هذا المقام إن لله تعالى في خلقه آيات تدل على أن قدرته تعالى حاكمة على سنن الكون لا محكومة بها. وقد قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} 1، فحبلها على غير النحو المعهود في الخلق ليس لها فيه كسب ولا عمل بوجه ما، بل كانت كارهة له، فإن كان يعد مما نحن فيه فقصارى ما يدل عليه جواز وقوع مثله، وهذا هو مراد السبكي وغيره بالاستدلال به وبنحوه مما يأتي، أما الوقوع بالفعل، فلا يثبت إلا بدليل قطعي كالمشاهدة وكنص القرآن أو الخبر المتواتر تواتراً حقيقياً..." 2. ويقول في مسألة الثبوت: "على أنني إذا ثبت عندي أثر ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ بسند صحيح فإني أعده كرامة أكرمه الله بها بإلهام الأسد التنحي عن الطريق، ولكن لا أقول إن فيه مخالفة لسننه تعالى في الخلق، فإن مثل هذه الإلهامات بخلاف ما تقتضيه العادات الطبيعية الغالبة معهود في العجموات وفي الإنسان أيضاً..." 3.
والذي أريده الآن هو ثبوت الكرامة بالسند الصحيح فيضاف إلى الطرق التي بينها الشيخ رشيد: القرآن والتواتر.
وأما مسألة مخالفة السنن فهي التي تحتاج إلى استفهام من الشيخ رشيد. إنه يقول: "إن الله تعالى قد أقام نظام هذا الكون على سنن ثابتة مطردة... وقال: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} 4، وهذا نص قطعي لا معارض له إلا بقطعي مثله من مشاهدة... أو تواتر صحيح... وإذا أمكن إثبات الكرامات بدليل قطعي كالتواتر الصحيح أو النص القرآني الصريح، فهناك حجة الإثبات ناهضة..." 5.
فهل يرى الشيخ رشيد أن الآية تدل على عدم جواز وقوع الكرامات
------------------------
1 سورة المؤمنون، الآية (50)
2 مجلة المنار (2/ 481)
3 المصدر نفسه (2/ 661)
4 سورة فاطر، الآية (43)
5 مجلة المنار (2/ 445)(1/254)
التي هي خرق للعادة والسنن الكونية، ولكن ما القول في معجزات الأنبياء، وهو يثبتها، وقد وقعت مخالفة لهذه السنن كما رأينا؟ وليس لأحد أن يفرق بين المعجزة والكرامة في أصل التبديل والتحويل لما هو معتاد في نظام الكون.
والحق أن الشيخ رشيد لا ينكر كرامات الأولياء إلا أنه يريد أن يضيق الباب أو يغلقه في وجه الدجالين والمشعوذين، كما أنه يريد أيضاً ـ وهو ما صرح به ـ رد حجة أهل الكتاب الذين لا يحتجون على صحة دينهم إلا بالعجائب ـ خوارق العادات ـ وليس لهم برهان على عقائدهم، ولا سند متواتر على صحة كتابهم، بل ويحتجون على المسلمين بأن القرآن لم يثبت لنبينا صلى الله عليه وسلم العجائب والخوارق، فهو إذن ليس نبياً، ولا يرون العلم الإلهي والشرائع الدينية والمدنية وتكوين الأمم وسياستها من رجل أمي تربى يتيماً في جاهلية جهلاء وأمه أمية، لا يرون هذا كله تأييداً إلهياً وبرهاناً على صدقه قطعياً، وإنما البرهان عندهم هو تلك الحكايات التي ينقلونها في عجائب مقدسيهم وينقل الوثنيون عن كهنتهم أعظم منها 1.
وأما مسألة السنن ومخالفتها:فيفسر الشيخ رشيد ذلك بأن مراده السنن العامة لأن مخالفة آيات الأنبياء وكرامات الأولياء للسنن المادية مشاهد ومنقول بنص الكتاب العزيزـ هكذا يقول الشيخ رشيد 2 إلا أنه لم يقل لنا ماذا يقصد بالسنن العامة والسنن الأخرى الخاصة.
لقد اتخذ الشيخ رشيد موقفاً متشدداً من الكرامات لهذين السببين اللذين ذكرهما، أما معجزات الأنبياء، فكانت عنده مصونة من كل خطر، لا يتطرق إليها الشك 3 وأما هذا الموقف المتشدد من الكرامات فقد اتخذه ـ أيضاً ـ لما أوقع فيه مما يسميه: "ضرر الاعتقاد بها" وأكبر ذلك: أنها صارت صناعة من الصناعات وزلزلت قاعدة العقائد الكبرى وهي توحيد الله
------------------------
1 مجلة المنار (11/ 913 ـ 917)
2 المصدر نفسه (11/ 917)
3 انظر: مجلة المنار (6/ 12 و11/ 914)(1/255)
تعالى وأوقعت الناس في ضروب من الشرك الأصغر والأكبر 1، ومنها أيضاً: أنها أدت إلى إباحة الموبقات وتحريم الواجبات لأنه لا يجوز الإنكار على الأولياء لأن المعصية التي تشاهد منهم هي صورية لا حقيقية ولذا يجب تأويلها، فإذا رأيت أحدهم يشرب الخمر فاعتقد أنه انقلبت عينها كرامة له فصارت لبناً أو عسلاً، وإذا رأيته يترك الصلاة فاعتقد أنه يصلي بمكة أخذاً من قول السيد البدوي في الرد على الذين اتهموه بذلك:
ولم يعلموا أني أصلي بمكة
مع السادة الأقطاب أهل الطريقة 2.
وفي ضندتا قالوا صلاتي تركتها
أصلي صلاة الخمس في البيت دائماً
هذا ـ وغيره ـ مما ذكره الشيخ رشيد من ضرر على اعتقاد المسلمين، بسبب ما آلت إليه مسألة الكرامات.
ويقول الشيخ رشيد: "إننا لا نقول بأن ما يعبر عنه بخوارق العادات غير جائز ولا غير واقع بل نقول الآن، كما قلنا من قبل إنه جائز وواقع وإن كانت الآيات التي أيد الله بها الأنبياء ليست محصورة في الخوارق الكونية..." 3. ويبين غرضه من موقفه فيقول: "ويعلم الله أن غرضي من فتح باب التأويل المحافظة على دين الله تعالى وإرشاد عباده إلى التمييز بين الحقائق والأوهام..." 4.
وخلاصة الأمر أن الشيخ رشيد يثبت الكرامات الصحيحة لأولياء الله الحقيقيين: حتى إنه نفسه من أصحاب الكرامات كما يحكي لنا ذلك في "المنار والأزهر" 5 ويقول: "وههنا نرجع إلى مذهب جمهور أهل السنة فنقول: إن الكرامة جائزة..." 6.
------------------------
1 مجلة المنار (6/ 11 ـ 112)
2 المصدر نفسه والصفحة.
3 مجلة المنار (11/ 913)
4 مجلة المنار (2/ 663)
5 المنار والأزهر (ص: 166)
6 مجلة المنار (6/ 112) وأيضاً (2/ 657 و2/ 482)
ب) ـ الحيلة في دعوى الكرامة:(1/256)
ويبين الشيخ رشيد أن الكرامة صارت تقع بالحيل والكذب، فمن ذلك ما راج بين ألوف المصريين ـ ذلك الحين ـ أن أرواح الشهداء تطوف في أعلى قبة في إحدى القرى، وقد كشف تلك الحيلة بعض علماء الأزهر ـ فذهب غير واحد إلى هناك فتبين لهم أن هذه الكرامة مصنوعة للمرتزقين هناك من السدنة وأن الذي يرى في القبة إنما هو ظلال رجال يطوفون للمرتزقين وقت الأصيل حول القبة في مكان يحاذي الكوىمن أعلاها، فيوهم السدنة النساء والأطفال ومن في حكمهم من الرجال أنهم شخوص الشهداء وزاد بعضهم أنه اكتشف حيلة أخرى وهي أنهم يطلعون الناس في قبر هناك على رأس مكسو بشعر طويل يزعمون أنه رأس شهيد لم يتغير بمرور القرون عليه، ولكن الشيخ وصل إلى الرأس فإذا هو جمجمة قديمة بالية وإذا بالشعر قد ألصق عليها حديثاً بنحو صمغ أو غراء 1.
وروى الشيخ رشيد أيضاً حكايات تتعلق بالطعام والشراب مما عدّ من الكرامات، وما هو إلا حيل وكذب 2.
ونكتفي بذلك ـ عن الحديث عن الكرامات الكاذبة التي وقف الشيخ رشيد منها هذا الموقف، ونعود إلى الحديث عن الكرامات الصادقة ونرى تفريق الشيخ رشيد بينها وبين معجزات الأنبياء، وبين هذه وبين السحر والشعوذة.
جـ) ـ الفرق بين معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء وخوارق الأشقياء:
خوارق العادات على ثلاث مراتب: الأولى: آيات الأنبياء، والثاني: كرامات الأولياء، ثم خوارق الأشقياء كالسحرة والكهان 3.
والحق أن آيات الأنبياء وكرامات الأولياء من جنس واحد، فإنه ـ وكما
------------------------
1 مجلة المنار (7/ 413 ـ 414)
2 انظر: تفسير المنار (7/ 253) وما بعدها.
3 انظر: ابن تيمية: النبوات (ص: 8)(1/257)
ذكرت قبل ـ تعد كرامات الأولياء من معجزات الأنبياء، فإنهم يقولون: نحن إنما حصل لنا ذلك باتباع طريق الأنبياء. ومثل ذلك أيضاً ما تقدم من الإرهاص 1 ومع ذلك فإن كرامات الأولياء لا تبلغ قط إلى مثل معجزات الأنبياء والمرسلين، فالولي دون النبي والرسول فكما أنهم لا يبلغون في الفضيلة والثواب مبلغهم، فلا تبلغ كراماتهم مبلغ آياتهم 2.
وقد ذكر الشيخ رشيد فروقاً بين آيات الأنبياء وكرامات الأولياء ـ تبع فيها المتكلمين في تفرقتهم ـ والحق أن الفروق التي ذكروها فروق ضعيفة، كقولهم: الكرامة يخفيها صاحبها، أو لا يتحدى بها فلا تكون مقرونة بدعوى النبوة وأنها لا تتكرر 3، إلا أن الشيخ رشيد ذكر فرقاً صحيحاً وهو قوله: "إن الكرامة لا تبلغ مبلغ المعجزة كإحياء الموتى وإنما تكون فيما دون ذلك كشفاء مرض ومكاشفة خلافاً للقول المشهور (ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي)..." 4.
وعن هذه العبارة يقول الشيخ رشيد: "العبارة ليست حديثاً ولا أثراً عن الصحابة، وهذه الاصطلاحات من المعجزة والكرامة والولاية قد حدثت من بعدهم، وإنما هي كلمة لبعض المشايخ، وافقت هوى الناس فتلقوها بالقبول وصارت عندهم من قبيل القواعد الدينية وسارت بها الأمثال فيما بينهم، ونحمد الله أننا لم نعدم في شيوخ التصوف والعلم من أنكرها..." 5.
وهذا الفرق صحيح فلا تبلغ كرامات الأولياء آيات الأنبياء، كالفرق بين الأنبياء والأولياء، ومهما يكن من شيء، فإن كرامات الأولياء مؤيدة لمعجزات الأنبياء، بمنزلة ما تقدمهم من الإرهاصات ولكن الذي يحتاج إلى
------------------------
1 المصدر نفسه والصفحة.
2 المصدر نفسه والصفحة.
3 انظر: الوحي المحمدي (ص: 211 ـ 214)، و انظر أيضاً: البغدادي: أصول الدين (ص: 174 ـ 175) والسبكي: طبقات الشافعية (2/ 318 ـ 321)
4 مجلة المنار (6/ 61 ـ 62)
5 المصدر نفسه (10/ 115)(1/258)
الفرق هو ما يحدث للأشقياء من الخوارق كالسحرة والكهان وغيرهم، ليظهر الفرق بين الحق والباطل، كما يعرف الفرق بين النبي والمتنبي.
المطلب الرابع: الفرق بين آيات الأنبياء وخوارق الأشقياء:
والفرق بين هذين الصنفين ميسور بحمد الله فإن آيات الأنبياء خارجة عن مقدور الإنس والجن بخلاف خوارق الأشقياء فإنها معهودة في البشر كقتل الساحر لغيره وتمريضه له، وكاستراق السمع من الجن، وإطلاع أوليائهم من الكهان مع الكذب والخطأ في بعضها، بخلاف أخبارهم عما يأكلون وما يدخرون فهذا لا تظهر عليه الشياطين 1.
ومن خصائص معجزات الأنبياء أنه لا يمكن معارضتها أبداً بخلاف هذه الخوارق التي تعارض من جنس هؤلاء الكهان وغيرهم 2.
وأما الشيخ رشيد فقد ذكر فروقاً بين هذين الجنسين.
أهمها: التمييز بحال من تظهر عليه هذه الخوارق، فإنه وكما يقول الشيخ رشيد: "أن بعض ما ينقل عنهم معصية باتفاق أئمة الإسلام كأكل الحيات حية، وبعضها يحصل بالتعود والتمرن لكل من حاوله وزاوله كإلقاء الرجل نفسه من شاهق... وأما دخول النار والدنو من السباع الضارية فقد يكون كرامة وقد يكون حيلة وشعوذة وغير ذلك، ومعلوم أن علماء الدين يشترطون ليكون الخارق كرامة أن تصدر من ظاهر الصلاح سالك سبيل التقوى، والرفاعية المشهور عنهم ذلك ليسوا كذلك..." 3.
وهذا الفرق صحيح فإن الناس رجلان: موافق للأنبياء ومخالف لهم، فالمخالف مناقض، فلا يجوز أن يوجد مع المناقض مثلما يوجد مع النبي
------------------------
1 انظر: ابن تيمية: النبوات (ص: 9، 10، 12)
2 المصدر نفسه (ص: 35)
3 مجلة المنار (1/ 598)(1/259)
الصادق، فالأشقياء يستعينون بهذه الخوارق على الفواحش والظلم والشرك والقول الباطل، وهذا كله مناقض للنبوة، ومن هذا الجنس ما يفعله أهل الطريقة الرفاعية، فهي من جنس خوارق السحرة والكهان والفجار 1، فالفرق حاصل بين الأنبياء وغيرهم، في نفس صفات هذا وصفات هذا، وأفعال هذا وأفعال هذا، وأمر هذا وأمر هذا، وخبر هذا وخبر هذا، وآيات هذا وآيات هذا 2.
وذكر الشيخ رشيد فرقاً ثانياً وهو: أن السحر صناعة تتعلم، كما أنها أيضاً خداع باطل وتخييل يري ما لا حقيقة له في صورة الحقائق. فقال: "ومما سبق بيانه في هذا الباب تخطئة من قال من المتكلمين إن السحر من خوارق العادات الذي هو الجنس الجامع لمعجزات الأنبياء وكرامات الأولياء، وفاتهم أنه السحر صناعة تتلقى بالتعليم كما ثبت بنص القرآن وبالاختبار..." 3.
وهذا فرق صحيح فإن السحر وجنسه متيسر لمن تعلمه وتمرن عليه بخلاف آيات الأنبياء، فإنها خارجة عن مقدور الإنس والجن.
------------------------
1 انظر: ابن تيمية: النبوات (ص: 9)
2 المصدر نفسه (ص: 13)
3 تفسير المنار (9/ 46)، و انظر أيضاً (7/ 311)
تمهيد:
ومن المناسب أن يفرد خاتم النبيين وأفضلهم على الإطلاق، ببحث مستقل، وقد سلك رشيد رضا في "نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم" مسلكاً صحيحاً إذ أنه بين أولاً حاجة العالم لهذا النبي صلى الله عليه وسلم ورد شبهة كفاية أديان أهل الكتاب عن رسالته، ثم بين استعداد العالم لهذه الرسالة، ثم بين أدلة صدق هذه النبوة، حتى إنه لا تثبت نبوة نبي قبله ما لم تثبت نبوته بهذه الأدلة. وهو ما أعرضه في المطالب التالية.
المطلب الأول: حاجة العالم لبعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم:(1/260)
بين رشيد رضا ـ تمهيداً لإثبات نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ـ حاجة العالم لهذه النبوة واستعداده لها. فقال: "كان العالم الإنساني قبل ظهور الإسلام في غمرة من الشقاء والتعاسة، وظلمات من الفتن، وفساد الأخلاق، وتداعي أركان المدنية السابقة وصدع بنيانها، فأراد الحي القيوم أن يحيي هذا النوع حياة طيبة ويقيم مدنيته على أساس من الحكمة، يثبت ويبقى إلى ما شاء الله تعالى، ويبلغ به الإنسان كماله المستعد هو له في أصل الفطرة القويمة،
فأظهر له جل ثناؤه الإسلام في الأمة العربية فحملته وطافت به العالم المستعد لقبوله بما سبق له من المدنية، فما كان كلمح البصر أو هو أقرب حتى عم نوره المشرق والمغرب..." 1. ويقول: "بيان حاجة الأمم إلى الإصلاح المحمدي يتوقف على معرفة تاريخ الأمم قبل الإسلام، لا سيما تاريخ أهل الكتاب الذين يدعون أن في كتبهم ما يغني عن هداية الإسلام وإصلاحه..." 2. ويستند رشيد رضا إلى عبارة شيخه محمد عبده في وصف هذه الحاجة فيقول: "كيف كانت حاجة سكان الأرض ماسة إلى قارعة تهز عروش الملوك وتزلزل قواعد سلطانهم الغاشم... وصيحة فصحى تزعج الغافلين... وبالجملة تؤب 3 بهم إلى رشد يقيم الإنسان على الطريق التي سنها الله له: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} 4 ليبلغ بسلوكه كماله، ويصل على نهجها إلى ما أعد في الدارين له..." 5. وفصل رشيد رضا في بيان الحالة التي كانت دول ذلك الزمان قد وصلت إليها من التدني والسقوط.
وأما حاجة أهل هذا العصر لهداية هذه الرسالة ـ فكما يقول ـ: "إن حاجة الأمم قد اشتدت في عصرنا هذا إلى هدايته، حتى أشدها إمعاناً في عداوته ولجاجاً في نكايته، وجهلاً بحقيقته" 6.(1/261)
ويرى رشيد رضا أن هذه البعثة كانت قمة " التطور" للمراحل التي مرت بها البشرية، فالاستعداد لها وقبول دعوتها مرحلة من المراحل التي سارت فيها الإنسانية على سنة الترقي والتدرج، فلما بلغت البشرية "سن الرشد" وهذا الحد من العقل وهبها الله تعالى تلك الهداية الجديدة وأيدها بالدلائل التي بلغ من قوة العقول أن تدركها، وأن تصل من مقدماتها إلى
------------------------
1 مجلة المنار (6/ 173)
2 المصدر نفسه (5/ 329 ـ 338)
3 تؤب: أب لكذا أي تهيأ له. المفردات (ص: 59)
4 سورة الإنسان، الآية (3)
5 مجلة المنار (5/ 338)
6 الوحي المحمدي (ص: 40 ـ 41)
نتائجها، وقد كانت النبوات السابقة وآياتها تلائم حالاتهم النفسية ومكانتها العقلية، ولما كان الاستعداد يتفاوت في الأمم كانت أمة أولى من أمة بتقدم عهد النبوات فيها، وكانت تلك الأمة المتقدمة جديرة بأن تكون إماماً للأمة المتأخرة، سنة الله في الخلق 1.(1/262)
وبناءً على ذلك فإن آية هذه البعثة ليست كآيات من سبقه من الأنبياء لأن "الله تعالى جعل نبوة محمد ورسالته قائمة على قواعد العلم والعقل في ثبوتها وفي موضوعها، لأن البشر قد بدؤوا يدخلون بها في سن الرشد والاستقلال النوعي الذي لا يخضع عقل صاحبه فيه لاتباع من تصدر منهم أمور عجيبة مخالفة للنظام المألوف في سنن الكون، بل لا يكمل ارتقاؤهم واستعدادهم العقلي مع هذا الخضوع... فجعل حجة خاتم النبيين عين موضوع نبوته وهو كتابه المعجز للبشر بهدايته وعلومه وبإعجازه اللفظي والمعنوي، وبأنباء الغيب الماضية والحاضرة والآتية، ليربي البشر على الترقي في هذا الاستقلال إلى ما هم مستعدون له من الكمال، هذا الفصل بين النبوات الخاصة الماضية والنبوة العامة الباقية، قد عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "ما من الأنبياء نبي إلى وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة" 2..." 3.
وأما الآيات الكونية التي ظهرت على يد النبي صلى الله عليه وسلم، فيثبتها رشيد رضا إلا أن له فيها رأياً سوف نراه قريباً.
ويورد رشيد رضا اعتراضاً على تقريره حاجة العالم لبعثة نبينا صلى الله عليه وسلم ويجيب عليه فيقول: "فإذا قيل: إنه كان في الدنيا دينان سماويان، أي دين اليهود ودين النصارى، وكتابان إلهيان وهما: التوراة والإنجيل، فكان يغني عن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلهام الله تعالى رؤساء الدينين وحملة الكتابين أن يقيما
------------------------
1 تفسير المنار (2/ 294 ـ 295) بتصرف.
2 سبق تخريجه (ص:679)
3 الوحي المحمدي (ص: 79 ـ 80)(1/263)
أصولهما ويسيرا على صراطهما، ويدعون الناس إلى ذلك. نقول في الجواب: إن دين اليهود كان خاصاً بشعب إسرائيل، وهم المخاطبون بالتوراة دون من سواهم، لعلم الله تعالى أن هذا الكتاب يصلح لهدايتهم وحدهم في زمانهم الذي أنزل فيه وبعده إلى أجل مسمى. وبعد ذلك أفسد بنو إسرائيل في الأرض فسلط الله عليهم الوثنيين فسبوهم وخربوا ديارهم وأحرقوا كتابهم... ولولا أن الله أخبرنا في كتابه بأن اليهود نسوا حظاً مما ذكروا به لا جميع ما ذكروا به، ولولا أنه احتج عليهم بعدم العمل بالتوراة والحجة تقوم ببعض كلام الله تعالى كما تقوم به كله ـ لما صدقنا كلمة واحدة من كتبهم ولا وثقنا بحكم واحد من أحكام شريعتهم. وحاصل القول: أن الله تعالى لم يجعل التوراة منذ شرعها هداية عامة مرشدة لجميع البشر إلى كمال الفطرة فكيف تصلح لذلك بعدما طرأ عليها وعلى الناس ما طرأ؟
وأما السيد المسيح عليه السلام فإنه لم يأت بدين جديد وإنما ديانته اليهودية وشريعته التوراة، ولكنه كان مكملاً لأن اليهود جمدوا على ظواهر الشريعة حتى صاروا كالماديين، فأرسله الله "إلى خراف إسرائيل الضالة"... وأما "الديانة البولسية" التي انتشرت في أوروبا بتعليم بولس 1 ثم مساعدة قسطنطين ومن بعده من الملوك... فهي لا تنطبق على ما قلناه سابقاً في وجه حاجة البشر إلى إرسال الرسل لهدايتهم إلى سعادة الدنيا والآخرة، بتربية الروح والجسد وليس فيها قاعدة واحدة من قواعد الفطرة، وإنما هي عبارة عن شيء واحد، وهو الإيمان بالمسيح على الوجه الذي يقولونه وأنه لا حاجة مع هذا الإيمان إلى العمل بالشريعة..." 2.
وإذن لم يكن وجود هذين الدينين كافياً ومغنياً عن بعثة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم.
------------------------(1/264)
1 هو: أحد تلامذة الحواريين، ادعى الإيمان بعد محاربة تلامذة المسيح، وبذل جهوداً كبيرة في تطوير المسيحية، ونجح في ذلك. انظر: شارل حينيبير: المسيحية نشأتها وتطورها (ص:101) وما بعدها ترجمة د. عبد الحليم محمود، ط. المكتبة العصرية بيروت.
2 مجلة المنار (5/ 333 ـ 334)
استعداد العالم لبعثة نبينا:
ثم بين الشيخ رشيد استعداد العالم لهذه الرسالة الخاتمة ـ بناء على وجه الحاجة ـ فقال: "حاجة الناس إلى الشيء تولد فيهم الاستعداد له، فإذا استدللنا بالعلة على المعلول فلنا أن نستنبط استعداد الأمم لمصلح عام يرسله الله تعالى لهداية الأمم من شدة حاجة الأمم إلى ذلك الإصلاح، وإذا استدللنا بالمعلول على العلة فالدليل أوضح لأنه ههنا وجودي مشهود لا نظري مستنبط، وهو قبول الأمم على اختلافها في الأديان واللغات والمواقع هذا الإصلاح الروحي الاجتماعي الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، بالوحي الإلهي والإلهام، فقد انتشر الإسلام في المشرق والمغرب بسرعة لم يعرف التاريخ مثلها حتى كان ملك الإسلام بعد ثمانين سنة من ظهوره أوسع من ملك الرومان بعد ثمانمائة سنة والرومان أعظم أمم التاريخ الماضي في الحروب والفتوحات..." 1.
وبهذا القدر من البيان يظهر حاجة العالم إلى هذه الرسالة الخاتمة، واستعداده لها، ولكن ـ وكما ذكرت قبل ـ ليست الحاجة دليلاً على الوقوع فيجب إثبات هذا الوقوع بدليله، وهو ما نراه في المبحث التالي.
المطلب الثاني: أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم:
يشير الشيخ رشيد أولاً إلى أنه "لا يشترط في صحة الإيمان بنبوته صلى الله عليه وسلم النظر الاستدلالي المعروف عند المتكلمين بل يكفي فيها الاطمئنان النفسي لصدقه بمعرفة حاله، وحسن ما دعا إليه" 2.
فطريقة المتكلمين التي رفضها الشيخ رشيد في الاستدلال على وجود الله وصفاته، يرفضها هنا أيضاً عند الاستدلال على نبوة الأنبياء صلى الله تعالى عليهم.
------------------------(1/265)
1 المصدر نفسه (5/ 334 ـ 335)
2 تفسير المنار (2/ 93)
ويشير أيضاً ـ كما أشار سابقاً ـ إلى أن "آيات النبوة أعم من المعجزات، فمن آيات نبوته بشائر الأنبياء السابقين، وهي لا تسمى معجزات..." 1. وآيات نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم التي اعتمد عليها الشيخ رشيد هي:
أولاً: القرآن الكريم:
يعتبر الشيخ رشيد القرآن الكريم هو أقوى حجة وبرهان على صدق رسولنا صلى الله عليه وسلم فيقول: ".... إن آية القرآن أقوى الحجج وأظهر الدلالات، وهي مشتملة ومرشدة إلى كثير من الآيات والبينات..." 2.
ويقول: إنه ـ أي القرآن ـ "الجامع لأقوى طرق الاستدلال العلمية والعقلية، على كونه آية في نفسه من وجوه كثيرة، وآية باعتبار كون من أنزل على قلبه وظهر على لسانه كان أمياً لم يتعلم شيئاً من أنواع العلوم الإلهية والشرعية والاجتماعية والتاريخية التي اشتمل عليها..." 3. ثم يفصل هذا الإجمال ـ في موضع آخر ـ فيقول: "إن الآية الكبرى لخاتم الرسل صلى الله عليه وسلم على نبوته هي القرآن وإنها لآية مشتملة على آيات كثيرة، وقد احتج عليهم به وتحداهم بسورة من مثله، فعجزوا، واحتج عليهم أيضاً ببعض ما اشتمل عليه من الآيات كأخبار الغيب...، فالقرآن في جملته آية علمية، وفي تفصيله آيات كثيرة عقلية وكونية، وهي دائمة لا تزول كما زالت الآيات الكونية، كعصا موسى مثلاً، عامة لا تختص ببعض من كان في عصر الرسول كما كانت آية موسى الكبرى خاصة بمن رآها في عصره، وهي أدل على الرسالة من الآيات الكونية، لأن موضوع الرسالة علمي، فهو علم موحى به غير مكسوب يقصد به هداية الخلق إلى الحق، فظهور أعلى علوم الهداية على لسان أميّ كان ـ هو وقومه ـ أبعد الناس عن كل علم بعبارة أعجزت ببلاغتها قومه كما أعجزت غيرهم، على أنه لم يكن من قبل معدوداً من بلغائهم؛ أدل على كون ذلك موحى به من الله عزوجل من
------------------------
1 مجلة المنار (6/ 67)
2 تفسير المنار (8/ 280)(1/266)
3 المصدر نفسه والصفحة.
عصا موسى على كون ما جاء به من التوراة موحى به منه تعالى، وهي غير معجزة في نفسها، وقد نشأ من جاء بها في دار ملك أربى على سائر ممالك الأرض بالعلوم والشرائع. فالآية العلمية القطعية لا يمكن المراء فيها كالمراء في الآية الكونية التي هي أمر غريب غير معتاد يشتبه بكثير من الأمور النادرة التي لها أسباب خفيةكالسحر وغيره..." 1.
ويقول في موضع آخر مؤكداً على نفس المعنى: "...فإنزاله مشتملاً على الحكم التفصيلي للعقائد والشرائع وغيرها عل لسان رجل منكم أمي مثلكم هو أكبر دليل وأوضح آية على أنه من عند الله تعالى لا من عنده هو كما قال بأمر الله في آية أخرى: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ} 2 جاوز الأربعين من السنين ولم يصدر عني فيه شيء من مثله في علومه ولا في إخباره بالغيب ولا في أسلوبه ولا في فصاحته وبلاغته {أَفَلا تَعْقِلُونَ} أن مثل هذا لا يكون إلا بوحي من العليم الحكيم؟..." 3.
وحجة إعجاز هذا القرآن ودلالته على نبوة نبينا دلالة علمية عقلية ـ كما يقول الشيخ رشيد ـ: " إذ لا يتصور عاقل يؤمن برب العالمين أن يصدر هذا الكتاب المشتمل على هذا القدر السنيع 4 من المعاني، في هذا الأسلوب البديع، والنظم المنيع من المباني، من رجل أمي ولا متعلم أيضاً، إلا أن يكون وحياً اختصه به الرب عزوجل، ناهيك به وقد جزم بعجز الإنس والجن عن أن يأتوا بمثله، ثم تحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله 5، فهذا التحدي حجة مستقلة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بصرف النظر عن المتحدى به ما هو..." 6.
------------------------
1 تفسير المنار (7/ 386)
2 سورة يونس، الآية (16)
3 تفسير المنار (8/ 10)
4 السنيع: الجامع بين الطول والحسن من سنع سنوعاً وسناعة. لسان العرب (33/168)
5 يشير إلى آيتي: البقرة (23)، ويونس (38)
6 تفسير المنار (1/ 218)(1/267)
إن هذا القرآن هو أمر "خارق للعادة" كسائر خوارق الأنبياء، إلا أنه أجلاها وأقواها. ولا يقتصر إعجازه على بلاغته وبيانه ـ وكما يقول الشيخ رشيد ـ: "وإعجازه ليس مقصوراً على أسلوبه البديع وارتقائه أسمى درج البلاغة وعلى إخباره بالمغيبات المستقبلة وسرده قصص الماضين من غير الاطلاع عليها، بل فيما اشتمل عليه من العلوم والمعارف في تهذيب البشر وبيان مصالحهم في أمور معاشهم ومعادهم أعظم خارق لحجب العوائد..." 1.
لقد تحدث الشيخ رشيد على أوجه الإعجاز اللفظي والمعنوي بالإجمال والإيجاز وقسمها إلى أنواع، عند حديثه عن آية التحدي في سورة البقرة 2. كما تحدث عن التحدي ببلاغته ونظمه في سورة يونس 3. ووجه الكلام في " الوحي المحمدي" إلى هداية القرآن بأسلوبه وتأثيره وعلومه المصلحة للبشر بما يحتمله المقام من البسط والتفصيل، وهو القدر الذي يعلم منه أن هذه العلوم أهدى من كل ما حفظه التاريخ عن جميع الأنبياء والحكماء وواضعي الشرائع والقوانين وأن إعجازه من هذه الناحية أقوى البراهين على كونه وحياً من الله تعالى تقوم به الحجة على جميع البشر..." 4.
ونرى الشيخ رشيد كثيراً ما يلجأ إلى المقارنة، فقد قارن بين آيات نبينا وآيات الأنبياء قبله من حيث ذاتها وحقيقتها ومن حيث قوة دلالتها، ومن حيث أثرها الذي طبعته في نفوس أممها، فقد قارن بين أثر القرآن في العرب وأثر التوراة في بني إسرائيل وبين أثر القرآن في نفس المسلمين والمشركين 5. وخلص من ذلك كله إلى أن: "ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو
------------------------
1 مجلة المنار (2/ 418)
2 انظر: تفسير المنار (1/ 191 ـ 228)
3 انظر: المصدر نفسه (11/ 195 ـ 197)
4 الوحي المحمدي (ص: 138ـ 166)
5 الوحي المحمدي (ص:65، 71، 148)
أعلى وأكمل مما جاء به من قبله من جميع الأنبياء والحكماء والحكام فهو برهان علمي على أنه من عند الله تعالى، لا من فيض استعداده الشخصي" 1.(1/268)
وقد سبق أن أشرت إلى أن الشيخ رشيد يثبت وقوع آيات كونية للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يقصد بها التحدي وإقامة الحجة على نبوته ورسالته، بل كان ذلك لأسباب أخرى 2.
ومن منهج المقارنة الذي يعتمده الشيخ رشيد رضا للوصول إلى الحقائق، أنه قارن أيضاً بين آيات النبيين قبل نبينا وآياته، والحق أن المقارنة تقوم مقام التجربة في البحوث العلمية؛ وتتساوي نتيجتها في القوة مع تلك أو تعلو عليها. لذلك فإن الشيخ رشيد يعتمد منهج المقارنة، لإثبات نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم كما نبين في المبحث التالي.
ثانياً: المقارنة:
لدينا قوانين مستقرة في بداهة العقول، منها قانون التماثل، وهو: "أن المثلين يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، ويجب له ما يجب له ويمتنع عليه ما يمتنع عليه" 3. ولدينا أيضاً قانون الأولى: وهو: لو أن مثلين اشتركا في صفة أو صفات وزاد أحدهما على الآخر في الصفة أو الصفات فهو أولى بالحكم من صاحبه 4.
وينتج عن هذين قانون آخر هو: أن التفريق بين المتماثلين كالجمع بين المتناقضين. وعلى هذه القوانين العقلية تكون المقارنة حجة عقلية تنتج حكماً صحيحاً لا مرد له، وعلى هذا الأساس فقد قارن الشيخ محمد رشيد
------------------------
1 المصدر نفسه (ص: 167)
2 الوحي المحمدي (ص: 80 ـ 81)
3 انظر: ابن تيمية: شرح الأصفهانية (ص: 52)
4 انظر: المصدر السابق (ص: 116 ـ 117) فقد استخدم هذا القياس في حق الله تعالى. و انظر أيضاً: منهاج السنة (2/ 55 ـ 61) فقد استخد نفس القياس في حق الأنبياء، ثم في حق الصحابة.
بين نبينا صلى الله عليه وسلم وبين من سبقه من الأنبياء للوصول إلى حقيقة عالية هي: أن النبوة أولى بنبينا صلى الله عليه وسلم من غيره، وإذا لم تثبت نبوته فلا تثبت نبوة نبي قبله.(1/269)
فالمقارنة الأولى التي عقدها الشيخ رشيد كانت بين نبينا وبين موسى ـ صلى الله عليهما ـ فقال: "فأما الأول الخاص بشخص الرسول، فإن العاقل المستقل الفكر إذا عرف تاريخ محمد صلى الله عليه وسلم وتاريخ أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام، فإنه يرى أن محمداً قد نشأ أمياً لم يتعلم القراءة والكتابة، وأن قومه الذين نشأ فيهم كانوا أميين وثنيين جاهلين بعقائد الملل وتواريخ الأمم وعلوم التشريع والفلسفة والأدب، حتى إن مكة عاصمة بلادهم وقاعدة دينهم ومثوى كبرائهم ورؤسائهم، ومثابة الشعوب والقبائل للحج والتجارة فيها، والمفاخرة بالفصاحة والبلاغة في أسواقها التابعة لها لم يكن يوجد فيها مدرسة ولا كتاب مدون قط، فما جاء به من الدين التام الكامل والشرع العام الجامع، لا يمكن أن يكون مكتسباً ولا أن يكون مستنبطاً بعقله وفكره، كما بيناه من قبل... ويرى تجاه هذا أن موسى ـ عليه السلام ـ أعظم أولئك الأنبياء في علمه وعمله، وفي شريعته وهدايته، قد نشأ في أعظم بيوت الملك لأعظم شعب في الأرض وأرقاه تشريعاً وعلماً وحكمة وفناً وصناعة، وهو بيت فرعون مصر، ورأى قومه في حكم هذا الملك القوي القاهر مستعبدين مستذلين تذبح أبناؤهم وتستحيا نساؤهم، تمهيداً لإبادتهم ومحوهم من الأرض، ثم إنه مكث بضع سنين عند حميه في مدين وكان نبياً ـ أو كاهناً كما يقولون ـ فمن ثم يرى منكرو الوحي أن ما جاء به موسى من الشريعة الخاصة بشعبه ليس بكثير على رجل كبير العقل عظيم الهمة، ناشئ في بيت الملك والتشريع والحكمة إلخ... ثم يرى الناظر أن سائر أنبياء العهد القديم كانوا تابعين للتوراة متعهدين بها، وأنهم كانوا يتدارسون تفسيرها في مدارس خاصة بهم وبأبنائهم مع علوم أخرى، فلا يصح أن يذكر أحد منهم مع محمد ذكر موازنة ومفاضلة، ويرى أيضاً أن يوحنا المعمدان الذي شهد المسيح بتفضيله عليهم كلهم 1 لم يأت بشرع
------------------------
1 انظر: متَّى (11/ 11)(1/270)
ولا بنبأ غيبي، بل يرى أن عيسى عليه السلام وهو أعظمهم قدراً، وأعلاهم ذكراً، وأحلاهم أثراً، لم يأت بشريعة جديدة، بل كان تابعاً لشريعة التوراة مع نسخ قليل من أحكامها... فأمكن لجاحدي الوحي أن يقولوا: إنه لا يكثر على رجل مثله زكي الفطرة، زكي العقل ناشئ في حجر الشريعة اليهودية، والمدنية الرومانية، والحكمة اليونانية، غلب عليه الزهد والروحانية، أن يأتي بتلك الوصايا الأدبية، ونحن المسلمين لا نقول بهذا ولا ذاك، وإنما يقوله الماديون والملحدون والعقليون، وألوف منهم ينسبون إلى المذاهب النصرانية..." 1.
والذي نقوله نحن المسلمين بعد هذا العرض والمقارنة: إن البينات لمحمد أعظم من البينات للمسيح، وبعد أمر محمد عن الشبهة أعظم من بعد المسيح عن الشبهة، فإذا جاز القدح فيما دليله أعظم وشبهته أبعد عن الحق فالقدح فيما دونه أولى، وإن كان القدح في المسيح باطلاً، فالقدح في محمد أولى بالبطلان، وإذا ثبتت الحجة التي غيرها أقوى منها فالقوية أولى بالإثبات 2.
ثم يقارن الشيخ رشيد بين ما جاء به نبينا من العقائد والأحكام وبين ما جاء به غيره ـ فيقول: "وأما الوجه الثاني: وهو عقائد الدين وعباداته وأحكامه، فلا يرتاب العقل المستقل الفكر غير المقلد لدين من الأديان، أن عقائد الإسلام من توحيد الله وتنزيهه عن كل نقص، ووصفه بصفات الكمال والاستدلال عليها بالدلائل العقلية والعلمية الكونية، ومن بيان هداية رسله به ومن عباداته وآدابه المزكية للنفس المرقية للعقل، ومن تشريعه العادل، وحكمه الشوري المرقي للاجتماع البشري ـ كل ذلك أرقى مما في التوراة والأناجيل وسائر كتب العهد القديم والجديد..." 3. وبالمقارنة فيما يتعلق بالله تعالى وصفاته وفيما يتعلق بالأنبياء والرسل، يقول الشيخ رشيد
------------------------
1 الوحي المحمدي (ص: 66 ـ 68)، وأيضاً: مجلة المنار (4/ 379 ـ 386)
2 انظر: ابن تيمية: منهاج السنة (2/ 55ـ 56)(1/271)
3 الوحي المحمدي (ص: 68)
مقارناً بين ما جاء به نبينا وما جاءت به كتب أهل الكتاب: "ومن نظر في قصص آدم ونوح وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب ويوسف من سفر التكوين، وسيرة موسى وداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء في سائر أسفار العهد القديم، ثم قرأ هذه القصص في القرآن يرى الفرق العظيم في الاهتداء بسيرة هؤلاء الأنبياء العظام، ففي أسفار العهد القديم يرى وصف الله تعالى بما لا يليق به من الجهل والندم على خلقه البشر والانتقام منهم، ووصف الأنبياء أيضاً بما لا يليق بهم من المعاصي مما هو قدوة سوءى، من حيث يجد في قصص القرآن من حكمة الله تعالى ورحمته وعدله وفضله وسننه في خلقه، ومن وصف أنبيائه ورسله بالكمال، وأحاسن الأعمال، ما هو قدوة صالحة وأسوة حسنة تزيد قارئها إيماناً وهدى، فأخبار الأنبياء في كتب العهدين تشبه بستاناً فيه كثير من الشجر والعشب والشوك والأزهار والحشرات، وأخبارهم في القرآن تشبه العطر المستخرج من تلك الأزهار، والعسل المشتار من جنى تلك الثمار... وندع هنا ذكر ما كتبه علماء الإفرنج الأحرار في نقد هذه الكتب والطعن فيها، ومن أخصرها وأغربها كتاب "أضرار تعليم التوراة والإنجيل" لأحد علماء الإنجليز 1، وما فيها من مخالفة العلم والعقل والتاريخ، والقرآن خالٍ من ذلك 2" 3.
والذي أريد أن أثبته هنا، هو أن المسلمين لا يقولون بصحة ما ورد في الكتب المقدسة عند أهل الكتاب فيما يتعلق بصفات الله ورسله، ولكننا نقول: إذا كان يمكن الإيمان بهذه الكتب وهؤلاء الأنبياء والحالة هذه،
------------------------
1 هو: تشارلز وطس: مطبعة الموسوعات في مصر، سنة 1319هـ = 1901م. انظر: صابر طعيمة: الأسفار المقدسة (ص: 168) وما بعدها.(1/272)
2 ومن البحوث الجديدة في ذلك: ما كتبه موريس بوكاي في المقارنة بين الحقائق العلمية في الكتب المقدسة. انظر: موريس بوكاي: الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة، دار المعارف، مصر، الترجمة العربية. و انظر أيضاً: مقارنة دراز: مدخل إلى القرآن الكريم (ص: 97 ـ 102)
3 الوحي المحمدي (ص: 68 ـ 69)
فالإيمان بنبينا وكتابه أولى وأحرى وهو سالم من كل هذه المطاعن.
وقد قارن الشيخ رشيد أيضاً بين آيات نبينا وآيات الأنبياء قبله، وقد سبق الإشارة إلى ذلك فلا أعيده هنا وأكتفي بما كتبت ونقلت هناك 1. وجانب آخر قارن فيه الشيخ رشيد لنفس السبب هو الأثر الذي تركه نبينا في أمته من بعده وأثر الأنبياء قبله 2.
ونتيجة هذه المقارنات ـ كما يقول الشيخ رشيد: "...أنه لا يستطيع أحد أن يؤمن إيماناً علمياً بأن تلك الكتب وحي من الله، وأن الذين كتبوها أنبياء معصومون فيما كتبوه، ثم لا يؤمن بأن القرآن وحي من الله تعالى، وأن محمداً نبي معصوم فيما بلغه عن الله تعالى..." 3.
ثالثاً: البشارات:
أثبتت آيات القرآن الكريم أن الكتب القديمة فيها بشارات بنبينا صلى الله عليه وسلم وأنه ذكر باسمه على لسان المسيح عليه السلام، فقال تعالى: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} 4، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ...} 5 ففي الآية الأولى: ذكر اسمه، وفي الآية الثاني: ذكر وصفه ووصف شريعته.(1/273)
وعند تفسير الآية الثانية وقف الشيخ رشيد وعقد فصلاً طويلاً في بشارات الكتب السابقة بنبينا صلى الله عليه وسلم. واعتمد فيه على ما أورده العلامة رحمة الله الهندي في كتابه "إظهار الحق" فقد أورد كلامه بطوله ولفظه، وسبق ذلك أيضاً بالمقدمات التي مهد بها رحمة الله لهذه البشارات، وهي ثمان
------------------------
1 انظر (ص:702) من هذا البحث.
2 انظر: الوحي المحمدي (ص: 148 وص: 151 ـ 165)
3 الوحي المحمدي (ص: 58)
4 سورة الصف، الآية (6)
5 سورة الأعراف، الآية (157)
مقدمات 1 أُوردُ منها أهمها مع الاختصار:
الأولى: أن إخبار النبي المتقدم عن المتأخر يكون مجملاً خفياً ولكنه يتضح بالقرائن والعلامات.
الثانية: أن أهل الكتاب كانوا ينتظرون ثلاثة: إيليا ـ وهو يحيى عليه السلام ـ والمسيح ـ ونبياً آخر بعد المسيح ليس هو إيليا ـ يحيى ـ ولا المسيح، فادعاء أن المسيح هو الخاتم باطل 2.
الثالثة: أن اليهود ينكرون ما يستدل به النصارى من بشارات العهد القديم كما ينكر النصارى البشارات بنبي الإسلام، مع أن هذه أظهر وأقوى من تلك التي يحتج بها النصارى.(1/274)
الرابعة: وهي أهم هذه المقدمات، وهي مسألة ترجمة أهل الكتاب لنصوص كتبهم بالمعنى الذي يكون على قدر ما يفهم المترجم، فقد ترجمت الأسماء في هذه الكتب بمعانيها أحياناً كما أنهم أضافوا ـ أثناء عملية الترجمة عبارات تفسيرية لبعض النصوص دون الإشارة إلى ما يميز هذه العبارة الإلحاقية عن النص الأصلي. ومثال الأول: ما جاء في العهد القديم ـ سفر التثنية في قول كاتب العهد القديم: "فمات هناك موسى عبد الرب" 3، وفي ترجمة أخرى: "فمات هناك موسى رسول الله" 4 وهاتان الترجمتان في اللغة العربية، فلو بدل لفظ رسول الله في البشارات المحمدية بلفظ آخر لما كان غريباً، ومثال آخر من الإنجيل: ففي إنجيل يوحنا ـ في الترجمة العربية كذلك ـ قول المؤلف: "لما علم يسوع" وفي ترجمة أخرى ـ عربية كذلك ـ "لما علم الرب" 5، فبدل المترجم لفظ يسوع
------------------------
1 انظر: تفسير المنار (9/ 230 ـ 250)، وقارن مع: رحمة الله الهندي: إظهار الحق (4/ 1078 ت 1115) ط. ملكاوي.
2 انظر: يوحنا: 1/19ـ 26
3 العهد القديم: تثنية (34/ 5)
4 رحمة الله الهندي: إظهار الحق (4/ 1100ـ 1101)، و تفسير المنار (9/ 247)
5 بشارة يوحنا (4/ 1)، و انظر: رحمة الله الهندي: المصدر السابق (4/ 1103)، و تفسير = = المنار (9/ 247)
وهو علم على المسيح بلفظ الرب، فلو بدلوا اسماً من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم بآخر لما كان بعيداً... ومثال الأمر الثاني: وهو العبارات الملحقة ضمن النص ـ ما كتبه مؤلف متى في قوله: "ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً إيلي إيلي لماذا شبقتني؟ أي: إلهي إلهي لماذا تركتني؟ "1 فلا ريب أن هذه العبارة التفسيرية ليست من كلام المصلوب.
ويشير الشيخ رشيد إلى أن هذه الأمور عندهم لا تعاب من أهل الدين فكيف بمن ليسوا كذلك، بل بدلوا وحرفوا عمداً، بالزيادة والنقصان 2.(1/275)
وبعد ذلك أورد الشيخ رشيد نقلاً عن الشيخ رحمة الله البشارات التي وردت في التوراة والإنجيل مع الشرح ورد المطاعن فيها، ونقل عن "إظهار الحق" البشارات بطولها، وكان يعلق أحياناً ويقوم بتحقيق بعض المسائل، كما حقق معنى كلمة "البارقليط" الواردة في بعض هذه البشارات فحقق معناه في اللغة الإنجليزية 3.
ولم يكتف رشيد رضا بالنقل عن رحمة الله الهندي، بل إنه استدرك عليه ما لم يعلمه. وذلك أن الشيخ رشيد قد وقف على إنجيل برنابا ـ الذي نقل عنه الشيخ رحمة الله بالواسطة ـ ولذلك فإنه أورد منه بشارة صريحة فيها ذكر اسم نبينا صلى الله عليه وسلم العلم "محمد". وذكر الشيخ رشيد أن ذلك موضع ارتياب الباحثين من علماء أوروبا، لأن المعهود في البشارات أن تكون بالكنايات والإشارات، وأجاب عن ذلك بعدة أجوبة: فقال: "بقي أمر يستنكره الباحثون في هذا الإنجيل بحثاً علمياً لا دينياً أشد الاستنكار وهو تصريحه باسم "النبي محمد" عليه الصلاة والسلام قائلين: لا يعقل أن يكون ذلك كتب قبل ظهور الإسلام إذ المعهود في البشارات أن تكون بالكنايات والإشارات، والعريقون في الدين لا يرون مثل ذلك مستنكراً في خبر
------------------------
1 انظر: بشارة متى (27/ 45)، ورحمة الله الهندي: المصدر نفسه (4/ 1103)، و تفسير المنار (9/ 247)
2 رحمة الله الهندي: المصدر نفسه (4/ 1110)
3 تفسير المنار (9/ 279)(1/276)
الوحي، وقد نقل الشيخ محمد بيرم 1 عن رحالة إنجليزي أنه رأى في دار الكتب البابوية في الفاتيكان نسخة من الإنجيل مكتوبة بالقلم الحميري قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها يقول المسيح: (ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) وذلك موافق لنص القرآن بالحرف، ولكن لم ينقل عن أحد من المسلمين أنه رأى شيئاً من هذه الأناجيل التي فيها البشارات الصريحة، فيظهر أن في مكتبة الفاتيكان من بقايا تلك الأناجيل والكتب التي كانت ممنوعة في القرون الأولى ما لو ظهر لأزال كل شبهة عن إنجيل برنابا وغيره. على أنه لا يبعد أن يكون مترجم إنجيل برنابا باللغة الإيطالية قد ذكر اسم "محمد" ترجمة، وأن يكون قد ذكر في الأصل الذي ترجم هو عنه بلفظ يفيد معناه كلفظ "البارقليط"، ومثل هذا التساهل معهود عند المسيحيين في الترجمة كما بينه الشيخ رحمة الله... وإنني أزيد مثالاً على ما سبق من اختلاف ترجمة الأعلام والألقاب والصفات في كتب أهل الكتاب يقرب لفهم القارئ هذه المسألة وهو ما جاء في نبوة النبي حجي من البشارة بنبينا صلى الله عليه وسلم..." 2.
والنبي حجي هو أحد أنبياء العهد القديم وله سفر قصير فيه إصحاحان فقط، وقد أورد الشيخ رشيد هذه البشارة وشرحها كما يلي:
بشارة النبي حجي بمحمد صلى الله عليه وسلم:
نقل الشيخ رشيد نص البشارة، وهو: "(2:6) هكذا قال رب الجنود: هي مرة بعد قليل فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة، 7 وأزلزل كل الأمم، ويأتي مشتهى كل الأمم فأملأ هذا البيت مجداً، قال رب الجنود 8 لي الفضة ولي الذهب يقول رب الجنود 9 مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول، قال رب الجنود 10 وفي هذا المكان أعطي السلام، يقول رب الجنود" 3. ثم علق الشيخ رشيد أولاً بملاحظة تتعلق بالترجمة كشاهد آخر على تصرف المترجمين في الأسماء فقال: "أقول قبل كل شيء
------------------------
1 انظر: ترجمته: الزركلي: الأعلام (7/101)(1/277)
2 تفسير المنار (9/ 297 ـ 298)
3 حجي (2/ 6 ـ 10)
إن اسم أو لقب مشتهى الأمم" هو في الأصل العبراني عند اليهود "حمدوت" ومعناه الذي يحمد، فهو صيغة مبالغة من الحمد كملكوت من الملك، فحمدوت الأمم هو الذي تحمده الأمم، وهو معنى محمد ومحمود، فالأول اسم فاعل من حمده بالتشديد إذا حمده كثيراً؛ ومن تحمده الأمم يكون محموداً حمداً كثيراً أي محمداً، والثاني اسم مفعول من حمد الثلاثي، ومحمود من أسمائه صلى الله عليه وسلم، فهل بعد هذا يبعد أن يكون لفظ الفارقليط اليوناني مترجماً من لفظ حمدوت العبراني، ونسخ الإنجيل العبرانية التي نقلت ألفاظ المسيح عليه السلام بحروفها قد فقدت...؛...ثم إن بقية بشارة حجي لا تصدق على غير نبينا صلى الله عليه وسلم محمد الأمم فهو الذي زلزل رب الجنود ببعثته العالم، ونصره بالجنود وبالحجة جميعاً، وكان مجد دين الله به أعظم من مجده بموسى وسائر أنبياء قومه، وفرضت شريعة الزكاة وخمس الغنائم لتنفق في سبيل الله فكانت الفضة والذهب لله..." 1.(1/278)
إن الترجمة هي الباب الذي دخل منه العبث بنصوص الكتب المقدسة السابقة على الإسلام، والترجمة ليست هي الأصل ولو مع وجوده، فكيف إذا فقد النص الأصلي، وأرى أن أنقل هنا اعترافاً لأحد المترجمين للعهد الجديد يبين فيه حقيقة الترجمة فيقول: "إن كل كلمة في أي لغة تحمل عادة معاني عديدة، وعلى المترجم في حال كهذه أن يختار معنى واحداً، يستخدمه في ترجمته، إلى ماذا يستند المترجم عندما يختار ذلك المعنى الواحد من بين المعاني المتعددة؟ إنه يختار ذلك المعنى الذي يشعر أنه يتفق مع فكرة القرينة، لكن هل يكون مصيباً دائماً في اختياره؟ إنه يظن ذلك. لكن قد يكون هناك من يخالفه في الرأي..." ويقول أيضاً: "المترجم كائن بشري عرضة للخطأ، وكلنا خطاة ضعفاء، إن الذي يحدث هو أن المترجم يقوم بتفسير الآية بالإضافة إلى ترجمته، والقارئ الذي لا يعرف اللغة الأصلية للكتاب المقدس يصبح تحت رحمة المترجم"، ويقول: "إن من السهل أن يغرب عن البال أن الترجمات
------------------------
1 تفسير المنار (9/ 298 ـ 299)
العربية للكتاب المقدس هي ترجمات وليست الأصل" 1.
إن اللغة التي كتبت بها الأسفار المقدسة هي العبرية، وهذه النصوص لم تصل إلينا في لغتها الأصلية. فصرنا جميعاً تحت رحمة المترجمين ـ وأمانتهم، ولولا أن منّ الله علينا برسوله الخاتم وكتابه العظيم لضاعت الحقيقة.
رابعاً: الشهادة:(1/279)
هذا دليل شرعي عقلي، أعني أنه جاء به الشرع وأيده العقل. وهو دليل معتمد عند أهل الكتاب. قال تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} 2 وقال: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} 3، وقال: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} 4، وأما العقل: فإنه يقول إن الله تعالى سميع بصير ـ وهذا باتفاق ـ فكان يرى نبينا ويسمعه، ويعلم دعواه التي أقام عليها ثلاثاً وعشرين سنة، فإما أنه ـ تعالى ـ كان يعلم أو لا يعلم، وفي الثاني نسبته تعالى للجهل. أو كان يعلم ولا يقدر على تغييره وفي ذلك نسبته إلى العجز المنافي للربوبية، أو كان قادراً ومع ذلك أعزه ونصره وأيده بكل طريق ـ أي وهو كاذب ـ فهذا من أعظم الظلم والسفه الذي لا يليق بالعقلاء، فكيف برب السماء، فكيف وهو يشهد له بإقراره على دعوته وبتأييده وبكلامه. فلا بد أن يكون عالماً قادراً شاهداً بالحق، ولا بد أن يكون محمد نبياً صادقاً 5.
ويعتمد أهل الكتاب هذا دليلاً على صدق المسيح "أي أنه رسول الله
------------------------
1 د. كينيث بايلي: الفهرس العربي لكلمات العهد الجديد: لغسان خلف. دار النشر المعمدانية، بيروت، 1979م (ص: 16) [عن الكتب المقدسة بين الصحة والتحريف (ص: 104)]
2 سورة النساء، الآية (166)
3 سورة الأنعام، الآية (19)
4 سورة الرعد، الآية (43)
5 انظر تقرير هذا الدليل: ابن القيم: هداية الحيارى (ص: 104) ط. دار الكتب العلمية.
بشهادة يوحنا المعمدان، وبشهادة الأب له بالآيات التي صنعها على يده وبالنبوءات التي تمت به، ومن ثم حق له أن يطلب تصديق دعواه بمجرد قوله" 1.(1/280)
لذلك كله فإن الشيخ رشيد قرر هذا الدليل أيضاً من أدلة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم.لقد عرف الشيخ رشيد كلمة "شهادة" فقال: "شهادة الشيء حضوره ومشاهدته، والشهادة به: الإخبار به عن علم ومعرفة، واعتقاد مبني على المشاهدة بالبصر أو بالبصيرة: أي العقل والوجدان، ومنه: الشهادة بالتوحيد، وإثبات الشيء بالدليل والبرهان شهادة به..." 2.
ويعلق على قوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} قائلاً: "أي شيء شهادته أكبر شهادة وأعظمها، وأجدر بأن تكون أصحها وأصدقها؟... أكبر الأشياء شهادة الذي لا يجوز أن يقع في شهادته كذب ولا زور ولا خطأ هو الله تعالى وهو شهيد بيني وبينكم، وأوحى إليّ هذا القرآن من لدنه لأنذركم به عقابه على تكذيبي فيما جئت به مؤيداً بشهادته سبحانه..." 3.
ثم بين الشيخ أقسام هذه الشهادة فقال إنها قسمان:
الأول: شهادته سبحانه برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الثاني: شهادته بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وقسم القسم الأول: وهو شهادته عزوجل برسالة رسوله إلى ثلاثة أنواع: الأول: إخباره برسالته في كتابه كقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} 4 وقوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً} 5، وقوله: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ
------------------------
1 انظر: د. وليم إدي: الكنز الجليل في تفسير الإنجيل (3/ 85 و3/ 135)
2 تفسير المنار (7/ 338)
3 المصدر نفسه والصفحة.
4 سورة الفتح، الآية (29)
5 سورة البقرة، الآية (119)(1/281)
الْمُرْسَلِينَ} 1، وهذا النوع شهادة بغير لفظ الشهادة، قال: "وهي غير شرط في صحتها خلافاً لبعض الفقهاء" 2، ولكن وردت الشهادة بلفظها أيضاً ـ كما في الآيات التي في صدر البحث. وأورد منها الشيخ رشيد قوله تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} 3، وقوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} 4، فهذا النوع الأول يشمل الشهادة بلفظ الشهادة وبغير لفظ الشهادة، وأما النوع الثاني من شهادة الله لرسوله بالرسالة فهو: تأييده له بالآيات الكثيرة، وأعظمها القرآن. ومنها غير القرآن من الآيات الحسية، والأخبار النبوية بالغيب. والنوع الثالث من شهادته تعالى لرسوله: شهادة الكتب السابقة له وبشارة الرسل به 5.
وأما القسم الثاني: وهو شهادة الله تعالى لما جاء به الرسول من التوحيد والبعث، فيقسمه الشيخ رشيد إلى ثلاثة أنواع كذلك:
أحدها: شهادة كتابه بذلك، كقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 6.
ثانيها: ما أقامه من الآيات البينات في الأنفس والآفاق على توحيده واتصافه بصفات الكمال.
ثالثها: ما أودعه جل شأنه في الفطرة البشرية من الإيمان الفطري، وبالألوهية وبقاء النفس وما هدى إليه العقول السليمة من تأييد هذا الشعور الفطري بالدلائل والبراهين 7.
------------------------
1 سورة البقرة، الآية (252)
2 تفسير المنار (7/ 339)
3 سورة النساء، الآية (166)
4 سورة الرعد، الآية (43)
5 تفسير المنار (7/ 339 ـ 340)
6 سورة آل عمران، الآية (18)
7 تفسير المنار (7/ 340)(1/282)
ويلخص الشيخ رشيد هذا المعنى كله بقوله: "علم مما بيناه أن شهادته تعالى هي شهادة آياته في القرآن، وآياته في الأكوان، وآياته في العقل والوجدان، وهذه الآيات قد بينها القرآن وأرشد إليها، فهو الدعوى والبينة والشاهد والمشهود له، وكفى به ظهوراً بالحق وإظهاراً له، أنه لا يحتاج إلى شهادة غيره له..." 1.
خامساً: الآيات الكونية:
وفي سياق المقارنة بين آيات نبينا صلى الله عليه وسلم العقلية العلمية، وآيات من سبقه، أثبت رشيد رضا وقوع آيات كونية لنبينا صلى الله عليه وسلم على نحو ما وقع لمن سبقه من الأنبياء، إلا أن آيات نبينا صلى الله عليه وسلم قد رويت "بالأسانيد المتصلة تارة والمرسلة 2 أخرى" وهي "أكثر من كل ما رواه الإنجيليون وأبعد عن التأويل" 3، ومع ذلك فإنه "لم يجعلها برهاناً على صحة الدين ولا أمر بتلقينها للناس" 4، وذلك لأن "الله تعالى جعل نبوة محمد ورسالته قائمة على قواعد العلم والعقل في ثبوتها وفي موضوعها، لأن البشر قد بدؤوا يدخلون بها في سن الرشد والاستقلال" 5.
وأما هذه الآيات الكونية "فلم يكن لإقامة الحجة على نبوته ورسالته، بل كان من رحمة الله تعالى وعنايته به وبأصحابه في الشدائد" 6، ومن هذه الآيات: "شفاء المرضى 7، وإبصار الأعمى 8، وإشباع العدد الكثير
------------------------
1 المصدر نفسه والصفحة.
2 الرواية المرسلة: هي التي لم يذكر فيها اسم الصحابي. انظر: ابن الصلاح: المقدمة (ص: 71)، وأحمد شاكر: شرح ألفية السيوطي في علم المصطلح (ص: 26)
3 الوحي المحمدي (ص: 79)
4 المصدر نفسه.
5 المصدر نفسه (ص: 79 ـ 80)
6 الوحي المحمدي (ص: 80 ـ 81)
7 انظر: الطبراني: المعجم الكبير (5/ 275)، والهيثمي: مجمع الزوائد (8/ 298)
8 انظر: الهيثمي: مجمع الزوائد (8/ 297 ـ 298)، و انظر أيضاً: الترمذي: ك: الدعوات، باب: 119، ح: 3578.(1/283)
من الطعام القليل في غزوة الأحزاب 1، وفي غزوة تبوك 2، كما وقع للمسيح عليه السلام 3، ومنها: تسخير الله السحاب لإسقاء المسلمين، وتثبيت أقدامهم التي كانت تسيخ في الرمل ببدر، ولم يصب المشركين من غيثها شيء 4، ومثل ذلك في غزوة تبوك إذ نفد ماء الجيش في الصحراء والحر شديد، حتى كانوا يذبحون البعير ويخرجون الفرث من كرشه ليعتصروه ويبلوا ألسنتهم، على قلة الرواحل معهم 5..." 6.
ويرى رشيد رضا أن معجزات الأنبياء من هذا النوع لا تتفق مع عقلية العصر الحديث التي أصبحت لا تؤمن إلا بالمعقول وبما تحسه فقط، وتنكر ما يخرح عن قوانين الطبيعة، فمعجزات الرسل قبل نبينا صلى الله عليه وسلم أصبحت شبهة على الدين عند علماء العصر، وكما يقول رشيد رضا "إن القرآن وحده هو حجة الله القطعية على ثبوت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بالذات، ونبوة غيره من الأنبياء وآياتهم بشهادته، ولا يمكن في عصرنا إثبات آية إلا بها، وإن الخوارق الكونية شبهة عند علمائه لا حجة" 7. ولكن يرد رشيد رضا من هذه الآيات: انشقاق القمر.
------------------------
1 انظر: البخاري: الصحيح، ك: المغازي، باب: غزوة الأحزاب، ح: 4101، و 4102.
2 انظر: مسلم: الصحيح، ك: الفضائل، ح: 11 (1392)
3 انظر: متى (14/ 13 ـ 21)، ويوحنا (6/ 5 ـ 14)
4 انظر: ابن كثير: التفسير (2/ 279ـ 280)، وابن هشام: السيرة (2/ 658)، وأحمد: المسند (2/192)ح: 948، ت: شاكر. وقال: إسناده صحيح، وقال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح، غير حارثة بن مضر وهو ثقة. مجمع الزوائد (6/ 76)
5 انظر: ابن خزيمة (1/ 52 ـ 53)، وابن حبان: الإحسان (2/ 331)، والحاكم (1/ 159)،وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراين في الأوسط ورجال البزار ثقات: مجمع الزوائد (6/ 194 ـ 195)
6 الوحي المحمدي (ص: 81)(1/284)
7 مجلة المنار (34/ 793) وقد نسب مصطفى صبري لرشيد رضا بناء على هذه الكلمة إنكاره لمعجزات النبياء. انظر: مصطفى صبري: موقف العقل (1/ 347 و 1/ 25)
انشقاق القمر:
من الآيات التي أكرم الله تعالى بها نبيه آية انشقاق القمر نصفين بناء على اقتراح أهل مكة وسؤالهم 1، وقد تواترت بذلك الأحاديث 2، وأجمع على الإيمان بها أهل السنة 3، وأنكرها جمهور الفلاسفة بحجج لا تستحق أن يلتفت إليها 4، وقد قال الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} 5 "ومعلوم بالضرورة في مطرد العادة، أنه لو لم يكن انشق لأسرع المؤمنون بها إلى تكذيب ذلك، فضلاً عن أعدائه الكفار والمنافقين، ومعلوم أنه كان أحرص الناس على تصديق الخلق له، واتباعهم إياه، فلو لم يكن انشق لما كان يخبر به ويقرئه على جميع الناس ويستدل به ويجعله آية له" 6.
لقد رد الشيخ رشيد دعوى تواتر أحاديث انشقاق القمر، ثم طفق يوهن من أمر ما روي في الصحيحين، فقال إن ما روي على شرط الشيخين هو حديث واحد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه 7، وأما حديثا أنس 8 وابن عباس 9 ـ رضي الله عنهما ـ فزعم أنهما مرسلان. قال: "والخلاف في الاحتجاج بالمراسيل معروف ومن يحتج بمراسيل الصحابة مطلقاً يبني احتجاجه على أنهم يروون عن مثلهم، ولكن ثبت أن بعضهم
------------------------
1 انظر: البخاري: الصحيح، ك: المناقب، باب: وانشق القمر، ح: 4865 ـ 4867 (7/ 182) مع الفتح.
2 حكى التواتر: ابن كثير: التفسير (4/ 263)، وابن حجر: الفتح (7/ 183 و185)، و ابن تيمية: الجواب الصحيح (6/ 160)
3 انظر: القاضي عياض: الشفا (1/ 213)
4 ابن حجر: الفتح (7/ 183)، و ابن تيمية: الجواب الصحيح (6/ 180)
5 سورة القمر، الآية (1)
6 ابن تيمية: الجواب الصحيح (6/ 161)
7 البخاري: التفسير: سورة اقتربت الساعة، باب: ومن سورة القمر، ح: 4864 (8/ 617)، ومسلم: صفات المنافقين، باب: انشقاق القمر، ح: 43(2800) (4/ 2158)(1/285)
8 البخاري: مناقب الأنصار، باب: انشقاق القمر، ح: 3868 (7/ 182)
9 البخاري: التفسير: سورة اقتربت الساعة، باب: وانشق القمر، ح: 4866 (8/ 617)
كان يروي عن بعض التابعين حتى كعب الأحبار، وعلى كل حال لا يصح في مراسيلهم ما اشترط في التواتر من الرواية المتصلة إلى من شاهد المروي ورواية الشيخين المتصلة من طريقين فقط..." 1.
ثم ذكر الشيخ رشيد أيضاً مطعناً آخر وهو دعوى اختلاف المتون في أحاديث انشقاق القمر 2، وإشكال خفاء هذه الحادثة على جميع الأقطار 3، ثم أورد ما أسماه الإشكال الأصولي الأعظم وهو "أن سنته قد مضت بأن ينزل عذاب الاستئصال لكل قوم اقترحوا آية على رسولهم ولم يؤمنوا بإجابتهم إلى ذلك..." 4. وقال: "وجملة القول أنه لو صح أن قريشاً سألوا النبي صلى الله عليه وسلم آية تدل على صدق نبوته وأن الله تعالى أجابهم إلى طلبهم فجعل انشقاق القمر آية كما هو نص حديث أنس في الصحيحين وغيره في غيرهما لعذب الله أمته وقومه باستئصالهم على حسب القاعدة الصحيحة الثابتة بالنص القطعي..." 5.
ولذلك فإن الشيخ رشيد خص حديث أنس رضي الله عنه الذي يثبت اقتراح قريش لهذه الآية ـ بمزيد من الطعن.
ثم إن الشيخ رشيد حمل آية الانشقاق في سورة القمر على وجه آخر حاول فيه الاعتضاد بمعاجم اللغة. واتهم المفسرين أيضاً بالتساهل في تصحيح روايات انشقاق القمر حباً في تكثير دلائل النبوة بالمعجزات الكونية 6.
والحق أن الشيخ رشيد كان في غنى عن كل ذلك، لأن الأحاديث المروية كافية في إثبات هذا الحادث العظيم، وكل ما أورده هو ومن قبله من الاعتراضات ليست مما يصمد أمام الفحص والنظر الصحيح.
------------------------
1 مجلة المنار (30/ 262 ـ 263)
2 المصدر نفسه (30/ 264)
3 المصدر نفسه (30/ 270)
4 المصدر نفسه (30/ 364)
5 المصدر نفسه.
6 مجلة المنار (30/ 372)(1/286)
فتواتر الأحاديث في هذا مروي عن عدد من المحدثين 1 وهم المرجع في ذلك "وأنه قد يتواتر عند أهل العلم بالشيء ما لا يتواتر عند غيرهم، وأهل العلم بالحديث أخص الناس بمعرفة ما جاء به الرسول ومعرفة أقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فإليهم المرجع في هذا الباب، لا إلى من هو أجنبي عن معرفته..." 2.
وأما خفاء هذا الحادث على جميع الأقطار فهي شبهة واهية لأن "الأمر في هذا خارج عما ذهبوا إله من قياس الأمور النادرة الغريبة إذا ظهرت لعامة الناس... وذلك أن هذا شيء طلبه قوم خاص من أهل مكة على ما رواه أنس بن مالك فأراهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ليلاً لأن القمر آية الليل ولا سلطان له بالنهار، وأكثر الناس في الليل تنام ومستكنون بأبنية وحجب والأيقاظ البارزون منهم في البوادي والصحاري قد يتفق أن يكونوا في ذلك الوقت مشاغيل بما يلهيهم من سمر وحديث... وكثيراً ما يقع للقمر كسوف فلا يشعر به الناس حتى يخبرهم الآحاد منهم، والأفراد من جماعتهم... ولو أحب الله أن تكون معجزات نبيه عليه السلام أموراً واقعة تحت الحس قائمة للعيان حتى يشترك في معاينته الخاصة والعامة لفعل ذلك، ولكنه سبحانه قد جرت سننه بالهلاك والاستئصال في كل أمة أتاها نبيها بآية عامة يدركها الحس فلم يؤمنوا بها، وخص هذه الأمة بالرحمة فجعل آية نبيها التي دعاهم إليها وتحداهم بها عقلية، وذلك لما أوتوه من فضل العقول وزيادة الأفهام، ولئلا يهلكوا فيكون سبيلهم سبيل من هلك من سائر الأمم المسخوط عليهم المقطوع دابرهم، قلم يبق لهم عين ولا أثر، والحمد لله على لطفه بنا..." 3. ويؤيد هذا قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} 4، فهذه الأمة مرحومة
------------------------
1 انظر: ابن حجر: فتح الباري (6/ 730)، وحاشية (6) (ص:716)
2 ابن تيمية درء التعارض (7/ 32)(1/287)
3 الخطابي: أعلام الحديث (3/ 1618 ـ 1620)، و انظر أيضاً: ابن تيمية: الجواب الصحيح (6/ 447 ـ 451)، و انظر أيضاً: عياض: الشفا (ص: 215)
4 سورة الأنفال، الآية (33)
موعودة بألا تستأصل بسنة عامة 1. فهذا جواب لشبهتين أوردهما الشيخ رشيد في آن واحد ـ وأما تفسير الآية بما يوافق الأحاديث فهو ما عليه المفسرون 2. فيكون الشيخ رشيد قد جانب الصواب في هذه المسألة 3.
------------------------
1 انظر: الترمذي: السنن، ك: الفتن، باب: ما جاء في سؤال النبي ( ثلاثاً في أمته، ح: 2175 و2176 (5/ 471 ـ 472)
2 انظر: الزجاج: معاني القرآن (5/ 81) وذكر أنه إجماع المفسرين.
3 وقد أشرت قبل قليل إلى أنه يمكن أن رشيد رضا قد أخذ هذا من فلسفة محمد عبده بناءً على مذهب الفلاسفة في مثل هذه الآيات.
المبحث التاسع: منهج رشيد رضا في الصحابة:
عرف الشيخ رشيد الصحابي بقوله: "الصحابي من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً، واشترط بعضهم طول الاجتماع به والرواية عنه، وبعضهم أحدهما،وقال بعضهم هم كغيرهم من الناس" 1.
ومعتمداً على قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ...} الآية 2. قسم رشيد رضا الصحابة إلى ثلاث طبقات: الأولى: السابقون الأولون من المهاجرين، والثانية: السابقون الأولون من الأنصار، والثالثة: الذين اتبعوا هؤلاء السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار 3. قال: "ولفظ الاتباع فيها نص في الصحابة المتأخرين الذين اتبعوا الأولين من المهاجرين والأنصار في صفتيهم: الهجرة والنصرة، وهو بصيغة الماضي، فلا يدخل في عمومه التابعون الذين تلقوا الدين والعلم من الصحابة ولم ينالوا شرف الصحبة والهجرة والنصرة، وتسمية هؤلاء بالتابعين اصطلاحية حدثت بعد نزول القرآن" 4. وأما حكم هذه الطبقات الثلاث، فيقول عنهم: "هذه الشهادة من(1/288)
------------------------
1 مجلة المنار (34/ 117)
2 سورة التوبة، الآية (100)
3 تفسير المنار (11/ 13 ـ 17) بتصرف.
4 المصدر نفسه.
رب العالمين للطبقات الثلاث من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدفع حقها باطل الروافض الذين يطعنون فيهم، ويحثو التراب في أفواههم، والذي سن لهم هذا الطعن في جمهورهم الأعظم عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أظهر الإسلام لأجل إيقاع الشقاق بين المسلمين وإفساد أمرهم ثم نظم الدعوة لذلك زنادقة المجوس بعد فتح المسلمين لبلادهم... ثم جُعل الرفض مذهباً، له فرق ذات عقائد، منها ما هو كفر صريح ومنها ما هو ابتداع قبيح ومنها ما هو دون ذلك..." 1.
ويرى رشيد رضا أن هذه الطبقات الثلاث من الصحابة قد جاوزوا القنطرة، فيقول: "إن جميع أفراد هذه الطبقات الثلاث قد جاوزوا القنطرة واستبقوا الصراط وما يؤثر في كمال إيمانهم شيء، لأن نورهم يمحوا كل ظلمة تطرأ على أحد منهم بإلمامه بذنب..." 2.
وعند قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} 3، قال: "هذا خبر مؤكد بلام القسم على حرف التحقيق بين به الله فضل عطفه على نبيه وأصحابه المؤمنين الصادقين من المهاجرين والأنصار وتجاوزه عن هفواتهم... لاستغراقها في حسناتهم الكثيرة، على كونهم لا يصرون على شيء منها، وإنما كانت هفواتهم هذه مقتضى الطباع البشرية، واجتهاد الرأي فيما لم يبينه الله تعالى لهم بياناً قطعياً يعد مخالفه عاصياً..." 4.
وقال رداً على سؤال عن عدالة الصحابة: "...وورد من الأحاديث النبوية في تعديلهم والثناء عليهم، والنهي عن سبهم وحظر بغضهم، ما لا محل لذكر شيء منه في هذا الجواب الوجيز" 5. وأيضاً فقد "كان من سيرتهم المتواترة في نشر الإسلام في العالم وإصلاح البشرية، ما هو أكبر
------------------------
1 تفسير المنار (11/ 16)
2 المصدر نفسه (11/ 17)
3 سورة براءة، الآية (117)
4 تفسير المنار (11/ 64)(1/289)
5 مجلة المنار (34/ 118)
حجة علمية تاريخية على تفضيل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على جميع أصحاب الأنبياء والمرسلين..." 1.
وهذه المكانة العالية لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا تمنع أن يرتكب بعضهم الذنوب ومنها الكبائر ـ يقول رشيد رضا ـ إلا أن هذا "لا يبيح هتك حرمة هؤلاء الأخيار في جملتهم" 2.
إلا أن رشيد رضا يرى أن القول بعدالة جميع الصحابة على اصطلاح من لا يشترط في الصحبة طول العشرة وتلقي العلم والتربية النبوية مطلقاً فيه إفراط، ويفرق بين من رأى النبي صلى الله عليه وسلم طفلاً ـ مثلاً ـ ولا يعي وبين من عاشر النبي صلى الله عليه وسلم ولازمه 3.
وقد تابع رشيد رضا في ذلك أبو رية وغيره 4. ولا ريب أن الاعتقاد بعدالة كافة الصحابة هو قول جمهور أهل السنة. وكافة المحدثين، وعليه سلف الأمة وجماهير الخلف 5.
وعدالة الصحابة كافة هي ما تدل عليه آيات القرآن الكريم دون استثناء. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} 6، وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} 7،وقال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 8، وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ
------------------------
1 المصدر نفسه والصفحة.
2 المصدر نفسه.(1/290)
3 المصدر نفسه.
4 انظر: أضواء (ص: 324)، وأحمد أمين: فجر الإسلام (ص: 216 ـ 217)
5 انظر: الأعظمي: منهج النقد عند المحدثين (ص: 105)
6 سورة البقرة، الآية (143)
7 سورة الفتح، الآية (18)
8 سورة الحشر، الآية (9)
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ..} 1.
وهذه الآيات وغيرها ترد مذهب رشيد رضا إذ أنها تشير إلى تعديل كافة الصحابة دون استثناء، بما فيهم معاوية رضي الله عنه والذي اتخذ منه رشيد رضا موقفاً غير مرضي كما سيأتي بيانه بعد قليل.
ترتيب الخلفاء الأربعة في الفضل والخلافة:
يرى الشيخ رشيد أن ترتيب الصحابة في الخلافة هو على ترتيبهم في الفضل، وأن ذلك بحكمة الله ورحمته. فيقول: "وكان من حكمة الله ورحمته أن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه خير أصحابه علماً وحكمة وإخلاصاً ليكونوا قدوة لمن بعدهم وحجة لله عليهم، وألهم أهل الحل والعقد أن يقدموا أقصرهم فأقصرهم عمراً من حيث لا يدرون لتستفيد الأمة من كل واحد منهم، وهذه حكمة ألهمني الله تعالى إياها منذ عشرات السنين لم أروها ولم أسمعها من أحد، وهاك وجه كل واحد منهم ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ..." 2. ثم طفق يبين وجه الحكمة تفصيلاً. والشاهد من ذلك تقرير الشيخ رشيد لمنهج السلف في ترتيب الخلفاء في الخلافة والفضل.
حكم سب ولعن الصحابة:
ويرى الشيخ رشيد أن سب الشيخين معصية فيقول جواباً على سؤال عن حكم من فعل ذلك، وهل تطلق زوجته: "سب الشيخين عليهما الرضوان معصية، والمعاصي لا تحل عقد الزوجية، وإلا لما صح لفاسق زوجية ولا نسب..." 3.
وفيما يتعلق بالصحابي معاوية رضي الله عنه، فإن الشيخ رشيد يرى تحريم لعنه مطلقاً ـ كغيره من الصحابة ـ لأسباب عديدة منها: النهي الوارد
------------------------
1 سورة التوبة، الآية (100)
2 مجلة المنار (35/ 7)
3 مجلة المنار (7/ 380)(1/291)
في السنة عن اللعن الذي يتساهل فيه أهل الأهواء من السفهاء 1. ولأنه لا يستحق اللعن إلا من مات كافراً بالله وغضب الله عليه، وهذا لا يعرف إلا بوحي من الله تعالى، ولأن الخاتمة مجهولة 2 ووراء ذلك كله: "إن السواد الأعظم من المسلمين يعدون سب معاوية ولعنه من الكبائر، ويرمون سابه بالرفض والابتداع، وأن السني من المسلمين ليعادي الشيعي على سب معاوية وأبي سفيان بلهَ الخلفاء الثلاثة، ويعادي الخارجي على سب عثمان وعلي ما لا يعادي غيرهما على ترك فريضة من الفرائض أو ارتكاب فاحشة من الفواحش، فهذا الطعن في عظماء الصحابة وحملة الدين الأولين لو كان جائزاً في نفسه لكفى في تحريمه ما يترتب عليه من زيادة التفريق بين أهل القبلة وتمكين العداوة في قلوبهم حتى يكفر بعضهم بعضاً. لهذا لا أبالي أن أقول لو اطلع مطلع على علم الغيب فعلم أن معاوية مات على غير الإسلام لما جاز له أن يلعنه..." 3. وقد استفتي الشيخ رشيد في لعن معاوية غير مرة فلم يفتِ به ولم يرضه 4.
ورغم ذلك فإن موقف الشيخ رشيد من معاوية رضي الله عنه غير مرضي. إنه يقول: "إن سيرة معاوية تفيد بجملتها وتفصيلها أنه كان طالباً للملك ومحباً للرياسة، وإنني لأعتقد أنه قد وثب على هذا الأمر مقتاتاً، وأنه لم يكن له أن يحجم عن مبايعة علي بعد أن بايعه أولو الأمر... وإنني على اعتقادي هذا لا أرى للمسلمين خيراً في الطعن في الأشخاص والنبز بالألقاب واللعن والسباب، وإنما عليهم أن يبحثوا عن الحقائق ليعلموا من أين جاءهم البلاء فيسعوا في تلافيه مع الاتحاد والاعتصام، والاقتداء بالسلف الصالح في حسن الأدب مع الصحابة الكرام" 5.
ويقول أيضاً: "...ونحن من أولياء علي ـ عليه السلام والرضوان ـ لا
------------------------
1 المصدر نفسه (8/ 629 ـ 630)
2 مجلة المنار (8/626)
3 مجلة المنار (8/630)
4 المصدر نفسه والصفحة
5 المصدر نفسه (9/ 213)(1/292)
من أولياء معاوية وفئته الباغية ـ عليهم من الله ما يستحقون ـ ولكننا لسنا بسبابين ولا لعانين كما ورد في وصف المؤمنين. وقد ذكرت في ترجمة الوالد ـ رحمه الله ـ من المجلد الثامن ـ أنه كان يقول: "لا نحب معاوية ولا نسبه" وكيف نحب من بغى على جدنا وخرج عليه 1 وكان سبباً في تلك الفتن التي كانت نكتة سوداء في تاريخ عصر النور الأول لنور الإسلام. وبه تحول شكل الحكومة الإسلامية عن القاعدة التي وضعها لها الله تعالى في كتابه بقوله في المؤمنين: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} 2 إلى حكومة شخصية استبدادية..." 3.
والحق أن في هذا الموقف من الشيخ رشيد ـ رغم رفضه للعن والسب ـ قصور شديد وبخس لحق هذا الصحابي الجليل، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} 4 ومعاوية رضي الله عنه هو من جملة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وينطبق عليه ما ينطبق عليهم.
فمعاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنهما ـ خال المؤمنين وكاتب وحي رب العالمين 5، ولاه عمر رضي الله عنه الشام، وأقره عليها عثمان 6. أسلم يوم العقبة وكتم إسلامه خوفاً من أبيه 7. كنيته: أبو عبد الرحمن 8.
------------------------
1 ليست المسألة مسألة عصبية للآباء والأجداد، ويجب أن يكون الكلام علمياً لا عصبياً على سنن الجاهلية.
2 سورة الشورى، الآية (38)
3 مجلة المنار (12/ 954)
4 سورة هود، الآية (85)
5 ابن عساكر: تاريخ دمشق (59/ 55) ط. دار الفكر، الأولى، سنة 1418هـ، و انظر: الطبراني: المعجم الكبير (19/ 304)، والذهبي: تاريخ الإسلام: عهد معاوية (ص: 306)، والسير (3/ 119)، وأخته أم المؤمنين حبيبة بنت أبي سفيان. الذهبي: تاريخ الإسلام (ص: 308)
6 ابن عساكر: المصدر السابق (59/ 111)
7 ابن عساكر (59/ 55)، والذهبي: السير (3/ 120)، والتاريخ (ص: 308)
8 ابن عساكر (ص: 59)(1/293)
ولي الخلافة حين سلم الأمر إليه الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ وذلك سنة إحدى وأربعين 1. شهد له ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بالأمانة والفقه 2. كان أبيض طويلاً أبيض الرأس واللحية 3، إذا ضحك انقلبت شفته العليا 4. اتخذه النبي صلى الله عليه وسلم كاتباً بوصية جبريل عليه السلام 5. وبشره بالخلافة وأوصاه بالمسلمين 6، ودعا له كثيراً 7.
ولما كان معاوية هو أحد الذين أكرمهم الله تعالى بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم فكل كلام يقال في الصحابة فإن معاوية يدخل فيه، وللسلف كلام فيه يخصه رضي الله عنه.
فقد روى البخاري أن معاوية أوتر بعد العشاء بركعة، وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس، فقال: "دعه فإنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي رواية: فقال ابن عباس: "إنه فقيه" 8.
وروى أحمد في مسنده عن مجاهد عن ابن عباس أن معاوية أخبره "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر شعره بمشقص" فقلت لابن عباس: ما بلغنا هذا الأمر إلا عن معاوية! فقال: " ماكان معاوية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متهماً 9.
وعن أبي الدرداء: "ما رأيت أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من أميركم هذا ـ يعني معاوية ـ" 10.
------------------------
1 المصدر نفسه (ص: 60)
2 المصدر نفسه (ص: 166 ـ 167)، و انظر: البخاري: الصحيح: فضائل الصحابة،باب ذكر معاوية، ح: 3765 (7/130) مع الفتح.
3 ابن عساكر (ص: 109) و انظر: الهيثمي: مجمع الزوائد (9/ 356)
4 الذهبي: تاريخ الإسلام: عهد معاوية (ص: 308)
5 ابن عساكر: المصدر السابق (ص: 68) وما بعدها.
6 المصدر نفسه (ص: 109)، و انظر: الهيثمي: مجمع الزوائد (9/ 356)
7 ابن عساكر (ص: 71) وما بعدها.
8 البخاري: الصحيح، ك: فضائل الصحابة، باب: ذكر معاوية، ح: 3764و3765 (7/130)
9 (4/ 102) ورواه مسلم: ك: الحج: ح: 210 (1246) [2/ 913](1/294)
10 انظر: الهيثمي: مجمع الزوائد (9/ 357) وقال: رجاله رجال الصحيح غير قيس وهو ثقة.
وروى أحمد في مسنده 1 عن العرباض بن سارية السلمي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعونا إلى السحور في شهر رمضان: "هلموا إلى الغداء المبارك" ثم سمعته يقول: "اللهم علم معاوية الكتاب وقه العذاب"
وعن قبيصة بن جابر قال: "صحبت معاوية فما رأيت أحداً أنبل حكماً ولا أبعد أناة منه" 2. وسئل سعيد بن المسيب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من مات محباً لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وشهد للعشرة بالجنة وترحم على معاوية كان حقيقاً على الله أن لا يناقشه الحساب" 3. وسئل عبد الله بن المبارك عنه فقال: "ما أقول في رجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سمع الله لمن حمده"، فقال: معاوية من خلفه: "ربنا ولك الحمد". فقيل له: ما تقول في معاوية ـ هو أفضل أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: "لتراب في منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ خير ـ أو أفضل ـ من عمر بن عبد العزيز" 4، وقال الربيع بن نافع 5:"معاوية بن أبي سفيان ستر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ـ فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه" 6. وسئل أحمد عن رجل انتقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال إنه رافضي؟ قال: "إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء، وما يبغض أحد أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وله داخلة سوء" 7. وقال ابن المبارك: "معاوية عندنا محنة، فمن رأيناه ينظر إلى معاوية
------------------------
1 (4/ 101) وقال الهيثمي: فيه الحارث بن زياد ولم أجد من وثقه، ولم يرو عنه غير يونس، وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم خلاف. مجمع الزوائد (9/ 356)
2 المصدر نفسه (59/ 178) وكان يضرب المثل بحلمه (، وألف ابن أبي الدنيا، وابن أبي عاصم تصنيفاً في ذلك. انظر: الذهبي: تاريخ الإسلام: عهد معاوية (ص: 315)
3 ابن عساكر: تاريخ دمشق (59/ 207)(1/295)
4 المصدر نفسه والصفحة.
5 الربيع بن نافع: الإمام الثقة الحافظ ولد سنة 150، حدث عنه أبو حاتم، وأبو داود في سننه، وروى عنه البخاري ومسلم بالواسطة، توفي سنة 241 (السير 10/ 653)
6 ابن عساكر (59/ 209)
7 المصدر نفسه (59/ 210)
شزراً، اتهمناه على القوم يعني على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم"1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من لعن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كمعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ونحوهما... فإنه مستحق للعقوبة البليغة باتفاق أئمة الدين، وتنازع العلماء هل يعاقب بالقتل؟ أو ما دون القتل..." 2. وقال أيضاً: "... "ومعاوية لم يدّع الخلافة، ولم يبايع له بها حين قاتل علياً، ولم يقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحق الخلافة، ويقرون له بذلك، وقد كان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنهن ولا كان معاوية وأصحابه يرون أن يبتدوا علياً وأصحابه بالقتال..." 3. وقال: "...فمن لعنهم فقد عصى الله ورسوله..." 4.
فهذا موقف السلف من "أمير المؤمنين ملك الإسلام" 5 "معاوية بن أبي سفيان" ـ رضي الله عنهما ـ وقد روى المحدثون في فضائله أحاديث وأفردوا لذلك أبواباً وفصولاً 6، ومن هنا تعلم مدى تقصير الشيخ رشيد في حق هذا الصحابي الجليل المشهود له بالفقه والأمانة، وبكل أسى فقد اشتهر الطعن فيه، لا سيما في المتأخرين، ومن المنتسبين لأهل السنة 7، وذاع ذلك حتى بين العامة، ورحم الله تعالى أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين، وكاتب الوحي الأمين، وسائر أصحاب نبينا، والتابعين لهم بإحسان ومن أحبهم وترضى عنهم.
------------------------
1 المصدر نفسه.
2 مجموع الفتاوى (35/ 58)
3 المصدر نفسه (35/ 72)
4 المصدر نفسه (35/ 66)
5 انظر: الذهبي: السير (3/ 120)(1/296)
6 انظر: البخاري: الصحيح: ك: فضائل الصحابة، باب: ذكر معاوية (7/ 103) مع الفتح، و انظر أيضاً: الهيثمي: مجمع الزوائد (9/ 354)وما بعدها، والطبراني: المعجم الكبير (19/ 304) وما بعدها.
7 انظر مثلاً: محمد الطيب النجار: تاريخ العالم الإسلامي، (ص:68ـ 69) ط. مكتبة المعارف، الرياض، و انظر: ربيع بن هادي المدخلي: مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله ( مكتبة الغرباء، الثانية 1416هـ ـ 1995م.
تعد الإمامة والخلافة من أهم المسائل الدينية التي تبحث ضمن موضوعات العقيدة، لذا فإن علماء أهل السنة قد عُنوا ببحثها وبيان المنهج الواجب اتباعه فيها. وقد تعرضت الخلافة في عصر رشيد رضا إلى هزة عنيفة، وفي حياته أعلن سقوط آخر خليفة عثماني، وإلغاء هذا المنصب 1، الذي لم يكن له في الحقيقة يوم ألغي أي أثر فعلي. لقد كان لهذا الحدث أثر بالغ في حياة المسلمين واضطربوا لذلك اضطراباً شديداً، وكثرت المناقشات حول هذا الموضوع بين العلماء، وكان رشيد رضا طرفاً هاماً في هذا النقاش، وألف كتاباً مستقلاً في هذا الموضوع، فضلاً عما كتبه في مجلته وتفسيره. ومن خلال هذه الكتابات أحاول ـ بما يسعه المقام ـ أن أبين منهج رشيد رضا في هذا المبحث 2.
المطلب الأول: تعريف الخلافة والإمامة:
عرف رشيد رضا الخلافة والإمامة، فقال: "الخلافة والإمامة العظمى، وإمارة المؤمنين، ثلاث كلمات معناها واحد، وهو: رئاسة الحكومة
------------------------
1 انظر: مجلة المنار (23/703 و25/ 257ـ 272)
2 اعتمدت في هذا على كتاب الخلافة لرشيد رضا، وأصل الكتاب ـ كغيره ـ مقالات في المجلة. انظر: مجلة المنار (23/ 729) وما بعدها و (24/ 33) وما بعدها. و (24/ 459، 766)
الإسلامية الجامعة لمصالح الدين والدنيا.." 1.(1/297)
ويرى رشيد رضا أن نصب الإمام واجب عقلاً وشرعاً لا عقلاً فقط، كما قال بعض المعتزلة. قال: "أجمع سلف الأمة وأهل السنة وجمهور الطوائف الأخرى على أن نصب الإمام ـ أي توليه على الأمة ـ واجب شرعاً لا عقلاً فقط كما قال بعض المعتزلة.." 2.
وأما الأدلة؛ فقد حكى رشيد رضا عن بعض المتكلمين أنه استدل بالإجماع والعقل على هذا الحكم، لكنه اعترض عليه بالغفلة عن الاستدلال بالسنة، فقال: "وقد غفل هو وأمثاله عن الاستدلال على نصب الإمام بالأحاديث الصحيحة الواردة في التزام جماعة المسلمين وإمامهم،و في بعضها التصريح بأن "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" رواه مسلم 3... وسيأتي حديث حذيفة المتفق عليه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم له: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" 4.." 5.
وقد استدل بعض أهل العلم المثبتين للإمامة بآيات من كتاب الله تعالى على وجوب نصب الإمام 6.
ويبين رشيد رضا أن هذا الواجب هو واجب كفائي، وأن المطالب به هم أهل الحل والعقد 7. وعرف أهل الحل والعقد بأنهم:"زعماء الأمة وأولو المكانة وموضع الثقة من سوادها الأعظم، بحيث تتبعهم في طاعة من يولونه عليهم، فينتظم به أمرها، ويكون بمأمن من عصيانها وخروجها
------------------------
1 الخلافة (ص:17) ط. الزهراء للإعلام العربي 1408هـ.
2 المصدر نفسه.
3 الصحيح: ك: الإمارة، ح: 58 (1851)
4 رواه البخاري الصحيح: ك: الفتن، باب: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، ح: 7084، ومسلم: الصحيح: ك: الإمارة، ح: 51(1847) [3/ 1475]
5 الخلافة (ص:18)
6 انظر: القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (1/ 164)
7 الخلافة (ص:19)(1/298)
عليه.. وإنما تصح المبايعة باتفاقهم، أو اتفاق الرؤساء الذين يتبعهم غيرهم.. " 1. ويمثل رشيد رضا لهؤلاء فيقول: "ومن رؤسائهم في هذا العصر: قواد الجيش، كوزيري الحربية والبحرية وأركان الحرب لهما.." 2.ولكن رشيد رضا لا يطلق ذلك بل يقيده ـ في هذا العصر ـ بحزب الأستاذ الإمام، فهم ـ في رأيه ـ أهل الحل والعقد: "لقد وصل الأستاذ الإمام ـ رحمه الله تعالى ـ إلى مقام الزعامة في هذه الأمة، ومرتبة أهل الحل والعقد في الأمور الدينية والدنيوية.." 3. ويقول:" وهذا الحزب هو الذي يمكنه إزالة الشقاق من الأمة.. فإن موقفه في الوسط يمكنه من جذب المستعدين لتجديد الأمة من الطرفين، وهو الحزب الذي سميناه في المقالة الثالثة من مقالات" مدينة القوانين" بحزب الأستاذ الإمام" 4.
شروط من يختار الخليفة:
ذكر رشيد رضا أن الشروط المعتبرة في الذين يختارون الخليفة، هي ثلاثة: العدالة، والرأي والحكمة والعلم. وقال: "لهذه الشروط مأخذ من هدي السلف.."5.
وتوقف رشيد رضا عند شرط العلم فقال: "ومن ظن أن كل من يوصف بالعلم والوجاهة تنعقد ببيعتهم الإمامة ويجب على الأمة اتباعهم فيها، فقد جهل معنى الحل والعقد ومعنى الجماعة ومعنى الإجماع.." 6. وأود هنا أن أذكر بموقف رشيد رضا من مسألة الإجماع وأهله، قد تبين لي هناك أنه هو الذي لا يعرف معنى الإجماع ولا أهله 7. وأما أهل العلم الذين يقصدهم
------------------------
1 المصدر نفسه (ص: 19ـ 20)
2 المصدر نفسه، وانظر: تفسير المنار (5/ 181)
3 الخلافة (ص: 67)
4 المصدر نفسه (ص: 70)
5 المصدر نفسه (ص:23)
6 الخلافة (ص: 25)
7 انظر: (ص: 143) من هذا البحث.(1/299)
رشيد رضا فهم أصحاب العلم " الاستقلالي المعبر عنه بالاجتهاد" 1، لا حزب حشوية الفقهاء الجامدين" فإن هؤلاء " يعجزون عن جعل القوانين العسكرية والمالية والسياسية مستمدة من الفقه التقليدي ويأبون القبول بالاجتهاد المطلق في كل المعاملات الدنيوية، ولو فوض إليهم أمر الحكومة على أن ينهضوا بها لعجزوا قطعاً.." 2. وهم ـ أي أصحاب الفقه الاستقلالي: "حزب الإصلاح الإسلامي المعتدل" 3. وطبعاً هم حزب الأستاذ الإمام.
الشروط المعتبرة في الخليفة:
ذكر رشيد رضا أن الشروط المعتبرة في الخليفة سبعة، وهي: العدالة والعلم وسلامة الحواس وسلامة الأعضاء، والشجاعة والرأي والنسب 4. وكما توقف عند شرط العلم في المختارين للإمام، فقد توقف عند شرط النسب في الإمام، فقال: إنه قد ثبت الإجماع عليه، قال: "أما الإجماع على اشتراط القرشية فقد ثبت بالنقل والفعل، رواه ثقات المحدثين، واستدل به المتكلمون، وفقهاء مذاهب السنة كلهم، وجرى عليه العمل بتسليم الأنصار وإذعانهم لبني قريش ثم إذعان السواد الأعظم من الأمة عدة قرون حتى إن الترك الذين تغلبوا على العباسيين وسلبوهم السلطة بالفعل لم يتجرأ أحد منهم على ادعاء الخلافة ولا التصدي لانتحالها.. وما ذلك إلا لأن الأمة مجمعة على ما ذكر.." 5. ويستدل رشيد رضا لهذا الشرط بالسنة، فيقول: "وأما الأحاديث في ذلك فكثيرة مستفيضة في جميع كتب السنة، وقد أخرجوها في كتب الأحكام وأبواب الخلافة أو الإمارة والمناقب وغيرها.."6. ويذكر رشيد رضا من هذه الأحاديث
------------------------
1 الخلافة (ص:24)
2 المصدر نفسه (ص: 72)
3 المصدر نفسه (ص:69)
4 المصدر نفسه (ص: 25ـ 226)
5 الخلافة (ص: 27)
6 المصدر نفسه.(1/300)
قوله صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريش" 1، ويقول: " وحسبنا من قوة حديث "الأئمة من قريش" من حيث الرواية قول الحافظ في فتح الباري عند ذكره في "المناقب" من صحيح البخاري ما نصه: "قد جمعت طرقه عن نحو أربعين صحابياً" 2.... فمن علم هذا لا يلتفت إلى ما ذكره بعض أهل هذا العصر من تأويل تلك الأحاديث والبحث في أسانيد بعضها..." 3، هذا من حيث الراوية، وأما من حيث الدراية فبين رشيد رضا الحكمة من اشتراط هذا الشرط فيقول؛ بعد أن نقل آراء بعضهم: "فحكمة جعله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ خلافة نبوته فيها ـ يعني قريش ـ وسببه: أمران: الأول: كثرة المزايا التي تنتشر بها الدعوة، وتكون ـ بسبب طباع البشر ـ سبباً لجمع الكلمة، ومنع المعارضة، والمزاحمة أو ضعفها، وكذلك كان، فإن الناس أذعنوا لهم على تنازلهم وكثرة من لم يقم بأعباء الخلافة منهم ولا أخذها بحقها... والثاني: أن تكون إقامة الإسلام متسلسلة في سلاسل أول من تلقاها ودعا إليها ونشرها حتى لا ينقطع اتصال سيرها المعنوي والتاريخي، فإن الحقوق الخاصة من الملل والأمم وليدة التاريخ..." 4.
والذي دفع رشيد رضا إلى الوقوف عند هذا الشرط ـ وهو ما صرح به ـ محاولة البعض تصحيح خلافة بني عثمان ـ بينما يرى رشيد رضا أنها خلافة بالتغلب ـ وسيأتي بيان رأيه فيها ـ وشيء آخر لم يصرح به، وهو ما وقع في نفوس البعض من ملوك ذاك العهد وتطلعهم لشغل هذا
------------------------
1 روي هذا اللفظ عن عدد من الصحابة. انظر: ابن حجر: فتح الباري (13/ 122 ـ 123)، والهيثمي: مجمع الزوائد (5/ 191 ـ 192)، وترجم البخاري بلفظ: الأمراء من قريش، إذ لم يصح على شرطه: الصحيح، ك: الأحكام، باب: الأمراء من قريش، والمعنى ثابت في أحاديث أخرى في الصحيحين: انظر: البخاري: ك: الأحكام، باب: الأمراء من قريش، ح: 7139 7140، ومسلم: الصحيح، ك: الإمارة، ح: 1818 وما بعده.
2 انظر: فتح الباري (6/ 613)
3 الخلافة (ص: 28)(1/301)
4 الخلافة (ص: 30)
المنصب بعد فراغه 1.
المطلب الثاني: طرق التولي:
ذكر الشيخ رشيد ثلاث طرق للولاية: أحدها: المبايعة، فقال: "الإمامة عقد تحصل بالمبايعة من أهل الحل والعقد لمن اختاروه إماماً للأمة، بعد التشاور بينهم، والأصل في البيعة أن تكون على الكتاب والسنة وإقامة الحق والعدل من قبله، وعلى السمع والطاعة في المعروف من قبلهم... وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يلقنهم قيد الاستطاعة عند المبايعة، وقد بايعوه أيضاً على الإسلام، وعلى الهجرة، وعلى الجهاد، والصبر وعدم الفرار من القتال، وعلى بيعة النساء المنصوصة في القرآن 2..." 3.
وهذه الطريق هي إحدى الطرق الصحيحة عند أهل السنة 4.
وأما الطريق الثاني التي يقررها رشيد رضا فهي التولية بالاستخلاف والعهد، فيقول: "اتفق الفقهاء على صحة استخلاف الإمام الحق والعهد منه بالخلافة إلى من يصح العهد إليه على الشروط المعتبرة فيه، أي في الإمام الحق، فالعهد أو الاستخلاف لا يصح إلا من إمام مستجمع لجميع شروط الإمامة لمن هو مثله في ذلك. هذا شرط العهد إلى فرد، واستدلوا على ذلك باستخلاف أبي بكر لعمر، وأما العهد إلى الجميع وجعله شورى في
------------------------
1 لقد عقد مؤتمر بالقاهرة يناقش هذه المسألة، وأشيع يومئذ أن هذا المؤتمر كان لغرض ترشيح أحد ملوك ذلك الوقت لهذا المنصب: انظر: مجلة المنار (27/ 208 و280 و370 و449 و458) وأيضاً (25/ 525 و599 و26/ 789) و انظر: رسالة رشيد رضا لهذا المؤتمر: مجلة المنار (27/ 138)
2 انظر: سورة الممتحنة، الآية (12)
3 الخلافة (ص: 33)
4 انظر: الماوردي: الأحكام السلطانية (ص: 33)(1/302)
عدد محصور من أهل الحل والعقد، فاشترطوا فيه أن تكون الإمامة متعينة لأحدهم، بحيث لا مجال لمنازعة أحد لمن يتفقون عليه منهم، وهو الموافق لجعل عمر إياها شورى في الستة ـ رضي الله عنهم ـ..." 1. ويرى الشيخ رشيد أن هذه الطريق وإن كانت صحيحة فهي متوقفة على إقرار أهل الحل والعقد للخليفة المستخلف احترازاً عن وضعها في غير موضع باستخلاف من ليس أهلاً لها ولا مستجمعاً لشروطها. قال: "وأما المتغلبون بقوة العصبية فعهدهم واستخلافهم كإمامتهم، وليس حقاً شرعياً لازماً لذاته، بل يجب نبذه كما تجب إزالتها، واستبدال إمامة شرعية بها عند الإمكان والأمان من فتنة أشد ضرراً على الأمة منها، وإذا زالت بتغلب آخر فلا يجب على المسلمين القتال لإعادتها..." 2.
وسيأتي الكلام حول مسألة الخروج على الإمام الفاسق والكافر غير أني أشير هنا إشارة إلى أن محاولات الخروج على أئمة الجور قديماً وحديثاً قد أدت دائماً إلى ما هو أشد من جورهم، حتى كانت ولايتهم بالنسبة لما حدث بعدهم نعمة ود الناس لو دامت عليهم.
والطريق الثالث التي يكون بها الخليفة هي طريق الضرورة والغلبة، وخلافة الضرورة ـ كما يراها الشيخ رشيد ـ هي خلافة من لم يستجمع شروط الخلافة المعتبرة، فإذا تعذر وجود بعض الشروط تدخل المسألة في حكم الضرورات، والضرورات ـ كما يقول الشيخ رشيد ـ تقدر بقدرها فيكون الواجب حينئذ مبايعة من كان مستجمعاً لأكثر الشرائط من أهلها، مع الاجتهاد والسعي لاستجماعها كلها... 3.
وأما خلافة التغلب ـ وهي جائزة للضرورة أيضاً ـ إلا أن الفرق بينها وبين ما قبلها أن الأولى صدرت من أهل الحل والعقد باختيارهم لمن هو أمثل الفاقدين لبعض الشرائط... وأما الثانية: فصاحبها هو المعتدي على
------------------------
1 الخلافة (ص: 41)
2 الخلافة (ص: 42)
3 الخلافة (ص: 43)(1/303)
الخلافة بقوة العصبية لا باختيار أهل الحل والعقد له، لعدم وجود من هو أجمع للشرائط منه، فذاك يطاع اختياراً، وهذا يطاع اضطراراً..." 1.
ويثبت الشيخ رشيد كما وضح من النص السابق وجوب طاعة الإمام في كلا الحالتين.
غير أنه يقول إن حالة سلطة التغلب كأكل الميتة ولحم الخنزير عند الضرورة لتنفذ بالقهر وتكون أدنى من الفوضى. ومقتضاه ـ كما يقول ـ "إنه يجب السعي دائماً لإزالتها عند الإمكان، ولا يجوز أن توطن النفس على دوامها..." 2.
والحق أن الاستخلاف بالغلبة متى تم واستقر أصبح له حكم الخلافة الشرعية من وجوب الطاعة وعدم الخروج 3، وهو الواجب على الرعية الذي بينه الشيخ رشيد فيما يلي:
طاعة أولي الأمر:
قال الشيخ رشيد: "ومتى تمت البيعة وجب بها على المبايعين وسائر الأمة بالتبع لهم الطاعة للإمام في غير معصية الله والنصرة له، وقتال من بغى عليه أو استبد بالأمر دونه... وأهم ما يجب التذكير به من طاعة الإمام الحق على كل مسلم، وكذا إمام الضرورة أو التغلب على كل من بايعه بالذات، ومن لزمته بيعة أهل الحل والعقد ـ أداء زكاة المال والأنعام والزرع والتجارة والجهاد الواجب وجوباً كفائياً على مجموع الأمة... كما يجب عليهم طاعة من ولاهم أمر البلاد من الولاة السياسيين والقضاة، وقواد الجيوش دون غيرهم، ويجب على هؤلاء الخضوع له فيما يفيد به سلطتهم، وفي عزله إياهم إذا عزلهم، والشرط العام في الطاعة أن لا تكون في معصية الله تعالى..." 4.
------------------------
1 المصدر نفسه (ص: 45)
2 الخلافة (ص: 45)
3 انظر: ابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: 379) ط. المكتب الإسلامي.
4 الخلافة (ص: 34)
وهذا الذي ذهب إليه الشيخ رشيد مجمع عليه بين أهل السنة، فيقولون بوجوب طاعة الإمام، وأنها من طاعة الله تعالى وطاعة رسوله 1.
المطلب الثالث: وظيفة الإمام:(1/304)
قال الشيخ رشيد: "يجب على الإمام نشر دعوة الحق، وإقامة ميزان العدل، وحماية الدين من الاعتداء والبدع، والمشاورة فيما ليس فيه نص، وهو مسئول عن عمله يراجعه كل أحد من الأمة فيما يراه أخطأ فيه، يحاسبه عليه أهل الحل والعقد..." 2. وانتقد الشيخ رشيد على الماوردي إغفاله لواجب الشورى. فإن الشيخ رشيد يعتبره واجباً شرعياً على الإمام، فيقول: "وأهم ما يجب على الإمام المشاورة في كل ما لا نص فيه عن الله ورسوله، ولا إجماعاً صحيحاً يحتج به، أو ما فيه نص اجتهادي غير قطعي ولا سيما أمور السياسة والحرب... فهو ليس حاكماً مطلقاً كما يتوهم الكثيرون بل مقيد بأدلة الكتاب والسنة وسيرة الخلفاء الراشدين العامة وبالمشاورة، ولو لم يرد فيها إلا وصف للمؤمنين بقوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} 3، وقوله لرسوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} 4 لكفى..." 5. فيرى الشيخ رشيد أن سلطة الخليفة مقيدة، بالشورى وبما ذكر معها، فهل الشورى واجبة على الإمام، أو هي جائزة له؟
الذي ترشد إليه أدلة الكتاب والسنة وأقوال السلف أن الشورى مستحبة للإمام، لا واجبة عليه، وأشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية 6 وصرح به
------------------------
1 انظر: ابن أبي العز: المصدر السابق (ص: 381)
12 الخلافة (ص: 35)
3 سورة الشورى، الآية (38)
4 سورة آل عمران، الآية (159)
5 الخلافة (ص: 38)
6 السياسة الشرعية (ص: 157) ط. دار الكتاب العربي، بيروت، الرابعة 1969م. و انظر: مجموع الفتاوى له (28/ 386)(1/305)
الإمام ابن القيم، فقال: "ومنها استحباب مشاورة الإمام رعيته وجيشه استخراجاً لوجه الرأي واستطابة لنفوسهم، وأمناً لعتبهم، وتعرفاً لمصلحة يختص بعلمها بعضهم دون بعض، امتثالاً لأمر الرب..." 1. وممن قال بالاستحباب الحافظ ابن حجر 2، وهو مذهب الماوردي وأبي يعلى، ويدل عليه ظاهر فعلهما 3، فكلاهما لم يورد الشورى بين واجبات الإمام. والندب مذهب الشافعي 4، وأحمد 5، فتبين من ذلك كله أن الحق أن الشورى ليست واجبة بل هي جائزة ومستحبة، ومن قال بالوجوب ـ وأكثرهم من المحدَثين 6 ـ فلا أرى إلا أنهم متأثرون بالدعاية الجديدة والمبادئ الحادثة في نظام الحكم، وأكثرها من فلسفات لا تتعبد بشرع وبنظم لا تقول بوجوب الطاعة والسمع. وعلى رأي المحدَثين القائلين بالوجوب: الشيخ محمد عبده وتلميذه الشيخ رشيد رضا 7.
المطلب الرابع: ما يخرج به الخليفة عن الإمامة:
اعتمد الشيخ رشيد في هذا على ما أورده الماوردي ولخصه، وعلق عليه بعض التعليقات 8، فقال: "وما ذكره من انعزال الإمام بالفسق قد
------------------------
1 زاد المعاد (2/ 141) و انظر: أعلام الموقعين (4/ 256)
2 فتح الباري (13/ 341)
3 انظر: الماوردي: الأحكام السلطانية (ص: 51 ـ 52)، وأبو يعلى: الأحكام السلطانية (ص:37)
4 انظر: الأم (5/ 18) ط. الثانية 1393هـ.
5 انظر: المغني والشرح الكبير (11/ 396)
6 انظر: عبد القادر عودة: الإسلام وأوضاعنا السياسية (ص: 194)، محمد أبو زهرة: ابن حزم (ص: 252)، ومحمود شلتوت: الإسلام عقيدة وشريعة (ص: 438)، وعبد الكريم زيدان: أصول الدعوة (ص: 207)
7 ويصرح رشيد رضا بألفاظ محدثة (كالديمقراطية) وتقييد سلطة الملوك والآراء. انظر: مجلة المنار (1/ 869) وهو ما يدل على تأثره بالأفكار الآتية من أوروبة.
8 انظر: الماوردي: الأحكام السلطانية (ص: 53 ـ 60)(1/306)
اختلف فيه، والمشهور الذي حققه الجمهور أنه لا يجوز تولية الفاسق، ولكن طروء الفسق بعد التولية لا تبطل به الإمامة مطلقاً، وبعضهم فصل..." 1.
وبين الشيخ رشيد اتفاق العلماء على وجوب الخروج على الإمام بالكفر، وأنهم اختلفوا في الظلم والفسق بتعارض الأدلة، ومنها سد ذريعة الفتنة، والتحقيق المختار أن على الأفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروطهما دون الخروج على ولي الأمر بالقوة، وأما أهل الحل والعقد فيجب عليهم ما يرون فيه المصلحة الراجحة حتى القتال 2.
وقال: "وقد استدل من قال يخلع بالكفر دون المعصية بحديث عبادة بن الصامت في المبايعة عند الشيخين 3، قال: "دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان" وقد ذكر الحافظ في شرح قوله: "إلا أن تروا كفراً بواحاً" روايات أخرى بلفظ المعصية والإثم بدل الكفر 4... وقال في شرح قوله: "عندكم من الله فيه برهان" أي من نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل..." 5.
ولخص الشيخ المسألة بقوله: "وملخصه أن أهل الحل والعقد يجب عليهم مقاومة الظلم والجور والإنكار على أهله بالفعل وإزالة سلطانهم الجائر
------------------------
1 الخلافة (ص: 48)
2 المصدر نفسه (ص: 33)
3 البخاري: الصحيح، ك: الفتن، باب: قول النبي (: "سترون بعدي أموراً تنكرونها"، ح: 7055 و7056، ومسلم: الصحيح، ك: الإمارة، ح: 41 (1709) وما بعده (3/ 1470)
4 انظر: فتح الباري (13/ 10 ـ 11)
5 المصدر نفسه والصفحة.(1/307)
ولو بالقتال إذا ثبت عندهم أن المصلحة في ذلك هي الراجحة والمفسدة هي المرجوحة..." 1. وبذلك يضع الشيخ رشيد ضابطاً لمسألة الخروج هو قياس المصلحة والمفسدة، ويوضح رأي الشيخ رشيد أكثر ما يلي من تقسيمه الدور إلى دار عدل ودار جور.
تقسيم البلاد إلى دار عدل ودار جور:
عرف الشيخ رشيد دار العدل فقال: "...دار العدل وهي دار الإسلام التي نصب فيها الإمام الحق، الذي يقيم ميزان العدل، تسمى بذلك إذا قوبلت بدار البغي والجور، وهي ما كان الحكم فيها بتغلب أهل العصبية من المسلمين وعدم مراعاة أحكام الإمامة الشرعية وشروطها...، وهاتان الداران قد توجدان معاً في وقت واحد وقد توجد إحداهما دون الأخرى ولكل منهما أحكام..." 2.
ويبين الشيخ رشيد أحكام دار العدل فيقول: "أما دار العدل فطاعة الإمام فيها في المعروف واجبة شرعاً، ظاهراً وباطناً، ولا تجوز مخالفته إلا إذا أمر بمعصية لله تعالى ثابتة بنص صريح من الكتاب والسنة دون الاجتهاد والتقليد، ويجب قتال من خرج عليه من المسلمين أو بغى في بلاده الفساد بالقوة، كغيره من القتال الواجب شرعاً، وتجب الهجرة من دار الحرب ودار البغي إلى هذه الدار على من استضعف فيهما فظلم أو منع من إقامة دينه..." 3.
ويبين أيضاً بعض أحكام دار الجور والبغي، فيقول: "وأما دار البغي والجور فالطاعة فيها ليست قربة واجبة شرعاً لذاتها، بل هي ضرورة تقدر بقدرها... ومن الظلم الموجب للهجرة منها على من قدر إلى دار العدل ـ إن وجدت ـ حمل المتغلبين من يخضع لهم على القتال لتأييد عصبيتهم
------------------------
1 الخلافة (ص: 49)
2 المصدر نفسه (ص: 50)
3 الخلافة (ص: 50)(1/308)
والاستيلاء على بعض بلاد المسلمين، فمن قدر على الفرار من ذلك وجب عليه، فأمرها دائماً دائر على قاعدة ارتكاب أخف الضررين، والظاهر أن يفرق بين قتالهم لأهل العدل فلا تباح الطاعة فيه بحال، وبين قتال غيرهم كأمثالهم من المتغلبين... وأما الجهاد الشرعي فيجب مع أئمة الجور، ومنه دفاعهم عن بلادهم إذا اعتدى عليها الكفار..." 1.
فيرى الشيخ رشيد أن الحال في دار البغي والجور مرتبطة بارتكاب أخف الضررين ودفع أشد المفسدتين، درءاً للمفسدة وحفظاً للمصلحة الراجحة، والحق أنه يجب طاعة أولي الأمر مطلقاً وإن جاروا وظلموا أوخذوا أموالنا وجلدوا ظهورنا، لأن الخروج عليهم يترتب عليه من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير للسيئات ومضاعفة للحسنات، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل. قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} 2، والواجب ساعتئذ الاجتهاد في العمل والتوبة 3.
المطلب الخامس:تعدد الأئمة:
يرى الشيخ رشيد أن الأصل هو وحدة الإمام، وقال إنه: "أمر إجماعي" 4، إلا أنه يرى أن التعدد جائز في حال اتساع رقعة الدولة
------------------------
1 المصدر نفسه والصفحة.
2 سورة الشورى، الآية (30)
3 انظر: ابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: 381) ط. المكتب الإسلامي، التاسعة، و انظر: أدلة وجوب طاعة الإمام: البخاري: الصحيح، ك: الفتن، باب قول النبي (: "سترون بعدي أموراً تنكرونها"، ح: 7052 وما بعده، وك: الأحكام، باب: قول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }، ح: 7137 وما بعده. ومسلم: الصحيح، ك: الإمارة، ح: 31 (1834) وما بعده.
4 الخلافة (ص: 56)(1/309)
الإسلامية وتباعد الأقطار وتعذر الاتصال، فيكون التعدد حينئذ للضرورة، التي يجب أن تقدر بقدرها، وأن يجتهد في إثباتها، فإن: "بُعْد الشقة بين البلاد وتعذر المواصلات التي يتوقف عليها تنفيذ الأحكام، مما يختلف باختلاف الزمان والمكان، فلا يصح أن يجعل عذراً دائماً لصدع وحدة الإسلام..." 1.
ويرى الشيخ رشيد أن أمام وحدة الإمام واجبات كثيرة، قد فرط فيها المسلمون من قبل، "فأي واجب أقاموا حتى يطالبوا بهذا الواجب" 2، ويقول: "وحدة الإمام تتبع وحدة الأمة، وقد مزقت العصبية المذهبية ثم الجنسية الشعوب الإسلامية بعد توحيد الإسلام إياها بالإيمان برب واحد وإله واحد وكتاب واحد، والخضوع لحكم شرع واحد، وتلقي الدين والآداب بلسان واحد، فأنى يكون لها اليوم إمام واحد وهي ليست أمة واحدة..." 3.
لقد خالف الشيخ رشيد هنا الماوردي 4 وتابع صاحب الروضة الندية في هذا التفصيل 5، إن ذلك لا يعني أنه كان مقلداً في مذهبه هنا ـ فقد عرفت موقفه من التقليد ـ إنه كان عارضاً ناقداً يختار من كلام الفقهاء ما يراه مناسباً لحال العصر ولا يتقيد بالتقريرات والحواشي القديمة، التي لا تتناسب مع هذا الزمان، فليست الشريعة محصورة في جلود كتب الحنفية 6.
------------------------
1 المصدر نفسه (ص: 59)
2 المصدر نفسه والصفحة.
3 المصدر نفسه (ص: 60)
4 انظر: الأحكام السلطانية (ص: 37 ـ 38)
5 انظر: صديق حسن خان: الروضة الندية (2/ 774) ط. دار الأرقم، بريطانيا، الثانية، 1413هـ.
6 انظر: مجلة المنار (6/ 508)
تمهيد:(1/310)
إن الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستة، ولا يصح إيمان أحد إن لم يؤمن باليوم الآخر. قال تعالى في وصف المؤمنين: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} 1،وقال في وصف الكافرين: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ} 2، ويشمل الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بكل ما أخبر به الله ورسوله مما يكون بعد الموت من عذاب القبر ونعيمه وما يكون من النفخ في الصور وما يكون من البعث والنشور، وما يكون من القيامة من ثواب وعقاب وجنة ونار، وما يكون قبل ذلك كله من علامات وأشراط.
إن الإيمان باليوم الآخر أحد الأسس العقائدية التي وجدت عند الجماعات البشرية منذ أن خلق الله الإنسان، كما نجده واضحاً عند قدماء المصريين، وعند البراهمة من الهنود، ونجده عند الفرس أيضاً 3. ويرجع ذلك ـ لا إلى التطور الفكري كما يحلو للبعض أن يقول ـ ولكن يرجع إلى الوحي عن طريق الأنبياء، كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} 4 كما يرجع إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها بإحساسهم جميعاً بضرورة وجود حياة آخرة يجازى فيها المحسن والمسيء.
------------------------
1 سورة البقرة، الآية (4)
2 سورة الأعراف، الآية (45)
3 انظر: فرج الله عبد الباري: اليوم الآخر بين اليهودية والمسيحية والإسلام (29ـ 48)ط. دار الوفاء، مصر، ط. الثانية 14112هـ =1992م.
4 سورة فاطر، الآية (24)
ولا ريب أيضاً أن أهل الكتاب لديهم اعتقاد باليوم الآخر، ولكنه ضوء خافت لا يكاد يرى الناظر من خلاله شيئاً، وأفكار مشوشة لا يحصل باجتماعها صورة واضحة لهذا اليوم بسبب ما طرأ على كتبهم من تحريف وتبديل.
وقد تحدث الشيخ رشيد عن اليوم الآخر وعرض مسائله التي أشرت إليها، وقارن بين اليوم الآخر كما صوره القرآن وكما هو في كتب أهل الكتاب، وبيّن إصلاح القرآن لهذه العقيدة التي شُوهت في جميع الأديان، وفيما يلي عرض ذلك.
تمهيد(1/311)
لما كانت الطبيعة البشرية فيها الاستعداد للخير والشر: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} 1 فقد يطغى أحد الجانبين على الآخر، وقد يكون الغالب هو جانب الشر بدافع الشهوات والغفلة، والتي غالباً ما تجمح بصاحبها إلى تجاوز الحدود والتعدي على الآخرين.
وواقع الحال يبين لنا كثيراً أن ممن ارتكب جرائم التعدي في حق غيره وأوقع الظلم بهم، قد غادر الحياة مع المظلوم، قبل أن يأخذ هذا الأخير حقه منه: ولما كانت عدالة الله تعالى تقتضي القصاص وأن يأخذ المظلوم حقه من الظالم، كان لا بد من حياة أخرى غير هذه الحياة يقع فيها القصاص وهو {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} 2 كما قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} 3 وقال: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} 4.
ولكن كثيراً من الناس قد ضلوا في هذا الباب، فأنكر قوم البعث جملة واستبعدوه، وأثبته قوم، ولكنهم سلكوا في إثباته طرقاً مختلفة، فالمتكلمون ـ من المسلمين ـ يرون أن الدليل عليه لا يكون إلا سمعياً وأن العقل لا حظ له في ذلك إلا مجرد بيان عدم الامتناع. وأما القرآن الكريم
-----------------------
1 سورة الشمس، الآية (7 ـ 8)
2 سورة المعارج، الآية (43)
3 سورة المؤمنون، الآية (115)
4 سورة القيامة، الآية (36)
فقد سلك مسالك متعددة تفيد العلم والقطع بآحادها ومجموعها على إثبات البعث والمعاد. وقد سار رشيد رضا في ذلك على نهج القرآن ورفض منهج المتكلمين. فأثبت البعث جملة وتفصيلاً، وبين أثر الإيمان به، كما تحدث عن الموت ـباعتباره أول منازل الآخرة، ومايتعلق به من الحياة البرزخية.
المبحث الأول: إثبات الشيخ رشيد لليوم الآخر جملة وحكمه:(1/312)
لقد تكلم الشيخ رشيد عن اليوم الآخر في كل مناسبة ورد ذكره فيها في كتاب الله تعالى، الذي أكثر من ذكر هذا اليوم ودعا إلى العمل من أجله. تكلم الشيخ رشيد عنه جملة فأثبته وبين أثر الإيمان به، كما بين شيئاً من تاريخ هذه العقيدة في الأديان السابقة على الإسلام. فقال: "الإيمان باليوم الآخر، وما يكون فيه من البعث والحساب والجزاء على الأعمال، هو الركن الثاني للدين الذي بعث الله به الرسل عليهم السلام، وبه يكمل الإيمان بالله تعالى، ويكون باعثا على العمل الصالح، وترك الفواحش والمنكرات والبغي والعدوان" 1.
وأما تاريخ هذه العقيدة وما طرأ عليها من الفساد، فيقول عنه الشيخ رشيد: "وكان جل مشركي العرب ينكرونه، وأما أهل الكتاب وغيرهم من الملل ـ التي كان لها كتب وتشريع ديني ومدني ثم فقدت كتبهم واستحوذت عليهم الوثنية ـ فكلهم يؤمنون بحياة بعد الموت وجزاء يختلفون في صفتها لا في أصلهما. ولكن إيمانهم هذا قد شابه الفساد ببنائه على بدع ذهبت بجل فائدته في إصلاح الناس... فكان فساد الإيمان بهذا الركن من أركان الدين تابعاً لفساد الركن الأول وهو الإيمان
-------------------------
1 الوحي المحمدي (ص: 175)، وقارن مع ابن تيمية: شرح الأصفهانية (ص: 211)
بالله تعالى ومعرفته،ومحتاجاً إلى الإصلاح مثله..." 1.
ويقول الشيخ رشيد في حكم الإيمان بهذا اليوم: "أنه لا يتقبل إيمان أحد حتى يؤمن بما أخبر به النبي بعد الموت... فإن أركان الإيمان ثلاثة: الإيمان بالله وصفاته والإيمان بالنبوة والإيمان بالآخرة..." 2.
وعند قوله تعالى: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} 3 قال: "أما لفظ الآخرة فقد ورد في القرآن كثيراً حيث الجزاء على الأعمال، ويتضمن كل ما وردت به النصوص القطعية من الحساب والجزاء على الأعمال..." 4.(1/313)
ولقد أصلح القرآن ما طرأ على عقيدة أهل الكتاب في هذا الباب ببيانه أتم البيان، وبرد الاعتقادات الفاسدة فيه والتي طرأت على هذه العقيدة 5.
أثر الإيمان باليوم الآخر:
ويشير الشيخ رشيد إلى أثر الإيمان باليوم الآخر وأنّه يظهر في الأعمال فيقول: "ويعرف اليقين في الإيمان بالله واليوم الآخر بآثاره في الأعمال" 6، ويقول في موضع آخر: "فإن العلم بذلك هو الذي يؤثر في النفس فيبعثها على العمل، وأما من كان على ظن أو شك فإنه يعمل تارة ويترك أخرى لتنازع الشكوك قلبه..." 7.
ويشير إلى أن تمسك المسلم وأدائه للعبادات ـ كالصوم ـ يرجع إلى
-------------------------
1 المصدر نفسه والصفحة.
2 مجلة المنار (5/ 911)، وقارن أيضاً مع: ابن تيمية: المصدر السابق والصفحة، وكون الأركان ثلاثة يفسر بإرجاع بعضها إلى بعض، فيكون الإيمان بالنبوة شاملاً للإيمان بالملائكة والكتب والرسل، كما يمكن إرجاع القدر إلى الإيمان بالله لأنه متعلق بصفاته تعالى.
3 سورة البقرة، الآية (4)
4 تفسير المنار (1/ 133 ـ 134)، و انظر أيضاً: المصدر نفسه (8/ 283)
5 انظر: الوحي المحمدي (ص: 176)
6 تفسير المنار (1/ 134)
7 المصدر نفسه (2/ 243)
إيمانه باليوم الآخر وما فيه من الجزاء والحساب،والعكس صحيح 1.
وفي هذا تأكيد لمذهب الشيخ رشيد ـ الصحيح ـ في ارتباط العمل بالإيمان والاعتقاد بالأفعال والذي سبق بيانه في موضعه في الباب الأول 2.
-------------------------
1 انظر: مجلة المنار (4/ 227)
2 انظر (ص:193) من هذا البحث.
المبحث الثاني: الموت والبرزخ:(1/314)
الموت هو أول منازل الآخرة، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} 1، قال الشيخ رشيد: "المعنى ظاهر يفهمه كل من يعرف العربية وهو: أن كل حي يموت، فتذوق نفسه طعم مفارقة البدن الذي تعيش فيه، ولكنهم أوردوا عليها إشكالات بحسب علوم الفلسفة التي تغلغلت اصطلاحاتها في كتب المسلمين..." 2. ولدي هنا أيضاً دليل آخر على رفض الشيخ رشيد لطريقة المتكلمين واصطلاحاتهم، وهو يشير هنا إلى اختلافهم في تعريف النفس والروح والموت، ومعنى أن النفس تذوق الموت: أي هل تموت النفس أولاً؟ وكل ذلك من الاصطلاحات الفلسفية التي دست في كتب المسلمين، لذا فإن الشيخ رشيد يرفضها ويقول: "ومن العبث والجهل البحث في تعريف الموت، فالموت هو الموت المعروف لكل أحد..." 3.
-------------------------
1 سورة آل عمران، الآية (185)
2 تفسير المنار (4/ 270)
3 المصدر نفسه (4/ 270 ـ 271)، و انظر: الخلافات المشار إليها: الأشعري: مقالات الإسلاميين (2/ 28 ـ 30)، والجرجاني: التعريفات (ص: 211) ط. الحلبي، و ابن القيم: الروح (ص: 272) ت: الجميلي، ط. دار الكتاب.، وابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: 570) ط. التركي.
ر
ويبين الشيخ رشيد المراد بعذاب القبر فيقول: "والمراد بعذاب القبر ما يسمونه عذاب البرزخ أي ما بين الموت والحشر يوم القيامة سواء دفن الإنسان في قبر أم لا" 1.
وقد تواترت الأحاديث التي تثبت عذاب القبر 2، وأجمع أهل السنة على ثبوته، بينما أنكره الملاحدة ومن تمذهب بمذهب الفلاسفة من المسلمين كابن سينا ومن نحا نحوه، وكذا أنكرته الخوارج وبعض المعتزلة 3.
وتبعاً لأهل السنة يثبت الشيخ رشيد عذاب القبر، ويذكر أن إنكاره ينسب للمعتزلة ولكن "الزمخشري" 4 وهو من أساطينهم يرد استدلالهم 5.(1/315)
كما يثبت الشيخ رشيد حياة الشهداء في البرزخ غير أنه يقول: "إنها حياة غيبية لا نبحث عن حقيقتها ولا نزيد فيها على ما جاء به خبر الوحي شيئاً..." 6. ورفض الشيخ رشيد تأويل المعتزلة للنصوص التي تثبت هذه الحياة، كما رفض أيضاً ـ وعلى قدم المساواة ـ قول من قال: "إنهم أحياء بأجسادهم كحياتنا الدنيا يأكلون ويشربون وينكحون في قبورهم كسائر أهل الدنيا" 7.
وأما وقوع عذاب القبر على الروح والجسد جميعاً، أو أحدهما دون الآخر، فيذهب الشيخ رشيد في ذلك مذهب أهل السنة، وهو وقوع العذاب على الإنسان كله ـ روحه وجسمه ـ فبعد أن ذكر الخلاف بين المعتزلة ـ الذين يقولون بنفي عذاب القبر ـ على الروح والجسد جميعاً، وبين من يقول
-------------------------
1 مجلة المنار (26/ 500)
2 انظر: ابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: 578)
3 انظر: سليمان دنيا: مقدمة شرح الدواني على العقائد العضدية (ص:20ـ 21 و17 ـ 18)، و انظر: الأشعري: المقالات (2/ 166)، والبغدادي: أصول الدين (ص: 245)
4 هو: أبو القاسم جار الله محمود بن عمر، العلامة المعتزلي، المفسر النحوي، كان رأساً في البلاغة والعربية والمعاني والبيان. انظر: الذهبي: السير (20/ 151ـ 156)
5 انظر: تفسير المنار (4/ 271)
6 المصدر نفسه (4/ 233)
7 المصدر نفسه والصفحة.
به ويثبته على الروح فقط، قال: "...ولا شك أن مذهب السلف هو الحق الذي يجب الأخذ به، وهو أن نقول أن كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمر البرزخ والآخرة حق نؤمن به ونفوض الأمر في حقيقته وكيفيته إلى الله تعالى، مع العلم بأن الأرواح هي التي تشعر باللذة والألم وأن الأجساد لباس لها، وآلات لتوصيل بعض اللذات والآلام..." 1.(1/316)
وقال في موضع آخر: "الإحساس بالألم أو اللذة من شأن الأحياء والجسد لا حياة له إلا بالروح، فإذا كانت الروح في الجسد وصل إليها الألم بواسطته يصح أن يقال: إن هذا الألم ألمّ بالروح والجسد وإن كان الشعور للروح وحدها... فعلم بهذا أن قول العلماء: عن عذاب القبر ـ أي الألم الذي ينزل بالإنسان بعد الموت وإن لم يقبر ـ يكون على الروح والجسد: يتضمن القول بأنه يبقى للروح بعد الموت علاقة، واتصال بمادة الجسد الذي كانت فيه وإن تفرقت هذه المادة وانحلت إلى أجسام كثيفة وغازات لطيفة..." 2.
ويرى رشيد رضا أن عذاب القبر غير دائم، مستدلاً ببعض نصوص الكتاب والسنة، فيقول: "فظواهر النصوص تدل على أنه غير دائم، منها قوله تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} 3 قالوا: هي في عذاب البرزخ بدليل ما بعدها، وما ورد من دوام عذاب جهنم، ومنها ما ورد في الصحيحين من خبر اللذين يعذبان في قبورهما وأن النبي صلى الله عليه وسلم وضع جريدة خضراء شقها وغرزها على كل قبر منهما لما يرجى أن يكون سبب التخفيف عنهما 4..." 5. وهذا الذي ذهب إليه رشيد رضا في هذه المسألة
-------------------------
1 مجلة المنار (8/257)
2 مجلة المنار (5/ 946)، و انظر: (26/ 500)
3 سورة غافر، الآية (46)
4 رواه البخاري: الصحيح، ك: الوضوء، باب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله، ح: 216 (1/ 379)
5 مجلة المنار (26/ 500)
هو الموافق لأدلة الشرع ومذهب أهل السنة 1.
وهل ينجو أحد من عذاب القبر؟ يقول رشيد رضا: "ورد في بعض الأحاديث أن بعض الأعمال الصالحة تنجي فاعلها من فتنة القبر وعذاب القبر، كالرباط في سبيل الله 2، وقراءة سورة تبارك 3" 4.
ولا ريب أن الأعمال الصالحة التي يقوم بها المؤمن كالصلاة والصيام والزكاة وسائر أعمال البر قد تكون سبباً لنجاته من هذه الفتنة 5.(1/317)
وأود أن أختم الكلام هنا بقاعدة للشيخ رشيد تتعلق بالإيمان باليوم الآخر وتشبه قاعدة سابقة قرر الشيخ رشيد أنها قاعدة السلف في إثبات صفات الله تعالى. يقرر الشيخ رشيد هنا أن "مذهب السلف عدم البحث في كيفية ما يرد في الكتاب والسنة من أحوال الآخرة لأنها مما يجب الإيمان به كما ورد من غير فلسفة فيه، ولا نحكم على الغيب إذ لا يقاس عالم الغيب على عالم الشهادة..." 6. فالشيخ رشيد هنا يقرر قاعدة تفويض الكيفية فيما يغيب عن عين الإنسان ومدركاته، ويجب الإيمان به في نفس الوقت، وهي قاعدة سلفية صحيحة، سبق تقريرها في الباب الأول من هذا البحث، وبينت هناك موقف الشيخ رشيد منها وأنه كان ـ وهو هنا أيضاً ـ موقف صحيح.
-------------------------
1 انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى (4/ 296 ـ 299)
2 الترمذي: ك: فضائل الجهاد، باب: ما جاء في فض من مات مرابطاً، ح: 1621، وقال: حسن صحيح (4/ 165)
3 انظر: الترمذي: السنن، ك: فضائل القرآن، باب: ما جاء في فضل سورة الملك، ح: 2890 و2891 (5/ 164)، و انظر: الهيثمي: مجمع الزوائد (7/ 127 ـ 128)، وقال الترمذي: حسن غريب.
4 مجلة المنار (26/ 500)
5 انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى (4/ 375)
6 مجلة المنار (8/ 257)، و انظر أيضاً: المصدر نفسه (5/ 946)، وأيضاً (7/ 856) و(26/500)، و انظر كذلك: تفسير المنار (4/ 233)
تمهيد(1/318)
يدل على إمكان البعث ووقوعه النقل والعقل والفطرة، وقبل أن نتعرض لمنهج الشيخ رشيد في هذه المسألة، نقف هنا أيضاً ونرى مخالفته للمتكلمين الذين يقولون: إن العلم والدليل على البعث لا يكون إلا سمعياً 1، ويرد عليهم الشيخ رشيد بقوله: "كان الذين ألفوا كتب الكلام على طريق فلسفة اليونان النظرية يرون أن الدليل على البعث لا يكون إلا سمعياً إذ لا يمكن عندهم أن يستدل العقل بأدلة علمية، ولم يفهم هؤلاء قوله تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} 2، وقوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} 3، وغيرها من الآيات..." 4.
ونقف عند هذه الملاحظة لأنها فرق بين طريقين في إثبات المعاد، الأولى طريقة القرآن الذي بيّن إمكان المعاد أتم بيان، وبين طريقة المتكلمين الذين يعتمدون في إثبات المعاد على السمع مع عدم الامتناع العقلي، وإثبات المعاد بناء على إمكانه الذهني فقط؛ أي أنه ممكن لأنه لو قدر وجوده لم يلزم من تقدير وجوده محال 5. الحق أن الإمكان الذهني حقيقته عدم العلم بالامتناع، وعدم العلم بالامتناع لا يستلزم العلم بالإمكان الخارجي، وأما القرآن، فلم يكتف في بيان إمكان المعاد بمجرد الإمكان
-------------------------
1 انظر: ابن تيمية: شرح الأصفهانية (ص: 212)
2 سورة العراف، الآية (29)
3 سورة الأنبياء، الآية (104)
4 مجلة المنار (14/ 155)
5 انظر: ابن تيمية: درء التعارض (1/ 30)
الذهني، بل بين الأدلة التي تؤكد ـ يقيناً ـ وقوع المعاد فعلاً وهو الإمكان الخارجي في الواقع، ولما كان الشيء يعلم إمكانه الخارجي: تارة بعلمه بوجود الشيء نفسه، وتارة بعلمه بوجود نظيره، وتارة بعلمه بوجود ما الشيء أولى بالوجود منه، ثم يعلم مع ذلك قدرة الرب عليه، وإلا مجرد العلم بإمكانه لا يكفي في إمكان وقوعه، إن لم يعلم قدرة الرب عليه.(1/319)
وقد بين القرآن الكريم هذا كله 1، وهو ما أشار إليه الشيخ رشيد في النص السابق ـ إجمالاًـ وفصله كما يلي تفصيلاً.
-------------------------
1 المصدر نفسه (1/ 31 ـ 32)
بعدما رفض رشيد رضا طريقة المتكلمين في الاستدلال على البعث اتبع طريق القرآن وسار على نهجه في بيان أدلة البعث، كما يلي:
المطلب الأول: النشأة الأولى:
هذا الدليل من أدلة الكتاب العزيز العقلية على وقوع البعث، وقد كرر في القرآن ذكر هذا الدليل، قال تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} 1. قال الشيخ رشيد: "هذا تذكير بالبعث والجزاء على الأعمال... وهذه الجملة من أبلغ الكلام الموجز المعجز فإنها دعوى متضمنة للدليل بتشبيه الإعادة بالبدء، فهو يقول: {كَمَا بَدَأَكُمْ} ربكم خلقاً وتكويناً بقدرته {عُودُونَ} إليه يوم القيامة..." 2. وقال في موضع آخر معلقاً على نفس الآية: "...وفيه دليل على إمكان البعث لأنه كالبدء أو أهون على المبدئ بداهة، فكيف وهو القادر على كل شيء بدءاً وإعادة على سواء..." 3.
-------------------------
1 سورة الأعراف، الآية (30)
2 تفسير المنار (9/ 375 ـ 376)
3 المصدر نفسه (9/ 567)
وأشار الشيخ رشيد كذلك إلى خاتمة سورة يس، وهي قوله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ...} 1 إذ أنه استدلال بنفس الدليل، وكما يقول الشيخ رشيد: "بأسلوب المناظرة والاستدلال" 2. كما أشار أيضاً إلى نفس الدليل في فاتحة سورة (ق) قال: "وفي فاتحة سورة (ق) ومن الرد عليهم في أثنائها {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} 3..." 4.(1/320)
وهذا الدليل الذي استدل به الشيخ رشيد هو من أدلة القرآن العقلية، وقد استدل به الشيخ رشيد على وجهه الصحيح، وتقرير هذا الاستدلال على آيات سورة يس مثلاً، وهو قوله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} 5 وهو في صورة قضية منطقية عقلية هكذا: هذه العظام رميم ولا أحد يحيي العظام وهي رميم، فلا أحد يحيي هذه العظام. ولكن هذه القضية الأخيرة السالبة كاذبة، لأن مضمونها امتناع الإحياء، فبين سبحانه إمكانه من وجوه ببيان إمكان ما هو أبعد من ذلك وقدرته عليه فقال: {يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} وقد أنشأها من تراب. ثم استدل بعد ذلك بخلقه لما هو أولى وأكبر من خلق الإنسان. وهو خلق السماوات والأرض، فقال: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} 6.
فهذان دليلان في الحقيقة، الأول: خلق المثل، والثاني: خلق ما هو أكبر وأعظم. وقد أشار الشيخ رشيد إلى هذا الاستدلال من سورة يس، التي "تكرر فيها ذكر الحشر والبعث والجزاء بأسلوب المناظرة
-------------------------
1 سورة يس، الآية (78)
2 تفسير المنار (8/ 284)
3 سورة ق، الآية (15)
4 تفسير المنار (8/ 284)
5 سورة يس، الآية (79)
6 سورة يس، الآية (81)، و انظر: ابن تيمية: درء التعارض (1/ 33)
والاستدلال..." 1، وأشار أيضاً في موضع آخر إلى أن إنكار البعث سببه: "...جهل وغفلة من قوم يؤمنون بأن الله تعالى هو الذي بدأ هذا الخلق وبأنه هو الذي خلق السماوات والأرض، وأنه قادر على كل شيء" 2.
قال الشيخ رشيد: "وهذا برهان جليّ كرر في القرآن مراراً" 3. ولكن "يظن الذين اعتادوا تلقي العقائد من طريق النظريات الجدلية أن هذه دعاوى غير برهانية" 4.(1/321)
المطلب الثاني: الاستدلال على البعث بالخلق:
ومن الأدلة أيضاً التي قررها الشيخ رشيد الاستدلال بالخلق على البعث، فعند قوله تعالى: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ} 5 قال: "أما معنى كون هذا الخلق لا يكون باطلاً فهو أن هذا الإبداع في الخلق، والإتقان للصنع، لا يمكن أن يكون من العبث والباطل، ولا يمكن أن يفعله الحكيم العليم لهذه الحياة الفانية فقط، كما أن الإنسان الذي أوتي العقل الذي يفهم هذه الحكم، ودقائق هذا الصنع... لا يمكن أن يكون وجد ليعيش قليلاً ثم يذهب سدى ويتلاشى فيكون باطلاً، بل لا بد أن يكون باستعداده الذي لا نهاية له قد خلق ليحيا حياة لا نهاية لها، وهي الحياة الآخرة، التي يرى كل عامل فيها جزاء عمله..." 6.
ومن أحسن الأساليب التي بيّن الله بها في القرآن تقرير عقيدة البعث وتثبيتها كما يقول الشيخ رشيد: "التذكير بها في القرآن بالأساليب العجيبة
-------------------------
1 تفسير المنار (8/ 284)
2 المصدر نفسه (8/ 283 ـ 284)
3 المصدر نفسه (8/ 117)
4 المصدر نفسه (8/ 283)
5 سورة آل عمران، الآية (191)
6 تفسير المنار (4/ 300)
التي فيها من حسن البيان وتقريب البعيد من الأذهان تارة بالحجة والبرهان وتارة بضرب الأمثال... تأمل ذلك في سور المفصل، ترَ تكرار الكلام على البعث والجزاء فيها بما لا يخطر على بال بشر... ومن أبدع الأساليب المكررة الجامعة وأروعها: المحاجة في النار بين الأتباع والمتبوعين والغاوين والمغوين والضالين والمضلين من شياطين الإنس والجن، وبراءة بعضهم من بعض، ومنه التنادي والتحاور بين أهل الجنة وأهل النار..." 1.
والاستدلال بالخلق على البعث هو من الاستدلال بالأعلى على الأدنى، وهو طريق الأولى: كما قال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}2.
المطلب الثالث: المشاهدة:(1/322)
هذا الدليل فيه الاستدلال بأمور مشاهدة: منها: إخراج النبات من الأرض الميتة، ومنها: الاستدلال على البعث بعد الموت، بالنوم واليقظة. فعن الأول يقول الشيخ رشيد: "تشبيه إخراج الموتى بإخراج النبات من الأرض الميتة بعد إنزال المطر عليها وهذا التشبيه يتضمن البرهان الواضح على قدرة الله تعالى على إحياء الموتى بعد فناء أجسادهم..." 3. وعند قوله تعالى: {كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} 4 قال: "أي مثل هذا الإخراج لأنواع النبات من الأرض الميتة بإحيائها بالماء نخرج الموتى من البشر وغيرهم، فالقادر على هذا قادر على ذاك..." 5. ثم يبين وجه الشبه فيقول: "فوجه الشبه في الآية هو إخراج الحي من الميت والحي في
-------------------------
1 الوحي المحمدي (ص: 178ـ 179)
2 سورة غافر، الآية (57)، و انظر: ابن تيمية: درء التعارض (1/ 30)
3 تفسير المنار (9/ 567)
4 سورة الأعراف، الآية (57)
5 تفسير المنار (8/ 470)
عرفهم يعرف بالنماء والتغذي كالنبات، وبالحس والتحرك بالإرادة كالحيوان..." 1.
وأما المثال الثاني المشاهد ـ الذي بيّنه الله تعالى ـ وقرره الشيخ رشيد فهو الاستدلال بالنوم واليقظة على البعث بعد الموت. فيقول الشيخ رشيد: "...على أن القرآن استدل على البعث بالنوم واليقظة..." 2. وعند قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ...} 3 قال الشيخ رشيد: "...وفيه تنبيه على أن القادر على البعث من توفي النوم قادر على البعث من توفي الموت..." 4.
المطلب الرابع: قدرة الله تعالى:(1/323)
فإذا دلت الشواهد السابقة على الإمكان الخارجي لوقوع البعث، فإن قدرة الله تعالى المشاهد آثارها تؤكد هذا الوقوع. يقول الشيخ رشيد معلقاً على قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ، ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى ، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ، أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} 5 "بلى، إن الكيماوي يحلل بعض الأجسام المركبة، ويرجعها إلى عناصرها البسيطة فتراها قد فنيت وتلاشت ثم يعيدها إلى شكلها الأول فتراها خلقاً جديداً. هذا والكيماوي رجل مثلك يشكو الجهل والضعف {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} 6 أفرأيت الحي الذي استمد الحياة منه كل الأحياء، القيوم الذي قامت بقدرته الأرض والسماء. يعجز عن
-------------------------
1 المصدر نفسه والصفحة.
2 المصدر نفسه (7/ 297)
3 سورة الأنعام، الآية (60)
4 تفسير المنار (7/ 480)
5 سورة القيامة، الآية (40)
6 سورة الإسراء، الآية (85)
فعل ذلك بك وهو الفعال لما يريد؟..." 1. ويقول في موضع آخر: "كما أن القادر على الإحياء بعد لبث مائة سنة قادر على الإحياء بعد لبث الموتى ألوفاً من السنين، هكذا يشبه بعض أفعاله بعضاً" 2. وهذا استدلال أيضاً بالمشاهدة وبما وقع من إحياء بعض الموتى في الدنيا على إحياء الجميع يوم القيامة 3.
فلقد نهج الشيخ رشيد منهجاً معارضاً لمنهج المتكلمين الذين يستدلون على البعث بمجرد خبر الشرع ظانين أنه لا يدل عليه العقل، ويستدلون على إمكانه بمجرد الإمكان الذهني المبني على عدم وجود المانع.
-------------------------
1 مجلة المنار (4/ 722)
2 تفسير المنار (3/ 52) و انظر أيضاً: مجلة المنار (4/ 725)
3 هذا المعنى من تعليق فضيلة أستاذي الدكتور محمد باكريم على هذا الموضع من كلام رشيد رضا، وقد نقلته من خطه وبلفظه.(1/324)
المبحث الثاني: البعث يكون بالجسد والروح:
وقرر الشيخ رشيد ـ رحمه الله ـ مذهب السلف في الإيمان بالبعث، فقد ذهب أهل السنة إلى أن المعاد يكون بالروح والجسد معاً، لما دلت عليه النصوص الكثيرة الثابتة في الكتاب والسنة. فمن القرآن، قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} 1، وفي الحديث: "ما بين النفختين أربعون، ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل، ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه، ومنه يركب الخلق" 2، فهذا كله إشارة إلى أن ذرات الإنسان لا تفنى أبداً، وإنما تتفرق أجزاؤه في الأرض، ويبقى منه جزء لا يفنى ولا يتفرق، وبذلك تكون الإعادة، وهي عبارة عن جمع المتفرق. فالبعث لا يتحقق إلا بقيام الموتى من قبورهم بأجسادهم التي أطاعوا بها أو عصوا في الدنيا حتى يتحقق العدل الإلهي بإثابة المطيعين وتعذيب العاصين.
ولقد قرر الشيخ رشيد هذا المذهب ـ البعث بالجسد والروح جميعاً ـ فقال: "ومما جاء به القرآن مخالفاً لما عند النصارى من عقيدة البعث والجزاء أن الإنسان في الحياة الآخرة يكون إنساناً كما كان في الدنيا، إلا أن أصحاب
-------------------------
1 سورة طه، الآية (55)
2 البخاري، الصحيح، ك: التفسير، باب: ونفخ في الصور، ح: 4814 (8/ 414) مع الفتح.
الأنفس الزكية والأرواح العالية، يكونون أكمل أرواحاً وأجساداً مما كانوا بتزكية أنفسهم في الدنيا.. ولو كان البعث للأرواح وحدها لنقص من ملكوت الله تعالى هذا النوع الكريم المكرم من الخلق المؤلف من روح وجسد، فهو يدرك اللذات الروحية والجسمية، ويتحقق بحِكَم الله (جمع حكمة) وأسرار صنعه فيها معاً، من حيث حرم النبات والحيوان من الأولى، والملائكة من الثانية..." 1.(1/325)
ولكن الشيخ رشيد ـ مع قوله بحشر الروح والجسد جميعاً ـ يرى أن الجسد المبعوث لا يجب أن يكون هو الذي كانت الأعمال التكليفية به، فيقول: "ليس للكفار شبهة قوية على أصل البعث... ولكن للمتقدمين والمتأخرين شبهة على حشر الأجساد ترد على ظاهر قول جمهور المسلمين: أن كل أحد يحشر بجسده الذي كان عليه في الدنيا أو عند الموت لكي يقع الجزاء بعده على البدن الذي اقترف الأعمال. وتقرير هذا الإيراد أن هذه الأجساد مركبة من العناصر المؤلفة منها مادة الكون كله وهي مشتركة يعرض لها التحليل والتركيب فتدخل الطائفة منها في عدة أبدان على التعاقب فمن الإنسان والحيوان ما تأكله الحيتان أو الوحوش ومنها ما يحرق فيذهب بعض أجزائه في الهواء... وينحل ما يدفن في الأرض فيها ثم يتغذى بكل منهما النبات الذي يأكله بعض الناس والأنعام فيكون جزءاً من أجسادهم، ويأكل الناس من لحوم الحيتان والأنعام التي تغذت من أجساد الناس بالذات أو بالواسطة، فلا يخلص لشخص معين جسد خاص به..." 2. وبعد أو أورد الشيخ رشيد هذه الشبهة ذكر ما أجاب به عنها بعض العلماء بأن للجسد أجزاء أصلية وأجزاء فضلية والذي يعاد بعينه هو الأصلي دون الفضلي. ولكن الشيخ رشيد لم يرض بهذا الجواب لأنه لا يدفع الشبهة 3. والذي اختاره هو: "أن التزام القول بوجوب حشر الأجساد التي كانت لكل حي بأعيانها لأجل وقوع الجزاء عليها غير لازم لتحقيق العدل، فجميع قضاة العالم
-------------------------
1 الوحي المحمدي (ص: 179)
2 تفسير المنار (8/ 472)
3 المصدر نفسه (8/ 473 و746)(1/326)
المدني في هذا العصر يعتقدون أن أبدان البشر تتجدد في سنين قليلة ولا يوجد أحد منهم ولا من غيرهم من العقلاء يقول إن العقاب يسقط على الجاني بانحلال أجزاء بدنه التي زاول بها الجناية وتبدل غيرها بها، فما لم يكن عندنا نص صريح من القرآن أو الحديث المتواتر على بعث الأجساد بأعيانها فما نحن بملزمين قبول الإيراد وتكلف دفعه، فإن حقيقة الإنسان لا تتغير بهذا التبدل فقد تبدلت أجسادنا مراراً ولم تتبدل بها حقيقتنا ولا مداركنا، ولا تأثير الأعمال التي زاولناها قبل التبدل في أنفسنا، بل لم يكن هذا التبدل إلا كتبدل الثياب..." 1.
هذا ما أجاب به الشيخ رشيد على هذه الشبهة، ولدينا جواب آخر وهو الصحيح، وخلاصته: أن قدرة الله تعالى لا يعجزها جمع ما تفرق في الأرض والسماء من أجساد الناس، كما قال تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} 2 أي: ما تأكل من لحومهم وأبشارهم وعظامهم وأشعارهم 3، فالقدرة والعلم هما الحجة في هذه المسألة.
-------------------------
1 تفسير المنار (8/ 4473) و انظر أيضاً: مجلة المنار (7/ 413)
2 سورة ق، الآية (4)
3 انظر: ابن كثير: التفسير (4/ 223) و انظر: د. محمد علي ناصر فقيهي: منهج القرآن في الدعوة إلى الإيمان (ص: 297) وما بعدها.
تمهيد
لقد أخبر الله تعالى "بقيام الساعة" ولكنه استأثر بعلم وقت قيامها، إلا أنه تعالى من رحمته جعل لنا علامات نعرف بها قرب وقوعها وقيامها، فينتبه الغافل ويجد المتكاسل ويزيد العامل. وإلى هذا المعنى أشار قوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} 1.(1/327)
ولقد تحدث رشيد رضا عن الساعة فعرفها، وبين أن الله تعالى استأثر بعلم وقتها {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} 2 ورد كل محاولة لكسر هذا الحجاب، ولكنه غلا في ذلك حتى أنكر أشراطها لأنه ـ حسب رأيه ـ يؤدي إلى معرفة وقتها وذهاب الحكمة من إخفائه، وفيما يلي تفصيل ذلك.
-------------------------
1 سورة طه، الآية (15)
2 سورة الأعراف، الآية (187)
المطلب الأول: تعريف الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً:
عرف رشيد رضا الساعة لغة واصطلاحاً وشرعاً، فقال: "الساعة في اللغة جزء قليل غير معين من الزمان، وتسمى ساعة زمانية، ومنه قوله تعالى: {لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً} 1، وفي اصطلاح الفلكيين: جزء من أربعة وعشرين جزءاً متساوية من اليوم والليلة.." 2. وأما الساعة الشرعية فيشير رشيد رضا إلى أنها تأتي في القرآن معرفة بأل العهد بخلاف الساعة الزمانية التي تكون فيه منكرة، والشرعية هي:"ساعة خراب هذا العالم وموت أهل الأرض.." 3. وقد جمع الله في آية بين الساعة الشرعية والساعة الزمانية في قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} 4.
-------------------------
1 سورة الأعراف، الآية (34)
2 تفسير المنار (9/ 461)
3 المصدر نفسه (9/462)
4 سورة الروم، الآية (55)
الفرق بين الساعة والقيامة في القرآن:(1/328)
ويلاحظ رشيد رضا الفرق بين استعمال القرآن وتعبيره بالقيامة والساعة، فيقول: " الغالب في استعمال القرآن التعبير بيوم القيامة عن البعث والحشر الذي يكون بعد الموت الذي يكون فيه الحساب وما يتلوه... والتعبير بالساعة عن الوقت الذي يموت فيه الأحياء في هذا العالم ويضطرب نظامه ويخرب بما يكون فيه من الأهوال يتلو بعضها بعضاً، فالساعة هي المبدأ والقيامة هي الغاية، ففي الأولى الموت والهلاك، وفي الآخرة البعث والجزاء، وبعض التعبيرات في كل منها يحتمل حلوله محل الآخر في الغالب، وفي المعنى المشترك الذي يعم المبدأ والغاية.." 1. وقال أيضاً: "وحيث يذكر قيام الساعة كآيات سورة الروم الثلاثة 2، وآية غافر: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} 3، فالمتبادر منه غايتها يوم البعث والحساب والجزاء.. وحيث يذكر التكذيب بها أو المماراة فيها فالمراد المعنى العام لكل ما وعد الله به، وأوعد من أمر مبدئها وغايتها، وحيث يذكر اقتراب الساعة أو مجيئها وإثباتها ولا سيما إذا قرن ببغتة فالمتبادر منه مبدأ القيامة وخراب العالم الذي نعيش فيه ومن هذا القبيل السؤال عنها فإن السؤال يكون عن أول الأمر المنتظر.." 4.
المطلب الثاني: علم الساعة:
دل الكتاب والسنة على أن الله تعالى استأثر بعلم وقت الساعة فلا يعلم أحد متى الساعة إلا الله وحده، قال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ
------------------------
1 تفسير المنار (9/ 462ـ 463)
2 يعني قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} الآية: 12، وقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} الآية: 14، وقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} الآية: 55.
3 الآية: (46)
4 تفسير المنار (9/ 464)(1/329)
إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 1. قال الشيخ رشيد: "قل أيها النذير إن علم الساعة عند ربي وحده ليس عندي ولا عند غيري من الخلق شيء منه ـ وهذا ما يدل عليه لفظ "إنما" من الحصر، كما قال تعالى في الآية التي فسر بها النبي صلى الله عليه وسلم مفاتح الغيب {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} 2، أي عنده لا عند أحد سواه، ومثله قوله تعالى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} الآية 3، أي يرد إليه وحده لا إلى غيره، وأشبه الآيات الدالة على استئثار علم الله تعالى بالساعة بآية الأعراف؛ آيتان: آية الأحزاب 4.. وآية أواخر النازعات وما بعدها: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا ، إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} 5، أي: إلى ربك وحده من دونك ودون سائر خلقه منتهى أمر الساعة الذي يسألونك عنه.." 6.(1/330)
وأما ما ورد من قرب الساعة فهو حق مقتبس من القرآن ـ كما يقول الشيخ رشيد ـ ويستشهد بآيات، كقوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} 7، وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} 8، قال: " وفي التعبير عن قربه بلعل وعسى ما يناسب عدم إطلاع الله لرسوله على وقته. ولا شك أن قرب ذلك اليوم الذي مقداره من مبدئه إلى غايته خمسون ألف سنة مناسب له،ولما تقدم من عمر الدنيا وما بقي منه، والقرب والبعد من الأمور
------------------------
1 سورة الأعراف: الآية (187)
2 سورة لقمان، الآية (34)
3 سورة فصلت، الآية (47)
4 يعني قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} الآية (63).
5 سورة النازعات، الآيات (43 ـ 46)
6 تفسير المنار (9/ 465)
7 سورة الشورى، الآية (17)
8 سورة الإسراء: الآية (51)
النسبية والمراد قربها بالنسبة إلى ما مضى من عمر الدنيا ولا يعلمه إلا الله تعالى..." 1.
ورغم حسم الكتاب العزيز لهذا الأمر ـ مسألة وقت قيام الساعة ـ إلا أن اليأس من ذلك لم يتمكن من البعض، فقد حاول بعضهم تحديد عمر الدنيا بناء على ظنون وأوهام 2، فما هو موقف الشيخ رشيد من هؤلاء؟
رد الشيخ رشيد بشدة هذه المحاولات لأنها تكذيب لآيات القرآن الناطقة بأن الساعة من علم الغيب.قال: " وما جاء في الآثار من أن عمر الدنيا سبعة آلاف سن مأخوذ من الإسرائيليات التي كان يبثها زنادقة اليهود والفرس في المسلمين حتى رووه مرفوعاً، وقد اغتر بها من لا ينظر في نقد الروايات إلا من جهة أسانيدها حتى استنبط بعضهم منها ما بقي من عمر الدنيا، وللجلال السيوطي 3، في هذا رسالة في ذلك قد هدمها عليه الزمان، كما هدم أمثالها من التخرصات والأوهام.." 4.(1/331)
ونقل عن الآلوسي قوله: "وأخرج الجلال عدة أحاديث في أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، وذكر أن مدة هذه الأمة تزيد على ألف سنة ولا تبلغ الزيادة خمسمائة سنة.، وإذا لم يظهر المهدي على رأس المائة التي نحن فيها ينهدم جميع ما بناه فيها كما لا يخفى.." ثم قال الشيخ رشيد معلقاً: "وقد مضت المائة التي كان فيها مؤلفه برأسها وذنبها وهي المائة الثالثة عشرة من الهجرة ثم مضى زهاء نصف المائة التي بعدها وهي الرابعة عشرة إذ نكتب هذا البحث في سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وألف، ولم يظهر
------------------------
1 تفسير المنار (9/4470)
2 آخر هذه المحاولات كتاب: "عمر أمة الإسلام وقرب ظهور المهدي عليه السلام" لمؤلفه: أمين محمد جمال، وأتى فيه بالعجائب. ط. مكتبة المجلد العربي، مصر، الرابعة، 1417هـ =1997م.
3 هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد، إمام حافظ مؤرخ أديب، له نحو 600 مصنف، انظر: الزركلي: الأعلام (3/301 ـ 302)
4 تفسير المنار (9/470)
المهدي، فانهدم ولله الحمد ما بناه السيوطي عفا الله تعالى عنه من الأوهام التي جمعها كحاطب ليل.." 1. ثم نقل الشيخ رشيد عن الحافظ ابن حجر في الفتح نقلاً طويلاً في مسألة عمر الدنيا 2 ثم قال:"وأقول هذا كلام المحققين، فالذين حاولوا تحديد عمر الدنيا ومعرفة وقت قيام الساعة إرضاء لشهوة الإتيان بما يهم جميع الناس لم يشعروا بأنهم يحاولون تكذيب آيات القرآن الكثيرة الناطقة بأن الساعة من علم الغيب الذي استأثر الله تعالى به، وأنها تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون.." 3.(1/332)
وهذا الموقف السديد من الشيخ رشيد في مسألة علم وقت الساعة وعمر الدنيا يحمد له، لا ريب، ولكن الشيخ رشيد تجاوز هذا الموقف وامتد به الحبل إلى أن اتخذ موقفاً غير سديد من "أشراط الساعة" المروية بالأحاديث الصحيحة، امتداداً لموقفه من مسألة علم الساعة وعمر الدنيا، وردها بناء على نفس السبب وهو: عدم علم الساعة لأحد سوى الله تعالى. وهو ما نراه في المبحث التالي.
------------------------
1 تفسير المنار (9/471) و انظر: السيوطي: الكشف في مجاوزة هذه الأمة الألف (ضمن الحاوي للفتاوي 2/86)
2 انظر: تفسير المنار (9/471ـ 4476) وقارن مع: ابن حجر: فتح الباري (11/ 350) وما بعدها.
3 تفسير المنار (9/ 482). وقد سبق الطبريُّ السيوطيَّ في محاولة تحديد عمر الدنيا اعتماداً على روايات زائفة. انظر: فتح الباري (8/514) والطبري: التاريخ (1/ 10)
المبحث الثاني: أشراط الساعة
الأشراط العلامات، واحدها: شرط، بالتحريك، وبه سميت شرط السلطان، لأنهم يجعلون لأنفسهم علامات يعرفون بها 1، والمراد بالأشراط هنا العلامات التي يعقبها قيام الساعة. وقد مضى قريباً ذكر معنى الساعة لغة وشرعاً واصطلاحاً، والمراد بها هنا: القيامة 2. قال تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} 3. أي: أعلامها 4.وفي حديث جبريل المشهور 5، حيث سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أمارات الساعة قال: أخبرني عن أماراتها، فقال صلى الله عليه وسلم "أن تلد الأمة ربتها 6، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان" وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة،
------------------------(1/333)
1 انظر: ابن الأثير: النهاية (2/ 460)، مادة شرط، وابن منظور: لسان العرب (7/329ـ 330) مادة شرط. و انظر أيضاً: أبو عبيدة: مجاز القرآن (2/215)
2 راجع (ص:764) من هذا البحث.
3 سورة محمد، الآية (18)
4 انظر: الزجاج: معاني القرآن (5/11) وأبو عبيدة: مجاز القرآن (2/215)
5 سبق تخريجه، انظر: (ص:542) من هذا البحث
6 قال ابن الأثير: يعني أن الأمة تلد لسيدها ولداً فيكون لها كالمولى، لأنه في الحسب كأبيه، أرد أن السبي يكثر. انظر: النهاية (2 179) مادة ربب. وقيل غير ذلك.انظر: ابن حجر فتح الباري (1/149) ط. الريان.(1/334)
دعوتها واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي به 1 وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً" 2 وأيضاً حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: "طلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات. فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم" 3. وهناك روايات أخرى كثيرة فيها ذكر هذه الأشراط. وقد أفردت بالتصانيف من السلف والخلف 4. ومذهب أهل السنة الإيمان بما ورد من هذه الأشراط بالروايات الصحيحة. قال أحمد: "ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها:...والإيمان أن المسيح الدجال خارج مكتوب بين عينيه كافر، والأحاديث التي جاءت فيه والإيمان بأن ذلك كائن، وأن عيسى بن مريم
------------------------
1 أي: لا حاجة لي فيه، والأرب: الحاجة. انظر: ابن الأثير: النهاية (1/ 35) وما بعدها. مادة: أرب.
2 البخاري: ك: الفتن، باب: 25، ح: 7121 (13/ 88) مع الفتح.
3 مسلم: ك: الفتن، باب: في الآيات التي تكون قبل الساعة، ح: 39 (2901)(4/2225)(1/335)
4 من تصانيف السلف: نعيم بن حماد: كتاب الفتن، مطبوع. وأبو عمرو الداني: السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها، مطبوع، ت: د. رضاء المباركفوري، دار العاصمة، الأولى 1416هـ=1995م.
ينزل فيقتله بباب لد..."1.
وبطريق الاستقراء يمكن تقسيم هذه الأشراط إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما وقع منها وانتهى، والثاني: ما وقع ولكنه لم يتم بعد ولم يستحكم، والثالث: ما لم يأت بعد.
ويمكن أيضاً أن تقسم إلى كبرى، وهو ما كان قريباً من قيام الساعة، كخروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام، وطلوع الشمس من مغربها... ألخ. وإلى صغرى: وهو ما يكون قبل ذلك ومنه ما ورد في حديث جبريل المشار إليه آنفاً وغيره 2.
المطلب الأول: موقف الشيخ رشيد من أشراط الساعة جملة:
لم يكن للشيخ رشيد بد من إثبات أشراط للساعة ـ جملة ـ لورود ذلك في القرآن الكريم، وبناءً عليه أثبتها فقال: "إن للساعة أشراطاً ثبتت في الكتاب والسنة، قال تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} 3". وعرف الشيخ رشيد الأشراط بقوله: "الأشراط جمع شَرَط بفتحتين، كأسباب جمع سبب، وهي العلامات والأمارات الدالة على قربها، وأعظمها بعثة خاتم النبيين... لأن بعثته صلى الله عليه وسلم قد كمل بها الدين، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} 4،... وما بعد الكمال إلا الزوال..." 5.
------------------------
1 انظر: اللالكائي: شرح أصول أهل السنة (2/ 178)، و انظر أيضاً: عبد الغني المقدسي: الاقتصاد في الاعتقاد (ص: 189 ـ 192) ت: أحمد بن عطية الغامدي، ط. العلوم والحكم، الأولى، سنة 1414هـ، والموفق ابن قدامة: لمعة الاعتقاد (ص: 19) ت: بدر البدر، ط. دار ابن الأثير، الثانية، 1416هـ.
2 انظر: ابن حجر: فتح الباري (13/ 83 ـ 85)
3 سورة محمد، الآية (18)(1/336)
4 سورة المائدة، الآية (3)
5 تفسير المنار (9/ 483)
والحق أنه لم يثبت الشيخ رشيد من علامات الساعة إلا بعثة النبي صلى الله عليه وسلم،وأما ما سوى ذلك من العلامات الصغرى والكبرى فلم يكن لها نصيب من القبول عند الشيخ رشيد.
لقد ادعى أن روايات الفتن وأشراط الساعة مشكلة ومتعارضة. فأما الإشكال الذي أبداه على العلامات الصغرى، فهو أن ما ورد منها من الأمور المعتادة التي تقع بالتدريج لا يُذّكر بقيام الساعة ولا تحصل به الفائدة التي من أجلها أخبر الشارع بقرب قيام الساعة ـ يعني لأنها أصبحت من الأمور المعتادة المألوفة ـ 1. وأما الأشراط الكبرى الخارقة للعادة فوجه الإشكال فيها عند الشيخ رشيد أن العالم بها يكون في مأمن من قيام الساعة قبل وقوعها كلها فهو مانع أيضاً من حصول تلك الفائدة، فالمسلمون المنتظرون لها يعلمون أن لها أشراطاً تقع بالتدريج، فهم آمنون من مجيئها بغتة في كل زمن، وإنما ينتظرون قبلها ظهور الدجال والمهدي والمسيح عليه السلام ويأجوج ومأجوج، وهذا الاعتقاد لا يفيد الناس موعظة ولا خشية ولا استعدادً لذلك اليوم ولا لتلك الساعة، فما فائدة العلم به إذن؟ هذا ما قاله الشيخ رشيد رضا 2.
وأريد هنا أن أرد على هاتين الشبهتين عند الشيخ رشيد، وذلك قبل أن أتناول تفصيل ما أورده في أشراط الساعة الكبرى ـ وقد خص منها بالذكرـ الدجال والمهدي، وطلوع الشمس من مغربها، وسوف أتحدث عن كل ذلك تفصيلاً إن شاء الله.
فأقول أولاً: إن الشيخ رشيد تناقض هنا، فإنه: قد أثبت أشراطاً للساعة، وخص بالذكر منها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فما أورده من الإشكال في الأشراط الأخرى وارد على ما أثبته، ومهما كان جوابه فهو جوابنا.
ثانياً: إنّ ما استشكله الشيخ رشيد غير مشكل، لأن ما أورده في الأشراط الصغرى من كونها أموراً صارت معتادة لا تذكر بالآخرة، ـ وهو
------------------------
1 تفسير المنار (9/ 488)
2 المصدر نفسه (9/ 489)(1/337)
الحكمة من تقديم الأشراط ـ ليس صحيحاً على إطلاقه هذا، فإن من الناس من يوفقه الله تعالى للاعتبار، فإذا رأى من أشراط الساعة شيئاً مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم تنبه من غفلته وقام من رقدته، وأصلح من شأنه، لا يألو جهداً في التوبة ولا يتوانى في الحوبة، كالمريض إذا ظهر له قرب أجله فإنه يسارع في الإحسان، وينظر لنفسه وورثته وأصحاب الحقوق عنده، وينقطع عن الدنيا إلى الآخرة. ومنهم من طبع الله على قلبه وتمكنت منه الغفلة فهو على حد قوله تعالى: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} 1.
وأما الأشراط الكبرى وخوف الشيخ رشيد أن تتعارض مع ما تقرر من عدم علم أحد بالساعة إلا الله تعالى، ومن أن العالم بهذه الأشراط يكون في مأمن من الساعة، فالجواب عنه أيضاً من وجوه:
أحدها: أن يقال فيه ما قيل فيما قد سبق من صنفي الناس، فمنهم حي القلب، العالم الذي ينفعه ذلك، ومنهم دون ذلك.
الثاني:أن الله تعالى ورسوله قد أخبرا مع وجود الأشراط وظهور العلامات أن الساعة لا تكون إلا بغتة، كما قال تعالى: {لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} 2، فالعلم بأشراطها لا يورث العلم بوقوعها، ومع أن السنة قد بينت أن الساعة تكون في آخر ساعة من يوم الجمعة، فلا تكون في يوم آخر ولا ساعة أخرى، إلا أنها كذلك قد بينت أنها لا تكون إلا فجأة. ومما يؤيد هذا الوجه اختلاف أهل العلم في بعض الأشراط والعلامات هل وقعت أم لا، كاختلافهم في الدخان 3، والمهدي هل هو عمر بن عبد العزيز أم
------------------------
1 سورة هود، الآية (34)
2 سورة الأعراف، الآية (187)(1/338)
3 انظر: أبا عمرو الداني: السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها، ت: رضاء الله المباركفوري (5/ 995 ـ 1002) مع التعليق. وأيضاً: (5/ 1003 ـ 1009) مع تعليق المحقق، و انظر: عمر سليمان الأشقر: اليوم الآخر: القيامة الصغرى (ص: 221) وما بعدها، دار النفائس، السادسة 1415هـ.
غيره؟ 1، والمقصود أن العلم بالأشراط ليس علماً بوقت الساعة، لأن الإخبار بها ـ أعني الأشراط ـ جاءت دون تحديد لوقت الظهور وأشخاص محددين، بل جاءت بصفات تحتمل وقد تقوى مع القرائن. فما خاف منه الشيخ رشيد لا يخيف.
فهذا جواب سريع مختصر على ما أورده الشيخ رشيد على أشراط الساعة الصغرى والكبرى، إجمالاً، ثم أنتقل بعد ذلك لعرض رأيه في مسائل منها معينة، تناولها بمزيد البحث، وهي المهدي والدجال وطلوع الشمس من مغربها، ولنرى شبهات الشيخ رشيد، وأهم من ذلك معرفة من أين جاءه هذا المذهب.
المطلب الثاني: موقف رشيد رضا من أشراط الساعة تفصيلاً:
أولاً: الدجال:
لقد أورد الشيخ رشيد على روايات الدجال إشكالات في المتن والسند، مجموعها خمسة، وخص حديث الجساسة بمزيد بحث في تسع نقاط 2.
أما أحاديث الدجال فقال إنها مشكلة من وجوه:
أولها ما استشكله آنفاً من كونها تنافي الحكمة في إنذار القرآن الناس بقرب قيام الساعة وإتيانها بغتة، وقد تقدم الرد على هذه الشبهة قبل قليل 3، وأزيد هنا أن هذه الحكمة المشار إليها ليست بنص الشرع، بل هي مما استنبطه أهل العلم واجتهدوا فيه 4، وهي لا تنافي حكماً أخرى لم يصلوا
------------------------
1 انظر: أبا عمرو الداني: مرجع سابق (6/ 1073) وما بعدها مع تعليق المحقق.
2 تفسير المنار (9/ 490 ـ 491) وسيأتي ذكر حديث الجساسة.
3 انظر (ص:772)
4 من هؤلاء القرطبي: التذكرة (ص: 732)، والحليمي: المنهاج (1/ 343)، وابن حجر: فتح الباري (11/ 350)(1/339)
إليها، قال تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} 1، فلا يصلح أن تعارض هذه الحكمة المستنبطة بالاجتهاد نصوص الكتاب والسنة.
وأما الإشكال الثاني عند الشيخ رشيد فهو ـ كما يقول ـ: "ما ذكر فيها من الخوارق التي تضاهي أكبر الآيات التي أيد الله بها أولي العزم من المرسلين، أو تفوقها، وتعد شبهة عليها..." 2.
وللجواب على هذه الشبهة أقول:
أولاً: قد سبق الكلام على معجزة الأنبياء، وبينت هناك أن المعجزة ليست وحدها السبيل لتصديق الرسل، بل يكون معها من القرائن ما يبين صدقهم، وبهذا فرقنا بين ما يكون مع الأنبياء من الخوارق وما يكون مع الأشقياء منها 3. ولا ريب أن الدجال من صنف هؤلاء الأشقياء، فلا يلتبس أمره على المؤمنين، لا سيما وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، علامته، وأنه مكتوب بين عينيه "كافر" يقرؤها كل مؤمن كاتب وغير كاتب 4، وأنه يدعي الألوهية، مع أنه أعور والله تعالى متصف بصفات الكمال والجمال والجلال، فليس بأعور 5.
وثانياً: أن الدجال لم يدع النبوة فيلتبس أمره وإنما ادعى الألوهية، وهو منافٍ لبشريته وصفاته التي وصفه بها النبي صلى الله عليه وسلم فلا يلتبس أمره والحمد لله 6.
وأما الإشكال الثالث عند الشيخ رشيد في أحاديث الدجال، فهو أن ما
------------------------
1 سورة الأنعام، الآية (149)
2 تفسير المنار (9/ 490)
3 انظر (ص:692) من هذا البحث.
4 انظر: أحمد: المسند (6/ 456 و 455و 459) ومسلم: الصحيح: ك: الفتن، ح: 103 (2933) [4/2248]
5 انظر: مسلم: الصحيح: ك: الفتن، باب ذكر الدجال، ح: 100 (169) (4/ 2247)
6 انظر: مسلم: الصحيح: ك: الفتن، ح: 113 (2938) (4/2256ـ 2257)(1/340)
عزي إليه من الخوارق مخالف لسنن الله تعالى في خلقه، وقد ثبت بنص القرآن أنه لا تبديل لسننه تعالى ولا تحويل 1، وقد سبق أن أثار الشيخ رشيد هذه المسألة عند الكلام على كرامات الأولياء، واستشهد بالآيات التي تصرح بهذا المعنى ـ ولا أدري من هو أول من دس هذا البلاء تحت معنى هذه الآيات، إن هذه الآيات لا تتحدث عن السنن الطبيعية والقوانين الكونية، وعدم حدوث التغيير والتبديل فيها، قال ابن تيمية في معنى الآيات: " والمقصود أن الله أخبر أن سننه لن تتبدل ولن تتحول، وسنته عادته التي يسوي فيها بين الشيء وبين نظيره الماضي، وهذا يقتضي أنه سبحانه يحكم في الأمور المتماثلة بأحكام متماثلة" 2.
ولو كان معنى الآية هو ما فهمه الشيخ رشيد لكان يرد مثل الذي استشكله على معجزات الأنبياء ـ صلى الله تعالى عليهم ـ، ومهما كان جوابه كان جوابنا لأنه لا يستطيع أن يفرق بينها في أصل التبديل والتحويل. فالمقصود من الآية بيان سنة الله تعالى في نصر الأنبياء ومن تبعهم، وخذلان أعدائهم ومن والاهم 3، وهذا المعنى الذي فهمه الشيخ رشيد مناقض لأكثر آيات القرآن التي تصف وقائع الأنبياء وغيرها من عجائب قدرة الله تعالى. وهناك جواب آخر على سبيل التنزل مع الشيخ على ما فهمه أن المعنى: من سنة الله تعالى أن يخلق أشياءً بأسباب لحكمة، وأشياء بلا أسباب لحكمة أخرى، ولن تجد لسنة الله تبديلاً 4.
وأيضاً فإن وقت ظهور الدجال هو من مقدمات اليوم الآخر، وفيه تكثر الخوارق، وكان ينبغي للشيخ رشيد أن يطبق قاعدته الصحيحة في أمور الغيب والآخرة، وهي الإيمان بما ورد منها مع تفويض الكيفية 5.
------------------------
1 تفسير المنار (9/ 490)
2 مجموع الفتاوى (13/ 23)
3 انظر: الشوكاني: فتح القدير (4/356) ط. البابي الحلبي، بمصر الثانية، 1383هـ
4 مجلة المنار (11/ 912) من رد لأحد العلماء على الشيخ رشيد.(1/341)
5 لقد كرر الشيخ هذه القاعدة وقد سبق ذلك مراراً. انظر: مجلة المنار (10/ 289)
الدعوى الأخيرة التي ادعاها الشيخ رشيد هي التعارض بين روايات الدجال، تعارضا يوجب تساقطهما 1، وقد ضرب أمثلة لهذا التعارض.
منها؛ أعني في حديث الدجال: التردد في زمن ظهوره، فبينما تشير بعض الروايات إلى أنه يخرج بعد الملحمة وفتح القسطنطينية 2، تجوز بعض الروايات خروجه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كأحاديث ابن صياد 3. ويرى الشيخ رشيد تعارضاً بين الروايات فيما يتعلق بشخص الدجال، وهل هو ابن صياد أو غيره 4. وأيضاً التردد في مكانه: هل هو في بحر الشام ـ أي المتوسط ـ أو بحر اليمن ـ وهو في الجنوب ـ أو جهة المشرق؟ 5، وأيضاً؛ وفيما يتعلق بالفتن التي مع الدجال، هل هي حقيقية أو وهمية، فإنه يظهر من بعض الروايات أنها فتن حقيقية، ومع ذلك فقد ورد قوله صلى الله عليه وسلم: "هو أهون على الله من ذلك" 6. هذه أهم أوجه التعارض عند الشيخ رشيد والتي جعلته يشك في صدور أحاديث الدجال عن النبي صلى الله عليه وسلم مع رواية البخاري لها ـ والذي يشيد الشيخ رشيد دائماً بروايته ويشك فيما لا يخرجه منها ـ إلا أنه هنا لا يجعل لما يرويه منها كرامة.
وأما سبب هذا التعارض عند الشيخ رشيد، هو أكبر من رد أحاديث الدجال، فهو:
------------------------
1 تفسير المنار (9/ 490)
2 انظر: مسلم: الصحيح، ك: الفتن، باب: 18، ح: 2920 (4/ 2238) عبد الباقي.
3 ابن صياد: اسمه صاف، من يهود المدينة، أسلم وتسمى بـ: "عبد الله". انظر: مسلم: الصحيح، ك: الفتن،ح: 94 (2929) (4/2243ـ 2244)
4 انظر: البخاري: الصحيح، ك: الاعتقاد، باب: من رأى النكير من النبي حجة، ح: 7355 (13/ 335) مع الفتح، ومسلم: ك: الفتن، باب ذكر ابن صياد، ح: 95 (2930)، و انظر: ابن حجر: فتح الباري (13/ 337) وما بعدها، وابن كثير: النهاية (1/60)(1/342)
5 انظر: مسلم: الصحيح، ك: الفتن، باب: قصة الجساسة، ح: 119 (2942) (4/ 2261)
6 انظر: البخاري الصحيح، ك: الفتن، باب: ذكر الدجال، ح: 7122 (13/ 96) مع الفتح.
أولاً: أن أحاديث الأشراط ـ كأكثر الأحاديث ـ قد رويت بالمعنى، قال: "واتفق عليه العلماء" 1، ويدلل عليه باختلاف رواة الصحاح في ألفاظ الحديث الواحد حتى المختصر منها، وكذلك بوجود الإدراج 2، وقد كرر الشيخ رشيد هذه الشبهة، وهي شبهة ترد على السنة جميعها، فتكون هي ـ ومسألة الكتابة ـ ساقين قامت عليهما دعوى رد السنة ودفع الثقة بها، وهو يأتي على كل أبواب الشريعة التي احتج فيها بالسنة لأنه يقال فيها ما يقال في غيرها، لذا يجب دفع هاتين الشبهتين دفعاً، وإقامة البراهين على بطلانهما، لتسلم السنة، وهو ما أرجو أن أكون أديته في الباب الأول 3.
ثانياً: أرجع الشيخ رشيد الاختلاف والاضطراب في أحاديث الدجال إلى أن الصحابة والتابعين كانوا يروون عن كل مسلم صادق وغير صادق دون تمييز، ثم إنهم لم يكونوا يفرقون في أداء ما سمعوه، بين ما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم وما سمعوه من غيره 4، قال: "...وقد ثبت أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كان يروي بعضهم عن بعض وعن التابعين حتى عن كعب الأحبار وأمثاله، والقاعدة عند أهل السنة أن جميع الصحابة عدول فلا يخل جهل اسم رواٍ منهم بصحة السند، وهي قاعدة أغلبية لا مطردة، فقد كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم منافقون..." 5. ثم خرج من كل ذلك بتقعيد قاعدة عامة في طرح الأحاديث، فقال: "كل حديث مشكل المتن أو مضطرب الرواية، أو مخالف لسنن الله تعالى في الخلق، أو لأصول الدين أو نصوصه القطعية أو للحسيات وأمثالها من القضايا اليقينية، فهو مظنة لما ذكرنا في هذه الشبهات، فمن صدق رواية مما ذكر ولم يجد فيها إشكالاً فالأصل فيها الصدق ومن ارتاب في كل شيء منها أو أورد عليه بعض المرتابين أو
------------------------
1 تفسير المنار (9/ 506)(1/343)
2 الإدراج: أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي، وقد يقع في السند. انظر: ابن الصلاح: المقدمة (ص: 125)، وابن كثير: الباعث الحثيث (ص: 73)
3 انظر (ص:127) من هذا البحث.
4 تفسير المنار (9/ 506)
5 المصدر نفسه والصفحة.
المشككين إشكالاً في متونها، فليحمله على ما ذكرنا من عدم الثقة بالرواية لاحتمال كونها من دسائس الإسرائيليات أو خطأ الرواية بالمعنى..." 1. وأقول: لقد انتفع بهذه النصائح كل من جاء بعد الشيخ رشيد وأراد الطعن في السنة، فإنه قلد الشيخ رشيد في دعاويه ـ مع التوسع ـ وردد نفس الشبهات والطعون، ومن ذلك ما فعل أبو رية 2.
وأكتفي هنا ببيان ما استشكله الشيخ رشيد في مسألة الدجال، تاركاً ما بقي من المسائل التي بحثت عند الحديث عن السنة وموقفه منها.
إن أحاديث الدجال ليست مشكلة وليست متعارضة لتتساقط، وإنما هو احتجاج أهل الأهواء الذين قصر علمهم عن الاتساع، وعييت أذهانهم عن وجوهها فلم يجدوا شيئاً أهون عليهم من أن يقولوا: متناقضة فأبطلوها كلها 3.
والدليل على ذلك: أن كل الذي استشكله الشيخ رشيد غير مشكل وكل ما زعم تعارضه غير متعارض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أوحي إليه بصفات الدجال العامة، ولم يوح إليه شيء في شخصه وعينه، وكذلك زمنه ومكانه، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بكونه الدجال، وكان أيضاً لا يعلم زمن خروجه، ثم تبين للنبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال ليس هو ابن صياد، وأنه يخرج زمن كذا وكذا، ومكانه كذا، فتبين له صلى الله عليه وسلم بعد التردد ما لم يكن يعلم، كما قال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} 4، وأما ابن صياد فليس هو الدجال الأكبر، وإنما هو دجال من الدجاجلة من أصحاب الأحوال الشيطانية وإلى ذلك ذهب جمع من العلماء 5.
------------------------
1 تفسير المنار (9/ 507)(1/344)
2 انظر: أبو رية:أضواء (ص: 181 ـ 182، و368) وأيضاً: (ص: 238 وص: 241 ـ 243)، و انظر: (ص:119) من هذا البحث.
3 انظر: أبو عبيد القاسم بن سلام: الإيمان (ص: 40)
4 سورة النساء، الآية (113)
5 انظر: ابن كثير: النهاية (ص: 1/65)، وابن حجر: فتح الباري (13/ 338)، و ابن تيمية: الفرقان (ص: 69) ط. مكتبة المعارف، الرياض.(1/345)
والذي يدل على صحة هذا الرأي حديث الجساسة الشهير، فعن فاطمة بنت قيس 1 ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت ـ وذكرت قصة تأيمها من زوجها ـ: "فلما انقضت عدتي، سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: "ليلزم كل إنسان، ثم قال: أتدرون لماذا جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجّال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أرفؤوا إلى جزيرة في البحر، حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب 2 السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة، أهلب كثيرة الشعر، لا يدرون ما قُبُله من دُبُرِه من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقال: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة، قالت: أيها القوم: انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير 3 فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمت لنا رجلاً؛ فرقنا منها أن تكون شيطانة. قال: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خَلْقاً، وأشده وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم 4، فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقينا دابة أهلب كثيرة الشعر لا يدرى ما قُبُله من
------------------------
1 هي: إحدى المهاجرات ـ رضي الله تعالى عنها ـ وأخت الضحاك بن قيس، زوجها النبي ( من زيد، وتوفيت في خلافة معاوية. السير (21/ 319)(1/346)
2 أقرب: بضم الراء: سفن صغار تكون مع السفن الكبار، واحدها قارب، والجمع: قوارب وأقرب. النهاية (4/ 35)، والنووي: شرح مسلم (18/ 81)
3 الدير: بيت يتعبد فيه الرهبان. الحموي: معجم البلدان (2/ 495)
4 اغتلم: هاج واضطرمت أمواجه. النهاية (3/ 382)
دُبُره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعاً، وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة. قال: أخبروني عن نخل بيسان 1 ؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها: هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا يثمر. قال أخبروني: عن بحرية طبريّة 2؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر 3؟ قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين، ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب, قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة، فهما محرمتان عليّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها، وإن على كل نقب 4 منها ملائكة يحرسونها" قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعن بمخصرته 5 في المنبر: "هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة ـ يعني المدينة ـ ألا هل كنت
------------------------(1/347)
1 بيسان: بفتح فسكون: مدينة بالأردن، بين حوران وفلسطين، توصف بكثرة النخل. الحموي: معجم البلدان (1/ 625)، وقد رآها ياقوت وليس بها إلا نخلتان
2 طبرية: بحيرة في بلاد الشام على حدود سوريا حالياً.
3 زعر: قرية بمشارف الشام. ياقوت (3/161) معجم البلدان
4 النقب: الخرق في الجدار، جمعه أنقاب، المعجم الوسيط (2/943) ط. مطبعة مصر، 1380هـ
5 المخصرة: ما يتوكأ عليها كالعصا أو يشار بها في أثنا الخطبة والكلام. المعجم الوسيط (1/237)
حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم "فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه، وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام، أو بحر اليمن، لا بل هو من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو وأومأ بيده إلى المشرق" 1.
ولقد وجه الشيخ رشيد عدة سهام لهذا الحديث على وجه الخصوص في تسع نقاط. منها أنها رواية لم تتواتر مع توفر الدواعي لذلك، ولم يرضِ جواب الحافظ ابن حجر عن ذلك بأنه روي أيضاً عن أبي هريرة وعائشة وجابر ـ رضي الله عنهم ـ 2.
ومهما يكن من شيء فإن التواتر ليس شرطاً في قبول الأحاديث، ولا يلزم من صدور الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر وفي حشد من الناس أن يروى ذلك متواتراً فها هي ذي خطبة حجة الوداع وكانت في أعظم حشد كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فلم تتواتر ولم ينقلها إلا عدد قليل من الصحابة 3.
ولم يمتنع البخاري عن إخراج الحديث ـ كما زعم الشيخ رشيد 4 ـ وأين قال البخاري ذلك، وأين قال أنه خرج كل حديث صحيح؛ إن الذي صرح به البخاري عكس ذلك، إذ قال: "لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحاً وما تركت من الحديث أكثر"5.
وفوق ذلك فقد نقل تواتر أحاديث الدجال 6.
------------------------
1 مسلم: الصحيح، ك: الفتن، ح: 119 (2942) [4/2261]
2 انظر: تفسير المنار (9/ 492)، و انظر: ابن حجر: فتح الباري (13/ 340)(1/348)
3 انظر: حمود بن عبد الله التويجري: إتحاف الجماعة (2/ 61)
4 تفسير المنار (9/ 492)
5 انظر: ابن حجر: هدي الساري (ص: 9)، و انظر أيضاً: ابن الصلاح: المقدمة (ص: 30) مع شرح العراقي، وابن كثير: الباعث الحثيث (ص: 25) بشرح: أحمد شاكر، والقاسمي: قواعد التحديث (ص: 83)
6 انظر: الكتاني: نظم المتناثر (ص:146)
لقد بلغ الشيخ رشيد مبلغاً بعيداً في رد هذا الحديث حتى يشم من كلامه تكذيب تميم الداري رضي الله عنه في روايته هذه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس معصوماً من تصديق الكاذبين 1.
وما كان للشيخ رشيد أن يقحم نفسه في هذا الميدان ويضع نفسه بين هؤلاء الفرسان، اللهم إلا أن تكون كلمات قرائه ومحبيه وأوصافهم المبالغ فيها، التي خلعوها عليه، كمحيي السنة وغيرها قد أثرت فيه وظن بذلك أنه يطاول السماء ويفاخر الشهب، وهو الذي قد أقر على نفسه بقصر باعه في هذا الميدان 2، كما أقر بذلك على شيخه 3.
وأقول ـ وبكل أسى ـ لقد طاولت هذه الشبهة العقلية المتوهمة غير الشيخ رشيد وبناءً على نفس الحجة، ردت أحاديث أخرى وتؤولت لأن البحارة "قد مسحوا البحرين مسحاً، وجابوا سطحهما طولاً وعرضاً، وقاسوا مياههما عمقاً عمقاً، وعرفوا جزائرهما فرداً فرداً، فلو كانت في أحدهما جزيرة فيها دير أو قصر حبس فيه الدجال وله جساسة فيها تقابل الناس وتنقل إليه الأخبار لعرف ذلك كله كل الناس " 4. وما هكذا ترد الأحاديث، وما هكذا تورد يا سعد الإبل.
فبناءً على شبهة مثل هذه ردت وتؤولت أحاديث يأجوج ومأجوج 5،
------------------------
1 تفسير المنار (9/ 495)
2 مقدمة مفتاح كنوز السنة (ص:ق)
3 انظر: مجلة المنار (32/ 21)
4 انظر: تفسير المنار (9/ 494)(1/349)
5 انظر: عبد الرزاق العباد: الشيخ عبد الرحمن بن سعدي (ص: 247) وما بعدها. وابن سعدي: معاصر للشيخ رشيد، وبينهما رسائل متبادلة. انظر: مجلة المنار (29/ 143)، و انظر أيضاً: د. محمد مصطفى الأعظمي: دراسات في الحديث النبوي (1/ 28)، وقد ترددت هذه الأفكار عند الكتاب العصريين، مثل أحمد أمين. انظر: ضحى الإسلام (3/ 244) وقد ردد نفس الاتهامات التي وجهها الشيخ رشيد للثقات مثل كعب الأحبار، ووهب بن منبه، و انظر: تفسير المنار (9/ 498) وأيضاً (9/ 502) وأنكره أيضاً محمد فريد وجدي: دائرة معارف القرن العشرين (8/788ـ 797)
وبهذه الجرأة على الحديث والمحدثين ردت غيرها من الأحاديث، وطعن في الرواة حتى من الصحابة والتابعين، وربما كان ذلك كله رجع صدى لما ينشره الشيخ في مجلته الذائعة الصيت.
ولا ريب أن تكذيب الرواة وتخطئتهم بغير بينة إنما هو شطط وتجاوز للمعقول، لا سيما إن كان الرواة هؤلاء مجمع على صدقهم وعدالتهم، وأمانتهم، كأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك لا لشيء إلا لشبه واهية وحجج داحضة ليست بناهضة.
وأما ما استشكله الشيخ رشيد فيما يتعلق بالفتن التي تكون مع الدجال، وهل هي حقيقية أو خيالية، وتعارض الروايات في ذلك ـ كما زعم ـ باعتبار الروايات التي تثبت أن معه جنة وناراً وأنهاراً وجبالاً خبزاً وماءاً، والروايات التي تصرح بأنه أهون على الله من ذلك. فالجواب عنه: أن معنى هذه الجملة أن الدجال أهون على الله من أن يجعل ما يخلقه على يديه مضلاً للمؤمنين وتشكيكاً لقلوب الموقنين، بل ليزداد الذين آمنوا إيماناً ويرتاب الذين في قلوبهم مرض والكافرون لا أن قوله هو أهون على الله من ذلك أنه ليس شيء من ذلك معه، بل المراد: أهون من أن يجعل شيئاً من ذلك آية على صدقه 1.(1/350)
ومن ذلك كله يتبين أن ما استشكله الشيخ رشيد غير مشكل وما زعم أنه تعارض يوجب التساقط، غير متعارض، وبقي أن أقول إن الشيخ رشيد قفى ما ليس له به علم فاتهم المحدثين بالتكلف 2 وعدم التحري 3، وتكلم في الرواة بغير بينة وخطأ الثقات حتى اتهم الصحابة المتفق على عدالتهم بالغفلة لأنهم يروون عن الكذابين، بل اتهم تميماً الداري بالكذب 4، كل
------------------------
1 انظر: ابن حجر: فتح الباري (13/ 99)
2 تفسير المنار (9/ 491 و493)
3 المصدر نفسه (9/ 492) فيفهم من قوله: "...ويؤيده امتناع البخاري عن إخراجه في صحيحه لشدة تحريه" يعني حديث الجساسة ـ أن الإمام مسلم الذي أخرجه بطوله وغيره من الأئمة ليسوا متحرين!!.
4 انظر: تفسير المنار (9/ 506)
ذلك من أجل شبهة في غير محلها، وأقل ما يوصف به موقف الشيخ رشيد من أحاديث الدجال بأنه موقف متسرع ومتكلف وغير مبرر.
وبقي أن أقول إن هذا البلاء قد أتى للشيخ رشيد من جهة شيخه المتأثر بالفلسفة القديمة والحديثة، فهو الذي أطلق هذه البلية فقال: "إن الدجال رمز للخرافات والدجل والقبائح" 1. وفيما يتعلق بأشراط الساعة عموماً فإن الشيخ محمد عبده ـ كما يقول عنه الشيخ رشيد ـ كان لا يثق إلا بأقل القليل مما روي في الصحاح من أحاديث الفتن 2.
ولقد حاول الشيخ رشيد الاعتذار عن هذا الموقف بأنه يدفع الشبهات عن الدين وتبرئة الرسول صلى الله عليه وسلم من كل طعن ويزيل الإشكالات والشبهات التي عند كثير من الناس لا سيما في عصره، ولكنه عذر ضعيف، فهو قد كان كمن يدفع عن نفسه طعان أعدائه بأن يطعن هو أيضاً في جسده 3.
ثانياً: المهدي:(1/351)
يخرج في آخر الزمان رجل من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤيد الله به الدين، يملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت جوراً، تنعم الأمة في عهده نعمة عظيمة، ويعم السلام والرخاء 4، وقد يبن النبي صلى الله عليه وسلم أن اسم هذا الرجل يوافق اسم النبي صلى الله عليه وسلم أي "محمد بن عبد الله" 5، والمهدي لقبه، وقد تواترت
------------------------
1 تفسير المنار (3/ 317)
2 المصدر نفسه (9/ 506)
3 انظر: مجلة المنار (28/ 475) و انظر أيضاً: تفسير المنار (1/ 10) فقد صرح فيه بأنه يراعي حال العصر في تفسيره.
4 انظر: ابن كثير: النهاية (1/27)، والقرطبي: التذكرة (ص:701) ط. الريان، و ابن القيم: المنار المنيف (ص: 139) ت: محمود مهدي الإستانبولي، والبرزنجي: الإشاعة (87ـ 90)، وصديق حسن خان: الإذاعة (94) ط. دار المدني، جدة، 1406هـ
5 انظر: ابن كثير: النهاية (1/27) والبرزنجي (ص: 87)
الأحاديث بهذا 1 وأجمع عليه أهل السنة 2. وفي زمن المهدي ينزل المسيح عليه السلام ويساعده في قتل الدجال، لعنه الله 3.
ولم ينكر المهدي من المتقدمين أحد يعرف، وأول من نقل عنه الإنكار أو التردد: ابن خلدون 4 في مقدمته 5. والحق "أن ابن خلدون قد قفا ما ليس له به علم واقتحم قحماً لم يكن من رجالها وغلبه ما شغله من السياسة وأمور الدولة... تهافت في هذا الفصل تهافتاً عجيباً وغلط فيه أغلاطاً واضحة... إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين "الجرح مقدم على التعديل" ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً مما قال، وقد يكون قرأ وعرف ولكنه أراد تضعيف أحاديث المهدي، بما غلب عليه من الرأي السياسي في عصره..." 6.
ومن المحدَثين من أنكر المهدي وتكلم على الأحاديث المروية فيه،
------------------------(1/352)
1 نقل التواتر: أبو الحسن الآجري (ت: 363هـ)، نقلاً عن القرطبي: التذكرة (ص: 701)، وأثبته أيضاً: البرزنجي (ت: 1103هـ) الإشاعة (ص: 112)، والسفاريني (ت: 1188هـ): لوامع الأنوار (2/ 84)، وصديق حسن خان (ت: 1307هـ): الإذاعة (ص: 113)، والكتاني: نظم = = المتناثر (ص: 144 ـ 145)، وانظر أيضاً: السيوطي: العرف الوردي (2/ 57) ضمن الحاوي للفتاوي، وعبد المحسن العباد: عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر (ص: 171)،وحمود بن عبد الله التويجري: إتحاف الجماعة (2/ 21) وما بعدها، ط. الأولى.
2 انظر: السفاريني: لوامع الأنوار (2/ 84)
3 انظر: القرطبي: التذكرة (ص: 699) ط. الريان.
4 هو: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، مؤرخ مصنف، نشأ في تونس، ثم رحل إلى مصر، وتولى قضاء المالكية فيها، وتوفي بالقاهرة سنة 808هـ، رحمه الله. انظر: ابن العماد: شذرات الذهب (7/ 76 ـ 77)، والزركلي: الأعلام (3/ 330)
5 المقدمة (1/ 574)، وأما ما روي عن بعض السلف من قولهم: إن المهدي هو المسيح بن مريم، بناءً على حديث ضعيف. انظر: ابن القيم: المنار المنيف (ص: 139) ومن قال منهم: إنه عمر بن عبد العزيز [انظر: أبو عمرو الداني: السنن الواردة في الفتن (5/ 1073)، وابن القيم: المنار المنيف (ص: 148)] فإنه في الحقيقة إثبات لوجود المهدي واختلاف في شخصه.
6 أحمد شاكر: شرح المسند (5/ 197 ـ 198)
وكلهم ليسوا من أهله، ويصح القول عليهم بمثل ما قيل في ابن خلدون، لأنهم أنكروا بناءً على دوافع سياسية غلبت عليهم 1.(1/353)
وقد كان الشيخ رشيد من المنكرين لخروج المهدي على الصفة التي وردت في السنة 2. ورد الأحاديث التي جاءت في ذلك بنفس الدعوى التي رد بها أحاديث الدجال، وهي دعوى تعارضها واضطرابها، ومن مظاهر هذا التعارض عند الشيخ رشيد، الاختلاف في اسم المهدي واسم أبيه، فهو عند أهل السنة محمد بن عبد الله وفي رواية أحمد بن عبد الله، وعند الشيعة الإمامية محمد بن الحسن العسكري 3، وعند الكيسانية 4 هو محمد بن الحنفية.
ومن مظاهر الاختلاف أيضاً ـ عند الشيخ رشيد ـ الاختلاف في نسبه، فتشير بعض الروايات إلى أنه علوي فاطمي حسني، وفي بعضها أنه من ولد الحسين، كما أنه في بعض الأحاديث من ولد العباس. قال: "وأهل الرواية يتكلفون الجمع بين هذه الروايات وما يعارضها باحتمال أن يكون لكل من العباس والحسن والحسين فيه ولادة بعضها من جهة الأب وبعضها من جهة الأم..." 5.
ويرجع الشيخ رشيد هذا الاختلاف إلى أسباب سياسية وخلافات بين الشيعة والعباسيين أدت إلى وضع أحاديث المهدي ممثلاً بحديث ثوبان المرفوع في سنن ابن ماجه ولفظه: "يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ابن
------------------------
1 انظر: أحمد أمين: ضحى الإسلام (3/ 244)، ومحمد فريد وجدي: دائرة معارف القرن العشرين (10/ 480)، ومحمد رشيد رضا: تفسير المنار (10/ 393 ـ 394)
2 انظر: مجلة المنار (7/ 394 و4/ 6 ـ 7 و7/ 340 ـ 341 و7/ 145 ـ 146)
3 ولد سنة 256هـ وتوفي 275هـ، على أن وجوده مشكوك فيه. انظر: ابن تيمية: منهاج السنة (2/ 131)، والزركلي: الأعلام (6/ 80).
4 الكيسانية: أتباع المختار ابن أبي عبيد الثقفي وينسبون إلى كيسان مولى علي ـ ( ـ، وقيل إن كيسان لقب محمد بن الحنفية. انظر: الشهرستاني: الملل والنحل (1/ 145)، والبغدادي: الفرق بين الفرق (ص: 38)
5 تفسير المنار (9/ 502)(1/354)
خليفة، ثم لا تصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونهم قتلاً لم يقتلهم قوم ـ ثم ذكر شيئاً لا أحفظه ـ فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي" 1.
ومن الأسباب التي دفعت الشيخ رشيد إلى إنكار المهدي ورد أحاديثه ما يصرح هو به، إذ يقول: "...وقد كان شيوع هذا بين المسلمين من أسباب تقاعدهم عما أوجبه الله تعالى في كل وقت من إعلاء دينه وإقامة حجته، وحماية دعوته، وتنفيذ شريعته، وتعزيز سلطته، اتكالاً على أمور غيبية مستقبلة، لا تسقط عنهم فريضة حاضرة،... إن أحاديث المهدي لا يصح منها شيء يحتج به، وأنها مع ذلك متعارضة متدافعة، وإن مصدرها نزعة سياسية شيعية معروفة، وللشيعة فيها خرافات مخالفة لأصول الدين..." 2. وأيد الشيخ كلامه في رد أحاديث المهدي لاختلافها، بأن البخاري ومسلماً لم يعتدا بشيء منها، فأعرضا عن إخراجها 3، هذا هو كل ما اعتمد عليه الشيخ رشيد من الحجج في رده لأمر المهدي.
وللجواب عن هذه الشبه أقول:
أولاً: لا ينكر أن الوضع قد وقع في الحديث النبوي، فإنكاره إنكار لأمر محسوس، وكذلك فإن من أكبر أسباب الوضع في الحديث هو الخلافات السياسية، والفتن التي وقعت بين المسلمين 4. إلا أنه يكون أيضاً من إنكار المحسوس والمعلوم بالضرورة إنكار جهود علماء السنة رحمهم الله تعالى في مقاومة هذه الأحاديث الموضوعة وبيانها والكشف عن رواتها، وقد سلكوا في ذلك كل سبيل، وحيث أن المقام هنا لا يسمح ببيانها على وجه
------------------------
1 انظر: ابن ماجه: السنن: ك: الفتن، باب خروج المهدي، ح: 4084 (4/ 1367) وصححه الحاكم: المستدرك (4/463ـ 464)،و البوصيري: مصباح الزجاجة (2/314) وابن كثير: النهاية (1/55)
2 تفسير المنار (10/ 393ـ 394)
3 تفسير المنار (9/ 499) وردد نفس الشيء: أحمد أمين: ضحى الإسلام (3/ 237)(1/355)
4 انظر في تفصيل ذلك: د. عمر حسن فلاته: الوضع في الحديث (1/ 173 ـ 306)
التفصيل 1، إلا أنني يمكنني أن أقول: إن أئمة الحديث قد بينوا الصحيح من غيره، وصنفوا في الموضوعات، وسجلوها حتى تعرف فلا تشتبه على أحد، ووضعوا قانوناً في الرواية عن الثقات، وبينوا الضعفاء والمتروكين والمتهمين بالكذب، حتى لم يبق صاحب بدعة أو كذب إلا وأظهروا أمره فحفظ الله تعالى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بهم.
ثم إن الوضع في الحديث لم يقتصر على باب دون باب، بل تعددت دوافعه فتعددت موضوعاته 2 ولا يدفعنا ذلك إذن إلى طرح الثقة بالروايات الصحيحة خوفاً من الوقوع فيما نحذر. فإذا كانت هناك روايات وضعت في المهدي تعصباً فإن ذلك لا يجعلنا نترك ما صح منها، فقد جاءت الروايات الصحيحة التي فيها ذكر المهدي وصفته واسمه واسم أبيه، فإذا عين إنسان شخصاً وقال: إنه المهدي دون أن يساعده على ذلك الدليل فهي من الدعاوى الباطلة المردودة، ولا يدفعنا ذلك إلى إنكار ما جاء في الصحيح من أمر المهدي 3.
ثانياً: إن أحاديث المهدي الكثيرة التي ألف فيها مؤلفون وحكى تواترها جماعة، واعتقد موجبها أهل السنة والجماعة وغيرهم، تدل على حقيقة ثابتة بلا شك، ولا صلة البتة لهذه الحقيقة الثابتة عند أهل السنة بالعقيدة الشيعية، فإن ما يعتقده الشيعة على اختلاف فرقها من مهديين لا حقيقة له ولا أصل، بل هو شيء موهوم لا يقوم على ساق من الأدلة 4. ولذلك فإن الخلاف بين الشيعة والسنة في ذلك ليس خلافاً معتبراً فيه حقيقة الخلاف العلمي، بل خلاف بين الدليل والوهم، فلا يعارض بهذا.
------------------------
1 انظر هذه الجهود: د. عمر حسن فلاته: المصدر السابق (3/ 329)، و انظر أيضاً: د. محمد مصطفى الأعظمي: منهج النقد عن المحدثين (ص: 5 ـ 18)، وأيضاً (ص: 40 ـ 42)، ومصطفى السباعي: السنة ومكانتها في التشريع (ص: 90 ـ 102)(1/356)
2 انظر: مصطفى السباعي: السنة ومكانتها في التشريع (ص: 78) وما بعدها، ود. عمر حسن فلاته: الوضع في الحديث (1/ 173، 177)
3 انظر: ابن القيم: المنار المنيف (ص: 145 ـ 153)
4 انظر: الشيخ عبد المحسن العباد: عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر (ص: 221)
ثالثاً: إنه ليس للمسلمين في أي زمن أن يتركوا ما أوجبه الله تعالى عليهم من نصرة الدين اتكالاً على ما جاء في أحاديث المهدي، ولو وقع ذلك منهم لكان خطأ يجب تصحيحه لهم، وإرشادهم إلى ما يجب عليهم من التصديق بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والأخذ بها كلها، فتلك التي ترشد ـ مع آيات القرآن الكريم ـ إلى وجوب نصرة الله ورسوله والأخذ بأسباب القوة، والنصر، يجب الإيمان بها، كما يجب الإيمان بأن ظهور المهدي ما هو إلا حلقة في أواخر سلسلة طويلة ينصر الله به في زمنه دينه، ذلك الزمن الذي يستشري فيه الشر والظلم، وينزل فيه الدجال 1.
ثم إنني أقول فوق ذلك: إن الأحاديث المروية في المهدي ترجع إلى عصور الإسلام الأولى، واعتقد ما جاء فيها المسلمون الأولون، في القرون المفضلة ومن بعدهم، وكانت عندهم هذه الأحاديث وهذا الاعتقاد، فلم يحل ذلك بين أخذهم بأسباب القوة والنصر فمكن الله تعالى لهم في الأرض، مع اعتقادهم بهذه العقيدة، وإنما ساء حال المسلمين أخيراً بسبب سوء اعتقادهم، وفشو البدع فيهم ومنها رد الأحاديث الصحيحة وحملها على غير وجهها والتكذيب بما ورد في الشرع بتأويله أو تضعيفه فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا ينكرون.
وأما شبهة عدم ورود شيء من أحاديث المهدي في الصحيحين فقد سبق الكلام عليها 2، ومع ذلك ففي الصحيحين من ذكر المهدي أحاديث أذكر منها:
أولاً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري 3: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم". وفي
------------------------(1/357)
1 انظر: عبد المحسن العباد: الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي (ص: 133)
2 انظر (ص:781) من هذا البحث.
3 ك: أحاديث الأنبياء، باب: نزول عيسى، ح: 3449، ورواه أيضا: مسلم: الصحيح: ك: الإيمان، باب: تزول عيسى، ح: 244 (1/136)
صحيح مسلم 1 عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة" قال: "فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول: أميرهم: تعال صلِّ لنا. فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة".
وفي رواية عن غير مسلم: "يقول أميرهم المهدي..." الحديث 2، فهذه الرواية تدل على أن ذلك الأمير المشار إليه في رواية مسلم يقال له: المهدي. ولا محمل له ولأمثاله إلا المهدي 3.
وفي صحيح مسلم أيضاً عن جابر كذلك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عداً" قال الجريري 4 ـ أحد رواة الحديث ـ: "قلت لأبي نضرة 5 وأبي العلاء 6: أتريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا" 7.
فهذه الأحاديث وإن لم يكن فيها ذكر اسم المهدي أو لقبه، إلا أنه لا محمل لها إلا عليه كما قال أهل العلم.
أثر إنكار الشيخ رشيد لأحاديث المهدي:
لقد كان لإنكار الشيخ رشيد لخروج المهدي أثر واسع، نظراً لانتشار
------------------------
1 ك: الإيمان، باب:نزول عيسى بن مريم، ح: 247 (156) [1/ 137]
2 رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن جابر. انظر: ابن القيم: المنار المنيف (ص: 144)، و انظر: الداني: السنن الواردة في الفتن (6/ 1236 ـ 1237)، و انظر حاشية (6/ 1237)
3 انظر: صديق حسن خان: الإذاعة (ص:118)
4 هو أبو مسعود: سعيد بن إياس، محدث أهل البصرة، ثقة. انظر: ابن حجر: تهذيب التهذيب (4/ 5ـ 7)(1/358)
5 هو: المنذر بن مالك بن قطعة، تابعي ثقة، توفي 108هـ. انظر: ابن حجر: المصدر السابق (10/ 302ـ 303)
6 هو: يزيد بن عبد الله الشخير، تابعي ثقة، توفي 108هـ. انظر: ابن حجر: المصدر السابق (11/ 341)
7 مسلم: الصحيح، ك: الفتن، ح: 67 (2913) [4/2234].
مجلته "المنار" فقد تلقف ذلك منه كثيرون، فتأثروا به ورددوا دعاويه التي رددت عليه آنفاً.
لقد ردد أحمد أمين 1، نفس الشبه التي ذكرها الشيخ رشيد 2، وكذلك أبو ريه 3، وابن محمود 4 وغيرهم. وورث تلامذة الشيخ رشيد فيما ورثوا منه هذه الأفكار في إنكار المهدي ورد الأحاديث بلا بينة بل بالتشهي، فقد وجد ـ من أنصار السنة تلامذة رشيد رضا ـ من ينكر المهدي، ويرد الأحاديث بنفس الطريقة التي اتبعها الشيخ رشيد 5.
ثالثاً: نزول المسيح عليه السلام:
ومما هو ثابت بالكتاب والسنة الصحيحة أن عيسى عليه السلام رفعه الله تعالى إلى السماء حياً عندما تكالبت عليه اليهود وأرادوا قتله، فهو حي في السماء، وسينزل إلى الدنيا قبل القيامة فيقتل الدجال، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ونزوله هذا ثابت بالكتاب وبالسنة المتواترة وإجماع المسلمين.
فأما الكتاب، فقد قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} 6، والضمير في قوله {قَبْلَ مَوْتِهِ} عائد على عيسى عليه السلام، أي: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة 7.
------------------------
1 انظر: ضحى الإسلام: (3/ 235ـ 245) وقد ردد نفس شبهات صاحب المنار.
2 قارن مع رشيد رضا، مجلة المنار (7/ 394 و340ـ 341و7/ 145ـ 146)
3 أضواء (ص: 232 و 241ـ 243)
4 انظر: ابن محمود: "لا مهدي ينتظر" (ص: 3) وما بعدها.(1/359)
5 ألف رئيس فرع الاسكندرية، وهو الأستاذ عبد المعطي محمود، كتاباً يرد فيه أحاديث المهدي، وقرظ له: الأستاذ بخاري عبده، موافقاً، وحكى لي فضيلة الشيخ محمد علي عبد الرحيم الرئيس السابق حكاية هذا المؤلف وذكر لي بعض من رد عليه.
6 سورة النساء، الآية (159)
7 انظر: الأقوال عند: الطبري (9/379 ـ 382)، وقد رجح هذا الرأي واختاره الطبري: التفسير (9/386)، و انظر: محمد خليل هراس: فصل المقال (ص: 18) ط. مكتبة السنة، الأولى، 1410هـ=1990م.
وقال تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ} 1، وقال: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً} 2، فأشارت هاتان الآيتان إلى آيتين من آيات المسيح عليه السلام: الأولى: تكلمه في المهد، والثانية: تكلمه بعد نزوله قبل يوم القيامة وهو في حال الكهولة، وإلا فإن كلام الكهل في معتاد الأحوال أمر مألوف فلا وجه لعطفه على كلام الطفولة 3.
وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ} 4، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية بأنه خروج عيسى بن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة 5، أي: وإن عيسى لعلم للساعة تعلم بنزوله فلا تشكن فيها 6.
وأما الأحاديث في نزوله صلى الله عليه وسلم فمتواترة 7، وعلى نزوله وقع إجماع المسلمين 8.
ولقد أنكر الشيخ محمد عبده أحاديث النزول في آخر الزمان، وبنى إنكاره على طريقين: الأول: أنها أحاديث آحاد متعلقة بأمر اعتقادي والتي لا يؤخذ فيها إلا بالقطعي الذي يورث اليقين 9. والطريق الثاني: التأويل، وقد
------------------------
1 سورة آل عمران، الآية (46)
2 سورة المائدة، الآية (110)(1/360)
3 انظر: ابن جرير: التفسير (6/ 420)، والآلوسي: روح المعاني (4/ 179)، و انظر أيضاً: محمد خليل هراس: الصدر السابق (ص: 20)
4 سورة الزخرف، الآية (61)
5 انظر: أحمد: المسند (4/ 328 ـ 329) ح: 2921، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
6 انظر: محمد خليل هراس: فصل المقال (ص: 21)
7 انظر: صديق حسن خان: الإذاعة (ص: 160)، والكتاني: نظم المتناثر (ص: 147)، وأنور شاه الكشميري: التصريح بما تواتر في نزول المسيح.
8 نقل الإجماع: ابن عطية: المحرر الوجيز (3/ 105)، والسفاريني: لوامع الأنوار (2/ 94)
9 تفسير المنار (3/ 317)
تأول الشيخ محمد عبده نزول المسيح بغلبة روحه وسر رسالته على الناس وهو ما غلب في تعليمه من الأمر بالرحمة والمحبة والسلم 1.
فأما مسألة أحاديث الآحاد فقد سبق لي أن بينت ما فيها في الكلام على موقف الشيخ رشيد من السنة 2. ويضاف هنا أن أحاديث نزول المسيح متواترة كما بينت آنفاً، فهي تفيد اليقين الذي يطلبه الشيخ محمد عبده. وأما تأويله فحكايته كافية في رده، وهل غلبة روح المسيح هي التي سوف تكسر الصليب وتقتل الخنزير والدجال؟!؟ 3.(1/361)
وأما الشيخ رشيد فقد علق على قوله شيخه بقوله: "هذا ما قاله الأستاذ الإمام في الدرس مع بسط وإيضاح، ولكن ظواهر الأحاديث الواردة في ذلك تأباه" 4. إلا أنه عطف على ذلك مباشرة ـ وربما كان ذلك مجاملة لشيخه وحفظاً لماء وجهه ـ وجهاً يرد به أصحاب التأويل فقال: "ولأهل التأويل أن يقولوا: إن هذه الأحاديث قد نقلت بالمعنى كأكثر الأحاديث والناقل للمعنى ينقل ما يفهمه" 5، وربما لم يكن الشيخ محمد عبده يستطيع أن يصل إلى هذا المخرج، لو لا أن إمكانات الشيخ رشيد الحديثية ساعدته، ومهما يكن من شيء، فإن هذه العبارة من الشيخ رشيد قد انطوت على أمرين سيئين: الأول: خدمته الجليلة لأهل التأويل وعلى رأسهم شيخه بهذه الفائدة وتجويز تأويلهم مستندين إليها. والثاني: وهو أشد الأمرين: زعمه أن أكثر الأحاديث قد رويت بالمعنى، وقد عرفت ما فيه عند مناقشة موقفه من السنة 6.
وأريد أن أتجاوز هذا الموضع إلى موضع آخر تكلم فيه الشيخ رشيد
------------------------
1 المصدر نفسه والصفحة.
2 انظر (ص:119) من هذا البحث.
3 انظر: محمد خليل هراس: فصل المقال (ص: 58)
4 تفسير المنار (3/ 317)
5 المصدر نفسه والصفحة.
6 انظر (ص: 127) من هذا البحث.
عن نزول المسيح بعد وفاة شيخه. ففي المجلد الثامن والعشرين من مجلة المنار أجاب الشيخ رشيد عن سؤال حول موضوعنا، وتحدث عن نزول المسيح في القرآن وفي السنة، فماذا قال؟، لقد بدا الشيخ رشيد متردداً أيضاً، فقد قال إن القرآن "ليس فيه نص صريح بأنه ينزل من السماء وإنما هذه عقيدة أكثر النصارى وقد حاولوا في كل زمان منذ ظهر الإسلام إلى الآن بثها في المسلمين، وممن حاول ذلك بإدخالها في التفسير وهب بن منبه الركن الثاني بعد كعب الأحبار..." 1.(1/362)
وأما الأحاديث الكثيرة المتواترة في نزول المسيح، فيقول: عنها الشيخ رشيد: والأحاديث الواردة في نزوله عليه السلام كثيرة في الصحيحين والسنن وغيرها، وأكثرها واردة في أشراط الساعة، وممزوجة بأحاديث الدجال، وفي تلك الأشراط ولا سيما أحاديث الدجال والمهدي المنتظر اضطراب واختلاف وتعارض كثير" 2.
ويقول: "وأما من اطلع على الأحاديث الواردة في نزوله وقتله للدجال، واعتقد صحتها فلا يسعه إلا أن يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها بأعلام من الله تعالى لأنها ليست من الآراء الدنيوية التي يتكلم فيها الأنبياء كغيرهم بحسب الظن... وحينئذ يجب عليه الأيمان بصدقه فيها، فإن أنكره ورده عالماً بصحته غير متأول لمدلوله؛ يكفر، والعياذ بالله تعالى.. " 3. هذا الحكم لو كان يعتقد صحتها غير متأول، كما تأول "الأستاذ الإمام" فقد أعاد الشيخ رشيد تأويله هنا فقال:"وقد ذكر "الأستاذ الإمام" أن بعضهم تأولها بأن روح المسيح ومقاصده التي جاء بها لإصلاح جمود اليهود على ظواهر الألفاظ.." 4، ثم كرر الشيخ رشيد ما قاله هناك من أن هذا التأويل " بعيد عن ظواهر الألفاظ في تلك الأحاديث ولكن المتأول يقول: إنها وأمثالها من
------------------------
1 مجلة المنار (28/ 755ـ 756)
2 المصدر نفسه والصفحة.
3 المصدر نفسه (28/ 757)
4 المصدر نفسه والصفحة
أشراط الساعة وأمور الغيب قد نقلت بالمعنى فغير الرواة ما سمعوا بما فهوا. وقد تقدم البحث في أشراط الساعة..." 1.
ويعطي الشيخ رشيد خلاصة رأيه قائلاً: "والخلاصة أنه لا يجب على مسلم أن يقف على تلك الأحاديث وأمثالها لأنها ليست من أركان الإيمان ولا من أركان الإسلام.. ولا يضره في إيمانه وإسلامه الاشتباه في صحتها.." 2.(1/363)
والذي يتضح لي أن موقف الشيخ رشيد من نزول المسيح هو امتداد لموقفه من أشراط الساعة كالدجال والمهدي، وهذا الموقف سيمتد أيضاً ليشمل طلوع الشمس من مغربها، وهو في كل هذا يضطرب وينكر معتمداً على أوهام ليست من الحقيقة على شيء.
ولقد كنا نرجو جميعاً أن يكون موقف الشيخ رشيد قد تغير بعد وفاة شيخه، كما حدث في مسائل أخرى، إلا أن ذلك لم يكن وبدا وكأن هذا الموقف هو عن قناعة ولم يكن تحت تأثير وجود شيخه 3. وقد تابع الشيخ رشيد في ذلك الموقف تلامذة مدرسة الأستاذ الإمام 4. إلا أن أحداً من أنصار السنة لم يتورط في إنكار نزول المسيح، بل إن الشيخ حامد الفقي رد على أحد أعضاء هذه المدرسة، وقد تولى منصب شيخ الأزهر، وكان قد أنكر نزول المسيح كذلك 5.
------------------------
1 مجلة المنار (28/ 757)
2 المصدر نفسه والصفحة
3 وهذا الموقف قديم أيضاً للشيخ رشيد: انظر: مجلة المنار (5/ 135) و (114/508)
4 منهم الشيخ المراغي: انظر: مجلة الرسالة: العدد 519/ 11 جمادى الآخرة، سنة 11362هـ. 14 يونيو 1943م. السنة الحادية عشرة (ص: 466) ومنهم الشيخ شلتوت: نفس المجلة: العدد (514، 6 جمادى 1362هـ 10 مايو سنة 1943م. السنة الحادية عشرة (ص: 365) وهو الذي رد عليه حامد الفقي، كما يعتبر مؤلَّف خليل هراس، ـ رئيس فرع طنطا ـ دليل على ذلك أيضاً.
5 انظر: محمد خليل هراس: فصل المقال (ص:64)
رابعاً: طلوع الشمس من مغربها:(1/364)
قال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} 1. فتشير هذه الآية إلى أنه يأتي يوم لا تقبل فيه التوبة، وهو يوم تظهر فيه بعض الآيات الدالة على اقتراب الساعة، وفي معنى هذه الآية جاء الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدجال ودابة الأرض" 2، وعليه أكثر المفسرين 3. والمراد: أن كلاً من الثلاثة مستند في أن الإيمان لا ينفع بعد مشاهدتها فأيها تقدم ترتب عليه عدم النفع 4. وإنما كان كذلك لأن ذلك الوقت يكون حكمه في قبول الإيمان والتوبة كحكم يوم القيامة 5.
وأما الشيخ رشيد فيظهر مضطرباً هنا أيضاً، فهو أولاً لا يمنع طلوع الشمس من مغربها عقلاً، فيقول: "وقد كان طلوع الشمس من مغربها بعيداً عن المألوف المعقول، ولا سيما معقول من كانوا يقولون بما تقول به فلاسفة اليونان في الأفلاك والعقول، وأما علماء الهيئة الفلكية في هذا العصر فلا يتعذر على عقولهم أن تتصور حادثاً تتحول فيه حركة الأرض اليومية فيكون الشرق غرباً والغرب شرقاً.." 6.
ويقول في تفسير الآية: " وقد روي في أحاديث منها الصحيح المسند والضعيف الذي لا يحتج به وحده بأن هذه الآية التي أبهمت وأضيفت إلى
------------------------
1 سورة الأنعام، الآية (158)
2 مسلم: الصحيح: ك: الإيمان ح: 249 (1/ 138)
3 انظر: البغوي: التفسير (2/ 144) وابن كثير: التفسير (2/ 184)
4 انظر: الحسيني الهاشمي: شرح المسند (ج: 19/ 24) ط. دار المعارف، مصر.
5 انظر: ابن كثير: النهاية (1/ 222) والتفسير (2/ 195)
6 تفسير المنار (8/ 210)
الرب تعالى لتعظيم شأنها وتهويله هي طلوع الشمس من مغربها..." 1.(1/365)
وأما الأحاديث فذكر منها الشيخ رشيد حديثين، الأول: حديث أبي هريرة عند البخاري 2: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين {رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} 3".
ووصف الشيخ رشيد هذا الحديث بأنه أقوى الأحاديث الواردة في الباب 4، وأورد حديث مسلم الذي صدرت به هذا البحث، وقال: "وهو مشكل مخالف للأحاديث الأخرى الواردة في نزول المسيح بعد الدجال وإيمان الناس به..." 5.
واستطرد قائلاً: "والمشكلات في الأحاديث الواردة في أشراط الساعة كثيرة، أهمها ـ فيما صحت أسانيده واضطربت المتون وتعارضت أو أشكلت من وجوه أخرى ـ أن هذه الأحاديث رويت بالمعنى ولم يكن كل الرواة يفهم المراد منها لأنها في أمور غيبية فاختلف التعبير باختلاف الأفهام..." 6.
وهذه الشبهة التي لازمت الشيخ رشيد على امتداد حديثه عن أشراط الساعة، وعمدته أن هذه الأحاديث رويت بالمعنى، وقد بحثت هذه الشبهة في التمهيد، ولكني أجيب هنا على ما استشكله في هذا الحديث بأن خروج الدجال هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغيير أحوال العالم الأرضي، وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم، وأن طلوع الشمس من مغربها هو أول الآيات المؤذنة بتغيير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة، ولعل خروج
------------------------
1 المصدر نفسه (8/ 209)
2 ك: الرقاق، باب: 40، ح: 6506 (11/ 360) مع الفتح.
3 سورة الأنعام، الآية (158)
4 تفسير المنار (8/ 210)
5 المصدر نفسه والصفحة.
6 المصدر نفسه والصفحة.
الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من مغربها، وعلى كل حال فأيهما خرجت قبل الأخرى فالأخرى في إثرها 1. وقيل في قصة الدجال لا ينفع إيمان من آمن بعيسى عند مشاهدة الدجال وينفعه بعد انقراضه 2.(1/366)
والمقصود أن الشيخ رشيد متردد ومضطرب في إثبات هذه الآية لورودها في القرآن، واستشكاله الأحاديث التي رويت فيها، وخشيته أن تكون رويت عن كعب الأحبار، ولذلك فإنه يضع هذه الآية في سلك المتشابهات، وحمل التعارض بين الروايات على ما أشار إليه من الرواية بالمعنى 3.
وقد بينت أنه لا تعارض بين الروايات وأنها متفقة، ومتعددة المخرج، وإنما التردد من الشيخ رشيد سببه موقفه العام من أشراط الساعة وطعنه في أحاديثها كما سبق أن بينت.
خامساً: خروج الدابة
ومن الآيات التي تكون قبل الساعة، وورد ذكرها في القرآن، خروج الدابة، قال تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} 4 كما جاءت في السنة، وقد سبق ذكر بعض الأحاديث، ومنها أيضاً حديث أبي هريرة: "بادروا بالأعمال ستاً..." وذكر فيها دابة الأرض 5. ونقل الإجماع على صحة خروج الدابة 6.
------------------------
1 انظر: ابن حجر: فتح الباري (11/ 361)
2 المصدر نفسه (11/ 362)
3 تفسير المنار (8/ 211) وهنا أيضاً طعن الشيخ رشيد في الرواة بغير بينة، كعبد الرزاق بن همام الصنعاني، والعلاء بن عبد الرحمن، كما أنه طعن في حديث سجود الشمس، وقد بحث ذلك عند بيان موقفه من السنة. انظر (ص:106) من هذا البحث.
4 سورة النمل، الآية (82)
5 مسلم: الصحيح، ك: الفتن، ح: 129 (4/ 2267) عبد الباقي.
6 انظر: الكتاني: نظم المتناثر (ص: 147)
والدابة خلق عظيم يخرج من بعض بقاع الأرض، وهي من دوابها وليست بإنسان، لا يفوتها أحد فتسم المؤمن فتكتب بين عينيه (مؤمن) وتسم الكافر وتكتب بين عينيه (كافر) 1.(1/367)
وقد تكلم الشيخ رشيد ـ جواباً لسؤال حول الآية ـ عن الدابة، وذلك في المجلد العاشر من المجلة 2، فقال: "هذه الآية مما أخبر الله به عن المستقبل البعيد، فهي من أنباء الغيب التي تؤخذ بالتسليم ما لم يكن ظاهرها محالاً فتحمل على خلاف الظاهر بالتأويل، كما هي القاعدة 3، وكلام الدواب ليس محالاً في نظر العقل..." .
ولكن هذا الكلام متقدم ـ كما هو ظاهرـ على كلامه السابق في الأشراط الأخرى، ولم أجد له في الدابة غير هذا الموضع، إلا ما ذكره مع طلوع الشمس ـ وقد سبق ـ فهل ثبت الشيخ على رأيه في الدابة، لوروده في القرآن، فخصها بالإثبات لذلك، أو تأولها كما أولها غيره؟ 4.
------------------------
1 انظر: ابن كثير: التفسير (3/ 374 ـ 376)، ولوامع الأنوار (2/ 146)، والبرزنجي: الإشاعة (ص: 174 ـ 176)
2 (ص: 289)
3 كان هذا في موقفه القديم من قانون التأويل. و انظر: (ص:347) من هذا البحث.
4 تأولها القرطبي: التذكرة (ص: 786) ومحمد فريد وجدي: دائرة المعارف (4/ 14)
المبحث الأول: الصور:
ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالنفخ في الصور، قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} 1.وقال: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} 2.
ولقد عرف الشيخ رشيد الصور بأنه: القرن لغة 3، وأشار إلى ذكره في كتاب العهد القديم 4، وذكر له تعريفات أخرى ولكنه ردها اعتماداً على أقوال أهل اللغة 5.(1/368)
وقد ورد ذكر الصور في السنة النبوية كذلك، وهو ما أشار إليه الشيخ رشيد بقوله: "وأما الأخبار المرفوعة في الصور فقد أخرجها أصحاب السنن والتفسير المأثور وغيرهم بأسانيد لم يصح منها شيء على شرط الشيخين، ولذلك لم يخرجا منها شيئاً، وأقواها ما رواه أبو داود 6، والترمذي
------------------------
1 سورة الزمر، الآية (68)
2 سورة الحاقة، الآية (13 ـ 15)
3 تفسير المنار (7/ 531)
4 المصدر نفسه والصفحة.
5 المصدر نفسه والصفحة.
6 ك: السنة، باب: في ذكر البعث والصور، برقم: 4742 (5/ 107)
وحسنه 1، والنسائي 2، وغيرهم، وصححه الحاكم 3 من حديث عبد الله بن عمرو، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال: "هو قرن ينفخ فيه"، وروي عن ابن مسعود أنه قال: "الصور كهيئة القرن ينفخ فيه" 4، وورد في روايات يقوي بعضها بعضاً، وصحح بعضها الحاكم 5 أن الملك الموكل بالصور مستعد للنفخ فيه ينتظر متى يؤمر، وفي بعضها أنه وكل به ملكان..." 6.
وعن عدد هذه النفخات يذهب الشيخ رشيد إلى أنهما نفختان "والنفخة الأولى هي التي يموت فيها جميع أهل الأرض دفعة واحدة والثانية هي التي بها يبعثون وليس بعدها موت... وهذه النفخة تسمى نفخة الفزع لقوله تعالى في سورة النمل: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} 7 ونفخة الصعق لقوله في سورة الزمر: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} 8..." 9. فنفخة الفزع والصعق واحدة عند الشيخ رشيد مع اختلاف الوصفين. وهذا هو ما يذهب إليه ابن جرير
------------------------
1 ك: التفسير، باب: ومن سورة الزمر، ح: 3244 (5/ 373)
2 في الكبرى رقم (11312 و11456)، ورواه أحمد في المسند (2/ 162 و192)(1/369)
3 المستدرك (2/ 473) وقول الشيخ لا يسلم من انتقاد، فليس كل ما صح على شرط الشيخين أورداه في الصحيح، فإنهما لم يلتزما ذلك، وقد ذكر الصور أيضاً في صحيح مسلم: ك: الفتن، باب: في خروج الدجال...، ح: 116 (2940) ((4/ 2259)
4 انظر: الطبراني: المعجم الكبير (9/ 353 ح: 9755) وانظر: السيوطي: الدر المنثور (3/22)
5 المستدرك (4/ 603ـ 604)، و انظر: مجمع الزوائد (10/ 330 ـ 331)
6 المصدر السابق نفس الموضع. وقد سبق أن الشيخين لم يلتزما استيعاب الصحيح، فلا معنى لما يقوله رشيد رضا.
7 سورة النمل، الآية (87)
8 سورة الزمر، الآية (68)
9 تفسير المنار (8/ 335)
في تفسيره 1 وابن حجر في فتح الباري 2 وكذلك القرطبي 3.
وأما المستثنى من الفزع في الآيات فيرى الشيخ رشيد أن التوقف فيه أولى لأنه "أمر غيبي لا يعلم إلا بتوقيف، ولم يصح في قول منها حديث مرفوع..." 4 ولكنه أشار أيضاً إلى بعض الروايات في ذلك 5.
وقد تعددت الأقوال فيمن يستثنى من الصعق، والأولى التوقف في التعيين، ولا يمكن الجزم بكل ما استثناه الله في كتابه وقد توقف النبي صلى الله عليه وسلم في موسى، فإذا كان النبي لم يخبر بكل من استثنى الله فلا يمكننا نحن ذلك 6.
------------------------
1 انظر: تفسير الطبري (24/ 39 ـ 531)
2 انظر: الفتح (11/ 377)
3 انظر: التذكرة (1/ 226)
4 تفسير المنار (8/ 336)
5 المصدر نفسه والصفحة، و انظر هذه الروايات: القرطبي: التذكرة (1/ 206) وما بعدها.
6 انظر: ابن تيمية: مجموع الفتاوى (4/ 261)
المبحث الثاني: الموازين:(1/370)
الموازين جمع ميزان، وهو الذي توزن به الحسنات والسيئات، وقد ورد ذكر الوزن والموازين في آيات كثيرة من القرآن، كقوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ} 1، وقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} 2، وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} 3.
فتدل هذه الآيات وغيرها على إثبات الموازين والوزن يوم القيامة، وأن أعمال العباد خيرها وشرها توزن بالموازين إظهاراً للعدل الإلهي. وأجمع عليه أهل السنة 4، قال أحمد: "والميزان حق توزن به الحسنات والسيئات،
------------------------
1 سورة الأعراف، الآية (8 ـ 9)
2 سورة الأنبياء، الآية (47)
3 سورة القارعة، الآيات (6ـ 9)
4 انظر: ابن أبي عاصم: السنة (2/ 363)، وابن منده: الإيمان (3/ 224)، والبخاري: الصحيح، ك: التوحيد، باب: قول الله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} (13/ 547)،وابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: 608) وما بعدها. وابن حجر: فتح الباري (13/ 548)، والقرطبي: التذكرة (ص: 373) ط. الكليات الأزهرية.
كما شاء الله أن توزن" 1.(1/371)
وأما الشيخ رشيد فعلى قاعدته في الإيمان بعالم الغيب وما يتعلق به، فإنه يثبت الميزان مع تفويض الكيفية، فيقول: "والأصل الذي عليه سلف الأمة في الإيمان بعالم الغيب أن كل ما ثبت من أخباره في الكتاب والسنة فهو حق لا ريب فيه، نؤمن به ولا نحكم رأينا في صفته وكيفيته، فنؤمن إذاً بأن في الآخرة وزناً للأعمال قطعاً، ونرجح أنه بميزان يليق بذلك العالم يوزن به الإيمان والأخلاق والأعمال، لا نبحث عن صورته وكيفيته، ولا كفتيه..." 2.
وفيما يتعلق بالكفتين، يقول الشيخ رشيد: "وأما الميزان فلم يرد وصفه بما وصفوه به من الكفتين واللسان والصنج 3 أحاديث صحيحة..." 4.
وهو في هذا متابع لشيخه محمد عبده الذي قال نفس الكلمات في نفس المناسبة 5. ولم يتغير موقف الشيخ رشيد من كفتي الميزان فيما بعد، فها هو يقول: "ومن الأحاديث الغريبة في هذا الباب، "حديث البطاقة" الذي سبقت الإشارة إليه،فقد رواه الترمذي في باب (من يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً 6... وجَعْله دليلاً على كون الميزان ذا كفتين غير متعين لإمكان جعل الكلام استعارة مكنية 7، وجعل الكفة ترشيحاً لها..." 8.
------------------------
1 السنة (ص: 73) ت: الأنصاري، و انظر روايات أخرى عن أحمد وغيره عند اللالكائي: شرح أصول أهل السنة (1/ 178 و186 و175)
2 تفسير المنار (8/ 323)
3 الصنج: مثاقيل توضع في كفة الميزان ويوضع الموزون في الكفة الأخرى.
4 مجلة المنار (5/ 912)
5 وللأسف نسيت الموضع الذي ذكر فيه محمد عبده هذه الكلمات.
6 انظر: الترمذي: السنن: ك: الإيمان، باب: ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله، ح: 2639 (5، 24) وقال: حسن غريب. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. المسند (11/ 175ح:6994)
7 سبق الكلام عن الكناية والمجاز. انظر (ص:409) من هذا البحث.
8 تفسير المنار (8/ 324 ـ 325)(1/372)
ويقول: "...وإذا لم يكن في الصحيحين ولا في كتب السنة المعتمدة حديث صحيح مرفوع في صفة الميزان ولا في أن له كفتين ولساناً فلا تغتر بقول الزجاج أنه مما أجمع عليه أهل السنة..." 1.
وما أدري ما السبب الذي جعل الشيخ رشيد يتخذ هذا الموقف المتشدد من الكفتين ولِمَ لم يجرِ عليهما قاعدته في تفويض الكيفية التي يكررها دائماً؟ إنهما كفتان تسعان السماوات والأرض فليست إذن كالمعهودة في الدنيا 2.
ومهما يكن من شيء فإن الكفتين ثابتتان في السنة فقد روى أحمد 3، والترمذي 4، وابن ماجه 5، حديث البطاقة الذي أشار إليه الشيخ رشيد، وفيه: "فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة..."، فثبت بهذا أن للميزان كفتين كما ثبت بغيره من الأحاديث 6.
وأما الحكمة من وزن الأعمال، فيقول الشيخ رشيد: "أنه يكون أعظم مظهر لعدل الرب تبارك وتعالى، أي ولعلمه وحكمته وعظمته في ذلك اليوم العظيم..." 7.
وقد اختلف أهل العلم فيما هو الموزون؟ فذهب بعضهم إلى أنه الأعمال نفسها وبعضهم إلى أنه الكتب التي كتبت فيها الأعمال، وبعضهم
------------------------
1 تفسير المنار (8/ 322)
2 انظر: القرطبي: التذكرة (2/ 378)
3 المسند (2/ 213)
4 سبق تخريجه قريباً.
5 السنن (2/ 1437، ح:4300)، والحاكم: المستدرك (1/ 47) وصححه وافقه الذهبي. وصححه أحمد شاكر كما سبق في حاشية رقم (5) (ص:803) وكذلك الألباني: الصحيحة (ح: 135).
6 انظر: ابن أبي عاصم: السنة (2/ 362)، وابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: 610) ت: الأرناؤوط.
7 تفسير المنار (8/ 321و 324)(1/373)
إلى أنه صاحب العمل 1، والذي دلت عليه السنة أن العمل يوزن لقوله صلى الله عليه وسلم: "والحمد لله تملأ الميزان" الحديث 2. ودلت أيضاً على أن صاحب العمل يوزن كما في إحدى روايات حديث البطاقة، وفيها "توضع الموازين يوم القيامة فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة" 3، كذا قوله صلى الله عليه وسلم في ساقي ابن مسعود "والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد" 4، وغيرها من الأحاديث كما دل حديث البطاقة على وزن السجلات التي كتبت فيها الأعمال.
وأما الذي اختاره الشيخ رشيد فهو أن الأعمال هي التي توزن، واستدل بحديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من خلق حسن" 5.
وهل توزن أعمال الكفار؟ اختلف في ذلك أهل العلم، على قولين 6. والذي رجحه الشيخ رشيد هو أن أعمال الكفار توزن، قال: "وما من كافر إلا وله حسنات ولكن الكفر يحبطها فتكون هباءً منثوراً، وهي تحصى مع السيئات وتضبط بالوزن الذي به يظهر مقدار الجزاء وتفاوتهم فيه... إذ من
------------------------
1 انظر: ابن حجر: فتح الباري (13/548)
2 انظر: مسلم: الصحيح، ك: الطهارة، ح: 1 (223) [1/ 203]
3 انظر: أحمد: المسند (2/ 221)، وقال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد (10/ 82)، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. المسند (6/ 23، ح: 7066)
4 انظر: أحمد: المسند (1/420) وقال الهيثمي: فيه عاصم بن أبي النجود وهو حسن الحديث على ضعفه، وبقية رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح. مجمع الزوائد (9/289)، وله شواهد هناك.
وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. المسند (12/ 39، ح: 3991)، وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب برقم: (920)، وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبي يعلى والطبراني ورجالهم رجال الصحيح غير أم موسى وهي ثقة. مجمع الزوائد (9/ 288 ـ 289)(1/374)
5 الترمذي: ك: البر، باب: ما جاء في حسن الخلق، ح: 2002، وقال: حسن صحيح، وح: 2003، وقال: غريب (4/ 362 ـ 363)
6 انظر: ابن حجر: فتح الباري (13/ 548)، والقرطبي: التذكرة (2/ 373)
المتفق عليه والمجمع عليه أن عذاب الكفار متفاوت ولا يعقل أن يكون عذاب أبي جهل كعذاب أبي طالب لو لا الخصوصية، والله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} 1..."2.
------------------------
1 سورة النساء، الآية (40)
2 تفسير المنار (8/ 320)
المبحث الأول: الجنة ونعيمها:
ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالجنة وأنها حق لا ريب فيها. والجنة هي دار النعيم التي أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين المتقين المشتملة على أصناف النعيم والبهجة والسرور. وقد أكثر الله تعالى من ذكر الجنة ونعيمها في كتابه الكريم، قال تعالى:
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ. كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ. يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ. لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 1. وقال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} 2.
وأما الأحاديث التي تدل على الجنة ونعيمها فكثيرة، منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"
------------------------(1/375)
1 سورة الدخان، الآيات (51 ـ 56)
2 سورة محمد، الآية (15)
قال أبو هريرة اقرأوا إن شئتم {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} 1.
وقد تحدث الشيخ رشيد ـ رحمه الله ـ عن الجنة ونعيمها عند كل موضع ذكرت فيه في الكتاب العزيز كما أنه أجاب عن أسئلة قرائه عنها في مجلة المنار، وأثبت الشيخ رشيد نعيم الجنة الروحي والجسمي، فقال في تعريف الجنة: "والجنة في اللغة البستان والجنات جمعها، وليس المراد بها مفهومها اللغوي فقط... فالجنة دار الأبرار والمتقين..." 2. وعن الإيمان بها يقول: "وإننا نؤمن بتلك الجنات والحدائق، وأنها أرقى مما نرى في هذه الدنيا وأنه ليس لنا أن نبحث عن كيفيتها لأنها من عالم الغيب..." 3، وهنا نرى امتداد المنهج الذي اختطه الشيخ رشيد في الإيمان بالغيب، وهو تفويض الكيفية مع إثبات الحقائق وهو امتداد لمنهجه السلفي في الإيمان بالصفات الإلهية، ولكنه ـ وكما رأينا من قبل ـ يخالفه أحياناً.
وأثبت الشيخ رشيد ـ رداً على سؤال ـ وجود الجنة والنار الآن، فقال: "ظواهر نصوص الكتاب العزيز والأحاديث الصحيحة المتفق عليها تدل على أن الجنة والنار داري الجزاء للأبرار والفجار، هما عالمان مخلوقان، ولا نرى ما يعارض هذه الظواهر من الدلائل العقلية ولا النقلية..." 4. وهذا الذي ذهب إليه متواتر متفق عليه 5.
وقسم الشيخ رشيد نعيم الجنة إلى روحاني وجسماني، فقال: "إن من أصول العقائد القطعية المعلومة من الدين بالضرورة أن نعيم الآخرة قسمان:روحاني وجسماني، لأن البشر لا تتقلب حقيقتهم في الآخرة بل
------------------------
1 سورة السجدة، الآية (17)، والحديث أخرجه البخاري: ك: التوحيد، باب: قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ}، ح: 7498 (13/ 473)
2 تفسير المنار (1/ 231)
3 المصدر نفسه (4/ 431)
4 مجلة المنار (19/ 281 ـ 282)(1/376)
5 انظر: الكتاني: نظم المتناثر (ص: 148)، وابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: 614) ط. التركي.
يبقون بشراً أولي أرواح وأجساد، ولكن الروحانية تكون هي الغالبة على أهل الجنة، فيكون النعيم الروحاني عندهم هو أعلى من النعيم الجسماني..." 1.
ويقرر الشيخ رشيد أن أعلى نعيم أهل الجنة لقاء الله تعالى بتجليه عليهم تجلياً يحصل لهم به أعلى ما استعدت له أنفسهم وأرواحهم من المعرفة، كما أن أعظم عقاب لأهل النار حجبهم عن ربهم وحرمانهم من هذا التجلي والعرفان، الخاص بدار الكرامة والرضوان 2، ويقرر أن هذه هي الرؤية التي أثبتها أهل الأثر "لدلالة ظواهر القرآن ونصوص الأحاديث عليها، ومنعوا قياس رؤية الباري تعالى على رؤية المخلوقات بدعوى استلزامها التحيز والحدود وغير ذلك من صفات الأجسام، وقالوا: إننا لا نبحث في كيفية ذاته ولا صفاته تعالى،فإننا نجزم بأن له علماً وقدرة وسمعاً وبصراً، ولكن علمه ليس كعلمنا ناشئاً عن انطباع صور المعلومات في النفس ومكتسباً لها بالحواس أو الفكر، وكذلك قدرته وسائر صفاته، فنحن نجمع بين الإيمان بالنصوص في أسماء الله وصفاته، وأفعاله وسائر شؤونه، وبين تنزيهه عما لا يليق به من مشابهة خلقه الممنوعة بدلائل النقل والعقل كما قال عزوجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 3 ثم أشار إلى أن الذين نفوا الرؤية هم: "أهل الكلام والفلسفة بناءً على قياس الخالق سبحانه وتعالى على المخلوق ودعوة منافاة الرؤية للتنزيه 4.
وعلى خلاف مذهب الفلاسفة الذين يكذبون باليوم الآخر وبالجنة والنار ويدعون عدم حقيقة ذلك 5، وكذلك خلافاً لأهل الكتاب الذين
------------------------
1 المصدر نفسه (19/ 282)
2 المصدر نفسه (19/ 283)
3 سورة الشورى، الآية (11)
4 مجلة المنار (19/ 283) وقد سبق بحث مسألة الرؤية في الباب الأول من هذا البحث، الفصل الثالث (ص:395) بشيء من التفصيل.(1/377)
5 انظر: سليمان دنيا: مقدمة حاشية محمد عبده على الدواني (ص: 17 ـ 18)
يعتبرون ذلك مجرد نعيم روحي وعذاب روحي 1، يقول الشيخ رشيد بأن الجنة والنار حقيقتان، وإن كان لهما مدلول شرعي غير ما يدل عليه مجرد المعنى اللغوي 2.
ويقرر الشيخ رشيد وجود اللذات الحسية في الجنة لأن الإنسان "يبعث في الآخرة كما كان في الدنيا أي أن حقيقته لا تبدل فتخرج عن الإنسانية إلى حقيقة أخرى، بيد أنه يكون في الجنة أرقى مما كان في الدنيا فتكون حياته دائمة سليمة من العلل، ومتى كان الإنسان إنساناً فلا وجه لاستكثار أكله وشربه وغشيان أحد زوجيه للآخر حقيقة. وقد جاءت الآيات صريحة في ذلك فلا وجه لإخراجها عن ظاهرها وتحريفها عن معانيها اتباعاً للهوى والرأي" 3.
وبناءً على ذلك يثبت الشيخ رشيد لذة الزوجية والمعاشرة في الجنة وما يترتب عليه من أسئلة عن المرأة ذات الزوجين وقسمة نساء الجنة على أهلها، وعن الولادة والتناسل في الآخرة 4.
خلود نعيم الجنة:
ويبقى هنا ـ بعد ذكر هذا النعيم ـ الكلام على دوامه وهل هو باقٍ إلى الأبد أو موقت بوقت يزول فيه. فيرى الشيخ رشيد أن نعيم الجنة باقٍ لا يزول ولا يفنى، فعند قوله تعالى: {وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 5، قال: "الخلود في اللغة طول المكث، ومن كلامهم: خلدني السجن، كما في الأساس، وفي الشرع الدوام الأبدي، أي: لا يخرجون منها ولا هي تفنى بهم فيزولوا بزوالها، وإنما هي حياة أبدية لا نهاية لها..." 6.
------------------------
1 انظر: فرج الله عبد الباري: اليوم الآخر بين اليهودية والمسيحية والإسلام (ص: 276)
2 مجلة المنار (10/ 442)
3 المصدر نفسه (9/ 207 ـ209)
4 انظر: مجلة المنار (32/ 91 و9/ 261) و تفسير المنار (1/ 233 و3/ 248)
5 سورة البقرة، الآية (25)
6 تفسير المنار (1/ 234)
فالجنة عند الشيخ رشيد لا تزول ولا تفنى أبداً، وهذت المذهب هو مذهب أهل السنة وهو ما نص عليه أئمته المحققون 1.(1/378)
------------------------
1 انظر: ابن أبي العز: شرح الطحاوية (ص: 613) ط. التركي.
المبحث الثاني: النار وعذابها:
ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بوجود النار وهي دار أعدها الله سبحانه لأعدائه ولمن عصاه وخالفه، فهي دار العقوبة في الآخرة. وقد ورد ذكر النار وعذابها في كتاب الله تعالى مرات ومرات، قال تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} 1، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} 2.
وقد تحدث الشيخ رشيد عن النار وعذابها من خلال تفسيره للآيات ومن خلال مقالاته وأجوبته على قراء مجلته "المنار" فقد قال في تعريفها، عند قوله تعالى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} 3 "النار اسم لدار الجزاء المعدة للمشركين والمجرمين، والمثوى: مكان الثواء، والثواء نفسه وهو الإقامة والسكنى..." 4.
وقال أيضاً عند قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ
------------------------
1 سورة آل عمران، الآية (131)
2 سورة التحريم، الآية (6)
3 سورة الأنعام، الآية (128)
4 تفسير المنار (8/ 68)
غَوَاشٍ} 1 "جهنم اسم لدار العذاب والشقاء، قيل: أعجمي، وقيل: مأخوذ من قولهم: ركية 2 جهنام (بتثليث الجيم وتشديد النون) أي: بعيدة القعر..." 3.
وقال في موضع آخر: "جهنم اسم من أسماء دار الجزاء على الكفر والفسوق والعصيان" 4.(1/379)
وعن الإيمان بهذه الدار ـ أعاذنا الله منها ـ قال الشيخ رشيد: "...نؤمن بها لأنها من عالم الغيب الذي أخبر الله تعالى به، ولا نبحث عن حقيقتها، ولا نقول إنها شبيهة بنار الدنيا، ولا أنها غير شبيهة بها. وإنما نثبت لها جميع الأوصاف التي وصفها الله تعالى بها، كقوله: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} 5... ولا يسبق إلى الفهم أنها لا توجد إلا بوجود الناس والحجارة، إذ يصح أن يكونوا وقودها بعد وجودها" 6.
ويلاحظ أن مذهب الشيخ رشيد يطرد هنا فيما يتعلق بتفويض الكيفية في كل ما يتعلق بعالم الغيب، وينحى الشيخ رشيد فيه أيضاً ـ مع طرد مذهبه ـ منحى السلامة التي لا يعدلها شيء ـ ليتفادى ـ إذا ما أراد الخوض في الحقائق ـ اعتراض المعترضين الذين كانوا يتحينون الفرص لإقامة الشبهات حول الدين ومسائله، وهو ما كان يتفاداه الشيخ رشيد دائماً ويسعى لإزالته، ويفرح إذا ما وجده في كلام أهل العلم ما يدفعه عن الدين، وهو ما جعله يتخذ الموقف التالي من كلام ابن القيم في مسألة فناء النار على ما أبسطه في المطلب التالي.
------------------------
1 سورة الأعراف، الآية (41)
2 الركية بالتشديد ـ كقضية ـ هي: البئر. ابن الأثير: غريب الحديث (2/261)
3 تفسير المنار (8/ 419)
4 المصدر نفسه (8/ 338 ـ 339)
5 سورة التحريم، الآية (6)
6 تفسير المنار (1/ 197)
مسألة فناء النار:(1/380)
خلود الجنة والنار وبقاؤهما بإبقاء الله لهما، وعدم فنائهما، ولا فناء من فيهما، ثابت بالكتاب والسنة، ولا يوجد فرق في النصوص بين خلود الجنة وخلود النار. قال تعالى في الجنة وأهلها: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} 1، وقال تعالى: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 2، وقال تعالى عن النار وأهلها: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} 3، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} 4، وقد سماها الله تعالى "دار الخلد" فقال: {ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} 5.
وورد في السنة أحاديث تدل على ذلك أيضاً ـ أعني أبدية الجنة والنار وخلود أهلهما فيهما ـ من دون فرق بينهما ـ منها حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُدخل الله أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يؤذن مؤذن بينهم فيقول: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار: لا موت، كل خالد فيما هو فيه" 6، ففي هذا الحديث دلالة على خلود الدارين وأهلهما من دون فرق بينهما. وعلى ذلك أجمع السلف وأصحاب الحديث 7.
------------------------
1 سورة النساء، الآية (57)
2 سورة التوبة، الآية (100)
3 سورة النساء، الآية (168 ـ 169)
4 سورة الأحزاب، الآية (64 ـ 65)(1/381)
5 سورة فصلت، الآية (28)
6 البخاري: ك: الرقاق، باب: يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب، ح: 6544 (11/ 414) مع الفتح.
7 انظر: الصابوني: عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص: 66) ت: بدر البدر، و ابن تيمية: مجموع الفتاوى (3/ 304، 8/ 380، 12/ 45، 14/ 348، 18/ 307)، ودرء التعارض (1/ 227 ـ 228، 1/ 38، 1/ 304 ـ 305)، و ابن القيم: اجتماع الجيوش (ص:91) ط. السلفية، وطريق الهجرتين (ص: 254 ـ 255) ت:عبد الله الأنصاري، وزاد المعاد (1/ 66 ـ 68) ت" الأرناؤوط.
وقد نسب القول بفناء النار إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ـ رحمهما الله تعالى ـ واشتهر ذلك بين الناس 1، وقد بحث هذه النسبة عدد من الباحثين، وأثبتوا بالأدلة وقوف الشيخين ابن تيمية و ابن القيم في صف أهل السنة في هذه المسألة كغيرها من المسائل 2.
ولكن ما موقف الشيخ رشيد في هذه المسألة؟ وهل تبع فيها ما اشتهر عن ابن القيم وشيخه ابن تيمية ـ الذين لم يعرف مذهب السلف إلا عن طريقهما؟ وإن كانت لم تصح نسبة هذا القول إليهما كما سبق، أو خالفهما اتباعاً للأدلة كما هو منهجه في عدم التقليد لأحد كائن من كان؟
لقد نقل الشيخ رشيد كلام ابن القيم في حادي الأرواح بطوله، وأعلن إعجابه به لسببين: الأول: ما في كلام ابن القيم من "دقائق المعرفة بالله تعالى وفهم كتابه، والغوص على درر حكمه وأحكامه وأسراره في أقداره، والإفصاح عن سعة رحمته وخفي لطفه وجليل إحسانه" 3، ويقرر الشيخ رشيد أن أحداً لم يسبق ابن القيم ولم يلحقه فيه أحد. وقال: "فنسأله سبحانه أن يكافئه على ذلك أفضل ما يكافئ العلماء العاملين، والعارفين الكاملين وأن يحشرنا وإياه في ثلة المقربين" 4. والسبب الثاني في إعجاب الشيخ رشيد بكلام ابن القيم وهو أهم من الأول: أنه يزيل شبهة عن الدين،
------------------------
1 انظر: الصنعاني: رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (ص: 63)، ط. المكتب الإسلامي.(1/382)
2 انظر في ذلك: د. جابر الحربي: كشف الأستار. ط" دار طيبة بمكة، وبكر أبو زيد: ابن القيم حياته وآثاره (ص: 148) ط. المكتب الإسلامي، و انظر أيضاً: محمد علي ناصر الفقيهي، وأحمد بن عطية الغامدي: مقدمة الصواعق المنزلة لابن القيم (1/ 12 ـ 20) ط. الجامعة الإسلامية.
3 تفسير المنار (8/م 98) و انظر أيضاً: مجلة المنار (22/ 315)
4 المصدر نفسه والصفحة.
وهي: "قول أهل كل دين من الأديان المشهورة أنهم هم الناجون وحدهم، وأكثر البشر يعذبون عذاباً شديداً دائماً لا ينتهي أبداً بل تمر ألوف الألوف المكررة من الأحقاب والقرون ولا يزداد إلا شدة وقوة وامتدادً، مع قولهم ـ ولا سيما المسلمين منهم ـ أن الله تعالى أرحم الراحمين وأن رحمة الأم العطوف الرؤوم بولدها الوحيد ليست إلا جزءاً صغيراً من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وهذا البحث جدير بأن يزيل شبهة هؤلاء فيرجع المستعدون منهم إلى دين الله تعالى مذعنين لأمره ونهيه، راجين رحمته خائفين عقابه،... فما أعظم ثواب ابن القيم علىاجتهاده في شرح هذا القول المأثور عن بعض الصحابة والتابعين وإن خالفهم الجمهور..." 1.
هذا السبب هو أهم ما جعل الشيخ رشيد يشيد بقول ابن القيم وهو إزالته لشبهة بعض الناس على الدين، وهو من أهداف الشيخ رشيد الهامة.(1/383)
ولكن هل يعني ذلك أن الشيخ رشيد يقول بفناء النار؟ يبدو من كلام الشيخ رشيد ـ كما بدا من كلام ابن القيم ـ الميل إلى هذا القول. فها هو يقول منتقداً قول الجمهور: "الذين حملوا الخلود والأبد اللغويين في القرآن على المعنى الاصطلاحي الكلامي، وهو عدم النهاية في الواقع ونفس الأمر، لا بالنسبة إلى تعامل الناس وعرفهم في عالمهم كما يقصد أهل كل لغة في أوضاع لغتهم. فالعرب كانت تستعمل الخلود في الإقامة المستقرة غير المؤقتة... ولا يتضمن ذلك استحالة الانتقال والنقل،... ويعبرون بالأبد عما يبقى مدة طويلة كما صرح به الراغب... ويقول أهل القضاء وغيرهم في زماننا: حكم على فلان بالسجن المؤبد أو الأشغال الشاقة المؤبدة ـ وهو لا ينافي عندهم انتهاءها بعفو السلطان مثلاً..." 2.
ويقول أيضاً مفسراً الخلود في آية الأنعام: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} 3 "والخلود المكث الطويل غير الموقت كمكث أهل
------------------------
1 تفسير المنار (8/ 99)
2 تفسير المنار (8/ 98 ـ 99)
3 سورة الأنعام، الآية (128)
الوطن في بيوتهم المملوكة لهم فيه. أي: تثوون فيها ثواء خلود أو مقدرين الخلود موطنين أنفسكم عليه، إلا ما شاء الله تعالى مما يخالف ذلك، فكل شيء بمشيئته، وهذا الجزاء يقع باختياره فهو مقيد بها، فإن شاء أن يرفعه كله أو بعضه عنكم أو عن بعضكم فعل لأن مشيئته نافذة في كل شيء... ولكن هل يشاء شيئاً من ذلك أم لا؟ ذلك مما يعلمه هو سبحانه حق العلم وحده ولا يعلمه غيره إلا بإعلامه..." 1.(1/384)
يقول الشيخ رشيد ـ رداً على من انتقده في ميله هذا ـ "...إننا قد بينا غير مرة في المنار أن المعتمد عندنا في التفسير وأصول الدين وفروعه ظواهر النصوص مجتمعة، وفي اختلاف العلماء ما كان عليه جمهور السلف إن علم بالنقل الصحيح، وإننا إذا أوردنا في المنار أقوالاً أخرى، فإنما نقصد بذلك دفع بعض الشبهات عن الدين أو تقريب بعض مسائله... وعلى هذه القاعدة جرينا في تفسير آية الأنعام..." 2.
فما هو إذن موقف الشيخ رشيد الأخير؟ يرى الشيخ رشيد أن ابن القيم توقف في هذه المسألة، ولم يرجح أحد القولين على الآخر، وبناءً على ذلك يتخذ الشيخ رشيد نفس الموقف، وهو التوقف أيضاً وتفويض الأمر لله تعالى وأن مشيئته تعالى في ذلك مجهولة 3، ويذكر الشيخ رشيد في هذه المناسبة أيضاً توقفه في آية المائدة {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 4 فإن ظاهر هذه الآية جواز مغفرة الشرك، فإن قيل: إن الله تعالى بين أنه لا يغفر الشرك قال الشيخ رشيد: "قلنا إنما يدل هذا على أن العقاب على الشرك حتم مقضي ولكنه لا يدل على أنه سرمدي" 5.
------------------------
1 تفسير المنار (8/ 68) وأريد أن أشير هنا إلى موقف قديم للشيخ رشيد من تأويل الخلود ورفضه. انظر: تفسير المنار (1/ 364)
2 مجلة المنار (22/ 316)
3 انظر: المصدر نفسه والصفحة.
4 سورة المائدة، الآية (118)
5 مجلة المنار (22/ 316)
فالشيخ رشيد متوقف في مسألة فناء النار وانتهاء عذاب المشركين وغفرانه، ولا ريب أنه تبع في ذلك ما اشتهر عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم اللذان لم يعرف مذهب السلف إلا عن طريقيهما، فأصبح يتابعهما شبراً بشبر وذراعاً بذراع. والحق أن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لم يثبت عنهما صراحة إلا القول بالأبدية كما ذكرت قبل قليل.
الخاتمة(1/385)
لقد عرض الباحث من خلال هذه الرسالة إلى منهج رشيد رضا في العقيدة فتناول موقفه من مصادر أهل السنة وقواعدهم في الاستدلال، وعرض آراء رشيد رضا في أبواب ومسائل العقيدة المختلفة، وقد توصل إلى النتائج والتوصيات الآتية:
أولاً: نتائج البحث:
بعد أن عرضت منهج رشيد رضا في العقيدة ومسائلها معتمداً في ذلك على كتابات رشيد رضا مباشرة وسبر مؤلفاته جميعاً، قد تبين لي ما يلي:
أولاً: أن رشيد رضا لم يكن مصرياً لا مولداً ولا نشأة ولا تعليماً، بل مهاجراً، وكانت كل نشأته العلمية في موطنه الأصلي وأتى مصر بعدما اكتملت نشأته العلمية هناك.
ثانياً: إن الحالة السياسية والعلمية والدينية في مصر ومقارنتها مع الشام، هي التي دفعت رشيد رضا إلى الهجرة من الشام إلى مصر، إذ كانت مصر مستقرة سياسياً بتولي محمد علي وأولاده عرشها، وانفرادهم به، واهتمامهم بنهضتها وقوتها بينما كانت الشام ما تزال خاضعة لنظام تعاقب الولاة الذين كانوا سبباً أساسياً في إرهاق أهل الشام. مضافاً إلى ذلك الضغط الزائد من السلطة العثمانية على بلاد الشام، خوفاً منها أو عليها، مما ضيق مجال العمل الإصلاحي الذي كان ينشده رشيد رضا وأمثاله، مقارنة بما كانت تنعم به مصر من الحرية.
ثالثاً: كانت النشأة العلمية لرشيد رضا ضعيفة بسبب الحالة العلمية التي مرت بها الشام آنذاك، إذ لم تكن هناك مدارس عربية لتعليم العلوم الدينية، مما دفع رشيد رضا وغيره إلى الاعتماد على العلماء في التلقي، ولم يكن هؤلاء جميعاً في درجة واحدة من العلم، على أنهم لم يتجاوزوا أصابع اليد الواحدة، وكانت نتيجة ذلك وقوع رشيد رضا في أخطاء واضحة ولا سيما بعد خلافته لمحمد عبده في زعامة المدرسة الإصلاحية، ومواجهته لقضايا هامة ومسائل معقدة.(1/386)
رابعاً: كانت مرحلة رشيد رضا في الشام مرحلة غلب عليه فيها التصوف، كما غلب عليه طابع المتكلمين، فرغم مشاركته في كثير من العلوم إلا أن السمة الغالبة عليه ـ كما على غيره من طلبة العلم على طريقة الأزهريين ـ هي طابع المتكلمين، وعندما هاجر إلى مصر ولقي محمد عبده وكان رجلاً متأثر بالفلسفة القديمة التي أشربها من كتاب الإشارات لابن سينا حيث شرحه له الأفغاني، والفلسفة الحديثة التي أخذها أثناء وجوده في فرنسا. كان رشيد رضا قد خرج من حفرة صغيرة فوقع في هوة سحيقة.
خامساً: لم يلبث رشيد رضا أن تعرف على منهج السلف بطريق الكتب السلفية التي كانت تطبع في مصر في مطبعة بولاق وغيرها، ومنها كتابات ابن تيمية وأئمة دعوة التوحيد بنجد الذين أتوا مصر واستقروا فيها قبل ذلك. ومن هنا تحول رشيد رضا واطمأن بمذهب السلف الصالح، وكان تحوله هذا تدريجياً وزادت درجته بعد وفاة محمد عبده واستقلال رشيد رضا بالعمل.
سادساً: اعتمد رشيد رضا على مصادر التلقي عند أهل السنة وهي الكتاب والسنة والإجماع، كما أنه اعتمد في فهمه هذه المصادر على تلك القواعد التي أقرها السلف الصالح، كما أنه ـ في مرحلته الأخيرة ـ قد وضع العقل في موضعه وأعطى الفطرة حقها. إلا أنني قد أخذت على رشيد رضا بعض المآخذ في مسألة نسخ التلاوة، كما أنني بينت موقفه السلبي من السنة الذي خالف فيه ما كان عليه السلف وأجبت هناك ـ قدر الإمكان ـ على ما
أثاره من شبهات. وقد كان لهذا الموقف من رشيد رضا أثره الكبير، والذي كان من ثمرته بعد ذلك كتاب أبي رية في الطعن في السنة النبوية معتمداً على رشيد رضا، كما أنني أخذت على رشيد رضا موقفه في دليل الإجماع الذي بدا لي أنه لم يعرف معناه الشرعي فأدخل فيه ما ليس منه وأخرج منه ما هو منه.(1/387)
سابعاً: وقد وقف رشيد رضا في تعريف الإيمان موقفاً صحيحاً لغة وشرعاً، فقد بين المعنى اللغوي للإيمان وأنه ليس مجرد التصديق فقط، كما بين التعريف الشرعي له وأنه قول وفعل. كما أنه قرر أن الإيمان يزيد وينقص كما يقول أهل السنة لا بحسب زيادة العمل اللازم له فقط، بل بحسب ما في نفس قلب المؤمن. وبين رشيد رضا العلاقة بين الإسلام والإيمان واختار الرأي الراجح عند أهل السنة في ذلك وهو أنه إذا اجتمع الإيمان والإسلام افترقا في المعنى وإذا افترقا اجتمعا.
ثامناً: في باب الإيمان بالله تعالى، قسم رشيد رضا التوحيد إلى أقسامه الثلاثة": الربوبية والألوهية والصفات، متابعة لأهل السنة، وفي فصل الربوبية قرر رشيد رضا المعنى الصحيح لها وبين الفرق بين اسم الرب واسم الإله، كما أنه قرر المعرفة الفطرية الضرورية التي رفضها المتكلمون. واستدل بالفطرة على وجود الله تعالى وربوبيته كما استدل بالنظر القرآني وهو النظر في كتاب الكون، لا النظر الفلسفي عند المتكلمين، واتخذ موقفاً صحيحاً من مسألة حدوث العالم.
وفي فصل الألوهية قرر رشيد رضا توحيد الله تعالى أتم تقرير فقد بين معنى اسم الإله ومعنى العبادة، وذكر صوراً منها وبين خطر الشرك فيها وأثره السيء في النفس والكون. كما ذكر صوراً من الشركيات التي وقع فيها المسلمون ومنها الواسطة والتوسل والشفاعة...إلخ. وكان رشيد رضا في ذلك متأثر بأئمة دعوة التوحيد في نجد، ناشراً لفتاواهم ورسائلهم.
وفي فصل الصفات قرر رشيد رضا منهج السلف في إثبات الصفات القائم على الإثبات والتنزيه وتفويض الكيفية، وقرر نفس القواعد التي اعتمد
عليها مثل: القول في الصفات كالقول في الذات، وقد اعتمد رشيد رضا في هذا على ما كتب السلف الصالح، والكتب التي تشرح وتصور منهجهم ككتب ابن تيمية ومدرسته.(1/388)
وفي مفردات الصفات التي تكلم عنها وقسمها إلى ذاتية وفعلية، كان رشيد رضا ناجحاً في تطبيق المنهج العام الذي قرره، إلا أنه لم يكن واضحاً أحياناً، ونقصته الشجاعة والجرأة في أحيان أخرى، إلا أنه في العموم كان موفقاً لا سيما في إثباته الصفات الفعلية وتجددها وهي التي كانت مثار نقاش طويل وحاد بين السلفيين والمتكلمين جميعاً.كما أثبت صفات الفعل الخبرية كالمحبة والرحمة والرضا والغضب.
تاسعاً: في فصل القدر لم يستطع رشيد رضا أن يحدد بدقة الفرق بين تعريف السلف للقدر وبين تعريف القدرية، ولم يبين الفرق الهام بينهما، مع أنه قرر مراتب القدر التي فصلها أهل السنة وهي العلم والكتابة والمشيئة والخلق، إلا أنه غلبت عليه مسألة الأسباب فصرفته عن معرفة تعريف القدر الصحيح. وفي بقية المسائل كان رشيد رضا موفقاً فقد قرر مذهب السلف في مسائل: الحسن والقبح، والحكمة والتعليل، والصلاح والأصلح، والاحتجاج بالقدر وربط الأسباب بالمسببات، إلا أنه في مسألة العمر والرزق وإن كان قد اقترب من قول السلف إلا أنه لم يكن موفقاً في مسألة العمر التقديري الذي اعتمد فيع على غير معتمد وهو ما يقرره الأطباء افتراضياً بحسب الاستقراء. ويثبت هناك أن الواجب اتباع الشرع في ذلك، وأن الراجح هو قول السلف مع أن الزيادة في العمر والرزق بحسب ما في علم الملك.
عاشراً: لم تكن تهمة إنكار الملائكة التي وجهها يوسف الدجوي لرشيد رضا صحيحة، إذ أن رشيد رضا قد قرر وجوب الإيمان بالملائكة وأنه ركن من أركان الإيمان، وتحدث عن بعض صفاتهم ووظائفهم. وكذلك أثبت وجود الجن والشياطين إلا أنه اتخذ موقفاً متشدداً ومحتاطاً في مسألة رؤيتهم وتلبسهم بالإنس، ولكنه على كل حال قرر في مسألة التلبس وإخراج
الجني أنه قد يكون معجزة لنبي أو كرامة لولي، وإنما كان يتشدد وينكر ما طرأ واحتف بهذه المسألة من الشركيات والخرافات التي شوهت حقيقة التوحيد.(1/389)
حادي عشر: قرر رشيد رضا أن الإيمان بالكتب الإلهية ركن من أركان الإيمان، وتحدث بالتفصيل عن هذه الكتب وخص القرآن الكريم بعناية خاصة لأنه الكتاب السماوي الوحيد الباقي صحيحاً سليماً من التحريف والتبديل. كما أنه بين الفرق بين الكتب الأخرى والتي وردت في القرآن الكريم وبين الكتب المتداولة الآن بين أيدي أهل الكتاب وبين الأدلة على أنها حرفت و"طورت".
ثاني عشر: كما قرر رشيد رضا الإيمان بالرسل الذين أرسلهم الله تعالى لهداية الخلق في كل زمان ومكان، وقرر الإيمان بأسمائهم التي وردت في الكتاب العزيز. إيماناً تفصيلياً وقرر الإيمان بمن لم يرد فيه من الرسل إيماناً إجمالياً مع توقفه في العدد الوارد في بعض الأحاديث. إلا أنه أنكر نبوة آدم بمعنى النبوة الاصطلاحية وقرر أنها نبوة نظرية تربوية ليست رسالة وحي وكتاب. وقد بينت أن الصحيح أن آدم كان نبياً معلماً مكلماً كما ورد في الأحاديث الصحيحة.
وفي عصمة الأنبياء كان رشيد رضا موفقاً إذ أثبتها وبين معناها وقارن بين عصمة الأنبياء عند المسلمين وعصمتهم عند أهل الكتاب الذين نسبوا إليهم كل الجرائم والشرور، ولكنه امتد به الأمر في العصمة حتى أنكر سحر اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم مع ثبوته، بحجة أنه يطعن في العصمة وفي النبوة، وكان هذا الموقف منه دليلاً على بقاء بعض أثر لفلسفة شيخه محمد عبده في فكره. ودليل آخر على ذلك وجدته في معجزات الأنبياء، التي وإن كان رشيد رضا قد قررها وأحسن فيها، إلا أنه عدّ بعضها من قوى النفس ورد منها انشقاق القمر لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بناء على ما كان عليه الفلاسفة من الإيمان بالمعجزات التي هي من قبيل تأثير قوى النفس دون سواها، كانشقاق القمر.(1/390)
ثالث عشر: تشدد رشيد رضا في مسالة الكرامات لنفس السبب الذي كان وراء موقفه من تلبس الجن، وهو الحال التي وصل إليها مدعو الكرامات، ولكنه على كل حال أثبت الكرامات الحقيقية، وأثبت الولاية الصحيحة، وفرق بين أولياء الله الصالحين وبين مدعي الولاية الكاذبين وبين معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء وخوارق الأشقياء.
رابع عشر: اتخذ رشيد رضا موقفاً صحيحاً في مسالة الصحابة وأقر بفضلهم جميعاً ووجوب الترضي عنهم وهاجم الرافضة الذين اتخذوهم غرضاً وطعنوا فيهم، إلا أن موقفه من معاوية رضي الله عنه كان غير مرضي إذ كان فيه قصور شديد استدعى مني أن أبين للقراء باختصار بعض ما ورد في مناقب هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه.
وفي مبحث الخلافة وافق رشيد رضا أهل السنة في تعريفها وفي شروطها وفي طرق التولي وفي طاعة أولي الأمر. إلا أنني لاحظت عليه التأثر بالأفكار التي انتشرت في عهده وكان مصدرها الفكر الغربي كمسألة سلطة الأمة وهي إحدى مبادئ النظام "الديمقراطي" وهو ما دفعه لاعتبار الشورى واجبة على الإمام، كما أنني أخذت عليه دعوته إلى تغيير الخليفة المتغلب وهو ما يعد دعوة للخروج ترفضها الشريعة.
خامس عشر: وقد أثبت رشيد رضا أن الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان، وقرر مسائل هذا الباب كالموت والبرزخ وعذاب القبر والبعث ـ بالروح والجسد ـ وأكد رشيد رضا على أن الله تعالى قد استأثر بعلم "الساعة" ولكنه تجاوز ذلك إلى إنكار أشراط الساعة وكان في ذلك متأثراً بشيخه محمد عبده.
وقرر رشيد رضا أن الصراط حق وكذلك الميزان إلا أنه أنكر صفته الواردة في السنة، كما أثبت وجود الجنة والنار وخلقهما الآن وأنهما موجودتان، كما قرر أبدية الجنة ولكنه توقف في فناء النار مختاراً نفس الموقف الذي اتخذه ابن القيم في ظنه.
سادس عشر: لقد تبين لي من خلال عرض منهج وآراء رشيد رضا(1/391)
في العقيدة أنه كان متأثراً بعدة مدارس مختلفة، منها مدرسة شيخه محمد عبده الفلسفية، ومدرسة ابن تيمية السلفية، وبناءً على ذلك تعددت الآراء فيه فعده بعضهم محسوباً على هؤلاء وعده آخرون على هؤلاء، وكلا نظر إلى جانب واحد، ولكني أقول إحقاقاً للحق أن الذي غلب على رشيد رضا ـ لا سيما في آخر حياته ـ هو المنهج السلفي المتأثر فيه بمؤلفات ابن تيمية ومدرسته.
سابع عشر: لقد بقيت أفكار وآراء رشيد رضا بعد وفاته ولم تمت بموته، بل بقيت في تلامذته وأشدهم تأثراً به "أنصار السنة" في مصر وغيرها، وذلك بسبب انتشار مجلة المنار في العالم الإسلامي وقوة تأثيرها الذي أخذته من قوة منشئها وبيانه وحجته وبلاغته، واعتماده على الدليل المباشر من الكتاب والسنة، كما ورثت مجلة الهدي النبوي مجلته المنار ورددت نفس آرائها وأفكارها. وإننا نرى أثر هذه الأفكار وهذا المنهج إلى يومنا هذا وتردد في آذاننا ـ مع الآراء الصحيحة التي اتخذها ـ الآراء الأخرى التي انتقدناها عليه.
ثانياً: توصيات:
أولاً: إنه رغم كل البحوث التي دارت موضوعاتها حول رشيد رضا من جوانب متعددة إلا أنه لا زال هناك بعض هذه الجوانب لم يدرس. منها جهود رشيد رضا الفقهية. إذ أنه ترك ثروة فقهية تستحق الدراسة والتقويم. ويجب أن يدخل في هذه الدراسة أو يستقل ببحث وحده: آراؤه الأصولية؛ كموقفه من الاجتهاد والتقليد وأثر ذلك على العمل الفقهي بعده.
كما أنه بقي من جوانب العقيدة باب الأديان والفرق وجهود رشيد رضا في ذلك. فيحسن أن يفرد ذلك الباب ـ الذي كان جزءاً من خطتي في هذا البحث، وحذفه مجلس الكلية مشكوراً ـ ببحث منفرد يبحث فيه: جهود رشيد رضا في الأديان وتاريخها ومقارنتها، لقد بذل الشيخ رشيد جهوداً كبيرة في هذا الباب وأتى فيه ببحوث قيمة ومادة وفيرة، معتمداً على مصادر أهل الكتاب بجوار مصادر التاريخ العام والاكتشافات الحديثة، وعرض ونقد(1/392)
وقارن، مما كان له أقوى الأثر في هذه الفترة التي كانت مصر وكثير من بلاد المسلمين متعرضين لفتنة دينية بسبب سيطرة الغرب المسيحي على معظم بلاد المسلمين، ونشرهم لأفكارهم وآرائهم والتي كان مصدرها في الغالب العقائد الدينية المسيحية. وقد كان ذلك ظاهراً أتم الظهور في مصر والشام والمغرب العربي. لقد واجه رشيد رضا وبشدة محاولات تنصير المسلمين في أماكن متعددة في العالم الإسلامي الخاضع للاحتلال الغربي. والله تعالى ولي التوفيق.
ثانياً: في مسألة الرواية بالمعنى التي كانت إحدى الساقين التي وقفت عليها دعوى طرح الثقة بالأحاديث "القولية" لم أر من بحثها بحثاً كبحث مصطفى الأعظمي في مسألة الكتابة في "دراسات في الحديث النبوي" ونظراً لأهمية هذه المسألة ـ ولأنني أيضاً لم يكن لي بد من الاختصار والاقتصار على الأمثلة ـ فيجب أن يندب أحد زملائنا في كلية الحديث ببحث هذا الموضوع بحثاً علمياً يجيب فيه عن شبهة "الرواية بالمعنى" ويرد ما يقال حولها بالأدلة العلمية القائمة على الاستقراء التام، والله الموفق.
وفي النهاية أتقدم إليك بالشكر أيها القارئ الصبور
قائمة المصادر والمراجع
1-القرآن الكريم.
2-الآجري: محمد بن الحسين، الشريعة، ط. حديث أكادمي، باكستان، الأولى 1403هـ 1983م. ت: محمد حامد الفقي.
3-الآمدي: علي بن محمد، الأحكام، ط. محمد علي صبيح، بمصر، 1387هـ= 1968م.
4-إبراهيم خليل أحمد (فيليبس): إسرائيل والتلمود، دار المنار، 1410هـ= 1990م.
5-ابن الأثير: أبو السعادات المبارك بن محمدالجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، ط. المكتبة العلمية، بيروت، بدون بيانات أخرى، ت: طه الزاوي ومحمود الطناحي.
6-أحمد: صلاح الدين مقبول، دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وأثرها في الحركات الإسلامية المعاصرة. ط. مجمع البحوث العلمية الإسلامية، الهند، الهند 1412هـ 1992م.(1/393)
7-الأحمدي: عبد الإله بن سليمان، المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة، ط. دار طيبة، الرياض، الثانية. 1416هـ. 1995م.
8-الأخفش: سعيد بن مسعدة، معاني القرآن. ط. الثانية، 1401هـ. 1981م.
9-أرسلان: شكيب:الأمير: حاضر العالم الإسلامي، دار الفكر.
10-أرسلان: شكيب: الأمير: "رشيد رضا" أو "إخاء أربعين سنة"، ط. ابن زيدون، دمشق، الأولى، 1356هـ.
11-الأزهري: محمد بن أحمد (أبو منصور)، تهذيب اللغة، ط. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، ت: عبد السلام هارون.
12-الأشعري: علي بن إسماعيل بن أبي بشر، الإبانة عن أصول الديانة. ط. دار الأنصار،مصر، الأولى، 1397هـ =1977م. ت: فوقية حسين محمود.
13-الأشعري: علي بن إسماعيل، الإبانة، عن أصول الديانة، ط. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، الخامسة 1409هـ 1409هـ تقديم حماد الأنصاري.
14- الأشعري: علي بن إسماعيل، مقالات الإسلاميين، ط. المكتبة العصرية، بيروت 1411هـ 1990م. ت: محمد محيي الدين عبد الحميد.
15-الأشعري: علي بن إسماعيل، رسالة إلى أهل الثغر، ط. المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ت: عبد الله شاكر الجنيدي.
16-الأشقر: عمر سليمان، القضاء والقدر، ط. مكتبة الفلاح ـ دار النفائس، الكويت، الثالثة 1411هـ =1991م.
17-الأشقر: عمر سليمان، الرسل والرسالات: دار النفائس، الأردن، السادسة 1415هـ 1995م.
18-الأشقر: عمر سليمان، اليوم الآخر، (القيامة الصغرى) ط. دار النفائس، الأردن،السادسة 1415هـ 1995م.
19-الأشقر: عمر سليمان، اليوم الآخر(القيامة الكبرى) ط. دارالنفائس، الأردن، 1415هـ 1995م.
20-الأصفهاني: أحمد بن الحسين بن مهران، المبسوط في القراءات العشر، مجمع اللغة العربية بدمشق، ت: سبيع حمزة حاكمي.
21-الأصفهاني: الراغب، مفردات ألفاظ القرآن الكريم. ط. دار القلم ـ الدار الشامية، دمشق، الأولى، 1412هـ 1992م.(1/394)
22-الأصفهاني: محمود بن عبد الرحمن بن أحمد، بيان المختصر (لابن الحاجب) ط. جامعة أم القرى، الأولى، 1406هـ 1986م. ت: محمد مطهر بقا.
23-الأصمعي: عبد الملك بن قريب بن عبد الملك، الأصمعيات، دار المعارف، مصر، ت: أحمد شاكر، وعبد السلام هارون.
24-الأعشى: ميمون بن قيس، ديوان الأعشى، ط. مكتبة الآداب،مصر. شرح: د. محمد حسين.
25-الأعظمي: محمد مصطفى، دراسات في الحديث النبوي، ط. شركة الطباعة العربية السعودية المحدودة، الرياض، ط. الثالثة 1401هـ 1981م.
26-الأعظمي: محمد مصطفى، منهج النقد عند المحدثين: شركة الطباعة العربية السعودية المحدودة، الرياض، ط. الثانية، 1402م =1982م.
27-آغا: محمد منير الدمشقي، نموذج من الأعمال الخيرية، ط. مكتبة الإمام الشافعي، الرياض، الثانية 1406هـ.
28-الأفغاني: الشمس السلفي، الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات، ط. مكتبة الصديق، الطائف، الثانية،/ 1419هـ. =1998م.
29-الألباني: محمد ناصر الدين، تحذير لاساجد من اتخاذ القبور مساجد، ط. المكتب الإسلامي، الرابعة 1403هـ 1983م.
30-الألباني: محمد ناصر الدين، التوسل أنواعه وأحكامه، الخامسة، 1406هـ 1986م.
31-الألباني: محمد ناصر الدين، مختصر العلو، المكتب الإسلامي، بيروت، الأولى، 1401هـ. 1981م.
32-الألباني: محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ط. المكتب الإسلامي، بيروت، الرابعة، 1405هـ 1985م.
33-الألباني: محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ط. مكتبة المعارف، الرياض، الأولى، 1417هـ.
34-الألباني: محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الضعيفة، ط. المكتب الإسلامي، بيروت، الخامسة، 1405هـ =1985م.
35-الألباني: محمد ناصر الدين، صحيح الجامع الصغير وزيادة، ط. المكتب الإسلامي، بيروت، الثالثة، 1408هـ = 1988م.
36-الألباني: محمد ناصر الدين، صحيح سنن الترمذي، ط. مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1408هـ(1/395)
37-الألباني: محمد ناصر الدين، صحيح سنن أبي داود، ط. مكتب التربية العربي لدول الخليج 1409هـ.
38-الألباني: محمد ناصر الدين، صحيح سنن النسائي، ط. المكتب التربية العربي لدول الخليج، 1409هـ.
39-الألباني: محمد ناصر الدين، صحيح سنن ابن ماجه، ط. مكتب التربية العربي لدول الخليج 1408هـ.
40-الألباني: محمد ناصر الدين، ضعيف سنن الترمذي، مكتب التربية العربي لدول الخليج، ط. الأولى، 1411هـ. = 1991م.
41-الألباني: محمد ناصر الدين، ضعيف سنن أبي داود، مكتب التربية العربي لدول الخليج، ط. الأولى، 1412هت. = 1992م.
42-الألباني: محمد ناصر الدين، ضعيف سنن النسائي، مكتب التربية العربي لدول الخليج، ط. الأولى، 1411هـ =1990م.
43-الألباني: محمد ناصر الدين، ضعيف سنن ابن ماجه، ط. مكتب التربية العربي لدول الخليج، الأولى، 1408هـ 1988م.
44-الألباني: محمد ناصر الدين، ضعيف الجامع الصغير وزياداته، ط. المكتب الإسلامي، الثالثة، 1410هـ 1990م.
45-الألباني: محمد ناصر الدين، صحيح الكلم الطيب، ط. المكتب الإسلامي.
46-الآلوسي: محمود البغدادي (شهاب الدين أبو الفضل)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، دار إحياء التراث، بيروت (مصور عن إدارة الطباعة المنيرية، مصر)
47-أمين: أحمد، زعماء الإصلاح في العصر الحديث، دار الكتاب العربي، بيروت، 1979م.
48-أمين: أحمد، ضحى الإسلام، دار الكتاب العربي، بيروت، العاشرة.
49-أمين: أحمد، فجر الإسلام، دار الكتاب العربي، بيروت، العاشرة، 1969م.
50-الأمين: الأمين الصادق، موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية، ط. مكتبة الرشد، الرياض، الأولى، 1418هـ =1998م.
51-الأنباري: عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد النحوي، الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت (مصورة عن طبعة المكتبة التجارية الكبرى بمصر)(1/396)
52-الأنصاري: حماد بن محمد، إعلام الزمرة بأحكام الهجرة، مكتبة الدار، المدينة المنورة.
53-الأنصاري: حماد بن محمد، أبو الحسن الأشعري، ط. مؤسسة النور، الرياض، الثالثة، 1390هـ.
54-أيبش: يوسف، رحلات رشيد رضا، ط. المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الثانية، 1979م.
55-الإيجي: عبد الرحمن بن أحمد عضد الدين، المواقف في علم الكلام، ط. عالم الكتب، بيروت، مكتبة المتنبي، القاهرة، ومكتبة سعد الدين، دمشق.
56- الأيوبي: إلياس، تاريخ مصر في عهد الخديوي إسماعيل، ط. دار الكتب المصرية، 1923=1341هـ.
57- البار: محمد علي، مدخل لدراسة التوراة والعهد القديم، ط. دار الفكر، دمشق، والدار الشامية، بيروت، الأولى، 1410هـ =1990م.
58- البار: محمد علي، الإله والأنبياء في التوراة والعهد القديم، ط. دار القلم، دمشق، الأولى، 1410هـ= 1990م.
59- الباقلاني: محمد بن الطيب (أبو بكر)، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، ط. مؤسسة الكتب الثقافية، الثالثة، 1414هـ =1993م، ت: عماد الدين حيدر.
60- البخاري: محمد بن إسماعيل، الصحيح، ط. المطبعة السلفية ومكتبتها (مصورة الريان للتراث) ط. الثانية، 1409هـ =1988م.
61- بروكلمان: كارل، تاريخ الشعوب الإسلامية، نقله للعربية: نبيه أمين فارس، ومنير البعلبكي، ط. دار العلم للملايين، بيروت، الخامسة، 1968م.
62- بروكلمان: كارل، تاريخ الدب العربي، ط. دار المعارف، مصر.
63- البزار: عمر بن علي، الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، ط. المكتب الإسلامي، الثانية، 1396هـ، ت: زهير الشاويش.
64- البزار: أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، البحر الزخار (مسند البزار)، ط. مؤسسة علوم القرآن، بيروت، الأولى، 1409هـ، ت: د. محفوظ الرحمن زين الله.
65- البسام: عبد الله بن صالح، علماء نجد خلال ثمانية قرون، ط. دار العاصمة، الرياض، الثانية، 1413هـ.
66- البستاني: بطرس، دائرة المعارف، مطبعة المعارف، بيروت، 1882م.(1/397)
67- ابن بطة: عبيد الله بن محمد العكبري الحنبلي، الرد على الجهمية، ط. دار الراية، الرياض.
68- ابن بطة: عبيد الله بن محمد العكبري الحنبلي، القدر، د. دار الراية، الرياض، الثاني، 1418هـ.
69- البغدادي: أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، الرحلة في طلب الحديث، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، 1395هـ =1975م، ت: نور الدين عتر.
70- البغدادي: أحمد بن علي الخطيب، الكفاية في علم الرواية، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، 1409هـ =1988م (مصورة عن الهند).
71- البغدادي: أحمد بن علي الخطيب، الفقيه والمتفقه، تصحيح: الشيخ إسماعيل الأنصاري، 1395هـ =1975م، بدون رقم الطبعة.
72- البغدادي: أحمد بن علي الخطيب، تاريخ بغداد، المكتبة السلفية، المدينة المنورة.
73- البغدادي: أحمد بن علي الخطيب، رسالة في الكلام على الصفات، ط. مكتبة العلم، جدة، ت: عمرو عبد المنعم.
74- البغدادي: أحمد بن علي الخطيب، تقييد العلم، ط. دار إحياء السنة النبوية، الثانية، 1974م، ت: يوسف العش.
75- البغدادي: عبد القاهر بن طاهر، أصول الدين، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، 1401هـ.
76- البغدادي: عبد القاهر بن طاهر، الفرق بين الفرق، ط. مكتبة محمد علي صبيح وأولاده بمصر، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد.
77- البنا: أحمد بن محمد، إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر، ط. عالم الكتب ـ الكليات الأزهرية ـ الأولى، 1407هـ =1987م، ت: شعبان محمد إسماعيل.
78- بوكاي: موريس، القرآن والتوراة والإنجيل والعلم، دار المعارف، مصر.
79- البيجوري: إبراهيم، تحفة المريد على جوهرة التوحيد، الإدارة للمعاهد الأزهرية، 1406هـ =1986م.
80- البيهقي: أحمد بن الحسين، مناقب الشافعي، ط. دار التراث، مصر، ت: السيد صقر، الأولى، 1391هـ =1971م.
81- البيهقي: أحمد بن الحسين،الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، الأولى، 1401هـ =1981م، ت: أحمد عصام الكاتب.(1/398)
82- البيهقي: أحمد بن الحسين، الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، ت: أحمد محمد مرسي، 1380هـ =1961م.
83- البيهقي: أحمد بن الحسين، الأسماء والصفات، ط.دار الكتاب العربي، بيروت، الأولى، 1405هـ =1985م.
84- البيهقي: أحمد بن الحسين، حياة الأنبياء في قبورهم، ط. مكتبة العلوم والحكم، الأولى، 1414هـ =1993م، ت: أحمد عطية الغامدي.
85- البيهقي: أحمد بن الحسين، دلائل النبوة، ط.دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، 1405هـ، ت: عبد المعطي قلعجي.
86- البيومي: د. محمد رجب، النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين، ط. دار القلم ـ الدار الشامية ـ الأولى، 1415هـ =1995م.
87- التبريزي: الخطيب، مشكاة المصابيح، ط. المكتب الإسلامي، الثالثة، 105هـ ت: الألباني.
88- الترمذي: محمد بن عيسى بن سورة، السنن، ط. شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر، الثانية، 1398هـ =1978م، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر.
89- التميمي: د. محمد بن خليفة، معتقد أهل السنة في أسماء الله الحسنى، ط. دار إيلاف الدولية للنشر والتوزيع، الأولى، 1417هـ=1996م.
90- التويجري: حمود بن عبد الله بن حمود، الرد القويم على المجرم الأثيم، مكتبة دار العليان الحديثة، بريدة، الثانية، 1406هـ =1986م.
91- التويجري: حمود بن عبد الله بن حمود، إتحاف الجماعة، طبع على نفقة بعض المحسنين، الأولى، 1396هـ.
92- ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم، الإستقامة، مؤسسة قرطبة، الثانية، ت: محمد رشاد سالم.
93- ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم، نقد التأسيس، ط. مكتبة الحكومة بمكة المكرمة، بأمر الملك فيصل، الأولى، 1391هـ.
94- ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم، نقد التأسيس (مخطوط)
95- ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم، الرسالة التدمرية، ط. المطبعة السلفية ومكتبتها، الثالثة، 1400هـ.
96- ابن تيمية: الرسالة التدمرية [ضمن مجموع الفتاوى (3)]
97- ابن تيمية: شرح حديث النزول [ضمن مجموع الفتاوى (5)](1/399)
98- ابن تيمية: الفتوى الحموية الكبرى، دار الكتب العلمية، بيروت.
99- ابن تيمية: الفتوى الحموية الكبرى، ط. المطبعة السلفية، بمصر.
100- ابن تيمية: مجموع الفتاوى، دار عالم الكتب، الرياض، 1412هـ =1991م.
101- ابن تيمية: مقدمة في أصول التفسير، ط. المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة، الرابعة، 1399هـ =1979م.
102- ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل، ط. دار الكنوز الأدبية، ت: محمد رشاد سالم.
103- ابن تيمية: التوسل (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة)، ط. دار لينة، ت: د. ربيع المدخلي، الأولى، 1409هـ.
104- ابن تيمية: التوسل والوسيلة، ت: محمد رشيد رضا، ط. المنار بمصر.
105- ابن تيمية: بغية المرتاد، ط. مكتبة العلوم والحكم، الثانية، 1415هـ، ت: موسى الدويش.
106- ابن تيمية: الإيمان، ط. المكتب الإسلامي، بيروت، الثانية، 1392هـ، ت: الألباني.
107- ابن تيمية: النبوات، ط.دار القلم، بيروت.
108-ابن تيمية: منهاج السنة النبوية، ط. جامعة الإمام، ت: محمد رشاد سالم، الأولى، 1406هـ =1986م.
109- ابن تيمية: تفسير سورة الإخلاص [ضمن مجموع الفتاوى (17)]
110- ابن تيمية: شرح الأصفهانية، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، الأولى، 1415هـ = 1995م.
111- ابن تيمية: الرسالة المدنية [ضمن مجموع الفتاوى (6)]
112- ابن تيمية: الرد على من قال بفناء الجنة والنار، ت: د. محمد عبد الله السمهري، ط. دار بلنسية، الأولى، 1415هـ = 1995م.
113- ابن تيمية: الرد على البكري، ط. الدار العلمية، دلهي، الهند، الثانية، 1405هـ.
114- ابن تيمية: الرد على الأخنائي (بهامش السابقة)
115- ابن تيمية: الجواب الباهر، المطبعة السلفية بمصر، الأولى، بدون تارخ.
116- ابن تيمية: العبودية، ط. المكتب الإسلامي، الخامسة، 1399هـ.
117- ابن تيمية: العبودية، ط. مكتبة المعارف بالرياض، 1402هـ.
118- ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم، ت: ناصر العقل، 1404هـ، الأولى.(1/400)
119- ابن تيمية: الإكليل في المتشابه والتأويل، ط. المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهرة، 1394هـ.
120- ابن تيمية: الواسطة بين الحق والخلق، ت: محمد جميل زينو.
121- ابن تيمية: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ط.دار الفكر، بيروت.
122- آل تيمية: المسودة في أصول الفقه، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط. مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر، بدون بيانات.
123- جار الله: زهدي حسن، المعتزلة، ط. مطبعة مصر، 1366هـ= 1947م.
124- الجامي: محمد أمان، الصفات الإلهية، ط. الجامعة الإسلامية (المجلس العلمي) المدينة المنورة، 1408هـ.
125- الجبرتي: التاريخ، ط. دار الجيل، بيروت، الثانية، 1978م.
126- الجرجاني: علي بن محمد بن علي السيد الزين، التعريفات، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1357هـ.
127- الجزائري: أبو بكر جابر، إعلام الأنام بحكم الهجرة في الإسلام، ط. راسم للدعاية والإعلان، الأولى، 1412هـ.
128- الجزري: محمد بن محمد، النشر في القراءات العشر، مكتبة القاهرة، مصر، ت: محمد سالم محيسن.
129- الجسر: حسين، الرسالة الحميدية: في حقيقة الديانة الإسلامية وحقية الشريعة المحمدية، ط. إدارة الطباعة المنيرية، 1352هـ.
130- الجسر: محمد نديم، قصة الإيمان، بدون بيانات.
131- الجكني: محمد الأمين، شرح مراقي السعود، ط. مطبعة المدني بمصر، 1378هـ.
132- جمال الدين: أمين محمد، عمر أمة الإسلام وقرب ظهور المهدي عليه السلام، ط. مكتبة المجد العربي، القاهرة، الرابعة، 1417هـ =1997م.
133- الجمل: سليمان بن عمر الشافعي، الفتوحات الإلهية، ط. دار إحياء التراث، بيروت.
134- ابن الجوزي: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن، تلبيس إبليس (نقد العلماء)، ت: محمود مهدي استانبولي، 1396هـ = 1976م.
135- ابن الجوزي: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن، الحث على حفظ العلم، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، 1405هـ =1985م.(1/401)
136- ابن الجوزي: جمال الدين، نواسخ القرآن، ط. المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، الأولى، 1404هـ =1984م، ت: محمد أشرف المليباري.
137- جولد سهير: أجناس، العقيدة والشريعة في الإسلام، نقله إلى العربية: محمد يوسف موسى وعلي حسن عبد القادر وعبد العزيز عبد الحق، الناشر: دا رالكتب الحديثة، مصر، ومكتبة المثنى، بغداد، بدون تاريخ.
138- جولد سهير: أجناس، مذاهب التفسير الإسلامي، ط. مكتبة الخانجي، مصر.
139- الجيوش: محمد إبراهيم، دراسات عن اليهود، بدون بيانات.
140- الجيوش، محمد إبراهيم، دراسات في النصرانية، ط. دار الهدى للطباعة، 1408هـ =1988م.
141- جينيبير: شارل، المسيحية نشأتها وتطورها، ترجمة: د. عبد الحليم محمود، ط. المكتبة العصرية، بيروت.
142- ابن الحاجب: عثمان بن عمر، المختصر، ط. جامعة أم القرى، الأولى، 1406هـ =1986م، ت: محمد مظهر بقا (مع شرح الأصفهاني).
143- الحاكم: أبو عبد الله ابن البيّع، المستدرك على الصحيحين، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، 1411هـ =1991م، ت: مصطفى عبد القادر عطا.
144- ابن حبان: أبو حاتم البستي، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان (علاء الدين علي بن بلبان الفارسي) ط. مؤسسة الرسالة، الثانية، 1414هـ =1993م، ت: شعيب الأرناؤوط.
145- ابن حجر: أحمد بن علي العسقلاني، التلخيص الحبير، ط. شركة الطباعة الفنية، القاهرة، ت: عبد الله هاشم اليماني المدني، 1384هـ = 1964م.
146- ابن حجر: أحمد بن علي العسقلاني، إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة، ط. وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، السعودية، الأولى، 1415هـ= 1994م.
147- ابن حجر: أحمد بن علي العسقلاني، النكت على مقدمة ابن الصلاح، ط. الجامعة الإسلامية، ت: د. ربيع المدخلي، الأولى، 1404هـ =1984م.
148- ابن حجر: أحمد بن علي، تقريب التهذيب، ط. دار العاصمة، الأولى، 1416هـ.(1/402)
149- ابن حجر: أحمد بن علي، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ط. دار الجيل، بيروت.
150- ابن حجر: أحمد بن علي العسقلاني، لسان الميزان،
151- ابن حجر: أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ط. المكتبة السلفية ومطبعتها (مصورة الريان للتراث) الثانية، 1409هـ =1989م.
152- ابن حجر: أحمد بن علي، الإصابة في معرفة الصحابة، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، (مصورة)
153- ابن حجر: أحمد بن محمد بن علي الهيتمي، الزواجر عن اقتراف الكبائر، ط. شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الثانية، 1390هـ 1970م.
154- حرازم: علي، جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التيجاني، ط. شركة - مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الأخيرة، 1380هـ =1961م، (وبالهامش: رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم)
155- حرب: د. محمد، السلطان عبد الحميد الثاني، ط. دار القلم، دمشق، الأولى، 1410هـ = 1990م.
156- ابن حزم: محمد بن علي، مراتب الإجماع، ط. دار الكتب العلمية، بيروت.
157- ابن حسن: عبد اللطيف بن عبد الرحمن، مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام، ط. دار الهداية، الرياض، ت: إسماعيل بن سعد بن عتيق.
158- حسن: عباس، النحو الوافي، ط. دار المعارف، مصر، السادسة.
159- الحسني: عبد الحي، معارف العوارف في أنواع العلوم والمعارف، ط. دائرة المعرف العثمانية، حيدر آباد، الهند.
160- حسين: محمد الخضر، نقض كتاب في الشعر الجاهلي، ط. المكتبة العلمية، بيروت.
161- حسين: د. محمد محمد، الإسلام والحضارة الغربية، ط. المكتب الإسلامي، الأولى، 1399هـ =1979م.
162- حسين: د. محمد محمد، الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، ط. مكتبة الآداب، القاهرة.
163- الحصري: ساطع (أبو خلدون)، البلاد العربية والدولة العثمانية، ط. دار العلم للملايين، بيروت.(1/403)
164- الحفناوي: محمد إبراهيم، دراسات في القرآن الكريم، دار الحديث، مصر.
165- الحفني: عبد المنعم، معجم المصطلحات الصوفية، ط. دار المسيرة، بيروت، الأولى، 1400هـ 1980م.
166- الحكمي: حافظ بن أحمد، معارج القبول، بدون بيانات.
167- 168- حليم: إبراهيم بك، تاريخ الدولة العثمانية العلية، ط. مؤسسة الكتب الثقافية، الأولى، 1408هـ =1988م.
169- الحليمي: المنهاج في شعب الإيمان، ط. دار الفكر، بيروت، الأولى، 1399هـ 1979م.
170- حماد: نعيم المروزي، الفتن، ط. مكتبة التوحيد، القاهرة، الأولى، 1412هـ، ت: سمير بن أمين الزهير.
171- آل حمد: أحمد بن ناصر، رؤية الله تعالى، ط. معهد البحوث العلمية، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، الأولى، 1411هـ =1991م.
172- الحمدان: سليمان بن عبد الرحمن، الدر النضيد على أبواب التوحيد، ط. المكتبة السلفية ومكتبتها، الأولى، 139هـ.
173- حمزة: محمد عبد الرزاق، ظلمات أبي رية، ط. المطبعة السلفية، مصر، 1378هـ، بدون رقم الطبعة.
174- الحمود: محمد بن حمد، النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى، ط. مكتبة الذهبي، الكويت، 1413هـ.
175- الحموي: ياقوت، معجم البلدان، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، 1410هـ.
176- ابن حنبل: أحمد بن حنبل، المسند، ط. المكتب الإسلامي (مصورة عن الميمنية) مع فهرس الألباني.
177- ابن حنبل: أحمد بن حنبل، المسند، ط. دار المعارف بمصر، 1376هـ =1957م، ت: أحمد شاكر.
178- ابن حنبل: أحمد بن حنبل، المسند، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت، 1414هـ = 1994م. بإشراف عبد الله بن عبد المحسن التركي.
179- ابن حنبل: أحمد بن حنبل، السنة (مع الرد على الجهمية) ط. رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، السعودية.
180- ابن حنبل: عبد الله بن أحمد، السنة، ط. دار رمادي، المؤتمن للتوزيع، الثالثة، 1416هـ =1995م. ت: محمد سعيد القحطاني.(1/404)
181- الحنبلي: عبد المؤمن بن كمال الدين البغدادي، قواعد الأصول ومعاقل الفصول، ط. معهد البحوث العلمية، جامعة أم القرى، ت: علي عباس الحكمي، الأولى، 1409هـ = 1988م.
حلمي: د.مصطفى، التصوف و ابن تيمية، ط. مكتبة ابن تيمية.
182- الحنفي: أحمد شلبي بن عبد الغني المصري، أوضح الإشارت فيمن تولى مصر من الباشوات، ت: د. عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، ط. مكتبة الخانجي، القاهرة، 1978م.
183- الحنفي: عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي، الاختيار لتعليل المختار، ط. إدارة المعاهد الأزهرية، 1390هـ =1971م.
184- خان: صديق حسن، الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة، ط. دار المدني، جدة، 1406هـ =1986م.
185- خان: صديق حسن، فتح البيان في مقاصد القرآن، الناشر دار أم القرى للطباعة والنشر، القاهرة، 1965م.
186- خان: صديق حسن، قطف الثمر في عقيدة أهل الأثر، ت: عاصم القريوتي، ط. الأولى، 1404هـ.
187- خان: صديق حسن، الروضة الندية شرح الدرر البهية، ط. دار الأرقم، بريطانيا، ومكتبة الكوثر، الرياض، الثانية. 1413هـ 1993م.
188- خان: وحيد الدين، الدين في مواجهة العلم، ط. دار الاعتصام، الأولى، 1392هـ =1972م.
189- ابن خزيمة: محمد بن إسحاق، التوحيد وإثبات صفات الرب عزوجل، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، 1398هـ – 1978م، ت: محمد خليل هراس.
190- ابن خزيمة: محمد بن إسحاق، التوحيد وإثبات صفات الرب، ط. دار الرشد، الرياض، الأولى، 1408هـ = 1988م، ت: عبد العزيز الشهوان.
191- الخطابي: حمد بن محمد، شأن الدعاء، ط. دار المأمون للتراث، دمشق، الأولى، 1404هـ =1984م، ت: أحمد يوسف الدقاق.
192- الخطيب: عبد الكريم، المهدي المنتظر ومن ينتظرونه، ط. دار الفكر العربي، دار الثقافة العربية للطباعة، عابدين، الأولى، 1980م.
193- ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد، التاريخ، دار الكتاب اللبناني، الثالثة 1967هـ.(1/405)
194- ابن خلكان، أحمد بن محمد بن أبي بكر، وفيات الأعيان، ط. دار صادر، بيروت، ت: إحسان عباس، 1977م = 1397هـ.
195- د 196- الدارقطني: علي بن عمر، الصفات، ط. مكتبة لينة، الثانية، 1414هـ =1994م. ت: عبد الله بن محمد الغنيمان.
197- الدارمي: عثمان بن سعيد، رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد، ط. حديث أكادمي، باكستان، 1402هـ، حققه: حامد الفقي.
198- الدارمي: عثمان بن سعيد، الرد على الجهمية، دون بيانات.
199- دارون: شارلز روبرت، أصل الأنواع، ترجمة: إسماعيل مظهر، ط. دار العصور للطبع والنشر، القاهرة، 1928م.
200- الداني: أبو عمرو، السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها، ت: رضاء الله المباركفوري، ط. دار العاصمة، الأولى، 1416هـ =1995م.
201- أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني، السنن، ط. دار الحديث، ت: عزت عبيد الدعاس.
202- ابن أبي داود: عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث، المصاحف، ط. مؤسسة قرطبة للنشر والتوزيع، مصر.
203- ابن أبي داود: عبد الله بن أبي داود سليمان الأشعث، البعث، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، 1407هـ = 1987م، ت: بسيوني زغلول.
204- دراز: محمد عبد الله، الدين، 1389هـ = 1969م.
205- دراز: محمد عبد الله، النبأ العظيم، ط. دار القلم، الكويت، السادسة، 1405هـ= 1984م.
206- دراز: محمد عبد الله، المدخل إلى القرآن الكريم، ط. دار القلم، الكويت، الثالثة، 1401هـ = 1981م.
207- دراز: محمد عبد الله، دستور الأخلاق في القرآن الكريم، ط. مؤسسة الرسالة، الثالثة، 1400هـ = 1980م. ترجمة: عبد الصبور شاهين.
208- دروزة: محمد عزت، تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم، ط. المكتبة العصرية، بيروت، 1389هـ =1969م.
209- درويش: أبو الوفاء محمد، القضاء والقدر، ط. دار القسم، الرياض، الأولى، 1416هـ =1995م، تقديم: حامد الفقي.(1/406)
210- درويش: أبو الوفاء محمد، الأسماء الحسنى، ط. الجمعية الشرعية بسوهاج، مصر، الأولى، 1390هـ = 1970.
اخل: أحمد بن عوض الله، الماتريدية دراسة وتقويماً، ط. دار العاصمة، الرياض، الأولى، 1413هـ.
211- الدسوقي: عمر، في الأدب الحديث، ط. دار الفكر العربي، القاهرة، الخامسة.
212- الدمشقي: محمد بن أبي بكر بن ناصر الدين، الرد الوافر على من زعم بأن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر، ط. المكتب الإسلامي، بيروت، الثالثة، 1411هـ = 1991م.
213- الدمشقي: تقي الدين أبو بكر محمد الحسيني الشافعي، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، ط. الإدارة العامة للمعاهد الأزهرية، 1399هـ = 1979م.
214- الدميجي: عبد الله بن عمر بن سليمان، الإمامة العظمى عند اهل السنة والجماعة، ط. دار طيبة للنشر والتوزيع، الثانية، 1409هـ.
215- الدميجي: عبد الله عمر، اسم الله العظم، ط. دار الوطن، الرياض، الأولى، 1419هـ = 1998م.
216- دنيا: سليمان، الشيخ محمد عبده بين الفلاسفة و المتكلمين، ط. دار إحياء الكتب العربية، مصر، الأولى، 1958م = 1377هـ.
217- ديدات: أحمد، خمسون ألف خطأ في الكتاب المقدس، ط. المختار الإسلامي، مصر.
218- ديدات: أحمد، سر الحجر، ط. المختار الإسلامي، مصر.
219- الذهبي: محمد بن احمد بن عثمان، العلو للعلي الغفار، ط. المكتبة السلفية، بالمدينة المنورة، 1388هـ =1968م.
220- الذهبي: محمد بن أحمد، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، ط. دار المعرفة، ت: علي محمد البجاوي.
221- الذهبي: محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام، دار الكتاب العربي، بيروت، الأولى، 1409هـ 1989م.
222- الذهبي: محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت، الحادية عشرة، 1417هـ 1996م. ت: شعيب الأرناؤوط، وزملاؤه.
223- الذهبي: محمد حسين، التفسير والمفسرون، ط. مكتبة وهبة، مصر، الرابعة، 1409هـ 1989م.(1/407)
224- الذهبي: محمد حسين، الإسرائيليات في التفسير، ط. مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، 1407هـ 1987م.
225- الرازي: محمد بن عمر بن حسين (فخر الدين)، مفاتح الغيب أو التفسير الكبير، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت، الثالثة.
226- الرازي: محمد بن عمر بن حسين، أساس التقديس، مطبعة كردستان العلمية، بمصر، 1328هـ.
227- الرازي: محمد بن عمر بن حسين، شرح الأسماء الحسنى، ط. مكتبة الكليات الأزهرية، 1396هـ =1976م، راجعه: طه عبد الرؤوف سعد.
228- الرازي: محمد بن عمر بن حسين، المحصل، ط. مكتبة دار التراث، القاهرة، الأولى، 1411هـ.
229- الرازي: محمد بن عمر بن حسين، عصمة الأنبياء، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الثانية، 1409هـ =1988م.
230- الرازي: محمد بن عمر بن حسين، أصول الدين، ط. الكليات الأزهرية، مصر.
231- الرازي: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، ط. مكتبة لبنان، بيروت.
232- الرازي: أحمد بن محمد بن المظفر، حجج القرآن، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، 1406هـ.
233- الرافعي: عبد الرحمن، الحملة الفرنسية، ط. نهضة مصر، الرابعة، 1381هـ.
234- الرافعي: عبد الرحمن، الثورة العرابية، ط. دار المعارف، مصر.
235- الرافعي: عبد الرحمن، مصطفى كامل، ط. دار المعارفن مصر.
236- الرافعي: مصطفى صادق، تحت راية القرآن، ط. دار الكتاب العربي، بيروت، الثامنة، 1403هـ =1983.
237- الرافعي: مصطفى صادق، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، ط. دار الكتاب العربي، بيروت، التاسعة، 1393هـ =1973.
238- ربيع: د. يحيى محمد، الكتب المقدسة بين الصحة والتحريف، ط.دار الوفاء، الأولى، 1415هـ =1994م.
239- ربيع بن هادي المدخلي: العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم، ط. دار الوحدة للكتاب، مصر، الأولى، 1415هـ =1994م.
240- ربيع بن هادي المدخلي: أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره، ط.مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة، الأولى، 1414هـ =1993م.(1/408)
241- ربيع بن هادي المدخلي: مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ط. مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة، الثانية، 1416هـ = 1995م.
242- ابن رجب: شهاب الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين الحنبلي البغدادي، جامع العلوم والحكم، ط. شركة ومكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الرابعة، 1393هـ =1973م.
243- ابن رجب: أبو الفرج، لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ط. دار ابن كثير، ت: ياسين السواس، الثالثة، 1416هـ.
244- ابن رجب: أبو الفرج، شرح علل الترمذي، ت: د. همام عبد الرحيم سعيد، ط. مكتبة المنار، الأردن، الأولى، 1407هـ =1987م.
245- ابن رشد: مناهج الأدلة في عقائد الملة، ط. الأنجلو مصرية، الثانية، ت: محمد قاسم.
246- رضا: محمد رشيد، حقوق النساء في الإسلام، دون بيانات.
247- رضا: محمد رشيد، الخلافة، الزهراء للإعلام العربي، 1408هـ =1988م.
248- رضا: محمد رشيد، الوحي المحمدي، ط. المكتب الإسلامي، التاسعة، 1399هـ =1979م.
249- رضا: محمد رشيد، المنار والأزهر، ط. المنار، الأولى، 1353هـ.
250- رضا: محمد رشيد، الوهابيون والحجاز، ت: عبد الرحمن بن عبد الجبار، ط. إدارة البحوث الإسلامية بالجامعة السلفية ببنهارس، الهند، الأولى، 1409هـ =1988م.
251- رضا: محمد رشيد، تاريخ الأستاذ الإمام، ط. مطبعة المنار، الأولى، 1350هـ =1931م.
252- رضا: محمد رشيد، الربا والمعاملات في الإسلام، ط. مكتبة القاهرة، تقديم: محمد بهجت البيطار.
253- الرضي: محمد بن الحسن، شرح شافية ابن الحاجب، ط. دار الفكر العربي، بيروت، 1395هـ =1975م.
254- الرومي: د. فهد بن عبد الرحمن، اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر، ط. بإذن رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، 1407هـ= 1986م.
255- الرومي: د. فهد بن عبد الرحمن، منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير، ط. مؤسسة الرسالة، الأولى، 1401هـ =1981م.(1/409)
256- الريسوني: أحمد، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، ط. الدار العالمية للكتاب الإسلامي، الثانية، 1412هـ =1992م.
274- زيدان: جورجي، مصر العثمانية، ت: محمد حرب، ط. دار الهلال (كتاب الهلال، العدد: 517، رجب ـ يناير، 1994م).
275- الزيلعي: عبد الله بن يوسف الحنفي، نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، ط. دار الحديث بالقاهرة.
276- الساعاتي: أحمد عبد الرحمن البنا، الفتح الرباني بترتيب مسند أحمد بن حنبل الشيباني، ط.مطبعة الإخوان المسلمين، الأولى.
277- السايس: محمد علي، تفسير آيات الأحكام، ط. محمد علي صبيح، مصر.
278- السايس: محمد علي، نشأة الفقه الاجتهادي وأطواره، ط. مجمع البحوث الإسلامية، الكتاب التاسع، 1389هـ = 1970م.
279- السباعي: مصطفى، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ط. المكتب الإسلامي، بيروت، الرابعة، 1405هـ =1985م.
280- السبكي: تاج الدين، طبقات الشافعية، ط.دار إحياء الكتب العربية، مصر، ت: محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح الحلو.
281- السجزي: عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوايلي(أبو نصر)، رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت، تحقيق ودراسة: د.محمد باكريم با عبد الله، ط. المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الأولى، 1413هـ.
282- السخاوي: أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن، فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، تحقيق وتعليق: علي حسين علي، ط. إدارة البحوث الإسلامية بالجامعة السلفية ببنهارس، الهند، الأولى، 1409هـ = 1988م.
283- ابن سعد: محمد الزهري، الطبقات، ط.دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، 1411هـ = 1991م.
284- ابن سعدي: عبد الرحمن، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ط. الجامعة الإسلامية، 1398هـ.
285- ابن سعدي: عبد الرحمن، الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين، ط. مكتبة المعارف، الرياض، 1402هـ = 1982م.(1/410)
286- ابن سعدي: عبد الرحمن، القول السديد في مقاصد التوحيد، ط. الجامعة الإسلامية، 1409هـ، السابعة.
287- أبو السعود: محمد بن محمد العمادي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت.
288- السعيد: د. لبيب، المصحف المرتل أو الجمع الصوتي الأول للقرآن، ط. دار المعارف، مصر.
289- السعيدي: عبد الله بن محمد بن حسن، الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة (بحث للدكتوراه على الحاسب الآلي) الجامعة الإسلامية، كلية الشريعة، قسم الفقه.
290- السفاريني: محمد بن أحمد، لوائح الأنوار، ط. المنار، الأولى، 1323هـ. وط. أخرى باسم: لوامع الأنوار، منشورات مؤسسة الخافقين، دمشق، الثانية، 1402هـ = 1982م. وط. ثالثة على نفقة حاكم قطر مع تعليقات عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين (مفتي نجد).
291- ابن سلام: أبو عبيد القاسم، الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز، ط. مكتبة الرشد، الرياض، 1411هـ = 1990م، ت: محمد صالح المديفر.
292- ابن سلام: أبو عبيد القاسم، الإيمان، ط. المكتب الإسلامي، الثانية، 1403هـ = 1983م، ت: محمد ناصر الدين الألباني.
293- السلمان: محمد عبد الله، رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ط.مكتبة المعلا، الكويت، الأولى، 1409هـ = 1988م.
294- أبو سليمان: عبد الوهاب إبراهيم، كتابة البحث العلمي، ط. دار الشروق، الثالثة، 1408هـ = 1987م.
295- السندي: عبد القادر بن حبيب، التصوف في ميزان البحث والتحقيق، توزيع مكتبة ابن القيم، الأولى، 1410هـ.
296- السندي: الصغير بن محمد صادق، بهجة النظر شرح نخبة الفكر، ط. أكاديمية الشاه ولي الله، باكستان.
297- السنوسي: محمد بن يوسف، أم البراهين أو السنوسية الصغرى (ضمن مجموعات مهمات المتون) ط. الحلبي بمصر، الرابعة، 1369هـ = 1949م.(1/411)
298- السهسواني: محمد بشير الهندي، صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان، تقديم: محمد رشيد رضا، ط. على نفقة أحد كرام المحسنين، الثالثة.
299- السهيلي: عبد الرحمن بن عبد الله، نتائج الفكر في النحو، ط. دار الرياض للنشر والتوزيع، ت: د. محمد إبراهيم البنا.
300- سيبويه: عمرو بن عثمان بن قنبر (أبو بشر)، الكتاب، ط. الهيئة العامة للكتاب، مصر، ت: عبد السلام هارون.
301- ابن سينا: أبو علي، الإشارات والتنبيهات (مع شرح نصير الدين الطوسي) ت: سليمان دنيا، ط.دار المعارف بمصر، الثالثة.
302- السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، تفسير الجلالين مع حاشية الجمل.
303- السيوطي: جلال الدين، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، 1411هـ.
304- السيوطي: جلال الدين، الجامع الكبير، ط. مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، الأولى، 1395هـ.ـ 1975م.
305- السيوطي: جلال الدين، مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة، ط. الجامعة الإسلامية، الخامسة، 1415هـ.
306- السيوطي: جلال الدين، الحاوي للفتاوي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الثانية، 1395هـ =1975م.
307- السيوطي: جلال الدين: ألفية الحديث (شرح: أحمد شاكر)، ط. دار المعرفة، بيروت، بدون بيانات.
308- السيوطي: جلال الدين، الإتقان في علوم القرآن، ط. المكتبة العصرية، بيروت، 1408هـ، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم.
309- شاتليه: أ. ل، الغارة على العالم الإسلامي، ترجمة: محب الدين الخطيب ـ مساعد اليافي، ط. المطبعة السلفية ومكتبتها، الثالثة، 1385هـ.
310- الشاطبي: إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي، الموافقات في أصول الشريعة، ط. دار المعرفة، بيروت، الثانية، 1395هـ =1975م.
311- الشاطبي: إبراهيم بن موسى، الاعتصام، ط. المكتبة التجارية الكبرى، مصر.
312- الشافعي: محمد بن إدريس، الرسالة، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، ت: أحمد شاكر، بدون بيانات.(1/412)
313- شاكر: أحمد محمد، عمدة التفسير، ط. دار المعارف، بدون بيانات.
314- شاكر: أحمد محمد، شرح ألفية السيوطي في علم الحديث، ط. دار المعرفة، بيروت، بدون بيانات.
315-0 شاكر: أحمد محمد، شرح المسند، ط.دار المعارف، مصر، 1376هـ =1957م.
316- شاكر: أحمد محمد، الباعث الحثيث، ط.دار الكتب العلمية، بيروت، الثانية، بدون تاريخ.
317- شاكر: محمود: التاريخ الإسلامي، ط. المكتب الإسلامي، الثانية، 1407هـ =1987م.
318- أبو شامة: عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي، الباعث على إنكار البدع والحوادث، ط. مكتبة المؤيد، الطائف، السعودية، ومكتبة دار البيان، دمشق، حققه: بشير محمد عيون، الأولى، 1412هـ =1991م.
319- الشبل: علي بن عبد العزيز، منهج ابن رجب في العقيدة، دار الصميعي بدون بيانات.
320- الشبل: علي بن عبد العزيز، الثبت لمخطوطات ابن تيمية، ط. دار الوطن.
321- الشبلي: بدر الدين محمد بن عبد الله، آكام المرجان في أحكام الجان، ط. محمد علي صبيح، مصر.
322- شحاته: د. عبد الله، منهج الإمام محمد عبده في تفسير القرآن الكريم، ط. المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بمصر.
323- الشربيني: محمد بن أحمد الخطيب، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، ط. إدارة المعاهد الأزهرية، ط. 1399هـ =1979م. وط. 1409هـ = 1983م.
324- الشرقاوي: محمود، مصر في القرن الثامن عشر، ط. الأنجلو مصرية.
325- الشريف: علي، حكم الاحتفال بالموالد، ط. مجلة التوحيد، مصر، جماعة أنصار السنة المحمدية.
326- شقفة: محمد فهر، التصوف بين الحق والخلق، ط. الدار السلفية، الكويت، الثالثة، 1403هـ =1983م.
327- شكري: د. محمد فؤاد، مصر والسودان، ط. دار المعارف، مصر، 1958م.
328- شلبي: أحمد، موسوعة التاريخ الإسلامي (اليهودية)، ط.مكتبة النهضة المصرية، مصر، العاشرة، 1992م.
329- الشهرستاني: محمد بن عبد الكريم، المل والنحل، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الثانية، 1413هـ = 1992م.(1/413)
330- الشهرستاني: محمد بن عبد الكريم، نهاية الإقدام في علم الكلام، ت: ألفريد جيوم.
331- الشمراني: صالح بن عبد الله، الدرر الحسان في علاج العين والسحر ومس الجان، 1418هـ.
332- الشناوي: عبد العزيز محمد، السخرة في حفر قناة السويس، ط. منشأة المعارف، الإسكندرية.
333- الشنتري: يوسف بن سليمان بن عيسى، أشعار الستة الجاهليين، ط. دار الآفاق الجديدة، بيروت، الثانية، 1401هـ = 1981م.
334- الشنقيطي: أحمد محمود عبد الوهاب، خبر الواحد وحجيته، ط. الجامعة الإسلامية، الأولى، 1419هـ.
335- الشنقيطي: محمد الأمين بن محمد المختار، منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات، ط. الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، 1401هـ.
336- الشنقيطي: محمد الأمين، مذكرة أصول الفقه، ط. دار القلم، بيروت، بدون بيانات.
337- الشنقيطي: محمد الأمين، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ط. مكتبة ابن تيمية.
338- الشنقيطي: محمد الأمين، منع جواز المجاز، ط. مطبعة المدني، مصر.
339- الشنقيطي: محمد الأمين الجكني (غير الأول)، شرح مراقي السعود، ط. دار أبو الوفاء، 1378هـ =1959م.
340- أبو شهبة:محمد بن محمد، دفاع عن السنة، ط.مكتبة السنة، مصر، 1409هـ.
341- أبو شهبة: محمد بن محمد، المدخل لدراسة القرآن الكريم، ط. مكتبة السنة، القاهرة، الأولى، 1412هـ = 1992م.
342- أبو شهبة: محمد بن محمد، الإسرائيليات والموضوعات، طز مكتبة السنة، مصر،الرابعة، 1408هـ.
343- الشوابكة: د. أحمد فهد بركات، محمد رشيد رضا ودوره في الحياة الفكرية، ط. دار عمار، عمان، الأردن، الأولى، 1409هـ.
344- الشوكاني: محمد بن علي، غرشاد الفحول، ط. الحلبي بمصر، الأولى، 1356هـ = 1937م.
345- الشوكاني: محمد بن علي، طلب العلم، ط. مكتبة القرآن، القاهرة، ت: عثمان الخشت.
346- الشوكاني: محمد بن علي، تحفة الذاكرين، ط. مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الأولى، 1408هـ = 1988م.(1/414)
347- الشوكاني: محمد بن علي، إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات، ط.دار الباز، مكة المكرمة، الأولى، 1404هـ، دار الكتب العلمية، بيروت.
348- الشوكاني: محمد بن علي، فتح القدير، ط. البابي الحلبي، مصر، الثانية، 1383هـ.
349- ابن أبي شيبة: أبو بكر عبد الله، الإيمان، ط. المكتب الإسلامي، الثانية، 1403هـ = 1983م، ت: محمد ناصر الدين الألباني.
350- ابن أبي شيبة: أبو بكر عبد الله، المصنف، ط. المكتبة الإمدادية، مكة المكرمة، الأولى، 1404هـ = 1984م، ت: حبيب الرحمن الأعظمي.
351- ابن أبي شيبة: محمد بن عثمان، العرش، ط. مكتبة الرشد، الرياض، الأولى، 1418هـ = 1998م، دراسة وتحقيق: د. محمد خليفة التميمي.
352- شيبة الحمد: عبد القادر، الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة، ط. الجامعة الإسلامية.
353- أل الشيخ: سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، تيسير العزيز الحميد، ط. المكتب الإسلامي. دون تاريخ.
354- آل الشيخ: محمد بن إبراهيم، تحكيم القوانين، ط. الجامعة الإسلامية، الثالثة، 1404هـ.
355- آل الشيخ: محمد بن إبراهيم، الروضة الندية في الرد على من أجاز المعاملات الربوية (ضمن ثلاث رسائل لسماحة مفتي السعودية)، ط. الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، تصحيح: الشيخ إسماعيل الأنصاري.
356- آل الشيخ: عبد الرحمن بن حسن، فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، ط. دار الفكر، بيروت، 1409هـ = 1989م. ت: محمد حامد الفقي.
357- الشيخ: ناصر بن علي بن عايض حسن، مباحث العقيدة في سورة الزمر، ط. مكتبة الرشد، الرياض، الأولى، 1415هـ = 1995م.
358- الصابوني: إسماعيل أبو عثمان، عقيدة السلف وأصحاب الحديث، ت: بدر البدر.
359- صادق: صادق سليم، المصادر العامة للتلقي عند الصوفية، ط. مكتبة الرشد، الأولى، 1415هـ.
360- الصالح: صبحي، مباحث في علوم القرآن، ط. دار العلم للملايين، بيروت، السادسة عشر، 1985م.(1/415)
361- صبري: د. محمد، مصر في أفريقيا الشرقية، ط. مطبعة مصر ومكتبتها، 1939م.
362- صبري: مصطفى (شيخ الإسلام)، موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين، ط. إحياء التراث العربي، بيروت.
363- صبري: مصطفى، موقف البشر تحت سلطان القدر، ط. المطبعة السلفية بمصر، الأولى، 1352هـ.
364- صبري: مصطفى، القول الفصل، ط.مكتبة دار السلام ـ مكتبة النور 1407هـ = 1986م.
365- الصعيدي: عبد المتعال، تاريخ الإصلاح في الأزهر، ط. مطبعة الاعتماد، الأولى.
366- الصعيدي: عبد المتعال، المجددون، ط.مكتبة الآداب ومطبعتها، مصر.
367- الصعيدي: عبد المتعال، بغية الإيضاح، ط. مكتبة الآداب، مصر، 1412هـ = 1991م.
368- ابن الصلاح: عثمان بن عبد الرحمن أبو عمرو، مقدمة في علوم الحديث، ط. مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الأولى، 1411هـ = 1991م.
369- صليبا: جميل، المعجم الفلسفي، ط. دار الكتاب العربي، الأولى، 1971م.
370- الصنعاني: محمد بن إسماعيل (الأمير)، رفع الأستار لإبطال أدلة الأقائلين بفناء النار، ط. الكتب الإسلامي، الأولى، 1405هـ = 1984م، ت: محمد ناصر الدين الألباني.
371- صوفي: عبد القادر عطا، الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات، ط. مكتبة الغرباء الأثري، المدينة المنورة، الأولى، 1418هـ = 1997م.
372- الصيمري: عبد الله بن علي بن إسحاق، التبصرة والتذكرة، ط. مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، الأولى، 1402هـ = 1982م، ت: فتحي أحمد مصطفى.
373- الضباع: علي بن محمد، شرح الشاطبية (إرشاد المريد إلى مقصود القصيد)، ط. محمد علي صبيح، مصر.
374- الضبي: المفضل بن محمد بن يعلى، المفضليات، ط.دار المعارف، مصر، ت: أحمد شاكر وعبد السلام هارون.
375- ضيف: د. شوقي، الأدب العربي المعاصر في مصر، ط. دار المعارف، السادسة، بدون تاريخ.
376- ضيف: شوقي، تاريخ الأدب العربي (عصر الدول والإمارات)، ط. دار المعارف، مصر، الثانية.(1/416)
377- أبو طالب: د. صوفي حسن، الوجيز في القانون الدولي الخاص، ط. دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، 1972م.
378- الطبراني: سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، ط. وزارة الأوقاف العراقية، الثانية، 1405هـ.
379- الطبراني: سليمان بن أحمد، الدعاء، ط. دار البشائر الإسلامية، الأولى، 1407هـ = 1987م، ت: محمد سعيد البخاري.
380- الطبري: محمد بن جرير، التفسير، ط. دار المعارف، مصر، ت: محمود وأحمد شاكر، وط. أخرى شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الثالثة، 1388هـ = 1968م.
381- الطبري: محمد بن جرير، تاريخ الرسل والملوك (تاريخ الطبري)، ط.دار المعارف، مصر، الثانية.
382- الطبري: محمد بن جرير، صريح السنة، ط. دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الأولى، ت: بدر المعتوق، 1405هـ = 1985م.
383- الطبري: محمد بن جرير، التبصير فيمعالم الدين، ط. دار العاصمة، الرياض، الأولى، 1416هـ = 1996م، ت: علي عبد العزيز الشبل.
384- الطحان: محمود، تيسير مصطلح الحديث، مكتبة المعارف، الرياض، الثامنة، 1407هـ =1987م.
385- الطحاوي: أحمد بن محمد بن سلامة، شرح معاني الآثار، ط.دار الكتب العلمية، بيروت، الثانية، 1407هـ = 1987م، حققه: محمد زهري النجار.
386- الطحاوي: أحمد بن محمد بن سلامة، مشكل الآثار، ط. مؤسسة الرسالة، الأولى، 1415هـ = 1994م، ت: شعيب الأرناؤوط.
387- طعيمة: د.صابر، الأسفار المقدسة قبل الإسلام، ط. عالم الكتب، الأولى، 1406هـ = 1985م.
388- طعيمة: صابر، بنو إسرائيل بين نبأ القرآن وخبر العهد القديم، ط. عالم الكتب، الأولى، 1404هـ = 1984م.
389- طعيمة: صابر، الصوفية معتقداً ومسلكاً، توزيع عالم الكتب، الولى، 1405هـ.
390- طعيمة: صابر، التراث الإسرائيلي في العهد القديم وموقف القرآن الكريم منه، ط. دار الجيل، بيروت، 1399هـ = 1979م.(1/417)
391- طعيمة: صابر، العقائد الباطنية وحكم الإسلام منها، ط.مكتبة الثقافة، بيروت، الثانية، 1411هـ = 1991م.
392- طعيمة: صابر، التاريخ اليهودي العام، ط. دار الجيل، بيروت، الثانية، 1403هـ = 1983م.
393- الطنطاوي: محمد، تعريف الأسماء، ط. الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، السادسة، 1408هـ.
394- طوسون: عمر (الأمير)، مديرية خط الاستواء، ط. مطبعة العدل، الإسكندرية، 1355هـ.
395- الطوفي: سليمان بن عبد القوي الصرصري، البلبل في أصول الفقه، ط. مؤسسة النور، الرياض، الأولى، 1383هـ.
396- الطويان: عبد العزيز بن صالح بن إبراهيم، جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف، ط.مكتبة العبيكان، الأولى، 1419هـ = 1998م.
397- ابن عاشور: محمد الطاهر، التحرير والتنوير. ط. دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس.
398- ابن أبي عاصم: عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني، السنة، ومعه (ظلال الجنة) للألباني، ط. المكتب الإسلامي، بيروت، الأولى، 1400هـ = 1980م.
399- العباد: عبد المحسن بن حمد، عشرون حديثاً من صحيح مسلم، دراسة أسانيدها وشرح متونها، ط. الجامعة الإسلامية، 1409هـ الأولى.
400- العباد: عبد المحسن، عشرون حديثاً من صحيح البخاري، ط. الجامعة الإسلامية، 1409هـ الأولى.
401- العباد: عبد المحسن، الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي. ط. الأولى 1402هـ.
402- العباد: عبد الرزاق بن عبد المحسن، القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد، ط. دار ابن عفان، الأولى، 1417هـ 1997م.
403- العباد: عبد الرزاق، الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وجهوده في توضيح عقيدة السلف. ط. مكتبة الرشد، الرياض، الأولى، 1411هـ 1990م.
404- العباد: عبد الرزاق، زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه، دار القلم والكتاب، الرياض، الأولى، 1416هـ 1996م.(1/418)
405- العباد: عبد الرزاق، أسباب زيادة الإيمان ونقصانه، دار القلم والكتاب، الأولى، 1414هـ 1994م.
406- العباد: عبد الرزاق، تنبيهات على رسالة محمد عادل عزيزة في الصفات، دار الفتح، الشارقة، الأولى، 1414هـ 1994م.
407- عبد الله: محمد رمضان، الباقلاني، وآراؤه الكلامية، ط. مطبعة الأمة، بغداد، الأولى، 1986م.
408- با عبد الله، محمد باكريم، وسطية أهل السنة. ط. دار الراية،الرياض، الأولى، 1415هـ 1994م.
409- عبد الباقي: محمد فؤاد، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ط. دار الفكر بيروت، 1407هـ.
410- ابن عبد البر: أبو عمر يوسف، جامع بيان العلم وفضله، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
411- ابن عبد البر: أبو عمر يوسف، التمهيد لما في موطأ مالك من المعاني والأسانيد، ط. المغرب، مصورة العلوم والحكم.
412- عبد الجبار: القاضي. شرح الأصول الخمسة، مكتبة وهبة، مصر، الأولى، 1384هـ، ت: عبد الكريم عثمان.
413- عبد الجبار: القاضي، فضل الاعتزال، ط. الدار التونسية، 1393هـ.
414- عبد الجبار: القاضي، المغني في أبواب العدل والتوحيد، ط. مطبعة دار الكتب مصر، الأولى، 1961م. ت: إبراهيم الأبياري.
415- عبد الحميد الثاني: السلطان، مذكراتي السياسية، 1891م ـ 1908م، مؤسسة الرسالة، الخامسة، 1406هـ =1986م.
416- عبد الرحيم: محمد علي، الأخلاق المحمدية والآداب النبوية، ط. جماعة أنصار السنة المحمدية، مصر، الأولى، 1404هـ = 1984م.
417- عبد الرحيم: عبد الغفار، الإمام محمد عبده ومنهجه في التفسير، ط. المركز العربي للثقافة والعلوم.
418- عبد الخالق: د. عبد الغني، حجية السنة، ط. المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الأولى، 1407هـ = 1986م.
419- عبد السلام: عبد العزيز (العز)، قواعد الأحكام، ط. المكتبة التجارية الكبرى بمصر.
420- آل عبد الكريم: عبد السلام بن برجس بن ناصر، معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة.(1/419)
421- العبدلي: عبد الله بن سعدي الغامدي، عقيدة الموحدين،ط. على نفقة: محمد إبراهيم النعمان، مكتبة الطرفين، الطائف، الأولى، 1411هـ =1991م.
422- العبد اللطيف: عبد العزيز بن محمد بن علي، نواقض الإيمان القولية والعملية، ط.دار الوطن، الرياض، الثانية، 1415هـ.
423- العبد اللطيف: عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم، ضوابط الجرح والتعديل، ط. الجامعة الإسلامية، الأولى، 1412هـ.
424- ابن عبد الهادي: محمد، الصارم المنكي في الرد على السبكي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، 1405هـ وط. أخرى مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، ت: إسماعيل الأنصاري.
425- ابن عبد الوهاب: محمد، تفسير كلمة التوحيد (ضمن الجامع الفريد)، ط. على نفقة:محمد بن إبراهيم النعمان.
426- ابن عبد الوهاب: محمد، كتاب التوحيد (مع القول السديد)، ط. الجامعة الإسلامية، 1409هـ، السادسة.
427- ابن عبد الوهاب: محمد، مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ط. الجامعة الإسلامية، الرابعة، 1408هـ.
428- ابن عبد الوهاب: محمد، كشف الشبهات في التوحيد، تصحيح: محمد منير الدمشقي الأزهري، ط. الجامعة الإسلامية، السابعة، 1414هـ.
429- عبده: محمد، تفسير جزء عم، ط. الجمعية الخيرية الإسلامية بالقاهرة، الثانية، مطبعة مجلة المنار بمصر، 1329هـ.
430- عبده: محمد، رسالة التوحيد، ط. مطبعة المنار، مصر، ت: رشيد رضا، وط. أخرى: دار إحياء العلوم، بيروت، السادسة، 1406هـ = 1986م، تقديم: حسين يوسف غزال.
431- عبده: محمد، حاشية على العقائد العضدية.
432- العبود: صالح بن عبد الله بن عبد الرحمن، عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي، ط. المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة.
433- عبيدات: عبد الكريم نوفان فواز، عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة (رسالة ماجستير)، دار ابن تيمية للنشر والتوزيع والإعلام، الرياض، الأولى،1405هـ =1985م.(1/420)
434- أبو عبيدة: معمر بن المثنى، مجاز القرآن، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت، الثانية، 1401هـ = 1981م، ت: محمد فؤاد سزكين.
435- ابن عثيمين: محمد بن صالح، شرح العقيدة الواسطية، ط. دار ابن الجوزي، الرابعة، 1417هـ.
436- ابن عثيمين: محمد بن صالح، فتح رب البرية، ط. دار الوطن للنشر، الرياض.
437- ابن عثيمين: محمد بن صالح، تقريب التدمرية، ط.دار ابن الجوزي، الأولى، 1412هـ = 1992م.
438- ابن عثيمين: محمد بن صالح، القواعد المثلى، ط. مكتبة المعارف، الرياض، 1405هـ.
439- العدوي: محمد أحمد، دعوة الرسل إلى الله تعالى، ط. دار المعرفة، بيروت، 1414هـ = 1993م.
440- العدوي: مصطفى، الصحيح المسند من أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة، ط.دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، الأولى، 1412هـ =1991م.
441- العراقي: زين الدين عبد الرحيم بن الحسين، التقييد والإيضاح، ط. مؤسسة الكتب الثقافية، الأولى، 1411هـ = 1991م.
442- ابن العربي: أبو بكر، العواصم من العواصم، ط. مؤسسة الكتب العلمية، 1406هـ =1986م.
443- العريني: محمد بن ناصر، وجوب طاعة السلطان في غير معصية الرحمن، ط. الأولى، 1415هـ
444- ابن أبي العز: علي بن علي الحنفي، شرح الطحاوية، ط. المكتب الإسلامي، بيروت، التاسعة، 1408هـ 1988م. ت: الألباني. وط. أخرى: دار عالم الكتب الثالثة 1418هـ 1997م. ت: عبد الله التركي ـ شعيب الأرناؤوط.
445- ابن عساكر: تاريخ دمشق، ط. دار الفكر، الأولى، 1418هـ، ط. أخرى: مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.
446- عضيمة: محمد عبد الخالق، فهارس كتاب سيبويه ودراسة له، دار الحديث، مصر. الأولى، 1395هـ =1975م.
447- أبو عطا الله: د. فرج عبد الباري، اليوم الآخر بين اليهودية والمسيحية والإسلام، ط.دار الوفاء، المنصورة، مصر، الثانية، 1412هـ.
448- ابن عطية: عبد الحق بن غالب، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، وزارة الأوقاف المغربية، 1395هـ =1975م.(1/421)
449- عطية: د. عزت علي، البدعة تحديدها وموقف الإسلام منها، ط.دار الكتاب العربي اللبناني، بيروت، الثانية، 1400هـ.
450- العقاد: عباس محمود، الله، كتاب في نشأة العقيدة الإلهية، ط. دار المعارف، مصر، الثالثة، بدون تاريخ.
451- العقاد: عباس محمود، أفيون الشعوب، ط. المكتبة العصرية، بيروت.
452- العلائي: أبو سعيد بن خليل، جامع التحصيل في أحكام المراسيل، ط. عالم الكتب، الثانية، 1407هـ =1986م، ت: حمدي عبد المجيد السلفي.
453- العلبي: أكرم حسن، دمشق بين عصر المماليك والعثمانيين، ط. الشركة المتحدة للتوزيع، الأولى، 1982م = 1402هـ.
454- العلوي: الحسن بن عبد الرحمن، الخطابي ومنهجه في العقيدة، ط.دار الوطن، الأولى، 1418هـ = 1997م.
455- ابن علي: عثمان، منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد، ط. مكتبة الرشد، الرياض، الأولى، 1412هـ = 1992م.
456- علي: محمد (حضرة صاحب السمو الملكي الأمير)، مجموعة خطابات وأوامر خاصة للمغفور له عباس باشا الأول.
457- ابن العماد: عبد الحي الحنبلي، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت.
458- عنان: محمد عبد الله، تاريخ الجامع الأزهر، ط. مؤسسة الخانجي، الثانية، 1378هـ = 1958م.
459- العنبري: خالد بن علي بن محمد، الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير، الأولى، 1416هـ = 1996م. بدون بيانات.
460- العواجي: غالب بن علي، فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها، ط. دار لينة، مصر، الأولى، 1414هـ = 1993م.
461- عودة: عبد القادر، الإسلام وأوضاعنا السياسية، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت، بدون بيانات.
462- عوني: حامد، المنهاج الواضح، ط. مكتبة الجامعة الأزهرية.
463- الغامدي: أحمد بن سعد حمدان، فطرية المعرفة، ط. دار طيبة الرياض، الأولى.
464- الغامدي: د. أحمد بن عطية، البيهقي وموقفه من الإلهيات، ط. مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الثالثة، 1412هـ =1992م.(1/422)
465- الغامدي: د. أحمد بن عطية، الإيمان بين السلف و المتكلمين (بحث للماجستير مكتوب بالآلة الكاتبة).
466- غزال: مصطفى فوزي بن عبد اللطيف، دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام، ط. دار طيبة، الأولى، 1403هـ.
467- الغزالي: محمد بن محمد أبو حامد، تهافت الفلاسفة، ت: سليمان دنيا، ط. عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1366هـ =1947م.
468- الغزالي: أبو حامد، مقاصد الفلاسفة، ط. دار المعارف، مصر، الثانية، ت: سليمان دنيا.
469- الغصن: عبد الله بن صالح، أسماء الله الحسنى، ط.دار الوطن، الرياض، الأولى، 1417هـ.
470- الغصن: عبد الله بن صالح، عقيدة الإمام ابن عبد البر في التوحيد والإيمان، ط. دار العاصمة، الرياض، الأولى، 1416هـ =1996م.
471- الغفيلي: عبد الله، ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف، دار المسير، الأولى، 1418هـ =1998م.
472- الغنام: سليمان بن محمد، قراءة جديدة في حروب محمد علي التوسعية،ط. الكتاب العربي السعودي، الأولى، 1400هـ.
473- الغنيمان: عبد الله بن محمد، شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري، ط. مكتبة الدار، المدينة المنورة، الأولى، 1405هـ.
474- ابن فارس: أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، ط. مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الثانية، 1389هـ = 1969م، ت: عبد السلام هارون
475- الفراء: يحيى بن زياد، معاني القرآن، ط. عالم الكتب، بيروت، الثالثة، 1401هـ.
476- الفقيهي: علي بن محمد ناصر، منهج القرآن في الدعوة إلى الإيمان، الأولى، 1405هـ، بدون ناشر.
477- الفقيهي: علي بن محمد ناصر، البدعة، ط. الجامعة الإسلامية، الأولى، 1413هـ.
478- فلاتة: د. عمر حسن، الوضع في الحديث، ط.مكتبة الغزالي، مؤسسة علوم القرآن، 1401هـ = 1981م.
479- الفلاني: صالح بن محمد، إيقاظ همم أولي الأبصار في الاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار، ط. دار المعرفة، بيروت، 1398هـ = 1978م.(1/423)
480- فنسنك: أ. ي.، مفتاح كنوز السنة، ط.دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1403هـ= 1983م.
481- فنسنك: أ.ي.، المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، ط. يريل ليدن، 1936م.
482- الفريابي: جعفر بن محمد بن حسن، القدر، ط. أضواء السلف، الرياض، 1418هـ =1997م، ت: عبد الله بن حمد المنصور.
483- الفريابي: جعفر بن محمد بن حسن، دلائل النبوة، ط. دار طيبة، الرياض، ت: محمود الحداد.
484- الفيروز آبادي: محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، ط. المؤسسة العربية للطباعة والنشر، بيروت.
485- الفوزان: صالح، شرح العقيدة الواسطية، ط. مكتبة المعارف، الرياض، الخامسة، 1410هـ =1990م.
486- فوزي: خالد، محمد رشيد رضا، ط. دار علماء السلف، الإسكندرية، الثانية، 1415هـ.
487- فوزي: رفعت، صحيفة همام بن منبه، ط. مكتبة الخانجي، مصر، الأولى، 1406هـ.
488- فوزي: رفعت، المدخل إلى توثيق السنة، مؤسسة الخانجي بمصر، 1398هـ = 1978م.
489- القاري: عبد العزيز بن عبد الفتاح، حديث الأحرف السبعة، ط. دار النشر الدولي، الرياض، الأولى، 1412هـ.
490- القاري: علي بن سلطان بن الهروي، شرح نخبة الفكر، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، 1398هـ =1978م.
491- ابن قاسم: عبد الرحمن بن محمد، الدرر السنية في الأجوبة النجدية، الخامسة، 1413هـ= 1992م. بدون بيانات أخرى.
492- القاسمي: محمد جمال الدين، دلائل التوحيد، ط. دار الكتب العلمية، الأولى، 1405هـ = 1984م.
493- القاسمي: محمد جمال الدين، قواعد التحديث، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، 1399هـ = 1979م.
494- القرطبي: محمد بن أحمد الأنصاري (أبو عبد الله)، الجامع لأحكام القرآن، ط. دار الكتب المصرية، 1936م، الأولى.
495- القرطبي: محمد بن أحمد (أبو عبد الله)، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، ت: أحمد حجازي السقا، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة.وط. أخرى، دار الريان للتراث، القاهرة، 1407هـ =1987م.(1/424)
496- القرطبي: الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام، مكتبة الحرمين، الرياض، السعودية.
497- القاضي: أحمد عبد الرحمن، مذهب أهل التفويض، دار العاصمة، الرياض، الأولى، 1416هـ =1996م.
498- ابن قدامة: موفق الدين عبد الله بن أحمد المقدسي، إثبات صفة العلو، ط. مؤسسة علوم القرآن، بيروت، الأولى، 1409هـ، ت: احمد عطية الغامدي.
499- ابن قدامة: موفق الدين، لمعة الاعتقاد، ط. المكتب الإسلامي، الرابعة، 1395هـ.
500- ابن قدامة: ذم التأويل، ط. دار ابن الأثير، الكويت، الثانية، 1416هـ =1995م، ت: بدر البدر.
501- ابن قدامة: المغني، ط. مكتبة الجمهورية العربية ومكتبة الكليات الأزهرية بمصر.
502- ابن قدامة: روضة الناظر وجنة المناظر ومعها شرح نزهة الخاطر العاطر للشيخ عبد القادر بن بدران، تعليق محمد بكر إسماعيل،ط. مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة مصورة عن دار إحياء الكتب العربية بمصر
503- القطان: مناع، مباحث في علوم القرآن، ط.مكتبة المعارف، الرياض، الثامنة، 1401هـ =1981م.
504- قطاوي: رينيه وجورج قطاوي، محمد علي وأوروبا، ط. دار المعارف، مصر.
505- القفاري: ناصر بن عبد الله، مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الأولى، 1412هـ.
506- قوام السنة: إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني، الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل الأثر، ط. دار الراية، الأولى، 1411هـ =1990م، ت: محمد ربيع المدخلي ومحمد أبو رحيم.
507- القيسي: مكي بن أبي طالب، الكشف عن وجوه القراءات السبع، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت، الثالثة، 1404هـ = 1984م.
508- ابن القيم: محمد بن أبي بكر، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، ط. مطبعة المدني، القاهرة، قدم له: علي السيد صبح المدني.
509- ابن القيم: بدائع الفوائد، ط. دار الكتاب العربي اللبناني، بيروت.(1/425)
510- ابن القيم: شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل، ط.دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، 1407هـ =1987م.
511- ابن القيم: اجتماع الجيوش، ت: عواد بن معتق، 1408هـ.
512- ابن القيم: أعلام الموقعين، ط. دار الكتب الحديثة، مصر، ت: عبد الرحمن الوكيل.
513- ابن القيم: إغاثة اللهفان، ط.دار المعرفة، بيروت، ت: محمد حامد الفقي.
514- ابن القيم: مفتاح دار السعادة، مكتبة الأوس، المدينة المنورة، ت: محمد بيومي.
515- ابن القيم: الفوائد، ط.دار الكتاب، بيروت.
516- ابن القيم: زاد المعاد، ط. مؤسسة الرسالة، ط. الثانية، 1412هـ= 1991م. ت: شعيب عبد القادر أرناؤوط.
517- ابن القيم: مختصر الصواعق (للموصلي)، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ = 1985م.
518- ابن القيم: الروح، ط. دار الكتاب العربي، الثالثة، 1408هـ =1988م.
519- ابن القيم: المنار المنيف في الصحيح والضعيف، ت: محمود مهدي استانبولي.
520- ابن القيم: الصواعق المنزلة، ط. كلية الدعوة بالجامعة الإسلامية، ت: د.علي ناصر الفقيهي ود.أحمد عطية الغامدي.
521- ابن القيم: مدارج السالكين، ط. دار الفكر، بيروت، الأخيرة، 1408هـ، ت: حامد الفقي.
522- ابن القيم: الجواب الكافي لمن سأل عن الجواب الشافي، ط. دار الكتاب العربي، بيروت، الرابعة، 1412هـ =1992م.
523- ابن القيم: طريق الهجرتين وباب السعادتين، ط. المطبعة السلفية ومكتبتها، مصر، الثالثة، 1400هـ.
524- ابن القيم: هداية الحيارى، ط.دار الكتب العلمية، بيروت، الأولىن 1407هـ.
525- الكاندهلوي: محمد زكريا، الأبواب والتراجم على صحيح البخاري، ط. المكتبة الخليلية، يوبي، الهند.
526- الكاندهلوي: محمد زكريا، الفيض السمائي على سنن النسائي، ط. المكتبة الخليلية، يوبي، الهند.
527- الكتاب المقدس.(1/426)
528- الكتاني: محمد بن جعفر الحسني الإدريسي أبو الفيض، نظم المتناثر في الحديث المتواتر، ط.دار الكتب العلمية، بيروت، 1400هـ، مصورة عن طبعة فاس 1328هـ.
529- الكتاني: محمد بن جعفر، الرسالة المستطرفة ببيان مشهور كتب السنة المشرفة، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الثانية، 1400هـ.
530- ابن كثير: إسماعيل، النهاية في الفتن الملاحم، ط. مؤسسة النور، الرياض، الأولى، تصحيح: إسماعيل الأنصاري، 1388هـ.
531- ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ط. الريان، مصورة عن طبعة دار الحديث، مصر، الأولى، 1408هـ =1988م.
532- ابن كثير: البداية والنهاية، ط.دار الفكر، بيروت، 1398هـ =1978م.
533- كحالة: عمر رضا، معجم المؤلفين، ط. مكتبة المثنى، بيروت، ودار إحياء التراث العربي، بيروت.
534- كرد علي: محمد، خطط الشام، ط. دار العلم للملايين، بيروت، الثالثة، 1403هـ = 1983م.
535- كرد علي: محمد، الإسلام والحضارة العربية، ط. لجنة التأليف والنشر، الثالثة، القاهرة، 1968م.
536- الكرمي: مرعي بن يوسف، أقاويل الثقات، ط. مؤسسة الرسالة، الأولى، 1985م =1406هـ، ت: شعيب الأرناؤوط.
537- الكشميري: محمد أنور شاه، التصريح بما تواتر في نزول المسيح، ط.مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، الخامسة، 1412هـ، ت: عبد الفتاح أبو غدة.
538- كندو:محمد بن إسحاق، منهج الحافظ ابن حجر العسقلاني في العقيدة من خلال كتابه فتح الباري، ط. مكتبة الرشد، الرياض، 1419هـ =1998م.
539- الكناني: حمزة بن محمد بن العباس، جزء البطاقة، ت: عبد الرزاق العباد، ط. مكتبة دار السلام، الرياض، الأولى، 1412هـ.
540- اللالكائي: هبة الله بن الحسن بن منصور،شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ط. دار طيبة، الرياض، الثالثة، 1415هـ = 1995م، ت: أحمد بن سعد حمدان.
541- لبيد: ديوانه، ط. ليدن، ت: د. أ. هوبر.(1/427)
542- اللكنوي: محمد عبد الحي، الأجوبة الفاضلة، ط. مكتبة الرشد، الرياض، الثانية، 1404هـ =1984م.
543- اللامشي: محمود بن زيد الحنفي الماتريدي، التمهيد لقواعد التوحيد، ط.دار الغرب الإسلامي، بيروت، الأولى، 1995م، ت: عبد المجيد التركي.
544- لوح: محمد، جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية، ط.دار ابن عفان، الخبر، السعودية، الأولى، 1418هـ =1997م.
545- اللويحق: عبد الرحمن بن معلا، مشكلة الغلو في الدين في العصر الحديث، الأولى، 1419هـ =1998م.
546- اللويحق: عبد الرحمن بن معلا، الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة، الخامسة، 1419هـ = 1998م.
547- ابن ماجه: محمد بن يزيد، السنن، ط. المكتبة العلمية، بيروت، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، وط. أخرى: مع حاشية السندي، ط. دار الفكر، بيروت، الثانية.
548- الماوردي: علي بن محمد بن حبيب، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، ط. الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
549- الماوردي: علي بن محمد، أعلام النبوة، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، 1393هـ =1973م.
550- مبارك: علي، الخطط التوفيقية، ط. مطبعة دار الكتب، 1969م. الثانية.
551- المترك: عمر بن عبد العزيز، الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية، ط. دار العاصمة، الرياض، الثالثة، 1418هـ.
552- متولي: تامر محمد، منهج الشيخ رشيد رضا في تفسيره، مكتوب بالآلة الراقمة، كلية القرآن الكريم، المدينة المنورة، 1413هـ.
553- متولي: تامر محمد، تقرير مختصر عن شرح الإصفهانية لشيخ الإسلام (من بحوث السنة المنهجية في قسم العقيدة 1416هـ).
554- متولي: حسن السيد، مذكرة التوحيد، مقرر على طلاب الصفوف الثانوية بالأزهر، ط. الكليات الأزهرية، 1409هـ =1989م.
555- مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، ط. مطبعة مصر، 1380هـ = 1960م، الثانية.(1/428)
556- محفوظ: علي، الإبداع في مضار الابتداع، دار الاعتصام، السابعة، بدون تاريخ.
557- محمود: عبد الحليم، الإسلام والعقل، ط.دار الكتب الحديثة، مصر، بدون تاريخ.
558- محمود: عبد الحليم، الفلسفة، ط. جماعة أنصار السنة المحمدية (هدية مجانية مع مجلة التوحيد).
559- مختار: محمد حبيب الله، السنة النبوية ومكانتها في ضوء القرآن الكريم، ط. المكتبة البنورية، كراتشي، 1407هـ= 1986م.
560- مخلوف: محمد حسنين، بلوغ السول في مدخل علم الأصول، ط. شركة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الثانية، 1386هـ = 1966م.
561- المدخلي: محمد ربيع، الحكمة والتعليل، ط. دار لينة، مصر، الأولى، 1409هـ = 1988م.
562- المرادي: محمد خليل، سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، طزمكتبة المثنى، بغداد.
563- المراغي: محمد مصطفى، الاجتهاد، ط. مجلة الأزهر، 1417هـ.
564- المراغي: أحمد مصطفى، تفسير المراغي، ط. مصطفى البابي الحلبي بمصر، الخامسة، 1394هـ =1974م.
565- المروزي: محمد بن نصر، تعظيم قدر الصلاة، ط. مكتبة الدار، المدينة المنورة، الأولى،1406هـ.
566- المزي: يوسف بن الزكي عبد الرحمن، تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف مع النكت الظراف لابن حجر، ت: عبد الصمد شرف الدين.
567- مسلم: ابن الحجاج، الصحيح، ط. دار إحياء الكتب العربية، مصر، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي.
568- مسلم: ابن الحجاج، الكنى والأسماء، ط.المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الأولى، 1404هـ =1984م، ت: عبد الرحيم القشقري.
569- مصطفى: محمد، الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا، ط. ألمانيا الغربية، الأولى، 1404هـ = 1984م.
570- المصري: أحمد شلبي عبد الغني الحنفي، أوضح الإشارات في من تولى مصر القاهرة من الوزراء والباشات.
571- معاشر: عبد الرزاق بن طاهر بن أحمد، الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه، ط.دار الوطن، الأولى، 1417هـ = 1996م.(1/429)
572- المعتق: عواد بن عبد الله، المعتزلة وأصولهم الخمسة، ط. مكتبة الرشد، الرياض، الثانية، 1416هـ =1995م.
573- المعصومي: محمد سلطان الخجندي، تنبيه النبلاء من العلماء إلى قول حامد الفقي إن الملائكة غير عقلاء، ط. المكتبة السلفية بمصر، القاهرة، 1374هـ.
574- المعلمي: عبد الرحمن بن يحيى اليماني، التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، ط. مكتبة المعارف، الرياض، الثانية، 1406هـ.
575- المعلمي: عبد الرحمن، الأنوار الكاشفة، ط. عالم الكتب، 1403هـ = 1983م.
576- آل معمر: حمد بن ناصر بن عثمان، النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين، ط. دار العاصمة، الرياض، الأولى، 1409هـ.
577- المغراوي: محمد عبد الرحمن، المفسرون بين التأويل والإثبات، ط. دار طيبة، الرياض، الأولى، 1405هـ.
578- المقدسي: عبد الغني بن عبد الواحد، الاقتصاد في الاعتقاد، ط. مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، 1414هـ.
579- المقريزي: أحمد بن علي تقي الدين، تجريد التوحيد المفيد، ت: طه محمد الزيني، ط. الجامعة الإسلامية، الثالثة، 1409هـ.
580- المقريزي: أحمد بن علي، الخطط، مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع، مصر.
581- ملكاوي: محمد أحمد، بشرية المسيح ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم في نصوص العهدين، ط. مطبعة الفرزذق التجارية، الأولى، 1413هـ = 1993م.
582- ملكاوي: محمد أحمد، عقيدة التوحيد في القرآن الكريم، ط. الأولى، 1405هـ، دار ابن تيمية للنشر والتوزيع والإعلام، الرياض.
583- ابن منده: محمد بن إسحاق، التوحيد ومعرفة أسماء الله عزوجل وصفاته، ط. الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ت: علي ناصر الفقيهي.
584- ابن منده: محمد بن إسحاق، الإيمان، ط. المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ت: علي ناصر الفقيهي.
585- ابن منده: محمد بن إسحاق، الرد على الجهمية، الأولى، 1401هـ =1981م، ت: علي ناصر الفقيهي.(1/430)
586- منسي: محمد صالح، مشروع قناة السويس.
587- ابن منظور: محمد بن مكرم جمال الدين، لسان العرب، دار صادر، بيروت، دار بيروت، بيروت.
588- المنوفي: السيد أبو الفيض الحسيني، جمهرة الأولياء، ط. مؤسسة الحلبي وشركاه، مصر، الأولى، 1387هـ = 1967م.
589- آل مهدي: فالح بن مهدي، التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية، ط. الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، 1406هـ.
590- الميلي: مبارك بن محمد، الشرك ومظاهره، ط. الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، الأولى، 1407هـ.
591- ابن النجار: محمد بن أحمد بن عبد العزيز، شرح الكوكب المنير، ط. مكتبة العبيكان، 1413هـ = 1993م، ت: محمد الزحيلي ونزيه حماد.
592- النجار: محمد الطيب، تاريخ العالم الإسلامي، ط. مكتبة المعارف، الرياض، 1406هـ –1985م.
593- النجدي: عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، ط.مكتبة الرياض الحديثة، الرياض.
594- النجدي: عبد العزيز بن راشد، تيسير الوحيين للاقتصار مع القرآن على الصحيحين، ط. السنة المحمدية، الثالثة.
595- النحاس: أبو جعفر، معاني القرآن، ط. جامعة أم القرى، مكة المكرمة، مركز إحياء التراث الإسلامي، ت: محمد علي الصابوني.
596- النجمي: أحمد بن يحيى، أوضح الإشارة في الرد على من أجاز الممنوع من الزيارة، ط. الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض، 1405هـ.
597- نجيب: عمارة، الإنسان في ظل الأديان، ط. مكتبة المعارف، الرياض، 1400هـ = 1979م.
598- الندوي: أبو الحسن علي الحسني، مذكرات سائح بالشرق العربي، ط. مؤسسة الرسالة، الثالثة، 1403هـ = 1983م.
599- الندوي: أبو الحسن، الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية، ط. دار الندوة للتوزيع، لبنان، الثانية، 1388هـ = 1968م.
600- الندوي:أبو الحسن، الحافظ أحمد ابن تيمية، ط. دار القلم، الكويت، الرابعة، 1407هـ = 1987م.(1/431)
601- النسائي: أبو عبد الرحمن، السنن الكبرى، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، ت: عبد الغفار سليمان وسيد كسروي حسن، الأولى، 1411هـ = 1991م.
602- النسائي: أبو عبد الرحمن، السنن الصغرى (المجتبى)، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، حاشية السيوطي والسندي.
603- النسائي: زهير بن حرب (أبو خيثمة)، كتاب العلم، ط. المكتب الإسلامي، بيروت، الثانية، 1403هـ، ت: محمد ناصر الدين الألباني.
604- النسفي: عبد الله بن أحمد بن محمود، مدارك التأويل (تفسير النسفي)، ط. دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي، مصر.
605- النصر بوري: محمد أكرم، إمعان النظر شرح نخبة الفكر، حققه وخرج نصوصه: أبو سعيد غلام مصطفى، بدون بيانات.
606- نصر الله: يوسف، الكنز المرصود في قواعد التلمود، ط. دار القلم، دمشق، ودارة العلوم، بيروت، الأولى، 1408هـ = 1987م.
607- النعمي: حسين بن مهدي، معارج الألباب في مناهج الحق والصواب، ط. أنصار السنة المحمدية، باكستان، بدون تاريخ، ت: حامد الفقي.
608- نوفان: عبد الكريم، عالم الجن في الكتاب والسنة، ط. دار ابن تيمية، الرياض، الأولى، 1405هـ = 1985م.
609- نوفل: عبد الرزاق، الله والعلم الحديث، بدون بيانات.
610- النووي: يحيى بن شرف، المنهاج بشرح مسلم بن الحجاج، ط. دار الريان للتراث، القاهرة، الأولى، 1407هـ = 1987م.
611- نومسوك: عبد الله، منهج الإمام الشوكاني في العقيدة، ط. دار القلم والكتاب، الرياض، الثانية، 1414هـ.
612- هراس: محمد خليل، فصل المقال في رفع عيسى حياً ونزوله وقتله الدجال، ط. مكتبة السنة، مصر، الأولى، 1410هـ = 1990م.
613- هراس: محمد خليل، ابن تيمية السلفي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، 1404هـ = 1984م.
614- هراس: محمد خليل، شرح الواسطية، ط. دار الهجرة الرياض، الثالثة، 1415هـ.
615- هراس: محمد خليل، دعوة التوحيد، ط. مكتبة ابن تيمية، الأولى، 1407هـ، القاهرة.(1/432)
616- ابن هشام: عبد الملك أبو محمد، السيرة النبوية، ط. دار الفكر، القاهرة.
617- الهندي: رحمت الله، المناظرة الكبرى بين رحمت الله وفندر، ت: خليل ملكاوي، ط. دار ابن تيمية، الرياض، الثانية، 1412هـ.
618- الهندي: رحمت الله، إظهار الحق، ط. دار الوطن، 1412هـ، ت: خليل ملكاوي.
619- الهيثمي: علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ط. دار الكتاب العربي ـ دار الريان للتراث، 1407هـ = 1987م.
620- 621- الوابل: يوسف بن عبد الله، أشراط الساعة، ط. دار ابن الجوزي، الثانية، 1411هـ = 1990م.
622- وجدي: محمد فريد، دائرة معارف القرن العشرين، ط. دار المعرفة، بيروت، الثالثة، 1971م.
623- وزارة الأوقاف المصرية: الأزهر تاريخه وتطوره.
624- ابن الوزير: أبو عبد الله محمد بن المرتضى، ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان، ط. دار الكتب العلمية، بيروت،الأولى، 1404هـ.
625- ابن الوزير: أبو عبد الله، البرهان في إثبات الصانع وجميع ما جاءت به الشرائع، ط. المطبعة السلفية ومكتبتها القاهرة، 1349هـ.
626- ابن الوزير: إيثار الحق على الخلق، دار الباز للنشر والتوزيع، مكة ـ دار الكتب العلمية، بيروت، 1418هـ.
627- ابن الوزير: العواصم القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، ط. مؤسسة الرسالة، الثالثة، 1415هـ = 1994م.ت: شعيب الأرناؤوط.
628- الوكيل: عبد الرحمن، هذه هي الصوفية، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الرابعة، 1984م.
629- الوكيل: عبد الرحمن، الصفات الإلهية، دار لينة، دمنهور، مصر،بدون بيانات.
630- الوكيل: عبد الرحمن، دعوة الحق، مطبعة التقدم، الثانية، 1411هـ = 1991م.
631- أبو يعلى: محمد بن حسين الفراء، الأحكام السلطانية، ط. مصطفى البابي الحلبي بمصر، الأولى، 1356هـ =1938م، ت: محمد حامد الفقي.
632- أبو يعلي: محمد، طبقات الحنابلة، ط. دار المعرفة، بيروت.(1/433)
633- اليماني: علي بن علي جابر الحربي، كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، ط.دار طيبة، الأولى، بدون تاريخ.
634- اليحصبي: القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، ط. مؤسسة الكتب الثقافية، الأولى، 1416هـ، ت: كمال بسيوني زغلول.
هيكل: محمد حسن (باشا)، مذكرات في السياسة المصرية، ط. دار المعارف، مصر.
المجلات والدوريات
635- مجلة المقتطف؛ مصر، أكتوبر، 1935م.
636- مجلة نور الإسلام (الأزهر)، أعداد مختلفة.
637- مجلة المنار، مصر.
638- مجلة أهلاً وسهلاً السعودية، السنة 19، العدد: 8، ربيع الأول: 1416هـ.
639- مجلة التقوى، لبنان، العدد 66، ربيع الثاني: 1418هـ.
640- مجلة المؤرخ العربي، الأردن، العددان: 41 و42. السنة 16، 1410هـ.
641- مجلة الرسالة، مصر، 1945م، العدد: 9 يوليو.
642- مجلة المجمع العلمي العربي، دمشق، 1/ 366.
643- مجلة البيان، السنة الرابعة عشرة، العدد: 137، محرم: 1420، يونيو 1999م.
644- مجلة المجمع الفقهي، 2/ 4/ 103.
645- مجلة التوحيد، مصر، تصدرها جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر.
646- مجلة العروة الوثقى (باريس) الناشر دار الكتاب العربي اللبناني، بيروت، الثانية، 1400هـ = 1980م.
647- مجلة منار الإسلام، الإمارات، العدد: 4، السنة: 25، ربيع الآخر 1420، يوليو 1999م.
648- جريدة الشرق الأوسط، السعودية، الأحد: 1/ 8/ 1999م.(1/434)
وأما اصطلاحاً، فقد عرفها معتمداً على مصدرين: أحدهما التعريفات للجرجاني 1، والثاني: المواقف للإيجي 2، والذي كان يعتبره ـ حتى المجلد الخامس ـ هو أعظم كتب الكلام 3. وشرح الشيخ رشيد قول الجرجاني "العصمة: ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها" 4، فقال: "أي أن المعصوم من الشيء يجد في نفسه قدرة عليه ويشرع بزاجر منها يحول دون الوقوع فيه، فالعصمة وازع نفسي راسخ في النفس، وهي في الأنبياء فطرية، وقد يكون لغيرهم ـ بحسن التربية ـ من ملكة الفضيلة ما يربأ بنفوسهم عن موافقة الفجور والدنايا ويسمي علماؤنا هذا المعنى حفظاً للتفرقة..." 5. يعني التفرقة بين الأنبياء وغيرهم.
------------------------
1 هو علي بن محمد بن السيد الزين من كبار العلماء بالعربية، فيلسوف، توفي سنة 816هـ. وانظر: الزركلي: الأعلام (5/ 7)
2 سبقت ترجمته.
3 مجلة المنار (5/ 21)
4 التعريفات (ص: 131)
5 مجلة المنار (5/ 18)(1/435)