وجود الله اذ الانبياء والرسل قد أجرى الله على أيديهم معجزات تثبت صدقهم فيما اخبروا به وأول شيىء تثبته هو أن هناك مرسلا لذلك الرسول ووجود خالق واحد.
4- خلقهم من قبل أن لم يكونوا شيئا، وقد استند الشعري الى هذا الدليل أيضا نجد ذلك في قوله – رحمه الله -: اعلموا ارشدكم الله أن ما دل على صد النبس (ص) من المعجزات بعد تنبيهه لسائر المكلفين على حدثهم ووجود المحدث لهم قد أوجب صحة اخباره ودل على أن ما أتى به من الكتاب والسنة من عند الله عز وجل (3).
المبحث الثالث: في الأسماء والصفات
نتناول هذا المبحث من جانب الطريق الذي سلكه في اثبات الأسماء والصفات وحقيقة الاسم عند الأشعري ثم العلاقة بين الاسم والصفة ثم تقسيمات علماء الكلام للصفات وبعد ذلك نفصل في الصفات التي اثبتها الأشعري لله سبحانه وتعالى.
* مقدمات
1- طريق اثبات الأسماء: يتبن من خلال رد الأشعري على استاذه الجبائي في مناظرته معه أن الأسماء عند الأشعري توقيفية وأنه لا يثبت لله الا ما اثبته لنفسه من الأسماء، ونرى الأشعري يكرر نفس الكلام في كتابه اللمع حيث قال: (( الأسماء ليست ألينا ولا يجوز لنا أن نسمي الله تعالى باسم لم يسم به نفسه ولا سماه به رسوله ولا أجمع المسلمون عليه ولا على معناه )) (4).
1- 2 رسالة أهل الشعر ص:53
3- رسالة أهل الثغر ص:54
4- اللمع في الرد على أهل الزيع والبدع ص:10
وفي هذا الباب نجد الأشعري تابعا لمذهب أهل السنة اذ يثبتون لله عز وجل كل اسم سمى به نفسه.(1/41)
2-حقيقة الإسم والمسمى: لقد اختلف الناس في مسألة هل الإسم هو هو أو غيره أو لا يقال هو هو ولا يقال هو غيره؟ أو هو له؟ ويرى ابن تيمية أن هذا النزاع اشتهر بعد الأئمة بعد الامام أحمد وغيره، فذهب الجهمية الى أن الإسم غير المسمى وأسماء الله غيره وما كان غيره فهو مخلوق وهؤلاء هم اللذين ذمهم السلف لأنهم كانوا يقولون أن اسماء الله مخلوقة وهناك قول ثان يفيد أن الإسم عين المسمى وهو قول كثير من المنتسبين الى السنة كاللالكائي وأبي محمد البغوي (1).
أما الأشعري فنراه في كتاب الابانه يقول: من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالا (2) ونجد ابن فورك في كتابه المجرد يروي رأيا آخر للأشعري في هذا الباب حيث يقول: المعروف من مذهبه في معنى الاسم والذي نص عليه في كثير من كتبه منها النقض على الجبائي والبلخي ان الاسم ليس هو المسمى على خلاف ما ذهب اليه المتقدمون من أصحاب الصفات فمن ذلك ما قال في كتاب نقص أصول الجبائي ان أسماء الله هي صفاته ولا يقال لصفاته هي هو ولا غيره (3).
وقد روي ابن تيمية عن الأشعري انه يفصل في اسماء الله وانه يقسمها ثلاثة: تارة يكون الاسم هو المسمى كاسم الموجود وتارة يكون غير المسمى كاسم الخالق وتارة لا يكون هو ولا غيره كاسم العليم والقدير (4).
هذا كل ما وقفت عليه في الموضوع غير أني لم أجد في كتبه سوى مقالته في الابانة.
4- صلة الأسماء بالصفات: لقد نفت الجهمية أسماء الله تعالى وصفاته معا بينما ذهبت المعتزلة الى اثبات الأسماء والصفات لله عز وجل وبحثوا في علاقة الأسماء بالصفات.
1- مستفاد من مجموع الفتاوي لابن تيمية ج6 ص 186-188
2- الابانة عن أصول الديانة ص:18
3- مجرد مقالات الامام أبي الحسن الأشعري لابن فورك ص:38
4- مجموع فتاوي ابن تيمية ج6 ص:188
ولا شك أن الأشعري كان من مثبتي الصفات اذ الأسماء عنده هي الصفات كما جاء على لسان ابن فورك فاثباته للأسماء هو اثبات للصفات في نفس الوقت.(1/42)
4- طرق اثبات الصفات: لما كانت اسماء الله هي صفاته كان اثباته رحمه الله تعالى للصفات توقيفيا ما ورد به القرآن والسنة واجماع المسلمين ثابتا يثبته وما نفاه الشرع ينفيه.
5- تقسم العلماء للصفاتمن حيث ثبوتها:تنقسم الصفات من حيث ثبوتها الى نوعين:
النوع الاول:الصفات الشرعية العقليةوهى التى يشترك في اثباتها الدليل الشرعي السمعي والدليل العقلي والفطرة السليمة وهى أكثر صفات الرب تعالى بل اغلب الصفات الثبوتية يشترك فيها الدليلان السمعي والعقلي.
النوع الثاني:الصفات الخبرية وتسمى النقلية والسمعية وهى التي لاسبيل في اثباتها الا بطريق السمع والخبر عن الله وعن الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام اى لا سبيل للعقل على انفراده الى اثباتها لولا الأخبار المنقولة عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام وهى خبرية محضة بيد ان العقل السليم لا يعارض فيها الخبر الصحيح كما هو معروف.
وهذا التقسيم متعارف عليه بين علماء الأشعرية ويبدو أن الاشعرى يتفق وهذا التقسيم اذا كان يرى أن صفات الله تعالي على نوعين منها ما يعلم من طريق الأفعال ودلائلها عليها وهي كالحياة والعلم والقدرة والارادة ومنها ما يثبت له لانتفاء صفات النقص وذلك كالسمع والبصر والكلام كما كان يعتقد أن هناك صفات تعتقد خبرا كاليدين والوجه والاستواء والمجيء والنزول والاتيان (ا).
كذلك يتبين لنا تأييده لهذا التقسيم من خلال عرض لأدلته في اثبات الصفات ،قبل
أ- صفات ذاتية * ب-صفات فعلية
أما الصفات الذاتية فهي التي لا تنفك عن الذات بل هي ملازمة لها أزلا وأبدا ولا تتعلق بها مشيئته تعالى وقدرته وهي التي لم تزل ولا يزال الله متصفا بها كصفة الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والارادة والوجه واليدين والعينين والعلو والعني ....الخ.(1/43)
أما الصفات الفعلية فهي التي تتعلق بها مشيئة الله وقدرته كل وقت وآن وتحدث بمشيئته وقدرته أحاد تلك الصفات من الأفعال وان كان هو لم يزل مصوفا بها بمعنى ان نوعها قديم وأفرادها حادثة كالنزول الي السماء الدنيا والاتيان و المجيء والضحك والرضا والغضب وغيرها.
اذن فليكن تناولها لهذا الموضوع –منهجه في الأسماء والصفات – من محورين
الأول :الصفات الذاتية * الثاني : الصفات الفعلية
داخل كل محور جانبان
الجانب الأول : ما يثبته من طريق العقل والنقل *الجانب الثاني : ما يثبته من طريق النقل
*الصفات الذاتية
يثبت الأشعري لله تعالي الصفات الذاتية :التي ورد بها الشرع مجمله فالصفات عنده توقيفيه ما ورد به الشرع يثبته وما نفاه عنه ينفيه والصفات التي يتوسع في اثباتها والتي ورثها عنه الأشاعرة من بعده هي: العلم والحياة والسمع والبصر والكلام والقدرة والإرادة ويستدل عليها بأدلة نقلية وعقلية.
ثم هناك صفات أخرى كاليدين والوجه والعينين والرضا والغضب هذه الصفات انقسم اتباعه من بعده الى مؤولين ومفوضين بمعانيها الى الله سبحانه وتعالى.
I : الصفات الذاتية العقلية
سنتناول هذا المبحث من طريقتين
الأول: الادلة النقلية التي يوردها * الثاني: الأدلة العقلية
1- أدلته النقلية: صفة العلم: وهي صفة أزلية قائمة بذات الله تعالى وقد استدل الأشعري لهذه الصفة بقوله تعالى: (( أنزله بعلمه )) ( من سورة النساء / 166 ) وقوله عز وجل، (( وما تحمل من انثى ولا تضع إلا بعلمه )) ( فاطر / 11 ) وقوله تعالى: (( فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلم الله )). ( هود 14 ) كذلك ما جاء في الآية الكريمة: (( ولا يحيطون بشيىء من علمه إلا بما شاء الله )) ( البقرة / 255 ).(1/44)
صفة الحياة: يرى الأشعري أن الله حي بحياة ولم يورد الأشعري أي دليل من الكتاب والسنة ولعل السبب أن هذه الصفة لم يكن المعتزلة يختلفون معه فيها فتبقى أدلتهم هي أدلته، كذلك كما قلنا أن كتبه كانت ترد على المعتزلة، والآيات الدالة على أن الله حي كثيرة نذكر من بينها قوله تعالى: (( الله لا إله إلا هو الحي القيوم )).
صفة القدرة: ينهج الشعري منهج السلف الصالح ويثبت هذه الصفة للباري عز وجل ويستدل عليها بقوله تعالى: (( ألم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة )) ( فصلت15 )، وقوله عز وجل: (( ذو القوة المتين )) ( الذاريات / 58 ) وقوله عز وجل: (( والسماء بنيناها بأيد )) ( الذاريات / 47 ).
وهذه الصفات الثلاث يثبتها المعتزلة لله تعالى ولا يختلفون مع الأشعري في اثباتها.
صفة الإرادة: وهي صفة من الصفات الذاتية اللازمة لذاته تعالى ويثبتها الأشعري بالأيات: (( ولكن الله يفعل ما يريد )) البقرة: 253 (( إنما قولنا لشيىء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون )) ( النحل 40 ) (( فعال لما يريد )) ( هود: 107 ) و ( البروج:16 ) (( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله )) ( الإنسان:30 ) وهذه من الصفات التي توسع فيها الأشعري اذ أنها تعتبر أساسا وأصلا في بنائه عدة قضايا مثل خلق الله أفعال العباد ووحدانية الله وتعذيب اطفال المشركين... الخ.
صفة السمع: وهي صفة ذاتية لله تعالى وتتعلق بجميع المسموعات ويستدل عليها بقوله تعالى: (( سميع بصير )) ( الحج 61 و75 ) (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها )) ( المجادلة:1 )
صفة البصر: وهي صفة ذاتية لله تعالى ويستدل عليها بنفس الآيات التي أوردها في صفة السمع وكذلك بالاجماع.
صفة الكلام: كانت هذه الصفة من اهم القضايا التي شغلت الفكر الاسلامي وعلم الكلام وهي من المسائل التي حاول الأشعري ان يبينها ويوضحها ويقدم لها حلا للفصل في النزاع فيها ونظرا لأهميتها أفردت لها فصلا خاصا بها.(1/45)
وقد اثبتها الأشعري بأدلة من الكتاب والسنة والاجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: (( ومن آياته ان تقوم السماء والأرض بامره )) ( الروم:25 )
وأمر الله هو كلامه: (( انما قولنا لشيىء أذا اردناه ان نقول له كن فيكون )) ( البقرة:98 ) وقول الله كلامه
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (( ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان )).
كما استدل على الكلام باجماع الصحابة والعلماء من بعدهم كما كانت هذه المسألة من المسائل التي اثبتها الأمام أحمد بن حنبل الذي يعده الأشعري اماما له كما جاء على لسانه في الابانة عن أصول الديانة.
ولقد أولى الأشعري هذه الصفات السبع اهمية قصوى فاستدل عليها بأدلة نقلية وعقلية نجد ذلك في كتابيه اللمع والابانة وفيما يلي نورد أدلة العقلية.
2- أدلته العقلية: المتصفح لكتابي الأشعري اللمع والابانة يرى أن ادلته العقلية في اثبات ما قدمناه من الصفات تتمثل في وضعه صفتين متقابلتين إذا لم يوصف الأشعري بهذه الصفة وصف بضدها فإذا لم يكن موصوفا بالعلم كان موصوفا بضد العلم من الجهل أو الشك كذلك إذا لم يكن قادرا كان موصوفا بضد القدرة من العجز وإذا لم يكن موصوفا بالحياة كان موصوفا بصد الحياة من الموت ويقول ابن تيمية أن هذه من الطرق التي اتبعتها الأئمة ومن اتبعه من نظار السنة في هذا الباب، فكان بذلك ظهور فعله سبحانه في خلقه دليلا على حياته وظهور ذلك الفعل بما يشتمل عليه من احكام ونظام واتقان دليلا على علمه وقدرته لأن ذلك يستحيل أن يصدر من متصف بأضداد تلك الصفات من موت وعجز وجهل يقول الأشعري: فان قال قائل: لم قلتم أن الله تعالى عالم: قيل له لان الأفعال المحكمة لا تتسق في الحكمة الا من عالم... ولو جاز أن تحدث الصنائع الحكمية لا من عالم لم ندر هل جميع ما يحدث من حكم الحيوان وتدابيرهم يحدث منهم وهم غير عالمين فلما استحال ذلك دل على ان الصنائع الحكمية لا تحدث الا من عالم (1).(1/46)
(1) اللمع في الرد على أهل الزيع والبدع ص:10
كذلك لا يجوز ان تحدث الصنائع الامن قادر حي لأنه لو جاز حدوثها ممن ليس بقادر ولا حي لم ندر لعل سائر ما يظهر من الناس منهم وهم عجزة موتى فلما استحال ذلك دلت الصنائع على أن الله تعالى حي قادر (1)
اذن اثبت الأشعري أن الله قادر حي عليم ردا على الزنادقة والمعطلة ثم بدأ ينقض ويرد على الجهمية الذين قالوا أن الله قادر وعالم وحي ونفوا أن تكون لله قدرة وحياة وعلم.
واستدل الأشعري لهذه الصفات بأنه لا يتصور عالم بغير علم وقادر بغير قدرة لأن نفي هذه الصفات يلزم منه نفي تلكالأسماء ذلك ان تلك الأسماء مشتقة من صفات وأنه لا تخلو أسماء الله عز وجل من ان تكون مشتقة او لافادة معنى أو على طريق التلقيب، فلا يجوز أن يسمى الله عز وجل على طريق اللقيب باسم ليس فيه.
افادة معناه وليس مشتقا من صفة فاذا قلنا الله عز وجل عالم قادر فليس ذلك تلقيبا كقولنا زيد وعمر وعلي هذه إجماع المسلمين (2).
فعلى هذا يمكن ان نقول أن الأشعري يثبت لله سبحانه هذه الصفات من جهتين:
الأولى: من جهة اشتقاق هذه الأسماء من الصفات.
الثانية: من جهة افادتها لمعنى هذه الصفات.
ويكون بذلك الدليل على أن الله عالم دليل على العلم اذ لا يتصور وجود عالم منا بلا علم فمعنى العالم من أن له علما كما جاء على لسانه ويقول الدليل على أن لله قدرة وحياة كالدليل على أن لله تعالى علما.
ويمكن القول ان دليل الأشعري في هذا الباب يقوم على قياس الغائب على الشاهد، وهو من الأقيسة التي اعتمدها علماء علماء الكلام في اثباتهم لعقائدهم ويثبت الشهرستاني أن
1- كتاب الابانة عن أصول الديانة ص:88
2- الابانة عن أصول الديانة ص:92
هناك جوامع أربعة لقياس الغائب على الشاهد: العلة والشرط والدليل والحد (1).(1/47)
فلما كان العالم منا عالما معللا بالعم فوجب في الغائب أن يكون العالم معللا بالعلم أو بعبارة الأشعري: (( معنى العالم عندي أن له علما ومن لم يعلم لزيد علما لم يعلمه عالما )) (2).
كذلك لما كان العلم مشروطا بالحياة شاهدا فكذلك غائبا فلما كان الله عالما كان حيا.
ويستدل الأشعري على أن لله قدرة وإرادة مستعملا كذلك هذا النوع من القياس.
قياس الغائب على الشاهد- ولعله يستعمله جمعا بالدليل اذ كان الحدوث والأحكام والخلق يدل على القدرة والإرادة في الشاهد فوجب طرد هذا الدليل غائبا.
كما استدل على ان لله قدرة وإرادة وعلما بكون العالم منا هو ذو العلم والقادر ذو القدرة والحقيقة لا تختلف شاهدا وغائبا فأوجب بذلك طرد ذلك على الغائب.
أما دليل اتصافه تعالى بالارادة فيطلعننا عليه الأشعري بقوله: الحي اذا كان غير مريد لشيىء أصلا، وجب أن يكون موصوفا بضد من أضداد الارادات من الآفات كالسهو والكراهة والاباء والآفات (3).
فجعل بذلك ثبوت صفة الحياة دليلا على ثبوت صفة الارادة كما استدل بثبوت صفة العلم والقدرة على ثبوت هذه الصفة في قوله: (( أيما أولى بصفة الاقتدار من اذا شاء ان يكون اليء كان لا محالة واذا لم يرده لم يكن، او من يريده ان يكون فلا يكون ويكون مالا يريد؟ )) (4).
(( اذا كان في سلطان الله مالا يريد، وهو يعلمه ولا يلحقه الضعف عن بلوغ ما يريده، فما انكرتم ان يكون في سلطان مالا يعلمه ولا يلحقه النقصان فإن لم يجز هذا لم يجز ما قلتموه)).
1- الشهرستاني في نهاية الاقدام ص:182
2- اللمع في الرد على أهل الزيع والبدع ص:12
3- اللمع في الرد على أهل الزيع والبدع ص:18
4- الابانة عن أصول الديانة ص:99
ولعل الأشعري استدل بثبوت هذه الصفات الثلاث: الحياة والقدرة والارادة. في سبيل إثبات الارادة لان المعتزلة يثبتونها وينفون الارادة فجعل ما اتفقوا معه في اثباته أساسا للاستدلال على ما اختلفوا فيه.(1/48)
أما دليل اتصافه بالسمع والبصر فثبوت الحية له اذ يتعذر او يستحيل وجود حي يتصف بآفة تمنعه من ادراك المسموع والمرئي وخال من الاتصاف بما يدرك المسموع المرئي، يقول الأشعري، الحي، اذا لم يكن موصوفا بآفة تمنعه من ادراك المسموعات والمبصرات اذا وجد فهو سميع بصير. فلما كان الله تعالى حيا لا يجوز عليه الآفات من اصمم والعمى وغير ذلك، اذا كانت الآفات تدل على حدوث من جازت عليه صح انه سميع بصير.
أما استدلاله على الكلام فهو ثبوت الحياة له وأنه لا يجوز عليه الآفات.
والملاحظ على الأدلة التي يسوقها الأشعري في هذا الباب كلها تتضمن قياس الأولي الذي يقوم على أن كل كمال وجودي غير مستلزم للعدم ولا للنقص بوجه من الوجوه اتصف المخلوق به فالخالق أولي بالاتصاف به لانه هو الذي وهب المخلوق ذلك الكمال ولانه لو لم يتصف بذلك الكمال مع امكان أن يتصف به لكان من الممكنات من هو اكمل منه وهو محال، وكل نقص ينزه عنه المخلوق فالخالق أولي بالتنزه عنه (1).
وابن تيمية يرى أن هذا النوع من القياس هو الموجود في القرىن الكريم وهو الذي أخذ به الأنبياء فب الاستدلال على الله سبحانه وتعالى ولم يستخدموا قياس التمثل فالله لا مثل له ولا قياس الشمول الذي تستوي افراده بل ما ثبت لغيره من كمال لا نقص فيه فثبوته له بطريق الأولي وما تنزه عنه غيره من النقائظ فتنزهه عنه بطريق الأولي.
* الصفات الذاتية الخبرية
والصفات الذاتية الخبرية يثبتها الأشعري وقد نقل عنه الحافظ ابن كثير أنه كان ينفيها ثم رجع عن القول بنفيها (2).
1- مجموع الفاتوي لابن تيمية ج12 ص:39
2- البداية والنهاية ج11 ص:(1/49)
أما الأستاذ محمد أبو زهرة فيرى أنه قد اثبتها في كتابه الابانة وأولها في كتاب اللمع وعلى هذا يكون الأشعري قد أثبتها في الأول ثم رجع عن القول باثباتها اذ أنه يرى أن الابانة أسبق في التأليف مع اللمع يقول:... فهو في الابانة كان يمنع تأويل اليد بالقدرة والوجه بالذات ويلزم الأخذ بظواهر النصوص ولكن في اللمع يقرر ذلك التأويل وهو في الحقيقة ليس بتأويل ولكنه أخذ بمجاز مشهور والمجاز المشهور لا يبعد تاويلا (1).
اما الامام ابن تيمية فيرى أن الامام الأشعري قد اثبتها ولا ينسب اليه أي قول ثان في شأنها يقول رحمه الله: أما الأشعري نفسه وأئمة أصحابه فلم يختلف قولهم في اثبات الصفات الخبرية وفي الرد على من يتأولها كمن يقول استوى بمعنى استولى وهذا مذكور في كتبه كلها كالموجز الكبير والمقالات الصغيرة والكبير والابانة وغير ذلك وهكذا نقل سائر الناس عنه حتى المتاخرون كالرازي والأمدي ينقلون عنه اثبات الصفات الخبرية ولا يحكون عنه في ذلك قولين: فمن قال: إن الأشعري كان ينفيها وأن له في تأويلها قولين فقد افترى عليه، ولكن هذا فعل طائفة من متأخري أصحابه كأبي المعالي ونحوه فان هؤلاء أدخلوا في مذهبه أشياء من أصول المعتزلة (2).
هذا ما وقفت عليه من آراء العلماء في موقف الأشعري من الصفات الخبرية عامة.
وفي الحقيقة لا نجد في كتابه اللمع أي إشارة إلى أنه أول هذه الصفات كما قال الأستاذ محمد أبو زهرة ولا في الابانة أو رسالة أهل الثغر وهذه الكتب هي الموجودة وهي التي امكنني الاطلاع عليها.
ويمكنني القول أن موقف الأشعري بصدد هذه الصفات أو الآيات الدالة عليها قد حسمه بقوله: حكم كلام الله عز وجل أن يكون على ظاهرة وحقيقته ولا يخرج الشيء عن ظاهرة الى المجاز الا لحجة... وليس يجوز ان يعدل بما ظاهره العموم عن العموم بغير حجة (3).(1/50)
هكذا يحدد الأشعري موقفه مما أخبر الله به عز وجل عن نفسه وبما أخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم وما أجمع عليه صحابته وسنقصر الكلام في هذا الباب عن الوجه
1- مجلة العربي العدد66 ص:29 عنوان المقال: أبو الحسن الأشعري بقلم الشيخ محمد أبو زهرة. ذلك قولين.
2- مجموع فتاوي ابن تيمية ج12 ص:203
3- الابانة عن أصول الديانة ص85
واليدين والعنين لانها هي التي نجدها مثبوته في كتبه بنوع من التفصيل.
صفة الوجه: لقد أثبت علماء أهل السنة والحديث هذه الصفة لله تعالى تصديقا لما جاء في كتابه من الآي الدالة عليها مثل قوله تعال: (( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام )) فنفوا عن وجهه تعالى الهلاك كما جاء في الآية: (( كل شيىء هالك إلا وجهه ))، كما نفوا عنه تشبيه وجهه تعالى وتمثيله يقول ابن خزيمة: ( إن وجه ربنا القديم لم يزل بالباقي الذي لا يزال فنى عنه الهلاك والفناء ) (1).
ولقد وافق الأشعري السلف الصالح في اثبات هذه الصفة كصفة ذاتية لله تعالى على ما يليق بجلاله تعالى وعظمته فقد بين أن من جملة ما يعتقده هو أن لله وجها كما قال عز وجل: (( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام )) ( الرحمن / 27 )
كما استدل الأشعري في اثباته لهذه الصفة بقوله تعالى: (( كل شيء هالك إلا وجهه )) سورة ( القصص 881 )
ولا يتوسع في الكلام في هذه المسألة اذا اعتبرها محسوبة والآية صريحة الدلالة على اثبات الوجه لله تعالى.
صفة العينين: يثبت الأشعري هذه الصفة لله تعالى مصدقا بذلك بما جاء في الكتاب الكريم اذ يقول تعالى: (( تجري بأعيننا )) القمر:14 وبقوله عز وجل: (( واصنع الفلك بأعيننا ووحينا )) ( هود / 37 ) كما قال تعالى: (( فاصبر لحكم ربك فانك باعيننا )) وقال: (( ولتصنع على عيني )) (طه39 ).
كما استدل على العينين بالبصر في قوله تعالى: (( وكان الله سميعا بصيرا )) ( النساء 134 ) وقوله تعالى لموسى وهارون: (( إني معكما اسمع وأرى )) (طه46).(1/51)
وهذه الآيات هي نفسها التي يستدل بها أهل السنة على اثبات العين لله نجد ذلك في كتبهم.
أما الآيات الأربع الأولى فصريحة الدلالة على الوجه أما الآيات الخرى فقد أرودها اهل السنة في اثبات العين لأن الرسول صلى الله عليه وسلم روى عنه ابن خزيمة عن
1- كتاب التوحيد واثبت صفات الرب عز وجل لابن خزيمة طبع بادارة الطباعة المزية 1354
محمد بن عبد الله بن يزيد المقري بسنده الى أبي يونس أنه قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى اهلها )) قرأ إلى قوله: ( سميعا بصيرا ) فيضع ابهامه على أذنه والتي تليها على عينه ويقول هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأها ويضع إصبعيه.
صفة اليدين: لم يختلف منهج الأشعري في هذه الصفة عن منهج السلف فهو يثبتها لله تعالى على ما يليق به عز وجل ويستدل الأشعري على هذه الصفة من عدة أوجه:
من القرآن – السنة – الاجماع – اللغة
أما القرآن فيستدل عليها بعدة آيات نوردها كالتالي:
يقول الله تعالى: (( يد الله فوق أيديهم )) (الفتح10) (( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي )) ( ص75 ) (( بل يداه مبسوطتان )) ( المائدة 64 ) (( لاخذنا منه باليمين )) ( الحاقة45 )
أما من السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله مسح ظهر آدم بيده فاستخدم منه ذريته )). وقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله خلق آدم بيده، وخلق جنة عدن بيده وكتب التوراة بيده، وغرس شجرة طوبي بيده )). وجاء عن النبي أنه قال: (( كلتا يديه يمين ))
أما الاجماع فقد بين أن أهل السنة أجمعوا على أن الله يدين كما قال الله عز وجل نجد ذلك في كتابيه الابانة ومقالات الإسلاميين.
أما من طريق اللغة فسنبينه إن شاء الله عندما نتكلم عن رده على منكري هذه الصفة الذين أولوا الآيات الدالة عليها.(1/52)
بعد أن اثبت الأشعري صفة اليدين لله تعالى بدأ يرد على المبتدعة الذين أولوا هذه الصفة وقالوا يديه في قوله تعالى: (( لما خلقت بيدي )) المراد بها النعمة فبين لهم رحمه الله ان اللغة لا تسعفهم هذا التأويل اذ لا يجوز في لسان العرب أن يقول القائل: عملت كذا بيدي ويعني به النعمة فأبطل بذلك أن يكون معنى قوله عز وجل ( بيدي ) النعمة.
فالتأويل كما هو معروف هو صرف اللفظ عن المعنى الظاهر الى معنى محتمل فالشرط في التأويل ان يكون المعنى محتملا للفظ في اللغة واليد لا تحتمل النعمة.
وبعد هذا بدأ يناقشهم ويطالبهم بالدليل على تأويلهم ذلك أهو الاجماع او اللغة؟
هذا قد دحضه من قبل هل هو القياس؟
فبين لهم أنه حتى هذا الأصل – القياس العقلي – الذي يعتمدون في تأوبلهم الصفات لا يسعف هذا التأويل ولا يمكنه ذلك نجد ذلك في سؤاله الاستنكاري، ومن أين وجدتم في القياس أن قول الله ((بيدي)) لا يكون معناه إلا نعمتي؟ ومن أين يمكن أن يعلم بالعقل أن يفسر كذا وكذا مع أن رأينا الله عز وجل وقد قال في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق: (( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه )) (ابراهيم4) (1)، فلا يمكن أن نفسر القرآن إلا بالرجوع إلى اللسان العربي واللغة العربية وهي مخالفة لما ذهب اليه أهل البدع بصدد هذه الصفة ثم تصدى بعد ذلك لتأويل بعضهم للأيدي بالقوة والقدرة معتمدين في ذلك على الآية الكريمة (( والسماء بنيناها بأيد )) ( الذاريات47 ).
فبين لهم ان هذا التأويل فاسد من أوجه لا يذكرها الأشعري ويقول: آخرها أن (( الأيد )) لسي جمع لليد.
كما رد عليهم بنفيهم للقدرة فإذا كانوا لا يثبتزن لله قدرة فلا يجوز لهم أن يؤولوا (( بيدي )) بقدرتي.
كما استدل على فساد تأويلهم بأنه لو كان الله عز وجل عني بقوله تعالى (( لما خلقت بيدي )) القدرة لم يكن لآدم عليه السلام على إبليس في ذلك مزية.(1/53)
والأشعري حين أثبت لله اليدين اثبتهما على وجه يليق به تعالى في عبارة أحب أن انقلها: وليس يخلو قوله عز وجل (( لما خلقت بيدي )) أن يكون معنى ذلك اثبات يدين قدرتين أو يكون معناه اثبات يدين جارحتين ولا قدرتين لا يوصفان إلا كما وصف الله عز وجل...
وإذا فسدت الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع وهو ان معنى قوله (( بيدي )) اثبات يدين ليستا جارحتين ولا قدرتين ولا نعمتين ولا يوصفان إلا بأنهما يدان ليستا كاليدين خارجتان عن سائر الوجوه الثلاثة التي سلفت (2)
1- الابانة عن أصول الديانة ص:80
2- الابانة عن أصول الديانة ص:82
* الصفات الفعلية
أ- الصفات الفعلية الخبرية: من الصفات التي فصل الأشعري القول فيها داخل هذا الباب نذكر صفة العلو والاستواء والفوقية وصفة الاتيان والمجيىء والنزول ثم صفتي الرضا والغضب، ولذا سأقصر الحديث عنها في هذا الباب.
1- صفة الاستواء والعلو والفوقية: صفة الاستواء من الصفات الفعلية الخبرية الثابتة لله تعالى، وهي من أعظم الصفات التي تبين وتثبت علو الله تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه.
أما صفة العلو والفوقية فهي صفة ذاتية لله تعالى، ثابتة له بالكتاب والسنة، واجماع الانبياء والمرسلين، واتباعهم باحسان من أهل السنة والجماعة، فالله مستو على عرشه فوق سبع سموات، يعلم ما يبدون وما يخفون، وقد أجمع الصحابة الكرام والتابعين
1- ص:159-160 من ابن تيمية وموقفه من اهم الفرق والديانات في عصره اعداد الدكتور محمد حربي نشر عالم الكتب الطبعة الأولى 1407-1987
لهم باحسان، على اثبات صفة العلو ولم ينقل عنهم اختلاف في هذا الباب حتى اوائل القرن الثاني إذ ظهر الجعد بن درهم، وهو شيخ الجهم بن صفوان بقوله أن الله في كل مكان بذاته ونفى أن يكون الله تعالى عاليا على خلقه مستويا على عرشه.(1/54)
وقد تصدى السلف رضي الله عنهم للرد على هذه البدعة، وشنعوا بقائلها حتى انتشرت أقوالهم التي جمعها العلامة ابن القيم الجوزية في كتابه (( اجتماع الجيوش الاسلامية على غزو المعطلة والجهمية )). في هذا الكتاب بين ابن القيم أن أهل السنة أجمعوا على أن الله مستو على عرشه فوق السموات، استواء يليق بجلاله وعظمته، وأنه بائن من خلقه. ومن جملة علماء أهل السنة الذين ذكرهم الامام أبي الحسن الأشعري.
وهذه الصفة من الصفات التي أولاها الشعري عناية بالغة حيث خصص لها كتبا انفردت في بيانها، كما خصص لها بابا في الابانة. كما تكلم عنها في كتابه رسالة الى أهل الثغر أما اللمع فلم نجد له قولا فيها.
وفيما يلي نورد معتقد الأشعري: يقول رحمه الله – في معرض ذكره اجماعات السلف: وأنه تعالى فوق سماواته دون أرضه، وقد دل على ذلك قوله تعالى: (( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض )) ( الملك16 ). وقال: (( اليه يصعد الكلام الطيب )) ( فاطر10 ) وقال: (( الرحمن على العرش استوى )) (طه5 ) وليس استواءه على العرش استيلاء كما قال اهل القدر لان الله عز وجل لم يزل مستويا.
وقد استدل الأشعري في الابانة بآيات أخرى نذكرها فيما يلي:(1/55)
قوله تعالى (( بل رفعه الله اليه )) ( السجده 5 ) وقال حكاية عن فرعون: يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الاسباب اسباب السماوات فاطلع الى إله موسى وإني لأظنه كاذبا )) ( غافر 36-37 ) فكذب فرعون نبي الله موسى عليه السلام في قوله: إن الله فوق السماوات وقال عز وجل: (( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض )) ( الملك 16. فالسموات فوقها العرش، فلما كان العرش فوق السماوات قال: أأمنتم من في السماء لانه مستو على العرش الذي فوق السماوات وكل ما علا فهو سماء فالعرش أعلى السماوات. كما نجد الأشعري يستدل بدليل فطري اذا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم اذا دعوا نحو السماوات، فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا يديهم نحو العرش كما لا يحطونها اذا دعوا الى الأرض.
وبعد أن اثبت الأشعري لله صفة الاستواء من غير تكييف بدأ يلاحظ أقوال المبتدعة الذين قالوا ان الله بكل مكان أو أن الاستواء معناه الاستيلاء والمللك والقهر. فنفى أن يكون بكل مكان لان هذا يلزم منه أنه تعالي في بطن مريم وفي الحشوش والاخلية وذلك، باطل مخالف للدين كما أن تأويل استوى باستولى وملك وقهر باطل اذ لو كان هذا كما ذكروه كان لا فرق بين العرش والارض فالله مستول على كل شيء. وبعد هذا بدأ يستعرض الادلة النقلية من القرآن الكريم، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، على اثبات علو الله واستواؤه على عرشه، وختم هذا المبحث بخبر عن رسول الله(ص): أن رجلا أتى النبي (ص) بأمة سوداء فقال: يا رسول الله اني أريد أن اعتقها في كفارة فهل يجوز عتقها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم، أين الله؟ قالت: في السماء. قالت: فمن أنا؟ قالت: أنت رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعتقها فانها مؤمنة (1) )) وهذا يدل على أن الله عز وجل على عرشه فوق السماء.
2- النزول والمجيىء والأتيان: وهي من الصفات التي اجمع السلف على اثباتها لله تعالى، وقد نقل الأشعري عنهم ذلك:(1/56)
والأشعري كما بين في الابانة أنه تابع لأهل السنة، قد أثبت لله تعالى هذه الصفة، ومعتمد الاساسي في هذا الباب هو الحديث الذي روي عفان عن حماد بن سلمة، ثنا عمرو بن دينار عن نافع بن جبير عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينزل الله عز وجل كل ليلة الى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر. وقوله صلى الله عليه وسلم اذا بقي ثلث الليل ينزل الله تبارك وتعالى فيقول: من ذا الذي يدعوني فاستجيب له من يسألوني فأعطيه؟ من يستغفرني فاغفر له )) (2).
1- اخرجه: مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب تحريم الكلام في الصلاة ج1 ص:383 رقم 537
1- أبو داود في كتاب الصلاح، باب تشميت العاطس في الصلاة ج1 ص:570 رقم 930 وفي كتاب الايمان باب في الرقبة المؤمنة ج3 ص:587 رقم 3282.
2- اخرجه: البخاري
- في كتاب التهجد باب الصلاة والدعاء آخر الليل ج3 ص:29 رقم 1145 من فتح الباري
- في كتاب الدعوات باب دعاء نصف الليل ج11 ص128 رقم 2321
- في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: يريدون أن يبدلوا كلام الله ج13 ص:464 رقم 4794
2- مسلم في كتاب صلاة المسافرين باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل: ج1 ص:221 رقم: 758
3- أبو داود
- في كتاب الصلاة باب أي الليل أفضل ج2 ص:76 رقم1315
- في كتاب السنة باب في الرد على الجهمية ج5 ص:101 رقم 4733
4- أحمد
- في السند 2ص:264
5- ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص:127
أما من القرآن فقد استدل الأشعري بآيات بينات نوردها:
(( وجاء ربك والملك صفا صفا )) ( الفجر22 ) (( هل ينظرون الا يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) ( البقرة 210) (( ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى )) ( النجم 8-9 )(1/57)
ويرى ابن تيمية أنالأشعري جعل النزول والاتيان والمجيىء حدثا يحدث منفصلا عنه فذاك هو اتيانه واستواؤه على العرش فقال: استواءه فعل يفعله في العرش يصبر به مستويا عليه من غير فعل يقوم بالرب (1). وقريب من هذا الكلام ما نجده عند الأشعري في رسالة أهل الثغر حيث يقول: وأجمعوا على أنه يجيىء يوم القيامة والملك صفا صفا لعرض الامم وحسابها. وليس مجيئه حركه ولا زوالا وانما يكون المجيىء حركة وزوالا اذا كان الجائي جسما أو جوهرا فاذا ثبت انه تعالى ليس بجسم ولا جوهر لم يجب ان يكون مجيئة نقلة أو حركة ألا ترى انهم لا يريدون بقولهم جاءت ريد الحمى انها انتقلت اليه وحركت من مكان كانت فيه اذ لم تكن جسما ولا جوهرا وانما مجيئها اليه وجودها به وانه عز وجل ينزل الى السماء الدنيا كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس نزوله تعالى نقلة لانه ليس بجسم ولا جوهر (2)
1- مجموع الفتاوى لابن تيمية ج12 ص:250
2- رسالة أهل الثغر ص:52
3- صفة الرضا والغضب: لقد اثبت الأشعري هذه الصفة لله تعالى في كتبه الثلاثة ( اللمع والابانة ورسالة أهل الثغر ) اذ يقول في الابانة: اذا كان غضب الله غير مخلوق وكذلك رضاه وسخطه، فلم لا قلتم ان كلامه غير مخلوق، ومن زعم أن غضب الله مخلوق لزمه أن غضب اللهوسخطه على الكافرين يفنى، وأن رضاه عن الملائكة والنبيين يفنى، حتى لا يكون راضيا عن أوليائه ولا ساخطا على أعدائه وهذا الخروج عن السلام.(3)
كما نقل عن السلف أنهم اجمعوا على أن الله عز وجل يرضى عن الطائفين ويسخط على الكافرين (4) الا أننا اذا نظرنا في كلامه عن رضاه تعالى وسخطه نجد يخالف ما أجمع عليه السلف، اذ اولها فقال: " رضاه عنهم ارادته لنعيمهم وانه يحب التوابين ويسخط على الكافرين ويغضب عليهم وأن غضبه ارادته لعذابهم وانه لا يقوم لغضبه شيء (5)(1/58)
ب- الصفات الفعلية العقلية: وهي كالخلق والرزق والتفضل بالنعم، وقد اثبتها الأشعري جملة فالله هو الخالق وقد مر معنا هذا في باب اثبات وجود الصانع ورأينا أدلته العقلية والنقلية كما سنرى في فصل لاحق أدلته النقلية على ذلك فلا مجال لذكرها هنا.
أما الرزق فقد ذكره في معرض كلامه عن تقدير أعمال العباد والاستطاعة وقال أن الله قادر أن يفعل بخلقه من بسط الرزاق ما لو فعله به لبغوا، وأن يفعل بهم ما لو فعله بالكفار لكفروا، كما قال: " ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض " ( هود 107 ).
أما التفضل بالنعم فان الأشعري لا يفصل القول فيها وحين يعرض لها يذكرها مرتبطة بمسائل تقدير أفعال العباد... كسابقتها فالله هو المتفضل علينا بالنعم.
* منهج الأشاعرة في الصفات
الاشاعرة فرقة من الفرق الكلامية التي انتسبت الى الامام الأشعري ويسمون كذلك الصفاتية لاثباتهم صفات الله عز وجل. ومن المعروف أن المذهب الأشعري كان محاولة للتوسط بين العقل والنقل الشىء الذي أثار نقمة الفريقين، العقلي الذي يمثله المعتزلة والنقلي الذي يمثله الحنابلة. وباختفاء المعتزلة من الساحة الفكرية بعد ظهور الأشعري وفضحه اياهم فاصبح النزاع بين الأشاعرة الذين تزعموا التوسط بين العقل والنقل والحنابلة الذين أخذوا بالنقل وكان نتيجة طبيعية لهذا الصراع ان توسع الأشاعرة في أخذهم بالعقل كرد فعل للحملات التي شنها عليهم الحنابلة.
وبهذا قسموا الصفات الى أربعة أقسام:
3- الابانة ص:51-52
4- رسالة اهل الثغر ص:74
5- رسالة أهل الثغر ص:74-75
1- الصفات النفسية: المراد بها صفة ثبوتية يدل الوصف بها على الذات دون معنى زائد عليها والصفة النفسية صفة واحدة وهي وجود كامل ذاتي بمعنى انه موجود لذاته لا لعلة مؤثرة فيه ومن خصائص الوجود الذاتي ان لا يقبل العدم.(1/59)
2- الصفات السلبية: كل صفة مدلولها عدم أمر لا يليق بالله سبحانه وهذه الصفات كثيرة الا ان هناك خمس صفات هي أمهات الصفات السلبية كلها:
أ - الوحدانية: معناه سلب تصور الكمية في ذاته وصفاته سبحانه
ب - القدم: معناها عدم وجود أول له
ج- البقاء: ومعناه امتناع لحوق العدم بذاته
د- القيام بالذات: أي أنه تعالى غير مفتقر الى موجد يوجده ولا محل يقوم به كان الله تعالى فبل وجود أي شيء وقبل وجود الزمان والمكان.
ه- مخالفته للحوادث: ومعناه عدم مماثلته جل جلاله لها.
3- صفات المعاني: وهي كل صفة قائمة بذاته تعالى تستلزم حكما معينا وهي سبعة:
أ- العلم: وهي صفة أزلية قائمة بذاته تعالى يتأتى بها كشف الأمور والاحاطة بها على ما هي عليه في الواقع أو على ما ستكون عليه في المستقبل.
ب- الارادة: وهي صفة أزلية قائمة بذاته تعالى من شانها تخصيص الممكنات ببعض ما يجوز عليها من وجود وعدم وتكيف يقطع النظر عن أي مؤثر خارجي
ج- القدرة: وهي صفة أزلية قائمة بذاته تعالى يتأتى بها ايجاد كل ممكن واعدامه وتكييفه.
د- السمع: وهي صفة ذاتية تتعلق بالمسموعات او بالموجودات فتدرك ادراكا تاما لا على طريق التخيل والتوهم ولا على طريق تأثير حاسة ووصول هواء.
ه- البصر: وهي صفة ذاتية تتعلق بالمبصرات أو الموجودات فتدرك ادراكا تاما لا على طريق التخيل والتوهم ولا على طريق تأثير حاسة ووصول شعاع.
و- الكلام: وهي صفة أزلية قائمة بذاته تعالى هو بها آمر وناه ومخبر عبر عنها نظر ما اوحاه الى رسله كالقرآن والتوراة والانجيل.
ز- الحياة: وهي صفة ذاتية يتأتى بها ثبوت الصفات السابقة
4- الصفات المعنوية: وهي نتائج صفات المعاني أي هي الأحكام التي تترتب على صفات المعاني فهي كونه جل جلاه قديرا مريدا، متكلما سميعا بصيرا حيا.
أما الصفات من حيث ثبوتها فقد قسموها الى قسمين كما مر معنا صفات خبرية وصفات عقلية.(1/60)
أما العقلية فلا ينقل عنهم خلاف فقد اثبتوها. أما الصفات الخبرية فقد اختلفوا فيها عل مذهبين: فمنهم من ذهب الى تفويض معانيها الى الله سبحانه وتعالى
ومنهم من أولها وأخرجها عن ظاهرها كما فعلت المعتزلة من جملة أقوالهم:
الاستواء معناه الاستيلاء – الاتيان اما اتيان آيات الله أو أمر الله – والمجيىء اما مجيء أمر الله وقضائه الفصل وحكمه العدل، واما مجيء قهر الله واما مجيء عذاب الله واما مجيء ظهور معرفة الله تعالى. أما النزول فقد رأى بعضهم – كابن فورك – انه يحتمل أن يكون نزول الرحمة أو نزول الملائكة. ورضاه ارادة الثواب والانعام. وغضبه: ارادة العقاب والانتقام وأولوا اليدين بالقوة والنعمة ومن القائلين بالقوة ابن تومرت ومذهبهم هذا مردود وقد سبق للأشعري أن رد على الذين ذهبوا الى تأويل هذه الآيات فالله مستوي في الحقيقة من غير تكييف وله يدين وعينين ووجه... كما جاء في الروايات والاخبار والقرآن
المبحث الرابع: فيما يتعلق باليوم الآخر
ان مفهوم الايمان عند الأشعري هو التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم والايمان باليوم الاخر هو أحد أركان السنة للايمان التي جاء بها الحديث النبوي ردا على سؤال جبريل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم عن الايمان بقوله: الايمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ))
وخلاصة الايمان باليوم الآخر الايمان والتصديق لكل ما أخبر به الله عز وجل في كتابه وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذابه ونعيمه والبعث والحشر والحساب والميزان والحوض والصراط والشفاعة والجنة والنار وما أعد الله تعالى لأهلها جميعا (1).
1- ص:59 مب شرح لمعة الاعتقاد الهادي الى سبيل الرشاد بموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي مؤسسة الرسالة مكتبة الرشاد بقلم محمد صالح العتيميين الطبعة الثالية 1405-1975.(1/61)
اذن كانت متعلقا الايمان باليوم الآخر أخبارا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متلقاه من السمع فقط دون العقل اذ لا سبيل له في اثباتها أو نفيها وهذا السبب هو الذي دعى بعض العلماء الى اطلاق اسم السمعيات عليها، ولقد نفى المعتزلة أكثر هذه العقائد اذ جاءت عن طريق اخبار الآحاد وهم ينفونها فأنكروا ما وردت به وأبطلوه بينما أقرها اهل السنة والجماعة كما أقر الأشعري بكل الأخبار الصحيحة الواردة فيها اذ يقول رحمه الله، ونسلم بالروايت الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات: عدل عن عدل حتى تنتهي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما قال في موضع آخر: وتصدق جميع الروايات التي يثبتها أهل النقل(1)ما بين في موضع آخر ان مذهب اهل الحديث والسنة أنهم يقرون بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله، وما رواه التفات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون من ذلك شيئا...
ثم قال بعد حكاية قول أهل السنة أنه يذهب الى كل ما ذهبوا اليه من قول (2).
وفي ما يلي نذكر جملة قوله في هذا الباب:
يقول الأشعري في الابانة:(1/62)
نقر ان الجنة حق والنار حق. هو أن الساعة آتية لا ريب فيها. وأن الله يبعث من في القبور. وندين بان الله تعالى يرى في الآخرة بالابصار كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونقول أن الكافرين محجوبون عنه اذا رىه المؤمنون في الجنة كما قال عز وجل: (( كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )) ( المططفين15 ) ونقول ان الله عز وجل يخرج قوما من النار- بعد أن امتحشوا – بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونؤمن بعذاب القبر وبالحوض وأن الميزان حق. والبعث بعد الموت حق. والصراط حق. وأن الله عز وجل يوقف العباد في الموقف ويحاسب المؤمنين. ونقول ان الله عز وجل يجيء يوم القيامة كما قال : (( وجاء ربك والملك صفا صفا )) ( الفجر22 ). ونقر بخوج الدجال كما جاء الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونؤمن بعذاب القبر ونكير ومنكر ومساءلتهما المدفونين بقبورهم. ونقر بأن الجنة والنار مخلوقتان
1- الابانة عن أصول الديانة22
2- مقالات الاسلاميين245
هذه جملة عقيدته الا أننا نراه في الابانة قد فصل القوم في أربعة أبواب
أ الشفاعة ب- الحوض ج- عذاب القبر د- رؤية الله يوم القيامة
أ- شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينقل لنا الأشعري اختلاف الناس في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: الأول: قول المعتزلة أنهم يبطلون وينكرون شفاعته صلى الله عليه وسلم لمرتكبي الكبائر ويثبتونها للعشرة المبشرين بالجنة والثاني: قول بعضهم ان الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أن يردادوا في منازلهم من باب التفضل والثالث: وهو مذهب اهل السنة والاستقامة الذين يقولون بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر (1).(1/63)
ولا شك ان الأشعري يتبنى قول اهل السنة والحديث الذين يثبتون شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ ان مذهبه هو مذهبهم كما بين في كتابه المقالات وقد رد على مخالفيهم من وجوه. أما المذهب الثاني فقد رد عليه كذلك بأن الله وعدهم (( ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله )) ( فاطر30 ) والله لا يخلف وعده فلو كانت الشفاعة لهؤلاء لكان معناها في أنل يخلف الله وعده. أما المذهب الأول فقد رد عليه أن الله قد بشر هؤلاء العشرة بالجنة ووعدهم بها واستحقوا على الله واستوجبوهم عليه والله لا يظلم مثقال ذرة لو كانت الشفاعة لهؤلاء لكانت في أن لا يظلم الله عز وجل أحدا. بينما الشفاعة في رأي الأشعري فيمن استحق عقابا أن يوضع عنه عقابه أو فيمن لم يعده شيئا ان يتفضل به عليه فأما اذا كان الوعد بالتفضل سابقا فلا وجه له يشهد لهذا ما روي أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المذنبين يخرجون من النار (2).
ب- الحوض: وقد اختلف الناس في الحوض على مقالتين:
1- ذهب أهل السنة الى ان النبي صلى الله عليه وسلم حوضا يسقي من المؤمنين ولا يسقي من الكافرين
2- بينما أنكر قوم الحوض ودفعوه (3) منهم المعتزلة. وقد اثبت الاشعري الحوض واستدل عليه من السنة والاجماع بقوله: قد روي عن النبي (ص)
3- مقالات الاسلاميين ج2 ص:
من وجوه كثيرة وروي عن أصحابه بلا خوف. ويروي في هذا الباب حديثين يسندهما عن عن النبي (ص) يثبتان الحوض
ج- عذاب القبر: اقد انكرت المعتزلة عذاب القبر بينما اثبته أهل السنة اذ وردت به الاخبار عن رسول رب العالمين والأشعري قد اثبته من ثلاثة أوجه:
الأول: من الكتاب واستدل بثلاث آيات نوردها كالتالي:(1/64)
يقول تعالى (( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب )) (فاطر). وقوله عز وجل: (( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون يفرحون بما آتاهم الله من فضله ويستشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم عليهم ولا هم يحزنون )) (آل عمران169) (( سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم )) ( التوبة101).
أما من السنة فما روي عن الرسول أنه كان يحثنا على أن نتعوذ بالله من عذاب القبر وأنه كان يتعوذ من عذاب القبر. أما من الاجماع فلم ينقل الينا اختلاف اصحابه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم في ذلك (1)
د- رؤية الله يوم القيامة: من بين الاشكالات التي اهتم بها الأشعري وأولادها اهتماما بالغا جعله يخصص لها بابين في الابانة مسألة رؤية الله يوم القيامة، وهي من بين أول المسائل التي خرج على معتقده فيها اثر خروجه على الاعتزال مما ينبىء انها كان من الاشكالات المتنازع حولها في عصره.
وقد أنكر المعتزلة رؤية الله يوم القيامة وأولوا الآيات التي تفيد ذلك اذ انها مناقضة للاصل الأول لديهم، ألا وهو التوحيد فقد كانوا يقولون: ان الله لا يحيط به مكان، ولا تجوز عليه المماسة ولا العزلة ولا الحلول في الاماكن... ولا تدركه الحواس... ولا تراه العيون ولا تدركه الابصار (2). بينما ذهب أهل التشبيه والحشوية الى أن الله يرى مكيفا محدودا كسائر المرئيات (3).
لقد قدم الأشعري لجواز رؤية الله بالأيصار أدلة سمعية وعقلية.
1- الابانة عن أصول الديانة 143-144
2- مقالات الاسلاميين ج1 ص:235
3- تبيين كذب المفتري ص:149(1/65)
أما الأدلة السمعية فقد احتج بجملة من الأحاديث والآيات التي تثبتها وكان معتمده الاساسي قوله تعالى: (( وجوه يومئذ ناظرة الى ربها ناظرة )) (القيامة 23)، ثم حصر المعاني المحتملة للنظر فقال: قد يحتمل أن يكون معنى النظر: نظر الاعتبار أو نظر الانتظار أو نظر القلب أو نظر التعطف أو بمعنى الرؤية، ونفي الأقسام الأربعة الأولى من اللغة والمعقول ورجح أن معنى النظر في الآية لا يمكن ان يكون الا رؤية. وقد نفى عن الخصوص أن يكون عني به نظر الانتظار لأنه من قول المعتزلة وكذلك نفي أن يكون مراد الآية نعم ربها ثوابه منتظرة. وقد كان المعتزلة ينفون الرؤية معتمدين على الآية: (( لا تدركه الابصار )) فاضطر الأشعري حيال هذه الآية أن يخصص فيقول بعدم جواز الرؤية في الدنيا (( في الآخرة كذلك اضطر الى تأويل قوله تعالى ردا على موسى: لن تراني، أن العجز من الرائي وليست الاستحالة من قبل المرئي والا لقال سبحانه: لست مرئيا وان ورود النفي بصيغة ((لن)) يفيد مجرد النفي دون الاستحالة ولو كانت الرؤية مستحيلة لما سألها نبي. كما استند الأشعري الى آيات أخرى لتأكيد رأيه – أن الرؤية للمؤمنين في الآخرة – بقوله تعالى: (( انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )) ( المصطفون 15 ). فاذا كان الكفار محجوبين فلابد أن المؤمنين مبصرون. كما استدل بما ذهب اليه اصحاب التفسير امثال ابن كثير وابن حزيمة الى أن معنى قوله تعالى: (( للذين احسنوا الحسنى وزيادة )) ( يونس 36 ) أن الزيادة هي النظر الى الله تعالى. كما استدل من السنة بقوله (ص): ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضارون في رأيه، اذ يقول في رسالة أهل الثغر، وأجمعوا على أن المؤمنين يرون الله عز وجل يوم القيامة باعين وجوههم على ما اخبر به تعالى في قوله: وجوه يومئذ ناضرة الىربها ناظرة، وقد بين معنى ذلك النبي (ص) ورفع كل اشكال فيه بقوله للمؤمنين: ترون ربكم عيانا وقوله: ترون ربكم يوم القيامة.(1/66)
الحديث أما ادلته العقلية فاغلبها تثبت جواز الرؤية وعدم استحالتها لان ذلك لا يفيد حدوثه أو تغيير حقيقته أو تشبيهه أو أن تقتضي الرؤية الجسمية ولا مقابلة للمرئي ولا اتصال الشعاع منه اليه انها جائزة دون دلالة على الجسمية أو التشبيه اذ انها رؤية بلا كيف.
المبحث الخامس: منهجه فيما يتعلق بالقضاء والقدر
من أهم القضايا التي طالما شغلت الفكر الأسلامي والعلماء، والتي ما زالت محل بحث يتناولها الناس. العامة منهم والعلماء – بالحديث قضية خلق افعال العباد.(1/67)
وقد اهتم بها الأشعري اهتماما بالغا، وأدلى بدلوه في بحثها، حيث ألف فيها الكتب- مع الأسف لم تصل الينا – وهذه المسالة ذات صلة وثيقة بمسألة القضاء والقدر التي أفرد لها الأشعري بابا في متابيه اللمع والابانة. وقبل الشروع في الحديث عنها، وعن موقف الأشعري منها، أحب أن أقول أن بدعة القدر، وجدت في عصر مبكر، منذ أيام الصحابة رضوان الله عليهم الذين شددوا النكير على أصحابها حين بلغتهم مقالتهم وتبرأوا منهم. وقد اشتهرت هذه المسألة عن معبد الجهني، الذي يعد اول مبتدع لها وتابعه عليها غيلان الدمشقي الذي توسع في الحديث عنها، وبدأ ينشرها حتى امر الخليفة هشام بن عبد الملك بسجنه وتعذيبه الى أن مات سنة 106ه حين استفحل امره بالدعوة جهارا الى بدعته. الا أن تلك البدعة لم تمت بموت صاحبها، شأنها شان كل البدع ومن هنا تكمن خطورة البدع وتشديد النبي (ص) في تحريمها. لم تمت بدعة القول بالقدر، فقد احتضنها المعتزلة الذين ينكرون القدر، واسندوا أفعال العباد الى قدرهم، موافقة الرأي معبد وغيلان حتى اشتهر تلقيبهم بالقدرية. يقول زهدي جار الله في كتابه المعتزلة: ان القدرية فرقة سبقت المعتزلة وكان من رؤسائهم الأوائل معبد الجني وغيلان الدمشقي ولما ظهر المعتزلة أخذوا عن القدرية قولها في نفي القدر فعلق بهم لذلك اسمها. وقد عرف العلماء القدر بالايمان بعلم الله القديم والايمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة.(1/68)
يقول الدكتور محمد نعيم ياسين في " الايمان " وعقيدة القدر مبينة في حقيقتها على الايمان بصفات الله العلي، وأسمائه الحسنى ومنها العلم والقدرة والارادة: قال تعالى (( وهو بكل شيء عليم )) (الحديد3) وقال: (( وهو على كل شيء قدير )) (الحديد2) وقال: (( فعال لما يريد )) (البروج16) (1). يقول ابن القيم الجوزية: (2)... ولما كان الكلام في هذا الباب نفيا واثباتا موقوفا على الخبر عن أسماء الله وصفاته وأفعاله وخلقه وأمره. ثم ذكر مراتب القضاء والقدر التي من استكمل معرفتها والايمان بها فقد آمن بالقدر قال انها أربع مراتب:
الرتبة االأولى: علم الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها المرتبة الثانية: كتابته لها قبل كونها المرتبة الثالثة: مشتئته لها المرتبة الرابعة: خلق لها
1- كتاب الايمان أركانه: حقيقته. نواقضه للدكتور محمد نعيم ياسين نشر مكتبة التراث الاسلامي (1987).
2- من كتابه شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والتعليل. المقدمة9 ص:55(1/69)
ولا شك أن ابن القيم الجوزية تابع لشيخه ابن تيمية في هذا الباب اذ يقول رحمه الله: الايمان بالقدر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين: الدرجة الأولى: الايمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلا، وعلى جميع أحوالهم في الطاعات والمعاصي والارزاق والآجال، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق... واما الدرجة الثانية. فهي الايمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهو الايمان بان ما شاء الله كان ولم لم يشأ لم يكن، وانه ما في السماوات وما في الأرض من حركة ولا سكون الا بمشيئة الله سبحانه، لا يكون في ملكه ما لا يريد، وأنه سبحانه على كل شيء قدير من المودجودات والمعدومات فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء الا الله خالقه سبحانه لا خالق غيره ولا رب سواه (1). فالايمان بالقدر يشتمل على أرع مراتب: الأول: الايمان بعلم الله القديم أنه علم أعمال العباد فبل أن يعلموها، الثانية كتابة ذلك في اللوح المحفوظ، الثالثة: مشيئته الله النافذة وقدرته الشاملة، الرابعة: ايجاد الله لكل المخلوقات، وأنه الخالق وكل ما سواه مخلوق
* ما هو تعريف الأشعري للقدر؟
في الحقيقة مما تبقى من أقواله في القدر لا يصرح الأشعري بأي شيء في هذا الباب الا أننا يمكن ان نستشف من أقواله – التي سأروها فيما يلي – تعريفا له:(1/70)
يقول الأشعري: وهذا يدل على بطلان قول القرية الذين يقولون ان الله عز وجل لا يعلم اليء حتى يكون، لأن الله عز وجل اذا كتب ذلك وامر بأن يكتب فلا يكتب شيئا لا يعلم جل عن ذلك وتقدس (2). ويقول في موضع آخر بعد ان سرد قول الله عز وجل مخبرا عن اهل النار وانهم (( قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين )) ( المؤمنون 106 ) وكل ذلك بامر قد سبق في علم الله عز وجل ونفذت فيه ارادته وتقدمت فيه مشيئته. فمما سبق يمكن أن نستشف تعريفا للقدر عند الأشعري أنه هو الايمان بتقدم علم الله سبحانه بما يكون في اكساب الخلق وغيرها من المخلوقات وكتابته لها ومشيئته لها. وبهذا التعريف تتبين لنا العلاقة بين القدر ومسألة افعال العباد فهذه الاخيرة جزء من تلك المسألة الشائكة، والأشعري من مثبتي القدر الا انني هنا سافصل الحديث عن
1- الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية ص:352-353
2- الابانة ص:132
خلق الله أفعال العباد واكسابهم ام الجوانب الأخرى من المسألة كالهدى والضلال وجواز تكليف ما لايطاق فساذكرها موجزة من خلال عرض للمسألة – خلق أعمال العباد – وقبل هذا أحب أن اقص الآراء التي اشتهرت حول المسألة وهي عبارة عن رأيين متناقضين: 1- الجهمية الجبرية (1): زعمت ان التدبير في أفعال الخلق كلها لله تعالى وهي كلها اضطرارية واضافتها للخلق مجاز، يقول ابن القيم الجوزية: مباغات طائفة اخرى فنفت فعل العبد وقدرته واختياره وزعمت أن حركته الاختيارية - ولا اختيار – كحركة الاشجار عند هبوب الرياح وكحركات الأمواج، وانه على الطاعة والمعصية مجبور، وانه غير ميسر لما خلق له، بل هو عليه مقهور ومجبور.(1/71)
- المعتزلة التي قابلت هؤلاء الجبرية فزعموا ان جميع الأفعال الاختيارية لا تعلق لها بخلق الله تعالى يقول ابن القيم الجوزية:... الذين يقولون لا قدر، وان الأمر أنف فمن شاء هدى نفسه ومن شاء أضلها، ومن شاء بخسها حظها وأهملها ومن شاء وفقها للخير وكملها، كل ذلك مردود الى مشيئة العبد ومقتطع من مشيئة العزيز الحميد،
أما الأشعري فانه حينما يتناول هذه المسالة بالحديث عنها فانه بما أورده من ادلة لتقرير مذهبه يرد على المعتزلة الذين يقولون بخلق الانسان فعله:
فقد ذهب الى أن جميع أفعال العباد مخلوقه ومقدره لله سبحانه وتعالى مستدلا كما استدل الأشعري بقوله تعالى: (( ولا يخلقون شيئا وهم مخلوقون )) ( النحل20 ) وقوله تعالى (( أفمن يخلق كمن لا يخلق )) ( النحل17 )، وقوله عز من قائل: أم خلقوا من غير شيء أم هو الخالقون )) فالعباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا وهم يخلقون. واذا كان المعتزلة قد نظروا الى هذه المسألة من زاوية العدل الالهي فقالوا ان تمام العدل ان تكون افعال العباد اختيارية وعلى هذا يدور التكليف فان موقف الأشعري يستند الى قضية أساسية يرى أن المسلمين قد اجمع
1- الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية ص:352-353
2- الابانة ص:132(1/72)
عليها وهي ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون وهذه الضية جعاته ينظر الى مشكلة الجبر والاختيار من زاوية المشيئة الالهية لا من زاوية التكليف والجزاء. وقد استدل الأشعري على ذلك بقوله تعالى: (( وما تشاؤون الا ان يشاء الله )) ( الانسان30 ) فاخبر انا لانشاء شيئا الا وقد شاء الله، فعله هذا تكون مشيئة العباد تابعة لمشيئة الله. والأشعري حين يذهب هذا المذهب لا يقول أن افعال الانسان كلها اضطرارية ولا اختيار كما قالت الجهمية والمرجئية، بل انه يفرق بين الأفعال الأضطرارية والفعال الاختيارية، الأولى تقع من العباد وقد عجزوا عن ردها والثانية يقدر عليها العباد غير أنها مسبوقة بارادة الله حدوثها واختيارها، وبهذه المقدرة الحادثة يكتسب الانسان افعاله، فالفعل المكتسب هو المقدور بالقدرة الحادثة فاذا أراد العبد الفعل وتجرد أي لم يشغل نفسه بفعل سواه خلق الله له في هذه اللحظة قدرة على الفعب مكتسبة من العبد لقدرته التي خلقها الله له وقت الفعل، فالحركات الاضطرارية والاختيارية وقعتا من جهة الله خلقا وهما يفترقان في باب الضرورة والكسب ولكنهما يستويان في باب الخلق.
ان الأشعري في ما ذهب اليه من أن افعال العباد مقدرة لله تبارك وتعالى لا يخرج شيء منها عن قدرته ومشيئته، موافق للسلف.
المبحث السادس: الايمان
الايمان عند الأشعري هو التصديق بالله فقط، ولهذا يرى الفاسق من اهل القبلة مؤمن بايمانه، فاسق بفسقه وكبيرته، ولا يجوز أن نقول أنه لا مؤمن ولا كافر كما ذهبت اليه المعتزلة، لانه: لو كان الفاسق لا مؤمنا ولا كافرا، لم يكن منه كفر ولا ايمان، ولكان لا موحدا ولا ملحدا ولا وليا ولا عدوا. فلما استحال فاذا كان الفاسق مؤمنا قبل فسقه، بتوحيده، فحدوث الزنا بعد التوحيد لا يبطل اسم الايمان الذي لا يفارقه (1).
ويرى عبد القاهر البغدادي أن الأشاعرة اختلفوا في الايمان على ثلاثة مذاهب:(1/73)
أ - فقال أبو الحسن الأشعري: ان الايمان هو التصديق لله ورسوله عليه السلام في اخبارهم ولا يكون هذا التصديق صحيحا الا بمعرفته والكفر عنده هو التكذيب.
ب - عبد الله بن سعيد: ذهب الى أن الايمان هو الاقرار بالله عز وجل وبكتبه وبرسله اذا كان ذلك عن معرفة وتصديق بالقلب. فان خلا الاقرار عن المعرفة بصحته لم يكن ايمانا.
ج- وقال الباقون من أصحاب الحديث: انا الايمان جميع الطاعات فرضها ونفلها وهو على ثلاثة أقسام: قسم منه يخرج صاحبه من الكفر ويتخلص به من الخلود في النار ان مات عليه وهو معرفته بالله تعالى وبكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره من الله مع اثبات الصفات الأزلية لله تعالى ونفي التشبيه والتعطيل عنه ومع اجازة رؤيته واعتقاد سائر ما تواترت الاخبار الشرعية به. وقسم منه يوجب العدالة وزوال اسم الفسق عن
1- اللمع في الرد على أهل الزيع والبدع ص:75و76
صاحبه ويتخلص من دخول النار وهو أداء الفرائض واجتنا الكبائر. وقسم منه وجب كون صاحبه من السابقين الذين دخلوا الجنة بلا حساب وهو أداء الفرائض والنوافل مع اجتناب الذنوب كلها (1).(1/74)
وزعمت الجهمية أن الايمان هو المعرفة وحدها وقالت النجارية: الايمان ثلاثة أشياء: معرفة واقرار وخضوع، وروي عن أبي حنيفة انه قال: الايمان هو المعرفة والاقرار، وقالت القدرية والخوارج برجوع الايمان الى جميع الفرائض مع ترك الكبائر، وزعمت الكرامية أن الايمان اقرار فرد وهو قول الخلائق بلى في الذرء الأول حين قال الله تعالى لهم: (( الست بركم قالوا بلى )) ( الأعراف171 ) وزعموا أن ذلك القول باق في كل من قاله مع سكوته وخرسه الى القيامة، لا يبطل عنه الا بالردة...(2). ويرى الامام ابن تيمية أن الأشعري نصر قول جهم في الايمان مع أنه نصر المشهور عن اهل السنة من انه يستتنى في الايمان فيقول: أنا مؤمن ان شاء الله. وأظن أن الالمام أبي الحسن قد رجع عن قوله أن الايمان هو التصديق بالله فقط فقد جاء في مقدمة الابانة قوله:- جملة عقيدته – أن الايمان قول وعمل. الا أن اكثر اتباعه بقوا على الايمان هو التصديق مستدلين باجمال اللغة قاطبة على ان الايمان هو التصديق. وقد رد عليهم أهل الحديث واهل السنة قولهم ذاك بعدة أجوبة: 1- قول من ينازعه في أن الايمان في اللغة مرادف للتصديق ويقول هو بمعنى الاقرار وغيره. 2- أو يقل: ليس هو مطلق التصديق، بل هو تصديق مقيد بقيود اتصل اللفظ بها. وليس هذا نقلا للفظ ولا تغيرا له، فان الله لم يأمرنا بايمان مطلق، بل بايمان خاص وصفه وبينه.. 3- أن يقال: وان كان هو التصديق، فالتصديق التام القائم مستلزم لما وجب من أعمال القلب والجوارح، ان هذه اللوازم تدخل في مسمى اللفظ تارة وتخرج عن آخره.
4- قول من يقول: ان اللفظ باق معناه في اللغة ولكن الشارع زاد فيه حكما.
5- قول من يقول: ان الشارع استعمله في معناه المجازي فهو حقيقة شرعية مجاز لغوي..
6- قول من يقول: انه منقول (3)
1- ص: 249 أصول الدين الامام أبي منصور عبد القاهر بن ظاهر التميمي البغدادي منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت.(1/75)
2- أصول الدين للبغدادي ص: 250
3- الايمان لابن تيمية نشر المكتب الاسلامي: الطبعة الثالثة 1401
هل في الايمان زيادة ونقصان؟
لا نجد الأشعري تعرض للجواب عن هذه المسألة في اللمع. غير أن موقفه من الايمان يمنع الزيادة والنقصان فاما أن نصدق أولا نصدق، لكننا في كتابة الابانة نجده يقول: الايمان قول وعمل، يزيد وينقص. كما نجد له نصا هاما في رسالة أهل الثغر حيث يقول: وأجمعوا على أن الايمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وليس نقصانه عندنا شكا فيما أمرنا بالتصديق به، ولا جهل به لأن ذلك كفر، وانما هو نقصان في مرتبة العلم وزيادة البيان، كما يختلف وزن طاعتنا وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم وان كنا مؤيدين للواجب علينا (1)
المبحث السابع: في الامامة(1/76)
لقد اختلف الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الامامة وهو اول خلاف يراه الأشعري وقع في الأمة، فاختلفوا ثلاث فرق:- صنف من الناس يقول بامامة علي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم – وصنف يقول بامامة العباس رضي الله عنه – وقائلين بامامة أبي بكر رضي اله عنه. أما أسباب الخلاف بينهم فيرى البغدادي أن الرافضة القائلين بامامة علي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم، نص على امامة علي رضي الله عنه نصا مقطوعا بصحته. أما الرواندية القائلون بامامة العباس رضي الله عنه فمعتمدهم في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على امامته ونصبه اماما. أما السلف الصالح فينقل الأشعري عنهم أنهميقولون بامامة أبي بكر الصديق والأشعري بدون شك يؤيد رأيهم هذا وقد خصص له بابا في كتابيه اللمع والابانة بين فيها أدلته على امامة أبي بكر الصديق كما دحض كل حجج المخالفين. اما أدلته النقلية فهو قوله تعالى (( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننهم لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا )) ( النور55 ). كما نطق القرآن بمدح المهاجرين والانصار في مواضع كثيرة وأثنى على أهل بيعة الرضوان، وهؤلاء أجمعوا الى امامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وسموه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما استدل بقوله تعالى: سيقول المخلفون اذا انطلقتم الى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله )) ( الفتح 15 ) (( قل للمخلفين من الاعراب ستدعون الى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فان تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا، وان تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما )) والداعي لهم الى ذلك غير النبي صلى الله
1- رسالة أهل الثغر ص:93(1/77)
عليه وسلم الذي قال الله عز وجل له: (( قل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلون معي عدوا )) ( التوبة83 ) فمنعهم من الخروج مع نبيه عليه السلام فوجب بذلك أن الداعي غير رسول الله وقد قال الناس: فارس وقالوا أهل اليمامة، فقد قاتلهم أبو بكر الصديق (ض) ودعي الى قتالهم، وان كانوا الروم فقد قاتلهم الصديق وان كانوا أهل فارس فقد قوتلوا في أيام أبي بكر وقاتلهم عمر من بعده وفرغ منهم. فاذا وجبت امامة عمر فقد وجبت امامة الصديق لانه العاقد له الامامة فقد دل القرآن على امامة عمرو بن الخطاب وأبي بكر، واذا وجبت امامة أبي بكر الصديق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب أنه أفضل المسلمين. وبعد أن ساق أدلته على امامة الصديق (( بدأ يرد على الرافضة والرواندية بأنه قد ثبت عن علي والعباس رضي الله عنهما انهما بايعاه رضي الله عنه فأجمعا على امامته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز رد هذا الاجماع بأن ظاهرهما كان خلاف باطنهما لأن هذا يلزم منه اسقاط حجية الاجماع ونحن مأمورون بالتعبد في الاجماع بالظاهر. كما رد الأشعري على القائلين أن النبي (ص) نص على امامة الصديق أن أبا بكر قال لعمر (( أبسط يدك أبايعك )) يوم السقيفة فلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على امامته لم يجز أن يقول (( أبسط يدك لابايعك )). واذا ثبت امامة الصديق ثبت امامة الفاروق لأنه نص عليه وعقد له الامامة، تثبت امامة عثمان (ض) بعد عمر بعقد من عقد له الامامة من اصحاب الشورى الذين نص عليهم عمر فاختاروه ورضوا بامامته. كذلك تثبت امامة على بعد عثمان، بعقد من عقد له من الصحابة من أهل الحل والعقد، ولانه لم يدع أحد من اهل الشورى غيره في وقته.(1/78)
كما استدل بحديث يرويه شريح بن النعمان، عن سعيد بن جمهان قال حدثني سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك )) ثم قال لي سفينة: أمسك خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان ثم قال ( أمسك خلافة على بن أبي طالب قال فوجدتها ثلاثين سنة، فدل ذلك على امامة الأئمة الأربعة. أما شروط الامام فقد أجمع أهل السنة كما يريه البغدادي على انها العلم والعدالة والسياسة، وأوجبوا من العلم له مقدار ما يصير به من اهل الاجتهاد في الاحكام الشرعية، وأوجبوا من عدالته ان يكون ممن يجوز حكم الحاكم شهادته، وذلك بان يكون عدلا في دينه مصلحا لماله وحاله، غير مرتكب لكبيرة ولا مصر على صغيرة، ولا تاركا للمروءة في جل أسبابه وليس من شرطه العصمة من الذنوب كلها (1).
ولم يختلف الأشعري عما ذهب اليه البغدادي فليمكن أن نستشف من كلامه عن أبي بكر أنه اشترط في الامام العلم والزهد وقوة الرأي وسياسة الامة في قوله:... وكان أفضل الجماعة في جميع الخصال التي يستحق بها الامامة من العلم والزهد وقوة الرأي وسياسة الامة (2).
1- الفرق بين الفرق ص:301
2- الابانة عن أصول الديانة 146
خاتمة:
كان هذا هو الامام الجليل ابو الحسن الأشعري الذي دافع عن السنة دفاعا حارا، وفضح المعتزلة وكشف عوراتهم، وقد تمكن من ذلك بسبب دراسته عنهم واخذه معينهم لفترة غير يسيرة مكنته من معرفة أدلتهم وحججهم وبراهينهم ومعرفة مواطن الضعف والقوة.(1/79)
ولم يكن الأشعري وحده الذي حاول الدفاع عن السنة والرد على المعتزلة فالذين تولوا ذلك كثير كابن حزيمة في كتابه التوحيد وصفات الرب وعثمان بن سعيد الدرامي والنسفي... الخ. والشيء الذي ميزه عن هؤلاء وهو سر عظمته وجلاله هو أنه اتخذ طريقا وسطا بين المعتزلة والمحدثين فلم يذهب الى تمجيد العقل والايمان بأن له سلطة لا تحد، وان له الحكم على ما يتصل بالذات والصفات وما وراء الطبعيات، وأن له الكلمة الأخيرة النافذة في كل موضوع كما ذهب المعتزلة، كما أنه لم يذهب كما ذهب كثير من اهل عصره الا أن الدفاع عن العقيدة الاسلامية والانتصار للدين يستلزمان انكار العقل وقوته الى حد ما وازدرائه، وأن السكوت عن هذه المباحث التي أثيرت بحكم تطور العصر، والتزاوج الفكري بين الامم والديانات الخرى والمسلمين أولى وأفضل، بل بالعكس من ذالك فقد عنى بهذا المباحث، لانها كانت تخرب العقيدة الاسلامية من الداخل وتضعف الثقة بالدين، وناقش المعتزلة والمتفلسفين والمسيحيين واليهود بنفس أساليبهم ولغتهم امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم: (( كلموا الناس على قدر عقولهم، أتريدون ان يكذب الله ورسوله؟ )).
ومنهج الأشعري في بناء العقيدة يقوم على النقاط التالية:
1- الخذ بكل ما جاء به الكتاب وبكل ما جاءت به السنة لا فرق في ذلك بين السنة متواترة وآجاد ما دامت ثابتة صحيحة.
2- الخذ بظواهر النصوص في الآيات الموهمة للتشبيه مع تنزيه الله تعالى عن الشبيه والنظير فهو يعتقد أن لله وجها لا كوجه العبيد ويدا لا تشبه يد المخلوقات.
3- اثبات جميع الصفات التي اثبتها الله تعالى لنفسه مع اليقين بأنها ليست كصفات المخلوقات وان اتفقت في التسمية احيانا.
4- أن الانسان لا يخلق شيئا ولكنه يقدر على الكسب أي يملك اختيارا وارادة وعلى هذا الكسب يدور التكليف.(1/80)
5- كل ما وعد الله به نافذ ومن جملة وعده تاميله الفاسقين والعاصين بالعفو والمغفرة يوم القيامة فيرونه رؤية صحيحة لا يضارون فيها.
6- المشيئة الالهية بنى عليها الكثير من آرائه في الصلاح والاصلاح في كل المسائل التي تتعلق بالقضاء والقدر كما يوردها في تدليله على وحدانية الله...
7- المسلك الذي سلكه في الاستدلال على العقائد مسلك النقل أولا والعقل ثانيا فهو يثبت ما جاء في القرآن والحديث وما اجمع عليه الصحابة الكرام من اوصاف الله تعالى ورسله واليوم الاخر والحساب والعقاب والثواب ويتجه بعد ذلك الى الأدلة العقلية والبراهين المنطقية يستدل بها على صدق ما جاء في القرآن والسنة عقلا بعد ان أوجب التصديق بها كما هي نقلا فهو لا يتخذ من العقل أساسا للحكم على النص ويتضح هذا من مذهبه أن العقل يمكن أن يوصلنا الى البرهنة على وجود الله ولكنه لا يوصلنا الى التعرف على ذاته وصفاته.
فلم يحكم العقل على تأويل النصوص أو اجرائها على ظاهرها بل اتخذ العقل خادما لظواهر النصوص يؤيدها..
تم بعون الله وحوله ... سبحانك اللهم وبحمدك
أستغفرك وأتوب اليك
المصادر والمراجع
أ- المصادر:
1- القرآن الكريم
2- السنة النبوية، كتب الآحاديث الستة
3- الابانة عن أصول الديانة دار الكتاب ط الثانية 1990م
4- مقالات الاسلاميين واختلاف المصليين تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد نشر المكتبة العصرية للطباعة والنشر ط 1990م
5- اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع وفيه رسالة استحسان الخوض في علم الكلام
6- أصول أهل السنة والجماعة المسماة برسالة أهل الثغر تحقيق الدكتور محمد السيد الجليند نشر كليات دار العلوم جامعة الأزهر
7- تبيين كذب المفترى فيما نسب الى الامام أبي الحسن الأشعري لابن عساكر الدمشقي نشر الكتاب العربي 1979(1/81)
8- وفيات الأعيان وأنبياء الزمان لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد أبي بكر بن خلكان تحقيق الدكتور احسان عباس المجلد الثالث دار الثقافة بيروت
9- طبقات الشافعية الأسنوي جمال الدين عبد الرحيم، دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع ج1 تحقيق عبد الله الحبور
10- الفهرست لابن النديم أبي الدرج محمد بن محمد بن أبي يعقوب أسحاق المعروف بالوراق تحقيق رضا
11- سير أعلام النبلاء للامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي نشر مؤسسة الرسالة
12- شدرات الذهب في أخبار من ذهب للمؤرخ الأديب أبي الفلاح عبد الحي ابن العماد الحنبلي منشورات الأفاق الحديثة، بيروت، تحقيق لجنة علماء احياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة
13- المنظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي مطبعة دار المعارف العثمانية ج6 طبع سنة 1357ه
14- جلاء العينين في محاكمة الأحمدين تأليف السيد نعمان خير الدين الشهير بابن الآلوسي البغدادي دار السيار للنشر والتوزيع
15- مجرد مقالات الأمام أبي الحسن الأشعري من املاء الشيخ أبي بكر محمد بن الحسن بن فورك، نشر دار الشروق دانيال جيماريه
16- نهاية الأقدام في علم الكلام للشهرستاني
17- الملل والنحل للشهرستاني ج1
18- أصول الدين للأمام أبي المنصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت
19- كتاب التوحيد وصفات الرب لابن خزيمة نشر دار الثقافة
ب- المراجع:
1- نشأة الأشعرية وتطورها تأليف جلال محمد عبد الحميد موسى دار الكتاب اللبناني
2- مذاهب الاسلاميين تأليف الدكتور محمد عبد الرحمن بدوي ج1 المعتزلة والأشاعرة، نشر دار القلم
3- مقدمة بن خلدون، دار القلم، بيروت ط الرابعة 1981
4- في علم الكلام دراسة فلسفية لآراء الفرق الاسلامية في أصول الدين ج ا المعتزلة ج اا الأشاعرة تأليف الدكتور أحمد محمود صبحي. نشر وتوزيع دار النهضة العربية ط الخامسة 1985(1/82)
5- ظهر الاسلام تأليف أحمد أمين نشر الكتاب العربي
6- كبرى الفرق الفكرية والسياسية في الاسلام تأليف حسن الشيخ الفاتح الشيخ قريب الله نشر دار الجيل بيروت
7- الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة تأليف هاشم معروف الحسني نشر دار القلم
8- مجموع الفتاوى لابن تيمية جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم بمساعدة ابنه، نشر المكتب العلمي السعودي
9- اجتماع الجيوش الاسلامية تأليف ابن القيم الجوزية، تحقيق أبو حفص سيد بن ابراهيم بن صادق بن عمران نشر دار الحديث
10- معارج القبول شرح سلم الوصول الى علم الآصول في التوحيد للشيخ حافظ بن أحمد حكمي تعليق العلامة مجد الدين الخطيب نشر دار الكتب العلمية
11- الصفات الالهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الاثبات والتشريع الدكتور محمد أمان الجامي، نشر الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة ط1408
12- كتاب علم التوحيد عند خلص المتكلمين الدكتور عبد الحميد علي عز العرب دار المعارج ط الاولى 1987
13- شعبة العقيدة بين أبي الحسن الأشعري والمنتسبين اليه في العقيدة لأبي بكر دليل ابراهيم أحمد دار الكتاب العربي
14- مختصر الصواعق المراسلة على الجهمية لأبن القيم الجوزية، اختصره الشيخ محمد بن المزصلي نشر دار الندوة الجديدة، بيروت 1984م، 1405ه
15- ابن تيمية وموقفة من اهم الفرق والديانات في عصره اعداد الكتور محمد حربي نشر عالم الكتب طبع الأولى 1407ه
16- شرح لمعة الاعتقاد المادي الى سبيل الرشاد لعبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي مؤسسة الرسالة مكتب الرشاد بقلم محمد صالح العثمين ط الثالثة 1405ه
17- كتاب الايمان أركانه، حقيقته، نواقضه الدكتور محمد ياسين نشر مكتبة التراث الاسلامي 1987
18- كتاب الايمان لابن تيمية نشر المكتب الاسلامي ط الثالثة 1401ه
19- شقلء العليل في مسائل القضاء والقدر لابن القيم الجوزية، نشر دار الكتب العلمية ط الأولى 1407ه(1/83)
20- تاريخ الفرق الاسلامية ونشأة علم الكلام لعلي مصطفى القرادي الثانية 1985
21- الفرق الكلامية الاسلامية للدكتور علي عبد الفتاح
22- العقائد السلفية بأدلتها النقلية والعقلية شرح الدروس السنية، ج الأول لمؤلفة أحمد بن حجر آل بوطامي ط الأولى بيروت 1970
23- المعتزلة ومشكل الحرية
فهرست تفصيلي
اهداء
تقديم
الفصل الأول: شخصية الامام أبي الحسن الأشعري
المبحث الأول: بيئته الفكرية، للامام أبي الحسن ص 1
1- المعتزلة ص1
2- المعتزلة في صراعهم مع الحنابلة ص4
3- عصر الامام ابي الحسن الأشعري ص5
المبحث الثاني: حياة الامام أبي الحسن الأشعري ص7
1- اسمه وكنيته ص7
2- موطنه ومولده ص7
3- وفاة أبيه وزواج أمه ص7
4- شيوخة وتلاميذه وأتباعه ص7
5- مؤلفاته ص13
6- عبادته وزهده ص14
7- منزلته العلمية وأقوال العلماء فيه ص15
8- وفاته ص16
الفصل الثاني: فكره وعقيدته
المبحث الأول: الأطوار الفكرية في حياة الامام ص18
المرحلة الأولى: مرحلة الاعتزال ص18
الطور الأول: الاعتزال ص18
المرحلة الثانية: ما بعد التحول ص25
الطور الثاني: الكلام على طريقة ابن كلاب ص25
الطور الثالث: الرجوع التام الى مذهب السلف ص27
المبحث الثاني: عقيدته في طوره الثالث ص31
الفصل الثالث: المنهج العقيدي عند الامام أبي الحسن الأشعري ص36
المبحث الأول: موقفه من مسألة وجوب النظر ص37
المبحث الثاني: منهجه في اثبات وجود الله ص40
المبحث الثالث: في الاسماء والصفات ص41
المبحث الرابع: فيما يتعلق باليوم الاخر ص60
المبحث الخامس: منهجه فيما يتعلق بالقضاء والقدر ص64
المبحث السادس: الايمان ص69
المبحث السابع: في الامامة ص71
خاتمة ص74
المصادر والمراجع ص75
فهرس تفصيلي ص78(1/84)