بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أكرم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .
الأخ الفاضل : مسئول المكتبة أحبكم الله واستعملكم
السلام عليكم ورحمة الله ..
أما بعد
في البدء وتقبل الله منا ومنكم وشكر لكم جهودكم ، وأسأل المولى أن يريكم ثوابها في الدنيا قبل الآخرة ، ومرفق مع هذه الرسالة بحث بعنوان (( حقيقة الإخلاص عند شيخ الإسلام ابن تيمية وانحراف كثير من الفقهاء )) راجيا تكرمكم بنشرة في مكتبتكم الطيبة وهو بصيغتين (( وورد ، وبوك )) ، وجزاكم الله خيرا .
والسلام عليكم ورحمة الله ..
محبكم في الله : محب الاستخارة
سند بن علي بن أحمد البيضاني
التوقيع
اللهم فهذه غاية قدرتي فأرني قدرتك واجعل أفئدة المسلمين تهوي إليها وأرني ثوابها في الدنيا والآخرة..اللهم آمين ، اللهم آمين ، اللهم آمين .(1/1)
سلسلة مسائل مهمة في إتقان الإخلاص لتجديد الإيمان ((1))
محب الاستخارة : سند بن علي بن أحمد البيضاني
sanad_albedani @yahoo.co.uk
muhebalestikharah@yahoo.co.uk
عضو مشارك في الرابطة الفقهية
موقع الفقه الإسلامي
http://www.islamfeqh.com
http://www.almeshkat.net/
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله )) ، والصلاة والسلام على نبيه القائل:(( إذا همّ _أراد_ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة...))، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد.
فهذه السلسلة الأولى من سلسلة مسائل مهمة لإتقان الإخلاص لتجديد الإيمان ، وهي من كتاب (( لله أم للذات ؟- تأكد من عملك قبل فوات الأوان _)) وأصل الكتاب يحتوي على ثلاثة فصل وكل فصل يحتوي على عدة مباحث :
الفصل الأول : دقائق في الإخلاص والرياء .
الفصل الثاني : صعوبة الإخلاص وضرورة تعلمه وتعليمة .
الفصل الثالث : برنامج لتقويم الإخلاص (1) . ويتكون من ثلاثة أقسام : مقومات الإخلاص ، علامات الإخلاص ، علامات الشرك الخفي ، وفي كل قسم مجموعة أسئلة وفي كل سؤال خمسة خيارات .
وكنت أنوي أن أنشره كاملا ، ثم طرأت فكرة أخرى بأن أنشره كسلاسل مثل سلاسل كتاب (( صلاة الاستخارة كيف تتقنها لتجدد إيمانك ؟)) ، فاستخرت الله على ذلك ، والخير فيما اختاره الله ، ولعل :
1) في السلاسل أثر أكبر وأكثر وأسرع وأيسر في تعميم الفائدة من الناحية العملية وخصوصا لأولئك الذين يحبون الكتابات القصيرة .
2) السلاسل تكون مناسبة لمعظم الأذواق بحيث يختار كل قارئ ما يحتاج إليه من هذه السلاسل .
__________
(1) ) دعوة : إلى الإخوة المبرمجين : كنت قد استخرت على وضع هذا البرنامج في برنامج الكتروني لسهولة التعامل مع البرامج أفضل من الوورد، فمن كانت عنده القدرة فليتواصل بعد الاستخارة عبر البريد الالكتروني .(1/1)
ومراعاة للأسلوب الأدبي في تحرير المسائل - بدلاً من سردها سرداً- ؛ تم اعتماد الأسلوب الاستفهامي، لأثرها على أدوات التدبر (1) فهي تساعد على مكاشفة النفس وما ينتج عن ذلك من اعتبار أكبر وأسرع ، وأبلغ في أن يعيها القلب والعقل معاً، ولأهمية مكاشفة النفس تم أفرادها بمسألة مستقلة ، كما أن الحاجة سوف تزداد في السلاسل القادمة بإذن الله .
المسألة الأولى : أصول مكاشفة النفس
إذا كان تجديد الإيمان يبدأ من القلب ، فإن مكاشفة النفس تمثل الخطوة الأولى والأصعب، لأن الإنسان يميل بطبعه إلى الهروب من ذلك حتى لا يقع تحت سياط تأنيب الضمير - النفس اللوامة- ، ومما قد يغفل عنه كثير من الناس عدم معرفة العلاقة بين مكاشفة النفس وتجديد الإيمان والتي تتمثل في معرفة حقيقة النفس البشرية بأن الإنسان ضعيف، ظلوم ، جهول ، قنوط ... ولا حول له ولا قوة إلا بالله . فإذا عرف العبد هذه الحقيقة وكاشف نفسه بها وعمل على تعويض هذا النقص بعلم الله وقدرته وحوله وقوته ؛ نجح بإذن الله في الدنيا والآخرة .
أولا : معرفة ومراقبة الاعتقاد والعمل
الاعتقاد الصحيح لا ينشأ إلا من علم نافع ، وأحكام التكليف خمسة : واجب ، محرم ، مكروه ، مستحب ، مباح، فمتى عرف العبد ذلك قبل أي عمل ساعده على الإقبال أو الإحجام ، ومراقبة الاعتقاد والعمل تتيح للعبد ملاحظة وكشف أي تغير يحدث قبل أن تتكاثر النكت السوداء فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرِبَ من هواه.
ثانيا : معرفة ومراقبة النية
المراقبة شطر الإحسان والعلم بالنية مصحح للعمل، ويزداد الأجر والإثم باختلاف النية ومراقبة النية تساعد العبد على:
__________
(1) ) أدوات التدبر أربعة : السمع ، البصر، القلب ، العقل .(1/2)
أ- معرفة حكم العمل وخصوصاً عند حصول اللبس ،ومثاله: أراد شخص أن يذكر رجلاً بعيب فيه ، فراقب نيته لأقبل أو أحجم عن ذلك ؛ لأن الحلال والحرام سيصبح حينها بَيّنٌ ، ومن ذلك ما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم وغيره ((... والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)).
ب- معرفة الأسباب الحقيقية لأي عمل ، -ونكرر نفس المثال- فقد يكون لبيان حق أو إسقاط للغير .
ج- معرفة النتائج الإيجابية والسلبية.
ثالثا: ضرورة فقه علاقة تسلسل الأسباب بالنتائج
1) من نعمة المولى سبحانه أن جعل لكل حق حقيقة ولكل حقيقة علامات وثمار (1) ليطمئن إليها العبد ، فلهذا على كل مسلم أن يراجع وجودها فيه ومدى كثرتها أو قلتها ليستطيع تقويم مساره وليبدأ بالإخلاص والتوكل .
__________
(1) ) فائدة تأصيلية : العلامة حدها أنها تدل على المطلوب ولا فرق في الأمور الشرعية المعنوية بين العلامة والثمرة ، فكلاهما أثر أو نتيجة للعمل ، كقولك : الكذب علامة من علامات النفاق ، أو الكذب ثمرة من ثمار النفاق ، ولكن هناك فرق في الأمور المادية مثل قولك : علامة منزل فلان أن فيه كذا وكذا ،ولا تستطيع أن تقول : ثمرة منزل فلان أن فيه كذا وكذا ، وثمرة هذا التأصيل سوف تظهر بجلاء في برنامج تقويم الإخلاص .(1/3)
2) وجعل لكل سبب نتيجة (1) .. فالنتائج السلبية والإيجابية هي ثمار وعلامات على حسن أو سوء أعمالنا (2) ،ففعل المنهيات سبب في انخفاض المنزلة وسلب كثير من النعم والعكس صحيح ، وقد دل على ذلك كثير من النصوص الشرعية فمعرفة السبب الحقيقي:
? يساعد على وضع الحلول المناسبة والدقيقة والمرحلية والإستراتيجية.
? مهم لأي مكاشفة ؛ لأن تصحيح الاعتقاد والنية والعمل لا يتم إلا من خلال ذلك ، وقد تجتمع عدة أسباب في مسألة واحدة ،ومثاله :
أ- قد يظن عبد أن صعوبة التمييز للصرف أو التيسير السبب الحقيقي لتركه الاستخارة أو الإقلال منها ؛ فحتى يستطيع التأكد من ذلك التشخيص ؛ فعليه بمراقبة هذا السبب في الأعمال غير الواجبة والتي تحتاج إلى اجتهاد أو سؤال ، فإن رأى أن من عادته لا يجتهد ولا يسأل ، فحينئذٍ يستطيع أن يرجّح هذا السبب ، ولكنه في النهاية سيقع في الجهل الذي لا يُعذر صاحبه ، وإن رأى غير ذلك فعليه أن يبحث عن السبب الحقيقي.
ب- قد يظن أن السبب الحقيقي لتركه الاستخارة أو الإقلال منها عدم وجوبها، وحتى يستطيع التأكد من صحة ذلك؛ فينبغي مراقبة هذا السبب مع بقية الأعمال غير الواجبة... ولعله إن بحث بشكل أعمق قد يجده في ضعف التوكل.
3) وبناء على ذلك يمكن القول :
أ ) لكل شيء سبب .
ب ) لكل سبب نتيجة ، وكل نتيجة هي سبب للنتيجة التي بعدها إلى أن نصل إلى آخر نتيجة.
__________
(1) ) لمزيد من التفاصيل ينظر (( صلاة الاستخارة أحكام مهمة جدا لإتقانها/ باب أهمية فقه علاقة تسلسل الأسباب بالنتائج ))
(2) ) وفي الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم وغيره يقول المولى سبحانه: ))يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه(( قال سعيد بن عبد العزيز - راوي الحديث-: (( كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه )).(1/4)
ج) لكل نتيجة سبب وكل سبب هو نتيجة للسبب الذي قبله ؛ إلى أن نصل إلى أول سبب .
4) الخلاصة
1- كل عمل يجتمع فيه اعتقاد ونية وسبب ونتيجة .
2- كل عمل لا يوجد معه مراقبة يصعب معه حصول المكاشفة والمجاهدة (1) .
3- التجديد يبدأ من المراقبة ثم المكاشفة ثم المحاسبة ثم التصحيح ثم المراقبة ... وهكذا.
المسألة الثانية : حقيقة الإخلاص
نظرا لأهمية حقيقة الإخلاص وأثرها المباشر وغير المباشر على الإخلاص نفسه وبقية الطاعات ، فقد تم إفراد ذلك بمسألة كاملة لبيان حقيقة الإخلاص من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية حيث لم أقف على غيره إلا فيما ندر و (( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) .
1) الإخلاص هو حقيقة الإسلام
يقول شيح الإسلام (2)
(( وأما الإخلاص فهو حقيقة الإسلام إذ الإسلام هو الاستسلام لله لا لغيره كما قال تعالى : الزمر29 : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ .الآية. فمن لم يستسلم له فقد استكبر ومن استسلم لله ولغيره فقد أشرك وكل من الكبر والشرك ضد الإسلام والإسلام ضد الشرك والكبر وذلك في القرآن كثير ولهذا كان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وهي متضمنة عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله من أحد من الأولين والآخرين دينا سواه )) .
__________
(1) ) المجاهدة من الإحسان ، قال سبحانه : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ، العنكبوت . وتكون بفعل الأمر وترك المنهي ، فإن لم تستطع فجاهد بالتوبة ، فإن لم تستطع فجاهد بالاستغفار والدعاء وليس بعد ذلك أدنى مستوى تكليف وحينها تكون أعجز الناس .ففي الحديث : ((أعجز الناس من عجز عن الدعاء )) حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة .
(2) ) التحفة العراقية 1/41 .(1/5)
ويقول (1)
(( وقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه وهذا الأصل هو أصل الدين وبحسب تحقيقه يكون الدين وبه أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وإليه دعا الرسول وعليه جاهد وبه أمر وفيه رغب وهو قطب الدين الذي تدور عليه رحاه والشرك غالب على النفوس وهو كما جاء في الحديث وهو في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل (2) وفي حديث آخر قال أبو بكر الجواب يا رسول الله كيف ننجو منه وهو أخفى من دبيب النمل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الجواب ألا أعلمك كلمة إذا قلتها نجوت من دقه وجله قل : اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم وكان عمر يقول في دعائه اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا (3) ، وكثيرا ما يخالط النفوس من الشهوات الخفية ما يفسد عليها تحقيق محبتها وعبوديتها له وإخلاص دينها له كما قال شداد بن أوس يا بقايا العرب إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية قيل لأبي داود السجستاني وما الشهوة الخفية قال : حب الرئاسة وعن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه (4) ) .
2) المتابعة والموافقة
__________
(1) )الفتاوى الكبرى2/398 .
(2) ) سوف يأتي تخريجه .
(3) ) (( طبقات المحدثين 4/261))عبدا لله ابن حيان الأنصاري .
(4) ) أخرجه الترمذي رقم 2376، وقال حديث حسن صحيح .(1/6)
معلوم أن الإخلاص والمتابعة شرط صحة لقبول العمل ، ولكن هناك من يفهم المتابعة فهم خاطئ فمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم تستلزم موافقته في القصد والنية – وهما من عمل القلب- ، وليس في الفعل الظاهر فقط ، وإلا صار مخالفا للرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا من الأخذ ببعض الكتاب وترك بعضه ، قال سبحانه : (( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ )) البقرة .
أ ) المتابعة :
ويقصد بها الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في كل عمل ظاهر عمله على وجه التقرب إليه سبحانه ولم يأت دليل على أنه خاص به كالزواج بأكثر من أربع ، قال سبحانه : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21). الأحزاب .وقال : ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) آل عمران : 31.
ب) الموافقة :
ويقصد بها متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في القصد والنية في أي عمل عمله .
يقول شيخ الإسلام (1)
__________
(1) ) مجموع الفتاوى : 17/486(1/7)
(( النية و القصد هما عمل القلب فلابد في المتابعة للرسول صلى الله عليه و سلم من اعتبار النية و القصد ومن هذا الباب أن النبي صلى الله عليه و سلم لما احتجم و أمر بالحجامة و قال في الحديث الصحيح شفاء أمتي في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار و ما أحب أن اكتوى كان معلوما أن المقصود بالحجامة إخراج الدم الزائد الذي يضر البدن فهذا هو المقصود )).
ويقول (1)
(( ما فعله على وجه التقرب كان عبادة تفعل على وجه التقرب وما أعرض عنه ولم يفعله مع قيام السبب المقتضى لم يكن عبادة ولا مستحبا وما فعله على وجه الإباحة من غير قصد التعبد به كان مباحا ومن العلماء من يستحب مشابهته في هذا في الصورة كما كان ابن عمر يفعل وأكثرهم يقول إنما تكون المتابعة إذا قصدنا ما قصد وأما المشابهة في الصورة من غير مشاركة في القصد والنية فلا تكون متابعة فما فعله على غير العبادة فلا يستحب أن يفعل على وجه العبادة فان ذلك ليس بمتابعة بل مخالفة )).
ج) متابعته في الظاهر ومخالفته في الباطن
__________
(1) ) مجموع الفتاوى : 27/422)) .(1/8)
من الناس من يجتهد في الظاهر ويهمل متابعة الباطن مثل من يحرص على إتقان الصلاة ظاهرا ، ولا يجتهد في مجاهدة نفسه للخشوع (1) وتدبر القرآن مع وجوبهما (2) ، قال سبحانه (( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)) .المؤمنون ..محمد : 24.ويقول سبحانه : ((إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) . العنكبوت . ((وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)) . الأعراف :204. وقال : ((إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) .يوسف . (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77 . الحج .ويقول سبحانه ((حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238). البقرة :238
ويقول سبحانه : ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) ، ويقول: ((وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) .الأعراف .ويقول: ((كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ )) .ص :29
__________
(1) ) هو حضور القلب مع سكون الجوارح والحركة تنافي الخشوع . قاله العلامة ابن عثيميين ((فتاوى نور على الدرب )) .
(2) ) ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب الخشوع في الصلاة ومنهم شيخ الإسلام القواعد النورانية : 1/ 46، وللأسف هناك كثير من الفقهاء عندما يتحدثون عن واجبات الصلاة أو مستحباتها ، لا يتحدثون عن الخشوع ،وليس مجال البسط في أدلة الوجوب .(1/9)
والشاهد من كل ذلك أن هناك قصدا ربانيا من أي عبادة ، وإخلال عمل القلب من أي عبادة إخلال في موافقة إرادة الشارع ، وهذا يتنافى مع إخلاص المحبة لله ، فالمولى سبحانه لم يكلفنا فوق طاقتنا ، ولكن لما ضعف الإخلاص ، ضعفت معه كل الأعمال القلبية ، وصار هذا وكأنه فوق الطاقة ، وتركنا المجاهدة ونسينا أنها من الإحسان ، قال سبحانه: (( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ
(69) .العنكبوت .ولو أن هناك تذكيرا وترغيبا وترهيبا دائما لعمل القلب عموما وعمل القلب في الصلاة خصوصا لأثمرت - بإذن الله- النهي عن الفحشاء والمنكر ، ولكن انحراف قد وقع من كثير الفقهاء في الإخلاص وعمل القلب منذ مئات السنين ، يدفع ثمنه المتفقهة والعامة في الدنيا ، وسيدفع ثمنه الخاصة يوم القيامة إن لم يراجعوا فقههم وفقه الأولويات الإيمانية .
3) الإخلاص يجمع الإحسان
يقول شيخ الإسلام (1)
(( وأما الإحسان فقوله أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك (2) قد قيل أن الإحسان هو الإخلاص والتحقيق أن الإحسان يتناول ا
لإخلاص وغيره والإحسان يجمع كمال الإخلاص لله ويجمع الإتيان بالفعل الحسن الذي يحبه الله قال تعالى : بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (3) وقال تعالى : وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (4) فذكر إحسان الدين أولا ثم ذكر الإحسان ثانيا فإحسان الدين هو والله أعلم الإحسان المسئول عنه في حديث جبريل فإنه سأله عن الإسلام والإيمان )) .
__________
(1) ) مجموع الفتاوى 7/622 .
(2) ) أخرجه البخاري وغيره .
(3) ) البقرة :112
(4) )النساء 125(1/10)
4) الولاء والبراء مظهران من مظاهر إخلاص المحبة لله
يقول شيخ الإسلام (1)
قال سبحانه (( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28). الزخرف . فهذه الكلمة هي كلمة الإخلاص لله وهي البراءة من كل معبود إلا من الخالق الذي فطرنا كما قال صاحب ياسين وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) .
ويقول (2) :
((فإن تحقيق الشهادة بالتوحيد يقتضى أن لا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله ولا يوالى إلا لله ولا يعادي إلا لله وأن يحب ما يحبه الله ويبغض ما أبغضه ويأمر بما أمر الله به وينهي عما نهي الله عنه وإنك لا ترجو إلا الله ولا تخاف إلا الله ولا تسأل إلا الله وهذا ملة إبراهيم وهذا الإسلام الذي بعث الله به جميع المرسلين )) .
5) أن تتوكل على الله وتذوق حقيقة التوكل
لابد للإنسان أن يتوكل على أحد إما على نفسه وذلك عين الجهل والغرور وإما على غيره وذلك شرك وإما على المولى سبحانه وذلك المخلص ، يقول شيخ الإسلام (3) : ((والمخلص لا يكون مخلصا مع توكله على غير الله فإن ذلك شرك )) .
ويقول (4)
(( وإذا توجه إلى الله بصدق الافتقار إليه واستغاث به مخلصا له الدين أجاب دعاءه وأزال ضرره وفتح له أبواب الرحمة فمثل هذا قد ذاق من حقيقة التوكل والدعاء لله ما لم يذق غيره وكذلك من ذاق طعم الإخلاص لله وإرادة وجهه دون ما سواه يجد من الأحوال والنتائج والفوائد ما لا يجده من لم يكن كذلك )).
__________
(1) ) التحفة العراقية 1/61
(2) ) مجموع الفتاوى 8/337
(3) ) مجموع الفتاوى : 15/114))
(4) ) الزهد والورع والعبادة 1/82(1/11)
ويقول (1)
(( ولا إله إلا الله تقتضي الإخلاص والتوكل، والإخلاص يقتضي الشكر فهي أفضل الكلام وهي أعلى شعب الإيمان كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان فلا إله إلا الله هي قطب رحى الإيمان وإليها يرجع الأمر كله والكتب المنزلة مجموعة في قوله تعالى : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) .
ويقول (2)
(( فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين بما ليس في نفسه شانه الله عز وجل )) .
وقال الإمام ابن عبد البر (3)
(( ويدخل في الإخلاص أيضا التوكل على الله وأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع على الحقيقة غيره لأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع لا شريك له ..)).
6) أهل الإخلاص متفقون
يقول شيخ الإسلام (4)
(( فأهل الإشراك متفرقون وأهل الإخلاص متفقون وقد قال تعالى : وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ (5) فأهل الرحمة مجتمعون متفقون والمشركون فرقوا دينهم وكانوا شيعا )) .
سؤال إيماني
على ماذا يدل واقع المسلمين والجماعات الإسلامية اليوم ؟
7) يمنع تسلط الشيطان
يقول شيخ الإسلام (6)
__________
(1) ) (( مجموع الفتاوى : 14/420)). (( الحسنة والسيئة 1/158)) .
(2) ) ((منهاج السنة النبوية 6/73 )) .
(3) ) التمهيد 21/272 .
(4) ) اقتضاء الراط1/456 .
(5) ) هود : 118-119 .
(6) ) مجموع الفتاوى 8/222 .(1/12)
(( فلما لم يفعل ما خلق له وما فطر عليه عوقب على ذلك بأن زين له الشيطان ما يفعله من الشرك و المعاصي قال تعالى : قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا إلى قوله : إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ (1) ، و قال تعالى : إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَه (2) ُ الآية و قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ .فتبين أن الإخلاص يمنع من تسلط الشيطان كما قال تعالى : كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ، فكان إلهامه لفجوره عقوبة له و عدم فعل الحسنات ليس أمرا موجودا حتى يقال إن الله خلقه ، ومن تدبر القرآن تبين له أن عامة ما يذكر الله في خلق الكفر و المعاصي يجعله جزاء لذلك العمل كقوله تعالى : فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا (3) و قال تعالى : فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ (4) و قال وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) (5) و هذا و أمثاله يذكر فيه أعمالا عاقبهم بها على فعل محظور و ترك مأمور و لا بد لهم من حركة و إرادة فلما لم يتحركوا بالحسنات حركوا)) .
ويقول (6)
__________
(1) ) الإسراء : 63-65
(2) ) النحل 99-100
(3) ) الأنعام 125
(4) ) الصف :5
(5) ) الليل
(6) الحسنة والسيئة 1/93(1/13)
(( قد تبين أن إخلاص الدين لله يمنع من تسلط الشيطان ومن ولاية الشيطان التي توجب العذاب كما قال تعالى كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ فإذا أخلص العبد لربه الدين كان هذا مانعا له من فعل ضد ذلك ومن إيقاع الشيطان له في ضد ذلك وإذا لم يخلص لربه الدين ولم يفعل ما خلق له وفطر عليه عوقب على ذلك وكان من عقابه تسلط الشيطان عليه حتى يزين له فعل السيئات ..)) .
ويقول (1)
(( وأخبر الله أن سلطانه ليس على عباد الله بل على من اتبعه من الغاوين والغي إتباع الأهواء والشهوات وأصل ذلك أن الحب لغير الله كحب الأنداد وذلك هو الشرك قال الله تعالى فيه إنما سلطانه علي الذين يتولونه والذين هم به مشركون فبين أن صاحب الإخلاص مادام صادقا في إخلاصه فإنه يعتصم من هذا الغي وهذا الشرك وإن الغي هو يضعف الإخلاص ويقوي هواه الشرك فأصحاب )) .
8) لا يحصل الإخلاص إلا بعد الزهد
جاء في الحديث : (( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له )) (2)
فكلما كان هم عبد الآخرة ازداد يقينا ، وكلما ازداد يقينا زهد من الدنيا لأن من ما عند الله خير وأبقى .
وعن ابن مسعود (3) -رضي الله عنه -
((إن للإسلام علامة وعلامته الإيمان ليكسر علامة وعلامة الإيمان اليقين ،ولليقين علامة وعلامة اليقين الإخلاص ،وللإخلاص علامة وعلامة الإخلاص الورع وعلامة الورع الزهد في الدنيا فمن تمسك بالورع والزهد بلغاه كل درجة رفيعة..))
ويقول شيخ لإسلام (4) :
__________
(1) ) قاعدة في المحبة 1/79
(2) ) أخرجه الترمذي 2465وغيره ، وصححه الألباني ، وفي رواية في صحيح ابن حبان (( نيته )) بدلا من (( همه )) .
(3) ) الفردوس بمأثور الخطاب رقم 785 . لأبي شجاع الديلمي الهمذاني .
(4) ) مجموع الفتاوى 1/94(1/14)
(( وكذا الخوف والرجاء وما أشبه ذلك فإن كمل خوف العبد من ربه لم يخف شيئا سواه قال الله تعالى: ( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) (1) وإذا نقص خوفه خاف من المخلوق وعلى قدر نقص الخوف وزيادته يكون الخوف كما ذكرنا في المحبة وكذا الرجاء وغيره فهذا هو الشرك الخفي الذي لا يكاد أحد أن يسلم منه إلا من عصمه الله تعالى وقد روى (2) أن الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل (3) ، وطريق التخلص من هذه الآفات كلها الإخلاص لله عز وجل قال الله تعالى ) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (4) ولا يحصل الإخلاص إلا بعد الزهد ولا زهد إلا بتقوى والتقوى متابعة الأمر والنهى )) .أهـ
وفي المعجم الأوسط (5) أن رجلا حدث عند الحسن البصري بحديث فقال الحسن : (( من حدثك بهذا )) قال : (( الفقهاء )) : قال : (( وهل رأيت بعينك فقيها قط )) ثم قال: (( أتدري من الفقيه ، الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بهذا الدين المتمسك بالعلم الراغب في الآخرة البصير بأمر دينه المداوم على عبادة ربه )) .
ويذكر عن سفيان الثوري (6) رحمه الله أنه قال : (( أعز الخلق خمسة أنفس : عالم زاهد وفقيه صوفي وغني متواضع وفقير شاكر وشريف سني)) .
__________
(1) ) الأحزاب :39
(2) ) سوف يأتي تخريجه .
(3) ) أخرجه أبو يعلى في مسنده (( 60)) ، وضعفه المحقق حسين أسد ، وأخرج بنحوه الحاكم في المستدرك 3148، وقال : ((وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)) ، وصححه الألباني.ينظر حديث رقم: 3731 في صحيح الجامع .
(4) ) الكهف 110
(5) )المعجم الأوسط 2/316 الطبراني، والدرامي في مسنده 294وقال المحقق حسين أسد إسناده صحيح .
(6) ) مدارج السالكين 2/333 . الإمام ابن القيم .(1/15)
وأهم أنواع الزهد المتعلق بالشرك الخفي؛: أن يزهد فيما ينتظر من الناس من الثناء والعطاء.
وقفة مع سؤال إيماني
أين نحن اليوم من هذه العلامة المهمة –الزهد - ؟؟؟!!!!
9) أن تذوق حلاوة عبوديته سبحانه
يقول شيخ الإسلام (1)
(( فإن الدين السليم لا يكون فيه هذا الحرص (2) وذلك أن القلب إذا ذاق حلاوة عبوديته ومحبته له لم يكن شيء أحب عليه من ذلك حتى يقدمه عليه وبذلك يصرف عن أهل الإخلاص السوء والفحشاء كما قال تعالى كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ. يوسف :24 )) .
10) الصدق
يقول شيخ الإسلام (3)
(( الصدق أساس الحسنات وجماعها والكذب أساس السيئات ونظامها ويظهر ذلك من وجوه ...ثم قال : السابع أنه مقرون بالإخلاص الذي هو أصل الدين في الكتاب وكلام العلماء والمشايخ قال الله تعالى : ((وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ (4) ) ولهذا قال عدلت شهادة الزور الإشراك بالله مرتين وقرأ هذه الآية وقال : ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت )) . (5)
11) إخلاص الدين سبب التقوى وفعل الحسنات
يقول شيخ الإسلام (6)
__________
(1) ) الفتاوى الكبرى 2/298
(2) ) أي حب المال والشرف .
(3) )مجموع الفتاوى 20/77
(4) ) الحج: 30
(5) ) أخرجه البخاري ومسام وغبرهما
(6) ) الرد على البكري 274(1/16)
(( كما أن إخلاص الدين سبب التقوى و فعل الحسنات قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) وقوله (لعلكم تتقون )متعلق بقوله (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ) لعل التقوى تحصل لكم بعبادته كما قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) .
12) الجهاد في سبيل الله :
قال شيخ الإسلام (1)
(( وفى الجهاد أيضا حقيقة الزهد في الحياة الدنيا وفى الدار الدنيا وفيه أيضا حقيقة الإخلاص فإن الكلام فيمن جاهد في سبيل الله لا في سبيل الرياسة ولا في سبيل المال ولا في سبيل الحمية وهذا لا يكون إلا لمن قاتل ليكون الدين كله لله ولتكون كلمة الله هي العليا وأعظم مراتب الإخلاص تسليم النفس والمال للمعبود )) .
13) أن تذوق السعادة النفسية
يقول شيخ الإسلام (2)
(( وكذلك من ذاق طعم إخلاص لله وإرادة وجهه دون ما سواه يجد من الأحوال والنتائج والفوائد ما لا يجده من لم يكن كذلك بل من اتبع هواه في مثل طلب الرئاسة والعلو وتعلقه بالصور الجميلة أو جمعه للمال يجد في أثناء ذلك من الهموم والغموم والأحزان والآلام وضيف الصدر ما لا يعبر عنه وربما لا يطاوعه قلبه على ترك الهوى ولا يحصل له ما يسره بل هو في خوف وحزن دائما إن كان طالبا لما يهواه فهو قبل إدراكه حزين متألم حيث لم يحصل فإذا أدركه كان خائفا من زواله وفراقه وأولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فإذا ذاق هذا أو غيره حلاوة الإخلاص لله والعبادة وحلاوة ذكره ومناجاته وفهم كتابه وأسلم وجهه لله وهو محسن بحيث يكون عمله صالحا ويكون لوجه الله خالصا فإنه يجد من السرور واللذة والفرح ما هو أعظم مما يجده الداعي )).
__________
(1) ) مجوع الفتاوى 28/442)) العقود الدرية1/160
(2) ) الزهد والورع والعبادة 1/82(1/17)
14) أن تقصد الله في الدعاء
يقول شيخ الإسلام (1)
(( فإن الإنسان قد يقصد سؤال الله وحده والتوكل عليه لكن في أمور لا يحبها الله بل يكرهها وينهى عنها ، فهذا وإن كان مخلصا له في سؤاله والتوكل عليه لكن ليس هو مخلصا في عبادته وطاعته وهذا حال كثير من أهل التوجهات الفاسدة أصحاب الكشوفات والتصرفات المخالفة لأمر الله ورسوله فإنهم يعانون على هذه الأمور وكثير منهم يستعين الله عليها لكن لما لم تكن موافقة لأمر الله ورسوله حصل لهم نصيب من العاجلة وكانت عاقبتهم عاقبة سيئة )) .
15) ينفي أسباب دخول النار
يقول شيخ الإسلام (2)
((وقد ثبت في الصحيح عن النبي انه قال من قال لا اله إلا الله مخلصا من قلبه حرمه الله على النار،فإن الإخلاص ينفى أسباب دخول النار فمن دخل النار من القائلين لا اله إلا الله لم يحقق إخلاصها المحرم له على النار بل كان في قلبه نوع من الشرك الذي أوقعه فيما ادخله النار والشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل (3) ولهذا كان العبد مأمورا في كل صلاة أن يقول إياك نعبد وإياك نستعين والشيطان يأمر بالشرك والنفس تطيعه في ذلك فلا تزال النفس تلتفت إلى غير الله أما خوفا منه وأما رجاء له فلا يزال العبد مفتقرا إلى تخليص توحيده من شوائب الشرك وفى الحديث الذي رواه ابن أبي عاصم وغيره عن النبي انه قال يقول الشيطان أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا اله إلا الله والاستغفار (4) فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يستغفرون لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )).
المسألة الثالثة : انحراف كثير من الفقهاء عن الإخلاص
أولا : العنصر البشري هو أساس أي إصلاح أو تغيير
__________
(1) ) مجموع الفتاوى 2/326
(2) ) مجموع الفتاوى 10/261
(3) ) تقدم تخريجه .
(4) ) ضعيف الجامع رقم: 3795 الألباني .(1/18)
معلوم أن العنصر البشري أساس أي تغير أو تغيير أو إصلاح ،وما الوسائل إلا عوامل مساعدة ليس إلا، فبندقية بيد رام خير من صاروخ بيد من لا يعرف استعماله ، ولطالما كان الهم الأكبر عند الصالحين من أهل الزهد والتقوى الاطمئنان على إخلاص النية لما لها من بركة وأثر عظيم ومتعد في الدنيا قبل الآخرة ، ولقد سئل حمدون بن أحمد : (( ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا ؟)) فقال: (( لأنهم تكلموا لعز الله ونجاة النفوس ورضا الرحمن ، ونحن نتكلم لعز النفوس وطرب الدنيا ورضا الخلق )) .
ثانيا : ضعف حصول البركة المرجوة علامة على وجود خلل
1) جاء عن كثير من السلف ( مثل (1) : ((سفيان الثوري، مجاهد، سماك، حبيب بن أبي ثابت، هشام الدستوائي )) قالوا: (( طلبنا هذا الشأن ومالنا فيه من نية ثم رزقنا الله النية من بعد )).
قال الإمام الذهبي (2) :
(( قلت: نعم يطلبه أولاً والحاصل له حب العلم وإزالة الجهل عنه وحب الوظائف ونحو ذلك ، ولم يكن علم وجوب الإخلاص فيه ولا صدق نية فإذا علم حاسب نفسه وخاف من وبال قصده فتجيئه النية)).
وقال في موضع آخر (3) - بعد أن ذكر أصناف الذين طلبوا العلم-:
(( فخلف من بعدهم خلف بأن نقصهم في العلم والعمل وتلاهم قوم انتموا إلى العلم في الظاهر ولم يتقنوا منه سوى نزر يسير أو هموا به أنهم علماء فضلاء ولم يدر في أذهانهم قط أنهم يتقربون إلى الله لأنهم ما رأوا شيخاً يقتدى به في العلم فصاروا همجاً رعاعاً....)).
سؤال إيماني لمكاشفة أنفسنا
__________
(1) )" العلل ومعرفة الرجال /3/235" ، "حليلة الأولياء /5/285، 6/367، "سير أعلام النبلاء /4/455، " 7/17" ، "7/152".
(2) ) "سير أعلام النبلاء /7/17"
(3) ) سير أعلام النبلاء ( 7/152)(1/19)
2) إذا تأملنا واقع المدخلات (1) والمخرجات الدعوية في هذا العصر والتي لها قرابة ( 70) عاما، ثم عملنا مقارنة سريعة بين هذه المدخلات والمخرجات الدعوية اليوم وبين المدخلات والمخرجات للسلف -رضوان الله عليهم - لتفطر القلب حزنا وألما مما يراه ، فالمدخلات قديما كانت متواضعة جدا مقارنة مع مدخلات اليوم ، ولكن مخرجاتها كانت عظيمة .
فالمولى سبحانه لا يبارك بعمل الآخرة من أجل الدنيا، ولابعمل الآخرة باسم الآخرة ولكن يبارك بعمل الآخرة لأجل الآخرة ، وقد يبارك بعمل الدنيا لأجل الدنيا لأنه صدق، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، فالبركة في الدعوة علامة مهمة من علامات الإخلاص الكثيرة والذي يجب أن لا يغيب طرفة عين عن كل مسلم عند كل عمل صغر أم كبر
إذا كان طالب العلم يعتقد بأن كل إنسان ميسر لما خلق له ، ويعتقد أنه ميسر لسلك طريق الدعوة ويجد ذاته فيها دون مراقبة ومكاشفة لنيته في كل عمل صغر أم كبر ، فلن يستطيع بعد ذلك اكتشاف هذا الفيروس – الرياء - الذي تطور مع مر العصور من خلال تلك الدوافع التي تقدم ذكرها ، وكذلك ضعف أو عدم وجود القدوة.
وقد يقول قائل : جاء في الحديث : (( عرضت على الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلين والنبي وليس معه أحد )) ، فهل ذاك النبي لم يكن مخلصا ؟
الجواب باختصار :
__________
(1) ) ويقصد بالمدخلات: كثرة انتشار الوسائل الدعوية من قنوات فضائية و جامعات وكليات ومعاهد ومحاضرات ودروس وغيرها من الأمور الكثيرة المعروفة التي لا تعد ولا تحصى . والمخرجات : النتائج والثمار التي ينبغي أو يتوقع جنيها من هذه المدخلات .(1/20)
أن هذه الأمة موعودة بالتمكين إن أخلصت عملها لله وليس للذات ، قال سبحانه : ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) (1) ، وقال عليه الصلاة والسلام (( بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصرة والتمكين في الأرض ومن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب )) (2) ، فشرع ما قبلنا شرع لنا ما لم يخالف شريعة محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم ، وإضافة إلى ذلك أن ذلك الحديث خرج مخرج الإخبار وليس الإنشاء (3) .
ثالثا : كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
من أعظم الآفات التي أصيبت بها هذه الأمة منذ وقت مبكر التحزب المذموم لغير الله قال سبحانه -محذرا هذه الأمة على الخصوص _ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) . الروم .
__________
(1) ) النور :55
(2) ) أخرجه ابن حبان في صحيحه (( 405)) وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين . والحاكم في المستدرك (( 7862)) ، وقال هذا حديث صحيح ولم يخرجاه . وقال الذهبي في التلخيص : (( صحيح )) . ، وصححه الألباني في كتاب الترغيب والترهيب .
(3) ) كلام الشارع ينقسم إلى قسمين : إنشاء : ومنه يتم استنباط تكاليف الأحكام الخمسة _ الواجب ،المحرم ،المستحب، المكروه والمباح _ ، وقسم إخبار: لا يستنبط منه أحكام مثل ما جاء عن عذاب النار ونعيم الجنة .(1/21)
ففي القرون المفضلة لم يكن هناك تمييز يذكر بين عالم في فقه أعمال القلوب وعالم في فقه الشريعة ، ولم يظهر حينها مصطلح أهل المعرفة في مقابلة أهل الفقه ، وكان الفقيه عالم قلوب أيضا كالصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم كثير، ثم مع انتشار التمذهب الفقهي والتصوف والتدريس لهما ، صار يطلق على من يطلب العلم عند الفقهاء بالمتفقهة، ويطلق على من يطلب العلم عند المتصوفة بالمريدين ،وصار المتفقهة وغالب الفقهاء يهتمون بالإعمال الظاهرة والمتصوفة بالإعمال الباطنة - أعمال لقلوب -، ثم عجب كل فريق بما لديه فزهد كل فريق فيما عند الآخر، وحصلت بينهم عداوة وبغضاء .
ومن الملفت أن نرى الفقهاء عندما يتحدثون عن أعمال القلوب ينقلون (1) عن أئمة المتصوفة (2) ،وخصوصا في الإخلاص ، والإخلاص ودقائق الإخلاص ينبغي أن يعلمها كل مسلم ولا يدخل تحت عموم التخصص .
رابعا : صرخات أهل العلم على هذا الانحراف
هناك أقوال (3) لأهل العلم ينبغي العناية بها حيث كانت وكأنها صرخات إيمانية لتدارك ذلك الانحراف قبل أن يزداد شرره وضرره . ولعل المولى سبحانه يحدث أمرا إن علم صدق نياتنا في التغيير والإصلاح قال سبحانه (( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ )) (4)
__________
(1) ) وهذا الأمر يدركه طلبة العلم فلا حاجة إلى الأمثلة .
(2) ) المتصوفة الأوائل كانوا أهل زهد وورع وعلم وأكثر إتباعا للسنة من الذين جاءوا من بعدهم .وإن حصل منهم مبالغة في فهم الإخلاص .
(3) ) وقد تم نقلها بطولها لأهمية الإخلاص وصعوبة تحقيقه وخفاء الشرك الخفي وخطر هذا الانحراف؛ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) . الأنفال .
(4) ) الرعد : 13(1/22)
1) يقول الإمام الغزالي (1)
وفي المعجم الأوسط (2) أن رجلا حدث عند الحسن البصري بحديث فقال الحسن : (( من حدثك بهذا )) قال : (( الفقهاء )) : قال : (( وهل رأيت بعينك فقيها قط )) ثم قال: (( أتدري من الفقيه ، الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بهذا الدين المتمسك بالعلم الراغب في الآخرة البصير بأمر دينه المداوم على عبادة ربه )) .
(( ولقد كان اسم الفقه في العصر الأول مطلقا على علم طريق الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب ويدلك عليه قوله عز وجل : ((لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ )) (3) وما يحصل به الإنذار والتخويف هو هذا الفقه دون تفريعات الطلاق والعتاق واللعان والسلم والإجارة فذلك لا يحصل به إنذار ولا تخويف بل التجرد له على الدوام يقسي القلب وينزع الخشية منه كما نشاهد الآن من المتجردين له )) .
2) ويقول الإمام ابن قدامة المقدسي (4)
(( فأما علم المعاملة وهو علم أحوال القلب، كالخوف، والرجاء، والرضى، والصدق، والإخلاص وغير ذلك، فهذا العلم ارتفع به كبار العلماء، وبتحقيقه اشتهرت أذكارهم، كسفيان ، وأبى حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد .
وإنما انحطت رتبة المسمين بالفقهاء والعلماء عن تلك المقامات، لتشاغلهم بصورة العلم من غير أخذ على النفس أن تبلغ إلى حقائقه وتعمل بخفاياه .
__________
(1) ) إحياء علوم الدين 1/63
(2) )المعجم الأوسط 2/316 الطبراني، والدرامي في مسنده 294وقال المحقق حسين أسد إسناده صحيح .
(3) ) التوبة 122
(4) ) مختصر منهاج القاصدين 1/7(1/23)
وأنت تجد الفقيه يتكلم في الِّظهار، واللِّعان ، والسبع، والرمى، يفرع التفريعات التي تمضى الدهور فيها ولا يحتاج إلى مسألة منها، ولا يتكلم في الإخلاص، ولا يحذر من الرياء، وهذا عليه فرض عين ، لأن في إهماله هلاكه، والأول فرض كفاية . ولو أنه سئل عن علة ترك المناقشة للنفس في الإخلاص والرياء لم يكن له جواب . ولو سئل عن علة تشاغله بمسائل اللعان والرمى، لقال : هذا فرض كفاية ، ولقد صدق، ولكن خفي عليه أن الحساب فرض كفاية أيضاً، فهلا تشاغل به، وإنما تبهرج عليه النفس، لأن مقصودها من الرياء والسمعة يحصل بالمناظرة، لا بالحساب !
واعلم : أنه بدلت ألفاظ وحرفت، ونُقلت إلى معان لم يردها السلف الصالح . فمن ذلك : الفقه، فإنهم تصرفوا فيه بالتخصيص، فخصوه بمعرفة الفروع وعللها، ولقد كان اسم الفقه في العصر الأول منطلقاً على علم طريق الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس، ومفسدات الأعمال، وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا، وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب .
ولذلك قال الحسن رحمه الله : إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه، الوَرِع الكافُّ عن أعراض المسلمين، العفيف عن أموالهم، الناصح لهم ،فكان إطلاقهم اسم الفقه على علم الآخرة أكثر، لأنه لم يكن متناولاً للفتاوى، ولكن كان متناولاً لذلك بطريق العموم والشمول، فثار من هذا التخصيص تلبيس بعث الناس على التجرد لعلم الفتاوى الظاهرة، والإِعراض عن علم المعاملة للآخرة )) أهـ.
3)ويقول شيخ الإسلام (1)
__________
(1) ) مجموع الفتاوى (( 20/72)) .(1/24)
((... فصل إذا تبين ذلك فغالب الفقهاء إنما يتكلمون به في الطاعات الشرعية مع العقلية وغالب الصوفية إنما يتبعون الطاعات الملية مع العقلية وغالب المتفلسفة يقفون على الطاعات العقلية ولهذا كثر في المتفقهة من ينحرف عن طاعات القلب وعباداته من الإخلاص لله والتوكل عليه والمحبة له والخشية له ونحو ذلك)) .
ويقول (1)
(( كما نجد المتفقه المتمسك من الدين بالأعمال الظاهرة والمتصوف المتمسك منه بأعمال باطنة كل منهما ينفى طريقة الآخر ويدعى أنه ليس من أهل الدين أو يعرض عنه إعراض من لا يعده من الدين فتقع بينهما العداوة والبغضاء وذلك أن الله أمر بطهارة القلب وأمر بطهارة البدن وكلا الطهارتين من الدين الذي أمر الله به وأوجبه )) .
ويقول (2)
(( فنجد كثيرا من المتفقهة والمتعبدة إنما همته طهارة البدن فقط ويزيد فيها على المشروع اهتماما وعملا ويترك من طهارة القلب ما أمر به إيجابا أو استحبابا ولا يفهم من الطهارة إلا ذلك ونجد كثيرا من المتصوفة والمتفقرة إنما همته طهارة القلب فقط حتى يزيد فيها على المشروع اهتماما وعملا ويترك من طهارة البدن ما أمر به إيجابا أو استحبابا )) .
ويقول (3)
(( وأنت تجد كثيرا من المتفقهة إذا رأى المتصوفة والمتعبدة لا يراهم شيئا ولا يعدهم إلا جهالا ضلالا ولا يعتقد في طريقهم من العلم والهدى شيئا وترى كثيرا من المتصوفة والمتفقرة لا يرى الشريعة والعلم شيئا بل يرى أن التمسك بهما منقطع عن الله وأنه ليس عند أهلها شيء مما ينفع عند الله ، والصواب أن ما جاء به الكتاب والسنة من هذا وهذا حق وما خالف الكتاب والسنة من هذا وهذا باطل )) .
4) الإمام الذهبي (4)
قال - بعد أن ذكر أصناف الذين طلبوا العلم . قال:
__________
(1) ) مجموع الفتاوى ((1/15)) .
(2) ) مجوع الفتاوى (( 1/15)) .
(3) ) اقتضاء الصراط ((1 /10)) .
(4) ) سير أعلام النبلاء( 7/152)(1/25)
(( فخلف من بعدهم خلف بأن نقصهم في العلم والعمل وتلاهم قوم انتموا إلى العلم في الظاهر ولم يتقنوا منه سوى نزر يسير أو هموا به أنهم علماء فضلاء ولم يدر في أذهانهم قط أنهم يتقربون إلى الله لأنهم ما رأوا شيخاً يقتدى به في العلم فصاروا همجاً رعاعاً....)).
5) ويقول العلامة المناوي (1)
(( ولو سئل فقيه عن نحو الإخلاص والتوكل أو وجه التحرز عن الرياء لما عرفه مع كونه فرض عينه الذي في إهماله هلاكه ولو سئل عن اللعان والظهار يسرد من التفريعات الدقيقة التي تنقضي الدهور ولا يحتاج لشيء منها)) .
6) الإمام الحسن البصري
وفي المعجم الأوسط (2) أن رجلا حدث عند الحسن البصري بحديث فقال الحسن : (( من حدثك بهذا )) قال : (( الفقهاء )) : قال : (( وهل رأيت بعينك فقيها قط )) ثم قال: (( أتدري من الفقيه ، الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بهذا الدين المتمسك بالعلم الراغب في الآخرة البصير بأمر دينه المداوم على عبادة ربه )) .
? أسئلة إيمانية لمكاشفة النفس ونقد الذات( هيا بنا نؤمن ساعة):
أ ) مع عجيب المفارقات أن ما تحدث به من آفات لازالت مشاهدة اليوم ؛ رغم مرور مئات القرون وكثرة المدخلات الدعوية في هذا العصر مقارنة مع غيره من القرون ، وللشفاء لابد من البدء بوضع الأصبع على الجرح لمعالجته ولو بأسئلة إيمانية .
من المسئول الأول عن هذا الانحراف (3) قديما وحديثا ؟؟
__________
(1) ) فيض القدير 6/262
(2) )المعجم الأوسط 2/316 الطبراني، والدرامي في مسنده 294وقال المحقق حسين أسد إسناده صحيح .
(3) ) دعوة : إلى أساتذة الجامعات والباحثين الشرعيين حبذا لو كتب بحث حول ((انحراف الفقهاء عن الإخلاص وأعمال القلوب .. أسبابه ومظاهره وآثاره )) ليستفاد منه الدروس والعبر . ومن يرغب في المشاركة فيرجى المراسلة .(1/26)
ب) هل سمعت اليوم بأن فقيها قال :طلبت العلم بنية غير خالصة لله ثم رزقني إياها ؟ وإن لم تسمع فلماذا ؟ ولماذا لما اكتشف السلف هذا الفيروس - الرياء - أخبرونا به ؟ ولماذا لم يخبرنا به الخلف؟ هل سبب ذلك أننا أحسن إخلاصا من السلف ؟ أم هي المصلحة والمفسدة (1) التي أفسدت الدين في أحيان قليلة أو كثيرة ، وأصلحت احتياجاتنا ودوافعنا ، بعد أن أصبحت في قليل أو كثير من الأحيان تقال بدون تحقيق دقيق أو ضوابط شرعية دقيقة (2) .
ج) أدعو كل مسلم غيور على دينه أن يسأل كل فقيه أو متفقه: لماذا نرى ثمار المخرجات لا تناسب ثمار المدخلات؟ وأن يسأل كل متفقه شيخه نفس السؤال لعل الله إذا علم أنا نريد أن نغير أو نصلح ما بأنفسنا ، أحدث لنا بعد ذلك أمراً.
خامسا : أكثر منافقي أمتي قراؤها
وتكملة بأمثلة لذلك الانحراف فمنذ زمن بعيد وهناك اهتمام خاص وعام في تحفيظ القرآن ، واليوم لا يكاد يخلو مسجد من حفظة له ، وأصل هذا الاهتمام النصوص الواردة في فضل تعلمه ، مثل :
__________
(1) ( انظر كتاب" صلاة الاستخارة وتطوير وتحقيق الذات"
(2) ومن أهم ضوابطها التي لا تكاد تذكر ، أن المصلحة والمفسدة لا تمنع بيان الحكم ولكن قد تمنع تنزيل الحكم ، ومثاله حديث ( لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم ) ، وحديث( بئس أخو العشيرة ) . فكتمان البيان عند الحاجة إليه لا يجوز ؛ لأنه من كتمان للعلم وقد توعد الشارع بوعيد شديد من يفعل ذلك ؛فلهذا ينبغي التفصيل للناس وخصوصا عندما تقع نازلة تقتضي ذلك وما أكثر النوازل اليوم ، وحتى لا يساء الظن بورثة الأنبياء .(1/27)
? يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها )) (1) .
? (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )) (2) .
__________
(1) ) أخرجه الترمذي 2914، وأبو داود 1446.وصححه الألباني . وقال : واعلم أن المراد بقوله صاحب القرآن حافظه عن ظهر قلب على حد قوله صلى الله عليه وسلم يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله . . أي أحفظهم فالتفاضل في درجات الجنة إنما هو على حسب الحفظ في الدنيا وليس على حسب قراءته يومئذ واستكثاره منها كما توهم بعضهم ففيه فضيلة ظاهرة لحافظ القرآن لكن بشرط أن يكون حفظه لوجه الله تبارك وتعالى وليس للدنيا والدرهم والدينار وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم أكثر منافقي أمتي قراؤها .
(2) ) أخرجه البخاري :4739(1/28)
فمع أن الخيرية هنا مخصوصة (1) -كحديث خيركم خير كم لأهله -، إلا أن الاهتمام اليوم منصب على التحفيظ أكثر من غيره ، وأنسانا الشيطان التحذير الخبري للرسول صلى الله وعليه وسلم - بأن أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها (2) - ولم نسد الثغرة كما ينبغي ، ففي هذا العصر حيث انتشر العلم قد تجد من لا يتورع في حفظ وتعاهد القرآن لأجل الناس لأنه إمام أو خطيب أو معه محاضرة أو درس أو طالب في مدرسة (3) أو جامعة وغير ذلك ، وصدق الإمام الشافعي عندما قال : (( لا يعرف الرياء إلا المخلصون (4) ) .
قد يقول قائل : هؤلاء لم يتعاهدوا القرآن للناس بل لمطلب شرعي لأداء تكليف أو إتقان عمل.
__________
(1) ) على حسب اختلاف الأحوال والأشخاص وحاجة السائل إليه فإنه قد يقال خير الأشياء كذا ولا يراد أنه خير جميع الأشياء من جميع الوجوه وفي جميع الأحوال بل في حال دون حال بمن علم وتعلم بحيث يكون قد علم ما يجب عليه عينا. لمزيد من التفصيل ينظر : فتح الباري ج 9 ص 76 . الديباج على مسلم ج 1 ص 98 .
(2) ) أخرجه أحمد في أكثر من موضع وفي (( 6633)) وقال حديث صحيح , وهذا إسناد حسن ،وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ((2/375)) .
(3) ) ومن هنا يبدأ الخلل وقبله المناهج التعليمية التي لا تعطي الإخلاص حقه .
(4) ) تهذيب الأسماء : 1/76، لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن حزام .(1/29)
فالجواب أننا مع تطاول الأمد أنسانا العدو المنسي فقه الشرك الخفي ،فأداء التكليف وإتقان العمل وأي عمل يشترط أن يكون لله ليقبل (1) ،فإن لم يكن لله فهو لغير الله ، قال سبحانه : ((قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) . الأنعام. فتعلم القرآن يكون ، بتعلمه : حفظا ، تلاوة ، فهما ، تفسيرا ، أحكاما . عملا ، وإذا تأملنا هذه الأنواع وقارناها من حيث الأهمية بالنصوص الشرعية لخرجنا بنتيجة أن التحفيظ أقل مرتبة من معظمها - إن تكن كلها - .
فكيف إذا قارنا أهمية الحفظ مع التفقه في الدين ومع أهمية أعمال القلوب ، وإذا جاز التقريب للقارئ فيمكن القول أن الأهمية ينبغي أن تكون -مثلا - على الأقل بنسبة ا- 6، أي ساعة للحفظ و5 ساعات لغيرها من علوم القرآن الستة المتقدمة .
أسئلة إيمانية
? من المسئول عن وجود هذا الخلل في منهاج فقه الأولويات التعليمية ؟
? هل هذا الاهتمام غير المنضبط أثر سلبا بالتمسك بالظاهر أكثر من الباطن ؟
? لماذا معظم المربين يهتمون بتكريم من يحفظ القرآن ؟ ولا يكرمون من يفهم القرآن أو يعمل به ؟
? هل حان الوقت لنضع الأصابع على الجروح لمعالجتها ؟
سادسا : دلالة أن يكون الظاهر أحسن من الباطن
الأصل الذي يجب أن يكون ، أن يكون الباطن أحسن من الظاهر (2) بكثير ، فإذا حصل عكس ذلك ، دل دلالة قاطعة وواضحة - كالشمس صيفا في رابعة النهار - على وجود خلل عظيم وخطير سواء كان في الفرد أو الجماعات أو المجتمعات ، ودل على أمور أخر في غاية الأهمية :
1) الوقوع في الشرك الخفي .
__________
(1) ) وسوف نتناوله بتفصيل بإذن الله في سلسلة : (( دقائق في الرياء )) .
(2) ) فذرة من كبر في القلب تحرم صاحبها دخول الجنة إلا أن يشاء سبحانه ، فكيف إذا كانت أكثر وأكبر من ذرة ؟!! وكيف إذا الذنب أكبر من الكبر ؟؟!! .(1/30)
2) وجود خلل خطير في فهم حقيقة ركن العمل - أحد أركان حقيقة تركيبة الإيمان - .
3) وجود خلل عظيم في منهاج فقه الأولويات التعليمية والتربوية .
وفي الأخير أسأل المولى أن يعلمنا ما جهلنا وأن ينفعنا بما علمنا . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
محب الاستخارة
اللهم فهذه غاية قدرتي فأرني قدرتك واجعل أفئدة المسلمين تهوي إليها وأرني ثوابها في الدنيا والآخرة..اللهم آمين ، اللهم آمين ، اللهم آمين .
مؤلفات منشورة على الانترنت
الرقم ... الكتاب ... الرابط
1 ... سلسلة مسائل مهمة في صلاة الاستخارة ... http://www.saaid.net/book/open.php?cat=82&book=4015
2 ... صلاة الاستخارة وتطوير وتحقيق الذات ! ... http://www.saaid.net/book/open.php?cat=98&book=4051
3 ... هذه قصتي مع الاستخارة منذ عشرين عاما ومازالت أحداثها مستمرة ! ... http://www.saaid.net/book/open.php?cat=82&book=4124
4 ... أتحب أن تكون ملهما ؟! ... http://www.saaid.net/book/open.php?cat=8&book=4172
هل استخار الرسول ( ؟
5 ... صلاة الاستخارة .. أحكام مهمة جدا لإتقانها . ... http://www.saaid.net/book/open.php?cat=8&book=4284
6 ... هل الشكوى تتنافى مع الصبر على البلاء ؟. ... http://www.saaid.net/book/open.php?cat=8&book=5318
7 ... تكليف الآخرين بكتابة الأبحاث والمواد العلمية...ضوابطه وأحكامه
مؤلفات غير منشورة
1) الانتصار للألباني
2) فرائد الفوائد - الجزء الأول والثاني - .
3) قصد الأماكن الفاضلة للدفن .(1/31)