دعاء إبراهيم عليه السلام أثناء رفع القواعد من البيت
الحمد لله رب العالمين، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7 - 9].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم.
يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه، يقلبها كيفما شاء وحسبما أراد.
فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك.
وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
وقد قال لأصحابه يوم حجة الوداع وهم يزيدون على المائة ألف: (إنكم ستسألون عني يوم القيامة فماذا أنتم قائلون؟ فارتفعت الأصوات تقول: نشهد أنك بلغت الرسالة يا رسول الله! فرفع السبابة إلى السماء ونكتها إلى الأرض قائلاً: اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد، اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد).
ونحن نشهد أنك بلغت الرسالة يا رسول الله.
ثم أما بعد: أحبتي الكرام! نواصل الحديث مع قصة حبيب الرحمن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
إن إبراهيم عليه السلام وهو يرفع القواعد من البيت دعا بثلاث دعوات: الدعوة الأولى: قال: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:127].
الدعوة الثانية: قال: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:128].
الدعوة الثالثة: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة:129].
يقول صلى الله عليه وسلم: (أنا دعوة أخي إبراهيم، وبشارة أخي عيسى، ورأت أمي حين ولدتني نوراً أضاء لها قصور الشام).(36/2)
الأدلة القرآنية على البعث
وقصة إبراهيم عليه السلام وقضية البعث نقف عندها قليلاً؛ لنبين بالأدلة القاطعة موقف القرآن من البعث والنشور، وهي من أهم قضايا العقيدة، يقول ربنا سبحانه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:260].
والقرآن الكريم حينما تناول قضية البعث تناولها بأدلة قاطعة بينة تدلل وتثبت أن الذي خلق العباد أول مرة هو الذي يبعثهم بعد الموت، وهي أدلة خمسة:(36/3)
دليل الخلق الأول
الدليل الأول: دليل الخلق الأول من عدم والنشأة الأولى، وهذا كثير في القرآن، فلننتبه إليه، مثل قول الله تعالى في سورة مريم: {وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} [مريم:66]،
و
الجواب
{ أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} [مريم:67]، فربط بين قضيتين.
ومما استدل به القرآن على قضية البعث من القبور بقضية الخلق من عدم قوله تعالى في سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78 - 79].
وفي سورة القيامة ربط أيضاً بين القضيتين: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة:36]، أي: هملاً، {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:37 - 40].
بلى يا رب! أنت قادر.
وفي سورة الطارق ربط بين الخلق والبعث، يقول ربنا سبحانه: {فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق:5]، فتأمل وتدبر وتفكر في الخلق أول مرة؛ لتعرف من الذي سيبعثك بعد الموت.
وإن كنت عاجزاً فانظر، {فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطارق:5 - 8].(36/4)
إحياء الأرض بعد موتها
الدليل الثاني: إحياء الأرض بعد موتها، وهذا يسميه العلماء القياس العقلي، والقياس عند علمائنا من مصادر التشريع المعتبرة، والنبي عليه الصلاة والسلام استخدم القياس في أكثر من موضع، فلما جاءه رجل وقال: (يا رسول الله! إن امرأتي ولدت ولداً أسود)، فالرجل كان أبيض والزوجة بيضاء وولدهما أسود، وقد أراد الرجل أن يلاعن الزوجة وكأنها انحرفت، ومن شابه أباه فما ظلم، أي: ما ظلم أمه، واليوم يعلمون أبناءنا في الدراسة الثانوية أنه إذا جامع الرجل زوجته فهناك احتمالات للإنجاب، ونقول لهم: ليس هناك حتمية علمية على الله عز وجل، بل {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، ولو أخذنا هذه المسألة وقلنا لهم: أعطونا احتمالات الإنجاب فسيستبعدون السواد تماماً، وأما في الشرع فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: (أعندك إبل؟ قال: نعم، قال: ما لونها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق -يعني: أفيها واحد يخالف لونه لون سائرها؟ - قال: نعم يا رسول الله! قال: ما تقول فيه؟ قال: لعله نزعه عرق -وكما يقولون: العرق يمد إلى سابع جد- فقال: فلعل ولدك نزعه عرق).
فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا يقرب للرجل هذا المعنى بالقياس، وربنا عز وجل أبطل قضية أن عيسى ابن الله بالقياس، فقال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:59].
أي: فإن كنتم تتعجبون من أن عيسى خلق من أم بلا أب وبسبب ذلك نسبتموه إلى الله وقلتم: إنه ابن الله؛ فخلق آدم أشد في الإعجاز من خلق عيسى، فهو بلا أب ولا أم، فأيهما أولى بالإعجاز إذاً؟ وقد ناظر رجل من أهل السنة رجلاً من أهل الظاهر ينكر القياس، فقال له: إن الله يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} [الزلزلة:7 - 8]، فما تقول فيمن يعمل نصف مثقال ذرة؟ فالقرآن ليس فيه نصف، وإنما فيه ذرة، وبدون قياس لن يستطيع الإجابة، فقال له الرجل: أبلعني ريقي حتى أستطيع الإجابة، قال: أبلعتك دجلة، أي: اشرب نهر دجلة، وليس الريق فقط، قال: أمهلني ساعة، قال: أمهلتك إلى قيام الساعة، فلن تستطيع أن تجيب إلا إذا استخدمت القياس، وهذا قياس الأولى.
وقد استخدم قياس الأولى هرقل الداهية لما سأل أبا سفيان -كما في صحيح البخاري -: أتتهمونه بالكذب؟ قال: لا، فقال هرقل مستنبطاً بقياس الأولى: ما كان ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله، فهذا يستحيل.
وهذا هو قياس الأولى.
فالدليل الثاني في القرآن: القياس العقلي، مثل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت:39]، وفي الحديث: أن الله عز وجل يرسل ماءً على الأرض قبل البعث فتنبت الأجساد من القبور كما ينبت النبات، وهذا أيضاً للتقريب إلى العقول.
وقال تعالى في سورة الأعراف: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف:57]، أي: كما يخرج النبات من الأرض فكذلك يخرج العباد من قبورهم، وبعثهم ليس بكثير على رب الأرض والسماء.(36/5)
الاستيقاظ من النوم
الدليل الثالث: الاستيقاظ بعد النوم، فالنوم موت، ولكنه موت أصغر، ولذلك كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم عند استيقاظه من النوم: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)، فبين الحديث أن النوم موت، وقال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:42]، فالوفاة قسمان: وفاة بالموت، ووفاة بالنوم.
وإذا استيقظ العبد من نومه ردت إليه الروح، وإن لم تفارق الجسد، فالنوم موتة صغرى والاستيقاظ من النوم بعث، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، وإنها لجنة أبداً، أو لنار أبداً).
ويقول لقمان لولده: إن كنت لا تؤمن بالموت فلا تنم، وإن كنت لا تؤمن بالبعث فلا تستيقظ.
فالذي أيقظك من نومك هو الذي يبعثك بعد موتك.
والنوم نقص، ولله صفات الكمال، ولذلك فهو سبحانه {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة:255]، لأن النائم يحتاج لمن يدبر أمره وهو نائم، فمثلاً أنت عندما تنام فإن نبضات قلبك تعمل ولا تتوقف، ولا يقوم على أمرها إلا القيوم الذي يقوم على أمر خلقه، فهو لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.(36/6)
خلق السماوات والأرض
الدليل الرابع: خلق السماوات والأرض، قال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر:57].
وقال: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا} [النازعات:27 - 28] ((وَأَغْطَشَ)) أي: أظلم، {لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [النازعات:29 - 33].
فخلق السماوات والأرض دليل على أن الله يبعث العباد بعد موتهم سبحانه وتعالى.(36/7)
القصص القرآني
الدليل الخامس: القصص القرآني، كما في قصة إبراهيم حينما قال لربه: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة:260]، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه: (نحن أولى بالشك من إبراهيم)، فيستحيل على إبراهيم أن يشك في قدرة الله على البعث، ولكنه أراد أن يزداد إيماناً مع إيمانه، ومن فقه البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان في صحيحه أن وضع عنواناً (باب زيادة الإيمان ونقصانه)، أي: أن الإيمان يزيد وينقص، واستدل بهذه الآية: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:260]، أي: لأزداد إيماناً مع إيماني، فأنا أريد أن أرى كيفية البعث ليزداد يقيني، مع أني مؤمن بالبعث لا شك في ذلك.(36/8)
القصص الواردة في سورة البقرة الدالة على البعث
وقد جاءت في سورة البقرة -كما قال الحافظ ابن كثير - خمس قصص تدل على البعث.(36/9)
قصة بقرة بني إسرائيل
الأولى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67]، في قصة بقرة بني إسرائيل، وبنو إسرائيل هم اليهود، وذلك لما قتل أحدهم عمه وحمل جسده وألقاه في قرية مجاورة؛ ليلصق التهمة بأهل تلك القرية، فاليهود يقتلون، ويحاولون أن يتملصوا من القتل، ويتهمون الآخرين، فهم ليل نهار في دك، وقتل للأطفال، ونسف وهدم لبيوت الموحدين، ويقولون: نحن نسعى إلى السلام، وأيديهم تقطر بالدم، فهذا استسلام وليس سلام، فهم يقتلون ويرفعون شعار السلام، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} [الكهف:5].
ثم إن القاتل جاء إلى موسى وقال له: يا كليم الله! عمي قتل، فمن قتله؟ فقال الله لموسى عليه السلام: مرهم أن يذبحوا بقرة، فقال لهم موسى: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً))، فقال هؤلاء السفهاء: ((أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً))؟ أتهزأ بنا يا موسى؟ {قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [البقرة:67 - 68]، وهذا من سوء أدبهم، لم يقولوا: ادع لنا ربنا، وإنما قالوا: ((ادْعُ لَنَا رَبَّكَ))، فكأنه رب موسى وليس ربهم هم، فهذا من سوء أدبهم مع أنبيائهم، وهم قتلة الأنبياء في كل الأزمنة والعصور، وناقضوا العهود والمواثيق، {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} [النساء:78]، فاليهود ليس لهم عهد ولا ميثاق.
{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ}، أي: وسطاً، وخير الأمور الوسط.
{فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:68 - 70]، فشددوا فشدد الله عليهم، {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ}، أي: سالمة من العيوب، {لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ}، الآن! وكأنه قبل ذلك جاء بالباطل! {الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71].
فلما ذبحوها أمرهم الله أن يأخذوا جزءاً منها ويضربوا القتيل به، فأخذوا جزءاً منها وضربوا به القتيل فأحياه الحي الذي لا يموت، فقام القتيل فسأله موسى: من الذي قتلك؟ فأخبره عمن قتله.
قال سبحانه: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ}، فقلوب اليهود أقسى من الحجارة، فهي لا تعرف الرحمة، وإن عرفت الحجارة الرحمة فقلوب اليهود لا تعرفها، وإن أردت دليلاً على ذلك فانظر إلى ذلك الغلام الصغير الذي خرج خلف أبيه ليشتري له أشياء، وهو محمد الدرة، فقد أخجل الضمير العربي يوم أن قتله اليهود وهو يستغيث بهم، فهو طفل لا يملك شيئاً، ولكن قلوب اليهود لا تعرف الرحمة، فهم لا يفرقون بين صغير ولا كبير، وإنما شعارهم {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:8].
قال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}.
و (أو) هنا بمعنى: بل، يعني: بل {أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74]، فقلوبكم أقسى من الحجارة.(36/10)
قصة العزير
القصة الثانية في سورة البقرة: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة:259]، وهو العزير مر على بيت المقدس، {قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا}، بعد أن وجدها قرية محطمة ليس فيها حركة، فوقف يقول: {قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ}، أي: لم يتغير، {وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ}، فالحمار الذي بجواره كان قد تحلل عظاماً نخرة، وأصبح رماداً وتراباً، {وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً}.
فقام الحمار بقدرة الحي الذي لا يموت بين يدي العزير بعد أن أحياه الله عز وجل.
{فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259].(36/11)
قصة الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت
القصة الثالثة في سورة البقرة أيضاً: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} [البقرة:243].(36/12)
قصة الذين طلبوا من موسى رؤية الله جهرة
القصة الرابعة في سورة البقرة: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:55]، فهم لا يؤمنون إلا بالملموس، كشأن العلمانية عندنا، وسنفرد للعلمانية لقاء؛ لأنها بدأت الآن تطل برأسها من جديد ليل نهار، وتطعن في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كل باب من أبواب الدين، فهي تلحد في العقيدة وفي الشريعة، وقد فتحت لهم الصحف ليعبروا عن عقائدهم الفاسدة.
والحرب على الإسلام في هذه الأيام واضحة المعالم، فقد أغلقت بعض الجامعات في باكستان، وجففت المنابع، وأراد قائدها العلماني أن يغير مفهوم الجهاد من جهاد الشرك والكفر إلى جهاد الفقر والجوع والمرض، ويحارب السلفية بكل معانيها.
فدينك دينك، فهو لحمك ودمك، فعض عليه بالنواجذ؛ لأنك في زمن الغربة، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]، فلا بد من تمحيص للصف، ومن البلاء والاختبار، ودين الله عز وجل قادم لا شك في ذلك، وهو سبحانه القائل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33]، ولو كره الكافرون والعلمانيون فسيظهر الله عز وجل دينه بنا أو بغيرنا، {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38].(36/13)
قصة سؤال إبراهيم ربه أن يريه إحياء الموتى
القصة الخامسة: قصة إبراهيم، {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْييِ الْمَوْتَى} [البقرة:260].
كل هذه أدلة تدل على أن الله قادر سبحانه على أن يبعث العباد بعد موتهم، وصدق سبحانه: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7].
وقال في سورة الإسراء: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً} [الإسراء:50]، أي: حتى إن أصبحتم حجارة أو حديداً، {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلْ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء:51]، فعند ذلك ستلتوي الرءوس ويقرون أن الله عز وجل هو القادر سبحانه.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.(36/14)
دعوات إبراهيم الخليل وإسماعيل عليهما السلام(36/15)
دعوتهما بقبول أعمالهما
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فلقد دعا إبراهيم وولده إسماعيل بثلاث دعوات وهما يرفعان القواعد من البيت، وأول دعوة دعاها قال: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة:127]، وكان بعض السلف يبكي ويقول: يا خليل الرحمن! ترفع بيت الرحمن وتخشى ألا يتقبل الله منك! وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:60]، والمقصود بذلك: أن العبد الصالح يفعل الطاعات ويصلي ويزكي ويصوم ويأمر بالمعروف ولكنه يخشى ألا يتقبل الله منه، ولذلك يقول ابن دقيق العيد: كل عمل مقبول صحيح، وليس كل عمل صحيح مقبول، فقد يكون العمل صحيحاً مستوفياً شروطه ولكن الله عز وجل لا يقبله، وليس لأعمالنا قيمة إن لم يتقبلها الله عز وجل، ولذلك يقول سبحانه: {وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47].
وقبول الأعمال له شرطان: الشرط الأول: أن يكون خالصاً لوجه الله عز وجل.
الشرط الثاني: أن يكون موافقاً لهدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
فالإخلاص والمتابعة شرطان لقبول العمل عند الله تبارك وتعالى، وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه يغشى عليه إذا حدث بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: عالم ومتصدق ومجاهد، أما العالم فيسأله ربه: تعلمت العلم فماذا صنعت به؟ فيقول: يا رب! ما تركت مكاناً إلا ودعوت إليك فيه، فيقول له الله تعالى: كذبت، ولكنك تعلمت وعلمت ليقال عنك: عالم، وقد قيل، خذوه إلى النار).
فطهر أعمالك يا عبد الله، فطريق الخلاص هو الإخلاص، إخلاص العمل لله تبارك وتعالى، فأخلص عملك يكفك القليل كما قال العلماء.(36/16)
دعوتهما بحصول إسلامهما لله رب العالمين
والدعوة الثانية: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة:128]، فالإسلام دين الأنبياء جميعاً، وفي الأسبوع الماضي قالت امرأة طبيبة: قد لوثوا أفكارنا، عندما وضعوا في عقولنا أن الإسلام هو الحق وليس غيره.
والإسلام هو دين الأنبياء جميعاً، وليس هذا تلويثاً، واسمعي إلى قول الله تعالى عن يوسف عليه السلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101].
وقال إبراهيم عليه السلام: {وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة:128]، وعيسى عليه السلام يقول للحواريين: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:52].
وقالت ملكة سبأ: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل:44]، فالإسلام هو دين الله المقبول، وقد تتعدد الأديان، ولكن الدين المقبول عند الله هو الإسلام، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85]، ويقول تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19].
وفي الصين واليابان ودول أوروبا يخترعون كل يوم ديناً كما يخترعون الأجهزة الكهربائية، حتى الحشرة يريدون أن يعملوا لها ديناً، والهندوس عباد البقر يقول زعيمهم الأسبق غاندي: إن أمي البقرة أفضل عندي من أمي التي ولدتني؛ لأن البقرة تعطيني لبناً طوال عمرها ولا تحتاج مني إلى بر، وأما أمي فترضعني حولين وتحتاج مني إلى بر.
فانظروا إلى هذه العقول! ولذلك في الهند إذا دخلت البقرة متجراً فإن صاحب المتجر يعظمها ويبجلها، فإذا حطمت البضائع ازداد سروراً وغبطة، ويزداد سروراً أكثر إذا تفضلت عليه وتغوطت؛ حتى يتبرك ببرازها، فأي عقول هذه؟! فالحمد لله الذي هدانا للإسلام، {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43]، وكفى به نعمة.
قال تعالى عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [البقرة:128]، أي: أرشدنا لشرائع حجنا، وعلمنا المناسك، وأرشدنا إليها، وشرائع الحج وأعماله تسمى مناسك، كما قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم)، والذبح أيضاً يسمى نسكاً، {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي}، يعني: ذبحي، {وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163].(36/17)
دعوتهما ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم من ذريتهما
والدعوة الثالثة: دعاها إبراهيم وهو يرفع القواعد ويقول: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ} [البقرة:129]، أي: من ذرية إسماعيل، وهو الحبيب عليه الصلاة والسلام، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعد دعوة إبراهيم بآلاف السنين؛ فلا تتعجل الإجابة، فإذا دعونا في القنوت على اليهود والأمريكان فلا نستبطئ الإجابة، فقد أجاب الله دعوة إبراهيم ببعثة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم بعد آلاف السنين، ولذلك جاء في الأثر: إن العبد يدعو ويقول: يا رب! يا رب! فيقول الله لملائكته: أجلوا مسألة عبدي، فتقول الملائكة: لم يا رب؟! فيقول الله: إني أحب أن أسمع صوته.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً.
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، ربنا وثبتنا على الإسلام دائماً يا رب العالمين! وعلمنا التوحيد، واقبضنا عليه، وابعثنا مع أهله يا رب العالمين! اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم مكِّن لدينك في الأرض يا رب العالمين! اللهم عليك باليهود ومن والاهم، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم أرنا فيهم آية فإنهم لا يعجزونك، اللهم كما أزلت النمرود ببعوضة، فأزل رءوس الكفر يا رب العالمين.
إنك حسبنا ونعم الوكيل.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، وارزقنا الإخلاص في القول والعمل، وفي السر والعلن، وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وارزقنا قبل الموت توبة، وعند الاحتضار شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً.
اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك، وأمتنا شهداء في سبيلك، ومتعنا بالشهادة يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، وأغننا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمن سواك، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا.
اللهم علمنا القرآن وخَلِّقنا به، وارزقنا حب القرآن وحفظه وتلاوته.
اللهم نور صدورنا وبيوتنا بالقرآن، وشفعه فينا، واجعلنا ممن يحل حلاله ويحرم حرامه.
اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين.
اللهم اربط على قلوب المجاهدين، اللهم اربط على قلوب المجاهدين، اللهم وحد جمعهم، واجعل الدائرة على عدوهم.
آمين آمين آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
قصة إبراهيم عليه السلام فيها من الدروس والعبر الكثير والكثير، ولا سيما في مناظرته للنمرود بن كنعان، ذلك الملك الظالم الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك، فأصيب بغيبوبة ووقع من على الكرسي واصطدم وجهه بالأرض فشجت الشفة وبعض الجبين، فأقول: اللهم يا من أهلكت النمرود ببعوضة أهلك كل طاغية ببعوضة، فإنك على كل شيء قدير.(36/18)
الأسئلة(36/19)
حكم الإيداع في البنوك بفوائد ربوية
السؤال
أودعت في البنك (5000) جنيه، وبعد مرور عام وصل المبلغ إلى (10000) فماذا أفعل من حيث زكاة المال بالنسبة للمبلغ الكلي، وأريد النصيحة بالتخلص من هذا؟
الجواب
تعاملات البنك المحددة بسعر الفائدة ربا، وما هو الربا إن لم يكن هذا منه؟ فالقرض بفائدة ثابتة بغض النظر عن الربح أو الخسارة ربا، ولذلك أنصحك أن تتخلص سريعاً من هذه التعاملات.
وأما المال الذي وضعته في البنك ونما أو زاد بفائدة فعليك أن تأخذ رأس المال فقط وتتخلص من الفائدة، والتخلص من الفائدة يكون -كما قال بعض العلماء-: بشيء يناسبها، كإقامة دورة مياه، أو رصف طريق عام، أو بعض الأشياء التي تناسبها؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.(36/20)
بيان ما يصل إلى الميت من الأعمال
السؤال
توفيت والدتي فما الذي يصل إليها من ثواب الأعمال؟ وهل يجوز التصدق بنية هبة الثواب لها؟
الجواب
هذا موضوع مهم، ويحتاج من طلبة العلم إلى أبحاث حول ما يصل إلى الميت بعد موته، وعندنا في الأرياف ظواهر عجيبة، فأول ما يضعون الميت في القبر يقوم فوق رأسه بعض التراباتية يقرءون {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يس:1 - 4]، حتى يكمل السورة، ثم يقول: الفاتحة.
وقراءة القرآن على القبور لا تجوز، كما قال ذلك الشيخ الألباني في بدع الجنائز، والواجب عليك عند القبور أن تدعو لهم؛ لحديث عائشة قالت: (يا رسول الله! ماذا أقول عند زيارة القبور؟ قال: قولي: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)، وفي الحديث: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً)، قال العلماء: مفهومه أن القبور لا يصلى إليها ولا يتعبد فيها ولا يقرأ فيها قرآن.
وأما ما يصل إلى الميت بعد موته فالحج عنه إن مات ولم يحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة الجهنية التي قالت: (يا رسول الله! إن أمي ماتت ولم تحج، أفأحج عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين أكنت تقضيه؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق بالقضاء)، يعني: أنه ينبغي أن تحج عن الميت إن لم يكن قد حج، شريطة أن يكون الذي يحج عن الميت قد حج عن نفسه، وكذلك الصوم عنه إن كان قد نذر صياماً، لحديث: (من مات وعليه صوم نذر صام عنه وليه)، وأما إن كان أفطر لمرض فليطعم عن كل يوم مسكيناً، و (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، فالدعاء والصدقة الجارية والعلم الذي يتركه الميت يصل إلى الميت بعد موته، إلى غير ذلك.
وأما ما نراه الآن من قراءة القرآن على أرواح الأموات إلى غير ذلك من الأعمال فهذا مما لا ينبغي، والصلاة لا تجوز عن الميت، لأن الصلاة فرض على المكلف لا تسقط عنه بحال، بل يصلي على جنبه أو إيماء بعينه، والله تعالى أعلم.(36/21)
حكم الصلاة بحسب توقيت التقويم الدقيق
السؤال
نحن من الصعيد ونصلي الفجر بعد الأذان بعشر دقائق فقط، فهل نعيد الصلاة؟
الجواب
صلاتكم صحيحة إن شاء الله، ولا إعادة عليكم، ولا داعي للتشكيك في مواقيت الصلوات؛ فإن غلبة الظن تكفي في دخول الوقت، وقد حقق بعض علمائنا في هذا كثيراً، فوجد أن هذه الأوقات المعلن عنها في النتائج صحيحة (100%)، وأما من قال: إن هناك خطأ في تقدير وقت دخول الفجر مدة عشر دقائق أو ربع ساعة أو ثلث ساعة فنقول له: ما ثبت بيقين لا يزول بشك.
وللأسف الشديد بعض الناس الذين تبنوا هذا الرأي وأخروا الصلاة منهم من يضيع الجماعة، ومنهم من يصلي بعد شروق الشمس، ومنهم من يصلي في بيته منفرداً؛ لأنه فرط في أول الوقت.
ولقد نشرت مجلة التوحيد بحثاً قبل ذلك في هذا الأمر ووقع عليه كثير من العلماء، فلا داعي أبداً لهذا الكلام.
والله تعالى أعلم.(36/22)
حكم تشريح جثة الإنسان للتعليم
السؤال
ما حكم تشريح جثث الموتى للتعليم بكلية الطب؟ وإذا كان حراماً فماذا يعمل طالب الطب؟
الجواب
لا يجوز أبداً أن تستخدم جثة المسلم بعد موته للتشريح والتمثيل عليها، فحرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً، ومن الممكن أن تشرح ضفدعة، فإن كان هناك بديل يفي بالغرض أو جهاز بلاستك فيه نفس الأجهزة فاللجوء إليه أولى، وأما أن تخرج جثة ويمثل بها وتشرح فهذا لا ينبغي أن يكون أبداً، وإن كنت مكرهاً على ذلك فأنت في حكم المكره.
والله تعالى أعلم.(36/23)
حكم الصلاة والحج عن الميت
السؤال
ما كيفية قضاء الحج عن الميت؟ وما حكم الصلاة عنه؟
الجواب
الصلاة عن الميت لا تجوز كما قلنا، وأما الحج عن الميت فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: (لبيك عن شبرمة، فقال له: من شبرمة؟ قال: أخي لي.
قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة).
وقد أفتى بعض أهل العلم أنه إذا ترك الميت تركة ولم يحج أنه يبدأ بتسديد ديونه، ومن الديون الحج، فلا بد أن يحجز مبلغ من تركته ليحج عنه أحد الأبناء شريطة أن يكون قد حج عن نفسه؛ لأن دين الله أحق بالقضاء، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أفأحج عن أمي يا رسول الله؟! قال: نعم) فبدلاً من أن نورث الأموال للورثة والميت يحاسب عن تفريطه في الحج ينبغي علينا أن نحج عنه.
والله تعالى أعلم.
وأقترح أن يقوم أحد الإخوة العلماء بعرض مناسك الحج والعمرة، بالصوت والصورة على شاشة تعرض المناسك، ويعلن في المنطقة أو في مصر كلها أن هناك شرحاً لمناسك الحج والعمرة فلا بد أن نعلم الناس هذه المناسك قبل أن يرحلوا من هنا، فأحد الحجاج قبل سنتين أو ثلاث أول ما وصل مكة حلق شعره بالمكينة، ثم قال: الحمد لله انتهيت من العمرة، وظن أن العمرة الحلق فقط، فحلق رأسه قبل أن يؤدي أي نسك آخر.
وقال آخر: دخلت المسجد فوجدت علبة سوداء.
أي: الكعبة! فهناك جهل في الأمة.
فلا بد أن نعلم الناس مناسك الحج والعمرة بالتبسيط، وما يصنع من لحظة أن يخرج من بيته إلى أن يعود بالصوت والصورة، وبالرسوم التوضيحية والوسائل التعليمية، والحج يجمع شتى المذاهب والفرق، فلا بد أن يكون الأمر واضحاً.(36/24)
حكم سفر المرأة للعمرة بدون محرم
السؤال
امرأة مطلقة تريد العمرة، وليس لها سوى ولد عمره أحد عشر سنة، فهل تسافر معه؟
الجواب
لا يجوز للمرأة أن تخرج إلى الحج أو العمرة إلا بمحرم، وهذا الولد لا يصلح أن يكون محرماً؛ لأنه لم يبلغ، والشافعي رحمه الله قد أفتى بجواز أن تخرج المرأة إذا كان هناك صحبة آمنة، ولو رأى حالنا اليوم لعدل عن قوله هذا، حيث لا توجد الصحبة الآمنة الآن، فلا يجوز ذلك، وإن كان لا يجوز في الحج فمن باب أولى في العمرة.
وكذلك المرأة الكبيرة التي تعدى عمرها الستين أو السبعين سنة لا تحج إلا بمحرم؛ لأن هناك بعض من هي في سن السبعين أفضل ممن هي أصغر منها.
فالمرأة -قولاً واحداً- لا تخرج إلا بمحرم، فإن لم تجد هذه المرأة محرماً فهي غير مكلفة؛ لأن التكليف لمن استطاع، ومن شروط الاستطاعة للمرأة أن يكون لها محرم، ولا تلتفتي لغير ذلك أبداً.
والله تعالى أعلم.(36/25)
بيان ما يلزم في القتل الخطأ
السؤال
سائق قتل خطأً في حادث أثناء عمله امرأة ورجلاً وطفلاً، وكانوا هم المخطئين، كما أنه توفي كذلك، فهل عليه إثم أو دية، مع أنه غير مخطئ؟
الجواب
لا تبرئه، فهناك تنقيح المناط عند علماء أصول الفقه، وهذا الكلام لا يقدم ولا يؤخر في الفتوى، فهو قد قتل خطأً، فعليه دية مسلمة إلى أهل الميت، وهذا قد قتل ثلاثة، امرأة ورجلاً وطفلاً، فالثلاثة يستحقون دية، إلا أن يعفو عنك أهل الميت، أو يقبلوا منك شيئاً أقل من الدية المقررة شرعاً، والدية المقررة شرعاً حوالي مائة وسبعة وعشرين ألف جنيه، وتجد في السعودية أربعين أو خمسين سيارة عند الحرم يهدئن السرعة، ليس محبة فيك وإنما خوفاً من الدية؛ لأنه بمجرد القتل تدفع دية مباشرة، أما عندنا في مصر فالسائق يقتل ثم يأتي ويبرز رخصته ثم يدفع ألف جنيه أو ألفين ويذهب، وكأنه يشتري بطيخاً ولم يقتل نفساً، فلا بد أن تتحلل من أهل القتيل، والكفارة: صيام شهرين متتابعين؛ لأن دماء المسلمين لها مكانة ومنزلة، وابن عباس رضي الله عنهما كان يقول للكعبة: إن لك لحرمة عند الله، وإن دم المسلم أشد حرمة من حرمتك، وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:92]، فالقاتل يلزمه هذا، أما وقد توفي فيمكن لأهله أن يذهبوا إلى أهل القتلى.
وهذه الآية التي في سورة النساء وضحت كفارة قتل المسلم وغير المسلم.
والله تعالى أعلم.(36/26)
حكم أرباح الودائع في البنوك
السؤال
هل أرباح الودائع ربا؟
الجواب
هذا الموضوع قتل بحثاً، والدكتور علي السالوس له كتاب في هذا، وعلماء الأمة قد أجابوا عن هذا، والشيخ جاد الحق قد أجاب في أموال البنوك هذه، فهي ربا، وهذا واضح بيِّن، فأموال الودائع ربا، إلا أن تكون بنوكاً إسلامية كبنك فيصل أو المصرف الإسلامي فمعاملاتهم إسلامية.
والبعض يقول: بنك فيصل أيضاً فيه مخالفات، ونقول: المخالفات عليه، واللائحة إسلامية، ونظامه يقوم على المشاركة والمضاربة والمرابحة، والذين وضعوا هذه اللوائح من علماء الأمة، وأما الممارسات فأنت غير مسئول عنها.
وثانياً: لو أنه لم يكن في تجربة بنك فيصل والمصرف الإسلامي إلا إزالة بعض المنكرات فالأولى أن نقف بجوارها؛ لأن دفع بعض المنكر أولى من ترك كل المنكر.
والبنك المركزي يحدد لهم نسبة تسمى نسبة الاحتياطي القانوني من جملة الودائع، وهذا أمر مفروض على البنك، وهو مكره عليه.
فحاول أن تستثمر الأموال في التجارة أو غيرها، فإن كنت عاجزاً فالبنوك الإسلامية أمامك، والله تعالى أعلم.(36/27)
حكم تعطر المرأة في بيتها
السؤال
هل يجوز للمرأة أن تضع عطراً أو مكياجاً أثناء الصلاة في بيتها؟
الجواب
أخشى أن العطر يستمر معها إلى حين خروجها من البيت؛ لأن بعض العطور لا تذهب رائحتها حتى وإن حاولت إزالتها بالغسل أو بغيره؛ لأن بعض العطور تبقى في الجسد دائمة، فلتبتعد عن هذا من باب سد الذريعة.
والله تعالى أعلم.(36/28)
حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الصلاة
السؤال
سمعت من يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام وأنا أصلي، فهل أصلي عليه أثناء صلاتي؟
الجواب
في المسألة خلاف، فمن العلماء من قالوا: تصلي، ومنهم من قال: لا تصلي، وهذه المسألة قد بسطها ابن القيم في كتابه القيم (جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام) صلى الله عليه وسلم.
فالصلاة على رسول الله داخل الصلاة فيها أقوال للعلماء: منهم من أباحها، ومنهم من قال: لا يجوز، وأنا أطمئن إلى الإباحة.
والله تعالى أعلم.(36/29)
حكم قراءة الحائض للقرآن
السؤال
هل يجوز للمرأة الحائض أن تردد الأذان خلف المؤذن وتقرأ الإخلاص والمعوذتين عند النوم؟
الجواب
نعم، يجوز للمرأة الحائض أن تردد الأذان، وأن تقرأ الإخلاص والمعوذتين؛ لأن المرأة الحائض منهية عن مس المصحف، وأما قراءة القرآن ففيها خلاف، والراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية من أن المرأة الحائض يحل لها أن تقرأ القرآن؛ لأن الحيضة ليست في يدها، فضلاً عن أنها قد تنسى القرآن لطول المدة، وقد استدل البخاري على أن الحائض تذكر الله بقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: (افعلي كل شيء إلا الطواف)، وكل شيء يدخل فيه الوقوف بعرفة والدعاء فيها ورمي الجمرات والتكبير مع الرمي، فأعمال الحج تحتاج إلى ذكر، فكونه أباح لها أن تفعل أفعال الحاج يعني أنه أباح لها الذكر، فللحائض أن تذكر الله ولا شك في ذلك، ولم يقل أحد من العلماء بحرمة الذكر على الحائض، وإنما الخلاف في قراءة القرآن ومس المصحف.
والراجح في مس المصحف الحرمة وعدم المس، وأما قراءة القرآن فالراجح فيها جواز قراءة القرآن من حفظها، ولا شيء عليها.
والله تعالى أعلم.(36/30)
فضل صلاة المرأة في بيتها وانتظارها صلاة الضحى في مصلاها
السؤال
هل يكتب للمرأة حجة تامة إذا صلت الفجر في بيتها وجلست لتنتظر صلاة الضحى؟
الجواب
جاء في الحديث: (من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله في مصلاه حتى تشرق الشمس ثم صلى ركعتين)، إلى آخر الحديث، قال العلماء: الحديث حسن، وفيه شروط: الشرط الأول: أن يصلي الفجر في جماعة.
الشرط الثاني: أن يجلس في مصلاه، أي: المسجد.
الشرط الثالث: أن يجلس ليذكر الله، لا ليخاطب أو يحاور، بل يذكر الله إلى أن تطلع الشمس.
الشرط الرابع: أن يصلي ركعتين.
فإن قالت امرأة: أنا صلاتي في بيتي أفضل قلنا: نسأل الله ألا يحرمك هذا الأجر إن صليت في بيتك، ثم جلست تذكرين الله؛ لأن الذي منعك من الجماعة مانع شرعي، وهو: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدي هذا).
فإن شاء الله لها الأجر.
والله تعالى أعلم.(36/31)
حكم الحلف بالطلاق
السؤال
حلفت بالطلاق على أمي لئلا تجلس مع أحد من الجيران، فجلست، هل يقع الطلاق أم ماذا؟
الجواب
فتاوى الطلاق والرضاع والميراث لا ينبغي أن تسأل على ورق؛ لأن الطلاق لا بد أن نسأل فيه عن نية الحالف، وعن مناسبة اليمين، وعن حال الزوجة، وإلى غير ذلك، فهذا لا يجوز أبداً.
وأريد أن أقول: إنه لا ينبغي علينا أبداً أن نتخذ آيات الله هزواً، فمثلاً: بائع الطماطم يحلف قائلاً: علي الطلاق أنني اشتريته بكذا، وما علاقة الطلاق بالبيع والشراء؟! فهذا يضرب ويعزر.
وأنت تحلف بالطلاق على أمك ألا تجلس، ولا يجوز أن تحلف على أمك بيمين الطلاق، فالطلاق للطلاق، ولم يشرع الطلاق بهذه الصور التي نراها الآن، وكما سألنا رجل أنه قال لزوجته: علي الطلاق عمري ما أنام بجانبك أبداً، فقلت له: أنت كذاب.
فلا يجوز أن نتخذ أيمان الطلاق هزواً، ونعرض بأيمان الطلاق في أشياء ليس لها صلة بالطلاق أبداً.
فهذا من فعل الشيطان الرجيم، والأخ صاحب السؤال يأتي بعد الدرس لنسأله في الطلاق وفي ظروفه.
وقد قال البعض: لا يجوز أن تسمع دعوى الطلاق إلا في حضور الزوجة؛ لأنه مسألة قضاء بين طرفين، وليس مسألة فتوى؛ لأنه سيقول: قلت كذا، فتراجعه وتذكره، ويسمع في دعوى الطلاق للزوج وليس للزوجة، ولكن الزوجة تكون موجودة، فربما تكون ذاكرة لشيء، والذاكر حجة على الناسي.
والله تعالى أعلم.(36/32)
حكم مصافحة زوجة الأخ والصلاة بعد مصافحتها
السؤال
توضأت للصلاة وقبل أن أذهب إلى المسجد قابلت زوجة أخي فسلمت عليها وذهبت إلى المسجد ولم أعد الوضوء، فما الحكم؟
الجواب
أولاً: وضوؤك صحيح، ولا ينتقض بهذه المصافحة.
ثانياً: حكم هذه المصافحة حرام، فلا يجوز لك أن تصافح امرأة طالما أنها تحل لك، حتى وإن كانت محرمة حرمة مؤقتة، وربما يقول أحد: الشيخ الفلاني يقول: سلم، ولا يضرك ما دام قلبك أبيض، فنقول: جاء في الحديث: (ما مست يد النبي صلى الله عليه وسلم يد امرأة لا تحل له)، وإذا حرم الله النظر فمن باب أولى أن يحرم المس؛ لأن المس أكثر مفسدة من النظر، فاتق الله ولا تسمع لهؤلاء أبداً، فالمصافحة حرام، فكان ينبغي عليك ألا تصافح هذه المرأة، أما وقد صافحت فتب إلى ربك عز وجل، ووضوؤك صحيح.
وأما المصافحة بحائل فمن العلماء من قال: وجود الحائل كعدمه، ولكن من باب ارتكاب أقل المفسدتين، فممكن أن تصافح بحائل مرة دفعاً لذلك الموقف، وبعد ذلك تقول لها: أنا لا أصافح النساء، فالمصافحة لحائل تكون في أضيق الظروف؛ دفعاً لأكبر المفاسد، يعني: هب أنك في موقف أجبرت على المصافحة، فصافح بحائل، وليست هذه فتوى، لا، وإنما هي دفع للمفسدة الكبرى، ثم بعد ذلك إن قابلتك نفس المرأة فلا تصافحها بحائل أو بدونه، فالكلام واضح؛ لأن بعض الإخوة لا يفهم الكلام منضبطاً، فأقول: السلام بحائل مثل السلام بغير حائل، إلا إذا كان سيترتب على ذلك مفسدة كبرى فادفعها بالمفسدة الصغرى، وبعد ذلك لا تكرر.
والله تعالى أعلم.(36/33)
تسمية الركعتين اللتين بعد شروق الشمس
السؤال
هل تسمى الركعتان اللتان بعد شروق الشمس ركعتي الضحى؟
الجواب
تسمى ركعتي الشروق وليس الضحى.(36/34)
حكم بناء المستشفيات والمساجد من مال الزكاة، وبيان مصارف الزكاة
السؤال
هل يجوز بناء مستشفى لعلاج سرطان الأطفال من مال الزكاة؟
الجواب
لا يجوز، وهذا رأي مجلس الإفتاء وعليه العمل، والله تعالى أعلم، وكذلك لا يجوز بناء المساجد بها، وهذه أيضاً فتوى اللجنة الدائمة، ووقع عليها الشيخ ابن باز والشيخ عبد الرزاق عفيفي ومجموعة، لأن مصارف الزكاة قد حددها الله كما في سورة التوبة.
ومن توسع في قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:60] قال: بناء المساجد داخل في سبيل الله، ونحن نقول له: في سبيل الله المقصود به: تجهيز المجاهد في سبيل الله، والشيخ ابن عثيمين له بحث في هذا، فبناء المساجد والمستشفيات يكون من الصدقة وليس من مال الزكاة، والمصارف الثمانية مذكورة في سورة التوبة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].(36/35)
حكم زكاة المنازل
السؤال
رجل يسكن في القاهرة، وعنده منزل في القرية يملكه ملكاً خالصاً له ولا يسكنه أحد، فهل على المنزل الفارغ زكاة؟
الجواب
لا، ليس على المنزل زكاة طالما أنه غير معد للتجارة، إلا إذا كان عقاراً للبيع فهذا يسمى عروض تجارة، وأما إذا كان لديه عدة بيوت ولا يسكن إلا واحداً منها فقط فليس عليه أن يزكي عن بقية البيوت ولم يقل أحد بهذا، طالما أنها أصول ثابتة غير معدة للتجارة.
والله تعالى أعلم.(36/36)
كيفية زكاة الأراضي المعدة للبيع
السؤال
عندي قطعة من الأرض وأنا أنوي بيعها، فهل تجب فيها زكاة عروض التجارة مع أنني لست من تجار الأراضي؟ وإذا وجبت الزكاة فهل تجب من وقت البيع أو من الآن؟
الجواب
نعم، تجب فيها الزكاة طالما أنك اشتريت وستبيع، فأنت اشتريتها ليس للبناء عليها، وإنما لإعادة بيعها، فعليها زكاة، والرأي الراجح الذي أميل إليه: هو أنك عند بيعها تخرج من هذا المبلغ ربع العشر (2.
5%)، كصفقة تجارية واحدة.
والله تعالى أعلم.(36/37)
حكم الصلاة خلف المدخن
السؤال
هل تجوز الصلاة وراء الإمام المدخن؟
الجواب
الأولى أن تترك الصلاة خلف هذا الإمام إلا إذا كان إماماً راتباً؛ لأنه ليس في يدك أن تغيره، فلا تترك الجماعة لأجل أنه مدخن؛ لأن التدخين معصية، وليس بدعة شركية، والذي لا يصلى خلفه هو صاحب البدعة الشركية، كالذي يطلب المدد من الأموات ويتوسل بالأضرحة، وأما من كان على معصية فالأولى زجره، فإن لم تستطع فصل خلفه ولا شيء عليك.
والله تعالى أعلم.(36/38)
أنواع الربا
السؤال
ما هو بيع النسيئة؟
الجواب
الربا ينقسم إلى قسمين: ربا الفضل، وربا النسيئة.
وربا الفضل هو ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضل ربا، والفضة بالفضة والفضل ربا، والتمر بالتمر والفضل ربا، والشعير بالشعير والفضل ربا)، وهكذا، فهذا اسمه: ربا الفضل، ومثاله: لو أن رجلاً عنده عشرون جراماً من الذهب، فذهب إلى صائغ مجوهرات وقال له: خذ هذه العشرين وأعطني بدلها، فوزن له عشرين جراماً جديدة وأخذ منه العشرين القديمة وقال له: ادفع فارق الصناعة أو الصياغة.
فهذا ربا، ولكن إذا أراد المقايضة؛ فليبع القديم أولاً ويقبض الثمن، ثم يشتري بعد ذلك منه أو من غيره؛ حتى يخرج من ربا الفضل.
وأما ربا النسيئة فهو ربا الزيادة، وكل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا، ومثال ذلك: أقرضك شخص ألف جنيه على أن تردها في العام القادم ألفاً ومائة، أو أقرضك ألف جنيه إلى آخر السنة فلم تستطع ردها في الموعد فقال لك: كل شهر تأخير عليه عشرة جنيهات، فهذا يسمى ربا نسيئة؛ لأن الله قال: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، وليس إلى فائدة، بل إلى ميسرة.
وكذلك مثل مؤسسات التأمينات إذا كان عليك لهم ألف جنيه مثلاً فإن دخلت السنة الجديدة فإنهم يزيدون عليك في كل شهر فائدة، ويسمونها غرامات تأخير، وكذلك الضرائب في كل شهر يزيدون (1%) عن الرصيد، يعني: في السنة (12%)، وفي إحدى المرات كان على شخص خمسة آلاف جنيه ولم يقدر على تسديدها، فبقي عشر سنوات أو عشرين سنة لا يسدد شيئاً، ثم ذهب ليسدد، فوجد أن الفوائد عشرين ألفاً، وأصل الدين خمسة آلاف جنيه، فبدلاً من أن يسقطوا عنه أصل الدين كبلوه بالفوائد، وكلام الشرع أن المعسر يمهل ولا يحمل بفائدة.
والله تعالى أعلم.(36/39)
حكم دفع المال للموظف لتسهيل المعاملات
السؤال
أنا طالب في جامعة الأزهر في السنة الأولى في كلية الطب وليس لي الحق في السكن بالمدينة الجامعية، فهل يجوز لي دفع بعض المال لأحد الموظفين حتى يسهل لي السكن، مع العلم أن المدينة بها أماكن خالية كثيرة؟
الجواب
ينظر في حالتك، فكلامك هذا ليس على إطلاقه، وإنما إن أكرهت على الدفع فالقول الراجح: أنك مكره، كمن يذهب إلى من يعمل له عملاً ويقول له: لن أعمل لك ذلك حتى تعطيني مالاً، فإذا لم تعطه قال لك: أنا مشغول تعال غداً، وهكذا، فخلص نفسك يا عبد الله! في هذه الحالة، وقد قال أحد مشايخنا: ذهبت إلى مكان لأصور ملفاً في قضية، فقال لي كاتب الجلسة: غداً -يا شيخ- فأنا مشغول، فالشيخ سمع الكلام ومشى، ثم أتى في اليوم الثاني فطلب الملف، فقال له الكاتب: بحثت عنه ولم أجده، تعال بعد غد لعلنا نلقاه، فجاءه في اليوم الثالث، وضيع بهذه الطريقة خمس محاضرات، ثم قال له رجل: يا مولانا! أعطه خمسة جنيهات وسيجهز الملف، فأعطاه خمسة جنيهات فأعطاه الملف.
فالمسألة فيها مفاسد ومصالح، فإن أجبرت على هذا فلا شيء عليك، والله تعالى أعلم.(36/40)
حكم الاشتراك في صندوق الزمالة
السؤال
أنا أشترك في صندوق الزمالة في العمل، وهو يقرض الناس من مائة إلى مائة وخمسة وعشرين، فهل هذا ربا؟
الجواب
صندوق الزمالة إن كان بفائدة مرتبطة بالبنك فهو ربا؛ فإذا وضعنا لعشرة موظفين صندوقاً بحيث نعطي أحدهم المبلغ إن جاء له ظرف، ثم الآخر كذلك فلا بأس إن كان العطاء من غير فوائد، فإن كان صندوق الزمالة تابع للبنك فهو غير مشروع.
والله تعالى أعلم.(36/41)
رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
السؤال
أريد أن تفسر لي هذه الرؤيا، حيث رأيت الرسول عليه الصلاة والسلام وطلبت منه عليه الصلاة والسلام أن يدعو لي، فقال: اللهم اهده، وفي المرة الثانية كنت في غرفة فيها طفل صغير مكفن ورائحته جميلة، وفي المرة الثالثة قلت له: ادع لي بالثبات، وفي آخر مرة كان في بيت عائشة فقلت له: ادع لي يا -رسول الله- أن ييسر الله لي زوجة صالحة، فقال اللهم زوجه، وبعد ذلك رأيت ملك الموت، فقلت له: لن تستطيع أخذ روحي، وبعد ذلك رأيت طفلاًً لم أره منذ زمن بعيد جداً فسلمت عليه وأعطيته حلوى؟
الجواب
رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام من المبشرات، يقول صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً؛ فإن الشيطان لا يتمثل بي).
صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن رؤيا النبي عليه الصلاة والسلام في المنام من المبشرات الصالحة، وطالما أنه دعا لك بالثبات وبالزوجة الصالحة فلا شك أن هذا سيجاب، والطفل الصغير هذا ربما يكون ولدك إن شاء الله بعد الزواج الصالح.
ولكن لا بد أن تضبط المسألة، فهناك صفات للنبي صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تكون على دراية بها؛ حتى تعرف هل هو هو أم لا؟ ولا نأخذ التشريع من المنامات كحال أهل التصوف، فتجد أحدهم يقول لك: أنا لا أشرب الشاي، فإذا قلت له: لماذا؟ قال لك: لقد جاءني النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي: لا تشرب الشاي.
فهل الرسول صلى الله عليه وسلم سيمنعه من شرب الشاي؟! وقد قال علماؤنا: إن أتى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد في النوم وقال له: رمضان غداً، فلا يصم حتى يرى الهلال؛ لأنه جاء في اليقظة وقال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، فيستحيل أن يأمر في المنام بما أمر بخلافه في اليقظة، فالتشريع لا يؤخذ من المنامات، فلا تأخذ حكماً شرعياًَ من المنام أبداً، وإنما هي رؤيا صالحة، (ولم يبق من النبوة إلا المبشرات، الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له)، والله تعالى أعلم.(36/42)
حكم كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وتعليقها على الجدران
السؤال
أنا أعمل موزعاً للوحات القرآنية على المكتبات ولدى العملاء، والعملاء نصارى، فما الحكم في ذلك؟
الجواب
بيع اللوحات القرآنية وتعليقها كما قال النووي في كتاب (التبيان في آداب حملة القرآن): تعليق القرآن على الحوائط لا يجوز أبداً، وما سمعنا بهذا في عهد السلف، وإنما حدث بعدما امتدت العصور، فتعليق سورة الفاتحة أو آية الكرسي ليس من الشرع أبداً، فالأولى بك أن تترك هذا، والله تعالى أعلم.
ولا تعلقها حتى في المساجد، وبعض الناس يكتب على الجدار آية، فتأتي مياه المطر فتنزل على الحائط فتزيل بعض الحروف، وهذا تشويه للقرآن، وبعض الفلاحين يكتب على ظهر العربات آيات قرآنية، ثم يأتي يركب جاموسة فتدوس الجاموسة على الآية بأرجلها وتتبرز عليها، وهذا لا يجوز، ويأتي الجزار يكتب على محل الجزارة: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:21]، وتاجر التجزئة يكتب: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} [الإسراء:12]، أو {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر:46]، أو {بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود:41]، أو {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان:21]، ولا ينبغي هذا، فالقرآن يعظم، وأحدهم يلبس حظاظة ويكتب عليها: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]، ويقول: هذه تأتي بالحظ، وأحدهم يكتب على الخاتم آية الكرسي، ولا ينبغي أن يكون هذا أبداً، فهو من قبيل عدم تعظيم كلام الله عز وجل، والله تعالى أعظم.
ولم يكن هذا في عهد سلفنا، وقد رأينا أحاديث مكتوبة على حوائط المدينة، ولا شك أن تعظيم الأحاديث مطلوب، ولكن أن نكتب: انتخبوا رمز الجردل، وبجانبه قال صلى الله عليه وسلم كذا، وتحتها: لا تنسوا مباراة الأهلي والزمالك، وبعدها: ندعوكم إلى العيد بالعراء؛ فهذا لا يجوز، فالأصل أن نترفع بالحديث عن أن يكون وسط هذا الكلام، فالحديث يعظم، والإمام مالك رضي الله عنه كان إذا أراد أن يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل وتوضأ وتطيب وتوجه إلى القبلة، ثم قال: قال صلى الله عليه وسلم كذا، ويقول: هكذا أمرنا أن نحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكتابة الأحاديث على الحوائط لم تكن في عهد سلفنا.
والله تعالى أعلم.(36/43)
حكم الوساطة في تيسير معاملات الحج
السؤال
ما حكم الوساطة في الحج أو دفع رشوة؟
الجواب
اعمل ولا يضرك، فأنت تريد الذهاب للحج، ولا يمكن أن تذهب حتى توسط، فوسط ولا حرج، فأنت تطلب الخير لأداء الفريضة، وربما إذا لم يوجد أحد يسهل لك المهمة فلن تذهب إلى الحج أبداً، فإن حاولت أن توسط أحداً ليقضي لك هذا الحج أو ليسهله لك فهذه شفاعة حسنة، وليس فيها شيء؛ لأنها شفاعة لأداء فريضة، وأما دفع رشوة هنا فلا يجوز.(36/44)
كفارة الغيبة
السؤال
ما كيفية تكفير الغيبة قبل التوبة؟
الجواب
إذا اغتبت شخصاً وأردت التوبة من هذه الغيبة فاذكره بكلام طيب في المكان الذي اغتبته فيه، فمثلاً: إذا ذكرته في مجلس بسوء فاذكره في نفس المجلس بكلام حسن، ثم ادع له وأنت ساجد، وصحح ما فعلت عند من اغتبته عندهم وليس عنده، و {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وأثن عليه ثناءً عاماً بعد ذلك، حتى ولو كان ذلك في مجلس غير المجلس الذي اغتبته فيه، وادع له بالمغفرة والرحمة وأنت ساجد، فهذا يكفر الغيبة إن شاء الله.
وهناك أحوال ستة لا يكون فيها القدح غيبة، وهي: القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر ومجاهر فسقاً ومستفتٍ ومن طلب الإعانة في إزالة منكر فهذه الأحوال الستة ليس فيها غيبة، وهي: أولاً: المتظلم، أي: الرجل الذي يتظلم من رجل ظلمه، ويقول: فعل بي كذا وأكل مالي، وهو ليس موجوداً، فهذه ليست غيبة.
ثانياً: ومعرف، مثل أن تقول: محمد بن عبد الرحمن، فلا يعرف حتى تبين وصفه بقولك مثلاً: الأعمش أو الأحول أو الأعرج أو الأقرع.
ثالثاً: ومحذر، كأن تعامل شخصاً فأكل عليك مالك، فإن جاء إليك شخص وسألك: ما رأيك في فلان؟ فتبين له وتحذره، وتقول له: احذر منه، مع أنه غير موجود.
رابعاً: ومستفت، مثل أن يأتي رجل إلى مفت ويقول له: فلان ظلمني وأكل مالي وتعدى على حقي.
خامساً: ومجاهر فسقاً، أي: الرجل الفاسق المجاهر بفسقه وبمعصيته.
سادساً: من طلب الإعانة في إزالة منكر، كأن يقول: في مكان كذا خمور تباع؛ لتغيير هذا المنكر عند العالم أو الوالي، فهذا ليس فيه غيبة.
والله تعالى أعلم.(36/45)
بيان ما لا يجوز للحلاق عمله أثناء الحلاقة
السؤال
أنا أعمل حلاقاً للرجال، فما هو المسموح في الحلاقة وما هو المنهي عنه؟ أصدقني الخبر؛ فإني على استعداد لترك عملي هذا إن كان لا يرضي الله؟
الجواب
بارك الله فيك، أولاً: لا تحلق اللحية؛ فحلقها حرام، فإياك أن تحلق لحية رجل! فاللحية الأمر فيها للوجوب.
ثانياً: لا تنتف الحاجب، لأن بعض الرجال يقول: اعمل لي بالفتلة، وارفع لي حاجبي، فإن كان النمص للنساء لا يجوز فمن باب أولى للرجال؛ لأن الزينة حق المرأة، فإذا حرمت على المرأة فمن باب أولى على الرجل.
ثالثاً: لا تحلق كبوريا ولا بنكي، وإياك والقزع، فلا تحلق من ناحية صفراً دون أخرى، ولا الذي شكله كالديك، فهذا حرام حرام، ومعظم شباب الجامعة يحلقون بنكي، وهذه الحلقة الجديدة حرام، وأقول لك: كن مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تقل: الرزق سيكون ضيقاً علي، وإنما الله سيغنيك من فضله.
أسأل الله لك الثبات والخير.(36/46)
حكم السلام على تارك الصلاة
السؤال
ما حكم السلام على تارك الصلاة؟
الجواب
إن كان عدم السلام عليه سيكون زجراً له ليصلي فلا تسلم عليه، وإن كان سيكون عوناً له على ترك الصلاة فسلم عليه، فهو على حسب حاله.
فقد تسلم على شخص فيقول في نفسه: الشيخ يحبني، فسأصلي لأجله.
وآخر قد لا تسلم عليه فيسبب ذلك تركه للصلاة وإصراره على تركها عيظاً منك لعدم السلام عليه.
فهذا يكون على حسب حال المدعو، فربما يكون الزجر بالهجر، وربما يكون الأمر بالصلة.
وعلى الإطلاق يجوز السلام عليه إلا إن كان زجراً.
والله تعالى أعلم.(36/47)
مع خليل الرحمن إبراهيم [3]
ابتلي إبراهيم عليه السلام بلاءً شديداً في الله تعالى في مراحل حياته المختلفة، فقد ابتلي بعباد الأصنام، وبكفر أبيه، ثم بذبح ابنه، والابتلاء سنة من سنن الله عز وجل لأهل الإيمان؛ لتمحيصهم ورفع درجاتهم.(37/1)
طريق الدعوة هو طريق البلاء
الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3].
خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وهدانا من ضلال، فـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد.
فاللهم يا مثبت القلوب! ثبت قلوبنا على دينك.
وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71].
ثم أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! لا يزال الحديث مع إبراهيم خليل الرحمن جل وعلا، الذي جاء ربه بقلب سليم، والذي آتاه الله كمال الحجة، فأقام البراهين والأدلة على عباد الأصنام والكواكب والنجوم، وحطم الشرك في عصره، وترك ولده الرضيع امتثالاً لأمر ربه بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم، وهو الذي وفى، وأول من أكرم الضيف، ولبس السراويل واختتن، وبذل ماله للضيفان، وجسده للنيران، وولده للقربان فاستحق أن يكسى عند الواحد الديَّان، وقد قال الله في حقه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:120].
ولقاؤنا اليوم مع (إبراهيم والبلاء).
لا بد أن نعلم ابتداءً أن طريق الدعوة إلى الله هو طريق البلاء، ورب العالمين تبارك وتعالى بين في كتابه أنه {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2].
وقال سبحانه: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:7].
وقال جل شأنه: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} [الإنسان:2]، فكأن العلة من وجود الخلق في هذه الحياة البلاء، ومن ثم يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)، ولن تجد داعية ولا عالماً من سلف الأمة لم يبتل، فلا بد من البلاء.
وحدث عن فتنة الإمام مالك ولا حرج، فلما بايع بعض من كان في المدينة الأمير مكرهاً جاء إلى مالك في درس علمه وقال له: يا مالك! بيعة المكره تقع؟ فقال مالك: لا تقع، فقال له: يا مالك! قل: تقع، قال: لا؛ فإن زلة العالِم زلة عالَم.
فهؤلاء الرجال ما باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، فأبى مالك أن يقولها فأُمِر بجلده، فجلد رحمه الله حتى شلت يداه بجواره.
وامتحن الإمام أحمد في القول بخلق القرآن، وحاول بعض خلفاء الدولة العباسية قهره على أن يقول: إن القرآن مخلوق، فقال: من قال: إن القرآن مخلوق فهو زنديق؛ إذ المخلوق يحتاج إلى خالق، وكلمات الله صفة من صفاته، وصفات الله أزلية، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، أي: أنه كان يستعيذ بغير المخلوق من المخلوق.
فلن تجد عالماً من علماء الأمة ولا أحداً من سلفنا الصالح إلا وقد ابتلي في الله عز وجل، وطريق الدعوة يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره)، فيا من تريد الجنة! طريقها المكاره، وستؤذى في نفسك وفي ب(37/2)
صبر إبراهيم عليه السلام في دعوة قومه
صبر إبراهيم عليه السلام على البلاء، وقد كان أمة في الصبر على البلاء، فبعد أن دعا أباه -كما بينا في اللقاء الأول- قام يدعو القوم من عباد الأصنام ويناظر عباد النجوم والكواكب، ويناظر ذلك الملك الظالم، وقد ذكر الله تعالى مناظرته لعباد الأصنام في قوله عز وجل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ} [الشعراء:69 - 70]، وإبراهيم كان يعلم أنهم يعبدون الأصنام، وإنما سألهم عما يعبدون توبيخاً وتقريعاً، وليبين لهم أن الذي يعبدونه لا يستحق العبادة، فكان جوابهم في منتهى الكبر والغرور والعجرفة والثبات على الباطل، {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء:71].
يقول السيوطي في (الإتقان في علوم القرآن): وحال السؤال مع الجواب في القرآن ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحياناً يأتي الجواب في القرآن على قدر السؤال.
وأحياناً يأتي الجواب أطول من السؤال.
وأحياناً يأتي الجواب بخلاف السؤال.
ومثال ما أتى فيه الجواب أطول من السؤال قول الله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:17 - 18]، فالجواب جاء أطول بكثير من السؤال، وقد قال علماؤنا: وإنما قال موسى: (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) طمعاً في أن يسأله الله ما هي المآرب الأخرى، حتى يطيل اللقاء مع الله عز وجل.
وأما ما أتى فيه الجواب أقصر من السؤال فكما في قول الله تعالى لما قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ))، فقد طلبوا منه أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن، أو أن يبدله، فكان الجواب {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس:15]، فأجاب عن التبديل ولم يجب عن أن يأتي بقرآن غيره؛ لأنه إن كان عاجزاً عن أن يبدل فمن باب أولى أنه سيكون عاجزاً عن أن يأتي بغيره، فالجواب هنا كان أقل من السؤال.
ومما أتى فيه الجواب أطول من السؤال حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ماء البحر: (إنا نركب البحر، أفنتوضأ بماء البحر يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، وهو لم يسأل عن الميتة وإنما سئل عن الوضوء، فأجاب عن الميتة لأنه يعلم أن حاجة السائل للميتة أشد من حاجته للوضوء، وهذه إجابة حكيم، ومَن الحكيم إن لم يكن هو سيد البشر صلى الله عليه وسلم؟!(37/3)
مناظرة إبراهيم عليه السلام لعباد الأصنام
لما سأل إبراهيم قومه: {مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً} [الشعراء:70 - 71]، ثم أرادوا أن يغيظوا إبراهيم فقالوا: {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء:71].
والعبادة تعني التعلق القلبي، فالقوم لا يعبدون الأصنام طول الوقت وفي الليل والنهار، وإنما يعبدونها في بعض الأوقات، ولكن قلوبهم تتعلق بها، فالملازمة هنا ملازمة قلوب، ولذلك العبادة هي: أن يلازم قلبك حب ربك سبحانه، وأن يمتثل لأمره عز وجل.
وقال العلماء: هي منتهى الحب مع منتهى الذل.
وعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة.
وبعض أهل التصوف يقولون: نحن أصحاب عبادة الباطن.
فنقول لهم: العبادة تشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، فالصوم والصلاة والحج والزكاة أعمال ظاهرة، والرجاء والخوف والحب والإنابة والتوكل أعمال باطنة فهي تشمل الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة.
والداعية إذا اتصف بصفتين يرجى منه النفع: الصفة الأولى: كمال الحجة، وقوة البيان والمناظرة، وامتلاك الأدلة التي تقهر الخصم.
الصفة الثانية: سلامة القلب، بأن يكون صاحب قلب سليم، فلا يحمل في قلبه حقداً ولا حسداً، ولا يتتبع العثرات ولا الزلات، وصدق من قال: المؤمن يستر وينصح، والمنافق يهتك ويفضح.
فالأصل في شرعنا الستر.
وقد اتصف إبراهيم عليه السلام بهاتين الصفتين: كمال الحجة، وسلامة القلب، فأقام الحجة على كل من كان في عصره، {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء:72 - 73]؟ فكانت إجابة هؤلاء الذين لم يروا النور، {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء:74].
فهم في تقليد أعمى، والتقليد مذموم؛ لأنه لا يستند إلى دليل ولا إلى برهان، ولذلك يقول ربنا: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:111].
فلا بد من برهان ودليل على الدعوى، ولا يقبل الكلام مهما كان قائله إلا إذا صاحبه دليل.
فلا بد من دليل يبين صدق ما تقول، فهؤلاء لما قال لهم إبراهيم: لم تعبدون هذه الأصنام؟ أجابوا بالتقليد، والتقليد مذموم، واليوم في قرانا وبعض مدننا يستدل البعض بالتقليد الأعمى، وكفى المقلد عاراً أن قوله هو قول عبدة الأصنام، {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22].
فهم قالوا: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} [الشعراء:74 - 77]، وانظر إلى بلاغة إبراهيم وكمال حجته، فلم يقل: فإنهم عدو لكم، وإنما قال: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} [الشعراء:77]، وأنا أحب لكم ما أحب لنفسي، وأتمنى لكم ما أتمناه لنفسي، فهذه الأصنام عدو لي، وطالما أنه قد تبين لي الحق فأنا أدعوكم إلى ما أدعو إليه نفسي.
وهذا معناه الولاء والبراء، بأن تعادي كل مشرك، وتحب كل موحد، واسمع إلى قول الله سبحانه: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة:114]، فيا من توالون المشركين وتقربونهم وتحبونهم وتكرمونهم وتقدمونهم على الموحدين! اتقوا الله في دينكم، فالبغض في الله والحب في الله أوثق عرى الإيمان، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فاحذر أن تحمل في قلبك حباً لمشرك مهما كان، وإن كان أباك أو أخاك؛ لأن الميثاق الذي يربط بيننا وبينهم هو توحيد الله عز وجل.
وانظر إلى حال النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع عمه كما في صحيح مسلم في كتاب الإيمان، فقد (دخل النبي عليه الصلاة والسلام على عمه أبي طالب وهو يحتضر، فقال له: يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله يوم القيامة، وأبو جهل فوق رأسه يقول له: أترغب عن ملة عبد المطلب، فأعادها صلى الله عليه وسلم مرة، ثم ثانية، ثم ثالثة، فقال أبو طالب لابن أخيه صلى الله عليه وسلم: لولا أني أخشى أن تقول قريش: قالها جزعاً من الموت لأقررت بها عينك، ثم قال: هو على ملة عبد المطلب)، ومات على الشرك والكفر.
فسالت دموع النبي صلى الله عليه وسلم على خده وقال: (والله يا عم! لأستغفرن لك ما لم أنه عنك).
فأنزل الله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَب(37/4)
ابتلاء إبراهيم عليه السلام بإلقائه في النار
وشأن الطغاة في كل الأزمنة والعصور أنهم لا يملكون حواراً ولا حجة ولا بياناً ولا أدلة، وإنما قالوا: {أَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} [الصافات:97].
فكان قرارهم هو الحكم بإعدام إبراهيم حرقاً، كما قال فرعون: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} [غافر:26].
فالقتل والتنكيل والبطش والتعذيب لغة الطغاة في كل الأزمنة مع أصحاب دعوة التوحيد.
فجمعوا له حطباً ووصلت النار إلى عنان السماء من شدة اشتعالها، وجاء في بعض الآثار أنه كانت المرأة منهم إن أصابها مرض تقول: لئن شفيت من مرضي لأجمعن حطباً لنار إبراهيم فالكل اجتمع عليه.
ولكن متى كان يعرف الحق بكثرة أتباعه؟! قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116].
فجاءوا بإبراهيم، ومع شدة البلاء إلا أنه لم يتزعزع، ولم يتراجع أو يتباطأ، بل وثق بربه، وتوكل على خالقه.
قال ابن عباس: (حسبنا الله ونعم الوكيل كلمة قالها إبراهيم حينما ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حينما قالوا لهم: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]).
دخل إبراهيم النار، والنار تحرق -ولا زالت تحرق إلى يومنا- فأتت على كل الحطب فأحرقته، ولكن للنار خالق، وهو الله رب العالمين سبحانه، يقول الشنقيطي في أضواء البيان: فالأسباب قد لا تأتي بمسبباتها؛ لأن الأسباب والمسببات لها خالق وهو الله عز وجل، فقال الله عز وجل: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:69 - 70]، وفي الآية الأخرى: {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَسْفَلِينَ} [الصافات:98].
فخرج من النار مرفوع الرأس، فلم يعتبروا أو يتعظوا بنجاة إبراهيم، فقد أصاب عقولهم وبصائرهم العمى والظلام.
وخرج إبراهيم من النار ليقيم الحجة على عباد الكواكب أيضاً، فأتى إلى ذلك الملك الظالم، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ} أي: الظالم، {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258].(37/5)
ابتلاء إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه
خرج إبراهيم بعد هذا البلاء قوياً.
ثم رزق بولد بعد سنين، ووصفه القرآن بأنه {حَلِيمٍ} [الصافات:101].
فحب الولد أمر فطري، ويزداد الحب إن كان الولد حليماً وقد جاء بعد غياب طال سنوات، ثم إذا بالأمر من الله عز وجل لإبراهيم أن اذبح ذلك الولد، فيا له من بلاء! والبلاء هو طريق أصحاب الدعوات، ولما كان الأمر من الله لم يملك إبراهيم وولده إلا أن يسلما.
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، فأمام أمر الله لا اختيار لك يا عبد الله! وذلك بعد أن رأى إبراهيم في المنام أنه يذبح ولده ورؤيا الأنبياء وحي، يقول صلى الله عليه وسلم: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟! قال: الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له)، فجاء يقصها على ولده، فوجد عنده التسليم، يقول ربنا سبحانه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات:103].
فكبر إبراهيم وسمى الله، وتشهد الولد، فصرعه إبراهيم على جبينه، وهوى عليه بالسكين؛ لينفذ فيه أمر الله، ولم يقل الولد: ما تقول لأمي يا أبي! إن سألتك عني؟ أو: هل يهون عليك أن تقتلني؟ أو: ماذا تقول للناس بعد قتلي؟ وإنما قال الولد لأبيه: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102]، فيا له من استسلام لقضاء الله وصبر على بلائه! {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103]، أي: صرعه على جبينه، {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات:104 - 105].
فقد كان إبراهيم أمة في الصبر على البلاء، وصدق الله سبحانه: {وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124].
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.(37/6)
مناظرة إبراهيم عليه السلام للنمرود
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: ثبت عن مجاهد أنه قال: ملك الدنيا أربعة: مؤمنان وكافران.
أما المؤمنان فهما سليمان بن داود عليهما السلام وذو القرنين.
وأما الكافران فهما بختنصر والنمرود بن كنعان الذي آتاه الله الملك وحاج إبراهيم في ربه.
وإلى كل ظالم أقول: ذلك الملك آتاه الله الملك، ولأن الله آتاه الملك حاج إبراهيم في ربه، فصاحب البلاء يتواضع، ولكن الذي آتاه الله الملك قد يتكبر، ولذلك فرعون قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51]، فأجرى الله الأنهار من فوقه، فالجزاء من جنس العمل، والله لا يغفل سبحانه وتعالى.
فـ النمرود بن كنعان قال لإبراهيم: من ربك يا إبراهيم؟! قال: ((رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)).
ففهم النمرود إبراهيم خطأً؛ لأنه فهم أنه يملك الإحياء، أي: أنه يصدر حكماً بالعفو عمن حكم عليه بالإعدام فيكون قد أحياه، ويأتي برجل لا ذنب له ويقتله فيكون قد أماته، وهذا ليس إحياء ولا إماتة، وحتى لا يفهم بعض الحضور خطأً هذه الحجة الواهية من الملك انتقل إبراهيم عليه السلام من أمر يقبل الجدل إلى أمر لا يقبل الجدل، {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ}، فعند ذلك {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258].(37/7)
المدرسة العقلية وموقفها من النصوص
أحبتي الكرام! هناك مدرسة تطل برأسها علينا في هذا الزمن تسمى بالمدرسة العقلانية، وهذه المدرسة تحكم العقل في النص، فإن قبل العقل ذلك النص قبلوه، وإن أبى العقل ذلك ردوا النص حتى وإن ثبت في صحيح البخاري أو مسلم أو صح عن النبي عليه الصلاة والسلام في غيرهما.
وهذه المدرسة قديمة، وأول روادها المعتزلة الذين قدموا العقل على النقل.
ونقول لهؤلاء: إن العقل يجتهد في فهم النص، وأما أن يرد النصوص فهذا أبداً لا يكون؛ لأن الله تعالى قال عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:3 - 5].
وإذا اصطدم عندك بعض النصوص مع بعضها فعليك أن تتبع طريق العلماء في النصوص المتعارضة، وهي كالتالي: أن تحاول أن توفق وتجمع بين النصوص والأدلة، وقد لا أستطيع أنا وأنت التوفيق، ولكن هناك من العلماء من يقدر على هذا، فلا نهمل نصاً على حساب نص آخر، فطالما أن النصين ثابتين فنحاول أن نجمع ونوفق بينهما، ومن أمثلة ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مس ذكره فليتوضأ)، فهذا نص على الوضوء من مس الذكر، ثم قال في حديث آخر لما سئل عن مس الذكر: (إنما هو بضعة منك)، فهذا النص يتعارض مع ذاك، ولا نستطيع رد أحد النصين، وقد جمع بينهما الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى، فقال: من مس ذكره بشهوة فليتوضأ، ومن مسه بغير شهوة فلا وضوء عليه.
فجعل أحدهما مقيداً بالشهوة والآخر بدون شهوة، فأعملهما معاً ولم يرد أيّاً منهما.
فإن تعذر التوفيق والجمع فلننظر في الناسخ والمنسوخ، فلعل نصاً نسخ الآخر، فإن لم نجد نسخاً فلنحاول أن نرجح نصاً على نص، وطرق الترجيح لها أكثر من مائة طريق: فيرجح ما ثبت في الصحيحين على ما انفرد به البخاري.
ثم ما انفرد به البخاري على ما انفرد به مسلم.
ثم الدليل القولي على الدليل العملي.
ثم قول المثبت على قول النافي.
إلى غير ذلك من المرجحات.
ونرى الآن من يطعن في أئمة العلم؛ لأنهم صححوا حديثاً لا يستقيم عند من يطعن فيهم مع ما يفهمه من بعض الأدلة الأخرى.
فاتق الله يا من تطعن في سنة رسول الله! واتهم عقلك بعدم الفهم، والقصور في الإدراك بدلاً من أن تطعن في البخاري تارة، وفي مسلم تارة، وماذا يبقى للأمة إن طعنا في الصحيحين؟ أيها الإخوة الكرام! يقول صلى الله عليه وسلم: (يوشك رجل شبعان)، وكلمة شبعان تشير إلى أنه من أهل الترف، يعني: لم يرتحل لطلب العلم، وإنما ظل في قصره وبرجه العاجي، (شبعان، متكئ على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، فيقول: ما وجدنا هذا في كتاب الله).
يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض).
أسأل الله تبارك وتعالى بفضله وكرمه أن ينصر الإسلام، وأن يعز المسلمين.
اللهم انصر دينك يا رب العالمين! اللهم أيد أطفال فلسطين بنصرك، اللهم اربط على قلوبهم، اللهم أرنا في اليهود آية؛ فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.
اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك، اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك.
اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، ولا تفضحنا يا رب! يوم العرض.
{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وقع في يدي كتاب لا داعي لذكر اسم مؤلفه، والكتاب كله من أوله إلى آخره طعن في الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، والكاتب يظن أنه يحسن صنعاً، فهو يقول: الشيخ صحح حديث كذا، وهذا الحديث يصطدم مع نص كذا، ومع آية كذا.
وكان الواجب عليه قبل أن يطعن في الشيخ أن يحاول أن يوفق بين النصوص، وينظر إلى أقوال أهل العلم في التوفيق والجمع؛ لأن مسألة الجمع بين النصوص مسألة مهمة جداً، وقد ألف الشيخ الشنقيطي (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)، جمع فيه الآيات التي ظاهرها التعارض مع آيات أخرى، كقول الله تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ(37/8)
الأسئلة(37/9)
حكم من قام جنباً قبل شروق الشمس وخشي الشروق إن اغتسل
السؤال
إذا استيقظ المرء جنباً قبل شروق الشمس بدقائق هل يتيمم ويصلي، أم يغتسل ويتوضأ حتى وإن أشرقت الشمس؟
الجواب
الراجح أنه يغتسل ويتوضأ حتى وإن أشرقت الشمس؛ لأنه كان نائماً، ولا تفريط في النوم، وإنما التفريط في اليقظة، قال صاحب كتاب العدة شرح العمدة في الفقه الحنبلي: من انشغل بشروط الصلاة وأخرها لانشغاله بشرطها لا يعتبر مؤخراً لها, ومثال ذلك: لو أن رجلاً انشغل بالوضوء للصلاة فخرج الوقت وهو يتوضأ، فهذا منشغل بشروط الصلاة، فمن انشغل بشروطها وإن خرج الوقت لا يعد مؤخراً لها.
فالقول الراجح: أنه يغتسل ويتوضأ ثم يصلي.
والله تعالى أعلم.(37/10)
حكم الصلاة خلف من ينكر عذاب القبر
السؤال
ما حكم منكر عذاب القبر وسؤال الملكين في القبر؟ وهل تصح الصلاة خلفه؟
الجواب
هذا مما عمت به البلوى، والذي ينكر عذاب القبر متهم في عقيدته، والبخاري رحمه الله لما أراد أن يستدل على عذاب القبر في الصحيح بدأ الكتاب بآيات ولم يبدأ بأحاديث، يقول ابن حجر: وفِقْهُ البخاري واضح في أنه بدأ بآيات من القرآن؛ حتى يدلل على أن عذاب القبر ثابت بالقرآن مع السنة، ومن الآيات الدالة على عذاب القبر في القرآن قول الله عز وجل عن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]، وقوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة:21].
وأحاديث عذاب القبر ثابتة، وقد بلغت حد التواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي ينكر عذاب القبر يطعن في القرآن وفي السنة.
يقول أبو هريرة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا هذا الدعاء كما يعلمنا الآية من القرآن بعد التشهد يعلمنا أن نقول: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال).
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من عذاب القبر في كل صلاة صلى الله عليه وسلم.
فالذي يشكك في عذاب القبر ويكذب بسؤال الملكين لا تصل خلفه بعد إقامة الحجة عليه ونفي الشبهات ودفع العوارض عنه، فربما يكون متأولاً فهم غلطاً، فلا بد أن تقيم عليه الحجة؛ لأننا نعذر بالجهل، فربما يكون قد غاب عنه الدليل، أو أول الدليل.(37/11)
معنى العذاب الأدنى في قوله تعالى: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى)
السؤال
ما تفسير قول الله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة:21]؟
الجواب
( من العذاب الأدنى)، (من) هنا بمعنى (بعض)، يعني: لنذيقنهم بعض العذاب الأدنى، والبعض الآخر في القبر، فنذيقهم بعض العذاب في الدنيا لعلهم يرجعون إلى ربهم قبل الموت، فالعذاب قد يكون سبباً في أن يعودوا.
والله تعالى أعلم.(37/12)
حكم العمل في شركة تتعامل مع البنوك الربوية
السؤال
أعمل في شركة إدخال بيانات على الكمبيوتر بمرتب شهري، وثلث العمل الذي يأتي إلى هذه الشركة للبنوك الربوية، ولا أستطيع أن أترك جزءاًَ من العمل دون جزء، فهل يجوز أن أعمل في هذه الشركة؟ أفتونا رحمكم الله؟
الجواب
اعمل ولا حرج؛ لأن عملك أساسه محاسب مشروع، فالعمل عندك قد اختلط فيه الحلال بالحرام، وذلك مثل السباك الذي يصلح صنبوراً لتاجر المخدرات، فأجر السباك حلال، والدخل بالنسبة لتاجر المخدرات حرام، فعمل السباك حلال، وهذا هو معنى قول الأصوليين: الأشياء إن فارقت المحل يختلف حكمها، فالبراز في جوفك طاهر، فأنت تصلي وهو بداخلك، فإن خرج أصبح نجساً، فإن اختلف المحل اختلف الحكم.
فأنت محاسب تضبط الميزانية وتستخرج الحسابات، ولا شيء عليك؛ لأن أصل عملك مشروع، والإثم على صاحبه.
وهذا مثل أن يأتي رجل ويقول لك: احسب لي هذه العملية وهي من دخل حرام، فأنت تحسب، ولست بمساعد ولا بعنصر فعَّال.
لكن السباك لا يجوز له أن يساهم في إنشاء مسرح، فهذا حرام؛ لأن عمله في أساس الإنشاء، وفرق بين هذا وذاك، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].
وأما قوله تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ} [هود:113]، فهذه الآية لها مفهوم آخر، فلا تكن مساعداً للذين ظلموا في ظلمهم، وأما إن كنت تعمل في الكهرباء وطلب منك تاجر يعمل في الحرام أن تصلح له الكهرباء في بيته فعملك أصله مشروع، ففرق بين هذا وذاك، وكذلك العمل في إنشاء الأقمار الصناعية؛ لأنها تعرض أشياء وأشياء، فالعمل أصله مشروع، والعرض نفسه غير مشروع.(37/13)
حكم الحلف على عدم الصلاة في مسجد معين
السؤال
تأخرت عن الحضور مبكراً في الجمعة الماضية، وأقسمت على نفسي بالله تأديباً أني إذا تأخرت في الجمعة المقبلة عن الساعة العاشرة فسأترك المسجد الذي أصلي فيه دائماً وسأذهب للصلاة في أي مسجد آخر قريب، فما الحكم؟
الجواب
عليك أن تكفر عن يمينك بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم تستطع فصيام ثلاثة أيام، والراجح عدم التتابع، فإن تابعت فهو أولى، وإن لم تتابع فلا شيء عليك؛ فالأحناف يشترطون التتابع، والجمهور عدم التتابع، وقد استدل الأحناف بقراءة شاذة لـ ابن مسعود: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات)، وقالوا: إن القراءة الشاذة تنزل منزلة أخبار الآحاد فنأخذ منها حكماً، وقال الجمهور: القراءة الشاذة لا يستدل بها في اعتماد حكم.
فصيام الثلاثة الأيام غير متتابعة يجوز، وإن حدث التتابع فهذا هو الأولى.
والله تعالى أعلم.(37/14)
حكم تارك صلوات يوم واحد عمداً
السؤال
رجل يصلي ويداوم على الصلاة ولكنه تخلف بالأمس عن الصلاة كلها عمداً، فهل خرج بذلك من الملة؟
الجواب
لو قرأت في كتب الفقه الحنبلي فستعلم خطورة المسألة، فقد قال الإمام أحمد في رواية -والمقصود بقولنا: قال الإمام أحمد في رواية: أن أحد تلامذته سمع منه رأياً فبلغه، وبعض تلامذته سمع رأياً آخر، فهذه رواية وهذه رواية- قال: إن الذي يترك فرضين متتابعين يستتاب، وفي رواية أخرى: ثلاثة فروض.
ورجح أصحابه رواية الثلاثة فروض؛ لأنه يمكن أن يؤخر شخص الظهر ويصليه مع العصر، فلا تقل: إنه ترك الظهر والعصر إلا بعد أن يخرج وقت العصر، لأن الظهر والعصر قد يجمعا، فآخر وقت الظهر هو غروب الشمس، وليس العصر؛ لأنه ربما جمع الظهر والعصر؛ لعذر أو لعلة.
فالراجح أنه إن ترك المسلم ثلاثة فروض متتابعة -كظهر وعصر ومغرب- يستتاب، فإن صلى وإلا قتل، ويستتاب ثلاثة أيام، فيؤتى به في اليوم الأول ويستتاب، فإن لم يصل ترك، ثم يؤتى به مرة ثانية فيستتاب، فإن لم يصل ترك مرة ثانية، ثم يؤتى به في الثالثة، فيستتاب ثلاث مرات، فمن أصر على ترك الصلاة ثلاث مرات قتل، ولا يترك الصلاة في هذه الحال تهاوناً، بل جحوداً.
فقال الحنابلة: يستتاب ثلاثاً وإلا قتل، والجمهور قالوا: يستتاب وإلا قتل.
واختلف الحنابلة والجمهور: هل يقتل حداً أم ردة، فإن قتل ردة فلا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرث ولا يورث.
والخلاف هنا خلاف لفظي، وإن تمعنت في الخلاف وجدت أنه من المفروض أن يقتل ردة؛ لأنه لن يختار القتل على الصلاة إلا من أنكرها جحوداً، ولا يمكن أن يكون متهاوناً أو متكاسلاً عن الصلاة ويقبل بالقتل مقابل تركها؛ فلا يكون تركها إلا جحوداً.
فالذي ترك الصلاة يوماً كاملاً نقول له: تب إلى الله عز وجل، واندم على ما فعلت، ثم بعد ذلك داوم على الصلاة، والله عز وجل يعفو عنك.
وتكون الاستتابة ثلاثة أيام، ودليل الاستتابة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً} [النساء:137].
قال علي بن أبي طالب: والآية دليل على أن المرتد يستتاب ثلاث مرات.
فيستتاب في اليوم الأول، ثم في اليوم الثاني، وهكذا ثلاث مرات.
وأما قضاء الصلاة المتروكة عمداً فقد قال شيخ الإسلام في الفتاوى: ليس على تارك الصلاة عمداً قضاء، وإنما عليه التوبة، وأن يكثر من النوافل؛ لأن القضاء يحتاج إلى دليل، ولا يوجد دليل على القضاء.
والله تعالى أعلم.(37/15)
حكم حوار الحضارات
السؤال
ما حكم حوار الحضارات؟
الجواب
لا أدري ما المقصود بالحضارات، وهل الغرب يملك حضارة؟ الغرب لا يملك إلا دعارة، ومن قال: إن الغرب يملك حضارة فقد قلب الحقائق، فالغرب ليست عنده حضارة.
فأي حوار حضارات هذا؟ فنحن أصحاب الحق، وديننا دين الحضارة والتقدم وإن زعموا غير ذلك، وإن أرادوا أن يعرفوا ذلك فليرجعوا إلى التاريخ وأين كانوا والأمة الإسلامية في قمة مجدها، فقد كانوا في الظلام الدامس، ثم يقولون: حوار حضارات! فهل الحضارة المقصود بها الأصنام والتماثيل والأهرامات؟ فهذه ليست حضارة، وأما نحن فنملك قرآناً وسنة هما حضارتنا، ومصدر رفعتنا وعزتنا، قال عمر: الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، فعزتنا في إسلامنا.(37/16)
حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته وطلب الاستغفار منه
السؤال
ما معنى قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} [النساء:64]؟ وهل يجوز أن أطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لي؟
الجواب
هذه الآية من شبهات المتصوفة، يقولون: إن الله قال: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ))، فأطلق المجيء إليه سواء كان حياً أو ميتاً، فيذهبون إلى قبره ويقولون: يا رسول الله! استغفر لنا الله عز وجل، وهذا فهم عقيم وسقيم، لا يتناسب مع مفهوم الآية أبداً، والمعنى: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ)) حال الحياة، ((فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ)) هم، {وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ} [النساء:64]، طلب لهم المغفرة من الله عز وجل.
أما بعد موته فما وجدنا أحداً جاءه سواء من الصحابة أو من سلف الأمة، وقد كان عمر يقول: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك وإنا نتوسل إليك بعم نبيك، ادع الله يا عباس! فلو أن عمر علم أنه يجوز أن يذهب للقبر لما توسل بـ العباس ليدعو لهم الله.
فحياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره حياة برزخية، فلا ينبغي أن يقال: إن الذهاب إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ميت كالذهاب إليه وهو حي.
وقد أورد ابن كثير عند تفسير هذه الآية قصة الرجل العتبي الذي نام عند القبر، ولم يخرجها، وهي: أن رجلاً جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له، ثم ولى الرجل مدبراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعتبي: قم وأخبر الأعرابي أني قد استغفرت له، ثم أخذ يقول: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي فداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم وهذه القصة تحتاج إلى تخريج.
والشيخ أبو إسحاق بارك الله فيه قد اجتهد في تحقيق نصوص كتاب تفسير ابن كثير، والكتاب لم يكتمل بعد.
فأسأل الله أن يتم هذا العمل الطيب إن شاء الله تعالى.
وكلمة الصوفية كلمة دخيلة على إسلامنا، وأصل المتصوفين: أهل الزهد، فـ الحسن البصري من الزاهدين وليس من المتصوفين.
فكلمة الصوفية كلمة دخيلة على إسلامنا، فإن كانت هي الإسلام فلا نريد بديلاً لاسم الإسلام، كما قال الدكتور جميل غازي رحمه الله، وإن كانت هي غير الإسلام فلا نقبل شيئاً غير الإسلام.
وإذا قرأت في تراث الصوفية فستجد العجب، كما في أقوال ابن عربي والحلاج وابن الفارض وغيرهم من أئمة التصوف، وقد قال ابن عربي كلاماً لا أستطيع أن أذكره على الملأ.
وأبو يزيد البسطامي يقول: ضربت عريشي إزاء عرش الرحمن جل وعلا، وخضنا بحراً عجز الأنبياء عن الوقوف بساحله.
فهم دخلوا البحر والأنبياء عجزوا عن الوقوف بساحله.
ويقول: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي يعني: أن الولي أعلى من النبي مرتبة، وأهل السنة لهم العلم الظاهر، ونحن لنا العلم الباطن.
فهم أصحاب نظرية الظاهر والباطن.
ويقول: ما في الجبة إلا الله.
وهذا حلول واتحاد.
ويقولون: العبد رب والرب عبد ليت شعري من المكلف ويقولون: ما الكلب والخنزير إلا إلهنا.
وهذا حلول واتحاد.
فهؤلاء أفسدوا الدين.
ونحن نقول لك: القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، وهم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين، فأهل الصفة كانوا زهاداً، ولسنا في حاجة لزهد أحد، بخلاف زهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد تعانقت الصوفية مع الباطنية، وهناك رسالة دكتوراه بعنوان: (العلاقة بين الصوفية والشيعة).
فالعلاقة واضحة المعالم تماماً، ولذلك لما دخلت فرنسا إلى الجزائر لتحتلها جيء بقطب الطريقة التيجانية -شيخها- فقيل له: ماذا نفعل؟ هل نقاوم الاستعمار؟ قال: لا، لقد رأيت في منامي أمس هذا الجنرال وهو قادم إلى بلدنا، فسلموا إليه البلد، وهذا قضاء الله، {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} [الأحزاب:38]! فهم ينزعون من الإسلام مفهوم الجهاد، ويجعلونه خاصاً بجهاد النفس، وأما جهاد العدو فلا وجود لذلك عندهم، وفي هذا تمييع لقضايا مهمة جداً.
ونحن نحب أهل الزهد الذين هم على طريقة السلف الصالح، وأما ما نراه الآن فهو شرك.
والمغالاة في حب الصالحين كان سبباً في دخول الشرك إلى قوم نوح عليه السلام، وهذا لا ينبغي أن يكون، لا بد أن ننقاد للحق، وأما أن تكون المسألة منافع ومكاسب فلا، بل ولو كان الحق معك فلا بد أن أقبله ولو كان ضد ما أرى، ولذلك قال أحد الإخوة: لو خرج البدوي من قبره الآن حياً لأعادوا قتله مرة ثانية؛ للمنافع المحققة.
ونحن لا نبغض أهل الزهد والورع، مثل الجيلاني والهروي ا(37/17)
حكم زيادة سنة في شهادة الخبرة كذباً
السؤال
إنني أعمل حداداً من مدة أربع سنوات، وقدمت في هيئة النقل العام، وطلبوا مني شهادة خبرة لخمس سنين، وأنا لم أعمل إلا لأربع سنوات، فهل يجوز لي أن أزيد سنة وأكتب خمس سنين؟
الجواب
لا، ينبغي عليك أن تكون صادقاً، والصدق منجاة، فأنت عملت أربع سنين، فتأتي بشهادة الأربع، ولا يجوز لك أن تكذب للحصول على عمل.
والصدق منجاة، فكن مع الصادقين، حتى قيل: إن رجلاً من سلف الأمة جاء الحجاج ليقتل ولده، فقال له الحجاج: أين ولدك؟ وكان الولد قد دخل مكاناً ليختفي فيه من الحجاج، فقال له: ولدي في هذه الغرفة، فوجده فيها، فقال: لأجل صدقك عفوت عن ولدك، فهل رأيت ماذا يعمل الصدق، فالصدق منجاة، فكن صادقاً.
أما إن اضطررت فيمكن أن تسمي اليوم من السنة والجزء من السنة سنة، فإذا اشتغلت أربع سنوات وشهرين فتحسبها خمس سنوات، قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197].
و (أشهر) هنا المقصود بها شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، فسمى الجزء من الشهر شهراً.
هذا في حال الاضطرار.
والله تعالى أعلم.(37/18)
نصيحة لشاب أقلع عن العادة السرية
السؤال
أنا شاب في السابعة عشرة من العمر، وكنت أستعمل العادة السرية، ولكني بفضل الله تبت، فبم تنصحني يا شيخ؟!
الجواب
أنصحك أن تصوم كثيراً، فإن الصيام يهذب الشهوة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) يعني: وقاية.
فأنا أنصحك بالصوم، وبكثرة الذكر وقراءة القرآن، والمحافظة على الجماعات.
حفظك الله تعالى.(37/19)
حكم شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال
ما حكم شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
القصد يكون للمسجد والقبر يأتي تبعاً، فلا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، وهذا قول أهل السنة، فإذا وصلت المسجد تسلم وتزور وتفعل كل شيء، وقد رأى عمر رجلين يرفعان أصواتهما عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من أي البلاد أنتما؟ قالا: من الطائف، قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً، أترفعان أصواتكما عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الله تبارك وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات:2]، فالرفع هنا يمتد إلى الحياة والممات.(37/20)
أنواع الربا
السؤال
ما الفرق بين البيع بالتقسيط والقرض بالفائدة؟
الجواب
لا، هناك فرق كبير، فالربا ينقسم إلى قسمين: ربا فضل، وربا نسيئة.
فأما ربا الفضل فقد حصره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث: (الذهب بالذهب والفضل ربا، والفضة بالفضة والفضل ربا، والتمر بالتمر والفضل ربا، والشعير بالشعير والفضل ربا).
فهذه الأصناف لا بد أن تكون يداً بيد، ومثلاً بمثل، ولما جاء بلال بتمر جيد من خيبر قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بلال! أوكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا يا رسول الله! هذا تمر جيد استبدلناه بتمر رديء) أي: يتفاضل، مثل خمسة كيلو رديء بكيلو جيد، فقال عليه الصلاة والسلام: (هذا عين الربا يا بلال!).
فالربا أن تستبدل جيداً برديء أكثر في هذه الأصناف.
وأما ربا النسيئة فمثل: أن أقرضك ألف جنيه مثلاً على أن تقضيني ألفاً ومائة، هذا ربا النسيئة، أو مثل أن أقول لك: أقرضك على أن ترد القرض في اليوم الأول من شهر واحد، فإن تأخرت فعليك فائدة (1%) عن كل يوم تأخير.
هذا ربا النسيئة؛ لأن قرض الألف لا بد أن يرد ألفاً، (كل قرض جر نفعاً فهو ربا).(37/21)
حكم الشرط الجزائي، وحكم البيع بالتقسيط
السؤال ما حكم الشرط الجزائي؟
الجواب
الشرط الجزائي مشروع ولا بأس به.
وأما بيع التقسيط فهو أن يكون للسلعة سعر نقدي وسعر بالآجل، شريطة أن تسأل المستهلك: هل تريد أن تشتري نقداً أم بالآجل؟ فارتفاع السعر نظير الأجل، وهذا أمر مقرر عند جمهور الفقهاء، وهناك رسالة بهذا العنوان: (جواز البيع بالتقسيط عند الجمهور).
فالبيع بالتقسيط بارتفاع السعر.
والله تعالى أعلم.
ويجوز مبادلة السيارة بأحسن منها؛ لأنها ليست في الحديث، والمذكور في الحديث: ذهب بذهب، وفضة بفضة، وتمر بتمر، وملح بملح، قمح بقمح، وشعير بشعير.
وأما جلابية بجلابية، أو سيارة بسيارة، مثل أن يعطيني شخص سيارة (فيات) ويأخذ مني (فلفو) ويدفع الفرق، فهذا ليس في الحديث.
فربا الفضل في هذه الأصناف.
والله تعالى أعلم.(37/22)
حكم تحويل الدين إلى زكاة
السؤال
مات رجل وعليه دين، وبعد دفنه ذهبنا إلى صاحب الدين وكان مبلغاً كبيراً من المال بحكم التجارة، فعفا عنه على أنه من زكاة المال، فهل يجوز تحويل الدين إلى زكاة مال؟
الجواب
لا يجوز عند الجمهور، بل الراجح أنه لا يجوز أن تسقط الدين على اعتبار أنه زكاة؛ لأن الزكاة فيها إعطاء، {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة:60].
فـ (للـ) تفيد الإعطاء، وهذه الحالة لم يقل بها أحد من أهل العلم، فلا ينبغي العفو عن الدين مقابل إسقاطه من زكاة المال.
والله تعالى أعلم.(37/23)
ما يصنعه الزوج إذا زنت الزوجة
السؤال
فتاة نصرانية مات والدها وجدها، ثم أعلنت إسلامها وتزوجت من شاب مسلم، وأنجبت منه ثلاثة أولاد، ثم حدث خلاف بينهما، وفي خلال فترة الخلاف حملت من الزنا وأنجبت مولوداً، وأنكر الرجل الزاني هذا الولد، فماذا يصنع الزوج؟ ولمن ينسب هذا المولود؟ وماذا يفعل الزوج في هذا الموضوع؟ وما مصير هذه المرأة إذا حدث طلاق وأهلها كلهم نصارى؟
الجواب
أولاً: لا بد أن تتيقن أن الولد ليس ولدك، فهو يمكن أن يكون حملاً مستكناً منك.
ثانياً: إن تيقنت فاتهمها بالزنا ولاعنها، إما لأنك رأيت، وإما لقرينة لا تقبل التشكيك فيها.
ثالثاً: إذا لاعنت فإن الولد ينسب إلى أمه، فيحلف الزوج وتحلف الزوجة كما في سورة النور، ثم يفرق بينهما، والمتلاعنان لا يجتمعان أبداً، وإن نكحت ألف زوج بعده، يحدث بينهما الفراق الأبدي طالما وقد اتهمها بالزنا، ولا يجوز أبداً أن تعود إلى الزواج منها مرة ثانية؛ لأن الزواج قائم على المودة والرحمة، وهذا قد انقلب إلى عذاب.
ولا تقل: ماذا أفعل للزوجة وأهلها كلهم نصارى؟ فأنت لا تقبل الزنا على عرضك، فإن زنت وتحققت من الزنا فلاعنها، ثم يفسخ بينكما العقد، ولها أن تتوب إلى الله وأن تتزوج غيرك.
والله تعالى أعلم.(37/24)
حكم لُعَبِ الأطفال المجسمة
السؤال
ما حكم الإسلام في لعب الأطفال المجسمة على هيئة إنسان أو حيوان؟
الجواب
لعب الأطفال جائزة إذا كانت على هيئة عروسة أو حصان، والدليل ما جاء في البخاري في كتاب الصيام عن الربيع تقول: لما فرض عاشوراء صمنا، وصوَّمنا أطفالنا، وكنا نصنع لهم عرائس من صوف، فكانوا إذا بكوا على الطعام أعطيناهم إياها.
فلعب الأطفال لا شيء فيها، والله تعالى أعلم.
بشرط ألا تكون تماثيل.
وتعليق الصور على الحوائط حرام، ولا يجوز أبداً أن تعلق صورة لأبيك أو لأمك أو لفنان أو شيخ، فتعليقها حرام.
والله تعالى أعلم.(37/25)
مواقف بكى فيها النبي صلى الله عليه وسلم
البكاء من خشية الله تعالى سبب لحصول الرحمة والمغفرة، وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أشد الناس خشية لله تعالى وخوفاً منه، وقد بكى في مواضع متعددة إما خوفاً من الله أو رحمة وشفقة بأمته، وكذا كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم من الصالحين يبكون من خشية الله تعالى، والقصص في ذلك كثيرة.(38/1)
المواضع التي ذكر فيها البكاء في القرآن الكريم
الحمد لله رب العالمين، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة:7].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم -بحول الله وفضله وتوفيقه وعونه- بعنوان: مواقف بكى فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
والعناصر الرئيسة لهذا الدرس هي كما يلي: أولاً: البكاء في القرآن.
ثانياً: البكاء في سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
ثالثاً: أنواع البكاء العشرة كما ذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى.
رابعاً: بكاء النبي صلى الله عليه وسلم.
خامساً: بكاء أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.
وابتداء نقرر أن جمود العين من قسوة القلب، فالعين التي لا تبكي من خشية الله تدل على أن قلب صاحبها فيه جمود، ولذلك يقول ربنا عن أصحاب القلوب الجامدة: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:74]، و (أو) هنا بمعنى: (بل)، أي أن قلوب اليهود أقسى من الحجارة.
وبتتبع بعض المواضع التي ورد فيها ذكر البكاء في القرآن الكريم نجد ما يلي: الموضع الأول: قال ربنا عز وجل في سورة النجم: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم:59 - 61]، ومعنى (سامدون)، أي: مغنون لاهون لاعبون، ومعنى كلمة: (اسمد لنا)، أي: غن لنا، قال تعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6]، والله إنه الغناء.
الموضع الثاني من مواضع البكاء: في قول الله تعالى في سورة مريم بعد ذكر بعض الرسل: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم:58]، قرأ عمر رضي الله عنه هذه الآية ونزل من على المنبر وسجد، ونظر إلى القوم فما رآهم بكوا؛ فقال: أيها الناس! هذا السجود فأين البكاء؟ أي: أن ربنا قال: {خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم:58]، ولم يقل: ((خَرُّوا سُجَّداً)) فقط.
الموضع الثالث: في سورة التوبة: قول ربنا سبحانه وتعالى عن الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأرادوا أن يخرجوا معه في غزوة تبوك؛ ليقاتلوا أعداء الله سبحانه، فلم يجد لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما يحملهم عليه، أي: لم يجدوا شيئاً يستطيعون الجهاد به، فكان حالهم أنهم {تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ} [التوبة:92]، لعدم استطاعتهم على الجهاد في سبيل الله، أريتم مثل هذا أيها الإخوة الكرام؟! الموضع الرابع: في سورة المائدة وهو مهم جداً، قال تعالى: ((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى))، البعض يقرؤنها إلى هنا ويقف، والمعنى لم يكتمل ولم يتضح، وهذا خطأ فادح عند الكثير، بل لابد أن يكملوا الآية، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ} [المائدة:82 - 83]، وذلك أنهم آمنوا؛ {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً}، وإذا سمعوا القرآن آمنوا، أما أن تقرأ: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} [المائدة:82] وتقف، فهذا غرض في نفسك يا عبد الله! لا بد أن تكمل الآية إلى آخرها.
الموضع الخامس: في سورة يوسف، قال تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} [يوسف:16]، إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاءً ولم يأتوا نهاراً، لأن الكاذب يبدو في وجهه الكذب، فكأنهم تستروا بلباس الليل؛ ليخفوا كذبهم عن أبيهم، وهذا من أنواع البكاء العشرة المعروف ببكاء النفاق.
الموضع السادس: في سورة يوسف جاء ذكر البكاء أيضاً، قال تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} [يوسف:84]، أي: من كثرة البكاء عليه أصيب بما يسميه علماء الطب: بالماء الأبيض، ولم يكن(38/2)
المواضع التي ذكر فيها البكاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم
أما البكاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم: ففي حديث أبي هريرة الجامع المانع في فضائل الأعمال، وتعطير أو ترطيب الأفواه بذكر من يظلهم الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله)، وفي رواية الموطأ: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله)، وجميع الروايات في البخاري ومسلم والنسائي والترمذي والموطأ تنتهي إلى أبي هريرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)، أي: بكى من خشية ربه، ولذلك لا يلج النار أحد بكى من خشية الله، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حتى يعود اللبن في الضرع)؛ لأنه بكى من خشية الرحمن عز وجل.
ومن الأحاديث في فضل البكاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو رأيتم ما رأيت لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً، ولما استمتعتم بالنساء على الفرش) وذلك أنه رأى الجنة والنار صلى الله عليه وسلم.
أيها الأحباب الكرام! والبكاء من خشية الله يقسمه العلماء إلى أنواع، يقول العلامة ابن القيم: وكان بكاء النبي صلى الله عليه وسلم كضحكه، أي: لم يضحك قهقهة، إنما كان ضحك النبي صلى الله عليه وسلم تبسماً، لحديث: (ما رؤي مستجمعاً ضاحكاً قط)، لم يضحك مثلنا بقهقهة وبصوت مرتفع؛ لأن هذا من صنع الغافلين، كذلك كان بكاؤه لا يشعر به أحد، يقول العلامة ابن القيم: فكان بكاؤه من جنس ضحكه، لم يكن بشهيق ورفع صوت، كما لم يكن ضحكه بقهقهة، إنما كانت عيناه تدمعان دون أن يشعر به أحد.
وفي هذا لما قال لـ عبد الله بن مسعود: (اقرأ علي القرآن، قال ابن مسعود: فقرأت عليه من سورة النساء حتى بلغت قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] قال: حسبك -أي: كفاك- فنظرت إلى وجهه؛ فإذا عنياه تذرفان)، أي: أن ابن مسعود ما علم ببكاء النبي صلى الله عليه وسلم بصوته، إنما علم بكاءه بالنظر إلى وجهه عليه الصلاة والسلام.(38/3)
أنواع وأقسام البكاء
يقول العلامة ابن القيم: وينقسم البكاء إلى عشرة أنواع: أولاً: بكاء الرحمة والرقة.
ثانياً: بكاء الخوف والخشية.
ثالثاً: بكاء المحبة والشوق.
رابعاً: بكاء الفرح والسرور.
خامساً: بكاء الجزع من ورود المؤلم وعدم احتماله.
سادساً: بكاء الحزن.
سابعاً: بكاء الخور والضعف.
ثامناً: بكاء النفاق.
تاسعاً: البكاء المستعار والمستأجر.
عاشراً: بكاء الموافقة.
والفرق بين بكاء الخوف وبكاء الحزن أن بكاء الخوف على ما هو آت، وبكاء الحزن على ما وقع من فعل مضى.
ودمعة الحزن تختلف عن دمعة الفرح، فإن دمعة الفرح باردة، ودمعة الحزن ساخنة، لذلك فرق بين بكاء وبكاء.
والبكاء المستعار: كأن تأتي بامرأة لتبكي على رجل لا تعرفه، وتستعيرها بأجر، يقول أحد السلف لأبيه: يا أبتِ! مالي أراك إذا تحدثت بكى الناس، وإن تحدث غيرك لم يبك أحد؟ قال: يا ولدي! ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة.
ليست من أصيبت في زوجها أو ولدها كمن يؤتى بها لتبكي بأجر.(38/4)
المواضع التي بكى فيها النبي صلى الله عليه وسلم
أيها الإخوة الكرام! وبالتتبع لبعض مواقف بكاء النبي صلى الله عليه وسلم، وجدنا أنه بكى في مواضع منها: أولاً: بكاؤه في يوم بدر عليه الصلاة والسلام؛ لما عاتبه الله في أسرى بدر: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال:67]، لما جاءه عمر وجده يبكي هو وأبو بكر تحت الشجرة، فقال: يا رسول الله! لم تبكيان؟ فإن وجدت ما يبكي بكيت، وإلا تباكيت.
وهذا يسمى بكاء المجاملة.
ثانياً: بكاؤه لما أوحى الله إليه باستشهاد شهداء مؤتة الثلاثة: زيد بن حارثة وجعفر الطيار بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة.
ثالثاً: بكاؤه صلى الله عليه وسلم عند وفاة ابنه إبراهيم، وقال: (إن العين لتدمع).
رابعاً: بكاؤه صلى الله عليه وسلم عند سماع القرآن في أكثر من حديث: الحديث الأول وهو حديث ابن مسعود، والحديث الثاني: لما أنزل الله عليه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190]، والسيوطي رحمه الله في كتابه (الإتقان) يضرب بها مثلاً فيما نزل من القرآن ليلاً.
تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: (استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: دعيني أصلي لربي، فبكى حتى بلَّ الأرض من دموعه، ودخل عليه بلال فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك يا رسول الله؟! قال: كيف لا أبكي يا بلال وقد أنزل الله علي الليلة: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190])، أي: لأصحاب العقول.
وتطالعنا جريدة الأهرام القاهرية بمقال في (5/ 3/2004) عن الصورة التي أذهلت العالم، وهي أن وكالة (ناسا) الفضائية الأمريكية لما أطلقت مكوك الفضاء قام بتصوير الكرة الأرضية من أعلى، فلما صور الكرة الأرضية وجدها معتمة -مظلمة- إلا مكة والمدينة، لكنهم إلى الآن يكابرون عن قبول الحق، وعن الإيمان والإسلام، ولا يؤمنون وقد تبين لهم الحق، وربنا يقول: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53]، لكن الكاتبة قالت في مقالتها: والمسجد الأقصى في فلسطين لم يكن على منوال المسجد الحرام والمسجد النبوي، وترجع السبب إلى أن إسرائيل أظلمت المسجد الأقصى باحتلالها له، لكني أقول: المسجد الحرام حرام، والمسجد النبوي حرام، والمسجد الأقصى ليس بمنطقة حرام؛ وهذا خطأ شائع بيننا أن نقول عن المسجد الأقصى: ثالث الحرمين، وهذا خطأ فادح، إنما الحرمان هما المسجد الحرام والمسجد النبوي، أما المسجد الأقصى فليس بحرام، بل إنه مبارك تشدُّ إليه الرحال، لكن لا يأخذ حكم المسجد الحرام والمسجد النبوي من أحكام الحرمة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أمثال ذلك: لو أنك وجدت لقطة في المسجد الحرام بمكة لا تأخذها، أما في المسجد الأقصى فإنك تأخذها.
لو أنك نفرت طيراً في الحرم المكي والمدني فإنه يحرم عليك ذلك، أما لو نفرت طيراً في فلسطين لا يحرم عليك.
فنقول: المسجد الأقصى من المساجد المباركة التي تشد إليها الرحال، أما المسجد الحرام والمسجد النبوي فإنهما حرمان، ولذلك فإن النور يسطع منهما على الأرض، هذا هو السبب، وليس كما قالت الكاتبة أن إسرائيل أظلمت المسجد الأقصى باحتلالها له.
فالنبي صلى الله عليه وسلم بكى عند نزول الآيات، قال لـ بلال: (أنزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها -أو سمعها- ولم يتدبرها.
ثم قرأ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]).
وفي الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ قول الله عز وجل عن إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم:36]، ثم تلا قوله تعالى عن عيسى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118]، ثم بكى صلى الله عليه وسلم، فأرسل الله إليه جبريل، وقال له: سله ما يبكيك؟ والله أعلم بما يبكيه، فقال صلى الله عليه وسلم: أمتي أمتي -يبكي على أمته- فأوحى الله إليه بقوله: قل ل(38/5)
بكاء الصحابة رضي الله عنهم
أما بكاء الصحابة فحدث عنه ولا حرج، فـ الصديق من صفاته أنه كان لا يملك دمعه، فقد كان أسيفاً، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها حينما قال صلى الله عليه وسلم: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقالت: يا رسول الله! مر عمر؛ فإن أبا بكر رجل أسيف لا يملك دمعه، إذا قرأ القرآن بكى).
وقد بكى أبو بكر عندما أدركهم سراقة بن مالك في طريق الهجرة خوفاً على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر يلتفت، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يلتفت.
وبمناسبة الهجرة أقول: لا تسمعوا لهؤلاء الذين لا يحققون للناس ما ينقلون، ففي برنامج إذاعي أو تلفزيوني -كما أخبرني أحد الناس أن المتحدث أستاذ في الجامعة، لا يليق به أن ينقل دون أن يحقق- يقول المتحدث: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم الغار حمله الصديق، ثم مزق أبو بكر ثوبه، وسد به الفتحات التي في الغار إلا موضعاً واحداً خرج منه ثعبان ولدغ أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم نائم على حجره، وأبو بكر يكتم البكاء، فنزلت دموعه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال: ما يبكيك يا أبا بكر؟! قال: لدغني الثعبان يا رسول الله! فسأل النبي صلى الله عليه وسلم الثعبان: لم لدغت الصديق يا ثعبان؟! قال: حبك يا عدنان! عليه الصلاة والسلام! هل هذا الكلام يقال في إذاعة أو في قناة، ويعرض على الناس في المحافل العامة؟ وفي الهجرة: العنكبوت والحمامة، وربنا يقول: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة:40]، والعناكب جنود مرئية، لكننا ما زلنا نعرض الهجرة على الناس بهذا السياق الذي لا يرضي الله عز وجل، فنحن بحاجة إلى تحقيق تاريخي.
وأحدهم سمعته منذ فترة يقول: قال موسى لربه: يا رب! دعني أرزق بعض خلقك، فقال: يا موسى خذ حجراً واكسره، فكسر الحجر فخرج من الحجر حجر، ثم كسر الثاني فخرج منه حجر، ثم كسر الثالث فخرج منه حجر، إلى أن وصل إلى السابع فوجد فيه دودة تقول: سبحان من رزقني! ما هذا الكلام؟! وهل هذا يعرض على الناس إلى الآن؟ هؤلاء ليس لهم عقول، كليم الله يقول: يا رب! دعني أرزق بعض خلقك، هل كليم الله لا يعلم أن الله هو الرزاق؟! هذا كلام -يا إخواني- لا ينبغي أن يقال منا إلا بعد التحقيق الحديثي، فقد يكون ضعف في الإسناد أو في المتن.
أيضاً: قصة عابد الحرمين ابن المبارك حينما قال لشيخه الفضيل بن عياض: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب هل من الأدب أن يقول الطالب لشيخه: أنت تلعب بالعبادة؟! وهل هذا من أدب السلف؟! لا يمكن أن نقبل هذا.
أيضاً ما ذكره الذهبي في الكبائر أن رجلاً دفن أخته، فوقعت حافظة نقوده في قبرها، فلما وارى التراب على القبر بحث عن المحفظة فلم يجدها، فرجع إلى القبر وفتحه يبحث عن محفظته، فهل في السلف من يرجع إلى القبر ويفتحه حباً في المال؟! أليس منكم رجل رشيد؟! هل هذا كلام يقال على المنابر للناس؟ هذا كلام لا يقبل يا إخواني! أيضاً: الرجل الذي لم يصل العشاء في جماعة، فلما فاتته الجماعة عاد إلى بيته وصلى سبعاً وعشرين صلاة، فهذا كلام باطل، لأنه لا صلاة في اليوم مرتين، وما كان السلف يجهلون أنه لا يجوز أن تعاد الصلاة أكثر من مرة، لا يجوز أن تعاد الصلاة إلا لسبب شرعي؛ كبطلان أو خطأ، كأن صلى متلبساً بنجاسة، أو صلى إلى غير القبلة؛ فيجوز أن يعيد طالما أنه في الوقت، أما إذا صلى صلاة صحيحة ثم يعيد الصلاة سبعاً وعشرين مرة، فهذا كلام لا يقبل بحال؛ لأنه يعارض الصحيح.
أيضاً: لما أمر الله إبراهيم أن يذبح إسماعيل أتى بالسكين، ووضعها على رقبة إسماعيل، فانثنت السكين ولم تقطع، فقال إبراهيم: يا رب! إن السكين لم تتحرك ولم تؤد دورها، قال: يا إبراهيم! إن الذي نزع الرحمة من قلبك نزع الحدة من السكين! هل نزعت الرحمة من قلب إبراهيم؟! لا إله إلا الله! هذا الكلام -والله- يقال وسط عشرة آلاف مصل، أن الله سبحانه وتعالى نزع الرحمة من قلب إبراهيم، والجميع يجلس ويقول: ما أجمل هذه القصة! والناس تحب القصص، ويستضيفون من يجمع يميناً ويساراً، ويتخبط ويخبط، ويعرض هذه البضاعة الفاسدة على الناس دون تحقيق.
فيا عباد الله! لا بد أن نحقق قبل أن ننقل، ولذا فأول حديث وقع عند البخاري من الثلاثيات في كتاب العلم: حدثنا مكي بن إبراهيم قال: حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال علي ما لم أقل؛ فليتبوأ مقعده من النار)، عليه الصلاة والسلام.
وهو أول الثلاثيات عند البخاري رحمه الله تعالى.
إذاً: بكاء الصديق، وبكاء عمر، وب(38/6)
الأسئلة(38/7)
حكم تصوير وطباعة الكتب دون علم مؤلفيها وناشريها
السؤال
نحن طلبة في الجامعة نقوم بتصوير الكتب الجامعية؛ لأن ثمنها مرتفع، سواء كتب عليها (حقوق الطبع محفوظة) أو لم يكتب، فما حكم هذا؟
الجواب
يجوز طالما أنك تنتفع بها ولا تتاجر بها، يجوز في حال الانتفاع فقط.(38/8)
حكم الزواج برجل لا يصلي إلا الجمعة
السؤال
تمت خطبتي إلى شاب لا أعرفه، ولكنه لا يصلي إلا الجمعة، ويعمل مدرس سباحة؟
الجواب
إذا كان لا يصلي إلا الجمعة فهو تارك للصلاة، وتارك الصلاة اختلف العلماء في حكمه، فلا تتزوجي هذا الرجل، وهو -إن مات على ذلك- مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف أئمة الكفر يرافقهم في جنهم.(38/9)
حكم سجود التلاوة في أوقات الكراهة
السؤال
هل يجوز سجود التلاوة في أوقات الكراهة؟
الجواب
المسألة خلافية، والراجح أنه يجوز.(38/10)
حكم بيع المرابحة
السؤال
اتفقت مع أحد الأشخاص على شراء سيارته، ولما لم يكتمل المبلغ المتفق عليه اتفقت مع أحد البنوك الإسلامية على شراء هذه السيارة من هذا الشخص، وإعادة بيعها لي بالتقسيط بعد إضافة مصروفات البنك وغير ذلك، فما حكم ذلك؟
الجواب
هذا البيع يسمى بيع المرابحة، يجوز للبنك أن يشتري السيارة، وأن ينقل ملكيتها إليه، ثم يعود ويبيعها إلى المستهلك الذي يريد شراء هذه السيارة بسعر جديد دون أن يحمله فوائد في حال التأخير، فإن تحمل فوائد فهو ربا.(38/11)
الحكم على حديث: (ولما تلذذتم بالنساء على الفرش)
السؤال
عبارة: (ولا تلذذتم بالنساء على الفرش) ضعفها فضيلة الشيخ أبي إسحاق الحويني، ما رأيكم في ذلك؟
الجواب
رواية: (لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش) ضعفها الشيخ أبو إسحاق حفظه الله، ننظر في تضعيفها إن شاء الله تعالى.(38/12)
الحكم على حديث: (إياكم وخضراء الدمن)
السؤال
أرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح حديث: (إياكم وخضراء الدمن)؟
الجواب
هذا حديث غير صحيح أبداً.(38/13)
عدم كون المسجد الأقصى حرماً
السؤال
ما الدليل على أن المسجد الأقصى ليس حرماً؟
الجواب
هذا السؤال خطأ، والأصل أن يقال: ما الدليل على أن المسجد الأقصى حرام؛ لأن الأصل في الأرض أنها كلها مباحة، إنما التحريم يحتاج إلى دليل، لكن الأدلة واضحة على أن المسجد الأقصى ليس بمنطقة حرام، والمنطقة الحرام لا ينفر طيرها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف، ولا يجوز أن تصطاد فيها وأنت حل.
فلو أن رجلاً اصطاد في فلسطين عند المسجد الأقصى فإن صيده مباح ولا نلزمه بشيء؛ لأن المسجد الأقصى لم يأخذ خصائص المسجد الحرام.(38/14)
حدود نظر الخاطب للمخطوبة وعورة المرأة أمام محارمها
السؤال
ما حدود نظر الخاطب للمخطوبة وما حدود عورة المرأة أمام المحارم؟ وما حدود الاستمتاع بين الرجل وزوجته؟
الجواب
أما حدود نظر الخاطب للمخطوبة فهو الوجه والكفان، وله أن يراها ثلاث مرات.
وحدود عورة المرأة أمام المحارم الوجه والكفان، الشيخ الألباني له كتاب في هذا، لا سيما المحارم الذين عندهم ضعف في الدين.
وحدود الاستمتاع بين الرجل وزوجته أنه يحل له كل شيء إلا الدبر والحيض والنفاس، وما عدا ذلك (أنَّى شئتم)، وخاصة عند وجود الترف في هذه الأيام، فالإنترنت يفتح والدش يبث، وأصبحنا نتفنن في ذلك، نسأل الله العافية.(38/15)
الحكم على الأحاديث القدسية
السؤال
هل الأحاديث القدسية فيها الصحيح والحسن والضعيف؟ وهل هي من مصادر التشريع؟
الجواب
الأحاديث القدسية فيها الصحيح والحسن والضعيف، وإن صحت فهي من مصادر التشريع.(38/16)
حكم البكاء بصوت مرتفع في صلاة الجماعة
السؤال
ما حكم بكاء المصلي بصوت مرتفع في صلاة الجماعة؟
الجواب
الحقيقة لا أدري ما الذي جرى لهذه الصحوة؟! لا بد أن نستقيم على السنة، والسنة فيها خشوع وأدب وعدم زحام.
أخبرني ثقة أنه قبل الصلاة حدث عند الباب مشاكل وضرب وزحام، أين الأدب والخشوع في الذهاب لصلاة الجمعة؟! أين السكينة والوقار؟! أين احترام المسلم لأخيه المسلم؟! أين سعة الصدر؟! هل يحدث هذا من الملتزمين؟! إذاً: نحن لا يمكن أن ننظم مكاناً واحداً، إذا كنا بهذه الطريقة ليس لدينا نظام فلنتق الله عز وجل، ولنحفظ الأدب في التعامل مع الناس، والبكاء له آداب، ومن آدابه: عدم رفع الصوت، أما الذي يبكي بصوت مرتفع فهذا نسأل الله له العافية.(38/17)
حكم امتناع المرأة عن فراش زوجها
السؤال
ما حكم المرأة التي تمتنع عن زوجها في الفراش؟
الجواب
تلعنها الملائكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت باتت تلعنها الملائكة).(38/18)
الوقت وحرص الصالحين عليه
اهتم الإسلام بالوقت وحث على الحرص عليه، بل أقسم الله بالوقت بمعانيه المختلفة في كتابه؛ وما ذاك إلا لعظيم شأنه، واغتنام الأوقات والأنفاس واللحظات فيما يقرب إلى الله هو عمل السعداء، ولنا في الصحابة والتابعين في حرصهم على الوقت أسوة حسنة، ومن الأوقات التي ينبغي الحرص عليها شهر رمضان؛ لما فيه من الخير والبركة.(39/1)
أهمية الوقت ونماذج من حرص الصالحين عليه
الحمد لله رب العالمين {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة:7 - 9]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:14 - 16].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! إن اغتنام الأوقات والأنفاس واللحظات والساعات فيما يقرب من رب البريات لهو عمل السعداء، والأتقياء لا يفرطون في لحظة أو في دقيقة إلا وشغلوها بذكر الله أو بطاعة الله؛ لأنهم يعلمون أن الأوقات هي رأس مال العبد، وكان الحسن البصري يقول: يا ابن آدم! إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك، ومما يبين خطورة الوقت والزمن في حياة المسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه البخاري: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، أي: أن الكثير من الناس لا يستغل نعمة الصحة ونعمة الفراغ، وعند احتضاره يندم على كل وقت مضى عليه دون أن يعمره بطاعة الله؛ ولذلك من الأسئلة التي يسأل عنها العبد يوم القيامة: (عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه).
ويتضح المعنى جلياً عند تمني الرجعة عند خروج الروح: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100]، {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} [فاطر:37] في النار، {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37]، يندمون على أوقاتهم التي ضيعوها في اللهو والعبث أمام مظاهر الإفك والمنكرات، ويعضون على أصابع الندم، ولكن المسلم على بصيرة من أمره.
أحبتي الكرام! انظروا إلى حال سلفنا في اغتنام الأوقات والساعات واللحظات في طاعة رب العالمين سبحانه، كان ابن عقيل -من الحنابلة- يختار سف الكعك على مضغ الطعام، فسئل: لم تفعل ذلك؟ قال: لأني وجدت المسافة بين السف والمضغ قدر قراءة خمسين آية من كتاب الله، لا إله إلا الله! ليس عنده وقت ليمضغ الطعام فيسفه سفاً، أين أوقاتنا يا عباد الله؟! وقال رجل للأحنف بن قيس: قف أكلمك.
قال له: أمسك الشمس حتى أتحدث معك.
وقال الخليل بن أحمد: أثقل ساعة علي ساعة آكل فيها الطعام؛ لأنها تمنعني عن ذكر ربي عز وجل.
أحبتي الكرام! أرأيتم الهمم العالية؟! وكان سفيان الثوري يطلب العلم ويتعارض طلبه للعلم مع عمله، فقال لأمه: إن عملي يشغلني عن طلب العلم كثيراً، فماذا قالت المرأة لابنها؟ يا بني! تفرغ أنت لطلب العلم، وأنا سأكفيك بمغزلي هذا، وانطلقت الأم تعمل وتنفق على ولدها طالب العلم.
وكان ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن يأتي إلى أبي بن كعب رضي الله عنه ليسأله في مسألة شرعية، فينام على بابه ويقيل حتى يخرج إليه أبي، فيسأله ابن عباس عن حاجته.
أرأيتم الهمم يا عباد الله؟! اغتنموا الأوقات في طاعة الله حتى لا تتحسروا يوم القيامة على أي وقت لم تشغلوه بطاعة الله وذكره.
وكان حرص سلفنا الصالح على الأوقات كحرصنا نحن على الدرهم والدينار،(39/2)
إقامة الشعائر في شهر رمضان
إن شهر رمضان شهر اصطفاه الله، وخصه بخصائص تميزه عن سائر الشهور، منها على سبيل المثال لا الحصر: أن الله جعله محلاً للصيام ومحلاً لنزول القرآن، ومحلاً للقيام ولتفتيح أبواب الجنان، ولتغليق أبواب النيران، ولتصفيد مردة الشياطين، جعله الله محلاً لليلة هي خير من ألف شهر، إذاً: شهر له هذه الصفات حري بنا أن نشمر فيه عن ساعد العمل، ونجتهد في العبادة والطاعة لرب العالمين سبحانه، ومن ثم أحدثكم عن الأعمال التي ينبغي أن نكرس لها الجهد في هذا الشهر.(39/3)
قيام الليل
الشعيرة الأولى: القيام.
وقيام الليل هو شعار الصالحين ودأب المتقين: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18]، {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16]، تتباعد جنوبهم عن أمكان نومهم، هل يشاهدون أفلاماً؟ أو يسهرون على سهرة آخر الليل؟ أو يسهرون على غناء هابط؟ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16] لماذا؟ {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة:16]، خوفاً من ناره، وطمعاً في جنته.
ولذلك -إخوتي الكرام- انظروا إلى حال نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم كيف كان ليله، هل كليل البطالين والسفهاء الذين يدعون الأمة إلى النار على سهرات هابطة، انظروا إلى حال نبيكم، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: (تفقدت النبي صلى الله عليه وسلم يوماً على فراشي فلم أجد النبي صلى الله عليه وسلم بجواري، فقمت أبحث عنه في الحجرة المظلمة فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام قد ترك الفراش وقام يصلي لربه، وقد ابتلت الأرض من دموعه وهو يقول ويناجي ربه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).
وقام يصلي بالليل فجاء حذيفة فوقف بجواره، يقول: (فقرأ النبي سورة البقرة، فقلت: لعله يركع، فقرأ النساء كاملة، فقلت: لعله يركع، فقرأ آل عمران كاملة) كل ذلك في الركعة الأولى يا عبد الله، والحبيب قائم بين يدي ربه، ولذلك انظروا إلى حال سلفنا وإلى حال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان عمر بن الخطاب يقوم بالليل يصلي لله والناس نيام، وأهل التوحيد لا يعرفون النوم بالليل إلا القليل؛ لأنهم ينفردون بربهم سبحانه، ويناجونه ويدعونه آناء الليل وأطراف النهار، وكان يقرأ في سورة يوسف -يحبها- حتى إذا وصل إلى قول الله: {إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:86] علا صوته بالبكاء حتى يسمع لبكائه صوت من خلف جدران بيته، حتى أقامت الدموع خطين أسودين تحت عينيه من كثرة البكاء من خشية الله، فهذا عمر.
أما عثمان فحدث عنه ولا حرج، قال ابن عمر في تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9]، قال: نزلت في عثمان.
وفي اليوم الذي مات فيه عثمان كان يقرأ القرآن من مصحفه، فلما طعنوه سال الدم من جسده على مصحفه، فبكت الزوجة وهي تقول: قتلتموه، وإنه ليصلي الليل بالقرآن كاملاً.
رجال كانوا رهباناً بالليل لله رب العالمين، فأول شعيرة ينبغي أن نؤكد عليها في هذا الشهر الكريم شعيرة قيام الليل.
وفي صحيح البخاري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه التراويح في أول ليلة من رمضان، وفي الليلة الثانية كثر الناس -لينال الجميع شرف الصلاة خلف النبي عليه الصلاة والسلام- فصلى بهم، وفي الليلة الثالثة ما خرج من حجرته صلى الله عليه وسلم إلا في الفجر، فقال لهم: لم يخف علي مكانكم -يعني: أعلم أنكم مكثتم في المسجد من بعد العشاء- ولكني خشيت أن تفرض عليكم)، إذاً: العلة التي منعت النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج حتى لا تفرض صلاة التراويح، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء زمن عمر رضي الله عنه اتخذ أبي بن كعب رضي الله عنه للرجال إماماً، فكان يصلي بهم قيام رمضان.
والناس فريقان: فريق يدعو إلى النار بمسلسلاته وبسهراته وبلقاءاته الهابطة، وفريق يدعو إلى الجنة بالصلاة والقيام، فكن مع الدعاة إلى الجنة، ولا تستجب لأولئك الذين قال ربنا في حقهم: {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة:221].
أحبتي الكرام! وأول ما وطئت قدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم المدينة -كما قال ابن سلام - قال: (أيها الناس! اطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام).
وفي أول بعثته قال له ربه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:1 - 5]، قال ابن عمر: كان الصحابة بعد صلاة الفجر يقصون على النبي صلى الله عليه وسلم ما رأوا في نومهم من رؤى فيفسر ل(39/4)
القرآن
الشعيرة الثانية: القرآن.
والحديث عن القرآن قد يطول قليلاً؛ لأننا هجرنا القرآن أياماً وشهوراً: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]، وهجر القرآن أنواع، قال ابن القيم في (بدائع الفوائد): وينقسم هجر القرآن إلى ستة أقسام: من الناس من يهجر القرآن سمعاً انظر إلى حال الأمة ماذا تسمع الآن يا عبد الله! وانظر إلى حجم أشرطة الغناء الفاحش التي تباع لشبابنا! الشريط الذي حطم المليون ثم دخل على المليون الثاني، كلمات هابطة تزرع النفاق في القلب: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6]، قال ابن مسعود: والله إنه الغناء.
جاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ ابن مسعود: (اقرأ علي القرآن.
قلت: يا رسول الله! أأقرؤه عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمع القرآن من غيري) فكان ابن مسعود يقرأ والنبي صلى الله عليه وسلم يستمع.
يقول ابن مسعود: (فأخذت أقرأ في سورة النساء حتى وصلت إلى قول الله سبحانه: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء:41 - 42]، فقال صلى الله عليه وسلم: حسبك يا عبد الله!) أي: توقف (فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان بالدموع) صلى الله عليه وسلم.
فانظر إلى حال النبي عليه الصلاة والسلام عند الاستماع إلى القرآن ثم إلى حالنا نحن.
إن آية واحدة كانت سبباً في توبة ابن المبارك والفضيل بن عياض.
فـ ابن المبارك عبد الله -وما أدراك ما ابن المبارك - من سادات التابعين وكبارهم، كان يحب ضرب العود ويدمن عليه، وفي ليلة استيقظ ليضرب العود، فلما أراد أن يضرب أبى العود أن ينطق، فإذا بالعود يتكلم بين يديه بقوله سبحانه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد:16]، قال ابن المبارك: آن الآن يا رب! وحطم العود وتاب توبة نصوحاً.
أما الفضيل بن عياض فقد أعطى موعداً لامرأة بالليل، فجاء ليتسلق الجدار إليها، وبينما هو على الجدار سمع صوتاً يرتل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد:16]، فقال الفضيل: آن الآن يا رب! وسأجعل توبتي بجوار بيتك الحرام، وتاب توبة بآية واحدة.
إن الملائكة تسمع القرآن والجن كذلك؛ لذلك عند سماع الجن للقرآن قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن:1 - 2].
ثانياً: هجر القرآن تلاوة، من الناس ومن يهجر القرآن تلاوة، وينبغي لكل مسلم من أتباع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون له ورد يقرؤه كل يوم لا يمنعه عن ورده شيء، كان الشافعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان ستين مرة، وكان عثمان يختم كل يوم مرة، وكان قتادة يختم كل ثلاثة أيام، وكان الأسود يختم كل سبعة أيام، هكذا كان حال سلفنا، إذا جاء شهر القرآن قالوا: جاء رمضان شهر القرآن، فأقبلوا على القرآن تلاوةً واستماعاً وحفظاً وتدبراً وتفسيراً وتحكيماً؛ لذلك يقول ابن عباس: (كان جبريل يدارس النبي القرآن في رمضان)، ولفظ المدارسة أعم من لفظ التلاوة، المدارسة تعني: القراءة جماعة مع التدبر والتفكر والتفسير، قال: (كان يدارسه القرآن في رمضان في كل عام مرة، وفي العام الذي قبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم دارسه القرآن مرتين)، فانظر إلى حال الأمة في تلاوتها للقرآن اليوم يا عبد الله! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها طيب، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها) فمن أي الأنواع أنت يا عبد الله؟! القسم الثالث: هجر القرآن تدبراً، وربنا يقول: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:82].
القسم الرابع: هجر القرآن حفظاً، فأين حفظة القرآن في شهر القرآن؟! القسم الخامس: هجر القرآن تحكيماً؛ لأن القرآ(39/5)
الصدقة
الشعيرة الثالثة: الصدقة.
فصدقة رمضان أجرها مضاعف، وفي ذلك يقول ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه حبريل فيدارسه القرآن أجود بالخير من الريح المرسلة)، يقول ابن حجر في الفتح: شبه جود النبي صلى الله عليه وسلم بالريح المرسلة لأن الريح المرسلة خيرها يعم، فلا تفرق بين أرض وأرض.
أحبتي الكرام! يقول عمر رضي الله عنه: (ما سبقت أبا بكر قط في أمر معروف، فحدثتني نفسي أن أسبقه يوماً فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة، فأسرعت إلى بيتي وجئت بنصف مالي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام) قسم المال نصفين وجاء بالنصف وترك النصف، (فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام ما تركت لأهلك يا عمر؟! قلت: تركت لهم نصف مالي يا رسول الله.
فجاء أبو بكر بمال يحمله ووضعه بين يدي الحبيب عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما تركت لأهلك يا أبا بكر؟! قال: تركت لهم الله ورسوله)، وأنا أسأل الآن هل منا أحد يستطيع أن يتصدق بكل ماله؟ إن أخرج جزءاً يسيراً من ماله زين الشيطان له الفقر: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} [البقرة:268].
ثبت في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر؛ ثم سأل أصحابه: من عاد منكم اليوم مريضاً؟ فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله! قال: من منكم اليوم أصلح بين متخاصمين؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله! قال: من منكم اليوم أطعم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: من منكم اليوم تبع جنازة؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ما اجتمعن في رجل إلا دخل الجنة) هذه هي صفات الخير، يقول صاحب الحلية: هو الصديق الملقب بـ العتيق، صاحب النبي في الحضر والأسفار، ورفيقه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار، المنزل فيه من عالم الأسرار {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:40]، رضي الله عنه.
والصدقة تنقسم إلى أقسام: القسم الأول: إطعام الطعام، وانظر إلى حال سلفنا، كان داود بن هند يصوم أياماً كثيرة، ويخرج من بيته في الصباح وزوجته لا تعلم أنه صائم، عبادة بينه وبين ربه، فتعطيه الطعام لغدائه، فيتصدق بالطعام ويعود إليها بالليل ليتعشى معها، هو صائم وهي لا تعلم.
وكان ابن عمر لا يتناول طعاماً في رمضان إلا مع الأيتام، فإن لم يجد يتيماً أبى أن يأكل، فإن رد من في الدار الأيتام امتنع ابن عمر عن الطعام حتى يجمع الأيتام حوله.
يقول ربنا فيهم: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان:8 - 9].
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتق النار ولو بشق تمرة)، كيلو تمر واحد توزعه على الصائمين عند غروب الشمس لك فيه الأجر الكثير من رب العالمين، الصدقة بابها واسع، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائماً كان له من الأجر كأجر الصائم لا ينقص من أجره شيء)، فأي فضل هذا يا عباد الله؟! أجر الصائم (قالوا: يا رسول الله! كلنا لا يجد ما يفطر به صائماً، قال: على شربة ماء أو مذقة لبن أو تمر)، فإن كنت لا تملك تمرة فقدم الماء لصائم، واحتسب الأجر عند الله يا عبد الله.
فالشعيرة الثالثة في رمضان هي الصدقة، منها إطعام الطعام وإفطار الصائم، والمسح على رءوس اليتامى والإحسان إلى المساكين، فكم من بيوت مسلمة تشكو إلى الله الأغنياء، كم من بيوت مسلمة لا تجد كسرة العيش لتأكلها عند غروب الشمس، وهؤلاء المتخمون المترفون عجل الله تبارك وتعالى لهم طيباتهم في الدنيا.
(دخل عمر بن الخطاب على رسول الله يوماً وهو ينام على أرض وقد أثر الحصير في جنبه) ترك أثراً في جنب رسول الله (فقال: يا رسول الله! ملوك الفرس والروم تنام في بروج مشيدة وأنت تنام على الحصير؟! قال: يا ابن الخطاب! هؤلاء قوم عجل لهم طيباتهم في الدنيا، ونحن أجلت لنا طيباتنا إلى يوم القيامة).
انظروا إلى أبي هريرة، يقول: (خرجت يوماً في الظهيرة وما أخرجني إلا الجوع، فسألت الصديق عن سؤل وأنا آمل أن يصطحبني إلى بيته، فأجابني وانصرف، وسألت عمر فأجابني وانصرف، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ما الذي أخرجك يا رسول الله؟! قال: الذي(39/6)
الذكر والاستغفار
الشعيرة الرابعة: الذكر والاستغفار.
الذكر والاستغفار حياة قلب المؤمن، يقول ربنا في وصفهم: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، وأؤكد على شعيرة هامة، ففي صحيح مسلم: (أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج من مصلاه في الفجر إلا بعد شروق الشمس)، شعيرة نؤكد عليها في رمضان، فعند الترمذي وحسن الألباني الحديث رحمه الله: (من صلى الفجر في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تشرق الشمس، ثم صلى ركعتين كتب له أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة) قال العلماء: وقد بين الحديث شروطاً.
الشرط الأول: صلاة الفجر في جماعة.
الشرط الثاني: أن يجلس في مصلاه.
الشرط الثالث: أن ينشغل بذكر الله عز وجل.(39/7)
الدعاء
الشعيرة الخامسة: الدعاء.
فالصائم عند فطره له دعوة لا ترد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، ودعوة المظلوم، والصائم حين يفطر)، فلك دعوة وأنت صائم يا عبد الله، فاجتهد بالدعاء؛ لأن الذي يفرج الكروب هو الله.
ثم انظر إلى حال الأنبياء والمرسلين، هذا نبي أصيب بمرض في جسده، فدعا ربه كما قال تبارك وتعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83]، وآخر كان في ظلمات فدعا ربه: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]، وآخر حرم الولد فدعا ربه: {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء:89]، ثم انظر إلى منزلة الدعاء، فعند أبي الدنيا: أن رجلاً من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم خرج في تجارته في صحراء، فلقيه لص، فقال له: خذ المال ودعني.
قال: لابد من قتلك قبل أن آخذ المال، قال: أما وقد عزمت على قتلي فدعني أصلي لربي ركعتين.
فتركه اللص، فسجد الرجل بين يدي ربه وفي السجود قال: يا ودود! يا ودود! يا فعالاً لما تريد! يا ذا العرش المجيد! أسألك بملكك الذي لا يضام، وبعزك الذي لا يرام، يا مغيث! أغثني، يا مغيث أغثني.
ونادى ربه، فإذا برجل يأتي على جواد يركبه وبيده سيف فتقدم إلى اللص فقتله.
قال: من أنت؟ ومن الذي أرسلك؟ قال: أنا ملك من السماء الرابعة، لما قلت: يا مغيث أغثني! قلت: يا رب! عبد مكروب فوكلني به: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:62].
فيا عباد الله! لكم دعوة فادعوا لإخوانكم المستضعفين، وادعوا لإخوانكم المقهورين في بلاد أفغانستان، فإنها مستهدفة لتكون مركزاً لنشر الإلحاد والكفر في قلب آسيا، كما كانت فلسطين من قبل، ولن تكون إن شاء الله: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة:32]، فالإسلام قادم، ونحن لا نحفظ دين الله، إن الله هو الذي يحفظ دينه بنا أو بغيرنا: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38].
أخي الكريم! وأنت تفطر وتتناول طعام الإفطار تذكر أن لك إخوة ألجأهم البرد إلى الجبال، والعدو أرغمهم على ترك ديارهم، وأبناؤهم فارقوا الأوطان وفارقوا الأمن، فاشعر بهم ولا تكن كهؤلاء يطبلون ويزمرون ويرقصون، فنحن كالجسد الواحد، كيف أفرح وأخي هناك يبقر بطنه، وأختي هناك ينتهك عرضها؟! كيف أفرح يا عباد الله! يا أخي في الشرق أو في المغرب أنا منك أنت مني أنت بي لا تسل عن عنصري عن نسبي إنه الإسلام أمي وأبي وقلها عاليةً: لبيك إسلام البطولة كلنا نفدى الحمى لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما(39/8)
أطوار تشريع الصيام
أيها الإخوة الكرام الأحباب! نبين في هذا المجلس المبارك بعض آداب الصيام، وبرنامج المسلم اليومي في رمضان، لأن هذا الشهر يحتاج إلى تكثيف جهد في العبادة والطاعة، بخلاف غيره من الشهور.
أولاً: لابد أن نعلم أن الصيام فرض على أطوار ثلاثة: الطور الأول: كما قال علماؤنا: كان على سبيل التخيير بين الإطعام والصيام، يعني: أول ما فرض الصيام كان يجوز للمسلم أن يطعم مع قدرته على الصيام، لكنه يطعم ويفطر.
الطور الثاني: ثم بعد ذلك نسخ إلى حكم جديد، وهو: أن الصائم إن نام بعد غروب الشمس قبل أن يتناول الطعام لا يحل له أن يأكل إلى اليوم الثاني.
الطور الثالث: استقر الحكم على النحو الذي نراه.
ثم لابد أن نعلم أن صيام رمضان ناسخ لصيام عاشوراء؛ لأن عاشوراء كان صيامه أولاً على سبيل الفرض والإيجاب، ثم نسخ برمضان؛ لذلك يقول العلماء: وحال الواجب المنسوخ مع الناسخ ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إما أن يكون الناسخ مماثلاً للمنسوخ كأمر تحويل القبلة من جهة إلى جهة، فكلاهما سواء وكلاهما متماثل، وإما أن يكون الناسخ أثقل من المنسوخ، وإما أن يكون الناسخ أخف من المنسوخ.
الناسخ أخف من المنسوخ كالرضعات، فكان في أول الأمر يحرم من الرضاعة عشر رضعات مشبعات، ثم نسخت بخمس، يعني: الناسخ أخف؛ لأنه كان عشراً فنسخ بخمس، كذلك الناسخ أثقل من المنسوخ كصيام رمضان، صيام رمضان نسخ صيام عاشوراء، فعاشوراء كان صيامه واجباً، ثم نسخ وأصبح الواجب هو رمضان؛ وظل يوم عاشوراء على الندب والاستحباب، لقوله صلى الله عليه وسلم (من شاء صام ومن لم يشأ لم يصم).(39/9)
أقسام الصيام
أيها الإخوة الكرام الأحباب! يقسم العلماء الصيام إلى ثلاثة أقسام: صيام واجب، وصيام مستحب، وصيام محرم، ومكروه.(39/10)
الصيام الواجب
أما الصيام الواجب: فقسموه إلى ثلاثة أقسام: صيام رمضان وصيام النذور وصيام الكفارات، فمن نذر أن يصوم لله يوماً أصبح الصيام في حقه واجباً؛ لأن الوفاء بالنذر واجب؛ ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، و (من مات وعليه صوم نذر صام عنه وليه)، وكأن صوم النذر في الرقبة دين معلق على المكلف إن لم يستطع أن يؤديه أداه عنه وليه.
ولابد أن نعلم أن النذر عبادة، وطالما هي عبادة إذاً: لا ينبغي أن تكون إلا لله عز وجل، لا كما يفعل بعض الجهلاء ينذرون للأضرحة، يقول: نذرت للبدوي خروفاً، ونذرت للحسين عجلاً، وللسيدة زينب كبشاً، هذا النذر باطل وهو حرام، وهو شرك بالله عز وجل؛ لأن النذر لا ينبغي أن يكون إلا لله، وقد حدث هذا في بعض قرانا، هناك من يعتقد أن صاحب الضريح يملك حياةً وموتاً من دون الله، يعني: شخص عندنا نذر خروفاً فأصيب الخروف بمرض ومات، فقال: يا بدوي! لماذا استعجلت عليه بالموت، كنت سآتيك به بعد أيام! فهو يظن أن الذي قبض روح الخروف هو البدوي، نسأل الله العفو والعافية، في الأمة من يعتقد هذا يا عباد الله! فالنذر لا ينبغي إلا أن يكون لله: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم:26]، والنذر لا يقدم ولا يؤخر، (إنما يستخرج به من البخيل) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
القسم الثالث من الصيام الواجب: هو صيام الكفارات، ككفارة اليمين، وهناك صنف من الناس عليهم القضاء والكفارة معاً، هذا الصنف هو من جامع في نهار رمضان، فمن جامع زوجته في نهار رمضان يلزمه الكفارة والقضاء؛ لما ثبت: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثائر الشعر يضرب صدره يقول: يا رسول الله! هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على زوجتي في نهار رمضان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صم شهرين متتابعين، قال: وهل فعل بي ذلك إلا الصيام) أي: لا أستطيع (قال: فأطعم ستين مسكيناً، قال: يا رسول الله! ما بين لابتيها من هو أفقر مني)، يعني: أنا لا أملك شيئاً (فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم بجواره إلى أن جاء مال من الصدقة، وأعطاه وقال له: خذه وأطعمه أهلك) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وهناك صيام كفارة القتل الخطأ، وصيام كفارة الظهار: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:4]، ولابد من التتابع في الشهرين، يعني: لو صام محرماً وصفراً، وفي آخر صفر أفطر يوماً عليه أن يعيد الصيام مرة أخرى من البداية، فإن قيل: إن صام ذا القعدة وذا الحجة فسيأتي يوم من أيام ذي الحجة هو يوم عيد، فهل يفطر أم يصوم؟
الجواب
يفطر، فإن قيل: هل عليه أن يعيد أم يتم؟ الجواب: الراجح أنه يتم؛ لأنه أفطر بأمر الشرع ولم يفطر بإرادته، هذا رأي الحنابلة وهو الراجح من أقوالهم، هذه أقسام الصيام الواجب.(39/11)
الصيام المندوب
هناك صيام مندوب، والنوافل من جنس الفروض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) وأهل السنة يقولون: لا سبيل لفعل النافلة إلا بعد الفرض؛ لذلك يقول ربنا في الحديث القدسي: (وما تقرب عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)، إذاً: الفرض قبل النافلة، ومن صيام النافلة: عاشوراء، وعرفة، والأيام البيض إلى غير ذلك من صيام سنه النبي صلى الله عليه وسلم.(39/12)
الصيام المكروه والمحرم
هناك صيام مكروه ومحرم، منه أن تصوم المرأة نافلة بغير إذن زوجها، وهذا حكم مهم لنسائنا، فلا ينبغي للمرأة المسلمة أن تصوم إلا بعد أن تستأذن الزوج في صيام النافلة، وقد يقول بعض النساء: لماذا أستأذن منه، أليس مثلي كمثله؟! لا فرق بيننا! ونحن نسمع الآن من يريد أن يساوي بين الرجل والمرأة في كل شيء.
ومن الصيام المحرم إفراد يوم الجمعة بالصيام، فقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وصيام أيام العيد وصيام أيام التشريق، وهذه أيام يحرم صيامها كصيام المرأة الحائض، فالحائض يحرم عليها الصيام، لا كما تفعل بعض نسائنا تأبى أن تفطر وهي حائض، وتظن أن هذا زيادة ورع، وأنا أقول: هذا ورع كاذب؛ لأن عائشة رضي الله عنها حاضت وأفطرت، فهل هي أفضل من عائشة؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمر قدره الله على بنات آدم)، فالمرأة الحائض يلزمها الفطر وبعد ذلك القضاء: (كنا نؤمر بقضاء الصيام، ولا نؤمر بقضاء الصلاة)، وكلمة (كنا نؤمر) لها حكم الرفع عند علماء الحديث.(39/13)
آداب الصيام
ينبغي أن نعلم بعض الآداب في الصيام التي يخالف فيها الناس، وهناك أمور تحدث في رمضان ينبغي ألا تكون.
الأمر الأول: عدم تناول الطعام والشراب بعد مدفع الإمساك، وهذا لا أصل له في الشرع على الإطلاق، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بلالاً أن يؤذن، وكان بلال يؤذن بليل، يعني: قبل الفجر الصادق، ثم يأمر عبد الله بن أم مكتوم أن يؤذن بعد ذلك للفجر الصادق، وكان يقول لأصحابه وللأمة في هذا الوقت: (لا يغرنكم أذان بلال، فإنه يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، يعني: الأصل عندنا (كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، أي: حتى يؤذن للفجر، فمن حرم الطعام على نفسه بمدفع الإمساك فقد شرع ديناً ليس من عند رب العالمين، إنما مدفع الإمساك ينبه إلى اقتراب الوقت.
الأمر الثاني: صحح العلامة الألباني حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان الإناء على فم أحدكم)، أي: يشرب ماء وأذن الفجر (فلا يضع الإناء حتى يقضي حاجته)، يعني: حتى يشرب، بعضهم يقول: حينما تسمع النداء مباشرة أبعد الإناء وأبعد ما في فمك، هذا عذاب يا عبد الله! والله يريد بنا اليسر، وليس على ذلك دليل، والحديث صحيح كما قال شيخنا الألباني رحمه الله تعالى.
النقطة الثانية في هذا الأمر: في صلاة المغرب ينبغي أن نعلم أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يعجل الفطر، فلا نقول كما يقول بعض الناس: انتظر حتى يتشهد المؤذن، لا.
هذا ليس من السنة في شيء، بل هو يخالف السنة، فعليك أن تعجل الفطر: (إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم)، كما قال عليه الصلاة والسلام.
وأقول: هناك مشكلة: هل الصيام فرض لنغلق المساجد في صلاة المغرب؟ بعض المساجد تغلق في المغرب بحجة أن الناس صوم، ما هذا الصيام الذي يضيع فريضة يا عبد الله؟! أفطر على تمرات وماء، ثم صل المغرب في جماعة كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، أحي سنة أحيا الله قلبك يوم أن تموت القلوب، إن سنة الأذانين في الفجر سنة آكدة، وسنة تعجيل الفجر سنة آكدة، وصلاة المغرب في جماعة من السنن الآكدة، بل من الواجبات عند بعض العلماء، أيها الإخوة الكرام! هذه أمور ينبغي أن ننتبه إليها في آداب الصيام.
أيضاً من السنة: أن تؤخر السحور إلى وقت السحر؛ لأن في كتاب الصيام عند البخاري: أن زيداً قال: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فسئل: كم كان بين سحوركم وبين الأذان؟ قال: قدر خمسين آية)، يعني: بين الطعام وبين النداء خمسون آية، يقول ابن حجر: وفي الحديث أنهم كانوا يقدرون الأوقات بالطاعات، لكن عندما يقول بعض الناس: ستقابلني بعد الحكاية إن شاء الله، أو بعد مسلسل الثامنة، أو بعد مسرحية السهرة، هؤلاء هم أهل المعاصي، أما نحن فنقدر الأوقات بالطاعات.
يقول ابن حجر في الفتح: وفي الحديث بيان منزلة قراءة القرآن في هذا الوقت بالذات، أي: وقت السحر في آخر الليل، كما قال ربنا تبارك وتعالى، فمن السنة -أيها الإخوة الكرام- أن نؤخر السحور.
ومن الآداب: تخفيف الطعام في الإفطار، لا كما يفعل بعض الناس، يظل يأكل ويأكل ويشرب حتى إذا أراد أن يقوم للصلاة لا يستطيع إلى ذلك سبيلاً، فينام ويملأ معدته، ما شرع الصيام لهذا يا عبد الله! شخص من الأعراب من الذين عندهم علم قال لما سمع حديث: (فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)، فيا أخي المسلم! خفف الطعام؛ لذلك يقول البعض: هل يجوز أن أقرأ القرآن عند خروج ريح مني؟ أقول: ما كثر خروج الريح إلا لكثرة الطعام، نحن أساتذة ثلاثين صنفاً في المعدة، انظر إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ما كان يجمع على مائدة الطعام أكثر من صنف، لكن نحن لا نستطيع إلى ذلك سبيلاً.
من آداب الصيام أيضاً: أن تعلم أن الصيام هو صيام الجوارح، فلا بد أن تكف اللسان عن الغيبة، فقد أصبحنا نتمضمض بالغيبة آناء الليل وأطراف النهار، نتمضمض بأعراض بعضنا إلا من رحم الله، فنحبط الأعمال ونحن لا نشعر ولا ندري، تجد التزاماً 100%، ولكن هذا الملتزم يترك اللسان ليقع في عرض هذا وعرض هذا ويسب هذا، ويشتم هذا، ويقذف عرض هذا، ويأكل مال هذا، فهذا مفلس يا عباد الله.
انظروا إلى السلف، يقول أحدهم: لو كان هناك أحد يستحق الغيبة لكان أبي وأمي، يقول ذلك لأن حسناته ستصل إليهما، فهما أولى بحسناته من غيرهما؛ لذلك أقول: لابد أن تصوم الجوارح، واللسان من الجوارح، وقد كان أبو بكر يمسك بلسانه ويقول: هذا الذي أوردني المهالك، فإن كان لسان الصديق أورده المهالك؛ فألسنتنا نحن إلى أين ستؤدي بنا؟! كذلك من صيام الجوارح صيام العين، وأنادي صاحبات البناطيل، وأقول لأولياء الأمور:(39/14)
الأسئلة(39/15)
حكم صيام المريض الذي لا يرجى برؤه
السؤال
أختي مريضة بالسرطان، هل لها رخصة في الإفطار لأخذ الأدوية المطلوبة الرجاء الإفادة؟
الجواب
قسم العلماء المرض إلى قسمين: مرض يرجى شفاؤه، ومرض لا يرجى شفاؤه، وأختك من القسم الثاني، أسأل الله أن يشفيها مع أن غلبة الظن لا يرجى شفاؤه، فأختك المريضة بالسرطان لها أن تفطر في رمضان، وعليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً.(39/16)
ما يكون طعام المسكين في الكفارات ونحوها
السؤال
هل إطعام المسكين بثلاث وجبات في اليوم؟
الجواب
لا.
وجبة إفطار واحدة فقط.(39/17)
حكم تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين
السؤال
هل يجوز صيام يوم الخميس السابق قبل رمضان؟
الجواب
نعم يجوز إن كان لك عادة، كأن تصوم الإثنين والخميس عادة، فإن جاء خميس صم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون رجل يصوم صوماً فليصمه)، أما أن تفرد هذا اليوم بالصيام وهو ليس لك عادة فهذا يكره: (ونهى النبي عن صيام يوم الشك)، وهو يوم ثلاثين من والله تعالى أعلم.(39/18)
حكم استعمال الصائم البخاخ الموسع للشعب الهوائية
السؤال
أنا مريض بالتهاب في الرئة؛ فهل يجوز لي استعمال بخاخة موسعة للشعب، وإذا كان لا يجوز لي فهل يجوز لي الإفطار للمرض الشديد، أم الكفارة؟
الجواب
يجوز لك أن تستخدم تلك البخاخة، وهذا اختيار شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى؛ لأنك من أهل الأعذار، وهذه البخاخة لا يترتب عليها غذاء ولا طعام، وإنما هي توسع الشعب الهوائية للتنفس، فلا حرج عليك فأنت معذور.
والله تعالى أعلم.(39/19)
معنى الاعتكاف وشروطه
السؤال
هل للاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان شروط؟
الجواب
الاعتكاف لغة: هو الملازمة، قال قوم إبراهيم عن الأصنام: {نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء:71]، يعني: ملازمين لعبادتها، فالاعتكاف: هو ملازمة المسجد في العشر الأواخر من رمضان، ويشترط فيه أولاً: أن يدخل المعتكف إلى معتكفه في صبيحة اليوم العشرين بعد الفجر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لا يخرج من معتكفه إلا لضرورة، لقضاء حاجة كبول أو براز، أو لغسل جنابة أو ليقلب زوجته إلى بيتها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صفية لما جاءته تزوره في معتكفه صلى الله عليه وسلم، ولا يخرج لتشييع جنازة؛ لأنها فرض على الكفاية إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الآخرين، ولا يخرج لعيادة مريض كما قال العلماء، إنما يخرج لهذه الأشياء التي ذكرت، وينبغي على المعتكف أن يلازم الطاعة، والأصل في الاعتكاف الانفراد والاعتزال إلا في العبادات الجماعية، كصلاة الجماعة وغيرها؛ لأن البعض من إخواننا في الاعتكاف الجماعي طوال النهار تراه في لغو حتى غروب الشمس، هذا ليس باعتكاف وإنما هو اعتلاف، فلابد أن تقيم خباء لنفسك، وتنفرد بالذكر والطاعة والصلاة والاستغفار على قدر إمكانك، إلا في أوقات العبادات الجماعية فينبغي لك أن تكون معهم، ويجوز الاعتكاف في كل مسجد تؤدى فيه صلاة الجمعة والجماعات، وهذا رأي الجمهور.(39/20)
حكم خروج المعتكف لقضاء حاجة أخيه
السؤال
ما حكم خروج المعتكف لقضاء حاجة أخيه؟
الجواب
قد بينا فضيلة قضاء الحاجة، فقد خرج ابن عباس من الاعتكاف ليقضي حاجة أخ له، وهذا لبيان فضل قضاء الحاجة وعظمها وليس على إطلاقه، فلو كان هنا من سيقضي حاجة أخي بدلاً عني فالحمد لله رب العالمين، لكن إذا توقفت الحاجة علي أنا فقط فهذا أمر مختلف، والله تعالى أعلم.(39/21)
بيان المساجد التي يستحب الاعتكاف فيها
السؤال
هل يجوز الاعتكاف في أي مسجد؟
الجواب
يستحب الاعتكاف في المسجد الجامع الذي تقام فيه الجمعة والجماعات، وبعض العلماء اشترط أن يكون في المساجد الثلاثة وهو رأي مرجوح؛ لأن الله قال: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:187]، قال البخاري: الألف واللام تبين أن كل المساجد تصلح للاعتكاف، وهو الأولى والأفضل، فإن لم يكن إلا هذا فالحمد لله.(39/22)
الفرق بين صلاة التهجد وصلاة القيام والتراويح
السؤال
ما هي صلاة التهجد، وما الفرق بينها وبين صلاة القيام والتراويح؟
الجواب
صلاة القيام في أول الليل في رمضان، وصلاة التهجد تكون في الثلث الأخير من الليل، والنبي صلى الله عليه وسلم سن للأمة قيام رمضان بعد صلاة العشاء، فهذا يسمى قيام رمضان، أما التهجد فهو مطلق طوال السنة؛ لذلك قال ربنا تبارك وتعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء:79]، وتستطيع أن تطلق على قيام رمضان أنه تهجد أيضاً، فقيام رمضان تهجد، لكنه تهجد مخصوص بشهر مخصوص، بالأمس كانت ليلة من ليالي رمضان، لكن بعض المساجد لم تصل قيام رمضان وهذا خطأ، كذلك يصلون قيام رمضان في ليلة العيد وهذا خطأ، ففي أول ليلة من ليالي رمضان ينبغي أن ننتظر في المسجد حتى نعلم الرؤية، فإن ثبتت صلينا؛ لأنها تعد أول ليلة، وفي آخر ليلة من رمضان ننتظر حتى نستطلع رؤية شوال فإن ثبتت رؤيته خرجنا بدون قيام، لكن البعض يفعل هذا ويقول: نصلي احتياطاً، كما بالأمس قال لي شخص: نصلي احتياطاً، هي عبادة فعلاً، ولكن العبادات الأصل فيها التوقف إلا بدليل من كتاب أو من سنة رسول الله، والله تعالى أعلم.(39/23)
حكم الاكتفاء بقيام أول الليل من رمضان عن التهجد في آخر الليل
السؤال
هل تغني صلاة التراويح عن قيام الليل في المنزل بالنسبة للمعتاد على قيام الليل في رمضان وغير رمضان؟
الجواب
يغني قيام رمضان عن التهجد، ولكني أقول: يا عبد الله! لا تحرم نفسك من صلاة ركعتين في آخر الليل، جاء في البخاري: أن عمر قال: والتي ينامون عنها أفضل، يعني: صلاتك بعد استيقاظك من النوم في آخر الليل أفضل من صلاتك في أول الليل، فصل القيام مع الناس، ثم لا تحرم نفسك وأنت مستيقظ للسحور أن تصلي ركعتين في هذا الوقت المبارك؛ لأن وقت السحر وقت إجابة الدعاء.
والله تعالى أعلم.(39/24)
حكم وضع الصائم حبة على لسانه عند الشعور بأزمة قلبية
السؤال
أنا مريض بالقلب، هل يجوز لي أن أستعمل البرشامة التي توضع تحت اللسان عند الشعور بأزمة القلب وأنا صائم؟
الجواب
الحقيقة هذه البرشامة الرأي الراجح فيها الفطر؛ لأنه يدخل شيئاً في فمه، ويترتب على ذلك أن ينزل شيئ إلى معدته أو من المنافذ المعتادة، فالراجح أنك تفطر بهذه البرشامة، وأنت معذور، خذ البرشامة إن كنت مضطراً، ثم اقض بعد ذلك، وإن لم تستطع فأطعم عن كل يوم مسكين: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، لا سيما وأنت مريض بالقلب، ولا تقل: سأصوم وليكن ما يكون: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، وأنت من أهل الأعذار، أسأل الله أن يشفيك، إنه ولي ذلك والقادر عليه.(39/25)
حكم تدريس المعلمة المنتقبة للشباب
السؤال
ما حكم إعطاء الأخت المنتقبة دروساً لطلاب الصف الثانوي؟
الجواب
لا ينبغي لأخت فاضلة منتقبة أن تنفرد بشباب؛ فالأولى والأفضل أن المرأة لا تدرس إلا نساء مثلها، فرب طالب يعجبه صوتك يا أمة الله! وربما يتسلل الضعف إلى قلبه فتحدث الفتنة، فأفضل شيء للمرأة ألا ترى رجلاً، وألا يراها رجل، هذا هو الأصل، سيقولون: متخلفون، يقولون، سيقولون: متحجرون، يقولون؛ لأنهم مرضى، ونساؤنا في بيوتهن أفضل {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]، فلا يجوز لك أن تدرسي شباباً.
والله تعالى أعلم.(39/26)
نصيحة لكل شاب يدرس في الجامعة ويخشى الفتنة
السؤال
إن أصعب ما يواجهه الشاب في عصرنا الحالي هو غض البصر، خاصة الشاب في الجامعة، فما هي نصيحتكم، وكيف نستطيع أن نمنع أنفسنا؟
الجواب
الحقيقة هذه ظاهرة تحتاج إلى مجاهدة؛ لأنك إذا دخلت الجامعة الآن لا تجد جامعة، إنما تجد مسرحاً لعرض أزياء، فتراهم يتنافسون في إظهار العورات -نسأل الله العفو والعافية- والحياء نزع، حتى إن الطالبة هي التي تمزح مع صديقها أو ترقص وسط المارة، أو تفعل فعلاً فاضحاً أمام الجميع، وتقبل صديقاً لها عياناً، فقد رفع الحياء -إنا لله وإنا إليه راجعون- إلا من القليل.
فأقول للأخ الفاضل: اخرج إلى جامعتك ثم ادخل المحاضرة مباشرة ولا تنتظر في الفناء، وكن مع المصحف حتى يدخل الدكتور، فإن انتهى الدكتور انصرف ولا تلتفت يميناً أو يساراً، وإن أردت أن تعلم كيف تتقي النظر إلى المحرمات فاعلم أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه، فراقب ربك عز وجل.
والله تعالى أعلم.(39/27)
حكم السفر من بلدة صام أهلها أول الشهر إلى بلدة تأخر صوم أهلها عنه
السؤال
الصوم قد بدأ في مصر من اليوم، فسافرت إلى السعودية فوجدتهم لم يصوموا معنا، وعلى ذلك سأصوم واحداً وثلاثين يوماً، فما رأيكم؟
الجواب
الرأي الراجح في هذه المسألة لجمهور العلماء: أن تصوم مع البلدة التي أنت سافرت إليها، كانوا في مصر مفطرين وسافرت إلى السعودية وهم صيام فكن مع أهل السعودية، أي: يلزمك أن تكون مع أهل البلدة التي أنت ذاهب إليهما.
هذا والله تعالى أعلم.(39/28)
حكم الاعتداء على الشيخ الكبير والنساء والأطفال في دار الحرب
السؤال
قال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل:126]، وقال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194]، فهل هذه الآية تتعارض مع وصية رسول صلى الله عليه وسلم بعدم قتل الشيخ الكبير والنساء والأطفال؟ وما رأيكم بما حدث في سبتمبر في أمريكا؟
الجواب
هذا -يا عبد الله- يسمى خاصاً من عام، فهناك أحكام عامة، وأحكام خاصة، والخاص يقيد العام، أعطيك مثالاً يوضح لك، قال ربنا: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، أي: كل المطلقات، وهو لفظ عام خصص بحكم آخر، وهو قوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]، إذاً: المطلقة وهي حامل عدتها وضع الحمل، فلا يستدل أحد بقوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ} [البقرة:228]؛ لأن هذه آية عامة خصصت بآية خاصة، وهي قوله: {َأُوْلاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق:4].
كذلك هذا الحكم {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194]، إلا أن يكون شيخاً كبيراً أو امرأة أو طفلاً، فإن اعتدى الأعداء على أطفالنا فليس هذا مسوغاً لأن نعتدي على أطفالهم؛ لأن هذا حكم خاص يقيد العام.
أما ما حدث في أمريكا فالحقيقة أن المسألة واضحة ولا داعي للجواب، علماؤنا قد بينوا ذلك جلياً واضحاً، فنحن نقول: إنه يحرم قتل النساء والآمنين، هذا قول ليس فيه مندوحة.
أما كون أمريكا دار حرب أم دار إسلام؛ فإن في أمريكا ثمانية ملايين مسلمين، وقبل أربعة أيام أسلم أربعة وعشرون ألف أمريكي بفضل الله عز وجل، وسيأتيهم الطوفان من حيث لا يشعرون: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الحشر:2].(39/29)
حكم الصلاة في القطار أو الطائرة أو أي مركب آخر
السؤال
كنت قادماً من الأقصر بالأمس بالقطار، أدركتني صلاة الفجر في القطار، فصليتها أنا وزميل معي جماعة، ونحن جلوس على المقاعد، ومن قبلها صلينا صلاة القيام، فهل تجوز صلاتي، وهل تحسب جماعة مع العلم أنني لم أكن أعرف مكان القبلة؟
الجواب
قال العلماء في هذه المسألة: إن خشيت أن يخرج وقت الفجر فيجوز لك للضرورة أن تصلي في الطائرة أو تصلي في القطار شريطة أن تجتهد في تحديد القبلة، وتصلي قائماً، فإن لم تستطع القيام فصل قاعداً، لكن في القطار يمكن أن تقوم، فإن لم تستطع فصل على حسب قدرتك؛ وذلك لأن الفجر وقته سينتهي بعد شروق الشمس، لاسيما أنك قد تصل بعد العصر إلى هنا، يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في الممتع: فمن كان في طائرة ولم يستطع أن يصلي الفروض فليصل على حسب حاله، وليتوجه إلى القبلة على حسب قدرته.
والله تعالى أعلم.(39/30)
حكم التسحر بعد الأذان
السؤال
ما حكم من يأكل ويشرب بعد الأذان لمدة ثلاث عشرة دقيقة؟
الجواب
أسأل الله لهذا الأخ العافية، يأكل ويشرب بعد الأذان بثلاث عشرة دقيقة؟! وكأنه أصبح فلكياً يحدد الأوقات بنفسه، أما تخشى على صيامك يا عبد الله؟! ما ثبت بيقين لا يزول بشك؛ فإن هذه أجهزة أعدت لتحديد مواقيت الصلاة، والإثم على واضعها إن ضللنا، ويكفي في دخول الوقت غلبة الظن وليس اليقين، ولقد أصدرت مجلة التوحيد منذ عشرة أشهر أو يزيد فتوى لجماعة من علمائنا أن موعد الفجر في مصر موعد صادق ولا شك فيه، وأنتم تعرفون ماذا حصل لمن لم يلتزم بذلك، ضيع الفجر في جماعة؛ حتى إن بعضهم قال لي: أصلي الآن بعد شروق الشمس والحمد لله! وهذا أول مدخل من مداخل الشيطان، وكأن الشيطان يقول: لا تصل في الجماعة؛ لأن الفجر كاذب، صل في بيتك، وبعد قليل لا يستطيع أن يستيقظ من النوم، فاحذر يا عبد الله! يكفي في دخول الوقت غلبة الظن، ونحن متعبدون بأوقات وضعها متخصصون، فإن أخطئوا فالإثم عليهم وليس علينا، وأنا أقول لك: لماذا تفطر عند الأذان مباشرة، طالما أنك لا تصوم عند الأذان؟ لماذا تلتزم ببعض الأوقات، ولا تلتزم بالبعض الآخر؟! أسأل الله لك العافية، فالتزم.
والله تعالى أعلم.(39/31)
نصيحة لمن يشاهدون التلفاز
السؤال
ما هي نصيحتكم للنساء والأولاد الذين يشاهدون التلفزيون أثناء الفطر وبعده؟
الجواب
من أخطر شيء على الأمة التلفاز؛ لاسيما في هذه الأيام المباركة، فهم يتنافسون في عرض المسلسلات الهابطة، فلم الظهر، وفلم العصر، وفلم سهرة الليل، وعلى الفطور حكاية، وبعد الحكاية مسابقة للمتبرجين والمتبرجات الأحياء منهم والأموات، وإذا مات أيضاً قد يأتون بحكاية، فأغلق هذا الإثم في رمضان؛ لأنك إن شاهدته تحبط صيامك، وتحبط ما لك من أجر وحسنات، وعلى مشاهدة هذا الإثم سيئات، وقد تفوق السيئات الحسنات؛ فتخرج آخر اليوم خاسراً يا عبد الله! فاتق الله في نفسك، وانشغل بقراءة القرآن والذكر.
والله تعالى أعلم.(39/32)
حكم صيام امرأة سقط حملها في شهرين
السؤال
امرأة أسقطت حملها في شهرين، هل يجوز صيامها إذا انقطع الدم؟
الجواب
التي أسقطت حملها في شهرين بعد السقط هناك دم ينزل، فبمجرد أن ينقطع هذا الدم عليك أن تصومي وتصلي؛ لأن دم النفاس أكبر مدة له أربعون يوماً، فإن قل فلا بأس، قد يكون أسبوعاً وقد يكون يومين، فبمجرد انقطاع الدم صومي ولا حرج عليك.(39/33)
حكم فانوس رمضان
السؤال
هل فانوس رمضان بدعة؟
الجواب
لا أعلم فيه قولاً بالبدعة، ولا أستطيع أن أقول: بدعة؛ لأن هذا ليس من أمور التعبد، وإنما هو من أمور العادات، وهو يدخل السرور على أبنائنا لقدوم رمضان، ولم يبق إلا أن نقول: مد أسلاك النور على المسجد بدعة، يا أخي الفاضل! هناك بهجة وسرور باستقبال هذا الشهر، حتى يشعر الناس أن هناك فرقاً، لكن هناك الآن فانوس أقامه السفهاء، يقولون: وحوي! يا وحوي! بالموسيقى، حتى الفانوس أدخلوا له الغناء، فبعد أن كان فانوساً بشمعة يشعل بعد انقطاع الكهرباء أصبح في هذا الوقت يغني، كلعبة الدبدوب للأطفال لو لمست ذراعه أخذ يغني لمدة ربع ساعة، حتى الأطفال أرادوا أن يدخلوا على ألعابهم الغناء، نسأل الله العفو والعافية.(39/34)
حكم صيام المتبرجة والسافرة
السؤال
بعض أهل المعاصي يقولون: إن الصيام يكتب أجره حتى ولو كانت الفتاة عارية، والشاب يصوم وهو يخطب هذه ويكون هذه نقرة وهذه نقرة؟
الجواب
المرأة التي تخرج عارية تحارب الله ورسوله وتدعو إلى الفاحشة صيامها صحيح، لكن إثمها أعظم من أجر صيامها، فصيامها حابط لا وزن له ولا أجر له ولا قيمة له؛ لأنها فعلت حسنة وفعلت في مقابلها سيئات، والله تعالى أعلم.(39/35)
حكم إمامة الرجل للنساء
السؤال
هل يجوز لمدرس أن يصلي بصديقاته في العمل جماعة؟
الجواب
لا يجوز للرجل أن يصلي إماماً بالنساء، إنما إمامة النساء تكون للمرأة، إلا أن تكون زوجة أو محرماً، فالرجل يؤم رجالاً من خلفه، ثم بعد الرجال الصبية، ثم بعد الصبية النساء، أما أن يكون إماماً لنساء ما رأينا ذلك أبداً، لا يجوز أن يؤم الرجل النساء.
والله تعالى أعلم.(39/36)
حكم الصلاة في فصل مدرسي فيه صور
السؤال
ما حكم الصلاة في الفصل الذي فيه صور؟
الجواب
صحيحة مع الإثم، كالصلاة في الأرض المغصوبة، والصلاة في الثوب الحرير عند جمهور العلماء.(39/37)
حكم تدريس معلمة منتقبة لطلاب عندهم إعاقة ذهنية
السؤال
هل يجوز للمرأة المنتقبة تدريس طلاب عندهم إعاقة ذهنية أعمارهم أكثر من اثنتي عشرة سنة؟
الجواب
بالنسبة لمن عنده إعاقة ذهنية هذا مرفوع عنه التكليف؛ لأنه: رفع القلم عن ثلاثة منهم: (وعن المجنون حتى يعقل)، فهذا مرفوع عنه التكليف.
والله تعالى أعلم.(39/38)
حكم السحور بعد منتصف الليل
السؤال
ما حكم من تسحر بعد منتصف الليل؛ لتعذر قيامه قبل الفجر أو لخشية فوات السحور؟
الجواب
لا بأس أن يتسحر في الساعة الواحدة وينام ويستيقظ لصلاة الفجر، لكن أقول: هل تستطيع أن تستيقظ قبل الفجر بخمس دقائق؟ فإن كنت تستطيع فقم واشرب ماءً وتسحر؛ لأن هذا الوقت مبارك، وسحورك في منتصف الليل صحيح ولا شيء عليك.
والله تعالى أعلم.(39/39)