الكتاب : جزء من المجموع تخريج أحمد بن عبد الواحد المقدسي - مخطوط
المتوفى : 623 هـ
جزء من المجموع
تخريج الإمام العلامة شمس الدين أبي العباس أحمد بن عبد الواحد المقدسي المعروف بالبخاري قدس الله روحه
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر
1- أنبأنا الإمام أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي ، أنبا أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني ، وجماعة ، ثنا أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران ، أنبا أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الجمحي ، بمكة ، ثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا أبو غسان ، ثنا منصور بن أبي الأسود الخياط ، عن أبي المهلب ، عن عبد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المغنيات وعن التجارة فيهن وعن تعليمهن الغناء ، وقال : " ثمنهن حرام " وقال هذا من رواية السلفي : في نحو هذا أو نحوه أو شبهه نزلت علي { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله } " وقال : " ما من رجل يرفع عقيرة صوته بالغناء إلا بعث الله شيطانين يرتدفانه هذا من ذا الجانب وهذا ذا الجانب ، فلا يزالان يضربان بأرجلهما في صدره حتى يكون هو الذي يسكت "(1/1)
2- وأخبرنا أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن السلمي ، إجازة إن لم يكن سماعا ، أنبا أبو القاسم بن إبراهيم بن العباس العلوي ، أنبا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد الحافظ ، نا أبو القاسم تمام بن محمد بن عبد الله الرازي ، ثنا أبو القاسم علي بن يعقوب بن إبراهيم ، ثنا أبو بكر أحمد بن علي بن سعيد ، حدثني أبو الخطاب زياد بن يحيى ، ثنا سهل بن أسلم العدوي ، عن يزيد بن أبي منصور ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : " أصبت بثلاثة مصائب في الإسلام لم أصب بمثلهن : موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت صويحبه ، وقتل عثمان ، والمزود ، قالوا : وما المزود يا أبا هريرة ؟ قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فقال : " يا أبا هريرة ، هل معك شيء ؟ " قلت : نعم ، تمر في مزود معي ، قال : " جئ به " ، قال : فأخرجت منه تمرات بسرا ، فأتيته به فمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعى فيه ، وقال : " ادع عشرة " فدعوت عشرة ، فأكلوا حتى شبعوا ، ثم قال : " ادع لي عشرة " فأكلوا حتى شبعوا ، ثم كذلك حتى أكل الجيش كلهم ، وبقي هو تمر المزود ، فقال : يا أبا هريرة خذه فأعده في المزود ، فإذا أردت منه شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكبه " ، فأكلت منه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكلت منه حياة أبي بكر كلها ، وأكلت منه حياة عمر كلها ، وأكلت منه حياة عثمان ، فلما قتل عثمان انتهب ما في بيتي وانتهب المزود ، ألا أخبركم : أكلت منه أكثر من مائتي وسق "(1/2)
3- وبه أنبا عبد الله بن عبد الرحمن السلمي ، إجازة ، إن لم يكن سماعا ، أنبا علي بن إبراهيم ، أنبا عبد العزيز بن أحمد بن محمد ، أنبا أبو القاسم تمام بن محمد بن عبد الله الرازي ، ثنا أحمد بن سليمان بن حذلم بن لبطة ، ثنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد ، وأبو سليمان بن أيوب ، قالا : ثنا هشام بن عمار ، ثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين ، ثنا الأوزاعي ، ثنا حسان بن عطية ، عن سعيد بن المسيب ، أنه لقي أبا هريرة رضي الله عنه ، فقال أبو هريرة : " اسأل الله ، اسأل الله أن يجمع الله بيني وبينك في سوق الجنة ، قال سعيد : وفيها سوق ؟ قال : نعم ، أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة إذا دخلوها فنزلوا فيها بفضل أعمالهم ، ويؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا ، فيرون الله عز وجل فيه ، ويبرز لهم عن عرشه ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة ، فيوضع لهم منابر من نور ، ومنابر من لؤلؤ ، ومنابر من ياقوت ، ومنابر من زبرجد ، ومنابر من ذهب ، ومنابر من فضة ، ويجلس أدناهم وما فيهم دني على كثبان المسك والكافور ، ما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا ، قال أبو هريرة : فقلت : يا رسول الله ، وهل نرى ربنا ؟ قال : نعم ، هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر ؟ قلنا : لا قال : كذلك لا تمارون في رؤية ربكم ، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة قال هشام : هو الدنو حتى إنه ليقول للرجل منهم : " يا فلان ، تذكر يوم عملت كذا وكذا " يذكره بعض غدراته في الدنيا ، فيقول : ألم تغفر لي ؟ فيقول : " بلى ، بسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه " فبينما هم على ذلك إذ غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه قط ، قال : ثم يقول الله تبارك وتعالى : " قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم " قال : فيأتون سوقا قد حفت به الملائكة ، فيه ما لم تنظر العيون إلى مثله ، ولم تسمع الآذان ،(1/3)
ولم يخطر على القلوب ، قال : فيجعل لنا ما اشتهينا ، وليس يباع فيه ولا يشترى ، وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا ، قال : فيقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة فيلقاه من هو دونه ، وما فيهم دني ، فيروعه ما يرى عليه من اللباس ، فما يبقى آخر حديثه حتى يمثل عليه أحسن منه ، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها ، قال : ثم ننصرف إلى منازلنا فيلقانا أزواجنا ، فيقلن : مرحبا وأهلا ، لقد جئت ، وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه ، فيقول : إنا جالسنا ربنا الجبار تبارك وتعالى وبحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا
وأنبأنا علي بن عساكر بن المرحب البطائحي المقرئ ، ثنا عبد القادر بن محمد بن عبد القادر ، أنبا ابن المذهب ، أنبا ابن القطيعي ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، ثنا هاشم بن القاسم ، ثنا أبو سعيد يعني المؤدب ، ثنا من سمع عطاء الخراساني ، قال : لقيت وهب بن منبه وهو يطوف بالبيت ، فقلت : حدثني حديثاً أحفظه عنك في مقامي هذا وأوجز ، قال : نعم أوحى الله تبارك إلى داود النبي صلى الله عليه وسلم : " يا داود بن إيشا ، وعزتي وجلالي وعظمتي لا يعتصم بي عبدٌ من عبادي دون دلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده السموات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن إلا جعلت له من بينهم مخرجاً ، أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم عبدٌ من عبادي بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء من يده وأسخت الأرض من تحت قدميه ثم لا أبالي بأي وادٍ هلك "(1/4)
وبه ثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه ، ثنا عبد الصمد بن معقل ، قال : سمعت وهب بن منبه ، قال : لما رأى موسى صلى الله عليه وسلم النار انطلق يسير حتى وقف منها قريباً ، فإذا هو بنارٍ عظيمةٍ تفور من فرع شجرةٍ خضراء شديدة الخضرة ، لا تزداد النار فيما يُرى إلا عظماً ، ولا تزداد الشجرة على الحريق إلا خضرة وحسناً ، فوقف ينظر لا يدري على ما يضع أمرها إلا أنه ظن أنها شجرة تحترق ، وأوقد إليها موقد فنالها ، فاحترقت ، وإنه يمنع النار شدة خضرتها وكثرة أفنانها وكثافة ورقها وعظم جذعها ، فوضع أمرها على هذا ، فوقف يطمع أن يسقط منها شيءٌ فيقتبسه ، فلما طال ذلك عليه أهوى إليها بضغث في يده وهو يريد أن يقتبس من لهبها ، فلما فعل ذلك موسى مالت نحوه كأنها تريده فاستأخر عنها وهاب ثم عاد فطاف بها فلم تزل تطمعه ويطمع فيها ، ولم يكن شيءٌ بأوشك من خمودها ، فاشتد عند ذلك عجبه ، وفكر موسى في أمرها ، وقال : هي نارٌ ممتنعة لا يُقبس منها ولكنا لا تتضرم في جوف شجرة ولا تحرقها ، ثم خمودها على قدر عظمها في أوشك من طرفة عين ، فلما رأى ذلك موسى ، قال : إن لهذه النار لشأناً ، ثم وضع أمرها على أنها مأمورةٌ أو مصنوعةٌ ، ولا يدري من أمرها ولا من صنعها ، لا لم صنعت ؟ فوقف متحيراً لا يدري أيرجع أن يقيم ، فبينا هو على ذلك إذ رمى طرفه نحو السماء ينظر فرعها فإذا هو أشد ما كان خضرة ، وإذا الخضرة تُنَوِّرُ وتُسفر وتبياض حتى صارت نوراً ساطعاً عموداً بين السماء والأرض عليه مثل شعاع الشمس تكل دونه الأبصار ، كلما نظر إليه يكاد يخطف بصره فعند ذلك اشتد خوفه وخزنه ، فرد يده على عينيه ، ولصق بالأرض ، وسمع الحس والوجس إلا أنه سمع حينئذٍ شيئاً لم يسمع السامعون بمثله عظماً ، فلما بلغ موسى الكرب واشتد عليه الهول ، وكاد أن يتخالط في عقله من شدة الخوف لما يسمع ويرى ، نودي من الشجرة ، فقيل : يا موسى ،(1/5)
فأجاب سريعاً ، وما يدري من دعاه ، وما كان سرعة إجابته إلا استئناساً بالأنس ، فقال : لبيك ، مراراً ، إني أسمع صوتك ، وأوجس وجسك ، ولا أرى مكانك ، فقال : أنا فوقك ومعك وأمامك وأقرب إليك منك ، فلما وعى هذا موسى على أنه لا ينبغي ذلك إلا لربه جل وعز ، فأيقن ، فقال : أنت كذلك يا إلهي ، وكلامك أمسع أم رسولك ، قال عز وجل : بل أنا الذي أكلمك ، فادن مني ، فجمع موسى يديه في العصى ثم تحامل حتى استقل قائماً ، فرعدت فرائصه حتى اختلفت واضطربت رجلاه وانقطع لسانه وانكسر قلبه ، ولم يبق منه عظمٌ يحمل آخر ، فهو بمنزلة الميت إلا أن روح الحياة تجري فيه ، ثم زحف على ذلك وهو مرعوب حتى صار قريباً من الشجرة الذي نودي منها ، فقال له الرب تبارك وتعالى : وما تلك بيمينك يا موسى ؟ قال : هي عصاي ، قال : وما تصنع بها ؟ ولا أحد أعلم بذلك منه ، قال موسى عليه السلام : أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ، وكان لموسى في العصى مآرب ، كانت له شعبتان ومحجن تحت الشعبتين ، قال له الرب تبارك وتعالى : ألقها يا موسى ، فظن موسى أنه يقول : ارفضها فألقاها على وجه الرفض ، ثم جاءت منه نظرةٌ فإذا بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون ، فدب يلتمس كأنه يبتغي شيئاً يريد أخذه يمر بالصخرة مثل الخلقة من الإبل فيقتلعها ويطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها ، عيناه توقد ناراً ، وقد عاد المحجن عرفاً فيه شعرٌ مثل النيازك ، وعاد الشعبتان فما مثل القليب الواسع ، وفيه أضراس وأنياب لها صريف ، فلما عاين ذلك موسى ولى مدبراً ولم يعقب ، فذهب حتى أمعن ورأى أنه أعجز الحية ، ثم ذكر ربه ، فوقف استحياءً منه ، ثم نودي : يا موسى إليَّ ارجع حيث كنت فرجع وهو شديد الخوف ، فقال : خذها بيمينك ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى وعلى موسى حينئذٍ مدرعةٌ من صوفٍ قد خللها بخلالٍ من عيدانٍ فلما أمره بأخذها ، ثنى طرف المدرعة على يده ، فقال له :(1/6)
ما لك أورأيت يا موسى لو أذن الله لما تحاذر كانت المدرعة تغني عنك شيئاً ؟ قال : لا ، ولكني ضعيف ، ومن ضعفٍ خلقت ، فكشف عن يده ثم وضعها في الحية حتى سمع حس الأضراس والأنياب ، ثم قبض فإذا هي عصاه التي عهدها ، وإذا يده في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ بين الشعبتين ، فقال له الله عز وجل : ادن فلم يزل يدنيه حتى أسند ظهره بجذع الشجرة ، فاستقر وذهبت عنه الرعدة ، وجمع يديه في العصى وخضع برأسه وعنقه ، ثم قال له : إني قد أقمتك اليوم مقاماً لا ينبغي لنبيٍ بعدك أن يقوم مقامك ، أدنيتك وقربتك حتى سمعت كلامي ، وكنت بأقرب الأمكنة مني ، فانطلق برسالتي فإنك بعيني وسمعي وإن معك يدي ونصري ، وإني قد ألبستك جنة من سلطاني ، تستكمل بها اليوم في أمري فأنت جندي عظيم من جنودي إلى خلق ضعيف من خلقي ، بطر نعمتي وأمن مكري ، وأغوته الدنيا عني حتى جحد حقي ، وأنكر ربوبيتي ، وعبد دوني , وزعم أنه لا يعرفني ، وإني أقسم بعزتي لولا العذر والحجة اللذان وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبارٍ تغضب لغضبه السموات والأرض والجبال والبحار ، فإن أمرت السماء حصبته ، وإن أمرت الأرض ابتلعته ، وإن أمرت الجبال دمرته ، وإن أمرت البحار غرقته ، ولكنه هان علي وسقط من عيني ، ووسعه حلمي ، واستغنيت بما عند ، وحق لي ، إني أنا الغني لا غني غيري ، فبلغه رسالتي ، وادعه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاص اسمي ، وذكِّره وحذِّره نقمتي وبأسي ، وأخبره أنه لا يقوم شيءٌ لغضبي ، وقل له في بين ذلك قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ، وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة ، ولا يروعنك ما ألبسته من لباس الدنيا ، فإن ناصيته بيدي ليس يطرف ولا ينطق ولا يتنفس إلا بإذني ، قل له : أجب ربك ، فإنه واسع المغفرة فإنه قد أمهلك أربعمائة سنة ، وفي كلها أنت مبادر لمحاربته ، تشبه وتمثل له ، وهو يمطر عليك السماء ، وينبت لك الأرض ، لم تسقم ولم تهرم ولم(1/7)
تفتقر ولم تغلب ، ولو شاء أن يعجل ذلك لك أو يسلبكه فعل ، ولكنه ذو أناةٍ وحلمٍ عظيمٍ ، وجاهد بنفسك وأخيك وأنتما محتسبان بجهاده ، فإني لو شئت أن آتيه بجنودٍ لا قبل له بها لفعلت ، ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسه وجموعه أن الفئة القليلة ولا قليل مني تغلب الفئة الكثيرة بإذني ، ولا يعجبنكما زينته وزينة المترفين ، وإني لو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينةٍ يعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلت ، ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما ، وكذلك أفعل بأوليائي ، وقديماً خرت لهم في ذلك ، فإني لأذودهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مراتع الهلكة ، وإني لأجنبهم سلوتها وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك الغرة ، وما ذلك لهوانهم على ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالماً موفوراً لم تكلِّمه الدنيا ولم يطغه الهوى ، واعلم أنه لم يتزين لي العباد بزينة هي أبلغ من الزهد في الدنيا ، فإنها زينة المتقين ، عليهم منها لباس يُعرفون به من السكينة والخشوع ، سيماهم في وجوههم من آثار السجود ، أولئك أولياء حقاً ، فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك ، وذلل لهم قلبك ولسانك ، واعلم أنه من أهان لي ولياً وأخافه فقد بارزني بالمحاربة وآذاني ، وعرض نفسه ودعاني إليها ، وأنا أسرع شيءٍ إلى نصرة أوليائي ، أفيظن الذي يُحاربني بأن يقوم لي ، أو يظن الذي يُغازيني أن يُعجزني ، أو يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني ، وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة ، لا أكل نصرتهم إلى غيري ، قال : فأقبل موسى إلى فرعون في مدينة قد جعل حولها الأسد في غيضة قد غرسها ، فالأسد فيها مع ساستها ، إذا أشلتها على أحدٍ أكل ، وللمدينة أربعة أبواب في الغيضة ، فأقبل موسى عليه السلام من الطريق الأعظم الذي يراه فرعون ، فلما رأته الأُسد صاحت صياح الثعالب فأنكر ذلك الساسمة , وفرقوا من فرعون ، وأقبل(1/8)
موسى حتى انتهى إلى الباب الذي فيه فرعون فقرعه بعصاه وعليه جبة صوفٌ وسراويل ، فلما رآه البواب عجب من جرأته فتركه ولم يأذن له ، وقال : هل يدري باب من أنت تضرب ؟ إنما تضرب باب سيدك ، قال : أنا وأنت وفرعون عبيدٌ لربي تبارك وتعالى فأنا ناصره ، فأخبر البواب الذي يليه والبوابين حتى بلغ ذلك أدناهم ، ودونه سبعين حاجباً ، كل حاجبٍ منهم تحت يديه من الجنود ما شاء الله كأعظم أميرٍ اليوم إمارةً حتى خلص الخبر إلى فرعون ، فقال : ادخلوه علي فأدخل فلما أتاه ، قال له فرعون : أعرفك ؟ قال : نعم ، قال : ألم نربك فينا وليداً ؟ فرد عليه موسى الذي ذكره الله عز وجل ، قال فرعون : خذوه فبادأهم موسى فألقى عصاه فإذا هي ثعبانٌ مبين ، فحملت على الناس فانهزموا فمات منهم خمسةٌ وعشرون ألفاً ، قتل بعضهم بعضاً ، وقام فرعون منهزماً حتى دخل ، فقال لموسى : اجعل بيننا وبينك أجلاً ننظر فيه ، فقال له موسى : لم أؤمر بذلك وإنما أُمرت بمناجزتك ، وإن أنت لم تخرج إلى دخلت إليك فأوحى الله عز وجل إلى موسى أن أجعل بينك وبينه أجلاً ، وقل له : أن يجعل هو الأجل ، ثم قال فرعون : اجعله إلى أربعين يوماً ، ففعل وكان فرعون لا يأتي الخلاء إلا في أربعين يوماً مرةً ، فاختلف ذلك اليوم أربعين مرة ، قال : وخرج موسى عليه السلام من المدينة ، فلما مر بالأُسد مصعت بأذنابها وسارت مع موسى تُشَيِّعُهُ ، ولا تُهَيِّجُهُ ولا أحداً من بني إسرائيل .(1/9)
4- أنبأ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي ، أنبا الحافظ أبو علي أحمد بن محمد بن أحمد البرداني ، ثنا علي بن عمر البرمكي ، ثنا عبيد الله بن محمد بن علي الجرادي ، ثنا أحمد بن عبد الله بن سليمان ، ثنا بهلول بن إسحاق ، ثنا مهاجرٌ العامري ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : " ألا إن الدنيا قد ارتحلت مدبرةً ، والآخرة مقبلةً ، ولكلِّ واحدةٍ منها بنون فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، اليوم عملٌ ولا حسابٌ ، وغداً حسابٌ ولا عملٌ " .
أنبأنا السلفي ، أنبا أبو مسعود محمد بن عبد الله بن أحمد السوذرجاني ، وأبو القاسم الفضل بن علي بن بندار السكري ، قال أبو مسعود : أنبا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن حمدان الحبال ، وقال أبو القاسم : أنبا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الذكواني ، قالا : ثنا أبو محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن سكون الفابجاني ، ثنا جدي أبو موسى عيسى بن إبراهيم ، ثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني ، ثنا أبو عمرو الصنعاني ، ثنا هشام ، قال : " بلغني أن منادياً ينادي في أول الليل : أين العابدون ؟ فيقوم ناسٌ فيصلون ، ثم ينادي في أوسط الليل أين القانتون ؟ فيقوم ناسٌ فيصلون ، ثم ينادي بالسحر : أين المستغفرون ؟ فيقوم ناسٌ فيصلون ، فإذا أصبح ، قال : أين الغافلون ؟
5- وأنبأنا أبو الفتح عبيد الله بن عبد الله بن شاتيل ، أنبا الإمام أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني ، أنبا أبو علي محمد بن الحسين الجازري ، أنبا أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري ، ثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل الخطبي ، نا محمد بن يونس بن موسى ، ثنا محمد بن عبيد الله بن عتبة ، حدثني أبي ، عن المسيب بن شريك ، عن عبد الوهاب بن عبيد الله بن أبي بكرة ، عن أبي بكرة ، قال : " جاء أعرابي إلى عمر بن الخطاب ، فقال :
يا عمر الخير جُزيت الجنة إن بناتي عراةً فاكسهنه
أقسم بالله لتفعلنه(1/10)
فقال عمر : وإن لم أفعل يكون ماذا ؟ قال : إذن أبا حفصٍ لأذهبنه ، قال : فإذا ذهبت يكون ماذا ؟ قال :
يكون عن حالي لتُسألنَّه يوم تكون الأعطيات ثمَّه
والواقف المسئول بينهنَّه إما إلى نارٍ وإما إلى جنة
فبكى عمر رضي الله عنه حتى أخضل لحيته ، ثم قال : يا غلام ، أعطيه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشعره ، أما والله ما أملك غيره "
وأنبا السلفي ، أنبا ابن عبد الجبار ، أنبا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار ، أنبا أحمد بن محمد بن منصور العتيقي ، قال : سمعت محمد بن عبد الله بن المطلب ، يقول : سمعت الفضل بن أحمد الزبيدي المقرئ ، يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول وقد أقبل أصحاب الحديث بأيديهم المحابر فأومأ إليها ، وقال : هذه سراج الإصلام يعني المحابر .
وبه قال : ثنا العتيقي ، قال : سمعت أحمد بن شاذان ، يقول : سمعت أبا عيسى عبد الرحمن بن زاذان الرزاز ، قال : كنت في جامع المدينة ، وقد صلينا العصر ، وأحمد بن حنبل حاضرٌ فسمعته يقول : اللهم من كان على هوىً أو على رأيٍ ، وهو يظنُّ أنه على حقٍّ ، وليس هو على الحق فرده إلى الحق حتى لا يضل من هذه الأمة أحدٌ ، اللهم لا تشغل قلوبنا بما تكفلت لنا به ، ولا تجعلنا في رزقنا خولاً لغيرك ، ولا تمنعنا خير ما عندك بشر ما عندنا ، ولا تُرنا حيث نهيتنا ، ولا تفقدنا من حيث أمرتنا ، أعزنا ولا تُذلنا ، أعزنا بالطاعة ولا تذلنا بالمعاصي .(1/11)
6- أنبأنا أحمد بن محمد ، أنبا المبارك بن عبد الجبار ، أنبا أحمد بن محمد ، ثنا محمد بن أحمد بن علي البغدادي ، بمصر ، ثنا محمد بن الحسين بن دريد ، ثنا العلكي ، عن ابن أبي خالد ، عن الهيثم ، عن مجالد ، عن الشعبي ، قال : لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركباً في سفرٍ ليلاً فيهم عبد الله بن مسعود ، فأمر عمر رجلاً يناديهم : من أين القوم ؟ فأجابه عبد الله بن مسعود : أقبلنا من الفج العميق ، فقال : أين تريدون ؟ فقال عبد الله : البيت العتيق ، فقال عمر : إن فيهم لعالماً ، فأمر رجلاً يناديهم : أي القرآن أعظم ؟ فأجابه عبد لله : { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } حتى ختم الآية ، قال : نادهم : أي القرآن أحكم ؟ فقال ابن مسعود : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ } فقال نادهم : أي القرآن أجمع ؟ فقال ابن مسعود : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (*) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } ، فقال عمر نادهم : أي القرآن أحزن ؟ فقال ابن مسعود : { لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } الآية ، فقال عمر : نادهم ، أي القرآن أرجى ؟ فقال ابن مسعود : { لْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } الآية ، قال عمر : نادهم ، أفيكم عبد الله بن مسعود ؟ فقال : اللهم نعم .(1/12)
أنبا عبد الله بن أبي محمد البابي ، أنبا علي بن إبراهيم العلوي ، أنبا أبو الحسن المعدل ، أنبا أبو محمد الغساني ، أنبا أبو بكر الدينوري ، ثنا أحمد بن محمد ، ثنا عبد المنعم ، عن أبيه ، عن وهب بن منبه ، " أن يحيى بن زكريا عليهما السلام ، لما قُتل رده الله إليه روحه ثم أوقف بين يديه ، فقال له : يا يحيى هذا عملك الذي عملته ، وقد أعطيتك ثواب عملك لكل واحدةٍ عشراً ، والحسنة بعشر أمثالها ، قال : فرأى يحيى إلى ثواب عمله ، فإذا قد أعطي من الثواب ما عين رأيت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، قال : فقال الله عز وجل : يا يحيى هذا عملك وهذا ثوابه ، فأين نعمائي عليك ، قال الله عز وجل لملائكته : أخرجوا نعمائي عليه ، فأخرجوا نعمةً واحدة من نعمه ، فإذا قد استوعبت جميع أعماله والثواب ، فقال يحيى : ما هذه النعمة الجليلة العظيمة التي قد استوعبت عملي وعشرة أضعاف ثوابه ؟ فقال الله عز وجل : يا يحيى هذه النعمة الجليلة ، قال : فخر يحيى لوجهه ، فقال: إلهي جازني برحمتك وفضلك لا بعملي .
وبه قال : أنبا الدينوري ، ثنا محمد بن الجهم ، ثنا يزيد بن هارون ، عن محمد بن مسلم ، ثنا عمرو بن دينار ، عن عبيد الله بن دينار ، قال : كنا نعد الأواب الحفيظ الذي إذا قام من مجلسه قال : اللهم اغفر لي ما أصبت في مجلسي هذا آخره والله ربي العالمين وحده ، وصلى الله على محمدٍ وآله وسلم تسليماً .(1/13)
7- وأنبأنا أبو موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني ، قال : أخبرني من أجاز له أبو صالح المؤذن ، أنبا الأستاذ أبو عمرو محمد بن يحيى بن الحسن ، ثنا أبو نصر محمد بن عبد الله بن يزيد ، ثنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد التميمي ، أنبا أبي ، ثنا العباس بن حمزة ، ثنا أحمد بن عبد الله ، عن بشر بن السري ، عن الهيثم بن حماد ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى ليلة الجمعة عشر ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وثلاثين مرة قل هو الله أحد وآية الكرسي مرة ، أعطاه الله تعالى يوم القيامة في كل يوم من أيام الدنيا ألف نور ، وألف رحمة ، وألف بركة ، وألقى الله تعالى محبته في قلوب الناس ، ولا يخرج من الدنيا إلا على التوبة النصوح ، ولا تخرج روحه من جسده حتى يأتيه رضوان خازن الجنة يشربه من ماء الجنة فيشربه ويقوم يوم القيامة مع الأبدال ، ويخرج الله تعالى الغل والغش والحسد من قلبه "(1/14)
8- وبه أنبأنا أبو المحاسن عبد الرزاق بن إسماعيل القومساني ، أنبا أبو شجاع شيرويه بن شهرذار بن شيرويه ، أنبا أبو القاسم يوسف بن محمد بن يوسف ، أنبا أبو أحمد عبد الرحمن بن عمر بن نصر بن أبي الليث ، أنبا الفضل بن الفضل الكندي ، قال : بلغني أن محمد بن جرير ذكر في تصنيف صنفه أنه لما أراد الخروج إلى طلب العلم خرج هو وجماعة حتى صاروا اثني عشر نفراً فخرجوا في طلب العلم فنزلوا بلداً من البلدان ، واشتغلوا بكتب الحديث والعلم حتى نفذت نفقاتهم ، فلما أرادوا الرحيل جاءهم يهودي وأعطى إلى كل واحدٍ منهم ثلاثة دراهم وثلثاً ، فرجعوا واشتغلوا بالعلم حتى كان منهم ومنه أربعين مرة جاءهم اليهودي وأعطى إلى كل واحد منهم أربعين درهما فضة ، فتعجبوا من فعله ، وقالوا : يا هذا أليس أنت ؟ قال : يهودي وأنتم مسلمون ، قالوا : فلم أكرمتنا أربعين مرة بهذه الكرامة ؟ قال : لأني قرأت في توراة موسى صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى : أفضل نفقةٍ أنفقتم في سبيلي أن تنفقوا على طلاب العلم والمتعلمين العلم ، وطلبت في جميع اليهود فما وجدت فيهم من يطلب العلم فأنفقت عليكم ، حيث رأيتكم تطلبون العلم ، قال : فودعناه وقصدنا ، قال : فرأيناه في الطواف ، فقلنا : فلانٌ ، قال : فلانٌ ، قلنا : ما شأنك ؟ قال : لما فارقتموني فأمسيت فرأيت تلك الليلة المصطفى صلى الله عليه وسلم في المنام ولما أصحبت وقال لي : إن الله تعالى قد أكرمك بالإسلام بإنفاقك على أهل العلم ، فأسلمت على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان في دارنا من الأولاد والختن والخدم نحو سبعة عشر نفساً فرأى كل واحد مثل رؤياي فأصبحوا كلهم مسلمين بحمد الله ومنه .(1/15)